المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية
بدر الدين العيني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقَاصِدُ النَّحوِيَّة في شَرْح شَوَاهِدِ شُرُوْحِ الألفيَّةِ المَشْهُور بِـ «شَرْح الشَّوَاهِدِ الكُبْرَى»
كَافةُ حُقُوق الطّبع والنشر والترجَمَة محفوُظَة للناشِر دَار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة لصَاحِبهَا عبد الْقَادِر مَحْمُود البكار الطَّبعَة الأولى 1431 هـ - 2010 م بطاقة فهرسة فهرسة أثْنَاء النشر إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية - إدارة الشؤون الفنية بدر الدّين الْعَيْنِيّ، مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى، 1361 - 1451. الْمَقَاصِد النحوية فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية، الْمَشْهُور، بشرح الشواهد الْكُبْرَى / تأليف بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى الْعَيْنِيّ؛ تَحْقِيق عَليّ مُحَمَّد فاخر، أَحْمد مُحَمَّد توفيق السوداني، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد فاخر - ط 1، الْقَاهِرَة: دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2010 م. 4 مج فِي 1؛ 24 سم. ددد قمت بتغيير تدمك إلى "ردمك" في بيانات الناشر في الـ 4 أجزاء ددد ردمك 1 - 933 - 342 - 977 - 978 1 - اللُّغَة الْعَرَبيَّة - النَّحْو. أ- فاخر، عَليّ مُحَمَّد (مُحَقّق). ب- السوداني، أَحْمد مُحَمَّد توفيق (مُحَقّق). جـ- فاخر، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد (مُحَقّق). د- العنوان دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ش. م. م تأسست الدَّار عَام 1973 م وحصلت على جَائِزَة أفضل ناشر للتراث لثَلَاثَة أَعْوَام متتالية 1999 م، 2000 م، 2001 م هِيَ عمر الْجَائِزَة تتويجًا لعقد ثَالِث مضى فِي صناعَة النشر جمهورة مصر الْعَرَبيَّة - الْقَاهِرَة - الْإسْكَنْدَريَّة الإدارة: الْقَاهِرَة: 19 شَارِع عمر لطفي موازٍ لشارع عَبَّاس العقاد خلف مكتب مصر للطيران عِنْد الحديقة الدولية وأمام مَسْجِد الشَّهِيد عَمْرو الشربيني - مَدِينَة نصر هَاتِف: 22704280 - 22741578 (202 +) فاكس: 22741750 (202 +) المكتبة: فرع الْأَزْهَر: 120 شَارِع الْأَزْهَر الرئيسي - هَاتِف: 25932820 (202 +) المكتبة: فرع مَدِينَة نصر: 1 شَارِع الْحسن بن عَليّ متفرع من شَارِع عَليّ أَمِين امتداد شَارِع مصطفى النّحاس - مَدِينَة نصر - هَاتِف: 24054642 (202 +) المكتبة: فرع الْإسْكَنْدَريَّة: 127 شَارِع الْإِسْكَنْدَر الْأَكْبَر - الشاطبي بجوار جمعية الشبَّان الْمُسلمين هَاتِف: 5932205 فاكس: 5932204 (203 +) بريديًّا: الْقَاهِرَة: ص. ب: 161 الغورية - الرَّمْز البريدي: 11639 الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.dar-alsalam.com
مقدمة التحقيق
مُقَدَّمةُ التحْقِيق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد الهادي الأمين ابن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه الأنصار المهاجرين، ومَن جاء بعدهم من التابعين، ومَن سار على نهجهم، واتبع رشدهم إلى يوم الدين، فرضي اللَّه عنهم أجمعين. أما بعد: فهذا عمل تعاون عليه ثلاثة من علماء النحو، استمروا يعملون فيه طوال ست سنوات ليلًا ونهارًا، صيفًا وشتاءً، يعملون فيه بإخلاص وبلا كلال، كل واحد يحث الآخر على الإنجاز والإتقان متحليًا بالصبر والتفاني والإحسان، إن قصر واحد في أمر أكمله الآخر، أو نَسِي واحد شيئًا تداركه وقام به الآخر، حتى خرج العمل والجميع راضٍ عنه، وشاهد له بالتمام والكمال. والقصة من أولها أن كتاب "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" للإمام بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى المصري الإقامة والوفاة، والشهير بالعيني نسبة إلى البلدة التي ولد فيها، وهي: عنيتاب (¬1) بالشام (762 - 855 هـ) رأيناه كتابًا لا يستغني عنه أحد ممن يشتغل بالنحو معلمًا أو متعلمًا، رأينا كذلك ونحن ندرس هذا العلم طوال ثلاثين عامًا؛ لأن النحو هو الشواهد، وهو التطبيق على كلام العرب، والكتاب المذكور يشرح تلك الشواهد، فيذكر قائليها، ويترجم لهم، ويشرح مفردات الشواهد، ويوضح معناها، ويعربها إعرابًا كاملًا، ويبين وجه الاستشهاد بها، وكلها أمور عظيمة، وأهداف جليلة، ومقاصد مهمة لطالب العلم عامة، وراغب في النحو خاصة، وقد فعل ذلك في عدد كبير من أبيات الشواهد بلغ ألفًا وثلاثمائة وثمانين شاهدًا، وهي في الأكم الأغلب من أكثر شواهد النحو والصرف، جمعها الشارح من شروح الألفية الأربعة المشهورة التي كان بعضها أقدم شرحًا، وبعضها أغزره، وبعضها أقصره، وبعضها لين هذا وذاك، وهي على الترتيب المذكور كالآتي: 1 - شرح ابن الناظم (686 هـ). 2 - المرادي (749 هـ). ¬
3 - ابن هشام (761 هـ). 4 - ابن عقيل (769 هـ). ولم يقتصر الشارح على سرد الشواهد والحديث عنها فقط، بل كان يسرد في كثير منها عددًا من أييات القصيدة التي منها الشاهد، ويشرح تلك الأبيات، ويذكر سبب تأليف القصيدة، وشيئًا عن حياة الشاعر مما يتصل بشعره وقصيدته وبيته، كل هذه المعاني وغيرها نبهتنا إلى أهمية الكتاب الذكور، وإلى تحقيقه، وإخراجه إلى الناس، وطلاب العلم؛ ذلك لأن الكتاب قد طُبع قديمًا قبل (أكثر من مائة عام في مطبعة بولاق) وكأنه لم يطبع؛ حيث طُبع على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، وكانت طباعته غير جيدة، وغير مقصودة، أما كونها غير مقصودة؛ فلأن الكتاب الأصلي المقصود بالطباعة كان في الخزانة، وأما كونها غير جيدة؛ فلأنها خلت من الشكل والضبط، ومن التنظيم والترتيب، ومن الفهارس والمفاتيح. لم تزد طبعة بولاق عن سرد الشواهد وشرح العيني لها والتعليق عليها، ولم تفترق عن النسخ المخطوطة للكتاب في شيء، وكان البحث في هذه النسخة صعبًا، والرجوع إليها والوقوف على بيت منها أمرًا عسيرًا مع أهمية الكتاب وشدة الحاجة إليه، فهو أقدم كتاب يشرح الشواهد بهذا التفصيل والتطويل. عرفنا الكتاب وأهميته قديمًا وحديثًا فحملناه في صدورنا لننظر فسحة من الوقت، وسماحة من الأيام، وخلوًّا من المشاغل والأعمال؛ لنحقق الكتاب، ونخرجه للناس سهلًا ميسرًا محققًا موثقًا، ينتفعون به ويستفيدون منه. فلما تم ذلك لنا، وسمح الزمن البخيل بالوقت بحثنا عن نسخ الكتاب المخطوطة مع النسخة الأصلية المطبوعة على هامش الخزانة، فوجدنا نسختين كاملتين صحيحتين واضحتين، إحداهما في جزء كبير، والثانية في جزأين، وبدأنا العمل واقتسمناه؛ لينجز كل واحد منا ما أسند إليه من تحقيق وتدقيق ومقارنة وتوثيق، ورجوعًا بكلام العيني كله إلى مصادره الأصلية من كتب اللغة والنحو والأدب والتاريخ، واتفقنا على منهج واحد؛ ليكون الكتاب كله كأن محققه واحد، وافترقنا وكل يعمل في ناحية، وفي جهة من الأرض نائية، وكنا نجتمع بين الحين والحين؛ ليعرض كل واحد عمله على الآخر، ويطمئن كل واحد على إنجاز الثاني، حتى خرج الكتاب بعد ست سنوات على ما نحبه ونرضاه، ويحبه طلاب العلم، ويرضى عنه اللَّه ورسوله والناس. لم يكن الزمن يهمنا، ولم يكن إخراج الكتاب سريعًا هدفنا، بل كان الذي نقصد إليه ونرغب فيه العمل الجيد، والتحقيق المتقن، والتوثيق الصحيح، وتواصينا بالصبر، وأن كتاب المرء عقله، ونحن سنعرض عقولنا على علماء في اللغة متخصصين، فهذا واحد في اللغة وأصولها،
وذاك آخر في الأدب والنقد، ثم ثالث في النحو والإعراب، ورابع في السير والتراجم والتاريخ. حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بالرجوع بكل آية قرآنية إلى سورتها وآيتها، وكل بيت من الشواهد -أو الأبيات التي كانت تأتي عرضًا- إلى قصيدته التي هو منها، وكل قصيدة إلى ديوان قائلها، أو المجموعات الشعرية التي هو منها، وزدنا ما نقصه أو تركه العيني من ذكر مناسبة للبيت أو القصيدة، ومن فوائد عثرنا عليها في الديوان؛ كما وضحنا قاعدة نحوية، أو فسرنا كلمة لغوية. حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بتوثيق كل رأي ذكره العيني بإسناده إلى صاحبه، وإلى الكتاب الذي أُخذ منه ونُقل عنه، وبذلنا في ذلك أقصى ما يمكن بذله؛ لنتأكد من صحة الكلام والعدالة في الأحكام، وذيلنا كل استشهاد بتلخيص للمسألة، ليخرج القارئ فاهمًا للقواعد ومطبقًا على الشواهد. وخرج الكتاب -كما يرى القارئ- في صورة جيدة، وطبعة عظيمة، وإخراج صحيح، خرج الكتاب في أربعة أجزاء كبيرة اشتمل كل جزء على عدة أبواب، وآثرنا أن تكون هي أبواب نسخة الخزانة، وإن كان ذلك لا يهم كثيرًا؛ لكن هكذا رأينا. وزاد الجزء الأول، وهو عبارة عن دراسة عامة عن الكتاب المحقق؛ كما زاد الجزء الرابع -أيضًا- ما يقرب من مائة صفحة في آخره، كانت فهارس مختلفة له، رأينا ذلك ليكون العمل صحيحًا، والكتاب مفيدًا، والانتفاع به عظيمًا. اشتمل الجزء الأول على ثمانية أبواب كبيرة؛ هي: شواهد الكلام، والمعرب والمبني، شواهد النكرة والمعرفة، والعلم، وأسماء الإشارة، والموصول، والمعرف بأل، وشواهد الابتداء. واشتمل الجزء الثاني على ثمانية أبواب أخرى كانت كالآتي: شواهد كان وأخواتها، وشواهد ما ولا ولات وإن، وشواهد أفعال المقاربة، وإن وأخوتها، ولا التي لنفي الجنس، وظن وأخواتها، وعلم وأخواتها، ثم شواهد الفاعل ونائبه، وباب الاشتغال، ثم ختم الجزء بشواهد تعدي الفعل ولزومه. واشتمل الجزء الثالث على عدة أبواب؛ كان أولها: شواهد التنازع، وثانيها: شواهد المفعول المطلق، ثم بقية المفاعيل، ثم شواهد أبواب الاستثناء والحال والتمييز، فشواهد حروف الجر والإضافة، وشواهد إعمال المصدر واسم الفاعل، وأبنية المصادر، والصفة المشبهة، وخُتم الجزء بعد ذلكَ بشواهد باب التعجب.
ثم كان الجزء الرابع والأخير، وكان كثير الأبواب؛ حيث اشتمل على أبواب نحوية كثيرة، وعلى أبواب صرفية أكثر، فبدأ بشواهد نعم وبئس، وختم بشواهد الإدغام، وكان بين هذا وذاك شواهد التفضيل والتوابع والنداء والتحذير والإغراء، ونوني التوكيد، وشواهد ما لا ينصرف، وإعراب الفعل، وعوامل الجزم، ثم شواهد العدد، وجمع التكسير، والنسب، والتصغير، وخُتم الجزء بشواهد الوقف والإمالة والإبدال. ثم ذيل الجزء الرابع بعدة فهارس مختلفة كثيرة؛ لإيماننا أن الفهارس مفاتيح الكتب، وبخاصة المحقق منها؛ كهذا الكتاب وأمثاله من كتب التراث مما يشتمل على شواهد قرآنية كثيرة، وعلى شواهد شعرية شرحها الشارح، وعلى شواهد أخرى جاءت عرضًا، كما اشتمل الكتاب على مسائل نحوية كثيرة وعلى أعلام مختلفين ترجم لهم العيني، وأعلام آخرين ترجمنا لهم، فكان لا بد من ييان ذلك كله بمفتاح مع القارئ يفتح به مغاليق العلم وكنوز المعرفة، فكان لا بد من تلك الفهارس المفصلة، وإلا كان الكتاب مطبوعًا مثله مخطوطًا. وأما الدراسة العامة التي قدَّمنا بها وجاءت أول الكتاب فقد كانت مهمة وكانت مطلوبة ليقف القارئ عما في الكتاب عامة قبل أن يأخذ في قراءته، ويعلم بها فوائد كتابه قبل أن يبدأ طريقه ويشرع في رحلته، وقد اشتملت على ثمانية فصول مختلفة. كان الفصل الأول منها عن: حياة العيني ومؤلفاته في مختلف العلوم من نحو ولغة وفقه وحديث وتاريخ، وختمنا الفصل الأول بشعر للعيني، ثم جاءت بقية الفصول في حديث مفصل عن كتاب: "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" المشهور بـ "شرح الشواهد الكبرى". وكان الفصل الثاني بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي علومًا كثيرة" عرضنا فيه نماذج مختلفة جاءت في الكتاب لهذه العلوم، فهذه معارف في علم النحو والصرف والعروض، وتلك أخرى في علم اللغة وتفسير المفردات، وثالثة في البلاغة، ورابعة في التفسير والسير. وكان الفصل الثالث بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة" عرضنا فيه أمثلة من هذه القصائد والمقطوعات، حيث ذكرنا مطالع ما يقرب من عشرين مقطوعة ذكرها العيني، وكل هذه نماذج وأمثلة، وأما الكتاب فمليء بها. وأما الفصل الرابع فكان بعنوان: "كتاب المقاصد مصادره وأصوله" حيث بيَّنا الكتب والمصادر التي استقى منها العيني كتابه وتأثر بها، سواء كتب النحو والإعراب، أو كتب اللغة
والمعاجم، أو كتب شرح الشواهد ومجموعات الشعر، أو كتب الأدب والتاريخ والأخبار. وأما الفصل الخامس فكان بعنوان: "كتاب المقاصد منهجه وطريقته"، وقد وصلنا بهذا المنهج إلى ثلاثة عشر أمرًا من وضع رموز لشروح الألفية الأربعة إلى ذكر الشاهد، وقائله، والاختلاف فيه، والدقة في ذلك، وسرد البحر الذي جاء عليه الشاهد، والقصيدة أو المقطوعة التي جاء منها، ومناسبة ذلك، وشرح المفردات، وبيان الإعراب، وذكر وجه الاستشهاد، وغير ذلك، وختمناه بميول العيني واتجاهه إلى المذهب البصري، فعلنا ذلك ليكون القارئ على بينة من أمره وهو يقرأ الكتاب، فهو يعرف طريقة العيني، ومنهجه في كتابه، فلا يصيبه الملل والسأم. ثم كان الفصل السادس في الدراسة وكان بعنوان: "تأثر كتاب المقاصد بما سبقه من كتب وتأثيره فيما جاء بعد منها"؛ حيث عرضنا في الأول الكتب السابقة التي تأثر بها واستفاد منها، سواء في ذلك كتب اللغة أو النحو أو الأدب، وعرضنا في الأمر الثاني تأثر البغدادي في كتابيه: خزانة الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب بكتاب المقاصد النحوية للعيني، ومثله فعل السيوطي في كتابه شرح شواهد المغني. ثم كان الفصل السابع عن نقد كتاب المقاصد، وتقويمه؛ حيث عرضنا كلام العيني ونداءه للقارئ بأن يعفو عما في الكتاب من زلات ويغفر ما فيه من مآخذ وهنات، ثم عرضنا نماذج من محاسن الكتاب بلغت ثمانية، ومثلها أيضًا من مآخذ، كل هذا وغيره عرضناه بأسلوب سهل ميسر وعبارات جزلة قوية، مستشهدين على كل ما نذكره بأمثلة وشواهد من كتاب المقاصد. ثم ختمنا هذه الدراسة الطويلة بفصل أخير وكان بعنوان: (كتاب المقاصد المخطوط والمطبوع) عرضنا فيه النسخ المخطوطة للكتاب التي عملنا فيها ورجعنا إليها وقارنَّا بعضها ببعض. ثم عقبنا ذلك بذكر طبعات الكتاب فذكرنا طبعته الأولى وهي طبعة بولاق التي جاءت على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، والتي كانت من زمن بعيد؛ لكن تبرز فائدتها بمعرفة الناس بهذا الكتاب، ثم ذكرنا سوءات هذه الطبعة؛ حيث خلت من الشكل والضبط والفهارس المختلفة وغيرها. ثم كانت طبعته الثانية التي كانت من عام واحد؛ حيث طُبع الكتاب في دار الكتب العلمية، وبينا مزايا تلك الطبعة من الرجوع في تحقيق الشواهد إلى كتب الأدب ودواوين الشعراء، ثم التراجم المختلفة للأعلام الذين جاؤوا في الكتاب، ثم ذكرنا بعض مآخذ هذه الطبعة من خلوها من الدراسة التي تكون في أول الكتب المحققة، وخلوها من الفهارس المفصلة المتنوعة للكتاب؛
كما أن هناك كثيرًا من مسائل النحو وآراء النحويين لم يتيسر للمحقق الرجوع بها إلى مصادرها وكتبها الأصلية، وكذا معالجة بعض القضايا النحوية الغامضة التي جاءت في وجوه الاستشهاد؛ كما أن هناك بعض الأخطاء المطبعية التي كان يجب تداركها والبعد عنها. وأما تحقيقنا فنرجو أن يكون قد تدارك ذلك كله، وجاء على ما يرضي القارئ لذي طال انتظاره وظمؤه لتحقيق هذا الكتاب العظيم من كتب التراث. واللهَ نسأل أن يكون عملنا عظيمًا، وقصدنا جليلًا، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه. إذا لم يكن عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى ... فأولُ ما يجنِي عَلَيهِ اجْتِهَادُهُ ونختم هذه المقدمة بما قاله العيني في مقدمة كتابه المقاصد؛ إذ يقول: "والمسؤول ممن ينظر فيه أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، وأن القلم له هفوة، والجواد له كبوة، والإنسان غير معصوم عن الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنا مرفوعان، وأن يذكرني بصالح دعواته، عقب صلواته في خلواته، ثم قال: فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم، ابتغاءً لمرضاته وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود متوكلًا على الملك المعبود" هذا والله أعلم. تم الانتهاء منه في يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر جمادى الأولى من عام: 1427 هـ - الموافق الرابع عشر من شهر يونيه لسنة: 2006 م بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية المحققون * * *
الدراسة
القسم الأول: الدراسة
الفصل الأول: كتاب المقاصد (حياة المؤلف وآثاره)
الفَصلُ الأوَّلُ: كتاب المقاصد (حياة المؤلف وآثاره) أولًا: حياة المؤلف: هي ترجمة له من كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي، وكان معاصرًا للعيني، وهي أقدم ترجمة له، يقول (¬1): "هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، مقصد الطالبين، قاضي القضاة بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء، ابن القاضي شهاب الدين، ابن القاضي شرف الدين، العنيتابي الأصل والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية، وعالمها، ومؤرخها. سألته عن مولده فكتب لي بخطه رحمه الله: "مولدي في السادس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، في درب كيكن"، انتهى. قلتُ: ونشأ بعنيتاب بين حلب وأنطاكية بالشام، وحفظ القرآن الكريم، تفقه على والده وعلى غيره، وكان أبوه قاضي عنيتاب، وتوفي بها في شهر رجب سنة (784 هـ)، ورحل ولده ¬
صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس، فلقي به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضًا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمانٍ وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادمًا بها في أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفي العلامة علاء الدين السيرامي في سنة (790 هـ). وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علومًا كثيرة في مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامي أخرجه الأمير جاركس الخليلي أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه لما اتُّهم به؛ حسدًا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فأُعفي من النفي، وأقام بالقاهرة ملازمًا للاشتغال، وتردد على الأكابر من الأمراء مثل الأمير حكم بن عوض، والأمير قلمطاي الداودار قبله، وتغري بردي القردمي، وغيرهم، حتى توفي الملك الظاهر برقوق في سنة (801 هـ) فولي بعد ذلك حسبة القاهرة. قلتُ: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح في ذكر ذلك؛ لأنه وليها غير مرة، آخرها في سنة (846 هـ) عوضًا عن يار علي الطويل الخرساني. انتهى. ثم ولي المذكور في الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه وأفتى ودرَّس، وأكبَّ على الاشتغال والتصنيف إلى أن ولي في الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرَّخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع في علوم كثيرة؛ كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك في الحديث، وسمع الكثير في مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير، والحديث والعربية. فمن التفسير: تفسير الزمخشري، وتفسير النسفي، وتفسير السمرقندي. ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسند عبد ابن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وغير ذلك. ومن العربية: المفصل للزمخشري، والألفية لابن مالك في النحو وغيرهما. وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي، وأخلع عليه باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية في سنة (829 هـ)، بعد عزل قاضي القضاة: زين الدين عبد الرحمن التفهني، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولِيَ القضاء من غير سعي.
وكان ينادم الملك الأشرف، ويبيت عنده في بعض الأحيان، وكان يعجب الأشرف قراءته في التاريخ؛ لكونه كان يقرأه باللغة العربية، ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية، وكان فصيحًا في اللغتين. وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه، وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، وكان العيني يجيبه بالعبارة التي تقرب من فهمه، ويحسن له الأفعال الحسنة، حتى سمعت الأشرف في بعض الأحيان يقول: لولا العنتابي ما كنا مسلمين. انتهى. واستمر في القضاء إلى أن صُرف وأعيد التفهني في سنة (833 هـ)، فلزم المذكور داره أيامًا يسيرة، وطلبه السلطان، وصار يقرأ له على عادته، ثم ولي حسبة القاهرة، ثم أعيد إلى القضاء في سنة (835 هـ) عوضًا عن التفهني يحكم طول مرض موته. باشر القضاء والحسبة والأحباس معًا مدة طويلة؛ إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين بن حسن بن نصر الله، واستمر في القضاء، ونظر في الأحباس إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي سنة (841 هـ)، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأنايك جقمق العلائي مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين بن محمد الديري سنة (842 هـ)، فلزم المذكور داره مكبًّا على الاشتغال والتصنيف. ثم ركدت ريحه وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيمًا بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين علي بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعي، وندماء الملك الظاهر جقمق في سنة (853 هـ) فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصُلِّي عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودُفن بمدرسته بجوار داره رحمه الله، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه. وكان بارعًا في عدة علوم، مفندًا، عالمًا بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركًا مشاركة حسنة، أعجوبة في التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظًا عند الملوك -إلا الملك الظاهر جقمق- كثير الاطلاع، واسع الباع في المعقول والمنقول، قَلَّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة. ومصنفاته كثيرة الفوائد، وأخَذتُ عنه، واستفدت منه، وليَ منه إجازة بجميع مروياته وتصانيفه. وكان شيخًا أسمر اللون، قصيرًا، مسترسل اللحية، فصيحًا باللغة التركية، لكلامه في التاريخ وغيره طلاوةٌ، وكان جيد الخط سريع الكتابة، قيل: إنه كتب كتاب القدوري في الفقه في ليلة واحدة في مبادئ أمره، وكان مسوداته مبيضات، وله نظم ونثر ليسا بقدر علمه.
ومن مصنفاته
ومن مصنفاته: شرح البخاري في مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلدًا، وشرح الهداية في الفقه، وشرح الكنز في الفقه، وشرح مجمع البحرين في الفقه -أيضًا- وشرح تحفة الملوك، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، وقطعة كبيرة من سنن أبي داود، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وشرح العوامل المائة، وشرح الجاربردي، وكتاب في المواعظ والرقائق في ثمانية مجلدات، ومعجم مشايخه في مجلد، ومختصر في الفتاوى الظهيرية، ومختصر المحيط، وشرح التسهيل لابن مالك مطولًا ومختصرًا، وشرح شواهد الألفية لابن مالك وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه، وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره، وشرح معاني الآثار للطحاوي في ثنتي عشرة مجلدة، وكتاب طبقات الشعراء، وحواشي على شرح الألفية لابن مالك، وكتاب طبقات الحنفية، والتاريخ الكبير على السنين في عشرين مجلدة، واختصره في ثلاث مجلدات، والتاريخ الصغير في ثلاث مجلدات، وعدة تواريخ أخر، وحواشي على شرح السيد عبد الله، وشرح الساوية في العروض، واختصر تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، وله مصنفات أخر لم يحضرني الان ذكرها، وفي الجملة كان من العلماء الأعلام -رحمه الله تعالى- (¬1). مقتطفات من تراجم أخرى: السخاوي صاحب الضوء اللامع يقول فيه (¬2): "هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود البدر، أبو محمد وأبو الثناء، ابن الشهاب الحلبي الأصل، العنيتابي المولد، ثم الظاهري، الحنفي، ويعرف بالعيني، انتقل أبوه من حلب إلى عنيتاب من أعمالها، فولي قضاءها، وولد له البدر بها، وذلك كما قرأته بخطه في: السابع عشر من رمضان لسنة (762 هـ). ويقول في موضع آخر (¬3): "لزم البدر بيته مقبلًا على الجمع والتصنيف مستمرًّا على تدريس الحديث بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، وكان إمامًا عالمًا مشاركًا في الفنون، لا يمل المطالعة والكتابة، وصنف الكثير بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه". ويقول في موضع ثالث (¬4): "ولم يزل ملازمًا للجمع والتصنيف حتى مات، بعد أن صرف عن نظر الأحباس، وكان يبيع من أملاكه وكتبه -سوى ما وقفه على مدرسته- وهو شيء ¬
ثناء الناس عليه بالنثر
كثير، وكان موته في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودُفن من الغد بمدرسته التي أنشأها بعد أن صلَّى عليه المناوي بالأزهر، وعظم الأسف على فقده، ولم يخلف بعد في مجموعه مثله. ثناء الناس عليه بالنثر: جاء هذا الثناء في مقدمة كتابه: "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري"، فمن حقق الكتاب قديمًا يقول (¬1): "هو الإمام العلامة الكبير، الحافظ البارع بلا نكير، شيخ حفاظ عصره، المشهور له بالتبريزي في دهره، الفقيه الناقد الورع المعمر، عالم البلاد المصرية، ومؤرخها الأكبر، قاضي القضاة وشيخ الإسلام، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى الحلبي الأصل، العنيتابي المولد والمنشأ، ثم القاهري الدار والوفاة، المعروف بالبدر العيني، إمام عصره في المعقول والمنقول، ووحيد دهره في الفروع والأصول، امتاز بين العلماء الذين وقفوا لكثرة التأليف، بسعة العلم، وجودة البحث، وحسن الترصيف، حتى ملأ خزائن العلم في العالم بمصنفاته الجليلة في الحديث، والفقه، والتاريخ، والعربية، وغيرها، تناقلها العلماء عصرًا بعد عصر، وتشهد لمؤلفها الجليل بالبراعة والفخر. ولا تزال آثاره الكثيرة ومؤلفاته المبسوطة زخزا خالدًا ونورًا ثاقبًا تتداولها أيدي رواد التحقيق من العلماء ليسجلوا بأنوارها عن وجوه أبحاثهم الظلماء ولا غرو؛ (ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر). ويذكر الباحث الذي صنع رسالة في كتاب فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد فيقول في خاتمة بحثه (¬2): "أفصحت الدراسة عن نتائج كثيرة؛ منها: أن العيني كان إمامًا في اللغة والفقه والتاريخ وغير ذلك من العلوم، كان عمدة المؤرخين، عالمًا بالصرف والعربية، حافظًا للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركا في كل الفنون. أن العيني تتلمذ على يد علماء كثيرين من أكابر علماء عصره، وفي هذا تكوين لشخصيته العلمية، وأنها تميزت بسعة الثقافة وشمول المعلومات؛ كما أنه لم يأخذ حقه من الترجمة ممن ¬
ثناء الناس عليه بالشعر
تتلمذ على يديه، وفي هذا إجحاف له وغمط لفضله، ولعل ذلك يرجع إلى العصبية للمذهب، والسياسة التي إن دخلت محراب العلماء أوقعتهم في الشدائد". والشوكاني صاحب البدر الطالع يقول عنه: "وتصانيفه كثيرة جدًّا، وانتفع بها الناس، وأخذ عنه الطلبة من كل مذهب، وأدركه حظ عند العلماء". ثناء الناس عليه بالشعر: مدحه بعض الشعراء فقال (¬1): لقدْ حُزْتَ يَا قَاضيَ القُضاةِ مَنقِبًا ... يُقَصِّرُ عَنْهَا مَنْطِقِي وبَيَانِي وأثنى عليك الناسُ مَشرقًا ومَغْرِبًا ... فلا زِلْتَ مَحْمُودًا بِكُلِّ لِسَانِ وقال أبو المعالي (¬2): وقد أسف المسلمون على فقد العيني، وهو الحري بقول القائل: وإني لمعْزُورٌ إذا ما بكَيتُهُ ... بِأكثَرَ مِنْ قَطْرِ الغَمَامِ وأَغْزَرِ ولِي عَبْرَةٌ لَمْ تَرْقَ عِنْدَ ادِّكَارِهِ ... كما لِي فيهِ عبْرَةُ المتُفَكِّرِ وقد كان لم يُحْجَبْ ثَنَاهُ بحاجب ... ولم تَسْتَتِر أَضْوَاؤُهُ بِمُتَسَتِّرِ فَوَا أَسَفًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَأَسُّفِي ... ووَا حَذَرًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَحَذُّرِي وكُنْتُ أَرَانِي فيِ النَّوَائِب صَابرًا ... فَأَعْدَمَنِي صَبرِي فَأَيْنَ تَصَبُّرِي وَإنِّي لَمَقْبُولُ المعَذِيرِ فيِ الأَسَى ... ومَنْ يَعْتَذِرْ مِثْلِي إِلَى الصَّبْرِ يُعْذَرِ ثانيًا: مؤلفات العيني المطبوعة والمخطوطة: كان العيني كثير التأليف -كما قلنا- سريع الكتابة، حتى يروى أنه كان يكتب بعض كتبه في ليلة واحدة، وقد كثرت كتبه، وجاءت في مختلف الفنون، منها ما هو في اللغة والنحو، ومنها ما هو في الفقه، ومنها ما هو في الحديث، ومنها ما هو في التاريخ. كتبه في اللغة والنحو: - كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، وهو الكتاب الذي نحققه الآن، وهو الذي بين يديك -أخي القارئ- وقد ذكر العيني سبب تأليف هذا الكتاب، يقول في مقدمته: ¬
"لما رأيت شدة اهتمام محصلي النحو في الدارك وغاية ألفتهم بكتاب ألفية ابن مالك (¬1)؛ لكونه موصلًا إلى مقاصدهم بأوضح المسالك، غير مستغنين عن شرحه المنسوب إلى ابن الناظم (¬2)، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم (¬3)، وشرحه الذي رتبه ابن هشام (¬4)، وشرحه الذي أملاه ابن عقيل (¬5)؛ أردت أن أستخرج الأبيات الذي ذُكِرَتْ فيها على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيل ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشف الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان. وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكو ما فيها من الشاهد المشهور، بحيث قد آل بعضها إلى حالة قد استحق بها الهجران، وصار بعضها في بعض الأذهان كالسُّها والدَّبُران (¬6)، فهذا هو الذي نَدَبَنِي إلى هذا الترتيب الغريب والجمع الموشح بكل عجيب، مع ما سألني في ذلك مَن لا تسعني مخالفته، ولا توافقني مرادفته، واعتصمت في ذلك بربي الكريم، إنه الميسر لكل صعب عظيم". والحديث عن هذا الكتاب سيأتي في طول الفصول القادمة التي تختتم بالفصل الثامن عن مخطوطاته ومطبوعاته. ¬
كتب في الحديث
- فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد، وهو اختصار للكتاب السابق، لم يتعرض العيني فيه للشاهد بأكثر من بيان قائله وبحره وشرح مفرداته باختصار، وإعراب بعض كلماته، وييان وجه الاستشهاد، وقد طبع الكتاب الذكور طبعة واحدة في القاهرة (1297 هـ) أي منذ أكثر من مائة عام، وهي طبعة قديمة دون تحقيق، وقد عُملتْ في هذا الكتاب رسالة ماجستير بجامعة الأزهر تحت عنوان: "اعتراضات العيني على النحاة واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد سنة (2001 م) للباحث السيد محمد أبو المعاطي، وقد رأينا فرائد القلائد هذا وقرأنا فيه. - رسائل الفئة في شرح عوامل المائة، حققه الدكتور: خالد أبو جندية (جامعة الأزهر). - ملاح الألواح في شرح مراح الأرواح، وهو في علم الصرف، حققه: عبد الستار جواد، ونشر في مجلة المورد العراقية (1975 م). كتب في الحديث: - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، وهذا الكتاب بلغ في بعض طبعاته اثني عشر مجلدًا، يحتوي على خمسة وعشرين جزءًا، وقد طبع عدة طبعات (ثلاثة أو أكثر): 1 - إدارة الطباعة المنيرة، لصاحبها: محمد منير أغا الدمشقي (بيروت، دون تاريخ). 2 - مصطفى البابي الحلبي، (1972 م). 3 - دار الفكر، (1979 م) (مصورة عن الطبعة الأولى). وقد اطلعت على هذا الكتاب وقرأت فيه ثم كتبت قائلًا: "العيني في شرحه لصحيح البخاري، كنت أظنه يقتصر على شرح الحديث من الناحية الدينية، وهي معناه واستنباط ما فيه، من أحكام تشريعية -كما يفعل غيره- ولكنني وجدت فيه فوق المعاني والأحكام الشرعية ما يلي: الجانب اللُّغوي: وقد أسهب فيه العيني إسهابًا، فهو يشرح معاني المفردات، وينقل عدة نقول من كتب اللغة؛ كالصحاح والعباب، وكتب ابن دريد، وغير ذلك وهو كثير. الجانب الصرفي: وفيه يتحدث عن أصل بعض الكلمات، وما اعتراها من إبدال وإعلال، وقلب، وأبواب الماضي مع المضارع، ومعاني الزيادة في الأفعال، والحذف، والنقل وغير ذلك. الجانب النحوي: وفيه يتعرض لإعراب الحديث كلمة بعد أخرى، ويتعرض لموقع الجملة مما قبلها؛ كما يتعرض لاحتمال الكلمة ثلاثة أوجه في الإعراب، ويخرِّج كل وجه، كما
كتب في الفقه
يتعرض لبعض الخلافات النحوية، كأن تكون الجملة حالًا بتقدير قد؛ لأنها مصدرة بفعل ماضٍ، وغير ذلك. الجانب البلاغي: وفيه يذكر المسائل البلاغية في الحديث، متعرضًا لعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني وهو الإسناد والمجاز العقلي وغير ذلك، ثم البيان وهو التشبيه والاستعارة، ثم البديع، وما جاء منه في الحديث. ويجدر بطلاب العلم دراسة هذه العلوم كلها في الكتاب المذكور، كلٌّ في تخصصه، فطلاب فقه اللغة يدرسون الجانب اللُّغوي، وطلاب النحو يدرسون الجانب النحوي والصرفي، وطلاب البلاغة يدرسون الجانب البلاغي، وهكذا. وقد استمر منهج العيني المذكور إلى أكثر من نصف الكتاب، ثم جاء في النصف الثاني واختصر الجوانب اللغوية التي عرضناها اكتفاءً بما ذكره. - شرح سنن أبي داود (دار الكتب المصرية 286 حديث). - نخب الخطار في شرح معاني الآثار للطحاوي (دار الكتب المصرية 526 حديث). - العلم الهيب في شرح الكلم الطب لابن تيمية (دار الكتب المصرية 112 حديث). - كتاب في مصطلح الحديث (دار الكتب المصرية 92 مصطلح الحديث). كتب في الفقه: - رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق، طبع قديمًا في مصر (1285 هـ) وهو في مجلدين. - التبيان في شرح الهداية، طبع قديمًا في مصر سنة (1293 هـ ـ)، وقد شُرح عدة شروح. - الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة (دار الكتب المصرية 183 فقه حنفي). - المسائل البدرية من الفتاوى الظهرية (دار الكتب المصرية 418 فقه). كتب في التاريخ والسير: وهذه كثيرة جدًّا وطويلة، وهي كالآتي: - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وهو كتاب كبير بلغ عدة مجلدات، تعرَّض فيه لأحداث الزمان من أول الخلق حتى سنوات القرن التاسع الهجري، وقد طبعت عدة أجزاء منه بتحقيق الدكتور: محمد محمد أمين "جامعة القاهرة"، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اطلعت عليه، وقرأت فيه، ونقلت منه ترجمة العيني المذكورة في المنهل الصافي
كتب أخرى في فنون مختلفة
لابن تغري بردي، في أول هذا الفصل. - السيف المهند في سيرة الملك المؤيد، وهو جزء واحد، طبع في القاهرة عدة طبعات، بتحقيق: فهيم شلتوت، ومراجعة الدكتور: محمد مصطفى زيادة "جامعة الأزهر"، وقد اطلعت عليه، وقرأت فيه كثيرًا؛ حيث يتعرض لموضوعات مختلفة من أحوال السلاطين، والملوك، ومن يريد حجبتهم، وغير ذلك. - الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، وهو كتاب ليس بالكبير، طبع عدة طبعات بالقاهرة، آخرها طبعة مصطفى الحلبي، تعرض فيه لسيرة الملك العاشر من سلاطين الملوك الأتراك الذين حكموا مصر، والذين كان أولهم الملك المعز أيبك، ثم قطز، ثم بيبرس، ثم المنصور قلاوون، ثم تاسعهم الملك المؤيد الذي كتب سيرته العيني، والكتاب يحتوي على عدة فصول في أوصاف الملك، وأخلاقه، وما ينبغي له أن يفعل، وما لا ينبغي، وقد قرأته في ليلة واحدة. - تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر، وهو مختصر من كتاب عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، ويقع في عدة أجزاء، ومنه مخطوط في جامعة الدول العربية برقم (597) تاريخ، وآخر في جامعة الإمام في الرياض برقم (8443 ف)، وقد اطلعت على هذا الأخير، فوجدته في التاريخ الإسلامي يحكي سيرة الخلفاء الراشدين من أول أبي بكر حتى خلافة عبد الملك بن مروان عامًا بعد عام (من 10 هـ إلى 65 هـ). كتب أخرى في فنون مختلفة: 1 - في العَروض، له: - مقصد الطالب في شرح قصيدة ابن الحاجب (نور عثمانية: 4963). - ميزان النصوص، وهو في العَروض -أيضًا- وفي المكتبة السابقة. 2 - في المواعظ والرقائق: - كتاب تحفة الملوك (الجزائر: 992). - منحة السلوك في شرح تحفة اللوك (دار الكتب المصرية (1/ 467) فهرس). - شرح خطبة مختصر الشواهد (دار الكتب المصرية 53 م). - ديوان شعر في مدح الملك المؤيد وتاريخه (مكتبة برلين- 41).
العيني والتأليف في التاريخ
العيني والتأليف في التاريخ: - قد يسأل سائل: ما هذه الكتب الكثيرة التي ألفها العيني في التاريخ حتى إنه ألفَّ كتابًا واحدًا بلغ ثمانية عشر مجلدًا من بدء الخليقة حتى سنة (850 هـ)؛ أي قبل وفاته بخمس سنين، وهو عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب (1584 تاريخ) يجيب عن هذا السؤال الأستاذ فهيم شلتوت، الذي حقق كتاب السيف المهند في تاريخ الملك المؤيد، فيقول في (مقدمة الكتاب المذكور): - "قد اشتهر عصر البدر العيني بأنه ضم كثيرًا من صفوة العلماء، وخصوصًا في التاريخ، ثم يسرد عددًا منهم من مثل: - ابن خلدون: صاحب كتاب العبر وديوان الخبر والمبتدأ في أيام العرب والعجم والبربر. - القلقشندي: صاحب كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا، وضوء الصبح المسفر، وقلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان. - ابن حجر العسقلاني، صاحب كتب رفع الإصر عن قضاة مصر، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، إنباء الغمر بأنباء العمر. - أبو المحاسن بن تغري بردي: صاحب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وصاحب المنهل الصافي، والمستوفي بعد الوافي، وغير ذلك. - السخاوي: صاحب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. شعر العيني: وكما أن العيني ناثر ومؤرخ كبير، فهو أيضًا شاعر؛ إلا أن العلماء ذكروا أن شعره لا يرقى في العلو كما ترقى كتابته في النثر. - ومن ذلك مدحه للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ذَكَرنَا مَدَائِحَ للنبِيِّ مُحَمَّد ... طَربْنَا بلا عودٌ سكرنَا ولا كَرْمُ فَتلْكَ مُدَامَةٌ يَسُوغُ شَرَابُهَا ... ولَيسَ يَشُوبُهَا هَمٌّ ولا إِثْمُ - ومن ذلك ما قاله ردًّا على ابن حجر، وقد عرض به الأخير سافرًا حينما هدمت إحدى مئذنتي جامع المؤيد قائلًا: لجَامِعِ مَولانَا المُؤَيدِ رَوْنَقٌ ... مَنَارَتُهُ بالحُسْنِ تَزْهُو وبالزَّيْنِ
كتب ورسائل في العيني
تَقُولُ وَقَدْ مَالت عَلَيهِمْ تَمَهَّلُوا ... فَلَيسَ عَلَى جسمي أَضَرُّ منَ العَيِن وفي البيت تورية بالعين الجارحة، والعيني صاحب الترجمة، فرد العيني قائلًا بالتورية نفسها -أيضًا-: مَنَارَةٌ كعَرُوسِ الحُسْن إِذْ حَلِيَتْ ... وهَدْمُهَا بقَضَاءِ الله والقَدَرِ قَالُوا أُصِيبَتْ بِعَينٍ قُلْتُ ذَا غَلَطٌ ... مَا آفَةُ الهَدْمِ إلا خِسَّةُ الحجَرِ - ومن ذلك أيضًا مدحه للمؤيد قائلًا: عَلَتْ دَوْلَةُ الإسْلَامِ واهْتَزَّ عُودُهُ ... وعَادَ اللهِ مَاوُهُ وهْوَ يَابِسُ وأَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ الوُعُود سُعُودُهُ ... وسَاعَدَنَا الدهْرُ العنودُ المدُاحِسُ - ومن ذلك أيضًا قوله في المؤيد: تَأيَّدَتِ الأحكَامُ والشَّرْعُ حينمَا ... تَوَالى عَلَى مِصْر مَلِيكٌ مُؤَيَّدُ أَبُو النَّضرِ كَنَاهُ إِلَهُ خلائِقٍ ... فَبَيْنَ الوَرَى منْ ذَاكَ بِشْرٌ مُؤَيدُ مَلِيكٌ بِهِ أَحْيَا الإلَهُ شَرِيعَة ... لَهَا زَمَنٌ بَارتْ فصَارَتْ تُجَرَّدُ فدولةُ ظُلْمٍ قَدْ تَوَلَّتْ وولْوَلَتْ ... وَأَصْحَابُ ظُلْمٍ قَدْ أُذِلُّوا وَأخْمِدُوا لَهُ غَزَوَاتٌ مَعَ فِرِنْجٍ بِسَاحِل ... بصَيدَا وبيروت بعِزٍّ تُشَيَّدُ فَيَا رَبّ صُنْهُ من ذَوي المكر والرَّدَى ... وأَعْلِ لَهُ سَيفًا عَلَى مَنْ تمَرَّدُوا فدَوْلَتُهُ الغَرَّا تطولُ بِمَنِّهِ ... وعَسْكرُهُ الزَّهْرَا تُطيعُ وتَحْمدُ * * * كتب ورسائل في العيني: - بدر الدين العيني وأثره في علم الحديث، تأليف: صالح يوسف معقوف، دار البشائر الإسلامية، بيروت، (1987 م). - مع المقاصد النحوية، بحث في نقد كتاب المقاصد الذي نحققه للدكتور سيد تقي "جامعة الأزهر" (1992 م). - اعتراضات العيني على النحاة واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد "ماجستير بالأزهر" سيد أبو المعاطي، (2001 م).
قصر العيني بالقاهرة
قصر العيني بالقاهرة: العيني وهو بدر الدين محمود بن أحمد نسبة إلى عين تاب من أعمال أنطاكية في حلب بدمشق، وهو البلد الذي ولد فيه صاحب الترجمة، له ابن ابن يدعى الأمير الشهابي أحمد بن عبد الرحيم بن البدر العيني، يقول محقق عمدة القاري: وإلى هذا الحفيد ينسب قصر العيني المشهور بالقاهرة، وهذا الأمير كان له ثروة هائلة، وله وقائع في التاريخ، ولم يكن على سيرة جده. * * *
الفصل الثاني: كتاب المقاصد (يحوي علوما كثيرة)
الفصل الثاني: كتاب المقاصد (يحوي علومًا كثيرة) لم يقتصر كتاب المقاصد على ذكر الشاهد من شراح الألفية، وبيان وجه الاستشهاد، وإنما حوى هذا الكتاب علومًا كثيرة غير النحو، وكانت الثقافة الواسعة لمؤلفه ووقوفه على كثير من العلوم سببًا في معارف مختلفة في الكتاب، وفي هذا الفصل سنعرض نماذج علمية مختلفة احتوى عليها الكتاب؛ فمنها ما هو في النحو والصرف والعروض، ومنها ما هو في اللغة وتفسير المفردات، وبيان للهجات العرب، ومنها ما هو في البلاغة والنقد، ومنها ما هو في التاريخ والسير والتراجم: ددد اين ثانيا ددد أولًا: النحو والصرف والعروض: احتوى كتاب المقاصد في هذه العلوم من المعارف والنماذج المختلفة، وسنعرض لكل فن من هذه الفنون مسألة واحدة؛ لأن الكتاب إنما ألف لها ومن أجلها، وعلى القارئ أن يتزود من تلك العلوم بقراءة الكتاب. ففي النحو وفي باب التمييز والجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في مثل قول الشاعر "شواهد نعم وبئس" (¬1): وَقَائِلَة نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتىَ ... إِذَا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جَال بَريمُهَا وفيه ثلاثة مذاهب: - المنع وهو مذهب سيبويه؛ إذ لا إبهام يرفعه التمييز. - والجواز وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي، قال ابن مالك: وهو الصحيح. - والثالث: التفصيل: فإن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو: "نعم الرجل رجلًا ¬
ومن المسائل الصرفية التي تكلم عنها
عالمًا، ومنه بيت الشاهد: .......... نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتَى ... ...................... حيث يفيد التمييز ما لا يفيده الفاعل، فلذلك جاز، وإلا لم يجز وصححه ابن عصفور رحمه الله. ومن المسائل الصرفية التي تكلم عنها (¬1): حديثه عن ألف المقصور حين يوقف عليه نحو أن تقول: رأيت فتى، قال: "نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب: الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاثة، وهو مذهب أبي الحسن والفراء، والمازني. والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأن التنوين حُذِف، فلما حُذِف عادت الألف وهو مذهب الكوفيين، وروي عن أبي عمرو والكسائي، وإليه ذهب السيرافي وابن كيسان وابن مالك في الكافية، وقال في شرحها: ويقوي هذا الذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفًا والاعتداد بها رويًّا. الثالث: اعتباره كالصحيح والألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهو مذهب سيبويه، ومعظم النحاة، وإليه ذهب أبو علي الفارسي -رحمه الله تعالى-". وأما علم العَروض: فقد كان العيني متمكنًا منه، وقد نسب الشواهد التي شرحها كلها إلى بحورها، ولم يخطئ في واحد منها إلا سهوًا، ولم يكتفِ بنسبة الأبيات، وإنما كان يشرح بين الحين والحين مسألة عروضية، انظر إليه وهو يشرح أول بيت في شواهده، وهو قول لبيد (¬2): ألَا كلُّ شيءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلٌ ... وَكلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالةَ زَائِلُ يقول: "البيت من بحر الطويل، وهو أول بحور الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المسماة بدوائر المختلف، وسميت به لاختلاف كمية أجزائها، وهي مشتملة على خمسة أبحر، ثلاثة مستعملة وهي: الطويل والديد والبسيط، وبحران مهملان؛ وهما: المستطيل مقلوب الطويل، والممتد مقلوب المديد". ثم شرح بحر الطويل قائلًا: "وأصله في الدائرة: فعولن مفاعيلن أربع مرات (¬3)، وقد دخله ¬
القبض في ضربه، وأما عروضه فتكون مقبوضة دائمًا. والقبض هو: حذف الخامس الساكن، فتُحذف الياء من "مفاعيلن" فيصير مفاعلن، فتقول: (ألا كل) فعولن- سالم، (ل شيء ما) مفاعيلن- سالم، (خلا اللا) فعولن- سالم، (هـ باطل) مفاعلن، مقبوض". ثم انتقل إلى موضوع آخر فقال: "والبيت الشاهد مقفى، وهو أول القصيدة على ما ذكره الخالديان (¬1) في الأشباه والنظائر، وكذا ابن السيد (¬2). وعند جماعة منهم ابن هشام اللخمي (¬3) والعسكري (¬4)، أول البيت ما ذكرناه من قوله: ألا تسألانِ المرءَ مَاذَا يُحَاولُ ... ........................ " ويستمر قائلًا: "وهو أيضًا مصرَّع مقفى، والفرق بين التقفية والتصريع أن التصريع عندهم تبعية العروض للضرب قافية ووزنًا وإعلالًا، والتقفية: أن يكون العروض على زنة الضرب وقافيته سواء تغيرت العروض عما يجب لها أم لا، فكل تصريع تقفية ولا ينعكس". ثم مضى يوضح معنى التصريع قائلًا: "وسمي البيت إذا كان فيه تصريع مصرعًا تشبيهًا له بمصراعي الباب، فكأن البيت الذي هو المصرع وهو ما له قافيتان شبيه بالبيت الذي له بابان، وقيل: إنه مشتق من الصرعين، وهما نصف النهار، فانتصاف النهار صَرْعٌ، وسقوط الشمس صَرْعٌ، والأول أقرب". وعرف العيني العلل والزحافات المختلفة في علم العروض؛ كما ذكر استعمالات البحور، وذكر بقية الدوائر، وكان ينتهز أي بيت فيه صلة بعلم العروض ليشرح مصطلحاته، وغير ذلك، ففي قوله (¬5): ¬
اللغة وتفسير المفردات وبيان لهجات العرب
ما أنت باليَقْظَانِ نَاظِرُه إذا ... نَسيتَ بِما تَهْوَاهُ ذِكْرَ العَوَاقبِ يقول: "البيت من الطويل من الضرب الثاني المماثل للعروض (¬1)، وفيه الثلم وهو حذف فاء فعولن، فيبقى "عولن" فينقل إلى: فعلن، ويختص بالجزء الأول بيانه (¬2)، تقول: (ما أن): "فعلن" أثلم، (ت باليقظا): "مفاعيلن"، (نِ ناظ) "فعول- مقبوض"، (رهو إذا): "مفاعلن"، (نسيت): "فعول مقبوض"، (بما تهوا): "مفاعيلن"، (هـ ذكر ال): "فعولن"، (عواقب): "مفاعلن- مقبوض"، وقد أنشده بعضهم: وَما أنت باليَقْظَانِ .......... ... ........................ بالواو فحينئذ لا ثلم فيه، ولكن الرواية المشهورة الصحيحة بدون الواو". ولم ينس العيني علم القافية في خِضَمِّ الشرح والتحليل والتعريف فقال (¬3): "وقافيته من المتدارِك وهو ما بعد ساكنه الأول حركتان، وسمي بذلك لتدارك السكون الثاني فيه الأول، أي: تداركه فلم يترك الحركات تتزايد، أو لأن الحركة الثانية أدركت الأولى ولم يفصل بينهما ساكن، ومثاله (¬4): قفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل ... ........................ والقافية تأتي على خمسة أنواع هذا أحدها". اللغة وتفسير المفردات، وبيان لهجات العرب: يغلب هذا الجانب على العيني في كتابه المقاصد؛ حيث أطال في شرح مفردات الشواهد التي كان يستشهد بها ويذكرها، ولم يكتفِ بمفردات البيت الواحد، وهو الشاهد، وإنما كان يشرح أحيانًا القصيدة كلها التي تشتمل على ألفاظ غريبة، وعليه أن يشرحها ويوضحها للقارئ. انظر إليه وقد سرد قصيدة لرؤبة بن العجاج بلغت مائة وواحدًا وسبعين بيتًا من الرجز المشطور، وكلماتها كلها غريبة، ومع ذلك شرحها العيني كلها، يقول بعد أن سرد القصيدة "شواهد الكلام- البيت الرابع": وإنما سقنا هذه الأرجوزه بكمالها لوجوه: ¬
الأول: لكونها عزيزة الوجود وَقلَّ من يقف عليها كاملة. والثاني: فيها أبيات كثيرة مستشهد لها فيما نحن بصدده. والثالث: لتكثير الفائدة لاشتمالها على لغات غريبة وألفاظ عجيبة. والرابع: أن مطلعها بيت مستطرق كثير الورود في كتب النحو واللغة، فلأجله ذكرنا الباقية. والخامس: ليدل على توغلنا في هذا الفن وشدة تَنْقيرِنا في مظان الأشياء ومدارك اللغات والألفاظ، فنتكلم على لغاتها مختصرة تكثيرًا للفائدة، وإزاحة للإهمال عن ألفاظها الغريبة". ومثل ذلك فعل مع قصيدة عمر بن أبي ربيعة: "أَمِن آلِ نُعْمٍ" وقد بلغت أربعة وسبعين بيتًا سردها كلها وشرح مفرداتها ومعانيها (¬1). - تعرضه للفعل واستعمالاته، وكأنه يؤلف معجمًا في اللغة، انظر إليه وهو يشرح هذا البيت مبينًا الشاهد فيه وهو قوله: "باب ظن وأخواتها" (¬2): وكُنَّا حَسِبنَا كُلَّ بَيضَاءَ شَحْمَةً ... عَشِيَّةَ لاقينا جذامَ وَحِمْيَرًا يقول: "الاستشهاد فيه: في قوله: "حسبنا" فإن حسب ها هنا بمعنى ظن؛ فلذلك نصب مفعولين. واعلم أن حَسُب (¬3) قد جاء بالضم والفتح والكسر على معانٍ: فحسِب بكسر السين يحسَب ويحسِبُ بفتح السين وكسرها في المضارع حِسْبًا بكسر الحاء ومحسَبة ومحسِبة بفتح السين وكسرها بمعنى ظن فهو حاسب، والشيء محسوب، أي مظنون، والأمر: احسَب واحسِب بفتح السين وكسرها، وحسب الرجل بكسر السين حسبًا فهو أحسب إذا صار ذا شقرة وبياض كالبرص، وحسَب بفتح السين بمعنى عدّ يحسُب بضم السين حسبًا وحسابًا وحسبانًا وحسابة وحسبة فهو حاسب، والشيء محسوب والأمر احسُب بضم السين لا غير. وأما حسُب بضم السين فمعناه: صار حسيبًا يحسُب بضم السين حسابه فهو حسيب, والذي هو من هذا الباب وينصب المفعولين هو الذي يكون بمعنى ظن، وأما الذي بمعنى: عد فينصب مفعولًا واحدًا، والآخران لازمان". وأما ذكره لغات العرب وبيان لهجاتها فقد سرد فيه الكثير، من ذلك: ¬
البلاغة والنقد
- لغة بني أسد في فتح نون المُثنى، ولغة أخرى في ضم نونه: "هما خليلان". - لغة بني الحارث في إلزام المثنى الألف. - لغة أهل اليمن في إبدال اللام ميمًا في كلمة أل. - لغة هذيل في قلب ألف المقصور ياءً وإدغامها في ياء المتكلم. - لغة أهل الحجاز في تعدية الفعل "هدى" بنفسه، تقول: هديته الطريق، وغيرهم يقول: هديته إلى الطريق. - لغة بني سليم في نصب قال للمفعولين مطلقًا، سواء أكان ماضيًا أم غيره، مسندًا للمخاطب أم غيره، معتمدًا على استفهام أم لم يعتمد. - لغة عقيل في الجر بـ"لعل". - لغة بني الحارث في إلحاق الفعل علامات التثنية والجمع. البلاغة والنقد: تعرض العيني في كتابه: "المقاصد النحوية" لبعض المسائل البلاغية، وقضايا النقد، وإن لم يكن كثيرًا، فمثلًا وهو يشرح هذا البيت (¬1): وإنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ ... تَهِيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ يقول: "شبه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها وتشقق أزهارها عن غيرها من الرياض، وأراد بها: النساء التي تتأخر عن الولادة عن وقتها، وهذا تشبيه بليغ؛ حيث حذف فيه أداة التشبيه؛ لأن الأصل في قوله: مَن هي روضة مَن هي كروضة، وهذا تشبيه وليس باستعارة؛ لأن الطرفين مذكوران، وشرط الاستعارة أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويترك الآخر" (¬2). وعرف التجريد فقال: هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرًا آخر مثله في تلك الصفة مبالغة في كمالها، وهو على أنواع: منها نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم؛ أي بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه صديقًا آخر. ¬
ومنه نحو قولهم: لئن سألت لتسألن به البحر، ومنه نحو قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28]، فإن جهنم هي دار الخلد؛ لكن انتزع منها مثلها، وجعلها منزلًا للكافرين تهويلًا لأمرها، ومنه مخاطبة الإنسان غيره، وهو يريد نفسه؛ كقول الأعشى (¬1): وَدِّعْ هُرَيْرةَ إنَّ الركبَ مرتحلٌ ... وهل تطيقُ ودَاعًا أيُّها الرَّجُلُ؟ وأما قضايا النقد: فقد أثار العيني في كتابه قضية انتحال الشعر، وهو يشرح بيتًا لمجنون ليلى؛ حيث نقل عن العلماء قولهم بالانتحال، يقول: "قال الجاحظ (¬2): ما ترك الناس شعرًا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه للمجنون، ولا شعرًا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس (¬3) بن زريح (¬4)، وعن الأصمعي: أُلقي على المجنون من الشعر، وأضيف إليه أكثر مما قاله هو". وعن العتبي عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعار لا حقيقة له في بني عامر أصلًا ولا نسب، قيل: فمَن قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية (¬5). وفي موضع آخر حكى العيني واقعة بين حماد الراوية والمفضل الضبي، وكيف أن الأول كان يؤلف الأشعار ويلصقها بالشعراء، وأن هارون الرشيد سأله ذات مرة قائلًا: "اصدقني القول، فقال يا أمير المؤمنين: أنا زدت هذه الأييات، فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد". وأما بيتا حماد، ونقد النابغة لهما قول مشهور، وقد حكى ذلك العيني وهو يشرح الشاهد في جمع التكسير، وهو قول حسان (¬6): لنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضحى ... وأَسْيَافنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَما ولدْنَا بَنِي العَنْقَاءِ وابْنَيْ مُحَرِّقِ ... فأَكْرِمْ بِنَا خالًا وأَكرمْ بنا ابنمَا ¬
التاريخ والسير والتراجم
حيث قال النابغة لحسان: "إنك شاعر لولا أن بيتك معيب من ثلاثة أوجه: - قلتَ: جفنات وأسياف ويقطرن، ولم تقل: جفان وسيوف ويجرين. - وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. - وقلت: يلمعن بالضحى ولم تقل: يبرقن في الدجى، ولو قلت كان أبلغ في المدح؛ لأن الضيف بالليل أكثر" (¬1). التاريخ والسير والتراجم: أولًا: التاريخ والسير: كان العيني مؤرخًا كبيرًا، وله كتب كثيرة في التاريخ، منها المطبوع، ومنها المخطوط؛ كما ذكرنا في مؤلفاته، ومن هنا كان ينتهز أي حادثة تاريخية لها صلة بالبيت الذي يشرحه ثم يسردها، وهذه نماذج من ذلك: - حكى قصة ورقة بن نوفل وقد أخبرته خديجة بنزول الوحي على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل من قصيدة الشاهد (¬2): بأن محمدًا سَيَسُودُ قومًا ... ويخصمُ مَنْ يكونُ له حَجِيجَا - وحكى قصة الأعشى وذهابه إلى المدينة ليمدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعلن إسلامه، فقابله أبو سفيان، ورده على وجهه، وأعطاه مائة ناقة، وكان ذلك بعد صلح الحديبية، ومطلع القصيدة (¬3): ألمْ تَغْتَمِضْ عَينَاكَ لَيلَةَ أَرْمَدَا ... وبت كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا - وحكى قصة هند بنت عتبة وهجائها أهل مكة بهذا البيت (¬4): أَفِي السِّلْمِ أعْيَارًا جَفَاءً وغِلْظَةً ... وفي الحرْبِ أمثال النساءِ العوَاركِ - وحكى قصة أبي عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان، وقد وقع في أسر المسلمين، وطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمن عليه فمنَّ عليه، وأطلق سراحه، فمدحه بقوله من قصيدة في باب إن وأخواتها (¬5): ¬
ثانيا: التراجم
فإنكَ مَنْ حَارَبْتَه لمُحَارَب ... شَقِيٌّ وَمَنْ سَالمْتَه لَسَعِيدُ ثم بعد ذلك حارب المسلمين ووقع في الأسر مرة أخرى، وطلب المن فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، "لا تمسح عارضك، وتقول: خدعت محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مرتين" فقتله، ويقال: إنما أسره وقتله حين خرج إلى حمراء الأسد (¬2). - وحكى قصة عبد الله بن العباس، ونزوله ضيفًا على أعرابي ذبح شاة له وكان لا يملك غيرها تكريمًا لهذا الهاشمي، ولكن عبد الله عوضه كثيرًا، فقال الأعرابي مادحًا إياه من مقطوعة منها هذا الشاهد (¬3): فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ ... تساوي عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهمِ - وحكى قصة اتفاق الخوارج على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وعلي بن أبي طالب، ثم نجاة الأولين وقتل الثالث على يد عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله- ذكر ذلك وهو يشرح هذا البيت، وهو لمعاوية (¬4): نَجَوْتُ وقَدْ بَلَّ المُرَاديُّ سَيفَهُ ... من ابْن أبي شَيخِ الأَبَاطحِ طالِبِ - وحكى قصة إطلاق معاوية ليزيد بن مفرغ الحميري من سجن عباد بن زياد بن أبي سفيان، وإرسال معاوية له فرسًا يركبها، فقال يزيد في ذلك وهو بيت الشاهد (¬5): عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيكِ إمَارَةٌ ... أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ ثانيًا: التراجم: ترجم العيني لكثير من العلماء الذين كانوا يردون في كتابه، فقد ترجم لجميع الشعراء -إلا القليل- الذين قالوا أييات الشواهد، والقصائد التي شرحها، ولم تكن الترجمة قصيرة، بل كان يترجم للشاعر بالصفحة والصفحتين؛ كما فعل مع لبيد قائل الشاهد الأول في كتابه، وكان يعلل لاسم الشاعر فيقول: "سمي الأخطل لكبر أذنه، يقال: رجل أخطل؛ أي عظيم ¬
الأذن، وشاة خطلاء، أي عطمة الأذن مسترخية، وكان يضبط العلم بالحركات والسكنات حتى ينطق صحيحًا، فيقول: يزيد بن مفرغ الحميري بضم الميم، وفتح الفاء، وتشديد الراء المكسورة، وفي آخره غين معجمة، وإنما سمي بذلك؛ لأنه كان راهن على شرب سقاء كبير مفرغة. ترجم العيني لشعراء الجاهلية؛ أمثال: لبيد والأعشى وعنترة وامرئ القيس والشماخ وتميم بن مقبل وقيس بن الخطم والمتلمس وزهير. كما ترجم لشعراء صدر الإسلام؛ أمثال: حسان، وكعب بن مالك، وأبي ذؤيب الهذلي، والعباس بن مرداس، والخنساء، والأحوص، والنعمان بن بشير، وجميل بن معمر، والحطيئة، وابن ميادة وكثير عزة، وعمر بن أبي ربيعة، وأبي العتاهية، وأبي النجم العجلي، والعرجي، وحميد الأرقط، والكميت، ورؤبة، وأبيه العجاج، والمتنبي وغير ذلك، وهم كثير في ثنايا الكتاب. * * *
الفصل الثالث: كتاب المقاصد (يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة)
الفَصْلُ الثَّالِثُ: كتاب المقاصد (يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة) عُنِيَ العيني في كتابه بالشعر وقصائد الشعر التي كان يشرحها عناية فائقة، فما من بيت يشرحه إلا ذكر معه أبياتًا من القصيدة إن لم تكن القصيدة كلها أو كثيرًا منها، وقد أفاد هذا في كثير من القصائد التي ضاع دواوين أصحابها أو لم تجمع هذه الدواوين. أولًا: القصائد الكاملة: سرد العيني هذه القصائد: - قصيدة رؤبة بن العجاج التي أولها (شواهد الكلام) (¬1): وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوي المُخْتَرَقْن ... ............................. وقد بلغت مائة وواحدًا وسبعين بيتًا من الرجز المشطور. - قصيدة النابغة الذبياني التي أولها (شواهد الكلام) (¬2): أمن آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ ... عَجلانَ ذا زاد وغيرَ مُزَوَّدِ وقد بلغت اثنين وثلاثين بيتًا. - قصيدة امرئ القيس التي أولها (شواهد المعرب والمبني) (¬3): أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَل يعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخَالِي وقد بلغت ستة وخمسين بيتًا. ¬
- قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي أولها "شواهد الضمير" (¬1): أَمِنْ آلي نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبكرُ ... غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهجِّرُ وقد بلغت أربعة وسبعين بيتًا. - قصيدة زياد بن حمل بن سعد التي أولها (¬2): لا حبذَا أَنْتِ يَا صَنْعَاءُ منْ بَلَدٍ ... ولا شعُوبُ هوًى منِّي ولا نُقُمُ وقد بلغت القصيدة أربعة وأربعين بيتًا. - قصيدة طرفة بن العبد التي أولها (¬3): لِخَوْلَةَ بِالأَجْزَاعِ مِنْ إضَمٍ طَلَلْ ... وبالسَّفْحِ مِنْ قَوّ مُقَامٌ ومُحْتَمَلْ وقد بلغت أربعة عشر بيتًا. - قصيدة عنترة بن شداد التي أولها (¬4): طَرِبْتَ وهاجتْك الظِّبَاءُ السَّوَانِحُ ... غَدَاةَ غدَا ينْهَا سَنِيحٌ وبَارحُ وقد بلغت عشرين بيتًا. - لامية السموأل بن عاديا في الحكم التي أولها (¬5): إذا المرءُ لم يدْنسْ من اللومِ عِرضُهُ ... فكُل رِدَاءٍ يَرْتَديهِ جَميلُ وقد بلغت ثلاثة وعشرين بيتًا. - قصيدة زهير بن أبي سلمى التي منها هذا البيت (¬6): بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مضى ... وَلَا سَابِقٍ شَيئًا إذَا كَانَ جَائِيَا وقد بلغت أربعة وعشرين بيتًا. - قصيدة الفرزدق في مدح علي زين العابدين بن الحسين التي أولها (¬7): ¬
هَذَا الذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطأَتَهُ ... والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ وقد بلغت ستة وعشرين بيتًا. - قصيدة الأعشى في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي أولها (¬1): ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيلَةَ أَرْمَدَا ... وبِتُّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدا وقد بلغت أربعة وعشرين بيتًا. - قصيدة حاتم الطائي في الأخلاق الفاضلة والكرم والتي منها هذا الشاهد (¬2): وأغفر عوراء الكريمِ ادخارُهُ ... وَأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيم تكَرُّما وقد بلغت تسعة وعشرين بيتًا. - قصيدة ذي الأصبع العدواني التي أولها (¬3): يا من لقلب شديد الهم محزون ... أمسى تذكَّر ريَّا أم هارون والتي بلغت اثنين وثلاثين بيتًا. - قصيدة زهير بن أبي سلمى التي مدح بها هرم بن سنان، والتي أولها (¬4): لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الحُجْرِ ... أَقْوَيْنَ مُذْ حِجَجٍ وَمُذْ دهْرِ - قصيدة كثير عزة التي أولها (¬5): خَلِيلَيَّ هَذَا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا ... قُلُوصَيْكُمَا ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ وهي ثمانية عشر بيتًا، وصدرها بقوله: "وهي من منتخبات قصائده". - قصيدة كثير عزة أيضًا التي أولها (¬6): ألا حيّيَا ليلَى أجَدَّ رَحِيلِي ... وآذَنَ أصْحَابِي غَدًا بِقُفُولي وقد بلغت ثلاثة وعشرين بيتًا. ¬
ثانيا: المقطوعات
- قصيدة أبي الأسود الدؤلي في الحكم، والتي أولها (¬1): تَلْقَى اللبِيبَ مُحَسَّدًا لَمْ يَجْتَرِمْ ... شَتمَ الرِّجَالِ وعِرضُهُ مَشتُومُ وقد بلغت عشرين بيتًا. - قصيدة جذع بن سنان الغساني التي أولها (¬2): أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُمْ؟ ... فَقَالُوا: الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلَامًا وهي ستة عشر ييتًا، وغير ذلك من القصائد. ثانيًا: المقطوعات: وأما المقطوعات التي ذكرها العيني وسردها في كتابه، فهي كثيرة، وتبدأ بسبعة أبيات إلى عشرين بيتًا، يقتطعها العيني من قصيدة الشاعر، ولا يكاد يخلو شاهد من الشواهد التي ذكرها العيني في الشروح الأربعة للألفية، والتي تعدت الألف بيت إلا ذكر مقطوعة من قصيدة الشاهد، وعلى ذلك يعد كتاب المقاصد النحوية مصدرًا كبيرًا لجمع دواوين الشعراء الذين فُقد ديوانهم، وأعجب من ذلك أن العيني إذا ذكر شاهدًا واحدًا له قافيتان (رويَّان) ذكر لكل قافية المقطوعة التي منه، ففي شواهد باب الحكاية، أنشد هذا الشاهد وهو يقول: أتَوْا نَارِي فَقُلتُ: مَنُونَ أنْتُمْ ... فَقالُوا: الجِنُّ، قلتُ: عِمُوا ظَلَامًا ثم ذكر عن الرواة والعلماء أن البيت يروى هكذا: أتَوْا نَارِي فَقُلتُ: مَنُونَ أنْتُمْ ... فَقالُوا: الجِنُّ، قلتُ: عِمُوا صبَاحًا ثم ذكر عن ابن السيد نقلًا من كتابه (الحلل في شرح أبيات الجمل) أن كلتا القافيتين صحيحة، وأن الشعر الذي على قافية الميم ينسب إلى سمر بن الحارث الضبي، ثم أنشد عدة أبيات من قصيدة الميم، وأن الشعر الذي على قافية الحاء ينسب إلى جذع بن سنان الغساني، ثم أنشد ستة عشر بيتًا لهذه القصيدة الحائية، ثم شرح ما اقتطعه من القصيدتين. وسنعرض هنا نماذج وأمثلة لبعض المقطوعات التي سردها من قصائد الشواهد، والتي تنتشر بكثرة في ثنايا الكتاب، ولم يخل من ذلك إلا الشواهد المجهولة القائل، والتي استشهد بها منفردة بلا أخ (بيت آخر)، وبلا أب (قائل). ¬
- سرد أبياتًا من قصيدة الصمة القشيري في الحنين إلى وطنه نجد عندما غادره غاضبًا من أبيه وعمه حينما لم يزوجاه بنت عمه، والتي منها هذا الشاهد (¬1): دَعَانِي منْ نَجْدٍ فَإِنَّ سِنِينَهُ ... لعِبْنَ بنَا شِيْبًا وَشَيَّبْنَنَا مرْدَا وقد أنشد منها عشرة أبيات. - سرد أبياتًا من قصيدة لجران العود، قالها في امرأتيه والتي منها قوله (¬2): وَإِنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ ... تَهيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ وقد أنشد منها ستة عشر بيتًا. - سرد أبياتًا من قصيدة حميد بن ثور الهلالي، والتي منها هذا الشاهد في وصف الذئب (¬3): يَنَامُ بإِحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقي ... بأُخْرَى المَنَايَا فَهو يَقْظَانٌ هَاجِعٌ وقد أنشد منها خمسة عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة امرئ القيس التي مطلعها (¬4): خَلِيلَيَّ مُرَّا بي عَلَى أُمِّ جُنْدَب ... لِنَقْضيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ وقد أنشد منها خمسة عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة عبد قيس بن خفاف التي يوصي ابنه فيها، وأولها قوله (¬5): أبُنَيّ إنْ أبَاكَ كارِبُ يَوْمِه ... فإذَا دُعيتَ إلى المكَارِمِ فاعْجَلِ وقد أنشد منها سبعة عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة الأعشى في مدح قيس بن معدي كرب الكندي، والتي منها قوله (¬6): وَأُنْبئْتُ قَيسًا ولَمْ أَبْلُهُ ... كَمَا زَعَمُوا خَيرَ أهْلِ اليَمَنِ وقد أنشد منها اثني عشر بيتًا. ¬
- سرد جزءًا من قصيدة عروة بن حزام في الغزل، والتي منها قوله (¬1): فيَا لَيْتَ كُلَّ اثْنَين بَينَهُمَا هَوًى ... منَ النَّاسِ بَعْدَ اليَأْسِ مُجْتَمعَانِ وقد أنشد منها عشرة أييات. - سرد جزءًا من قصيدة علقمة بن عبدة بن النعمان التي أولها (¬2): طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيدَ الشباب عَصْرٌ حَانَ مَشيبُ وقد أنشد منها ستة عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة الكميت في مدح بني هاشم التي أولها (¬3): طَرِبْتُ ومَا شَوْقًا إلَى البيضِ أَطربُ ... ولا لعبًا منِّي وذو الشيب يلعبُ وقد أنشد منها سبعة عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة طويلة للعباس بن مرداس في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أولها (¬4): أَلا مَنْ مُبلِغُ الأقوامِ أنَّ مُحمدًا ... رسولَ الإلَهِ رَاشِدٌ حيثُ يَمَّمَا وقد أنشد منها عشرة أبيات. - سرد جزءًا من قصيدة جميل بثينة في الغزل، والتي منها هذا الشاهد (¬5): وطرفُكَ إما جئتَنَا فاصرفَنَّه ... كيما يحسَبُوا أنَّ الهوى حيثُ تنظرُ وقد أنشد منها اثني عشر بيتًا. - سرد جزءًا من قصيدة صخر بن عمرو، والتي يذكر فيها أن امرأته ملَّت لطول مرضه، والتي مطلعها هذا الشاهد (¬6): أرَى أمَّ صَخْرٍ مَا تَمَلُّ عِيَادَتي ... ومَلَّتْ سُلَيمَى مَضْجَعِي ومَكَانِي وقد أنشد منها ستة أييات. ¬
- سرد جزءًا من قصيدة الحطيئة في المدح، والتي منها هذا الشاهد وهو قوله (¬1): متَى تأتهِ تعشُو إِلَى ضوْءِ نَارِه ... تجِدْ خيرَ نَارٍ عندها خيرُ موقدِ وقد أنشد منها تسعة أبيات، وفي ثنايا الكتاب الكثير والكثير. * * * ¬
الفصل الرابع: كتاب المقاصد (مصادره وأصوله)
الفَصْلُ الرَّابع: كتاب المقاصد (مصادره وأصوله) تعددت مصادر كتاب المقاصد النحوية الكبرى للعيني، وذلك بسبب تعدد فنونه وتنوع أغراضه؛ وذلك لأن الحديث عن الشواهد كان من عدة نواحٍ، فمن بحورها إلى قائليها إلى ترجمة هؤلاء القائلين، إلى ذكر القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد، إلى السبب والغرض الذي قيلت فيه، إلى شرح مفردات القصيدة والاستشهاد على ذلك الشرح بآيات قرآنية، أو شواهد شعرية، ثم إلى بيان معنى الشاهد، وما اشتمل عليه من لغات أدبية أو وجوه بلاغية، إلى البيت الذي يجعل المعرب يتعرض لكثير من أبواب النحو وقضاياه، ثم يكون ختام الحديث عن وجه الاستشهاد بالبيت، واختلاف النحويين في ذلك. ومن هنا كثرت مصادر الكتاب، وتعددت وتنوعت فكان منها النحوية واللغوية، ومنها كتب شرح الشواهد، ومجموعات الأشعار، ودواوين الشعراء، ومنها كتب التراجم والتاريخ، وغير ذلك وهو كثير. وقد ذكر العيني مصادر كتابه، وما رجع إليه من مؤلفات ومصنفات مرتين، واحدة في مقدمة كتابه، وهي مجملة، والأخرى في آخر كتابه، وهي مفصلة، وسأذكر هنا النص، يقول العيني في مقدمة كتابه، وذكر عنوانه: (اجتهدتُ في تصنيفه بُرْهَةً من الزمان، وجاهدتُ في تأليفه مدة من الأوان، بعد مراجعة شديدة إلى كتب عديدة، ومطالعة مديدة في دواوين سديدة، مع مقاساة العناء والنصَب من حوادث الزمان، ومكابدة تجرع الغصص من أهل الحسد والجهل والطغيان، وكساد سوق العالم وبوار بضاعته النفيسة، ورواج معاش الجهل وتقدمه في صناعته الخسيسة، وإلى الله المشتكى وعليه التكلان، وفي كل أمر هو المستعان، فجاء بحمد الله وفيه شفاء صدور المنتهين، وكفاية مؤنة المشتغلين المبتدئين، مشتملًا على فوائد جسيمة، وفرائد من النكات العظيمة، على أن نفعه
أولا: كتب النحو واللغة
عام لأكثر الكتب النحوية، وفوائده شاملة لغالب الشواهد المحكية، مسمى بكتاب: "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية"). وسأسرد هنا بعض هذه الكتب مما نقل منه العيني دون أن أتعرض إلى مواضع هذه النقول في الكتاب، وذلك كثير. أولًا: كتب النحو واللغة: - كتاب سيبويه والشروح المختلفة للكتاب، وأهمها شرح السيرافي. - المقتضب للمبرد، والأصول لابن السراج، والمقدمة الجزولية للشلوبين. - المفصل للزمخشري، وشروح كتاب المفصل؛ كابن يعيش، وابن الحاجب، وكذلك: شرح أبيات المفصل. - الكافية لابن الحاجب، والشروح المختلفة لها، التي منها الموجود والمفقود. - الألفية لابن مالك، وشراح الألفية كابن الناظم، وابن هشام، وابن عقيل، والمرادي. - التسهيل لابن مالك، وشراح التسهيل؛ كأبي حيان، وابن مالك، والمرادي، وابن عقيل. - الألفية لابن معطى، وشروحها بشرح القواس عبد العزيز بن جمعة الموصلي. - كتب لأبي علي الفارسي؛ كالإيضاح، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب، ومسائله المختلفة في كثير من المدن والبلاد. - كتب ابن عصفور المختلفة؛ كالضرائر، وشروح الجمل والمقرب. - كتب ابن مالك المختلفة مثل: شرح الكافية الشافية، وشرح عمدة الحافظ. - كتب ابن هشام المختلفة؛ كمغني اللبيب، وأوضح المسالك. - كتب ابن الأنباري؛ كالإنصاف في مسائل الخلاف، والأضداد. وأما كتب اللغة فهي أيضًا كثيرة منها: - تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، الذي أخذ منه كثيرًا في شرح مفردات الشواهد، أو الأبيات، أو القصيدة التي كان يسردها مع الشواهد. - كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، والحروف لأبي عمرو، ومجالس ثعلب، والمجاز لأبي عبيدة. - نوادر أبي زيد الأنصاري، والنوادر لابن الأعرابي، ومقاييس اللغة لابن فارس.
ثانيا: كتب شرح الشواهد ومجموعات الشعر المختلفة
- الجمهرة لابن دريد، والمحكم لابن سيده، والمعرب للجواليقي، والعباب للصاغاني. - كتب الفراء في اللغة مثل: المذكر والمؤنث، والأيام والليالي والشهور. ثانيًا: كتب شرح الشواهد، ومجموعات الشعر المختلفة: - شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، وابن النحاس وغيرهما. - فرحة الأديب للغندجاني، والحلل في شرح أبيات الجمل. - شرح الأعلم الشنتمري للشعراء الستة الجاهليين. - شروح ديوان الحماسة لأبي تمام؛ كالمرزوقي والتبريزي وغيرهما. - الحماسيات الأخرى؛ كحماسة ابن الشجري، وحماسة البحتري، والحماسة البصرية. - ديوان الهذليين، وشرح ديوان الهذليين. - شرح الشواهد لابن هشام المسمى: تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد. - دواوين الشعراء، وشروح هذه الدواوين على اختلاف أنواعها، ومنها شرح ابن جني لديوان المتنبي. ثالثًا: كتب الأدب والتاريخ والأخبار: - كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. - الأمالي لأبي علي القالي، والأمالي لهبة الله بن الشجري. - الحيوان للجاحظ، والكامل للمبرد، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام. - كتب أبي عبيدة البكري كسمط اللآلئ وغيره. * * * كتب مفقودة مختلفة: وتظهر منة كتاب المقاصد للعيني في هذه النقول التي وجدت في كتابه،، قد ضاعت أصولها، وفقدت كتبها على طول ستة قرون؛ أي من وفاة العيني (855 هـ) حتى الآن، وهذه نماذج قليلة من كتب لم نرها، ويوجد مثلها كثير في كتاب المقاصد: - التذكرة لأبي علي الفارسي، والتذكرة لابن هشام. - شرح الكافية للركني، وشرح الكافية للنيلي: إبراهيم بن الحسين.
- المهذب لابن كيسان. - الخيل وأنساب الخيل لأبي عبيدة. - شرح الحماسة للبياري، وشرح اللب للشيخ العلامة شمس الدين الزرعي شيخ العيني. نقل من كتاب: التذكرة لأبي علي الفارسي: يقول في شرح هذا الشاهد (¬1): إذا فَاقِدٌ خَطبَاءُ فَرْخَيْنِ رَجَّعَتْ ... ذَكَرْتُ سُلَيْمَى في الخَلِيطِ المُزَايلِ يقول العيني بعد كلامه في بيان وجه الاستشهاد: " (وقال أبو علي في التذكرة: لا يكون فرخين منصوبًا إلا بمضمر دل عليه فاقد، ولا يكون منصوبًا بفاقد لأمرين: أحدهما: أنك قد وصفتها بخطباء، واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل. والآخر: أن فاقدًا غير جارٍ على الفعل؛ إذ لو كان جاريًا عليه لقيل: فاقدة؛ فدل على أنه بمعنى النسب نحو امرأة طالق؛ فلا يعمل حينئذ عمل فعله". العيني يسرد مصادر كتابه: ونختتم هذا الفصل بهذا النقل الطويل المختصر الذي كتبه العيني في آخر كتابه، طويل؛ لأنه كذلك في الكتاب، ومختصر؛ لأني سأكتفي ببعض الدواوين والكتب التي سيذكرها، وعلى كل حال، فها هي في آخر الكتاب الذي بين يديك، قال العيني: "هذا وإني قد بذلت فيه طاقتي حسب الإمكان، بترك ما تستلذه نفس الإنسان، مع تجرع الغصص من مكابدة أهل الزمان، وتحصيل كتب كثيرة فيما يتعلق بهذا الشأن، حتى إني جمعت من الدواوين للشعراء المتقدمين، الذين احتج بهم نحاة الأولين والآخرين ما يُنَيّف على مائة في عدد مبين، وهي: ديوان امرئ القيس الكندي، وديوان النابغة الذبياني، وديوان علقمة بن عبدة التميمي، وديوان زهير بن أبي سلمى المزني، وديوان طرفة بن العبد الوابلي، وديوان عنترة بن شداد العبسي، وديوان الأعشى، وديوان الحطيئة، وديوان جرير، وديوان أبي دؤاد، وديوان كعب بن زهير، وديوان الفرزدق، وديوان رؤبة بن العجاج، وديوان لبيد العامري، وديوان الشنفرى، وديوان عمر بن أبي ربيعة، وديوان ذي الرمة، وديوان الحارث بن حلزة، وديوان أبي ذؤيب ¬
الهذلي، وديوان أبي كبير الهذلي، وديوان ساعدة بن جؤية الهذلي، وديوان أبي خراش الهذلي، وديوان أبي المثلم، وديوان صخر الغي، وديوان المتنخل، وديوان أبي العيال، وديوان أسامة بن الحارث، وديوان الأعلم بن عبد الله، وديوان بريق بن خويلد، وديوان ساعدة بن العجلان، وديوان خالد الخزاعي، وديوان السموأل بن عدي، وديوان حنظلة بن الشرقي، وديوان سحيم بن عبد الحسحاس، وديوان أبي حلحلة الفَزَاريُّ، وديوان حارثة بن بدر العداني، وديوان وضاح اليمن، وديوان نهار بن توسعة، وديوان توسعة بن تميم، وديوان الحارث الذبياني، وديوان عمرو بن قميئة، وديوان عمرو بن كلثوم، وديوان النُّعمان بن بشير الأنصاري، وديوان مزاحم العقيلي، وديوان الشماخ، وديوان القتامي، وديوان أوس بن حجر، وديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، وديوان النمر بن تولب، وديوان جران العود، وديوان راشد بن سهاب بالسين المهملة، وديوان سعد بن كعب الغنوي، وديوان أبي الطمحان القيني، وديوان حميد بن ثور، وديوان أبي طالب، وديوان أبي الدمينة، وديوان قيس بن الزريح، وديوان جابر بن زيد، وديوان عابر بن سعد، وديوان حرملة بن جنادة، وديوان عبد الله بن جلهمة، وديوان شهم بن مرَّة، وديوان أبي رهدم، وديوان الهيثم بن معاوية، وديوان زهير بن جعدة، وديوان عبد الرحمن بن سيحان، وديوان عبيد بن ريحان، وديوان عامر بن قشير الخصفي، وديوان صخر بن الجعد، وديوان كميت، وديوان الأخطل، وديوان زفر بن أنس، وديوان نزال بن واقد، وديوان حنظلة بن ذؤيب، وديوان كثير عزة، وديوان مرار الأسدي، وديوان قيس المجنون، وديوان الأحوص، وديوان أميَّة بن أبي الصلت، وديوان جميل، وديوان سعد بن مكرم، وديوان ابن ميادة، وديوان زياد الأعجم، وديوان الصمة بن عبد الله، وديوان القلاح، وديوان العرجي، وديوان أبي أميَّة الهذلي، وديوان المتلمس، وديوان ذي الأصبع حرثان، وديوان قوبة بن حمير، وديوان كعب بن مالك الأنصاري، والمهلهل بن امرئ القيس، وديوان مزرد، وديوان الراعي، وديوان زفر بن حنان، والطرماح، وخرنق بن هفان، وجنوب أخت عمرو ذي الكلب، وليلى، وعاتكة". ثم قال: "ومن دواوين المحدثين الذين تذكّر أشعارهم لأجل التمثيل: ديوان أبي العتاهية، وديوان عطاء السندي، وديوان أبي نواس، وديوان المعري، وديوان المتنبي، وديوان بشار بن برد، وديوان أبي الوليد الأنصاري، وديوان البحتري". ثم قال: "ومن الحماسات: حماسة أبي تمام، الحماسة البصرية، والحماسة العسكرية". ثم قال: "ومن النوادر: نوادر ابن دريد، ونوادر القالي، ونوادر اللحياني، ونوادر الأصمعي، ونوادر أبي زيد الأنصاري".
ثم قال: "ومن كتب اللغة: العباب للصاغاني، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيده، ودستور اللغة للبطيري، والمجمل لابن فارس، والكفاية للأجداني، والجمهرة لابن دريد، والأفعال لابن قوطية، والمنظم للقراع". ثم قال: "ومن كتب الأدب: كتاب الفرزة، وكتاب العققة، وكتاب العمري، وكتاب أولاد السراري، وكتاب الأغاني الكبير، ومختصر الأغاني، وكتاب الزينة لأبي حاتم، وكتاب خلق الإنسان، والخيل، والحيوان، وتثقيف اللسان، والكامل للمبرد، وكتاب الأمثال لأبي عبيد، وسؤالات المبرد، وهيتيات أبي علي، وكتاب سر الصناعة، والمختار من أشعار القبائل، وكتاب الإصلاح، وكتاب المنقذ، وكتاب الاقتضاب، وكتاب أدب الكاتب، وكتاب الأمثال السائرة، وكتاب التأويلات، وكتاب تحفة العرب، وكتاب تقويم اللسان، وكتاب المقصور والممدود للأنباري، والمقصور والممدود للقالي، وكتاب الترز لأبي طاهر، وكتاب درة الغواص، وكتاب الطير لأبي حاتم، وكتاب الفصيح، وكتاب اليوم والليلة، وكتاب المشترك، وكتاب الأدواء، وكتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن، والمؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، وطبقات الشعراء، وطبقات النحاة، وشرح أبيات الإيضاح، وشرح أبيات الكتاب للنحاس، وشرح أبيات الإصلاح، وشرح أبيات كتاب الزمخشري، وتذكرة النحاة لأبي علي، وتذكرة أثير الدين، وتذكرة ابن هشام، وتذكرة ابن الصَّائغ". ويختم كلامه قائلًا: "غير ما تصفحت من كتب النحو وشروحها من تصانيف العرب والعجم، من مؤلفات السلف والخلف من الأمم، وغير ما وقفت عليه من فوائد الأجلاء من المشايخ والأساتذة، ومن نكات الأفاضل الأماثل الجهابذة، وغير ما قدمته أفكاري من فيض الخالق الباري، وغير ما أنتجه تصوري وولده تفكري". انتهى. * * *
الفصل الخامس: كتاب المقاصد (منهجه وطريقته)
الفصل الخامس: كتاب المقاصد (منهجه وطريقته) مقدمة: رغب العيني في كتابه: "المقاصد النحوية الكبرى" أن يشرح الشواهد التي جاءت في شروح الألفية المختلفة لابن الناظم (686 هـ)، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم (749 هـ)، وشرحه الذي رتبه ابن هشام (761 هـ)، وابن عقيل (769 هـ)، وأن يذكر فيها أمورًا، ويوضح فيها أشياء لم يذكرها أو يوضحها شراح الألفية، أو هي ليست من هدفهم وقصدهم من الشَّرح، كما أراد أن يبين: قائل البيت، وبحره، وقصيدته، ومعناه، ويعربه إعرابًا كاملًا، ثم يبين آخر كلامه وجه الاستشهاد به. ورد ذكر ذلك في مقدمة كتابه حيث قال بعد أن ذكر الشروح الأربعة التي سيشرح شواهدها قال: "أردت أن أستخرج الأبيات الذي ذُكِرَتْ فيها على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيل ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشف الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان، وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكر ما فيها من الشاهد المشهور". وسنذكر في هذا الفصل المنهج الذي سار عليه العيني في تأليف كتابه، والطريقة التي اتبعها ليكون القارئ على بينة من أمره حين يأخذ في قراءة الكتاب. أولًا: وضع رموز مختلفة في صدر كل بيت: لما كان العيني يشرح أربعة كتب، ويسرد البيت الذي جاء فيها أو بعضها، وضع رمزًا في كل بيت ليدل بهذا الرمز على وجود البيت في هذا الكتاب، وفي بابه الذي يتناوله؛ إذ قد يوجد البيت في الكتاب، لكنَّه في غير الباب الذي يسرد شواهده، فلا يذكره العيني حينئذ؛ فوضع
ثانيا: ذكر البيت وذكر الروايات المختلفة فيه
(الظاء) للدلالة على أن البيت في شرح ابن الناظم، كما وضع (القاف) للدلالة على وجود البيت في شرح ابن أم قاسم، وهو المرادي، ووضع (الهاء) رمزًا لابن هشام، و (العين) رمزًا لابن عقيل، وهكذا، وقد أغناه ذلك عن ذكر الكتاب أو الكتب التي يوجد فيها البيت، وقد أبان عن ذلك في مقدمة كتابه المقاصد فقال: "ثم أني بينت نسبة كلِّ بيت إلى مَن ذكره في تأليفه برمز حرف من أشهر حروفه، فإن اتفقت الأربعة على ذكر بيت منها رمزت عليه هكذا: "ظقهع" فالظاء من ابن الناظم، والقاف من ابن أم قاسم، والهاء من ابن هشام، والعين من ابن عقيل الإمام، وإن كانت الثلاثة أو الاثنان منهم مطلقًا ذكرته ورمزت عليه هكذا: "ظقه- ظقع - طق -طع - قه - قع - هع" وإن انفرد واحد منهم رمزت رمزه المعين، ليُعْلَمَ كل منهم ويتبين". ثانيًا: ذكر البيت، وذكر الروايات المختلفة فيه: يسرد العيني بيت الشاهد من الكتب التي ندب نفسه لشرح شواهدها، فإن كانت في البيت روايتان ذكرهما، وإن كانت واحدة أصوب من الأخرى وضح ذلك كله، يقول: "وفي هذا البيت (¬1): فَإنَّ الحُمُرَ منْ شَرِّ المَطَايَا ... كَمَا الحَبِطَاتُ شَرُّ بَنِي تميم قوله: "فإن الحمر" بضم الحاء المهملة وسكون الميم جمع حمار، وهكذا وجدته مضبوطًا في نسخ صحيحة لأبي علي الفارسي، أعني التذكرة، ووجدت في موضع آخر: "فإن الخمر" بفتح الخاء المعجمة وهي التي تشرب، وهذا أقرب، وإن كان ذلك أصوب، وقد شبه الخمر بالمطية التي لا خير فيها، ووجه التشبيه حصول الشر من كل منها". وينشد هذا البيت بثلاث روايات، وثلاث قوافٍ، وهو قوله (¬2): "أبالأَرَاجيز يَابن اللؤم توعدُني ... وَفِي الأَرَاجِيز خلتُ اللؤمُ والحورُ قال هكذا: رواه بعضهم "بروي الراء المضمومة"، وأن النحاس والجاحظ روياه باللام المضمومة هكذا: أبِالْأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤمِ تُوعدُنِي ... وَفي الأَرَاجِيز خلتُ اللؤمُ والفشلُ ¬
ثالثا: نسبة الأبيات إلى بحورها
وذكر أن البيت هكذا فيه إقواء؛ لأنَّه من كلمة رويُّها لام مكسورة؛ لأنَّ قبله: إنِّي أَنا ابنُ جَلا إن كُتتَ تَعْرفُني ... يَا رُؤبَ والحيَّةُ الصَّمَّاءُ في الجَبَلِ ثم قال: "وثبت الأبيات الثلاثة في كتاب الوحشي وليس فيها إقواء؛ لأنه روي فيها: .......................... ... وفي الأراجِيزِ رَأْسُ القَولِ والفَشَل". ثالثًا: نسبة الأبيات إلى بحورها: نسب العيني أبيات الشواهد جميعها إلى بحورها، وكانت النسبة كلها صحيحة، ولا عجب في ذلك، فهو يقف على علم العروض، ويعرفه جيدًا، ولا نكاد نجد ذلك عند غير العيني، فهذا كتاب "خزانة الأدب" على شهرته، وتفوق مؤلفه، وهو الإمام عبد القاهر البغدادي لا تنسب فيه الأبيات إلى بحورها، ولا يكتفي العيني بنسبة الأبيات إلى بحورها، وإنَّما يقول في هذا الشاهد، ومثله كثير (¬1): ذُمَّ المنازلَ بَعْدَ مَنْزلَةِ اللِّوى ... والعيشَ بَعدَ أُولَئُكَ الأيَّامِ "من الكامل وفيه الإضمار والقطع، والإضمار هو تسكين الثَّاني فيصير: متفاعلن، فيرد إلى مستفعلن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد". ويقول في شاهد آخر لامرئ القيس، وهو قوله (¬2): أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ البَالي ... وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فيِ العُصُر الخَالي "من الطَّويل، فإن قلتَ عروض الطَّويل تكون مقبوضة دائمًا، فما بال امرئ القيس أتى بها على الأصل، وهو عيب عندهم. قلت: البيت إذا كان مصرعًا لا يقبح فيه ذلك، وإنَّما يقبح إذا كان غير مصرع، وها هنا البيت مصرع". رابعًا: العناية بالقائل، وذكر الخلاف في ذلك: عني العيني بذكر قائل البيت؛ لأنَّ معرفته وإسناد البيت لقائله تفيد كثيرًا، فهذا شاعر يحتج بشعره، وهذا مولد لا يحتج به، وهذا من قبيلة فصيحة، وذاك من أخرى أقل فصاحة، فإذا لم يجد للشاهد قائلًا حكم عليه أنَّه مجهول القائل، وإذا وجد خلافًا حول القائل ذكر ذلك الخلاف، وهكذا، يقول في هذا الشاهد، وهو قوله (¬3): ¬
خامسا: وقفة في نسبة البيت للقائل
"كَحِلفةٍ منْ أبِي ربَاحٍ ... يَسْمَعهَا لاهمُ الكِبَارُ قائله بعض العرب، أنشده الفراء، ولم يبين قائله، وذكر بعض شراح الكتاب أن قائله هو الأعشى، وكذا قاله ابن جني في سر الصناعة، وكذا الصاغاني في العباب". ويقول في بيت آخر، وهو قوله (¬1): أَنَا ابنُ جَلا وَطَلاعُ الثَّنَايَا ... متَى أَضَع العِمَامَةَ تَعْرِفوني "قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي، وقيل: المثقب العبدي، وقيل: أبو زبيد، ونسبه بعضهم إلى الحجاج بن يوسف الثَّقفيُّ، وليس بصحيح، وإنَّما هو أنشده على المنبر لما قدم الكوفة واليًا عليها". ويقول في بيت ثالث وهو قوله (¬2): قد سالمَ الحيَّاتُ مِنه القَدَمَا ... الأفعوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا "قائله هو أبو حيان الفقعسي، كذا قاله ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله: مساور العبسي، ويقال: العجاج والد رؤبة، وقاله السيرافي: قال الدبيري، وقال الصغاني: قائله عبد من عبس". خامسًا: وقفة في نسبة البيت للقائل: لا يسلِّم العيني بذكر القائل من نقل أو سماع أو غير ذلك، وإنَّما يعود إلى ديوان الشاعر ليتأكد من صحة هذه النسبة، أو خطئها، ويظهر ذلك فيما ذكره، يقول في هذا الشاهد (¬3): لقَد خَشيتُ أنْ أرى جَدَبَّا ... مثلَ الحريق وَافَقَ القَصَبَّا "قائله هو رؤبة على ما ذكره في الكتاب، وليس بموجود في ديوانه". ويقول في شاهد آخر (¬4): كَم دونَ مَيَّةَ مَومَاةٍ يَهَالُ لَهَا ... إذا تيَمَّمَهَا الخرِّيتُ ذُو الجلدِ "قيل: إن قائله ذو الرمة، ولم أجده في ديوانه". ¬
سادسا: ترجمة قائل الشاهد
سادسًا: ترجمة قائل الشاهد: نص العيني في كتابه أنَّه أخذ على نفسه أن يترجم للشعراء أصحاب الشواهد ترجمة تكشف عنهم، وعن نسبتهم وقبيلتهم، وعصرهم، وما قيل في أشعارهم، وقد ساعده في ذلك معرفته بالتاريخ، وسير النَّاس، وقبائل العرب، وتاريخهم في الجاهلية، وبعد الإسلام، وتاريخ الدولة الأموية وشعرائها، والدولة العباسية وشعرائها، فإن لم يجد ترجمة مطولة للشاعر عرَّف بعصره، وشعره، يقول في معن بن أوس المزني (¬1): "معن بن أوس المزني شاعر جاهلي مقلٌّ". ويقول في ابن ميادة (¬2): "ابن ميادة، واسمه الرَّمَّاح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، كذا قاله ابن بكار" (¬3). وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة بن عوف بن سعد بن ذُبيَان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وأمه ميادة، أم ولده بَربَريّة، وروي أنها كانت صقلية، ويكْنى أبا شَراحيل، ويقال: أبا شرحبيل، وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية. وهو شاعر متقدم من مخضرمي شعراء الدولتين، وجعله ابن سلام في الطَّبقة السابعة، وقرن به عمر بن لجاء (¬4) والقحيف العقيلي (¬5)، والعجير السلولي (¬6)، وكان فصيحًا يحتج بشعره وقد مدح بني أميَّة، وبني هاشم، ومات في صدر من خلافة المنصور". وقد يعلل لاسم الشاعر أو لقبه فيقول (¬7): "والعجاج لقبه، لُقب بذلك لقوله: حتَّى يَعُجُّ عِنْدَهَا مَنْ عَجْعَجَا، والعَجُّ: رفع الصوت يقال: رجل عجاج أي صَياح، والأنثى عجاجة". ومثله ما قاله في زياد الأعجم عند ذكر الشاهد التاسع والخمسين بعد الثلاثمائة فيقول: ¬
سابعا: ذكر القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد
"قائله هو زياد الأعجم، سمي به؛ لأنَّ مولده ومنشأه بفارس". وإذا سبقت ترجمة الشاعر ثم أعيد مرَّة ثانية نبه على ذلك وعلى موضع الترجمة. سابعًا: ذكر القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد: ومما ألزم به العيني نفسه، واستمر معه طول كتابه على كثرة الشواهد التي تعدت الألف وزادت ربع ألف أخرى، أنَّه كان يسرد مع الشاهد بعض الأبيات ليتبين للقارئ، أن هذا البيت من قصيدة، وأن هذا الفرع من شجرة؛ فيتأكد لديه صحة البيت الذي يتبعه صحة الاستشهاد، وقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في الفصل الثالث؛ حيث عرضنا قصائد كاملة ذكرها العيني مع بعض الشواهد، كما عرضنا مقطوعات كان يذكرها بعد الشاهد، وفي أبيات مختارة، ومقطوعات جيدة في مختلف أغراض الشعر، من غزل، أو حكمة، أو فخر؛ ليخفف بذلك جفاف قواعد النحو، أو ليأخذ القارئ بعيدًا عن ثقل الإعراب، وصعوبة الاستشهاد، فصار الكتاب حديقة غناء، فيها شدو البلابل، وزئير الأسود. ثامنًا: ذكر مناسبة القصيدة أو المقطوعة التي منها الشاهد: وهذا الأمر له علاقة بما ذكر قبله، وهو أن يعيش القارئ في جو الشاهد، وما يحيط به، فهذه قصيدة، وتلك مناسبة القصيدة التي قيلت فيها، وقد سبق أن ذكرنا شيئًا من ذلك في الفصل الثَّاني، في حديث مطول عن اشتمال كتاب المقاصد النحوية على عُمير من حوادث التاريخ، ممَّا كان سببًا في إنشاد القصيدة، أو المقطوعة، أو البيت؛ إلَّا أننا هنا نذكر مناسبة ذلك بعيدًا عن حوادث التاريخ ووقائعه، فهذه واقعة اجتماعية، وتلك واقعة أخرى في الغزل ولقاء المحبين، وثالثة فيما يعرض للشعراء من أحداث مع النَّاس، ولقاءات وغير ذلك. يقول في هذا البيت، وهو لقيس بن ذريح (¬1): تكَنَّفَني الوُشَاةُ فَأَزْعَجُوني ... فَيَا للهِ لِلواشِي المُطَاع هذا البيت من قصيدة طويلة قالها قيس لما فارقته زوجته لبنى، وخرج متوجهًا نحو الطَّريق الذي سلكته يتشمم روائحها، فسنحت له ظبية فقصدها فهربت فقال: ألا يا شِبهَ لُبْنَى لا تُرَاعي ... ولا تتَيَمَّمي قلل القلَاعِ ويقول في بيت آخر، وهو لكثير (¬2): ¬
تاسعا: شرح معاني المفردات
فَإنَّك مُوشِكٌ أَنْ لا تراها ... وتَعْدو دُونَ غَاضِرة العَوادي "إن أم البنين زوج الوليد بن عبد الملك أمرت الشعراء أن ينسبوا بها، ولكن كُثيرًا خشي من الزوج الخليفة، فتغزل في جاريتها غاضرة، وأمَّا وضاح اليمن فتغزل في أم البنين زوج الخليفة فقتله الخليفة". كما يتحدث عن الغرض الشعري للقصيدة والبيت، فيقول وقد ذكر هذا الشاهد وقصيدته (¬1): ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السَّيفِ سُوقَ سِمَانِهَا ... إذا عدِمُوا زادًا فإنكَ عاقرُ "وكان أبو طالب رثى بهذه القصيدة أميَّة بن المغيرة المخزومي، وكان خرج إلى الشام فمات في الطَّريق في موضع يقال له سرو سحيم". تاسعًا: شرح معاني المفردات: أخذ العيني على نفسه أن يشرح مفردات الشاهد، ويكشف عن معانيها اللغوية؛ ليتضح بعد ذلك معنى البيت، ولم يكتف بشرح الشاهد النحوي، وإنَّما كان يشرح مفردات القصيدة التي منها الشاهد إذا أوردها، أو أورد جزءًا منها، وقد ساعده في ذلك معاجم اللغة التي كانت تحت يده من مثل: معجم الصحاح للجوهري، الذي كان له النصيب الأوفر من النقول في شرح مفردات البيت، يليه بعد ذلك المعاجم الأخرى مثل: الجمهرة لابن دريد، والعباب للصاغاني، وكتب ابن سيده، وابن فارس، وغير ذلك. كما ساعده في شرح مفردات الشاهد أو القصيدة كتب شروح القصائد مثل: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، أو التبريزي، أو شرح المفضليات للضبي، أو شرح الأعلم لشواهد سيبويه، أو الشعراء الستة الجاهليين، أو أشعار الهذليين للسكري، أو الشروح المختلفة للمعلقات؛ كما ساعده أيضًا شروح الدواوين التي ورد بها الشاهد. عاشرًا: إعراب الشاهد: ويتميز كتاب المقاصد النحوية للعيني عن الكتب الأخرى التي تعرضت لشرح الشواهد، وهي كثيرة، أنَّه أعرب البيت الذي أورده من الشروح الأربعة إعرابًا كاملًا مفصلًا؛ حيث تعرض لإعراب مفردات البيت، ثم بيان موقع الجملة لما قبلها، بعد ذكر إعراب المفردات، وغير ذلك من تفاصيل الإعراب، يقول في إعراب الشاهد، وهو للنابغة (¬2): ¬
حادي عشر: ذكر وجه الاستشهاد
يا دَارَ مَيَّةَ بالعَليَاء فالسَّنَدِ ... أَقوَت وَطَال عَلَيْهَا سَالف الأَبَد "قوله: "أقوت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، الذي يرجع إلى دار مية ومحلها النصب على الحال بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي: قد حصرت". ولا يسأم العيني وهو يعرب البيت من ذكر أكثر من وجه في إعراب الكلمة، أو توضيح مسألة نحوية جاءت عرضًا، وهو يعرب البيت، وقد جاءت إعراباته كلها صحيحة إلَّا ما نبهنا عليه أثناء التحقيق، أو نبه عليه الإمام عبد القادر أو غيره، وهو نزر يسير. حادي عشر: ذكر وجه الاستشهاد: وذكر وجه الاستشهاد هو الهدف من تأليف كتب الشواهد بعد تمامه، أو أن ذكر البيت ووجه الاستشهاد هو النتيجة الحتمية للقاعدة النحوية، من هنا عني به شراح الشواهد معللين سبب مجيء البيت، وهل طابق القاعدة فيحكم عليه بالصحة، أو خالفها فيحكم عليه بالضرورة، وهكذا. وقد عني العيني بذكر وجه الاستشهاد في كل بيت، وتوضيحه للقارئ، ولا يكتفي بذلك؛ بل يذكر الخلافات الواردة في وجه الاستشهاد، والآراء الأخرى في ذلك، يقول في هذا البيت (¬1): تقولُ ابْنَتي لمَّا رَأَتنِي شَاحِبًا ... كأنك فِينَا يَا أبات غَرِيبُ "الاستشهاد فيه في قوله: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأنَّ أصله: يا أبا بالقصر، ولو لم يُعَوِّض لقال: يا أباي؛ كما يقال: يا فتاي، وقال الفارسي: ردَّ اللام وقلبها ألفًا كما تقلب في: قطاة ونحو ذلك، قال ابن سيده: وذهب أبو عثمان المازني في قراءة من قرأ: {يَاأَبَتِ} [مريم: 43]، بفتح التاء إلى أنَّه أراد: يا أبتاه، فحذف الألف وأراد: يا أبتا، فقدم الألف وأخر الياء، وقال أبو حيان: وزعم بعض رواة اللغة من البغداديين أن قول الشاعر: ......................... ... ....... يا أبات ................. إنما أراد: يا أبتي فقلب، وهذا ممتنع بعيد؛ لأنَّه يلزم على هذا أن تكون تاء التأنيث قد لحقت بعد الياء التي هي اسم المتكلم، وهذا لا يجوز ولم يوجد في موضع، ومع ذلك فإن التاء في: يا أبت في تقدير الإضافة، وقال أبو حيان: والأصل في مثل هذا البيت تخريجه على الإشباع؛ كما قال الراجز: ¬
ثاني عشر: سرد شواهد بعض الأبواب حيثما اتفق
أعوذ بالله من العقراب ... ......................... وقاس سيبويه: لا يزالون يقولون يا أبات ... ................................ ". ثاني عشر: سرد شواهد بعض الأبواب حيثما اتفق: لم يسرد العيني أبيات الشواهد مرتبة حسب ما جاءت في الشروح، وإنَّما كان يضعها في بعض الأبواب حسبما يتفق، وكان الواجب أن يتحرى وضعها مرتبة على ما جرت عليه في شروح الألفية؛ لأن قارئ كتابه سبق له أن قرأ الشروح الأربعة التي يشرح شواهدها، فهو يعرف الشواهد في ذهنه، ويعرف مواضعها من الباب، ولعل هذا لم يكن من أهداف العيني الكبيرة بقدر ما كان يهمه شرح الأبيات والشواهد واحدًا بعد الآخر، وعلى كل حال لم يقع العيني في ذلك الخلط إلَّا في أبواب يسيرة من كتابه: من ذلك باب إعراب الفعل، وأبيات المضارع المنصوب؛ فالمعهود كما مشى ابن مالك في الألفية أن يبدأ بشواهد لن ثم كي ثم أن وأنواعها من مصدرية، وزائدة، ومخففة من الثقيلة، ثم شواهد إضمارها وجوبًا، ثم شواهد إضمارها جوازًا، ويختم الباب بشواهد حذفها شذوذًا، من مثل قول الشاعر، وهو طرفة (¬1): ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أحضرَ الوَغَى ... وأن أشهدَ اللذَّات هل أنت مُخْلدِي؟ ولكن العيني لم يراعِ ذلك، بل وضع أبيات الباب كلها أمامه، ثم أخذ يشرحها دون ترتيب حيث يذكره بشواهد كي ثم أن وأنواعها، ثم إذن، ثم مواضع إضمار أن وجوبًا، ثم حتَّى، ثم مواضع إضمار أن جوازًا، ثم حذفها دون المواضع المذكورة، ثم عاد لكي، ثم إذن ثم أن الزائدة، ثم مواضع إضمار أن وجوبًا بعد فاء السببية، ثم ختم الباب بهذا البيت الذي مكانه أول الباب، وهو قوله (¬2): وأُقْسِمُ أَنْ لَو التَقَينَا وَأنتمُ ... لكانَ لكُم يَوْمٌ من الشَّرِّ مُظلِمُ. ثالث عشر: عرض المسائل النحوية الدقيقة: لم يقتصر العيني على شرح مفردات البيت أو إعرابه، وبيان وجه الاستشهاد، وإنَّما كان ينتهز أي فرصة ليتكلم أو يعرض المسائل النحوية الدقيقة، ويورد الآراء المختلفة فيها، انظر إليه مثلًا ¬
رابع عشر: عرض الرأيين للعالم الواحد من كتبه المختلفة
وهو يتحدث عن إعراب هذا الشاهد، وهو قوله (¬1): وَكَم مَوْطِنٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بأَجْرَامِهِ مِن قنَّة النيق مُنهَوى يقول: "وأمَّا لولاي ولولاك ولولاه فقليل، ثم مذهب سيبويه والجمهور هي جارة للضمير مختصة به؛ كما اختصت حتَّى والكاف بالظاهر، ولا يتعلق لولا بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء والخبر محذوف. وقال الأحفش: الضمير مبتدأ، ولولا غير جارة، ولكنهم أجابوا الضمير المخفوض عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا. وقال النحاس: لولاك ولولاي إذا أضمر فيه الاسم جر، وإذا ظهر رفع. وذكر العيني أن أبا العباس لا يجيز: لولاي ولولاك؛ لأنَّ هذا ضمير جر، والاسم الظاهر يكون مرفوعًا، وصحته: لولا أنت، ثم رد عليه بورود هذا الشاهد، فكيف ينكره، وهو كلام فصيح. وفي مثل توكيد الحرف دون ما اتصل به في مثل قول الشاعر (¬2): إِنَّ إنَّ الكَريمَ يَحْلُمُ مَا لَم ... يَرَيْنَ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا يقول العيني: "الحرف لا يعاد إلَّا مع ما اتصل به، أو لكونه كالجزء منه نحو: إن زيدًا إن زيدًا قائم، ولا يعاد وحده إلَّا في الضرورة، نص عليه ابن السَّرَّاج، وأجاز صاحب الكشاف ذلك من غير إعادة اللفظ المتصل، واحتج على ذلك بقول الشاعر المذكور، وتبعه على ذلك ابن هشام الخضراوي، ورد عليه ابن مالك في شرح التسهيل، وقال: قوله مردود؛ لعدم إمام بسند إليه وسماع يعتمد عليه". رابع عشر: عرض الرأيين للعالم الواحد من كتبه المختلفة: لا يكتفي العيني بذكر الرأي الواحد في المسألة للقائل به، وإنَّما يذكر الرأيين للعالم بناءً على ما ذكره في كتابين مختلفين، فمثلًا قول الشاعر متغزلًا (¬3): إن سَلْمَى منْ بعد يَأْسي هَمَّتْ ... بوصالٍ لَوْ صَحَّ لم يبق إلَّا بُوسًا عيَّنَت ليلة فَمَا زلْتُ حتَّى ... نِصفِها زاجِيًا فَعُدْتُ يَؤُوسًا ¬
خامس عشر: اتجاه العيني وميوله نحو المذهب البصري
يقول: "الاستشهاد في قوله: "حتى نصفها" فإن ابن مالك استدل به على أنَّه لا يشترط في مجرور (حتَّى) كونه آخر جزء، ولا ملاقي آخر جزء، وهذا الذي ذكره في التسهيل، وأمَّا ما ذكره في شرح الكافية فهو ما ذهب إليه الزمخشري والمغاربة، من أن المجرور بحتى يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، بخلاف (إلى)، لو قلت: سرت النهار حتى نصفه لم يجز، ولو قلت: إلى نصفه جاز". خامس عشر: اتجاه العيني وميوله نحو المذهب البصري: يعقد الأستاذ الذي عمل رسالة في فرائد القلائد مبحثًا بعنوان: "دلالة الكتاب على اتجاه العيني النحوي" فيقول (¬1): "هذا الكتاب في مجمله يدل على أن اتجاه العيني النحوي يتفق في أغلبه مع مذهب البصريين، وربما يرجع سبب ذلك على شيوع هذا المذهب في مصر والشام بعد سقوط بغداد، حيث صار القطران ملتقى العلماء النازحين من بغداد إليهما، ثم ذكر بعض المسائل التي اختار فيها العيني مذهب البصريين منها: - سد الفاعل مسد الخبر بشرط الاعتماد على نفي أو شبهه. - إعراب ما بعد لولا مبتدأ محذوف الخبر. - جواز تقديم الخبر على المبتدأ. - إهمال ما الحجازية إذا انتقض النفي بإلا. - إعمال ثاني المتنازعين. ثم قال: "ومع ميوله للبصريين، إلَّا أنَّه يرجح رأي غيرهم، ومن ثم نجده أحيانًا كوفيًّا، لم يسرد بعض المسائل التي وافق فيها الكوفيين منها: - جواز إعراب حين وبنائها إذا أضيفت إلى الجملة الاسمية. - جواز توكيد النكرة المحدودة توكيدًا معنويًّا. - جواز حذف حرف النداء قبل اسم الإشارة. ثم يختم البحث قائلًا: "إن العيني نحوي يتخير من المذاهب النحوية أفضل آرائها، فهو ليس بصريًّا صرفًا، ولا كونهما صرفًا، وإنَّما يغلب على آرائه المذهب البصري، فهو قد جمع بين النزعتين؛ لكنَّه يميل إلى ترجيح رأي البصريين". * * * ¬
الفصل السادس: كتاب المقاصد (التأثر والتأثير)
الفصل السادس: كتاب المقاصد (التأثر والتأثير) يتكون هذا الفصل من شقين: الأول: تأثر العيني في كتابه بمن سبقه من العلماء وما جاء في هذا الكتاب من آثار لهؤلاء العلماء. الثَّاني: تأثير العيني وكتابه فيمن خلفه من العلماء، وما جاء منه في كتب وآثار هؤلاء العلماء. أما عن الشق الأول، وتأثر العيني بمن سبقه فيكفي أن تقرأ الفصل الرابع من هذه الدراسة لتجد العيني قد ملأ كتابه بكتب السابقين وحشاه بآرائهم، ومؤلفاتهم على اختلاف مناحيها ومشاربها. فمن كتب النحو واللغة تأثر العيني بكتاب سيبويه، وكتاب المقتضب للمبرد، وكتب النحو ومتونه، وشروح هذه المتون مثل: المفصل للزمخشري، وشروحه، والكافية لابن الحاجب، وشروحها، والألفية والتسهيل لابن مالك وشروحهما. تأثر العيني أيضًا بمؤلفات ابن عصفور وابن مالك وابن هشام وغيرهم، وكما ظهر أثر كتب النحو في الإعرابات والاستشهادات ظهر أثر كتب اللغة والمعاجم المختلفة في شرح الأبيات، ومعاني المفردات كالصحاح للجوهري، والنوادر لأبي زيد، وغير ذلك، وهو كثير. وأمَّا كتب شروح الشواهد التي ظهر أثرها في كتاب المقاصد النحوية فهي كثيرة، مثل شروح ديوان الحماسة لأبي تمام على اختلافها، وشروح الأعلم الشنتمري؛ كشرحه للأشعار الجاهلية، أو شرحه لشواهد سيبويه. وليس ذلك فقط؛ بل انعكست ثقافة العيني التاريخية التي لها علاقة بالشاهد الذي يذكره
أو القصيدة التي يشرحها؛ إذ قد جاء في كتاب المقاصد نقول كثيرة من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب الحيوان للجاحظ، والكامل للمبرد، والأمالي لأبي علي القاضي، وغيرها. وأمَّا مقطوعات الشعر، ودواوين الشعراء، فقد ظهر ذلك جليًّا في الكتاب المذكور، فما من بيت من أبيات الشواهد التي شرحها العيني، إلَّا وقد ذكر فيه مقطوعة أو عددًا كبيرًا من أبيات القصيدة التي منها الشاهد، وقد سردنا في الفصل المذكور الدواوين التي رجع إليها العيني، والتي زادت على المائة، فلتراجع هناك. وأمَّا الحديث عن الشق الثَّاني، وتأثير كتاب المقاصد النحوية للعيني فيمن جاء بعده، أو ما تلاه من الكتب، فنقول: "إن كتاب المقاصد قد ألفه صاحبه من ستة قرون مضت، وقد ظل مقطوعًا لا يعرفه أحد، إلى وقت قريب ظل الكتاب حبيسًا في البيوت أو المكتبات العامة، لا يراه ولا يعرفه إلَّا واحد أو اثنان أو ثلاثة من العلماء بعد النسخ المخطوطة له، وحين طبع من مائة وخمسة وعشرين عالمًا لم يطبع كتابًا مستقلًّا يراه النَّاس ويعرفه الطلاب، وإنَّما طُبع على هامش خزانة الأدب للبغدادي، وعلى ذلك فإن الكتاب الأصلي المطبوع أو المقصود بالطباعة، إنَّما كان كتاب خزانة الأدب، أما الكتاب الفرعي أو الذي طبع تكملة، إنَّما كان كتاب المقاصد. لقد ظل كتاب المقاصد مجهولًا لا يعرفه النَّاس، ولا يقف عليه العلماء، أو يستفيدون منه حتَّى وقتنا الحاضر، وما طُبع على هامش حاشية الصبان، إنَّما هو نزر يسير ممَّا في الكتاب، بعنى أن المطبوع كان شيئًا لا قيمة له بقيمة ما في الكتاب من فوائد. ومع ذلك كله تستطيع أن تقول: إن هناك عالمين كبيرين وشارحين عظيمين للشواهد، انتفعا بكتاب المقاصد، وظهر أثره في كتبهما، وهما الإمام عبد القادر البغدادي (1093 هـ) في كتابه: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، وهو الكتاب الذي يشرح فيه شواهد شرح الكافية المرضي (686 هـ)، وشرح أبيات مغني اللبيب الذي يشرح فيه شواهد المغني لابن هشام. وأمَّا الإمام الآخر فهو السيوطي (911 هـ) الذي شرح شواهد مغني اللبيب أيضًا. أولًا: كتاب خزانة الأدب للبغدادي: اعتمد البغدادي وهو مؤلف كتابه المشهور: "خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب" على كتاب المقاصد للعيني، وجعله مرجعًا من مراجعه الكثيرة، وقد اعترف بذلك في أول كتابه حين سرد المؤلفات التي أخذ منها ونقل عنها (¬1). ¬
لقد نقل البغدادي عن العيني في كتابه المقاصد نقولًا كثيرة، فما من بيت اشترك في شرحه الإمامان البغدادي والعيني، إلَّا وقد وجدت الإمام عبد القادر البغدادي يشير إلى العيني وكتابه المقاصد النحوية، لقد بلغت أبيات الخزانة تسعمائة وسبعة وخمسين ييتًا، وقد جاء أكثرها في كتاب المقاصد الذي بلغت شواهده ألف عن ومائتين وثمانين؛ أي أنها تزيد على شواهد الخزانة بأكثر من ثلاثمائة بيت. لقد كنا ونحن نحقق كتاب المقاصد نضع أمامنا كتاب الخزانة دائمًا، وبخاصة إذا اشترك الإمامان في شرح بيت، كُنَّا نرجع إلى كتاب الخزانة في تصحيح نص أو توثيق بيت الشعر، أو قراءة صحيحة للنص، أو غير ذلك ممَّا يتطلبه التحقيق. ولقد تتبعنا الفهرس الذي صنعه الأستاذ عبد السَّلام هارون لكتاب الخزانة، فوجدنا الإمام عبد القادر البغدادي قد نقل من كتاب المقاصد ثلانمائة وعشرين نقلًا، وكان في بعض النقول يسميه باسمه، وهو كتاب المقاصد النحوية، أو يسميه باسم صاحبه فيقول: "وقال شارح شواهد الألفية". وكان الإمام عبد القادر ينقل من العيني مادحًا أو قادحًا أو ساكتًا، إلَّا أنَّه في أكثر النقول كان يغلب عليه القدح، ولا عجب في ذلك، فالإمام عبد القادر من شراح الشواهد العظماء، فإذا وجد من قصر في ذلك نبه عليه، وقد فعل ذلك مع العيني وغيره. كانت نقول الإمام عبد القادر من العيني كثيرة مختلفة، شأنه شأن اطلاعاته الواسعة، فهنا تفسير لكلمة، وذاك إعراب لها، وهذا بيان لمعنى البيت، وذاك سرد لحادثة تاريخية، وهذا تنبيه على خطأ وقع فيه العيني في تفسير مفردة، وهذا تصحيح لإعراب أعربه العيني على غير وجهه، وهكذا، وسيرى ذلك القارئ في تحقيقنا لكتاب المقاصد؛ حيث كُنَّا نشير إلى تعليق الإمام عبد القادر البغدادي، وكلامه للذي وصمناه بالمدح، أو القدح، أو السكوت. ولم يظهر أثر كتاب المقاصد في كتاب الخزانة وحده للإمام عبد القادر، وإنَّما امتد أثره أيضًا إلى كتابه الآخر في شرح الشواهد، وهو شرح أبيات مغنى اللبيب لابن هشام، حيث وجدت عدة نقول في هذا الكتاب من المقاصد بلغت أكثر من مائة نقل. ثانيًا: كتاب شرح شواهد المغني للسيوطي: وكما اعتمد البغدادي على كتاب المقاصد وجعله، مرجعًا في تأليفه وكتبه، فعل ذلك السيوطي في كتابه الذي شرح به شواهد مغني اللبيب، فلقد اعتمد السيوطي على كتاب المقاصد اعتمادًا يفوق صاحب الخزانة، حيث نقل السيوطي من
المقاصد نقولًا كثيرة مطولة تبلغ الصفحة والصفحتين، نبه على ذلك أو لم ينبه. وقد ظهر ذلك لنا ونحن نحقق كتاب المقاصد؛ حيث كُنَّا نرى النقل الطَّويل لتفسير مفردات البيت عند السيوطي؛ كما هي عند العيني، وكنا نجد كثيرًا من مقطوعات الشواهد عند السيوطي؛ كما هي عند العيني. لقد تأثر السيوطي في شرحه لشواهد مغني اللبيب للسيوطي بالعيني تأثرًا كبيرًا؛ حيث كان ينقل منه قصيدة البيت، وشرح القصيدة كلها، ولا يترك إلَّا كلمة: "قوله" التي تميز بها العيني، وكان يلقب كتابه بقوله: "قال العيني في الكبرى" (¬1). هذا بيت من الرجز، وهو قوله (¬2): قَدْ سَالمَ الحَيَّاتِ مِنْهُ القَدَمَا ... الأُفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا ذكره السيوطي في شرحه (¬3)، ثم أتبعه بأبيات الأرجوزة، وبعد سرد الأبيات أتبعه السيوطي بشرح الأبيات، ووجدت الأمر كما فعله العيني تمامًا بتمام. وعلى ذلك فإن كتاب المقاصد من الكتب الأساسية التي اعتمد عليها السيوطي في شرحه لشواهد أخرى. كتب أخرى تأثرت بكتاب المقاصد: ولم يقف تأثير كتاب المقاصد الكبرى للعيني على كتب الإمامين عبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي فحسب، بل امتد تأثيره إلى كتب أخرى، فهذا كتاب شرح فيه صاحبه شواهد همع الهوامع للسيوطي، وهو كتاب: (الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع في العلوم العربية) للعلامة الفاضل الشَّيخ أحمد ابن الأمين الشنقيطي المتوفى (1331 هـ)؛ حيث وجدت في الكتاب المذكور عدة نقول أيضًا من كتاب المقاصد، ولا عجب في ذلك، فكلاهما يسير في طريق واحد، وكلاهما يقصد إلى هدف واحد، وهو شرح الشواهد النحوية. وهنا أمر يجب أن ننبه عليه ونشير إليه، له علاقة بتأثير كتاب المقاصد فيمن جاء بعده، نختم به هذا الفصل، هو أن جامعي الدواوين والقصائد والمقطوعات في العصر الحديث اعتمدوا على كتاب المقاصد كثيرًا في سرد القصائد والمقطوعات، وبخاصة الدواوين التي فقدت، أو الشعراء ¬
المغمورون الذين لم يكن لهم ديوان مجموع مخطوط في القديم، ويظهر ذلك في طبعات الدواوين المختلفة، أو تحقيقها في العصر الحديث، وهو أمر مشهور يعرفه المحققون والأدباء، فقد اعتمدوا على كتاب المقاصد للعيني مرجعًا وتوثيقًا وتصحيحًا؛ كما اعتمدوا على مجاميع الشعر المختلفة كالحماسيات والمفضليات. * * *
الفصل السابع: كتاب المقاصد (النقد والتقويم)
الفصل السابع: كتاب المقاصد (النقد والتقويم) مؤلف كتاب المقاصد رجل ذو خبرة وعين ناقدة بصيرة، رجل تخصص في التاريخ، قرأه فاعتبر، ووقف عليه فاتعظ وتأثر، عرف الدول كيف تقوم ثم تذهب، وشموس الملوك والسلاطين كيف تشرق ثم تغرب، وكل نجم يبزغ، له في السماء نجوم ألداء، وحساد، وأعداء. وهكذا كان العيني حساده كثيرون، والحاقدون عليه لا يعدون ولا يحصون، ومن هنا امتلأت مقدمات كما نبه وخواتيمها بالنقود من هؤلاء الحساد، وأن يبعدهم الله عنه، ويكون لهم بالمرصاد. طلب العيني من قارئ كتبه أن يصغوا عما فيها من زلات، وأن يتذكر أن فيها كثيرًا من الحسنات، وأن الله قد قال في محكم الآيات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، طلب العيني من قارئ كتبه أن يضع نصب عينيه قول المتنبي: فَإِنْ يَكُن الفِعْلُ الذِي سَاءَ واحِدًا ... فَأَفْعَالُهُ اللائِي سَرَرْنَ أُلُوفُ وها هي عدة نقول من كتبه توضح هذه المعاني: يقول في مقدمة كتابه: (عمدة القارئ شرح صحيح البُخاريّ): "النَّاس فيما تعبت فيه الأرواح على قسمين متباينين، قسم هم حسدة ليس عندهم إلَّا جهل محض، وطعن، وقدح، وعض؛ لكونهم بمعزل عن انتزاع أبكار المعاني، وعن تفتيق ما رتق من المباني. إذا لم يكن للمرء عين صحيحة ... فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر وصنف هُم ذوو فضائل وكمالات، وعندهم لأهل الفضل اعتبارات، المنصفون اللاحظون إلى أصحاب الفضائل والتحقيق، وإلى أرباب الفضائل والتدقيق بعين الإعظام والإجلال، وقليل ما هم، وهم كالكثير، الواحد منهم كالجم الغفير، ولكن أين ذلك الواحد؟ ".
وفي مقدمة كتابه المقاصد يقول: "والمسؤول ممن ينظر فيه، أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، فإن القلم له هفوة، والجوادَ له كبوة، والإنسان غير معصوم من الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنا مرفوعان، وأن يَذْكُرَني بصالح دعواته عَقِبَ صلوَاتِه في خلواته، فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم ابتغاء لمرضاته، وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلَّا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود متوكلًا على الله المعبود". وفي ختام كتابه المذكور يقول: "والمأمول من الناظر فيه ألا يكون من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا من الذين يتصفحون في مبادئه ومقاطعه، وكم من متصرف في المهذب بالزيادة والنقصان، ومن صفوق نحوه أسهم الظن والطعان، جزاء سنمار حين بنى الخورنق للنعمان، وهل هذا إلَّا من حسد ركب الأجساد؟ ولأنهم عزل عما يكني أهل الفضل والاجتهاد، فلذلك تراهم يخرطون القتاد". ثم يختم كلامه بعد أن يبين فضل كتابه قائلًا: "ومع هذا كله ينتبذ ذو حسد من الجهل اللئام، ومن الطاعنين فيما تعبت فيه أفاضل الأنام، متصديًا للأعراض، متمنيًا فرض أثره بالمقراض لينال بذلك إلى المفاسد من الأغراض، ولكن من له دين قومٍ، أو طبع سليم يستنكف عن نبش المعايب، ولا يرضى لدينه بث المثالب، مذعنًا فيما ظهرت آياته إلى القول، ومتجنبًا فيما قامت بياناته عن النكول، فنسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل". وفي كتابه عمدة القارئ يقول -أيضًا- في هذا المعنى: "والمأمول من الناظر فيه أن ينظر بالإنصاف، ويترك جانب الطعن والاعتساف، فإن رأى حسنًا يشكر سعي زائره، ويعترف بفضل عاثره، أو خللًا يصلحه؛ أداءً لحق الأخوة في الدين، فإن الإنسان غير معصوم عن زلل مبين: إنْ تَجِدْ عَيبًا فَسُدَّ الخللا ... جَلَّ مَنْ لا عَيبَ فِيهِ وعلا فالمنصف لا يشغل بالبحث عن عيب مفصح، والمتعسف لا يعترف بالحق الموضح. فَعَينُ الرضَا عَنْ كُل عَيبٍ كلَيلةٌ ... ولكن عَينَ السُّخْطِ تَبدِي المَسَاويَا وسنحاول في هذا الفصل -إن شاء الله- أن ننتقد العيني في كتابه المقاصد فنذكر محاسنه، ثم نتبعها بمآخذه، فقد عشنا معه ست سنوات كاملة، وقفنا فيها على حسنات وهنات، وليس ما نذكره من حسنات سبع أو ثمان، وما نسرده من هنات مثلها هي كل ما في الكتاب، بل فيه
محاسن الكتاب
من الحسنات الكثير، ولكن يكفي من الغيث قطرة، ومن البستان زهرة؛ إنه تقويم عام للكتاب، ووضعه في ميزان النقد، وإعطاء القارئ مقدمة وفكرة عما في الكتاب، حتَّى إذا أخذ في قراءته بابًا بعد باب عرف ما يشتمل عليه كتابه جملة. محاسن الكتاب: أولًا: السير على منهج واحد لم يتغير: اتخذ العيني لنفسه منهجًا لم يتغير طوال كتابه، وشرحه للشواهد، حيث كان يبدأ بسرد البيت ثم يذكر القائل، ثم يترجم له، ثم يذكر البحر العروضي للبيت، ثم يسرد عدة أبيات من قصيدته، أو يسرد القصيدة كلها إن كانت نادرة، أو من منتخبات الشعر وجيِّده، ثم يشرح مفردات البيت، أو الأبيات التي يسردها، ثم يعرب بيت الشاهد إعرابًا كاملًا، يظهر فيه موضع الجمل، وغير ذلك، ثم يختم الكلام بذكر وجه الاستشهاد، وما فعله العيني هو أمر بين الاختصار والتطويل، وبذلك شرح ما يقرب من ألف وثلاثمائة شاهد، في أربعة أجزاء كما يرى القارئ، بخلاف صاحب الخزانة الذي شرح ألف عن أو أقل في أحد عشر جزءًا، وما ذلك إلا لأن صاحب الخزانة قد أطال الكلام في البيت، ونقل نقولًا كثيرة من كتب الأدب واللغة والنحو. ثانيًا: شرح العيني أبياتًا لم يشرحها غيره: انفرد كتاب المقاصد بذكر أبيات وشواهد لا توجد إلَّا فيه؛ حيث جمع صاحبه شواهد أربعة كتب وشروح للألفية، فكثرت الشواهد، وانفرد بعضها بوجودها في هذا الكتاب دون غيره، فمثلًا شواهد باب ظن وأخواتها في كتاب المقاصد جاءت قريبة من خمسين بيتًا، بينما جاءت شواهد هذا الباب في كتاب خزانة الأدب للبغدادي لا تزيد على ثلاثة عشر بيتًا (¬1). وهناك أبيات كثيرة في أبواب أخرى انفرد بها العيني، فمثلًا هذا الشاهد، وهو قوله (¬2): تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارهًا فَتَرَكْتُهَا ... وَكَأَنَّ فراقِيَهَا أَمَرُّ من الصَّبْر فهذا الشاهد لا يوجد إلَّا في كتاب المقاصد دون غيره من الكتب؛ كالخزانة وغيرها، وهو ليحيى بن طالب الحنفي، قاله حين حنَّ إلى وطنه، وفيه مقطوعة شعرية بلغت ثمانية أبيات من ¬
ثالثا: كثرة المسائل النحوية والصرفية في الكتاب
أرق أييات الحنين إلى الوطن، يقول في أولها: 1 - أحَقًّا عِبَادَ الله أَن لَسْتُ نَاظِرًا ... إِلى قَرقَرَى يَومًا وَأَعْلامِهَا الغُبرِ 2 - كَأَنَّ فُؤَادِي كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ ... جناحُ غُرابٍ رَامَ نهضًا إِلَى وَكْرِ ثالثًا: كثرة المسائل النحوية والصرفية في الكتاب: يعد العيني فارسًا من فرسان النحو والصرف بله الأدب، ما يشهد على ذلك كتاب المقاصد، حيث لم يترك العيني شيئًا من النحو في البيت الذي يشرحه إلَّا وقد أتى عليه وشرحه واجتهد في شرحه، ولا يترك شاردة ولا واردة في الإعراب إلَّا وقد أتى عليها ما يريد جلاء الحقيقة ووضوح اللبس، وفي اعتقادي أن العيني يفوق الإمام عبد القادر البغدادي في هذه الناحية، فإذا كان الإمام عبد القادر يفوق العيني في الأدب، فإن العيني يفوق البغدادي في النحو، ولا أدل على ذلك من هذا البيت، وهو قول امرئ القيس (¬1): فلَوْ أنَّ مَا أسعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي وَلَم أطْلُبْ قَلِيل مِنَ المالِ فقد انتشر هذا البيت في كتب النحاة، وكثر كلامهم فيه، كما كثر كلام العيني؛ حيث تكلم فيه صفحتين طويلتين، بينما ذكره الإمام عبد القادر، ولم يتكلم فيه بشيء إلَّا قوله: "هذا بيت من باب التنازع، وقد بينه الشارح المحقق، وأصله من إيضاح ابن الحاجب". ثم ملأ الإمام البغدادي في البيت عشر صفحات في كتابه الخزانة، كانت كلها في كلام في الأدب، وليس فيها كلمة واحدة في النحو. أما العيني -كما قلنا- فقد أتى على البيت وصال وجال، وبين معنى لو، وذكر أن هذا البيت يحتمل أن يكون من باب التنازع، وألا يكون، ثم مضى يبين ذلك مطولًا ومفصلًا. وكان شرح العيني لمفردات الشاهد وبيان معانيها يدعوه لأنَّ يتعرض لمسائل صرفية دقيقة، فكان يذكر باب الماضي مع المضارع في كثير من الأفعال، وإذا كان للمضارع بابان ذكرهما أيضًا، انظر إليه، وهو يشرح هذا الشاهد (¬2): يا رُبّ يومٍ لي لا أُظَلَّلُهْ ... أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضْحَى مِنْ عَلُهْ يقول: "وأُضحى" على صيغة المجهول -أيضًا- من ضحيت الشَّمس ضحاء ممدودًا، إذا برزت، وضحت ضحاء بالفتح مثله، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعًا". ¬
رابعا: ضبط كلمات البيت ضبطا تاما
ويستمر قائلًا: "الهاء في "من عله" مشكلة؛ لأنها لا تخلو من أن تكون ضميرًا، أو هاء سكت، فلو كانت هاء الضمير لوجب أن يقال: من عله بالجر؛ لأنَّ الظرف لا يبنى في حال إضافته، ولا تكون هاء السكت؛ لأنَّ هاء السكت لا تدخل معها حركة بناء تشبه حركة المعرب، ولذلك لا تدخل على الماضي لمضارعته المضارع، وحركة هذا الضرب من المبنيات تجري مجرى حركة المعرب ثم ذكر أن الهاء بدل من الواو، والأصل: علو". وهكذا لا تقابله مسألة نحوية أو صرفية إلَّا ذكرها وبينها وعللها. رابعًا: ضبط كلمات البيت ضبطًا تامًّا: عني العيني بالضبط الصَّحيح للكلمات ضبطًا تامًّا بالحروف والصورة والشكل حتَّى لا تلتبس بغيرها، فيقول: "الشيمة" بكسر الشين المعجمة، و "الأريب" بفتح الهمزة، وكسر الراء، وشاحبًا بالشين المعجمة، والحاء المهملة، والباء الموحدة: من شحب لونه يشحب، إذا تغير فهو شاحب، ولا يترك القارئ يتخبط في الكلمة وضبطها ونطقها، وهو شيء محمود. وفي الشاهد السابق، وهو قوله (¬1): يا رُبّ يوم لي لا أُظَلَّلُهْ ... أُرْمَضُ مِن تحتُ وأُضحَي مِنْ عَلُه يقول: "لا أظلله" على صيغة المجهول من الظل، و "أُرمض" على صيغة المجهول أيضًا، و "تحت" أصله: من تحتي بالإضافة إلى ياء المتكلم، فلما قُطع عن الإضافة بُني على الضم، و "عله" بضم اللام وفتح العين وسكون الهاء. وهكذا لا يترك القارئ يحار في النطق، وإنما يوضح له ويبين له النطق الصَّحيح لكلمات البيت، وهو ممَّا يدل على الدقة في العلم. خامسًا: لا يثق إلَّا في نفسه، وفيما تراه عينه: كان العيني دقيقًا في أحكامه لا يقبل كل ما كتب، وكل ما جاء من غيره، وإنما يتحرى بنفسه، ويبحث عن الحقيقة بحسه، انظر إليه وهو يشرح هذا البيت (¬2): فَبَكَى بَنَاتي شَجوهُنَّ وَزَوجَتي ... وَالطَّامِعُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا ثم يقول: "أقول: قيل: إن قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، من قصيدته ¬
سادسا: تصحيح أخطاء السابقين
المشهورة التي أولها هو قوله: أمنَ المنُونَ ورَيبُها تتوَجَّعُ ... والدَّهرُ ليسَ بمعْتِبٍ مَنْ يجزع ولم أجده في القصيدة المذكورة ولا في ديوانه، والحقُّ أنَّه ليس منها، ولكنه لما كان من بحرها وهو بحر الكامل وقريبًا منها ربما ظُن أنَّه منها. وإذا لم يستطع التحري أسند العلم إلى صاحبه؛ ليكون على مسؤوليته، يقول في شاهد: قائله عويف القوافي، قاله الصغاني، أو قائله أبو زبيد الطَّائي، قاله اللخمي في شرح أبيات الجمل. سادسًا: تصحيح أخطاء السابقين: كان العيني لا يقبل كل كلام يُلقى إليه ممن سبقه، فقد يكون ما جاءه من غيره خطأ، وهكذا انظر إليه وهو يشرح هذا البيت (¬1): وَرَدَّ جَازِرُهُم حرفًا مُصّرّمَةً ... ولا كَريمَ مِنَ الولدان مَصْبُوحُ يقول بعد أن أنشد البيت: "وفيه خطأ من وجهين: أولهما: أن الزمخشري نسب البيت إلى حاتم الطَّائي؛ كما أن الجرمي نسبه إلى أبي ذؤيب. ثم قال: والصَّواب أنَّه لرجل جاهلي من بني النبيت (¬2) جمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند مأوية بنت غفزر خاطبين لها، فقامت حاتمًا عليهم وتزوجته، فقال هذا الرجل شعرًا، وأوله هو قوله (¬3): هذا سألتِ النبيتيَين ما حَسَبِي ... عندَ الشتاء إذا ما هبتِ الريحُ الخطأ الثاني: أن هذا البيت أنشده النحويون، من أول سيبويه وأبي علي الفارسي حتَّى ابن الناظم هكذا كما هو مكتوب في صدر الكلام". قال العيني: "وهذا البيت ممَّا ركب فيه صدر بيت على عجز آخر" ثم سرد البيتين صحيحين هكذا: 2 - وَرَدَّ جَازِرُهُم حرفًا مُصّرَمَةً ... في الرأسِ منهَا وفيِ الأَصلاءِ تمليحُ 3 - وقال رائدُهُم سيَّانَ ما لَهُمُ ... مثلان مثلٌ لمن يرعى وتسريحُ 4 - إذا اللقاحُ غدت مُلقًى أصِرَّتُهَا ... ولا كَرِيمَ مِنَ الولْدَانِ مَصْبُوحُ ¬
سابعا: التخفيف عن القارئ بذكر ما هو بعيد عن النحو واللغة
سابعًا: التخفيف عن القارئ بذكر ما هو بعيد عن النحو واللغة: يعد كتاب المقاصد كتابًا جامعًا، فيه النحو واللغة والحوادث والتاريخ، فعل ذلك مؤلفه حتَّى لا يمل القارئ من رتابة ما يقرأ، وما يتكرر في كل بيت من إعراب وشاهد وغير ذلك. لقد كان العيني يتحف القارئ بقصة جميلة في بعض الأبيات تخفف عنه ثقل الإعراب، أو شرح المفردات، أو بيان الشاهد، هذا بيت ذكره وهو قول كُثير عزة (¬1): قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُولٍ مُعَنًى غَريمُهَا يقول وهو يشرح معنى البيت: "إن عزة دخلت على أم البنين بنت عبد العزيز، وهي أخت عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، زوجة الوليد بن عبد الملك الأموي فقالت لها: أرأيت قول كثير: قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَريمَهُ ... .......................... إلخ ما كان ذلك الدين؟، قالت: وعدته قبلة فخرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها وعلي إثمها". كما يذكر في هذا البيت -أيضًا- أن عطارًا لكثير وهب عزة ثمن بضاعة اشترتها منه، فأعجب كثير بفضله وأعتقه ووهب له ما في حانوت العطر حبًّا وكرامة لعزة. ويحكي قصة سوداء الغميم، ومرضها، وكلف العوام بن عقبة بها، ومجيئه إليها يزورها، وذلك في قوله (¬2): وَخُبِّرتُ سَوْدَاءَ الغَميم مَرِيضَةً ... فَأَقبَلْتُ منْ أَهْلي بمصْرَ أَعُودُهَا - ويحكي قصة الزباء، وقتلها نفسها قائلة: "بيدي لا بيد عمرو" وهو: عمرو بن أخت جذيمة الأبرش، وهي قصة طويلة جاء ذكرها في هذا البيت (¬3): مَا لِلجَمَالِ مَشْيُهَا وَئيدا ... أَجَنْدَلًا يَحْملنَ أَمْ حَديدا ونعود إلى ما قلناه أول الفصل: أن الكتاب مليء بكثير من المحاسن لكن يكفي من الغيث قطرة. مآخذ الكتاب: وهي مآخذ عامة لا تنقص من قيمة الكتاب، تتعلق بالشاهد، والقصيدة التي منها الشاهد، ¬
أولا: سرد القصيدة جملة واحدة
وقائل الشاهد، وهي أيضًا مآخذ لا تغض من قيمة الكتاب؛ لأنها لا تتكرر كثيرًا بل منها المثال، أو المثالان أو الثلاثة. أولًا: سرد القصيدة جملة واحدة: كان العيني يسرد القصيدة التي منها الشاهد، والتي قد تبلغ ثلاثين أو أربعين بيتًا جملة واحدة، ثم يأخذ في شرحها بعد ذلك فيئًا بعد آخر، فيحار القارئ في أي بيت يشرح، وفي أي مكان في القصيدة يفسر، ولو أنَّه سرد خمسة أبيات، ثم شرحها، ثم أعقبها بخمسة أخرى بشرحها حتَّى ينتهي من القصيدة لكان أفضل وأجدى، وانظر مثالًا على ذلك أرجوزة رؤبة بن العجاج التي مطلعها وشاهدها قوله (¬1): وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُختَرَقْ ... مُشْتَبِه الأَعْلام لَمّاع الخَفَق وقد بلغت واحدًا وسبعين ومائة بيت من الرجز المشطور، سردها كلها مرَّة واحدة، ثم شرحها بعد ذلك في خمس عشرة صفحة، ومثل ذلك قصيدة عمر بن أبي ربيعة التي بلغت أربعة وسبعين بيتًا من بحر الطَّويل، والتي أولها (¬2): أَمنْ آلِ نُعْم أَنْتَ غَاد فَمُبْكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائحٌ فَمُهَجِّرُ سردها كلها مرَّة واحدة، ثم شرحها بعد ذلك بيتًا بيتًا. ثانيًا: سرد بعض أبيات القصيدة حيثما اتفق: كان العيني يذكر الشاهد، ثم يذكر بعده عدة أبيات حيثما اتفق دون تفريق بين الجيد والأجود، بل كان يتوقف عن السرد، وبعض المعاني ناقصة. ففي قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، والتي منها هذا الشاهد وهو قوله (¬3): هل الدَّهرُ إلَّا لَيلَةٌ وَنَهارُهَا ... وإلا طُلُوعُ الشَّمْس ثُمَّ غَيَارُها ذكر عدة أبيات كان آخرها قوله: فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلابَة فاردٌ ... تَنُوشُ البَرير حَيثُ نَال اهْتصَارُهَا وفيه ذكر اسم ما الحجازية، وترك خبرها في بيت قال، وهو قوله (¬4): بأَحسَنَ منهَا يوم قَامَت فَأَعرَضَت ... تُواري الدموع حين جَدَّ انحدَارُهَا ¬
ثالثا: الخطأ في ذكر مطلع القصيدة
ثالثًا: الخطأ في ذكر مطلع القصيدة: كان العيني يذكر الشاهد ثم يتبعه بقوله: وهو من قصيدة أولها كذا، ونعود للديوان فلم نجد الأمر كما ذكره، ففي قول جرير (¬1): فغُضّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نُمَير ... فلا كعبًا بلَغْتَ ولا كلابًا يقول: "أقول قائله هو جرير بن الخطفى وهو من قصيدة من الوافر، أولها هو قوله: لَنَا حَوضُ الحَجِيجِ وَسَاقِيَاهُ ... ومَنْ وَرِثَ النُّبُوَّةَ والكِتَابَا بينما المطلع في ديوان جرير، وفي جميع طبقات الديوان قوله (¬2): أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابا ... وَقولي إن أَصَبتُ لَقَد أَصابا وهو نفسه قد خالف في هذا البيت -أعني: أقلي- فجعل أول قصيدته، وقد سرد منها تسعة أبيات (¬3). - ومثل ذلك قوله (¬4): فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الفُؤَادِ مُبطَّنًا ... سهْدًا إِذَا مَا نَامَ لَيلُ الهَوْجَلِ قال العيني: "قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه: عامر بن الحليس الجرُبي، وهو من قصيدة لامية من الكامل قالها في تأبط شرًّا، وكان زوج أمه، وأولها هو قوله: ولقَدْ سَرَيتُ عَلَى الظَّلامِ بِمِغشَم ... جَلدٍ مِنَ الفتْيَانِ غَيرِ مُثَقَّلِ والذي ذكره العيني ليس مطلع القصيدة، بل هو البيت الرابع عشر فيها، أما مطلعها فهو قوله (¬5): أزهيرٌ هلْ عَنْ شَيبَةٍ مِنْ مَعْدَلٍ ... أم لا سبيلَ إلى الشبابِ الأولِ؟ وقد ذكر المطلع صحيحًا في شاهد آخر، وهو قوله (¬6): مَا إنْ يَمَسُّ الأَرضَ إلَّا مِنكَبٌ ... منهُ وحَرفُ السَّاق طَيَّ المحمَلِ. ¬
رابعا: نسبة بعض الأبيات إلى غير قائلها
رابعًا: نسبة بعض الأبيات إلى غير قائلها: وهذا الأمر ليس بالكثير، وإنَّما يوجد منه المثال والمثالان، من ذلك قوله (¬1): تُهَاضُ بِدَارٍ قَد تَقَادَمَ عَهدُهَا ... وَإمَّا بأَمْوَات ألَمَّ خَيَالُهَا نسبه العيني إلى ذي الرمة، والصحيح أنَّه للفرزدق (¬2)، وقد ذكر ذلك أيضًا أي النسبة الصحيحة صاحب خزانة الأدب (¬3)، والعيني تابع في هذه النسبة ابن مالك؛ فقد نسب الشاهد المذكور لذي الرمة (¬4). ومن ذلك قوله (¬5): فيَا شَوْقَ مَا أبْقَى ويَا لي مِنَ النَّوَى ... ويا دَمعُ ما أجْرَى ويا قلبُ ما أصْبَا قال العيني بعد إنشاده: "أقول: قيل إنه من كلام المحدثين وهو الظاهر"، ونقول: إن البيت للمتنبي من قصيدة يمدح بها سيف الدولة الحمداني بدأها بالغزل (¬6). خامسًا: يذكر أن الييت مجهول، وقد اكتشفنا قائله: وهذا الأمر -أيضًا- لا يوجد منه عدد كثير من الأبيات، وفيه ذكر العيني أن قائل البيت مجهول، أو لم يقف عليه، بينما اكتشفنا قائله، أو وجدناه في مراجع أخرى، من ذلك قوله (¬7): حَتَّى إِذَا رَجَبٌ تَوَلَّى وَانقَضَى ... وجُمَادِيَّانِ وَجَاءَ شَهرٌ مُقبلٌ قال العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل"، ونقول: البيت لأبي العيال الهذلي، وهو في شرح أشعار الهذليين (¬8). ومن ذلك قوله (¬9): وَلَسْتُ أَبَالي بَعدَ فَقدي مَالِكًا ... أَمَوتِي نَاءٍ أَم هُوَ الآنَ وَاقعُ قال العيني: "لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل"، ونقول: البيت لمتمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك (¬10). ¬
سادسا: نسب بعض الأبيات إلى كتب ليست فيها
ومن ذلك -أيضًا- قوله (¬1): وَلَيتَ سُلَيمَى في المنام ضَجِيعَتِي ... هُنَالِكَ أَمْ في جَنَّةٍ أمَّ في جَهَنَّمِ قال العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل لا، ونقول: البيت لعمر بن أبي ربيعة، وهو في ديوانه (¬2). سادسًا: نسب بعض الأبيات إلى كتب ليست فيها: وهذا الأمر من فوائد التحقيق؛ حيث ذكر العيني أن هذا البيت أنشده الفراء، وأنشده ابن جني، وأنشده سيبويه، وأعود إلى كتب هؤلاء، وأبحث عن البيت فلا أجده، من ذلك قوله (¬3): مَرُّوا عَجَالى وَقَالُوا كَيفَ سيدُكُم ... فَقَال مَن سئلوا أَمْسَى لمجهُودَا قال العيني: "هذا من أبيات الكتاب، ولم ينُسب فيه إلى أحدًا، ونقول بحثنا عنه في الكتاب فلم نجده. ومن ذلك قوله (¬4): كَيْ تَجْنَحُونَ إلى سِلْمٍ وما ثُئِرتْ ... قَتْلاكُمُ ولظَى الهَيجَاء تَضْطَرمُ قال العيني: "أنشده سيبويه، ولم يعزه إلى قائله"، ونقول بحثنا عنه في الكتاب، ولم نجده. ومن ذلك -أيضًا- قوله (¬5): أبا عُرْوَ لا تبعَد فَكُلُّ ابنُ حُرَّةٍ ... سيدعُوهُ دَاعِي مَيتَة فَيُجيبُ قال العيني: "أقول: قائله مجهول، كذا قاله ابن يعيش وشارح الجزولية"، ونقول: البيت في شرح المفصل لابن يعيش فقط (¬6)، وليس في شرح المقدمة الجزولية "الكبير" لأبي علي الشلوبين. سابعًا: يشرح أبياتًا ليست في الكتب الأربعة: وهذا أمر لا يوجد منه إلَّا المثال الواحد أو المثالان، حيث أخذ الشارح على نفسه أن يشرح شواهد شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح ابن هشام، وشرح ابن عقيل، ولكنه شرح شواهد ليست في الكتب الأربعة، ولعلّه قد يكون في يده نسخة من الكتب الأربعة، منها هذا ¬
ثامنا: مآخذ ذكرها بعض الباحثين
الشاهد، من ذلك قوله (¬1): إلَّا رَسُولَ لَنَا مِنَّا فيُخبرَنَا ... ما بعدُ غَايتنَا مِنْ رَأسِ مُجْرَانَا وقد ذكره شاهدًا على نصب الفعل بخبرنا بأن مضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب التمني. والبيت لا يوجد في واحد من الكتب الأربعة المذكورة، وإن ذكر أنَّه في شرح المرادي. ثامنًا: مآخذ ذكرها بعض الباحثين: ويأخذ الباحث الذي صنع رسالة في كتاب (¬2): "فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد على العيني" عدة مآخذ: - منها أنَّه كان ينقل من الآخرين دون إشارة، ويستشهد على ذلك بنقوله عن ابن مالك من شرح التسهيل، وشرح الكافية الشافية، ونقول عن ابنه بدر الدين في شرحه على الألفية، أو نقوله عن المرادي في شرحه على الألفية -أيضًا-، ونقوله عن ابن هشام من مغني اللبيب، وأوضح المسالك، وتخليص الشواهد؛ كما نقل عن ابن يعيش، وابن عصفور، وغيرهم، دون أن يشير. ونحن نقول: إن الأمر أسهل من هذا بكثير، فقد ذكر العيني هؤلاء الأعلام كثيرًا، وأشار إليهم، وتكرر ذكرهم في كتاب المقاصد، وغيرهم كثيرًا، وكان العيني أمينًا في النقل عنهم، بذكر موضع النقل من كتبهم؛ بل كان حريصًا على أن يذكر هؤلاء الأئمة في كتابه، فهو يعلم أن ذكرهم والنقل عنهم موافقًا أو مخالفًا يرفع قدر كتابه، ويعلي قيمة شرحه، فإذا نقل مرَّة أو مرتين أو ثلاث دون إسناد، فذلك إنَّما كان للاختصار، أو لاشتهار كتبهم وآرائهم، وإذا تصفح الباحث الكتاب الأصلي لكتابه، وهو المقاصد الكبرى للعيني لوجد صفحاته كلها تمتلئ بهؤلاء الأئمة وغيرهم، وتغص بذكر العلماء، والنقول عنهم في كل فن ومجال. -كما يأخذ الباحث على العيني اضطرابه في الأسلوب في بعض المواضع، وأن الدكتور: سيد تقي "جامعة الأزهر" ألف كتابًا ذكر فيه عدة مسائل مختلفة أخذها على العيني. ونقول: إننا قرأنا الكتاب المذكور مرات، وكنا نريد أن نقف فيه على عدة مآخذ علق فيها على كتاب العيني، وعلى شرحه للشواهد، وآلينا على أنفسنا أن نأخذ الكتاب كله، ونضعه في ¬
التحقيق والتَّعليق، ونحدد مآخذ على الشَّرح، وهو ما توجهه قضايا التحقيق؛ إلَّا أننا لم نجد شيئًا ذا بال؛ حيث كُنَّا نقرأ العشر مسائل لا نجد واحدة تستحق التعليق والأخذ، وكلها مآخذ لفظية أسلوبية، أو خلاف في الرأي، أو سهو من العيني غير مقصود. - وبعد أن يذكر الباحث عدة مآخذ مختلفة يختم ذلك بقوله: "وبعد: فإن هذه الهنات التي وقفت عليها لا تغض من قيمة هذا الكتاب، فهو كتاب أثرى المكتبات العربية لقيمته العلمية، وهذه الهنات لا تقدح في قيمته، وذلك نظرًا لكثرة اشتغالاته الوظيفية، ولأنه عمل بشري، والكتاب مليء بأشياء كثيرة استفاد منها العلماء المعاصرون له، ومن جاء بعدهم حتَّى يومنا هذا (¬1). انتهى. * * * ¬
الفصل الثامن: كتاب المقاصد (المخطوط والمطبوع)
الفصل الثامن: كتاب المقاصد (المخطوط والمطبوع) نستعرض في هذا الفصل النسخ المخطوطة والمطبوعة لكتاب المقاصد النحوية للعيني، ووصف تلك النسخ، ثم فائدة هذه وعيوب تلك ليكون القارئ على بينة ممَّا يقرأ، فذلك أصل التحقيق. نستعرض هنا النسخ التي وقعت بأيدينا مخطوطة، ومطبوعة، والتي عملنا فيها نحن الثلاثة ست سنوات (أكتوبر 2001 م- فبراير 2007 م) ولو أن هذا عمل فرد لاستغرق أكثر من عشر سنوات. أولًا: الحديث عن النسخ المخطوطة: لا شك أن نسخ هذا الكتاب في مكتبات العالم كثيرة، منها ما هو في دار الكتب المصرية حيث ألف العيني الكتاب، ومنها ما هو في غيرها، وعلى كل حال عندما عزمنا على تحقيق الكتاب بعد أن تبينت لنا فوائده، صورنا منها نسختين مخطوطتين، كانتا في المكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الأولى كانت برقم: (7547 - 7548 ف) والثانية برقم (2146 ف)، وقد رمزنا للنسخة الأولى (أ) وذلك تقدم نسخها، حيث نسخت سنة (817 هـ)، وللنسخة الثَّانية برمز (ب)؛ لأنَّ تاريخ نسخها أحدث ممَّا قبلها، حيث نسخت سنة: (1142 هـ). واكتفينا بهاتين النسختين على أن تكون النسخة المطبوعة على هامش الخزانة "طبعة بولاق" هي النسخة الأصلية الصحيحة؛ لأنها تعد كأنها محققة، ثم ظهرت نسخة أخرى مطبوعة أخرى سنة: (2005 م) كما سنتحدث بعد ذلك. وصف النسخة المخطوطة (أ): هي نسخة مكونة من جزأين: الجزء الأول مكتوب بخطِّ المؤلف، وقال: إنه فرغ من تأليفه
وصف النسخة المخطوطة (ب)
وكتابته سنة: (817 هـ)، وهو يبدأ بأول الكتاب، وينتهي عند آخر باب: تعدي الفعل ولزومه، وهذا الجزء عبارة عن: (334) لوحة، في كل لوحة صفحتان، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرًا، وكله مكتوب بخط أسود كبير وهو برقم (7547 ف) بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعنوانه: "شرح الشواهد الكبرى للعلامة: محمود بن أحمد العيني" وبقية الصفحة فيها طمس كبير. وأمَّا الجزء الثَّاني، فهو مكتوب بخطِّ: أحمد بن محمد بن عبد الله الحموي، وهو عبارة عن (367) لوحة، في كل لوحة صفحتان، وفي كل صفحة خمسة وعشرون سطرًا، ويبدأ هذا الجزء بباب التنازع حيث انتهى الجزء الأول حتَّى آخر الكتاب، وقد كتب في شهر جمادى الثَّانية سنة: (1118 هـ)، وهذا الجزء مكتوب بخط كبير أسود، وهو في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، برقم: (7548 ف) وعنوانه: "الجزء الثَّاني من شرح الشواهد الكبرى لعلامة زمانه: محمود بن أحمد العيني -رحمه الله-". وصف النسخة المخطوطة (ب): هي نسخة مكونة من جزء واحد، وعدد لقطاتها أربعمائة لقطة بالعنوان، في كل لقطة صفحتان، فكأنها ثمانمائة صفحة بالتمام والكمال، في كل صفحة خمسة وثلاثون سطرًا، وفي كل سطر ثلاث عشرة كلمة، وهي مكتوبة بخطِّ النسخ الجميل، وقد كتب بيت الشاهد والرموز الخاصة به "ظقهع"، والعناوين الخاصة أيضًا بالبيت "الإعراب -وجه الاستشهاد- قوله" بخطّ أحمر مميز، وبقية الكلام بخطّ أسود جميل لا يتعب في القراءة، ولم يكن عيبها إلَّا كثرة السطور في الصفحة الواحدة، ولكن الصبر على قراءتها كان فوق كل شيء. تبدأ النسخة المذكورة بما بدأ به الكتاب، وهو خطبة المؤلف التي جاء فيها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إياك نحمد يا مَن علمتَنا مِن العلوم ما لم نعلم، وألهمتَنا إبرازَ المعاني بالنون والقلم، وإيَّاك نستعين في كل أمر يبتدأ ويختم، اهدنا صراط من مننت عليهم بالنعم، وأمَّنْتَهم من الغضب والضلال والظلم. وعلى نبيك المختار المستأثر بالحُكْم والحِكَمِ نصلِّي صلاة تدوم إلى يوم حَشْرِ الأمم. وعلى آله وصحبه ذَوى المروآتِ والكَرَمِ .. إلخ". وتختتم النسخة المذكورة بهذا الكلام، وهو قول العيني: "نسأل الله أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين. آمين".
ثانيا: الحديث عن النسخ المطبوعة
- ثم ذيلت النسخة بهذا الكلام: "قد نجز بحمد الله تعالى هذا الكتاب الميمون، المحتوي على كل در مكنون، برسم سيدنا ومولانا حجر السعادة، ورضيع ثدي السيادة، نتيجة الدهر والأوان، ونخبة الأماجد والأقران، مكاوي صنوف الآداب بتمامها، ومستخرج زهرات الفضائل من أكمامها، ذي المجد الأثيل، والفجر الجليل، والأعراق الطاهرة، والشيم الفاخرة، سامي الجد والهمم، حاوي الغر والكرم، فرع الشجرة الزكية، وطراز العصابة الهاشمية، جناب حضرة السيد: محمد أفندي الكيلاني، نجل حضرة سيدنا ومولانا السيد: عبد القادر أفندي الكيلاني الحسني الحسيني -أدام الله رفعته- وحرس بهجته، وأبقى بيتهم الطَّاهر عالي العماد، ثابت الأركان والأوتاد، من غير تغيير ولا ائثلام، ولا زالوا ملجأ للخاص والعام، ما دامت الليالي والأيام، والحمد لله على التمام على يد الفقير إليه رحمه الله تعالى محمد الرسامي - عفا الله عنه - تحريرًا في شهر شعبان المبارك من شهور سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين. آمين". ثانيًا: الحديث عن النسخ المطبوعة: أولًا: النسخة المطبوعة قديمًا: النسخة المطبوعة قديمًا هي النسخة التي على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، والتي قلنا عنها: إنَّها لم تكن المقصودة بالطباعة، وإنَّما كان المقصود هو كتاب الخزانة، ثم كانت هذه تباعًا على الهامش، ولم يجد النَّاس الباحثون غيرها لكتاب المقاصد رضوا أم أبوا، فكانت لهم المرجع والمصدر الوحيد -طوال أكثر من مائة عام- لهذا الكتاب. طبعت هذه النسخة في مطبعة بولاق سنة (1300 هـ) أو بالتحديد سنة (1299 هـ)، فكأن عمرها الآن مائة وخمسة وعشرون عامًا. تخلو النسخة المذكورة من ضبط الأبيات أو غيرها، وتصعب قراءتها جدًّا أو الرجوع إليها، لخلوها من فهرس أو غيره، ولا يستطيع قراءتها إلَّا باحث اتسم بالصبر والأناة والحرص على العلم، وعندما صورتها دار صادر ببيروت صورتها على ما هي عليه دون زيادة أو نقصان، ودون شكل أو ضبط أو تنظيم، شأنها شأن الكتاب الأصلي فيها، وهو كتاب الخزانة، وعندما حقق الأستاذ عبد السَّلام هارون كتاب الخزانة، وأخرجه للطباعة في طبعة حديثة "أحد عشر مجلدًا
غير الفهارس" هجر النَّاس وطلاب العلم كتاب الخزانة القديم المطبوع على هامشه كتاب: المقاصد النحوية، وبالتالي أيضًا هجروا كتاب المقاصد مع أهميته، والنّاس تنظر إلى أهميه الكتاب في أيديهم ... إلخ، وقريبًا منهم لا يتحملون عناء البحث عنه أو البحث فيه، ومن هنا برزت أهمية تحقيق كتاب المقاصد الكبرى، وطباعته منفصلًا. كما حقق وانفصل كتاب الخزانة، واعتمد النَّاس والطلاب عليه، مع كثرة عدد أجزائه؛ لوضوح خطه، وحسن طباعته، وضبط شواهده، وإن كان يحتاج إلى تحقيق آخر غير تحقيق الأستاذ عبد السَّلام هارون. دعوت الأخوين الفاضلين: شقيقي وهو الدكتور عبد العزيز فاخر، وأخي وهو الدكتور أحمد السوداني، وكانت لهما أهمية كتاب المقاصد لطلاب العلم ممن تخصص في النحو، ومن تخصص في الأدب، ومن تخصص في اللغة، فأسرعا في تلبية الطّلب، وعملا في الكتاب ليلًا ونهارًا، وصيفًا وشتاءً، وعملت معهما مراجعة وتحقيقًا، ودراسة وتدقيقًا، وكانت كثرة النسخ معنا جعلت كل واحد يعمل في ناحية، حتَّى خرج كتابنا ونحن راضون عنه. وصف النسخة المطبوعة على هامش الخزانة: طبع كتاب المقاصد النحوية على هامش الخزانة في أربعة أجزاء كبيرة، كان الجزء الأول يبدأ بشواهد الكلام، وانتهى عند آخر شواهد باب المبتدأ والخبر "ثمانية أبواب"، والجزء الثَّاني بدأ بشواهد كان وأخواتها، وانتهى بشواهد تعدي الفعل ولزومه "أحد عشر بابًا"، والجزء الثالث بدأ بشواهد التنازع في العمل، وانتهى بشواهد التعجب "ستة عشر بابًا" والجزء الرابع والأخير بدأ بشواهد نعم وبئس، وما جرى مجراها حتَّى آخر الكتاب، وهو شواهد الإدغام، فكان "ثلاثة وثلاثين بابًا"، فيها ما هو في النحو وما هو في الصرف، وختمت نسخة الخزانة، وطبعة بولاق بما ختمت به النسخ المخطوطة من سرد الكتب والمراجع التي رجع إليها العيني في كتابه، ومن خوف العيني من حساده، والطاعنين على كتابه، ثم دعا الله قائلًا: "نسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل". وقد ذيلت هذه النسخة بصفحة كبيرة كتبها صاحب مطبعة بولاق، لا بأس من إيراد ما يهمنا من هذه الصفحة، من ثناء على كتاب الخزانة، أو كتاب المقاصد، اللذين طبعهما الرجل أو تاريخ الطباعة، يقول: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، نحمدك يا من قامت الآيات والشواهد على أنك المستحق لجميع الممادح والمحامد، ونصلي ونسلم على رسولك أفصح من نطق فأبان، وأبلغ من أعرب عما في الضمير والجنان، وعلى آله الحائزين به طراز الجلال، وأصحابه المرشدين إلى محجة الكمال والجمال.
وبعد، فيقول المتوسل بالنبي الخاتم، الفقير إلى الله تعالى محمد قاسم، قد تم بمطبعة بولاق التي ازدهرت محاسنها بسائر الآفاق، طبع شرح العلامة، الأديب الفهامة، الألمعي الأريب، من أينعت أزهار رياض علومه، وأسفرت أنوار كواكب فهومه، وسارت بركبه الركبان في كل واد، الشَّيخ عبد القادر بن عمر البغدادي، المسمى: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب على شواهد شرح الكافية، التي هي لمقاصد القواعد متممة، ولقلة العباد شافية، لنجم الأئمة الإستراباذي الشَّهير بالرضي، أرضاه الله تعالى بما تقر به عينه، وعنه رضي، وناهيك به من كتاب تخضع له رقاب ذوي الألباب، لما توشج به من غرر الفوائد، وتحلى به من درر الفوائد ... " إلخ. وبعد أن أثنى على كتاب الخزانة بما هو أهله، أثنى على كتاب المقاصد للعيني فقال: "وقد طرز هامشه النضير بشرح شواهد الحبر الكبير، خاتمة المحققين العلامة محمود العيني بدر الدين الموسوم بالمقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويا له من شرح جامع لعقود الفوائد، وصنوف البدائع؛ طالما أعرب فأعزب، وفسر المفردات فأعجب وأطرب، وبالجملة فإن شرحه للشواهد على كمال رسوخ قدمه في الأدب أصدق شاهد على براعة عبارته، وحسن بيانه وإشارته". ثم ذكر بعد ذلك أسماء الذين ساهموا في طبع الكتابين: "الخزانة والمقاصد"، ونصيب كل واحد منهم بالقيراط، وانتهى بعد ذلك إلى ذكر تاريخ الطباعة التي كانت في عهد الخديوي توفيق ووزير معارفه: علي بك جودت، يقول: "وذلك في أيَّام صاحب السعادة، ومطلع تلك المجادة والسعادة، من هو بالثناء عليه حقيق، الخديوي الأعظم محمد توفيق؛ لا زالت تلك الأيَّام آمنة في ظلال عدله، رافلة في مطارف جوده وفضله، مشمولًا طبعه بإدارة، صاحب نظارتها، المشمر عن ساعد الجد في تدبير نضارها ونضارتها، من به المعارف إلى أوج الكمال رفت، سعادة: علي بك جودت، وقد طبع بدر ثمامه، وتاج مسك ختامه في أواسط أخرى بين الجمادتين، عام تسع وتسعين وألف ومائتين من هجرة السيد المختار -صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، ما سطعت نعمات الأزهار، وما هبت نسمات الأسحار." انتهى. وقد كانت نسخة طبعة بولاق "الخزانة، والمقاصد الكبرى" أربعة أجزء كبيرة؛ كما قلنا، في كل جزء ستمائة صفحة من الحجم الكبير، وكان كل جزء يختم بفهرس للموضوعات إجمالًا، واحد لكتاب الخزانة في صفحتين أو ثلاث، وآخر لكتاب المقاصد الكبرى في صفحة واحدة، وقد رمزنا إلى هذه النسخة المطبوعة على هامش الخزانة بنسخة الخزانة. فائدة نسخة الخزانة: لقد اعتقدنا واعتقادنا صحيح -إن شاء الله تعالى- أن النسخة
المطبوعة على هامش الخزانة أصح من النسخ المخطوطة؛ وذلك لأنَّه قد توفر على طباعتها علماء أجلاء في القديم، كانوا يحبون العلم، ويعكفون عليه، وهكذا كل مطبوع في القدم من كتاب سيبويه "طبعة بولاق"، ومن كتاب الخزانة، وغير ذلك، وأعتقد أن هؤلاء العلماء وقفوا على نسخ لكتاب المقاصد مخطوطة غير التي وقفنا عليها، ورجعنا إليها، لقد كنا نرى سقطًا في بعض مقطوعات الشعر في نسختي "أ - ب" المخطوطتين، كان يدلنا عليها المقارنة والقراءة في نسخة بولاق المطبوعة، وعلى كل حال فنحن أخذنا العلم وصححنا الكلام، ووثقناه وأكدناه من النسخ الثلاث؛ المخطوطتين والمطبوعة، وكان هذا الذي يهمنا. - مثال من السقط والتكملة: ومن نماذج السقط من النسخ المخطوطة والتكملة من نسخة الخزانة هذا الشاهد، وهو قوله (¬1): فَأَصبَحنَ لا يَسأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ ... أَصَعَّدَ فيِ عُلُوِّ الهَوَى أَمْ تَصَوَّبَا جاء في نسختي "أ، ب" قول العيني: "أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل، ثم بدأ بشرح مفردات البيت". والذي جاء هنا قاله الإمام عبد القادر، وهو يشرح البيت في كتابه الخزانة يقول: "هذا البيت لم أقف على اسم قائله، ولا تتمة. والله أعلم" (¬2). لكن نسخة المقاصد المطبوعة على هامش الخزانة أسعفتنا بوجود القائل، وقد ذكرت أربعة أبيات من قصيدة الشاهد. يقول العيني بعد أن ذكر البيت السابق: "أقول: قائله هو الأسود بن يعفر من قصيدة من الطَّويل، وأولها هو قوله: صَحَا سكرٌ مِنْهُ طَويلٌ بِزَيْنَبَا ... تعَاقِبهُ لما اسْتَبَانَ وجَرَّبَا وَأَحكَمَهُ شَيبُ القَذَالِ عن الصبَا ... فَكَيفَ تُصَاببهُ وَقَدْ صَارَ أَشْيَبا وكَانَ لَهُ فيمَا أَفَادَ حلائلٌ ... عَجَّلْنَ إذا لاقَينَهُ قَلْنَ مَرحَبا فَأَصْبَحْنَ ................ ... ................... إلى آخره وبعده: طَوَامِحُ بِالأَبْصَارِ عَنْهُ كَأنَّمَا ... يرينَ عليهِ حلّ أَدْهَم أَجْرَبا قوله: "أصعد" أي ارتقى، قوله: "أم تصوب" أي أم نزل. ¬
ثانيا: وصف النسخة المطبوعة حديثا
وهكذا ذكرت النسخة بعد أول بيت في القصيدة بيتين آخرين، ثم بيت الشاهد، ثم بيتًا خامسًا. ومع ذلك كله، وتقديرنا لنسخة المقاصد المطبوعة على هامش الخزانة؛ إلَّا أن فيها -غير إهمال الشكل- بعض الأخطاء الهينة، حتَّى لا يبقى الكمال إلا لله وحده، فمثلًا هذا شاهد، وهو قوله (¬1): حَمَامَةُ بَطْن الوَادِيَين ترنَّمِي ... سَقَاكِ مِنَ الغُرِّ الفَوَادِي مَطيرُهَا وهو شاهد في باب التوكيد؛ لإقامة المثنى مقام المفرد في قوله: "بطن الواديين"، وأصله: بطن الوادي، وعلى ذلك مكانه باب التوكيد؛ لكنَّه جاء في نسخة الخزانة في آخر باب النعت، وبعد الانتهاء من شرحه جاء العنوان: شواهد التوكيد، والصحيح أن باب التوكيد يبدأ بالبيت المذكور. ثانيًا: وصف النسخة المطبوعة حديثًا: اعتكفنا على تحقيق كتاب المقاصد بعد الاقتناع بأهميته وفائدته لطلاب العلم ما يقرب من أربع سنوات كاملة، من سنة (2002 م) إلى سنة (2006 م)، كلٌّ يعمل فيما يسره الله له، وفيما اقتسمناه في العمل نحن الثلاثة المحققين، وقبل الانتهاء منه بأشهر قليلة فوجئنا بطبعة للكتاب في ثلاثة أجزاء بتحقيق: محمد باسل عيون السود، لا تعرف عنه شيئًا إلَّا أنَّه دمشقي الجنسية؛ كما جاء في مقدمته، وكان ذلك سنة: (2005 م) "منشورات دار الكتب العلمية- لبنان- بيروت- محمد علي بيضون"، متوسط الجزء ما بين خمسمائة صفحة، أو ستمائة صفحة، ويختم كل جزء بفهرس للموضوعات في صفحة أو صفحتين. ومضينا في العمل، ولم يثننا شيء؛ فقد كنا انتهينا من العمل والتحقيق أو قاربنا الانتهاء، وتصفحنا النسخة المطبوعة من كتاب المقاصد، وكانت كالآتي: - مزايا وحسنات: 1 - تتميز النسخة في التحقيق بالرجوع إلى كتب الأدب كثيرًا؛ ككتاب الأغاني، وشرح ديوان الحماسة، وغير ذلك. 2 - تتميز بالرجوع إلى دواوين الشعراء في الشواهد والمقطوعات التي يوردها العيني في كتابه. ¬
3 - تتميز بالتراجم المختلفة للأعلام الذين يوردهم العيني في كلامه وكتابه. 4 - تتميز بذكر عدة مراجع للشاهد الذي يورده العيني من الكتب التي يشرح شواهدها. 5 - تتميز بترقيم الأبيات للمقطوعات التي يوردها العيني في كتابه تكملة للشاهد. - مآخذ وسوآت: 1 - تخلو النسخة المطبوعة من الدراسة العامة التي تكون في أول الكتب المحققة، يتحدث فيها المحقق عن الكتاب وأهميته، ومنهج المؤلف للكتاب في تأليفه له، وعن المصادر والكتب التي استقى منها كتابه، وتأثيرها، وعن حسناته أو مآخذه، ممَّا يجعل القارئ بعد أن يقرأ هذه الدراسة متأهلًا للدخول في قراءة الكتاب، مستعدًّا للوقوف عما فيه، فقد وقف على معرفة إجمالية عنه قبل الدخول في تفاصيله، وهو ما فعلناه في الفصول الثمانية، التي تكونت منها الدراسة المختلفة عن الكتاب. 2 - تخلو النسخة المطبوعة من فهارس تفصيلية للكتاب، فلا يوجد فيها فهرس لما يشتمل عليه الكتاب من آيات قرآنية، أو أحاديث، أو فهرس للأشعار والشواهد التي تملأ الكتاب، وإذا أراد قارئ أن يبحث عن شاهد، أو يقف على آخر، أو يعرف هل البيت في الكتاب أو لا فلا يستطيع؛ لأنَّ الكتاب يخلو من ذلك، مع كثرة الشواهد فيه، التي بلغت ألفًا وثلاثمائة وثمانين شاهدًا، غير الأبيات التي كانت تأتي عرضًا. 3 - تخلو النسخة المطبوعة من وصف للنسخ المخطوطة التي رجع إليها المحقق؛ كما تخلو من المقارنات في الهامش والزيادة والنقصان في كل نسخة، وأعتقد أن المحقق رجع إلى النسخة المطبوعة على هامش الخزانة واطمأن إليها، وجعلها أصلًا له، وأنها كفته عن كل شيء في التحقيق، ومسائله وقضاياه. 4 - هناك كثير من المسائل النحوية واللغوية، والتي كان يجب توثيقها من مراجعها، مع سهولتها، ولكن ذلك لم يكن. 5 - لم تتميز العناوين البارزة في الكتاب مثل معنى البيت، أو كلمة الإعراب، أو وجه الاستشهاد، أو كلمة قوله، أو بيت الشاهد الذي كان يجب أن يكون بخطّ بارز واضح، أو يبدأ به أول الصفحة، وهو ممَّا يخص طباعة الكتاب. 6 - ومما يخص الطباعة أيضًا أن الصفحة مليئة بالأسطر والكتابة، ممَّا يتعب القارئ، وكان يجب أن تكون أقل من ذلك، حتَّى لو زاد الكتاب جزءًا آخر.
7 - ومما يتصل بالنواحي العلمية، وهو ما تصفحناه سريعًا ما يلي: 1 - في الجزء الأول، الصفحة العاشرة ترجم المحقق للجوهري فقال هو: محمد بن عبد المنعم شمس الدين، عالم بارع في العلوم، له: شرح شذور الذَّهب، وشرح الإرشاد، توفي سنة (889 هـ)، وهذه الترجمة خطأ، فالجوهري هو أبو نصر الفارابي إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب تاج اللغة وصحاح العربية، المتوفى سنة (398 هـ). ب- في الجزء الثالث، الصفحة: (361) قال: إن أبيات ميسون الكلابية المشهورة، والتي أولها (¬1): لَلُبسُ عَبَاءة وتَقَرَّ عينِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِن لُبس الشفوفِ في خزانة الأدب: (5/ 503)، والصَّواب أنَّه في: (8/ 503). جـ- أَلا عِمْ صَبَاحًا يأيُّها الطَّلَلُ الْبَالي ... وَهَلْ يعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخالِي قال العيني (¬2): "قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة طويلة أولها هذا البيت، وقد سقناها بتمامها"، وقال المحقق: تقدمت في شواهد المعرب والمبني (1/ 196)، والصَّواب: (1/ 119). - ومثل هذا البيت (¬3): بِأَبِهِ اقتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمِ ... وَمَنْ يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَم - قال المحقق: (1/ 383)، الرجز لرؤبة، تقدم (ص 129)، والصَّواب (ص 77). د- وفي قول جميل: (3/ 371). وطرفُكَ إما جئتَنَا فاصرفَنه ... كيما يحسَبوا أن الهوى حيثُ تنظرُ جاء في شرحه بنص لابن مالك، وهو قوله: "الكاف فيه للتشبيه، كفت بما، ودخلها معنى التعليل، فنصبت وذلك قليل" وكتب ابن مالك ملأت الدُّنيا وشغلت النَّاس، ولم يخرجه المحقق، والنص في شرح التسهيل لابن مالك: (3/ 173)، العيني: (ص 19)، وفي شرح الكافية الشافية: (ص 820، 1535). - ومثل ذلك ما فعله في نص لابن هشام، وهو تعليق على قول جميل أيضًا (¬4): ¬
أَلَم تَسأَلِ الرَّبْعَ القَوَافيِ فَينطِقُ ... وهل تُخْبرَنكَ اليومَ بِبَيدَاءَ سملَقُ نقل العيني نصًّا لابن هشام: "وقال ابن هشام: الفاء فيه للاستئناف عند بعضهم، والتقدير: فهو ينطق؛ لأنَّها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب"، وهذا الكلام في كتاب أوضح المسالك لابن هشام، باب إعراب الفعل، ولم يوثقه المحقق. - ومثل ذلك: مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين، وتحقيقها من كتاب الإنصاف للأنباري ما أسهله، ومع ذلك فهناك مسائل لم تحقق: (3/ 381)، وهي مسألة العطف على الضمير المتصل دون توكيد أو فصل، وهي في الإنصاف: (ص 474). - وأمَّا الأخطاء المطبعية فهي كثيرة في الكتاب، من ذلك: - ومنع ابن مالك كون لو للتمني، وقدرها هنا: لو نعان، فهو جواب عن إنشائي كجواب ليت، والصَّواب: فهو جواب تمنٍّ إنشائي كجواب ليت: (3/ 377). - قول الراجز: إن الألى قد بغوا علينا ... ........................ وصحته: إن الأولاء، (3/ 412). - يقول العيني: "وذكر ابن مالك في شرح التسهيل أن حذف النون من "هما اللتا" للضرورة، وهو مخالف لما ذكره في شرح التسهيل من جواز حذف نون اللذان واللتان في الاختيار، وهو خطأ، والصَّواب: "وهو مخالف لما ذكره في التسهيل من جواز ... إلخ". (1/ 249). - وفي قول ذي الرمة (¬1): وَانْسَانُ عَينِي يَحْسِرُ الماءَ تارَةً ... فَيبدُو ........................ قال العيني: "الاستشهاد فيه ها هنا؛ في قوله: "يحسر الماء" حيث؛ حذف منه إن؛ إذ أصله: إن يحسر الماء، فلما حذف ارتفع الفعل، وإنَّما قدروا فيه إن محذوفة، وأن تقديره. وإنسان عيني إن يحسر الماء تارة فيبدو ... إلخ". إن في هذا النص كله مكسورة الهمزة، وهي إن الشّرطيّة، وقد تكررت أربع مرات، ولكنها في التحقيق جاءت بفتح الهمزة، وهو غير مراد: (3/ 411). من أجل ذلك كله مضينا في تحقيق الكتاب وأكملنا عملنا، فتحقيق الكتاب الواحد مرتين أو ثلاث لا بأس به. والله الموفق .. ¬
ممم القادم مخطوطات عنوان النسخة (أ) وهي في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برقم (7547 ف)
الصفحة الأولى من النسخة (أ) الجزء الأول
الصفحة الأخيرة من الجزء الأول من النسخة (أ)
صفحة العنوان للجزء الثَّاني من النسخة (أ) رقم (7548 ف) بجامعة الإمام محمد بن سعود
الصفحة الأولى من النسخة (أ) الجزء الثَّاني
الصفحة الأخيرة من النسخة (أ) الجزء الثَّاني
الصفحة الأولى من النسخة (ب) برقم (2146 ف)، بمركز المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (800 صفحة)
الصفحة الأخيرة من النسخة (ب) وفيها يظهر تاريخ النَّسخ (شعبان 1142 هـ)
عنوان الجزء الرابع من طبعة بولاق لكتاب خزانة الأدب، وبهامشه المقاصد النحوية للعيني (جمادى الثانية 1299 هـ)
عنوان الأخيرة من طبعة بولاق لكتاب خزانة الأدب والمقاصد النحوية، وفيها يظهر تاريخ الطباعة (1299 هـ)
الصفحة الأخيرة من فهرس (الجزء الرابع) لكتاب المقاصد النحوية المطبوع على هامش الخزانة
القسم الثاني: التحقيق
مقدمة الشارح
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمةُ الشَّارح إياك نحمد يا مَن علمتَنا مِن العلوم ما لم نعلم، وألهمتَنا إبرازَ المعاني بالنون والقلم، وإياك نستعين في كل أمر يبتدأ ويختم، اهدنا صراط من مننت عليهم بالنعم وأمنْتَهم من الغضب والضلال والظلم. وعلى نبيك المختار المستأثر بالحُكْم والحِكَمِ. نصلي صلاة تدوم إلى يوم حَشْرِ الأمم. وعلى آله وصحبه ذَوى المروآتِ والكَرَمِ. وبعد: فإن العبد الفَقِيرَ إلى مولاه الغني أبا محمد محمود بن أحمد العيني (¬1)، عامله ربه ووالديه بلطفه الجلي والخفي يقول: لما رأيت شدة اهتمام محصلي النحو في المدارك وغاية ألفتهم بكتاب ألفية ابن مالك (¬2)؛ لكونه موصلًا إلى مقاصدهم بأوضح المسالك، غير مستغنين عن شرحه المنسوب إلى ابن الناظم (¬3)، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم (¬4)، وشرحه الذي رتبه ابن هشام (¬5)، وشرحه الذي أملاه ابن عقيل (¬6)؛ أردتُ أن أستخرج الأبيات التي ذُكِرَتْ فيها ¬
على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيلَ ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشفَ الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان، وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكر ما فيها من الشاهد المشهور، بحيث قد آل بعضها إلى حالة قد استحق بها الهجران، وصار بعضها في بعض الأذهان كالسُّها والدَّبُران (¬1)، فهذا هو الذي نَدَبَنِي إلى هذا الترتيب الغريب والجمع الموشح بكل عجيب، مع ما سألني في ذلك مَن لا تسعني مخالفته، ولا توافقني مرادفته، واعتصمتُ في ذلك بربي (¬2) الكريم؛ إنه الميسر لكل صعب عظيم. ثم إني بينت نسبة كل بيت إلى مَن ذكره في تأليفه برمز حرف من أشهر حروفه، فإن اتفقت الأربعة على ذكر بيت منها رمزت عليه هكذا: "ظقهع"؛ فالظاء من ابن الناظم، والقاف من ابن أم قاسم، والهاء من ابن هشام، والعين من ابن عقيل الإمام، وإن كانت الثلاثة أو الاثنان منهم مطلقًا ذكرته ورمزت عليه هكذا: (ظقه- ظقع- قهع- ظق- ظه- ظع- قه- قع- هع". وان انفرد واحد منهم، رمزتُ رمزه المعين، ليُعْلَمَ كل منهم ويتبين. فاجتهدتُ في تصنيفه بُرْهَةً من الزمان، وجاهدتُ في تأليفه مدة من الأوان، بعد مراجعة شديدة إلى كتب عديدة، ومطالعة مديدة في دواوين سديدة، مع مقاساة العناء والنصَب من حوادث الزمان، ومكابدة تجرع الغصص من أهل الحسد والجهل والطغيان، وكساد سوق العالم وبوار بضاعته النفيسة، ورواج معاش الجهل وتقدمه في صناعته الخسيسة، وإلى الله المشتكى وعليه التكلان، وفي كل أمر هو المستعان، فجاء بحمد الله وفيه شفاء صدور المنتهين، وكفاية مؤنة المشتغلين المبتدئين، مشتملًا على فوائد جسيمة، وفرائد من النكات العظيمة، على أن نفعه عام لأكثر الكتب النحوية، وفوائده شاملة لغالب الشواهد المحكية، مسمى: "بكتاب (¬3) المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" المسئول (¬4) ممن ينظر فيه أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، فإن القلم له هفوة، والجوادَ له كبوة، والإنسان ¬
غير معصوم من (¬1) الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنَّا مرفوعان، وأن يَذْكُرَني (¬2) بصالح دعواته عَقِبَ صلوَاتِه في خلواته، فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم، ابتغاءً لمرضاته، وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود، متوكلًا على الله المعبود: ¬
شواهد الكلام
شواهد الكلام الشاهد الأول (¬1)، (¬2) ألا كلُّ شيءٍ مَا خَلا الله بَاطِلُ ... ......................... أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجعفري العامري، صحابي، شاعر من فحول الشعراء مُفْلِق (¬3)، متقدم في الفصاحة، مجيد، فارس جواد حكيم، يكنى أبا عقيل، مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وهو عند ابن سلام (¬4) في الطبقة الثالثة من شعراء الجاهلية (¬5)، وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة وَفَدَ بنو جعفر، فأسلم وحسن إسلامه. وقال ابن قتيبة (¬6): قَدِمَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد كلاب، وكان شريفًا في الجاهلية والإسلام، وكان لبيد وعلقمة بن علاثة (¬7) العامريان من المؤلفة قلوبهم، وحَسُن إسلامهما، وقال ¬
عمر بن الخطاب (¬1) -[رضي الله عنه]- للبيد - رضي الله عنه - (¬2)،: أنشِدْني شيئًا من شعرك، فقال: ما كنتُ أقول (¬3) شعرًا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، فزاده عمر [- رضي الله عنه - (¬4)] في عطائه خمسمائة، وكان ألفين، فلما كان في زمن معاوية (¬5) - رضي الله [تعالى (¬6)] عنه- قال له معاوية: هذان الفَوْدَانِ، فما بال العلاوة؟ يعني بالفودين: الألفين (¬7) وبالعلاوة: الخمسمائة، وأراد أن يحطَّه إياها، فقال: أموت الآن وتبقى لك العلاوة والفَؤدَانِ، فرق له وترك عطاءَه على حاله، فمات بعد ذلك بيسير، وقيل: لم يدرك لبيد خلافة معاوية - رضي الله [تعالى (¬8)] عنه - (¬9) [إنما مات بالكوفة في إمارة الوليد بن عقبة (¬10) عليها في خلافة عثمان (¬11) - رضي الله تعالى عنه-] وهو الأصح. وقال الإمام مالك (¬12) بن أنس رحمه الله (¬13): بلغني أنه عاش مائة وأربعين سنة، وقيل: مات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة، وقال أكثر أهل العلم بالأخبار: لم يقل شعرًا منذ أسلم، ويقال: لم ينظُم في الإسلام غير قوله (¬14): الحمدُ للهِ إذ لم يأتِني أجَلي ... حتى اكتَسَيتُ مِنَ الإسلامِ سِرْبَالا ¬
وقيل: قوله (¬1): ما عَاتَبَ المرءَ الكريمَ كَنفسِهِ ... والمرءُ يُصْلِحُهُ الجَلِيسُ الصالِحُ وقال ابن عبد البر (¬2): في هذه (¬3) القصيدة ما يدل على أنه قاله في الإسلام، وهو قوله (¬4): وَكُلُّ امرئٍ يومًا سَيَعْلَمُ سَعْيَهُ ... إِذَا انكشفتْ عِندَ الإِلَهِ المحاصلُ وقال الحافظ أبو الفتح اليعمري (¬5): البيت الذي نسب إليه، وهو قوله: الحمد لله .................... .... ......................... لفروة بن نفاثة بن عمرو بن نوابة، عُمِّر وطال عُمرُه (¬6)، ووفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم وقال (¬7): بَانَ الشبابُ فلم أحْفَل بِهِ بالا ... وأقبلَ الشَّيبُ والإسلامُ إقْبَالا وقد أُدوِّي نَدِيِمي من مُشَعْشِعَةٍ ... وَقَدْ أُقلِّبُ أوْرَاكًا وَأَكَفَالا الحمدُ لله إذْ لَمْ يَأْتيني أَجَلِي ... حَتَّى اكْتَسَيْتُ منَ الإِسْلَامِ سِرْبَالا ثم اعلم أن تمام البيت المذكور (¬8) هو قوله: ............................ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحالةَ زَائِلُ وهو من قصيدة لامية أولها هو قوله (¬9): ¬
1 - ألا تسأَلانِ الْمَرءَ مَاذَا يُحَاول ... أَنَحْبٌ فَيقضَى أَمْ ضَلالٌ وَبَاطلُ 2 - أَرى الناسَ لا يَدرونَ ما قَدرُ أَمرهم ... بَلى كُلُّ ذي لُبٍّ إلى اللهِ واصِلُ 3 - ألا كل شيءٍ مَا خَلا الله بَاطل ... وَكُل نَعيمٍ لا مَحَالةَ زَائلُ 4 - وَكُل أُنَاسٍ سَوفَ تَدْخُلُ (¬1) بَينَهُم ... دُوَيهيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ 5 - وَكُل امْرئ يَوْمًا سَيَعلَمُ سَعيَه ... إذا حُصِّلَت عِندَ الإلَهِ المَحَاصِلُ 6 - إذا المرءُ أَسرَى ليلةً خال أنه ... قضَى عمَلًا والمرءُ ما دام عاملُ 7 - فَقولا لَهُ إِن كانَ يَقسِمُ أَمرَهُ ... ألمَّا يَعظكَ الدَهرُ أُمُّكَ هابلُ 8 - فَإن أَنتَ لَم ينفعْكَ عِلمُك فَانتَسِب ... لعلَّكَ تهديكَ القُرونُ الأَوائِلُ 9 - فَتَعلَمَ أَن لا أَنتَ مُدرِكُ ما مَضى ... وَلا أَنتَ مما تَحذَرُ النَفسُ وائلُ 10 - فَإن لَم تجِد من دُونِ عَدنانَ والِدِّا ... وَدونَ مَعَدٍّ فَلتَرُعْكَ العَواذِلُ وهي من الطويل، وهو أول بحور الدائرة الأولى من الدوائر الخمس المسماة بدوائر المختلف، وسميت به لاختلاف كمية أجزائها (¬2)، وهي مشتملة على خمسة أبحر، ثلاثة مستعملة وهي: الطويل والمديد والبسيط، وبحران مهملان وهما: المستطيل مقلوب الطويل، والممتد مقلوب المديد (¬3)، وأصله في الدائرة: فعولن مفاعيلن أربع مرات (¬4)، وقد دخله القبض في ضربه، وأما عروضه فتكون مقبوضة دائمًا (¬5). والقبض هو (¬6): حذف الخامس الساكن (¬7)، فتحذف (¬8) الياء من "مفاعيلن" فيصير مفاعلن، فتقول (¬9): (ألا كل) فعولن سالم، (ل شيء ما) مفاعيلن سالم، (خلا اللا) فعولن سالم، (هـ باطل) مفاعلن، مقبوض. ¬
والبيت الشاهد مقفى، وهو أول القصيدة على ما ذكره الخالديان (¬1) في الأشباه والنظائر، وكذا ابن السيد (¬2). وعند جماعة منهم ابن هشام اللخمي (¬3) والعسكري (¬4)، أول البيت ما ذكرناه من قوله: ألا تسألانِ المرءَ مَاذَا يُحَاولُ ... ............................ وهو أيضًا مصرعٌ مقفى، والفرق بين التقفية والتصريع أن التصريع عندهم تبعية العروض للضرب قافية ووزنًا وإعلالًا (¬5). والتقفية: أن يكون العروض على زنة الضرب وقافيته، سواء تغيرت العروض عما يجب لها أم لا (¬6)، فكل تصريع تقفية ولا ينعكس (¬7)، وسمي البيت إذا كان فيه تصريع مصرعًا تشبيهًا له بمصراعي الباب، فكأن البيت الذي هو المصرع (¬8)، وهو ما له قافيتان شبيه بالبيت الذي له بابان، وقيل: إنه مشتق من الصرعين، وهما نصفا النهار، فانتصاف النهار صَرْعٌ، وسقوط الشمس صَرْعٌ، والأول أقرب. وقافيته من المتدارك، وهو ما بعد ساكنه الأول حركتان، وسمي بذلك لتدارك السكون الثاني فيه الأول، أي: تداركه فلم يترك الحركات تتزايد، أو لأن الحركة الثانية أدركت الأولى ¬
ولم يفصل بينهما ساكن (¬1)، ومثاله (¬2): قفَا نَبكِ مِنْ ذكرَى حَبيب وَمَنْزل .... ............................ والقافية تأتي على خمسة أنواع هذا أحدها. 1 - قوله: "يحاول" من حاولت الشيء أي (¬3): أردته، والنحب بفتح النون وسكون الحاء المهملة وهو: المدة والوقت، يقال: قضى فلان نحبه إذا مات. 2 - قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، قوله: "شيء" الشيء اسم للموجود، فلا يقال للمعدوم شيئًا، وفيه خلاف تقرر في الأصول، قوله: "خلا" كلمة يستثنى بها وتنصب ما بعدها وتَجر، تقول: جاءني القوم خلا زيدًا، فتنصب بها إذا جعلتها فعلًا من خلا يخلو خلوًّا ويضمر فيها الفاعل؛ كأنك قلت: خلا مَنْ جاءني مِن زيد (¬4). وإذا قلت: خلا زيدٍ بالجر فهي عند بعضهم حرف جر بمنزلة: حاشا (¬5)، وعند بعضهم مصدر مضاف (¬6). وأما: ما خلا بكلمة (ما) فلا يكون بعدها إلا النصب، تقول: جاءني القوم ما خلا زيدًا؛ لأن ¬
خلا لا يكون بعدها "ما" إلا صلة، وهي معها مصدر؛ كأنك قلت: جاءني القوم خُلُوَّ زيدٍ (¬1)، أي خلوهم من زيد، يعني خالين من زيد (¬2)، وعن قريب يأتي مزيد الكلام فيه -إن شاء الله تعالى- (¬3). وقوله: "ما خلا الله باطل" من هذا القبيل، لا يجوز فيه إلا النصب، وذلك لأن "ما" فيه مصدرية فدخولها يعين الفعلية (¬4)، ولفظة "الله" اسم للذات المعبود بالحق المستجمع لجميع الصفات، وقد شاع كلام الناس فيه (¬5)، هل هو مشتق أم اسم موضوع؛ فلا يحتاج إلى ذكره (¬6). قوله: "باطل": من بطل الشيء يبطل بطلانًا وبطولًا وبُطْلًا، ومعناه: ذهب ضياعًا وخسرانًا، وزاد ابن القطاع (¬7) بطولة، وأبطل إذا جاء بالباطل، والأباطيل: جمع باطل على خلاف القياس، كأنه جمع إبطيل (¬8)، والباطل ضد الحق، وفي عرف المتكلمين الباطل: الخارج عن الانتفاع، والفاسد: يقرب منه، والصحيح ضده ومقابله، وفي عرف الشرع: الباطل من الأعيان: ما فات معناه المقصود، المخلوق له من كل وجه بحيث لم يبق (¬9) إلا صورته، ولهذا يذكر في مقابلة الباطل الحق الذي هو عبارة عن الكائن الثابت، وفي الشرع يراد به ما (¬10) هو المفهوم منه لغة، وهو: ما كان ثابت المعنى من كل وجه مع وجود الصورة، إما لانعدام محلية التصرف؛ كبيع الميتة والدم، أو لانعدام أهلية المتصرف؛ كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل. فإن قلتَ: ما معناه ها هنا؟. ¬
قلتُ: المعنى ها هنا: كل شيء سوى الله تعالى زائل فائت مضمحل ليس له دوام. قوله: "وكل نعيم" النعيم: ما أنعم الله به عليك، وكذلك النعمة والنعمى والنعماء، فالمد في الفتح، والقصر [في الضم] (¬1)، قوله: "لا محالة" أي: لا حيلة، ويجوز أن تكون من الحول وهو القوة والحركة، وهي مفعلة منهما، وأكثر ما تستعمل لا محالة بمعنى الحقيقة واليقين، أو بمعنى: لا بد، والميم زائدة، ومنه ما جاء في حديث (¬2) قُسّ بن ساعدة (¬3): أَيقَنتُ أَنِّي لا مَحالَةَ ... حَيثُ صارَ القَومُ صائِرُ قال الجوهري (¬4) قولهم: "لا محالة" أي: لا بد، يقال: الموت آت لا محالة (¬5). فإن قلت: الجنة نعيم، وهي لا تزول أبدًا، فكيف قال: وكل نعيم لا محالة زائل؟ وهذا كلام غير صحيح، ولهذا لمّا أنشده لبيد رد عليه عثمان بن مظعون (¬6) -رضي الله تعالى عنه- وقال له: كذبتَ، نعيم الجنة لا ووول، على ما روى محمد بن إسحاق صاحب المغازي (¬7). وقال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عمن حدثه قال: لما رأى عثمان بن مظعون -رضي الله تعالى عنه- ما يلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من الأذى، وهو يغدُو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة (¬8)، قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل بيتي يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وهو في المسجد، وقال (¬9): يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد ¬
كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَلِيَ به وبأصحابه أسوة، فقال: فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت قال: لا، ولكن أرضى بجوار الله تعالى، ولا أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى المسجد فاردد إليَّ جواري علانية؛ كما أجرتك علانية، فقال: انطلق، فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد عليَّ جواري، فقال عثمان: صدق وقد وجدته وفيًّا كريم الجوار، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله تعالى، وقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة هذا في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان وهو ينشدهم: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... .................... فقال عثمان: صدقت، قال لبيد: .......................... ... وكل نعيم لا محالة زائل فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إليه، فقالوا للبيد: أعد علينا فأعاد لبيد، فأعاد عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإنما يعني عثمان؛ إذ قال كذبت يعني: نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: والله يا نفر قريش ما كانت مجالسكم هكذا، فقام سَفِيهٌ منهم على عثمان بن معظون فلطم عينيه فاخضرت، فقال [له] (¬1) مَنْ حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة، وكانت عينك غنية عما لقيت، فقال: جوار الله آمن وأعز، وعيني الصحيحة فقيرة التي ما لقيت أختها، ولي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن (¬2) آمن معه أسوة، فقال الوليد: هل لك في جواري؟، فقال عثمان: لَا أَرَبَ لي في جوار أحد إلا في جوار الله تعالى، ثم هاجر عثمان -رضي الله تعالى عنه- إلى المدينة. قلت: الجواب عن ذلك من وجهين: الأول: أن لبيدًا إنما قال ذلك قبل أن يسلم، فيمكن أن يكون اعتقاده [في] (¬3) ذلك الوقت أن الجنة لا وجود لها، أو كان يعتقد وجودها، ولكن لا يعتقد دوامها كما ذهبت (¬4) إليه طائفة من أهل الأهواء والضلال. والثاني: أنه يمكن أن يكون أراد به ما سوى الجنة من نعيم الدنيا؛ لأنه كان في صدد ذم الدنيا، وبيان سرعة زوالها، وأما تكذيب عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - إيَّاه؛ فلكونه حمل الكلام عن العموم. ¬
10 - قوله: "فَلْتَرُعْكَ العواذل" من رَوَّعَهُ يُرَوِّعُه إذا كفه (¬1)، والعواذل ها هنا حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليه مجاز (¬2). الإعراب: قوله: "ألا كل شيء"، ألا: حرف استفتاح، غير مركبة؛ ولذلك قال سيبويه (¬3): إذا سميت بها أعربت ولم تحك، وهي (¬4) بمنزلة: قفا (¬5)، وادعى الزمخشري (¬6) فيها التركيب (¬7)، ولم يقم على دعواه الدليل، فتصدر (¬8) بها الجملة الاسمية؛ كقوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 12]، والفعلية؛ كقوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8]. ولفظ (كل) المشهور فيه أن لا يخلو استعماله عن الإضافة لفظًا، فإن خلا لفظًا يكون مضافًا معنى؛ كقوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] (¬9)، وأجاز الأخفش (¬10) تجريده ¬
عن الإضافة وانتصابه حالًا (¬1)، ووافقه أبو علي (¬2) في الحلبيات (¬3)، ويعضده قراءة نافع (¬4): (إنا كلًّا فيها) (¬5) [غافر: 48]، و "كل شيء" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "باطل". وقد علم أن كلمة "كل" إذا أضيفت إلى نكرة تقتضي عموم الأفراد، وإذا أضيفت إلى المعرفة تقتضي عموم الأجزاء، تقول: كل زُمَّانٍ مأكول، ولا تقول: كل الرمان مأكول، ولفظة "الله" منصوبة بقوله "خلا". فإن قلت: ما موضوع الجملة كلها من الإعراب؟. قلت: يجوز أن يكون حالًا (¬6)، وبه جزم السيرافي (¬7)، فيكون التقدير: ألا كل شيء حال كونه خاليًا عن الله باطل؛ كما تقول في قولك: جاءني القوم ما خلا زيدًا، يعني جاءني القوم حال كونهم خالين عن زيد، ويجوز أن يكون نصبًا على الظرفية (¬8)؛ فيكون التقدير: ألا كل شيء وقت خلوهم عن الله باطل كما تقول في قولك: جاءني القوم ما خلا زيدًا. جاءني القوم وقت خلوهم عن زيد. ¬
التقدير: ألا كل شيء وقت خلوهم عن الله باطل، وقد قلنا: إن "خلا" إذا دخلت عليها كلمة "ما" لا تجر عند الجمهور (¬1)، ونقل الجرمي (¬2) عن بعض العرب جر المستثنى بعد: "ما خلا"، وبعد "ما عدا"، على أن "ما" زائدة، وعدا وخلا حرفا جر وهذا شاذ (¬3)؛ لأن "ما" تزاد بعد الحرف متأخرة عنه، كما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، و {عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، وها هنا هي متقدمة عن الحرف فلا يحكم عليها بالزيادة. وإذا كانتا مجردتين من كلمة "ما" يجوز الجر بهما على أنهما حرفا جر، والنصب على أنهما فعلان فاعلهما مضمر وجوبًا، والمستثنى مفعولهما، تقول: قام القوم خلا زيدًا وخلا زيدٍ، وعدا زيدًا وعَدا زيدٍ (¬4). الاستشهاد فيه: أنه أورده شاهدًا لإطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجاز مهمل عند النحويين، مستعمل عند المتكلمين، وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع، فإنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: أَلا كُلُّ شَيء مما خَلا اللهَ باطِلُ ... ............................. " فأطلق الكلمة على الكلام توسعًا، وقد روينا عن أبي هريرة (¬5) -رضي الله تعالى عنه- من طريق البخاري (¬6) ومسلم (¬7) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ¬
الشاهد الثاني
ألا كُلُّ شيءٍ مما خَلا اللهَ باطلُ ... ................. (¬1). وكاد ابن أبي الصلت (¬2) أن يسلم"، وفي رواية لهما قال: "أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد" إلخ، وهذه الرواية رويناها أيضًا من طريق الترمذي (¬3) -رحمه الله تعالى- وقد رويت هذه اللفظة بألفاظ مختلفة منها: إن أصدق كلمة (¬4)، ومنها: إن أصدق بيت قاله الشاعر (¬5)، ومنها: أصدق بيت قاله الشاعر، ومنها: أصدق بيت قالته الشعراء، وكلها في الصحيح، ومنها: أشعر كلمة قالتها العرب، قاله ابن مالك في شرحه للتسهيل (¬6)، وكلها في وصف المعاني مبالغة بما يوصف به الأعيان؛ كقولهم: شعر شاعر، وخوف خائف، وموت مائت، ثم يصاغ من أفعل باعتبار ذلك المعنى، فيقال: شعرك أشعر من شعره، وخوفي أخوف من خوفه (¬7)، وفيه شاهد آخر: وهو تقديم المستثنى، ولكن الشارح لَمْ يورده لذلك، وإنما أورده لما ذكرنا [فافهم] (¬8). الشاهد الثاني (¬9)، (¬10) وَكَم عَلَّمْتُهُ نَظْمَ القوافي ... فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَانِي أقول: قائله هو معن بن أوس المزني (¬11) شاعر جاهلي مقل، قاله في ابن أخت له، وهو من ¬
قصيدة نونية، وقال الجاحظ (¬1): أولها قوله (¬2): 1 - فلا وَأبِي حبيبةَ ما نفاه ... من أرْضِ بَني رَبيعَةَ من هوانِ 2 - وكان هو الغَنيَّ إلى غِنَاهُ ... وكانَ من العَشِيرَةِ في مَكَانِ 3 - تَكَنَّفَهُ الوُشَاة فَأَزْعَجُوهُ ... ودسوا من قضاعة غيرَ وَانِ 4 - فَلَولا أَن أُمَّ أَبيهِ أُمّي ... وَأَن مَن قَد هَجاهُ فَقَد هَجاني 5 - إِذًا لأصابَهُ مِني هِجاءٌ ... يُمِرُّ بِهِ الرَويُّ عَلى لِساني 6 - أَعَلِّمُهُ الرِمايَةَ كُل يَومٍ ... فَلَمّا استدَّ ساعِدُهُ رَماني 7 - وكم علمته .......... ... ..................... إلخ وقال ابن دريد (¬3): هي لمالك بن فهم الأزدي (¬4) وكان ابنه سَلِيمَة رماه بِسَهْم فقتله، ووزن سليمة على وزن صحيفة، ومالك هذا ابن فهم بن غنم تنخت عليه تنوخ ونزلوا الحيرة وتحالفوا هناك، فاجتمعت اليهم قبائل من العرب فوثب سليمة على أبيه فقتله فقال أبوه الأبيات المذكورة فتفرقت بنو مالك ولحقوا بعمان، وهي من الوافر، وهو أول الدائرة المسماة بالمؤتلف (¬5)، وهي تشتمل على بحرين؛ هما الوافر والكامل، وأصل الوافر في الدائرة مُفَاعَلَتُن (¬6) ست مرات (¬7). والبيت المذكور قد دخله العصب بالمهملتين وهو: تسكين الخامس المتحرك ويبقى (¬8) ¬
مفاعلتن بسكون اللام فينقل إلى مفاعيلن (¬1)، ودخله القطف أيضًا- بالقاف في أوله، وهو الحذف بعد العصب حتى يصير: مفاعل فيرد إلى فعولن (¬2) فتقول: (وكم علم) مفاعيلن معصوب (ته نظمل) مفاعيلن معصوب، (قوافي) فعولن مقطوف، (فلما قا) مفاعيلن معصوب (ل قافية) مفاعلتن سالم، (هجاني) فعولن مقطوف. قوله: "فلما استد" بالسين المهملة من قولهم: سدد الرامي رميته، وأنشده الجوهري في فصْل سدد شاهدًا على ما ذكر (¬3)؟ وكذا أنشده الزمخشري في أساس البلاغة، يُقال: استد ساعده وتسدد على الرمي: استقام، وسدد السهم نحوه وتسدد السهم نفسه (¬4)، وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: يروى بالشين المعجمة من الاشتداد وهو القوة، وهذا يرد قول من يدّعي من المتأخرين أن من رواه بالمعجمة فقد صحف. قوله: "علمته" الضمير فيه يرجع إلى المذكور في الأبيات السابقة وهو ابن أخت الشاعر. قوله: "القوافي "جمع قافية وهي اللفظ الأخير من البيت الذي يكمل البيت هذا عن الأخفش (¬5)، وقال قطرب (¬6): القافية هي الروي (¬7)، وهو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وقال ابن كيسان (¬8): هي ما لزم إعادته في آخر الأبيات من الحروف والحركات، وقال الخليل (¬9): هي ما تحرك (¬10) من آخر البيت مع الساكنين التاليين له أحدهما ملاصق للمتحرك الأخير (¬11) وقد يسمى النصف الأخير من البيت قافية تجوزًا، وأراد بها الشاعر القصيدة على ما نذكره إن شاء الله تعالى. 7 - قوله: "هجاني" من الهجو وهو خلاف المدح في اللغة، تقول: هجوته هجوًا وهجاء وتهجاء، وفي الاصطلاح: الهجو إظهار ما في الشخص من المعايب والمثالب والحط عليه بما ليس ¬
فيه من النقائص وهذان البيتان مثل يضرب لمن يسيء إليك وقد أحسنت إليه، وأنشد الميداني (¬1) في أمثاله (¬2): فيا عَجَبًا لمن ربّيتُ طفْلًا ... ألقِّمُهُ بأطرافي البَنَانِ أعلمهُ الرمايِةَ كل يومٍ ... فلما استدّ ساعدُه رَمَاني أعلِّمهُ الروايةَ كل وقتٍ ... فلما قال قافيةً هَجَاني (¬3) أعلِّمهُ الفُتُوّة كلَّ يومٍ ... فلمّا طرَّ شاربُه جَفَاني (¬4) الإعراب: قوله: "وكم علمته" الواو للعطف على ما قبله، وكم خبرية، والمميز محذوف تقديره: وكم تعليم علمته، أو كم مرةٍ علمته، ولا خلاف في حذف المميز جوازًا (¬5)، فإن قلت: ما محل "كم"؟ قلت: إن قدرته تعليمًا فكم مفعول مطلق، وإن قدرته وقتًا فهي ظرف. قوله: "نظم القوافي "كلام إضافي، مفعول ثان لعلمته؛ لأن علم منقول بالتضعيف عن عَلِم بمعنى عَرَف، وفَعَّل يتعدى بالتضعيف إلى اثنين دون التاء؛ كعلَّمتُه الخير وجنَّبته الشر، وبالتاء إلى واحد كتعلَّم الخير وتجنب الشر. قوله: "فلما" بمعنى حين، وجوابه قوله: "هجاني و"قافية" نصب على أنه مَفْعُول قال، فإن قلت: القول يستدعي أن يكون مقوله جملة، وليس كذلك ها هنا، قلت: إذا كان القول بمعنى الحكاية يقع مقوله مفردًا؛ كما في قولك: قلت شعرًا بمعنى حكيته (¬6). ¬
الشاهد الثالث
واعلم أن القول يتعدى بخمسة أحرف: بالباء نحو: قال به بمعنى: حكم به، وباللام نحو: قال له: خاطبه، وبعن نحو: قال عنه، أي روى عنه، وبفي نحو: قال فيه، أي اجتهد فيه، ويستعمل مجردًا بمعنى: افترى، فإن قلتَ: ما الفاء في قوله: فلما قال: قلت: للتعقيب مع مراعاة معنى السببية على ما لا يخفى. الاستشهاد فيه: في كونه أطلق القافية التي هي جزء القصيدة على القصيدة، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل، أو تسمية الشيء باسم بعض؛ لأن حقيقة القافية ما ذكرناها. الشاهد الثالث (¬1)، (¬2) يَا صَاحِ مَا هَاجَ العُيُون الذُّرَّفَنْ ... من طَلَلٍ كَالأَتْحميِّ أَنْهَجَنْ أقول: قائله هو الراجز العجاج، واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عميرة بن حُيَيِّ بن ربيعة بن سعد بن مالك التميمي السعدي من سعد تميم البصري، يكنى بأبي الشعثاء والعجاج لقبه، لقب بذلك لقوله: حتى يَعُجُّ عِنْدَهَا مَنْ عَجْعَجَا، والعج: رفع الصوت، يقال: رجل عجاج أي صَيَّاح، والأنثى عجاجة، يقال: أشعر الناس العجاجان، أي رؤبة وأبوه (¬3)، ورؤبة يكنى بأبي محمد وبأبي الجحاف، وهو وأبوه (¬4) راجزان مشهوران، كل منهما له ديوان رجز ليس فيه شعر سوى الأراجيز، وهما مجيدان (¬5) في رجزهما، وهما عالمان (¬6) باللغة، وهما في الطبقة التاسعة من رجاز الإسلام (¬7). وقال أبو عمرو بن العلاء (¬8): .................................................. ¬
ختم الشعر بذي الرمة (¬1) والرجز برؤبة، وقال أبو عبد الله الرعيني (¬2) في كتابه: "المؤاخي النادر في الجمع بين اللآلي والنوادر": إن العجاج أدرك أبا هريرة - رضي الله عنه - وروى عنه، وكان من أعراب البصرة، مخضرم أدرك الدولتين، ورؤبة وابنه أيضًا كان مقيمًا بالبصرة، فلما ظهر بها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي - رضي الله عنه - (¬3)، وخرج على أبي جعفر المنصور (¬4) خاف رؤبة على نفسه، وخرج إلى البادية لتجنب الفتنة، فلما وصل إلى الناحية التي قصدها أدركه أجله بها، فتوفي هناك سنة خمس وأربعين ومائة، وكان قد أسن، قال محمد بن سلام: قلت ليونس (¬5) النحوي: هل رأيت أعرابيًّا أفصح من رؤبة؟ قال: لا (¬6) وعن ابن قتيبة: كان رؤبة يأكل الفأر فعوتب في ذلك، فقال رؤبة: هي أنظف من دواجنكم ودجاجكم اللائي يأكلن العذرة، وهل يأكل الفأر إلا نقي البر ولباب الطعام (¬7)؟. ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء ساكنة، وهي في الأصل اسم لقطعة من الخشب يشعب بها الإناء، وجمعها رئاب، وباسمها سمي الراجز المذكور (¬8)، وعن يونس: الرؤبة خميرة اللبن، وقطعة من الليل، والحاجة، وجمام ماء الفحل (¬9). قوله: "من طلل .. إلى آخره" ليس من تتمة قوله: يا صاح ما هاج ... إلى آخره؛ كما زعمه ¬
ابن الناظم وغيره (¬1) فإنهم وهموا في ذلك وَهْمًا فاحشًا؛ بل لكل منهما قافية تغاير قافية الآخر، فإن تمام الأول قوله (¬2): 1 - .......................... ... من طَلَلٍ أَمْسَى يُحَاكي المصحَفَا [وبعده] (¬3): 2 - رُسُومَهُ والمُذهَبَ المزَخْرفَا (¬4) ... جَرَّتْ عَلَيهِ الريحُ حَتَّى قَدْ عَفَا 3 - وَقَدْ أَرَاني بِالدِّيَارِ مُتْرَفَا ... أزْمَانَ لا أحسبُ شيئًا مُنْزَفا 4 - أَزمَانَ غَرَّاءُ تَرُوقُ الشُّنَّفَا ... كَأن ذَا فَدَّامة مُنَطَّفَا 5 - قطف من أعنَابِه ما قَطَفَا ... فَعَمَّهَا حَوْلَينِ ثُمَّ استَودَفَا 6 - خالط من سَلْمَى خَيَاشيمَ وَفَا ... صَهبَاءَ خُرْطُومًا عقارًا قَرْقَفَا 7 - فَشَنّ في الإِبريقِ منها نُزَفَا ... حتى تَنَاهَى في صَهَاريجِ الصَّفَا ومن هذه القصيدة قوله أيضًا: 1 - وَمَهْمَهٍ يمطُو مَدَاهُ الْعُسَّفَا ... بذَات لَوْثِ أَوْ نُبَاج أَشْدَفَا 2 - نَاجٍ طَوَاهُ الأَيْنُ ممَّا وَجَفَا ... طَيّ اللَّيَالِي زُلَفًا فَزُلَفا 3 - سَمَاوَةَ الهلَالِ حَتى احْقَوْقَفَا ... ....................... وتمام الثاني هو قوله (¬5): 1 - مَا هَاجَ أَشجَانًا وَشَجْوًا قَدْ شجَا ... مِنْ طَلَلٍ كَألأَتْحُمى أَنْهَجَا وبعده: 2 - أمْسَى لِعَافِي الرامِسَاتِ مدرجَا ... واتخذتهُ النَّائجَاتُ مَنْأَجًا 3 - مَنَازِلٌ هيّجْنَ مَنْ تَهَيَّجَا ... من آل ليلى قد عفون حججا ¬
4 - والشَّخطُ قطَّاعٌ رَجَاءَ مَنْ رَجَا ... أَزْمَانَ أَبْدَت واضحًا مفلَّجا 5 - أغرَّ برَّاقًا وطرْفًا أبرجا ... وَمُقلَةً وحاجبًا مُزَجَّجا 6 - وفاحمًا ومَرْسِنًّا مسرَّجا ... وكفلًا وَعْثًّا إذا ترجرجَا 7 - ومهمهٍ هالكٍ من تعرَّجا ... هَائِلة أَهْوَالُهُ مَنْ أدْلَجا ومن هذه القصيدة أيضًا: 1 - كأنَّ تحتي ذات شَغبٍ سمحجا ... قَوْدَاءَ لا تحمل إلا مُخْدَجًا 2 - جَأْبًا ثرَى تَلِويلَةَ مُسَحَّجَا ... ............................ ومنها قوله: 3 - فعَرَفُوا أن لا يُلاقُوا مخرجا ... أو يَبتَغُوا إلَى السَّمَاء دَرَجَا 4 - حَتَّى يَعُجَّ ثخَنًا مَن عجْعَجَا ... فُيُودِي المُودِيُّ وَينْجُو مَنْ نَجَا وبه سمي العجاج كما ذكرناه، فالأول: رجز فائي، والثاني: رجز جِيمي، وأصله في الدائرة: مستفعلن ست مرات، وقد دخله الطي (¬1) وهو إسقاط الرابع الساكن وهو الفاء (¬2) فيصير: مستعلن، فيرد إلى مفتعلن وتقمعه ظاهر، فقوله: (من طلل) مطوي، وزنه مفتعلن والباقي سالم. 1 - قوله: "هاج" من الهيجان، يقال: هاج الشيء يهيج هيجًا وهياجًا وهيجانًا، واهتاج يهيج أي: ثار وتحرك، يقال: هاج به الدم والمرة، يقال: هاج وهاجه، يتعدى ولا يتعدى (¬3) وها هنا هاج متعد، و "الذُّرَّف" بضم الذال المعجمة وفتح الراء المشددة جمع ذارفة، من ذَرَفَ الدمعُ إذا سال فهو ذارف ومذروف وذريف ودموع ذوارف، وقد ذَرِف دمعه ذروفًا، وذرفت عينه الدموع ذروفًا، وحكى في الصحاح ذَرَفَانَا (¬4)، وقال الفراء (¬5) ذَرّفَتْ عينهُ تذرافًا وتذرفيًا وتَذْرِفة (¬6)، وقوله: "من طَلَل" بفتحتين وهو: ما شخص من آثار الدار وما سَوَّدُوا فيها، وجمعه: أطلال وطلول. ¬
قوله: "يحاكي المصحفا" أي يشابه، والمعنى: أي شيء هيج العيون الذارفة بالدموع من طلل؛ أي: من رؤية طلل؛ كقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} [الحج: 22] أي: من أجل غم، يعني: من طلل دار قد أمسى يحاكي سطور المصحف في الخفاء، والاندراس، "والمصحف" مثلث الميم (¬1) حكاه في شرح الكافية (¬2) وهو ما يكتب فيه من جلد أو قرطاس، ويقال: صحيفة وصحف وصحائف. 2 - "والمزخرف": المزين، "عفا": انمحى أثره. 3 - قوله: "مترفًا" أي: منعمًا منزهًا، من الإتراف، قوله: "منزفًا" أي: مقطوعًا، قوله: "غراء"؛ أي: بيضاء، قوله: "تروق"، أي تعجب، قوله: "الشَّنَّفَا" جمع شانف وهو الناظر يمينا وشمالًا، قال الجوهري: شنفت إلى الشيء بالفتح: نظرت في اعتراض (¬3). 4 - قوله: "ذَا فَدَّامةٍ" بالفاء؛ أي ذا خرقة، "والمنُطَّف" بالطاء المهملة، معناه: المُقَرَّط، يقال: تنطفت المرأة إذا تقرطت، والنَطَفَةُ بالحركات: القرط. 5 - قوله: "قطف" أي: نزع بيديه، قوله: "استودفا"؛ أي: استوكفا. 6 - قوله: "صهباء"؛ الصهباء: الخمر سميت بذلك للونها، و: "الخُرَطُومَ" بضم الخاء المعجمة هو الخمر قاله الجوهري، وأنشد البيت المذكور (¬4)، و "العُقار" من أسماء الخمر؛ لأنها تعاقر القلوب، و"القرقف" أيضًا من أسماء الخمر؛ لأنها تقرقف صاحبها؛ أي: ترعده. 7 - قوله: "فشنَّ" من شن الماء على الشراب إذا صَبَّهُ، قوله: "نُزُفا" بضم النون جمع نزفة، وهو القليل من الماء والشراب، ويقال: النزفة؛ الجرعة. 1 - قوله: "ومهمه"، أي: مفازة، قوله: "يمطو"، أي: يمد؛ و "المدى": الأمد الذي إليه ينتهي، و "العُشف" جمع عاسف وهو القاطع بغير طريق، وربما قطع عليه الطريق، قوله: "لوث"؛ أي: قَوَّة. قال الجوهري: اللوث بالفتح القوة (¬5)، و: "النُّبَاج" بضم النون وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره جيم مثل: النباح بالحاء المهملة، وهو الردام أيضًا، و: "الأشدف" الذي فيه ميل على يده اليسرى. 2 - قوله: "الأين: الإعياء، قوله: "زلفًا": جمع زلفة وهي الدنو. ¬
3 - قوله: "سماوة الهلال" سماوة كل شيء: شخصه، أراد كشخص الهلال في دقته وانحنائه، و: "الاحقيقاف" الاعوجاج. 1 - قوله: "أشجانا" جمع شجن بفتحتين وهو الحزن، وأما الشجن الذي معناه الحاجة فيجمع على شجون، قال الشاعر (¬1): والنفس شتى شجونها ... ............................ والعروضيون يروونه: ما هاج أحزانًا وشجوا قد شجا (¬2) والشجو الحزن أيضًا، يقال: شجاني الشيء أحزنني، والشجا: ما نشب في الحلق من غصة هم، و: "مفازة شجواء": صعبة المسالك. فإن قلت: ما فائدة عطف الشجو الذي هو الحزن على (أحزانًا) على رواية العروضيين؟. قلت: لما تغاير اللفظان عطف أحدهما على الآخر، وإن كان معناهما واحدًا. قوله: "كالأتحمي" بفتح الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الحاء المهملة: نوع من البرود بها خطوط دقيقة، وليس الياء فيها للنسبة، فإنما هي مثل الياء في قولهم: قصب يردي وكلب زفتي، ويقال: هو نسبة إلى أتحم موضع باليمن تعمل (¬3) فيه البرود وتنسب إليه، والأول هو الصحيح، وشبه به الأطلال من أجل المخطوط التي فيه؛ كما شبه بالمصحف، قوله: "أنهجا"، فعل ماض، يقال: أنهج الثوب إذا بلي وخَلِق، قال الجوهري: أنهج الثوب إذا أخذ في البلى، قال (¬4) عبد بني الْحَسْحَاس (¬5): فما زَال بُرْدِي طيبًا من ثيابها ... إلى الحَوْلِ حَتَّى أنْهَجَ البُرْدُ بَالِيَا 2 - قوله: "مدرجًا"؛ أي: طريقًا؟ قوله: "واتخذته النائجات منأجًا"، من نأجت الريح ¬
تنأج نئيجًا تحركت فهي نؤوج ولها نئيج؛ أي: مَرٌّ سريع مع صوت، ومادته: نون وهمزة وجيم. 4 - قوله: "واضحًا مفلجًا"، الواضح: الثغر الأبيض، والمفلج: المتفرق، و: "الأبلج" شديد بياض البياض، شديد سواد السواد، وقال الأصمعي (¬1): الواسع والمزجج بالإثمد المطول به (¬2). 6 - و "الفاحم" بالفاء والحاء المهملة: الشعر الأسود، و: "المرسن" الأنف، و"المسرج" المحسن المليح، و "الوعث الوثير" هو المكان السهل. تغيب فيه الأقدام، وامرأة وثيرة: كثيرة اللحم وكذلك امرأة وعثة: كثيرة اللحم، و "ترجرج" إذا اضطرب وتمخض. 7 - و "الهالك": من قولهم: هلكه الله (¬3)، قاله أبو عبيدة (¬4)، و "أدلج": سار ليلًا. 1 - و "الشغب" بالشين والغين الساكنة المعجمتين والباء الموحدة، وهو شدة النفس وشرهها، و "السمحج": المنطوية البطن، وقال الأصمعي: الطويلة (¬5)، و "القوداء": الطويلة العنق، و "المخدج": الناقص الخَلْق، وفي حديث علي - رضي الله تعالى عنه- في ذي الثدية مخدَج اليد؛ أي: ناقصها. 2 - قوله: "جأيّا" بفتح الجيم وسكون الهمزة وفي آخره ياء موحدة، وهو الغليظ من حمر الوحش، قال أبو زيد (¬6): يهمز ولا يهمزة (¬7)، قوله: "مسحجًا" بتقديم الحاء المهملة على الجيم وهو المعضد، يقال: حمار مسحج؛ أي: مُعَضَّض مُكَدحٌ، وهو بمعنى التسحيج؛ كقوله تعالى: {مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 7]، وتوهم بعضهم أنه اسم مفعول [مصحف بنيته فقال: تليله، والليت بكسر اللام: صفحة العنق، والتليل بفتح التاء المثناة من فوق هو العنق] (¬8). 4 - وقوله: "حتى يعج" من العج وهو رفع الصوت، و "الثخن" بفتح الثاء المثلثة والخاء ¬
المعجمة وفي آخره نون (¬1)، ويروى: حتى يعج عندها من عجعجا، قال اللحياني (¬2): رجل عجعاج؛ أي صيَّاح (¬3). الإعراب: قوله: "يا صاح" كلمة يا: حرف النداء، وصاح: منادى مرخم على لغة الانتظار (¬4) ولم يرخم على لغة الاستقلال (¬5) وترخيمه نادر كقولهم: أطرق كرا (¬6)؛ لأنه ليس بعلم ولا مؤنث، وقول من قال أصله: صاحبي رُخِّمَ بحذف المضاف إليه، ثم بحذف آخر المضاف (¬7) مردود. قوله: "ما هاج" ما: مبتدأ، وهاج: فعل، والضمير الذي هو فيه فاعله يرجع إلى "ما" والعيون مفعوله، "الذرَّفَنْ": نصب على أنها صفة للعيون، والجملة خبر المبتدأ، قوله: "من طلل" جار ومجرور متعلق بقوله: هاج، قوله: "أمسى" جملة في محل الجر على أنها صفة لطل، وأمسى من الأفعال الناقصة، ومعناهُ ها هنا صار (¬8). قوله: "المصحفن" مفعول يحاكي، والجملة في محل النصب على أنها خبر أمسى، قوله: "ما هاج أشجانًا" الكلام فيه كالكلام في قوله: ما هاج العيون. قوله: "قد شجا" جملة فعلية وقعت صفة لقوله: شجوًا، ومفعول شجا محذوف تقديره. ¬
وشجوًا قد شجاه، أي: أي شيء هيج الشجو الذي قد شجاه. قوله: "من طلل" متعلق (¬1) بقوله ما هاج، قوله: "كالأتحمي" صفة موصوفها محذوف، أي كالبرد الأتْحمي، وهو صفة لطلل ومحلها الجر، قوله: "أنهجا" جملة فعلية ماضية في محل النصب على الحال بتقدور "قد" أي كالبُرد الأتحمي حال كونه قد أنهجا. أي بلي وأخلق (¬2). الاستشهاد: في قوله: "الذرفن" فإنه جمع بين الألف واللام وتنوين الترنم، وفي قوله: "أنهجن" فإنه أدخل تنوين الترنم في الفعل، وتنوين الترنم: هو المبدل من حرف الإطلاق عوضًا عن مدات الترنم، وهي الألف والواو والياء (¬3)، أما الألف ففي ما مر من قوله: "الذرفن" و "أنهجن". وأما الواو ففي قول الآخر (¬4): ......................... ... سُقيت الغيثَ أيَّتهَا الخِيامُنْ وأما الياء ففي قول الآخر (¬5): ........................... ... كانَتْ مُباركَةً من الأيامن ¬
الشاهد الرابع
الشاهد الرابع (¬1)، (¬2) وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوي المُختَرَقْن ... ............................. أقول: قائلة هو رؤبة بن العجاج، وقد ترجمناه فيما مضى (¬3)، وهو من قصيدة قافية مرجزة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُختَرَقْ ... مُشتَبِه الأَعْلامِ لمّاع الخَفَقْ 2 - يَكلُّ وَفْدُ الرِيحِ مِنْ حَيثُ انْخَرَق ... شأز بِمَن عَوَّهَ جَدْبِ المُنْطَلَق 3 - ناءٍ مِنَ التَصْبِيح نَائِي المُغتَبَق ... تبدُو لَنَا أَعْلامُهُ بَعْد الغَرَقْ 4 - فيِ قِطَعِ الآلِ وَهَبوَاتِ الدُقَقْ ... خارِجَةً أَعْناقُهَا مِنْ مُعْتَنَقْ 5 - تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ ... مَضْبُورَة قَرْواءَ هِرْجاب فُنُقْ 6 - مائِرَةِ العَضدَينِ مِصْلاة العُنُقْ ... مُسْوَدَّة الأَعْطاف مِنْ وَشمِ العَرَقْ 7 - إذا الدليل استافَ أَخْلاقَ الطرُقْ ... كَأَنها حَقْباءُ بَلْقاءُ الزَّلَقْ 8 - أَوْ جادرُ اللِّيتَيِن مطْويُّ الحَنَقْ ... مُحَمْلجٌ أُدْرجَ إدْراج الطَّلَق 9 - لَوَّحَ مِنْهُ بَعْدَ بُدْنٍ وَسَنَقْ ... منْ طُولِ تَعْداء الرَّبيع فيِ الأَنقْ 10 - تَلْويحَكَ الضامرَ يُطْوَى للسَّبَقْ ... قُودٌ ثَمانٍ مِثْل أَمْراس الأَبَق 11 - فيها خُطُوطٌ منْ سَوادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنهَا فيِ الجِلْد تَوْليعُ البَهَقْ 12 - يُحْسَبْنَ شامًا أَوْ رِقاعًا مِنْ بنَقْ ... فَوْقَ الكُلَى من دائراتِ المُنتَطَقْ 13 - مَقْذُوذَةُ الآذان صَدْقاتُ الحَدَقْ ... قَد أَحْصَنَتْ مِثْلَ دَعَاميص الرَّنقْ 14 - أَجنةً في مُستَكنات الحلَقْ ... فَعَفَّ عَن أَسرارها بعْد الغسَقْ 15 - وَلَم يُضعْها بين فِركٍ وَعَشَقْ ... لا يَتْرُكُ الغَيرَةَ منْ عَهْدِ الشَبَقْ 16 - ألَّفَ شَتَّى لَيسَ بالراعِي الحَمِقْ ... شذّابَةٌ عَنْهَا شذى الرُّبْع السُّحُقْ 17 - قَبّاضةٌ بَيَنْ العَنيف وَاللبقْ ... مُقْتَدرُ الضَيعَةِ وَهْوَاهُ الشَّفَقْ ¬
18 - شهْرين مَرعاهَا بِقِيعان السلَقْ ... مَرْعًى أنيقَ النبت مُجّاجَ الغدَقْ 19 - جَوَازئًا يَخْبِطْنَ أَنْداءَ الغمَقْ ... مِنْ باكِر الوَسْمِيِّ نَضَّاخ البُوَقْ 20 - مُستَأْنِف الأَعْشاب مِنْ رَوْضٍ سَمَق ... حَتى إذا ما اصْفَرَّ حُجْرَانُ الذُّرقْ 21 - وَأَهْيَجَ الخلصاءَ من ذاتِ البُرَقْ ... وَشفَّها اللَّوْحُ بمَأْزولٍ ضَيَقْ 22 - وحلَّ هَيفُ الصَّيف أقْرَانَ الرِّبقْ ... وَبَتَّ حَبلُ الجُزْء قَطْعَ المنحَذِقْ 23 - وَخَفَّ أَنْواءُ الرَبيع المُرْتزَقْ ... وَاستنَّ أَعْراف السَفَا عَلَى القيَقْ 24 - وَانْتَسَجَتْ في الريحِ بُطْنانُ القَرَقْ ... وَشجَّ ظَهْر الأَرْضِ رَقاصُ الهَزَقْ 25 - هَيجَ وَاجْتابَتْ جِدِيدًا عَنْ خَلَقْ ... . كَالْهَرَوي انْجَابَ عَنْ لَوْن السَّرَقْ 26 - طَيَّرَ عَنْهَا النَسءُ حَوْليَّ العقَقْ ... فَانْمَارَ عَنْهُنَّ مُوَارَاتُ المزَقْ 27 - وَمَاجَ غُدْرانُ الضحَاضيحِ اليَقَقْ ... وَافْتَرَشت أَبْيَضَ كَالصُّبْح اللَّهَقْ 28 - قَوارِبًا منْ واحفٍ بَعْدَ العَبَقْ ... للعِدِّ إذ أَخْلَفَهَا مَاء الطَّرَقْ 29 - بَين القَريَّين وَخَبرَاء العَذَقْ ... يَشْذبُ أُخْراهُن مِنْ ذاتِ النَّهَقْ 30 - أَحْقَبُ كَالمحلج مِنْ طُول القَلَقْ ... كَأنهُ إذ راحَ مَسْلُوسَ الشَّمَقْ 31 - نُشِّرَ عَنْهُ أَوْ أَسِيرٌ قَدْ عتَقْ ... مُنْسَرحًا إلِّا ذَعَاليبَ الخِرقْ 32 - مُنْتَحيًا منْ قَصدِه عَلَى وَفَقْ ... صاحِبَ عادَاتٍ منَ الِورْد الغفَقْ 33 - تَرمِي ذرَاعَيهِ بِجَثْجاث السوَقْ ... ضَرحًا وَقَد أَنْجَدْنَ منْ ذات الطوَقْ 34 - صَوَادِقَ العَقْبِ مَهَاذِيبَ الوَلَقْ ... مُستويَاتِ القَدِّ كَالجَنْبِ النَّسَقْ 35 - تحيدُ عَن أَظْلالِهَا مِنَ الفَرَقْ ... مِن غائلات اللَيلِ وَالهَول الزَعَقْ 36 - قُبُّ مِنَ التعداءِ حُقْبٌ في سوَقْ ... لَوَاحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمقَقْ 37 - تَكَاد أَيْدِيهِن تهْوي في الزَّهَقْ ... منْ كَفْتها شَدًّا كَإضْرام الحَرَقْ 38 - سَوَّى مَسَاحِيهِنَّ تقْطِيطَ الحُقَقْ ... تَفْليلُ ما قارَعْنَ مِنْ سُمْرِ الطُرَق 39 - رُكِّبْنَ في مَجْدُول أَرْساغٍ وُثقْ ... يَتْرُكْنَ تُرْبَ الأَرْض مَجْنُونَ الصِّيَقْ 40 - وَالمروَ ذا القَدَّاح مَضْبُوحَ الفلَق ... ركبن في جدول أرساغ وثق 41 - يَنصَاحُ مِنْ جُبْلَةِ رضمٍ مُدَّهَق ... إذا تَتَلَّاهُنّ صَلْصال الصَّعَقْ 42 - مُعتَزِمُ التَّجْلِيحِ مَلّاخُ الملق ... يرمى الجلاميد بجلمود مِدَقْ
43 - مماتن غايتها بعد النَّزَقْ ... حَشرَجَ في الجَوْفِ سَجيلًا أَو شَهَقْ 44 - حَتَّى يُقَال ناهِقٌ وَما نَهَق ... كَأنَّهُ مُستنشِق مِنَ الشرَقْ 45 - خُرًّا منَ الخردَلِ مُكرُوهَ النَشَقْ ... أَوْ مُقرعٌ مِن رَكْضهَا دَامي الزنَقْ 46 - أَوْ مُشتَكٍ فَائِقَهُ مِنَ الفَاق ... في الرَأسِ أَو مَجْمَعِ أَحْناء يرقَقْ 47 - شَاحيَ لحيَي قَعْقَعَانيِّ الصَلَقْ ... قَعَقَعَةَ المحوَر خُطافَ العَلَقْ 48 - حَتَّى إذا أَقحَمَهَا فيِ المنسَحَق ... وَانْحَسَرَت عَنَها شقابُ المُخَتَنَقْ 49 - وَثلَمُ الوادِي وَفَرْغُ المُندَلَقْ ... وَانْشَقَّ عَنْها صَحْصَحَانُ المنُفَهَقْ 50 - زُورًا تَجَافى عَنْ أَشَاءَاتِ العُوَقْ ... في رَسم آثارٍ وَمدْعاسٍ دَعَق 51 - يَردْنَ تَحْت الأَثل سَيَّاحَ الدَّسَقْ ... أَخْضرَ كَالبُرد غَزِيرَ المُنبَعَق 52 - قَد كَفَّ عَن حَائرِه بَعْدَ الدفَقْ ... في حاجرٍ كَعكَعَهُ فَي البَثَق 53 - وَاعتَمَسَ الرامي لِما بَينَ الأُوَق ... في غِيلِ قَصْباءَ وَخِيسٍ مُختَلَقْ 54 - لا يَلتوي من عاطِسٍ وَلا نَغقْ ... وَلَم يُفَجَّشْ عِنْدَ صَيدٍ مُخْتَرَق 55 - نيئ وَلا يَذخُرُ مَطْبُوخَ المَرَقْ ... يَأوي إِلَى سفعَاءَ كَالثَوبِ الخلَقْ 56 - لَم ترْجُ رِسلًا بَعْد أَعْوَام الفَتَق ... إذا احْتَسَى مِن لَومها مُرَّ اللعَقْ 57 - جَدَّ وجَدَّت إِلقَةٌ مِنَ الإِلَق ... لَو صخبت حَوْلًا وَحَوْلًا لَم تَفِق 58 - ترمل فيِ الباطلِ مِنْهَا المُمْتَذَقْ ... غُولٌ تَشَكّى لِسَبنْتى مُعتَرَقْ 59 - كَالحيَّة الأَصْيَدِ من طُول الأَرَقْ ... لا يشَتكي صُدغَيه مِن داء الوَدَق 60 - كَسَّرَ مِن عَينيهِ تَقويمُ الفُوَق ... وَما بعَينيه عَواويرُ البَخَق 61 - حَتَّى إِذا توَقَّدَت مِنَ الزَّرَقْ ... حَجرِيَّةٌ كَالجَمرِ منْ سَنِّ الذَّلَقْ 62 - يُكسَينَ أَرياشًا مِنَ الطَيرِ العُتُق ... سَوَّى لَهَا كَبدَاءَ تنْزُو فيِ الشَّنَقْ 63 - نَبعِيَّةً سَاوَرَهَا بَينَ النيَق ... تنثُرُ مَتنَ السَمهَريِّ المُمتَشَقْ 64 - كَأنمَا عَوْلَتُها من التَأق ... عوَلَةُ عَبرَى وَلوَلَت بَعْدَ المأَق 65 - كَأَنها في كَفِّهِ تَحتَ الرِّوَق ... وَفقُ هِلالٍ بَين لَيلٍ وَأُفُق 66 - أَمْسَى شَفَى أَو خَطّة يَوْمَ المحق ... فَهيَ ضَرُوحُ الرَّكضِ مِلحَاقُ اللحَق 67 - لَوْلا يُدلي حَفضُهُ القِدحَ انزَرَق ... وَقَد بَنَى بَيتًا خَفيَّ المُنْزَبَقْ
68 - رَمسًا منَ النَامُوسِ مَسدُودَ النفَقْ ... مُقْتَدِرَ النَقْب خَفيَّ المُمْتَرَقْ 69 - مَضطَمرًا كَالقَبرِ بالضيق الأَزَق ... أَسَّسَهُ بَين القَرِيب وَالمَعَقْ 70 - أَجْوَفَ عَنْ مَقعَدِه وَالمُرتَفَق ... فَباتَ وَالنفْسُ منَ الحرصِ الفَشَق 71 - فيِ الذرْب لَوْ يَمْضعُ شريًا ما بَصَقْ ... لَمَّا تَسَوَّى في ضَئِيلِ المُنْدَمَقْ 72 - وأوفقت الرَّمْي حَشرَاتُ الرشَق ... سَاوَى بِأَيْديهن مِنْ قَصدِ اللمَق 73 - مَشْرَعَةٌ ثلْماءُ مِنْ سَيلِ الشدَقْ ... فَجئْنَ وَاللَيلُ خَقيُّ المُنسَرَقْ 74 - إذا دَنَا مِنْهُن أَنْقاضُ النُّفَقْ ... في الماء وَالساحِلُ خَضخاضُ البثَقْ 75 - بَصبصنَ وَاقْشَعرَرْنَ مِنْ خَوف الزَّهَقْ ... يَمْصَعنَ بِالأَذْنابِ مِنْ لَوْحٍ وَبَق 76 - حَتَّى إِذَا ما خُضْنَ في الحَوْمِ المَهَقْ ... وَبَل نَضحُ الماء أَعضَادَ اللَّزَقْ 77 - وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلِصًا رَبَّ الفَلَق ... سرًّا وَقَدْ أَوَّنَّ تَأْوينَ العُقُقْ 78 - وَارتَازَ عيرى سَندَرِيٍّ مُخْتَلَق ... لَوْ صَف أَدْراقًا مَضَى مِن الدرَقْ 79 - يَشقَى بِهِ صَفْحُ الفَرِيصِ وَالأَفَق ... وَمَتن مَلساءِ الوَتينِ في الطبَقْ 80 - فَمَا اشتَلاهَا صَفقُهُ لِلمُنصَفَق ... حَتَّى تَهَاوَى أَربَعٌ فيِ المُنْعَفَقْ 81 - بِأَرْبَعَ يَنزَعْنَ أَنفَاسَ الرمَق ... تَرَى بها منْ كُل مِرشاشِ الوَرَق 82 - كثمَر الحُمَّاض مِن هَفْتِ العَلَق ... وَانصَاعَ بَاقِيهِنَّ كَالبَرقِ الشقَق 83 - ترمِي بأَيديها ثَنَايَا المنفَرَق ... كَأَنها وَهْي تَهاوَى بِالرفقْ 84 - مِن ذَروهَا شبراقُ شَدٍّ ذِي عَمَق ... حين احْتَدَاها رُفقَةٌ منَ الرفَق 85 - أَوْ خَارِبٌ وَهْيَ تَغَالى بِالحزَقْ ... فَأَصْبَحَت بالصلْبِ مِنْ طُول الوَسَقْ 86 - إِذَا تَأَنَّى حِلمَهُ بَعدَ الغلَق ... كاذَبَ لَومَ النفسِ أَو عنْهَا صَدَقْ وإنما سقنا هذه الأرجوزة بكمالها لوجوه: الأول: لكونها عزيزة [الوجود] (¬1) وقلّ من يقف [عليها كاملة] (¬2). والثاني: فيها أبيات كثيرة مستشهد [فيها بما] (¬3) نحن بصدده. والثالث: لتكثير الفائدة؛ لاشتمالها على لغات غريبة وألفاظ عجيبة. ¬
والرابع: [أن] (¬1) مطلعها بيت مستطرق كثير الورود في كتب النحو واللغة، فلأجله ذكرنا الباقية. والخامس: ليدل على توغلنا في هذا الفن وشدة تَنْقيرِنا في مظان الأشياء ومدارك اللغات والألفاظ، فنتكلم على لغاتها مختصرة تكثيرًا للفائدة، وإزاحة للإهمال عن ألفاظها الغربية. 1 - فقوله: "وقاتم الأعماق"؛ أي: ومكان قاتم الأعماق، أي مغبر النواحي، القاتم: المكان المظلم المغبر من القَتَامِ وهو الغبار، وقال ابن السكيت (¬2): يقال: أسود قاتم وقاتن (¬3)، والقتمة: لون فيه غبرة وحمرة ومثلة القُترة، وفي الأساس (¬4): لون قاتم وأقتم: أغبر يعلوه سواد، وقَدْ قَتَمَ يَقْتِمُ من باب ضرب يضرب، وقتِم يقتَم من باب علم يعلَم قتمًا وقتمة، و"الأعماق" جمع عمق بفتح العين وضمها، قال الجوهرى: العُمقُ والعَمقُ ما بَعُدَ من أطراف المفاوز، ثم قال: ومنه قول رؤبة: وَقَاتم الأَعمَاقِ خَاوي المُخْتَرقن ... ........................... وعمق كل شيء آخره ومنتهاه (¬5)، و "الخاوي" بالخاء المعجمة من خوى البيت إذا خلا، قال الله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاويَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52]، قيل معناه: خالية، وقيل ساقطة (¬6)، والخواء بالفتح الهواء بين السماء والأرض، وكل فرجة بين السماء والأرض خوى، وفي الأساس: خوي البطنُ خلا من الطعام فأصابه الخوى، أي: الجوع (¬7)، و"المخترقن" الممر الواسع المتخلل للرياح؛ لأن المار يخترقه، مفتعل من الخرق وهي المفازة، [وأصله] (¬8) من خرقت الأرض خرقًا، أي جبتها، والخرق: الأرض الواسعة تنخرق فيها الرياح، والخريق المطمئن من الأرض وفيها نبات. قوله: "مشتبه الأعلام"، أي: الجبال، وهو جمع عَلَم؛ كالقلم يجمع على أقلام، والمعنى: إن أعلام هذه الطرق يشبه بعضها بعضًا فلا يهتدي السالك بها، قوله: "لمَّاع الخفق" اللماع: من لمع البرق لمعًا ولمعانًا إذا أضاء، وكذا التمع ونحوه، و: "الحفق" من خفق العلم والنجمُ خَفْقًا ¬
بسكون الفاء، قال ابن فارس (¬1): يقال فيه أخفق يخفق إذا تهيأ للمغيب، قالوا: فإذا غاب فقد خفق، وخفق القلب [يخفق] (¬2) خفقانًا إذا اضطرب، وخفق الطائر إذا طار، وأخفق الرجل بثوبه إذا لمع به، والخافقان جانبا الجو، وأصله لماع الخفْق بسكون الفاء، وإنما حركه الراجز للضرورة، والمعنى: أنه يلمع فيه السراب ويضطرب (¬3). 2 - قوله: "يَكِلّ" من كَلَّ السيف والطرف، واللسان يكل كلًّا وكلّةً وكلالةً وكلولًا، والمعنى: أنه موضع تكل فيه الريح عن عملها في غير هذا الموضع (¬4)، "وفد الريح": أولها وما جاء منها؛ مثل: وفد القوم. قوله: "من حيث الخرَق"، والخرق: الأرض الواسعة، قوله: "شَأْز" بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة، وفي وآخره زاي معجمة؛ أي: غليظ، قوله: "عوَّه" [بتشديد الواو] (¬5) أي: أقام وحُبس قليلًا، وكُلّ من احتبس في مكان فقد عوه. 3 - قوله: "ناء من التصبيح" تقول: هذا الماء نأى من أن يصبحه الراكب فيصطبح منه أو يأتيه ليلًا فيغتبق، قوله: "تبدو لنا أعلامه بعد الغَرَق"، أي: تظهر لنا أعلامه، أي: جباله بعد أن تغرق في الآل. 4 - قوله: "في قطع الآل وهبوات الدُّقَق" قطع الآل: غدْران من الآل تقطع، و "الهَبْوات" بفتح الهاء وسكون الباء الموحدة: جمع هبوة وهي الغبرة، و "الدُّقَق" بضم الدال وفتح القاف جمع دُقة، وهو التراب الدقيق، والضمير في أعناقها يرجع إلى الأعلام، قوله: "من معتنق"؛ أي: من حيث اعتنقت، أُخِذ من موضع العنق. 5 - قوله: "تنشطته"؛ أي: تنشطت هذا البلد، و "كل ناقة مغلاة الوهق" أي: مبعدة المسافة، قال الجوهري: ناقة مغلاة الوهق تغتلي إذا تواهقت أخفاقها، ثم أنشد البيت المذكور، ثم قال: والهاء للخرق (¬6)، و"مضبورة": مجموعة الخلق يضم بعض خلقها إلى بعض، و"القرواء" بالقاف: الطويلة، و "الهِرجابُ" بكسر الهاء وبالجيم وفي آخره باء موحدة؛ وهي ¬
الضخمة، و (الفنق) (¬1) بضم الفاء والنون، يقال: ناقة فُنُق؛ أي: فتية سمينة، وامرأة فنق أي: منعمة. 6 - قوله: "مائرة الضبعين" من مار يمور: تحرك وجاء وذهب، والضبع العضد، ويروى: مائرة العضدين، و"مصلات العنق" المتحسرة الشعر غير وبراء. 7 - قوله: "استاف" أي شَمَّ، يقال ساف يسوف سوفًا إذا اشتم، وذلك بالليل يشم الدليل التراب فيعرف البلد، و "أخلاق الطرق" أي: قديمة عادية ليست بجدد، و"حَقْباء" بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وبالباء الموحدة؛ وهي الحمارة الوحشية، وسميت بذلك لبياض في حقويها (¬2) والذكر أحقب، و"البلقاء" تأنيث الأبلق، وأراد "بالزلق" عجيزتها حيث تزلق (¬3) منه. 8 - قوله: "أو جادر اللَّيْتَين" أراد: عضتها الفحول فصار في عنقها جدرات، ومنه الجدري، والليتان بكسر اللام: صفحتا العنق حيث تقع (¬4) عليه المحاجم، قوله: "مطوي الحنق" أي: طوي بالحنق، يقال أحنق إذا ضمر، قال الجوهري: حمار محنق: ضمر من كثرة الضراب، والمحانيق: الإبل الضمرة (¬5)، قوله: "محملج" من حملج الحبل إذا فتله فتلًا شديدًا، والحاء المهملة قبل الجيم، و"الطَلَق" بفتح الطاء واللام: قيد من أدم أدرج، وفتل فتلًا شديدًا. 9 - قوله: "لوح منه"؛ أي: غيره وأضمره بعد بدن، يعني بعد أن كان بادنًا، قوله: "سَنَق" بفتح السين المهملة والنون، وهو كراهة الطعام من كثرته حتى لا يشتهيه، و"الأَنق" بفتح الهمزة والنون وهو المنظر العجيب، ومنه الأنيق. 10 - قوله: "تلويحك" منصوب بقوله لوح منه، أراد: لوح منه كتلويحك الضامر، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، و"الضامر" مفعوله، قوله: "قُوَد" [بضم القاف] (¬6): جمع قوداء وهي الطويلة العنق، و"الأمراس": جمع مرسة؛ وهو الجبل. قال الجوهري: المرَسَةُ: الحبلُ، والجمع مَرَس، وجمع الْمَرَسِ أمْرَاسٌ (¬7)، و"الأبَق"بفتح الهمزة والباء الموحدة؛ وهو القنَّب، ويقال: الأبق الكتان يفتل، شبه الأتن في ضمرها بالحبال يقول: هذه الأتن كأنها حبال من شدة طيها. 11 - قوله: "توليع البهَق"، التوليع ألوان مختلفة، والبهق بياض يخرج في عنق الإنسان وصدره. 12 - و"الشام" التي تكون في الجسد، وهو جمع شامة و"الرقاع" جمع رقعة، ¬
و"البنَق" بكسر الباء الموحدة وفتح النون؛ جمع بنيقة، وتجمع أيضًا علي بنائق؛ وهي دخاريص القميص، وأراد بقوله: "فوق الكلا" وراء الخاصرة مما يلي الصلب، وهي جمع كُلية و "الدائرات": جمع دائرة، وهي دائرة تكون في ذلك الموضع يكون النطاق عليها. 13 - قوله: "مَقْذُوذَةُ الآذَان" يعني: مؤللات الآذان؛ كما يقذّذ السهم حين يجدد ريشه، قوله: "صَدْقَاتَ الحَدَقْ" يعني: صلبات الأعين، قوله: "دعاميص الرنق" الدعاميص: جمع دعموص، وهي دوبية تغوص في الماء، و"الرنق" بفتح الراء والنون: مصدر قولك: رنِق الماء بالكسر، أي: تكدر، وماء رَنْق بالتسكين؛ أي كدر. 14 - و"الأجنة": جمع جنين، و"الحلق": حلق الرحم، قوله: "فعف عن أسرارها" أي: عن جماعها، وعف عنه إذا تركه، و"العسق" بالعين والسين المهملتين؛ من عسِق به بالكسر إذا أولع به، ويقال: لزقَه، ولزق به. 15 - و"الفِرك" بكسر الفاء وسكون الراء؛ وهو البغض، تقول: منه فركت المرأة زوجها بالكسر تفركه فركًا؛ أي: أبغضته؛ فهي فروك وفارك، وكذلك فركها زوجها، ولم يسمع هذا الحرف في غير الزوجين، قوله: "وعَشَق" بفتح العين المهملة وفتح الشين المعجمة؛ من عَشِقهُ عِشْقًا نحو: علمه علمًا، وعشَقًا أيضًا بالفتح، قاله الفراء (¬1). وقال ابن السراج: (¬2) إنما حركه ضرورة، ولم يحركه بالكسر إتباعًا للعين؛ كأنه كره الجمع بين الكسرتين؛ لأن هذا عزيز في الأسماء (¬3)، و"الشبق" بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة؛ وهو شدة الغلمة، وفعله: شبق بالكسر؛ أراد أنه يمنعها من الفحول، وهو بين الفارك والمبغض من فرط الشبق، و: "الحمِق" بفتح الحاء، وكسر الميم؛ وهو الأحمق. 16 - قوله: "شذَّابة" أي: يشذب عنها، أي: يقطع عنها واحدًا واحدًا؛ كما تشذب الشجرة، وهو قطع ما لان من أغصانها حتى تستوي، والشذا: الأذى و"الربع": جمع رَباع وهو الذي يلقي ثنيتَهُ، و"السحق": الذي يسحق العدو، أي: يبعده (¬4). 17 - قوله: "قباضة": مبالغة قابضة، و"العنيف"؛ من العنف و"اللَّبِق" بفتح اللام وكسر الباء الموحدة؛ وهو الرجل الحاذق الرفيق فيما يعمله، قوله: "مقتدر الضيعة" أراد: ليس ¬
بقاس عليه وهو بين ذلك، قوله: "وهواه الشفق" يقال: وَهْوَهَ الأسد في زئيره فهو وهواه، ووهوه الحمار حول عانته إشفاقًا عليها، و"العانة" بالعين المهملة، وبعد الألف نون: قطيع من حمر الوحش. 18 - و"السَّلَق" بفتح السين المهملة واللام؛ وهو القاع الصفصف وجمعه سلقان مثل خلق وخلقان، وكذلك السملق بزيادة الميم، والجمع السمالق، ويقال: يجمع السملق (¬1) على أسلاق، وهي أماكن مستوية ملس طينها، طيب، قوله: "مَجّاج الغدق" [المجَّاج (¬2) بتشديد الجيم] على وزن فعال من مجّ الرجل الشراب والماء من فيه إذا رمى به، ومنه يقال: مجاج المزن وهو المطر، ومجاج النحل وهو العسل، و"الغدق" بفتح الغين المعجمة والدال هو الندى، والغدق: الماء الكثير أيضًا. 19 - قوله: "أنداء الغمق" بفتح الغين المعجمة والميم؛ وهو كثرة الماء، ويقال: أرض غمقة أي: كثيرة الندى والبلة، يقول: هن جوارٍ يخبطن مظان الندى؛ أي يطأن الندى لا يردن الماء معه، قوله: "من باكر الوسمي" الوسمي: مطر الربيع الأول؛ لأنه يسم الأرض بالنبات، نسب إلى الوسم، والأرض موسومة. قوله: "نضاخ البُوق" بضم الباء الموحدة؛ وهي الدفعة تنساق من الماء، ويقال: انباقت عليها بوقة مُنكرة. 20 - قوله: "مستأنف الأعشاب" أراد أن الحمار يستأنف الأعشاب، "من روض سَمَق" أي: بعيدة الأطراف، و"الحجران": رياض بها حاجز يحبس الماء عليها، قال الجوهري: جمع الحاجر حُجْرَانٌ مثل: حائرٍ وحُورَانٍ (¬3) و"الذَّرق" بفتح الذال المعجمة وفتح الراء؛ وهو الحندقون. 21 - قوله: "وأهيج الخلصاء" من أهاج (¬4) الريح النبت أيبسته، و"الخلصاء": أرض بالبادية فيها عين ماء، قوله: "من ذات البُرَق" بضم الباء الموحدة وفتح الراء، وهي أماكن من الأرض فيها حجارة ورمل أو طين وحجارة، قوله: "وشفها" أي: جهدها، واللوح: العطش، قوله: "بمأزول" أي: بموضع أزل، يعني: خشن ضيق. 22 - قوله: "هَيف الصيف" الهيف: ريح حارة تجئ من قِبل اليمن تيبس البقل، قوله: "أقران الربق" الأقران الحبال، وهي (¬5) جمع قَرَن بفتحتين، وهو حبل يقرن به البعيران ¬
و"الرِّبق" بكسر الراء وفتح الباء الموحدة؛ جمع رِبقة وهي العروة، والرِّبق بكسر الراء: حبل فيه عدة عُرًى تشد بها البهيم، قوله: "وبَتّ حبل الجزء قطع المنحذق" يقول: كان الناس في جزء من الرطوبة (¬1) فقطع ذلك قطع الانحذاق فتفرقوا، والانحذاق- بالذال المعجمة: القطع. 23 - قوله: "وخف أنواء الربيع" أي: ذهب، قوله: "واستن" أي: مضى على سنن، قوله: "أعراف السَّفى" بفتح السين المهملة وبالفاء، قال الجوهري: السَّفَى: التراب، والسَّفَاةُ أخصُّ منه (¬2) و"القيق" بكسر القاف وفتح الياء آخر الحروف: جمع قيقاء؛ وهي الأرض الغليظة، والهمزة مبدلة من الياء، والياء الأولى مبدلة من الواو، يدلك عليه قولهم -أيضًا- في الجمع: القوافي، وهو فعلاء ملحق بسرداح. 24 - قوله: "بطنان القرق" البطنان جمع بطن، والقاع القرق هو: الجيد الطيب حرّه، وهو بفتح القاف وكسر الراء. قال الجوهري: القرق -بكسر الراء: المستوى، يقال: قاع قَرِقٌ (¬3)، قوله: "شج" أي: علا، و "الهزق"بالزاي المعجمة؛ هو النشاط، وهذا مثل وإنما يراد به السراب. 25 - قوله: "هَيَّج" يقول: هيج هذا الحمار أتنة للورد واجتابت جديدًا، يعني: ألقت الوبر العتيق فاكتست جديدًا، قوله: "كالهروي" أي: كَلَوْنِ الهروي، ولون الهروي أكدر، و"السَّرَق" بفتح السين والراء المهملتين؛ وهو جمع سَرَقَةُ: وهو الحرير. 26 - قوله: "النسءُ" بفتح النون وهو بدء السمن، ويقال للمرأة أول ما تحمل: قد نسِئت، وهو نسيء، و"حولي العقق" ما أتى عليه حول، وكان ينبغي أن يقول: عقائق، وواحدها: عقيقة، قوله: "فانمار عنهن" أراد ما مار عن لبنها فتمزق، و"المِزَقَ" بكسر الميم وفتح الزاي؛ وهو القطع من الثوب الممزق، والقطعة منها مِزَقة. 27 - قوله: "الضحاضيح": جمع ضحضاح، يقال: ماء ضحضاح، أي قريب القعر و"اليقق": الأبيض ويكون للواحد والجمع، قوله: "وافترشت أبيض" أي: ركبت طريقًا واضحًا، و"اللهق": الأبيض، يقال للواحد، والجمع أيضًا. 28 - قوله: "قواربًا" يعني: بينها وبين الماء ليلة و "الواجف" بكسر الجيم: اسم موضع، قوله: "بعد العبق" أي: بعد اللصوق، قال الجوهري: العَبَقُ بالتحريك مصدر قولك: عَبقَ به الطِيبُ بالكسر؛ أي: لزِق به عَبَقًا وعَبَاقِيَةً مثل ثمانية (¬4)، قوله: "للعد" بكسر العين المهملة ¬
وتشديد الدال: وهو الماء الذي له مادة ولا ينقطع؛ كماء العين والبئر، والجمع: الأعداد، و"الطرق" بالطاء بفتحتين، وأصله: الطرق -بسكون الراء؛ وهو ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر. 29 - قوله: "بين القريين" القَريّ على وزن فعيل: مجرى الماء من الأرض، والجمع أقرية وقريان، قوله: "وخبراء العذق" الخبراء: أرض تنبت السدر، ويقال: خبراوات وخِبَرة، و"العِذقَ" بكسر العين المهملة وفتح الذال المعجمة، وهي العلامات، والواحدة عذقة، و"النهق" بفتح النون والهاء: نبت بعينه. 30 - قوله: "أحقب" هو الحمار الوحشي، شبهه بالمحلج لصلابته، والقلق بالقافين كناية عن عدم ثباته، قوله: "مسلوس الشمق" أي النشاط، ويقال للرجل إذا ذهب عقله: [سلس عقله] (¬1). 31 - قوله: "نشر عنه" أراد كأنما كان به داء، "فنشر عنه" من النشرة من السحر، قوله: "منسرحًا" أراد أنه انسرح من وبره، "إلا ذعاليب" [أي] (¬2) إلا بقايا بقيت، يقال: ما بقي من ثوبه إلا ذعاليب؛ أي خرق، واحدها ذعلبة. 32 - قوله: "من الورد الغفق" يقال: فلان يتغفق الماء إذا جعل يشربه (¬3) ساعة فساعة، ومادته: غين معجمة وفاء ثم قاف. قوله: "بجثجاث السُّوَق" الجثجاث: شجر منتن الثمر والسُّوق بضم السين المهملة وفتح الواو: موضع. 33 - قوله: "ضرحًا" من ضرحه إذا شقه، قوله: "أنجدن" أي: صِرْنَ إلى نجد. 34 - قوله: "صوادق العقب" بفتح العين المهملة وسكون القاف؛ وهو الجري بعد الجري الأول، يقال لهذا الفرس عقب حسن، قوله: "مهاذيب الولق" المهاذيب من التهذيب؛ وهو الإسراع في الطيران والعَدْو والكلام، والولق: السير السريع، قوله: "مستويات القدّ" بكسر القاف وتشديد الدال: أراد أن حذاءهن واحد؛ كأنهن أضلاع الجنب، يعني مستويات على قدر واحد. 35 - قوله: "تحيد" أي تميل، و: "الفرق": الخوف، و"غائلات الليل": مايغتال من ذيب ونحوه، و"الزعق": الإفزاع، يقال: أزعقه يزعقه إزعاقًا. 36 - قوله: "قُبٍّ" بضم القاف وتشديد الباء؛ أي خماص، مما قد عدون و "حُقْبٌ" بضم الحاء المهملة وسكون القاف، جمع حقباء؛ يعني لهن بياض في موضع الحقب، و"السَّوَق" بفتح ¬
السين المهملة والواو: الطول، يقال: نخلة سوقاء (¬1)؛ أي: طويلة. قوله: "لواحق الأقراب"؛ أي: خماص البطون، و"المقق": الطول. 37 - قوله: "تهوي في الزهق"؛ أي: تسقط، من باب ضرب يضرب ضربًا، والزَّهَق بفتح الزاي المعجمة والهاء؛ وهو التقديم (¬2)، ويقال للفرس: انزهقت بين يدي الخيل فمزت، وأزْهَقْتُها [أنا] (¬3) إذا أبعدتها، و"الكفت": الانقباض وكفت إذا أسرع، والكفت: السَّوْقُ الشديد، ورجل [كفت] (¬4) وكفيت؛ أي: سريع. 38 - قوله: " [سوى] (¬5) مساحيهن"؛ أي حوافرهن، أراد أن حوافرها كأشد المساحي، وهو جمع مسحاة؛ وهي المجرفة من حديد. قوله: "تقطط الحقق"؛ أي: كما يقط (¬6) الحقُق؛ وهي جمع حقة، قوله: "من سمر الطُّرَق"، قال أبو سعيد: الحجر الأسمر أصلب من غيره، والطرق -بضم الطاء وفتح الراء؛ جمع طرقة؛ وهي حجارة بعضها فوق بعض. 39 - قوله: "مجنون الصِّيَق" بكسر الصاد المهملة وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع صَيَقة وهي الغبار نحو: جيفة وجيف، وأراد أنها تثير التراب فترفعه الريح وتلف به [حتى] (¬7) كأنه مجنون. 40 - و"المرو ذا القداح" هو الحجر الذي يوري النار، و"مضبوح الفلق": بالضاد المعجمة. قال الجوهري: المضبوحة: حجارة القدَاحَة التي كأنها محترقة، ثم أنشد البيت المذكور (¬8) و"الفِلق" بكسر الفاء: جمع فلقة الحجر. 41 - قوله: "ينصاح"؛ أي: ينشق، و"الجُبْلة" بضم الجيم وسكون الباء الموحدة. الغليظة و"الرضم": الحجارة بعضها فوق بعض، و"مدهق": معتصر، ومنه الدهق، قال الجوهري: الدَّهَقُ بالتحريك ضَرْبٌ من العَذَابِ، وهو بالفارسية أشْكَنْجَة (¬9)، قوله: "إذا تتلاهن" من تتلَّيت حقي إذا تتبعته حتى استوفيته، وجاءت الخيل تتاليًا؛ أي متتابعة، و"الصعق": شدة الصوت، وأصله (¬10) بسكون العين فحركت للضرورة، حتى لا يلتقي ساكنان. ¬
42 - قوله: "معتزم التجليح" بالجيم قبل الحاء المهملة. أي: قوي الاعتماد. وقال الجوهري: والتَّجْلِيحُ: الإِقدامُ الشَّدِيدُ والتصميم (¬1) و"الملاخ": بالخاء المعجمة. قال الأصمعي: الملْخُ: السيرُ الشديدُ. وقال الجوهري: مَلَخَ القومُ مَلْخَةً إذا أبعدوا في الأرض. وقال رؤبة يصف الحمار: ...................... ... معتزم التجليخ ملاخ الملق (¬2) و"الملق": ما استوى من الأرض (¬3) وقال غيره: ملقه بالعصا يملقه ملقًا. يريد أنها تملق الأرض بضربها بحوافرها تثير التراب، و"الجلاميد": جمع جلمود وهو الحجر و"مِدق" بكسر الميم، يريد أنه يدق هذه الحجارة. 43 - قوله: "مماتن": من متن يومه إذا عدى يومه إلى الليل. قوله: "بعد النزق" بفتح النون والزاي المعجمة؛ وهو الخفة والنشاط، قوله: "حشرج" [من حشرجة] (¬4) الحمار صوته وهي تردده في حلقه، و"السحيل" بالحاء المهملة هو الصوت الذي يدور في صدر الحمار، وكذلك السُّحَال بالضم. 44 - قوله: "كأنه مستنشق من الشَّرَق" بفتح الشين المعجمة والراء، أراد: كأنه شرق فهو يداوى من ذلك بفتح فمه ساعة فساعة على هيئة الفواق. 45 - قوله: "أو مُقرِع" (¬5) بضم الميم وكسر الراء وبالعين المهملة، وهو الذي قد أفرع؛ يعني: قد كبح ورفع رأسه، و"الزنق": بفتح الزاى المعجمة والنون: موضع الزناق، أراد كأنه حمار ركبته فضربت موضع زناقه حتى دمي، يقال: دَمِيَ الشيء يَدْمَى من باب علم يعلم دمًا ودُميًا. 46 - قوله: "أو مشتك فائقه" الفائق موصل العنق في الرأس، فإذا طال الفائق طال العنق، "الفَأَق" بفتح الفاء والهمزة اشتكاء موضع الفائق، قوله: "أحناء دِقق" بكسر الدال وفتح القاف الأولى أراد حيث يجتمع أحناء لحييه ويستدق في ناحيتي الفم. 47 - قوله: "شاحَي لحبي قعقعاني الصَلَق"، يقال: شحى فاه يشحُوه شحوًا؛ أي فتح وهو بالحاء المهملة أراد أنه فاتح فاه، و"القعقعاني": الذي يسمع له قعقعة، ومنه قعقع الراعي غنمه إذا زجرها، وقال: قع قع، والصلق بفتح الصاد المهملة واللام جمع صلقة، يقال: سمعت صلقة القوم إذا سمعت أصواتهم في صياح، و"المحور" بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفي آخره ¬
راء، وهو الذي تدور عليه البكرة، و"العلق" بفتح العين المهملة واللام وهو الذي تعلق به البكرة من القامة. يقال: أعرني عِلقك" أي: أداة بكرتك. 48 - قوله: "أقحمها" أي: أدخلها في المنسحق؛ أي: المتسع، و"انحسرت": انكشفت، والشِّعاب بكسر الشين المعجمة جمع شعب؛ وهو المكان الضيق، و"المختنق" موضع الاختناق. 49 - و"ثلم الوادي" بالتحريك، وهو أن يثلم حرفه، و"الفرغ" بالفاء والغين المعجمة مجرى كل ريح وماء، و"المندلق" حيث يندَلق الوادي، وهو أن ينحدر في الأرض، ومنه اندلقت سرته إذا خرجت و"الصحصحان" المستوي، و"المنفهق" المستوي. 50 - و"الأشاءات" جمع إشاءة وهي نخل صغار ملتفة، و"العُوق" بضم العين المهملة وفتح الواو: اسم مكان يقال له: ذات العوق، و"المدعاس": الذي تدعسه، أي: تطؤه. قال الجوهري: المِدْعَاسُ: الطريق الذي لينته المارة ثم أنشد البيت المذكور (¬1)، قوله: "دَعَق" بفتح الدال والعين المهملتين، يقال: دعق الطريق فهو مدعوق؛ أي كثر عليه الوطء، ودعقته الدواب: أثرت فيه. 51 - [قوله] (¬2) "سياح الدسق" السياح: الماء الذي يسيح. و"الدسق": البياض، وقوله: "غزير المنبعق" أي: كثير الانبعَاق. أي: الشق وهو الموضع [الذي] (¬3) ينبعق الماء منه. أي: ينشق ويسيل. 52 - قوله: "في حائر" بالحاء المهملة، هو مكان مشرف النواحي يتحير فيه المار، و (الدفق) بفتح الفاء وأصله السكون حركت للضرورة، قوله: (كعكعه). أي رده عن البثق وهو الانفجار. 53 - قوله: "واغتمس الرامي لها" أي: للأتن أراد دخل الرامي لها بين الأوق، وهي الحفرة فيها الماء، وهو جمع أوقة، و (الغِيل) بكسر الغين المعجمة كل شجر ملتف، و "القصباء" الأجمة، و "الخِيْس" بكسر الخاء المعجمة وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره سين مهملة وهو الشجر الملتف، وموضع الأسد أيضًا، و"مختلق" بالخاء المعجمة معناه: تام. 54 - قوله: "لا يلتوي" أي لا يتطير إذا سمع عاطسًا، ولا صوت غراب، وهو النغق ¬
بالغين المعجمة، و"ومخترق" بالخاء المعجمة؛ هو الذي قد خرقه السهم، ويقال: المخترق هو الصيد نفسه. 55 - قوله: "نيِئ" بكسر النون وهو خلاف المضبوخ، قوله: "سعفاء" أراد امرأته السوداء الوجه من الجهد؛ كالثوب البالي. 56 - قوله: "لم ترجُ رِسْلًا"، الرسل بكسر الراء وسكون السين المهملة، وهو اللبن. أراد: لم تزل في جدب لم تذق لبنًا بعد أعوام، "الفتق": وهي (¬1) التي فتقت (¬2) الإبل، و"اللعق" طاهر، حركت عينه للضرورة. 57 - قوله: "جدّ" أي (¬3): أخذ بالجد، وجدت هي أيضًا: أخذت بالجد، و "الألقة": واحدة الألق وهو الكذب، ومنه قيل للكذاب الأَلاق، قوله: "لو صخبت" من الصخب [بالصاد المهملة والخاء المعجمة] (¬4) من الصخب وهو الغط والصياح. 58 - قوله: "ترمل" أي: تسرع، و"الممتذق": المخلوط أراد أنها تخلط حقًّا بباطل. قوله: السَّبَنْدَى والسَّبَنْتَى واحد؛ وهو الجريء من كل شيء. قال الأصمعى: هو النَّمِر (¬5)، والأنثى سبنداة وسبنتاة، و"المُعْترق": المهزول. 59 - قوله: "كالحية الأصيد" هو الذي يمل بصره من طول الأرق، وهو السَّهر، أراد أنه يكسر عينه، و"الودق": جمع ودقة وهي نكتة تخرج من العين. 60 - قوله: "كسر من عينيه" يقول: إذا أراد أن يقوم السهم نظر إليه فيكسر نظره (¬6) لأن ينظر إليه أبه عوج فيقومه، و"الفوق" بضم الفاء وسكون الواو موضع الوتر من السهم وحركت الواو ها هنا للضرورة و"العواوير" الرمد وواحده عوار، و"البَخَق" بفتح الباء الموحدة والخاء المعجمة؛ وهو العور بانخساف العين. 61 - قوله: "من الزرق" من قولهم: نصل أزرق بيِّن الزرق، إذا كان شديد الصفاء، و"السَّن" بفتح السين المهملة: التحديد، و"الذلق" بفتح الذال المعجمة واللام؛ من التذليق وهو تحديد طرف شيء. 62 - قوله: "من الطير العُتُق" بضم العين والتاء المثناة من فوق، وأراد بها العتاق الرقاق، ¬
وكبداء عريضة, قوله: "تنزو" يعني (¬1): من شدة ما وترت؛ كأنها تنزو في الشنق، وهو أن يرفع رأسه إذا شده، والشناق الحبل. 63 - [قوله] (¬2) "نبعية": نسبة إلى النبع، وهي شجرة تتخذ (¬3) منها القسي، و"النِّيق" بكسر النون وفتح الياء آخر الحروف، وهي رؤوس الجبال، واحدتها نيق بكسر النون. قوله "تنثر": أي تمد الوتر فتجذبه, قوله: "السّمهري" بفتح السين المهملة، ومعناه (¬4): الشديد، و"الممتشق"؛ أي: يمد الوتر بين الشيئين، ثم يؤخذ ذنب بقرة أو قطعة حبل، فيمر عليه حتى يلين. 64 - قوله: "عَولتها" العولة: رفع الصوت بالبكاء، وكذلك العول والعويل، و"التأق" بفتح التاء الفوقية (¬5) والهمزة: الإقلاق من حزن و"عَبرى" بفتح العين المهملة تأنيث العبران؛ هو الباكي، و"ولولت": أي صاحت بالويل، و"المأق" بفتح الميم والهمزة؛ الامتلاء من الحزن والهم (¬6). 65 - قوله: "تحت الروق": أصله: الرواق، وهي الشقة المقدمة من البيت والمؤخرة، يقال لها: الكفة بضم الكاف، قصره للضرورة. شبَّه عطف القوس ودقتها بهلال طلع في الأفق إذا طلع لليلة, قوله: "بين ليل وأفق" يريد: حين جاء الليل من ناحية المشرق ولم يغب في الأفق وهو بين ذلك. 66 - قوله: "أمسى شفى". قال ابن السكيت: يقال للرجل عند موته، وللقمر عند محاقه، وللشمس عند غروبها: ما بقي منه إلا شفا. أي: قليلًا، وشفا كل شيء أيضًا حرفه. قال تعالى: {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} [آل عمران: 103] , قوله: "أو خطة يوم المحق" أراد: بقية، والخطة من الخط؛ كالنقطة من النقط، ويوم المحاق هو اليوم الأخير من الشهر حين يدق ويصغر، قصره للضرورة. قوله: "فهي ضروح الركض" أي: الدفع وأراد "باللحق": اللحاق. قال الجوهري: الضَّرُوحُ: الفرسُ النَّفُوحُ بِرِجْلهِ، وقَوْسٌ ضَرُوحٌ إذا كانت شديدةُ الدَّفْع، والحَفْز للسَّهمِ ومادته: ضاد معجمة، وراء وحاء مهملتان (¬7). 67 - قوله: "لولا يدلي" يعني: لولا يدلي فترفق به، لا نزرق، والانزراق أن يمر فجا ويذهب، و"المنزبق" بضم الميم وسكون النون وفتح الزاي المعجمة والباء الموحدة، ومعناه: الدخول. ¬
قال الجوهري: انْزَبَقَ؛ أي: دَخَلَ وهو مَقلوبُ انْزَقَبَ (¬1). 68 - قوله: "مسدود النفق" أراد أن الناموس ليس بواسع, قوله: "خفي الممتزق" حيث يمتزق منه، أي: حيث يخرج منه بيت الصائد. 69 - قوله: "الأزق" بفتح الهمزة والزاي المعجمة، وهو الأزل وهو الضيق، وأصله بسكون الزاي، [قوله: "والمعق" بفتح الميم والعين وهو بسكون العين في الأصل] (¬2) فحركه للضرورة (¬3) قال الجوهري: وقد يحرك مثل نَهْرٍ ونَهَرٍ، يقال نَهْر مَعِيقٌ أي: عَمِيق (¬4). 70 - قوله: "أجوف عن مقعده"، يعني: إذا قعد تجافى عنه، وإذا اتكأ أيضًا يقال: بات فلان مرتفقًا، أي: متكئًا, قوله: "الفَشَق" بفتح الفاء والشين المعجمة أي: النشاط، قال أبو عمرو: وانتشار النفس والحرص (¬5). 71 - قوله: "في الذرب" بفتح الذال العجمة؛ أي: في الحذر، و"الشَّرْي" بفتح الشين المعجمة وسكون الراء: الحنظل, قوله: "في ضئيل المندفق"؛ أي: في صغير المدخل. 72 - قوله: "وأوفقت" بتقديم الفاء على القاف؛ أي: وضع الفوق في الوتر, قوله: "حشرات الرشق" الحشرات جمع حشرة. قال الجوهري: الحَشْر من القُذَذِ مَا لَطُفَ (¬6)، و"الرشق": أصله التسكين فحركت للضرورة و"اللمق": من الطريق، وكذلك اللقم. 73 - قوله: "ثلماء" من الثلم، أراد من قصد الطريق مشرعة ماء يشرعن فيه انثلمت فهن يدخلن فيه و: "الشَّدَق" بفتح الشين المعجمة والدال المهملة؛ وهو اعوجاج في الوادي. 74 - قوله: "أنقاض النقق" الأنقاض: التصويت، ومنه: أنقاض العلك، والنُّقُق: جمع ناقوق بفتح النون على خلاف القياس؛ وهو الضفدع. قوله: "خضخاض البثق" أراد أن ماءه إذا انبثق يتخضخض. 75 - قوله: "بصبصن"؛ أي حركن أذنابهن و"الزهق" بفتح الزاي المعجمة؛ وهو الهلاك و"اللوح" بفتح اللام: العطش، و"البق": البعوض. 76 - و"الحوم" بفتح الحاء المهملة: الكثير و "المهق": الأبيض، يقال: عين مهقاء في شدة البياض, قوله: "أعضاد اللزق" أراد عطشن فالتزقت رئاتهن، فلما شربن ابتل نواحيهن مني: ما التزق من العطش. ¬
77 - قوله: "وقد أون تأوين العُقُق" بضم العين المهملة والقاف الأولى، ويقال بفتح القاف أراد: أنهن شربن حتى كأن حمارًا منهن أتان حامل، جمع عقوق وهي التي عظم بطنها ودخلت في عشرة أشهر، و"الأون": العدل، فشبه بطونها بالأعدال. قال الجوهري: الأَوْنُ: أَحَدَ جانبي الخُرْج وهذا خُرْجٌ ذو أَوْنَينْ، وهما كالعِدْلَيِن، ومنه قولهم: أَوَّنَ الحمارُ إذا أكل وشرِب وامتلأ بطنه واشتدت خاصرتاه فصار (¬1) مثل الأوْنِ. قال رؤبة: وسوس يدعو .............. ... .................... إلى آخره (¬2) وقال: في "العقق" يريد جمع العقوق، وهي الحامل مثل: رسول ورسلْ. 78 - قوله: "وارتاز عيرى سندري" مني عمر بطنه لينظر إلى صلابته، والسندري: الأزرق و "المختلق" التام, قوله: "لَوْ صَفّ أذراقًا" أراد لو صف لهذا السهم أذراقًا لأنفذها. 79 - و"الفريصُ" بالفاء؛ جمع فريصة. قال الجوهري: فريصُ العنق: أوداجها (¬3)، و "الأَفَق" بفتح الهمزة والفاء: جمع أفيق؛ وهو الجلد الذي لم تتم دباغته، مثل أديم وأدم، قوله: "الوتين" وهو عرق (¬4) في القلب إذا انقطع مات صاحبه، ويروى بالثاء المثلثة، و "الطبق" بفتح الطاء والباء الموحدة: الفقار، كل واحد طبقة. 80 - قوله: "فما اشتلاها" من اشتلاه إذا أنقذه (¬5) وكذلك اشتلاه، يعني: ما أنجاها أي الأتن صفقهُ حين صفقها، وصفقه: صرفه إياها, قوله: "للمنصفق" أي: للانصفاق، و "تهاوى" من تهاوى القوم في المهواة إذا سقط بعضهم في إثر بعض، و "المنعفق": الموضع حين ينعفق أي: يرجع. 81 - قوله: "بأربع" أي: بأربع رميات، "ينزعن"؛ أي: يتنفس من هذه الرميات، و "الورق": قطع الدم، أراد: يخرج من كل موضع رمية "مرشاش": يريق الدم. قال الجوهري: "الوَرَقُ" ما استدار من الدم على الأرض (¬6) قال أبو عبيدة: أوله وَرَقٌ وهو مثل الريق (¬7). 82 - قوله: "كثمر الحماض"، وهو أبيض فيه حمرة، شبه الزبد الذي يخرج مع الدم بذلك، و "الهفت": السقوط. 83 - قوله: "المنفرق" بفتح الراء: حيث ينفرق الطريق، و"تهاوى" أصله: تتهاوى، أي: ¬
يهوي بعضها في أثر بعض, قوله: "بالرقق" يريد: الرقاق، فقصره للضرورة. قال الجوهري: الرَّقَاقُ بالفتح: أرض مستوية لينة التراب تحته صلابة (¬1). 84 - قوله: "من ذروها" بفتح الذال المعجمة. يقال: مَرّ فلان يذرو ذروًا؛ أي: يمر مرًّا سريعًا. قوله: "شبراق" شد من شبرقت الثوب شبراقًا إذا قطعته ومزقته، و"ذي عمق" ذو بعد، أراد: عدوًا بعيدًا غزيرًا. قوله: "حتى احتدَاها"؛ أي: جمعها وسقاها، و"الرُّفَق" بضم الراء وفتح الفاء؛ وهي الجماعة، ورواه الأصمعي بكسر الراء، وأصله: رِفاق، فقصره للضرورة (¬2). 85 - قوله: "أو خارب" بالخاء المعجمة؛ وهو اللص، أراد ولص من اللصوص يسوق إبلًا وهي ثقال لجماعها بالحَزق؛ أي: صارت حذقًا، وهو بكسر الحاء المهملة وفتح الزاي المعجمة وهي جمع حذقة، وهي الجماعة من الناس، والطير والنحل وغيرها مثل: فرق وفرقة، و"الصلب" بضم الصاد المهملة: اسم موضع، و "الوسق" بفتح الواو والسين: الطرد، وكلما طرد فقد وسق، والوسيقة: الطريدة. 86 - قوله: "إذا تأنى حلمه" يعني: إذا ثبت في حلمه، و "الغلق" بفتح البش المعجمة [واللام] (¬3): اسم من الإغلاق، حاصل معنى البيت: إذا ثبت في حلمه غلق، وإذا لامته نفسه في أمرها يكاذب لومه في أمرها، فيقول: أنا لم أفعل بها هذا، إنما القدر الذي أقحمها فيما أصابها، قوله: "أو صدق": يريد يصدق نفسه فيقول: أنا (¬4) حملتها على ذلك فافهم. الإعراب: قوله: "وقاتم الأعماق" الواو فيه واو رب، وأصله: ورب قاتم الأعماق، وفي الحقيقة هذا صفة موصوفها محذوف. أي: ورب مهمه قاتم الأعماق، والقاتم مضاف إلى الأعماق إضافة لفظية. قوله: "خاوي المخترقن" كلام إضافي، مجرور على الوصفية، وكذا الكلام في الشعر الثاني وجواب هذا محذوف، والتقدير: ورب قاتم الأعماق إلى آخره قد قطعته، أوجبته، أو نحو ذلك. الاستشهاد فيه: أن النون الساكنة في قوله: "المخترقن" هي التنوين الغالي (¬5) والغرض من إلحاقها: الدلالة ¬
الشاهد الخامس
على الوقف فإن الشعر يسكن آخره وقفًا ووصلًا، فإذا ألحقت هذا التنوين دل على أنك واقف لا واصل؛ ولهذا لا يلحق إلا القافية المقيدة؛ أي: الساكنة لتظهر فائدتها دون القافية الطلقة، وإنما سمي الغالي لمجاوزته الوزن، والغلو: المجاوزة. قال ابن الناظم: التنوين الغالي: هو اللاحق الروي المقيد (¬1). أراد بالروي حرف القصيدة، وهو الحرف الذي تنسب إليه القصيدة من كونها لامية أو ميمية أو نحو ذلك، مأخوذ من الرواء بكسر الراء، والمد وهو حبل يشد به الرحل على ظهر البعير فكأن الشاعر شد حروف قصيدته بحبل وأراد بالمقيد الساكن، والروي المقيد في الرجز المذكور هو القاف، فافهم. الشاهد الخامس (¬2) , (¬3) أفِد الترحلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا ... لما تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قد أقول: قائله النابغة الذبياني؛ واسمه زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وهو (¬4) بضم الذال المعجمة وكسرها. قال ابن الأعرابي (¬5): رأيت الفصحاء يختارون الكسر، وحكى أبو عبيدة عن الكلبي (¬6) قال: كان أبي يقول: ذبيان بالكسر وغيره ذُبيان. وقال ابن دريد: هو من ذبي الشيء يذبي ذبيًا إذا لان واسترخى (¬7) والذبياني في قبائل. ففي قيس غيلان ذبيان بن بغيض بن ريث بن عطفان بن سعد بن قيس بن غيلان منهم النابغة المذكور، وفي جهينة: ذبيان بن رشدان بن قيس بن جهينة، وفي ربيعة بن نزار ذبيان بن كنانة بن يشكر، وفي بجيلة: ذبيان بن ثعلبة، وفي الأزد: ذبيان بن ثعلبة بن الدول، وفي ¬
همدان: ذبيان بن مالك [بن مالك] (¬1) بن معاوية، والنابغة الذبياني متقدم على النابغة الجعدي (¬2). والجعدي من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - (¬3) والذبياني شاعر مفلق كان ممن يجالس النعمان بن المنذر (¬4) وينادمه وكان عنده بمكانة. قال الأعلم (¬5): وإنما سمي النابغة؛ لأنه لم يقل شعرًا حتى صار رجلًا وساد قومة فلم يفاجئهم إلا [وكان] (¬6) قد نبغ عليهم بالشعر بعد ما كبر، فسمي النابغة. وقيل: [إنما] (¬7) سمي بذلك لبيت قاله، وهو (¬8): وَحَلَّت في بَني القَين بن جَسرٍ ... فَقَد نَبَغَت لَنا مِنهُم شُؤونُ والبيت المذكور من قصيدة دالية قالها في المتجَردة امرأة النعمان بإشارة النعمان، وكان قاعدًا ليلًا وعنده المتجردة والنابغة، وقال: صفها يا نابغة في شعرك فوصفها فقال، وكنى عنها (¬9): 1 - أمن آلِ ميَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ ... عَجلانَ ذا زاد وغيرَ مُزَوَّدِ 2 - أفِدَ التَّرَحُّلُ غيرَ أنّ رِكَابَنَا ... لمّا تَزُل بِرِحَالِنا وكأنْ قَدِ 3 - زَعَمَ البَوارِحُ أَنَّ رِحلَتَنا غَدًا ... وَبِذاكَ خَبَّرَنا الغُرابُ الأَسوَدُ 4 - لا مرحَبا بِغَدٍ ولا أهلًا بِهِ ... إنْ كان تفريقُ الأَحِبَّة فيِ غدِ 5 - حَانَ الرَّحيلُ ولم نُوَدِّع مَهْدَدَا ... والصبحُ والإمْسَاءُ منها مَوْعِدِي 6 - فيِ إِثْرِ غَانِيةٍ رَمَتْكَ بسَهمِها ... فأَصَابَ قَلْبَكَ غير أَنْ لم تُقْصدِ 7 - غَنِيَتْ بذلك إذْ هُمُ لكَ جيرَةٌ ... منها بعَطْفِ رِسَالةٍ وَتَودُّدِ ¬
8 - وَلَقَدْ أَصَابَ فُؤَادَهُ مِنْ حُبِّها ... عنْ ظَهْرِ مِرْنَانٍ بسَهْمٍ مُصَرَّدِ 9 - نَظَرَت بِمُقلَةِ شادِنٍ مُتَربِّبٍ ... أَحوى أَحَمّ المُقلَتَينِ مُقَلَّدِ 10 - وَالنَظمُ في سِلكٍ يُزَينُ نَحرَها ... ذَهَبٌ تَوَقَّد كَالشِهابِ الموقَدِ 11 - صَفراءُ كَالسِيَراء أُكمِلَ خَلقُها ... كَالغُصن في غُلَوائِهِ المُتَأَوِّدِ 12 - وَالبَطنُ ذو عُكَنٍ لَطيفٌ طَيُّهُ ... وَالإِتبُ تَنفُجُهُ بثَديٍ مُقعَدِ 13 - مَحطوطَةُ المتَنَين غَيرُ مُفاضَةٍ ... رَيّا الرَّوادِفِ بَضَّةُ المُتَجَردِ 14 - قامَت تَراءى بَينَ سَجفَي كِلَّةٍ ... كَالشَمسِ يَومَ طُلوعِها بِالأَسعُدِ 15 - أَو دُرَّةٍ صَدَفِيَّةٍ غَوّاصُها ... بَهِجٌ مَتى يَرَها يُهِلَّ وَيَسجُدِ 16 - أَو دُميَةٍ مِن مَرمَرٍ مَرفوعَةٍ ... بُنِيَت بآجُرٍّ تُشادُ وَقَرمَدِ 17 - سَقَطَ النَصيفُ وَلَم تُرِد إِسقاطَهُ ... فَتَناوَلَتهُ وَإتَّقَتنا بِاليَدِ 18 - بِمُخَضَّب رَخصٍ كَأَنَّ بَنانَهُ ... عَنَمٌ يَكادُ مِنَ اللَطافَةِ يُعقَدِ 19 - نَظَرَت إِلَيكَ بِحاجَةٍ لَم تَقضِها ... نَظَرَ السَقيمِ إِلى وُجوهِ العُوَّدِ 20 - تَجلو بِقادِمَتَي حَمامَةِ أَيكَةٍ ... بَرَدًا أُسِفَّ لِثاتُهُ بالإِثمِدِ 21 - كَالأقحُوانِ غَداةَ غِبَّ سَمائِهِ ... جَفَّت أَعاليهِ وَأَسفَلُهُ نَدي 22 - زَعَمَ الهُمامُ بِأَنَّ فاها بارِدٌ ... عَذبٌ مُقَبَّلُهُ شَهِيُّ المَورِدِ 23 - زَعَمَ الهُمامُ وَلَم أَذُقهُ أَنَّهُ ... يُشفى بِرَيّا ريقِها العَطِشُ الصَدي 24 - أَخَذَ العَذارى عِقدَها فَنَظَمنَهُ ... مِن لُؤلُؤٍ مُتَتابِعٍ مُتَسَرِّدِ 25 - لَو أَنَّها عَرَضَت لِأَشمَطَ راهِبٍ ... عَبَدَ الإِلَه صَرورَة المتُعَبِّدِ 26 - لَرَنا لِرُؤيتِها وَحُسنِ حَديثِها ... وَلخَالهُ رُشدًا وَإِن لَم يَرشُدِ 27 - بِتَكَلُّم لَو تَستَطيعُ سَماعَهُ ... لَدَنَت لَهُ أَروى الهضابِ الصُخَّدِ 28 - وَبِفاحِمٍ رَجلٍ أَثيثٍ نَبتُهُ ... كَالكَرمِ مال عَلى الدِّعامِ المُسنَدِ 29 - فَإِذا لَمسَتَ لَمَستَ أَخثَمَ جاثِمًا ... مُتَحَيِّزًا بَمَكانِهِ مِلءَ اليَدِ 30 - وإذا طعنْتَ طعنْتَ في مستهدفٍ ... رابِي المَجَسَّةِ بالعبير مُقَرْمَدِ 31 - وإذا نزعت نزعت عن مُسْتَحَصِفٍ ... نزْعَ الحَزَوِّرِ بالرِّشَاءِ المُحْصَدِ 3 - لا وارِدٌ منها يحور لِمصْدَرِ ... عنها ولا صَدِرٌ يحورُ لموْرِدِ
وهي من الكامل، وأصله في الدائرة: متفاعلن ست مرات (¬1) وقد دخله الإضمار وهو إسكان الثاني فيصير: متْفاعلن فيرد إلى مستفعلن، وقوله: (لما تزل) مستفعلن مضمر. 1 - قوله: "أمن آل مية رائِح" يخاطب نفسه يقول: أرائح أنت من آل مية أو مغتدي؛ أي: أتروح اليوم أم تغتدي غدًا، وليس هذا شكًّا لكنه كالمستثبت (¬2) , قوله: "عجلان" من العجلة. 2 - قوله: "أفد"؛ على وزن: فَعِل "بكسر العين" (¬3) ومعناه قرب ودنا، وفي حديث الأحنف (¬4): قد أفد الحج؛ أي: دنا وقته وقرب، ويقال رجل آفد (¬5)؛ أي مستعجل، ويروى أزف الترحل، ومعناه: قرب أيضًا، و "الترحل" الرحيل، و "الركاب" الإبل الرواحل واحدها راحلة - ولا واحد لها من لفظها، وقيل: جمع ركوب وهو ما يركب من كل دابة فعول بمعنى مفعول، والركوبة أخص منه، والرحال من الرحل (¬6) وجمع رحل أيضًا وهو مسكن الرجل ومنزله, قوله: "وكأن قد" أي: وكان قد زالت وذهبت بقرينة لم تزل. 3 - قوله: "زعم الغراب" يعني الغراب نعب فأنذرهم برحيله، وكانوا يتطيرون به، ويسمونه حاتمًا؛ لأنه كان يحتم عندهم بالفراق. 4 - قوله: "مهدد" اسم جارية، ويحتمل أن يريد بها مية، وقد يسمون المرأة في أشعارهم باسمين أو أكثر من ذلك اتساعًا. 5 - و "الغانية" التي غنيت بجمالها عن الحلي, قوله: "لم تقصد" من الإقصاد؛ أي: لم تقتلك حين رمتك فتستريح؛ يقال: رماه فأقصده إذا قتله. 6 - قوله: "غنيت بذلك"، أي: أقامت وعاشت بما أودعتك من حبها. 7 - قوله: "مرنان" مفعال من الرنين، وهو صوت القوس عند الرمي، يريد: رمتك عن ظهر قوس ترن عند الرمي لشدة وترها, قوله: "مصرد"؛ أي منفذ. يقال صرد السهم أصردته أنا إذا أنفذته. 8 - قوله: "شادن" الشادن من أولاد الظبَاء: الذي قد شدن وقوي على المشي، و"المتربب" ¬
المحبوس في البيت، و ["الأحوى"] (¬1) الذي فيه خطتان سوداوان، وأحم المقلتين: أسودهما، و"المقلد" الذي زين بالحلي وقلائد اللؤلؤ. 11 - قوله: "صفراء" يعني: أنها تطلى بالزعفران تتطب به، وصفها بالنعمة وتمكن الحال، والسيراء: الحريرة الصفراء، شبهها بها لصفرة الطب وللين بشرتها ولطافتها، و"الغلواء" ارتفاع الغصن ونماؤه، و "المتأوِّد" المنثني لطوله. 12 - قوله: "والبطن ذو عكن" أي: هي مهفهفة وخميصة البطن، ولو كانت مفاضة عظيمة البطن لم يكن لها عكن, قوله: "تنفحه" أي: تعليه وترفعه، والمقعد الغليظ الأصل في أول نهوده الذي لم يسترخ. 13 - قوله: "محطوطة المتنين" هي التي في متنيها حطان بالحاء المهملة، وهما كالخطين بالخاء المعجمة كما تخط جلود المصاحف إذا زينت بالحديدة، وقال الأصمعي: محطوطة؛ أي: ملساء الظهر غير منقبضة الجلد، و"المحط" بكسر الميم وبالحاء المهملة؛ حديدة يصقل بها الجلد، و "الفاضة": الواسعة البطن العطمة، و "الريا": المتلئة، و"البضة" بالباء الموحدة؛ الناعمة البيضاء، والمتجرد: الجسيم المجرد. 14 - تراءى أي: تعرض نفسها لنا وتتظاهر. و "السجف": الستر المشقوق الوسط. 15 - قوله: "بهج" أي: فرح مسرور. 16 - و "الدمية" بضم الدال: التمثال والصورة و "المرمر": الرخام الأبيض. قوله: "يشاد" أي: يبني ويرفع بالشَدّ وهو الجص، و "القرمد": خزف مضبوخ مثل الآجُر. 17، 18 - و "النصيف": نصف خمار أو نصف ثوب يعتجر به، يصف أنه فاجأها فسقط نصيفها فسترت وجهها بمعصمها، وهو قوله بمخضب "رخص"، أي ناعم كأن بنانه أصابعه، "عنم" بالعين المهملة: وهو شجر أحمر الثمر أشبه شيء بالأصابع المخضوبة. 19 - قوله: "العُوّد" بضم العين وتشديد الواو؛ جمع عائد, قوله: "تجلو بقادمتي حمامة أيكة" يعني: إذا ابتسمت كشفت عن أسنان؛ كأنها برد لبياضها وصفائها. 20 - و "القادمتان": الريشتان اللتان في مقدم الجناحين؛ يريد أن في شفتيها لعسًا وحوة وهي سمرة في الشفتين، وهما لطيفتان براقتان، فشبههما بالقادمتين لذلك, قوله: "أسف لثاته"؛ أي: ذُرّ الإثمد على لثاتها، وكذلك كان يفعل أهل الجاهلية يغرزون اللثة بالإبرة ثم يذرون عليها ¬
إثمدًا فيبقي سواده فيحسن بياض الثغر. 21 - و "الأقحوان" نبت له نوار أبيض، ووسطه أصفر، وغب الشيء: بعده، وأراد بالسماء المطر. 22 - قوله: "زعم الهمام" أراد به النعمان بن المنذر، ومعناه: السيد، سمي به؛ لأنه إذا هم بأمر أمضاه. 23 - و "الريا": الريح الطيبة، و"الصدِي" بكسر الدال المهملة: الشديد العطش. 24 - و "العذارى": أبكار الجواري، و "المتسرد": الذي تبع بعضه بعضًا. 25 - و "الأشمط": الأشيب، و "الصرورة": بالصاد المهملة؛ الملازم لصومعته لا يريد حجًّا ولا عمرة، وأراد به نصارى الشام الذين لا يعرفون الحج، وقيل: الصرورة هنا: الذي لا يأتي النساء، وقيل: هو الذي لم يذنب قط. 26 - قوله: "لرنا" اللام جواب لو؛ أي: لأدام النظر إليها، ولأعرض عما هو فيه من عبادته ولظن ذلك رشدًا، ولم ير فيه حرجًا، وإن لم يكن فيه رشد. 27 - قوله: "أروى الهضاب" الأروى: إناث الوعول، والهضاب: الجبال الصغار، والصخد: الملس، وقيل: المنتصبة، وقيل: الركد الثابتة. 28 - قوله: "وبفاحم رجل" أراد به الشعر، والفاحم: الشديد السواد، و "الأثيث" الكثير الذي ركب بعضه بعضًا، و "الرجل": المرجل الممشوط، و "الدعام" بالكسر: جمع دعامة، و "المسند": الذي رفع وأسند بعضه إلى بعض. 29 - قوله: "أخثم جاثمًا" الأخثم: العَريض في ارتفاع، و "الجاثم": الذي اتسع موضعه وتمكن. 30 - و "المستهدف": المرتفع، و "الرابي": المرتفع من الربوة، وهو ما ارتفع من الأرض، و "العبير" هو الزعفران، وقيل هو الخلوق، و "المقرمد" هو المطلي. 31 - و "المستحصف": الشديد الضيق القليل البلل، و "الحَزَوّر" بفتح الحاء المهملة والزاي وتشديد الواو وفي آخره راء؛ وهو الغلام القوي، و "الرشاء": الحبل، و "المحصد": الشديد الفتل. 32 - قوله: "لا وارد" إلى آخره معناه: الذي يرد من (¬1) هذه المرأة، أي: ينال منها ما يريد ¬
بذلك بدلًا فيصدر عنها، ولا الذي يصدر عنها لا يريد منها بدلًا أيضًا، فيصدر ليريد غيرها، ومعنى يحور: يرجع. الإعراب: قوله: "أفد الترحل": جملة من الفعل والفاعل (¬1)، و "أن" مع جملتها في محل الجر بإضافة "غير" إليها، [قوله] (¬2): لما "تزل": جملة وقعت خبرًا لأن, قوله: "وكأن" مخففة من الثقيلة، و "قد": حرف وحذف فعله؛ كما ذكرنا. فإن قلت: الاستثناء فيه منقطع أم متصل؟ قلت: منقطع؛ أي: قرب ارتحالنا ولكن (¬3) رحالنا بعد لم تزل على عزمنا على الانتقال. الاستشهاد فيه: في دخول تنوين الترنم في الحرف، وذلك في قوله: "وكأن قدن" وذلك أن تنوين الترنم يشترك في الاسم والفعل والحرف. أما الاسم فكما في قوله: يا صاح ما هاج العيون الزرقن ... ..................... (¬4) وأما في الفعل كما في قوله: .......................... ... كالأتحمى أنهجن وأما في الحرف فكما في هذا البيت (¬5)، وفيه استشهاد آخر وهو حذف الفعل الواقع بعد كلمة "قد" (¬6) ولكن لم يورد ها هنا (¬7) إلا لما ذكرنا [فافهم] (¬8). ¬
الشاهد السادس
الشاهد السادس (¬1) أَقِلّي اللَومَ عاذِلَ وَالعِتابن ... وَقولي إِن أَصَبتُ لَقَد أَصابن أقول: قائله هو جرير بن عطية (¬2) بن الخطفي بفتح الخاء العجمة، والطاء المهملة وبالفاء وهو لقب، واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مرو التميمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر من الفرزدق عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن، وأجمعت العلماء على أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير والفرزدق (¬3) والأخطل (¬4). والجرير في اللغة: الحبل، توفي جرير سنة عشر، أو إحدى عشرة ومائة، وكان يكنى بأبي حَزْرَة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الراء وبعدها هاء ساكنة، وهي المرة الواحدة من الحزر (¬5)، والبيت المذكور هو من قصيدة بائية طويلة، وأولها هذا البيت المذكور، وبعده (¬6): 2 - أَجَدِّكَ ما تَذَكَّرُ أَهلَ نَجدٍ ... وَحَيَّا طال ما انتَظَروا الإِيابا 3 - بَلى فَارفَضَّ دَمعُكَ غَيرَ نَزرٍ ... كَما عَيَّنتَ بِالسَرَبِ الطِبابا 4 - وَهاجَ البَرقُ لَيلَةَ أَذرِعاتٍ ... هَوىً ما تَستَطيعُ لَهُ طِلابا 5 - أيجمع قلبه طربًا إليكم ... وهجرًا بيت أهلك واجتنابا 6 - سَأَلنَاها الشِّفاءَ فَما شَفَتنا ... وَمَنَّتنا التَّوَدُّدَ وَالخِلابا (¬7) 7 - فَقُلتُ بِحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى ... وَهاجَ (¬8) عَلَيَّ بَينَهُم اكتِئابًا (¬9) 8 - أَباحَت أُمُّ حَزرَةَ مِن فؤادي ... شِعابَ الحُبِّ إِنَّ لَهُ شِعابًا ¬
9 - وَوَجدٍ قَد طَوَيتُ يَكادُ مِنهُ ... ضَميرُ القَلبِ يَلتَهِبُ التِهابا وهي من الوافر وفيه العصب بالمهملتين والقطف، فقوله: (وقولي إن) مفاعيلن معصوب، وقوله: (أصابن) فعولن مقطوف. 1 - قوله: (أقلِّي) أمر من الإقلال من القلة، واللوم - بالفتح؛ العذل، يقال: لمته لومًا، والرجل ملوم، والمليم هو الذي يستحق اللامة. 2 - قوله: أجدك، معناه: أبجد منك هذا، ونصبها على طرح الباء، قاله الأصمعي، وقال أبو عمرو معناه: مالك أجدًّا منك ونصبها على المصدر (¬1)، وقال ثعلب (¬2). ما أتاك في الشعر من قولك؛ أجدك فهو بالكسر، وإذا أتاك بالواو وجدك فهو مفتوح (¬3) قال الجوهري: أجدك وأجدك بمعنى ولا يتكلم به إلا مضافًا (¬4) , قوله: الإيابا بالكسر (¬5) وهو الرجوع. 3 - قوله: فارفض؛ أي: تفرق وذهب، وكل متفرق ذاهب مرفض وهو من ارفضاض (¬6) الدمع، وهو ترششه، والنزر بفتح النون: القليل, قوله: "بالسرب الطبابا" [بكسر الطاء] (¬7) جمع طبابة، قال الأصمعي: هي الجلدة التي يُغَطَّى بها الخُرَزُ، وهي معترِضة كالإِصْبَع، مَثْنِيَّةٌ على موضع الخَرز (¬8). 5 - قوله: "الخلابا" بكسر الخاء المعجمة وهو الخديعة باللسان، وأم حزرة كنية امرأة جرير. الإعراب: قوله: "أقلِّي": جملة من الفعل والفاعل, وهو أنت المستكن فيه، واللوم مفعوله. قوله: "عاذلَ" بفتح اللام: منادى مرخم حذف حرف ندائه، أصله: يا عاذلة, قوله: "والعتابن": عطف على قوله: "اللوم". قوله: "وقولي": جملة معطوفة على "أقلي". قوله: "لقد أصابن" جمله فعلية وفاعلها (¬9) مستتر، وهي مقول القول. ¬
الشاهد السابع
فإن قلت: فأين جواب الشرط؟. قلتُ: محذوف تقديره: إن أصبت لا تعذلي وقولي: لقد أصاب. الاستشهاد: في قوله: "العتابن، وأصابن"؛ لأن أصلهما: العتابا وأصابا، فجيء بالتنوين "بدلًا" (¬1) من الألف لأجل قصد الترنم (¬2). الشاهد السابع (¬3) , (¬4) ددد الأرقام / ق دي أحيانًا موجودة وأحيانًا أخرى لأ ددد 7 / ق ......................... ... وَيَعْدُو عَلَى الْمَرْءِ مَا يَأْتَمِرْن أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حُجْر بن الحرث (¬5) بن عمرو بن الحُجْر الأكبر بن عمر بن معاوية بن الحرث بن معاوية بن كندة بن ثور بن مرتع بن عليم بن الحرث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشخب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الكندي الشاعر المفلق الفائق، مات في بلاد الروم عند جبل يقال له: عسيب، وكان قد صار إلى قيصر ملك الروم مستنجدًا به على بني أسد؛ لأنهم كانوا قد قتلوا والده حُجْرًا، فلما عاد من عند قيصر مات في عسيب، ويقال: إن ملك الروم سَمّه في حلة. قال الأصمعي: "وقد كان" (¬6) يقال لامرئ القيس الملك الضليل، ومات بأنقرة منصرفًا من قيصر، وفيه يقول القائل (¬7): يا جَبَلَةً مُتَحَيِرَه - وطَعْنَةً مُثْعَنْجَره - قَدْ غُودِرْتَ بأنْقَره قلتُ: عسيب بفتح العين وكسر السين المهملتين وفي آخره باء موحدة؛ وهو اسم جبل (¬8). ¬
وفيه يقول امرؤ القيس (¬1): أَجَارَتنَا إِنَّ الخُطُوبَ تَنُوبُ ... وَإنِّي مُقِيِمٌ مَا أَقَامَ عَسِيبٌ وكان أبو امرئ القيس حُجْر أول ملوك كندة، وهو ملك بن مالك (¬2) وقد روينا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من حديث خرجه الإمام أحمد (¬3) في مسنده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار" (¬4) وصدر البيت المذكور: أَحَارِ بْنَ عَمْرو كَأَني خَمِرن ... ......................... وهو من قصيدة طويلة، وأولها هو البيت المذكور، وبعده (¬5): 2 - لَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ العَامِرِيّ ... لا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِر 3 - تَمِيمُ بنُ مُرٍّ وَأَشيَاعُهَا ... وَكِنْدَةُ حَوْلِي جَمِيعًا صُبُرْ 4 - إِذَا رَكِبُوا الْخَيْلَ وَاسْتَلأمُوا ... تَحَرَّقَتِ الأَرْضُ والْيَوْمُ قُرّْ 5 - تَرُوحُ مِنَ الحق أَمْ تَبتَكِرْ ... وَمَاذَا يَضُرُّكَ لَوْ تَنْتَظِرْ 6 - أَمَرْخٌ خِيَامُهُمْ أَمْ عُشُرْ ... أَمِ الْقَلْبُ في إِثْرِهِمُ مُنْحَدِرْ 7 - أَفِيمَنْ أَقَامَ مِنَ الْحَيِّ هِرّ ... أَمِ الظَّاعِنُونَ لَهَا فِي الشُّطُرْ 8 - وَهَرٌّ تَصِيدُ قُلُوبَ الرجالِ ... وَأَفْلَتَ منها ابنُ عَمْرٍو حُجرْ 9 - رَمَتْنِي بسَهْمٍ أَصَابَ الفُؤَادَ ... غَدَاةَ الرَّحِيلِ فَلَمْ انْتَصِرْ 10 - فَأَسْبَلَ دَمْعِي كَغُصْنِ الجُمَانِ ... أَو الدُّرِّ رَقْرَاقِهِ المُنْحَدِرْ 11 - وَإذْ هِيَ تَمْشِي كَمَشْي النَّزِيـ ... ـفِ يَصْرَعُهُ بِالْكَتِيبِ البُهُر 12 - بَرهْرَهَةٌ رَخْصَةٌ رَوْدَةٌ ... كَخُرْعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ ¬
13 - فُتُورُ القيَامِ قَطِيعُ الكلا ... مِ تَفْتَرُّ عَنْ ذِي غُرُوبٍ خَصِرْ 14 - كَأَنَّ المُدَامَ وَصَوْبَ الغُمَامِ ... وَرِيحَ الحُزَامَى وَنَشْرَ القَطَرْ 15 - يُعلُّ بِهِ بَرْدَ أَنْيَابِهَا ... إِذَا طَرَّبَ الطَّائِرُ المُسْتَحِر 16 - فَبِتُّ أُكُابِدُ لَيلَ التَّمَامِ ... وَمَا الْقَلْبُ مِنْ خَشْيةٍ مَقشَعِرْ 17 - فَلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُها ... فَثَوْبًا نَسِيتُ وَثَوْبًا أَجُر 18 - فَلَم يَرَنَا كَالِئ كَاشِحٌ ... وَلَمْ يَفْش مِنَّا لَدَى الْبَيَتْ سِرْ 19 - وقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا يَا هَنَاهُ ... وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شرًّا بِشَر وهذا الذي ذكرناه أن قوله: "أحار بن عمرو كأني خمرن (¬1) " الذي هو أول القصيدة هو المنقول عن الأصمعي، وقال غيره: إن أولها هو قوله: لا وأبيك ابنة العامري ... .......................... وقال الأصمعي: أنشدني أبو عمرو بن العلاء هذه القصيدة لرجل من النمر بن قاسط يقال له: ربيعة بن جشم، وقال أبو عمرو الشيباني (¬2): لم يشك أحد أن هذه القصيدة لامرئ القيس ولكن تخلط بها أبيات للنميري وقد رواها أبو عمرو والفضل (¬3). وهي من المتقارب من الدائرة الخامسة، وهي مشتملة على بحرين: المتقارب والمتدارك. وأصل المتقارب في الدائرة: فعولن ثمان مرات (¬4) وفيه الحذف (¬5) فإن قوله: (نمر)، فَعِل: محذوف، وكذا قوله: (خمر)، وفي أول القصيدة: ثرم (¬6) وهو قوله: (لا و) فإن وزنه فعْل. 2 - قوله: "لا وأبيك" بكسر الكاف؛ لأنه خطاب للمؤنث؛ لأن تقديره: لا وحق أبيك يا ابنة العامري، والعامري من بني عمرو بن عامر بن الأزد. قوله: تميم بن مرٍّ: بدل من القوم، أو عطف بيان. ¬
3 - قوله: "صُبُرٌ" بضم الصاد والباء، جمع صابر. 4 - قوله: "واستلأموا" أي يلبسوا (¬1) اللأمة وهي الدرع، وقيل: هي السلاح. قوله: "تحرقت الأرض" بالحاء المهملة، يعني من شدة ذلك, قوله: "قُر" بضم القاف أي: بارد ويروى: صِر بكسر الصاد أي: شديد البرد، والجملة وقعت حالًا. 5 - قوله: "تروحُ" أصله: أتروح فأسقط الهمزة لدلالة أم عليها. 6 - قوله: "أمرخ" الهمزة للاستفهام، والمرخ: شجر حواري (¬2) ضعيف تتخذ منه الزناد واحدها: (¬3) مرخة "وإذا" (¬4) هبت له ريح فحك بعض عيدانه بعضًا احترقت, قوله: "وعُشَر" بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة: هو (¬5) شجر لين، فالمرخ ينبت بالنجد، والعُشَر بالغور، والعشر لها ورق عراض ولها لبن إذا قطع الورق أو العود. 7 - قوله: "هر" هي ابنة العامري، وهو سلامة بن عبد اللَّه بن عُلَيم, قوله: "أم الظاعنون" بالظاء المعجمة، من ظعن إذا سار، و "الشطر" بضم الشين المعجمة، جمع شطر؛ وهو الغريب. 10 - قوله: "كغصن الجمان" أي: كتفرق الجمان إذا انقطع سلكه، والجمان: اللؤلؤ الصغار يعمل من فضة، ويروى: كفيض الجمان من فاض إذا سال, قوله: "رقراقة" قال الأعلم: الرقراق ما جاء وذهب وهو مجرور على أنه بدل من الدر (¬6) وقال غيره: رقراق الدمع: ما ترقرق منه العين؛ أي تردد (¬7). 11 - قوله: "النزيف" بفتح النون وكسر الزاي؛ وهو السكران الذي نزف عقله، والكثيب: ما اجتمع من الرمل، والبُهر بضم الباء الموحدة من الإبهار؛ وهو انقطاع النفس وعلوه من التعب. 12 - قوله: "برهرهة": هي الرقيقة الجلد، وقال الأصمعي: هي الممتلئة المترجرجة (¬8)، قوله: "رخصة" أي: ناعمة، والرأدة بضم الراء؛ الشابة الناعمة، وكذلك الرادة والخُرعوبَة بضم الخاء؛ القضيب الناعم، والمنفطر: الذي ينفطر بالورق، وهو ألين ما يكون وأشده تثنيًا حين يجري فيه الماء ويورق بعضة جدًّا، وإنما لم يقل المنفطرة؛ لأنه رده على القضيب. 13 - قوله: "فتور " القيام؛ يعني أنها بطيئة القيام لثقل عجيزتها, قوله: "قطيع الكلام": يعني نزر الكلام لكثرة حيائها, قوله: "تفتر": أي تبتسم، وقيل معناه تبدي أسنانها ولا تضحك ¬
ضحكًا شديدًا, قوله: "غروب"؛ أي: عن ثغر ذي غروب، وغروب السن: حدها، وغرب كل شيء: حده, قوله: "خَصْر" بفتح الخاء المعجمة وسكون (¬1) الصاد؛ أي بارد. 14 - قوله: "كأن المدام" وهي الخمر سميت بذلك؛ لأنها أديمت في الدن، أي: عتقت، والغمام: السحاب، وصوبه: ما صاب منه أي وقع، وهو المطر، و "الخزامى" خير البر بكسر (¬2) الخاء المعجمة وهو خزامي البر، و "النشر" الرائحة، و "القُطُر" بضمتين: العود. 15 - قوله: "يعل" يعني: يسقى مرة بعد أخرى, قوله: "إذا طرب الطائر" أي: إذا صوت الديك ونحوه، ويقاك: أراد البلبل الذي يصوت في السحر, قوله: "المستحر" هو المصوت بالسحر. 16 - قوله: "أكابد" أي: أقاسي, قوله: "لَيْلَ التِّمِامَ" قال أبو عمرو: وليل التمام إذا كان الليل "اثنتي عشرة ساعة" (¬3) وهو ليل التمام إلى خمس عشرة ساعة (¬4) قال الأصمعي: (ليل التمام بالكسر، وولد الصبي لتمام) (¬5) و "مقشعر" (¬6) يعني: وجل من أهلها. 17 - قوله: "تسديتها" يعني: علوتها وركبتها، قاله الأصمعي. 18 - قوله: "كالئ" أي: حافظ راقب، و "الكاشح": المتولي بوده. 19 - قوله: "يا هناه" كناية بمنزلة يا رجل، يا إنسان، وأكثر ما تستعمل عند الجفاء والغلظة, قوله: "ألحقت شرًّا بشر" معناه: كنت متهما عند الناس، فلما رأوْك عندي ألحقتك تهمة بتهمة وشرًّا بشرٍّ الإعراب: "أحار بن عمرو" منادى مرخم، يعني: يا حارث بن عمرو، والراء في حار مكسورة كما كانت أولًا، وابن عمرو: كلام إضافي منصوب, قوله: "كأني" كأني هي (¬7) حرف من الحروف المشبهة بالفعل، واسمه ياء المتكلم، وخبره قوله: "خمر" بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم، معناه: كأني خامر في داء أو وجع، وأصله من الخمر بفتحتين؛ وهو كل ما سترك من شجر أو بناء أو غيره، ومنه الخمر التي تشرب فإنها تستر العقل، وتخمير الأواني (¬8) وهو تغطيتها. ¬
الشاهد الثامن
قوله: "ويعدو" فعل وفاعله قوله: "ما يأتمر" وما مصدرية، والتقدير: ويعدو على الرجل ائتماره أمرًا ليس برشد، وذلك أن الرجل إذا ائتمر أمرًا ليس برشد، فكأنه يعدو عليه فيهلكه. وقال الأعلم: معناه يصيبه وينزل عليه مكروه ما يأتمر به ويحمل نفسه على فعله (¬1): وهذا نحو قول العامة: من حفر حفرة وقع فيها. فإن قلتَ: ما هذه الواو في قوله: "ويعدو"؟ قلتُ: تصلح لأن (¬2) تكون للاستئناف، وتصلح (¬3) أن تكون للتعليل على معنى لام التعليل على رأي من أثبت هذا، فيكون المعنى: يا حارثُ بن عمرو، كأني خامرني داء لأجل عدوان الائتمار بأمر ليس برشد، ويصلح أن تكون زائدة على رأي الكوفيين (¬4) والأخفش. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما يأتمرن" حيث أدخل فيه التنوين الغالي، وهو اللاحق للروي المقيد (¬5) وهو كتنوين الترنم في عدم الاختصاص بالاسم (¬6). الشاهد الثامن (¬7) , (¬8) 8 / قه قَالتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإنْن ... كَانَ فَقِيرًا مُعْدَمًا قَالتْ وَإِنْنْ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج؛ كذا ذكروه، ولم أجده في ديوانه، وتمامه: ¬
1 - قَالتْ سُلَيْمَى لَيْتَ لِي بَعْلًا يَمُنْ ... يَغْسِلُ جِلْدِي ويُنَسِّينِي الحَزَنْ 2 - وَحَاجَةً مَا إِنْ لَهَا عِنْدِي ثَمَنْ ... مَيسُورَةً قضاؤها مِنَّهْ وَمِنْ 3 - قَالتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وَإِنْن ... كَانَ فَقِيرًا (¬1) مُعْدِمًا؟ قَالتْ وَإنْنْ وهي (¬2) من الرجز المسدس، وفيه الخبل وهو الخبهن والطي، فيصير متعلن فيرد إلى فعلتن (¬3). 1 - قوله: "سليمى": تصغير سلمى ذكرها الراجز [مصغرة] (¬4) ومكبرة، وكلتاهما واحدة, قوله: "بعلًا" أي زوجًا, قوله: "يمن" بتخفيف النون وأصله التشديد؛ لأنه من المنة ولكنه (¬5) خفف للضرورة. 3 - قوله: "معدمًا" يعني: ليس له شيء أصلًا، و "الفقير" على نوعين: فقير مقل، وهو الذي يملك شيئًا قليلًا، ويقال له المسكين أيضًا، وفقير معدم: وهو الذي لا يملك شيئًا أصلًا. ويروى: وإن كان عَيِيًّا معدمًا كما ذكرناه، وكذا أنشده الشيخ أبو حيان -رحمه الله - (¬6). وهو فعيل من العي وهو العجز (¬7). الإعراب: "قالت" فعل، و "سليمى" فاعله، والجملة أعني قولها: "ليت لي بعلًا ... إلخ": مقول القائل, قوله: "يمن": جملة في محل النصب على أنها صفة لـ"بعلًا"، وتقديره: يمن علي، وقوله: "يغسل جلدي": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت بيانًا عن قوله يمن، وهي من الجمل الكاشفة. قوله: "وينسيني الحزن": جملة بيانية معطوفة على الجملة الأولى. قوله: "وحاجة" بالنصب، عطف على (بعلًا)، وأرادت (¬8) بها حاجة قضاء الشهوة، فسَّرتها بجملتين: الأولى: هي قوله: "ما إن لها عندي ثمن"، وكلمة "ما" للنفي، و "إن": زائدة لتأكيد ¬
النفي كما في قوله: وما إن طبنا جبن. والثانية قوله: "قضاؤها مني ومن": أي قضاء تلك الحاجة من البعل ومني (¬1) وقوله: "ميسورة" صفة لقولها: حاجة. قوله: "قالت" فعل، و "بنات العم" كلام إضافي فاعل، والألف واللام في العم بدل من المضاف إليه: قالت بنات عمي. وقوله (¬2): "يا سلمى": منادى مقول القول, قوله: "وإن كان فقيرًا"، إن حرف شرط، وكان من الأفعال الناقصة، واسمها (¬3): الضمير المستتر فيه العائد إلى البعل، وخبرها: (¬4) قوله: "فقيرًا"، والجملة فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: وإن كان البعل فقيرًا ترضين به أو تقبلينه، أو نحو ذلك. فإن قلت: هذه الجملة معطوفة على ماذا؟ قلت: على المقدر تقديره: كان البعل عَيِيًّا (¬5) وإن كان فقيرًا. قوله: معدمًا: صفة (فقيرًا)،. قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل، والمقول (¬6) محذوف، وهو الذي عطف عليه، وإن تقديره: قالت وإن كان البعل غنيًّا وإن كان فقيرًا، وقد حذف الشرط والجزاء جميعًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإنن" في الموضعين؛ حيث أدخل الراجز فيه التنوين زيادة على الوزن، فلذلك سمي (¬7) التنوين الغالي؛ ألا ترى أن الوزن لا يستقيم إلا بحذف التنوين؛ لأنك تقول: (قالت بنا) مستفعلن، (ت العم يا) مستفعلن (سلمى وإن) مستفعلن، فإذا قلت: (سلمى وإنن) يخرج عن الوزن، وكذا الكلام في قوله: قالت وإنن. وقد ارتكب الشاعر ها هنا أمورًا: الأول في قوله: يمنْ؛ إذ أصله يمنّ بالتشديد. والثاني في قوله: (منه ومن) أصله: ومني. والثالث: أدخل التنوين في؛ إن حتى خرج البيت عن الوزن (¬8). ¬
الشاهد التاسع
الشاهد التاسع (¬1)، (¬2) 9 / ق سلام الله يا مطر عليها ... ........................ أقول: قائله هو الأحوص (¬3)، [واسمه: عبد الله بن محمد بن ثابت بن قيس بن عصمة] (¬4) ابن النعمان بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عمرو بن مالك بن الأوس، ويكنى أبا عاصم، وهو شاعر مجيد من شعراء الدولة الأموية، والأحوص هو الذي في مؤخرة عينيه ضيق، وتمام البيت: ............................. ... وليس عليك يا مطر السلام وهو من قصيدة من الوافر، أولها قوله: 1 - أَإِنْ (¬5) نادى هَدِيلًا يَوْم فَلْجٍ ... معَ الإشْرَاقِ فيِ فَنَن حَمَامُ 2 - ظَلَلْتَ كَأَنَّ دَمْعَكَ دُرُّ سِلْكٍ ... وَهِيَ (¬6) نَسَقًا وَأَسْلَمَهُ النّظامُ 3 - كَأَنَّكَ مِنْ تَذَكُّرِ أمِّ عَمْرٍو (¬7) ... وَحَبْلُ وَصَالِهَا خَلَقٌ رِمَامُ 4 - تَمُوُتُ تَشَوُّقًا طورًا (¬8) وتَحْيا ... وَأَنْتَ حَر (¬9) بِدَائِكَ مُشتَهَامُ 5 - صَرِيعُ مُدَامَةٍ غَلَبَت عَليْه (¬10) ... تَمُوتُ لَها الْمفَاصِلُ وَالْعِظَامُ 6 - وأنّي من بلادك أم عمرو (¬11) ... سَقَى بَلَدًا تَحُلُّ بِهِ الْغَمَامُ 7 - تَحُلُّ النَّهْدَ (¬12) مِنْ أُحُدٍ وَأَدْنى ... مَسَاكِنِها النسيكة (¬13) أو سَنَامُ 8 - كَأَن المالِكيَن نِكَاحَ سَلْمى ... غَدَاةَ نكاحها مطر نِيَامُ (¬14) 9 - فَلَوْ لَمْ يَنْكِحُوا إلَّا كَفِيًّا ... لَكَان كَفِيئُها (¬15) الملَكُ الهُمَام ¬
10 - سَلامُ الله يَا مَطَرٌ عَلَيها ... وَلَيسَ عَلَيك يَا مَطَرُ السَّلَامُ 11 - فَإنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شيئًا ... فإِن نِكَاحَهَا مَطر (¬1) حَرامُ 12 - فَطلِّقْهَا فَلسْتَ لها بِكفْءٍ (¬2) ... وإلا يَعْل مَفْرِقَكَ الحُسَامُ 13 - فَلا غَفَرَ الإِلَهُ لِمنْكِحِيهَا ... ذُنُوبَهُمُ وَإنْ صَلُّوا وَصَامُوا 1 - قوله: "هديلًا" بفتح الهاء؛ وهو الذكر من الحمام، ويقال: الهديل: فرخ كان على عهد نوح - عليه السلام -، فصاده جارح من جوارح الطير، قالوا. فليس من حمامة إلا وتبكي عليه، والهديل: صوت الحمام أيضًا؛ كالهدير (¬3)، وانتصابه على المفعولية، والفاعل هو قوله: حمام، قوله: "يوم فلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم؛ وهو (¬4) موضع بين البصرة وضربة، قوله: "في فنن" بفتحتين؛ وهو الغصن وجمعه (¬5): أفنان. 2 - قوله: "وهَي" [فعل ماض] (¬6) أي: سقط من الضعف, قوله: (نسقًا) من قولهم: دُرٌّ نسقٌ، يعني: منظم، وثغر نسق إذا كانت الأسنان مستوية, قوله: "وأسلمه" أي: خذله. 3 - قوله: "خَلَق" بفتح الخاء المعجمة واللام؛ أي: بالٍ، و "رمام" بكسر الراء؛ جمع رمة بالكسر؛ وهي العظام البالية، ويجمع على رمم أيضًا. 4 - قوله: "وأنت حر" بكسر الراء، يقال: فلان حريٌّ بذلك، أي: لائق به، وكذلك حر وحري، وقلب مستهام: أي هائم؛ من الهيام، وهو كالجنون من العشق. 9 - و "الكفي "على وزن فعيل؛ بمعنى النظير، وكذلك: "الكف والكفؤ" (¬7). 10 - قوله: "يا مطر": مطر اسم رجل، وكان دميمًا أقبح الناس، وكانت امرأته من [أحسن النساء وأجملهن] (¬8) وكانت تريد فراقه ولا يرضى [مطر] (¬9) بذلك، فأنشد الأحوص هذه القصيدة يصف فيها أحوالهم. 12 - قوله: "فلست لها ببعل"، ويروى: بكفء, قوله: "وإلا يعل": من علا يعلو، و"المفرق": موضع فرق الشعر من الرأس، و "الحسام" بضم الحاء؛ السيف. ¬
الشاهد العاشر
الإعراب: قوله: "سلام الله" كلام إضافي مبتدأ؛ و "عليها" خبره، والضمير يرجع إلى امرأة مطر وقوله: "يا مطر": منادى مفرد، نونه الشاعر للضرورة (¬1) وهو معترض بين المبتدأ والخبر. قوله: "وليس" من الأفعال الناقصة, قوله: "السلام" اسمه، و "عليك" خبره، وقوله: "يا مطر": معترض بين اسم ليس وخبرها، وهذا جاء على الأصل؛ لأن الأصل في المنادى المفرد أن يبنى على الضم (¬2). الاستشهاد: في قوله: "يا مطر" فإنه منون في غير محله، فقيل (¬3): إنه ضرورة، وليس هو تنوين تمكين، لأن الاسم مبني على الضم، وقد عده بعضهم من أقسام التنوين، وسماه تنوين الاضطرار. قلت: مثل هذا ضرورة، فلا يحتاج إلى عده من أقسام التنوين (¬4). الشاهد العاشر (¬5) , (¬6) 10 / ظقه ما أنْتَ بِالحَكَيم التُّرْضَى حُكُومَتُهُ ... ولا الأَصِيلِ ولا ذِي الرَّأيِ والجَدَلِ أقول: قائله هو الفرزدق، واسمه همام، وقيل هميم "بالتصغير" ابن غالب بن صعصعة [ابن ناحية] (¬7) بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، واسمه: "بحر بن مالك"، واسمه: عرف (¬8) بالراء، سمي بذلك لجوده -ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرة (¬9) التميمي المعروف بالفرزدق؛ الشاعر المشهور صاحب جرير. وكان أبوه غالب من جلة قومه وسراتهم، وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس، وكان من الكرم على جانب عظيم، وكان جده صعصعة بن ناجية عطم القدر في الجاهلية ¬
واشترى ثلاثين موؤودة، وفي ذلك قال (¬1) الفرزدق (¬2): وجدي الذِي مَنَعَ الوَائِدَاتِ ... وَأَحْيَا الوَئِيدَ فَلَمْ تُوْأد وهو أول من أسلم من أجداد الفرزدق، وقد ذكره أبو عمر في كتاب الاستيعاب (¬3) في جملة الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -. وكان الفرزدق يكنى بأبي فراس، وهو شاعر إسلامي لقي علي بن أبي طالب (¬4) وروى عنه، وعن أبي هريرة، والحسن بن علي، وابن عمر (¬5) - رضي اللَّه [تعالى] (¬6) عنهم -. وهو في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين (¬7) وهم جرير والفرزدق والأخطل والراعي (¬8)، وكان على فضله وتقدمه يروي للحطيئة (¬9) كثيرًا، وكان الحطيئة راوية زهير (¬10)، وزهير راوية أوس بن حجر (¬11) وطفيل (¬12) الغنوي جميعًا، توفي بالبصرة سنة عشر ومائة وعمره قد ناهز مائة سنة. ¬
والفرزدق في الأصل [قيل] (¬1): قطع العجين، واحدتها فرزدقة، لقب بذلك؛ لأنه كان جهم الوجه، وقيل: لقب به لغلظه (¬2) وقصره، شبه بالفتيتة التي تشربها النساء وهي الفرزدقة، والقول الأول أصح؛ لأنه أصابه جدري في وجهه ثم برئ منه فبقي وجهه جهمًا متغضبًا (¬3)، ويروى أن رجلًا قال له: يا أبا فراس كأن وجهك أحراح مجموعة، فقال: تأمل هل ترى فيها حر أمك، والأحراح: جمع حرح؛ وهو الفرج فحذفت في المفرد حاؤه الثانية فبقي حرًّا، ومتى جمعت عادت الحاء؛ لأن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها (¬4)، وقبل البيت المذكور بيت آخر هو قوله (¬5): يا أرغم الله أنفًا أنت (¬6) حامله ... يا ذا الخنا ومقال الزور والخَطل والأصل في ذلك ما حدثه الكلبي أن رجلًا من بني عذرة دخل على عبد الملك بن مروان (¬7) يمدحه، وعنده جرير والفرزدق والأخطل فلم يعرفهم الأعرابي، فقال له عبد الملك: هل تعرف أهجى بيت في الإسلام؟، قال: نعم، قول جرير (¬8): فَغُضِّ الطَّرفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلا كَعْبًا بَلَغْتَ وَلا كِلابًا فقال: أحسنت، فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (¬9): أَلَسْتُمْ خَيرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا ... وَأَنْدَى الْعَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ فقال: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قالته العرب في الإسلام؟ قال: نعم قول جرير (¬10): إِنَّ العُيُونَ التي في طَرْفِهَا مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمَّ لم (¬11) يُحْيِينَ قَتْلانا فقال: أحسنت، فهل تعرف جريرًا؟ قال: لا والله، وإني لرؤيته مشتاق، فقال: هذا جرير، ¬
وهذا الفرزدق، وهذا الأخطل، فأنشأ الأعرابي يقول (¬1): فحيا الإله أبا حزرة ... وأرغم أنفك يا أخطل وجد الفرزدق أتعس به ... ودق خياشمه الجندل فأنشد الفرزدق: يا أرغم الله أنفًا ........ ... ............... إلخ (¬2) البيتين ثم أنشد الأخطل (¬3): يا شَرَّ مَنْ حَمَلَتْ سَاقٌ عَلَى قَدَمٍ ... مَا مثلُ قَولكَ في الأقْوامِ يُحْتَمَلُ إنَّ الحكُومَةَ لَيسَتْ فيِ أبِيكَ ولا ... فيِ مَعْشَرٍ أنتَ مِنهم إنَّهُمْ سُفُلُ فقام جرير مغضبًا وهو يقول (¬4): شَتَمْتُمَا قَائِلًا بالحق مُهْتديًا ... عِنْدَ الخليفةِ والأقوالُ تَنْتضِلُ (¬5) أتشتمان شَفاهًا خَيْرَكُمْ حَسَبًا ... ففيكما الأوهيان (¬6) الزورُ والخطل شَتَمْتماهُ على رَفْعي وَوَضْعِكُما ... لا زِلْتُمَا في سِفَال أيُّها السُّفُلُ ثم وثب فقبَّل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت خمسة عشر ألفًا، فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي، فقبض ذلك كله. والبيت المستشهد به من البسيط، وهو من الدائرة الأولى، وهي دائرة المختلف المشتملة على: الطويل والمديد والبسيط، وأصله فيها: مستفعلن فاعلن أربع مرات، وله ثلاثة أعاريض وستة أضرب، وهو من العروض الأولى المخبونة (¬7) والضرب الأول المخبون، وقافيته من المتراكب، وهو ما بين ساكنيه ثلاث حركات، وسمي بهذا الاسم؛ لأن الحركات توالت فيه فركب بعضها بعضًا (¬8). ¬
قوله: "يا أرغم الله" المنادى فيه محذوف تقديره: يا قوم أرغم اللَّه أنفًا، أي: ألصقه بالرغام بفتح الراء وهو التراب، و "الخنا" الفحش، والخطل: بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة؛ الفاسد المضطرب، وقد خطل في كلامه بالكسر خطلًا، وأخطل؛ أفحش. قوله: "بالحكم" بفتح الحاء والكاف، وهو الذي يحكمه الخصمان ليحكم (¬1) بينهما, قوله: "ولا الأصيل" أي: ولا الجيد (¬2)، يقال: فلان لا أصل له ولا فصل، قال الكسائي (¬3): الأصل الحسب، والفصل: اللسان. قوله: "ولا ذي الرأي" ولا صاحب الرأي، والجدل بفتحتين شدة الخصومة، وهو اسم من جادله إذا خاصمه، مجادلة وجدالًا. الإعراب: قوله: "ما" للنفي، و "أنت" مبتدأ، وخبره, قوله: "بالحكم الترضى حكومته" والباء فيه زائدة للتأكيد، والخطاب لذلك الأعرابي الذي هو من بني عذرة، وقد ذكرناه. وقوله: "الترضى حكومته" جملة فعلية في محل الرفع؛ لأنها صفة لقوله "بالحكم" وَالحكم مرفوع (¬4) تقديرًا لأنه خبر، ويجوز أن يكون في محل الجر باعتبار الظاهر؛ لأن الخبر في الظاهر مجرور بالباء، و "الترضى" على صيغة المجهول، و "حكومته" مرفوع بها. قوله: "ولا الأصيل" عطف على قوله: "بالحكم" أي: ولا أنت بالأصيل ولا بذي الرأي ولا بذي الجدل. الاستشهاد فيه: في دخول الألف واللام في الفعل المضارع تشبيهًا له بالصفة؛ لأنه مثلها في المعنى، وهذا ضرورة عند النحويين (¬5) وقال ابن مالك: "ليس" (¬6) بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول: ما أنت بالحكم المرضي حكومته، فيدخل الألف واللام في اسم المفعول (¬7)، قلت: وهذا الذي ¬
الشاهد الحادي عشر
قاله ابن مالك منقول عن سيبويه (¬1)، ثم عن ابن السراج، وليس هو القائل من ذاته، ولكن هذا لا يستقيم إلا إذا سكنت الياء من المرضي ليستقيم الوزن فافهم. وقال الأخفش: هي موصولة وليست للتعريف، كأنها لما كانت بمعنى الذي وصلت بصلتها (¬2). وقال ابن عصفور (¬3): ومنهم من ذهب إلى أن (أل) ها هنا مبقاة من الذي، وهو مردود؛ لأنها لو كانت كذلك لجاز أن يقع في صلتها الماضي كما جاز في صلة الذي، فلما اختصت بالفعل الشبه للوصف وهو المضارع دل على إبهامه. الشاهد الحادي عشر (¬4) , (¬5) 11 / قه أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا ... ............................. أقول: قائله رؤبة بن العجاج، وتمامه: ¬
أَرَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ جُلْمُودَا (¬1) ... مُرَجَّلًا وَيْلبَسُ البُرُودَا أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا ... .............................. وهي من الرجز المسدس. 1 - قوله: "أريت" أصله: أرأيت، حذفت الهمزة منه للتخفيف، وكذلك قالوا في: أريتك بلا همزة، ومعنى "أرأيت" أخبرني, قوله: "أملودًا" بضم الهمزة وسكون اليم وضم اللام؛ وهو الناعم. 2 - قوله: "مرجلًا" بالجيم أي: مزينًا، وأصله من رجلت شعره إذا سرحته، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة؛ وهو برد يصور عليه الرجال، وقال الجوهري: مِرْط مُرَجَّلٌ: إِزَار خِزٍّ فيه عَلَمٌ (¬2)، ويقال: الرجل بالجيم: ثوب فيه صور الرجال، والرحل بالحاء: ثوب فيه صور تشبه الرجال, قوله: "البرود" جمع برد؛ وهو نوع من الثياب معروف. الإعراب: قوله: "أقائلن" اسم فاعل دخل عليه حرف الاستفهام ونون التأكيد، والمعنى: هل أنتم قائلون؟ فأجراه مجرى: أتقولون: أحضروا الشُّهُودَا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت مقولًا للقول. الاستشهاد فيه: حيث أدخل الشاعر فيه نون التأكيد على الاسم، وهي مختصة بفعل الأمر المستقبل طلبًا أو شرطًا بعد إما؛ كقوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26]، و {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} [الأنفال: 57] وقد تلحق الماضي نذورًا كما في قوله - عليه السلام -: "فإما أدركن واحد منكم الدجال" (¬3)، وقال الشاعر (¬4): دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رَحِمْتِ مُتَيَّمًا ... ............................. ¬
الشاهد الثاني عشر
كما سيأتي - إن شاء الله - وأندر من ذلك دخولها في اسم الفاعل، كما في البيت المذكور، وإنما سوغها شبه الوصف بالفعل (¬1). وقال ابن جني (¬2): دل هذا على أن نون التوكيد ليست من خواص الفعل لدخولها على اسم الفاعل (¬3) وفيه نظر؛ لأن دخولها على اسم الفاعل لا يلتفت إليه لندورته وقلته، لا سيما الشاعر فإنه مضطر، ويرتكب أمورًا متعسفة فلا يبنى عليه حكم. الشاهد الثاني عشر (¬4) 12 / ق دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ (¬5) رَحِمْتِ مُتَيَّمًا ... ............................ أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: .............................. ... لولاكِ لَمْ يَكُ للصَّبَابَةِ جَانِحًا وهو من الكامل وفيه الإضمار. وقوله: "دامن" أصله دام من الدوام، ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ (¬6)، و"سعدك" خطاب لمحبوبته، و"المتيم" من تيمه الحب إذا عبده بالتشديد، و "الصبابة": المحبة والعشق، يقال: رجل صب إذا غلبه الهوى، و "الجانح" من جنح إذا مال، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] أي: وإن مالوا. ¬
الإعراب: قوله: "دامن" فعل، و"سعدك" كلام إضافي فاعله، وهي في الحقيقة جملة دعائية, قوله: "لو" للشرط، و"رحمت" جملة من الفعل والفاعل، والمفعول وهو "متيمًا" وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: لو رحمت متيمًا أدام الله سعدك، وأغنت عن ذلك الجملة المتقدمة. قوله: "لولاك" كلمة (لولا) لربط امتناع الثانية لوجود الأولى نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي: لولا زيد موجود، فإن وجود زيد هو الذي منعه الإكرام، وقد وليها ها هنا ضمير (¬1) وكان حقها أن يكون ضميررفع نحو: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31] , ولكن جاء قليلًا لولاك، ولولاي، ولولاه خلافًا للمبرد (¬2)، ثم عند الجمهور أنها جارة للضمير، وموضع المجرور رفع بالابتداء، والخبر محذوف، وقد سد مسده جواب لولا وهي الجملة التي بعده (¬3). وقال الخليل: لولا لا تجر، ولكنهم أنابوا الضمير الخفي عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا (¬4). قوله: "لم يك" جواب لولا وأصله: لم يكن فحذفت النون تخفيفًا (¬5) والضمير المستتر فيه العائد إلى المتيم هو اسم يكن، وقوله: "جانحًا" خبره، و "للصبابة" يتعلق به، والمعنى: لولا أنت موجودة لم يكن المتيم مائلًا للصبابة. الاستشهاد فيه: في قوله: "دامن" حيث دخلت فيه نون التوكيد وهو ماضٍ، ونون التوكيد من خواص الأمر والمضارع، وهو قليل شاذ (¬6). ¬
الشاهد الثالث عشر
الشاهد الثالث عشر (¬1) , (¬2) 13 / قه يَا لَيْتَ شِعْرِي منكم حنيفًا ... أَشَاهِرُنَّ بَعْدَنَا السُّيُوفَا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس. قوله: "شعري" بمعنى: علمي من الشعور، قال ابن فارس: شعرت بالشيء إذا فطنت له (¬3)، و "الحنيف" هو المسلم ها هنا، وله معان أخر: المختون والناسك، والمستقيم الطريقة، والمائل إلى الدين المستقيم، ويقال: فلان متحنف؛ أي: يتحرى أقوام بالطريق، وفلان يتحنف؛ أي: يذهب مذهب أبي حنيفة (¬4) - رضي الله عنه -, قوله: "أشاهرن" من شهر سيفه: انتضاه فرفعه؛ يعني: أبرزه من غمده. الإعراب: قوله: "يا ليت" كلمة (يا) في مثل هذا الموضع تكون لمجرد التنبيه لدخولها على ما لا يصلح للنداء (¬5)، وقد يقال: إنها على أصلها، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم ليت شعري "أي: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر، ونابت الياء في شعري عن اسم ليت الذي في قولك: ليتني، وأشعر: من الأفعال المتعدية، وقد يعلق فيقال: ليت شعري أزيد قام أم محمد؟ ومعنى التعليق إبطال عمله في اللفظ وإعماله في الموضع" (¬6)، فيكون موضع الاستفهام وما بعده نصبًا بالمصدر. قوله: "حنيفًا" نصب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله, قوله: "منكم" في محل النصب على أنها صفة لـ (حنيفًا)، والتقدير: ليتني أشعر حنيفًا كائنًا منكم. قوله: "أشاهرن" اسم فاعل دخلت عليه همزة الاستفهام ونون التوكيد، وهو في معنى المستقبل؛ لأن تقدير الكلام: ليتني أشعر حنيفًا مسلمًا منكم يشهر بعدنا السيوف، و "بعدنا" كلام إضافي نصب على الظرف، و "السيوفا" نصب بقوله: أشاهرن. ¬
الشاهد الرابع عشر
الاستشهاد فيه: في قوله: "أشاهرن" حيث دخلت فيه (¬1) نون التوكيد وهو اسم، وهي مختصة بالأمر والمضارع كما ذكرنا (¬2). الشاهد الرابع عشر (¬3) , (¬4) 14 / ق يَحْدُو بهَا كُلُّ فَتَى هَيَّاتٍ ... وَهُنَّ نَحْوَ البَيْتِ عَامِدَاتِ أقول: قائله راجز لم أقف على اسمه، وقبله: تَرْمِي الأماعيزُ بمَجْمَراتِ ... وأَرْجُلٍ رَوْحٍ مُحَنَّبَات وهي من الرجز المسدس. 1 - قوله: "ترمي الأماعيز" وهو جمع إمعاز، والإمعاز جمع معز؛ وهو المكان الصلب الكثير الحصى، وأرض معزى: بينة المعز، والأماعيز: جمع أمعوز أيضًا؛ وهو السرب من الطاء ما بين الثلاثين إلى الأربعين، و "مجمرات" بالجيم: جمع مجمرة بفتح الميم الثانية، وقال الفراء: يجوز الكسر، أي: قوى صلب (¬5)، و "أرجل" جمع رجل، و "روح" بفتح الراء وسكون الواو وفي آخره حاء مهملة، وهي سعة في الرجلين، وهو دون الفحج، إلا أن الأروح تتباعد صدور قدميه، ويتدانى عقباه، وكل نعامة روحاء. و"الفحج" بفتح الحاء وسكون الحاء المهملة وفي آخره جيم؛ مشية الأفحج، وهو الذي تدانى صدور قدميه ويتباعد عقباه و "محنبات" جمع محنبة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد النون وفتح الباء الموحدة. قال أبو عبيدة: المحنب: البعيد ما بين الرجلين من غير فحج، وهو مدح، وتحنب فلان أي: تقوس وانحنى (¬6)، وقال الأصمعي: التحنيب في الفرس: إعياء وتوتير في الصلب واليدين، فإذا كان ذلك في الرجلين فهو تجنيب بالجيم (¬7). 2 - قوله: "يحدو بها" أي: بالإبل؛ أي: يزجرها للمشي. قال ابن فارس: الحدو بالإبل: ¬
زجرها والغناء لها (¬1) , قوله: "هَيَّات" على وزن فعال بالتشديد، من هيت به إذا صاح به ودعاه وكذلك هوت به, قوله: "نحو البيت" أراد به الكعبة المشرفة, قوله؛ "عامدات" أي: قاصدات من عمد إذا قصد. الإعراب: قوله: "يحدو" فعل، و "بها" في محل النصب على المفعولية، "وكل فتى": كلام إضافي فاعله, قوله: "هيات" مجرور؛ لأنه صفة فتى، و "فتى" مجرور بالإضافة، والمعنى: يهيت بالإبل كل فتى صياح, قوله: "وهن" مبتدأ، و"نحو البيت" كلام إضافي في تقدير الرفع على الخبرية والتقدير: وهن كائنات نحو البيت، أو متوجهات نحوه. قوله: "عامدات" بالنصب حال، وقيل: تمييز، وفيه ما فيه (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "نحو البيت" فإن لفظة "نحو" ها هنا ظرف وهو يجيء لمعانٍ كثيرة: الأول: بمعنى إلى الظرف، وهو غير تقول: توجهت نحو الدار، أي: جهتها. الثاني: بمعنى القصد تقول: نحوت معروفه؛ أي: قصدته. والثالث: بمعنى الطريق، تقول: هذا نحو المدينة؛ أي: طريقها. الرابع: بمعنى مثل، تقول: هذا الطريق نحو ذاك؛ أي مثله. والخامس: بنو نحو قوم من العرب، ينسب إليهم النحوي. والسادس: نحو الكلام، وهو قصد القائل: أصول العربية ليتكلم بمثل ما تكلموا به، والنحو في اصطلاح القوم: معرفة كيفية كلام العرب وتصرفاتهم فيه، وما يستحق كل نوع منهم من الإعراب منه؛ كرفع الفاعل ونصب المفعول وجر الضاف، والنسبة إليه أيضًا نحوي، والفرق بينه وبين النسبة إلى بني نحو بالقرينة. والسابع: النحو يجيء بمعنى الإمالة، يقال: نحوت بصدري إذا أملته، وكذلك نحيته وأنحيته بمعنى أملته. والثامن: بمعنى القسم، يقال: هذا على أربعة أنحاء، أي: أربعة أقسام (¬3). ¬
شواهد المعرب والمبني
شواهد المعرب والمبني الشاهد الخامس عشر (¬1) , (¬2) 15 / ظهع فإما كرامٌ مُوسِرُونَ رأيتهم ... فَحَسْبِي مِن ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا أقول: قائله هو منظور بن سحيم الفقعسي، شاعر إسلامي (¬3)، وهو من قصيدة يقولها في امرأته، وأولها قوله (¬4): 1 - ذَهَبْتُ إلَى الشَّيطَانِ أَخْطُبُ بِنْتَهُ ... فَأَدْخَلَهَا مِنْ شِقْوَتِي فيِ حِبَالِيا 2 - فَأنْقَذَنِي مِنْهَا حِمَارِي وَجُبَّتِي ... جزى الله خيرًا جبتي وحِمَارِيَا 3 - ولستُ بهَاجٍ في القِرَى أهل منزل ... على زادِهِمْ أَبْكِي وأُبْكِي البواكِيا 4 - فإما كرامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتُهم ... فَحَسْبِي مِن ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا 5 - وإما كرامٌ مُعسِرُونَ عذرتهم ... وإمَّا لِئَامٌ فادَّخَرتُ حَيَائِيَا 6 - وعرضي أبقى ما ادخرت دخيرة ... وبطني أطويه كطي ردائيا ¬
وهي من الطويل وقافيته من المتدارك (¬1). قوله: "فأنقذني منها حماري وجبتي"، وقصته أنه حلق شعر رأس امرأته، فرفعته إلى الوالي فجلده واعتقله، وكان له حمار وجُبَّة، فدفعهما إلى الوالي فسرحه. قوله: "كرام": جمع كريم؛ كعجاف جمع عجيف, قوله: "رأيتهم" ويروى أتيتهم كما ذكرنا, قوله: "فحسبي" أي يكفيني, قوله: "من ذي عندهم" أي من الذي عندهم، أي: عند الكرام، والألف في كفانيا للإشباع. الإعراب: قوله: "فإما": "الفاء" للعطف، وإما للتفصيل (¬2)، وقوله: "كرام" مرفوع بفعل مضمر تقديره: فإما يقصد كرام موسرون، ويجوز أن يكون: كرام مبتدأ، وقد تخصص بالصفة وهي قوله: "موسرون"، وقوله: "رأيتهم" جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، وفي الوجه الأول على الوصفية. وقوله: "فحسبي" مبتدأ، وخبره قوله: "ما كفانيا" والجملة على جواب الشرط، فلذلك دخلتها الفاء، وذلك أن "إما" التفصيلية أجاز فيها الكوفيون أن تكون هي "إن" الشرطية (¬3). قوله: "من ذي عندهم" متعلق بقوله: "كفانيا"، و "ذي" بمعنى الذي، وعندهم صلة. الاستشهاد فيه: في قوله: "من ذي" حيث أعرب كإعراب ذي التي بمعنى الصاحب، ويجوز أن يقال: من ذو عندهم كما ذكرنا. ¬
الشاهد السادس عشر
الشاهد السادس عشر (¬1) , (¬2) 16 / ظقهع بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ فِي الكَرَمِ ... وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ أقول: قائله هو رؤبة (¬3)، وهو من الرجز المسدس. قوله: "بأبه اقتدى عدي" أراد به عدي بن حاتم الطائي، وهو صحابي جليل، وهو عدي بن حاتم بن عدي بن سعيد بن الحشرج بن امرئ لقيس بن عدي بن أخرم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن غوث بن طيء الطائي. وفد على النبي - عليه السلام - سنة تسع في شعبان، وقيل: سنة عشر فأسلم، وكان نصرانيًّا (¬4)، ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم على أبي بكر - رضي الله عنه - (¬5) في وقت الردة بصدقة قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وثبت قومه معه، وكان جوادًا شريفًا في قومه معظمًا عندهم وعند غيرهم، حاضر الجواب، شهد فتح العراق ووقعة القادسية ووقعة مهران، ويوم الجسر مع أبي عبيدة - رضي الله عنه - وغير ذلك. وكان مع خالد بن الوليد - رضي الله عنه - (¬6) لما سار إلى الشام، وشهد معه بعض الفتوح، توفي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة، قيل: مات بالكوفة أيام المختار (¬7)، وقيل: مات بِقَرقِيسْيَا، والأول أصح. وأما أبوه حاتم بن عدي فهو الموصوف بالجود الذي يضرب به المثل، وكان يكنى أبا سفانة، وكانت له مآثرُ وأمورٌ عجيبة مستغربة، ولكنه لم يقصد بها وجه اللَّه تعالى والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة. ¬
وأخرج البزار (¬1) في مسنده عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال ذُكر حاتم عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ذاك أراد أمرًا فأدركه" (¬2)، والمعنى أن عدي بن حاتم اقتدى بأبيه حاتم الطائي في الجود والكرم فمن يشابه أباه أو يحاكيه في صفاته فما ظلم في هذا الاقتداء؛ لأنه أتى بالصواب ووضع الشيء في محله، والظلم: وضع الشيء في غير محله. وهذا البيت نظم فيه الشاعر المثل الثائر: "مَن يُشَابِهْ أَبَهُ فَمَا ظَلَمْ" (¬3) واختلفوا في معنى "فما ظلم" في المثل، فقيل: فما وضع الشبه في غير موضعه، وقيل: فما ظلم أبوه حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، وقيل إنما الصواب: فما ظلمت، أي: فما ظلمت أمه، أي: لم تزن بدليل مجيء الولد مشابهًا أباه. قاله اللحياني، ويضعف هذين القولين أن اسم الشرط إذا كان مبتدأ فلا بد في الغالب من ضمير يعود من الجزاء إليه (¬4)، وهذا البيت يرد قول اللحياني. الإعراب: الباء في قوله: "بأبه" تتعلق بقوله: "اقتدى"، وكذا قوله: "في الكرم" قدم الظرف للاختصاص، أي: لم يقتد في الكرم إلا بأبيه. قوله. "ومن يشابه أبه"، كلمة (من) موصولة في محل الرفع على الابتداء بتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في خبره، وهو قوله: فما ظلم، وقوله: "أبه": منصوب بقوله: يشابه الذي هو صلة الموصول. فإن قلتَ: (فمن يشابه) قد روي بالفاء وبالواو، فما حكمهما؟ قلتُ: أما الواو فوجهه ظاهر، وأما الفاء فإن صح فوجهه أن يكون للتعليل (¬5). ¬
الشاهد السابع عشر
الاستشهاد فيه: هو أن الأب قد استعمل فيه في الموضعين بحذف اللام معربًا بالحركات، فهذا لغة بعض العرب (¬1)، وعلى هذه اللغة يقال في التثنية: أبان، وفي الجمع أبون، ولكن أكثر الاستعمال فيه أن يكون بالحروف، وقد يقال: إن الأصل أبيه وأباه فحذفت الياء والألف للضرورة (¬2). الشاهد السابع عشر (¬3) , (¬4) 17 / ظقه إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا أقول: قائله هو أبو النجم، قاله الجوهري (¬5)، ويقال: هو رؤبة بن العجاج وليس في ديوانه، وأنشد الجوهري (¬6): 1 - وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهًا ... هِيَ الْمُنَى لَوْ أَنّنَا نِلْنَاهَا 2 - يَا لَيتَ عَينَاهَا لَنَا وَفَاهَا ... بِثَمَنِ نرضي بِهِ أَبَاهَا 3 - إِن أَباها وَأَبا أَباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وأنشد أبو زيد في نوادره (¬7) عن المفضل الضبي (¬8) قال: أنشدني أبو الغول لبعض أهل اليمن: ¬
1 - أَيُّ قَلُوص رَاكِبٍ تَرَاهَا ... شالوا عَلَيهِنَّ فَشُلْ عَلاهَا (¬1) 2 - واشْدُدْ بِمَثْنَي حَقَبٍ حَقْوَاها ... نَاجِيَة وَنَاجِيًا أَبَاهَا 3 - إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها (¬2) وهي من الرجز، وفيه الخبن والقطع، والخبن هو حذف الثاني الساكن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد (¬3). 1 - قوله: "واهًا" كلمة يقولها المتعجب، قال الجوهري: إذا تَعَجَبتَ مِنْ طِيبِ الشَّيءِ قلتَ: وَاهًا له ما أَطْيَبَهُ (¬4)، وكذلك في التفجع وواه أيضًا, قوله: "لريا"، ويروى لليلى، وكلاهما اسم المحبوبة، وريا في الأصل مؤنث الريان الذي هو ضد العطشان، تقول؛ رجل ريان وامرأة ريا، وأصله من رويَ يَرْوَى من باب علم يعلم، ريا أصله: رويا قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء. فإن قلت: لم لا تقلب الياء في ريا واوًا؛ لأنهم يقلبون الياء واوًا في فعلى كما في: التقوى والثروى؟ قلت: إنما يفعلون ذلك في فعلى إذا كانت اسمًا كما في المثال المذكور، وإذا كانت صفة تركوها على أصلها، وقالوا: امرأة خزيا وريا، ولو كانت اسمًا. لقالوا: رَوَّى؛ لأنك كنت تبدل الألف واوًا موضع اللام، وتترك الواو التي هي عين الفعل على الأصل، والشاعر أخرجه على الصفة فلذلك قال: ريا، فافهم (¬5). 3 - قوله: "إن أباها"، أي إن أبا ريا المذكورة وَجَدَّها قد بلغا في المجد، وهو الكرم، ومنه المجيد وهو الكريم. يقال: مجد الرجل بضم الجيم فهو مجيد وماجد، قال ابن السكيت (¬6): الشرف والمجد يكونان بالآباء، يقال رجل شريف ماجد إذا كان له آباء متقدمون في الشرف، قال: والحسب والكرم يكونان في الرجل نفسه، وإن لم يكن له آباء لهم شرف (¬7)، وهذا التفسير على ما ذكره الجوهري من أن قبل البيت: واهًا لريا ثم واهًا واهًا. ¬
وأما على قول من قال: إنه في مدح قلوص كما ذكرنا يكون الضمير في قوله: "إن أباها" للقلوص أي: إن أبا القلوص المذكورة وأبا أباها قد بلغا في المجد؛ أي في شرف الأصالة غايتاها. 1 - [قوله: "فشل علاها" أي عليها، قال سيبويه -رحمه الله- ألف "علا" منقلبة من الواو؛ لأنها تقلب مع الضمير ياء، تقول: عليك، وبعض العرب يتركها على حالها (¬1)، قال الراجز: أي قلوص راكب إلى قوله: "شالوا علاها" ويقال: هي لغة بلحارث بن كعب (¬2) ويقال: طاروا علاهن فطر علاها ومعناهما واحد. يقال: شال يشول إذا ارتفع الأمر، شل بالضم، ويعدى بالهمزة وبالباء فيقال: أشلته وشلتُ به (¬3)، والمفعول محذوف تقديره: شالوا علاهن بأرجلهم فشل علاها برجلك. والمعنى: أن الركبان قد رفعوا أرجلهم على قلائصهم، فارفع أنت أيضًا رجليك على قلوصك، و "الحقب" بالتحريك؛ حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير مما يلي ذيله كي لا يجتذ به التصدير. 2 - قوله: "حقواها" أي: حقويها وهو تثنية حقو، وهو الخاصرة، ومشد الإزار, قوله: "ناجية" بالنون والجيم، قال الجوهري: والناجية والنجاة: الناقة السريعة تنجو بمن يركبها، والبعير ناج. قال الشاعر: ............................ ... ناجية وناجيا أباها (¬4) فإن قلت: (ناجية) منصوب بماذا؟ قلت: بمحذوف تقديره: أمدح ناجية، و "أباها" فاعل ناج، وجاء على لغة القصر، أو هو مبني على لغة النقص (¬5)، وحذفت النون للإضافة] (¬6). ¬
الإعراب: قوله: "لريا" اللام فيه متعلقة بمحذوف تقديره: أتعجب لها, قوله: "ثم واهًا" عطف على "واهًا" الأولى، وقوله: "واهًا" جميد لفظي, قوله: "وفاها" عطف على قوله: "عيناها" قوله: "بثمن" متعلق بقوله: "نُرضي" قوله: "أباها" كلام إضافي مفعول لنرضى, قوله: "إن أباها" إن حرف من الحروف المشبهة بالفعل وقوله: "أباها" اسمه، وقوله: "وأبا أباها" عطف عليه, قوله: "قد بلغا" خبره, قوله: "غايتاها"؛ في تقدير النصب على أنها مفعول بلغا، والضمير فيه رجع إلى رَيّا المذكورة فيما قبل البيت. الاستشهاد فيه: في موضعين: الأول: أنه استعمل الأب مقصورًا، وهو الذي أراده الشراح ها هنا (¬1). الثاني: فيه استعمال المثنى بالألف في حالة النصب وهو قوله: "غايتاها"، وكان القياس أن يقول: غايَتَيْها، فنسب الكسائي هذه اللغة إلى بلحارث وزبيد وخثعم وهمدان ونسبها أبو الخطاب (¬2) لكنانة، ونسبها بعضهم لبلعنبر، وبلجهيم وبطون من ربيعة (¬3)، وأنكره المبرد مطلقًا (¬4)، وهو مردود بنقل الأئمة أبي زيد وأبي الخطاب وأبي الحسن والكسائي ومما سمع من ذلك قوله: ضربت يداه، ويشهد لذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - (¬5) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مما صنع أبو جهل" (¬6)، فانطلق ابن مسعود (¬7) فوجده قد ضربه ابنا عفراء (¬8) ¬
الشاهد الثامن عشر
[حتى] (¬1) برد، فقال له: أنت أبا جهل؟ قال ابن علية: (¬2) قال سليم هكذا (¬3). قال أنس - رضي الله عنه -: وهو واضح، وهو مما روي بلفظه لا بمعناه (¬4) وهذا يؤيد ما روي عن الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - من قوله: "لا وَلَوْ رَمَاهُ بِأَبَا قُبَيْسٍ" حيث لم يقل بأبي قبيس، وأن هذه لغة صحيحة، وأنه ليس بخطأ؛ كما زعم بعض المتعصبين حتى لحنوا الإمام في ذلك بجهلهم وإفراطهم في تعصبهم، ومن شأن المسلم ومقتضى الإسلام أن لا يتكلم في حق إمام من هؤلاء الأئمة؛ ولا سيما الأئمة الأربعة؛ فإنهم من خواص الله تعالى وسرج دينه المتين. الشاهد الثامن عشر (¬5) , (¬6) 18 / ق ......................... ... يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي الْبَحْرِ فَمُهْ أقول: قائله هو رؤبة بنُ العَجَّاج وهو من قصيدة طويلة مرجزة، وأوَّلُهَا قوله: 1 - قلتُ لِزَيرٍ لم تَصْلهُ مريمه ... هل تعرف الرَّبعَ المحيل أرسُمُه 2 - عفت عوافيه وطال قدمه ... بل بلدٍ ملءِ الفِجَاج قَتَمُهْ 3 - لا يشترى كتانه وجَهْرَمُه ... يجتاب ضحضاح السراب أَكَمُهُ 4 - كالحوت لا يُرْويهِ شَيءٌ يَلهَمُهْ ... يُصْبحُ ظَمْآنٌ وَفِي الْبَحْر فَمُهْ 5 - من عطش لوّحه مُسْلَهْممُهْ ... والدهر أخنى لا يزال ألمه 6 - يثلم أركان الشداد ثلمه ... أفنى قرونًا وهْوَ باق أزْلَمُهْ 7 - بذاك باذت عاده وإرمه ... ......................... 1 - قوله: "لزيرٍ" بكسر الزاي المعجمة؛ وهو الذي يكثر زيارة النساء وخلطتهن. 2 - [قوله: "قتمه" أي: غباره] (¬7). ¬
3 - قوله: "كتانه" قال ابن يسعون (¬1): الكتان هنا: السبائب، قلت: هو جمع سبيبة. قال الجوهري: السِّبُّ: شَقَّةُ كِتَّان رَقِيقَةٌ وكذلك السَّبيبَةُ (¬2) , قوله: "جهرمه" أصله جهرميته، أراد: الثياب الجهرمية، أي المنسوبة إلى جهرم قرية بفارس (¬3)، قال ابن يسعون: الجهرمية: بسط شعر تنسب إلى جهرم، وقال أبو حاتم (¬4) والزيادي (¬5): الجهرم: البساط من الشعر، والجمع: الجهارم، قلت: فَعَلَى هذا ليس فيه نسب ولا تأويل حذف المضاف، وقال صاحب العين (¬6): جعل الجهرم اسمًا بإخراج ياء النسب منه (¬7)، وأراد رؤبة بذلك السراب، وبذلك قال لا يشترى, قوله: "يجتاب" أي: يلبس، و"الضحضاح": ماء قريب القعر. 4 - قوله: "يلهمه"؛ أي: يبتلعه من اللهَّام، فَعَّال من لهمت الشيء ألهمه إذا ابتلعته، ومنه سمي الجيش لهّامًا. قوله: "ظمآن" أي: عطشان، وكذلك وقع في بعض المواضع. 5 - قوله: "مسْلهممه"، قال الجوهري: الْمُسْلَهِمُّ: المُتَغَيِّرُ في جِسْمِهِ وَلَوْنِهِ، وقد اسْلَهَمَّ لونُه اسْلِهْمَامًا، وَسِلْهِمُ حيٌّ من مذحج بكسر السين (¬8). قوله: "أخنى" بالخاء المعجمة، يقال: أخنى عليه الدهر، أي: أتى عليه وأهلكه، ومعناه ها هنا: شديد، ويقال: معوج لا يستقيم. 6 - قوله: "أزلمه" بالزاي المعجمة؛ وهو الدهر, قوله: "بادت" أي: أهلكت. الإعراب: قوله: "يصبح" فعل من الأفعال الناقصة، واسمه هو الضمير المستتر فيه، وخبره قوله: "ظمآن" ومُنِعَ "ظمآن" من الصرف للوصف، والألف والنون المزيدتين, قوله: "وفي البحر فمه" جمله اسمية وقعت حالًا. ¬
الشاهد التاسع عشر
الاستشهاد فيه: في قوله: "فَمُه" حيث أثبت الشاعر الميم فيه حالة الإضافة، وليس ذلك للضرورة خلافًا لأبي علي -رحمه الله - (¬1). الشاهد التاسع عشر (¬2) , (¬3) 19 / هـ طَال لَيْلِي وَبِتُّ بالْمَجْنُونِ ... واعْتَرَتْني الهَمُومُ بالْمَاطرونِ أقول: قائله هو أبو دهبل الخزاعي، واسمه: وهب بن وهب بن زمعة بن أسيد -بكسر الهمزة- بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي الشاعر المجيد المحسن المداح. وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله: 1 - طال ليلي وبت بالمجنون ... .............................. وبعده (¬4): 2 - صاحِ حيَّا الإلهُ حيًّا ودورا ... عند أصْلِ القَنَاة من جَيْرُونِ 3 - عن يساري إذا دخلتُ إلى الدَّا ... رِ وَإنْ كنت خارجًا فَيَمينِي 4 - فلتلك اغْتَربْتُ بالشَّام حتى ... ظَنَّ أَهلي مُرجّمَات الظُنُونِ 5 - وَهيَ زَهراءُ مِثلُ لُؤلُؤَةِ الغَوّ ... اصِ ميزَت من جَوهَر مَكنونِ 6 - وإذا ما نَسَبتَها لم تَجدْهَا ... في سَناءٍ من المكارِم دُونِ 7 - تجعل المسك واليلنجوحَ والنَّـ ... ـدَّ صَلاءً لها على الكانُونِ 8 - ثم خَاصَرْتُها إلى القُبَّةِ الخضـ ... ـراء تمشي في مَرْمَرٍ مَسْنُونِ 9 - قبةٌ من مراجل ضربتْها ... عند حَدّ الشتاء في قَيْطُون 10 - ثم فَارَقْتُهَا على خير ما كا ... ن قرينٌ مفارقًا لقرين ¬
11 - فَبَكَتْ خَشْيَةَ التَّفَرُّقِ للبَيْـ ... ــــنِ بكاءَ الحزِينِ إثر الحزين 12 - ليت شِعْرِي أَمِنْ هَوًى طَارَ نَوْمِي ... أم بَرَانِي رَبِّي قَصِيرَ الجُفُونِ وسبب ذلك: أن أبا دهبل شبب بعاتكة بنت معاوية حين حجت، ورجع معها إلى الشام فمرض بها وقال ذلك. ويقال: إن يزيد (¬1) قال لأبيه معاوية: إن أبا دهبل ذكر رملة ابنتك فاقتله، فقال: أي شيء قال: قال: وهي زهراء مثل لؤلؤة الغوّ ... اص ميزت من جوهر مكنون قال معاوية: - رضي الله عنه -[أحسن، قال] (¬2) فقد قال: وإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناء من المكارم دوني قال: صدق، فقد قال: ثم خاصرتها إلى القبة الخضـ ... ــــراء تمشي في مرمر مسنون فقال معاوية: كذب. وقال ثعلب (¬3): حدثنا الزبير (¬4) قال: حدثني مصعب (¬5) قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبد الله (¬6) قال: خرج أبو دهبل يريد الغزو، وكان رجلًا صالحًا جميلًا، فلما كان بجيرون جاءته امرأة فأعطه كتابًا فقالت: اقرأ لي هذا الكتاب فقرأه لها، ثم ذهبت فدخلت قصرًا ثم خرجت إليه فقالت: لو تبلغت معي إلى هذا القصر، فقرأت الكتاب على امرأة فيه كان لك في ذلك أجر - إن شاء اللَّه تعالى؛ فإنه أتاها من غائب يَعْنِيهَا أمْرهُ، فبلغ معها القصر، فلما دخله فإذا فيه ¬
جوارٍ كثيرة فأغلقن عليه القصْر، وإذا امرأة وضيئة دعته إلى نفسه فأبى فحبس وضيق عليه حتى كاد يموت، ثم دعته إلى نفسها، فقال: أما الحرام فو الله لا يكون ذلك، ولكن أتزوجك فتزوجته، وأقام معها زمانًا طويلًا لا يخرج من القصر حتى يئس منه، وتزوج بنوه وبناته واقتسموا ماله، وأقامت زوجته تبكي عليه حَتَّى عَمِيَت (¬1) ثم إن أبا دهبل قال لامرأته: إنك قد أثمت فِيَّ وفي أهلي وولدي فأذَنِي لي في المسير (¬2) إليهم وأعود إليك، فأخَذَتْ عليه العهود أن لا يقيم إلا سنة، فخرج من عندها وقد أعطته مالًا كثيرًا حتى قدم على أهله فرأى حال زوجته وما صارت إليه من الضر، فقال لأولاده: أنتم قد ورثتموني وأنا حَيُّ وهو حظكم، والله لا يشرك زوجتي فيما قَدِمْتُ به أحد، فتَسَلَّمَتْ جميع ما أتى به، ثم إنه اشتاق إلى زوجته الشامية وأراد الخروج إليها فبلغَه موتُها، فأقام وقال: طال ليلي وبت كالمجنون ... .......................... إلخ ويقال هذه القصيدة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنهما - وذهب إليه الجوهري وغيره (¬3)، وقال ابن بَرِّي: والصحيح أنها لأبي دهبل الجمحي، والدليل عليه الحكاية المذكورة (¬4). وهي من الخفيف وهو من الدائرة الرابعة المسماة بالمشتبه وهي تشتمل على السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث (¬5)، وأصله في الدائرة فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن مرتين، وفيه الخبن والتشعيث [فالخبن في قوله "وبت بال" والتشعيث] (¬6) فإنه مفعولن وهو مشعث، وهو إسقاط أحد متحركي الوتد فيصير: فاعاتن (¬7)، أو فالاتن، فيرد إلى مفعولن. 2 - قوله: "صاح" أصله يا صاحبي، و "جيرون" [بفتح الجيم] (¬8) وسكون الياء آخر الحروف، وقال الجوهري: الجيرون: باب من أبواب دمشق (¬9). ¬
4 - قوله: "مرجمات الظنون" من الترجيم، والرجم أن يتكلم الرجل بالظن. قال الله تعالى: {رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22]، قال الجوهري: ومنه الحَدِيثُ المُرَجَّمُ بالتشديد (¬1). 7 - قوله: "اليلنجوج" بفتح الياء آخر الحروف واللام وسكون النون وبجيمين بينهما واو ساكنة؛ وهو عود يُتَّبَخّرُ به، وكذلك: يلنجج وألنجج وهو يَفَنْعِل وأفَنْعَل، و "النَّدَّ" بفتح النون وتشديد الدال المهملة، وهو نوع من الطيب وليس بعربي, قوله: "صِلاء" بكسر الصاد وبالمد؛ صلاء النار. 8 - قوله: "ثم خَاصَرْتُها" من خاصَر الرجلُ صاحَبه إذا أخذ بِيَدِه في المشي، ومادته: خاء معجمة وصاد مهملة. [وراء مهملة] (¬2) , قوله: "مسنون" أي: أملس. 9 - و: "المراجل" جمع مرجل وهو القدر النحاس. 1 - قوله: "بالمجنون" ويروى: كالمجنون، ويروى: كالمحزون، فالأولان من الجِنَّة وهو الجنون والمعنى: بت بالجِنة، ويجيء المصدر على وزن مفعول، كما في قوله تعالى: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أي الفتنة، والثالث من الحزن وهو الهم. قوله: "واعترتني" من عراه هذا الأمر إذا غَشِيَه, قوله: "بالماطِرُون" بالميم والطاء المهملة وضم الراء، وهو اسم موضع، وقال أبو الحسن القفطي (¬3): الماطرون: بستان بظاهر دمشق، وقال الجوهري: الناطرون موضع بناحية الشام، وذكره بالنون موضع الميم (¬4)، وفي شرح كتاب سيبويه: الماطرون بالميم وطاء مفتوحة، والمشهور أن الماطرون بالميم وكسر الطاء (¬5). ¬
الإعراب: قوله: "طال" فعل ماض و "لَيْلِي" كلام إضافي فاعله, قوله: "وَبِتُّ بالمجنون" جملة وقعت حالًا، وقد عُلِمَ أن الحال إذا كانت مصدرة بفعل ماضٍ فهي على سبعة أضرب منها: أن تكون مقرونة بالواو، وحدها كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168] وقوله: "وبت بالمجنون" من هذا القبيل (¬1). قوله: "واعترتني الهموم" جملة من الفعل والمفعول والفاعل، وهو الهموم، وهي معطوفة على الجملة الأولى. قوله: "بالماطرون" متعلق بقوله: "واعترتني" والباء فيها ظرفية أي: فيها. الاستشهاد فيه: قوله: [بالماطرون فإنه] (¬2) جمع مسمًّى به، وفي الجمع المسمى به أربعة أوجه (¬3): وجهان فصيحان ووجهان ضعيفان، وأفصح الفصيحين الحكاية؛ كما في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين: 19، 18]. والثاني من الفصيحين: التزام الياء وإعرابه بالحركات؛ كما في قوله تعالى: {وَلَا طَعَامٌ إلا مِنْ غِسْلِينٍ} [الحاقة: 36]. وأضعف الضعيفين: التزام الواو وفتح النون على حكاية حالي الرفع التي هي أشرف أحوال الاسم، وعلى ذلك قولهم: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان، وقراءة بعضهم: (تبت يدا أبو لهب) (¬4)، وقوله: "بالماطرون". وأسهلهما: التزام الواو والإعراب بالحركات تشبيهًا لها بالزيتون ونحوه من الأسماء المفردة التي آخرها واو ونون. ¬
الشاهد العشرون
الشاهد العشرون (¬1)، (¬2) وَلَهَا بِالْمَاطِرُون إذا ... أكلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا أقول: قائله هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأُمَويّ، وهو من قصيدة عَينيَّةٍ يتغزل بها يزيد بن معاوية في نصرانية كانت قد ترهبت في "دير خَراب" عند الماطرون، وهو بُستَانٌ بظاهر دمشق، ويسمى اليوم (المنطور)، وأولها (¬3): 1 - آَبَ هَذَا اللَّيلُ فَاكْتَنَعَا ... وَأُمِرَّ النومُ فَامْتَنَعَا 2 - رَاعِيًا للنَّجْم أَرقُبُهُ ... فإذا ما كوكبٌ طَلَعَا 3 - حَال حَتَّى إنَّنِي لأَرَى ... أَنَّهُ بالفَوْر قَدْ رَجَعَا 4 - وَلَهَا بِالْمَاطِرُون إذا ... أكلَ النَّملُ الَّذِي جَمَعَا 5 - خُرفةٌ حِتَى إذا ارتبَعْتْ ... سكنت من جِلَّق بِيَعا 6 - في قِبَاب حَوْلَ دَسْكِرة ... حَوْلَهَا الزيتونُ قَدْ يَنَعَا وهو من الرمل، وهو من الدائرة الثالثة المسماة بدائرة المجتلب، وهي تشتمل على الهزج والرمل والرجز (¬4)، وأصله في الدائرة "فاعلاتن" ست مرات، وفيه الخبن والحذف فإن قوله: "ولها بال" فعلاتن مخبون، وقوله: "ماطرو" فاعلن محذوف؛ وقوله: "ن إذا" فعلن مخبون محذوف وكذا الشطر الثَّاني. 1 - قوله: "آب" أي: رجع، قوله: "فاكتنعا" أي: قرب؛ من كنع الأمر إذا قرب، ومادته كاف ونون وعين مهملة. 5 - وقوله: "خرفة" قال الخطابي (¬5): الخرفة تقع على كل ما يُجْتَنَى من النبات والثمار ¬
وغيرها، وقال ابن القوطية (¬1): الرّواية هي: الخلفة باللام وهو ما يطلع من الثمر بعد الثمر الطيب والخرفة: ما يخترف من الثمر؛ أي: يجتنى، قوله: "ارتبعت" من ارتبع البعير إذا أكل الرَّبيع، وارتبعنا في موضع كذا؛ أي أقمنا به في الربيع، قوله: "من جلق" بكسر الجيم وتشديد اللام وفي آخره قاف؛ وهو موضع بالشام، وسوق الجلق بدمشق مشهور، قوله: "بيعا" بكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف، وهو جمع بيعة. قال الجوهري: البيعة بالكسر للنصارى، قلت: البيعة لليهود، والكنيسة للنصارى (¬2). 6 - قوله: "في قباب" بكسر القاف؛ جمع قبة، و "الدَّسكرة" بفتح الدال؛ بناء على هيئة القصر فيه منازل وبيوت للخدم والحشم، وليست بعربية محضة، قوله: "ينعا" بفتح الياء آخر الحروف ثم النون من: ينع الثمر يينع من باب: ضرب يضرب ينعًا ويُنعا وينوعًا إذا نضج وكذلك أينع. الإعراب: قوله: "ولها" الضمير يرجع إلى النصرانية التي يتغَزَّل بها الشاعر، وهو في محل الرفع على أنَّه خبر مبتدأ مذكور في البيت الذي يليه، وهو قوله: "خرفة". قوله: "بالماطرون"؛ أي: في الماطرون، والباء ظرفية ومحلها الرفع؛ لأنها صفة لخرفة، والتقدير: خرفة كائنة بالماطرون لها (¬3)، قوله: "إذا" للوقت، والتقديرُ: لها خرفة وقت أكل النمل الذي جمعه، وأراد به أيَّام الشتاء؛ فإن النمل يخزن ما يجمعه تحت الأرض ليأكله أيَّام الشتاء لأنها لا تخرج أيَّام الشتاء على وجه الأرض. قوله: "النَّمل" فاعل أكل، و "الذي" موصول و "جمعا" صلته، والموصوف والعائد محذوفان، تقديره: الشيء الذي جمعه، والألف للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالماطرون" حيث نزل منزلة الزيتون في إلزامه الواو وإعرابه بالحروف، وقد مر ¬
الشاهد الحادي والعشرون
تحقيق الكلام فيه في البيت السابق (¬1). الشاهد الحادي والعشرون (¬2)، (¬3) ........................ ... خَالطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا أقول: قائله هو العجاج والدُ رُؤبة، وهو من قصيدته المرجوزة الطويلة التي ذكرنا عدة أبيات عند قوله (¬4): 1 - مِن طَلَل أمَسَى يُحَاكِي المُصْحَفَا ... رُسُومَه والمذهب المزخرفا إلى أن قال: 2 - فعمها حولين ثم استودفا ... صهباء خرطومًا عقارًا قرقفَا 3 - فشن في الإبريق منها نُزَفا ... من رصف نازع سيلًا رصفا 4 - حتَّى تناهى في صهاريج الصفا ... ....................... قوله: "خالط" من المخالطة، و "سلمى" اسم امرأة، و "الخياشيم" جمع خيشوم وهو الأنف، قوله: "وفا" أي: وفمها، يصف الراجز عذوبة ريقها؛ كأنه عقار خالط خياشيمها وفاها، وأصل الفم فوه؛ لقولك في الجمع أفواه، فحذفت منه الهاء وأبدل من الواو ميم ليصح تحريكها في الإعراب، فإذا أضفته رددته إلى الأصل فقلت: أفوه وفاه وفيه، ولا يستعمل هكذا إلَّا مضافًا (¬5) وأمَّا قول العجاج: "وفا" بدون الإضافة فإنَّه حذف المضاف إليه للعلم به (¬6). وقال أبو علي في التذكرة: الألف في "فا" عين الفعل وليست بدلًا من التنوين (¬7)، وفي شرح كتاب سيبويه: حكم ألف "فا" أن تكون بدلًا من التنوين، والمنقلبة من العين سقطت لالتقاء الساكنين؛ لأنَّه الساكن الأول، وبقي الاسم على حرف واحد وجاز هذا في الشعر للضرورة. ¬
الشاهد الثاني والعشرون
الإعراب: قوله: "خالط": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الذي يرجع إلى العقار، وقوله: "خياشيم": مفعوله، وقوله: "وفا" عطف عليه، والتقديرُ: خياشيمها وفاها، وقوله: "من سلمى": بيان لصاحب الخياشيم والفم. الاستشهاد فيه: أن أصل "فا" فاها؛ أي: فمها كما ذكرنا وقال محمد بن يزيد: كثير من النَّاس نسبوا العجاج فيه إلى اللحن، وهو ليس عندي بِلاحِنٍ؛ لأنَّه حيث اضطر أتى به في قافية لا يلحقه تنوين، ومن كان سرى تنوين القوافي لم ينون هذا (¬1)، وقال شارح الكتاب: القول فيه أنَّه أجراه في الإفراد مجراه في الإضافة للضرورة. الشاهد الثاني والعشرون (¬2)، (¬3) والله أسماكِ سُمًا مُبَارَكًا ... آثَرَك الله بهِ إيثاركا أقول: قائله أبو خالد القناني (¬4) الراجز، والقناني بالقاف والنون نسبة إلى قنان بن سلمة، وهو في مذحج من قولهم: قن في الجبل إذا صار في قَنَّتِهِ. وهو من الرجز المسدس وفيه الطي والخبن. قوله: "أسماك" بمعنى سماك، ويروى: والله سَمَّاك، قوله: "سُمًا" بضم السِّين على وزن هُدًى. قوله: "آثرك الله"؛ أي: اختصك الله به؛ أي: بالاسم المبارك. قال ابن جني في شرح إصلاح المنطق (¬5) قوله: "آثرك الله إيثارك"؛ أي: آثرك بالتسمية الفاضلة كما آثرك بالفضل وقيل: إيثارك للمعالي وللذكر الحسن. ¬
الشاهد الثالث والعشرون
الإعراب: قوله: "والله" مبتدأ، و "أسماك" جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره، قوله: "سمًا" مفعول ثانٍ لأسماك، و "مباركًا" صفته، قوله: "آثرك الله" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وبه يتعلق بآثرك، والضمير يرجع إلى "سما". قوله: "إيثاركا" نصب بنزع الخافض؛ أي: كإيثاركا، والمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوي ذكر الفاعل، والتقدير: آثرك الله بالاسم المبارك كإيثاره إياك. فإن قيل: "آثرك الله" ما وجه ارتباطها بما قبلها؟ قلت: هي جملة كاشفة معنى المبارك، فلذلك تكون كالصفة، ولهذا ترك العاطف. الاستشهاد فيه: في قوله: "سمًا" فإنَّه استشهد به من يحكي اللغة الخامسة في الاسم، وذلك لأنهم نقلوا خمس لغات: اسم -بكسر الهمزة وهو أشهرها، واسم بضمها، وسِمٌ بكسر السِّين، وسُم بضمها، واللغة الخامسة هي: سُمًى على وزن هدًى (¬1)، حكاها من يستشهد بالبيت المذكور (¬2)، ولكن لا يتم به دعواه؛ لاحتمال أن يكون هذا على لغة من قال: "سُم" بضم السِّين ثم نصبه مفعولًا ثانيًا لأسماك كما قلنا (¬3). وفي شرح كتاب سيبويه أنَّه قد يكون (سمًا) في البيت غير المقصود سيكون ألفه ألف التنوين بدليل رواية: سِمًا فيه بالكسر. الشاهد الثالث والعشرون (¬4)، (¬5) وَكَانَ لَنَا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ ... أبًا برًّا ونحنُ لَهُ بنينُ أقول: قائله هو أحد أولاد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. ¬
الشاهد الرابع والعشرون
وهو من الوافر، وعروضه وضربه مقطوفان وأراد بأبي الحسن علي بن أبي طالب ... رضي الله تعالى عنه. الإعراب: و"كان" من الأفعال الناقصة، و "أبو حسن" اسمه، و "أبًا" خبره، وقوله: "لنا" نعت لـ (أبًا) فلما تقدم عليه صار حالًا و "برًّا" صفة لـ (أبًا)، وقوله: "علي" عطف بيان وهو من عطف الاسم على الكنية؛ كقوله: أبو حفص عمر. قوله: "ونحن" مبتدأ، وقوله "بنين" خبره، والمعنى: بنين أبرار، فحذف الصفة لفهم المعنى، ولولا هذا لم يكن له فائدة؛ لأنَّه معلوم من الأول. قوله: "له" في محل الرفع صفة لبنين، والتقديرُ: ونحن بنون كائنون له؛ أي لأبي الحسن. الاستشهاد فيه: في قوله: "بنين" حيث أجراه الشاعر مجرى غسلين، فأجرى الإعراب على النون حيث رفعها؛ لأنها خبر عن قوله ونحن، والقياس: له بنون (¬1). الشاهد الرابع والعشرون (¬2)، (¬3) كِلاهُمَا حِينَ جَدَّ الْجَريُ بَينَهُمَا ... قَدْ أَقْلَعَا وكِلا أَنْفَيهمَا رَابِي أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه فيما مضى، وبعده (¬4): 2 - مَا بَالُ لَوْمَكَهَا إِذْ جِئْتَ تَعْتُلها ... حين اقتحمتَ بها أُسْكفَّة البَابِ وهما من البسيط وقافيته من المتواتر (¬5)، وقد دخله الخبن والقطع. قوله: "كلاهما" يعني: كلا الفرسين، قوله: "حين جد الجري"؛ أي: حين اشتد الجري وقوي لين الفرسين المذكورتين وهذا من الإسناد المجازي (¬6)، وأصله: جدًّا في الجري؛ أي: اجتهدا فيه. ¬
قوله: "قد أقلعا" أي قد كفا عنه، يقال: أقلع عن كذا إذا كف عنه وامتنع، قوله: "رابي" اسم فاعل من ربا يربو ربوًا وهو النَّفَسُ العالي، يقال: ربا إذا أخذه الربو، وَرَبا الْفَرَسُ إذا انتفخ من عدو أو فزع، قال بشر بن أبي حازم (¬1): كَأَنَّ حَفِيفَ منْخَرِه إِذَا مَا ... كَتَمنَ الرَّبْوَ كِيرٌ مُستَعار (¬2) وهو من الوافر، والربو في الأصل الزيادة، ومنه: الربا لأن فيه فضلًا، وقال الفراء في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً} [الحاقة: 10] أي: زائدة (¬3). قوله: "تعتلها" من عَتَلَهُ إذا حمله حملًا عَنِيفًا، وقال ابن دريد: إذا جَذَبَهُ جَذْبًا عَنِيفًا (¬4)، وقال صاحب العين: إذا أخذ بتلبيبه فجرَّ وذهب به (¬5)، ومنه قوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان: 47]. قوله: "اقْتَحَمتَ بِهَا" من اقْتَحَمَ المنْزِلَ إِذَا هَجَمَهُ، و "أُسكفَّة" بضم الهمزة وتشديد الفاء؛ العتبة السفلى. الإعراب: قوله: "كلاهما" مبتدأ، وخبره قوله: "قد أقلعا" وهو العامل في قوله: حين جد الجري، و "الجري" بمعنى الجريان يجوز أن يكون مرفوعًا بقوله: "جد" الذي هو فعل ماض من جد يَجُد من باب نصر ينصر، ويجوز أن يكون مجرورًا بالإضافة على أن يكون الجد مصدرًا، والعامل [في] (¬6) بينهما هو قوله: "جَدَّ" في الحالتين. قوله: "وكلا أنفيهما" كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "رابي" خبره، والجملة حالية. ¬
الشاهد الخامس والعشرون
الاستشهاد فيه: في موضعين: الأول: أنَّه اعتبر معنى (كلا) وثنى الخبر؛ حيث قال: "أقلعا". الثَّاني: أنَّه اعتبر لفظ "كلا" ووحد الخبر حيث قال: "رابي". ويقال: فيه استشهاد آخر حيث قال: "أنفيهما" ولم يقل آنافهما على الأفصح مثل قوله تعالى: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. قلت: فيه نظر من وجهين: الأول: أنَّه لو قال آنافهما لخرج الكلام عن الوزن. والثاني: أنَّه ذكر على الأصل؛ لأنَّ الفرسين ليس لهما إلَّا أنفان، وذكر الآناف وإرادة الأنفين مجاز، والأصل ترك المجاز إلَّا لنكتة، فافهم (¬1). الشاهد الخامس والعشرون (¬2)، (¬3) في كِلْتَ رِجلَيهَا سُلامَى وَاحِدَهْ ... .......................... أقول: قائله راجز من الرجاز لم أقف على اسمه، وتمامه: ......................... ... كِلْتاهُمَا مَقْرُونَةٌ بزَائِدَهُ وهو من الرجز المسدس. قوله: "في كلتا رجليها"؛ أي: "في أحد رِجلَيهَا سُلامَى"، بضم السِّين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم؛ وهي واحدة السلاميات، وهي العظام التي تكون بين مفصلين من مفاصل الأصابع في اليد والرجل. الإعراب: قوله: "سُلامى" مبتدأ و "واحده" صفَتُه، وخبره قوله: "في كلتا رجليها". ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "في كلت" استدل به البغداديون أن "كلت" تجيء للواحدة، وكلتا للمثناة (¬1)، ويقال: أراد الشاعر في كلتا رجليها، فحذف الألف في "كلتا" كما قال الشاعر (¬2): دَرَسَ المَنَا بمُتَالِعَ فَأبَان ... .................. (¬3) أراد المنازل فحذف بعض الكلمة وهو شاذ نادر، و "متالع وَأبان" جبلان، وتحقيق هذا الموضوع أن "كلا" في تأكيد الاثنين نظير "كل" في المجموع، وأنه اسم مفرد غير مثنى. وقال الفراء: هو اسم مثنى مأخوذ من "كل" فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية، وكذلك كلتا للمؤنث، ولا يكونان إلَّا مضافين، ولا يتكلم منهما بواحد، ولو تكلم به لقيل: كل، وكلت، وكلان، وكلتان، واحتج الفراء بالبيت المذكور أنها تجيء للواحد. وهذا القول ضعيف عند البصريين؛ لأنَّه لو كان مثنى لوجب أن ينقلب ألفه في النصب والجر ياءً مع الاسم الظاهر، ولأن معنى كلا [مخالف لمعنى كل؛ لأنَّ كلا] (¬4) للإحاطة، وكذا يدل على شيء مخصوص. وأمَّا البيت فإن شاعرهُ قد حذف الألف للضرورة، وقدر أنها زائدة، فلا يجوز الاحتجاج به، فثبت أن "كلا" اسم مفرد كمعًى، إلَّا أنَّه وضع ليدل على التثنية؛ كما أن قولهم: "نحن" اسم مفرد يدل على الاثنين فما فوقهما (¬5). ¬
الشاهد السادس والعشرون
وأما "كلتا" فقد قال سيبويه: إن ألفها للتأنيث، والتاء بدل من لام الفعل وهي واو، والأصل: كِلوا، وإنما أبدلت تاء؛ لأنَّ في التاء علم التأنيث، وقد تصير هذه الألف تاءً مع المضمر فيخرج عن علم التأنيث فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث (¬1). وقال الجرمي: التاء ملحقة والألف لام الفعل، وتقديرها عنده: فعتل، وليس الأمر كذلك؛ إذ لو كان كذلك لقالوا في النسبة إليها كلتوي، فلما قالوا: كلوي وأسقطوا التاء دل [على] (¬2) أنهم أجروها مُجْرَى التاء التي في أخت إذا نَسَبتَ إليها قلت: أخوي (¬3). الشاهد السادس والعشرون (¬4)، (¬5) تلاعب الريح بالعصرين قسطله ... والوابلون وتهتان التجاويد أقول: قائله هو أبو صخر (¬6) واسمه عبد الله بن مسلم السهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأمويَّة، وكان مواليًا لبني أميَّة متعصبًا لهم، وحبسه ابن الزُّبير (¬7) - رضي الله [تعالى] (¬8) عنهما - إلى أن قتل، وهو من قصيدة دالية أولها: 1 - عَرَفْتُ بن هنْدَ أطلالًا بِذِي التُّودِ ... قَفْرًا وَجَاراتِها البِيضِ الرَّخاويد 2 - وَحشًا سِوَى زَجَل القُمريّ كُلِّ ضُحَى ... والمطفِلاتِ وَفُرَّاد مَوَاحِيدِ 3 - وَغَيرَ أشعثٍ قَد بَلَّ الزَّمَانُ بِهِ ... مُقَلَّدٍ في حَديدِ التقريب مَوتُودِ 4 - يَرمِي بِدِق رَغَام الترب مصطبرًا ... والجلِّ كُلَّ غَدَاة من حَصَا البيدٍ 5 - وَصَفَّ أَحْدَبَ شقَّته وليدتُهَا ... تُبَادِرُ السَّيلَ بالمسحَاة مَخْدُودِ ¬
6 - وغيرَ وتْرٍ ظُؤَار حَوْلَ مُلتَبدٍ ... هَابي الرّوَاكد من دَفَع الذَّكَا سُودِ 7 - مَحَا مَغَانيهُ جَولانُ منتَخلٍ ... يَشتنُّ ريعانه بالموزِ مطرود 8 - تلاعب الريح بالعصرين قَسطَلَه ... والوابلون وتهتانُ التَّجاويد وهو من البسيط وفيه الخبن. 1 - قوله: "أطلالًا": جمع طلل؛ وهو ما شخص من آثار الدار، قوله: "بذي التود" بضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو وفي آخره دال مهملة؛ وهو شجر، وذو التود: موضع سمي بهذا الشجر، ويروى بذي البيد بكسر الباء الموحدة. قوله: "وجاراتها"؛ أي: وجارات هند، وهو جمع جارة، و "البيض" بكسر الباء الموحدة جمع بيضاء، و "الرخاويد": جمع رِخْوَدّة بالخاء المعجمة، ومعناها: الرخصة الناعمة. 2 - قوله: "والمطفلات" جمع مطفل، وهي الظبية معها (¬1) طفلها، وهي قريبة عهد بالنتاج، وكذلك الناقة، والقياس في جمع مطفل: مطافيل (¬2)، "فُرَّاد" بضم الفاء وتشديد الراء جمع فارد، بمعنى منفرد، و "المواحيد" جمع ميحاد، والميحاد من الواحد كالمعشار من العشرة. 3 - قوله: "وغير أشعث" بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وفي آخره ثاء مثلثة؛ وهو الوتد، ولهذا وصفه بقوله: موتود، وهو من وتدت الوتد إذا دققته في الأرض، قوله: "قد بل الزمان به"؛ أي: ظفر الزمان به، يقال: بللت برجل صدق؛ أي: ظفرت به. 4 - قوله: "بِدقّ رَغَام التراب"؛ أي: بدقاقه، والرغام -بفتح الراء والغين المعجمة-: التُّراب، وصحت إضافته إلى التُّراب لاختلاف اللفظين، والجل بكسر الجيم وتشديد اللام؛ ¬
جلال التُّراب، والبيد بكسر الباء جمع بيداء. 5 - قوله: "مخدود" بالخاء المعجمة؛ أي محفور. 6 - قوله: "ظؤار" بضم الظاء المعجمة وفتح الهمزة وفي آخره راء؛ وهي الأثافي، سميت بذلك لتعطفها على الرماد، والملتبد: شجرة كثيرة (¬1) الأوراق، و"الرواكد": الرياح الساكنة من ركدت إذا سكنت، و "الذّكا" بالذال المعجمة؛ مقصور من ذكت النَّار تذكو أي: اشتعلت، و "السفع" بالضم؛ السود تضرب إلى العمرة، ومنه تسمى الأثافي سفعًا؛ لأنَّ النَّار سفعتها. 7 - قوله: "مغانيه" أي منازله، وأراد بالمنتخل: انتخال الودق والثلج، و "وريعان" الشيء: أوله، و "المنثور" بضم الميم؛ الغبار بالريح. 8 - وقوله: "بالعصرين" أراد بهما الغداة والعشي، قوله: "قسطله" بالقاف وبالسين وبالصاد أيضًا، وهو الغبار، وجاء فيه القسطال؛ كأنه ممدود منه مَع قِلّة فِعلال من غير المضاعف، وقال (¬2) أوس بن حجر يرثي رجلًا (¬3): ولَنِعْمَ وفْدُ الْقَوم يَنتِظِروُنَهُ ... ولَنِعمَ حشْوُ الدِّرع والسِّربَالِ ولَنعْمَ مَثوَى المستضيفَ إذا دعَا ... وَالخيلُ خَارجَةٌ من القَسطَال [من الكامل] (¬4). قوله: "والوابلون" جمع وابل. قال الجوهري: والوابل: المطر الشديد، وقد وبلت السماء ¬
تبل والأرض موبولة (¬1). قال الأخفش: ومنه قوله تعالى: {أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 16]، أي شديدًا (¬2)، وضرب وبيل وعذاب وبيل؛ أي: شديد، وقال البعلي (¬3): قالوا للمطر الذي يعظم شأنه ويعم نفعه وابلون. قوله: "وتهتان التجاويد" التهتان بتاءين مثناتين من فوق مفتوحتين بينهما هاء ساكنة؛ نحو من الديمة. قال أبو زيد (¬4) وأنشد (¬5): يَا حَبَّذَا نَضْحُك بِالمشافر ... كأنَّه تَهتَانُ يَوْم مَاطِر من الرجز، وقال النضر بن شميل (¬6): التهتان مطر ساعة ثم يفتر ثم يعود، وأنشد للشماخ (¬7): أَرْسَلَ يَوْمًا دِيمةً تهْتَانَا ... سيلِ المتان يَمْلأُ القُربَانَا (¬8) والتهتان ها هنا مصدر على وزن تَفْعَال بفتح التاء للمبالغة كالتَرْدَاد والتَجْوَال، وكل ما جاء من هذه الصيغة فهو بالفتح إلَّا كلمتين جاءَتَا بالكسر وهما: تِبيَان وتِلْقَاء (¬9)، يقال: هتن المطر والدمع يهتن هتنًا وهتونًا وتهتانًا إذا قطر، وسَحَابٌ هاتِنٌ وسَحَائِبُ هُتَّن نحو: رَاكِعٌ وَرُكَّعٌ، وسحاب هَتُون، والجمع هُتُن مثل عمود وعُمُدُ، و "التجاويد" أصله: الأجاويد جمع: أجواد، جمع: جود وهو المطر، والمعنى: وقطر الأمطار. ¬
الشاهد السابع والعشرون
الإعراب: قوله: "تلاعب" فعل، و: "الريح" فاعله (¬1)، وقوله: "قسطله" كلام إضافي مفعوله والباء في "بالعصرين" ظرفية تتعلق بتلاعب، قوله: "والوابلون" عطف على قوله الريح، و "وتهتان التجاويد" كلام إضافي عطف على "الوابلون". فإن قيل: كيف إضافة التهتان إلى التجاويد؟ قلت: إضافة المصدر إلى فاعله، والمعنى وقطر التجاويد وسيلانها. الاستشهاد فيه: في قوله: "والوابلون" فإنَّه جمع وابل، وقد جمعه في الشعر بالواو والنون مع أنَّه ليس بعَلَم ولا صفة ولا مسماه عاقل (¬2). الشاهد السابع والعشرون (¬3)، (¬4) مِنَّا الذِي هو مَا إنْ طَرَّ شَارِبُهُ ... والعَانسُونَ ومِنَّا المُردُ والشِّيبُ أقول: قائله هو أبو القيس بن رفاعة الأنصاري (¬5)؛ كذا قاله ابن السيرافي (¬6) في شرح أبيات الإصلاح لابن السكيت، وقال البكري (¬7): اسمه دثار وهو من شعراء يهود، وقال أبو عبيدة: ¬
أحسبه جاهليًّا، وقال القاضي (¬1) في أماليه: هو قيس بن رفاعة، وقال الأصبهاني (¬2): قائل هذا البيت أبو قيس بن الأسلت الأوسي في حديث ثعلب واسمه: دثار (¬3). وهو من البسيط وفيه الخبن. قوله: "طرد شاربه" بفتح الطاء، معناه: نبت شاربه، قيل: كثير منهم ينشدونه بضم الطاء وهو خطأ؛ لأنَّ طُرَّ بالضم معناه قطع، ومنه طر النَّبَات، قلت: المخطئ مخطئ؛ لأنَّ الصاغاني (¬4) حكى في العباب أن طر بالضم في طر الشارب لغة. قوله: "والعانسون" جمع عانس، وهو من بلغ حد التزوج ولم يتزوج مذكرًا كان أو مؤنثًا، و "المُردُ" بضم الميم؛ جمع أمرد، و "الشّيب" بكسر الشين المعجمة، جمع أشيب، وهو المبيض الرأس. الإعراب: قوله: "الذي" مبتدأ، وخبره مقدم هو قوله: "منا"، وقوله: "هو ما إن طر شاربه" صلة الموصول، وكلمة "ما" بمعنى حين. قاله ابن السكيت. قال معناه: حين طر وزيدت "إن" بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كما في قول الشاعر (¬5): وَرَجِّ الفَتَى لِلْخَيرِ مَا إِنْ رَأَيتَهُ ... ...................... (¬6) وقال بعض الفضلاء: الأولى أن تكون (ما) نافية؛ لأنَّ زيادة (إن) حينئذ قياسية (¬7). ¬
الشاهد الثامن والعشرون
قلتُ: نظر ابن السكيت إلى لزوم الفساد في الذهاب إلى هذا؛ وذلك لأنَّ ذكر المُرد بعد ذلك لا يحسن؛ لأنَّ الذي لم ينبت شاربه أمرد، ومن هنا قيل: إن في هذا الشعر عيبًا؛ لأنَّ الذي ما طر شاربه لا يضاد المرد، والعانسون لا يضاد الشيب، وإذا لم تكن الأقسام متقابلة كانت القسمة باطلة، وقوله: "شاربه" فاعل طر، و "العانسون" عطف عليه، قوله: "ومنا المرد" جمله اسمية من المبتدأ وهو المرد، وخبره وهو قوله: "منا"، والشيب عطف على قوله: "المرد"، والتقدير: ومنا الشيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "والعانسون" فإن الكوفيين جوزوا جمع الصفة بالواو والنون مع كونها غير قابلة للتَّاء محتجين بهذا. وعند الجمهور فيه شذوذان: الأول: إطلاق العانس على المذكر، وإنَّما الأشهر استعماله في المؤنث. والثاني: جمعه بالواو والنون (¬1). الشاهد الثامن والعشرون (¬2)، (¬3) دَعَانِي منْ نَجْدٍ فَإن سِنِينَهُ ... لَعِبْنَ بِنَا شِيبًا وَشَيَّبنَنَا مُرْدَا أقول: قائله هو الصِّمة بن عبد الله بن الطفيل بن قرة بن هبيرة بن عامر بن سلمة الخير ابن قشير بن كعب بن ركعة بن عامر، شاعر إسلامي بدوي مقل، من شعراء الدولة الأموية، ولجده قرة بن هبيرة صحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أحد وفود العرب عليه، وكان الصمة يَهْوَى بِنْتَ عَمٍّ له دنية أوثر عليه في تزويجها غيره؛ لأنَّ عَمَّهُ لَؤُمَ في المهر واشتط فيه، ولؤم أبوه في إكماله، فأنف الصمة من فعلهما وخرج إلى طبرستان، وهي مقر الدولة فأقام بها حتَّى مات، وخبره مشهور، والبيت، المذكور من قصيدة أولها هو قوله: ¬
1 - خَليلَيَّ إن قَابَلْتُمَا الهَضْبَى أَوْ بَدَا ... لَكُم سَنَدَ الْوَركَاء أن تَبكيَا جَهْدَا 2 - سَلا عبدًا لعلي حيث أَوْفَى عَشِيَةً ... خزَازي ومد الطرف هل أنسى النَّجْدَا 3 - فما عنَّ قِلَى للنجد أصبحت ها هنا ... إلى جبل الأوشال مُسْتَخْبيًا بُردَا 4 - دَعَاني من نجد فإن سنينَه ... لعبن بنا شيبًا وشيبننا مُردا 5 - لَحَا الله نجدًا كَيفَ يَتْرُكُ ذَا النَّدى ... بَخيلًا وحُرَّ الناسِ تحسَبُه عَبدَا 6 - عَلَى أَنَّ نجدًا قَدْ كَسَاني حُلَّةً ... إِذَا مَا رَآنِي جاهلٌ ظَنَّنِي عبدَا 7 - سَوَادًا وأَخْلاقًا من الصُّوف بَعدَمَا ... أَرَانِي بنَجدٍ نَاعِمًا لابسًا بُردَا 8 - سَقَى الله نَجْدًا من ربيع وَصَيِّفٍ ... وماذا تُرجي من ربيع سقى نجدًا 9 - ألم تر أن الليلَ يقصُر طوله ... بنجد ويزدادُ النّطافُ به بُردَا 10 - عَلى أنَّه قد كان للعين قُرَّة ... وللبيض والفتيان منزله حَمْدَا وإنَّما قال هذه الأبيات، وقد اشتاق إلى ذي الود من وطنه بنجد، وهي من الطَّويل معروف، وفيه القبض. 1 - قوله: "الهَضْبُ" بفتح الهاء وسكون الضَّاد المعجمة، وهو موضع معروف، و "الوركاء" هضبة شمال يذبل؛ وهو جبل، والجمع ورك. هكذا قال أبو علي الهجري في نوادره (¬1). 2 - وقوله: "سلا عبدًا لعلي" أصله عبد الأعلى، قوله: "خزازي" بالخاء المعجمة والزاءين المعجمتين، وهو اسم جبل توقد عليه العرب نار الغارة. 3 - قوله: "الأوشال" جمع وشل بالتحريك؛ وهو الماء القليل، ووشل اسم جبل عظيم بناحية تهامة، وفيه مياه عذبة، قوله: "مستخبيًا بردًا" أي متخذه خباءً. 4 - قوله: "دعاني"؛ أي: اتركاني؛ يخاطب خليليه، ومن عادة العرب أنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية؛ كما في قول امرئ القيس (¬2): ¬
قفَا نَبكِ من ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزلٍ ... ................................. فإن (قفا) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد، وكذلك ها هنا (دعاني) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد وهو صاحبه وخليله، [وأصله] (¬1) من يدع دع أي اترك، وهذا فعل قد أمات العرب استعمال ماضيه، فلا يقال: ودع، وهذا قول الجمهور من أهل الأدب (¬2). ولكن قد جاء استعماله في القرآن على قراءة من قرأ {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] بالتخفيف (¬3)، وروى بعضهم ذراني موضع دعاني ومعناهما واحد، وهو أيضًا أمر من يذر معناه يترك، ويجوز أن يراد به التأكيد؛ لأنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية للتأكيد ومعناه: [دعني دعني، ومن ذلك قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] ومعناه] (¬4) ألق ألق (¬5). قوله: "من نجد" النجدُ اسم للبلاد التي أعلاها تِهامَة واليمنُ، وأسفلُها العراقُ والشامُ، وأولها من ناحية الحجاز ذاتُ عرق إلى ناحية العراق. قوله: "فإنّ سَنِينَهُ" جمع سنة، وفيها معنيان: الأول: يراد به الأعوام مطلقًا. والثاني: يراد به الأعوام المجدِبَة، يقال: أرض بني فلان سنة إذا كانت مجدبة، وأصل سنة سنوة، والمحذوف منها واو، ويقال: المحذوف منها الهاءُ، وأصلها: سنهة مثل: جبهة؛ لأنها من سنهْت النخلةُ إذا أتت عليها السنون، ونخلةٌ سنهاء إذا حملت سنة وتركت سنة وفي التصغير تقول: على الأول: سنية أصلها سنيوة، قلبت الواو ياء، وأدغمت الباء في الياء فصار سُنَيّة، وعلى الثَّاني: سُنَيهة، وإذا جمعتها بالواو والنون تقول: سنون بكسر السِّين، وبعضهم يقول: سنون بضم السِّين (¬6)، وأمَّا الكلام في حركة النون فيجئ عن قريب إن شاء الله تعالى-. قوله: "شِيبًا" بكسر الشين؛ جمع أشيب وهو المبيضُّ الرأس، وقد شاب رأسُه شيبًا وشيبةً فهو أشيب على غير قياس؛ لأنَّ هذا النعت إنَّما يكون من باب فَعِل تفعَل مثل: عَلِم يعلَمُ، والشيب بفتح الشين المعجمة هو المشيب وقال الأصمعي: الشيب بياض الشعر والمشيب: دخول الرجل في حد الشيب (¬7). ¬
قوله: "شَيَّبنَنَا" من شيّب بالتشديد يُشيّبُ تَشْييبًا، قوله: "مُردًا" جمع: أمرد، يقال: غلامٌ أمرد بيِّن المَرَد بالتحريك من قولهم: رملةٌ مرداء: لا نبت فيها، وغصن أمرد: لا ورق عليه، ويقال: مَّردتُ الغصنَ تمريدًا إذا جردته من ورقه. 8 - قوله: "سقى نجدًا" من سقي الماء. 9 - قوله: "النطاف" بكسر النون وبالطاء المهملة وفي آخره فاء، وهو جمع نُطْفة، وهو الماء الذي في إناء قل أو كثر، وأمَّا النطفة التي هي ماء الرجل فجمعها نطف (¬1). 10 - قوله: "حمدًا" أي محمودًا. الإعراب: قوله: "دعاني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "من نجد": يتعلق به، وفيه حذف تقديره: دعاني من ذكر نجد، قوله: "فإن سنينه" الفاء فيه للتعليل، و "سنينه": اسم إن وقوله: "لعبن بنا" جمله في محل الرفع لأنها خبر إن، و "لعبن": فعل وفاعله النون، و "بنا" في محل النصب مفعوله. قوله: "شيبًا" حال عن قوله: "بنا" أي حال كوننا في الشَّيب، قوله: "وشيبننا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله: "لعبن"، قوله: "مردًا" حال من ضمير المفعول في قوله: "شيبننا". الاستشهاد فيه: في إجراء السنين مجرى العين في الإعراب بالحركات، والتزام النون مع الإضافة، ولو لم يجعل الإعراب بالحركة على نون الجمع لحذفت النون وقال: فإن سنيه (¬2). وأعلم أن هذه لغة بني عامر فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات في النون كما في غسلين. ويقولون: هذه سنينٌ، ورأيت سنينًا، وأقمت بسنين، وعلى هذا ما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسفَ" (¬3)، وتميم أيضًا يجعلون الإعراب في النون ولكن لا ينونونها فيقولون: سنونُ وسنينَ وسنيِن جره بالكسر، ولا تسقط النون ها هنا، ولو عند الإضافة؛ لأنها ¬
الشاهد التاسع والعشرون
نزلت منزلة نون مسكين (¬1). الشاهد التاسع والعشرون (¬2)، (¬3) رُبَّ حَيٍّ عَرَنْدَسٍ ذي طَلالٍ ... لا يَزَالُون ضَارِبينَ القِبَابَ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الخفيف. قوله: "عرندس" بفتح العين والراء المهملتين وسكون النون وفتح الدال المهملة وفي آخره سين مهملة، ومعناه: الشديد، قوله: "ذي طلال" بفتح الطاء المهملة؛ وهي الحالة الحسنة والهيئة الجميلة، قوله: "ضاربين القباب" ويروى: ضاربين الرقاب وهو الأشهر. الإعراب: قوله: "رب" حرف جر، و "حي" مجرور بها، و "عرندس"، و "ذي طلال": صفتان لحي، قوله: "لا يزالون" الضمير المستتر (¬4) فيه اسم لا يزال، و "ضاربين القباب" كلام إضافي خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "ضاربين القباب" حيث أجراه الشاعرُ مجرى غسلين في الإعراب، فصار إعرابه على النون؛ فلذلك أثبتت في الإضافة، وقد يُخَرَّجُ على أن يكون على حذف "ضاربي"؛ أي: ¬
ضاربين ضاربي القباب، وحذف ضاربي لدلالة ضاربين عليه، فصار نظير قول الشاعر (¬1): رَحِمَ الله أَعْظُمًا دَفَنُوهَا ... بِسِجِستَانَ طلحةَ الطَّلَحَاتِ وهنا وجه آخر، وهو ما ذكره أبو علي في تخريجه، وهو أن يكونَ القبابُ منصوبًا بضاربين، ويريدُ القبابي فَأَلْحَق الجمع ياء النسبة، ثم حذف إحدى الياءين، ثم أسكن الياء الباقية كما كان الاسم في موضع نصب قال (¬2): كفى بالنأي من أسماء كافي ... .................................. يريد: كافيًا، ولما نَسَب إلى الجمع جعل ياءَ النِّسْبَةِ غيرَ مُعْتدٍّ بها، فلذلك لم يَرُدّ القبابَ إلى المفرِد؛ كما جاء في شعر الشماخ (¬3): خُضر أنبات .............. ... .............................. فلم يرد خضر إلى الواحد، ومن مجيء ياء النسبة زائدة في الاسم قول ابن أحمر (¬4): كَم دون لَيلى من تَنُوفِيَّةٍ ... لمَّاعَة تُنْذَرُ فيها النُّذُر (¬5) ¬
الشاهد الثلاثون
الشاهد الثلاثون (¬1)، (¬2) على أحوذيينَ اسْتَقَلَّت عشية ... فما هِيَ إلَّا لمحةٌ وتَغِيبُ أقول: قائله هو حميد بن ثور بن حزن بن عمرو بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر بن صعصعة، وكنيته: أبو المثني، وقيل: أبو الأخضر، وقيل: أبو خالد شهد حنينًا مع الكفار ثم قدم على النَّبيِّ - صَلَّى الله عليه وسلم - فأسلم وأنشد أبياتًا، والبيت المذكور من قصيدة بائية يصف بها حميدٌ القطاةَ، وأولها قوله: 1 - إذا وُجِّهَتْ وَجهًا أَبَانَتْ مُدِلَّةً ... كَذَاتِ الهَوَى بالمشْفَرَين لَعوْبُ 2 - كما جَبَّبَتَ كدراءُ تَسقِي فِرَاخَها ... بشَمطَةَ رِفْهًا والميَاهُ شُعُوبُ 3 - غَدَتْ لم تُصَعّدْ في السماءِ وتحتَها ... إذا نَظَرتْ أُهْويَّةٌ وصُبوبُ 4 - قرينة سبع إِن تَوَاتَرنَ مرةً ... ضربْنَ فَصَفت أَرْؤُسٌ وجنوبُ 5 - ثمانٍ على سِكْرين ما زدن عِدَّةَ ... غدون قُرَانَى ما لهُنّ جَنِيبُ 6 - إذا ما تَبَالينَ البُلَيَّ تَزَغَّمَتْ ... لَهُنّ قَلَوْلاةُ النجاء طلوبُ 7 - فجاءتْ وما جاءَ القَطَا ثُمَّ شَمرتْ ... لمسكِنها والوارِدَاتُ تنوُبُ 8 - [تبادر أطفالًا مَسَاكِينَ دونها] ... فَلا لا تَخَطَّاهُ العُيُونُ رَغِيبُ (¬3) 9 - وجاءت ومسقاها الذي وَرَدَتْ به ... [إلى النَّحْرِ مَشْدُودُ العِصَامِ كتيبُ] 10 - وَصَفْنَ لَهُنَّ مُزْنًا بأرضِ تنوفةٍ ... فما هي إلا نهلةٌ فَوُثُوبُ 11 - على أحوذيّيِن استقلّتْ عشيّةَ ... فما هي إلا لمحة وتَغِيبُ 12 - ثمان بإسْتَارَيْنِ يَهْوْين مَقْدَمًا ... صبيحة خِمسٍ ما لهن جنيبُ 13 - تجوبُ الدجى كدريةٌ دونَ فَرَخها ... بمطل أريك سَبسَبٌ وسُهوبُ وهو من الطويل وفيه القبض والحذف على ما لا يخفى. ¬
1 - قوله: "إذا وجهت وجهًا"؛ أي: إذا توجهت إلى جهة، والجهة والوجه بمعنى واحد، والهاء عوض من الواو و "مدلة" من الإدلال وهو التغنج (¬1). 2 - و "كدراء" هي نوع من القطا، ويقال بها: الكدرى أيضًا ضرب من القطا غير الألوان، رقش الظهور صفر الحلوق. قوله: "رفهّا" من الرفاهية، و "شعوب" أي: متفرقة. 3 - و "لم تصعد" أصله ولم تتصعد، فحذفت إحدى التاءين، و "أهوية" بضم الهمزة وسكون الهاء وكسر الواو وتشديد الياء آخر الحروف على وزن أفعولة، وهي الوهدة العميقة، وكذلك الهوة وارتفاعها على الابتداء، وخبرها قوله: "وتحتها" مقدمًا، و "صبوب" عُطِفَ عليه، وأراد بها ما انحدر من الأرض. 5 - و "السكر" بكسر السِّين؛ ما يسكر فيه الماء من الأرض؛ أي: يحبس فيه، والسَّكر بالفتح؛ حبسك الماء. 6 - قوله: "تزغمت" بالزاي والغين المعجمتين؛ من تزغم الفصيل: حَنَّ حنينًا خفيفًا. 9 - و "كتيبُ" من كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة أو سير. 10 - و "أرض تنوفة": هضبة في جبل طيئ. 11 - قوله: "على أحوذيين" تثنية أحوذي، والأحوذي بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهو الخفيف في الشيء لحذقه. وفي ديوان الأدب: الأحوَذِيّ: الراعي المشمر للرعاية الضابط لما ولي وكذلك الأحوزي بالزاي المعجمة، وأراد بهما الشاعر ها هنا: جناحي قطاة يصفهما بخفتهما، وليست الياء فيه للنسبة وهذا كما يقال: النوع من الحصير بردي، ولنوع من التمر بَرْنِيّ (¬2) ولنوع من الكلب زفتي (¬3). قوله: "استقلت" أي: استبدت، يقال: [استقل] (¬4) الطائر: ارتفع في الهواء، قوله: "لمحة" أي: نظرة من لمح البرق والنجم لمحا، ورأيته لمحة البرق، ويروى: ............... اسْتَقَلَّتْ عَلَيهِمَا ... نَجَاةً فَتَبْدُو تَارَةً وتَغِيبُ. 12 - قوله: "خِمس" بكسر الخاء المعجمة، وهو ورود الماء في اليوم الرابع بعد الرعي ثلاثة أيَّام. ¬
13 - قوله: "تجُوب" أي: تقطع، و "الدّجى" بضم الدال جمع دجية بضم الدال، وهي فترة الصائد؛ أي: ناموسه، وهو المكان الذي يستتر فيه، قوله: "بمطل أريك" أي بطول الأريك، والأريك بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره كاف؛ وهو اسم واد، و "سبسب" بسينين مهملتين مفتوحتين وباءين موحدتين؛ وهي المفازة، و "سهوب" بضم السِّين المهملة، وهو جمع سَهب؛ وهو الفلاة. الإعراب: قوله: "على أحوذيين" يتعلق بقوله: "استقلت"، والضمير فيه يرجع إلى القطاة، وهي التي وصفها بقوله: "كدراء" في الأبيات السابقة، و "عشية" نصب على الظرفية، وهي ظرف زمان والمراد بها: إما عشية ما، أو عشية معينة، ولو أريد بها معينة تمنع من الصرف عند البعض، وهو القياس (¬1). قوله: "فما هي" كان أصله: فما مشاهدتها، ثم حَذَف المضاف فصار فما هي، ويقال تقديره فما مسافة رؤيتها، ثم حذف المضاف الأول، وأناب عنه الثَّاني، ثم الثَّاني وأناب عنه الثالث فارتفع وانفصل، ومثله في حذف مضافين: أنت مني فرسخان؛ أي: ذو مسافة فرسخين؛ إلَّا أن هذا حذف من الخبر، وقد يقدر: بُعْدُك مني فرسخان، فالمحذوف واحد من المبتدأ، وكلمة "ما" بطل عملها لوجود إلَّا، وهي مبتدأ "ولمحة" خبره، وإلا بمعنى غير. قوله: "وتغيب" معناه تغيب بعدها، وهي جملة فعلية عطفت على الجملة الاسمية، وفيه خلاف مشهور، فأجازه بعضهم مطلقًا، وهو المفهوم من قول النحويين في باب الاشتغال الذي مثل: قام زيد وعمرًا أكرمته، إن نصب عمرو أرجح؛ لأنَّ تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما، ومنعه بعضهم مطلقًا (¬2)، وقال أبو علي: يجوز في الواو فقط (¬3). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون
الاستشهاد فيه: في فتح نون (¬1) التثنية، والقياس: كسرها، ولكن الفتح ها هنا ليس بضرورة؛ إذ الوزن لا ينكسر بالكسر، وإنَّما هي لغة بني أسد من العرب نقلها الفراء عنهم، وكذلك جاء الضم في بعض اللغات، حكى أبو علي عن أبي عمرو الشيباني: هما خليلانُ بضم النون، وقال: ضم نون التثنية لغة (¬2)، قال الشاعر (¬3): 1 - يَا أبَتَا أَرَّقَنِي القذَّانُ ... فَالنّوْمُ لا تَطْعمهُ العَينَانُ 2 - مِنْ عَضِّ بَرغُوثٍ لَهُ أَسْنَانُ ... وللخَمُوشِ فَوْقَنَا تَطْنَانُ قال أبو علي البغدادي: "القذان" بكسر القاف وإعجام الذال المشددة، جمع قذذ، وهو البرغوث، وقال الخليل: القذان جمع قذة (¬4)، وقال المبرد: "الخموش" البعوض، والواحد أيضًا خموش، سمي بذلك لأنَّه يخمش الجلد. الشاهد الحادي والثلاثون (¬5)، (¬6) أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ وَالعَينَانَا ... ومَنْخَريْن أَشْبَهَا ظَبيَانَا أقول: قيل: إن قائله لا يعرف، وهو غير صحيح، وقيل: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو أيضًا غير صحيح، والصحيح ما قاله أبو زيد: أنشدني المفضل لرجل من بني ضبة، هلك منذ أكثر من مائة سنة، وهي (¬7): ¬
3 - ..................... ... وَهيَ تَرَى سَيِّئَهَا إحسَانَا 4 - أَعرِفُ منهَا الجِيدَ وَالعَينَانَا ... ومَنْخَرَيْن أَشْبَهَا ظَبيَانَا ويروى: أَعرِفُ مِنْهَا الأَنْفَ والعَينَانَا ... ........................... وأنشدوا قبله: 1 - إنَّ لِسَلْمَى عِنْدَنَا دِيوَانَا ... أَخْزَى فُلانًا وابنَهُ فُلانًا 2 - كانتْ عجُوزًا عمَّرَت زَمَانَا ... فَهيَ ترى سَيِّئَهَا إحسَانَا إلى آخره. وهي من الرجز المسدس. قوله: "الجيد" بكسر الجيم؛ وهو العنق. قوله: "ظبيانا" بفتح الظاء المعجمة وسكون الباء الموحدة، وبالياء آخر الحروف، وهو اسم رجل بعينه، وليس هو تثنية ظبي. فافهم. الإعراب: قوله: "أعرف" جملة من الفعل والفاعل، و "الجيد" مفعوله، والضمير في "منها" يرجع إلى سلمى المذكورة في البيت السابق، قوله: "والعينانا" تثنية عين عُطِفَ على الجيد، وكان القياس أن يقال: والعينين؛ لأنَّ نصب التثنية بالياء كجرها، و "منخرين" عطف على ما قبله "أشبها" جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لمنخرين، و "ظبيانا" منصوب لأنَّه مفعول أشبها. الاستشهاد فيه: في قوله: "والعينانا" حيث فتح الشاعر نون التثنية والقياس كسرها (¬1) وقد قيل: الاستشهاد فيه في قوله: "ظبيانا" وادعى أن "ظبيانا" تثنية ظبي، وإليه مال الهروي (¬2) أيضًا؛ حيث قال ¬
الشاهد الثاني والثلاثون
في الذخائر (¬1): "والتقدير: أشبها منخري ظبيين" فجعله تثنية ظبي، وليس هذا بصحيح، بل الظبيان اسم رجل كما ذكرنا، والتقدير: ومنخرين أشبها منخري ظبيانا. وفيه استشهاد آخر وهو إجراء المثني بالألف في حال النصب كما في قوله: "والعينانا" تثنية عين، والقياس: والعينين، وليس هذا بضرورة، بل هي لغة بني الحارث بن كعب، ونسبها بعضهم إلى بني العنبر وبني الهجيم"، وبهذه اللغة قرأ نافع وابن عامر (¬2) والكوفيون إلَّا حفصًا (¬3) قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فإن هؤلاء يجرون المثني مجرى المقصور، فيجعلونه بالألف في كل حال (¬4)، وقال ابن كيسان: من فتح نون الاثنين في النصب والخفض استخف الفتحة بعد الياء فأجراها مُجرى أين وكيف، ولا يجوز عند أحد من الحُذّاق علمته فتحها مع الألف، وإنشادهم: أعرف منها الأنف والعينانا ... ................................... لا يلتفت إليه؛ لأنَّه لا يعرف قائله ولا له وجه. انتهى. ولو ثبت أنَّه من لسان العرب لكان له وجه من القياس؛ لأنها ألف ثابت عن الياء؛ لأنها ليست للرفع، بل الكلمة منصوبة، وكان القياس أن يقول: والعينين، فلما ثابت عن الياء اضطر إلى ذلك؛ لأنَّ ما قبله من النظم مفتوح الآخر عَامَل هذه الألف معاملة الياء بخلاف قولك: قام الزيدان، فالألف لم تنُبْ عن الياء؛ لأنَّ الاسم مرفوع. الشاهد الثاني والثلاثون (¬5) عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنة ليس منا ... بَرِئتُ إِلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينٍ عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي أَبِيهِ ... وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ أقول: قائله هو جرير بن عطية بن الخطفي، وهما من قصيدة نونية، وأولها (¬6): ¬
1 - أَتُوعِدُنِي وَرَاءَ بَنِي رِيَاح ... كَذَبْتَ لَتَقْصُرَنَّ يَدَاكَ دُونِي 2 - لَنِعْمَ الوفْدُ وَفْدُ بَنِي رِيَاحِ ... وَنِعْمَ فَوَارِسُ الفَزَعِ المبين 3 - عَرينٌ مِنْ عُرَيْنة ليس منا ... بَرِئْتُ إِلَى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينٍ 4 - عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي أَبِيهِ ... وَأَنْكَرْنَا زَعَانِفَ آخَرِينِ 5 - قَبَيلَةٌ أَنَاخَ اللُّؤْمُ فِيهَا ... فليسَ اللُّؤْمُ تَاركَهُم لحِيِن وهو من الوافر وفيه العصب والقطف وسبب هذا الشعر ما حكاه النَّارَنْجي أن ابن الفهم (¬1) حدثه عن ابن سلام قال: حدثني أبو البيداء، قال: أوعد جريرًا بعضُ عشرين فقالت بنو رياح: كذبتم إنه يمدح أَحْيَانَا ويؤبِّن مَؤتَانَا، قال ابن سلام فسألت يونس (¬2) عن التأبين فقال: مدح البيت وأنشد قوله (¬3): وامدح بلالًا غير مأبون ... .......................... وذكر في ديوان جرير: وقال جرير يهجو فَضَالة العريني (¬4) وعرين (¬5) بن ثعلبة (¬6): عَرِينٌ مِنْ عُرينَة لَيسَ مِنَّا ... ........................... إلخ قوله: "عرين" بفتح العين وكسر الراء المهملتين؛ وهو بطن من تميم، و "عرينة" مصغرة بطن من بجيلة، والعرين في الأصل مأوى الأسد الذي يألفه، يقال: ليث عرينة، وليث غاية وأصل العرين جماعة الشجر، والمراد من العرين ها هنا: رجل مسمًّى به، كذا قاله القزاز (¬7)، وهو عرين بن ثعلبة بن يربوع، وقال الأخفش: عرين في البيت وابن يربوع وهو وهم. و"وبني أبيه"؛ أي: بني أبي جعفر، وفي بعض الروايات: عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبني رِيَاح ... ............................... ¬
وأنشده ابن أم القاسم (¬1): عَرَفْنَا جَابِرًا وَبَنِي رِيَاح ... ......................... (¬2) وأنشد في شرح التسهيل (¬3): عَرَفْنَا جَعْفَرًا وَبَنِي عَبِيدٍ ... ........................... كما ذكرناه. قوله: بني عبيد بفتح العين وكسر الباء الموحدة، وجعفر وعشرين وعبيد أولاد ثعلبة بن يربوع، وبنو عبيد أيضًا حي من بني عدي، وبنو رياح قبائل في تميم. رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم، وفي قضاعة رياح بين عوف بن عميرة بن الهون بن أعجب بن قدامة بن بجرم بن ريان بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وفي سليم رياح بن نقطة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. قوله: "زعانف" بفتح الزَّاي المعجمة والعين المهملة وبعد الألف نون وفي آخره فاء؛ وهو جمع زِعنِفة بكسر الزَّاي والنون؛ وهو القصير، وأصل الزعانف أطراف الأديم وأقارعه، والمراد من الزعانف ها هنا الأدعياء الذين ليس أصلُهم واحدًا، وقيل: هم الفرق بمنزلة: زعانف الأديم، وهي أطراف كما قلنا. والمعنى: وأنكرنا الأدعياء من جماعة آخرين. الإعراب: قوله: "عرينٌ" مضموم بالابتداء، وقد قلنا: إنه علم لرجل أو قبيلة. وقوله: "من عرينة" خبره، والتقدير: عرين كائن من عرينة، قوله: "ليس منا" تقرير لقوله: عرين من عرينة، فهو استئناف أو خبر ثان، قوله: "برئت إلى عرينة من عرين" الجرّ في موضعين يتعلق بقوله: "برئت"، يقال برئ له؛ لأنَّ "إلى" تجيء مُرَادِفَةَ اللام، ويجوز أن تكون "إلى" ها هنا بمعنى الغاية. والمعنى: برئت من عرين منتهيًا إلى عرينة؛ كما في قولك: أحمد إليك الله؛ أي أنْهِي حمده إليك، فعلى هذا يكون محل "إلى عرينة" نصب على الحال، والعامل فيه: "برئت". ¬
الشاهد الثالث والثلاثون
قوله: "عرفنا جعفرًا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "وبني أبيه" عطف على "جعفرًا" أي: وعرفنا بني أبي، و "أنكرنا زعانف" عطف على عرفنا، قوله: "آخرين" مجرور بالإضافة. الاستشهاد فيه: [في آخرين] (¬1) فإنَّه كسر النون فيه، ونون الجمع لا تكسر، وذلك لأنَّ نون الجمع حقها الفتح، وقد تكسر للضرورة لأجل أخواتها؛ كما أن حق نون التثنية أن تكسر وأن تفتح للضرورة على ما ذكرنا. ويقال: إن كسر نون الجمع ليسر بضرورة، وإنَّما هو لغة قوم بني الشاعر كلامه على هذه اللغة (¬2). الشاهد الثالث والثلاثون (¬3)، (¬4) أَكُلُّ الدَّهْر حِلٌّ وارتحال ... أما يُبقي عَلَيَّ ولا يَقيني وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعيِن أقول: قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي (¬5)، وكان عبدًا حبشيًّا، كان عبد بني الحسحاس (¬6)، وكان فصيحًا بليغًا، وكان قد اتهم ببنت مولاه فقتله هذا، فيما قاله الجوهري، وابن سلام في طبقاته (¬7). ¬
وقال الأصمعي: هذا الشعر لأبي زبيد الطَّائي (¬1)، ويقال: البيت الأول للمثقَّب العبدي (¬2) واسمه: عائدٌ بن محصن بن ثعلبة، والمثقب بتشديد القاف المفتوحة، ويقال بالمكسورة، والبيت الأول من قصيدة أولها قوله (¬3): 1 - أَفَاطِمَ قَبلَ بَينكِ مَتِّعِيني ... وَمَنْعُكِ مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبينِي 2 - فلا تَعدِي مواعد كاذباتٍ ... تَمرُّ بها رياحُ الصَّيْف دُوني 3 - فإني لو تُخَالِفُني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني 4 - إذن لَقَطَعْتُهَا ولَقُلْتُ بيني ... كذلك أجْتَوى مَنْ يَجْتَويني 5 - إذا ما قمتُ أرْحَلُهَا بليلٍ ... تَأَوَّهَ آهَةَ الرجلِ الحَزِين 6 - تقول إذا دَرَأْتُ لَهَا وَضيني ... أهَذَا دِينُهُ أبدًا وديني 7 - أكلُّ الدهر حِلٌّ وارتِحَالٌ ... أما يُبقِي عَلَيّ ولا يَقيني 8 - فإما أن تكَون أخِي بصْدقٍ ... فَأَعرفُ منك غَثّي من سميني 9 - وإلا فاطْرَحْني واتَخِذْنِي ... عَدُوًّا أتَّقيكَ وَتَتَّقيني 10 - فما أدري إذا يمَّمْتُ أرضًا ... أريد الخير أيهما يليني 11 - أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني 12 - فلو أنَّا على حجر ذُبحْنَا ... جرى الدَّمَيَانِ بالخبر اليقين 13 - دعني ماذا علمت سأتَّقيهِ ... ولكن بالمغيَّبِ أنْبئيني والبيت الثَّاني لسحيم وقبله (¬4): 1 - أنا ابن جلا وطلاع الثَّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني وبعدهما قوله: 3 - أخو خمسين مجتمع أشدي ... ونَجَّدَني مداورة الشؤون وهذه الأبيات الثلاثة تمثل بها الحجاج (¬5) على منبر الكوفة يوم دخلها، ويقال: إن الأبيات التي ¬
في ذكر الناقة لسحيم، وأوائل القصيدة للمثقب، وفيها أبيات لأبي زبيد الطَّائي وهي من الوافر. [ما شرح من أبيات المثقب العبدي] 6 - قوله: "وَضيني" الوضين بفتح الواو وكسر الضَّاد المعجمة وبالياء آخر الحروف الساكنة وفي آخره نون؛ وهو للهودج بمنزلة البطان للقتب، والتصدير للرجل، والحزام للسرج، وهما كالنسع إلَّا أنهما من السيور إذا نسج نساجة بعضه على بعض مضاعفًا، والجمع وُضُن كذا فسره الجوهري، ثم أنشد البيت المذكور ونسبه إلى المثقب (¬1). 7 - قوله: "حل" أي حلول، والحل والحلول والمحل مصادر من حل المكان؛ أي: أَكلَّ الزمان موضع حلول؛ أي نزول وموضع ارتحال. قوله: "ولا يقيني" أي: ولا يحفظني، من وقي يقي وقاية. [ما شرح من أبيات سحيم] 2 - قوله: "وماذا تبتغي"؛ أي: وما تطلب، وأنشده الزمخشري والجوهري: وماذا يدّري الشُّعَرَاءُ مِنِّي ... ............................... بتشديد الدال المهملة، يقال: ادّاره يدريه إذا ختله وخدعه، وكذلك تدراه تفعّل وافتعل بمعنى واحد (¬2). 3 - قوله: "أَشُدّي" بفتح الهمزة وضم الشين وتشديد الدال، بمعنى القوة وهو ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين، وهو واحد جاء على مثال الجمع، مثل: آنكٍ وهو الأُسْرُبُّ (¬3) ولا نظير لهما، ويقال: هو جمع لا واحد له من لفظه مثل: أبابيل وعَبَادِيد (¬4). وكان سيبويه يقول: واحده شدة وهو حسن في المعنى؛ لأنَّه يقال: بلغ الغلام شدته، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل (¬5). قوله: "ونجذني" بالذال المعجمة من قولهم: رجل منجذ؛ أي: مجرب، أحكمته الأمور، ¬
الشاهد الرابع والثلاثون
فقوله: "مداورة الشؤون؛ أي معالجة الأمور". الإعراب: قوله: "أكلُّ الدهر" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، و "كل الدهر" كلام إضافي وارتفاعه بالخبرية، وقوله: "حل" مرفوع بالابتداء، ويجوز أن يكون ارتفاع "حل" لكونه فاعلًا بالظرف لاعتماده على الهمزة. قوله: "أما يبقي عليَّ" الهمزة فيه للاستفهام أيضًا، وما نافية بدليل مجيء "لا" بعدها (¬1)؛ أي: أما يبقي الدهر علي، وعلى هذا نحو قولهم: أبقيت على فلان إذا أرعيت [عليه] (¬2) وَرَحِمتُهُ، يقال: لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي. قوله: "ولا يقيني" عطف على قوله: "أما يبقي" وهو جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: "وماذا" بمعنى: أي شيء، فكلمة "ما" مبتدأ، و "ذا" مبتدأ ثان، وقوله: "يبتغي الشعراء" جملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ الثَّاني، والجملة خبر المبتدأ الأول، والعائد محذوف تقديره: وماذا تبتغيه الشعراء، وكذا الكلام في قوله: "وماذا يدّري الشعراء مني" (¬3). و"حد الأربعين" كلام إضافي لقوله: "جاوزت". الاستشهاد فيه: في قوله: "الأربعين" فإنَّه كسر النون فيه، وكان الأصل فتحها، ولكن كسرها للضرورة، ويجوز أن يكون أجراه مجرى العين فأعرب بالحركات (¬4). الشاهد الرابع والثلاثون (¬5) تَنَوَّرْتُهَا مِن أَذْرِعَات وَأَهْلُهَا ... بِيَثْرِب أدْنى دَارِها نَظَرٌ عَالِي أقول: قائله هو امرؤٌ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة طويلة أولها هو قوله (¬6): ¬
1 - ألا عم صَبَاحًا أيُّها الطَّلَلُ الْبَالي ... وَهلْ يَعمَنْ مَنْ كَانَ في العُصُرِ الخالي 2 - وَهَل يَعِمَنْ إلَّا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَليلُ الهُمُوم مَا يَبيتُ بأَوْجَال 3 - وَهَل يَعمَن مَن كَان آخرُ عَهدِهِ ... ثَلاثينَ شَهْرًا في ثَلاثة أحْوَال (¬1) 4 - ديَار لِسَلمَى عَافيَاتٌ بِذي الخالِ ... أَلحَّ عَلَيها كل أسحم هطال 5 - وَتَحسِبُ سَلْمَى لا تَزَالُ كَعَهْدِنَا ... بِوادي الخُزَامَى أَوْ عَلَى رَأْسِ أَوْعَال 6 - وَتَحْسِبُ سَلْمَى لا تَزَالُ تَرَى طَلًا ... منَ الوَحْشِ أَوْ بَيضًا بمَيثَاءَ محلالِ (¬2) 7 - لَيَالِيَ سَلمَى إذْ تريكَ مُنْصَبًّا ... وَجِيدًا كجيدِ الرِّئْمِ لَيسَ بمعْطَالِ 8 - ألا زَعَمَت بَسبَاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّني ... كبرتُ وَأنْ لَا يشهَدُ اللَّهْوَ أَمْثَالي (¬3) 9 - بلى رُبَّ يَومٍ قَدْ لَهَوتُ وليلة ... بآنسَة كَأنَّهَا خَطُّ تِمثَالِ (¬4) 10 - يُضِيءُ الفِرَاشَ وَجْهُهَا لِضَجيعهَا ... كمصْبَاحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذُبَّالِ 11 - كَأنَّ عَلَى لَبَّاتِهَا جَمْرَ مُصْطَلٍ ... أَصَاب غَضًا جَزْلًا وَكُفَّ بأَجْزَال 12 - وَهَبَّتْ لَهُ ريحٌ بمُخْتلفِ الصُّوَى ... صبًا وشَمَالًا في مَنَازِلَ قُفَّالِ 13 - كَذَبْتِ لَقَد أُصبِي عَلَى الْمَرء عِرسَهُ ... وَأَمْنَعُ عِرسِي في أَنْ يُزَنَّ بِهَا الخالِ 14 - وَمِثلِكِ بَيضَاءِ العَوَارِضِ طَفْلَةٍ ... لَعُوبِ تُنَسِّيني إذا قُمْتُ سِرْبَالِي 15 - لَطيفَةُ طَيِّ الكَشح غَيرُ مُفَاضَةٍ ... إذا أنْفذ مُرتجَّةً غَيرَ متفال 16 - إذا مَا الضَّجيعُ ابْتَزَّهَا منْ ثيَابهَا ... تميلُ عَليهِ هُونَةً غيرَ معطال 17 - كدَعْصِ النَّقى يَمْشي الوَليدَانِ فَوْقَهُ ... بمَا احْتَسَبَا منْ لين مَسِّ وتَسهَالِ (¬5) ¬
18 - إذا ما استحمت كان فيض حميمها ... على متنتيها كالجمان لذي الحال (¬1) 19 - تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهلُهَا ... بِيَثْرب أدْنى دَارِها نظرٌ عَالِي 20 - نَظَرتُ إِلَيِهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّها ... مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ 21 - سَمَوْتُ إِلَيهَا بَعْدَمَا نَامَ أَهْلُهَا ... سُمُوٌ حَبَابِ الْماءِ حَالًا عَلَى حَالِ (¬2) 22 - فَقَالتْ سَبَاكَ الله إِنَّكَ فَاضِحِي ... أَلستَ ترَى السُّمَّارَ وَالنَّاسَ أَحْوَالِي 23 - فَقلتُ يَمينُ اللهِ مَا أَنَا بَارِحٌ ... وَلوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالي (¬3) 24 - فَلَمَّا تَنَازَعنَا الحدِيثَ وَأَسْمَحَتْ ... هَصَرْتُ بِغُصْنٍ ذِي شَماريخَ مَيَّالِ 25 - فَصِرنَا إلَى الحُسنَى وَرَقَّ كَلامُنَا ... وَرُضْتُ فَذَلَّتْ صَغبَةَ أَيَّ إذلالِ 26 - حَلَفْتُ لَهَا باللهِ حلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فما إِن منْ حَدِيث وَلَا صَالي 27 - فَأَصْبَحتُ مَعْشُوقًا وَأَصْبَحَ بَعْلُهَا ... عَلَيهِ القَتَامُ كَاسِفَ الظَّن وَالْبَال (¬4) 28 - يَغُطُّ غَطِيط البَكْرِ شُدَّ خنَاقُهُ ... ليَقْتُلَني وَالْمَرْءُ لَيسَ بقَتالِ 29 - وَلَيسَ بِذي سَيفٍ فَيقْتُلَني بِهِ ... وَلَيسَ بِذي رُمْح وَليس بنَبالِ (¬5) 30 - أيَقْتُلُني وَالْمشَرَفِيُّ مُضَاجعي ... وَمَسنُونَةٌ زُرقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ 31 - ليَقْتُلُني وَقَدْ قطرت فُؤَادَهَا ... كَمَا شغف الْمَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطَّالي (¬6) 32 - وَقَدْ عَلمَتْ سَلْمَى وَإِنْ كَانَ بَعْلهَا ... بأَن الْفَتَى يَهْذي وَلَيسَ بفَعَّالِ 33 - وَمَاذَا علَيهِ أَنْ ذَكَرْتُ أَوَانِسًا ... كَغزْلانِ رَمْلٍ في محاريب أَقْيَالِ ¬
34 - وَبَيتِ عَذَارَى يَومَ دَجْنٍ دَخَلْتُهُ ... يَطُفْنَ بجَفاءِ المَرَافِقِ مِكسَالِ (¬1) 35 - قليلةُ جَرسِ اللَّيلِ إِلا وَساوسًا ... وَتَبسُمُ عَنْ عذبِ المَذَاقَةِ سلسال (¬2) 36 - سِبَاطُ البَنَانِ والعَرَانِيِن كالقَنا ... لِطَافُ الخصُورِ في تَمَامٍ وَإكْمَالِ (¬3) 37 - أَوَانِسُ يُتبِعْنَ الهَوَى سُبُلَ الرَّدَى ... يَقُلْنَ لأَهْلِ الحِلْمِ ضَلًّا بِتَضْلالِ (¬4) 38 - صَرَفْتُ الْهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى ... وَلَسْتُ بِمَقْلِيِّ الخِلالِ وَلا قَالِي 39 - كَأنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا لِلَذَّةٍ ... وَلَم أَتَبَطَّنْ كَاعِبًا ذَاتَ خُلْخَالِ 40 - وَلَم أَسْبَأ الزِّقَّ الرَّويَّ وَلَم أَقُلْ ... لخيلي كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إِجْفَالِ 41 - وَلَم أَشهَدِ الخيلَ المُغيرَةَ بِالضُّحَى ... عَلَى هَيكَلِ نَهْدِ الجُزَارَةِ خوُّالِ (¬5) 42 - سَلِيمُ الشَّظَا عَبلُ الشَّوَا شَنِجُ النَّسَا ... لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفَاتٌ عَلَى الفَالِ 43 - وَصُمٌّ صِلابٌ مَا بَقِينَ مِنَ الْوَجَا ... كَأَنَّ مَكَانَ الرِّدْفِ مِنْهُ عَلَى رَالِ (¬6) 44 - وَقَدْ أَغْتَدِي وَالطَّيْرُ فيِ وُكُنَاتِهَا ... لِغيثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ رَائِدُهُ خَالِي 45 - تَحَامَاهُ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ تَحَامِيًا ... وَجَادَ عَلَيهِ كُلُّ أَسْحَمَ هَطَّالِ 46 - بِعَجْلَزَة قَد أَتْرَزَ الجريُ لحمَهَا ... كُمَيتٍ كَأنَّهَا هَرَاوَةُ مِنْوَالِ 47 - ذَعَرتُ بِهَا سِرْبًا نَقِيًّا جُلُوُّدُهُ ... وَأكرُعُهُ وَشْيُ البُرُودِ مِنَ الخالِ 48 - كَأَنَّ الصِّوَارَ إِذْ تَجَهَّدَ عَدْوُهُ ... عَلَى جَمَزَى خَيلٌ تَجُولُ بِأَخلالِ (¬7) ¬
49 - فخرّ لروقيه وأَمْضَيت مقدمًا ... طوال القَرَى والرَّوْقِ أَخْنَسَ ذَيَّالِ (¬1) 50 - فَعَادَى عِدَاة بَين ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... وَكَانَ عَدَاءُ الوَحْشِ فِيَّ عَلَى بَالِ (¬2) 51 - كَأَنِّي بِفَتْخَاءِ الجنَاحَيِن لَقْوَة ... عَلَى عَجَلٍ مِنْهَا أطأطئ شِمْلالِ (¬3) 52 - تَخَطَّفُ خِزَّانَ الأُنَيعِمِ بالضُّحَى ... وَقَدْ حَجَرَتْ مِنْهَا ثَعَالِبُ أَوْرَالِ (¬4) 53 - كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ وَالحشَف البَالِي 54 - فَلَوْ أَن مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَة ... كَفَانِي وَلَم أَطْلُبْ قلِيلٌ مِنَ المالِ 55 - وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لمجدٍ مُؤَثَّلٍ ... وَقَدْ يُدْرِكُ المجدَ الموثَّلِ أَمْثَالِي 56 - وَمَا المَرءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ ... بِمُدْرِكِ أَطْرَافِ الخُطُوبِ وَلا آلي وإنَّما سقت هذه القصيدة بكمالها؛ لأنَّ فيها أبياتًا عديدة وقعت في الشواهد وتكثيرًا للفائدة. 1 - قوله: "ألا عم صباحًا" كلمة كانوا يحيون بها النَّاس بالغدوات، و "الطلل" ما شخص من آثار الديار، و "الخالي" الماضي. 2 - و "الأوجال" جمع [وجل] (¬5) وهو الخوف، وسيأتي تحقيق هذه الأبيات في موضعها -إن شاء الله تعالى-. 4 - قوله: "عافيات" أي دارسات من عما يعفو عفًّا إذا درس، و "ذو الخال" بالخاء المعجمة؛ اسم موضع، وفي كتاب الأذواء: ذو الخال: جبل ممَّا يلي نجدًا، وأنشد (¬6) البيت، و "الأسحم" الأسود وهو ما أغزر ما يكون [من الغيم] (¬7) يقول: ألح عليها حتَّى عفاها، وقوله: "هطال" أي: سيال دائم. ¬
5 - قوله: "أو على رأس أو عال" هي هضبة يقال لها: ذات أوعال، ويروى: رس أوعال والرس: البئر. 6 - و "الطلا" بفتح الطاء المهملة؛ ولد الظبية (¬1)، والمعنى: تحسبها لا تزال ظبية تنظر إلى ولدها أو تحسبها في بياض بيض نعام، و "الميثاء" بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالثاء المثلثة وبالمد؛ طريق للماء عظيم مرتفعٌ من الوادي، وإذا كان الطَّريق صغيرًا فهو شعبة، وإذا (¬2) كان أكثر من ذلك فهو تلعة (¬3)، وإذا كان نصف الوادي أو ثلثيه فهو ميثاء، قوله: "محلال" بكسر الميم، وفسره بعض شراح القصيدة، وقال: أي بالبادية حيث يكون بيض النعام أو ولد الوحش. 7 - قوله: "منصبًّا" يعني ثغرًا مستوي النبتة (¬4) ليس مثل أسنان الرمح ولا متراكمًا أثعل، ويروى: مقصبًا بالقاف موضع النون، يقال: شعر مقصب أي: قصبة، قصبته: أي جعد، و "الجيد" بكسر الجيم؛ العنق، و "الريم" بكسر الراء؛ ظبي خالص البياض، قوله: "ليس بمعطال" (¬5) يعني ليس بكثير العطل، يقال: امرأة عطل لا حُليَّ عليها، وكذلك عاطل وعطول. 8 - قوله: "بشباسَه" بباءين موحدتين مفتوحتين بينهما سين مهملة ساكنة وبعد الألف أخرى (¬6) مفتوحة؛ وهي امرأة من بني أسد. 9 - قوله: "بآنسة" أي هي ذات أنس من غير ريبة، و "التمثال" الصورة، و "خطها" نقشها. 10 - و "الذُّبُّال" بضم الذال المعجمة وتشديد الباء الموحدة؛ وهو جمع ذبالة وهي الفتيلة، والمعنى: في ذبال قناديل، وروى أبو عبيدة: في قناديل آبال، جمع أبيل مثل: شريف وأشراف، والأبيل: صاحب الناقوس (¬7). 11 - قوله: "غضا" بغين وضاد معجمتين؛ وهو شجر يحسن وقود حطبه وتبقى ناره، و "الجزل" الحطب الغليظ، و "الأجزال" جمع جزل، وهو أصل الخطيب. 12 - قوله: "بمختلف الصُّوى" بضم الصاد المهملة وتخفيف الواو؛ وهو جمع صوة، وهو الآكام، و "القُفّال" بضم القاف وتشديد الفاء؛ جمع قافل من قفل. ¬
13 - و "أصبى" من الصبوة، و "العِرس" بكسر العين المهملة وسكون الراء وفي آخره سين مهملة؛ وهي الزوجة، وقوله: "أن يُزَنّ" أي: أن يتهم، ومادته زاي معجمة، ونون مشددة، و "الخالي": الذي لا زوجة له. 14 - [قوله: "لعوب" أي: مزاحة] (¬1)، قوله: "سربالي" أي قميصي. 15 - و "الكشح" ما بين آخر الأضلاع إلى الورك، و "المفاضة" بالفاء؛ الواسعة البطن والجلد، قوله: "إذا انفتلت" (¬2) أي إذا تحركت، ويروى: إذا انصرفت، وإذا انْحَرفت، قوله: "مرتجة" أي: يترجرج لحمها، قوله: "غير متفال" أي: غير تفلة، يعني غير متطيبة (¬3) ومادته تاء مثناة من فوق [وفاء] (¬4). 16 - و "الضجيع": المضاجع، و "ابتزها" أي: انتزعها من ثيابها، ومنه قول النَّاس (¬5): من عزّ بز؛ أي: من غلب سلب، و (هونة) أي: لينة سهلة، و (غير معطال) أي غير متعطلة من الحلي، وروى أبو عبيدة: غير محبال. قال الأصمعي: "المحبال": الغليظة (¬6). 17 - قوله: "كدعص النقا" الدعص: الكثيب الصَّغير من الرمل، ويقال: الدعص دون النقا، وهو المجتمع من الرمل، ويقال: الدعص الرملة المجتمعة ليست بالضخمة جدًّا، يشبه به أعجاز النساء، قوله: "الوليدان" أي الصبيان، قوله: "بما احتسبا"؛ أي: بما اكتفيا، قوله: "وتَسْهَال" بفتح التاء المثناة من فوق، بمعنى السهولة [وهو مصدر] (¬7) كالتمثال (¬8) والتكرار. 18 - قوله: "استحمت" أي: عرقت، من الحميم وهو العَرَق، ويقال معناه: إذا اغتسلت بالحميم وهو الماء الحار، يريد: ما تناثر من الماء والعرق من جسدها يُشْبِه الجمان في بياضه وحسنه. 19 - قوله: "تنورتها" يعني: نظرت إلى نارها، وإنَّما يعني بقلبه لا بعينه، ويقال: تنَوَّرتُ النَّارَ من بعيد؛ أي: تَبَصَرْتُهَا (¬9)، فكأنه من فرط الشوق يرى نارها، وقال ابن الأعرابي: معناه نظرت ¬
إلى ناحية نارها (¬1)، قوله: "من أذرعات" بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر العين وبالعين المهملة؛ بلدة بالشام (¬2) وهي مدينة كورة البثينة من دمشق أخذها يزيد بن أبي سفيان بالصلح، وذلك حين فتح المسلمون بُصْرَى، فأتاهم صاحب أذرعات فصولِح على ما صولح عليه أهل بُصْرى، على أن تكون أرض البثينة خراجًا، فمضى يزيد بن أبي سفيان إليها حتَّى دخلها، و "يثرب" مدينة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "أدنى دارها نظر عالي" يقول: كيف أراها وأدنى دارها نظر مرتفع؟ يقال: أتت على فلان سن عاليه، والعرب تقول: بيني وبينك نظر ونظران، وكذا وكذا: نظرًا؛ أي: قدر ما يدرك العين في الأرض المنفسحة، ويقال: معناه: أقرب دارها منا بعيد. 20 - قوله: "تشب" أي توقد "لقُفّال" بضم القاف وتشديد الفاء؛ جمع قافل، وهو الذي قد رجع من غزوة. 21 - قوله: "سموت" أي: نهضت، و "الحَبَاب" بفتح الحاء المهملة وتخفيف البَاء الموحدة؛ الطرائق التي في الماء كأنها الوشى. 22 - قوله: "سَبَاكَ الله" أي: أبعدك الله، وأذهبك إلى غربة، ويقال: لعنك الله، وقال أبو حاتم: معناه: سلط الله عليك من يسبيك (¬3). 24 - قوله: "أسمحت" أي: سهلت ولانت، قوله: "هصرت بغصن" أي ثنيت غصنًا والباء زائدة. 25 - قوله: "رضت" من راض يروض. 26 - قوله: "فاجر" أي: كاذب، "ولا صالي" أي: ولا مصطلي، يقال: صلا النَّار يصلاها صلًا وصلاء. 27 - و "القتام": الغبار، و "كاسف البال"؛ أي: سيئ المخاطر. 28 - قوله: "يغطّ" يعني [ترى] (¬4) له غطيطًا من الغط؛ كما ترى للبكر إذا خنق فشدت الأنشوطة في عنقه، و "البَكر" بفتح الباء الموحدة؛ المفتي من الإبل، قوله: "ليس بقتال" أي: ليس بصاحب قتل. ¬
29 - قوله: "وليس بذي رمح" أي: ليس بفارس، و "النبال": الرامي بالنبل. 30 - قوله: "والمشرفي "بفتح الميم؛ هو السيف المنسوب إلى مشارف الشام، وهي قرى للعرب تدنو من الروم تتاخم الروم، فما طبع فيها فهو مشرفي، و "مسنونة" أي محدودة بالمسن، وأراد بها: المشاقص، و "الأغوال": الشياطين، وأراد بها التهويل، قال أبو نصر (¬1) سألت الأصمعي عن الأغوال، فقال: همرجة من همرجة الجن. 31 - قوله: "قطرت فؤادها" بالقاف يعني: بلغت منها ما يبلغ القطران من الناقة الجربة؛ لأنها تسدر حتَّى يكاد يغشى عليها، وربما وجد طعمه في لحمها، وقوله: "قطرت" فعل من القطران، و "المهنوءة" من هنأت البعير أهنؤه هنأ، والاسم الهناء، و "الطَّائي" من طلى يطلي. 32 - قوله: "يهذي" بالذال المعجمة؛ من الهذيان. 33 - قوله: "أوانسًا" جمع آنسة، و "المحاريب": جمع محراب؛ وهو صدر المجلس وأفضله، و "الأقوال" جمع قيل وهو الملك، وكذلك: "الأقيال": جمع قيل، ولا يقال في الواحد إلَّا بالياء. 34 - قوله: "دَجْن" بفتح الدال وسكون الجيم، وهو إلباس الغيم السماء، و "الجماء" المرأة التي ليس لمرفقيها حجم، ومنه شاة جماء لا قرنين لها، قوله: "مِكْسَال" بكسر الميم؛ أي: ليست بوثابة ولا سريعة. 35 - قوله: "قليلة جرس الليل" الجَرَس والجرس: الصوت، و "الوسواس" صوت الحلي بها، و "السلسال" والسلسل واحد؛ وهو السهل اللين. 36 - و "العرانين": الأنوف، و "القنا": جمع قناة، "لطاف الخصور" يعني: ضوامر البطون. 37 - و "الأوانس": اللاتي بُؤنس بحديثهن، قوله: "وضَلَّا بتضلال" قال أبو عبيدة: ضل بفتح الضَّاد أراد: ضلالًا [بضلال] (¬2)، قال وما سمعت في "ضُل" بضم الضَّاد إلَّا في قولهم: ضُل ابن ضُل، إذا كان لا يدري من هو ومن أبوه. 38 - و "الردى" الهلاك، و "الخلال": الخصال، و "قالي": فاعل من قلى إذا أبغض. 39 - و "كاعبًا" من كعب ثديها فملأ اليد. 40 - قوله: "ولم أسبأ" من سبأت الخمر أسبؤها سبأ إذا اشتريتها، و "الزق" الروي الذي ¬
يروي من شربة، قوله: "بعد إجفال" أي بعد انقلاع، يقال: أجفلوا إذا انقلعوا. 41 - "والهيكل": العظيم، قوله: "نهد الجُزَارة" وهو بضم الجيم وفتح الزَّاي المعجمة وبعد الألف راء؛ وهي من الجزور القوائم والرأس. 42 - و "الشظى": عظم لاصق بالذراع من باطنه مثل المخرز، فإذا تحرك ذلك العظم شظا كأنه فسخ، و "عبل الشوى": يعني غليظ القوائم، والشواة جلدة الرأس و "النسا" بفتح النون؛ عرق يخرج من الورك يستبطن الفخذ ويجري في الساق فينحرف عن الكتب ثم يخرج في الوظيف حتَّى يبلغ الحافر، فإذا هزلت الدابة ماج فخذها فخفي النسا، وإذا سمنت انفلقت الفخذ بلحمتين فرأيت بينهما كأنه حبل، قوله: "له حجبات" يقال في الورك ثلاثة أسماء: حرفاها اللذان يشرفان على الفخذين: الجارعتان (¬1)، واللذان (¬2) يشرفان على الظهر: الفربان، واللذان (¬3) يشرفان على الخاصرتين: الحجبتان، ويستحب منهما أن تظهرا من اللحم وتشرفا، ويكره منهما أن يغمرها اللحم وأن يدلكا، قوله: "الفالي" أراد القائل وهو عرق يخرج من فوارة الورك فيصير في الرجل، يقول: الحجبة قد أشرفت على هذا العرق. 43 - قوله: "وصم صلاب" يعني: حوافره صلاب، و "الوجا" هو أن يشتكي قوائمه وحوافره (¬4)، قوله: "كأن مكان الردف" أي كأن عجزه عجز رأل من إشرافه على ظهره، والرأل: فرخ النعام، وجمعه: رئال ورئلان، وهو في الأصل مهموز، لكنَّه خفف الهمزة للقافية. 44 - قوله: "أغتدي"؛ أي أغدو قبل خروج الطير، و "الوُكنات" بضم الواو وفتح الكاف؛ وهي الأعشاش، ويروى "أكنانها": جمع أكنة، قوله: "كغيث من الوسمى" وهو أول مطر الرَّبيع، و "رائده" أي مرتاده يجده خاليًا لا أحد فيه لخوفه يقال رجل [خالي] (¬5) إذا كان في خلاء. 45 - قوله: "جاد" من الجود، و "الأسحم": السحاب الأسود، و "الهطال": السيال المتتابع القطر. 46 - قوله: "بعجلزة" العجلزة بكسر العين المهملة وسكون الجيم وكسر اللام، وقيل بفتحها وبفتح العين -أيضًا- وفي آخره زاي معجمة؛ وهو فرس صلب، وكذلك العجلز، قوله: "أترز" بالراء قبل الزَّاي معناه: أيبس وثلاثيَّه: ترز إذا ليس، و "الهراوة" (¬6) بكسر الهاء (¬7) ¬
التي يلف عليها الغزل، و "المنوال" بكسر الميم الأستيج، ويقال: هو الحائك. 47 - قوله: "ذعرت" أي أفزعت، و "الشرب" بكسر السِّين المهملة؛ القطع من البقر والظباء والقطا والجاريات والنساء، و "الخال" بالخاء المعجمة؛ ضرب من البرود اليمانية. 48 - و "الصِّوار" بكسر الصاد؛ القطع من البقر، و "الجمد" بضم الجيم والميم ما صلب من الأرض، و "الأجلال" جمع جل. 49 - قوله: "لرَوْقَيه" تثنيه روق بفتح الراء؛ وهو القرن، و "القَرَى" بفتح القاف والراء؛ الظهر، قوله: "أخنس" من الخنس؛ وهو قصر في الأرنبة وتأخر في الوجه والبقر كلها خنس، قوله: "ذيال" يعني: ذنبه ذيال سابغ. 51 - قوله: "فتخاء الجناحين" يعني: لينة الجناحين، و "اللقوة" بكسر اللام؛ العقاب، قوله: "شماليّ" بالتشديد، أصله شمالي، معناه: شمال، فزيدت فيه الياء؛ كما يقال: رجل ألدّ وألندد بالنون، ورواه المفضل: شمألي، ومعناه: سريعتي، يقال: ناقة شملال وشمللة (¬1). 52 - قوله: "تخطف" أي تختطف هذه العقاب التي يشبه بها فرسه، و "الخِزَّان" (¬2) بكسر الخاء وتشديد الزَّاي المعجمتين، [جمع] (¬3) خزن، وهو الذكر من الأرانب، قوله: "حجرت" بمعنى: توارت، و "أورال" موضع، يقال (¬4): ثعالب ذلك الموضع لا ترعى من خوف ذلك العقاب. 53 - قوله: "والحشف البالي" أي: العتيق، والحشف أردأ التمر. 55 - قوله: "مجد مؤثل" أي: قديم له أصل. 56 - و "حشاشة النَّفس" بغيتها (¬5)، و "الخطوب": الأمور، واحدها خطب، قوله: "ولا آلي" أي: ولا مقصر من ألى يألو. الإعراب: قوله: "تنورتها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "من أذرعات" يتعلق بها. والمعنى: نظرت إلى نارها من أذرعات وأهلها بيثرب، وأراد أن الشوق يخيلها إليه فكأنه ينظر إلى نارها، وهذا مثل ضربه لشدة شوقه، قوله: "وأهلها" مبتدأ وخبره قوله: "بيثرب" والجملة ¬
الشاهد الخامس والثلاثون
حالية، قوله: "أدنى دارها" كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "نظر عالي" خبره، وأراد أن القريب من دارها بعيد فكيف بها ودونها نظر عالي، [أي: مرتفع] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "أذرعات" حيث يجوز فيه الأوجه الثلاثة: الأول: أن يعرب على اللغة الفصحى، فيكسر في الجر والنصب وينون، تقول: هذه أذرعاتٌ، ورأيت أذرعاتٍ، ودخلت في أذرعاتٍ، فيستوي جره ونصبه، ونحوه: عرفات؛ وذلك لأنَّه لما جمع بالألف والتاء ثم سمي به جعل اسمًا مفردًا، وأعرب بعد التّسمية بما كان يعرب به قبلها (¬2). والثاني: أنَّه يعرب ولكن يمنع منه التنوين فيجر وينصب بالكسرة (¬3) تقول: هذه أذرعاتُ، ورأيت أذرعاتِ، ودخلت في أذرعاتِ (¬4). والثالث: أنَّه يمنع من الصرف فيجر وينصب بالفتحة ولا ينون (¬5)، ومنع البصريون الثالث، وأجازه الكوفيون، وأنشدوا البيت المذكور بالفتح، أعني: من أذرعاتَ بفتح التاء، ويروى بالكسر من غير تنوين، وبه مع التنوين وهو المشهور. الشاهد الخامس والثلاثون (¬6)، (¬7) ما أنت باليَقْظَانِ نَاظِرُه إذا ... نَسيِتَ بِما تَهْوَاهُ ذِكْرَ العَوَاقِبِ أقول: لم أقف على اسم قائله. ¬
وهو من الطَّويل من الضرب الثَّاني المماثل للعروض (¬1)، وفيه الثلم وهو حذف فاء فعولن، فيبقى "عولن" فينقل إلى: فعلن، ويختص بالجزء الأول بيانه (¬2)، تقول: "ما أن": فعل أثلم، "ت باليقظا": مفاعيلن، "ن ناظ" فعول مقبوض، "ره إذا": مفاعلن، "نسيت": فعول مقبوض، "بما تهوا": مفاعيلن، " هـ ذكر ال": فعولن، "عواقب": مفاعلن مقبوض (¬3)، وقد أنشده بعضهم: وَما أنت باليَقْظَانِ ............. ... ............................ بالواو فحينئذ لا ثلم فيه، ولكن الرّواية المشهورة الصحيحة بدون الواو. قوله: "باليقظان" أي: بالحذر، قال كراع (¬4): رجل يقظ إذا سهر من غم أو علة، أو كان ذلك عادة، وفي الأساسِ للزمخشري: أيقظه فاستيقظ وتيقظ، ورجل يقظان، وامرأة يقظى وقوم أيقاظ، والاسم اليقظة كالغلبة (¬5). قوله: "ناظره" الناظر من المقلة السوداء: الأصغر الذي فيه إنسان العين، ويقال للعين المناظرة، و "النِّسيان" بكسر النون؛ خلاف الذكر والحفظ، والنَّسيان بالفتح، كثير النسيان للشيء، قوله: "تهواه" من هوي يهوى هوًى كجوي يجوى جوًى إذا أحب، و "العواقب" جمع عاقبة وعاقبة كل شيء: آخره، والمعنى: ما أنت [بالرجل] (¬6) الذي يقظ ناظره إِذا غطى هواك على بصيرتك بسبب محبتك له، ونسيت ذكر عواقب ما يؤول إليه أمرك. الإعراب: قوله: "ما أنت" كلمة "ما" نافية بمعنى ليس، و "أنت": اسمها، و "باليقظان" خبرها، والباء فيه زائدة، والألف والسلام في اليقظان موصولة، فلوجودها انصرف يقظان وإلا لكان غير منصرف للوصف والألف والنون المزيدتين، قوله: "ناظره" مرفوع باليقظان: لأنَّ الصفة المشبهة بالفعل تعمل عمل فعلها كاسم الفاعل واسم المفعول، والتقدير: ما أنت بالذي تيقظ (¬7) ناظره، فلفظة يقظان مع فاعله صلة للموصول، والضمير المجرور بالإضافة عائد إليه. قوله: "إذا" ظرف فيه معنى الشرط، و "نسيت" جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ذكرَ ¬
الشاهد السادس والثلاثون
العواقب" كلام إضافي مفعوله، والباء في: "بما تهواه" للسببية؛ أي: بسبب ما تهواه؛ أي تحبه، وكلمة "ما" تصلح أن تكون موصولة، و "تهواه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، ويصلح أن تكون مصدرية، والمعنى: إذا نسيت ذكر العواقب بسبب هواك. فإن قلت: "إذا" ها هنا تضمنت معنى الشرط فأين جوابه؟ قلت: مقدر محذوف لدلالة السياق عليه، تقديره: إذا نسيت ذكر العواقب بسبب هواك ما أنت باليقظان ناظره، والعامل في "إذا" إما شرطها وإما ما في جوابها من الفعل (¬1) أو شبهه على الاختلاف المشهور بين القوم (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "ما أنت باليقظان" فإنَّه انصرف لوجود الألف والسلام وانجر بالكسرة، وأن الألف والسلام فيه موصولة التي تدخل على اسمي (¬3) الفاعل والمفعول (¬4). الشاهد السادس والثلاثون (¬5)، (¬6) رأَيتُ الوَليدَ بنَ اليزيدَ مُبَاركًا ... شديدًا بأحنَاء الخلافَة كاهلُه أقول: قائله وابن ميادة، واسمه الرَّمَّاح بن أبرد بن ثوبان بن سراقة بن حرملة، كذا قاله ابن بكار (¬7). ¬
وقال ابن الكلبي: ثوبان بن سراقة بن سلمى بن ظالم بن جزيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة بن عوف بن سعد بن ذُبْيَان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان (¬1) بن مضر، وأمه ميادة أم ولده بَربَريَّة، وروي أنها كانت صقلية، ويكْنى أبا شَراحيل، ويقال: أبا شرحبيل، وكان ابن ميادة يزعم أن أمه فارسية. وهو شاعر متقدم من مخضرمي شعراء الدولتين، وجعله ابن سلام في الطبقة السابعة، وقرن به (¬2) عمر بن لجأ (¬3) والقحيف العقيلي (¬4)، والعجير السلولي (¬5)، وكان فصيحًا يحتج بشعره وقد مدح بني أميَّة، وبني هاشم، ومات في صدر من خلافة المنصور، والبيت المذكور من قصيدة هائية (¬6)، وهو أولها وبعده: 2 - أَضَاءَ سِرَاجُ الملكِ فَوْقَ جَبِينَهُ ... غَدَاةَ تَبَارَى بالنجاح قَوَابلهُ (¬7) 3 - عظيمٌ مُشَاشِ المنكبَيِن مخصر ... كنَصْلِ اليمَانِ أنزع الرَّأس كَافِلُهُ 4 - كَأَنَّ ثيَابَ الخزِّ وَهيَ ثيَابُهُ ... عَلَى قضبِ الرِّيحَانِ أفْلَحَ سَائِلُهُ وهي من الطَّويل، من الضرب الثَّاني المقبوض وقافيته من المتدارك والهاء فيه وصل وليست ¬
رويًّا؛ لأنها ليست من نفس الكلمة، والوصل (¬1) يكون بالمدة الكائنة بعد النووي، والهاء الكائنة وصلًا هاء الإضمار، وهاء التأنيث وهاء [السكت] (¬2). 1 - قوله: "رأيت" بمعنى أبصرت، ويجوز أن يكون بمعنى علمت (¬3)، وأراد بالوليد هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وكنيته أبو العباس، قوله: "بأحناء" جمع حِنو بكسر الحاء المهملة؛ وهو حنو السرج والقتب، وحنو كل شيء: اعوجاجه ويروى: "بأعباء الخلافة" جمع عبء بكسر العين وفي آخره همزة؛ وهو كل ثُقل من غرم أو غيره، وأراد "بأعباء الخلافة" أمورها الشاقة، و "الكاهل" ما بين الكتفين. ومعنى البيت: أبصرت هذا الرجل في حال كونه مباركًا شديدًا كاهله بتحمل أمور الخلافة الشديدة، شبهه بالجمل الحمول، وشبه الخلافة بالقتب، وأراد أنَّه يحمل شدائد أمور الخلافة. وحاصله: أن هذا الخليفة ميمون النقيبة على المسلمين، شديد دولته في جوانب ملكه، وعبر عن ذلك بشدة الكاهل على وجه الاستعارة؛ لأنَّ شدة الرجل في العادة باعتباره، فيعبر عن كل شديد في المعنى بشدة الكاهل (¬4). الإعراب: قوله: "رأيت": فعل وفاعل وهو بمعنى أبصرت، فلذلك اكتفى بمفعول واحد وهو قوله: "الوليد"، قوله: "ابن اليزيد" كلام إضافي منصوب؛ لأنَّه صفة للوليد، قوله: "مباركًا" نصب على الحال، والعامل فيها رأيت، قوله: "شديدًا" نصب على أنَّه صفة لـ "مباركًا". وقال ابن هشام: وينبغي أن يكون "شديدًا" مفعولًا ثانيًا، ولا يقال: إنه مفعول ثالث؛ لأنَّ شرط تعدد المفاعيل اختلاف تعلق بينها؛ ألا ترى أنك إذا قلت: أعطت زيدًا دينارًا، فتعلُّق الإعطاء يزيد غير تعلُّقِه بالدينار (¬5). قوله: "بأحناء الخلافة" كلام إضافي جار ومجرور يتعلق بقوله: "شديدًا"، و "كاهله" مرفوع ¬
الشاهد السابع والثلاثون
على أنَّه فاعل لقوله: "شديدًا" وهو صفة مشبهة تعمل عمل فعلها، ويجوز أن يكون رأيت بمعنى علمت؛ فحينئذ يكون له مفعولان: الأول: هو قوله: الوليد، والثاني: هو قوله: مباركًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "الوليد بن اليزيد" حيث أدخل الشاعر فيهما (¬1) الألف والسلام بتقدير التنكير فيهما، وهي في الحقيقة زائدة (¬2). الشاهد السابع والثلاثون (¬3)، (¬4) ...................... ... تَبِيتُ بَلِيل أمأرمَدِ اعْتَادَ أَوْلَقا أقول: قائله بعض الطائيين، ولم أقفْ على اسمه، وأوله: أئِنْ شِمْتَ مِنْ نَجْدٍ بَرِيقًا تَأَلقا ... ........................... وهي من الطَّويل، والقافية من المتدارك. قوله: "أئن شمت" من شمت البرق أشيمُه شَيمًا إذا نظرته أين يصوب، قوله: "بريقًا" أي لمعانًا، ووجدته بخطِّ [بعض] (¬5) الفضلاء على صورة التصغير، قوله: "تألّقا" بتشديد اللام يقال تألق البرق إذا لمع. قوله: "بليل أمارمد" أراد بليل الأرمد، والميم أبدلت من اللام، وهو لغة أهل اليمن، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من امبر في امصيام في امسفر" (¬6). وفي بعض الروايات: "تكابد ليل أمأرمد" من المكابدة، وهي من المعاناة (¬7) والمقاساة، قوله: "أولقًا" الأولق: الجنون، والبيت من القلوب، والمعنى: أئن لاح لك من هذه الجهة أدنى بريق بت بليلة رجل أرمد اعتاده الجنون. ¬
الشاهد الثامن والثلاثون
الإعراب: قوله: "أئن شمت" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، وإن: حرف شرط، وشمت جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، و "من نجد" يتعلق به، وقوله: "بريقًا" مفعول شمت وهو بضم الباء الموحدة وفتح الراء؛ تصغير برق، صغر للتقليل والتحقير، قوله: "تألقا" جملة وقعت صفة لـ "بريقًا"، قوله: "تبيت" جواب الشرط (¬1). قوله: "بليل أمأرمد" أي في ليل أمأرمدٍ، وأرمد لا ينصرف للصفة والوزن، ولكن لما دخلت عليه أم المعرفة جر بالكسرة، كما يفعل به ذلك مع الألف والسلام، قوله: "اعتاد" فعل ماض وفيه ضمير مستتر يرجع إلى الأرمد، وهو فاعله وقوله: "أولقا" مفعوله، والجملة وقعت حالًا لأنَّه اكتسى حلية التعريف في اللفظ، ويحتمل الوصف؛ لأنَّه نكرة في المعنى، ومثله: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]، وقوله: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]. الاستشهاد فيه: في قوله: "بليل أمأرمد" فإن أرمد لا ينصرف، ولكن لما دخله الميم التي هي عوض اللام على لغة أهل اليمن انجر بالكسرة، كما ينجرّ فيما إذا دخله اللام نحو: مررت بالأحسن، ثم ما لا ينصرف إذا دخله "أل" أو عِوضه وانجر بالكسرة، هل يسمى منصرفًا أو لا؟ فيه خلاف مشهور (¬2). الشاهد الثامن والثلاثون (¬3)، (¬4) وعِرقُ الفَرَزدَق شرُّ العُروقِ ... خَبِيثُ الثّرَى كَابِئُ الأزْنُدِ أقول: قائله هو جرير بن عطية يهجو فرزدقًا والبعيث والأخطل، وهو من قصيدة دالية، وهي طويلة، وأولها (¬5): ¬
1 - زَارَ الْفَرَزْدقُ أهلَ الحِجَازِ ... فَلَمْ يَحْظَ فِيهْم وَلمْ يُحْمَدِ 2 - وَأَخْزَيْتَ قَوْمَكَ عِندَ الحَطِيمِ ... وبين البَقيعَين والغَرْقَدِ 3 - وَجَدْنَا الفَرزدقَ بالموْسِمينْ ... خَبيثَ المدَاخِل والمَشْهَدِ 4 - نَفَاكَ الأَغَرُّ بنُ عَبْد العَزيز ... بِحَقِّكَ تُنْحى عَن المسَجْد (¬1) 5 - وَشَبّهْتَ نفسك أشقَى ثمودَ ... فقالوا ضَللْتَ ولم تَهْتَدِ 6 - وقد أُجِلُّوا حين حَلّ العَذَابُ ... ثلاثَ لَيالٍ إلى الموْعِدِ 7 - وَشبّهْتَ نفسَك حوقَ الحمار ... خَبِيثَ الأواريِّ وَالمِرْوَدِ 8 - وجدنَا جُبَيْرًا أبا غالِبٍ ... بعيدَ القَرَابَةِ من مَعْبَدِ 9 - أتجعلُ ذا الكير من مالكٍ ... وأين سُهَيْلُ منَ الفَرْقد 10 - وشرُّ الفلاءِ ابنُ حوقِ الحِمارِ ... وتلْقى قُفيَرة بالمَرْصَدِ 11 - وعِرْقُ الفَرَزْدق شَرُّ العُرُوق ... خبيثُ الثرى كابى الأزنُدِ وهي من المتقارب، وهي الدائرة الخامسة وهي دائرة المتفق المشتملة على بحْرَي المتقارب والمتدارك، وأصله في الدائرة: "فعولن" ثمان مرات، وفيه الحذف والثلم (¬2). 2 - قوله: "والغرقد" بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف؛ وهو شجر، وبقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة. 7 - قوله: "الأواري" بفتح الهمزة؛ وهي محابس الخيل ومرابطها، واحدها: آرى، و "المرود" بكسر الميم هي الحديدة التي تدور في اللجام، ومحور البكرة إذا كان من حديد. 10 - قوله: "حُوق الحمار" الحوق بالضم؛ ما أحاط بالكمرة من حروفها. 11 - قوله: "وعرق الفرزدق" أراد به أصله، يعني أصل الفرزدق شر الأصول، قوله: "خبيث الثرى" بالثاء المثلثة؛ أي خبيث التربة، وأراد به الأصل أيضًا، ويقال للرجل إذا كان رديء الأصل: خبيث التراب، قوله: "كابي الأزند" من كبا الزند إذ لم يخرج ناره، والأزند بضم النون؛ جمع زند، قال الجوهري: الزند: العود الذي يقدح به النار وهو الأعلى، والزندة ¬
الشاهد التاسع والثلاثون
السفلى فيها ثقب وهي الأنثى، فإذا اجتمعا قيل: زندان، ولم يقل زندتان، والجمع زِناد، وأزنُد، وأزْنَاد (¬1). الإعراب: قوله: "وعرق الفرزدق" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "شر العروق"، قوله: "خبيث الثرى، كلام إضافي خبر بعد خبر، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: هو خبيث الثرى، ويجوز أن ينتصب على الذم، وكذا الكلام في قوله: "كابي الأزنُد" على الذم لا يبقى فيه شاهد؛ لأن الشاهد فيه إذا كانت الياء مضمومة، وذلك لأن علامة الرفع هي الضمة المقدرة في الياء، ويجعلون ذلك لأجل الاستثقال لا لأجل تعذر إمكان النطق بها، ألا ترى أنها قد ظهرت ها هنا في قوله: كابي الأزند، ولكنه محمول على الضرورة، وفي السعة لا تظهر الضمة بل تقدر؛ كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} [القمر: 6] فإن الداعي مرفوع لأنه فاعل، وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الياء (¬2). الشاهد التاسع والثلاثون (¬3)، (¬4) فَيَوْمًا يُوَافِينَ الهَوَى غَيْرَ مَاضِي (¬5) ... وَيَوْمًا تَرَى مِنْهُنَّ غُولًا تَغَوَّلُ أقول: قائله هو جرير بن عطية. وهو من قصيدة طويلة من الطويل يهجو بها الأخطل، وأولها قوله (¬6): 1 - أَجِدَّكَ لا يَصْحُو الفُؤَادُ المعُلَّلُ ... وَقَدْ لاحَ من شَيْبٍ عذارٌ وَمِسْحَلُ ¬
2 - أَلا لَيْتَ أَنَّ الظَّاعِنِينَ بذي الغَضَا ... أَقَامُوا وَبَعْضُ الآخَرِينَ تَحَمَّلُوا 3 - فَيَوْمًا يُجَازِينَ الهَوَى غير ماضي ... وَيَوْمًا تَرَى مِنْهُنَّ غُولًا تَغَوَّلُ 4 - أَلا أَيُّهَا الوَادِي الذِي بَانَ أَهْلُهُ ... فَسَاكِنٌ مَغْنَاهُمْ حَمَامٌ وَدُخَّلُ 5 - فَمَنْ رَاقَبَ الجَوْزَاءَ أَوْ بَاتَ لَيْلَهُ ... طَويلًا فَلَيْلِي بالمُجَازَاةِ أَطْوَلُ 1 - قوله: "أجدك" معناه: أبجد منك، ونصبها على طرح الباء، قال أبو عمرو: معناه: ما لك أحقًّا منك، ونصبها على المصدر (¬1)، قوله: "ومسحل" بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء المهملتين، قال ابن عباد (¬2): مسحل الرجل: عارضه. 2 - قوله: "بذي غضا" بفتح الغين والضاد المعجمتين؛ وهو اسم وادٍ بنجد. 3 - قوله: "يوافين الهوى" أي يجازين الهوى، وهكذا هو وقع في رواية الزمخشري، وهو من المجازاة بالزاي المعجمة (¬3)، قال ابن بري: ويروى: يجارين بالراء، ومجازاتهن الهوى يعني بألسنتهن، أي يجارين الهوى بألسنتهن ولا يمضينه، قوله: "غير ماضي" من مضى يمضي، ويروى: غير ما صبا، من صبا يصبو بالصاد المهملة أي: من غير صبا منهن إليّ، وقال ابن القطاع: الصحيح: "غير ما صبا" وقد صحفه جماعة. قلت: وهكذا هو في ديوانه كما ذكرنا آنفًا، فعلى هذا لا استشهاد فيه. قوله: "غولًا" بضم الغين؛ وهو من السعالي جمع سعلاة وهي أخبث الغيلان، قوله: "تغول" أصله تتغول فحذفت إحدى التائين كما في: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] وهو من تغولت الإنسان الغول، أي ذهبت به وأهلكته. المعنى: أنه يصف النساء بأنهن يومًا يجازين العشاق بوصل مقطع ويومًا يهلكنهم بالصدود والهُجران، قوله: "ودخل" بضم الدال وتشديد الخاء المعجمة؛ وهو طائر صغير ويجمع على: دخاليل. الإعراب: قوله: "فيومًا" الفاء للعطف و "يومًا" منصوب على الظرف، قوله: "يوافين" جملة من ¬
الشاهد الأربعون
الفعل والفاعل والضمير فيه يرجع إلى النساء، وقوله: "الهوى" فيه حذف تقديره: ذا الهوى؛ أي ذا العشق، أي صاحبه، وهو منصوب على أنه مفعول لقوله: يوافين. قوله: "غير ماضي" كلام إضافي منصوب؛ لأنه مفعول ثان لقوله: "يوافين"؛ لأن فعل الموافاة والجزاء يقتضي مفعولين، تقول: وافاك الله خيرًا، وجزاك (¬1) خيرًا، وهو في الحقيقة صفة لمصدر محذوفٍ تقديره: وصلًا غير ماضي، أو يكون التقدير: يوافين موافاة غيرَ ماضي، أو يجازين جزاء غير ماضي، قوله: "ويومًا" عطف على قوله: "فيومًا". قوله: "ترى" فعل مخاطب وفاعله مستتر فيه، قوله: "غولًا" مفعوله الأول، وقوله: "تغول" جملة فعلية في محل النصب على أنها مفعول ثانٍ لقوله ترى، قوله: "منهن" يتعلق بقوله ترى؛ أي من النساء. الاستشهاد فيه: في قوله: "غير ماضي" حيث حركت الياء في "ماضي" للضرورة، والقياس إسكانها؛ لأنه فاعل من مضى يمضي؛ كقاضٍ من قضى يقضي، فبعد الإعلال يصير ماضيًا وتحذف منه الياء، ويكتفى بالنون فافهم (¬2). الشاهد الأربعون (¬3)، (¬4) أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي ... بِمَا لاقَتْ قَلُوصُ بَنِي زِيَادِ أقول: قائله هو قيس بن زهير العبسي شاعر جليل. وهو من قصيدة دالية من الوافر، وأولها هو البيت المذكور، وبعده (¬5): ¬
2 - وَمَحْبَسُهَا على القرشي تُشْرَى ... بأَدْرَاع وَأَسْيَافٍ حِدَادٍ 3 - كَمَا لاقِيتُ منْ حَمْلِ ابنِ بَدْرٍ ... وَإخْوَتِهِ عَلَى ذَاتِ الإِصَادِ 4 - فَهُمْ فَخِرُو عَلَيَّ بغيرِ فَخْرٍ ... وَرَدُّوا دُونَ غَانِيَةٍ جَوَادِي 5 - وَكُنْتُ إذا مُنِيتُ بخصمٍ سَوْءٍ ... دلِفْتُ لَهُ بدَاهِيَةٍ نآدِي (¬1) 6 - وَقَدْ دَلِفُوا إلَيَّ بِفِعْلِ سَوْءِ ... فَألْفَوْنِي لهم صعبَ القيَادِ 7 - أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوي ... إلَى جَارٍ كَجَارِ أَبِي دُؤَادِ 8 - جَزَيْتُكَ يَا رَبِيعُ جَزَاءَ سُوءٍ ... وَقَدْ تُجْزَى المقَارِضُ بالإِيادِي 9 - وَمَا كَانَتْ بفَعْلَةٍ مثلُ قَيْسٍ ... وَإنْ تَكُ قدْ غدرتَ ولم تُعَادِي 10 - أَخَذْتُ الدِّرَعَ مِنْ رَجُلٍ أَبِيٍّ ... وَلَمْ تَخْشَ العُقُوبةَ في المِعَادِ 11 - وَلَوْلا صِهْرُهُ مِنِّي لَكَانَتْ ... بهِ العَثَرَاتُ في سُوءِ المقَادِ وقصته أن قيس بنَ زهير قال هذا الشعرَ فيما كان شجر بينه وبين الربيع بن زياد العبسي، وذلك أن أحيحة بن الجلاح كان وهب لقيس بن زهير دروعًا (¬2) يقال له: ذات الحواشي، فأخذها منه الربيع بن زياد، وأبي أن يردها عليه، فأغار قيسٌ على إبل الربيع بن زياد، وأخذ له أربعمائة ناقة، وقتل رُعاتها وفرّ إلى مكة، فابتاعها من حرب بن أمية وهشام بن المغيرة بخيل وسلاح وقال في ذلك، ويقال: ابتاعها من عبد الله بن جدعان. 1 - قوله: "والأنباء" بفتح الهمزة؛ جمع نبأ وهو الخبر، قوله: "تنمي" بفتح التاء المثناة الفوقية (¬3)، من نَمَيْتُ الحديث أَنْمِيهِ بالتخفيف إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت: نمَّيْته بالتشديد، قاله أبو عبيد وابن قتيبة (¬4). قوله: "قلوص بني زياد" القلوص بفتح القاف وضم اللام؛ هي الناقة الشابة، ويقال: لا تزال قلوصًا حتى تصير بازلًا، ويجمع (¬5) على: قِلاص وقلائص وقُلُص، ويروى: بما لاقت لبون بني زياد، اللبون (¬6) بفتح اللام؛ الناقة ذات اللبن، ويسمى ابنها: ابن اللبون، وبنتها: بنت لبون، وهما إذا أتى عليهما سنتان، ودخلا في الثالثة فصارت أمهما لبونًا، أي ذات لبن؛ لأنها تكون قد حملت حملًا آخر ووضعته، و "بنو زياد" هم الربيع وإخوته، وهم الذين أغار قيس بنُ زياد على إبلهم. ¬
2 - قوله: "ومحبسها على القُرَشِيّ" أي محبس قلوص بني زياد، أراد حبسها، وأراد بالقرشي: حرب بن أمية، أو عبد اللَّه بن جدعان، و "الأدراع" جمع درع، و "الأسياف" جمع سيف، و "حداد" جمع حديدة، من حدّ السيف يَحُدّ حِدَّة إذا صار حادًّا أو حديدًا. 3 - قوله "الإصاد" بكسر الهمزة، قال الجوهري: ذات الإصاد هو الموضع الذي كان فيه غاية في الرهان بين داحس فرس قيس بن زهير العبسي، والغبراء فرس حذيفة بن بدر الفزاري، وبسببها كانت الوقعة المشهورة في العرب بداحس والغبراء، ودامت بينهم أربعين سنة، و "الإصاد" أجمة (¬1) كثيرة الحجارة بين أجبل (¬2). 5 - قوله: "إذا منيت" بضم الميم وكسر النون؛ أي إذا ابتليت، قوله: "دلفت له" أي تقدمت له، يقال: دلفت الكتيبة في الحرب؛ أي تقدمت، قوله: "نأدى" بفتح النون والهمزة، قال الجوهري: النآدى: الداهية، ويكون ذكرها للتأكيد (¬3). 6 - قوله: "وقد دلفوا" أي تقدموا إليّ. الإعراب: قوله: "ألم يأتيك" الهمزة للاستفهام، ويأتيك: جملة من الفعل والمفعول والفاعل، قوله: "بما لاقت" الباء فيه زائدة، قوله: "والأنباء تنمي" جملة معترضة بين الفعل ومرفوعه، ويحتمل أن يكون: "يأتي وتنمي" قد تنازعا في قوله: "ما لاقت" فأعمل الثاني وأضمر الفاعل في الأول فحينئذ لا يكون اعتراض، ولا حكم بزيادة الباء، فافهم (¬4) قوله: "قلوص بني زياد" كلام إضافي وارتفاع قلوص بقوله: لاقت. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألم يأتيك" حيث أثبت الشاعر الياء مع الجازم (¬5)، وفي سر الصناعة رواه يعني أصحابنا: "ألم يأتك"؟ على ظاهر الجزم، فحينئذ لا استشهاد فيه (¬6)، وعن الأصمعي: أهل أتاك والأنباء تنمي؟ ولا استشهاد فيه أيضًا. ¬
الشاهد الحادي والأربعون
الشاهد الحادي والأربعون (¬1)، (¬2) ........................ ... لمْ تَهْجُو ولمْ تَدَعِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِرًا ... مِنْ هَجْو زَبَّانَ ................ وهو من البسيط. و"زبان" بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة؛ اسم رجل، واشتقاقه من الزبب وهو طول الشعر وكثرته. الإعراب: قوله: "هجوت" فعل وفاعل، و "زبان" مفعول به، قوله: "ثم جئت" عطف على هجوت، قوله: "معتذرًا" نصب على الحال من الضمير الذي في جئت، وقوله: "من هجو" جار ومجرور متعلق بقوله "معتذرًا" و "زبان" مضاف إليه، وهو مفتوح في موضع الجر؛ لأنه منع من الصرف لأجل العلمية والألف والنون المزيدتين. قوله: "لم تهجو" جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: لم تهجوه، وكذا الكلام في قوله: "ولم تدع" أي: ولم تدعه، أي لم تتركه من الهجو، وأراد بهذا الكلام الإنكار عليه في هجوه، ثم اعتذاره عنه؛ حيث لم يستمر على حالة واحدة، فلا هو استمر على هجوه ولا هو تركه من الأول، فصار بين الأمرين، فلا ذم في هجوه لأجل اعتذاره، ولا شكر على اعتذاره لسبق هجوه. فإن قلت: ما موقع (¬3) الجملتين من الجمل الأولى؟. قلت: وقعتا كاشفتين؛ فلذلك تركا العاطف بينهما فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "لم تهجو" حيث أثبت الشاعر الواو مع الجازم، وقد تقرر في القاعدة أن الياء والواو والألف التي تقع في آخر المضارع تحذف عند الجوازم نحو: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش، ¬
الشاهد الثاني والأربعون
وإثباتها معها شاذ فلا يرتكب إلا للضرورة (¬1). الشاهد الثاني والأربعون (¬2)، (¬3) ............................ .... ولا تَرْضَاهَا وَلا تَمَلَّقِ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، وأوله: 1 - إذا العَجُوزُ غَصِبَتْ فَطَلِّقْ ... وَلا تَرْضَاهَا ولا تَمَلَّق 2 - واعْمِدْ لأُخْرَى ذَاتِ دل مونق ... لَيِّنَة المسِّ كمَسِّ الخِرْنِق وهي من الرجز المسدس، وفيه الخبن والخبل باللام. المعنى: إذا غضبت العجوز وخاصمتك فطلقها ولا ترفق بها واقصد لغيرها من ذوات الدلال الأنيقة، و "الخرنق" بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر النون؛ ولد الأرنب. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و "العجوز" مرفوع بفعل يفسره الظاهر بعده، أي إذا غضبت العجوز، قوله: "فطلق" جواب الشرط، وفاعل "طلق" أنت مستتر فيه، قوله: "ولا ترضاها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله: "فطلق"، قوله: "ولا تملق" عطف على قوله: "ولا ترضاها"، أصله: ولا تتملق، فحذف إحدى التاءين. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا ترضاها" حيث أثبت الشاعر فيه الألف وقدر الجزم تشبيهًا بالياء في قول الآخر (¬4): أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تَنْمِي ... ................................ وقال ابن جني: وقد روي على الوجه الأعرف: ولا ترضَّها ولا تملق (¬5) وقد أجاب بعضهم عن هذا بأن "لا" في قوله: "ولا ترضاها" نافية وليست بجازمة، والواو فيه للحال، والتقدير حينئذ: فطلقها حال كونك غير مترض عنها، ويكون قوله: "ولا تملق" جملة نهي معطوفة ¬
الشاهد الثالث والأربعون
على جملة الأمر التي هي قوله: "فطلق" (¬1). فإن قلت: هل يجوز عطف [النهي على] (¬2) الأمر؟ قلت: هذا لا خلاف فيه (¬3)، وإنما الخلاف في عطف الخبر على الإنشاء وفي عكسه، فمنعه أهل المعاني والبيان (¬4)، ووافقهم على ذلك ابن عصفور وابن مالك (¬5)، وابن عصفور نقل هذا عن الأكثرين، وأجازه الصفار (¬6) وجماعة (¬7). وأما عطف الاسمية على الفعلية وبالعكس ففيه ثلاثة أقوال: الجواز مطلقًا، والمنع مطلقًا، والثالث قاله أبو علي: إنه يجوز في الواو فقط، وأضعفها القول الثاني (¬8). الشاهد الثالث والأربعون (¬9)، (¬10) مَا أَقْدَرَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِي عَلَى شَحَطٍ ... مَنْ دَارُهُ الحَزْنُ مِمَّنْ دَارُهُ صُولُ أقول: قائله هو حُنْدُج بن حُنْدُج المري، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله: 1 - فيِ لَيْلِ صُولٍ تنَاهَى العَرْضُ والطُّولُ ... كأنما ليلُهُ بالحَشْرِ موصولُ 2 - لا فَارقَ الصبحُ كفي إِنْ ظَفَرْتَ ... بِهِ وَإنْ بدتْ غُرَّةٌ منهُ وتحجيلُ 3 - لساهرٍ طال في صولٍ تململُهُ ... كأنه حيةٌ بالسَّوطِ مقتولُ 4 - متَى أرى الصبحَ قدْ لاحتْ مخايلُه ... والليلُ قدْ مُزِّقتْ عنهُ السرابيلُ 5 - ليلٌ تحيرَ ما ينحطُّ في جِهَةٍ ... كأنهُ فوق متنِ الأرضِ مشكولُ ¬
6 - نُجُومُهُ رُكَّدٌ ليستْ بزائلةٍ ... كأنما هنَّ في الجوِّ القناديلُ 7 - ما أقدرَ اللهَ أنْ يُدني على شَحَطٍ ... مَنْ دَارُهُ الحَزْنُ ممَّنْ دارُه صُولُ 8 - اللهُ يطوي بساط الأرضِ بينهما ... حتى ترى الرَّبْعَ منه وهو مَأْهُولُ وهي من البسيط والقافية متواترة. 1 - قوله: "تناهى العرض والطول" جعل الليل من المجسمات حتى جعله ذا طول وعرض. 2 - قوله: "لا فارق الصبح كفي "يجوز أن يكون [دعاء] (¬1) أي: لا فارق اللَّه بيني وبينه ويجوز أن يكون إخبارًا، والمعنى: أنه يتشبث به فلا يفارقه، وعني بالغرة والتحجيل: تباشير الصباح ممتزجة بالظلام. 3 - و "التململ" القلق والانزعاج. 4 - قوله: "متى أرى الصبح؟ " [لفظة: متى] (¬2) استفهام ومعناه التمني، قوله: "قد مزقت عنه السرابيل" أي الظلام. 7 - قوله: "أن يدني" من الإدناء، من دنا يدنو إذا قرب، قوله: "على شحط" بالشين المعجمة والحاء المهملة، أي [على] (¬3) بعد، من شحط يشحط بفتح عين الفعل فيهما والمصدر: شحْط بفتح الشين وسكون الحاء، وها هنا حركت الحاء للضرورة، أو يكون الشحط بالتسكين مصدرًا وبالتحريك اسمًا. قوله: "من داره الحزن" بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو اسم موضع ببلاد العرب، قال الجوهري: الحزن: بلاد العرب، والحزْن في الأصل: ما غلظ من الأرض وفيه حُزُونة (¬4)، قوله: "صول" بضم الصاد المهملة وسكون الواو؛ اسم موضع قاله الجوهري (¬5)، قلت: هو اسم ضيعة من ضياع جرجان، ويقال لها جول بالجيم. الإعراب: قوله: "ما أقدر الله! " مثل: ما أعظم اللَّه! وكلاهما تعجب. فإن قلت: هذا مشكل [وذلك] (¬6) لأنك إذا قلت: ما أحسن زيدًا! فإن معناه: أي شيء ¬
جعله حسنًا، وها هنا كيف يقال: أي شيء جعل اللَّه قادرًا! وصفات الله قديمة؟! قلت: هذا السؤال وارد على قول الفراء؛ حيث جعل "ما" في باب التعجب استفهامية (¬1) وهو ضعيف لاقتضاء الاستفهام الجواب (¬2)، والوجه في ذلك ما قاله سيبويه، وهو ما في قولك: ما أحسن زيدًا! نكرة معناه: شيء أحسن زيدًا، وهو في محل الرفع على الابتداء، وما بعده خبره (¬3)، والمسوغ لذلك كون القصد منه التعجب لا الإخبار المحض. واشتراط تعريف المبتدأ إنما هو في الخبر المحض، وأما على قول الفراء فالتقصي عن ذلك بأن يقال: إن العباد اعتقدوا عظمة اللَّه وقدرته، وأنهما قديمتان ولا يخطر بالبال أن شيئًا صيره كذلك وقد خفي علينا، وكال: ما أقدر اللَّه! لفظة تعجب ومعناه: الطلب والتمني، ثم [إن] (¬4) "ما" نكرة بمعنى شيء، والضمير في "أقدر" يرجع إليه، ولفظة "الله" مفعوله. قوله: "أن يدني" أي: على أن يدني، فحذف الجار، ومثل هذا الحذف يكثر مع أن لطوله بصلته، و "أن" مصدرية. والتقدير: ما أقدر اللَّه على إدناء من داره الحزن ممن داره صول! أراد: أن يدني من هو مقيم بالحزن ممن هو مقيم بالصول، قوله: "على شحط" يتعلق بقوله: "يدني" وموضعه النصب على الحال، قوله: "من داره الحزن" كلمة "من" موصولة، و "داره" كلام إضافي مبتدأ و "الحزن" خبره والجملة صلة الموصول، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول لقوله: يدني. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن يدني" حيث أثبت الشاعر [فيه] (¬5) الياء ساكنة مع تقدير النصب، وهو قليل (¬6). ¬
الشاهد الرابع والأربعون
الشاهد الرابع والأربعون (¬1)، (¬2) ............................... ... أَبَى اللهُ أَن أَسْمُوَ بِأُمٍّ ولا أَبٍ أقول: قائله هو عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الجفري، كان سيد بني عامر في الجاهلية. قال أبو موسى (¬3): اختلف في إسلامه وأورده أبو العباس المستغفري (¬4) في الصحابة -رضي الله عنهم-، وقال ابن الأثير (¬5): قول المستغفري وغيره ليس بحجة في إسلام عامر؛ فإن عامرًا لم يختلف أهل النقل من المتقدمين أنه مات كافرًا، وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، وعلى أربد بن قيس أخي لبيد لأمه، وقال (¬6): "اللهم اكفنيهما بما شئت" فأنزل الله على أربد صاعقة، وأخذت عامر الغدة، فكان يقول: غدة كغدة البعير، ومات في بيت سلولية، فلم يختلفوا في ذلك، وأول البيت المذكور: فمَا سَوَّدَتْنِي عَامِر عَنْ ورَاثَةٍ ... أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُوَ بأُمٍ ولا أَبٍ وهو من قصيدة بائية، وهي هذه (¬7): 1 - تقولُ ابنَة العَمْرِيّ ما لك بعدما ... أراكَ صحيحًا كالسَّليمِ المعذَّبِ 2 - فقلتُ لها هَمِّي الذي تعرفينَهُ ... منَ الثأرِ في حيِّيْ زُبَيْدٍ وأرْحَبِ 3 - إنْ أغزُ زُبَيْدًا أغْزُ قومًا أعزةً ... مراكبُهُم في الحيِّ خيرُ مراكبِ 4 - وإنْ أَغْزُ حيَّيْ خثعمٍ فَدِمَاؤُهُمْ ... شفاءٌ وخيرُ الثأرِ للمتأوِّبِ 5 - فمَا أدْرَكَ الأوتارَ مثلَ محقِّقٍ ... بأجردَ طاوٍ كَالعَسِيبِ المشذَّبِ ¬
6 - وأسمرَ خَطِّي وأبيضَ باترٍ ... وزَغْفَ دِلاصٍ كالغديرِ المثوِّبِ 7 - فإني وإن كنت ابنَ سيدِ عامرٍ ... وفارسهَا المشهورَ في كلّ موكبِ 8 - فَمَا سَوَّدَتْنِي عامرٌ عنْ وراثَةٍ ... أبى اللهُ أن أسموَ بأمٍ ولا أبِ 9 - ولكنني أحمِي حمَاهَا وأتَّقِي ... أذَاهَا وأرْمِي من رماها بمَنْكِبِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "كالسليم" أي: كاللديغ. 2 - و "زبيد" بضم الزاي [المعجمة] (¬1) وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، و "أرحب" بالحاء المهملة؛ وهما قبيلتان. 5 - قوله: "فما أدرك الأوتار" جمع وتِر بالكسر؛ وهي الجناية، و "الأجرد" الذي لا شعر عليه، و "الطاوي" هو طاوي البطن، و "العسيب" بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة؛ منبت الذنب، و "المشذب" بضم الميم وفتح الشين المعجمة والذال المعجمة المشددة؛ وهو الطويل، يقال: فرس مشذب، وجذع مشذب؛ أي: طويل، وكذا يقال لكل طويل. 6 - و "الأسمر": الرمح، و "الخطي" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة؛ نسبة إلى الخط؛ موضع باليمامة تنسب إليه الرماح، و "الأبيض" السيف، و "الباتر" القاطع، قوله: "وزغف" بفتح الزاي وسكون الغين المعجمتين وفي آخره فاء؛ جمع زغفة (¬2) بفتحتين؛ وهي الدرع الواسعة، قوله: "دلاص" بكسر الدال، الدرع اللينة والتقدير في البيت: وزغف ودلاص. 8 - قوله: "فما سودتني" من السيادة، قوله: "أن أسمو" من السمو، وهو العلو والارتفاع. 9 - قوله: "حماها" الضمير فيه وفي قوله: "أذاها ورماها" وفي قوله: "وفارسها" كلها ترجع إلى عامر، وهو اسم قبيلة؛ فلذلك أنث الضمائر (¬3)، قوله: "بمنكب" بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف؛ وهو (¬4) أعوان العرفاء، وقيل: المنكب: رأس العرفاء، من النكابة وهي العرافة والنقابة. والمعنى: وأرمي من رماها بجماعة رؤساء من الفوارس، والدليل عليه ما جاء في رواية أخرى، و "بمقنب" (¬5) بكسر الميم وسكون القاف وفتح النون؛ وهي جماعة الخيل والفرسان، وقيل: هي ¬
الشاهد الخامس والأربعون
دون المائة، وقال ابن فارس: المقنب: نحو الأربعين من الخيل، والقنب: الجماعة من الناس (¬1). الإعراب: قوله: "فما سودتني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "عامر" فاعله، وأراد بـ"عامر" بني عامر القبيلة؛ فلذلك أنث الفعل المسند إليها؛ لأنه كان سيد بني عامر، قوله: "من وراثة" متعلق (¬2) بقوله: "سودتني" ومحلها النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، والتقدير: ما سودتني عامر سيادة حاصلة عن وراثة، وأراد بهذا الكلام: أن سيادته من نفسه لأجل كرمه وشجاعته لا أنها وراثة من أبيه (¬3) وأن الرجل الكريم وإن كان آباؤه لئامًا لم يضره، وإن كان آباؤه كرامًا لم ينفعه، والأصل: أن يكون كرم الشخص في ذاته وسليقته. قوله: "أبى اللَّه" من الإباء، وهو شدة الامتناع، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أن أسمو" مفعول، و "أن" مصدرية، والتقدير: أبى الله سموي، أي: علوي وسيادتي لأم وأب، أي: من جهة الآباء والأمهات، قوله: "ولا أب" عطف على قوله: "بأم"، وزاد كلمة: "لا" تأكيدًا للنفي، وأخَّر الأب لأجل القافية. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن أسمو" حيث سكن الشاعر الواو مع الناصب؛ لأن الحق أن يقال: أن أسموَ بنصب الواو، ولكنه سكنها للضرورة (¬4). الشاهد الخامس والأربعون (¬5)، (¬6) ............................... .... تساويُ عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهِمِ أقول: هذا البيت أنشده الفراء، ولم يذكر قائله، وقال أبو حيان (¬7): لا يعرف قائله، بل لعله ¬
مصنوع، قلت: قائله رجل من الأعراب، وله حكاية نذكرها الآن -إن شاء الله تعالى- وصدره: فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ ... .......................... وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - توسمتُهُ لمَّا رَأَيْتُ مَهَابَةً ... عَلَيهِ وقلْتُ المرْءُ مِنْ آل هاشِمِ 2 - وإلَّا فَمِنْ آلِ المُرَارِ فإنهمْ ... ملوكٌ عِظَامٌ من كرامٍ أَعَاظِمِ 3 - فقُمْتُ إِلَى عنزِ بقيَّةِ أَعْنُزٍ ... لأذبحَهَا فعل امرِئ غيرِ نادمِ 4 - فَعَوَّضَنِي عَنْهَا غِنَايَ وَلَمْ تَكُنْ ... تساويّ عَنْزِي غيرَ خَمْسِ دراهِمِ 5 - فقلتُ لأهلِي في الخَلاءِ وَصِبْيَتِي ... أَحَقًّا أرى أم تلكَ أحلامُ نائمِ 6 - فقالوا جَمِيعًا لا بل الحقُّ هذه ... تخب بها الرُّكْبَانُ وسْطَ المواسِمِ 7 - بخمسِ مئينَ من دنانيرَ عُوِّضَتْ ... من العنزِ ما جادتْ به كفُّ حاتمِ وحكايته أنه خرج عبد اللَّه بن العباس - رضي الله تعالى عنهما - مرة يريد معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنهما - فأصابته سماء، فنظر إلى نويرة عن يمينه، فقال لغلامه: مل بنا إليها، فلما أتياها إذا شيخ ذو هيئة رثَّةٍ، فقال له الشيخ: انِخْ انزل حُيِّيتَ، ودخل إلى منزله فقال لامرأته: هيِّئِي لي شاتك أقضي بها ذمام هذا الرجل؛ فقد توسمت فيه الخير؛ فإن يكن من مضر فهو من بني عبد المطلب، وإن يكن من اليمن فهو من بني آكل المرار، فقالت له: قد عرفت حال صبيتي، وإن معيشتهم منها، فأخاف الموت عليهم إن فقدوها، فقال: موتهم أحبّ إليّ من اللؤم، ثم قبض على الشاة وأخذ الشفرة، وأنشد (¬2): 1 - قَرِينَتِي لا تُوقِظُنِي بَنِيَّهْ ... إِنْ يُوقَظُوا يَنْتَحِبُوا علَيَّهْ 2 - وَيَنْزَعُوا الشَّفْرَةَ مِنْ يَدَيَّهْ ... أَبْغَضُ هذا أن يُرَى لَدَيَّهْ ثم ذبحها وقشط جلدها وقطعها أرباعًا وقذفها في القدر حتى إذا استوى أثرد في جفنته (¬3) فعشاهم ثم غداهم، فلما أراد عبد الله الرحيل، قال لغلامه: ارم للشيخ ما معك من نفقة، فقال: ذبح لك الشاة فكافأته بمثل عشرة أمثالها وهو لا يعرفك، فقال: ويحك! إن هذا لم يكن يملك من الدنيا غير هذه الشاة فجادَ لنا بها، وإن كان لا يعرفني فأنا أعرف نفسي، ارم بها إليه، فرماها إليه ¬
فكانت خمسمائة دينار، فارتحل عبد الله فأتى معاوية [- رضي اللَّه تعالى عنهما -] (¬1) فقضى حاجته، ثم أقبل راجعًا إلى المدينة حتى إذا قرب من ذلك الشيخ قال لغلامه: ملْ بنا إليه ننظر في أي حالة هو، فانتهينا إليه، فإذا برجل سريّ عنده دخان عال ورماد كثير وإبل وغنم ففرح بذلك، فقال له الشيح: انزل بالرحب والسعة، فقال: أتعرفني؟ قال (¬2): لا واللَّه فمن أنت؟ قال (¬3): أنا نزيلك ليلة كذا وكذا، فقام إليه وقبّل رأسه ويديه ورجليه، وقال: قد قلت أبياتًا، أتسمعها مني؟ فقال: هات، فأنشده هذه الأبيات، فضحك عبد الله وقال: قد أعطيتنا أكثر مما أخذت (¬4) منا، يا غلام: أعطه مثلها، فبلغت فعلته معاوية - رضي الله عنه -، فقال: لله در عبد الله! من أي بيضة خرج؟ وفي أي عش درج؟ هي لعمري من فعلاته. 1 - قوله: "توسمته" من التوسم يقال: توسمت فيه الخير، أي تفرست، قوله: "من آل المرار" بضم الميم وتخفيف الراء؛ وهو شجر مرّ إذا أكلتْ منه الإبل قلصتْ عنه مشافرُها، الواحد مرارة، قال الجوهري: ومنه بنو آكل المرار، وهم قوم من العرب (¬5). قلت: آكل المرار هو أول ملوك كِنْدَة واسمه حجر بن عمرو وهو من ولد كندة، واسمه ثور بن عفير بن الحرث من ولد زيد بن كهلان بن سبأ، وإنما سمي حجر آكل المرار لكون امرأته قالت: خدر كأنه جمل قد أكل المرار لبغضها فيه فغلب ذلك لقبًا عليه. الإعراب: قوله: "فعوضني عنها" أي عن العنز التي ذبحها الأعرابي لعبد اللَّه، فالفاء للعطف على ما قبله، و "عوضني" جملة من الفعل والمفعول والفاعل هو الضمير المستتر فيه العائد إلى عبد الله، والمفعول هو الضمير المتصل به والجار والمجرور يتعلق به، "غناي" كلام إضافي مفعول ثان لعوض. قوله: "ولم تكن" جملة وقعت حالًا، قوله: "تساوي" فعل مضارع من ساوى يساوي مساواة، يقال: هذا الشيء لا يساوي هذا الشيء أي لا يعادلُه، قوله: "عنزي" كلام إضافي فاعل يساوي، وقوله: "غير خمس دراهم" خبر كان (¬6)، وخمس مجرور بالإضافة وكذلك قوله: "خمس دراهم". ¬
الشاهد السادس والأربعون
الاستشهاد هيه: في قوله: "تساوي" حيث أبرز الشاعر فيه الضمة على الياء لضرورة (¬1) الوزن (¬2)، وقد جاء نظير ذلك في الاسم وهو قول الشاعر (¬3): تَرَاهُ وَقَدْ بَزَّ الزَّمَانُ كأَنَّهُ ... أَقَامَ كلاب عنهمْ مُصْغِيُ الخَدِّ أصْلَمُ الشاهد السادس والأربعون (¬4)، (¬5) إذا قُلْتُ عَلَّ الْقَلْبَ يَسْلُوُ قُيِّضَتْ ... هَوَاجِسُ لا تَنْفَكُّ تغْرِيه بِالوجْدِ أقول: هو من الطويل. قوله: "علَّ" أي لعلَّ، وعلَّ لغة في لعلَّ، وفيها: إحدى عشرة (¬6) لغة: لعل وعلّ، ولعنَّ ولغَنَّ بالمعجمة (¬7) ولأن ولعلت وعن، وغن بالعجمة وإن ورعنَّ، ورغنَّ بالمعجمة (¬8)، واللام الأولى في: "لعل" أصل في أقوى القولين (¬9)، وقال الجوهري: لعل: كلمة شك، وأصلها: علّ، واللام في أولها زائدة (¬10). ¬
قوله: "يسلو" من سلوت عنه سلوًا، إذا أبرد قلبه من هواه، قوله: "قيضت" أي: سلطت، قال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت: 25]، قوله: "هواجس": جمع هاجسة، من هجس في صدري شيء إذا حدث، والهاجس: الخطر، قوله: "تغريه" من الإغراء؛ وهو التحريض، قوله: "بالوجد" وهو شدة الشوق. الإعراب: قوله: "إذا": للشرط، و "قلت": جملة من الفعل والفاعل، وقعت فعل الشرط، وقوله: "قيضت": جواب الشرط، قوله: "علَّ القلب يسلو": جملة من الفعل والفاعل، وقعت مقولًا للقول، والقلب: منصوب بعل، و "يسلو": جملة خبره، قوله: "هواجس": مفعول لقيضت، ناب عن الفاعل، قوله: "لا تنفك ... إلى آخره" في محل الرفع على أنه صفة لهواجس، ولا تنفك من الأفعال الناقصة، ولا تعمل إلا إذا صحبت نفيًا موجودًا أو مقدرًا أو نهيًا أو دعاءً؛ كزال وبرح وفتئ (¬1)، وفيه ضمير مستتر يرجع إلى الهواجس وهو اسمه، وقوله: "تغريه بالوجد": خبره والضمير المنصوب فيه يرجع إلى القلب. الاستشهاد فيه: في قوله: "يسلو" حيث أظهر الضمة على الواو؛ فدل هذا أن المحذوف عند دخول الجازم هو الضمة الظاهرة التي كانت على الواو، وهذا على رأي بعض النحاة (¬2). * * * ¬
شواهد النكرة والمعرفة
شواهد النكرة والمعرفة الشاهد السابع والأربعون (¬1)، (¬2) وَمَا نُبَالِي إِذَا مَا كُنْتِ جَارَتِنَا ... أَنْ لا يُجَاورُنَا إِلَّاكِ دَيَّارُ أقول: هذا البيت أنشده الفراء ولم ينسبه إلى أحد. وهو من البسيط، وفيه الخبن والقطع، وهو قوله: "ديار" فإنه فعلن، وهو مقطوع. قوله: "وما نبالي" أي: وما نكترث، من بالى يبالي مبالاة، قوله: "جارتنا" تأنيث الجار، قوله: "أن لا يجاورنا"، [جاء] (¬3) فيه "علَّا يجاورنا" بإبدال الهمزة عينًا، [قوله:] (¬4) "إلاك"، أي: إلا إياك، قوله: "ديار" أي أحد يقال ما بها (¬5) ديار، أي ما بها أحدٌ، وكذلك ما بها دوري، وهو فَيْعَال من درت، وأصله: ديوار؛ قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. المعنى: إذا كنت أيتها (¬6) المحبوبة جارة لنا، لا نبالي ألا يجاورنا أحدٌ غيرك؛ ففيك الكفاية وحاصله: أنتِ المطلوبة، فإذا حصلتِ فلا التفات إلى غيرك. الإعراب: قوله: "وما نبالي": جملة من الفعل والفاعل و "أن لا يجاورنا"، في محل النصب مفعوله، ¬
الشاهد الثامن والأربعون
و "أن": مصدرية، والتقدير: ما نبالي عدم مجاورة أحد غيرَك إيانا، إذا ما كنت أنت جارتنا، وكلمة: "ما": زائدة، والمعنى: حين كنت، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: حين كونك جارتنا، قوله: "ديار": مرفوع بقوله: "يجاورنا"، و "إلا": بمعنى غير، وهو استثناء مقدم، والمعنى: أن لا يجاورنا ديار إلا أنت. الاستشهاد فيه: في قوله: "إلاك" فإنه أتى بالضمير المتصل بعد إلا، وكان القياس أن يقال: إلا إياك بالضمير المنفصل، وهذا شاذ لضرورة الشعر (¬1). الشاهد الثامن والأربعون (¬2)، (¬3) أَعُوذُ برَبِّ العَرْشِ مِنْ فِئَةٍ بَغَتْ ... عَلَيَّ فَمَا لِي عَوْضٌ إلَّاهُ نَاصِرُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "من فئة" أي من جماعة، والهاء عوض من الياء التي نقصت في وسطه، وأصله: فيء مثال فيع؛ لأنه من فاء، ويجمع على فئون وفئات، قوله: "بغت" من البغي؛ وهو الظلم والعدوان. الإعراب: قوله: "أعوذ": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا مستتر فيه، و "برب العرش" صلة، و "من فئة" متعلق بأعوذ، وفيه ضمير حذف تقديره: من شر فئة، أو من ظلم فئة، وما أشبه ذلك، قوله: "بغت": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر؛ لأنها صفة لفئة، قوله: "علي": صلة [بغت]، (¬4) في محل النصب، قوله: "فما لي" كلمة ما بمعنى ليس، و "ناصر" مرفوع ¬
الشاهد التاسع والأربعون
اسمه، وقوله: "إلاه": خبره، قوله: "عوض": ظرف لاستغراق المستقبل مثل: أبدًا، إلا أنه مختص بالنفي، وهو مبني على الضم، وقد جاء فيه البناء على الكسر والفتح- أيضًا، فإذا أضيف يعرب؛ كما في قولك: لا أفعله عوض العائضين (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "إلاه" حيث وقع الضمير المتصل بعد "إلا"، وهو شاذ، وكان القياس أن يقال: إلا إياه (¬2)، وأنكر المبرد وقوع المتصل بعد "إلا" مطلقًا، حتى إنه أنشد قوله: "إلاك ديار" في البيت السابق: سواك ديار، وأنكر رواية: إلاك. فافهم (¬3). الشاهد التاسع والأربعون (¬4)، (¬5) وَمَا أُصَاحِبُ مِنْ قَوْمٍ فأَذكُرهُمْ ... إلا يَزِيدُهُمْ حُبًّا إِلَيَّ هُمُ أقول: قائله هو زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث، ويقال: زياد بن منقذ، وهو أحد بني العدوية من بني تميم، وأتى اليمن فنزع إلى وطنه ببطن الرمث، وهو من بلاد بني تميم (¬6)، ¬
وأنشد وهو من قصيدة طويلة، وأولها (¬1): 1 - لا حبَّذَا أَنْتِ يَا صَنْعَاءُ مِنْ بَلَدٍ ... ولا شَعُوبُ هوًى منِّي ولا نُقُمُ 2 - ولنْ أُحِبَّ بِلادًا قد رَأَيْتُ بِهَا ... عَنْسًا ولا بَلَدًا حَلَّتْ بهِ قُدُمُ 3 - إذا سقَى اللهُ أَرْضًا صَوْبَ غَادِيَةٍ ... فلا سقاهنَّ إلا النَّارَ تَضْطَرِمُ 4 - وحبذا حينَ تُمْسِي الريحُ بَارِدَةً ... وادِي أُشَيَّ وفتيانٌ بهِ هُضُمُ 5 - الحَامِلُونَ إِذَا مَا جَرَّ غيرُهُمُ ... على العشيرَةِ والكافونَ ما جَرَمُوا 6 - والمطعِمُونَ إِذَا ما هَبَّتْ شآمِيَةٌ ... وباكر الحي مِنْ صُرَّادِهَا صِرَمُ 7 - وشَتْوَةٍ فلَّلُوا أَنْيَابَ لزبتها ... عنهم إذا كَلَحَتْ أنيابُها الأُزُمُ 8 - حتى انْجلَى حَدُّهَا عنهم وجارهم ... بِنَجْوَةٍ منْ حِذَارِ الشرِّ مُعْتَصِمُ 9 - هُمُ البُحُورُ عَطَاءً حينَ تسأَلُهُمْ ... وفي اللقاءِ إذَا تَلْقَى بهم بُهَمُ 10 - وَهُمْ إذا الخيلُ حَالُوا في كواثِبِهَا ... فَوَارِسُ الخيلِ لا مِيلُ ولا قَزَمُ 11 - لَمْ أَلْقَ بعدهم حيًّا فأخْبِرَهُمْ ... إلَّا يَزِيدُهمْ حُبًّا إِلَيَّ هُمُ 12 - كمْ فيهمْ مِنْ فتًى حُلْوٌ شَمائِلُهُ ... جَم الرَّمَادِ إذا ما أخمدَ البرمُ 13 - تحبّ زوجاتِ أقوامٍ حلايلَهُ ... إذا الأنوفُ امتَرَى مكنُونَهَا الشَّبَمُ 14 - تَرَى الأرامِلَ والهلاكَ تتبعُهُ ... يستنُّ منه عليهم وابلٌ رَذِمُ 15 - كَأَنَّ أَصْحَابَهُ بالقفرِ يَمْطُرُهُمْ ... من مستجيرٍ غزيرٍ صوبُهُ دِيَمُ 16 - غَمْرُ النَّدَى لا يَبِيتُ الحقّ يَثمُدُهُ ... إلا غدا وهو سَامِيَ الطرف مُبْتَسِمُ 17 - إلى المكارمِ يَبْنِيهَا وَيَعْمُرُهَا ... حتى ينال أمورًا دونها قُحَمُ 18 - تشقى بهِ كلُّ مِزبَاعٍ مُودَّعَةٍ ... عرفاءَ يَشْتُو عليها تَامِكٌ سَنِمُ 19 - من العَقَائِلِ لا يَدْعُو لِميْسِرِها ... ولا يشحُ عليها حينَ تَقتَسِمُ 20 - تَرَى الجِفَانَ منَ الشِّيْزَى مُكلَّلَةً ... قدامَهُ زَانَهَا التشْرِيفُ والكرَمُ 21 - يَنُوبُهَا النَّاسُ أَفْوَاجًا إذَا نَهِلُوا ... عَلُّوا كَمَا عَلَّ بعد النَّهْلَةِ النَّعَمُ 22 - زَارَتْ رُوَيْقَةُ شُعْثًا بعدَمَا هجعُوا ... لدَى النَّوَاحِلِ في أَرْسَاغِهَا الخَدَمُ 23 - فقمتُ للزَّوْرِ مُرْتَاعًا وأَرَّقَنِي ... فقلتُ أهي سرت أم عادني حُلُمُ ¬
24 - وَكَانَ عَهْدِي بِهَا والمَشْيُ ينهَضُهَا ... من القريبِ ومعهَا النومُ والسَّأمُ 25 - وبالتكَالِيفِ تأْتِي بيتَ جَارَتِهَا ... تَمْشِي الهُوَيْنَى ومَا يَبْدُو لَهَا قَدَمُ 26 - سُودٌ ذَوَائِبُهَا حُمْرٌ تَرَائِبُهَا ... دُرْمٌ مَرَافِقُهَا في خَلْقِهَا عَمَمُ 27 - رُوَيقُ إِنِّي ومَا حجَّ الحَجِيجُ لهُ ... وَمَا أَهَلَّ بِجَنْبِي نَخْلةَ الحُرُمُ 28 - لَمْ يُنْسَنِي ذِكْرَكُمْ مُذْ كَمْ أُلاقِكُمْ ... عيشٌ سلوتُ به عنكمْ ولا قِدَمُ 29 - ولمْ تُشَارِكْكَ عِنْدِي بعدُ غانِيَةٌ ... لا والذي أصبحتْ عندِي لهُ نعمُ 30 - مَتَى أَمرّ على الشقْرَاءِ مُعْتَسِفًا ... خَلَّ النَّقَا بِمَروحٍ لَحْمُهَا زِيَمُ 31 - والوشمِ قد خَرَجَتْ مِنْهَا وقابلها ... مِنَ الثَّنايَا التي لم أقلها ثَرَمُ 32 - يا ليتَ شِعْرِي عنْ جَنْبِي مُكَشَّحَةٍ ... وحيثُ يُبْنَي منَ الحِنَّاءَةِ الأطُمُ 33 - عَنِ الأَشَاءَةِ هلْ زَالتْ مَخَارِمُهَا ... وَهَلْ تَغَيَّرَ منْ آرامِهَا إِرَمُ 34 - وَجَنَّةٍ مَا يَذُمُّ الدهرُ حاضِرُهَا ... جَبَّارُهَا بالْحَيَا والحَمْلِ مُحْتَزِمُ 35 - فيهَا عَقَائِلُ أَمْثَالُ المَهَا خُرُدٌ ... لمْ يَغْذُهُنّ شَقَا عيش ولم يُتُمُ 36 - يَنْتَابُهُن كِرَامٌ ما يَذُمُّهُمُ ... جَارٌ غَرِيبٌ ولا يُؤْذَى لهم حشمُ 37 - مُخَدَّمُونَ ثِقَالٌ في مَجَالِسِهِمْ ... وفي الرِّحَالِ إذَا لاقيتَهمْ خَدَمُ 38 - بلْ ليتَ شِعْرِي متى أَغْدُو تُعَارِضُنِي ... جرداء سابِحَةٌ أو سابحٌ قدم 39 - نحوَ الأُمَيْلِحِ أوْ سَمْنَانَ مبتكرًا ... بِفِتْيَةٍ فيهم المَرَّارُ والحكمُ 40 - ليسَتْ علَيْهمْ إذَا يَغْدُونَ أَرْدِيَةً ... إلا جيَادُ قسيِّ النبعِ واللُّجُم 41 - مِنْ غَيْرِ عُدْمٍ ولكنْ مِنْ تبذلهم ... للصيدِ حِين يُصِيخُ القَانِصُ اللَّحِمُ 42 - فَيَفْزَعُونَ إِلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَفْنَى دَوَابِرَهُنَّ الركْضُ والأكَمُ 43 - يَصْرُخْنَ صمّ الحَصَا في كلِّ هَاجِرَة ... كما تطايرَ عَنْ مُرْضَاحِهِ العَجَمُ 44 - يغدُو أَمَامَهُمْ فيِ كُلِّ مَرْبَأَةٍ ... طَلَّاعُ أَنْجِدَة في كَشْحِهِ هضمُ وهي من البسيط والقافية من المتراكب (¬1). 1 - قوله: "ولا حبذا أنت" أشار به (¬2) إلى الشيء، والتقدير: لا أنت يا صنعاء محبوبة في ¬
الأشياء، ولما كان "ذا" يشار به إلى الشيء وقع للمذكر والمؤنث على حالة واحدة، لكن (¬1) لفظ الشيء عام يشمل الكل، وصنعاء: مدينة اليمن، و "شعوب" بفتح الشين المعجمة وضم العين المهملة وفي آخره باء موحدة؛ موضع باليمن، و "نقم" بضم النون والقاف -أيضًا- موضع بها. 2 - و "عنسًا" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة؛ حي باليمن، و "قدم" بضم القاف والدال كذلك. 3 - قوله: "صوب غادية" الصوب: نزول المطر، والغادية بالغين المعجمة؛ سحابة تنشأ صباحًا، قوله: "تضطرم" في موضع الحال للنار. 4 - قوله: "أشي" بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وتشديد الياء؛ اسم موضع يروى مصروفًا [وغير مصروف] (¬2)، قوله: "هضم" بضمتين؛ جمع هضوم، وهو المنفاق في الشتاء. 6 - قوله: "شآمية" نصب على الحال، قوله: "من صرادها" بضم الصاد المهملة وتشديد الراء، وهو السحاب البارد، و "صرم" بكسر الصاد وفتح الراء، ومعناه: القطع كأنها جمع صرمة. 7 - قوله: "فللوا" أي كسروا، و "اللزبة" بفتح اللام وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة؛ السنة المجدبة، وجعل الأنياب مثلًا لشدائدها، و "الكلوح" بدوّ الأسنان عند العبوس، و "الأزم" بضم الهمزة والزاي المعجمة؛ جمع أزوم وهي العوارض. 8 - و "النجوة": الأرض المرتفعة لا يبلغها السيل. 9 - و "عطاء" نصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولًا له، قوله: "بهم بهم" الباء في الأول حرف جر في خلت على الضمير، وفي الثاني من نفس الكلمة وهي (¬3) جمع بهمة؛ وهو الشجاع الذي لا يدري كيف يؤتى لاستبهام شأنه، وهو مبتدأ وخبره قوله: "في اللقاء". 10 - قوله: "كواثبها": جمع كاثبة؛ وهي قدام المنسج من الدابة، وهو أعلى الظهر منها، و "ميل" بكسر الميم؛ جمع أميل، وهو الذي يَزْوَرّ عن وجه الكتيبة عند الطعان، وقيل: هو الذي لا يثبتُ على ظهر الفرس، و "القزمُ" بفتح القاف والزاي المعجمة؛ الصغار، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر [والمؤنث. 12 - قوله: "إذا ما أخمد البَرَمُ" بفتح الباء الموحدة والراء المهملة؛ وهو الرجل الشحيح ¬
الذي لا يدخل مع القوم في الميسر، ومفعول أخمد محذوف تقديره:] (¬1) إذا أخمد البرم النار لبخله. 13 - قوله: "امترى": استخرج، و "الشَّبم" بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة؛ البرد، وأراد "بالمكنون" ما يسيل من الأنوف عند البرد. 14 - و "الأرامل": جمع أرملة وأرملٍ؛ لأنه يقع على الذكر والأنثى، و "الهلَّاك" بضم الهاء؛ هم الذين انقطع زادهم، قوله: "يستن" أي: ينصب، من سَنَنْتُ الماء إذا ما صببته وأسننته بمعنى، و "الوابل": المطر العظيم القطر، و "رذم" من رذم الشيء، إذا سال. 15 - قوله: "من مستحير" المستحير بالحاء المهملة؛ سحاب ثقيل متردد ليس له ريح تسوقه، و "غزيرًا" أي كثيرًا صوبُه، أي نزول مطره، و "ديم" بكسر الدال وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع ديمة، وهو المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق، أقله ثلث النهار وثلث الليل، وأكثره ما بلغ من الغد. 16 - قوله: "يثمده" (¬2): يكثر عليه حتى يفنى ما عنده، والماء الثمود: المزدحم عليه حتى يُنْزَفُ نزفًا. 17 - و "القحم" بضم القاف وفتح الحاء المهملة الشدائد؛ وهو (¬3) جمع قحمة. 18 - و "المرباع": الناقة التي من شأنها أن تضع ولدها في الربيع، وهو المحمود في النتاج، وهو بناء المبالغة، و "المودعة": المُكْرَمَة يصونها عن الحمل لنفاستها عندهم، و "العرفاء": التي لسمنها صار لها كالعرف، ويقال: التي صار لها على عنقها كالعرف من الوبر، و "التأمك" بالتاء المثناة من فوق؛ السنام المشرف، و "السنِم" بفتح السين وكسر النون؛ العالي يقال: بعير سنم؛ أي: مشرف السنام. 19 - و "العقائل": جمع عقيلة؛ وهي كريمة الإبل، وعقيلة كل شيء: أكرمه. 20 - و "الشيزى" بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي المعجمة؛ وهو خشب أسود يُتَّخَذُ منه القصاع وكذلك الشيز، قوله: "مكللة" أراد أن الجفان المعدة للأضياف عليها كالأكاليل من فدر اللحم. 21 - و "أفواجًا" نصب على الحال، قوله: "إذا نهلوا" أي: إذا عطشوا، والناهل: العطشان ¬
والريان -أيضًا- وهو من الأضداد، قوله: "علُّوا" من العلل، وهو الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل، وعله يعله ويعله إذا سقاه السقية الثانية، و "علّ" يتعدى ولا يتعدى، و "النعم" تقع على الأزواج الثمانية، والغالب عليها الإبل. 22 - قوله: "وزادت رويقة" وهي امرأة، قوله: "شعثًا" أي: قومًا شعثًا، وهو جمع أشعث وهو الأغبر، و "الخدم" بفتح الخاء المعجمة والدال؛ جمع خدمة؛ وهي الخلخال. 23 - و "الزور": الزائر، و "مرتاعًا" نصب على الحال، من الروع وهو الفزع. 24 - قوله: "يبهظها" أي: يثقل عليها ويشق. 25 - و "الهوينى" تصغير الهونا، والهونا: تأنيث الأهون، وموضعها من الإعراب النصب على المصدر. 26 - قوله: "درم" بضم الدال المهملة وسكون الراء، يعني: لم يكن لمرافقها حجم لكثرة اللحم عليها، قوله: "عمم" بفتح [العين] (¬1) المهملة [والميم] (¬2) أي: طول. 27 - قوله: "رويق" منادى مرخم [يعني: يا رويقة] (¬3)، قوله: "بجنبي نخلة" وهو مكان يقرب [من] (¬4) مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "وما أهل" أي له. 28 - قوله: "لم ينسني" جواب القسم. ويجاب اليمين من حروف النفي بما ولا (¬5)، ولكنه اضطر، فوضع (لم ينسني) موضع (ما أنساني). 29 - و "الغانية": التي غنيت بجمالها. 30 - و "الشقراء" فرسه. قال الأصمعي: قيل: والشقراء بلد لعكل، وفيه نخل، وقيل: إنه هضبة، و "الاعتساف": الأخذ على غير هداية ولا دراية، قوله: "خل النقا" مفعول (معتسفًا) (¬6) ¬
والخل بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام؛ طريق في الرمل يذكر ويؤنث، و "النقا" مقصور؛ كثيب من الرمل، قوله: "بمروح" بفتح الميم وضم الراء وفي آخره حاء مهملة، يقال: فرس مروح وممراح، أي: نشيط، قوله: "زيم" بكسر الزاي المعجمة وفتح الياء آخر الحروف؛ أي متفرق، ويقال: مكتنز؛ أي: غليظ. 31 - قوله: "والوشم" بفتح الواو وسكون الشين المعجمة، قيل: إنه بلد ذو نخل دون اليمامة وهناك قبائل من مضر وربيعة، وقوله: "قد خرجت منه" أي الفرس المروح أو الناقة منه، أي من الوشم، و "الثنايا": العقبات، قوله: "لم أقلها" أي: لم أبغضها، و "الثرم" بفتح الثاء المثلثة والراء؛ وهو الذي يصيب الثنايا، ومنه الأثرم وهو الذي سقطت بعض ثناياه فصارت بينها فرجة. 32 - قوله: "جنبي مكشحة" هي موضع، ويروى: جزعي مكشحة، و "الحنأة" بكسر الحاء المهملة وتشديد النون، اسم رمل، و "الأطم" بضمتين؛ الحصن وكل بناء مرتفع. 33 - و "الأشاءة" بفتح الهمزة والشين المعجمة؛ موضع، و "الخارم": جمع مخرم بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء؛ منقطع أنف الجمل (¬1)، و "الآرام": جمع ريم بالكسر وهو الظبي الأبيض الخالص، و "الإرم" بكسر الهمزة وفتح الراء؛ حجارة تنصب علمًا في المفازة. 34 - قوله: "جبارها" الجبار بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة؛ من النخل ما طال وفات اليد، يقال: نخلة جبارة وناقة جبارة، أي: عظيمة سمينة، قوله: "بالحيا" (¬2) أي بالخصب، ويروى: بالندي و "محتزم" بالحاء المهملة والزاي المعجمة أي ملتف. 35 - قوله: "فيها" أي: في الجنة، "عقائل" أي: كرام من النساء، و "المها" جمع مهاة وهي البقرة الوحشية، ويروى: الدمى جمع [دمية] (¬3) وهي الصورة من العاج ونحوه، قوله: "خرد" بضم الخاء المعجمة والراء جمع خريدة وهي الحيية من النساء (¬4) تجمع (¬5) على خرائد -أيضًا-. 36 - و "حشم الرجل": أتباعه. 37 - وأراد بـ"الثقال" ذوو الوقار والحلم. 38 - و "الجرداء": الفرس الذي لا شعر عليها، و "السابح": الفرس الجاري، و "قدم" بمعنى متقدم. ¬
39 - و "الأميلح" بضم الهمزة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف وكسر اللام وفي آخره حاء مهملة؛ وهو ماء لبني ربيعة، و "سمنان" بفتح السين؛ ديارهم، و "المرار" بفتح الميم وتشديد الراء؛ اسم رجل، وكذلك الحكم بفتحتين. 41 - و "العدم" بالضم؛ الفقر، و "التبذل" بالذال المعجمة: ترك التصاون (¬1)، و "القانص" الصائد، من قنص، و "اللحم" بفتح اللام وكسر الحاء؛ صفة مشبهة من لحم إذا اشتهى [اللحم] (¬2). 42 - قوله: "فيفزعون" أي يلجئون، و "الجرد" بالضم؛ جمع جرداء وقد ذكرناه الآن، و "مسومة": معلمة، ويروى: مسحجة؛ أي: سحج بعضها بعضًا بالعض، و "الدوابر": جمع دابرة، و "الحافر" وهو ما حاذى مؤخر الرسغ، و "الأكم": جمع أكمة. 43 - قوله: "يضرحن" من ضرحه الفرس بيده إذا ضربه بها، ويروى: يرضخن، من الرضخ وهو الرمي، والمرضاخ: الحجر الذي يكسر عليه النوى أو به، قوله: "كما تطاير" ويروى: كما تطايح بمعناه، ويروى: تصايح، من الصيحة وتضابح من الضبح، وهو الصوت. 44 - قوله: "مربأة" أي: مرقبة، من ربأت القوم وارتبأتهم إذا رقبتهم، قوله: "أنجدة": جمع نجد؛ كفرخ وأفرخة، و "النجد": ما ارتفع من الأرض، يقال: فلان طلاع أنجدة وطلاع الثنايا إذا كان ساميًا لمعالي الأمور، و "الكشح": ما بين الخاصرة إلى الضلع، و "الخلف والهضم" بفتحتين؛ انضمام الجنبين. الإعراب: قوله: "وما أصاحب" كلمة "ما" للنفي، و "أصاحب": جملة من الفعل والفاعل و "من قوم" مفعوله، وكلمة: "من" زائدة، وزيادة "من" في النفي كثيرة، والخلاف في زيادتها في الإثبات (¬3). والمعنى: ولست أصاحب قومًا فأذكر لهم قومي إلا يزيدون أنفسهم حيًّا إليَّ، وحاصل المعنى: ما صاحبت قومًا بعد قومي فذكرت قومي لهم إلا بالغوا في الثناء عليهم حتى يزيدوا قومي حبًّا. قوله: "فأذكرهم" بنصب الراء؛ لأنه جواب النفي، ويجوز فيه الرفع عطفًا على قوله: "أصاحب"، قوله: "إلا يزيدهم ... إلخ" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أما الفعل فهو ¬
الشاهد الخمسون
يزيد وأما الفاعل فهو قوله: "هم" الذي في آخر البيت، وأما المفعول فهو قوله: "هم" الذي في "يزيدهم"، و "حبًّا" مفعول ثان، وقال ابن مالك: الأصل يزيدون أنفسهم، ثم صار يزيدونهم، ثم فصل ضمير الفعل للضرورة، وأُخِّر عن ضمير المفعول به (¬1). وقال ابن هشام: وحاصله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد، وليس كذلك؛ فإن مراده أنه ما يصاحب قومًا فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًّا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم (¬2). الاستشهاد فيه: في فصل الضمير المرفوع لأجل الضرورة؛ لأن القياس أن يقال: ألا يزيدونهم حبًّا إليَّ. وقال الخطيب التبريزي: ارتفع "هم" الأخير بـ"يزيد" ووقع المنفصل موضع المتصل لأن الوجه أن يقال: إلا يزيدونهم حبًّا إليَّ، وهذا كما يوضع الظاهر موضع المضمر، والمضمر موضع الظاهر. وزعم [بعض] (¬3) من فسر الضرورة بما ليس للشاعر عنه مندوحة، أن هذا ليس بضرورة لتمكن الشاعر أن يقول: ألا يزيدونهم حبًّا إليَّ هم، ويكون الضمير المنفصل توكيدًا للفاعل (¬4). ورَدَّه ابن مالك بأنه يقتضي كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وإنما يجوز في باب ظن، نحو قوله تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] وهذا سهو؛ لأن مسمى الضميرين مختلفان؛ إذ ضمير الفاعل راجع لقوم، وضمير المفعول لقومه الممدوحين (¬5) فافهم. الشاهد الخمسون (¬6)، (¬7) بِالبَاعِثِ الوَارِثِ الأَمْوَاتِ قَدْ ضَمِنَتْ ... إِيَّاهُمُ الأرْضُ في دَهْرِ الدَّهَارِيرِ أقول: قيل: قائله أمية بن أبي الصلت ولا يوجد في ديوانه، والأكثرون على أنه للفرزدق، ¬
وهو الأصح، وقبله (¬1): 1 - إِنِّي حَلَفْتُ وَلَمْ أَحْلِفْ عَلَى فَنَدٍ ... فِنَاءَ بَيْتٍ مِنَ السَّاعِينَ مَعْمُورِ وهما من البسيط. 1 - [قوله: "على فند" بفتح الفاء والنون، وهو الكذب. وقد أفند إفنادًا إذا كذب] (¬2) قوله: "فناء بيت" أراد به الكعبة المشرفة -عظمها الله تعالى-، وأراد "بالساعين" الطائفين والذين يسعون إليه من كل الجهات، ويروى: من السارين. 2 - و "الباعث" الذي يبعث الأموات ويحييهم بعد فنائهم، و "الوارث" الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، قوله: "قد ضمنت" بكسر الميم المخففة بمعنى: تضمنت أي اشتملت عليهم، أو بمعنى كفلت؛ كأنها تكفلت بأبدانهم، قوله: "في دهر الدهاير" الدهر: الزمان، ويجمع على دهور، ويقال: الدهر: الأبد، ويقال: دهر داهر؛ كقولهم: أبد أبيد، وقولهم: دهر دهارير؛ أي شديد كقولهم: ليلة ليلاء، ونهار أنهر، ويوم أيوم، وساعة سوعاء، ويقال: دهرُ الدهارير: الزمن السالف، وقيل: أول الأزمنة السالفة، فهو من باب التشبيه (¬3)؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]؛ لأنه إذا بعث من تقادم دهره وتطاول عهده فما قرب أولى، وإذا قيل: دهر دهارير بالصفة فمعناه: شديد كما ذكرنا، وأنشد سيبويه لرجل من أهل نجد (¬4): حَتَّى كَأَنْ لمْ يكنْ إلا تَذَكُّرَهُ ... والدهرُ أيَّتَمَا حَالٍ دَهَارِيرُ الإعراب: قوله: "إني حلفت": جملة اسمية مؤكدة بإن، وقولهم: "ولم أحلف": جملة مؤكدة للجملة السابقة، وقوله: "على فند" متعلق بقوله: لم أحلف، قوله: "فناء البيت" كلام إضافي ¬
نصب على الظرف، والعامل فيه حلفت، قوله: "من الساعين" يتعلق بقوله: معمور، ومعمور مجرور؛ لأنه صفة للبيت، وقوله: "من الساعين" معترض بين الصفة والموصوف (¬1)، قوله: "بالباعث" متعلق بقوله: إني حلفت، و "الأموات" إما منصوب بالوارث على أن الوصفين يتنازعان فيه وأعمل الثاني (¬2)، وإما مخفوض بإضافة الأول والثاني على حد قولهم (¬3): .......................... ... بين ذراعي وجبهة الأسد قوله: "قد ضمنت" قد: للتحقيق، و "ضمنت": فعل ماض، و "الأرض" فاعله، و "إياهم" مفعوله. فإن قلت: [ما محل هذه الجملة؟ قلت: حال من الأموات، ويجوز أن يكون صفة. فإن قلت: الجملة بعد المعرفة] (¬4) لا تكون صفة. قلت: الأموات جنس، وفيه معنى التنكير، قوله: "في دهر" يتعلق بقوله: "ضمنت"، وأضيف إلى الدهارير نحو: جرد قطفة (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "إياهم" حيث فصل الضمير المنصوب لأجل الضرورة، وكان القياس أن يقال: قد ضمنتهم، أي: تضمنتهم، كما ذكرنا (¬6). ¬
الشاهد الحادي والخمسون
الشاهد الحادي والخمسون (¬1)، (¬2) أَنَا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارُ وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة لامية، وبعد البيت المذكور قوله: 2 - فَمَهْمَا أَعِشْ لا يُضْمِنُونِي وَلَا أُضَع ... لَهُمْ حَسَبًا مَا حَرَّكَتْ قَدَمِي نَعْلِي 3 - يَوَدُّ لَكَ الأَدْنَوْنَ لَوْ مُتَّ قبلَهُمْ ... يَرَوْنَ بِهَا شرًّا عَلَيْكَ من القَتْلِ 4 - أَتَى أَبَدٌ مِنْ بَعْدِ حِدْثَانِ عَهْدِنَا ... وَجَرَّتْ عَلَيْهِمْ كلُّ نَافِجَة شَمْلِي 5 - وصدَّتْ فَأُعْلِنا بِهَجْرٍ صُدُودَهَا ... وهُنَّ منَ الأَخْلافِ قبلكِ والمطلِ 6 - ويوم شَهِدْنَاهُ تَسَامَى ملوكه ... بمُعْتَرَكٍ بينَ الأَسِنَّةِ والنَّبْلِ 7 - وَإِنَّا لَذَوَّادُونَ كُلَّ كَتِيبَةٍ ... تَجُرُّ مَنَايَا القومِ صادقةَ القَتْلِ 8 - أبَى لِكُلَيْبٍ أنْ تساوَى معشرًا ... من الناسِ أنْ ليسُوا بفرعٍ ولا أَصْلِ 9 - سواسية سود الوجوهِ كأنهم ... ظرابِي غِرْبَانٍ بمجرودةٍ محلِ وهذه القصيدة من القصائد التي عارض بها الفرزدق جريرًا، ويذمه ويهجوه، وهي من الطويل. 2 - قوله: "ولا أضع" من الإضاعة. 3 - قوله: "الأدنون" أي الأقربون. 4 - قوله: " [بعد] (¬3) حدثان عهدنا" بكسر الحاء وسكون الدال، وحدثان الشيء: أوله، وهو مصدر حدث يحدث حدوثًا، وحدثًا وحدثانًا ضد القديم، قوله: "نافجة" بالجيم النافجة: أول كل شيء يبدأ بالشدة، يقال: نفجت الريح إذا أتت بقوة. 7 - و "الكتيبة": الجيش، و "المنايا" جمع منية من الموت. ¬
9 - قوله: "سواسية" أي أشباه، قوله: "ظرابي": غربان، والظرابي جمع ظربان بفتح الظاء وكسر الراء، وهي دويبة منتنة، و "الغربان": جمع غراب، وجمع القلة أغربة، و"المجرودة" من جردت الأرض، إذا أكل الجراد نَبْتَهَا فصارت سوداء، والتقدير: بأرض مجرودة، قوله: "محل" صفة أخرى، يقال: أرض محل، وأرض محول؛ كما يقال: أرض جدبة، وأرض جدوب، و "المحل": انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ، قوله: "أنا الذائد" بالذال المعجمة في أوله من ذاد يذود إذا منع، ويقال: أين الذود؟ وهو الطرد، وقال الجوهري: الذياد: الطرد، يقال: ذدته عن كذا ذيادًا وذدت الإبل: سقتها وطردتها والتذويد مثله ورجل ذائد وذوّاد: أي حامي الحقيقة دفاع (¬1)، و "الحامي" من الحماية؛ وهي الدفع وهذا شيء حِمًى على فِعَل؛ أي محظور لا يقرب، و "الذمار" بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم ما لزمك حفظه مما وراءك ويتعلق بك، وإنما سمي ذمارًا؛ لأنه يجب على أهله التذمر له أي؛ التشمر لدفع العار عنه، يقال: ذمرته أذمره ذمرًا إذا حثثته ومنه الذِّمَرِّ بكسر الذال وكسر الميم وتشديد الراء مثل فلز؛ وهو الشجاع، ويقال: الذمار: العهد، وفي حديث أبي سفيان [- رضي الله عنه -] (¬2) قال: "يوم الفتح حبذا يوم الذمار" (¬3). يريد: الحرب؛ لأن الإنسان يقاتل على ما يلزمه حفظه، وفي الحديث: "فخرج يتذمر" أي يعاتب نفسه ويلومها على فوات الذمار. والمعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، وقال الزوزني (¬4): معناه: ما يدافع عن أحساب قومه إلا أنا ومن يماثلني في إحراز الكمالات، فصل مع إنما كما ترى. الإعراب: قوله: "أنا الذائد" جملة من المبتدأ والخبر، و "الحامي" خبر بعد خبر، قوله: "الذمار" يجوز فيه النصب والجر، فالنصب على المفعولية، والجر على الإضافة، قوله: "أنا" فاعل لقوله: "يدافع"، و "أو مثلي" عطف عليه، وقصد الفرزدق بهذا التركيب القصر والاختصاص (¬5)، أما القصر؛ فلأنه ذكر إنما، وهي من أدوات القصر، وأما الاختصاص فبتقديمه: "عن أحسابهم" على قوله: "أنا"؛ وذلك لأن غرضه كان تخصيص المدافع لا المدافع عنه، فلذلك أخَّر أنا؛ إذ لو ¬
قال: "وإنما أدافع أنا عن أحسابهم" لصار المعنى إلى أنه يزعم أن المدافعة تكون عن أحساب غيرهم؛ كما إذا قال: وما أدافع إلا عن أحسابهم، وليس ذلك مقصوده، بل مقصوده أنه يزعم أن المدافعَ هو لا غيره. فإن قلتَ: لمَ لا يجوز أن يكون ذلك للضرورة؟ قلتُ: لا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة؛ لأن أدافع ويدافع واحد في الوزن. فإن قلتَ: كان يمكنه أن يقول: فإنما أدافع عن أحسابهم أنا، فيقدم الأحساب على أنا. قلتُ: لو كان كذلك كان الفاعل الضمير المستكن في الفعل، وكان "أنا" الظاهر تأكيدًا له والحكم يتعلق بالمؤكد دون التأكيد؛ لأن التأكيد كالتكرير، فلا يجيء إلا بعد نفوذ الحكم، فلا يكون تقديم: "عن أحسابهم" على الضمير الذي هو تأكيد تقديمًا على الفاعل؛ لأن تقديم المفعول (¬1) على الفاعل إنما يكون إذا ذكرت المفعول قبل أن تذكر الفاعل، لا بعد أن تذكر الفاعل، وقبل أن تذكر تأكيده، ولا سبيل لك إذا قلت: أنا أدافع عن أحسابهم إلا (¬2) أن تذكر المفعول قبل ذكر الفاعل؛ لأن ذكر الفاعل هنا هو ذكر الفعل، من حيث إنه مستكن في الفعل فكيف يتصور تقديم شيء عليه؟ (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "وإنما يدافع عن أحسابهم أنا" حيث أتى فيه بضمير منفصل لغرض القصر فلم يتأت له الاتصال لمعنى إلا؛ لأنا قد قلنا: إن معنى: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا: ما يدافع [عن أحسابهم] (¬4) إلا أنا. فافهم فإنه دقيق (¬5)، وقال الشيخ عبد القاهر (¬6): ولا يجوز أن ينسب فيه إلى الضرورة؛ لأنه ليس به ضرورة، وقد حققناه (¬7). ¬
الشاهد الثاني والخمسون
الشاهد الثاني والخمسون (¬1)، (¬2) لَئِنْ كَانَ حُبِّيْكِ لِي كَاذِبًا ... لَقَدْ كَانَ حُبِّيكِ حَقًّا يَقِينًا أقول: هذا من أبيات الحماسة ولم ينسب فيه إلى أحد، ولم يوجد في أكثر نسخ الحماسة، وقبله: 1 - أمَّا والذي أَنَا عَبدٌ لَهُ ... يَمِينًا وَمَا لَكِ أُبْدِي اليَمِينَا 2 - لَئِنْ كُنْتِ أَوْطَأْتِنِي عَشْوَةً ... لقدْ كنتِ أَصْفَيْتُكِ الوُدِّ حِينًا 3 - ومَا كُنْت إلا كذِي نُهْزَةٍ ... تَبَدَّلَ غَثًّا وأعطي سمِينَا وهو من المتقارب وفيه الحذف. 2 - قوله: "أوطأتني" قال الجوهري: أوطأته الشيء فوطئه، يقال: أوطأك عَشْوَةً، وهي بفتح العين المهملة وسكون الشين المعجمة، وهي أن تركب أمرًا على غير بيان، يقال: أوطأني عَشْوَةً وعِشْوَةً وغشوة أي: أمرًا ملتبسًا (¬3). 3 - و "النهزة" بضم النون وسكون الهاء وفتح الزاي المعجمة؛ وهي الفرصة، ويقال: كذي بُهْزة بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وفتح الزاي المعجمة؛ أي: كذي غلبة، و "الغث": المهزول. الإعراب: قوله: "لئن كان حبيك" وفي أصل الحماسة: وإن كان، وكذا أنشده أثير الدين في شرح التسهيل (¬4) واللام فيه تسمى اللام الموطئة؛ لأن اللام الداخلة على أداة الشرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، ولذلك تسمى اللام المؤذنة والموطئة -أيضًا- لأنها وطأت الجواب للقسم، أي مهدته (¬5)، وإن: حرف شرط. وقوله: "كان حبيك" فعل الشرط، وقوله: "لقد كان": جواب الشرط، وكان: ناقصة، ¬
الشاهد الثالث والخمسون
وقوله: "حبيك": مصدر مضاف إلى مفعوله، وهو ياء المتكلم، والكاف فاعله، والتقدير: حبك إياي، والجملة في محل الرفع؛ لأنها اسم كان (¬1)، وقوله: "لئن كان حُبِّيْك" هكذا رأيته قد ضبطه أبو حيان رحمه الله بيده (¬2)، وعند غيره: "لئن كان حبك لي كاذبًا" بدون ضمير المتكلم، فالتقدير فيه: إن كان حبك إياي كاذبًا لقد كان حبي إياك حقًّا يقينًا، ويكون الاستشهاد في الشطر الثاني فقط، وعلى قول أبي حيان في الشطرين جميعًا. قوله: "لقد كان" قد قلنا: إنه جواب الشرط؛ ولذلك دخلت اللام فيه للتأكيد (¬3)، و "قد" للتحقيق، وكان -أيضًا- ناقصة، وقوله: "حبيك": مصدر مضاف إلى فاعله، وهو الياء والكاف مفعوله، والتقدير: حبي إياك، والجملة اسم كان، وخبره قوله: "حقًّا"، ومعناه: ثابتًا محققًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لئن كان حبيك" حيث أتى بالاتصال عند اجتماع الضميرين، مع أن الفصل أرجح، وكان ينبغي أن يقال: حبي إياك، ولكن أتى بالاتصال للضرورة، والأصح أن هذا غير مخصوص بالضرورة، فافهم (¬4). الشاهد الثالث والخمسون (¬5)، (¬6) أَخِي حَسِبْتُكَ إِيَاهُ وَقَدْ مُلِئَتْ ... أَرْجَاءُ صَدْرِكَ بالأَضْغَانِ والإِحَنِ أقول: هذا من البسيط، وفيه الخبن. قوله: "أرجاء صدرك" أي نواحي صدرك، وهو جمع رَجَى غير مهموز بوزن عصى، قال الجوهري: الرجا مقصور: ناحية البئر وحافتاها، وكل ناحية رجا، يقال: منه أرجيت البئر، والرجوان حافتا البئر (¬7)، و "الإضغان": جمع ضِغن بكسر الضاد على وزن عِلْم، وهو الحقد، وقد ¬
ضغن عليه بالكسر ضغنًا، وتضاغن القوم إذا انطووا على الأحقاد، و "الإحن" بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة؛ جمع إحنة وهي الحقد، وقد أحنيت عليه بالكسر والمؤاحنة؛ المعاداة. الإعراب: قوله: "أخي": منادى حذف حرف النداء منه، وأصله: يا أخي (¬1)، وقوله: "حسبتك" جملة من الفعل، والفاعل وهو التاء، والمفعول وهو الكاف، وقوله: "إياه" مفعول ثان لحسبت، وقوله: "قد ملئت ... إلخ" جملة وقعت حالًا، و "أرجاء صدرك" كلام إضافي مفعول لقوله "ملئت" ناب عن الفاعل، والباء في: "بالأضغان" يتعلق بمُلِئَتْ، قوله: "والإحن" عطف عليه تقديره: وبالإحن. الاستشهاد فيه: في فصل الضمير في قوله: "حسبتك إياه" حيث لم يقل حسبتكه، والجمهور اختاروا فيه الانفصال نظرًا إلى أنه خبر في الأصل (¬2)، واختار جماعة (¬3) منهم ابن مالك الاتصال لكونه أخصر، هذا الذي اختاره ابن مالك في كتابه الألفية (¬4)، وأما الذي اختاره في التسهيل فهو الانفصال (¬5)، ونص سيبويه على أن الانفصال هو الوجه، قال سيبويه وتقول: حسبتك إياه، وحسبتني إياه؛ لأن حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم (¬6). ¬
الشاهد الرابع والخمسون
الشاهد الرابع والخمسون (¬1)، (¬2) بُلِّغْتَ صُنْعَ امْرِئٍ بَرٍّ إِخَالُكَهُ ... إِذْ لَمْ تَزَلْ لاكْتِسَابِ الحَمْدِ مُبْتَدِرًا أقول: هذا البيت احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم نسبه إلى قائله. وهو من البسيط وفيه الخبن. قوله: "بَرٍّ" بفتح الباء الموحدة يقال: رجل برٌّ، أي: صادق، ومنه برَّ فلانٌ في يمينه؛ أي صدق، قوله: "إخالكه" أي: أظنكه، وهو بكسر الهمزة، وهو الأفصح، وإن كان القياس فتحها، وعلى القياس لغة بني أسد (¬3) وهو من خلت الشيء خيلًا وخيلة ومخيلةً وخيلولةً، أي ظننته، قال الجوهري: وتقول في مستقبله: إخال بكسر الهمزة، وهو الأفصح (¬4)، قوله: "مبتدرًا" من الابتدار، وهو الإسراع. الإعراب: قوله: "بلغت" على صيغة المجهول، والتاء مفعول ناب عن الفاعل، وقوله: "صنع امرئ": كلام إضافي وقع مفعولًا ثانيًا لبلغت، قوله: "بر": صفة لامرئ، قوله: "إخالكه" جملة من الفعل والفاعل، والمفعولين أحدهما الكاف، والآخر الهاء، قوله: "إذ" للتعليل، و "لم تزل" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير الذي هو اسم: لم تزل، وقوله: "مبتدرًا" بالنصب خبره، وقوله: "لاكتساب الحمد" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "إخالكه" حيث أتى فيه بالضمير المتصل؛ حيث لم يقل إخالك إياه، وقد ذكرنا أن الجمهور على الفصل في مثل هذا الباب، واختار ابن الطراوة (¬5) والرماني (¬6) وابن مالك الاتصال، واستشهدوا بالبيت المذكور (¬7). ¬
الشاهد الخامس والخمسون
الشاهد الخامس والخمسون (¬1)، (¬2) بِنَصْرِكُمْ نَحْنُ كُنْتُمْ ظَافِرِينَ وَقَدْ ... أَغْرَى العِدَا بِكُمْ اسْتِسْلَامُكُمُ فَشَلًا أقول: بهذا -أيضًا- من البسيط. قوله: "ظافرين" من الظفر، وهو الفوز، وقد ظفر بعدوه وظفره -أيضًا- مثل: لحق به ولحضه فهو ظَفِر، ومعنى الظَّفَر ها هنا: الاستيلاء على العدو، قوله: "أغرى": أي أشلى، من الإغراء، ومنه أغريت الكلب على الصيد وأغريت بينهم، قال تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]، و "العدا" بكسر العين؛ جمع عدو، و "الاستسلام": الانقياد والطاعة، و "الفشل" بالفاء والشين المعجمة المفتوحتين؛ من فشِل بالكسر إذا جبن، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ} (¬3) [آل عمران: 152]. الإعراب: قوله: "بنصركم" الباء تتعلق بقوله: كنتم، والنصر: مصدر مضاف إلى مفعوله، و "نحن" فاعله، والتقدير: كنتم ظافرين على العدا بنصرنا إياكم، و "كان": ناقصة واسمها هو الضمير المتصل بها، وخبرها هو قوله: "ظافرين"، قوله: "وقد أغرى ... إلخ": جملة فعلية وقعت حالًا، و "أغرى": فعل ماض، وفاعله هو قوله: "استسلامكم"، قوله: "العدا" مفعوله، والباء في: "بكم" تتعلق بأغرى، وهو بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي: على قنطار، والتقدير: كنتم ظافرين على العدا بنصرنا إياكم في حالة إغراء استسلامكم أعداءكم عليكم، قوله: "فشلًا" نصب على التعليل؛ أي: لأجل الفشل، أي لأجل فشلكم وخوفكم، وهو معلل للاستسلام؛ لأن الاستسلام هو الانقياد والخضوع، وذلك لا يكون إلا من الفشل والخوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "بنصركم نحن" حيث جاء الضمير فيه منفصلًا لعدم تأتي الاتصال، وقد علم أن المواضع التي يتعين فيها الانفصال لعدم تأتي الاتصال اثنا عشر موضعًا (¬4) منها: أن ترفع بمصدر ¬
الشاهد السادس والخمسون
مضاف إلى المنصوب؛ كما في البيت المذكور. الشاهد السادس والخمسون (¬1)، (¬2) فَإِنْ أَنْتَ لَمْ يَنْفَعْكَ عِلْمُكَ فَانْتَسِبْ ... لَعَلَّكَ تَهْدِيكَ القُرُونُ الأَوَائِلُ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامريّ، وهو من قصيدته المشهورة التي يقول فيها: ألا كلُّ شيءٍ مَا خلا اللهَ باطلُ ... .......................... وقد مر ذكرها مع ترجمته في أول الكتاب (¬3). وهي من الطويل، وفيه القبض. قوله: "فانتسب" من الانتساب، وتمام معناه في البيت الذي يليه، وهو: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ من دُونِ عَدْنَانَ وَالِدًا ... وَدُونَ مَعَدٍّ فَلْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ المعنى: أن غاية الإنسان الموت، فينبغي أن يتعظ فينسب نفسه إلى عدنان أو معد، فإن لم يجد من بينه وبينهما من الآباء، فليعلم أنه يصير إلى مصيرهم، فينبغي أن ينزع عما هو عليه، وهو معنى قوله: "فلتزعك العواذل" يقال: وزعه يزعه، إذا كفه. والمراد بـ: "العواذل" ها هنا حوادث الدهر وزواجره، وإسناد العذل إليها مجاز (¬4)، قوله: "تهديك" من هديته الطريق، والبيت هدايةً [إذا] (¬5) عرفته، هذه لغة أهل الحجاز، وغيرهم يقولون (¬6): هديته إلى الطريق وإلى الدار، حكاها الأخفش (¬7)، وهدى واهتدى بمعنى، ¬
قال اللَّه تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] قال الفراء: لا يهتدي (¬1)، و "القرون" جمع قرن، والقرن بفتح القاف، قال الجوهري: القرن من الناس: أهل زمان واحد، قال الشاعر (¬2): إذا ذَهَبَ القَرْنُ الذي أَنْتَ فِيهِمُ ... وَخُلِّفْتَ في قرْنٍ فَأَنْتَ غَرِيبُ (¬3) ويقال: القرن: ثلاثون سنة، وقيل: مائة سنة (¬4)، و "الأوائل": جمع أول، وهو نقيض الآخر وأصله: أوْأَلُ على وزن أفعَل، مهموز الأوسط، قلبت الهمزة واوا وأدغم، ويقال (¬5): وَوْأَلُ على وزن فوعل، فقلبت الواو الأولى همزة (¬6). الإعراب: قوله: "فإن أنت" إن: حرف الشرط، وهي تدخل على كلامين، تجعلهما كلامًا واحدًا، يسمى الأول منهما شرطًا والثاني جوابًا وجزاءً، وهي مختصة بالدخول على الجملة الفعلية، فإن وليها الاسم كان الفعل مقدرًا، فلذلك قُدِّر ها هنا الفعل، والتقدير: فإن ضللت لم ينفعك علمك فأضمر ضللت لفهم المعنى؛ فلذلك انفصل الضمير (¬7)، ويقال: أصل "فإن أنت": "فإن إياك" ثم أناب المرفوع عن المنصوب؛ كقراءة الحسن (¬8)، (¬9): (إياك يعْبَدُ) [الفاتحة: 5] (¬10)، وخرجه السهيلي (¬11) على وجهين: أحدهما: أن يكون أنت مبتدأ، وذلك على ما أجازه سيبويه من جواز الرفع بالابتداء بعد أداة الشرط، إن كان في الجملة التي هي مطلوب الشرط فعل هو خبر؛ نحو: إن الله أمكنني من فلان (¬12). والوجه الثاني: أن يكون أنت في موضع نصب، وهو مما وُضِع فيه الضمير المرفوع موضع الضمير المنصوب؛ كما وضعوا المنصوب موضع المرفوع، قالوا: لم يضربني إلا إياه، وفي ¬
الشاهد السابع والخمسون
الحديث: "من خرج إلى الصلاة لا ينهزه إلا إياها" (¬1) وفي المحكي من كلام العرب: إذا هو إياها وإذا هي إياه (¬2). قوله: "علمك": كلام إضافي مرفوع بقوله: لم ينفعك، قوله: "فانتسب" جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء، والأصل فيه أن يكون فعلًا؛ كما أن الشرط الذي هو علة له فعل، وقد يكون الجواب جملة فعلية طلبية؛ كما في قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} [الأنفال: 40] ومنه قوله: "فانتسب" (¬3)، قوله: "لعلك" لعل ها هنا للتعليل كما في قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] والكاف اسمه، وقوله: "تهديك القرون" خبره، والقرون فاعل يهديك، و "الأوئل" صفتها. الاستشهاد فيه: انفصال الضمير في قوله: "فإن أنت" فإنه لما أضمر العامل، وهو فعل الشرط؛ وذلك لأن التقدير: فإن ضللت كما ذكرنا تعين انفصال الضمير. الشاهد السابع والخمسون (¬4)، (¬5) ............................... ... تَكُونُ وَإيَّاهَا بِهَا مَثَلًا بَعْدِي أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهُذَليّ، وهو من قصيدة يخاطب بها خالدَ ابنَ أخته، وكان أبو ذؤيب يرسله قَوَادًا إلى معشوقة له تدعى أم عمرو، فأفسدها عليه واستمالها إلى نفسه، فقال فيه: ¬
1 - تُرِيدينَ كَيْ مَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا ... وهَلْ يجْمَعُ السيفَان ويْحَكِ فيِ غِمْدِ 2 - أخالدٌ مَا رَاعَيْتَ مِنْ ذِي قَرَابَةٍ ... فَتَحْفَظَنِي بالغَيْبِ أو بَعْض مَا تُبْدِي 3 - دَعَاكَ إِلَيهَا مُقْلَتَاهَا وَجِيدُهَا ... فَمِلْتَ كمَا مَال المُحِبّ عَلَى عَمدِ 4 - فَكُنْتَ كَرَقْرَاقِ السَّرَابِ إِذَا جَرَى ... لِقَوْمٍ وَقَدْ بَاتَ المطيُّ بهم تَخْذِي 5 - فآليتُ لا أَنْفَكُّ أَحْذُو قصيدةً ... تَكونُ وإيَّاهَا بِهَا مَثَلًا بَعْدِي وهي من الطويل. 1 - قوله: "تريدين" خطاب لأخ عمرو، قوله: "في غمد" بكسر الغين المعجمة وسكون [الميم] (¬1) وهو غلاف السيف. 2 - قوله: "أخالد" أي: يا خالد، قوله: "أو بعض ما تبدي" أراد: وفي بعض ما تظهر لي من الإخاء والمودة، وأراد: "بالغيب" السر، ومن قوله: "ما تبدي به" العلانية. 3 - قوله: "وجيدها" أي عنقها. 4 - قوله: "كرقراق السراب" يعني: ظننت أن لك أمانة، فكنت كالسراب الذي يكذب من رآه، يظن أنه ماء وليس بماء، فكذلك أنت، و "الرقراق": الجاري، قوله: "تخدي" بالخاء المعجمة، يقال: خدت الناقة تخدي إذا أسرعت، مثل: وخدت وخوَّدت كله بمعنى. 5 - قوله: "فآليت" أي: حلفت، من الإيلاء وهو اليمين، قوله: "لا أنفك" أي: لا أزال، قوله: "أحذو" بالحاء المهملة والذال المعجمة، من حذوت النعل بالنعل حذوًا إذا سويت إحديهما على قدر الأخرى، و "الحذو": التقدير والقطع، ويروى: أحدو بالدال المهملة؛ من قولهم: حدوت البعير إذا سقته وأنت تُغَنِّي في إثره لينشط في السير، وقال ابن يسعون: [عندي] (¬2) في أحدو ثلاثة أوجه: الأول: أنه يريد أحدو قصيدة إليك، أي أسوقها حاديًا كما يسوق الحادي الإبل عند سوقها لأنه يتغنى، وإنما أراد بذلك الشهرة. الثاني: أن يريد أحدو غَدْرَتُكَ بي قصيدة، أَبْلُغُ بتخليدها فيك أملي. فحذف المفعول للحال الدالة عليه، ونصب قصيدة نصب الصدر، أي: حدو قصيدة، فإنما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. الثالث: أن يريد التحدي بها وأتبعها ناظمًا لها، حتى كأنه قال: أو إلى قصيدة. ¬
الإعراب: قوله: "فآليت" الفاء للعطف، وآليت: جملة من الفعل والفاعل، قوله: "لا أنفك" من الأفعال الناقصة، فالضمير فيها اسمها، وخبرها قوله: "أحدو"، قوله: "قصيدة" [مفعول أحدو، وقال أبو سعيد السكري (¬1): أحدو معناه: أغني فعلى هذا ينبغي أن يكون قوله: "قصيدة"] (¬2) مفعولًا بإسقاط حرف الجر أغني بقصيدة (¬3). قوله: "تكون" في موضع الصفة لقصيدة وهي صفة جرت على غير من هي له ولو جعلتها صفة محضة لبرز ضمير الفاعل المستتر فيها فيقول: تكون أنت وإياها والضمير في قوله: "بها" يعود على القصيدة، و "إياها" يعود على المرأة كأنه قال: حلفت لا أزال أصنع قصيدة تكون في هذه المرأة بها مثلًا بعدي، والضمير في: "تكون" اسمه، وخبره قوله: "مثلًا" والواو في: "وإياها" للمصاحبة والباء تتعلق بتكون، و "بعدي" كلام إضافي في محل النصب على الظرف. فإن قلت: كيف يكون مثلًا خبرًا والتطابق شرط؟ قلت: هو مفرد، وقع موقع التثنية، وكذلك قد يقع موقع الجمع، لما فيه من العموم المقتضي للكثرة (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "تكون وإياها" حيث جاء الضمير منفصلًا لكونه ولي واو المصاحبة، وقال أبو علي مستشهدًا: إنه نصب قوله: "وإياها" على المفعول معه، بتوسط الحرف الذي هو واو العطف لما لم يمكنه العطف فيقول تكون، وهي لأمرين: أحدهما: كسر البيت لو فعل ذلك. والثاني: قبح العطف على الضمير المرفوع وهو غير مؤكد (¬5)، قال أبو الفتح: وذهب أبو الحسن إلى انتصاب المفعول معه انتصاب الظرف (¬6). ¬
الشاهد الثامن والخمسون
الشاهد الثامن والخمسون (¬1)، (¬2) بِكَ أَوْ بِي استَعَانَ فَلْيَلِ إِمَّا ... أَنَا أوْ أَنْتَ مَا ابْتَغَى المُسْتَعِينُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الخفيف، وأصله في الدائرة: فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن مرتين. قوله: "استعان" من الاستعانة، وهي طلب العون، قوله: "فَلْيَلِ" أمر، من ولي الأمر يليَه ولَايَةً، قوله: "ما ابتغى" من الابتغاء، وهو الطلب. الإعراب: قوله: "بك" جار ومجرور يتعلق بقوله: "استعان"، وقوله: "أو بي" عطف عليه، و "استعان" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله: "فليل" الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، وهو فعل أمر، وفاعله قوله: "أنا"، وقوله: "إما" ها هنا للتخيير، قوله: "أو أنت" عطف على قوله: "أنا" والتقدير: "ليل إما [أنا أو ليل"] (¬3) أنت، قوله: "ما ابتغى المستعين" جملة في محل النصب على أنها مفعول "فَلْيلِ"، وما: موصولة، و "ابتغى المستعين": صلته والعائد محذوف تقديره: مما ابتغاه المستعين. الاستشهاد فيه: في قوله: "إما أنا" حيث جاء الضمير فيه منفصلًا؛ لأنه وقع فيما يلي إما، وتعذر الاتصال فيه، ومواضع الانفصال التي يتعذر فيها الاتصال اثنا عشر موضعًا منها: أن يلي الضمير (إما) كما في البيت المذكور (¬4). الشاهد التاسع والخمسون (¬5)، (¬6) إِنْ وَجَدْتُ الصَّدِيقَ حَقًّا لإيَّا ... كَ فَمُرْنِي فَلَنْ أَزَال مُطِيعًا أقول: هذا -أيضًا- من الخفيف وفيه الخبن، والمعنى ظاهر. ¬
الشاهد الستون
الإعراب: قوله: "إن وجدت" [إن: حرف الشرط] (¬1)، ووجدت: جملة من الفعل والفاعل، وقعت فعل الشرط، وقوله: "لإياك" جواب الشرط، واللام فيه تسمى اللام الفارقة (¬2)، و "الصديق" منصوب؛ لأنه مفعول أول لوجدت، و "حقًّا" مفعوله الثاني، قوله: "فهرني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والفاء فيه فاء الجواب؛ لأن التقدير: إذا كنت أنت الصديق حقًّا فمرني فإني متمثل أمرك دائمًا وهو معنى قوله: "فلن أزال مطيعًا" والفاء فيه للتعليل، و "أزال" منصوب بلن، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله: "مطيعًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "لإياك" حيث جاء الضمير منفصلًا لعدم تأتي الاتصال، وقد ذكرنا أن المواضع التي يتعين فيها الانفصال اثنا عشر موضعًا، منها: أن يلي الضمير اللام الفارقة كما في البيت المذكور، ومثله: إن ظننت زيدًا لإياك. فافهم (¬3). الشاهد الستون (¬4)، (¬5) فَلا تَطْمَعْ -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- فِيهَا ... وَمَنْعُكَهَا بشيءٍ يُسْتَطَاعُ أقول: قد ذُكر في الحماسة البصرية أن قائله هو قحيف العجلي، ويقال: قائله رجل من تميم، وكان قد طلب منه ملك من الملوك فرسًا يقال له: سكاب، فمنعه إياها وقال: 1 - أَبَيْتَ اللَّعْنَ إِنّ سَكَابَ عِلْقٌ ... نَفِيسٌ لا يُعَارُ ولا يُبَاعُ (¬6) 2 - مُفَدَّاةٌ مُكَرَّمَةٌ عَلَيْنَا ... يُجَاعُ لَهَا العِيَالُ ولا تُجَاعُ 3 - سَلِيلَةُ سَابِقِينَ تَنَاجَلاهَا ... إذَا نُسِبَا يَضُمُّهُمَا الكراعُ 4 - فَلا تَطْمَعْ -أَبَيْتَ اللَّعْنَ- فِيهَا ... وَمَنْعُكَهَا بشيءٍ يُسْتَطَاعُ ¬
وهي من الوافر وقد دخله العصب والقطف. 1 - قوله: "أبيت اللعن": تحية الملوك في الجاهلية، قال ابن السكيت: معناه: أبيت أن تأتي من الأمر ما تلعن عليه (¬1)، و "اللعن" في الأصل: الطرد والإبعاد، ومنه سمى الشيطان لعينًا وملعونًا؛ لأنه مطرود مبعد (¬2)، قوله: "إن سكاب" قد قلنا: إنه اسم فرس، وفيه وجهان: الأول: منع الصرف لأجل التأنيث والتعريف (¬3) ويكون معربًا، والشاعر تميمي وهذه لغة قومه. والثاني: البناء على الكسر كحذامِ وإخوته؛ لأنه مؤنث، وهذه لغة الحجاز (¬4)، قوله: "علق": نفيس، يعني: مال يبخل به، قال الجوهري: "العِلْق" بالكسر؛ النفيس من كل شيء ويقال: عِلْق مُضِنَّة، أي: ما يُضَنّ به، والجمع أعلاق. وأما قول الشاعر (¬5): إِذَا ذُقْتَ فَاهَا قُلْتَ عِلْقٌ مُدَمِّسٌ ... أُرِيدَ بِهِ قَيْلٌ فَغُودِرَ فيِ السَّأْبِ فإنما يريد به الخمر، وسماها بذلك لنفاستها (¬6). قلت: "مدمس" من دمست الشيء: دفنتَهُ وأَخْفَيْتَهُ وخَبّأْتَهُ، وكذلك التدميس، و "القيل" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام؛ وهو شرب نصف النهار، قوله: "فغودر" أي: نزل في السأب، وهو الزق وهو بفتح السين المهملة وسكون الهمزة وفي آخره باء موحدة، والجمع السؤب. 3 - قوله: "سليلة سابقين" معناه: مسلولة سابقين، أراد أنها متولدة [من فرسين سابقين] (¬7)، قوله: "تناجلاها" أي تناسلاها، من النجل، وهو النسل، يقال نجله أبوه أي: ولده، قوله: "إذا نسبا" أي إذا نسبت هذان السابقان يضمهما الكراع، أراد به الفحل المشهور فيما بينهم. 4 - قوله: "فلا تطمع -أبيت اللعن- فيها" أي في هذه الفرس وهي سكاب، يعني: لا تطمع في أخذها، قوله: "ومنعكها" أي: منعك عنها. ¬
الشاهد الحادي والستون
الإعراب: قوله: "فلا تطمع" عطف على البيت الذي قبله، قوله: "فيها" يتعلق به، وقوله: "أبيت اللعن": جملة معترضة بينهما، وهي جملة دعائية، لا محل لها من الإعراب (¬1)، قوله: "ومنعكها": مصدر مضاف إلى فاعله، مرفوع على الابتداء، وخبره قوله: "يستطاع"، قوله: "بشيء" يتعلق بالمصدر. الاستشهاد فيه: أنه وصل ثاني ضميرين عاملهما اسم واحد، وهو ضعيف، وكان القياس أن يقول: ومنعك إياها (¬2). الشاهد الحادي والستون (¬3)، (¬4) ............................ ... وَكَأَنَّ فِراقِيَهَا أَمَرُّ من الصَّبْرِ أقول: قائله هو يحيى بن طالب الحنفي، قاله حين حَنَّ إلى وطنه، وصدره: تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارِهًا فَتَرَكْتُهَا ... ........................... وهي من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - أحَقًّا عِبَادَ الله أَنْ لَسْتَ نَاظِرًا ... إِلى قَرْقَرَى يَوْمًا وَأَعْلاقِهَا الغُبْرِ 2 - كَأَنَّ فُؤَادِي كُلَّمَا مَرَّ رَاكِبٌ ... جناحُ غُرابٍ رَامَ نهضًا إلَى وَكْرِ 3 - إذا ارْتَحَلَتْ نَحْوَ اليمَامَةِ رُفْقَةٌ ... دَعَاكَ الهَوَى وَاهْتَاجَ قَلْبُكَ للذِّكْرِ 4 - فَيَا رَاكِبَ الوَجْنَاءِ أُبْتُ مُسَلَّمًا ... ولا زِلْتَ مِنْ رَيْبِ الحَوَادِثِ في سَتْرِ 5 - إذَا مَا أَتَيْتَ العِرْضَ فاهْتِفْ بِجَوِّه ... سُقِيتَ عَلَى شَحَطِ النَّوَى سَبَل القَطْرِ ¬
6 - فَإِنَّكَ مِنْ وَادٍ إِلَيَّ مُرَحِّبٌ ... وَإنْ كُنْتَ لا تُزَارُ إِلا عَلَى عُفْرِ 7 - فيا حزنَا ماذَا أُجِنُّ مِنَ الهَوَى ... ومن مُضْمَرِ الشَّوْقِ الدَّخِيلِ إِلَى حِجْرِ 8 - تَعَزَّيْتُ عَنْهَا كَارِهًا فَتَرَكْتُهَا ... وكأن فُرَاقِيهَا أمرُّ من الصبرِ 1 - قوله: "قوقرى" على وزن فعللى؛ اسم موضع، ويقال: قرقرى: [اسم] (¬1) ماء لبني عبس، قال الحطيئة (¬2): بِذِي قَرْقَرَى إِذْ شُهَّدُ النَّاسِ حَوْلَنَا ... فَأَسْدَيْتَ ما أَعْيا بِكَفَّيْكِ نائره قوله: "الغبر" بضم الغين المعجمة وسكون الباء الموحدة؛ جمع أغبر، و "الوجناء": الناقة الشديدة، شبهت بصلابتها بالوجين، وهو ما غلظ من الأرض. 4 - [قوله: "] (¬3) أبت" أي: رجعت، من آب يئوب أوبًا، وهو الرجوع. 5 - قوله: "إذا ما أتيت العرض" بكسر العين المهملة وسكون الراء وفي آخره ضاد معجمة وهو اسم واد باليمامة، وكلُّ واد فيه شجر فهو عِرْضٌ (¬4)، قوله: "فاهتف" أمر، من هتف إذا صاح، يقال: هتفت الحمامة تهتف هتفًا، من باب ضرب يضرب، و "الجوّ" بفتح الجيم وتشديد الواو؛ اسم بلد باليمامة (¬5)، و "الشحط": البعد، و "النوى": التحول من واد إلى واد، و"السبل" بتحريك الباء؛ المطر. 6 - قوله: "إلا على عفر" بضم العين المهملة وسكون الفاء، يقال: لقيت فلانًا على عفر، أي بَعْدَ شهر ونحوه. 7 - قوله: "إلى حجر" بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم، وهو حجر الكعبة [المشرفة] (¬6) - شرفها الله تعالى- ولكنه ذكره وأراد به الكعبة التي كانت [في] (¬7) وطنه. 8 - قوله: "تعزيت" بالعين المهملة والزاي المعجمة؛ من العزاء وهو الصبر والتأسّي، وقد ضبطه بعضهم بالغين المعجمة والراء المهملة، وهو من التغرب، وله وجه، والأول أصح وأشهر. ¬
الشاهد الثاني والستون
الإعراب: قوله: "تعزيت": جملة من الفعل والفاعل، و "عنها" يتعلق به، والضمير يرجع إلى الحجر، و"كارها": نصب على الحال من التاء في تعزيت، قوله: "فتركتها" عطف على قوله: "تعزيت" والضمير فيه -أيضًا- يرجع إلى الحجر، قوله: "وكان" من النواقص، و "فراقيها" كلام إضافي اسمه. وقوله: "أمر من الصبر": خبره، وأمرُّ: أفعل تفضيل فلذلك استعمل بمن. الاستشهاد فيه: في قوله: "فراقيها" حيث جاء الضمير فيه متصلًا لضرورة الوزن، وإلا لكان الأحسن أن يكون منفصلًا نحو: وكان فراقي إياها، وذلك أن الضمير المنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل يجوز فيه الاتصال والانفصال، ولكن الانفصال أحسن؛ إلا أن ها هنا جاز الاتصال للضرورة (¬1). الشاهد الثاني والستون (¬2)، (¬3) لَا تَرْجُ أَوْ تَخْشَ غَيْرَ اللَّه إِنَّ أَذًى ... وَاقِيكَهُ اللَّهُ لا تَنْفَكُّ مَأْمُونَا أقول: استشهد به ابن مالك ولم يعزه إلى أحد، ولا وقفت على اسم قائله. وهو من البسيط. قوله: "لا ترج" من رجا يرجو رجاء، وهو الأمل. والأذى: مصدر من أذى يؤذي أذىً وأذاه وأذيَّة، قوله: "واقيكه الله" الواقي: اسم فاعل من وقى يقي وقايةً وهي الحفظ. الإعراب: قوله: "لا ترج" نهي، فلذلك سقطت منه الواو علامة الجزم، قوله: "أو تخش" "أو" ها هنا بمعنى "ولا"، والمعنى: لا ترج ولا تخش، وأراد: لا ترج غير اللَّه ولا تخش غير اللَّه. فإن قلت: هل تأتي "أو" بمعنى ولا؟ قلت: ذكر جماعة منهم ابن مالك أن "أو" تجيء بمعنى ولا، واستدلوا على ذلك ¬
الشاهد الثالث والستون
بقوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} [النور: 61] معناه: ولا بيوت آبائكم، وهذا غريب (¬1)، قوله: "غير اللَّه" كلام إضافي تنازع فيه الفعلان، فلك أن تعمل أيهما شئت، فإن أعملت الثاني أضمرت المفعول في الأول، والتقدير: لا ترج غير الله ولائتخش غير اللَّه (¬2)، وإن أعملت الأول أضمرت في الثاني نحوه (¬3). قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله: "أذًى" اسمه، قوله: "لا تنفك مأمونًا" خبره، قوله: "واقيكه اللَّه": جملة في محل النصب على أنها صفة لأذى، وقوله: "واقي" اسم فاعل أضيف إلى كاف الخطاب، والضمير الذي بعد الكاف منصوب؛ لأنه مفعول ثان للواقي، والكاف مفعوله الأول، ولكنه مجرور بالإضافة، وقوله: "اللَّه" مرفوع؛ لأن اسم الفاعل عمل فيه عمل فعله على معنى: إن أذى يقيكه اللَّه، يعني: يحفظك اللَّه منه لا ينفك مأمونا، وقوله: "لا ينفك" من الأفعال الناقصة، واسمه ضمير مستتر فيه، و "مأمونا" خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "واقيكه اللَّه" حيث جاء الضمير فيه متصلًا مع جواز الانفصال في مثل هذا الكلام، ولكن هاهنا لا يتيسر لأجل الوزن، والأصل فيه أن يقال: إنَّ أذى واقيك اللَّه إياه، والضمير إذا كان منصوبًا باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول يجوز فيه الوجهان، والمختار الانفصال عند الضرورة (¬4). الشاهد الثالث والستون (¬5) , (¬6) فَإِنْ لا يَكنْهَا أوْ تَكُنْهُ فَإنَّهُ ... أَخُوهَا غَذَّتْهُ أُمُّهُ بِلبَانِهَا أقول: قائله هو أبو الأسود الدؤلي، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر، ويقال: ¬
عثمان بن عمرو، ويقال: عمرو بن سفيان، وقال الواقدي (¬1): عويمر بن ظويلم البصري قاضيها، وهو أول من تكلم في النحو، والأصح: أن أوك من وضع النحو علي بن أبي طالب (¬2) - رضي الله عنه - وأخذه عنه أبو الأسود الدؤلي. وقال الزبيدي (¬3) في طباقات النحاة (¬4) أبو الأسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن حليس بن نفاثة بن عدي بن بكر بن كنانة. وكان صاحب علي - رضي الله [تعالى] (¬5) عنه - خذ عنه النحو، وهو شيخ البصريين في العربية، وهو أول من أوضح سُبُلَها وقياسها, وذلك حين اضطرب كلام العرب. وتوفي أبو الأسود الدؤلي سنة تسع وستين في طاعون الجارف، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقبل البيت المذكور: 1 - دع الخمْرَ يشربْهَا الغوَاةُ فإنني ... رَأيتُ أخَاها مُغنِيًا بمكانها وهما من الطويل. 1 - قوله: "دع الخمر" أي: اتركها، يخاطب به أبو الأسود مولًى له، كان حمل له تجارة إلى الأهوار، وكان إذا مضى إليها يتناولُ شيئًا من الشراب فاضطرب أمرُ البضاعة، فقال أبو الأسود: دع الخمر ... الخ، ينهاه عن ذلك ويقول له: إنَّ الزبيب يقوم مقامها، فإن لم تكن الخمرة نفسُها من الزبيب فهي أخته اغتذتا من شجرة واحدة. قوله: "الغواة": جمع غاوٍ وهو الضال، قوله "رأيت أخاها" أراد بأخيها: النبيذ الذي يُعْمَلُ من الزبيب. 2 - قوله: "بلبانها" بكسر اللام. تقول: هو أخوك بلبان أمه، قال إبن السكيت: ولا يقال بلبن أمه. إنما اللبن الذي يشرب (¬6)، قال الكميت (¬7) يمدح مخلد بن يزيد (¬8): ¬
ترى الندَى ومخلدًا حليفين ... كانا معًا في مَهدِهِ رَضِيعَينِ (¬1) تنازَعَا فيهِ لِبَانَ الثدْيَينِ ... ................................... واللبان بالفتح: الصدر، وبالضم: هو الحاجة. الإعراب: قوله: "فإن لا يكنها" الفاء فيه تفسيرية، تفسر معنى الشطر الثاني من البيت الذي قبله (¬2) و "إن" للشرط، وقوله: "لايكنها" فعل الشرط، وقوله: "فإنه أخوها" جواب الشرط واسم يكن مضمر فيه يرجع إلى قوله: "أخاها" في البيت السابق، وخبره: الضمير المتصل به. والمعنى: فإن لا يكن النبيذ الخمر بعينها فإنه أخوها؛ لأنه يعمل عملها، وكلاهما من أصل واحد؛ حيث قال: غذته أمه بلبانها. قوله: "أو تكنه" عطف على قوله: "لا يكنها" أي: ولا يكنه، أي: ولا يكن الخمر النبيذ فاسم لا يكن هو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الخمر، وخبره الضمير المتصل به الذي يرجع إلى النبيذ. قوله: "فإنه" جواب الشرط؛ كما ذكرنا، و "إن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والضمير المتصل بها اسمها، وقوله: "أخوها" خبرها، أي: فإن النبيذ أخو الخمر، قوله: "غذقه أمه" جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو قوله: "أمه" أي: غذته النبيذ أمه بلبان الخمر، والجملة في محل الرفع على أنها خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون حالًا من الهاء في "أخوها"، والعامل فيها: إن (¬3). قال سيبويه في قولهم: مررت بزيد قائمًا، إن العامل في الحال الباء في: بزيد، واحتج بأنه لا يجوز تقديم قائم على الباء هنا، فلا يقال: مررت قائمًا بزيد؛ لأن الحال لا يتقدم على عاملها فافهم (¬4). ¬
الشاهد الرابع والستون
الاستشهاد فيه: على وصل الضمير المنصوب بكان، فإن القياس: فإن لا يكن إياها أو تكن إياه (¬1). الشاهد الرابع والستون (¬2) , (¬3) لَئِنْ كَانَ إِياهُ لَقَدْ حَال بَعْدَنَا ... عَنِ العَهْدِ وَالإِنْسَان قَدْ يَتَغَيَّر أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار القرشي المخزومي الشاعر المشهور، لم يكن في قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والخلاعة والمُجُون. توفي [في سنة] (¬4) ثلاث وتسعين للهجرة بالغرق في سفينة، وولد يوم مقتل عمر بن الخطاب (¬5) - رضي اللَّه تعالى عنه - سنة ثلاث وعشرين للهجرة، فقال الحسن البصري (¬6) - رضي الله تعالى عنه - وقد جرى ذكر عمر بن أبي ربيعة: أي حق رفع وأي باطل وضع. والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل، وهي قصيدة عظيمة حتى ذكر المبرد في الكامل (¬7) أن ابن عباس (¬8) - رضي اللَّه تعالى عنهما - سمع الكلمة التي منها هذا البيت وعدّ أبياتها ثمانين فحفظها من مرة. ¬
وزعم الهيثم بن عدي (¬1) أن الحرث بن أبي ربيعة عم عمر بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة أتى بعمر إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال له: إن ابن أخي هذا قال شعرًا، فإن كان مما يَجْمُلُ بمثله تركته وإلا حبسته، فاستنشده ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فأنشده عمر: أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَاب فَمُبكِرُ ... ........................... حتى أتى على آخرها، فقال ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - للحرث: لئن بقي ابن أخيك هذا ليُخْرِجَنَّ الخبّآت من خدورهن، وهذه هي القصيدة (¬2): 1 - أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ 2 - بِحَاجَةِ نَفْسٍ لَمْ تَقُلْ فيِ جَوَابِهَا ... فَتُبْلِغَ عُذْرًا وَالمقَالةُ تُعْذِوُ (¬3) 3 - تَهِيمُ إِلَى نُعْمِ فَلَا الشَّملُ جَامِعٌ ... ولا الحَبْلُ مَوْصُولٌ ولا القَلْبُ مُقْصِرْ 4 - وَلا قُرْبُ نُعْمٍ إِنْ دَنَتْ لَكَ نَافِعٌ ... ولا نَأْيُهَا يُسلِي وَلا أَنْتَ تَصْبرُ 5 - وَأُخْرَى أَتَتْ مِنْ دُونِ نُعْم وَمِثْلُهَا ... نَهَى ذَا النُّهَى لَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ 6 - إِذَا زُرْتَ نُعْمًا لَمْ يَزَلْ ذُو قَرَابَة ... لَهَا كُلَّمَا لاقَيتُهَا يَتَنَمَّرُ 7 - عَزِيزٌ عَلَيهِ أَنْ أُلِمَّ بِبَيتِهَا ... يُسِرُّ لِي الشَّحْنَاءَ وَالبغْضُ مُظْهَرُ 8 - أَلِكْنِي إِلَيْهَا بالسَّلامِ فإِنُّهُ ... يُشَهرُ إِلْمامِي بِهَا وَيُنَكَّرُ 9 - بِآيَة مَا قَالتْ غدَاةَ لَقِيتُهَا ... بِمَدْفَعِ أكْنَانِ أَهَذَا المشُهَّرُ 10 - قِفِي فَانْظُرِي أَسْمَاء هَلْ تَعْرِفِينَهُ ... أَهَذَا المُغيرِيُّ الذِي كَانَ يُذْكَرُ 11 - أَهذَا الذي أَطْرَيْتِ نَعْتًا فَلَم أكُنْ ... وَعَيشِكِ أَنْسَاهُ إِلَى يَوْمِ أُقْبَرُ 12 - فقالتْ نَعَم لا شَكَّ غَيَّرَ لَوْنَهُ ... سرَى الليلِ يُحْييِ نَصُّهُ والتَّهجُّرُ 13 - لَئِنْ كَانَ إِيَّاهُ لَقَدْ حَال بَعْدَنَا ... عَنْ العَهْدِ والإِنْسَان قُد يَتَغَيرُ 14 - رَأَتْ رَجُلًا أمَّا إذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ ... فَيضْحَى وَأَمَا بِالْعَشِي فَيَخْضَرُ 15 - أَخَا سَفَرٍ جَوَّابَ أَرْضٍ تَقَاذَفَتْ ... بِهِ فَلَوَاتٌ فَهْوَ أَشعَثُ أَغْبَرُ ¬
16 - قلِيلٌ عَلَى ظَهْرِ المَطِيَّة ظِلُّهُ ... سوَى مَا نَفَى عَنْهُ الرِّدَاءُ المُحَبَّرُ 17 - وَأعْجَبَهَا من عَيْشهَا ظِلُّ غرْفةٍ ... وَرَيَّانُ مُلْتَفُّ الحَدَائِقِ أَخْضَرُ 18 - وَوَالٍ كَفَاهَا كُل شَيْء يهُمُّهَا ... فَلَيْسَتْ لِشَيْء آخِرَ الليل تَسْهَرُ 19 - وَليلةَ ذِي دَورَانَ جَشَّمَتْنِي السُّرَى ... وَقَدْ يَجْشَمُ الهَوْلَ المحُبُّ المغُرَّر 20 - فَبِتُّ رَقِيبًا للرِّفَاقِ عَلَى شَفَا ... أُحَاذِرُ منْهُمْ مَنْ يَطُوفُ وَأنْظُرُ 21 - إلَيهمْ مَتى يَسْتَمْكِنُ النومُ مِنْهُمُ ... وَلِي مَجْلِسٌ لَوْلَا اللُّبَانَةُ أَوْعَرُ 22 - وَبَاتَت قَلُوصِي بِالعَرَاءِ وَرَحْلُهَا ... لطَارِقِ ليْل أَوْ لمن جَاءَ مُعْورُ 23 - وبتٌ أُنَاجِي النَّفْسَ أيْنَ خِبَاؤُهَا؟ ... وَكَيفَ لِما آتِي من الأَمْرِ مَصْدَرُ 24 - فَدَلَّ عَلَيهَا القَلْبُ رَيا عَرَفْتُهَا ... لَهَا وَهَوَى النَّفْسِ الذي كادَ يَظْهَرُ 25 - فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتَ منْهُمْ وأُطْفِئَتْ ... مَصَابِيحُ شُبَّتْ بالعِشَاء وَأَنْؤُرُ 26 - وَغَابَ قُمَيْرٌ كُنْتُ أَهْوَى غُيُوبَهُ ... وَرَوَّحَ رُعْيَانٌ وَنُوَّم سُمَّرُ 27 - وَخُفِّضَ عَنّيِ الصَّوْتُ أَقْبَلْتُ مشْيَةَ ال ... حُبَاب وَشَخصِي خَشْيَةَ الحيِّ أَزْوَرُ 28 - فَحَيَّيْتُ إذْ فَاجَأْتُهَا فَتَوَلَّهَتْ ... وَكَادَتْ بمَخْفُوضِ التحِيَّة تَجْهَرُ 29 - وقَالتْ وعَضَّتْ بالبَنَانِ فَضَحْتَني ... وَأَنْتَ امرُؤٌ مَيْسُورُ أَمْرِكَ أَعْسَرُ 30 - أَرَيْتَكَ إذ هُنَّا عَلَيْكَ أَلَمْ تخَفْ ... رَقيبًا وَحَوْلي من عَدُوَّكَ حُضَّرُ 31 - فَوَ اللَّه مَا أَدْرِي أَتَعْجيلُ حَاجَةٍ ... سَرَتْ بِكَ أمْ قَدْ نَامَ مَنْ كُنْتَ تَحْذَرُ 32 - فقلْتُ لَهَا بَلْ قَادَنِي الشَّوْقُ والهَوَى ... إِلَيْكِ وَمَا نَفْسٌ مِنَ الناسِ تَشْعُرُ 33 - فَقَالتْ وَقَدْ لانَتْ وَأَفْرَخَ وَوْعُهَا ... كَلاكَ بحِفْظِ ربُّكَ المتُكَبِّرُ 34 - فَأَنْتَ أَبَا الخطَّاب غَيرَ مُنَازعٍ ... عَلَيَّ أميرٌ ما مَكثْتَ مُؤَمَّرُ (¬1) 35 - فَبِتُّ قَرِيرَ العَيْنِ أُعْطِيتُ حَاجَتِي ... أقبلُ فَاهَا في الخَلاءِ فَأكثِرُ 36 - فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ تَقَاصَرَ طُولُهُ ... وَمَا كَانَ لَيْلِي قَبْلَ ذَلكَ يَقْصُرُ 37 - وَيَا لَكَ مِنْ مَلْهَى هُنَاكَ وَمَجْلِسٌ ... لَنَا لَمْ يُكَدِّرْهُ عَلَينَا مُكدِّرُ 38 - يَمُجُّ زَكِيَّ الْمِسْكِ مِنْهَا مُقَبَّلٌ ... نَقِيُّ الثَّنايَا ذُو غُرُوبٍ مؤشر ¬
39 - تَرَاهُ إِذَا تَفْتَرُّ عَنْهُ كَأَنَّهُ ... حَصَى بَرَدٍ أَوْ أُقْحُوَانٌ مُنَوَّرُ 40 - وَتَرْنُو بِعَيْنَيْهَا إِلَيَّ كَمَا رَنَا ... إِلَى ظَبْيَةٍ وَسْطَ الخَمِيلَةِ جُؤْذَرُ 41 - فَلَمَّا تَقَضَّى اللَّيْلُ إِلا أَقَلَّهُ ... وَكَادَتْ تَوَالِي نَجْمِهِ تَتَغَوَّرُ 42 - أَشَارَتْ بأَنَّ الحَيَّ قَدْ حَانَ مِنْهُمُ ... هُبُوبٌ وَلَكِنْ موعدٌ مِنْكَ عَزْوَرُ 43 - فَمَا رَاعَنِي إلا مُنَادٍ تَرَحَّلُوا ... وَقَدْ لاح مَفْتُوقٌ منَ الصُّبْحِ أَشْقَرُ 44 - فَلَمَّا رَأَتْ مَنْ قَدْ تَنَبَّهَ مِنْهُمُ ... وَأَيْقَاظَهُمْ قَالتْ أَشِرْ كَيْفَ تَأْمُرُ 45 - فَقُلْتُ أُبَادِيهِمْ فَإِمَّا أَفُوقُهُمْ ... وَإِمَّا يَنَالُ السَّيْفُ ثَأْرًا فَيَثْأَرُ 46 - فَقَالتْ أَتَحْقِيقًا لِما قَال كَاشِحٌ ... عَلَيْنَا وَتَصْدِيقًا لِما كَانَ يُؤْثَرُ 47 - فَإِنْ كَانَ مَا لا بُدَّ مِنْهُ فَغَيْرُهُ ... مِنَ الأَمْرِ أَدْنَى لِلْخَفَاءِ وَأَسْتَرُ 48 - أَقُصُّ عَلَى أُخْتَيَّ بَدْءَ حَدِيثِنَا ... وَمَا لِي مِنْ أَنْ يَعْلَمَا مُتَأَخَّرُ (¬1) 49 - لَعَلَّهُمَا أَنْ تَطْلُبَا لَكَ مَخْرَجًا ... وَأَنْ تَرْحبَا صَدْرًا بِمَا كُنْتُ أَحْصُرُ 50 - فَقَامَتْ كَئِيبًا لَيْسَ فيِ وَجْهِهَا دَمٌ ... مِنَ الحُزْنِ تُذْرِي عَبْرَةً تتحدر 51 - فَقَالتْ لأُخْتَيْهَا أَعِينَا عَلى فَتَى ... أَتَى زَائِرًا والأَمْرُ للأَمْرِ يُقْدَرُ 52 - فَقَامَتْ إِلَيْهَا حُرَّتَانِ عَلَيْهِمَا ... كِسَاءَانِ مِنْ خَزٍّ دِمَقْصٌ وَأَخْضَرُ (¬2) 53 - فَأَقْبَلَتَا فَارْتَاعَتَا ثُمَّ قَالتَا ... أَقِلِّي عَلَيْكِ اللَّوْمَ فالْخَطْبُ أَيْسَرُ 54 - فَقَالتْ لَهَا الصُّغْرَى سَأُعْطِيهِ مِطْرَفيِ ... وَدِرْعِي وَهَذَا البَرْدُ إِنْ كَانَ يَحْذَرُ 55 - يَقُومُ فَيَمْشِي بَيْنَنَا مُتَنَكِّرًا ... فَلا سِرَّنَا يَفْشُو وَلا هُوَ يَظْهَرُ 56 - فَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي ... ثَلاثُ شُخُوصٍ كَاعِبَانِ وَمُعْصِرُ 57 - فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ قُلْنَ لِي ... أَلَمْ تَتَّقِ الأَعْدَاءَ والليلُ مُقْمِرُ 58 - وَقُلْنَ أَهَذَا دَأْبُكَ الدَّهْرَ سَادِرًا ... أَمَا تَسْتَحِي أَوْ تَرْعَوي أَوْ تُفَكِّرُ 59 - إذَا جِئْتَ فَامْنَحْ طَرْفَ عَيْنِكَ غَيْرَنَا ... لِكَيْ يَحْسَبُوا أَنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ 60 - فآخِرُ عَهْدِ لِي بِهَا حِينَ أَعْرَضَتْ ... ولاحَ لَهَا خَدٌّ نَقِيٌّ ومَحْجرُ ¬
61 - سِوَى أَنَّنِي قَدْ قُلْتُ يَا نُعْمُ قَوْلَةً ... لَهَا وَالْعِتَاقُ الأَرْحَبِيَّاتُ تُزْجَرُ 62 - هَنِيئًا لأَهْلِ العَامِرِيَّةِ نَشْرُهَا الل ... لذيد وَرَيَّاهَا الذي أَتَذَكَّرُ 63 - وَقُمْتُ إِلَى عَنْسٍ تَخَوَّنَ نِيَّهَا ... سُرَى اللَّيْلِ حتَّى لَحْمُهَا مُتَحَسِّرُ 64 - وَحَسْبِي عَلَى الحَاجَاتِ حَتَّى كَأَنَّهَا ... بَقِيَّةُ لَوْحٍ أَوْ شِجَارٌ مُؤَسَّرُ 65 - وَمَاءٍ بمَوْمَاةٍ قَلِيلٍ أُنِيسُهُ ... بَسَابِسَ لَمْ يَحْدُثْ بِهِ الضَّيْفَ محضر 66 - بِهِ مُبْتَنًى لِلْعَنْكَبُوتِ كَأَنَّهُ ... عَلَى طَرَفِ الأَرْجَاءِ خَامٌ مُنَشَّرُ 67 - وَرَدْتُ وَمَا أَدْرِي أَمَا بَعْدَ مَوْرِدِي ... مِنَ اللَّيْلِ أَمْ قَدْ مضَى مِنْهُ أَكْثَرُ 68 - فَقُمْتُ إِلَى مِغْلاةِ أَرْضٍ كَأَنَّهَا ... إِذَا الْتَفَتَتْ مَجْنُونَةٌ حِينَ تَنْظُرُ (¬1) 69 - مُحَاولَةً لِلْمَاءِ لَولا زِمَامُهَا ... وَجَذْبِي لَهَا كانتْ مِرَارًا تكسَّرُ (¬2) 70 - فَلَمَّا رَأَيْتُ الضُّرَّ مِنْهَا وَإِنّنِي ... بِبَلْدَةِ أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُعَصَّرُ 71 - قَصَرُتَ لَهَا مِنْ جَانِبِ الحَوْضِ ناشئًا .... جَدِيدًا كَقَابِ الشِّبْرِ أَوْ هُوَ أَصْغَرُ (¬3) 72 - إِذَا شَرَعَتْ فِيهِ فَلَيْسَ لِمُلْتَقَى ... مَشَافِرِهَا مِنْهُ قِدَى الكَفِّ مُسْأَر (¬4) 73 - وَلا دَلْوَ إلَّا القَعْبُ كَانَ رِشَاؤَهُ ... إِلَى الماءِ نِسْع والجَدِيلُ المُضَفَّرُ (¬5) 74 - فَسَافَتْ وَمَا عَافَتْ وَمَا رَدَّ شُرْبَهَا ... عَنِ الرَّيِّ مَطْرُوقٌ مِنَ الماءِ أكْدَرُ وإنما سقت هذه القصيدة بكمالها وإن كان قد طال بها الكتاب من وجوه: • الأول: فيها أبيات كثيرة يستشهد بها في كتب النحو؛ ولا سيما فيما نحن بصدده. • الثاني: لحسنها ورياقتها ما أردت إخلالها. ¬
• الثالث: قلَّ من يقف عليها وهي صحيحة سالمة من التصحيفات والتحريفات. • الرابع: طلبًا لزيادة الفائدة. • الخامس: حتى ينصف الحاسد من جهلة الأقران، ويرى ما فيه من قوة اجتهاد من ساق هذه وأمثالها في هذا الكتاب على نمط الصحة والصواب، ولعله يصفى خلده، ويهاجر حسده ليربح قلبه وجسده. 1 - قوله: "أمن آل نُعْم" بضم النون وسكون العين المهملة وفي آخره ميم؛ وهي اسم المرأة التي كان يشبب بها عمر بن أبي ربيعة، قوله: "فمهجّر" بتشديد الجيم [أصله: متهجر] (¬1) من التهجر وهو السير في الهاجرة. 2 - قوله: "والمقالة تعذر" من الإعذار. 5 - قوله: "لو يرعوي" أي: لو يكف عن القبيح. 7 - و "الشحناء": العداوة. 8 - قوله: "ألكني" معناه: كن رسولي وتحمل رسالتي إليها، وقد أكثروا من هذا اللفظ في الأشعار، قال عبد بني الحسحاس قوله (¬2): أَلِكْنِي إليهَا عَمْرَكَ اللَّهُ يَا فَتَى ...................................... والقياس أن يقال: ألاكه يليكه إلاكة، وقد حكي هذا عن أبي زيد، وهو وإن كان من الألوك في هذا المعنى وهو الرسالة، فليس منه في اللفظ؛ لأن الألوك فعول، والهمزة فاء الفعل إلا أن يكون مقلوبًا أو على التوهم. 9 - و "الأكنان" جمع كن، وهي السترة، قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81]. 13 - قوله: "لئن كان إياه" المعنى: لئن كان هذا الرجل هو الرجل الذي رأيناه قبل، لقد ¬
حال، أي تغير عن العهد، أي الذي كنا نعهده من الشبيبة إلى الشيب، وهكذا الإنسان يتغيم من حال إلى حال. 14 - قوله: "فيضحى" أي يظهر للشمس. يقول يسير نهارًا، وإذا جاء الليل خَصِر، بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة، يقال: خصر الرجل إذا آلمه البرد في أطرافه, وماء خصر أي بارد. 15 - و "الجوّابُ" بالتشديد من جاب يجوب جوبًا إذا خرق وقطع، قال تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)} [الفجر: 9]. 16 - و "المحبر" المزين. 19 - قوله: "ذي دَوْرَان" بفتح الدال وسكون الواو: وفتح الراء وبعد الألف نون؛ وهو موضع بين القديد والجحفة، قوله: "جشمتي السرى" أي كلفتي إياه، يقال: جشمته الأمر. تجشيمًا وأجشمته إذا كلفته إياه، والسرى هو السير بالليل. 20 - قوله: "على شفا" أي: على طرف النهار أي: آخره. 21 - قوله: "لولا اللبانة" بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف نون؛ الحاجة، و "أعور" الذي قد عور ولم تقض حاجته ولم يصب ما طلب، وليس من عور العين. 22 - و "القلوص" من النوق: الشابة، ويجمع على قلائص وقُلُص، و "العراء" بالمد؛ الفضاء لا ستر به، قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} (¬1) [الصافات: 145]، ويقال: هذا مكان معور يخاف فيه القطع. 27 - قوله: "مشية الحبُاب" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة؛ وهي الحية، و "الأزور" من الزور بتحريك الواو؛ وهو الميل. 33 - قوله: "أفرخ روعها" أي: ذهب فزعها، يقال: ليفرخ روعك، أي: ليخرج عنك فزعك؛ كما يخرج الفرخ من البيضة، قوله: "كلاك" أي: حفظك من كلأ يكلأ إذا حفظ. 38 - قوله: "ذو غُروب" بضم الغين المعجمة والراء؛ هو حدة الأسنان وماؤها، قال عنترة (¬2): ¬
إِذْ تَسْتَبِيكَ بِذِي غرُوبٍ وَاضِحٍ ... عَذْبٌ مُقَبَّلهُ لَذِيذُ المَطْعَمِ و"المؤشر" بتشديد الشين المعجمة من الوشر وهو أن تحدد المرأة أسنانها وترققها، وفي الحديث: "لعن اللَّه الواشرة والمؤتشرة" (¬1). 39 - و"الأقحوان" بضم الهمزة؛ لون أبيض فيه أصفر، قال الجوهري: هو البابونج على أفعْلان، هو نبت طيب الرائحة (¬2) حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر (¬3). 40 - قوله: "وترنو" من رنا إليه إذا نظر، و "الخميلة" بفتح الخاء المعجمة؛ وهو الشجر المجتمع الكثيف، وقال الأصمعي: الخميلة: رملة تُنبِت الشجر (¬4)، و "جُؤْذَر" بضم الجيم وسكون الهمزة وفتح الذال المعجمة وفي آخره راء؛ وهو ولد البقرة الوحشية، ويقال: جوْذر -أيضًا- بلا همزة، والجمع جآذر. 42 - قوله: "عَزْوَر" بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو مكان وهو ثنية الجحفة، وهو -أيضًا- موضع بمكة، وأيضًا: جبل يقابل رضوى. 46 - و"الكاشح" بالشين [المعجمة] (¬5)، وهو الذي يضمر لك العداوة، يقال: كشح له بالعداوة وكاشحه بمعنى. 49 - "أحصر" بالحاء والصاد المهملتين، من الحصر وهو الضيق. 52 - و "دمقص" بكسر الدال وفتح اليم وسكون القاف، وهو القز. 56 - قوله: "فكان مجني" المجن بكسر اليم: الترس، و "كاعب" تثنية كاعب، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود، وقد كعب تكعُب بالضم كعوبًا وكعّب بالتشديد مثله، و "المعصر": الجارية أول ما أدركت وحاضت، يقال: قد أعصرت كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته. 58 - قوله: "سادرًا" من سدر إذا تحير، والسادر هو الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع. ¬
60 - قوله: "ومحجِر" بفتح اليم وسكون الحاء المهملة وكسر الجيم، وهو الموضع الذي يقع القناع منه، ومحجر العين: مشق جفنيها. 61 - قوله: "والعتاق" بكسر العين؛ جمع عتيق وهو الفرس الرائع، و "الأرحبيات": النجائب منها، وهي نسبة إلى أرحب وهي قبيلة من همدان. 63 - و "العنس" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة؛ وهي الناقة الصلبة، قوله: "تَخَوَّنَ نِيّها" أي: انتقص لحمها وشحمها، و "النِّي" بكسر النون وتشديد الياء؛ وهو الشحم. 64 - قوله. "بقية لوح" أي: عطش، و "الشجار" بكسر الشين وبالجيم، وهو مركب دون الهودج، و "مؤسر" أي: مشدود، قال تعالى: {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} (¬1) [الإنسان: 28]. 65 - و "الموماة" واحدة الموامي وهي المفاوز، و "البسابس" جمع بسبس وهي القفر. 66 - و "الأرجاء": النواحي، وهي جمع رجا مقصور. 68 - قوله: "مِغْلاة أرض" المغلاة بكسر اليم وسكون الغين المعجمة، وهي السهم، يقال: غلوت السهم غلوًّا إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، والغلوة: الغاية مقدار رمية. 69 - قوله: "تكسر" أي تتكسر. 70 - قوله: "معصّر" بتشديد الصاد المفتوحة؛ أي ملجأ، وأصله من العصر بالتحريك وهو الملجأ والمنجى. 71 - قوله: "كقاب الشبر" أي كقدره. 72 - وكذا قوله: "قدى الكف" أي كقدر الكف، قوله: "مسأر" مفعل، من السؤر وهو بقية الماء التي يبقيها الشارب، معناه: إذا التفت شفتاها عليه لم تبق منه شيئًا، ويروى: مؤسر بتقديم الهمزة على السين، من أسرت الحوض إذا سددته. 73 - و "النِّسْع" بكسر النون وسكون السين المهملة وفي آخره عين مهملة، جمع نسعة وهي التي تنسج عريضًا للتصدير، و "الجديل" بفتح الجيم وكسر الدال؛ الزمام المجدول من أدم. 74 - قوله: "فسافت" من السوف، وهو الشم، يقال: سفت الشيء أسوفه سوفًا ومنه المسافة؛ وذلك لأن الدليل يسوف التراب ليعلم أعلى قصد هو أم على جور، قوله: "وما عافت" ¬
من عاف الرجل الطعام والشراب يعافه عيافًا، أي: كرهه فلم يشربه فهو عائف، قوله: "مطروق" المطروق والطرق: ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر. الإعراب: قوله: "لئن كان" اللام فيه هي اللام الداخلة على أداة الشرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، ومن ثمة تسمى: اللام المؤذنة واللام الموطئة -أيضًا- لأنها وطّأت الجواب للقسم، أي مهدته له نحو قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} [الحشر: 12]، و "إن" للشرط، و "كان إياه" فعل الشرط. وقوله: "لقد حال" جواب الشرط، و "كان" ناقصة واسمها مستتر فيه، وقوله: "إياه" خبره، قوله: "لقد حال" اللام فيه للتأكيد، وقد للتحقيق، والضمير في حال هو الضمير الذي في (كان)، قوله: "بعدنا": ظرف يتلق بحال وهو العامل فيه، و "عن العهد" يتعلق به، وقوله: "والإنسان": مبتدأ، و "قد يتغير" خبره، والجملة وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لئن كان إياه" حيث جاء خبر كان منفصلًا، قال ابن الناظم: الصحيح اختيار الاتصال لكثرته في النظم والنثر الفصيح (¬1)، وقال الزمخشري: الاختيار في ضمير خبر (كان) وأخواتها الانفصال كقوله: لئن كان إياه (¬2)، والصواب ما قاله الزمخشري؛ لأن منصوب (كان) خبر في الأصل، والأصل في الخبر أن يكون منفصلًا وليس للاتصال فيه دخل (¬3). ¬
الشاهد الخامس والستون
الشاهد الخامس والستون (¬1)، (¬2) وَقَدْ جَعَلَتْ نَفْسِي تَطِيبُ بِضَغْمَةٍ ... لِضَغْمِهِمَاهَا يَقْرَعُ العَظْمَ نَابُهَا أقول: قائله هو المغلس بن لقيط بن حبيب بن خالط بن نضلة الأسدي، جاهلي، هو وأخواه: بعثر (¬3) ونافع ابنا لقيط شعراء، وهو من قصيدة هائية يرثي بها أخاه أطيطًا ويشتكي من قرينين له يؤذيانه، وقيل: هما أبناء أخيه وهما: مدرك ومرة، وأولها هو قوله: 1 - وَأبْقَتْ لِيَ الأَيَّامُ بَعْدَكَ مُدْرِكًا ... وَمُرَّةً والدُّنْيَا قَلِيلٌ عِتَابُهَا 2 - قَرِينَيِن كَالذَّئْبَيِن يَقْتَسِمَانِنِي ... وَشَرُّ صَحَابَاتِ الرَّجَالِ ذِئَابُهَا 3 - إِذَا رَأَيَا لِي غَفْلَةً أَسَّدَا بِهَا ... أَعَادِي والأَعْدَاءُ كَلِبَيْ كِلابُهَا 4 - وَإِنْ رَأَيَانِي قَدْ بَحَوْتُ تَبَغَّيَا ... لِرَجْلِي مُغَوَّاةً هَيَامًا تُرَابُهَا 5 - فَلَوْلا رَجَائِي إِنْ تَئُوبَا وَلا أَرَى ... عُقُولَكُمَا إلا شَدِيدًا ذَهَابُهَا (¬4) 6 - سَقَيْتُكُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ شَرْبَةً ... يَمُرُّ عَلَى بَاغِي الظَّلامِ شَرَابُهَا 7 - وَقُدْ جَعَلْتُ نَفْسِي تَهُمُّ بِضَغْمَةٍ ... عَلَى عَلّ غَيْظٍ يَقْصِمُ العَظْمَ نَابُهَا هكذا رواه أبو عمرو في كتاب: "الحروف" له، وابن الناظم رواه كما رواه سيبويه (¬5)، وأبو علي في الإيضاح (¬6). وهو من الطويل. 2 - قوله: "قرينين" أي: متقاربين، قوله: "يقتسمانني" أي: يختصمانني ويروى: يصطحبانني، قوله: "ذئابها": جمع ذئب. 3 - قوله: "أسّدا بها" أي أغريا بها، أي بسبب الغفلة، يقال: أسّدته وأوسدته إذا أغريته بالصيد، والواو منقلبة عن الألف. وأسدت بين القوم أي أفسدت، قوله: "كلبي": جمع كلب ¬
بفتح الكاف وكسر اللام، قال الفراء وغيره: رجل كلب وقوم كلبى إذا أصابهم الكلب، والكلب بفتح اللام؛ الذي لا يبرأ منه (¬1). 4 - قوله: "تبغيا" أي طلبا، قوله: "مغواة" بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الواو؛ وهي حفرة كالزبية، يقال: من حفر مغواة وقع فيها، وتجمع على مغويات، قوله: "هيامًا" الهيام بكسر الهاء وتخفيف الياءآخر الحروف؛ وهو الرمل اليابس (¬2)، ورواه أبو علي في التذكرة: هيالي ترابها، [قال: وهذا يدل على أن التراب جمع ترب، ولو كان مفردًا لقال: هائل ترابها]، (¬3)، وقال صاحب العين: الهائل والأهيل والهيل من الرمل؛ الذي لا يثبت (¬4)، وضرب ذا مثلًا لكثرة معرفتهما بالشر والتحيل في جلب أنواع الضر. 6 - قوله: "الظلام" بالضم؛ بمعنى الظلم، قال أبو الحجاج (¬5) وقد يكون جمعًا لظلم؛ كما ذهب إليه أبو علي في التراب أنه جمع ترب، فيلحق بالألفاظ التي جمعت على فُعال، وقد قيل فيه الظلام بكسر الظاء. وكذا رأيته مكسورًا في نسخة من شعر أبي دؤاد، زعم كاتبها أنه قابلها بنسخة كانت بخط سيبويه [رحمه اللَّه تعالى] (¬6)، وقد قيده صاحب كتاب الموعب (¬7) عن أبي زيد فقال: فلان يريد ظِلامِي بكسر الظاء وظلامتي وظلمي وأنشد (¬8): .......................... ... وسامته العشيرة الظّلاما وقال ابن دريد: الظلام مصدر ظالمه (¬9) وقال كراع: جمع الظلم ظلام، وأنشد للمثقب (¬10) ¬
العبدي (¬1): وَهُنَّ عَلَى الظِّلامِ مُطَلِبَاتٍ ... قَوَاتِلُ كُلِّ أَشْجَعِ مُسْتَكِينِ وقال ابن يسعون: وقد يكون الظلام لغة في ظلم؛ كلبس ولباس ونحوه، وقد يكون جمع ظلم كما قال كراع، وإن كنت لا أعلم فِعَالًا في جمع فعل إلا في المضاعف في نحو: قِفّ وقِفَاف كما قد يكون الظلام جمع ظلامة وهو أشبه وجوهه. 7 - قوله: "لضغمة" بالضاد والغين المعجمتين، وهي العضة، يكنى بها عن الشدة والصيبة؛ لأن من عرضت له الشدة يعض على يديه، يقال: ضَغَمَتْه الشدة إذا أصابته، ويقال: الضغم هو العض بجميع الفم، ومنه سمي الأسد ضيغمًا، والياء فيه زائدة، قوله: "يقرع العظم" أي يدقه وهذه مبالغة في أنه عضت الشدة عضًّا قويًّا بلغت منتهى ما يبلغ العض وكنى ببلوغ العظم الناب عن ذلك. وحاصل المعنى: قد رَضِيَتْ (¬2) نفسي وطابت للشدة التي أصابتني؛ لإصابتها من قصدني بمثلها. وقال ابن الحاجب (¬3) في الأمالي: إنه يقول: طابت نفسي للشدة التي أصابتني لوقوع العارض لي في أعظمي (¬4)، وقال شيخ شيخي شمس الدين اليشكري -رحمه الله- في شرحه (اللب) والمعنى: قد جعلت نفسي تطب لضغمتي إياهما ضغمة شديدة تشبه ضغمتهما لي، يعني: إنما تطب نفسي بأن يصيبهما مثل هذه الشدة التي أصابتني (¬5). الإعراب: قوله: "وقد جعلت" هذه من أفعال المقاربة التي يجب أن يكون خبرها مضارعًا، قوله: "نفسي": اسمها، وقوله: "تطيب": خبرها، قوله: "لضغمة": مفعول تطيب؛ كما تقول طبت بزيد، فاللام بمعنى الباء وليست بمعنى المفعول لأجله؛ لأنه لم يرد أنها طابت لأجل الضغمة، وإنما يريد أنها طابت بالضغمة. قوله: "لضغمهماها" اللام فيه للتعليل، والضمير الأول في موضع خفض من الإضافة وهي ¬
فاعل في المعنى يرجع إلى الرجلين المذكورين في البيت السابق وهما: "مدرك ومرة"، والضمير الثاني في موضع نصب على المفعولية، وهو عائد إلى الضغمة، والتقدير: وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة يقرع العظم نابها لأجل ضغمهما إياها مثل هذه الضغمة التي أصابتها. وقيل: الضمير الأول يرجع إلى الذئبين المذكورين في البيت السابق، والثاني إلى النفس يقول: لكثرة ما أصابه من المحن ورزايا الدهر عادت نفسي تروم وتطيب لأن يعضها السباع وتهلكها لتتخلص مما [هي] (¬1) عليه. وقيل: الضمير الأول مفعول به، والثاني: فاعل، أي تطيب نفسي لأن ضغمتهما ضغمة كما ضغمتني. قوله: "يقرع العظم نابها" في موضع [خفض إما] (¬2) صفة لضغمة الأولى، وفصل للضرورة بالجار والمجرور وهو لضغمهماها، وهذا ضعيف لأجل الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي، وإما في موضع الصفة لمثل محذوف؛ لأن معناه: لضغمهما مثلها؛ لأن الضغمة الأولى لم تصب هذين، وإنما أصابهما مثلها، فهو في المعنى مراده، ومثلٌ: نكرة وإن أضيف إلى المعرفة فجاز أن يوصف بالجملة ويجوز أن [يكون] (¬3) "يقرع العظم نابها": جملة مستأنفة تبين أمر الضغمة في الموضعين جميعًا؛ فلا موضع لها من الإعراب؛ لأنها لم تقع موقع مفرد. فإن قلتَ: فإذا كان اللام في لضغمهما للتعليل على ما ذكرت فما موقعه؟ قلتُ: هو بدل من قوله: "لضغمة". فإن قلتَ: الضغم مصدر، والضغمة مرة منه، فكيف يجوز إبدال العام من الخاص؟ وهذا عندهم من بدل الغلط؛ كما في قولك: مررت بزيد القوم؟ قلت: يجوز أن تكون الضغمة بمعنى الضغم؛ كالرجمة بمعنى الرجم، فالتاء ليست للمرة، أو نكون التاء محذوفة من الأخيرة للضرورة، أي لضغمتهماها. الاستشهاد فيه: في اجتماع الضميرين، وكان القياس في الثاني منهما الانفصال فجاء متصلًا على غير القياس نحو: لضغمهماها، والقياس لضغمهما إياها، وقال ابن يسعون: استشهد به أبو علي في الإيضاح على وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل؛ لأن مجيء الضمير المنفصل مع المصدر أحسن. والمصدر هو لضغمهما، وهو مضاف إلى هما، وهما في المعنى فاعلان، والمفعول المضغوم محذوف، ¬
الشاهد السادس والستون
ولو ذكره مع هذه المتصلة العائدة على ضغمة لقال: لضغمهماها (¬1) إياي وإياها، ولو أتى بضمير الضغمة منفصلًا على الوجه الأحسن لقال: لضغمهما إياي إياها، وكان إياي يتقدم لوجهين: أحدهما: لأنه ضمير الخاطب، وهو أولى بالتقديم من الضمير الغائب. والوجه الآخر: أن إياي ضمير المفعول به، وإياها ضمير المصدر، فهي فضلة مستغنى عنها بما هو آكد منها، وكان الأصل: لضغمهما إياي، مثلها أي مثل تلك الضغمة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، فكان ينبغي أن يأتي بالضمير المنصوب المنفصل، وحذفُ المفعول مع المصدر إذا كان معه الفاعل كثير؛ كما قد يحذف معه الفاعل - أيضًا - (¬2). الشاهد السادس والستون (¬3)، (¬4) لوجهِكَ في الإحْسَانِ بَسْطٌ وَبَهْجَةٌ ... أَنَا لهُمَاهُ قَفْوًا أكْرَم وَالِدِ أقول: هذا لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "في الإحسان" أي وقت الإحسان، قوله: "بسط" أي: بشاشة وترك تعبّس، قوله: "وبهجة" أي: حسن وسرور؛ وذلك لأن الكريم يَسُوُّهُ إحسانه إلى العفاة، قوله: "أنا لهما" من أنال ينيل إنالةً، وثلاثيه: نال إذا بلغ ووصل، قوله: "قفو" بالقاف بعدها الفاء، من قفوت أثره قفوًا وقفوًّا إذا أتبعته، يعني: اتباع أكرم الوالدين، أراد كرام الآباء والأسلاف. وحاصل المعنى: وجهك منبسط ومبتهج في وقت الإحسان إلى الناس، وقد حصل لك ذلك من اتباع آثار آبائك الكرام وأسلافك الكرماء. الإعراب: قوله: "بسط" مبتدأ، و "بهجة" عطف عليه، وخبره قوله: "لوجهك"، وقوله: "في الإحسان" يتعلق بقوله: بسط. والمضاف إليه محذوف كما ذكرنا، قوله: "أنالهما" جملة من الفعل والفاعل وهو أنال، والمفعولين أحدهما هو قوله: "هما" اللذان يرجعان إلى البسط ¬
الشاهد السابع والستون
والبهجة، والآخر هو الضمير الذي بعدهما يرجع إلى الوجه، والفاعل وهو قوله: "قفو أكرم والد"، وقوله: "قفو" مضاف إلى أكرم، وأكرم مضاف إلى والد، وأصل والد: والدين بكسر الدال؛ جمع والد، حذف منه بعض الكلمة، ومثله [كثير] (¬1) في الأشعار. فإن قلتَ: ما موقع هذه الجملة؟ قلتُ: الرفع؛ لأنها صفة لقوله: بسط وبهجة. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنالهماه" وكان القياس أن يقال: أنالهما إياه بالانفصال، فجاء متصلًا، قيل: إن الاتصال ها هنا أحسن؛ لأن العامل فعل وهو قوله: "أنال" بخلاف البيت السابق؛ فإن الانفصال فيه أحسن؛ لأن العامل هناك اسم وهو (¬2) قوله: "الضغم" والفعل أجمل للوصل من الاسم (¬3). الشاهد السابع والستون (¬4) , (¬5) .......................... ... إذ ذهَبَ القَوْمُ الكِرَامُ لَيسِي أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وصدره: عَدَدْتُ قَوْمِي كَعَدِيدِ الطَّيْسِ ... ................................ وهو من الرجز المسدس، وفيه الطي والخبن والقطع. قوله: "عددت": من العد والإحصاء، والعديد -بفتح العين وكسر الدال؛ الاسم مثل العدد، يقال: هم عديد الحصى والثرى في الكثرة، و "الطيس" بفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثناه من تحت وفي آخره سين مهملة؛ وهو الرمل الكثير، وكذلك يقال للماء الكثير: الطس، ويقال: الطيسل بزيادة اللام، قال الشاعر يصف حميرًا (¬6): ¬
الشاهد الثامن والستون
وَصَبَّحْتُ مِنْ شُبرُمَانَ مَنْهلًا ... أَخْضَرَ طَيسًا زَغْرَبيًّا طَيْسِلًا اللام فيه زائدة، و "شبرمان" موضع، و "المنهل": المورد، وهو عين ماء ترده الإبل في المرعى، و "الزعزب" بزاءين معجمتين بينهما عين مهملة، وهو الماء الكثير؛ والنسبة إليه: زعزبي، قوله: "الكرام": جمع كريم؛ كالعجاف جمع عجيف، والمعنى: عددت قومي وكانوا بعدد الرمال في الكثرة، ومع تلك الكثرة ما فيهم كرام غيري. الإعراب: قوله: "قومي": كلام إضافي مفعول عددت، قوله: "كعديد الطيس": صفة لمصدر محذوف تقديره: عدًّا كعدِّ الطيس، قوله: "إذ" ظرف زمان، و "ذهب": فعل ماض، و "القوم" فاعله، و "الكرام" صفته، قوله: "ليسي" أي [ليس] (¬1) الذاهب إياي، فاسم ليس مستتر فيها، وخبرها الضمير المتصل بقوله: ليسي. الاستشهاد فيه: حيث حذف فيه نون الوقاية للضرورة مع لزومهًا جميع الأفعال قبل ياء المتكلم، وحيث جاء خبر ليس التي هي من أخوات كان مضمرًا متصلًا على خلاف القياس في الاختيار؛ لأن الاختيار هو الانفصال، ولكنه لم يرد لذلك فافهم (¬2). الشاهد الثامن والستون (¬3) , (¬4) كَمُنْيَةِ جَابِر إِذْ قَال لَيْتِي ... أصَادِفُة وَأفْقِدُ بَعْض مَالِي أقول: قائله هو زيد الخيل، وهو زيد بن مهلهل بن يزيد بن منهب بن عبد رُضَى، وكان رُضَى صَنَمًا لطيء بن مختلس بن ثور بن عدي بن كنانة بن مالك بن نائل بن نبهان، وهو أسد بن عمرو بن الغوث بن جلهمة، وهي طيء، سمي به؛ لأنه كان يطوي المناهل في غزواته ابن أدد وهو مذحج بن زيد بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر وهو هود النبي، - عليه السلام - (¬5) , وكان زيد الخيل من المؤلفة قلوبهم ثم أسلم وحسن إسلامه، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وفد طيء سنة تسع، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير وأقطعه أرضين، وكان يكنّى أبا مكنف، وكان له ابنان: مكنف وحريث أسلما وصحبا النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهدا قتال الردة مع خالد بن الوليد، ولما انصرف ¬
زيد من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذته الحُمّى، فلما وصل إلى أهله مات، قيل: توفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1) وقبله: 1 - تَمَنَّى مَزْيَدٌ زَيْدًا فَلاقَى ... أَخًا ثِقَةً إذا اخْتَلَفَ العَوَالِي وهما من الوافر وفيه العصب والقطف. 1 - و "مزيد" بفتح الميم وسكون الزاي العجمة وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة؛ وهو رجل من بني أسد وكان يتمنى لقاء زيد فلما لقيه طعنه زيد فهرب، وكذلك جابر كان عدوه، وكان يتمنى لقاءه فلما لقيه طعنه فهرب فقال زيد الخيل حينئذ: تمنى مزيد ... إلخ، وإنما لم يقل تمناني مزيد؛ لأن زيدًا اشتهر بالشجاعة فكأنه قال: تمنى مزيد الشجاع المشهور؛ ولأن بين مزيد وزيد تجانسًا (¬2). قوله: "العوالي": الرماح، واحدها العالية، قال الجوهري: عالية الرمح: ما دخل في السنان إلى ثلثه (¬3). 2 - قوله: "كمنية جابر" المنية بضم الميم؛ المتمنى وهو في الأصل: الشيء المتمنى كالفرقة والأكلة، قوله: "أصادفه" يعني: أجده من قولهم: صادفت فلانًا إذا وجدته، والمعنى: تمني مزيد كتمني جابر حين، قال: ليتني أجد زيد الخيل في الحرب ولا أجد بعض مالي، وروى الجوهري: وأفقد جل مالي وهو الأحسن (¬4)، ومن زعم أن بعضًا ترد بمعنى كل، وخرج عليه قوله تعالى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28]، وقول الأعشى (¬5): قدْ يُدْرِكُ المُتَمَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ ... وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ صح عنده حمل رواية الجماعة على ذلك فيكون أبلغ من رواية الجوهري إلا أن هذا القول مردود (¬6)، ويروى: وأتلف بعض مالي موضع: وأفقد، ويروى: وأغرم (¬7). ¬
الشاهد التاسع والستون
الإعراب: قوله: "كمنية جابر": كلام إضافي في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: تمنى مزيد تمنيًّا كتمني جابر، قوله: "إذ" ظرف بمعنى حين، والعامل فيه المصدر، والضمير في (قال): يرجع إلى جابر، قوله: "ليتي أصادفه" مقول القول، واسم ليت مضمر متصل، وخبرها قوله: "أصادفه"، قوله: "وأفقد بعض مالي" بالرفع: جملة فعلية عطف على أصادفه؛ كذا قيل، وفيه نظر؛ لأنه يلزم أن يكون فقد بعض ماله متمنيًا، وليس كذلك، والصحيح أنه مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقدوره: وأنا أفقد بعض مالي، وتكون الواو للحال، وبعض منصوب بـ "أفقد" (¬1). ويقال: وأفقد منصوب؛ لأنه جواب التمني؛ كما في قوله تعالى: {يَاليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء: 73] (¬2). قلت: هذا لا يتمشى إلا إذا قرئ بالفاء: فأفقد (¬3)، ولكن يجوز نصبه بإضمار أن تقديره: ليتني أصادفه وأن أفقد بعض مالي (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "ليتي" حيث جاءت مضافة إلى ياء المتكلم بدون نون الوقاية، وذلك لأجل الضرورة (¬5). الشاهد التاسع والستون (¬6)، (¬7) فَقُلْتُ أَعِيرَانِي القَدُومَ لَعَلَّنِي ... أَخُطُّ بِهَا قَبْرًا لِأَبْيَضَ مَاجِدِ أقول: لم أقف على اسم قائله. ¬
وهو من الطويل. قوله: "القَدُوم" بفتح القاف وضم الدال المخففة، وهي الآلة التي يُنجّر بها الخشب، قوله: "أخط بها" أي؛ أنحت بها، وأصل الخط من خط بإصبعهِ في الرمل، ومنه اختط فلان الأرض بأن يخطّ عليها خطًّا ليعلم أنه قد اختارها، وبها سميت خطط الكوفة والبصرة، والمراد ها هنا: ما ذكرناه من معنى النحت. قوله: "قبرًا" أي؛ غلافًا. أراد بها أنحتُ بها غلافًا للسيف؛ لأن المراد من الأبيض هو السيف، وسمي الغلاف بالقبر لمعنى المواراة؛ لأن الغلاف يواري السيف؛ كما أن القبر يواري الميت، والضمير في "بها" يرجع إلى القدوم، وهو دليل على تأنيث القدوم. الإعراب: قوله: "فقلت" جملة من الفعل والفاعل، و "أعيراني القدوم" مقول القول، والقدوم: منصوب؛ لأنه مفعول ثان لأعيراني، يقال: أعرته ثوبًا، قوله: "لعلني" اسم لعل هو الضمير المتصل به وخبره قوله: "أخط بها قبرًا"، "أخط" جملة من الفعل والفاعل، وهو"أنا" مستتر فيه، و "قبرًا" مفعوله و "بها" صلة أخط، والباء فيه للاستعانة؛ كما في: كتبت بالقلم، واللام في "لأبيض" للتعليل، و "ماجد" مجرور؛ لأنه صفة لأبيض، و "أبيض" لا ينصرف للصفة ووزن الفعل، وقيل ويروى: لأكرم ماجد، ثم قيل: ماجد صفة عند من روى: لأبيض، ومضاف إليه عند من روى لأكرم، فأبيض مفتوح وأكرم مكسور. قلت: فعلى رواية من روى "لأكرم ماجد" يكون القبر على حقيقته، ويكون الماجد اسم رجل ويكون إضافة أكرم إليه من قبيل إضافة جرد قطفة، وسحق عمامة (¬1)، وفي الرواية المشهورة: الماجد صفة لأبيض الذي هو السيف؛ من مجد الشيء إذا عظم. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعلني" فإنها جاءت بنون الوقاية، والأشهر فيها بدون النون؛ كما في قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36] و "لعل" في هذا الباب عكس "ليت" (¬2). ¬
الشاهد السبعون
الشاهد السبعون (¬1)، (¬2) أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْهُمْ وَعَنِّي ... لَسْتُ مِنْ قَيْسٍ ولا قيس مِنِّي أقول: قائله مجهول لا يعرف؛ كذا قال صاحب التحفة (¬3). وهو من المديد، وأصله في الدائرة: فاعلاتن فاعلن ست مرات وفيه الخبن والحذف (¬4). قوله: "عنهم" أي عن القوم المعروفين عندهم، و "قيس" أبو قبيلة من مضر، وهو قيس غيلان، واسمه: إلياس بن مضر بن نزار، وقيس لقبه، وعبد القيس أيضًا [أبو] (¬5) قبيلة من أسد بن ربيعة، وهو عبد القيس بن أقصى بن دُعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة، والنسبة إليهم: عَبْقَسي، وإن شئت قلت عبديّ (¬6). الإعراب: قوله: "أيها السائل"، يعني يا أيها فحذف حرف النداء، وأي: أتى بها للتوصل إلى نداء المعرف، والهاء مقحمة للتنبيه، قوله: "عنهم وعني" كلاهما يتعلقان بالسائل، قوله: "لست من قيس" أي من قبيلة قيس، فالتاء اسم ليس، وخبره قوله: "من قيس"، قوله: "ولا قيس مني" أي ولا قيس مني أيضًا، وارتفاع قيس بالابتداء؛ لأن "لا" إنما تعمل في النكرات (¬7) فافهم. الاستشهاد فيه: على ترك نون الوقاية من: "عني ومني" وقيل: هو ضرورة (¬8)، وقيل: هو شاذ، وقال ¬
الشاهد الحادي والسبعون
الزمخشري: وعن بعض العرب: عني ومني، وهو شاذ (¬1). الشاهد الحادي والسبعون (¬2)، (¬3) إذَا قَال قَدْنِي قَال بِاللَّه حَلْفَةً ... لِتُغْنِيّ عَنَّي ذَا إِنَائِكَ أَجْمَعَا أقول: قائله هو حريث بن عنّاب (¬4) بتشديد النون الطائي، وقبله: دَفَعْتُ إليه رسْل كَوْمَاءَ جَلْدَةٍ ... وَأَغْضَيْتُ عَنْهُ الطَّرْفَ حَتَّى تَضَلَّعا وهما من الطويل. قوله: "دفعت إليه" أي: إلى الضيف؛ لأنه يصف ضيفًا قدم له إناءً فيه لبن فشرب منه، ثم قال يكفيني فحلف عليه ليَشْرَبَنَّ جميعَه، وهو معنى الشطر الأول من البيت المستشهد به، قوله: "رسل كوماء" بكسر الراء وسكون السين المهملة؛ وهو اللبن، و "الكوماء": الناقة عظيمة السنام. قوله: "جَلْدة" بفتح الجيم وسكون اللام؛ واحدة الجلاد وهي أدسم الإِبل لبنًا، قوله: "وأغضيت عنه الطرف" أي: غمضت عنه عيني حتى تضلع، أي: امتلأ شِبغًا، وريًّا، والألف فيه للإطلاق. قوله: "إذا قال قدني" أي إذا قال الضيف قدني، أي يكفيني، قوله: "قال" أي المضيف ويروى قلت وهو الاُصح، قوله: "لتغني" أي لتبعد وأصله: لتغنين بالنون المشددة، ثم حذف النون فبقي لتغني، وقال بعض من تكلم في هذا البيت: لتغني عني؛ من قولهم: أغن عني وجهك، أي اجعله بحيث يكون غنيًّا عني، أي: لا يحتاج إلى رؤيتي. قوله: "ذا إنائك" أضاف الإناء إلى الضيف، وإن كانت هي للمضيف لأدنى الملابسة؛ لأن الضيف ملابس له. الإعراب: قوله: "إذا": ظرف، و "قال": فعل وفاعله مستتر فيه، وهو الضمير الذي يعود إلى الضيف، ¬
قوله: "قدني": مقول (قال)، قوله: "قال" أي المضيف كما ذكرنا قبل هذه الرواية على ما رواها ابن الناظم (¬1)، وجماعة آخرون (¬2) تدل على أن الشاعر لا ضيف ولا مضيف بل هو حاكٍ عنهما، وليس كذلك، وروى بعضهم: "إذا قلت قدني"فهذا يدل على أن الشاعر هو الضيف (¬3) وليس كذلك، فالصحيح: إذا قال قدني قلت باللَّه حلفة، على ما رواه الزمخشري وغيره (¬4). قوله: "حلفة" مفعول مطلق؛ لأن التقدير في قوله: "باللَّه حلفة"، أي: أحلف باللَّه حلفة، قوله: "لتغني" بكسر اللام لأجل التعليل وبياء مفتوحة للناصب المضمر، وهو رواية أبي الحسن (¬5) الأخفش، واستدل بها على جواز إجابة القسم بلام كي (¬6)، والجماعة يمنعون ذلك؛ لأن الجواب لا يكون إلا جملة، ولام كي وما بعدها جار ومجرور (¬7). والبيت محمول على حذف الجواب وبقاء معموله، أي: لتَشْرَبن لتغني عني، ويروى: لَتغنِينَّ بلام مفتوحة للتوكيد، ونون مكسورة وهي عين الفعل، بعدها نون مشددة مفتوحة للتأ كيد، وهي رواية ثعلب (¬8) وهي دليل على أن الياء التي هي لام الفعل المؤكد بالنون قد تحذف وتبقى الكسرة دليلًا عليها، وهي لغة فزارة يقولون: ارمن يا زيد، وابكن يا عمرو (¬9)، قال الشاعر (¬10): وابْكِنّ عَيْشًا تَقضَّى بَعْد جِدَّتِهِ ... طَابَتْ أَوَائِلُهُ في ذلِك البَلَدِ ولغة الأكثرين: ارمين وابكين، ولتغنين بإثبات الياء مفتوحة (¬11)، قوله: "ذا إنائك": مفعول لقوله: لتغني، قوله: "أجمعًا" تأكيد للمفعول، فأكد به وإن لم يسبقه كل (¬12). ¬
الشاهد الثاني والسبعون
الاستشهاد فيه: في قوله: "قدني" بإلحاق النون (¬1)، وأنشده الزمخشري استشتهادًا على أنه أضاف الإناء إلى الخاطب في قوله: "ذا إنائك" لأدنى ملابسة بسبب شربه منه، وإن كان الإناء في الحقيقة لساقي اللبن وهو المضيف، وذلك كما يقول كلُّ من حامِلِي الخشبةَ للآخر: خذ طرفك (¬2). الشاهد الثاني والسبعون (¬3)، (¬4) قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَين قَدِي ... ................................... أقول: قائله هو حميد بن مالك الأرقط (¬5)، قاله الجوهري (¬6)، وقال ابن يعيش (¬7): قائله أبو بجدلة، وتمامه (¬8): ....................... ... لَيْسَ الإِمَامُ بِالشَّحِيحِ الملحِدِ ولا بِوتْنٍ بالْحِجَازِ مُفْرَدِ ... إنْ يُرَ يَوْمًا بِالفَضَاءِ يُصْطَدِ ¬
أو يَنْجَحِرْ فَالجُحْرُ شَرُّ مَحْكِدِ ... ................................ وهو من الرجز. قوله: "قدني" يعني: حَسْبِي، قوله: "من نصر الخبيبين" تثنية خُبَيب بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة أيضًا، وهو خبيب بن عبد اللَّه بن الزبير بن العوام - رضي اللَّه تعالى عنهم - وكان عبد اللَّه يكنى بأبي خبيب، وأراد بهما عبد اللَّه بن الزبير وأبنه خبيبًا المذكور، ويقال: أراد بهما عبد اللَّه وأخاه مصعب بن الزبير بن العوام، ويروى الخبيبيين على صيغة الجمع (¬1)، قال ابن السكيت: على إرادة عبد اللَّه ومن كان على رأيه، وكلاهما تغليب (¬2)، ويحتمل على الجمع أن يريد مجرد أصحاب عبد اللَّه على أن الأصل: الخبيبين ثم حذف الياء كقولهم: الأشعرين، وقوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} [الشعراء: 198]، فإنه ليس جمعًا لأعجم؛ لأنه تلحقه الياء؛ لأنه أفعل فعلاء كأحمر وأسود (¬3)، ورد ابن السيد في شرح الكامل رواية التثنية بأن حميدًا قال هذا الشعر عند حصار طارق، ومصعب مات قبل ذلك بسنين. قوله: "قدي" بمعنى: حسبي أيضًا، قوله: "بالشحيح" أي: ليس الإمام بالبخيل " الملحد" أي: الجائر المائل عن الحق، ويقال: الملحد: الظالم في الحرم، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (¬4) [الحج: 25]. قوله: "وَلا بِوَتْن" بفتح الواو وسكون التاء المثناة من فوق وفي آخره نون؛ بمعنى واتن، يعني: ولا بدائم ثابت بأرض الحجاز مفرد، ويقال للماء المعين الدائم الذي لا يذهب: واتن، وكذلك واثن بالثاء المثلثة. قوله: "مَحْكِد" بفتح الميم وكسر الكاف؛ وهو المحتد وهو الأصل. الإعراب: قوله: "قدني" في محل الرفع على الابتداء، قوله: "من نصر الخبيبين" في محل رفع على ¬
الخبرية، و (النصر) مصدر مضاف إلى مفعوله؛ لأن حميدًا يصف فيه لعبد الملك بن مروان تقاعده عن نصرة عبد اللَّه بن الزبير - رضي اللَّه تعالى عنهما - ويجوز أن يكون النصر ها هنا بمعنى العطية؛ كقول بعض السؤال: من ينصرني نصره اللَّه، وخُرِّجَ عليه قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} (¬1) [الحج: 15]، وعلى هذا فالإضافة للفاعل، ويرجح الأول أنه لم يفرده بالذكر، وإنما يكون العطاء غالبًا من ولي الأمر. قوله: "قدي" تأكيد للأول، قوله: "ليس الإمام" الإمام: اسم ليس، وخبره قوله: "بالشحيم" والباء فيه زائدة، قوله: "والملحد": صفة للشحيح. الاستشهاد فيه: في قوله: "قَدْنِي" حيث ألحق فيه النون تشبيهًا له بِقَطْنِي. وفي قوله: "قدي" أيضًا؛ حيث أضيف قدي إلى ياء المتكلم بلا نون الوقاية تشبيهًا له بحسبي، وقال الجوهري: أما قولهم قَدْكَ بمعنى حَسْبُكَ فهو اسم، تقول: قدِي وقدْنِي أيضًا بالنون على غير قياس؛ لأن هذه إنما تزاد في الأفعال وقاية لها مثل: ضربني وشتمني. ثم أنشد هذا البيت (¬2)، وقد يقال: إن أصل "قدي" بغير النون: قَدْ بِسُكُون الدال، ثم ألحق ياء القافية لا ياء الإضافة وكسر الدال لالتقاء الساكنين لا لمناسبة الياء (¬3). ¬
الشاهد الثالث والسبعون
الشاهد الثالث والسبعون (¬1) , (¬2) امْتَلأَ الْحَوْضُ وَقَال قَطْنِي ... مَهْلًا رَوَيدًا قَدْ مَلْأَتَ بَطْني أقول: قائله راجز من الرجاز لم أقف على اسمه [وهو من الرجز] (¬3). "وقال قطني" أي: قال الحوض حسبي، فالحوض لا يتكلم، وإنما يريد أنه قد امتلأ وبلغ نهاية الملء التي لا يزاد عليها، فكأنه قد تكلم بذلك، واعلم أن للقول خمسة معان: أحدها: اللفظ الدال على معنى مفيد كان أو غير مفيد. والثاني: ما في النفس. بدليل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]. والثالث: الحركة والإمالة. يقولون: قال برأسه أي: حركها، وقالت النخلة كذا؛ أي مالت. والرابع: ما يشهد به لسان الحال؛ كهذا البيت، وهو أحد القولين في قوله تعالى: {قَالتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. الخامس: الاعتقاد كقولك: هذا قول الخوارج (¬4). قوله: "مهلًا" يعني: أمهل مهلًا، تقول: مهلًا يا رجل، مهلًا يا رجلان، مهلًا يا رجال، مهلًا يا امرأة، مهلًا يا امرأتان، مهلًا يا نساء، ويروى: (سلا رويدًا) بفتح السين المهملة، ومعناه: ارفق بصب الماء لئلَّا يفيض، ويقال: أنه بالشين المعجمة، وهو مصدر شللت الإبل إذا طردتها. قوله: "رويدًا" صفة لقوله مهلًا، وقد علم أن رويدًا على أربعة أوجه: اسم للفعل وصفة وحال ومصدر (¬5). الإعراب: قوله: "امتلأ الحوض": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "قطني" مقول قال، قوله: "مهلًا" نُصِبَ على المصدرية، و"رويدًا" صفته، وقوله: "قد ملأت" جملة من الفعل والفاعل، و"بطني" مفعوله. ¬
الشاهد الرابع والسبعون
الاستشهاد فيه (¬1): في قوله: "قطني" حيث استعمله بنون الوقاية، وإنما جعلت النون ليسلم السكون الذي بني الاسم عليه، وهذه النون لا تدخل الأسماء، وإنما تدخل الفعل الماضي إذا دخلته ياء المتكلم كقولك: ضرَبَنِي وكَلَّمَني لتسلم الفتحة التي بني عليها الفعل (¬2)، ولتكن وقاية للفعل من الجر، وإنما أدخلوها في الأسماء مخصوصة نحو: قدني وقطني وعني ومني ولدُني، ولا يقاس عليها ولو كانت النون من أصل الكلمة لقالوا: قطنك. وهذا غير معلوم، وفيه استشهاد آخر وهو نِشْبة القول إلى ما لا نطق له؛ لأن الحوض لا ينْطق، فافهم (¬3). الشاهد الرابع والسبعون (¬4) , (¬5) يُمَلُّ النَّدَامَى مَا عَدَاني فَإنَّنِي ... بِكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَدِيِمي مُوْلَعُ أقول: احتج به جماعة من النحاة في كتبهم، ولم يعزوه إلى أحد، وهو من الطويل. قوله: "الندامى": جمع ندمان، وهو شريب الرجل (¬6) الذي ينادمُه، ويقال له النديم أيضًا. قوله: "يهوى" أي: يُريد مِن: هَويَ يَهْوَى، من باب علم يَعْلَم، قوله: "مولَع بفتح اللام، من أولع به، وثلاثيه: ولع، يقال: ولعت بالشيء أولع ولعًا ووَلوعًا بفتح الواو في المصدر والاسم جميعًا، وأولعته بالشيء وأولع به فهو مولَع به بفتح اللام، أي: مغرى به. الإعراب: قوله: "الندامى" فاعل يمل، قوله: "ما عداني" عدا ها هنا فعل للاستثناء، وكلمة "ما" مصدرية. وفاعل "عدا" ضمير مستتر واجب الاستتار عائد على مصدر الفعل المتقدم عليها، ¬
الشاهد الخامس والسبعون
والتقدير: يمل الندامى مللًا ما عداني، يعني: مجاوزًا إلى غيري. والمعنى في الحقيقة: جانبت أنا مللهم، قوله: "فإنني" الفاء تفسيريةٌ، واسمُ إن الضمير المتصل به، وخبره قوله: "مولع"، والتقدير: فإنني مولعٌ بكل الذي يهوى نديمي، والباء تتعلق بمولع. قوله: "نديمي": كلام إضافي فاعل يهوى، ومفعوله محذوف تقديره: الذي يهواه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما عداني" حيث أدخل نون الوقاية فيه على تقدير كونه فعلًا نحو: دعاني، ويكرمني، وأعطي. الشاهد الخامس والسبعون (¬1) , (¬2) فَيَا لَيْتِي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ ... ولجْتُ وكنتُ أوّلَهُمْ ولُوُجَا أقول: قائله هو ورقة بن نوفل بن عبد العزى بن قصي القرشي بن عم خديجة - رضي اللَّه تعالى عنها - وهو الذي أخبر خديجة -[رضي الله تعالى عنها] (¬3) - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبيُّ هذه الأمة لما أخبرته بما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أوحي إليه، وخبره معه مشهور (¬4). وهو من قصيدة جيمية، قالها ورقة بن نوفل لما ذكرت له خديجة عن غلامها ميسرة (¬5) ما رأى من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في سفره، وما قاله بحيرى الراهبُ (¬6) في شأنه (¬7)، وأوّلُها هو قوله (¬8): 1 - لجَجْتُ وكنتُ في الذكرى لجُوجَا ... لِهَمٍّ طَالمَا بَعَثَ النَّشِيجَا ¬
2 - ووصفٍ من خديجةَ بَعْدَ وصْفٍ ... فَقَدْ طَال انْتِظَاري يا خديجَا 3 - ببَطْنِ المكَّتَيِن على رَجَائِي ... حديثَك أَنْ أَرَى منه خرُوجَا 4 - بمَا خَبّرْتِنَا من قول قُسّ ... مِنَ الرُّهْبانِ أَكْرهُ أَنْ يَعُوجَا 5 - بأن محمدًا سَيَسُودُ قومًا ... ويخصِمُ مَنْ يكونُ له حَجِيجَا 6 - ويظهرُ في البلاد ضياءَ نورٍ ... يُقيمُ به البَرِيَّةَ أنْ تَمُوجَا 7 - فيلقى مَنْ يحاربُه خروجًا ... ويَلْقَى مَنْ يسالمُه فُلُوجَا 8 - فَيَا لَيْتي إذَا مَا كَانَ ذَاكُمْ ... ولَجْتُ وكنتُ أوّلَهُمْ وُلُوُجَا (¬1) 9 - ولوجًا في الذي كَرِهَتْ قريشٌ ... ولَوْ عَجّتْ بمكتِها عَجِيجَا 10 - أَرَجّى بالذي كَرِهُوا جميعًا ... إلى ذي العرش إنْ سَفلُوا عُرُوجَا 11 - فإنْ يبقُوا وَأَبْقَ تكنْ أمورًا ... يَضُجُّ الكافرونَ لهَا ضَجِيجَا 12 - وإن أَهْلَك فكلُّ فتَى سيلقى ... مِن الأَقدَارِ متلفه خُرُوجَا وهي من الوافر. 1 - قوله: "لججت" من باب علم يعلم تقول: لجّ يلجُّ لجاجًا ولجاجةً فهو لجوج: إذا كان متماديًا في الخصومة، و "الذكرى" مصدر، قوله: "النشيجا" بفتح النون؛ مصدر نشج الباكي ينشج نشيجًا ونشجًا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتِحَابِ. 2 - قوله: "يا خديجا" أصله: يا خديجة. 3 - والباء في "ببطن" يتعلق بانتظاري، وسمي كلًّا من جانبي مكة أو كلًّا من أعلامها وأسفلها مكة؛ فلذلك ثناها ونطيره قولهم: صدنا بقنوين، وإنما هو قنا: اسم جبل، وهو أحد القولين في قوله تعالى: {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} (¬2) [الكهف: 32]، بدليل: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} (¬3) [الكهف: 35] قوله: "على رجائي" حال من انتظاري، و "حديثك" مفعوله، و "منه" يتعلق بـ"خروجًا". 6 - قوله: "ضياء نور"، قال السهيلي: الضياء والنور غيران، فإن النور هو الأصل والضياء ¬
منتشر عنه، بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: 17]، فعلق الإذهاب بالنور لينتفي الضياء بانتفائه بخلاف العكس، وفي أسمائه تعالى: النور لا الضياء (¬1). 7 - قوله: "فلوجًا" بالضم. والفلوج على الخصم: الظفر به. 8 - قوله: "ولجت" ويروى: شهدت، ويروى: دعيت، قوله: "ولوجًا" أي دخولًا في الذي كرهت قريش، وأراد به: الدخول في الإسلام، فإن قريشًا كانوا كرهوا ذلك، قوله: "أولهم ولوجًا" أي: أول قريش، أو أول الناس دخولًا، أي: في الإسلام، وبهذا حكم الجمهور بإسلام ورقة - رضي اللَّه تعالى عنه - (¬2). 9 - قوله: "عجت" من العجِّ. وهو رفع الصوتِ، قوله: "بمكتها" الضمير يرجع إلى قريش، وإنما نكر مكة باعتقاد الشياع (¬3) فيها. 10 - قوله: "عروجًا" مفعول لقوله: أُرَجّي. الإعراب: قوله: "فيا ليتي" كلمة "يا" إما حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: فيا قومي ليتي، وإما لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصح للنداء (¬4). قوله: "إذا" للظرف وفيه معنى الشرط، و "ما" زائدة، و "كان" تامة بمعنى: وُجِدَ، قوله: "ذاكم" فاعله، وهو إشارة إلى ما ذكر من سيادة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومخاصمته مع المحاجين وظهور نوره في البلاد، ولقاء من يحاربه الخروج ومن يسالمه الولوج. قوله: "ولجت" جملة من الفعل والفاعل وقعت جواب الشرط، قوله: "وكنت" عطف على قوله: "ولجت" والضمير المتصل به اسمه، و "أوّلهم" كلام إضافي خبره، وقوله: "ولوجًا" نصب على التمييز. ¬
الشاهد السادس والسبعون
الاستشهاد فيه: في قوله: "فيا ليتي" حيث جاء بدون نون الوقاية، وهذا لأجل الضرورة عند سيبويه، فإن نون الوقاية ها هنا واجبة كالفعل واسم الفعل نحو: دعاني وداركني ونحوهما (¬1). الشاهد السادس والسبعون (¬2) , (¬3) أَرِيني جَوَادًا ماتَ هَزْلًا لعَلّنِي ... أرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلّدَا أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي، كذا قال (¬4) جماعة من النحاة، منهم الشيخ أثير الدين (¬5)، وذُكِرَ في الحماستين البصرية وأبي تمام أن قائله هو حطائِط بن يعفر أخو الأسود النهشلي، قال أبو تمام: قال حطائِط بن يعفر (¬6): 1 - تقول ابنةُ العَبَّاب رُهْمُ حَربْتَنَا ... حَطَائطُ لُمْ تتْرُكْ لنفسِك مَقْعَدًا 2 - إذا ما أفَدْنَا صِرْمةً بعد هجمة ... تكونُ عليها كابْنِ أمِّك أسْوَدَا 3 - فقلتُ ولم أَعْيَ الجوابَ تثبتي ... أكان الهُزَال حتف زيدٍ وأرْبَدَا 4 - ذَرِيني أكنْ للمالِ ربًّا ولم يكنْ ... لي المالُ ربًّا تحمدي غيّه غدا 5 - أريِني جَوَادًا مات هزلًا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدًا والذي قاله الجماعة هو الأصح، فلعل حطائط بن يعفر أدخل هذا البيتَ في شعره عمدًا أو يكون هذا من تَوَارُد الخواطر، وهو من قصيدة قالها حاتم الطائي، وأولها هو قوله (¬7): ¬
1 - وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي ... وقد غاب عَيُّوقُ الثُّرَيَّا فعَرَّدا 2 - تلومُ على إعطائِي المال ضِلَّةً ... إذا ضنَّ بالمال البخيلُ وَصرَّدا 3 - تقول ألا أَمْسِكْ عليك فإنني ... أرى المال عند المُمْسِكينَ مُعَبَّدَا 4 - ذريني وحَالِي إنَّ مالك وَافِرٌ ... وكلُّ امريُ جارٍ على ما تعوّدا (¬1) 5 - ذريني يكنْ مالي لِعِرْضِي جُنّةً ... يقي المالُ عِرْضِي قبل أنْ يَتَبدّدا 6 - أَرِينِي جَوَادًا ماتَ هَزْلًا لعَلّنِي ... أرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلّدَا 7 - وإلا فَكُفِّي بعضَ لومِكِ واجعلي ... إلى رَأْيِ مَنْ تَلْحَيْنَ رَأيكِ مُسْنَدَا 8 - أَلَمْ تعلمي أني إذا الضيفُ نَابَنِي ... وعزَّ القِرَى أَقْرِي السَّدِيفَ المُسَرْهَدَا 9 - وإني لأعراضِ العشيرةِ حافظٌ ... وحقَّهم حتى أكونَ مُسَوًدا 10 - يقولونُ لي أهلكتَ مالك فاقْتَصِدْ ... وما كنتُ لولا ما يقولُونَ مُفْسِدَا 11 - سأَدْخَرُ من مالي دِلاصًا وَسَابِحًا ... وأَسْمَرَ خَطَيًّا وعَضْبًا مُهَنَّدا 12 - وَذَلِكَ يكْفِيني مِن المالِ كله ... مَصُونًا إذا ما كان عندي مُتْلَدا وكلتا القصيدتين من الطويل. [شرح قصيدة حطائط]: 1 - قوله: "ابنة العباب" وهي امرأة من بني عجل، من بطن منهم يقال لهم: العبّاب، قال أبو رياش (¬2): ليس في العرب عباب غيره، وكانت ابنةُ العباب هذه امرأة حطائط، قوله: "رهم" بدل من ابنة العباب، و "حطائط" منادى مفرد، قوله: "لم تترك لنفسك مقعدًا" أي لم تبق لك ما يمكنك الإقامة والقعود فيه. 2 - قوله: "صرمة بعد هجمة" الصرمة بكسر الصاد وسكون الراء المهملتين؛ القطعة من الإبل نحو الثلاثين، والهجمة بفتح الهاء وسكون الجيم، قال أبو عبيد: هي من الإبل، أولها الأربعون إلى ما زاد (¬3)، قوله: "تكون عليها كابن أمك أسودا" أي: تعود عليها سالكًا طريق أخيك الأسود بن يعفر (¬4). ¬
3 - قوله: "حتف زيد"، ويروى: حتف نهد، وقيل: إن نهدًا وأربد كانا أخوين لحطائط (¬1). [شرح قصيدة حاتم الطائي]: 1 - قوله: "وعاذلة" أي: ورب عاذلة (¬2) قامت من الليل تلومني، قوله: "وقد غاب" الواو للحال، قوله: "فعردا" (¬3) من عرّد القوم تعريدًا إذا فروا، وعرد النبت إذا طلع وارتفع. 2 - قوله: "وصرَّد" من التصريد، قال الجوهري: التَّصْريدُ في السَّقْي دون الرِيِّ، والتَّصْريدُ في العَطاءِ: تقلِيلُه، وشرابٌ مُصَرَّدٌ؛ أي مُقَلَّلٌ، وكذلك الذي يُسْقَى قَلِيلًا، أو يُعْطَى قَلِيلًا (¬4). 3 - قوله: "معبد" بفتح الباء الموحدة المشددة، وأصله من العبودية، أراد أن الممسك يجعل نفسه كالعبد للمال. 8 - قوله: "السديف"، بفتح السين المهملة وكسر الدال وفي آخره فاء؛ وهو السنام والمسرهد: السمين. يقال: سنام مسرهد؛ أي سمين، وربما قيل للسنام (¬5): سرهد بدون الميم. 11 - قوله: "دلاصًا" بكسر الدال [المهملة] (¬6) يقال: درع دلاص وأدرع دلاص، الواحد والجمع على لفظ واحد. قال الجوهري: الدلاص: الليِّنُ البَرّاق (¬7)، و "السائح": بالحاء المهملة؛ وهو الفرس الذي يجري كالماء، من ساح الماء إذا جرى، "والأسمر": الرمح، و "الخَطَّيّ" بفتح الخاء المعجمة؛ نسبة إلى خط، موضع باليمامة، وهو خط هجر تنسب إليه الرماح الخطية؛ لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوم به (¬8)، و "العضب" السيف القاطع، وأصله من عضبه إذا قطعه، و"الهند": السيف المطبوع من حديد الهند. 12 - و"المُتْلد" بضم الميم وسكون التاء المثناة من فوق وفتح اللام، من: أتلد الرجل إذا أخذ (¬9) مالًا، ومال متلد، قوله: "جوادًا" أي كريمًا، من جاد بما له يجود جودًا فهو جوّاد. الإعراب: قوله: "أريني": خطابٌ من حاتم لتلك المرأة التي عذلته على إنفاقه ماله على ما قال في أول القصيدة، و "عاذلة هبت بليل تلومني" ويحتمل أن تكون امرأته أو ابنته أو غيرهما، و "أرى" يقتضي مفعولين، الأول: الضمير المتصل به، والثاني: قوله: "جوادًا". ¬
الشاهد السابع والسبعون
قوله: "مات هزلًا" جملة وقعت صفة لـ "جوادا"، و "هزلًا" نصب على التمييز بفتح الهاء من هزل الرجل هزلًا إذا افتقر. قوله: "لعلني" اسم لعل هو الضمير المتصل به، وخبره قوله: "أرى ما ترين"، و "ما" موصولة، و "ترين" صلتها، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول أرى، وهو في الموضعين من رؤية البصر؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد، ومفعول ترى (¬1) محذوف، وهو العائد إلى الموصول تقديره: ما ترينه. قوله: "أو بخيلًا" عطف على قوله: "جوادًا" أي: أريني بخيلًا مخلدًا في الدنيا بسبب إمساكه ماله، والحاصل أن إنفاق المال لا يميت الكريم هزلًا ولا إمساكه يخلد البخيل في الدنيا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعلني" حيث جاءت فيه عند الإضافة إلى ياء المتكلم نون الوقاية، والأكثر فيه ترك النون كما في قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36] (¬2). الشاهد السابع والسبعون (¬3)، (¬4) وَإِنِّي عَلَى لَيْلَى لزارٍ وإنَّنِي ... عَلَى ذَاكَ فِيمَا بَيْنَنَا مُسْتَدِيمُهَا أقول: قائله هو المجنون، واسمه قيس بن معاذ، وقيل: مهدي، والصحيح: قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدي بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، ومن الدليل على أن اسمه قيس، قول ليلى صاحبته (¬5): أَلا ليتَ شِعْرِي والخُطُوبُ كَثيِرَةٌ ... مَتَى رَحْلُ قَيْسٍ مُسْتَقِلّ فَرَاجِعُ وعن أبي سعيد السكري قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع عن المدائني (¬6) قال: قال: المجنون ¬
المشهور بالشعر عند الناس صاحب ليلى قيس بن معاذ من بني عامر ثم من بني عقيل [أحد بني نمير بن عامر بن عقيل] (¬1)، قال: ومنهم رجل آخر يقال له المهدي بن الملوح من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وعن الكلبي (¬2)؛ أنه قيس بن الملوح، وعن الأصمعي: قال سألت أعرابيًّا من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العامري، فقال: عن أبيهم تسألني؟ فقد كان فينا جماعة رموا بالجنون فعن أيّهم تسأل؟ فقلت: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال: كلهم كان يشيب بليلى، قلت: فأنَشَدني لبعضهم، فأنَشَدَني لمزاحم بن الحرث المجنون (¬3): 1 - أَلا أَيُّها الْقَلْبُ الَّذِي لجّ هائمًا ... بِلَيْلَى ولِيدًا لَمْ تُقَطَّعْ تَمَائِمُهْ 2 - أفق قد أفاق العاشقون وقد أنى ... لك اليوم أن تَلقَى طَبِيبًا تُلائِمُهْ قلت: فأنشدني لغيره منهم، فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون (¬4): 1 - ألا طالمَا لاعَبْتُ لَيلَى وقَادَنِي ... إلَى اللَّهْو قَلْبٌ للحِسَانِ تَبُوعُ 2 - وطال امْتِرَاءُ الشَّوْقِ عَنِّي كُلَّمَا ... نَزَفْتُ دُمُوعًا تَستَجِدُّ دُمُوعُ قلت: فأنْشِدْني لغير هذين ممن ذكرت فأنشدني لمهدي بن الملوح (¬5): 1 - لَوَ أَنَّ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا عُدِلَتْ بِهِ ... سِوَاهَا وَلَيْلَى بَائِنٌ عَنْكَ بَيْنهَا 2 - لَكُنْتَ إِلَى لَيْلَى فَقِيرًا وإنمَا ... يَقُودُ إليها وُدَّ نفسكَ حَيْنُهَا فقلت: فأنشدني لمن بقي من هؤلاء، فقال: حسبك فواللَّه إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بِعُقَلائِكُم اليوم، وعن العتبي عن عوانة أنه قال: المجنون اسم مستعار لا حقيقة له في بني عامر أصل ولا نسب، قيل (¬6): فمن قال هذه الأشعار؟ فقال: فتى من بني أمية. ¬
قال الجاحظ (¬1): ما ترك الناس شعرًا مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه للمجنون، ولا شعرًا هذه سبيله قيل في لبنى إلا نسبوه إلى قيس (¬2) بن ذريح (¬3)، وعن الأصمعي: أُلقي على المجنون من الشعر، وأضيف إليه أكثر مما قاله هو. والبيت المستشهد به من قصيدة من الطويل وأولها (¬4): 1 - أَيَا جَبَلَيْ نَعْمَانَ باللَّه خَلِّيَا ... طريق الصَّبَا يَخْلُصُ إليَّ نَسِيمُهَا 2 - أَجِدْ بَرْدَهَا أَوْ تَشْفِ مِنِّي صَبَابَةٌ ... عَلَى كَبِدٍ لم يَبْقَ إِلا صَمِيمُها 3 - فإنَّ الصَّبَا رِيحٌ إِذَا مَا تَنَسَّمَتْ ... عَلَى نَفْسِ مَهْمُومٍ تَجَلَّتْ هُمُومُهَا 4 - ألا إِنَّ أَدْوَائِي بلَيْلَى قَدِيمَةٌ ... وأَقْتَلُ أدواءَ الرِّجَالِ قَدِيمُهَا 5 - وإني على ليلى لزارٍ وإنني ... على ذاك فيما بَيْنَنَا مُسْتَدِيمُهَا 1 - قوله: "نعمان" بفتح النون؛ واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات ويقال له: نعمان الأراك. 5 - قوله: "لزار" أي: عاتب ساخط غير راضٍ، من زريت عليه بالفتح زرايةً وتزريت عليه إذا عتبت عليه، وقال أبو عمرو: الزاري على الإنسان: الذي لا يعده شيئًا وينكر عليه فعله، ومادته زاي معجمة وراء وياء آخر الحروف، قوله: "مستديمها" من استدمت الأمر إذا تأنيت به (¬5)، والمعنى ها هنا: إني منتظر أن تعتبي بخير. الإعراب: قوله: "وإني" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل يقتضي الاسم المنصوب والخبر المرفوع فالضمير المتصل به اسمه، وخبره قوله: "لزار"، واللام فيه للتأكيد، [وقوله: "على ليلى": متعلق بالخبر] (¬6)، وقوله: "وإنني": عطف على إني، وهو أيضًا اسمه الضمير المتصل به، وخبره قوله: "مستديمها" والضمير فيه يرجع إلى ليلى، والمجرور في الموضعين يتعلق بمستديمها، ¬
الشاهد الثامن والسبعون
وكلمة "على" للتعليل؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] (¬1)، وذلك إشارة إلى الزرى، وهو العتاب الذي يدل عليه قوله: "لزار". الاستشهاد فيه: في قوله: "وإني"، وفي قوله: "وإنني" حيث جاء الأول بدون نون الوقاية والثاني بنون الوقاية، وكلاهما يجوز في باب إن وأن ولكن وكأن (¬2). الشاهد الثامن والسبعون (¬3) في فتيةٍ جَعَلُوا الصَّلِيبَ إلَهَهَم ... حَاشَايَ إِنِّي مُسْلِمٌ مَعْذُور أقول: قائله هو الأقيشر، واسمه: المغبرة بن أسود [بن عبد اللَّه] (¬4) بن معرض بن عمرو بن معرض بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، ويكنى أبا مُعرض، والأقيشر لقَبٌ لُقِّبَ به؛ لأنه أحمر الوجه أقشر، وعُمّرَ عمرًا طويلًا، وكان أقعد بني أسد نسبًا، ونشأ في أول الإسلام، وكان عثمانيًّا، والبيت من الكامل. قوله: "في فتية" جمع فتى، ويروى: "من معشر عبدوا الصليب سفاهة"، قوله: "معذور" بالعين المهملة والذال المعجمة، معناه: مختون، وهو مقطوع العذرة، وهي قُلْفة الذكر التي تقطع عند الاختتان، وقال أبو عبيد: يقال عذرت الجاريةَ والغُلامَ أَعْذُرُهما عذرًا: ختنتهما، وكذلك أعذرتهما، والأكثر: خفضت الجارية (¬5). الإعراب: قوله: "في فتية" خبر مبتدأ محذوف، أي: هو في فتية، أي بينهم، قوله: "جعلوا الصليب" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لـ"فتية"، قوله: "إلههم "مفعول ثانٍ لجعلوا. ¬
قوله: "حاشاي، استثناء بمعنى غيري، وضمير المتكلم فيه مجرور، وأما في قولهم: حاشاني فمنصوب، والحاصل أنك إذا قلت: قام القوم حاشاك أو حاشاه، يجوز كون الضمير فيه منصوبًا ويجوز كونه مجرورًا، وإذا (¬1) قلت: حاشاي بلا نون كما في البيت المذكور تعين الجر، وإذا قلت حاشاني بالنون تعين النصب (¬2). وكذلك القول في "خلا وعدا وحاشا" حرف جر عند سيبويه؛ إذ لو كانت فعلًا لدخل عليها نون الوقاية مع ياء المتكلم كما في سائر الأفعال (¬3). وقال الفراء: هي فعل حذف فاعله، وهو مشتق من الحشا، وهو الناحية، قال الشاعر (¬4): ................................. ... ولا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوَامِ من أحدٍ فـ"أحاشي" مضارع حاشا، والتصرف من خصائص الفعل (¬5). قوله: "إني مسلم" جملة اسمية مؤكدة بإن، وقعت كاشفة لمعنى الاستثناء. وقوله "مسلم": خبر إن، و"معذور" صفة أو خبر بعد خبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "حاشاي" حيث لم تدخل فيه نون الوقاية (¬6). ¬
الشاهد التاسع والسبعون
الشاهد التاسع والسبعون (¬1) , (¬2) تَرَاهُ كَالثغَامِ يُعَلُّ مِسكًا ... يَسُوءُ الفَالِيَاتِ إذَا فَلَيْني أقول: قائله هو عمرو بن معدي كرب بن عبد الله بن خصم [بن عمرو] (¬3) بن زبيد الأصغر، وهو [أي زبيد الأصغر اسمه] (¬4) ابن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن زبيد الأكبر بن الحرث بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج الزبيدي المذحجي، أبو ثور، وذكر نسبه أبو عمرو، وقال الكلبي: عصم موضع خصم قدم على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في وفد مراد؛ لأنه قد كان فارق قومه سعد العشيرة، ونزل في مراد ووفد معهم إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فأسلم معهم، وقيل: إنه قدم في وفد زبيد، واللَّه أعلم. وأنه أسلم (¬5) سنة تسع، وشهد اليرموك في أيام أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - ثم سيره عمر - رضي الله تعالى عنه - إلى سعد بن أبي وقاص (¬6) بالعراق وشهد القادسية (¬7) وله فيها بلاء حسن، وقتل يوم القادسية، وقيل: بل مات عطشًا يومئذ، وقيل: بل مات سنة إحدى وعشرين بعد أن شهد وقعة نهاوند مع النُّعْمَانِ بنِ مُقَرن (¬8) فمات بقرية من قرى نهاوند، يقال لها: رُودة. والبيت المذكور من الوافر. قوله: "كالثغام" بالثاء المثلثة والغين المعجمة؛ جمع ثغامة وهي شجرة بيضاء الثمر والزهر، يشبه الشيب بثمرها، قوله: "يعل" من العلل، وهو الشراب الثاني فكأنه يترك فيه المسك مرة بعد مرة، يقال: عللته بالشراب علًّا وعللًا: سقيته بعد نهل. قوله: "يسوء الفاليات" أي يحزنهن، و "الفاليات" بالفاء جمع فالية من فلي الشَّعْر: أَخْذ القمل وهو من باب فلي يفلي كعلم يعلم، قوله: "فليني": جمع الؤنث الغائب من الماضي من اللفظ المذكور. ¬
الإعراب: قوله: "تراه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والضمير يرجع إلى شعر رأسه، قوله: "كالثغام" مفعول ثان لـ"تراه"؛ لأنه بمعنى تظنه أو تعلمه، والأصوب أن يكون كالثغام حالًا؛ لأن "تراه" من رؤية البصر، والمعنى: تبصره حال كونه مشبهًا بالثغام. قوله: "يعل" على صيغة المجهول، والضمير الذي فيه يرجع إلى الشعر وهو نائب عن الفاعل، قوله: "مسكًا" نَصْبٌ على أنه مفعول ثانٍ لـ "يعل"؛ لأنه من الإعلال لا من العل، والجملة محلها النصب [على الحال] (¬1)، قوله: "يسوء" يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو يسوء، والفاليات مفعوله والظاهر أن الجملة قد سدت مسد جواب "إذا فليني"، و "إذا" ظرف فيه الشرط. و"فليني" جمع مؤنث من الماضي كما قلنا وأصله: فلينني بنونين، إحداهما: نون الجمع المؤنث، والأخرى: نون الوقاية للمتكلم، فحذف إحدى النونين وهي نون الوقاية والباقية هي نون الجمع، وإنما أسقط التي مع الياء؛ لأنها زائدة، ونظير هذا قراءة أهل المدينة لقوله تعالى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} (¬2) [الحجر: 54]، وكذا قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} (¬3) [الأنعام: 80]؛ وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف (¬4)، وعند سيبويه المحذوفة هي نون الإناث، والباقية نون الوقاية (¬5)، واختاره ابن مالك (¬6)، وذكر صاحب البسيط أنه لا خلاف أن المحذوفة نون الوقاية، قال وفليني جاء في الشعر فلا يقاس عليه. ¬
الشاهد الثمانون
الاستشهاد فيه: في قوله: "إذا فليني" حيث حذفت منه نون الوقاية كما ذكرناه. الشاهد الثمانون (¬1)، (¬2) ......................... ... أَلا بَجَلِي مِنَ الشَّرَابِ ألا بَجَل أقول: قائله هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، يكنى أبا عمرو، ويقال: اسمه عمرو، ولقبه طرفة بيت قاله، وقتل وهو ابن عشرين سنة، ولذلك قيل له: ابن العشرين، وهو شاعر مشهور جاهلي وصدر البيت: أَلا إِننِي سُقِيتُ أَسْوَدَ حَالِكًا ... ................................ وهو من قصيدة لامية من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - لِخَوْلَةَ بِالْأَجْزَاعِ مِنْ إضَمٍ طَلَلْ ... وبالسَّفْحِ مِنْ قَوَ مُقَامٌ ومُحْتَمَلْ 2 - تَرَبَّعُهُ مِرْبَاعُهَا وَمَصِيفُهَا ... مِيَاهٌ مِنَ الأَشْرَافِ يُرْمَى بِهَا الحَجَلْ 3 - فَلَا زَال غَيثٌ مِنْ ربيع وَصَيِّفٍ ... عَلَى دَارِهَا حَيْثُ اسْتقَلَّتْ لَهْ زَجَلْ 4 - مَرَته الجَنُوبُ ثُمَّ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا ... إذا مسَّ مِنْهَا مَسْكَنًا عُدْمُلٌ نَزَلْ 5 - كَأَنَّ الخَلَايَا فِيه ضَلَّتْ رِبَاعُهَا ... وَعُوذًا إِذَا مَا هَدَّهُ رَعْدُهُ احْتَفَلْ 6 - لَهَا كَبِدٌ مَلْسَاءُ ذَاتُ أَسِرَّةٍ ... وكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُض طِوَاءهما الحَبَلْ 7 - إذا قُلْتُ: هَلْ يَسْلُو اللُّبَانَةَ عَاشِقٌ ... تَمُرُّ شؤون الْحُب مِنْ خَوْلَةَ الأُوَلْ 8 - وَمَا زَادَك الشكْوَى إِلَى مُتَنَكرٍ ... تَظَل بِهِ تَبْكِي وَلَيْسَ بِهِ مَظَلْ 9 - مَتَى تَرَ يَوْمًا عَرْصَةً مِنْ دِيَارِها ... وَلَوْ فَرْطَ حَوْلٍ تَسْجُمُ الْعَينُ أَوْ تُهَلْ 10 - فَقُلْ لخَيَالِ الحنْظَلِيَّةِ يَنْقَلِبْ ... إِلَيهَا فإِنِّي وَاصِلٌ حَبْلَ مَنْ وَصَلْ 11 - أَلَا إِنَّمَا أَبْكِي لِيَوْمِ لَقِيتُهُ ... بِجُرْثُمَ قَاسٍ كُلُّ مَا بَعْدَهُ جَلَلْ ¬
12 - إِذَا جَاءَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَمَرْحَبًا ... بِهِ حِينَ يَأْتِي لَا كِذَابٌ وَلَا عِلَلْ 13 - أَلَا إِنَّنِي شَرِبْتُ أَسْوَدَ حَالِكًا ... أَلَا بَجَلِي مِنَ الشَّرَابِ أَلَا بَجَلْ 14 - فَلَا أَعْرِفَنِّي إِنْ نَشَدْتُكَ ذِمَّتِي ... كَدَاعِي هَدِيلٍ لا يُجَابُ وَلَا يَمَلْ 1 - قوله: "بالأجزاع" جمع جزع بكسر الجيم وسكون الزاي المعجمة، وهو منعطف الوادي، و "إضم" بكسر الهمزة وفتح الضاد المعجمة؛ وهو واد لأشجع، و "جهينة والسفح" موضع و"قوّ" بفتح الواو؛ واد أو مكان. و "المقام" بضم الميم؛ بمعنى الإقامة، و "المحتمل": الارتحال. 2 - قوله: "تربعه" أي تربعه خولة: تقيم فيه زمن الربيع، قوله: "مرباعها" مبتدأ، وخبره قوله: "مياه"، و"الأشراف" جمع شرف، وهو ما ارتفع من الأرض، وأراد به ها هنا: شرفًا وشريفًا وهما جبلان أحدهما لبني شريف. قوله: "يرمي بها الحجل" أي يتصيد بها الحجل، وهو (¬1) جمع حجلة، وهي القبج. 3 - قوله: "وصيّف" بتشديد الياء، قوله: "زجل" بفتح الزاي المعجمة والجيم، أي له رعد وصوت. وأغزر ما يكون المطر مع الرعد. 4 - قوله: "مرته الجنوب" أي مسحته واستدرته، وهو مستعار من مسح الضرع ليدر، و "العدمل" بضم العين المهملة؛ القديم، قوله: "نزل" أي حَلّ به، ويروى: بزل بالباء الموحدة، أي يشق للمطر يعني السحاب. 5 - قوله: "كأن الخلايا" جمع خلية، وهي النوق يجمعن علي حوار، وقال الجوهري: الخَلِيّةُ: النَّاقَةُ تُعْطَفُ مع أخرى على ولدٍ واحدٍ فَتُدِرَّانِ (¬2) عليه، وَيَتَحَلَّى أَهْلُ البَيْتِ بِوَاحِدَةٍ يحلِبُونَهَا (¬3). قوله: "فيه" أي في السحاب، و"الرِّبَاعُ" بكسر الراء؛ جمع ربع وهو ما نتج من الربيع، قوله: "والعُوْذَ" بضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة؛ وهي الحديثات النتاج، واحدها عائذ. يقول: كأن في هذه السحابة لكثرة رعده إبلًا عوذًا قد ضلت رباعها عنها فهي تحنُّ إليها. قوله: "هدّه" أي حرَّكَهُ وَزَلْزَلَهُ، وقوله: "احتفل" أي: كثر مطره، ويروى: "ضلت رباعَها" بالنصب، أي: فقدت رباعها بموت أو غيره. 6 - قوله: "لها كبد" أي: لخولة، وأراد بالكبد بطنَها ووسطها، و "الأسرة" العكن، ¬
و "الطرائق، والكشحان": ما انضمت عليه الأضلاع من الجنبين، ويقال: هما الخصران. قوله: "لم ينفض طواءهما" يعني: هي خمصاء البطن ليست بمفاضة، ومد "الطواء" للضرورة. 7 - قوله: "يسلو اللبانة" أي: عن اللبانة، فلما أسقط الخافض تعدى الفعل، و "السلوان": تطيب النفس بترك الشيء، ومعنى "تمر" تشتد وتقوى، و "الشؤون" الأمور، واحدها شأن. 8 - قوله: "وليس به مظل" بالظاء المعجمة، وهو على وزن مفعل، أي ليس ينبغي أن يظل به ويقام فيه. 9 - و "العرصة" الساحة ليس فيها بناء. قوله: "تسجم العين" أي يسيل دمعها، ومعنى "تهل" يقطر دمعها. 10 - و "الحنظلية": من بني حنظلة بن مالك. 11 - و "جرثم": موضع، و "القاسي": الشديد وهو صفة اليوم، و "الجلل" بفتح الجيم واللام؛ الصغير ها هنا، ويأتي بمعنى الكبير وهو من الأضداد. 12 - و"الكذاب" بالكسر بمعنى: الكذب، و "العلل": جمع علة. 13 - قوله: "أسود حالكًا" أراد به كأس المنية، وقيل: أراد شرابًا فاسدًا، وقال بعضهم: أراد السم، يقول: كأنني سقيت سمَّا فقتلني، وهذا مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها. و "الحالك": الشديد السواد، قوله: "بجلي" أي: حسبي، وكلمة بجل على وجهين: حرف بمعنى نعم، واسم وهو على وجهين: اسم فعل بمعنى يكفي، واسم مرادف لحسب، ويقال على الأول: بجلني، وهو نادر، وعلى الثاني: بجلي، ومن هذا القبيل: ألا بجلي من الشراب (¬1). 14 - قوله: "إن نَشدتك ذمتي" أي: سألتك إياها وطلبتها منك، و "الهديل" بفتح الهاء؛ فرخ ضلُّ على عهد نوح - عليه السلام - فالحمام تبكي عليه؛ كما زعمه بعض العرب، والهديل أيضًا: ذكر الحمام، قوله: "ولا يمل" أي: لا يمل الدعاء أبدًا. الإعراب: قوله: "ألا" ها هنا للتوبيخ والإنكار؛ كما في قوله (¬2): ¬
الشاهد الحادي والثمانون
ألا ارْعِوَاءَ لِمنْ وَلَّت شَبِيبَتُهُ ... ................................ و"بجلي" في تقدير الرفع بالابتداء، وخبره قوله: "من الشراب"؛ لأن معناه: حسبي من الشراب، وقوله: "ألا بجل" تأكيد في المعنى الأول، ومعنى بجل ها هنا نعم؛ لأنه حرف. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا بجل" حيث قال ذلك بترك النون؛ لأن النون فيه أكثر، وبالنون بجلني قليل. الشاهد الحادي والثمانون (¬1) , (¬2) وَمَا أَدْرِي وَظَني كُلُّ ظَنٍّ ... أمُسْلِمُنِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحي أقول: قائله هو يزيد بن مُخَرْم الحارثي، قال أبو محمد: ذكر الفراء هذا البيت على هذا النمط ليجعله بابًا من النحو، والصواب: 1 - وغَابَ خَلائلي وبَقِيتُ فَرْدًا ... أُمَاصِعُهُم وَنَهْضُك بالجنَاحِ 2 - فما أدري وظني كل ظن ... أَيُسْلِمُنِي بَنُو البَدْءِ اللَّقَاحِ 3 - فيقتلني بنو خمر بذُهْلٍ ... وَكِدْتُ أكونُ من قَتْلَى الرياح وهي من الوافر. 1 - قوله: "أماصعهم" أي: أقاتلهم، والصاد والعين فيه مهملتان. 2 - قوله: "اللقاح" بفتح اللام وتخفيف القاف، يقال: حي لقاح: الذين لا يدينون للملوك ولم (¬3) يصبهم في الجاهلية سِبَاء. 3 - قوله: "بنو خمر" بفتح الخاء العجمة وسكون الميم وفي آخره راء؛ وهو (¬4) وهو بطم من كندة. ¬
الشاهد الثاني والثمانون
الإعراب: قوله. "وما أدري": جملة من الفعل والفاعل دخلها حرف للنفي، وقوله: "أمسلمني إلى قومي شراحي "في محل النصب على المفعولية لقوله: وما أدري، والهمزة في "أمسلمني" للاستفهام، و "شراحي": فاعل لقوله: "مسلمني"، و "إلى قومي" يتعلق به، وشَرَاحِي أصله: شَرَاحِيلُ: اسم رجل لحقه الترخيم (¬1). قوله: "وظني" الواو تصلح أن تكون بمعنى مع، والتقدير: وما أدري مع ظني [كل ظن] (¬2)، و "كل ظن" تأكيد: للأول ويقال: وظني كل ظن جملة معترضة، فيكون "وظني" مبتدأ، "وكل ظن" خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أمسلمني" فإن النون فيه نون الوقاية، وقد تلحق نون الوقاية اسم الفاعل وأفعل التفضيل، وقد قيل: إن النون فيه هو التنوين لحقه شذوذًا، ونطير إثبات هذا إثبات نون التثنية والجمع مع الضمير في الضرورة، ولا يجوز إثبات النون ولا التنوين في اسم الفاعل مع الضمير إلا في الضرورة، وذهب هشام (¬3) فأجاز: هذا ضاربُنْكَ، وهذا ضاربنْي، بإثبات التنوين مع الضمير مستدلُّا بالبيت المذكور (¬4). الشاهد الثاني والثمانون (¬5)، (¬6) ولَيْس الموُافِيني ليُرْفَدَ خَائِبًا ... فَإن له أَضْعَافَ مَا كَانَ أَمَّلا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. ¬
قوله: "وليس الموافيني" من الموافاة، يقال: وافيت فلانًا إذا أتيته، والمعنى: وليس الذي يوافيني؛ أي يأتيني، "ليرفد" أي ليعطي، من الرفد وهو العطاء [والصلة] (¬1)، والرفد بالفتح؛ المصدر، يقال: رفدته أرفده رفدًا إذا أعطيته، وكذلك إذا أتيته، والإرفاد: الإعطاء والمعاونة، والمرافدة: المعاونة، والترافد: التعاون، قوله: "خائبًا" من الخيبة. قوله: "أملا" بتشديد الميم؛ من التأميل وهو الرجاء، وضبطه (¬2) بعضهم "آملًا" على صيغة اسم الفاعل، وله وجه على تقدير مساعدة القافية له. الإعراب: قوله: "وليس الموافيني" الموافي: اسم فاعل من وافى، والألف [واللام] (¬3) فيه بمعنى الذي، والتقدير: وليس الذي يوافيني، والموصول مع صلته اسم ليس، وخبره (¬4) قوله: "خائبًا". قوله: "ليرفد" بنصب الدال، وهو على صيغة المجهول يعني لأن يرفد، واللام للتعليل يعني لأجل الرفد، والمعنى: وليس الذي يوافيني؛ يعني يأتيني ويقصدني لأجل العطاء خائبًا، أراد: من يقصدني في خير لا يخيب، قوله: "فإن له" الفاء تصلح للتعليل و "أن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "أضعاف ما كان" اسمه، وقوله: "له" مقدمًا خبره، وقوله: "أضعاف" مضاف إلى قوله: "ما كان أملا"، وما موصولة، و "كان أملا" صلته، والعائد محذوف تقديره: ما كان آمله، والألف في "أملا" للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "وليس الموافيني" فإن النون فيه نون الوقاية وليست نون التنوين؛ كما ذهب إليه بعضهم؛ إذ التنوين لا يجتمع مع الألف واللام. * * * ¬
شواهد العلم
شواهد العلم الشاهد الثالث والثمانون (¬1) , (¬2) نُبِّئْتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزِيدُ ... ظُلْمًا عَلَينَا لَهُمْ فَدِيدُ أقول: قائله هو رؤبة بنُ العجاج. وهو من الرجز المسدس. قوله: "نبئت" على صيغة المجهول، بمعنى أخبرت، وأصله من النبأ وهو الخبر، ويقال: نَبأ تنبئة بمعنى: أعلم إعلامًا، وهو من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، والأصل في نَبَّأ أنه بمعنى أخبر، لكنه لما استلزم معنى الإعلام أُجري مجراه في تعديته إلى ثلاثة مفاعيل (¬3). فإن قلتَ: لم قلت إنه يستلزم الإعلام؟ قلتُ: لأن الإخبار المستقيم لا يكون إلا عن علم أو ظن. قوله: "أخوالي": جمع خال، وهو أخو الأم، قوله: "بني يزيد" مركب إضافي، وأصله: بنين ليزيد؛ فلما أضيف حذفت النون واللام، ويزيد: علم شخص، وهو بفتح الياءآخر الحروف وكسر الزاي المعجمة، وكذا وقع في كتاب الزمخشري (¬4). وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء المثناة من ¬
فوق، وهو اسم رجل وإليه تنسب الثياب التَّزيدية (¬1). وقال الرُّشَاطِي (¬2): تزيد في الأنصار، وفي قضاعة، فالذي في الأنصار: تزيد بن جشم بن الخزرج منهم بنو سلمة، ولم أر هذه النسبة، أعني: التزيدية في الأنصار (¬3)، والذي في قضاعة: تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة؛ إليهم تنسب الثياب التزيدية، وقال ابن الكلبي: كانت الترك أغارت على تزيد فأفنوهم بآمد، فقال في ذلك عمرو (¬4) بن مالك التزيدي (¬5): وليلتنا بآمْدٍ لم تَنَمْهَا ... كَلَيلَتِنَا بِمَيَّا فَارِقِينَا ثم قال: اليزيدي بالياء آخر الحروف في قريش، وفي غيرها؛ فالذي في قريش: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب ابن أمية، وفي همدان: يزيد بن قَشم بن ربيعة بن مُرْهِبة، وفي حِمْيَرٍ: يزيد بن منصور الحميري. قوله: "ظلمًا" من ظلم يظلِم من باب ضرب يضرب، والظلم: وضع الشيء في غير محله، أو منعه عن محله، قوله: "فديد" بالفاء وهو الصياح، وقال ابن فارس: الفَدِيدُ: الصَّوْتُ والجلبَة (¬6)، وفي الحديث: "إِن الجفاء وَالْقَسْوَةَ فيِ الْفَدَّادِينَ وَهِيَ أَصْواتُهُمْ فيِ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ" (¬7) ومعنى البيت: أُعلمت أن هذه الجماعة الذين هم أقوياء لهم جلبة وصياح من أجل ظلمهم علينا. الإعراب: قوله: "نُبِّئْتُ" التاء فيه: مفعول أول أقيم مقام فاعله، و "أخوالي": في محل النصب مفعول ثان، وقوله: "لهم فديد": جملة من المبتدأ والخبر في موضع مفرد منصوب على أنه مفعول ثالث، والتقدير: فَادِّين. ¬
قوله: "بني يزيد" نصب على أنه بدل من أخوالي، ويحتمل أن يكون عطف بيان (¬1)، قوله: "ظلمًا" نصب على التعليل؛ أي لأجل الظلم، ويجوز أن يكون حالًا تقديره: ظالمين، ويجوز أن يكون حالا بتقدير جملة محذوفة، والتقدير: في حال كونهم يظلمون علينا ظلمًا؛ كما قيل في: مررت به وحده، والتقدير هنا: ينفرد وحده، فحذفت الجملة التي وقعت حالًا، وأقيم المصدر مقامها. ويجوز أن يكون مفعولًا ثالثًا لنبئت، ويكون ما بعده كالتفسير، ويجوز أن يكون نصبًا على التمييز؛ أي يصيحون ظلمًا لا عدلًا، وهذا أضعف الوجوه. قوله: "علينا" يتعلق بالأول، أي ظلمًا علينا، ويجوز أن يتعلق بالثاني، أي: لهم صياح علينا على تضمن الصياح معنى: الجور. الاستشهاد فيه: في قوله: "يزيد" فإنه بضم الدال؛ اسم علم منقول عن المُرَكّب الإسنادي، والدليل على ذلك ضمة الدال؛ إذ ضمتها تدل على كونها محكية، وكونها محكية يدل على أنها كانت جملة إسنادية في الأصل؛ إذ بغير الجملة الإسنادية لا تحكى. فإن قلتَ: كيف قلتَ إنه علم منقول عن المركب الإسنادي؟ وما حقيقة هذا الكلام؟ قلتُ: "يزيد" في الأصل فعل مضارع من يزيد [يعني] (¬2) المال، وفيه ضمير مستتر هو فاعل له، فجملته جزآن فعل وفاعل وهما مركب إسنادي، فإذا سمي به رجل باعتبار كِلا الجزأين وجب أن يحكى به، فتقول: جاءني يزيدُ، ورأيت يزيدُ، ومررت بيزيدُ، بضم الدال في الأحول الثلاثة؛ لأنه جملة محكية بها، وأما إذا سمي به باعتبار الجزء الأول الذي هو الفعل فقط، وجب أن تقول: جاءني يزيدُ، ورأيت يزيدَ، ومررت بيزيدَ فتعربه كإعراب مفرد غير منصوب؛ لأنه ليس بجملة، بل هو مفرد لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل (¬3). ¬
الشاهد الرابع والثمانون
الشاهد الرابع والثمانون (¬1) , (¬2) أَنا ابْنُ مُزَيقِيا عَمْرٍو وَجَدِّي ... أَبُوهُ مُنْذِر مَاء السَّمَاء أقول: قائله هو أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم، وهو قوقل بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن بن الأزد الخزرجي الأنصاري أخو عُبَادة بن الصامت، شهد بدرًا، والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي ظاهر من امرأته ووطئها قبل أن يُكَفِّرَ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُكَفِّرَ بخمسة عشر صاعًا من شعير على ستين مسكينًا (¬3). وهو من بحر الوافر وفيه القطف والعصب. قوله: "مزيقيا" بضم الميم وفتح الزاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وكسر القاف وتخفيف الياء الأخرى، وهو لقب عمرو، وكان من ملوك اليمن، وكان يلبس كل يوم حلتين، فإذا أمسى مَزَّقَهُما؛ كراهة أن يَلْبِسَهُمَا ثَانِيًا وأن يَلْبِسَهُمَا غَيْرُهُ فلقب بذلك، ويقال: إنما قيل له مزيقيا؛ لأن أجل حائك كان باليمن يحوك له حلة لا يكملها إلا في عام، فإذا لبسها يوم زينته، أول لبسة مزقها كبرًا كي لا يلبسها غيره، وأبوه عامر هو الذي خرج من اليمن لما أحس بسيل العرم (¬4)، وكان قومه إذا أجدبوا مانهم (¬5) حتى يخصبوا، فلقب ماء السماء؛ لأنه يتوب عنه، وإنما قيل ثعلبة العنقاء لطول عنقه، حكاه ابن دريد (¬6). الإعراب: قوله: "أنا": مبتدأ، وقوله: "ابن مزيقيا": خبره، وقوله: "عمرو" بالجر: بدل من مزيقيا، والأصل فيه: أنا ابن عمرو مزيقيا. قوله: "وجدي": مبتدأ، وأراد به أجداده (¬7) من الأم، ¬
الشاهد الخامس والثمانون
"أبوه" كلام إضافي مبتدأ ثان، و"منذر": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، وقوله: "ماء السماء": كلام إضافي مرفوع؛ لأنه صفة منذر، وكان المنذر يلقب بذلك لحسن وجهه. الاستشهاد فيه: في قوله: "مزيقيا عمرو" حيث قدم اللقب على الاسم، والأصل أن يؤخر اللقب عن الاسم (¬1). الشاهد الخامس والثمانون (¬2) , (¬3) أقسم بالله أبو حفص عمر ... ................................. أقول: قال ابن يعيش: إن قائله هو رؤبة بن العجاج (¬4)، وهذا خطأ؛ لأن وفاة رؤبة في سنة خمس وأربعين ومائة، ولم يدرك عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ولا عده أحد من التابعين، وإنما قائله رجل أعرابي كان استحمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب [رضي الله تعالى عنه] (¬5)، وقال: إن ناقتي قد نَقِبَتْ (¬6)، فقال له: كذبت، ولم يحمله، فقال: أَقْسَمَ بالله أبُو حَفْصٍ عُمَر ... مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ ولَا دَبَر فَاغْفِرْ له اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ وهي من الرجز المسدس. قوله: "من نقب" بفتح النون والقاف، وهو رقة خف البعير، وقد نقب البعير ينقب، من باب علم يعلم فهو نَقب، بفتح النون وكسر القاف، قوله: "ولا دبر" بفتح الدال والباء الموحدة، من دبر البعير إذا حفي، يقال: أدبر الرجل إذا دبر بعيره، وأنقب إذا حفي خف بعيره، قوله: "إن كان فجر" أي: إن كان كذب ومال عن الصدق، وأصله الميل. ¬
الشاهد السادس والثمانون
الإعراب: ظاهر. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبو حفص عمر" حيث قدم الكنية على الاسم؛ لأنه لا ترتيب بين الكنى والأسماء (¬1) كما أنه قدم الاسم على الكنية في البيت الآتي: الشاهد السادس والثمانون (¬2) , (¬3) وما اهتَزَّ عَرْشُ الله مِنْ أَجْلِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إلا لسَعْدِ بنِ أَبِي عَمْرِو أقول: قائله هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأنصاري الخزرجي [ثم من بني مالك بن النجار] (¬4) يكنى أبا الوليد، وقيل: أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا الحسام؛ لمناضلته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولتقطيعه أكباد (¬5) المشركين، ويقال له: شاعر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬6). توفي قبل الأربعين في خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقيل: بل مات سنة خمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة لم يختلفوا في عمره، وأنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام، وكذلك عاش أبوه ثابت، وجده المنذر، وأبو جده حرام، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة، ولا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة غيرهم. والبيت المذكور من الطويل. قوله: "هالك" أي: ميت، وأصل الهلاك السقوط، يقال هَلَكَ الشيءُ يَهْلِكُ هَلاكًا وهُلُوكًا ومَهْلَكًا ومَهْلِكَا ومَهْلُكا وتَهْلُكَةً. والاسم الهلك بالضم، وقال اليزيدي (¬7): الهلكة من نوادر ¬
الشاهد السابع والثمانون
المصادر وليست مما يجري على القياس (¬1). قوله: "إلا لسعد" أراد به: سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحرث (¬2) بن الخزرج بن النبيت، واسمه: عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي ثم الأشهرلي، يكنى بأبي عمرو، وشهد بدرًا، لم يختلف فيه وشهد أحُدًا والخندق. قال عبد الغني: استشهد سعد بن معاذ - رضي الله عنه - زمن الخندق، وصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اهتز العرش لسعد بن معاذ" (¬3) وكذلك (¬4) قال حسان بن ثابت (¬5): وما اهتز عرش الله ... ............................ إلخ الإعراب: قوله: "وما اهتز" فعل ماض دخله حرف النفي، و "عرش الله" كلام إضافي، فاعله وكلمة "من" للتعليل، و "هالك" مجرور بالإضافة. قوله: "سمعنا به" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو الجار والمجرور، وقعت صفة لهالك، ومحلها الجر، قوله: "لسعد" جار ومجرور يتعلق بقوله: "اهتز"، وقوله: "أبي عمرو" مجرور لكونه صفة لسعد. الاستشهاد فيه: حيث أخره (¬6) وهو كنية عن الاسم، وهذا عكس ما في البيت السابق. الشاهد السابع والثمانون (¬7) , (¬8) أَبْلِغْ هُذَيْلًا وَأَبْلِغْ مَنْ يُبَلِّغهَا ... عَنِّي حَدِيثًا وَبَعْضُ القَوْلِ تَكذْيبُ بأنَّ ذَا الكَلْبِ عمرًا خَيرُهُمْ نَسَبًا ... بِبَطْنِ شِرْيَان يَعْوي حَوْلَة الذِّيب أقول: قائلتهما هي ريطة بنت عاصم؛ كذا قاله بعضهم، والصحيح أن قائلتهما هي جنوب ¬
أخت عمرو ذي الكلب (¬1)، وهما من قصيدة تُرثي بها أخاها عمرًا،. وأولها هو قولها (¬2): 1 - كُل امرئ بمحالِ الدَّهْرِ مَكْذُوبُ ... وُكُلُّ مَنْ غَالبَ الأيَّامَ مَغْلُوبُ 2 - وكل حيٍّ وإن عزوا وإن سلموا ... يومًا طَرِيقُهُمْ في الشَّرِّ زُعْبُوبُ 3 - بَيْنَا الفتيُّ نَاعِمٌ راضٍ بِعِيشَتِهِ ... سيق من نوازي الشر شُؤْبُوبُ 4 - يَلْوي به كل يوم كيّة قَذَفًا ... فالمنسَمَانِ مَعًا دَامٍ ومنكوبُ (¬3) 5 - أَبْلِغْ هُذَيْلًا وَأَبْلِغْ مَنْ يُبَلِّغُهَا ... عَني حَدِيثًا وَبَعْضُ القَوْلِ تَكذْيبُ 6 - بأنَّ ذَا الكَلْبِ عمرًا خَيرُهُمْ نَسَبًا ... بِبَطْنِ شِرْيَانَ يَعْوي حَوْلَهُ الذِّيبُ 7 - الطاعِنُ الطعْنَةَ النَجْلاء يَعْقُبُهَا (¬4) ... مُثْعَنْجِرٌ من نجيع الجوفِ أسكوبُ 8 - والتارك القِرْنَ مصفرًّا أنَامِلُه ... كأنه من نَجيع الجوفِ مَخْضُوبُ (¬5) 9 - تمشي النُّسُورُ إليه وهي لاهِيةٌ ... مَشْيَ العذارَى عَلَيهِن الجَلابِيبُ 10 - والمخرجَ العاتقَ العذراءَ مُذْعِنَةً ... في السَّبْيِ ينفحُ من أرْدَانهَا الطِّيبُ وهي من البسيط. 1 - قوله: "بِمِحَال الدهر" بكسر الميم، وهو الكيد، أراد بكيد الدهر، وقيل: هو المكر، وقيل: هو القوة والشدة، قوله: "مكذوب" أي مغلوب. 2 - قوله: "زُعبوب" بضم الزاي المعجمة وسكون العين المهملة، وهو القصير. هكذا ضبطه بعضهم، والذي يظهر لي أنه بالراء المهملة. وقال الجوهري: الزعبوب: الضعيف الجبان، وهذا أنسب من جهة المعْنى (¬6). 3 - قوله: "من نوازي الشر" النوازي بالزاي المعجمة، جمع نازية؛ من نزا ينزو إذا علا ووثبَ، و "الشؤبوب" بضم الشين المعجمة؛ الدفعة من المطر وغيره. 4 - قوله: "قذفًا" أي: بعيدًا، و "المنسمان": تثنية مَنسِم بفتح الميم وكسر السين المهملة، ¬
وهو خف البعير. واستعير ها هنا (¬1) لقدم الإنسان (¬2)، و "المنكوب" من نكبته الحجارة بالتخفيف إذا لثمته، أي: إذا دقته وكسرته. 6 - قوله: "ببَطْنِ شرْيَانَ": اسم موضع، و"الشريان" بكسر الشين المعجمة وفتحها؛ شجر يعمل منه القسِيّ، وقال الزمخشري: الشريَان بالفتح: الحنظل، ورأيت في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (¬3) ذكره بالسين المهملة والراء المشددة (¬4). 7 - قوله: "الطعنة النجلاء" بالنون والجيم، يقال طعنة نجلاء، أي: واسعة، قوله: "مثعنجر" بضم الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وسكون النون وكسر الجيم وفي آخره راء، وهو أكثر موضع في البحر [به] (¬5) ماء، وسمي به الرجل الشجاع الفائق، وفي حديث علي - رضي الله [تعالى] (¬6) عنه: "يَحْمِلُهَا الأَخْضَر المثعَنْجِرُ". قوله: "من نَجِيعِ الجوف" بفتح النون وكسر الجيم، وهو دم الجوف يضرب إلى السواد، قوله: "أسكوب" أفعول من السَّكْب. 8 - قوله: "القِرْن" بكسر القاف وسكون الراء، وهو مثل الرجل في السن، وأراد به ها هنا مثله في الشجاعة أيضًا. 10 - قوله: "العاتق" يقال: جارية عاتق، أي: شابة أول ما أدركت فَخدِرَتْ في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج، و"العذراء": البكر، والجمع العذارى، و "مذعنة" من أذعن له إذا خضع وذل، قوله: "ينفح" بالحاء المهملة، من نَفَح الطيبُ إذا فاح، قوله: "من أردانها": جمع رُدْن، وهو الكُم. الإعراب: قوله: "أَبْلِغْ" أمر، و "أنت" مستكن فيه فاعله، و "هذيلًا" مفعوله، و "أبلغ" الثاني عطف عليه، وقوله: "من يبلغها" مفعوله، و "من" موصولة، ويبلغها صلتها، والضمير يرجع إلى هذيل وهو اسم قبيلة، قوله: "حديثًا": [مفعول] (¬7) ثان و "أبلغ" الأول، ويقدر مثله ¬
الشاهد الثامن والثمانون
لـ "أبلغ" الثاني، والتقدير: أبلغ هذيلًا عني حديثًا وأبلغ من يبلغها عني [حديثًا] (¬1). قوله: "وبعض القول" كلام إضافي مبتدأ، و"تكذيب": خبره، بمعنى كذب، والجملة في محل النصب على الحال، قوله: "بأن ذا الكلب" يتعلق بقوله: "حديثًا"، والأظهر أنه بدل منه و (ذا الكلب) اسم إن، وخبره قوله: "خيرهم نسبًا"، وذو الكلب لقب عمرو أخي جنوب صاحبة الشعر، قوله: "عمرًا" عطف بيان، والضمير في "خيرهم" يرجع إلى هذيل، قوله: "نَسَبًا" تمييز. قوله: "ببطن شريان" في محل النصب على أنه حال من عمرًا، والتقدير: عمرًا كائنًا ببطن شريان، وكان قد دفن عمرو هناك، قوله: "يعوي" فعل مضارع و "الذيب" فاعله، و "حوله" نصب على الظرف، والجملة وقعت صفة لبطن شريان. الاستشهاد فيه: في قوله: "بأن ذا الكلب عمرًا" حيث قدم اللقب على الاسم؛ لأنه لا ترتيب بين الألقاب والأسماء، كما أنه لا ترتيب بين الأسماء والكنى (¬2). الشاهد الثامن والثمانون (¬3)، (¬4) عَلَى أَطْرِقَا بَالِيَاتُ الخيا ... م إلا الثُّمَامُ وإلا العِصِيّ أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، وخالد هو ابن المُحَرّث بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث (¬5) بن تميم بن سعد بن هذيل، كان مسلمًا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يره. ولا خلافَ أنه جاهلي إسلامي تُوُفِّيَ في خلافة عثمان -رضي اللَّه تعالى عنه- بطريق ¬
مكة فدفنه ابن الزبير -رضي الله عنهما-، وقيل: إنه مات بمصر منصرفًا من إفريقية، وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير، وقيل: إنه مات بأرض الروم في الغزاة ودُفن هناك، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- ندبه إلى الجهاد، فلم يزل يجاهد حتى مات بأرض الروم، فدفنه ابنه عبيد اللَّه، وهو من قصيدة يائية، وأولها قوله: 1 - عَرَفْتُ الدِّيَارَ كَرَقْمِ الدُّوى ... يَزْبُرُهُ الكَاتبُ الحِمْيَرِيُ 2 - بِرَقْمٍ وَوَشْيم كَمَا زَخْرَفَتْ ... بِمَيشَمِهَا المُزْدَهَاةُ الهَدِيُ 3 - أَدانَ وَأَنْبَأَهُ الأوَّلونَ ... بأن المُدَانَ مَلِيٌّ وَفِيُ 4 - فَنَمْنَمَ فِي صُحُفٍ كالرِّيَا ... ط فيهِنّ إرْثُ كِتَاب مَحِيُ 5 - عَلَى أَطْرِقَا بَالِيَاتُ الخيا ... م إلا الثمَامُ وإلا العِصِي 6 - فلم يبقَ منها سِوى هَامدٍ ... وسَفْع الحُدُودِ مَعًا والنؤيُ 7 - وأشعَثَ في الدَّارِ ذِي لِمَّة ... لَدَى إرْثِ حَوْضٍ نَفَاهُ الأَثِيُ 8 - كَعُوذِ المُعَطَّفِ أحْزَى لها ... بمصْدَرِةِ الماءِ رأمٌ رَذِيُ 9 - فَهُنّ عُكُوفُ كنَوْحِ الكريـ ... ـم قد لاح أكبادَهُن الهَويُ 10 - وأنسى نُشَيبَةَ والجاهلُ ... المغمَّرُ يَحْسَبُ أني نَسِيُ 11 - على حين أَنْ تَمَّ فيه الثلا ... ثُ حَدٌّ وَجُوُد ولُبٌ رَخِيُ 12 - ومن خير ما عَمِلَ النِاشِئُ الـ ... ـمُعَمَّمُ خِيرٌ وزنْدٌ وَرِيُ 13 - وصبرٌ على حَدَثِ النَّائِبَا ... تِ وحلمٌ رَزِينٌ وقَلْبٌ ذَكِيُ 14 - يَسُرُّ الصديقَ وَيُبِكي العدوّ ... ومردى حروب رضي نديُ وهي من المتقارب وأصله في الدائرة "فعولن" ثمان مرات؛ وفيه الثلم بالثاء المثلثة؛ وهو أن تخرم سالمًا، والخرْم: أن تسقط أول الوتد المجموع في أول البيت، والسالم: الجزء الذي لا زحاف فيه فيصير: عولن فيرد إلى فعلن. وهذه القصيدة تروى مطلقة مرفوعة، وتروى مقيدة ساكنة، فمن أطلقها كانت من الضرب الأول ووزنه فعولن، ومن قيدها كانت من الضرب الثاني وهو المحذوف. 1 - قوله: "كرقم الدوى" الرقم: الكتابة، قال تعالى: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين: 20] والدُّوى بضم الدال؛ جمع دوى، وهو جمع دواة، وهو ما يكتب منها. وذكر صاحب الاقتضاب (¬1) أن ¬
جمع دَوَاةٍ دَوَيَات؛ كما يُقَالُ: قَنَاةُ وقَنَوَات، ويقال: دَوَاةٌ وَدُوي؛ كما يقال: قناة وقُنيّ ثم قال: وزن دواة من الفعل فعلة، وأصله: دَوَيَة، تحركت الياء وقبلها فتحة فانقلبت ألفًا، ويدل على أن لامها ياء قولهم في جمعها: دويات، وقال أيضًا: اشتقاق الدواة من الدواء؛ لأن بها صلاح أصر الكاتب؛ كما أن بالدواء صلاح أمر الجسد، ويقال للذي يبيع الدواة دَوّاء؛ كما يقال لبائع الحِنْطة حَنَّاط، والذي يعملها مُدَوٍّ؛ كما يقال: للذي يعمل القناة مُقَنٍّ، وللذي يحملها داوٍ؛ كما يقال للذي يحمل السيف سائف (¬1). قوله: "بزِبْرِه" أي: يكتبه من زَبَر يَزْبُر زَبْرًا إذا كتب، ومنه الزبور: جمع زِبر بكسر الزاي، وهي الكتابة، و "الحميَرِيّ" نسبة إلى حِميَر، وهو قبيلة. 2 - قوله: "ووشم" أي نقش، و"زخرفت" أي: زينت، و "الميشم" بكسر الميم: إبرة تضرب بها المرأة في يدها وكفها ثم تجعل عليها النؤور، قوله: "المزدهاة" بضم الميم وسكون الزاي المعجمة؛ وهي التي استخفها عجب بنفسها، و"الهدي": العروس التي هُديت إلى زوجها. 3 - قوله: "أدان" أي باع بيعًا إلى أجل فصار له دَين على الناس، قوله: "وأنبأه الأولون" أي الناس الأولون، و "المدان": بضم الميم الذي عليه دين. 4 - قوله: "فنمنم"، أي: نقش، والنمنمة: النقش، ويروى: فينظر في صحف، أي: هذا الحميري ينظر في صحف من عليه دَين، "كالرياط" بكسر الراء وتخفيف الياء آخر الحروف وهي الملاية (¬2) التي لم تلفق نسجت وحدها، وكل ملاءة لم تلفق فهي ريطة. 5 - قوله: "على أطرِقا" بفتح الهمزة وسكون الطاء وكسر الراء وهو اسم علم على مفازة (¬3) من أطرق إذا سكت ونظر إلى الأرض سميت بذلك؛ لأن السالك فيها يقول لصاحبيه أَطْرقا مخافة ومهابة. وقال ابن يعيش: أطرقا اسم بلد، قال الأصمعي سمي به أطرق، أي اسكتا كأن ثلاثة، قال أحدهم لصاحبيه أطرقا أي اسكتا لنسمع، فسمي المكان أطرقا (¬4). قوله: "باليات" جمع بالية، من البلى بكسر الباء الموحدة، يقال: بلى يبلي إذا خلق، و "الخيام" جمع خيمة، و"الثمام" بضم [الثاء] (¬5) المثلثة وخفيف الميم؛ نبت يحشى به فُرَج البيوت، ¬
وأراد به: ما يستر به جوانب الخيمة، و "العصى" بكسر العين؛ جمع عصا، وأراد بها: قوائم الخيمة. المعنى: عرفت ديار المحبوبة كأنها مرقومة رقمها الكاتب الحميرى، يعني: صَفُرَتْ وانْدَرَسَتْ آثَارُهُا وعَرَفْتُ دِيَارَهَا على هذهِ المفازة قد بلِيَتْ خِيامُها إلا ثُمَامها وعصيّها، فإنها بقيت وما بَلِيَتْ. 6 - قوله: "هامد" بكسر الميم، وهو الرماد، و "السُّفْع" بضم السين المهملة وسكون الفاء وفي آخره عين مهملة؛ وهي الأثافي [قد] (¬1) سفعتها النار؛ أي غيرتها، قوله: "والنَؤِيّ" بضم النون وكسر الهمزة؛ جمع نؤى بضم النون وسكون الهمزة؛ وهي حفرة (¬2) تحفر حول الخيام لتدفع المطر. 7 - و "الأشعث": المغبر الرأس، [وأراد به ها هنا: الوتد] (¬3)، و "اللمة" بكسر اللام؛ الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي: الجمة، قوله: "لدى إرث حوض" أي: عند أصْل حوض. 8 - قوله: "كعوذ المعطف" (¬4) العوذ من الإبل: الحديثات النتاج، وهو بضم العين المهملة وسكون الواو وفي آخره ذال معجمة؛ جمع عائذ مثل: حائل وحول، ويجمع أيضًا على عُوذان مثل راع ورعيان، و"المعطف": الذي يعطف. قوله: "أحزى" أي: أشرف لها، قوله: "بمصدره" الماء؛ حيث تصدر عن الماء، و "أحزى" بالزاي المعجمة، و "الرأم": ولد الرذيُ، وهو الملقي الضعيف. كذا فسره الباهلي (¬5)، ويقال: رأم بسكون الهمزة، وقال الجوهري: الرَّذِيّةُ: الناقَةُ المَهْزُولَةُ في السير، والجمع: الرَّذِايَا، والذكَرُ الرَّذِي بفتح الراء وكسر الذال المعجمة وتشديد الياء (¬6). 9 - قوله: "عكوف" أي: قد عكفن على الرأم؛ أي كما يعكف النواح على الميت، و"الهَويّ" (¬7) هو الرجل إذا وقع في هلكة، والمعنى: أن أكبادهن قد هوت للحزن. 10 - قوله: "وأنسى" يريد: لا أنسى نَشِيبَةً، و"المغمر": الذي لم تحكمه الأمور ولم يجربها، ¬
و"نشيبة" بنت عمه. 11 - قوله: "حد" أي: بأس، "وجود" أي: عطاء (¬1)، و "لب رخي" أي: صدره واسع. 12 - و "الناشئ" الشاب، و"المعمم المسود" الذي عمه القوم أمرهم، و "الخير": الكرم، و"الزند": الذي تخرج منه النار، و "الوري": السريع الإخراج للنار. الإعراب: قوله: "على أطرقا": جار ومجرور يتعلق بقوله: "عرفت"، وموضعها النصب على الحال من الديار، والتقدير: عرفت الديار على أطرقا، أي: في هذه الحال، قوله: "باليات الحيام": نَصْبٌ على الحال من الديار، وليس ذلك من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته، بل هو من قبيل إضافة البيان نحو قولهم: أخلاق ثياب، ويجوز رفع باليات على الابتداء، وخبره قوله: "على أطرقا"، قوله: "إلا الثُّمَامُ وإلا العصي" استثناء منقطع، لأنه من موجب (¬2). ويروى: إلا الثمام (¬3) بالرفع والنصب، فمن نصبه فلا إشكال فيه؛ لأنه استثناء من موجب كما ذكرناه، ومن رفع فعلى الابتداء، والخبر محذوف والتقدير: إلا الثمام وإلا العصي لم تُبلَ، ومن نصب الثمام ورفع العصي، فإنه يحمله على المعنى، وذلك لأنه لما قال: بليت إلا الثمام، كان معناه: بقي الثمام فعطف على هذا المعنى، ويروى برفعهما من باب الإتباع على المعنى دون اللفظ نحو: أعجبني ضرب زيد العاقل، برفع العاقل، أو يكونان بدلين على اللغة القليلة (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "على أطرقا" فإنه اسم علم منقول من فعل الأمر؛ كما ذكرناه (¬5). ¬
الشاهد التاسع والثمانون
الشاهد التاسع والثمانون (¬1)، (¬2) لأُنِكحَنّ (¬3) بَبَّهْ ... جَاريَةً خِدَبَّه مُكْرَمَةً مُحَبّهْ ... تَجِبُّ أَهْلَ الكَعْبَهْ أقول: قائله هي هند بنت [أبي] (¬4) سفيان بن حرب بن أمية، كانت لَقَّبَتْ به ابنَها في صغره تُرَقِّصُه، فَتعُول: لأنكحَن ببه .... ......................... إلخ وابنها هو عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب والي البصرة، وهو الذي اتفق عليه أهل البصرة عند موت يزيد بن معاوية حتى يتفق الناس على إمام، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن أباه من بني هاشم وأمه من بني أمية، سكن البصرة ومات بِعُمان سنة أربع وثمانين. وقال ابن الأثير: له ولأبيه صحبة (¬5)، وقيل: إن له إدراكًا ولأبيه صحبة، ولد قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، وأتى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فحنكه ودعا له، يكنى أبا محمد، وقيل: أبا إسحاق، وتلقب (¬6) ببهْ وببهْ في الأصل: الأحمق، كذا قاله الخليل (¬7)، ويقال للشاب الممتلئ البدن نعمة: ببهْ. وقال الجوهري: يقال للأحمق الثقيل: بَبَّةٌ، وهو لقب عبد اللَّه بن الحارث ثم قال: وهو -أيضًا- اسمُ جَارِيَةٍ، ثم قال: قال الراجز: لأُنكِحَن ببهْ ... ................... إلخ (¬8). فهذا مخالف لما ذكره أهل العربية من أن المراد بـ "ببه" في قوله: "لأنكحن ببه" هو عبد الله بن الحرث، كما ذكرناه، فعلى قوله يكون قوله: "جارية خدبة" عطف لقوله: جارية ببة، أو بدلًا، وعلى قولهم هو مفعول: لأنكحن على ما نذكره الآن. ¬
قوله: "خدبة" بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة؛ أرادت بها الجارية المشتدة الممتلئة اللحم، ويقال للبعير الشديد الصلب: خِدب (¬1)، قوله: "تجِبّ" بكسر الجيم (¬2)؛ أي: تغلب أهل الكعبة في الحسن والجمال، يفال: جبّه إذا غلبه، وجبَّت فلانة النساءَ إذا غلبتهن بالحسن، قال ثعلب: جبت نساء العالمين بالسبب الإعراب: اللام في: "لأنكحن" لام التأكيد، و"أنكحن": جملة من الفعل والفاعل، وهو من الإنكاح، و"ببّه" مفعوله، و"جارية" مفعول ثانٍ، وليس مجيء مفعولين لفعل واحد مقتصرًا على أفعال القلوب، وهذا باب ليس فيه عدد محصور، وإنما الفرق في أن أفعال (¬3) القلوب يكون المفعول الثاني عين الأول، وفي غيرها غير الأول نحو: أعطيت زيدًا درهمًا، فافهم (¬4). قوله: "مكرمة محبهْ": صفة بعد صفةٍ لجارية، وكذلك قوله: "تجب أهل الكعبة": صفة أخرى، ولكنها جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو "أهل الكعبة"، وما قبله من الصفات مفردة. الاستشهاد فيه: في قوله: "لأنكحن ببهْ"، لأنه علم منقول من الصوت وهو (ببهْ)، فإنه منقول من الصوت الذي كانت هند ترقصه به (¬5). ¬
الشاهد التسعون
الشاهد التسعون (¬1)، (¬2) وبايَعتُ أقوامًا وَفَيتُ بعَهْدِهم ... وَببَّةٌ قد بايعته غيرَ نَادِمٍ أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه (¬3). وهو من الطويل. قوله: "بايعت" من المبايعة، وهي المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد من المبايعين باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه، وطاعته، ودخيلة أمره. الإعراب: قوله: "وبايعت": جملة من الفعل والفاعل، و"أقوامًا" مفعوله، قوله: "وفيت بعهدهم": جملة حالية بتقدير قد، أي: حال كوني قد وفيت بعهدهم. فإن قلت: كيف يكون وافيًا بعهدهم في حال المبايعة، والوفاء لا يكون إلا بعدها. قلت: هذه من الأحوال المنتظرة المقدرة، والتقدير: مقدر الوفاء على مبايعتي. قوله: "وببة" مبتدأ، والجملة أعني قوله: "قد بايعته" خبر، قوله: "غير نادم" كلام إضافي نصب على الحال من الضمير المرفوع من بايعته، وأراد الفرزدق بببة هذا عبد الله بن الحرث، قال الجوهري: ببة: لقب عبد الله بن الحرث والي البصرة، قال الفرزدق، وأنشد البيت المذكور (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "ببه" والكلام فيه كالكلام في الذي قبله، وهو ظاهر. الشاهد الحادي والتسعون (¬5) , (¬6) أنا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَينَا بَيْنَنَا ... فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحتَمَلْتَ فَجَارِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه: زياد بن معاوية، وقد ترجمناه فيما مضى (¬7) وهو ¬
من قصيدة يهجو بها زُرْعة بن عمرو بن خويلد الفزاري حيث لقيه بعكاظ، فأشار عليه أن يشير على قومه بقتل بني أسد وتَرْكِ حِلْفَهم، فأبى النابغة [الغدر] (¬1) [وبلغه] (¬2) أن زُرْعة يتوعده، فقال يهجوه: 1 - نُبِّئْتُ زُرْعَةَ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا ... يُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الأَشْعَارِ 2 - فَحَلَفْتُ يَا زُرْعَ بن عمرو إِنَّنِي ... مِمَّا يَشُقُّ عَلَى العَدُوِّ ضِرَارِي 3 - أرأيتَ يَوْمَ عُكَاظٍ حين لقِيتَنِي ... تحت العَجَاجِ فَمَا شَقَقْتَ غُبَارِي 4 - أنَا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَينَا بَينَنَا ... فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحتَمَلْتَ فَجَارِ 5 - فَلَتَأْتِيَنَّكَ قَصَائِدُ وَلَيَدْفَعَنْ ... جيشًا إِلَيكَ قَوَادِم الأكوارِ 6 - رَهْطُ ابنُ كُوزٍ مُحْقِبِي أَذرَاعِهِم ... فيهم ورهطُ رَبيعَةَ بنِ حُذَارِ 7 - ولرهطِ حَرَّابٍ وَقَدٍّ سُورةٌ ... في المجدِ ليس غرابُها بمُطار 8 - وبنو قعين لا مَحَالةَ أنهم ... آتوْكَ غَيرَ مُقَلَّمِي الأَظْفَارِ وهي من الكامل، وفيه الإضمار وهو مستفعلن، والقطع وهو: فعلاتن، فإن قوله: "فجار" [فعلاتن] (¬3) مقطوع. 1 - قوله: "نُبّئِت"، أي: أُخْبِرْتُ ومعنى "والسفاهة كاسمها" أن معناها قبيح كاسمها، قوله: "يهدي إلي غرائب الأشعار" يعني: أنه غير مشهور بالشعر ولا منسوب إليه، فالشعر من قِبَلِه غريب؛ إذ ليس من أهله. 2 - قوله: "يا زرع" منادى مرخم أصله: يا زرعة بن عمرو، و "الضرار": الدنو من الشيء واللصوق به، يقول: أنا قوي عزيز فالعدو يكره مجاورتي له، وإنما يفخر بهذا على زرعة بن عمرو. 3 - قوله: "فما شققت غباري" [معناه: سبقتك بالمفاخرة وبَعُدَ بيني وبينك؛ فلم تلحقني ولا شققت غباري] (¬4)، يقال: فلان ما شق غبار فلان؛ أي: ما لحقه ولا سعى سعيه، وأصل هذا المثل في الفرس الجواد الذي يسبق الخيل وينسلخ منها فلا يُلْحَق ولا يُشَق غباره، ويروى: فما حططت غباري، أي فما استطعت أن تُلقي عنك غباري، يعني: غبار الحرب، وقيل المعنى: لم يرتفع غبارك فوق غباري. ويروى فما خططت غباري بالخاء المعجمة؛ أي ما دخلت فيه، والغبار: العجاج، و"عكاظ" أحد مواسم العرب. ¬
4 - قوله: "أنا اقتسمنا خطتينا" (¬1) هذا مثل، أي: كانت لي ولك خطتان فأخذتُ أنا البرة وأخذتَ أنت الفجرة، و"الخطة": القصة والخصلة، وإنما قال [ذلك] (¬2)؛ لأن زرعة دعاه إلى الغدر ببني أسد ونقض حلفهم، فأبَى ذلك ولزم الوفاء والبر، ونسب زرعة إلى الغدر والفجور، و "بَرّة": اسم علم وضع من البر فلم يصرفه؛ لأنه معرفة مؤنث (¬3)؛ لأنه اسم للخطة، و"فَجَارِ": اسم معدول عن الفجور معرفة، فبناه كما بنيت حَذَامِ وقَطَامِ (¬4). فإن قلتَ: لمَ قال في الإخبار عن نفسه فحملت، وفي الإخبار عن نفس زرعة احتملت، فما الفرق بينهما؟ قلتُ: العرب إذا استعملت فعل وافتعل بزيادة التاء وبغير الزيادة، كان الذي لا زيادة فيه يصلح للقليل والكثير، والذي فيه [الزيادة] (¬5) للكثير خاصة نحو: كسب واكتسب، ونهب وانتهب، وأراد [النابغةُ] (¬6) أن يهجو زرعة بكثرة غدره وإيثاره الفجور، فذكر اللفظة التي يراد بها التكثير خاصة ليكون أبلغ في الهجو (¬7). ولو قال: وحملت فجار؛ لاحتمل ألا يكون غدر إلا مرة واحدة. وأما قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] , فالوجه فيه أنه لما كان الإنسان يجازى على قليل الخير وكثيره استعمل فيه اللفظ الذي يصلح للقليل والكثير، ولما كان الإنسان لا يجازى إلا على الكبائر دون الصغائر؛ لأن الصغائر معفو عنها غير مجازى بها، استعمل معها اللفظ الذي لا يكون إلا للتكثير (¬8). 5 - قوله: "فَلَتَأْتِيَنَّكَ قَصَائِدُ" يتوعده بالهجو والغزو إليه، قوله: "وَلَيَدْفَعَنْ جَيشًا إِلَيكَ قَوَادِم الْأَكْوَارِ" يريد أنهم يركبون الإبل ويقودون الخيل، والأكوار: الرواحل، وواحد القَوَادِمِ: قَادِمٌ، وهو من الرحل بمنزلة القربوس من السّرج. ¬
6 - قوله: "ابن كُوزٍ" بالزاي المعجمة؛ رجل من بني أسد، وكذلك ربيعة بن حُذَار، وحذار بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة، وكان ربيعة حكمًا في الجاهلية. 7 - و"الحرّاب" بتشديد الراء؛ رجل من بني أسد، وكذلك "قدٍّ" بالقاف وتشديد الدال، وقال الكلبي (¬1): هما من بني والبة، و: "السُّوَرة": المنزلة الرفيعة، قوله: " [ليس] (¬2) غرابها بمطار، يعني: شرفهم ثابت باقٍ ليس بزائل، وكانوا إذا وصفوا المكان بالخصب وكثرة الشيء يقولون: لا يطير غرابه، يريدون أنه يقع في مكان فيجد ما يشبع به، فلا يحتاج إلى أن يتحول ويطير إلى غيره. 8 - قوله: "آتوْكَ غَيرَ مُقَلَّمِي الأَظْفَارِ" أي: يأتونك متهيئين لمحاربتك وسلاحهم كامل ولا يأتونك (¬3) مسالمين بلا سلاح، وضرب الأظفار مثلًا للسلاح؛ لأن أكثر السباع وجوراح الطير تصيد بمخالبها وتمتنع بها، و"بنو قعين": حي من بني أسد. الإعراب: قوله: "أنَّا" بفتح الهمزة ها هنا؛ لأنها وقعت مفعولًا لقوله: "أعَلِمْتَ يوم عكاظ" في البيت السابق، ويروى: أرأيت، وأن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و (نا) اسمه، و"اقتسمنا" خبره وأن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي "أرأيت" أو أعلمت في البيت السابق، قوله: "خطتينا": كلام إضافي مفعول "اقتسمنا"، و"بيننا" ظرف لقوله اقتسمنا، قوله: "فحملت" الفاء للتفصيل (¬4) و"حملت" جملة من الفعل، والفاعل وهو "أنا" (¬5) المستتر فيه، وقوله: "برة" مفعوله، قوله: "واحتملت" جملة من الفعل والفاعل وهو "أنا" المستتر فيه، و"فجار" مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "برة" وقوله: "فجار" فإنهما من أعلام الجنس المعنوي؛ فإن برة علم للبر، وفجار علم للفجور (¬6) فافهم. * * * ¬
شواهد اسم الإشارة
شواهد اسم الإشارة الشاهد الثاني والتسعون (¬1) , (¬2) ذُمَّ المنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوى ... والعيشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأيَّامِ أقول: قائله هو جرير بن عطة، وقد ترجمناه (¬3)، وهو من قصيدة ميمية، وأولها هو قوله (¬4): 1 - سَرتِ الهُمُومُ فَبتْنَ غَيرَ نِيَامِ ... وأخُو الهُمُومِ يَرُومُ كُل مَرَامِ 2 - وإذا وقفتُ على المنَازل بِاللّوى ... فَاضَتْ دُمُوعِي غَيرَ ذَاتِ نظَامِ 3 - طَرَقَتْكَ صَائِدَةُ القُلُوبِ وَلَيسَ ذَا ... وَقْتَ الزِّيَارَة فَارْجعِي بِسَلامِ 4 - لولا مراقبةُ العُيونِ أَرَيْنَنَا ... مُقْلَ المَهَا وسَوَالِفَ الأرَامِ 5 - هَلْ يهنينك أَنّ قَتَلْن مُرَقَّشًا ... أو مَا فَعَلْنَ بعُرْوَة بن حزام 6 - ذُمَّ المنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوى ... والعيشَ بَعْدَ أُولَئكَ الأيَّامِ 7 - تُجْري السوَاكَ عَلَى أَغَرّ كأنه ... بَرَدٌ تحدَّر من مُتُونِ غَمَامِ 8 - لو كَنتِ صادقةً بما حَدّثْتِنَا ... لوَصَلْت ذاك فكان غير لمّامِ وهي من الكامل وفيه الإضمار والقطع، والإضمار هو تسكين الثاني فيصير: متفاعلن، فيرد إلى مستفعلن، والقطع: حذف ساكن السبب ثم إسكان متحركه في الوتد. ¬
1 - قوله: "يَروم" أي: يطلب (¬1)، "كل مرام" أي: كل مطلب. قوله: "باللوى" بكسر اللام؛ اسم موضع، و"المنازل": جمع منزل أو منزلة؛ كمساجد أو كمحامد، وهو أولى لقوله فيما بعد: منزلة اللوى. 3 - قوله: "طرقتك" من طرقه إذا أتاه ليلًا، وقد عيب عليه في هذا البيت؛ إذ طرد خيال محبوبته، وأجيب بأنه طرقه في حال السفر فأشفق عليه من الخطر (¬2). 4 - و: "المُقَل" بضم الميم؛ جمع مقلة العين، و"المها" بفتح الميم جمع مهاة، وهي البقرة الوحشية، و "السوالف" جمع سالفة، وهي ناحية مقدم العنق من لدن معلِّق القِرْط إلى الترقوة، و"الآرام": جمع رئم بكسر الراء وسكون الهمزة، وهو الظبي الأبيض الخالص ويسكن في الرمل. قوله: "ذم المنازل" أمر، من ذم يذم، ويجوز في الميم الحركات الثلاث، أما الفتح فللتخفيف، وأما الضم فللإتباع، وأما الكسر فلأن الأصل في تحريك الساكن التحريك بالكسر، وهو الأرجح ودونه الفتح وهو لغة بني أسد، والضم دونه (¬3). ومعنى البيت: لا منزلة أطيب من منزلة اللوى، ولا عيش بعد عيشنا في تلك الأيام التي مضين. الإعراب: قوله: "ذم" (¬4) جملة من الفعل والفاعل وهو "أنت" مستتر فيه، و: "المنازل" مفعوله، و"بعد" نصب على الظرف أو حال من المنازل، وفيه حذف تقديره: بعد مفارقة منزلة اللوى. قوله: "والعيش" عطف على المنازل، وقوله: "الأيام" إما صفة للإشارة، أو عطف بيان، ويروى: الأقوام بدلًا من الأيام، فحينئذ لا [شاهد] (¬5) فيه. وزعم ابن عطية (¬6) أن هذه الرواية ¬
الشاهد الثالث والتسعون
في الصواب، وأن الطبري (¬1) غلط؛ إذ أنشده الأيام، وأن الزجاج (¬2) اتبعه في هذا الغلط (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "بعد أولئك الأيام" حيث استعمل أولئك في غير العقلاء؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 37] (¬4). الشاهد الثالث والتسعون (¬5) , (¬6) رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَنِي ... وَلا أَهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ أقول: قائله هو طرفة بن العبد بن سعد بن مالك بن ضيعة، وهو من قصيدته المشهورة إحدى المعلقات السبع، وأولها هو قوله: 1 - لخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... ظَلِلتُ بِهَا أَبْكِي وَأَبْكِي إِلَى الغَدِ (¬7) 2 - وُقُوفًا بِها صحبي عَلَى مطيَّهُمْ ... يَقُولُونَ لا تَهْلَكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ إلى أن قال: 3 - وَمَا زَال تَشْرَابِي الخُمُورَ وَلَذَّتِي ... وبَيعِي وَإنْفَاقِي طَرِيفِي وَمُتْلَدِي 4 - إِلَى أَنْ تَحَامَتْنِي العَشِرَةُ كُلّهَا ... وَأُفْرِدَتْ إِفْرَادَ البَعِيرِ المُعَبدِ ¬
5 - رَأَيتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَني ... وَلا أَهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "لخولة" هي امرأة من كلب، و"الأطلال" جمع طلل وهو ما شَخُص منْ آثار الديار، و"بُرْقة" بضم الباء الموحدة وسكون الراء واحدة البرق وهي أرض ذات حجارة مختلفة الألوان، ومنه الإبراق وهو جبل فيه بياض وسواد. قوله: "ثهمد" بالثاء المثلثة؛ اسم موضع، قوله: "ظللت بها أبكي"، ويروى:. .......................... ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد أي: تبدو رسومها وتتبين آثارها تَبَيُّن الوشم في الذراع، و"الوشم": نقش يحشى إثما ونؤورًا ويردد ذلك عليه حتى يثبت. 2 - قوله: "وقوفًا" جمع واقف من قولك: وقفت الدابة إذا حبستها، وانتصابه على الحال أو على المصدر، قوله: "تجلدِ" أي تصبر وتشدد. 3 - قوله: "تشرابي" تفعالي، من الشرب وهو صيغة مبالغة، و"الطريف" خلاف التليد وهو المستحدث والمكتسب، والتليد ما كان قديما ورثته عن آبائك وكذلك المتلد. 4 - قوله: "إلى أن تَحَامَتْني العَشِيرَةُ" يقول: أَعْيَيْتُ عُذَّالي على إنفاق المال وشرب الخمر حتى تحاموني وتباعدوني؛ كما يتحامى البعير الأجرب لِئلا يُعْدِي صحاحَ الإبل، و"المعبد" المدلك بالقطران؛ كالطريق المعبد الموطوء، وهو بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، يقال بعير معبد، أي: مهنوء بالقطران لأجل الجرب، ويقال: المعبد: الجرب الذي لا ينفعه دواء. 5 - قوله: "رأيت بني غبراء" قال المبرد: أراد ببني الغبراء اللصوص ولم يسمع من أحد غيره (¬1)، وقيل (¬2): أراد بهم الفقراء والصعاليك (¬3)، وبـ"أهل هذاك الطراف": السعداء الأغنياء، ويقال: أراد ببني غبراء الأضياف (¬4) وقيل (¬5): أراد بهم أهل الأرض؛ لأن الغبراء اس ¬
الشاهد الرابع والتسعون
الأرض أو صفة لها، وبنوها أهلها و"الطراف" بكسر الطاء وتخفيف الراء وفي آخره فاء؛ هو يت من أدم. الإعراب: قوله: [رأيت] (¬1) بمعنى أبصرت، و"بني غبراء" كلام إضافي مفعوله، وقوله: "لا ينكرونني" حال ويجوز أن يكون رأيت بمعنى علمت، فيكون بني غبراء مفعوله الأول، ولا ينكرونني ومفعوله الثاني. و"ولا أهل" بالرفع عطف على الضمير المرفوع في "لا ينكرونني" للفصل بينهما بالمفعول، و"المدد" صفة للطراف. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا أهل هذاك" حيث ألحق الهاء على المقرون بالكاف وهو قليل (¬2)، وقال السيرافي في شرح كتاب سيبويه: إن الهاء تدخل على: هُنَّا وهِنَّا، فتقول: ها هنا [وها هنا]، ولم أعلم جواز دخولها على ثَم، ودخولها على المقرون بالكاف وحدها قليل كقول (¬3) طرفة إلى آخره (¬4). الشاهد الرابع والتسعون (¬5) , (¬6) هُنّا وهِنّا ومِنْ هنّا لهُنَّ بهَا ... ذَاتَ الشَّمَائِل والأيمانِ هَينُومُ أقول: قائله هو ذو الرمة (¬7)، واسمه غيلان بن عقبة بن بُهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ربيعة بن ملكان بن عمرو بن عدي بن عبد مناة بن أدّ بن طايحة (¬8) بن إلياس بن مضر. وقال الأصمعي: أم ذي الرمة امرأة من بني أسد يقال لها ظبية، وكان له إخوة لأبيه وأمه شعراء، منهم: مسعود وهو الذي يرثي ذا الرمة أخاه، ويذكر ليلى ابنته (¬9): ¬
إلى الله أشْكُو لا إلَى النَّاسِ أَنَّنِي ... وَلَيْلَى كِلانَا مُوجَعٌ مات وَاحِدُه توفي ذو الرمة سنة سبع عشرة ومائة، ولما حضرته الوفاة قال: أنا ابن نصف الهرم، أي ابن أربعين سنة، وأنشد (¬1): يا قَابِضَ الروح عن نَفْسِي إذا احْتُضِرَتْ ... وَغَافِرَ الذَّنْب زَحْزِحْنِي عَنِ النَّارِ وإنما سمي بذي الرمة لقوله يصف الوتد (¬2): 1 - لَمْ يُبقِ غيرَ مُثَّلٍ رُكُودٍ ... غَيرَ ثَلاثٍ بَاقِيَات سُودِ 2 - وبَعْدَ مَرْضُوخِ القَفَا مَوْتُودِ ... أشْعَثَ بَاقِي رُمَّةِ التَّقْلِيدِ والرُّمَّةُ بضم الراء وتشديد الميم؛ بَقِيّةُ حَبلٍ خَلِق، ورمت العظام بليت، وقال الجوهري: الرُّمَّم، قطْعَةْ من الحبلِ بَالِيَةٌ، والجمعُ: رُمَمٌ ورِمَامٌ (¬3)، والبيت المذكور من قصيدة ميمية أولها هو قوله: 1 - أأَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً ... ماءُ الصَّبَابَةِ مِنْ عَينَيكَ مَسْجُومُ (¬4) 2 - كَأَنَهَا بَعْدَ أَحْوَالٍ مَضَينَ لَهَا ... بالأَشْيَمَينِ يَمَانٍ فِيهم تَسْهِيمُ 3 - أَوْدَى بهَا كُلُّ عَرَّاصٍ أَلثَّ بِهَا ... وَجَافِلٌ مِنْ عجاجِ الصَّيفِ مَهْجُومُ 4 - وَدِمْنةً هَيَّجَتْ شوقي معالِمهُا ... كَأَنَّهَا بِالْهِدَمْلاتِ الرَّوَاشِيمُ 5 - مَنَازِلَ الحق إِذْ لا الدَّارُ نازِحِةٌ ... بالأَصْفِيَاءِ وَإذْ لا الْعَيشُ مُذْمُومُ 6 - قَدْ يَتْرُكُ الأَرْحَبِيُّ الوَهْمُ أرْكُبُهَا ... كَأَنَّ غَارِبَهُ يَافوخُ مَأْمُومُ (¬5) 7 - بَينَ الرَّجَا والرَّجَا مِنْ جَنْبِ وَاصِيَةٍ ... يَهْمَاءَ خَابِطُهَا بالخَوْفِ مَعْكُومُ (¬6) 8 - لِلْجِنِّ بِاللَّيْلِ في أَرْجَائِهَا زجَلٌ ... كَمَا تَنَاوَحَ يوم الريحِ عَيشُومُ ¬
9 - هَنَّا وهِنَّا ومن هُنَّا لَهُن بِهَا ... ذَاتَ الشمَائِلِ والأَيمَانِ هَينُومُ 10 - دَويَّة وَدُجَى لَيلٍ كَأَنَّهُمَا ... يَمٌّ تَرَاطَنَ في حَافَاتِهِ الرُّومُ 11 - يجلي بها اللَّيلُ عَنَّا فيِ مَلَمَّعَةٍ ... مثل الأديم لها من هَبْنوَةٍ نِيمُ (¬1) 12 - كَأَنَّنَا والقِنَانَ القُودَ تَحْمِلُنَا ... مَوْجُ الفُرَاتِ إذا الْتَجَّ الدَّيَامِيمُ (¬2) وهي طويلة من البسيط. 1 - قوله: "ترسمت" أي: تَبَيَّنْتَ ونَظَرْتَ هل ترى منزل خرقاء؟ وهي امرأة شبب بها ذو رمة (¬3)، و"الصبابة": رقة الشوق، و: "مسجوم": سائل، والمعنى: أماء الصبابة من عينيك سائل؟ لأن ترسمت من خرقاء، فقدم ألف الاستفهام التي كانت في ماء، فصيرها في موضع كان، وموضع أن مخفوض. 2 - قوله: "بالأشيمين" الأشيمان: جَبَلان من جِبَالِ الدَّهْنَاء، قوله: "يمان" أي: برد يمانية، و"تسهيم": خطوط. 3 - قوله: "أودى بها" أي: أذهبها، و"العُرّاص" بضم العين (¬4) المهملة وتشديد الراء وفي آخره صاد مهملة؛ وهو الغيم الذي لا يفتر بَرْقُهُ، قوله: "ألث" أي: أقام، وهو بالثاء المثلثة. قوله: "وجافل" بالجيم، من جفل يجفل، من باب ضرب يضرب يقال: أجفلت الريح التراب إذا طيرته، و"العجاج": الغبار، و"مهجوم": ملقى عليه، يقال هجم عليه بيته، أي: لقاه وهدمه. 4 - قوله: "ودِمْنَة" بكسر الدال وسكون الميم وفتح النون؛ وهي آثار الناس وما سوّدوا، و"المعالم" ما علم منها، واحدها معلم، و "الهِدَمْلات" بكسر الهاء وفتح الدال المهملة وسكون الميم؛ وهي رمال مستوية والواحد هدملة، و"الرواشيم" جمع روشم، وهو الأثر، وهو الذي يطبع به، والضمير في "كأنها" يرجع إلى دمنة (¬5)، وانتصابها على أنها معطوفة على قوله: "منزلة". ¬
5 - قوله: "منازل الحي" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: [هي] (¬1) منازل الحي، ويجوز نصبها على أن يكون بدلًا من دمنة، و"نازحة" أي بعيدة، و"الأصفياء" جمع صَفِيّ وهو الحبيب الوادُّ. 6 - قوله: "الأرحبي" نسبة إلى أرحب، وهي بطن من همدان، و"الوهم": الجمل الضخم الذلول، و"الأركُب" بضم الكاف؛ جمع ركب وهم ركاب الإبل. 7 - و"الرجا" بالجيم؛ الطرق (¬2)، و"الواصية" المتصلة بالأخرى، من وصى يصي إذا اتصل. وقال الجوهري: أَرْضٌ وَاصِيَةٌ: مُتصِلَةُ النَّبَاتِ، وَقَدْ وصَتِ الأرضُ إذا اتَّصَل نَبْتُها (¬3). قوله: "يَهْماء" بفتح الياءآخر الحروف وسكون الهاء، يقال: طريق يهماء: لا علم بها يهتدى، به لكنها قطع، قوله: "خابطها" بالخاء المعجمة، قال ابن يسعون: الخابط: الماشي في الظلام (¬4). قوله: "معكوم" أي: مشدود الفم بالعكام، والعكام بكسر العين؛ الخيط الذي يعكم به، وهذا بتقديم العين على الكاف، وقيل: مكعوم من كعمت البعير إذا شددت بالكعام فمه في هياجه فهو مكعوم، و"الكِعام" بالكسر؛ الذي يجعل في فم البعير، وكعمت الوعاء إذا شددت رأسه. 8 - قوله: "زجل" بفتح الزاي والجيم، وهو الصوت الرفيع، و"الأرجاء" الأطراف و"العيشوم" بفتح العين المهملة وسكون الياءآخر الحروف وضم الشين المعجمة، وهو ما هاج من الحماض ويبس، الواحدة عيشومة، وقال بعضهم: العيشوم: شجر ينبسط على الأرض فإذا، يبس فللريح فيه زفير (¬5). 9 - قوله: "هنا" بفتح الهاء وتشديد النون في الثلاثة كلها، ومنهم من قال: "هنا" الأولى (¬6) بفتح الهاء وتشديد النون، وهنا الثانية (¬7) بكسر الهاء وتشديد النون، وهنا الثالثة (¬8) بضم الهاء وتشديد النون، والكل بمعنى واحد، وهو الإشارة إلى المكان، ولكنها تختلف في القرب والبعد وهنا بالضم يشار بها إلى القريب من الأمكنة، وإلى البعيد بالآخرين (¬9). قوله: "لهن" أي للجن، وقال بعضهم: رجوعه إلى العَيشوم أظهر في اللفظ، وإلى الجن ¬
في المعنى. وهو على حد قوله (¬1): وَقَدْ نَظَرَتْ طَوَالِعُكُمْ إِلَينَا ... بأَعْينهمْ وَحَقَّقنَ الظُّنُونَا يريد: طوالع العسكر. فأعاد عليهم ضمير جماعة المؤنث. قوله: "هينوم" من الهينمة، وهي صوت الخفي، ويقال: هي صوت لا يفهم. 10 - قوله: "دوية" ويروى: داوية، وهي مفازة منسوبة إلى الدوي؛ كأنك تسمع بها ممم، و"اليم" البحر، و"تراطنهم" كلامهم. 11 - قوله: "يجلي" أي: يكشف (¬2)، و"ملمعة": السراب كالأديم في استوائها، و"النيم" بكسر النون: [الفرو] (¬3) الصغير القصير إلى الصدر، والنيم بالفارسية: النصف. 12 - و: "القِنان" بالقاف؛ صغار الجبال، الواحدة قُنّة، و"القُوَد" بضم القاف؛ جمع داء، وهي الطويلة وجعلها قودًا؛ لأن لها (¬4) أعناقًا ممتدة، قوله: "التج" من اللجة، وهي الماء الكثير، وأراد أن الشراب التج وصار له لجة، و"الدياميم": جمع ديمومة، وهي الأرض القفراء المستوية، ويروى: إذا ائتج، أي: احترق في الهواجر من أجيج النار، يقال: ائيج يأتج ائتجاجًا. الإعراب: قوله: "هنا وهنا ومن هنا" كلها ظروف، وهنا الأول: ظرف لقوله: زجل في البيت السابق، قوله: "هينوم" مبتدأ وخبره قوله: "لهن"، قوله: "بها" أي: فيها، والضمير يرجع إلى الرجاء في البيت السابق، ويتعلق بالمجرور وبـ"استقر" المقدر. قوله (¬5): "ذاتَ الشمائل" نصب على الظرفية، والعامل فيه "استقر" المقدر الذي ذكرناه، و"الأيمان" بالجر: عَطْفٌ عليه، والتقدير: وذوات الأيمان، أراد أن عزيف الجن في ممم المفازة شمالها ويمينها. الاستشهاد فيه. في فتح هاء "هنَّا" وتشديد النون (¬6). ¬
الشاهد الخامس والتسعون
الشاهد الخامس والتسعون (¬1) , (¬2) ....................... .... مِنْ هَؤُلَيَّائِكُنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ أقول: قائله هو العرجي، واسمه عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس، وأمه آمنة بنت عمر بن عثمان، ولقب بالعرجي؛ لأنه كان يسكن عرج الطائف، وقيل: بل سمي بذلك لماء كان له ومال عليه بالعرج، وكان من شعراء قريش، وممن شهر بالغزل منها، ونحى نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد، وكان مشغوفا باللهو، والصيد، حريصًا عليهما قليل المحاشاة لأحد فيهما، ولم يكن له نباهة في أهله، وكان أشقر أزرق جميل الوجه وكان يشبب بحيداء، وهي أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وكان يتشبب بها ليفضح ابنها لا لمحبة [كانت] (¬3) بينهما، فكان ذلك سبب حبس محمد إياه وضربه له حتى مات في السجن، وكان يقول في حبسه قصيدته التي فيها (¬4): أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوا ... لِيَوْمِ كَرِيَهة وَسَدَادِ ثَغْرٍ قلت: محمد بن هشام المذكور هو خال هشام بن عبد الملك، وكان واليًا على مكة حين فعل بالعرجي ما فعل، وكان في الحبس تسع سنين ثم مات فيه بعد أن ضربه بالسياط وأشهر بالأسواق. وصدر البيت المذكور: يَا مَا أُمَيلحَ غِزْلانًا شَدَنَّ لَنَا ... ........................... وهو من قصيدة رائية من البسيط، ومن محاسن أبياتها: بِالله يِا ظَبَيَاتَ القَاعِ قُلْنَ لَنَا ... لَيْلايَ مِنْكُن أَمْ لَيلَى مِنَ البَشَرِ قوله: "أميلح": تصغير من ملح الشيء ملاحةً، و"الغزلان": جمع غزال، قوله: "شدن" جمع مؤنث من فعل ماض، يقال: شدن الظباء (¬5) شدونًا إذا صلح جسمه، ويقال: شدن الظبي إذا قوي وطلع قرناه، واستغنى عن أمه، وربما قالوا: شدن المهر، فإذا أفردوا الشادن فهو ولد الظبية وأشدنت الظبية فهي مشدن، إذا شدن ولدها، والجمع: مشادن ومشادين، مثل: مطافل ومطافيل ¬
قوله: "الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام؛ وهو السدر البري، والواحدة: الضالة بالتخفيف أيضًا، قال الفراء: أضيلت الأرض وأضالت إذا صار فيها الضال (¬1)، وقال ابن الأثير: الضالة بتخفيف اللام، واحدة الضال، وهو شجر السدر من شجر الشوك، فإذا نبت على شط النهر (¬2) قيل له: العبرِيّ، وألفه منقلبة عن الياء (¬3). قوله: "السمر" (¬4) بضم الميم؛ هو ضرب من شجر الطلح، الواحدة: سمرة، و "الظبيات" جمع ظبية و"القاع": المستوي من الأرض، ويجمع على: أقواع وأقوع وقيعان، والقيعة مثل القاع، ويقال هو جمع أيضًا. الإعراب: قوله: "يا ما أميلح غزلانًا" فعل التعجب، وأصله: ما أملح غزلانا، وقد علم أن صيغة التعجب نوعان: الأول: ما أفعله، والثاني: أفعل به، أما: ما أفعله فهو فعل عند البصريين، وقال الكوفيون: اسم، واحتجوا بالبيت المذكور؛ لأنه جاء فيه مصغرًا، والتصغير لا يكون إلا في الأسماء. وأجاب البصريون عن ذلك بأنه شاذ، وأن التصغير للمصدر كأنه قال: ملاحة قليلة؛ كما يضاف إلى الفعل والمراد المصدر؛ كقوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119]، أي: يوم نفع الصادقين (¬5)، ثم كلمة "ما" مبتدأ ونكرة، وقوله: "أميلح غزلانًا" خبره، تقديره: شيء زاد ملاحة غزلان، وهذا على أصل سيبويه في قولهم: ما أحسن زيدًا؟! (¬6) فإن قلتَ: لا تقع النكرة مبتدأ إلا بمخصص. قلتُ: هذا من قبيل: شر أهر ذا ناب، وأما أصل الأخفش: فكلمة "ما" موصولة، والجملة بعدها صلتها، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: الذي زاد ملاحة غزلان شيء (¬7)، ويقال: "ما" ¬
الشاهد السادس والتسعون
استفهامية، وما بعدها خبرها، والتقدير: أي شيء زاد ملاحة غزلان (¬1)، وهذه التقديرات كلها باعتبار الأصل لا على أنها الآن بهذا المعنى؛ لأن معناها الآن إنشاء. قوله: "شدن" الضمير فيه يرجع إلى الغزلان، وهي (¬2) في محل النصب على أنها صفة الغزلان، وقوله: "لنا" يتعلق بشدن، وكذلك قوله: "من هؤليائكن"، قوله: "الضال" مجرور بمن، و"السمر" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "من هؤليائكن" حيث جاءت "أوليائكن" مقرونة بالهاء، و"أوليائكن" تصغير: أولئكن (¬3)، وإنما أتى بكن؛ لأنه خاطب مؤنثات بقوله: بالله يا ظبيات القاع ... ................. إلخ الشاهد السادس والتسعون (¬4) , (¬5) حنَّتْ نَوَارِ وَلاتَ هَنَّا حَنَّتِ ... وَبَدَا الَّذِي كَانَتْ نَوارُ أَجَنتِ أقول: قائله هو شبيب بن جُعَيل التَّغْلَبِي، وكان بنو قتيبة بن معن، الباهليون أسروه في حرب كانت بينهم وبين بني تغلب، فقال شبيب يخاطب أمه نوار بنت عمرو بن كلثوم بقوله: حنت نوار إلى آخره وبعده (¬6): لَمَّا رَأَتْ مَاءَ السَّلا شُرْبًا لها ... والفَرْتُ يعْصَرُ في الإنَاءِ أرَنَّتِ وقد نسب بعضهم هذين البيتين إلى حجل بن نضلة، وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه: "فصل المقال" كما قال حجل بن نضلة الباهلي في نوار بنت كلثوم وأصابها يوم طلح فركب بها الفلاة خوفا من أنْ يُلحق: ¬
حنت نوار ............ إلى آخر البيتين وهما من الكامل وفيه الإضمار. قوله: "حنت" من الحنين، وهو الشوق وتوقان النفس، تقول من حن إليه يحنُّ حنينًا فهو حانٍ، قوله: "نوار" بفتح النون والواو المخففة اسم أم الشاعر كما ذكرنا، قوله: "ولات" يعني (¬1): وليست، قوله: "هنا" بضم الهاء وتشديد النون؛ بمعنى حين (¬2)، قوله: "وبدا الذي" أي: وظهر من بدا يبدُو بدوًّا، قوله: "أجنَّت" من أجن بالجيم إذا استتر، ومنه الجنين لاستتاره في البطن، والجنة بالفتح؛ وهي البستان من النخيل لاستتارها بالأشجار، والجنُة بالضم؛ ما استتر به من سلاح. والمجن: البستان، والترس أيضًا، والجنان؛ وهو القلب؛ لاستتاره بالصدر، والجن؛ لاستتارهم عن أعين الإنس، ويستعمل من ذلك مواد كثيرة. والمعنى: حنت هذه المرأة في وقت ليس وقت الحنين وظهر الذي كانت أجنته من المحبة والعشق. قوله: "ماء السلا" السلا مقصور: الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي إن نزعت عن الفصيل ساعة يولد، وإلا قتلته، وكذلك إذا انقطع السلا في البطن، فإذا خرج السلا سلمت الناقة وسلم الولد، وإن انقطع في بطنها هلكت وهلك الولد، يقال: ناقة سلياء إذا انقطع سلاها وسليت الناقة أسليها تسلية؛ إذا نزعت سلاها فهي سلياء. قوله: "أرنت" أي: صاحت، يقال: رنت المرأة ترن رنينًا وأرنت أيضًا: صاحت. الإعراب: قوله: "حنت" فعل ماض، و"نوار" فاعله وهو مبني على الكسر في لغة الجمهور أو معرب غير منصرف على لغة تميم (¬3)، قوله: "ولات" قال الفارسي: لات مهملة، و"هنا" خبر مقدم، و"حنت": مبتدأ مؤخر، بتقدير أنه مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (¬4)، أي أن تسمع، أي: سماعك، والتقدير: أن حنت، أي. حنينها هنا (¬5). ¬
الشاهد السابع والتسعون
وقال ابن عصفور: إن "هنَّا": اسم لات و"حنت": خبرها بتقدير مضاف، أي: وقت حنت (¬1)، وهذا وهم؛ لأنه يقتضي هذا الإعراب الجمع بين معموليها، وإخراج "هنا" عن الظرفية، وإعمال "لات" في معرفة ظاهرة، وفي غير الزمان، وهو الجملة النائبة عن المضاف، وحذف المضاف إلى جملة (¬2). وقال بعض شراح كتاب الزمخشري: إن "هنا" خبر لات واسمها محذوف، تقديره: ليس الحين حين حنينها. قوله: "وبدا" فعل ماض، أسند إلى قوله: "الذي"، وموصوفهُ محذوف، أي: وبدا الشيء الذي أو الأمر الذي، قوله: "كانت نوار أجنت": صلة الموصول، والصلة مع موصولها في محل الرفع على أنه فاعل بدا، والعائد محذوف تقديره: وبدا الأمر الذي كانت أجنته نوار. الاستشهاد فيه: في قوله: "هنا" حيث أشير بها إلى الزمان، وأصلها أن تكون للمكان، كما في البيت الذي قبله (¬3). الشاهد السابع والتسعون (¬4) , (¬5) وَإذَا الأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشابَهَتْ ... فَهُنَاك يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ المُفْزَعُ أقول: قائله هو الأفوه الأَوْدِيّ، والأفوه لقب واسمه: صلاة بن عمرو بن مالك بن عَوْف ¬
ابن الحارث بن منبه بن أوْدِ بن الصعب بن سعد العشيرة، شاعرٌ مفلق، كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان، فلذلك قيل: الأفوه (¬1). وهو من الكامل وفيه الإضمار، وهو في آخر البيت، وأولها هو قوله: 1 - وَلَقَدْ يَكُونُ إِذَا تَحَلَّلَتِ الحَبَا ... مِنَّا الرَّئِيسُ ابن الرَّئِيسِ المُقْنِعُ 2 - وَإذَا الأُمُورُ تَعَاظَمَتْ وَتَشَابَهَتْ ... فَهُنَاك يَعْتَرِفُونَ أَيْنَ المفزَعُ 3 - وَإذَا عَجَاجُ المَوْتِ ثَارَ وَهَلَّلَتْ ... فِيهَا الجيَادُ إِلَى الجِيَادِ تَسَرَّعُ 4 - بالدارعينَ كَأَنَّهَا عُصَبُ القَطَا ... والسِّرْبُ تَمْعَجُ فيِ العَجَاجِ وتَمْرَعُ 5 - كُنَّا فوارطها الذِينَ إِذَا دَعَا ... دَاعِي الصَّبَاحِ بِمَا إِلَيهِمْ نَفْزَعُ 6 - كُنَّا فوارس نَجْدَة لكِنَّهَا ... رُتَبٌ فَبَعْضٌ فَوْقَ بَعْضٍ يَشْفَعُ 7 - وَلِكُل سَاع سَيِّدٌ ممن مَضَى ... يَنْمِي بِهِ فيِ سَعْيِهِ أَوْ يَنْزَعُ [1 - قوله: "الحبا" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، جمع حبوة، وهو ما يحتبي به الرجل من ثوب، أو حمالة سيف في منزله، قوله: "المقنع": مصدر ميمي وصف به مبالغة] (¬2). 2 - قوله: "تشابهت" أي: اشتبه بعضها ببعض، قوله: "وتعاظمت" بمعنى: عظمت، قوله: "المفزع" بالزاي المعجمة والعين المهملة، أي: أين الملجأ؟ يقال: فزعت إليه فأفزعني، أي استغثت إليه فأغاثني، وأفزعته إذا أغثته وإذا خوفته، وأصل الفزعِ: الخوف. وقال ابن فارس: الفزع: الذعر، وهذا مفزع القوم إذا فزعوا إليه فيما يدهمهم، والفزع: الإغاثة (¬3). [3 - قوله: "وهللت" أي: حملت، قوله: "تسرع" أصله: تتسرع بالتاءين، فحذفت إحداهما. 4 - قوله: "بالدارعين": جمع دارع، وأراد به: أصحاب الدروع، قوله: "عصب القطا" أي: جماعتها وهو بالضمتين، قوله: "تمعج" أي: تسرع. 5 - قوله: "فوارطها": جمع فارطة، وأراد به المتقدمين في الحرب، وأراد بـ: "داعي الصباح" الذي ينادي عند شن الغارة: يا صباحاه] (¬4). ¬
الإعراب: قوله: "وإذا الأمور" إذا: للشرط ها هنا، ولا تدخل إلا على الجملة الفعلية فلذلك تُقَدَّر (¬1) هَا هُنَا، وإذا تشابهت الأمور حذفت استغناءً عنها بـ"تشابهت" الثاني، و"الأمور": مرفوع بالفعل المحذوف قوله: "وتشابهت" عطف على تعاظمت، قوله: "فهناك" جواب إذا، و"هناك" و"ها هنا": إشارة إلى الزمان؛ كما في قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11]. قوله: "يعترفون" جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنتم تعترفون، أو هم يعترفون بحسب الفاعل في: يعترفون، قوله: "أين المفزع؟ " أين: يستفهم به عن مكان، فالمفزع (¬2)، مبتدأ، وأين: خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "فهناك" فإنه ها هنا إشارة إلى الزمان، وأصل وضعه في الإشارة إلى المكان (¬3). * * * ¬
شواهد الموصول
شواهد الموصول الشاهد الثامن والتسعون (¬1) , (¬2) ....................... ... فما لسْتُمَا أَهْلَ الخيَانَة وَالْغَدْرِ أقول: صدره: أَلَيس أمِيرِي في الأُمُورِ بأَنْتُمَا ... .......................... وهو من الطويل. والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "أليس أميري" الهمزة فيه للاستفهام على سبيل التقرير، والباء في "بأنتما" زائدة [والتقدير: أليس أنتما أميرين في الأمور، وحذفت النون من أميري تشبيهًا بالإضافة] (¬3). قوله: "فما لستما" ويروى: بما لستما، وكذا رأيته بخط الشيخ أبي حيان [رحمه الله تعالى] (¬4)، فما هذه: موصُول حرفي، وتوصل بفعل متصرف غير أمر، وقد وصلت ها هنا بفعل جامد، وهو قوله: "لستما" وهو نادر والتاء في "لستما" هي اسم ليس، قوله: "أهل الخيانة": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر ليس، قوله: "والغدر" عطف على قوله: "الخيانة". فإن قيل: أين العائد إلى الموصول الحرفي؟ ¬
الشاهد التاسع والتسعون
قلتُ: الموصول الحرفي لا يحتاج إلى عائد، وقال صاحب المغني: وبهذا البيت رجح القول بحرفيتها أي بحرفية "ما" كلام إضافي التي فيها؛ إذ لا يتأتى ها هنا (¬1) تقدير الضمير (¬2). وقال ابن عصفور (¬3): فمن زعم أن "ليس" فعل جعل "ما" مصدرية، وليس واسمها وخبرها صلة لها، ومن زعم أنها حرف جعل "ما" اسمًا موصولًا بمنزلة الذي، ويلزمه إذ ذاك أن يقدر ضميرًا محذوفًا يربط الصلة بالموصول فالتقدير: بما لستما به، أي بسببه (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "بما لستما" حيث جاء وصل "ما" بليس، وهو نادر كما ذكرناه (¬5). الشاهد التاسع والتسعون (¬6) , (¬7) أَبَنِي كُلَيْبٍ إِن عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا الملوكَ وفَكَّكَا الأَغْلالا أقول: قائله هو الفرزدق، قاله الزمخشري وغيره، يفخر على جرير، وهو من بني كليب ¬
ابن يربوع بمن اشتهر (¬1) من بني تغلب؛ كعمرو بن كلثوم قاتل عمرو بن هند الملك، وعصم بن النعمان بن مالك بن غياث أبي حنش قاتل شرحبيل بن عمرو بن حجر يوم الكلاب الأول وغيرهما من سادات تغلب، ونسبه الصاغاني في العباب إلى الأخطل، وقال في باب "سفح": السفاح أيضًا: لقب رجل من رؤساء العرب، واسمه: سلمة بن خالد بن كعب بن زهير من بني تميم بن أسامة بن بكر بن حبيب بن غنم بن تعلب سفح دمه يوم الكلاب الأول، قال الأخطل: 1 - أَبَنِي كُلَيبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا الملوكَ وفَكَّكَا الأَغْلالا 2 - وأخوهُمَا السَّفاحُ ظمأ خَيلَهُ ... حتَّى وَرَدْنَ جِبَى الكُلابِ نِهَالا عَمَّاهُ: أبو حنش قاتل شرحبيل بن الحرث بن عمرو آكل المرار يوم الكلاب، وعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند. انتهى كلامه، والأول أشهر وأصح، قيل: وأراد بعمه هذيل بن هبيرة التغلبي الشاعر، والهذيل بن عمران الأصغر كان أخاه لأمه، يقال (¬2): الهذيل لم يكن عمه وإنما كان عم أبيه، لكنه سماه عمًّا تجوزًا واستعارة، والبيتان المذكوران من الكامل، وقوله: "الأغلال" جمع غُل وهو الحديد الذي يجعل في الرقبة. والمعنى: يا بني كليب إن عمي هما اللذان كانا قتلا الملوك وفككا الأغلال عن الأسارى. الإعراب: قوله: "أبني كليب" الهمزة فيه حرف النداء، و"بني كليب" منادى منصوب؛ لأنه مضاف، وقوله: "عميّ" اسم إن، وأصله: إن عمين لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية، وقوله: "اللذا" موصول وصلته قوله: "قتلا الملوك"، والجملة خبر إن, قوله: "وفَكَّكَا الأغْلالا" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على الصلة. الاستشهاد فيه: في قوله: "إن عميَّ اللذا" حيث حذف نون اللذان تخفيفًا؛ إذ أصله: اللذان قتلا الملوك، وهو لغة بني الحرث وبعض بني ربيعة، فإنهم يقولون: هما اللذا، قالا ذاك بحذف النون، وهما اللتا قالتا ذاك. وعليه جاء بيت الفرزدق. ¬
الشاهد المكمل للمائة
الشاهد المكمل للمائة (¬1) , (¬2) هُمَا اللَّتَا لَوْ وَلَدَتْ تمِيمُ ... لَقِيلَ فَخْرٌ لَهُمُ صَمِيمُ أقول: قائله هو الأخطل، واسمه: غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن سيحان بن فدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب، الشاعر المشهور من الأراقم، ويلقب بالأخطل النصراني لكبر أذنه، يقال: رجل أخطل، أي: عظيم الأذن، وكذا شاة خطلاء، إذا كانت مسترخية الأذنين وعظيمتهما، ويكنى الأخطل أبا مالك، وكان اسم أمه ليلى، وهي امرأة من إياد، وهو من الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين (¬3). الإعراب: قوله: "هما" مبتدأ، و"اللتا": خبره، وأصله: اللتان، وهي صفة موصوفها محذوف تقديره: هما المرأتان اللتان، وقوله: "لو ولدت تميم": جملة وقعت صلة، والعائد محذوف تقديره: لو ولدتهما، فقوله: "لو" للشرط، وقوله: "ولدت تميم" (¬4): فعل وفاعل فعل الشرط، وقوله: "لقيل فخر لهم": جواب الشرط، وإنما أنث الفعل في ولدت؛ لأن تميمًا قبيلة كما ذكرنا. وأصل قيل: قول، نقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها؛ فصار: قول بكسر القاف وسكون الواو: فقلبت الواو ياء لسكونها [وانكسار ما قبلها] (¬5) فصار: قيل (¬6). قوله: "فخر": مبتدأ، وقد تخصص بالصفة وهي قوله: "صميم"، وقوله: "لهم" خبره، وهو معترض بين الصفة والموصوف، والجملة وقعت مقولًا للقول، ويروى: فخر لهم عميم، أي: فخر شامل لهم، والضمير في لهم يرجع إلى تميم. الاستشهاد فيه. في قوله: "اللتا"؛ لأن أصله اللتان (¬7)، فحذفت منها النون؛ كما في قوله: "إن عمي اللذا"؛ إذ أصله: اللذان؛ كما ذكرنا (¬8)، وهذه لغة بلحارث كما ذكرنا، وذكر ابن مالك في شرح ¬
الشاهد الأول بعد المائة
التسهيل أن حذف النون منهما للضرورة (¬1)، وهو مخالف لما ذكره في التسهيل في جواز حذف نون اللذان واللتان للاختيار (¬2) فافهم. الشاهد الأول بعد المائة (¬3) , (¬4) نَحْنُ اللَّذُونَ صَبَّحُوا الصَّبَاحَا ... يَوْمَ النُّخَيلِ غَارَةً مِلْحَاحًا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ويقال: قائله رجل من بني عقيل جاهلي؛ كذا قال أبو زيد في نوادره (¬5)، وابن الأعرابي، واختلفا في اسمه، فقال أبو زيد: اسمه أبو حرب الأعلم، وقال ابن الأعرابي غير ذلك (¬6) وقال الطاغاني في العباب: قالت ليلى الأخيلية (¬7) في دَهر الجعفي: 1 - نحن قَتَلْنَا الملكَ الجَحْجَاحا ... دَهْرًا فَهَيَّجْنَا به أنْوَاحًا 2 - لا كذبَ اليومَ ولا مِزَاحًا ... قَوْمي اللذين صَبَّحُوا الصَّبَاحا 3 - يومَ النُّخَيْلِ غَارَةً مِلْحَاحًا ... مَذْحِج فاجْتَحْنَاهُمُ اجْتيَاحًا 4 - فلم ندعْ لسَارِحٍ مُرَاحًا ... إلا ديارًا أو دَمًا مُفَاحًا 5 - نحن بني خُويْلِدٍ صُرَاحًا وهي من الرجز. 1 - قوله: "الجحجاحا" بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة بهدها جيم أيضًا وبعد الألف حاء مهملة أيضًا، ومعناه: السيد، ويجمع: جحاجحة، قوله: "دهرًا" عطف بيان من الجحجاح أو بدل منه، و"الأنواح": جمع نوح بمعنى النياحة. 2 - قوله: "لا كذب اليوم" بفتح الكاف وكسر الذال. قوله: "ولا مزاحًا": من المزح، وروى أبو حاتم (¬8): مراحًا بالراء المهملة؛ من مرح يمرح إذا بطر، قوله: "قومي اللذين": هكذا ¬
هو في رواية الصاغاني، ولا شاهد فيه (¬1)، وفي رواية أبي زيد: نحن اللذين، ولا شاهد في هذا أيضًا، يعني: نحن القوم اللذين صبحوا، من صبحته إذا أتيته صباحًا، ولا يراد بالتشديد هنا التكثير. 3 - قوله: "يَوْمَ النُّخَيلِ" بضم النون وفتح الخاء المعجمة؛ تصغير نخل، ونخيل: اسم لأربعة (¬2) مواضع: الأول: النخيل: اسم عين قرب المدينة على خمسة أميال. الثاني: ذو النخيل: موضع قرب مكة. الثالث: ذو النخيل: موضع دوين حضر موت. الرابع: موضع بالشام. وهو الذي أراده الشاعر من قوله: "يوم النخيل" (¬3)، قوله: غارة" الغارة: اسم من الإغارة على العدو، قوله: "ملحاحًا" بكسر الميم وبالحائين المهملتين، وهو مفعال من ألحَّ السحاب: دام مطره، وألحَّ السائل إذا ألحف، وأراد: غارة شديدة لازمة، قوله: "مذحج" بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة، وفي آخره جيم، ومذحج: شعب عظيم فيه قبائل وأفخاذ وبطون، واسمه: مالك بن أدد، وقال ابن دريد: مذحج أكمة ولدت عليها أمهم فسُمّوا مذحجًا، ومذحج: مفعل من قولهم: ذحجت الأديم وغيره إذا دلكته (¬4)، قوله: "فاجتحناهم" من الاجتياح بالجيم في أوله والحاء المهملة في آخره، وهو الإهلاك والاستئصال. 4 - و"السارح": المال السائم، وكذلك السرح. و"المراح" بضم الميم؛ حيث يأوي (¬5) إليه الإبل والغنم بالليل، قوله: "مفاحا" بالفاء؛ أي: مهراقًا، يقال: فاح دمه وأفاح جميعًا يفيح فيحًا ويفيح إفاحة، لم يعرف الرياشي (¬6) ولا أبو حاتم أفاح، قوله: "أو دمًا مفاحًا" هكذا هو في رواية ¬
الشاهد الثاني بعد المائة
أبي زيد، ثم قال: "أو": في معنى واو العطف، وفي رواية الصاغاني: "ودمًا" بواو العطف. 5 - و"الصّراح" بكسر الصاد؛ جمع صريح، والصريح: الرجل الخالص النسب، وكل خالص صريح. الإعراب: قوله: "نحن" مبتدأ، وخبره: "اللذون صبحوا" وموصوف اللذون محذوف تقديره: نحن القوم اللذون، أو نحن الفرسان اللذون، ومفعول صبحوا محذوف، والتقدير: نحن اللذون صبحوهم في وقت الصباح، فيكون الصباح نصبًا على الظرفية، وكذا قوله: "يوم النخيل"، قوله: "غارة" يحتمل وجهين: الأول: أن يكون حالًا من الضمير الذي في صبحوا، والتقدير: مغيرين ملحين. والثاني: أن يكون مفعولًا لأجله، يعني: لأجل الغارة. قوله: "ملحاحًا": صفة الغارة فيؤول على حسب الوجهين. الاستشهاد فيه: في قوله: "اللذون" فإنه أُجري مجرى المذكر السالم؛ حيث رفعه بالواو في حالة الرفع، وهي لغة هذيل، وقيل: لغة بني عقيل (¬1). الشاهد الثاني بعد المائة (¬2) , (¬3) فَمَا آبَاؤُنَا بِأَمَنَّ مِنْهُ ... عَلَينَا اللَّاءِ قَدْ مَهَدُوا الحُجُورا أقول: قائله هو رجل من بني سليم أنشده الفراء. وهو من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "بأمن منه" وهو أفعل، مَن منَّ عليه منًّا إذا أنعم، والضمير في: "منه" يرجع إلى الممدوح المذكور فيما قبله، قوله: "مَهَدُوا" بتخفيف الهاء للوزن وأصله من تمهيد الأمور، وهو تسويتها ¬
وإصلاحها، و"الحجور" جمع حجر الإنسان، وهو بفتح الحاء وكسرها، والمعنى: ليس آباؤنا الذين أصلحوا شأننا ومهدوا أمرنا وجعلوا حجورهم لنا كالمهد بأكثر امتنانا علينا من هذا الممدوح. الإعراب: قوله: "فما" عطف على ما قبله من الأبيات، وكلمة "ما" بمعنى: ليس، قوله: "آباؤنا" كلام إضافي، اسمه، وقوله: "بأمن منه" خبره، والباء فيه زائدة لأجل التوكيد؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132]، قوله: "منه علينا" كلاهما يتعلق بـ"أمنَّ"، قوله: "اللاء" صفة لقوله: "آباؤنا"، قوله: "قد مهدوا الحجورا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت صلة للموصول، أعني قوله: "اللاء" التي بمعنى: الذي، وقد قيل: يجوز التخفيف في "مهدوا" [وهو الأصل؛ كما في قوله تعالى: {فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] والتثقيل للمبالغة، وروى الفراء: "هم مهدوا"] (¬1) والألف للإطلاق (¬2). الاستشهاد فيه: في ثلاثة (¬3) مواضع: الأول: هو الذي أورده الشراحُ ها هنا لأجله، وهو إطلاق اللاء على جماعة الذكور جمع الذي بمعنى: الذين، والأكثر كونها لجمع المؤنث نحو قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} (¬4) [الطلاق: 4]، قال الجوهري: اللاء جمع الذي من غير لفظه بمعنى الذين وفيه ثلاث لغات: اللاؤون في الرفع، واللائين في الخفض والنصب، واللاؤ بلا نون، واللائي بإثبات الياء في كل حال يستوي فيه الرجال والنساء، ولا يصغر؛ لأنهم استغنوا باللتيات للنساء، وباللذيون للرجال، وإن شئت قلت للنساء: اللَّا بلا ياء ولا مد [ولا همزة] (¬5)، ومنهم من يهمزه (¬6). الثاني: فيه جواز حذف الياء في اللاء، وقد قرئ في التنزيل (¬7) في قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ} بالياء وبحذفها (¬8). الثالث: فيه شاهد على الفصل بين الصفة والموصوف؛ وذلك لأن قوله: "آباؤنا" موصوف، ¬
الشاهد الثالث بعد المائة
وقوله: "اللاء" صفته، وقد فصل بينهما بقوله: "بأمن منه علينا". الشاهد الثالث بعد المائة (¬1) , (¬2) مَحَا حُبُّهَا حُبَّ الأولى كُنَّ قَبلَهَا ... وَحَلَّتْ مَكَانًا لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبلُ أقول: قائله هو مجنون ليلى، واسمه: قيس بن الملوح، وقد استوفينا الكلام فيه مع بيان الخلاف فيه (¬3). وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - أظُنُّ هَوَاهَا تَارِيكي بَمَضَلَّةٍ ... من الأرضِ لا مَالُ لديَّ ولا أهلُ 2 - ولا أحدٌ أُفْضي إِليهِ وَصِيَّتي ... ولا صاحبٌ إلا المطيَّةُ والرَّحْلُ 3 - [محا حبها ............... ... ...................... إلخ] (¬4) 3 - قوله: "حبها" أي: حب المحبوبة، قوله: "حب الأولى" أي: حب اللاتي كن قبلها، والباقي ظاهر. الإعراب: قوله: "محا" فعل ماض، و"حبُّها": كلام إضافي فاعله، وقوله: "حُبَّ الأولى" بالنصب مفعوله، و"الأولى" موصول، وقوله: "كن قبلها" صلته، قوله: "حلت" عطف على قوله: "مَحَا حُبُّها" أي: حلت تلك المحبوبة مكانًا؛ أي في مكان، وانتصابه على الظرفية، قوله: "لم يكن حل" صفة للمكان و"حلَّ" على صيغة المجهول، يعني: حلَّت هي مكانًا لم يكن حلَّ فيه أحد من قبلها، و"قبل" مبني على الضم؛ لأنه لما قطع عن الإضافة بني على الضم (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "حب الأولى" حيث استعمل الشاعر الأولى موضع اللاء (¬6). ¬
الشاهد الرابع بعد المائة
الشاهد الرابع بعد المائة (¬1) , (¬2) أسِرْبَ القطَا هَلْ مَن يُعيرُ جناحه ... ............................. أقول: قائله هو العباس بنُ الأحنف، ويقال: مجنون بني عامر، والأول أشهر، وأنشده أبو العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب [رحمه اللَّه تعالى] (¬3) وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - بَكِيتُ إلى سِرْبِ القَطَا إذْ مَرَرْنَ بِي ... فَقُلْتُ وَمِثْلِي بِالبُكَاءِ جَدِيرُ 2 - أَسِرْبَ القَطَا هَل مَنْ يُعيرُ جَنَاحَهُ ... لَعَلِّي إِلَى مَنْ قَدْ هَويتُ أَطِيرُ 3 - فَجَاوَبْنَنِي مِنْ فَوْقِ غُصْنِ أَرَاكَةٍ ... أَلا كُلُّنَا يَا مُسْتَعِيرُ مُعِيرُ 4 - فَأَيُّ قَطَاةٍ لَمْ تُعِرْكَ جَنَاحَهَا ... فَعَاشَتْ بِذُلٍّ والجَنَاحُ كَسِيرُ 2 - قوله: "أسرب القطا" بكسر السين المهملة وسكون الراء، وفي آخره باء موحدة، وهي الجماعة من القطا، يعني: القطيع منها، ويقال لقطيع الظباء أيضًا: سرب، وكذا الشاء والبقر والحُمُر، والجماعة من النساء، وقال ابن الأعرابي: يقع على الماشية كلِّها (¬4)، ومثله: السربة، والعوام يقولونها بالصاد، و"القطا": جمع قطاة، وهي طائر معروف. 1 - قوله: "جدير" أي: لائق وحقيق. 2 - قوله: "هويت" أي أحببت من هوي يهوَى، من باب علم يعلم، ومصدره هوى. 4 - قوله: "فعاشت بذل"، ويروى: فعادت ببؤس. الإعراب: قوله: "بكيت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "إلى سرب القطا" يجوز أن تكون "إلى" ها هنا بمعنى: عند، يعني: بكيت عند جماعة سرب القطا حين مررن بي؛ كما في قول الشاعر (¬5): ....................... وذِكْرُهُ ... أَشْهَى إِلَيَّ مِنَ الرَّحِيقِ السَّلْسَلِ ¬
ويجوز أن يكون بمعنى اللام؛ كما في قوله: {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ} [النمل: 33] أي: لكِ (¬1)، والمعنى: بكيت لأجل سرب القطا إذ مررن بي. والأولى عندي أن تكون "إلى" على حقيقتها، والمعنى: أنهيت بكائي إلى سرب القطا حين مررن بي (¬2). الإعراب: 1 - قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين (¬3)، والعامل فيه بكيت، قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، ومفعوله محذوف، تقديره: فقلت: أنا باكٍ، وأنا أبكي. وقوله: "ومثلي بالبكاء جَدِيرُ" جملة اسمية عطف على المحذوف (¬4). قوله: "أسرب القطا" الهمزة فيه حرف نداء، يعني: يا سرب القطا، وسرب القطا: كلام إضافي نصب على النداء، قوله: "هل" للاستفهام، و"من" مبتدأ، و"يعير جناحه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع، خبره. قوله: "لعلِّي" الياء اسم لعل، وخبره قوله: "أطير"، وقوله: "إلى من" يتعلق بقوله: أطير، و"من" موصولة، و"هويت" جملة صلة، والعائد محذوف، تقديره: إلى من قد هويته. الاستشهاد فيه: على إطلاق "من" على غير العاقل في قوله: "هَلْ مَنْ يُعير جَنَاحَهَ"؛ وذلك لأنه لما نادى سرب القطا؛ كما ينادى العاقل وطلب منها إعارة الجناح لأجل الطيران نحو محبوبه، الذي هو متشوق إليه وباكٍ لأجله، نَزَّلَهَا منزلة العقلاء (¬5)، ويروى: هل ما يعير جناحه، فحينئذ لا شاهد فيه، فافهم. ¬
الشاهد الخامس بعد المائة
الشاهد الخامس بعد المائة (¬1) , (¬2) أَلا عِمْ صَبَاحًا أَيُهَا الطَّلَلُ البَالِي ... وَهَلْ يَعِمَنْ مَن كَانَ فِي العُصُرِ الخَالِي أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهذا أول قصيدته اللامية المثبتة في ديوانه. وهي طويلة من الطويل، وقد سقناها بتمامها فيما مضى (¬3)، فإن قلتَ: عروض الطويل تكون مقبوضة دائمًا، فما بال امرئ القيس أتى بها على الأصل، وهو عيب عندهم (¬4)؟ قلتُ: البيت إذا كان مصرعًا لا يقبح فيه ذلك، وإنما يقبح إذا كان غير مصرع وها هنا البيت مصرع، فافهم. قوله: "ألا عم صباحا" أصله: أنعم صباحًا [حذفوا منه الألف والنون استخفافًا؛ كما يقولون: كل ومر في الأمر من: أكل وأمر، ويقال: عم صباحًا بكسر العين وفتحها، فإذا قيل: عم بالفتح فهو محذوف، من أنعم بفتح العين، وإذا قيل: عم بالكسر، فهو محذوف من أنعِم بكسر العين ويقال: إنه من وَعِمَ يعم؛ على مثال وعد يعد، أو من وَعِمَ يعم؛ على مثال: ومِق يمق، وهو بمعنى: نعم ينعم، وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سُئِل عن قول عنترة (¬5): ....................... ... وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسلَمي فقال: هو من نعم المطر إذا كثر، ونعم البحر إذا كثر زبده؛ كأنه يدعو لها بالسقيا، وكثرة الخير. وقال الأصمعي: عم صباحًا، دعاء بالنعيم والأهل، وهذا هو المعروف (¬6)، وما ذكره يونس غريب، وهذه اللفظة من تحايا الجاهلية، كانوا يحيون بها ملوكهم، وكذلك كانوا يقولون: حياك الله وبياك، وأبيت اللعن ونحو ذلك (¬7) وقال الأصمعي: كانت العرب في الجاهلية، تقول: أنعم صباحًا دار عبلة، ثم أنشد: يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالجَواءِ تَكلَّمِي ... وَعَمِي صباحًا دَارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمي ¬
أي: سلَّمكِ الله من الآفات والدروس (¬1)، وروى الأصمعي أيضًا: ألا عم صباحًا؛ كما في قول امرئ القيس، ويقال: عم صباحًا: كلمة كانوا يحيون بها الناس في الغدوات، ويقولون بالعشاءات: عم مساءً، وبالليل: عم ظلامًا (¬2). قوله: "أيها الطلل البالي" الطلل: ما شخص من الدار، والبالي مِنْ بلي يبلى إذا اخلولق، قوله: "وهل يعمن" أصله: وهل ينعمن، فعل بها كما فعل بقوله: أنعم صباحًا. قوله: "في العصُر" بضم العين والصاد بمعنى: العصر، وهو الدهر، قال ابن فارس: العصر: الدهر، وقد يثقل بضمتين، فيقال: عصر، ويجمع على عصور (¬3)، و"الخالي" من خلا الشيء يخلو خلاء، والخلاء: المكان الذي لا شيء به. الإعراب: قوله: "ألا": للعرض والتحضيض، و"عم": فعل وفاعله، وأصله: أنعم -كما ذكرنا "صباحًا": نصب على الظرف؛ كأنه قال: أنعم في صباحك، ويجوز أن يكون تمييزًا منقولًا، والتمييز المنقول: ما كان في أصله فاعلًا، ثم نقل الفعل عنه إلى غيره فنصب (¬4)، كأن أصله: لينعم صباحك، ثم نقل الفعل من غير الصباح إليه؛ فهو من باب قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]. قوله: "أيها الطلل البالي" أي: يا أيها، فيا: حرف النداء وقد حذف، وأي: منادى، والهاء: مقحمة للتنبيه، والطل: مرفوع؛ لأنه صفة للمنادى تابع له، ولما كان الطلل معرفًا باللام، وقصد نداؤه، ولم يتمكن من ذلك لعدم دخول حرف النداء على المعرفة، توصل إلى ندائه بالاسم المبهم فقيل: يا أيها الطلل؛ كما في قولك: يا أيها الرجل (¬5) والبالي: صفة الطلل، فدُعي للطلل بالنعيم وأن يكون سالمًا [عن الآفات] (¬6) وهذا من عاداتهم، وكانوا يعنون بذلك أهل الطلل. قوله: "وهل يعمن" هل: استفهام على سبيل الإنكار (¬7)، معناه: قد تفرق أهلك وذهبوا ¬
الشاهد السادس بعد المائة
فتغيرت بعدهم عما كنت عليه فكيف تنعم بعدهم؟ وكأنه يعني نفسه بذلك، وضرب المثل بوصف الطلل. وقوله: "يعمن" أصله: ينعمن، وهو فعل مؤكد بالنون، قوله (¬1): "من كان" فاعله، [من] (¬2) موصولة، و" كان في العصر الخالي" صلته، واسم كان هو الضمير الذي فيه، وقوله: "في العصر" خبره، و"الخالي": صفة للعصر. الاستشهاد فيه: في قوله: "من كان" حيث استعمل "من" التي هي للعقلاء فيمن نُزِّلَ منزلتهم كما في البيت المذكور قبل هذا، فافهم (¬3). الشاهد السادس بعد المائة (¬4) , (¬5) إذَا مَا لَقيتَ بَنِي مَالِكٍ ... فَسِلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ أَفْضَلُ أقول: قائله هو غسان بن وعلة بن مرة بن عباد، وأنشده أبو عمرو الشيباني في كتاب الحروف. وهو من المتقارب، وأصله: فعولن ثمان مرات (¬6)، وفيه القبض والحذف، فقوله: "لقيت" مقبوض، وقوله: "لك" محذوف؛ لأن (¬7) وزنه فعل. المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "إذا ما لقيت" كلمة "ما": زائدة (¬8)، و"إذا" فيها معنى الشرط؛ فلذلك دخلت الفاء في جوابها، وهو قوله: "فسلم"، و"بني مالك" كلام إضافي مفعول لقوله: "لقيت"، ¬
الشاهد السابع بعد المائة
وقوله: "على أيُّهم" يتعلق بقوله "فسلم"، و "أي": موصول مضاف إلى الضمير، وصدر صلته محذوف والتقدير: على أيهم هو أفضل. والاستشهاد فيه: إن (أيُّ) فيه أضيف وحذف صدر [صلته] (¬1)، فلذلك بُني على الضم (¬2) ومن هذا القبيل قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69]، وروي: أيِّهم بالجر على لغة من أعرب (أيا) مطلقًا (¬3)، وهذا البيت حجة على أحمد بن يحيى في زعمه أن (أيا) لا تكون إلا استفهافا أو جزاءً (¬4). الشاهد السابع بعد المائة (¬5)، (¬6) فإمَّا كِرَامٌ مُوسِرُونَ لَقِيتَهُم ... فَحَسْبِي مِنْ ذِي عِنْدَهُم مَا كَفَانِيَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد المعرب والمبني (¬7). [الاستشهاد فيه: في "ذي"؛ فإنه بمعنى الذي، وقد قررناه] (¬8). ¬
الشاهد الثامن بعد المائة
الشاهد الثامن بعد المائة (¬1)، (¬2) فإن الماءَ ماءُ أَبي وَجَدِّي ... وبئْرِي ذُو حَفَرْتُ وَذُو طَوَيْتُ أقول: قائله هو سنان بن الفحل أخو بني أم الكهف من طيئ (¬3)، وهو من قصيدة، وأولها هو قوله: 1 - وَقَالُوا قَدْ جُنِتتَ فَقُلْتُ كَلَّا ... وَرَبِي مَا جُينْتُ وَلا انْتَشَيتُ 2 - ولكني ظُلِمْتُ فَكِدْتُ أَبْكِي ... مِنَ الظُلْمِ المبُيِن أَوْ بَكيتُ 3 - فإن الماء ............... ... ...................... إلخ 4 - وقبلك رُبّ خَصْم قد تَمَالوْا ... عَلَيَّ فَمَا هَلِعْتُ وَلا ذُعِرْتُ 5 - وَلَكني نَصَبْتُ لهم جَبِيني ... وألّةَ فارسٍ حتى قَرَيتُ وهي من الوافر، وفيه العصب بالمهملتين، والقطف. 1 - قوله: "قد جننت" على صيغة المجهول، من الجنون، وكان الواجب أن يقول (¬4): وقالوا: قد جننت أو سكرت، ولكنه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر؛ لأن النفي الذي يتعقب الجواب ينظمهما (¬5)، وذلك كما في قول الشاعر (¬6): فَمَا أَدْرِي إذا يَممتَ أَرْضًا ... أُرِيدَ الخيرَ أَيُّهُمَا يَليني قوله: "كلا": للردع والزجر (¬7)، والمعنى: ليس الأمر كذلك فارتدع، قوله: "ولا انتشيت" أي: ولا سكرت؛ من النَّشْوَةِ وهو السكر، ومنه يقال للسكران: نشوان. 2 - قوله: "ظلمت" على صيغة المجهول، وَذَكرَ البُكاء ليرى أنفته وإنكارهُ لما أريد ظلمه فيه. ¬
3 - قوله: "وَبئْرِي ذُو حَفَرْتُ" أي: بئري التي حفرت والتي طويت، يقال: طويت البئر إذا بنيتها بالحجارة، وتسمى هذه "ذو" الطائية، فإن "طيئ" يقولون: هَذَا ذُو قَال ذَاكَ، ورأيت ذو قال ذاك، ومررت بذو قال ذاك، فتحتاج من الصلة ما يحتاج إليه الذي لكنها تقع في لغتهم للمذكر والمؤنث، ولهذا صلح أن يقول: بئري ذو حفرت، والبئر مؤنثة. 4 - قوله: "فما هلِعت" بكسر اللام؛ من الهلع بفتح اللام، وهو أفحش الجزع، فإن قلت: كيف قال: [فما هلعت] (¬1). وقد قال فيما قبلهُ: وكدت أبكي، وهل الهلع إلا البكاء الذي يظهر فيه الخضوع والانقياد؟ قلتُ: البكاء الذي ذكر أنه شارفه أو كاد أن يشارفه، فإنه إنما كان ذلك منه على طريق الاستنكاف. فإذا كان كذلك فإنه لم يكن عن تخشع (¬2). قوله: "ولا ذعرت" من الذعر، وهو الخوف. والرواية الصحيحة: ولا دعوت أحدًا لنصرتي. فإن قلتَ: فيه تناقض؛ لأنه قال أولًا: ولكني ظلمت ... إلى آخره، وها هنا يقول: فما هلعت ولا ذعرت وبينهما تناقض. قلتُ: لا تناقض؛ لأنه على اختلاف وقتين، وقصده من الكلام الأول بيان أنه ذل جانبه بعد أن كان عزيزًا، ونظيره أبيات فاطمة بنت الأحجم (¬3) حين ضعف جانبها لموت مَن كان ينصرها، وهي أبيات حسنة تمثلت بها سيدتنا فاطمة (¬4) - رضي اللَّه تعالى عنها - حين قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي (¬5): 1 - قَدْ كُنتَ لي جَبَلًا ألُوَذُ بظِلِّهِ ... فَتَرَكتَتي أَمشِي بأَجْرَدَ ضَاحِي 2 - قَدْ كُنْتَ ذَات حَمِيَّة مَا عِشْتَ لي ... أمْشِي البَرَارَ وكنتَ أَنْتَ جَنَاحِي 3 - فاليومَ أخضَعُ للذلِيلِ وأتقِي ... مِنْه وَأَدْفَعُ ظَالِمي بالرَّاحِ 4 - وإذَا دَعَتْ قُمْيرية شَجَنًا لَهَا ... لَيلًا عَلَى فَنَنٍ دَعَوْتُ صَبَاحِي ¬
5 - قوله: "نصبت لهم جبيني" أراد خاصمتهم باللسان، ثم بلغنا إلى الرماح، وهو معنى قوله: "وألّة فارس" الألّة بفتح الهمزة وتشديد اللام؛ من ألّه يؤله ألًّا وألّةً إذا طعنه بالحربة، قال: فطاعنتهم فغلبتهم (¬1) "حتى قريت" الماء في الحوض؛ أي جمعته فيه، واسم ذلك الماء قِرَى بكسر القاف مقصور. الإعراب: قوله: "فإن الماء" الفاء فيه للتعليل، والماء: اسم إن، و "ماء أبي": كلام إضافي خبره، قوله: "وجدي" عطف على قوله: أبي، أي: وماء جدي، قوله: "وبئري" مبتدأ، وخبره قوله: "ذو حفرت" أي: التي حفرت، قوله: "حفرت" صلة الموصول، والعائد محذوف أي: [ذو] (¬2) حفرتها وطويتها. الاستشهاد فيه: في قوله: "ذو حفرت" فإنه أطلق "ذو" على المؤنث وهي البئر (¬3)، وزعم ابن عصفور أن "ذو" خاصة بالمذكر، وأن "ذات" خاصة بالمؤنث، وأن البئر في البيت ذكرت على معنى القليب (¬4) كما قال الفارسي (¬5) [في قوله] (¬6): 1 - يَا بئرنا بِئْرَ بَنِي عَدِي ... لأَنْزِحَنْ قَعْرَكِ بالدَلِيَ 2 - حَتَّى تَعُودِي أَقْطَع الوَلِيّ ... ......................... التقدير: حتى تعودي قليبًا أقطع، فحذف الموصوف، وفرَّق ابن الضائغ (¬7) بينهما بأن أقطع صفة فيحمل على الفعل بخلاف "ذو" وقال: ألا ترى من قال: نفع الموعظة [لا يقول مشيرًا إليها: هذا الموعظة] (¬8)، ولهذا قال الخليل في: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98]: إنه إشارة ¬
الشاهد التاسع بعد المائة
إلى القطر لا إلى الرحمة (¬1). الشاهد التاسع بعد المائة (¬2)، (¬3) جَمَعْتُهَا مِنْ أَيْنُقٍ مَوَارِقٍ ... ذَوَاتُ يَنْهَضْنَ بِغَيرِ سَائِق أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز التميمي. قوله: "جمعتها" الضمير المنصوب فيه يرجع إلى النوق المذكورة في البيت السابق، قوله: "من ينق" جمع ناقة، وأصل الناقة: نوقة، فيجمع على أنوق في جمع القلة، استثقلت الضمة على الواو فقدمت الواو فصار: أونق، ثم قلبت الواو ياءً فصار: أينق، ويجمع على أيانق جمع الجمع. قوله: "موارق": جمع مارقة، من مرق السهم من الرمايا، شبهت هذه الأينق بالسهام التي نمرق من الرمايا في سرعة مَشْيِها وجريها وسبقها، هكذا وقع في نسخة ابن هشام (¬4)، ووقع في نسخة ابن الناظم: سوابق عوض موارق، وكلاهما رواية، وهو جمع سابقة (¬5)، قوله: "بغير سائق" من السوق. الإعراب: قوله: "جمعتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "من أينق": يتعلق به، وقوله: "موارق": صفة لأينق، قوله: "ذوات" موصولة بمعنى: اللاتي، وصلتها قوله: "ينهضن" والباء في "بغير" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "ذوات" فإنه جمع "ذو" التي هي بمعنى التي، على ذوات بمعنى اللاتي، وهي لغة جماعة من طيئ، وأكثرهم يستعملون "ذو" بمعنى الذي بلفظ واحد، للمفرد والتثنية والجمع والمذكر والمؤنث (¬6). ¬
الشاهد العاشر بعد المائة
الشاهد العاشر بعد المائة (¬1)، (¬2) ألا تَسْأَلانِ المَرءَ مَاذَا يُحَاولُ ... أَنَحْبٌ فَيقضَى أم ضَلالٌ وبَاطِلُ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة لامية من الطويل ذكرناها في أول الكتاب مع ترجمة لبيد (¬3). قوله: "ألا" كلمة للتنبيه، نبه بها السامع على شيء يأتي، وقيل: تدل على تحقق ما بعدها قوله: "تسألان" خطاب للاثنين، وأراد به الواحد؛ لأن من عادة العرب أن يخاطبوا الواحد بصيغة الاثنين؛ كما في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} (¬4) [ق: 24] وكأنهم يريدون بها التكرار وللتأكيد فكأن المعنى: ألا تسأل تسأل. قوله: "ماذا يحاول" أي: أي شيء يطلب، قال الجوهري: حاولت الشيء إذا أردته (¬5) قوله: "أنحب" النحب بفتح النون وسكون الحاء المهملة وفي آخره باء موحدة؛ وهو النذر. تقول: منه نحبت أنحب بالضم. المعنى: هلا تسأل المرء ماذا يطلب باجتهاده في الدنيا وتتبعه إياها. أنذر أوجب على نفسه أن لا ينفك عن طلبه فهو يسعى في قضائه أم هو في ضلال وباطل؟ الإعراب: قوله: "تسألان": جملة من الفعل والفاعل، و "المرء" مفعوله، وكلمة "ما" استفهام معلقة لفعل السؤال، إجراءً له مجرى مسببه وهو العلم (¬6)، مثله قوله تعالى: {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات: 12] وهو مبتدأ، و "ذا": خبرها، ويجوز العكس على الخلاف، و "ذا" موصول، و "يحاول": صلته، والعائد محذوف، والتقدير: ما الشيء الذي يحاوله؟ قوله: "أنحب" بدل من قوله: "ماذا يحاول"؛ بدل تفصيل (¬7)، ويجوز انتصاب: أنحب ¬
الشاهد الحادي عشر بعد المائة
على تقدير أن تكون (ما) مفعولًا لقوله: يحاول، وتكون (¬1) "ذا" زائدة، ويكون: "أنحب" بدلًا من قوله: "ماذا" فحينئذ ينتصب؛ لأنه بدل من المنصوب، قوله: "فيقضى" جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "أنحب". ويجوز أن تكون في محل النصب على تقدير انتصاب النحب، ويقال في ألف يقضي: فتحة مقدرة لأنه جواب الاستفهام، قوله: "أم ضلال" عطف على قوله: "أنحب"، قوله: "وباطل" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ماذا يحاول"؛ فإن "ذا" فيه بمعنى الذي، والجملة بعدها صلتها؛ وذلك لأنها تقدمها استفهام بما، وهذا بالاتفاق (¬2). الشاهد الحادي عشر بعد المائة (¬3)، (¬4) أَلا إن قَلْبِي لَدَى الظَّاعِنِينَا ... حَزِينٌ فَمَنْ ذَا يُعَزِّي الحَزِينَا أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت. وهو من المتقارب. قوله: "الظاعنينا" بالظاء المعجمة، أي: الراحلين، من ظعن يظعَن ظعنًا بالسكون وظعَنًا بالتحريك إذا سار، ومنه: الظعينة، وهي الراحلة التي ترحل ويُسَارُ عليها، ومن ذلك قيل للمرأة: ظعينة؛ لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنها تحمل على الراحلة إذا ظعنت. الإعراب: قوله: "ألا": كلمة تنبيه، و "إنّ": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و"قلبي": كلام إضافي اسمه، و"حزين" خبره، و "لدى الظاعنينا": كلام إضافي يتعلق بحزين، والألف فيه ¬
الشاهد الثاني عشر بعد المائة
للإشباع، قوله: "فمن" استفهامية، و "ذا": موصولة، و "يعزي الحزينا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صلة الموصول. الاستشهاد فيه: في قوله: "فمن ذا" فإنها موصولة؛ لأنه تقدمها "من" الاستفهامية، وهذا فيه خلاف فإن بعضهم قال (¬1): لا يجوز وقوع "ذا" الموصولة بعد "من"، والأصح عند الجمهور وقوع ذلك وجوازه (¬2). الشاهد الثاني عشر بعد المائة (¬3)، (¬4) عَدَسْ مَا لِعَبادٍ عَلَيكِ إِمَارَةٌ ... أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ أقول: قائله هو يزيد بن مُفَرَّغ الحِمْيَرِيّ (¬5) بضم الميم وفتح الفاء وتشديد الراء المكسورة وفي آخره غين معجمة، وإنما سمي بذلك؛ لأنه راهن على شرب سقاء كبير ففرغه، وهو من قصيدة قافية وأولها هو هذا البيت وبعده: 2 - وإن الذي نَجَى مِنَ الكَرْبِ بَعْدَمَا ... تَلاحَمَ فيِ دَرْب عَلَيكِ مَضِيقُ 3 - أتاكِ بحمحامٍ فأنْجَاكِ فالحقي ... بأرضك لا تَحبس عليك طَريقُ 4 - لعمري لقد أنجاك من هُوَّةِ الرَّدى ... إمام وحبل للأنَامِ وثِيقُ 5 - سأشكر ما أَوْلَيتَ من حسن نِعْمة ... ومثلي بِشُكْرِ المنعِمِينَ حَقيقُ ¬
6 - فإنْ تَطْرُقِي بَابَ الإمَامِ فإنني ... لكل كريم ماجِدٍ لَطَرُوقُ وهي من الطويل. ومن قصته: كان قد هجا عباد بن زياد بن أبي سفيان، وهو زياد بن أبيه، وملأ البلاد من هجوه، وكتبه على الحيطان، فلما ظفر به ألزمه محوه بأظفاره، ففسدت أنامله، ثم أطال سجنه فكلموا فيه معاوية، فوجه بريدًا يقال له حمحام، فأخرجه وقدمت له فرس من خيل البريد فنفرت، فقال: عدس ما لعباد عليك إمارة ... ........................... ويقال: كان يزيد بن مفرغ المذكور قد صحب عبادًا المذكور والي سجستان، حين ولاه معاوية -رضي اللَّه تعالى عنه- إياها، وكره عبيد اللَّه أخو عباد استصحابه ليزيد بن مفرغ خوفًا من هجائه، فقال لابن مفرغ: أنا أخاف أن يشتغل عنك عباد فتهجونا، فأحب أن لا تعجل إلى عباد حتى يكتب إليَّ، وكان عباد طويل اللحية عريضها فركب ذات يوم، وابن مفرغ في موكبه، فهبت الريح فنفشت لحيته، فقال ابن مفرغ (¬1): ألا ليت اللِّحا كَانَتْ حَشِيشًا ... فَنَعْلِفَها دَوابَّ المسلمينا وهجاه بأنواع الهجاء، فأخذه عبيد الله بن زياد فقيده، وكان يجلده كل يوم ويعذبه بأنواع العذاب، وكان يسقيه الدواء المسهل، ويحمله على بعير ويقرن به خنزيرة، فإذا أمشاه المسهل وسال على الخنزيرة صَاءَتْ (¬2) وآذته، فلما زاد عليه البلاء كتب إلى معاوية - رضي الله عنه - بأبيات يذكره ما حل به ويستعطفه فيها، وكان عبيد الله أرسل به إلى عباد بسجستان والقصيدة التي [كان] (¬3) هجاه بها، ثم إن معاوية بعث إلى مولى له يقال له خشنام على البريد، فقال له: انطلق حتى تقدم على ابن مفرغ بسجستان فَأطْلِقْهُ، ولا تستأمرن عبادًا، فامتثل أمرَه، وأتى إلى سجستان، فسأل عن ابن مفرغ فأخبروه بمكانه، فوجده مقيدًا فأحضر قَينًا ففك قيده وأدخله الحمام وألبسه ثيابًا فاخرة وأركبه بغلة فلما ركبه قال: عدس ما لعباد عليك إمارة ... ............................ إلى آخر القصيدة، فلما قدم على معاوية [رضي الله تعالى عنه] (¬4) قال يا أمير المؤمنين: ¬
صُنِعَ لي ما لم يصنع بأحد، من غير حدث أحدثْتُه، فقال له: معاوية [رضي الله عنه] (¬1)، وأي حدث أعظم من حدث أحدثته في قولك (¬2): 1 - أَلا أَبْلغ مُعَاويَةَ بنَ حَرْب ... مُغَلْغَلَةً عَن الرَّجُلِ اليَمَانِي 2 - أتغضب أن يقال أبوك عف ... وتَرْضَى أنْ يُقَال أبُوكَ زَاني 3 - فاشهَد أن رحِمَكَ من زِيَادِ ... كرَحم الفيل من ولدِ الأتانِ 4 - وأشهدُ أنَّهَا حَمَلَت زيادًا ... وصخر من سَمَيَّةَ غير دانٍ؟ فحلف ابن مفرغ أنه لم يقله، وإنما قاله عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فأخذني (¬3) ذريعة إلى هجاء زياد، فغضب معاوية على عبد الرحمن بن الحكم وقطع عطاءَه. قوله: "عدس" بفتح العين والدال والسين المهملات؛ وهي في الأصل صوت يزجر به البغل، وقد يسمَّى البغل به، قال (¬4): إذا حَمَلتُ بزَّتِي على عَدَس ... عَلَى التي بَين الحِمَار والفَرَسْ فَلا أُبَالِي من غدَا وَمَنْ جَلَس ... ............................ قوله: "لعباد" بفتح العين المهملة، على وزن فعال بالتشديد، وهو عباد بن زياد بن أبي سفيان، ويروى: لعباس. فما أدري ما وجهه (¬5)، قوله: "إمارة" بكسر الهمزة؛ أي: أمر وحكم، قوله: "أمنت" من الأمان، ويروى: نجوت من النجاة، وهكذا أنشده الجوهري (¬6)، قوله: "وهذا تحملين" أي: والذي تحملينه، "طليق" أي: مطلق من الحبس. 2 - قوله: "تلاحم" أي: التصق. 3 - قوله: "بحمحام" بحائين مهملتين، وهو اسم للبريد الذي أرسلهُ معاوية بسببه. ¬
الشاهد الثالث عشر بعد المائة
4 - قوله: "هوة الردى" أي: الهلاك، والهوة بضم الهاء وتشديد الواو؛ وهو الوهدة العميقة. الإعراب: قوله: "عدس": منادى، وحذف حرف النداء منه، تقديره: يا عدس، وهي مبنية على سكون؛ لأنها في الأصل حكاية صوت (¬1)، وعن الخليل: أن عدس رجل كان يقوم على البغال أيام سليمان عيه السلام، وأنها كانت إذا سمعت باسمه طارت فرقًا منه، ولهج الناس به حتى سموا البغل عدس (¬2)، وقال ابن سيده: هذا لا يعرف في اللغة (¬3)، قوله: "إمارة" مبتدأ، وخبره قوله: "ما لعباد"، وقوله: "عليك" يتعلق بقوله: "إمارة"، قوله: "وهذا" موصول بمعنى الذي و "تحملين" صلته، والعائد محذوف، أي: الذي تحملينه، وهذا المجموع مبتدأ وخبره قوله: "طليق". الاستشهاد فيه: في قوله: "وهذا تحملين" وهو أن هذا قد جاءت بمعنى الذي على رأي الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يمنعون ذلك، ويقولون: هذا اسم إشارة، وتحملين حال من ضمير الخبر، والتقدير: وهذا طليق محمولًا (¬4). الشاهد الثالث عشر بعد المائة (¬5)، (¬6) مَا أَنْتَ بِالحْكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُه ... ............................ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام (¬7). ¬
الشاهد الرابع عشر بعد المائة
الشاهد الرابع عشر بعد المائة (¬1)، (¬2) مَنْ يُعْنَ بِالْحَمْدِ لا يَنْطق بِمَا سفَه ... وَلا يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ الحلم والكرم أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من البسيط. قوله: "من يعن بالحمد" بضم الياء آخر الحروف وسكون العين وفتح النون، من قولهم عُنِيتُ بحاجتك، بضم أوله، أعنى بها، وأَنَا بِهَا مَعْنيٌّ، على زنة مفعول، وإذا أمرتَ منه قلتَ لِيُعْن بحاجتي، علي صيغة المجهول، والمعنى: من يعتن بالحمد، أي بحصول الحمد، أي: من رغب في حمد الناس له فلا يتكلم بالذي هو سفه، و "السفه" في اللغة؛ ضد الحلم، وأصلها الخفة، ومنه ثوب سفيه إذا كان خفيفا رقيقًا، وأراد به ها هنا؛ الكلام الفاحش، قوله: "ولا يحد بكسر الحاء المهملة؛ من حاد عن الطريق يحيد حيودًا وحيدةً وحيدودةً، مال عنه وعدل. الإعراب: قوله: "مَنْ": موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "لا ينطق" وهو مجزوم، لأن المبتدأ يتضمن معنى الشرط، وقوله "يعن" صلة الموصول (¬3)، و"بالحمد" يتعلق به، وقوله "بما" يتعلق بقوله: "لا ينطق"، و "ما": موصولة، وصدر صلتها محذوف، والتقدير: بما هو سفه، أي: بالذي هو سفه، و "هو" مبتدأ، و "سفه" خبره، ويجوز أن يكون التقدير: بشيء. هو سفه فتكون "ما" نكرة موصوفة، وكون الحذف من الصفة لا من الصلة، قوله: "ولا يحد" بالجزم عطف على قوله: "لا ينطق"، قوله: "عن سبيل الحلم" يتعلق بقوله: "ولا يحد". الاستشهاد فيه: في قوله: "بما سفه" حيث حذف العائد المرفوع بالابتداء، مع عدم طول الصلة وهو ضعيف (¬4). ¬
الشاهد الخامس عشر بعد المائة
الشاهد الخامس عشر بعد المائة (¬1)، (¬2) مَا الله مُولِيكَ فَضْلٌ فَاحْمِدَنْهُ به ... فَمَا لدَى غَيرهِ نَفْعٌ وَلا ضَرَرٌ أقول: هذا أيضًا من البسيط. ومعناه: الذي الله موليك (¬3) فضل فاحمدن الله بذلك الفضل، واشكرنه؛ فإنه ليس عند غير الله نفع ولا ضرر، وهو النافع وهو الضار. الإعراب: قوله: "ما الله" كلمة "ما": مبتدأ، وخبره قوله: "فضل"، [وصدر الصلة محذوف، تقديره هو فضل] (¬4)، ولفظة "الله" أيضًا مبتدأ، وخبره قوله: "موليك"، والجملة صلة الوصول أعني "ما"؛ لأنه بمعنى الذي، والعائد محذوف تقديره: موليكه، أي: موليك إياه، من أولاه النعمة إذا أعطاه إياها. قوله: "فاحمدنه" جملة من الفعل والفاعل والفعول، والنون فيه مخففة للتوكيد، والفاء فيه للتعليل، [والتحقيق أنه جواب شرط محذوف تقديره: إذا كان الفضل هو الله موليك إياه فاحمدن الله به؛ أي؛ بسببه] (¬5)، [قوله: "به" يتعلق بقوله؛ فاحمدنه] (¬6)، قوله: "فما لدى غيره" [الفاء أيضًا للتعليل، وما نافية بمعنى ليس، وقوله: "نفع" اسمه، وخبره قوله: "لدى غيره"] (¬7) أي ليس نفع حاصلًا عند غير الله، قوله: "ولاضرر": عطف على المنفي قبله. الاستشهاد فيه: في قوله: "موليك" حيث حذف فيه الضمير المنصوب بالوصف العائد إلى الوصول (¬8). ¬
الشاهد السادس عشر بعد المائة
الشاهد السادس عشر بعد المائة (¬1)، (¬2) مَا المُسْتَفِزُّ الهَوَى مَحْمُودُ عَاقِبَةٍ ... وَلَوْ أتِيحَ له صَفْوٌ بلا كَدرٍ أقول: هذا أيضًا من البسيط. قوله: "ما المستفز" من الاستفزاز، وهو الاستخفاف، يقال: رجل فَزَّ أي: خفيف، وأفززته إذا أزعجته وأفزعته، قوله: "ولو أتيح له" أي: لو قدر له، مِن أتاح الله الشيء إذا قدره ومادته؛ تاء مثناة من فوق وياء آخر الحروف وحاء مهملة، والمعنى: ليس الذي استفزه الهوى؛ أي استخفه محمود عاقبته، وإن قُدِّر له صفاء بلا كدر. الإعراب: قوله: "ما المستفز الهوى" كلمة "ما": نافية بمعنى ليس، "والمستفز": اسم فاعل عمل في فاعله وهو "الهوى"، والمفعول محذوف تقديره: ما المستفزهُ الهوى، قوله: "محمود عاقبة" كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر "ما" النافية. قوله: "أتيح" على صيغة المجهول، وقوله: "صفو" مفعوله ناب عن الفاعل، واللام والباء كلاهما يتعلقان بقوله: أتيح (¬3). فإن قلتَ: قوله: "ولو أتيح" عطف على ماذا؟ قلتُ: هو عطف على محذوف، تقديره: إن لم يتح له صفو، وإن أتيح له. فإن قلتَ: جواب "لو" ما هو؟ قلتُ: محذوف تقديره: لو أتيح له الصفو لا تحمد عاقبته، والجملة الأولى تدل على هذا، و "لو" ها هنا: شرط، ولو دخلت على المستقبل لا يظهر فيه الجزم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما المستفز الهوى": حيث حذف فيه الضمير المنصوب الذي لصلة (¬4) الألف ¬
الشاهد السابع عشر بعد المائة
واللام؛ إذ أصله: ما الذي مستفزه الهوى (¬1)، وهذا نادر (¬2)، وقال ابن مالك: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام، ثم مثل بهذا البيت (¬3). الشاهد السابع عشر بعد المائة (¬4)، (¬5) لا تَرْكَنَنَّ إِلى الأمْرِ الذي رَكَنتْ ... أبناءُ يَعْصُرَ حين اضْطَرَّهَا القَدَرُ أقول: قد قيل: إن قائله هو كعب بن زهير بن أبي سلمى، [واسم أبي سلمى] (¬6) ربيعة بن رباح بن قرط بن الحرث (¬7) بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن هذمة، ويقال: ابن ثور بن هذمة بن الأطم بن عثمان بن عمرو، وهو مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، صاحب القصيدة المشهورة التي أولها (¬8): بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ ... .......................... وكان قَدِمَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنشده القصيدة المشهورة، فأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مَن معه أن اسمعوا، حتى أنشده القصيدة كلها (¬9)، وكان قدومه بعد انصراف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطائف، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه بُردْة له، وهي التي عند الخلفاء إلى الآن، وكان أبوه زهير قد توفي قبل البعثة بسنة (¬10) -والله أعلم-، وقبله بيت آخر وهو: 1 - إن تُعْنَ نَفْسُكَ بالأمر الذي عنيتْ ... نفوسُ قوم سَمَوْا تَظْفَر بما ظَفِرُوا وهما من البسيط. ¬
1 - قوله: "إنْ تُعْنَ" على صيغة المجهول، وقد حققنا هذا عن قريب (¬1)، [قوله] (¬2): "سموا" من سمَا سموًّا إذا علا. 2 - قوله: "لا تَرْكَننَّ": من ركَن يركَن بفتح عين الفعل فيهما ركنًا إذا مال، ولغة سفلى مضر: ركن يركُن مثل: نصر ينصُر، وقال قوم: ركن يركن؛ بالكسر في الماضي والضم في المضارع وهو شاذ (¬3). قوله: "أبناء يعصر" بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين وضم الصاد المهملتين وفي آخره راء؛ وهو اسم رجل لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل. قال الجوهري: يعصر وأعصر: اسم رجل لا ينصرف؛ لأنه مثل يقتل وأقتل، وهو أبو قبيلة منها باهلة (¬4). قلتُ: باهلة هي بنت صعب بن سعد العشيرة بن مالك، ومالك هو جماع بن مذحج، وقال ابن الكلبي: ولد مالك بن أعصر، واسم أعصر: مُنَبّه بن سعد بن قيس غيلان بن سعد مناة بن مالك، وأمه: باهلة بنت صعب. قوله: "حين اضطرها" من الاضطرار، وأصله من الضر: فنقلت إلى باب الافتعال، ثم قلبت التاء طاء لأجل الضاد (¬5)، و " القَدَر" بفتحتين: ما يقدرهُ اللَّه من القضاء. الإعراب: قوله: "لا تركنن" (¬6): نهي مؤكد بالنون الثقيلة، وأنت فيه مستتر فاعله، و "إلى الأمر" يتعلق به، قوله: "الذي" صفة للأمر، و "ركنت أبناء يعصر" [جملة من الفعل والفاعل صلة الموصول والعائد محذوف تقديره: ركنت إليه أبناء يعصر، ويعصر] (¬7) في محل الجر بالإضافة، قوله: "حين": نصب على الظرف، والعامل فيه "ركنت" (¬8)، قوله: "اضطرها" فعل ومفعول، و "القدر": فاعله، والضمير المنصوب يرجع إلى الأبناء والتأنيث باعتبار القبيلة. ¬
الشاهد الثامن عشر بعد المائة
الاستشهاد فيه. في قوله: "إلى الأمر الذي ركنت": إذ أصله: ركنت إليه، فحذف الضمير الذي هو مجرور بالحرف، وهو "إلى"؛ لأن الموصوف بالموصول مجرور بمثله وهو قوله: "إلى الأمر الذي"، فإن قوله: "الأمر" موصوف بالموصول وهو مجرور بإلى، وقد علم أن موصوف الموصول إذا جر بحرف جر العائد بمثله، جاز حذفه لكون الموصوف هو الموصول في المعنى. فافهم (¬1). الشاهد الثامن عشر بعد المائة (¬2)، (¬3) وَمِن حَسَدٍ يَجُورُ عليَّ قومي ... وأي الدهرِ ذو لم يَحْسُدُونِي أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي. وهو من الوافر. والمعنى: لأجل الحسد يجور عليَّ قومي، وأي الدهر الذي لم يحسدوني قومي فيه، والحسد: تمني زوال نعمة المحسود، والجور: الظلم. الإعراب: قوله: "ومن حسد": كلمة "من" ها هنا للتعليل؛ كما في قوله تعالى. {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25]، وهو يتعلق بقوله: "يجور"، وكذلك قوله: "علي" يتعلق به، و "قومي": كلام إضافي فاعل لـ"يجور"، قوله: "وأي الدهر" أي ها هنا: استفهامية؛ نحو قوله تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: 124] أضيفت إلى الدهر، قوله: "ذو" بمعنى: الذي، وهو (¬4) ذو الطائية، قوله: "لم يحسدوني" جملة وقعت صلتها، والعائد محذوف تقديره: لم يحسدوني فيه. الاستشهاد فيه: فإنه حذف العائد المجرور، والحال أن شروطه لم تكمل، وهذا شاذ، وقيل: نادر (¬5). ¬
الشاهد التاسع عشر بعد المائة
الشاهد التاسع عشر بعد المائة (¬1)، (¬2) وإنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بها ... وَهُو عَلَى مَن صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ أقول: هذا البيت أنشده قطرب، ولم يعزه إلى قائله، ويقال: إنه لرجل من همدان. وهو من الطويل. قوله: "شهدة" بضم الشين، وهو العسل المشمع، قال الجوهري: الشَّهْدُ والشُهْدُ. العسل في شمعه، والشهد؛ يعني بالفتح: أخص منها؛ والجمع شهاد (¬3). قوله: "وهوّ" بتشديد الواو، قوله: "صبه الله" من صببت الماء فانصب، أي سكبته فانسكب، قوله: "علقم" بفتح العين، وهو الحنظل. المعنى: إن لساني مثل العسل إذا تكلمتُ في حق من أحبه، ولكن مثل الحنظل على من أبغضه؛ لأني أقدح فيه بالكلام. الإعراب: قوله: "لساني": كلام إضافي، اسم إن، وقوله: "شهدة": خبره، قوله: "يشتفى بها" جملة وقعت صفة لشهدة، قوله: "هو" مبتدأ، وخبره قوله: "علقم"، قوله: "على مَن" يتعلق بقوله: "علقم" على ما نذكره الآن. الاستشهاد فيه: على أربعة مواضع: أحدها: تشديد واو "هوّ"، وذلك لغة هَمدان بإسكان الميم وبالدال المهملة، وكذلك (¬4) يفعلون في ياء "هيّ" كقوله (¬5): والنفس مَا أُمِرَتْ بالعنف آبيَةٌ ... وَهِيَّ إِن أُمِرَتْ باللُّطْفِ تَأْتَمِر ¬
الشاهد العشرون بعد المائة
الثاني: تعليق الجار بالجامد لتأوله بالمشتق؛ وذلك لأن قوله: "هو علقم" مبتدأ وخبره -كما ذكرنا، والعلقم هو الحنظل، وهو نبت كريه الطعم، وليس المراد ها هنا، بل المراد: شديد أو صعب؛ فلذلك علق به "على" المذكورة، ونظيره قوله (¬1): مَا أُمُّكَ اجْتَاحَتِ المنايَا ... كُل فُؤَاد عَلَيك أُمٌّ فَعَلَّقَ "عَلَى" بأُمّ لتأوله إياها بمشتقٍّ، وعلى هذا ففي قوله: "علقم" ضميرٌ؛ كما في قولك: زيد أسد؛ إذا أولته بقولك: شجاع، إذا أردت التشبيه. الثالث: جواز تَقدُّم معمول الجامد المتأول بالمشتق؛ إذا كان ظرفًا، ونطر ذلك أيضًا في تحمل الضمير في قوله: ......................... ... كل فؤاد عليك أم الرابع: وهو المراد به ها هنا: جواز حذف العائد المجرور بالحرف مع اختلاف المتعلق؛ إذ التقدير: وهو علقم على من صبَّه الله عليه، وهو نادر، وفيه شذوذ من وجه آخر، وهو اختلاف متعلق الحرفين؛ فإن "على" الظاهر متعلق بقوله: "علقم"؛ كما ذكرنا، و "على" المقدر يتعلق بقوله: "صبَّه" (¬2). الشاهد العشرون بعد المائة (¬3)، (¬4) فَأَمُّا الأُلَى يَسْكُن غَوْرَ تِهَامةٍ ... فَكُل فَتَاةٍ تَتْرُكُ الحَجْلَ أَقْصَمَا أقول: أنشده ولد الناظم ولم يعزه إلى أحد، وكذا أنشده والده ولم يبين قائله، ولم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "فَأَمَّا الأُلَى" أي: فأما النساء اللاتي "يَسْكُن غَوْرَ تِهَامِة" الغور في اللغة: المطمئن من ¬
الأرض، وهو بخلاف النجد، قال الباهلي: كل ما انحدر سيله مغربًا عن تهامة فهو غور (¬1) وفي أرض الشام غور أيضًا؛ وهو غور الأردن بين بيت المقدس وحَوَرَان من أعمال دمشق، وهو منخفض عن أرض دمشق وأرض بيت المقدس، فلذلك سُمي الغور، طوله [نحو] (¬2) ثلاثة أميال وعرضة أقل من مسيرة يوم، وفيه قرى كثيرة، وبحيرة طبرية في طرفه، والبحيرة المنتنة في طرفه الآخر (¬3)، وأراد الشاعر غور تهامة، وهو الذي ذكره الباهلي. ونجد ما بين العُذَيْبِ إلى ذات عرق، وإلى اليمامة، وإلى جبل طيئ، وإلى وَجْدَة، وإلى اليمن، وذات عرق أول تهامة إلى البحر وجدة، وقيل: تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة [-شرفها الله تعالى-] (¬4) وما وراء ذلك من الغرب فهو غور، والمدينة لا تهامية ولا نجدية؛ فإنها فوق الغور ودون نجد، واشتقاق تهامة من التهم، وهو شدة الحر وركود الريح؛ وبذلك سميت تهامة، يقال: أَتْهَمَ الرجل إذا أتى تهامة، وأنجد إذا أتى نجدًا، وأعرق إذا أتى العراق، وأشأم إذا أتى الشام. فإن قلتَ: ما هذه الإضافة؟ قلتُ: أما إضافة البعض إلى الكل؛ كقولك: أسفل الدار؛ فالمراد: المطمئن من أرض تهامة، وأما إضافة أحد المترادفين إلى الآخر؛ لأن تهامة تسمى الغور. والأول أولى؛ لأن في الثاني دعوى سلب المعرفة تعريفها، وإضافة الشيء إلى نفسه (¬5). قوله: "فَكل فتاة" الفتاة: الشابة من النساء، وقد فتي بالكسر يفتى فتى فهو فتي السن بين الفتاء، قوله: "الحَجْلَ" بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وفي آخره لام؛ وهو القيد، ثم نقل إلى الخلخال [وهو المراد ها هنا. قال الجوهري: والحجل بالكسر؛ لغة؛ يعني: في الحجل بالفتح، ومنه المحجل الأرض، وهو موضع الخلخال] (¬6)، والتحجيل (¬7): بياض في قوائم الفرس، أي: في ثلاث منها وفي رجليه قلَّ أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين؛ ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة
لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود. وأما الحَجَل بفتحتين؛ فهو جمع حجلة، وهي القبجة، وهي (¬1) الطائر الشهور، قوله: "أقصما" بالقاف، وهو المشهور ويجوز أن يكون بالفاء، والفرق بينهما: أن فصم الشيء: كسره بلا إبانة، تقول: فصمته فانفصم (¬2). قال تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256] وانفصم مثله، وأما القصم بالقاف، فهو الكسر بالإبانة، وبالقاف أظهر ها هنا؛ لأن معناه: أن سيقانها لضخامتها تكسر الخلاخيل. الإعراب: قوله: "فأما الألى" الفاء للعطف على ما قبله، وأما: للتفصيل، و "الألى": موصولة، و "يسكن": جملة صلتها، وهي في محل الرفع على الابتداء، وخبره: الجملة؛ أعني: قوله: "فكل فتاة تترك الحجل [أقصما] (¬3) " ودخول الفاء لأجل أما؛ لأنها تتضمن معنى الشرط، قوله: "غور تهامة" كلام إضافي مفعول لقوله: "تسكن"، قوله: "الحجل" منصوب؛ لأنه مفعول لقوله "تترك"، قوله: "أقصما" بمعنى مقصومة، نصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأما الألى"؛ فإنها بمعنى اللائي؛ كما أن اللائي بمعنى الذين، فافهم (¬4). الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة (¬5)، (¬6) فَتِلْكَ خُطُوبٌ قد تَمَلّتْ شَبَابَنَا ... قَدِيمًا فتُبلِينَا المنُونُ وما تُبْلَى وتبلَى الألى يَسْتَلْئِمُونَ على الأُلَى ... تَرَاهُنَ يَوْمَ الرّوْعِ كالحِدَأ القُبْل أقول: قائله هو أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خويلد بن خالد، وقد ترجمناه فيما مضى (¬7)، ¬
وهذان البيتان من قصيدة لامية، أولها هو قوله: 1 - ألا زعَمَتْ أسْمَاءُ أن لا أُحِبُّها ... فقلتُ بلى لولا يُنَازِعُنِي شُغلي 2 - جزيتك ضِعْفَ الوُدّ لما اشتكيته ... وما إن جَزَاك الضِّعْفَ من أحدٍ قبلي 3 - لعمرك ما عَيسَاءُ تَتبَعُ شادِنًا ... يَعَنُّ لَهَا بالجَزْع من نَخِب النَّجْلِ 4 - إذا هي قامت تَقْشَعِر شَوَاتها ... ويشرق بين الليتِ منها إلى الصقْلِ 5 - ترى حَمْشًا في صدوها ثم إنها ... إذا أدبَرَتْ وَلّتْ بِمُكْتَنَزٍ عَبْلِ 6 - وما أم خشف بالعَلايَة تَرْبحِي ... وترْمُقُ أحيَانَا مُخْاتِلَةَ الحَبلِ 7 - فإن تَزْعُمِيني كنت أجْهَلُ فِيكُمُ ... فإني شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَكِ بِالجَهْلِ 8 - وقال صَحَابِي قد غُبِنتَ وخِلتَنِي ... غَبِتتَ فلا أَدْري أَشَكْلُهُمُ شكلي 9 - فإن تك أنثى في معدٍ كريمةُ ... علينا فقد أُعطيت نَافِلَةَ الفَضْلِ 10 - على أنَّهَا قَالت رأيتُ خُوَيلِدًا ... تَنَكَّرَ حتى عَادَ أَسْوَدَ كالجِذْل 11 - فتلكَ خُطُوبٌ ............. .... ........................ إلخ وجملتها ثلاثون بيتًا، وهي من الطويل. 1 - قوله: "ينازعني": مبتدأ بتقدير أن، و "لولا": كلمتان؛ يعني: لو لم، وجواب لولا أو جواب لو محذوف. 3 - قوله: "عيساء": واحدة العيس، وهي إبل بيض في بياضها ظلمة خفية (¬1)، و "الشادن": ولد الظبية، قوله: "يعن"؛ أي: يعرض لها بالجِزْع؛ بكسر الجيم وسكون الزاي المعجمة، وهو منعطف الوادي، قوله: "من نخب" بفتح النون وكسر الخاء المعجمة وفي آخره باء موحدة؛ وهو وادٍ بالطائف، و "النَّجْل" بفتح النون وسكون الجيم؛ وهو الماء يظهر من الأرض. 4 - وقوله: "شواتها" الشواة بضم (¬2) المعجمة: جلدة الرأس، أراد يقشعر الشعر الذي في الرأس، قوله: "ويشرق" أي: يضيء، و"اللِّيت" بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق؛ وهي صفحة العنق، و "الصقل": الخاصرة. 5 - قوله: "حمشًا " بفتح الحاء المهملة؛ أي: دقة، و "عبل" أي: ضخم. 6 - وأراد بـ"أم خشف" الظبية، و "العلاية" أرض، و "مخاتلة" أي: مخادعة، وأراد "الحبل" حبل الصائد. ¬
7 - قوله: "شريت" بمعنى: اشتريت، ويأتي بمعنى بعت، والمعنى ها هنا: بعا الجهل بالحلم. 8 - قوله: "وقال صحابي قد غبنت"، لأنه باع الجهل بالحلم، فقال: بل أنا الغابن، ولا أدري أهم [على] (¬1) ما أنا عليه أم لا؛ والمعنى: طريقهم طريقي أم غيرها فحذف أم ومعطوفها، كقوله (¬2): ........................ ... فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلابُهَا أي: أم غي. 10 - قوله: "رأيت خويلدًا" المراد (¬3) به نفسه، وهو أبو ذؤيب خويلد بن خالد، قوله: "تنكر" أي تغير، و "الجذل" بكسر الجيم وسكون الذال العجمة، أصل الشجر، وقال الأخفش: العود اليابس (¬4). 11 - قوله: "خطوب" جمع خطب، وهو الأمر العظيم، قوله: "تملت شبابنا" أي: استمتعت بشبابنا، يقال: تمليتُ عمري، أي: استمتعت به، ويقال: تمليت حبيبًا، أي: عضت معه ملاوة من الدهر بتثليث الميم، أي: حينًا وبرهة، وكذلك: الملوة بتثليث الميم، قوله: "فتبلينا" أي: تفنينا، من الإبلاء، وثلاثيه: بلى يبلى بلاءً (¬5)، قوله: "المنون" أي: المنية، قال الفراء: المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمغا (¬6)، ويقال: المنون: الدهر، لأنه يمن قوى الإنسان، أي: ينقصها، وكون بمعنى الموت لأنه يقطع الحياة من قوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬7) [التين: 6]. 12 - قوله: "يستلئمون" من استلأم الرجل، إذا لبس اللأمة وهي الدرع، قوله: "يوم الروع" بفتح الراء، أي: يوم الحرب، لأنه يوم فيه الروع والفزع، قوله: "كالحدأ" بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين وفي آخره همزة، وهو جمع حدأة، وهي الطائر المعروف، كعنب جمع عنبة. ¬
قوله: "القبل" بضم القاف وسكون الباء الموحدة، وهي التي في عينها قَبَل بفتحتين وهو الحول (¬1)، وفي كتاب خلق الإنسان: قال الأصمعي (¬2): وفي العين الحَوَل والقَبَل، يقال: حَولَتْ عينُه تَحْوِلُ حَوَلًا، وَاحْوَلَّتِ احْولالًا، وقَبِلَتْ تَقبَلُ قبَلًا واقْبَلَّت اقْبِلالًا، فالحَوَل كأنها تنظر إلى الحجاج، بكسر الحاء وفتحها، العظم الذي ينبت عليه الحاجب، والقبل: أن تكون كأنها إلى عرض الأنف (¬3)، وقال ابن الأعرابي: الحول أن تُميل الحدقة إلى اللحاظ، والقبل: أن تميل إلى المؤق. والمعنى: أن حوادث الدهر والزمان قد تمتعت بشبابنا قديمًا فتبلينا النون أي الموت ونحن ما نبليه، "وتبلى الألى" أي: الذين يستلئمون لَأْمة الحرب، "على الألى"، أي: على اللالي، أي: على الخيول اللالي تراهن في يوم الحرب والفزع، كأنها حدأ لخفتها في الجري والسير وشدة العدو التي في أعينها حول، يعني: انقلاب من شدة طيرانها، وقد شبه الخيول التي تجري يوم الحرب وأعينهن منقلبة من شدة العدو بالحدأ، التي تشتد في الطران وأعينهن منقلبة من شدة الطيران. الإعراب: قوله: "فتلك خطوب" جملة اسمية من المبتدأ والخبر، عطف على ما قبلها من الجمل السابقة. قوله: "تملت شبابنا" جملة فعلية من الفعل والفاعل والمفعول وهو شبابنا، في محل الرفع على أنها صفة للخطوب، قوله: "قديمًا" نصب على الظرف؛ أي: في قديم الزمان، قوله: "فتبلينا" فعل ومفعول، و"المنون" فاعله وهذه الجملة كالتفسير لقوله: "قد تملت شبابنا"، فلذلك ذكرها بالفاء. قوله: "وما نبلى": جملة منفية مركبة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: وما نبليها أي: ونحن لا نقدر على إبلاء النون كإبلائها إيانا، ويجوز أن تكون هذه الجملة حالًا. قوله: "وتبلى" بضم التاء؛ من الإبلاء، وفاعله مستتر فيه وهو المنون، قوله: "الألى يستلئمون" مفعوله، والألى (¬4): موصول، ويستلئمون: صلته، أي: تبلي الذين يستلئمون اللَّأمة، قوله: "على الألى" جملة حالية أي: حال كونهم على الخيول اللالي تراهن يوم الروع كالحدأ، قوله: "تراهن" جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صلة للموصول (¬5) وهو قوله: "على الألى". قوله: "يوم الروع": نصب على الظرف، قوله: "كالحدأ": في محل نصب على أنه مفعول ثانٍ لتراهن، قوله: "القبل" بالجر؛ صفة للحدأ. ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة
الاستشهاد في البيت الثاني، ولا استشهاد في البيت الأول؛ فذكرهم إياه للتعلق بينهما في المعنى، وهو أنه جمع بين اللغتين، وهما إطلاق الألى على الذين في قوله: "وتبلى الألى يستلئمون"، وإطلاق الألى أيضًا على اللاتي في قوله: "على الألى تراهن" فافهم (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة (¬2)، (¬3) أبي الله للشُّم الأُلاءِ كأنهُم ... سُيُوف أجاد القينُ يومًا صِقَالها أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، يكنى بأبي صخر، أحد عشاق العرب المشهورين به. وهو صاحب عزة بنت جميل بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب بن غفار بن مليك (¬4) بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وله معها حكايات ونوادر وأمور مشهورة، وأكثر شعره فيها. وكان يدخل على عبد الملك بن مروان وينشده، وكان رافضيًّا شديد التعصب لآل أبي طالب توفي سنة خمس ومائة بالمدينة، وكُثَيّر: تصغير كثير، وإنما صغر لأنه كان حقيرًا شديد القصر، وكان يلقب ذب الذباب، والبيت المذكور من قصيدة هائية، وبعده قوله (¬5): 2 - وَأَشْعَرتُهَا نَفْثًا رقِيقًا فلَوْ تَرَى ... وقد جُعِلَتْ أن تُرْعِيَ النَّفْثَ بالها 3 - تحذُّرَها من حيثُ أمكنها الرقي ... إلى الكفِّ لما سَالمَتْ وانْسَلا لهَا 4 - كأنهُم قصرًا مصابيحُ راهبٍ ... بِمَوْزَنِ رَوّى بالسَّلِيطِ ذُبَالهَا (¬6) وهو من الطويل. 1 - قوله: "أبى الله": من الإباء، وهو شدة الامتناع، قوله: "للشُّم" بضم الشين المعجمة وتشديد الميم؛ وهو جمع أشم من الشمم (¬7)، وهو ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه، ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة
ومنه يقال: رجل أشم الأنف، وجبل أشم: طويل الرأس بَيِن الشمم، وقال أبو عمرو: أشم الرجل [يشم] (¬1) إشمامًا، وهو أن يمر رَافعًا رأسه، قوله: "أجادة" أحكم و "القين" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون؛ وهو الحداد، ويجمع على قيون. 2 - قوله: "وأشعرتها" أي: علّمتها من الأشعار، يقال: أشعرته فشعر؛ أي: أدريته فدرى، و"النفث "بفتح النون وسكون الفاء وفي آخره ثاء مثلثة؛ وهو شبيه بالنفخ؛ وهو أقل من التفل، وقد نفث الراقي ينفُث وينفِث، ومنه: {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وهن (¬2) السواحر، قوله: "وقد جعلت" ... إلى آخره: جملة وقت حالًا، وقوله: "يا لها": كلمة "يا": حرف نداء واللام فيه للاستغاثة والتعجب، والضمير يرجع إلى عزة (¬3). 3 - قوله: "تحذُّرَها" منصوب بقوله "فلو ترى". 4 - قوله: "بالسليط": وهو الزيت عند عامة العرب، وعند أهل اليمن: دهن السمسم، قوله: "ذبالها" بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة؛ وهو جمع ذبالة؛ وهي الفتيلة. الإعراب: قوله: "أبى اللَّه": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "للشم": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، وقوله: "الألاء": موصولة بمعنى الذين، وهو صفة للشم، قوله: "كأنهم سيوف": جملة وقعت صلة للموصول، قوله "أجاد": فعل ماض، و "القين": فاعله، وقوله: "صقالها" كلام إضافي مفعوله، والجملة في محل الرفع؛ لأنها صفة لسيوف، قوله: "يومًا" نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: في قوله: "الألاء" (¬4) فإنها موصول بمعنى "الذي" للجمع المذكر، ولهذا وصف بها المذكر. الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة (¬5)، (¬6) تَعَشَّ فإن عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي ... نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة يخاطب فيها الفرزدق الذئبَ الذي أتاه وهو نازل ¬
في بعض أسفاره في بادية، وكان قد أوقد نارًا، ثم رمى إليه من زاده وقال [له] (¬1): تعال تعش، ثم بعد ذلك ينبغي أن لا يخون أحد منا صاحبه؛ حتى نكون مثل الرجلين اللذين يصطحبان. وقال أبو عبيدة في كتاب الضيفان: ضاف الفرزدق ذئبًا ومعه لحم شاة مسلوخ، فألقى إليه ربع الشاة، وأراد أصحابه طرده فَنَهَاهُم، ثم ألقى الربع الآخر فشبع وتبختر، فقال الفرزدق (¬2): 1 - وأَطْلَسَ عَسَّالٍ وَمَا كَانَ صَاحِبًا ... دَعَوْتُ لِنَارِي (¬3) مَوهِنًا فَأَتَانِي 2 - فَلَمَّا أتاني قلت دونك إِنَّنِي (¬4) ... وَإيَاكَ فيِ زَادِي لَمشتَرِكَانِ 3 - فَبِث أقد (¬5) الزَّادَ بَيني وَبَينَهُ ... عَلَى ضَوْءِ نَارٍ مَرَّةً وَدُخَانِ 4 - فَقُلْتُ له لما تَكَشَّرَ ضَاحِكًا ... وَقَائِمُ سَيفِي فيِ يَدِي (¬6) بِمَكَانِ 5 - تَعَشَّ فإن عَاهَدْتَنِي (¬7) لا تَخُونُنِي ... نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ 6 - وَأَنْتَ امْرؤٌ يا ذِئبُ وَالْغَدْرُ كُنْتُمَا ... أُخَيَّيِن كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ 7 - وَلَوْ غَيرَنَا نَبَّهْتَ تَلْتَمِسُ القِرَى ... رماك بسَهْم (¬8) أو شَبَاةِ سِنَانِ 8 - وَكُلُّ رَفِيقِي كُل رَحْلٍ وَإنْ هُمَا ... تَعَاطَى القَنَا قَوْمَاهُمَا إِخْوَانِ وهي من الطويل وفيه الحذف، ولا يخفى (¬9) على الفَطِن. 1 - قوله: "وأطلس" أي: ورب أطلس؛ وهو الأغبر من الذئاب، قوله: "عسَّال": صيغة مبالغة من العسلان؛ وهو مشي الذئب باضطراب وسرعة، قوله: "مَؤهِنًا" بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء؛ وهو ساعة تمضي من الليل، وكذلك الوهن، قوله: "فأتاني" أي: فرأى النار فأتاني، ويروى: "دفعت" موضع "دعوت"، ويروى: "رفعت" فهو من المقلوب، أي رفعت له ناري فرآها فأتاني. 2 - قوله: "فلما أتاني قلت دونك إنني" ويروى: "فلمَّا أتى قلت: ادن إنني" أي: اقرب وخذ أي: كل. ¬
3 - قوله: "أقد الزاد" أي: أقطعه، ويروى: فبت أسوي الزاد. 4 - قوله: "تَكَشَّرَ": من الكشر وهو بدو الأسنان عند الضحك. 5 - قوله: "تعش": أمر من تعشى يتعشى، يخاطب به الذئب المذكور، وفي كتاب سيبويه: تعال فإن عاهدتني ... إلخ (¬1). 6 - قوله: "أُخَيين": تصغير أخوين، قوله: "بلبان" بكسر اللام، يقال: هذا أخوه بلبان أمه. قال ابن السكيت: ولا يقال: بلبن أمه، إنما اللبن الذي يشرب (¬2). 7 - قوله: "القِرى" بكسر القاف؛ الضيافة، قوله: "أو شباة سنان" أي: حدته، وشباة كل شيء: حده، وهو بفتح الشين العجمة والباء الموحدة، والسنان بكسر السين المهملة؛ حديدة الرمح. 8 - [قوله] (¬3): "وكل رفيقي كل رحل" اعلم أن إعراب هذا البيت مشكل وكذا معناه، قوله (¬4): "كل" في "كل رحل": زائدة و "رحل" بالحاء المهملة، وقوله: "تعاطى" أصله: تعاطيا، فَحَذْفُهُ (¬5) لامه للضرورة، أو وحد الضمير؛ لأن الرفيقين ليسا باثنين معينين، بل هما كثير، كقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] ثم حمل على اللفظ؛ إذ قال: هما إخوان، وجملة "هما إخوان": خبر كل، وقوله: "قوما" إما بدل من الفتى؛ لأن قومهما من سببها؛ إذ معناه: تقاومهما، فحذف الزوائد، فهو بدل اشتمال، وإما مفعول لأجله أي: تعاطيا القنا لمقاومة كل منهما الآخر، أو مفعول مطلق من باب: {صُنْعَ اللَّهِ} [النمل: 88]؛ لأن تعاطي القنا يدل على تقاومهما. ومعنى البيت: أن كل الرفقاء في السفر إذا استقروا رفيقين، فهما كالأخوين لاجتماعهما في السفر والصحبة، وإن تعاطى كل منهم مغالبة الآخر. الإعراب: قوله: "تعشَّ": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت مستتر فيه، قوله: "فإن عاهدتني" إن: حرف شرط، و "عاهدتني": جملة من فعل الشرط، وقوله: "لا تخونني" قيل: إنه جواب الشرط ولا محل لها من الإعراب (¬6)، والحق أن يكون الجواب هو قوله: "نكن مثل من يا ذئب"، ويكون ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة
قوله: "لا تخونني": جواب القسم الذي تضمنه عاهدتني، أو تكون جملة حالية، قوله: "مثل من": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر نكن، قوله: "من" موصولة، و "يصطحبان" صلتها، قوله: "يا ذئب" معترض بين الموصول وصلته. الاستشهاد فيه: في قوله: "مثل من يا ذئب يصطحبان" فإنه راعى معنى "من" في قوله: "يصطحبان" بالتثنية، و "من" التي بمعنى "الذي" يجوز في ضميرها اعتبار المعنى، واعتبار اللفظ وهو أكثر كقوله تعالى. {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الأحزاب: 31]، وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس: 40]، واعتبار المعنى نحو قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42] (¬1). الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة (¬2)، (¬3) ذَاكَ خَليلي وذُو يُوَاصِلُنِي ... يَرْمي وَرَائِي بامْسَهْمٍ وأمْسَلَمَهْ أقول: قائله هو بجير بن غنمة أحد بني بولان بن عمرو بن الغوث بن طيئ، وبولان: حي من طيئ، وهو أخو خالد بن غنمة الطائي، وهو شاعر جاهلي مقل، وركب ابن الناظم، وأبوه (¬4) أيضًا صدر البيت على عجز بيت آخر؛ فإن الرواية فيه: وإنَّ مَوْلايَ ذُو يُعَيِّرُنِي ... لا إِحنَةِ بينَنَا ولا حَرَمَهْ يَنْصُرُنِي مِنْكَ غَيرَ مُعْتَذِرٍ ... يرمي ورائي بامسهم وامسلمه وفي رواية الجوهري: وذو يعاتبني (¬5)، وكذا أنشده السهيلي (¬6). ¬
وهو من المنسرح، وهو الثاني من الدائرة الرابعة، وهي الدائرة المسماة بدائرة المشتبه، وهي مشتملة على ستة أبحر، وهي (¬1): السريع والمنسرح والخفيف والمضارع والمقتضب والمجتث، وهو في أصل الدائرة: مستفعلن مفعولات مستفعلن (¬2) مرتين، وله ثلاثة أعاريض وثلاثة أضرب (¬3) وهو مطوي العروض والضرب. قوله: "خليلي" أي: صاحبي، قوله: "وذو يواصلني" أي: الذي يواصلني، قوله: "بامسهم" أي: بالسهم، قوله: "بامسلمة" أي: والسلمة، وهذا (¬4) على لغة أهل اليمن؛ فإنهم يجعلون عوض اللام ميمًا، فيقولون في الرجل: امرجل (¬5)، وفي الصحاح: هذه لغة حِمْير (¬6)، وقال في المغرب: لغة طيئ، ومنه الحديث الذي رويناهُ من طريق الإمام أحمد رحمه الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس من امبر امصيام في امسفر" (¬7)، يريد: ليس من البر الصيام في السفر، و "السلمة" -بفتح السين واللام؛ واحدة السلم، وهي شجرة من شجر العضاة؛ كذا فسره البعلي في شرح الجرجانية (¬8)، وتبعه على هذا أيضًا بعض المتأخرين، وليس كذلك، والصحيح أن السلمة ها هنا -بكسر اللام، هي واحدة السلم وهي الحجارة، ولما ذكر الجوهري السلمة بكسر اللام استشهد عليه بهذا البيت (¬9)، والمعنى أيضًا يناسب هذا التفسير فافهم. و"بنو سلمة" بطن من الأنصار، وليس في العرب سلمة -بكسر اللام سواهم، والسلمة- بفتح اللام: واحدة السلم بالفتح، وهو شجر العضاة، وسلمة أيضًا اسم رجل. الإعراب: قوله: "ذاك": مبتدأ، و "خليلي": خبره، قوله: "وذو": موصول، وصلته قوله: "يواصلني" وهو عطف على الخبر، قوله: "يرمي": خبر ثان، ويجوز أن يكون حالًا، ويقال: الواو في "وذو يعاتبني" زائدة. والجملة صفة لقوله: "ذاك" الذي هو مبتدأ، وقوله: "خليلي": بدل من ذاك، وقوله: "يرمي": خبر المبتدأ، وقال الشيخ جمال الدين: زعم الجوهري أن الواو زائدة، وكان ذلك؛ لأنه رأى أن قوله: "يرمي" محط الفائدة، فقدره خبرًا (¬10)، وقدر "خليلي" تابعًا للإشارة ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة
لأنه بدل منها، لا نعت، بل ولا بيان؛ لأن البيان بالجامد كالنعت بالمشتق، ونعت الإشارة بما ليست فيه "أل" ممتنع، وبهذا أبطل أبو الفتح كون (بَعْلِي) فيمن رفع (شيخًا) بيانًا انتهى (¬1). قلت: فيه نظر من وجهين: الأول: أن زيادة الواو قليلة. والثاني: أن اسم الإشارة لا يوصف إلا بما فيه "أل"؛ كما تقول: يا هذا الرجل، وهو وصلة لندائه، ويكون حينئذ كأي في لزوم نعته ووجوب رفعه، أو بموصول مصدر بأل نحو: يا هذا الذي فعل كذا (¬2)، قوله: "ورائي" نصب على الظرف، قوله: "بامسهم": جار ومجرور يتعلق بقوله: يرمي، وقوله: "وامسلمة": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "على أن "ذو" بمعنى الذي للمذكر؛ كما أن ذو بمعنى التي في قوله (¬3): ....................... ... وبئري ذو حفرت وذو طويت والزمخشري استشهد به على مجيء الميم مكان لام التعريف في الموضعين (¬4). الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة (¬5) (¬6) يَقُولُ الخَنَا وأَبْغَضُ العُجْمَ نَاطِقًا ... إلى ربِّنا صوتُ الحمار اليُجَدَّعُ أقول: قائله هو ذو الخِرَقِ الطُّهَويّ، واسمه: دينار بن هلال، شاعر جاهلي، وهو من قصيدة ¬
عينية، وأولها: 1 - أتَاني كَلامُ التَغلبي بنُ دَيْسَقِ ... فَفِي أيِّ هذا ويله يَتَتَرّعُ 2 - يَقُولُ الخنَا وأَبْغَضُ العُجْمَ نَاطِقًا ... إلى ربِّنا صوتُ الحمار اليُجَدَّعُ 3 - فهلَّا تمنَّاهَا إذا الحرب لاقحٌ ... وذو النَّبَوَانِ قَبرُهُ يَتَصَدَّعُ 4 - ويأتك حَيًّا دارمِ وهُمَا معًا ... ويأتك ألفٌ من طُهَيَّةَ أَقْرعُ 5 - ويستخرجُ اليربوعَ من نَافِقَائِهِ ... ومن جُحْرِه ذي الشِّيحَةِ اليتقَصَّعُ 6 - ونحن أخذَنَا الفارسَ الخير منكم ... فطُلَّ وأعيا ذو الفُقار يُكرعُ 7 - ونحن أخذنا قد علمتم أَسيرَكُم ... يسارًا فنُحْذِي (¬1) من يسارٍ وننقعُ وقد ذكر أبو زيد هذه الأبيات في نوادره على هذا النمط (¬2)، ووهم الجوهري؛ حيث نسب البيت المستشهد به على الكتاب، وقال: إنه من أبيات الكتاب (¬3). وهي من الطويل. 1 - قوله: "التغلبي" بالتاء الثناة من فوق والغين المعجمة، و "ديسق" بفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره قاف؛ وهو علم منقول من الديسق؛ وهو بياض الشراب (¬4) وترقرقه، قوله: "يتترع" بتاءين من فوق بعد ياء المضارعة؛ ومعناه: يتسرع، وهكذا روى أيضًا. 2 - قوله: "يقول" أي: يفوه ويتكلم، و "الخنا" بفتح الخاء المعجمة والنون؛ وهو الفحش من الكلام، يقال: كلام خن وكلمة خنية، وقد خَنِي عليه بالكسر وأخنى عليه في منطقه؛ إذا فحش. قوله: "وأبغض العُجم" بضم العين وسكون الجيم؛ جمع أعجم، وهو الحيوان، ومؤنثه: عجماء والأعجم أيضًا: من يكون في لسانه عجمة، وإن أفصح بالعربية، قوله: "اليجدع": من الجدع، وهو قطع الأذن، ويقال (¬5): حمار مجدع أي: مقطوع الأذن، ويقال: إن الحمار إذا كان مقطوع الأذن يكون صوته أرفع. 4 - قوله: "طهية" بضم الطاء وفتح الهاء وتشديد الياءآخر الحروف؛ وهي حي من تميم، ¬
قوله: "أقرع" أي: تام. 5 - قوله: "ويستخرج اليربوع من نافقائه" بفتح الياء، وهي دويبة تحفر الأرض، والياء فيه زائدة؛ لأنه لا يوجد في كلام العرب فعلول بالفتح (¬1). قوله: "من نافقائه" النافقاء: إحدى جحر اليربوع، و "القاصعاء" وهي الأخرى، فاليربوع يحفر له موضعًا تحت الأرض، ويجعل له بابين، أحدهما: يسمى القاصعاء، وهي التي يتقصع فيها؛ أي يدخل، ويجمع على قواصع، والأخرى تسمى: النافقاء، يكتمها ولا يفتحها، بل يرققها فإذا أتى الصياد من قبل القاصعاء هرب وأتى النافقاء فدفعها برأسه وخرج منها، وتجمع على: نوافق، ومنه اشتقاق اسم المنافق؛ لأنه أظهر الإيمان وكتم الكفر (¬2). وقوله: "ذي الشيحة" بكسر الشين العجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالحاء المهملة؛ وهو نبت معروف، هكذا رواه أبو عمرو الزاهد: (¬3) ذي الشيحة بالحاء المهملة، وقال: لكل يربوع شيحة عند جحره، ورواه أبو محمد الأسود (¬4): "ذي الشيخة بالخاء المعجمة، أي [وفتح الشين] (¬5)، والشيخة: رملة بيضاء في بلاد بني أسد، وحنظلة. ذكره الصاغاني (¬6)، ثم قال: قال ذو الخِرَق الطهوي: ويستخرج اليربوع من نافقائه ... إلخ، وذكره بالخاء المعجمة، ويروى بالشيحة بباء الجر، وكذا وقع في نوادر أبي زيد (¬7). قوله: "اليتقصع" أي: يدخل، هكذا رواه أبو محمد الخوارزمي (¬8) عن الرياشي (¬9)، ووقع في نوادر أبي زيد: المتقصع، ثم فسره وقال: المتقصع: متفعّل، من القاصعاء (¬10). 6 - قوله: "يكرع" أي: يقطع أكارعه. ¬
7 - قوله: "فَنُحذِي": من الإحذاء، وهو الإعطاء، يقال: أحذيته من الغنيمة أي: أعطته منها، والاسم: الحُذْيَا على فُعْلى بالضم، وهو القسمة من الغنيمة، ومادته: حاء مهملة وذال معجمة، قوله: "وننقع" بالقاف، أي: نروى، وقال الرياشي: حفظى وتمنع، قلت: هو أنسب لقوله: فنحذي (¬1) فافهم. الإعراب: قوله: "يقول": جملة من الفعل والفاعل، و "الخنا": مفعوله، وقد قلنا: إن معنى يقول: يفوه؛ فلا يستدعي الجملة لتكون مقولًا له، و "وأبغض العجم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "صوت الحمار". فإن قلتَ: صوت الحمار حدث، فكيف يقع خبرًا عن الجثة؟ فإن أبغض مضاف للجثة (¬2)، وهي العجم فيكون جثة؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه. قلتُ: تقدير الكلام: أبغض أصوات العجم، فافهم. قوله: "ناطقًا" أي: مصوتًا أو رافعًا صوته، وانتصابه على أنه حال من المبتدأ وهو " أبغض" على رأي من يجوز وقوع الحال منه (¬3)، ويحتمل أن يكون من فاعل يقول، إلا أنه من حيث اللفظ ضعيف للفاصل بين المبتدأ وخبره بأجنبي، ولا يجوز أن يكون حالًا من الحمار؛ لأن تابع المضاف إليه لا يتقدم على المضاف (¬4). قيل: ولا يجوز أن يكون أيضًا من العجم؛ لتذكير الحال، اللَّهم إلا أن يقال: ناطقًا بمعنى: ذات نطق، أو بمعنى المذكور، أي: ناطقًا ذلك، أي المذكور. قلت: يجوز أن يكون حالًا من العجم، وتصح الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف عاملًا في الحال أو كان بعض المضاف إليه وكلاهما موجود هنا (¬5) وكان حقه أن يقال: ناطقة أو ناطقان، إلا أنه أناب المفرد عن الجمع للضرورة كقوله (¬6): .................... ... كلوا في بعض بطنكم تعفقوا ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "اليجدع": حيث أدخل الألف واللام [فيه] (¬1) على الفعل المضارع، لأنه أجراه مجرى الصفة، لأنه مثلها في المعنى، وأجيب على هذا أنه ضرورة (¬2)، وقيل: إنه لا ضرورة فيه، لأنه كان يمكن أن يقول: يجدع، بدون الألف واللام لاستقامة الوزن (¬3) وكذا يقول: المتقصع في البيت الآخر، (قلت): ذلك مسلم، وأما في هذا فيلزم (¬4) الإقواء (¬5) في البيت، وهو عيب (¬6). الشاهد السادس والعشرون بعد المائة (¬7)، (¬8) فِي المُعَقِّبِ البغيُ أهْلَ البغيِ مَا ... يَنْهَى امْرأً حَازِمًا أَنْ يَسْأَما أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط المجزوء السالم. ومعنى البيت: في الشيء الذي يعقب البغيُ أهلَ البغي من النكال ما يمنع الرجل الحازم أن يسأم من سلوك طريق السداد، و "البغي": هو الظلم والعدوان، و "الحازم": من الحزم، وهو ضبط الأمر وتوثيقه، قوله: "أن يسأما": من سئم (¬9) الرجل يسأم، من باب علم يعلم سأمًا وسآمة وسأْمًا إذا مَلَّ. الإعراب: قوله: "في المعقب البغي" المعقب: اسم فاعل، من أعقب، فهو مما يتعدى إلى مفعولين، قال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا} [التوبة: 77] والبغي: مرفوع لأنه فاعله، و "أهل البغي": كلام إضافي مفعول أول، والمفعول الثاني هو العائد المحذوف، والأصل: في المعقبه، والألف واللام فيه بمعنى الذي ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد المائة
والعائد محذوف كما قدرنا، والجملة خبر عن قوله: "ما ينهى" وكلمة: "ما": مبتدأ مؤخر وهي موصولة، و "ينهى" صلتها ويجوز أن تكون "ما" موصوفة، قوله: "امرأ" مفعول لقوله: "ينهى"، و "حازمًا": صفة له، قوله: "أن يسأما" أن: مصدرية، والتقدير: ينهى امرأ عن السامة في سلوك طريق السداد. الاستشهاد فيه: على حذف العائد المنصوب بالوصف، وهو قوله: "في المعقب البغي" أي: في الذي يعقبه البغي كما ذكرنا (¬1) وهو قليل، والكثير حذف العائد المنصوب بالفعل، وقد قيل: إن هذا لا يحسن مثالًا لما في النظم؛ لأن كلام الناظم في الحذف القيس في النثر، ومتى كان الموصول (¬2) الألف واللام كان الحذف ضرورة (¬3). الشاهد السابع والعشرون بعد المائة (¬4)، (¬5) وَيَصْغُرُ فيِ عَينِي تِلادِي إِذَا انْثنَتْ ... يَمِينِي بإِدْرَاكِ الذِي كُنْتُ طَالِبًا أقول: قائله هو سعد بن ناشب من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وكان أصاب دمًا فهدم بلالُ دارَه، ويقال: إن الحجاج هو الذي هدم دارَه بالبصرة وحرَّقَها، وهو من قصيدة بائية من الطويل وأولها هو قوله: 1 - سأَغْسِلُ عَنِّي العَارَ بالسَّيفِ جَالِبًا ... علَيّ قضاءُ اللَّه ما كانَ جَالِبًا ¬
2 - وَأُذْهَلُ عنْ دَارِي وأجعَلُ هَدْمَهَا ... لِعِرْضِي مِنْ بَاقِي المذَمَّةِ حَاجِبا 3 - ويصغر ...................... ... ............................ إلخ 4 - فَإِنْ تَهْدِمُوا بالغَدْرِ دَارِي فإِنَّهَا ... تُرَاثٌ كريمٌ لا يخافُ العَوَاقِبا 5 - أَخي عَزَماتٍ لا يُرِيدُ على الذي ... يهمُّ بهِ منْ مُفْظِع الأمرِ صَاحِبا 6 - إذَا هَمَّ لم تردعْ عزِيمَةُ هَمِّهِ ... وَلَم يَأْتِ مَا يَأْتِي مِنَ الأَمْرِ هَائِبا 7 - فيَا لَرِزَامِ رشحُوا بِي مُقَدِّمًا ... إلى المَوْتِ خَوَّاضًا إِلَيهِ الكَرَائِبا 8 - إِذَا هَمَّ ألقى بَيَن عَينَيهِ عَزْمَهُ ... ونَكَّبَ عَنْ ذِكْرِ العَوَاقِبِ جَانِبا 9 - وَلَم يَسْتَشِرْ فيِ أَمْرِهِ غير نَفْسِهِ ... ولَم يَرضَ إلا قَائِمَ السَّيفِ صَاحِبا 10 - فَلا تُوعِدُونِي بالأميرِ فَإنَّ لي ... جَنَانًا لأكْنَافِ المخاوفِ رَاكبا 11 - وَقَلْبًا أَبِيًّا لا يُرَوَّعُ جأْشُهُ ... إذَا الشرُّ أَبْدَى بالنَّهَارِ كَوَاكِبا 3 - قوله: "تلادي" بكسر التاء المثناة من فوق؛ وهو ما تنتجه أنت من مال ومال تليد، قال ابن فارس: التليد: ما اشتريته صغيرًا فنبت (¬1) عندك (¬2)، وأراد بقوله: "ويصغر في عيني تلادي" صغرَ القدرِ، وخص التلاد؛ لأن النفس به أضن، ونبه بهذا الكلام على أنه كما يخف على قلبه ترك الدار خشيةَ التزام العار، كذلك يقل في عينيه إنفاق المال عند إدراك المطلوب، قوله: "إذا انثنت" أي: إذا انصرفت. المعنى: يحقر في عيني أعز أموالي ولا أراه [شيئًا] (¬3) إذا ظفرت بإدراك ما أنا طالبُه. 5 - قوله: "أخي عزمات" ويروى: أخي غمران؛ وهي معظم الماء ومجتمعه، قوله: "من مفظع الأمر" بالظاء المعجمة أي: من معضل الأمر- بالضاد. 6 - قوله: "لم تردع": من الردع، وهو الكف. 7 - قوله: "فيا لرزام": قبيلة. 8 - قوله: "همّ" أي: قصد، قوله: "عزمه" يروى بإضافة العزم إلى ضميره، وعزمة بالتأنيث. 9 - قوله: "ولم يستشر في أمره" ويروى: في رأيه، قوله: "غير نفسه" ويروى: غير عزمه ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة
بإضافة العزم إلى الضمير، قوله: "صاحبًا" إما مفعول "يرضى"، فالمستثنى مقدم، وإما حال من المستثنى (¬1) والاستثناء مفرغ. الإعراب: قوله: "تلادي": فاعل لقوله: "ويصغر"، قوله: "عيني": فاعل لقوله: "إذا انثنت" وجواب "إذا" تقدم عليه وهو قوله: "يصغر" والباء في: "بإدراك" يتعلق بها، وقوله: "كنت طالبًا": جملة وقعت صلة الموصول. الاستشهاد فيه: على حذف العائد المجرور بإضافة الوصف إليه وهو (¬2) قوله: "كنت طالبا" أي كنت طالبه، كما في قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] أي: ما أنت قاضيه (¬3). الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة (¬4)، (¬5) أطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوي ... إِلَى بَيتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن غالب بن قطعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، ويكنى: أبا مُلَيكَة، وجرول (¬6) في اللغة: الحجر، والحطيئة: تصغير حطأة؛ وهي الضرطة، قال الجوهري: الحطيئة: الرجل القصير (¬7)، قال ثعلب (¬8): سمي الحطئة لدمامته (¬9)، قدم الحطيئة المدينة أول خلافة عمر بن الخطاب -رضي اللَّه تعالى عنه- والحطيئة ¬
يهجو بهذا البيت امرأته. وهو من الوافر وفيه العصب- بمهملتين والقطف. قوله: "أطوف ما أطوف" تطويفًا وتطوافًا، والتشديد فيه للتكثير، وأراد: أُكثر من الدوران والطواف، ويروى: أُطَرَّد بالدال المهملة، وهو مثل: أطوف، وهكذا رواه يعقوب (¬1). قوله: "ثم آوي إلى بيت": من أوى الإنسان إلى منزله يأوي أويًا، قوله: "قعيدته" قعيدة الرجل: امرأته، وقعيدهُ: الذي يصاحبه في قعوده، فعيل بمعنى فاعل، وتجمع القعيدة على قعائد، وأما قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] فهي جمع قاعد، وهي المرأة المسنة الكبيرة هكذا يقال بغير هاء، أي أنها ذات قعود، وأما قاعدة فهي فاعلة من قعدت قعودًا، ويجمع على قواعد -أيضًا-. قوله: "لكاع" بفتح اللام والكاف، على وزن قطَامِ، وتوصف به المرأة، ويقال للرجل: لكع وللمرأة: لكاع وهو اللئيم، ويقال: الوسخ، ويقال: الخبيث، واشتقاقه من: لكع يلكع لكعًا، وقال ابن فارس: لَكُعَ الرجل إذا لؤُم لكاعةً فهو ألكع، يقال: يا لُكع وللاثنين: يا ذَوَيْ (¬2) لُكَع، ويقولون: بنو لكيعَةَ، وقال: واشتقاق ذلك من اللكع وهو الوسخ (¬3). قلت: هذه الصفة تستعمل في سبِّ الإناث نحو: يا لكاع، ويا خباث، وهو عند سيبويه مقيس في كل وصف ثلاثي، ولا يستعمل إلا مبنيًّا على الكسر لشبهه بنزال، فلكاع معدول عن لكعة، وخباث معدول عن خبثة (¬4). ¬
الإعراب: قوله: "أطوف": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "ما أطوف" كلمة (ما) مصدرية. والمعنى: أطوف الطواف الكثير وهو من المصادر السادة مسد الظروف؛ كأنه قال: مدة طوافي. قوله: "ثم آوي": جملة من الفعل والفاعل، عطف على قوله: "أطوف" و "إلى بيت" يتعلق به، قوله: "قعيدته" مبتدأ، و "الكاع": خبره، والجملة صفة للبيت. فإن قلتَ: هذه الصيغة لا تستعمل إلا في النداء فكيف حكمها؟ قلتُ: تقع في غير النداء في ضرورة الشعر ومنه البيت، و "لكاع" ها هنا مبني على الكسر ولكنه في محل الرفع على الخبرية. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما أطوف" وذلك لأنه أوصل ما المصدرية [الظرفية] (¬1) بالفعل المضارع المثبت وهو قليل، [والأكثر] (¬2) أن توصل المصدرية بالماضي، أو بالمضارع المنفي بلم نحو: لا أصحبك ما لم تضرب زيدًا (¬3). وفيه استشهاد آخر: وهو أن فِعال لا يستعمل في غير النداء إلا نادرًا، فلا يجوز في السعة: جاءتني لكاعِ، إلا أن يجعل لكاع علمًا للمرأة ثم يعدل عنه، هكذا قال عبد القاهر الجرجاني -رحمه اللَّه تعالى - (¬4) وإنما اختص بالنداء أشباه هذا؛ لأن التعريف لا يكون إلا به؛ ألا ترى أن نحو خبيثة وفاسقة ليس بعلم، وإنما يتعرف بالنداء؛ فلهذا خص بالنداء في حال السعة (¬5). ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة (¬1)، (¬2) مَنْ لا يَزَالُ شَاكِرًا عَلَى الْمَعَهْ ... فَهُوَ حَرٍ بِعَيش ذَاتِ سَعَهْ أقول: قائله راجز لم أقف على اسمه، وهو من الرجز المسدس. قوله: "على المعه" أي على الذي معه، قوله: "فهو حر" بفتح الحاء وكسر الراء، أي: فهو جدير لائق بعيشة واسعة، يقال: فلان حَرٍ بكذا، وهم أحراء بكذا، وكذا يقال: فلان حريّ بكذا، على وزن فعيل، وحريٌّ بكذا، وبالحري أن يكون كذا -بفتح الحاء والراء، أي: جدير وخليق، والمثقل يثنى ويجمع ويؤنث، تقول: حريان وحريون وحرية، والمخفف يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث على حالة [واحدة] (¬3)؛ لأنه مصدر، وذكره (¬4) ابن فارس في باب: حرو بالواو في آخره، ثم قال: وأنت حري أن تفعل كذا: لا يثنى ولا يجمع. فإن قلت: حري، قلت: حريان وأحرياء وهو (¬5) محراة بكذا (¬6)، وقال الجوهري: إذا قلت: هو حر بكسر الراء وحريٌّ على وزن فعيل، ثنيت وجمعت، فقلت: هما حريان، وهم حريون وأحرياء، وهي حرية، وهن حريات وحرايا، وأنتم أحرٍ (¬7)؛ جمع حرٍ (¬8). الإعراب: قوله: "من": مبتدأ، وخبره قوله: "فهو حر" ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط (¬9)، وقوله: "لا يزال": صلة للموصول، و "شاكرًا " نصب؛ لأنه خبر لا يزال. قوله: "على المعه": جار ومجرور يتعلق بـ "شاكرًا"، والألف واللام فيه بمعنى الذي [أي على الذي معه] (¬10) أي: على الخير الذي معه، أو على المال أو نحو ذلك، وكلمة: "مع" للمصاحبة ¬
الشاهد الثلاثون بعد المائة
وهي اسم بدليل دخول التنوين عليه في قولك: معًا، ودخول الجار في حكاية سيبويه: ذهبت (¬1) من مَعِهِ (¬2)، وقرأ بعضهم: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} (¬3) [الأنبياء: 24]، وقد تسكن عينه ضرورة؛ لأنه لغة قوم (¬4) وذهب النحاس (¬5) أنها حينئذ مبنية (¬6) وليس كذلك (¬7). قوله: "فهو" مبتدأ، و: "حر" خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول كما ذكرناه، والباء في: "بعيشة" تتعلق بقوله: "حر"، وقوله: "ذات سعة" بالجر: صفة للعيشة. الاستشهاد فيه: في قوله: "على المعه" حيث وصل الموصول بالظرف، وهو شاذ على خلاف القياس (¬8). الشاهد الثلاثون بعد المائة (¬9)، (¬10) مِنَ القَوْم الرسُولُ الله منهُم ... لَهُم دَانَتْ رقَاب بَنِي مَعَدّ أقول: أنشده ابن مالك للاحتجاج ولم يعزه إلى قائله. وهو من الوافر. قوله: "دَانَتّ" أي: ذلت وخضعت، و "بنو معد": هم بنو قريش وهاشم، -ومعد بفتح ¬
لميم هو ابن عدنان بن أدّ بن أدد بن هميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل - صلوات الله عليه وسلامه (¬1). الإعراب: قوله: "من القوم الرسول الله" أصله: من القوم الذين رسول الله منهم، فالألف واللام في الرسول موصولة، وقوله: "الرسول الله منهم": جملة اسمية من المبتدأ والخبر، وقعت صلة للموصول، ومنهم من لم يثبت ذلك وحمل البيت على أن تكون الألف واللام مبقاة من الذين، والأصل: من القوم الذين كما ذكرنا، وحذف الكلمة، وإبقاء حرف منها جاء في الضرورة، ومن ذلك قوله (¬2): نادوهم إلّا ألجموا ألاتا ... قالوا جميعا كلهمْ إلافَا يريدون ألا تركبون وإلا فاركبوا (¬3)، قوله: "رقاب بني معد": كلام إضافي مبتدأ، وخبره الجملة المتقدمة يعني: قوله: "لهم دانت"، والتقدير: رقاب بني معد دانت لهم، ويجوز أن رقاب مرفوع على أنه فاعل لدانت (¬4)، و "لهم" في الحالتين يتعلق بدانت. الاستشهاد فيه: في قوله: "الرسول الله منهم" حيث أتى الشاعر بوصل الألف واللام الموصولة على صورة الجملة الاسمية على وجه الشذوذ بخلاف القياس (¬5). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة (¬1)، (¬2) وَقد كنْتُ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقبَةً ... فَبُح لان مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ أقول: قائله هو عنترة بن شداد بن معونة (¬3) بن مالك بن قطعة بن عبس، وشداد هو فارس جروة، وجروة فرسه، وكانت أم عنترة حبشية، وكان له من أمه أخوة عبيد، وكان من أشد الناس بأسًا، وهم شاعر مشهور وفارس مذكور، والبيت من قصيدة حائية من الطويل وأولها [هو] (¬4) قوله (¬5): 1 - طَرِبْتَ وهاجتْك الظِّبَاءُ السَّوَانِحُ ... غَدَاةَ غدَا مِنْهَا سَنِيحٌ وبَارحُ 2 - فمالتْ بِيَ الأَهْوَاءُ حَتى كَأنَّمَا ... بِزَنْدَيْنِ فيِ جَوْفيِ مِنَ الوَجْدِ قادحُ (¬6) 3 - وقد كنت تخفي ............. ... .......................... إلخ (¬7) 4 - لعمري لقد أَعْذَرْتُ لَوْ تَعْذِرِينَنِي ... وخَشّنْتِ صَدْرًا غَيبُهُ لَكِ ناصحُ 5 - أعاذلُ كم مِن يَوْمِ حَربٍ شَهِدْتُهُ ... له مَنظَرٌ بَادي النّوَاجِذِ كالحُ 6 - فلمْ أَرَ حَيًّا صابَرُوا مِثْلَ صَبرِنَا ... ولَا كَافَحُوا مثلَ الذينَ نُكَافِحُ 7 - إذَا شِئْتُ لاقَانِي كَمِيٌّ مُدَجّجٌ ... علَى أَعْوَجِيّ بِالطِّعَانِ مُسَامِحُ 8 - نُزَاحِفُ زَحْفًا أو نُلَاقِي كَتِيبَةً ... تُطَاعِنُنَا أوْ يَذْعَرُ السّرْحَ صَائِحُ 9 - فلمَّا التَقَينَا بِالجِفَارِ تَضَعْضَعُوا ... وَرُدّتْ علَى أَعقَابِهِنّ المَسَالِحُ 10 - وسارتْ رجالٌ نحوَ أخرى عليهمُ ال ... حديدُ كَمَا تَمْشِي الجِمَالُ الدُّوَالِحُ 11 - إذا ما مشَوْا في السابغَاتِ حسبتَهم ... سُيُولًا وقدْ جَاشَتْ بهنَّ الأباطِحُ 12 - فأُشْرِعَ رَايَاتٌ وتحتَ ظلالِهَا ... من القومِ أبناءُ الحروبِ المَرَاجِحُ ¬
13 - ودُرْنَا كَمَا دارتْ على قُطْبِهَا الرَّحَى ... ودارتْ على هامِ الرِّجَالِ الصفائحُ 14 - بهَاجِرَة حتى تغيَّبَ نُورُهَا ... وأقبلَ ليلٌ يقبضُ الطرفَ سايحُ 15 - تداعَى بنُو عبسٍ بكل مُهَنَّدٍ ... حسَامٍ يُزيلُ الهَامَ والصَّفُّ جانحُ 16 - وكل رُدينيٍّ كَأَنَّ سنانَهُ ... شِهابٌ بَدَا في ظلمةِ الليلِ واضحُ 17 - فخلوا لنا عوذ النساء وجببوا ... عباديد منها مستقيم وجامح 18 - وكل كَعَابٍ خَذْلَةِ السَّاقِ فَخمة ... لها مَنصبٌ في آل ضَبةٍ طامحُ 19 - تركنَا ضِرَارًا بيَن عَانٍ مُكَبّلٍ ... وبينَ قتيلٍ غابَ عنهُ النوائحُ 20 - وعَمرًا وحيَّانًا تركْنَا بقَفْرَةٍ ... تعودُهُمَا فيها الضِّبَاعُ الكوَالِحُ 21 - يُجَرِّرْنَ هَامًا فَلَّقَتْهُ سيوفُنَا ... تَزَيّلَ مِنْهُن اللِّحَى والمَسَايحُ 1 - قوله: "طربت": من الطرب، وهو خفة الشوق، ويستعمل في السرور والجزع، و"هاجتك": بعثت شوقك وهيجته، و" السانح والسنيح" ما أتاك [عن يمينك] (¬1) فولاك مياسره من ظبي أو غيره، و"البارح" ضده. 2 - و "القادح": الذي يقدح النار. 3 - قوله: "سمراء"؛ اسم محبوبته، قوله: "حقبة" -بكسر الحاء المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة ومعناها: مدة طويلة، وإلا فالحقبة في اللغة تطلق على ثمانين عامًا، ويجمع على حقب بكسر الحاء وفتح القاف، وقد ضبطه بعضهم: خفية، من خفي الشيء يخفى وأخفيته إذا سترته، [وهو في خفية بضم الخاء، وقال ابن الأثير: يقال خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا مشرته] (¬2)، والصحيح: حقبة بالحاء المهملة والقاف، وقوله: "فبح لان" بح- بضم الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة. أمر من باح بالشيء يبوح به إذا أعلن، والبائح فاعل منها، وقوله: "لان" أصله: الآن، فحذف الشاعر منه الهمزتين، ويقال: لان لغة في الآن كما يقال فيه: تلان -أيضًا- بالتاء المثناة من فوق قال الشاعر (¬3): ¬
تولي قبل نأي دار جمانا ... وصلينا كما زعمت تلانا أي: الآن، وقد روى الأعلم هذا البيت هكذا (¬1). تعزيت عن ذكرى سمية حقبة ... فبح عنك منها بالذي أنت بائح (¬2) ثم قال: الحقبة يعني: السنة (¬3)، قوله: "فبح عنك منها" أي: أخبر عن نفسك ما كنت تكتمه من حبها والاشتياق إليها. 4 - قوله: "أعذرت" أي: بالغت، يقال؛ أعذر في الأمر إذا بالغ فيه، وعذر إذا قصر، و "غيب الصدر": ما ينطوي عليه ويستره. 5 - و "النواجذ": آخر الأضراس، و "الكالح": العابس الذي تقلصت شفتاه حتى بدت أضراسه. 6 - و "المكافحة": المواجهة والمقابلة في الحرب. 7 - و"الكمي": الشجاع، "والمدجج": الداخل في السلاح، و "الأعوجي": الفرس المنسوب إلى أعوج؛ فحل قديم، و "مسامح" أي: سخي بالطعان سمح به، وهو صفة للمدجج. 8 - قوله: "أو يذعر السرح" أي: يفزعها عند الغارة عليها، والصياح لها، و "السرح": الإبل الراعية. 9 - قوله: "بالجفار" بكسر الجيم وتخفيف الفاء (¬4)، وهو ماء لبني ضبة، قوله: "تضعضعوا" أي: تفرقوا، و "المسالح": المراصد من الخيل، مثل مسالح الطرق، وهي المواضع [التي] (¬5) يكون فيها أهل السلاح يحمون الطريق. ¬
10 - و"الجمال الدوالح" أي المثقلة. 11 - و "السابغات": الدروع الكاملة، قوله: "جاشت" أي: غلبت واضطربت. 12 - قوله: "فأشرع رايات" أي: قوبل بعضها ببعض، "وأبناء الحروب": أهلها المقاتلون فيها، سموا بذلك؛ لأن الحرب تجمعهم فكأنها أمٌّ لهم، ولذلك قيل للحرب الشديدة الهلكة: عقيم، يراد. أن أبناءها قتلوا ولم تلد (¬1). 13 - و "قطب الرحى": ما تدور عليه، و "الهام": جمع هامة، وهي الرأس، و "الصفائح": ما عرض من السيوف. 14 - قوله: "يقبض الطرف" أي: يذهب نوره بظلمته، و "السايح" -بالياء آخر الحروف بعد الألف، ومعناه: المنبسط الظلمة. 16 - و "الرديني": الرمح، نسب إلى ردينة، وهي امرأة كانت تبيع القنا، أو قبيلة. 17 - قوله " عوذ النساء" بالذال المعجمة جمع عائذ، وهي التي ولدت حديثًا فولدها عائذ بها لصغره، قوله: "جببوا" أي: هربوا، و "العباديد": المتفرقون، و "الجامح": الذي في غير استقامة. 18 - و "الكعاب": التي نهِد ثدياها فصار كالكعب، و "خذلة الساق" أي: غليظتها، و "فخمة" أي عظيمة، و "الطامح": المرتفع، يقول (¬2) موضعها رفيع شريف. 19 - قوله: "ضرارًا" يعني: ضرار بن عمرو الضبي (¬3)، و "العاني": الأسير، و "المكبل": المشد وِثَاقًا. 20 - و "عمرو وحيّان": من بني ضبة، و "القفرة": الفلاة، و "الكوالح": التي كشرت عن أنيابهن. 21 - و "المسايح" بالياء آخر الحروف بعد الألف، وهي ذوائب مقدم الرأس، واحدتها مسيحة. الإعراب: قوله: "وقد كنت تخفي" بالواو للعطف على ما قبله، وتخفي: جملة في محل النصب على أنها خبر كان، وقوله: "حب سمراء": كلام إضافي مفعول لـ "تخفي"، قوله: "حقبة" نصب ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة
على الظرف، قوله: "فبح": جملة من الفعل والفاعل، والفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره: إذا كان كذلك فبح، قوله (¬1): "لان" أي الآن، نصب على الظرف، وكلمة: "من والباء": كلاهما يتعلق بقوله فبح. وقوله: "بالذي" في محل النصب؛ لأنه مفعول "فبح" لأنه يتعدى بالباء، قوله: "أنت بائح": جملة اسمية وقعت صلة للموصول، والعائد محذوف تقديره: أنت بائح به. الاستشهاد فيه: [في قوله: "بالذي أنت بائح"] (¬2)، وذلك لأن العائد إذا كان مجرورًا بحرف لا يحذف إلا إذا دخل على الموصول حرف مثله نحو: مررت بالذي مررت به، فلك أن تقول: مررت بالذي مررت [به، ولك أن تقول: مررت بالذي مررت] (¬3) بدون به، وكذلك قوله: "بالذي أنت بائح" وأصله بائح به، كما قلنا. الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة (¬4)، (¬5) وَإن الَّذِي حَانَتْ بِفَلْج دِمَاؤُهُم ... هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد أقول: قائله هو الأشهب بن زميلة النهشلي، وزميلة بالزاي المعجمة أمه (¬6)، وهي أمه لخالد بن مالك بن رِبْعَي بن سلمة بن جندل بن نهشل بن دارم بن عمرو بن تميم، وهو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة بن عبد المدان بن جندل بن نهشل بن دارم. وكان يكنى أبا ثور، شاعر إسلامي محسن متمكن، وكان بينه وبين الفرزدق هجاء وذلك في أول أمر الفرزدق فغلبه الفرزدق. ¬
والبيت الذكور من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - ألَم تَرَ أنِّي بَعْدَ عَمْرو وَمَالِكٍ ... وَعُرْوَةَ وابْنَ الهول لَسْتُ بِخَالِد 2 - وَكَانُوا بَنِي سَادَاتِنَا فَكَأنمَا ... تُسَاقَوْا علَى لوح دِمَاء الأَسَاودِ 3 - وَمَا نَحْنُ إِلَّا مِثْلُهُم غَيرَ أننَا ... كَمُنْتَظِرٍ ظَمَأً وآخَرَ وَاود 4 - هُمْ سَاعِدُ الدَّهْرِ الذِي يُتَّقَى بِهِ ... وَمَا خَيرُ كَفٍّ لا تَنُوءُ بِسَاعِدِ (¬1) 5 - أُسُودُ شَرًى لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ ... تَسَاقَتْ عَلَى لوحِ سمَام الأَسَاودِ (¬2) 6 - وَإنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُم ... هُمُ القَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد وقد نسب أبو تمام -في كتابه المختار من أشعار القبائل هذه الأبيات إلى حريث بن مُخَفِّض (¬3). 2 - قوله: "دماء الأساود": جمع أسودة، والأسودة: جمع سواد، والسواد: الشخص، وأراد بالأساود شخوص الموتى. 5 - قوله: "أسود شرى" بفتح الشين العجمة والراء، وهو طريق في سلمى كثير الأسود، قوله: "أسود خفية" مثل قولهم: أسود جلية، وهما مأسدتان، و "السمام": جمع سم. 6 - قوله: "وإن الذي حانت" ويروى: وإن الألى حانت، أي: هلكت، من الحَين -بفتح الحاء وهو الهلاك، قوله: "بفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم وهو الموضع بين البصرة وضربة، وهو مصروف، وأما فَلَجة- بتحريك اللام فهو اسم مدينة بأرض اليمن فيها منبر وتسمى فلج الأفلاج، وكذلك فلج: أرض من مساكن عاد، قوله: "دماؤهم" أي: أنفسهم (¬4). الإعراب: قوله: "وإن الذي" الواو للعطف، و "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله؛ "الذي" موصول، و "حانت بفلج دماؤهم" جملة من الفعل والفاعل صلة للموصول، والمجموع اسم إن، وقوله: "هم": مبتدأ، و "القوم" خبره، و "كل القوم": كلام إضافي ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة
تأكيد لأجل المدح والثناء، والجملة خبر إن، قوله: "يا أم خالد": منادى مضاف منصوب. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإن الذي" حيث حذف الشاعر النون من "الذين"؛ إذ أصله: وإن الذين حانت [بفلج] (¬1) دماؤهم وذلك للتخفيف (¬2). وقد قيل: إن حذف النون ها هنا للضرورة (¬3). قلت: هذه لغة هذيل؛ فلا يحتاج إلى دعوى الضرورة، على أنه ورد في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] (¬4)، واللَّه أعلم. الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة (¬5)، (¬6) رُبمَا تَكْرَهُ النفوسُ مِنَ الأَمـ ... ـر لَهُ فَرْجَة كَحَلِّ العِقَالِ أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت، وذكر في الحماسة البصرية أن قائله: هو حنيف بن عمير اليشكري (¬7)، ويروى: أنه لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب- لعنه اللَّه تعالى، والأول أشهر، وقبله: 1 - صَبر النَّفْسَ عِنْدَ كُلِّ مُلِمٍّ ... إِنَّ فيِ الصَّبْرِ حِيلَةَ المحتَالِ 2 - لا تَضِيقَن بالأمُورِ ذَرْعًا فَقَدْ ... يَكْشِفُ عَمَّاؤُهَا بِغَيْرِ احْتِيَالِ (¬8) ¬
وهي من الخفيف، وفيه الخبن والتشعيث. 1 - قوله: "صبر النفس" أي: احبسها عن الجزع، "عند كل ملم" أي: عند كل مصيبة من مصائب الدنيا. 2 - قوله: "عماؤها" بالعين المهملة وتشديد الميم (¬1) للضرورة، والعماء في اللغة: السحاب الرقيق، سمي بذلك؛ لأنه (¬2) يُعمي الأبصار عن رؤية ما وراءه، وأراد بها ها هنا ما يحول بين النفس ومرادها. 3 - قوله: "ربما تكره النفوس" وفي رواية سيبويه: "ربما تجزع النفوس" (¬3)، قوله: "فرجة" بفتح الفاء، وهي التفصي والانفراج، وقال النحاس: الفرجة -بالفتح في الأمر، والفرجة- بالضم فيما يرى من الحائط ونحوه (¬4)، قوله: "العقال" بكسر العين، وهو القيد، وقال ابن الأثير: العقال: الحُبَيل الذي ينعقل (¬5) به البعير. المعنى: رب شيء تكرهه النفس (¬6) من الأمر سهل كحل عقال الدابة. الإعراب: قوله: "ربما" رب حرف جر، وكلمة ما: بمعنى شيء، نكرة مجردة عن معنى الحرف، ناقصة [موصوفة، والتقدير: رب شيء تكرهه النفوس؛ فحذف العائد الذي هو مفعول "تكره"] (¬7) والجملة صفة ما، ويجوز أن تكون ما كافة والفعول المحذوف اسمًا ظاهرًا، أي: قد تكره النفس (¬8) من الأمر شيئًا، أي: وصفًا فيه، أو الأصل من الأمور أمرا، وفي هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفي الأول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف؛ إذ الجملة بعده صفة، له هذا الذي ذكره ابن هشام (¬9). قلتُ: إذا كانت ما كافة تبقى: "مِن" التبيينية بعدها خالية عن الفائدة (¬10). ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة
وقيل: يجوز أن تكون "ما" هي المهيئة لدخول "رب" على الجملة (¬1). قلتُ: يلزمه في ذلك حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ إذ التقدير حينئذ: رب تكره النفوس شيئًا من الأمر. وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه (¬2): ويجوز أن تكون "ما" في [هذا] (¬3) البيت فاصلة، قوله: "من الأمر" صفة أخرى بعد صفة، قوله: "له فرجة": جملة ابتدائية، صفة أخرى -أيضًا-، والضمير في: "له" يرجع إلى "ما"، أي: لهذا الشيء المكروه انفراج. الاستشهاد فيه: على وقوع "ما" موصوفة بمعنى شيء في قوله: "ربما تكره النفوس" (¬4)، وقال صاحب الإقليد: "ما" حقها أن تكتب مفصولة؛ لأن "ما" اسم نكرة موصوفة لا زائدة؛ كما في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159] (¬5)، "وما" ها هنا ليست بموصولة؛ لأن الموصول معرفة، و "رب" لا تدخل إلا على النكرات (¬6). الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة (¬7) , (¬8) وَكَفَى بِنَا شَرَفًا عَلَى مَنْ غَيرنَا ... حُبُّ النَّبِي مُحَمَّدٍ إِيَّانَا أقول: قائله هو حسان بن ثابت شاعر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال: قائله هو بشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ويقال: الأصح أنه لكعب بن مالك الأنصاري الخزرجي (¬9)، اختلفوا في ¬
شهوده بدرًا، والصحيح أنه لم يشهدها، وهو أحد الثلاثة الذين: {خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118]، وهم كعب بن مالك، ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية (¬1) وكان كعب من شعراء النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). والبيت من الكامل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وكفى بنا" الواو للعطف على ما قبله، و "كفى" فعل ماضٍ، و "بنا" مفعوله، والباء فيه زائدة كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع" (¬3) ويقال: إن الباء في البيت زائدة في الفاعل، و "حب النبي": بدل اشتمال على المحل (¬4). وقوله: "شرفًا" نصب على التمييز، أي من حيث الشرف، قوله: "على من غيرنا" يتعلق بقوله: "شرفًا"، وكلمة "من" نكرة موصوفة، وصفتها هي قوله: "غيرنا"، وقال الكسائي: كلمة "من" ها هنا زائدة و "غيرنا" مجرور بـ "على" (¬5)، والأصح أن "من" ها هنا نكرة موصوفة والتقدير: على قوم غيرنا (¬6)، ويروى: على من غيرنا برفع غيرنا، والتقدير: على من هو غيرنا (¬7). قوله: "حب النبي" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه فاعل "كفى بنا"، على الوجه الأول بدل اشتمال كما ذكرنا، وقوله: "محمد" بيان من النبي، قوله: "إيانا": مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، أعني: حب النبي. الاستشهاد فيه: في قوله: "على من غيرنا" فإن "من" ها هنا إما نكرة موصوفة، أو زائدة كما ذكرنا (¬8). ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة
الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة (¬1) , (¬2) ............................... ... وَنِعْمَ مَنْ هُوَ فِي سِرٍّ وَإعْلانِ أقول: أنشده أبو علي ولم يعزه إلى قائله، وصدره: ونعمَ مَزكَاءُ مَنْ ضَاقَتْ مَذَاهِبُهُ ... .............................. وقبله: 1 - وَكَيْفَ أَرْهَبُ أَمْرًا أَوْ أُرَاعُ لَهُ ... وَقَدْ تَكَّأْتُ إِلَى بشرِ بنِ مروانِ وهما من البسيط. "مزكاء" -بفتح الميم وسكون الزاي المعجمة: مفعل، من زكأت إلى فلان؛ أي لجأت إليه، هذا من المهموز اللام، ذكره في العباب في بابه "زكأ" بالزاي المعجمة في أوله والهمزة في آخره (¬3) قال أبو زيد: زكأت إليه؛ أي: لجأت إليه (¬4) وأما بالراء المهملة فمن المعتل اللام اليائي، وقال ابن الأعرابي: أركيت إلى فلان؛ أي: لجأت إليه، ويقال: أنا مُرْتَكٍ على كذا؛ أي: معول عليه وما لي مرتكى إلا عليك. الإعراب: قوله: "ونعم" من أفعال المدح، وفاعله: "مزكاء" مضاف إلى "من"، ولا يضاف فاعل "نعم" غالبًا إلا لما يصلح إسناد "نعم" إليه (¬5)، وأما "نعم" الثانية فقد قال ابن القطاع: إنها مكررة. ويقال: إن فاعل "نعم" ها هنا مستتر، تقديره: نعم هو من هو؟ وكلمة "من" تمييز، وقوله: "هو" مخصوص بالمدح فهو مبتدأ، وخبره ما قبله، هكذا أعربه أبو علي، وحكم بأن: "من" ها هنا نكرة تامة (¬6). ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة
وقال غيره: "من" موصولة فاعل نعم (¬1)، وقوله: "هو": مبتدأ، وخبره هو آخر محذوف تقديره: نعم من هو في سر وإعلان على حد قول الشاعر (¬2): ........ وشعري شعري ... ............................ والظرف متعلق بالمحذوف؛ لأن فيه معنى الفعل، أي: ونعم من هو الثابت في حالتي السر والإعلان. قلتُ: ويحتاج في ذلك إلى تقدير: "هو" ثالث يكون مخصوصًا بالمدح (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "ونعم من" استشهد به أبو علي على أن "من" ها هنا نكوة غير موصوفة (¬4). الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة (¬5) , (¬6) دَعِي مَاذَا عَلِمتُ سَأتَّقِيهِ ... ولكن بِالمُغَيَّبِ نَبِّئِينِي أقول: قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي، وهو من قصيدة طويلة، وقد ذكرنا أكثرها في أول الكتاب (¬7): أَكُل الدَّهرِ حِلٌّ وارْتِحَالٌ ... أما يُبْقي علَيَّ ولا يَقِيني وهو من الوافر. قوله: "دعي" أي: اتركي، و "ماذا عَلِمتِ" بكسر التاء، قال النحاس: رواية أبي الحسن ¬
بكسر التاء (¬1)، ورواية أبي إسحاق: "علمتُ" بضم التاء (¬2)، قوله: "نَبِّئيني" أي: أخبريني، من النبأ وهو الخبر. الإعراب: قوله: "دعي" فعل وفاعل، وقوله "ماذا علمت": مفْعوله، و "ماذا": كلمة اسم جنس بمعنى شيء، أو موصول بمعنى الذي على خلاف فيه ها هنا، فالجمهور على أن "ماذا" كلمة مفعول دعي كما ذكرنا (¬3). وقال ابن عصفور: لا يكون "ماذا" مفعول لـ "دعي"؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هو ولا لمحذوف تفسيره: سأتقيه؛ لأن علمت حينئذ لا محل لها، بل "ما": استفهام، و "ذا": موصول خبر، "وعلمتُ": صِلة وعُلِّقَ "دعي" عن الاستفهام (¬4) .. وقال ابن هشام: إذا قدّرتَ "ماذا" بمعنى الذي، أو بمعنى شيء، لم يمتنع كونها مفعول "دعي"، وقوله: "لم يرد أن يستفهم عن معلومها" (¬5) لازم له إذا جعلَ "ماذا" مبتدأ وخبرًا ودعْوَاهُ تعليق "دعي" مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب، فإن قال: إنما أردتُ أنه قُدِّرَ الوقف على دعي، فاستأنف ما بعده، رده قول الشاعر: "ولكن"؛ فإنها لا بد أن يخالف ما بعدها ما قبلها والخالف ها هنا "دعي". فالمعنى: دعي كذا ولكن أفعل كذا، وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعدَ "دعي"؛ لأنه لا يقال: من في الدار فإنَّني أُكرِمُهُ، ولكن أخبرني عن كذا. انتهى (¬6). وقال النحَّاس: لا يكون "ذا" هنا بمعني الذي؛ لأنه لا يجوز: دعي ما الذي علمتَ، وقال أبو إسحاق: لا يكون ذا ها هنا إلا بمنزلة الاسم مع ما، وذاك أنها لا تخلو من إحدى ثلاث جهات: - إما أن تكون "ما" صلة "وذا" بمعنى الذي، وذا لا يجوز ها هنا؛ لأن "ذا" لا يكون بمعني الذي إلا مع "ما" و "من" الاستفهاميتين. ¬
- وإما أن تكون "ما" بمعنى الذي فتكون "ما" مفعوله، "وذا" مبتدأ، "وعلمت" صِلة، ويبقى المبتدأ بلا خبر. فإن قلت: أُضْمِرُ "هوَ" فكأني قلت: دعي الذي هو علمت، فهذا قبيح، والذي قال سيويه والذي لا يجوز في هذا الموضع أن تحذف هو منفصلة (¬1). الثالث: الذي يجوز وهو أن تكون "ما" مع "ذا" بمنزلة اسم واحد (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "ماذا علمت" فإن "ذا" ها هنا إما موصولة، أو نكرة موصوفة؛ أي: دعي الذي علمتيه (¬3) أو شيئًا علمتَ فافهم؛ فإنَّهُ موضع يحتاج إلي التَّرَوِّي. ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة
الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة (¬1) , (¬2) نَحْنُ الأُلَى فاجْمَع جُمُو ... عَكَ ثُمَّ وجِّههُمْ إلَينَا أقول: قائله هو عَبِيدُ -بفتح العين وكسر الباء الموحدة ابنُ الأبرص بن جشم بن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحرث بن سعد بن ثعلبة بن زودان بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، شاعر فحل فصيح من شعراء الجاهلية، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من شعراء الجاهلية، وقرن به طرفة، وعلقمة بن عبدة، وعدي بن زيد (¬3)، والبيت المذكور من قصيدة نونية، وأولها هو قوله (¬4): 1 - يا ذا المُخَوِّفَنا بِقَتـ ... ـلِ أبيهِ إذْلالًا وَحيْنَا 2 - زعَمْتَ أنَّكَ قَد قَتَلْـ ... ـتَ سَراتَنَا كذبًا ومَيْنا 3 - لولا على حُجُر بن أم ... م قطام تبكي لا علينا 4 - إنَّا إذا عَضَّ الثِّقا ... فُ بِرأسِ صَعْدِتِنَا لَوَيْنَا 5 - نَحْمي حَقيقتنا وبعدـ ... ـضُ القوم يسقط بين بينا 6 - هَلَّا سَأَلتَ جموعَ كِنْـ ... دَةَ يَوْمَ ولّوا أَيْنَ أَيْنَا؟ 7 - أيَّامَ نَضْرِبُ هَامَهُم ... بِبَواتِر حَتَّى انحَنينا 8 - نحنُ الأُلى فاجمَع جِمُو ... عَكَ ثُمّ وجِّههم إلينا وهي من [الكامل وفيه] (¬5) الإضمار والترفيل (¬6) تقول: (نحن الألى) مستفعلن مضمر، (فاجمع جمو) مستفعلن مضمر، (عك ثم وج) متفاعلن سالم، (جههم إلينا) مستفعلاتن مرفل مضمر. ¬
قوله: "حَيْنًا" أي: هلاكًا، قوله: "سراتنا" -بفتح السين والراء: جمع سريّ: وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره (¬1)، و "سراة القوم": أكابرهم وساداتهم، قوله: "مينا" -بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو الكذب، و"الثقاف" بكسر الثاء المثلثة وتخفيف القاف وفي آخره فاء؛ وهو ما تسوى به الرماح، و "الصعدة" بفتح الصاد وسكون العين وفتح الدال: المهملات، وهي القناة المستوية، تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف، قوله "لوينا": من لوى الرجل رأسه وألوى برأسه؛ أمال وأعرض، قوله "نحمي حقيقتنا" الحقيقة: ما يحق على الرجل أن يحميه، يقال: فلان حامي الحقيقة، قوله: "هامهم"؛ جمع هامة، وهي الرأس، و "البواتر": السيوف القاطعة، قوله: "نحن الألى" أي: نحن الذين عرفوا بالشجاعة فاجمع جموعك ثم وجههم إلينا؛ فإنا لا نبالي بهم، ولا هم عندنا في حساب. الإعراب: قوله "نحن": مبتدأ، وخبره قوله "الألى" وهو بمعنى الذين، وصلتها محذوفة (¬2) لدلالة قوله: "فاجمع جموعك ... إلخ" عليه. وهو موضع الاستشهاد: وهو أن الصلة لا بد منها للموصول، إما لفظًا وإما تقديرًا، والمقدر كالملفوظ عند القرينة، وهذا نحو قول الكميت (¬3): فإن أَدَعِ اللَّوَاتِي مِن أُناسٍ ... أَضَاعُوهنَّ لا أَدَعِ الّذِينَا قال أبو عبيد: الذين ها هنا لا صلة لها. والمعنى: إن أدَعْ ذكرَ النساء فلا أدع الرجال، وقال ابن هشام في فوائده: قد يذكر الموصول بغير صلة؛ كقول الكميت: فإن ادع ... إلخ (¬4)، وفيه استشهاد آخر وهو أن الألى بمعنى الذينَ. ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة
الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة (¬1) , (¬2) وإنَّ من النِّسْوَانِ مَنْ هيَ رَوْضَةٌ ... تَهِيجُ الرِّيَاضُ قبلها وتصَوّحُ أقول: قائله هو جران العود، واسمه عامر بن الحرث بن كلفة -بفتح الكاف، ويقال بضمها، ويقال: ابن كلدة وهو ابن نمير، وأحد بني ضبة بن نمير بن عامر بن صعصعة، وإنما لقب جران العود بقوله لامرأتين كانتا له: خُذَا حَذَرًا يا جَارَتَيَّ فإنَّنِي ... رأيت جِرَان العَودِ قد كان يصلُح بفتح اللام، وروي بضمها، وكلتا الروايتين صواب. والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل، يصف فيها النساء، [قال ابن حبيب] (¬3): قال أبو عمرو الشيباني (¬4): كان جِرَانُ العَوْدِ والرَّحَّال خِدْنَيِن (¬5) تِبيعَيِن، ثم إنه تزوج كل منهما فلما أن اجتمعا نَعَتَا ما لقيا، فقال جران العود في ذلك: 1 - ألا لا تَغُرَّن امْرَأً نَوْفَلِيَّةٌ ... علَي الرَّأْسِ بَعْدِي أوْ تَرَائِبُ وُضّحُ 2 - ولا فاحِم يُسْقِي الدِّهَانَ كَأنَّهُ ... أَسَاودُ يِزْهَاهَا لعَينيك أبطحُ 3 - وأذنابُ خَيلٍ عُلِّقَتْ في عَقِيصَةٍ ... ترى قُرْطَها من تحتها يَتَطَوَّحُ 4 - فإنَّ الفَتَى المغرورَ يُعْطِي تِلادَهُ ... ويُعْطي الثّنا من مالهِ ثم يُفْضَحُ 5 - ويغدُو بِمسْحَاجٍ كَأنَّ عِظَامَهَا ... مَحَاجِنُ أعرَاهَا اللِّحَاءُ المشبحُ 6 - إذا ابْتُزَّ عنها الدرع قِيلَ مُطَّرِدٌ ... أحَصُّ الذنابي والذراعين أرسح إلى أن قال: 7 - أجَلِّيِ إليهَا من بعيد وأتَّقي ... حجارتها حقًّا ولا أَتَمَزَّحُ ¬
8 - تَشجُّ طَنَابِيبِي إذا ما اتَّقَيتُهَا ... بهنَّ وأُخْرَى في الذَّؤابَةِ تنفحُ 9 - أتانا ابن روق يَبتغي اللهو عندنا ... فكان ابن رَوْقٍ بين بُرْدَيْهِ يَسْلَحُ 10 - وأنْقَذنِي منها ابن روقٍ وصوتُها ... كصَوْتِ عَلاةِ القَيِن صُلْبٌ صُمَيدَحُ 11 - وولَّى به رَادُ اليدين عِظامُهُ ... علَى دَفَقٍ مِنهَا موائر جُنَّحُ 12 - وإن من النسوان من هي روضة ... تهِيجُ الرياضُ قبلها وتصوحُ ويروى: ولسْنَ بأسْوَاءٍ فمنهن روضةٌ ... تَهِيجُ الرِّيَاضُ غيرَها لا تَصَوَّحُ 13 - جُمَاديةٌ أحْمَى حدائقَها الندى ... ومُزْنٌ تُدَلِّيهِ الجنائِبُ دُلَّحُ 14 - ومنهن غُلٌّ مقفل لا يفكه ... من القوم إلا الشَّحْشَحَانِ الصويفح 15 - عمدت لَعَوْدٍ فالتَحَيْتُ جَرَانَهُ ... وَلَلْكَيْسُ أمضي في الأمُورِ وأنْجَحُ 16 - خُذَا حَذَرًا يا جارتاي فإنَّني ... رأيت جران العود قد كان يَصْلُحُ وقال الرحال (¬1): 1 - أقول لأصْحَابِي الرَّحِيل فقربوا ... جُمَالية وَجْنَاءَ تُوزِعُ بالشفر 2 - وقربن ذيَّالًا كأن سراته ... سَراةُ نَقَى العَزَّافِ لَبَّدَهُ القَطْرُ 3 - فقلن أَرِحْ لا تحبسِ القومَ إنهم ... ثووا أشهرًا قد طال ما قد ثوى السفر وهي قصيدة طويلة من الطويل -أيضًا-. [أولًا: شرح أبيات جران العود] وهي من قصيدة طويلة من الطويل أيضًا: 1 - قوله: "نوفلية": ضرب من المشط، و "الترائب": عظام الصدر، الواحدة تريبة؛ وهي موضع القلادة، و "الوُضُح" بضم الواو، جمع واضحة. 2 - و "الفاحم"- بالفاء: الشعر الأسود كأنه حيات سود، قوله: "يزهاها" أي: يرفعها، و "الأبطح": بطن واد فيه رمل وحجارة، والجمع: أباطح. 3 - قوله: "وأذناب خَيل" أراد الذوائب، شبهها بأذناب الخيل من طولها، و "العقيصة": ما جمع من الشعر كهيئة الكُبَّةِ، والجمع عقاص، و "القرط" -بضم القاف، وهو الذي يعلق في ¬
الأذن، قوله: "يتطوح" أي: يضطرب، أراد أنها طويلة العنق، ولو كانت وقصاء لم تضطرب. 4 - قوله: "تلاده" -بكسر التاء المثناة من فوق؛ هو البالي القديم الذي يورث عن الآباء، و"التليد" مثله. 5 - قوله: "بمسحاج" -بكسر الميم وسكون السين المهملة وبالحاء المهملة ثم الجيم بعد الألف؛ هي امرأة سريعة المشي وهو عيب في النساء، و "المحاجن": الصوالجة، جمع محجن، شبه عظامها لاعوجاجها وهزالها بالمحاجن، قوله: "وأعراها" أي: نزع عنها اللجا وهو قشرها، و"المشبح": المقشور، ويقال: شبحت العود إذا قشرته. 6 - قوله: "إذا ابْتُزَّ عنها الدرع" وهو على صيغة المجهول، ومعناه: إذا انْتُزِعَ عنها الدرع وهو القميص، قوله: "قيل مطرد" أي: ذئب، ويروى: إذا ابتَزَّ عنها الدرع، على صيغة المعلوم ونصب الدرع، ويقال: المطرد: الظليم طرده الناس فنفر وهو أسمج ما يكون إذا نفر، وهو أحمر لا ريش عليه، و"الذنابي": الذنَب، وأراد "بالذراعَينِ" الساقين، قوله: "أرسح" أي: أمسح المؤخر خفيفه. 7 - قوله: "ولا أتمزح" أي: ولا أقول إلا حقًّا. 8 - قوله: "طنابيبي": جمع طنبوب، وهو عظم الساق، قوله: "تنفح" أي: تصيب بعد الإصابة. 9 - قوله: "يسلح" أي: يخرأ، ويروى: في السراويل يسلح. 10 - و "العلاة" السندان، و "القين": الحداد، و "الصميدح": الشديد. 11 - قوله: "وولى به" أي: بان ومضى به هاربًا، قوله: "راد اليدين" أي: سريع اليدين، أراد بعيرًا، و"الدفق": السرعة، و"الموائر": من مار يمور؛ إذا اضطرب، قوله "جنح" يعني: موائل. 12 - قوله: "تهيج": من هاج الشيء يهيج هيجًا وهيجانًا وهياجًا، واهتاج وتهيج أي: ثار، وهيجه غيره يتعدى ولا يتعدى، قوله: "وتصوح" أصله تتصوح فحذفت إحدى التاءين؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] (¬1)، وهو من التصوح بالصاد والحاء المهملتين وهو التشقق، قال أبو عمرو: تصوح البقل إذا يبس أعلاه، وفيه ندوة (¬2)، شبه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها وتشقق أزهارها عن غيرها من الرياض، وأراد بها: النساء التي تتأخر عن الولادة عن وقتها، وهذا تشبيه بليغ؛ حيث حذف فيه أداة التشبيه؛ لأن الأصل في قوله: ¬
"من هي روضة": من هي كروضة، وهذا تشبيه وليس باستعارة؛ لأن الطرفين مذكوران، وشرط الاستعارة أن يذكو أحد طرفي التشبيه ويترك الآخر (¬1). 13 - قوله: "جمادية" أي: مطرت في جمادى، قوله: "أحمى" أي: منع، يريد أن الأمطار كثرت فأجلست الناس عن الأسفار والمر بها فلم يُرْعَ كَلأُها فَهُوَ نامٍ، و "الندى": الأمطار، و "المزن": السحاب، قوله: "تُدْلِّيه" أي: تترك ما فيه من المطر، قوله: "دُلّح"- بضم الدال وتشديد اللام؛ أي: ثقال لكثرة الماء. 14 - قوله: "ومنهن" أي: ومن النساء، و "الشحشحان": الماضي في الأمور، و "الصويفح": الشديد الصوت الصلب، ويروى: الصلنفح وهو مثله. 15 - قوله: "عمدت" أي: قصدت، و "العَود" -بفتح العين: البعير المسن، قوله: "فَالْتَحَيْتُ"، أي: أخذت. 16 - قوله: "خُذَا حذَرًا" خطاب لامرأتيه كما ذكونا، وبهذا لقب جران العود، قوله: "يا جارتاي" ويروى. خِلَّتَيَّ، و "الجران": باطن العنق الذي يَضَعُه البعير علي الأرض إذا مَدَّ عُنُقَهُ لينام، والجمع أجرِنَة. [ثانيًا: شرح أبيات الرحال] 1 - قوله: "جمالية" أي: ناقة غليظة في خلقة الجمل، قوله: "وجْنَاء" أي. كثيرة لحم الوجنتين، قوله: "تُوْزَع" أي: يُكف من حدتها ونشاطها، و "الشفر": السكين. 2 - قوله: "قربن" يعني النساء، و "ذيالًا" يعني: بعير طويل الذنب، و "سراته": ظهره، و "النقا" من الرمل: ما طال ودق، و "العزاف" -بالعين المهملة المفتوحة وتشديد الزاي المعجمة وفي آخره فاء؛ اسم موضع، قوله: "لبده" أي: صلبه، و "القطر" أي: المطر. 3 - قوله: "ثَوَوْا" أي أقاموا. الإعراب: قوله "وإن" الواو للعطف، و "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "من هي روضة" اسمه، وخبره قوله: "من النسوان" وكلمة ["من" في:] (¬2) "مَن هي روضة": موصول، والجملة أعني: هي روضة: صلتها، قوله "تَهيجُ": فعل مضارع، و "الرياض": ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة
فاعله، ولجمله. صفة للروضة، و"قبلها" نصب على الظرف إلى الضمير الذي يرجع إلى الروضة، قوله: "وتصوح" عطف على قوله: "تهيج". الاستشهاد فيه: في قوله: "من هي روضة" حيث روعي فيه معنى "مَن" فلذلك أنث الضمير، ولو روعي فيه اللفظ لقيل: من هو، وفي مثل هذا الموضع يجب فيه مراعاة المعنى، ولا سيما إذا كان ما يعضد المعنى؛ كما في البيت. الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة (¬1) , (¬2) ............................... ... وَأَنْتَ الذي في رَحْمَةِ اللهِ أَطْمَعُ أقول: قد قيل: إن قائله مجنون بني عامر، وصدره (¬3): فيا ربَّ لَيْلَى أَنْتَ في كُلِّ مَوْطِن ... .............................. وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وأنت" مبتدأ وخبره: "الذي في رحمة الله أطمع"، والتقدير: وأنت الذي أطمع في رحمتك، وهذا من المواضع التي خلف الضمير العائد اسم ظاهر؛ كما في قولهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، وهذا موضع الاستشهاد أيضًا، وكان القياس أن يقال: وأنت الذي في رحمته أو رحمتك، ولكنه أتى بالظاهر على خلاف القياس (¬4). ¬
شواهد المعرف باللام
شواهد المعرف باللام الشاهد الأربعون بعد المائة (¬1) , (¬2) ولقد جَنَيْتُكَ أكمؤًا وعَساقِلًا ... ولقد نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبَرِ أقول: أنشده أبو زيد، ولم يعزه إلى قائله، وهو من الكامل. قوله: "ولقد جنيتك" أي: جنيت لك؛ كما في قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] أي: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، وقوله تعالى: {وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الأعراف: 86] أي: تبغون لها، وقوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] أي قدرنا منازل، وهو من جنيت الثمرة أجنيها جنًى واجتنيها أيضًا. قوله: "أكمؤًا" -بفتح الهمزة وسكون الكاف وضم الميم وفي آخره همزة؛ وهو جمع كَمْؤ علي وزن فَعْل- بسكون العين؛ كأفلس جمع فلس، وهو واحد كمأة على وزن فعلة، على العكس في باب: تمر وتمرة، قال الجوهري: الكمأة واحدها على غير القياس وهو من النوادر، تقول: هذا كمؤ، وهذان كمآن، وهؤلاء أكمؤ ثلاثة (¬3). قوله: "وعساقلًا": جمع عسقول -بضم العين وسكون السين المهملتين، وهو نوع من الكمأة وأصل: "عساقلا" (¬4): عساقيلا، فحذفت المدة للضرورة، قوله: "بنات الأوبر" وهي ¬
كمأة صغار مزغبة على لون التراب، قاله أبو زيد، ويقال: هي الكمأة البيض، ويقال لها: شحمة الأرض، ويقال لها: العساقيل. و"بنات الأوبر": ضربان من الكمأة رديئان، وفيه نظر؛ لأن الرديء هو بنات أوبر فقط، فلذلك قال: "ولقد نهيتك عن بنات الأوبر" (¬1) إنما كان عن بنات الأوبر فقط، ولم يكن عن العساقيل أيضًا. الإعراب: قوله: "ولقد" الواو للقسم، واللام وقد للتأكيد والتحقيق، قوله: "جنيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وأصله: جنيت لك كما ذكرنا، فحذف الجار توسعًا (¬2) قوله: "اكمؤًا": مفعول جنيت، و: "عساقلًا": عطف عليه، من قبيل عطف الخاص على العام (¬3)، قوله: "ولقد نهيتك": عطف على قوله: "ولقد جنيتك"، قوله: "عن": يتعلق بـ "نهيتك". الاستشهاد فيه: على زيادة اللام في قوله "الأوبر" والأصل: بنات أوبر بدون اللام، وإنما زيدت لأجل الضرورة، لأن ابن أوبر علم على نوع من الكمأة، ثم جمع علي بنات أوبر؛ كما يقال في: ابن عرس، بنات عرس، ولا يقال بنو عرس؛ لأنه لما لا يعقل (¬4)، ورده السخاوى (¬5) بأنه لو كانت اللام فيه زائدة، لكان وجودها كالعدم فكان خفضه بالفتحة؛ لأن فيه العلمية والوزن (¬6). قيل: هذا سهو منه؛ لأن أل تقتضي أن ينجرّ الاسم بالكسرة، ولو كانت زائدة؛ لأنه قد أمن فيه من التنوين (¬7). وقيل: أل فيه للمح الصفة الأصل؛ لأن "أوبر" صفة، كحسن وحسين وأحمر (¬8). ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة
وقيل: للتعريف، وأن ابن أوبر نكرة كابن لبون؛ كما في قول الشاعر (¬1): وابْنُ اللَّبونِ إذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ ... .................................. قاله المبرد (¬2)، ويرده أنه لم يسمع ابن أوبر إلا ممنوع الصرف (¬3)، وقال سيبويه: هو علم جنس ممنوع الصرف للعلمية والوزن كابن آوى (¬4) فالألف واللام فيه زائدة، فافهم. الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة (¬5) , (¬6) أمَّا ودِمَاءٍ مَائِرَاتٍ تَخَالُهَا ... عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَمَا أقول: قائله هو عمرو بن عبد الجن شاعر جاهلي، وقيل: قائله رجل جاهلي مجهول الاسم، والأول أصح وبعده: 2 - وما سَبَّحَ الرُّهْبانُ في كلِّ بِيْعَةٍ ... أبيلَ الأَبِيلَيِن المَسيحَ بنَ مَرْيَمَا 3 - لقد ذاقَ مِنَّا عامرٌ يومَ لعَلع ... حُسَامًا إذا مَا هُزّ بالكفِّ صَمَّمَا وهو من الطويل. 1 - قوله. "ودماء": جمع دم، قوله: "مائرات": من مار الدم على وجه الأرض؛ إذا ماج كموج الهواء، وقد يراد بالمائرات الدماء، قال الشاعر (¬7): حلفتُ بِمَائِراتٍ حَوْلَ عَوْضٍ ... وأنصاب تُرِكْنَ لَدَى السَّعِيرِ وعوض والسعير صنمان، قوله: "تخالها" أي: تظنها، قوله: "على قنة العزى" -بضم القاف ¬
وتشديد النون؛ أعلى الجبل، وتجمع على قنان، مثل القلة وتجمع على قلال، ومثل: برمة وبرام وقنن وقنات، و"العزى" فُعْلَى: اسم لصنم كان لقريش وبني كنانة، ويقال: "العزى" سمرة كانت لغطفان يعبدونها، وكانوا بنَوْا عليها بيتًا وأقاموا لها سَدَنة، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد - رضي الله عنه - فهدم البيت وأحرق السمرة وهو يقول (¬1): يَا عُزّ كُفْرَانَكِ لا سُبْحَانَكِ ... إنّي رَأَيْتُ اللهَ قَدْ أَهَانَكِ قوله: "وبالنسر": اسم لصنم كان لذى الكلاع بأرض حِمْيَر، وكان "يغوث" لمذحج، و "يعوق" لهمدان؛ من أصنام قوم نوح - عليه السلام -، قال الله تعالى: {وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]. قوله: "عَندما" -بفتح العين المهملة وسكون النون؛ هو البقم، وهو شجر يصبغ به، ويقال: العندم: دم الأخوين. 2 - قوله: "في كل بيعة" -بكسر الباء الموحدة؛ وهو متعبَّد النصارى، وقيل: البيعة لليهود والكنيسة للنصارى، قوله "أبيل الأبيلين" الأبيل -بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام على وزن الأمير؛ هو (¬2): الراهب سمي به لتأبله عن النساء وترك غشيانهن، والفعل منه: أبل يأبل أبالة؛ إذا تنسك وترهب، وقال ابن فارس: الأبيل: راهب النصارى، وكانوا يسمون عيسى - عليه السلام - أبيل الأبيلين معناه: راهب الراهبين (¬3)، وقال ابن الأثير: ويروى: ........................... ... أبيل الأبيِلِيِّينَ عيسى بْنَ مريمَا على النسب (¬4). 3 - قوله: "يوم لعلع" -بلامين مفتوحتين وعينين مهملتين، قال ابن فارس: هو مكان (¬5)، وقال ابن الأثير: لعلع اسم جبل (¬6). ¬
الإعراب: قوله "أما": تنبيه واستفتاح مثل ألا (¬1)، "ودماء": مجرور بواو القسم، أي وحق دماء، وجواب القسم في البيت الثالث، وهو قوله: "لقد ذاق منا عامر"، قوله: "مائِرات": صفة للدماء، قوله: "تخالها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، صفة أخرى للدماء. قوله: "على قنة العزى": يتعلق بمحذوف، وهو في موضع النصب على الحال من الضمير المنصوب في "تخالها"؛ أي: تحسبها في حالة كونها على رأس العزى عَنْدَمًا؛ لأنهم كانوا يصيبون الصنم بذلك الدم، و "بالنسر" الباء فيه بمعنى على، أي: وعلى النسر، أي: وعلى قنة النسر، والباء تجيء بمعنى على كما في قوله تعالى (¬2): {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] " أي: على قنطار (¬3). قوله: "عندمًا" منصوب؛ لأنه مفعول ثانٍ لقوله: "تخالها"، قوله: "وما سبح الرهبان": كلمة "ما" مصدرية أي؛ وحق تسبيح الرهبان وتنزيههم، "أبيل الأبيليين": كلام إضافي منصوب بقوله: "سبح"، ومعناه: لمائرة الرهبان أبيل الأبيلين. قوله: "المسيح بن مريما": عطف بيان من أبيل الأبيلين، قوله: "لقد ذاق": جواب القسم، و "عامر": فاعله، و "حسامًا": مفعوله، قوله: "إذا ما هزّ بالكف صمما": جملة وقعت صفة للحسام، ومعنى "صمم": عض وأثبت أسنانه. الاستشهاد فيه: على دخول الألف واللام في "النسر" لأجل الضرورة؛ وذلك لأن نسرًا علم لصنم معين كما ذكرنا، فلا يحتاج إلى التعريف (¬4). ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة
الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة (¬1) , (¬2) رَأَيْتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا ... صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قِيْسُ عَن عَمْرو أقول: ذكر التوزري (¬3) في شرح الشقراطيسية (¬4) عن بعضهم أن هذا البيت مصنوع فحينئذ لا يحتج به. قلتُ: هذا ليس بصحيح، فإن قائله هو: رشيد بن شهاب اليشكري، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - من مبلغ فِتْيَانَ يَشْكُرَ أنَّنِي ... أَرَى حِقْبَةً تُبْدِي أَمَاكِن للصَّبرِ 2 - فأوصِيكمْ بالحَيّ شَيْبَانَ إنهم ... هم أهلُ أبناءِ العَظَائِمِ والفَخرِ 3 - على أن قيْسًا قال يا قَيس بنَ خالدٍ ... لَيَشْكُرُ أحْلَى ما لَقِينَا مِنَ التّمْرِ 4 - رأيتك .................... ... .......................... إلخ 5 - رأيتَ دِمَاء أَسْهَلَتْهَا رِمَاحُنَا ... شآبيبَ مثلَ الأرجوانِ على النَّحْرِ 6 - ونحن حَمَلْنَاكَ المَصِيفَةَ كلَّها ... على حَرَجٍ تُوشَى كُلُومُكِ في الخِدْرِ 7 - فلا تَحْسَبنَّ كالعمور وجَمْعِنَا ... فنحن وبيتُ الله أدْنَى إلى عَمْرِو 8 - جميعًا وَلَسْنَا قد عَلِمْتَ أُشَابَةً ... بَعِيدِين مِن نَقْصِ الخلائق والغدرِ 4 - قوله: "رأيتك": خطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكري، وهو المراد من قوله: يا قيس عن عمرو، قوله: "وجوهنا" أراد بالوجوه الأنفس والذوات من قبيل ¬
إطلاق [اسم] (¬1) جزء الشيء على كله؛ من قبيل قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي ذاته، فإنه أطلق الوجه وأراد به الذات، ويجوز أن يكون المراد من الوجوه الأعيان منهم، يقال: هؤلاء وجوه القوم؛ أي: أعيانهم وسادتهم، قوله: "صددت" أي: أعرضت، ويقال: أي: فررت، ورواه المفضل الضبي: رأيتك لما أن عرفت جلادنا ... رضيت وطبت النفس يا بكر عن عمرو (¬2) وكذا أنشده ابن السيد في شرح شعر العري، قوله: "وطبت النفس يا قيس عن عمرو"، أي: طابت نفسك عن عمرو الذي قتلناه، وكان عمرو حميم قيس. 5 - قوله: "أسهلتها" أي: أسالتها، و "الشآبيب": الدفع، و "الأرجوان": صبغ أحمر شبه به الدم. 6 - قوله: "المصيفة" أي: الصيفة، يقول: أوقعنا بك فجَرَحْنَاك جراحات بقيت منها في خدر صفيتك تداويها، و "الحرج" -بفتحتين: السرير الذي يحمل عليه الموتى، و "الخدر"- بكسر الخاء المعجمة: حاجز يقطع في البيت يستر فيه الجواري، يقال: أحللناك ذلك المحل. 8 - و "الأُشابة" -بضم الهمزة وبالشين العجمة وبعد الألف باء موحدة، قال الضبي: الأشابة: المختلطون، وأصله من الشوب؛ فألفه زائدة، وقال غيره؛ ألفه أصل، وهي من قولهم: مكان أشبّ إذا كان كثير النباتِ ملتفه. الإعراب: قوله: "رأيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهي بمعنى: أبصرتك؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد، قوله: "لمَّا" بمعنى حين، والعامل فيه ما تقدمه من الفعل وكلمة "أن" زائدة كما في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} [العنكبوت: 33]، و"عرفت": فعل وفاعل، و "وجوهنا"؛ كلام إضافي مفعوله، وقوله: "صددت": جواب (لما)، قوله: "وطبت النفس" أي: نفسًا وهو تمييز، و "يا قيس": منادى مبني على الضم، وقوله: "عن عمرو": يتعلق بقوله "طبت" والجملتان معترضتان بينهما، والتقدير: رأيتك يا قيس لما أن عرفتنا طبت نفسًا عن قتل عمرو وصددت عن الحرب. الاستشهاد فيه: في قوله: "وطبت النفس" حيث ذكر التمييز معرفًا بالألف واللام، وكان حكمه أن يكون ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة
نكرة وإنما زاد الألف واللام فيه للضرورة (¬1). الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة (¬2) , (¬3) أَلَا أَبْلِغْ بَنِي خَلَفٍ رَسُولًا ... أَحَقًّا أَنَّ أَخْطَلَكُمْ هَجَانِي أقول: قائله هو النابغة الجعدي، وقد اختلف في اسمه، فقيل: قيس بن عبد الله، وقيل: عبد الله بن قيس وقيل: حبان بن قيس بن عمرو بن عرس بن ربيعة، وإنما قيل له النابغة؛ لأنه قال الشعر في الجاهلية، ثم أقام مدة نحو ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فيه فسمي النابغة (¬4)، وطال عمرهُ في الجاهلية والإسلام، وهو أسن من النابغة الذبياني، وإنما مات النابغة الذّبياني قبله وعمَّر الجعدي بعده طويلًا، قيل: عاش مائة وثمانين سنة، ويقال عاش مائتين وأربعين سنة، وهذا لا يبعد؛ لأنه أنشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬5): ثلاثة أهلين أفنيتهم ... وكانا الإله هو المستآسا فقال له عمر - رضي الله عنه -: كم لبثت مع كل أهل؟ قال: ستين سنة، فذلك مائة وثمانون سنة، ثم عاش بعد ذلك إلى أيام ابن الزبير - رضي الله عنه -، وإلى أن هجا أوس بن مغراء، وليلى الأخيلية، وكان يذكر في الجاهلية دينَ إبراهيم - عليه السلام - والحنيفية ويصوم ويستغفر، وله قصيدة أولها قوله (¬6): الحَمْدُ لِلَّهِ لا شَريكَ لَهْ ... مَنْ لَمْ يَقُلْهَا فنَفْسَهُ ظَلَمَا وفيها ضروب من دلائل التوحيد، والإقرار بالبعث والجزاء والنار، ووفد على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأسلم. ¬
والبيت المذكور من قَصيدة يهجو بها الأخطل النصرانيَّ حين هجاه الأخطلُ، وهي من الوافر وفيه العصب والقطف، ومنها قوله (¬1): 1 - يَظَلُّ لِنِسْوَةِ النُّعْمَانِ مِنَّا ... على سَفَوانَ يوم أرْوَنَانِ 2 - فَأرْدَفَنَا حَلِيلَتهُ وجئْنَا ... بما قد كان جَمّعَ مَنْ هِجَانِ و"سفوان" -بفتح السين المهملة والفاء موضع قرب البصرة، ويقال: يوم أرونان وليلة أرونانة: شديدة صعبة، فإن قلتَ: "أرونان" ها هنا صفة ليوم وهو مرفوع، فكيف خفض أرونان؟ قلتُ: أصله: أروناني بياء النسبة للمبالغة؛ كالياء في أحمريّ ودواريّ ثم خفف، ويقال: إنه بالرفع على الإقواء، وفيه غلطة لابن الأعرابي؛ حيث قال: إنه مشتق من الرنة وهي الصوت (¬2)، ويرده أنه ليس في العربية: أفعوال (¬3)، وإنما هو من الرونة وهي الشدة، وهذا ذكره الجوهري في باب الراء والواو والنون، وقال: روّن ثم فسره (¬4). قوله: "بني خلف" بنو خلف هم رهط الأخطل، وهم من بني تغلب، ويروى من بني جشم، وهي -أيضًا- قبيلة، قوله: "إن أخطلكم" قد قلنا: إنه أراد به الأخطل النصراني الشاعر المشهور وهو غياث بن غوث، أو غيث (¬5) بن غوث، قوله: "هجاني": من هجا يهجو هجوًا وهو خلاف المدح. الإعراب: قوله: "ألا": كلمة تنبيه تحقق ما بعدها، "وأبلغْ": أمر من الإبلاغ، وفاعله أنت مستتر فيه، وقوله: "بني خلف": كلام إضافي مفعوله، وقوله: "رسولًا": حال من الفاعل، واسم للمصدر بمعنى الرسالة فيكون مفعولًا ثانيًا. فإن قلت: هل يجيء الرسول بمعنى الرسالة؟ ¬
قلت: نعم؛ كما قال الشاعر (¬1): لقد كذِبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عندهم ... بلَيْلَى ولا أرسلتُهُمْ بِرَسُولِ أي: برسالة. قوله: "أحقًّا" الهمزة للإنكار التوبيخى، ومثل هذا يكون خارجًا عن الاستفهام الحقيقي فيقتضي تحقق ما بعدها، وأنّ فَاعِلَه مَلُومٌ على ذلك، وانتصاب (حقًّا) على وجهين: الأول: أن يكون ظرفًا مجازيًّا، والتقدير: أفي حق هجاني أخطلكمُ وإليه ذهب سيبويه في مثل هذا (¬2). والثاني: أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي: أهجاني أخطلُكُم هجوًا حقًّا؟ وإليه ذهب المبرد (¬3). قوله: "أخطلكم": كلام إضافي، اسم لأن، وخبره قوله: "هجاني" والجملة في محل الرفع على الابتداء، وقوله "أحقًّا": في موضع الخبر؛ لأنه منصوب بتقدير "في"كما ذكرنا، والتقدير: أفي حق هجو أخطلكم إياي؟ فإن قلت: ما الدليل على أن "حقًّا" منصوب بتقدير في؟ قلت: تصريحهم بها في بعض الأماكن، ومن ذلك قوله (¬4): أفي حق مُوَاساتِي أخاكمْ ... بِمَالِي ثم يَظْلِمُني السَّريسَ فإن قلتَ: ما الدليل على أنه جارٍ مجرى الظرف؟ قلتُ: لأن العرب استعملته خبرًا عن المصدر ولم تستعمله خبرًا عن الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، وإنما حكم له بحكم ظرف الزمان وإن لم يكن اسم زمان، ولا عدوه قائمًا مقامه ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة
لشبهه به من جهة أنه اسم معنى؛ كما أن الزمان كذلك، وأنه مشتمل على المحقق كاشتمال ظرف الزمان على ما وقع فيه (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "أخطلكم"؛ وذلك لأن الأخطل علم بالغلبة على غياث بن غوث النصراني الشاعر المشهور، فلما نكره نزع منه الألف واللام وأضافه إلى قبيلته ليعرف بهم (¬2). الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة (¬3) , (¬4) إذَا دَبُرَان منكَ يَوْمًا لقيتُهُ ... أُؤَمِّلُ أن أَلْقَاكَ غَدْوًا بِأسْعُدِ أقول: لم أقف على اسم قائله ولا رأيت أحدًا من النحاة أعزاه إلى أحد وهو من الطويل، قوله: ¬
دبران": علم على الكوكب الذي يدبر الثريا، وهو خمسة كواكب في الثور (¬1)، يقال: إنها سنامة، وحقه أن يصدق على كل مدبر، ولكنه غلب على هذه الكواكب من بين ما أدبر، قال سيبويه: ولا يقال لكل شيء (¬2) صار خلف شيء دبران، قوله: "غدوًا" -بفتح الغين المعجمة وسكون الدال وفي آخره واو، أَراد به غدًا، ولكنه أبرزه على أصله؛ لأن الغد، أصله: "غدو" حذفوا الواو منه بلا عوض (¬3)، وممن أخرجه على أصله نحو هذا البيت وهو للبيد حيث يقول (¬4): وما الناسُ إلا كالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا ... بها يومُ حلوها وغَدْوًا بَلاقِعُ فقال: غدوًا على أصله ولم يقل غدًا، والغد؛ اسم لتالي يومك، ويستعمل أيضًا للزمن المتأخر مطلقًا، ومنه قوله تعالى: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)} [القمر: 26]، أي: يوم القيامة أو يوم الفتح، وهذا ظاهر في البيت. قوله: "بِأسعُدِ" -بضم العين: جمع سعد، وسعود النجم وأسعدها عشرة، أربعة منها في برج الجدي والدلو ينزلها القمر، وهي سعد الذابح وسعد بُلْعَ [وسعد الأخبية] (¬5) وسعد السعود، وهو كوكب منفرد نيّر، وأما الستة التي ليست من المنازل فسعد ناشرة، وسعد الك، وسعد البهائم، وسعد الهمام، وسعد البارع، وسعد مطر، وكل سعد من هذه الستة كوكبان، بين كل كوكبين من رأي العين قدر ذراع وهي متناسقة، وأما سعد الأخبية فثلاثة أنجم كأنها أثافي، ورابع تحت واحد منهن. والحاصل: أنه ذكر الدبران التي هي علم للكواكب الخمسة، وكنى بها عن الإدبار الذي هو ضد الإقبال والسعد، وذكر الأسعُد التي هي سعود النجم، وكنى بها عن السعد الذي هو ضد النحس. والمعنى: إذا رأيت منك إدبارًا يومًا؛ يعني شيئًا أكرهه فلا أقطع رجائي منك، ولكنني أؤمل حصول خيرك بعد ذلك بأن ألقاك في الغد في سعد وإقبال. الإعراب: قوله: "إذا دبران" يجوز فيه الوجهان الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "لقيته" أو يكون ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة
مرفوعًا بفعل مقدر تقديره: إذا لقي دبران، والنصب بفعل محذوف على شريطة التفسير تقديره: إذا لقيت دبرانًا منك، قوله "منك" في محل الرفع على أنه صفة لدبران، أي: في بران حاصل أو كائن منك، و "يومًا" نصب على الظرف. قوله: "أؤمل" -بهمزة بعدها واو مبدلة من همزة، ويجوز قراءته بهمزتين، وهو جواب إذا، قوله: "أن ألقاك" هو مفعول أؤمل، وأن: مصدرية، قوله؛ "غدوًا" نصب على الظرف، أي: في غدٍ، قوله: "بأَسْعُدِ": يتعلق بقوله: "ألقاك". الاستشهاد فيه: في قوله: "دبران"؛ وذلك لأن الدبران علم بالغلبة على الكواكب الخمسة، كما ذكرنا، ولزمها الألف واللام، ولا يجوز أن يقال: دبران بدون الألف واللام؛ لأن جزء العلم لا يجوز إهداره، ولكن الشاعر لما اضطر إلى حذفها حذفَها؛ كما اقتضت زيادتها في الأبيات السابقة (¬1)، وزعم ابن الأعرابي أن ذلك جائز قياسًا في أسماء النجوم خاصة، وحكى: هذا عيّوقٌ طالعًا (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة (¬3) , (¬4) رأيْتُ الوليدَ بنَ اليزيدَ مُبارَكًا ... شَديدًا بِأعْبَاءِ الخِلافَةِ كَاهِلُه أقول: قائله هو ابن ميادة، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المعرب والمبني. الشاهد السادس والأربعون بعد المائة (¬5) , (¬6) عَجِّلْ لنَا هَذَا وأَلحقْنَا بذا ال ... بِالشّحْمِ إنّا قد مللناه بَجَلْ أقول: قائله هو غيلان بن حريث الربعي الراجز، وهو من الرجز المسدس. ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد المائة
قوله: "وألحقنا" وفي رواية سيبويه: "وألزقنا" (¬1)، قوله: "مللناه" -بكسر اللام الأولى؛ من الملالة، قوله: "بجل" بمعنى: حسب، وضبطه بعض شراح أبيات الكتاب "بِخَلْ" بالخاء المعجمة، أراد به الخل المعهود، والباء فيه مكسورة؛ لأنها حرف الجر حينئذ، وهذا أقرب إلى المعنى على ما لا يخفى. الإعراب: قوله: "عجل" أمر، وأنت مستتر فيه فاعله، و "لنا" في محل النصب على المفعولية، وكذا قوله: "هذا"، قوله: "وألحقنا": عطف على عجل لنا، قوله: "بذا ال" أراد بذا الشحم، فأفرد أل ثم أعادها في الشطر الثاني في قوله: بالشحم بطريق البدلية. الاستشهاد فيه: لأن بعضهم استدل به للخليل في قوله: إن حرف التعريف هو أل؛ وذلك أن الشاعر: وقف عليها ثم أعادها، وهذا يدل على قوة اعتقادهم لقطعها الذي يدل على أن حرف التعريف هو "أل" وأنها بمنزلة "قد" في الأفعال، وأنه لا يقال الألف واللام، كما لا يقال في "قد": القاف والدال، وأن واحدة منها ليست بمنفصلة عن الأخرى كانفصال ألف الاستفهام في قولك: أزيد؟ ولكن الألف كألف ايم الله، وهي موصولة (¬2). الشاهد السابع والأربعون بعد المائة (¬3) , (¬4) يَا خَلِيلَيّ أرْبِعا واسْتَخْبِرا أل ... مَنْزِلَ الدَّارِس عن حَيّ حِلال مِثْلَ سحْقِ البُردِ عفّى بعدك أل ... قَطْرُ مغناه وتأويبُ الشَّمَالِ أقول: قائله هو عبيد بن الأبرص بن جشم، وهما من قطعة مشهورة، وجملتها بضعة عشر ¬
بيتًا، وهي من الرمل وفيه الخبن والقصر (¬1). قوله: "أربعا" أمر للاثنين، من ربع يربع إذا وقف وانتظر، وهو بفتح عين الفعل فيهما، قوله: "الدارس": من درس المنزل إذا عفى، قوله: "حِلال" -بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام؛ أي: عن حي حالين، أي: نازلين. قوله: "مثل سحق البرد" السحق -بفتح السين وسكون الحاء المهملتين، وهو الثوب البالي، يقال: سحقه البالي فانسحق، و "البرد" -بضم الباء الموحدة؛ نوع من الثياب معروف، ويجمع على أبراد وبرود. قوله: "عفَّى" بتشديد الفاء لأجل التعدي، وثلاثيه: عفا بالتخفيف، يقال: عفت الدار تعفو عفوًا إذا غطاها التراب، قوله: "القطر" أي: المطر، قوله: "مغناه" بالغين المعجمة، أي: منزله، قوله: "وتأويب الشمال" -بفتح الشين المعجمة وتخفيف الميم، وهي الريح التي تهب من ناحية القطب، وفيها خمس لغات: شمْل بالتسكين وشمَل بالتحريك، وشمال، وشمأل مهموز، وشأمل مقلوب منه، وربما جاء بتشديد اللام، ويجمع على شمالات، وتأويبها: تردد هبوبها مع السرعة. الإعراب: قوله: "يا خليلي": منادى منصوب، و"أربعا": جملة من الفعل والفاعل، و "استخبرا": عطف عليه، و "المنزل" بالنصب مفعوله، و "الدارس": صفته، قوله: "عن حي": جار ومجرور متعلق بقوله: "استخبرا" قوله: "حِلال": صفة الحي، قوله: "مثل سحق البرد": كلام إضافي منصوب؛ لأنه صفة المنزل، قوله: "عفى": فعل ماض، و "القطر"- بالرفع: فاعله، و "مغناه" مفعوله، و "بعدك": نصب على الظرف، قوله: "وتأويب الشمال": كلام إضافي عطف على القطر. الاستشهاد فيه: أن الخليل استدل به على أن حرف التعريف هو أل، وإنما سمي أل، ولا يقال الألف واللام كما لا يقال في "قد": القاف والدال كما ذكرناه في البيت السابق (¬2)؛ وذلك أنه لو لم يكن ¬
هكذا لما قطع الشاعر "أل" في أنصاف الأبيات، ولو كانت اللام وحدها حرف التعريف لما جاز فصلها من الكلمة التي عَرَّفَهَا -لا سيما- واللام ساكنة، والساكن لا ينوى به الانفصال فافهم. * * *
شواهد الابتداء
شواهد الابتداء الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة (¬1) , (¬2) أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى أَمْ نَوَوْا ظَعْنا ... إن يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من البسيط من الضرب الأول المماثل للعروض، وفيه الخبن. قوله: "أقاطن": من قطن بالكان يقطن؛ أقام به وتوطنه فهو قاطن، والجمع: قِطان وقاطنة وقطين أيضًا، قوله: "سلمى" -بفتح السين وسكون اللام؛ اسم امرأة، قوله: "ظعنًا" -بفتح الظاء المعجمة وفتح العين المهملة، من ظعن يظعن، من باب فتح يفتح إذا سار، ومصدره: ظعْن بالتسكين وظَعَن بالتحريك أيضًا، وقرئ بهما في قوله تعالى: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80]. والمعنى: قوم سلمى التي هي المحبوبة، وهي بينهم، هل هم مقيمون أم نووا الرحيل والانتقال: فإن كانوا نووا الرحيل، فعيش من يقيم ويتخلف عنهم يكون عجيبًا. الإعراب: قوله: "أقاطن" الهمزة فيه للاستفهام، و "قاطن": مبتدأ، وقوله: "قوم سلمى": كلام إضافي فاعل لاسم الفاعل؛ يعني: قاطنًا، قد سد مسد الخبر؛ لأنه مع الوصف في قرب الفعل، فلذلك حسن عطف الفعل وفاعله عليهما بأم المعادلة، قوله: "ظعنًا" مفعول لقوله: "نووا". قوله: "إن يظعنوا" إن: حرف شرط، ويظعنوا: فعل الشرط، والجملة وهي قوله: "فعجيب ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة
عيش من قطنا": جواب الشرط؛ فلذلك دخَلَتْ عليها الفاء، قوله: "فعجيب": خبر مقدم. وقوله: "عيش من قطنا": كلام إضافي مبتدأ مؤخر، وقوله: "عيش": مضاف إلى قوله: "من قطنا"، ومن: موصولة بمعنى الذي، "وقطا": صلته، والألف فيه للإطلاق، وليست للتثنية. فإنَّ قلتَ: لمَ لا تجعل "فعجيب" مبتدأ؛ لأن وقوع النكرة بعد فاء الجزاء مسوغ للابتداء نحو: "إن مضى عير فعير في الرباط"؟. قلتُ: لفساد المعنى على هذا التقدير؛ لأن المعنى على الإخبار عن عيش من أقام بعد أولئك بأنه عيش عجيب لا العكس، فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "أقاطن قوم سلمى؟ " حيث سد الفاعل وهو قوله: "قوم سلمى" مسد الخبر، وهذا لا يحسن استعماله إلا إذا اعتمد على ما يقربه من الفعل وهو الاستفهام أو النفي، والبيت المذكور فيه الاستفهام، وأما مثال النفي فعن قريب يأتي (¬1) [إن شاء الله تعالى] (¬2). الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة (¬3) , (¬4) غَيرُ مَأْسُوفٍ عَلَى زَمَنٍ ... يَنْقَضِي بالْهَمِّ وَالحَزَنِ أقول: قائله هو أبو نُوَاس الحكمي، واسمه الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الشاعر المشهور، وكان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي، وَالي خُرَسَان، ونسبته إليه، وهو نسبه إلى الحكم بن سعد العشيرة؛ قبيلة كبيرة باليمن منها الجراح المذكور، ولد أبو نُوَاس بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد، وهو في الطبقة الأولى من المولدين، وهو مجيد في شعره على أنواعه، ولد سنة خمس وأربعين ومائة، وقيل: في سنة ست وثلاثين ومائة، وتوفي سنة خمس أو ست أو ثمان وتسعين ومائة ببغداد، وقيل له: أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه، وبعد البيت المذكور بيت آخر وهو: إنما يَرْجُو الحياة فَتى ... عَاشَ في أَمْنٍ من المحن ¬
وهما من الرجز (¬1). وإنما ذكر الشراحُ البيتَ المذكور تمثيلًا لا استشهادًا به؛ لأن أبَا نواس وأمثاله لا يحتج بهم، وقصد بالبيت المذكور ذم الزمان الذي هذه حاله، فكأنه قال: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه، فزمان: مبتدأ، وما بعده صفة له، و "غير": خبر للزمان، ثم حذف المبتدأ مع صفته وجعل إظهار الهاء مؤذنًا بالمحذوف؛ لأنك إذا جئت بالهاء لما تقدمها ذكر ما ترجع إليه فصار اللفظ بعد الحذف: غَيرُ مَأْسُوفٍ عَلَى زَمَنٍ ... يَنْقَضِي بالْهَمِّ وَالحَزَنِ وقال أبو نزار (¬2): سُئلت في بغداد عن قول الشاعر: غير مأسوف ... إلخ، فلم نعرف وجهة رفع "غير" وأول من أخطأ فيه شيخنا الفصيحي (¬3) فعرفته بذلك. والذي ثبت الرأي عليه أن المعنى: لا يؤسف على زمان، فغيرُ مرفوع بالابتداء وقد تم الكلام بمعنى الفعل، فَسَدَّ تمام الكلام وحصول الفائدة مسد الخبر، ولا خبر في اللفظ؛ كما قالوا: أقائم أخوك؟ والمعنى: أيقوم أخوك؟ ولا خبر في اللفظ. وقال الشيخ أثير الدين في كتابه: "التذكرة": ولم أر لهذا البيت نظيرًا في الإعراب إلا بيتًا في قصيدة للمتنبي (¬4) يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني يقول فيها (¬5): ليس بِالمُنكَرِ أنْ بَرَّزْتَ سَبْقًا ... غَيرُ مَدْفُوع عَن السَّبْقِ العِرَابُ فالعراب مرفوع بمدفوع، ومن جعل العرابَ مبتدأ فقد أخطأ؛ لأنه يصير التقدير؛ العراب غير مدفوع عن السبق، والعراب جمع فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة؛ لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمه وتأخيره، تقول: الشمس طالعة، وطالعة الشمس، لا يجوز: طالع الشمس؛ ¬
لأن التقدير: الشمس طالع، وذلك لا يجوز (¬1). وذُكر في تحفة المعرب وطرفة المغرب، تأليف الشيخ جمال الدين عبد المنعم بن صالح التيمي (¬2): يقال: بمَ يرتفع "غير" في قوله: غير مأسوف على زمن؟ والجواب أن قوله: "غير مأسوف": مفعول من الأسف وهو الحزن، "وعلى" يتعلق به، كقولك: أسفت على كذا، وموضع قوله: "بالهَمّ" في موضع نصب على الحال، والتقدر: ينقضي مشوبًا بالهمِّ، "وغير": رفع بالابتداء، ولما أضيف إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجار والمجرور استغنى المبتدأ عن الخبر، كما استغنى قائم ومضروب في قوله: أقائم أخواك؟ وما مضروب غلامك، عن خبر من حيث سد الاسم المرفوع بهما مسد الخبر؛ لأن (قائم ومضروب) قاما مقام الخبر، فينزل كل واحد منها مع المرفوع به منزلة الجملة. وكذلك إذا أسند اسم المفعول إلى الجار والمجرور، سد مسد الاسم الذي يرتفع به، كقولك: أمحزون على زيد، ومأسوف على بكر؛ كما تقول في الفعل: أتحزن على زيد؟ وما يؤسف على بكر، فلما كانت "غير" للمخالفة جرت لذلك مجرى النفي، وأضيفت إلى اسم المفعول وهو مسند إلى الجار والمجرور اللذين بمنزلة الاسم الواحد؛ سد ذلك مسد الجملة؛ حيث أفاد قولك: غير مأسوف ما يفيده قولك: ما يؤسف على بكر فافهم (¬3). ¬
الشاهد الخمسون بعد المائة
الشاهد الخمسون بعد المائة (¬1) , (¬2) خَليليَّ ما وافٍ بعَهدِي أنتُمَا ... إذا لم تَكُونَا لِي عَلَى مَن أُقَاطِعُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل من الضرب الثاني المماثل للعروض في القبض وقافيته من التدارك. قوله: "خليلي" يعني: يا صاحبي ما أنتما وافيان بعهدي وصحبتي إذا تكونا لأجلي على من أقاطع، فقوله: "وافٍ": اسم فاعل من وفي، يقال: له شعر وافٍ، أي: تام، وجناح واف أي: كامل، ويقال: وفي بالعهد وأوفى به، وهو وفيٌّ بين قوم، ووفاه حقه وأوفاه، و {أَوْفُوا الْكَيْلَ} [الشعراء: 181] وتوفاه واستوفاه: استكمله، وأوفيته لمكان كذا: أتيته، وأوفى على شرف من الأرض: أشرف. قوله: "بعهدي" العهد بين الرجلين: التوثق، وفي الأساس يقال: عهد إليه واستعهد منه إذا أوصاه وشرط عليه، ورجل عهد: محب للولايات (¬3)، قوله: "أقاطع": من قاطع أخاه وقطعه. الإعراب: قوله: "خليلي" أصله: يا خليلان لي؛ فلما أضيف إلى ياء التكلم سقطت النون فصار يا خليلاي، ثم قلبت ألف التثنية ياء وأدغمت في الياء فصار يا خليلي، ثم حذف حرف النداء فصار خليلي، قوله: "ما واف" كلمة ما للنفي، و "واف"؛ مبتدأ وحذفت الضمة منه استثقالًا في النصب، وأصله: وافي [منقوص] (¬4) فأُعِلَّ إعلال قاضٍ (¬5). وقوله: "بعهدي" يتعلق به، ¬
قوله: "أنتما": فاعل لقوله: واف، سد مسد الخبر، قوله: "لي" اللام فيه للتعليل، أي: لأجلي وهو يتعلق بقوله: "تكونا" مستتر فيه، وخبره قوله: "على من أقاطع" و "من": موصول و"أقاطع": صلته، والعائد محذوف أي: أقاطعه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما وافٍ بعهدي أنتما" حيث سد الفاعل وهو قوله: "أنتما" مسد الخبر لمبتدأ وهو قوله: "وافٍ" وذلك بعد اعتماده على النفي، وذكر سيبويه أن الفاعل إنما يسد مسد الخبر إذا اعتمد على الاستفهام أو النفي، ولم يجوّز في غير هذين الموضعين إلا على القبح (¬1). وأجاز الكوفيون والأخفش ذلك في غير استفهام ولا نفي، واستدلوا على ذلك بالبيت الذي يأتي الآن -إن شاء الله تعالى - (¬2). وأجاب سيبويه عن هذا أنه قبيح وإن استعمله الشاعر (¬3)، ويقال: إن في هذا البيت شاهدًا على إبطال قول الكوفيين، ومن تبعهم كابن الحاجب (¬4) والسهيلي أنه يجب في نحو: أقائم أنت؟ في كون "أنت" مبتدأ مؤخرًا (¬5)، وكان الزمخشري يوافقهم -أيضًا- لأنه جزم في قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46] بذلك (¬6)، وشبهتهم أن الفعل لا يليه فاعله منفصلًا، ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة
لا يقال: قام أنت فكذا الوصف (¬1). والجواب: أن الفعل أقوى في العمل، فلما قوي عمله امتنع فصله، وإنما أجمعنا على أن فاعل الوصف ينفصل إذا جرى على غير صاحبه وألبس، فكما يفصل (¬2) لهذا الغرض يفصل لغرض آخر صحيح وهو كونه في اللفظ سادًّا مسد الخبر، وهو واجب الفصل ثم كيف يصنعون بهذا البيت، فإنهم إذا قدروا الضمير فيه مبتدأ لزم الإخبار عن الاثنين بالمفرد، وأما استدلال بعضهم بقول الآخر (¬3): فما باسطٌ خيرًا ولا دافعٌ أذًى ... من الناس إلا أنتم آل دارم فباطل لأن الحصر يصحح الفصل في مرفوع الفعل؛ كقوله (¬4): قَدْ عَلِمَتْ سَلْمَى وَجَارَاتُهَا ... مَا قَطَّرَ الفَارِسَ إلا أَنَا فهذا لا يمنعه أحد في وصف ولا غيره، وإطلاقهم مقيد بما عدا ذلك ونحوه، وأولى ما يرد به عليهم قوله قعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ} [مريم: 46] لأن الوصف قد تعلق به عن ومجرورها، فلو كان خبرًا كما يقتضيه مذهبهم وكما ذكر الزمخشري، لزم الفصل بين العامل ومعموله بالأجنبي (¬5). الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة (¬6) , (¬7) خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ فَلا تَكُ مُلْغِيًا ... مقالةَ لِهْبِيٍّ إِذَا الطَّيرُ مَرَّتِ أقول: قائله رجل من الطائيين لم نقف على اسمه. ¬
وهو من الطويل من الضرب الثاني وقافيته من المتدارك. قوله: "خبير": من الخبرة وهو العلم بالشيء، يقال: فلان خبير بهذا أي: عالم به، قوله: "بنو لهب" -بكسر اللام وسكون الهاء، وهو (¬1) من بني نصر بن الأزد، وهم أزجر قوم، وقال ابن هشام في السيرة: لهب حي من الأزد. وقال غيره: هو لهب بن أحجن بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، وهي القبيلة التي تعرف بالعيافة والزجر، ومنهم اللهبي المذكور في البيت، وهو الذي زجر حين وقعت الحصاة بصلعة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأدمته، وذلك في الحج فقال: أشَعْرُ أمير المؤمنين؟ ووالله لا يحج بعد هذا العام فكان ذلك (¬2). قوله: "ملغيًا": من الإلغاء، يقال: لغيت كلامه إذا عديته ساقطًا، وقوله: "لهبي": نسبة إلى لهب، وهو بتسكين الهاء كما ذكرنا. المعنى: أن بني لهب عالمون بالزجر والعيافة؛ فلا تلغ كلام رجل لهبي إذا زجر أو عاف حين تمر عليه الطير. الإعراب: قوله: "خبير": مبتدأ، و "بنو لهب": فاعله، سد مسد الخبر. فإنَّ قلتَ: ما مسوغ وقوع "خبير" مبتدأ وهو نكرة؟ قلتُ: كونه (¬3) عاملًا فيما بعده، وقد عدت النحاة من جملة المخصصات كون المبتدأ نكرة عاملة، وقد قيل: إن خبيرًا لو كان خبرًا مقدمًا لزم الإخبار عن الجمع بواحد، فلما بطل هذا تعين كونه مبتدأ، و"بنو لهب": فاعل سد مسد الخبر وفيه نظر؛ لأن فعيلًا قد يأتي للجماعة؛ كما في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4]، وقول الشاعر (¬4): ............................. ... بِأَوْجهِ أَعْدَاء وَهُنَّ صَدِيقُ وقد وقع ذلك في نفس لفظ: "خبير" قال الشاعر (¬5): ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة
إِذَا لاقِيتِ قَوْمِي فاسْأَلِيهِمْ ... كَفَى قَوْمًا بِصَاحِبِهِمْ خَبِيرًا وفاعل كفى ضمير السؤال المفهوم من قوله: "فاسأليهم"، و "قومًا": مفعول، و "خبيرًا": صفة له، و "بصاحبهم": متعلق به، قوله: "فلا تك ملغيًا" اسم كان مستتر فيه، وخبره قوله: "ملغيًا"، قوله: "مقالة لهبي": كلام إضافي [مفعول] (¬1) لقوله: "ملغيًا"، قوله: "إذا الطير" ارتفاع الطير بفعل محذوف يفسره الظاهر، تقديره: إذا مرت الطير مرت، ومرت الثانية مفسرة للمحذوف، والمعنى: حين مرت. الاستشهاد فيه: في قوله: "خبير بنو لهب" حيث سد الفاعل مسد الخبر من غير اعتماده على استفهام أو نفي، وهذا قبيح عند سيبويه، وسائغ عند الكوفيين والأخفش، وزعم بعضهم أن سيبويه وافقهم في هذا، والصحيح عند سيبويه خلاف ذلك كما قررناه (¬2). الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة (¬3) , (¬4) فَخَيرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُم ... إِذَا الدَّاعِي المُثوِّبُ قَال يَالا أقول: قائله هو (¬5) زهير بن مسعود الضبي، من بني ضبة بن أد بن عبد مناف بن أد بن طابخة وقبله (¬6): ¬
وَمَنْ يَكُ بَادِيًا ويكنْ أَخَاهُ ... أَبَا الضَّحَّاكِ يَنْتسِجُ الشَّمَالا وبعده: ولم تَثِقِ العَوَاتِقُ مِنْ غَيُورٍ ... بِغَيرَتهِ وَخَلَّينَ الحِجَالا وهي من الوافر وفيه العصب بمهملتين (¬1) والقطف. قوله: "ينتسج" [] (¬2)، قوله: "والعواتق": جمع عاتق، وهي الجارية الشابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج. قوله: "من غيور": من غار الرجل على [أهله] (¬3) يغار غيرًا وغيرة وغارًا، ورجل غيور وغيران، وامرأة غيور -أيضًا- وغيرَى، قوله: "وحلين" على صيغة المجهول، من التحلية بالحاء المهملة، هكذا رأيت أبا حيان ضبطه بيده، وقال ابن هشام: وخلين بفتح الخاء المعجمة. من التخلية، ثم قال: وتخليتهن الحجال من الفزع وعدم وثوقهن بأن آباءهن وحماتهن يمنعونهن، و "الحجال" بكسر الحاء المهملة [بعدها الجيم؛ جمع حجل -بفتح الحاء (¬4) وسكون الجيم؛ وهو الخلخال (¬5) وسمي القيد -أيضًا- حجلًا، وقد جاء كسر الحاء المهملة] (¬6) فيهما. قوله: "المثوب": من التثويب وهو أن يجيء الرجل مستصرخًا فيلوح بثوبه ليرى ويشمّر فسمي الدعاء تثويبًا لذلك، ويقال: أصله من ثاب يثوب إذا رجع، قوله: "يالا" أي قال: يا لفلان، وهو حكاية صوت الداعي يا لفلان، فلما حذف فلانًا وقف على اللام فقال: يالا فصار حكاية كما تحكى الأصوات لما صار مصاحبًا للصوت الذي شبه به، وصار علامة للاستغاثة وشعارًا، فصار لذلك كسائر الأصواتا التي تحكى نحو: غاق (¬7). ويقال: أصله: يا قوم لا تفروا ولا فرار (¬8) فحذف ما بعد لا النافية كما يقال: ألاتا، فيقال؛ ألافا يريدون ألا تفعلوا وألا فافعلوا (¬9)، وبهذا التقدير يجاب عما زعم الكوفيون أن اللام في ¬
المستغاث بقية اسم وهو آل، والأصل: يا آل زيد، ثم حذفت همزة (آل) للتخفيف، وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين، واستدلوا بقوله: فخير نحن عند الناس ... إلخ؛ فإن الجار لا يقتصر عليه (¬1). الإعراب: قوله: "فخير": مبتدأ، وقوله: "نحن": فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبقه لا نفي ولا استفهام وقال [أبو] (¬2) علي وابن خروف (¬3): قوله: "فخير": خبر لنحن محذوفة؛ أي: نحن خير الناس منكم، فنحن تأكيد لما في خير من ضمير المبتدأ المحذوف، وحَسُنَ هذا التأكيد بحذف المبتدأ، فلو لم يحذف لكان حسنًا -أيضًا- فلا فصل بأجنبي، وقد وقع الفصل بالفاعل بين الصلة والموصول نحو [قوله - صلى الله عليه وسلم -] (¬4): "ما مِنْ أَيَّامٍ أحبُّ إلى الله فيها الصومُ منه في عشر ذي الحجة" (¬5) وكان ذلك حسنًا سائغًا، فإذا ساغ كان [ذلك] (¬6) التأكيد -أيضًا- أسوغ؛ لأنه قد يحسن (¬7) حيث لا يحسن غيره من الأسماء (¬8)، ويقال: إن "خير" صفة مقدمة يقدر ارتفاع نحن به، كما يجيز أبو الحسن: قائم الزيدان وعمل أفعل في الظاهر قليل (¬9). فإن قلتَ: لمَ لا يجوز أن يكون نحن مبتدأ، وخبره قوله: "فخير" مقدمًا عليه فحينئذ لا يكون في البيت شاهد؟ قلتُ: هذا لا يجوز لما لزم (¬10) في ذلك من الفصل بين أفعل التفضيل "ومن" بمبتدأ، وأفعل ¬
التفضيل، ومن كمضاف ومضاف إليه، فإذا جعل (نحن) مرفوعًا بخير على الفاعلية لم يلزم ذلك؛ لأن فاعل الشيء كالجزء منه (¬1). وقال ابن هشام في التذكرة: فإن قيل: أيجوز أن يكون (خير) خبر مبتدأ مقدمًا، ومنكم: غير صلة بل ظرف؛ كأنه قال: فخير نحن عند الناس فيكم؛ كما أنشد أبو زيد -أيضًا- (¬2): ولستُ بالأَكْثَرِ منهم حَصًى ... ............................... تقديره: ولست أكثر فيهم حصى؛ لأن أل ومن لا يجتمعان. فالجواب: أن هذا ليس قصد الشاعر ولا المعنى عليه، إنما يريد: نحن خير منكم، لأنا نفعل ما لا تفعلون؛ ألا تراه يقول بعده: فلم تثق العواتق من غيور ... بغيرته وخلين الحجالا قوله: "عند الناس" كلام إضافي، والعامل خير، لا المبتدأ المحذوف؛ أعني: "نحن" الذي يقدر قبله، على رأي أبي علي وابن خروف، على أن يكون التقدير: فنحن عند الناس خير منكم؛ لأنك إن نزلته هذا التنزيل فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي. قوله: "إذا الداعي": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا قال الداعي، و "المثوب": صفة الداعي، قوله: "يالا": مقول القول. الاستشهاد فيه: في قوله: "فخير نحن" حيث سد "نحن" الذي هو فاعل مسد الخبر من غير أن يتقدمه نفي ولا استفهام، وهذا شاذ عند سيبويه (¬3) وقد قررناه (¬4). ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة
الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة (¬1) , (¬2) أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ إِلَى أُمِّ مَعْمَرٍ ... سَبِيلٌ فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلا صَبْرَا أقول: قائله هو ابن ميادة، واسمه الرماح، وقد ترجمناه فيما مضى (¬3)، وهو من قصيدة رائية يتشبب فيها بأم جحدر بنت حسان المرية إحدى نساء بني جذيمة، وكان أبوها حلف أن لا يخرجها إلى رجل من عشيرتها ولا يزوجها بنجد، فقدم عليه رجل من الشام فزوجه إياها، فلقى عليها ابن ميادة شدة فأتاها ينظر إليها عند خروج الشامي بها، قال: والله ما ذكرت منها جمالًا بارعًا ولا حسبًا مشهورًا لكنها كانت أكسب الناس لعجب، فلما خرج بها زوجها إلى بلاده اندفع ابن ميادة يقول: 1 - أَلا لَيتَ شِعْرِي هَلْ إِلَى أُمِّ مَعَمَرٍ ... سَبِيلٌ فَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْهَا فَلا صَبْرَا 2 - أَلا لَيتَ شِعْرِي هَلْ يَحُلَّنَّ أَهْلُنَا ... وأَهْلُكَ روضاتٍ ببطن اللِّوَى خضرَا 3 - وهل تأتينَّ الريحُ تَدْرُجُ مَوْهِنًا ... بِرَيَّاكِ تَعْرَوْرَى بهَا بلدًا قَفْرَا 4 - بريح خزاميّ الرمل بات مُعَانِقًا ... فروع الأقاحي تَنْصُبُ الطَّلَّ والقَطْرَا 5 - فلوْ كانَ نذْرٌ مدنِيًّا أم جَحْدَرٍ ... إِلَيَّ لقدْ أَوْجَبْتُ في عُنْقِنَا نَذْرَا 6 - ألا لا تلطّى الستر أم جحدرٍ ... كفى بذُرَى الأعلامِ مِنْ دونِهَا سِتْرَا 7 - لعمرِى لئنْ أَمْسَيْتِ يا أمَّ جحدرٍ ... نأيْتِ فَقَدْ أبديتِ في طَلَبِي عُذْرَا 8 - فَبَهْرًا لِقَوْمِي إِذْ يَبِيعُونَ مُهْجَتِي ... بِغَانِيَة بهرًا لهمْ بعدَهَا بَهْرَا وهي من الطويل. 2 - قوله: "ببطن اللوى" بكسر اللام؛ وهو موضع. 3 - قوله: "تدرج" أي: تمضي، "موهنًا" وهو بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء، وهو نحو من نصف الليل، وكذلك الوهن، قوله: "بريَّاك تعرورى" [أي: تأتي وتصيب] (¬4). ¬
4 - قوله: "الأقاحي": جمع أقحوان -بضم الهمزة؛ وهو البابونج، وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر. 6 - قوله: "ألا لا تلطى": من لط بالأمر يلط لطًّا إذا لزمه، ولططت الشيء ألزقته، ويجوز أن يكون من ألظ بالظاء المعجمة، يقال: ألظ فلان بفلان إذا لزمه، وعن أبي عمرو يقال: هو ملظٍّ بفلان لا يفارقه (¬1). 8 - قوله: "فبهرًا لقومي" أي: تعسًا لهم، وقال الجوهري: قال أبو عمرو: يقال: بهرًا له؛ أي: تعسًا له، قال ابن ميادة: تَفَاقَدَ قَوْمِي إذْ يَبيعُونَ مُهْجَتِي ... بِجَارِيَة بَهْرًا لَهُمْ بَعْدَهَا بَهْرًا (¬2) الإعراب: قوله: "ألا ليت شعْري" ألا: للتنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وليت: للتمني يتعلق بالمستحيل غالبًا (¬3)، وقوله: "شعري": اسمه، وخبره محذوف؛ وذلك لأن شعري مصدر شعرت أشعر شعرًا وشِعرًا إذا فطن وعلم، ولذلك سمي الشاعر شاعرًا كأنه فطن لما خفي على غيره، وهو مضاف إلى الفاعل. والمعنى: ليت علمي يعني: ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر، ونابت الياء التي في شعري عن اسم ليت الذي هو في قولك: ليتني. قوله: "هل": للاستفهام، قوله: "سبيل": مبتدأ، وخبره قوله: "إلى أم معمر" مقدمًا ويروى: أم مالك، قوله: "فأما الصبر عنها" كلمة (أما) شوطية وتفصيلية (¬4) فلذلك دخلت الفاء في جوابها. قوله: "الصبر": مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده، أعني قوله: "فلا صبرا"، فإن قلت: أين الرابط الراجع إلى المبتدأ؟ قلت (¬5): الرابط الراجع إلى المبتدأ: إما ضمير يعود نحو: زيد قام أبوه، أو تكرير المبتدأ بلفظه نحو: زيد قام زيد، أو إشارة إليه نحو قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، أو عموم يدخل تحته المبتدأ، وها هنا لا رابط فيها إلا عموم قوله: "فلا صبرا" فيكون مراده: ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة
فأما الصبر عنها فلا صبر لأحد عنها، وإذا نفي أن يكون لأحد صبر عنها فصبره داخل فيه. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأما الصبر عنها فلا صبرا" حيث سد العموم ها هنا مسد الضمير الراجع إلى المبتدأ كما قررناه آنفًا (¬1). الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة (¬2) , (¬3) فَإِنْ يَكُ جُثمَانِي بِأَرْضٍ سِوَاكُمُ ... فَإِن فُؤَادِي عندَكِ الدَّهْرَ أَجْمَعُ أقول: قائله هو جميل بن عبد الله بن معمر بن الحرث بن ظبيان، وقيل: جميل بن معمر بن جبير بن ظبيان بن قيس بن حن بن ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد بن كثير بن عذرة بن سعد، وهو هذيم بن زيد بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة العذري. وهو شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية، وكان راوية هدبة بن خشرم، وكان هدبة راوية الحطيئة، وكان الحطيئة راوية زهير وابنه، وكان كثيّر راوية جميل هذا، وكان جميل يهوى بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهون بن عمرو بن الأحب بن حن بن ربيعة. والبيت المذكور من قصيدة عينية من الطويل وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَهَاجَكِ أَمْ لَا بِالْمَداخِلِ مَرْبَعُ ... ودارٌ بِأَجْرَاعِ الغَدِيرَيْنِ بَلْقَعُ 2 - دِيَارٌ لِسَلْمَى إِذْ يُحَلُّ بِهَا مَعًا ... وَإِذْ نَحْنُ منهَا بِالْمَوَدَّةِ نَطْمَعُ (¬5) ¬
3 - وَإنْ تَكُ قَدْ شَطَّتْ نَوَاهَا وَدَارُهَا ... فإنَّ النَّوَى مِمَّا تُشِتُّ وَتَجْمَعُ 4 - إِلَى الله أَشْكُو لَا إِلَى النَّاسِ حُبَّهَا ... وَلا بُدَّ مِن شَكْوَى حَبِيبٍ يُرَوَّعُ 5 - أَلا تَتَّقِينَ اللهَ فِيمَنْ قَتَلْتِهِ ... فَأَمْسَى إِلَيكُمْ خَاشِعًا يَتَضَرَّعُ 6 - فَإِنْ يكُ .............. ... ............................ إلخ 7 - فَإِنْ قُلْتُ هَذَا حِينَ أَسْلُو وَأَجْتَرِي ... على هَجْرِهَا ظَلَّتْ لَهَا النَّفْسُ تَشْفَعُ (¬1) 8 - ألا تَتَّقِينَ اللهَ فيِ قَتْلِ عَاشِقٍ ... لَهُ كَبِدُ حَرَّى عَلَيكِ تَقَطَّعُ 9 - غَرِيبٌ مَشُوقٌ مُولَعٌ بِادِّكَارِكُمُ ... وَكُلُّ غَرِيبِ الدَّارِ بالشَّوْقِ مُولَعُ 10 - فَأَصْبَحْتُ مما أَحْدَثَ الدهْرُ مُوجَعًا ... وَكُنْتُ لِرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَخَشَّعُ 11 - فَيَا رَبِّ حَبِّبنِي إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي الـ ... ـمَوَدَّةَ منها أَنْتَ تُعْطِي وَتَمْنَعُ 1 - قوله: "بالمداخل" -بفتح الميم، وهو موضع، و "المربع" -بفتح الميم؛ منزل القوم في الربيع خاصة، قوله: "بأجراع الغديرين" الأجراع: جمع جرع -بفتح الجيم والراء، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك والأجرع، قوله: "بلقع" -بفتح الباء الموحدة، قال الجوهري: البلقع والبلقعة: الأرض القفراء التي لا شيء فيها. 3 - قوله: "شطت" أي: بعدت نواها وهو الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد، وهي مؤنثة فلذلك أنث الفعل المسند إليها. 6 - قوله: "جثماني" -بضم الجيم، قال الأصمعي: الجثمان: الشخص، وهو إنما يستعمل في بدن الإنسان (¬2)، قوله: "سواكم" أي: سوى أرضكم بحذف المضاف. والمعنى: أنه يخبر أنه على المحبة القديمة، وأنه لا يتغير ببعد الدار ولا بطول العهد. الإعراب: قوله: "فإن يك" الفاء للعطف، وإن للشرط، ويك فعل الشرط، وأصله: يكن، فحذفت النون تخفيفًا (¬3)، وقوله: "جثماني": اسم يكن، وخبره قوله: "بأرض"، قوله: "سواكم" أي: سوى ¬
أرضكم، والجملة صفة للأرض المذكورة، قوله: "فإنَّ فؤادي ... إلخ": جواب الشرط؛ فلذلك دخلت الفاء فيها، وقوله: "فؤادي": اسم إن، وخبره قوله: "عندك"، وقوله: "الدهر" نصب على الظرفية، قوله: "أجمع"- بالرفع: تأكيد للضمير الستكن في: عندك، ولا يجوز أن يكون توكيدًا لفؤادي محمولًا على محله؛ لفصل الأجنبي وهو قوله: "عندك" بخلاف الدهر فإنه ليس بأجنبي، فافهم، وقد يقال: إنه إذا كان تأكيدًا لفؤادي يلزم الفصل بالشيئين، وفي كونه تأكيدًا للضمير المستكن في: "عندك" يلزم الفصل بشيء واحد، وهو أولى [من الأول. الاستشهاد فيه: في قوله: "أجمع" حيث أكد به الضمير المنتقل إلى الظرف وهو قوله: "عندك"] (¬1)؛ إذ لو لم يكن الضمير منتقلًا من الفعل إليه، لما جاز تأكيده ولا عطف الاسم عليه في قول الشاعر (¬2): أَلا يَا نَخْلَةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ... عَلَيكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ فإن قوله: "ورحمة الله" عطف على الضمير المستكن في "عليك"، الراجع إلى السلام المتأخر؛ لأنه خبر عنه، فافهم (¬3). ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة
الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة (¬1) , (¬2) قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ ... بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وَقَحْطَانُ أقول: أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "ذرا المجد" الذرى -بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء؛ جمع ذروة بالضم -أيضًا- كمدية ومُدى، ومن كسر الذال في المفرد فقياسه ذرى بالكسر -أيضًا- كمرية ومرى، ومن فتح فقياسه: ذَرَى بالفتح -أيضًا- كركوة وركى، وشذ قرية وقُرى، وذِروة كل شيء: أعلاه ومنه: ذِروة السّنام والمجد والكرم، ومنه يقال: رجل مجيد؛ أي: كريم. قوله: "بانوها" (¬3) أي: بانوا ذرى المجد، أي: زادوا عليها وتميزوا، يقال: بأنه يبونه ويبينه، قال الجوهري: البون: الفضل والمزية، وهو بضم الباء الموحدة، والبون -بفتح الباء: البعد (¬4)، قوله: "بكنه" كنه كل شيء: غايته ونهايته، يقال: أعرفه كنه المعرفة؛ أي: كما ينبغي، وليس لهذه المادة فعل، وقولهم: "لا يكتنه كنهه مولد" (¬5)، واستعمله صاحب الكشاف (¬6)، ويروى: بصدق ذلك، وهو أظهر (¬7). قوله: "عدنان وقحطان" أما عدنان فهو ابن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- وهو والد معد أحد أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بطن عظيم، ومنه تناسلت عقب عدنان كلهم، وأما قحطان فهو ابن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح - عليه السلام -، واسمه مهزم، قاله ابن ماكولا (¬8) ويقال: قحطان هو ابن هود - عليه السلام - (¬9) ¬
ويقال: هو هود - عليه السلام -، وقيل: أخوه، وقيل: من ذريته، وقيل: قحطان [من سلالة إسماعيل -عليه الصلاة والسلام-] (¬1) بن الهميسع بن تيمن بن قيدار بن نبت بن إسماعيل - عليه السلام - (¬2). وفي كتاب التيجان لابن هشام: كان قحطان خليفة أبيه هود - عليه السلام - ووصيه، وتوفي بمأرب، وأوصى ابنه يعرب، وعرب اليمن وهم حِمْيَرٌ كلهم من قحطان (¬3). والحاصل: أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين: قحطانية وعدنانية، فالقحطانية شعبان: سبأ وحضرموت، والعدنانية شعبان -أيضًا-: ربيعة ومضر ابنا نزار بن معد بن عدنان. واختلفوا في قضاعة فقيل: إنهم من عدنان، قال أبو عمرو: وعليه الأكثرون، ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم-، وقيل: إنهم من قحطان، وهو قول ابن إسحاق (¬4) والكلبي (¬5)، والشاعر يمدح قومه بأنهم حازوا سائر الفضائل حتى إنهم بانوا ذرى المجد والكرم، واشتاع ذلك فيهم حتى علم بذلك سائر العرب العدنانية والقحطانية. الإعراب: قوله: "قومي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "ذرى المجد": كلام إضافي -أيضًا- مبتدأ ثان، وقوله: "بانوها": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، فأخبر بـ "بانوها" عن الذرى، وإنما هو في المعنى للقوم لأنهم البانون، ويقال: لا نسلم كون (ذرى) مبتدأً، بل هو مفعول لوصف، حذف على شريطة التفسير، وذلك الوصف هو الخبر، وهو جار على من هو له، والوصف المذكور بدل منه، ونظيره قولك: زيد الخبز أكله، إن نصبت الخبز استتر الضمير، وإن رفعته أبرزت (¬6). قوله: "وقد علمت" الواو للقسم، وكلمة قد للتحقيق، وعلمت: فعل ماض، و "عدنان" فاعله، و"قحطان" عطف عليه، والباء في: "بكنه" تتعلق بقوله: "علمت" وذلك إشارة إلى قوله: "قومي ذرى المجد بانوها" والتذكير باعتبار المذكور. الاستشهاد فيه: في قوله: "بانوها" حيث ذكرها بدون إبراز الضمير، حيث لم يقل بانوها هم؛ لأن إبراز ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد المائة
الضمير إنما يكون عند خوف اللبس، ولا لبس ها هنا، فافهم (¬1). الشاهد السادس والخمسون بعد المائة (¬2) , (¬3) أَكُلُّ عَامٍ نَعَم تَحْوونَهُ ... يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَذْبَحُونَهُ أقول: قائله هو صبي من بني سعد، وبعده: 2 - أَرْبَابُهُ نُوكَى فَلَا يَحْمُونَهُ ... وَلا يُلاقُونَ طِعَانًا دُونَهُ 3 - وَأنعم الأبْنَاءِ تَحْسَبُونَهُ ... هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لما تَرْجُونَهُ وقد قيل: إن اسم الصبي قيس بن الحصين الحارثي، وأصل هذا أن مذحجًا ورئيسهم عبد يغوث بن صلاة اجتمعوا وأقبلوا إلى تميم، فبلغ ذلك بني سعد والرباب ورئيس بني سعد قيس بن عاصم المنقري، ورئيس الرباب النعمان بن جساس -بكسر الجيم وتخفيف السين المهملة، وليس في العرب جساس -بكسر الجيم غير هذا، واستعدوا للحرب وهم على الكلاب -بضم الكاف وتخفيف اللام؛ اسم ماء، فصبحهم مذحج وأغاروا على النعم فطردوها، وجعل رجل يرتجز ويقول (¬4): في كل عام نَعَمٌ تَنْتَابُهُ ... على الكُلَابِ غُيِّيًا أربَابُهُ فأجابه غلام من بني سعد في النعم على فرس له: عَمَّا قَلِيلٍ سَتُرَى أَرْبَابَهُ ... صَلْبَ القناةِ حازمًا شَبَابَهُ (¬5) على جياد ضمر غيابه ... ........................... فأقبلت (¬6) سعد والربابُ إلى القوم فقال صبي منهم حين دنا من القوم: ¬
أَكُلُّ عَامٍ نَعَم تَحْوونَهُ ... يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتَنتجونَهُ إلى آخره، فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم من قبل وجوهها فجعلوا يصرفونها بأرماحهم، واختلط القوم، واقتتلوا قتالًا شديدًا يومهم، حتَّى إذا كان آخر النهار قُتِل النُّعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له: عبد الله بن كعب، وهو الذي رماه فقال للنعمان حين رماه: خذها وأنا ابن الحنظلية، فقال: ثكلتك أمك، رُبّ حنظلية قد تخاطبني (¬1)، فذهبت مثلًا فباتوا على القتال، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فآخر الأمر قويت بنو سعد والرباب على مذحج فهزموهم أفظع هزيمة، وأخذوا أموالهم وقتلوا منهم رجالًا وسبوا نساءً (¬2). قوله: "نعم" بفتحتين؛ واحد الأنعام، وهو المال الراعية، وأكثر ما تقع على الإبل والبقر، قوله: "تحوونه": من حوى يحوي إذا جمع، قوله: "يلقحه": من الإلقاح، يقال: ألقى الفحل الناقة، والريحُ السحابَ. قوله: "وتنتجونه": من النتيج، لا من الإنتاج ولا من النتاج، يقال: نُتِجت الفرس أو الناقة - على بناء ما لم يسم فاعله، تنتج نتاجًا وأنتجها (¬3) أهلها نتجًا، وأنتجت الفرس إذا حان نتاجهما، وقال يعقوب: إذا استبان حملها، وكذلك الناقة فهي نتوج، ولا يقال: منتج (¬4). والمعنى: أتحوون كل عام نعمًا لقوم ألقحوه وأنتم تنتجونه في حيكم، قوله: "أربابه" أي: أصحابه، و"نوكى" أي: حمقى، وهو جمع أنوك؟ كأحمق يجمع على حمقى، وهما متماثلان وزنًا ومعنى. الإعراب: قوله: "أكل عام" الهمزة للاستفهام الإنكاري، وقوله "نعم": مبتدأ، وخبره مقدمًا قوله: "كل عام"، وهو ظرف زمان، قوله: "تحوونه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، في محل الرفع على أنَّه صفة للنعم، والضمير المنصوب في "تحوونه" يرجع إلى النعم، لا يقال: [النعم] (¬5) مؤنث فكيف ذكر الضمير؟ لأن النعم ليس بمؤنث، بل هو اسم مفرد مذكر، قال الفراء: النعم مذكر لا مؤنث (¬6)، قوله: "يلقحه قوم" أي: يلقح النعَم قومُ، وقوم: فاعل يلقح، والجملة في محل الرفع على أنها صفة للنعم، وكذلك قوله: "وتنتجونه". ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "أكُلُّ عَام نَعَم" وهو وقوع ظرف الزمان وهو قوله: "كل عام" خبرًا عن الجثة وهو "نعم" وهذا لا يجوز إلا بالتأويل، وتأويل هذا أنَّه محمول على الحذف، تقديره: أكل عام حدوث نعم، والحدوث لكونه مصدرًا، جاز وقوع الزمان خبرًا عنه (¬1)، وقدره ابن الناظم: أكل عام إحراز نعم (¬2)، وقدره بعضهم: أكل عام نهب نعم (¬3)، والأحسن: أن يكون نعم فاعل الظرف (¬4) لاعتماده، فلا مبتدأ ولا خبر، ومع هذا فلا بد من التقدير -أَيضًا - لأجل المعنى، لا لأجل المبتدأ؛ إذ الذي يحكم له بالاستقرار هو الأفعال لا الذوات، فافهم (¬5). الشاهد السابع والخمسون بعد المائة (¬6)، (¬7) لَوْلا اصْطبَارٌ لأَوْدَى كُلُّ ذِي مِقَةٍ ... لَما اسْتَقَلَّتْ مَطَاياهنَّ لِلظَّعْنِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "لأودى" أي: لهلك يقال: أودى إذا هلك، وهو فعل لازم، قوله: "ذي مقة" أي: ذي محبة، من ومق يمق مقة، أصله: ومق، فلما حذفت الواو اتباعًا لفعله، عوض عنها الهاء؛ كما في: عدة (¬8). ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة
قوله: "لما استقلت" ويروى: حين استقلت؛ أي: ارتفعت وانتهضت، و"المطايا": جمع مطية، وهي الناقة التي يركب مطاها؛ أي: ظهرها، و"الظعن" -بفتح تين، الرحيل والسفر، وهو مصدر من ظعن يظعن إذا سار. الإعراب: قوله: "لولا": لربط امتناع التالي لوجود الأول نحو: لولا زيد لهلك عمرو، أي: لولا زيد موجود لهلك عمرو، قوله: "اصطبار": مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: لولا اصطبار موجود أو حاصل، قوله: "لأودى كل ذي مقة": جواب لولا، والسلام مفتوحة، وأودى: فعل ماض، و"كل ذي مقة": كلام إضافي فاعله، وقوله: "لما": ظرف، و"مطايهن": فاعل استقلت، و"للظعن": جار ومجرور، يتعلق بقوله "اسعقلت"، والسلام فيه للتعليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "اصطبار" فإنَّه (¬1) مبتدأ مع أنَّه نكرة، والمسوغ لوقوعه مبتدأ كونه تلو: "لولا" وهو من جملة المخصصات المعدودة (¬2). الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة (¬3)، (¬4) بَنُونَا بَنُو أبنائِنا وَبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأبَاعِدِ أقول: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر على ما يأتي الآن، والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وأن الانتساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله. وهو من الطَّويل. ¬
المعنى: بنو أبنائنا مثل بنينا؛ فقدم الخبر وحذف المضاف، وبنو بناتنا أبناء الرجال الأباعد، أي الأجانب. الإعراب: قوله: "بنونا" أصله: بنون لنا؛ فلما أضيف إلى: "نا" المتكلم، سقطت النُّون وصار "بنونا"، وكذلك الكلام في: بنو أبنائنا [فقوله: "بنو أبنائنا": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "بنونا" مقدمًا خبره، والمعنى: بنو أبنائنا] (¬1) مثل بنينا؛ لأن المراد بالحكم علي بني أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد بالحكم علي بنيهم كبني أبنائهم، قوله: "وبناتنا": كلام إضافي مبتدأ، قوله: "بنوهن": كلام إضافي -أَيضًا - مبتدأ ثان، وقوله: "أبناء الرجال": كلام إضافي -أَيضًا - خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، وقوله: "الأباعد": صفة الرجال. الاستشهاد فيه: على جواز تقديم الخبر مع كونه مساويًا للمبتدأ؛ لقيام قرينة دالة على تعيين المبتدأ وتعيين الخبر (¬2) وذلك من المعلوم أن المراد ها هنا تشبيه بني الأبناء بالأبناء، لا تشبيه الأبناء بأبناء الأبناء، وقد علم أن الأصل: تقديم المبتدأ على الخبر؛ لأن المبتدأ عامل في الخبر، وحق العامل أن يتقدم كسائر العوامل، ولكن قد يتقدم الخبر على المبتدأ لقيام القرينة التي يتميز بينهما؛ كما في قولك: أبو يوسف أبو حنيفة فقهًا، فإن من المعلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، لا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف [رضي الله تعالى عنهما] (¬3) حتَّى لو قيل: أبو حنيفة أبو يوسف فقهًا. لم يخف ¬
المراد -أَيضًا - وكذلك: بنونا بنو أبنائنا (¬1)، وقد يقال: إنه لا تقديم فيه ولا تأخير وإنه جاء على عكس التشبيه للمبالغة؛ فحينئذ لا استشهاد فيه كقول ذي الرمة غيلان (¬2): ورمل كأوراك العذارى قطعته ... ......................... وقال الشيخ جمال الدين: كان ينبغي لابن الناظم أن يستدل بما أنشده والده في شرح التسهيل (¬3): قَبِيلَةٌ أَلْأَمُ الأَحْيَاءِ أكرَمُهَا ... وَأَغْدَرُ النَّاسِ بِالجْيرَانِ وَافِيهَا إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم النَّاس وعن وافيها بأنه أغدر النَّاس لا العكس (¬4) وفيه شاهدان وهذا البيت لحسان - رضي الله تعالى عنه، وقبله (¬5): 1 - أَبْلِغْ هَوَازِنَ أَعْلاهَا وَأَسْفَلَهَا ... أَنْ لَسْتُ هَاجِيهَا إِلا بِمَا فِيهَا 2 - وَشَرُّ مَنْ يَحْضُرُ الأَمْصَارَ حَاضِرَهُمْ ... وَشَرُّ بَادِيَةِ الأَعْرَابِ بَادِيهَا 3 - تَبلَى عِظَامُهُمْ إما هُمُو دُفِنُوا ... تَحْتَ التُّرابِ ولا تَبْلَى مَخَازِيهَا ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة
وفي الأول من هذين البيتين شاهدان -أَيضًا - على ذلك، وأنشد ابن الناظم -أَيضًا - في هذا الباب (¬1): جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيكَ وقد ... يُعْدِي الصحاحَ مباركُ الجُرْبِ "جانيك": خبر، و"من": مبتدأ، ومعناه: الذي تعود جنايته عليك من العاقلة هو الذي يكسبك، و"الصحاح": مفعول، و"مبارك": تمييز عن الفاعل، و"الجرب": فاعل يعدي. والمعنى: قد تعدي الإبل الجرب الإبل الصحاح التي صحت مباركها (¬2)، وزعموا أن من خفض الجرب مخطئ، وزعم بعضهم أن ذلك رواية, وهذا عندي جيد، ويكون الشَّاعر أقوى كما أقوى في بيت آخر في القصيدة، والمعنى على ذلك حسن، والبيت لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، وهو أول من أطال الشعر بعد مهلهل وقبله: يَا كعبُ إنَّ أَخَاكَ مُنْحَمقٌ ... فاشْدُدْ إِزَارَ أخيكَ يَا كعبُ وبعده: وَالحرْبُ قَدْ يَضْطَرُّ جَالِبُهَا ... نحو المضِيقِ ودونَهُ الرَّحْبُ وَلَرُبَّ مَأْخُوذٍ بذَنْبِ عَشِيرَةٍ ... ونَجَي المقَارفُ صَاحِبُ الذَّنْبِ (¬3) الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة (¬4) , (¬5) فَيَا رَبِّ هَلْ إلا بِكَ النَّصْرُ يُرْتَجَى ... عَلَيهِم وَهَلْ إلا عَلَيكَ المعُوَّلُ أقول: قائله هو الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مقدم، وعالم بلغات العرب، وخبير بأيامها، من شعراء مضر والمتعصبين على القحطانية، وكان ¬
الشاهد الستون بعد المائة
في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية ومات قبلها، وكان معروفًا بالتشيع لبني هاشم مشهورًا بذلك، وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره. والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطَّويل يرثي فيها زيد بن عليّ، وابنه الحسين بن زيد، ويمدح بني هاشم. ومعنى البيت المذكور: وما النصر على الأعداء يرتجى إلَّا بك ولا المعول -أي الاعتماد إلَّا عليك. الإعراب: قوله: "فيا رب" أصله: يَا ربي، حذفت الياء للضرورة، أو اكتفاء بكسر ما قبلها، وقوله: "هل": نافية، وقوله: "النصر": مبتدأ، وخبره قوله: "بك" وهو يتعلق بـ"يرتجى"، وقوله: "عليهم": يتعلق في المعنى بالنصر، ولكن الصناعة تأباه؛ إذ لا يخبر عن الصدر قبل تمامه بمعموله؛ لئلا يلزم الفصل بالأجنبي، قوله: "المعول": مبتدأ مؤخر، و"عليك": خبر مقدم، وليس لك هنا أن تجيز في: "المعول" الفاعلية، وإن كان الظرف معتمدًا؛ لأن الظرف على هذا التقدير في محله؛ لأنه خلف عن الفعل، وكما لا يجوز: (ما إلَّا قام زيد) كذلك لا يجوز: ما إلَّا في الدار زيد. الاستشهاد فيه: على جواز تقديم الخبر المحصور بإلا للضرورة، وإنما كان حقه أن يقول: وهل النصر يرتجى إلَّا بك وهل المعول إلَّا عليك (¬1)؟ الشاهد الستون بعد المائة (¬2) , (¬3) أمُّ الحُليْسِ لَعَجُوزٌ شهربهْ ... تَرْضَى من اللَّحم بعظْم الرقبَهْ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ونسبه الصاغاني في العباب إلى عنترة بن عروس ¬
الشاهد الحادي والستون بعد المائة
وهو الصحيح (¬1). قوله: "أم الحليس" -بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره سين مهملة، قوله: "شهربه" -بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء وفتح الراء والباء الموحدة وفي آخره هاء، وهي العجوز الفانية، وكذلك الشهبرة، وقال ابن الأثير: الشهربة والشهبرة: الكبيرة الفانية (¬2). الإعراب: قوله: "أم الحليس": مبتدأ، وقوله: "لعجوز": خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هي عجوز والجملة خبر المبتدأ الأول، هذا إذا قلنا: اللام فيه للتأكيد، وإذا قلنا: اللام زائدة، تكون أم الحليس مبتدأ، ولعجوز خبره، ولا يُحتاجُ إلى التقدير، وشهربة: صفة العجوز في الحالتين. وقوله: "ترضى" ... إلخ صفة أخرى، ومن والباء كلاهما يتعلق بـ"لا ترضى"، ومن بمعنى البدل كما في قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} [التوبة: 38] وكما في قوله تعالى: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60]؛ لأن الملائكة لا تكون من الإنس. والمعنى: ترضى بدل اللحم بعظم الرقبة؛ يعني بلحم عظم الرقبة، والمضاف فيه محذوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعجوز" وذلك لأن المبتدأ إذا كان مقترنًا بلام الابتداء، يؤكد للاهتمام بأوليته، وتأخيره مُنَافٍ لذلك، وأما اللام ها هنا فقد قلنا: إما زائدة، وإما أن المبتدأ الذي دخلت هي عليه محذوف، والتقدير: لهي عجوز شهربه (¬3). الشاهد الحادي والستون بعد المائة (¬4) , (¬5) عِنْدِي اصْطِبَارٌ وأَمَّا أَنَّنِي جَزِعٌ ... يَوْمَ النَّوَى فَلوَجْدٍ كَادَ يَبْرِينِي أقول: لم أقف على قائله، وهو من البسيط. ¬
الشاهد الثاني والستون بعد المائة
قوله: "جزع" -بفتح الجيم وكسر الزاي المعجمة: صفة من الجزع -بفتحتين، وهو نقيض الصبر، وقد جزع بالشيء- بالكسر، وأجزعه غيره، قوله: "يوم النوى" أي: يوم البعد والفراق، و"الوجد": هو شدة الشوق، قوله: "يبريني": من بريت القلم إذا نحته، وأصله من البري وهو القطع، يقال: برت الإبل إذا هزلت وأخذت من لحمها. الإعراب: قوله: "عندي اصطبار": جملة من المبتدأ المؤخر وهو اصطبار والخبر القدم وهو الظرف، أعني: عندي، قوله: "وأما أنني جزع" أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، [أما أنها شرط فبدليل لزوم الفاء بعدها وهي قوله: "فلوجد"، وأما أنها تفصيل] (¬1) فظاهر، وأن -بفتح الهمزة من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "في": اسمه، و"جزع": خبره، قوله: "فلوجد" الفاء للجواب والسلام للتعليل، وقوله: "كاد يبريني": جملة وقعت صفة لوجد. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأما أنني جزع" وذلك أن المبتدأ إذا كان (أن المفتوحة وصلتها) يجب تقديم المبتدأ خوفًا من التباس المكسورة بالفتوحة، وخوف (¬2) التباس أن المصدرية بالتي بمعنى لعل، فإن ابتدئ بأن وصلتها بعد أما، لم يلزم تقديم الخبر، بل يجوز التقديم والتأخير كما في البيت المذكور (¬3). الشاهد الثاني والستون بعد المائة (¬4) , (¬5) أَهَابُكِ إِجْلالًا وَمَا بِكِ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلَكِن مِلْءُ عَينٍ حَبِيبُها أقول: قائله هو نصيب بن رباح الأكبر، وكان عبدًا أسود لرجل من أهل القرى فكاتب ¬
على نفسه ثم أتى عبد العزيز بن مروان (¬1) فمدحه فوصله عبد العزيز بن مروان وأدى عنه ما كاتب عليه فصار له ولاؤه، فقال قوم: إنه من بني قضاعة، وكانت أمه أَمةً سوداء فوقع عليها سيدها فاستولدها (¬2) نصيبًا، فاستعبده عمه بعد موت أَبيه وباعه من عبد العزيز بن مروان، وقيل: كان من أهل ودان عبد لرجل من كنانة، هو وأهل بيته وكان عفيفًا، لم يتشبب قط إلَّا بامرأته، وكان أهل البادية يدعونه بالنصيب تفخيمًا له، وسمي نصيبًا؛ لأنه لما ولد قال سيده: ائتونا بمولودنا هذا ننظر إليه، فلما أتي به قال: إنه لنصيب الخلق فسمي نصيبًا، ويكنى أَبا محجن، وقيل: أَبا الحجناء. وكان شاعرًا إسلاميًّا حجازيًّا من شعراء بني مروان (¬3)، وفيهم نصيب آخر يسمى نصيبًا الأصغر وهو مولى المهدي، وهو عبد نشأ باليمامة واشتري للمهدي في حياة المنصور، فلما سمع شعره قال: والله ما هو بدون نصيب مولى بني مروان؛ فأعتقه وزوجه أمة له يقال لها: جعفرة، وكناه أَبا الحجناء، وأقطعه ضيعة بالسواد، وعفر بعده، وإنما ذكرناه فرقًا بينهما؛ لأنه يشتبه على كثير من النَّاس، وبعد البيت المذكور: وما هَجَرَتْكِ النفْسُ يَا ليلَ أَنَّهَا ... قَلَتْك وَلا أَنْ قَلَّ مِنْكِ نَصِيبُهَا ولكنهُم يَا أَمْلَحَ النَّاس أولِعُوا ... بقولٍ إذَا مَا جِئْتُ هَذَا حَبِيبُهَا وهي من الطَّويل والقافية متدارك. قوله: "أهابك": من هابه يهابه هيبةً ومهابةً، وهي الإجلال والخافة، والإجلال: التعظيم؛ من أجله إذا عظمه، والمعنى: أهابك لا لاقتدارك عليّ، ولكن إعظامًا لقدرك؛ لأن العين تمتلئ ممن تحبه فتحصل المهابة، والضمير في: "حبيبها" للعين، وإن جعلتها للمرأة جاز كما قاله الخطيب التبريزي (¬4) , (¬5). قوله: "وما هجرتك النفس ... إلخ" ويروى: وما هجرتك النفسُ أنك عندها ... قليل ولكنْ قَل منك نصيبُها ¬
وهكذا رواه [أبو زكريا] (¬1) الخَطيب التبريزي وغيره (¬2)، قوله: "قلتك" من قلاه إذا بغضه. الإعراب: قوله: "أهابك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "إجلالًا" من قبيل قولك: "قعدت جلوسًا" (¬3)؛ لأن معنى: أهابك إجلالًا: أجلك؛ فيكون نصبًا على أنَّه مفعول مطلق، وإنما نصب على التعليل، أي أهابك لأجل إجلالك وتعظيمك، وقد قيل: ويجوز أن يكون في موضع الحال (¬4)، قوله: "وما بك قدرة": جملة حالية، قوله: "ولكن"- بسكون النُّون فلذلك لم يعمل، قوله: "ملء عين": كلام إضافي خبر مقدم، وقوله: "حبيبها": مبتدأ مؤخر. الاستشهاد فيه: حيث يجب تأخير المبتدأ؛ إذ لو تقدم (¬5) يلزم عود الضمير إلى متأخر لفظًا ورتبةً، وذلك لا يجوز (¬6)، وإنما يتم هذا الاستشهاد على ما هو المشهور، من أنَّه إذا اجتمعت نكرة ومعرفة كانت المعرفة هي المبتدأ مطلقًا (¬7)، وأما على ما يراه سيبويه من أن النكرة إذا كانت مقدمة وكان لها مسوغ كانت هي المبتدأ فلا, ولهذا قال في: كم جريبًا أرضك؟ بأن كم مبتدأ (¬8)، وبقوله قال أبو الفتح في البيت فأعرب: "ملء عين": مبتدأ و"حبيبها": خبرًا (¬9). ¬
الشاهد الثالث والستون بعد المائة
الشاهد الثالث والستون بعد المائة (¬1) , (¬2) فَقَالتْ حَنَانٌ مَا أَتَى بِكَ هَا هُنَا ... أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بِالحيِّ عَارِفُ أقول: أنشده سيبويه في كتابه، ولم يعزه إلى أحد، وقال: سمعت عن بعض العرب الموثوق بهم ينشده. وهو من الطَّويل. قوله: "فقالت" أي: المرأة المعهودة، قوله: "حنان" -بفتح الحاء وتخفيف النُّون، أي: رحمة، يقال منه: حنَّ عليه يحنُّ حنينًا، ومنه قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13] والحي: واحد أحياء العرب، قوله: "عارف": من عرف بالفاء. الإعراب: قوله: "فقالت": جملة من الفعل وفاعله وهو المستتر فيه، قوله: "حنان": خبر مبتدأ محذوف أي: أمري حنان، والأصل: أَتحنن عليك حنانًا، أي: أرحمك وأشفق عليك، ثم حذف الفعل فبقي المصدر المنصوب وهو (حنانًا) ثم رفع؛ لأن في الرفع تصيير الجملة اسمية، وفي النصب هي فعلية، والاسمية أدل على الثبوت والدوام من الفعلية، فلذلك عدل عنها إلى الاسمية، فلما رفع قدر له مبتدأ وهو قولنا: أمري حنان. قوله: "مما": استفهام، أي: أي شيء أتى بك ها هنا؟ يعني: عندنا، قوله: "أذو نسب؟ " الهمزة فيه للاستفهام -أَيضًا- و"ذو نسب": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف، أي: أَنْتَ ذو نسب أم أَنْتَ بالحي عارف؟ وحاصل المعنى: لأي شيء جئت ها هنا؟ ألك نسب ها هنا؟ تعني: قرابة جئت لهم أم لك معرفة بالحي؟ وإنما قالت ذلك خوفًا عليه ورحمة من جهة الحي، فافهم، قوله: "أَنْتَ": مبتدأ، قوله: "عارف": خبره، "بالحي": يتعلق بعارف. الاستشهاد فيه: في قوله: "حنان" فإنَّه حذف منه المبتدأ -كما قلنا- حذفا واجبًا كما ذكرنا من المعنى، ¬
الشاهد الرابع والستون بعد المائة
وأما الحذف في قوله: "أذو نسب" ليس بواجب لشيء، فافهم (¬1). الشاهد الرابع والستون بعد المائة (¬2) , (¬3) يُذِيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُل عَضُبٍ ... فَلَوْلَا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا أقول: قائله هو أبو العلاء أَحْمد بن عبد الله بن سليمان بن محمَّد بن سليمان بن أَحْمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النُّعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة التنوخي العري اللغوي الشَّاعر التضلع بالفنون من الأدب، صاحب التصانيف الكثيرة، ولكن تكلم فيه العلماء من جهة اعتقاده. وكان قد عمي من الجدري، ولد يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاث مائة بالعرة، وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة (¬4) سنة، تُوفِّي يوم الجمعة لثلاث بقين من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة بالعرة، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينًا؛ لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين، وهم لا يأكلون؟ كيلا يذبحوا الحيوان؛ ففيه تعذيب له، وهم لا يدون بالإِيلام مطلقًا في جميع الحيوانات. والبيت المذكور من أول قصيدة لامية وهي طويلة من الوافر، وهي أول قصائد كتابه المسمى سقط الزند، وأولها هو قوله: 1 - أَعَنْ وَخْدِ القِلَاصِ كَشَفْتِ حَالًا ... وَمِنْ عِنْدَ الظَّلامِ طَلَبْتِ مَالا 2 - وَدُرًّا خِلْتِ أَنْجُمَهُ عَلَيهِ ... فَهَلَّ خِلْتِهُنَّ بِهِ ذُبَالا 3 - وَقُلْتِ الشمْسُ بِالبَيدَاءِ تِبْرٌ ... وَمِثْلُكِ مَنْ تَخَيَّلَ ثُمَّ خَالا ¬
4 - وَفي ذَوْب اللُّجَينِ طَمعْتَ لَمَّا .. رَأَيْتِ سَرَابَهَا يَغْشَى الرِّمَالا 5 - رَمَاكِ الله مِنْ فُوقِ بَرُوقٍ ... من السَّنَوَاتِ تُشْكِلُكَ الإِفَالا 6 - فَقَدْ أَكَثَرْتِ نُقلَتَنَا وَكَانَتْ ... صِغَارُ الشهْبِ أَسْرَعَهَا انْتِقَالا 7 - تذَكرُكِ الثَّويةَ من ثُدَيٍّ ... ضَلَالٌ مَا أَرَدْتِ بِهِ ضَلَالا إلى أن قال: 8 - إِذَا بُصِرَ الأَمِيرُ وَقَدْ نَضَاهُ ... بِأَعْلَى الجَوِّ ظُن عَلَيهِ آلا 9 - وَدَبَّتْ فَوْقَهُ حُمْرُ المنَايَا ... وَلَكِنْ بَعْدَمَا مُسِخَتْ نمَالا 10 - يُذِيبُ الرُّغبُ مِنْهُ كُلّ عَضُبٍ .. فَلَوْلَا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا 11 - وَمَن يَكُ ذَا خَلِيلٍ غَيْرِ سَيفٍ ... يُصَادِفُ في مَوَدَّتَهُ اخْتِلالا 12 - وَذي ظَمَإ ولَيسَ بِهِ حَيَاةٌ ... تيَقَّنَ طَولَ حَامِلِهِ فَطَالا 13 - تَوَهَّمَ كلَّ سَابِغَةٍ غَدِيرًا ... فَرَنَّقَ يَشْرَبُ الحلَقَ الدِّخَالا 1 - قوله: "أعن وخد" الوخد -بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة وفي آخره قال مهملة؛ ضرب من السير، و"القلاص": جمع قلوص، وهي الشابة من النوق، وهي من الإبل مثل الجارية من بني آدم. 2 - و"الذبال" -بضم الذال المعجمة، وهي الفتيلة. 3 - قوله: "بالبيداء" -بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وهي المفازة، و"التبر"- بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الباء الموحدة، وهو ما كان من الذهب غير مضروب، قوله: "تخيل" أي: توهم، قوله: "خالا" من خال الشيء يخيل خيلًا ومخيلةً وخيلولةً إذا ظن، وفي المثل: "من يسمع يخل" (¬1) وهو من باب ظننت وأخواتها. 4 - قوله: "اللجين" -بضم اللام وفتح الجيم؛ وهو الفضة، جاء هكذا مصغرًا كالثريا والكميت. 5 - قوله: "من فوق بروق" الفوق -بضم الفاء: موضع الوتر من السهم، ويجمع على أفواق، و"البروق" -بضم الراء: الشدائد، و"السنوات": جمع سنة، وهي الجدب، و"الإفال"- بكسر الهمزة، جمع إفيل، وهو ولد الإبل، قال الجوهري: الأفال والأفائل: صغار الإبل بنات الخاصِّ ونحوها، واحدها إفيل، والأنثى إفيلة (¬2). ¬
6 - قوله: "صغار الشهب" -بضم الشين المعجمة؛ وهي كالقمر وعطارد وسيرهما في الفلك أسرع من سير غيرهما. 7 - قوله: "الثوية" -بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وفتح الياء آخر الحروف المشددة، وهي موضع بقرب الكوفة، و"ثدي" -بضم الثاء المثلثة وفتح الدال وتشديد الياء آخر الحروف، وهو موضع بالشَّام. 8 - قوله: "وقد نضاه" الضمير يرجع إلى السيف فيما قبله، يقال: نضى سيفه؛ أي: سفه، وكذلك انتضاه، و"الآل": الشخص. 9 - وأراد بـ "حمر المنايا" السيوف القاطعة، قوله: "نمالا" بكسر النُّون. 10 - قوله: "يذيب" من أذاب [الشيء] (¬1) إذابة، والإذابة إسالة الحديد ونحوه من الجوامد، و"الرعب": الفزع والخوف، و"العضب" -بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو السيف القاطع، و"الغمد" -بكسر الغين المعجمة وسكون الميم، وهو غلاف السيف، قوله: "لسالا": فعل ماضٍ من السيلان، والسلام فيه للتأكيد، والألف للإطلاق، ومعناه: إن سيف هذا المدوح تهابه السيوف؛ كما أن الممدوح تهابه الرجال، حتَّى إن السيوف يذوب حديدها، فلولا أن أغمادها تمسكها لسالتُ لذوبانها من فزعها منه. 12 - قوله: "وذي ظمأ" أي: عطش، وأراد به الرمح، و"الطول" بفتح الطاء: مصدر طالت يده بالعطاء طولًا. 13 - قوله: "فرنق": من رنّقت الماء ترنيقًا؛ أي: كدرته، قوله: "الحلق الدخالا" بكسر الدال وتخفيف الخاء المعجمة، والدخال في الورد أن يشرب البعير ثم يرد من العطش إلى الحوض، ويدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن يشرب. الإعراب: قوله: "يذيب": فعل مضارع، و"الرعب": فاعله، قوله: "منه": حال من الرعب، و"كل عضب": كلام إضافي مفعول لقوله: "يذيب"، قوله: "الغمد": مبتدأ، وقوله: "يمسكه": خبره، وقد يقال: إن الخبر محذوف، "ويمسكه": بدل اشتمال على أن الأصل: أن يمسكه، ثم حذف (¬2) أن وارتفع الفعل، ويقال: يمسكه: جملة معترضة، ويقال: جملة وقعت حالًا من الخبر المحذوف، وفيه نظر؛ لأنهم لا يذكرون الحال بعد لولا فافهم (¬3)، قوله: "لسالا": جواب لولا. ¬
الشاهد الخامس والستون بعد المائة
ثم اعلم أن البيت إنما ذكروه للتمثيل لا للاستشهاد؛ لأن المعري لا يحتجُّ بشعره كما ذكره أبو علي الفارسيّ في الإيضاح من أشعار حبيب (¬1) على وجه التمثيل، ومع هذا لا يحتج بشعره (¬2) فإذا كان حبيب لا يحتج بشعره وهو أعلى طبقة من المعري، فأحرى أن لا يحتج بشعر المعري. وجه التمثيل: أنَّه ذكر الخبر بعد لولا؛ فإنَّه في مثل هذا الموضع يجوز ذكر الخبر وتركه؛ فإنَّه لو قال: لولا الغمد لسال، على تقدير: لولا الغمد يمسكه، صح الكلام والمعنى، ولكنه اختار ذكر الخبر دفعًا لإبهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز، وقد خطأ بعضهم أَبا العلاء المعري في هذا؛ حيث أثبت الخبر بعد لولا (¬3) والمُخَطِّيُّ مُخْطِيٌّ لما ذكرنا. الشاهد الخامس والستون بعد المائة (¬4) تَمنَّوْا لِيَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى ... وَكُل امْرِئٍ والمَؤتُ يَلْتَقِيَانِ أقول: قائله هو الفرزدق، وقد ترجمناه، وقبله: لَشَتَّانَ مَا أَنْوي وَيَنْوي بَنُو أَبِي ... جَمِيعًا فَمَا هَذَانِ مُسْتَوَيانِ وهما من الطَّويل. قوله: "تمنوا": من التمني، قوله: "يشعب" -بفتح العين؛ أي: يفرق، يقال: شعبة- بالتخفيف إذا فرقه، وفي الحديث: "ما هذه الفتيا التي شعبت بها النَّاس". والمعنى: أن هؤلاء تمنوا لأجلي الموت الذي يفرق الفتى عن إخوانه أو عن أهله، أو عن أولاده، ولا بد لكل امرئ أن يلقى الموت، وفي معناه: ما روي عن الإِمام الشَّافعيّ (¬5) - ¬
الشاهد السادس والستون بعد المائة
رضي الله تعالى عنه - (¬1): تمنى رجالٌ أن أموتَ وإن أَمُتْ ... فتلكَ سبيل لستُ فيها بأوحدٍ (¬2) الإعراب: قوله: "تمنوا": فعل وفاعل، و"الموت": مفعوله، و"لي": جار ومجرور يتعلق بـ "تمنوا"، و"الذي": موصول، و"يشعب الفتى": جملة صلته، والوصول مع صلته صلة للموت، قوله: "وكل امرئ": كلام إضافي مبتدأ، و"الموت": عطف عليه، و"يلتقيان": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "وكل امرئ والموت يلتقيان" حيث أثبت فيه ذكر خبر المبتدأ المعطوف عليه بالواو، ولأن (¬3) الواو ليست صريحة في المصاحبة فلم يجب الحذف، وأما إذا كانت الواو صريحة للمصاحبة فلا يجوز في مثل هذا إظهار الخبر نحو: كل ثوب وقيمته، وكل عامل وعمله، وذلك لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وسدا مسد الخبر (¬4). الشاهد السادس والستون بعد المائة (¬5) , (¬6) لكَ العِزُّ إِنْ مَوْلَاكَ عَزَّ وَإنْ يُهَنْ ... فأنتَ لدى بُحْبُوحَةِ الهُونِ كَائِنُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "مولاك" الولى يجيء لمعان كثيرة: الحليف والرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والمحب والتابع والجار وابن العم والصهر والعبد والمنعم عليه، ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه، والظاهر أن المراد ها هنا الحليف، أو التابع، قوله: "وإن يهن": على صيغة المجهول، قوله: ¬
"بحبوحة" -بضم الباء الموحدة، وبحبوحة كل شيء: وسطه، وكذا بحبوحة الدار: وسطها، يقال: بحبح إذا تمكن وتوسط المنزل والمكان، و"الهون" -بضم الهاء: الذل والهوان. الإعراب: قوله: "العز": مبتدأ، و"لك" مقدم عليه: خبره، و"إن": حرف شرط، و"مولاك": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إن [عز] (¬1) مولاك عز، قوله: "وإن يهن" -أَيضًا - حرف شرط والضمير فيه يرجع إلى المولى، قوله: "فأنت": مبتدأ وقوله: "كائن": خبره، والجملة جواب الشرط. فإن قلتَ: أين جواب إن الأولى؟ قلت: محذوف دل عليه قوله: "لك العز"، التقدير: إن عز مولاك ذلك العز، وإن يهن فأنت مهان، وقوله: "لدى بحبوحه الهون": معترض بين المبتدأ والخبر، و"لدى": نصب على الظرف (¬2) مضاف إلى بحبوحة الهون، والتقدير: أَنْتَ كائن عند بحبوحة الذل والهون. الاستشهاد فيه: في قوله: "كائن" حيث صرح بذكره وهو خبر شذوذًا، وذلك لأن الأصل إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورًا يكون كل منهما متعلقًا بمحذوف واجب الحذف نحو: زيد عندك، وزيد في الدار، والأصل: زيد استقر عندك واستقر في الدار، أو مستقر على الوجهين (¬3)، وإبرازه كما في ¬
الشاهد السابع والستون بعد المائة
البيت المذكور شاذ، وصرح ابن جني (¬1) بجواز إظهاره لكونه أصلًا، فافهم (¬2). الشاهد السابع والستون بعد المائة (¬3) , (¬4) فَأَقْبَلْتُ زَحْفًا عَلَى الرُّكبَتَيِن ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أَجُرُّ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة رائية، وهي طويلة من التقارب، وقد سقناها جميعها فيما مضى في أوائل الكتاب (¬5)، قوله: "فأقبلت زحفا على الركبتين" ويروى: فلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُهَا ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْب أَجُرُّ وإنما جر الثوب لئلا يرى أثر قدميه فيعرف؛ لأن القايف يتبين ذلك، ويقال: فعل ذلك من الخوف، وقال أبو حاتم: لبست ثوبًا وجررت آخر، قوله: "تسديتها" أي: علوتها وركبتها، يقال: تسدى فلان فلانًا إذا أخذه من فوقه. الإعراب: قوله: "فأقبلت" الفاء للعطف على ما قبله "وأقبلت": فعل وفاعل، قوله: "زحفًا" إما حال بمعنى: مزاحفًا وإما مصدر لفعل محذوف تقديره: فأقبلت أزحف زحفا، و"على الركبتين" متعلق بقوله: زحفا، قوله: "فثوب": مبتدأ، وخبره قوله: "لبست" والأصل لبسته، وكذلك "ثوب أجر"، أي: أجره، وهو أَيضًا - مبتدأ وخبره. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فثوب" حيث وقع مبتدأ وهو نكرة لكون القصد بها إلى التنويع، وهو من جملة المخصصات المعدودة (¬1). الشاهد الثامن والستون بعد المائة (¬2) , (¬3) سَرَيْنَا وَنَجْمٌ قَدْ أَضَاءَ فَمُذ بَدَا ... مُحَياكَ أَخْفَى ضَوْؤهُ كُل شَارِقٍ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "سرينا": من السرى، وهو (¬4) يتصحف بشربنا من الشراب، قوله: "أضاء" أي: أنار، قوله: "فمذ بدا"، أي: ظهر ولاح، "محياك" أي: وجهك، قوله: "كل شارق" الشارق: يطلق على كل شيء [يشرق] (¬5) أي يضيء؛ من الشَّمس والقمر والنجوم وغير ذلك. الإعراب: قوله: "سرينا": جملة من الفعل والفاعل، والواو في: "ونجم" للحال، "ونجم": مبتدأ، و"أضاء": خبره، قوله: "فمذ": ظرف مضاف إلى الجملة التي بعده، وقيل: مضاف إلى زمن مضاف إلى الجملة، و" بدا": فعل ماض، و"محياك": فاعله، والجملة وقعت مضافة إلى مذ، و"مذ": في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "أخفى ضوؤه" والتقدير: فمذ بُدُوّ محياك أخفى ضوؤه، أو فمذ وقت بدو محياك أخفى ضوؤه، وارتفاع (ضوؤه) بقوله: أخفى، وقوله: "كل شارق": كلام إضافي مفعول أخفى. ¬
الشاهد التاسع والستون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ونجم" حيث وقع مبتدأ وهو نكرة، والمسوغ لذلك هو وقوعه بعد واو الحال، فافهم (¬1). الشاهد التاسع والستون بعد المائة (¬2) , (¬3) مُرَسَّعَةٌ بَينَ أَرْبَاعِهِ ... بِهِ عَسَمٌ يَبتَغِي أَرْنَبا أقول: قائله هو امرؤ القيس بن مالك النميري، وقد قال بعضهم: إن هذا لامرئ القيس بن حجر الكندي (¬4). وقال أبو القاسم الآمدي (¬5) (صاحب المختلف والمؤتلف في أسماء الشعراء) (¬6): هذا ليس بصحيح، والصحيح هو الأول. قلت: هذا مثبت في ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي، وقال في شرحه: وهو رواية أبي عبيدة والأصمعي. وقال أبو سعيد: قرأتها على أبي حاتم والزيادي جميعًا (¬7)، وذكره الأعلم (¬8) فيما جمعه من القصائد المختارة للستة؛ أحدهم امرؤ القيس بن حجر الكندي (¬9). وهو من قصيدة بائية من الوافر، وأولها هو قوله: 1 - أيَا هِنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهَة ... عَلَيهِ عَقِيقَتُهُ أَحْسَبا 2 - مُرَسَّعَةٌ بَين أَرْسَاغِهِ ... بِهِ عَسَمٌ يَبتَغِي أَرْنَبا 3 - لِيَجْعَلَ فيِ سَاقِهِ كَعْبَهَا ... حِذَارَ المنَيةِ أَنْ يَعْطَبا ¬
4 - فَلَسْتُ بخِزرَافَةٍ في القُعُودِ ... وَلَسْتُ بطَيَّاخَةٍ أَخْدَبا 5 - وَلَسْتُ بِذِي رَيْثَةِ إمَّرٍ ... إِذَا قيدَ مُسْتَكْرَهًا أَصْحَبا 6 - وَقَالتْ بِنَفْسِي شَبَابٌ لَهُ ... ولِمَّتُهُ قَبلَ أَنْ يَشجُبا 7 - إِذْ هيَ سَوْدَاءُ مثل الجَنَا ... حِ تَغْشَى المطَانِبَ والمنَكِبا 8 - فَلَمَّا انْتَحَيتُ بِعَيرَانَة ... أشَبِّهُهَا قطمًا مصعَبا 9 - تُجَاوبُ أَصْوَاتَ أَنيَابِهَا ... كَمَا رعتْ فِي الضَّالة الأَخْطَبا 10 - كأكْدر مُلْتَئِمٍ خلقهُ ... تَرَاهُ إِذَا مَا عدا تَالِبَا 1 - قوله: "أيا هند" هي أخت امرئ القيس، يقول لها: لا تتزوجي رجلًا هو في الرجال مثل البوهة؛ وهي البومة العظيمة، قال الأعلم: البوهة: البومة العطمة تضرب مثلًا للرجل الذي لا خير فيه ولا عقل له، وهو [بضم] (¬1) الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الهاء وفي آخره تاء (¬2)، وقال أبو حاتم: رجل بوهة: لا خير فيه، وقال أبو عمرو: البومة الصغيرة يشبه بها الرَّجل الأحمق (¬3). قوله: "عقيقته" أي: شعره الذي خرج به من بطن أمه، أراد أنَّه لا يطلي ولا يحلق شعره ولا يتنظف، قوله: "أحسبا" بالحاء والسين المهملتين، وهي من الحسبة، وهي صهبة تضرب إلى العمرة، وهي مذمومة عند العرب، وقال في شرح الديوان: الأحسب: الأحمر في سواد، والحسبة: الحمرة في سواد (¬4). 2 - قوله: "مرسعة" قال الأعلم: المرسعة مثل المعاذة، كان الرَّجل من جهلة العرب يعقد بين أرساغه معاذة مخافة أن يموت أو يصيبه النبلاء (¬5)، ويقال: مرسعة ومرصعة، والتقدير: بين أرساغه مرصعة (¬6). وقال غيره: المرسعة: التميمة يجعلها في رسغه، والمرصع أن يخرق سيرًا ثم يدخل فيه طرف سير كنحو سيور المصاحف (¬7). قلت: هو بضم الميم وفتح الراء وفتح السين المشددة ويقال: بكسر السين، وهو مثل المرسع ¬
اسم فاعل ولكنه أدخل الهاء للمبالغة كعلامة؛ وهو الذي يجعل التميمة في رسغه (¬1). قوله: "بين أرباعه" ويروى: وسط أرباعه، ويروى: بين أرساغه، ويروى: بين أرباقه. والمعنى: على رواية أرباعه: أنَّه ملازم أرباعه، أي: منازله، لا يسافر ولا يغزو ولا يهتدي لخيره فهو يرسغ تميمة يجعلها في رسغه يتعوذ بها. والمعنى: على رواية أرساغه ظاهر، والأرساغ: جمع رسغ. والمعنى: على رواية أرباقه أنَّه يرسغ على الأرباق، وهي حبال فيها عدة عرى، والواحد رِبق - بكسر الراء وسكون الباء الموحدة. ق وله: "عسم" -بفتح العين والسين المهملتين؛ وهو يبس في الرسغ، وزيغ يقال: يد عسماء، وقال الأعلم: العسم: اعوجاج في الرسغ ويبس (¬2)، قوله: "يبتغي" أي: يطلب، و"الأرنب": حيوان مشهور من خصائصه أنَّه يحيض بين سائر الحيوانات، وألفه زائدة. 3 - قوله: "حذار المنية" أي: خوف الموت، وقال الأصمعيّ: كانت الجاهلية إذا وقعت الأوباء علقوا عليهم عظامًا من عظام الضبع والذئب وكعاب الأرانب يقولون حتَّى يعدونا الموت. 4 - قوله: "بخزرافة" -بكسر الخاء المعجمة وسكون الزاي وتخفيف الراء وبعد الألف فاء؛ وهو الكثير الكلام الخفيف، وقال أبو حاتم: الخزرافة: الخوّار الضعيف، قوله: "في القعود" أي: إذا قعدت، و"الطياخة" -بفتح الطاء المهملة وتشديد الياءآخر الحروف وبالخاء المعجمة؛ وهو الذي لا يزال يقع في سوءة لحمقه، و"الأخدب"- بالخاء المعجمة؛ وهو الذي لا يتمالك عن الحمق والجهل والاستطالة. 5 - قوله: "ريثة" -بفتح الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، وهو وجع يأخذ في الركبتين، وقال الأعلم: هو وجع المفاصل من الضعف والكبر (¬3)، و"الإمر" بكسر الهمزة وتشديد الميم المفتوحة، وهو الضعيف والأنثى: إمّرَة، قوله: "إذا قيد" يعني: صاحب الريثة، أراد أنَّه إذا قاده عدوه إلى أمر تابعه وذهب معه، قوله: "أصحبا" أي: اتبع، وألفه للإطلاق. 6 - قوله: "ولمته" -بكسر اللام وتشديد الميم، وهي الشعر يلم بالمنكبين، ويقال: اللمة: الجمة ويجمع على لمم وجمم (¬4)، وقوله: "أن يشجبا" أي: أن يهلك، والشجب: الهلاك، يقال: ¬
شعيب يشجُب من باب نصر ينصر، وشجب يشجَبُ من باب علم يعلم. 7 - قوله: "إذ هي" أي: اللمة سوداء مثل الجناح، ويروى: مثل الفحيم، يريد: الفحم شبه سواد اللمة به، وأراد بالجناح جناح الغراب، قوله: "يغطي المطانب" ويروى: يغشي المطانب، والمطانب- بالنُّون بعد الألف؛ حيث يطنب حبل العاتق إلى المنكب؛ أي: يكون مثل الطنب. 8 - قوله: "فلما انتحيت ... إلخ" رواه الزِّيادي والأصمعي، ولم يروه أبو عبيدة ولا أبو حاتم، و"العيرانة": الناقة تشبه بالعير في سرعتها ونشاطها، و"القطم" -بفتح القاف وكسر الطاء وهو الهائج، و"المصعب" الصعب الذي اتخذ للفحلة ولم يذلل بعمل ولا ركوب. 9 - قوله: "في الضالة" -بتخفيف اللام؛ وهي السدر البري، و"الأخطب": الصرد، والخطبة لون [يضرب] (¬1) إلى الخضرة. 10 - قوله: "ملتئم خلقه" أي: يشبه بعض خلقه بعضًا ليس بمختلف الأعضاء، و"التألب": الغليظ المجتمع. الإعراب: قوله: "بوهة": مفعول لا تنكحي، قوله: "عليه عقيقته": جملة اسمية وقعت صفة لبوهة لأنها نكرة، قوله: "أحسبا": حال من العقيقة، قوله: "مرسعة" بالرفع: مبتدأ، وقوله: "بين أرباعه": خبره، وبين: نصب على الظرف (¬2). فإن قلت: أراد بالبوهة الرَّجل الأحمق -كما ذكرنا وكيف يقول: مرسعة بالتأنيث على رواية من رواه بكسر السين؟ قلت: قد قلنا: إن التاء فيه علامة المبالغة، أو يكون من قبيل قولهم: رجل هلباجة وقفقافة (¬3)، قوله: "به عسم": جملة من المبتدأ؛ أعني: عسمًا، والخبر أعني: "به" مقدمًا، والجملة وقعت صفة لمرسعة إذا كان بكسر السين، وأما إذا كان بفتح السين يكون صفة لبوهة، فافهم. ¬
الشاهد السبعون بعد المائة
قوله: "يبتغي": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه، و"أرنبًا": مفعوله، وهذه الجملة -أَيضًا- صفة أخرى، وإنما خص الأرنب؛ لأنهم كانوا يعلقون كعبًا كالمعاذة، يزعمون أن من علقه لم تضره عين ولا سحر؛ لأن الجن تمتطي الثعالب والظباء والقنافذ، وتجتنب الأرانب لمكان الحيض. الاستشهاد فيه: في قوله: "مرسعة" فإنَّها نكرة وقعت مبتدأ؛ لأن النكرة إذا لم [يرد] (¬1) بها معين ساغ الابتداء بها؛ لأنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، بخلاف: رجل قائم، فافهم (¬2). الشاهد السبعون بعد المائة (¬3) , (¬4) كَمْ عَمَّةٌ لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالةٌ ... فَدْعَاءُ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي أقول: قائله هو الفرزدق يهجو به جريرًا من قصيدة، أولها هو قوله: 1 - قَبَّحَ الإِلَهُ بَنِي كُلَيب إنَّهُمْ ... لا يَغْدِرُونَ ولا يَفُونَ لجارِ 2 - يَسْتَيقِظُونَ إِلَى نُهَاقِ حَمِيرِهِمْ ... وَتَنَامُ أَعْيُنُهُمْ عَنِ الأَوْتَارِ 3 - مُتَبَرْقِعِي لؤمٍ كَأَن وُجُوهَهُمْ ... طُلِيَتْ حَوَاجِبُهَا عَنِيّةَ قَارِ 4 - وَلَقَدْ ضَلَلْتُ أَباكَ يَطْلُبُ دَارِمًا ... كَضَلالي مُلْتَمِسٍ طريق وَبَارِ 5 - كَالسَّامِرِيِّ يَقُولُ إِن حَرَّكْته ... دَعْنِي فَلَيسَ عَلَيَّ غَيرِ إِزَارِي 6 - كم عمة ............... ... ................ إلخ 7 - شَغَّارَة تقذ الفَصِيلَ بِرِجْلِهَا ... فَطَّارَةٌ لِقَوَادِمِ الأَبْكَارِ 8 - وَرِجَالكُمْ ميل إِذَا حمُسَ الوَغَى ... وَنِسَاؤُكُمْ يَحْلِبْنَ للأَصْهَارِ 9 - كَمْ مِنْ أَبٍ لَكَ يَا جَرِيرُ كَأَنَّهُ ... قَمَرُ المجرَّةِ أَوْ سِرَاجُ نَهَارِ ¬
وهي من الكامل. 3 - قوله: "عَنِيَّة قَار" بفتح العين المهملة وكسر النُّون وتشديد الياء آخر الحروف، على وزن فعيلة، وهو بول البعير يعقد في الشمس يطلى به الأجرب، قوله: "قار" -بفتح القاف، وهي الإبل، قال الأغلب الراجز (¬1): مَا إنْ رَأَينَا ملكًا أَغَارَا ... أكثَرَ مِنْهُ قِرَّةً وقَارَا والقار القير -أَيضًا ولكن- أراد ها هنا من قوله: "عنية قار": بول الإبل. 4 - قوله: "وَبَار" -بفتح الواو والباء الموحدة كقطام، وهي أرض كانت لعاد، قال الأَعشى (¬2): وَمَرَّ دهْرٌ عَلَى وَبَارِ ... فَهَلَكت جَهْرَة وَبَارِ وقد أعربه ها هنا. 6 - قوله: "فدعاء" -بالفاء، هي المرأة التي اعوجت أصبعها (¬3) من كثرة حلبها، ويقال: الفدعاء التي أصاب رجلها فدع من كثرة مشيها وراء الإبل، و"الفدع": زيغ في القدم بينها وبين الساق، وقال ابن فارس: الفدع: اعوجاج في المفاصل؛ كأنها قد زالت عن أماكنها (¬4) و"العِشار" بكسر العين؛ جمع عشراء وهي الناقة التي أتى عليها من زمان حملها عشرة أشهر. 7 - قوله: "شغَّارة"- بالشين والغين المعجمتين؛ وهي التي تشغر برجلها كما يشغر الكلب إذا بال، يقال: شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول، قوله: "تقذ الفصيل" أي: تضربه إذا دنا منها عند الحلب. قوله: "فطارة" -بالفاء من الفطر، وهو الحلب بأطراف الأصابع، فإن كان بالكف كلها فهو الصف [والصف]، (¬5) يكون في الكبار من النوق، وأما الصغار من النوق فإنَّها تحلب ¬
بأطراف الأصابع لصغر ضروعها يصف بذلك حذقها ومعرفتها بالحلب؛ لأنها نشأت عليه. 8 - قوله: "ميل" -بكسر الميم؛ جمع أميل وهو الذي لا يثبت على السرج، والذي لا سيف معه، قوله: "إذا حمس الوغى" أي: اشتد الحرب. الإعراب: قوله: "كم": إما خبرية واما استفهامية، ويجوز في "عمة" مع"الخالة" المعطوفة عليها الحركات الثلاث، أما الجر فعلى أن: "كم" تكون خبرية، وقوله: "عمة" مميزها (¬1). وأما النصب؛ فلأنها مميز كم الاستفهامية، والاستفهام على سبيل الاستهزاء والتهكم (¬2). وأما الرفع فعلى أن تكون عمة مبتدأ وصفت بقوله: "لك" وخبره قوله: "قد حلبت" ومميز كم على هذا الوجه محذوف، وذلك المحذوف لا يخلو إما أن يكون (¬3) مجرورًا فتكون كم هي الخبرية، تقديره: كم مرة (¬4) وإما أن يكون منصوبًا فتكون كم الاستفهامية، وكم على التقديرين في محل النصب بالظرف، والعامل فيه قوله: "قد حلبت". وقوله: "فدعاء": صفة لعمة وخالة، ولم يقل: فدعاوين لأجل عمة وخالة؛ لأنه حذف صفة أحدهما، والتقدير: كم عمة لك فدعاء وخالة فدعاء، فحذف فدعاء التي هي صفة عمة؛ كما حذف لك التي هي صفة خالة، والتقدير: وخالة لك فدعاء، فحذف لك وهي صفة خالة لدلالة عمة عليه. وقال السيد الفاضل: أما نصب العمة فعلى الاستفهام، ويجوز أن يكون خبرًا، وهو أولى من الاستفهام، ويجوز أن يكون الاستفهام على سبيل الاستهزاء كأنه قال: أخبرني عن عدد عماتك وخالاتك اللاتي كن لإبلي راعيات؛ فقد أُنْسِيتُ عددهن لكثرتهن أو لقلة عنايتي بهن. وكم في الاستفهام -أَيضًا- مبتدأ، و"قد حلبت": خبره، و"خالة": منصوبة عطفًا على عمة، و"فدعاء": منصوبة صفة خالة، وإذا رفعت عمة فبالابتداء، وهي عمة واحدة، وخالة ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة
معطوفة عليها، "وقد حلبت": الخبر، ولم يقل: قد حلبتا؛ لأن التقدير: كم عمة لك قد حلبت وخالة قد حلبت، فاكتفى بأحد الخبرين عن الآخر، وجاز الابتداء بالنكرة لوصفها بالجار والمجرور وهو: لك، وكم في هذا الوجه إما ظرف وإما مصدر، أي: كم حلبت عمة لك، وخالة قد حلبت، أو كم وقت عمة لك وخالة قد حلبت، فالمميز محذوف، والمراد: الإخبار بكثرة الحلبات أو بكثرة الأوقات، إن جعلت كم خبرًا قدرت المميز المحذوف مجرورًا، وإن جعلتها استفهامًا قدرت المميز المحذوف منصوبًا، قوله: "عشاري" منصوب على أنَّه مفعول حلبت. فإن قلت: ما معنى قد حلبت علي؟ قلت: معناه: حلبت على كرهٍ مني، وهذا كما يقال: باع القاضي عليه داره، والمعنى: كنت أكره وأستنكف أن يحلب أمثالها عشاري، ويشهد لهذا المعنى [قوله] (¬1): "فدعاء". الاستشهاد فيه: في قوله: "عمة" حيث جاز رفعها على الابتداء، وهو نكرة لوقوعها بعد كم الخبرية (¬2). الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة (¬3) , (¬4) قَد ثَكلَتْ أُمُّهُ مَنْ كنتُ وَاجِدَهُ ... وباتَ مُنْتَشِبًا في بُرْثُنِ الأسَدِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأَنْصَارِيّ - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة دالية، وأولها هو قوله: 1 - أَمْسَى الخَلَابيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كثُرُوا ... وابن الفُرَيعَةِ أَمْسَى بَيضَةَ البَلَدِ 2 - يَرْمُونَ بِالْقَوْلِ سِرًّا فيِ مُهَادَنَة ... يُهَدَى إليَّ كَأَني لَسْتُ مِنْ أَحَدِ 3 - قَدْ ثَكلَتْ ............... ... ........................ إلخ (¬5) ¬
4 - مَا لِلْقَتِيلِ الذِي أَسْمُوَ فأقْتُلَهُ ... مِنْ دِيَّة فِيه يعْطَاهَا ولا قُودِ 5 - مَا البَحْرُ حينَ تَهُبُّ الرِّيحُ شَامِيَةً ... فَيغْطَئِلُّ وَيَرْمِي العِبرَ بِالزَّبَدِ 6 - يَوْمًا بِأَبْلَغَ مِنِّي حِينَ تُبصِرُنِي ... أَفْرِي مِنَ الغَيظ فَرْيَ العَارِضِ البَردِ 7 - أمَّا قُرَيْشٌ فَإنِّي لَسْت تَارِكَهُمْ ... حَتَّى يُنِيبُوا من الغياتِ للرَّشَدِ 8 - وَيَتْرُكُوا اللَّاتَ وَالْعُزى بِمَعزِلة ... وَيَسْجُدُوا كلُّهُمْ لِلْواحِدِ الصَّمَدِ 9 - وَيَشْهَدُوا أَنَّ مَا قَال الرَّسُولُ لَهُم ... حَقٌّ ويُوفُوا بِعَهْدِ الوَاحِدِ الأَحَدِ 10 - بلغ عُبيد بأني قد تركت له ... مِنْ خَيرِ مَا يَترُكُ الآبَاءُ للْوَلَدِ 11 - الدَّارُ واسعَةٌ والنَّخْلُ شَارِعَةٌ ... والبيضُ يرقلْنَ فيِ القِسِي كَالبَرْدِ وهي من البسيط. 1 - قوله: "الخلابيب"- بالخاء المعجمة؛ جمع خلبوب، وهو الخداع الكذاب، قوله: "بيضة البلد" يقال: فلان أذل من بيضة البلد، أي: من بيضة النعام التي يتركها، وبيضة القوم: ساحتهم. 3 - قوله: "قد ثكلت" من الثكل؛ وهو فقد المرأة ولدها، وامرأة ثاكل وثكلى، ورجل ثاكل وثكلان، قوله: "منتشبًا" أي: متعلقًا داخلًا في برثن الأسد، يقال: نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، و"برثن الأسد" -بضم الباء الموحدة؛ مخالبه، ويجمع على براثن، والبراثن من السباع بمنزلة الأصابع من الإنسان، وقال ابن الأعرابي: البراثن: الكف بكمالها مع الأصابع. 5 - قوله: "فيغطئل" أي: يضطرب وتتلاطم أمواجه ويلتج سواده، قوله: "العبر"- بكسر العين المهملة وضمها وسكون الباء الموحدة وفي آخره راء، وهو الجانب، وقال الجوهري: عِبرُ النهر وعِبرُهُ: شَطُّه وجانبه (¬1). 6 - قوله: "أفري" من الفري بالفاء وهو السيلان، و"العارض": السحاب ذو البرق والرعد، والبرد -بفتح الباء الموحدة وكسر الراء، يقال: سحاب برد وأبرد، أي: ذو برد. 11 - قوله: "والبيض يرقلن" أي: يُعْدين، من الإرفال، وهو ضرب من الخبب. الإعراب: قوله: "من كنت واجده": مبتدأ، وخبره مقدمًا قوله: "قد ثكلت أمه" ولذلك جاز عود ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة
الضمير منه على (مَنْ)، وإن كان متأخرًا في اللفظ لكن (¬1) النية به التقديم، والضمير المتصل بكان اسمه، وقوله: "واجده"خبره، والجملة صلة الموصول أعني: "من"، قوله: "وبات": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى (من)، وقوله: "منتشبًا" نصب على الحال من الضمير الذي في بات، قوله: "في برثن الأسد" يتعلق بقوله: "منتشبًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "قد ثكلت أمه" فإنَّه خبر مقدم، وفي قوله: "من كنت واجده" فإنَّه مبتدأ مؤخر (¬2). الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة (¬3) , (¬4) إِلَى مَلِكٍ ما أمُهُ من محَاربٍ ... أبُوهُ وَلَا كَانَتْ كُلَيبٍ تصَاهِرُهْ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة هائية يمدح بها الوليد بن عبد الملك ¬
ابن مروان (¬1)، وأولها (¬2): رَأَوْني فَنَادَوْنِي أَسُوقُ مَطِيَّتِي ... بِأَصْوَاتِ هُلاكِ سِغَاب حَرَائِرُهْ إلى ملك ما أمه .......... ... ......................... إلخ وَلَكِنْ أَبُوهَا مِنْ رَوَاحَةَ تَرْتَقِي ... بِأَيَّامِهِ قَيسٌ عَلَى مَنْ تُفَاخِرُهْ فَقَالُوا أَغِثْنَا أَنْ بَلَغْتَ بِدَعْوَةٍ ... إِلَى عندَ خَيرِ النَّاسِ إنكَ زَائِرُهْ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنْ يُبلِغِ الله نَاقَتِي ... وَإيايَ أنبي بالذي أَنَا خَابِرُة أَغِثْ مُضَرًا إِنَّ السِّنِينَ تَتَابَعَتْ ... عَلَينَا بِحِزٍّ يَكْسِرُ العَظْمَ جَازِرُهْ [وهي من الطَّويل] (¬3) قوله: "من محارب" في قبائل قريش: محارب بن فهر بن مالك بن النضر، وفي قيس غيلان: محارب بن حفصة بن قيس غيلان، وفي عبد القيس: محارب بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أقصى بن عبد القيس، و"كليب" بضم الكاف -أَيضًا- في قبائل: في خزاعة: كليب بن حبشة بن سلول بن كعب بن عمرو، وفي تغلب بن وائل: كليب بن ربيعة بن الحرث (¬4) بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، وفي تميم: كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفي النخع: كليب بطن من ربيعة بن خزيمة بن سعد بن مالك بن النخع، وفي هوازن: كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. الإعراب: قوله: "إلى ملك" يتعلق بقوله: "أسوق مطيتي" في البيت السابق، وأراد بالملك الوليد بن عبد الملك (¬5) بن مروان، قوله: "ما أمه من محارب أبوه" في محل الجر على أنها صفة لقوله: "ملك". وقوله: "أبوه". مبتدأ، والجملة التي قبله أعني قوله. "ما أمه من محارب" خبره، وقال ¬
البعلي: "أبوه": مبتدأ، و"أمه": مبتدأ ثان، و"من محارب": خبره، والمبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول (¬1). قلت: تقديره: إلى ملك ما أبو أمه من محارب، فأبوه: مبتدأ، "وأمه من محارب": جملة في موضع [رفع] (¬2) خبره، "ولا كانت" عطف على قوله: "ما أمه" وكانت ناقصة، و"كليب" اسمها، و"تصاهره" خبرها. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما أمه من محارب أبوه" حيث قدم الخبر [وهو قوله: "ما أمه من محارب" وأخر المبتدأ وهو قوله: "أبوه" كما قررناه، ونقل ابن الشجري (¬3) الإجماع على جواز تقديم الخبر] (¬4) إذا كان جملة (¬5)، وليس كذلك، فإن فيه خلافًا عن الكوفيين (¬6). ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة
الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة (¬1) , (¬2) خَالِي لَأَنْتَ وَمَنْ جَرِيرٌ خَالُهُ ... يَنَلِ العلاءَ وَيَكْرُمِ الأَخْوَالا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. ويروى: خالي لأنت ومن تميم خاله، ويروى: ومن عويف خاله، قوله: "العلاء" -بفتح العين من علا في المكان يعلى علاءً، وأما في المرتبة فيقال: علا يعلو علوّا. الإعراب: قوله: "خالي": مبتدأ، و"لأنت": خبره، هذا بحسب الظاهر جاء هكذا وهو شاذ؛ لأن لام الابتداء لها الصدر في الكلام، فلا يجوز أن يقال: زيد لقائم؛ وعلى هذا قالوا: إن قوله: "خالي لأنت" يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون أراد: لخالي أَنْتَ، فأخر اللام إلى الخبر ضرورة. والثاني: أن يكون أراد: لأنت خالي، فقدم الخبر على المبتدأ وإن كان فيه اللام ضرورةً (¬3)، وقال ابن جني: أخبرني أبو علي أن أَبا الحسن حكى أن زيدًا وجهه لحسن (¬4) فهذا -أيضًا- ضرورة (¬5). قوله: "ومن جرير خاله" من: موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "ينل العلاء" ولما كان المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط جاء الجزاء مجزوئا، قوله: "جرير": مبتدأ، و"خاله": خبره، والجملة صلة الموصول، قوله: "ينل" أصله: ينال؛ فلما سكنت اللام للجزم حذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم لما اتصلت بالعلا حركت على الكسر؛ لأن الأصل في الساكن إذا حرك أن يحرك بالكسر، و"العلاء": مفعول ينل، قوله: "ويكرم": عطف على ينل، و"الأخوال": جمع خال، منصوب على المفعولية. ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لأنت" حيث دخلت فيه لام الابتداء وهو خبر كما قررناه آنفًا (¬1). الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة (¬2) , (¬3) نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِندَكَ راضٍ وَالرَّأيُ مُخْتلَفٌ أقول: قائله هو قيس بن الخطيم- بالخاء المعجمة بن عدي بن سود الظفري الأوسي، شاعر جاهلي من فحول الشعراء، وقال ابن هشام اللخمي: قائله هو عمرو بن امرئ القيس الأَنْصَارِيّ، وكذا قاله ابن بري، وهو من قصيدة فائية هي قوله (¬4): 1 - أبْلِغْ بَنِي جَحْجَبَى وَقَوْمَهُم ... خَطْمَة أَنَّا وَرَاءَهُمْ أُنُفُ 2 - وَأَنَّنَا دُونَ مَا يَسُومُهُمْ الأ ... عْدَاءَ منْ ضَيمِ خُطَّة نُكُفُ (¬5) 3 - الحَافِظُو عَوْرَةِ العَشِيَرَةِ لا ... يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائنا وكفُ 4 - يَا مَالُ وَالسَّيدُ المعُمَّمُ قَدْ ... يَطْرَأُ في بَعْضِ رَأيِهِ السَّرفُ 5 - نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا ..... ... .................... إلخ 6 - نَحْنُ المكِيثُونَ حَيثُ يَحْمِدُنَا ... الْمكثُ وَنَحْنُ المَصَالِتُ الأُنُفُ 7 - يَا مَالُ وَالحق إنْ قَنَعْتَ بهِ ... فَالحقُّ فِيهِ لأَمْرِنَا نَصِفُ 8 - خَالفْت فيِ الرَّأْيِ كُل ذِي فَخَر ... والْبَغْي يَا مَالِ غَيرُ مَا تَصِفُ 9 - إِن بُجَيرًا مَوْلَى لِقَوْمِكُم ... وَالحَقّ نُوفيِ بِهِ وَنَعْتَرفُ وهي من المنسرح والقافية متراكب. ¬
وقال ابن بري: وسبب هذا الشعر أنَّه كان لمالك بن العجلان مولى يقال له بجير، جلس مع نفر من الأوس من بني عمرو بن عوف فتفاخروا فذكر بجيرٌ مالكَ بن العجلان ففضله على قومه، وكان سيد الحيين في زمانه، فغضب جماعة من كلام بجير وعدا عليه رجل من الأوس يقال له: سمير بن زيد بن مالك أحد بني عمرو بن عوف فقتله، فبعث بذلك إلى (¬1) بني عمرو بن عوف أن ابعثوا إليّ بسمير حتَّى أقتله بمولاي، وإلا جر ذلك الحرب بيننا فبعثوا إليه: إنَّا نعطيك الرضا فخذ منا عقله، فقال: لا آخذ إلَّا دية الصريح، وكانت دية الصريح ضعف دية المولى وهي عشرة من الإبل، ودية الولى خمس، فقالوا: إن هذا منك استذلال لنا وبغي علينا، فأبى مالك إلَّا أخذ دية الصريح، فوقعت بينهم الحرب إلى أن اتفقوا على الرضا بما يحكم به عمرو بن امرئ القيس، فحكم بأن يعطى دية الولى، فأبى مالك ونشبت الحرب بينهم مدة على ذلك فأنشد عمرو بن امرئ القيس هذه الأبيات. 1 - فقوله: "بني جَحْجَبى" -بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم والباء الموحدة، وبنو جحجبى من الْأَنصار، وهو جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، قوله: "خَطْمة" -بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء، وهو من الْأَنصار -أَيضًا-، وخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس، قيل له خطمة؛ لأنه ضرب رجلًا بسيفه على خطمه فسمي خطمة، قوله: "أُنُف" بضم الهمزة والنون يقال: روضة أنف: لم يرعها أحد، وكأس أنف: لم يشرب بها أحد قبل ذلك. 2 - قوله: "دون ما يسومهم الأعداء" أي: ما يطلبهم الأعداء، "من ضيم" أي: من ظلم خطة، أي: أمر وشأن، قوله: "نُكُف" -بضم النُّون والكاف؛ وهو جمع ناكف كتاجر وتجر، ويقال: نكفت من كذا، أو نكفت -أَيضًا- أي: استنكفت وأنفت منه، وارتفاعه على أنَّه خبر إن. 3 - قوله: "الحافظو عورة العشيرة" أصله: الحافظون، سقطت النُّون للإضافة، والعورة: مجرورة بالإضافة، وقد روي العورة بالنصب؛ فيكون حذف النُّون للتخفيف لا للإضافة، وهكذا استشهد به سيبويه (¬2)، وقال أبو علي: والأكثر الجر، والعورة: ما لم يحم (¬3)، وقال ثعلب: كل ¬
مخوف عورة (¬1)، وقال كراع: عورة الرَّجل في الحرب: ظهره وبذلك فسر هذا البيت، وعشيرة الرَّجل: الذين يعاشرهم من قومه ويعاشرونه، قوله: "من ورائنا" أي: من عيبتنا، فكنى بوراء عن ذلك، فامتدح بحفظهم عورة قومهم بظهر الغيب وأمنهم من ناحيتهم كل نقص وعيب، ويجوز أن يعني: من وراء حفظنا إياهم وذَبِّنا عن حماهم، فحذف المضاف الذي هو حفظ وأقام المضاف إليه مقامه، ومن روى: من ورائهم؛ فالمعنى فيه أوضح وحَمْل الضمير على العشيرة أرجح، قوله: "وكف" أي: عيب، وقيل: الوكف: الإثم، وقيل: الخوف، وقال الأصمعيّ: ليس عليك في ذلك من وكف أي: مكروه، ويقال: أي: نقص، ويروى: نطف وهو التهمة، قوله: "يَا مال" بكسر اللام، يريد به يَا مالك وهو مالك بن العجلان. 6 - قوله: "المكث" -بضم الميم وكسرها، وهو اسم المكث- بفتح الميم، وهو مصدر مكث إذا كان لبث وانتظر، قوله: "المصالت" بفتح الميم؛ جمع مِصلت بكسر الميم، يقال: رجل مِصلت إذا كان ماضيًا في الأمور، قوله: "الأنف" بضمتين أي: المتقدمون في الأمور. 7 - قوله: "نصف" أي: إنصاف. 9 - قوله: "إن بجيرًا" بضم الباء الموحدة وفتح الجيم ويكون الياءآخر الحروف وفي آخره راء. الإعراب: قوله: "نحن" مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: نحن راضون، حذف الخبر احترازًا عن العبث وقصدًا للاختصار مع ضيق المقام (¬2)، وقد تكلف فيه بعضهم منهم ابن كيسان (¬3)، وقال: نحن هنا للمعظم نفسه، وأن قوله: "راض": خبر عنه (¬4)، وفيه نظر؛ إذ لا يحفظ مثل: نحن قائم بل يجب في الخبر المطابقة؛ نحو قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات: 165، 166] (¬5)، قوله: "بما عندنا": يتعلق بالخبر المحذوف، قوله: "وأنت": مبتدأ ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة
وخبره قوله: "راض" وقوله: "بما عندك" يتعلق به، قوله: "والرأي مختلف": جملة من المبتدأ والخبر وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "نحن بما عندنا" حيث حذف فيه الخبر وهو قوله: "راضون" وإنما حذف الخبر ها هنا لدلالة خبر المبتدأ الثاني عليه، وهو قليل وفيه شذوذ (¬1). الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة (¬2) , (¬3) لَوْلَا أَبُوكَ وَلَوْلا قَبلَهُ عُمَرٌ ... أَلْقَتْ إِلَيكَ مَعَدٌّ بِالْمقَالِيدِ أقول: قائله هو أبو عطاء السندي، وهو مرزوق، وقيل: أفلح بن يسار -وهو الأصح مولى بني أسد ثم مولى عنبر بن سماك بن حصين الأسدي، منشؤه بالكوفة، وهو من مخضرمي الدولتين، مدح بني أمية وبني هاشم وكان أبوه يسار سنديًّا أعجميًّا لا يفصح، مات أبو عطاء في آخر أيام المنصور، وعن المدائني: كان أبو عطاء مع ابن هبيرة (¬4)، وهو يبني مدينته التي على شاطئ الفرات فأعطى ناسًا كثيرًا ولم يعطه شيئًا، فقال (¬5): 1 - قَصَائِدُ حِكْتُهُنَّ لِقَوْمِ قَيسٍ ... رَجَعْنَ إِلَيَّ صفْرًا خَائِبَاتِ 2 - رَجَعْنَ وَمَا أَفَأْنَ عَلَيَّ شَيئًا ... سِوَى أني وَعَدْتُ التُّرَّهَاتِ 3 - أَقَامَ عَلَى الفُرَاتِ يَزِيدُ حَوْلًا ... فَقَال النَّاسُ أيُّهُمَا الفُرَاتُ 4 - فَيَا عَجَبًا لِبَحْرٍ ظَل يَسْقِي ... جَميعَ الخَلقِ لَمْ يبللْ لهَاتِي ¬
فقال له يزيد بن عمر بن هبيرة (¬1): وكم يبلل لهاتك يَا أَبا عطاء؟ فقال: عشرة آلاف درهم، فأمر ابنه يدفعها إليه ففعل، فقال يمدح ابن يزيد، ولكن فيه نغيزة (¬2) في أبيه وهو يزيد وجده وهو عمر: 1 - أما أَبُوكَ فَعَينُ الجُودِ نَعْرِفُهُ ... وَأَنْتَ أَشْبَهُ خَلْقِ الله بِالجودِ 2 - لَوْلا أَبُوكَ وَلَوْلا قَبْلَهُ عُمَرٌ ... أَلْقَتْ إِلَيكَ مَعَدٌّ بِالْمقَالِيدِ 3 - مَا يَنْبُتُ العُودُ إلا في أَرُومَتِهِ ... ولا يَكُونُ الجنْي إلا مِنَ العُودِ وهو من البسيط. 2 - قوله: "لولا أبوك" خطاب لابن يزيد بن عمر بن هبيرة، والدليل عليه ما روي: لولا يزيد ولولا قبله عمر ... ........................... قوله: "معدّ" بفتح الميم، وهو أبو العرب وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من نفس الكلمة لقولهم تمعدد لقلة تمفعل في الكلام (¬3)، وقد خولف في قوله: "بالمقاليد" أي: بالمفاتيح، واحدها: إقليد على غير قياس، وقيل: المقاليد جمع ليس له مفرد من لفظه (¬4). الإعراب: قوله: "لولا" لامتناع الثاني لوجود الأول نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، قوله: "أبوك" كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لولا أبوك قد ظلم النَّاس في ولايته وقبله عمر جدك كذلك، لكانت قبيلة معد أطاعوك وأمّروك، ولكنهما لما ظلما النَّاس خافوا أن تسير مثل سيرهما في الولاية فتركوك، قوله: "ولولا قبله عمر": عطف عليه؛ فقوله: "عمر": مبتدأ ونونه للضرورة، وقوله: "قبله": خبره مقدمًا، قوله: "ألقت": فعل ماض و"معد": فاعله، والجملة جواب لولا، وحرف الجر في الموضعين يتعلق بألقت. الاستشهاد فيه: في قوله: "عمر" حيث أظهر فيه خبر المبتدأ بعد لولا وهو قوله: "قبله" ومذهب الجمهور ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد المائة
أن الخبر بعد لولا واجب الحذف مطلقًا؛ ولهذا لحنوا المعري في قوله (¬1): ....................... ... فَلَوْلا الغِمْدُ يُمْسِكُهُ لَسَالا (¬2) قلتُ: قد خرجه بعضهم على أن يمسكه حال لا خبر وكذا قوله: "قبله" ها هنا حالًا لا خبر والخبر محذوف فحينئذ لا استشهاد فيه ولا تشنيع فيه (¬3)، فافهم. الشاهد السادس والسبعون بعد المائة (¬4) , (¬5) مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي ... مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من رجز مسدس ومنه قوله (¬6): أَخَذْتهُ مِنْ نَعَجَاتٍ سِتٍّ ... سَوْدٍ جِعَادٍ كَنِعَاجِ الدِّشْتِ قوله: "ذا بت" أي: ذا كساء، قال ابن الأثير: البت: الكساء الغليظ المربع، وقيل: طيلسان من خز، ويجمع على بتوت (¬7)، قوله: "مقيظ" بكسر الياء المشددة، وكذلك: "المصيف" وكذلك: "المشتي" بكسر التاء المثناة من فوق. والمعنى: فهذا بتي كسائي يكفيني لقيظي وهو زمان شدة الحُر، ويكفيني للصيف والشتاء، يقال: قيظني هذا الشيء وشتاني وصيفني. ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد المائة
الإعراب: قوله: "من": موصولة في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "فهذا بتي" وهو جملة من المبتدأ والخبر ودخلت الفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط (¬1). فإن قلت: كيف صح الشرط والجزاء ها هنا؛ فإن كون ذلك البت بته لا يتسبب عن كون غيره ذا بت؟ قلتُ: المعنى من كان ذا بت فأنا مثله؛ لأن هذا البت بتي، فحذف المسبب وأناب عنه السبب، أو المعنى: فلا يفخر عليّ فإنِّي ذو بت مثله، وقوله: "يك" أصله: يكن حذفت النُّون للتخفيف، وهي صلة الموصول، وقوله: "ذا بت": كلام إضافي منصوب؛ لأنه خبر كان، قوله: "مقيظ": خبر بعد خبر، وكذلك قوله: "مصيف مشتي": خبران بعد خبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "مقيظ مصيف مشتي" فإنَّها أخبار تعددت بلا عاطف؛ كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 14 - 16] (¬2). الشاهد السابع والسبعون بعد المائة (¬3) , (¬4) يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقِي ... بأُخْرَى المنَايَا فَهو يَقْظَان هَاجِعٌ أقول: قائله هو حميد بن ثور الهلالي، وهو من قصيدة عينية، وأولها هو قوله: ¬
1 - إِذَا نَال مِنْ بَهْم النُّخَيلَةِ غِرَّة ... عَلَى غَفْلَةٍ مِمَّا يَرى وَهوَ طَالِعُ 2 - تلوم ولو كان ابنها فرحت به ... إذا هب أَرْواحُ الشتاءِ الزَّعَازِعُ 3 - فَقَامَتْ تعشى سَاعَةً مَا تُطِيقُهَا ... مِنَ الدَّهْرِ نَأْمَتْهَا الكِلابُ الظَّوَالِعُ 4 - رَأَتْهُ فَشَكَّتْ وَهُوَ أَطْحَلُ مَائِل ... إِلَى الأَرْضِ مَثْنِيّ إِلَيهِ الأكارعُ 5 - طَوي البَطْنِ إلا من مَصِيرٍ يبُلُّهُ ... دَم الجَوْفِ أَوْ سُؤْرٌ مِنَ الحَوْضِ نَاقِعُ 6 - تَرَى طَرَفَيهِ يَعْسِلانِ كِلاهُمَا ... كَمَا اهْتَز عُودُ الشَّيحَةِ المتُتَابعُ 7 - إِذَا خَافَ جَوْرًا مِنْ عَدُوٍّ رَمَتْ بِهِ ... قُصَائبُهُ وَالجانِبُ المتُوَاسِعُ 8 - وَإِنْ بَاتَ وَحْشًا لَيلَةً لَم يَضِقْ بِهَا ... ذِرَاعًا وَلَمْ يَصْبِحْ لَهَا وَهُوَ خَاشِعُ 9 - وَيَسْرِي سَاعَةً مِنَ اللَّيلِ قَرَّةٍ ... يهابُ السرى فِيهَا المخاضُ النوَازِعُ 10 - وَإِنْ حَذِرَتْ أَرْضٌ عَلَيهِ فَإنهُ ... بِغِرَّةِ أُخْرَى طَيبُ النَّفْسِ قَانِعُ 11 - يَنَامُ بِإحْدَى مُقْلَتَيهِ ويَتَّقِي ... بأُخْرَى المنَايَا فَهو يَقْظَان هَاجِعٌ 12 - إِذَا قَامَ أَلْقَى بَوْعَهُ قَدْرَ طُولِهِ ... وَمَدَّدَ مِنْهُ صُلْبَهُ وَهُوَ تَابِعُ 13 - وَفَكَّكَ لحيَيهِ فَلَمَّا تَعَادَيَا ... صَأَى ثُمَّ أَقْعَى والبِلادُ بَلاقِعُ 14 - إِذَا مَا غَدَا يَوْمًا رَأَيْتُ غَيَابَةً ... مِنَ الطيرِ يَنْظُرْنَ الذِي هُوَ صَانِعُ 15 - فَظَلَّ يُرَاعِي الجيشَ حَتَّى تَغَيَّبتْ ... خُبَاشٌ وَحَالتْ دُونَهُنَّ الأَجَارِعُ وهو (¬1) من الطَّويل يصف الشَّاعر الذئب؛ تزعم العرب أن الذئب ينام بإحدى عينيه والأخرى مفتوحة يحرس بها. 1 - قوله: "من بَهْم النخيلة" البهم -بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء؛ وهو جمع بهمة، وهي أولاد الضأن، والبهمة: اسم للمذكر والمؤنث، و"السخال": أولاد المعزى، فإذا اجتمعت البهام والسخال قلت لهما جميعًا بهام وبهم -أَيضًا-، و"النخيلة" بضم النُّون وفتح الخاء المعجمة؛ اسم موضع. ¬
2 - قوله: "أرواح الشتاء الزعازع": الأرواح: جمع ريح، وإنما جمعها بالواو؛ لأن أصلها الواو وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها، فإذا رجعوا إلى الفتح عادت الواو كقولك: أروح الماء، و"الزعازع": جمع زعزع، من الزعزعة وهي تحريك الشيء، يقال: زعزعته فتزعزع، وريح زعزعان وزعزع، أي: تزعزع الأشياء. 4 - قوله: "وهو أطحل" الأطحل: الذي يعلو خضرته قليل صفرة، و"الأكارع": جمع أكرع وهو جمع كراع، والكراع في الغنم والبقر بمنزلة الوطيف من الفرس والبعير، وهو مستدق الساق، يذكر ويؤنث. 5 - قوله: "إلَّا من مصير" المصير -بفتح الميم وكسر الصاد [المهملة] (¬1): المدعي، وهو فعيل والجمع: مُصران مثل: رغيف ورغفان، و"المصارين": جمع الجمع، وميمه أصلية، وقال بعضهم: مصير إنما هو مفعل، من صار إليه الطعام، وإنما قالوا: مُصران كما قالوا في جمع مسيل الماء: مسلان شبهوا مفعلًا بفعيل، قوله: "ناقع" بالنُّون؛ من نقع الماء العطش نقعًا ونقوعًا أي: سكنه. 6 - قوله: "يعسلان" من عسل الرمح عسلانًا إذا اهتز واضطرب، والرمح عسال، قوله: "عود الشيحة" بكسر الشين المعجمة؛ وهو نوع من النبات، ويروى: عود النبعة وهو شجر يتخذ منه القسيّ. 7 - قوله: "قصائبه" بالقاف وهي الذوائب المقصبة ملوية لئيًّا حتَّى يترجل ولا تضفر ضفرًا، واحدتها قصيبة وقُصّابة- بالضم والتشديد، وهي الأنبوبة. 9 - قوله: "قرة" بكسر القاف، وهي البرد، وكذلك البقرة بالفتح، يقال: ليلة قرة باردة، قوله: "المخاض": وهي الحوامل من النوق، واحدتها خلفة من غير لفظها، قوله: "النوازع" يقال: ناقة نازع إذا حنت إلى أوطانها ومرعاها، وكذلك يقال: بعير نازع. 13 - قوله: "صأى" أي: صاح، يقال: صأى الخنزير والفيل والفار، قوله: "بلاقع": جمع بلقعة، والبلقعة والبلقع: الأرض القفر التي لا شيء فيها، يقال منزل بلقع ودار بلقع بغيرها إذا كان نعتًا، وإن كان اسمًا قلت: انتهينا إلى بلقعة ملساء. 14 - قوله: "غيابة" بفتح الغين المعجمة وبياءين آخر الحروف مخففين (¬2) وهي كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة والظلمة ونحو ذلك. 15 - و"الأجارع": جمع أجرع، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا. ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة
الإعراب: قوله: "ينام": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ينام، والباء في: "بإحدى" تتعلق به، قوله: "ويتقي": عطف على قوله: "ينام" و"بأخرى": يتعلق به، و"المنايا": مفعول يتقي، ويروى: ويتقي بأخرى الأعادي، قوله: "فهو": مبتدأ، وقوله: "يقظان": خبره، وقوله: "هاجع": خبر بعد خبر، ويروى: يقظان نائم، لكنه يخالف أبيات القصيدة، فالعنى: هو حذر وهو جامع بين اليقظة والهجوع. الاستشهاد فيه: في قوله: "يقظان هاجع" فإنهما [خبران] (¬1) عن مبتدأ واحد، ويجوز فيه العطف وتركه للمغايرة بين الخبرين لفظًا ومعنى (¬2). الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة (¬3) , (¬4) فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا ... وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ أقول: قائله هو النمر بن تولب بن قيس بن عبد الله بن كعب بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، شاعر مقل أدرك الجاهلية وأسلم فحسن إسلامه، ووفد ¬
على النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وكتب له كتابًا فكان في أيدي أهله. والبيت المذكور (¬1) من قصيدة رائية، وأولها هو قوله: 1 - تصابى وَأَمْسَى عَلاهُ الكِبْرَ ... وَأَمْسَى لجَمْرَة حَبل غرَرْ 2 - وَشَابَ وَلا مَرْحَبًا بالبَيَا ... ضِ وَالشَّيبُ مِنْ غَائِبٍ يُنْتَظَرْ 3 - فَلَوْ أَن جَمْرَةً تَدْنُو لَهُ ... وَلكن جَمْرَةً مِنْهُ سَفَرْ 4 - سَلامُ الإِلَهِ ورَيحَانُهُ ... ورَحْمَتُهُ وسماءُ دِرَرْ 5 - غَمَامُ يُنَزِّلُ رِزْقَ العِبَادِ ... فَأَحْيَا البِلادَ وَطَابَ الشجَرْ 6 - أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيَمةً ... وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ مؤْتَمَرْ 7 - يَهِينُونَ مَنْ حَقَّرُوا شَيْبَهُ ... وَإنْ كَانَ فِيهمْ يَفِي أَوْ يَبِرْ 8 - وَيُعْجِبُهُمْ مَنْ رَأَوْا عِنْدَهُ ... سَوَامًا وَإنْ كَانَ فِيهمْ غَمْرْ 9 - أَلا يَا لِذَا النَّاسِ لَوْ يَعْلَمُو ... نَ لِلْخَيرِ خَيرٌ وللشَّرِّ شَر 10 - فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا ... وَيَؤمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ وهي من المتقارب. 1 - قوله: "تصابى" أي: صار إلى الصبي والجهل، و"جمرة" -بالجيم: اسم امرأته، قوله: "حبل غرر" أراد أن ميثاقها غرور أي: غير ثِقَة. 2 - قوله: "لا مرحبًا بالبياض" لأنه يؤدي إلى الهرم والكبر. 4 - قوله: "ريحانه" أي: رزقه، قوله: "درر" -بكسر الدال: تدر بالمطر دَرَّةً بعد درة، و"الشيمة": الخلق. 7 - قوله: "يهينون من حقروا شيبة" أراد (¬2) أن مما أحدثوا أنَّهم يهينون من قل شيبة وإن كان برًّا وفيًّا، وقد كان فيما مضى أنَّه إذا كان الرَّجل وفيّا أُكْرِمَ وَسُوِّدَ وإن كان معدمًا. 8 - قوله: "سوامًا" السوام والسائم بمعنى، وهو المال الراعي، قوله: "الغمر" بالغين المعجمة؛ وهو الدنس والخلق المكروه. 9 - قوله: "ألا يَا لذا النَّاس" كلمة ألا للتنبيه، ويا حرف النداء، والمنادى محذوف، والسلام في: لذا مكسورة، والتقدير: ألا يَا لقومي لهذا النَّاس، لو كان للنَّاس علم لوضعوا بإزاء كل ¬
شيء ما يناسبه، ولفضلوا أهل الخير والعقل وإن كان لا مال لهم، ولم يفضلوا أهل الدنس والخلق السيئ وإن كان لهم مال ثم استأنف الكلام فقال: للخير خير؛ يعني: لكل صنف من الخير خير مثله، وللشر مثل ذلك، ويروى: ...................... ... لا الخير خير ولا الشر شر. أي: إن الأوضاع تغيرت والخير قد ذهب والشر قد زاد. 10 - قوله: "فيوم علينا ويوم لنا" يعني أن الدهر يومان: يوم يكون علينا وفيه نساء ويوم [يكون] (¬1) لنا وفيه نسر ونفرح. الإعراب: قوله: "فيوم ... ويوم ... ويوم ... ويوم" كلها مبتدآت، وقوله: "علينا ... ولنا ... ونساء ... ونسر" أخبار عنها، والأصل: فيوم (¬2) نساء فيه، ويوم نسر فيه، فحذف الرابط لأنه منصوب بفعل محلًّا، وهذا كقولهم: السمن منوان بدرهم، والبرّ الكر بستين، أي السمن منوان منه بدرهم، والبر الكر منه بستين. الاستشهاد فيه: على وقوع النكرة مبتدأ في المواضع الأربعة؛ لأنها (¬3) في مقام التقسيم وهو -أَيضًا- من المسوغات لوقوع النكرة مبتدأ، وذلك من قبيل قولك: النَّاس رجلان: رجل أكرمه ورجل أهينه، والمال قسمان: درهم أعطيه ودرهم آخذه، ومثل هذا كثير، ولم يذكر الشارح، ولا الناظم قبله ضابطًا لذلك، وضابطه: أن يستعمل النكرة في التقسيم (¬4)؛ كما ذكروا فيه استشهادًا آخر وهو: حذف رابط الجملة المخبر بها؛ إذ الأصل نساء فيه ونسر فيه كما تررناه آنفًا ولكنه لم يورده لهذا، فافهم (¬5). ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة (¬1) , (¬2) أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ ... دُجَى اللَّيلِ حَتَّى نَظَّمَ الجزعَ ثَاقِبُهْ نُجُومُ سَمَاء كُلَّمَا انْقَض كَوْكَبٌ ... بَدَا كَوْكَبٌ تَأوي إِلَيهِ كَوَاكِبُهْ أقول: قائلهما (¬3) هو أبو الطمحان القيسي، واسمه: شَرْقِيّ بن حنظلة شاعر جاهلي من بلقين (¬4) وهما من قصيدة هائية، وأولها هو قوله (¬5): 1 - إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ خيرُ قَبِيلَةً ... وَأَصْبَرُ يَوْمًا لا تَوَارَى كَوَاكِبُهْ 2 - فَإن بَنِي لَأَمِ بْنِ عَمْرٍو أَرُومَةٌ ... سَمَتْ فَوْقَ صَعْب لا تنُالُ مَرَاقِبُهْ 3 - أضاءت ................. ... .............................. 4 - ......................... ... ............................ إلخ 5 - وَمَا زَال مِنْهُمْ حَيثُ كَانُوا مُسَوَّدٌ ... تَسِيرُ المنَايَا حَيثُ سارَتْ رَكَائِبُهْ وهي من الطَّويل. 1 - قوله: "وأصبر يومًا" أراد باليوم الوقعات، قوله: "لا تواري": أصله لا تتوارى أي: لا تستر. 2 - قوله: "أرومة" بفتح الهمزة، وهي الأصل الثابت، قوله: "سمت" أي: علت من السمو، قوله: "لا تنال مراقبه" أي: لا تدرك مراقبه، وهو جمع مرقب، وهو الوضع المشرف يرتفع عليه الرقيب، وأراد أن أحدًا لا ينال أصلهم لعراقتهم في الأصالة. 4 - قوله: "أضاءت ... البيت"؛ قيل: أمدح بيت في الجاهلية، وقيل: أكذب بيت، ويقال: ضاءت النَّار غير متعد، وأضاءت وأضاءها الله، ويحتمل في البيت التعدي والقصور، و"الأحساب": جمع حسب -بفتحتين؛ وهو ما يعده الرَّجل من مفاخر آبائه، ويقال: حسب الرَّجل دينه ولا يقال (¬6): ماله، والرجل حسيب، قوله: "دجى الليل" وهو جمع دجية؛ وهي الظلمة. ¬
قوله: "حتَّى نظم الجزع" [نظم] (¬1) بالتشديد ويقال: نظمت اللؤلؤ، أي: جمعته في السلك والتنظيم مثله، والجزع -بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة وفي آخره عين مهملة؛ وهو الحرز اليماني الذي فيه بياض وسواد، و"الثاقب" بالثاء المثلثة، من ثقبت اللؤلؤ ثقبًا [إذا] (¬2) نجشته، والثاقب المضيء من قولهم: نجم ثاقب، أي: يثقب الظلام بنوره، والظاهر أن الهاء للجزع، وأن الثاقب من ثقب الدر كما ذكرنا، وهذا تمثيل من شبههم بالنجوم في الرفعة والاشتهار، وتزين الدنيا بهم، واهتداء أهلها بهم. 4 - قوله: "كلما انقض" أي: سقط أو غاب، و"بدا كوكب" أي: ظهر كوكب آخر، قوله: "كواكبه" الضمير يرجع إلى السماء؛ على حد قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18]. الإعراب: قوله: "أضاءت": فعل متعد يعني: نورت، وقوله: "أحسابهم": فاعله، و"وجوههم": عطف عليه، وقوله: "دجى الليل": كلام إضافي مفعوله، أو ظرف، قوله: "حتَّى" للغاية، و"نظم" فعل، و"ثاقبه": فاعله، و"الجزع": مفعوله، والضمير في ثاقبه يرجع إلى الجزع. قوله: "نجوم سماء": خبر مبتدأ محذوف، أي: هم نجوم سماء، وهذه استعارة بالكناية؛ حيث شبه بني لأم بن عمرو بالنجوم في السماء، وطوى ذكر المشبه [به] (¬3)؛ إذ شرط الاستعارة أن يترك أحد طرفي التشبيه، فإذا ذُكر الطرفان يسمى تشبيهًا لا استعارة، وهي استعارة محسوس بمحسوس، ويقال: الصحيح أنَّه تشبيه بليغ؛ لأن المشبه المطوي ذكره صالح لأن يذكر بخلاف قولك: رأيت أسدًا، وقوله: "كلما انقض كوكب ... إلخ" يبين وجه التشبيه الذي بني عليه الاستعارة، وهو أن مثلهم في ذهاب واحد منهم وقيام الآخر مقامه في السيادة، بحيث يأوي إليه الباقون كمثل كوكب من الكواكب ينقض ويذهب ثم يبدو آخر عوضه. قوله: "كما انقض كوكب": جملة من الفعل والفاعل، وكذا قوله: "بدا كوكب": جملة أخرى من الفعل والفاعل وهو جواب لقوله: "كلما" "وما" في "كلما": مصدرية نائبة هي وصلتها عن الزمان، وقوله: "تأوي إليه كواكبه": جملة أخرى من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "كوكب" الذي في قوله: "بدا كوكب". الاستشهاد فيه: في قوله: "نجوم سماء" حيث حذف فيه المبتدأ؛ إذ أصله: هم نجوم سماء، وهذا الحذف ¬
الشاهد الثمائون بعد المائة
جائز لا واجب (¬1). الشاهد الثمائون بعد المائة (¬2) , (¬3) تُسَاورُ سَوَّارًا إلى المَجْدِ والعُلا ... وفِي ذِمَّتِي لَئِنْ فَعَلْتَ ليَفْعَلَا أقول: قائلته هي ليلى الأخيلية، وهو شعر تهجو به النابغة الجعدي، وتفضل عليه سوار بن أوفى القشيري، وذلك لأن النابغة كان قد هجاها بقصيدة أولها (¬4): 1 - أَلا أَبْلِغَا لَيلَى وَقُولا لَهَا هَلا ... فَقَدْ ركبتْ أَمرًا أَغَرّ مُحَجَّلا 2 - ذَرِي عَنك تَهْجَاءَ الرِّجَالِ وَأَقبِلِيَ ... عَلَى أَزْلَقيٍّ يَمْلأ اسْتَكِ فَيشَلا وأول شعرها (¬5): 1 - أَنَابَغُ لَم تَنْبُغْ وَلَمْ تَكُ أَوَّلا ... وَكُنْتُ صُنَيًّا بَينَ صُدَّيْنِ مَجْهَلا 2 - أَعَيرْتَنِي دَاءً بِأُمِّكَ مِثْلُهُ ... وَأَيُّ جَوَاب لا يُقَالُ لَهُ هَلا 3 - تُسَاورُ سَوَّارًا إلى المجدِ والعُلا ... وفيِ ذِمّتِي لَئِنْ فعَلْتَ ليَفْعَلَا وكلتا القصيدتين من الطَّويل. [أولًا: شرح أبيات النابغة] 1 - قوله: "ألا أبلغا ليلى" ويروى: ألا حييا ليلى، قولها: "هلا": كلمة زجر، وأصله يستعمل في زجر الخيل (¬6). 2 - قوله: "ذري" أي: اتركي، و"التهجاء": مصدر مثل التهدار بمعنى الهجاء، قولها: "أزلقي" أي: رجل فصيح متقن، قولها: " [فيشلا"] (¬7) بفتح الفاء وسكون الياءآخر ¬
الحروف وفتح الشين المعجمة، وهو الذكر العظيم الكمرة. [ثانيًا: شرح أبيات ليلى الأخيلية] 1 - قولها: "أنابغ": منادى مرخم، يعني: يَا نابغة، قولها: "لم تنبغ" أي: لم تظهر؛ من نبغ ينبغ من باب فتح يفتح، ونبغ ينبغ من باب ضرب يضرب، ونبغ ينبغ من باب نصر ينصر، قولها: "وكنت صنيًّا" بضم الصاد المهملة وفتح النُّون وتشديد الياءآخر الحروف، وهو تصغير صنو، وهو حسي صغير لا يرده أحد ولا يؤبه له، ويقال: هو شق في الجبل، و"الحسي" بكسر الحاء، وهو الماء المتوارى في الرمل، ويروى: وكنت شعيبًا بين صدين، و"الصد" بضم الصاد المهملة وتشديد الدال، وهو الجبل، وقال أبو عمرو: يقال لكل جبل صَدّ وصُدّ وسَدّ وسُدّ ثم أنشد البيت (¬1). 3 - قولها: "تساور سوارًا" أي: ترافع (¬2) سوارًا، وهو على وزن فَعَّال بالتشديد، وهو سوار بن أوفى القشيري؛ هكذا وقع في غالب نسخ ابن الناظم (¬3) وغيرها، وكذا رأيت أَبا حيان قد ضبطه بيده، وفي شرح التسهيل (¬4) وهو تصحيف. والصحيح: تُساور سوارًا -بضم التاء المثناة من فوق وإهمال السين؛ من المساورة وهي المواثبة والمغالبة؛ وذلك أن ليلى الأخيلية كان بينها وبين سوار مودة، وكان بين سوار والنابغة الجعدي مفاخرة ومحاربة، وكان كل واحد يفضل نفسه على الآخر، فليلى تخاطب النابغة بقولها: كساور سوارًا، أي: ترفع نفسد على سوار (¬5) وتغالبه في المفاخرة، "وفي ذمتي لئن فعلت" أي: رفعت نفسك عليه ليفعلا، أي: ليفعل الآخر، أي: ليرفع هو نفسه عليك -أَيضًا- وما يسلم لك. قولها: "إلى المجد" أي: إلى الكرم يقال: رجل مجيد، أي: كريم، و "العلا" بضم العين بمعنى العلو، قولها: "لئن فعلت": خطاب للنابغة -أَيضًا-، قولها: "ليفعلا" أي: ليفعل سوار -أَيضًا-، والألف فيه مبدلة من النُّون الخفيفة (¬6). ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة
الإعراب: قولها: "تساور": جملة من الفعل والفاعل و"سوارًا": مفعوله، قولها: "إلى المجد": يتعلق بـ"تساور"، و"العلا" عطف على المجد، قولها: "وفي ذمتي": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وفي ذمتي قسم أو يمين، قولها: "لئن فعلت": فعل وفاعل، ومفعوله محذوف، وكذا قولها: "ليفعلَا" والجملة جواب القسم. الاستشهاد فيه: في قولها: "وفي ذمتي" حيث حذف فيه المبتدأ حذفًا وجوبًا, ولا يذكر المبتدأ في مثل هذه الصورة؛ كما في قولهم: في ذمتي لأفعلن (¬1)، وقد قيل: في جعل"ذمتي" قسمًا صريحًا نظر؛ لأنه ذكر في حذف الخبر أن القسم مما يشعر بمجرد ذكره، وقولها: "في ذمتي" لا يشعر بمجرد ذكره؛ لأنه يحتمل أن يكون: في ذمتي دين أو عهد، فلا يفهم القسم إلَّا بذكر المقسم به (¬2). الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة (¬3) , (¬4) وَلَوْلا بَنُوهَا حَوْلَهَا لخبَطْتُهَا ... ...................... أقول: قائله هو الزُّبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة [رضي الله تعالى عنهم] (¬5) في زوجته أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-، وكان الزُّبير - رضي الله تعالى عنه - ضرابًا للنساء، وتمامه: ...................... .. كَخَبطَةِ عُصْفُورٍ وَلَمْ أَتَلَعْثَمِ وهو من الطَّويل. ¬
قوله: "ولولا بنوها" أي: ولولا بنو أسماء، وهي بنت أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - وزوجة الزبير -رضي اللَّه تعالى عنه- وكانت رابعة أربعة نسوة. قوله: "لحطبتها" هكذا وقع في كتاب ابن الناظم (¬1)، وهكذا في شرح الكافية (¬2) والخلاصة لأبيه، وهو تصحيف وإنما صوابه: "لحبطتها" بتقديم الباء الموحدة على الطاء، والدليل على ذلك قوله: "كخبطة عصفور"، وهو من خبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا ليسقط ورقها، وخبط البعير الأرض بيده؛ ضربها، ومنه قيل: خبط عشواء، وهي الناقة التي في بصرها ضعف تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئًا، قوله: "ولم أتلعثم" من تلعثم يتلعثم- بلام وعين مهملة وثاء مثلثة، يقال: تلعثم في الأمر إذا تأنى فيه وتمهل. الإعراب: قوله: "لولا" تأتي لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، وقد دخلت هنا على الجملة الاسمية وهي قوله: "بنوها حولها" فإن "بنو": مبتدأ، "وحولها": خبره، قوله: "لحبطتها": جواب لولا، قوله: "كخبطة عصفور": صفة لمصدر محذوف؛ أي: خبطتها خبطًا كخبطة عصفور، قوله: "ولم أتلعثم": جملة وقعت حالًا. فإن قلتَ: قد تقرر عندهم وجوب حذف "لولا" الامتناعية فكيف أثبت ها هنا؟ قلت: ذاك إذا دل دليل على تعليق امتناع الجواب على نسبة الخبر إلى المبتدأ، أما إذا لم يدل على ذلك دليل فحينئذ يجب ذكره كقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - "لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين" (¬3) رويناه من طريق البخاري وقول الزبير بن العوام - صلى الله عليه وسلم - من هذا القبيل (¬4)، فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "بنوها حولها" فإنه ذكر فيه خبر المبتدأ الواقع بعد لولا لكونه خاصّا لا دليل عليه لو حذف كما قررناه الآن (¬5). ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة
الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة (¬1)، (¬2) ورَأْيُ عَينَ الفتى أباكا ... يُعطي الجزيلَ فعليك ذاكا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، أنشده سيبويه في كتابه (¬3). وهو من الرجز المسدس، وفيه الخبن والقطع والخبل باللام (¬4). والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "رأي عيني" الرأي: مصدر رأيت، وهو مشترك بين الاعتقاد؛ كقولك: هذا رأي أبي حنيفة - رضي الله عنه - (¬5)، والرؤية كقوله سبحانه: {رَأْيَ الْعَيْنِ} (¬6) [آل عمران: 13] ومنه هذا البيت، وهو مضاف إلى عيني إضافة المصدر إلى فاعله، وارتفاعه بالابتداء، وعن أبي الحسن نصب رأي، والصواب رفعه و "الفتى": مفعول المصدر. قوله: "أباكا": بدل من الفتى أو عطف بيان، قوله: "يعطي الجزيل": جملة فعلية وقعت حالًا وسدت مسد الخبر للمبتدأ؛ أعني قوله: "ورأي عيني"، قوله: "فعليك": اسم فعل بمعنى الزم، قوله: "ذاكا": مفعوله، وهو اسم إشارة إلى العطاء الجزيل، والمعنى: رؤية عيني أباك حصلت إذ كان يعطي العطاء الجزيل فالزم طريقته وتشبه به في ذلك؛ لأن الولد سر أبيه، ومن يشابه أبه فما ظلم. الاستشهاد فيه: على أن الحال قد سدت مسد الخبر كما ذكرنا، ومنع الفراء وقوع الجملة الحالية السادة مسد ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة
الخبر (¬1) والبيت المذكور حجة عليه، وقولهم سمع أذني زيدًا يقول كذا (¬2). الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة (¬3)، (¬4) يَدَاكَ يَدٌ خَيرُها يُرتَجَى ... وَأُخْرَى لِأَعدَائِها غَائِظَهْ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري (¬5)، وأنشده الخليل بن أحمد (¬6)، وبعده: 1 - فأمَّا التِي خَيرُها يُرْتَجَى ... فَأَجْوَد جُودًا مِنَ اللافِظَهْ 2 - وَأمَّا التِي شرُّها يتقَى ... فَسُمٌّ مُقَاتِلُة لافِظَهْ 3 - إذَا رَجَعَتْ وَجَرَى سمها ... فَنَفْسُ اللَّدِيغ بِها فَائِظَهْ (¬7) وأنشده الصاغاني في العباب هكذا: 1 - يداك يد سبيلها مرسل ... وأخرى لأعدائها غائظهْ 2 - فأما التي سيبها يرتجى ... قديمًا فأجود من لافظهْ وهي من المتقارب. 1 - قوله: "يداك ... إلخ" يمدح رجلًا بأن إحدى يديه يرتجى منها الخير ويده الأخرى غيظ للأعداء، والغيظ: غضب كامن. ¬
1 - قوله: "من اللافظه" أي: من البحر، والهاء فيه للمبالغة كما في: راوية وعلامة، وفي المثل: فلان أسمح من لافظة (¬1) أي: بحر، قال الجوهري: وقولهم؛ أسمح من لافظة، يقال؛ هي العنز؛ لأنها تُدعى للحلب وهي تجتر فتلفظ بجرتها وتقبل فرحًا منها بالحلب (¬2). ويقال هي التي تزق فرخها من الطير؛ لأنها تخرج ما في جوفها وتطعمه، قال الشاعر (¬3): تَجُود فَتُجْزِلُ قَبلَ السؤَالِ ... وَكَفُّكَ أَسْمَحُ مِنْ لافِظَهْ ويقال: هي الرحى، ويقال: الديك، ويقال: البحر؛ لأنه يلفظ بالعنبر والجوهر، والهاء للمبالغة. 2 - قوله: "فسم مقاتلة لافظه" أي: رامية، وأراد بالمقاتلة الحيوانات ذوات السم التي ترمين بالسم فيقتلن. 3 - قوله: "فائظه" بالظاء المعجمة القائمة؛ قال أبو القاسم الزجاجي (¬4)، يقال: فاظ الميت بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد، وفاظت -بالظاء جائز عند الجميع إلا الأصمعي؛ فإنه لا يجمع بين الظاء والنفس، تقول: فاظ الرجل بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد (¬5). وقال أبو زيد وأبو عبيدة؛ فاظت نفسه -بالظاء لغة قيس، وبالضاد لغة تميم (¬6)، وروى المازني عن أبي زيد أن العرب تقول: فاظت نفسه- بالظاء إلا بني ضبة فإنهم يقولون بالضاد (¬7)، ومما يقوي فاظت نفسه بالظاء، قول الشاعر: يداك يد .................. ... ............................. إلخ ويروى: يداك يد جودُها يُرتَجَى ... .................................. وقال بعضهم (¬8): يقال فاظت نفسه تفيظ فيظًا وفاظت تفوظ فوظًا، والثانية نادرة، وفي قوله: .............................. ... فنَفْسُ اللديغِ بِها فَائِظَهْ ¬
رد على أبي عمرو بن العلاء؛ إذ زعم أنه يقال: فاظ الرجل كما قال رؤبة (¬1): لا يَدفنُونَ مِنْهُمُ مَنْ فَاظَا ... ................................... ولا يقال: فاظت نفسه، وعلى من قال: إنما يقال في فعل النفس بالضاد، وبعضهم يخص الضاد بلغة تميم (¬2)، واتفقوا في: فاظ الرجل أنه بالظاء، وذكر ابن دحية (¬3) في كتاب مرج البحرين وفوائد المشرقين والمغربين أن أبا محمد بن حزم (¬4) حكى أن الوزير أبا الحسن جعفر بن عثمان الصحفي (¬5) كتب إلى صاحب الشرط أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي اللغوي كتابًا فيه: فاضت نفسه بالضاد فكتب إليه معترضًا (¬6): 1 - قُلْ لِلْوَزِير السنّي محمَّده ... لِي ذمة منك أنتَ حافِظُها 2 - إنْ لَم تُحافِظْ عِصَابَة نسبت ... إليكَ قدمًا فمَنْ يُحَافِظُها 3 - لا تدَّعَنْ حَاجَتِي مطرحة ... فَكان نَفْسِي قَد فَاظَ فَائِظُها فَأجابه: 1 - خَفضْ قَلِيلا فَأَنْتَ أَوْحَدها ... عِلْمًا وَنَقَّابُها وَحَافِظُها 2 - كَيفَ تضِيعُ العُلُوم في بَلدٍ ... أَبْنَاوُها كلُّهُم يُحَافِظُها 3 - أَلْفَاظُهم كلها مُعَطَّلَة ... مَا لَم يُعَوَّلْ عَلَيكَ لافظها 4 - وَقَد أَتَتْنِي قَدَيْت شَاغِلة ... لِلنفْسِ أَنْ قُلت فَاظَ فَائِظُها ¬
5 - فَأوضَحْتَها تَفزْ بِنَادِرَة ... قَدْ بَهِظ الأوَّلِيَن بَاهِظُها فأجابه في ضمن شعره الشاهد على ذلك (¬1): 1 - أتانِي كتَابٌ مِنْ كَريمٍ مُكرَّم ... فَنَفس عَنْ نَفْس تَكَادُ تَفِيظُ 2 - فَسَرّ جميعَ الأَوْليَاءِ ورودهُ ... وَسِيءَ رِجال آخرُونَ وَغِيظُوا 3 - لَقَد حفظ العهْدَ الذِي قَدْ أَضاعَهُ ... لَدَى سواهُ والكريمُ حَفِيط 4 - وبَاحِثُ عنْ فاظَتْ وَقَبلِي أَفَادها ... رِجال لَدَيْهِم في العلُومِ حظوظُ 5 - رَوَاهُ ابْنُ كَيسَانَ وسهل وأنْشَدُوا ... يُقالُ أَتَى الغِيَاظُ وهوَ يَغِيظُ 6 - وسميتُ غياظًا ولستُ بِغَائظٍ ... عدوًّا ولكن الصديقَ تَغِيظُ 7 - فلا حفظ الرحمَنُ روحكَ حَئةً ... ولا هِيَ في الأَزوَاحِ حين تفيظُ وذكر في كتاب الضاد والظاء لأبي الفرج بن سهل الدهقاني النحوي: يقال: فاظ الميت يفيظ فيظًا إذا قضى، قال الأصمعي: ولا يقال: فاظت نفسه ولا فاضت نفسه (¬2) وزعم غيره أن العرب تقول: فاضت نفسه بالضاد، فأما: فاظت نفسه [بالظاء] (¬3) فلا يقال (¬4). الإعراب: قوله: "يداك": كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: يداك لك، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: هاتان يداك، قوله؛ "يد": خبر مبتدأ محذوف تقديره: إحداهما يد، ويقال: "يداك": مبتدأ، "ويد": خبرها، "وخيرها يرتجي": جملة وقعت صفة ليد، وعلى هذا الوجه يأتي الاستشهاد على ما يأتي الآن. وقيل: تقديره: إحدى يديك يد خيرها يرتجى، فلما حذفوا المضاف قام المضاف إليه مقامه، قوله: "وأخرى" أي: ويد لك أخرى، وهو عطف على قوله: "يد"، وقوله: "غائظه": صفة لها "ولأعدائها": يتعلق بها. الاستشهاد فيه: على أن الخبر متعدد لتعدد الخبر عنه فيجب العطف بالواو (¬5). ¬
الشاهد الرابع والثمائون بعد المائة
الشاهد الرابع والثمائون بعد المائة (¬1)، (¬2) لُقَيْمُ بْنُ لُقْمَان منْ أُخْتِهِ ... فَكَانَ ابنَ أُخْتٍ لَهُ وَابْنَمَا أقول: قائله هو النمر بن تولب، وهو من قصيدة ميمية، وأولها هو قوله: 1 - سلا عَنْ تَذَكّرهِا تُكْتَما ... وَكَانَ رَهِينًا بِها مغْرَما 2 - وَأقْصرَ عَنْها وَآيَاتُها ... تُذَكّرهُ دَاءَهُ الأَقْدَما 3 - فَأَوْصَى الفَتَى بِابْتِنَاءِ العُلا ... وَأَنْ لا يَخُون ولا يَأْثَما 4 - ويَلْبِسَ للدَّهْرِ أَجْلالُهُ ... فَلَنْ يَبنِيَ النَّاسُ مَا هدَّمَا 5 - وإنْ أَنْتَ لاقَيتَ في نجْدَةٍ ... فَلا يَنهينّكَ أَنْ تُقْدِمَا 6 - فَإنَّ المنَيَّةَ مَنْ يَخْشَها ... فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَما 7 - وإنْ تَتَخَطَّاكَ أَسْبَابها ... فإنَّ قُصَارَاكَ أَنْ تَهْرمَا 8 - فَأحبِبْ حَبِيبَكَ حبًّا رُوَيدًا ... فليس يَعُولكَ أَنْ تصرِمَا 9 - فَتَظْلمَ بالوُدّ مَنْ وصلهُ ... رقيقٌ فَتَشفَه أَو تَنْدَمَا 10 - وأبْغضْ بغِيضكَ بُغْضًا رُويْدًا ... إِذَا أَنْتَ حاولتَ أَنْ تَحكُمَا 11 - ولوْ أَنَّ منْ حَتْفِهِ نَاجيًا ... لأَلْفَيتَهُ الصدَع الأعْصَمَا 12 - بأسبيلَ ألقت بِهِ أمه ... عَلَى رَأْسِ ذِي حبك أيْهمَا 13 - إذَا شاءَ طالعَ مسْجُورَةً ... تَرَى حولَها النبعَ والساسمَا 14 - تكونُ لأَعدَائِهِ مجهلًا ... مضلّا وَكَانَتْ لهُ معلمَا 15 - سقتها الروَاعِدُ منْ صَيِّفٍ ... وَإنْ منْ خريف فَلَنْ يعدَمَا 16 - أتاحَ لهُ الدهْرُ ذَا وَفْضَةٍ ... يقلب في كفّهِ أسهمَا 17 - فَأَرسَلَ سَهْمًا على غِرِّةٍ ... وَمَا كَانَ يرهبُ أنْ يكلّمَا 18 - وأخرجَ سهمًا لهُ أهْزعًا ... فشكَّ نَوَاهِقَهُ والفَمَا ¬
19 - فَظَلّ يشبُّ كَأَنَّ الوُلُو ... عَ كَانَ بِصحَّتِهِ مُغْرَما 20 - أَتَى حِصنَهُ مَا أتى تُبَّعًا ... وَأَبْرهةَ الملِكَ الأَعظَمَا 21 - لُقَيمُ بْنُ لُقْمَان مِنْ أُخْتِهِ ... فَكَانَ ابنَ أُخْت لَهُ وَابْنَمَا 22 - لَيَالِيَ حُمِّقَ فَاسْتَحْصَنَتْ ... إِلَيهِ فَغُرّ بِها مُظْلِمَا 23 - فَأَحْبَلَها رجلٌ نَابِهٌ ... فَجَاءَتْ بِهِ رَجُلًا مُحْكِمَا وهي من المتقارب. 1 - قوله: "تكتما" بضم التاء المثناة من فوق [وسكون الكاف وفتح الثاء المثلثة من فوق] (¬1) وهو اسم امرأة. 2 - و "الآيات": العلامات والآثار. 4 - و"الأجلال": جمع جل [قوله: "فَلَنْ يبني النَّاسَ مَا هدَّمَا" معناه: إذا ضيع الفتى مجده لم يبنه له الناس. 5 - و "النجدة" -بفتح النون: القتال] (¬2) قوله: "ولا ينهينك" (¬3) معناه: لا تنهينها فقلب الكلام. 7 - قوله: "قصاراك" أي: غايتك. 8 - قوله: "يعولك" أي: يشق عليك. 11 - و "الحتف": الهلاك، و "الصدع" -بالمهملات المفتوحة: الوعل بين الجسيم والضئيل وهو -أيضًا- الوسط من كل شيء، يقال: رجل صدع وفرس صدع، و "العصمة": بياض في اليد. 12 - قوله: "بأسبيل" كقنديل، وهو اسم بلد، و "الأيهم"- بالياء آخر الحروف؛ الذي لا يهتدي لطريقه. 13 - قوله: "مسجورة" -بالجيم أي: مملوءة، و "النبع": شجر يتخذ منه القسي، و "الساسم" قيل: الأبنوس. 14 - قوله: "تكون لأعدائه" يعني؛ الوعل أعداؤه من الناس، و "مجهل" بفتح ثالثه، و "مضِل" بكسره، وميمهما مفتوحتان، و "معلم" -بفتح الميم واللام أي: هي مجهل لأعدائه ومعلم له. ¬
15 - قوله: "سقتها الرواعد" يأتي هذا البيت -إن شاء الله تعالى- في جملة الشواهد في باب العطف (¬1). 16 - قوله: "أتاح" أي: قدر، و "الوفضة"- بالفاء: طرف السهام، وكذلك: الجفير والكنانة. 18 - و "الأهزع"- بالزاي المعجمة: آخر سهم في الكنانة. 19 - قوله: "يشب" أي: يرفع يده حين أصابه السهم، و "الولوع" -بفتح الواو: القدر والحين. 20 - قوله: "تبعًا" وهو ملك اليمن، و"أبرهة": ملك الحبشة. 21 - قوله: "لقيم" بضم اللام وفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو لقيم بن لقمان بن عاد، وكان لقمان هذا يلد النجباء، وكانت له أخت بالعكس منه فغشيها لقمان فجاءت بلقيم فصار ابنًا للقمان وابن أخت له. وروي أن لقمان كان لا يولد له؛ فقالت امرأته لأخته: أما ترين لقمان في قوته وعظم خلقه لا يولد له، فقالت: فما الحيلة؟ قالت امرأته لأخته: تلبسين ثيابي حتى يقع عليك (¬2) في الظلمة ففعلت فواقعها فولدت منه فسمي (¬3) لقيمًا، وذُكر في ديوان النمر بن تولب أن أخت لقمان بن عاد كانت تحت رجل ضعيف أحمق فولدت له أولادًا ضعافًا، فأحبت أن يكون لها ولد مثل أخيها (¬4)، فقالت لامرأة لقمان: هل لك أن أجعل لك جعلًا وتأذني [لي] (¬5) أن آتى لقمان الليلة، فأسكرته واندست له أخته، فوقع عليها لقمان، فلما كانت الليلة القابلة أتته امرأته فوقع عليها فقال: هذا حر معروف؛ وكأنه استنكره، وكان لقيم من أحزم الناس، لذلك يقول النمر بن تولب: "فكان لابن أخت له وابنما". 22 - قوله: "ليالي حمق" أي: أسكر حتى ذهب عقله، قوله: "فاستحصنت" أي: أتته كأنها حصان كما تأتي المرأة زوجها حمقته امرأته وأخته (¬6). 23 - قوله: "فأحبلها رجل نابه" وهو لقمان؛ حيث أحبل أخته فجاءت أخته به، أي بلقيم حال كونه رجلًا محكمًا، ويروى: فجاءت به جعظرا مُطْهما، و "الجعظر": الكثير العضل واللحم، والمطهم: الحسن الخلق. ¬
الإعراب: قوله: "لقيم": مبتدأ، و "ابن لقمان": صفته، وقوله: "من أخته": خبر المبتدأ، والضمير في أخته يرجع إلى لقمان، قوله: "فكان" أي: لقيم، والضمير فيه اسم كان، وخبره قوله: "ابن أخت" أي: للقمان قوله: "وابنما": عطف على قوله: "ابن أخت" أي: وابنًا له -أيضًا- والميم فيه زائدة وذلك كما في قول الشاعر يصف رجلًا (¬1): ولم يَحِمْ أنفًا عندَ عرس ولا ابنم ... ................................... فإنه يريد الابن، والميم زائدة، وهو معرب من مكانين تقول: هذا ابنم، ومرت بابنم ورأيت ابنما تتبع النون الميم في الإعراب، والألف مكسورة على كل حال. الاستشهاد فيه: أن أبا علي الفارسي استشهد به على جواز عطف الخبر على خبر آخر فيما إذا تعدد في اللفظ دون المعنى؛ وذلك حيث عطف الشاعر [قوله: "وابنما" على] (¬2) قوله: "ابن أخت" فإنهما خبران تعددا لفظًا واتفقا معنى (¬3). ونبه ابن الناظم على أن هذا سهو؛ لأن ما يتعدد لفظًا دون معنى يجب فيه ترك العاطف؛ كما في قولك: الرمان حلو حامض؛ بمعنى من، وهو أعسر أيسر بمعنى: أضبط، وهو العامل بكلتا يديه (¬4)، فالذي ذهب إليه أبو علي ليس من هذا القبيل؛ لأن الحلو والحامض لا يجتمعان معًا تامين بخلاف ما استشهد به فإنه يمكن أن يكون الواحد ابنًا لرجل وابن أخت له أيضًا وإن كان هذا لا يجوز شرعًا. فافهم (¬5). ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة
الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة (¬1)، (¬2) فَأَمُّا القِتَالُ لا قِتَال لَدَيْكُمُ ... ................................. أقول: هذا البيت مما هُجي به قديمًا بنو أسد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس؛ كذا قاله أبو الفرج، وتمامه: ............................... .... وَلَكِنَّ سَيرًا فِي عِرَاضِ المَوَاكِبِ وقبله: فَضَحتُم قُرَيْشًا بالفِرَارِ وَأَنْتُمُ .. قُمُدُّونَ سودَان عِظَامُ المناكِبِ وهما من الطويل. قوله: "في عراض المواكب" بالعين المهملة والضاد المعجمة؛ أي: في شقها وناحيتها، قال أبو ذؤيب في صفة برق (¬3): أَمِنْكَ برقٌ أَبِيتُ الليلَ أَرقُبُه ... كَأَنَّهُ في عِرَاضِ الشَّام مِصبَاحُ أي: في شقه وناحيته، وصحفه (¬4) بعضهم فقال: بالعراص -بالصاد المهملة، وهو جمع عرصة، وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، ويجمع على عرصات -أيضًا- و "المواكب": جمع موكب، والموكب: القوم الركوب على الإبل للزينة، وكذلك جماعة الفرسان، قوله: "قمدون"؛ جمع قمد -بضم القاف والميم، وهو القوي الشديد، والأنثى قمدة. الإعراب: قوله: "فأما" أما: حرف شرط وتفصيل وتوكيد، و "القتال": مبتدأ، وخبره قوله: "لا قتال لديكم" قوله: "ولكنَّ": للاستدراك، و "سيرًا": نصب على المصدر، تقديره: ولكن تسيرون ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد المائة
سيرًا في نواحي المواكب، وقوله: "في عراض": يتعلق بالمحذوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا قتال" فإنه حذف منه الفاء التي تسمى فاء الجزاء، التي تدخل بعد أما، وهذا الحذف للضرورة (¬1)؛ كما في قوله (¬2): مَنْ يَفْعَلِ الحَسَنَات الله يَشْكُرُها ... .................................. الشاهد السادس والثمانون بعد المائة (¬3)، (¬4) وَإنْسَانُ عَيني يَحْسِرُ الماءُ تَارَةً ... فَيَبدُو وتَارَاتٍ يَجمّ فَيغْرَقُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدة قافية أولها [هو] (¬5) قوله (¬6): 1 - أَدَارًا بِحُزْوَى هجْتِ لِلْعَيِن عَبرةً ... فَمَاءُ الهوَى يَرفَض أَوْ يَتَرَقْرَقُ 2 - كَمُستعبِرِي مِنْ رَسْمِ دَار كَأَنها ... بِوَعْسَاءَ تَنْضُوها الجَمَاهِيرُ مُهرَقُ 3 - وَقَقنَا فَسلَّمَنَا فَكَادَتْ بمُشْرِفٍ ... لعرفَانِ صَوْتِي دِمنَةُ الدَّارِ تَنْطِقُ ¬
إلى أن قال: 4 - وإنسان عيني ............. ... .............................. إلخ 5 - لَعَمرُكَ إِني يومَ جَرعَاءِ مَالك ... لَذُو عَبرَةٍ كُلا تَفِيضُ وَتَخنُقُ 6 - يَلُومُ عَلَى ميّ خَلِيلِي ورُبمَا ... يَجُورُ إِذَا لامَ الشفِيقُ ويخْرِقُ 7 - ولوْ أَن لُقْمَانَ الحَكِيمَ تَعرَّضَتْ ... لعينَيهِ مي سافرًا كادَ يبرقُ وهي طويلة من الطويل. 1 - قوله: "بحزوى" بضم الحاء المهملة وسكون الزاي العجمة وفتح الواو، وهي رملة عظيمة لها جمهور عظيم يعلو تلك الجماهير، و "العبرة" بفتح العين المهملة؛ الدمع وأراد: "بماء الهوى" الدمع الذي بعينه (¬1) من الهوى؛ فلذلك أضافه إلى الهوى، قوله: "يرفض" أي: يسيل متفرقًا، و "يترقرق": يحول في العين ولا ينحدر. 2 - قوله: "كمستعبري" بفتح الباء الموحدة، وهو المكان الذي يستعبر فيه، والمعنى: كما بكيت في دار أخرى بالوعساء وهي رابية من الرمل. قوله: "تنضوها" أي: تتصل بها، "الجماهير" وهو (¬2) جمع جمهور وهي القطعة العظيمة من الرمل، و "المهرق": شيء كان يكتب فيه، وهو بالفارسية مهرة كرد. 3 - قوله: "بمشرف" بضم اليم وسكون الشين، وهو اسم موضع، و "الدمنة" بكسر الدال؛ آثار الناس وما سودوا، ومنه يقال: دمن الناس الدار. 4 - قوله: "وإنسان عيني" إنسان العين: المثال الذي يرى في السواد، قوله: "يحسر الماء" بالحاء والسين المهملتين، أي: يكشف، وهو من باب ضرب يضرب، قوله: "فيبدو" أي: يظهر، قوله: "يجم" من الجموم وهو الكثرة والجمع العظيم، قال تعالى: {حُبًّا جَمًّا} (¬3) [الفجر: 20] أي: كثيرًا (¬4). الإعراب: قوله: "وإنسان عيني": كلام إضافي مبتدأ، وخبره الجملة؛ أعني قوله: "يحسر الماء"، قوله: "تارة": نصب على المصدر، ونحوه: طورًا أو مرة، قوله: "فيبدو": جملة من الفعل والفاعل، ¬
وهي [أيضًا] (¬1) خبر بعد خبر، قوله: "وتارات": عطف على قوله: "تارة" وهو جمع تارة، ويجمع على: تير -أيضًا- قال الشاعر (¬2): يقومُ تارات ويمشي تِيَرًا ... ................................... قوله: "يجم": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يجم، وقوله: "فيغرق": عطف عليه. الاستشهاد فيه: على كون المبتدأ له خبران جملتان وليس للمبتدأ رابط إلا الضمير الذي في الجملة الأخيرة فيهما، وهو الضمير المستتر في قوله: "فيبدو" والتحقيق في هذا المقام أن الجملتين إذا عطفت إحداهما على الأخرى بالفاء التي هي السببية، تنزلتا منزلة الشرط والجزاء واكتفى بضمير واحد في إحداهما، كما اكتفى بضمير واحد في جملتي الشرط والجزاء؛ فإذا قلت: جاء زيد جاء عمرو فأكرمه، فالارتباط وقع بالضمير الذي في الثانية (¬3). نص على ذلك ابن أبي الربيع (¬4)، (¬5)، فإذا كان كذلك فقوله: "وإنسان عيني" مبتدأ كما ذكرنا، ولا رابط له من الجملتين الواقعتين له خبرًا إلا الضمير الذي في الجملة الأخيرة منهما، وهو الضمير المستتر في قوله: "فيبدو"، وإذا كانت إحدى الجملتين معطوفة على الأخرى بالواو نحو: زيد يقوم بكر ويغضب، أجاز ذلك ابن هشام ومنعه البصريون على ما عرف في موضعه (¬6). ¬
الشاهد السابع والثماثون بعد المائة
الشاهد السابع والثماثون بعد المائة (¬1)، (¬2) خيرُ اقتِرَابِي من المولَى حليفَ رِضًا ... وشرُّ بُعدِي عنه وهو غَضْبَانُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "حليف رضا" حليف: فعيل من الحلف -بكسر الحاء وسكون اللام، وهي (¬3) المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، وأرد بالمولى الحليف؛ لأن المولى يقع على معان كثيرة: معنى الرب والمالك والسيد والمنعم والمنعَم عليه والمعتِق والمعتَق والمحب والتابع والجار [وابن العم] (¬4) والناصر والصهر والحليف، يضاف إلى كل واحد بحسب ما يقتضيه المعنى والحال. الإعراب: قوله: "خير اقترابي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "من المولى": يتعلق بقوله "اقترابي" وهو مصدر مضاف إلى فاعله، قوله: "حليف رضا": كلام إضافي نصب على الحال من فاعل المصدر، وفيه حذف، وهو الخبر عن المبتدأ، تقديره: خير اقترابي من المولى إذا وجدتُ حليف رضا، فقولنا: إذا وجدت، هو الخبر؛ كما في قولك: أكثر شربي السويق ملتوتًا، تقديره: إذا كان ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير قائمًا، أي: إذا كان قائمًا فكان في الموضعين تامة، وملتوتًا وقائمًا حالان، والخبر فيهما محذوف، وهذا من المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وهو بعد كل مبتدأ هو مصدر منسوب إلى الفاعل أو المفعول أو إليهما، مذكور بعده الحال أو أفعل التفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور وبعده الحال فقوله: "خير اقترابي" أفعل التفضيل مضاف إلى المصدر، وذكر بعده الحال وهو قوله: "حليف رضا" كما ذكرنا، قوله: "وشر بعدي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "غير" يتعلق بقوله: "بعدي"، قوله: "وهو غضبان": جملة اسمية وقعت حالًا وقد سدت مسد الخبر. الاستشهاد فيه: وهو وقوع الجملة الاسمية المقرونة بالواو موقع خبر المبتدأ، وهذا الشطر حجة على سيبويه حيث منع ذلك، وقال: الحال التي هي جملة اسمية مقرونة بالواو لا تسد مسد الخبر إلا إذا ¬
كانت اسمًا منصوبًا كما في الشطر الأول من البيت وهو قوله: "حليف رضا" (¬1). وخالفه في ذلك الكسائي والفراء واحتجَّا عليه يقول الشاعر: ................................... ... وشر بعدي عنه وهو غضبان وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" (¬2) فإن الجملة الاسمية المقرونة بالواو في كل منهما قد سدت مسد الخبر (¬3)، وأما إذا كانت الجملة الاسمية بلا واو، فكذلك أجاز الكسائي كالتي بالواو، ومنعه الفراء (¬4). ¬
إلى هنا انتهى المجلد الأول ويليه المجلد الثاني مبتدءًا بـ: "شواهد كان وأخواتها"
كَافةُ حُقُوق الطّبع والنشر والترجَمَة محفوُظَة للناشِر دَار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة لصَاحِبهَا عبد الْقَادِر مَحْمُود البكار الطَّبعَة الأولى 1431 هـ - 2010 م بطاقة فهرسة فهرسة أثْنَاء النشر إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية - إدارة الشؤون الفنية بدر الدّين الْعَيْنِيّ، مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى، 1361 - 1451. الْمَقَاصِد النحوية فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية، الْمَشْهُور، بشرح الشواهد الْكُبْرَى / تأليف بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى الْعَيْنِيّ؛ تَحْقِيق عَليّ مُحَمَّد فاخر، أَحْمد مُحَمَّد توفيق السوداني، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد فاخر - ط 1، الْقَاهِرَة: دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2010 م. 4 مج فِي 1؛ 24 سم. ردمك 1 - 933 - 342 - 977 - 978 1 - اللُّغَة الْعَرَبيَّة - النَّحْو. أ- فاخر، عَليّ مُحَمَّد (مُحَقّق). ب- السوداني، أَحْمد مُحَمَّد توفيق (مُحَقّق). جـ- فاخر، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد (مُحَقّق). د- العنوان دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ش. م. م تأسست الدَّار عَام 1973 م وحصلت على جَائِزَة أفضل ناشر للتراث لثَلَاثَة أَعْوَام متتالية 1999 م، 2000 م، 2001 م هِيَ عمر الْجَائِزَة تتويجًا لعقد ثَالِث مضى فِي صناعَة النشر جمهورة مصر الْعَرَبيَّة - الْقَاهِرَة - الْإسْكَنْدَريَّة الإدارة: الْقَاهِرَة: 19 شَارِع عمر لطفي موازٍ لشارع عَبَّاس العقاد خلف مكتب مصر للطيران عِنْد الحديقة الدولية وأمام مَسْجِد الشَّهِيد عَمْرو الشربيني - مَدِينَة نصر هَاتِف: 22704280 - 22741578 (202 +) فاكس: 22741750 (202 +) المكتبة: فرع الْأَزْهَر: 120 شَارِع الْأَزْهَر الرئيسي - هَاتِف: 25932820 (202 +) المكتبة: فرع مَدِينَة نصر: 1 شَارِع الْحسن بن عَليّ متفرع من شَارِع عَليّ أَمِين امتداد شَارِع مصطفى النّحاس - مَدِينَة نصر - هَاتِف: 24054642 (202 +) المكتبة: فرع الْإسْكَنْدَريَّة: 127 شَارِع الْإِسْكَنْدَر الْأَكْبَر - الشاطبي بجوار جمعية الشبَّان الْمُسلمين هَاتِف: 5932205 فاكس: 5932204 (203 +) بريديًّا: الْقَاهِرَة: ص. ب: 161 الغورية - الرَّمْز البريدي: 11639 الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.dar-alsalam.com
شواهد كان وأخواتها
شواهد كان وأخواتها الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة (¬1)، (¬2) فَمَا مثْلُهُ فِيهم وَلَا كَانَ قَبلَهُ ... وَلَيسَ يَكُونُ الدَّهْرَ مَا دَام يَذْبُلُ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة يمدح بها حسان الزبير بن العوام -رضي الله تعالى عنه- وأولها قوله: 1 - أقَامَ عَلَى عَهْدِ النبِي وهديه ... حَوَاريهُ وَالْقَوْلُ بالفعل يعدَلُ 2 - أقَامَ عَلَى مِنهاجه وَطَرِيقه ... يُوَالي ولي الحَقِّ والحق أَعدَلُ 3 - هُوَ الفَارسُ المشهُورُ والبَطَلُ الذي ... يَصُولُ إذا مَا كَانَ يَوْم محجّل 4 - وإنّ امرأً كَانتْ صَفيةُ أُمُّهُ ... ومِنْ أَسدٍ فيِ بَيتها لَمرُفّلُ 5 - لهُ منْ رَسُولي الله قُربَى قَريبةٍ ... ومنْ نُصرَة الإسْلامِ مَجد مُؤَثَّلُ 6 - فَكم كُرْبَة ذَبَّ الزّبَيرُ بِسَيفه ... عَنِ المُصطَفَى واللهُ يعطي وَيَجْزلُ 7 - إذَا كَشَفَتْ عَنْ سَاقِها الحَربُ حشَّها ... بأبْيَضَ سبَّاق إلَى المَوْتِ يُرقلُ 8 - فما مثله ............... ... ............................... إلى آخره وهي من الطويل. 1 - قوله: "حواريه" أي: حواري النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد به: الزبير بن العوام [- رضي الله عنه -؛ فإن ¬
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن لكل نبي حواري وحواريَّ الزبير بن العوام"] (¬1)، رويناه عن طريق الترمذي عن زرعة (¬2) عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. وفي رواية: "الزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي"؛ أي: خاصتي من أصحابي وناصري، ومنه الحواريون أصحاب المسيح - عليه السلام - أي: خلصاؤه وأنصاره، وأصله من التحوير وهو التبييض، قيل: إنهم كانوا قصَّارِينَ يحوّرون الثياب؛ أي: يبيضونها، ومنه: الخبَزُ الحواريّ: الذي نُخِل مرة بعد مرة، قال الأزهري: الحواريون خلصان الأنبياء - عليه السلام -، وتأويله: الذين أَخْلَصُوا وَنُقُّوا من كل عيب. قوله: "والبطل": الشجاع "الذي يصول" أي: يحمل، قوله: "يوم محجل" أراد به: يوم الحرب المشهور بين الناس، وارتفاع "يوم" على أنه فاعل كان، وهي تامة. 4 - قوله: "صفية أمه" هي صفية بنت عبد المطلب (¬3) عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "لمرفل" بالفاء أي: لمعظم، من الترفيل وهو التعظيم. 5 - قوله: "مجد مؤثل" المجد: الكرم، ومؤثل: من التأثيل وهو التأصيل. 6 - قوله: "يُجْزِل": من أجزل إذا أعطى عطاء كثيرًا، قوله: "حَشَّها": من حش الحرب إذا أسعرها وهيجها تشبيهًا بإِسْعَارِ النار، ومنه يقال للرجل الشجاع نِعْمَ مُحُشي الكتيبة، قوله: "بأبيض" أي: بسيف أبيض. 7 - قوله: "يرقِلُ" من الإرقَال، وهو نوع من الخبب، أراد أنه يسبق الناس إلى الحرب وهو يجري. قوله: "فما مثله فيهم" أي: فمَا مثل الزبير فيهم أي بينهم، ولا كان مثله، قبله؛ أي وليس يكون مثله -أيضًا- في المستقبل طول الدهر، و " [ما دام] (¬4) يذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة وفي آخره لام؛ وهو اسم لجبل معروف، قال يعقوب: يقال له: يذبل الجوع؛ لأنه مُجدَبٌ دائمًا (¬5). الإعراب: قوله: "فما" ما للنفي بمعنى ليس، و"مثله" بالرفع اسمه، وخبره قوله: "فيهم" أي: ليس ¬
مثله كائنًا فيهم، قوله: "ولا كان قبله": جملة منفية عطف على الجملة المنفية التي قبلها، وكان هنا تامة بمعنى وجد (¬1)، أي: ولا وجد مثله قبله، وقبله نصب على الظرف. قوله: "وليس يكون": جملة منفية أيضًا عطف على ما قبلها، واسم ليس ضمير الشأن، قوله: "يكون": خبره وهي تامة بمعنى يوجد، و "الدهر"؛ منصوب على الظرفية، والتقدير: ليس الشأن يوجد مثله في الدهر، قوله: إما دام يذبل " يعني مدة دوام يذبل، ويذبل مرفوع لأنه فاعل دام. الاستشهاد فيه: على أن ليس نفت المستقبل، وإنما وضعها لنفي الحال، ولكن تنفي المستقبل أيضًا عند قيام القرينة كما في البيت المذكور، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8]، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إلا مِنْ ضَرِيعٍ (6)} [الغاشية: 6]، وهذا الباب فيه اختلاف: فقال الجزولي (¬2): هي للنفي مطلقًا (¬3)، وقال الجمهور: هي لنفي الحال (¬4)، وقال الزمخشري في المفصل: فلا تقول: ليس زيد قائمًا غدًا (¬5). وقال الشلويين (¬6)، وتبعه الناظم وابنه (¬7) -وهو الصواب: إذا لم يكن للخبر زمن مخصوص تُقيدُ نفيها بالحال كما يحمل عليه الإيجاب المطلق وإن كان له زمن مخصوص تفيد نفيها به، فمما نفت به الماضي قولهم: ليس خلق اللَّه مثله (¬8)، وعلى ذلك أجاز سيبويه: ما زيد ضربته بالرفع؛ على أن تكون ما حجازية، ولو لم يصح لليس نفي الماضي لم يجز ذلك في ما المحمولة ¬
الشاهد التاسع والثماثون بعد المائة
عليها، ومما نفت به المستقبل الآيتان المذكورتان والبيت المذكور (¬1). الشاهد التاسع والثماثون بعد المائة (¬2)، (¬3) ........................... ... وَلَا زَال مُنْهلًّا بِجَزعَائِك القَطْرُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وصدره: 1 - أَلا يَا اسْلَمي يَا دَارَ ميَّ عَلَى البِلَى ... .................................. وهو من قصيدة رائية، وهي من الطويل، والبيت المذكور هو أولها وبعده: 2 - أَقامَت بها حتى ذوى العودُ والتوى ... وساقَ الثريا في مُلاءتِه الفجرُ 3 - وحتَّى اغتَرَى البهْمَى مِنَ الصَّيف نافِضٌ ... كما نَفَضتْ خيلٌ نَواصيها شُقْرُ 4 - وخاضَ القطا في مكرم الحيِّ باللِّوى ... نطافًا بَقَايَاهُنَ مطروقةٌ صُفْرُ 5 - فلما مضى نَوْءُ الثُّريا وأخلفتْ ... هواد من الجوازء وانْغَمَس الغَفْرُ 6 - رمى أمَّهات القُردِ لَذْعٌ مِنَ السَّفَا ... فأحصَدَ من قُرَيانه الزهو النضرُ 7 - لَها بَشرٌ مثل الحريرِ ومَنطق ... رخيمُ الحواشِي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ 8 - وعينان قال الله كُونَا فَكَانَتَا ... فعولين بالألْبَابِ ما تفعلُ الخمرُ 1 - قوله: "البلى" بكسر الباء [الموحدة من بلي الثوب يبلى، من باب علم يعلم، بِلًى مصدره بكسر الباء] (¬4) من غير مد، فإن فتحت الباء مددته (¬5)، قوله: "منهلًّا" بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام، من الانهلال، وهو انسكاب الماء وانصبابه، ويقال: الانهلال: شدة الصب، وأما المنهل -بفتح الميم وتخفيف اللام فهو المورد، وهو عين الماء، ترده الإبل في المراعي. ¬
قوله: "بجرعائك" الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئًا، و"القطر": المطر، والقطر أيضًا جمع قطرة، وقد قطر الماء وغيره يقطر قطرًا وقطرته أنا يتعدى ولا يتعدى، وقد عيب عليه في عجز هذا البيت؛ لأنه أراد أن يدعو لها فدعا عليها بالخراب وَقُدِّمَ عليه بيتُ طَرَفَةَ (¬1): فَسَقَى دِيَارَك غَيرَ مُفْسدها ... صَوْبُ الربيعِ وَديمَة تَهْمي وأجيب بأنه قدّم الاحتراس بقوله: اسلمي، وأجاب ابن عصفور عن هذا وقال (¬2): إن ما زال يقتضي ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلًا لها على حسب ما قبلها، وذلك أنَّهُ عَهدَ دَارَ مَيَّةَ في خصب لسُقيا المطر لها في أوقات الحاجة إلى ذلك، فدعا لها بأن لا تزال على ما عهدها عليه من انهلال القطر بجرعائها وقت الحاجة إليه. 2 - قوله: "ذوى" بالذال المعجمة، معناه: جف وفيه بعض الرطوبة، يقال: ذوى يذوي ذويًّا، قوله: "والتوى" أي: صار لَويًّا يَابسًا، واللوى: ما جفّ من البقل، قوله: "في ملاءته" أي: في، بياضه، وذكر في شرح ديوان ذي الرمة وقال: ملاءته: بياض الصبح (¬3). 3 - و"البهمى" بضم الباء الموجدة؛ نبت يشبه السنبل، وقال أبو عمرو: وأراد بـ"نافض" ريح الصيف، وشبه شوك البُهْمَى إذا وقعت عليه فابيض بنواصي خيل شقر. 4 - قوله: "في مكرع الحي" المكرع: الموضع الذي تكرع فيه الإبل من ماء المطر تدخل فيه، يقال: كرع فيه إذا دخل فيه، وشرب منه ثم قلّ وذهب حتى كاد القطا تخوضه بأرجلها، و "اللوى" بكسر اللام؛ موضع. قوله: "نِطَافًا" بكسر النون وفي آخره فاء؛ وهو إلماء، واحده نطفة وهي البفية من الماء، ويقال للماء المستنقع في مكان: نطاف ونطفة، قوله: "مطروقة" أي: قد طرقتها الإبل واصفرت؛ لأن الأمطار قد ذهبت. 5 - قوله: "نوء الثريا" النوء: سقوط النجم، يقال: ناء النجم إذا سقط، والثريا: كوكب من العقرب، قوله: "هوادٍ من الجوزاء" وهي نجوم تطلع قبل الجوزاء، واحدها هاب، قوله: "أخْلَفَتْ" أي: جاءت بعدها، يقال: أخلفت [فلانًا] (¬4) أي: جئت بعده، قوله: "انغمس" أي: غاب، ¬
و"الغَفْرُ" بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء؛ وهو من منازل القمر. 6 - قوله: "أمهات القرد" أراد به جمع أم القُردان، وهي النقرة التي في أصل فرسن البعير من يده ورجله وهي يليها الوظيف، و"الفرسن": ما أصاب الأرض منه وهو ما دون الرسغ إلى الأرض، "واللدغ" النزغ وهو كالطعن، واللدغُ أيضًا لدغُ العقرب، و"السفا" بالفاء مقصور؛ شوك البهمى، والسفا: التراب أيضًا، والسفاة أخص منه. قوله: "أحصَدٍ" أي: دنا حصاده: "والقُريَان" بضم القاف وسكون الراء؛ جمع قَريّ على وزن فعيل، وهو مجرى الماء في الروض، ويجمع على أَقْرِيَةٍ أيضًا، و "النضر" بفتح النون وسكون الضاد المعجمة؛ بمعنى الناضر. 7 - قوله: "بشرٌ" أي: جلدٌ وهو جمع بشرة، قوله: "رخيم الحواشي" أي: لَيِّنُ نَوَاحي الكلام، والرخيم -بالخاء المعجمة هو اللين الناعم، "والهراء" بضم الهاء؛ الكلام الكثير الذي ليس له معنى، "والنَّزْرُ" بفتح النون؛ القليل [ويروى] (¬1)، "ولا هذْر" بالذال العجمة؛ وهو الكثير. 8 - قوله: " ["وعينان" إلى آخره معناه] (¬2): كونا فعولين فكانتَا كذلك، فحذف الخبر الثاني، ويروى: فعولين. الإعراب: قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، قوله: "يا اسلمى" بدرج الهمزة للوزن ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا دار مَيَّةُ اسلمي، يعني: حَتّى تحيين، [قوله] (¬3): "يا دار مي" يا: حرف نداء، ودارمي: كلام إضافي منادى منصوب، ومي: مرخم: أصله: مية، وتقدير الكلام: ألا يا دار مي احيي واسلمي، وقولي يا دار مَيّ استمريت على البِلَى؛ يعني قد بَليت وَتَغَيرتِ. وقال بعضهم: التقدير: ألا يا هذه سلمك اللَّه على أنك قد بَلِيتِ، فحذف المنادى، ولا يحسن تقدير يا هنا للتنبيه لدخول ألا عليها (¬4)، قوله: "ولا زال" كلمة زال: فعلٍ من الأفعال الناقصة تقتضي اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوبًا، وقوله: "القطر": اسمه وقوله: "منهلًّا": خبره، و "بجرعائك": يتعلق به، أي: ولا زال القطر، أي: المطر منهلًّا بجرعائك، والكاف خطاب لميّ. ¬
الشاهد التسعون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا زال" حيث عمل زال الرفع والنصب لوجود شرطه وهو تقدم النفي عليه، وقد علم أن نوعًا من الأفعال الناقصة لا يعمل إلا بشرط تقدم نفي أو شبهه، وهو أربعة أفعال وهي: زال وبرح وفتئ وانفك (¬1)، وقال البعلي (¬2) في شرح الجرجانية: القسم الثاني من الأفعال الناقصة يعمل إذا صحب نفيًا موجودًا أو مقدرًا أو نهيًا أو دعاءً، وذلك أربعة أفعال: زال وبرح وفتئ وانفك، ثم قال: وأما الدعاء فكقول الشاعر: ألا يا اسلمي ............ ... ................. إلى آخره (¬3) الشاهد التسعون بعد المائة (¬4)، (¬5) فَقُلْتُ يَمِينُ الله أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطعُوا رَأْسِي لَدَيْكِ وَأَوْصَالِي أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي. وهو من قصيدة طويلة من الطويل أولها هو قوله: ألَا عِم صَبَاحًا أيها الطلَل البَالِي ... وهلْ يَعمَنْ مَنْ كانَ فيِ العُصُرِ الحَالِي وقد سقناها بكاملها في شواهد الموصول (¬6). قوله: "فقلت يمين الله" ويروى: فقلت لها تالله [أبرح قاعدًا] (¬7)، وهكذا أنشده الزمخشري في كتابه (¬8)، والمعنى: فقلت للمحبوبة: لا أفارقك، والله ولو قطعوا رأسي، ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة
"وأوصالي" أي: مفاصلي، وهو جمع وصل الأعضاء. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "يمين الله": مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: عليَّ يمين الله، والجملة مقول القول، وقوله: "أبرح" أصله: لا أبرح، وفيه أنا مستتر اسمه، وخبره قوله: "قاعدًا"، قوله: "ولو قطعوا": فعل وفاعل، "ورأسي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "لديك": نصب على الظرف. قوله: "وأوصالي": عطف على رأسي، [فإن قلت: أين جواب "لو"؟ قلت: محذوف دل عليه الكلام الأول، والتقدير: ولو قطعوا رأسي] (¬1) لا أبرح تاعدًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبرح" حيث حذف منه حرف النفي؛ إذ أصله: لا أبرح كما ذكرناه (¬2). الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة (¬3)، (¬4) صاحِ شمِّر وَلَا تزل ذَاكِرَ المو ... تِ فَنِسيَانُهُ ضَلال مُبِينٌ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الخفيف وفيه الخبن. والمعنى: يا صاحب اجتهد واستعد للموت، ولا تنس ذكره؛ فإن نسيانه ضلال ظاهر. الإعراب: قوله: "صاح": منادى مرخم، وحرف النداء محذوف تقديره: يا صاحب، قوله: "شمر": ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة
جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستكن فيه، وهو أمر من التشمير، قوله: "ولا تزل": نهي من زال يزال، واسمه مستكن فيه، وخبره قوله: "ذاكر الموت"، قوله: "فنسيانه": مبتدأ، و "ضلال": خبره، و "مبين": صفته، والفاء للتعليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا تزل" فإنه أجرى فيه "زال" مجرى كان لتقدم شبه النفي وهو النهي، وقد عُلِمَ أن زال وأخواتها لا تفارق أداة النفي في حال نقصانها إما ملفوظًا بها وإما مقدرة (¬1). الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة (¬2)، (¬3) ببَذْلٍ وَحِلمٍ سَادَ فِي قَومِهِ الْفَتَى ... وَكَوْنكَ إِياه عَلَيكَ يَسِيرُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "ببذل" البذل- بالباء الموحدة والذال المعجمة وهو العطاء، قوله: "ساد": من السيادة، قوله: "إياه" الضمير فيه يرجع إلى الفتى، وكذا في قوله: "في قومه" لأنه وإن كان متأخرًا لفظًا فهو متقدم رتبة، ونطره قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67]، وقد تكلف بعضهم فقال: الضمير في قوله: "إياه" يرجع إلى ما ذكر من البذل والحلم. والمعنى: إن الرجل يسود قومه ببذل المال والحلم، وهو يسير عليك إذا أردت أن تكون مثله. الإعراب: قوله: "ببذل" جار ومجرور يتعلق بقوله: "ساد"، وقوله: "وحلم": عطف عليه، قوله: "ساد" فعل ماضٍ، و "الفتى" فاعله، و "في قومه": يتعلق [بقوله] (¬4) ساد، قوله: "وكونك": مصدر مضاف إلى فاعله مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "يسير" وقوله: "إياه" خبر الكون، والكاف مرفوعة المحل لأنها اسم الكون، وجاء الخبر هنا منفصلًا؛ لأنه في الأصل خبر المبتدأ مع أن ¬
العامل ضعيف عن أن يتصل به مضمران، وضعفه بكونه اسمًا، فاجتمع هنا ما افترق في قوله (¬1): لئن كان إياه لقد حال بعدنا .... ................................... وفي قولك: عجبت من ضربك إياه، ولو وصل لكان ذلك أضعف منه في قوله (¬2): ................................... ... ومنعكها بشيء يستطاع (¬3) وفي البيت رد على من زعم أن الكون مصدر لكان التامة، وأن المنصوب في نحو: عجبت من كونه فاضلًا، حال لا خبر (¬4)؛ إذ لا يمكن دعوى الحالية في الضمير، نعم قد يجوز على أن يكون الأصل؛ وكونك مثله، ثم أقيم الضمير مقام مثل فتكون حاليته على سبيل النيابة؛ كما أجاز الخليل: مررت بزيد زهيرًا، على الحالية، وبرجل زهير على نمت النكرة، وكما قال جماعة في: قَضِيَّةُ وَلَا أَبَا حَسَنٍ لَها، وقوله (¬5): لا هيثم الليلة للمطي ... ............................. إن العَلَمَ وقع اسمًا لِلَا باقيًا على عَلَميَّته، لكونه على إضمار مثل (¬6)، وعلى ذلك خرَّج ابن الحاجب قوله: فإذا هو إياها، وقال: الأصل: فإذا هو موجود مثلها (¬7)، وقد قال بعضهم: ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة
ويحتمل أن يكون "إياه" مفعول فعل مقدر حذف فانفصل، والتقدير: وكونُكَ تَفْعَلُه (¬1)، وقوله: "عليك" يتَعَلَّقُ بيسير. الاستشهاد فيه: في قوله: "وكونك إياه"؛ حيث أعمل فيه مصدر كان كعمل كان، وفيه دلالة أيضًا على أن الأفعال الناقصة لها مصدر كغيرها من الأفعال (¬2). الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة (¬3)، (¬4) وَمَا كُل مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِنًا ... أَخَاكَ إِذَا لَم تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدَا أقول: هو -أيضًا- من الطويل. قوله: "بيدي": من الإبداء وهو الإظهار، "والبشاشة" بفتح الباء الموحدة؛ مصدر بششت -بكسر العين أبش بفتحها؛ وهي طلاقة الوجه. قوله: "إذا لم تلفه" بضم التاء المثناة من فوق، وسكون اللام، وكسر الفاء، أي: إذا لم تجده، من قولك: ألفيت الشيء إذا وجدته، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، قوله: "منجدًا": من أنجده إذا أعانه. والمعنى: لا يكون من يبدي البشاشة إليك أخاك إذا لم تجده معينًا لك في مهماتك. الإعراب: قوله: "وما كل" أي: وليس كل من يبدي، فقوله: "كل من": اسم ما، وخبره قوله: "كائنًا"، و "من" موصولة و "يبدي البشاشة": صلته، قوله: "أخاك": خبر "كائنًا" واسمه مستتر فيه، قوله: "إذا لم تلفه" الضمير المنصوب فيه يرجع إلى "من"، قوله: "منجدًا": حال من الضمير المذكور، وقوله: "لك" يتعلق بقوله: "منجدًا". ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "كائنًا أخاك" فإن كائنًا اسم الفاعل من كان. وعمل عمل فعله، ومن هذا القبيل قوله - عليه الصلاة والسلام - (¬1): "إن هذَا القُرآنَ كَائنٌ لَكُم أَجْرًا وَكَائن عَلَيكم وزرًا" (¬2)، وفيه أيضًا إعمال ما النافية عمل ليس (¬3). الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة (¬4)، (¬5) قَضَى الله يَا أَسمَاءُ أن لَستُ زائِلًا ... أُحِبُّكِ حَتَّى يُغمِضَ العَينَ مُغْمِضُ أقول: قائله هو الحسين بن مطير الأسدي، وأنشده ثعلب في أماليه (¬6)، وهو من قصيدة ضادية، وأولها البيت المذكور، وبعده (¬7): فَحُبكِ بَلوَى غَيرَ أنْ لا يَسُوءُنِي ... وإنْ كان بلوَى أننِي لك مُبغضُ فَوَاكَبدًا منْ لَوْعَةِ البَين كُلمَا ... ذَكَرْتُ ومن رفْضِ الهوَى حين يرفَضُ ومن عبرَةٍ تذوي الدموعَ وزفرة ... تفضفضُ أطرَافَ الحشَا ثم تَنهضُ فيا لَيتني أقرَضتُ جَلدًا صَبَابَتي ... وأَقْرَضني صَبرًا على الشوق مُقرضُ إذَا مَا صَرَفتُ القَلبَ في حُبِّ غَيرها ... إذَا حُبُّها مِنْ دونِه يتَعرَّضُ وهي من الطويل. قوله: "لوعة البين" أي: الفراق، ولوعة الحب: حرقته، وكذا لوعة البين، قوله: "تَفضفَصُ" بفاءين وصادين مهملتين؛ من فصفصت كذا من كذا إذا فصلته، وانتزعته، هكذا ضبطه بعضهم، ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة
وهو تصحيف، وإنما هو من القضقضة بقافين وضادين معجمتين، وهو صوت كسر العظام، ومنه أسد قضقاض يقضقض فريسته (¬1). قوله: "جلدًا" بفتح الجيم، بمعنى متجلدًا، ونصب على الحال، قوله: "قضى الله" أي: حكم الله أو قدر الله، و "أسماء": اسم محبوبته، قوله: "حتى يغمض": من الإغماض، والمغمض فاعل منه، وإغماض العين: إطباق الجفن على الجفن. والمعنى: حكم الله يا أسماء أن لا أزول (¬2) عن حبك إلى أن أموت؛ فإن إغماض العين لا يكون إلا عند الموت. الإعراب: قوله: "قضى الله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "يا أسماء": منادى مفرد مبني على الضم، قوله: "أن لست زائلًا": مفعول قضى، أي: قضى بأن لست، ويروى: بأن لست بارحًا، و "زائلًا": خبر لست، وقد تداخلت في هذا البيت ثلاثة نواسخ؛ فإن قوله: "أحبك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت خبرًا لقوله: "زائلًا"، [وقوله: زائلًا] (¬3) بما اتصل به خبر ليس كما ذكرنا، وليس بما اتصل به خبر أنْ المخففة من الثقيلة لا الناصبة؛ لأنها لا توصل بالجامد. قوله: "حتى": للغاية، و "يغمض": منصوب بتقدير أن، و "العين": منصوب لأنها مفعول يغمض، وقوله: "مغمض": فاعل له. الاستشهاد فيه: في قوله" "لست زائلًا" فإنه أجرى [زائلًا] (¬4)، وهو اسم فاعل مجرى فعله، والتقدير: لست أزال أحبك (¬5). الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة (¬6)، (¬7) لَا طِيبَ لِلْعَيشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ... لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ الْموتِ والهرَم أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. ¬
قوله: "لا طيب" الطيب -بكسر الطاء وسكون الياء آخر الحروف: اسم لما تَطيِب به النفس وهو خلاف ما تكرهه، قوله: "منغصة": من التنغيص، يقال: نغص الله عليه عيشه [ينغصه] (¬1) تنغيصًا إذا كدره. قوله: "لذاته": جمع لذة، وهو ما يتلذذ به الإنسان، قوله: "بادكار الموت" أصله: باذتكار الموت؛ لأنه من ذكر من الذكر، فنقل إلى باب الافتعال، فصار: اذتكارًا. فقلبت التاء ذالًا [فصار اذدكار] (¬2)، ثم قلبت الذال المعجمة دالا، فأدغمت الدال في الدال فصار ادكارًا (¬3) فافهم. والمعنى: لا طيب لعيش بني آدم ما دامت لذاته منغصة بذكر الموت والهرم. الإعراب: قوله: "لا": لنفي الجنس، و "طيب": اسمه، وخبره محذوف، والتقدير؛ لا طيب حاصل، وقوله: "للعيش": يتعلق بالمحذوف، قوله: "ما دامت": من الأفعال الناقصة ولا تُستَعمَلُ إلا مع ما المصدرية التوقيتية، فإن قلت: افعل الخير ما دمت واجدًا، كان التقدير: مدة دوامك، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصارت: "ما" مقدرة بمصدر مضاف إلى الوقت، فلذلك قلتُ المصدرية التوقيتية، والتقدير: هاهنا أيضًا لَا طِيبَ للعَيش مدة دوام تنغيص اللذات بذكر الموت والهرم. قوله: "لذاته": مرفوع؛ لأنه اسم ما دامت، وخبره قوله: "منغصة" مقدمًا عليه قوله: "بادكار الموت" يتعلق بقوله: "منغصة"، قوله: "والهرم" عطف على الموت أي: وبادكار الهرم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما دامت منغصة لذاته" حيث قدم خبر ما دامت على اسمه، وهو جائز واقع، ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد المائة
وقد رَدَّ ذلك (¬1) ابنُ معطٍ (¬2)، والبيت حجة عليه (¬3). الشاهد السادس والتسعون بعد المائة (¬4)، (¬5) وَرجِّ الفتَى لِلْخَيرِ مَا إنْ رَأيْتَهُ ... عَلَى السِّنِّ خَيرًا لا يَزَالُ يزيدُ أقول: قائله هو المعلوط القريعي (¬6)، وهو من الطويل. قوله: "ورج": أمر من رجّى يرجي ترجية، من الرجاء وهو الأمل، قوله: "على السن" أي: على طول العمر. الإعراب: قوله: "رج": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستكن فيه، و "الفتى": مفعوله، و "للخير": يتعلق برَجِّ، في محل النصب على أنه مفعول ثان لرَجِّ، قوله: "ما": مصدرية و "إن" زائدة زيدت بعد "ما" لشبهها في اللفظ بما النافية، والتقدير: ورَجِّ الفتى للخير مدة رؤيتك إياه لا يزال يزيد خيرًا على طول السن، وقوله: "على السن" يتعلق بقوله "خيرًا" والتقدير: خيرًا حاصلًا على السن، ويجوز أن تكون على بمعنى مع، أي: لا يزال يزيد خيرًا مع زيادة سنِّه، والألف ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد المائة
واللام فيه بدل من المضاف إليه. قوله: "خيرًا" نصب على أنه مفعول يزيدُ، ويجوز أن يكون تمييزا مقدمًا على رأي المازني (¬1)، وقوله: "لا يزال" من الأفعال الناقصة، واسمه الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الفتى، وخبره الجملة؛ أعني قوله: يزيد خيرًا. الاستشهاد فيه: على تقديم خبر لا يزال (¬2)، فإن الفراء منع ذلك في حروف النفي، والبيت حجة عليه (¬3). الشاهد السابع والتسعون بعد المائة (¬4)، (¬5) قَنَافِذُ هدَّاجُونَ حَوْلَ بُيُوتهم ... بمَا كَانَ إياهُم عَطِيَّةُ عَوَّدَا أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، ولم أقف على ما قبله وما بعده، ولكن معناه يحتمل وجهين (¬6): الأول: أنه هجا قومًا ووصفهم بالفجور والخيانة وشبههم بالقنافذ لمشيهم بالليل في طلب ذلك كما تمشي القنافذ، والقنفذ يضرب به المثل في السرى، يقال: [هو] (¬7) أسرى من قنفذ (¬8). ¬
والثاني: يحتمل أن يكون مدحًا وثناء لقوم بأنهم يتفقدون بالليل قاصديهم ولا ينامون عما ينزل بهم، وأن الناس في إسراعهم إلى أبوابهم قصدًا لالتماس معروفهم بمنزلة القنافذ. والوجه الأول أقرب؛ لأن بعضهم ذكر أن الفرزدق يهجو بهذا البيت جريرًا وأن المراد بقوله: عطية هو أبو جرير، ومعناه أن أبا جرير هو الذي عودهم ذلك، ونظيره قول الأخطل (¬1): أمَّا كُلَيبُ بنُ يربوع فليس لَهُمْ ... عند التَّفَارُط إيرادٌ ولا صدَرُ مُخلَّفونَ وَيقضِي الناسُ أمْرَهُم ... وهم بغيبٍ وفي عَميَاءَ ما شَعروا مثل القنافذ هدَّاجُونَ قد بَلَغَتْ ... نجران أَوْ بُلّغتْ سوءاتِهم هجَرُ (¬2) والبيت المذكور من الطويل. و"القنافذ": جمع قنفذ -بضم القاف وسكون النون وضم الفاء وفتحها وفي آخره ذال معجمة، والأنثى قنفذة، قوله: "هداجون": جمع هداج -بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وفي آخره جيم؛ وهو الذي يمشي بنوع [مخصوص] (¬3) من المشي، قال الجوهري: هدج الظليم إذا مشي في ارتعاش (¬4) فهو هداج وهدَجدَج، والهدجان: مشية الشيخ، وقد هدج يَهْدِجُ من باب: ضرب يضرب (¬5)، قوله: "عطية": اسم رجل وهو أبو جرير على ما ذكرناه (¬6). الإعراب: قوله: "قنافذ": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هم قنافذ، وهو استعارة بالكناية؛ حيث شبههم بالقنافذ وطوى ذكر المشبه به (¬7). قوله: "هداجون": صفة قنافذ، قوله: "حول بيوتهم": كلام إضافي نصب (¬8) على الظرف، قوله: "بما كان": الباء فيه للسببية؛ أي: بسبب ما كان عطية عودهم، والضمير المنصوب في ¬
عودهم يرجع إلى رهط جرير على تقدير أن يكون المراد من عطية هو أبو جرير. قوله: "عطية": اسم كان، وخبره قوله: "عوّد" وقوله: "إياهم" مفعول عوّد، وقد ولي كان يعني فصل بين كان واسمه، والحال أنه ليس بظرف ولا مجرور، هذا على مذهب الكوفيين فإنهم يجيزون ذلك، كما في قولهم: كان طَعَامَكَ زيدٌ آكلًا، والحاصل أن الفصل بين كان واسمها إذا كان بظرف أو بحرف جر يجوز اتفاقًا كما في قولك: كان عندنا زيد قائمًا، وإن في الدار بشرٌ متكلمًا، لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما توسعًا ليس لغيرهما. أما الفصل بين كان واسمها بغير الظرف وحرف الجر نحو: كان الماء زيد يشرب فلا يجوز ذلك عند البصريين، سواء كان متصلًا بالخبر أو منفصلًا، وأجازه الكوفيون مطلقًا مستدلين بالبيت المذكور؛ فإنه فصل لكن كان واسمه بقولهم إياهم وليس هو بظرف ولا مجرور (¬1). وأجاز ابن باشاذ (¬2) تقديم معمول الخبر إذا تأخر الاسم عن الخبر نحو: كان الماء شاربًا زيد، لأن تقديم الخبر على الاسم جائز فيتقدم معمول الخبر معه تبعًا له (¬3)، والصحيح الأول، لأن هذا التقديم ممنوع في غير باب كان؛ كقولك: ما عمرًا يضرب زيد، ففي كان أولى. وأجاب البصريون عن البيت المذكور من أربعة أوجه: الأول: أن في كان ضمير الشأن، والجملة خبر كان، فلم يفصل بين كان واسمها؛ لأن اسمها مستتر فيه. الثاني: أن كان زائدة بين الموصول وصلته فحينئذ لا اسم ولا خبر. الثالث: أن ما موصولة واسم كان ضمير مستتر يرجع إلى (ما) و "عطية" مبتدأ، ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة
و"عود": خبره، و"إياهم": مفعول مقدم، والعائد محذوف والتقدير؛ بالذي كان عطية عودهموه فحذف العائد، لأنه ضمير متصل منصوب بفعل على ما هو مقرر في باب الموصول (¬1). الرابع: إن هذا ضرورة فلا اعتبار به. الاستشهاد فيه: ما ذكرناه من الفصل بين اسم كان وخبره بما ليس هو بظرف ولا مجرور (¬2). الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة (¬3)، (¬4) بَاتَتْ فُؤَادِي ذَاتُ الْخَالِ سَالِبَةً ... فَالْعَيشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيشٌ مِنَ الْعَجَبِ أقول: هو من البسيط. قوله: "ذات الخال" أي: ذات الشامة، قال الجوهري: الخال الذي يكون في الجسد ويجمع على خيلان، ذكره في فصل الخاء والياء واللام (¬5). قوله: "سالبة": من سلبت الشيء سلبًا إذا ذهبت به، قوله: "إن حم لي" أي: إن قدّر لي، وقال الجوهري [-رحمه الله-: حمة] (¬6) الفراق: ما قدر وقضى، وقال الأصمعي -رحمه الله- (¬7): عجلت بنا وبكم حمة الفراق؛ أي: قدر الفراق (¬8)، وقال الزمخشري: أحم الشيء إذا قرب ودنا، ومنه المحمة أي: الحاضرة، ويقال: أحمت الحاجة إذا همت (¬9). الإعراب: قوله: "باتت": فعل من الأفعال الناقصة، وقوله: "ذات الحال": كلام إضافي مرفوع، لأنه اسمه، وقوله: "سالبة" بالنصب؛ خبره، وقوله: "فؤادي": مفعول سالبة، والتقدير: باتت ذات الخال سالبة فؤادي. ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة
قوله: "فالعيش": مبتدأ، وخبره قوله: "من العجب" وقوله: "إن حم لي عيش" فإنْ: حرف شرط، وحم لي عيش: جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت فعل الشرط، والجزاء هو قوله: "فالعيش" ولكن فيه تقديم وتأخير؛ لأن جملة الشرط وقعت معترضة بين المبتدأ والخبر، والتقدير: إن حم لي عيش فالعيش من العجب (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "باتت فؤادي" حيث ولي باتت معمول خبرها، وهو قوله: "فؤادي" فإنه معمول خبر باتت، وهو قوله: "سالبة" وليس هو بظرف ولا مجرور، وهذا غير جائز عند البصريين؛ فلذلك حمل هذا على الضرورة، وأما الكوفيون فإنهم يجيزون ذلك مطلقًا على ما عرف في موضعه (¬2). الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة (¬3)، (¬4) وَبَاتَ وبَاتَتْ لَهُ لَيلة .......... ... .......................... أقول: قائله هو امرؤ القيس بن عانس -بالنون قبل السين المهملة- ابن المنذر بن امرئ القيس بن السمط بن عمرو بن معاوية بن الحرث بن الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة الكندي، وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أسلم وثبت على إسلامه، ولم يكن فيمن ارتد من كندة، وكان شاعرًا نزل الكوفة، وفي الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- أيضًا: امرؤ القيس بن الأصبع، بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملًا على كلب حين أرسله عماله على قضاعة فارتد بعضهم، وثبت امرؤ القيس على دينه. ¬
وفي الصحابة [- رضي الله عنهم -] (¬1): امرؤ القيس بن فاخر بن الطماح بن شرحبيل الخولاني، شهد فتح مصر، ذكره ابن يونس (¬2)، وذكر له صحبة ولا تعرف له رواية، ويقال: قائل الشعر المذكور هو امرؤ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي، وهذا هو الثابت في كتاب أشعار الشعراء الستة (¬3)، وليس بصحيح، والصحيح أن قائله هو امرؤ القيس بن عانس، نص عليه ابن دريد وغيره، وكثير من المحصلين يهِمُون (¬4) في هذا الموضع لقلة معرفتهم بأخبار الناس وأحوال الرجال، وتمام البيت المذكور: .......................... ... كَلَيلَةِ ذِي العَائِرِ الْأَرمَدِ وهو من قصيدة دالية وأولها هو قوله: 1 - تطاولَ ليلُك بالإثْمُدِ ... وَنَامَ الخليُّ ولَم تَرقُدِ 2 - وَبَاتَ وباتَتْ لَهُ لَيلةٌ ... كَلَيلَةِ ذي الْعَائر الأَرمَدِ 3 - وَذَلِكَ مِنْ نبأ جَاءَنِي ... وَأُنْبئْتُه عَنْ أَبِي الأَسْود 4 - وَلَوْ عَنْ نَثَا غَيره جَاءَنِي ... وَجُرحُ اللسَان كجُرحِ الْيَدِ 5 - لَقُلْتُ من القولِ مَا لا يزَا ... لُ يُؤْثَرُ عَنِّي يَدَ المسنَدِ 6 - بِأَيِّ عِلَاقَتِنا تَرغَبُونَ ... أعنْ دَم عمرو على مَرثَدِ 7 - فإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لا نخفِه ... وإنْ تبعَثُوا الداء لا يَقْعُد 8 - وإنْ تَقْتَلوُنَا نُقَتِّلْكُمُ ... وإن تَقْصِدُوا لدَم نَقْصِدِ 9 - متى عَهْدُنا بطعانِ الكمَا ... ةِ والمجدِ والحمدِ والسؤْدَدِ 10 - وبَنِيِ القبابِ وَمِلْءِ الجِفَا ... نِ والنَّارِ والحطبِ الموُقَدِ 11 - وأعددتُ للحربِ وَثَّابةً ... جَوَادَ المَحَثةِ والمُروَدِ 12 - سَبُوحًا جَمُوحًا وإحضَارُها ... كَمَعمَعةِ السَّعْفِ المُوقَدِ 13 - ومُطرِّدًا كَرِشاءِ الجَزُو ... رِ من خُلُبِ النخلةِ الأجْرَدِ ¬
14 - وَذَا شَطَب غامِضًا كلمُهُ ... إذَا صَاب بالعظمِ لم يَنْأدِ 15 - ومَشْدُودةَ السك مَوضُونة ... تضاءَلُ فيِ الطيِّ كالمبرَدِ 16 - تَفيضُ عَلَى المرءِ أرْدانُها ... كَفَيض الأتيِّ على الجَدجَدِ وهي من المتقارب (¬1). 1 - قوله: "تطاول ليلك بالأَثْمُد" يخاطب به امرأ القيس نفسه على طريقة الالتفات على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - (¬2)، و"الأثمد" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وضم الميم وفي آخره دال مهملة، وهو اسم موضع، وقد روي بكسر الهمزة والميم كالإثمد وهو الحجر الذي يُكْتَحَلُ به. و"الخَلي" بفتح الخاء وكسر اللام وتشديد الياء، وهو الخالي عن الهموم والأحزان. قال الجوهري: الخليُّ: الخالي من الهمِّ وهو خِلاف الشجيّ (¬3)، ومنه المثل: ويْلُ للخَلِيِ من الشجِيّ (¬4). 2 - و"العائر" بعين مهملة وهمزة بعد الألف، وهو القذى، تدمع له العين، ويقال: هو نفس الرمد، وعلى هذا يكون الأرمد، صفة مؤكدة، و"الأرمد": من رمد يرمَدُ، من باب علم يعلم، إذا هاجت عينه فهو رمد، وأرمد الله عينه فهي رمدة. 3 - قوله: "وذلك من نبأ" أي: خبر، أراد: أن هذا الذي شكوت من الهم وطول الليل [هو] (¬5) من أجل ذا الخبر الذي نبئته عن أبي الأسود؛ وهو ظالم بن عمرو من بني الجون آكل المرار وهو ابن عم امرئ القيس. فإن قلت: هل يُفَرَّقُ (¬6) بين الخبر والنبأ؟ قلت: ذكروا أن النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن ما ذكر من المعنى، قوله: "وأُنْبِئْتُه" على صيغة المجهول، ويروى: وأخبرتُه. وهذه الأبيات في مرثية أبي الأسود، رثاه بها امرؤ القيس حين جاءه خبر موته. ثم إن أهل المعاني والبيان ذكروا أن في هذه الأبيات ثلاث التفاتات: ¬
الأول: في قوله: "تطاول ليلك" التفت من الحكاية إلى الخطاب، ولولا الالتفات لقال: تطاول ليلي، وكذا التفت من الحكاية إلى الخطاب في قوله: "ولم ترقد" إذ لولا الالتفات لقال: ولم أرقد. الثاني: في قوله: "وبات وباتت له ليلة" فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ إذ القياس على ليلك أن يقول: وبت وباتت لك. الثالث: في قوله: "من نبأ جاءني" فيه التفات من الغيبة إلى الحكاية، ولولا الالتفات لقال: جاءه. 4 - قوله: "ولو عن نَثَا" بفتح النون والثاء المثلثة مقصور، وهو يكون في الخير والشر، وأما الثناء -بالمد وبتقديم الثاء على النون فلا يكون إلا في الخير، قوله: "وجرح اللسان كجرح اليد" يعني: يبلغ الإنسان بهجائه ما يبلغ السيف إذا ضرب به في شدة ذلك عليه، ويروى: وَذَروُ اللسانِ كذَرو اليد. 5 - قوله: "يُؤثَرُ عَنِّي" أي: يحفظ عني ويتحدث به، قوله: "يد المسند" أي: الدهر كله، وأراد به: الأبد، والمسند الدهر، يقال: يد المسند كما يقال: يد الدهر. 6 - قوله: "بأي علاقتنا" يريد: [ما] (¬1) تعلقوا به من طلب الوتر الذي يطلبونه، فيقول: أي شيء تكرهون وترغبون عنه؟ وعمرو هذا الذي يذكر من آل امرئ القيس، ومرثد من هؤلاء الذي يذكرهم، فيقول: أترغبون عن دم عمرو بدم مرثد؟ فهو كفء له وليس بدونه، وكلمة على في "على مرثد" بمعنى الباء (¬2). 7 - قوله: "فإن تدفنوا الداء" يعني: فإن تتركوا الحرب فيما بيننا وبينكم، قوله: "لا نَخْفِه" بفتح النون أي: لا نظهره، يقال: خفيت الشيء أظهرته وأخفيته سترته، قوله: "وإن تبعثوا الداء" يعني: وإن تهيجوا الحرب. 9 - قوله: "متى عهدنا" أي: لم يزل، أي: هو قريب منا. 10 - قوله: "وبني القباب" البني: مصدر بنيتها، وأراد بالقباب الشرف والمجد. 11 - و "الوَثَّابة" -بفتح الواو وتشديد الثاء المثلثة؛ وهي الفرس، قوله: "جواد المحثَّةِ" وهي ¬
[مفعلة] (¬1) من الحث والسرعة، "والمرود" -بالكسر: أروادها في السير، ويروى بفتح الميم أيضًا. 12 - و"السبوح": أي: الذي يسبح في سيره، "والجموح": الذي يذهب على وجهه من السرعة، "والمعمعة": صوت النار في السعف، شبه حفيف جري الفرس بها. 13 - قوله: "ومُطَّردًا" بضم الميم وتشديد الطاء، وهو الرمح الذي إذا هززته تبع بعضه بعضًا، و "الرشاء": الحبل، و"الجَزور" -بفتح الجيم: البئر البعيدة القعر ولا يَنْزَع حبلها إلا جمل، و"الخلب" -بضم الخاء المعجمة: الليف وهو جمع خلبة، و "الأجرد": المنجرد. 14 - قوله: "وذا شطب" أي: وأعددت أيضًا للحرب سيفًا ذا شطب؛ وهي طرائقه، و"الغمض": الذي يرسب؛ أي: الذي يذهب في الضربية والضريبة: ما ضرب، والكلم: الجرح، قوله: "إذا صاب" أي: إذا وقع، قوله: "لم يَنْأد" أي: لم يلن فيعوج فينثني. 15 - قوله: "ومشدودة السك" أراد دروعًا، وسكها: سمرها، والشك: البئر الضيق، وقال أبو عمرو: السك: مسامير الدرع، ويروى بالشين المعجمة، وهو مداخلة بعضها في بعض (¬2)، قوله "موضونة" قوله: أي: منسوجة، قوله: "تضاءل" أي: تلطف إذا طويت كالمبرد في لطافته. 16 - و "الأردان": الأكمام جمع رِدْن، و"الآتي": النهر، وقال أبو الحجاج (¬3): الآتي: السيل الذي يأتي من كل وجه، و"الجدجد": مكان صلب. الإعراب: قوله: "تطاول": فعل ماض، و"ليلك": كلام إضافي فاعله، والباء في بالأثمد للظرف (¬4) أي: في الأثمد، قوله: "ونام الخلى": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على التي قبلها، قوله: "ولم ترقد": جملة أخرى عطف على ما قبلها. قوله: "وبات" هاهنا تامة (¬5) فلا تقتضي الخبر، ومعناه: أقام ليلًا، يقال: بات يفعل كذا إذا فعله ليلًا كما يقال: ظل يفعل كذا إذا فعله نهارًا، والضمير المستتر فيه فاعله، وهو يرجع إلى نفس ¬
الشاهد المكمل للمائتين
الشاعر، وقد قلنا: إنه التفت فيه من الخطاب إلى الغيبة. قوله: "وباتت له ليلة" يعني: أقامت له ليلة، وليلة مرفوع؛ لأنه فاعل باتت، ويقال: الواو في "وباتت له ليلة" واو الحال، قلتُ: هذا أولى من العطف، والتقدير: وبت والحال أن بيتوتتي كانت شديدة، ودل على شدتها بالتشبيه [المذكور] (¬1). قوله: "كليلة ذي العائر": محلها الرفع على أنها (¬2) صفة لقوله ليلة، أي: ليلة مثل ليلة العائر. قوله "ذي العائر": صفة لموصوف محذوف تقديره: كليلة رجل ذي العائر الأرمد، و"الأرمد": صفة بعد أخرى، أو تأكيد لذي العائر إذا كان المراد منه نفس الرمد [كما ذكرنا. قوله: "وذلك": مبتدأ، وهو إشارة إلى ما ذكر في البيتين، وقوله: "من نبأ": خبره، (¬3) قوله: "جاءني": جملة في محل الجر على أنها صفة لنبأ قوله: "وخبرته": جملة فعلية وقعت حالًا بتقدير قد، أي: والحال أني قد أخبرت هذا الخبر عن جهة أبي الأسود. الاستشهاد فيه: في قوله: "وبات" حيث استعملها الشاعر تامة، ولم يحتج فيه إلى خبر (¬4). الشاهد المكمل للمائتين (¬5)، (¬6) أَنْتَ تَكونُ مَاجِدٌ نَبيلٌ ... إذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ أقول: قائلته هي أم عقيل بن أبي طالب تقوله وهي ترقصه. وهو من الرجز المسدس. قوله: "ماجد" أي: كريم، وكذلك المجيد من مَجُد بالضم، و "النبيل" -بفتح النون وكسر الباء الموحدة؛ من النبل -بضم النون وسكون الباء؛ وهي النبالة، وهي الفضل، ويجمع على نَبَل بفتحتين مثل كريم وَكَرَم (¬7)، وعلى نُبَلَاء مثل شَريفِ (¬8) وشُرَفَاء. ¬
قوله: "إذا تهب" بضم الهاء وجوبًا، وهو شاذ قياسًا؛ لأن قياس مضارع فعل المضعف القاصر يفعِل بالكسر نحو: حنّ يحنُّ وأنّ يئن، وهبت الريح هبوبًا وهبيبًا إذا هاجت (¬1). قوله: "شمأل" بفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الهمزة وفي آخره لام؛ وهي الريح المعروفة، وهي التي تهب من ناحية القطب، وفيه خمس لغات: إحداها: هذه. الثانية: شأمل مثل الذي قبله إلا أنه بتقديم الهمزة على الميم وهي مقلوبة من الأولى. الثالثه: شَمْل بفتح الشين وسكون الميم وباللام. الرابعة: شَمَل نحوها غير أن الميم فيه متحركة. والخامسة: شمال بفتح الشين والميم وبالألف واللام، وربما شدد اللام في شمال فحينئذ تكون ست لغات (¬2)، وتجمع على شمالات وشمائل أيضًا على غير قياس كأنه جمع شمالة مثل: حمالة وحمائل (¬3). قوله: "بَليل" -بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف؛ فعيل بمعنى مفعولة أي: البلولة بالماء. الإعراب: قوله: "أنت": مبتدأ، و "ماجدٌ": خبره، و "نبيل": خبر بعد خبر، قوله: "إذا": ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشرط، و "تهب": فعل مضارع، و "شمأل": فاعله، و"بليل": صفة لشمأل. الاستشهاد فيه: في قوله: "تكون" فإنها زائدة، والثابت زيادة "كان" لأنها مبنية لشبه الحرف بخلاف المضارع فإنه معرب لِشَبَه الأسماء، وهذا شاذ على خلاف الأصل (¬4). ¬
الشاهد الأول بعد المائتين
الشاهد الأول بعد المائتين (¬1)، (¬2) جِيَادُ بَنِي أبي بَكْرٍ تَسَامَى ... عَلَى كَانَ المُسَوَّمَةِ العِرَابِ أقول: هذا أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، ولا يعرف إلا من قبله. وهو من الوافر. قوله: "جياد بني أبي بكر"، وفي نسخة ابن الناظم "سراة بني أبي بكر" وهو بفتح السين جمع سرى، وهو عزيز أن يجمع فعيل على فعلة، ولا يعرف غيره، ومعنى سراة بني أبي بكر: خيولهم الجياد، وذلك أن الشاعر يصف خيول هذه القبيلة بأنها سمت وفاقت على الخيول العربية، وجياد جمع جواد وهو الفرس النفيس. قوله: "تسامى" أصله: تتسامى بتاءين فحذفت إحداهما للتخفيف، وهو من السمو وهو العلو، قوله: "المسومة". وفي نسخة ابن الناظم: المطهمة الصلابُ، أي: على الخيول المطهمة يقال: فرس مطهم ورجل مُطهم [قال الأصمعي:] (¬3) المطهم: التام كل شيء منه على حده فهو بارع الجمال ووجهه مطهم؛ أي: مجتمع ومدّور. قوله: "الصلاب": جمع صلب وهو القوي الشديد. و"المسومة": الخيل التي [جعلت] (¬4) عليها علامة وتركت في المرعى، و "العراب": الخيل العربية، قال الجوهري: الإبلُ العِرَابُ والخيل العِرَاب: خلاف البَخَاتيِّ والبَرَاذين (¬5). الإعراب: قوله: "جياد ": مبتدأ أضيف إلى بني أبي بكر، قوله: "تسامى": خبره، قوله: "على كان المسومة": جار ومجرور ["وكان": زائدة، و "العراب" بالجر؛ صفة المسومة. الاستشهاد فيه: في قوله: "على كان" فإنها زائدة بين الجار والمجرور] (¬6)، ومعنى الزيادة لا يخل حذفها بالمعنى (¬7). ¬
الشاهد الثاني بعد المائتين
الشاهد الثاني بعد المائتين (¬1)، (¬2) فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد اللك (¬3)، وقيل: يمدح بها سليمان بن عبد اللك (¬4) ويهجو جريرًا، والأول أصح، وهي (¬5): 1 - هَلْ أَنْتُمُ عالِجُونَ بِنَا لَعَنَّا ... نَرىَ العَرَصَاتِ أَوْ أَثَرَ الْخِيَامِ 2 - فَقَالُوا: إن فعلتَ فَأغْنِ عَنَّا ... دُمُوعا غَيْرَ راقئِة السَّجَامِ 3 - فكيف إذا .............. ... .................... إلى آخره 4 - اُكَفْكِفُ دَمْعةَ الْعَينيِن مِنِّي ... وما بَعْدَ المدَامعِ مِنْ مَلَامِ [وهو من الوافر] (¬6). ويروى أنه أنشد سليمان هذه القصيدة فلما بلغ إلى قوله: 1 - ثَلاثٌ واثْنَتَانِ فَهُنَّ خَمْسٌ ... وسَادِسَةٌ تَمِيلُ إلى شَمَامِ ¬
2 - فَبتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ ... وبِتُّ أَفُضُّ أغلاق الخَيَامِ 3 - كَأَنَّ مَغَالِقَ الرُّمَّانِ فيهِ ... وجَمْرَ غَضَي قَعَدْنَ عليه حَامِ فقال سليمان: قد أقررت عندي بالزِّنَا، وأنا إمام فلا بد من إقامة الحد عليك، فقال له الفرزدق: ومن أين أوجبته علي يا أمير المؤمنين؟ فقال: بقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فقال له الفرزدق: كتاب الله يدرؤه عني بقول الله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 224 - 226]، فأنا قلت ما لم أفعل، فتبسم سليمان وقال: أولى لك. 1 - قوله: "هل أنتم عالجون بنا" أي: داخلون في عالج، وهو اسم موضع (¬1)، قولمه: "لعنا": لغة في لعلنا (¬2)، و "العرصات": جمع عرصة الدار وهي وسطها. 2 - قوله: "غير راقئة السجام": من رقأ الدمع يرقأ رَقْأً ورُقوأً إذا سكن وكذلك وأرقأ الله دمعه: سكنه، والسجام: من سجم الدمع سجومًا وسجامًا وانسجم. 4 - قوله: "أُكَفْكِفُ": من كفكفت عن الأمر وكفكفته بمعنى واحد، و "الملام": اللوم. الإعراب: قوله: "فكيف" ويروى: وكيف، وأنشده سيبويه: وكيف إذا رأيت ديار قوم (¬3)، وكلمة "كيف" للاستفهام الغير حقيقي، وقد أخرج مخرج التعجب كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} [البقرة: 28] (¬4)، وكلمة "إذا" للظرف، و "مررت": جملة من الفعل والفاعل، والباء: صلتها، "وقوم": مجرور بالإضافة، (وجيران) بالجر عطف على قوم، وقوله: "لنا": جار ومجرور في محل النصب؛ لأنه خبر لكان على تقدير أن لا تكون زائدة، ويقال: "كانوا" ¬
تامة بمعنى وجدوا، و "لنا": في محل جر نعت للجيران، وقوله: "كرام": بالجر صفة للجيران. الاستشهاد فيه: في قوله: "كانوا" فإنهم قالوا: إنها زائدة بين الصفة والموصوف، فإن قيل: ليست كان هاهنا زائدة لوجهين: أحدهما: أنها مسندة إلى الضمير الذي هو الواو، وذلك يدل على الاهتمام بها، وإلى هذا أشار الشيخ جمال الدين بن هشام بقوله: وليس من زيادتها قوله: فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ ... وَجِيرَانٍ لَنَا كَانُوا كِرَامٍ لرفعها الضمير خلافًا لسيبويه (¬1). الثاني: أن "الواو" اسمها، و "لنا": خبرها، والتقدير إذن: وجيران كرام كانوا لنا (¬2). قلت: أما الأول: فلا يمنع إسنادها زيادتها بدليل إلغاء ظننت مسندة ومتأخرة ومتوسطة، وقد قيل في قوله ـــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــــــ لعائشة - رضي الله تعالى عنها - (¬3) "كنت لك كأبي زرع لأم زرع": إنّ كنت زائدة، والتقدير: أنا لك كأبي زرع. والثاني: أن الأصل عدم جواز تقديم الخبر ومنع كون لنا خبرًا مقدمًا. ثم اعلم أنهم اختلفوا في فاعل الزائدة: فقال السيرافي: فاعلها مصدر، أي: كان الكون (¬4). وقال أبو علي: الزائدة لا فاعل لها؛ فعلى هذا لا يكون "كانوا" ها هنا زائدة (¬5)، ومن قال ¬
الشاهد الثالث بعد المائتين
بزيادتها قال: التقدير: وجيران لنا هم كرام، فهم: مضمر منفصل مؤكِّد للضمير المستكن في "لنا"، فلما زيدت "كان" وهي فعل وليها المنفصل فاتصل بها. وقيل: إنما زيدت كان هاهنا مع إمكان جعل "لنا" خبرها، والواو اسمها،؛ لأن الجار والمجرور المتقدم، كما تطلبه كان أن يكون خبرها كذلك [يطلبه] (¬1) جيران أن يكون صفته، والتغليب لجانب المتقدم؛ ألا ترى أن (¬2) قولك: كان زيد قائمًا أبوه، بالنصب فيه على أنه خبر كان لتقدمها عليه أحسن من الرفع على أنه خبر الأب لتأخره عنه فكذا هذا. الشاهد الثالث بعد المائتين (¬3)، (¬4) لَا تَقْرَبَنَّ الدَّهْرَ وَآلَ مُطَرَّفٍ ... إِنْ ظَالِمًا أَبَدًا وَإنْ مَظْلُومَا أقول: قائلته هي ليلى الأخيلية صاحبة توبة بن الحمير، وأبوها الأخيل بن ذي الرحالة بن شداد بن عبادة بن عقيل، وهو من قصيدة ميمية من الكامل وأولها هو قولها: 1 - يا أيها السَّدِمُ الملَوِّي رَأْسَهُ ... لِيقُودَ مِنْ أهْلِ الحِجَازِ بَرِيمًا 2 - أترومُ عمرَو بن الخليع ودونه ... كعب إذًا لوجدته مرؤومَا؟ 3 - إِن الخليعَ ورَهطَهُ في عامِرٍ ... كالقلب ألبس جؤجؤًا وحزيمَا 4 - لا تقربن الدهر ........ ... ...................... إلى آخره 5 - قومٌ رِباطُ الخيلِ وسْطَ بُيُوتِهم ... وأسنهَ زرق يخلن نجومَا 6 - ومُخَرَّقٍ عَنهُ القَميصُ تَخَالُهُ ... بين البيوت من الحياء سقيمَا 7 - حتَّى إذَا بَرَزَ اللِّواءُ رَأيتَهُ ... تَحتَ اللِّواءِ عَلَى الخَميسِ زَعيمَا 1 - قوله: "السَّدم " بفتح السين وكسر الدال المهملتين وفي آخره ميم؛ وهو الفحل القطم الهائج [والسدم بمعنى] (¬5) النادم أيضًا، ويقال: السادم أيضًا، والسدم: اللهج بالشيء أيضًا والبيت يحتمل هذه الوجوه الثلاثة، قوله: "الملوي رأسه" يعني: من الكِبْرِ والتَّجَبُّر، و "البَرِيمُ" بفتح الباء الموحدة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو الجيش، وهو في الأصل الحبل ¬
المفتول يكون فيه لونان، وسمي الجيش بذلك لألوان شعار القبائل فيه. 2 - قوله: "أتروم" أي: أتطلب عمرو بن الخليعِ ودونه كعب؛ يعني: كعب بن ربيعة بن عامر ونهته عن غزوهم على كل حال، و "المرؤوم": من رئمت الناقة ولدها رئمانًا إذا أحبته وحنت عليه (¬1)، ومادته: راء وهمزة وميم. 3 - و "الجؤجؤ": الصدر، ومنه جؤجؤ الطائر والسفينة وهو صدرهما، ويجمع على جآجئ، و "الحزيم" بفتح الحاء المهملة وكسر الذاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو وسط الصدر [وما] (¬2) يضم عليه الحزام، وكذلك الحيزوم. 4 - قوله: "لا تقربن" ويروى: لا تغزون الدهر آل مطرف. 5 - و "أسنَّة": جمع سنان، و "الزرق" -بضم الزاي: جمع أزرق، قوله: "يخلن" أي: يشبهن. 6 - قوله: "ومخرق عنه القميص" أرادت أنه لا يبالي بحال ثيابه ويصون كرمه، ويقال: إنه غليظ المناكب يسرع الخرق إلى قميصه، وقيل: أرادت أنه متصل الأسفار فقميصه يتخرق عنه لذلك. قوله: "سقيمًا" أي: متغيرًا لونه من شدة الحياء. 7 - قوله: "حتى إذا برز اللواء" ويروى: حتى إذا رفع اللواء، قوله: "على الخميس" أي: الجيش، سمي الجيش خميسًا؛ لأنه خمس كتائب أو خمسة صفوف: المقدمة والميمنة واليسرة والقلب والجناح، قوله: "زعيمًا" أي: رئيسًا. الإعراب: قوله: "لا تقربن": نهي مؤكد بالنون و "الدهر": نصب على الظرف، و "آل مطرف": كلام إضافي مفعول لا تقربن، قوله: "إن ظالمًا" أي: إن كنت ظالمًا وإن كنت مظلومًا، "فإن" حرف الشرط، وفعل الشرط محذوف كما ذكرناه، "ظالمًا": منصوب لأنه خبر كان المقدر، وكذا الكلام في قوله: "وإن مظلومًا"، و "أبدًا": نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: على حذف كان واسمها بعد إن الشرطية (¬3). ¬
الشاهد الرابع بعد المائتين
الشاهد الرابع بعد المائتين (¬1)، (¬2) لَا يَأْمَنِ الدَّهْرَ ذُو بَغَيٍ وَلَوْ مَلِكًا ... جُنُودُهُ ضَاقَ عَنْهَا السَّهلُ وَالْجبَلُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من البسيط. المعنى: لا يأمن غدرات الزمان صاحب بغي وظلم، ولو كان ملكًا له جنود كثيرة بحيث ضاق عنها السهل والجبل. الإعراب: قوله: "لا يأمن": " لا" ناهية، "يأمن" فعل مضارع من أمن أمنًا، وفيه حذف؛ أي: لا يأمن غدرات الدهر، أو مكر الدهر، أو تَقَلُّبَات الدهر ونحو ذلك، و"الدهر": مفعول، أو ظرف، أي: لا يأمن في الدهر الحوادث. وقوله: "ذو بغي": كلام إضافي فاعل لقوله: "يأمن"، وقوله: "ولو" بمعنى إن، وما قبلها دليل الجواب، و "ملكًا": منصوب على أنه خبر كان المقدر، أي: وإن كان ملكًا. قوله: "جنوده": مبتدأ، و "ضاق عنها السهل": جملة فعلية خبره و"الجبل": عطف على السهل، والجملة في محل النصب على أنها صفة لقوله: "ملكًا" وقد تحقق أن الجملة بعد النكرة صفة وبعد المعرفة حال (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "ولو ملكًا"؛ حيث حذف فيه كان مع اسمها بعد الشرط فافهم (¬4). ¬
الشاهد الخامس بعد المائتين
الشاهد الخامس بعد المائتين (¬1)، (¬2) مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى إِتْلَائِهَا ... ......................... أقول: هذا تقوله العرب فيما بينهم مثل المثل، أنشده سيبويه في كتابه (¬3). وهو من الرجز المشطور. قوله: "من لد" أصله: من لَدُنْ، وقد عرف أن في لدن إحدى عشر لغة: لَدُنْ [بفتح اللام] (¬4) وتثليث الدال وبالنون الساكنة، ولدن بضم اللام وفتحها وسكون الدال وكسر النون، ولَدَى بفتحتين مقصور، ولدْ بتثليث اللام وسكون الدال، [ولَدْنا بفتح اللام وسكون الدال بعدها وبالنون بعدها الألف] (¬5)، ولَدْ بفتح اللام وضم الدال كما في البيت المذكور. قوله: "شولًا " الشول بفتح الشين المعجمة، وسكون الواو، وفي آخره لام ومادته تدل على الارتفاع، واختلف في المراد به [هنا] (¬6)، فقيل: مصدر شالت الناقة بِذَنبِهَا أي: رفعته للضراب، فهي شائل بغيرها، والجمع: شُوّل مثل: رَاكِعٌ رُكَّع، والتقدير: من لدن شالت شولًا؛ فالبيت من حذف عامل المصدر. وقيل: اسم جمع شائلة على غير القياس (¬7)، وهي الناقة التي جف لبنُهَا، وارتفع ضرعُهَا وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية، والتقدير: من لدن كانت شولًا. فالبيت من حذف كان واسمها وبقاء خبرها، وقد يرجح الأول، فإنه (¬8) يروى: من لدُ شولٍ بالخفض، ويجاب بأن التقدير: من لد شولان شول، أو زمان شول، أو كون شول؛ فحذف المضاف، والتقدير الأخير أولى، ليتحد المعنى في الروايتين، ولكن يحتاج على هذا التقدير إلى الخبر، أي: موجودًا. فإن قدر الكون مصدر كان التامة لم يحتج إلى ذلك؛ ولكن لا يقع التوفيق بين الروايتين في التقدير (¬9)، وقد يرجح الثاني برواية الجرمي: من لدُ شولا بغير التنوين؛ على أن أصله: شولاء بالمد فقصره للضرورة (¬10)، ولكن هذه الرواية تقتضي أن المحدث عنه ناقة واحدة لا نوق. ¬
قوله: "إتلائها" بكسر الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق: من أتلت الناقة إذا تلاها ولدها، أي: تبعها فهي متلية والولد تلوٌ، والأنثى تلوة، والجمع: أتلاء بفتح الهمزة. الإعراب: قوله: "من لد شولًا" أي: من لد أن كانت شولًا؛ قال سيبويه (¬1): نصب "شولًا"؛ لأنه أراد زمانًا، والشوْلُ لا يكون زمانًا ولا مكانًا، فيجوز فيه الجرُّ، كقولك: من لَدُ صلاةِ العصرِ إلى وقتِ كذا، وكقولك: مِنْ لَدُ الحائطِ إلى مكانِ كذا؛ فَلمَّا أرادَ الزمانَ حمَلَ الشوْلَ على شيءٍ يَحسنُ أن يكونَ زمانًا إذا عَمِلَ في الشَّوْل، ولم يحسُنْ إلا ذا، كما لم يحسن ابتداءُ الأسماءِ بعد "إنْ" حتى أضمرتَ ما يَحْسُنُ أنْ يكون بعدها عاملًا في الأسم فكذلك هذا؛ كأنك قلت: من لَدُ أَنْ كانَتْ شولًا فإلى إتلائها، وقد جره قومٌ على سعة الكلام وجعلوه بمنزلة المصدر حين جعلوه على الحين، وإنما يريدُ حين كَذَا وكذا، وإن لم يكن في قوة المصادر؛ لأنه لا يتصرف تصرفها (¬2). قلت: قد اعترض في ذلك على سيبويه بأنه يلزم من ذلك إضمار بعض الاسم؛ يعني حذف الموصول وصلته، وبقاء معمولها من غير ضرورة. وأجيب بأنه تقدير معنى لا إعراب فافهم. ويقال: من روى: من لد شولِ -بالجر فتقديره: من لد كون شول مثل: {وَسْئلِ القَرْيَةَ} [يوسف: 82] (¬3)، ومن روى: من لد شولًا- بالنصب فمعناه: من لد كانت شولًا، وتقديره: من لد زمن كونها شولًا؛ لأن لد يكون بعدها أسماء الزمان (¬4). وزعم بعضهم أن انتصاب "شولًا" بعد لدن على التمييز، أو التشبيه بالمفعول به كانتصاب غدوة بعدها في قولهم: لدن غدوة، وأنه لا تقدير في البيت (¬5). وهذا مردود باتفاقهم على اختصاص هذا الحكم بغدوة؛ لأنه لم يسمع غدوة مع حذف النون بل مع ثبوتها (¬6). ¬
الشاهد السادس بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "من لد شولًا" لأن كان فيه مقدرة، وحذف كان بعد لدن قليل؛ لأن كان تحذف كثيرًا بعد إن ولو، وحذفهما بعد غيرهما قليل فافهم (¬1). الشاهد السادس بعد المائتين (¬2)، (¬3) أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ ... فَإنَّ قَوْمِي لَمْ تَأكُلُهُمُ الضَّبُعُ أقول: قائله هو العباس بن مرادس بن عامر بن حارثة بن عبد عبس بن رفاعة بن الحرث بن حيي بن الحرث بن بهينة بن سليم بن منصور السلمي، أسلم قبل فتح مكة بيسير، وكان من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب من قومه، فأسلموا، وأسلم قومه، وكان ينزل بالبداية بالبصرة. وقيل: إنه قدم من دمشق وابْتَنَى بها دارًا، يخاطب العباس بهذا خفاف بن ندبة وهو أبو خراشة، وبعده (¬4): السلمُ تَأخذُ مِنهَا مَا رَضِيتْ ... بِهِ والحَرْبُ يَكفِيكَ منْ أنفاسِهَا جُرَعُ وهما من البسيط. قوله: "أبا خراشة" بضم الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة، واسمه خفاف بن ندبة -بالنون في أوله، وهي أمه، وهي ندبة بنت إبان بن السيطان [من بني الحرث بن كعب، وأبوه عمير، وهو ابن عم صخر والخنساء ومعاوية أولاد عمرو] (¬5) بن الحرث بن السريد، وخفاف هذا شاعر مشهور بالشعر، وكان أسود حالكًا، وهو أحد أغربة العرب، ¬
وهو ممن ثبت على إسلامه في الردة، وهو أحد فرسان قيس وشعرائها. قال الأصمعي: شهد خفاف حنينًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال غيره: شهد الفتح مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه لواء بني سليم وشهد حنينًا والطائف - رضي الله تعالى عنه - (¬1). قوله: "ذا نفرٍ" أي: ذا قوم وجماعات، والنفر في الأصل: اسم لما دون العشرة، قاله في الكشاف عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29] ويجمع على أنفار، والتنكير فيه للتكثير (¬2). قوله: "الضبع" بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة، وأراد به السنة المجدبة، واستشهد به أبو علي في الإيضاح على أن الضبع هنا اسم للسنة المجدبة (¬3). قال أبو حنيفة [رضي الله عنه] (¬4): كذا قال الأصمعي فيه، وقيل: هو على التشبيه، وكذا قال الجاحظ: إنه على التشبيه وجعل نقص الجدب والأزمة أكلًا (¬5). والمعنى: يا أبا خراشة إن كنت كثير القوم عزيزًا فإن قومي موفورون لم تأكلهم السنة المجدبة من القلة والضعف، قوله: "السلم" -بكسر السين: الصلح، والجرع -بضم الجيم: جمع جرْعة (¬6). الإعراب: قوله: "أبا خراشة": منادى مضاف، وحرف النداء محذوف تقديره: يا أبا خراشة، قوله: "أما أنت": بفتح همزة أما، وليست هي أما التي في قولك: أما بعد، بل هي كلمتان باتفاق، الثانية منهما عوض عن كان محذوفة، وأصله: "لأن كنت" فحذفت اللام من "لأن" تَنَاسُبا فبقي: "أن كنت"، ثم حذفت كان لكثرة الاستعمال، ثم جيء بالضمير المنفصل خلفًا عن المتصل، ثم عوضت عن كان ما الزائدة قبل الضمير، والتزم حذفها لئلا يجتمع العوض والمعوض منه، ثم أدغم نونها في الميم، فصار: أما أنت (¬7)، ويقال: هي كلمتان، الثانية عوض عن كان ¬
محذوفة، والأولى أن المصدرية عند البصريين والشرطية عند الكوفيين، زعموا أن "أن" المفتوحة قد يجازى بها (¬1). ويؤيده أمور منها: أن ابن دريد روى في جمهرته: إما كِنت بالكسر (¬2)، وبذكر كان؛ فعلى هذا إما لتاكيد الشرط مثلها في: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم: 26]. ومنها: مجيء الفاء بعدها واستغناء الكلام عن تقدير، وعلى قول البصريين (¬3)، فالأصل: لأن كنت ذا نفر فَخَرْتَ، فَحُذِفَتْ همزةُ الإنكار ولام التعليل، ومتعلق اللام، وهو فخرت إذ لا يتعلق بما بعد الفاء؛ لأن المعنى يأبى ذلك، والفاء على هذا قيل: زائدة (¬4)، والصواب أنها رابطة لما بعدها بالأمر المستفاد من السابق؛ أي: تنبه فإن قومي (¬5). وقال ابن يعسون (¬6): أما هاهنا مركبة من أن وما التي تدخل للتأكيد، وقال أبو علي وأبو الفتح: "ما" في "أما" هي [الرافعة] (¬7) الناصبة؛ لأنها عاقبت [لفعل الرافع الناصب؛ يعني: أن كان، فعملت عمله في الرفع والنصب (¬8). قوله: "ذا نفر" منصوب لأنه] (¬9) خبر كان، قوله: "فإن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل وقوله: "قومي": اسمه، وقوله: "لم تأكلهم الضبع": خبره، والضبع: فاعل لم تأكلهم، ويروى: فإن قومك، وهذا وهمٌ لا يساعد المعنى الذي أراده العباس فافهم. ¬
الشاهد السابع بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "أما أنت" فإنه حذف فيه كان بعد أن الناصبة للفعل كما قررناه (¬1). الشاهد السابع بعد المائتين (¬2)، (¬3) أَزْمَانَ قَوْمِي وَالْجَمَاعَةُ كَالَّذِي ... لَزِمَ الرِّحَالةَ أَنْ تَمِيلَ مَمِيلَا أقول: قائله هو الراعي، واسمه: عبيد بنُ حصين بنُ معاويةَ بنُ جندل بنُ قطن بن رَبيعةَ بنُ عبد الله بن الحرث بنُ نُمَيرٍ بنُ عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن مكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر بن نزار. ويكنى: أبا جندل، والراعي لقب غلب عليه لكثرة وصفه للإبل، وجودة نعته إياها. وهو شاعر فحل من شعراء الإسلام (¬4)، وكان مقدمًا مفضلًا حتى اعْتَنَّ (¬5) بين جرير والفرزدق، فاسْتَكَفَّهُ جريرُ، فأبى أن يكف فهجاه ففضحه. والبيت المذكور من الكامل. قوله: "الرحالة" بكسر الراء وتخفيف الحاء المهملة، وهو سراج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد، قال أبو عبيدة: عَنَى الرَّاعِي بالرحالةَ هاهنا رحالة النساء لما عليها من الأدم الخمر، فشبه ما عليه من الدماء في حمرته بما على تلك الرحالة (¬6)، قوله: "مميلًا" بفتح الميم الأولى وكسر الثانية؛ وهو مصدر مال الشيء يميل ممالًا ومميلًا؛ مثل معاب ومعيب في الاسم والمصدر (¬7). ¬
الإعراب: قوله: "أزمان قومي" قال سيبويه تقديره: أزمان كان قومي (¬1)، وقال ابن عصفور: وإنما حمل على إضمار كان ولم يحمل على تقدير حذف مصدر مضاف إلى قومي، فيكون التقدير: أزمان كون قومي والجماعة؛ لأن المصدر المقدر بأن والفعل من قبيل الموصولات، وحذف الموصول وإبقاء شيء من صلته لا يجوز (¬2). فإن قلتَ: ما الدليل على أن قومي من قوله: "أزمان قومي" محمول على فعل مضمر؟ قلتُ: لأنه ليس من قبيل المصادر، وأسماء الزمان لا يضاف شيء منها إلا إلى مصدر أو جملة تكون في معناه، تقول: هذا يوم قدوم زيد ورحيل عمرو، ولا يجوز أن يقال: هذا يوم زيد ولا هذا يوم الفرس. فإن قلتَ: قد قيل يوم الجمل، ويوم حليمة. قلتُ: التقدير: يوم حرب الجمل ويوم حرب حليمة (¬3). قوله: "والجماعة" بالنصب لأن الواو فيه بمعنى مع؛ أي: مع الجماعة، انتصب بكان الرافعة قومي، وذكر في كتاب التنبيه على ما يشكل على كتاب سيبويه (¬4): ويجوز رفع "أزمان" على أنه خبر مبتدأ محذوف دون إظهار كان، والواو: واو مع أيضًا؛ فتكون إضافة "أزمان" إلى الجملة الاسمية على هذا، ثم قال: والأول أحسن وأكثر، وأشار إلى الوجه الأول وهو نصب "أزمان"، وتقدير الجملة الفعلية بعده على ما ذكره سيبويه (¬5). قوله: "كالذي": صفة موصوفها محذوف تقديره: كالرَّكْبِ الذي لزم الرحالة فقوله: "لَزِمَ الرِّحَالةَ": جملة وقعت صلة الموصول، قوله: "أن تميل" [أي: بأن تميل] (¬6)، والباء للسببية، وأن مصدرية، تقديره (¬7): بسبب ميلها، أي: ميل الرَّحَالة، قوله: "مَمِيلًا": نصب على المصدرية بمعنى "ميلًا". ¬
الشاهد الثامن بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "أزمان قومي" حيث حذف فيه كان، وليست هي بعد أن المصدرية، وحذفها [إنما كثر] (¬1) بعد أن المصدرية وبدونها قليل (¬2). الشاهد الثامن بعد المائتين (¬3)، (¬4) فَإِنْ لَمْ تَكُ المِرْآةُ أَبْدَتْ وَسَامَةً ... فَقَدْ أَبْدَت المِرْآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ أقول: قائله هو الخنجر بن صخر الأسدي (¬5). وهو من الطويل. قوله: "المرآة" بكسر الميم؛ وهي آلة مشهورة، قوله: "وسامة" بفتح الواو وتخفيف السين المهملة؛ وهو الحسن والجمال، من وسُم -بضم السين وسامة ووسامًا. قوله: "أبدت" أي: أظهرت، من الإبداء، قوله: "ضيغم" بفتح الضاد المعجمة، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الغين المعجمة، وفي آخره ميم، وهو الأسد وأصله من الضَّغْمِ وهو العَضُّ، والياء فيه زائدة، وكان هذا الشاعر نظر [إلى] (¬6) وجهه في المرآة فلم يره حسن الشكل فَتَسَلَّى بأنَّه يشبه الأسد. الإعراب: وقوله: "فإن": حرف شرط، وقوله: "لم تك المرآة": فعل الشرط، وقوله: "فَقَدْ أَبْدَتْ": جواب الشرط، وأصل"تك": تكن فحذفت النون تخفيفًا (¬7). وقوله: "المرآة": اسم تكن، وقوله: "أبدت": خبره، قوله: "وسامة": مفعول لقوله أبدت، وقوله: "جبهة ضيغم": كلام إضافي مفعول لأبدت الثاني. ¬
الشاهد التاسع بعد المائتين
الاستشهاد فيه: على حذف نون تكن في قوله: "لم تك" مع وقوع الفعل قبل الساكن، روي ذلك عن يونس والكوفيين (¬1). الشاهد التاسع بعد المائتين (¬2)، (¬3) وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمِي ... بحَمْد الله مُنْتَطِقًا مُجِيدَا أقول: قائله هو خداش بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الشاعر المشهور (¬4). وهي من الوافر. قوله: "وأبرح" أي: لا أبرح، قوله: "منتطقًا" أي: صاحب نطاق، يقال: جاء فلان منتطقًا فرسه إذا جانبه ولم يركبه، وقال ابن فارس: فأما قوله: وَأَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي ... عَلَى الأَعْدَاءِ مُنْتَطِقًا مُجِيدَا فقال قومه: أراد به هذا، وأنه لا يزال يَجْنُبُ فرسًا جوادًا، ويقال: منتطق: قائل قولًا لا يستجاد في الثناء على قومي (¬5)، وقوله: "مُجيدًا " بضم الميم، يُنزَّل على المعنييِن المذكورين. الإعراب: قوله: "أبرح": من الأفعال الناقصة، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله: "منتطقًا"، وقوله: "مجيدًا": خبر بعد خبر، قوله: "ما أدام الله قومي": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وكلمة ¬
الشاهد العاشر بعد المائتين
"ما" للمدة، والمْعنَى: مدة إدامة الله لقومي. قوله: "بحمد الله": يتعلق بمحذوف، أي: أحمد على ذلك بحمد الله، ويجوز أن يتعلق بأبرح. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأبرح" حيث حذف منه كلمة "لا"، فإن "لا" لا تحذف في برح إلا بعد القسم، وهاهنا ليس كذلك، وإنما حذف شذوذًا (¬1). وقال ابن عصفور: هذا البيت فيه خلاف بين النحويين، فمنهم من قال: إن أداة النفي مرادة، فكأنه قال: ولا أبرح ما أدام الله قومي منتطقًا مجيدًا، [ومنهم من قال: إن أبرح غير منفي لا في اللفظ ولا في التقدير، والمعنى عنده: أزول بحمد الله عن أن أكون منتطقًا مجيدًا] (¬2)، أي: صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي؛ لأنهم يكفونني (¬3)، فعلى هذا لا استشهاد فيه. الشاهد العاشر بعد المائتين (¬4)، (¬5) قَدْ قِيلَ مَا قِيلَ إِنْ صِدْقًا وَإنْ كَذِبًا ... فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ قَوْلٍ إِذَا قِيلا أقول: قائله هو النعمان بن المنذر بن ماء السماء (¬6)، وكنيته: أبو قابوس، وهو الذي تنصر وملك أرض الحيرة اثنتين وعشرين سنة، وقتله كسرى أبروين، وكانت أم المنذر يقال لها: ماء السماء لحسنها، واشتهر المنذر بأمه فقيل: ابن ماء السماء، واسمها: مارية بنت غوث بن جشم. ¬
وهو من قصيدة لامية من البسيط وأولها هو قوله (¬1): ا - شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّي حَيْثُ شِئْتَ وَلَا ... تُكْثِرْ عَلَيَّ وَدَعْ عَنْكَ الأَقَاويلا 2 - فَقَدْ رُمِيتَ بِدَاءٍ لَسْتَ غَاسِلَهُ ... مَا جَاوَرَ السّيْلُ أَهْلَ الشَّامِ والنِّيلا 3 - فَمَا انْتِفاؤُكَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَطَعَتْ ... هُوجُ المطِيِّ بِهِ أَكَنَافَ شِمْلِيلا 4 - قد قيل .............. ... ...................... إلى آخره 5 - فالْحَقْ بِحَيثُ رَأيْتَ الأَرْضَ وَاسِعَةً ... وَانْشُرْ بِهَا الطَّرْفَ إِنْ عَرْضا وَإنْ طُولا وقصة ذلك أن بني جعفر بنِ كِلاب قد وفدوا على النعمان، ورئيسهُم يومئذ أبو [براء] (¬2) عامر بن مالك ملاعب الأسنة عم لبيد بن ربيعة بن مالك، فلم يلتفت إليهم النعمان، وأراهم جفوة، وقد كان يقربهم ويكرمهم، وكان الربيع بن زياد العبسي جليسَه وسميرَه، فاتهموه بالسعي [عليهم عند] (¬3) النعمان وتفاوضوا، وكان بنو جعفر له أعداء، وكان لبيد غلامًا من جملتهم يتخلف في رحالهم ويحفظ متاعهم فأتاهم وهم يتذاكرون أمر الربيع، فسألهم فكتموه. فقال: واللَّه لا أحفظ لكم متاعًا أو تخبروني (¬4)، وكانت أم لبيد تامر بنت زنباع القيسية، وكانت في حجر الربيع بن زياد، فقالوا له: دخلنا على الملك وصَدَّ عَنَّا بوجْهِهِ، فقال لهم: هل تقدرون أن تجمعوا بيني وبينه فأزجره بكلام لا يلتفت إليه النعمان بعد ذلك أبدًا؟ فقالوا: هل عندك من شيء؟ قال: نعم، فكسوه حلة وعدوا على النعمان فوجدوه يتغدى مع الربيع بن زياد ليس معهما ثالث، والدار والمجالس مملوءة من الوجوه، فلما فرغ من غدائه أذن للجعفريين فذكروا الذي قدموا له من حاجتهم فاعترض الربيع في كلامهم فقال لبيد (¬5): 1 - يَا وَاهِبَ الْخَيْرِ الجَزيلِ مِنْ سَعَهْ ... نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِيَن الأَرْبَعَهْ 2 - سُيُوفُ جِنٍّ وجِفَانٌ مُتْرَعَهْ ... وَنَحْنُ خَيرُ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَهْ 3 - المُطْعِمُونَ الجفنَةَ المدُعْدَعَهْ ... الضَّارِبُونَ الهامَ وَسْطَ الخَيضَعَهْ 4 - إِلَيْكَ جَاوَزْنَا بِلَادًا مَسْبَعَهْ ... نُخْبِر عَنْ هَذَا خَبِيرًا فَاسْمَعَهْ 5 - مَهْلًا أَبَيْتَ اللَّعْنَ لَا تَأكُلْ مَعَهْ ... إِن اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ ¬
6 - وَإِنَّهُ يُولِجُ فِيهَا إصْبَعَهْ ... يُولِجُهَا حَتَّى يُوَارِى أَشْجَعَهْ 7 - كَأنما يَطْلُبُ شَيئا أَوْدَعَهْ ... ........................... فالتفت النعمان إلى الربيع وقال: أذاك أنت يا ربيع؟ قال: لا، والله لقد كذب ابن الأحمق اللئيم، فقال النعمان: أف لهذا الطعام، لقد خَبُثت عَلَيَّ نفسي، وقام الربيع وانصرف إلى منزله، وأمر له النعمان بضعف ما كان يُجِيزُهُ به، وأمره بالانصراف فلحق بأهله، وأرسل إلى النعمان بأبيات منها (¬1): 1 - لئن رحِلْتُ جِمَالِي لَا إِلَى سعَةٍ ... ما مِثْلُهَا سعَةٌ عَرْضا وَلَا طُولا 2 - بِحَيْثُ لَوْ وُزِنَتْ لَخْمٌ بأَجْمَعِهَا ... لم يَعدِلوا ريشةً من رِيشِ شَمْويلا 3 - تَرْعَى الرَّوَائِمَ أَحْرَارَ البُقُولِ بِهَا ... لا مثلَ رَعْيِكُمُو مِلْحًا وَغِسْويلَا 4 - فابرق بأرضِكَ بَعْدِي واخْلِ متكئًا ... مع النطاسي طَوْرًا وابن تَنْويلا فأجابه النعمان بقوله: شرد برحلك عني حيث شئت ولا ... ................................ إلى آخر الأبيات التي ذكرناها آنفًا. 1 - قوله: "شرد": من التشريد، وهو الطرد؛ قال تعالى: {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57]، أي: فرق بهم وبدد جمعهم، و "الأقاويل": جمع أقوال، وهو جمع قول. 3 - قوله (¬2): "هوج المطي به" الهوج بضم الهاء وسكون الواو وفي آخره جيم، وهو جمع هَوْجَاء وهي الناقة التي بها عُوج لسرعتها، و"شمليلا" بكسر الشين المعجمة وسكون الميم وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف، وهي الناقة الخفيفة، وكذا الشملال، والشِّمِّلة بكسر الشين وتشديد الميم. 2 - قوله (¬3): "جفان مترعة" أي: ممتلئة، من أتْرَعْتُ الإناء إذا ملأتها. 3 - قوله: "مدعدعة" أي: مملوءة، و "الهام": جمع هامة وهي الرأس، و "الخيضعة" بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الضاد المعجمة، والعين المهملة، وهي صوت القتال والسلاح، ويروى: تحت الخيضعة موضع وسط الخيضعة، وحكى أبو عبيد عن ¬
الفراء أن الخيضعة هي البيضة (¬1). 4 - قوله: "مسبعة": مفعلة من السبُع؛ يعني: بلادًا كثيرة السباع، قوله: "أبيت اللعن": دعاء له أي بَعُدْتَ عن لعن تُلْعَنُ عليه. 5 - قوله: "ملمعة" أي: ملونة بالألوان. 6 - قوله: "يولج" أي: يدخل، قوله: "يواري أشجعه" أي: حتى يُغَطّي أصول أصابعه التي تتصل بعصب ظهر الكف ويجمع على أشاجع، قوله: "أودعه "ويروى: ضيعه. 3 - قوله (¬2): "ترعى الروائم" وهو جمع روم، وهي الناقة، من رئمت الناقة ولدها إذا أحبته، و "أحرار البقول": ما يؤكل غير مطبوخ، وأراد "بالملح" المالح من النبت وهو الحامض، و "غسويل" بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة، وهو أيضًا نوع من النبت الرديء. 4 - قوله: "مع النطاسي" بكسر النون وتخفيف الطاء المهملة، وبعد الألف سين مهملة مكسورة ثم ياء مشددة؛ وهو المتطيب، كذلك النطيس بكسر النون والطاء المشددة (¬3). الإعراب: [قوله] (¬4): "قد قيل" "قد": للتحقيق، و "قيل": فعل ماض مجهول، وأصله: قول [بقلب حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها، فصار: قِوْل بكسر القاف وسكون الواو] (¬5) فقلبت الواو ياء لتحركها في الأصل وانكسار ما قبلها فصار: قيل (¬6) وهو مسند إلى قوله: "ما قيل"، قوله: "إن صدقًا" أي: إن كان القول صدقًا، فيكون "صدقًا" منصوبًا على أنه خبر كان المقدر، وكذا التقدير في قوله: "وإن كذبًا" أي: وإن كان القول كذبًا. قوله: "فما": مبتدأ و "اعتذارك": كلام إضافي خبره، قوله: "من قول": يتعلق باعتذارك، و "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، قوله: "قيلا": فعل الشرط، قوله: "فما اعتذارك": جزاء الشرط مقدمًا (¬7)، ولذلك دخلت الفاء فيه، والتقدير: إذا قيل قول فما اعتذارك عنه، والألف في ¬
الشاهد الحادي عشر بعد المائتين
"قيلا": للإطلاق والإشباع. الاستشهاد فيه: في قوله: "صدقًا وكذبًا" حيث حذف فيهما كان كما ذكرنا، وهو حذف شائع ذائع سائِغ (¬1). الشاهد الحادي عشر بعد المائتين (¬2)، (¬3) لَيسَ يَنْفَكُّ ذَا غِنًى وَاعْتِزَازٍ ... كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٍّ قَنُوعٍ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. والمعنى، لم يزل كل ذي عفاف وإقلال وقناعة غنيًّا وعزيزًا. [الإعراب:] (¬4) قوله: "ليس": أهمل هاهنا ولم يعمل حملًا على ما، ويجوز أن يعمل بأن يضمر فيها ضمير الشأن، ويكون اسمه، وما بعده خبره، و [يقال] (¬5): قد تنازع ليس وينفك في قوله: "كل ذي عفة"، والأرجح إعمال الثاني لقربه وليتخلص به من الفصل بين العامل ومعموله بجملة ومن ترجيح الجامد على المتصرف، ويترجح عند الكوفيين إعمال الأول لسبقه وليتخلص به من الإضمار قبل الذكر (¬6). [ورأيت الشيخ أثير الدين أبا حيان رضي الله عنه ضبطه بيده: " بِقُلٍّ قنوعٌ" برفع قنوع وبإدخال باء الجر على "قُلّ" بضم القاف وتشديد اللام؛ بمعنى القليل (¬7)، فيكون قنوع مبتدأ، وقوله: "بقل" مقدمًا خبره (¬8)، والتقدير: هو قنوع بقليل من الدنيا، وهذا أصح من الأول وإن كان الأول أشهر. ¬
الشاهد الثاني عشر بعد المائتين
والمعنى على هذا: لم يزل كل ذي عفاف قنوع بقليل غنيًّا وعزيزًا (¬1)]. قوله: "ينفك": من الأفعال الناقصة، يستدعي مرفوعًا ومنصوبًا؛ فقوله: "كل ذي عفة": اسمه، وقوله: "ذا غنى": كلام إضافي خبره مقدمًا، قوله: "واعتزاز" بالجر عطفًا على قوله: "ذا غنى". قوله: "مقل قنوع": مجروران لأنهما صفتان لقوله: "ذي عفة" وعلى ضبط الشيخ تكون الجملة صفة لذي عفة في محل الجر؛ لأن الموصوف مجرور، والباء في بقل تَتَعلق بقنوع وهو صفة مشبهة على وزن فعول -بالفتح كصبور، وشكور "وهذا أبلغ من قانع" (¬2)؛ [كما أن صبور أبلغ من صابر] (¬3). [وضَبْطُ الشيخ "قنوعُ" بالرفع على الابتداء لا حاجة إليه؛ بل هو مجرور صفة لذي عفة] (¬4)، والتقدير: كل ذي عفة قنوع بقل، اللَّهم إلا إذا كان آخر القصيدة على الرفع فافهم (¬5). الاستشهاد فيه: على إعمال: "ينفك" عمل كان لتقدم النفي عليها، وإن كان بالفعل، قال البعلي: النفي يكون بما وبغيرها من حروف النفي (¬6)، وقد يغني عن حرف النفي ليس كما في قول الشاعر: ليس ينفك إلى آخره (¬7). الشاهد الثاني عشر بعد المائتين (¬8)، (¬9) تَنْفَكُّ تَسْمَعُ ما حييتَ ... بِهَالِكِ حَتَّي تَكُونَهْ أقول: قائله هو خليفة بن براز (¬10)، كذا قاله أبو عبيدة في كتاب شرح الأمثال، وبعده: ¬
الشاهد الثالث عشر بعد المائتين
والمرء قد يرجو الرجاء ... مؤملًا والموت دونه (¬1) وهو من الكامل [وفيه] (¬2) الإضمار والترفيل، وهو قوله: حتى تكونه مستفعلات. المعنى: لا تزال تسمع مات فلان وفلان حتى تكون أنت الميت. الإعراب: قوله: "تنفك": فعل من الأفعال الناقصة، وقد قلنا إنه لا يعمل إلا إذا تقدمه النفي، وقد حذف النفي هاهنا، والمعنى: لا تنفك، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله: "تسمع"، قوله: "ما حييت": كلمة "ما" للتوقيت ومعناه: تسمع مدة حياتك، قوله: "بهالك" يتعلق بقوله: "تسمع" وأراد بالهالك الميت، قوله: "حتى تكونه": أي: حتى تكون إياه، أي: الهالك، واختار الاتصال على الانفصال، وتكون منصوب؛ لأنه وقع بعد حتى، والتقدير: حتى أن تكونه. قوله: "والمرء": مبتدأ، وخبره قوله: "قد يرجو" وقوله: "الرجا": مفعول مطلق، قوله: "مؤملًا" يجوز أن يكون على صيغة اسم الفاعل، وأن يكون على صيغة اسم المفعول، فعلى الأول يكون حالًا من المرء، وعلى الثاني يكون مفعولًا لقوله: "يرجو". قوله: "والموت": مبتدأ وقوله: "دونه": خبره، والجملة وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "تنفك" حيث حذف النافي (¬3) فيه؛ إذ أصله: لا تنفك (¬4). الشاهد الثالث عشر بعد المائتين (¬5)، (¬6) سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ ... فَلَيْسَ سَوَاءَ عَالِمٌ وَجَهُولُ أقول: قائله هو السموأل بن عادياء الغساني اليهودي، ويقال: قائله هو اللجلاج الحارثي، ¬
والأول أشهر، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله (¬1): 1 - إذا المرءُ لم يُدَنَّسْ من اللؤمِ عِرضُهُ ... فكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَديهِ جَميلُ 2 - وإنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ على النَّفْس ضَيمَها ... فليس إلى حُسْن الثناء سَبيلُ 3 - [وقائلة ما بال عثرة عاديا ... تنادى وفيها قلة وحمول] (¬2) 4 - تَعيرنا أنا قليل عديدُنا ... فقلت لها إن الكرامَ قَلِيلُ 5 - وما قَلَّ مَنْ كَانتْ بقَايَاه مِثْلَنا ... شبابٌ تَسَامَى للعُلَا وكهُولُ 6 - وما ضرّنا أنَّا قَليلٌ وجَارُنَا ... عَزِيزٌ وجارُ الأكثرينَ ذَليلُ 7 - لنا جبلٌ يحتلُّهُ مَنْ نُجِيره ... مَنيفٌ يَرُدّ الطرفَ وهو كَلِيلُ 8 - رَسَا أصْلُهُ تَحْتَ الثَّرىَ [وسماؤه] (¬3) ... إلى النجمِ فَرغٌ لا يُنَالُ طَويلُ 9 - هُوَ الأبْلقُ الفَرْدُ الذي سار ذكرهُ ... يَعِزُّ على مَنْ رَامَهُ ويطُولُ 10 - وإنّا أناسٌ لا نَرى القَتْل سُبَّةً ... إذا ما رأتْهُ عامرٌ وسَلُولُ 11 - يَقَرّبُ حبُّ الموتِ آَجالنا لنا ... وتكرههُ آجالُهم فتطُولُ 12 - وما مَاتَ مِنَّا سَيِّدٌ في فراشِهِ ... ولا طُلَّ منَّا حيث كان قَتيلُ 13 - تسيلُ على حد الظِّباتِ نُفُوسُنا ... وليستْ على غير السيوفِ تَسيلُ 14 - صَفَوْنَا فلم نَكْدَرْ وأَخْلَص سِرَّنا ... إِنّاثٌ أَطَابَتْ حِمْلَنا وفُحُولُ 15 - عَلَونْا إلى خيرِ الظهُورِ وحطّنا ... لوقتٍ إلى خيرِ البطُونِ نِزُولُ 16 - فنحنُ كَماء المزنِ ما في نِصَابِنا ... كهامٌ ولا فِينَا يُعَدُّ بَخيلُ 17 - وننكرُ إنْ شِئْنَا على الناسِ قَوْلَهُمْ ... ولا ينكرونَ القولَ حين نقوُلُ 18 - إذا سيدٌ مِنَّا خَلا قَامَ سَيّدٌ ... قَؤوُلٌ لِما قَال الكرامُ فَعُول 19 - وما أُخمدتْ نَارٌ لَنا دُون طَارِقٍ ... وما ذَمَّنَا في النازلين نزيلُ 20 - وأيَّامُنا مَشْهُورةٌ في عَدوِّنَا ... لَهَا غُرَرٌ مَعْرُوفةٌ وحُجُولُ ¬
21 - وأسيافُنَا في كل شَرْقٍ ومَغْربٍ ... بها من قِراعِ الدَّارِعين فُلُولُ 22 - معودة أن لا تُسلَّ نِصالُها ... فتغْمَدَ حَتَّى يُستباحَ قَبِيلُ 23 - سلِي إنْ جَهلتِ النَّاسَ عَنِّي وعَنْهُمْ ... فليس سواءً عَالمٌ وجَهَولُ 24 - فإنّ بَنِي الديّانِ قُطْبٌ لَقَوْمِهم ... تَدورُ رَحَاهُم حَوْلَها وتجُولُ وهي من الطويل والقافية من المتواتر (¬1). 1 - قوله: "من اللؤم": وهو اسم لخصال مذمومة من اختيار ما تنفيه المروءة، وأصله من الالتئام، وهو الاجتماع، وذكر الرداء هاهنا مستعار. 2 - قوله: "وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها" أي: لم يُصَبرِّهَا على مكارهِهَا، وأصل الضيم: العدول عن الحق يقال: ضامه ضيمًا، وهو مضيم إذا عدل به عن طريق النصفة. 4 - قوله: "تُعَيِّرُنَا" أي: أنكرت مِنَّا قلة عددنا فَعَدَدْتَّهُ عارًا، فأجابه [بقوله] (¬2): "إن الكرام قليل" فاعترف بقلة العدد لا بقلة القدر، والقليل والكثير يوصف بهما الواحد والجمع. 7 - قوله: "لنا جبل" أراد به العز والسُّمُوّ؛ أي: من دخل في جوارنا امتنع على طلابه، قوله: "يَحْتَلُّه" أي: ينزله من احتل إذا نزل، ومادته حاء مهملة ولام، قوله: "منيف" أي: عال ويروى: منيع؛ أي: ممنوع منه، و "الطرف": النظر والعين جميعًا. 10 - قوله: "سبة": ما سُبَّ به؛ كما أن الخِدعة ما انخدع به، وأصل السب: القطع، ثم استعمل في الشتم، و "عامر" هو ابن صعصعة، و"سلول": هم بنو مرة بن قيس بن غيلان. 12 - قوله: "ولا طل" أي: ولا هدر (¬3) منا دمُ القتيل. 13 - قوله: "حد الظبات نفوسنا" أي: أرواحنا، ويقال: دماؤنا، وأراد بالظبات السيوف. 14 - قوله: "سرنا" السر هاهنا: الأصل الجيد. 16 - قوله: "كماء المزن" أي: السحاب؛ أي: نحن كالغيث ننفع الناس، و "الكهام": الكليل الحد. 19 - و "الطارق": الذي يطرق ليلًا، و "النزيل": الضيف. 20 - قوله: "الغرر": جمع غرة وهي البياض الذي على جبهة الفرس، و "الحجول" بتقديم ¬
الحاء على الجيم؛ جمع حجل، وهو البياض الذي في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في رجليه قلَّ أو كثر بعد أن يجاوز الأرساغ وكذلك التحجيل. 21 - قوله: "من قراع الدارعين" وهم أصحاب الدروع، والقراع: الضراب، و "الفلول" بضم الفاء؛ وهو جمع فل السيف؛ وهو كسر في حده، وسيف أفلّ: بيِّن الفلل. 22 - قوله: "مُعَوّدة" يجوز فيه الوجهان: النصب على الحال، والعامل فيها ما يدل عليه قوله: "بها من قراع الدارعين فلول"، والرفع على أن يكون خبر مبتدأ مضمر، يقول: عودت سيوفنا أن لا تجرد من أغمادها فترد فيها إلا بعد أن يستباح قبيل و "القبيل": الجماعة من آباء شتى، وجمعه: قبل، والقبيلة: الجماعة من أب واحد، وجمعها قبائل. 23 - قوله: "سلي إن جهلت الناس ... إلى آخره" كان السموأل هذا قد خطب امرأة وخطبها غيره أيضًا، وكانت قد أنكرت عليه فخاطبها بهذه الأبيات إلى أن قال: أيتها المرأة: إن جهلت حالنا فسلي الناس عنا وعن هؤلاء الذين خطوك حتى تعلمي (¬1) حالنا وحالهم، فليس العالم بالشيء والجاهل به سواء. 24 - قوله: "قطب" بضم القاف؛ وهو الحديد في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليه الطبق الأعلى؛ ومنه سمي قطب الرحى لما يدور عليه الفلك، وعلى التشبيه قالوا: فلان قطب بني فلان، أي: سيدهم الذي يلوذون به، وهو قطب الحرب. الإعراب: [قوله] (¬2): "سلي": أمر للمؤنث، وفاعله "أنت" مستتر فيه، و "الناس": مفعوله، وقوله: "عنا": يتعلق بسلي، وقوله "عنهم": عطف عليه، قوله: "إن جهلت": جملة ماضية دخل [عليها] (¬3) حرف الشرط، وجوابه قوله: "سلي" مقدمًا عليه (¬4) وترك الفاء [فيه] (¬5) للضرورة، وجواب الشرط قد يقع فعلًا طلبيًّا؛ كما في قوله تعالى: {وَإِن تَوَلَّوْا فَأعْلَمُوَا أَنَّ اللهَ مَوْلَاكُمْ} [الأنفال: 40]، ومفعول جهلت محذوف، وتقدير الكلام: إن جهلت أيتها المرأة حالنا وحالهم فسلي [الناس] (¬6) عنا وعنهم. قوله: "فليس" من الأفعال الناقصة وقوله: "عالم": اسم مرفوع و"جهول": عطف عليه، وخبره قوله: "سواءً" مقدمًا على اسمه. ¬
الشاهد الرابع عشر بعد المائتين
الاستشهاد فيه: حيث تقدم خبر ليس على اسمها، وهو جائز خلافًا لابن درستويه (¬1)، فإنه منع ذلك، والبيت حجة عليه (¬2). الشاهد الرابع عشر بعد المائتين (¬3)، (¬4) فَأَصْبَحُوا وَالنّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ ... وَلَيْسَ كُلَّ النَّوىَ تُلْقِي الْمسَاكِينُ أقول: قائله هو حميد بن ثور الأرقط أحد البخلاء المشهورين، وسمي الأرقط لآثار كانت بوجهه، وكان هجاء للضيفان (¬5)، وههنا يصف أضيافًا نزلوا به فقدم لهم تمرًا، وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله: 1 - لا مَرْحَبًا بِوُجُوهِ القَوْمِ إذْ حَضَرُوا ... كَأَنَّها إذْ أنَاخُوهَا الشَّياطِينُ 2 - ينتظِرُونَ إِلَى الأخْبَارِ إذَا نَزلُوا ... وكُلَّمَا نظَرُوا للغَمِّ تَمْكِينُ 3 - والله لا تنْتَهِي عنَّا ضِيَافَتُهمْ ... حتَّى تَكُونَ مَيَادِينَ البَسَاتينُ 4 - أرضٌ تَحُمُّ بها العُقْفَانُ نَائيَةٌ ... من حيثُ تنبتُ بالصيفِ العرَاجِينُ 5 - باتوا وجُلَّتُنَا الصَّهْبَاءُ بينَهُمُ ... كأنَّ أظْفَارَهُمُ فيها السكاكينُ 6 - فَأَصْبَحُوا وَالنّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ ... وَلَيْسَ كُلَّ النَّوىَ تُلْقِي الْمَسَاكِينُ ¬
وهي من البسيط. 4 - قوله: "تحم" أي: تقصد، يقال: حممت حمك؛ أي: قصدت قصدك و "العقفان": بضم العين المهملة وسكون القاف وتخفيف الفاء؛ جمع عقف وهو الثعلب، و "العراجين": جمع عرجون وهو أصل العذق الذي يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسًا. 5 - قوله: "وجُلّتنا الصهباء" الجلة بضم الجيم وتشديد اللام، وهي وعاء التمر، و"الصهباء": الشقراء، وهي صفة الجلة، قوله: "كأن أظفارهم" ويروى: كأن أنيابهم. 6 - قوله: "فأصبحوا" أي: (¬1) دخلوا في الصباح، قوله: "معرسهم" بضم الميم وفتح العين والراء المشددة وفي آخره سين مهملة، وهو موضع النزول آخر الليل، وأراد به هاهنا الموضع الذي أنزلهم فيه، فلما أصبحوا ورأى من النوى شيئًا كثيرًا في معرسهم أنشد هذه القصيدة وأشار بها إلى كثرة أكلهم من الجلة الصهباء. الإعراب: قوله: "فأصبحوا": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "والنوى": مبتدأ، و"عالي معرسهم": كلام إضافي خبره، والجملة وقعت حالًا، قوله: "وليس": من الأفعال الناقصة، وفيه ضمير الشأن، وهو اسمه، و"كل": منصوب بقوله: "يلقي"، و "المساكين" مرفوع؛ لأنه فاعل يلقي، والفعل والفاعل خبر ليس، ولا يجوز أن يكون المساكين اسم ليس؛ لأن ذلك يوجب أن يكون يلقي خبرها، ولو كان خبرًا لوجب أن يقال: يلقون، أو تلقي بالتاء المثناة من فوق، فلما لم يرو إلا بالياء -آخر الحروف وجب أن يكون خاليًا من الضمير، و "المساكين": مرتفعًا به. فإن قلت: ما الواو في قوله: "وليس كل النوى"؟ قلت: للحال؛ لأن المعنى: أصبحوا وعندهم نوى كثير، والحال أنهم يلقون بعض النوى، ولا يلقون كلها؛ لأنهم كانوا يبتلعون بعض النوى لكلب الجوع، فإذا كان النوى عالي معرسهم مع ابتلاعهم بعضه؛ دل ذلك على كثرة التمر التي قدمها بين أيديهم. الاستشهاد فيه: هو أن ابن الناظم استشهد به للكوفيين في تجويزهم: كان طعامك زيد آكلًا، وكان طعامك آكلًا زيد، وهذا وهم منه؛ إذ لو كان المساكين اسم ليس لكان يلقي مسندًا إلى ضميره، وكان يجب أن يقال: يلقون، أو تلقي بالتاء المثناة من فوق على ما ذكرنا (¬2) آنفًا، وإنما اسم ليس في ¬
الشاهد الخامس عشر بعد المائتين
هذا البيت ضمير الشأن عند البصريين والكوفيين جميعًا (¬1). الشاهد الخامس عشر بعد المائتين (¬2)، (¬3) إِذَا مِتُّ كانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنعُ أقول: قائله هو العجير السلولي، وهو عجير بن عبد اللَّه بن عبيدة بن كعب من بني سلول بن مرة، يكنى أبا الفرزدق وأبا الفيل، وهو شاعر مقل إسلامي، وعجير: اسم منقول يحتمل أن يكون من العجر وهو نتوء السرة، يقال: عجر الرجل يعجر عجرًا، أو يحتمل أن يكون مصغرًا مرخمًا من أعجر وهو الناتئ السرة، والبيت الذكور من قصيدة عينية وأولها هو (¬4): 1 - ألمّا على دارِ لِزَيْنبَ قد أتى ... لَها باللِّوى ذي المَرْجِ صَيْفٌ ومَرْبَعُ 2 - وقُولا لهَا قد طَال ما لم تكلَّمِي ... وراعِكَ بالغيثِ الفؤادُ المروَّعُ 3 - وقولا لها قال العُجَيْرُ وخَصَّني ... إليك وإرسالُ الخليلين يَنْفَعُ 4 - أأنت الذي أودعتُكِ السِّرّ وانتحى ... بك الخَوْنَ مَزّاحٌ من القوم أمْرَعُ 5 - إذا مت ............... ... ...................... إلى آخره 6 - ولكن ستبكِيني خطوبٌ ومجلس ... وشُعثٌ أُهِينُوا في المجالس جُوّعُ 7 - ومستلحم قد صَكَّه القومُ صكَّة ... بَعيدُ الموالي نيل ما كان يمنع ¬
8 - رددتُ له ما فرَّط القَيلُ بالضُّحى ... وبالأمس حَتّى آبَنَا وهو أضْلعُ 9 - وما ذاك أَنْ كَانَ ابنَ عمِّي ولا أخي ... ولكن متى ما أملكِ الضَّرَّ أنفعُ (¬1) وهي من الطويل. 1 - قوله: "باللوى" بكسر اللام، مقصور؛ وهو منقطع الرمل، وقوله: "ذي المرخ": صفته، والمرخ شجر سريع الورْي، [قوله] (¬2): "ومربع" بفتح الميم؛ وهو منزل القوم في الربيع خاصة. 5 - قوله: "إذا مت" معناه: إذا متُّ كان الناس ورائي نوعين: نوع منهم: يشمت بي، ونوع آخر: يثني علي بالذي كنت أصنعه في حياتي، قوله: "مت" يروى بكسر الميم وضمها ويروى: صنفان ونصفان (¬3). الإعراب: قوله: "إذا": ظرف للمستقبل متضمنة معنى الشرط ويختص بالدخول على الجملة الفعلية عكس إذا الفجائية، وقوله: "مُت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "كان": ناقصة، واسمها ضمير الشأن، وقوله: "الناس": مبتدأ، وقوله: "صنفان": خبره، والجملة في محل النصب على أنها خبر كان، قوله: "شامت": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: صنف منهم شامت بي، ويقال [يجوز] (¬4): أن يكون شامت بدلًا من صنفان. قوله: "وآخر" صفة لمحذوف تقديره: وصنف آخر، وهو مبتدأ، وخبره قوله: "مثن" أي: مثن علي، "بالذي": يتعلق بقوله "مثن" قوله: "كنت أصنع": جملة وقعت صلة للموصول، والعائد محذوف؛ أي: بالشيء الذي كنت أصنعه. الاستشهاد فيه: في قوله: "كان الناس صنفان" حيث وقع اسم كان ضمير الشأن (¬5)، ويروى: كان الناس صنفين [بنصب صنفين] (¬6)، فعلى هذا يكون الناس اسم كان وصنفين خبره، ولا يبقى فيه حينئذ استشهاد فافهم. ¬
الشاهد السادس عشر بعد المائتين
الشاهد السادس عشر بعد المائتين (¬1)، (¬2) حَدِبَتْ عَلَيَّ بُطُونُ ضَبَّةِ كُلُّهَا ... إِنْ ظَالِمًا فِيهِمْ وَإنْ مَظْلُومَا أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة يخاطب بها يزيد بن سنان المري؛ إذْ لَاحَاهُ فَنَماه إلى قضاعة، وأولها هو قوله (¬3): 1 - اجمعْ جُمُوعَك يا يزيدُ فإنني ... أعددْتُ يَرَبُوعًا لَكُمْ وتَمِيمَا 2 - ولَحِقتُ بالنَّسَبِ الذي عَيَّرْتَنِي ... وتركتَ أَصْلَك يا يزيدُ ذَمِيمَا 3 - عيرتَنِي نَسبَ الكِرَامِ وإنَّما ... فَخْرُ المفَاخرِ أَنْ يُعَدّ كَرِيمَا 4 - حدبت علي ............ ... ................... إلى آخره 5 - لَوْلَا بَنُو عَوْفٍ بنِ بَهْثَةَ أَصْبَحَتْ ... بالنَّعْفِ أُمّ بَنِي أَبِيكَ عَقِيمَا وهي من الكامل. 1 - قوله: "اجمع جموعك" وفي رواية الأعلم: جَمِّعْ مَحَاشَك يا يزيد (¬4)، قال الأصمعي: المحاش: أربعة أحياء من فزارة ومرة، وكانوا يجتمعون فيقال لهم: المحاش، وقال ابن الأعرابي: المحاش: الذين لا خير فيهم ولا غناء عندهم، يقال: محشته النار إذا أحرقته وأفسدته، قلت: المحاش هاهنا بكسر الميم، وأراد "بيربوع" يربوع بن غيط بن مرة، و"بتميم": تميم بن ضبة بن عذرة بن سعد بن ذبيان. 2 - قوله: "ولحقت بالنسب الذي" يريد النسب الذي نفاه إليه وعيره به، وذلك أن ابنة النابغة كانت تحت يزيد فطلقها، فقيل له: لم طلقتها؟ فقال: لأنه رجل من عذرة، فحقق النابغة انتسابه إليهم، وزعم أنه نسب يزيد إلا أنه تركه وانتفى منه، وهو معنى قوله: ......................... ... وتركت أصلك يا يزيد ذميمَا أي: مذمومًا. ¬
4 - قوله: "حَدِبت" بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين وفتح الباء الموحدة؛ من حدب عليه إذا عطف وحنّ عليه، قوله: "بطون ضَبَّةٍ" أراد بالبطون القبائل، "وضبة" بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة وهو ضبَّة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، ويقال: حدبت عليّ بطون ضنة بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون، وهو ضنة بن عبد بن كثير بن عُذْرة بن سعد بن هزيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحارث بن قضاعة، قبيلة كبيرة، وكذا وقع في رواية الأعلم: ضِنة بالنون وقال: ضنة من قضاعة ثم من عذرة (¬1). 5 - قوله: "لولا بنو عوف" يقول: لولا هؤلاء لقتلت أنت وإخوتك، فتبقى أمك كأنها عقيم لم تلد قط، قوله: "بالنعْف" بفتح النون وسكون العين المهملة وفي آخره فاء، وهو أسفل الجبل. الإعراب: [قوله] (¬2): "حدبت": فعل ماض عُدّي بعليَّ، وقوله: "بطون ضبة": كلام إضافي فاعله و "كلها": مرفوع تأكيد للبطون، قوله: "إن": حرف شرط، وفعل الشرط محذوف والتقدير: إن كنت ظالمًا، و "ظالمًا": منصوب لأنه خبر كان المقدر، وكذا الكلام في قوله: "وإن مظلومًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "إن ظالمًا وإن مظلومًا" على حذف كان واسمها بعد إن الشرطية، والتقدير -كما قلنا: إن كنت ظالمًا وإن كنت مظلومًا (¬3). ¬
شواهد "ما ولا ولات وإن" المشبهات بليس
شواهد "ما ولا ولات وإنْ" المشبهات بليس الشاهد السابع عشر بعد المائتين (¬1)، (¬2) بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمْ ذَهَبٌ ... وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمْ الْخَزَف أقول: هذا أنشده ثعلب في أماليه ولم يعزه إلى أحد (¬3). وهو من البسيط. قوله: "بني غدانة" بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون؛ وهم حي من بني يربوع، قوله: "ولا صريف" بفتح الصاد المهملة وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف ثم فاء؛ وهو الفضة. الإعراب: قوله: "بني غدانة": منادى مضاف، وحرف النداء محذوف تقديره: يا بني غدانة، قوله: "ما": نافية وقوله: "إنْ"- أيضًا: نافية زيدت للتأكيد وكَفَّتْ "ما" عن العمل، وزعم الكوفيون أنها نافية غير كافة ويلزمهم أن لا يبطل عملها كما لا يبطل عمل"ما" إذا تكررت على الصحيح بدليل قوله (¬4): ¬
الشاهد الثامن عشر بعد المائتين
لا يُنْسِك الأَسى تأسِّيًّا فما ... ما مِنْ حِمَامٍ أَحَدٌ معتصمَا (¬1) نعم رواه يعقوب: ذهبًا وصريفًا بالنصب، فعلى هذا هي نافية مؤكدة لما (¬2). قوله: "أنتم": مبتدأ وقوله: "ذهب": خبره، قوله: "ولا صريف": عطف عليه، قوله: "ولكن": استدراك، قوله: "أنتم": مبتدأ، و"خزف": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما إن أنتم ذهب" على إبطال [عمل] (¬3) ما النافية؛ لاقترانها بإن الزائدة الكافة، وجوز جماعة إعمالها حينئذ أيضًا؛ فعلى هذا أنشد ابن السكيت هذا البيت بنصب "ذهبًا" و"صريفًا" كما ذكرنا (¬4). الشاهد الثامن عشر بعد المائتين (¬5)، (¬6) وَمَا الدَّهْرُ إلَّا مَنْجَنُونًا بِأَهْلِهِ ... وَمَا صَاحِبُ الْحَاجَات إلا مُعَذَّبًا أقول: قائله لم يعرف من هو ولهذا منع بعضهم الاحتجاج به. وهو من الطويل. قوله: "منجنونًا" بفتح الميم؛ وهي الدولاب التي عليها، [يستقى] (¬7)، وهي مؤنثة على وزن فنعلون، والميم من نفس الكلمة، ألا ترى كيف تجمع على مناجين؟ ¬
والمعنى: وما الزمان بأهله إلا كالدولاب تارة يرفع وتارة وتارة يضع، وما صاحب الحاجات في الدنيا إلا معذبًا في تحصيلها. الإعراب: قوله: "وما الدهر" أبطل عمل "ما" لدخول إلا، و "الدهر": مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: وما الدهر إلا يدور دوران المنجنون، وليس نصب منجنون بكلمة "ما" التي ترفع الاسم وتنصب الخبر، وإنما نصبه كنصب المصادر؛ كما قلنا، أو يكون منصوبًا بفعل محذوف تقديره: وما الدهر إلا يشبه منجنونًا، وكذلك يأتي الوجهان في قوله: "وما صاحب الحاجات إلا معذبًا" أي: إلا يعذب تعذيبًا، والمعذب يكون مصدرًا ميميًّا؛ كما في قوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كل مُمَزَّقٍ} [سبا: 19]، أي: كل تمزيق، أو يكون التقدير: وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبًا، وزعم ابن بابشاذ أن أصله: إلا كمنجنون، ثم حذف الجار فانتصب المجرور (¬1)، ومن زعم أن كاف التشبيه لا تتعلق بشيء (¬2)، فهذا التخريج عنده باطل؛ إذ كان حقه أن يرفع المجرور بعد حذفها؛ لأنه كان في محل الرفع على الخبرية لا في موضع نصب باستقرار مقدر، فإذا ذهب الجار ظهر ما كان للمحل (¬3). وروى المازني البيت: أرى الدهر إلا منجنونًا بأهله ثم حكم بزيادة لا، وتبعه ابن مالك [رحمه اللَّه تعالى] (¬4) في ذلك (¬5)، والمحفوظ: وما الدهر، ولئن سلمنا أنه: أرى الدهر إلا منجنونًا مثل ما رواه، فيؤول على أن "أرى" جواب لقسم مقدر، وحذفت لا كحذفها في: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُأ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85]، ودل على ذلك الاستثناء المفرغ (¬6). ¬
الشاهد التاسع عشر بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "منجنونًا"، و"معذبًا"؛ حيث نصبا على بطلان عمل ما بدخول إلا، وقال ابن الناظم: هذا نادر وسكت عن تأويله وقد ذكرناه (¬1). الشاهد التاسع عشر بعد المائتين (¬2)، (¬3) وَمَا خُذَّلٌ قَوْمِي فَأَخْضَعَ لِلْعِدَا ... وَلَكِنْ إِذَا أَدْعُوهُمُ فَهُمُ هُمُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "خُذّلٌ" بضم الخاء [المعجمة] (¬4)، وتشديد الذال المعجمة؛ جمع خاذل؛ من خذله خذلانًا إذا ترك عونه ونصرته، "والعِدا" بكسر العين؛ جمع عدو. الإعراب: قوله: "وما خذل" كلمة ما نافية بطل عملها لتقدم خبرها على اسمها، وهو قوله: "خذل"، فإنه خبر، وقوله: "قومي": كلام إضافي اسمها، قوله: "فأخضع" بالنصب لأنه جواب النفي تقديره: فأن أخضع، وقوله: "للعدا": يتعلق به، قوله: "ولكن": للاستدراك، وكلمة "إذا" للشرط و "أدعوهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله: "فهم هم": جملة اسمية من المبتدأ والخبر وقعت جوابًا للشرط" فلذلك دخلت فيها الفاء، ومعناه: فهم الكاملون في الشجاعة والشهامة. الاستشهاد فيه: في قوله: "وما خذل قومي"؛ حيث أبطل فيه عمل "ما" لتقدم خبرها على اسمها كما ذكرناه (¬5). ¬
الشاهد العشرون بعد المائتين
الشاهد العشرون بعد المائتين (¬1)، (¬2) فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللهُ نِعْمَتَهُم ... إذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة رائية يمدح بها عمر بن عبد العزيز -[رضي اللَّه تعالى عنه] (¬3) -، وأولها هو قوله: 1 - تقُولُ لما رأتْني وهي طيِّبةٌ ... على الفراشِ ومنها الدَّلُّ والخفَرُ 2 - أَصْدرْ هُمَومَك لا يقتُلْك وَارِدُها ... فكل واردةٍ يومًا لها صَدَرُ 3 - فعجتها قبل الأخيارِ منزلةً ... والطّيِّبي كُلّ ما التاثت به الأُزُرُ 4 - إذَا رَجا الركبُ تعريسًا ذَكَرْتُ لهم ... غيشًا يكونُ على الأيدي لَهُ دِرَرُ 5 - وكيف تَرجُونَ تغميضًا وأهْلُكُمُ ... بحيثُ تَلْحَسُ عن أولادها البقَرُ 6 - سيروا فإنّ ابنَ ليلى مِنْ أمامكُمُ ... وبادِرُوه فإن العُرْفَ يُبتَدرُ 7 - فاصبحوا ................ ... ................. إلى آخره 8 - ولن يزال إمامٌ منهُمُ مَلِكٌ ... إليه يَشْخَصُ فوق المنْبَرِ البَصَرُ 9 - إنْ عاقبوا فالمنَايَا من عقوبتهِم ... وإنْ عَفَوا فذوو الأحلامِ إنْ قَدرُوا 10 - كمْ فرّق الله من كيدٍ وجمّعهُ ... بِهِمْ وأطفأ من نارٍ لها شَرَرُ وهي من البسيط. المعنى كله ظاهر، وأراد بابن ليلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله [تعالى] (¬4) عنه- فإن ليلى اسم أمه، وهي ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين
الإعراب: قوله: "فأصبحوا": من الأفعال الناقصة، ولكنها هاهنا بمعنى صاروا، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "قد أعاد الله نعمتهم": جملة وقعت حالًا، ويروى: دولتهم عوض نعمتهم، قوله: "إذ": للتعليل، و"هم": مبتدأ، و "قريش"خبره. قوله: "وإذ ما مثلهم بشر": عطف على "إذ هم قريش"، و "إذ" هنا أيضًا للتعليل، وكلمة "ما" بمعنى ليس، واسمه قوله: "بشر"، وخبره قوله: "مثلهم" مقدمًا. الاستشهاد فيه: حيث عمل"ما" مع تقدم خبره وهو نادر؛ لأن "ما" عامل ضعيف؛ فإذا تقدم خبرها على اسمها لم يعمل، وهاهنا قد عمل على الندرة. ويقال: إن هذا من غلط الفرزدق؛ لأنه كان تميميًّا (¬1)، وليس من لغته نصب [الخبر] (¬2)، فكأنه قصد أن يتكلم باللغة الحجازية، ولم يعلم أن من شرط نصب الخبر تأخر الخبر؛ فأقدم على الحكم بدون شرطه فغلط (¬3). ويقال: إن "مثلهم" نصب على الحال؛ لأنه صفة البشر، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها نصبت على الحال، والتقدير هاهنا: واذ ما في الدنيا بشر مثلهم (¬4)، ويقال: إنه ظرف تقديره: وإذ ما مكانهم بشر، في مثل حالهم (¬5). الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين (¬6)، (¬7) وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا الْمَنَازِلَ مِنْ مِنًى ... وَمَا كُلَّ مَن وَافَىْ مِنًى أَنَا عَارِفُ أقول: قائله هو مزاحم بن الحارث بن الأعلم العقيلي شاعر إسلامي (¬8)، وهو من قصيدة ¬
فائية، وأولها هو قوله: 1 - وقالوا تعرفها .......... ... ..................... إلى آخره وبعده: 2 - فَوَجْدِي بِهَا وَجْدَ المُضِلُّ بَعيره ... بِمَكَّةَ لمْ تَعطِفْ عليهِ العَوَاطِفُ 3 - فمَا عنَبٌ جَوْنٌ بأعْلَى تَبَالةٍ ... حصِيدٌ أَمَالتْهُ الأكفُّ القَواطِفُ 4 - بأطيبَ مِنْ فِيهَا ومَا ذُقتُ طَعْمَهُ ... ولكِنَّنِي بالطَّيرِ والنَّاسِ عَارفُ 5 - ومَا بَرحَ الوَاشُونَ حتَّى ارْتَمَوْا بنا ... وحَتَّى قلُوبٌ عَنْ قُلُوبٌ صَوَارِفُ وهي من الطويل. 3 - قوله: "جون" الجون -بفتح الجيم: الأبيض، والجون: الأسود، وهو من الأضداد، قوله: "تبالة" بفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة؛ وهي بلدة باليمن خصبة (¬1)، وفي المثل: أهون من تبالة على الحجاج (¬2)، "والقواطف": جمع قاطفة، من القطف وهو القطع. 1 - قوله: "تعرفها": أمر من تعرف يتعرف؛ من قولهم: تعرفت ما عند فلان؛ أي: تطلبت حتى عرفت، والضمير المنصوب يرجع إلى محبوبته التي يهواها و "منًى": قرية ينحر بها الهدايا ويُرمى بها الجمرات بين عرفة ومكة (¬3). [قوله] (¬4): "وما كل من وافى" أي: وما كل من بلغ منى ومن وصل إليها، أراد أنه اجتمع بمحبوبته في الحج ثم فقدها فسأل عنها، فقالوا [له] (¬5) تعرفها؛ يعني: تطلبها وسل عنها في منازل الحج من منى، فقال: أنا لا أعرف كل من وافى منى حتى أسأل (¬6). الإعراب: قوله: "وقالوا": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "تعرفها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهي مقول القول، قوله: "المنازل": نصب على الظرف أي: في المنازل، والأصح أنه منصوب بنزع الخافض لا على الظرف لأنه مختص. قوله: "وما": نفي، قوله: "كلَّ": منصوب على أنه مفعول لقوله عارف على لغة بني تميم، ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين
وليس بظرف، ويجوز أن يرفع كل على لأنه اسم ما، وتكون الجملة من المبتدأ والخبر؛ أعني: قوله: "أنا عارف" خبره، والعائد محذوف؛ أي: عارفه، وقوله: "من" موصولة، وقوله: "وافى مِنًى": صلتِها في محل الجر على الإضافة. الاستشهاد فيه: على إبطال عمل "ما" لأنها معمول الخبر وليس ظرفًا ولا مجرورًا؛ لأن "كل" معمول لعارف؛ كما ذكرناه؛ كما في قراءة عامر: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10] (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين (¬2)، (¬3) بِأُهْبَةِ حَزْمٍ لُذْ وَإِنْ كُنْتَ آمِنًا ... فَما كُلَّ حينِ مَنْ تُوَالِي مُوَالِيًا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "بأهبة" بضم الهمزة وسكون الهاء، وهو التأهب والتهيؤ، تقول: أخذت أهبة ذاك الأمر وتأهبت له، و "الحزم" بفتح الحاء المهملة، وهو ضبط الأمر، والحزامة: جودة الرأي، قوله: "لُذْ": أمر لاذ يلوذ لوذًا، ولاذ لياذًا أو لاوذ لواذًا، قوله: "توالي": مضارع من الموالاة، و "مواليًا": بضم الميم اسم الفاعل منها. الإعراب: قوله: "بأهبة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "لْذ"، وفيه "أنت" مستتر فاعل له، قوله: "وإن كنت آمنًا": جملة معطوفة على محذوف تقديره: إن لم تكن آمنًا، وإن كنت آمنًا، والتاء في كنت اسمه "وآمنًا": خبره، قوله: "فما كل حين" الفاء للتعليل، وما نافية بمعنى ليس، وقوله: "من" في محل الرفع اسم ما، وهي موصولة. وقوله: "توالي": جملة من الفعل والفاعل صلتها، والضمير محذوف تقديره: تواليه، وقوله: "مواليًا": نصب؛ لأنه خبر ما، ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين
وقوله: "كل حين": كلام إضافي، "وكل": نصب على الظرف وهو معمول الخبر، فلما تقدم معمول الخبر الذي هو كل حين لم يبطل عمل ما؛ لأن معمول الخبر إذا كان ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا لا يبطل به العمل (¬1). والاستشهاد فيه: حيث عملت "ما" عمل "ليس"، وإن كان تقدم معموله على اسمها لكونه ظرفًا (¬2). الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين (¬3)، (¬4) تَعَزَّ فَلَا شَيءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيًا ... وَلَا وَزَرٌ مما قَضَى اللهُ وَاقِيًا أقول: هذا البيت -أيضًا- من الطويل. وقوله: "تعز": أمر من تعزى يتعزى؛ من العزاء وهو الصبر، والتسلي، قوله: "ولا وزر" بفتح الواو والزاي المعجمة وفي آخره راء؛ وهو الملجأ، وأصل الوزر الجبل، قوله: "واقيًا" [من] (¬5) وقى يقي وقاية إذا حفظ. والمعنى: اصبر وتسلّ على ما أصابك من المصيبة، فإنه لا يبقى شيء على وجه الأرض، ولا ملجأ يقي الشخص ويحفظه مما قضى الله رب العالمين. الإعراب: قوله: "تعز": أمر وأنت مستكن فيه فاعله، قوله: "فلا شيء على الأرض باقيًا": جواب الأمر، وكلمة "لا" بمعنى ليس، "وشيء": اسمه، "وباقيًا": خبره، "وعلى الأرض": يتعلق به، قوله: "ولا وزر": عطف على قوله: "فلا شيء" أي: ليس وزر، "ووزر ": اسم لا، وخبره قوله: "واقيًا"، وقوله: "مما قضى الله" يتعلق به، و "ما": موصولة، و "قضى الله": جملة صلتها، والعائد ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين
محذوف؛ أي: من الذي قضى الله به. الاستشهاد فيه: في قوله: "فلا شيء، ولا وزر" فإن "لا " في الموضعين بمعنى ليس وعملت عملها (¬1). الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين (¬2)، (¬3) لَهْفِي عَلَيْكَ لِلَهْفَةٍ مِنْ خَائِفٍ ... يَبْغِي جِوَارِكَ حِينَ لَاتَ مُجِيرُ أقول: قائله هو شمردل الليثي (¬4)، وهو من قصيدة يرثي بها منصور بن زياد (¬5)، وهذا هو أولها، وبعده هو قوله: 2 - أمَّا القُبُورُ فإنَّهُنَّ أَوانِسٌ ... بِجوارِ قبرِكَ والدِّيَارُ قُبُورُ 3 - عَمَّتْ فَوَاضِلُه فَعَمَّ مُصَابُهُ ... فالناسُ فيه كلُّهمُ مَأْجُورُ 4 - والنَّاسُ مَأْتمُهمْ عليه وَاحدٌ ... في كُلِّ دَارٍ رَنَّةٌ وَزفِيرُ 5 - ردَّتْ صَنَائِعُهُ عليه حَياتُهُ ... فكأنَّهُ مِنْ نَشْرِها مَنْشُورُ 6 - يُثْنِي عليك لسانُ مَنْ لَمْ تُولِهِ ... خَيرًا لِأَنَّكَ بالثنَاء جَدِيرُ 7 - عَجَبًا لِأَرْبعِ أَذْرُعٍ في خَمْسَةٍ ... في جَوْفِهَا جَبَلٌ أَشمُّ كَبِيرُ [وهي من الكامل] (¬6). 1 - قوله: "لهفي عليك"، أي: حسرتي (¬7) عليك، وهو من تلهف على الشيء، ولهف إذا حزن وتحسر [أي: حسرت عليك] (¬8)، قوله: "يبغي" أي: يطلب، قوله: "جوارك" بكسر ¬
الجيم؛ بمعنى الأمان، و "مجير": اسم فاعل من أجار. ومعنى بقية الأبيات ظاهر. 7 - والمراد من قوله: "عجبًا لأربع أذرع في خمسة" هو القبر، "وجبل أشم" أي: مرتفع عالٍ. الإعراب: قوله: "لهفي": مبتدأ، وقوله: "عليك": خبره، أي: تلهفي عليك، قوله: "للهفة ": يتعلق بما دل عليه لهفي، واللام فيه للتعليل، أي: لأجل لهفة كائنة، "من خائف" أي: من شخص خائف. حاصل المعنى: تحسري عليك لأجل تحسر خائف كان يطلب جوارك، أي: أمانك حين ليس له مجير. وقد ادعى بعض المتشغبين أن البيت هكذا: لهفي عليك كلهفة. بكاف التشبيه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن (¬1) مراده ليس تشبيه تلهفه بتلهف الخائف الذي كان يطلب جوار ذلك الهالك، وإنما مراده: بيان أنه يتلهف ويتحسر لأجل تلهف ذلك الخائف لفوات ما كان يأمله، والذي حملهم على ذلك اعتمادهم على النسخ السقيمة التي حرفها الجهال وأَخْذِهُمُ العلوم من المساطير دون أفواه الرجال المتقنين. قوله: "يبغي": فعل وفاعل، وهو الضمير الذي يرجع إلى الخائف، وقوله: "جوراك": كلام إضافي مفعوله، والجملة صفة لخائف، قوله: "حين": نصب على الظرف وهو ظرف ليبغي، قوله: "ولات": مهملة هاهنا لعدم دخولها على الزمان، رقي له: "مجير": مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: حين لات له مجير. الاستشهاد فيه: في قوله: "حين لات" حيث أهملت عن العمل لعدم دخولها على الزمان؛ لأن شرط عملها كون معمولها اسم زمان، وعند الجمهور هي تعمل عمل ليس، ولا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع (¬2). ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد المائتين
الشاهد الخامس والعشرون بعد المائتين (¬1)، (¬2) لَاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيْرَةَ أَوْ مَنْ ... جَاءَ مِنْهَا بِطَائِفِ الأَهْوَالِ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس بن جندل بن شرحبيل بن عوف بن سعد بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة الشاعر المشهور، والبيت المذكور من قصيدة لامية وأولها هو قوله: 1 - ما بكاءُ الكبيرِ بالأطْلالِ ... وسُؤالي فما يَرُدّ سؤالي 2 - دِمنةٌ قفرةٌ تعاوَرَها الصيف ... بريحَيْن مِن صَبا وشمالِ 3 - لَاتَ هَنَّا ذِكْرَى جُبَيرَةَ أَوْ مَنْ ... جَاءَ مِنْهَا بِطَائِفِ الأَهْوَالِ 4 - حَلَّ أهلي بَطْنَ الغميسِ فَبَادَو ... لي وحَلَّتْ عُلويّة بالسِّخالِ 5 - تَرْتَعِي السَّفح فالكثيب فذو قا ... ر فرَوْضَ القطا فَذاتَ الرَّئالِ 6 - رُبّ خَرْقٍ مِنْ دُونِها يخرسُ السَّفـ ... ـر وَمِيلٍ يُفْضِي إلى أميالِ 7 - وسِقاءٍ تُوكَا على تأقِ الْما ... ءِ بِسَيرٍ ومُستقى أَوْشَالِ 8 - وادّلاجٍ بعد المنامِ وتهجيـ ... ـرٍ وقُفٍ وسَبْسَبٍ ورمال 9 - وقليبٍ أجْنٍّ كأن من الريـ ... ـشِ بأرْجائِهِ لُقوطَ نِصَالِ 10 - فَلَئِنْ شطَّ بي المزارُ لقد أَغْـ ... ـدُو قَليلَ الهُمومِ نَاعِمَ بَالِ 11 - إذْ هَي الهمَّ والحديثُ وإذ يَقْـ ... ـضي إليك الأمير ذو الأقوالِ 12 - ظَبْية مِنْ ظِباءِ وجْرَة أَدْما ... ء تَسفُّ الكباثَ تَحْتَ الهدالِ 13 - حُرَةٌّ طَفلةُ الأنَاملِ تَرْتَـ ... ـبُّ سُخامًا تكُفُّه كلال وهي طويلة من الخفيف. 1 - قوله: "ما بكاء الكبير" أراد الأعشى بالكبير نفسه كأنه يعذل نفسه في وقوفه على الأطلال وسؤاله إياه، ثم رجع إلى نفسه فقال: وما الذي يرد سؤالي. 2 - قوله: "دمنة": نصب على تقدير أعني، ويروى: دمنة بالرفع على أن تكون اسم "ما" في ¬
قوله: "فما يرد" أي: فما دمنة ترد عليّ سؤالي، والدمنة: بكسر الدال؛ آثار الناس وما سودوا، و "قفرة": صفة لدمنة على الوجهين، وهي الأرض الخالية، [قوله:] (¬1) "تعاورها": من المعاورة وهي أن تهب الشمال مرة ثم تعقبها الجنوب ثانية أو الصبا، وكل ريح عاقبتها ريح فقد عاورتها. 3 - قوله: "لات هنا" أي: ليس هذا الحين حين ذكرى جبيرة، فهنا -بفتح الهاء وتشديد النون، إشارة إلى الزمان، و "جبيرة" بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء وفي آخرها هاء، وضبطها بعضهم: جَبَيرة -بفتح الجيم؛ وهي جبيرة بنت عمرو من بني حزم بن بكر بن وائل، ويقال: هي امرأة الأعشى، قوله: "بطائف الأهوال" الطائف: العاس، وهو الذي يطوف بالليل، ومنه الطيف الذي يراه النائم، والأهوال: جمع هول وهو الخوف، يقال: هالني يهولني، وأراد به هاهنا الخيال كأنه رآها في النوم وهي غضبى فارتاع لذلك. 4 - قوله: "حل أهلي" أي: قومي، و "بطن الغميس" بفتح الغين المعجمة وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهو قريب من الكوفة، و"بَادَوْلي" بالباء الموحدة وفتح الدال المهملة وسكون الواو وفتح اللام؛ موضع بسواد العراق، و "السخال" بكسر السين المهملة والخاء المعجمة؛ من أرض العالية، وهي هضاب صغار متقارب بعضها من بعض في أرض مستوية، إذا نظر إليها الناظر ظنها سخالًا تُرعَى حتى يقرب منها فحينئذ يعلم أنها هضاب، قوله: "علوية": نصب على الظرفية؛ أي: حلت جبيرة في علوية بالسخال؛ أي: في عالية بها. 5 - قوله: "ترتعي" ليس يريد جبيرة بهذا اللفظ، وإنما يعني القبيلة، و "السفح": سفح الجبل، وأراد به هاهنا موضعًا مشهورًا و "الكثيب": كثيب الرمل، وهاهنا اسم موضع، و "ذو قار" بالقاف؛ موضع كانت فيه حرب بين الفرس وبكر بن وائل (¬2)، و "روض القطا": رياض متصل بعضها ببعض؛ فالقطا تبيض فيها وتأويها، فلذلك نسبت إليه، و "ذات الرئال" بكسر الراء وفتح الهمزة؛ مفاوز متصل بعضها بعض تكون فيها النعام لقلة مائها والنعام لا يريد الماء، و "الرئال": فراخ النعام، الواحد: رأل بفتح الراء وسكون الهمزة. 6 - قوله: "ورب خَرقْ" بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره قاف؛ وهو من الفلاة الموضع الذي تنخرق فيه الريح، قوله: "يخرس السفر": من الإخراس -بالخاء المعجمة، وإنما يخرس السَّفْر؛ لأن خوفهم شديد فيه لا يتكلمون ولا ينطقون؛ أو لأجل خوف العطش يكرهون الكلام؛ لأن المتكلم يعطش، والسَّفر -بفتح السين المهملة وسكون الفاء: جمع سافر؛ وهم المسافرون، قوله: "ميل" بكسر الميم وهو العلامة، وقيل: المسافة بين كل علمين. ¬
7 - قوله: "وسقاء" أي: ورب سقاء، وهو الدلو، والمراد بها القربة هاهنا، "توكأ" أي: تربط، قوله: "على تَأقٍ" بفتح التاء المثناة من فوق وفتح الهمزة وفي آخره قاف، وهو فيض الإناء بعد ملئه، والتأق أيضًا: الملء نفسه، يقال: أَتْقَأْته وأترعته بمعنى واحد، قوله: "بسير" يتعلق بقوله: توكا، وربما يريد به بعضهم المسير، و "المستَقَى" بفتح التاء والقاف؛ الموضع الذي يستقى منه، و "الأوشال": جمع وَشَل -بفتحتين والشين معجمة وهو الماء القليل. 8 - قوله: "وادّلاج" بتشديد الدال، وهو السير في آخر الليل، والإدْلاج -بسكون الدال سير الليل كله، و "التهجير": السير في الهاجرة، و "القف" بضم القاف وتشديد الفاء؛ الغليظ من الأرض، و"السبسب": البعيد الأطراف المستوي. 9 - قوله: "وقليب" بفتح القاف؛ وهو البئر، و "الأجْن" بفتح الهمزة وسكون الجيم وفي آخره نون، وهو الماء المتغير، يقال: أجن الماء يأجن أجونًا وأسن يأسن أسنَا، و"أرجاء البئر": نواحيها ما بين أعلاها إلى أسفلها، واحدها رجا مقصور، و "النصال": نصال السهم. 11 - قوله: "الأمير" أي: القيم، و"الأقوال": المواعظ من القول، قوله: "وجْرَة" بفتح الواو وسكون الجيم وفتح الراء؛ وهي ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة. 12 - قوله: "أدماء" بفتح الهمزة أي: حمراء وهي أطول الظباء أعناقًا وأضخمها أبدانًا ولها جدنان سوداوان في مراق بطنها، قوله: "تسف الكباث" أي: ترعى الكباث، وهو الغض من ثمر الأراك، و"الهدال" بفتح الهاء؛ ما تهدّل عليها من غصون الشجر. 13 - قوله: "طفلة الأنامل" بفتح الطاء أي: رخصة الأنامل، وهي الناعمة، قوله: "ترتبّ" أي: تغدُو سخامًا، أي: الشعر بالدهن والطيب. الإعراب: قوله: "لات" بمعنى: ليس، و: "هنا" بفتح الهاء وتشديد النون، قيل: ظرف مكان بمعنى: هُنَا، و"ذكرى": مبتدأ، وخبره ظرف المكان قبله، والجملة من المبتدأ والخبر منفية بلات، وهذا ضعيف؛ لأنه مخالف لما ذكره سيبويه من أن "لات" لا يجاوز بها الحين رَفَعْتَ أَوْ نَصَبتَ (¬1). وقيل: إن "هَنّا" هاهنا اسم زمان مرفوع بلات، "وذكرى جبيرة" في موضع نصب على أنه خبر لات، والتقدير: لات هذا الحين حين ذكرى جبيرة فحذف المضاف الذي هو حين، وأقيم ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين
المضاف (¬1) إليه مقامه، وهو المصدر، وحَذْفُ أسماء الزمان وإقامة المصادر التي أضيفت إليها مقامها نحو: مقدم الحاج وخفوق النجم كثير في كلامهم، ويكون "هَنّا" على هذا التقدير مما استعمل في الزمان. قوله: "أو من جاء" ويروى: "أم من جاء منها" وهو استفهام فيه مضمر تقديره: الجبيرة تذكر أم من جاء منها؟ يعني: طيفها الطارق له في منامه، قوله: "بطاثف الأهوال": كلام إضافي يتعلق بجاء. الاستشهاد فيه: في قوله: "لات هَنّا"؛ حيث جاءت "لات" هاهنا مهملة لعدم دخولها على الزمان؛ لأن قوله: "ذكرى": مبتدأ وليس بزمان ونطره "لات" التي في البيت السابق (¬2). الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين (¬3)، (¬4) إِنْ هُوَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى أَحَدٍ ... إِلَّا عَلَى أَضْعَفِ الْمَجَانِيِن أقول: هذا أنشده الكسائي ولم يعزه إلى أحد. وهو من المنسرح (¬5)، وفيه العصب بالصاد المهملة، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إنْ": بمعنى ليس، قوله: "هو": اسمها، و "مستوليًا": خبرها، وقوله: "على أحد": ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين
يتعلق به، وقوله: "إلا" للاستثناء وهو استثناء مفرغ، ويروى: إلا على حزبه الملاعين. الاستشهاد فيه: في قوله: "إنْ هو" فإنّ "إنْ" هاهنا نافية بمعنى ليس، وعملت عملها وهو نادر، وذكر أنه لغة أهل العالية، وفيه شاهد على مسألة أخرى، وهي أن انتقاض النفي بعد الخبر لا يقدح في العمل (¬1). الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين (¬2)، (¬3) وَكُنْ لِي شَفِيعًا يوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... بِمُغْنٍ فَتِيلًا عن سَوَادِ بْنِ قَارِبِ أقول: قائله هو سواد بن قارب الأسدي الدوسي، وقيل: السدوسي الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وكان كاهنًا في الجاهلية وشاعرًا، وفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم، وكان رئيُّه قد أتاه ثلاث ليال في حال سِيِّئة ويضربه برجله ويقول له: قم يا سواد بن قارب واعقل إن كنت تعقل؛ إنه قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى اللَّه -تعالى-، وإلى عبادته فقصد النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ووقع في قلبه حُبّ الإسلام، فلما شاهده أنشده: 1 - أتاني رئِيِّي بعْدَ هَدْءٍ ورَقْدَةٍ ... ولَمْ أَكُ فِيمَا قَدْ بلوت بكَاذِبِ 2 - ثلاثُ ليَالٍ قوله كُلّ ليْلَةٍ ... أتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بنِ غَالِبِ 3 - فَشَمَّرْتُ عَنْ ذَيْلِي الإزَارَ ووَسَّطَتْ ... بِيَ الذِّعْلِبُ الوَجْنَاءَ بينَ السَّبَاسِبِ 4 - فأشهَدُ أنَّ الله لَا رَبَّ غيره ... وأنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُلِّ غَائِبِ 5 - وأنكَ أَدْنَى المُرْسَلِينَ وَسِيلةً ... إلى الله يَا ابنَ الأكْرَمِينَ الأطَايِبِ 6 - فَمُرْنَا بمَا يأتيِكَ يا خَيرَ مُرسَلٍ ... وإن كان فيما جئت شيب الزوائب 7 - وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... بِمُغْنٍ فَتِيلًا عن سَوَادِ بْنِ قَارِبِ ¬
وهي من الطويل. 1 - قوله: "رَئِييّ" الرئي -بفتح الراء وكسر الهمزة على وزن فعيل، يقال: له رئي من الجن، أي: مس، "والهدء": السكون، يقال: هدأ هدءًا وهدوءًا. 2 - و"الذعلب" بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام وفي آخره باء موحدة؛ وهي الناقة السريعة، "والوجناء": الشديدة، وقيل: العظيم الوجنتين، "والسباسب": جمع سبسب، وهي المفازة. 5 - قوله: "وأنك أدنى" أي: أقرب المرسلين. 7 - قوله: "وكن لي شفيعًا" يخاطب [به] (¬1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول له: كن لي يا رسول اللَّه شفيعًا يوم لا يغني صاحب الشفاعة فتيلًا عن سواد بن قارب، و"الفتيل" -بفتح الفاء وكسر التاء المثناة من فوق، وهو الخيط الأبيض الرقيق الَّذي يكون في النواة، قوله: "عن سواد بن قارب" أصله: عني، ولكنه أقام المظهر مقام المضمر (¬2). الإعراب: قوله: "وكن": أمر من كان يكون، وأنت مستكن فيه اسمه، وخبره قوله: "شفيعًا"، وقوله "لي" يتعلق بقوله شفيعًا واللام فيه للتعليل، أي: لأجلي، قوله: "يوم": نصب على الظرف (¬3)، قوله: "لا": بمعني ليس، وقوله: "ذو شفاعة"؛ كلام إضافي اسم "لا"، وخبره قوله: "بمغن"، والباء فيه زائدة، وقوله: "فتيلًا" نصب على أنَّه مفعول مغن، والأصل قدر فتيل، أي: قدر فتيل، قوله: "عن سواد بن قارب" جار ومجرور يتعلق بقوله: "بمغن". الاستشهاد فيه: في قوله: "بمغن" حيث دخلت فيه الباء الزائدة في خبر "لا" العاملة عمل ليس كما تدخل في خبر ليس (¬4). ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين (¬1)، (¬2) وَإنْ مُدَّتِ الْأَيدِي إِلَى الزَّادِ لَمْ أَكُن ... بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، واسمه عمرو بن براق، وهو رجل من الأزد، قتله أسيد بن جابر، ويقال: ذرع خطو الشنفرى ليلة قتل فوجد أول نزوة نزاها إحدى وعشرين خطوة، والثانية: سبع عشرة خطوة (¬3)، وله حكاية طويلة في غاراته وشجاعته. وهو من قصيدة لامية، وهي قصيدة مشهورة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيَكُم ... فإنِّي إلى قومٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ 2 - فَقَدْ حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقمرُ ... وشُدَّت لِطيَّاتٍ مَطَايا وأَرْحُلُ 3 - وفي الأرضِ مَنْأيً للكريم عَنِ الأْذى ... وفيها لِمَنْ خاف القِلَى مُتَعَزِّلُ 4 - لعمرُكَ ما فيِ الأرضِ ضِيقٌ على امْرئٍ ... سرَى رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا وهو يَعْقِل 5 - ولِي دُونَكُمْ أهْلُون سِيدٌ عَملَّسٌ ... وأرْقَطُ ذُهْلُولٌ وعَرْفَاءُ جَيْأَلُ 6 - هُمُ الأهلُ لَا مُستودَعُ السِّرِّ ذائعٌ ... لَديْهمْ ولا الجاني بما جَرّ يُخْذَلُ 7 - وكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيْرَ أَنَنِّي ... إذَا عَرَضَتْ أُولَى الطَّرائِد أَبْسَلُ 8 - وإن مدت الأيدي ....... ... ............................. إلى آخره 2 - قوله: "فقد حمت الحاجات"، أي: قدرت، ومادته: حاء مهملة وميم، و"الطيات": جمع طية هي الجاجة، و"الأرحل": جمع رحل البعير؛ وهو أصغر من القتب. 3 - قوله: "منأي": مفعل من النأى وهو البعد، و"القلى" بكسر القاف؛ البغض والعداوة. 5 - قوله: "سيد" بكسر السين المهملة؛ وهو الذئب، وفي لغة هذيل؛ الأسد، و"العملس": السريع بسهولة، وهو من أوصاف الذئب، و "أرقط": الَّذي فيه سواد وبياض، والرقطة في ¬
الأصل؛ كل لونين مختلفين، "والذهلول" بضم الذال المعجمة؛ الخفيف، "وعرفاء وجيأل": اسمان للضبع، والعرفاء في الأصل: صفة، وهي الطويلة العرف [ثم غلبت] (¬1) حتَّى جرت مجرى الأسماء، و "جيأل": علم لا ينصرف للتعريف والتأنيث. 7 - قوله: "أبيّ" أي: ممتنع وهو كالآبي من الإباء بالكسر وهو الامتناع، و"الباسل" من البسألة وهي الشجاعة، وأصله من البسل وهو الحرام؛ فكأنه محرم على أقرانه. 8 - قوله: "وان مدت الأيدي" على صيغة المجهول، "والأيدي": جمع يد، و"الزاد": طعام يتخذ للسفر، تقول: زودت الرجل فتزود، قوله: "بأعجلهم" يعني: بعَجِلهم، وليس المراد منه الأعجل الَّذي هو للتفضيل، وإنما المراد منه: العَجل بفتح العين وكسر الجيم، وأما أعجل الثاني فهو للتفضيل، ولا يخفى هذا على من له ذوق من المعاني. قوله: "إذ أجشع القوم" الأجشع -بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الشين المعجمة وفي آخره عين مهملة؛ أفعل من الجشع وهو الحرص على الأكل، وقال الجوهري: الجشع: أشد الحرص تَقُول منه: جَشِع بالكسر، قال: وكلاب الصيد فيهن جشع وتجشع مثله (¬2). والمعنى: إذا مدت القوم أيديهم إلى الزاد لم أكن أنا عجلًا في ذلك حين كون أجشعهم أعجل. الإعراب: قوله: "وإن": كلمة الشرط، وقوله: "مدت الأيدي": فعل الشرط، وقوله: "لم أكن": جواب الشرط واسم أكن مستتر فيه، وخبره قوله: "بأعجلهم" والباء فيه زائدة، وإنما حسنت زيادتها من أجل النفي بلم، وهو بمعنى: ما كنت ومن حكم لم أن تَرُدَّ الفعل المستقبل إلى المضي (¬3)، والماضي هاهنا لا معنى له [في جواب الشرط] (¬4)؛ لأن الشرط لا معنى له إلا في المستقبل؛ فعلى هذا فيه ثلاثة أوجه: الأول: أن "لم" إذا وليت حرف الشرط تقرر الفعل المستقبل على بابه، ومع الشرط يرد المضارع إلى الماضي كذلك جواب الشرط لتعلقه بالشرط. الثاني: إن "لم" ها هنا بمعنى "لا"، "ولا" تقع في جواب الشرط، ولا تغير معنى الاستقبال. ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين
الثالث: أن الشرط والجزاء هنا حكاية الحال، ولا يواد به الاستقبال في المعنى؛ فلذلك وقعت "لم" في جواب الشرط (¬1). قوله: "إذ": للظرف بمعنى حين مضاف إلى الجملة التي بعده، والعامل فيه: "أعجلهم" أي؛ [لا] (¬2) أسبقهم في ذلك الوقت، وهذا يؤيد ما ذكرنا من حكاية الحال؛ إذ لو أريد به المستقبل لكانت "إذا" لا "إذ"، قوله: "أجشع القوم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "أعجل": خبره، وموضع الجملة جر بالإضافة، والتقدير: أعجلهم، أو أعجل من غيره. الاستشهاد فيه: في قوله: "لم أكن بأعجلهم"؛ حيث دخلت الباء في خبر كان المنفية (¬3). الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين (¬4)، (¬5) دَعَانِي أَخِي وَالخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ... فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْنِي بِقُعْدُدِ أقول: قائله هو دريد بن الصمة بن معاوية بن الحرث بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن الفارس المشهور، والشاعر المذكور أحضره مالك بن عوف النصري يوم حنين معه فقتل كافرًا، والبيت المذكور من قصيدة دالية أولها هو قوله: 1 - أَرَثَّ جَدِيدُ الحَبْلِ منْ آل مَعْبَدٍ ... بعَافِيةِ وأَخْلَفَتْ كُلَّ مَوْعِدٍ 2 - وبَاتَتْ ولمْ أَحْمِلْ إليك نوالها ... ولمْ تَرْجُ فِينَا درة اليومِ أو غد 3 - وكل تباريح المحب لقيته ... سوى أنني لم ألق حتفي بمرصد 4 - فقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِألْفَيْ مُدَجَّجِ ... سَرَاتُهُمُ في الفارِسِي المُسَرَّدِ ¬
5 - ولما رأيت الخيل قبلًا كأنها ... جراد بياري وجْهَةِ الريح تغتدي 6 - أمرْتُهُمُ أمريٍ بمُنْعَرجِ اللِّوَى ... فَلَمْ يستبينُوا الرشْدَ إلا ضُحَى الغَدِ 7 - فلَّما عَصْونِي كُنْتُ منهم وقَدْ أَرَىَ ... غَوَايَتَهُمْ وإنَّني غَيرُ مُهْتدي 8 - ومَا أَنا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ ... غَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ 9 - دعاني أخي ............... .... ..................... إلى آخره 10 - نظرتُ إليه والرِّمَاحُ تَنُوشُهُ ... كَوَقْعِ الصَّيَاصِي في النَّسيجِ المُمَدِّد 11 - فطاعنتُ عَنْهُ الخيلَ حَتَّى تَبدَّدتْ ... وحَتَّى عَلانِي حالِكُ اللونِ أسْودِ 12 - طعانَ امرئِ آَسى أخَاهُ بِنَفْسهِ ... ويعلمُ أَنَّ المرْءَ غَيرُ مُخَلَّدِ 13 - تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسًا ... فقلت أعبد اللَّه ذلكم الردي؟ 14 - فإنْ يَكُ عَبدُ اللَّه خَلَّى مكانَهُ ... فَما كَانَ وقَّافًا ولا طائِشَ اليدِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "أرث" بالثاء المثلثة المشددة، يقال: أرث الثوب إذا أخلق، وأراد: "بآل معبد" آل أخيه، وهو معبد بن الصمة، وكان له ثلاث أسماء: معبد وعبد اللَّه وخالد، ويقال بدل معبد: عارض؛ ولهذا قال في الحماسة في أول هذه القصيدة: فصحْتُ لعارضٍ وأصحابِ عَارِضٍ ... وَرَهْطِ بني السَّوْدَاءِ والقومُ شُهَّدِي (¬1) 3 - قوله: "وكل تباريح المحب" أي: توهجه، قال الجوهري: تَباريحُ الشوقِ: توهُّجُه (¬2)، ويقال: تباريح البلاء: شدائده. 4 - قوله: "ظنوا" بضم الظاء وتشديد النون، ومعناه: أيقنوا، و"المدجج": التام السلاح من الدجة -بضم الدال وتشديد الجيم؛ وهي شدة الظلمة؛ لأن الظلمة تستر كل شيء، فلما ستر نفسه بالسلاح قيل: مدجج، وقيل: إنه من الدج، وهو المشي الرويد، والتام السلاح لا يسرع في مشيته، وأراد "بالفارسي المسرد" الدرع. 5 - قوله: "قُبلًا" بضم القاف وسكون الباء الموحدة؛ جمع قبلاء من قولهم: رجل أقبل، وهو الَّذي كأنه ينظر إلى طرف أنفه، قوله: "يبارى" أي: يعارض، من قولهم: فلان يباري الريح سخاء. ¬
6 - قوله: "بمنعرج اللوى" وهو منعطف الرمل، وأراد به الموضع المعنى (¬1) منه، قوله: "فلم يستبينوا الرشد" ويروى: النصح. 7 - قوله: "كنت منهم" من هذه تفيد تبيين الوفاق وترك الخلاف، وأن الشأنين واحد. 8 - قوله: "وما أنا إلا من غزية" ويروى: وهل أنا إلا من غزية -بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي، وأراد بغزية رهطه؛ فجعل نفسه منهم في حالتي الغي والرشاد. 9 - قوله: "دعاني أخي" وهو عبد الله، وهو المسمى بمعبد وخالد أيضًا كما ذكرناه (¬2)، وأراد "بالخيل" الفرسان؛ قال اللَّه تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64]؛ أي: بفرسانك، قوله: "بقعدد" القعدد بضم القاف وسكون العين وضم الدال الأولى وفتحها، يقال: رجل قعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر، وكان يقال لعبد الصمد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله تعالى عنهم - قُعْدد بني هاشم، ويُمدح به من وجه؛ لأن الولاء للكبر ويُذم به من وجه؛ لأنه من أولاد الهَرْمي، وينسب إلى الضعف، ومنه قول الشاعر. والمعنى: طلبت أخي في الحرب، والحال أن الفرسان بيني وبينه، ولما طلبني لم يجدني قعددًا يعني: ضعيفًا متأخرًا. 10 - قوله: "تنوشه" أي: تأخذه، قال ابن السكيت: يقال للرجل إذا تناول رجلًا ليأخذ برأسه ولحيته: ناشه ينوشه (¬3)، وكان أخوه عبد الله قتل، وجعل دريد يذب عنه وهو جريح، وهو قوله: "نظرت إليه والرماح تنوشه" وروي: فجئت إليه والرماح تنوشه، قوله: "كوقع الصياصي": جمع صيصية، وهي شوكة الحائك التي يسوى بها السدى واللحمة، وتكون من قرن ومن خشب. 11 - قوله: "حتَّى تبددت" أي: حتَّى تفرقت، ويروى: حتَّى تنفست، قوله: "حالك اللون أسود" يروى برفع الدال على الإقواء (¬4)، ويروى: أسودي بياء النسب؛ كما قيل في الأحمر: أحمري، ثم خففت ياء النسب فحذفت الأولى منهما وجعلت الثانية صلة. 12 - قوله: "أردت الخيل" أي: أهلكت الخيل فارسًا؛ من الإرداء وهو الإهلاك، قوله: "فقلت أعبد الله ذلكم الردي" أي: الهالك، والهمزة في أعبد الله للاستفهام، وإنما قال ذلك لما عرف من إقدامه أو لسوء (¬5) ظن الشقيق. ¬
الشاهد الثلاثون بعد المائتين
الإعراب: قوله: "دعاني": فعل ومفعول، وقوله: "أخي": كلام إضافي فاعله، قوله: "والخيل": مبتدأ، وخبره قوله: "بيني" و "بينه": عطف عليه، والجملة وقعت حالًا، قوله: "فلما دعاني": عطف على دعاني الأول، و "لما": ظرف، وجوابه "لم يجدني"، قوله: "بقعدد": مفعول ثان لقوله: "لم يجدني" والباء فيه زائدة. الاستشهاد فيه: في قوله: "بقعدد" حيث دخلت الباء في المفعول الثاني لوجد لتقدم النفي عليه (¬1). الشاهد الثلاثون بعد المائتين (¬2)، (¬3) فَإِنْ تَنْأَ عَنْهَا حِقْبَةً لَا تُلافِهَا ... فَإِنَّكَ مِمَّا أَحْدَثَتْ بِالْمُجَرِّبِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله: 1 - خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدَبٍ ... لِنَقْضيَ حَاجَاتِ الفُؤَادِ المُعَذَّبِ 2 - فإنكُمَا إنْ تَنْظُرَانِي سَاعَةً ... مِنَ الدَّهرِ تَنْفَعْنِي لدَى أمّ جُنْدَبِ 3 - ألمْ تَرَيَانِي كُلَّمَا جِئتُ طَارِقًا ... وجَدْتُّ بِهَا طَيِّبًا وَإنْ لَمْ تَطَيَّبِ 4 - عَقِيلَةُ أخْدَانٍ لهَا لا دَمِيمَةٌ ... ولا ذاتِ خُلْق إنْ تَأَمَّلْتَ جَانبِ 5 - تَبْصَّرْ خَلِيلي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائنٍ ... سلَكْنَ ضُحِيًّا بين حَزْمَيْ شَعَبْعَبِ 6 - عَلَوْنَ بأنْطَاكية فوق عِقْمَةٍ ... كجُرْمَةِ نَخْلٍ أو كَجَنَّةِ يثربِ 7 - فعيناكَ غَربَا جَدْوَلٍ بمفَاضَة ... كمَرِّ خَلِيجٍ في صَفيحٍ منصب 8 - ألا ليتَ شِعرِي كيفَ حَادثُ وصْلِهَا ... وكيفَ تظن بالإخَاءِ المغيبِ 9 - أدَامَتْ عَلَى ما بَينَنَا من نَصِيحةٍ ... أميمة أمْ صارتْ لِقَولِ المُحُببِ 10 - فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا حِقْبَةً لا تُلافِهَا ... فَإنَّكَ مِمَّا أَحْدَثَتْ بِالمُجَرِّبِ 11 - وقالتْ مَتَى يَبْخَلْ عليكَ ويَعْتلِلْ ... يسُؤْكَ وإنْ يُكشَفْ غَرَامُكَ تُدْرَبِ ¬
12 - وللَّه عَينَا مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أشَتُّ وأنْأَى منْ فِرَاقِ المُحَصَّبِ 13 - غَدَاةَ غَدَوا فَسَالِكٌ بَطنَ نَخْلَةٍ ... وآخَرُ منهُمْ جَازِعُ نَجْدَ كَبْكَبِ 14 - فإنَّكَ لم يَفْخَرْ عليك كَفاخِرٍ ... ضَعيفٍ ولم يَغلِبْكَ مِثلُ مغْلَبِ 15 - وإنَّكَ لمْ تَقْطَعْ لُبانَةَ عاشِقٍ ... بمِثلِ غُدُوٍّ أو رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ وهي طويلة من الطويل. وكان امرؤ القيس قد تزوج امرأة من طيئ لما نزل فيهم يقال لها: أم جندب، فلما كان ليلة ابتنى بها أبغضته، وكان علقمة بن عبدة التميمي (¬1) نزل به، وكان من فحول أهل الجاهلية، وكان صديقًا له، فقال أحدهما لصاحبه: أينا أشعر؛ فقال: هذا أنا، وقال؛ هذا أنا فَتَلَاحَيَا، حتَّى قال امرؤ القيس: انعت فرسك وناقتك وأنعت فرسي وناقتي، قال: فافعل، والحَكَمُ بيني وبينك هذه المرأة، من ورائك؛ يعني: الطائية امرأة امرئ القيس، فقال امرؤ القيس هذه القصيدة حتَّى فرغ منها. 1 - قوله: "خليلي" يعني: صاحبيه، والخليل: الصديق الصاحب، "وأم جندب" هي امرأة امرئ القيس الطائية، وقيل (¬2): هي من كندة، قوله: "لنقضي حاجات" ويروى: لنقضي لبانات، ويروى: تقضي، و"اللبانات": جمع لبانة وهي الحاجة. 2 - قوله: "تنفعني" أي: الساعة، ويروى: ينفعني -بالياء آخر الحروف، أي: الانتظار. 3 - قوله: "طارقًا": من طرقته، [أي:] (¬3) أتيته ليلًا، قوله: "وجدت بها طيبًا" أي: يعني: طيبة الجسم والجسد، يعني: وإن لم تمس طيبًا فهي طيبة الريح. 4 - قوله: "عقيلة أخدان" عقيلة كل شيء: خيرته وكريمته، "والدميمة" - بالدال المهملة: قبيحة الخلق. قوله: "جانب" - بالجيم والهمزة والنون والباء: وهو القصير، يقال: فرس جانب، أي: قصير وامرأة جانبة. 5 - قوله: "من ظعائن" وهي النساء بالإبل، الواحدة: ظعينة. قوله: "ضحيًّا": تصغير ضحى، وكرهوا أن يدخلوا فيها الهاء فتلتبس بتصغير ضحوة، و"الحزْم والحزْن" ما ارتفع من الأرض فيه غلظ، وكل غلظ حزم وحزن، والحزم: أغلظهما، ¬
وقوله "شعبعب": اسم ماء لبني قشير. 6 - قوله: "علون" أي: علون الخدور بثياب أنطاكية فوق عِقْمَةٍ وهي قرية من قرى الشام (¬1)، والعقمة -بكسر العين وفتحها وسكون القاف؛ جمع عقم وهو ضرب من الوشي، ويقال لكل ما جاء من قبل الشام: أنطاكي، "والجرمة": جني النخل وحملها، أراد: ألوان البسر الحمرة والصفرة، يقول: ذاك الوشى كجرمة نخل أو كجنة يثرب والجنّة: البستان، ويروى: كجربة نخل، والجربة - بالجيم المفتوحة والراء المكسورة والباء الموحدة المفتوحة، وهي موضع فيه نخل أو زرع. 7 - قوله: "غربا جدول" الغرب: الدلو العطمة، والجدول: النهر، قوله: "بمفاضة" يعني: ببئر مفاضة، ويقال: المفاضة: الدلاء الواسعة، و"الصفيح": الحجارة العراض الرقاق تجعل (¬2) على جنبي الجدول لئلا يتهدم، قوله: "منصب" أي: منصوب ويروى: مصوب. 8 - قوله: "كيف حادث وصلها" أي: حدوث وصلها، قوله: "تظن بالإخاء" أي: كيف تظن بالود الَّذي غاب عنها مني. 9 - قوله: "لقول المخبب" أي: إلى قول المخبب، والمخبب - بالخاء العجمة؛ وهو الَّذي يعلم الخب. 10 - قوله: "فإن تنأ" أي: تبعد من نأى ينأى إذا بعد، قوله: "عنها" أي؛ عن أم جندب المذكورة في أول القصيدة، قوله: "حقبة" بكسر الحاء المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة، واحدة حقب (¬3) بكسر الحاء وفتح القاف؛ وهي السنون، والحقبة: السنة ولكن أراد بها هاهنا الحين، قوله: "بالمجرب" بضم الميم وفتح الراء المشددة مثل المجزس، والمضرَس: الَّذي قد جربته الأمور وأحكمته، فإن كسرت الراء جعلته فاعلًا، إلا أن العرب تكلمت به بالفتح. 11 - قوله: "يسؤك" أي: يخونك (¬4)، و"الغرام": شدة العشق، قوله: "تدرب" [بالدال] (¬5) المهملة، أي: تتعود وتَصِير ذا دربة. 12 - قوله: "من تفرق" أي: تفرقا، ومن زائدة، قوله: "أشت" أي: أشد فراقًا، والشتات: الفرقة، قوله: "وأنأى" أي: أبعد، وعني "بالمخصب" الجمرات. 13 - قوله "بطن نخلة": بستان عبيد اللَّه بن معمر، وهو الَّذي يغلط الناس فيه فيقولون: بستان بني عامر، و"النجد": الطريق، و "كبكب": هو الجبل الأحمر الَّذي تجعله في ظهرك ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائتين.
إذا وقفت بعرفة، ومعنى "جازع": قاطع، يقال: جزعت الوادي إذا قطعته. 14 - قوله: "المغلب" الَّذي يغلب مرارًا. 15 - "واللبانة" بضم اللام؛ الحاجة، و"مؤوب" من الأوب وهو الرجوع، وأراد هاهنا أن استراحته تكون بالليل. الإعراب: قوله: "فإن" الفاء للعطف، "وإن" حرف الشرط، و"تنأ": مجزوم فعل الشرط، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو "أنت" المستتر فيه قوله: "لا تلافها" بدل من تنأ؛ فإن (¬1) عدم الملاقاة هو النأي، ويجوز أن يكون مرفوعًا حالًا كقوله (¬2): متى تأته تعشو ...... .... ............................ فهذا لا يجوز رفعه؛ لأنه ليس بمعنى الأول فلا يبدل منه. قوله: "حقبة": نصب على الظرف. قوله: "فإنك": جواب الشرط، والكاف: اسم إن، وخبره قوله: "بالمجرب" والباء فيه زائدة. قوله: "مما أحدثت" يتعلق بالمجرب، والضمير في أحدثت ورجع إلى الحقبة. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالمجرب" حيث دخلت فيه الباء وهو خبر إن (¬3). الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائتين (¬4)، (¬5). ولَكِنَّ أَجْرًا لَوْ فَعَلْتِ بِهَيِّنٍ ... وهل يُنْكَرُ الْمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ والأَجْرُ أقول: هذا أنشده أبو علي، وأبو الفتح (¬6)، ولم يعزواه إلى أحد. ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائتين
وهو من الطويل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ولكن" مشددة، و "أجرًا": اسمه، وقوله: "بهين": خبره، والباء فيه زائدة، وقوله: "لو فعلت": جملة معترضة بين اسم لكن وخبره، ومفعول "فعلت" محذوف تقديره: لو فعلته وأغنى خبر لكن عن جواب لو والتقدير: لكن أجرًا هين، قوله: "وهل" للنفي، و"المعروف": مرفوع بإسناده إلى ينكر، وقوله: "الأجْرُ": بالرفع عطف على المعروف. الاستشهاد فيه: في قوله: "بهين" حيث دخلت عليه الباء وهو خبر لكن لشبهه بالفاعل وهو نادر (¬1). الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائتين (¬2)، (¬3) ......................... ... أَلَا لَيْتَ ذَا الْعَيشَ اللَّذِيذَ بدَائِمٍ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وصدره: يقول إذا اقلولي عليها وأقردت .... ............................... وأنشده الجوهري وابن مالك هكذا (¬4): ................................ ... ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم وهو من قصيدة يهجو بها الفرزدق جريرًا وكليبًا رهطه يرميهم بإتيان الأتن؛ كما أن بني فزارة يُرمَوْنَ بإتيان الإبل وقبله (¬5): فإِنَّك كلبٌ من كُليبٍ لِكلْبةِ ... غَذَتْكَ كُليبٌ من خَبيثِ المطاعمِ ولَيسَ كُليبيٍّ إذَا جُنَّ ليلةً إذَا ... لَمْ يَجدْ رِيحَ الأَتَانِ بِنَاعِمَ ¬
يَقُولُ إِذَا اقْلَوْلَي عليها وأقْرَدَتْ ... ألا ليتَ ذا العيش اللذيذَ بدائم وهي من الطويل. قوله: "إذا اقلولي" أي: إذا ارتفع الكلبي عليها؛ أي: على الأتان، "وأقردت الأتان" بالقاف يعني: لصقت بالأرض وسكنت. حاصل المعنى: إذا علا الكلبي على الأتان وسكنت الأتان لذلك يقول: ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم؟ وقد صرف بعضهم معنى هذا البيت إلى معنى حسن ولكنه ليس مراد الشاعر، وهو أن الجنازة تقول بلسان الحال إذا ارتفع عليها الميت، والحال أنها أقردت أي؛ سكنت: ألَا هل صاحب عيش لذيذ يدوم في عيشه؟ فكأن هذا لم يطلع على القصيدة المذكورة وإنما اطلع على هذا البيت وحده فصرفه إلى هذا المعنى. الإعراب: قوله: "يقول": فعل وفاعله الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى الكلبي، قوله: "إذا": للظرف، وقوله: "اقلولي": فعل ماض وفاعله مستكن فيه، و"عليها": يتعلق به، قوله: "وأقردت": جملة فعلية ماضوية وقعت حالًا، والماضي إذا وقع حالًا يكون على ستة أضرب: أحدها: أن يكون مقرونًا بالواو وحدها؛ كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا} [آل عمران: 168]. قوله: "ألا": كلمة تنبيه تدل على تحقيق ما بعده، و "ليت": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وهو حرف يتعلق بالمستحيل غالبًا، وقوله: "ذا": اسم ليت، وقوله: "العيش": بدل من ذا، وقوله: "اللذيذ": صفته، وقوله: "بدائم": خبر ليت، والباء فيه زائدة [وأما رواية الجوهري فقوله: "هل" بمعنى ما النافية، و"أخو عيش": كلام إضافي مبتدأ "ولذيذ": بالجر صفة عيش، وقوله: "بدائم": خبر المبتدأ، والباء فيه زائدة] (¬1). الاستشهاد فيه: على الوجه الأول في زيادة الباء في خبر ليت (¬2)، وعلى الوجه الثاني في زيادتها في خبر المبتدأ الَّذي دخلت عليه [هل] (¬3) لشبهها بالنفي (¬4). ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين
الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين (¬1)، (¬2) أَبْنَاؤُهَا مُتَكَنّفُونَ أَبَاهُمُ ... حَنِقُوا الصُّدُورَ وَمَا هُمُ أَوْلَادَهَا أقول: هذا أنشده أبو علي ولم يعزه إلى قائله (¬3)، وقبله: وأنا النذير بِحَرَّةٍ مسودة ... تصل الجيوش إليكم أقوادها (¬4) وهما من الكامل وفيه الإضمار. 1 - قوله: "النذير": من الإنذار وهو الإعلام، والنذير هو المعلم الَّذي يخوف القوم بما يكون دهمهم من عدو أو غيره، وهو المخوف أيضًا، وكذلك النذر، قوله: "بحرة" بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي أرض ذات حجارة سود، ولكن المراد به هاهنا: الكتيبة المسودة بكثرة حديدها، قوله: "تصل الجيوش إليكم" وفي رواية أبي علي: تصل الأعم إليكم، والأعم: الكلأ الكثير وكذلك العميم، و"الأقواد": جمع قود -بفتح القاف والواو؛ وهي الجماعة من الخيل. 2 - قوله: "أبناؤها" أي: أبناء الكتيبة وأراد رجالها، وأراد بآبائهم رؤساءَهم قوله: "متكنفون" يريد قد صاروا حوله على أكنافه، يعني: قد أَحْدَقُوا برأس الكتيبة فجعله لهم بمنزلة الأب؛ إذ كان يقوم بأمورهم ويأمر فيهم وينهى. قوله: "حنقوا الصدور" أصله: حنقون؛ جمع حَنِق -بفتح الحاء وكسر النون وهو صفة مشبهة من الحَنَق -بفتحتين وهو الغيظُ. قوله: "وما هم أولادها" أي: ليسوا بأولاد الكتيبة على الحقيقة؛ يعني؛ لم تلدهم الكتيبة وإنما هم أبناؤهم على مجاز قول العرب: "بنو فلان بنو الحرب" ومن ذلك قول أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لبعض مَنْ خَاطَبَهُ: "أَوَ تُعَيِّرُنِي قُرَيشٌ بقِلَّةِ العلم بالحرب وأنا ابنُها؛ لقد نَهَضْتُ فيها وما بلغتُ العشرينَ، وَهَا أنا ابنُ ستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع"، والعرب تقول: أنا ابنُ بجدة الأرضِ، إذا كان عالمًا بها. الإعراب: قوله: "أبناؤها": مرفوع بالابتداء، وقوله: "متكنفون أباهم": خبره، و"متكنفون": جملة من ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين
الفعل والفاعل، "وأباهم": كلام إضافي مفعوله وأصله: أبًا لهم، قوله: "حنقو الصدور": كلام إضافي، وأصله: حنقون للصدور، فسقطت النون للإضافة، وارتفاعه على أنَّه خبر ثان للمبتدأ. قوله: "وما هم أولادها" ما نافية بمعنى ليس، "وهم": اسمها و"أولادها": خبرها. الاستشهاد فيه: حيث نُصِبَ خبر "ما" التي بمعنى [ليس] (¬1) على لغة أهل الحجاز لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق، وعليه قراءة من قرأ: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31] (¬2)، بنصب الراء، وأما على لغة تميم فإن "ما" لا تعمل شيئًا فإنهم [يقولون:] (¬3) ما زيد قائم ولا عمرو منطلق (¬4). الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين (¬5)، (¬6) نَصَرْتُكَ إِذْ لَا صَاحِبٌ غَيرَ خَاذِلٍ ... فَبُوِّئْتَ حِصْنًا بالْكمَاةِ حَصِينًا أقول: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى أحد. وهو من الطويل. قوله: "خاذل": من الخذلان وهو ترك النصر، قوله: "فبوئت حصنًا" أي: أسكنت؛ من بوأه اللَّه منزلًا؛ أي: أسكنه إياه، وتبوأت منزلًا؛ أي: اتخذته، والمباءة؛ المنزل، قوله: "بالكماة" بضم الكاف؛ جمع كمي، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه المتغطي به. الإعراب: قوله: "نصرتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين، قوله: ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين
"لا صاحب": كلمة لا بمعنى ليس، وقوله: "صاحب": اسمه، وقوله: "غير خاذل": خبره. قوله: "فبوئت" على صيغة المجهول، الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، قوله: "حصنًا": مفعول ثان لبوئت، والمفعول الأول هو التاء التي نابت عن الفاعل، وقوله: "حصينًا": صفة لقوله: "حصنًا"، قوله: "بالكماة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "نصرتك"، والباء فيه للسببية، ويجوز أن تكون للاستعانة. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا صاحب غير خاذل" فإن كلمة "لا" فيه عملت عمل ليس عند (¬1) أهل الحجاز (¬2). الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين (¬3)، (¬4) بَدَتْ فِعْلَ ذِي وُدٍّ فلمَّا تَبعْتُها ... تَوَلَّتْ وبَقَّتْ حَاجَتي في فُؤاديا وحلَّتْ سَوَادَ القلب لا أَنَا بَاغِيًا ... سِواهَا وَلَا في حبِّها مُتَراخِيا أقول: قائلهما هو النابغة الجعدي الصحابي - رضي الله تعالى عنه - وقدر ترجمناه فيما مضى في شواهد المعرف باللام (¬5)، وهما من قصيدة يائية من الطويل، وبعدهما قوله: 3 - أُتِيحَتْ لَهُ والغمُّ يَحْتضِرُ الفَتَى ... ومنْ حَاجَة الإنسانِ ما لَيْسَ لَاقِيَا 4 - فَلَا هِيَ تَرْضَى دُونَ أَمْرَدَ نَاشِيءٍ ... ولا أستطيعُ أَنْ أُعِيدَ شَبَابِيَا 5 - وَقَدْ طَال عَهْدِي بِالشَّبَاب وظِلِّهِ ... ولاقيتُ أيَّامًا تُشِيبُ النَّواصِيَا 6 - وَلَوْ دَامَ منْها وَصْلُها ما قَلَيْتُها ... ولكِنْ كَفَى بالهجْرِ للحبِّ شافِيَا 7 - وما رَابَها من رِيبة غَيرَ أَنَّها ... رَأَتْ لمتي شَابَتْ وشَابَ لَدّاتيا 8 - فَلا زَال يَسْقِيها ويَسْقِي بَلَادَها ... من الْغَيثِ زَخَار يسيحُ الغزاليا ¬
9 - ولَكِنْ أَخُو العلياءِ والجودُ مَالِكٌ ... أقَامَ على عَهْدِ النَّوى والنَّصَافِيا 10 - فَتًى كَمُلَتْ خيراتهُ غَيرَ أَنَّهُ ... جوادٌ فَما يُبقي من المالِ بَاقِيا 11 - فَتًى تَمّ فيه ما يَسُرُّ صَدِيقَهُ ... عَلَى أَنَّ فيهِ مَا يَسُوءُ الْأَعَادِيَا وهذان البيتان مختاران ولم يورد أبو تمام في حماسته من هذه القصيدة غيرهما (¬1). 3 - قوله: "أتيحت" أي: قد رقم، قوله: "والغَمُّ" ويروى: والهم. 5 - قوله: "وظله" وتروى: وطِيئهُ. 6 - قوله: "ما قَلَيْتُها" بالقاف؛ أي: ما أبَغَضْتُهَا. 7 - قوله: "وما رابها" من قولك: رابني فلان إذا رأيت منه ما يُرِيبُك وتكرهُه، وهذيل تَقُول: رابَنِي فلان، وأصله من الريب وهو الشك، قوله: "لمتي" بكسر اللام وتشديد الميم، وهو الشعر الَّذي يجاور شحمة الأذن، فإذا بلغت النكبين فهي جمة، وتجمع على لمم ولمام. 8 - قوله: "زخار": من زخر الوادي إذا متد جدًّا وارتفع، يقال: بحر زاخر وزخار، قوله: "يَسِيحُ": من أساح، ؤلاثيه: ساح الماء يسيح سيحًا إذا جرى على وجه الأرض، و"العزالي": جمع عزلاء وهي فم المزادة من الأسفل. 9 - قوله: "والنوى" بفتح النون مقصور وهو البُعد. الإعراب: قوله: "بدت": فعل [وفاعل] (¬2)؛ أي: ظهرت المحبوبة، ويروي: دنت؛ أي: قربت، قوله: "فعل ذي ود": نصب بنزع الخافض أي كفعل ذي ود. والمعنى: فَعَلَتْ معي فعل ذي محبة ومودة، قوله: "فلما": ظرف بمعنى حين، وجوابه قوله: "تولت"، قوله: "وبَقت" بتشديد القاف؛ وهو عطف على قوله: "تولت" وهو فعل وفاعله مستكن فيه، "وحاجتي": كلام إضافي مفعوله، ويروى: وَخَلتْ حاجتي. قوله: "في فؤاديا": يتعلق بقوله: "بقت"، وأصله: في فؤاديْ -بسكون ياء المتكلم، فلما حركت للضرورة أشبعت فصار: فؤاديا، قوله: "وَحَلَّتْ": عطف على قوله: "وبقت" وهو فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه، وقوله: "سواد القلب" مفعوله، أي: في سواد القلب، وسواد القلب: ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين
حبته، وكذلك أسوده وسوداؤه وسويداؤه. قوله: "لا أنا "كلمة لا بمعنى ليس "وأنا": اسمه، و"باغيًا": خبره، وهو من البغي وهو الطلب، قوله: "سواها": كلام إضافي مفعول لـ "باغيًا"، قوله: "ولا في حبها": عطف على قوله: "لا أنا باغيًا" قوله: "متراخيًا": خبر لا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أنا باغيًا" حيث عمل لا بمعنى ليس في المعرفة وهو شاذ، وقد ذهب إليه أبو الفتح في كتاب التمام وابن الشجري أيضًا (¬1). وقد أجيب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن تجعل "أنا" مرفوعًا بفعل مضمر "وباغيًا" نصب على الحال تقديره: لا أرى باغيًا؛ فلما أضمر الفعل برز الضمير وانفصل. والثاني: أن يُجعل "أنا" مبتدأ والفعل المقدر بعده خبرًا ناصبًا "باغيًا" على الحال، ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه، ونظائره كثيرة كالحال السادة مسد الخبر. ويروى: لا أنا مبتغي سواها ولا عن حبها متراخيًا، فعلى هذه الرواية (لا) أيضًا معملة، ولكنه سكن ياء مبتغي للضرورة؛ كما في قوله (¬2): "كفى بالنأي من أسماء كافي "وأصله: كافيًا (¬3). الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين (¬4)، (¬5) إِنِ الْمَرْءُ مَيْتًا بِانْقِضَاءِ حَيَاتِهِ ... وَلَكِن بِأَنْ يُبْغَى عَلَيهِ فَيُخْذَلَا أقول: هو من الطويل. ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين
المعنى: ليس المرء ميتًا بانقضاء حياته ولكن إنما يموت إذا بُغي عليه فيخذل عن النصر والعون. الإعراب: قوله: "إن": بمعنى ليس عند الكوفيين خلافًا للفراء (¬1)، وقوله: "المرء": اسمه، و"ميتًا": خبره، والباء في "بانقضاء" يتعلق بـ"ميتًا"، وقوله: "حياته": كلام إضافي مجرور بإضافة انقضاء إليها، قوله: "لكن": للاستدراك، قوله: "بأن يُبْغى عليه [فيخذلا] (¬2) " بصيغة المجهول، والباء تتعلق بمحذوف تقديره: ولكن يموت بأن يبغى عليه و"أن" مصدرية أي: بالبغي عليه. قوله: "فيخذلا" بالنصب عطف على قوله: "بأن يبغى عليه" والتقدير: فأن يخذلا، والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "إن المرء ميتًا" حيث عمل فيه "إن" عمل ليس (¬3). الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين (¬4)، (¬5) نَدِمَ البُغَاة وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ ... والْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبتَغِيهِ وَخِيمُ أقول: قائله هو محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التميمي، ويقال: مهلهل بن مالك الكناني (¬6). وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع. قوله: "البغاة": جمع باغ؛ كالقضاة جمع قاض، قوله: "ولات ساعة مندم" أي: وليست الساعة ساعة ندامة، والمندم مصدر ميمي، قوله: "مرتع" بالتاء المثناة من فوق؛ من رتع إذا رعى قوله: "مبتغيه": من ابتغى إذا طلب، قوله: "وخيم" أي: ثقيل؛ من الوخامة. ¬
الإعراب: قوله: "ندم البغاة": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "ولات ساعة مندم": جملة حالية. والمعنى: ندموا وقت لا ينفعهم الندم، "ولات" أصلها: "لا" بمعنى ليس، زيدت فيها التاء للتأكيد في معنى النفي ولتأنيث اللفظ؛ كما في ثمت، واختلفوا فيها؛ فقال بعضهم: إنها كلمة واحدة مثل قاض، ومعناه في الأصل نقص؛ كما في قوله تعالى: {لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: 14] فإنه يقال: لات يليت؛ كما يقال: ألت يألت، وقد قرئ بهما ثم استعملت للنفي (¬1). ويقال: أصلها: ليس -بكسر الياء فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاء فصار: لات (¬2). وقال أبو عبيدة وابن الطراوة: إنها كلمة وبعض كلمة؛ وذلك أنها لا النافية والتاء فيه زائدة في أول الحين، واستدل أبو عبيدة بأنه وجدها في مصحف عثمان - رضي الله تعالى عنه - مختلطة بحين في الخط. ولا حجة في ذلك؛ لأن في خط المصحف أشياء كثيرة خارجة عن القياس (¬3). وقال الزمخشري -رحمه الله تعالى-: زيدت التاء على لا وخصت بنفي الأحيان (¬4). قوله: "والبغي"؛ مبتدأ، و"مرتع مبتغيه": كلام إضافي مبتدأ ثان و"وخيم": خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولات ساعة مندم" حيث زيدت التاء بعد "لا" التي بمعنى ليس وأنه يعمل عملها في أسماء الأحيان نحو: حين وساعة وأوان، والحاصل أن المراد بكون اسمها حينًا أن يكون اسم زمان لا لفظ حين بدليل البيت المذكور (¬5). ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين
الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين (¬1)، (¬2) وَمَا حَقُّ الَّذِي يْعتُو نَهَارًا ... وَيَسْرِقُ لَيْلَهُ إلا نَكَالًا أقول: قائله هو مغلس بن لقيط بن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي شاعر جاهلي (¬3). وهو من الوافر. قوله: "يعتو": من عتا إذا استكبر يعتو عتوًّا وعُتِيًّا وعِتيًّا -بضم العين وكسرها فهو عاتٍ، وقوم عُتي، ويقال: معناه: يتجاوز الحد، ويشهد له قوله تعالى: {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} [الأعراف: 77]، وقال الزمخشري: يتجاوز الحد في الظلم (¬4)، ويشهد له قوله تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21]، والعطف يؤذن بالمغايرة، قوله: "إلا نكالًا" بفتح النون؛ وهو العذاب، وأصله من النكل -بكسر النون وهو القيد. الإعراب: قوله: "وما": كلمة ما نافية، ولكن انتقض نفيها بإلا، قوله: "حق الذي": كلام إضافي اسم لما، وقوله: "يعتو": صلة الموصول، و"نهارًا": نصب على الظرف، قوله: "يسرق" عطف على قوله يعتو، قوله: "ليله" نصب على الظرف، وقوله: "إلا نكالًا"؛ خبر ما، وقد عمل "ما" ها هنا مع انتقاض نفيه بإلا، وفيه الاستشهاد: اذ لو لم يعمل لقيل: نكال بالرفع؛ حُكي ذلك عن يونس وغيره (¬5)، وتأوله الجمهور على أن أصل نكالًا: نكالان ولكن حذفت نونه للضرورة. والمعنى: إلا نكالان؛ نكال لعتوه ونكال لسرقته؛ فعلى هذا لم تعمل "ما" فيه شيئًا لبطلان معناها بإلا. ويقال: أصله: إلا أن ينكل نكالًا؛ فالنصب على المصدرية لا على الخبرية، ونظيره: ما زيد إلا سيرًا؛ أي: إلا يسير سيرًا، وفيه نظر؛ لأن فيه اضمار أن المصدرية وصلتها وإبقاء معمول ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين
الصلة، وذلك نظير حذف بعض الاسم وإبقاء بعضه (¬1). الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين (¬2) يقول إذا اقلولي عليها وأقردت ... ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم أقول: قائله هو الفرزدق وقد مر الكلام فيه مستوفى قبل ستة أبيات من هذا الباب. الاستشهاد فيه: في قوله: "بدائم" على دخول الباء في خبر المبتدأ الَّذي دخلت عليه هل لشبهها بالنفي (¬3). الشاهد الأربعون بعد المائتين (¬4)، (¬5) مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لَا بَرَاحُ أقول: قائله هو سعد بن مالك بن ضبيعة جد طرفة، وهو من قصيدة حائية، وأولها هو قوله: 1 - يا بُؤسَ للحربِ التَّي ... وضَعَتْ أراهِطَ فاسْتَراحَوُا 2 - والحربُ لا يَبْقَى لِجَا ... حِمِهَا التخيُّلُ والمِرَاحُ 3 - إلا الفَتَى الصَّبارُ في النـ ... ـجدَاتِ والفَرسُ الوقَاحُ 4 - والنثرةُ الحَصْداءُ والـ ... بَيضُ المكلَّلُ والرِّمَاحُ 5 - وتساقطُ التَّنْوَاط والـ ... ــذَنَبَاتُ إذْ جَهَدَ الفِصَاحُ 6 - كَشَفَتْ لَهُم عَن سَاقِها ... وبَدا من الشرِّ الصُّراحُ ¬
7 - فالهمُّ بَيْضاتُ الخدُو ... رِ هُنَاكَ لا النَّعَمُ المُراحُ 8 - بِئْسَ الخَلَائِفُ بَعْدَنا ... أولَادُ يَشْكُرَ واللِّقاحُ 9 - مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا ... ......................... إلى آخره 10 - صَبْرًا بَنِي قَيْسٍ لها ... حتَّى تُريحُوا أو تُرَاحُوا 11 - إنَّ المَوائلَ خَوْفَها ... يَعْتَاقُهُ الأجلُ المُتَاحُ 12 - هَيهاتَ جال الموت دُونَ ... الفَوْت وانتُضِي السِّلاحُ 13 - كيف الحياةُ إذا خَلَت ... مِنَّا الظواهرُ والبِطَاحُ 14 - أَيْنَ الأعزة والأَسِنَّةُ ... عند ذلك والرِّماح؟ وهي من الكامل وفيه الإضمار والترفيل، تقول: من صد عن: مستفعلن مضمر، نيرانها: مستفعلن مضمر، [فأنا ابن قي: متفاعلن سالم، سٍ لا براح: مستفعلاتن] (¬1) مضمر مرفل، وعلى هذا باقيه، الإضمار: أن يسكن الثاني فيصير متفاعلن فيرد إلى مستفعلن، والترفيل: زيادة السبب الخفيف على تفعيلته حتَّى تصير: متفاعلاتن، وفي المضمر: مستفعلاتن. 1 - قوله: [أراهط] (¬2) جمع الجمع، كأنهم قالوا: رهط وأرهط، ثم قالوا: أراهط. 2 - قوله: "لجاحمها" من جحمت النار إذا اضطربت ومنه الجحيم، قوله: "التخيل" المضاف فيه محذوف؛ أي: صاحب التَّخَيُّل، قوله: "والمراح" بكسر الميم؛ اسم من مرح يمرَح من باب علم يعلم مرحًا، والمرح: شدة الفرح. 3 - و"الصبار" مبالغة الصابر، قوله: "في النجدات" أي: في الشدائد، قوله: "والفرس الوقاح" بفتح الواو وتخفيف القاف؛ أي: الصلب الشديد يقال: حافر وقاح؛ أي؛ صلب شديد، ويجمع على وقح مثل: قَذَال وقُذُل. 4 - قوله: "والنثرة الحصداء" النثرة -بفتح النون وسكون الثاء المثلثة وفتح الراء: الدرع الواسعة، والحصداء: صفتها، ومعناها: المحكمة الشديدة؛ من قولهم: رجل مُحْصد الرأي؛ أي: شديده، "والبيض" بفتح الباء الموحدة وسكون الياءآخر الحروف؛ جمع بيضة، وهي الخودة، ويجوز أن يكون بكسر الباء جمع أبيض وهو السيف. 5 - "وتساقط التنواط": عطف على قوله: "وضعت أراهط" والتنواط بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون. ¬
والمعنى: وتساقط الدخلاء الذين نيطوا بصميم العرب فلم يكونوا منهم، والتنواط في الأصل مصدر كالترداد، وُصِفُوا به كما يوصف بالمصادر، وقيل: [إن] (¬1) التنواط ما يعلق على الفرس من إداوة وغيرها، ثم أطلق على الدخلاء تشبيهًا بذلك، قوله: "والذنبات": عطف على التنواط وهي بفتح الذال المعجمة وفتح النون والباء الموحدة، وأراد بها التباع والعسفاء، ويقال: إن الذنبات لا يقال في الناس، وإنما يقال: أذناب، ولكن استعيرت هاهنا في الناس للأَتْبَاعِ والأُجَرَاء. قوله: "إذ جهد الفضاح" أي: جد واشتد، وهو بفتح الهاء، قوله: "عن ساقها" المراد بالساق الشدة؛ كما في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القدم: 42]، أي: عن شدة، قوله: "الصّراح" بضم الصاد وكسرها؛ أي: الخالص. 7 - قوله: "فالهم بيضات الخدور" أراد بها النساء؛ لأن المرأة تشبه ببيضة النعامة، قوله: "لا النعم المراح" بضم الميم وهو الموضع الَّذي تأوي إليه الإبل والغنم بالليل، والمراح - بالفتح: الموضع الَّذي يروح منه القوم أو يروحون إليه. 8 - قوله: "الخلائف": جمع خليفة، قوله: "أولاد يُشْكُر" بفتح (¬2) الياء آخر الحروف وسكون الشين المعجمة وضم الكاف وفي آخره راء، وهو اسم قبيلة، وهو يشكر بن بكر بن وائل، قوله: "واللِّقاح" بفتح اللام وأراد به: بني حنيفة، وكانوا يلقبون بذلك؛ لأنهم كانوا لا يدينون للملوك. 9 - قوله: "من صد" أي: من أعرض "عن نيرانها" أي: نيران الحرب، قوله: "فأنا ابن قيس لا براح" أي: لا براح لي، أي: ليس لي براح. والمعنى: إن أَعْرَض أولاد يشكر وأولاد بني حنيفة: عن نيران الحرب فأنا ابن قيس لا براح لي عن موقفي في الحرب. 10 - قوله: "صبرًا بني قيس" يعني: اصبروا يا بني قيس. 11 - [قوله] (¬3): "إن الموائل": جمع موئل وهو الملجأ، قوله: "يعتاقه" أي: يحسبه ويصرفه عنه، وثلاثيه عاقه من كذا يعوقه، قوله: "المتّاح" بفتح الميم وشديد التاء المثناة من فوق أي: الأجل الطويل، يقال: ليل متاح إذا كان طويلًا. ¬
12 - قوله: "جال الموت" من الجولان بالجيم (¬1). 13 - قوله: "الظواهر" أراد بها أشراف الأرض، و"البطاح" بكسر الباء الموحدة؛ جمع أبطح، وهو مسيل [الماء] (¬2) واسع فيه دقاق الحصى. الإعراب: قوله: "من": شرطية، و"صد": فعل الشرط وفيه ضمير فاعله يعود إلى "مَن" قوله: "عن نيرانها": يتعلق بقوله "صد" والضمير يرجع إلى الحرب كما ذكرنا، والحرب مؤنثة، قال الله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَربُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] قوله: "فأنا": مبتدأ، و"ابن قيس": كلام إضافي خبره، والجملة جزاء الشرط. قوله: "لا": بمعنى ليس، و"براح": مرفوع لأنه اسم لا، وخبرها محذوف تقديره: "لا براح لي" أي: ليس لي براح. فإن قلت: لا براح ما موقعها؟ فهل لها محل من الإعراب أم لا؟ قلت: هي استئناف، كأنه قال: أنا ابن قيس الَّذي عُرِفت بالشجاعة فلا يحتاج إلى البيان، ثم قال على سبيل الاستئناف؛ لا براحُ لي، ويجوز أن تكون هذه الجملة منصوبة المحل على الحال المؤكدة من قوله "أنا ابن قيس" كأنه قال: أنا ابن قيس ثابتًا في الحرب، وذلك نحو قولك: زيد أبوك عطوفًا، وقد قيل: إن هذه الجملة تقرير للجملة السابقة، والبراح: مشترك بين المكان والزمان، تقول: ما برحت من مكاني براحًا وبروحًا، وما برحت أفعل كذا براحًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا براح" حيث استعمل الشاعر لا بمعنى ليس، فقال: لا براح في تقدير: ليس براح، وإن كان ذلك قليلًا (¬3)، وقيل: لا شاهد فيه لجواز أن يكون براح مبتدأ، وردَّ بأن لا الداخلة على الجمل الاسمية يجب إما إعمالها أو تكرارها، فلما لم تتكرر علم أنها عاملة، وأجيب بأن هذا شعر، والشعر يجوز فيه أن ترد غير عاملة ولا مكررة، ورد بأن الأصل كون الكلام على غير الضرورة (¬4). ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائتين
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائتين (¬1)، (¬2) طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ أقول: قائله هو أبو زبيد الطائي، واسمه المنذر بن حرملة بن معد يكرب بن حنظلة بن النعمان بن شعبة بن الحرث بن؛ ربيعة بن مالك بن عمرو بن الغوث بن طيئ، وكان نصرانيًّا وعلى دينه مات وقد أدرك الإسلام، وكان من زوار الملوك وخاصة ملوك العجم، وكان عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - يقربه ويدني مجلسه: والبيت المذكور من قصيدة من بحر الخفيف الخبون، وأولها هو قوله (¬3): 1 - خَبَّرتْنَا الركْبانُ أَنْ قَدْ فَرحتُمْ ... وفخرتُمْ بضَرْبَةِ المُكَّاءِ 2 - وَلَعْمرِي لَعارُها كَانَ أَدْنَى .. لَكُمُ من تُقىً وحُسْنِ وَفَاءِ 3 - ظَلُّ ضَيْفًا أَخُوكم لِأخِينَا ... في صَبُوحٍ ونَعْمَةٍ وشِوَاءِ 4 - لَمْ يَهَبْ حُرْمَةَ النَّديمِ ولكِنْ ... يَا لَقَومْي للسوْأةِ السَّوْآءِ 5 - فاصْدُقُونِي وقد خَبَرتُمْ وقَدْ ثَابَتْ ... إليكُمْ جَوائِبُ الأنْبَاءِ 6 - هل علمتُمْ مِنْ مَعْشَرِ سَافَهُونَا ... ثُمَّ عَاشُوا صَفْحًا ذَوي غُلَوَاء 7 - كم أزالت رماحُنا من قتيل ... قاتلونا بنكبة وشقاءِ 8 - بَعَثُوا حَرْبَنَا عَليهِمْ وكَانُوا ... في مَقَامِ لَوْ أبَصَرُوا ورَخَاءِ 9 - ثُمَّ لَمَّا تَشَذَّرَتْ وأنَافَتْ ... وتصَلَّوْا منها كَرِيهَ الصَّلاءِ 10 - طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلَاتَ أَوَانٍ ... فَأَجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاءِ 11 - وَلَعْمرِي لَقَدْ لَقُوا أَهْلَ بَأْسٍ ... يَصْدُقُونَ الطِّعَان عِنْدَ اللِّقَاءِ 12 - ولَقَدْ قَاتُلوا فما جَبُنَ القومُ ... عن الأمّهَاتِ والأبْنَاءِ ¬
13 - وَحَمْلنَاهُمْ عَلَى صَعْبة زو ... رَاء يَعْلُونها بغَير وطاءِ 14 - أبديء أَن تقتلُوا إذ قَتَلْتُمْ ... أَمْ لَكُمْ بَسطةً على الأكْفَاءِ 15 - أَمْ طمعتُمْ بَأَنْ تُريقُوا دِمَانا ... ثُم أَنَتمْ بنجوةٍ في السَّماءِ 16 - فَلحَا اللهُ طالبَ الصُّلح منا ... ما أطاف المبسّ بالدَّهْناءِ 17 - إنَّنا مَعْشَرٌ شَمائِلُنا الصَّبْرُ ... ودَفْعُ الأَذَى بحسْنِ العَزَاءِ 18 - وَلنَا فَوْقَ كُل مَجْدٍ لِوَاءٌ ... فَاضِلٌ في التَّمامِ كُلَّ لِوَاءِ 19 - فإذا ما استطعْتُمُ فاقْتُلُونا ... من يُصَبْ يُرتَهَنْ بغيرِ فِدَاءِ قال أبو عمرو الشيباني وابن الأعرابي: نزل رجل شيباني برجل طائي فأضافه وسقاه فلما سكر وثب إليه بالسيف فقتله وخرج هاربًا وافتخر بنو شيبان بذلك، فقال أبو زبيد في ذلك هذه القصيدة (¬1). 1 - قوله: "الركبان" بضم الراء؛ جمع ركب، والركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها ويجمع على أركب أيضًا، قوله: "بضربة المُكاء" بضم الميم وتشديد الكاف؛ وهو اسم الرجل الشيباني الَّذي قتل الطائي. 2 - قوله: "لعارُهَا" أي: لعار ضربة المكاء. 5 - قوله: "جوائب الأنباء" الجوائب جمع جائبة، يقال: هل عندكم من جائبة خبر؟ وهو ما يجوب البلاد، أي: يقطعها، و"الأنباء": جمع نبأ وهو الخبر. 6 - قوله: "ذوي غلواء" بضم الغين المعجمة، وهو بمعنى: الغلو، وبمعنى سرعة الشباب وأوله وهو المراد هاهنا. 9 - قوله: "ثم لما تشذرت" أي: لما رفعت الحرب ذَنَبها، و"التشذر": الاستثفَار بالثوب أو بالذنب، قوله: "وأنافت" أي: رفعت رأسها، قوله: "وتصلوا": من تصليت بالنار إذا اصطليت بها، وأراد: نار الحرب، والصِّلاء -بكسر الصاد بالمد: صلاء النار. 10 - قوله: "طلبوا صلحنا" أي: طلب هؤلاء القوم صلحنا، والحال أن الأَوَانَ ليس أوانَ صلح، فقلنا لهم: ليس الحين حين بقاء الصلح. 13 - قوله: "على صعبة زوراء" أي: على خيول صعبة شديدة، الزوراء: البعيدة الجري. ¬
14 - قوله: "أبديء" الهمزة للاستفهام، والبديء على وزن فعيل وهو الأمر البديع. 15 - قوله: "بنجوة" النجوة والنجاة: المكان المرتفع الَّذي تظن أنَّه نجاؤك، لا يعلوه السير. 16 - قوله: "فلحا الله" أي: قبح الله طالب الصلح منا. قوله: "المبسّ": من أَبْسَسْتُ الإبل إذا زجرتها وقلت بس بس وكذلك: بسست، قال أبو عبيد: بسست الإبل وأبسستها لغتان (¬1)، و"الدهناء": موضع ببلاد بني تميم يمد ويقصر وهاهنا بالمد (¬2). الإعراب: قوله: "طلبوا"؛ فعل وفاعله واو الجماعة وهو ضمير بارز (¬3)، و"صلحنا": كلام إضافي مفعول، قوله: "ولات أوان": جملة حالية؛ أي: وليس الأوان أوان صلح، فحذف المضاف إليه ثم بَنَى أَوَانَ؛ كَمَا بُنَي قبلُ وبَعْدَ عند حذف المضاف إليه، ولكنه بُنِيَ على الكسر لشبهه بنَزَالِ في الوزن ثم [نُوِّنَ] (¬4) لأجل الضرورة. وقال الفراء: لات تستعمل حرف جر أحيانًا وأنشد هذا البيت وحمله على ظاهره (¬5)، وقال الزمخشري في الكشاف: فإن قلتَ فما وجه الكسر في أوان؟ قلتُ: شبه بإذ في قوله (¬6): نهيتُك عَن طِلابكَ أَمِّ عَمْروٍ ... بَعافَيةٍ وأنْتَ إذٍ صَحِيحُ في أنَّه زمان قطع منه المضاف إليه وعوض التنوين؛ لأن الأصل: ولات أوان صلح (¬7). [قوله] (¬8): "فأجبنا" الفاء للعطف، وفيه معنى التعقيب، وأجبنا: فعل وفاعل، قوله: "أن" تفسيرية، وليس للنفي، واسمه محذوف، قوله: "حين بقاء": خبره؛ أي: ليس الحين حين بقاء الصلح. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولات أوان" حيث وقع خبره لفظة "أوان" كالحين؛ فافهم (¬9). ¬
شواهد أفعال المقاربة
شواهد أفعال المقاربة الشاهد الثاني والأربعون بعد المائتين (¬1)، (¬2) أَكْثَرْتَ في الْعَذْلِ مُلِحًّا دَائِمًا ... لا تُكْثِرَنْ إِنِّي عَسَيتُ صَائِمًا أقول: قد قيل إن قائله هو رؤبة بن العجاج، وقال أبو حيان: هذا البيت مجهول لم ينسبه الشراح إلى أحد فسقط الاحتجاج به، وكذا قال أبو عبد الواحد الطواح في كتابه بغية الآمل ومنية السائل (¬3)، قلت: لو كان الأمر كما قالا لسقط الاحتجاج بخمسين بيتًا من كتاب سيبويه؛ فإن فيه ألف بيت قد عرف قائلها وخمسين بيتًا مجهولة القائلين، وقد حرف ابن الشجري هذا الرجز فأنشده (¬4): قم قائمًا قم قائمًا ... إني عسيت صائمًا وإنما قم قائمًا، صدر رجز آخر يأتي بيانه -إن شاء اللَّه تعالى-، والبيت المذكور من الرجز المسدس. قوله: "أكثرت" من الإكثار، و"العذل" بالذال المعجمة؛ الملامة، وقد عذلته فاعتذل، والاسم العذل بالتحريك، قوله: "مُلِحّا": من ألحَّ يلحّ إلحاحًا فهو مُلِحٍّ، قوله: "عسيت" بفتح العين وكسر السين، يقال: عسيت أفعل ذاك، وعسيت أفعل أيضًا بفتح السين وقرئ (¬5): {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22]، وعَسِيتم بالفتح والكسر. ¬
الإعراب: قوله: "أكثرت": فعل وفاعل، و "في العذل": يتعلق به، قوله: "ملحًّا": نصب على الحال، و"دائمًا": صفته، قوله: "لا تكثرن": نهي مؤكد بالنون الخفيفة، ويروى: لا تلحني بمعنى لا تلمني، من لحيته بالفتح ألحاه لحيًا إذا لمته. قوله: "إني" الياء اسم إن، وقوله: "عسيت صائمًا": خبره، وقد علم أن عسى تلحق بكان في رفع الاسم ونصب الخبر، فاسمه ضمير المتكلم، وخبره قوله: "صائمًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "عسيت صائمًا" وذلك لأن الأصل أن يكون خبر عسى فعلًا مضارعًا، وقد جاء ها هنا مفردًا وهو نادر (¬1)، وقد قيل في هذا المقام خلاف ذلك (¬2)؛ وذلك لأن عسى هاهنا فعل تام خبري لا فعل ناقص إنشائي بدليل وقوعه خبرًا لإن، ولا يجوز بالاتفاق: إن زيدًا هل قام؟ بدليل قبول هذا الكلام التصديق والتكذيب، فعلى هذا؛ فالمعنى: إني رجوت أن أكون صائمًا فصائمًا خبر لكان والفعل مفعول لعسى (¬3)، وسيبويه يجيز حذف أن والفعل إذا قويت الدلالة على الحذف؛ ألا ترى أنَّه قدر في قوله: .................. ... ................ من لد شولًا؟ من لد أن كانت شولًا (¬4)، ومن وقوع عسى فعلًا خبريًّا، قوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا} [البقرة: 246]؛ ألا ترى أن الاستفهام طلب فلا يدخل على الجملة الإنشائية، وأن المعنى: قد طمعتم أن لا تقاتلوا إن كتب عليكم القتال. ومما يحتاج إلى النظر قول القائل: عسى زيد أن يقوم؛ فإنك إن قدرت عسى فيه فعلًا إنشائيًّا كما قاله النحويون أشكل؛ إذ لا يسند فعل [الإنشاء] (¬5) إلا إلى منشئه، وهو المتكلم كَبِعْتُ ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد المائتين
واشتريتُ وحررتك، وأيضًا فمن المعلوم أن زيدًا لم يَتَرَجَّ، وإنما المترجي المتكلم، وإن قدرته خبرًا؛ كما في البيت والآية، فليس المعنى على الإخبار، ولهذا لا يصح تصديق قائله ولا تكذيبه. فإن قلت: يخلص من هذا الإشكال أنهم نصوا على أن كَان وما أشبهها أفعال جارية مجرى الأدوات فلا يلزم فيها حكم سائر الأفعال. قلت: قد اعترفوا مع ذلك بأنها مسندة؛ إذ لا ينفك الفعل المركب عن الإسناد، والذي يُخَلِّصُ من هنا الإشكال أن يدعى أنها هاهنا حرف بمنزلة لعل؛ كما قال سيبويه والسيرافي بحرفيتها في نحو: عساي وعساك وعساه (¬1)، وقد ذهب جماعة منهم أبو بكر إلى أنها حرف دائمًا (¬2)، وإذا حملناها على الحرفية زال الإشكال؛ إذ الجملة الإنشائية حينئذ اسمية لا فعلية؛ كما نقول: لعل زيدًا يقوم، فافهم هذا الموضوع فإنه دقيق. الشاهد الثالث والأربعون بعد المائتين (¬3)، (¬4) فَأُبْتُ إِلَى فَهْمٍ وَمَا كِدْتُ آيبًا ... ......................... أقول: قائله هو تأبط شرًّا، واسمه ثابت بن جابر بن سفيان، سمي بذلك؛ لأنه أخذ سيفًا وخرج فقيل لأمه: [أين ذهب؟] (¬5)، فقالت: لا أدري تأبط شرًّا وخرج. وقيل: أخذ سكينًا تحت إبطه وخرج إلى نادي قومه فوجأ بعضهم فقيل: تأبط شرًّا، وقيل غير ذلك، وتمام البيت المذكور: ................................ ... وَكَمْ مِثْلِهَا فَارَقْتُهَا وَهِي تَصْفِرُ ¬
وهي من قصيدة رائية، وأولها هو قوله (¬1): 1 - إذا المرءُ لَمْ يحتلْ وَقَدْ جَدَّ جِدُّه ... أضَاعَ وقَاسَى أَمرَهُ وهو مُدْبرُ 2 - ولكنْ أخو الحزمِ الَّذي ليس نازلًا ... به الخطْبُ إلا وهو للقصْدِ مُبْصِرُ 3 - فَذَاك قَريعُ الدُّهر ما عاش حوّلا ... إذَا سُدَّ منه مَنْخِرُ جَاش مَنْخِرُ 4 - أقولُ لِلحْيَانِ وقد صَفِرتْ لهم ... وطَابِي وَيوْمِي ضَيِّقُ الحِجْرِ مُعْورُ 5 - هُما خُطَّتَا إِمَّا إسَارٌ وَمِنَّةٌ ... وإما دمٌ والقَتْلُ بالحرِّ أَجْدَرُ 6 - وأخْرى أصادي النَّفْسَ عنْهَا وإِنَّهَا ... لمورد حَزْمٍ إن فعلت ومصدر 7 - فرشْتُ لها صَدْرِي فزَلَّ عنْ الصَّفَا ... بهِ جُؤْجؤ عَبْلٌ ومَتنٌ مُخَصَّرُ 8 - فخَالطَ سهْلَ الأزضِ لم تَكْدَح الصَّفَا ... به كَدْحَةٌ والمَوتُ خَزْيانُ ينظرُ 9 - فأبت إلى فهم ...................... ... .............. إلى آخره وهي من الطويل. كان تأبط شرًّا يشتار عسلًا في جبل ليس له غير طريق فأخذ عليه لحيان ذلك الموضع وخيروه النزول على حكمهم أو إلقاء نفسه من الموضع الَّذي ظنوا أنَّه لا يسلم فصبّ العسل الَّذي معه على الصفا وألقى نفسه فسلم وجعل يكلمهم فكان بينهم وبين الموضع الَّذي استقر به على الطريق [مسيرة] (¬2) ثلاثة أيام (¬3). 1 - قوله: "وقد جدّ جده" أي: ازداد جده جدًّا، قوله: "أضاع" أي: ضيّع أو وجده ضائعًا، قوله: "وقاسى أمره" أي: شقي به وهو مؤول. 2 - قوله: "أخو الحزم" وهو الشدة والضبط، ومنه الحزام والحزمة والحيزوم، والمعنى: صاحب الحزم وهو الذي يستعد للأمر قبل نزوله. 3 - قوله: "فذاك" إشارة إلى أخي الحزم، قوله: "قريع الدهر" يحتمل وجهين: أن يكون في معنى مختار الدهر، ويكون من قرعته؛ أي: اختبرته (¬4) قرعتي. ويجوز أن يكون من قرعه الدهر بنوائبه حتَّى جرب وبصر، ويكون قريع في الوجهين فعيلًا بمعنى مفعول، قوله: ¬
"حوّلا" هو المتحول من حال إلى حال، [قوله] (¬1): "إذا سد منه منخر" مثل للمكروب المضيَّق عليه، قوله: "جاش": من الجيش، وهو الحركة والاضطراب أي: لافتنانه في الحيل لا يؤخذ عليه طريق إلا نفذ في آخر. 4 - قوله: " [أقول] (¬2) للحيان" [يعني:] (¬3) عند مخاطبته إياهم وهو على الجبل، قوله: "وقد صفرت لهم وطابى" يعني: قد خلا قلبي من ودهم، ويجوز أن يكون أشار بالوطاب إلى الجسم؛ أي: كاد تفارقه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى ظروف العسل التي صب العسل منها على الصفا وركبه مُتَزَلِّقًا عليه حتَّى لحق بالسهل، قوله: "معور": من أعور لك الشيء إذا بدت عورته، والواو في قوله: "ويومي ضيق الحجر" وكذلك في قوله: "وقد صفرت" للحال. 5 - قوله: "هما خطتا" أصله: هما خطتان، حذفت منها النون وهي تثنية خطة وهي القصة والحالة. 7 - قوله: "فرشت لها صدري" أي: للخطة، قوله: "جؤجؤ عبل" أي: صدر ضخم "ومتن مُخَصّر" أي: دقيق. 8 - والواو في قوله: "والموت خزيان" واو الحال، وخزيان من الْخزْيِ وهو الهوان، ويجوز أن يكون من الخزاية وهو الاستحياء. 9 - قوله: "فأبت": من آب يؤوب إذا رجع أوبًا وأوبة وإيابًا، قوله: " [إلى فهم] (¬4) " وهي قبيلة فهم بن عمرو بن قيس عيلان، قوله: "وما كدت آبيًا" أي: راجعًا، وهو فاعل من أن يكوب، قوله: "وكم مثلها" أي: وكم مثل هذه الخطة فارقتها وهي تتلهف كيف أفلت، قوله: "وهي تصفر" من صفير الطائر. الإعراب: قوله: "فأبت": عطف على ما قبله من الجمل، وهو فعل وفاعل، وقوله: "إلى فهم": يتعلق به، قوله: "وما كدت آبيًا": جملة منفية، والتاء؛ اسم كاد، وخبره قوله: "آبيًا" قوله: "وكم": خبرية بمعنى كثير، وخبره قوله: "فارقتها" قوله: "مثلها" بالجر تمييز، وقد علم أن تمييز كم الخبرية يأتي مفردًا ومجموعًا، تقول: كم عبد ملكت، وكم عبيد ملكت، قوله: "وهي تصفر": جملة اسمية وقعت حالًا. ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "وما [كدت] (¬1) آبيًا" وهو أنَّه استعمل خبر كاد اسمًا مفردًا وإنما قياسه الفعل ويروى: وما كنت آبيًا، فإن صح فلا استشهاد فيه (¬2). الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين (¬3)، (¬4) وَقَدْ جُعَلْتْ قَلُوصُ ابني زيادٍ ... من الأكوارِ مَرْتَعُها قَرِيبُ أقول: هذا البيت من أبيات الحماسة ولم يعزه إلى أحد، وقبله: فَلَسْتُ بِنَازلٍ إلَّا ألمّتْ ... بِرَحْلِي أَوْ خَيَالتُها الكَذُوبِ وبعده: كأنَّ لها بِرَحْل القِوْمِ بَوًّا ... وَمَا إِنْ طِبُّها إلَّا اللُّغُوبِ وهي من الوافر. قوله: "أو خيالتها" يعني: أو خيالها يقال: خيال وخيالة؛ كما يقال: مكان ومكانة وجعلها كذوبًا؛ لأنه لا حقيقة لها، قوله: "قلوص" بفتح القاف وضم اللام المخففة؛ وهي الشابة من النوق بمنزلة الجارية من النساء، وقال العدوي (¬5): أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثنى فإذا أثنت فهي ناقة وتجمع على قُلص وقلائص (¬6). قوله: "ابني زياد" ويروى: ابني سهيل، قوله: "من الأكوار": جمع كور، قوله: "مرتعها" أي: مرعاها قريب. والمعنى: طفقت لقرب مرتعها من الأكوار؛ يعني: إنها لَمَّا أَعْيَتْ حَطَّ عنها رحلها فرعت قريبًا ولم تبعد، قوله: "بوًّا" بفتح الباء الموحدة وتشديد الواو؛ وهو جلد الحمار يحشى فتعطف عليه ¬
الناقة إذا مات ولدها، قوله: "اللغوب" بفتح اللام وضم الغين المعجمة؛ وهو التعب والإعياء وهو لغة في اللغوب -بضم اللام، يقال: لغب يلغب لغوبًا من باب فتح يفتح، ولغب بالكسر يلغب لغوبًا لغة فيه ضعيفة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير ويزيد النحوي {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} بفتح اللام. الإعراب: قوله: "وقد جعلت" [قد: للتحقيق] (¬1) وجعل: من أفعال المقاربة يستعمل استعمال كاد ولا يكون خبره إلا مضارعًا مجردًا من أن، وهاهنا جعلت على صيغة المجهول أسندت إلى قلوص، و"القلوص": مرفوع بها، وأضيفت القلوص إلى ابني زياد، قوله: "مرتعها": مبتدأ وخبره قوله: "قريب"، والجملة خبر جعلت، وهذا مما جاء على الندرة، قوله: "من الأكوار" يتعلق بقوله: "قريب"، وذكر بعضهم أن جُعِلَتْ هاهنا بِمَعْنَى طَفِقْتُ ولذلك لا يتعدى (¬2)، و"مرتعها قريب" في موضع الحال؛ أي: أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة: المرتع من رحالهم لِمَا بها من الإعياء، وقال أبو العلاء رفعُ قَلوصٍ وجه رديء؛ لأن القائل إذا قال جعلت وهو يريد المقاربة لم يكن بد من لأليانه بالفعل كما قال (¬3): جعلت وما بي من جفاء ولا قلى ... أزوركم يومًا وأهجركم شهرًا وعلى ذلك جميع ما يرد، فإذا قال القائل: جعل زيد فعله جميل، ولم يأت بلفظة الفعل فإنما يحمله على المعنى؛ كأنه قال: جعل زيد يجمل، وأحسن من هذا الوجه أن ينصب قلوص، ويكون في جعلت ضمير يعود على المذكور، وليست جعلت في هذا الوجه في معنى المقاربة، وإنما هي [بمنزلة] (¬4) صيرت فلا يفتقر إلى فعل، ويكون قوله: "مرتعها قريب" جملة في موضع المفعول الثاني؛ كما يقال: جعلت أخاك ماله كثير (¬5). وقال الشلويين: ومنهم من جعل "جعلت" هاهنا بمعنى صيرت، وحذف منها ضمير الشأن، والتقدير: وقد جعلته؛ أي: جعلت الأمر والشأن مرتعها قريب من الأكوار، ومنهم من أجاز أن كون إلغاء جعلت مع تقدمها على حد إجازة أبي الحسن: ظننت عبد الله منطلق، وفيه نظر؛ لأن الإلغاء إنما يجوز في أفعال القلوب لا في أفعال التصيير فافهم (¬6). ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "مرتعها قريب" حيث وقعت هذه الجملة الاسمية خبرًا لجعلت، على أن الأصل أن يكون خبرها فعلًا مضارعًا، ولكن أصلها: يقرب مرتعها، فأقيمت الجملة الأسمية مقام الفعلية (¬1) فافهم. الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين (¬2)، (¬3) وَقَدْ جَعَلْتُ إذَا ما قُمْتُ يُثْقِلُنِي ... ثَوبي فَأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّاربِ الثمل أقول: قائله هو أبو حية النمري، واسمه المشمر بن الربيع بن زرارة بن كثير بن حباب بن مالك بن عامر بن نمير الشاعر المشهور، وأبو حية -بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وقد نسب هذا البيت للحكم بن عبدل الأعرج الأسدي، وليس بصحيح لأنه لا يوجد في ديوانه ويروى الشطر الثاني: ....................... ... ثوبي فقمت قيام الشارب السكر وممن رواه هكذا الجاحظ في باب العرجان من كتاب الحيوان، ونسبه لأبي حية النمري، وأنشده له هكذا: وَقَدْ جَعَلْتُ إذَا ما قُمْتُ يُوْجُعنِي ... ظهري فقمتُ قِيامَ الشَّاربِ السَّكِير وَكُنْتُ أَمْشي على رِجْلي مُعتدلًا ... فصرتُ أَمْشِي على أُخْرى من الشَّجَر (¬4) وهما من البسيط. قوله: "الثمل" بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم وفي آخره لام؛ وهو النشوان؛ أي؛ السكران، وقال ابن الأثير: الثمل الَّذي أخذ منه الشرب والسكر، قوله: "السكر" بفتح السين وكسر الكاف، وهو صفة مشبهة بمعنى السكران. ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين
الإعراب: قوله: "وقد جعلت" قد للتحقيق، وجعلت: من أفعال المقاربة يقتضي الاسم والخبر، وخبره يكون مضارعًا مجردًا من أن والتاء المتصل به اسمه، وقوله: "يثقلني": خبره، قوله: "ثوبي": بَدَل من اسم جعلت بدل اشتمال وليس هو فاعل يثقلني فافهم. والتحقيق فيه أنَّه أقام السبب وهو الإثقال مقام المسبب وهو النهوض نهض الشارب الثمل. والمعنى: وقد جعلت أنهض نهض الشارب الثمل لإثقال ثوبي إياي، فقد ذكر السبب كما في قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، فاستشهاد الرجل والمرأتين ليس سببه ضلال إحداهما، بل التذكير لأجل أن ضلت فعومل الضلال معاملة التذكير لما كان سببه، قوله: "إذا": ظرف، وكلمة: "ما" مصدرية والتقدير: حين قيَامِي. قوله: "فأنهض" عطف على قوله: جعلت، وفيه أنا مستكن فاعله، وقوله: "نهض الشارب" كلام إضافي منصوب على الإطلاق، وقوله: "الثمل" بالجر صفة للشارب. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثوبي" فإنه بدل من اسم جعلتُ كما ذكرنا، وذلك لأن من الشرط أن يكون "جعل" رافعًا لضمير الاسم، ويكون التقدير: وقد جعلت ثوبي يثقلني عند قيامي فافهم (¬1). الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين (¬2)، (¬3) وأَسْقَيهِ حَتَّى كَادَ مما أبثُّهُ ... تُكَلِّمُنِي أحْجَارُهُ ومَلَاعِبُهُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله: ¬
1 - وَقَفت علَى رَبْعِ لميَّةَ نَاقَتِي ... فما زِلْتُ أَبْكي عِنْدَهُ وأخاطبُهْ 2 - وأُسْقِيهِ .............. ... ........................ إلى آخره 3 - بأجْرَعَ مِقْفارِ بَعيدٍ من القُرَى ... فَلاةٍ وحَفَّتْ بالفَلَاةِ جَوانِبُهْ 4 - بِهِ عَرَصَاتُ الحي قَوّبنَ مَتْنَهُ ... وجرَّدَ أثْبَاجَ الجراثم حَاطِبُه 5 - تَمشي به الثِّيرانُ كُلَّ عَشِيَّةٍ ... كما اعْتَادْ بَيتَ المَرْزُبانِ مَرازِبُه 6 - كأنَّ سَحِيقَ المِسْكِ رَيًّا تُرابِه ... إذا هضبت بالطَّلالِ هَواضِبُه 1 - قوله: "وقفت" يقال: وقفت الدابة تقف وقوفًا وقفتها أنا وقفًا يتعدى ولا يتعدى، وقوله: "ناقتي": مفعول وقفت، والربع: الدار حيث كانت، وجمعها: رباع وربوع وأرباع وأربع، و"مية": اسم امرأة. 2 - قوله: "وأسقيه" بضم الهمزة أي: قلت له سقاك الله؛ يعني: أدعو له بالسقيا، قال الجوهري: وسقيته الماء: شدد للكثرة وسقيته أيضًا إذا قلت له سقاك [الله] (¬1)، وكذلك أسقيته قال ذو الرمة ثم أنشد البيت المذكور، ولكن في روايته: وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أسقي ربعها وأخاطبه (¬2) والمشهور ما ذكرناه من ديوانه، والضمير المنصوب يرجع إلى الربّع في البيت السابق، قوله: "أبثه" من البث وهو الإظهار. والمعنى: من أجل ما أظهر له بثي وحزني تُكلمني أحجار الربع، و"ملاعبه" وهو جمع ملعب وهو موضع اللعب. 3 - قوله: "بأجرع" أي؛ في أجرع [أي: ربع كائنة في أجرع] (¬3)، وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء، قوله: "مقفار" صفة الأجرع، وهو بكسر اليم وسكون القاف بعدها فاء، يقال: مفازة قفر وقفرة ومقفار لا نبات فيها ولا ماء، وكذلك أرض قفر، والفلاة: المفازة. 4 - قوله: "به عرصات الحي" أي: فيه عَرَصَات الحي، وهو جمع عَرَصَةٍ -بمهملات مفتوحة، وهي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء، قوله: "قوبن متنه" يعني: قلعن ما به من الشجر وأذهبنه عن متنه كهيئة القوباء، والقوباء: تقويب الجلد. ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين
قوله: "وجرد": فعل ماض من التجريد، وقوله: "حاطبه": فاعله، من حطب الحطب إذا جمعه وكذلك احتطبه، "والأثباج": جمع ثبج -بفتح الثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم الجيم، وهو وسط كل شيء، ومعظم كل شيء ثبج أيضًا، والمعنى على هذا هنا، "والجراثيم": جمع جرثومة وهي الأصل وأراد بها أصول الأشجار. 5 - قوله: "بيت المرزبان مرازبه" والمرزبان: الأسد، والمرازب: جمع مرزبان، 6 - قوله: "ريا ترابه" أي: ريح ترابه، قوله: "إذا هضبت" أي: أمطرت، و"الهواضب": الأمطار، والطلال -بكسر الطاء: الأنداء، واحدها طلٍّ. الإعراب: قوله: "وأسقيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ أي: وأسقي ربع مية، قوله: "حتَّى كاد" حتَّى للغاية بمعنى إلى، وكاد من أفعال المقاربة، واسمه الضمير الَّذي فيه يرجع إلى الربع، وقوله: "يكلمني": خبره، قوله: "مما أبثه" يتعلق بكاد، ومن للتعليل، و"ما" يجوز أن تكون موصولة، أي: من الَّذي أبثه، ويجوز أن تكون مصدرية؛ أي: من أجل بثي، أي: حزني؛ لأن البث هو الحزن، قوله: "أحجاره": بالرفع بدل من اسم كاد وهو الضمير الَّذي فيه، وليس هو بفاعل لقوله يكلمني. الاستشهاد فيه: في قوله: "حتَّى كاد مما أبثه" لأن من الشرط أن كون خبر كاد رافعًا لضمير الاسم، ويكون التقدير هاهنا: حتَّى كاد أحجاره تكلمني مما أبثه، وكذلك التقدسر: في: "ملاعبه"؛ لأنه عطف على قوله: "أحجاره"، والتقدير: حتَّى كاد ملاعبه تكلمني فافهم (¬1). الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين (¬2)، (¬3) وَمَاذا عَسَى الحجّاجُ يبلُغُ جُهْدُهُ ... إذا نحن جَاوَزْنا حَفيرَ زَيادِ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب. ¬
وهو من الطويل. والحجاج هو ابن يوسف الثقفي الظالم المشهور، وكان تَوَعَّدَ الفرزدقَ بِوعيدٍ شديدٍ فهرب من العراق إلى الشام وأنشد: وماذا عسى الحجاج .... ... .............. إلى آخره وحفير زياد بين الشام والعراق، وزياد هذا هو ابن [أبي] (¬1) سفيان أخو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، وكان أميرَ العراق خمس سنين نيابةً عن أخيه معاوية، مات في سنة ثلاثٍ وخمسين من الهجرة، ودفن بالنوبة خارج الكوفة. الإعراب: قوله: "وماذا" كلمة ما: استفهام، و"ذا": إشارة، و"عسى": من أفعال المقاربة وفيه طمع وإشفاق، وقوله: "الحجاج": اسمه، وقوله: "يبلغ": خبره، وقد عُلِمَ أن اسمَ عسى على ضربين: أحدهما: يلزمه الخبر نحو: عسى زيد أن يفعل، وقل ورود الخبر بدون أن كما في البيت. والآخر: وهو الَّذي لا يلزمه الخبر على قسمين: أحدهما: يجب فيه الاقتصار على الاسم نحو: عسى أن تفعل، وقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيِئًا} [البقرة: 216] فأن تكرهوا في موضع رفع، وقد سد مسد الاسم والخبر. والآخر: يجوز فيه الاقتصار على أن والفعل اسمًا، ويجوز ترك الاختصار والتصريح بالاسم وجعل أن والفعل خبرًا، وكذلك إذا بنيت هذه الأفعال على اسم قبلها نحو: أخوك عسى أن يفعل وأخواك عسى أن يفعلا وعسيا أن يفعلا، وإخوتك عسى أن يفعلوا وعسوا أن يفعلوا، ونحو ذلك. قوله: "جهده" يجوز فيه الوجهان: الرفع على أنَّه فاعل يبلغ، والنصب على أنَّه مفعوله، ويبلغ يستعمل متعديًا؛ كبلغت المكان، ويستعمل لازمًا؛ كبلغ الغلام، قوله: "إذا" للظرف، فيه معنى الشرط، وهي تختص بالدخول على الجملة الفعلية فلذلك تَقُول: إن "نحن" مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر، تقديره: إذا جاوزنا نحن حفير زياد؛ كما يقال في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، إن التقدير: إذا انشقت السماء، ولا يجوز أن يقال: إن "نحن": مبتدأ، و"جاوزنا حفير زياد": خبره، و"حفير زياد": كلام إضافي مفعول جاوزنا. الاستشهاد فيه: أن خبر عسى جاء بدون "أن" وهو قليل، والأكثر في استعماله "بأن" نحو: {عَسَى اللهُ ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين
أَنْ يَأتِيَنِي بِهِمْ جَمِيْعًا} [يوسف: 83]، ونحو ذلك (¬1). الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين (¬2) (¬3) (¬4) وَلَوْ سُئْلَ الناسُ الترابَ لأوشَكُوا ... إذا قِيلَ هَاتُوا أَنْ يَمَلُّوا وَيَمْنَعُوا أقول: هذا البيت أنشده ثعلب في أماليه، وقال: أنشدنا ابن الأعرابي وذكره، ولم يعزه إلى أحد، وقبله: أَبَا مَالكٍ لا تَسْأَلْ النَّاسَ والْتَمِس ... بكَفَّيكَ فَضْلَ اللَّه فَاللهُ أَوْسَعُ (¬5) وهما من الطويل. المعنى: إن من طبع الناس أنهم لو سئلوا أن يعطوا ترابًا، وقيل لهم: هاتوا التراب، لمنعوا ذلك وملوا. الإعراب: قوله: "ولو" للشرط، وقوله: "سئل الناس": جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله: "التراب": مفعول ثان لقوله: "سئل"، وقوله: "لأوشكوا": جواب الشرط وهو جمع أوشك (¬6)، والضمير فيه اسم أوشك، وخبره قوله: "أن يملوا"، قوله: "ويمنعوا": عطف على يملوا؛ أي: وأن يمنعوا. قوله: "إذا قيل هاتوا": جملة معترضة "وإذا" للظرف المستقبل، وفيه معنى الشرط، فقوله: "هاتوا": مقول القول وهو أمر لجماعة، تقول: هات هاتيا هاتوا، ومفعوله محذوف تقديره: هالوا التراب. ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "أن يملوا" حيث جاء خبر أوشك فعلًا مضارعًا مقرونًا بأن؛ كعسى غالبًا، وحكمه عكس كاد (¬1)، وفيه رد على الأصمعي وأبي علي؛ حيث أنكرا أوشك بصيغة الماضي، قال أبو علي: لا يقال: يوشك -بفتح الشسين، ولا أوشك، حكى ذلك عنهما ابن قرقول في المطالع (¬2)، وحكاه أيضًا ابن مالك -رحمه الله- في مثلثه (¬3). الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين (¬4)، (¬5) عَسَى الكرْبُ الَّذي أَمْسَيتَ فيه ... يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ أقول: قائله هو هدبة بن خشرم العذري (¬6)، وهو من قصيدة بائية قالها هدبة وهو مسجون بالمدينة على ما يجيء بيانه عن قريب -إن شاء الله تعالى-، وأولها هو قوله (¬7): 1 - طَرِبْتَ وأنتَ أَحْيانًا طَروُبُ ... وكَيْفَ وَقَدْ تَعلَّاكَ المشِيبُ 2 - يُجِدُّ النأْيُ ذِكْرَك في فُؤَأدِي ... إذَا ذهلتْ عَنِ النَّأي القُلُوبُ 3 - يُؤرِّقُنِي اكْتِئَابُ أَبِي نُمَيرٍ ... فَقَلْبِي من كَآبتِه كَئِيبُ 4 - فقلتُ لَهُ هَداكَ اللهُ مَهْلًا ... وخيرُ القْولِ ذُو اللبِّ المُصِيبُ 5 - فإنَّا قدْ حَلَلْنَا دَارَ بَلْوَى ... فتُخطِئُنَا المنَايَا أو تُصِيبُ 6 - عَسَى الكرْبُ الَّذي أَمْسَيتُ ... فيه يكونُ ورَاءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ ¬
7 - فَيأْمَنُ خَائفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ ... ويأتي أهلَهُ الرَّجُلُ الغريبُ 8 - ألا لَيتَ الرياحَ مَسخَّراتٌ ... بحَاجَتِنَا تُباكِرُ أو تَؤُوبُ 9 - فتخبُرنَا الشِّمالُ إذْا أَتيْنَا ... وتُخْبِرُ أهْلَنَا عَنَّا الجنُوبُ 10 - فإنْ يكُ صَدْرُ هَذا اليوم وَلَّى ... فإن غَدًا لنَاظِرُهُ قَريبُ 11 - وقد علمتْ سُلَيمَى أَنَّ عُوْدِي ... على الحدثَانِ ذُو أَيْدٍ صَلِيبُ 12 - وإنَّ خليقَتِي كَرمٌ وأَنِّي ... إذَا أَبْدَتْ نَواجِذَها الحروبُ 13 - أُعينُ عَلى مكارِمها وأَغْشَى ... مكارِهَهَا إذَا كَعَّ الهَيوبُ 14 - وقد أبقَى الحوادثُ منك ركنًا ... صَليبًا مَا تُؤَيِّسُهُ الخطوبُ 15 - على أنَّ المنيةَ قد توافي ... لوقت والنوائب قد تَنُوبُ وهي من الوافر. وقصة ذلك أنَّه وقع بين هدبة وبين شخص من بني عمه يقال له: زيادة بن زيد ملاحاة فقتله هدبة فرفعه أخوه إلى معاوية، فقرره فأقر فعرض معاوية على عبد الرحمن أخيه قبول الدية وعرض عليه أكابر قريش سبع ديات فأبى أن يقبلها، وكان لزياد المقتول ابن يقال له: المسور ولم يبلغ الحلم، [فقال معاوية ابنه أولى بطلب دمه فليحبس هدبة إلى أن يبلغ ابنه فربما يرضى بالدية، فحبس هدبة سبع سنين حتَّى بلغ المسور الحلم] (¬1)، فعرض عليه قبول الدية فأبى إلا قتله فقتل هدبة، وزار هدبة أيام اعتقاله رجل من قرابته يقال له: أبو نمير، فأظهر الحزن والكآبة (¬2)، فقال هدبة في جملة قصيدة: يؤرقني اكتئاب أبي نمير ... ................................... على ما ذكرناه (¬3). 2 - قوله: "يجدّ النأي" أي: البعد. 3 - قوله: "يؤرقني" أي: يسهرني، والاكتئاب: الحزن. 4 - قوله: "ذو اللب" أي: العقل. 5 - قوله: "فإنا قد حللنا" أي: قد نزلنا دار بلوى" يعني: السجن. ¬
7 - قوله: "عسى الكرب الَّذي ... إلى آخره" معناه: عسى أن يكون وراء ذلك الحزن فرج قريب. 8 - قوله: "عان" أي: أسير، قوله: "أو تؤب" أي: ترجع. 12 - قوله: "ذو أيد" أي: ذو قوة. 14 - قوله: "إذا كعّ لا أي: جبن وخاف، يقال: رجل ركع وكاع؛ أي: جبان، "والهيوب": الخائف. 15 - قوله: "ما تؤيسه" أي: ما تؤثر فيه. 16 - "والمنية": الموت، و"النوائب": جمع نائبة الدهور وهي حوادثه من الشدائد. الإعراب: قوله: "عسى الكرب" عسى: للترجي، والكرب: الهم وهو اسم عسى، و"الَّذي لا موصول، و "أمسيت فيه": صلته، والجملة صفة الكرب (¬1)، قوله: "يكون": مضارع وقع خبرًا لعسى بغير أن، قوله: "وراءه": خبر يكون التقدم، وهو طرف مؤنث بدليل تصغيره على وريئه، وقوله: "فرج": اسمه، و"قريب": صفة فرج وهو انكشاف الهم، والصواب أن فرج: مبتدأ، وخبره الظرف، والجملة خبر يكون واسمها مستتر، ولا ينبغي أن يكون فرج اسم يكون؛ لأن خبر هذا الباب لا يرفع الظاهر إلا شاذًّا تَقُول: كاد زيد يموت، ولا تقول كاد زيد يموت أخوه. وقيل: يجوز أَنّ تَكُونُ: "يَكُونُ" تامة، ويكون فاعلها ضمير الكرب والجملة الاسمية حالًا، ويجوز أن يكون فرج فاعلًا بالظرف على أنَّه خبر الناقصة وحال من فاعل التامة، وهذا أرجح من تقديره مبتدأ. الاستشهاد فيه: على أنَّه استعمل "عسى" استعمال "كاد" في أن خبره مضارع بغير أن (¬2). ¬
الشاهد الخمسون بعد المائتين
الشاهد الخمسون بعد المائتين (¬1)، (¬2) يُوشِكُ مَنْ فَرّ مِنْ مَنِيَّته ... في بَعْضِ غِرَّاتهِ يُوَافِقُهَا أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، شاعر جاهلي، وقال صاعدٌ (¬3): هو لرجل خارجي قتله الحجاج، والأول أصح، وهو من قصيدة هائية وأولها هو قوله (¬4): 1 - اقتربَ الوعْدُ والقلوبُ إلى اللهو ... وحبُّ الحياةِ سَائِقُها 2 - باتَتْ هُمُومِي تَسْري طَوارقُها ... أكفُّ عيني والدمْعُ سَابِقُها 3 - ما رغبةُ النَّفْسِ في الحياةِ وإنْ ... عاشتْ طويلًا فالموتُ لاحقُها 4 - قَدْ أُنْبئْتُ أَنَّها تَعُودُ كما كان ... بَرِيًّا بالأمسِ خَالِقُها 5 - وَأَن مَا جَمَعتْ وأَعجبَها ... من عَيشِها مَرةً مُفَارِقُها 6 - يوشك من فر .......... ... ..................... إلى آخره 7 - مَنْ لَمْ يَمُتْ عَبطَةً يَمُت هرمًا ... الموتُ كأسٌ والمرءُ ذَائِقُها وهي من المنسرح، وأصله في الدائرة: مستفعلن مفعولات مرتين (¬5). 6 - قوله: "يوشك من فر" المعنى: من يفر من منيته -أي: موته في الحرب يوشك أن يقع فيها بسبيل الغفلة، و"الغرات" بكسر الغين المعجمة؛ جمع غرة وهي الغفلة. 7 - قوله: "عبطة" بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح الطاء المهملة؛ وهو أن يموت شابًّا قويًّا طريًّا، و"العبيط": الدم الطري، وانتصاب عبطة وهرمًا حالًا من فاعلي الشرط والجزاء، وهما من الأحوال اللازمة، قوله: "ذائقها" أي: ذائق الكأس، وهذا دليل على أن الكأس مؤنث وأنها تطلق على نفس الشيء المشروب، وإنما هي في الأصل اسم للظرف ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد المائتين
المعروف ما دام فيه الشراب وإلا فهو قدح. الإعراب: قوله: "يوشك" بكسر الشين العجمة، مضارع أوشك، قوله: "من": موصولة، و "فر": جملة صلتها، والمجموع اسم يوشك، وخبره قوله: "يوافقها" [قوله: "من منيته": يتعلق بفر، وقوله: "في بعض غراته"؛ يتعلق بقوله: "يوافقها"] (¬1). الاستشهاد فيه: على استعمال يوشك كاستعمال كاد في قوله: "يوشك من فر" فجاء خبره مضارعًا بلا أن كخبر كاد (¬2). الشاهد الحادي والخمسون بعد المائتين (¬3)، (¬4) كَرِبَ القَلْبُ مِنْ جَوَاهُ يَذُوبُ ... حِينَ قَال الْوِشَاةُ هِنْدٌ غَضُوبُ أقول: قائله هو رجل من طيئ، ويقال: قائله كلحبة اليربوعي، واسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم اليربوعي أحد فرسان بني تميم شاعر محسن كذا قال الأخفش، وقال الرشاطي (¬5): له فيه وهمان: أحدهما: أنَّه جعل الكلحبة لَقَبًا لهُ وهو اسم أمه. والثاني: أنَّه قال اسمه هبيرة، وإنما هو جرير بن هبيرة، وقال بعضهم: اسمه عبد الله بن هبيرة، قلت: الصحيح أن اسمه هبيرة، والكلحبة بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة. والبيت المذكور من الخفيف. ¬
قوله: "كرب" -بفتح الراء من أفعال المقاربة ومعناه كاد، قوله: "من جواه" الجوى- بالجيم المفتوحة: شدة الوجد، و"الوشاة": جمع واش؛ من وشى به يشي وشاية إذا نمّ عليه وسعى به فهو واش، وأصله: استخراج الحديث باللطف والسؤال، وعند ابن الناظم: ................................ ... حِينَ قَال العَذُولُ هِندٌ غَضُوبُ من العذل وهو الملامة (¬1)، وهند: اسم امرأة، وغضوب: بفتح الغين وضم الضاد المعجمتين يعني: عبوس، وفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث كصبور. والمعنى: كاد القلب يذوب من شدة شوقه وحزنه حين [قال] (¬2) اللائم: محبوبتك هند غضوب عليك. الإعراب: قوله: "كرب القلب" كرب: فعل بمعنى كاد، والقلب: اسمه، وقوله: "يذوب": خبره، وقد علم أن حكم خبر كرب كحكم خبر كاد في أن الأكثر تجريده من "أن" ولم يذكر سيبويه فيه غير التجريد. قوله: "من جواه" من للتعليل، ويتعلق بقوله كرب أو يذوب، قوله: "حين": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة، و"الوشاة": فاعل قال، ومقول القول هو قوله: "هند غضوب"، وهند: مبتدأ، وغضوب: خبره، وهند يجوز صرفه ومنعه كما علم [مما تقرر] (¬3) في موضعه (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "يذوب" حيث استعمل من غير أن وهو خبر كرب؛ كما استعمل كذلك في كرب (¬5). ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين (¬1)، (¬2) كادتِ النفسُ أَن تفيظَ عليه ... إذْ غَدا حَشْو رَيَطْةٍ وَبُرُودٍ أقول: هذا البيت أيضًا من الخفيف. قوله: "أن تفيظ" بالظاء المعجمة، يقال: فاظ الميت بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد قاله الزجاجي، وفاظت نفسه بالظاء جائز عند الجميع إلا الأصمعي فإنه لا يجمع بين الظاء والنفس؛ بل يقول: فاظ الرجل بالظاء، وفاضت نفسه بالضاد. وقال ابن بري: الَّذي يجوِّز فاظت نفسه بالظاء يحتج بقول الشاعر: كادت النفس أن تفيظ عليه ... ................................ وقد مر التحقيق في هذه المادة فيما مضى عند قوله (¬3): يداك يد خيرها يرتجى ... ................................ قوله: "عليه" أي: على فلان الميت؛ لأن الشاعر يرثي بها رجلًا قد مات؛ ألا ترى كيف يقول: "إذ غدا حشو ريطة وبرود" بمعنى: صار حشو الكفن، والكفن يكون من الريطة والبرود. و"الريطة" بفتح الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح الطاء المهملة؛ وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، ولم تكن قطعتين (¬4) والجمع: ريط ورياط، "والبرود" بضم الباء الموحدة؛ جمع بُرْد من الثياب ويجمع على أبراد أيضًا. الإعراب: قوله: "النفس" مرفوعة؛ لأنه اسم كادت، وقوله: "أن تفيظ": خبره، و "عليه": يتعلق بتفيظ، قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين، والعامل فيه تفيظ، و"غدا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الَّذي في عليه، وقوله: "حشو ريطة": كلام إضافي مفعول لقوله "غدا". قوله: "وبرود" عطف على ريطة؛ أي: وحشو برود. ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "كادت النفس أن تفيظ"؛ حيث جاء "أن تفيظ" مقرونًا بأن وهو خبر كاد وهو قليل، والأكثر أن يكون مجردًا عن أن فافهم (¬1). الشاهد الثالث والخمسون بعد المائتين (¬2)، (¬3) سقَاها ذَوُو الأحلام سَجْلًا على الظَّمأ ... وقد كَرَبَت أعْنَاقُهَا أَن تَقَطّعا أقول: قائله هو أبو زيد الأسلمي، وهو من قصيدة عينية، وأولها هو قوله (¬4): 1 - مَدَحْتُ عروقًا لِلنَّدى مَصَّتِ الثرى ... حَدِيثًا فَلَمْ تَهْمُمْ بِأَنْ تَتَزَعْزَعَا 2 - نَقَائِذَ بُؤْسٍ ذَاقتِ الفَقْرَ والغِنَى .. وحَلَّبتِ الأيَّامَ والدَّهْرَ أَضْرُعَا 3 - سقاها ....................... ... ........................ إلى آخره 4 - بِفَضْلِ سِجالٍ لَوْ سَقَوْا مَنْ مَشَى بِهَا ... على الأرضِ أرْوَاهُمْ جَمِيْعًا وأَشْبَعَا 5 - فضمَّتْ بأيديها على فَضْلِ ما بها ... مِنَ الريِّ لما أَوْشَكَتْ أن تَضَلَّعا 6 - وزهَّدَها أَنْ تَفْعل الخَيْر في الغِنَى .... مُقَاسَاتُها مَنْ قَبْلَنا الفَقْرَ جُرَّعَا وهي من الطويل. وقصة هذا ما ذكره المبرد في الكامل (¬5)، وهو أن أبا زيد قصد المدينة يريد إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وهو والي المدينة، فصحبه في الطريق أبو وجزة السلمي المعروف بالسعدي، وكان يريد آل الزبير في المدينة، فقال أبو وجزة: هلمَّ فلنشترك فيما نصيبه، فقال أبو زيد: كلّا، أنا أمدح الملوك وأنت تمدح السوقة، فلما دخلا ¬
المدينة صار أبو زيد إلى إبراهيم بن هشام فأنشده (¬1): يا ابن هشام يا أخا الكرام ... ..................................... فقال له إبراهيم: وإنما أنا أخوهم وكأني لست منهم، ثم أمر به فضرب بالسياط، وامتدح أبو وجزة آل الزبير، فكتبوا له بستين وسقًا من تمر، وقالوا: هي لك في كل سنة فانصرفا، فقال أبو زيد القصيدة المذكورة يهجوه بها ويصفه بأنه لم يزل في ضر وبؤس حتَّى أنقذه ذو رحمه هشاء فجعله ملكًا بعد أن كان سوقة، وأنه كلما تذكر ما كان فيه تشدد وبخل، وقال أبو وجزة (¬2): 1 - رَاحَتْ رَوَاحًا قَلُوصي وهْيَ حَامدَةْ ... آلَ الزُّبَيرِ فلم تَعْدِلْ بِهِمْ أَحَدا 2 - رَاحَتْ بستِّينَ وَسْقًا في حَقِيبَتَها ... ما حَملَتْ حَمْلَها الأدْنَى ولا البددا 3 - مَا إِنْ رَأَيْتُ قَلُوصًا قَبلَها حَمَلَتْ ... ستِّين وَسْقًا ولا جَابَتْ بهِ بَلَدا 4 - ذَاكَ القِرى لَا قِرَى قَوْمٍ رَأَيْتُهُمُ ... يَقْرُون ضيفَهُمْ المَلْويَةَ الجُدُدا 1 - قوله: "مدحت عروقًا للندى مصت الثرى حديثًا" قال المبرد: فإنما عني أن إبراهيم وأخاهُ مُحمدًا إنما تطعما بالعيش ودخلا في النعمة وخرجا من حد السوق إلى حد الملوك حديثًا وذلك بهشام بن عبد الملك؛ لأنهما كانا خَاليْهِ فإنما وَلَّاهُمَا عن خمول. قوله: "فلم تهمم بأن تتزعزعا" فإنما هذا مثل يقال: فلان يهتز للندى ويرتاح لفعل الخير والتزعزع: التحرك، والمراد به هنا التحرك لفعل الخير. 2 - قوله: "نقائذ بؤس": جمع نقيذة؛ أي: أُنْقِذَتْ مما كانت فيه من البؤس، ويقال: نقيذة للذكر والأنثى بالتاء؛ فالتاء للمبالغة لا للتأنيث، قوله: "أضرعًا" بضم الراء؛ جمع ضرع، يقال: حلب الدهر أشطره، أي: قاسى شدته ورخاءه وجَرَّبَهُمَا. 3 - قوله: "سقاها " الضمير المنصوب فيه يرجع إلى العروق المذكورة في أول القصيدة، و"ذوو الأحلام": أصحاب العقول، ويروى: "ذوو الأرحام"، قوله: "سَجْلًا " بفتح السين المهملة وسكون الجيم؛ وهو الدلو إذا كان فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سجل، ويجمع على سجال، ويقال: السجل كالدلو والغرب (¬3)، وزنًا ومعنى وبمعناهن الذنوب، والدلو خاصة يؤنث والغرب مُخْتَصٌّ (¬4) بالكبير من الدلاء. ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد المائتين
قوله: "على الظمأ" من ظمئ ظمأ إذا عطش، قال الله تعالى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] والاسم الظمء بالكسر، قوله: "أن تقطعا" أيله: أن تتقطعا فحذفت إحدى التائين فيه للتخفيف كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أصله: تتلظى، وتقطع أعناقها إما لشدة العطش أو للذل الَّذي هي فيه. قوله: "قلوصي" القلوص: الشابة من النوق، والحقيبة: الوعاء التي يَجعَل فيها الراكب متاعَهُ وأثَاثَهُ، قوله: "ولا جابَتْ" من الجوب -بالجيم وهو القطع، والقِرى -بكسر القاف: الضيافة من قريت الضيف إذا أحسنت إليه، قوله: "الملوية الجددا" أراد بها السياط. الإعراب: قوله: "سقاها": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "ذوو الأحلام": فاعل، قوله: "سجلًا" مفعول ثان لقوله سقاها، قوله: "على الظمأ" يتعلق بقوله: سقاها، قوله: "وقد كربت" الواو فيه للحال، وكربت: من أفعال المقاربة، و "أعناقها": اسمه، و"أن تقطعا": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن تقطعا"؛ حيث جاء بأن وهو خبر كرب كما ذكرنا ولا يجيء ذلك إلا في الضرورة (¬1)، وقد زعم سيبويه أن خبر كرب لا يقترن بأن وفيه رد عليه. فافهم (¬2). الشاهد الرابع والخمسون بعد المائتين (¬3)، (¬4) أموتُ أسًى يَوْمَ الرِّجَام وإنَّني ... يَقينًا لَرهْنٌ بالَّذِي أَنَا كَائِدُ أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وقد ترجمناه، وهو من قصيدة داليه من الطويل وقبله هو قوله: 1 - وَكِدْتُ وقد سَالتْ من العين عَبْرةٌ ... سَها عانِدٌ منها وأَسْبَلَ عَانِدُ ¬
2 - قَذَيتُ بها والعينُ سَهْوٌ دُمُوعُها ... وَعُوَّارُهَا في باطن الجفْنِ زائِدُ 3 - فإِنَ تُرِكَتْ للكُحْلِ لم يَتْرُكْ البُكَا ... وتَشريَ إذَا ما حَثْحَثَتْهَا المرَاودُ 4 - أموت أسى ................... ... ................. إلى آخره قوله: "سها عاند" يعني: مخالف، يقال: عند بالفتح يعند بالكسر عنودًا إذا خالف ومادته: عين مهملة ونون ودال مهملة، وأما عاند الثاني فمعناه: سائل من عند العرق إذا سال ولم يرقا وهو عرق عاند، قوله: "قذيت": من القذى وهو الذي سقط من العين، يقال: قذيت عينه تقذي قذًى فهو رجل قذي العين على فَعِل بكسر العين إذا سقطت في عينه قذاة، قوله: "سهو"، قال الجوهري: السهو: السكون واللين، والجمع؛ سهاء؛ مثل: دلو ودلاء، قال الشاعر (¬1): تَنَاوَحَتِ الرِّياحُ لفقد عَمْروٍ ... وكانَتْ قَبلَ مَهْلكَهِ سِهَاءَ (¬2) قوله: "وعوارها" بضم العين وتشديد الواو؛ وهو قذى العين، قوله: "وتشري" بالشين المعجمة من شرى الرجل استشرى إذا لح في الأمر، وكذلك يقال: شرى الفرس في سيره واستشرى إذا لج فهو فرس شريّ على فعيل، و "الحثحثة" بالحاء المهملة؛ التحريك، "والمراود": جمع مرود بكسر الميم، قوله: "أسى": من أسيت على الشيء أسىً؛ أي: حزنت. وقال ابن الأثير: الأسى مفتوحًا مقصورًا؛ الحزن، أسى يأسى أسى فهو آس، قوله: "يوم الرجام" بكسر الراء وبالجيم؛ اسم موضع، وقد ثبت في النسخ المعتمدة من شرح الكافية: يوم الزحام بالزاي والحاء المهملة، وهو تحريف وتصحيف (¬3). الإعراب: قوله: "أموت": جملة من الفعل والفاعل. فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: هذه الجملة وقعت خبرًا لقوله: "وكدت" في قوله: "وكدت وقد سالت" إلى [آخره، وقوله وقد سالت إلى] (¬4)، قوله: "أموت": جمل معترضة بين اسم كاد وخبره فافهم. قوله: "أسى": نصب على التعليل، ويجوز أن يكون حالًا على معنى: أموت حال كوني ¬
آسيًا، قوله: " [يوم] (¬1) الرجام": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "وإنني" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "والياء": اسمه، وقوله: "لرهن": خبره والسلام فيه للتأكيد، و"يقينًا": نصب على أنَّه مفعول مطلق، والتقدير: أتيقن يقينًا؛ أي: تيقنًا، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، والتقدير؛ إنني لرهن رهنًا يقينًا؛ أي: حقًّا، قوله: "بالذي": يتعلق بقوله لرهن. وقوله: "أنا كائد": جملة اسمية وقعت صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: بالذي أنا كائده. الاستشهاد فيه: في قوله: "كائد" حيث استعمل الشَّاعر اسم الفاعل من كاد الذي هو من أفعال المقاربة، وهو فعل جامد لا يكون منه غير المضارع؛ نحو قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} [البقرة: 20] إلَّا أنَّه سمع من قول كُثّير: هذا كائد (¬2). ويقال: الصواب هو كابد بالباء الموحدة؛ من المكابدة وهو الاجتهاد في العمل، وبهذا جزم ابن السكيت في شرح ديوان كثير، فحينئذ لا يبقى فيه محل للاستشهاد. فإن قلتَ: كيف يجيء كائد من المكايدة ولا يجيء من المكابدة إلَّا مكابد؟ قلتُ: هذا ليس بجار على فعله، وقال ابن سيده: كابده مكابدة وكبادًا: قاساه، والاسم كابد كالكاهل والغارب؟ فإن قلتَ: ما الدليل على كون كابد بالباء الموحدة صوابًا على ما جزم به ابن السكيت. قلتُ: قد قيل: إن الدليل على ذلك هو أنَّه لم يأت بعد كايد بالياء آخر الحروف ما يكون خبرًا له، وفيه نظر؛ لأن الشَّاعر قال؛ وكدت وقد سالت من العين عبرة إلى قوله: أموت أسى، وقد قلنا: إن قوله: "أموت": خبر لقوله: "وكدت" فكأنه قال: أموت ولا بد لي يقينًا من هذا الأمر الذي أنا كائد به الآن. ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين
الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين (¬1)، (¬2) أبُنَيّ إن أبَاكَ كارِبُ يَوْمِه ... فإذا دُعيتَ إلى المكَارِمِ فاعْجَلِ أقول: قائله هو عبد قيس بن خفاف من بني عمرو بن حنظلة من البراجم، وهو من قصيدة لامية، وأولها هذا البيت وبعده: 2 - أُوصِيكَ إيصَاءَ امرئٍ لَكَ ناصحٍ ... طبن بريبِ الدَّهْرِ غَيرِ مُغَفَّل 3 - الله فاتّقِهِ وأوْفِ بنذْرِهِ ... وإذا حلفْتَ مُمَارِيًا فتحلَّلِ 4 - والضيفَ اكْرِمْهُ فإنَّ مَبِيتَهُ ... حَق ولا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ 5 - واعلم بأنَّ الضيفَ مُخبِرُ أَهْلِه ... بمَبيتِ لَيلَتهِ وإنْ لَم يُسْألِ 6 - وَدَع القوارصَ للصديقِ وغَيرهُ ... كَيلَا يَرَوْكَ من اللَّئامِ العُزّلِ 7 - وَصِلِ الموُاصِل ما صَفَا لَكَ وُدُّهُ ... واحْذَرْ حِبال الخائنِ المتبذِّلِ 8 - واتْرُكْ مَحل السوء لا تحلُلْ بِهِ ... وإذَا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتحوَّلِ 9 - دَارُ الهَوانِ لِمَنْ رَآهَا دَارَهُ ... أَفَراحِلٌ عَنْهَا كمن لَم يَرْحَلِ؟ 10 - وإذَا هَمَمْتَ بأمْرِ شَرّ فَاتَّئِدْ ... وإذَا هَمَمْتَ بأمْرِ خَيرٍ فافْعَلِ 11 - وإذَا أَتَتْكَ من العدِّو قَوارصٌ ... فاقْرصْ كَذَاك ولا تَقُلْ لَم أَفْعَلِ 12 - وإذا افتقرْتَ فلا تكُنْ مُتَخشِّعًا ... تَرجُو الفواضِل عند غيرِ المفضِلِ 13 - وإذا لَقَيتَ القومَ فَاضْرِبْ فيهمُ ... حَتَّى يَرَوْك طِلاءَ أجْرَبَ مُهْمَلِ 14 - واستغْنِ ما أغْنَاكَ رَبُّك بالغِنَى ... وإذْا تُصْبكَ خَصَاصةٌ فتجمَّلِ 15 - واسْتَأْنِ حِلْمَك في أُمُورِكَ كلِّها ... وإذا عَزَمْتَ علَى الْهَوى فَتَوكّلِ 16 - وإذَا لَقيتَ الباهِشِينَ إلى النَّدى ... غُبْرًا أكُفُّهُمُ بِقَاع مُمْحِلِ 17 - فَأَعنْهُمْ وايسِرْ بما يَسَّرُوا بِهِ ... وإذا هُمُو نَزَلُوا بِضنْكٍ فانْزِلِ [وهي من الكامل] (¬3). ¬
1 - قوله: "أبني إن أباك" ويروى: أُحْبَيْلُ، قوله: "إلى المكارم": ويروى إلى العظائم، قوله: "طبن" بفتح الطاء المهملة وكسر الباء الموحدة وفي آخره نون؛ وهو الحاذق، يقال: رجل طبن تبن إذا كان عاقلًا بصيرًا؛ من الطبانة وإقإدة، ووروى: طب بريب الدهر وهو أَيضًا بمعناه. 4 - قوله: "ولا تك لُعَنة" بضم اللام [وفتح العين] (¬1)، يقال: رجل لعْنَة: إذا كان يُلْعَن، ولُعَنة -بضم اللام وفتح العين-: إذا كان يَلْعَن ومثله: ضُحْكَة وضُحَكة، و"النُزّل" بضم النُّون وتشديد الزاي؛ جمع نازل وهو الضيف. 6 - قوله: "ودع القوارض" أي: اتركها، والقوارض -بالقاف المثالب، قوله: "وإذا نبا بِك" أي: ترفع؛ من النبوة وهو الارتفاع. 9 - قوله: "فاتئد" أي: تأن ولا تستعجل. 13 - قوله: "مُهْمل" أي: متروك. 14 - قوله: "خصاصة" أي: حاجة وشدة، قوله: "فتجمل" بالجيم. 15 - قوله: "واستأن": من الأناة، قوله: "وإذا عزمت على الهوى" أي: إذا هممت. 16 - قوله: "الباهشين" قال الضَّبِّيّ: "الباهش": "الفزع، و"القاع": الموضع الصلب الحُر الطِّين (¬2)، الواسع يمسك الماء، و"ممحل": من المحل وهو الجدب. 17 - قوله: "وايسر بما يسروا به" أي: أسرع إلى حَاجَتهم (¬3)، و"الضنك": الضيق، أي: واسهم في ضيقهم. الإعراب: قوله: "أبني" الهمزة فيه حرف النداء؛ يعني: يا بني، قوله: "إن أَبَاك" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و"أَبَاك": كلام إضافي اسمه، و"كارب يومه": خبره، قوله: "فإذا": للشرط، قوله: "دُعِيت": على صيغة المجهول، جملة وقعت فعل الشرط، وقوله: "فاعجل": جواب الشرط، وقوله: "إلى المكارم": يتعلق بقوله: "دعيت". الاستشهاد فيه: في قوله: "كارب يومه" حيث استعمل فيه من كرب صيغة اسم الفاعل، وقد أوله بعضهم منهم الجوهري أنَّه اسم فاعل من كرب التامة في نحو قولهم: كرب الشتاء؛ أي: قرُب، وليس هي من ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين
كرب من أفعال المقاربة التي تستدعي الاسم والخبر (¬1). الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين (¬2)، (¬3) فَإنَّك مُوشِكٌ أَنْ لا تراها ... وتَعْدو دُونَ غَاضِرةَ العَوادِي أقول: قائله هو كثير بن عبد الرَّحْمَن يتشبب بغاضرة وهو اسم جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر بن عبد العزيز - رضي الله تعالى عنه -. وهو من قصيدة دالية من الوافر. وكان السبب في ذلك أن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان استأذنت الوليد بن عبد الملك في الحج، وهو يومئذ خليفة وهي زوجته فأذن لها فقدمت مكة ومعها من الجواري ما لم ير مثله حسنًا، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعًا أن يذكرها أو من معها أحد منهم، فبعثت أم البنين إلى كثير، وإلى وضاح اليمن أن انسبالي، فأما وضاح اليمن فإنَّه صرح بها فقتله الوليد، وأما كثير فإنَّه أعرض عنها، وشبب بجاريتها غاضرة -بالغين والضاد المعجمتين، فقال (¬4): 1 - شَجَا أَظْعانُ غَاضِرَةَ العَوَادِي ... بغَيرِ مَشُورة عَرَضًا فُؤَادي 2 - أَغَاضِرَ لَوْ شهِدَتِ غَداةَ بنْتُمْ ... جُنُوءَ العَادياتِ عَلَى وسَادي 3 - أَوَيْتِ لِعَاشِقِ لَم تَشْكمِيهِ ... نَوافِذُهُ تَلذَّعُ كالزِّنَادِ 4 - وقال النَاصِحُونَ تَحَل منها ... ببَذْلٍ قَبْلَ شِيمَتَها الجمادي 5 - فإنَّك مُوشِكٌ ........ ... ............. إلى آخره 6 - فَأَسْرَرْتُ النَّدامَةَ يوم نَادَىَ ... برَدّ جِمَالِ غَاضِرَةَ المنُادي 7 - تَمَادَى البُعْدُ دونَهُمُ فأمْسَتْ ... دُمُوعُ العيِن لَجَّ بِهَا التَّمادِي ¬
1 - قوله: "شجا": من الشجو وهو الهم والحزن، و"العوادي" بالعين المهملة: عوائق الدهر. 2 - قوله: "أغاضر" منادى مرخم يعني: يَا غاضرة، قوله: "بنتم": من البين؛ وهو الفارقة، قوله: "جنوء" من جنأ على كذا -بالجيم والنون والهمز يجنأ بالفتح فيهما جنوأً إذا أكب، ومنه الحديث (¬1): "فرأيت الرَّجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة". 3 - قوله: "أويت": جواب لو شهدت؛ أي: رثيت ورفقت، قوله: "لم تشكميه" أي: لم تجازيه؛ من الشكم -بضم الشين المعجمة وهو الجزاء، فإذا كان العطاء ابتداء فهو الشكد بالدال تَقُول منه: شكمته؛ أي: جزيته، والشكم -بفتح الشين مصدر وكذلك الشكد بالفتح، قوله: "نوافذه": ما نفذ إلى قلبه، قوله: "تحل منها" بالحاء المهملة؛ أي: أصب منها، يقال: ما حليت منه بشيء، ومنه حلوان الزاقي، وفي شرح الكافية تخل- بالخاء المعجمة، وعنها بدل منها ولا معنى لها ها هنا (¬2). 5 - قوله: "موشك": اسم فاعل من أوشك، وأصله من الوشك وهو السرعة، يقال: عجبت من وشك ذلك الأمر؛ أي: سُرْعَتَه، ويقال: وشكان ذَا خُرُوجًا؛ أي: عجلان، ووشك المين؛ أي: سُرْعَة الفراق، قوله: "وتعدو دون غاضرة العوادي" أي: تصرف عنها الصوارف، وقد ذكرنا أن العوادي عوائق الدهر وموانعه. الإعراب: قوله: "فإنك" الكاف اسم إن و"موشك": خبره، و"أن لا تراها": خبر موشك، قوله: "وتعدو": فعل مضارع، و"العوادي": فاعله، و"دون": نصب على الظرف أضيف إلى غاضرة، والجملة في محل النصب على الحال. الاستشهاد فيه: قوله: "فإنك موشك" حيث استعمل اسم الفاعل من أوشك وهو نادر قليل (¬3). ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد المائتين
الشاهد السابع والخمسون بعد المائتين (¬1) , (¬2) أَبَيتُمْ قُبُولَ السِّلْمِ مِنَّا فَكِدْتُمو ... لَدَى الحربِ أَنْ تُغْنوا السُّيوفَ عن السَّلِّ أقول: لم أر أحدًا عزاه إلى قائله. وهو من الطَّويل. قوله: "أبيتم": من الإباء وهو شدة الامتناع، "والسلم" بكسر السين وفتحها وسكون اللام وهو الصلح، قال الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وهو يذكر ويؤنث، قوله: "لدى الحرب" أي: عندها. قوله: "أن تغنوا" من قولهم: ما يغني عنك هذا؛ أي: ما يجزي عنك وما ينفعك. وحاصل المعنى: إنَّا عرضنا عليكم الصلح فلم تقبلوه فلما التقينا جبنتم وعجزتم عن مقاومتنا حتَّى كدتم تغنوننا عن سل السيوف لعدم احتفالنا بكم. الإعراب: قوله: "أبيتم": جملة من الفعل والفاعل، و"قبول السلم": كلام إضافي مفعولها، قوله: "فكدتمو" بكسر الكاف، من كاد يكاد، قال الجوهري: كاد يفعل كذا يكاد كودًا ومكادةً؛ أي: قارب (¬3)، وحكى سيبويه: كدت أفعل -بضم الكاف، وحكى أبو الخَطَّاب: كيد زيد يفعل (¬4)؛ كذا، يريد كاد، فنقلوا الكسرة إلى الكاف في الفعل كانقلوا في فعلت، وتاء الخاطبة اسم كاد، وخبره قوله: "أن تغنوا"، وقوله: "السيوف": مفعول تغنوا و"عن السل": يتعلق به، وقوله: "لدى الحرب": كلام إضافي معترض منصوب على الظرفية. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن تغنوا"؛ حيث جاء مقرونًا بأن وهو خبر كاد، والغالب أن يكون خبره فعلًا مضارعًا مجردًا من أن كما في قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] و {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف: 93] و {كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117] و {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين
إِلَيْهِمْ} [الإسراء: 74] و {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] و {يَكَادُونَ يَسْطُونَ} [الحج: 72]، و {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43]. وقد تقترن بأن في النظم والنثر: أما في النظم فكما في هذا البيت، وذلك حملًا على عسى، وأما في النثر فكقول عمر - رضي الله تعالى عنه - (¬1): "ما كدت أن أصلي العصر حتَّى كادت الشمس أن تغرب"، وقول جبير بن مطعم (¬2) - رضي الله تعالى عنه -: كاد قلبي أن يطير (¬3). الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين (¬4)، (¬5) قد بُرْتَ أو كربت أن تبورا ... لما رأيت بَيهَسًا مثبورًا أقول: قائله هو العجاج بن رؤبة التَّمِيمِيّ السعدي. وهو من الرجز المسدس. قوله: "برت" بضم الباء الموحدة؛ من بار يبور إذا هلك، والبوار: الهلاك، قوله: "أو كربت أن تبورا" أي: قاربت البوار أي الهلاك، قوله: "بيهسًا" بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الهاء وفي آخره سين مهملة؛ وهو اسم رجل، وديهس في الأصل: اسم من أسماء الأسد سمي به الرَّجل، وفي نسخ ابن الناظم كلها ضبط بهنس- بالنُّون بعد الهاء عوض الياء وهو تحريف. قوله: "مثبورًا" أي: مهلكًا؛ من الثبور -بالثاء الثلثة ثم الباء الموحدة وهو الهلاك والخسران. الإعراب: قوله: "قد": للتحقيق، و"جرت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أو كربت": عطف عليه والتاء اسم كرب، وخبره قوله: "أن تبورا"، والألف [فيه] (¬6) للإطلاق، قوله: "لما": بمعنى حين، ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد المائتين
و"رأيت": جملة من الفعل والفاعل، و"بيهسًا": مفعوله الأول، و"مثبورًا": مفعوله الثاني. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو كربت أن تبورا" حيث جاء خبر كرب مضارعًا مقرونًا بأن (¬1). الشاهد التاسع والخمسون بعد المائتين (¬2)، (¬3) فمُوشِكَةٌ أرْضُنَا أَنْ تَعُودَ ... خِلَافَ الأنِيسِ وُحُوشًا يَبَابًا أقول: قائله هو أبو سهم الهذلي، وبعده: 2 - وتُوحِشُ في الأرْضِ بَعدَ الكَلامِ ... ولا تُبصِرُ العَينُ فيهَا كِلابَا 3 - ولم يك من بين عرض الوَتِير ... وبينَ المنَاقب إلَّا الذِّئَابَا وهي من المتقارب. قوله: "فموشكة": اسم فاعل من أوشك، والمعنى: توشك أرضنا، قوله: "خلاف الأنيس" أي: بعد الأنيس، ومنه: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 81] أي: بعده، {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إلا قَلِيلًا} [الإسراء: 76] أي: بعدك، و"الأنيس" بمعنى المؤانس، وكل ما يؤنس به فهو أنيس، ويقال: ما بالدار أنيس؛ أي: أحد ويروى: الخليط: مكان الأنيس. قوله: "وحوشًا": جمع وحش -بتسكين الحاء وهو القفر، يقال: بلد وحش كما يقال: بلد قفر فهما متوازيان مترادفان، ويوجد في بعض النسخ وحوشًا بفتح الواو وهي صفة على فعول كصبور، ولم يؤنث؛ لأن هذا النوع من الصفات يستوي فيه المذكر والمؤنث (¬4). قوله: "يبابًا" بفتح الياءآخر الحروف وتخفيف الباء الموحدة بعدها أَلْف ساكنة وبعدها باء موحدة أخرى، يقال: أرض يباب؛ أي: خراب. قال الجوهري: يقال: خراب يَباب وليس بإتباع، يعني: يقال على سبيل التوكيد مثل (¬5): {فِجَاجًا سُبُلًا} [الأنبياء: 31] , قوله: "عرض الوتير" بفتح الواو وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر ¬
الشاهد الستون بعد المائتين
الحروف وفي آخره راء، وهو اسم موضع، وكذلك المناقب موضع. الإعراب: قوله: "فموشكة" الفاء للعطف على ما قبله، وموشكة بمعنى توشك، و" أرضنا": اسمه، و"أن تعود": خبره، قوله: "خلاف الأنيس": كلام إضافي منصوب على الظرف؛ لأنا [قد] (¬1) ذكرنا أن خلاف بمعنى بعد، قوله: "وحوشًا" نصب على الحال بمعنى: متوحشة، و" يبابًا" تأكيد، أو يكون أصله: ويبابًا فحذف حرف العطف للضرورة، وقد قيل: إن وحوشًا بدل من خلاف الأنيس وله وجه إذا كان الخلاف على حقيقته فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "فموشكة" حيث استعمل الشَّاعر من يوشك اسم الفاعل وهو نادر وأكثر استعماله أن يكون مضارعًا (¬2). الشاهد الستون بعد المائتين (¬3) , (¬4) عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطَّويل. والمعنى ظاهر. و"الفرج": انكشاف الهم، و"الخليقة": الخلائق، يقال: هم خليقة الله وهم خلق الله أَيضًا، وهو في الأصل مصدر. الإعراب: قوله: "عسى": فعل من أفعال المقاربة، وقوله: "فرج": اسمه، وقوله: "يأتي به الله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبره، قوله: "إنه" الضمير فيه ضمير الشأن وهو اسم إن، وخبره الجملة التي بعده وهي قوله: [له] (¬5) "أمر" فإنَّه مبتدأ، وقوله: "له" مقدمًا خبره، قوله: "كل ¬
الشاهد الحادي والستون بعد المائتين
يوم": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "خليقته": يتعلق بمحذوف؛ أي: له أمر حاصل [كل يوم] في خليقته، وكلمة "في"تصلح أن تكون بمعنى بين؛ أي: بين خلائقه؛ كما في قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أي: بين عبادي. الاستشهاد فيه: في قوله: "يأتي به الله" حيث جاء مجردًا عن أن والحال أنَّه خبر عسى (¬1). الشاهد الحادي والستون بعد المائتين (¬2) , (¬3) .................... ... قَدْ كَادَ مِنْ طُولِ البِلَى أَنْ يَمْصَحَا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز ابن الراجز، وقبله: رسم عفا من بعد ما قد انمحى ... ................................. ورواه ابن يعيش في شرح المفصل (¬4): ربع عفاه الدهر طولًا فانمحى ... قد كاد من طول البلى أن يمصحا قوله: "البلى" بكسر الباء الموحدة من بلى يبلى إذا أخلق، قوله: "أن يمصحا" أي: أن ينمحي، يقال: مصحت الدار: درست وذهبت، ومصح الظل إذا قصر؛ فالراجز يصف ديار المحبوبة بأنها مصحت من طول البلى. الإعراب: قوله: "رسم": مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله: "عفا"، قوله: "قد كاد": خبره، وكلمة "من" في قوله: "من بعد" زائدة على مذهب الأخفش (¬5)، و"بعد": ظرف و"ما" مصدرية، مجرور بإضافة بعد إليه. ¬
قوله: "قد كاد" قد للتحقيق، واسم كاد مستتر فيه يرجع إلى الرسم، وفي الحقيقة يرجع إلى الربع، و"أن يمصحا": خبره، وألفه للإطلاق، و"من طول البلى" يتعلق بكاد تعلق العلة بالمعلول. الاستشهاد فيه: في استعمال كاد مثل استعمال عسى في كون خبره فعلًا مضارعًا مقرونًا بأن فافهم (¬1). * * * ¬
شواهد إن وأخواتها
شواهد إن وأخواتها الشاهد الثاني والستون بعد المائتين (¬1)، (¬2) منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنَّا بطاء وفي إبطائنا سرع أقول: قائله هو وضاح بن إسماعيل بن عبد كلال (¬3) بن حمل شاعر فصيح جميل ظريف، كان من أبناء الفرس الذين بصنعاء، وأمه من حمير، وكان في زمن عبد الملك بن مروان، وقتله الوليد بن عبد الملك بسبب تشببه بأم البنين ابنة عبد العزيز بن مروان، وهي امرأة الوليد بن عبد الملك، والبيت المذكور من قصيدة عينية، وأولها [هو] (¬4) قوله (¬5): 1 - بَانَ الخلِيطُ بمَنْ عُلِقْتُ فانْصَدَعُوا ... فدَمْعُ عَينَيكَ واهٍ واكِفٌ هَمِعُ 2 - كيف اللِّقَاءُ وقَدْ أضْحَتْ ومَسْكَنُهَا ... بطْنَ المحِلَّةِ منْ صَنْعَاءَ أو ضَلَعُ 3 - كَمْ دُونَهَا مِنْ فَيافٍ لا أنيسَ بهَا ... إلَّا الظَّلِيمَ وإلا الظبي والسبع 4 - ومَنْهَلٍ صَخِبُ الأصْدَاء وارِدُهُ ... طيرُ السَّماء تَحُومُ الحِيَن أوْ تقَعُ 5 - لا مَاؤُهُ مَاءُ أحْسَاءٍ تُقَرِّظُهُ ... أيدِي السُّقَاةِ ولا صَادٍ ولا كَرِعُ 6 - إلا تُرَشِّحُ عِلْبًا دُونَهُ رَهَبٌ ... مِنْ عَرْمَضٍ فَأبَاءُ فهي منتقعُ ¬
7 - تقول عاذلتي مهْلًا فقلْتُ لهَا ... عَنِّي إليك فَهَلْ تَدْرِينَ مَنْ أدَعُ 8 - وكَيفَ أَتْرُكُ شَخْصًا في رَوَاجبِهِ ... وفيِ الأنَاملِ مِنْ حَنَّائِهِ لُمعُ 9 - وأنْتِ لَوْ كُنتِ بِي جَدَّ الخبَيرَةِ لَمْ ... يُطمِعْكِ في طمع من شيمتي طمعُ 10 - إنِي لَيَعُوزُنِي جَدِّي فَأَتْرُكَهُ ... عَمْدًا وأُخْدَعُ أحْيَانًا فأَنْخَدِعُ 11 - وأكتُمُ السِّرَّ في صَدرِي وأخْزِنُهُ ... حَتى يَكُونَ لهُ مُلْحٍ ومُستَمِعُ 12 - وأتركُ القولَ إلَّا في مُرَاجَعَةٍ ... حَتّى تَكُونَ لذاكَ القولِ مُطّلعُ 13 - لا قُوّتي قُوّةَ الرَّاعيِ رَكَائِبَه ... يَأْوي فَيَأوي إِليه الكلبُ والرُّبَعُ 14 - ولا العسيفِ الَّذي يَشْتَدُّ عُقْبَتَهُ ... حَتَّى يَبِيتَ وَبَاقِي نَعلهِ قِطَعُ 15 - لَا يَحْملُ العبْدُ منَّا فَوْقَ طَاقَتِهُ ... ونَحْنُ نَحْملُ ما لا تَحْملُ الْقَلَعُ 16 - منا الأناة .................. ... ..................... إلى آخره وهي من البسيط والقافية متراكب. ولم يذكر أبو تمام في حماسته إلَّا أربعة أبيات من هذه القصيدة من عند قوله: "لا قوتي قوة الراعي إلى آخرها، وقد نقلت أنا تمام القصيدة من ديوان وضاح لحسنها ولطافة معانيها. 1 - قوله: "بان": من البين وهو الفراق "والخليط": عشير الرَّجل ومؤانسه، قوله: "واهٍ" أي: ساقط، و"واكف": من وكف البيت إذا قطر، و"وهمع" بفتح الهاء وكسر الميم، من الهموع -بالضم وهو السيلان، والهموع بالفتح: السائل. 2 - و"بطن المحلة": موضع، و"صنعاء": مدينة باليمن، و"ضلع" بفتح الضاد المعجمة والسلام، اسم موضع. 3 - و"الفيافي": جمع فيفاءَ؛ وهي الصحراء الملساء، و"الظليم" بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام، ذكر النعامة. 4 - قوله: "صخب الأصداء" من قولهم: ماء صَخِب -بفتح الصاد المهملة وكسر الخاء المعجمة: إذا كان له صوت، و"الأصداء": جمع صدى؛ وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، قوله: "تحوم" أي: تطوف، و"الحَين" بالفتح: الهلاك. 5 - و"الأحساء" جمع حسى -بكسر الحاء؛ وهو الماء المتواري في الرمل، قوله: "تقرظه" [(¬1) ... ] قوله: "ولا صاد" وهو العطشان؛ من صدى يصدى صدًى إذا عطش فهو ¬
صدٍ وصادٍ وصديان، و"والكرع" بفتحتين؛ ماء السماء يكرع فيه، والكَرِع -بفتح الكاف وكسر الراء: هو الذي يكرع في الماء، وهو الذي يتناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفه ولا بإناء. 6 - و"العرمض": الطحلب وهو الأخضر الذي يخرج من أسفل الماء حتَّى يعلوه، و"الآباء" القصب، وقيل: الأجمة. قوله: "من أدع" أي: من أترك. 8 - و"الرواجب" بالجيم؛ جمع راجبة، وهي مفاصل الأصابع التي تلي الأنامل ثم البراجم ثم الأشاجع اللاتي تَلِي (¬1) الكف. 13 - قوله: "ركائبه": جمع ركوبة، ويروى: قلائصه جمع قلوصة وهي الشابة من الإبل، و"الربع" بضم الراء وفتح الباء الموحدة؛ وهو الفصل الذي ينتج في الرَّبيع، وهو أول النتاج والجمع: رباع مثل رطب رطاب. 14 - و"العسيف" بفتح العين المهملة وكسر السين؛ وهو الأجير، و"العقبة" بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الباء الموحدة؛ وهي النوبة، وانتصابها على الظرفية، قوله: "وباقي نعله قطع": جملة اسمية وقعت حالًا من الضمير الذي في يبيت، وقيل: هذه الجملة في موضع خبر يبيت تقديره: حتَّى يبيت منقطع باقي نَعْلَه (¬2). 15 - قوله: "لا يحمل العبد منا" أي: لا يكلف العبد إلا ما دون ما يطيقه إبقاء عليه، ونحن نحمل من مشاق الأمور ما لا تطيقه، "القلع" أي: الهضاب العظام، وهو بفتح القاف والسلام. 16 - قوله: "منا الأناة" بفتح الهمزة والنون؛ أي: التأني والتمهل في الأمور، قوله: "بطاء" بكسر الباء الموحدة وتخفيف الطاء؛ جمع بطيء، قوله: "سرع" بفتحتين؛ بمعنى: السرعة، وضبطه الشيخ جمال الدين سِرَع -بكسر السين وفتح الراء ثم قال هو مصدر سَرُعَ بالضم كَصغُر صِغَرًا أي: فيما زعموا من إبطائنا إسراع (¬3). الإعراب: قوله: "منا الأناة" كلمة "من" بمعنى في، أي: فينا الأناة؛ كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] و"الأناة": مبتدأ، و"منا": مقدمًا خبره، ويجوز أن تكون من بمعنى عند، أي: عندنا الأَنَاة؛ كما في قوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ ¬
الشاهد الثالث والستون بعد المائتين
أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 10] أي: عند الله شيئًا. قوله: "وبعض القوم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "يحسبنا": جملة خبره، والجملة حال، قوله: "إنَّا بطاء" بكسر إن للإخبار بها، ومعمول إن اسم العين، وهو مفعول أول ليحسب، والمفعول الثاني هو الخبر في الأصل، وهذا كما تَقُول: زيد إنه فاضل -بكسر إن، ولو قلت (¬1): اعتقادي أنك فاضل، فتحت أن؛ لأن الخبر عنه اسم معنى، والحاصل أن قوله: "إنَّا بطاء" خبر في المعنى عن ضمير المتكلم، فلو (¬2) فتحت أن كانت في تأويل المصدر، ولا يخبر بالمصدر عن اسم الذات، فلا يقال: زيد قيام أو قعود، وكذا لا يقال: زيد بطاء ولا نحن بطاء، قوله: "وفي إبطائنا سرع": جملة اسمية من المبتدأ والخبر وقعت حالًا (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "إنَّا بطاء" حيث كسر إن فيه؛ لأنه مبني على ما قبله كما في قوله: زيد إنه منطلق. الشاهد الثالث والستون بعد المائتين (¬4) , (¬5) أَلَمْ تَرَ إنِّي وابْنَ أسْوَدَ لَيْلَةً ... لَنَسْرِي إلى نارَيْنِ يَعْلُو سَنَاهُمَا أقول: قائله هو شخص من العرب لا يعلم اسمه، وقال سيبويه: سمعناه ممن ينشد من العرب (¬6). وهو من الطَّويل. المعنى ظاهر، والسنى مقصورًا: الضوء. ¬
الإعراب: قوله: "ألم تر" الهمزة للاستفهام دخلت على النفي، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] , قوله: "إنِّي" بكسر الهمزة لمجيء اللام في الخبر وهو قوله لنسري؛ لأنه خبر إن، واسمه الضمير المتصل به. قوله: "وابن أسود" بالنصب عطف على اسم إن، قوله: "إلى نارين" يتعلق بقوله لنسري، قوله: "يعلو": فعل مضارع من علا يعلو علوًّا، و"سناهما": كلام إضافي فاعل يعلو، والجملة صفة لنارين. الاستشهاد فيه: في قوله: "إنِّي" حيث جاءت إن فيه مكسورة يخطيء اللام في الخبر، ولولا اللام لفتحت؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ألم تر (¬1)، وأسقط الحجاج (¬2) اللام في والعاديات حين سبقه لسانه إلى فتح الهمزة (¬3)، وعن المازنِيّ أنَّه أجاز الفتح مطلقًا، وعن الفراء أنَّه أجاز بشرط طول الكلام، وأنه احتج بقراءة بعضهم (¬4) في "والعاديات" بالفتح مع ثبوت اللام، وبقوله (¬5): 1 - وأَعْلَمُ عِلْمًا لَيسَ بالظَّنِّ إنَّهُ ... إذَا ذَلّ مَوْلَى الْمَرْءِ فهُوَ ذَلِيلُ 2 - وإن لِسَانَ المرَء مَا لَمْ يَكُنْ ... حَصَاة عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيلُ والحق تخريج ذلك على تقدير اللام زائدة. ¬
الشاهد الرابع والستون بعد المائتين
الشاهد الرابع والستون بعد المائتين (¬1) , (¬2) وكُنْتُ أُرَى زَيْدًا كما قيل سَيِّدًا ... إِذَا أَنَّهُ عَبدُ القَفَا واللهازمِ أقول: ذكر سيبويه هذا البيت في كتابه ولم يعزه إلى أحد، وقال: سمعت رجلًا من العرب ينشد هذا البيت (¬3). وهو من الطَّويل. قوله: "عبد القفا واللهازم": كناية عن الخسة والذلة، واللهازم: جمع لهزمة -بكسر اللام وهي طرف الحلقوم، ويقال: هي عظم ثَابت تحت الأذن، وقيل: هي مضغة تحت الأذن. والمعنى: كنت أظن زيدًا سيدًا كما قيل، فإذا هو ذليل خسيس عبد البطن، ويقال: ظن سيادته فلما نظر إلى قفاه ولهازمه تبين عبوديته ولؤمه، وخص هذين؛ لأن القفا موضع الصفع واللهازم موضع اللكز. الإعراب: قوله: "أرى" على صيغة المجهول بمعنى أظن يقتضي مفعولين: الأول قوله: "زيدًا" والثاني قوله: "سيدًا"، قوله: "كما قيل" معترض بين المفعولين، والكاف للتشبيه، وما مصدرية؛ أي: كقول النَّاس فيه ذلك، قوله: "إذا" للمفاجأة، قوله: "أنَّه" يجوز بالوجهين على ما يأتي الآن بيانه -إن شاء الله تعالى- والضمير المتصل اسم أن، وخبره قوله: "عبد القفا" وقوله: "اللهازم" عطف على القفا. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذا أنَّه" حيث جاز فيه الوجهان: أما الفتح فعلى تقديرها بالمفرد، والتقدير: فإذا عبوديته حاصلة؛ كما تقول: خرجت فإذا الأسد، وأما الكسر؛ فلأنها في ابتداء الجملة (¬4). ¬
الشاهد الخامس والستون بعد المائتين
الشاهد الخامس والستون بعد المائتين (¬1) , (¬2) فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يَوْمًا ... فَأُخْبِرُهُ بِمَا فَعَلَ الْمشَيبُ أقول: قائله هو أبو العتاهية (¬3)، واسمه إسماعيل بن القاسم بن سويد، وكنيته أبو إسحاق، وأبو العتاهية لقب غلب عليه لاضطراب كان فيه، وهو شاعر مكثر لا يحاط بشعره لكثرته، وكان يقول في الزهد ويتهم في دينه، وأول مدائحه في الهدي، وأول الشعر هو قوله: 1 - قريتُ من الشَّبابِ وكَانَ غَضًّا ... كَمَا يَعرَى من الوَرَقِ القضيبُ 2 - ونحتُ على الشبابِ بدَمْعِ عَيْنِي ... فما أغَنَى البُكاءُ ولا النَّحيبُ (¬4) 3 - فيا ليت الشبابَ يَعُودُ يَوْمًا ... فأُخبرَه بِمَا فَعلَ المشِيبُ وهي من الوافر، المعنى ظاهر وهو معنى مليح. الإعراب: قوله: "فيا": حرف النداء في الأصل، ولكن في مثل هذا الموضع يكون لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، ومنهم من يقدر المنادى في مثل هذا الموضع محذوفًا تقديره: فيا قوم ونحوه، و"ليت" للتمني؛ وهو طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر. وقوله: "الشباب": اسمه، و" يعود": جملة خبره، و"يومًا": نصب على الظرف، قوله: "فأخبرَه" بنصب الراء؛ لأنه جواب التمني [والتقدير] (¬5) فأنْ أخبره؛ أي: أخبر الشباب بالذي فعله المشيب، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "بما" يتعلق بأخبره. قوله: "فعل المشيب"؛ جملة من الفعل والفاعل صلة الموصول، وهو ما، والعائد محذوف تقديره: بما فعله المشيب. ¬
الشاهد السادس والستون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: على أن "ليت" بمعنى التمني لما فيه عسر وإحالة، وقد وقع في كثير من نسخ التوضيح الصحيحة في التمثيل بهذا نحو: ليت الشباب عائد، وهذا كلام نثر، وأما قوله: فيا ليت الشباب يعود يومًا ... .................... فهذا بيت كما ذكرناه ووجدته هكذا في بعض النسخ فلذلك أثبته (¬1). ومع هذا فالاستشهاد فيه من جهة المعنى من باب التمثيل لا من باب الاحتجاج؛ لأن أَبا العتاهية وأمثاله ممن هو في طبقته لا يحتج بهم فافهم (¬2). الشاهد السادس والستون بعد المائتين (¬3) , (¬4) فَقُلْتُ عَسَاها نَارُ كَأسٍ وعلَّها ... تَشَكَّى فَآتِي نَحْوَها فأَعُودُها أقول: قائله هو صخر بن العود الحضْرَميّ (¬5)، وهو من قصيدة هائية (¬6)، وأولها قوله: 1 - تذكرتُ كَأْسًا إذْ سَمِعْتُ حمامةً ... بَكَت في ذُرا نخْلٍ طِوَالٍ جَريدُها 2 - دَعَتْ سَاقَ حُرٍّ فاستحببت لصوتِها ... مُولَّهةٌ لم يَبْقَ إلَّا شَرِيدُها 3 - فَيَا نَفْسُ صَبْرًا كُل أسْبَاب وَاصِلٍ ... سَتُملى لها أسْبَابُ صَرْمٍ تُبيدُها 4 - وَلَيلٍ بَدَت للعينِ نَارٌ كأنَّها ... سَنَا كُوْكَبٍ لا يستبِينُ خُمودُها 5 - فقلت عساها ............. ... ................. إلى آخره 6 - فتسمعُ قَوْلي قَبْلَ حَتْفٍ يُصِيبُنِي ... تُسَرُّ بهِ أَوْ قَبْلَ حَتْفٍ يَصِيدُها 7 - كَأَنْ لَم يكُنْ يَا كأسُ أَلْقَى مَوَدَّةً ... إذا النَّاسُ والأيامُ ترعى عُهُودُها ¬
وهي من الطَّويل. 1 - قوله: "تذكرت كأسًا" الكأس: اسم امرأة، و"الذُّرَى" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذِرْوَةٍ، وذِرْوَةُ كل شيء: أعلاه. 3 - "صِرْم" بكسر الصاد؛ وهو القطع. 4 - و"السنى" مقصور وهو الضوء. 5 - قوله: "تشكى" أصله: تتشكى؛ فحذفت إحدى التاءين؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أصله: تتلظى. الإعراب: قوله: "فقلت" الفاء للعطف وقلت: فعل وفاعل، وقوله: "عساها نار كأس": مقول القول، وعسى ها هنا بمعنى لعل؛ فلذلك نصب الاسم ورفع الخبر؛ فالضمير المتصل به اسمها، والمعنى: عسى النار نار كأس، و"نار كأس": كلام إضافي خبرها، قوله: "وعلها" أصله: لعلها، وعل لغة في لعل، والضمير المتصل بها اسمها، وقوله: "تشكى": خبرها، قوله: "فآتي" فعل مضارع متكلم، وفيه أنا مستتر فاعله عطف على قوله: "تشكى" والفاء تصلح أن تكون للسببية، قوله: "نحوها" نصب على الظرف، قوله: "فأعودُها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على الجملة التي قبلها، والضمير فيها وفي قوله: "نحوها"، و"عَلَّهَا" يرجع إلى الكأس، وهي اسم محبوبته كما ذكرنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "عساها" حيث جاء عسى فيه بمعنى لعل واسمها ضمير كما (¬1) ذكرنا (¬2). ¬
الشاهد السابع والستون بعد المائتين
الشاهد السابع والستون بعد المائتين (¬1) , (¬2) وَلِي نَفْسٌ تُنَازِعُنِي إذَا مَا ... أقُولَ لَهَا لَعَلِّي أَوْ عَسَانِي أقول: قائله هو عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو بن الحرث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن مصعب بن عليّ بن بكر بن وائل (¬3). ويكنى أَبا شهاب، شاعر فصيح من شعراء الشراة ودعاتهم والمعرقين في مذهبهم فكان من القعدة؛ لأن عمره قد طال فضعف عن الحرب وحضورها، فاقتصر على الدعوة والتحريض بلسانه، وكان قبل أن يفتى بالشراية مشمرًا لطلب العلم والحديث، ثم بُلي بذلك المذهب فَضَلَّ وهَلَكَ. وقد أدرك صدرًا من الصَّحَابَة -رضي الله تعالى عنهم- وروى عنهم، وروى عنه أصحاب الحديث، وكان أصله من البصرة فلما اشتهر بهذا المذهب طلبه الحجاج فهرب إلى الشَّام، فطلبه عبد الملك فهرب إلى عمان، وكان ينتقل إلى أن مات في تواريه، وكان من قعدة الخوارج، وكان تزوج امرأة من الخوارج فقيل له فيها فقال: أردها عن مذهبها فذهبت به وأضلته. والبيت المذكور من الوافر، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "نفس": مبتدأ، وخبره قوله: "لي" مقدمًا، قوله: "تنازعني": جملة من الفعل والفاعل والفعول وقعت صفة للنفس، قوله: "إذا": للظرف، و"ما": مصدرية، والمعنى: حين قولي لها لعلي أو عساني. وقوله: "لعلي": مقول القول، أي: لعلي أنازعها، والمحذوف خبر لعل، وقوله: "أو عساني" عطف على لعلي، واسم عساني محذوف تقديره: عساني الحديث، وخبره مقدم على اسمه. قال ابن عصفور: حذف اسم "عسى" لعلم الخاطب كما حذف اسم ليس كذلك في ¬
الشاهد الثامن والستون بعد المائتين
قولهم: "ليس إلَّا" وجعل خبرها اسمًا على حد قولهم: عسى الغُوَير أبؤسًا. انتهى (¬1). واختلفوا في جواز تقديم أخبار عسى وأخواتها (¬2) على أسمائها: فذهب السيرافي وأبو علي والمبرد إلى جواز ذلك واستدلوا بهذا البيت (¬3). وقال النحاس: قال سيبويه في قولهم: عساك: الكاف منصوبة، واستدل على ذلك بقولهم: عساني، ولو كانت الكاف مجرورة لقيل: عساي (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "عساني" فإن عسى فيه بمعنى لعل، وعسى إذا كان بمعنى لعل فالشرط فيه أن يكون اسمه ضميرًا؛ كما في البيت السابق أَيضًا كذلك (¬5). الشاهد الثامن والستون بعد المائتين (¬6) , (¬7) لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَد القَصِيّ ... مِنِّيَ ذي القَاذُورةِ المَقْلِيّ أَوْ تَحْلِفي بَربك العليِّ ... أنِّي أَبُو ذَيّالِكِ الصَّبيِّ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج وبعدهما: قد رَابَنِي بالنَّظَرِ الرَّكِيِّ ... ومُقْلَةٍ كَمُقْلَةِ الكُرْكِيّ وقال ابن بري: هذا الرجز لبعض العرب وقدم من سفره فوجد امرأته قد ولدت غلامًا فأنكره فقال لها: لتقعدن مقعد القصي ... .................. إلى آخره ¬
وقالت امرأته: لَا وَالَّذي رَدَّكَ يَا صَفِيِّ ... مَا مَسَّنِي بَعْدَكَ منْ إِنْسِيّ غَيرَ غُلامٍ واحدٍ صَبِي ... بَعدَ امرأين مِنْ بَنِي عَدِي وآخَرِينَ مِنْ بَنِي بَليّ ... وخَمْسَةٍ كَانُوا عَلَى الطَّويّ وَسِتَّةٍ جَاءُوا مَعَ العَشِيّ ... وغَير تُركِيّ وبَصْرويّ ثم قام إليها زوجها ليضربها، فقيل له في ذلك، فقال متى تركتها عدت ربيعة ومضر. وهي من الرجز المسدس. قوله: "لتقعدن": مخاطب للمؤنث مؤكد بنون التأكيد، أصله: لتقعدين أيتها المرأة، فلما دخلت نون التأكيد سقطت نون الكلمة وحذفت الياء لالتقاء الساكنين وكسرت الدال لِتَدُلّ على الياء المحذوفة، قوله: "القصي" بفتح القاف وكسر الصاد وتشديد الياء؛ من قصى المكان يقصو قصوًا: بَعُد فهو قصيٌّ؛ أي: بعيد، قوله: "ذي القاذورة" بالقاف وضم الذال المعجمة وسكون الواو وفتح الراء، يقال: رجل قاذورة وذو قاذورة لا يخالل النَّاس لسوء خِلْقَتِه (¬1)، قوله: "المقلي" من قلاه يقليها قلى إذا أبغضه فهو مَقلِيّ؛ أي: مبغوض، والقِليّ بكسر القاف، فإن فتحت القاف مددته، قوله: "ذيالك": مصغر [ذلك كما أن مصغر] (¬2) ذاك ذياك. الإعراب: قوله: "لتَقْعُدِنّ" اللام فيه للتأكيد، وفاعل تَقْعُدِنَّ أَنْتَ فيه مستتر (¬3)، قوله: "مقعد القصي": كلام إضافي، وانتصابه إما على أنَّه مفعول مطلق على أن يكون المقعد بمعنى القعود أو على أنَّه، مفعول فيه بمعنى: في مقعد القصي، قوله: "مني" يتعلق بقوله: لتقعدن؛ كذا قيل وليس بشيء؛ بل هو يتعلق بالقصي تعلق المفعول بالفاعل. قوله: "ذي القاذورة": صفة للقصي، و"المقلي" صفة أخرى، قوله: "أو تحلفي" كلمة أو: [ها هنا] (¬4) بمعنى إلى، فإذا كانت أو بمعنى إلى ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن؛ كما في قولك: لألزمنك أو تقضيني (¬5) حقي وها هنا كذلك (¬6). ¬
الشاهد التاسع والستون بعد المائتين
والمعنى: لتقعدن مقعد القصي إلى أن تحلفي بالله العلي أني أبو ذلك الصبي. قوله: "بربك": يتعلق بقوله تحلفي، و"العلي": صفة الرب، قوله: "أبِي": اسم أن الضمير المتصل به، وخبره قوله: "أبو ذيالك الصبي"، قوله: "ذيا": تصغير ذا؛ لأنه أطلقها على الصبي والسلام للبعد أو للتوكيد (¬1)، والكاف مكسورة لخطابه المرأة و"الصبي": صفة أو عطف بيان. الاستشهاد فيه: في قوله: "إنِّي" فإنَّه يجوز فيه الوجهان: الكسر لأنه جواب القسم، وهو الأجود والأكثر، والفتح على معنى: أو تحلفي بربك على أني أبو ذيالك الصبي، فلما أضمر الجار فتحت إن؛ كما لو تلفظ بالجار؛ كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30] (¬2). الشاهد التاسع والستون بعد المائتين (¬3) , (¬4) أَحَقًّا أنَّ جيرَتَنا اسْتَقَلُّوا ... فَنِيّتُنا ونِيّتهُمْ فَرِيقُ أقول: قائله هو رجل من عبد القيس، وقال محمَّد بن سلام الجمحي: هذا الشعر للمفضل ابن معشر البكري، وسمي مفضلًا لهذه القصيدة؛ فإنَّه فضل بها على غيره، وتسمى القصيدة المنصّفة، وأولها هو البيت المذكور، وبعده (¬5). 2 - فَدمْعِي لؤلؤٌ سَلِسٌ عُراهُ ... يَخِرُّ على المهاوي ما يَلِيقُ 3 - فودِّعْها وإنْ كانت أناةً ... مُبَتَّلَةً لها خَلْقٌ أَنِيقُ وقال صاحب الحماسة البصرية: قال عامر بن أسحم بن عدي الكندي شاعر جاهلي: 1 - ألَمْ تر أَنَّ جيرتنَا استقلُّوا ... فنيَّتنا ونيَّتهُمْ فَرِيقُ ¬
2 - تَلاقَينَا بِسَبسَبٍ ذي طَرِيفٍ ... وبعضُهمْ على بَعضٍ حَنِيقُ 3 - فجاءوا عارضًا بُرْدًا وجئنا ... كمثلِ السَّيلِ أنَّ به الطَّرِيقُ 4 - كَأنَّ النَّبْلَ بَينَهُمْ جَرَادٌ ... تُصفقه شآمية خريقُ 5 - كَأن هَزِيزَنَا لمَّا الْتَقَينَا ... هَزيزُ أبَاءَةٍ فيهَا حَرِيقُ 6 - بكُل قَرَارَةٍ مِنَّا ومِنهُمُ ... بَنَانُ فَتًى وجُمْجُمَةٌ فَلِيقُ 7 - فكَمْ مِنْ سَيِّدٍ فِينَا وفِيهِمْ ... بذي الطرفَاء منْطِقُهُ شَهِيقُ 8 - فأشبعْنَا السِّبَاعَ وأشْبَعُونَا ... فرَاحَتْ كُلُّهَا تَيقٌ يَعُوقُ 9 - وأبكينا نسَاءَهُمْ وأبْكَوْا ... نِسَاءً مَا يَجِفُّ لَهُنَّ مُوقُ 10 - يجاوبن النباح بكل فَخْرٍ ... وقد بُحَّتْ من النَّوْحِ الحلوقُ 11 - تركنا الأبيض الوضَّاح فيهم ... كأن سَوَادَ لِمتَّهِ العُذُوقُ 12 - تعاوره رماح بني لَكيز ... فَخَرَّ كأنَّه سَيْفٌ ذَلِيقُ 13 - وقد قَتَلُوا بِهِ مِنَّا غُلامًا ... كَرِيمًا لَم تَأَشبهُ العُرُوقُ 14 - فلما استَيقَنُوا بالصَّبرِ منا ... تَذَكَّرَتِ الأيَاصِرُ والحقوقُ 15 - فأبقينا ولو شئنا تركنا ... لجيمًا لا نَقُود ولا نَسُوقُ وهي من الوافر وفيه العصب والقطف. 1 - قوله: "جيرتنا" بكسر الجيم، جمع جار، قوله: "استقلوا" أي: نهضوا مرتحلين مرتفعين من قولهم: استقل القوم إذا مضوا وارتحلوا، قوله: "فَنِيَّتُنَا" أراد بالنية الوجه الذي يقصده السافر من قرب أو بعد، قوله: "فريق" معناه: مُفْتَرِقَةٌ (¬1)، وقال الأعلم في شرح هذا البيت: الفريق يقع للواحد المذكر وغيره؛ كصديق وعدو، ومعناه ها هنا ما ذكرناه يصف الشَّاعر افتراقهم عند انقضاء المرتبع ورجوعهم إلى محاضرهم (¬2). 2 - قوله: "عراه" أي: خروقه، قوله: "يخر" أي: يسقط، و"المهاوي": ما بين العين إلى الصدر، مفرده مهواة، قوله: [ما يليق] (¬3) أي: ما يَثْبُتُ ولا يستمسك. 3 - و"الأنَاة" بفتح الهمزة والنون؛ وهي من النساء التي فيها فتور عند القيام وتأن، قوله: "مُبتَّلة" بضم الميم وفتح الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق وفتح اللام، يقال: امرأة مبتَّلة ¬
أي: تامة الخلق لم يركب لحمها بعضه بعضًا ولا يوصف به الرَّجل، قوله: "أنيق" أي: حسن معجب. 2 - قوله: "بسبسب" أي: مفازة (¬1)، و"الطريف" بالفاء؛ النصي إذا ابيض، و"النَّصيّ" بفتح النُّون وكسر الصاد المهملة؛ نوع من النبت، قوله: "حَنِيقَ" فعيل من الحنق وهو الغيظ. 3 - و"العارض": الجبل، قال أبو عبيدة: وبه سمي عارض اليمامة، والعارض: السحاب المعترض في الأفق، قوله: "أن به الطريق" من الأنين، فكأنه أنَّ من كثرة السيل كأنين المريض من كثرة الوجع. 4 - [قوله] (¬2) "كأنَّ النَّبلَ بَينَهُمْ جَرَادٌ" شبه السهام بالجراد في كثرتها وغَشيَانها الهواء، قوله: "تصفِّقُه" بتشديد الفاء؛ أي: تحوله، وأصله من تصفيق الشراب وهو تحويله من إناء إلى إناء، قوله: "شآمية" أراد بها الريح التيِ تأتي من ناحية الشَّام، و"الخريق" بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء؛ وهي الريح الباردة الشديدة الكثيرة الهبوب. 5 - قوله: "كَأَنَّ هَزِيزَنَا" أي: تحركنا، من هز الحادي الإبلِ (¬3) هزيزًا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه، و"الأباءة" بفتح الهمزة والباء الموَحدة؛ القصب. 6 - قوله: "بكل قرارة" أي: في كل قرارة، وهي القاع المستدير، وهي بفتح القاف والراء المخففة وبعد الألف راء أخرى، و"الجُمْجُمَةُ" بالضم؛ عظم الرأس المشتمل على الدماغ، و"الفليق" فعيل؛ من الفلق وهو الشق، ويستوي فيه المذكر والمؤنث. 7 - و"ذو الطرفاء" موضع. 8 - قوله: "تِيق" بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف، قال الأُموي (¬4): التيق: السريع إلى الشر، وقال الأصمعيّ: هو الحديد (¬5). 9 - و"الموق" بضم الميم وسكون الهمزة في الأصل وها هنا أبدلت واوًا، وموق العين: طرفها مما يلي الأنف، و"اللحاظ": طرفها مما يلي الأذن، والجمع آماق. 10 - قوله: "بُحَّت": من البُحَّة، يقال: في صوته بُحّة إذا انقطع من كثرة العياط والبكاء. ¬
11 - و"الأبيض": السيف، المراد به ها هنا اسم رجل، و"الوضاح": صِفَتُه، قال الجوهري: الوضَّاح أبيضُ اللونِ الحسن (¬1)، قوله: "كَأَنَّ سَوادَ لمِتهِ العُذُوق" اللمة -بتشديد اللام وكسر الميم: الشعر يجاوز شحمة الأذن، و"العُذوق" بضم العين المهملة والذال المعجمة؛ جمع عَذْقٍ بالفتح، وهي النخلة بحملها، والعذق بالكسر: الكياسة. 12 - قوله: "تعاوره" أي: تداوله، قوله: "ذَلِيق" بفتح الذال المعجمة وكسر اللام؛ أي: محدد الطرف. 13 - قوله: "لم تُؤشِّبهُ" أي: لم تخلطه العروق يقال: تأشب القوم إذا اختلطوا، وأراد بالعروق: الأنساب، وهو جمع عرق، وعرق كل شيء: أصله، ومنه عرق الشجرة. 14 - و"الأياصر": القرابات. الإعراب: قوله: "أحقًّا" الهمزة للاستفهام، و"حقًّا" نصب على الظرف المجازي عند سيبويه والجمهور (¬2). والأصل: أفِي حق هذا الأمر؛ معدود في الحق وثابت، ويؤيده: أنَّهم ربما نطقوا بِفِي داخلة عليه، قال الشَّاعر (¬3): أفِي الحق أنِّي مغرم بك هائم ... ........................ وأن ما بعدها يحتمل الوجهين (¬4): أحدهما: أن يكون مبتدأ خبره الظرف، والتقدير: أفِي حق استقلال جيرتنا, ولا يجوز كسرها لأن الظرف لا يتقدم على إن المكسورة لانقطاعها عما قبلها. والثاني: وهو الوجه أن يكون فاعلًا بالظرف لاعتماده؛ كما في قوله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم: 10] وقال المبرد: انتصاب حقًّا على المصدرية، والتقدير: أحق حقًّا ثم أنيب المصدر عن ¬
الشاهد السبعون بعد المائتين
الفعل، وارتفاع أن وما بعدها عنده على الفاعلية (¬1)، ولم يطلع ابن الناظم على هذا النقل من المبرد فقال: جوَّز شيخنا -يعني: الناظم أن يكون حقًّا مصدرًا بدلًا من اللفظ بالفعل (¬2). قوله: "جيرتنا": اسم إن، و"استقلوا": خبره، قوله: "فَنِيَّتُنَا": مبتدأ، "ونيتهم": عطف عليه، وقوله: "فريق": خبره، والفريق وإن كان مفرد اللفظ ولكن معناه يؤدي معنى الجمع يقال: هؤلاء فريق؛ كما يقال للجماعة: صديق. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن جيرتنا" حيث فتحت "إن" فيه بعد قوله: "حقًّا" كما تقول في قولك: حقًّا أنك ذاهب؛ أي: في حق ذهابك (¬3). الشاهد السبعون بعد المائتين (¬4) , (¬5) تَظَلُّ الشمسُ كَاسفةً عليه ... كَآبَةَ أنَّها فَقَدَتْ عَقِيلَا أقول: هذا من أبيات الكتاب، أنشده أبو الحسن ولم يعزه إلى قائله. قوله: "تظل": من الأفعال الناقصة وهو بفتح الظاء ومعناه تصير، قوله: "كآبة" بوزن الفصاحة وهي الاكتئاب وهو الانكسار من الحزن، قوله: "عقيلًا" بفتح العين المهملة وكسر القاف؛ وهو اسم رجل، وهو صاحب الهاء في عليه. الإعراب: قوله: "الشَّمس": اسم تظل، و"كاسفة": خبره، و"عليه": يتعلق بكاسفة، ومعناها السبية؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] , قوله: "كآبة" مضاف إلى قوله: "أنها" وانتصابها على التعليل؛ أي: لأجل كآبة، ويقال: الكآبة إما على حقيقتها من المصدرية فهي بدل من محل الهاء في "عليه" بدل اشتمال، ويجوز الجر على اللفظ، وإما مؤولة بالوصف أي: كئيبة، فهي إما بدل من كاسفة بدل كل من كل، وإما حال ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين
من ضمير كاسفة (¬1)، والإضافة حينئذ مثلها في قولك: قَتِيلُ السَّيفِ. قوله: "فقدت عقيلًا": خبر إن، و"عقيلًا": مفعول فقدت وهو ظاهر وضع موضع الضمير. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنها" حيث فتْحَتْ فيه أن لأنها في موضع الجر بالإضافة (¬2). الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين (¬3) , (¬4) إنَّ الكريمَ لَمَنْ تَرْجوهُ ذو جِدَةٍ ... ولو تَعَذَّرَ إيسارٌ وتَنْويلُ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من البسيط. قوله: "ذو جدة" بكسر الجيم وفتح الدال المخففة؛ من وجد المال وجدًا بتثليث الواو وجدة إذا استغنى، قوله: "إيسار": من اليسر، و"تنويل": من نولته إذا أعطته النوال؛ أي: العطاء. الإعراب: قوله: "إن الكريم" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله "الكريم": اسمه، وقوله: "لمن ترجوه": خبره، والسلام فيه للتأكيد ولهذا جاءت مفتوحة، و"من" موصولة مبتدأ (¬5)، وخبرها هو قوله: "ذو جدة"، وقوله: "ترجوه": جملة من الفعل المخاطب، والفاعل والمفعول صلة للموصول، قوله: "ولو" بمعنى إن وهي واصلة بما قبلها، والمعطوف عليه محذوف في الحقيقة تقديره: إن لم يتعَذَّر إيسار ولو تعذر إيسار، و"إيسار": مرفوع لأنه فاعل تعذر، "وتنويل": عطف عليه، وفي هذا البيت مبالغة شديدة؛ لأنه جعل مجرد رجاء الكريم محصلًا للغنى، ولو كان الكريم المرجو غير موسر ولا منيل، ولقد بالغ حتَّى أحال. ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "لمن ترجوه ذو جدة" لأنها جملة اسميه وقعت خبرًا لإن ودخلت عليها اللام للمبالغة في التأكيد (¬1). الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) وأَعْلَمُ إنَّ تَسْليمًا وَتْركًا ... للَا مُتَشابِهَانِ وَلَا سَواءُ أقول: قائله هو أبو حزام غالب بن الحرث العكلي. وهو من الوافر. والمعنى: أعلم وأجزم أن التسليم على النَّاس وتركه ليسا متساويين ولا قريبين من السواء، وكان حقه لولا الضرورة أن يقول: للاسواء ولا متشابهان، [وقد قيل: إن المعنى: وأعلم أن تسليم الأمر لكم وتركه ليسا متساويين ولا متشابهين] (¬4). الإعراب: قوله: "وأعلم": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر وهو أنا، قوله: "إن" بكسر الهمزة لدخول اللام في خبرها، وقوله: "تسليمًا": اسم إن، "وتركًا": عطف عليه، وخبره قوله: "للا متشابهان"، قوله: "ولا سواء" [بالرفع] (¬5) عطف على [قوله] (¬6): "متشابهان". فإن قلتَ: سواء مفرد فكيف يكون خبرًا عن المتعدد؟ قلتُ: إفراده واجب وإن كان خبرًا عن متعدد؛ لأنه في الأصل مصدر بمعنى الاستواء فحذفت زوائده ونقل إلى معنى الوصف؛ كما في قوله (¬7): ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين
.... ... فَلَيسَ سواء عالم وجهول الاستشهاد فيه: في قوله: "للا متشابهان" فإنَّه زيدت اللام التي للتأكيد في الخبر المنفي بلا وهو شاذ (¬1). الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) فإنْكَ مَنْ حَارَبْتَه لَمُحَارَبٌ ... شَقِيٌّ وَمَنْ سَالمْتَه لَسَعِيدُ أقول: قائله هو أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان، وكان شاعرًا مفلقًا ذا عيال، وأسر يوم بدر كافرًا، فأُتِيَ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يَا رسول الله: لقد علمت مالي من مال، وإني لذو حاجة وعيال فامْنُن عليّ يَا رسول الله ولك علي أن لا أظاهر عليك أحدًا فامتن عليه، فقال يمتدحه - صلى الله عليه وسلم - (¬4): 1 - مَنْ مُبلِغٌ عَنِّي الرَّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنَّكَ حَقٌّ والملِيكُ حَمِيدُ 2 - وأنتَ امْرُؤٌ تَدْعُو إلَى الحَقِّ والهُدَى ... عليكَ مِنَ الله العَظِيم شَهيدُ 3 - وأنت امْرُؤٌ بُوِّئتَ فِينَا مَبَاءَةً ... لهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وصُعُودُ 4 - فإنك مَن حاربته ........... ... .................. إلى آخره 5 - ولكنْ إذَا ذُكرتَ بَدْرًا وأهْلَهَا ... تأَوَّبَ مَا بِي حَسْرَةً فَيَعُودُ فلما كان يوم أحد دعاه صفوان بن أمية بن خلف الجمحي وهو سيدهم ليرسله إلى الخروج فقال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قَدْ مَنَّ عَلَيَّ فَعَاهدْتُهُ (¬5) أن لا أُعِينَ عليه، فلم يَزَل به وكان محتاجًا ¬
فأطعمه -والمحتاج يطمع- حتَّى خرج، وسار في بني كنانة وقال يُحَرِّضُهُمْ (¬1): 1 - أيَا بَنِي عَبدَ مُنَاةَ الرِّزَامِ ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ 2 - لا يَعْدَوُنَّ نَصْرَكُمْ بَعْدَ العَامْ ... لا تُسْلِمُوني لا يَحِل إِسْلَامْ فقال ابن سلام: إنه أسر يوم أحد، فقال يَا رسول الله: مُنّ عليّ، فقال النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2): "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، لا تمسح عارضك، وتقول: خدعت محمدًا مرتين" فقتله، ويقال: إنما أسره وقتله حين خرج إلى حمراء الأسد (¬3). والقصيدة المذكورة من الطَّويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فإنك" كذا أنشده ابن مالك بالفاء (¬4)، والصواب: وإنك بالواو، والخطاب فيه وفي قوله: "حاربته وسالمته" للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالكاف: اسم إن، وخبره قوله: "من حاربته [لمحارب] " فمن: موصول مبتدأ، و"حاربته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلته، وقوله: "لمحارب" خبر المبتدأ، وقوله: "شقي": صفة لمحارب، قوله: "ومن سالمته": عطف على قوله: "حاربته": و"من" أَيضًا: موصول مبتدأ، و"سالمته": جملة صلته، وقوله: "لسعيد": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "لمحارب" وفي قوله: "لسعيد"؛ حيث دخلت لام التأكيد عليهما وهما خبران، والأصل دخولهما على المبتدأ لتوكيده؛ كقولك: لزيد منطلق (¬5). ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين (¬1) , (¬2) ..................... ... ولكنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ أقول: ذكر المتأخرون من النحاة أن قائل هذا لا يعرف ولا يُحْفَظُ له تَتِمَّةٌ. وهو شطر من الطَّويل. قوله: "لعميد": من عَمِدَه العشق -بكسر عين الفعل إذا هذه، قال الجوهري: عمده الرض [إذا أفدحه] (¬3)، ورجل معمود وعميد؛ أي: هدَّه العِشْقُ، ويقال: العميد: من انكسر قلبه بالمودة، ويروى: لكميد من الكمد وهو الحزن. الإعراب: قوله: "ولكنني" أصله: ولكن إنني؛ فلذلك دخلت اللام في خبرها ثم نقلت حركة الهمزة إلى نون لكن ثم حذفت الهمزة فاجتمعت ثلاث نونات، فحذفت الأولى فصار: لكنني (¬4)، فالضمير اسم إن، قوله: "لعميد": خبرها، والسلام: للتأكيد. وقال البَعْليُّ: هذا مذهب الكوفيين، أعني: دخول اللام بعد لكن (¬5)، وتأول ذلك البصريون فقالوا: أصله: ولكن أنا من حبها لعميد، فحذفت الهمزة واتصلت لكن بـ "نا" فأدغمت النُّون في النُّون فصار كما ترى (¬6). واعلم أنَّه ليس دخول اللام مقيسًا بعد أن المفتوحة خلافًا للمبرد (¬7)، ولا بعد لكن خلافًا ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين
للكوفيين (¬1)، ولا اللام بعدها لام الابتداء خلافًا له ولهم (¬2)؛ ولذلك أولناه؛ فأن أصله: لكن إنني. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعميد" حيث دخلت اللام في خبر لكن على رأي الكوفيين (¬3)، واستشهد به الزمخشري على أن أصل لكنني: لكن إنني، بدليل دخول اللام في خبرها، وقال في كتابه: ولكون المكسورة للابتداء فلم تجامع لأمه إلَّا إياها وقوله: "ولكِننِي مِنْ حُبهَا لَعَمِيدُ" على أن الأصل: ولكن إنني؛ كما أن الأصل في قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38]: لكن أنا، فافهم (¬4). الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين (¬5) , (¬6) وما زلْتُ من ليلى لَدُنْ أَنْ عَرفْتُها ... لكالهائم المُقْصي بكلِّ مَراد أقول: قائله كثير عزة وقد ترجمناه، وهو من قصيدة قالها كثير ولكنها لامية وفي موضع "مراد": "سبيل" وأولها هو قوله: 1 - ألا حَيِّيَا لَيلَى أجَدّ رَحِيلِي ... وآذَنَ أَصْحَابِي غَدًا بقُفُولِ 2 - أُرِيدُ لأُنْسَى ذِكرَهَا فكَأنَّمَا ... تُمَثِّلُ لِي لَيلَى بِكُلِّ سَبِيلِ 3 - وكَمْ مِنْ خَلِيلٍ قَال لِي لَوْ سَأَلْتَهَا ... فَقُلْتُ له لَيلَى أَضَنُّ بَخِيلِ 4 - لقد كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عندَهُمُ ... بلَيلَى ولا أرْسَلْتُهُمْ برسولِ ¬
5 - فإن جَاءكِ الوَاشُونَ عَنِّي بكِذْبَةٍ ... فَرَوْهَا ولم يأْتُوا لهَا بحويلِ 6 - وما زِلْتُ منْ لَيلَى لَدُنْ طُرَّ شَارِبِي ... إلَى اليومِ كالمُقْصَى بكُل سَبيلِ ويحتمل أن البيت الشاهد ليس من القصيدة المنسوبة إلى كثير، وإنما هُوَ لِغَيرِهِ وأُخِذَ منه على وجه السرقة، أو يَكون من توارد الخواطر وهو محل نَظَر لا يخْفَى. وهي من الطَّويل. 6 - قوله: "لدن" بمعنى: عند، وحقها لزوم الإضافة ولا يكون ما بعدها إلَّا مجرورًا، قوله: "كالهائم": من هام على وجهه يهيم هيمًا وهيمانًا: ذهب من العشق أو غيره، وقلب مستهام؛ أي: هائم، والهُيام [بالضم: أشد العطش] (¬1) والهُيام كالجنون من العشق، قوله: "المقصَى" بضم الميم وسكون القاف وفتح الصاد المهملة؛ أي: المبعد (¬2)، وهو اسم مفعول من أقصى يقصى إقصاء، وهو الإبعاد، والقصا - بالمد والقصر: البعد والناحية، يقال: قَصِيَ فلان عن جوارنا بالكسر يَقْصَى قَصًا، وأقصيته أنا فهو مقْصيٌّ [ولا يقال: مُقْصَى] (¬3)، وقصا المكان يقصو من باب دعا يدعو قُصُوًّا إذا بعد فهو قَصِيّ، وأرض قاصية وقصيّة. قوله: "بكل مَرَاد" أي: بكل مذهب وهو بفتح الميم، والمراد في الأصل هو مراد الريح وهو المكان الذي يذهب فيه ويُجَاء، وَرِيَادُ الإبل: اختلافها في المرعى مقبلة ومدبرة، والموضع مراد. والمعنى: ما زلت كالهائم الموله المبعد بكل مذهب من أَجل ليلى عند معرفتي إياها. 1 - قوله: "وآذن" بالمد؛ أي: أعلم، قوله: "بالقُفُول" بضم القاف ثم الفاء؛ وهو الرحيل. 5 - قوله: "بحويل" بفتح الحاء المهملة وكسر الواو؛ اسم من حاولت الشيء إذا أردته، وقيل: من الاحتيال. الإعراب: قوله: "وما زلت" التاء فيه اسم ما زال، وخبره قوله: "لكالهائم"، والسلام فيه للتأكيد، والكاف للتشبيه، قوله: "من ليلى" كلمة من للتعليل؛ أي: من أَجل ليلى، ويتعلق بالهائم، قوله: "لدن": مضاف إلى الجملة التي بعدها، وقد استعمل بغير من، ولم تأت في التنزيل إلَّا مقرونة بها (¬4) وكلمة أن مصدرية. ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين
والمعنى: عند معرفتي إياها، والضمير المنصوب في عرفتها يرجع إلى ليلى. قوله: "المُقْصَى": صفة للهائم، قوله: "بكل مَراد": كلام إضافي يتعلق بقوله: "كالُمقْصَى". الاستشهاد فيه: في قوله: "لكالهائم"؛ حيث دخلت فيه لام التأكيد، وهو خبر زال، وهو نادر (¬1). الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) أُمُّ الحليسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... تَرْضَى من اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَه أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء فليعاود هناك. الاستشهاد فيه ها هنا: في دخول اللام على خبر المبتدأ المؤخر من غير تقديم إنّ، وهو نادر. الشاهد السابع والسبعون بعد المائتين (¬4) , (¬5) إن الخلافةَ بعدهم لَدَمِيمَةٌ ... وخَلَائِفٌ ظُرُفٌ لمِمَّا أحْقرُ أقول: لم أقف على اسم قائله، ولا رأيت أحدًا عزاه إليه. وهو من الكامل. قوله: "لدميمة" بالدال المهملة؛ من الدمامة وهي الحقارة، ويدلك على هذا ذكره الحقارة في آخر البيت، ومن أعجمها فقد صحف، و"خلائف": جمع خليفة، وقالوا أَيضًا: خلفاء، من أَجل أنَّه لا يقع إلَّا على مذكر وفيه الهاء، جمعوه على إسقاط الهاء فصار مثل: ظريف وظرفاء؛ لأن فعيلة بالهاء لا تجمع على فعلاء. ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد المائتين
قوله: "ظُرُف" بضم الظاء المعجمة والراء؛ جمع ظريف، من ظرف الرَّجل ظرافة، ونظيره: نذير ونذر، قال الله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} [النجم: 56] وجمع فعيل على فُعُل يكثر في الأسماء ويقل في الصفات. ومعنى البيت: إن الخلافة بعد أولئك الخلفاء الذين سلفوا محتقرة مع أن بعض الخلفاء الذين بعدهم خلائف ظرفاء، ولكنهم بالنسبة إلى أولئك محقرون. الإعراب: قوله: "إن الخلافة" إن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل و"الخلافة": اسمه وقوله: "لدميمة": خبره، قوله: "بعدهم": كلام إضافي نصب على الظرف، أي: بعد الخلفاء السالفة. وقوله: "خلائف": عطف على محل اسم إن، كما تقول: إن زيدًا لقائم وعمر لذاهب، وهو أَيضًا مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله: "ظرف"، وقوله: "لمِمَّا أحقر": خبره، واللام فيه للتأكيد، و"ما" موصولة بمعنى مَنْ كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} [الشمس: 5] أي: ومن بناها، و"أحقر": جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: لممن أحقرهم؛ يعني: خلائف ظرفاء بعد أولئك الخلفاء السالفة لمن الذين أحقرهم بالنسبة إلى من سلف منهم. الاستشهاد فيه: في في خول اللام في قوله: "لدميمة" وفي قوله: "لمما أحقر" وهما خبران، ولكن دخولهما ها هنا حسن لتقدم إن؛ لأنها في أحد الجزأين بخلاف البيت السابق (¬1) فافهم. الشاهد الثامن والسبعون بعد المائتين (¬2)، (¬3) قَالتْ ألا ليتما هذا الحمامُ لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فَقَدٍ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية وقد ترجمناه فيما مضى وهو من قصيدة دالية مشهورة وهي من البسيط وأولها هو قوله (¬4): ¬
1 - يَا دارَ مَيَّةَ بالعلياءِ فالسَّندِ ... أَقْوَتْ وطال عليها سالفُ الأبدِ 2 - وقفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائلُها ... عيّت جوابًا وما بالربع من أحدِ 3 - إلَّا الأواريَّ لَأْيًا ما أُبَيّنها ... والنؤى كالحوضِ بالمظلومةِ الجلدِ إلى أن قال: 4 - واحكُم كحكم فتاة الحيّ إذَا نَظَرَتْ ... إلى حمامِ سراعِ وارد الثَّمَدِ 5 - قالت ألا ليتما ........ ... ................. إلى آخره 6 - تَحْفُهُ جَانِبًا ما نِيقٌ وتتبُعُه ... مِثْلُ الزُّجَاجةِ لم تكْحَلْ مِن الرَّمَدِ 7 - فحَسِبُوه فألفَوْه كَمَا حَسِبتُ ... تسْعًا وتِسْعِينَ لم ينقُصْ ولَمْ يَزِدِ 8 - فأكملتْ مائةً فيها حمامتنا ... فأسرعتْ حسبةً في ذَلِكَ العَدَدِ 1 - قوله: "بالعلياء فالسند": كلاهما موضعان، والعلياء: ما ارتفع من الأرض، والسند: سند الجبل، قوله: "أقوت" أي: خلت من النَّاس وأقفرت، وفيه التفات من الخطابة للغيبة، و"السالف": الماضي، و"الأبد": الدهر. 2 - قوله: "أصيلانًا" أي: عشيًّا، وهو تصغير أصلان -بضم الهمزة وهو جمع أصيل وهو بعد العشي، ويجمع على أصل وأصائل أَيضًا، وقد تبدل اللام من النُّون في أصيلان فيقال: أصيلال (¬1)، قوله: "أسائلها" أي؛ الدار، وسؤاله إياها توجع منه وتأسف، قوله: "عيت" أي: تحيرت عن الجواب، وجوابًا نصب على نزع الباء. 3 - قوله: "إلَّا الأواري": جمع الارية ومعناها: موضع الدواب، قوله: "لَأْيًا" تقديره: لأيت لأيًا؛ أي: أبطأت في الجواب، قوله: "والنؤي" هي حفيرة تحفر حول الخيمة ليجري فيها ماء المطر، قوله: "بالمظلومة" هي الأرض التي لم تحفر قط، و"الجلَد" بفتح اللام؛ الصلب. 4 - قوله: "واحكم كحكم فتاة الحيِ" [أي: احكم مثل] (¬2) حكم فتاة الحي، وهو خطاب إلى النُّعمان بن المنذر؛ لأنه يعتذر بهذه القصيدة إليه، أراد: كن حليمًا بنصب الرأي في أمري ولا تَقْبَلْ ممن سعى بي إليك، وكن كفتاة الحي إِذا أصابت ووضعت الأمر موضعه، ولم يرد الحكم في القضاء، وأراد بفتاة الحي: زرقاء اليمامة، وهي امرأة من بقية طسم وجديس، يضرب بها المثل في حدة النظر، قيل: كانت ترى من مسافة ثلاثة أميال (¬3)، وكان يومًا نظرت إلى قطا ¬
يَطير بين الجبلين وقالت: 1 - ليتَ الحمَامَ لِيَه ... إلَى حَمَامَتِيَهْ 2 - ونِصْفَهُ قَدِيَهْ ... تَمَّ القَطَاةَ مِيَهْ ثم تبع واحد منهم تلك القطا إلى أن وردت الماء فعدها فإذا هي تسع وتسعون قطاة مثل ما قالت. قوله: "إلى حمام" الحمام عند العرب: ذوات الأطواق من نحو الفواخت والقماري والقطا والوراشين ونحو ذلك، يقع على الذكر والأنثى؛ لأن الهاء إنما دخلته على أنَّه واحد من الجنس لا للتأنيث، وعند العامة: أنها الدواجن فقط، الواحدة حمامة. قوله: "سراع" بكسر السين المهملة؛ جمع سريع ككرام جمع كريم، ومعناه: قاصدة إلى الماء وهو قوله: "الثمد" وهو الماء القليل الذي لا مادة له، وهو بفتح الثاء المثلثة والميم، ويقال: بسكون الميم أَيضًا. 5 - قوله: "أو نصفه فقدِ" أي: فحسب، وحرِّكت الدال لأجل الوزن، وقد علم أن لفظة "قد" تجيء بمعنى حسب؛ كقوله عليه الصلاة والسلام (¬1): "لا يزال يلقى في جهنم وتقول هل من مزيد حتَّى يضع الله قدمه فتقول: قد قد" أي: حسب حسب، وجاء في الشعر أَيضًا؛ كما في قوله (¬2): قدني من نصر الحبيبين قدي ... ...................... وقد ذكرناه فيما مضى (¬3). 6 - قوله: "تحفه" أي: تحيطه، من حف حوله يحف حفًّا إذا طاف واستدار؛ قال الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] قوله: "نيق" بكسر النُّون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف؛ وهو أرفع موضع في الجبل، والجمع: نياق. 7 - قوله: "فألفوه" بالفاء، أي: وَجَدُوه، من ألفى يلفى إلفاء؛ قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه. ¬
وفي هذا البيت مسألة حسابية، وهو أن يقال: أي عدوإذا أضيف إليه نصفه وواحد بلغ مائة؟ فتقول: العدد شيء ويضاف عليه نصف شيء وواحد لكلغ مائة؛ فيكون الشيء ستة وستين ونصف الشيء ثلاثة وثلاثين، فصار تسعة وتسعين فإذا أضيف إليها واحد صارت مائة؛ فقد أضيف إليه نصف شيء وواحد فصار الشيء مائة. ويدل على ذلك قوله: ليتما هذا الحمام لنا ونصفه إلى حمامتنا، أي: ألا ليتما هذا الحمام لنا ومثل نصفه إلى حمامتنا، أي: يضاف هذا الحمام ومثل نصفه إلى حمامتنا فيصير مائة، ولذلك قال النابغة بعد هذا البيت: فحسبوه فَأَلْفَوْهُ كما ذكرت ... ........ إلى آخره الإعراب: قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الزرقاء، قوله: "ألا ليتما هذا الحمام ... إلى آخره": مقول القول، وكلمة: "ألا" ها هنا للتمني، وإن كان موضعها الأصلي للتنبيه. قوله: "ليتما" كلمة ليت حرف تمني يتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلًا، وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر، وقد ينصبهما عند الفراء (¬1)، وقد اقترن بها ها هنا ما الحرفية، فجاز فيها إعمالها لبقاء الاختصاص وجاز إهمالها حملَا على أخواتها؛ فعلى الأول يُنْصَبُ الحمامُ، وعلى الثاني يُرْفَعُ. وقد قيل: يحتمل أن يكون رفع "الحمام" على أن "ما" موصولة وأن الإشارة خبر لهو محذوفًا، والتقدير: ليت الذي هو هذا الحمام لنا؛ فلا بد حينئذ على الإهمال، ولكن فيه نظر؛ لأن حذف العائد المرفوع بالابتداء في صلة غير أي مع عدم طول الصلة قليل (¬2). قوله: "لنا": خبر ليت، قوله: "إلى حمامتنا" كلمة إلى ها هنا بمعنى المعية، أي: [مع حمامتنا] (¬3)؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أي: مع الله، قوله: "أو نصفه": كلمة ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائتين
أو ها هنا بمعنى الواو التي لمطلق الجمع، والدليل عليه أنَّه روي: ونصفُه بالواو، وهو بالرفع والنصب جميعًا عطفًا على الحمام، قوله: "فقد" يعني: فحسب، وأصله البناء على السكون، وإنما كسر ها هنا للضرورة، وهو مبتدأ خبره محذوف؛ أي: فحسبي ذلك. الاستشهاد فيه: في قوله: "ليتما هذا الحمام" وهو جواز الوجهين فيه؛ أعني: إعمال ليت بعد دخول ما الكافة وإهمالها، وقال ابن الناظم: نظرًا إلى الكف بما، وقال غيره؛ حملًا على أخواتها وهو الصواب؛ لأن الكف ناشئ عن زوال الاختصاص ولم يزل فيها فافهم (¬1). الشاهد التاسع والسبعون بعد المائتين (¬2)، (¬3) إنَّ الرَّبيعَ الجَوْدَ والخَريفَا ... يَدَا أبي العَبَّاسِ والصُّيُوفا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز. وهو من الرجز المسدس. قوله: "الجَوْد" بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره قال مهملة؛ وهو المطر الغزير، ويروى: الجون -بالنُّون موضع الدال، والمراد به [السحابة] (¬4) السوداء؛ لأن سواد السحاب دليل كرة حمله الماء، والمراد بالربيع والخريف والصيوف أمطارهن، وفي البيت قلب أو عكس؛ إذ الأصل أن يقال: إن يدي أبي العباس الرَّبيع والخريف والصيوف، فقلب اللفظ والإعراب حين اضطر أو عكس التشبيه مبالغة؛ كقول ذي الرمة (¬5): ¬
الشاهد الثمانون بعد المائتين
ورمل كأوراك العذارى قطعته ... ................... وكقول الآخر (¬1): في طلعة البدر شيء من محاسنها ... وللقضيب نصيب من تثنيها ومثل هذا يسمى التشبيه البليغ (¬2)، والمراد بأبي العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين -رحمهم الله تعالى- قاله يمدحه بغاية الكرم والجود وأن يديه كأمطار الرَّبيع والخريف والصيف، فهذه الفصول الثلاثة يكثر فيها الأمطار، ولا سيما في الرَّبيع والخريف. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "الرَّبيع": اسمه، وقوله: "الجود": صفة الرَّبيع، وأما الجون بالنُّون فإنَّه أَيضًا صفة بتقدير مضاف محذوف؛ أي: إن الرَّبيع ذا الجون فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مُقَامَهُ. قوله: "والخريفا": عطف على الرَّبيع، قوله: "يدا أبي العباس": خبر إن. الاستشهاد فيه: في قوله: "والصيوفا"؛ حيث عطف بالنصب على الرَّبيع وهو اسم إن بعد مجيء الخبر، وكذلك عطف "الخريفا" على اسم إن قبل مجيء الخبر، فهذان كلاهما جائزان، وقد اجتمعا في هذا البيت كما تراه (¬3). الشاهد الثمانون بعد المائتين (¬4)، (¬5) إنّ النبَّوةَ والخَلَافَةَ فيهم ... والمكْرمَاتُ وَسَادةٌ أَطْهَارٌ أقول: قائله هو جرير بن عطية. ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد المائتين
وهو من قصيدة [من الكامل] (¬1) يمدح بها بني أمية ويصفهم بالفضائل والخصائل المحمودة. ويروى: إن الخلافة والمروءة فيهم، وهي الرواية الصحيحة، والمراد "بالمروءة" الخصال المحمودة التي يكمل المرء بها، وهي في الأصل مصدر مَرُؤ الرَّجل مروءة، ويجوز تخفيفها بالإبدال والإدغام، و"النُّبُوّة": فعولة من النبأ وهو الخبر، والأكثر ترك همزة، و"السادة": جمع سائد؛ كالقادة جمع قائد، و"الذادة": جمع ذائد، و"الأطهار": جمع طُهر، يقال: رجل طُهر مثل رجل عدل للمبالغة، أو جمع طاهر كالأصحاب جمع صاحب، والأول أصح. الإعراب: قوله: "النبوة": اسم إن، و"الخلافة": عطف عَلَيهِ، قوله: "فيهم": خبر إن؛ أي: كائنتان فيهم، قوله: "والمكرمات" بالرفع طف على محل النبوة؛ لأنه في الأصل مرفوع على الابتداء وهذا عند من جوز ذلك. الاستشهاد فيه: حيث رفع المكرمات عطفًا على محل اسم إن نحو: إن؛ زيدًا في الدار وعمرو، تقديره: [وعمرو] (¬2) كذلك، ويقال: المكرمات مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: وفيهم المكرمات؛ كما حذف المبتدأ في قوله: "وسادة أطهار" أي: وهم سادة أطهار، فقوله: "سادة": خبر، "وأطهار": صفته. وقد قيل: إن المكرمات معطوف على المستتر في الظرف، وفيه ضعفى لا يخفى (¬3). الشاهد الحادي والثمانون بعد المائتين (¬4)، (¬5) فمن يكُ لم يُنْجبْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ ... فإن لنا الأمَّ النَّجِيبَةَ والأبُ أقول: هذا أنشده أبو علي وغيره ولم يعزه إلى أحد. ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين
وهو من الطَّويل. قوله: "لم ينجب" بضم الياء، من أنجب الرَّجل إذا ولد ولذا نجيبًا، والنجيب؛ الكريم بيَّن (¬1) النجابة، ويقال: انتجبه، أي: اختاره واصطفاه، قوله: "النجيبة" بفتح النُّون على وزن فعيلة، وهذا فيه إشكال؛ لأنه إنما يقال للمرأة التي تلد النجباء: منجبة ومنجابة، فإما أن يكون هذا على حذف الزائد للضرورة، أو يكن الأصل: النجيبة أبناؤها ثم حذف المضاف وأناب المضاف إليه عنه فارتفع واستتر. الإعراب: قوله: "فمن": موصولة، قوله: "يك لم ينجب أبوه": صلتها، والموصول في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "فإن لنا الأم النجيبة"، وإنما دخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وقوله: "يك" أصله: يكن، حذفت النُّون منها تخفيفًا، والضمير المستتر فيه اسم كان، وقوله: "لم ينجب أبوه": خبره و "أبوه": مرفوع لأنه فاعل لم ينجب، و"أمه": عطف عليه، قوله: "الأم" بالنصب لأنه اسم إن، وقوله: "لنا" مقدمًا خبره، وقوله: "النجيبة": صفة للأم. الاستشهاد فيه: في قوله: "والأب" حيث رفع عطفًا على محل الأم؛ لأنه في الأصل مبتدأ، ومثل هذا في الحقيقة جملة ابتدائية محذوفة الخبر تقديره: والأب المنجب كذلك (¬2). الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين (¬3)، (¬4) بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ ما مضى ... وَلَا سَابِقٍ شَيْئًا إذَا كَانَ جَائِيًا أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى: ربيعة بن رياح بن قرط بن الحرث بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن هذمة، ويقال: ابن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو، وهو مزينة بن أدين طانجة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو والد كعب بن زهير صاحب القصيدة المشهورة التي أولها (¬5): ¬
بَانَتْ سُعَادُ فقَلْبِي اليومَ متْبُول ... ..................... وكلاهما شاعران مطبقان، مات زهير قبل البعثة بسنة، وأسلم كعب وأخوه بجير أَيضًا وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف. والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطَّويل، يذكر زهير فيها النُّعمان بن المنذر؛ حيث طلبه كسرى ليقتله ففر وأتى طيئًا، وأولها هو قوله (¬1): 1 - أَلَا لَيتَ شِعْري هل يَرى النَّاسُ ما أَرَى ... من الأمْرِ أو يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا 2 - بَدا لها أنَّ النَّاسَ تَفْنَى نُفُوسُهم ... وأموالُهم ولا أَرَى الدَّهْرَ فَانِيَا 3 - وأَنِّي مَتى أَهبِطْ من الأرْضِ تَلْعةً ... أَجِدْ أثَرًا قَبْلِي جَدِيدًا وعَافِيَا 4 - أَراني إذا ما بتُّ بِتُّ على هَوًى ... فَثَمَّ إذَا أصْبَحتُ أصبحتُ غَادِيَا 5 - إلى حفرةٍ أهْوي إليها مُقيْمةٍ ... يَحثُّ إليها سَائِقٌ من وَرَائِيَا 6 - كَأَنِّي وقد خَلِّفْتُ تِسعينَ حِجّهً ... خَلَعْتُ بِهَا عَنْ مَنْكَبِيّ رِدَائيا 7 - بدا لي أني ............. ... .......... إلى آخره 8 - وَمَا إِنْ أَرَى نَفْسِي تَقِيهَا كريمتي ... وما إنْ بقي نَفْسي كريمة مَالِيَا 9 - أَلَا لَا أَرَى على الحوادثِ بَاقِيًا ... وَلَا خَالِدًا إلَّا الجِبال الرَّواسِيَا 10 - وإلا السَّماءَ والبِلَادَ ورَبَّنَا ... وأيَّامَنَا مَعْدُودةً واللَّيالِيَا 11 - ألم تَر أَنَّ الله أَهْلكَ تُبّعًا ... وأهْلَكَ لُقمَانَ بْنَ عَادٍ وعَادِيَا 12 - وأهْلَكَ ذَا القرنيِن مِنْ قَبْلِ ما نرى ... وفِرْعَونَ أَرْدَى جُنْدَهُ والنَّجاشِيَا 13 - أَلَا لَا أَرَى ذَا أمَّةً أصْبَحَتْ به ... فَتَتْرُكُه الأيَّام وهي كما هيَا 14 - ألم تر لِلنُّعمانِ كَانَ بنَجْوَةٍ ... من الشَّرِّ لَوْ أَنَّ امْرَأً كان نَاجِيَا 15 - فَعَبّر عنه رُشْد عِشْرينَ حِجّةً ... من الدهرِ يَوْمٌ وَاحِدٌ كان عَاويَا 16 - فَلَمْ أَرْ مَسْلُوبًا له مثْلَ قَرْضِه ... أقَلَّ صَدِيقًا مُعْطِيًا أوْ مُواسيا 17 - فأيْنَ الذي قد كَانَ يُعطي جِيَادَهُ ... بِأرْسَانِهنَّ والحسَان الحَوالِيا 18 - وأيْنَ الَّذيِن قد كَانَ يُعطيهمُ القرَى ... بِغَلَّاتِهنّ والمئينَ الْغَوَالِيا 19 - وأيْنَ الذَّيِن يَحْضُرُونَ جِفَانَهُ ... إذَا قُدِّمَتْ ألْقَوْا عَلَيها المرَاسِيَا ¬
20 - رأيْتُهُمْ لم يُشْرِكُوا بِنُفُوسِهم ... مَنيَّتَهُ لمَّا رَأَوْا أنَّها هِيَا 21 - سِوىَ أَنَّ حيًّا مِنْ قضَاعةَ أَقْبَلُوا ... وكَانُوا قديمًا يَتَّقُونْ المخَازِيَا 22 - يَسيروُنَ حَتَّى حَبَّسُوا عِنْدَ بَابِهِ ... ثِقَال الرَّوَايَا والهِجَانَ المتَالِيَا 23 - فقَال لَهم خَيرًا وأثنى عليهمُ ... وودَّعَهُمْ وَدَاعَ ألا تَلاقِيَا 24 - وأجْمَعَ أمْرًا كَانَ مَا بَعْدَهُ لَهُ ... وَكَانَ إذَا ما أخلق الأمر ماضيَا 3 - قوله: "تلعة" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون اللام وفتح العين المهملة؛ وهو اسم ما علا من سيل الوادي وما سفل. 8 - قوله: "كريمة ماليا" يعني: لا أرى مالي يحسن أن يدفع عنها ولا تقدر نفسي أن ترد مالي إذا أَذِنَ الله بِذِهَابِه (¬1). 11 - قوله: "عاديَا" هو أبو السموأل. وكان له حصن بتيماء يقال له: الأبلق، وهو الذي استودعه امرؤ القيس أدراعه. 12 - قوله: "والنجاشيا" أراد به ملك الحبشة. 14 - قوله: "بنجوة" أي: ارتفاع. 15 - قوله: "رُشد عشرين حجة" الرشد: الصلاح، و"المناوي"؛ الضال الخطئ. 16 - قوله: "مثل قَرْضِهِ" أراد مثل هبته، يقول: لم أر إنسانًا سُلب النعيم وله عند النَّاس من الأيادي والنعم الكثيرة فلم يف له ولم يواسه أقل من هذا. 18 - قوله: "والمئين الغواليا" أراد بالمئين الإبل غوالي الأثمان. 19 - قوله: "أَلْقَوْا عَلَيهَا المراسِيَا" أي: ثبتوا عليها وألقوا مثل المراسي للسفينة. 7 - قوله: "بدا لي" يقال: بدا له في هذا الأمر بداءٌ أي: نشأ له فيه رأي. والمعنى: قد نشأ لي وظهر أنني لا أدرك ما فات، ولا أقدر أني أسبق على ما سيجيء من الحوادث. الإعراب: قوله: "بدا": فعل ماض، وقوله: "أني" بالفتح في محل الرفع فاعل بدا، وقوله: "مدرك" ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد المائتين
بالنصب؛ لأنه خبر ليس، والتاء اسمها، وقوله: "ما مضى": جملة في محل الجر بالإضافة (¬1)، و"لست" مع جملتها خبر أن، قوله: "ولا سابق" بالجر؛ عطف على خبر ليس، على توهم إثبات الباء الزائدة في خبر ليس. وقوله: "شيئًا": معمول سابق، قوله: "جائيًا": خبر كان، واسمها مضمر فيها يرجع إلى الشيء، وجواب إذا محذوف تقديره: إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئًا وقت مجيئه؛ لأن الشيء إنما يسبق قبل مجيئه فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا سابق"؛ حيث عطف على خبر ليس بغرض دخول الباء الزائدة فيه؛ فكأنه قدَّر المعدوم ثابتًا، ويروى: "ولا سابقًا" بالنصب عطفًا على اللفظ (¬2). الشاهد الثالث والثمانون بعد المائتين (¬3)، (¬4) وإلا فاعلَمُوا أَنَّا وأنتُمْ ... بُغاةٌ مَا بَقينَا في شِقَاق أقول: قائله هو بشر بن أبي خازم (¬5) بالخاء والزاي المعجمتين، وقبله: إذا جُزّت نواصي آل بدر ... فأدوها وأسرى في الوثاق وهما من الوافر (¬6). وقصة ذلك: أن قومًا من آل بدر جاءوا الفزاريين من بني لأم من طيء فَجَزُّوا نواصيهم وقالوا: مننَّا عليكم ولم نقتلكم، فغضب بنو فزارة لذلك، فقال بشر ذلك، ومعناه: إذا جززتم ¬
نواصيهم فاجمعوها لنا واحملوا الأسرى معهم وإلا فإنا متعادون أبدًا. و"البغاة": جمع باغ وهو الظالم؛ لأنه بغى الظلم أي طلبه، و"الشقاق" بكسر الشين وهو العداوة؛ لأن كلًّا من المتعاديين يجيء على ما يشق على الآخر، أو يكون من الشق بالكسر، وهو الجانب؛ لأن كلًّا منهما في شق غير شق الآخر، ومن هنا اشتق التعادي؛ لأن كلًّا منهما في عدوة. الإعراب: قوله: "وإلا" أصله: وإن لا؛ أي: وإن لم تجزوا نواصيهم وتطلقوا أسراهم؛ فأبدلت النُّون لامًا وأدغمت اللام في اللام فصار: إلَّا، قوله: "فاعلموا": جواب إن؛ فلهذا دخلت فيه الفاء، قوله: "أنَّا" مع اسمه وخبرِه سد مسد مفعولي اعلموا، واسم أن هو الضمير المتصل به، وخبره قوله: "بغاة". قوله: "وأنتم": عطف على قوله: "أنّا"، وأن هذه وإن كنت مفتوحة الهمزة ولكنها مكسورة في الحقيقة، وإنما فتحت لفظًا إشعارًا بأنها في موضع المفعول لفظًا. وقال بعض المتأخرين: تقديره: أنا بغاة وأنتم كذلك فحذف خبر أنتم (¬1) واعْتَرَضَ قوله: "وأنتم" بين اسم إن وخبرها. قيل: فيه نظر؛ لأنه ليس المراد أنا بغاة بل المراد أنتم بغاة فحينئذ يتعين أن لا يكون بغاة خبر أن؛ بل خبره قوله: "في شقاق"؛ إذ لا ينسبون البغي إلى أنفسهم بل إلى الخاطبين خاصة، فحينئذ يكون التقدير: اعلموا أنا في الشقاق معكم (¬2) ما بقينا وأنتم بغاة. قلتُ: وهذا النظر إنما يتوجه إذا كان البغاة من البغي بمعنى الظلم والعدوان، وأما إذا كان من البغي الذي بمعنى الطلب فلا يلزم المحذور المذكور؛ فحينئذ يكون بغاة خبر أنا، وأنتم عطف على أنا كما ذكرنا. فإن قلتَ: إذا كان الأمر كذلك فما يقع قوله: "في شقاق"؟ قلتُ: يقع خبرًا بعد خبر فيكون التقدير: أنا وأنتم بغاة؛ يعني: طالبون الشقاق والعداوة ما بقينا، وكلمة ما مصدرية ظرفية، والتقدير: ما دام بقاؤنا. وقال بعض شارحي الكافية [لابن الحاجب] (¬3): إن بغاة خبر أنتم، وخبر أنا محذوف ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد المائتين
لدلالة خبر المعطوف عليه؛ لأنه بلفظه ولو كان بغير لفظه لم يكن بد من ذكره، ولما كانت "أنّ" بعد أفعال القلوب مُعَرَّضَةً للكسر بدخول اللام في خبرها، كانت لهذا الوجه في حكم المكسورة، ولذلك لا يجوز أن يقال: سرني أنك لقائم بالاتفاق (¬1). الاستشهاد فيه: على العطف على محل اسم "أنّ" بعد مضي الخبر تقديرًا، ونقل عن سيبويه -رحمه الله تعالى- جواز العطف على محل اسم إن في باب علمت، واستدل على ذلك بالبيت المذكور فإنَّه عطف أنتم على محل اسم أن المفتوحة، وأجيب عن ذلك بأنه ليس بحجة؛ لأنه يلزم أن يكون عطفًا قبل مضي الخبر وهو ممتنع عند سيبويه. بل يحتمل أن لا يكون معطوفًا عليه عطف المفرد على المفرد باعتبار شركتهما في عامل واحد؛ بل باعتبار عطف الجملة بأن يكون خبر أن هو قوله: "في شقاق" كما قررناه؛ فالعطف باعتبار الجملة لا باعتبار التشريك، والعطف باعتبار الجمل جائز في الجميع. فافهم (¬2). الشاهد الرابع والثمانون بعد المائتين (¬3) , (¬4) خَلِيليَّ هَلْ طِبٌّ فإنِّي وأَنْتُمَا ... وإنْ لَم تَبُوحَا بالْهَوَى دَنِفَانِ أقول: هذا أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله. وهو من الطَّويل. قوله: "طب" مثلث الطاء، قوله: "لم تبوحا" من باح بسره إذا أظهره، قوله: "بالهوى" ¬
مقصور، من هوي يهوى هوىً إذا أحب وهو من باب علم يعلم، وأما هوى يهوي هويّا إذا سقط فهو من باب ضرب يضرب. قوله: "دنفان" تثنية دنف بفتح الدال وكسر النون، يقال: رجل دنِف وامرأة دنِفة، من الدنف بفتح النون، وهو المرض اللازم إذا قيل: رجل دنف النون بفتح النون يستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، يقول: رجل دنف ورجلان دنف، والقوم دنف، وامرأة دنف، وامرأتان دنف، ونساء دنف. الإعراب: قوله: "خليلي": منادى محذوف منه حرف النداء، والتقدير: يا خليلي، و"هل" للاستفهام في أكثر وقوعه، ولا يختص بإحدى الجملتين تقول: هل زيد قائم؟ وهل قام زيد؟ ولذلك لم يعمل. قوله: "طبّ" مرفوع على أنه مبتدأ، وخبره محذوف (¬1) تقديره: فإني دنف، دل عليه قوله: "دنفان"، [قوله: "وأنتما": مبتدأ، وخَبَرهُ قوله: "دنفان"] (¬2) قوله: "وإن لي تبوحا": عطف على محذوف تقديره: يحتما بالهوى وإن لم تبوحا، وقوله: "بالهوى" يتعلق بقوله: تبوحا. الاستشهاد فيه: في قوله: "فإني"؛ حيث حذف خبره لدلالة خبر المعطوف عليه وهو قوله: "دنفان"، فإنه يدل على [أن] (¬3) خبر قوله: "فإني" محذوف تقديره: فإني دنف؛ كما قد ذكرناه (¬4)، وذلك كما حذف خبر المبتدأ لدلالة خبر المبتدأ المعطوف عليه في قوله (¬5): نَحْنُ بِمَا عِندَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِندَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد المائتين
الشاهد الخامس والثمانون بعد المائتين (¬1) , (¬2) أَنَا ابنُ أباةِ الضيم منْ آلِ مالكٍ ... وإنْ مَالِكْ كانتْ كِرامَ المعادنِ أقول: قائله هو الطرماح، واسمه الحكم بن حكيم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة بن عبد رضي بن مالك بن أبيان بن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثُعَل بن عمرو بن الغوث بن طيئ. ويكنى أبا نفر، والطرماح في اللغة: الطويل، قال الشاعر: معتدل الهادي طرماح العصب ... ................................ وقيل: سمي الطرماح لزهوه، والطرماح الذي يرفع رأسه زهوًا. والبيت المذكور من الطويل. قوله: "أباة الضيم" بضم الهمزة وتخفيف الباء الموحدة؛ جمع آبٍ من أبي يأبى إذا منع كقضاة جمع قاض، و "الضيم" بالضاد المعجمة؛ الظلم - بالظاء، يقال: ضامه واستضامه فهو مضيم ومستضام. قوله: "من آل مالك" مالك هذا اسم أبي قبيلة، ومالك الثاني منقول منه اسم القبيلة، ولهذا قال: كانت كرام المعادن بتأنيث الفعل، وصرف الثاني للضرورة إلا أن قدرته اسمًا للأب كالأول لا للقبيلة وأضمرت القبيلة قبله، ومالك في قبائل كثيرة منهم: مالك بن ثعلبه بن دُودَان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بطن من بني أسد، ومنهم: مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب، ومنهم: مالك بن حطيط بن جشَيم بن ثقيف، ومنهم: مالك بن عمرو بن تميم, قوله: "كرام المعادن" أي: الأصول. الإعراب: قوله: "أنا": مبتدأ، وقوله: "ابن أباة الضيم": كلام إضافي خبره, قوله: "من آل مالك": بدل من قوله: "ابن أبياة الضيم", قوله: "وإن" بسكون النون مخففة من الثقيلة، و"مالك" مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "كانت كرام المعادن"، واسم كان مستتر فيه، وخبره قوله: "كرام المعادن". ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "وإن مالك كانت"؛ حيث ترك فيه لام الابتداء التي تفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين إن النافية؛ إذ التقدير: وإن مالك لكانت فحذفت اللام، وذلك لوجود القرينة الرافعة لاحتمال النفي؛ وذلك لأن الكلامَ تَمَدُّحٌ، والنفي يَقْتَضِي الذم؛ فالحمل عليه يقتضي تناقض الكلام فافهم (¬1). الشاهد السادس والثمانون بعد المائتين (¬2) , (¬3) شلّتْ يمينُك إنْ قَتَلْتَ لَمُسلِمًا ... حَلّتْ عَليكَ عُقُوبةُ الْمُتَعمِّدِ أقول: قائلته هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، وهي ابنة عم عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يجتمعان في نفيل، كانت من المهاجرات إلى المدينة، وكانت امرأة عبد الله بن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنهم- وكانت حسناءَ جميلة، فأحبها حبًّا شديدًا حتى غلبت عليه وشغلته عن مغازيه فأمَرَهُ أبوه بطلاقها فعزم عليه حتى طلقها ثم تواجد عليها، وأنشد أشعارًا فيها حتى رق له أبوه وأمره فارتجعها ثم شهد عبد الله الطائف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرُمي بسهم فمات منه بالمدينة، فتزوجها زيد بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وقتل عنها شهيدًا يوم اليمامة، فتزوجها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سنة اثنتي عشرة، فأولم عليها فدعا جمعًا ثم قتل عنها عمر - رضي الله عنه -، ثم تزوجها الزبير بن العوام ثم قتل عنها، فقالت قصيدة ترثيه بها، وأولها هو قولها: 1 - غَدرَ ابْنُ جُرمُوز بفارس بُهْمَةٍ ... يَوْمَ اللقاءِ وكَان غَيرَ معرِّدِ ¬
2 - يا عمرُو لو نَبَّهْتُه لَوَجَدْتَهُ ... لا طائِشًا رَعِشَ الجنان ولا اليَدِ 3 - كم غَمرةً قَدْ خَاضَها لم يُثنِه ... عنها طرادُك يا ابنَ فَقْع الفَردَدِ 4 - ثكلتك أمك إن ظَفِرتْ بِمثْلِهِ ... ممن مَضَى أو مَنْ يَرُوحُ وَيغْتدِي 5 - شَلّتْ يَمِينُكَ .............. ... ....................... إلى آخره وهي من الكامل. 1 - قولها: "غدر ابن جرموز" هو عمرو بن جرموز، عليه ما يستحق من العذاب، وهو الذي قتل الزبيرَ بنَ العوامِ -رضي الله تعالى عنه-، قولها: "بُهْمة" بضم الباء الموحدة وسكون الهاء وهو الجيشُ، ويكون في غير ذلك: الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه، قولها: "غير مُعَرِّدِ" من التعريد -بالعين المهملة وهو الفرار، يقال: عرد الرجل- بالتشديد إذا انهزم وترك القصد. قولها: "يا عمرو" أرادت به عمرو بن جرموز، قولها: "لا طائشا" من الطش وهو الخفة، قولها: "رعش الجنان" بفتح الجيم؛ أي: القلب، والرعش: الرِعْدة، و"الغمرة" بفتح الغين المعجمة؛ الشدة، "قد خاضها" أي: قد دخل فيها. 3 - قولها: "لم يثنه" أي: لم يصرفه عنها؛ أي: عن الغمرة، قولها: "فقع القَردَد" بفتح القاف؛ المكان الغليظ المستوي. 4 - قولها: "ثكلتك أمك" أي: فقدتك أمك، وهو من الثكل، وهو فقدان المرأة ولدها وكذلك الثّكل بالتحريك، وامرأة ثاكل وثكلى. 5 - قولها: "شَلت يمينك" [بفتح الشين] (¬1)، وأصله: شَلِلَتْ بكسر العين، والمضارع يشل بالفتح، وهذا إخبار، ومعناه: الدعاء؛ يعني: سئل الله يدلّ، ويروى: تَالله رَبِّكَ إن قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا ... ................................ قولها: "حلَّتْ عليك" أي: نزلت عليك، ويروى: وجبت عليك. الإعراب: قولها: "شلت": فعل ماض، قولها: "يمينك" كلام إضافي فاعله، قولها: "إن": مخففة من الثقيلة، [قولها: "قلت": جملة من الفعل والفاعل، وقولها: "لمسلما": مفعوله، واللام فيه للابتداء التي تفرق بين إن النافية وإن المخففة من المثقلة] (¬2)، قولها: "حلت": فعل، و"عليك": ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد المائتين
في موضع النصب على المفعولية، وقولها: "عقوبة المتعمد": كلام إضافي فاعله، وهذه الجملة جواب شرط محذوف، والتقدير: إنك إن قتلت مسلمًا وجبت عليك عقوبة المتعمد. الاستشهاد فيه: في قولها: "إن قتلت لمسلمًا"؛ حيث ولي "إن" فعل، وليس هو من نواسخ الابتداء [وذلك أن "إنْ" المخففة إذا وليها فعل لم يكن في الغالب إلا من نواسخ الابتداء] (¬1)، وإذا كان من غيرها يكون شاذّا، كما في البيت المذكور، ولا يقاس على ذلك فيقال: إن قام لزيد، وإن أكرمت لعمرًا، خلافًا للأخفش (¬2). الشاهد السابع والثمانون بعد المائتين (¬3) , (¬4) لقد عَلِمَ الضيفُ والمرمِلوُنَ ... إذا اغبَرَّ أُفْق وَهَبت شمَالا بأنْك رَبيعٌ وغَيثٌ مَرِيعٌ ... وأنْكَ هُنَاكَ تَكونُ الثِّمَالا أقول: قائلتهما هي جنوب أخت عمرو ذي الكلب، وهو من قصيدة لامية من المتقارب، وأولها قولها (¬5): 1 - سَأَلْتُ بعمرو أخي صَحْبَه ... فأصبحني حين ردوا السؤَالا 2 - فقَالُوا أتيح لهُ نَائِمًا ... أَغَرّ السلاح عَلَيهِ أحَالا 3 - أتيح له نمرا جَيأل ... فنالا لعمرك منة وَثَالا 4 - فأقسم يا عَمْرُو لوْ نَبهَاكَ ... إذَنْ نَبهَا منكَ دَاءً عَضالا ¬
5 - إذَا نَبّهَا ليثَ عِريسَه ... مُقيتًا مفيدًا نفوسًا ومالا 6 - إذَنْ نَبّهَا غيرَ رِعدِيدَة ... ولا طائشًا دهشًا حينَ صَالا 7 - هُمَا مَعْ تصرف ريب المنون ... من الدهرِ كانا شَدِيدا أمَالا 8 - وقَالا قَتَلنَاهُ في غارة ... بآية أنا قد ورِثنَا النبَالا 9 - فَهَلا إذًا قِيلَ رَيبُ المنُونِ ... فقد كان فَذًّا وكُنتُم رِجَالا 10 - وقد علمت فهم عند اللقاء ... بأنهم لك كانوا نِفَالا 11 - كأنهُمُ لَمْ يُحِسُّوا بِهِ ... فيجلوا نساؤهم لَهُ والحجَالا 12 - لقد علم الضيف ........ ... ................................ 13 - ...................... ... ....................... إلى آخره 14 - وخرقٍ تَجَاوَزْتَ مَجْهُوَلُة ... بوَجْنَاءَ حَرفٍ تشكَّى الكلالا 15 - فكنتَ النهارَ بهِ شَمْسَهُ ... وكنتَ دُجَى الليلِ فيهِ الهِلالا 16 - وحي أبَحْتَ وحي صبحت ... غَدَاةَ اللقاء منايا عجالا 17 - وكم من قتيل وان لم تَكُنْ ... أردتهم منكَ بَاتُوا وجَالا وقال عمرو بن شبة: وكان عمرو بن عاصم هذا يغزو فهمًا فيصيب منهم فوضعوا له رصدًا على الماء فأخذوه فقتلوه ثم مروا بأخته جنوب، فقالوا: طلبنا أخاك، فقالت: لئن طلبتموه لتجدنه منيعًا, ولئن ضفتموه لَتَجِدُنَّهُ مريعًا، لئن دعوُتمُوه لَتَجِدُنَّهُ سريعًا، فقالوا: أخذناه وقتلناه، وهذا نبله، فقالت: والله لئن سلبتموه لا تجدوا ثنته دامية ولا حَجَزَتْهُ حامية، ولرب ثدي منكم قد افترشه، ونهب قد احتوشه [وضرب قد احترشه] (¬1)، ثم قالت الأبيات المذكورة. 2 - قولها: "أتيح له" أي: قدر له، قولها: "أحال" أي: وثب، ومنه أحال في متن فرسه. 3 - قوله: "نمرا جيأل" أي: نمران من جيئل؛ أي: سبعَان من جيئل، والنمر السبع، والجيئل بفتح الجيم وسكون الياء وفتح الهمزة وفي آخره لام وهو الضبع، وربما قالوا: جَيَل بالتخفيف ويتركون الياء مصححة؛ لأن الهمزة وإن كانت ملقاة من اللفظ فهي مبقاة في المعنى وهي معرفة بلا ألف ولام، قولها: "وثالا" بالثاء المثلثة يقال: قال عليه القوم إذا علوه بالضرب, وكذلك تثول عليه. ¬
4 - قولها: "داء عضالا" أي: شديدًا، يقال: داءٌ عضال وأمر عضال؛ أي: شديد أَعْيَا الأطباء وهو بفتح العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة. 5 - قولها: "عِرّيسه" بكسر العين المهملة وتشديد الراء وسكون الياءآخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره هاء، قال الجوهري: العِريسُ والعِريسَه: مأوى الأسد (¬1)، قولها: "مقيتًا" أي: مقتدرًا كالذي يعطي كل رجل قوته، ويقال: المقيت: الحافظ للشيء والشاهد له، قولها: "نفوسًا ومالًا" لف ونشر مرتب، فالنفوس ترجع إلى المقيت، والمال يرجع إلى المفيد. 6 - قولها: "غير رِعْديدة" بكسر الراء وسكون العين وكسر الدال وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال وفي آخره هاء، ومعناه: غير جبان، و"الطائش": من الطيش وهو الخفة، و"دهشًا" بفتح الدال وكسر الهاء وبالشين المعجمة، و"صالا" من [صال] (¬2) عليه إذا حمل. 7 - و"ريب المنون": حوادث الدهر. 9 - و"الفذ" بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة؛ وهو الفرد. 10 - قولها: "وقد علمت فهم" وهي قبيلة، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث. 11 - و"الحجال" بكسر الحاء المهملة بعدها الجيم؛ وهي جمع حجلة، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور. 12 - قولها: "والمرملون": من أرمل القوم إذا نفد زادهم، وعام أرمل؛ أي: قليل المطر، قولها: "أفْق" بسكون الفاء وضمها لغتان، ولكنه بالسكون ها هنا؛ وهو واحد الآفاق وهي النواحي، قولها: "شمالا" بفتح الشين؛ وهي التي تَهبُّ من ناحية القطب. 13 - قولها: "وغيث" أي. مطر، قولها: "مريع" بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف ثم عين مهملة، يقال: أرض مريعة، أي: مخصبة كثيرة النبات، قولها: "الثمالا" بكسر الثاء المثلثة، ومعناه الغياث، يقال: فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم، وقال الخليل: الثمل: الملجأ. 14 - قولها: "وخرق" أي: ورب خرق، وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وفي آخره قاف، وهي الأرض الواسعة التي تنخرق فيها الرياح، وتجمع على خروق، قولها: "بوجناء حَرْف" الوجناء: الناقة الشديدة، و"الحرف" بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء؛ وهي الناقة ¬
الضامرة الصلب [شبهت] (¬1) بحرف الجبل، والحرف صفة لوجناء، ويقال: الوجناء: عظيمة الوجنتين، قولها: "تشكى" أي: تتشكى؛ فحذفت إحدى التائين، و"الكلال": الإعياء. الإعراب: قولها: "لقد" اللام للتأكيد، و "قد" للتحقيق، وفيه معنى القسم -أيضًا- أي: والله لقد علم الضيف، و "الضيف" فاعل علم، و"المرملون": عطف عليه، قولها: "إذا": للظرف بمعنى حين، و "أفق": مرفوع لأنه فاعل اغْبَرَّ، وقولها: "هبت": فعل ماض وفاعله مستتر فيه وهو الريح. فإن قلتَ: أليس هذا إضمارًا قبل الذكر؟ قلتُ: قد يغني عن ذكر الفاعل استحضاره في الذهن بذكر فعل متعين لما لا يصلح إلا له فأغنى عن إظهار الريح استحضارها في الذهن بهبت فافهم. قولها: "شمالا" بالنصب: حال وهو الصحيح، وقيل: تمييز؛ أي: من حيث الشمال؛ يعني: من جهته، قولها: "بأنك" بتخفيف النون قد خففت من المثقلة، والكاف اسم أن، وخبره قولها: "ربيع" والباء في بأنك تتعلق بقوله: "علم"، قولها: "غيث": عطف على قولها ربيع، وقولها: "مريع": صفة للغيث، قولها: "وأنك": عطف على قولها بأنك وهو أيضًا مثله مخففة من المثقلة والكاف اسم أن، وخبره قولها: "تكون الثمالا"، واسم كان مستتر فيه، وخبره قولها: "الثمالا". الاستشهاد فيه: في قولها: "بأنك"، وفي قولها: "وأنك" حيث صرح باسم أن المخففة في الموضعين؛ لأجل الضرورة، فأخبر عن الأول بالمفرد وعن الثاني بالجملة (¬2). ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد المائتين
الشاهد الثامن والثمانون بعد المائتين (¬1) , (¬2) في فتيَة كَسُيوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَن يَخفَى وَينتَعِلُ أقول: قائله هو الأعشى، واسمه ميمون بن قيس، وقيل: عبد الله بن الأعور، وقيل: غير ذلك. والعشى من الشعراء ستة عشر نفرًا: أعشى بني قيس المذكور، وأعشى باهلة واسمه عامر، وأعشى بني نهشل الأسود بن يعفر، وفي الإِسلام: أعشى بني (¬3) ربيعة من بني شيبان، وأعشى همدان واسمه عبد الرحمن، وأعشى طرود من سليم، وأعشى بني مازن من تميم، وأعشى بني أسد، وأعشى بن معروف واسمه خيثمة، وأعشى عكل واسمه كَهْمَس، وأعشى بني عقيل واسمه معاذ، وأعشى بني مالك بن سعد، والأعشى التغلبي واسمه النعمان، وأعشى بني عرف بن همام واسمه ضابئ وأعشى بني ضوزة واسمه عبد الله، وأعشى بني جلان واسمه سلمة، ومن العشى الإِسلامية: أعشى بني مازن، وهو ممن وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنشده: 1 - يا مالكَ الناسِ ودَيَّانَ العَرَبْ ... إنّي لقيتُ ذِرْبَةً من الذرَبْ 2 - غدوت أبغيها الطعام في رَجَبْ ... فخلفتني في نزاع وهَرَبْ 3 - أخلَفَتِ العَهْدَ ولطَّتْ بالذنَبْ ... وهُن شَرّ غَالِب لن غَلَبْ قال: وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: وهن شر غالب لمن غلب. وسكن البصرة. 1 - قوله: "وديَّان [العرب] (¬4) " أي: مالك أمر العرب, قوله: "ذرية" بكسر الذال المعجمة وسكون الراء وفتح الباء، على وزن قِربَةَ، يقال: امرأة ذربة؛ أي: صخابة، وكذلك ذَرِبة بفتح الذال وكسر الراء، ويجمع على ذِرَب، كقرب جمع قربة. 2 - قوله: "أبغيها" أي: أبغي لها؛ أي أطلب لأجلها الطعام، و"الهرب" بفتحتين، الفرار. 3 - قوله: "لطت" بتشديد الطاء المهملة، أي: منعته بضعتها، من لطت الناقة بذنبها إذا سدت فرجها به إذا أرادها الفحل. ¬
والبيت المذكور من قصيدة لامية، وهي طويلة من البسيط، وأولها هو قوله (¬1): 1 - وَدّعْ هُرَيْرةَ إن الركبَ مرتحلٌ ... وهل تطيقُ ودَاعًا أيها الرجُلُ؟ 2 - غراءُ فرعَاءُ مصقولٌ عَوارضُها ... تَمْشي الهُوَيْنى كما يَمْشي الوجى الوحِلُ 3 - كأن مِشْيتَها من بَيتِ جَارتِها ... مَرُّ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ 4 - تَسمعُ للحلي وسْواسا إذًا انْصَرَفَتْ ... كما استعَانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زجِلُ إلى أن قال: 5 - وَقَد غدوْتُ إلى الحانُوتِ يَتْبعني ... شَاوٍ مشَل شلُول شُلشل شولُ 6 - في فتية كَسُيوف الهند قدْ عَلِمُوا ... أن لَيس يدفعُ عن ذي الحيلة الحيلُ 7 - نازعْتُهُم قُضُبَ الريحانِ مُتَكئًا ... وقهوةً مُرةً راووقها خَضِلُ والبيت المستشهد به هكذا أورده النحاة سيبويه وغيره من المتقدمين والمتأخرين (¬2)، والذي ثبت في ديوانه مثل ما ذكرناه من أن عجز البيت: ........................ ... أنْ ليسَ يَدْفَعُ عَنْ ذي الحيلَةِ الحيلُ (¬3) وهو شاهد على مسألة الفعل الجامد (¬4). وأما العجز الذي أورده فليس هو من كلام الأعشى، وقد قيل: إنه من بيت آخر لآخر وهو (¬5): أما تَرَانَا حُفَاةً لَا نِعَال لَنَا ... إنّا كَذلكَ لَا نَحْفَى ونَنْتَعلُ قلتُ: العجز الذي أورده يخالف عجز هذا البيت أيضًا، فالحق أن هذا العجز إما من عجز بيت غير هذا البيت، أو هو رواية في بيت الأعشى والله أعلم. 1 - قوله: "ودع هريرة": خطاب لنفسه، وهريرة: قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، ¬
قوله: "وهل تطيق وداعًا" يعني: هل تطيق ذلك من خوف الرقباء؟ 2 - قوله: "غراء" بالغين المعجمة؛ وأي: بيضاء، و"فرعاء" بالفاء، أي: كثيرة الشعر، ويقال: طويلة الشعر, قوله: "عوارضها" أي: جوانب أسنانها، وإنما أراد بهذا نقاء الثغر كله, قوله: "الهُوَينى" بضم الهاء وفتح الواو؛ تصغير هون، وهو السكينة والوقار, قوله: "الوجى" بفتح الواو وكسر الجيم، وهو الفرس الذي يوجد في حافره وجع، والأنثى: وجية ووجياء، والوجع الوجي، و"الوحل" بفتح الواو وكسر الحاء المهملة؛ وهو الذي وقع في الوحل وهو الطين. 3 - قوله: "لا ريث" وهو الإبطاء، يريد أنها تهادي في مشيتها كمر السحاب، أو مشي القطا، وبذلك يوصف مشي القطا, قوله: "وسواسًا" [أي: صوتًا] (¬1). 4 - و"انصرافها" انقلابها في فراشها، و"العشرِق" بكسر العين المهملة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء وفي آخره قاف، قال الأصمعي: هو شجرة بقدر زراع لها حب صغار، إذا حركتها الريح يسمع لها صوت, قوله: "زجل" بفتح الزاي وكسر الجيم، أي: مُصَوّت؛ من الزجل بفتحتين وهو الصوت. 5 - قوله: "إلى الحانوت" وهو بيت الخمار، ويروى: إلى الخمار، و"الشاو": الذي يشوى, قوله: "مِشل" بكسر الميم وفتح الشين المعجمة، هكذا رأيته في ديوان الأعشى بخط أبي القاسم الآمدي، وقال في شرحه: المشل: الذي سئل بيده شيئًا فهو يذهب به، وكذلك الشلول، يقال: إنك لشلول بكذا وكذا، أي: ذاهب به، وكذا الشلشل والشول، فإن هذه من شلت، وتلك من شَلِلت وشَول شالٌّ بيده شيئًا، ويقال: هذا كله قريب بعضه من بعض. قال الأصمعي: يقال: فلان يشول لنا ويحف لنا ويرف لنا إذا كان يحف؛ فالشول الذي يحف لأصحابه، قلت: هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى، وجمع بينها للمبالغة في التأكيد كما قال الشاعر: ......................... ... حَطَّامَةَ الصُّبحِ حَطُومًا مَحْطَمًا ذكر بعضهم في المشل: الخفيف الذي يأتي بحوائجهم، وكذلك الشلول والشلشل: الخفيف الوقاد الذكي، وكذلك الشوَل، وشَلْشَلٌ على وزن كوكب، ويقال على وزن فلفل. 6 - قوله: "في فتية" بكسر الفاء وسكون التاء المثناة من فوق؛ جمع فتى وهو السخي الكريم، وكذلك الفتيان والفتوّ بتشديد الواو، والفتي بتشديد الياء. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد المائتين
قوله: "من يحفى": من حفى يحفى من باب علم يعلم وهو الذي يمشي بلا خف ونعل ولكن أراد به ها هنا الفقر، و"منتعل": من انتعل إذا لبس النعل، وأراد به الغني. والمعنى: هم بين فتية كالسيوف الهندية في مضائهم وحدتهم وأنهم موطنون أنفسهم على الموت [موقنون به] (¬1)؛ لأنهم قد علموا أن الإنسان هالك سواء كان غنيًّا أو فقيرًا. قوله: "وقهوة" أي: خَمرًا، سميت بذلك لأنها تقهي؛ أي: تذهب بشهوة الطعام، و"الراووق": الإناء، و "الخَضِل" بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين؛ أي: الدائم الندى لكثرة استعمالهم إياها. الإعراب: قوله: "في فتية": في محل النصب على الحال من قوله: "شَاوٍ" في البيت السابق. والمعنى: حال كونه في فتيةٍ، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير المنصوب في يَتْبَعُني. قوله: "كَسُيوفِ الْهِنْد": جار ومجرور كلام إضافي صفة للفتية، وكذلك قوله: "قد علموا" جملة وقعت صفة للفتية, قوله: "أَنْ" مخففة من المثقلة, قوله: "كل مَنْ يحْفَى": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "هَالكٌ" مقدمًا, قوله: "وينتعل": عطف على صلة الموصول، والجملة في موضع مفعولي علموا. الاستشهاد فيه: في قوله: "أَن هالِكٌ"؛ حَيثُ خُفِّفَتْ أن من المثقلة، وأُلْغِيَتْ عن العمل، وجاء خبرها أيضًا جُملَةٌ اسمية (¬2). الشاهد التاسع والثمانون بعد المائتين (¬3) , (¬4) عِلمُوا أَنْ يُؤمَّلُونَ فجَادُوا ... قَبْل أن يُسأَلُوا بأَعْظم سُؤْل أقول: لم أقف على اسم قائله. ¬
وهو من الخفيف. قوله: "يؤمَّلون" على صيغة المجهول من أَمَّل يؤمل تأميلًا، وثلاثيه: أمل يأمل أملًا وهو الرَّجاء, قوله: "فجادوا" من جاد يجود إذا تكرم. قوله: "أن يسألوا" على صيغة المجهول، والسُّؤْلُ -بضم السين المهملة بمعنى المسؤول؛ كما في قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى} [طه: 36] أي: مسؤولك، ويجوز فيه الهمز وتركه، والمعنى: علموا أن الناس يؤملون معروفهم فلم يخيبوا رجاءهم ولا أَحَوجُوهُم إلى المسألة؛ بل ابتدؤوهم بالعطاء وجادوا عليهم قبل أن يسألوا وبذلوا لهم أعظم ما يَسأله السائلون، وكان الأصل: علموا أن سيؤملون - بالفصل بالتنفيس فَتَرَكَ ذلك للضرورة. الإعراب: قوله: "علموا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أن": مخففة من الثقيلة، و"يؤملون": جملة وقعت خبرًا لأن، واسمها محذوف، والتقدير: علموا أنهم يؤملون، والجملة سدت مسد مفعولي علموا قوله: "فجادوا" الفاء تصلح لأن تكون للسببية، وجادوا: جملة من الفعل والفاعل، والمفعول، قيل: إنه محذوف تقديره: فجادوا بالمال أو بالفضل، ونحو ذلك، وليس هذا بصحيح بل مفعوله هو قوله: "بأعظم سؤل"، فالباء فيه تتعلق "بجادوا" لا بقوله: "يسألوا" فافهم، وقيل: نصب على الظرف، مضاف إلى الجملة التي بعده، والضمير في يسألوا مفعول نائب عن الفاعل والمفعول الثاني محذوف تقديره: قبل أن يسألهم السائلون [شيئًا] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "أن يؤملون"؛ حيث جاءت (أن) مخففة من الثقيلة ومصدرة بفعل مضارع من غير فصل (¬2). ¬
الشاهد التسعون بعد المائتين
الشاهد التسعون بعد المائتين (¬1) , (¬2) إني زَعيم يا نُويـ ... ـقةُ إنْ أمنتِ منَ الرّزاح ونجوتُ من عَرَضِ الْمَنُون ... من الغدوِّ إلى الروَاحِ أَنْ تَهْبِطينَ بلادَ قَوْمٍ ... يَرتَعُونَ مِنَ الطلاحِ أقول: قائلها هو القاسم بن معن قاضي الكوفة، وأنشدها الفراء عنه. وهي من الكامل، وفيه الترفيل والإضمار. 1 - قوله: "زعيم" أي: كفيل، "ونويقة": تصغير ناقة، و"الرزاح" بضم الراء وفتح الزاي المعجمة المخففة؛ وهو الهزال؛ وهو مصدر رَزَحت الناقة ترزح بالفتح فيهما رزوحًا ورزاحًا: سقطت من الإعياء، والإبل رزحى ورزاحى بالفتح، ورزحتها أنا ترزيحًا. 2 - قوله: "من عرض المنون" أي: الموت, قوله: "من الغدو" [أي: من وقت الغدو] (¬3) إلى وقت الرواح، وفيه دليل لمن يقول: إن (من) تأتي لابتداء الغاية في الزمان. 3 - قوله: "من الطلاح" بكسر الطاء؛ جمع طلحة بفتحها، وهو شجر عظيم من شجر العضاة، وقال: [إبل طلاحية] (¬4) إذا كانت ترعى الطلاح، وفيه شذوذ النسب إلى الجمع (¬5) ويقال: [إبل] (¬6) طِلَاحِية بالضم فيكون فيه شذوذان (¬7). الإعراب: قوله: "إني" الضمير اسم إن، و"زعيم": خبره, قوله: "يا نويقة": منادى مفرد مبني على ¬
الضم, قوله: "إن" كلمة الشرط، وجواب الشرط مقدم، وهو قوله: "إني زعيم". وقوله: "من الرزاح": يتعلق بقوله: "أمنت", قوله: "ونجوت": عطف على قوله: [أمنت] (¬1)، قوله: "من عرض المنون" يتعلق بنجوت، وكذا قوله: "من الغدو". وقد قلنا: إن (من) ها هنا لابتداء الغاية في الزمان وهو من أقوى الحجج للأخفش والكوفيين (¬2). قوله: "أن تهبطين": مفعول لقوله: "زعيم"، و"أن" هذه مخففة من الثقيلة، وأصله: أنك تهبطين, قوله: "بلاد قوم": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: في بلاد قوم. قوله: "يرتعون": جملة فعلية وقعت صفة لقوم، "من الطلاح" يتعلق بقوله: "يرتعون". الاستشهاد فيه: في قوله: "أن تهبطين"، حيث جاءت أن مخففة من الثقيلة ومصدرة بفعل مضارع من غير فصل، وأصله: أنك تهبطين؛ فخففها وحذف اسمها، وأولاها الفعل المتصرف الخبري. قيل: هذا ليس بنص في الشاهد؛ إذ يحتمل أن تكون أن هذه الناصبة ولكنه أهملها حملًا على أختها "ما" المصدرية (¬3). ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد المائتين
الشاهد الحادي والتسعون بعد المائتين (¬1) , (¬2) .................... ... كَأَنْ وَريدَيْهِ رشاءُ خُلْب أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز، وهكذا أنشده سيبويه في كتابه (¬3)، وقال النحاس: وإن رفعته فحسن؛ يعني: كأن وريداه (¬4)، وذكر الجوهري الروايتين، فقال: كأن وريداه رشاء خلب، ويروى: وريديه؛ على إعمال كأن وترك الإضمار (¬5)، وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه: والوريدان: عرقان في الرقبة، والرشاء: الحبل. قال أبو إسحاق: الخُلْب: الليف (¬6)، وقال غيره: الخلب: البئر البعيدة القعر. قلت: الوريدان: عرقان يكتنفان صفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه، وقيل: سمي وريدًا؛ لأن الروح ترده، "والرشاء" بكسر الراء وبالد، وهو الحبل، وجمعه: أرشية، وهو في البيت مثنى فهو بألفين، ولكن يوجد في النسخ بالإفراد، والخلب بضم الخاء المعجمة وضم اللام، ويجوز تسكين اللام للتخفيف، وقد روي بذلك، ويقال لليفة: خُلبة بضمتين، وخُلْبة بالإسكان، وذلك قياس في نظائره. الإعراب: قوله: "كأن" بتسكين النون، مخففة من كَأَنَّ الثقيلة, قوله: "وريديه" بالنصب اسم كأن، وخبره قوله: "رشاء خلب"، و"رشاء": مضاف إلى خلب، وفي رواية الرفع يكون أهمل عمل كأن (¬7) ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد المائتين
الاستشهاد فيه: في قوله: "كَأَنْ" حيث جاءت مخففة وقد عملت وجاء اسمها مفردًا (¬1)، وقد قلنا: أصله التثنية وعلى رواية الرفع يكون الاستشهاد فيه من حيث إهمال عمل كأن كما ذكرنا، وفي الحقيقة ليس فيه شيء يستشهد به فافهم. الشاهد الثاني والتسعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) ويومًا توافينا بوجه مُقَسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم أقول: قائله هو أرقم بن علباء اليشكري يذكر امرأة ويمدحها، كذا ذكره في كتاب المنقذ، تأليف أبي عبد الله الكاتب المعروف بالمفجَّع (¬4)، وقال النحاس: هو لابن صُرَيم اليشكري (¬5)، وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: هو لباغت اليشكري، ثم قال: وباغت منقول كان بغته بالأمر إذا فاجأه به، ويشكر: منقول من مضارع شكر. وهو من الطويل. قوله: "توافينا" بضم حرف المضارعة، من الموافاة وهي المقابلة بالإحسان والخير والمجازاة الحسنة, قوله: "بوجه مُقَسّم" بضم الميم وفتح القاف وتشديد السين المهملة؛ أي: بوجه محسن، ويقال: رجل قسيم الوجه، أي: جميله، ورجال قُسم بضمتين، وذكر في كتاب المنقذ أن المقسّم من القسام وهو الحسن، ثم أنشد البيت المذكور، ثم قال: وإن شئت جعلته من القسمة وهو الوجه، قال (¬6) محرز بن مكعبر الضبي (¬7): ¬
كَأَن دَنَانِيرًا عَلَى قَسَمَاتِهِم ... وإنْ كَانَ قدْ شَفَّ الوُجُوهَ لِقَاءُ وان شئت جعلته من القسامي، وهو الذي يطوي الثياب، قال رؤبة (¬1): طي القسامي برود العصاب وإن شئت جعلته من القسم وهو ما وقع في قلبك وظننته ولا أصل له، قال عدي (¬2) بن زيد (¬3): ظُنَّةٌ شُبهَتْ فأَمْكَنَهَا القسم ... فَعَداهُ والخبِيرُ خَبِيرُ وان شئت جعلته من قاسمته: حالفته؛ من القسم في اليمين؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} [النمل: 49]. قلتُ: حاصل الكلام: إن مقسم الوجه هو حسن الوجه كأن كل موضع منه أعطى قسمه من الحسن. قوله: "تعطو" أي: تتناول وتأخذ لترعى؛ من عطا يعطو عطوًّا؛ وكأنه ضمنه معنى تميل؛ أي: تميل في مرعاها إلى كذا؛ فلذلك عداه بإلى، وقال ابن يعيش (¬4): العاطية: التي تتناول أطراف الشجر مرتعية (¬5). قوله: "إلى وارق السلم" الوارق -بكسر الراء بمعنى المورق، وهو نادر؛ إذ فعله أورق ومثله: أينع فهو يانع، يقال: ورقت الشجرة وأورقت إذا خرج ورقها، وأورق أكثر، ["والسلَم"] (¬6) بفتحتين؛ شجر من شجر العضاة، الواحدة سلمة، وبه سمي بعض الناس، ويروى: تعطو إلى ناضر السلم -بالنون والضاد المعجمة، والناضر: الحسن، يقال: نضر وجهه -بفتح الضاد وضمها وكسرها ثلاث لغات إذا حَسُن، وأراد بالناضر ها هنا الخضرة، شبه هذا المرأة بظبية مخصبة المرعى تتناول أطراف الشجر وترتعيها. ¬
الإعراب: قوله: "ويومًا" نصب على الظرف؛ أي: وفي يوم، وهو في الحقيقة عطف على شيء قبله في البيت، وأنشده بعض شراح كتاب الزمخشري: ويومٍ بالجر، ثم قال: الواو فيه واو رب، والتقدير: ورب يوم (¬1). * قوله: "توافينا": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه وهو الضمير الراجع إلى المرأة التي يمدحها؛ ونا: مفعوله, قوله: "بوجه": يتعلق بتوافينا، والباء فيه بمعنى مع؛ أي: مع وجه مقسم، و"مقسم" مجرور لأنه صفة للوجه, قوله: , كأن, بتسكين النون مخففة من المثقلة، و"ظبية" يجوز فيها الرفع والنصب والجر. أما الرفع فعلى أنها خبر كأن، والتقدير: كأنها ظبية، وفيه شذوذ لكون الخبر مفردًا مع حذف الاسم. وأما النصب فعلى أنها اسم كأن، والخبر محذوف تقديره: كأن ظبية هذه المرأة، وهذا إنما يصلح على جعل المشبه مشبهًا به وبالعكس لقصد المبالغة (¬2). ويجوز أن يكون الخبر قوله: "تعطو"، وحينئذ لا يكون من عكس التشبيه، وقدر الشارح: كأن مكانها ظبية، وهذا واضح. وأما الجر فعلى كون أن زائدة والكاف للتشبيه، والتقدير: كظبية تعطو، وتعطو جملة وقعت صفة للظبية بمعنى عاطية، وفيه شذوذ، وهو زيادة أن بين الجار والمجرور. الاستشهاد فيه: في قوله: "كأن ظبية" حيث خففت كأن وحذف اسمها وجاء خبرها مفردًا فافهم (¬3). ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد المائتين
الشاهد الثالث والتسعون بعد المائتين (¬1) , (¬2) وَوَجْهٍ مُشْرِقِ اللونِ ... كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان أقول: احتج به سيبويه في كتابه، ولم يعزه إلى أحد (¬3). وهو من الهزج وفيه الكف وهو إسقاط السابع الساكن، وأصله في الدائرة مفاعيلن ست مرات، ولكنه لا يستعمل إلا مجزوءًا (¬4). قوله: "ووجه" رواه سيبويه هكذا "ووجه"، وكذا أورده الشراح (¬5)؛ فعلى هذا فالهاء في قوله: "ثدياه" للوجه، ولا بد من تقدير مضاف، أي: ثديا صاحبه، وروي عن سيبويه أيضًا أوله: "وصدر" فالهاء راجعة إليه، ولا تقدير حينئذ، وأنشده الزمخشري: ونَحْرٍ مُشْرِقِ اللونِ ... ................. (¬6). قيل: هو الصواب؛ لأن الضمير في ثدياه يرجع إلى النحر لا إلى الوجه. قلتُ: قد قدرنا المضاف في رواية: "وجه"؛ فلا محذور حينئذ، ولكن الأولى رواية: نحو أو صدر. قوله: "مشرق [اللون] (¬7) " أي: مضيء اللون, قوله: "حقان": تثنية حقة بحذف التاء كما قالوا: خُصيان. الإعراب: [قوله] (¬8): "ووجه" الواو فيه واو رب، فلهذا جرت الوجه، والمعنى: ورب وجه يلوح لونه وثديا صاحبه كحقتين في الاستدارة والصغر، أو رب نحو يلوح لونه وثدياه كحقتين. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: "ووجه" مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولها وجه أو صدر، وهذا الكلام له وجه، ولكن غالب النحاة منهم الزمخشري نصوا على أن ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد المائتين
الواو ها هنا واو رب (¬1). قوله: "مشرق اللون": كلام إضافي إضافته لفظيه مجرور؛ لأنه صفة الوجه, قوله: "كأن": مخففة من الثقيلة, قوله: "ثدياه": مبتدأ، و"حقان": خبره، ولما خففت كأن جاز إبطال عملها، فلهذا جاء بعدها المبتدأ والخبر، والجملة صفة وجه أو نحو، ويروى: ثدييه بالنصب على إعمال كأن. الاستشهاد فيه: على تخفيف كأن وإلغاء عملها، وحذف الاسم ووقوع خبرها جملة، وأصله: كأنه، والضمير للوجه أو النحر أو الشأن، والجملة الاسمية خبر فافهم (¬2). الشاهد الرابع والتسعون بعد المائتين (¬3) , (¬4) لَا يَهُولَنَّكَ اصْطلاُء لظَى الحَربِ ... فَمَحذُورُهَا كَأَنْ قَدْ أَلمَّا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الخفيف. قوله: "لا يهولنك": من هاله الأمر يهوله إذا أفزعه وخوفه، ومنه مكان مهيل؛ أي: مخوف، و"الاصطلاء": من اصطليت النار وتصليت بها، و"لظى الحرب": نارها. والمعنى: لا يفزعنك دخول نار الحرب والاصطلاء بها. قوله: "فمحذورها" أي: فمحذور الحرب، وهو الذي يحذر منه، أي: يتحرز [منه] (¬5)، وقد يكون المحذور الفزع بعينه, قوله: "ألما": من الإلمام وهو النزول؛ يقال: ألم به أمر، إذا نزل [به] (¬6). المعنى: أنه يشجعه ويصبره على الثبات في الحرب والاقتحام فيها، ويقول: لا تفزع من دخول ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد المائتين
نار الحرب؛ فإن الذي كنت تخافه وتحذره قد وقع، فلا فائدة بعد ذلك في التحرز والامتناع. الإعراب: قوله: "لا يهولنك" كلمة لا للنفي، و"يهولنك": جملة من الفعل والمفعول أكدت بالنون الثقيلة، وقوله: "اصطلاء لظى الحرب": كلام إضافي فاعلها, قوله: "فمحذورها": كلام إضافي مبتدأ، والفاء فيه للتعليل، وقوله: "كأن قد ألما": خبره، والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "كأن قد ألما" وذلك أنه لما حذف اسم كأن، وكان خبرها جملة فعلية فصلت بكلمة "قد" وتارة تفصل بكلمة لم؛ نحو قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24]. الشاهد الخامس والتسعون بعد المائتين (¬1) , (¬2) ما أَعْطَيانِي وَلَا سَألْتهما ... إِلا وإني لحاجِزِي كرمي أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة ميمية وأولها هو قوله (¬3): 1 - دَع عنك سَلمَى إذْ فَات مطْلَبُها ... واذكر خَلِيلَيكَ مِنَ بَنِي الحكَمِ 2 - ما أعطياني ................. ... ........................ إلى آخره 3 - [إنّي مَتى لا يكُنْ نَوَالُهُما ... عِنْدي بما قَدْ فَعَلْتُ أَحتْشم 4 - مُبدِي الرضا عنهما ومُنْصَرِفٌ ... عنْ بَعْضِ ما لوْ فعلتُ لم أُلمِ 5 - لا أنْزُرُ النائِلَ الخليلَ إذا ... ما اعَتَل نَزْرُ الظّؤُورِ لم تَرِمِ] (¬4) وهي من المنسرح وفيه الطي وهو فاعلات. قوله: "لحاجزي": من حجزه كحجزه حجزًا إذا منعه. ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد المائتين
الإعراب: قوله: "ما أعطياني" كلمة ما بطل عملها بإلا، و "أعطياني": فعل وفاعل ومفعول أول، والمفعول الثاني محذوف، قوله: "ولا سألتهما": جملة منفية أيضًا معطوفة على الجملة الأولى، قوله: "وإني لحاجزي" الواو فيه للحال، والضمير اسم إن، و "لحاجزي": خبره، واللام فيه للتأكيد، وقوله: "كرمي": فاعل اسم الفاعل، أعني: حاجزي. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإني لا حيث جاءت مكسورة؛ لأنها وقعت موقع الحال (¬1). الشاهد السادس والتسعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) فَلَا تَلْحني فيها فإنَّ بحبها ... أَخَاكَ مُصَابُ القلب جَمٌّ بَلَابلُه أقول: هذا من أبيات الكتاب، واحتج به سيبويه ولم يعزه إلى قائله (¬4). وهو من الطويل. قوله: "فلا تلحني" أي: فلا تلمني؛ من لحيت الرجل ألحاه لحيًا إذا لمته وعذَلته، وهو من باب فعل يفعل بفتح العين فيها، قوله: "فيها" أي: في المحبوبة، قوله: "جَم" بفتح الجيم وتشديد الميم؛ أي: عظيم وكثير، و"بلابله" أي: وساوسه، وهو جمع بلبلة وهي الوسوسة. الإعراب: قوله: "فلا تلحني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول دخلت عليها لا الناهية، وقوله: "فيها": يتعلق بها، قوله: "فإن" الفاء فيه للتعليل، وإن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله: "أخاك": كلام إضافي اسم إن، وخبرها قوله: "مصاب القلب". ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد المائتين
قوله: "جم بلابله" جملة من المبتدأ، وهو قوله: "بلابله"، والخبر هو جم، والجملة وقعت خبرًا آخر لإن، أو هي بدل من قوله: "مصاب القلب". الاستشهاد فيه: في قوله: "بحبها" فإنه يتعلق بقوله: "مصاب القلب" فهو معمول الخبر، قدم على الاسم ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إلا عند البعض، وقد ذهبوا إلى جواز ذلك مستدلين بالبيت المذكور (¬1). الشاهد السابع والتسعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) مَرُّوا عَجَالى وَقَالُوا كَيفَ سيدُكُم ... فَقَال مَنْ سئلوا أَمْسَى لمجهُودَا أقول: هذا هن أبيات الكتاب ولم ينسب فيه إلى أحد (¬4)، وأنشده أبو حيان [رحمه الله تعالى] (¬5) في التذكرة هكذا (¬6): 1 - مروا عجالى وقالوا كيف صاحبكم ... قال الذي سألوا أمسى لمجهودَا وبعده: 2 - يا ويح نفسي من غبراء مظلمة ... قيست على أطول الأقوام محدودَا وهما من البسيط. قوله: "عجالى": جمع عجلان؛ كسكارى جمع سكران، قوله: "أمسى" أي: صار، ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد المائتين
و"مجهودا": من جهد الرجل فهو مجهود من الشقة، وأراد من غبراء مظلمة: القبر. الإعراب: قوله: "مروا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "عجالى": حال بمعنى مستعجلين، قوله: "وقالوا": عطف على قوله: "مروا"، وقوله: "كيف سيدكم": جملة من المبتدأ؛ أعني: قوله: "سيدكم"، والخبر أعني: قوله: "كيف" وقعت مقول القول. قوله: "فقال" الفاء فيه للتعقيب، وقوله: "من" فاعله، وهي موصولة، وقوله: "سئلوا": صلتها، قوله: "أمسى لمجهودا": مقول القول، والضمير في أمسى اسمه، و"مجهودا": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "لمجهودا" حيث زيدت فيه اللام، وزيادة اللام في خبر أمسى شاذة (¬1). الشاهد الثامن والتسعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) فَلَوْ أَنْكِ في يوم الرَّخَاءِ سَأَلْتنِي ... فِراقَكِ لَم أَبْخلْ وأنتِ صَدِيقُ أقول: هذا البيت أنشده الفراء ولم يعزه إلى قائله (¬4). وهو من الطويل. المعنى: أنه يصف نفسه بالجود حتى لو سأله الحبيب الفراق مع حبه لأجابه إلى ذلك، وإن كان في الدعة والراحة كراهة رد السائل، وإنما خص يوم الرخاء؛ لأن الإنسان ربما يفارق الأحباب في يوم الشدة. قوله: "أنكِ وسألتني وفراقكِ وأنتِ" كلها بالكسر؛ كذا نقله ابن الأنباري عن الفراء (¬5). فإن قلتَ: فعلى هذا ينبغي أن يقال: وأنت صديقة؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل. ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد المائتين
قلتُ: نعم، ولكن يؤول بأنه أراد: أنت إنسان صديق، أو شبه فعيلًا بمعنى فاعل بفعيل بمعنى مفعول. الإعراب: قوله: "فلو أنك" لو للشرط، وجوابه قوله: "لم أبخل"، و "أن" مخففة من الثقيلة والكاف اسمه، وقوله: "سألتني": خبره، وقوله: "في يوم الرخاء": كلام إضافي يتعلق بقوله: "سألتني"، قوله: "فراقك": كلام إضافي مفعول ثان لقوله: "سألتني"، ومفعوله الأول ضمير المتكلم المتصل به، قوله: "وأنت صديق": جملة اسمية وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنْكِ" حيث خففت أن من المثقلة وبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، والحق في أن المخففة أن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا, ولا يكون خبرها إلا جملة، وها هنا برز اسمها وهو غير ضمير الشأن وهو قليل (¬1). الشاهد التاسع والتسعون بعد المائتين (¬2) , (¬3) واعلَم فعلمُ المرء ينفعُهُ ... أن سَوْفَ يأتِي كل مَا قُدِرَا أقول: هذا أنشده أبو علي وغيره ولم يعزوه إلى قائله. وهو من الكامل (¬4). المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "واعلم": أمر وفيه أنت مستكن فاعله، وقوله: "فعلم المرء": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "ينفعه": خبره، والجملة معترضة بين اعلم ومفعوله، والفاء فيه هي [الفاء] (¬5) التي يتميز ¬
الشاهد المتمم للثلاثمائة
الجملة المعترضة من الجملة الحالية فافهم. قوله: "أن": مخففة من المثقلة في محل النصب؛ لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي اعلم، وقوله: "كل ما قدرا": فاعل لقوله: "يأتي"، والجملة وقعت خبرًا لأن، والألف في "قدرا" للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن سوف" فإنها مخففة من المثقلة ووقع خبرها جملة فعلية وفعلها متصرف وليس بدعاء، وفصل بينها وبين خبرها حرف التنفيس وهو سوف (¬1). الشاهد المتمم للثلاثمائة (¬2) أَفِدَ الترحُّلُ غيرَ أَنَّ ركَابَنا ... لما تَزُلْ برحَالنَا وَكَأَنْ قَدِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام في أول الكتاب فليعاود هناك (¬3). الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "وكأن قد" فإن كأن مخففة من المثقلة وحذف اسمها مَنْويًّا وأخبر عنها بجملة فعلية مصدرة بقد؛ فإن أصله: وكأنه قد زالت، فالهاء اسمه، وقد زالت خبره، واسم كأن في مثل هذا المثال يكون ضمير الشأن كما بينا فيما مضى (¬4). الشاهد الأول بعد الثلاثمائة (¬5) , (¬6) أتقُولُ إنكَ بالحياة مُمَتَّعُ ... ............................. أقول: قد قيل: إن قائله هو الفرزدق همام، وعجزه: .......................... .... وقد اسْتَبحْتَ ذمَ امرئ مُستَسلم ¬
الشاهد الثاني بعد الثلاثمائة
وهو من الكامل. المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "أتقول" الهمزة فيه للاستفهام على وجه الإنكار، و"تقول": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أنك" يجوز فيه الوجهان: الفتح على إعمال تقول إعمال تظن، والكسر على الحكاية، و"الكاف" اسم إن، وخبره قوله: "ممتع" والباء في: "بالحياة" تتَعلق به، قوله: "وقد استبحت إلى آخره" جملة وقعت حالًا، وقوله: "دم امرئ": كلام إضافي مفعول استبحت، [وقوله] (¬1): "مستسلم" بالجر صفة امرئ. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنك" حيث يجوز فيه الوجهان كما ذكرناهما (¬2). الشاهد الثاني بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم ... ولكن ما يُقضى فسوف يكون أقول: هذا من الطويل (¬5). قوله: "قاليًا" أي: باغضًا؛ من قلى يقلى قِلًى إذا بغض وهو من باب ضرب يضرب. الإعراب: [قوله] (¬6): "فوالله" الفاء للعطف والواو للقسم، ولفظة الله (¬7) مجرور بها، وقوله: "ما فارقتكم": جواب القسم وهي جملة من الفعل والفاعل والفعول، وقوله: "قاليًا": نصب على الحال من الضمير المرفوع في: "فارقتكم"، وقوله: "لكم" يتعلق بـ "قاليًا"، قوله: "ولكن": حرف ¬
الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة
من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "ما يقضى": اسمه، وقوله: "فسوف يكون": خبره، ودخلت الفاء في الخبر لتضمن "ما" معنى الشرط. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولكن ما يقضى" حيث دخلت "ما" على لكن ولم تكفها عن العمل. الشاهد الثالث بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) وما قَصَّرتْ بي في التَّسامي خُؤُولةُ ... ولكنّ عَمِّي الطّيبُ الأَصْلِ والخَالُ أقول: هذا أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وقبله: وما زلتُ سَبَّاقًا إلى كلِّ غايةٍ ... بها يُبتِغى في الناسِ مَجدٌ وإجلالُ وهما من الطويل. قوله: "سباقًا" مبالغة سابق، وأراد "بغاية" غاية المراتب والمفاخير، قوله: "يبتغى" أي: يطلب، و"المجد": الكرم، و"الإجلال": التعظيم، قوله: "التسامي" أي: العلو في النسب، ويروى: في المعالي، و"الخُؤولة" بضم الخاء، يحتمل أن تكون جمع خال كالعمومة جمع عم، ويحتمل أن تكون في معنى المصدر، يقال: بيني وبين فلان خؤولة؛ كما يقال بيني وبينه عمومة. والمعنى: أنه حصل له السؤدد من الوجهين: أحدهما: من قِبل نفسه [وهو أنه ما زال كثير السبق إلى جميع الغايات التي يُطْلَبُ بها الشرف في الناس. والثاني: من قِبل نسبه] (¬3) من جهتي أبيه وأمه، وإلى الثاني أشار بقوله: خؤولة، وأما الأول فلأن في البيت حذفًا تقديره: ولا عمومة، يدل على ذلك عجزه. فافهم. الإعراب: قوله: "وما قصرت" ما للنفي، و"قصرت": فعل ماض، و"بي": صلته في محل النصب على المفعولية، و"خؤولة" بالرفع فاعله، وقوله: "في التسامي" متعلق بقصرت، قوله: ¬
الشاهد الرابع بعد الثلاثمائة
"ولكن" أصلها للاستدراك وها هنا تفيد معنى التوكيد. وقوله: "عمي": كلام إضافي اسم لكن، وقوله: "الطيب الأصل": كلام إضافي أيضًا خبره، قوله: "والخال" مرفوع عطفًا على عمي في التقدير؛ لأنه في الأصل مبتدأ، والتقدير: والخال طيب الأصل كذلك، والدليل على الرفع القافية فإنها مرفوعة. الاستشهاد فيه: في قوله: "عمي الطيب الأصل والحال" حيث عطف "والخال" على محل "عمي" كما ذكرناه، ومذهب المحققين في نحو ذلك أن يكون مرفوعًا بالابتداء محذوف الخبر كما قلنا (¬1). الشاهد الرابع بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) فَمَنْ يَكُ أَمْسَى بالمدينةِ رَحْلُهُ ... فإني وقيَّارٌ بهَا لَغَرِيبُ أقول: قائله هو ضابئ -بالضاد المعجمة وبعد الألف جاء موحدة ثم همزة- ابن الحارث البرجُمي بالجيم، وهو من قصيدة بائية وأولها هذا البيت وبعده (¬4): 2 - ورُبّ أمُورٍ لا تضيرُك ضَيرَةً ... وللقلبِ من مَخَشاتِهن وَجِيبُ 3 - وما عَاجِلاتُ الطيرِ تُدني من الفتى ... نَجاحًا ولا عن رِيثِهِنّ يَخِيبُ 4 - ولا خيرَ فيمن لا يُوطنُ نَفْسَه ... على نائِبَاتِ الدهرِ حينَ تنُوبُ 5 - وفي الشَّكِّ تفريطٌ وفي الجزمِ قُوة ... ويُخْطِئُ فيِ الحدْسِ الفَتَى ويُصِيبُ 6 - ولَسْتَ بِمُستبقٍ صَدِيقًا ولا أَخًا ... إذا لم تَعَد الشيءَ وَهْوَ يُرِيبُ وهي من الطويل. 1 - قوله: "فمن يك أمسى بالمدينة رحله" كناية عن السكنى بالمدينة واستيطانها، قوله: "وقيار" بفتح القاف وتشديد الياء آخر الحروف؛ اسم رجل، وزعم الخليلُ أن "قيار" اسم ¬
فرس له غبراء، وقيل: اسم جمله، وكذا قاله أبو زيد (¬1). وكان عثمان - رضي الله تعالى عنه - حَبَسَهُ بالمدينةِ لِفرية افْتَرَاهَا، وذلك أنه استعار كَلْبًا من بعض بني نَهْشَلَ، فلما طلبوه منه امتنع فأخذوه منه قهرًا فغضب ورمى أمَّهُم به، وله في ذلك شعر معروف فاعتقله عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلى أن توفي؛ فلذلك قال هذا الشعر. ومعنى الشطر الثاني: أنه ومركوبه غريبان في المدينة مقيمان بها. الإعراب: قوله: "فمن يك" أصله: فمن يكن حذفت النون تخفيفا، و "من": مبتدأ تتضمن معنى الشرط فلذلك دخلت الفاء في خبره وهو قوله: "فإني"، و"يك" فيه ضمير هو اسمه، وخبره قوله: "أمسى بالمدينة"، وأمسى: بمعنى صار، و" رحله ": مرفوع لأنه فاعل أمسى. قوله: "فإني" الضمير المتصل به اسمه، وخبره محذوف مقدر؛ أي: فإني لغريب، وقيار بها لغريب، ويقال: "لغريب": هو خبر "فإني"، "وقيار": مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: وقيار كذلك، فقيار مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله: "فإني بها لغريب". وقال الجوهري: رفع قيار على الموضع (¬2) أي على أنه عطف على محل اسم إن، بنا، على تقدير حذف الخبر من الأول، فيكون قيار معطوفا على محل اسم إن، "ولغريب" المذكور قرينة على لغريب المحذوف من الأول، ويقال: "لغريب" خبر عن الاسمين جميعًا؛ لأن فعيلًا يُخْبَرُ بِهِ عن الواحد فما فوقه؟ نحو: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] (¬3). ورده شيخ شيخي الخلخالي (¬4) بأنه لا يكون للاثنين وإن كان يجوز كونه للجميع، وكذلك قال في فعول؛ فقال: لا يقال: رجلان صبور وإن صح في الجمع (¬5). ¬
الشاهد الخامس بعد الثلاثمائة
وقد قيل في قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17]: إن المراد قعيدانْ ثم كلامه يوهم أن ذلك يقال بالقياس، وليس كذلك، وإنما المانع في البيت من أن يكون غريب خبرًا عن الاسمين هو لزوم توارد عاملين على الخبر وإنما يصح هذا على رأي الكوفيين (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "وإني وقيار" استشهد به الكسائي والفراء؛ حيث عطف قيار على محل اسم إن في قوله: "وإني" والمحققون على أنه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف (¬2). الشاهد الخامس بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) يا ليتَني وأَنْتِ يا لَميسُ ... في بلدٍ لَيسَ بِهِ أَنِيسُ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس. قوله: "لميس" بفتح اللام وكسر الميم بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره سين مهملة وهو اسم امرأة، قوله: "أنيس" أي: مؤنس، ويقال: ليس في بلد أنيس؛ أي: أحد. الإعراب: قوله: "يا ليتني" يا: حرف نداء، ولكنه ها هنا لمجرد التنبيه لدخوله على ما لا يصلح للنداء، ويقال: النداء على حقيقته، والمنادى محذوف وتقديره: يا نفسي ليتني، وفي: اسم ليت، وخبره قوله: "في بلد" وقوله: "وأنت" الواو فيه للحال، وأنت: مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: وأنت معي يا لميس، "ولميس": منادى مفرد مبني على الضم، وقوله: "ليس به أنيس": جملة ¬
وقعت صفة لقوله: "بلد". الاستشهاد فيه: هو أن الفراء استشهد به على أن قوله: "وأنت" عطف على اسم ليت، والجمهور شرطوا في ذلك تقدم ذكر الخبر، وكون العامل "إن وأن ولكن"؛ نحو: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] (¬1). * * * ¬
شواهد "لا" التي لنفي الجنس
شواهد "لا" التي لنفي الجنس الشاهد السادس بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) لَو لَم تَكُنْ غطَفَانٌ لا ذُنوبَ لها ... إذًا لَلَامَ ذوو أحْسَابِها عُمَرَا أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة يهجو بها عمر بن هبيرة الفزاري، وأولها هو قوله (¬3): 1 - يا أيُّها النابِحُ العَاوي لِشقوته ... إليك أخبِركَ عَما تَجهْلُ الخبرَا 2 - لو لم تكن ............... ... ........................ إلى آخره 3 - إن الفَزَاري لَا يَشفيه من قَرَمٍ ... أَطَايبُ العَير حَتَّى ينَهْشَ الذكَرَا 4 - إن الفَزَاري لو يعْمَى فَتُطعمُهُ ... أَيَرَ الحمارِ طَبِيبٌ أَبْرأَ البصَرَا وهي من البسيط. 1 - قوله: "النابح": من نبح الكلب، و"العاوي": من عوى - بالعين المهملة. 2 - قوله: "غطفان": اسم قبيلة، قال ابن دريد: فعلان من الغطف وهو قلة هدْب العين، ¬
وقال قطرب: هو من قولهم: عيش أغطف؛ أي: ناعم، وغطفان: لا ينصرف للعلمية والتأنيث وقد صُرِفَ هنا للضرورة، قوله: "للام": من اللوم وهو العدْل، "والأحساب": جمع حسب وهو ما يعد من المآثر، وقال ابن الأثير: الحسب في الأصل: الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم، وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف، والشرف والمجد لا يكونان إلا بالآباء. وورد في الحديث (¬1): "الحسب المال، والكرم التقوى"، وفي حديث آخر (¬2): "حسب الرجل خلقه، وكرمه دينه". وفي حديث آخر (¬3): "حسب الرجل نقاء ثوبه" أي أنه يوقر لذلك؛ حيث هو دليل الثروة والجدة. وفي حديث آخر (¬4): "تنكح المرأة لميسمها وحسبها"، قيل: الحسب ها هنا الفعال الحسنة. قوله: "عمَرا" أراد به عمر بن هبيرة الفزاري. 3 - قوله: "من قرم" بفتح القاف والراء؛ وهو شدة شهوة اللحم، وقد قرمتُ اللحم إذا اشتهيته، وهو من باب علم يعلم، قوله: "أطايبُ العَيرِ" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء؛ وهو الحمار الوحشي، والأطايب: جمع أطيب، قوله: "حتى ينهش" من نهشت اللحم وهو أخذه بمقدم الأسنان. الإعراب: قوله: "لو لم تكن" كلمة لو للشرط، و"غطفان": اسم تكن، وقوله: "إذا للام": جواب الشرط، وقد علم أن إذًا تقع جوابًا لـ "لو" أو "إن" ظاهرتين أو مقدرتين، واللام في "للام" للتأكيد، و"لام": فعل ماض، وقوله: "ذوو أحسابها": كلام إضافي فاعله، وقوله: "عمرَا": مفعوله. ¬
الشاهد السابع بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لا ذنوب لها" فإن كلمة "لا" ها هنا زائدة مع أنها عملت عمل غير الزائدة؛ لأن ذنوب: اسمها, ولها: خبرها، وأصل الكلام: لو لم تكن غطفان لها ذنوب، فقوله: "ذنوب": مبتدأ، و"لها": مقدمًا خبره، والجملة حال (¬1)، وقال ابن عصفور في المقرب: أنشد أبو الحسن الأخفش: لَو لَم تَكُنْ غَطَفَانُ لا ذُنوبَ لها ... إلى لَامَت ذوو أحْسَابِها عُمَرَا [قال أبو الحسن: لا زائدة] (¬2)، والمعنى: لها ذنوب إلى، وعمل لا الزائدة شاذ (¬3)، وأما دخول لا الزائدة في الكلام فلمجرد تقويته وتوكيده؛ كما في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 92، 93] وقوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] أي: ليعلموا (¬4)، والله أعلم. الشاهد السابع بعد الثلاثمائة (¬5) , (¬6) أَشَاءُ ما شِئْتِ حَتَّى لا أَزَالُ لما ... لا أَنتِ شَائِيةٌ مِنْ شأْنِنَا شاني أقول: هذا البيت أنشده الفراء وابن كيسان، ولم يعزواه إلى قائله. ¬
وهو من البسيط. قوله: "أشاء" نفس المتكلم من المضارع، و"شائية": اسم فاعله من شاء، قوله: "شأني": اسم فاعل من شنأ يشنأ شَنْئًا بتثليث الشين وشناءةً وشنْآنا بالتسكين وشنَآنا بالتحريك، أي: بغضه، وقُرئ بهما في قوله تعالى: {شَنَآنُ قَوْمٍ} [المائدة: 2] والشناءة على مثال الشفاعة: اسم من الشنأ. والمعنى: لا أزال للذي لا أنت شائية؛ أي: مريدة من شأننا؛ أي: حالنا شأني، أي: باغض. الإعراب: قوله: "أشاء": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، قوله: "ما شئت": في محل النصب على الفعولية، و"ما" موصولة، و"شئت" بكسر التاء، جملة من الفعل والفاعل صلته، والعائد محذوف؛ أي: ما شئته. قوله: "حتى": للغاية بمعنى إلى، و"لا أزال": منصوب بأن مقدرة، واسم زال هو الضمير المستتر فيه، وخبره هو قوله: "شاني" في آخر البيت، وأصله: شانئًا بالنصب فترك النصب للضرورة، قوله: "لما لا" الجار والمجرور يتعلق بقوله: "شاني" في آخر البيت وما موصولة، وكلمة "لا" مهملة عند الجمهور؛ لأن اسمَها معرفة وهو أنت وهو مبتدأ، وقوله: "شائية": خبره، وقوله: "من شأننا" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أنت" وذلك أن لا إذا كان اسمها معرفة أو منفصلًا منها يجب تكرارها وها هنا ترك التكرار لأجل الضرورة، ومذهب المبرد وابن كيسان أنه لا يشترط التكرار مطلقًا واحتجا على ذلك بهذا البيت (¬1). ¬
الشاهد الثامن بعد الثلاثمائة
الشاهد الثامن بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) إن الشبابَ الذي مَجْدٌ عَوَاقِبُهُ ... فِيهِ تَلَذُّ ولَا لذَّاتِ لِلشِّيب أقول: قائله هو سلامة بن جندل (¬3) بن عبد عمرو بن عبيد بن الحرث بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم بن مُرّ بن أدّ بن طانجة بن إلياس بن مضر السعدي وهو من قصيدة بائية من البسيط وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَوْدَى الشبابُ حَميدًا ذو التعاجِيبِ ... أَوْدَى وذلك شَأْوٌ غَيرُ مَطلُوبِ 2 - ولَّى حَثِيثًا وهذا الشيبُ يطلبهُ ... لَو كَانَ يُدرِكُهُ رَكَضَ اليعاقِيبِ 3 - أَوْدَى الشبابُ الذي مَجْدٌ عَوَاقِبهُ ... فِيه تَلَذ ولا لَذّاتٍ لِلشيبِ 4 - يومان يَوْمُ مَقَامات وأنْدِيةٍ ... وَيَوْمُ سَير إلى الأعداء تأويب 5 - وكَرُّنَا خَيلَنا أَدْرَاجَها رُجُعًا ... كُسَّ السَّنَابِك من بَدءٍ وتَعْقيب 6 - والعادياتُ أسابِي الدماء بها ... كأن أعْنَاقَهَا أنصابُ تَرجيب 7 - مِنْ كُلِّ حتٍّ إذا ما ابتل مُلبَدُهُ ... صافي الأَدِيمِ أسيل الخدّ يَعْبُوب 8 - ليس بِأسفَى ولا أقنى ولا سَغِلٍ ... يُعطى دَواءَ قفي السّكْنِ مربوب 9 - في كل قائمةٍ منْهُ إذا اندَفَعَتْ ... منه أساوٍ كَفَرْغ الدلْو أُثْعوب وجملتها تنوف (¬5) على ثلاثين بيتًا. 1 - قوله: "أودى" أي: ذهب وفات، وشباب كل شيء: أوله ["وحميدًا": حال من الشباب، قوله: "ذو التعاجيب" ويروى: ذو الأعاجيب؛ جمع أعجوبة] (¬6). والمعنى: كان الشباب كثير العجب يعجب الناظرين إليه ويروقهم، والتعاجيب: العجب ¬
يقال: إنه جمع لا واحد له، كما قالوا: تعاشيب للعشب وتباشير للصبح، وإنما كرر أودى الثاني على التفجع، ويروى: ولى، قوله: "وذلك": إشارة إلى الإيداء الذي يدل عليه أودى، و"الشأو": الطلق (¬1)؛ أي: ذلك الطلق بعيد قد مضى فهو لا يدرك. 2 - قوله: "ولى حثيثًا" أي: مسرعًا، قوله: "لو كان يدركه ركض اليَعاقيب" أي: لو أدركه ركض اليعاقيب لطلبناه ولكن لا يدرك، وهو جمع يعقوب وهو ذكر الحجل، وخص اليعقوب لسرعته. 3 - قوله: "أودى الشباب الذي مجد عواقبه"، ويروى: ذاك الشباب الذي، ويروى: إن الشباب الذي. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: أنشده ابن مالك: أودى الشباب الذي، وهذا تحريف منه والصواب: إن الشباب الذي. وقوله: "فيه تلذ" خبر لإن، وعلى ما أورده لا يكون له ما يرتبط به، والذي أوله: "أودى" بيت آخر، وهو أول القصيدة وهو: أودى الشباب حميدًا ... ................................ قلتُ: ما أورده المفضل بن محمَّد الضبي في المفضليات هو كما أورده ابن مالك: أودى الشباب الذي مجد عواقبه ... ................................. ثم قال في شرحه: ويروى: ذاك الشباب، ولم يتعرض أصلًا إلى "إن"؛ فلا فائدة حينئذ في التشنيع عليه. قوله: "مجد عواقبه" يعني: إذا تُعقبِتْ أمور الشباب وجد في عواقبه العز وإدراك الثأر والرحلة في المكارم وليس في الشيب ما ينتفع به وإنما فيه الهرم والعلل. ويقال: معناه: آخر الشباب محمود ممجد، إذا حل الشيب ذكر الشباب فحمد وذم الشيب. قوله: "فيه تلذ" أي: في الشباب لذَاذَةٌ وطيب، يقال: رجل لذ من قوم لذ، وقد لذ الشيء لذاذة، و"الشيب" بكسر الشين؛ جمع أشيب، وهو المبيض الرأس، وقد شاب رأسه شيبًا وشيبة فهو أشيب على غير قياس؛ لأن هذا النعت إنما يكون من باب فعل يفعل مثل: عَلِم يَعْلَم، والشيب بفتح الشين وهو المشيب. ¬
قال الأصمعي: الشيب: بياض الشعر، والمشيب: دخول الرجل في حد الشيب (¬1). 4 - قوله: "مقامات" بفتح الميم؛ جمع مقامة وهي المجلس، ويروى بضم الميم بمعنى الإقامة، و"الأندية": جمع ندى وهو ما حول الدار وإن لم يكن مجلسًا, ولكن أراد بالأندية المجالس، قوله: "تأويب" هو سير يوم إلى الليل. 5 - قوله: "وكرنا" الكر: الوجوع، "وأدراجها": آثارها. والمعنى: نَرُدُّها إذا رجعنا من غزونا في الطريق الذي ذهبت فيه [يقال: رجع أدراجه إذا رجع في الطريق] (¬2) الذي جاء منه. قوله: "رُجُعًا" بضمتين؛ جمع رجيع؛ أي: مهازيل ضامرة، يقال: فرس رجيع سفر ونضو سفر وبلو سفر وبلى سفر، قوله: "كُسّ السنابك" بضم الكاف وتشديد السين المهملة؛ وهو جمع أكس؛ وهو المتثلم الذي قد كَسَرَهُ طول السير، وهو مأخوذ من قولهم: رجل أكس وامرأة كساء وهما اللذان تحاتت أسنانهما وقصرت، والسنابك: مقاديم الحوافر، واحدها سنبك، "والبدْء": الغارة الأولى، "والتعقيب" الغارة الثانية. 6 - قوله: "والعاديات" هي الخيل، واحدها (¬3) عاد، والأنثى عادية، والعادية أيضًا الجماعة يعدون على أرجلهم، قوله: "أسأبِيّ" بفتح الهمزة والسين المهملة وبعد الألف جاء موحدة مكسورة وياء مشددة، وهي الطرائق من كل شيء، الواحدة إسباءة، قوله: "أنصاب ترجيب" بالجيم؛ أي: كأن أعناقها حجارة تنصب ليذبح عليها، والترجيب: التعظيم. 7 - قوله: "من كل حت" أي: سريع، قوله: "مُلْبَده" بضم الميم وسكون اللام وفتح الباء الموحدة والدال؛ أي: موضع لبده، أراد إذا ابتل من العرق صافى الأديم لحسن القيام عليه، وقوله: "يعبوب" أي: طويل، ويقال: كريم، ويقال: كثير الجري، مشتق من عباب البحر. 8 - قوله: "بأسفى" بالفاء، وهو الخفيف الناصية، "والأقنى" بالقاف والنون؛ الذي في أنفه احديداب، و"السغِل" بفتح السين المهملة وكسر الغين المعجمة؛ وهو المضطرب الأعضاء، ويروى: الأصقل بالقاف، ويروى: والأصغل بالصاد والغين المعجمة، قوله: "يعطى دواء": صفة لقوله: "ولا سَغِل"، وقوله: "قفى السكن": أضيف إلى الدواء، والقفية: الأثرة، يقال: أقفيت الرجل بكذا وكذا إذا آثرته، "والسكن" -بفتح السين: جمع ساكن، "والمربوب": من التربية، أراد: أنه لا يرسل مهملًا ولكنه يحبس عند البيوت ويصان ويعطى قوت السكن كله. ¬
الشاهد التاسع بعد الثلاثمائة
9 - قوله: "أساو" أي: دفعات من الجري، ويروى: أسأت وأساب -أيضًا-، شبهها في كثرتها بانصباب الدلو بالماء في السهولة، والأثعوب: السائل، ومنه سمي المثعب وهو الميزاب. الإعراب: قوله: "الشباب": اسم إن، وخبره الجملة الفعلية التي هي "تلذ فيه"، قوله: "الذي مجد عواقبه": صفة للشباب، و"الذي": موصول، وصدر صلته محذوف، والتقدير: الذي هو مجد عواقبه وهو مبتدأ، و"مجد عواقبه": خبره، و"عواقبه": مرفوع بالمجد، والمصدر يعمل عمل فعله كما عرف في موضعه. قوله: "ولا لذات" كلمة لا [التي] (¬1) لنفي الجنس، وقوله: "لذات": اسمه، والخبر محذوف تقديره: ولا لذات حاصلة للشيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا لذات" حيث يجوز في لذات البناء على الفتح والكسر جميعًا؛ لأن اسم لا إذا كان جمعًا بألف وتاء يجوز فيه الوجهان: البناء على الفتح، والبناء على الكسر، والفتح أشهر؛ كذا قاله ابن مالك (¬2). الشاهد التاسع بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) فقام يذودُ الناس عنها بسيفه ... وقال ألا لا منْ سبيل إلى هَنْد أقول: هذا من الطويل. ¬
الشاهد العاشر بعد الثلاثمائة
قوله: "يذود" أي: يدفع؛ من ذاد يذود ذودا، قال تعالى: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: 23] وأكثر ما يستعمل الذياد في الإبل والغنم، قوله: "من سبيل" أي من طريق إلى هند وهو اسم امرأة. الإعراب: قوله: "فقام" عُطف على شيء قبله وفيه ضمير مستتر فاعله، قوله: "يذود الناس": جملة من الفعل والفاعل والمفعول,: وقعت حالًا، وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع (¬1) حالًا لا يحتاج إلى الواو، وقوله: "عنها": يتعلق بقوله: "يذود" وكذلك قوله: "بسيفه". قوله: "وقال": عطف على "قام"، قوله: "ألا لا من سبيل": مقول القول، و"ألا" للتنبيه، و"لا" لنفي الجنس، و "من" زائدة، زيدت لإفادة استغراق الجنس، قوله: "سبيل": اسم لا، وخبره محذوف، أي: لا سبيل حاصل أو موجود إلى هند. الاستشهاد فيه: في قوله: "من سبيل" حيث أبرزت فيه "من" الزائِدة لإفادة استغراق الجنس، وهذا يدل على أن المفرد الذي يدخل عليه "لا" يبنى لتركيبه مع "لا" كخمسة عشر لأجل تضمنه معنى الحرف وهو من الجنسية، ولهذا أبرزها الشاعر لأجل الضرورة، والضرورات ترد الأشياء إلى أصولها (¬2). الشاهد العاشر بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) تعَزُّ فَلا إِلْفَين بالعيشِ مُتَّعَا ... ولكنْ لِورادِ المنونِ تَتَابُعُ أقول: هذا من الطويل. ¬
الشاهد الحادي عشر بعد الثلاثمائة
قوله: "تعز" أي: تسل وتصبر؛ من العزاء وهو الصبر قوله: "إلفين" بكسر الهمزة؛ تثنية إلف وهو الأليف من الألفة، يقال: إلف وأليف؛ كخل وخليل وشبه وشبيه. قوله: "لوراد المنون" أي: الموت، والوُرَّاد: بضم الواو وتشديد الراء؛ جمع وارد؛ كقوام جمع قائم، وصوام جمع صائم. والمعنى: أنه لا يبقى أحد بعد من مضى ولكن يتبَع بعضهم بعضًا. الإعراب: قوله: "تعز": فعل وفاعل وهو أنت المستتر فيه، قوله: "فلا إلفين" الفاء للتعليل وكلمة لا نافية، و"إلفين": اسمه، وخبره قوله: "متعا"، والباء في "بالعيش" يتعلق بقوله: "متعا"، قوله: "ولكن" استدراك، وبطل عملها لأجل سكون نونها، قوله: "تتابع": مبتدأ، وخبره قوله: "لوراد المنون" مقدمًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "إلفين" حيث جاء بالياء والنون في حالة النصب؛ كما تقول: لا غلامين قائمان، ولا كاتبين في الدار (¬1). الشاهد الحادي عشر بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) يُحْشر الناس لا بنين ولا آ ... باء إلا وقد عنتهم شئون أقول: هذا من الخفيف. قوله: "ولا آباء": جمع أب، وقد وقع في أمر النسخ: "ولا أبناء" جمع ابن وهو تحريف وتكرار لقوله: "لا بنين"، قوله: "وقد عنتهم" أي: أهمتهم، ومنه الحديث (¬4): "من حسن إسلام المرء تركه ¬
ما لا يعنيه"، وقرأ ابن محيصن (¬1) والزهري (¬2): (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يُغْنيَه) [عبس: 37] بفتح الياء وبالعين المهملة (¬3)، ووقع في بعض النسخ: قد علتهم، من العلو، وهو -أيضًا- تحريف، و" الشئون ": جمع شأن وهو الخطب والأمر والحال، والبيت مأخوذ من معنى القراءة المذكورة، وأما قراءة الجماعة فمعناها: يغنيه عن النظر في شأن غيره. الإعراب: قوله: "يُحْشَرُ" على صيغة المجهول، و"الناس": مفعوله، وقد ناب عن الفاعل. والمعنى: يحشر الله الناس؛ أي: يجمعهم يوم القيامة للعدل والفضل، وحذف الفاعل للضرورة مع شهرته وتعينه لذلك. قوله: "لا بنين": حال ولم يحتج إلى الواو؛ كما في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41] "ولا": لنفي الجنس، قوله: "بنين": اسمه، وخبره محذوف؛ أي: لا بنين حاصلون [أو موجودون] (¬4) قوله: "ولا آباء": عطف عليه؛ أي: ولا آباء حاصلون، قوله: "إلا": استثناء مفرغ، والمستثنى حال، والحالان متداخلان لا مترادفان، ويقال: إلا زائدة، "وقد عنتهم شئون": جملة حالية، ويقال: الواو زائدة لتأكيد الصفة، بالموصوف؛ لأن قوله: "عنتهم شئون": صفة للناس، وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] فقال: ولها كتاب: جملة واقعة صفة لقرية، وتوسط الواو لتوكيد الصفة بالموصوف؛ كما في الحال (¬5)، وبهذا يُرَدُّ على ابن مالك؛ حيث قال: "إلا" لا تَقَع بين موصوف وصفته، لأنهما كشيء واحد (¬6). ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لا بنين" حيث بني على الياء لكونه مجموعًا على حد مثناه، وذلك كما بينى في جمع التكسير على الفتح (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) وما هَجّرتُكِ حتى قُلتِ مُعْلنَةً ... لا ناقةٌ لي منْ هَذَا ولَا جَملُ أقول: قائله هو الراعي عبيد بن حُصَين، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله: 1 - قَالتْ سُلَيمَى أتَثْوي أنتَ أَمَّ تَغلُ ... وقد ينسِّيك بعضَ الحاجةِ الكسلُ 2 - فقلتُ ما أَنَا ممن لا يُوافقُني ... ولا ثوائيَ إلَّا ريثَ ارتحلُ 3 - أَمّلْتُ خَيَرك هَلْ تَأْتي مَواعدُهُ ... واليومَ قصّرَ عن تلقائك الأملُ 4 - وما هجرتك حَتّى ........... ... ....................... إلى آخره وهي من البسيط. 1 - قوله: "أتثوي" أي: أتقيم؛ من الثواء وهو الإقامة، قوله: "أم تغل": من وغل في السير وأوغل إذا جد فيه، وأصل تغل: توغل؛ كتعد أصله: توعد، فحذفت الواو تبعًا لحذفها في يعد بالياء آخر الحروف لوقوعها بين الياء والكسرة (¬4). 2 - ومعنى البيت الثاني: من لا يوافقني فليس مني ولا أنا منه، وليس ثوائي عنده إلا قدر ما أرتحل عنه. 3 - قوله: "عن تلقائك" التلقاء -بكسر التاء المثناة من فوق: مصدر بمعنى اللقاء، وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء؛ كالتحوال والتطواف، إلا التِلقاء والتبيان، وأما التلقاء في قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف: 47] فظرف لا مصدر. 4 - قوله: "وما هجرتك": من الهجران، ويروى: وما صرمتك؛ أي: وما قطعت حبل وُدِّكَ ¬
حتى تبرأتِ مني معلنة بذلك، قوله: "لا ناقة لي .... إلى آخره": قول المرأة، ولكنه مثل ضربه لبراءتها منه، وهو مثل مشهور في هذا المعنى (¬1). الإعراب: قوله: "وما هجرتك" الواو للعطف و"ما" للنفي، و"هجرتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "حتى قلت معلنة" حتى للغاية، و"قلت" جملة في محل الرفع لأنه مسبب عما قبله (¬2)؛ وذلك لأن قولها: "لا ناقة لي في هذا ولا جمل" سبب للهجران، وقوله: "معلنة": نصب على الحال من الضمير الذي في قلت، قوله: "لا ناقة لي إلى آخره": مقول القول، قوله: "ناقة": مرفوع لأنه اسم لا التي بمعنى ليس، وقوله: "في هذا": خبره وقوله: "لي": جار ومجرور في محل الرفع لأنه صفة لناقة. قوله: "ولا جمل" فيه حذف، والتقدير: ولا جمل لي في هذا، وموضع الخبر نصب أو رفع على تقديره لا عاملة عمل ليس أو ملغاة لتكرارها، وكون الرفع في النكرة بالابتداء أقيس من كونه بلا؛ لأن الكلام جواب لمن قال: ألك ناقة فيه أو جمل؟ والرفع في ذلك على الابتداء والخبر واجب، والأصل: تناسب الجواب والمجاب. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا ناقة لي ولا جمل" وذلك أن لا لما كررت أعملت عمل ليس؛ كما في قوله تعالى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة: 254] في قراءة غير (¬3) ابن كثير (¬4)، وأبي عمرو (¬5) ¬
الشاهد الثالث عشر بعد الثلاثمائة
الشاهد الثالث عشر بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) هَذَا وَجدّكم الصَّغَارُ بِعَينهِ ... لَا أُمَّ لِي إنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ أقول: قائله هو رجل من مذحج؛ كذا قاله سيبويه في كتابه (¬3)، وذكر أبو رياش أن قائله: هو همام بنُ مرة أخو جساس بن مرة قاتل كليب، وزعم ابن الأعرابي أنه لرجل من بني عبد مناف [مات] (¬4) قبل الإِسلام بخمسمائة عام. وقال الحاتمي (¬5): هو لابن أحمر (¬6)، وقال الأصفهاني: هو لضمرة بن ضمرة (¬7)، ويشكل عليه نداؤه ضمرة في أول بيت من القصيدة كما يأتي الآن، وقال بعضهم: إنه من الشعر القديم جدًّا، وكان لقائل هذا الشعر أخ يسمى جُنْدُبا، وكان أبواه وأهله يؤثرونه عليه ويفضلونه فأنف من ذلك، وقال هذا، وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله (¬8): 1 - يا ضَمْرَ أخبرنِي ولسْتَ بكاذِبٍ ... وأخُوك نَافِعُك الذي لا يَكْذِبُ 2 - أمِنَ السوية أَنْ إِذَا استغنيتُمُ ... وأمِنْتُمُ فأنا البعيدُ الأخيب 3 - وإذا الشدائدُ بالشدائِد مَرة ... أشْجَتكُمُ فأنا الحبيبُ الأقربُ 4 - ولجندُبٍ سَهلُ البِلَادِ وعذْبُهَا ... وَلِي الملاحُ وحَزْنُهُنّ المجدِبُ 5 - وإذا تكونُ كريهةٌ أدْعَى لها ... وإذَا يُحاسُ الحيسُ يُدْعَى جُنْدُبُ 6 - هذا وجدكم .............. ... ..................... إلى آخره 7 - عَجَبًا لتلْكَ قضيةٌ وإقَامتِي ... فِيكُم عَلى تلك القضيّةِ أَعْجَبُ وهي من الكامل. ¬
1 - قوله: "يا ضمر" أراد: يا ضمرة فرخم، قوله: "ولست بكاذب" ويروى: فلست بصادق، وكلتا الروايتين في الذيل. 2 - قوله: "أمن السوية أن إذا استغنيتم"، ويروى: أمن السوية أن إذا أخصبتم، وكذا روى الرياشي. 3 - قوله: "أشجتكم": من أشجاه يشجيه إشجاءً إذا غصه. 4 - قوله: "ولجندب سهل البلاد وعذبها" وعمروى: ولما لكم أنف البلاد ورعيها، وأراد بالمال ها هنا: الإبل، والأنف: ما لم يرع من النبت، ولا الرعي": المرعى. قوله: "ولي المُلَّاح" بضم الميم وتشديد اللام، وهو نبات الحمض، ولكنه بالتخفيف هاهنا للضرورة، وقيل: لا ضرورة فيه؛ لأن التخفيف أيضًا لغة، "و "الحزن": ما حزن من الأرض وفيها غلاظة، و"المجدب": ما أجدب؛ من الجدب وهو نقيض الخصب، ويروى الشطر الثاني: .......................... ... ولنا الثماد ورعيهن المجدب. و"الثماد": جمع ثمد وهو القليل. 5 - قوله: "وإذا يحاس" الحيس بفتح الحاء المهملة وسكون الياء [آخر] (¬1) الحروف، وفي آخره سين مهملة، وهو تمر يخلط بسمن وأقط ثم يدلك حتى يختلط. 6 - قوله: "هذا" إشارة إلى ما ذكر من قوله: "وإذا تكون كريهة إلى آخره" يعني: إذا كانت شدة دعوني لعلمهم أني أغنى عنهم، وإذا كان رخاء دعوا جندبًا فهذا عين الهوان؛ فإن رضيت به فليس لي أم ولا أب معروفان؛ بل أنا حينئذ لقيط. قوله: "وجدّكم" ويروى: لعمركم، وهكذا هو في نسخة ابن الناظم (¬2)، وهو بفتح العين، يستعمل في القسم من عمِر الرجل -بكسر الميم يعمر عَمرًا أو عُمرًا -بفتح العين وضمها على غير قياس؛ لأن قياس مصدره التحريك؛ أي: عاش زمانًا طويلًا, ولا يستعمل في القسم إلا مفتوح العين، والسلام فيه للتأكيد، قوله: "وجدكم" الواو للقسم والمعنى: وحق حظكم وبختِكم (¬3) وسعدكم، والصغار بفتح الصاد بمعنى الذل والهوان. الإعراب: قوله: "هذا": مبتدأ، وقوله: "الصغار": خبره، قوله: "وجدكم": كلام إضافي معترض بين ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة
المبتدأ والخبر، وكذا قوله: "لعمركم"، وهو مبتدأ، وخبره محذوف وجوبًا؛ أي: لعمركم قسمي أو يميني، واللام فيه لام الابتداء للتأكيد، فهذا إنما يرفع عند وجود اللام، وإذا لم تكن اللام ينصب نصب المصادر، تقول: عَمرَ الله ما فعلت كذا، وعمرَك الله ما فعلت كذا، قوله: "بعينه": تأكيد للصغار، والباء فيه زائدة، ويقال: إن قوله "بعينه": في موضع الحال؛ أي: هذا الصغار حقًّا. قوله: "لا أم لي" كلمة لا نافية، و"أم": اسمها، و"لي": خبرها، و"في الحقيقة الخبر محذوف تقديره: لا أم موجودة لي، قوله: "إن كان ذاك " إن للشرط، وكان تامة فعل الشرط، وذاك: فاعله، وهو إشارة إلى الأمر الذي استجلب له الصغار، وقال ابن يسعون: تقديره: إن كان رضا ذاك أو احتمال ذاك، لا بد من تقدير نحو هذا المضاف ليصح المعنى؛ لأنه إنما اشترط أنه لا يرضى بذلك الخسف الذي يرام منه، واعترض بهذا الشرط بين المعطوف والمعطوف عليه، وهو كثير، وحذف جواب الشرط لدلالة الجمل عليه وإغنائها عنه كثير -أيضًا-. قوله: "ولا أب": عطف على محل اسم لا المتقدمة، وفيه الاستشهاد. [الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا أب"] (¬1)؛ حيث جاء مرفوعًا على جعل لا بمعنى ليس، ويكون معطوفًا على محل اسم لا في قوله: "لا أم لي" لأن المحل مرفوع، فافهم (¬2). الشاهد الرابع عشر بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) بِأَيِّ بَلَاء يَا نُمَيْرَ بنَ عَامِرٍ ... وَأَنْتُم ذُنَابَى لَا يَدَيْنِ وَلَا صَدْرُ أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وهو من الطويل، من قصيدة يهجو بها جرير نميرَ بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ونمير أبو قبيلة من قيس وهو قيس غيلان، ¬
وهذا يقول الآخر في بني نمير (¬1): فغُضّ الطرفَ إِنكَ مِنْ نُمَيرٍ ... فلَا كَعْبًا بَلَغتَ ولَا كِلَابَا ولو وُزِنَتْ حُلُومُ بني نميرٍ ... على المِيزَان مَا وَزنتْ ذُبَابَا قوله: "ذنابى" بضم الذال المعجمة وتخفيف النون وبعد الألف جاء موحدة، وهو ذنب الطائر، وهو أكثر من الذنب، وفي جناح الطائر أربع ذنابى بعد الخوافي، والذنابي الأتباع -أيضًا- وقال الفراء: الذنابى: شبه المخاط يقع من أنوف الإبل (¬2). الإعراب: قوله: "بأي بلاء" الباء يتعلق بمحذوف، و"أي" للاستفهام، والتقدير: بأي مصيبة تفخرون على الناس يا نمير بن عامر؟ أو بأي مصيبة تتقدمون على الناس، والحال أنتم كذا وكذا؟ ولفظة البلاء تستعمل في الخير والشر، قال الجوهري: النبلاء: الاختبارُ يكون بالخير والشر، يقال: أبلاهُ الله بلاءً حسنًا وأبلَيتهُ معروفًا (¬3)، وقال الأحمر: (¬4) يقال: نَزَلَتْ بَلاء عَلَى الكفارِ مثل: قطامِ. يحكيه عن العرب (¬5).، أي: نزلت عليهم مصيبة. قوله: "يا": حرف نداء، و"نمير بن عامر": منادى مبني على الفتح، والابن بُني -أيضًا- على الفتح؛ وذلك لأن الابن الموصوف به المنادى المفرد المعرفة إذا وقع بين علمين كان حقه أن يبنى على الفتح؛ لأنهما بمنزلة شيء واحد كحضرموت؛ وذلك لأن الابن لا ينفك عن الأب كما أنه لا ينفك عن الابن فكانت صفة لازمة له، والصفة والموصوف من حيث المعنى بمنزلة شيء واحد، وإذا تنزلا بمنزلة شيء واحد أتبعت حركة المنادى حركة الابن ولم يعكس؛ لأن الحركة التي استحقها الابن حالة الانفراد كانت إعرابية وهي النصب لكونه مضافًا، وحركة المنادى الضم وهي بنائية، واتباع البنائية أولى لكون الإعرابية أقوى، قوله: "وأنتم": مبتدأ، و"ذنابى": خبره، والجملة حالية، قوله: "لا يدين" كلمة لا للنفي، ويدين اسمها مبني، وخبرها محذوف. ¬
الشاهد الخامس عشر بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا صدر" برفع الراء عطفًا على محل لا مع المنفي، وقد علم أن في موضع تكرير لا مع المفرد يجوز خمسة أوجه: الأول: فتحهما وهو الأصل. - والثاني: رفعهما. والثالث: فتح الأول [ورفع الثاني كما في البيت المذكور. والرابع: عكس الثالث. والخامس: فتح الأول] (¬1)، ونصب الثاني (¬2). الشاهد الخامس عشر بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) فلَا لَغْوٌ وَلَا تَأْثِيمٌ فِيهَا ... وَمَا فَاهُوا بِه أَبَدًا مُقِيمُ أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت، وهو من قصيدة يذكر فيها أوصاف الجنة وأهلها وأحوال يوم القيامة وأهلها، وأولها هو قوله (¬5): 1 - سَلامَكَ رَبنَا في كُل فَجْرٍ ... بَرِيئًا ما تَليقُ بكَ الذمُومُ 2 - عِبَادُكَ يُخطِئُونَ وأنْتَ رَبٌّ ... بكفيكَ المنَايَا والحُتُومُ 3 - غَدَاةَ يقُولُ بعضُهُم لبَعْضٍ ... ألا يَا لَيتَ أمَّكُمْ عَقيمُ 4 - فَلا تَدنُو جَهَنمُ مِنْ بَريءٍ ... ولَا عَدَن يَحُل بِهَا الأثِيمُ 5 - ونَخْلٌ سَاقطِ القنْوانِ فيهِ ... خِلال أُصُولهِ رَطْبٌ قَمِيمُ 6 - وتُفاحٌ ورُمَّان وتِينٌ ... ومَاءٌ بَاردٌ عَذبٌ سَلِيمُ ¬
7 - وحُورٌ لا يَرَيْنَ الشمْسَ فِيهَا ... عَلَى صُورِ الدُّمَى فِيهَا سُهُومُ 8 - نَواعِمُ فيِ الأرَائكِ قاصِرَاتٌ ... فَهُنَّ عَقَائِل وهُمُ قُرُومُ 9 - عَلَى سُرُرٍ تُرَى مُتَقَابِلاتٍ ... ألَا ثمّ النَّضَارَةُ والنَّعيمُ 10 - عليهم سُنْدُسٌ وحِبَاطُ رَيْطٍ ... ودِيبَابجٌ يُرَى فِيهِمْ قُتُومُ 11 - وتحتهمُ نَمَارِقُ مِنْ دِمَقْدسٍ ... ولا أَحَدَ يُرَى فِيهَا سَئِيمُ 12 - ولا لَغْو ولا تأثِيم فيها ... ولا حِينٌ ولا فيها مُلِيمُ 13 - وفيها لحمُ سَاهِرَة وبَحْرٍ ... وما فَاهُوا بِهِ لهُمُ مُقيمُ وهي من الوافر وفيه العصب والقطف. 1 - قوله: "سلامك" بالنصب؛ أي: سلمت يا ربنا، قوله: "بريئًا": حال مؤكدة لعاملها، مثل قوله تعالى: {وَلَّى مُدْبِرًا} [القصص: 31]، قوله: "ما تليق بك الذموم" وهو جمع ذم، وأنشده النحويون: "ما تَغَنَّثُكَ [الذموم] " (¬1) على ما يأتي في الكتاب بفتح التاء المثناة من فوق والغين المعجمة والنون المشددة والثاء المثلثة، أي: ما يلتصق بك، وأصله: ما تتغنثك فحذفت التاء الثانية. 2 - قوله: "المنايا": جمع منية وهو الموت، و "الحتوم": جمع حتم وهو القضاء. 4 - قوله: "ولا عدن" أراد به جنة عدن. 5 - قوله: "القنوان" بكسر القاف؛ جمع قنو وهو العذق، ويجمع على أقناء -أيضًا-، قوله: "قميم" بفتح القاف وكسر اليم، ومعناه المجموع المكبوس. 7 - قوله: "سهوم" بضم السين المهملة، وهو الضمور وقلة لحم الوجه. 8 - و "الأرائك" السرر عليها الحجال، و "العقائل": الخيار، جمع عقيلة، و "القروم" بضم القاف؛ جمع قرم وهو الفحل. 10 - و "الريط" بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف؛ جمع ريطة، وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقتين، قوله: "قتوم" بضم القاف والتاء المثناة من فوق؛ من القتمة بالضم، وهو لون فيه غبرة وحمرة. 11 - و"النمارق": جمع نمرقة -بضم النون وهي الوسادة الصغيرة، وحكى يعقوب كسر ¬
النون، و "الدمقس" بكسر الدال وفتح الميم وسكون القاف وفي آخره سين مهملة، وهو الإبريسم، قوله: "سئيم" بفتح السين المهملة وكسر الهمزة، وهو من السآمة وهي الملالة. 12 - قوله: "ولا لغو" وهو القول الباطل، و"التأثيم": من أثمته إذا قلت له: أثمت. [والمعنى: ليس في الجنة قول باطل ولا شيء فيه إثم حتى يقال لفاعله قد أثمت] (¬1)، وقال ابن سيده: يجوز أن يكون التأثيم مصدر أثم، ولم أسمع به، ويجوز أن يكون اسمًا كما ذهب إليه سيبويه في التثبيت والتتمين، ثم قال: وقال أمية بن أبي الصلت: فلا لغو .............. ... ..................... إلى آخره قوله: " ولا فيها مليم "أي آتٍ ما يلام عليه. 13 - قوله: "وفيها لحم ساهرة" أي: وفي الجنة لحم ساهرة، و "بحر" أي: لحم بر وبحر، و "الساهرة": أرض يحددها الله تعالى يوم القيامة، وقال المفسرون في قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14]؛ أي: وجه الأرض، ثم أنشدوا هذا البيت، ومن الغريب قول قتادة (¬2): الساهرة جهنم؛ لأنها لا نوم فيها (¬3)، ويروى: وفيها لحم ساهرة وطير. والبيتان الأخيران كما تراهما مثبتان في ديوان أمية، وهكذا رواهما أهل اللغة والشعراء وأهل التفسير -أيضًا-، وأما النحويون فإنهم حرفوهما وركبوا صدر بيت على عجز آخر (¬4). الإعراب: قوله: "فلا لغو" الفاء للعطف، والأصح: ولا لغو بالواو، وكلمة: "لا" لنفي الجنس، ولكنها ألغيت وأعملت عمل ليس، وقوله: "لغو" بالرفع اسمه، وخبره قوله: "فيها"، ومذهب سيبويه أن "فيها" خبر للغو، ولقوله: "ولا تأثيم"؛ لأن العامل عنده في خبر "لا" هو الابتداء (¬5)، ومن جعل "لا" عاملة في الخبر أضمر خبر أحدهما لئلا يلزم من جعله خبرًا لهما، أعني: فيها إعمال عاملين أحدهما معنوي، والآخر لفظي في شيء واحد (¬6). ¬
الشاهد السادس عشر بعد الثلاثمائة
وقال الزركشي (¬1) في شرح مقدمة ابن الحاجب (¬2)، وفيها في قوله: "لا لغو ولا تأثيم" خبر لهما عند سيبويه ولأحدهما عند غيره، والآخر محذوف، قوله: "ولا تأثيم" مبني على الفتح، وإنما لم يجز نصبه بعد رفع الأول؛ لأن لا النافية إن أعملتها إعمال إن وجب في الاسم بعدها البناء على الفتح؛ لأنه مفرد، وإن لم تعملها وجب رفعه لعدم نصب المعطوف عليه لفظا ومحلًّا، قوله: "وما": مبتدأ موصول، و "فاهوا به": جملة صلته، وقوله: "أبدًا": نصب على الظرف، وقوله: "مقيم": خبر المبتدأ. الاستشهاد فيه: في قوله: "فلا لغو ولا تأثيم فيها" حيث ألغيت لا الأولى ورفع الاسم بعدها وجاء في الثاني وهو قوله: "ولا تأثيم" الفتح على إعمال لا الثانية؛ كما بيناه. الشاهد السادس عشر بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) لَا نَسَبَ اليَومَ ولَا خُلَّةً ... اتّسَعَ الخِرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ أقول: قائله هو أنس بن عباس بن مرداس السلمي، ويقال: قائله أبو عامر جد العباس بن مرداس، وبعده: كالثوْبِ إِذَا أَنْهَجَ فِيهِ البلَى ... أَعْيَا عَلَى ذِي الحِيلَةِ الصّانِعِ وروى أبو علي القالي (¬5): ........................ ... اتسعَ الفَتْقُ عَلَى الرَّاتِقِ ¬
وقيل: هو الصواب؛ لأن قبله هو قوله (¬1): لَا صُلْحَ بَيني فَاعْلَمُوهُ ولَا ... بَينَكُمُ ما حَمَلَتْ عَاتقِي سَيفي وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ وَمَا ... قَرْقَرَ قُمْرُ الوَادِ بالشَّاهقِ قلت: كلتا القافيتين مرويتان، ثم يحتمل أن يكون قائلهما واحدًا أو اثنين، ويكون الشطر الأول وهو قوله: "لا نسب اليوم ولا خلة" صادرًا منهما على توارد الخاطر أو على السرقة الشعرية وهي من السريع (¬2)، قوله: "ولا خلة" بضم الخاء، أي: ولا صداقة، قوله؛ "على الراقع" من رقع الثوب إذا أصلح الموضع المتخرق منه، قوله: "أنهج فيه البلى" يقال: أنهج الثوب إذا أخذ في البلى بكسر الباء من بلى الثوب يبلى إذا أخلق، قوله: "أعيا" من أعيا على الرجل أمره إذا صعب واشتد، قوله: "عاتقي" العاتق: موضع الرداء من المنكب، وإنما قال: حملت عاتقي بالتأنيث، لأن العاتق يؤنث ويذكر، وإن كان الأفصح تذكيره، وفيه التضمين وهو من عيوب الشعر (¬3)، وذلك لأن قوله: "سيفي" معمول لقوله: "حملت"، قوله: "قرقر" أي: صوت، يقال: قرقرت الحمامة قرقرة وقرقيرًا، قوله: "قمر الوادي" بضم القاف وسكون الميم وفي آخره راء، وهو إما جمع أقمر مثل: أحمر وحمر، وإما أن يكون جمع قُمْيري مثل: رومي وروم، وزنجي وزنج، وهكذا قال الجوهري، ثم أنشد البيتين المذكورين أعني: "لا صلح بيني فاعلموه ... إلى آخره" ونسبهما إلى أبي عامر جد العباس بن مرداس كما ذكرنا (¬4)، قوله: "بالشاهق" وهو الجبل المرتفع، والباء تصلح أن تكون ظرفًا بمعنى في، وتصلح أن تكون بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي: على قنطار. وأصل هذا الشعر أن النعمان بن المنذر بعث جيشًا إلى بني سليم فهزمته بنو سليم فمر الجيش على غطفان فاستجاشوا؛ أي: طلبوا الجيش علي بني سليم بالرحم التي كانت بينهم، فقال الشاعر وهو من بني سليم الشعر المذكور، يقول: لا نسب ولا قرابة [اليوم] (¬5) بيننا، وقد تفاقم الأمر بحيث لا يرجى خلاصه، فهو كالخرق الواسع في الثوب لا يقبل رقع الراقع أو كفتق واسع لا يقدر أحد أن يرتقه. ¬
الشاهد السابع عشر بعد الثلاثمائة
الإعراب: قوله: "لا نسب اليوم" كلمة لا لنفي الجنس، "ونسب": اسمها مبني على الفتح، و "اليوم": ظرف في محل خبرها أو الخبر محذوف، والتقدير: لا نسب اليوم بيننا، قوله: "اتسع الحرق": جملة من الفعل والفاعل وقوله: "على الرائق" يتعلق به في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا خلة" حيث نصب على تقدير أن تكون لا زائدة للتأكيد، ويكون خلة عطفًا على محل اسم لا التي قبلها تنزيلًا لحركة البناء العارضة بسبب داخل دخل منزلة حركة الإعراب، ومثله: يا زيد الفاضلُ برفع الصفة (¬1). وقال ابن مالك: هو عطف على محل اسم لا بعد دخولها؛ فإن له محلين: محلًّا قبل دخولها وهو الرفع بالابتداء، ومحلًّا بعد دخولها وهو النصب بلا؛ فإنها عاملة عمل إن (¬2). وقال يونس في خلة: انه مبني، ولكنه نونه للضرورة (¬3)، واستشهد به الزمخشري في أن: "لا خلة" منصوب بفعل مقدر لا أنه اسم لا فافهم (¬4). الشاهد السابع عشر بعد الثلاثمائة (¬5)، (¬6) فَلَا أَبَ وَابْنًا مِثْلَ مَرْوَانَ وَابْنِهِ ... إِذَا هُوَ بِالمجدِ ارْتَدَى وَتَأَزَّرَا أقول: قائله هو رجل من بني عبد مناة بن كنانة فيما زعمه أبو عبيد البكري، وأنشده سيبويه في كتابه ولم يعزه إلى أحد (¬7). ¬
وهو من الطويل. وأراد بمروان هو ابن الحكم بن العاص بن أمية، وبابنه هو عبد اللك بن مروان لأنه يمدحهما. و"المجد" هو الكرم، يقال: رجل مجيد؛ أي: كريم، و "ارتدى": إذا لبس الرداء، و "تأزر": إذا لبس الإزار، والارتداء والاتزار [بالمجد] (¬1) كناية عن غاية الكرم ونهاية الجود فكأنهما متلبسان به لا يفارقانه. وقال ابن يسعون: وضرب الشاعر التأزر والارتداء مثلًا لما أحرزاه من كمال علا؛ لأن الارتداء لا يحسن إلا ممن بلغ من شرف الملبس الانتهاء؛ كما أن شد الإزار من الأوصاف المقتضية للحزم أو للعفاف أو لهما معًا أو جامعهما على موضع من الشرف. الإعراب: قوله: "فلا أب" الفاء عاطفة إن كان قبله "أب"، وإلا فزيدت لأجل الضرورة وتحسينًا للكلام، وكلمة: "لا" لنفي الجنس، وقوله؛ "أب": اسمها، وقوله: "مثل مروان": كلام إضافي خبرها. وقال أبو علي (¬2): قوله: "مثل مروان" يحتمل أن يكون صفة وأن يكون خبرًا، فإن كان خبرًا فهو مرفوع لا غير ولا حذف، وإن كان صفة يجب تقدير الخبر، ويحتمل: "مثل" النصب على اللفظ والرفع على المحل، ثم قال: هذا قبيح لأنك عطفت بالنصب فلا تحكم برفعه بعدما حكمت بنصبه، فهذا أقبح من أن تحمل الأسماء المبهمة على المعنى ثم ترجع إلى اللفظ لأن الاسم كما يعلم منه الإفراد فقد يعلم منه الجمع، ولا يعلم من الرفع النصب ولا من النصب الرفع؛ فلذلك (¬3) استجيز حمل الصفة هنا على اللفظ؛ يعني: مع كون أحد الموصوفين مبنيًّا، وكون الآخر معربًا؛ لأن هذا المبني أصله الإعراب، ولا يكون "مثل" صفة للمعطوف فقط لإضافته إلى مروان وابنه المتعاطفين بالواو التي هي للجمع، وإنما صح أن يكون: "مثل" خبرًا عن الاثنين أو صفة لهما مع إفراد لفظه؛ كما صح مجيئه للجماعة؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 1140] وإذا منتصبة بما في: "مثل" من معنى المماثلة سواء أقدرت مثلًا صفة أو خبرًا، أو منتصبًا بالخبر الذي تضمره إذا قدرت مثلًا صفة، وإفراد الضمير في "ارتدى وتأزرا" بمنزلة الإفراد في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] (¬4)، وروى ابن الأنباري: ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الثلاثمائة
إذا ما ارتدى بالمجد ثم تأزرا (¬1)، ورواية سيبويه أولى (¬2)؛ لأن الاتزار قبل الارتداء، والواو تأتي لغير ترتيب بخلاف ثم (¬3)، وقال أبو الحجاج: ولو أمكنه الوزن لقال: إذا هما بالمجد ارتديا وتأزرا؛ لكنه اكتفى بالخبر عن الواحد منهما اختصارًا لفهم المعنى. قوله: "وابنه": عطف على مروان، قوله: "إذا": ظرف لما قبلها، وقوله: "هو": مبتدأ، و "ارتدى": خبره، و"بالمجد" يتعلق به في محل النصب على المفعولية، قوله: "وتأزرا": عطف على قوله: "ارتدي"، والألف فيه للإطلاق لا للتثنية. فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: " [وابنًا] (¬4) حيث عطف بالنصب على لفظة اسم لا التي لنفي الجنس، ويجوز فيه الرفع، وذلك أن: "لا" إذا لم تتكرر وعطف على اسمها وجب فتح الأول، وجاز في الثاني النصب والرفع (¬5). الشاهد الثامن عشر بعد الثلاثمائة (¬6)، (¬7) ألَا اصْطِبَارَ لِسَلْمَى أَمْ لَهَا جَلَدٌ ... إذا أُلَاقِي الَّذي لَاقَاهُ أَمْثَالِي أقول: قيل: إن قائله هو قيس بن الملوح، وإن موضع سلمى: ليلى. وهو من البسيط. والمعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت أينتفي الصبر عن هذه المرأة أم يثبت لها جلد؛ وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها. الإعراب: قوله: "ألا" الهمزة للاستفهام، و "لا" لنفي الجنس، وقوله: "اصطبار": اسمه، وخبره ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الثلاثمائة
محذوف وهو حاصل أو موجود، ويقال: "ألا" استفهام عن النفي، وفيه رد على الشلوبين (¬1)؛ حيث أنكر كون "ألا" للاستفهام عن النفي (¬2)، قوله: "لسلمى" يتعلق بالخبر المحذوف، قوله: "أم" متصلة معادلة للهمزة عاطفة اسمية مثبتة على مثلها منفية، وإنما سميت أم هذه متصلة لاتصال ما قبلها بما بعدها؛ لأنه لا يستغني أحدهما عن الآخر، وعلامة ذلك صلاحية الاستغناء بأي عن الهمزة وأم، ومن لوازمها كون الناطق بها مدعيًا نسبة الحكم إلى أحد المذكورين لا بعينه (¬3)، قوله: "جلد" بالرفع مبتدأ، و "لها" مقدمًا خبره، قوله: "إذا" للظرف، و "ألاقي": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، وقوله: "الذي لاقاه أمثالي": مفعولها، و "لاقاه أمثالي": جملة من الفعل والمفعول والفاعل صلة الموصول. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا اصطبار" حيث أريد مجرد الاستفهام عن النفي، والحرفان باقيان على معنييهما وهو قليل؛ فلذلك توهم الشلوبين أنه غير واقع، ولكن بهذا ورد عليه كما ذكرناه (¬4). الشاهد التاسع عشر بعد الثلاثمائة (¬5)، (¬6) ألَا ارْعِوَاءَ لمن وَلَّتْ شَبيبتُهُ ... وآذَنَت بمَشِيب بَعْدَهُ هَرَمُ؟ أقول: لم أقف على من عزاه إلى قائله. وهو من البسيط. ¬
الشاهد العشرون بعد الثلاثمائة
و"الارعواء": الانكفاف عن القبيح، وهو مصدر ارعوى يرعوي، قال الجوهري: رعى يرعو؛ أي: كف عن الأمور، يقال: فلان حسن الرعوة، والرعوة والرعوى والارعواء، وقد ارعوى عن القبيح. والمعنى: ألا انكفاف عن القبيح لمن ولت، أي: أدبرت شبيبته؛ أي: شبابه، وآذنت -بالمد؛ أي: أعلمت بمشيب؛ أي: بشيخوخة بعدها هرم؛ أي: فناء. الإعراب: قوله: "ألا ارعواء" الهمزة للاستفهام، وكلمة: "لا" لنفي الجنس قصد بهما التوبيخ والإنكار، وقوله: "ارعواء" اسم لا، وخبره محذوف؛ أي: ألا ارعواء حاصل، قوله: "لمن ولت" يتعلق بالخبر المحذوف، "من": موصولة، و "ولت شبيبته": صلتها، "ولى" فعل ماض، "وشبيبته": فاعله، و "آذنت": عطف على قوله: "ولت"، والباء في: "بمشيب" يتعلق به، قوله: "هرم" مبتدأ، و "بعده" مقدمًا خبره، والجملة صفة للمشيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا ارعواء" حيث قصد بلا التي لنفي الجنس مع الهمزة التوييخ والإنكار مع بقاء عملها (¬1). الشاهد العشرون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) ألَا عُمْرَ وَلَّى مُسْتَطَاعٌ رُجُوعُهُ ... فَيَرْأَبَ مَا أَثْأَتْ يَدُ الغَفَلَاتِ أقول: هذا احتج (¬4) به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله. وهو من الطويل. قوله: "ولى" أي: أدبر، قوله: "فيرأب": من رأبت الإناء إذا أشعبته وأصلحته، ومنه قولهم: ¬
اللهم ارأب بينهم؛ أي: أصلح، قوله: "ما أثأت" أي: ما خرمت، وثلاثيه: ثَئِيَ يثأَى، من باب: علم يعلم علمًا، والثأي: الخرم والفتق، ومادته: ثاء مثلثة وهمزة وياءآخر الحروف، و "الغفلات": جمع غفلة. الإعراب: قوله: "ألا ": كلمة واحدة للتمني، كذا قال بعض المحققين، ويقال؛ الهمزة للاستفهام دخلت على لا التي لنفي الجنس، ولكن أريد بالاستفهام التمني [فيبقى] (¬1) للا بعده ما كان لها من العمل، ولا يجوز إلغاؤها ولا الإتباع لاسمها على محله من الابتداء، ولكن ليس لها خبر لا لفظًا ولا تقديرًا فقوله: "عمر": اسمها مبني على الفتح، قوله: "ولى": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة للعمر. قوله: "مستطاع رجوعه": جملة اسمية، لأن "رجوعه" مبتدأ، "ومستطاع" مقدمًا خبره، والجملة في محل نصب على أنها صفة [لاسم لا] (¬2) لا في محل رفع على أنها خبر لا، لأن ألا التي للتمني لا خبر لها عند سيبويه لا لفظًا ولا تقديرًا. فإذا قيل: ألا ماء، كان ذلك كلاما مؤلفًا من حرف واسم، وإنما تم الكلام بذلك حملًا على معناها وهو أتمنى ماءً، وكذلك يمتنع تقدير "مستطاع رجوعه" خبرًا، ويمتنع -أيضًا- تقدير "مستطاع رجوعه" جملة في موضع رفع على أنها صفة على المحل إجراء للا مجرى ليت في امتناع مراعاة محل اسمها، وهذا -أيضًا قول سيبويه (¬3). وخالفه في المسألتين المازني والمبرد لأنهما يجريان: "ألا" هذه مجرى ألا التي للإنكار والتوبيخ سواء (¬4) قوله: "فيرأب": منصوب، لأنه جواب تمن مقرون بالفاء؛ كما في قوله تعالى: [يا ليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} [النساء: 73]. قوله: "ما أثأت" كلمة ما موصولة وصلتها الجملة، يعني: أثأت يد الغفلات، وقوله: "أثأت": فعل ماض، و "يد الغفلات": كلام إضافي فاعله، والعائد محذوف تقديره: ما أثأته ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد الثلاثمائة
يد الغفلات، والجملة -أعني الموصول مع صلته مفعول لقوله: "فيرأب"، واستعار للغفلات يدًا؛ كما استعارها زهير للشمال في قوله (¬1): إذَا أَصْبَحَتْ بِيَد الشِّمَالِ زِمَامُهَا الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا عمرو" حيث أريد بالاستفهام مع لا مجرد التمني، وهذا كثير (¬2) فافهم. الشاهد الحادي والعشرون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) ألَا طِعَانَ ألَا فِرْسَانَ عَادِيَةً ... الا تَجَشؤَكُم حَوْلَ التنانِيرِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت [الأنصاري] (¬5) -رضي الله تعالى عنه- وهو من قصيدة يهجو بها الحارث بن كعب المجاشعي، وأولها هو قوله (¬6): 1 - حارِ بنَ كعبِ ألَا أَحلَامُ تَزجرُكُم ... عَنا وَأَنْتُمْ من الجوفِ الجماخيرِ 2 - لَا بأسَ بالقومِ منْ طولٍ ومنْ عِظَمٍ ... جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ 3 - ذرُوا التخاجؤَ وامشوا مِشيةَ سُجُحًا ... إن الرجال ذوو عَصْبٍ وتذكيرِ 4 - ألا طعان .................. ... .......................... إلى آخره 5 - كأنكمْ خُشُبٌ جوفٌ أسافلهُ ... مثقّبٌ لفحتْ فيه الأعاصيرُ 6 - لا ينفعُ الطولُ منْ نُوكِ الرجالِ ولا ... يَهدِي الإلهُ سبيلَ العشرِ البُورِ 7 - إنِّي سَأَقْصُرُ عِرْضِي عنْ شِراركم ... إنّ النجاشيَ لشيءٌ غيرُ مذكورِ 8 - ألفَى أباهُ وألفى جدَّه حسبًا ... بمعزلِ عن مساعِي المجدِ والخيرِ وهي من البسيط. ¬
1 - قوله: "حار بن كعب": منادى مرخم؛ يعني: يا حارث بن كعب، قوله: "ألا أحلام": جمع حلم - بالضم وهو العقل، قوله: "تزجركم عنا" أي: عن هجائنا. وذلك أن الشاعر النجاشي هجا بني النجار من الأنصار، فشكوا ذلك لحسان -رضي الله تعالى عنه- فقال هذه الأبيات، ثم قال: ألقوا بها على صبيان المكانب ففعلوا، فبلغ ذلك بني عبد المدان، فأوثقوا النجاشي وأتوا به إلى حسان وحكموه فيه فأمر بالناس فحضروا وجلس على سرير وأحضره موثقًا فنظر إليه مليًّا، ثم قال لابنه عبد الرحمن: هات الدراهم التي تصيب من جهة معاوية وائتني ببغلة، ففك وثاقه وأعطاه الدراهم وأركبه البغلة فشكره الناس، قوله: "الجوف" بضم الجيم؛ جمع أجوف كالسود جمع أسود وهو الواسع الجوف، قوله: "الجماخير": جمع جمخور بضم الجيم وسكون الميم وضم الخاء المعجمة، وهو العظيم الجسم القليل العقل والقوة، وأفرد في البيت الثاني الجسم وجمع الحلم، وكان القياس العكس؛ لأن وضع الجسم للواحد والحلم للجنس، ويجمع كل منهما على أفعال وفعول، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]، [وقوله تعالى (¬1)] {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} [الطور: 32]، وقال الشاعر (¬2): هلْ مِنْ حلُومٍ لأَقْوَامٍ فتُنْذِرَهُم ... مَا جَرَّبَ الدهرُ مِنْ عَصْبٍ وتَضْرِيسِ وقال الآخر: وَلَكِني بُلِيتُ بِوَصلِ قَوْمٍ ... لَهُم لحمٌ وَمَنْكَرَةٌ جُسُومُ وروي أن بني عبد المدان كانوا يفخرون بعظم أجسامهم حتى قال فيهم حسان هذا الشعر فتركوا ذلك، ثم إنهم قالوا له - رضي الله عنه - أفسدت علينا أجسادنا، فقال (¬3): وقدْ كنَّا نَقُولُ إِذَا أَتينَا ... لِذِي حسَبٍ يُعَدُّ وذِي بيانِ كأنكَ أيُّهَا المعطى بيانًا ... وجِسْمًا مِنْ بَنِي عبدِ المدانِ فعادوا إلى الافتخار بذلك. ¬
3 - قوله: "ذروا" أي: اتركوا التخاجؤ، وهو مشي فيه تبختر، وهو بالخاء المعجمة ثم الجيم، قوله: "سُجُحًا" بالسين المهملة والجيم والحاء المهملة؛ وهو السهل الحسن، قوله: "ذوو عصب" بالعين والصاد المهملتين؛ وهو شدة الخلق. 5 - قوله: "لفحت" بالفاء والحاء المهملة؛ أي: أحرقت، يقال: لفحته النار والشمس أحرقته، و"الأعاصير" بالرفع، وفيه الإقواء؛ لأن بقية القافية مجرورة، وهو جمع إعصار، وهو ريح تثير سحابًا ذات رعد وبرق. 6 - قوله: "نوك الرجال" النوك -بضم النون جمع أنوك وهو الأحمق، و "البور" بضم الباء الموحدة؛ جمع بائر وهو الهالك. 8 - قوله: "ألفى" أي؛ وجد، قوله: "بمعزل" وهو المكان المنعزل عن الأماكن، و "المساعي": ما يسعى له الإنسان من خير وشر، و "المجد": الكرم والشرف، و "الخير" بالخاء المعجمة المكسورة؛ الكرم. 4 - قوله: "ألا طعان" من طاعن يطاعن مطاعنة وطعانًا، و "الفرسان": الفوارس، وهو جمع فارس، وهو جمع شاذ لا يقاس عليه؛ لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة مثل: ضاربة وضوارب ويجمع فاعل إذا كان صفة للمؤنث مثل: حائض وحوائض، وما كان لغير الآدميين مثل: جمل بازل وجمال بوازل وحائط وحوائط، فأما مذكر ما يعقل فلم يجمع عليه إلا فوارس، وذلك لأنه لا يكون في المؤنث فلا يخاف فيه اللبس (¬1). قوله: "عادية" بالعين المهملة؛ من العدو، ويقال: بالغين المعجمة من الغدو الذي يقابل الرواح، وقال أبو الحسن: بالمهملة أحب إلي؛ لأن العادية تكون بالغداة وغيرها (¬2)، قوله: "ألا تجشؤكم": بالجيم والشين المعجمة؛ من تجشأت تجشؤًا [وهو من الجشاء] (¬3)، وهو دليل الامتلاء من الطعام، ويقال: بالحاء والسين المهملتين من الاحتساء، قوله: "التنانير" وهو جمع التنور وهو ما يخبز فيه. ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة
الإعراب: قوله: "ألا طعان" الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية للجنس قصد بها التوبيخ والإنكار، و "طعان": اسم لا، وليس لها خبر عند سيبويه والخليل لأنها بمنزلة ليت (¬1)، وعند غيرهما الخبر محذوف؛ أي: ألا طعان موجود (¬2)، وكذا قوله: "ألا فرسان" [وفي كتاب سيبويه: ولا فرسان بواو العطف (¬3)، قوله: "عادية" بالنصب على الحال من فرسان] (¬4)، ويروى: عادية بالوفع، فإن صح فوجهه أن يكون خبرًا. قوله: "إلا تجشؤكم": استثناء منقطع، ويقال بالرفع على أن "إلا" صفة بمعنى غير، وقال النحاس في شرح أبيات سيبويه: ورواية أبي الحسن: إلا تجشؤكم بالنصب، وقال: استثناء ليس من الأول وهو عندي الصواب، والأول غلط؛ يعني الوفع (¬5). والمعنى: ألا طعان عندكم ولا فرسان منكم يعدون على أعدائهم؛ أي: لستم بأهل حرب وإنما أنتم أهل أكل وشرب، قوله: "حول التنانير": كلام إضافي منصوب على الظرف. الاستشهاد فيه. في قوله: "ألا طعان" حيث جاء فيه: "ألا" للتوبيخ والإنكار مع بقاء عملها (¬6). الشاهد الثاني والعشرون بعد الثلاثمائة (¬7)، (¬8) لَا سَابِغَاتٍ وَلَا جَأْوَاءَ بَاسِلَةً ... تَقِي المنُونَ لَدَى اسْتِيفَاءِ آجَالِ أقول: هو من البسيط. قوله: "لا سابغات": جمع سابغة، وهي الدرع الواسعة، قوله: "ولا جأواء" بفتح الجيم وسكون الهمزة وفتح الواو ممدود، ويقال: كتيبة جأواء بينة الجأي؛ وهي التي يعلوها السواد لكثرة ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة
الدروع، والجؤوة مثل الجفوة: لون من ألوان الخيل والإبل؛ وهي حمرة تضرب إلى السواد، يقال: فرس أجأى والأنثى جأواء. قوله: "باسلة": من البسالة وهي الشجاعة، يقال: بسُل -بالضم فهو باسل، أي: بطل، والأنثى باسلة، قوله: "تقي المنون"، أي: ترد الموت، قوله: "لدى استيفاء آجال" أي: عند استكمال الأعمار. الإعراب: قوله: "لا سابغات" كلمة لا لنفي الجنس، "وسابغات": اسمه مبني على الفتح، ويجوز كسرها -أيضًا-، قوله: "ولا جأواء": عطف عليه، وقوله: "باسلة": صفة للجأواء، قوله: "تقي المنون": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير الذي يرجع إلى السابغات، والمفعول وهو المنون، والجملة خبر لا، قوله: "لدى": بمعنى عند مضاف إلى الاستيفاء، والاستيفاء مضاف إلى الآجال. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا سابغات" حيث يجوز فيه الوجهان: الكسر بلا تنوين، والفتح وهو المختار فافهم (¬1). الشاهد الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) أَلَا رَجُلًا جَزَاهُ اللهُ خَيرًا ... يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلَةٍ تَبِيتُ أقول: هذا أنشده سيبويه في كتابه (¬4)، ولم يعزه إلى قائله، وبعده (¬5): تُرَجِّلُ لِمَّتِي وَتَقُمُّ بَيتي ... وَأُعْطِيهَا الإِتَاوَةَ إنْ رَضِيَتْ وأنشد الأزهري (¬6) هذين البيتين، وقال: هما لأعرابي أراد أن يتزوج امرأة بمتعة (¬7). ¬
وهما من الوافر فيهما العصب والقطف. 1 - قوله: "محصلة" بكسر الصاد المشددة، قال الجوهري: المحصلة: المرأة التي تحصل بن الذهب تراب المعدن (¬1)، وقال ابن فارس: وأصل التحصيل: استخراج الذهب من حجر المعدن وفاعله المحصل، ثم أنشد البيت المذكور (¬2). قوله: "تبيت" بفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره تاء مثناة من فوق، وأصله من تبيت تفعل، كما يقال: بات يفعل كذا إذا فعل بالليل، كما يقال ظل يفعل كذا إذا فعل بالنهار، ويقال: تبيت بضم التاء، من أبات يبيت من باب الإفعال، يقال: غابت فلانة عن منزلها فتبيتنا عندها، ويقال: معناه: تكون لي بيتًا، أي: امرأة بنكاح، والبيت النكاح. وقال ابن هشام اللخمي في كتاب شرح أبيات الجمل: هي تبيث بثاء مثلثة، والعرب تقول بثت الشيء بوثًا وبثته بيثًا إذا استخرجته، فأراد امرأة تعينه على استخراج الذهب وتخليصه من تراب المعدن، وفسره الأعلم على ما وقع في كتاب سيبويه فقال: طلبها للمبيت إما للتحصيل وإما للفاحشة (¬3). وكلاهما قد وَهِما لعدم اطلاعهما على ما بعد البيت، فإن الثاني على التاء المثناة من فوق فبالضرورة يكون الأول كذلك، وأيضًا، قوله: "ترجل" إلى آخره: خبر لقوله [تبيت، والبيت الثاني متعلق بالأول، وفيه التضمين وهو من عيوب الشعر (¬4). 2 - قوله:] (¬5) "ترجل" بالجيم؛ من رجلت شعره ترجيلًا إذا سرحته وأصلحته، و "اللمة" بكسر اللام وتشديد الميم، الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، و "الإتاوة" بكسر الهمزة؛ الخراج. الإعراب: قوله: "ألا" الهمزة للاستفهام دخلت على لا النافية ولكن المراد بها العرض ولا يليها إلا الفعل إما ظاهرًا أو مقدرًا، وهاهنا مقدر، وهو الذي نصب الرجل؛ وذلك لأن تقدير الكلام: ألا ترونني رجلًا جزاه الله خيرًا، فحذف الفعل مدلولًا عليه بالمعنى، ويقال: إنه محذوف على شريطة التفسير، أي: ألا جزى الله رجلًا جزاه الله خيرًا، على هذا الوجه تكون ألا للتنبيه. ¬
وقال يونس: ألا هاهنا للتمني، وإنما نون الشاعر الاسم للضرورة (¬1)، وفيه نظر؛ لأنه لا ضرورة في إضمار الفعل بخلاف التنوين، ويروى: "ألا رجل" بالجر؛ على تقدير: ألا من رجل، وأنشده ابن فارس في كتابه: "ألا رجلٌ" بالرفع، ثم قال: رواه الأخفش "ألا رجلًا"، وقال هو إما ضرورة وإما على: هات لي رجلًا (¬2). فإن صحت رواية الرفع يكون وجهه أن يكون مرفوعًا بالابتداء، وتخصص بتقديم الاستفهام عليه، وخبره قوله: "يدل على محصلة"، وأما في حال انتصابه فيكون "بدل" (¬3) صفة للرجل، وجزم الجوهري بوجه الرفع بأن يكون فاعلًا بفعل محذوف يفسره يدل (¬4)، ووجه الجر أضعف الوجوه لإعمال الجار محذوفًا ويزيده ضعفًا كونه زائدًا، ونظيره في الضعف قوله (¬5): ....................... ... وَنَهْنَهْتُ نفسِي بعدَما كدت أَفْعَلَهْ على قول سيبويه: إن التقدير: أن أفعله؛ لأن "أن" وإن كانت غير زائدة لكن دخولها في خبر كاد قليل (¬6). قوله: "جزاه الله خيرًا": جملة دعائية ولا محل لها من الإعراب، قوله: "على محصلة" يتعلق بقوله: يدل؛ أي على امرأة محصلة، قوله: "تبيت": جملة من الفعل والفاعل وهو اسمه، وخبره هو قوله: "ترجل" إلى آخره في البيت الثاني كما ذكرناه، وقيل: إن محلها نصب على الحال، فإن صح فوجهه أن يكون حالًا منتظرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا رجلًا" حيث وقعت ألا هاهنا للعرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث فافهم (¬7). ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة
الشاهد الرابع والعشرون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حرفًا مُصّرّمَةْ ... ولَا كَريمَ مِنَ الولْدَانِ مَصْبوحُ أقول: قائله هو حاتم الطائي (¬3)؛ كذا قاله الزمخشري في المفصل (¬4)، ولكنه ما أنشد إلا عجزه، وهذا البيت مما ركب فيه صدر بيت على عجز آخر، وقد أورده هكذا سيبويه (¬5)، والجرمي في كتاب الفرج، وأبو بكر في أصوله (¬6)، وأبو علي في إيضاحه (¬7)، وتبعهم على ذلك خلق كثير كابن الناظم وغيره (¬8). ويقال: إن الزمخشري سلم من ذلك الغلط، ولكنه غلط من وجه آخر وهو أنه نسبه إلى حاتم الطائي؛ كما غلط الجرمي؛ إذ نسب البيت كله لأبي ذؤيب (¬9)، والصواب أنه لرجل جاهلي من بني النبيت (¬10)، اجتمع هو وحاتم والنابغة الذبياني عند ماوية بنت غفزر خاطبين لها، فقدمت حاتم عليهم وتزوجته، فقال هذا الرجل شعرًا، وأوله هو قوله (¬11): 1 - هلّا سألتِ النبيتيّين مَا حَسَبي ... عندَ الشتاء إذا ما هبت الريحُ 2 - وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حرفًا مُصّرّمَة ... في الرأس منهَا وفي الأَصْلَاءِ تمليحُ 3 - وقال رائدُهُم سيَّانَ ما لَهُمُ ... مثلان مثل لمنْ يرعى وتسريحُ 4 - إذا اللقاحُ غدتْ مُلْقًى أصِرَّتُهَا ... ولَا كريمَ منَ الولدَانِ مَصْبُوحُ ¬
وهي (¬1) من البسيط. قوله: "هلا سألت النبيتيين" وهو جمع نبيتي نسبة إلى نبيت، وهو عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، ويروى: هلا سألت هداك الله ما حسبي ... ................................ قوله: "جازرهم" الجازر: الذي ينحر الإبل، والجازر هاهنا للجنس؛ إذ لا يكون في العادة للحي جازر واحد، قوله: "حرفًا" بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفي آخره فاء؛ وهي الناقة الضامرة الصلبة شبهت بحرف الجبل، وكان الأصمعي يقول: الحرف: الناقة المهزولة، وقد أحرفت ناقتي إذا أهزلتها (¬2) ويقال: الحرف: الناقة المسنة، قوله: "مصرمة" بضم الميم الأولى وفتح الصاد المهملة والراء المشددة والميم المفتوحة، ويقال: ناقة مصرمة إذا قطع طبياها لييبس الإحليل ولا يخرج اللبن ليكون أقوى لها، ويروى: مضمرة بضم الميم الأولى وفتح الضاد المعجمة والميم المشددة وبالراء؛ أي: مهزولة؛ من الضمر بالضم وهو الهزال. قوله: "وفي الأصلاء": جمع صلاء، وهو ما حول الذنب، هكذا رواه أبو حنيفة في الثبات، وأبو الفرج في الأغاني (¬3) وروى قاسم بن ثابت (¬4) في الدلائل: "وفي الأنقاء"، واحدها: نقي وهو كل عظم فيه مخ أو شيء من سمن (¬5) وروى ابن الأعرابي: وفي الرجلين، قال: أراد بالرأس العين وبالرجلين السلامى كما قال: مَا دَامَ مُخٌّ في سُلامَى أو عَيْن. قال: وأول ما يبدو السمن في اللسان والكرش، وآخر ما يبقى في السلامى والعين، والسلامى: عظام صغار، وفي كل رجل أو يد منها أربع سلاميات أو ثلاث، قوله: "تمليح" أي: شيء من ملح؛ أي: شحم، وقال بعضهم: إنما سمي الشحم بالملح تشبيهًا له به، قوله: "إذا اللقاح غدت" وهي جمع لقوح وهي الناقة الحلوب، قوله: "أصرتها": جمع صرار -بكسر الصاد المهملة وهو خيط يشد به رأس ضرع الناقة لئلا يرضعها ولدها، وإنما ألقيت حيث لم يكن ثمت درّ، قوله: "من الولدان": جمع وليد، قال الجوهري: الوليد: الصبي والعبد، والجمع: ولدان وولدة، والوليدة: الصبية والأمة، والجمع: الولائد (¬6). ¬
قوله: "مصبوح": مفعول من صبحته بالتخفيف إذا أسقيته الصبوح، وهو الشراب بالغداة، وهو خلاف الغبوق. وقال ابن يسعون: المصبوح الذي يسقى اللبن صباحًا، يصف الشاعر بهذا سنة شديدة الجدب قد ذهبت بالمرتفق؛ فاللبن عندهم متعذر لا يسقاه الولد الكريم فضلًا عن غيره لعدمه، فجازرهم يرد عليهم من المرعى ما ينحرون للضيف؛ إذ لا لبن عندهم. الإعراب: قوله: "ورد": فعل ماض، و "جازرهم": كلام إضافي فاعله، و "حرفًا": مفعوله، و "مصرمة": صفة للحرف، قوله: "ولا كريم": كلمة لا لنفي الجنس، وكريم اسمه و "مصبوح" بالرفع خبره؛ كما قال أهل الحجاز، واختاره الجومي، وبه جزم سيبويه (¬1)، وأجاز الفارسي أن يكون صفة لكريم على الموضع، والخبر محذوف، وتبعه الزمخشري (¬2)، قوله: "من الولدان" يتعلق بقوله: "مصبوح". الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا كريم من الولدان مصبوح" حيث ذكر خبر لا لأنه لم يكن مما يعلم، فإذا لم يعلم يجب ذكره (¬3). * * * ¬
شواهد ظن وأخواتها
شواهد ظن وأخواتها (¬1) الشاهد الخامس والعشرون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) رَأَيْتُ اللهَ أكبَرَ كُل شَيءٍ ... مُحَاوَلَةً وَأكثَرَهُمْ جُنُودًا أقول: قائله هو خداش (¬4) بن زهير بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، وهو من قصيدة دالية، وأولها هو قوله (¬5): 1 - فإن المرْءَ لم يخلقْ سِلامًا ... ولَا حجرًا وَلَم يخْلقْ حَدِيدَا 2 - ولكِن عَائِشًا مَا عَاشَ حَتّى ... إذَا مَا كَايَدَ الأيَّام كَيدَا 3 - رَأَيْتُ اللهَ أكبَرَ كُل شَيءٍ ... مُحَاوَلَةً وَأكثَرَهُمْ جُنُودَا 4 - تَقُوهُ أيُّهَا الفِتْيَانُ إِنِّي ... رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الجُدُودَا 5 - فجاءوا عَارِضًا بَرْدًا وَجِئْنَا ... وَقَالُوا لا فِرَارَ وَلَا صُدُودَا 6 - فَعَانَقْنَا الكُمَاةَ وَعَانَقُونَا ... عِنَاقَ النُّمْرِ وَاجَهَتِ الأُسُودَا (¬6) ¬
7 - لقيناهم بكل أفل عضبٍ ... ترَى لِطَرِيقٍ وقْعتَهُ خدودَا 8 - فلم أرَ مثلَهُم هُلِكُوا وذُلُّوا ... ولم أَرَ مثلنا عُنُقًا مذودَا وهي من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "سِلامًا" بكسر السين المهملة؛ وهو الحجر، قوله: "ولم يخلق حديدًا" بالحاء المهملة وهو معروف، قوله: "كايد الأيام" من الكايدة وهي الكيد وهو المكر، ويروى: ...................... حتى ... إذا ما كاده الأيام .......... قوله: "رأيت الله" ويروى: وجدت الله، وكلاهما بمعنى علمت، قوله: "محاولة" أي: قوة، ويقال: المحاولة: طلب الشيء بحيلة، وورد في الحديث (¬1): "بكَ أصاولُ وبك أُحاولُ" وهذا المعنى لا يقال في حق الله تعالى، قوله: "وأكثرهم جنودًا" هكذا هو في رواية أبي حاتم، وفي رواية أبي زيد: "وأكثرهم عديدَا"، وابن الناظم نسب ما رواه أبو حاتم إلى أبي زيد وليس كذلك، قوله: "تقوه" من القاهة بالقاف، وهي الطاعة، قوله: "عارضًا بردًا" أراد بالعارض السحاب، و "البرد" بالباء الموحدة وكسر الراء، وهو صفة للعارض، يقال: سحاب برد وأبرد، أي: ذو برد بفتحتين، و "الفرار": الهروب، و "الصدود": الإعراض، و"الكماة" بضم الكاف، جمع كمي وهو المتغطي [في السلاح] (¬2)، قوله: "بكل أفل" بفتح الهمزة والفاء وتشديد اللام، يقال: سيف أفل، أي: بيِّن الفلل، وهو الكسر في حده من كثرة الضرب، و "العضب": بمعنى العاضب أي: القاطع، و "الخدود": جمع خد وهو الشق في الأرض، قوله: "عنقًا مدودًا" العنق بضم العين والنون، يقال: هم عنق إليك؛ أي: ماثلون إليك ومنتظروك، والمدود: فعول من مد الشيء. الإعراب: قوله: "رأيت" من روية القلب بمعنى العلم يقتضي مفعولين، ولفظة: "الله": مفعوله الأول، وقوله: "أكبر": مفعوله الثاني، وهو مضاف إلى كل، "وكل" مضاف إلى "شيء"، وقوله: "محاولة" نصب على التمييز أي: من حيث المحاولة أي: القدرة والطاقة، قوله: "وأكثرهم جنودًا" بالنصب عطف على قوله: "اكبر كل شيء"، و "جنودًا" نصب على التمييز. الاستشهاد فيه: في كون: "رأيت" بمعنى علمت التي تقتضي المفعولين وتضاف الرؤية حينئذ إلى القلب، وأما ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد الثلاثمائة
إذا كانت رؤية البصر فلا تقتضي حينئذ إلا مفعولًا واحدًا كما قد عرف في موضعه فافهم (¬1). الشاهد السادس والعشرون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) دُرِيتَ الوَفِيّ العهدَ يا عُرْوَ فاغتَبطْ ... فَإنَّ اغْتِبَاطًا بالوَفَاءِ حَمِيدُ أقول: هو من الطويل. قوله: "دريت الوفي" على صيغة المجهول، من درى يدري إذا علم، قوله: "فاغتبط" بالغين المعجمة؛ من الغبطة وهي أن يتمنى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه وليس بحسد (¬4)، تقول منه: غبطه بما نال أغبطه، من باب: حسب يحسب، غبطًا وغبطةً فاغتبط هو؛ كقولك: منعته فامتنع وحبسته فاحتبس، ويقال: الغبطة: حسن الحال، قوله: "حميد" يعني: محمود. الإعراب: قوله: "دريت": يقتضي مفعولين، الأول: هو التاء التي نابت مناب الفاعل، والمفعول الثاني هو قوله: "الوفي". فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون الوفي حالًا؟ قلت: لا يجوز لتعريفه، ويجوز في "العهد" الخفض بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به والرفع على الفاعلية، وتقدير الضمير أي: العهد منه أو إنابة اللام عنه أي: عهده، وأرجحها الخفض وأضعفها الرفع، قوله: "يا عرو" منادى مرخم؛ أي؛ عروة، قوله: "فاغتبط": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، وهو في الحقيقة جواب شرط محذوف؛ أي: إذا أُعلمت وفي العهد فاغتبط. قوله: "فإن اغتباطًا" الفاء للتعليل، و "اغتباطًا" اسم إن، وخبره قوله: "حميد"، وقوله: "بالوفاء" يتعلق به أي: بوفاء العهد، يعني: الوفاء مطلوب محمود؛ لأنه يحث على الازدياد منه، ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد الثلاثمائة
ولأن رؤية النعمة أدعى إلى الشكر عليها؛ قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]، ولا شك أن الوفاء بالعهد من فضل الله -سبحانه- ورحمته بعبده، فالاغتباط به واجب أو مندوب لورود الأمر به. الاستشهاد فيه: على أن: "درى" بمعنى علم يقتضي مفعولين، وله استعمالان في الكلام: أغلبهما: أن يتعدى بالباء؛ نحو: دريت بكذا، ومنه قوله تعالى: {وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس: 16]، وإنما تعدى إلى الضمير بسبب دخول همزة النقل عليه. وأندرهما: أن يتعدى إلى اثنين بنفسه؛ كما في البيت المذكور (¬1). الشاهد السابع والعشرون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) تَعَلَّم شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا ... فَبَالِغْ بِلُطْفٍ التَّحَيُّل والمَكْرِ أقول: قائله هو زياد بن سيار بن عمرو بن جابر (¬4)، وكان زياد هذا قد خرج هو والنابغة يريدان الغزو فرأى زياد جرادة، فقال: حرب ذات ألوان، فرجع ومضى النابغة، ولما رجع غانمًا قال (¬5): 1 - يُلاحِظ طَيرَةً أبَدًا زِيَادٌ ... لتُخْبِرَهُ ومَا فيهَا خَبيرُ 2 - أقَامَ كأنَّ لُقْمَانَ بنَ عَادٍ ... أشارَ لَهُ بِحِكْمَتِه مُشِيرُ ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد الثلاثمائة
3 - تَعَلَّمْ أنه لا طَيرَ إلا ... عَلَى مُتَطَيِّرٍ وهو الثُّبُورُ 4 - بلَى شَيءٌ يُوافِقُ بَعْضَ شَيءٍ ... أحَايِينَا وبَاطِلُهُ كَثِيرُ والبيت المذكور من الطويل، وهي من الوافر (¬1). الإعراب: قوله: "تعلم" بمعنى اعلم، وأكثر استعمال تعلم الذي بمعنى اعلم إعماله في أن؛ كما في قول النابغة المذكور آنفا، وأقله أن يتعدى إلى المفعولين؛ كما في قوله: تعلم شفاء النفس ....... ... .......................... فإن: "شفاء النفس": كلام إضافي مفعوله الأول، وقوله؛ "قهر عدوها": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله الثاني، قوله: "فبالغ": عطف على قوله: "تعلم"، وأنت مستتر فيه فاعله، وقوله: "بلطف" يتعلق به، وقوله: "في التحيل" يتعلق بقوله "بلطف"، و "المكر": عطف عليه. الاستشهاد فيه: على أن تعلم بمعنى اعلم، وأنه استدعى مفعولين ونصبهما وأن هذا قليل؛ لأن أكثر استعماله إعماله في أن كما ذكرناه (¬2). الشاهد الثامن والعشرون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) وقلتُ تَعَلَّم أنَّ للصَّيدِ غرَّةً ... وإلَّا تُضَيعُه فَإنكَ قَاتِلُهْ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة طويلة من الطويل يمدح بها حصين ¬
ابن بدر، وأولها هو قوله: 1 - صَحَا القلبُ عنْ سلمَى وأقصر باطلُهُ ... وعرّى أفراسُ الصبَا ورواحلُهُ 2 - وأقْصَرْتُ عمَّا تعلمينَ وسُدِّدَتْ ... عَلَيَّ سوَى قصدِ السبيلِ معادلُهُ إلى أن قال: 3 - فقلنَا لهُ سددْ وأبصرْ طريقَهُ ... ومَا هوَ فيه عن وصالِي شاغلُهُ 4 - وقلت تعلم .............. ... .................... إلى آخره 5 - فاتبع آثارَ الشِّيَاهِ وليدُنَا ... كَشُؤْبُوبِ غَيثٍ يَحْفِشُ الأكمَ وابلُهُ 6 - نظرتُ إليهِ نظرةً فرأيتُهُ ... على كلّ حالٍ مرةً هو حاملُهُ [قوله: "] (¬1) وعُرَّى أفراس" مثل أن تقول: ترك الصبا وترك الركوب فيه، قال الأصمعي: عرّى أفراس كنت أركبها في الصبا، قوله: "وأقصرت عما تعلمين" أي: من الباطل، قوله: "معادله": جمع معدل، أراد كل معدل كنت أعدل فيه من الباطل فقد سُدّ سوى قصد السبيل، قوله: "فقلنا له سدد" أي: استقم ولا تَمِل يُمنَةً ولا يُشرَة، قوله: "وقلت تعلم" أي: اعلم إن لم تضيع وصيتي فإنك قاتل هذا الصيد؛ لأنه ربما كان مغترًّا، قوله: "فاتبع آثار الشياه" أي: البقر، قوله: "وليدنا" أي: غلامنا، و "الشؤبوب"؛ الدفعة من المطر، قوله: "يحفش" بالحاء المهملة والفاء؛ أي: يسيل ويخرج، و "الأكم" بفتح الهمزة؛ جمع أكمة، و "الوابل": المطر العظيم الشديد القطر، قوله: "على كل حال مرة هو حامله" أراد الغلام يحمل الفرس من السير على ما أحب وكره على كل حال وهو للفرس أجود. الإعراب: قوله: "وقلت" الواو للعطف عطف به قلت على قوله: "فقلنا" في البيت السابق، و"قلت": فعل وفاعل، وقوله: "تعلم": مقوله، وهو بمعنى اعلم، قوله: "أن للصيد غرة" أن بالفتح مع اسمها وخبرها سد مسد مفعولي تعلم، قوله: "وإلا تضيعه" من الإضاعة بمعنى: إن لم تضيع ما قلت لك -يعني وصيتي فإنك قاتل هذا الصيد؛ لأنه ربما كان مغترًّا، وإلا هنا ليست للاستثناء وإنما هي مركبة من إن ولا، وتضيعه فعل الشرط، وقوله: "فإنك قاتله": جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء، والكاف: اسم إن، و "قاتله": كلام إضافي خبره. ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "تعلم أن للصيد" وهو أن وقوع تعلم بمعنى اعلم في الأكثر يكون على أن وصلتها، ومنه ما جاء في حديث الدجال: "تَعَلَّمُوا أَن رَبَّكُم لَيسَ بِأَعْوَر" أي: اعلموا، وفي حديث (¬1): "تَعَلَّمُوا أنه لَيسَ يرى أَحَدٌ منكم ربَّهُ حَتَّى يَمُوتَ" أي: اعلموا (¬2). الشاهد التاسع والعشرون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) قدْ كُنْتُ أَحْجُو أَبَا عَمْرو أَخا ثِقَةٍ ... حتى أَلمتْ بِنَا يَوْمًا مُلِمَّاتُ أقول: قائله هو تميم بن أبي بن مقبل؛ كذا قاله ابن هشام، ونسبه في المحكم لأبي شنبل الأعرابي، وبعده: 2 - فقلت والمرءُ قدْ تخطيهِ مُنيتُهُ ... أدنى عَطيّتهُ إيّايَ مِيَّآتُ 3 - فكانَ مَا جَادَ لي لا جَادَ مِنْ سَعَةٍ ... دواهمَ زائفاتٍ ضَربَجِيَّاتٍ وهي من البسيط. قوله: "أحجو" أي: أظن، قال الجوهري: إني أحجو به خيرًا أي: أظن (¬5) قوله: "حتى ألمت بنا" أي: نزلت؛ من الإلمام وهو النزول، والملمات: جمع ملمة وهي النازلة من نوازل الدنيا، قوله: "فقلت" أي: في نفسي، واعترض بينه وبين المقول بجملة. 2 - و "المنية" بضم الميم؛ واحدة المني، قوله: "ميآت" بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة، وهي جمع مائة برد لامها، ولكنه قدمها على العين، والمستعمل في الكلام حذفها كما في المفرد. 3 - قوله: "فكان ما جاد إلى آخره" فيه الأخبار عن النكرة بالمعرفة، فإن قدرت ما نكرة بمعنى شيء لا موصولة فواضح، واعترض بجملة الدعاء بين الخبر والخبر عنه. ¬
الشاهد الثلاثون بعد الثلاثمائة
قوله: "ضربجيات" بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبالجيم؛ وهو جمع ضربجي، قال في المحكم: درهم ضربجي؛ أي: زائف (¬1)، فيكون قوله: "ضربجيات": صفة مؤكدة، وصفة ما لا يعقل تجمع بالألف والتاء؛ نحو قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]. الإعراب: فوله: "كنت أحجو" التاء اسم كان، والجملة؛ أي قوله: "أحجو": خبره، وأحجو يقتضي مفعولين لأنه بمعنى الظن، فقوله: "أبا عمرو": كلام إضافي مفعوله الأول. وقوله: "أخا ثقة": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله الثاني، قوله: "حتى" للغاية بمعنى إلى أي: كنت أظن كذا إلى أن ألمت بنا النوازل، قوله. "بنا" في محل النصب على المفعولية، قوله: "يومًا" نصب على الظرفية، قوله: "ملمات" مرفوع بقوله: "ألمت". الاستشهاد فيه: في قوله: "قد كنت أحجو" فإنه جاء بمعنى الظن ونصب المفعولين، ولم يذكر أحد من النحاة أن حجا يحجو يتعدى إلى مفعولين غير ابن مالك -رحمه الله تعالى- (¬2). الشاهد الثلاثون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) فلَا تَعدُد الموَلَى شَرِيكَكَ في الغنَى ... ولكنَّمَا الموْلَى شَرِيكُكَ في العُدْمِ أقول: قائله هو النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولد قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثماني سنوات (¬5) وسبعة أشهر، فحنكه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بتمرة فتلمظ (¬6) بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬7): ¬
"انظر إلى الأنصار وحبها التمر" وروى عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في القول الأصح، وهو أول مولود [للأنصار] (¬1) بعد الهجرة، في قولٍ له، ولأبويه صحبة، وأمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة -رضي اللَّه تعالى عنهم- استعمله معاوية على حمص فخرج منها فاتبعوه وقتلوه، واحتزوا رأسه بقرية من قرى حمص، وذلك بعد وقعة مرج راهط سنة أربع وستين في ذي الحجة، وكان كريمًا جوادًا شاعرًا، وهو من قصيدة ميمية من الطويل وقبله (¬2): 1 - وإني لأُعْطِي المال مَنْ ليسَ سائلًا ... وَأَغْفِرُ للمولَى المُجَاهِرِ بالظّلمِ 2 - وإني متى ما تَلْقَني حازمًا لَهُ ... فمَا بَينَنَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ مِن صَرم 3 - فلا تَعْدُد المولى .......... ... ...................... إلى آخره 1 - قوله: "وأغفر للمولى" أراد به الحليف أو الصاحب، والمولى يأتي لمعان كثيرة، وقد بيناها فيما مضى غير مرة. 2 - قوله: "من صرم" أي: من قطع. 3 - قوله: "فلا تعدد المولى" أي: فلا تعد، وقد جاء بالفك؛ كما يقال: في نحو: لا تمد: لا تمدد، والمراد من المولى هاهنا ما ذكرناه في البيت السابق، قوله: "في العدم" بضم العين؛ من عدمت الشيء بالكسر أعْدَمَه عُدْمًا وعَدَمًا بالتحريك على غير قياس؛ أي: فقدته، والعدم -أيضًا- الفقر، وكذا العدم إذا ضممت أوله خففت الدال بالسكون، وإن فتحت حركت، وأعدم الرجل؛ أي: افتقر فهو معدم وعديم. الإعراب: قوله: "فلا تعدد" الفاء للعطف، و "لا" للنهي، "وتعدد": مجزوم به، ولكنه حرك بالكسر لأجل الوصل، وهو يقتضي مفعولين؛ لأنه بمعنى الظن لا بمعنى الحسبان، فقوله: "المولى": مفعوله الأول، وقوله: "شريكك"؛ مفعوله الثاني، قوله: "في الغنى": يتعلق بقوله: "لا تعدد"، قوله: "ولكنما" دخلت ما الكافة على لكن فكفتها عن العمل، وقوله: "المولى": مبتدأ، وخبره قوله: "شريكك"، وقوله: "في العدم": يتعلق بالخبر. ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فلا تعدد" حيث جاء بمعنى الظن ونصب مفعولين (¬1). الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) فقُلْتُ أَجِرْنِي أَبَا خَالِدٍ ... وإِلَّا فَهَبنِي امْرَأً هَالكا أقول: قائله هو ابن همام السلولي (¬4). وهو من المتقارب. المعنى: فقلت يا أبا خالد أجرني وأغثني وإن لم تجرني فظنني من الهالكين. الإعراب: قوله: "فقلت": فعل وفاعل، والجملة -أعني قوله: "أجرني": مقول القول، قوله: "أبا خالد": منادى منصوب حذف منه حرف النداء، والأصل: يا أبا خالد، قوله: "وإلا" أصله: وإن لم تفعل، الشرط محذوف وجزاؤه هو قوله: "فهبني"، أي: وإن لم تجرني فهبني، و "هب" هاهنا بمعنى الظن، فلذلك نصب مفعولين: الأول الضمير المنصوب المتصل، والثاني قوله: "امرأ"، قوله: "هالكا": صفة امرأ. الاستشهاد فيه: في قوله: "هبني" فإنه بمعنى ظنني، ونصب مفعولين كما ذكرناه، وهو من الجوامد لا يتصرف منه الماضي والمستقبل، ولا يجيء منه إلا الأمر، والغالب عليه أن يتعدى إلى مفعولين صريحًا، وقد يدخل على أن وصلتها قليلًا (¬5)، وزعم الجرمي أنه لحن وهو فاسد؛ لأنه ورد في ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثلاثمائة
حديث عمر - رضي الله تعالى عنه-: "هب أن أبانا كان حمارًا" (¬1). الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) زَعَمَتني شيخًا وَلَسْتُ بشَيخٍ ... إنَّمَا الشيخُ منْ يَدُبُّ دَبِيبَا أقول: قائله هو أمية الحنفي، واسمه أوس، وهو من قصيدة بائية أولها هذا البيت، وبعده (¬4): 2 - إنما الشيخُ منْ يُسَترُهُ الحيـ ... ي ويمشي في بيتهِ محجُوبَا 3 - إن أرادَ الخُروج خُوّفَ بالذئـ ... بِ بانْ كَانَ لا يَرَى الحَيُّ ذيبَا 4 - كَيفَ يدْعَى شيخًا أخُو مُضلعَاتٍ ... ليسَ يثني تقلبًا وركُوبَا 5 - فإذَا ما الجَليلُ عيّ به القو ... م وهابَ الحطيبُ كانَ خطيبَا 6 - كم لأَوْسٍ مَن كَاشحٍ لَوْ تِرَاهُ ... قد بَنَت دونَه المساحي قليبَا وهي من الخفيف، وفيه الخبن. 1 - قوله: "من يدب" أراد: من يدرج في المشي رويدًا. 4 - قوله: "أخو مضلعات": من الإضلاع وهو الإمالة، يقال: رجل (¬5) مضلع؛ أي: مثقل. 5 - قوله: "فإذا ما الجليل" بالجيم أي: العظيم، قوله: "عي به القوم" من عي به الأمر إذا لم يهتد لوجهه. 6 - و "الكاشح": الذي يضمر لك العداوة، و "المساحي": جمع مسحاة وهي المجرفة من حديد، وهي فاعل بنت، و "القليب": البئر. الإعراب: قوله: "زعمتني" بمعنى: ظننتني؛ فلذلك نصب مفعولين: الأول: الضمير المتصل به، ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثلاثمائة
والثاني: قوله: "شيخًا"، قوله: "ولست بشيخ": جملة وقعت حالًا، والباء في بشيخ زائدة، وهو خبر ليس، واسمه الضمير المتصل به، قوله: "إنما" بطل عمل إن بدخول ما الكافة عليه، وقوله: "الشيخ": مبتدأ، و"من يدب": خبره، و"من": موصولة، و"يدب": صلته، و"دبيبًا": مفعول مطلق. الاستشهاد فيه: في قوله: "زعمتني شيخًا" حيث جاء زعم بمعنى الظن، فلذلك اقتضى مفعولين ونصبهما، والأكثر (¬1) في هذا وقوعه على أنْ أو أنَّ وصلتهما نحو: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] (¬2). الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) وَقَدْ زعَمَتْ أني تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا ... وَمَنْ ذَا الذِي يَا عَزُّ لَا يَتغَيَّرُ أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، وهو كثير عزة، وقد ترجمناه فيما مضى، وحدث ابن دريد عن العتبي قال: دخلت عزة على عبد الملك بن مروان فقال لها: أنت عزة كثير، فقالت: أنا أم بكر الضمرية، فقال لها: أتروين قول كثير: وَقَدْ زعَمَتْ أني تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا ... وَمَنْ ذَا الذِي يَا عَزُّ لَا يَتغَيَرُ تَغَيّرَ جِسْمي والخلِيقَةُ كالذي ... عَهِدْتِ ولَم يُخْبِر بسِرِّكِ مُخْبِرُ فقالت: لا أروي هذا، ولكن أروي قوله (¬5): كَآَني أُنَادي صَخْرَةً حِينَ أَعْرَضَتْ ... مِنَ الصُّمِّ لوْ تَمْشِي بهَا العُصْمُ زَلَّتِ وهذا من قصيدة من منتخبات كثير، فعن قريب نذكرها -إن شاء الله تعالى-. ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة
والقصيدتان كلتاهما من الطويل (¬1). الإعراب: قوله: "وقد زعمت" الواو للعطف، وقد للتحقيق، وزعمت بمعنى ظنت، قوله: "أني تغيرت": جملة من اسم أن وخبره سدت مسد مفعولي زعمت، وقوله: "بعدها": نصب على الظرف؛ أي: بعد عزة، وقد سبق ذكرها في الأبيات السابقة. قوله: "ومن": استفهامية مبتدأ و "ذا": خبره، و "الذي": موصول، و "لا يتغير": صلته، وقوله: "يا عز": منادى مرخم، وأصله: يا عزة، اعترض بين الموصول وصلته، ويجوز أن تكون ذا زائدة على رأي الكوفيين ويكون الوصول خبر من (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "وقد زعمت أني" حيث وقع زعم على أن، وذلك لأن وقوعه على أن، وأن وصلتهما كثير؛ كما ذكرناه في البيت السابق (¬3). الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) ظَنَنْتُكَ إِنْ شَبَّتْ لَظَى الحَرْبِ صاليَا ... فَعَرَّدَتْ فِيمَنْ كَانَ عَنْهَا مُعَرِّدَا أقول: هو من الطويل وفيه القبض. قوله: "إن شبت": من شببت النار والحرب أشبهما شبًّا وشبوبًا إذا أوقدتهما، والشبوب بالفتح؛ ما توقد به النار، قوله: "لظى الحرب" أي؛ نار الحرب، قوله: "صاليًا": من صلى يصلى إذا دخل، قوله: "فعردت" بتشديد الراء؛ من عرد الرجل إذا انهزم وترك القصد، و "المعرد": فاعل منه وهو المنهزم. الإعراب: قوله: "ظننتك": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه والمفعول وهو الكاف، وهو يستدعي مفعولين: الأول هو الكاف، والثاني: هو قوله: "صاليًا"، وقوله: "إن شبت لظى الحرب" ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثلاثمائة
معترض بينهما، وإن للشرط، و "شبت لظى الحرب": جملة وقعت فعل الشرط، وجوابه هو قوله: "ظننتك"، "وشبت" على صيغة المجهول (¬1)، وقوله: "لظى الحرب": كلام إضافي مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "فعردت": جملة من الفعل والفاعل، الفاء فيه تصلح للتعليل، وقوله: "فيمن": يتعلق به، و "من": موصولة، والجملة- أعني: "كان عنها معردًا": صلتها، واسم كان مستتر فيه وهو الضمير العائد إلى من، وقوله: "معردًا": خبره، "وعنها" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "ظننتك" فإن الظن فيه يحتمل أن يكون بمعنى اليقين، ويحتمل أن يكون بمعنى الرجحان، ولكن الغالب فيه معنى الثاني كباب حسب وخال (¬2). الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) وكنا حَسبنَا كُلَّ بَيضَاءَ شَحْمَةً ... عَشِيَّةَ لاقينا جذامَ وَحِمْيَرَا أقول: قائله هو زفر بن الحرث (¬5) بن معاوية بن يزيد بن عمرو بن الصعق بن خليد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي. وهو من قصيدة قالها يوم مرج راهط؛ موضع كانت لهم فيه وقعة بالشام، وهو اليوم الذي قتل فيه الضحاك بن قيس الفهري، وبعد البيت المذكور هو قوله: 2 - فلمَّا لقينَا عصبة تغْلَبِيّةً ... يقُودُونَ جُرْدًا في الأعِنَّةِ ضَمَّرَا ¬
3 - سقيناهُمُ كَأَسًا سقونَا بمثلِها ... ولكنَّهُم كانوا على الموتِ أصْبَرَا 4 - فلمَّا قَرَعْنَا النَّبْعَ بالنبْعِ بعضهُ ... ببعضٍ أبتْ عِيدانُهُ أَنْ تُكْسَرَا وهي من الطويل. 1 - قوله: " [كل بيضاء شحمة" أراد: كنا نطمع في أمر فوجدناه على خلاف ما كنا نظن، وهذا هو من قولهم: ما] (¬1) كل بيضاء شحمة، وما كل سوداء تمرة، وهو من أمثال العرب (¬2)، و "جذام" و "حمير": قبيلتان، قال الجوهري: جذام: قبيلة من اليمن تنزل بجبال جسمَى، ويزعم نسّاب مضر أنهم من معدّ (¬3). 2 - قوله: "تغلبية" أراد: تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة؛ لأن الظفر في مرج راهط كان لكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان، قوله: "جرذا" بضم الجيم وسكون الراء؛ جمع أجرد، يقال: فرس أجرد إذا رقت شعرته، و "الأعنة": جمع عنان، و "الضمر" بضم الضاد؛ جمع ضامر؛ من ضمر الفرس وغيره ضمورًا إذا خف لحمه. 3 - قوله: "سقيناهم إلى آخره" أراد: أنه يُشهد لهم بالغلبة. 4 - قوله: "فلما قرعنا النبع" النبع بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفي آخره عين مهملة؛ وهو شجر صلب ينبت في الجبال يعمل منه القسي، ومن أمثالهم (¬4): "النبعُ يقرعُ بعضُهُ بعضًا"، فضربه مثلًا لهم ولأعدائهم. الإعراب: قوله: "وكنا" الضمير المتصل به اسم كان، وخبره الجملة - أعني قوله: "حسبنا كل بيضاء شحمة"، وحسب إذا كان بمعنى ظن يقتضي مفعولين، فقوله: "كل بيضاء": كلام إضافي مفعوله الأول. وقوله: "شحمة": مفعوله الثاني، قوله: "عشية": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة، قوله: "جذام": مفعول "لا قينا"، وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، و "حميرَا": عطف عليه وألفه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "حسبنا" فإن حسب هاهنا بمعنى ظن؛ فلذلك نصب مفعولين. ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة
واعلم أن حسب (¬1) قد جاء بالضم والفتح والكسر على معانٍ: فحسِب بكسر السين يحسَب ويحسِبُ بفتح السين وكسرها في المضارع حِسبانًا بكسر الحاء ومحسَبة ومحسِبة بفتح السين، وكسرها بمعنى ظن فهو حاسب، والشيء محسوب أي: مظنون، والأمر: احسَب واحسب بفتح السين وكسرها، وحسِب الرجل بكسر السين حسبًا فهو أحسب إذا صار ذا شقرة وبياض كالبرص، وحسَب بفتح السين بمعنى عدّ يحسُب بضم السين [حسبًا وحسابًا وحسبانًا وحسابةً وحسبةً فهو حاسب، والشيء محسوب، والأمر احسُب بضم السين لا غير] (¬2). وأما حسُب بضم السين فمعناه: صار حسيبًا يحسُب بضم السين حسابة فهو حسيب، والذي هو من هذا الباب وينصب المفعولين هو الذي يكون بمعنى ظن، وأما الذي بمعنى: عدّ فينصب مفعولًا واحدًا، والآخران لازمان فافهم (¬3). الشاهد السادس والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) حَسِبْتُ التُّقَي والجُودَ خَيرَ تجارَةٍ ... رَبَاحًا إِذَا مَا المَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقلًا أقول: قائله هو لَبيد -بفتح اللام بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة طويلة من الطويل وأولها هو قوله: 1 - كُبَيشَةُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدكَ عَاقِلًا ... وكَانَتْ لَهُ شُغلًا عَلَى النَّأْي شاغِلَا 2 - تَرَبَّعَتِ الأشْرَافَ ثُمَّ تَصَيَّفَت ... حِسِيَّ البطاحِ وانْتَجَعْنَ السَّلائلَا 3 - تَخَيرُ مَا بَينَ الرِّجَامِ وَوَاسِطٍ ... إلَى سِدْرَةِ الرسين تَرْعَى السَّوَائِلَا إلى أن قال: 4 - تلُومُ عَلَى الإهلاكِ في غَيرِ ضَلَّةٍ ... وهَلْ لِي مَا أَمْسَكتُ إنْ كُنتُ بَاخِلَا 5 - حَسِبتُ التُّقَى ................. ... ....................... إلى آخره ¬
6 - وهلْ هُوَ إلا مَا ابتَنَى في حَيَاتِهِ ... إذَا قَذَفُوا فَوْقَ الضَّرِيحِ الجَنَادِلَا 1 - قوله: "كبيشة": اسم امرأة، قوله: "عاقلًا" بالعين المهملة والقاف، اسم جبل، قوله: " وكانت له" أراد: كانت لي لأنه خاطب نفسه. 2 - قوله: "تربعت"؛ من الربيع، و "الأشراف" بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة، اسم موضع، قوله: "تصيفت": من الصيف، قوله: "حسي البطاح" الحسي -بكسر الحاء المهملة وتخفيف السين المهملة يحفر في الرمل قدر شبر فيخرج منه الماء، و "البطاح" بكسر الباء الموحدة، اسم ماء لبني أسد، ويقال: البطاح من الرمال، ويقال للرملة: بطحاء، قوله: "وانتجعن" أي: طلبن أثر المطر فأتبعنه، و "السلائل": منابت الطلح. 3 - و "الرجام" بكسر الراء وبالجيم؛ اسم موضع، و "واسط": ماء لبني كلاب، قوله: "إلى سدرة الرسين" الرسان: موضع لبني كلاب، و "السوائل": مسيل الماء. 5 - قوله: "حسبت" بمعنى: تيقنت وعلمت هاهنا، قوله: "رباحًا" بفتح الراء؛ أي: رِبحًا بكسر الراء، قوله: "ثاقلًا" بالثاء المثلثة، أراد ميتًا؛ لأن الأبدان تخف بالأرواح، فإذا مات الإنسان يصير ثاقلًا كالجماد. 6 - قوله: "وهل هو إلا ما ابتنى" يعني: إلا ما قدم في أيام حياته، قوله: "فوق الضريح" أي: القبر، والجنادل": الحجارة، جمع جندل. الإعراب: قوله: "حسبت": فعل وفاعل، و "التقى": مفعوله الأول، قوله: "والجود": عطف عليه قوله: "خير تجارة": كلام إضافي وقع مفعولًا ثانيًا لحسبت. فإن قلت: المذكور شيئان هما التقى والجود وهما في الحقيقة مبتدآن، وقوله: "خير تجارة" خبر، فكيف لم يطابق الخبر المبتدأ في التثنية؟ قلت: لفظة الخير هاهنا للتفضيل فيستوي فيه المفرد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، ولهذا تقول: فلانة خير الناس، ولا تقل: خيرة الناس؛ لأنه في معنى: أفعل. فإن قلتَ: ما تقول في قول الشاعر (¬1): ألا بَكَرَ النَّاعِي بِخَيرَيْ بَنِي أَسَد ... بِعَمْرِو بنِ مَسعُودٍ وبالسَّيدِ الصَّمدْ ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة
فهذا قد ثناه؟ قلتُ: لأنه أراد: خيريّ بني أسد بالتشديد ولكنه خففه للضرورة، وهو هاهنا صفة وليس للتفضيل فافهم. قوله: "رباحًا": نصب على التمييز؛ أي: من حيث الربح والفائدة؛ كما تقول: فلان خير الناس عبادة، قوله: "إذا" للظرف، وكلمة ما زائدة، و "المرء": مبتدأ، و "أصبح ثاقلًا": خبره، "وثاقلًا" نصب لأنه خبر أصبح؛ لأنه بمعنى صار فيستدعي اسمًّا مرفوعًا وخبرًا منصوبًا، فاسمه هو الضمير المستتر فيه، وثاقلًا: خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "حسبت" حيث جاء بمعنى علمت ونصب مفعولين كما ذكرناه (¬1). الشاهد السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) إِخَالُكَ إِنْ لَمْ تَغْضُضِ الطَّرْفَ ذَا هَوًى ... يَسُومُكَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ مِنَ الوُجْدِ أقول: هو من الطويل. قوله: "إخالك" أي: أظنك، وهو بكسر الهمزة في استعمال الأكثرين، وتفتح الهمزة على القياس، وهو لغة بني أسد، وهو من: خال يخال خيلًا وخيلة ومخيلة وخيلولة وخيلانًا فهو خائل، والشيء مخيل كمبيع، والأمر منه: خَلْ -بفتح الخاء وتخفيف اللام؛ كذر ودع وهو بمعنى ظن، فإن رددت الفعل إلى نفسك قلت: خِلْتُ بكسر الخاء. قوله: "إن لم تغضض الطرف": من غض البصر وهو أن لا يفتحه، والطرف -بفتح الطاء وسكون الراء: تحريك الجفون بالنظر، وأراد به هاهنا: إن لم تنم؛ يعني: إخالك (¬4) "ذا هوى"، يعني: صاحب (¬5) عشق ومحبة إن لم تنم ولم يأخذك النوم؛ لأن صاحب الهوى لا ينام والنوم عليه حرام (¬6). ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثلاثمائة
قوله: "يسومك" أي: يكلفك؛ من السوم وهو التكليف، ومنه الحديث: "من ترك الجهاد ألبسه الله الذلة وسيم الحسف" أي: كلف وألزم، وأصله الواو؛ يعني: سُوم فقلبت ضمة السين كسرة ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، قوله: "من الوجد" وهو شدة العشق، يقال: وجدت بفلانة وجدًا إذا أحببتها حبًّا شديدًا، وقال ابن فارس: يقال: وجدت من الحزن وجدًا (¬1). الإعراب: قوله: "إخالك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو الكاف وهو مفعوله الأول، وقوله: "ذا هوى": كلام إضافي مفعول ثان، قوله: "إن": حرف شرط، و "لم تغضض الطرف": جملة وقعت فعل الشرط، و"الطرف": مفعول لم تغضض، وجواب الشرط هو قوله: "إخالك ذا هوى". قوله: "يسومك" فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الهوى، ومفعول وهو الكاف، وقوله: "ما لا يستطاع": مفعول ثان؛ أي: يكلفك الهوى ما لا تقدر عليه، و"ما": موصولة، و "لا يستطاع": جملة صلته، قوله: "من الوجد": بيان عن قوله: "ما لا يستطاع" (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "إخالك" حيث استدعى مفعولين، ونصبهما لكونه بمعنى الظن (¬3). الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) مَا خِلْتُنِي زِلْتُ بَعْدَكُم ضَمِنَا ... أَشكُو إِلَيكُم حُمُوَّةَ الأَلَمِ أقول: هذا البيت أنشده الجوهري، وقال: أنشده الأحمر، ولم يعزه إلى قائله، وأحمر هو بن محرز خلف بن حيان الأحمر (¬6) مولى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وكان من أعلم ¬
الناس بالشعر وأقدرهم على القافية، وكان شاعرًا -أيضًا-. وهو من المنسرح (¬1). قوله: "ضَمِنًا" بفتح الضاد المعجمة وكسر الميم وبالنون، يقال: رجل ضمن وهو الذي به الزمانة في جسده من بلاء أو كسر أو غير ذلك، والاسم: الضمَن بفتح الميم، والضمان والضمانة: الزمانة، وقد ضمِن الرجل بالكسر ضمنًا بفتح الميم فهو ضمِن بكسر الميم؛ أي: زمن مبتلى، قوله: "حموّة الألم" بضم الحاء المهملة وبالميم وتشديد الواو وفي آخره تاء، وحموة الألم: سورته وشدته، ومنه حميا الكأس وهو أول سورتها. الإعراب: قوله: "ما خلتني زلت" أرد: خلتني ما زلت، فقوله: "خلتني": جملة معترضة بين ما وزلت، "وخلت" هاهنا بمعنى: أيقنت؛ كذا قال بعضهم وهو غريب (¬2) والتقدير: خلت نفسي، فقوله: "في": المفعول الأول، وقوله: "ضمنًا" هو المفعول الثاني، والتاء في: "زلت": اسم زال، وقوله: "بعدكم": كلام إضافي نصب على الظرف، والعامل فيه زلت. وقوله: "أشكو إليكم حموة الألم": جملة في محل النصب على أنها خبر لقوله: "زلت"، ويقال: "ضمنًا" هو الخبر، "وأشكو إلى آخره" هو المفعول الثاني لخلت، والأول أظهر وأولى على ما لا يخفى. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما خلتني" حيث جاء فيه خلت بمعنى ظننت؛ فلذلك نصب مفعولين وهو المعنى الغالب فيه، وإن كان قد يجيء لليقين، وقد قيل: ان خلت فيه بمعنى أيقنت؛ كما ذكرناه. ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثلاثمائة
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) قدْ جَرَّبُوهُ فَأَلْفَوْهُ المُغيثَ إِذَا ... مَا الرَّوْعُ عَمَّ فَلَا يُلْوَى عَلَى أَحَدٍ أقول: هو من البسيط. قوله: "فألفوه" بالفاء؛ أي: وجدوه، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، قوله: "المغيث": من الإغاثة، و "الروع": الخوف والفزع، قوله: "فلا يلوي" أي: فلا يعطف على أحد بل يعم الجميع. الإعراب: قوله: "قد جربوه" قد للتحقيق، و "جربوه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: قد جرب الناس ذاك الممدوح، قوله: "فألفوه": عطف عليه، والهاء مفعول أول لألفى، وقوله: "المغيث": مفعول ثان، وقيل: هو حال ولا يصح، لأنه معرفة، وشرط الحال أن تكون نكرة. قوله: "إذا" فيه معنى الشرط وجوابه محذوف مدلول عليه بالمغيث، وكلمة "ما" زائدة، و "الروع": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر وتقديره: إذا ما عم الروع، وعند الأخفش هو مبتدأ، وعم خبره (¬3)، وقوله: "فلا يُلوى" الفاء للعطف -أيضًا-، ولا يُلْوى على صيغة المجهول، وقوله: "على أحد": [يتعلق به، يقال: لوي عليه، أي: عطف. والمعنى: أن الروع، أي: الخوف إذا عم الناس ولم يلو على أحد وجدوا هذا الممدوح مغيثًا] (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: " [فألفوه" حيث نصب ألفى فيه مفعولين لكونه بمعنى وجد، ومنهم من منع تعدِّي ألفى إلى اثنين، وزعموا في] (¬5) قوله تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ} [الصافات: 69]، أن ضالين حال، والبيت حجة عليهم؛ لأنه تعدى فيه إلى اثنين (¬6) فافهم. ¬
الشاهد الأربعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الأربعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) فَإِنْ تَزْعُمِيني كُنْتُ أَجْهَلُ فِيكُم ... فَإِني شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَكِ بالجهْلِ أقول: قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي، وهو من قصيدة لامية، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ألَا زَعَمَتْ أَسْمَاءُ أَنْ لَا أُحِبُّهَا ... فقلتُ بَلَى لولَا يُنَازِعُنِي شُغْلِي 2 - جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الحُبِّ لمَّا اشْتَكَيتِهِ ... وما إِنْ جزَاكَ الضعْفَ مِنْ أَحَدٍ قَبْلِي 3 - فَإنْ تَكُ أُنْثَى مِنْ معدٍّ كَرِيمَةً ... عَلَينَا فقدْ أعطيتُ نافِلَةَ الفَضْلِ 4 - لعمركَ مَا عَيسَاءُ تَتْبَعُ شادِنًا ... تَعِنُّ لهُ بالجزْعِ مِنْ نَخِب نَجْلِ 5 - إذَا هيَ قامَتْ تَقْشَعِرُّ شِوَاتُهَا ... ويشْرقُ بينَ اللِّيتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْلِ 6 - تَرَى حَمَشًا في صَدْرِهَا ثُمَّ إِنَّهَا ... إذَا أَدْبَرَتْ وَلَّتْ بمكْتَنَزِ عَبْلِ 7 - ومَا أُمُّ خِشْفٍ بالعَلَايَةِ تَرْتَعِي ... وترْمُقُ أحيَانًا مُخَاتلَةَ الحبْلِ 8 - بأحسنَ منهَا يومَ قالتْ كُلَيمَة ... أَتَصْرِمُ حَبْلِي أمْ تَدُومُ على الوَصْلِ 9 - فإن تزعميني .............. ... ..................... إلى آخره وهي من الطويل. 2 - قوله: "ضعف الحب" ويروى: ضعف الود. 4 - قوله: "عيساء": واحدة العيس، وهي إبل بيضاء في بياضها ظلمة خفيفة، قوله: "تنسأ شادنا " يعني: تسوقه، ويروى: تتبع شادنا، والشادن: الولد، وهو في الأصل ولد الظبية، قوله: "تعن" أي: تعرض، و "الجزع" بكسر الجيم وسكون الزاي؛ وهو منعطف الوادي، قوله: "نخب" بفتح النون وكسر الخاء. المعجمة وفي آخره باء موحدة، قال الباهلي: هو وادي الطائف (¬4)، و "النجل" بالنون والجيم هو النز. ¬
5 - قوله: "شواتها" بكسر (¬1) الشين المعجمة والواو؛ وهي جلدة الرأس، أراد: يقشعر الشعر الذي في الرأس، قوله: "ويشرق" أي: يضيء، و "الليت" بكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره تاء مثناة من فوق؛ وهي صفحة العنق، و "الصقل": الخاصرة. 6 - قوله: "حمشًا" أي: دقة، قوله: "عبل" أي: ضخم. 7 - قوله: "وما أم خشف" أم خشف هي الظبية. و"العلاية" بفتح العين المهملة وبعد اللام ياء آخر الحروف مفتوحة؛ وهو اسم أرض، قوله: "ترمق" أي: تنظر مخاتلة حبل الصائد، يعني: مخادعته. 10 - قوله: "شريت الحلم" أي: اشتريته، وتأتي بمعنى: بعت، قال الله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20]، و {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَه} [البقرة: 207] قوله: "بعدك" أي: بعد فراقك. الإعراب: قوله: "فإن تزعميني" الفاء للعطف وإن للشرط، "وتزعميني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله: "فإني شريت": "جواب الشرط، وزعم هاهنا بمعنى ظن؛ فلهذا نصب مفعولين؛ فقوله: "ني": مفعوله الأول، وقوله: "كنت أجهل فيكم": جملة من اسم كان، وخبره مفعوله الثاني. قوله: "فإني" الضمير المتصل اسم إن، وخبره الجملة، أعني قوله: "شريت الحلم"، والباء في "بالجهل" باء المقابلة؛ كما في قولك: اشتريته بألف؛ أي: بمقابلة ألف، والمعنى: استبدلت الحلم بالجهل، أراد أنه ترك الجهل ولازم الحلم. الاستشهاد فيه: في قوله: "تزعميني" فإن زعم هاهنا بمعنى ظن، وله مفعولان؛ كما ذكرنا، واعلم أن زعم تأتي لمعانٍ: الأول: بمعنى ظن وهو المقصود هاهنا، تقول: زَعَمَ يَزْعُمُ زَعْمًا وزُعْمًا بفتح الزاي وضمها فهو زاعم، وذاك مزعوم، والأمر: ازعم بضم الهمزة والعين. الثاني: بمعنى الكفالة؛ تقول: (¬2) زعم به؛ أي: كفل يزعم زعمًا وزعامة فهو زعيم، أي: كفيل، وفي الحديث (¬3): "الزعيم غارم". ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد الثلاثمائة
الثالث: بمعنى: القول؛ تقول: زعم يعني: قال قولًا لا يدري أحق هو أم باطل، يزعم زَعمًا وزُعمًا وزِعمًا. الرابع: زعم على القوم: صار زعيمًا أي: رئيسًا، وقال الجوهري: الزعامة: السيادة، وزعيم القوم: سيدهم (¬1). الخامس: بمعنى: رام الزعامة وهي السيادة. السادس: زعم غيرَه: أي: فاقه في الزعامة. السابع: زعِم بكسر العين يزعَم بفتحها زعمًا فهو زعم إذا طمع. الثامن: زعم اللحم كثر دسمه، فافهم (¬2). الشاهد الحادي والأربعون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ عُدْمًا ولَكِنْ ... فَقْدُ مَنْ قَدْ فَقَدْتُهُ الإعْدَامُ أقول: قائله هو أبو داود، واسمه: جارية بن الحجاج، وكان الحجاج يلقب حمران بن بحر بن عصام بن منبه بن حذافة بن زهير [بن إياد] (¬5) بن نزار بن معد، شاعر قديم من شعراء الجاهلية، وكان وصافًا للخيل وأكثر أشعاره في وصفها. وهو من قصيدة ميمية، وهي طويلة من الخفيف وفيه التشعيث وهو إسقاط أحد متحركي الوتد فيصير فاعاتن أو فالاتن فيرد إلى مفعولن، وأولها هو قوله: 1 - منعَ النومَ ماريَ التهمامُ ... وجديرٌ بالهمِّ مَنْ لَا يَنَامُ 2 - منْ ينمْ ليلُهُ فقدْ أعملَ الليـ ... لَ وذُو البتِّ ساهرٌ مُسْتَهامُ 3 - هَلْ يَرَى مِنْ ظَعَائِنَ بَاكِرَاتٍ ... كالعَدَوْلِيّ سَيرُهُنَّ انْقِحام ¬
4 - فاكِنَاتٍ يقضِمْنَ مِنْ قُضُبِ الضِّرْ ... وِ ويَشْفِي بدَلهُنّ السِّقَامُ 5 - وسبَّتْنِي بَنَاتُ نَخْلَةَ لوْ كنـ ... ـتُ قريبًا أَلمَّ بِي إِلْمَامُ 6 - يكتبينَ الينْجُوجَ في كَبَّةِ المشـ ... تى وبُلْهٌ أَحْلامُهُنَّ وسَامُ 7 - ويصنَّ الوجوهَ في الميسْنَانِي ... كما صانَ قرنَ شمسِ غمامُ 8 - وتراهنَّ في الهَوَادِجِ كالغِزْ ... لَانِ مَا إِنْ يَنَالهُنَّ السِّهَامُ 9 - نَخِلَاتٌ من نَخْل بيسانَ أينَعْنَ ... جميعًا ونَبْتُهُنّ تُوَامُ 10 - وتدلَّتْ علَى منَاهِلِ بُرْد ... وفُلَيح مِنْ دُونِهِنَّ سَنَامُ 11 - وأتانِي تقْحِيمُ كعبِ لي المنـ ... ـطقُ إنّ النكيثةَ الإقحامُ 12 - في نظامٍ ما كُنْتُ فيهِ فلَا يحـ ... ـزنْكَ قولٌ لكلّ حسناءَ ذامُ 13 - ولقدْ رَابَني ابنُ عمِّي كعبِ ... أنهُ قدْ يَرُومُ مَا لَا يُرَامُ 14 - غيرُ ذنب بَنِي كنانةَ متى ... إنْ أُفَارِقْ فَإنَّنِي مُجْذَامُ 15 - لَا أَعُدُّ الإِقْتَارَ عُدْمًا ....... ... ....................... إلى آخره 16 - منْ رجالٍ مِنَ الأَقَاربِ بَادُوا ... مِنْ حُذَاقٍ هم الرؤوسُ الكرامُ 17 - فيهم للمُلايِنِينَ أناةٌ ... وعُرَامٌ إذا يُرَادُ الْعُرَامُ (¬1) 1 - قوله: "ماري": منادى مرخم أصله: يا مارية، و "التهمام" بفتح التاء، بمعنى الهم، وهو مصدر، نحو التسكاب والترداد. 2 - قوله: "من ينم ليله" برفع الليل، يقال: ليل نائم، أي: ينام فيه، وليل ساهر، أي: يسهر فيه، قوله: "وذو البت" أي: ذو القطع، و "المستهام": ذاهب الفؤاد. 3 - قوله: "من ظعائن" وهي النساء في الهودج؛ جمع ظعينة، قوله: "كالعدوليّ" أي: كالمركب العدولي، نسبة إلى عدولي قرية بالبحرين، قوله: "انقحام" أي: شديد. 4 - قوله: "واكنات" أي: جالسات في الهوادج، قوله: "يقضمن" أي: يمضغن، و "القضب" بضم القاف؛ جمع قضيب، و "الضِّرو" بكسر الضاد المعجمة وسكون الراء ¬
وفي آخره واو؛ وهو شجر حبة الخضراء. 5 - قوله: "بنات نخلة" قال الأصمعي: أراد بها النساء، ولا أدري أراد بذلك طولهن أو نسبهن إلى قبيلة، قوله: "ألم بي إلمام" يعني: أتاني منهن زائر. 6 - قوله: "يكتبين" أي: يتبخرن، والكباء: العود، يقال: كبى ثيابه إذا بخرها، و "الينجوج" بفتح الياء آخر الحروف وسكون النون وبالجيمين أولهما مضمومة وبينهما واو ساكنة؛ وهو العود، قوله: "في كبة المشتى" أي: في أشد البرد، والكبة بفتح الكاف وتشديد الباء الموحدة، قوله: "بله أحلامهن" يعني: لسن بفطنات إلى الشر، والأحلام جمع حلم وهو العقل، وقوله: "وسام" بكسر الواو وتخفيف السين المهملة؛ أي: حسان، يقال: رجل وسيم؛ أي: جميل الوجه. 7 - قوله: "ويصن الوجوه " أي: يسترن وجوههن في اليسناني، وهو ضرب من الثياب، وهو بفتح الميم وسكون الياءآخر الحروف وفتح السين المهملة والنون وبعد الألف نون مكسورة، و "قرن الشمس": جانبها. 8 - قوله: "السهام" بفتح السين المهملة، وهو الريح الحارة تكون في أشد الحر، ويروى: ما إن تنالهن السهام، أي: لا يرمين بالأبصار. 9 - قوله: "من نخل بيسان" وهي بلدة في الشام معروفة، وأينع التمر يونع إيناعًا وينع يينع ينوعًا، وهو منوع ويانع إذا أدرك، قوله: "توام" يعني: اثنان في أصل واحد. 10 - قوله: "برد" بضم الباء الموحدة وسكون الراء؛ وهي قبيلة، و "فُلَيجٍ" بضم الفاء وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم؛ وهو مكان، و "سنام" بفتح السين المهملة والنون؛ اسم جبل. 11 - قوله: "وأتاني تقحيم كعب" وهو كعب بن مارية الإيادي، قوله: "تقحيم كعب" من تقحيم النفس في الشيء، وهو إدخالها فيه من غير روية، قوله: "إن النكيثة الإقحام ": من قولهم: فلان بلغ نكيثة بعيره؛ أي: أقصى مجهوده في السير. 12 - قوله: "في نظام ما كنت فيه" يعني: رماني بأمر ما كنت في جنسه، ويقال: فلان في ذلك النظام؛ أي: في تلك الطريقة، ثم رجع إلى نفسه فقال: "لا يحزنك قول: لكل حسناء ذام" أي: عيب، وهو بالذال المعجمة. 14 - قوله: "غير ذنب" وروى الأصمعي: غير ريب، أي: غير شك، قوله: "إن أفارق" أي: إن أفارقكم فأنا مجذام، أي: ماض، يقال: قد انجذم في سيره إذا مضى فيه.
15 - قوله: "لا أعد الإقتار عدمًا" الإقتار -بكسر الهمزة إما من أقتر في النفقة على عياله إذا ضيق عليهم فيها، أو من أقتر الرجل إذا افتقر، وكذلك القتر والتقتر، والعدم -بضم العين وسكون الدال مثل العدم بفتحتين مثل البخل والبَخل، تقول: عدمت الشيء بالكسر أعدمه عُدمًا بضم العين وعَدمًا بفتحتين إذا فقدته، والإعدام -بكسر الهمزة من قولك: أعدمه الله إذا جعله معدومًا، ويقال: أعدم الرجل إذا افتقر. والمعنى: لا أظن التضييق والفقر عدمًا، ولكن العدم فقدان من فقدته من الأحباب والأصحاب، ويروى: ......................... ... ولكن فقد من رزئته الإعدام. أي: أصبته؛ من الرزء، وهو المصيبة، ومادته: راء ثم زاي معجمة ثم همزة. 16 - قوله: "بادوا" بالباء أي: ماتوا، وهوى: ماتوا، قوله: "من حذاق" بضم الحاء المهملة وتخفيف الذال المعجمة وفي آخره قاف؛ وهي قبيلة. 17 - قوله: "للملاينين": جمع ملاين؛ من اللين وهو المسكنة، قوله: "أناة" بفتح الهمزة والنون؛ أي: تأن، ويقال: رفق ووقار، قوله: "وعرام" بضم العين المهملة وتخفيف الراء؛ أي: شدة وقوة وشراسة، ويقال: أي: جهل لمن أراد ذلك. الإعراب: قوله: "لا أعد" لا للنفي، وأعد بمعنى أظن، وليس هي بمعنى العدد والحساب، ولهذا اقتضى مفعولين، فقوله: "الإقتار": مفعوله الأول، وقوله: "عدمًا": مفعوله الثاني، قوله: "ولكن" مخفف؛ فلذلك بطل عمله، قوله؛ "فقد": مبتدأ ومضاف إلى من الموصولة، وقوله: "قد فقدته": صلته، و "الإعدام": خبر المبتدأ؛ أي: فقد الذي قد فقدته - أي: عدمته أنا هو الإعدام. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أعد" فإنه نصب مفعولين؛ لأنه بمعنى الظن لا بمعنى العد والحساب؛ كما ذكرناه.
الشاهد الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) دَعَانِي الغَوَاني عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي ... لِيَ اسْمٌ فَلَا أُدْعَى بِهِ وَهُوَ أَوَّلُ أقول: قائله هو النمر بن تولب الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة لامية من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - تَأَبَّدَ منْ أطْلالِ جَمْرَةَ مَأْسَلُ ... فَقَدْ أقْفَرَتْ منهَا سرَاءٌ فَيذْبُلُ 2 - فَبُرْقَةُ أَرمَامٍ فَجَنْبَا مُتَالِع ... فَوَادِي المياه فالنَّديِّ فأنْجَلُ 3 - ومِنهَا بأعْرَاضِ المحاضِرِ دِمنَةٌ ... ومنها بَوادِي المُسْلَهِمَّة منزِلُ 4 - أنَاةٌ عليها لُؤلُؤ وزَبَزجَدٌ ... ونَظْمٌ كأجْوازِ الجَراد مُفَصَّلُ 5 - تَرَيَّبَهَا التَّرْعِيبُ والمحضُ خِلْفَةً ... ومِسكٌ وكَافُورٌ ولُبنَى تَأَكُّلُ 6 - يَشُن عليها الزعفرانُ كأنَّهُ ... دَمٌ فَارِتٌ يُغْلَى بِهِ ثُمَّ يُغسَلُ إلى أن قال: 7 - كأنَّ مِحَطًّا في يَدَيْ حارِثِيَّةٍ ... صَنَاعٍ عَلَت مِنِّي به الجِلْدُ مِنْ عَلُ 8 - دعاني .................... ... ....................... إلى آخره 9 - وقَولِي إذَا مَا أطْلَقُوا منْ بَعِيرِهِمْ ... تُلاقُونَهُ حتَّى يَؤُوبُ المُنَخَّلُ 1 - قوله: "تأبد" أي: توحش، و "الأطلال": جمع طلل، وهو ما شخص من آثار الدار، و: "جمرة" بالجيم اسم امرأة، و "مأسل" بفتح اليم وسكون الهمزة وفتح السين المهملة وفي آخره لام، وهي رملة، و"سراء" بفتح السين والراء المهملتين ممدود، بلد، و "يذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة، وهو اسم جبل. 2 - قوله: "فبرقة أرمام" البرقة بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف، وهي قطعة من الجبل يختلط بها رمل وحصى وطين، و "الأرمام" بفتح الهمزة وسكون الراء، اسم موضع، قاله الجوهري وغيره (¬4)، و "المتالع" بضم الميم وبالتاء المثناة من فوق وكسر اللام وفي ¬
آخره عين مهملة؛ وهو اسم جبل، و "الأنجل" بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم؛ وهو الموضع الذي يكثر فيه النجل، وهو الماء يظهر من الأرض. 3 - قوله: "بأعراض المحاضر" الأعراض: جمع عرض -بضم العين، وعرض كل شيء: جانبه، والمحاضر: مياه قريبة من قرى عطمة، ودا الدمنة " بكسر الدال وسكون الميم وفتح النون؛ وهي آثار الناس وما سوّدوا، و "المسلهمة" بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام وكسر الهاء وتشديد الميم؛ وهي موضع. 4 - قوله: "أناة" أي: هي أناة وهي الحليمة البطيئة القيام، و "الأجواز": جمع جوز، وجوز كل شيء: وسطه. 5 - قوله: "تريبها الترعيب" يعني: كان لها غذاء الترعيب، وهو شقق السنام، رعبته: شققته، وقال ابن حبيب: الترعيب: الممتلئ سمنًا، ومنه: رعبت الحوض: ملأته، وامرأة رعبوبة ومادته: راء وعين مهملتان وباء موحدة، و "المحض" بالحاء المهملة: اللبن الحليب الخالص، قوله: "خلفة" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام وفتح الفاء، والمعنى: هذا بعد هذا، قوله: "ولبنى" بضم اللام وسكون الباء الموحدة وفتح النون، وهي الميعة في الطيب، قوله: "تأكّل" أي: توهج إذا دخن بها، وأصله: تتاكل فحذف إحدى التائين. 6 - قوله: "يشن" أي: يصب، ويروى بالسين المهملة، قوله: "فارت" بالفاء وبالتاء المثناة من فوق في آخره؛ أي: جامد يابس. 7 - قوله: "كأن محطًّا" بكسر الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء؛ وهي المصقلة، وهي حديدة يصقل بها الجلد ليلين ويحسن، قوله: "صناع" بفتح الصاد والنون، يقال: امرأة صناع اليدين؛ أي: حاذقة ماهرة بعمل اليدين، قوله: "من عل" أي: من فوق. 8 - قوله: "دعاني الغواني" وهو جمع غانية بالغين المعجمة، وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها، ويروى: العذارى وهو جمع عذراء وهي الجارية التي لم يمسها رجل وهي البكر. 9 - قوله: "تلاقونه" أي: لا تلاقونه فطرح لا، وهذا في الشعر كثير، و "المنخل" هو اليشكري الذي ضربته العرب مثلًا، وهو بضم الميم وفتح النون وتشديد الخاء المعجمة المفتوحة. الإعراب: قوله: "دعاني": فعل ومفعول، و "الغواني": فاعله. فإن قيل: كيف قال: دعاني ولم يقل: دعتني والفاعل مؤنث حقيقي؟
قلت: قد جاء في كلامهم تذكير الفعل عند إسناده إلى المؤنث الحقيقي فحكى سيبويه عن بعض العرب: قال فلانة (¬1)، وما قيل: إنه ضرورة لا يصح؛ لأن الشاعر كان يمكنه أن يقول: دعتني فلا ضرورة فيه؛ لأن الوزن لا يتغير، ويروى: دعاء العذارى، وهكذا رواه أبو علي على إضافة المصدر إلى فاعله وحذف المفعول الأول، والتقدير: دعاء العذارى إياي عمهن، والمعنى: وتسميتهن إياي عمهن. وقد قيل: إن الأكثر أن ينشد: دعائي العذارى، فتضيف المصدر إلى المفعول الأول، و"عمهن": هو المفعول الثاني، و"العذارى": فاعل. فإن قيل: على هذا كيف يقرأ دعاء العذارى؟ قلتُ: بالنصب؛ لأن معناه: أنكرت دعاء العذارى إياي عمهن وتركهن اسمي الذي كنت أُدعي به وأنا شاب. فإن قلتَ: ما الدليل على تقدير: أنكرت؟ قلتُ: لأنه قال فيما قبله: لعَمْرِي لَقَدْ أنْكَرْتُ نَفْسِي وَرَابَنِي ... مَعَ الشَّيبِ أبْدَا لِيَ التِي تتبَدَّلُ. قوله: "وخلتني" بضم التاء، أي: وخلت نفسي، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب (¬2)، قوله: "لي اسم" أي: غير ذلك، و"اسم": مبتدأ، "ولي": مقدمًا خبره، قوله: "وهو": مبتدأ، و"أول": خبره والجملة حال. الاستشهاد فيه: في قوله: "وخلتني" فإن خال فيه بمعنى اليقين، والمعنى: تيقنت في نفسي أن لي اسمًا وليس هو بمعنى الظن؛ لأنه لا يظن أن له اسمًا بل يتيقن ذلك (¬3). ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثالث والأربعون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) وَرَبيتُهُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْتُهُ ... أَخَا القَوْم وَاستغْنَى عَنِ المسْحِ شَارِبُه أقول: قائله هو فرعان [بن الأعرف, ويقال: ابن الأصبح بن الأعرف أحد بني مرة، ثم أحد بني نزار بن مرة، وهو من قصيدة قالها فرعان في ابنه منازل، قال ابن الأعرابي: كان لفرعان ابن يقال له: منازل، وكان لمنازل ابن يقال له: خليج، فعق خليج أباه منازلًا فقدمه إلى إبراهيم بن عربي والي اليمامة، فقال (¬3): 1 - تَظَلَّمَنِي حقِّي خليجٌ وعقَّنِي ... عَلَى حينَ كَانتْ كالحَنِيّ عِظَامِي 2 - وَجَاءَ بِقَوْلٍ منْ حرامٍ كأنما ... يُسَعِّرُ فيِ بَيتِي حريقَ ضرامي 3 - لعَمري لقدْ ربيتُهُ فرِحًا بهِ ... فلَا يفرحن بعدي امرؤٌ بغُلَامِ فأراد إبراهيم بن عربي ضربه، فقال خليج: أصلح الله الأمير لا تعجل علي، أتعرف هذا؟ هذا منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه، وأنشد القصيدة التي قالها فرعان في ابنه منازل على ما نذكرها الآن، فلما أنشدها قال إبراهيم: يا هذا عققتَ فعُقِقْتَ (¬4)، وهذا كما قيل: الجزاء من جنس العمل، وأول قصيدة فرعان هو هذا (¬5): 1 - جَزَتْ رحمٌ بيني وبَينَ منازلٍ ... جزاءً كما يستَنْزِلُ الدينَ طالِبُهْ 2 - فَربَّيتُهُ حتى إذَا آضَ شَيْظَمًا ... يَكَادُ يُسَاوي غَارِبَ الفَحْلِ غاربُة 3 - تغمَّدَ حقِّي ظالِمًا ولوَى يدِي ... لوَى يدَه الله الذي هوَ غَالِبُهْ (¬6) 4 - وكَانَ له عِنْدِي إِذَا جَاعَ أَوْ بَكَى ... على الزَّادِ أَحلَى زادِنَا وأطايبُه 5 - وربيته حتى ............... ... ...................... إلى آخره ¬
6 - أإنْ أُرْعِشَتْ كَفّا أَبِيكَ وأصبحت ... يداكَ يدي الليث فإنكَ ضاربُهْ 7 - وجَمَّعْتَهَا دُهْمًا جِلادًا كأنها ... أشَاءُ نخيلٍ لمْ تُقطَّع جوانبُهْ 8 - فَأَخْرجَنِي منهَا سليبًا كأنني ... حُسَامُ يمانٍ فارَقَتهُ مَضَاربُهْ وهي من الطويل والقافية متدارك. وذكر في كتاب العققة أنه كان قد تزوج فرعان على أم منازل امرأة شابة فغضب لأمه فاستاق ما له واعتزل مع أمه، فقال في ذلك فرعان هذه القصيدة وزاد فيها أبياتًا أخرى تركتها. 1 - قوله: "جزت": من الجزاء، ويروى: .............................. ... جزاء مسيء لا يقتر طالبه جعل فعل الجزاء للرحم، والجازي هو الله تعالى، لأنه السبب في الجزاء. 2 - قوله: "شيظمًا" بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الظاء المعجمة؛ وهو الطويل الغليظ، ولا يستعمل إلا مع الزيادة، لا يقال: شظم، ومعنى: "آض": صار، وجواب إذا: قوله: "تغمد حقي" أي: لما بلغ هذا المبلغ ستر حقي وتعدى طوره وهو بالغين المعجمة. 5 - قوله: "وربيته": من التربية، قوله: "واستغنى عن المسح شاربه": كناية عن كونه كبيرًا غير محتاج إلى خدمة أحد، وذلك؛ لأن الصغير إذا أكل يحتاج إلى من يمسح فمه، فإذا كبر استغنى عن ذلك، وأراد: موضع شواربه، وهي حول الفم من الجانب الأعلى. 6 - قوله: "أرعشت": من الإرعاش، من الرعش بفتحتين وهو الرعدة. 7 - و "الدهم" بضم الدال، جمع دهماء، وأراد بها: النوق الدهم التي ساقها منازل معه حين عق على أبيه فرعان واعتزل عنه، و "الجلاد" بكسر الجيم؛ صفة للدهم، قوله: "أشاء نخيل" بفتح الهمزة وبالمد؛ وهي صغار النخل، الواحدة: أشاءة. 8 - قوله: "سليبًا" أي: مسلوبًا، و"الحسام": السيف، ووصفه بأنه يمان. الإعراب: قوله: "وربيته" الواو للعطف، "وربيته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى منازل بن فرعان، قوله: "حتى" للابتداء وهي أن [تكون] (¬1) حرفًا مبتدأ بعدها الجمل تستأنف؛ وحينئذ تدخل على الجمل الاسمية والفعلية -أيضًا- سواء كان فعلها ماضيًا ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الثلاثمائة
أو مضارعًا، و"إذا" في موضع نصب والعامل فيه جوابه، والتقدير: إذا ما تركته تركته أخا قوم (¬1)، ويجوز أن [تكون] (¬2) حتى حرفًا جارة وتكون إذا في موضع جر بها، على ما ذهب إلى نحو هذا الأخفش وغيره (¬3)، وكلمة "ما" زائدة، و "تركته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "أخا القوم": كلام إضافي مفعول ثانٍ لتركته، وذلك لأن ترك إذا كان فيه معنى التحويل يستدعي مفعولين، قوله: "واستغنى": فعل ماض، و"شاربه": فاعله، و"عن المسح" متعلق (¬4) باستغنى، ويجوز أن تكون الواو فيه للحال. فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "تركته" حيث نصب مفعولين؛ لأن فيه معنى التحويل؛ كما ذكرنا، وذكر الخطب في شرح الحماسة: أنه نصب "أخا القوم" على الحال من الهاء في: تركته، وجاز كونه حالًا وإن كان معرفة في اللفظ؛ لأنه لا يعني قومًا بأعيانهم، وإنما يريد تركته قويًّا لاحقًا بالرجال (¬5). قلتُ: فعلى هذا لا استشهاد فيه على ما لا يخفى (¬6). الشاهد الرابع والأربعون بعد الثلاثمائة (¬7) , (¬8) تَخِذْتُ غُرَازَ إِثْرَهُم دَلِيلًا ... وَفَرُّوا فِي الحِجَازِ لِيُعْجِزُونِي أقول: قائله هو أبو جندب بن مرة القردي الهذلي، وهو من قصيدة نونية، وأولها هو قوله (¬9): 1 - لَقَدْ أَمْسَى بَنُو لحْيَانَ مني ... بحمدِ الله في خِزْيٍ مُبِينِ ¬
2 - جَزَيْتُهُم بِمَا أَخَذُوا تِلَادِي ... بَنِي لحيَانَ كُلًّا فَاخَرُونِي (¬1) 3 - تخذتُ غُرَازَ ............. ... ....................... إلى آخره 4 - وقدْ عَصَّبتُ أَهْلَ العُرجِ منهُم ... بأَهْلِ صوائقٍ إذ عَصَّبُونِي 5 - تركتُهُمْ علَى الرُّكْبَانِ صُغْرَى ... يُشَيِّبُونَ الذَّوَائِبَ بالأنِيِن وهىِ من الوافر وفيه العصب والقطف. 2 - قوله: "بما أخذوا تلادي" التلاد -بكسر التاء المثناة من فوق: جمع تليد وهو المال القديم الأصلي الذي ولد عندك وهو نقيض الطارف، وأصل التاء فيه واو، وكان بنو لحيان أغاروا على إبل لأبي جندب، فلما جازاهم بما فعلوا قال هذا القول، ثم قال: كلا رغمتم فتعالوا الآن فاخروني كلا لا تفعلون ولا تقدرون عليّ. 3 - قوله: "تخذت" بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الخاء المعجمة وفتحها لغتان، قال ابن فارس: تخذت الشيء واتخذته (¬2)، قوله: "غراز" بضم الغين العجمة وتخفيف الراء وفي آخره زاي معجمة، وهو اسم واد. والمعنى: جعلت ذلك الوادي دليلًا عليهم، وقد فسره بعضهم بأنه اسم رجل وهو خطأ وضبطه بعضهم بالنون في آخره ثم قال: هو موضع بناحية عمان وهو -أيضًا- ليس بصحيح فافهم (¬3) قوله: "إثرهم" بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة، بمعنى عقيبهم، يقال: خرجت إثره وأثره، قوله: "ليعجزوني" أي: لأن يعجزوني؛ من أعجزه فلان إذا غلبه. 4 - قوله: "عصَّبتُ" أي: لفقت هؤلاء بهؤلاء بمعنى: جمعت بينهم، و"العرج": اسم مكان. الإعراب: قوله: "تخذت": فعل وفاعل، قوله: "غراز": مفعوله الأول، وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، وقوله: "دليلًا": مفعول ثان لتخذت، وقوله: "إثرهم": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: في إثرهم. قوله: "وفروا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى بني لحيان ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الثلاثمائة
في البيت السابق، وكذلك الضمير في إثرهم، قوله: "في الحجاز" أي: إلى الحجاز؛ نحو قوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9]؛ أي: إلى أفواههم (¬1)، قوله: "ليعجزوني" اللام فيه للتعليل، ويعجزوني: منصوب بأن المقدرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "تخذت" حيث نصب مفعولين وهو بمعنى اتخذت كما ذكرنا (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) ............................... ... وصُيِّرُوا مثلَ كَعَصْفٍ مَأكولْ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وصدره (¬5): ولَعبت طَيرٌ بِهم أَبَابيل ... ................................ وقبله: ومَسَّهُم مَا مَسَّ أَصحَابَ الفِيل ... تَرمِيهِمُ حجَارَةٌ مِنْ سِجيلْ وهي من بحر السريع، وأصله في الدائرة: مستفعلن مستفعلن مفعولات مرتين. قوله: "كعصف" بفتح العين وسكون الصاد المهملة وفي آخره فاء؛ وهو بقل الزرع، قال الفراء: قد أعصف الزرع ومكان معصف؛ أي: كثير الزرع (¬6) وقال الحسن في قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] أي: كزرع قد أكل حبه وبقي تبنه. الإعراب: قوله: "وصيروا" على صيغة المجهول جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، قوله: "مثل": نصب على أنه مفعول ثانٍ لصيروا، ويجوز أن يكون نصبًا على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: صيروا تصييرًا مثل كعصف مأكول، وقوله: "كعصف": مجرور بالكاف، ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الثلاثمائة
"ومأكول" بالجر صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "وصيروا" حيث نصب مفعولين؛ لأنه من أفعال التصيير التي تنصب مفعولين كجعل واتخذ ونحوهما (¬1)، وفيه استشهاد آخر وهو زيادة الكاف في قوله: "كعصف" على ما يجيء بيانه في بابه -إن شاء الله تعالى-. الشاهد السادس والأربعون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) آتٍ المَوْتُ تعلَمُونَ فلا يُر ... هِبكُم مِنْ لَظى الحُروبِ اضطرامُ أقول: هو (¬4) من الخفيف. والمعنى: تعلمون أن الموت آتٍ ألبتة، فلا يخوفكم اضطرام نار الحروب، قوله: "فلا يرهبكم": من الإرهاب وهو التخويف، قوله: "من لظى الحروب" أي: من نارها، وهو كناية عن قيام الحرب وهيجانها واشتباك الناس بالقتال فيها. الإعراب: قوله: "آتٍ": اسم فاعل من أتى وهو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ متأخر عنه وهو قوله: "الموت"، والجملة مفعول "تعلمون"، قوله: "فلا يرهبكم": نفي وليس بنهي، والفاء جواب شرط محذوف تقديره: إن كان الأمر كذلك فلا يرهبكم، قوله: "اضطرام": فاعل يرهبكم، و"من لظى الحروب": متعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "آت الموت تعلمون" حيث ألغي عمل تعلمون لتأخره عن الجملة التي هي مفعوله (¬5). ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الثلاثمائة
الشاهد السابع والأربعون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإنَّمَا ... يَسُودَانِنَا إن يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا أقول: قائله هو أبو سيدة الدبيري، وقبله: وإن لنَا شَيخَيِنْ لَا يَنْفَعَانِنَا ... غَنِيَّيِنْ لَا يَجْرِي عَلَينَا غِنَاهُمَا وهما من الطويل. قوله: "يسوداننا": من ساد قومه يسودهم سيادةً وسؤددًا وسيدودةً فهو سيدهم وهم سادة، قوله: "إن يسرت" [بالياء آخر الحروف وتشديد السين المهملة وفتح الراء، يقال: يسرت الغنم إذا كثرت ألبانها ونسلها، وكذلك يقال: يسرت الإبل] (¬3). حاصل المعنى: هذان الرجلان يزعمان أنهما سيدانا وإنما يكونان سيدينا إذا كثرت أولاد غنمهما، وكثرت ألبانها، ويجري علينا من ذلك. الإعراب: قوله: "هما": مبتدأ، والضمير يرجع إلى الشيخين المذكورين في البيت الذي قبله، قوله: "سيدانا": خبره، وقوله: "يزعمان" تثنية يزعم، وقد بطل عملها لتأخرها، قوله: "وإنما" كلمة إن بطل عملها بما الكافة، و"يسوداننا": جملة من الفعل وهو يسودان والفاعل وهو ضمير التثنية المستتر فيه الذي يرجع إلى الشيخين والمفعول وهو الضمير المنصوب. قوله: "إن": شرط، و "يسرت": فعل الشرط، و "غنماهما": فاعل ليسرت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه قوله: "وإنما يسوداننا" والتقدير: إن يسرت غنماهما يسوداننا. الاستشهاد فيه: في قوله: "هما سيدانا يزعمان" حيث بطل عمل يزعمان لتأخره عن الجملة التي هي مفعوله (¬4). ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثامن والأربعون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) أبِالأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤْمِ تُوعدُنِي ... وَفِي الأَرَاجِيزِ خلتُ اللؤمُ والخورُ أقول: قائله هو اللعين المنقري (¬3)، واسمه منازل بن زمعة من بني منقر بن عبيد بن الحرث بن تميم، يهجو به رؤبة بن العجاج؛ كذا قال بعضهم، وقال النحاس: يهجو العجاج، وقال أبو الحجاج: وبيت اللعين من كلمة رويها لام، وقبله: 1 - إِني أَنَا ابنُ جَلَا إِنْ كُنتَ تَعرِفُني ... يَا رُؤْبَ والحيَّةُ الصَّمَّاءُ في الجَبَلِ 2 - مَا في الدواوينِ مَا في رجلِي من عقل ... عندَ الرِّهَانِ ولَا أكوى من العَفْلِ 3 - أبِالْأَرَاجِيزِ يَابنَ اللؤْمِ تُوعدُنِي ... وَفيِ الأَرَاجِيزِ خلتُ اللؤمُ والفشلُ هكذا رواه الجاحظ في كتابه الحيوان (¬4) على أن الإقواء في البيت الثالث، وثبت الأبيات الثلاثة في كتاب الوحشي وليس فيها إقواء؛ لأنه روي فيها: ................................ ... وفي الأرَاجِيزِ رَأْسُ القَولِ والفَشَلِ وهي من البسيط. قوله: "يا رؤب" أصله: يا رؤبة فرخمه، وهذا يدل على أن اللعين يهجو رؤبة [بن العجاج] (¬5) لا العجاج والد رؤبة؛ كما قال النحاس، قوله: "لا أكوي من العفل" تعريض برؤبة؛ لأنه من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهم يُدْعَون بني العفلاء لخبر مشهور. قوله: "أبِالْأَرَاجِيزِ": جمع أرجوزة بمعنى الرجز، وهو اسم بحر من بحور الشعر ولكن أراد بها القصائد المرجزة الجارية على هذا البحر، و"توعدني": من الإيعاد لا من الوعد. و"اللؤم" بضم اللام وسكون الهمزة؛ وهو أن يجتمع في الإنسان الشح ومهانة النفس ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الثلاثمائة
ودناءة الآباء، فهو من أذم ما يهجى به، وقد بالغ بجعل المهجو ابنًا له إشارة إلى أن ذلك غريزة فيه، وأما اللوم -بفتح اللام وسكون الواو فقد قال الجوهري: اللوم: العذل، تقول: لامه على كذا لومًا ولومة فهو ملوم (¬1). قوله: "والخور" بفتح الخاء المعجمة وفتح الواو -أيضًا- وفي آخره راء؛ وهو الضعف، يقال: رجل خوار، ورمح خوار، وأرض خوارة، والفشل: قريب من الخور في المعنى، يقول: إنك راجز لا تحسن القصائد والتصرف في أنواع الشعر؛ فجعل ذلك دلالة على لؤم طبعه وضعفه. الإعراب: قوله: "أبالْأَرَاجيز" الهمزة للتوبيخ والإنكار، والباء تتعلق بقوله "توعدني"، وقوله: "يَابنَ اللؤمِ": منادى [مضاف] (¬2) منصوب معترض بينهما، وقوله: "اللؤم": مرفوع بالابتداء، و"الخور": عطف عليه، وخبره قوله: "في الأراجيز" وقوله: "خلت" بينهما: اعتراض، ولو نصبتهما على المفعولية لجاز، وكان الظرف حينئذ في محل النصب مفعولًا ثانيًا، و"خلت" بمعنى علمت. الاستشهاد فيه: في قوله: "خلت" حيث أُلغي عملها لتوسطها بين مفعوليها (¬3). الشاهد التاسع والأربعون بعد الثلاثمائة (¬4) , (¬5) ولقدْ عَلِمْتُ لَتَأْتين مَنيَّتِي ... إِن الْمنَايَا لا تَطيشُ سهَامهَا أقول: قائله هو لبيد بن عامر الجعفري؛ هكذا قالت جماعة [ولكني لم أجد في ديوانه إلا] (¬6) ¬
الشطر الثاني، حيث يقول: صادفْنَ منْهَا غرةً فأصَبنَهُ ... إن المنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا وهذا في وصف بقرة صادفتها الذئاب فأصبن ولدها، وهو من قصيدة طويلة من الكامل وأولها هو قوله (¬1): 1 - عفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فمُقَامُهَا ... بِمِنًى تَأَبَّدَ غَولُهَا فَرِجَامُهَا 2 - فمُدافِعُ الرَّيَّانِ عَرَّى رسمُها ... خَلْقًا كَمَا ضَمِنَ الوحيّ سلامُها 3 - دِمَنٌ تُجَرِّم بَعدَ عَهدِ أَنِيسهَا ... حِجَجٌ خَلَوْنَ حلَالُهَا وَحَرَامُهَا إلى أن قال: 4 - خَنْسَاءُ ضَيَّعتِ الفَرِيرَ فَلَم يرِمْ ... عَرْضَ الشقَائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَا 5 - لِمُعَفرٌ قَهْدٌ تَنَازع شِلْوَهُ ... غُبْرٌ كواسبُ ما يمنُّ طَعَامُهَا 6 - صادفْنَ منْهَا غرةً فأصَبنَهُ ... إن المنايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا 1 - قوله: "عفت" أي: درست وانمحت "ومحلها": حيث حلوا ونزلوا، "ومقامها": حيث أقاموا، وقال الأصمعي: "منى": موضع ببلاد قيس قريب من طخفة في الشق الأيسر وأنت مصعد إلى مكة، وصرفه لأنه مذكر (¬2)، وكذا منى الحرم مصروف. قوله: "تأبد" أي: توحش، و"الغول" بفتح الغين المعجمة وسكون الواو؛ اسم موضع، وكذلك الرجام وهو بكسر الراء وبالجيم. 2 - قوله: "فمدافع الريان" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهو اسم واد، و "مدافعه": أعاليه التي تدفع الماء إلى أسفله، قوله: "عرى رسمها" أي: لم يبق فيه أحد، قوله: "خلقًا": نصب على القطع من الرسم؛ لأنه مضاف إلى معرفة، و "الرسم": أثر الدار ما لم يكن شاخصًا من رماد أو سرجين، و "الطلل": كل ما شخص من وقد أو مسجد أو آري، قوله: "كما ضمن الوحي" بفتح الواو وكسر الحاء، على وزن فعيل بمعنى مفعول؛ أي: مكتوب، يقال: وحيت الشيء أحيه وحيًا إذا كتبته، و"السلام": الصخور، والواحدة: سلمة، والهاء في سلامها يرجع إلى المدافع، والمعنى: كما ضمنت الحجارة الكتاب؛ أي: صار فيها. حاصله: أن هذا الرسم قد أخلق فلا يكاد يبين إلا كما يبين الكتاب القديم في الحجارة. 3 - قوله: "دمن": جمع دمنة وهي آثار الناس وما سودوا من البعر وغير ذلك، قوله: "تجرّم" ¬
أي: تكمل، ويقال: مضى، وقوله: "حجج" أي: سنون، قوله: "حلالها وحرامها" أي: شهور الحل منها والحرم، وارتفاعها يجوز أن يكون بطريق البدل من الحجج، ويجوز أن يكون بفعل محذوف تقديره: خلا حلالها وحرامها. 4 - قوله: "خنساء" أراد بها البقرة الوحشية، وخنسها تأخر أنفها في الوجه، يقال: كل بقرة وحشية خنساء، وكل ثور أخنس، قوله: "الفرير" بفتح الفاء وكسر الراء؛ وهو ولد البقرة، ويجمع على: فُرار بضم الفاء، قوله: "لم يرم" أي: لم يبرح، قوله: "عرض الشقائق" وهي قطع غلاظ ما بين كل جبلي رمل شقيقة، و"بغامها" بضم الباء الموحدة؛ وهو صوتها. 5 - قوله: "لمعفر"، المعفر: ولدها الذي كاد أن يعظم فتعفره، وتعفيره أن يترك الرضعة بين الرضعتين حتى يمرن على ترك الرضاع، قوله: "قهد" بفتح القاف وسكون الهاء؛ وهو الذي في لونه بعض الحمرة بصفرة، قوله: "شلوه" أي: عضوه، قوله: "غبر": فاعل تنازع، أراد به ذباب غبر، وهو جمع أغبر؛ من الغبرة في اللون، قوله: "ما يمن طعامها" يعني: أنها تكسب ولا تطعم. 6 - قوله: "صادفن منها" أي: صادفت الذئاب من البقرة فأصبن ولدها، قوله: "إن المنايا": جمع منية وهو الموت، قوله: "لا تطيش" من طاش السهم عن الهدف أي: عدل، والمعنى: أن الموت لا تعدل سهامه عن أحد. الإعراب: قوله: "ولقد علمت": كلام مؤكد بثلاثة أشياء: الأول: واو القسم؛ ولهذا قال سيبويه: كأنه قال: والله لتأتين (¬1)، والثاني: لام الابتداء، والثالث: كلمة قد التي للتحقيق، ثم قوله: "علمت" محتمل الوجهين: أحدهما: أن يكون معلقًا كما ذكره الشراح فيكون "لتأتين" جوابًا لقسم محذوف، وجملتا القسم والجواب في موضع نصب بالفعل المعلق (¬2). والثاني: أن يكون أجري لإفادته تحقيق الشيء وتوكيده مجرى القسم؛ فيخرج حينئذ عن طلب المفعولين ويتلقى بما يتلقى به القسم، وعلى هذا فلا قسم مقدر، والجملة لا محل لها كسائر الجمل التي يجاب بها القسم، ويخرج البيت عن الدليل. قوله: "لتأتين": فعل مضارع مؤكد بالنون الثقيلة، وقوله: "منيتي": كلام إضافي فاعله، ¬
الشاهد الخمسون بعد الثلاثمائة
قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "المنايا": اسمه، وخبره الجملة أعني قوله: "لا تطيش سهامها" وسهامها: مرفوع بتطيش. الاستشهاد فيه: على أن لام القسم أو الابتداء في قوله: "لتأتين منيتي" علقت "علمت" عن العمل؛ أي منعته من الاتصال بما بعده والعمل في لفظه؛ لأن ما له صدر الكلام لا يصح أن يعمل ما قبله فيما بعده. فإن قلت: ما الفرق بين الإلغاء والتعليق؟ فإن المفعولين في كل واحد من الموضعين يرجع إلى أصله وهو الرفع؟ قلت: كل واحد منهما متصل معناه بالجملة، لكن الملغيّ لا عمل له فيها لا لفظًا ولا تقديرًا، وهو منزل معها منزلة حرف مهمل، والمعلق عامل فيها معنًى فهو معها بمنزلة المبني، حقه أن يظهر فيه عمله لولا المانع في المعمول (¬1). الشاهد الخمسون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبلَ عَزَّةَ مَا الهَوَى ... وَلَا مُوجِعَاتِ القَلْبِ حَتى تَوَلَّتِ أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة تائية من ¬
منتخبات قصائده، وأولها هو قوله (¬1): 1 - خَليلَي هَذَا رَبْعُ عَزَّةَ فاعْقِلَا ... قَلُوصَيكُما ثُمّ ابكيَا حيثُ حلّتِ 2 - وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبلَ عَزَّةَ مَا الهَوَى ... وَلَا مُوجِعَاتِ القَلْبِ حتى تَوَلَّتِ 3 - وكانتْ لِقَطْعِ الحَبلِ بيني وبينَها ... كنَاذرَةٍ نَذْرًا فأوفت وحَلّتِ 4 - فقلتُ لها يا عزَّ كل مصيبة ... إذا وُطنَتْ يومًا لها النفسُ ذَلَّتِ 5 - أباحت حمًى لم يرعهُ الناسُ قبلَهَا ... وحلَّتْ تِلَاعًا لم تكُنْ قبلُ حُلَّتِ 6 - هنيئًا مَرِيئًا غيرَ داءٍ مُخَامِرٍ ... لعزةَ منْ أَعْرَاضِنَا ما استَحلَّتِ 7 - ووالله ما قاربتُ إلا تباعَدَتْ ... بِصَرمٍ ولا أكثرتُ إلا أَقَلَّتِ 8 - فَإنْ تَكُنِ العُتْبَى فَأَهْلًا ومرحَبًا ... وحَقتْ لها العُتْبَى لدينا وقَلّتِ 9 - وإنْ تَكُنِ الأخْرَى فإن وراءَنَا ... مَنَادِحَ لَو كلَّفْتُهَا العيسَ كلَّتِ 10 - خليليّ إن الحَاجِبِيّةَ طلَّحَتْ ... قلُوصَيكُمَا ونَاقَتِي قدْ أكَلَّتِ 11 - فلَا يَحسَبُ الواشونَ أن صبابتي ... بعزةَ كانت غَمْرَةً وتَجَلَّتِ 12 - فو الله ثُم الله لا حَلّ قبلها ... ولا بَعْدَهَا مِنْ خُلَّةِ حيثُ حَلَّتِ 13 - ومَا مَرَّ مِنْ يَوم عليَّ كَيَوْمِهَا ... وإنْ عَظُمَتْ أَيامُ أُخْرَى وجَلَّتِ 14 - وإنِّي وتَهْيَامِي بعزَّةَ بعدَمَا ... تخليتُ مما بيننا وتَخَلَّتِ 15 - لكالمُرتَجِي ظلَّ الغَمَامَةِ كُلَّمَا ... تبوّأَ منهَا للمُقِيلِ اضْمَحَلَّتِ 16 - كأني وَإيّاهَا سَحَابَةُ مُمْطِرٍ ... رَجَاهَا فَلَمَّا جاوَزَتْهُ استهَلَّتِ 17 - كَأَني أُنَادِي صَخْرَةً حيَن أعرضَتْ ... من الصُّمِّ لوْ تَمْشِي بها العصمِ زلَّتِ 18 - صفوحًا فَمَا تَلْقَاكَ إلا تَحِلَّةً ... فَمَنْ مَلّ منهَا ذلكَ الوصْلَ ملَّتِ وهي من الطويل. ¬
قوله: "فاعْقِلَا قَلُوصَيكُمَا" أي: شداهما، والقلوص: الشابة من النوق؛ كالفتى من الرجال، قوله: "حتى تولت" أي: أعرضت وأدبرت، قوله: "حمى" الحمى: خلاف المباح، وفي الحديث: "لا حمى إلا لله ورسوله"، قوله: "تلاعًا": جمع تلعة وهي مسيل ماء ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، قوله: "بصرم" أي: بقطع، قوله: "العتبي" بضم العين؛ مصدر بمعنى الإعتاب، قوله: "منادح": جمع مندوحة وهي الأرض الواسعة، وكذلك الأنداح جمع ندح، قوله: "العيس" بكسر العين؛ جمع عيساء وهي إبل [بيض] (¬1) في بياضها ظلمة خفيفة، قوله: "كلت": من الكلال وهو العجز في المشي، قوله: "الحاجبية طلحت" الحاجبية بالحاء المهملة ثم بعد الألف جيم مكسورة وباء موحدة وياء آخر الحروف مشددة، وهي رمل طويل (¬2)، ومعنى طلحت: أهزلت، يقال: ناقة طليح أسفار إذا جهدها السير وقد طَلِحَتْ بكسر اللام، والطليح: المهزول من القردان، قوله: "غمرة" أي: شدة، قوله: "تهيامي" من التهيام -بفتح التاء المثناة من فوق مصدر للمبالغة في الهيام، والهُيام كالجنون من العشق، قوله: "صفوحًا" أي: معرضة؛ كذا قاله ابن دريد (¬3). الإعراب: قوله: "وما كنت": عطف على ما قبله، وما نافية، واسم كان الضمير المتصل به، والجملة أعني قوله: "أدري": خبره، وقوله: "قبل عزة": نصب على الظرف، وقوله: "ما الهوى": مفعول أدري، قوله: "ولا موجعات القلب" بالنصب: عطف على قوله: "ما الهوى"، قوله: "حتى" للغاية بمعنى: إلى؛ أي: إلى [أن تولت] (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا موجعات القلب" حيث عطف بنصب التاء على محل مفعول أدري، وأدري بمعنى أعلم يقتضي مفعولين، وما الاستفهامية في قوله: "ما الهوى" علق أدري عن العمل لفظًا لا محلًّا؛ لأن التعليق هو: إبطال العمل لفظًا لا محلًّا لمجيء ما له صدر الكلام بعده، وهو كثير، منه: حرف الاستفهام، والعامل المعلق له عمل في المحل، ويعطف عليه بالنصب عطفًا على المحل؛ كما في قوله: "ولا موجعات القلب" فافهم (¬5). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الثلاثمائة
الشاهد الحادي والخمسون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) كَذَاكَ أُدِّبْتُ حتى صَارَ مِنْ خُلُقِي ... أَني رَأَيْتُ ملَاكُ الشيمَةِ الأَدَبُ أقول: قائله هو بعض الفزاريين، وقبله: أُكنِيه حينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ ... ولَا أُلقِّبهُ والسوْأَةَ اللقَبُ وقد روي هذا الشعر مرفوع القافية كما أورده الشراح (¬3)، ووقع في الحماسة منصوب القافية: ملاك الشيمة الأدبا، والسوأة اللقبا (¬4). وهما من البسيط. قوله: "ملاك الشيمة" بكسر الميم وفتحها، قال الجوهري: ملاك الأمر وملاكه: ما يقوم به (¬5)، والشيمة -بكسر الشين المعجمة: الخلق. الإعراب: قوله: "كذاك": إشارة إلى ما ذكر من قوله: "أُكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ" في البيت الذي قبله، والكاف للتشبيه، أي: كمثل الأدب المذكور أدبت، وهو على صيغة المجهول، والضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل. قوله: "حتى": للغاية بمعنى إلى، والمعنى: إلى أن صار من خلقي، وكلمة من تتعلق بصار، قوله: "أني" بفتح الهمزة فاعل صار، والضمير المتصل اسم أن، وقوله: "رأيت": خبره، قوله: "ملاك الشيمة": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "الأدب"، والجملة مفعول لقوله "رأيت"، ويروى: "أني وجدت" موضع "رأيت". ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: حيث ألغي عمل رأيت لكون لام الابتداء مقدرة فيه، والتقدير: لملاك الشيمة الأدب؛ هكذا أوله النحاة، واستشهدوا به مع أنه لا ضرورة في ذلك إلى تقدير لام الابتداء؛ لأجل إلغاء عمل رأيت على أن القافية منصوبة في الحماسة؛ كما ذكرناه، وسيجيء تحقيق الكلام فيه في شواهد المفعول معه. ثم إن الأخفش والكوفيين استدلوا بالبيت المذكور أن العامل المقدم يجوز إلغاؤه، وأجيب عن ذلك بأن الإلغاء هاهنا باللام المقدرة؛ كما ذكرنا، فلما حذفت بقي التعليق، وهاهنا جوابان آخران ذكرا في التوضيح (¬1). الشاهد الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) أَرْجُو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا ... وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْويلُ أقول: قائله هو كعب بن زهير بن أبي سلمى الصحابي -رضي الله تعالى عنه-، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬4): بَانَتْ سُعَادُ فَقُلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَم يُفْدَ مَكْبُولُ وهي من البسيط. ¬
قوله: "وآمل": مضارع المتكلم وحده؛ من أمل يأمل من باب نصر ينصر، قوله: "أن تدنو": من الدنو وهو القرب، قوله: "إخال" بكسر الهمزة وهو الأصح (¬1)، ومعناه: أظن، قوله: "تنويل": من قوله: نولته بالتشديد إذا أعطته نوالًا وهو العطية. الإعراب: قوله: "أرجو": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، قوله: "وآمل": جملة -أيضًا- عطف على الجملة التي قبلها. وقد قيل: إن فيه عطف الشيء على نفسه؛ لأن الرجاء والأمل بمعنى واحد. وأجيب: بأن اختلاف اللفظ قد جوز ذلك؛ كما في قوله تعالى: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران: 146]، وهذا العطف من خصائص الواو. قوله: "أن تدنو": في محل النصب على المفعولية، وأن مصدرية، والتقدير: أرجو وآمل دنو مودتها، وإنما سكنت الواو لأجل الضرورة، قوله: "وما" للنفي، و"إخال" مضارع للمتكلم بمعنى أظن. قوله: "تنويل": مبتدأ، وخبره قوله: "لدينا" مقدمًا عليه، قوله: "منك": حال من التنويل، والتقدير: ما أظن تنويلًا عندنا حال كونه حاصلًا منك، وذكر في شرح اللمع أن "ما" في قوله: "وما إخال" بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء، والمفعول الأول العائد على الذي محذوف، وجاز حذفه للعلم به، "ولدينا" المفعول الثاني، "وتنويل": خبر ما الذي هو مبتدأ (¬2). الاستشهاد فيه: هو جواز إلغاء الفعل القلبي المقدم على مفعوليه، وبهذا استدل الأخفش والكوفيون على أن العامل المقدم يجوز الغاؤه (¬3). ويقال: إنما ألغي عمل إخال هاهنا لتوسطها بين النافي وهو ما وبين المنفي، ويقال: علقها عن العمل لام مقدرة، أي: وما إخال للدنيا. ويقال: ليست هي ملغاة ولا معلقة؛ بل هي معمولة، ولكنه حذف المفعول الأول أي: وما إخاله، أي: وما إخال الأمر والشأن، فضمير الشأن هو المفعول الأول، والجملة - أعني: لدينا منك تنويل في ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة
محل النصب على أنها المفعول الثاني (¬1). وقال الشيخ أبو الفتح البعلي في شرح الجرجانية: إذا تقدم الفعل على الجزأين ولم يتقدم عليه بعض الكلام ترجح الإعمال؛ كقولك: ظننت زيدًا مقيمًا، وإن تقدم عليه بعض الكلام ترجح الإهمال؛ كقول كعب بن زهير: أرجو وآمل ................... ... .............. إلى آخره فألغي إخال لتقدمه على الجزأين وتقدم بعض الكلام عليه (¬2)، وفيه شواهد أخرى: الأول: فيه عطف الشيء على نفسه، وقد أجبنا عنه (¬3). الثاني: فيه تسكين المنصوب المعتل بالواو للضرورة (¬4). الثالث: فيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب (¬5). الرابع: فيه أن يقال آمل بالتخفيف يأمل؛ كقتل يقتل، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أنه إنما يقال: أمّل بالتشديد فافهم. الشاهد الثالث والخمسون بعد الثلاثمائة (¬6) , (¬7) بِأَي كتَاب أم بِأَية سُنَّةٍ ... تَرَى حبَّهُم عارًا عليَّ وتحسبُ أقول: قائله هو الكميت بن زيد الأسدي، وقد ترجمناه فيما مضى. ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد الثلاثمائة
وهو من الطويل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "بأي": متعلق (¬1) بقوله: "ترى"، وقوله: "أم بأية سنة": عطف على [قوله: "] (¬2) بأي كتاب" قوله: "ترى": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "حبهم": كلام إضافي مفعوله الأول، وقوله: "عارًا": مفعوله الثاني، وقوله: "عليَّ": يتعلق به، وقوله: "تحسب": عطف على "ترى"، ومفعولاه محذوفان تقديره: وتحسبه عارًا عليَّ. الاستشهاد فيه: حيث حذف منه المفعولان، وهو جائز بالإجماع وذلك؛ لأجل الاختصار، ولكن عند قيام القرينة، وليس ذلك بمطلق فافهم. الشاهد الرابع والخمسون بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) ولقد نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غيرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلَةِ المحبِّ الأَكْرَمِ أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬5): 1 - هَلْ غَادَرَ الشعراءُ منْ مُتردِّمٍ ... أمْ هَلْ عَرَفْتِ الدارَ بعدَ توهُّمِ 2 - أعياك رسمُ الدارِ لم يَتَكَلَّمِ ... حتى تكلّم كالأَصَمِّ الأَعْجَمِ 3 - ولقدْ حَبَسْتُ بهَا طويلًا ناقَتِي ... أَشْكُو إِلَى سُفْعٍ رواكِدَ جُثَّمِ 4 - يا دارَ عبلَةَ بالجواءِ تكلَّمي ... وعِمِي صباحًا دَارَ عَبلَةَ واسْلَمِي إلى أن قال: 5 - عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وأقتُلُ قومَها ... زعمًا وربُّ البيتِ ليسَ بمزعمِ 6 - ولقدْ نزلت ............. ... ....................... إلى آخره ¬
7 - كيفَ المَزارُ وقدْ تربَّعَ أَهْلُهَا ... بعنيزتَيِن وأهلنَا بالعَيلَمِ 8 - إن كنتِ أزمعتِ الفراقَ فإنما ... زُمَّتْ رِكَابُكم بلَيل مظْلِمِ وهي من الكامل. 1 - قوله: "هل غادر" أي: هل ترك الشعراء؟ وهو جمع شاعر، و"المتردم": من ردمت الشيء إذا أصلحته وقويت ما وهي منه، يقول: ما أبقى الشعراء لأحد معنى إلا وقد سبقوا إليه، قوله: "بعد توهم": من توهمت الشيء إذا أنكرته فتثبت فيه وطلبت حقيقته. 2 - قوله: "أعياك" أي: أعجزك، يعني: أخفى رسم الدار عليك لدروسه فلم تستبن به الدار إلا بعد إنكار وتثبت؟ وضرب لذلك مثلًا بقوله: لم يتكلم حتى تكلم كالأصم الأعجم، أي: لم يبين لك أولًا أهي الدار التي عهدت أم لا؟ حتى بينها آخرًا بعد جهد ومشقة؟ 3 - قوله: "سفع" بضم السين المهملة وسكون الفاء وفي آخره عين مهملة؛ وهو السواد يضرب إلى الحمرة، وأراد بها الأثافي السود، و"الرواكد": المقيمة الثابتة، و"الجثم" بضم الجيم وتشديد الثاء المثلثة، ومعناه: اللاصقة بالأرض الثابتة فيها، وأصله من جثم الطائر إذا لصق بالأرض. 4 - قوله: "بالجواء" بكسر الجيم؛ وهو المطمئن من الأرض المتسع، ويقال: هو موضع بعينه (¬1)، قوله: "عمي صباحًا" أي: انعمي صباحًا وهي تحية أهل الجاهلية، قوله: "واسلمي": دعاء لها بالسلامة من الدروس والتغير. 5 - قوله: "علقتها عرضًا" أي: اعترضني حبها من غير أن أرومه وأتعرض له وأنا مع ذلك أقتل قومها، فكيف أحبها وأنا أقتلهم؟ وإنما يريد أن قومها أعداء له فلا سبيل له إليها، فأنكر لذلك حبه لها، فقال مخاطبًا نفسه: هذا فعل ليس يفعل، وضرب الزعم مثلًا، والزعم إنما هو في الكلام دون الفعل، وإنما يريد أن حبه لها ليس له ظاهر يوجبه لقتله قومها، فكأنه ليس بحب. 6 - قوله: "ولقد نزلت إلى آخره" يعني: أنت عندي بمنزلة المحب المكرم فلا تظني غير ذلك، و"المحب" بفتح الحاء؛ بمعنى المحبوب، والمستعمل في الكلام: المحبوب، ولكنه أجراه على أصله من أحببت، قوله: "الأكرم" (¬2) لتفضيل المفعول، والدليل عليه ما جاء في بعض الروايات المكرم على صيغة الفعول من الإكرام. 7 - قوله: "كيف المزار" يعني: كيف لي أن أزورها وأهلها متربعون بموضع لا مرتبع فيه؟ ¬
وتربع: من الربيع بمنزلة تصيف من الصيف، أي: نزلوا عنيزتين في الربيع وهي موضع، و"أهلنا نزلوا بالعيلم"، وهي -أيضًا- موضع، وهو -أيضًا- البئر الغزيرة الماء، و"العنيزتان" بضم العين المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح الزاي المعجمة، والعيلم بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح اللام. 8 - قوله: "أزمعت" أي: أجمعت، أراد أنهم فاجأوه بالرحيل ولم يعلم به قبل ذلك، فذلك أشد عليه وأبعث لجزعه. الإعراب: قوله: "ولقد" الواو للقسم واللام للتأكيد وقد للتحقيق، وجواب القسم قوله: "فلا تظني غيره"، و"نزلت": جملة من الفعل والفاعل وهو بكسر التاء خطاب للمؤنث، قوله: "مني" يتعلق به، والباء في: "بمنزلة" بمعنى في؛ أي: نزلت مني في منزلة الشيء المحبوب المكرم (¬1). قوله: "فلا تظني": نهي معترض بين الجار والمجرور وبين متعلقه، وقوله: "غيره": مفعول أول لتظني، ومفعوله الثاني محذوف تقديره: فلا تظني غيره واقعًا؛ أي: غير ما ذكر من نزولك مني في منزلة المحب المكرم، وفيه الاستشهاد؛ حيث حذف المفعول [الثاني] (¬2) لقوله: "فلا تظني"، وهذا الحذف للاختصار دون الاقتصار، وهو جائز عند الجمهور خلافًا (¬3) لابن ملكون (¬4). ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة
الشاهد الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) عَلِمْتُكَ البَاذِلَ المَعْرُوفَ فانْبعَثَتْ ... إِلَيكَ بي وَاجفَاتُ الشَّوْق والأَمَل أقول: هو من البسيط. قوله: "الباذل": من البذل -بالذال المعجمة وهو الصرف، و"المعروف": اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات الغالبة، أي: أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه. قوله: "فانبعث": [من انبعث] (¬3) فلان لشأنه إذا ثار ومضى ذاهبًا لقضاء حاجته، وهو مطاوع بعث، والبعث في اللغة: الإثارة، يقال: بعثت الناقة؛ أي: أثرتها، قوله: "واجفات الشوق" أراد بها دواعي الشوق والأمل وأسبابها التي شوقته إلى الانبعاث إليه لأجل معروفه، وأصله: من الوجيف، وهو ضرب من سير الإبل والخيل، و"الشوق": نزاع النفس إلى الشيء، و"الأمل": الرجاء. الإعراب: قوله: "علمتك": جملة من الفعل والفاعل وهو التاء والمفعول وهو الكاف وهو المفعول الأول، وقوله: "الباذل المعروف" هو المفعول الثاني، ويجوز في المعروف الجر بالإضافة والنصب على المفعولية [قوله: "فانبعثت" الفاء للتعليل، وقوله: "بي": صلته في محل النصب على المفعولية] (¬4)، وقوله: "إليك": معترض بينهما، ومحله النصب على الحال من قوله: "واجفات الشوق" وهو فاعل انبعثت، والتقدير: فانبعثت بي واجفات الشوق قاصدة إليك أو متوجهة إليك، قوله: "والأمل": عطف على الشوق. الاستشهاد فيه: في قوله: "علمتك" حيث نصب فيه علمت مفعولين كما ذكرناه (¬5). ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الثلاثمائة
الشاهد السادس والخمسون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضًا ... وردّ وُجُوهَهُنُّ البِيضَ سُودَا أقول: قائله هو عبد الله بن الزَّبير -بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة الأسدي (¬3)، وهو من قصيدة دالية أولها قوله (¬4): 1 - رَمَى الحَدَثَان نِسْوَةَ آل حَربٍ ... بِمِقْدَارٍ سُمِدْنَ لَهُ سُمُودَا 2 - فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ ............. ... ..................... إلى آخره 3 - وإنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ بُكَاءَ هِنْدٍ ... وَرَمْلَةَ إِذْ تَصُكَّانِ الخُدُودَا 4 - بَكَيتَ بُكَاءَ مُعْوَلَةٍ حزِين ... أصَابَ الدهرُ واحدَهَا الفَقِيدَا وهي من الوافر. وأخذها عبد الله بن الزبير من قول أعرابي نالته مصيبة، فقال: إنها والله مصيبة جعلت سوداء الرؤوس بيضاء وبيض الوجوه سوداء، وهونت المصائب وشيبت الذوائب. 1 - قوله: "رمى الحدثان" أي: الليل والنهار (¬5)، قوله: "سمدن" على صيغة المجهول؛ أي: أحزن وأسكتن (¬6)، والسامد: الساكت، والسامد: الحزين والخاشع، ومنه: التسميد من سمّد رأسه إذا استأصل شعره. 3 - قوله: "إذ تصكان": من الصك وهو اللطم. ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الثلاثمائة
4 - قوله: "معولة": من أعولت المرأة إعوالًا؛ أي: صاحت، والعويل: الصياح. الإعراب: قوله: "فرد" الفاء للعطف، و"رد": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الذي يرجع إلى قوله: "بمقدار" وهو يقتضي مفعولين؛ لأنه بمعنى صير؛ فلذلك عدوه من أفعال التحويل فمفعوله الأول هو قوله: "شعورهن"، [ومفعوله] (¬1) الثاني هو قوله: "بيضًا" وهو جمع أبيض. وقوله: "السود" بالنصب: صفة للشعور، وهو جمع أسود، وكذلك الكلام في الشطر الثاني، وفي هذا البيت من فن البديع العكس والتبديل، وهو أن يقدم في الكلام جزءًا ثم يؤخر، ويقع على وجوه: منها: أن يقع بعد أحد طرفي جملة وما أضيف إليه؛ كقول بعضهم: عادات السادات، سادات العادات. ومنها: أن يقع بين متعلقي فعلين في جملتين؛ كقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19]، ومنه البيت المذكور، فإنه قدم السود على البيض في الجملة الأولى وأخره عنه في الجملة الثانية (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "رد" في الموضعين فإنه بمعنى صير؛ حيث نصب مفعولين كما ذكرناه (¬3). الشاهد السابع والخمسون بعد الثلاثمائة (¬4) , (¬5) إِنَّ المحبّ عَلِمْتِ مُصْطَبِرٌ ... وَلَدَيْهِ ذَنْبُ الحبِّ مُغْتَفَرُ أقول: هو من الكامل. ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد الثلاثمائة
قوله: "ذنب الحب" بكسر الحاء بمعنى المحبوب؛ كالذبح بمعنى المذبوح، والطحن بمعنى المطحون، وقد يجيء الحب بالكسر بمعنى المحبة -أيضًا- والحب بالضم. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، فقوله: "المحب": اسمه منصوب، وقوله: "مصطبر": خبره، وهما مفعولان لقوله: "علمت"، ولكن ألغي عمله لتوسطه بينهما، قوله: "ولديه" أي: عنده، نصب على الظرف، والعامل فيه قوله: "مغتفر"، وقوله: "ذنب الحب": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "مغتفر": خبره. الاستشهاد فيه: على إلغاء عمل "علمت" لتوسطه بين مفعوليه؛ إذ أصل الكلام: علمت المحب مصطبرًا، ثم توسط العامل فصار: المحب علمت مصطبرًا، ثم ألغي العامل، وحينئذ اتجه دخول إن على الجملة (¬1). الشاهد الثامن والخمسون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) شَجَاكَ -أَظُنُّ- رَبْعُ الظَّاعنينَا ... وَلَم تَعْبَأ بعَذْلِ العَادلِينَا أقول: هو من الوافر. قوله: "شجاك": من شجاه يشجوه إذا أحزنه، والشجو: الهم والحزن، قوله: "ربع الظاعنين" بالظاء المعجمة، من ظعن إذا سار ظعنًا، وظعنًا بسكون العين وتحريكها، وقرئ بهما في قوله تعالى (¬4): {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80]، و "الربع" بفتح الراء وسكون الباء الموحدة وبالعين المهملة، هو الدار بعينها حيث كانت، وتجمع على: رباع وربوع وأرباع وأربع، والربع: المحلة أيضًا-، قوله: "ولم تعبأ، أي: لم تلتفت؛ من قولهم: ما عبأت بفلان عبأ؛ أي: ما بليت به، وكان يونس لا يهمز (¬5)، ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة
و"العذل" بالذال المعجمة؛ اللوم. الإعراب: قوله: "شجاك": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "ربع الظاعنين": كلام إضافي فاعله، وقوله: "أظن": معترض بين الفاعل والمفعول، ألغي عن العمل لتوسطه، ومنهم من نصب الربع فوجهه أن يكون مفعولًا أولًا لقوله "أظن"، وتكون جملة "شجاك" في موضع النصب على أنها مفعول ثان مقدمًا، وفاعله ضمير مستتر راجع إلى الربع؛ لأنه مؤخر لفظًا مقدم تقديرًا؛ إذ أصله التقديم على شجاك، قوله: "ولم تعبأ": جملة حالية، والباء في قوله: "بعذل": يتعلق به، والألف في "الظاعنينا" "والعاذلينا" ألف إشباع. الاستشهاد فيه: في قوله: "أظن" حيث ألغي عمله لتوسطه بين مفعوليه كما ذكرناه (¬1). الشاهد التاسع والخمسون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) وَمَنْ أَنْتُمُ إِنَّا نِسِينَا مَنَ أَنْتُمُ ... وَريحُكُم منْ أَيِّ رِيح الأَعَاصر أقول: قائله هو زياد الأعجم (¬4)، سمي به؛ لأن مولده ومنشأه كان بفارس، وهو من قصيدة ¬
رائية، وأولها هو قوله (¬1): 1 - قَضَى اللهُ خَلْقَ النَّاسِ ثُم خُلِقْتُم ... بَقِيَّةَ خَلْق الله آخِرَ آخِرِ 2 - فلمْ تَسمَعُوا إلا بِمَنْ كانَ قبلكُم ... ولم تُدْرِكُوا إلا مِدَقَّ الحَوَافِرِ 3 - ومن أنتم ................. ... ........................ إلى آخره 4 - وأنتُمْ أُولَى جِئتُمْ مَعَ البقْلِ والدُّبَى ... فَطَارَ وهذَا شَخْصُكُمْ غَيرُ طَائرِ وهي من الطويل. 2 - قوله: "إلا مدق الحوافر" المدق: موضع وقع الحوافر، يقول: سمعتم بمن كان قبلكم ولم تدركوهم لحداثة ولادتكم؛ أي: ليس لكم قدم ولم تكونوا إلا أذلة يطؤكم كل حافر. 3 - قوله: "الأعاصر": جمع إعصار، وأصله: الأعاصير ولكنه خفف، والإعصار: ريح تثير الغبار وترفع إلى السماء كأنه عمود، قال الله تعالى: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [البقرة: 266] ويقال: هي ريح تثير سحابًا ذات رعد وبرق، وفي المثل (¬2): "إن كنت ريحًا فقد لا قيت إعصارًا" وإنما خصها بالذكر؛ لأنها لا تسوق غيثًا ولا تلقح شجرًا، فضرب لهم المثل لقلة الانتفاع بهم، وهم يجعلون الريح كناية عن الدولة فيقال: فلان قد ذهبت له ريح. فإن قلتَ: ما هذه الإضافة في قوله: "ريح الأعاصر" فهل هي إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن الإعصار ريح؛ فيكون التقدير: من أي ريح الريح؟ قلتُ: الإعصار ريح مخصوصة وهي الريح التي فسرناها، فتكون الإضافة فيه من قبيل إضافة العام إلى الخاص. 4 - قوله: "فأنتم أولى جئتم" يعني: أنتم الذين جئتم مع البقل، وأولى: بمعنى الذين، ويروى: "أأنتم أولى جئتم"، و: "الدَبى" بفتح الدال المهملة والباء الموحدة؛ صغار الجراد، يقول: ما عهدناكم قبل الخصب ولا رأينا لكم أثرًا، فلما أخصب الناس نبغتم، فكأنكم إنما جئتم مع البقل والدبى فطار وبقي شخصكم، يرميهم بأنهم لا أصل لهم. الإعراب: قوله: "ومن": استفهامية في محل الرفع بالابتداء، وخبره قوله: "أنتم"، قوله: "إنا نسينا": جملة مؤكدة بإن، قوله: "من أنتم": جملة من المبتدأ والخبر في محل النصب على المفعولية، ¬
الشاهد الستون بعد الثلاثمائة
قوله: "وريحكم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره: "من أي ريح الأعاصر"، وقد قيل: يجوز أن يجعل من بمعنى الذي، وقد حذف بعض صلته؛ كأنه قال: إنا نسينا الذين هم أنتم، والأول أوجه. الاستشهاد فيه: على أنه علق: "نسي" بالاستفهام حملًا على نقيض النسيان وهو العلم؛ كذا قاله ابن الناظم (¬1)، وليس الأمر كذلك بل النسيان من أفعال القلوب، وأفعال القلوب يجوز تعليقها بالاستفهام؛ كما في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19]، وقوله تعالى: {فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]، و {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184]، و {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]. ثم البيت لا دليل فيه لاحتمال تقدير تمام الكلام عند قوله: "نسينا"، ثم يبتدئ "من أنتم" توكيدًا لمثله في أول البيت (¬2)، ولا قاطع فيه -أيضًا- لاحتمال كون "ما" موصولة حذف العائد الذي هو صدر صلتها مع عدم طول الصلة كما ذكرناه فافهم (¬3). الشاهد الستون بعد الثلاثمائة (¬4) , (¬5) أَبُو حَنَشٍ يُؤَرِّقُنِي وطَلْقٌ ... وَعَمَّارٌ وآونَةً أُثَالا (¬6) أَرَاهُم رِفْقَتِي حتى إِذَا مَا ... تَجَافَى الليلُ وانْخَزل انخزالا إذَا أنَا كالذي يَجْرِيَ لِوَرْدٍ ... إلى آلٍ فلم يُدْرِكْ بِلَالا أقول: قائله هو عمرو بن أحمر الباهلي (¬7)، وهي من قصيدة يذكر جماعة من قومه لحقوا ¬
بالشام فصار يراهم إذا أتى أول الليل. وهي من الوافر وفيه العصب والقطف، وأولها هو قوله (¬1): 1 - أبَتْ عَينَاكَ إلا أَن تُلِحَّا ... وتَحْتَالا بِمَائِهمَا احْتِيَالا 2 - كَأنهُمَا سُعَيْفَا مُستَغِيث ... يرجى طالعًا بهما ثقالًا 3 - وَهَي خرزَاهُمَا فَالماء يَجْرِي ... خِلالهمَا ويَنْسَلُّ انْسِلالا 4 - عَلَى حَيَّيِن فيِ عَامَيِن شتَّى ... فَقَدْ عَنَّى طلابهُمَا وطَالا 5 - فأية لَيلَةٍ تَأْتِيكَ سهوًا ... فتُصْبِحَ لا تَرَى منْهم خَيَالا 6 - أبو حنش يؤرقني ....... ... ................... إلى آخره وأنشد سيبويه في كتابه بيتًا آخر قبل قوله: "أبو حنش" وهو (¬2): أرَى ذَا شَيبَةٍ حَمَّال ثِقْلٍ ... وأبْيضَ مثلَ صَدْر الرُّمحِ نَالا 1 - قوله: "إلا أن تلحا": من ألح السحاب: دام مطره، وقال الأصمعي: ألح السحاب بالمكان: أقام به مثل: ألث، وهو بالحاء المهملة (¬3). 2 - قوله: "سعيفا مستغيث" بضم السين المهملة وفتح العين؛ تصغير سُعف بضم السين -أيضًا- وهي قربة تقطع من نصفها وينبذ فيها، وربما استقى بها كالدلو، والمستغيث: الذي يطلب الغيث وهو المطر [قوله: "] (¬4) يرجى" بتشديد الجيم. 4 - قوله: "على حيين": يتعلق بقوله: "أن تلحا"، قوله: "سهوًا" أي: سكونًا ولينًا. 6 - قوله: "أبو حنش" بفتح الحاء المهملة والنون وفي آخره شين معجمة، وهو كنية رجل، و"الحنش" في الأصل: كل ما يصاد من الطير والهوام، ويجمع على أحناش، والحنش -أيضًا- الحية، ويقال: الأفعى، قوله: "يؤرقني" من أرقه تأريقًا إذا أسهره، وثلاثيه: أرق بكسر الراء إذا سهر. قوله: "وطلق" بفتح الطاء المهملة وسكون اللام وفي آخره قاف؛ وهو اسم رجل هاهنا، وفي الأصل: هو ضرب من الأدوية، ويقال: طلق الوجه وطلق اليدين؛ أي: سمح، وطلق اللسان، ويوم طلق، وليلة طلق -أيضًا- إذا لم يكن [فيهما] (¬5) برد ولا شيء يؤذي، و"الطلق": وجع ¬
الولادة، وأما الطلق بالتحريك فهو قيد من جلود، ويقال -أيضًا- عدا عداء الفرس طلقًا أو طلقين أي: شوطًا أو شوطين. قوله: "وعمار" بتشديد الميم؛ اسم رجل، وكذلك: "أثال": اسم رجل، وأصله: أثالة، فرخم وهو بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة، قوله: "وآونة": جمع أوان، وهو الزمان، ويجمع الزمان على أزمنة، وأصلها: أأونة بهمزتين ثانيتهما ساكنة فقلبت الثانية ألفًا فصار: آونة. 7 - قوله: "رِفقتي" بكسر الراء؛ جمع رفيق، قوله: "تجافى الليل" أي: انطوى وارتفع، قوله: "وانخزل" أي: انقطع؛ من الخزل وهو القطع، ومادته: خاء وزاي معجمتان ولام. 8 - قوله: "لورد" بكسر الواو وهو خلاف الصدر؛ من ورد الماء، قوله: "إلى آل" [أي: إلى سراب] (¬1)، قال الجوهري: الآل: الذي تراه أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس هو السراب (¬2)، قوله: "بلالًا" بكسر الباء الموحدة، وهو ما يبل به الحلق من الماء واللبن، وأراد به هاهنا الماء، يقال: ما في سقائك (¬3) من بلال؛ أي: ماء. الإعراب: قوله: "أبو حنش": مبتدأ، وقوله: "يؤرقني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، قوله: "وطلق": عطف على أبي حنش، "وعمار": عطف عليه، قوله: "وآونة أثالا" أصل أثالا: أثالة، وفي هذا التركيب محذوران: الأول: هو الفصل بين حرف العطف والمعطوف؛ وذلك لأن تقدير الكلام: وعمار وأثالة آونة؛ ففصل بين واو العطف وبين أثال الذي هو المعطوف على عمار بقوله: "آونة"، و"آونة": نصب على الظرف (¬4). المحذور الثاني: الترخيم في: "أثال"؛ لأن أصله أثالة كما ذكرنا فرخمه لأجل الضرورة ولتعتدل القوافي (¬5). ¬
وعندي هاهنا وجه آخر: وهو أن تكون الواو في "آونة" بمعنى الباء التي هي حرف الجر التي تأتي بمعنى الظرف، والتقدير: بآونة، أي: في آونة، أي: في أزمان، ويكون أصل: أثالا وأثالا بحرف العطف فحذف حرف العطف لأجل الضرورة، وحَذْفُ حرف العطف في الشعر كثير، وعلى كل تقدير: لا يخلو هذا التركيب من المحذور والتعسف. فإن قلتَّ: هل تأتي الواو بمعنى باء الجر؟ قلتُ: نعم؛ كما يقال أنت أعلم ومالك، أي: بمالك، وبعت الشياه شاة ودرهما، أي: بدرهم (¬1)، قوله: "أراهم رفقتي" أرى هاهنا بمعنى أعلم؛ لأنه من أرى الرؤيا؛ لأنه إدراك بالحس الباطن كالعلم، فأجري مجراه في اقتضائه المفعولين، فقوله: "هم" مفعوله الأول. وقوله: "رفقتي": كلام إضافي مفعوله الثاني، وقوله: "حتى" هاهنا حرف ابتداء؛ أي: حرف يبتدأ بعده الجملة يعني: تستأنف، وكلمة: "إذا" للظرف، وكلمة: "ما" زائدة، ويجوز أن يكون حتى حرف جر، وإذا في موضع جر بحتى؛ كما ذكر الأخفش نحوَه في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ} [آل عمران: 152] (¬2). قوله: "تجافى": فعل ماض و "الليل": فاعله، قوله: "وانخزل": عطف على تجافى، و"انخزالًا": نصب على المصدرية. قوله: "إذا" للمفاجأة، و"أنا": مبتدأ، وخبره قوله: "كالذي" أي: كالرجل الذي، قوله: "أجري" على صيغة المجهول؛ صلة الذي، ويروى: "كالذي يجري" وهو الأشهر. قوله: "لورد" اللام فيه للتعليل، أي: لأجل الورد إلى الماء، قوله: "إلى آل": يتعلق بقوله: "أجري"، قوله: "فلم يدرك": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بلالًا": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "أراهم رفقتي" حيث نصب أرى التي من الرؤيا مفعولين، وهما: الضمير، وقوله: "رفقتي" كما ذكرنا (¬3). ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الثلاثمائة
الشاهد الحادي والستون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) قَالتْ وَكُنْتُ رَجُلًا فَطِينًا ... هَذَا لَعَمْرُ الله إِسْرَائينَا أقول: قائله [هو] (¬3) أعرابي صاد ضبًّا وأتى به إلى أهله، فرأته امرأته، فقالت: هذا لعمر الله إسرائين [أي]، (¬4) ما مسخ من بني إسرائيل، وقال أبو منصور موهوب بن الجواليقي (¬5) في معربه: يجوز في إسرائيل: إسرال، وإسرائين بالنون، وقال أعرابي: صاد ضبًّا فجاء به إلى أهله، وأنشد يقول: قال أَهْلُ السُّوقِ لَمَّا جِينَا ... هَذَا وَرَبِّ البَيتِ إسْرَائِينَا (¬6) وهو من الرجز المسدس. قوله: "فطينًا": من الفطنة وهو الذكاء، وقد فطن بالكسر فطنة وفطانة وفطانية، قال الجوهري: الفطنة كالفهم، تقول: فطنت للشيء بالفتح ورجل فطِن وفطَن (¬7)، قوله: "لعمر الله" بفتح اللام وفتح العين، قال سيبويه: العَمر والعُمر -بفتح العين وضمها واحد إلا أنهم لا يستعملون في القسم إلا الفتح لكثرة القسم في كلامهم (¬8). قوله: "إسرائينا" بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وفتح الراء بعدها همزة مكسورة وبعدها نون، وهو لغة في إسرائيل باللام في آخره، وكذلك: يقال في إسرافيل باللام: إسرافين بالنون، وفي: جبرائيل: جبرائين، وفي ميكائيل: ميكائين، قال الجوهري: إسرائيل: اسم يقال: هو مضاف إلى إيل (¬9)؛ قال الأخفش هو يهمز ولا يهمز، قال: ويقال في لغة: إسرائين بالنون؛ كما قالوا: جبرين وإسماعين (¬10)، قلت: ذكره في باب سرى، يقال: سريت سرى ومسرى وأسريت ¬
بمعنى إذا سرت ليلًا، وبالألف لغة أهل الحجاز، وجاء القرآن بهما جميعًا، وعن هذا قالوا: إنما سمي يعقوب - عليه السلام - إسرائيل؛ لأنه كان يسري بالليل ويكمن بالنهار لما هرب من أخيه عيص، وحكايتهما مشهورة، ويقال: إشر بمعنى عبد، وإيل بمعنى الله، ومعناه: عبد الله. الإعراب: قوله: "قالت": جملة من الفعل والفاعل بمعنى ظنت، وقوله: "هذا": مبتدأ، و"إسرائينا": خبره، وكلاهما مفعولان لقالت على لغة سليم؛ لأنهم يُجْرُون القول مجرى الظن، والخبر في الحقيقة محذوف تقديره: هذا لعمر الله ممسوخ إسرائين، أي: بني إسرائيل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وأشبعت حركة النون بالألف. ويقال: أصله: هذا إسرائيننا بالإضافة والرفع، ثم حذفت النون الأولى تخفيفًا لاجتماع النونين وبقيت نون: "نا" وهي مفتوحة (¬1). قوله: "لعمر الله": مبتدأ محذوف الخبر تقديره: لعمرو الله يميني، أو قسمي، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، قوله: "وكنت" التاء اسم كان، و"رجلًا": خبره، و"فطينًا": صفته، والجملة معترضة بين القول ومعموليه. الاستشهاد فيه: في نصب: "قالت هذا إسرائينا" لكونه بمعنى ظن (¬2) على لغة سليم؛ كما ذكرنا (¬3). قال الشيخ أبو حيان رحمه الله: وليس المعنى على ظنت؛ لأن هذه المرأة الخبر عنها رأت عند هذا الشاعر ضبًّا، فقالت: هذا إسرائين؛ لأنها تعتقد في الضباب أنها من ممسوخ بني إسرائيل، وقولها ذلك ليس عن ظن منها، وإنما هو عن اعتقاد اعتقدته وقطعت به، وإلى هذا المذهب ذهب أبو الحسن بن خروف والأعلم (¬4). ¬
الشاهد الثاني والستون بعد الثلاثمائة
وقال ابن عصفور: ولا حجة في ذلك لاحتمال أن يكون القول في البيت غير مجرى مجرى الظن في العمل؛ بل يكون هذا مبتدأ وإسرائين خبره على تقدير مضاف محذوف، أي: مسخ إسرائين، فحذف المضاف ولم يقم المضاف إليه مقامه في الإعراب على قراءة من قرأ: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] بخفض الآخرة (¬1). وقال الشيخ: وقد يمكن أن يكون أراد بقالت ظنت، وكأنها لما قالت هذا إسرائين معتقدة أن الضباب من ممسوخ بني إسرائيل ولم يكن اعتقادها ذلك عن دليل قاطع، فجعل ما اعتقدته من ذلك ظنًّا منها (¬2). الشاهد الثاني والستون بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) مَتَى تُقُولُ القُلُصَ الرَّوَاسِمَا ... يَحْمِلْنَ أُمّ قَاسِمٍ وقَاسمَا أقول: قائله هو هدبة بن خشرم -بفتح الخاء المعجمة بعدها شين معجمة وراء مهملة- العذري شاعر متقدم من بادية الحجاز، وكان راوية الحطيئة، وكان جميل راوية هدبة هذا، وكان كثير راوية جميل، ويقال: الصواب: أم حازم وحازمَا، و"أم حازم": هي أخت زياد (¬5) بن زيد العذري، وحازم ابنها، وكان هدبة بن خشرم وزياد بن زيد، وهما ابنا عم قد جمعهما سفر مع الحجاج، ومع هدبة أخته فاطمة، فاعتقبوا سوق الإبل، فنزل زياد بن زيد وجعل يحدو الإبل وهو يقول (¬6): عُوجِي عَلَينَا وَارْبَعِي يَا فَاطِمَا ... أمَّا تَرَينَ الدّمعَ مِنِّي سَاجِمًا نَخبُركِ مَا دَامَ البَعِيرُ قَائِمًا ... ............................... وهي من أبيات كثيرة، فلما سمعه هدبة يتغزل في أخته غضب فنزل عن بعيره وجعل يرتجز ويقول (¬7): ¬
1 - لقدْ أَرَانِي والغُلامَ الحَازِمَا ... نُزْجِي المَطِيّ الضُّمّرَ السَّوَاهِمَا 2 - مَتَى تُقُولُ القُلُصُ الرَّوَاسِمَا ... والجِلَّةَ النَّاحِيَةَ العَيَاهِمَا 3 - يَبلُغْنَ أُمَّ حَازِمٍ وحَازِمًا ... إذَا هَبَطْنَ مُستَخْيرًا قَاتِمًا 4 - ورَجعَ الحَادي لَهَا الهَمَاهِمَا ... أرْجَفْنَ بالسَّوَالِفِ الجَمَاجِمَا 5 - تَستَمِعُ المروبه القَمَاقِمَا ... كمَا يَطِنُّ الصّيرَفُ الدَّرَاهِمَا 6 - ألا تَرَينَ الدَّمْعَ مِنِّي سَاجِم ... خذي حذار منك لي تُلائِمَا 7 - والله لا يَشْفِي الفُؤَادَ الهَائمَا ... مساحنا اللباتِ والمآكمَا 8 - ولا اللِّمَامُ دونَ أنْ تُلازِمَا ... ولا اللزَامُ دونَ أنْ تُفَاقِمَا 9 - ولا الفقامُ دون أن تفَاغِمَا ... وتركَبُ القَوَائمُ القَوائِمَا فغضب زياد ووقع بينهما شر، فكان ذلك سببًا أدى هدبة إلى أن قتل زيادًا، ثم قُتل هدبة. وهي من الرجز المسدس. 1 - قوله: "عوجي علينا": من عجت البعير أعوجه عوجًا ومعاجًا إذا عطفت رأسه بالزمام، قوله: "واربعي": من ربع الرجل يربع إذا وقف وتحبس. 2 - قوله: "نحبرك": من حبره يحبره بالضم حبرًا وحبرة إذا أسره؛ قال تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم: 15]. 1 - قوله: "نزجي المطي" أي: نسوقها، والمطي: الإبل، و"الضمر" بضم الضاد وتشديد الميم؛ جمع ضامر وهو المهزول من كثرة الأسفار، و"السواهم": المتغير من السفر. 2 - قوله: "القلص" بضم القاف وضم اللام المخففة وفي آخره صاد مهملة، وهو جمع قلوص بفتح القاف، وهي الشابة من النوق، وهي بمنزلة الجارية من النساء، قوله: "الرواسم": جمع راسمة، من الرسم بالسين المهملة، وهو نوع من سير الإبل، قوله: "والجلة" بكسر الجيم؛ الكبار من الإبل، واحدها: جليل، و""الناجية": السريعة، قال الجوهري: الناجية والنجاة: الناقة السريعة تنجو بمن يركبها والبعير ناج (¬1)، قوله: "العياهما": جمع عيهم وهو الشديد، وقال الجوهري: العيهم من النوق: السريعة (¬2)، وقال غيره: العياهم: الحسنة الخلق. ¬
3 - قوله: "مستحيرًا": هو القفر الذي يحار فيه القوم و"القاتم" بالقاف؛ الكثير القتام وهو الغبار. 4 - قوله: "الهماهما": جمع همهمة وهي الصوت، قوله: "أرجفن" أي: حركن، قوله: "بالسوالف" وهي صفحات الأعناق، و"الجماجم": الرؤوس. 5 - قوله: "المرو" أي: الحجارة، و"القماقم": الأصوات، قوله: "كما يطُن الصيرف": من أطننت الطست وطننت إذا صوتت، و"الصيرف": الصيرفي. 7 - قوله: "مساحنا اللبات": هو جمع لبة بتشديد الباء الموحدة، وهي موضع الحلي من الصدر، و"المآكم": رؤوس الأوراك وهو جمع مأكمة. 8 - وقوله: "ولا اللمام" أي: الزيارة، و"اللزام": المعانقة، و"الفقام" بالفاء ثم القاف التقبيل، ووضع الفم على الفم. 9 - و"المفاغمة" بالغين المعجمة بعد الألف؛ شم الرائحة ولا يكون إلا في الرائحة الطيبة. الإعراب: قوله: "متى": للاستفهام، و"تقول": فعل وفاعل بمعنى تظن، هذه رواية النحاة، وفي رواية غيرهم: متى تظن القلص الرواسما ... ................................ فعلى هذه الرواية: لا شاهد فيه، وقوله: "القلص" بالنصب مفعوله الأول، وقوله: "الرواسما": صفة للقلم، وقوله: "يحملن": جملة وقعت مفعولًا ثانيًا، قوله: "أم قاسم": كلام إضافي مفعول لقوله: "يحملن"، و "قاسمًا": عطف على المضاف في قوله: "أم قاسم". الاستشهاد فيه: في قوله: "تقول" حيث أجرى مجرى الظن لتضمنه معناه عند كونه بلفظ المضارع المخاطب التالي للاستفهام وهو قوله: "متى" (¬1). ¬
الشاهد الثالث والستون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثالث والستون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) أَجُهَّالًا تَقُولُ بَنِي لُؤَيٍّ ... لَعَمْرُ أَبيكَ أَمْ مُتَجَاهِلِينَا أقول: قائله هو كميت بن زيد الأسدي، شاعر مقدم عالم بلغات العرب، خبير بأيامها فصيح من شعراء مضر، أدرك الدولة الأموية دون العباسية، وكنيته: أبو المستهل، وكان أصلخ بالخاء المعجمة أي: أصم، والأصمعي لا يحتج به وقد احتج به الأمة، وهو من قصيدة يمدح فيها مضر ويفضلهم على أهل اليمن. والمعنى: أتظن قريشًا جاهلين أم متجاهلين حين استعملوا أهل اليمن على أعمالهم وآثروهم على المضريين مع فضلهم عليهم، وهي من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "أجهالًا" بضم الجيم وتشديد الهاء، وهو جمع جاهل، قوله: "تقول": بمعنى تظن، قوله: "بني لؤي" أراد به قريشًا، ولؤي من [أجداد] (¬3) النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يهمز ولا يهمز، والهمزة قول الأكثرين، وهو تصغير لأي، وهو الثور الوحشي، وقال ابن دريد: من لواء الجيش وهو ممدود، وإن كان من لوى الرمل فهو مقصور (¬4). قوله: "لعمر أبيك": قسم ويمين، وقد مر غير مرة، والمعنى: أتظن بني لؤي جهالًا أو متجاهلين، وهو من تجاهل إذا أرى من نفسه الجهل وليس به. الإعراب: قوله: "أجهالًا" الهمزة للاستفهام، و"جهالًا": نصب على أنه مفعول ثان لقوله: "تقول" لأنه بمعنى تظن، وقوله: "بني لؤي": مفعوله الأول، قوله: "لعمر أبيك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمر أبين يميني أو قسمي، وهو معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، قوله: "أم متجاهلينا": عطف على قوله: "أجهالًا"، و"أم": معادلة للهمزة، والألف فيه للإشباع. ¬
الشاهد الرابع والستون بعد الثلاثمائة
الاستشهاد فيه: على أن قوله: "تقول" بمعنى تظن، فلذلك نصب المفعولين مع الفصل بين الفعل وبين الاستفهام، وذلك لأن الفصل إذا كان بظرف أو جار ومجرور أو أحد المفعولين لا يضر، وهنا الفصل بأحد المفعولين فافهم (¬1). الشاهد الرابع والستون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) إذَا مَا جَرَى شَأْوين وَابْتَل عِطْفُهُ ... تَقُولُ هَزِيزَ الرِّيحِ مَرَّتْ بأَثْأَبِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة بائية وأولها هو قوله: خليلَيّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ ... ينَقضي حاجات الفُؤَاد المعُذّبِ وقد ذكرنا منها أبياتًا عند قوله: فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ... ................................ في شواهد ما ولا وإن المشبهات بليس (¬4)، وبعد البيت المذكور هو قوله: ضليعٌ إذا استدبرتَهُ سدّ فرجهُ ... بضافٍ فويقَ الأَرض ليسَ بأصهبِ إذا مَا رَكبنَا قال ولدانُ أهلِنَا ... تعالوا إلى أن يأتي الصيدُ نحطبُ وهي من الطويل. يصف فيه فرسًا ويبالغ فيه، وذكر أهل البديع أن هذا [البيت] (¬5) فيه الإيغال، ومعنى الإيغال: أن المتكلم أو الشاعر إذا انتهى إلى آخر الفقرة أو البيت استخرج سجعة أو قافية تفيد معنى زائدًا على معنى الكلام، وأصله من أوغل في السير إذا بلغ غاية قصده بسرعة، ويقال: هو أن يستكمل الشاعر معنى بيته بتمامه قبل أن يأتي بقافية، فإذا أراد الإتيان بها ليكون شعرًا أفاد ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الثلاثمائة
بها معنى زائدًا على معنى البيت (¬1). قوله: "شأوين": تثنية شأو بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة وفي آخره واو، ومعناه: السبق، يقال: عدا شأوًا؛ أي: طلقًا، قوله: "وابتل عطفه" أي: جانبه، و"عطفاه": جانباه من لدن رأسه إلى وركيه، وكذلك عطفا كل شيء: جانباه. قوله: "هزيز الريح" بفتح الهاء وكسر الزاي المعجمة بعد ياءآخر الحروف وفي آخره زاي -أيضًا-، وهزيز الريح: دويها عند هزها الشجر، يقال: الريح تهزز الشجر فيتهزز، قوله: "بأثأب" الأثأب بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة، وهي شجر، الواحدة: أثأبة. الإعراب: قوله: "إذا ما جرى" كلمة ما زائدة، و"جرى": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الفرس المعهود، قوله: "شأوين": نصب على المصدرية بطريق النيابة، قوله: "وابتل عطفه": جملة من الفعل والفاعل، معطوفة على قوله: "جرى"، قوله: "تقول": جواب إذا وهي جملة من الفعل والفاعل بمعنى تظن؛ فلذلك عملت عملها في نصب الجزأين، قوله: "هزيز الريح": كلام إضافي مفعول أول لتقول، وقوله: "مرت بأثأب" في محل النصب مفعول ثان. الاستشهاد فيه: أن سليمًا يعملون القول عمل الظن، وعلى لغتهم جاء النصب في قوله: "هزيز الريح". فافهم (¬2). الشاهد الخامس والستون بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) إِذَا قُلْتُ أنِّي آيِبٌ أَهْلَ بَلْدَةٍ ... وَضَعْتُ بِهَا عَنْهُ الوَليَّةَ بِالْهَجْر أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة ¬
ابن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، وكان قدم المدينة أول خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- وكان ينزل الكوفة، والحطيئة في اللغة: القصير، وعن ثعلب سمي الحطيئة لدمامته، وبعد البيت المذكور (¬1): 2 - ترى بين مَجْرَى مِرفَقَيهِ وثيله ... هواءً لِفَيفَاةٍ بَدَا أهلُها نفر 3 - إِذَا صَرَّ يَومًا ماضِغَاهُ بِجِرَّة ... نَزَتْ هَامَةٌ فوقَ اللَّهَازِمِ كالقَبرِ 4 - فإنْ عَبَّ في ماءٍ سَمِعَتْ لِجَرعِهِ ... خَوَاةً كتثلِيمِ الجَدَاولِ فيِ الدَّبْرِ 5 - وَإنْ خَافَ مِنْ وَقْعِ المُحَرّمِ يَنْتَحِي ... عَلَى عَضدٍ رَيَّا كسَارِيةِ القَصْرِ 6 - تَلَتْهُ فَلَمْ تُبطِئْ [بِهِ] من وَرَائِه ... مُعَقْرَبَةٌ رَوْحَاءُ رَيِّثَةُ الفَتْرِ (¬2) 7 - على عَجُزِ كالبَابِ شُدّ رِتَاجُهُ ... ومُستتلِعٍ بالكُورِ فيِ حُبُكٍ سُمْرِ وهي من الطويل يمدح فيها بعيره، ويذكر أوصافه التي ترغب في الإبل. 1 - قوله: "آيب" أي: راجع، وهو فاعل من آب إذا رجع، قوله: "الولية" بفتح الواو وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف؛ وهي البرذعة، قال أبو عبيد: ويقال [هي التي] (¬3) توضع تحت البرذعة، و"الهجر" بفتح الهاء؛ نصف النهار عند اشتداد الحر، وكذلك الهاجرة، وأصله تحريك الجيم وسكنت للضرورة. ومعنى البيت: إذا قدرت إتيان بلدة عند الليل أتيتها نصف النهار لسرعة بعيري ونجابته. 2 - قوله: "ترى بين ... إلى آخره" يريد أنه مفرج الإبطين ضخم الجنبين لاحق البطن، قوله: "وثيله" بكسر الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف؛ أي: وعاء ذكره، و"الفيفاة": الفلاة. 3 - قوله: "إذا صر يومًا ماضغاه" من صر الناب صريرًا إذا صوت، و"الماضغان" بالضاد والغين المعجمتين؛ أصول اللحيين عند منبت الأضراس، ويقال: عرقان في اللحيين، قوله: "بجرة" الجرة -بكسر الجيم وتشديد الراء: ما يخرجه البعير للاجترار، قوله: "نزت هامة": من نزا ينزو نزوًا ونزوانًا، و"الهامة": الرأس، وجمعها الهام، و"اللهازم": جمع لهزمة بكسر اللام، واللهزمتان: عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين، ويقال: هما مضغتان علييان تحتهما (¬4). 4 - [قوله: "] (¬5) فإن عب في ماء" العب: شرب الماء من غير مص، قوله: "لجرعه": من ¬
جرعت الماء أجرعه جرعًا بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها في الغابر، و"جرعت" بالفتح لغة أنكرها الأصمعي (¬1)، قوله: "خواة" بفتح الخاء المعجمة أي: صوتًا، و"الجداول": الأنهار الصغار، واحدها جدول، و"الدبر" بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة، وهو جمع دبرة وهي المشارة في المزرعة، وكذلك الدبارة. 5 - قوله: "من وقع المحرم" أي: من سقوطه، والمحرم بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المفتوحة، وهو السوط الذي لم يلن من طول الضرب، و"انتحاؤه": اعتماده على عضديه في سيره. 6 - قوله: "تلته" أي: تبعته، أراد رجله، و"المعقربة": الموثقة، و"الروحاء": الواسعة الخطو، و"ريثة الفتر": البطيئة، وهو بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف وفتح الثاء المثلثة، قوله: "رتاجه" بكسر الراء وهو الباب الصغير الذي يكون في الباب الكبير. 7 - قوله: "ومستتلع بالكور" أراد: سنامه مشرق مرتفع، و"الحبك": طرائق فيه من لون وبره. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط هاهنا، و "قلت": فعل وفاعل، و"أني آيب": في محل النصب؛ لأن قلت بمعنى: ظننت، والضمير المتصل اسم إن، وآيب خبرها، وقوله: "أهل بلدة": كلام إضافي منصوب بآيب، وأصله: آيب إلى أهل بلدة، يقال: أبت إلى بني ملان إذا أتيتهم ليلًا، قوله: "وضعت": جملة هي جواب إذا، والباء في "بها" للظرف، وكذا في قوله: "بالهجر"، والتقدير: فيها وفي الهجر، وكلاهما يتعلق بوضعت، والضمير في بها يرجع إلى البلدة، وفي قوله: "عنه" يرجع إلى بعيره الذي يمدحه، وليس بإضمار قبل الذكر؛ لأنه معهود وهو -أيضًا- يتعلق بوضعت، وقوله: "الولية" بالنصب مفعول وضعت. الاستشهاد فيه: في قوله: "أني آيب" حيث جاءت أني بالفتح؛ لأن قلت بمعنى ظننت وهو لغة سليم، فإنهم يجرون القول مجرى الظن مطلقًا، وعلى لغتهم تفتح أن بعد قلت، وشبهه كما ذكرنا (¬2). ¬
الشاهد السادس والستون بعد الثلاثمائة
الشاهد السادس والستون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) أما الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْد غَدٍ ... فمَتَى كَقُول الدَّارَ تَجْمَعُنَا أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وهو من قصيدة ملتزمًا في رويها العين والنون، وأولها هو قوله (¬3): 1 - قَال الخَلِيطُ غدًا يَصَدِّعُنَا ... وأشيعه أَفَلَا يُشَيِّعُنَا 2 - أما الرحيل ........... ... .................. إلى آخره 3 - لتشوقنا يُفِيدُ وَقَد قَتَلَتْ ... علمًا بِأَن البَينَ فَاجِعُنَا 4 - ومَقَالِهَا سِرْ لَيلَةً معَنَا ... نَعْهَدْ فَإنَّ البينَ شَابعُنَا 5 - قلتُ العُيُونُ كثيرةٌ معكم ... وأظن أَن السَّيرَ مانِعُنَا 6 - لا بل نُزُوركُمُ بأَرِضِكُمُ ... فَيطَاعُ قائِلُكُم وشَافِعُنَا 7 - قالتْ أَشيءٌ أنتَ فَاعِلُهُ ... هذَا لعمركَ أم أنت خَادِعُنَا 8 - بالله حدَّثنَا نؤمّلُهُ ... وأصدَقْ فإنَّ الصدقَ واسعُنَا 9 - اضرِبْ لنَا أجلًا نعد له ... إِخْلَافَ موعدهُ يُقَاطِعُنَا وهي من الكامل، وفيها الإضمار والحذذ (¬4). المعنى: قد كان رحيلنا ومفارقتنا لمن نحب من غد، فمتى تجمعنا الدار بعد ذلك؟ وعبر عن الغد بعبارة بعيدةٍ وهي قوله: "دون بعد غد"، أي: ففي اليوم الذي هو قيل بعد غد، وذلك اليوم هو الغد. الإعراب: قوله: "أما": حرف شرط وتفصيل؛ فلذلك لزم الفاء بعدها، و"دون" هاهنا بمعنى قبل كما يقال: دون النهر أسد، أي: قبل وصولك إليه؛ فالمعنى: أما الرحيل فقبل بعد غد، ويروى: ¬
بعد بالنصب والخفض؛ فالنصب على تقدير: فدون ما بعد غد، فما موصولة، وبعد صلتها، والخفض على إضافة دون إليه، قوله: "فمتى": استفهام، و"تقول": جملة من الفعل والفاعل بمعنى تظن، فلذلك نصب مفعولين وهما قوله: "الدار" وقوله: "تجمعنا"، وقال النحاس في شرح كتاب سيبويه: "تجمعنا" في موضع المفعول الثاني، أي: جامعة لنا (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "تقول" فإنه بمعنى تظن؛ لأنه نصب المفعولين، ولكن هذا بشروط خمسة: الأول: أن يكون فعلًا؛ فلا ينصب بالمصدر ولا باسم الفاعل. الثاني: أن يكون مضارعًا؛ فلا ينصب بالماضي ولا بالأمر. الثالث: أن يكون مسندًا إلى ضمير الخاطب؛ فلا ينصب به مع الهمزة والنون والياء وتاء المؤنثة الغائبة. الرابع: أن يكون معتمدًا على استفهام؛ فلا ينصب ما لم يتقدمه استفهام. الخامس: أن يكون غير مفصول بأجنبي غير ظرف أو عديله. فهذه الشروط موجودة في البيت المذكور بخلاف غيره. وأما سليم فإنهم يجرون القول مجرى الظن مطلقًا، فيقولون: قلت زيدًا منطلقًا، وأقول زيدًا منطلقًا، وأنا قائل زيدًا منطلقًا، وأعجبني قولك بشرًا كريمًا، وقل عمرًا متكلمًا، وعلى لغتهم تفتح أن بعد قلت وشبهه والله أعلم. واعلم أن ابن مالك -رحمه الله تعالى- شرط أيضًا كونه حالًا (¬2)، والبيت المذكور يرد عليه ذلك؛ لكن يقول هذا إذا كان متى في البيت ظرفًا لتقول، وذلك أن متى ظرف لما يستقبل من الزمان، وتقول: فعل مضارع وقع مظروفًا لمتى، ويلزم من كون متى مستقبلًا أن يكون مظروفها -أيضًا- مستقبلًا، فحينئذ لا يصلح تقول للحال، فعلى هذا الوجه اشتراط الحال ليس بصحيح. وأما إذا قلنا: إن "متى" ظرف لقوله: "تجمعنا" على أن الصواب هذا؛ فحينئذ [يصلح] (¬3) أن ¬
الشاهد السابع والستون بعد الثلاثمائة
تكون "تقول" للحال، وحينئذ يجري اشتراط ابن مالك رحمه الله تعالى (¬1). الشاهد السابع والستون بعد الثلاثمائة (¬2) , (¬3) عَلَامَ تَقُولُ الرمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي ... إِذَا أَنَا لَم أطْعنْ إِذَا الخيْلُ كَرَّتِ أقول: قائله هو عمرو بن معد يكرب المذحجي الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وقد ترجمناه فيما مضى، والبيت المذكور من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ولما رأيتُ الخيلَ زُورًا كَأَنَّهَا ... جداولُ ماءٍ خيلت فاسبطرَّتِ 2 - وجَاشَتْ إلَيَّ النَّفْسُ أوَّلَ مرةٍ ... فَرُدَّتْ علَى مكرُوهِهَا فاستقرُّتِ 3 - علام ..................... ... ......................... إلى آخره 4 - لحَا اللَّهُ جَرْمًا كلمَا ذرّ شارِقٌ ... وجُوهَ كلَابٍ هَارَشَتْ فاربأرَّتِ 5 - فلم تغنِ جرمٍ نَهْدَهَا إِذْ تلاقَيَا ... ولكن جرمًا في اللقاءِ ابذعرَّتِ 6 - ظللتُ كأني للرماحِ دريئة ... أُقاتِلُ عَنْ أَبْنَاءِ جَرْم وفَرَّتِ 7 - فلوْ أَنَّ قَوْمِي أنطقتني رماحهم ... نطقتُ ولكن الرمَاحَ أجرَّتِ 1 - قوله: "زورًا" بضم الزاي؛ جمع أزور وهو المعوج الزور، قوله: "جداول ماء": جمع جدول وهو النهر الصغير، قوله: "فاسبطرت" أي: امتدت، والتشبيه وقع على جري الماء في الأنهار لا على الأنهار. 2 - قوله: "وجاشت" أي: ارتفعت. 3 - قوله: "كرت": من الكر وهو الرجوع. 4 - قوله: "لحا الله" من لحيت العصا إذا قشرت لحاها ولحوتها، و"جرم ونهد": قبيلتان من قضاعة، قوله: "كلما ذر" بالذال المعجمة؛ من الذرور في الشمس، وأصله الانتشار ¬
والتفرق، قوله: "فازبأرت": من ازبأر إذا انتفش حتى ظهر أصول شعره، وأضاف نهدًا إلى ضمير جرم لاعتقادهم الاكتفاء بها. 5 - قوله: "ابذعرت" أي: تفرقت. 6 - قوله: "ظللت كأني للرماح دريئة" أي: بقيت في نهاري منتصبًا في وجوه الأعداء والطعن يأتيني من جوانبي أذب عن جرم، ويجوز أن يكون المعنى: كأني للرماح صيد، حكى أبو زيد أنه يقال للصيد خاصة: درية غير مهموز، ودرايا؛ فكأنه من دريت، أي: ختلت (¬1). 7 - قوله: "أجرت": من إجرار الفصيل وهو أن يشق لسان الفصيل فيجعل فيه عويد لئلا يرضع أمه. الإعراب: قوله: "علام" أصله: على ما، وكلمة ما للاستفهام، وإذا اتصل به حرف الجر تحذف الألف في آخره نحو: فيم ولم وبم، إلا إذا اتصل ما بذا فإنه حينئذ يترك على تمامه، "وتقول": فعل وفاعل، "والرمح" يجوز فيه الوجهان: النصب إذا كانت تقول بمعنى تظن؛ لوجود الشرائط التي ذكرناها في البيت السابق، والرفع على الابتداء، ويكون "تقول" متروكًا على بابه، والمعنى: بأي حجة أحمل السلاح إذا لم أقابل كر الخيل. قوله: "يثقل": من أثقل إثقالًا، و"عاتقي": كلام إضافي مفعول يثقل، والجملة إما في محل النصب على أنها مفعول ثان "لتقول"، إذا كان بمعنى تظن، وإما في محل الرفع على أنها خبر لقوله "الرمح". قوله: "إذا أنا لم أطعن": ظرف لقوله: "يثقل"، وقوله: "إذا الخيل": ظرف لقوله: "لم أطعن"، والجملتان بعد إذا في الموضعين اسميتان في الصورة، ولكنهما فعليتان في التقدير؛ لأن إذا التي للظرف تختص بالدخول على الجملة الفعلية عكس الفجائية، والتقدير في الجملة الأولى: إذا لم أطعن أنا، وفي الثانية: إذا كرت الخيل؛ فحذف الفعل فيهما لدلالة الفعل المتأخر عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "تقول الرمح" حيث جاء الرمح منصوبًا بكون "تقول" بمعنى تظن؛ كما ذكرناه (¬2) فافهم. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثامن والستون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقُولُ الدَّارَ جَامِعَةً ... شَملِي بِهم أمْ تقولُ البعْدَ مَحْتُومًا أقول: هو من البسيط. قوله: "شملي" الشمل: الاجتماع، وجمع الله شمله إذا دعا لهم بتآلف، قوله: "محتومًا" بالحاء المهملة؛ أي: واجبًا؛ من الحتم وهو الوجوب. الإعراب: قوله: "أبعد بعد" الهمزة فيه للاستفهام، "وبعد": نصب على الظرف، والعامل فيه تقول، "وبعد": مجرور بالإضافة، وهو بضم الباء ضد القرب، وبينهما جناس محرف على ما لا يخفى (¬3)، قوله: "تقول": بمعنى تظن فعل وفاعل، وقوله: "الدار جامعة": منصوبتان على أنهما مفعولا تقول، [قوله: "شملي": كلام إضافي معمول "لجامعة"] (¬4)، وقوله: "بهم" يتعلق بجامعة، قوله: "أم تقول" أم: متصلة عطف على قوله: "تقول الدار جامعة"، وقوله: "البعد محتومًا" منصوبان؛ لأنهما مفعولان لتقول. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبعد بعد تقول الدار جامعة" حيث نصب تقول المفعولين مع أنه فصل معموله بينه وبين الاستفهام فافهم (¬5). * * * ¬
شواهد أعلم وأخواتها
شواهد أعلم وأخواتها الشاهد التاسع والستون بعد الثلاثمائة (¬1) , (¬2) نُبِّئْتُ زُرْعَةُ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا ... يُهْدِي إليَّ غَرَائِبَ الأَشْعَارِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة يهجو بها زرعة بن عمرو بن خويلد لقيه بعكاظ، فأشار عليه أن يشير على قومه بقتال بني أسد وترك حلفهم، فأبى النابغة الغدر، وبلغه أن زرعة يتوعده، فقال: نبئت زرعة .............. ... .................. إلى آخره وقد ذكرنا بقيته مستوفاة في شواهد العلم (¬3). قوله: "نبئت": على صيغة المجهول بمعنى أخبرت، و"زرعة" هو ابن عمرو بن خويلد الذي ذكرناه آنفًا، وقوله: "يهدي" بضم الياء؛ من الإهداء. الإعراب: قوله: "نبئت" يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء، والثاني: قوله: "زرعة"، والثالث: قوله: "يهدي إليّ" وإنما جاز كونه جملة؛ لأنه خبر مبتدأ في الأصل، قوله: "والسفاهة": مبتدأ، و "كاسمها": خبره، والجملة معترضة بين المفعولين، وأصل السفه الخفة، يقول: السفاهة قبيح كما أن اسمها قبيح. ¬
الشاهد السبعون بعد الثلاثمائة
فإن قلتَ: [ما السفاهة] (¬1) حتى قال: والسفاهة كاسمها؟ قلتُ: قوله: "والسفاهة" أراد ما سمي سفاهة؛ أي: المسمى بهذا الاسم قبيح؛ كما أن الاسم الذي هو السفه قبيح وإنما قال هذا؛ لأن السفه كما ينكر فعله كذلك يكره اسمه، قوله: "غرائب الأشعار": كلام إضافي مفعول لقوله: "يهدي". الاستشهاد فيه: في قوله: "نبئت" حيث نصب ثلاثة مفاعيل؛ لأنه تضمن معنى: أرى المتعدي إلى ثلاثة مفاعيل وعمل عمله (¬2). الشاهد السبعون بعد الثلاثمائة (¬3) , (¬4) وَأُنْبِئْتُ قَيسًا ولَم أَبْلُهُ ... كَمَا زَعَمُوا خَيرَ أهْلِ اليَمَنِ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها قيس بن معد يكرب الكندي، قال أبو عبيدة: وهي أول كلمة مدحه بها، وأولها هو قوله: 1 - لَعَمْرُكَ مَا طُولُ هذَا الزَّمَنْ ... علَى المرءِ إلا عَنَاءٌ معَنْ 2 - يَظَل رَجِيمًا لِرَيبِ المنُونِ ... ولِلْهَمِّ فيِ أهْلِهِ وَالحزَنْ 3 - وهَالكِ أهْلٍ يُجِنونَهُ ... كآخَرَ فيِ قَفْرَة لم يُجَنْ 4 - وما إنْ أرَى الدَّهْرَ فيِ صَرفِهِ ... يُغادِرُ مِنْ شارخٍ أو يَفَنْ إلى أن قال: 5 - فهَذَا الثَّنَاءُ وإني امْرُؤٌ ... إِليكَ بِعَمْدٍ قَطَعْتُ القَرَنْ 6 - وكُنتُ امرأً زَمَنًا بالعِرَاقِ ... عفِيفَ المناخِ طَويلَ اليقن ¬
7 - وحَوليَ بَكْرٌ وأشْيَاعُهَا ... فلَسْتَ خَلاةً لمن أوْعَدَنْ 8 - وأُنْبِئتُ قَيسًا ........ ... .................... إلى آخره 9 - رَفيعَ الوسَادِ طَويلَ النِّجَا ... دِ ضَخْمَ الدَّسيعَةِ رَحْبَ العَطَنْ 10 - يَشُقُّ الأمُورَ ويَجْتَابُهَا ... كشقِّ القَرَاري ثَوْبَ الرَّدَنْ 11 - فجِئتُكَ مُرتَادَ مَا خَبَّرُوا ... ولَوْلَا الذي خَبّرُوا لَمْ تَرَنْ 12 - فَلا تَحْرمَنِّي نَدَاكَ الجَزِيلَ ... فَإني امْرُؤٌ قَبلَكُم لَمْ أُهَنْ وهي من المتقارب. 1 - قوله: "عناء" أي: تعب قوله: "معن" أي: متعب. 2 - قوله: "يظل رجيمًا" بالجيم، أراد أن ريب الدهر يرجمه بأحداثه، والرجيم بمعنى (¬1) المرجوم. 3 - قوله: "وهالك أهل" أي: الذي يموت عند أهله، "يجنونه" أي: يدفنونه، ومنه سمي القبر: الجنين، و"القفرة": الأرض الخالية من الناس. 4 - قوله: "يغادر" أي: يترك، و"الشارخ": الصغير، و"اليقن": الكبير، وهو بفتح الياء آخر الحروف والفاء، قال الجوهري: اليقين: الشيخ الكبير ثم أنشد البيت ثم قال: وهو الصغير -أيضًا- من الأضداد (¬2). 5 - قوله: "قطعت القرن" أي: الحبل، أراد: قطعت حبل كل جوار، قوله: "عفيف المناخ" أراد أنه لم يكن يسأل أحدًا، يقال: فلان عفيف المناخ إذا لم يسأل الناس. 6 - و"اليقن" من اليقين. 7 - قوله: "خلاة" الخلاة: البقلة يختلى بها، أراد: لست ذليلًا لكل من أوعدني كالبقلة يختليها كل من أرادها. 8 - قوله: "ونبئت" أي: أخبرت، قوله: "قيسًا" أراد به قيس بن معدي كرب، قوله: "ولم أبله" يعني: لم أختبره؛ من بلوته بلوًا إذا جربته واختبرته، ورأيت في ديوان الأعشى البيت المذكور على هذا الوجه (¬3): ونُبِّئْتُ قَيسًا عَلَى نَأْيِهِ ... ولَم آتِهِ سَادَ أَهْلَ اليَمَنْ ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الثلاثمائة
9 - قوله: "رفيع الوساد": كناية عن عظمته وجلالة قدره، و"الوساد" بكسر الواو؛ المخدة، قوله: "طويل النجاد": كناية عن شجاعته، والنجاد -بكسر النون: حمائل السيف، قوله: "ضخم الدسيعة": كناية عن جوده، يقال: فلان- ضخم الدسيعة إذا كان عطاؤه جزيلًا، و "الدسيعة": العطية، قوله: "رحب العطن": كناية عن جوده -أيضًا-، أي: واسع العطاء، قال الجوهري: يقال: فلان واسع العطن والبلد إذا كان رحب الذراع (¬1). 10 - قوله: "يشق الأمور" أي: يبرمها إبرامًا ويسددها بالحزم، قوله: "ويجتابها" بالجيم أي: يقطعها على أحسن الوجوه، قوله: "القراريّ": نسبة إلى القرار، وأراد به الخياط، و "الردن" بفتح الراء والدال، هو الخزّ. 11 - قوله: "مرتاد" أي: طالب ما خيروا. 12 - قوله: "فلا تحرمني نداك الجزيل" أي: لا تمنعني من عطائك الواسع. الإعراب: قوله: "وأنبئت": عطف على ما قبله، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء، والثاني: "قيسًا"، والثالث: "خير أهل اليمن"، قوله: "ولم أبله": جملة وقعت حالًا، قوله: "كما زعموا": صفة لمصدر محذوف أي: لم أبله بلوًا مثل الذي زعموا فيه، و "ما" موصولة، و"زعموا": صلتها، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون ما مصدرية، والمعنى: لم أبله بلوًا مثل زعمهم فيه] (¬2) من أنه خير أهل اليمن. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأنبئت" فإنه نصب ثلاثة مفاعيل مثل: نبّأ كما ذكرناه (¬3). الشاهد الحادي والسبعون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) وَخُبِّرتُ سَوْدَاءَ الغَميم مَرِيضَةً ... فَأَقْبَلْتُ مِنْ أَهْلِي بِمصرَ أَعُودُها أقول: قائله هو العوام بن عقبة بن كعب بن زهير (¬6)، والقصة في ذلك أن سوداء الغميم ¬
وهي امرأة من بني عبد اللَّه بن غطفان، اسمها ليلى ولقبها سوداء كانت [تنزل] (¬1) الغميم من بلاد غطفان، وكان عقبة بن [كعب] (¬2) ينسب بها ثم علقها بعده ابنه العوام بن عقبة وكلف بها فخرج إلى مصر في ميرة فبلغه أنها مريضة فترك ميرته وكر نحوها وأنشأ يقول (¬3): 1 - وَخُبّرتُ سوْدَاءَ الغميم مَرِيضَةً ... فَأَقْبَلْتُ مِنْ أَهْلِي بِمِصرَ أَعُودُها 2 - فيَا لَيتَ شِعرِي هلْ تَغَيَّرَ بَعدَنَا ... مَلاحَةُ عَينَي أُمِّ يَحيَى وَجِيدُها 3 - وهلْ أَخْلَقَتْ أثْوَابُها بَعدَ جِدَّة ... ألا حَبَّذَا أخْلاقُها وجَدِيدُها 4 - ولم يبقَ يا سوداء شَيءٌ أحبّهُ ... وإنْ بَقِيَتْ أَغلامُ أرض وبيدُها 5 - فوَالله مَا أدرِي إذَا أنَا جِئْتها ... أَؤُبرئها مِنْ سُقْمها أم أزِيدُها 6 - مِنَ الخفَرَاتِ البِيضِ وَدَّ جَلِيسُها ... إذَا مَا انْقَضتْ أُحْدُوثَةٌ لو تُعِيدُها 7 - نَظَرتُ إليها نَظرَةً مَا يَسُرُّنِي ... بِها حُمرُ أنْعَامِ البِلادِ وسُودها فلم يزل يتلطف حتى رأته ورآها وأومأت إليه أن ما جاء بك؟ فقال: جئت عائدًا حين علمت علتك، فأشارت إليه أن ارجع فإني في عافية فرجع لميرته (¬4) واستقربها المرض، فجعلت تتأوه إليه حتى ماتت، فبلغه الخبر، فقال: 8 - سَقَى جَدَثًا بَينَ الغَمِيمِ وزُلْفَةً ... أحمَّ الذُّرَى وَاهِي الغَزَالِي مَطِيرُها 9 - وإنْ تَكُ سَوْداءُ العَشِيةِ فَارَقَتْ ... فَقد مَاتَ مِلْحُ الغَانِيَاتِ ونُورُها وهي أبيات كثيرة مستحسنة [وهي من الطويل] (¬5). 1 - قوله: "سوداء الغميم" بفتح الغين المعجمة وكسر الميم، وهو اسم موضع في بلاد الحجاز، وأراد بالسوداء هي ليلى التي كانت بالغميم، إما تسمى سوداء وإما تلقب، وفي رواية الحماسة: سوداء القلوب (¬6)، [وقال بعض شراحها: يجوز أن يريد بقوله: سوداء القلوب] (¬7) أنها تحل من القلوب محل السويداء منها، وكأن القلوب على اختلافها تميل إليها، ويجوز أن يكون المراد أنها قاسية القلب عليه فلذلك أطلق عليها سوداء القلوب (¬8). ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الثلاثمائة
فقال ابن الباذش (¬1): اختلفوا هل يقال: سوداء القلب مكبرًا أو لا يقال ذلك إلا بالتصغير؟ فذكر أبو علي القالي أن صاحب العين أنكر ذلك، وقال: إنما يقال: سواد قلبه مكبرًا مذكرًا، وسويداء قلبه مصغرًا مؤنثًا، وأما سوداء قلبه بالتأنيث والتكبير فلا، وأجازه بعضهم واستدل بالبيت المذكور. ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون سوداء فيه علمًا للمرأة كما ذكرنا، وأضيفت إلى القلوب أو أنها صفة لها على أنها قاسية القلب. فإن قلتَ: على هذا كيف جمع القلب؟ قلتُ: أراد القلب بما حوله. الإعراب: قوله: "وخبرت": على صيغة المجهول تستدعي ثلاثة مفاعيل؛ لأنه بمعنى نبئت: الأول: التاء، والثاني: سوداء الغميم، والثالث: مريضة، قوله: "فأقبلت": عطف على قوله: "وخبرت"، وقوله: "من أهلي": يتعلق به، قوله: "بمصر"؛ صفة لقوله: "أهلي"، والتقدير: من أهلي الكائنين بمصر أو المقيمين بمصر، قوله: "أعودها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا من الضمير الذي في "أقبلت" وهو من الأحوال المقدرة، أي (¬2): أقبلت مقدرًا عيادتها. الاستشهاد فيه: على أن: "خبرت" بمعنى نبئت، وأنه يقتضي ثلاثة مفاعيل كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثاني والسبعون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) وَمَا عَلَيكِ إِذَا أُخْبِرتِنِي دَنِفًا ... وَغَابَ بَعلُكِ يَوْمًا أَنْ تَعُودِيني أقول: قائله هو رجل من بني كتاب، وذكر في الحماسة بعده بيتًا آخر، وهو قوله (¬6): ¬
وتَجْعَلِي نُطْفَةً في القَعْب بَارِدَةً ... وتَغْمسي فَاكِ فيها ثُم تَسقيني والبيت الأول في رواية أبي تمام هكذا: مَاذَا عَليكِ إذا أُخْبِرتني دَنِفًا ... رَهنَ المنَيَّةِ يَومًا أَنْ تَعُودِينِي وهما من البسيط. قوله: "أخبرتني" بضم الهمزة؛ لأنه مجهول، ويكسر لأنه خطاب للمؤنث، قوله: "دنفًا" بفتح الدال وكسر النون وفي آخره فاء؛ صفة مشبهة من الدنف -بفتح الدال وفتح النون وهو المرض اللازم، فإذا قلت: دَنَف بفتحتين، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، تقول: رجل دنف وامرأة دنف وقوم دنف، ومعنى "دنفًا" هاهنا: مشرفًا على الهلاك، قوله: "بعلك" أي: زوجك. الإعراب: قوله: "وما عليك" كلمة ما بمعنى ليس، يعني: ليس بأس، وبأس اسم ما، وخبره عليك، وفي الحقيقة الخبر محذوف، والتقدير: ليس بأس حاصلًا عليك. وقال الشيخ جمال الدين بن هشام: ما: استفهام مبتدأ، وعليك: خبره، و "إذا": متعلق (¬1) به، وكذا: "أن تعوديني"؛ لأن أصله: في أن تعوديني؛ أي: ما عليك في هذا الوقت في (¬2) عيادتي، وتعلقت "إذا" "وأن تعوديني" بعامل واحد مع أنها على معنى في؛ لأن إذا للزمان، "وأن تعوديني" للمكان المجازي، قوله: "أخبرتني": بمعنى نبئتني، يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: التاء، يعني: (¬3) تاء المخاطبة، والثاني: الضمير المنصوب، والثالث: قوله: "دنفًا". قوله: "وغاب": فعل، و"بعلك": كلام إضافي فاعله، والجملة وقعت حالًا، قوله: "يومًا": ظرف لقوله: "أخبرتني" وانتصابه على الظرفية؛ أي: في يوم، قوله: "أن تعوديني" أي: بأن تعوديني، فالباء تتعلق بخبر ما، وأن مصدرية. والمعنى: ليس بأس حاصلًا عليكِ بسبب عيادتكِ إياي وقت غياب زوجكِ. [الاستشهاد فيه: على أن أخبرتني بمعنى نبئتني حيث نصب ثلاثة مفاعيل] (¬4)، (¬5). ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثالث والسبعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) أَوَمَنعتُم مَا تسأَلُونَ بِهِ فَمَنْ حُد ... دِثْتُمُوهُ لَه عَلَينَا العَلَاءُ أقول: قائله هو الحارث بن حلزة اليشكري، وهو من قصيدته المشهورة المنظومة في المعلقات السبع، وأولها هو قوله (¬3): 1 - آذَنَتْنَا بِبَينها أَسْمَاءُ ... رُبَّ ثَاوٍ يُمَلُّ مِنْهُ الثوَاءُ 2 - آذَنَتنَا بِبَينها ثُمَّ وَلّتْ ... ليت شعري مَتَى يَكُونُ اللِّقَاءُ (¬4) إلى أن قال: 3 - أَوَسَلَيتُم عَنا فكنَّا كَمَنْ أَغـ ... ـــــــــمَضَ عَينًا فيِ جَفْنِها أَقْذَاءُ وهي من الخفيف وفيه الخبن والحذف. قوله: "حدثتوه" على صيغة المجهول؛ من التحديث، قوله: "العلاء" أي: الرفعة والشرف، من على في الشرف يعلى علاء من باب علم يعلم، وأما على يعلو علوا [فهو] (¬5) في المكان. الإعراب: قوله: "أو منعتم": عطف على قوله: "أوسليتم". والمعنى: أو منعتم ما تسألون من النصفة فيما بيننا وبينكم فلأي شيء كان ذلك منكم مع ما تعرفون من عزنا وامتناعنا؟ وقوله: "ما تسألون": في محل النصب على أنه مفعول "منعتم"، و "ما": موصولة، و "تسألون": على صيغة المجهول صلتها، والعائد محذوف تقديره تسألونه. [قوله: "] (¬6) فمن حدثتموه" معناه: فمن بلغكم أنه اعتلانا أو قهرنا في قديم الدهر فتطمعون في ذلك منا؟ وقوله: "من": استفهام في معنى النفي؛ مثله في قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ} [آل عمران: 135]. ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة
قوله: "حدثتموه" على صيغة المجهول بمعنى نبئتموه؛ من التحديث، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: الضمير المرفوع القائم مقام الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب، والثالث: الجملة وهي قوله: " [له] (¬1) علينا العلاء"، و "العلاء": مبتدأ، "وله": خبره، والضمير يرجع إلى "من"، و "علينا": في محل الرفع على أنه صفة للعلاء، أي: له العلاء الكائن علينا. فإن قلت: لم لا يجوز أن تكون الجملة حالية؟ قلت: لا يجوز ذلك لأنها هي المحدث بها، ولو كانت حالية لم يكن المحدث بها، فليس المعنى على ذلك. الاستشهاد فيه: في قوله: "حُدثتموه" بمعنى نُبئتموه؛ حيث نصب ثلاثة مفاعيل، وقال ابن الخباز (¬2): لم أظفر بفعل متعد لثلاثة إلا وهو مبني للمفعول، وهذه الشواهد الخمس على ذلك (¬3). قلتُ: قال الزمخشري في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 167]: إن حسرات مفعول ثالث، وليس فيه بناء للمفعول (¬4)، والأمر كما قاله؛ لأن الرؤية قلبية، وذلك لأن الأعمال معانٍ فلا تدرك بحاسة البصر فافهم. الشاهد الرابع والسبعون بعد الثلاثمائة (¬5)، (¬6) وَأَنْتَ أَرَانِي اللَّهُ أمنَعُ عَاصِمٍ ... وَأرأَفُ مستَكْفى وَأَسْمَحُ وَاهِبِ أقول: هو من الطويل، وقبله: وَكَيفَ أُبَالِي بِالعِدَى ووعِيدِهُم ... وَأَخْشَى ملِمَّاتِ الزَّمَانِ الصَّوَائِبِ ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة
قوله: "أمنع": أفعل من المنع، و "أرأف": كذلك من الرأفة؛ وهي الشفقة والحنو، و "أسمح": كذلك من السماحة؛ وهو الجود والكرم، قوله: "مستكفى": على صيغة اسم المفعول، من استكفيته الشيء فكفانيه. الإعراب: قوله: "وأنت": مبتدأ، وقوله: "أمنع عاصم": كلام إضافي خبره، وقوله: "أراني اللَّه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وألغي عمل أرى الذي يستدعي ثلاثة مفاعيل بتوسطه بين مفعوليه، قوله: "وأرأف": كلام إضافي عطف على قوله: "أمنع عاصم"، وكذلك "وأسمح واهب": كلام إضافي عطف على "أرأف مستكفى". الاستشهاد فيه: على إلغاء عمل "أرى" لتوسطه بين مفعوليه كما ذكرناه (¬1). الشاهد الخامس والسبعون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) حَذَارِ فَقَد نُبِّئْتُ إِنَّكَ للَّذِي ... سَتُجْزَى بِمَا تَسعَى فَتَسعَدُ أَو تَشْقَى أقول: هو -أيضًا- من الطويل. قوله: "حذار": اسم للأمر بمعنى احذر، ويقصد به التكرير للمبالغة، قوله: "نبئت" على صيغة المجهول بمعنى أخبرت، قوله: "ستجزى" على صيغة المجهول، من الجزاء. الإعراب: قوله: "حذار": مبني على الكسر بلا خلاف؛ لأنه يراد به الأمر؛ نحو: نزال وتراك، قوله: "فقد نبئت" الفاء تصلح للعلة، وقد للتحقيق، ونبئت: تقتضي ثلاثة مفاعيل، ولكن علقت هاهنا عن العمل لأجل اللام في قوله: "للذي ستجزى"، وقوله: "إنك" الكاف فيه اسم إن، ¬
و "للذي ستجزى": خبره، والذي موصول، وستجزى صلته، واللام فيه للتأكيد، قوله: "بما تسعى" الباء تتعلق بقوله: "ستجزى" وهي للمقابلة، و "ما" موصولة، "وتسعى": صلته، والعائد محذوف والتقدير: بالذي تسعى فيه، ويصلح أن تكون ما مصدرية؛ أي: ستجزى بسعيك، قوله: "فتسعد" بالرفع عطف على قوله: "ستجزى"، قوله: "أو تشقى" عطف على قوله: "فتسعد". والمعنى: فتسعد إن كان ما سعيت فيه خيرًا؛ لأنك تجازى خيرًا، أو تشقى إن كان ما سعيت فيه شرًّا؛ لأنك تجازى شرًّا. الاستشهاد فيه: على أن "نبئت" قد علقت عن العمل؛ كما في قوله تعالى: {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7] (¬1). ¬
شواهد الفاعل
شواهد الفاعل الشاهد السادس والسبعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) مَا لِلْجَمَالِ مَشْيُها وَئِيدًا ... أَجَنْدلًا يَحمِلْنَ أَمْ حَدِيدًا أقول: قائلته هي الخنساء بنت عمرو بن الشريد بن رباح بن ثعلبة بن عضبة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمية الشاعرة، واسمها تماضر، وخنساء لقبها، قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومها فأسلمت معهم فذكروا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كان] (¬3) يستنشدها ويعجبه شعرها، فكانت تنشده ويقول: هيه يا خناس، وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها، وبعد البيت المذكور هو قولها: أَم صَرفَانًا بَارِدًا شديدًا ... أَمِ الرِّجَالُ قُمَّصًا قُعُودًا وهي من الرجز المسدس، وجمهور أهل اللغة أن هذه الأبيات إنما قالتها: الزبَّاء بفتح الزاي العجمة وتشديد الباء الموحدة، وكانت امرأة من أهل باجرما بالجزيرة، وكانت قد ملكت، وكانت تتكلم بالعربية، ولم تطلب الرجال زهادة، ثم إن جذيمة بن مالك الأزدي الذي كان يقال له: الأبرش، وكان أبرص قال: إني باعث إليها لأتزوجها فأجمع ملكها إلى ملكي، فقال له ناصحوه: إن هذا لهو الرأي، ¬
فقال له غلامه- ويقال له: قصير وكان ماردًا فمنعه من ذلك، وقال له: احذرها، ولم يسمع منه، فآخر الأمر مشى إليها حتى دخل عليها فقامت فكشفت عن فرجها، وقالت: أداة عروس ترى، فقال: أرى أداة فاجرة غدور بظراء. قالت: ما ذاك من عدم مواس، ولا من قلة أواس، ولكن شيمة أناس، وأدنت له نطعًا، فقطعت رواهشه فسالت دمًا حتى مات. وقالوا: إنما فعلت به ذلك؛ لأنه قتل أباها، وخرج قصير حتى أتى عمرًا ابن أخت جذيمة فقال له: إن خالك قتل فاطلب بثأره، قال: وكيف؟ قال: اقطع أنفي وأذني وخلِّ عني فسوف ترى، فقال له عمرو: ما جزاؤك هذا عنا؟ فخرج من عنده وقطع أنفه وأذنه ثم ربطهما وخرج حتى أتاها فدخل عليها فأنكرت شأنه فقالت: ما الذي أرى بك؟ فقال: صنع بي في سبيلك؛ زعم عمرو أني سقت خاله إليك، قالت: بئس الجزاء جزاؤك وقد بلغني نصحك لهم، فهل عندك مناصحة لنا وأمانة؟ فقال: نعم وكان مجانبًا للكذب، فأقام عندها حتى برئ وصلح، فأرسلته إِلى العراق وأعطته دنانير فقالت: اشتر في ما يصلح من بزوز العراق وأد فيه الأمانة فأتى عمرًا، فقال: هذا مال فأضعفه لي ففعل ثم ابتاع متاعًا رخيصًا فأتاها به فأعجبها ذلك فأعطته ضعف ذلك المال وأعطته مفاتيح الخزائن وقالت: خذ ما أحببت، فاحتمل ما أحب من مالها، فأتى عمرًا وفرق الرسل في مملكته سرّا وأمر الناس بصنعة السلاح والتأهب، ثم جعل آخر أحمالها أشراجًا (¬1) من داخل ثم حمل على كل بعير رجلين معهما سلاحهما فجعل يسير النهار حتى إذا أتى الليل اعتزل الطريق فلم يزل كذلك حتى إذا شارف المدينة أمرهم فلبسوا الحديد [ودخلوا] (¬2) أشراجهم ليلًا، وعرف أنه مصبحها، فلما أصبح عندها دخل عليها وسلم وقال: هذه العير تأتيك الساعة بم لم يأتك قط، فصعدت فوق قصرها وجعلت تنظر إلى العير تدخل المدينة فأنكرت ذلك وجعلت تقول: ما لِلْجَمَالِ ............ ... ........................ إلى آخره ولما توافت العير في المدينة حلوا أشراجهم وخرجوا في الحديد، وأتى قصير لعمرو، فأقامه على سرب كان لها كانت إذا خشيت خرجت منه، فأقبلت لتخرج من السرب فأتاها عمرو فجعلت تمص خاتمها وفيه سم، وتقول: بيدي لا بيد عمرو وفارقت الدنيا (¬3)، ويقال: إنها قالت حين رأت جمالًا مالت إلى ناحية السرب وكان عليها رجال: عَسَى الغُوَيرُ أَبْؤُسا (¬4)، فأرسلتها ¬
مثلًا، ومعناه: عسى البأس المحذور أن يأتيني من جهة الغار، وغوير: تصغير غار (¬1). قولها: "للجمال" بكسر الجيم، جمع جمل، قولها: "وئيدًا" بفتح الواو وكسر الهمزة بعدها دال، وهو صوت شدة الوطء على الأرض يسمع كالدوي من بعد، يقال: سمعت وأد قوائم الإبل ووئيدها، وفي حديث عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها -: "خَرجتُ أقفو آثار الناس يوم الخندق فسمعت وئيد الأرض من خلفي ". قولها: "أجندلًا" بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال وفي آخره لام، وهو الحجر، ويجمع على جنادل، قولها: "أم صرفانًا" بفتح الصاد والراء المهملتين وبالفاء بعدها ألف وبعدها نون وهو جنس من التمر، قال أبو عبيدة: لم يكن يهدى لها شيء كان أحب إليها من التمر الصرفان، وأنشد (¬2): ولما أَتَتْها العِيرُ قَالتْ أَبَارِدٌ ... مِنَ التَّمرِ أم هذَا حَدِيدٌ وجَنْدَلُ (¬3) قولها: "قمّصًا" بضم القاف وتشديد الميم وفي ’خره صاد مهملة؛ من قمص الفرس وغيره يقمس، ويقمص قمصًا وقماصًا، أي: اسق، وهو أن يضع يديه ويرفعهما جميعًا (¬4) ويعجن برجليه، يقال: هذه دابة فيها قصاص بكسر القاف، ويروى: أم الرجال جُثّمًا بضم الجيم وتشديد الثاء المثلثة، وهو جمع جاثم من جثم الطائر إذا تلبد بالأرض يجثم ويجثم جثومًا وكذلك الرجال، قال الراجز (¬5): إذَا الرِّجَالُ جَثَمُوا عَلَى الرُّكَبِ ... ................................ الإعراب: قولها: "ما للجمال" ما: حرف استفهام، و "للجمال": جار ومجرور يتعلق بمحذوف نحو استقر، وقولها: "مشيها وئيدًا" استدل به الكوفيون على جواز تقديم الفاعل؛ فإنهم يقولون: مشيها: مرفوع بالفاعلية قد ارتفع بقولها: "وئيدًا" وهو اسم الفاعل؛ كالقوي والسمين والمريض (¬6)، وأما ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الثلاثمائة
عند البصريين فقولها: "مشيها": مرفوع بالابتداء، وحذف خبره وبقي معمول الخبر، والتقدير: مشيها يكون وئيدًا أو يوجد وئيدًا، ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جره (¬1) بدل اشتمال من الجمال؛ لأنه عائد على ما الاستفهامية، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام، وكذلك حكم ضمير الاستفهام، ولأنه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه. ويقال: روي مشيها بالثلاث؛ ففي الرفع فاعل مقدم ضرورة (¬2)، وقال أبو علي: بدل من الضمير في: للجمال، أو مبتدأ، ووئيدًا: حال سد مسد الخبر، والنصب على المصدر، أي: تمشي مشيها، والخفض بدل اشتمال من "للجمال" (¬3). قولها: "أجندلًا" الهمزة للاستفهام، وجندلًا: منصوب بيحملن، قولها: "أم": متصلة عطف على قولها: "أجندلًا" أي: أم يحملن حديدا. الاستشهاد فيه: في قوله: "مشيها وئيدًا" حيث استدل به الكوفيون على جواز تقديم الفاعل كما ذكرناه مستقصًى. الشاهد السابع والسبعون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) فإن كَانَ لا يُرضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي ... إِلَى قَطَرِي لا إخالُكَ رَاضِيَا أقول: قائله هو سواد بن المُضَرّب، وكان هرب من الحجاج خوفًا على نفسه، وقال: 1 - أَقَاتلُنِي الحَجَّاجُ إِنْ لَم أَزُر لَهُ ... دَرَابَ وَأَتْرُكُ عِنْدَ هِندٍ فُؤَادِيَا ¬
2 - فَإِن كَانَ لا يُرضيِكَ حَتَّى تَرُدَّني ... إلَى قَطَرِي لا إخالُكَ رَاضِيَا 3 - إِذَا جَاوَزَتْ قَصرَ المُجيرِين نَاقتِي ... تَنَاسَت بَنِي الحجَّاجِ لما ثنائيا 4 - أَيَرجُو بنو مَروَانَ سَمعِي وَطَاعَتِي ... وَقَوْمِي تَمِيم والفلَاةَ وَرَائِيَا وهي من الطويل. 1 - قوله: "أقاتلني" بنون الوقاية، ويروى: أقاتلي الحجاج بترك النون وتحريك الياء بالفتحة، قوله: "دراب" بفتح الدال والراء [وبعد الألف] (¬1) باء موحدة، وأراد بها: دراب جَرد، وهي مدينة مشهورة في بلاد فارس. 2 - قوله: "إلى قطري" بفتح القاف والطاء المهملة وكسر الراء بعدها ياء آخر الحروف مشددة، وهو قطري بن الفجاءة، واسمه: جعونة بن يزيد بن زيد مناة بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن المازني بن مازن الخارجي، يكنى أبا نعامة، خرج زمن مصعب ابن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - وكانت ولاية مصعب في سنة ست وستين من الهجرة فبقي قطري عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة. وكان الحجاج بن يوسف الثقفي يسير إليه جيشًا بعد جيش وهو يستظهر عليهم، ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي فظهر عليه وقتله سنة ثمان وسبعين للهجرة، وكان المباشر لقتله: سودة بن أبجر الدارمي، وقيل: إن قتله كان بطرستان في سنة تسع وسبعين، وقيل: عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذ رأسه فحمل إلى الحجاج، وقد قيل: إن القطري نسبة إلى موضع يدعى قطر بين البحوين وعمان، كان أبو نعامة المذكور منه، وقيل: إن القطر هي قصبة عمان. قوله: "لا إخالك" بكسر الهمزة وهو الفصيح؛ أي: لا أظنك. 30 - قوله: "قصر المجيرين" ويروى: درب المجيرين. 4 - قوله: "ورائيا" أراد: قدامي. الإعراب: قوله: "فإن" الفاء للعطف، وإن للشرط، وقوله: "كان لا يرضيك": [فعل الشرط] (¬2)، ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة
وقوله: "لا إخالك": جوابه، وكان فعل فيه فاعله الذي هو اسمه محذوف تقديره: فإن كان هو لا يرضيك، أي: ما نحن عليه الآن من سلامة، أو فإن كان هو؛ أي: ما تشاهده مني، قوله: "لا يرضيك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها خبر كان. قوله: "حتى" للغاية بمعنى إلى، و "تردني": منصوب بأن المقدرة، قوله: "إلى قطري" متعلق بتردني، قوله: "لا إخالك" قد قلنا: إنه جواب إن، وإخال يقتضي مفعولين: الأول: الكاف والثاني: قوله: "راضيًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "فإن كان" حيث حذف منه الفاعل لما دل عليه الكلام والحال المشاهدة، واستدل به الكسائي (¬1) على جواز حذف الفاعل (¬2). الشاهد الثامن والسبعون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) تَجَلّدتُ حَتَّى قِيلَ لَم يَعرُ قَلْبَهُ ... مَنَ الوجْد شَيءٌ قَلْتُ بلْ أَعظَمُ الوجْدِ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة
قوله: "تجلدت": من التجلد وهو تكلف الجلادة، قوله: "لم يعر" من قولهم: عراني هذا الأمر إذا غشيه، واعتراه همه؛ ومنه العرواء وهي الرعدة. قوله: "من الوجد" وهو شدة الاشتياق، المعنى: أظهرت الجلادة في الصبر عنها وأضمرت محبتها في باطني حتى اعتقدوا أني سلوت عنها، وقالوا: لم يبق في قلبه شيء من وجدها، فأنكر عليهم ذلك بقوله: "قلت بل أعظم الوجد"، أي: بل عرا قلبي أعظم الوجد. الإعراب: قوله: "تجلدت": جملة من الفعل والفاعل، و "حتى": للغاية بمعنى إلى، والمعنى: إلى أن قيل، قوله: "لم يعر" فعل مجزوم بلم، وأصله: يعرو، من عرا يعرو، و "قلبه" بالنصب مفعوله، وقوله: "شيء" بالرفع فاعله، وقوله: "من الوجد": يتعلق بقوله: "لم يعر"، والجملة: مقول القول، قوله: "قلت": فعل وفاعل، وقوله: "بل أعظم الوجد": مقول القول، و "بل". للإضراب، و "أعظم الوجد": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف تقديره: بل عراه أعظم الوجد. الاستشهاد فيه: حيث حذف منه الفعل الرافع (¬1). الشاهد التاسع والسبعون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) لِيُبْكِ يَزِيدُ ضَارِعٌ لخصُومَةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ أقول: قائله هو نهشل بن حري بن ضمرة بن جابر النهشلي (¬4)، قال أبو عبيدة: حري كأنه ¬
منسوب إلى الحرِّ ضد البرد (¬1)، وقال البعلي: هو للحرث بن نهيك النهشلي (¬2)، وقال النيلي (¬3): في شرح الكافية: هو لضرار النهشلي، ونسبه بعضهم لزرود، ونسبه أبو إسحاق الحربي (¬4) عن أبي عبيدة لمهلهل، ولم يقع في كتاب المجاز لأبي عبيدة منسوبًا إلا لنهشل يرثي أخاه (¬5)، وهو من قصيدة حائية، وأولها هو قوله (¬6): 1 - لعَمرِي لَإِنْ أمسَى نَرِيدُ بنُ نَهشلُ ... حشَى جدثٍ تسفِي عليهِ الروَائِحُ 2 - لقد كانَ مِمنْ يبسطُ الكفّ بالندَى ... إِذَا ضنّ بالخيرِ الأكفّ الشحَائِحُ 3 - فبعدكَ أبدى ذو الضغينة ضَغْنَه ... وشدّ ليَ الطرفَ العيونَ الكوَاشِحُ 4 - ذكرتُ الذي ماتَ الندي عند موته ... بعاقبَةٍ إذْ صالح العيش صالحُ 5 - إذَا أرقى أفنى من الليلِ ما مضَى ... تمطَّى بهِ ثِنْيٌ من الليلِ راجحُ 6 - ليبكِ يزيدُ ضارعٌ لخصومة ... ومستَنْمِحٌ مما أَطَاحَ الطوَائحُ 7 - عرا بعدَ مَا جفَّ الثَّرَى عنْ نقَابِه ... بعصمَاءَ تدرِي كيفَ تَمشِي النائح وهي من الطويل. قوله: "يزيد": اسم رجل وهو أخو الشاعر الذي يرثيه بهذه القصيدة، قوله: "ضارع": من الضراعة وهو الخضوع والتذلل، يقال: ضرع الرجل ضراعة؛ أي: خضع وذل، وأضرعه غيره، ويقال: فلان ضارع الجسم؛ أي: ضعيف نحيف. قوله: "ومختبط" من قولهم: اختبطي فلان إذا جاءك يطلب معروفك من غير أجرة، قال الجوهري: وخبطت الرجل إذا أنعمت عليه من غير معرفة بينكما (¬7)، وأراد بالختبط هاهنا: المحتاج، وأصله: من الخبط وهو ضرب الشجر ليسقط ورقها للإبل، وقال النحاس: المختبط: طالب ¬
المعروف (¬1)، وقال ابن فارس: اختبط فلان بني فلان إذا جاءهم يطلب معروفهم (¬2)، قال ابن الأثير في تفسير حديث ابن عمر: قيل له في مرضه الذي مات فيه: "قد كنت تقري الضيف، وتعطي المختبط": هو طالب الرفد من غير سابق معرفة ولا وسيلة، شبه بخابط الورق أو خابط الليل، ويروى: ومستمنح؛ كما ذكرناه؛ من استمنحه: أي: طلب منحته؛ أي: استرفده. قوله: "مما تطيح" بضم التاء؛ أي: مما تهلك، يقال: طاح إذا سقط وهلك، وأطاحته السنون إذا ذهبت به في طلب الرزق وأهلكته، وقال الجوهري: طاح يطوح ويَطيح: إذا هلك وسقط، وكذلك إذا تاه في الأرض، وطوحه أي توهه، وذهب به هاهنا وها هنا، فتطوح في البلاد إذا رمى بنفسه هاهنا وها هنا، وطوحته الطوائح: قذفته القواذف، ولا يقال: المطوحات، وهو من النوادر؛ كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] على أحد التأويلين. قلت: الطوائح: جمع مطحة، وهي القواذف، يقال: طوحته الطوائح أي: نزلت به المهالك، والقياس: المطاوح؛ لأنه جمع مطيحة، وإنما جاءت على حذف الزوائد؛ كما في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، والقياس: ملاقح (¬3). وقال النحاس: وكان القياس أن يقال: المطاويح ولكنه اضطر وحذف وقال: الطوائح (¬4). حاصل المعنى: ليبك يزيد رجلان: خاضع ومتذلل لمن يعاديه، وطالب معروف ومتوقع إحسان لأنه هو المغيث لمن استغاثه، وهو الفائض للمعروف على من استعفاه، وقال النيلي: معنى البيت أن المفقود كان ينصر المظلوم، ويعطي المحتاج (¬5). الإعراب: قوله: "ليبك" اللام فيه لام الأمر، والفعل لما لم يسم بهاعله، وقد ارتفع يزيد به لقيامه مقام الفاعل، و "يزيد": غير منصوف للعلمية ووزن الفعل، وقوله: "ضارع": مرفوع بفعل محذوف، ولا يجوز أن يرتفع بالفعل المذكور؛ لأن يزيد قد ارتفع به فتعين أن يرتفع بفعل محذوف مقدر دل عليه قوله: "ليبك"كأنه لما قال: "ليبك يزيد" علم بهذا الأمر أن هناك من يبكيه مأمورًا بالبكاء، فقال: من يبكيه؟ قال: يبكيه ضارع. ¬
الشاهد الثماثون بعد الثلاثمائة
قوله: "لخصومة": يتعلق بضارع، ويجوز أن تكون اللام بمعنى: عند، أي: ضارع عند خصومة، قوله: "ومختبط": عطف على ضارع، وقوله: "مما تطيح الطوائح" كلمة ما مصدرية أي: من إطاحة الأشياء المطيحة، هذا من حيث التقدير، وأما من حيث الظاهر فهو فعل وفاعل دخل عليه حرف مصدري. الاستشهاد فيه: في قوله: "ضارع" حيث ارتفع بفعل مقدر تقديره: يبكيه ضارع؛ كما قلنا، ورواه الأصمعي: "ليبك يزيدًا" بفتح الياء في ليبك على صيغة العلوم، ونصب يزيد، فعلى هذا لا شاهد حينئذ فافهم (¬1). الشاهد الثماثون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) غَدَاةَ أَحَلَّتْ لابْنِ أَصرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصَينٍ عَبيطَاتِ السَّدَائِفِ والخمرُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ومَغْبُوقَة قَبلَ العِيَالِ كَأنها ... جَرَادٌ تجلاه عن الفَزَعِ الفَجْرُ 2 - عَوَانِسَ مَا تَنْفَكُّ تَحتَ بُطُونِها ... سَرَابِيلُ أبْطَال بَنَائِقُها حُمرُ 3 - تَرَكْنَ ابنَ ذِي الخَدَّينِ يَنْشِجُ مسندًا ... وَلَيسَ لهُ إلا أَلَاءَتُهُ قبرُ 4 - وَهُنَّ بِسَرحَافٍ تَدَارَكْنَ وَالِقًا ... عُمَارة عبسٍ بعد مَا جَنَحَ العصرُ (¬5) 5 - غداة أحلت ............. ... ....................... إلى آخره وقصة هذا: أن حصين بن أصرم المذكور في البيت قد قُتل له قريب فحرم على نفسه شرب ¬
الخمر وأكل اللحم العبيط حتى يقتل قاتله فقتله، فلما طعنه وقتله أحلت له تلك الطعنة شرب الخمر وأكل اللحم العبيط. 1 - قوله: "ومغبوقة": مجرور بواو رب، والمغبوقة. هي الخيل التي يؤثرها أصحابها على عيالهم فيسقونها الغبوق وهو ما يشرب بالعشي من لبن وغيره. 2 - قوله: "عوانس": جمع عانس؛ من عنست الجارية إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها، و"الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع، "والبنائق" بفتح الباء الموحدة بعدها نون، وهو جمع بنيقة، وهي من القميص لبنته. 3 - قوله: "ذي الخدين" أراد به بسطام بن قيس الشيباني، وكان قتله عاصم بن خليفة الضبي، قوله: "ينشج": من نشجت الطعنة تنشج إذا خرج منها الدم ويسمع له صوت، ومادته: نون وشين معجمة وجيم، و "المسند" هو الذي به رمق ترجى له الحياة، قوله: "ألاءته" بفتح الهمزة واللام بعدها همزة -أيضًا- وهي الشجرة، وتجمع على آلاء. 4 - قوله: "بسرحاف" بفتح السين المهملة وسكون الراء وبالحاء المهملة وفي آخره فاء، وهو اسم رجل، قوله: "والِقًا" بكسر اللام وفي آخره قاف، وهو لقب لعمارة المذكور في البيت، فلذلك وقع عمارة بدلًا منه، سمي به لكثرة إغارته. 5 - قوله: "عبيطات" بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة؛ جمع عبيط وهو اللحم الطبري، و "السدائف": جمع سديف- بالسين المهملة وفي آخره فاء، وهو شحم السنام وغيره مما غلب عليه السمن. الإعراب: قوله: "غداة"؛ نصب على الظرف، قوله: "أحلت": فعل ماض، وفاعله قوله: "طعنة"، قوله: "لابن أصرم": متعلق بقوله: "أحلت"، قوله: "حصين" بالجر عطف بيان لابن أصرم، قوله: "عبيطات السدائف": كلام إضافي منصوب لأنه مفعول لقوله: "أحلت"، قوله: "والخمر" بالرفع ورافعه محذوف تقديره: وحلت له الخمر. الاستشهاد فيه: حيث حذف منه الفعل الرافع؛ لأن التقدير: وحلت له الخمر كما ذكرنا لاستلزام قوله: "أحلت" فيما سبق هذا الحذف؛ لأن أحلت يستلزم حلت فافهم (¬1). ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد الثلاثمائة
الشاهد الحادي والثمانون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) أُلْفِيَتَا عَينَاكَ عِنْدَ القَفَا ... أَوْلَى فَأَوْلَى لَكَ ذَا وَاقِيَهْ أقول: قائله هو عمرو بن ملقط شاعر جاهلي، وهي من قصيدة هائية أولها هو قوله (¬3): 1 - مَهْمَا لِيَ الليلَةَ مَهْمَا لِيَهْ ... أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وَسِرْبَالِيَهْ 2 - إِنكَ قد يَكفيكَ بَغْيُ الفتَى ... ودَرأَهُ أَنْ تَركُض العَالِيَهْ 3 - بِطَعْنَة يَجري لها عَانِدٌ ... كالمَاءِ منْ غَائلَةِ الجَابِيَهْ 4 - يا أَوْسُ لوْ نَالتْكَ أرْمَاحُنَا ... كنتَ كمنْ تهوي بهِ الهاويَهْ 5 - ذاكَ سنان محلبُ نصرُهُ ... كالجملِ الأوْطَفِ بالرّاويهْ 6 - أُلفِيَتَا ............... ... ........................... إلى آخره 7 - يا أيها الناصِرُ أخْوالهُ ... أأنتَ خيرٌ أمْ بنُو جاريَهْ 8 - أمْ أُخْتُكُم أَفْضَلُ مِنْ أُخْتِنَا ... أم أُخْتُنَا عَن نَصرِنَا وانيهْ 9 - والخيلُ قد تُجْشِمَ أربابُها الشَـ ... ق وقد تَعتسِفُ الداويَهْ 10 - يأبَى لِي الثعلبتَانِ الذي ... قال ضُرَاطُ الأُمَّةِ الرَّاعِيَهْ 11 - ظلَّتْ بِوَادٍ تَجتَنِي صمغَة ... واحتَلَبَتْ لِقْحَتَها الآنيهْ 12 - ثمّ غدتْ تجرُدُ أجرادَها ... إنْ متغناة وإن حاديَهْ وهي من الرجز المسدس (¬4). 1 - قوله: "مهما في الليلة" مهما هنا للاستفهام في محل الرفع على الابتداء، وقوله: "لي": خبره، و "الليلة": نصب على الظرف، وأعيدت الجملة توكيدًا، قوله: "أودى" معناه: هلك، والباء في: "بنعلي" زائدة، وهو فاعل نحو (¬5): {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الرعد: 43] وقد قيل: ¬
إن مهْ هاهنا اسم فعل بمعنى: اكفف، وما: استفهام مستأنف وحدها (¬1). 2 - قوله: "أن تركض العاليه" أراد فرسًا له. 3 - قوله: "عاند" بالعين المهملة وكسر النون، وهو العرق الذي لا يخرج دمه على جهة واحدة، و"الغائله" بالغين المعجمة؛ ما غال من الماء وشرق، و "الجابيه" بالجيم؛ الحوض. 4 - قوله: "تهوى به الهاويه" أي: المهواة، وتهوي بكسر الواو؛ أي: تسقط. 6 - قوله: "ألفيتا" أي: وجدنا عيناك، يصفه بالهروب، فهو يتلفت إلى ورائه في حال انهزامه فتلفى عيناه عند قفاه، قوله: "أولى فأولى لك" هذه كلمة تهديد ووعيد، قال الأصمعي: معناه: قاربه ما يهلكه؛ أي: نزل به، وأصله: من وليك الشيء إذا دنا منك، يقال: ولي يلي وليًّا؛ أي: قرب، وأولى: أفعل منه، كأن معناه: وليه الشر وليًّا كاملًا، قوله: "ذا واقيه" معناه: ذا وقاية، ويجيء المصدر على وزن فاعلة كالكاذبة بمعنى الكذب. 5 - قوله: "سنان" أراد به رجلًا، و "محلب" أي: معين، وهو بالحاء المهملة، قوله: "الأوطف" وهو الكثير شعر الأذنين وأهداب العينين. 8 - قوله: "وانيه": من الوني وهو الضعف والفتور والكلال. 9 - قوله: "قد تجشم أربابها" أي: تحملهم على المشقة، و "الشق" بفتح الشين؛ المشقة. 10 - قوله: "يأبى لي الثعلبتان" أراد بهما ثعلبة بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن حارثة بن سعد بن فطرة بن طيئ، وثعلبة بن رومان بن جندب، قال: ضراط الأمة ليكون أخس له، ويروى: خباج الأمة. 11 - قوله: "لقحتها الآنيه" أي: البطيئة بلبنها؛ هكذا فسره أبو زيد (¬2)، وقال غيره: أي: المدركة. 12 - قوله: "أجرادها": (¬3) جمع جرد بفتحتين وهو الغيظ والغضب، قوله؛ "إن متغناة" قال الجرمي وأبو حاتم: إما مغناة وإما حادية. الإعراب: قوله: "ألفيتا": تثنية ألفى على صيغة المجهول، قوله: "عيناك": كلام إضافي فاعله، وقوله: ¬
الشاهد الثاني والثماثون بعد الثلاثمائة
"عند القفا": كلام إضافي نصب على الظرف، والعامل فيه ألفيتا، قوله؛ "أولى" قد ذكرنا أنه دعاء عليه. فإن قلتَ: ما موقعه من الإعراب؟ قلتُ: يجوز أن يكون في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف [تقديره] (¬1): دعائي أولى فأولى لك، يعني: هذه الكلمة، وقوله: "فأولى لك" بالفاء [عطف] (¬2) على أولى الأول، كرر للتأكيد، قوله: "ذا واقيه": حال من الكات في: "عيناك"، والمعنى: حال كونك ذا واقيه، وقوله: "أولى فأولى لك": معترض بينهما. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألفيتا عيناك" حيث ثنى الفعل مع إسناده إلى الظاهر والقياس توحيده، وقد يقال: إن الألف فيه للدلالة على التثنية لا للضمير، أو يكون للضمير، ويكون عيناك بدلًا منها؛ كما أولوا في قولهم: أكلوني البراغيث (¬3). الشاهد الثاني والثماثون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) يَلُومُونَنِي فِي اشتِرَاءِ النَّخيـ ... ــــــلِ أَهْلِي فَكلهُمُ أَلومُ أقول: لم أقف على اسم قائله. ¬
وهو من المتقارب. قوله: "ألوم" من اللوم، ويروى: فكلهم يعذل؛ من العذل وهو اللوم -أيضًا-. الإعراب: قوله: "يلومونني": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "أهلي": كلام إضافي فاعله، وقوله: "في اشتراء النخيل": يتعلق بقوله: "يلومونني"، قوله: "فكلهم": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "ألوم": خبره، وأفرد الفعل في رواية: "فكلهم يعذل" نظرًا إلى لفظه ولأجل الضرورة أيضًا؛ لأنه يجوز أن يقال: كلهم يعذلون. الاستشهاد فيه: في قوله: "يلومونني" حيث جمع الفعل المسند إلى الفاعل الظاهر على لغة من قال: مررت برجل كريمين أباؤه، وأكلوني البراغيث (¬1)، وقال السهيلي: ألفيت في كتب الحديث المروية الصحاح ما يدل على كرة هذه اللغة وجودتها؛ نحو ما جاء من قول وائل بن حجر (¬2) في سجود النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ووقعتا ركبتاه قبل أن تقعا كفاه" (¬3)، ونحو قوله: "يخرجن العواتق وذوات الخدور" (¬4)، ونحو: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" أخرجه في الموطأ (¬5)، والألف والواو والنون حروف؛ لكني قلت: هذه حروف دالة على حال الفاعل الآتي ذكره، وهي لغة بعض العرب فافهم (¬6). ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الثلاثمائة
الشاهد الثالث والثمانون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) نُتِجَ الرَّبيعُ مَحَاسِنًا ... أَلْقَحنَها غُرُّ السحَائِبِ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الكامل المربع وفيه الإضمار والترفيل، فإن قوله: "غير السحائب"، "مستفعلانن". قوله: "نتج الربيع" على صيغة المجهول، يقال: نتجت الناقة وتنتج على صيغة المجهول [تنتج] (¬3) نتاجًا وأنتجها أهلها، وأراد بالربيع الكلأ، ويجمع على أربعة، وربيع الجداول على أربعاء، والربيع- أيضًا: المطر في الربيع، و "المحاسن": جمع حسن على غير قياس، قوله: "ألقحنها": من ألقح الفعل الناقة، والريحُ السحابَ، ومنه (¬4): {الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22]، قوله: "غير السحائب" بضم الغين المعجمة؛ جمع غراء مؤنث أغر وهو الأبيض، والسحائب: جمع سحابة، قال الجوهري: السحابة: الغيم، والجمع: سحاب وسُحُب وسحائب (¬5). الإعراب: قوله: "نتج الربيع": جملة من الفعل وهو نتج على صيغة المجهول؛ كما ذكرنا، والفاعل هو الربيع النائب عن المفعول، قوله: "محاسنًا": مفعوله، قوله: "ألقحنها": جملة من الفعل والمفعول، وهو الضمير، وقوله: "غر السحائب": كلام إضافي فاعلها، والجملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: "محاسنًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "ألقحنها" حيث جمع الفعل، وهو مسند إلى الفاعل الظاهر، وهو قوله: "غر السحائب" والقياس: ألقحها غير السحائب (¬6). ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد الثلاثمائة
الشاهد الرابع والثمانون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) تَولّى قِتَال المارِقينَ بِنَفْسِهِ ... وَقَد أَسلَمَاهُ مُبعَدٌ وحَمِيمُ أقول: قائله هو عبيد اللَّه بن قيس الرقيات (¬3)، وهو عبيد اللَّه بن قيس بن شريح بن مالك بن ربيعة بن أهيب بن ضباب بن حجر بن عبيد بن بغيض بن عامر بن لؤي بن غالب، وأمه: قتيلة بنت وهب بن عبد الله بن ربيعة. وإنما لقب عبيد اللَّه بن قيس بالرقيات؛ لأنه تشبب (¬4) بثلاث نسوة يسمين جميعًا رقية وهن: رقية بنت عبد الله بن أبي قيس بن وهب بن أهبان بن ضباب بن حجر بن عبيد بن بغيض بن عامر بن لؤي، وابنة عم لها يقال لها رقية، وامرأة أخرى من بني أمية يقال لها رقية أيضًا. والبيت المذكور من قصيدة طويلة من الطويل يرثي بها مصعب بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهما (¬5) -، وأولها هو قوله (¬6): 1 - لَقَد أَوْرَثَ المِصرَينِ خِزْيًا وَذِلَّةً ... قَتِيلُ بِدَيْرِ الجاثلِيقِ مُقِيمُ 2 - فمَا قَاتَلَتْ في الله بَكْرُ بنُ وَائِلٍ ... ولَا صَبَرَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ تَمِيمُ (¬7) 3 - ولكنَّهُ رَامَ القِيَامَ وَلَم يَكُن ... لها مُضَري يومَ ذاكَ كَرِيمُ (¬8) 1 - قوله: "المصرين" أراد بهما الكوفة والبصرة، قوله: "الجاثليق" بالجيم وفتح الثاء المثلثة ¬
وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف؛ وهو اسم موضع على شاطئ نهر يقال له: دجيل (¬1) من أرض مسكن من بلاد العراق، وكان مصعب بن الزبير - رضي اللَّه تعالى عنهما - قُتل هناك في سنة إحدى وسبعين للهجرة يوم الثلاثاء الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان الذي قتله عسكر عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك قد سار بجنوده من الشام، وسار مصعب بن الزبير بجنوده من الكوفة فالتقيا بدير الجاثليق فكانت الدائرة على مصعب -رضي الله تعالى عنه-. 4 - قوله: "تولى" أي: مصعب، و "قتال المارقين" أي: الخوارج؛ من مرق السهم من الرمية مرقًا إذا خرج من الجانب الآخر، ومنه سميت الخوارج مارقة لقوله - صلى الله عليه وسلم - (¬2): "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، قوله: "وقد أسلماه" أي: خذلاه، يقال: أسلمت فلانًا إذا لم تعنه ولم تنصره على عدوه، قوله: "مبعد" بضم الميم وسكون الباء الموحدة وفتح العين، وأراد به الرجل الأجنبي، و "الحميم": الصاحب الذي يهتم لصاحبه. الإعراب: قوله: "تولى": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى قوله: "قتيل" في البيت السابق، وهو مصعب بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما -، قوله: "قتال المارقين": كلام إضافي مفعول لقوله: "تولى"، قوله: "بنفسه": جميد، والباء زائدة؛ أي: تولى نفسه، قوله: "وقد أسلماه": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى مصعب، وقوله: "مبعد": فاعله، و "حميم": عطف عليه، والجملة في محل النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "وقد أسلماه" حيث ثنى الفعل المسند إلى الفاعلين الظاهرين، وكان القياس أن ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الثلاثمائة
يقال: وقد أسلمه مبعد وحميم، ولكنه جاء على لغة بعض العرب، فقيل (¬1): هم طيء، وقيل: [هم] (¬2) أزد شنوءة (¬3) وهم يأتون بالألف مع المثنى، وبالواو مع جمع المذكر، وبالنون مع جمع المؤنث فيقولون: قاما أخواك وقاموا إخوتك وقمن أخواتك، ومنه البيت المذكور (¬4). الشاهد الخامس والثمانون بعد الثلاثمائة (¬5)، (¬6) وَأَحقَرُهُم وَأَهْوَنُهُم عليه ... وَإنْ كَانَا لهُ نسَب وخِيَرُ أقول: قائله هو عروة بن الورد، وهو من قصيدة يمدح بها الغنيَّ ويذم الفقير، وأولها هو قوله (¬7): 1 - ذَرُونِي للغِنَى أَسعَى فَإنِّي ... رَأَيْتُ النَّاسَ سَرُّهُمُ الفَقِيرُ 2 - وأحقرهم ............. ... ........................ إلى آخره 3 - يباعده القَرِيبُ وتَزدريهِ ... حَلِيلَتهُ وينهرُهُ الصَّغِيرُ 4 - وتَلْقَى ذَا الغِنَى ولَهُ جلالٌ ... يَكَادُ فُؤَادُ صَاحِبِهِ يَطِير وهي من الوافر. قوله: "خير" بكسر الخاء المعجمة، بمعنى: الكرم. الإعراب: 2 - قوله: "وأحقرهم": عطف على قوله: "شرهم الفقير" قوله. "وأهونهم عليه": عطف على [قوله:]، (¬8) أحقرهم" أي: أذلهم، والضمير في "عليه" يرجع إلى الفقر الدال عليه قوله؛ ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد الثلاثمائة
"الفقير" في البيت السابق، وكلمة على للتعليل. والمعنى: لأجل الفقر؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي: لهدايته إياكم. والمعنى هاهنا: رأيت الناس شرهم وأحقرهم وأهونهم الفقير لأجل فقره. قوله: "وإن": حرف شرط، وقوله: "كانا": فعل الشرط، والجواب إما متقدم وإما محذوف تقديره: وإن كان له نسب وخير فهو أحقرهم وأهونهم، وارتفاع نسب بكانا، وخير عطف عليه، والضمير في "له" يرجع إلى الفقير، والجار والمجرور في محل النصب على الخبرية. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإن كانا" حيث ثنى الفعل مع إسناده إلى الفاعل الظاهر؛ كما في الأبيات السابقة (¬1). الشاهد السادس والثمانون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) فَلَا مزْنَةً ودَقَتْ وَدقَها ... ولَا أرضَ أَبْقَلَ إبْقَالها أقول: قائله هو عامر بن جوين الطائي؛ كذا قاله النحاس في شرح أبيات الكتاب، والجوهري وغيرهما. وهو من المتقارب وفيه الحذف. والشاعر يصف سحابة وأرضًا نافعتين، و "المزنة" بضم الميم وسكون الزاي المعجمة وفتح النون؛ وهي السحابة البيضاء، وتجمع على مُزن، ويقال: المزنة: المطرة، والمعنى هاهنا على الأول. قوله: "ودقت" بالقاف؛ من ودق المطر يدق إذا قطر، وسمي المطر ودقًا [أيضًا] (¬4)، قوله: "أبقل": من الإبقال؛ يقال: أبقلت الأرض إذا خرج بقلها، ويقال للمكان أول ما ينبت فيه البقل ¬
أبقل، وقد يقال: بقل بقلًا وبقولًا ولوجه الغلام أول ما ينبت فيه الشعر: بقل لا غير، وأنكر جماعة منهم الأصمعي بقل في المكان، ولهذا ادّعوا أن باقلًا من الشواذ، كأعشب فهو عاشب والقياس: مبقل ومعشب (¬1). الإعراب: قوله: "فلا مزنة" كلمة الفاء للعطف، و "مزنة": مبتدأ أو اسم لا، على إلغائها أو إعمالها عمل ليس، وقوله: "ودقت": خبر المبتدأ أو خبر لا أو نعت لمزنة، والخبر محذوف؛ أي: موجودة، قوله: "ودقها": كلام إضافي نصب على المصدر. قوله: "ولا أرض": عطف على ما قبله، و"أرض": اسم لا التبرئة، و "أبقل": خبرها ومحله الرفع، أو نعت لاسمها فمحله النصب، ونصب إبقالها كنصب ودقها. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبقل" حيث ذكر الفعل مع إسناده إلى الأرض وهي مؤنثة، وقال ابن الناظم فيه: وذلك لأجل ضرورة الشعر (¬2)، وفيه نظر؛ لأنه كان يمكنه أن يقول: ولا أرض أبقلت إبقالها بدرج همزة إبقالها فيستقيم الوزن، فإذا كان كذلك دل ذلك أنه ليس للضرورة، وإنما كان لأجل أن تأنيث الأرض ليس بحقيقي، وأنشد الجوهري هذا البيت ثم قال: ولم يقل: أبقلت؛ لًان تأنيث الأرض ليس بحقيقي (¬3). ويؤيد ما ذكرنا أن النحاس قال: وقد أُنشد هذا البيت: ولا أرض أبقلت إبقالها، على تخفيف الهمزة وأنث الأرض على ما يجب، ومن ذكّرها قال: ليست فيها علامة للتأنيث، أو قال: الأرض والمهاد واحد، وعن ابن كيسان أن ذلك جائز في النثر، وإن البيت ليس بضرورة؛ لتمكن قائله من أن يقول: أبقلت، بشرط أن ينقل كسرة الهمزة إلى التاء، ثم تحذف الهمزة؛ كما ذكرنا (¬4). وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون هذا الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة، وحينئذ لا يمكنه ما ذكره. قلتُ: إن صح ما نقله النحاس صح لابن كيسان مدعاه، وذكر القواس (¬5) في شرح الدرة أنه ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد الثلاثمائة
روى إبقالها بالرفع فلا شاهد فيه حينئذ (¬1). وزعم بعضهم أنه لا شاهد فيه على رواية النصب -أيضًا- وذلك على أن يكون الأصل: ولا مكان أرض، ثم حذف المضاف، وقال: أبقل على اعتبار المحذوف، وقال: إبقالها على اعتبار المذكور (¬2). الشاهد السابع والثمانون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) فَإمّا تَرَينِي وَلِي لمَّةٌ ... فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِها أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها رهط قيس بن معد يكرب الكندي، ويزيد بن عبد المدان بن الريان الحارثي، وأولها هو قوله (¬5): 1 - أَلم تَنْهَ نَفْسَكَ عَمَّا بِها ... بَلى عَادَها بعضُ أَطْرَابها 2 - لِجَارَتِنَا إِذْ رَأَتْ لِمَّتِي ... تقولُ لكَ الويلُ أَنَّى بها 3 - وإذْ لِمَّتِي كجنَاحِ الغدَا ... فِ تَزنُو الكعَابُ لإعجَابِها 4 - فإما ترينِي ............ ... ...................... إلى آخره 5 - فَإنْ تَعهدِي لامرئ لمّةً ... فإنَّ الحَوَادِثَ تُعنَى بِها (¬6) 6 - وَقَبلَكِ سَاعَيتُ فِي رَبْرَبٍ ... إذَا أعتَمت بَعض أَتْرَابِها (¬7) 7 - تُنَازِعُنِي إِذْ خَلَتْ بُردَها ... مُفَضلَةً غَيرَ جِلْبَابِها وهي من المتقارب وفيه الحذف. ¬
1 - قوله: "عما بها" أي: عما بنفسك من الصبابة، و "الأطراب": جمع طرب، والضمير يرجع إلى النفس، وأراد بالجارة امرأته. 2 - قوله: "لك الويل" ويروى: ........................ ... لك الخير ما قلت أودى بها أي: أصابك الخير، يريد: أي شيء قلت أودى باللمة؟ أي: صيرها إلى الصلع، و "الغداف" بضم الغين المعجمة؛ الغراب العظيم. 3 - قوله: "ترنو" أي: تديم النظر، و "الكعاب" بفتح الكاف وتخفيف العين المهملة؛ هو الكاعب وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود، وقد كعبت تكعب بالضم كعوبا، وكعّبت بالتشديد مثله. 4 - قوله: "لمة" بكسر اللام وتشديد الميم، وهي من شعر الرأس دون الجمة، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين، فإذا زادت فهي الجمة. قوله: "فإن الحوادث": جمع حادثة الدهر، ويقال: أراد بها الحدثان وهما الليل والنهار، قوله: "أودى بها" أي؛ أهلكها، يقال: أودى إذا هلك، ويتعدى بالباء. 6 - قوله: "ساعيت" أي: دانيت، و"الربرب": القطيع من بقر الوحش، قوله: "إذا أعتمت" أي: إذا أبطأت وذهبت بعض أترابها، وهو جمع ترب بكسر التاء وسكون الراء، يقال: هذه ترب هذه، أي: لدتها. 7 - و "الجلباب" مثل المقنعة يكون على الخمار. الإعراب: قوله: "فإما" أصله: فإن ما، وإن شرطية، وما زائدة، والمعنى: فإن تريني، وذلك كما في قوله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم: 26]، وقد يشتبه هذا على كثير من المحصلين؛ حشا يظنونها إما التفصيلية ونحوها، ويؤيد ما ذكرنا رواية ابن كيسان: فإن تعهدي لامرئ لمة ... ................................... فقوله: "إن": للشرط، و "تريني": فعل الشرط، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "فإن الحوادث": جواب الشرط، و "الحوادث": اسم إن، و "أودى بها": خبرها، قوله: "ولي لمة": جملة اسمية وقعت حالًا. فإن قلتَ: أين المفعول الثاني لتريني؟
الشاهد الثامن والثمانون بعد الثلاثمائة
قلتُ: هي من رؤية البصر فلا تحتاج إلى مفعول ثان. الاستشهاد فيه: في قوله: "أودى بها" حيث لم يقل: أودت بها؛ لأن تأنيث [الحوادث] (¬1) مجازي؛ لأنه جمع، والجمع واسم الجمع واسم الجنس كلها تأنيث مجازي؛ لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي، ولأجل هذا جاز التأنيث في قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [القمر: 9]، والتذكير -أيضًا- نحو: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام: 66]، وقام الرجال، وأورقت الشجر، وأورق الشجر، وقال نسوة (¬2). فإن قلتَ: ما له لم يقل: أودت بها؛ لأن الوزن لا يتغير؟ قلتُ: لأن القافية مؤسسة، والتأسيس هو الألف الواقع قبل حرف الروي بحرف متحرك كألف عالم، والروي حرف القافية، يقال: قصيدتان على روي، والقافية: هي اللفظ الأخير من البيت الذي يكمل البيت عند الأخفش، وعن قطرب هي الروي، وهو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة (¬3). الشاهد الثامن والثمانون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) لَقَدْ ولدَ الأُخَيطِلَ أُمُّ سوء ... .................................. أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وتمامه: ................................ ... علَا بَابِ اسْتِها صُلبٌ وشَامُ وهو من قصيدة طويلة يذم فيها تغلب، ويهجو الأخطل، وأولها هو قوله (¬6): 1 - مَتَى كانَ الخيامُ بِذِي طُلُوحٍ ... سُقيتِ الغَيثَ أيتُها الخيامُ ¬
2 - تَنَكَّرَ منْ معَارفها ومَالتْ ... دعائمُها وقد بَلَي الثُّمَامُ 3 - تعالى فوقَ أَجْرُعك الخُزَامَى ... بنورٍ واستَهلَّ به الغَمَامُ إلى أن قال: 4 - وتَغلبُ لَا يُصَاهرُهُم كريمٌ ... ولَا أَخْوالُ مَنْ وَلَدُوا كرامُ 5 - إذا اجتمعُوا على سُكَرٍ بِقَلْسٍ ... فنصوا عِنْدَ ذلكَ والنظام 6 - علَى أستِ التغْلَبِية حينَ تجبي ... صليبُهم وفي حَرها الجذَامُ (¬1) 7 - يُسَمونَ القَليسَ ولَا يُسمَّى ... لَهُم عبدُ المليَك ولَا هشَامُ 8 - فمَا عوفيتَ يومَ تَحُضّ قيسًا ... قَنِيصَ الحَي واقْتنصَ السوَامُ 9 - لَقَد ولدَ الأُخَيطِلَ أُم سوء ... علَا بَابِ أسْتِها صُلب وشامُ 10 - أهانَ اللَّهُ جَلْدَةَ حَاجِبيها ... ومَا وارى منَ القَذَرِ اللثام 11 - ونِسوَتُهُ الخبائثُ مُولِعَات ... بفيشٍ لَا يُنيمُ ولَا يَنَامُ 12 - إذَا مَا القسُّ نَادَمَهُنَّ يَوْمًا ... عَلَى الخنزيرِ وانكشفَ الفِدامُ (¬2) 13 - بَدَأْنَ شوَاءَهُن بِخصيَتَيه ... وهنَّ إِلَى جحَافِلِه قرامُ (¬3) وهي من الوافر وفيه القطف والعصب. قوله: "بذي طلوح": اسم أرض، و "الثمام" بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم، جمع ثمامة، وهي نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص وربما حشي به. قوله: "أجرعك" الأجرع: رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء. قوله: "فنصوا": من نصصت الشيء إذا رفعته. قوله: "حين تجبى": من أجبت المرأة إذا بركت ووضعت يديها على ركبتيها بمنزلة الراكع، قوله: "وفي حرها" أي: فرجها، وأصله: حرح بدليل أحراح، و "الجذام": داء، "والقليس" بضم القاف وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهي بيعة كانت بصنعاء للحبشة بناها أبرهة. و"السوام" بفتح السين وتخفيف الواو، هو [المال] (¬4) الراعي، وكذلك السائم. قوله: "الأخيطل": تصغير الأخطل وهو الشاعر المشهور، قوله: "صُلُب" بضمتين ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الثلاثمائة
جمع صليب النصارى، قوله: "وشام" بالشين المعجمة؛ جمع شامة وهي الخال، وأراد به أنه عارف بذلك الموضع. قوله: "بفيش" بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، وهو رأس الذكر وكذلك الفيشة. و"الفِدام" بكسر الفاء؛ وهي الخرقة التي يشد بها المجوسي فمه، والفدام -أيضًا- ما يوضع في فم الإبريق ليصفى به ما فيه. قوله: "شواءهن" بكسر الشين، و"الجحافل": جمع جحفلة وهي للحافر كالشفة للإنسان، و "القرام" بكسر القاف؛ شدة الشهوة للأكل، و "القرام" أيضًا: ستر- فيه نقوش. الإعراب: قوله: "لقد" اللام وقد كلتاهما للتأكيد، وقوله: "ولد": فعل ماض، وقوله: "أم سوء": كلام إضافي مرفوع فاعل ولد، وقوله: "الأخيطل" بالنصب مفعوله، قوله: "صلب": مبتدأ وخبره مقدم عليه، وهو قوله: "على باب استها" "وشام" بالرفع عطف على صلب. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولد" حيث ترك فيه التاء، والحال أنه مسند إلى أم سوء، وذلك لوجود الفصل بينهما؛ كما في قولك: حضر القاضي اليوم امرأة (¬1). الشاهد التاسع والثمانون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) مَا بَرِئَتْ مِن ريبةٍ وذمٍّ ... فِي حَربنَا إِلا بناتُ العَمِّ أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه. وهو من الرجز المسدس. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد التسعون بعد الثلاثمائة
الإعراب: قوله: "ما برئت" بطل عمل ما بدخول إلا (¬1)، "وبرئًت": فعل ماض، وقوله: "بنات العم": كلام إضافي فاعله، وقوله: "من ربية": يتعلق بقوله: "برئت"، و "ذم" بالجر عطف عليه، وقوله: "في حربنا": ظرف لقوله "برئت". الاستشهاد فيه: في قوله: "ما برئت" (¬2) حيث جاء بالتأنيث، فإن الأصل أن تحذف التاء، فلا يجوز: ما قامت إلا هند، إلا في ضرورة الشعر، والبيت من هذا القبيل، وإذا كان الفاصل بين الفعل وفاعله غير "إلا" يجوز فيه الوجهان والتأنيث أكثر [وإذا كان "إلا" فالتذكير أكثر إلا في الشعر، فإن التأنيث خاص به، نص عليه الأخفش، وقد جاء] (¬3) في النثر -أيضًا- على قراءة من قرأ: {إِنْ كَانَتْ إلا صَيْحَةً} [يس: 29] (¬4) بالرفع (¬5). الشاهد التسعون بعد الثلاثمائة (¬6)، (¬7) فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوهنَّ وَزَوْجَتِي ... وَالطَّامِعُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا أقول: قيل: إن قائله هو أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله: ¬
أمنَ المَنُونِ وريبها تتوَجَّعُ ... والدَّهْرُ ليسَ بمعتبٍ مَنْ يجْزعُ ولم أجده في القصيدة المذكورة ولا في ديوانه، والحق أنه ليس منها، ولكنه لما كان من بحرها وهو بحر الكامل وقريبا منها ربما ظن أنه [منها] (¬1). قوله: "شجوهن": من الشجو [وهو] (¬2) الهم؛ يقال: شجاه يشجوه إذا حزنه، وأشجاه يشجيه إذا أغضبه، تقول منهما جميعًا: شجى بالكسر يشجي شجًا، والشجا: ما ينشب في الحلق من عظم وغيره، ورجل شج أي: حزين وامرأة شجية، على فعيلة (¬3)، ويقال: ويل للشجي من الخلي، قوله: "ثم تصدعوا" أي: ثم تفرقوا، ويقال: تصدع القوم إذا تفرقوا. الإعراب: قوله: "فبكى": فعل ماض، و"بناتي": كلام إضافي فاعله، قوله: "شجوهن": كلام إضافي منصوب على التعليل، أي: لأجل شجوهن، ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدرية من قبيل: قعدت جلوسًا، فإن البكاء يتضمن الشجو، قوله: "وزوجتي": كلام إضافي عطف على بناتي، و"الطامعون": عطف عليه، قوله: "ثم تصدعوا": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على قوله: "فبكى بناتي". الاستشهاد فيه: في قوله: "فبكى بناتي" حيث جاء الفعل بلا تأنيث، واحتج به الكوفيون والفارسي على أن سلامة نظم الواحد في جمع المؤنث لا يوجب التأنيث، وقال البصريون: سلامة نظم الواحد في جمع التصحيح يوجب التذكير إن كان الجمع للمذكر، والتأنيث إن كان للمؤنث، وأجابوا بأن البنات في البيت وغيره لم يسلم لفظ الواحد وكذلك البنون فافهم (¬4). ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة
الشاهد الحادي والتسعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) رَأينَ الغَوَانِي الشِّيبَ لَاحَ بِعَارِضِي ... فَأَعرَضنَ عَنِّي بالحُدُودِ النوَاضِر أقول: قائله هو أبو عبد (¬3) الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان، وبعده (¬4): 2 - وَكُنَّ مَتَى أَبْصَرنَني وَسَمِعنَ بي ... سَعَيَنْ فرقَّعنَ الكِوَى بالمحاجِر 3 - فَإنْ حُجِمَتْ عَنِّي نَوَاظِرُ أَعينٍ ... رَمَين بِأَحداقِ المها والجَآذر 4 - وإني منْ قَوْمِ كريمٍ نجَادُهُم ... لأَقْدَامهِم صِيغَتْ رُؤُوسُ المنابِرِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "الغواني" بالغين المعجمة؛ جمع غانية، وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها عن العلي، قوله: "لاح" أي: ظهر، و"العارض": صفحة الخد، ويروى: بمفرقي، وهو مفرق شعر الرأس، قوله: "النواضر" بالضاد المعجمة؛ جمع ناضرة؛ من النضرة وهي الحسن والرونق. 2 - قوله: "الكِوي" بكسر الكاف مقصور؛ جمع كوة، وهي الثقب في الحائط، ويجوز ضم كافها وفتحها، والفتح أفصح، وجمع المفتوح: كواء بالكسر والمد، وكوى بالكسر والقصر، وجمع المضموم: كُوى بالضم والقصر لا غير، قوله: "المحاجر": جمع محجر العين -بفتح الميم وسكون الحاء وكسر الجيم؛ وهو ما يبدو من النقاب. 3 - قوله: "حجمت": من حجمته عن الشيء أحجمه؛ أي: كففته عنه، ويروى: ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة
فإنْ عُطِفَتْ عَنِّي أَعنَّةُ أعيُنٍ ... ............................... قوله: "المها" بفتح الميم؛ جمع مهاة وهي البقرة الوحشية [و "الجآذر": جمع جؤذر وهو ولد البقرة الوحشية] (¬1). 4 - قوله: "نجادهم" بكسر النون وبالجيم، وهو الأصل والحسب، وكذلك: النجار بضم النون، والنجر بفتح النون وسكون الجيم. الإعراب: قوله: "رأين": فعل ماض للجمع المؤنث، و "الغواني": فاعله، و "الشيب": مفعوله، واكتفى بمفعول واحد، لأنه من رؤية [العين] (¬2)، قوله: "لاح يعارضي" جملة وقعت حالًا وتقديره: قد لاح بعارضي، لأن الماضي المثبت إذا وقع حالًا لا بد [فيه] (¬3) من قد ظاهرة أو مقدرة، قوله: "فأعرضن" عطف على قوله: "رأين"، والفاء تصلح أن تكون للسببية، قوله: "عني": يتعلق به، والباء في: "بالخدود" للسببية، أي: بسبب خدودهن النواضر أعرضن عني، لأن الخدود النواضر لا تكون إلا للشبان، والشيب في العارض يكون للشيوخ، والشابة دائمًا تعرض عن الشيخ. الاستشهاد فيه: في قوله: "رأين" حيث جمع مع أنه مسند إلى الفاعل الظاهر، والقياس: رأت الغواني (¬4). الشاهد الثاني والتسعون بعد الثلاثمائة (¬5)، (¬6) أَسْقَى الإِلَهُ عُدُوَاتِ الوَادِي ... وَجَوْفهُ كُل مُلِثٍّ غَادِي كُلُّ أَجَشٍّ حالكِ السوَادِ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس. قوله: "عدوات" بضم العين والدال المهملتين؛ جمع عدوة بضم العين وكسرها، قال ¬
الجوهري: العُدوة والعِدوة: جانب الوادي وحافته، قال تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} [الأنفال: 42]، والجمع: العداء مثل البُرمة والبُرام، وعُدَيات، وقال النحاس في شرح أبيات الكتاب: يقال: عُدوة وعَدوة وعِدوة بالضم والفتح والكسر، فجمع عدوة بالفتح والضم بالتسكين، وجمع عدوة بالفتح بالكسر والفتح والتسكين، وروى سيبويه (¬1): أَسْقَى الإِلَهُ جَنَبَاتِ الوَادِي قوله: "ملث" بضم الميم وكسر اللام وتشديد الثاء المثلثة، من ألث المطر إذا دام أيامًا لا يقلع، ومثله ألبّ بالباء الموحدة، و "الغادي" بالغين [المعجمة] (¬2)، وهو الآتي في الغداة؛ لأنه يكون باردًا، من غدا يغدو غدوًّا. و"الأجش" بالجيم والشين المعجمة المشددة، وهو السحاب الذي فيه شديد صوت الرعد وجهيره، قوله: "حالك السواد" أي: شديد السواد؛ من حلك الشيء يحلك حلوكة إذا اشتد سواده، واحلولك مثله، ومنه يقال: أسود حالك، وكذا يقال: حانك بالنون وهو بمعناه، ويوصف السحاب بذلك لكثرة ما يحمله من المطر. الإعراب: قوله: "أسقى": فعل، و"الإله": فاعله، قوله: "عدوات الوادي": كلام إضافي مفعوله، والجملة وإن كانت خبرًا لفظًا فهي إنشاء معنى، لأنها دعاء؛ لأن المعنى جعل لها شيئًا ما يسقيها، قوله: "وجوفه" بالنصب عطف على عدوات الوادي، أي: وأسقى جوف الوادي. قوله: "كل ملث": [كلام إضافي مفعول أسقى -أيضًا-، كما تقول: سقيت زيدًا ماءً، قوله: "ملث": صفة لموصوف محذوف تقديره: كل مطر ملث] (¬3)، أي: دائم كما ذكرنا. قوله: "غادي"؛ صفة لملث، قوله: "كل أجش": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف تقديره: سقى كل سحاب أجش دل عليه: "أسقى"، "وأجش": صفة موصوفها محذوف تقديره: كل سحاب أجش، قوله: "حالك السواد" بإضافة حالك إلى السواد، ويجوز في حالك الوجهان: الرفع على أن يكون صفة (¬4) لكل، والجر على أن يكون صفة للأجش. الاستشهاد فيه: في قوله: "كل أجش" حيث حذف فعل الفاعل فيه، لأن التقدير: سقاها [كل أجش] (¬5)؛ ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة
لدلالة أسقى عليه كما ذكرنا (¬1). الشاهد الثالث والتسعون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) إنَّ امْرَأً غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ .. بعدي وبَعدَك في الدنْيَا لمغرُورُ أقول: هذا البيت احتج به سيبويه، ولم يعزه إلى أحد. وهو من البسيط، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "امرأ": اسمه، وقوله: "لمغرور": خبره، قوله: "غره": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى المرء، وقوله: "واحدة" بالرفع فاعله، قوله: "منكن" في محل الرفع صفة لواحدة، أي: واحدة كائنة منكن، [ويجوز أن يكون حالًا، أي: حال كونها كائنة منكن] (¬4)، والجملة في محل النصب على أنها صفة لقوله: "امرأ" قوله: "بعدي": كلام إضافي ظرف لقوله: "غره"، و"بعدك": عطف عليه، وقوله: "في الدنيا": متعلق بقوله: "لمغرور". الاستشهاد فيه: في قوله: "غيره" حيث ذكر الفعل المسند إلى المؤنث وهو قوله: "واحدة" والتقدير: امرأة واحدة؛ كذا قدره سيبويه والجمهور، والمرأة مؤنث حقيقي، وتركت التاء من الفعل للفصل بالمفعول وهو الهاء، وبالجار والمجرور وهو منكن (¬5). وقال المبرد: التقدير: خصلة واحدة، فلا دليل حينئذ في البيت؛ لأن التأنيث مجازي (¬6)، ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة
والتقدير الأول أظهر؛ لأنه إلى الذهن أسبق، ويؤيد صحته حكاية سيبويه: حضر القاضي اليوم امرأة (¬1). الشاهد الرابع والتسعون بعد الثلاثمائة (¬2)، (¬3) ...................... ... فَمَا بَقيَتْ إلا الضلُوع الجرَاشِعُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وصدره: طَوَى النَّحْزُ والأجْرَازُ مَا فيِ غُرُوضها .... .................................. وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَمُنْزِلَتِي مَيّ السلَامُ عَلَيكُمَا ... هل الأَزْمُنُ اللائِي مَضَينَ رَوَاجِع؟ 2 - وهل يَرجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَكْشف العَمَى ... ثَلَاثُ الأثافِيُّ والرسومُ البَلَاقعُ؟ 3 - توَهَّمتها يَوْمًا فَقُلْتُ لصَاحِبي ... وليسَ بها إلا الظبَاءُ الخوَاضعُ إلى أن قال: 4 - غُرَيْرِيَّةُ الأَنْسَابِ أَوْ شَدقَمِيَّة ... عِتَاقُ الذَّفَاري وسج وَمَوَالِعُ 5 - طوى النحز ............ ... ...................... إلى آخره 6 - لأحناءِ أُنَحِّيها بكُل مفَازَةٍ ... إِذَا قَلِقَت أَعرَاضُهُنَّ قَعَاقعُ (¬5) 1 - قوله: "مي": مرخم مية اسم امرأة. ¬
2 - وأراد: "بالعمى" الجهل، و "الأثافي": جمع أثفية القِدر، وهي الحديدة التي ينصب عليها القدر. 3 - قوله: "توهمتها" أي: أنكرتها، و"الخواضع": جمع خاضعة وهي التي قد طأطأت رأسها. 4 - قوله: "غريرية الأنساب" [بضم الغين المعجمة، أراد أنها نوق منسوبات إلى فحل، وقال الكميت] (¬1)، (¬2). غُرَيْرِيَّةُ الأنساب أو شدقَمِيَّة ... يَصلْنَ إلى البِيدِ الفَدَافِدِ فَدفَدَا وهذا كما ترى ضمن بيته شطر بيت ذي الرمة، قوله: "أو شدقمية": نسبة إلى شدقم، وهو اسم فحل كان للنعمان بن المنذر تنسب إليه الشدقميات من الإبل، والشدقم: الواسع الشدق والميم زائدة. قوله: "عتاق الذفارى" بفتح الذال المعجمة والفاء، وهو جمع ذفرى بكسر الذال، وهو من القفا الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، قوله: "وُسّج" بضم الواو وتشديد السين المهملة وفي آخره جيم؛ جمع واسجة من الوسيج، وهو ضرب من سير الإبل، قوله: "وموالع": جمع مالعة من الملَع، وهو السير السريع الخفيف، وقد ملعت الناقة في سيرها وانملعت. 5 - قوله: "طوى النحز إلى آخره" يصف ناقته، يقول: طوى وهزل ما أصابها من شدة الاستحثاث، والركض، ومن السير في الأرض التي لا نبات فيها، و "النحز" بفتح النون وسكون الحاء المهملة وفي آخره زاي معجمة، [وهو] (¬3) الدفع والنخس، والنحز- أيضًا الدق بالمنحاز وهو الهاون. قوله: "والأجراز" بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها راء مهملة وفي آخره زاي معجمة، وهو جمع جُرُز بضمتين، قال أبو زيد: أرض جرز لا نبات بها؛ كأنه انقطع عنها المطر (¬4). وقال الجوهري: وفيها أربع لغات: جُرز، وجُرز مثل: عسْر وعُسُر، وجَرزٌ وجرَز مثل: نهْر ونهر، وجمع الجُرْز: جِرْزَة، مثل: حُجْر وحِجْرة، وجمع الجَرَز: أَجْرَاز مثل: سَبَبٍ وأَسْبَاب (¬5). قوله: "غروضها" بضم الغين المعجمة والراء؛ جمع غرض وهو حزام الرحل، و "الجراشع": جمع جرشع بضم الجيم والشين المعجمة، وهي المنتفخة البطون والجنوب. 6 - قوله: "لأحناء": جمع حنو، وحنو كل شيء ناحيته، قوله: "إذا قلقت" أي: صوتت، ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة
"أعراضه" وهو جمع عَرض بفتح العين المهملة وسكون الراء وفي آخره ضاد معجمة، وهو سفح الجبل وناحيته، قوله: "قعاقع" بقافين وعينين مهملتين، وهو تتابع أصوات الرعد وارتفاعه بالابتداء وخبره مقدما هو قوله: "لأحناء". الإعراب: قوله: "طوى": فعل ماض، و "النحز": فاعله، و "الأجراز": عطف عليه، وقوله: "ما في غروضها": في محل النصب على المفعولية، قوله: "فما بقيت" الفاء تصلح للتفسير (¬1)، وقوله: "الضلوع": فاعل بقيت، وبطل عمل ما بدخول إلا، وقوله: "الجراشع": صفة للضلوع. الاستشهاد فيه: في قوله: "فما بقيت" حيث أنث الفعل على أن المختار كان حذف التاء لوجود الفصل بإلا؛ كذا قاله ابن الناظم (¬2)، ولكن التأنيث خاص بالشعر، نص عليه الأخفش، وأنشد على التأنيث: مَا بَرِئَتْ مِن ريبةٍ وذم ... في حَرْبنَا إِلا بناتُ العَمِّ (¬3) وقد حققنا الكلام فيه عن قريب. الشاهد الخامس والتسعون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) وَلَمَّا أَبَى إلا جِمَاحًا فُؤَادُهُ ... ولم يَسلُ عَنْ لَيلَى بِمَالٍ ولَا أَهْلِ أقول: ذكر البياسي (¬6) في شرح الحماسة أن قائل هذا البيت هو دعبل بن علي الخزاعي (¬7)، وهو من المحدثين، وليس ممن يحتج بهم، وبعده بيت آخر وهو (¬8): تَسَلَّى بِأُخْرَى غيرها فإذَا التِي .... تَسلَّى بِها تُغْرِي بِلَيلَى ولَا تُسلِي ¬
وهما من الطويل. قوله: "جماحا": من جمح [الفرس] (¬1) إذا جرى جريًا عاليًا، وقال ابن فارس: جمح الفرس جماحًا إذا أعثر فارسه حتى يغلبه (¬2)، وقال ابن الأثير: جمح أي: أسرع إسراعًا لا يرده شيء، وكل شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح، والجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده، والمعنى هاهنا على هذا، قوله: "ولم يسل" من سلا يسلو سلوًا، قوله: "تغرى": من الإغراء وهو الإشلاء والتحريض. الإعراب: قوله: "ولما": ظرف، وجوابه قوله: "تسلى" في البيت الثاني، وقوله: "أبى": فعل بمعنى امتنع، وقوله: "فؤاده": كلام إضافي فاعله، قوله: "إلا جماحًا" استثناء من موجب، والاستثناء من موجب يجوز نصبه بالناصب، وهو إلا عند المحققين كما عرف في موضعه، ولكن جماحًا في الحقيقة مفعول حصر بإلا وتقدم على فاعله، ومثل هذا يجوز عند البصريين والكسائي والفراء، وذهبت طائفة إلى أن المحصور بإلا يجب تقديم فاعله كما في المحصور بإنما نحو: إنما ضرب زيد عمرًا (¬3)، قوله: "ولم يسل": عطف على قوله: "ولما أبى"، و"عن ليلى": يتعلق به وكذا الباء في قوله: "بمال"، قوله: "ولا أهل" بالجر عطف على بمال، قوله: "فإذا التي تسلى" إذا هذه للمفاجأة، وما بعده مبتدأ وخبر. الاستشهاد فيه: أن البصريين احتجوا به على جواز تقديم المفعول المحصور بإلا على الفاعل كما شرحناه الآن (¬4). ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الثلاثمائة
الشاهد السادس والتسعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) تَزوَّدْتُ مِنْ لَيلَى بتَكلِيمِ سَاعَةٍ ... فَمَا زَادَ إلا ضِعْفَ مَا بي كَلَامُها أقول: قائله هو مجنون بني عامر. وهو من الطويل. المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "تزودت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "بتكليم ساعة": في محل النصب على المفعولية، وإضافة تكليم إلى ساعة من قبيل إضافة: يا سارق الليلة، ولما كان وجود التكليم في ساعة أضيف إليها لأدنى ملابسة، قوله: "من ليلى": يتعلق بقوله: "بتكليم ساعة"، قوله: "فما زاد" الفاء تصلح للتعليل، و "زاد": فعل متعد، وقوله: "كلامها" بالرفع فاعله، والمستثنى المنصوب مفعوله مقدمًا. الاستشهاد فيه: حيث احتج [به] (¬3) البصريون على جواز تقديم المفعول المحصور بإلا على فاعله [وهو] (¬4) كما في البيت السابق (¬5)، وقد قيل: لا دليل فيه لجواز أن يكون فاعل زاد ليس قوله: "كلامها"، [بل ضميرًا مستترًا في زاد راجعًا إلى تكليم ساعة، وحينئذ يبقى قوله: "كلامها"، (¬6) لا رافع له من اللفظ فيحتاج إلى تقدير عامل فيقدر: زاده كلامها، وهذا التأويل مستبعد؛ لأن مثل هذا إنما يحسن إذا كان في الكلام السابق إيهام؛ فيستأنف حينئذ له جملة توضحه، وتقدر تلك الجملة جوابًا لسؤال كما في قوله (¬7): ليُبْكِ يَزيدُ ضَارِعٌ لخُصُومةٍ ... .......................... وقد أجيب عن ذلك بأن الفاعل لما لم يكن ظاهرًا؛ بل ضميرًا مستترًا حصل إيهام ما فسوغ السؤال والجواب. ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد الثلاثمائة
الشاهد السابع والتسعون بعد الثلاثمائة (¬1)، (¬2) وهلْ يُنْبِتُ الخطِيّ إِلا وَشِيجُهُ ... وَيُغْرَسُ إِلَّا فِي مَنْبِتِها النَّخْلُ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة طويلة من الطويل يمدح بها شيبان بن خارجة، وأولها هو قوله (¬3): 1 - صَحَا الْقَلْبُ عَنْ سَلْمَى وقد كادَ لَا يَسلو ... وأقْفَرَ منْ سلمى التَّعَانِيقُ فالثُّجْلُ 2 - وقد كنتُ من سلْمَى سنينَ ثمانيا ... عَلَى صِيرِ أَمرٍ مَا يَمرُّ ومَا يَحلُو إلى أن قال: 3 - سَعَى بعدَهم قومٌ لِكَي يُدركُوهُمُ ... فَلَم يَفْعَلُوا ولم يُلامُوا ولم يَأْلُوا 4 - فمَا كَانَ منْ خيرٍ أَتَوْهُ فَإِنَّمَا ... توَارثَهُ آباءُ آبائهم قبلُ 5 - وهل ينبت ............. ... ............................ إلى آخره 1 - قوله: "أقفر": من أقفرت الدار إذا خلت من القفر؛ وهي مفازة لا نبات فيها ولا ماء، ويقال: أرض قفر ومفازة قفر وقفرة -أيضًا- ومقفار، و "التعانيق" بفتح التاء المثناة من فوق والعين المهملة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء آخر الحروف ساكنة ثم قاف، وهو اسم موضع، و"الثجل" بضم الثاء المثلثة وسكون الجيم، وهي الأودية. 2 - قوله: "على صير" بكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء المعنى: على منتهى أمر وصيرورته، وهو مصدر صار صيرًا وصيرورة، يقال: أنا من حاجتي على سير وعلى صيرورة إذا كان على شرف منها، قوله: "ما يمر" أي: لا يصر فايأس منه ولا يحلو فأرجوه. 3 - قوله: "سعى بعدهم قوم إلى آخره" معناه: سبقت آباؤهم فلم يدركوهم ولم يلاموا على تقصير ولم يألوا أن يبلغوا آباءهم، قال الأصمعي: ولم يليموا؛ أي: لم يأتوا ما يلامون عليه، ويقال: ألام الرجل أتى ما يلام عليه. ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الثلاثمائة
4 - قوله: "توارثه" يعني: ورثه كابرًا عن كابر. 5 - قوله: "الخطي" بفتح الخاء وتشديد الطاء والياء آخر الحروف، وهو الرمح المنسوب إلى الخط، وهو سيف البحر عند عمان والبحرين، قوله: "وشيجه" بفتح الواو وكسر الشين المعجمة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره جيم، وهو من القنا ما ينبت في الأرض معترضًا، قال ابن الأثير: الوشيج: جمع وشيجة وهي عروق الشجرة، ووشجت العروق والأغصان: اشتبكت. المعنى: لا تنبت القناة إلا القناة؛ كما [يقال:] (¬1) لا تنبت الحقلة إلا البقلة، يعني: أنهم كرام لا يولد الكريم إلا في موضع الكريم. الإعراب: قوله: "وهل": للنفي بمعنى ما النافية، "وينبت" من الإنبات، وفاعله قوله: "وشيجه"، و (الخطي): بالنصب مفعوله مقدمًا، "وإلا" بمعنى غير، والمعنى: غير وشيجه، قوله: "ويغرس" على صيغة المجهول عطف على قوله: "ينبت"، و "النخل": مرفوع لكونه مفعولًا قام مقام الفاعل، والمعنى: وهل تغرس النخل إلا في منابتها؟ والضمير يرجع إلى النخل، وليس [هو] (¬2) بإضمار قبل الذكر؛ لأن التقدير: وهل تغرس النخل إلا في منابتها؟، فالنخل وإن كان في اللفظ مؤخرًا ولكنه في المعنى والرتبة مقدم. الاستشهاد فيه: في قوله: "وهل ينبت الخطي إلا وشيجه" حيث قدم المفعول على فاعله لأجل الحصر بإلا كما في الأبيات السابقة (¬3). الشاهد الثامن والتسعون بعد الثلاثمائة (¬4)، (¬5) جَاءَ الخِلافَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة رائية يمدح بها عمر بن عبد العزيز - ¬
رضي الله تعالى عنه- لما وفد عليه مع وفود الشعراء، وأولها هو قوله (¬1): 1 - كَم باليمامة من شَعثَاءَ أرمَلَةٍ ... ومن يتيم ضعيفِ الصوت والنظرِ 2 - ممنْ يَعدُّكَ تَكْفي فَقدَ وَالده ... كالفَرخ في العُشِّ لم يَنْهضْ ولم يَطر 3 - يدعُوكَ دعوةَ مَلْهُوفٍ كأَن به ... خَبْلًا منَ الجِن أَو مسًّا منَ البَشَرِ 4 - خليفةَ الله ماذا تأْمُرَنَّ بنَا ... لَسنَا إليكم ولَا فيِ دارِ مُنْتَظر 5 - ما زلْتُ بعدَك في همٍّ يُؤَرِّقُني ... قد طال في الحَي إضعادِي ومُنْحَدِرِي 6 - لَا يَنْفَعُ الحَاضرُ المجهُودَ بادينَا ... ولا يَعُودُ لَنَا بَادٍ على حَضر 7 - إِنا لنَرجُو إِذَا ما الغَيْثُ أَخْلَفَنَا ... من الخلِيفَةِ مَا نرجُو منَ المَطَر 8 - جاء الخلافة ........... ... .......................... إلى آخره 9 - كُلُّ الأَرَامِل قد قضيت حَاجَتها ... فَمَنْ لحاجَة هذِا الأرملِ الذكر فلما سمع عمر بن عبد العزيز -رضي اللَّه تعالى عنه- هذا قال: يا جرير واللَّه ولِّيتُ هذا الأمر وما أملك إلا ثلاث مائة؛ فمائة أخذها عبد اللَّه، ومائة أخذتهما أم عبد اللَّه، يا غلام أعطه المائة الباقية، فقال: والله يا أمير المؤمنين: إنها لأحب مال كسبته ثم خرج، وهي من البسيط، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "جاء": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله تعالى عنه- و"الخلافة " بالنصب مفعوله، ويروى: أتى الخلافة ................ ... ................................... كما ذكرنا، قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين، قوله: "كانت" أي: الخلافة، واسم كان الضمير الذي فيه، وخبره قوله: "قدرًا" أي: حين كانت له مقدرة، قوله: "كما أتى" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والجملة في محل النصب على أنها صفة لمصدر محذوف والتقدير: أتى الخلافة إتيانًا كإتيان موسى بن عمران -صلوات اللَّه عليه وسلامه- ربه - عزَّ وجلَّ -. وقوله: "أتى": مسند إلى موسى، و "ربه" بالنصب مفعول، وليس هو بإضمار قبل ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الثلاثمائة
الذكر؛ لأن الفاعل وان كان مؤخرًا في اللفظ فهو مقدم في الرتبة، قوله: "على قدر": يتعلق بقوله أتى، وعلى بمعنى الباء؛ أي: أتى بقدر، وذلك كما في قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ} [الأعراف: 105]. الاستشهاد فيه: على توسط المفعول بين الفعل والفاعل جوازًا؛ كما في قوله: "كما أتى ربه موسى" فإن ربه مفعوله، و "موسى" [- عليه السلام -] (¬1) فاعل، وأتى فعله؛ كما ذكرنا (¬2). الشاهد التاسع والتسعون بعد الثلاثمائة (¬3)، (¬4) جَزَى رَبه عني عَدِيّ بنَ حَاتِمِ ... جزَاءَ الكِلَابِ العَاويَاتِ وقَد فَعَلْ أقول: قد قيل: إن قائله هو النابغة الذبياني، وقال أبو عبيدة: قائله هو عبد الله بن همارق أحد بني عبد الله بن غطفان، وحكى الأعلم أنه لأبي الأسود الدؤلي يهجو عدي بن حاتم الطائي، وقد قيل: إن قائله لم يعلم حتى قال ابن كيسان: أحسبه مولدًا مصنوعًا (¬5)، وفي صدره خلاف فوقع في رواية القياسي (¬6): جزى اللَّه عبسًا والجزاء بكفه ... ............................ ووقع في رواية أبي عبيدة (¬7): جَزَى الله عبسًا عَبسَ آل بغيضٍ ... ............................... وكان بنو عبس قد حالفوا ربيعة بن شكل بن كعب بن الجريس بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة إلى أن قال النابغة أو عبد الله بن همارق هذا البيت وبيتين آخرين بعده، وهما: ¬
2 - فأصبَحْتُمُ والله يَفْعَلُ ذَاكُم ... يَنُولُ النسَاءَ المُرْضِعَاتِ بنُو شكَلْ 3 - إذا شاءَ منهم ناشئ دربختْ له ... لطيفَةٌ طي الكَشْحِ رابِيَة الكَفَلْ وهي (¬1) من الطويل. 1 - قوله: "العاويات": جمع عاوية؛ من عوى الكلب والذئب، وابن آوى يعوي عواء صاح، ويقال لصوت الكلب: النباح -أيضًا- والضغاء والتضور والزئير والوهوهة، وإذا كان من صدره فهو الهرير، واختلف في المراد بجزاء الكلاب العاويات، فقيل: هو الضرب والرمي بالحجارة، وقال الأعلم: وهذا ليس بشيء وإنما دعا عليه بالأنبه؛ إذ الكلاب تتعاوى عند طلب السفاد، قال: وهذا من ألطف الهجو. 3 - قوله: "ناشئ" بالهمز في آخره، وهو الحدث الذي قد جاوز حد الصغر، والجارية ناشئ -أيضًا-، قوله: "دربخت له" أي: خضعت له وطاوعته، و "الكشح": ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، قوله: "رابية الكفل" أي: عالية الكفل، وأراد به غلظ كفلها وسمنه. الإعراب: قوله: "جزى": فعل ماض، و "ربه": [كلام إضافي] (¬2) فاعله [و "عدي بن حاتم": مفعوله] (¬3)، و "جزاء الكلاب": كلام إضافي نصب على المصدرية أو بنزع الخافض؛ أي: كجزاء الكلاب، والتقدير: جزاء كجزاء الكلاب، و "العاويات" بالجر صفة للكلاب، قوله: "وقد فعل" الواو للحال، أي: وقد فعل اللَّه ذلك أي الجزاء، ونظير هذا قول المتنبي (¬4): وهذَا دُعاءٌ لوْ سكت كفيتُهُ ... لأَنِّي سألتُ الله فيكَ وقد فَعَلْ الاستشهاد فيه: في قوله: "جزى ربُّه" حيث احتج به الأخفش وجماعة من المتأخرين على صحة القول بنحو (¬5): .......................... ... ........ زان نوره الشجر ¬
والجمهور على المنع، سواء كان في نثر أو نظم (¬1)، وأجابوا عن البيت بأن الضمير في ربه يرجع إلى الجزاء المدلول عليه بلفظ الفعل؛ كما في قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي: جزى رب الجزاء عني عدي بن حاتم، وليس هو راجعًا إلى عدي بن حاتم، أو يقال: إنه ضرورة (¬2)، وقال ابن كيسان: إنه شاذ، أو تكون الكناية لغير عدي بن حاتم، فكأنه وصف رجلًا أحسن إليه ثم قال: جزاه ربه عني خيرًا، وجزى عني عدي بن حاتم شرًّا، فحينئذ لا شذوذ في البيت (¬3). قلتُ: لا يخفى ما في هذا التأويل من الوهي لكثرة الحذف وادعاء حذف ما لا دليل عليه فافهم. ¬
الشاهد المتمم الأربعمائة
الشاهد المتمم الأربعمائة (¬1)، (¬2) مَا عَابَ إلَّا لَئيمٌ فِعْلَ ذِي كَرَم ... ولَا جفا قَطّ إلَّاجُبَّأُ بطلًا أقول: لم يعرف قائله. وهو من البسيط. قوله: "لئيم" أي: بخيل، قال ابن فارس: اللئيم: الشحيح المهين النفس الدنيء يقال منه: لؤُم (¬3) قلت: ومما طرق سمعي من بعض الأفاضل أن البخيل من يبخل بمال نفسه على غيره، واللئيم من يبخل بمال نفسه على نفسه ويقال: البخيل من يبخل بمال نفسه واللئيم من يبخل بمال غيره، قوله: "ولا جفا": من جفوت أجفو جفاءً، والجفاء هو البعد، قوله: "جبأ" بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة بعدها همزة من غير مد، وهو الجبان، و "البطل" بفتح الباء الموحدة والطاء، هو الشجاع. الإعراب: قوله: "ما عاب" بطل عمل ما بإلا، و"عاب": فعل ماض، و "لئيم" مرفوع فاعله، و "إلا" بمعنى غير، وقوله: "فعل ذي كرم": منصوب على المفعولية؛ لأن عاب يتعدى، قوله: "ولا جفا": عطف على قوله: "ما عاب"، وقوله: "قط": ظرف زمان لاستغراق ما مضى ويختص بالنفي، واشتقاقه من قططته، [أي: قطعته] (¬4) ومعنى ما فعلته قط: ما فعلته فيما انقطع من عمري؛ لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال، وبنيت لتضمنها معنى: مذ؛ لأن معنى ما فعلته قط: مذ أن خلقت إلى الآن، وإنما بنيت على الحركة لئلا يلتقي ساكنان، وبنيت على الضمة تشبيهًا بالغايات، وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تتبع قافه طاءه في الضم، وقد تخفف طاؤه مع الضم أو الإسكان (¬5)، قوله: "إلا جبأ" أي: غير جبأ، وجبأ مرفوع على الفاعلية، و "بطلًا": مفعوله. الاستشهاد فيه: أن الكسائي احتج على أن الفاعل المحصور بإلا لا يجب تأخيره، والجمهور على وجوب ¬
الشاهد الأول بعد الأربعمائة
تأخيره عن المفعول؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] (¬1)، قلت: قرأ بعضهم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} برفع لفظة الله ونصب العلماء (¬2)، وهو مما يؤيد كلام الكسائي فافهم (¬3). فإن قلتَ: كيف يكون المعنى على هذه القراءة؟ قلتُ: هي من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم والمعنى: إنما يعظم الله من عباده العلماء؛ لأن الخشية من لوازمها التعظيم. فافهم. الشاهد الأول بعد الأربعمائة (¬4)، (¬5) نُبِّئتُهُم عَذَّبُوا بالنَّارِ جَارَهُمْ ... وهل يُعَذِّبُ إلا اللهُ بِالنَّارِ أقول: احتج به الكسائي ولم يعزه إلى أحد. وهو من البسيط. قوله: "نبئتهم" على صيغة المجهول بمعنى أخبرتهم، والجار هو الذي أجرته من أن يظلمه ظالم، والجار هو الذي يجاورك -أيضًا- وأصله واوي. الإعراب: قوله: "نبئتهم": يقتضي ثلاثة مفاعيل: الأول: التاء التي نابت عن الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب وهو هم، والثالث: جارهم، والباء في: "بالنار" تتعلق بقوله: "عذبوا"، قوله: "هل": للنفي، و"إلا": بمعنى غير، أي: ما يعذب أحد بالنار غير الله. ¬
الشاهد الثاني بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: أن الكسائي احتج به على أن توسط المفعول وتأخير الفاعل لا يجب إذا كان الفاعل محصورًا بإلا، فإن المفعول في قوله: "وهل يعذب إلا الله" يجوز أن يقدر قبل الفاعل وبعده. فافهم (¬1). الشاهد الثاني بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) فَلَم يَدْرِ إِلا اللهُ مَا هَيَّجَتْ لَنَا ... عَشِيةَ آنَاءُ الدِّيَارِ وشَامُهَا أقول: لم أجد أحدًا ممن احتج به من أئمة النحو عزاه إلى قائله. وهو من الطويل. قوله: "ما هيجت" أي: ما أثارت، يقال: هيجت وهايجت كلاهما يتعديان، قوله: "آناء الديار" الآناء -بفتح الهمزة والنون: جمع نأي وهو البعد [وهو] (¬4) مما جمع فيه فعْل الصحيح العين على أفعال؛ كزند وأزناد، وفرخ وأفراخ، قوله: "وشامها" بكسر الواو وبالشين المعجمة، وهو جمع وشم؛ من وشم اليد وشمًا إذا غرزها بإبرة ثم ذر عليها النؤر وهو النيلج، وفي الحديث (¬5) "لعن الله الواشمة" والضمير يرجع إلى محبوبته التي يتشبب بها. الإعراب: قوله: "فلم يدر إلا الله" أي: غير الله، ولفظة الله مرفوعة (¬6) بلم يدر، وقوله: "ما هيجت": جملة في محل النصب على المفعولية، وكلمة ما موصولة، وهيجت صلتها، والعائد محذوف ¬
الشاهد الثالث بعد الأربعمائة
وتقدير الكلام: درى ما هيجته لنا. قال ابن عصفور (¬1): إنما احتيج إلى تأويل هذا؛ لأنه يناقض في الظاهر ما ذكر من أن الفاعل إذا كان مقرونًا بإلا يلزم تقديم المفعول عليه، ألا ترى أن الظاهر في البيت أن يكون ما هيجت مفعول: فلم يدر مع أنه مؤخر عن الفاعل، وعلى ذلك حمله الكسائي، فلما كان الظاهر فيه ذلك احتيج إلى أن يؤول بأن يكون قوله: "ما هيجت لنا" مفعولًا بفعل مضمر يدل عليه الفعل الظاهر. قوله: "عشية": نصب على الظرفية أضيف إلى الآناء، والآناء أضيف إلى الديار، والمضاف فيه محذوف تقديره: آناء أهل الديار، وسمي أهل الديار ديارًا تسمية للحال باسم المحل. قوله: "وشامها": كلام إضافي مرفوع على أنه فاعل هيجت، وروي: عشية بالرفع، فإن صحت فوجهه أن يكون رفعها على أن يكون فاعلًا لهيجت، وحينئذ يكون "وشامها" منصوبًا على المفعولية. الاستشهاد فيه: أن الكسائي احتج به على أن الفاعل المحصور بإلا لا يجب تأخيره عن مفعوله؛ بل يجوز تقديمه فإن قوله: "إلا الله" فاعل، و "ما هيجت" مفعول، وأوله الجمهور على أن ما هيجت ليس مفعولًا لقوله: "فلم يدر إلا الله" وإنما هو مفعول لفعل محذوف تقديره (¬2): درى ما هيجت لنا، فلم يتقدم الفاعل المحصور بإلا على المفعول؛ لأن هذا ليس مفعولًا للمذكور، وإنما هو مفعول للفعل المقدر فافهم (¬3). الشاهد الثالث بعد الأربعمائة (¬4)، (¬5) جَزَى بَنُوهُ أَبَا الغَيلَانِ عن كِبَرٍ ... وَحُسْن فِعْلٍ كَمَا يُجزَى سِنمارُ أقول: قائله هو سليط بن سعد. وهو من البسيط. ¬
قوله: "أبا الغيلان" بكسر الغين المعجمة؛ كنية رجل وهو الذي جزاه بنوه كجزاء سنمار، قوله: "وحسن فعل"، أي: إليه، قوله: "كما يجزى [سنمار] (¬1) " أتى به على صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لغرابته، و "سنمار" بكسر السين المهملة والنون وتشديد الميم على وزن طرمّاح، وهو اسم رجل رومي من بني الخورنق الذي [بنى قصرً] (¬2) بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس الأكبر ملك الحيرة ليكون فيه ولده ونساؤه، وهو قصر عظيم لم ير العرب مثله، فلما فرغ منه ألقاه من أعلاه فخر ميتًا لئلا يبني لغيره مثله، فضربت به العرب المثل في سوء المكافأة، فقيل: جزاني جزاء سنمار (¬3)، وكان بناؤه في عشرين سنة، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان لبعض العرب (¬4): 1 - جَزَانِي جَزَاهُ اللهُ شرّ جزائِهِ ... جَزاءَ سِنِمَّارٍ لقدْ كانَ ذا دَأْبٍ 2 - بنَى ذلكَ البُنيَانَ عشرينَ حِجّةً ... تعدُّ عليهِ بالقراميد والسّكبِ 3 - فلمّا انتَهَى البُنْيَان يومَ تمَامِه ... وصارَ كمثل الطود والباذخِ الصعبِ 4 - رمَى بسنمَّارٍ على أُمِّ رَأْسِهِ ... وذاكَ لعمر الله منْ أَعْظم الخَطْبِ الإعراب: قوله: "جزى": فعل ماض، و "بنوه": كلام إضافي فاعله، والضمير يرجع إلى أبي الغيلان وهو إضمار قبل الذكر ولكن جوزه للضرورة، قوله: "عن كبر": يتعلق بجزى، وقيل: "عن" هاهنا ظرف بمعنى في؛ أي: في كبر، قوله: "وحسن فعلًا": عطف على عن كبر، قوله: "كما يجزى" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، ومحل الجملة النصب على الحال أو صفة لمصدر محذوف، والتقدير: جزى جزاء كجزاء سنمار. الاستشهاد فيه: في قوله: "جزى بنوه" حيث أعاد الضمير إلى أبي الغيلان، وهو متأخر عنه وذلك لأجل الضرورة، وفيه شاهد على: ضربَ غلامُه زيدًا، وفيه شاهد آخر على جواز إنابة المضارع عن الماضي في قوله: "كما يجزى" معناه: كما جزى. ¬
الشاهد الرابع بعد الأربعمائة
الشاهد الرابع بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) وَلَوْ أن مَجْدًا أخلدَ الدهرَ واحدًا ... من النِّاسِ أبقَى مجدُهُ الدَّهرَ مُطْعِمَا أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- شاعر النبي - صلى الله عليه وسلم - يمدح به مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي، وكان من السادات، ولم يسلم، وكانت وفاته قبل بدر بسبعة أشهر. وهو والد جبير بن مطعم صحابي جليل أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح، وقيل: أسلم في الفتح، وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلمه في أسرى بدر، فقال: لو كان الشيخ أبوك حيًّا فأتانا فيهم شفيعًا لشفعناه، وكان له عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد، وهو أنه كان أجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم من الطائف حين دعا ثقيفًا إلى الإسلام، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني عبد المطلب. وهو من الطويل. قوله: "مجدًا، وهو الشرف والكرم، يقال: رجل مجيد؛ أي: شريف، قوله: "أخلد": من الإخلاد وهو الإبقاء، قوله: "مطعمًا" بضم الميم، وهو مطعم بن عدي والد جبير الصحابي كما ذكرناه. الإعراب: قوله: "ولو" لامتناع الثاني لامتناع الأول؛ كما تقول: لو جئتني لأكرمتك؛ فإن الإكرام منتفٍ لامتناع المجيء، و "أن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل تنصب وترفع الجزأين. ¬
الشاهد الخامس بعد الأربعمائة
قوله: "مجدًا": اسمه، و "أخلد الدهر واحدًا": خبره؛ فقوله: "أخلد": فعل وفيه ضمير يرجع إلى المجد وهو فاعله، وقوله: "الدهر": نصب على الظرف، وقوله: "واحدًا": مفعول لأخلد، قوله: "من الناس": متعلق بمحذوف وهو صفة لواحد، والتقدير: واحدًا كائنًا من الناس، قوله: "أبقى مجده": جواب لو، وأبقى من الإبقاء، ومجده فاعله، والضمير يرجع إلى مطعم، وإن لم يتقدم لأجل الضرورة، قوله: "مطعمًا" منصوب لأنه مفعول أبقى. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبقى مجده" حيث أعاد الضمير إلى مطعم وهو متأخر، وذلك لأجل الضرورة كما قلنا، وقد أجاز نحو ذلك من غير ضرورة الأخفش وابن جني وأبو عبد الله الطوال (¬1)؛ لأن استلزام الفعل المفعول يقوم مقام تقدمه فأجازوا نحو: ضرب غلامه زيد، ومنعه الجمهور لعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة (¬2). الشاهد الخامس بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) كسَا حِلْمُهُ ذَا الحِلْمِ أَثْوَابَ سُؤْدُدٍ ... وَرَقَّى نَدَاهُ ذَا النَّدَى في ذُرَا المَجْدِ أقول: هو من الطويل. والمعنى: كسا حلم الممدوح صاحب الحلم ثياب السيادة وأعلى عطاؤه صاحب العطاء في أعلى مراتب المجد والكرم. قوله: "سؤدد" بضم السين المهملة بمعنى السيادة، قوله: "رقى" بتشديد القاف؛ من الرقي وهو الصعود والارتفاع، قوله: "نداه" بفتح النون؛ أي: عطاؤه، يقال: رجل ند؛ أي: سخي، وفلان يتندى على أصحابه؛ أي: يتسخى، قوله: "في ذرا المجد" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة (¬5) بكسر الذال، وذروة كل شيء: أعلاه، ومنه ذروة السنام. ¬
الشاهد السادس بعد الأربعمائة
الإعراب: قوله: "كسا": فعل ماض، و "حلمه": كلام إضافي فاعله، قوله: "ذا الحلم": كلام إضافي -أيضًا- مفعول أول، وقوله: "أثواب سؤدد": مفعول ثان لكسا، يقال: كسوته خزًّا، قوله: "ورقى": عطف على قوله: "كسا"، وقوله: "نداه": كلام إضافي فاعله، قوله: "ذا الندى": كلام إضافي -أيضًا- مفعوله، قوله: "في ذرا المجد" يتعلق بقوله: "رقى". الاستشهاد فيه: في قوله: "حلمه ونداه" فإن الضمير فيهما ضمير الفاعل، ولم يسبق ذكره، فأجاز ذلك ابن جني مطلقًا، وتبعه على ذلك ابن مالك، وذلك لأن الفعل المتعدي يدل على فاعل ومفعول لشعور الذهن بهما، فإذا افتتح الكلام بفعل ووليه مضاف إلى ضمير، عُلِم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف مرفوعًا، ومفعول إن كان المضاف منصوبًا؛ فلا ضرورة في تقديم الفاعل إلى المضاف إلى ضمير المفعول كما لا ضرورة في تقديم المفعول إلى ضمير الفاعل، والجمهور على أن ذلك لا يجوز إلا في ضرورة الشعر (¬1). الشاهد السادس بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) لَما رَأَى طَالِبُوهُ مُصْعَبًا ذُعِرُوا ... وَكَادَ لَوْ ساعد المَقْدُورُ يَنْتَصِرُ أقول: قائله هو أحد أصحاب مصعب بن الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنهما - يرثي به مصعبًا لما قتل بدير الجاثليق في سنة إحدى وسبعين من الهجرة. وهو من البسيط. قوله: "ذعروا" على صيغة المجهول؛ من ذعرته أذعره ذعرًا أفزعته، والاسم: الذعر بالضم، وقد ذعر فهو مذعور. الإعراب: قوله: "لما": ظرف بمعنى حين وجوابه هو قوله: "ذعروا"، وقوله: "رأى": من رؤية العين، و"طالبوه": كلام إضافي فاعله، و "مصعبًا": مفعوله، قوله: "وكاد": من أفعال المقاربة واسمه ¬
الشاهد السابع بعد الأربعمائة
مستتر فيه وهو الضمير الذي يرجع إلى مصعب، قوله: "ينتصر": جملة خبره، وقد علم أن خبر كاد فعل مضارع مجرد من أن؛ كما في قوله تعالى: {[مِنْ بَعْدِ مَا] كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 117] (¬1). قوله: "لو ساعد المقدور": جملة معترضة بين كاد وخبره، وجواب لو محذوف يدل عليه خبر كاد. والمعنى: لو ساعده المقدور لكان انتصر، ومفعول ساعد محذوف كما قدرنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "طالبوه" فإن الضمير [فيه] (¬2) يرجع إلى مصعب، وهو متأخر عنه، وهو ضرورة، وقد استوفينا الكلام فيما مضى (¬3). الشاهد السابع بعد الأربعمائة (¬4)، (¬5) إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ ضُمّنَا ... قَبرًا بِمَروٍ عَلَى الطرِيقِ الوَاضِح أقول: قائله هو زياد بن سليمان مولى عبد القيس أحد بني عامر بن الحرث ثم أحد بني مالك بن عامر، وهو الذي يقال له: زياد الأعجم، وهو من قصيدة حائية يرثي بها زياد (¬6) بن المغيرة بن المهلب، وأولها هو قوله (¬7): 1 - قُل للقَوَافل والغزيّ إذا غزَوا ... والبَاكرِينَ وللمُجدِّ الرَّائِحِ 2 - إن السماحة ................ ... ................... إلى آخره 3 - فإذَا مَرَرْتَ بقَبرهِ فاعْقرْ بهِ ... كُومَ الهجانِ وكُل طِرْفٍ سابحِ 4 - وانْضحْ جوَانِبَ قَبرِه بِدِمَائِهَا ... فَلَقَدْ يَكُونُ أخَا دَمٍ وذَبَائح 5 - يَا مَنْ بِمَغْدَى الشَّمْسِ أوْ بِمَرَاحِهَا ... أوْ مَنْ تَكُونُ بقرنهَا المتنازِحِ 6 - مَاتَ المُغْيرَةُ بَعْدَ طُولِ تعَرُّضٍ ... للقَتْلِ بين أَسنَّة وصَفَائح ¬
7 - والقَتْل لَيسَ إِلَى القِتَالِ ولَا أَرَى ... حيًّا يؤخرُ للشَّفِيقِ النّاصِحِ وهي طويلة من الكامل. وقد قيل: إن هذه القصيدة للصلتان العبدي وليس بصحيح، والصحيح أنها لزياد الأعجم. 1 - قوله: "الغُزِيّ" بضم الغين وكسر الزاي وتشديد الياء؛ جمع غاز، و"الباكرين": من بكرت أبكر بكورًا، و"المجد" بضم الميم وكسر الجيم وتشديد الدال؛ من أجد في الأمر وجد فيه. 3 - قوله: "كوم الهجان" بضم الكاف، وهي جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام، والكوم -أيضًا- القطعة من الإبل، قوله: "وكل طرف" بكسر الطاء وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو الكريم من الخيل، و"السابح": من سبح الفرس إذا جرى، يقال: فرس سابح إذا كان ذا جري قوي. 5 - و "المتنازح": البعيد. 6 - و "الأسنة": جمع سنان الرمح، و "الصفائح": جمع صفيحة، وأراد بها السيوف. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "السماحة": اسمه، و "المروءة": عطف عليه، وقوله: "ضمنا" بتشديد الميم؛ خبره، وقوله:. "قبرًا": مفعول ضمنا، قوله: "بمرو" في محل النصب على أنها صفة لقبر، أي: قبرًا كائنًا بمدينة مرو، وهي قصبة خراسان، وبها كان سرير الملك، وهي مدينة عظيمة بينها وبين نيسابور اثنا عشر يومًا وكذلك إلى بلخ، وكذلك إلى بخارى، وكذلك إلى هراة، [قوله: "] (¬1) على الطريق" -أيضًا- صفة لقبر، أي: كائنًا على الطريق، و"الواضح" بالجر صفة الطريق. الاستشهاد فيه: في قوله: "ضمِّنا" والقياس فيه أن يقال: ضمنتا بتاء التأنيث؛ لأنها خبر عن السماحة والمروءة وهما مؤنثتان وهو محمول على الضرورة خلافًا لابن كيسان في القياس عليه (¬2). * * * ¬
شواهد النائب عن الفاعل
شواهد النائب عن الفاعل الشاهد الثامن بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وعُلِّقَتْ رَجُلًا ... غَيرِي وعُلِّقَ أُخْرَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس. وهو من قصيدة طويلة من البسيط، وأولها هو قوله (¬3): 1 - وَدِّعْ هُرَيَرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ ... وَهَلْ تُطيقُ ودَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ إلى أن قال: 2 - ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةً ... خَضرَاءُ جَادَ عَلَيهَا مُسْبِلٌ هَطِلٌ 3 - يُضَاحِكُ الشمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شرِقٌ ... مُوَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبتِ مُكْتَهِلُ 4 - يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ ... ولَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأُصُلُ 5 - عُلِّقْتُهَا عَرَضًا .............. ... ...................... إلى آخره 6 - وعُلِقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاولُهَا ... وَمِنْ بَنِي عَمِّهَا ميتٌ بِهَا وَهِلُ قوله: "عُلِّقْتُهَا" على صيغة المجهول؛ من علق شيئًا إذا أحبه وشغف به، ومصدره: عَلَاقَة ¬
بالفتح، قال ابن فارس: العلاقة -بالفتح-: الحب، والعلاقة بالكسر في السوط ونحوه (¬1)، وذكره صاحب الدستور (¬2) في باب فَعِل يفعَل بالكسر في الماضي وفتحها في المضارع. قوله: "عرضًا" بالعين المهملة؛ من عرض له أمر إذا أتاه على غير قصد، يقال: عرض لي شيء وأعرض وتعرض واعترض بمعنى. الإعراب: قوله: "علقتها" أي: علقت هريرة، وهي قينة كانت لرجل من آل عمرو بن مرثد، وهي المذكورة في أول القصيدة، فالتاء مفعول قام مقام الفاعل، وها مفعول ثان، وقوله: "عرضا": نصب على التمييز؛ أي: من حيث العرضية، قوله: "وعلقت" على صيغة المجهول -أيضًا- أي: علقت هريرة، فالضمير فيه مفعول قام مقام الفاعل. وقوله: "رجلًا": مفعول ثان، وقوله: "غيري": كلام إضافي صفة لقوله: "رجلًا"، قوله: "وعلق": على صيغة المجهول -أيضًا- مسند إلى قوله: "ذلك الرجل" وهو مفعول ناب عن الفاعل، و "ذلك" إشارة إلى الرجل المذكور في قوله: "وعلقت رجلًا غيري"، وقوله: "أخرى": مفعوله الثاني وهو صفة لموصوف محذوف، أي: امرأة أخرى أو قينة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "علقتها وعلقت وعلق" حيث جاءت على صيغ المجهول لأجل النظم؛ إذ لو جاءت هذه الألفاظ على صيغ المعلوم لاختل النظم -ولا سيما- لفظة: "علق"، فإنها لو جاءت على صيغة المعلوم كانت أفسدت قافية النظم؛ لأن القافية على اللام المرفوعة، فعلى تقدير صيغة المعلوم تكون قافية هذا البيت على اللام المنصوبة وهو عين الإقواء (¬3). ¬
الشاهد التاسع بعد الأربعمائة
الشاهد التاسع بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) وَقَالتْ مَتَى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعْتَلَلْ ... يَسُؤْكَ وإنْ يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدَربِ أقول: قيل: إن قائله هو علقمة بن عبدة التميمي. وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ذَهَبَتْ منَ الهجْرَانِ فيِ غَيرِ مَذْهَبِ ... ولم يَكُ حَقًّا كُل هَذَا التَّجَنُّبِ إلى أن قال: 2 - وَقَدْ وَعَدْتُكَ مَوْعِدًا لَوْ وَفَت بِهِ ... كَمَوْعِدِ عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بِيَثْرِب 3 - وقالت متى يبخل ........... ... ................. إلى آخره 4 - فَقُلْتُ لَهَا فِيئي فَمَا يَسْتَفِزُّنِي ... ذَوَاتُ العُيُونِ والبَنَانِ المُخَضَّبِ 5 - فَفَاءَت كَمَا فَاءَتْ مِنَ الأُدْمِ مُغزِلٌ ... بِبِيشَةَ تَرعَى فيِ أَراكٍ وَحَلَّبِ وقد روى بعضهم البيت المذكور في جملة قصيدة لامرئ القيس، وأولها هو قوله: 1 - خَليلَيّ مُرَّا [بِي] عَلَى أُمِّ جُنْدُبٍ ... لنَقضِي حَاجَاتِ الفُؤَادِ المعُذَّبِ 2 - فإنكُمَا إِنْ تنظُرَانِي ساعَةٌ ... مِنَ الدَّهْر تَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدُبِ إلى أن قال: 3 - فَإن تنأ عَنْهَا حِقبَةً لا تُلَاقِهَا ... فَإنَّكَ مَّما أَحْدَثَتْ بالمُجرِّبِ 4 - وَقَالتْ مَتَى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعْتَلَلْ ... يَسُؤكَ وإن يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدْوَبِ ورأيته هكذا في ديوان امرئ القيس، وقال بعض شراحه: هذا البيت ليس في نسخة ¬
اليزيدي، وقد قرأه أبو عمران على ابن دريد، والصحيح أنه من قصيدة امرئ القيس وقد شرحه الأعلم في أشعار الشعراء الستة في جملة قصيدة امرئ القيس (¬1)، وقد ذكرنا فيما مضى غالب القصيدة المذكورة مع تفسيرها. 4 - قوله: "فيئي" أي: ارجعي؛ من فاء يفيء فيئًا إذا رجع. 5 - قوله: "ببيشة" البيشة بكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الشين المعجمة، وهو اسم موضع، و "الأراك": شجر السواك، و "حلب" بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام؛ نبت ترعاه الظباء. 4 - قوله: "يبخل ويعتلل" كلاهما مجهولان، ويعتلل من الاعتلال، قوله: "يسؤك": من ساء يسوء، ويروى: تشك بمعنى تشكو ذلك، قوله: "وإن يكشف" على صيغة المجهول -أيضًا-، و"الغرام": شدة العشق، يقال: أغرم بالشيء إذا أولع، قال الأعلم: الغرام: العناء والمشقة بحب النساء وهو العذاب -أيضًا- (¬2). قوله: "تدرب": من الدربة وهي التجربة، ومنه يقال: فلان درب إذا كان مجربًا مؤدبًا، والتدريب في الحرب هو الصبر. وحاصل المعنى: إن بخل عليك لها بالوصال واعتُلّ ساءك ذلك، وإن وُصلت وكشف غرامك كان ذلك عادة لك ودربة، وإنما بريد أنها كانت لا تقطع وصاله كل القطع فيحمله ذلك على اليأس والسلو، ولا تصله كل الوصل فيتعود ذلك ويستكثر منه حتى يدعوه إلى الملل. الإعراب: قوله: "متى يبخل": مقول [القول] (¬3)، "ومتى": اسم شرط هاهنا، وجوابه قوله: "يسؤك": بالجزم؛ من ساءه يسوءه إذا أحزنه، قوله: "ويعتلل": عطف على قوله: "يبخل"، قوله: "وإن": حرف شرط، و"يكشف": فعل الشرط، و"تدرب": جزاء الشرط، وإنما حركت [بكسر] (¬4) الباء للضرورة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ويعتلل" فإن النائب عن الفاعل فيه هو ضمير المصدر؛ أي: يعتلل هو؛ أي: الاعتلال ¬
الشاهد العاشر بعد الأربعمائة
المعهود، والتقدير: يعتلل اعتلال عليك، فيقدر عليك هاهنا -أيضًا- لدلالة عليك في قوله: "متى يبخل عليك" عليها (¬1)، وقال ابن هشام في المغني: ولابد عندي من تقدير: "عليك" مدلولًا عليها بالمذكورة، وتكون حالًا من الضمير ليتقيد بها فيفيد ما لم يفده الفعل (¬2). الشاهد العاشر بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) فَيَا لَكَ مِنْ ذِي حَاجَةٍ حِيلَ دُونَهَا ... وَمَا كُلُّ مَا يَهْوَى امْرُؤٌ هُوَ نَائِلُهْ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدة لامية أولها هو قوله (¬5): 1 - أَتَعْرِفُ رَسْمَ الدَّارِ قَفْرًا مَنَازِلُهْ ... كَجَفْنِ اليَمَانِي زَخْرَفَ الوشْيَ مَاثِلُهْ 2 - بِتثلِيثِ أَوْ نَجْرَانَ أَوْ حَيثُ نَلْتقِي ... مِنَ النَّجْدِ فيِ قِيعَانِ جَأْشٍ مسَائِلُهْ إلى أن قال: 3 - فَغُودِرَ بالفَرْدَيْنِ أَرضٍ نَطِيَّةٍ ... مَسِيرَةِ شهْرٍ دَائِب لَا يُوَاكِلُهْ 4 - فَيَا لَكَ مِنْ ذِي .......... ... ................. إلى آخره وقد أخذ بعضهم البيت المستشهد به وضمنه في قصيدة مدح بها يزيد بن حاتم، فخرج إليه وهو بمصر ليأخذ جائزته فوجده قد مات فقال: 1 - لَئِنْ مصْرَ فَاتنتي بمَا كنتُ أَرْتَجِي ... وأخلَفَنِي مِنْهَا الذِي كُنْتُ آمُلُ 2 - فَيَا لَكَ مِن ذِي حَاجَةٍ حِيلَ دُونَهَا ... وَمَا كُلُّ مَا يَهْوَى امْرُؤٌ هُوَ نَائِلُ 3 - ومَا كُانَ بَيني لَوْ لَقِيتُكَ سالِمًا ... وبينَ الغِنَى إلا ليَالٍ قَلَائِلُ والقصيدتان من الطويل. قوله: "حيل": صيغة مجهول من الحيلولة، قوله: "ما يهوى": من هوى يهوى من باب علم يعلم إذا أحب وعشق، قوله: "نائله": من نال ينال إذا أصاب. ¬
الشاهد الحادي عشر بعد الأربعمائة
الإعراب: قوله: "فيا لك" الفاء للعطف، وكلمة يا هاهنا ليست للنداء وإنما هي لمجرد التنبيه، واللام في "لك" للاستغاثة، وقوله: "من ذي حاجة": يتعلق بمحذوف، وقوله: "حيل دونها" أي: دون الحاجة، والنائب عن الفاعل في "حيل" محذوف وهو ضمير المصدر، والتقدير: حيل هو؛ أي: الحول؛ كما في قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} [سبأ: 54]؛ أي: هو؛ أي: الحول، و "دون": نصب على الظرف، قوله: "وما" بمعنى ليس. وقوله: "كل ما يهوى": كلام إضافي وقع اسمًا لما، والجملة -أعني قوله: "هو نائله": خبرها، و "ما": موصولة، و "يهوى امرؤ": فعل وفاعل صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما يهواه. الاستشهاد فيه: في قوله: "حيل" فإن النائب "عن" (¬1) الفاعل فيه هو ضمير المصدر كما قررناه الآن (¬2). الشاهد الحادي عشر بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) يُغْضي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَلَا يُكلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبتَسِمُ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب، وهو من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها الفرزدق زينَ العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنهم-، وأولها هو قوله (¬5): 1 - هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطْأتهُ ... والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ ¬
2 - هَذَا ابنُ خَيرِ عِبَاد الله كُلِّهُم ... هَذَا التَّقيُّ النقي الطاهرُ العَلَمُ 3 - إِذَا رَأَتْهُ قُرَيشٌ قَال قَائِلُهَا ... إلى مَكَارِم هَذَا ينْتهِي الكرَمُ 4 - يُنْمَى إِلَى ذُرْوَةِ الْعَزِّ التي قَصُرَت ... عَنْ نَيلهَا عَرَبُ الإسَّلَامِ والعَجَمُ (¬1) 5 - يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحِتهِ ... رُكنُ الحَطيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَستَلمُ 6 - في كَفِّه خَيزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ ... مِنْ أَرْوَعَ في عِرنيِنِهِ شَمَمُ 7 - يغضي حياء .......... ... ............ إلى آخره 8 - يَنْشَقُّ نُورُ الهُدَى عَن نُورِ غُرَّتِهِ ... كالشَّمس يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقهَا العَتَمُ (¬2) 9 - مُشْتَقَّة منْ رسول الله نَبعَتُهُ ... طابتْ عناصِرُهُ والخيمُ والشِّيَمُ 10 - هذا ابن فاطِمَة إنْ كنتَ جَاهلَهُ ... بِجَدِّه أَنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتمُوا 11 - اللهُ شرَّفُهُ قِدْمًا وعظَّمَهُ ... جَرَى بذاكَ له في لوْحَة القَلَمُ 12 - فَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بِضائِره ... العُرْبُ تَعْرفُ مَن أَنْكَرْتَ والعَجَمُ 13 - كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا ... يُسْتَوْكِفَانِ ولَا يُعْرُوهُمَا عَدَمُ 14 - سهْلُ الخلِيقَةِ لَا تخْشَى بَوَادرُهُ ... يَزينُهُ اثنان حُسنُ الخلْقِ والشِّيَمُ 15 - حَمَّالُ أثقَالِ أَقْوَامٍ إذَا قَدِحُوا ... حُلْوُ الشَّمَائِل يَجْلُو عنْدَهُ نَعَمُ 16 - لَا يَخْلُفُ الوَعْدَ مَيمُونُ نَقِيبتهُ ... رَحْبُ الفنَاء أَريبٌ حينَ يَعتَزمُ (¬3) 17 - عَم البَرِيةَ بالإحْسَانِ فَانْقَشَعَتْ ... عَنْهُ الغيَاهِبُ والإمْلَاقُ والعَدَمُ 18 - مِن معشَر حبهم دِينٌ وبغضُهُمُ ... كُفْرٌ وقُربُهُمُ مَنْجًى ومُعْتَصَمُ 19 - إن عُدَّ أَهْلُ التُّقَى كَانُوا أَئمتَهُم ... أَوْ قَيلَ مَنْ خَيرُ أَهْل الأرض؟ قيلَ: هُمُ 20 - لا يَستَطيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَايتهم ... ولا يُدَانيهمُ قَومٌ وإن كَرُمُوا (¬4) 21 - هُمُ الغُيُوثُ إذا مَا أَزمَةٌ أَزَمَتْ ... والأُسدُ أُسْدُ الشِّرَى والبَأْسُ مُحْتَدِمُ ¬
22 - لا يَنْقَضِي العُشرُ بَسْطًا مِنْ أكُفِّهمُ ... سيَّانِ ذلكَ إنْ أَثَرَوْا وإنْ عَدِمُوا 23 - مقَدَّمُ بَعْدَ ذِكرِ الله ذِكرِهُمُ ... فيِ كُلِّ بَدْءٍ ومَخْتُومٌ به الكَلمُ 24 - يأبى لَهُمْ أَنْ يَحِلّ الذَّمُّ سَاحتَهُمُ ... خَيْمٌ كَرِيمٌ وَأَيْدٍ بالنَّدَى هُضُمُ (¬1) 25 - أَيُّ الخَلَائِقِ لَيسَت في رِقَابهمُ ... لأَوَّليَّةِ هَذَا أَوْ لَهُ نِعَمُ 26 - مَنْ يَعْرِفْ اللهَ يَعْرِف أَوَّليَّةَ ذَا ... والدينُ منْ بَيتِ هَذَا نَالهُ الأُمَمُ (¬2) ويحكى أن هشام بن عبد الملك لما حج في أيام أبيه فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليستلمه، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين -رضي الله تعالى عنه- وقد كان من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرجًا فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضرًا، فقال: أنا أعرفه، فقال الشامي: من هذا الذي يا أبا فراس؟ فقال: هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطأتَهُ ... ................................ إلى آخر القصيدة، فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب على الفرزدق وحبسه وأنفذ له زين العابدين اثني عشر ألف درهم فردها، وقال مدحته لله تعالى لا للعطاء، فقال: إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئًا لا نستعيده فقبلها، هذا الذي ذكره أهل التاريخ، ورأيت في كتاب أولاد السراري تأليف المبرد ونسب بعض هذه الأبيات إلى أبي دهبل (¬3) حيث قال: ومما نمي إلينا عنه، أي عن زين العابدين أنه مرَّ بمساكين جلوس في الشمس يأكلون على مسح فسلم عليهم فردوا عليه وقالوا: هلم يا ابن بنت رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] (¬4)، ونزل وقال: إن الله لا يحب المتكبرين فأصاب معهم ثم قال: قد دعوتم فأجبنا، ونحن ندعوكم فمضوا معه إلى منزله، فأطعمهم طعامه، وقسّم بينهم كل ما كان عنده، وفيه يقول أبو دهبل فيما روي هذه الأبيات: ¬
1 - هَذَا الذِي تَعْرِفُ البطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... والبَيتُ يَعْرِفُهُ والحِلُّ وَالحَرَمُ 2 - هَذَا ابْنُ خَيرِ عِبَادِ الله كُلِّهُمُ ... هَذَا التَّقِيُّ النقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ 3 - إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَال قَائِلُهَا ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ فأما ما يزاد في هذا الشعر بعد هذه الأبيات فليس منها، إنما هو لداود بن سلم، يقول في قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب -رضي اللَّه تعالى عنهم- وهو قوله (¬1): 1 - يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابتهِ ... فَلَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِيَن يَبتَسِمُ 2 - في كفِّهِ خَيزرانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ ... مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ في عِرنِينِهِ شَمَمُ 3 - كمْ هَاتِفٌ بكَ مِنْ أَوْجٍ ورابيةٍ ... يَدْعُوكَ يَا قُثَمُ الخَيرَاتِ يَا قُثَمُ 4 - قوله: " [إلى] (¬2) ذروة العز" ذروة كل شيء أعلاه، ومنه ذروة السنام، قوله: "عبق" بفتح العين وكسر الباء الموحدة وهو صفة مشبهة من العبق بفتحتين مصدر عبق به الطيب بالكسر إذا لزق عبقا وعباقة. 6 - قوله: "من كف أروع" الأروع من الرجال الذي يعجبك حسنه، و: "العرنين" بكسر العين هو أول الأنف يكون فيه الشمم. 8 - قوله: "ينجاب" أي: ينكشف، و: "العتم" بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق وهو الظلام. 9 - قوله: "والخيم" بكسر الخاء المعجمة السجية والطبع لا واحد له من لفظه، و: "الشيم "بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف جمع شيمة وهي الخلق. 15 - قوله: "إذا فدحوا" بالفاء من فدحه الدين أثقله. 16 - قوله: "ميمون" أي مبارك، و: "النقيبة" أي النفس، وقال ابن السكيت: فلان ميمون النقيبة إذ كان مبارك المشورة (¬3) قوله: "رحب الفناء" بفتح الراء أي واسع الفناء، و "الأريب" البصير بالأشياء والدرب بها. 21 - و "الأزمة" الشدة والقحط، و "الشرى" بالشين المعجمة مقصور مأوى الأسد، و "البأس" بالباء الموحدة الشدة في الحرب، و "محتدم" بالحاء المهملة من احتدمت النار التهبت ويوم محتدم: شديد الحر. ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة
قوله: "يغضي حياء" على صيغة المعلوم من أغضى إغضاء وهو إدناء الجفون، قوله: "من مهابته" أي من هيبته، قوله: "فما يكلم" على صيغة المجهول. الإعراب: قوله: "يغضي" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى زين العابدين -رضي الله تعالى عنه- وهو في محل رفع على أنه خبر عن مبتدأ محذوف تقديره: هو يغضي، و "حياء" نصب على التعليل، أي: لأجل حيائه، قوله: "ويغضى من مهابته" على صيغة المجهول والنائب عن الفاعل فيه ضمير المصدر، أي هو أي الإغضاء، وكلمة: "من" للتعليل، أي لأجل مهابته وهو مفعول له، ولذلك لم ينب عن الفاعل، قوله: "فلا يكلم" الضمير فيه هو النائب عن الفاعل، قوله: "إلا حين يبتسم" استثناء من غير موجب فيجوز فيه الوجهان: النصب على الاستثناء والرفع على البدلية كما في قوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66]. الاستشهاد فيه: في قوله: "ويغضى من مهابته" فإن النائب عن الفاعل فيه هو ضمير المصدر كما قررناه (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) وَإِنَّمَا يُرضِي المنُيبُ رَبَّهُ ... مَا دَامَ مَعْنِيًّا بِذِكْرِ قَلْبَهُ أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه، وأوله: لَيسَ مُنِيبًا امرُؤٌ مُنَبَّهٌ ... للصَّالِحَاتِ مُتَنَاسٍ ذَنْبَهُ وهي من الرجز المسدس. 2 - قوله: "ليس منيبًا" من الإنابة وهي الرجوع إلى الله تعالى بالتقوى وترك الذنوب، قوله: ¬
الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة
"متناس ذنبه" أي تارك اياه، وأصل النسيان: الترك، قال الله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]. قوله: "معنيًّا" بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وتشديد الياءآخر الحروف من قولهم: عُنِيتُ بحاجتك أُعْنَي بها فأنا بِها مَغني وعَنِيتُ بها فأنا عان، والأول أكثر، أي اهتممت بها واشتغلت، وأصل معني: معنوي على وزن مفعول اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت الياء في الياء، فصار: معنيّ بضم النون، ثم أبدلت الضمة كسرة لأجل الياء فصار معنيّ. الإعراب: قوله: "وإنما يرضي" من الإرضاء، و: "المنيب" فاعله، وقوله: "ربه" كلام إضافي مفعوله، قوله: "ما دام" قد عرف أن دام من الأفعال الناقصة، ومعناه بقي ولا يستعمل إلا مع ما المصدرية التوقيتية. فإذا قلت: أفعل الخير ما دمت، كان التقدير: مدة دوامك حيًّا، والضمير المستتر فيه اسمه، وقوله: "معنيًّا" خبره، ومعنيًّا "اسم مفعول حكمه حكم ما لم يسم فاعله في رفعه نائبًا عن الفاعل ومعناه هاهنا: يُعْنَى بذكر قلبه، وقوله: "بذكر" جار ومجرور ناب عن الفاعل وترك المفعول به وهو قلبه. الاستشهاد فيه: احتج به الأخفش والكوفيون على جواز نيابة غير المفعول به مع وجوده، فإن قوله قلبه مفعول به مع أنه لم ينب عن الفاعل وإنما ناب عنه الجار والمجرور كما ذكرناه (¬1)، فافهم. الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) لَم يُعْنَ بِالْعَلْيَاءِ إلا سَيِّدًا ... ................................ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وبعده: ¬
................... ... وَلَا شَفَى ذَا الغَيِّ إلا ذُو هُدَى وهو من الرجز المسدس. قوله: "لم يعن" على صيغة المجهول من عنيت أعني، وقد ذكرنا تحقيقه في البيت السابق (¬1)، قوله: "بالعلياء" أي بالمرتبة العلياء أو المنزلة العلياء، وقال ابن فارس: العلياء لكل مكان مشرف (¬2)، قوله: "ذا الغي" أي صاحب الضلال. الإعراب: قوله: "لم يعن" مجهول ونائب الفاعل فيه هو حرف الجر في قوله: "بالعلياء" وأصل الكلام: لم يعن الله بالعلياء إلا سيدًا، أي لم يجعل الله أحدًا يعتني بالعلياء إلا من له سيادة فحذف الفاعل وأنيب قوله: "بالعلياء" [عنه] (¬3)، واستثنى السيد على جهة التفريع، فترك الاسم العام الذي هو أحد وقدر السيد مفعولًا، وقد كان في الأصل بدلًا من أحد منصوبًا على الاستثناء، قال الشيخ أثير الدين: و "إلا سيدًا" يحتمل أن يكون استثناء منقطعًا، أي لكن السيد عني بالعلياء. الاستشهاد فيه: في نيابة حرف الجر فيه عن الفاعل كما ذكرناه، وهذا لا يجوز عند البصريين، فإن عندهم لا يجوز أن ينوب الظرف ولا المصدر ولا حرف الجر عن الفاعل مع وجود المفعول به، وهذا البيت وأمثاله ضرورة عندهم. وأجازه الأخفش والكوفيون واحتجوا بقول الله تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14] في قراءة يزيد بن القعقاع (¬4) على بناء يجزي لما لم يسم فاعله (¬5)، ونيابة الجار والمجرور ونصب قومًا. ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الأربعمائة
واحتجوا -أيضًا- بهذا البيت وأمثاله، فإن الشاعر فيه أناب حرف الجر عن الفاعل ونصب سيدًا على ما ذكرناه (¬1). الشاهد الرابع عشر بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) وَنُبِّئْتُ عَبدَ الله بِالجَوِّ أَصْبَحَتْ ... كِرَامًا مَوَالِيهَا لَئِيمًا صَمِيمُهَا أقول: قائله هو الفرزدق. وهو من الطويل. قوله: "نبئت لا أي أخبرت، وأراد بعبد الله اسم قبيلة لا اسم علم لمفرد، قوله: "بالجو" بفتح الجيم وتشديد الواو وهو اسم لثمان مواضع: الأول: جو اسم لليمامة كانت تسمى جوا ثم سميت باليمامة. الثاني: جو الحضارم من نواحي اليمامة -أيضًا-. الثالث: جو الجوادة في أرض طيء. والرابع: هو سويقة من نواحي المدينة كانت لآل علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-. والخامس: جو [موضع] (¬4) بعمان. السادس: جو قرية بأجداء لبني ثعلب بن جدعاء وبني زهير. والسابع: جو أثال على جادة النباح في ديار بني عبس. والثامن: الجو اسم لما اتسع من الأودية، هكذا ذكره في المشترك (¬5). قلت: الجو ما بين السماء والأرض -أيضًا- والظاهر أن الفرزدق أراد به جو اليمامة، قوله: ¬
الشاهد الخامس عشر بعد الأربعمائة
"كرامًا" جمع كريم، [قوله: "لئيمًا"] (¬1) ويروى: لئامًا صميمها، وصميم الشيء خالصه، وأراد به: رؤوس عبد الله القبيلة وأعيانها. الإعراب: قوله: "ونبئت" على صيغة المجهول، وهو يقتضي ثلاثة مفاعيل، الأول: التاء، والثاني: عبد الله، والثالث: قوله: أصبحت وذكر في شرح كتاب سيبويه أن أصبحت تفسير (¬2)، قلت: أراد به أن يفسر أن عبد الله اسم قبيلة وليس باسم علم لمفرد، ولهذا ذكره بالتأنيث ولم يقل: أصبح. قوله: "بالجو" يتعلق بأصبحت، قوله: "كرامًا" نصب على أنه خبر أصبحت، وقوله: "مواليها" على تقدير الرفع باسم الفاعل، قوله: "لئيمًا" خبر بعد خبر، و "صميمها" مرفوع به. الاستشهاد فيه: في قوله: "ونبئت" حيث ناب عن الفاعل فيه المفعول الأول، وفي هذا الفصل بحث كبير يعرف في موضعه (¬3) -[إن شاء الله تعالى-] (¬4). الشاهد الخامس عشر بعد الأربعمائة (¬5)، (¬6) لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيئًا لَيْتُ ... لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْت أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج. ¬
وهو من الرجز المسدس، ويقال هذا أنشده الكسائي ولم يعزه إلى أحد، وأنشد قبله (¬1): 1 - مَا لي إذَا أَجد بها صَأيْتُ ... أكبر قَدْ غَالنِي أَمْ بَيتُ 1 - قوله: "أجذ بها" أي الدلو لأنها في صفة الدلو، ويروى: أنزعها، قوله: "صأيت" بالصاد المهملة والهمزة، أي صحت، يقال: صأى يصأى صئيًا مثل: صفى يصفي صفيًا، قوله: "أكبر قد غالني" وهوى: أكبر غيرني، وهكذا رواه الجوهري (¬2)، قوله: "أم بيت" أراد بها المرأة. الإعراب: قوله: "ليت" كلمة للتمني، ولو كان في المستحيل، و"ليت" الثالثة تأكيد له، وقوله: "شبابًا" اسمه، قوله: "بوع" جملة خبره، قوله: "وهل ينفع شيئًا ليت" جملة معترضة بين ليت الأول الذي هو المؤكد بفتح الكاف وبين ليت الثالث الذي هو المؤكد بكسر الكاف، وقوله: "وهل" للنفي كما في قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، والدليل عليه -أيضًا- أن الكسائي أنشده هكذا (¬3): ليت وما ينفع شيئًا ليت ... ................................ وكلمة: "ما" لنفي، فكذلك هل، وقوله: "ينفع" فعل وفاعله هو ليت الثاني، والمراد اللفظ لا المعنى، و "شيئًا" منصوب على المفعولية، قوله: "فاشتريت" عطف على قوله: "بوع"، ومفعوله محذوف أي اشتريته. الاستشهاد فيه: في قوله: "بوع" فإن القياس فيه بيع؛ لأنه مجهول باع؛ لكن من العرب من يخفف هذا النوع بحذف حركة عينه، فإن كانت واوًا سلمت؛ كما في قوله: "حوكت (¬4)، والقياس: حيكت، وإن كانت ياء قلبت واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها؛ كما في قوله: "بوع"، فإن أصله: بُيع" بضم الباء وكسر الياء فحذفت حركة الياء فصار: بُيع بضم الباء وسكون الياء فقلبت الياء واوًا لسكونها وانضمام ما قبلها (¬5). ¬
الشاهد السادس عشر بعد الأربعمائة
الشاهد السادس عشر بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) حُوكَت عَلَى نَوْلَيِنْ إذ تُحَاكُ ... تَخْتَبِطُ الشَّوْكُ وَلَا تُشَاكُ أقول: قائله هو راجز لم أقف على اسمه. وهو من الرجز المسدس ومنهم من نسبه إلى رؤبة فلم أجده في ديوانه. قوله: "حوكت" بناء مجهول من حاكت، والقياس: حيكت، وذلك لأنه من حاك الثوب يحوكه حوكًا وحياكة نسجه فهو حائك، وهم حاكة وحوكة، وبناء المجهول من حاكت يأتي حِيكَتْ؛ لأنه أصله: حُوكَتْ نقلت حركة الواو إلى ما قبلها بعد سلب حركتها، فصار حوكت بكسر الحاء وسكون الواو، ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار: حيكت كما فعل هكذا في: قيلت مجهول وقالت، ولكن منهم من يحذف حركة الواو للتخفيف ويُبقِي الواو ساكنة، فيقول: حوكت وقولت، وعليه قول الراجز (¬3). قوله: "على نولين" تثنية نول بفتح النون وسكون الواو وهو الخشب الذي يلف الحائك عليه الثوب، ويقال: المنوال -أيضًا- ويجمع الأول على أنوال، والثاني على مناويل، ويروى: على نيرين بكسر النون وسكون الياءآخر الحروف وفي آخره راء وهو تثنية نير، والنير علم الثوب ولحمته -أيضًا- فإذا نسج على نيرين كان أصفق وأبقى، تقول: نِرْتُ الثوب أُنِيرُه نيرًا، وكذلك: أنرت الثوب، وهنرته مثل: أرقت وهرقت (¬4). قوله: "تحاك" مجهول من المضارع أصله تُحْوَك، نقلت حركة الواو إلى ما قبلها ثم قلبت ألفًا كما [فعل] (¬5) هكذا في يقال ويصان ونحوهما من الأجوف الواوي الذي من باب فعل يفعُل بالفتح في الماضي والضم في الغابر. قوله: "تختبط الشوك" من اختبطت الشجرة إذا ضربتها بالعصا لتأخذ ورقها، قوله: ¬
"ولا تشاك" على صيغة المجهول من شاكتني الشوكة تشوكني إذا دخلت الشوكة في جسده، يصف الشاعر بهذا إزاره ورداءه بغاية الصفاقة حتى إنها تختبط الشوك ولا يؤثر بها. الإعراب: قوله: "حوكت" الضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل، وأصله: حاكها الحائك، والضمير يرجع إلى كل واحد من إزاره وردائه، لأنه يصفهما بالصفاقة كما ذكرنا، قوله: "على نولين" في محل النصب على الحال من الضمير الذي في حوكت تقديره: حوكت كائنة على نولين. قوله: "إذ" ظرف بمعنى حين، و "تحاك" بمعنى: حيكت، ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]، و {إذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} (¬1) [آل عمران: 153]، قوله: "تختبط" جملة من الفعل والفاعل [وهو الضمير الذي يرجع إلى كل واحد من الرداء والإزار] (¬2)، و "الشوك" مفعوله، قوله: "ولا تشاك" جملة أخرى معطوفة على ما قبلها. الاستشهاد فيه: في قوله: "حوكت" حيث حققت فيه الواو وأبقيت ساكنة ولم تقلب ياء كما قررناه آنفًا (¬3). * * * ¬
شواهد اشتغال العامل عن المعمول
شواهد اشتغال العامل عن المعمول الشاهد السابع عشر بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) وَقَائِلَةٍ خَوْلَانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ ... ................................ أقول: قائله مجهول لا يعرف، وتمامه: ................................ ... وَأُكْرُومَةُ الحَيَّينِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا وهو من الطويل. قوله: "خولان" بفتح الخاء المعجمة اسم قبيلة، وهي خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وقال ابن دريد: "خولان" فعلان من خال يخول، يقال: منه فلان خائل مالي إذا كان حسن القيام على المال. قوله: "فتاتهم" الفتاة الشابة من النساء كالفتى من الرجال. قوله: "وأكرومة الحيين" الأكرومة بضم الهمزة من الكرم كالأعجوبة من العجب، وأراد بالحين حي أبيها وحي أمها يعني: كريمة الطرفين. قوله: "خلو" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام بمعنى الخلية عن الأزواج، ويقال: هو كناية عن كونها مطلقة. ¬
الإعراب: قوله: "وقائلة" الواو فيه واو رب، أي رب امرأة قائلة، وقائلة مجرورة بها، قوله: "خولان" بالرفع مبتدأ، وقوله: "فانكح فتاتهم" خبره هكذا يقال ثم يرد عليه أن الفاء لا يصلح دخولها على خبر المبتدأ، ويجاب بأن خولان خبر مبتدأ محذوف تقديره: هؤلاء خولان. وقوله: "فانكح فتاتهم" جواب لشرط محذوف تقديره: إذا كان كذلك فانكح فتاتهم. وقال أبو سعيد: الجمل كلها يجوز أن تكون أجوبتها بالفاء نحو: زيد أبوك فقم إليه، فإن كونه أباه سبب وعلة للقيام إليه، وكذلك الفاء في: فانكح (¬1) تدل على أن وجود هذه القبيلة علة لأن يتزوج منهم ويتقرب إليهم لحسن نسائها وشرفها، وفيه إشارة التي ترتيب الحكم على الوصف، ونظيره قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ} [مريم: 65] على أحد الوجهين ذكرهما صاحب الكشاف (¬2). وقال محمد بن يزيد: هذه خولان، وأجاز النصب على إضمار فعل، قال: ولو قلت: هذا زيد فاضربه جاز بجعل زيد عطف بيان أو بدلًا، ولو رفعت خولان بالابتداء لم يجز من أجل الفاء وإنما جاز مع هذا؛ لأن فيها معنى التنبيه والإشارة، فكأنك قلت: من هذه التنبية والإشارة فافعل كذا (¬3)، وكال: جاز النصب على المدح. قوله: "وأكرومة الحيين" كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله: "خلو" والجملة في محل النصب على الحال. قوله: "كما هيا" كلمة ما موصولة وهي مبتدأ وخبره محذوف أي كالحال الذي هي عليه، وإما كافة لحرف الجر، والضمير مبتدأ محذوف الخبر -أيضًا-، وإما زائدة، والضمير المرفوع ¬
وقع موقع الضمير المجرور مثل قولهم: ما أنا كأنت، فيكون المعنى تقول: رب قائلة قالت هؤلاء خولان فانكح فتاتهم فأجبتها كيف أتزوج والحال أن أكرومة الحيين خلو لا زوج لها وهي أولى بأن أتزوجها؟ ويقال في هذا البيت أمور: أحدها: حذف رب وإبقاء عملها وذلك بعد الواو في غاية الكثرة (¬1). الثاني: استعمال مجرور رب غير موصوف وحقه الوصف للإيضاح والتعويض من حذف متعلقها وتمكين التقليل؛ لأن رجلًا من بني تميم أقل من رجل على الإطلاق (¬2). وقال علي بن عبد الرحمن الأنصاري (¬3) في حاشية إيضاح الفارسي: والذي حسن هنا أن لا يجيء الوصف أن ما بعد قائل وقائلة من صلته؛ فالاختصاص حاصل بتلك الصلة، وأن قائلًا وقائلة في الحقيقة صفتان لمجرور رب المحذوف، فلم يخل مجرورها من وصف. والثالث: حذف المبتدأ؛ لأن التقدير: هذه خولان. والرابع: حذف الفعل وذلك على رواية من روى: خولان بالنصب وقدره علي بن عبد الرحمن المذكور: أقصد خولان أو أعمد خولان (¬4). والخامس: زيادة الفاء، وذلك على قول الأخفش بأنه لا يقدر محذوفًا (¬5). والسادس: عطف الطلب على الخبر، وذلك على تقدير المبتدأ في حالة الرفع. والسابع: قوله: "كما هيا" وفيه عمل ليس هذا محله. والثامن: إعمال اسم الفاعل المعتمد على موصوف محذوف. ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الأربعمائة
والتاسع: أن رب لا يلزم مضى ما بعدها وإلا لم يجز إعماله. والعاشر: إقامة الظاهر مقام المضمر لكونه أزيد فائدة، فإن أكرومة الحيين هي الفتاة المشار إليها (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "فانكح فتاتهم" وذلك أن الفاء لا تدخل في خبر المبتدأ، كما نص عليه سيبويه، فلذلك أول بما ذكرنا من التأويلات فافهم (¬2). الشاهد الثامن عشر بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) أَثَعْلَبَةَ الفَوَارِسَ أَمْ رِيَاحًا ... عَدَلَتْ بِهِم طُهَيَّةَ وَالخِشَابَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي. وهو من قصيدة بائية من الوافر وفيه القطف. قوله: "أثعلبة" أراد بها القبيلة وهي ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وفي أسد بن خزيمة ثعلبة -أيضًا- وهي ثعلبة بن دُوْدَان بن أسد بن خزيمة، قوله: "أم رياحًا" بكسر الراء وبالياء آخر الحروف، وهي -أيضًا- قبيلة، وهي رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفي قضاعة -أيضًا- رياح بطن وهو ابن عوف بن عميرة بن الهون بن أعجب ¬
ابن قدامة بن حَزْم بن أيان بن حُلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، وفي سليم -أيضًا- وهي رياح بن يقظة بن عصبة بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم. قوله: "طهية" بضم الطاء وفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخرها هاء، وهي حي من بني تميم يقال لهم: بنو طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم. قوله: "والخشابا" بكسر الخاء المعجمة وبالشين المعجعة وبعد الألف باء موحدة وهي -أيضًا- قبيلة، قال الجوهري: وبنو رزام بن مالك بن حنظلة يقال لهم الخشاب، ثم أنشد البيت المذكور (¬1). الإعراب: قوله: "أثعلبة" الهمزة للاستفهام، و: "ثعلبة" منصوب بفعل مضمر يفسره ما بعده، وتقديره: أساويت ثعلبة بطهية، ويختار هاهنا إضمار الفعل، لأن الاستفهام عنه. فإن قلتَ: لم قدرت ساويت ولم تقدر من لفظ الفعل المفسر؟ قلتُ: لأن لفظة عدلت لا يتعدى إلا بحرف الجر فلا وجه إلا أن يضمر فعل من معنى عدلت. قوله: "الفوارس" بالنصب [صفة] (¬2) ثعلبة، وهو جمع فارس على غير قياس؛ لأن القياس أن يكون فواعل جمع فاعلة، وقد مر تحقيق الكلام فيه فيما مضى، قوله: "أم رياحًا" أم متصلة لأنه تقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين وهو عطف على قوله: "أثعلبة" ويروى: "أو رياحًا". قوله: "عدلت بهم" أي بثعلبة، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وطهية بالنصب مفعول -أيضًا-، و: "الخشابا" عطف عليه والألف فيه للإشباع. الاستشهاد فيه: في قوله: "أثعلبة الفوارس" حيث نصب ثعلبة بعد همزة الاستفهام، وحكم ابن الطراوة (¬3) بشذوذ هذا، وذلك لأن الاستفهام إذا كان عن اسم فالرفع واجب نحو: أزيد ضربته أم عمرو؟ (¬4). ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الأربعمائة
الشاهد التاسع عشر بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) لا تَجْزَعِي إن مُنْفِسًا أَهْلَكْتُهُ ... فَإذَا هَلَكتُ فَعِنْدَ ذَلكَ فَاجْزَعِي أقول: قائله هو النمر بن تولب العكلي (¬3). وهو من قصيدة من الكامل وأولها هو قوله: 1 - قَالتْ لِتعذِلني منَ الليلِ اسمَعِ ... سفها تَبَيتُك المَلامَةُ فاهْجعي 2 - لَا تعجَلِي لِغَدٍ فَأَمْرُ غَدٍ لَهُ ... أتَعْجَلِينَ الشَّرَّ مَا لَم تُمْنَعِي 3 - قَامَتْ تُبْكي أَنْ سَبَأت لفتْيَةٍ ... زِقًّا وَخَابيَةً بعَوْدٍ مُقْطّعِ 4 - لا تجزعي ................. ... .................... إلى آخره 5 - وإذا أتاني إخْوَتِي فَذَريهمُ ... يَتعلَّلُوا في العَيشِ أَوْ يَلْهُوا مَعِي 6 - لَا تَطْرُديهِم عَنْ فِرَاشِي إنَّهُم ... لَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ سَيخْلُو مَضْجَعِي قوله: "أن سبأت" بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسكون الهمزة، يقال: سبأت الخمر سبأ إذا اشتريتها لتشربها، واستبأتها مثله، ولا يقال ذلك إلا في الخمر خاصة، و: "الفتية" بكسر الفاء جمع فتى، و"فذريهم" أي اتركيهم ولا تتعرضي لهم. قوله: "يتعلَّلوا" أي يتهلَّلوا يقال فلان يعلل نفسه بفعله، وتعلل به أي تلهى، قوله "منفسًا" بضم الميم وسكون النون وكسر الفاء وهو المال النفيس، قال ابن فارس: يقال مال منفس ونفيس ¬
كثير (¬1) كأنه يصف نفسه بالكرم، وأنه لا يصغى إلى من يلوم في ذلك، ويقال: إن امرأته لامته على إتلاف ماله جزعا من الفقر، وذلك أنه نزل به ضيف وهو في الجاهلية فعقر لهم أربع قلائص وسبأ لهم خمرًا كثيرًا، فلامته [امرأته] (¬2) على ذلك فقال لها: لا تجزعي لإتلافي منفس المال فإني قادر على إخلافه وإنما إذا هلكت فاجزعي في ذلك الوقت فإنه لا خلف لك عني. الإعراب: قوله: "لا تجزعي" نهي وفاعله الياء، و "إن" حرف شرط، وقوله: "منفس" بالرفع والنصب؛ فالنصب بفعل مقدر تقديره: أهلكت منفسًا أهلكته، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، وجوابه مقدم وهو قوله: "لا تجزعي" والرفع على تقدير: إن هلك منفس لجاز؛ لأنه إذا أهلكه فقد هلك. قوله: "فإذا هلكت" الفاء للعطف وإذا للشرط، و: "هلكت" جملة من الفعل والفاعل فعل الشرط، وجوابه قوله: "فعند ذلك فاجزعي" أي فاجزعي عند ذلك. فإن قلتَ: ما هاتان الفاءان؟ قلتُ: الفاء الداخلة على عند زائدة، والفاء الداخلة على فاجزعي جواب الشرط، أما سيبويه فيتأول ذلك، ويجعل الفاء الداخلة على "عند" جواب إذا، والفاء الداخلة على: "فاجزعي" عاطفة جملة أمرية على جملة خبرية، أي: فأنت عند ذلك فاجزعي، وذلك جائز لاشتراكهما في مسمى الجملة، وكذلك يتأول: زيد فوجد على تقدير: هذا زيد، فهو وجد فحذف المبتدآن (¬3)، وحكى الأخفش هذا زيد فمنطلق (¬4)، قالوا ويجوز أن تكون الفاء جوابًا في هذا المقدر من التنبيه؛ لأنك لا قلت: هذا زيد كأنك قلت: تنبه فهو منطلق. الاستشهاد فيه: في قوله: "إن منفسًا" [حيث جاء منصوبًا على شريطة التفسير؛ لأن تقديره: أهلكت منفسًا أهلكته كما ذكرنا] (¬5)، واستشهد به ابن الناظم في رفعه بفعل مضمر مطاوع للظاهر تقديره: إن هلك منفس أهلكته، وأنشده في كتابه بالرفع، ثم قال: ويروى بالنصب، ورواية ¬
الشاهد العشرون بعد الأربعمائة
[الأكثرين] (¬1) بالنصب والرفع رواية الأخفش (¬2). الشاهد العشرون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) فَارِسًا مَا غَادَرُوهُ مُلْحَمًا ... غيرَ زُمَّيْل ولَا نِكْسٍ وَكَلْ أقول: قائله هو علقمة، وذكر في الحماسة البصرية أن قائله امرأة من بلحارث بن كعب، وبعده (¬5): 2 - لَوْ يَشَأْ طَارَ بِهَا ذُو مَيْعَةٍ ... لاحِقُ الآَطَالِ نهدٌ ذُو خُصَلْ 3 - غيرَ أَن البأْسَ مِنْهُ شِيمَةٌ ... وصُرُوفُ الدَّهْرِ تَجْري بالأجَلْ وهي من الرمل وأصله في الدائرة: فاعلاتن ست مرات وفيه الحذف. 1 - قوله: "ما غادروه" أي ما تركوه من الغدر وهو الترك، ومنه الغدير؛ لأنه يترك فيه الماء بعد ذهاب السيل، والغدر: هو نقض العهد لأن فيه ترك العهد، قوله: "ملحمًا" بضم الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة من ألحم الرجل (¬6)، واستلحم إذا نشب في الحرب فلم يجد له مخلصًا، وألحمه غيره فيها، ولحُم إذا قتل فهو ملحوم ولحيم، وقد ضبطه بعضهم بالجيم فما أظنه صحيحًا، قوله: "زميل" بضم الزاي المعجمة وتشديد الميم المفتوحة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام وهو الرجل الجبا الضعيف. [قوله: "ولا نكس" بكسر النون وسكون الكاف وفي آخره سين مهملة وهو الرجل الضعيف] (¬7)، ويجمع على أنكاس، قوله: "وكل" بفتح الواو والكاف وهو الذي يكل أمره ¬
إلى غيره لعجزه وضعف رأيه وقلة معرفته بالأمور. 2 - قوله: "ذو ميعة" قال الجوهري: الميعة النشاط وأول جري الفرس وأول الشباب وأول النهار (¬1)، قوله: "الآطال" بفتح الهمزة جمع إطل بكسر [الهمزة] (¬2)، والطاء على وزن إبل وهي الخاصرة، قوله: "نهد" بفتح النون وسكون الهاء أي جسيم مشرف تقول منه نهد الفرس بالضم نهودًا، قوله: "ذو خصل" بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة جمع خصلة وهي لفيفة من شعر. الإعراب: قوله: "فارسًا" نصب بفعل يفسره الظاهر، أي: غادروا فارسًا، وكلمة: "ما" زائدة (¬3)؛ لأنها لو كانت نافية امتنع الاشتغال؛ لأن ما النافية لها صدر الكلام فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها وما لا يعمل لا يفسر عاملًا. قوله: "غادروه" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى فارسًا، [قوله: "] (¬4) ملحمًا" مفعول ثان لغادروه، قوله: "غير زميل" كلام إضافي نصب على الحال، قوله: "ولا نكس" بالجر عطف على المضاف إليه أي ولا غير نكس، قوله: "وكل" صفة النكس وهو مجرور اللام في الأصل ولكنها سكنت لأجل الضرورة. الاستشهاد فيه: في قوله: "فارسًا" حيث اختير فيه النصب على الرفع؛ وذلك لأن كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه ولا ما يوجب رفعه ولا ما يرجح واحدًا منها يستوي فيه الرفع والنصب؛ كما في قولك: زيد ضربته، فيجوز رفع زيد ونصبه، والأرجح رفعه؛ لأن عدم الإضمار أرجح من الإضمار، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يجوز النصب، والبيت المذكور حجة عليه؛ حيث جاء منصوبًا، وان كان الأرجح الرفع في مثل هذا (¬5). * * * ¬
شواهد تعدي الفعل ولزومه
شواهد تعدي الفعل ولزومه الشاهد الحادي والعشرون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ ... أَشارَتْ كُلَيبٍ بالأكُفِّ الأَصابعُ أقول: قائله هو الفرزدق. وهو من قصيدة من الطويل يخاطب بها الفرزدق جرير، وأولها هو قوله (¬3): 1 - وَمِنَّا الذِي اختِيرَ الرِّجَال سَمَاحَةً ... وَجُودًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاحُ الزَّعَازِعُ 2 - وَمِنَّا الذِي قَادَ الجِيَادَ عَلَى الوَجَى ... لَنَجرَانَ حَتَّى صَبَّحَتْهَا النَّزَائِعُ 3 - فَوَا عَجَبًا حَتَّى كُلَيبٌ تَسُبُّني ... كَأَن أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَوْ مُجَاشِعَ 4 - أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ السَّمَاءِ عَلَيكُم ... لَنَا قَمَرَاهَا والنُّجُومُ الطَّوَالِعُ 5 - إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ ...... ... ..................... إلى آخره 1 - قوله: "ومنا الذي اختير ... " فيه إسقاط الخافض -أيضًا- ولكن نصب الاسم بعد ذلك؛ إذ الأصل: اختير من الرجال، يصف قومه بالجود والكرم عند اشتداد الزمان، وذلك في الشتاء وهبوب الرياح الشديدة، و: "الزعازع" [جمع زعزع] (¬4)، وهي الرياح الشديدة، ويقال -أيضًا- زعزاع وزعزوع والجمع زعازيع. ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد الأربعمائة
2 - قوله: "على الوجى" بالجيم المهملة أي الخفاء، و "النزائع" الخيل الكرام فقيل هي التي تنزع إلى وطنها. 5 - وقوله: "أشارت" ويروى أشرت، يريد أشارت إليها بأنها شر الناس، يقال: لا تشر فلانًا ولا تشنعه يعني لا تشر إليه بشر ولا تذكره بأمر قبيح، قوله: "كليب" بضم الكاف وفتح اللام وأراد به: رهط جرير، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة. الإعراب: قوله: "إذا" للظرف فيه معنى الشرط، وقوله: "أشارت" جوابه، قوله: "أي الناس" كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله: "شر قبيلة"، وأي للاستفهام، والجملة مقول القول، وقوله: "أشارت" فعله (¬1)، وفاعله قوله: "الأصابع"، قوله: "بالأكف" جمع كف يتعلق بأشارت. الاستشهاد فيه: في قوله: "كليب" حيث جاء بالجر وأصله إلى كليب فأسقط الجار وأبقى عمله والأصل نصب المجرور بعد حذف الجار توسعًا؛ كقولك في: شكرت لزيد ونصحت لعمرو: شكرت زيدًا ونصحت عمرًا، ولكن الشاعر هاهنا أسقط الجار وأبقى عمله (¬2). الشاهد الثاني والعشرون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) لَدُنْ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ ... فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثعْلَبُ أقول: قائله هو ساعدة بن جؤية الهذلي أخو بني كعب. وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - هَجَرَتْ غَضُوبُ وحُبّ مَنْ يَتَخَبَّبُ ... وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَليك تَشْعبُ ¬
2 - وَمِنَ العَوَادِي أَنْ تَقَتْكَ ببغْضَةٍ ... وَتَقَاذَفُ منهَا وَإنَّكَ تَرْقُبُ 3 - شَابَ القَذَالُ ولَا فؤَادكَ تَارِكٌ ... ذِكرَ الغَضُوبِ ولَا عِتَابُكَ يُعْتَبُ 4 - لَدْنُ بِهَزِّ الكَفِّ .............. ... ................... إلى آخره 5 - خِرْقٍ مِنَ الخطيِّ أُغْمِضَ حَدُّهُ ... مِثلِ الشِّهَابِ رَفَعْتَهُ يَتَلَهَّبُ 6 - مَّما يُتَرَّصُ في الثِّقَافِ يَزِينُهُ ... أَخْذَى كخَافِيَةِ العُقَابُ مُحَرَّبِ 1 - قوله: "غضوب" اسم امرأة، قوله: "وعدت عوادي" أي صرفت صوارف، و "الولي" بفتح الواو وسكون اللام القرب، قوله: "تشغب" بالشين والغين المعجمتين، يقال: فلان يشغب أي يأتي في غير وجه مستقيم. 2 - قوله: "ومن العوادي" أي الصوارف، قوله: "تقتك" يقال: [تقاه] (¬1)، وأتقاه بحقه إذا استقبله به، وقوله: "وتقاذف" أي تباعد، قوله: "ترقب" أي ترصد. 3 - قوله: "القذال" بالقاف وهو آخر ما يشيب (¬2) في الرأس. 5 - قوله: "خرق" بكسر الخاء وسكون الراء وفي آخره قاف يصف به الرمح يريد هو في الرماح مثل الخرق في الفتيان، والخرق هو الذي يتصرف في الأمور وينخرق فيها، قوله: "أغمض حده" أراد السنان، أي ألطف سنانه، و "الشهاب": السراج. 6 - قوله: "مما يترص" يعني: يحكم، و "الثقاف" بكسر الثاء المثلثة وبالقاف وفي آخره فاء وهي الخشبة التي يقوم بها الرمح، قوله: "أخذي" أراد أن السنان ليس بمنتشر. 4 - قوله: "كخافية العقاب" وهي ريشة بيضاء في جناحه شبه الرمح بها، قوله: "محرب" بالحاء المهملة أي مجدد. وقوله: "لدن" [بفتح اللام وسكون الدال وفي آخره نون، أي ناعم لين فكل لين من القضبان يسمى لدنا] (¬3)، ويروى: لذ بمعنى لذيذ من اللذة يعني: لذيذ عند هزه من لينه ونعومته وقوامه. قوله: "يعسل" بالعين والسين المهملتين من العسلان وهو اهتزاز الرمح، ويقال لمشي الذئب ولكل عاد عسلان -أيضًا- من عسل يعسل كضرب يضرب عسلًا وعسلانًا. والمعنى: يضطرب في اندماج وسرعة كما يعسل الذئب إذا مضى مسرعًا وهز رأسه، وقال ¬
أبو عبيدة: الذئب عاسل والرمح عسّال (¬1). الإعراب: قوله: "لدن" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو لدن، قوله: "بهز الكف" مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف تقديره: هز الكف إياه، يعني الرمح، والباء تتعلق بقوله يعسل، وأراد بالمتن جمهور الرمح، ويقال: التقدير في قوله: "بهز الكف" عند هز الكف". وقال ابن يسعون: الأحسن عندي أن يكون ظرفًا ليعسل متنه فيه، أي يعسل متنه فيه عند هزه. فإن قيل: إن فيه ظرف قد عمل فيه يعسل فكيف يعمل في ظرف آخر؟ فالجواب: أنهما ظرفان مختلفان؛ لأن فيه في تقدير ظرف مكان، وبهز في تقدير ظرف زمان؛ ألا ترى أن المعنى وقت هزه، قوله: "فيه" أي في هزه، قوله: "كما عسل" الكاف للتشبيه، و "ما" مصدرية أي كعسلان الثعلب في الطريق، والثعلب فاعل عسل، والطريق منصوب بتقدير في؛ أي: في الطريق. والاستشهاد فيه: حيث حذف حرف الجر منه ونصب مجروره توسعًا في الفعل وإجراؤه مجرى المتعدي، ولكن هذا نوعان مقصور على السماع ومطرد في القياس؛ والأول أيضًا نوعان: نوع وارد في السعة نحو: شكرت له وشكرته، ونوع مخصوص بالضرورة؛ كما في البيت المذكور؛ لأنه لما لم يستقم الوزن بحرف الجر حذف ونصب ما بعده بالفعل، ولا يقال: الطريق ظرف مكان لا منصوب على التوسع؛ لأنه اسم خاص للموضع المستطرق، وإنما ينتصب على ظرفية المكان ما كان مبهمًا ونحوه في التوسع، قولهم: ذهبت الشام؛ إلا أن الطريق أقرب إلى الإبهام من الشام؛ لأن الطريق تكون في كل موضع يسار فيه، وليس الشام كذلك (¬2). ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد الأربعمائة
الشاهد الثالث والعشرون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) آليتَ حَبَّ العراقِ الدَّهرَ أَطعمُهُ ... والحبُّ يَأكُلُهُ في القَريَةِ السُّوسُ أقول: قائله هو المتلمس، واسمه جرير بن عبد المسيح الضُّبَعِي بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة، وقبله (¬3): 1 - أُمِّي شَامِيَّة إذ لَا عِرَاقَ لَنَا ... قَوْمًا نودّهم إذ قَوْمُنَا شُوسُ وبعده: 3 - لَم تَدْرِ بُصْرَى بِمَا آليتُ من قَسمٍ ... ولَا دمَشْقُ إذا دِيسَ الكَدَادِيسُ وهي من البسيط. 2 - قوله: "آليت" أي حلفت على حب العراق أني لا أطعمه الدهر مع أن الحب متيسر يأكله السوس وهو قمل القمح ونحوه، قال الكسائي: ساس الطعام يساس وأساس يُسيس وساست الشاة تَساس إذا كثر قملها سَوْسًا بالفتح وبالضم [هو] (¬4) اسم. واعلم أنه اختلف في قوله: "آليت" فكلام العسكري (¬5) في جمهرة الأمثال يقتضي أنه بضم التاء؛ لأن المتلمس لما ألقى الصحيفة مضى إلى الشام، وقال يخاطب ناقته: ¬
أمي شآمية .............. ... ............ إلى آخره (¬1) أي اقصدي ناحية شآمية. وقوله: "أمي" أمر من أمّ يؤمّ إذا قصد والخطاب لناقته، وصرح غيره من العلماء بالشعر واللغة أنه بالفتح، وهكذا ضبطوه في كتاب سيبويه (¬2)، وقالوا: إنه يخاطب بذلك عمرو بن هند ملك الحيرة، وكان المتلمس قد هجاه وبلغه ذلك فخاف على نفسه ففر إلى الشام ومدح ملوكها، فحلف عمرو أنه لا يطعم المتلمس بعدها حب العراق، أي أنه لا يقدر بعدها على المقام بالعراق فلا سبيل له إلى أكل حبها، فقال المتلمس ذلك، أي حلفت يا عمرو لا تتركني أقيم بالعراق والطعام لا يبقى وإن استبقيته بل يسرع إليه الفساد جمله السوس فالبخل به قبيح (¬3). 1 - قوله: "شوس" بضم الشين المعجمة وسكون الواو وفي آخره سين مهملة وهو جمع أشوس يقال: رجل أشوس، وقوم شوس من الشوس بالتحريك، وهو النظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا. 3 - قوله: "بصرى" بضم الباء الموحدة وآخرها ألف: مدينة بالشام، أضاءت لأهل مكة قصورها ليلة مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والمعنى: لم تعلم بصرى أنك حلفت فأنا آكل من طعامها، وكذلك دمشق فأنا أكون في موضع لا أمر لك فيه، فلا أخافك على نفسي وأنا في خصب وخير، قوله: "الكداديس" [جمع] (¬4) أكداس الطعام ولا واحد لها من لفظها قاله النحاس، وقال الجوهري: الكدس بالضم واحد أكداس الطعام (¬5). الإعراب: قوله: "آليت" جملة من الفعل والفاعل، قوله: "حب العراق" كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، وأصله عل حب العراق. فإن قلتَ: لم لا يجوز أن ينصب حب العراق بقوله أطعمه كما في قولك: زيدًا ضربته؟ قلتُ: هذا لا يتمشى هاهنا؛ لأن التقدير لا أطعمه ولا هذه لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر في هذا الباب عاملًا، قوله "الدهر" نصب على الظرف، قوله: "أطعمه" أي لا أطعمه فحذف منه حرف لا النافية وهو من طعمت الشيء طعمًا من باب علم يعلم أي: أكلته والطعام هو المأكول، والإطعام يقع في كل ما يطعم حتى الماء، قال ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الأربعمائة
الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] أي من لم يشربه، وقال -عليه الصلاة والسلام- في زمزم (¬1): "إنها طعامُ طُعم وشفاء سقم"، و "الحب": مبتدأ وخبره الجملة أعني قوله: "يأكله في القرية السوس"، والسوس فاعل جمله، والجملة في محل النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "حب العراق" [حيث حذف منه حرف الجر أعني: "على" إذ أصله على حب العراق] (¬2)؛ كما قلنا ولما حذفها للضرورة نصب ما بعدها بالفعل فافهم (¬3). الشاهد الرابع والعشرون بعد الأربعمائة (¬4)، (¬5) تَحِنُّ فتُبدِي مَا بها منْ صَبَابَةٍ ... وأخْفِي الَّذِي لَوْلَا الأسَى لَقَضانِي أقول: قائله هو عروة بن حزام (¬6)، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬7): ¬
1 - يقُولُ لِيَ الأَصْحَابُ إِذْ يَعْذِلُونَني ... أَشَوْقٌ عراقيٌّ وأَنْتَ يَمَانِيُّ 2 - أَمَامِي هَوًى لَا نَوْمَ دُونَ لِقَائِهِ ... وَخَلفِي هَوًى قَدْ شَفَنِي وبَرَانِي 3 - فَمَنْ يَكُ لَمْ يَغْرِض فإنِّي وَنَاقَتِي ... بِحِجْرٍ إِلَى أَهْلِ الحِمَى غَرِضَانِ 4 - تحن .................... ... .................... إلى آخره 5 - هَوَى نَاقتيِ خَلْفِي وقُدَّامِي الهَوَى ... وإنِّي وإيَّاهَا لمُخْتَلِفَانِ 6 - وقَدْ تَرَكَتْ عَفْرَاءُ قَلْبِي كَأَنَّهُ ... جَنَاحُ غُرَابٍ دَائِمُ الخَفَقَانِ 7 - ألَا لَعَنَ اللهُ الوُشَاةَ وقوْلَهُمُ ... فلانةُ أَضْحَتْ خُلَّةً لِفُلَانِ 8 - فيَا لَيتَ كُلَّ اثْنَيِنْ بَينَهُمَا هَوًى ... مِنَ النَّاسِ بَعْدَ اليَأْسِ مُجْتَمِعَانِ 9 - جعلتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ حُكْمَهُ ... وعَرَّافِ نَجْدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي 10 - فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْرِفُونَهَا ... ولا شَكْوَةٍ إلا وَقَدْ سَقَيَانِي (¬1) 11 - فقالا شَفَاكَ اللهُ والله مَا لَنَا ... بِمَا ضَمِنَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يدَانِ 12 - وَإني لأَهْوَى الحَشْرَ إِذْ قِيلَ إِنَّنِي ... وَعَفْرَاءَ يَوْمِ الحَشْرِ يَلْتَقِيَانِ وهي من الطويل. 4 - قوله: "تحن" من الحنان وهو الرحمة والحنو، قوله: "من صبابة" أي من شوق، قوله: "لولا الأسى" بضم الهمزة جمع أسوة فعلة من التأسي وهو الاقتداء، وقال ابن هشام: الأسى يظنون أنه بفتح الهمزة، وعندي أنه خطأ وصوابه بضم الهمزة؛ لأن الأسى بفتح الهمزة الحزن، ولا مدخل له هاهنا من حيث المعنى بل هو مفسد (¬2). 3 - قوله: "لم يغرض" بغين وضاد معجمتين بينهما راء مهملة يقال: غرض إلى كذا إذا اشتاق وهو من باب علم يعلم، وقوله: "غرضان" بفتح العين وكسر الراء تثنية غرض صفة مشبهة من الفعل المذكور، و: "الحجر" بفتح الحاء اسم موضع. 6 - و: "عفراء" بفتح العين المهملة وسكون الفاء اسم محبوبته. الإعراب: قوله: "تحن": جملة من الفعل والفاعل، وهو هي المستترة فيه يرجع إلى الناقة المذكورة في ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة
البيت الذي قبله، قوله: "فتبدي" جملة أخرى مثلها عطف عليها، ورواه أبو علي في العسكريات بالواو. قوله: "مما بها" في محل النصب على أنه مفعول فتبدي، و "ما" موصولة، وصدر صلتها محذوف تقديره: الذي هو بها، وكلمة من في صبابة للبيان، قوله: "وأخفي "جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه عطف على ما قبله. قوله: "الذي" مع صلته في محل النصب على أنه مفعول أخفي، قوله: "لولا" لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، وقوله: "لقضاني" جواب لولا أي لولا الأسى موجودة لقضى عليّ الموت، وفاعل قضى محذوف. الاستشهاد فيه: حيث حذف منه حرف الجر وجعل مجروره مفعولًا، وقد حمل الأخفش على ذلك قوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] أي على سر أي نكاح، وكذلك: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] (¬1)، وبهذا استدل الجمهور على أن على تكون حرفًا خلافًا لقوم ذهبوا إلى أنها لا تكون إلا اسمًا (¬2). وقد يقال: إن قوله: "لقضاني" قد يكون مضمنًا معنى قتل أو أهلك فيتعدى حينئذ بنفسه، ولا يكون على إسقاط على فلا يكون فيه استشهاد. فافهم. الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ حَبِيبَةً ... إلَيَّ وَلَا دَيْنٍ بِهَا أَنا طَالِبُهْ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة من الطويل يمدح بها المطلب بن عبد الله المخزومي، ¬
وأولها هو قوله (¬1): 1 - تَقُولُ ابْنَةُ الغَوْثيِّ مَالكَ هَاهُنَا ... وَأَنْتَ تَمِيمِيٌّ مَعَ الشَّرْقِ جَانِبُهْ 2 - فقلتُ لهَا الحاجاتُ يَطْرَحْنَ بالفَتَى ... وَهَمٌّ تَعَنَّانِي مُعَنًّى رَكَائِبُهْ 3 - وما زرت ليلى ............ ... ................. إلى آخره 4 - ولكنْ أتينَا خنْدَفِيًّا كَأَنَّهُ ... هِلَالُ غُيُومٍ زَال عَنْهُ سحَائبُهْ (¬2) وقال ابن بري فسر بيت الفرزدق، وهو قوله: وما زرت ليلى ......... ... ......... إلى آخره أن الفرزدق نزل بامرأة من العرب من طيء فقالت: ألا أدلك على رجل يعطي؟ فقال: بلى، فدلته على المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، وكان مروان بن الحكم خاله فبعث به مروان إلى (¬3) صدقات طيء، ومروان عامل معاوية -رضي الله تعالى عنه- يومئذ على المدينة، فلما أتى الفرزدق المطلب وانتسب له رحب به وأكرمه وأعطاه عشرين أو ثلاثين بكرة، قلت: فحاصل المعنى: أنه يقول أنا ما زرت ليلى لتكون لي حبيبة ولا لأجل طلب دين لي عليها ولكن لأجل ضرورة تنزل بالشخص. الإعراب: قوله: "وما زرت" جملة منفية، و "ليلى" مفعول زرت، ويروى: سلمى موضع ليلى، قوله: "أن تكون" أي لأن تكون، فحذف حرف الجر منها وإنما حذف لطول أن بصلتها، وما حذف للطول فهو مراد، فإذا كانت اللام هاهنا مقدرة كانت أن مع صلتها في موضع الجر، وقوله: "تكون" بمعنى كانت، قوله: "حبيبة" نصب على أنها خبر تكون، و: "إلي" تتعلق بها. قوله: "ولا دين" بالجر عطف على قوله: "أن تكون حبيبة إلي"؛ لأنها مخفوضة باللام المقدرة كما ذكرنا أي ولا لأجل دين بها أي بليلى، والجار والمجرور يتعلق بقوله طالبه، والباء بمعنى من؛ أي: ولا دين أنا طالبه منها، ويقال بها بمعنى عليها والباء بمعنى على كما في قوله تعالى: {مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75] أي على قنطار، قوله: "أنا" مبتدأ، و: "طالبه" ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد الأربعمائة
كلام إضافي خبره، والجملة صفة لدين. [الاستشهاد فيه: في قوله: "أن تكون حبيبة" حيث حذف منه حرف الجر؛ إذ أصله لأن تكون وفيه خلاف، فادعى الخليل أن محله الجر بدليل عطف] (¬1)، ولا دين بالجر عليه، وهو مذهب الكسائي -أيضًا- ومذهب سيبويه والفراء أنه النصب. ويقال: مذهب سيبويه هاهنا احتمال الأمرين (¬2)، ويقال: لا دليل في ذلك لجواز أن يكون عطفًا على توهم دخول اللام كما قال زهير بن أبي سلمى (¬3): بَدَا لي أَنّي لَسْتُ مُدركَ مَا مَضَى ... ولَا سَابِقٍ شيئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا بجر سابق عطفا على مدرك على توهم دخول الباء عليه فافهم (¬4). الشاهد السادس والعشرون بعد الأربعمائة (¬5)، (¬6) تَمُرُّونَ الدِّيَارَ ولم تَعُوجُوا ... كلامُكُمُ علي إذًا حَرَامُ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي. وهو من قصيدة طويلة من الوافر، وأولها هو قوله (¬7): 1 - مَتَى كَانَ الخِيامُ بذي طُلُوحٍ ... سُقيتِ الغَيثَ أَيَّتُهَا الخيامُ 2 - تَنَكَّرَ مِنْ مَعَارِفهَا وَمَالتْ ... دَعَائمُهَا وَقَدْ بلَى الثُّمَامُ ¬
3 - تَعَالى فَوْقَ أَجْرَعِكِ الخُزَامَى ... بِنَوْرٍ واسْتَهَلَّ بِكِ الغَمَامُ 4 - مَقَامُ الحَيِّ مَرَّ لَهُ ثمَانٍ ... إِلَى عِشْرِينَ قَدْ بَلِي المقُامُ 5 - أَقُولُ لِصُحْبَتِي لَمَّا ارتَحَلْنَا ... وَدَمْعُ العَيِنْ مُنْهَمِرٌ سِجَامُ 6 - تَمُرُّونَ ............. ... ............ إلى آخره 1 - قوله: "بذي طلوح" بضم الطاء اسم موضع. 2 - و: "الثمام" بضم الثاء المثلثة جمع ثمامة، وهو نبت ضعيف له خوص وربما حشى به وسد به خصاص البيوت. 3 - و: "الأجرع" رملة مستوية لا تنبت شيئًا وكذلك الجرعاء. 5 - قوله: "منهمر" أي مسكوب، قوله: "سجام" بكسر السين المهملة من سجم الدمع سجاما إذا سال. 6 - قوله: "ولم تعوجوا" من العوج، وهو عطفك رأس البعير بالزمام تقول: عجته أعوجه، والمعنى: لم تميلوا علينا. الإعراب: قوله: "تمرون" جملة من الفعل والفاعل، و: "الديار" أصله بالديار لأن المرور لا يستعمل إلا بالباء فلما حذفها الشاعر للضرورة نصب ما بعدها بالفعل، قوله: "ولم تعوجوا" جملة حالية، قوله: "كلامكم" مبتدأ وخبره: "حرام"، و: "علي" يتعلق به، قوله: "إذا" بطل عملها لوقوعها حشوًا وهو جواب لإن مقدرة؛ لأنه يكون جوابًا لإن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين، والتقدير هاهنا: إن لم تعوجوا إذن كلامكم علي حرام. الاستشهاد فيه: في قوله: "تمرون الديار" حيث حذف الشاعر حرف الصلة أعني الباء من الديار؛ إذ أصلها بالديار، ومذهب الجمهور أن حذف حرف الجر لا ينقاس مع غير: "أنْ وأنَّ بل يقتصر فيه على السماع (¬1)، وذهب الأخفش الصغير (¬2) إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسًا بشرط تعيين ¬
الحرف ومكان الحذف نحو: بريت القلم بالسِّكين، فيجوز عنده حذف الباء، فيقول: بريت القلم السكين (¬1). وقال النحاس: سمعت علي بن سليمان يعني الأخفش الأصغر يقول: حدثني محمد بن يزيد يعني المبرد قال: حدثني عمارة بن بلال بن جرير (¬2)، قال: إنما قال جدي: "مررتم بالديار" فعلى هذا فلا شاهد فافهم. قال المؤلف -رحمه الله تعالى- ما نصه: "فرغت يمين مؤلفه ومسطره من وعي هذا الجزء عودًا على بدء العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني أبو محمد محمود بن أحمد العيني عامله ربه ووالديه بلطفه الخفي والجلي ضحوة نهار الخميس السادس والعشرين من ذي القعدة الحرام عام سبعة عشر وثمانمائة من الهجرة الأحمدية بحارة كتامة بالقاهرة المحروسة بمدرسة البدرنية المستجدة بالقرب من الجامع الأزهر عمرها الله تعالى بذكره الجزيل وأفاض على بانيها من بره الفياض الجميل. والحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على نبيه البعوث مبشرًا وناذرًا وعلى آله وصحبه الكرام وعلى علماء الأمة مؤيدي الإسلام ما دام أهل الإسلام بالسلام. قال: ويتلوه في الجزء الثاني -إن شاء الله تعالى- ذكر شواهد التنازع في العمل قال وعدد شواهد هذا المجلد أربعمائة بيت وستة وعشرون بيتًا. والحمد لله وحده. * * * إلى هنا انتهى المجلد الثاني ويليه المجلد الثالث مبتدءًا بـ: "شواهد التنازع في العمل" ¬
كَافةُ حُقُوق الطّبع والنشر والترجَمَة محفوُظَة للناشِر دَار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة لصَاحِبهَا عبد الْقَادِر مَحْمُود البكار الطَّبعَة الأولى 1431 هـ - 2010 م بطاقة فهرسة فهرسة أثْنَاء النشر إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية - إدارة الشؤون الفنية بدر الدّين الْعَيْنِيّ، مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى، 1361 - 1451. الْمَقَاصِد النحوية فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية، الْمَشْهُور، بشرح الشواهد الْكُبْرَى / تأليف بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى الْعَيْنِيّ؛ تَحْقِيق عَليّ مُحَمَّد فاخر، أَحْمد مُحَمَّد توفيق السوداني، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد فاخر - ط 1، الْقَاهِرَة: دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2010 م. 4 مج فِي 1؛ 24 سم. ردمك 1 - 933 - 342 - 977 - 978 1 - اللُّغَة الْعَرَبيَّة - النَّحْو. أ- فاخر، عَليّ مُحَمَّد (مُحَقّق). ب- السوداني، أَحْمد مُحَمَّد توفيق (مُحَقّق). جـ- فاخر، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد (مُحَقّق). د- العنوان دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ش. م. م تأسست الدَّار عَام 1973 م وحصلت على جَائِزَة أفضل ناشر للتراث لثَلَاثَة أَعْوَام متتالية 1999 م، 2000 م، 2001 م هِيَ عمر الْجَائِزَة تتويجًا لعقد ثَالِث مضى فِي صناعَة النشر جمهورة مصر الْعَرَبيَّة - الْقَاهِرَة - الْإسْكَنْدَريَّة الإدارة: الْقَاهِرَة: 19 شَارِع عمر لطفي موازٍ لشارع عَبَّاس العقاد خلف مكتب مصر للطيران عِنْد الحديقة الدولية وأمام مَسْجِد الشَّهِيد عَمْرو الشربيني - مَدِينَة نصر هَاتِف: 22704280 - 22741578 (202 +) فاكس: 22741750 (202 +) المكتبة: فرع الْأَزْهَر: 120 شَارِع الْأَزْهَر الرئيسي - هَاتِف: 25932820 (202 +) المكتبة: فرع مَدِينَة نصر: 1 شَارِع الْحسن بن عَليّ متفرع من شَارِع عَليّ أَمِين امتداد شَارِع مصطفى النّحاس - مَدِينَة نصر - هَاتِف: 24054642 (202 +) المكتبة: فرع الْإسْكَنْدَريَّة: 127 شَارِع الْإِسْكَنْدَر الْأَكْبَر - الشاطبي بجوار جمعية الشبَّان الْمُسلمين هَاتِف: 5932205 فاكس: 5932204 (203 +) بريديًّا: الْقَاهِرَة: ص. ب: 161 الغورية - الرَّمْز البريدي: 11639 الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.dar-alsalam.com
شواهد التنازع في العمل
شواهد التنازع في العمل الشاهد السابع والعشرون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) عُهِدْتَ مُغِيثًا مُغْنِيًا مَنْ أَجَرْتَهُ ... فَلَمْ أَتَّخِذْ إلَّا فِنَاءَكَ مَوْئلًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "عُهِدْت": من العهد، وهو يجيء لمعان كثيرة نحو: اليمين والأمان والذمة والحفظ ورعاية الحرمة والوصية ومعرفة الشيء على ما كان عليه، وعهدت هاهنا من هذا القبيل، قوله: "مُغِيثًا": اسم فاعل من الإغاثة، و "مُغْنِيًا": من أغناه عن الشيء إذا كفاه همه عنه. قوله: "مَنْ أجَرْتَهُ" من أجاره يجيره من فلان إذا استجاره وأنقذه منه، ومنه: أجاره الله من العذاب، قوله: "إِلّا فِنَاءَك" بكسر الفاء، أي: إلا كنفك وجوارك والقرب منك، وأصل الفناء: ما امتد من الدار من جوانبها، قوله: "موئلًا" بفتح الميم وكسر الهمزة، أي: ملجأ، من: وأل إليه إذا لجأ إليه. الإعراب: قوله: "عُهِدْتَ" على صيغة المجهول، جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وهو التاء، وأصله: عهدك العاهد، فلما حذف الفاعل أسند الفعل إلى المفعول وناب عن الفاعل. قوله: "مُغِيثًا مُغْنِيًا": حالان مترادفان أو متداخلان من الضمير المستكن في عهدت، وكلاهما تنازعا في قوله: "مَنْ أَجَرْتَهُ" و "من" موصولة، و "أَجَرْتَهُ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صلة، والموصول مع صلته في محل النصب على المفعولية، قوله: "فَلَمْ أَتَّخِذْ" الفاء ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد الأربعمائة
للتعليل؛ أي: فلأجل ذلك لم أتخذ، قوله: "مَؤئِلَا": مفعول لم أتخذ، وقوله: "إلا فِنَاءَكَ": استثناء مقدم منصوب لأنه عن غير موجب. الاستشهاد فيه: في قوله: "مُغِيْثًا مُغْنِيًا مَنْ أَجَرْتَهُ" فإن قوله: "مُغِيثًا مُغْنيًا": اسمان وقد تنازعا في قوله: "مَنْ أَجَرْتَهُ" لأن كلًّا منهما يستدعي أن يعمل فيه (¬1). الشاهد الثامن والعشرون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... وَعَزَّةُ مَمْطُول مُعَنًّى غَرِيمُهَا أقول: قائله هو كثير بن عبد الرحمن، وهو من قصيدة من الطويل، وبعد البيت المذكور (¬4): 2 - إذا سُمْتُ نَفْسِي هَجْرَهَا واجْتِنَابَهَا ... رَأَتْ غَمَرَاتِ المَوْتِ فِيمَا أَسُومُهَا 3 - فَهَلْ تَجْزِيَنِّي عَزَّةُ القَرْضَ بِالهَوَى ... ثَوَابًا لِنَفْسٍ قدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا 4 - وَقدْ عَلِمَتْ بِالغَيْبِ أَنْ لَنْ أَوَدَّهَا ... إذَا هيَ لَمْ يَكْرُمْ عَلَيَّ كَرِيمُهَا وكان السبب في هذا أن كثيرًا كان له غلام عطَّار بالمدينة، وربما باع نساء العرب بالنسيئة فأعْطَى عزةَ -وهو لا يعرفها- شيئًا من العطر فمَطَلتْه أيامًا، وحضرت إلى حانوته في نسوة وطالبها، فقالت له حبًّا وكرامة: ما أقرب الوفاء وأسرعه، فأنشد متمثلًا: قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... ..................... إلخ فقالت النسوة: أتدري من غريمتك؟، فقال: لا والله، فقلن: هي واللَّه عزة، فقال: أشهدكن الله أنها في حِلٍّ مما لي في قِبَلَها، ثم مضى إلى سيده فأخبره بذلك، فقال كُثَيّرُ: وأنا أُشهد اللَّه ¬
أنك حُرٌّ لوجه الله، ووهب له جميع ما في حانوت العطر، وكان ذلك من عجائب الاتفاق. ويقال: إن عزة دخلت على أم البنين ابنة عبد العزيز، وهي أخت عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، زوجة الوليد بن عبد الملك الأموي، فقالت لها: أرأيت قول كُثَيّرٍ: قضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ ... ...................... إلخ ما كان ذلك الدَّين؟، قالت: وعدته قبلة فخرجت منها، فقالت أم البنين: أنجزيها وعليَّ إثمها. قوله: "غِريمهُ" الغريم: من عليه الدين؛ من غَرِمَ بكسر الراء يغرَم بفتحها إذا لزمه دين، والغريم: مستحق الدين -أيضًا-، قوله: "مَمْطولٌ": من المطل وهو التسويف، قوله: "مُعَنًّى" بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد النون المفتوحة؛ من التعنية [وهو] (¬1) الأسر. الإعراب: قوله: "قَضَى": فعل ماض، و "كُلُّ ذَي دَينٍ": كلام إضافي فاعله، قوله: "فَوَفَّى": عطف على قوله: "قَضَى"، والضمير يرجع إلى: "كل ذي دين"، وقوله: "غريمه": مفعول وَفَّى. واستدل به البصريون على أولوية إعمال الثاني في باب التنازع، بيانه أن: "قضى ووفَّى" متوجهان إلى الغريم، وأعمل الثاني؛ إذ لو أعمل [الأول] (¬2) لقال: وفَّاه، وكذا في المصراع الثاني، أعني: الغريم فيه للعامل الثاني وهو مُعَنًّى؛ إذ لو كان للأول لقال: مُعَنًّى هو؛ لأنه حينئذ صفة جارية على غير من هي له، وهو الغريم. وأجيب عن هذا بأن ممطول ومُعَنًّى موجهان إلى غريمها، فلو أعمل الثاني وهو مُعَنًّى؛ كما قلتم؛ لكان ممطول جاريًا على عزة لفظًا وهو للغريم؛ إذ الممطول هو الغريم، وكان حقه أن يبرز الضمير، فيقول: ممطول هو، وإنما لم يبرز لأنه إضمار على شريط التفسير؛ إذ كان الأصل: ممطول غريمها فحذف اعتمادًا على التفسير بعده، والتقدير: وعزة ممطول غريمها، مثل: هند ضارب غلامها، وليس مما جرى على غير من هو له لذكر الفاعل بعده؛ فالغريم المحذوف كأنه مذكور بشهادة التفسير، وكأنه لم يجر على غير من هو له؛ فلذلك لم يبرز الضمير. قوله: "وَعَزَّةُ": مبتدأ، و "غَرِيمُهَا": مبتدأ ثان، و "مَمْطُولٌ مُعَنًّى": خبره، والمبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدأ الأول، ويقال: "ممطول" خبره، و "مُعَنَّى" حال من الضمير في: ممطول؛ فالصفتان جاريتان على الغريم لا على عزة، والتقدير: وعزة غريمها ممطول حال كونه مُعَنًّى؛ فعلى هذا الإعراب لا تنازع فيه؛ فهذا هو الاستشهاد: أنه ليس فيه تنازع لما ذكر من التوجيه ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الأربعمائة
الآن، فتأمل فإنه موضع الدقة، واللَّه أعلم (¬1). الشاهد التاسع والعشرون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العقِيقُ وأَهْلُهُ ... وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقِيقِ تُحَاولُهْ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وذكر ابن التياني في الموعب أنه لقيس مجنون بني عامر والأول هو الصحيح، وهو من قصيدة من الطويل، وقبله (¬4): 1 - ولَمْ أَنْسَ يَوْمًا بالعقيقِ تَخَايَلَتْ ... ضُحَاهُ وَطَابَتْ بالعَشِيِّ أَصَائِلُهْ 2 - رُزِقْنَا بِهِ الصَّيْدَ العَزِيزَ ولَمْ نَكُنْ ... كَمَنْ نَبْلُهُ مَحْرُومَةٌ وَحبَائِلُهْ 3 - ثَوَانِي أَجْيَاد يُوَدِّعْنَ مَنْ صَحَى ... وَمَنْ بَثُّهُ عَنْ حَاجَةِ اللَّهْو شَاغِلُهْ قوله: "فهيهات" قال أبو علي: هيهات اسم للبعد (¬5) معرفة؛ فلذلك لم تتصرف، ومن نوَّنها نكرها كما تنكر الأعلام الواقعة على الأشخاص، وفيه عشر لغات: بتثليث التاء، والثلاثة الأخرى: إيهات بالتثليث -أيضًا- والسابعة: إيها، والثامنة: إيهان، والتاسعة: إيهاةٍ، والعاشرة: إيهاة، ومن أبدل الهاء من الهمزة في الأربع الأخر فهي على أربع عشرة (¬6). و"العَقيقُ": موضع معروف بالحجاز، وإن كان البيت لقيس فهو العقيق الذي في المدينة وإليه متنزه أهل المدينة إذا سال بالماء، قوله: "خِلٌّ" بكسر الخاء المعجمة؛ أي: ودود صديق، ¬
قوله: "تُحَاولُه": من حاولت الشيء إذا أردته، ويروى (¬1): فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ وَمَنْ بِهِ ... وَهَيْهَاتَ وَصْلٌ بِالعَقِيقِ نُواصِلُهُ وهكذا ثبت بخط الآمدي -رحمه الله تعالى- في كتابه جعل الخل وصلًا، أو يكون على حذف المضاف؛ كأنه قال: وبعد ذي وصل؛ كما أن المعنى في رواية خل: بعد ذي خل، أو عهد ذي خل، ونحو هذا من التقدير، ولو روي: تواصله على المصدر لم يبعد، وهو بدل اشتمال، والتقدير فيه: وهيهات تواصل خل بالعقيق. الإعراب: قوله: "فهيهات" الفاء للعطف، وهيهات بمعنى بعد وقد تنازع هو وهيهات الثاني في قوله: "العقيق". قال ابن يسعون: "العقيق" مرفوع بهيهات الثانية على إعمال الثاني، وفي الأول ضمير مرفوع بما أضمر قبل الذكر، ومن أعمل الأول فالعقيق مرفوع [بهيهات الأولى، والثاني مضمر فيه فاعله، وكان جعلهما معًا كالمركب فالعقيق مرفوع] (¬2) بما يفيد مجموعهما. قوله: "وأهله": كلام إضافي عطف على العقيق، قوله: "وهيهات خِلٌّ": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بالعقيق" في موضع رفع على النعت لقوله: "خِلٌّ" أي: خل كائن بالعقيق، والباء بمعنى في، ويجوز أن يكون موضعها نصبًا على الحال من الهاء في تحاوله؛ لأن تحاوله في موضع رفع على أنها صفة لخل، ويجوز أن يكون موضعها نصبًا على الظرف، والعامل فيه ما في: "هيهات" من معنى الفعل أو تحاوله. الاستشهاد فيه: أن قوله: "فهيهات هيهات العقيق" ليس من باب التنازع خلافًا لأبي علي الفارسي-[رحمه الله] (¬3)، وعبد القاهر الجرجاني-[رحمه اللَّه تعالى] (¬4)، فإنهما أثبتا فيه التنازع بالوجه الذي ذكرناه (¬5)، ووجه المانعين عن ذلك أن الطالب للمعمول هو الأول، والثاني يكون تأكيدًا للأول. ¬
الشاهد الثلاثون بعد الأربعمائة
الشاهد الثلاثون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاءُ ببغلَتِي؟ ... أَتَاكِ أَتَاكِ اللاحقوك احبسِ احبسِ أقول: هذا من الطويل. قوله: "النَّجَاء" بفتح النون وتخفيف الجيم وبالمد، معناه: الإسراع، يقال: نجوت نجاء، أي: أسرعت وسبقت. الإعراب: قوله: "فأين" الفاء للعطف وأين للاستفهام عن المكان، إذا قلت: أين زيد؟، فإنما تستفهم عن مكان وهو متعلق بمحذوف تقديره: فأين تذهب؟ معناه: لا مذهب لك، ومثله قوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} [التكوير: 26]، قوله: "إلى أين؟ ": في محل الرفع على أنه خبر مقدم على المبتدأ المؤخر وهو قوله: "النجاء" فإنه مرفوع بالابتداء، وقوله: "ببغلتي": كلام إضافي يتعلق به. قوله: "أتاك أتاك": جملتان من الفعل والمفعول تنازعتا في قوله: "اللاحقوك" على ما نقرره الآن، ولما أضيف اللاحقون الذي هو جمع اسم فاعل إلى كاف الخطاب، سقطت نونه على ما هو الأصل، قوله: "احبس احبس": جملة من الفعل والفاعل والمفعول تقديره: احبس نفسك ونحوه، واحبس الثاني تأكيد للأول (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "أتاك أتاك اللاحقوك" فإنهما عاملان في اللفظ ولكن الثاني منهما لا يقتضي إلا التأكيد؛ إذ لو كان عاملًا لقيل: أتوك أتاك، أو: أتاك أتوك (¬4). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الأربعمائة
واعلم أنهم اختلفوا في نحو: قام قام زيد، فقال بعضهم: زيد فاعل بهما؛ لأنهما بلفظ واحد ومعنى واحد فكأنهما عامل واحد، وقال بعضهم: بالأول فقط، وأما الثاني فإنه لا يحتاج (¬1) إلى فاعل؛ لأنه لم يؤت به للإسناد وإنما أتي به لمجرد التأكيد. وقال بعضهم: فاعل بأحدهما، وفاعل الآخر ضمير على أنهما تنازعاه فأعمل أحدهما وأضمر الآخر (¬2)، والأصح القول الثاني، ودعوى التنازع بالبيت المذكور باطلة لما قلنا. فإن قلت: إذا كان الثاني تأكيدًا كما ذكرت فما العامل في اللاحقوك؟ هل الأول المؤكَّد أم الثاني المؤكِّد؟ قلت: جوز بعضهم أن يكون العاملان معًا عملًا فيه عملًا واحدًا، ولا يلزم فيه اجتماع عاملين على معمول واحد، من حيث أن الثاني لما كان تأكيدًا للأول جريا مجرى الشيء الواحد فكان الثاني هو الأول وليس غيره. وقال بعضهم: إن العامل هو الأول، والثاني ينزل منزلة حرف التأكيد؛ كاللام في قولنا: لزيد منطلق وغيره. فافهم والله تعالى أعلم. الشاهد الحادي والثلاثون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِرِيـ ... ـنَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعُهْ أقول: قائلته هي عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، اختلف في إسلامها؛ فقال ابن إسحاق وجماعة من العلماء -رحمهم الله تعالى: لم يُسْلِمْ من عمات النبي - صلى الله عليه وسلم - غير صفية، وقيل: إنها أسلمت وكانت تحت أبي أمية بن المغيرة المخزومي أبي أم سلمة، فولدت عبد الله، أسلم وله صحبة، وزهيرًا، وقرينة الكبرى. ¬
والبيت المذكور من قصيدة هائية (¬1)، وأولها هو قوله (¬2): 1 - سَائِلْ بِنَا في قَوْمِنَا ... ولْيَكْفِ مِنْ شَرّ سَمَاعُهْ 2 - قيسًا ومَا جَمَعُوا لَنَا ... في مَجْمَعٍ بَاقٍ شَنَاعُهْ 3 - فيهِ السَّنَوَّرُ وَالقَنَا ... والكَبشُ مُلْتَمِعٌ قِنَاعُهْ 4 - بِعُكَاظَ يُعْشِي النَّاظِرِيـ ... ـنَ إذَا هُمُ لَمَحُوا شُعَاعُهْ 5 - فِيهِ قَتَلْنَا مَالِكًا ... قَسْرًا وَأَسْلَمَهُ رَعَاعُهْ 6 - وَمُجَدَّلٍ غَادَرْتُهُ ... بِالقَاعِ تَنْهَشُهُ ضِبَاعُهْ وهي من مربع الكامل، وفيه الإضمار والترفيل. 1 - قولها: "سائل بنا" أي: عنا، قولها: "قيسًا" نصب على إضمار فعل، أي: سائل قيسًا. 2 - قولها: "شناعه" بالشين المعجمة وبالنون [أي: قبحه، قولها: "فيه السنوّر" بفتح السين المهملة والنون] (¬3)، وبتشديد الواو المفتوحة وفي آخره راء، قيل: هي الدروع اسم للجمع، وقيل: الدرع، وقيل: جملة السلاح. 3 - [قولها: "] (¬4) ملتمع": من لمع إذا برق، وقد سميت البيضة لمعًا، قولها: "بعكاظ" بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء معجمة، وهو موضع بقرب مكة كانت تقام به في الجاهلية سوق فيقيمون فيه أيامًا. 4 - قولها: "لمحوا": من اللمح وهو سرعة إبصار الشيء، و "الشعاع": ما يظهر من النور، قولها: "رعاعه" بفتح الراء، وهو سفلة الناس. الإعراب: قولها: "بعكاظ" الباء بمعنى في، أي: في عكاظ، ويتعلق بقولها: "في مجمع" في البيت السابق، ويجوز أن يتعلق بقولها: "ملتمع"، قولها: "يعشي": من الإعشاء بالعين المهملة، ومنه الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، ويقال: من الإغشاء بالغين المعجمة بمعنى التغطية؛ كما في قوله تعالى: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] وهو فعل مضارع. وقولها: "شعاعه" بالرفع فاعله، و "الناظرين": مفعوله، وقد تنازع هو، وقولها: "لمحوا" في ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الأربعمائة
شعاعه فأعمل الأول- أعني: يغشي، وأضمر في الثاني- أعني: لمحوا؛ إذ أصله: لمحوه على أن فيه تهيئة للعمل في شعاعه، ولكنه قطع عن ذلك بإعمال يعشي فيه وليس فيه إعمال ضعيف دون قوي. قولها: "إذا" للمفاجأة، و "هم": مبتدأ، و "لمحوا": خبره، وإذا التي للمفاجأة لا تحتاج إلى جواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال (¬1). الاستشهاد فيه: في قولها: "لمحوا" أصله: لمحوه فحذف الضمير ضرورة، بيان ذلك أن المتنازعين إذا أعمل أولهما، يضمر في الثاني؛ نحو: ضربني وضربته زيد، ومرَّ بي ومررت به زيد، فلا يجوز الحذف، فلا تقول: ضربني وضربت زيد، ومرَّ بي ومررت زيد، خلافًا لقوم ما يجيزون حذف غير المرفوع، واحتجوا بالبيت المذكور، والجواب عنه أنه ضرورة؛ كما ذكرناه (¬2). الشاهد الثاني والثلاثون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) جَفَونِي ولم أَجفُ الأخِلَّاءَ إِنَّنِي ... لِغَيرِ جَمِيلٍ مِن خَلِيلَي مُهْمِلُ أقول: أنشده الفراء وغيره ولم يعزوه إلى أحد (¬5)، وهو من الطويل. قوله: "جفوني": من الجفاء، وهو خلاف البر، وقد جفوت الرجل أجفوه جفاءً فهو مجفوٌّ، ولا يقال: جفيت. و: "الأخلاء": جمع خليل، و "الجميل" الشيء الحسن؛ من الجمال وهو الحسن، و "مهمل" اسم فاعل من الإهمال وهو الترك، يقال: أهملت الشيء إذا خليت بينه ¬
وبين نفسه، والهمل: السُّدَى. الإعراب: قوله: "جفوني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: الأخلاء جفوني وأنا لم أجفهم، وقد تنازع جفوني ولم أجف في قوله: "الأخلاء" [بحسب الظاهر، ولكن أعمل الثاني وأضمر الفاعل في الأول على شريطة التفسير] (¬1)، وقد أعمل كلاهما؛ أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه نصب الأخلاء، وقد احتج به البصريون والفراء على جواز إعمال المتنازعين جميعًا في الاسم الظاهر إذا كانا رافعين (¬2). ومنعه الكوفيون لأجل الإضمار قبل الذكر (¬3)، والبيت المذكور حجة عليهم؛ لأن الإضمار قبل الذكر في هذا الباب ثابت عن العرب، حكى سيبويه -رحمه اللَّه تعالى: ضربوني وضربت (¬4) قومك (¬5)، ومنه: جَفَونِي ولم أَجفُ الأخِلَّاءَ ... .............................. لأن هذا الإضمار وإن كان متأخرًا فرتبته التقديم؛ فليس إضمارًا قبل الذكر في الحقيقة (¬6)، قوله: "إنني" [إن] (¬7) من الحروف المشبهة بالفعل، و "في" [يقصد الضمير الذي هو ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد الأربعمائة
الياء، (¬1) اسمها، وخبرها قوله: "مهمل"، وقوله: "لغير جميل": يتعلق به، قوله: "من خليلي": في محل الجر صفة لغير جميل، أي: لغير جميل كائن من خليلي. الاستشهاد فيه: في قوله: "جفوني ولم أجف" وقد حققناه الآن، واللَّه أعلم. الشاهد الثالث والثلاثون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا ... رِجَالٌ فبذَّتْ نَبْلَهُم وكَلِيبُ أقول: قائله هو علقمة بن عبدة بن النعمان بن قيس أحد بني عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، يمدح بها الحارث بن جبلة بن أبي شمرة الغساني، وكأن أسر أخاه شاسًا، فدخل (¬4) إليه يطلبه منه، وأولها هو قوله (¬5): 1 - طَحَا بِكَ قَلْبٌ في الحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيْدَ الشبابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ 2 - تُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُهَا ... وَعادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنَا وخُطُوبُ 3 - مُنَعَّمَةٌ لا يُسْتَطَاعُ كلامُهَا ... على بَابِهَا مِنْ أَنْ تُزَارَ رَقِيبُ 4 - إِذا غابَ عنهَا البعْلُ لمْ تُفْشِ سِرَّهُ ... وتَرْضَى إِيَابَ البَعْلِ حِيَن يَؤُوبُ 5 - فلا تَعْدِلِي بينِي وبَيْنَ مُغَمَّرٍ ... سَقَتْكِ رَوَايَا المُزْنِ حيثُ تَصُوبُ 6 - سقاكِ يَمَانٍ ذُو حَبِيٍّ وعارضٍ ... تَرُوحُ بهِ جُنْحَ العَشِيِّ جَنُوبُ 7 - وَمَا انْتَ أَمْ مَا ذِكْرُهَا رَبْعِيَّةً ... يُخَطُّ لَهَا مِنْ ثَرْمَدَاءَ قَلِيبُ 8 - فإنْ تسْأَلُونِي بِالنِّسَاءِ فَإِنَّنِي ... بَصِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبِيبُ 9 - إِذَا شَابَ رَأْسُ المَرْءِ أوْ قَلَّ مالُهُ ... فليسَ لهُ مِنْ وُدِّهِنَّ نَصِيبُ ¬
10 - يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ علِمْنَهُ ... وشرخُ الشبابِ عندهنَّ عَجِيبُ 11 - فدعْهَا وسَلِّ الهمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ... كهَمِّكَ فيها بالرِّدَافِ خَبِيبُ 12 - إلى الحارثِ الوَهَّابِ أَعْمَلْتُ ناقَتِي ... لِكَلْكَلِهَا والقُصْرَيَيِنْ وجيبُ 13 - ونَاجِيَةٍ أَفْنَى رَكيبَ ضُلُوعِهَا ... وحَارِكهَا تَهَجُّرٌ فَدُؤوبُ 14 - وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى وكَأنَّهَا ... مُوَلَّعَةٌ تَخْشَى القَنِيصَ شَبُوبُ 15 - تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا ... رِجَالٌ فبذَّتْ نَبلُهُم وكَلِيبُ 16 - تُقَدِّمُهُ حَتَّى تَغِيبَ حُجُولُهُ ... وأنت لبيضِ الدَّارِعِينَ ضَرُوبُ 1 - قوله: "طحا بك" أي: لسع بك وذهب بك كل مذهب، و "طروب": مأخوذ من الطرب وهو استخفاف القلب في الفرح، قوله: "عصر حان مشيب" أي: في العصر الذي حان فيه الشيب. 2 - قوله: "شط" أي: بعد، "وليها" أي: عهدها، ويقال: ما وليها منها من قرب وجوار، قوله: "عادت عوادٍ" أي صرفت صوارف، و "الخطوب": الأمور والأحداث، جمع خطب. 3 - قوله: "منعمة" أي: هي منعمة، و "الرقيب": الحافظ، وحاصله: على بابها رقيب يمنع من زيارتها وكلامها. 4 - قوله: "إذا غاب عنها البعل" أي: الزوج، أراد أنها لا تحدث بعده مكروهًا ولا يتحدث عنها بفاحشة، قوله: "يؤوب": من آب إذا رجع. 5 - [قوله: "مُغَمَّر" بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الميم المفتوحة؛ وهو الذي لم يجرب الأمور، وكذلك الغَمر، يقال: رجل غَمْرٌ بَيِّن الغمارة وقوم أغمار] (¬1)، قوله: "المزن" بضم الميم؛ سحاب أبيض يأتي قبل الصيف وهو أحسن السحاب، الواحدة: مزنة، و "روايا المزن": ما حمل منه الماء، والراوية: الحامل للشيء، قوله: "تصوب" قال أبو عبيدة: صاب المزن يصوب صوبًا إذا تدلى، ويقال: صاب إذا قصد، ويقال: تصوب من الصوب وهو المطر، أراد: سقاك الله المطر. 6 - قوله: "يمان" أراد: سحابًا ارتفع من نحو اليمن، واليماني لا يخلف فنسبه إلى اليمن، قوله: "ذو حَبِيّ" بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وتشديد الياء، وهو القريب من الأرض من السحاب، يقال: حبى الشيء إذا قرب ودنا، و "العارض": السحاب، أي: سقاك عارض، قال الأصمعي: إنما خص العشي؛ لأن مطر العشي أحمد من مطر الغداة عند العرب، ومطر ¬
الليل أحمد من مطر النهار، وإنما خص الجنوب؛ لأنها تؤلف السحاب وتمر به ويكون بها المطر والحيَاةَ والخصْب (¬1)، قوله: "جنح العشي" أي: حين تجنح الشمس؛ أي: تدنو من المغيب. 7 - قوله: "وما أنت" يعني: وما القلب وذكره من هو هكذا؟ كقولك: ما أنت وهذا؟، قوله: "ربعية" يعني: امرأة ربعية من بني ربيعة بن مالك [قال أبو عبيدة: الربائع من بني تميم أربعة أحياء: ربيعة بن مالك] (¬2) بن زيد مناة بن تميم وهو ربيعة الجوع وهم رهط علقمة، وربيعة بن مالك بن حنظلة، وربيعة بن كعب بن معد بن زيد مناة بن تميم، ويدعون الحبُاق وهو نبذ يغضبون منه (¬3). قوله: "ثرمداء" بفتح الثاء وسكون الراء وفتح الميم وبالمد، وهي قرية بالوشم، قوله: "يخط لها" أي: يحفر لها، و "القليب": البئر، وأراد بها ها هنا: القبر، يعني: لا يبرح من ثرمداء حتى يموت فيدفن فيها. 8 - قوله: "بالنساء" أي: عن النساء، و "الطيب": العالم الحاذق. 10 - قوله: "ثراء المال" أي: كثرته، و "شرخ الشباب" أي: أوله. 11 - قوله: "وسَلَّ الهمَّ" أي: انسه وابعد عنه (¬4)، و "الجسرة" بفتح الجيم وسكون [السين] (¬5) المهملة، قال الضبي: هي الناقة النشطة (¬6)، قوله: "فيها بالرداف" أي: فيها قوة على الخبب بالردف. 12 - قوله: "إلى الحارث الوهاب" ويروى: الحراب الذي يكثر حراب أعدائه، وأراد به: الحارث الأعرج، و "الكلكل": الصدر، و "القصرين" بضم القاف؛ هما الضلعان الصغيران المستوران في آخر الأضلاع، و "الوجيب" بفتح الواو؛ اضطراب وخفقان من شدة السير. 13 - قوله: "وناجية" بالنون والجيم (¬7) أي: سريعة، يقول: ركوبنا إياها في الهاجرة وإعمالنا إياها أفنى ركيب ضلوعها؛ وهو ما ركب ضلوعها بالشحم [واللحم] (¬8)، وهو فعيل بمعنى: فاعل، و "الحارك": ملتقى الكتفين في مقدم السنام. 14 - قوله: "وتصبح" أي الناقة، وغب كل شيءآخره، و "السُّرى" بالضم؛ سير الليل، ¬
و"المولعة" بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام المفتوحة وبالعين المهملة، وهي البقرة في قوائمها توليع، أي: نقط سود، و "القنيص": الصيد، والقانص الصائد، و "الشبوب" بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة؛ المسن من البقر، وكذلك: المشب والشبب. 15 - قوله: "تعفق" أي: استتر بالأرطى، ومادته: عين مهملة وفاء وقاف وهو بفتح القاف يعني: استتر بها القناص بالأرطى، ويروى: تعفق بضم القاف؛ يعني: البقرة تلوذ بالأرطى وهو شجر من الأشجار التي يدبغ بها، ويقال: أديم مأروط إذا دبغ بذلك، وواحدتها: أرطاة، قوله: "فبذت": من بذه -بالباء الموحدة والذال المعجمة إذا غلبه في كل شيء، و "النبل": السهام، و "كليب" بفتح الكاف وكسر اللام؛ جمع كلب كعبيد جمع عبد. الإعراب: قوله: "تعفق": فعل ماض (¬1) تنازع هو وقوله "وأرادها" في قوله: "رجال" على ما نقره عن قريب -إن شاء الله تعالى- قوله: "بالأرطى" يتعلق به، وعلى قول من روى: تعفق بضم القاف يكون الفاعل مضمرًا وهو الضمير الذي يرجع إلى البقرة كما ذكرنا، قوله: "لها" أي: لأجل البقرة وهو -أيضًا- يتعلق بقوله: تعفق، قوله: "وأرادها" أي البقرة، قوله: "فبذت": فعل ماض، و "نبلهم": كلام إضافي فاعله، وقوله: "وكليب" بالرفع عطف على نبلهم. الاستشهاد فيه: أن الكسائي احتج به على حذف الفاعل وذلك أنه أعمل الثاني وهو أرادها، ولو أعمل الأول لقال: تعفق بالأرطى رجال ثم أرادوها؛ لأنه عائد على جمع فيكون (¬2) على وفق الظاهر، ولو أعمل الثاني لأبرز الضمير في: تعفق على وفق الظاهر؛ لأنه ضمير جمع، فعدم الإبراز دليل على حذف الفاعل. والجواب عن ذلك: أنه قد يجوز أن لا يبرز الضمير المرفوع، وإن لم يكن مفردًا على مذهب البصريين؛ بل ينوى مفردًا في الأحوال كلها، فتقول: ضربني وضربت الزيدين؛ كأنك قلت: ضربني من ثم، فعلى هذا كأنه قال: تعفق من ثم، ولهذا قال سيبويه: أفرد وهو يريد الجمع (¬3). ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) إذَا كُنْتَ تُرْضِيهُ ويُرْضِيكَ صاحِبٌ ... جِهَارًا فكُنْ في الْغَيْبِ أَحْفَظَ للوُدِّ وأَلْغِ أَحَادِيثَ الوُشَاةِ فقَلَّمَا ... يُحَاولُ وَاشٍ غير فسادِ ذِي عَهْدِ أقول: البيتان من الطويل. 1 - قوله: "جهارًا" بكسر الجيم؛ أي: عيانًا، قوله: "للود" بضم الواو وهو المحبة. 2 - و "الوشاة" بضم الواو؛ جمع واشٍ؛ كالقضاة جمع قاض، من وشى يشي وشاية إذا نمَّ عليه وسعى به، وأصله: استخراج الحديث باللطف والسؤال، قوله: "يحاول" أي: يريد [أن يحاول] (¬3) من حاولت الشيء إذا أردته. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "فكن في الغيب": جوابه، والتاء في: "كنت": اسم كان، و "ترضيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبرها، قوله: "ويرضيك صاحب": عطف على ترضيه، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقد تنازع الفعلان -أعني: ترضيه ويرضيك في قوله: "صاحب"، فأعمل الثاني في: صاحب، وأضمر في الأول ضمير المفعول. قوله: "جهارًا" نصب على الظرفية، أي: في حالة الجهر، قوله: "فكن": أمر وأنت مستتر فيه اسم كان، وقوله: "أحفظ للود": خبرها، وقوله: "في الغيب": صفة للود، أي: للود الكائن في الغائب، قوله: "وألغ": أمر من الإلغاء، وأنت مستتر فيه فاعله، وقوله: "أحاديث الوشاة": كلام إضافي مفعوله. قوله: "فقلما": جواب الأمر؛ فلذلك أتي بالفاء، وقل: فعل [ماض] (¬4) دخلت عليه ما المصدرية، والتقدير: قَلَّ محاولة الواشي غير إفساد ذي العهد، والذي عليه الجمهور أن ما هاهنا كافة فلا تتصل إلا بثلاثة أفعال وهي: قل وكثر وطال (¬5)، وعلة ذلك شَبَهُهُنَّ برُبَّ، ¬
ولا تدخل حينئذ إلا على جملة فعلية صرح بفعلها؛ كما في البيت المذكور، وأما قول المرار (¬1): صددتِ فأطْولتِ الصُّدُودَ وقلما ... وصَالٌ على طول الصُّدود يدوم فقال سيبويه: ضرورة (¬2)، وقال الفارسي: طالما وقلما وكثر ما لا فاعل لهن؛ لأن الكلام لمّا حمل على النفي استغنى عن الفاعل، وما هنا عوض عن الفاعل ونظيره (¬3): ........... أما أنت ذا نفر ... ........................... فما عوض عن كان، وإنما جعلت ما عوضًا عن الفاعل؛ إذ كان الفعل لا يخلو عن فاعل (¬4). وقال ابن جني [رحمه اللَّه تعالى]: (¬5) ينبغي أن يكتب: طالما وقلما موصولًا بما؛ لأنها خلطت بهما وجعلا شيئًا واحدًا وهيأتهما لوقوع الفعل بعدهما، فلما اتصلا معنًى وجب أن يتصلا خطًّا، وكذا كان يجب في: كثر ما إلا أن الراء لا تتصل بما بعدها. وحكى أبو محمد عبد الله بن درستويه الصفوي (¬6) -[رحمه الله تعالى] (¬7): أنها تكتب منفصلة وأنه لا يكتب من الأفعال شيئًا متصلًا إلا نعمَّا وبئسما (¬8). قوله: "يحاول": فعل مضارع، وقوله: "واش": فاعله، وقوله: "غير إفساد": كلام إضافي مفعوله. ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ترضيه" حيث أضمر فيه ضمير المفعول، وكان القياس حذفه؛ كما في: ضربت وضربني زيد، ولكنه عند الجمهور ضرورة (¬1)، والله أعلم. الشاهد الخامس والثلاثون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) وكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُونَهَا ... جَرَى فَوْقَهَا وَاستَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ أقول: قائله هو طفيل بن فرعون (¬4) بن ضبيس الغنوي (¬5)، ويكنى أبا قزان، وطفيل من الأسماء المنقولة يحتمل أن يكون تصغير طَفل بفتح الطاء (¬6)، وهو الرخص الناعم، يقال: بنان طفل، ويحتمل أن يكون تصغير طفل بكسر الطاء، وهو الصغير من الأناسي وغيرهم، و "الضبيس" من الرجال: سيِّئ الخلق. والبيت المذكور من قصيدة بائية في [صفة] (¬7) خباء وخيل، وأولها هو قوله (¬8): 1 - وبَيتٍ تَهُبُّ الرِّيحُ في حُجُرَاتِهِ ... بِأَرضٍ فَضَاءٍ بَابُهُ لم يُحَجَّبِ 2 - سَمَاوتُهُ أسْمَالُ بَرْدٍ مُفَوَّفٍ ... وصَهْوَتُهُ مِنْ أتْحَمِيِّ مُعَصَّبِ 3 - وأطْنَابُهُ أرْسَانُ جُرْدٍ كَأَنَّهَا ... صُدورُ القَنَا منْ بَادئٍ ومُعقّبِ 4 - بِكَفٍّ على قَومٍ كأنَّ رِماحَهُمْ ... عُرُوقُ الأعَادي مِنْ غَرِير وأشْيَبِ (¬9) 5 - وَفِينَا تَرَى الطُّولَى وكُلَّ سَمَيدَعٍ ... مُدَرِّبِ حَرْب وَابنِ كُلِّ مُدَرِّبِ ¬
6 - طَويل نجِادِ السيفِ لم يَرضَ خِطَّةً ... مِن الخَسفِ خَوَّاضِ إلى الموت مُجربٍ 7 - وفِينَا رِباطُ الخَيَل كُلُّ مُطَهَّمٍ ... وخَيْلٍ كَسِرْحَانِ الغَضَى المتُأَوَّبِ 8 - تُبَارِي مَرَاخِيهَا الزُّجَاجَ كأنَّهَا ... ضِرَاءٌ أَحَسَّتْ نَبْأَةً مِنْ مُكَلِّبِ 9 - مَغَاويرُ مِنْ آلِ الوَجيهِ ولاحِقٌ ... عَنَاجيجُ فِيهَا لذَّةٌ لمِعَقِّبِ 10 - وكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُونَهَا ... جَرَى فَوْقَهَا وَاستَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ 11 - وأذنابها وَحْفٌ كأَنَّ ذُيُولَهَا ... تَجُرّ أَشَاءَ مِنْ سَمِيحَةَ مُضرِب (¬1) 12 - رَهَصْنَ الحَصَى حَتَّى كَأَنَّ رُضَاضَهُ ... ذَرَى بَرْدٍ مِنْ وَابِلٍ مُتَحَلّبِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "في حجراته": جمع حجرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، و: "البان": شجر معروف. 2 - قوله: "سماوته" أي: سقفه، و "الأسمال": جمع سملة بالسين المهملة، وهو الثوب الخلق، و "المفوف": البرد الذي فيه المخطوط البيض، قوله: "وصهوته" أي: أعلاه، وصهوة كل شيء: أعلاه، و "الأتحمي" بفتح الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد الياء، وهو ضرب من البرود، و "معصب" من العصب بالمهملتين وهو نوع من برود اليمن. 3 - قوله: "أرسان جرد" الأرسان: جمع رسن وهو الحبل، و "الجرد" بضم الجيم وسكون الراء؛ [جمع] (¬2) جرداء مؤنث أجرد، قال الجوهري: الأجرد الفرس إذا رفت شعرتُهُ وقَصُرَتْ وهو مدح (¬3)، قوله: "ومعقب": من عقب السهم والقوس تعقيبًا إذا ألويت عليه شيئًا كان العقب بالتحريك، وهو العصب الذي يعمل منه الأوتار، الواحدة: عقبة (¬4). 4 - قوله: "من غرير" بالغين المعجمة والراءين المهملتين؛ أي: من شاب، و "الأشيب": الشيخ. 5 - و "السميدع" بالفتح: السيد، و "المدرب": فاعل من الدربة، وهي عادة وجرأة على الحرب وكل أمر وقد درب بالشيء بالكسر إذا اعتاده وضرى به (¬5). ¬
6 - قوله: "نجاد السيف" بكسر النون، قال الجوهري: نِجَادُ السيف: حَمَائِلُه (¬1) و "المحرب" بكسر الميم؛ كثير الحرب. 7 - و "المُطهّم" بضم الميم وتشديد الهاء المفتوحة، قال الأصمعي: هو التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال (¬2) و "السرحان" بالكسر؛ الذئب، و "الغضى" بالمعجمتين الشجر، يقال: ذئب غضي، و "المتأوب": الذي يجيء أول الليل. 8 - قوله: "تباري" أي: تعارض، و "المراخي" جمع مرخاء وهو الفرس الذي يخلى وشهوته في العدو، وقوله: "ضراء" بكسر الضاد المعجمة، جمع ضرو، وهو الضاري من أولاد الكلب، قوله: "نبأة" بفتح النون وسكون الباء الموحدة وفتح الهمزة، وهو الصوت الخفي، و "المكلِّب" بكسر اللام؛ الذي يعلم الكلاب الصيد، وبفتحها: الأسير المقيد. 9 - قوله: "مغاوير": جمع مغوار بالغين المعجمة، من أغار الفرس إذا شد العدو وأسرع، ورجل مغوار وهو المقاتل، قوله: "من آل الوجيه" بفتح الواو وكسر الجيم، وهو اسم فرس مشهور، وكذلك اللاحق بالقاف، قوله: "عناجيج" هي جياد الخيل، واحدها عنجوج. 10 - قوله: "وكُمْتًا" بضم الكاف وسكون الميم؛ جمع أكمت، وليس جمع (¬3) كميت؛ لأن المصغر لا يجوز جمعه لزوال علامة التصغير بالجمع، وذكر بعض شراح الجمل للزجاجي (¬4) أن كميتًا من الأسماء المصغرة التي لا تكبير لها، وهو مصغر مرخم من أكمت بمنزلة حميد من أحمد غير أن أكمت لم يستعمل ويدل على ذلك جمعهم إياه على كمت (¬5). قال سيبويه: سألت الخليل عن كميت فقال: هو بمنزلة حميد، وإنما هي حمرة يخالطها سواد ولم يخلص، وإنما حقروها لأنها بين السواد والحمرة ولم يخلص، لأن قال: أسود أو أحمر، وهو منهما قريب، ويقال: هو من الكمتة وهي حمرة قانية، أي: تضرب إلى السواد (¬6). وذكر أبو عبيدة أن الكمت من الخيل بين الأصدى والأحوى، قال: وهو أقرب الشقر والورد إلى السواد، وأشد من الشقر والورد حمرة، والأنثى-[أيضًا] (¬7) كميت والجمع: كمت، وهو على أقسام: كميت أحم، وكميت أصحم، وكميت مدمى، وكميت أحمر، وكميت مذهب، ¬
[وكميت أطف] (¬1)، وكميت محلف، وكميت أصدى؛ فالكميت الأحم: الذي يشاكل الأحوى، أهون سوادًا من الجون، وينفصل الكميت الأحم من الأحوى بحمرة أقرانه ومرافقه. والكميت الأصحم أظهر حمرة من الكميت الأحم غير أن حمرته ليست بصافية. والكميت المدمي الذي شعر سراته أحمر شديد الحمرة، وكلما انحدرت الحمرة إلى مرافقه ازدادت حمرة. والكميت الأحمر أشد حمرة من المدمى. والكميت المذهب: الذي يخالط حمرته صفرة. والكميت المحلف: الذي لم يخلص لونه فيختلف الناظرون إليه فيقول بعضهم: هو أحمر (¬2)، وبعضهم هو ورد، وبعضهم هو كميت. قلت: الأحوى -بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وهو الكميت الذي يعلوه سواد، ويجمع على حُوّ بضم الحاء وتشديد الواو، وفي الحديث (¬3): "خير الحيل الحو"، وأصله: من حوي يحوى من باب علم يعلم فهو أحوى، والمصدر: حوة وهي الكمتة (¬4). و"الأصدى" بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة، وهو الذي فيه صدأة، أي: كدرة، ويعلو كل لون من ألوان الخيل ما عدا الدهمة وفيها صفرة قليلة، وإنما شبهوها بلون صدأ الحديد. و"الأحم" بفتح الهمزة والحاء المهملة وتشديد الميم، وهو الذي فيه سواد؛ من حممت الرجل إذا سخمت وجهه بالفحم. و"الأصْحَم" بفتح الهمزة وبالصاد والحاء المهملتين، وهو الأغبر إلى السواد. و"المحلِف" بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر اللام وفي آخره فاء؛ من قولهم: هذا شيء محلف إذا كان يشك فيه فيتحالف عليه. و"الأكلف" من الكلف وهو شيء يعلو الوجه فيغير بشرته، قوله: "مدماة": من دمَّى يُدَمِّي مُدَمًّى (¬5)، وأراد بها: شديدة الحمرة مثل الدم. ¬
قوله: "كأن متونها": جمع من وهو الظهر، قوله: "جرى" بمعنى: سال، قوله: "استشعرت": يعني جعلت شعارها، وهو علامتهم في الحرب؛ كذا فسره بعضهم، والصحيح أن معناه: جعلت شعارًا ولباسًا، والشعار من الثباب: ما يلي الجسد، والدثار ما فوقه، قوله: "مذهب" بضم الميم وسكون الذال المعجمة، وفتح الهاء؛ من الإذهاب وهو التمويه بالذهب، وكذلك التذهيب بمعناه. 11 - قوله: "وأذنابها وحْف" بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وفي آخره فاء؛ أي: كثير حسن، يقال: عشب وحف كذلك، وقد وحُف شعره بالضم (¬1)، قوله: "أشاء" بفتح الهمزة والشين المعجمة، وبالمد؛ وهي صغار النحل، الواحدة: أشاءة. 12 - قوله: "رهصن": من الرهص وهو كسر الشيء الرخو، والرهص أيضًا شدة الوطء، و "رضاض كل شيء" بضم الراء: فتاته، وكل شيء كسرته فقد رضضته، وهو على وزن فعال بضم الفاء [كفتات] (¬2) وحتات، وكذلك الرضاضة بالضم، وهو من باب نصر ينصر، قوله: "ذرى برد" بفتح الذال المعجمة، قال الجوهري [رحمه الله تعالى] (¬3) الذرى: اسم للدمع الصبوب (¬4)، و "البرد" بفتح الباء الموحدة والراء؛ وهو حب الغمام، و "الوابل": المطر العظيم [القطر] (¬5)، قوله: "متحلب" بالحاء المهملة. الإعراب: قوله: "وكُمْتًا" بالنصب عطف على قوله: "وفينا رباط الخيل" أي: ترى فينا كمتًا، و "مدماة": صفة كمتًا، قوله: "كأن" للتشبيه، و "متونها": اسمه، والضمير فيه يرجع إلى الكمت، وقوله: "جرى": فعل ماض، وفاعله مستتر فيه تقديره: جرى هو، قوله: "فوقها": نصب على الظرف، أي: فوق متونها. [قوله: "واستشعرت] عطف على "جرى"، وفاعله مستتر فيه تقديره] (¬6): استشعرت هي، وقوله: "لون مذهب": كلام إضافي منصوب على المفعولية، وفيه حذف تقديره: لون شيء مذهب، وقال ابن يعيش: والمذهب هاهنا اسم الذهب (¬7). قلت: فحينئذ لا يحتاج إلى التقدير المذكور، والجملة الصغرى -أعني قوله: "جرى" مع معطوفها في محل الرفع على أنها خبر كأن، والجملة الكبرى- أعني قوله: كأن مع اسمها وخبرها في موضع نصب على أنها صفة لقوله: "كمتًا". ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "جرى واستشعرت" حيث توجها إلى معمول واحد ظاهر بعدهما وهو قوله: "لون مذهب" بناء على أن مذهب البصريين في إعمال الأقرب وإضمار الفاعل في الأسبق والله أعلم (¬1). الشاهد السادس والثلاثون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) هَوينني وَهِويتُ الغانياتِ إِلَى ... أن شِبْتُ فانْصَرَفَتْ عَنْهُنَّ آمالي أقول: هو من البسيط. قوله: "هوينني" من هوي يهوَى من باب علم يعلم إذا أحب، و "الغانيات": جمع غانية بالغين المعجمة والنون بعد الألف، يقال: امرأة غانية إذا غنيت بحسنها وجمالها عن الحليّ، قوله: "إلى أن شبتُ": من الشيب (¬4)، قوله: "آمالي" جمع أمل وهو الرجاء. الإعراب: قوله: "هوينني وهويت" تنازعا في الغانيات، فأعمل الثاني وهو هويت، وأضمر في الأول وهو: هوينني، قوله: "إلى أن شبت": يتعلق بقوله: "هويت"، "وأن" مصدرية، والتقدير: إلى شيبوبتي، قوله: "فانصرفت": عطف على قوله: "أن شبت" و "آمالي": كلام إضافي فاعله. الاستشهاد فيه: في قوله: "هوينني وهويت" حيث أعمل الثاني وأضمر في الأول؛ كما ذكرنا (¬5). ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد الأربعمائة
الشاهد السابع والثلاثون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) إذا هي لمْ تَسْتَكْ بِعُودِ أَرَاكَةٍ ... تُنُخِّلَ فاسْتَاكَتْ به عودُ أَسْحَلِ أقول: ذكر الزمخشري في المفصل (¬3)، وشارح كتاب سيبويه أن قائله: هو عمر (¬4) بن أبي ربيعة، وقال النحاس: قال الأصمعي: قائله هو طفيل الغنوي، ونسبه الجرمي في كتاب الفرخ للمقنع الكندي، والصحيح أنه لطفيل الغنوي. وهو من قصيدة طويلة من الطويل يصف بها امرأة تسمى سُعْدَى، منها قوله (¬5): ديَارٌ لِسُعْدَى إذْ سُعَادُ جَدَايَةٌ ... من الأدمِ خُمْصَانُ الحَشَى غَيرُ خُنثَلِ هَجَانَ البيَاضِ أُشْرِبَتْ لَونَ صُفرَةٍ ... عَقِيلَةُ جَوّ عَازبٍ لَمْ يُجَلّلِ 1 - قوله: "لم تستك": من الاستياك، يقال: سوك فاه تسويكًا، واستاك يستاك ولا يذكر معه الفم، "أراكة" بفتح الهمزة؛ واحدة الأراك وهي شجر مرّ تتخذ منه المساويك، قوله: "تنخل" بضم التاء المثناة من فوق وضم النون وتشديد الخاء المعجمة، ومعناه: اختير، قوله: "أسحل" بفتح الهمزة (¬6)، وسكون السين وفتح الحاء المهملتين، وهو شجر دقيق الأغصان يشبه الأثل ينبت بالحجاز يتخذ منه السواك. 2 - قوله: "جداية" بكسر الجيم، وهي بنت شهرين أو ثلاثة من الظباء، والذكر -أيضًا- جداية، قوله: "خنثل" بضم الخاء المعجمة وسكون النون وضم الثاء المثلثة وفتحها، وهي العظيمة البطن المسترخية، ولم يسمع إلا في المؤنث، ويروى: غير خنبل - بالخاء المعجمة والنون والباء الموحدة، أي غير قصيرة. 3 - و "هجان البياض": كريمته، و: "الجو" بالجيم؛ البطن من الأرض، و "العقيلة": الكريمة. ومعنى البيت المستشهد به: إذا لم تُرِدْ تلك المرأة الاستياك بعود أراكة اختير عندها ما هو خير ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الأربعمائة
منها وهو عود الأسحل فاستاكت به، وأراد أنها متنعمة محتشمة. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "هي": مضمر منفصل لتعذر اتصاله فحذف عامله فهو مثل قوله تعالى (¬1): {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100] تقديره: لو تملكون؛ فحذف الفعل الذي هو المضمر المتصل، وصار المتصل منفصلًا ثم جيء بالفعل بعده تفسيرًا للفعل المحذوف، وكذلك تقدير قوله: "إذا هي لم تستك" ففعل به ما فعل بذلك. قوله: "لم تستك": جازم ومجزوم وفاعله مستتر فيه تقديره: لم تستك هي، قوله: "بعود أراكة" يتعلق به، قوله: "تنخل": ماض مجهول مسند إلى قوله: "عود أسحل" ووقع جزاء للشرط، قوله: "فاستاكت" [فعل وفاعله مستتر فيه، أي] (¬2) فاستاكت هي، قوله: "به" جار ومجرور في محل النصب على أنه مفعول: فاستاكت. فإن قلت: ما الفاء فيه؟ قلت: للعطف، وهو عطف فاستاكت على تنخل عطف الجملة على الجملة. الاستشهاد فيه: هو رفع: "عود أسحل" بالفعل الأول، والتقدير: تنخل عود أسحل فاستاكت به، ولو أعمل الأول لقال: تنخل فاستاكت بعود أسحَل، وهذا هو حجة الكوفيين في أولوية أعمال الأول، والجواب عن ذلك: أنه يدل على الجواز ولا خلاف فيه، وأما أنه يدل على الأولوية فلا. الشاهد الثامن والثلاثون بعد الأربعمائة (¬3)، (¬4) ............................. ... كَفَانِي وَلَمْ أطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المالِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وصدره (¬5): ¬
فلَوْ أنَّ مَا أسعَى لأدنى مَعِيشَةٍ ... .......................... وهو من قصيدة طويلة من الطويل سقناها في شواهد المعرب والمبني (¬1). الإعراب: قوله: "فلو أن ما أسعى" والرواية الصحيحة: ولو بالواو، وكلمة لو للشرط تدل على امتناع الشرط لامتناع غيره؛ كما تقول: لو كان لي مال لأنفقته (¬2)، فامتنع الإنفاق لامتناع المال، وأن حرف من الحروف المشبهة بالفعل وما مصدرية، أي: لو أن سعيي (¬3)، والمصدر اسم أن. قوله: "لأدنى معيشة": كلام إضافي خبره، والتقدير: ولو أن سعيي حاصل لأدنى معيشة، قوله: "كفاني": جواب لو وهو فعل ومفعول، وقوله: "قليل" بالرفع فاعله. قوله: "ولم أطلب" [الواو فيه إما للعطف على كفاني، وإما للحال، والآن يجيء الكلام فيه مستقصًى، و "لم أطلب"]: (¬4) جازم ومجزوم والفاعل فيه مستتر وهو أنا، والمفعول محذوف تقديره: لم أطلب المجد المؤثل، وقوله: "من المال": جار ومجرور متعلق بقليل. الاستشهاد فيه: أن: "كفاني ولم أطلب" وُجِّهَا على: قليل، وأعمل الأول مع إمكان الثاني، فلما أعمل في الفصيح الأول من غير ضرورة مع ارتكاب أمر محذور وهو حذف المفعول من الثاني دل على أن إعمال الأول أولى؛ كما هو مذهب الكوفيين (¬5). قلنا: يحتمل أن يكون هذا من باب التنازع ويحتمل أن لا يكون، وما هو محتمل لا يصلح للتمسك. فإذا قلنا: إنه من باب التنازع، ولا يكون من ذلك إلا إذا جعلنا الواو في: "ولم أطلب" ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الأربعمائة
للحال، فيكون المعنى: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال حال كوني غير طالب له، وإليه ذهب أبو علي، وإن جعلناها للعطف فليس من التنازع لفساد المعنى، وبيان ذلك موقوف على معرفة مقدمتين: إحداهما: أن لو كما قلنا لامتناع الثاني لامتناع الأول، فإذن لو دخل على المنفي صار ذلك المنفي مثبتًا، وإذا دخلت على المثبت صار منفيًّا. والثانية: أن ما هو معطوف على جواب "لو" فحكمه حكم ذلك الجواب، فإذا تقررت هاتان المقدمتان فنقول: لو وجه الفعل الأول إلى ما وجه إليه [الفعل] (¬1) الثاني فسد المعنى؛ لأن كفاية المال القليل منفية لانتفاء سعيه لأدنى معيشة بناء على المقدمة الأولى، وهذا يقتضي أن لا يكون طالبًا لقليل من المال. وقوله: "لم أطلب" على تقدير كونه موجهًا إلى ما وجه إليه الأول يقتضي أن يكون طالبًا [له] (¬2) بناء على المقدمة الثانية فيكون طالبًا [له] (¬3)، وغير طالب وإنه ممتنع، فإذا تعذر توجهه إلى قليل يكون مفعوله محذوفًا وهو الملك أو المجد بقرينة قوله: ولكنَّمَا أسْعَى لمجدٍ مؤثل ... وقد يدرِكُ المجدَ المؤثلَ أمثالي [يقول: لو أن سعيي للأكل والشرب] (¬4)، واللبس يكفيني ما عندي من المال القليل ولم أطلب الملك، ولكن سعيي لأجل مجد ذي أصل، والحالة أن هذا المجد المؤثل قد أدركه أمثالي من أبناء الملوك وأشراف القوم، والحاصل: أن البيت ليس من التنازع؛ لما ذكرناه. الشاهد التاسع والثلاثون بعد الأربعمائة (¬5)، (¬6) أَتَانِي فَلَمْ أُسْرَرْ به حيَن جَاءَنِي ... كِتَابٌ بأعلَى القُنَّتَيِن عَجِيبُ أقول: قائله هو جرير بن ضرار (¬7) أخو الشماخ، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو البيت المذكور، وبعده: ¬
2 - تَصَامَمْتُهُ حَتَّى أتَانِي يَقينُهُ ... وَأفْرَعَ مِنهُ مُخطِئٌ ومُصيبُ 3 - وحُدِّثتُ قَومِي أحْدَثَ الدَّهْرَ فِيهُمُ ... وعَهدُهُمُ بِالحَادثَاتِ قَريبُ 4 - فإنْ يكُ حقًّا ما أتَانِي فإنَّهمُ ... كِرامٌ إذا ما النَّائِبَاتُ تَنُوبُ 5 - فقيرُهم يُبدِي الغِنَى وغَنيُّهُم ... له وَرَقٌ للسَّائِلينَ رَطِيبُ 6 - ذَلُولُهُمُ صَعْبُ القِيادِ وصَعبُهُمُ ... ذَلُولٌ لِحَقِّ الراغِبيَن رَغُوبُ 7 - إذا رَنَّقَتْ أخْلاقَ قَومٍ مُصِيبَةٌ ... تُصَفَّى بِهَا أخْلاقُهُمْ وتَطِيبُ 8 - ومَنْ يَغمُرُوا مِنهُمْ بِفَضْلٍ فإنَّهُ ... إذا مَا انْتَمَى فيِ آخرِينَ نَجِيبُ (¬1) 1 - قوله: "بأعلى القنتين" بالقاف والنون، والقنتان: جبل مشرف بعض الأشراف وليس فيه شواهق ولا صخور. 2 - قوله: "تصاممته" أي: تصاممت عنه حتى أتاني يقينه، أي: تكلفت أن لا أسمعه حتى أتتني صحته، قوله: "وأفرع" بالراء والعين المهملتين، أي: صادف القرع -بفتحتين، وهو اسم موضع، ويروى: أفزع -بالزاي- من الفزع وهو الخوف، وأراد بـ"الخطئ": الذي كذبه، و "المصيب" الذي صدقه. 5 - قوله: "له وَرَق" بفتح الواو والراء، قال الجوهري: الورق: المال من دراهم وإبل وغير ذلك (¬2). 6 - قوله: "ذلوهم صعب" أي أنهم ممتنعون على من رامهم، مُنْقَادُون لمن سالمهم ورغب إليهم. 7 - قوله: "إذا رنقت" أي: إذا كدرت، من قولهم: ماء رنق بالتسكين، أي: كدر، ومادته: راء ونون وقاف. الإعراب: قوله: "أتاني": جملة من الفعل والمفعول، وقد تنازع هو وقوله: "فلم أسرر به" وقوله: "جاءني" في قوله: "كتاب"، وقوله: "فلم أسرر به" على صيغة المجهول وترك الإدغام [فيه للضرورة] (¬3) مع جواز ذلك في غير الضرورة. والضمير في: "به" ورجع إلى الكتاب الذي هو فاعل أتاني؛ لأن الفاعل فيه مضمر على تقدير إعمال جاءني، وإن أعملت أتاني يكون الفاعل ظاهرًا ويكون فاعل جاءني مضمرًا، قوله: ¬
الشاهد الأربعون بعد الأربعمائة
"حين": نصب على الظرف، والعامل فيه أتاني، قوله: "بأعلى" الباء فيه بمعنى في، أي: في أعلى القنتين، قوله: "عجيب" بالرفع صفة كتاب. الاستشهاد فيه: على جواز التنازع في ثلاثة، وأنه لا يوجد في أكثر من ذلك، وظاهر كلام ابن عصفور وابن مالك جواز تنازع أكثر من ثلاثة، ولكن المسموع إنما هو ثلاثة؛ كما هو في البيت المذكور (¬1)، والله تعالى أعلم. الشاهد الأربعون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) ................................ ... لقيتُ ولمْ أَنْكُلْ عنِ الضَّرْبِ مِسمَعًا أقول: قائله هو المرار الأسدي، كذا نسب في الكتاب، ونسبه الجرمي في المدخل المسمى بالفرج لمالك بن زُغْبَة الباهلي، وصدره: لقد عَلِمَتْ أُولِي المُغِيرةِ أَنَّنِي ... ........................... وبعد البيت المذكور هو قوله: 2 - ومَا كُنتُ إلا السَّيفُ لاقَى ضَرِيبَةً ... فقطعها ثم انثنى فتقطَّعَا 3 - وإني لأُعْدِي الخيلَ تعثرُ بالقنَا ... حفاظًا على المولَى الحريد ليمنعَا 4 - ونَحنُ جَلَبنَا الخيَلَ من سوقِ حِمْيَرٍ ... إلى أن وطئنَا أهلَ حِمْيَرَ نُزَّعَا وهي من الطويل. قوله: "أولي المغيرة" يعني: أولها، والمغيرة -بضم الميم وكسر الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة وهي الخيل التي تغير، قوله: "أنني لقيت" وفي رواية: لحقت؛ وهكذا هي في رواية ¬
أبي القاسم الزجاجي (¬1)، وفي رواية: أنني كررت، معناه: حملت، وهكذا هي عند الزمخشري (¬2)، وفي رواية: أنني ضربت، وهكذا عند البعلي في شرح الجرجانية. قوله: "ولم أنكل" أي: ولم أعجز، قوله: "مِسْمعًا" بكسر الميم الأولى وسكون السين المهملة، وهو اسم رجل، قوله: "ثم انثنى" من ثَنَيْتَه؛ أي: ضربته، قوله: "لأعدي" من أعدى فلان فلانًا في الحرب، وهي مجاوزته إلى غيره، قوْله: "الحَرِيد" بفتح الحاء المهملة، أي: الوحيد الفريد، قوله: "نُزّعًا" بضم النون وتشديد الزاي المعجمة، جمع نازع؛ من نزع الشيء من مكانه إذا قلعه، ويقال: نزع إلى أهله إذا اشتاق. الإعراب: قوله: "لقد علمت" اللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وعلمت: فعل ماض، وقوله: "أولي المغيرة": فاعله، وقوله: "أنني" بفتح الهمزة، وهي مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي علمت، وقوله: "ولم أنكل" ويروى: بالفاء، عطف على لقيت، وقوله: "عن الضرب" يتعلق بقوله: "لم أنكل"، وقوله: "مسمعًا"، مفعول المصدر، وقال النحاس: يجوز أن يكون منصوبًا بقوله: لقيت. الاستشهاد فيه: على قوله: "لقيت" وقوله: "عن الضرب" تنازعا في قوله: "مسمعًا"؛ فالأول فعل والثاني اسم، وعكسه نحو قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] (¬3). وفيه استشهاد آخر؛ لكنه لم يورده لذلك، وهو أن المصدر المعرف باللام قد عمل وهو قوله: "عن الضرب" فينتصب مسمعًا، قال سيبويه: والتقدير: عن ضرب مسمعًا، والألف واللام فيه بمنزلة التنوين (¬4). * * * ¬
شواهد المفعول المطلق
شواهد المفعول المطلق الشاهد الحادي والأربعون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) ............................... ... يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيَا أقول: قائله هو قيس بن الملوح المجنون، وصدره: وقدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيِنْ بعْدَمَا ... .......................... وهي من قصيدة يائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ألَا يَا غُرَابَ البَيِن مَالكَ كُلّمَا ... تَذَكَّرتَ لُبنَى طِرْتَ لِي عنْ شِمَالِيَا 2 - أعِندَكَ عِلمُ الغَيبِ أمْ أنْتَ مُخبِرِي ... عَنْ الحَيِّ إلا بالذي قَدْ بدَا لِيَا 3 - فَلا حَمَلَتْ رِجْلاكَ عُشًّا لِبَيضَةٍ ... ولا زال عَظْمٌ مِنْ جَنَاحِكَ واهِيَا 4 - أُحِبّ مِنَ الأسْماءِ ما وَافَقَ اسْمَهَا ... أوْ أشْبَهَهُ أو كَانَ منهُ مُدَانِيَا 5 - ومَا ذُكِرَتْ عِندِي لهَا مِنْ سُمَيَّةٍ ... مِنَ النَّاسِ إلا بَلَّ دَمْعِي رِدَائيَا ¬
6 - سَلِي الناسَ هَلْ خَبَّرْتُ سِرَّكِ مِنْهُمُ ... أخَا ثِقَةٍ أوْ ظَاهرَ الغِشِّ بَادِيَا 7 - وأخرُجُ مِنْ بيْنِ البُيُوتِ لَعَلَّنِي ... أُحَدِّثُ عَنْكَ النَّفسَ في السَّرِّ خَالِيا 8 - وَإِنِّي لأَسْتَغشِي ومَا بي نَعْسَةٌ ... لَعَلَّ خَيَالًا مِنْكِ يَلْقَى خَيَالِيَا 9 - أقولُ إذا نفسي من الوجدِ صَعَّدَتْ ... بِهَا زفْرَةٌ تَعتَادُهَا هِيَ مَا هِيَا 10 - أشَوقًا ولَمَّا يَمْضِ لي غَير لَيلَةٍ ... رُوَيدَ الهَوَى حتَّى تَغيبَ ليَالِيَا 11 - تَمُرُّ الليالي والشُّهورُ ولا أرَى ... غَرَامِي بكم يَزدَادُ إلا تَماديَا 12 - وقدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَيِن بعْدَمَا ... يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيَا 13 - تَسَاقَطُ نفْسِي حِيَن ألْقَاكِ أنْفُسًا ... يَرِدنَ فَمَا يَصْدُرْنَ إلا صَوَادِيَا 14 - فإنْ أحْيَ أوْ أَهْلَكْ فَلسْتُ بزَائِلٍ ... لَكُمْ حَافِظًا مَا بَلَّ رِيقٌ لِسَانِيَا 1 - قوله: "لبنى" بضم اللام وسكون الباء الموحدة وفتح النون، وهو اسم محبوبته، ويروى: ليلى، ويروى: سلمى. 3 - قوله: "واهيًا": من وهي إذا سقط. 12 - قوله: "الشتيتين": تثنية شتيت [وهو الشيء المتفرق؛ من شتَّ يشت شتاتًا وشتًّا] (¬1)، أي: تفرق، وأراد بالشتيتين المحبين المتباعدين اللذين لا يقدران على الاجتماع لعلة من العلل. الإعراب: قوله: "وقد يجمع الله" الواو للعطف، وقد للتقليل، ويجمع: فعل، واللَّه: فاعل (¬2)، و "الشتيتين": مفعوله، قوله: "بعد": نصب على الظرف، وكلمة: "ما " مصدرية، أي: بعد ظنهما كل الظن (¬3)، والضمير في: "يظنان" يرجع إلى الشتيتين، قوله: "كل الظن": كلام إضافي منصوب على النيابة عن المصدر. قوله: "أن لا تلاقيا" أن مخففة من الثقيلة، وهي مع اسمها وخبرها سدَّت مسد مفعولي يظنان، والتقدير: يظنان أنه لا تلاقيا، وضمير الشأن هو اسم إن، وخبره قوله: "تلاقيا"، وكلمة: "لا" للنفي، و "تلاقيا": اسمها، وخبرها محذوف تقديره: لا تلاقي حاصل، والألف فيه للإطلاق. ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "كل الظن" حيث نُصِبَ نيابةً عن المصدر؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] (¬1). الشاهد الثاني والأربعون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) يُعْجِبُهُ السَّخُونُ والبَرُودُ ... والتَّمْرُ حُبًّا ما لهُ مَزِيدُ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز ابن الراجز، وهو من الرجز المسدس. قوله: "السخون" بفتح السين المهملة، وهو ما يسخن من المرق، و "البرود" بفتح الباء الموحدة، بمعنى البارد، و "المزيد" بفتح الميم؛ مصدر ميمي بمعنى الزيادة. الإعراب: قوله: "يعجبه": [جملة] (¬4) من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى معهود، وقوله: "السخون" بالرفع فاعله، وقوله: "والبرود، والتمر" مرفوعان عطفا على السخون، قوله: "ما له مزيد" كلمة ما اسم نكرة صفة لقوله: "حبًّا" (¬5)، وقوله: "مزيد" بالرفع مبتدأ، وقوله: "له" مقدمًا خبره، والجملة في محل النصب صفة "لحبًّا". الاستشهاد فيه: في قوله: "حبًّا" وهو أنه منصوب بقوله: "يعجبه" من قبيل قولهم: أفرح الجذل، وفرحت جزلًا، وأحببته مقة؛ لأن في معنى الإعجاب معنى المحبة، ويجوز أن يكون حبًّا منصوبًا بفعل محذوف تقديره: يحب ذلك حبًّا، ودلَّ على يُحِبّ المحذوف قوله: "يعجبه"؛ لأن كل معجب محبوب فافهم (¬6). ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد الأربعمائة
الشاهد الثالث والأربعون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) يَمُرُّونَ بالدهْنَا خِفافًا عِيَابُهُمْ ... وَيَخْرجْنَ من دَارِيْنِ بُجْرَ الحَقَائِبِ على حينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أمورهِمْ ... فندْلًا زُرَيْقُ المال نَدْلَ الثَّعَالِبِ أقول: قائل هذين البيتين هو الأحوص، وهو محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، وذكر في الحماسة البصرية أن قائلهما هو أعشى همدان يهجو بهما لصوصًا (¬3). وقال الجوهري: قال جرير يصف ركبًا: يمرون بالدهنا [إلى آخره (¬4)، والأظهر ما قاله في الحماسة. وهما من الطويل. قوله: "بالدهنا"] (¬5) بفتح الدال المهملة وسكون الهاء بعدها نون، يمد ويقصر وهاهنا بالقصر للضرورة، وهو موضع ببلاد تميم، قوله: "عيابهم" بكسر العين المهملة وبالياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحدة، وهو جمع عيبة، وهو ما يجعل فيه الثياب، ومن هذا يقال: فلان عيبة فلان إذا كان موضع سِرِّهِ. قوله: "من دارين" بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء مكسورة، وهو موضع في البحر يؤتى منه الطيب (¬6)، قوله: "بجر الحقائب" بضم الباء الموحدة وسكون الجيم وفي آخره راء، وهو جمع بجراء وهي الممتلئة، والحقائب بالحاء المهملة والقاف وبعد الألف ياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة، وهو جمع حقيبة، وهي وعاء يجعل الرجل فيها زاده ويحتقبه الراكب خلفه في سفره. قوله: "ألهى": من الإلهاء وهو الإشغال، وكل ما شغلك عن شيء فقد ألهاك، قوله: "فندلًا" من ندلت ندلًا -بالنون والدال المهملة، وهو الأخذ باليدين، ومنه اشتقاق المنديل، والندل -أيضًا- السرعة في السير. قال البعلي: الندل: النقل والاختطاف وهو المراد هاهنا، ويقال: ندلت الدلو إذا أخرجتها من البئر (¬7). ¬
قوله: "زريق" بضم الزاي المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو اسم قبيلة، وقال الرشاطي: هو زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج، وهي قبيلة في الأنصار (¬1)، والنسبة إليه: زُرَقِيّ [وفي طيء -أيضًا- زريق] (¬2) بطن بن عبد الله بن جدعة (¬3) بن زهير بن ثعلبة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء، وزريق: تصغير زَرق، وتصغير زُرق - أيضًا، وزرق العينين (¬4): هو خضرة الحدقة، ورجل أزرق وامرأة زرقاء. الإعراب: قوله: "يمرون": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى التجار واللصوص (¬5) على ما ذكرنا من الاختلاف فيه، قوله: "بالدهنا" في محل النصب [على أنه] (¬6) مفعوله، قوله: "خفافًا" نصب على الحال، و "عيابهم" مرفوع به. قوله: "ويخرجن": عطف على قوله: "يمرون" وإنما قال: يخرجن بنون جمع الإناث مع أن الضمير فيه يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الذي في "يمرون" على التأويل بالجماعة وهو غريب، قوله: "من دارين" يتعلق بقوله: يخرجن [قوله: "بجر الحقائب": كلام إضافي منصوب على الحال من الضمير الذي في: "يخرجن"] (¬7). قوله: "على حين" يروى بالإعراب والبناء، قوله: "ألهى الناس": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "جل أمورهم": كلام إضافي فاعل ألهى، قوله: "فندلًا": منصوب بفعل محذوف تقديره: اندل يا زريق ندلًا، "وزريقُ" منادى حذف حرف ندائه مبني على الضم. قوله: "المال": منصوب بالفعل المحذوف -أعني: اندلي (¬8)، قوله: "ندل الثعالب": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، أي: كندل الثعالب، أي: كخطف الثعالب، وفي أمثال العرب: أخطف من ثعلب (¬9)، وفي الحقيقة هي صفة لقوله: "فندلًا"، أي: فاندل يا زريق ندلًا كندل الثعالب. ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فندلًا"؛ إذ التقدير فيه: اندلي ندلًا؛ كما ذكرنا، وهو من قبيل المصدر الذي يأتي بدلًا من اللفظ بفعله؛ كما في قوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] أي: فاضربوا (¬1). الشاهد الرابع والأربعون بعد الأربعمائة (¬2)، (¬3) أَعَبْدًا حَلَّ فِي شُعَبَى غَرِيبًا ... أَلُؤْمًا -لا أَبَا لَكَ- واغْتِرَابًا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة يهجو بها خالد بن يزيد الكندي، وأولها هو قوله (¬4): 1 - أخالدَ عادَ وعدُكُمُ خِلابًا ... ومَنَّيْت المواعدَ والكذابَا 2 - أخالدَ كان أهلُكَ لي صديقًا ... فقدْ أمسَوْا بِحُبِّكُمْ حِرَابًا 3 - بِنَفْسِي مَنْ أزورُ فَلا أَراهُ ... ويَضْربُ دونه الخَدْمُ الحِجَابًا 4 - أخالدَ لوْ سَألْتِ عَلِمْتِ أَنِّي ... لَقِيتُ بحبكِ العجبَ العُجابَا 5 - ستطْلُعُ مِنْ ذُرَى شُعَبَى قوافٍ ... على الكِنْدِيِّ تلتهبُ التِهَابَا 6 - أَعَبْدًا حَلَّ فيِ شُعَبَى غَرِيبًا ... أَلُؤْمًا -لا أَبَا لَكَ- واغْتِرَابًا 7 - ويومًا من فزارةَ مستجيرًا ... ويومًا ناشِدًا حَلِفًا كِلابَا (¬5) 8 - إذا جهلَ اللئيمُ ولم يُقَدِّرْ ... لبعضِ الأمرِ أوشك أن يُصَابَا وهي طويلة من الوافر. ويقال: كان السبب في قول هذا الشعر أنه لما هجا الراعي، فقال في هجائه (¬6): ¬
1 - إذا غضبت عليكَ بنو تميم ... حَسِبْتَ الناسَ كلهمُ غِضَابَا عارضه خالد بن يزيد الكندي، وكان مقيمًا بشعبى فقال يجاوبه (¬1): 1 - ألا رَغِمَتْ أُنُوفُ بَنِي تَمِيمٍ ... فُسَاةِ التَّمْرِ إذْ كَانُوا غِضَابَا 2 - لقَدْ غَضِبَتْ عَلَيَّ بَنُو تَمِيمٍ ... فَمَا نَكَأَت بغَضْبَتِهَا ذبابَا 3 - لَو اطّلَعَ الغُرَابُ عَلَى تَمِيمٍ ... ومَا فيهَا مِنَ السّوْآتِ شَابَا فقال جرير يهجوه بقوله: أخَالِدٌ عَادَ وَعْدُكُمُ خِلابَا ... ......................... إلخ 1 - قوله: "خلابًا" بكسر الخاء المعجمة، وهو الخديعة باللسان، يقال: خلبه يخلبه بالباء، وكذا اختلبه. 6 - قوله: "شُعبى" بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة والباء الموحدة مقصور، اسم موضع، وألفه للتأنيث فلا ينصرف. الإعراب: قوله: "أعبدًا": منصوب على النداء، والتقدير: يا عبدًا، وقال النحاس: هو على وجهين: على النداء أو على أنه رآه في حال افتخار واجتراء، فقال: أتفخر عبدًا حَلَّ في شعبى غريبًا؟ فيكون عبدًا نصبًا على الحال (¬2). قوله: "حَلَّ": جملة وقعت صفة لعبد، و "في شعبى": يتعلق بحل، قوله: "غريبًا": حال من الضمير الذي في حَلَّ، "ألوُمًا" الهمزة للاستفهام على قصد التوبيخ، ولؤمًا: منصوب بفعل محذوف، أي: أتلؤم لؤمًا. قوله: "لا أبا لك": معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، ويذكر هذا تارة في المدح وتارة في الذم؛ كما يقال: لا أم لك، وقد يذكر في معرض التعجب دفعًا للعين كقولهم: لله درك!! (¬3)، وقد يذكر بمعنى: جِدَّ في أمرك وشمر؛ لأن من له أبي يتكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام، ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الأربعمائة
ويقال: لا أباك بمعناه، قوله: "واغترابًا": عطف على قوله: "ألؤمًا"، والتقدير: تغترب اغترابًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألؤمًا واغترابًا" حيث جاء المصدران فيهما بدلًا من اللفظ بالفعل، وهو من قبيل الطلب الذي هو استفهام. الشاهد الخامس والأربعون بعد الأربعمائة (¬1)، (¬2) فصبرًا في مَجَالِ المَوْت صَبْرًا ... ........................... أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة الخارجي، وتمامه: ................................ ... فمَا نَيْلُ الخُلُودِ بِمُسْتَطَاعِ وهو من قصيدة عينية من الوافر، وأولها هو قوله (¬3): 1 - أقُولُ لَهَا وَقدْ طَارَتْ شَعَاعًا ... منَ الأبْطَالِ وَيحَكِ لَنْ تُرَاعِي 2 - فإنَّكِ لوْ سَألْتِ بَقاءَ يَومٍ ... عَلَى الأجَلِ الذي لكِ لَمْ تُطَاعِي 3 - فَصْبرًا في مَجَالِ الموَتِ صَبرًا ... ....................... إلخ (¬4) 4 - ولا ثَوبُ البَقَاءِ بِثوب عِزٍّ ... فَيُطْوَى عن أخِي الخَنَعِ اليَرَاعِ 5 - سَبِيلُ المَوتِ غَايَةُ كُلّ حَيّ ... فَدَاعِيهِ لأهْلِ الأرْضِ دَاعِ 6 - ومَنْ لا يُعتَبَطْ يَسأَمْ وَيَهرَمْ ... وتُسْلِمْهُ المنُونُ إلَى انْقِطَاعِ 7 - ومَا للمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ ... إذا مَا عُدَّ مِنْ سَقَطِ المتَاعِ 1 - قوله: "أقول لها" يعني للنفس، "شعاعًا" بفتح الشين؛ أي: متفرقًا وهذا مثل ومعناه المبالغة في الفزع، قوله: "من الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع، قوله: "لن تراعي" من الروع وهو الفزع. 4 - قوله: "عن أخي الخنع" بفتح الخاء المعجمة والنون وفي آخره عين مهملة، وأخو الخنع: ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الأربعمائة
الذليل، والخنوع: الذلة، و "اليراع" بفتح الياء آخر الحروف [والراء] (¬1)، وهي القصبة التي لا جوف لها، والرجل الذي لا جوف له جبان، فوضع اليراع مكان الجبان لأنه بمعناه. 6 - قوله: "ومن لا يعتبط" بالعين المهملة؛ أي: [من] (¬2) لا يموت شابًّا [مات] (¬3) هرمًا ويسأم ما يعتريه من تكاليف الهرم. الإعراب: قوله: "فصبرًا" نصب بفعل محذوف تقديره: اصبري يا نفس صبرًا، فإن قلت: ما الفاء فيه؟ قلتُ: الفاء فيه تدخل في جواب الشرط، والتقدير: إذا لم تطاعي يا نفس في سؤالك بقاء يوم على الأجل الذي قدر لك، فاصبري في مجال الموت صبرًا، و "المجال" بفتح الميم؛ موضع من جال يجول جولًا وجولانًا، والجار. والمجرور يتعلق بالمحذوف، قوله: "صبرًا": تأكيد للصبر الأول. الاستشهاد فيه: في قوله: "فصبرًا" (¬4)؛ حيث حذف منه فعله وهو الطلب، وقد علم أن المصدر يقوم مقام فعله ويمتنع ذكره معه، ولكن ابن عصفور خصَّ ذلك فيما إذا كان مكررًا، واحتج على ذلك بالبيت المذكور، فكأن التكرير يغني عن ذكر فعله فيمنع (¬5) ذكره، بخلاف ما إذا لم يكن مكررًا حيث لا يمنع ذكر فعله معه (¬6). فافهم، والله أعلم. الشاهد السادس والأربعون بعد الأربعمائة (¬7)، (¬8) ما إِنْ يَمُسُّ الأرضَ إلا مَنْكبٌ ... منه وحرفُ الساقِ طيّ المِحْمَلِ أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس الحوفي أحد بني سعد من هذيل ثم ¬
أحد بني حرب، شاعر جاهلي. وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - أزُهَيْرُ هلْ عَنْ شَيْبَةٍ مِنْ مَعْدَلٍ ... أمْ لا سبيلَ إلى الشَّبابِ الأوَّلِ؟ 2 - أمْ لَا سبيلَ إلى الشبابِ وذكرُهُ ... أشْهَى إِلَيَّ من الرحيقِ السَّلْسَلِ 3 - ذَهَبَ الشَّبَابُ وفَاتَ مِنِّي مَا مَضَى ... ونَضَا زُهَيرُ كَرِيهَتِي وتَبَطُّلِي 4 - وصحَوْتُ عن ذِكرِ الغَوَانِي وانْتَهَى ... عُمْرِي وأَنْكَرْتُ الغَدَاةَ تُقَتلي 5 - أزُهَيْرُ إنْ يَشِبْ القَذَالُ فإنَّهُ ... رُبَّ هَيْضَلٍ مَرِسٍ لَفَفْتُ بِهَيضَلِ 6 - وإذَا قَذَفْتَ له الحَصَاةَ رَأيْتَهُ ... ينْزُو لوَقْعَتِهَا طَمُورَ الأخْيَلِ 7 - ما إِنْ يَمَسُّ الأرضَ إلا مَنْكِبٌ ... منه وحَرْفُ السَّاقِ طَيَّ المِحْمَلِ 1 - قوله: "أزُهَيْرُ" يريد: زهيرة بنته، وهو منادى مرخم، قوله: "مَعْدل" أي: انعدال. 2 - قوله: "من الرحيق" أي: الخمر، و "السلسل": العذب، وكذلك السلسال. 3 - قوله: "ونَضا" أي: انسلخ ومضى، قوله: "زهير" يعني: يا زهيرة، قوله: "كريهتي" أي قوتي وشدتي على الكريهة، قوله: "وتبطلي" [أي: شجاعتي] (¬2) من البطل وهو الشجاع. 4 - قوله: "الغواني": جمع غانية وهي التي غنيت بجمالها، قوله: "تقتلي" بالقاف والتاء؛ أي: تغنجي وتكسري. 5 - قوله: "القذال" بفتح القاف، وهو ما بين نقرة القفا وأعلى الأذن، قوله: "رب هيضل" بتخفيف الباء للضرورة، وهو لغة أيضًا في التشديد (¬3)، والهيضل: الجماعة، و"المرس" بفتح الميم وكسر الراء وفي آخره سين مهملة، وهو الشديد، قوله: "لففت بهيضل" أي: جمحت بينهم في القتل، قوله: "وإذا قذفت" ويروى: وإذا طرحت، والضمير في له (¬4) يرجع إلى فرسه الذي يمدحه. 6 - قوله: "يَثِبُ" (¬5) أراد أنه ينزو من النشاط ولا يقوم متبطئًا كسلان، قوله: "لوقعتها" أي: لوقوعها، قوله: "طمور الأخيل" أي: وثوب الأخيل (¬6) وهو الشقراق، وهو طائر سريع الوثوب. 7 - قوله: "ما إن يمس الأرض إلا منكب" يصفه بخماصة البطن، يعني: إذا اضطجع لم ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الأربعمائة
يندلق، بطه إنما يمس منكبه (¬1) الأرض وهو خميص البطن، قوله: "طي المحمل" أراد أنه مدمج الخلق كطي المحمل يعني: حمائل السيف، وهو بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الميم الثانية، قال الجوهري: المحمل مثال المرجل: عِلاقَةُ السَّيْفِ (¬2). الإعراب: قوله: "ما" للنفي وبطل عملها لدخول إلا، وكلمة "إن" زائدة للتوكيد؛ كما في قوله: "وما إن طبن جُبْنَ" وقوله: "يمس": فعل مضارع، و "الأرض" مفعوله، و "منكب" فاعله، قوله: "منه" في محل الرفع على أنه صفة [لمنكب] (¬3)، قوله: "وحرف الساق" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه عطف على منكب. الاستشهاد فيه: في قوله: "طي المحمل" حيث نصب بتقدير: يطوي طي المحمل (¬4)، والله أعلم. الشاهد السابع والأربعون بعد الأربعمائة (¬5)، (¬6) ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا ... ............................ أقول: قائله هو [الأعشى] (¬7) أعشى بني قيس، واسمه: ميمون بن قيس، وتمامه (¬8): ............................. ... وبِتَّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا وهو من قصيدة قالها الأعشى في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان خرج إليه في الهدنة التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش في صلح الحديبية يريد الإسلام؛ فبدأ بمكة، فلقيه أبو سفيان، فسأله عن وجهه الذي يريد، فقال: أريد محمدًا، قال: إنه يحرم عليك خصالًا كلها لك موافق. قال: ما هي؟ قال: الخمر والزنا والقمار. ¬
قال: أما الزنا فقد تركني ولم أتركه، وأما الخمر فقد قضيت منها وطرًا، وأما القمار فلعلي أصيب منه خلفًا. فقال له أبو سفيان: هل لك إلى خير من هذا؟، قال: بيننا وبينه هدنة، فترجع عامك وتأخذ مائة ناقة حمراء، فإن ظفرنا به كنت قد أصبت عوضًا عن رحلتك، وإن ظفر هو (¬1) أتيته حينئذ. وانطلق به أبو سفيان إلى منزله وجمع أصحابه، وقال: هذا إلأعشى قد عرفتم شعره، ولئن وصل إلى محمد لتصيّرنّ عليكم العرب بشعره، فجمعوا له مائة ناقة وانصرف إلى أهله، فلما كان بقاع منفوحة قرية من قرى اليمن رمى به بعيره فقتله. وذكر محمد بن حبيب في شرح شعر الأعشى (¬2)، وقال: سمع الأعشى قراءة الكتب وأقبل حتى أتى مكة، وقال هذا الشعر -أعني: القصيدة التي يأتي ذكرها الآن، يمتدح ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونزل على عتبة بن ربيعة، فسمع به أبو جهل فأتاه في فتية من قريش، وأهدى إليه هدية، ثم سأله: ما جاء بك؟ قال: [جئت] (¬3) إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - لأني كنت سمعت الكتب لأنظر ماذا يقول؟ وما يدعو إليه؟، فقال له أبو جهل: إنه يحرم عليك الأطيبين: الخمر والزنا. فقال: لقد كبرت وما لي في الزنا [حاجة] (¬4)، وأما الخمر، فقد أصبت منها غرضي، فجعلوا يحدثونه أسوأ ما يكون من الكلام والفعل، ثم قالوا: أنشدنا ما قلت فيه، فأنشدهم هذه القصيدة، فلما فرغ منها قالوا له: لو أنشدتَه هذا لم يقبله منك، فلم يزالوا به حتى صدوه، فخرج من فوره ذلك فأتى اليمامة، فقال: أتركه عامي هذا، فمكث زمنًا يسيرًا، فمات باليمامة، وهذه هي القصيدة (¬5): 1 - ألمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَرْمَدَا ... وبِتَّ كما باتَ السَّليمُ مُسَهَّدًا 2 - ومَا ذاكَ مِن عشقِ النساءِ وإنمَا ... تناسَيْتَ بعدَ اليومِ خُلَّةَ مَهْددَا (¬6) ¬
3 - ولكن أرَى الدهرَ الذي هو خاترٌ ... إذا أصلحتْ كَفَّايَ عادَ فأفْسَدَا 4 - شبابٌ وشَيْبٌ وافتقَارٌ وثروةٌ ... فَللَّه هذا الدهرُ كيفَ تَرَدَّدَا 5 - وما زلتُ أبْغِي المال مذْ كنتُ يافعًا ... وَلِيدًا وكَهْلًا حينَ شِبْتُ وأمردَا (¬1) 6 - بِإِتْعَابِي العِيسَ المَراسيلَ تَعْتَدِي ... مسافةَ ما بينَ النَّجِيرِ فصَرْخَدَا (¬2) 7 - فإنْ تَسْألِي عني فيا رُبَّ سائلٍ ... حَفِيٌّ عن الأعشَى به حيثُ أصْعَدَا 8 - ألا أيُّهذا السَّائلِي أينَ يَمَّمَتْ ... فإنَّ لهَا في أهْلِ يثربَ موعدَا 9 - فأمَّا إذا ما أَدْلَجَتْ فَتَرَى لها ... رَقِيبَيِنْ جَدْيًا لا يَغِيبُ وَفَرْقَدَا 10 - وفيها إِذا ما هَجَّرَتْ عَجْرَفِيَّةٌ ... إذا خِلْتَ حِرْبَاءَ الظَّهِيرَةِ أَصْيَدَا 11 - وأذْرَتْ برِجْلَيْهَا النفيَ وراجَعَتْ ... يداها خِنَافًا لَيِّنًا غيرَ أحْرَدَا 12 - فما لك عندِي مُشتَكَى مِنْ كَلالةٍ ... ولا مِنْ حَفًى حتَّى تُلاقِي محمدَا 13 - نَبِيًّا يرَى ما لا تروْنَ وقولُهُ ... أَغَارَ لَعَمْرِي في البلادِ وأنْجَدَا 14 - متَى ما تُنَاخِي عندَ بابِ ابنِ هاشِمٍ ... تُرِيحِي وَتَلْقَى مِنْ فوَاضِلِهِ ندى 15 - لهُ صدقاتٌ ما تُغِبُّ ونائلٌ ... وليسَ عطاءُ اليومِ مانعَهُ غدَا 16 - أجِدَّكَ لمْ تَسْمَعْ وَصَاةَ محمدٍ ... نبيِّ الإِلهِ حينَ أَوْصَى وأشهدَا 17 - إذا أنتَ لمْ تَرْحَلْ بزادٍ منَ التُّقَى ... ولاقيتَ بعدَ اليومِ مَنْ قدْ تَزَوَّدَا 18 - ندمتَ على أنْ لا تكونَ كمثلِهِ ... وأنكَ لَمْ تَرْصُدْ لِما كانَ أرْصَدَا 19 - فإيَّاكَ والميْتاتِ لا تُطعِمَنَّهَا ... ولا تأخُذَنْ سهمًا حَدِيدًا لِتَفْصِدَا 20 - ولَا النُّصُبَ الْمَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ... لِعَاقِبَةٍ واللَّه ربُّك فاعبدَا 21 - وصَلِّ على حِيِن العشِيَّاتِ والضُّحَى ... ولا تَحْمَدِ الشيطَانَ واللهَ فاحْمِدَا 22 - ولَا السَّائِلَ المَحْرومَ لا تتْرُكَنَّهُ ... لِعَاقِبَةٍ ولا الأسيرَ المقُيَّدَا 23 - ولا تسْخَرَنَّ مِنْ بائِسٍ ذي ضرارةِ ... ولا تَحْسَبَنَّ المرءَ يومًا مخلَّدَا 24 - ولا تَقْرَبَنَّ جارةً إنَّ سِرَّهَا ... عليكَ حرامٌ فانكِحَنْ أوْ تأبَّدَا ¬
وهي من الطويل وفيها القبض. 1 - قوله: "ألم تغتمض" أي: ألم تنم، يقال: ما ذقت غمضًا من النوم ولا إغماضًا، قال محمد بن حبيب -رحمه الله- ويروى: ألم تغتمض عيناك ليلك أرمدا ... ............................ والأرمد هو نفسه, قوله: "السليم" بفتح السين المهملة، وهو اللديغ، و "المسهد" بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الهاء المفتوحة، هو السهر الذي لا ينام لئلا يدب السم فيه. 2 - قوله: "خلة مهددا" الخلة بضم الخاء المعجمة [وتشديد اللام] (¬1)، وهي الصداقة، يقال: فلان خلتي، وفلانة خلتي، يعني: خليلي، و "مَهددَا" بفتح الميم: اسم امرأة، وقيل: إن الميم من نفس الكلمة. 3 - قوله: "خاتر" أي: غادر؛ من الختر وهو الغدر، ومنه قوله تعالى: {كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32]، ويروى: خاين من الخيانة. 4 - قوله: "شباب إلخ" يريد: هذه أحوال الدهر وتصرفه، فللَّه كيف يتصرف!؟ وهذا التعجب منه. 5 - قوله: "يافعًا" بالياء آخر الحروف [والفاء، واليافع: فوق المحتلم، والوليد الصبي. 6 - قوله: "العيس" بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف] (¬2)، وفي آخره سين مهملة، وهي البيض من الإبل الصفر الأطراف، وهي ضرب من النجائب، وواحدتها عيساء، و "المراسيل" جمع مرسال، وهي الناقة السهلة السير, قوله: "تعتدي": من الاعتداء وهي المسارعة, قوله: "والنجير" بضم النون وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء وهو حصن باليمن لقيس بن معدي كرب، ومنه أخذ الأشعث بن قيسر مرثدًا، و "صرخد": قلعة بالشام مشهورة. 7 - قوله: "حفي" بالحاء المهملة والفاء، هو المبالغ في السؤال, قوله: "حيث أصعدا" من الإصعاد وهو إتيانه مكة؛ لأن مكة تهامية وهي أعلى نجد. 8 - و "يثرب" هي المدينة. 9 - قوله: "أدلجت": من الادّلاج وهو سير الليل أجمع، والإدلاج: سير آخر الليل، فأخبر أنها تسير بالفرقدين والجدي وهي مطالع القمر ومنازله. 10 - قوله: "هجّرت" بالتشديد، أي: سارت في الهاجرة حين تضعف الإبل ويقل فيها ¬
النشاط، "والعجرفية": النشاط، و"الحرباء" بكسر الحاء المهملة؛ دويبة؛ كالعظاءة (¬1) ونحوها إذا اشتد الحر صعدت على جدل فواجهت الشمس حين تغرب، و"الأصيد": البعير الذي به صيد وهو قروح بالمنخرين (¬2) لا يكاد يضع رأسه. 11 - قوله: "وأذرت برجليها النفيّ" يقال: أذريت الشيء إذا لقيته كإلقائك الحب للزرع، وطعنه فأذراه عن ظهر دابته، أي: ألقاه، والنفيّ بفتح النون وكسر الفاء وتشديد الياء [آخر الحروف] (¬3)، وهو ما تطاير من الحصى من قوائمها, قوله: "خنافًا" بكسر الخاء المعجمة وبالنون وبعد الألف فاء، وهو سرعة قلبها يديها إلى وحشيها، وقال الجوهري: الخناف: لين في أرساغ البعير، تقول منه: خنف البعير يخنف خنافًا إذا سار فقلب خف يديه إلى وحشيه، وناقة خنوف، قال الأعشى: وأنشد البيت المذكور (¬4). قوله: "أحردا" بالحاء المهملة؛ من الحرد، وهو جسوء يكون في اليدين إذا مشى، فإذا كان الحرد بيد واحدة لم يستو حمله، وإذا كان بيديه جميعًا استوى حمله، و"الجسوء" بضم الجيم والسين المهملة وفي آخره همزة، يقال: جسأت يده من العمل تجسأ جسًأ وجسوءًا إذا صلبت. 12 - قوله: "من كلالة" أي: من في في السير. 13 - قوله: "أغار" أي: صار إلى الغور، و"أنجد" أي: صار إلى النجد. 14 - قوله: "تريحي" أي: تستريحي، يقال: أراح واستراح بمعنى واحد, قوله: "من فواضله": جمع فاضلة وهي الإحسان والإنعام, قوله: "ندا" (¬5) بفتح النون وهو العطاء. 15 - قوله: "ما تُغِبّ" بضم التاء وكسر الغين المعجمة وفي آخره باء موحدة، يقال: فلان لا يغبنا عطاؤه؛ أي: لا يأتينا يومًا دون يوم، بل يأتينا كل يوم. 16 - قوله: "أجدك" معناه: أبجد منك هذا، ونصبها بطرح الباء، قال أبو عمرو: ومعناه ما لك أجدُّا منك؟ ونصبها على المصدر (¬6). 23 - قوله: "ابن بائس" أي: فقير ذي ضرارة، أي: حاجة. 24 - قوله: "إِنَّ سرها" أي: جماعها, قوله: "أو تأبدا": من التأبيد وهو التغرب، ومنه قيل للوحش: أوابد لتأبدها. ¬
الإعراب: قوله: "ألم تغتمض" الهمزة للاستفهام على وجه التقرير و "عيناك": كلام إضافي فاعل تغتمض، والخطاب فيه لنفسه يدل عليه البيت الثاني, قوله: "ليلة": نصب بالنيابة عن المصدر على ما يجيء [الآن] (¬1) - إن شاء الله تعالى -. قوله: "أرمدَا": صفة لموصوف محذوف، أي: مثل اغتماض رجل أرمد، وأصله: ليلة أرمدِ بجر الأرمد للإضافة، ولكن نصب للضرورة ليوافق مسهدًا في الشطر الثاني، والبيت مصرع، وقد يتغير الإعراب عن وجهه في الشعر كثيرًا. قوله: "وبت" جملة من الفعل والفاعل، [قوله: "] (¬2) كما بات": الكاف للتشبيه وما مصدرية أي: كبيتوتة السليم مسهدًا، أي: نائمًا؛ فإنه لا ينام إلا اغتماضًا، وانتصاب "مسهدًا" على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "ليلة أرمد" حيث نصب ليلة النيابة عن المصدر، والتقدير: اغتماضًا مثل اغتماض ليلة الأرمد، وليس انتصابها على الظرت، ونحوه قول الشاعر (¬3): وطَعْنَة مُسْتَنْبِلٍ ثَائِرٍ ... تَرُدُّ الكَتيبَةَ نِصْفَ النَّهَارِ فإنه لا يجوز نصب نصف النهار على الظرف بل على المصدر، تقديره: ردًّا مقدار رد نصف النهار، فافهم، والله أعلم (¬4). ¬
شواهد المفعول له
شواهد المفعول له الشاهد الثامن والأربعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) فجئتُ وقدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا ... لدَى السِّتْرِ إلا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها (¬3): قِفَا نبكِ منْ ذِكرَى حبيبٍ ومنزلٍ ... ................................... وهي تناهز ثمانين بيتًا وقد سقناها بتمامها فيما مضى، وهي من الطويل. قوله: "نضت": من نضيت ثوبي إذا ألقيته عنك, قوله: "لدى الستر" أي: عند الستارة، و"المتفضل" الذي يبقى في ثوب واحد، وقال ابن فارس: المتفضل: المتوشح بثوبه، والفُضُل بضمتين؛ الذي عليه قميص ورداء وليس عليه إزار ولا سراويل (¬4). والمعنى: جئت إليها في حالة قد ألقت ثيابها من جسدها؛ لأجل النوم ولم يبق عليها إلا لبس المتفضل، وهو الثوب الواحد الذي يتوشح به. ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الأربعمائة
الإعراب: [قوله: "] (¬1) فجئت": الفاء عطف على ما قبله، و "جئت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "وقد نضت": جملة وقعت حالًا، أي: والحال أنها قد ألقت لأجل النوم ثيابها، قوله: "لنوم" (¬2) اللام للتعليل، "وثيابها" كلام إضافي نصب على أنه مفعول لقوله: "نضت"، قوله: "لدى الستر" كلام إضافي نصب على الظرف, قوله: "إلا": استثناء من قوله: "وقد نفحت لنوم ثيابها" [وقوله: "لبسة المتفضل": كلام إضافي منصوب على الاستثناء. الاستشهاد فيه: في قوله: "لنوم" حيث أبرزت فيه لام التعليل؛ وذلك لأن النوم لم يقارن نضوها ثيابها] (¬3)، وقد علم أن من جملة شروط انتصاب المفعول له باللام المقدرة: أن يكون المفعول له والعامل فيه في زمان واحد؛ لأن العلة حقها المقارنة، فإن كانا في زمانين لم يجز النصب وتعين الجر بإظهار اللام، والله تعالى أعلم (¬4). الشاهد التاسع والأربعون بعد الأربعمائة (¬5) , (¬6) وإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ ... كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ أقول: قائله هو أبو صخر (¬7) الهذلى، [وهو] (¬8) من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬9): 1 - عَجبتُ لسَعْيِ الدَّهْرِ بَينِي وبينَها ... فلمَّا انقضَى ما بَينَنَا سكَنَ الدَّهْرُ 2 - فيا حبَّها زِدْني جَوَى كُلَّ لَيلَةٍ ... ويا سَلْوةَ الأيَّامِ موعِدُكِ الحشرُ 3 - ويا هَجْرَ لَيلَى قد بَلَغتَ بِيَ المدا ... وزِدتَ عَلَى ما لَيسَ يَبلُغُهُ الهَجْرُ ¬
الشاهد الخمسون بعد الأربعمائة
4 - هَجَرتُكِ حَتَّى قِيلَ لا يَعرِفَ الهَوَى ... وزُرتُكِ حَتَّى قيلَ ليسَ لهُ صَبرُ 5 - أمَّا والذِي أبْكَى وأضْحَكَ والذي ... أمَاتَ وأحْيَا والذِي أمْرُه الأمْرُ 6 - لقد تَرَكَتْنِي أحْسُدُ الوَحْشَ إذ أرَى ... أَلِيفَيْنِ مِنهَا لا يَرُوعُهُمَا الذُّعْرُ قوله: "لتعروني": من عراه الشيء يعروه إذا غشيه, قوله: "لذكراك" بكسر الذال العجمة أي: لذكرك, قوله: "هزة" بفتح الهاء وتشديد الزاي المعجمة، أي: رعدة، ويروى: فترة, قوله: "القطر" أي: المطر. الإعراب: قوله: "وإني" الواو للعطف، وإن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والضمير المتصل به اسمه، و"لتعروني" خبره، واللام فيه للتأكيد، وهي جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "هزة" بالرفع فاعله, قوله: "لذكراك" متعلق بقوله: "لتعروني" و "الذكرى": مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف تقديره: لذكراي إياك. قوله: "كما" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والتقدير: كانتفاض العصفور, قوله: "بللَّه القطر": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وقعت حالًا من العصفور بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي: قد حصرت، والتقدير: قد بلله القطر. الاستشهاد فيه: في قوله: "لذكراك" فإن اللام فيه للتعليل، وهي في مقام المفعول له، وإنما ظهرت اللام فيه لعدم بعض شروط النصب باللام المقدرة وهي: اتحاده بالفاعل، وذلك لأن قوله: "لذكراك" فاعله المتكلم، وفاعل: "تعروني" هو قوله: "هزة"، ونحو ذلك قولك: "جئتك لأمرك إياي". والله تعالى أعلم (¬1). الشاهد الخمسون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) لا أقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيجَاء ... وإنْ تَوالتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ أقول: هذا رجز راجز لم أقف على اسمه. ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الأربعمائة
قوله: "الجُبن" بضم الجيم وسكون الباء الموحدة وفي آخره نون، وهو الخوف والفزع، وأما: "الجبنّ" بتشديد النون فهو الذي يعمل من اللبن (¬1)، [قوله: "عن الهيجاء" بفتح الهاء وهي الحرب يمد ويقصر وهنا ممدودة] (¬2) قوله: "ولو توالت" أي: ولو تتابعت وتكاثرت، و"زمر الأعداء" أي: جماعتهم، والزمر -بضم الزاي وفتح الميم: جمع زمرة. الإعراب: قوله: "لا أقعد": جملة منفية مركبة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه: قوله: "الجبن": نصب على التعليل, قوله: "عن الهيجاء" متعلق بقوله: "لا أقعد", قوله: "ولو توالت" واصل بما قبله، وتوالت فعل ماض، وقوله: "زمر الأعداء" كلام إضافي فاعله. فإن قلت: أين جواب لو؟ قلت: لو هذه استغنت عن الجواب لدلالة سياق الكلام عليه؛ إذ التقدير: لو توالت زمر الأعداء لا أقعد؛ فاستغنى عن إظهاره لدلالة سياق الكلام عليه (¬3)، فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "الجبن" حيث جاء بالألف واللام وهو نصب على أنه مفعول له وهو قليل، والأكثر أن يكون خاليًا عن الألف واللام (¬4). الشاهد الحادي والخمسون بعد الأربعمائة (¬5) , (¬6) مَنْ أَمَّكُم لِرَغْبَةٍ فيكُمْ ظَفِرْ ... ............................. أقول: هذا -أيضًا- رجز لم أقف على اسم قائله وتمامه: .............................. ... ومَنْ تكُونُوا ناصِرِيهِ ينْتَصرْ المعنى: من قصدكم لأجل رغبة في إحسانكم فقد ظفر بمقصوده، ومن تكونوا أنتم تنصرونه فقد انتصر على عدوه. ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الأربعمائة
الإعراب: قوله: "من" موصولة متضمنة معنى الشرط، وقوله: "أمكم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول، وقوله: "لرغبة": أي: لأجل رغبة، وهو مفعول له [باللام الظاهرة، قوله: "فيكم": يتعلق بقوله: "لرغبة". قوله: "ظفر" بكسر الفاء؛ خبر المبتدأ أعني قوله: "من"؛ فإنه] (¬1) في محل الرفع على الابتداء، وفي الحقيقة قوله: "ظفر": خبر لمبتدأ محذوف، والجملة خبر المبتدأ الأول تقديره: فهو ظفر، حذف المبتدأ مع الفاء التي تدخل الجواب. قوله: "ومَن تكونوا" الكلام في مَن وخبره كالكلام في مَن الأولى، اسم كان مستتر فيه وهو أنتم (¬2)، و"ناصريه" كلام إضافي منصوب لأنه خبر كان، وقوله: "ينتصر": مجزوم لأنه جواب الشرط، وأصله [فهو] (¬3) ينتصر كما ذكرنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لرغبة" فإنه مفعول له، [وقد برزت فيه اللام، وهذا حجة على من منع إبراز اللام عند استكمال الشروط في المفعول له] (¬4)، فهذا وإن كان جائزًا ولكن نصبه أرجح (¬5). الشاهد الثاني والخمسون بعد الأربعمائة (¬6) , (¬7) فليتَ لِي بِهمُ قوْمًا إِذَا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا ورُكْبَانًا أقول: قائله هو قريط بن أنيف من بلعنبر شاعر إسلامي، وهو من قصيدة ¬
[إسلامية] (¬1) أولها هو قوله (¬2): 1 - لوْ كُنْتُ من مازنٍ لم تَسْتَبِحْ إبلي ... بنو اللقيطَةِ من ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا 2 - إذنْ لقامَ بِنَصْرِي معشرٌ خُشُنٌ ... عند الحفيظةِ إن ذو لُوثَةٍ لانَا 3 - قومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى ناجذَيْهِ لهم ... طاروا إليه زَرَافاتٍ ووُحْدَانَا 4 - لا يسألونَ أخاهُمْ حينَ يندبُهُمْ ... في النائباتِ على ما قال بُرْهَانَا 5 - لكنَّ قومِي وإنْ كانُوا ذوي عددٍ ... ليسُوا منَ الشَّرِّ في شيءٍ وإنْ هَانَا (¬3) 6 - يَجْزُونَ منْ ظُلْمٍ أهل الظلمِ مغفرةً ... ومن إساءةِ أهلِ السوء إحسانَا 7 - كأنَّ ربَّكَ لم يَخْلُق لخشيتِهِ ... سِوَاهُمُ من جميعِ الناسِ إنسانَا 8 - فليت ................... ... ..................... إلى آخره وهي من البسيط. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أغار ناس من بني شيبان على رجل من بلعنبر يقال له: قريط بن أنيف، فأخذوا له ثلاثين بعيرًا، فاستنجد أصحابه فلم ينجدوه، فأتى بني مازن بن تميم فركب معه نفر فطردوا لبني شيبان مائة بعير ودفعوا إلى قريط، وخرجوا معه [حتى] (¬4) صاروا إلى قومه، فقال قريظ: لوْ كُنْتُ من مازنٍ لم تَسْتَبِحْ إبلي ... ............................ إلى آخر القصيدة. 1 - قوله: "من مازن" الموازن أربعة: مازن قريش، ومازن اليمن، ومازن ربيعة، ومازن تميم، وهو المراد هاهنا, قوله: "لم تستبح إبلي": من الاستباحة، قيل: هي الإباحة، وقيل: الإباحة التخلية بين الشيء وطالبه، والاستباحة: اتخاذ الشيء مباحًا، وذهل بن شيبان: قبيلة، وإنما قال: بنو اللقيطة؛ لأن أمهم التُقطت. 2 - قوله: "خُشُن" بضم الخاء والشين المعجمتين (¬5)؛ جمع خشن, قوله: "لوثة" بضم اللام وسكون الواو وفتح الثاء المثلثة: وهو الضعف، وبفتح اللام: الشدة، وقيل العكس، والمعنى: ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الأربعمائة
أنهم يشدون إذا لان الضعيف. 3 - قوله: "ناجذيه" الناجذ -بالنون والجيم والذال المعجمة: آخر الأضراس, قوله: "زرافات" بفتح الزاي المعجمة بعدها الراء وبعد الألف فاء، وهي الجماعات واحدها: زرافة، ويقال: زرّافة بتشديد الراء, قوله: "ووحدانا": جمع واحد؛ كصاحب وصحبان. 4 - قوله: "برهانًا" هو فعلان من البره، وهو القطع، وقال أبو الفتح: برهان فعلان كقرطاس ونونه أصلية بدليل قوله: "برهنت" (¬1). 8 - قوله: "شنوا": من شنَّ إذا فرق، وذلك لأنهم يفرقون الإغارة عليهم من جميع جهاتهم، وقال ابن فارس: الإشنان: إشنان الغارة، ويروى: شدوا الإغارة، وهي الأصح (¬2)، و "الإغارة" مصدر من أغار على العدو، يقال: أغار فلان على العدو غارة وإغارة، والاسم: الغارة، قوله: "فرسانًا": جمع فارس، و: "الركبان": جمع راكب، وأراد به راكب الإبل خاصة. الإعراب: قوله: "فليت لي بهم" الفاء للعطف وليت للتمني، وقوله: "قومًا" اسمه، وخبره هو: "لي" مقدمًا، والباء في بهم للبدل, قوله: "إذا ركبوا شنوا" جملة في محل الرفع لأنها صفة لقوم (¬3)، وقوله: "شنوا": جواب إذا, قوله: "الإغارة": نصب على التعليل، وقد يتوهم كثير من المحصلين [في رواية: شنوا] (¬4) أنه مفعول به, قوله: "فرسانًا وركبانًا": حالان مترادفان أو متداخلان من القوم. الاستشهاد فيه: في قوله: "الإغارة" [حيث] (¬5) نصب على أنه مفعول له، والحال أنه معرف بالألف واللام وهو قليل، والأكثر أن يكون مجردًا عن الألف واللام كما ذكرنا (¬6). الشاهد الثالث والخمسون بعد الأربعمائة (¬7) , (¬8) وَأُغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَريمِ ادخارَهُ ... وَأُعْرِضُ عن شَتْمِ اللئيمِ تكَرُّمًا أقول: قائله هو حاتم بن عدي الطائي، وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو ¬
قوله (¬1): 1 - وَعَاذِلَتَيِن هَبَّتَا بَعْدَ هَجْعَةٍ ... تلُومَانِ مِتْلافًا مُفِيدًا مُلَوَّمَا 2 - تَلُومَانِ لَمَّا غَوَّرَ النَّجْمُ ضَلّةً ... فتى لا يَرى الإنفاقَ في الحمدِ مَغْرَمَا 3 - فقلْتُ وقد طال العِتَابُ عليهِما ... وَأَوْعَدَتَانِ أنْ تَبِينَا وتَصْرِمَا 4 - ألا لَا تَلُومانِي على ما تَقَدَّمَا ... كَفَى بِصُرُوفِ الدَّهْرِ للمرْءِ مُحْكِمَا 5 - فإنَّكُمَا لَا ما مضَى تُدْرِكَانِهِ ... ولستُ على مَا فَاتَنِي مُتَنَدِّمَا 6 - فنفسَكَ أكرِمْهَا فَإِنكَ إنْ تَهُن ... عليكَ فَلَنْ تَلْقَى لها الدهرَ مُكْرِمَا 7 - أَهِنْ للذِي تَهْوَى التِّلادَ فإنه ... إذا مُتَّ كانَ المالُ نَهْبًا مُقَسَّمَا 8 - ولا تشْقَيَنْ فيه فيسعدَ وارثٌ ... به حينَ تَغْشَى أَغْبَرَ الجَوْفَ مُظْلِمَا 9 - يُقَسِّمْهُ غُنْمًا ويَشْرِي كَرَامَهُ ... وقدْ صِرتَ في خَطٍّ منَ الأرضِ أعظُمَا 10 - قليلًا بهِ مَا يَحْمِدَنْكَ وارثٌ ... إذا نال مما كنتَ تجمعُ مغنمَا 11 - تحلّمْ عنِ الأدْنَيْنَ واستَبْقِ وُدَّهُمْ ... ولَنْ تَسْتَطِيعَ الحِلْمَ حتَّى تَحَلَّمَا 12 - متَى تَرْقَ أضْغَانَ العَشِيرَةِ بالأَنَا ... وتركِ الأذى يُحْسَمُ لكَ الداءُ مَحْسَمَا 13 - وعوراءَ قدْ أعرضتُ عَنْهَا فلمْ تَضِرْ ... وذِي أوَدٍ قَوَّمْتُهُ فتَقوَّمَا 14 - وَأُغْفِرُ عوراء الكريمِ ادخارَهُ ... وَأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللئيمِ تكَرُّمَا 15 - ولا أَخْذُلِ المولَى وإنْ كانَ خاذلًا ... ولا أشتُمُ ابن العمِّ إنْ كانَ مُفْحِمَا 16 - ولَا زادَنِي عنهُ غِنايَ تَبَاعُدًا ... وإنْ كانَ ذَا نقصٍ مِنَ المالِ مُصْرِمَا 17 - وليلٍ بَهِيمٍ قد تَسَرْبَلْتُ هَوْلَهُ ... إذَا الليلُ بالنِّكْسِ الدّنِيِّ تَجَهَّمَا 18 - ولنْ يَكْسِبَ الصعلوكُ حمدًا ولا غِنًى ... إذا هو لمْ يَرْكَبْ منَ الأمرِ مُعْظَمَا 19 - لحَى اللهُ صعلوكًا مُناهُ وهَمّهُ ... منَ العيشِ أنْ يلقى لَبُوسًا ومَطعَمَا 20 - ينامُ الضّحَى حتَّى إذا نَوْمُهُ استَوَى ... تَنَبَّهَ مثلوجَ الفُؤَادِ مُوَرَّمَا ¬
21 - مُقيمًا مع المُثْرَيْنِ ليس ببارحٍ ... إذا كانَ جدْوَى منْ طَعَامٍ ومَجْثِمَا 22 - ولِلهِ صُعْلُوكٌ يُساورُ هَمَّهُ ... ويَمْضِي على الأحْداثِ والدهرِ مُقْدِمَا 23 - فَتى طَلِبَاتٍ لَا يَرَى الخَمْصَ تَرْحَةً ... ولا شَبْعَةً إِنْ نالهَا عَدَّ مَغْنَمَا 24 - يَرَى الخَمْصَ تَعْذِيبًا وإنْ يَلْقَ شَبْعَةً ... يبتْ قَلْبُهُ مِنْ قِلَّةِ الهَمِّ مُبْهَمَا 25 - إذا ما رأى يومًا مَكارِمَ أعرَضَت ... تَيَمَّمَ كُبْرَاهُنَّ ثُمَّتَ صَمَّمَا 26 - ويخْشَى إذا ما كانَ يومَ كريهةٍ ... صدورَ العوالي فهوَ مُخْتضِبٌ دمَا (¬1) 27 - ترَى رُمْحَهُ وَنَبلَهُ ومِجَنَّهُ ... وذا شُطَبٍ عَضْبَ الضَّرِيبَةِ مِخْذَمَا 28 - وأحناءَ سَرْجٍ قَاترٍ ولجِامَهُ ... عَتَادَ فَتًى هيجَا وطرْفًا مسَوَّمَا 29 - فذلك إنْ يَهْلِك فَحُسْنَى ثَنَاؤُه ... وإنْ عاشَ لَمْ يقْعُدْ ضَعِيفًا مذممَا (¬2) 1 - قوله: "وعاذلتين" أي: ورب عاذلتين، وهو من العذل وهو اللوم, قوله: "هبتا" أي تنبهتا، "بعد هجعة" أي: بعد نوم، و"المتلاف" بكسر الميم؛ صيغة مبالغة للمتلف. 2 - قوله: "لما غور النجم" بمعنى: غاب (¬3) يعني: غرب، يقال: غارت الشمس إذا غربت، كذلك: غورت, قوله: "ضلة" يعني: تلومان ضلة، يقال: فلان يلومني ضلة إذا لم يوفق للصواب (¬4) في لومه، و"المغرم" بفتح الميم بمعنى الغرامة. 3 - و"تصرما": من الصرم وهو القطع. 8، 9 - وأراد بـ"أغبر الجوف" القبر، وكذا أراد بقوله: "في خط من الأرض"، وقوله: "أعظمًا": جمع عظم. 11 - قوله: "حتى تحلما" أي: تتحلما، والتحلم من باب التفعل، وأراد به استعمال التكلف في الحلم. 12 - قوله: "متى ترق (¬5) أضغان العشيرة بالأنا" أي: متى تسَكِّنُ أحقاد العشيرة بالتأني والصبر، يقال: رقوت الرجل إذا سكنته من الرعب، و "الأضغان": جمع ضغن وهو الحقد، قوله: "يحسم" أي: ينقطع من أصله. 13 - قوله: "وذي أود" أي: اعوجاج. 14 - قوله: "وأغفر" أي: أستر؛ لأن الغفر هو الستر، ومنه المغفر وهو الخوذة؛ لأنها تستر ¬
الرأس, قوله: "عوراء الكريم" بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره راء ممدودة، وهي الكلمة القبيحة، ومنه العورة وهي سوءة الإنسان، وكل شيء يستحى منه فهو عورة, قوله: "وأعرض": من الإعراض. 17 - قوله: "بهيم" بفتح الباء الموحدة أي: مظلم شديد الظلمة, قوله: "بالنكس": من نكَّست الشيء أنكسه نكسًا إذا قلبته على رأسه, قوله: "تجهَّما" من قولهم: رجل جهم الوجه أي: كالح الوجه، والجهمة - بالضم: أول مآخر (¬1) الليل. 19 - قوله: "لحى الله" بالحاء المهملة، يقال: لحاه الله؛ أي: قبحه ولعنه، و"الصعلوك" بضم الصاد؛ الفقير. 20 - قوله: "مثلوج الفؤاد" أي: بليد الفؤاد؛ هكذا فسَّره الأصمعي، وهو بالثاء المثلثة وبالجيم (¬2). 21 - قوله: "جدوى" بفتح الجيم، وهو العطاء, قوله: "ومجثما" أي: مكان يستقر فيه؛ من جثم الطائر إذا تلبد بالأرض. 23 - و "الخمص": الجوع، و "الترحة": الحزن. 27 - قوله: "وذا شطب" بضم الشين المعجمة وفتح الطاء، وأراد: ذا سيف ذي شطب، وشطب السيف: طرائقه التي في متنه، الواحدة: شطة، مثل: صبرة وصبر، و"العضب": القطع، وكذلك "الحذم" بالحاء المهملة والذال المعجمة. 28 - قوله: "قاتر" بالقاف وبعد الألف تاء مثناة من فوق، أي: واق حافظ، يقال: رجل قاتر أي: واقٍ لا يعقر ظهر البعير, قوله: "عتاد فتى" أي: عدته، وهو على وزن فعال [بالفتح] (¬3)، و"الهيجاء": الحرب، تمد وتقصر وهاهنا بالقصر للضرورة (¬4) , قوله: "وطِرفًا" بكسر الطاء وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو الكريم من الخيل. الإعراب: قوله: "وأغفر": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "وذي أود قومته فتقوما" قوله: "عوراء الكريم": كلام إضافي مفعوله, قوله: "ادخاره": نصب على التعليل، أي: لأجل ¬
ادخاره, قوله: "وأعرض": عطف على قوله: "وأغفر"، وقوله: "عن شتم اللئيم": يتعلق به، قوله: "تكرما": نصب على التعليل -أيضًا- أي: لأجل التكرم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ادخاره" فإنه مفعول له، وقد جاء بالإضافة، فالنصب فيه والجر باللام متساويان، وذلك لأن المفعول له إذا وجدت الشروط [فيه] (¬1) على ثلاثة أضرب: راجح ومرجوح ومساوٍ. فالراجح: أن يكون المفعول له معرفًا باللام، والأكثر فيه أن يكون مجرورًا باللام كقولك: جئتك للطمع في بِرِّك، والنصب جائز على قلة؛ كما في قول الراجز (¬2): لا أقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيجَاءِ ... ................................... وقد مر (¬3). والمرجوح: جره: أن يكون المفعول له مجردًا من الألف واللام والإضافة؛ كقولك: جئتك تبركًا بك، فهذا أجود من قولك: جئتك للتبرك بك، ومنهم من لا يجيزه (¬4)، والصحيح جوازه مع رجحان نصبه؛ كما في قول الراجز: مَنْ أَمَّكُمْ لِرَغْبَةٍ فيكُمْ ظَفِرْ ... .............................. وقد مَرَّ بيانه (¬5). والمساوي بين الجر والنصب: أن يكون المفعول مضافًا؛ نحو: جئتك رجاءك، وجئتك لرجائك، ومن النصب قول حاتم: وَأُغْفِرُ عوراء الكريمِ ادخارَهُ ... ..................... إلخ (¬6) ¬
شواهد المفعول فيه
شواهد المفعول فيه (¬1) الشاهد الرابع والخمسون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) أَفِي الحَقِّ أَنِّي مُغْرَمُ بكِ هائِمٌ ... وأنكِ لا خَلٌّ هواكِ ولا خَمْرُ أقول: قائله هو عائد بن المنذر القشيري، وقبله هو قوله (¬4): 1 - هل الوَجْدُ إلَّا أَن قَلْبِي لَوْ دَنَا ... مِنَ الجَمْرِ قِيدَ الرُّمْحِ لَاحْتَرَقَ الجَمْرُ [وبعده] (¬5): 3 - فإنْ كُنْتُ مَطْبُوبًا فَلَا زِلْتُ هكَذَا ... وإنْ كنتُ مَسْحُورًا فَلَا بَرَأَ السِّحْرُ وهي من الطويل. 1 - قوله: "قيد الرمح" أي: قدره. 2 - قوله: "مُغرم": من أغرم بالشيء: أولع به، و"الغرام": شدة العشق، و"الهائم": المتحير من هام هيامًا، والهيام كالجنون من العشق, قوله: "هواك" أي: عشقك، والهوى مقصور هاهنا. 3 - و"المطبوب": المسحور، يقال: طبه إذا سحره. الإعراب: قوله: "أفي الحق" الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار والتوبيخ، "وفي الحق": ظرف ¬
أجري مجرى ظرف الزمان، ومحله الرفع على أنه خبر عن قوله: "أني مغرم"؛ لأن "أن" هاهنا مع اسمها وخبرها في موضع رفع بالابتداء، والتقدير: أغرامي بك في الحق؟ يعني: كيف يكون في الحق وحبك لا هجع إلى معلوم؟ وهو معنى قوله: "وأنك لا خلّ هواك ولا خمر"، أراد: ليس بشيء يخلص ويتبين، [وقد شبه هوى من هو مغرم بها، في كونه غير ثابت ولا مستقر على حاله بماء العنب المتردد بين كونه خلًّا وبين كونه خمرًا، فلا هو خَلٌّ صرف حتى يستعمل خلًّا ولا هو خمر صرف حتى يستعمل خمرًا، فمن كان حال هواه بهذه المثابة كيف يكون غرام من أغرم به حقًّا؟] (¬1). وقوله: "مغرم" بالرفع لأنه خبر أن، وقوله: "هائم" بالرفع -أيضًا- لأنه خبر بعد خبر. [قوله: "] (¬2) وأنك" الواو للحال، وإن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والكاف اسمه، والجملة -أعني قوله: "لا خل هواك": خبره، و"لا" بمعنى ليس، و"خل" مرفوع اسمه، و"هواك": كلام إضافي خبره (¬3) , قوله: "ولا خمر": عطف على قوله: "ولا خل". الاستشهاد فيه: في قوله: "أفي الحق؟ " حيث صرح فيه بحرف الجر، فدل ذلك على أن أصل قولهم: أحقًّا أنك ذاهب؟: أفي الحق أنك ذاهب؟؛ إذ لو لم يكن أصله هكذا لما أبرز الشاعر كلمة: "في" في قوله: "أفي حق؟ "، ودلَّ ذلك على أنهم أجروه مجرى ظرف الزمان، وذلك لأن العرب استعملته خبرًا عن المصدر ولم تستعمله خبرًا عن الجثة؛ كما أن ظرف الزمان كذلك، فافهم (¬4). * * * ¬
شواهد المفعول معه
شواهد المفعول معه (¬1) الشاهد الخامس والخمسون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) فَقَدْنِي وإيَّاهُمْ فإِنْ أَلْقَ بَعْضَهُمْ ... يَكُونُوا كَتَعْجِيلِ السَّنَامِ المُسَرْهَدِ أقول: قائله هو أسيد بن إياس الهذلي. وهو من الطويل. قوله: "كتعجيل السنام": من عجلت الطعام: طبخته على عجلة، قال الجوهري: سنام مسرهد أي: سمين، وربما قيل لشحم السنام: مسرهد (¬4). الإعراب: قوله: "فقدني" أي: يكفيني، والفاء فيه إما للعطف وإما لتوشيح الكلام لأجل الوزن، قوله: "وإياهم" الواو فيه بمعنى: مع، ذكر بعض الفضلاء أن إياهم عطف على المعنى، وذلك لأن الياء في: "قدني" وإن كانت مجرورة بإضافة (¬5) قد إليها، فهي في المعنى منصوبة بدليل أن معنى قدك: ليكفك، وقدني: ليكفني، وقدك: مبتدأ، كقولك: قدك درهم، كحسبك درهم، وإذا جاز أن يتصور في حسبك، وهي معرفة معنى ليكفك، كان ذلك مع قد أحرى؛ ألا ترى إلى قوله (¬6): إذَا كَانَتِ الهَيجَاءُ وانْشَقّت الْعَصَا ... فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ ¬
فهو محمول على معنى: فيكفيك، والضحاك: عطف على الكاف، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن يكون "وإياهم" في موضع جر، وإن كان بلفظ المنصوب كالضحاك، على أن "وإياهم" أسهل من الضحاك؛ لأن إياهم لا يظهر فيه إعراب بخلاف الضحاك (¬1). قوله: "فإن ألق" الفاء فيه للتعليل، وإن للشرط، و"ألق": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، و"بعضهم" كلام إضافي مفعول ألق, قوله: "يكونوا": جملة وقعت جواب الشرط، والضمير في: يكونوا اسم كان، وخبره قوله: "كتعجيل السنام" [ويحتمل "كتعجيل السنام"] (¬2) أمرين: أحدهما: أن يكون مصدرًا لعجلت فيكون المضاف محذوفًا، أي: كذي تعجيل السنام. والثاني: أن يكون اسمًا لا مصدرًا؛ فقد جاء التفعيل اسمًا لا مصدرًا، و "المسرهد" بالجر صفة السنام. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإياهم": فإنه مفعول معه ولم يتقدم عليه فعل؛ بل تقدم عليه ما تضمن معنى الفعل دون حروفه؛ كما في نحو: حسبك وزيدًا درهم، أي: كافيك مع زيد (¬3)، وفيه رد على الجرجاني؛ حيث حصر العمل في تقديم الفعل فقط على الواو (¬4)، وليس كذلك، فإن غير واحد من النحاة قد ذكروا أن تقدم الصفات وما تضمن معنى الفعل دون حروفه كتقدم الفعل في تسويغ نصب المفعول معه فيفهم من ذلك أن تقدم شيء من ذلك شرط (¬5). ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الأربعمائة
الشاهد السادس والخمسون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) لا تَحبِسَنَّك أثْوَابِي فَقَدْ جُمِعَتْ ... هذَا رِدَائِي مَطْوِيًّا وَسِرْبَالا أقول: لم أقف على اسم قائله وهو من البسيط. قوله: "سربالًا" بكسر السين هو القميص، قاله الجوهري (¬3). الإعراب: قوله: "لا تحْبِسَنَّك": جملة منفية مؤكدة بالنون الثقيلة مركبة من الفعل والمفعول وهو الكاف، وقوله: "أثوابي": كلام إضافي فاعله، قوله: "فقد جمعت" الفاء للاستئناف تقديره: فهي قد جمعت، فيكون "قد جمعت" خبر مبتدأ محذوف. قوله: "هذا": مبتدأ، و "ردائي": خبره، قوله: "مطويًّا"؛ حال من ردائي, قوله: "وسربالًا" الواو فيه بمعنى مع، والعامل فيه مطويًّا، وأجاز أبو علي أن يكون العامل فيه قوله: "هذا" (¬4). الاستشهاد فيه: [في قوله: "وسربالًا] (¬5)؛ لأنه مفعول معه ولم يتقدمه الفعل بل قد تقدمه ما يتضمن معنى الفعل وحروفه. والله أعلم (¬6). ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الأربعمائة
الشاهد السابع والخمسون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) جَمَعَت وفُحْشًا غِيبةً وَنمِيمةً ... ثَلاثُ خِصَالٍ لستَ عَنَها بِمَرْعَوي أقول: قائله هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي (¬3). وهو من قصيدة واوية من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ ... وعَيْنُكَ تُبْدِي أَنّ صَدْرَكَ لِي دَوي 2 - لِسَانُكَ مَاذَيُّ وغَيبُكَ عَلْقَمٌ ... وَشَرُّكَ مَبسُوطٌ وخَيْرُكَ مُنْطَوي 3 - فَلَيْتَ كَفَافًا كَانَ خَيْرُكَ كُلُّهُ ... وَشَرُّك عَنِّي مَا ارْتَوَى الماءَ مُرْتَوي 4 - وَكَمْ مَوْطِنٍ لولايَ طِحْتَ كمَا هَوَى ... بأَجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النِّيقِ مُنْهَوي 5 - جَمَعْتَ وَفُحْشًا غِيبَةً وَنَمِيمَةً ... ................ إلى آخره (¬5) 6 - تَبَدَّلَ خَلِيلًا بِي كَشَكْلِكَ شَكْلُهُ ... فإِنِّي خَلِيلًا صَالِحًا بكَ مُقْتَوي 1 - قوله: "تكاشرني": من الكشر وهو التبسم ببدو الأسنان, قوله: "دوي" بفتح الدال، المهملة وكسر الواو، ويقال: رجل دوي؛ أي: فاسد الجوف من داء. 2 - قوله: "ماذي" بكسر الذال والمعجمة وتشديد الياء، قال الجوهري: الماذيّ: العسل، الأبيض (¬6)، و"العلقم": الحنظل. 4 - وقوله: " [طحت] (¬7) [من طاح يطوح ويطح] (¬8) إذ هلك, قوله: "هوى" أي: سقط، والمنهوي من بابه، و"النيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو أرفع موضع في الجبل، ويجمع على نياق. 5 - قوله: "بمرعوي": من الارعواء وهو الكف عن القبيح، وهو من رعى يرعو؛ أي: كفَّ، ¬
عن الأمر، فإن قلت: لِمَ لم يدغم ارعوى ونحوه؟ قلت: لسكون الياء. 6 - وقوله: "مقتوي": من القوة. الإعراب: قوله: "جمعت": جملة من الفعل والفاعل, قوله: "وفحشًا" الواو فيه بمعنى مع عند ابن جني، والتقدير: جمعت مع فحش غيبة (¬1)، وعند الجمهور: الواو (¬2) فيه للعطف؛ لأنه معطوف على قوله: "ونميمة" ولكن قدم عليها للضرورة، التقدير: جمعت غيبة ونميمة وفحشًا، وهذه ضرورة قبيحة؛ لأنه لا يجوز تقديم المفعول معه على مصاحبه عندهم خلافًا له (¬3)، وأما تقديمه على عامله فلا يجوز اتفاقًا؛ إذ لا يقال: والخشبة استوى الماء (¬4). ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد الأربعمائة
قوله: "ثلاث خصال": كلام إضافي يجوز فيه النصب والرفع: أما النصب: فعلى أنه صفة لقوله: "فحشًا غيبة ونميمة". وأما الرفع: فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهي ثلاث خصال, قوله: "لست عنها بمرعوي": جملة وقعت صفة لقوله: "ثلاث خصال"، والباء في "بمرعوي" زائدة، وهو خبر لست. الاستشهاد فيه: في قوله: "في قوله: "وفحشًا" حيث ذهب ابن جني إلى أنه مفعول معه وخالفه الجمهور في ذلك، وقد ذكرناه والله أعلم. الشاهد الثامن والخمسون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) أكْنِيهِ حينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ ... وَلَا أُلَقِّبُهُ وَالسَّوْأَةَ اللَّقَبَا أقول: قائله هو بعض الفزاريين، وهو من أبيات الحماسة، وبعده بيت آخر وهو: كَذَاكَ أُدِّبْتُ حَتَّى صَارَ مِنْ خُلُقِي ... أَنِّي رَأَيْتُ مِلَاكَ الشِّيمَةِ الأدَبَا وهما من البسيط. وقد ذكرنا البيت الثاني في شواهد ظن وأخواتها، واستشهد به ظقهع (¬3). 1 - قوله: "أكنيه" من كنى يكنُو، ويقال: كنيت وكنوت, قوله: "ولا ألقبه": من التلقيب, واللقب: كل ما يشعر برفعة المسمى أو ضعته كالصدِّيق وأنف الناقة, قوله: "والسوأة" وهي الشيء القبيح. الإعراب: [قوله: "] (¬4) أكنيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، أي: أكني ذلك الشخص حين أطلبه، و "حين" نصب على الظرف, قوله: "أناديه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت مضافًا إليها. قوله: "لأكرمه" اللام للتعليل، وأن المصدرية مقدرة فيه، أي: لأجل إكرامه, قوله: "ولا ألقبه": ¬
جملة معطوفة على قوله: "أكنيه", قوله: "والسوأة" بالنصب مفعول معه عند ابن جني؛ فإنه يجيز تقديم الفعول معه على مَصحُوبِه، والتقدير: ولا ألقبه اللقب والسوأة، أي: مع السوأة؛ لأن من اللقب ما يكون لغير سوأة؛ كتلقيب الصديق - رضي الله عنه - عتيقًا لعتاقة وجهه؛ من العتق وهو الجمال أو لكونه عتيقًا من النار، والمعنى: إن لقبته لقبته بغير سوأة (¬1). وعند الجمهور: الواو للعطف قدمت هي ومعطوفها، والتقدير: لا ألقبه اللقب ولا أسوء السوأة؛ فاللقب مفعول به، والسوأة: مفعول مطق، ثم حذف ناصب السوأة وقدم العاطف ومعمول الفعل المحذوف. ويقال: التقدير: لا ألقبه اللقب مع السوأة، فاللقب مفعول به؛ كما في الوجه الأول، والسوأة مفعول معه مقدم على صاحبه للضرورة (¬2). ويقال: يجوز أن كون انتصاب السوأة على المعنى؛ كأنه قال: يعمل فيه معنى لا ألقبه، فيكون هذا من باب (¬3): يَا لَيْتَ بَعْلَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (¬4) و(¬5): عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... ............................................ وإن ارتفع فارتفاعه يجوز أن يكون بالابتداء، ويكون الخبر مضمرًا؛ كأنه قال: والسوأة ذاك، يعني: إن لقبته والفحش فيه. ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره اللقب وتكون مصدرَا كالجَمَزَى والوَكَزَى. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال: ولا ألقبه اللقب وهو السوأة. قال أبو العلاء: هذا على التقديم والتأخير؛ كأنه قال: ولا ألقبه اللقب والسوأة، ونحو منه قول الآخر (¬6): ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الأربعمائة
وَقُلْتُ لَهَا أَنَخْلَة بَطْن عِرْقٍ ... وَأَنْبَتَ استَهَلَّ بِكَ الغَمَام أراد: استهل بك الغمام وأنبت. الاستشهاد فيه: في قوله: "والسوأة"، فإنه مفعول معه عند ابن جني مع تقديمه على مفعوله، كما ذكرناه مستقصًى (¬1). الشاهد التاسع والخمسون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) ........................... ... وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ وَالعُيُونَا أقول: قائله هو الراعي، واسمه عبيد، وصدره: إذَا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يومًا ... ................................... وبعده: 2 - أنَخْنَ جِمَالهُنَّ بِذَاتِ غِسْل ... سَرَاةَ اليَومِ يَمْهَدْنَ الكُدُونَا وهما من الوافر. 1 - قوله: "الغانيات"؛ جمع غانية وهي المرأة التي استغنت بجمالها عن الحلي, قوله: "برزن" أي: ظهرن، من البروز وهو الظهور, قوله: "وزججن الحواجب" بالزاي المعجمة والجيمين، يقال: زججت المرأة حاجبها: دققته وطولته، والزجج: دقة في الحاجبين وطول، والرجل أزج. 1 - قوله: "بذات غسل" بكسر الغين المعجمة وسكون السين المهملة وفي آخره لام، وهو اسم موضع، وذكر في كتاب الأذواء أن ذات غسل قرية. وقيل: هي بين اليمامة والنباج كانت لبني كلب بن يربوع، ثم صارت لبني عنبر، ولها ذكر ¬
الشاهد الستون بعد الأربعمائة
في شعر ذي الرمة (¬1) , قوله: "سراة اليوم" أي: وسطه، وسراة كل شيء: وسطه, قوله: "كدونا" بالضم؛ جمع كدن وهو ما توطئ به المرأة مركبها من كساء ونحوه. الإعراب: [قوله: "] (¬2) إذا ما" كلمة ما زائدة، و"الغانيات": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا برزت الغانيات، وذلك لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية, قوله: "يومًا" نصب على الظرف, قوله: "وزججن" عطف على قوله: "برزن"، و "الحواجب" مفعوله، [قوله: "] (¬3) والعيون" فيه حذف تقديره: وكحلن العيون؛ كما قال الشاعر: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... ................................... أي: وسقيتها ماء باردًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "والعيونا" حيث نصب بفعل مضمر كما قدرناه، ولا يجوز أن يكون بالعطف لعدم المشاركة، ولا باعتبار المعية والمصاحبة لعدم الفائدة بالإعلام بمصاحبة العيون الحواجب، قال ابن عصفور: يضمن زججن معنى: زيَّن؛ لأنهن إذا زججن الحواجب زينّها؛ فكأنه قال: وزيَّنَّ الحواجب والعيون (¬4) فافهم. الشاهد الستون بعد الأربعمائة (¬5) , (¬6) فما أنتَ والسيرَ في مَتْلَفٍ ... يُبْرِّحُ بالذَّكَرِ الضَّابِطِ أقول: قائله هو أسامة بن الحرث بن الحبيب الهذلي، وكان يكنى أبا سهم. ¬
وهو من قصيدة طائية من الوافر (¬1)، وأولها هو هذا البيت، وبعده [هو] (¬2) قوله (¬3): 2 - وبِالبُزْلِ قدْ دَمَّهَا نَيَّهَا ... وذَاتِ المُدَارَأَة العَايطِ 3 - ومَا يَتَوَقَّيْن مِنْ حَرَّةٍ ... وَمَا يَتَجَاوَزْنَ مِنْ غَائِطٍ 4 - وَمنْ أيْنِهَا بَعْدَ إبْدَانِهَا ... وَمِنْ شَحْمِ أَثْبَاجهَا الهَابِطِ 5 - تَصِيحُ جَنَادِبُهُ رُكّدًا ... صيَاحَ المَسَامِيرِ في الوَاسِطِ 6 - فَهُنَّ عَلَى كُلِّ مُسْتَوْقِزٍ ... وُقُوعَ الدَّجاح عَلَى الحَائِطِ 7 - وإلَّا النَّعَامَ وَحُفَّانَهُ ... وَطُغْيَا مِنَ اللَّهَقِ النَّاشِطِ 8 - إذَا بَلَغُوا مِصْرَهُمْ عُوجِلُوا ... منَ الموت بالهِمْيَغِ الذَّاعِطِ 9 - مِنَ المُرْبعِيَن وَمِنْ آزِلٍ ... إذَا جَنَّهُ الليلُ كَالنَّاحِطِ 10 - عَصَاكَ الأقَارِبُ منْ أمْرِهِمْ ... فَزَايِلْ بِأمْرِكَ أوْ خَالِطِ (¬4) 11 - ولا تَسْقُطَنَّ سُقُوطَ النَّوَا ... ة مِنْ كَفِّ مُرْتَضِخٍ لاقِطِ 1 - قوله: "في متلف" بفتح الميم وسكون التاء المثناة من فوق وكسر اللام وفتحها، وهو القفر الذي يتلف فيه من سلكه. قوله: "يبرح" بالتشديد؛ من برَّحَ به الأمر تبريحًا إذا جهده، والبرح: البارح الشدة والأذى، ويروى: يُعَبِّر بالذكر الضابط، وهكذا هو في ديوان الهذليين (¬5)؛ أي: يحمله على ما يكره، يقال: عبّر بعينه إذا أراه ما يكره، وأراه عبر عينه إذا أراه العبر وما يكره. قوله: "بالذكر" بفتح الذال المعجمة والكاف، وأراد به الذكر من الإبل؛ لأنه أقوى في السير (¬6) من الناقة، وإذا برح بالذكر كان أحرى أن يبرح بالناقة، و"الضابط": القوي منه، ومنه الأضبط وهو الذي يعمل بيديه جميعًا. 2 - قوله: "وبالبُزْلِ" بضم الباء الموحدة وسكون الزاي المعجمة في آخره لام؛ جمع بازل وهي المسنة من الإبل, قوله: "قدْ دمّها" بفتح الدال المهملة وتشديد الميم؛ أي: قد علاها نيها، أي: شحمها، وهو بفتح النون وتشديد الياء، وأصلها: نوى، ويقال: معناه: طلاها شحمها، ومنه يقال: دم قدرك؛ أي: أطلها بالطحال. ¬
قوله: "وذات المدارأة" أراد بها الناقة التي بها اعتراض [وشدة نفس] (¬1)، ويقال: المدارأة: المدافعة، وأراد بها: الناقة التي تناطح الإبل في السير لنشاطها وقوتها، و"العايط" بالعين المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف، وهي الناقة التي لم تحبل أعوامًا فهي أقوى للسفر، قال سيبويه: عايط: حالت عامين أو ثلاثة لم تلقح (¬2). 3 - قوله: "وما يتوقين" أي: وما يتقين، "من حرة" بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء، وهي كل أرض ذات حجارة سود، و"الغائط" بالغين المعجمة؛ المكان المنخفض من الأرض، ويجمع على غيطان. 4 - قوله: "ومن أينها" أي: إعيائها، وهو بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون, قوله: "بعد إبدانها" بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة، من أبدنها ربيع وعشب. قوله: "أثباجها" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة بعدها الباء الموحدة وبعد الألف جيم، وهو جمع ثبج، وثبج كل شيء: وسطه، و "الهابط" هو الذي يذوب فيسيل من التعب. 5 - قوله: "جنادبه": جمع جُنْدَب بضم الجيم وهو الجراد، والضمير فيه يعود إلى المتلف، قوله: "ركّدًا" بضم الراء؛ جمع راكد وهو الثابت، وأراد "بالواسط" واسط الرحل وهو موضع القَربُوس في السَّرْج، قال الجوهري: واسط الكور: مقدمه (¬3). 6 - قوله: "مستوفز" بفتح الفاء والزاي المعجمة، وهو المكان المرتفع، وأراد: "بالدجاج" هاهنا: الديوك. 7 - و"النعام": جمع نعامة، و"الحفّان" بضم الحاء المهملة وكسرها (¬4)، وتشديد الفاء، وهي صغار النعام. قوله: "وطُعْيَا" بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة على وزن حبلى، قال الفارسي: وكان الأصمعي يرويه على وزن حبلى، روى أحمد بن يحيى: طَغْيا -بفتح الطاء على وزن سكرى، وهي البقرة، وروى أبو عبيدة: طَغْيًا بفتح الطاء مع التنوين، وكذلك رواه أبو عمرو الشيباني وقالا: هو الصواب، يقال: طغى يطغى طغيا، ويكون للناس والبهائم (¬5)، ومن روى ¬
هكذا روى من اللهق، أي: صوتًا من اللهق، و "اللهق" بفتح اللام والهاء وبالقاف، وهو الثور الأبيض، و"الناشط" بالنون وبعد الألف شين معجمة، وهو الذي يخرج من موضع إلى موضع ولا يستقر. 8 - قوله: "بالهميغ" بكسر الهاء وسكون الميم وفتح الياء آخر الحروف وفي آخره غين معجمة، وهو الموت المعجل، قال الجوهري: وكان الخليل يقول: بعين غير معجمة وخالفه الناس (¬1) , قوله: "الذاعط" بالذال المعجمة والعين المهملة، ومعناه: الذابح؛ من الذعط وهو الذبح الوحي. 9 - قوله: "من المربعين": جمع مربع بفتح الباء الموحدة (¬2) وهو الذي تأخذه الحمى الربع، والمعنى: جعلوا من أولئك الذين حُمِّلُوا الربع, قوله: "ومن آزل" بفتح الهمزة الممدودة وكسر الزاي وفي آخره لام، وهو الداخل في الأزل، وهو ضيق الحال من الحمى, قوله: "كالناحط" بالنون والحاء المهملة، وهو الذي يعتريه الزفير، أراد: كالناحط يذفر من الحمى؛ من نحَط ينحِطُ من باب ضرب يضرب. 10 - قوله: "عصاك الأقارب" يقول لنفسه: إن لم يسمعوا قولك فزايلهم وخالطهم. 11 - قوله: "مرتضخ" بالضاد والخاء المعجمتين، وهو الذي يدق [النوى] (¬3) للإبل، ويروى: مرتحض بالحاء والضاد المعجمة، وهو الذي يغسل النوى، يقول لنفسه: عصيت عشيرتك في البقاء، وترك السفر معهم، فلا تركن في رأيك بالنهوض معهم، فتكون بمنزلة النواة الساقطة من كف المرتضخ. الإعراب: قوله: "فما أنت" ويروى: فما أنا، وكلمة [ما] (¬4) للاستفهام على وجه الإنكار، وينكر على نفسه السفر في مثل هذا المتلف الذي يهلك الإبل فيه؛ وذلك لأن أصحابه كانوا سألوه أن يسافر معهم حين سافروا إلى الشام فأبى وقال هذا الشعر. قوله: "والسير" والمعنى: ما تصنع والسير، فلما حذف الفعل انفصل الضمير المستكن وانتصب السير بذلك المحذوف، ومنهم من يرفعه ويجعل الواو عاطفة، وهذا هو الوجه؛ كما في قولك: ما أنت وزيد، يجوز فيه الوجهان. قوله: "في متلف": متعلق بالسير, قوله: "يبرح": فعل وفاعل, قوله: "بالذكر": مفعوله، ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الأربعمائة
و"الضابط" بالجر صفة، والجملة وقعت صفة لمتلف. الاستشهاد فيه: في قوله: "فما أنت والسير" حيث انتصب السير بالفعل المحذوف، فيكون الواو فيه بمعنى مع، ويجوز الرفع على أن تكون الواو عاطفة؛ كما ذكرنا (¬1). الشاهد الحادي والستون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) أزمانُ قَوْمي والجمَاعةَ كالذي ... لَزِمَ الرِّحَالةَ أنْ تميل مُمِيلَا أقول: قائله هو الراعي، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد كان (¬4). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "والجماعة" فإنه منصوب على أنه مفعول معه، والواو فيه بمعنى مع، انتصب بكان المقدرة الرافعة لقومي؛ لأن تقديره: أزمان [كان] (¬5) قومي (¬6). الشاهد الثاني والستون بعد الأربعمائة (¬7) , (¬8) إذَا أَعْجَبَتْكَ الدّهْرَ حالٌ مِنَ امرِئ ... فَدَعْهُ وواكِلْ أَمْرَهُ واللياليَا أقول: احتجتْ به طائفة من النحاة، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله، وبعده بيت آخر وهو: يَجِئْنَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ صَالِحٍ بِهِ ... وإنْ كَانَ فِيمَا لا يَرَى النَّاسُ آلِيَا وهما من الطويل. قوله: "فدعه": أي اتركه, قوله: "وواكل أمره": من واكلت فلانًا مواكلة إذا اتكلت عليه واتكل هو عليك, قوله: "آليا": من ألا يألو إذا قصر، والمعنى؛ وإن كان فيما يرى الناس لا يألوا، ¬
ويتعلق بهذا البيت مسألة وهي أنهم قالوا: دخول حرف النفي على فعل (¬1) الشرط ينفيه فيعلق الحكم عليه منفيًّا نحو: من لا يكرمني أكرمه، تعلق وجود الإكرام على انتفاء الإكرام، قالوا: إلا في المشيئة والإرادة والرؤية والظن، فإن النفي يتسلط على متعلق ذلك، مثاله: من لا رد أن أكرمه أهنه، قالوا: معناه: من يرد أن لا أكرمه أهنه. وتقول: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكثير من أهل الكلام لا يجيزون ذلك، والصحيح جوازه؛ لأن المعنى: وما يشاء أن لا يكون لا يكن، فدخلت ما على يشاء، وهي في المعنى داخلة على معمولها المحذوف، ولو رددنا ذلك لرددنا: إن شاء الله شيئًا كان وإلا فلا، وهو كلام جميع العرب؛ ألا ترى أن التقدير: وإن لا يشاء أن لا يكون فلا يكون، والدليل على ذلك قول الشاعر: إذا أعجبتك ............... ... ................... البيتين ومعنى قوله: "وإن كان فيما لا ورى الناس آليَا" وان كان فيما يرى الناس لا يألوا كما ذكرنا فافهم. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و "أعجبتك": فعل ومفعول، وقوله: "حال" بالرفع فاعله، و"الدهر": نصب على الظرفية, قوله: "من امرئ" جار ومجرور في محل الرفع؛ لأنه صفة لحال، أي: حال كائنة أو حاصلة من امرئ. قوله: "فدعه": جواب الشرط، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول, قوله: "وواكل": عطف على قوله: "فدعه"، و"أمره": مفعوله, قوله: "واللياليا": مفعول معه، أي: مع الليالي. الاستشهاد فيه: [في قوله: "واللياليا] (¬2) حيث نصب باعتبار المعية، وهذا أرجح على قول من يقول: إنه منصوب باعتبار العطف؛ لأن فيه تعسفًا (¬3). ¬
الشاهد الثالث والستون بعد الأربعمائة
الشاهد الثالث والستون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا ... حتى شتتْ همّالةً عيْنَاهَا أقول: هذا رجز مشهور بين القوم، ولم أر أحدًا عزاه إلى راجزه. والضمير المنصوب في "علفتها" يرجع إلى الدابة التي يريدها الراجز, قوله: "حتى شتت" ويروى: حتى بدت، ومعناهما واحد, قوله: "همالة": من هملت العين إذا همرت، يعني: صبت دمعها. الإعراب: قوله: "علفتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "تبنًا": مفعول ثان "وماء": عطف عليه، و "باردًا" صفته, قوله: "حتى": للغاية، والمعنى إلى أن شتت، و"شتت": فعل ماض، و"عيناها": كلام إضافي فاعله، و "همالة" نصب على التمييز (¬3). الاستشهاد فيه: في عطف الماء على التبن فلا يصح أن يقال: الواو (¬4) في قوله: "وماء" للمعية والمصاحبة؛ لانعدام معنى المصاحبة، ولا يشارك قوله: "وماء" فيما قبله، فتعين أن ينتصب بفعل مضمر يدل عليه سياق الكلام، وهو أن يقال: التقدير: علفتها تبنًا وسقيتها ماء. وقال ابن عصفور: إنهم ذهبوا إلى أن الاسم الذي بعد الواو معطوف على الاسم الذي قبلها ويكون العامل [في الاسم] (¬5) الذي قبل الواو قد ضمن في ذلك معنى يتسلط على الاسمين، فيتضمن علفتها معنى أطعمتها؛ لأنه إذا علفها تبنًا فقد أطعمها، وكأنه قال: أطعمتها تبنًا وماء، ويقال: أطعمته ماء، قال اللَّه - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] (¬6). ¬
الشاهد الرابع والستون بعد الأربعمائة
الشاهد الرابع والستون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) فَكُونُوا أنتُمُ وبني أبيكم ... مكان الكُلْيَتيْنِ من الطِّحَالِ أقول: احتج به الزمخشري وغيره ولم ينسبه أحد منهم إلى قائله (¬3)، وهو من الوافر. [قوله: "] (¬4) وبني أبيكم" أراد بهم الأخوة، والمعنى: كونوا أنتم مع إخوتكم متوافقين متصلين اتصال بعضكم ببعض كاتصال الكليتين وقربهما من الطحال، وأراد الشاعر بهذا الحث على الائتلاف والتقارب في المذهب، وضرب لهم مثلًا بقرب [الكليتين] (¬5) من الطحال. الإعراب: قوله: "فكونوا" الفاء للعطف على ما قبله إن تقدمه شيء أو لتزيين الكلام مع إقامة الوزن، "وكونوا" من كان الناقصة، واسمه هو الضمير المستتر فيه وهو أنتم، و"أنتم" (¬6) الظاهر تأكيد أكد به الضمير المتصل المستتر, قوله: "وبني أبيكم": كلام إضافي بمعنى مع، وقوله: "مكان الكليتين": كلام إضافي منصوب، لأنه خبر كان. الاستشهاد فيه: في قوله: "وبني أبيكم" فإن فيه وجهين: الأول: النصب على أن يكون مفعولًا معه، والواو بمعنى مع، والعامل فيه [الفعل] الظاهر (¬7) وهو الراجح. والثاني: الرفع على أن يكون عطفًا على أنتم، وهو ضعيف لضعف العطف من جهة المعنى. والله أعلم (¬8). ¬
شواهد الاستثناء
شواهد الاستثناء الشاهد الخامس والستون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) وبالصّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلقٌ ... عافٍ تَغَيَّرَ إلا النُّؤْيُ والوَتَدُ أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث. وهو من البسيط. قوله: "وبالصريمة" بفتح الصاد المهملة وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وميم وهاء، وهي ما اسم موضع، والصريمة في الأصل: كل رملة انصرمت من معظم الرمل، ويقال: أفعى صريمة، والصريمة: الأرض المحصود ذرعها، وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: الصريمة: جماعة من العصي، وكذا من الأرطى. قوله: "خلق" أي: بالٍ، يقال: ملحفة خلق وثوب خلق، فيستوي فيه المذكر والمؤنث, قوله: "عافٍ" أي: دارس؛ من عفى المنزل يعفو إذا درس، يتعدى ولا يتعدى، وقال أبو عبيد: العفاء الدروس والهلاك. قوله: "إلا النؤي" بضم النون وسكون الهمزة [وفي آخره ياء] (¬3) وهي حفرة تكون حول ¬
الشاهد السادس والستون بعد الأربعمائة
الخباء لئلا يدخله ماء المطر، ويجمع على: نُؤِيّ -بضم النون وكسر الهمزة وتشديد الياء، ونِئِيّ مثله إلا أنه بكسر النون، وأناء [بعد قرب] (¬1)، [ويقدمون الهمزة] (¬2)، ويقولون: آناء على القلب، فيكون وزنه أعْفال. الإعراب: قوله: "وبالصريمة" الواو للعطف والباء للظرف؛ أي: في الصريمة، وهو في محل الرفع على أنه خبر المبتدأ المؤخر، وهو قوله: "منزل", قوله: "منهم": جار ومجرور في محل النصب على الحال من منزل، والتقدير: حال كونه متخلقًا منهم فيكون المتعلق محذوفًا، وقد قيل: إنه متعلق بقوله: "تغير" وفيه بعد, قوله: "خلق" بالرفع صفة للمنزل، وكذا قوله: "عافٍ": صفة أخرى, قوله: "تغير": جملة في محل الرفع صفة أخرى للمنزل. قوله: "إلا النؤي": استثناء من الضمير المستتر الذي في "تغير" على طريق الإبدال، مع أن تغير موجب فلا يجوز الإبدال في الموجب، فلا يقال: قام القوم إلا زيد بالرفع على الإبدال. وإنما جاز هاهنا نظرًا إلى معنى "تغير"؛ لأن معناه: لم يبق على حاله، فهو وإن كان موجبًا لفظا ولكنه منفي معنًى، وإذا تقدم النفي لفظًا أو معنًى يختار الإبدال؛ كما في قولك: ما قام أحد إلا زيد، وما مررت بأحد إلا زيد، هذا مثال اللفظي، والمعنوي ما ذكرناه في البيت. والاستشهاد فيه: وهو ظاهر (¬3). الشاهد السادس والستون بعد الأربعمائة (¬4) , (¬5) لِدَمٍ ضَائِعٍ تَغَيَّبَ عَنْهُ ... أَقْرَبُوهُ إلا الصَّبَا والدَّبُورُ أقول: [هذا من المديد] (¬6)، واحتج به ابن كيسان في المهذب ولم يعزه إلى قائله، وفي روايته: مِنْ دَمٍ ضَائِعٍ تَغَيَّبَ عَنْهُ ... أقْرَبُوهُ إلا الصَّبَا وَالجبُوبُ ¬
ثم قال: الجبوب: وجه الأرض، وقال الجوهري: الجبُوبُ: الأرض الغليظة، ويقال: وجه الأرض ولا يجمع (¬1)، قلت: هو بفتح الجيم وضم الباء الموحدة وما بعدها واو ساكنة وياء أخرى، [قوله: "لدم ضائع" أي: هالك] (¬2) قوله: "أقربوه" أصله: أقربون له سقطت النون للإضافة وكذا لام الجر, قوله: "إلا الصبا" وهي الريح الشرقية، ويقال لها: القبول، وهي تهبُّ من شرق الاستواء، وهو مطلع الشمس في زمن الاعتدال، والدبور -بفتح الدال مقابلها، وهي الريح الغربية؛ فإنها تهب من مغرب الشمس. الإعراب: قوله: "لدم" اللام للتعليل، و"ضائع": صفة الدم, قوله: "تغيب" فعل ماض، و"أقربوه": فاعله، وقوله: "عنه": جار ومجرور متعلق بتغيب, قوله: "إلا الصبا": استثناء من "تغيب عنه أقربوه" على طريق الإبدال مع أن تغيب موجب، فلا يجوز الإبدال في الموجب، ولكن لما كان معنى تغيب لم يحضر فحينئذ كان منفيًّا، وإذا تقدم [النفي] (¬3) لفظًا أو معنًى جاز الإبدال، وهذا موضع الاستشهاد وهو ظاهر (¬4). ويقال: يلزم من هذا اجتماع أمرين: حمل المثبت على المنفي بضرب من التأويل والإبدال في المنقطع؛ لأنه ليس من جنس الأقربين؛ ألا ترى أن أقربوه جمع لمن يعقل، ويقال: "إلَّا" هاهنا صفة للضمير، وفيه نظر، قال ابن هشام: والحق أن الاسمين مبتدأ ومعطوف، والخبر محذوف. وقال ابن مالك: إلا هاهنا بمعنى لكن، والتقدير: لكن الصبا والدبور لم يتغيبا عنه، وذلك كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬5): "كل أمتي معافى إلا المجاهرون بالمعاصي" أي: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، وبمثل هذا تأوَّل الفراء قراءة بعضهم: (فشربوا منه إلا قليل منهم)، [أي: إلا قليل منهم] (¬6)، لم يشربوا (¬7). ¬
الشاهد السابع والستون بعد الأربعمائة
الشاهد السابع والستون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) وبَلْدَةٍ ليسَ بها أَنِيسُ ... إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا العيسُ أقول: قائله هو جران العود، واسمه العامر بن الحرث (¬3)، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله: 1 - قَدْ نَدَعُ المنزِلَ يَا لمِيسُ ... يعشى فِيهِ السَّبْعُ الجَرُوسُ 2 - الذِّيبُ أوْ ذُو لِبَدٍ هَمُوسُ ... وبَلْدَةً لَيسَ بِهَا أنِيسُ [ويروى] (¬4). 1 - بَسَابسًا لَيسَ بِهَا أنِيسُ ... إلَّا اليَعَافِيرُ وإلَّا الْعِيسُ 2 - وبَقَرٌ مُلَمَّعٌ كَنُوسُ ... مكَأَنَّمَا هُن الجَوَارِي المِيسُ 1 - قوله: "يا لميس" نداء للمرأة، [قوله: "] (¬5) يعيس" يعني: يطلب ما يأكل، و "الجروس" بفتح الجيم؛ من الجرس وهو الصوت الخفي. 2 - قوله: "أو ذو لبد" بكسر اللام وفتح الباء الموحدة، جمع لبدة، وأراد به: الأسد، و"اللبدة": ما بين كتفيه من الوبر, قوله: "هموس" أي: خفيف الوطء. 1 - قوله: "بسابسًا": جمع بسبس وهو القفر, قوله: "أنيس" أي: مؤانس، قال الجوهري: الأنيس: المؤانس وكل ما يؤنس به، وما بالدار أنيس، أي: أحد (¬6). و"اليعافير" بفتح الياء آخر الحروف والعين المهملة وبعد الألف فاء؛ جمع يعفور وهو الخِشْفُ وولد البقرة الوحشية -أيضًا-، وقال بعضهم: اليعافير: تيوس الطاء، و"العيس": بكسر العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة، واحدها: أعيس، والأنثى: عيساء. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الأربعمائة
2 - قوله: "ملمع" يعني: فيها لمع بياض وسواد, قوله: "كنوس" يعني: داخلة في كنسها، وهو موضعها من الشجر (¬1) تكتن فيه وتستتر, قوله: "الميس" بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف، وهو جمع ميساء، من الميس بفتح الميم، وهو التبختر في المشي. الإعراب: قوله: "وبلدة" الواو فيه واو رب، "وبلدة": مجرور بها, قوله: "ليس": من الأفعال الناقصة، و "أنيس": اسمه، و"بها": مقدمًا خبره، أي: ليس أنيس كائن فيها, قوله: "إلا اليعافير": استثناء من قوله: "أنيس" على وجه الإبدال مع أنه استثناء منقطع، وذلك في لغة بني تميم؛ فإنهم يجيزون: ما فيها أحد إلا حمار، وأما أهل الحجاز فإنهم يوجبون النصب، قوله: "وإلا العيس" عطف على "إلا اليعافير". الاستشهاد فيه: في قوله: "إلا اليعافير وإلا العيس" وقد قررناه، والله أعلم. الشاهد الثامن والستون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا ... ولَا النَّبلُ إلا المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ أقول: قائله هو ضرار بن الآزور المالكي (¬4) من بني رواد بن عمرو بن مالك، وقبله: 1 - أُجَاهِدُ إذْ كَانَ الجِهَادُ غَنِيمَةً ... وَللهُ بِالْعَبدِ المُجَاهِدِ أعْلَمُ ¬
الشاهد التاسع والستون بعد الأربعمائة
وهما من الطويل. قوله: "ولا النبل" أي: السهام، قوله: "إلا المشرفي "بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وكسر الفاء وتشديد الياء، أي: السيف المشرفي، قال أبو عبيد: المشرفية: سيوف تنسب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف، يقال: سيف مشرفي، ولا يقال: مشارفي؛ لأن الجمع لا ينسب إليه إذا كان على هذا الوزن؛ لا يقال: مهالبي ولا جعافري ولا عباقري (¬1)، قوله: "المصمم": من صمم السيف إذا مضى في العظم يقطعه، وأما إذا أصاب المفصل فقطعه، يقال: طبق، قال الشاعر يصف سيفًا (¬2): يُصَمِّمُ أَحْيَانًا وحِينًا يُطَبِّقُ ... ............................ الإعراب: قوله: "عشية": نصب على الظرف، والعامل فيه "أجاهد" في البيت السابق، "لا تغني الرماح": جملة من الفعل والفاعل [في محل الجر بالإضافة] (¬3) , قوله: "مكانها": نصب على الظرف، أي: مكان الحرب، يدل عليه لفظ الجهاد؛ لأنه لا يكون إلا بمكان الحرب. قوله: "ولا النبل" بالرفع عطف على الرماح؛ أي: ولا تغني النبل -أيضًا-؛ لأن الحرب إذا كانت بالليل لا تغني الرماح ولا النبال، ولا تغني [إلا] (¬4) السيوف لاختلاط القوم ومواجهة بعضهم بعضًا، قوله: "إلا المشرفي": استثناء منقطع على طريق البدل على لغة بني تميم، وهو موضع الاستشهاد، وقوله: "المصمم" بالرفع صفة المشرفي، فافهم (¬5). الشاهد التاسع والستون بعد الأربعمائة (¬6) , (¬7) وبنْتَ كَريمٍ قد نَكحْنَا ولم يكن ... لنَا خاطِبٌ إلا السِّنَانُ وَعامِلُهُ أقول: قائله هو الفرزدق همام بن غالب (¬8). ¬
الشاهد السبعون بعد الأربعمائة
وهو من الطويل. قوله: "إلا السنان" بكسر السين المهملة بعدها نون وبعد الألف نون أخرى، وهو سنان الرمح, قوله: "وعامله" أي: وعامل الرمح وهو ما يلي السنان وهو دون الثعلب، والثعلب: طرف الرمح الداخل في جبة السنان. الإعراب: قوله: "وبنت كريم": كلام إضافي منصوب بفعل مقدر يفسره الظاهر، تقديره: قد نكحنا بنت كريم, قوله: "ولم يكن" الواو للحال، واسم يكن هو قوله: "خاطب"، وخبره قوله: "لنا"، قوله: "إلا السنان" بالرفع استثناء منقطع على طريق البدل من قوله: "خاطب" وهو على لغة تميم، وفيه الاستشهاد، وقوله: "وعامله": كلام إضافي مرفوع عطف على السنان فافهم (¬1). الشاهد السبعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) وما لِيَ إلا آلَ أحْمَدَ شِيعةٌ ... وما لِيَ إلا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ أقول: قائله هو الكميت بن زيد الأسدي شاعر إسلامي، وهو الكميت الأصغر، والكميت الأوسط هو الكميت بن معروف، والكميت الأكبر هو الكميت بن ثعلبة، وهو جد الكميت ابن معروف، والكميت الأصغر هو أكثرهم شعرًا وآخرهم. والبيت المذكور من قصيدة بائية يمدح بها بني هاشم وأولها هو قوله (¬4): 1 - طَرِبْتُ ومَا شَوْقًا إلَى البِيضِ أَطْرَبُ ... وَلَا لَعِبًا مِنِّي وَذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ 2 - ولَمْ تُلْهِنِي دَارٌ وَلَا رَبْعُ مَنْزِلٍ ... وَلَمْ يَتَطَرَّبْنِي بَنَانٌ مُخَضَّبُ ¬
3 - ولَا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً ... أَمَرَّ سَلِيمُ القَرْن أَمْ مَرَّ أَغْضَبُ 4 - ولكِنْ إِلَى أَهْل الفَضَائِلِ وَالنُّهَى ... وخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيَرُ يُطْلَبُ 5 - إلَى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بحُبِّهِمْ ... إلَى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ 6 - بنِي هَاشِمٍ رَهْطِ النَّبي فَإنَّنِي ... بِهِمْ وَلَهُمْ أَرْضَى مِرَارًا وأَغْضَبُ 7 - خَفَضْتُ لَهُمْ مِنِّي جَنَاحَ مَوَدَّتي ... إلَي كَنَفٍ عِطْفَاهُ أَهْل وَمَرْحَبُ 8 - وما لِيَ إلا آلَ أحْمَدَ شِيعةٌ ... وما لِيَ إلَّا مَذْهَبَ الحقِّ مَذْهَبُ (¬1) 9 - إلَيكُمْ ذَوي آلِ النَّبِيّ تَطَلَّعَتْ ... نَوَازِعُ مِنْ قَلْبي ظِمَاءٌ وأَلْبُبُ 10 - بأيِّ كِتَاب أمْ بأيةِ سُنّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَحْسِبُ 11 - يُشيرُونَ بالأَيْدِي إلَيَّ وقَوْلُهُمُ ... ألَا خَابَ هَذَا والمُشِيرُونَ أَخْيَبُ 12 - وجَدْنَا لَكُمْ في آلِ حاميم آيَةً ... تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ 13 - عَلَى أَيِّ جُرْمٍ أمْ بِأَيَّةِ سِيرَةٍ ... أُعَنَّفُ في تَقْرِيظِهِمْ وَأُكُذَّبُ 14 - أُنَاسٌ بِهِمْ عَزَّتْ قُرَيْشٌ فأصْبَحَتْ ... وفِيهِمْ خِبَاءُ المُكْرَمَاتُ المُطَنَّبُ 15 - أُولَئكَ إنْ شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبةٌ النَّوى ... أمَانِي نَفْسِي والهَوَى حَيثُ يَقْرُبُ 16 - مَضَوْا سَلَفًا لا بُدَّ أنَّ طَرِيقَنَا ... إلَيهِمْ فَعَادٍ نحْوَهُمْ مُتَأَوِّبُ 17 - فيَا مُوقِدًا نَارًا لِغَيركَ ضَوْؤُهَا ... ويَا حَاطِبًا في حَبلِ غَيرِكَ تَحْطِبُ وهي من الطويل. 1 - قوله: "إلى البيض" بكسر الباء؛ جمع أبيض وهو السيف، [قوله: "] (¬2)، وذو الشيب يلعب": جملة اسمية وقعت حالًا. 2 - قوله: "ولم تلهني" أي: ولم تشغلني. 3 - قوله: "ولا السانحات": جمع سانح بالنون، وهو ما ولَّاك ميامنه من ظبي أو طائر أو غيرهما، تقول: سنح لي الطي يسنح سنوحًا إذا مرَّ من مياسرك إلى ميامنك، و"البارحات": جمع بارح؛ من برح الظبي بالفتح بروحًا إذا ولاك مياسره، ومرَّ من ميامنك إلى مياسرك، والعرب تتطير بالبارح وتتفاءل بالسانح؛ لأنه لا يمكنك أن ترميه حتى تنحرف, قوله: "أم مرَّ أعضب" بالعين المهملة والضاد المعجمة، وهو المكسور القرن الداخل. ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الأربعمائة
8 - قوله: "وما لي إلا آل أحمد شيعة" أي: ما لي أعوان وأنصار غير آل محمد - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "وما لي إلا مذهب الحق مذهب" أي: ما لي طريق إلا طريق الحق، ويروى: وما لي إلا مشعب الحق مشعب، ومشعب الحق -بفتح الميم: طريقه. الإعراب: قوله: "وما لي" الواو للعطف وكلمة ما بمعنى ليس، واسمه هو قوله: "شيعة"، وخبره هو قوله: "لي" وكلمة إلا للاستثناء، و "آل أحمد": كلام إضافي منصوب بإلا لتقدمه على المستثنى منه. وكان قبل تقدمه يجوز فيه الوجهان: النصب والبدل؛ فالبدل هو المختار، والنصب على أصل الباب، فلما قدم امتنع البدل الذي هو الوجه الراجح؛ لأن البدل لا يتقدم المبدل منه من حيث كان من التوابع كالنعت والتوكيد، فتعين النصب الذي هو مرجوح لأجل الضرورة, قوله: "وما لي إلا مذهب الحق مذهب" الكلام فيه كالكلام في الشطر الأول سواء. الاستشهاد فيه: ظاهر، وهو وجوب النصب عند تقدم المستثنى (¬1). الشاهد الحادي والسبعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) لِأنَّهُمْ يَرْجُونَ منهُ شَفَاعَةً ... إِذَا لَمْ يَكُنْ إلا النَّبِيُّونَ شافِعُ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -. وهو من الطويل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "لأنهم" اللام للتعليل، وأن: حرف من الحروت المشبهة بالفعل وهو اسمه، و"يرجون": ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الأربعمائة
جملة من الفعل والفاعل خبره، والضمير في "منه" يرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتعلق (¬1) بيرجون. قوله: "شفاعة" بالنصب مفعول يرجون، وكلمة "إذا" للظرف، و "لم يكن": من كان التامة، أي: إذا لم يوجد إلا النبيون شافع، وكلمة إلا للاستثناء، و"النبيون" بالرفع على تفريغ العامل له. وقوله: "شافع": بدل كل، فلذلك ارتفع على أن المستثنى مقدم على المستثنى منه، وكان النصب فيه واجبًا لما قلنا في البيت السابق، ولكنه ورد عن العرب، وحكى يونس أنهم يقولون: ما لي إلا أبوك ناصر، وأجابوا عن هذا بأن الاستثناء في البيت مفرغ لما ذكرنا. والاستشهاد فيه: على رفع المستثنى المقدم على المستثنى منه كما ذكرنا (¬2). الشاهد الثاني والسبعون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) هل الدَّهْرُ إلّا لَيْلَةٌ وَنَهارُهَا ... وإلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غَيَارُهَا أقول: قائله هو أبو ذؤيب واسمه خويلد بن خالد الهذلي، أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، وتوفي في خلافة عثمان [- رضي الله عنه -] (¬5). وهو من قصيدة طويلة من الطويل يرثي بها أبو ذؤيب نشبة بن محرث أحد بني مؤمل بن خطط بن زيد بن قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل، والبيت المذكور أولها، وبعده هو قوله (¬6): 2 - أبَى القَلْبُ إلَّا أُمَّ عَمْرٍو وَأصْبَحَتْ ... تُحَرَّقُ نَارِي بالشَّكَاةِ ونَارُهَا 3 - وعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي مُحِبُّهَا ... وتِلكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنكَ عَارُهَا ¬
4 - فلَا يهنئ الوَاشُينَ أنْ قَدْ هَجَرْتُهَا ... وأَظلَمَ دُونِي لَيْلُهَا ونَهَارُهَا 5 - فإنْ أعْتَذِرْ مِنهَا فَإنِي مُكَذِّبٌ ... وإنْ تَعتَذِرْ يُردَدْ عَلَيهَا اعْتِذَارُهَا 6 - فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلايَةِ فَارِدٌ ... تَنُوشُ البَرِيرَ حَيثُ نَال اهْتِصَارُهَا 2 - قوله: "تحرق" أي: توقد، قوله: "بالشكاة" بفتح الشين، وهي النميمة والكلام القبيح. 6 - قوله: "بالعلابة" بفتح العين المهملة وبعد اللام [ألف ثم] (¬1) باء أخرى (¬2)، وهو اسم موضع، قوله: "فارد" بالفاء، يقال: ظبية فارد: انقطعت عن القطيع، وهو من قبيل حائض وطامث، وارتفاعه على أنه خبر لأم خشف وهي الظبية، و"الخشف" بكسر الخاء المعجمة، ولدها، ويروى: فَمَا أُمُّ خَشْفٍ بالعَلايَةِ شَادِنٌ ... ................................ من شدن الطي إذا توي، قوله: "تنوش" أي: تتناول؛ من النوش وهو التناول, قوله: "البرير" بفتح الباء الموحدة وكسر الراء الأولى، وهو ثمر الأراك كله ما أدرك منه وما لم يدرك، فما أدرك منه فهو مرد، وما لم يدرك فهو كباث (¬3). قوله: "اهتصارها" أي: جذبها، يقال: اهتصر فلان فلانًا إذا أخذه بشعره فجره ومده، وهصر العود إذا مده وكسره، ومنه سمي الرجل مهاصرًا. الإعراب: قوله: "هل": بمعنى ما النافية، و "الدهر": مرفوع بالابتداء، و"ليلة" خبره، والاستثناء مفرغ، قوله: "ونهارها" كلام إضافي مرفوع لأنه عطف على ليلة، قوله: "وإلا طلوع الشمس" بالرفع عطفًا على ما قبله، ولا عمل للاستثناء بل "إلا" هاهنا لمجرد التوكيد، وهو محل الاستشهاد (¬4) , قوله: "ثم غيارها" بالرفع عطف على قوله: "طلوع الشمس" وهو بكسر الغين المعجمة وبالياء آخر الحروف، ويقال: غارت الشمس تغور غيارًا أي: غربت. ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الأربعمائة
الشاهد الثالث والسبعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) مَا لكَ مِنْ شَيْخِكَ إلا عملهُ ... إلا رَسِيمُهُ وإلَّا رَمَلُهُ أقول: قائله هو راجز من الرجاز، لم أقف على اسمه. قوله: "رسيمه" بفتح الراء وكسر السين المهملة بعدها ياء آخر الحروف وفي آخره ميم، وهو في الأصل ضرب من سير الإبل، وهو فوق الذميل، وقد رسم يرسم من باب ضرب يضرب رسيمًا، ولا يقال أرسَم, قوله: "رمله" بفتحتين وهو الهرولة ورملت بين المحظ والمروة رملًا ورملانًا. الإعراب: قوله: "ما لك": كلمة ما للنفي وانتقض عملها بإلا، وقد تكررت إلا في هذا البيت للتوكيد، ولا عمل لها بل الذي بعدها تابع للذي قبلها إلا أن هاهنا تابعين. أحدهما: بدل وهو رسميه، فإن الرسيم هو نوع من السير كما ذكرنا وهو نفس العمل. والثاني: معطوف بالواو وهو رمله وهو نوع آخر من السير، وقال النحاس: رسيمه ورمله تفسير لعمله (¬3). الاستشهاد فيه: على أن: "إلا" المكررة فيه زائدة مؤكدة للتي قبلها، ودخولها كخروجها، ولا تعمل شيئًا فيما تدخل عليه، واعلم أن في هذا البيت دليلًا على أن الواو لا تفيد الترتيب؛ لأن الطواف مقدم على السعي فافهم (¬4). ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة
الشاهد الرابع والسبعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) لم أُلْفِ في الدَّارِ ذَا نُطْقٍ سِوَى طَلَلٍ ... قَدْ كادَ يَعْفُو ومَا بالعَهْدِ مِن قِدَمِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "لم أُلف" بضم الهمزة وسكون اللام وبالفاء، أي: لم أجد، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، و"الطلل" بفتحتين؛ ما شخص من آثار الدار، وأراد بالدار منزل القوم, قوله: "يعفو" أي: يدرس؛ من عَفَى يعفُو عُفُوًّا بتشديد الواو، وقال ابن فارس: عفت الدار إذا غطاها الترابُ (¬3). الإعراب: قوله: "لم ألف": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ذا نطق": كلام إضافي مفعوله، وأراد: لم أجد في الدار أحدًا سوى الآثار، وقوله: "سوى طلل": استثناء منقطع. قوله: "قد كاد يعفو" أي: [قد] (¬4) قرب اندراسه، والجملة موضعها النصب على الحال، واسم كاد فيه مستتر، وخبره قوله: "يعفو"، "وما بالعهد من قدم" كلمة ما نافية بمعنى ليس، وقوله: "من قدم": اسمه، "ومن" زائدة، "وبالعهد": خبره، والمعنى: ليس زمان قديم بعهد الدار، والجملة -أيضًا- في محل النصب على الحال (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "سوى طلل" فإنه دل على أن سوى يستثنى بها في المنقطع (¬6). الشاهد الخامس والسبعون بعد الأربعمائة (¬7) , (¬8) أصابهُمُ بلاءٌ كانَ فيهمْ ... سِوى مَا قَدْ أصاب بَنِي النَّضِيرِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -. ¬
وهو من قصيدة من الوافر، وأولها هو قوله (¬1): 1 - لقد لَقيَتْ قُرَيْظَةُ ما سآها ... ومَا وَجَدَتْ لذلك مِنْ نَصِيرِ 2 - أصابهُمُ .............. ... ......................... إلخ 3 - غَدَاةَ أَتَاهُمُ يَهْوي إليهِمْ ... رَسُولُ الله كالقمَرِ المُنِيرِ 4 - لهُ خَيْلٌ مُجَنَّبَةٌ تَعَادَى ... بفُرْسَانٍ عَلَيهَا كالصُّقُورِ 5 - تركناهم وما ظَفِرُوا بشيءٍ ... دمَاؤُهُمُ عليهِمْ كالعَبِيرِ 6 - فهُمْ صَرْعَى تَحُومُ الطَّيرُ فيهمْ ... كذاكَ يُدانَ ذُو الفَنْدِ الفَجُورِ 7 - فأُنْذِرُ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا ... مِنَ الرحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نذِيرِي 2 - قوله: "بني النضير" بفتح النون وكسر الضاد المعجمة، وهي حيٌّ من يهود خيبر وقد دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون أخي موسى - عليه السلام -؛ هكذا قاله الجوهري (¬2)، وقال الرشاطي: قال ابن إسحاق: قريظة والنضير والنحام وهو الهذل بنو الخزرج بن الصريح بن الشَّومان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاد بن خيبر بن النحام بن ينحوم بن عازر بن عزراء بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن - صلوات اللَّه عليهم وسلامه -. الإعراب: قوله: "أصابهم بلاء": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو قوله: "بلاء"، والضمير يرجع إلى قريظة في البيت السابق, قوله: "كان فيهم" جملة في محل الرفع على أنها صفة لقوله "بلاء", قوله: "سوى ما قد أصاب" استثناء مما قبله، وسوى أضيف إلى ما، وما موصولة "وقد أصاب": جملة وقعت صلة للموصول، و"بني النضير": كلام إضافي مفعول أصاب. الاستشهاد فيه: على أن "سوى" يوصف بها، وأنه لا يلزم الظرفية، خلافًا للأكثرين (¬3). ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد الأربعمائة
الشاهد السادس والسبعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) ولمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا ... نِ دِنَّاهم كما دانُوا أقول: قائله هو الفند الزماني (¬3)، واسمه شهل بن شيبان، وليس في العرب شهل بالشين المعجمة غيره، وهو من قصيدة نونية قالها في حرب البسوس، وأولها هو قوله (¬4): 1 - صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ ... وَقُلنَا القَوْمُ إخْوَانُ 2 - عَسَى الأيَّامُ أنْ يَرْجِعْـ ... نَ قَوْمًا كالذِي كَانُوا 3 - فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرَّ ... فَأَمْسَى وَهُوَ غَرْثَانُ 4 - ولَمْ يَبْقَ سِوَى العْدْوَا ... نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا 5 - شَدَدْنَا شَدَّةَ اللَّيْثِ ... غَدَا واللَّيثُ غَضْبَانُ 6 - بِضرْبٍ فِيهِ تَأثِيمٌ ... وتَفجِيعْ وَإِرْنَانُ 7 - وطَعْنِ كَفَمِ الزِّقِّ ... غَذَا والزِّقُّ مِلآنُ 8 - وبَعضُ الحِلْمِ عِندَ الحَرْ ... بِ للذلَّةِ إدْهَانُ 9 - وفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِيـ ... ـنَ لا يُنجِيكَ إِحْسَانُ وهو من الهزج، وأصله: مفاعيلن ست مرات ولم يستعمل إلا مجزوءًا. 1 - قوله: "عن بني ذهل" ويروى عن بني هند، وهي هند بنت مر بن أد أخت تميم. 2 - قوله: "كالذي كانوا": خبر كان محذوف، أي: كالذي كانوه، أي: كما كانوا عليه. 3 - قوله: "فلما صرح الشر" صرح: يتعدى ولا يتعدى، يقال: صرّح الشيء إذا كشفه، وصرح هو إذا انكشف؛ كقولك: بيَّن الشيء، وبيَّن هو إذا تبين، وفعَّل بالتشديد بمعنى تفعل كثير نحو: وجه وتوجه، وقدم وتقدم، ونبه وتنبه، ونكب وتنكب، وقيل: معنى صرح خلص، شبهه باللبن الصريح، وهو الذي قد ذهبت رغوته, قوله: "وهو غرثان": من الغرث وهو الجوع، وقد غرث بالكسر يغرث فهو غرثان. ¬
4 - قوله: "سوى العدوان" بضم العين، وهو الظلم الصريح؛ من عدى عليه وتعدى عليه واعتدى كله بمعنى, قوله: "دناهم" أي: جازيناهم من الدِّين بكسر الدال وهو المجازاة والمكافأة، يقال: دانه دينًا، أي: جازاه، يقال: كما تدين تدان، أي: كما تجازي تجازى، أي: تجازى بفعلك وبحسب عملك، و {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] أي: لمجزيون محاسبون، ومنه: الديان في صفة الله تعالى. 5 - قوله: "شددنا شدة الليث، ويروى: مشينا مشية الليث ... .............................. والمعنى: مشينا إليهم مشية الأسد تبكر وهو جائع، وكنى عن الجوع بالغضب؛ لأنه يصحبه، قوله: "غدا" بالغين المعجمة، ويروى بالمهملة من العدوان. 6 - وقوله: "وتفجيع" ويروى: وتخضيع؛ أي: تقطع, قوله: "وإرنان" بكسر الهمزة، وروى: وإقران، أي: إطاقة، وقيل: مواصلة لا فتور فيها، وقيل: إقران؛ أي: غلبة. 7 - قوله: "غذا" بالغين والذال المعجمتين؛ أي: سال. 8 - قوله: "وإدهان" ويروى: وإذعان؛ من أذعن بكذا أقرّ به. الإعراب: قوله: "فلما": بمعنى حين، و"صرَّح الشرَّ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الشر، قوله: "فأمسى" تامة, قوله: "وهو غرثان": جملة وقعت حالًا, قوله: "ولم يبق": عطف على قوله "صرح الشر فأمسى", قوله: "سوى العدوان": كلام إضافي في محل الرفع؛ لأنه فاعل "لم يبق", قوله: "دناهم": جواب لما، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: "كما دانوا" الكاف للتشبيه وما مصدرية، والجملة في محل النصب على أنه صفة لمصدر محذوف، والتقدير: دناهم دينًا كدينهم، أي: جازيناهم جزاء كجزائهم، ومفعول دانوا محذوف، أي: كما دانونا (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "سوى العدوان" فإن سوى هاهنا وقع فاعلًا؛ كما في قولهم: أتاني سواك، وهذا يدل على أنه لا يلازم الظرفية، ولكنهم قالوا: إنه لا يخرج عن النصب على الظرفية إلا في ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الأربعمائة
الشعر؛ كما في البيت المذكور؛ فإنه خرج عن الظرفية هاهنا، ووقع فاعلًا فافهم (¬1). الشاهد السابع والسبعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) وإِذَا تُبَاعُ كَرِيمَةٌ أَوْ تُشْتَرَى ... فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي أقول: قائله هو ابن المولى وهو محمد بن عبد الله بن مسلم المدني (¬4) يخاطب به يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ويمدحه به، وهو وما بعده خمسة [أبيات] (¬5) من الكامل، وهو قوله (¬6): 2 - وإذَا تَوَعَّرَتِ المَسَالِكُ لَمْ يَكُنْ ... منْهَا السَّبِيلُ إِلَى نَدَاكَ بِأَوْعَرِ 3 - وإذَا صَنَعتَ صَنِيعَةً أتْمَمْتَهَا ... بِيَدَينِ ليس نَدَاهُمَا بِمُكَدَّرِ 4 - وإذَا هَمَمتَ لِمُعْتَفِيكَ بِنَائِلٍ ... قَال الندي فَأطَعْتَهُ لَكَ أَكثَرُ 5 - يا وَاحِدَ العَرَبِ الذِي مَا إِنْ لَهُمْ ... مِنْ مَذْهَب عَنْهُ ولا مِنْ مَقْصِرِ قوله: "كريمة" أراد بها فعلة كريمة، أي: حسنة, قوله: "إلى نداك" بالنون؛ أي: عطتك، قوله: "لمعتفيك" أي: لسائليك، من الاعتفاء بالعين المهملة والفاء. الإعراب: قوله: "وإذا" للشرط، وجوابه قوله: "فسواك بائعها"، و"كريمة": مرفوعة بقوله: "تباع"؛ لأنه مفعول ناب عن الفاعل, قوله: "أو تشترى" عطف عليه، و "أو" هاهنا بمعنى الواو, قوله: "فسواك": مبتدأ، و "بائعها": خبره، وكذا قوله: "وأنت المشتري" مبتدأ وخبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "فسواك" حيث وقع سوى هاهنا في محل الرفع على الابتداء وخرج عن النصب ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد الأربعمائة
على الظرفية (¬1). الشاهد الثامن والسبعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) ذِكْرُكَ اللهَ عِنْدَ ذِكرِ سِوَاهُ ... صارَفٌ عَنْ فُؤَادِكَ الغَفَلاتِ أقول: احتج به ابن مالك وغيره، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله (¬4). وهو من الخفيف وفيه الخبن. قوله: "الغفلات": جمع غفلة؛ من غفل عن الشيء يغفل من باب نصر ينصر إذا (¬5) ذهل عنه وتركه. الإعراب: قوله: "ذكرك الله": مصدر مضاف إلى فاعله، ولفظة: "الله": منصوب على المفعولية وهو مبتدأ وخبره قوله: "صارف", قوله: "عند ذكر" كلام إضافي، وعند نصب على الظرفية، وقوله: "سواه" في محل الجر؛ لأنه وقع صفة لذكر، وقوله: "عن فؤادك" يتعلق بصارف، وقوله: "الغفلات": مفعول صارف. الاستشهاد فيه: في قوله: "سواه" حيث خرج عن النصب على الظرفية ووقع مجرورًا؛ كما ذكرنا، فدل على أنه لا يلزم (¬6) الظرفية خلافًا للأكثرين (¬7). ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الأربعمائة
الشاهد التاسع والسبعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) ولا ينْطِقُ الفَحْشَاءَ مَنْ كَانَ مِنْهُمُ ... إذا جلَسُوا مِنَّا ولا مِنْ سوائينا أقول: قائله هو المرار بن سلامة العجلي (¬3)، وهو من الطويل. قوله: "الفحشاء" هي الفاحشة، وكل شيء جاوز حده فهو فاحش، من فحش يفحش بالضم فيهما فحشًا بضم الفاء. الإعراب: قوله: "ولا ينطق" الواو للعطف إن كان قبله شيء، وإلا فهي للاستفتاح، ولا ينطق مضارع منفي بلا. وقوله: "الفحشاء": منصوب على إسقاط حرف الجر، أو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي: لا ينطق نطق الفحشاء، قال تعالى: {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 12]. وإن شئت جعلت الفحشاء مفعول: "ينطق" لا على حذف مضاف، ولا على حذف حرف الجر؛ لأن النطق بالفحشاء فحشاء (¬4)، ويجوز أن يضمن ينطق معنى يذكر، ويكون المعنى: ولا يذكر الفحشاء. قوله: "من كان منهم" "من" في محل الرفع لأنه فاعل: "لا ينطق"، وهي موصولة، وقوله: "كان منهم" صلته، واسم كان مستتر فيه، وخبره قوله: "منهم"، قوله: "إذا جلسوا" العامل في إذا ينطق. قوله: "منا" يتعلق بمحذوف، في موضع الحال من هم في قوله: "منهم"، والعامل فيها هو العامل في صاحبها، والتقدير: ولا ينطق الفحشاء من كان منهم منا ولا من سوائنا إذا جلسوا، فقدم وأخَّر. وقال النحاس: قال محمد بن الوليد (¬5) في معنى هذا البيت: كأنه ذكر قومه فقال: لا ينطق ¬
الشاهد الثمانون بعد الأربعمائة
الفحشاء من كان منهم منا ولا من كان منهم من سوائنا، أي: ليس فيهم أحد ينطق الفحشاء. ومعنى: "منا" أي: من أجلنا، ومنا: يتعلق بإذا جلسوا، "وإذا جلسوا": يتعلق بينطق، فكأنه قال: ولا ينطق الفحشاء إذا جلسنا من أجلنا، ولا يحتمل أن يكون إذا جلسوا متعلقًا بمنا؛ لأنه يصير المعنى: إنهم لا يكونون منهم حتى يجلسوا، قوله: "ولا من سوائينا" أشبع كسرة الهمزة فيه فتولدت منه الياء. الاستشهاد فيه: أنه استشهد به سيبويه أن سوى غير ظرف متصرف حيث قال [في كتابه] (¬1) في باب ما يحتمل الشعر: وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلا ظرفًا بمنزلة غيره من الأسماء، وذلك كقول المرار العجلي: ولا ينطق الفحشاء ................ ............................. إلخ (¬2) فهذا نص منه على أن: "سوى" ظرف ولا تفارق الظرفية إلا في الضرورة. وقال الزيادي: لا حجة لسيبويه في هذا البيت؛ لأن من تدخل على عند، وعند لا تكون إلا ظرفًا. وقال النحاس: الحجة لسيبويه [إنه] (¬3) إنما جاء بهذا البيت ليدلك على أن الشاعر لما اضطر جعل سوى بمعنى غير، فيجوز على هذا أن يقال: رجل سواؤك، والجيد: هذا رجل سواءك بالنصب، وقد قال سيبويه في غير هذا الباب وهذا لا يكون اسمًا إلا في الشعر؛ يعني سواء (¬4). الشاهد الثمانون بعد الأربعمائة (¬5) , (¬6) حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ أَبَا ... ثوبانَ ليس ببكمةِ فَدْمٍ أقول: قائله هو الجُمَيحُ، واسمه مُنقِذُ بن الطّمّاح الأسدي (¬7)، وكان من فرسان بني أسد ¬
المعدودين، وكان غزاء، وهو صاحب الغارة على إبل المنذر بن ماء السماء. والبيت المذكور من قصيدة ميمية من الكامل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - يا جَارَ نَضْلَةَ قَدْ أَتَى لَكَ أَنْ ... تَسْعَى لِجَارِكَ في بَنِي هَدْمِ 2 - مُتَنَظِّميَن جوَارَ نَضْلَةَ يَا ... شَاهَ الوُجُوهُ لِذَلِكَ النَّظْمِ 3 - وبَنُو رَوَاحَةَ يَنظُرُونَ إذَا ... نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمِ 4 - حَاشَا أَبَا ثَوْبانَ ........... ... ....................... إلى آخره (¬2) 5 - عَمْرُوَ بنَ عبدِ الله إِنَّ بِهِ ... ضَنًّا عَنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ 6 - لا تَسْقِنِي إِنْ لَمْ أَزُرْ سَمَرًا ... غَطَفَانَ مَوْكِب جَحفَلٍ دُهْمِ وأكثر النحاة يركبون صدر البيت الأول على عجز الثاني، فينشدونه هكذا (¬3): حَاشَا أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ ... ضَنًّا عَنِ الْمَلْحَاةِ والشَّتْمِ والصواب ما ذكرناه، وهكذا أنشده ابن عصفور، وابن مالك في شرحه (¬4). 1 - قوله: "يا جار نضلة" أراد به نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس، وكان جارًا لبني فقعس فقتلوه، فقال في ذلك قوله: "قد أنى لك" أي: قد حان لك. 2 - قوله: "متنظمين" ويروى: يتنظمون من النظم وهو نظمهم أيديهم بالرمح، والمعنى هاهنا: في سلك واحد هم معه. قوله: "يا شاه الوجوه" يعني: قال الجميح: يا شاه الوجوه لنظمهم، والمعنى: يا هؤلاء شاهت الوجوه يعني: قَبُحَتْ. 3 - قوله: "الندي" بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء، وهو مجلس القوم ومتحدثهم، قوله: "بآنف" بفتح الهمزة وضم النون، وهو جمع أنف، وأصله: أأنف، قلبت الهمزة الثانية ألفًا للتخفيف. قوله: "خثم" بضم الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة، وهو جمع أخثم؛ من الخثم بفتحتين وهو عرض في الأنف. ¬
4 - قوله: "ليس ببكمة" بضم الباء وسكون الكاف؛ من البكمة وهو الخرس، قوله: "فدم" بفتح الفاء وسكون الدال، يقال: رجل فدم، أي: عييّ ثقيل بَيِّن الفدامة والفدومة. 5 - قوله: "ضنًّا" بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون؛ من ضننت بالشيء أضن به ضنًّا، وضنانة إذا بخلت به، وهو من باب علم يعلم، قوله: "عن الملحاة" بفتح الميم؛ مصدر ميمي كالملاحاة وهي المنازعة. الإعراب: قوله: "حاشا أبي ثوبان": استثناء من قوله: "ينظرون إذا نظر الندي"، و "أبي ثوبان": مجرور بحاشا، قوله: "إن" من الحروف المشبهة بالفعل، و "أبا ثوبان": اسمه، وخبره هو قوله: "ليس ببكمة"، وقوله: "فدم" بالجر صفة لبكمة، وقوله: "عمرو بن عبد الله"؛ عطف بيان على أبي ثوبان. الاستشهاد فيه: في قوله: "حاشا أبي ثوبان" حيث جر حاشيا أبي ثوبان، وروي: حاشا أبا ثوبان، فدل على أنه يأتي حرف جر، ويأتي فعلًا كعدا وخلا، وهذه حجة على سيبويه؛ حيث التزم حرفية حاشا (¬1)؛ إذا لو لم يكن فعلًا لما نصب أبا ثوبان في رواية من روى حاشا أبا ثوبان. واعلم أنهم اختلفوا في حاشا على أربعة أقوال: الأول: قول سيبويه: وهو أنها لا تكون إلا حرف جر فقط (¬2). والثاني: قول المبرد والمازني: أنها تكون حرفًا وفعلًا فتنصب وتجر (¬3). الثالث: قول الكوفيين إلا الفراء وهو أنها فعل لا غير (¬4). الرابع: قول الفراء وحده، وهو أنها فعل بغير فاعل، واحتج بأن الإنسان يذكر بالسوء فيقال: حاشاه (¬5)، وهذا ظاهر الفساد؛ لأن فعلًا من غير فاعل مستحيل بالبداهة فافهم. ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد الأربعمائة
الشاهد الحادي والثمانون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) تَرَكْنَا فِي الحَضِيضِ بَنَاتَ عُوجٍ ... عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إلَى النُّسُورِ أبَحْنَا حَيَّهُمْ أَسْرًا وقَتلًا ... عَدَا الشَّمْطَاءِ والطِّفل الصَّغِيرِ أقول: لم أقف على اسم قائلهما، وهما من الوافر، وفيه العصب والقطف (¬3)، وإنما أنشدوا البيتين كليهما مع أن البيت الأول لا شاهد فيه ليعلم أن القوافي مخفوضة. 1 - قوله: "في الحضيض" بفتح الحاء المهملة وبضادين معجمتين بينهما ياء آخر الحروف ساكنة، وهو القرار من الأرض عند منقطع الجبل، وأراد به الموضع المعين الذي وقعت فيه الحروب، قوله: "بنات عوج" بضم العين وسكون الواو، أي: بنات خيل (¬4) عوج، وهو جمع أعوج، والعوج من الخيل: التي في أرجلها تجنيب؛ وهو انحناء وتوتير في رجل الفرس وهو مستحب، قال أبو دواد (¬5) يمدح الفرس (¬6): وفي اليَدَيْنِ إذَا مَا الماءُ أَسْهَلَهَا ... ثَنيٌ قَليلٌ وفيِ الرِّجْلَيْنِ تَجنِيبُ ويجوز أن يكون عوج جمع أعوجي؛ قال أبو علي في التذكرة في قوله (¬7): أَحْوَى مِنَ العُوجِ وقَاحُ الحَافِرِ ... ...................................... ويجوز أن يكون جمع أعوجي كفرس جمع فارسي، ويكون أعوجي منسوبًا إلى أعوج، وبنات أعوج هي الخيول المشهورة بين العرب، المتناسلة من أعوج وهو فرس كان لبني هلال تُنْسَبُ إليه الأعوجيات، وبنات أعوج. قال أبو عبيدة: كان أعوج لكِنْدةَ فأخذته بنو سليم في بعض أيامهم فصار لبني هلال، وليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلًا منه (¬8). ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد الأربعمائة
وقال الأصمعي في كتاب الفرس: أعوج كان لبني آكل المرار ثم صار لبني هلال بن هلال بن عامر (¬1). قوله: "عواكف": جمع عاكف من عكف على الشيء يعكف ويعكُف عكوفًا إذا أقبل عليه مواظبًا، قوله: "قد خضعن": من الخضوع وهو التطامن، و "النسور": جمع نسر وهو الطائر المعروف، وهو جمع الكثرة، وجمع القلة: أنسر، قوله: "الشمطاء" هي المرأة العجوزة؛ من الشمط وهو بياض شعر الرأس يخالط سواده، والرجل أشمط والمرأة شمطاء. الإعراب: قوله: "تركنا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "بنات عوج": كلام إضافي مفعوله، و "في الحضيض": يتعلق بتركنا، قوله: "عواكف": نصب على أنه مفعول ثانٍ لتركنا، وترك من أفعال التصيير، قال تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99]، قوله: "قد خضعن": جملة وقعت حالًا عن بنات عوج، و "إلى النسور" يتعلق به. قوله: "أبحنا" جملة من الفعل والفاعل؛ من الإباحة، وقوله: "حيهم" كلام إضافي مفعوله، قوله: "قتلًا" نصب على التمييز، أي: من حيث القتل، ومن حيث الأسر، قوله: "عدا": حرف جر هاهنا، ولهذا جر الشمطاء. الاستشهاد فيه: حيث جاء: "عدا" حرف جر وهو قليل، ولم يحفظ سيبويه فيه إلا أن يكون فعلًا ماضيًا (¬2). الشاهد الثاني والثمانون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) أَلَا كل شيء ما خلا الله باطلٌ ... ..................................... أقول: قائله هو لبيد بن عامر، وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في أول الكتاب. ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الأربعمائة
والاستشهاد فيه: في قوله: "خلا" (¬1). الشاهد الثالث والثمانون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) يُمَلُّ النَّدَامَى ما عدَانِي فَإِنَّنِي ... بكُلِّ الذي يَهْوَى نَدِيمِي مُولَعُ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد النكرة والمعرفة (¬4)، فإن ابن هشام استشهد به هناك في دخول نون الوقاية في عدا، واستشهد به هاهنا في دخول ما المصدرية عليه فتعين النصب حينئذ لتعين الفعلية (¬5). الشاهد الرابع والثمانون بعد الأربعمائة (¬6) , (¬7) لَدَيْكَ كَفِيلٌ بالمُنَى لِمُؤَمِّلٍ ... وإنَّ سِواكَ مَنْ يُؤَمِّلُهُ يَشْقَى أقول: لم أظفر بشيء يدل على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "كفيل" أي: ضامن؛ من كفل به يكفل كفالة، وكفل عنه بالمال لغريمه، وأراد بذلك: ما يكفل بتحصيل المنى، وهو بضم الميم جمع منية من التمني، قوله: "لمؤمل": من التأميل وهو الرجاء، قوله: "يشقى": من الشقاوة، وأراد من يؤمل سوى فضلك يخيب ويشقى. الإعراب: قوله: "كفيل": مرفوع بالابتداء، و "لديك"؛ مقدمًا خبره، و "بالمنى": يتعلق بكفيل، وقوله: "لمؤمل" جار ومجرور وقع حالًا عن المني؛ كذا قال بعضهم، والصواب أن محله رفع على أنه صفة لقوله: كفيل، والتقدير؛ عندك كفيل بالمنى كائن لمؤمل. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الأربعمائة
قوله: "وإن" حرف من الحروف المشبه بالفعل، وقوله: "سواك": اسمه، كذا قال الشيخ ابن عقيل، ثم قال: هذا تقرير كلام المصنف (¬1)، يعني: انتصاب سوى هاهنا ليس على الظرفية؛ بل لكونها اسم إن، والجملة أعني قوله: "من يؤمله يشقى" خبره، و: "من" موصولة، و "يؤمله يشقي": صلتها، ومحل: "من" رفع على الابتداء، وكذلك محل "يشقى" مرفوع على الخبرية. الاستشهاد فيه: في قوله: "سواك" حيث جاء منصوبًا [على الظرفية] (¬2) على أنه اسم أن؛ كما ذكرنا [ولكنه يحتمل التأويل (¬3)] (¬4). الشاهد الخامس والثمانون بعد الأربعمائة (¬5) , (¬6) رأيتُ الناسَ ما حاشا قُرَيْشًا ... فإنَّا نَحْنُ أَفْضَلُهُمْ فَعَالا أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث، وهو من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "فعالًا" بفتح الفاء والعين المهملة، ومعناه: الكرم، وفعال -أيضًا- مصدر من فعل كذهب ذهابًا. الإعراب: قوله: "رأيت": جملة من الفعل والفاعل، و "الناس" بالنصب مفعوله، ورأيت هذا من الرأي، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، ويروى: فأما الناس وهو الأصح. قوله: "ما حاشا" كلمة ما نافية وحاشا هاهنا فعل متعد؛ ولهذا نصب قريشًا، ونحوه ما جاء في الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- قال (¬7): "أسامة أحب الناس إليَّ ما حاشا فاطمة". ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد الأربعمائة
قوله: "فإنا" إن: حرف من الحروف الشبهة بالفعل، والضمير المتصل به اسمه، و "نحن" تأكيد، وقوله: "أفضلهم": خبره، وقوله: "فَعَالًا": نصب على التمييز، أي: من حيث الفعال؛ أي: الكرم. فإن قلت: ما الفاء في: فإنا؟ قلت: "الفاء الداخلة في جواب [أما] (¬1)، وأما مقدرة في رواية من روى: رأيت الناس، تقديره: وأما إني رأيت الناس ما حاشا قريشًا فإنا نحن فافهم". الاستشهاد فيه: في قوله: "ما حاشا قريشًا" حيث دخلت ما على حاشا وهو قليل، والأكثر أنها مثل خلا في أنها تنصب ما بعدها وتجر، لكن لا يتقدم عليها ما كما يتقدم على خلا (¬2). الشاهد السادس والثمانون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) حَاشَا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ ... على البريَّةِ بالإسْلامِ والدِّينِ أقول: قائله لم أقف على اسمه، وهو من البسيط، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "حاشا": فعل ماض هاهنا، و "قريشًا" منصوب به، ولفظة: "الله" اسم إن، وقوله: "فضلهم": جملة خبرها، و "على البرية": يتعلق بها، وكذلك "بالإسلام": الاستشهاد فيه: في قوله: "حاشا" فإنه وقع هاهنا فعلًا، فلذلك نصب قريشا، والأكثر أنه لا يكون إلا حرف جر (¬5). ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة
الشاهد السابع والثمانون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) خلَا اللهِ لَا أَرْجُو سِواكَ وإِنَّمَا ... أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا أقول: هذا من الطويل. قوله: "شعبة" أي: طائفة. الإعراب: قوله: "خلا" هاهنا حرف جر؛ فلذلك جر لفظة الله، وقوله: "لا أرجو": فعل وفاعل، و "سواك" كلام إضافي مفعوله، قوله: "وإنما" بطل عمل إن بدخول ما الكافة عليه، قوله: "أعد": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "عيالي" كلام إضافي مفعوله، وقوله: "شعبة": مفعول ثان، وقوله: "من عيالكا" في محل النصب على أنها صفة لشعبة. الاستشهاد فيه: في قوله: "خلا الله لا أرجو سواك" حيث جر لفظة اللهِ بخلا (¬3). الشاهد الثامن والثمانون بعد الأربعمائة (¬4) , (¬5) لُذْ بقيسٍ حينَ يأْبَى غيرَهُ ... ................................ أقول: هذا رجز لم أقف على اسم راجزه (¬6)، وتمامه: .............................. ... تلفه بحرًا مُفِيضًا خَيرَهُ قوله: "لذ" بضم اللام وسكون الذال المعجمة، أمر من لاذ يلوذ، قوله: "تلفه" بضم التاء ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة
المثناة من فوق وسكون اللام وكسر الفاء؛ من ألفى يلفي إذا وجد، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، ومعنى تلفه: تجده، "بحرًا مفيضًا": من أفاض وثلاثيه فاض، يقال: فاض الماء يفيض فيضًا وفيضوضة إذا كثر حتى سال على صفحة (¬1) الوادي. الإعراب: قوله: "لذ": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، و "بقيس" في محل النصب مفعوله، و "حين": نصب على الظرف، قوله: "غيره": مبني على الفتح على ما يأتي الآن بيانه. قوله: "تلفه بحرًا" مجزوم لأنه جواب الأمر وهو لذ، وقوله: "بحرًا": مفعول ثان لتلف، قوله: "مفيضًا": صفة لبحر، وقوله: "خيره": مفعول لقوله مفيضًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "غيره"؛ حيث بني على الفتح لإضافته إلى مبني، ومع هذا هو فاعل لقوله: "يأبى"، فيكون محله مرفوعًا بالفاعلية (¬2) فافهم. الشاهد التاسع والثمانون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) داينتُ أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضَى ... فَمَطَلَتْ بَعْضًا وأدَّتْ بَعْضًا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج؛ كذا قال ابن بري، وقبله (¬5): وَهْيَ تَرَى ذَا حَاجَةٍ مُؤْتَضًّا ... ................................... وهي من الرجز المسدس. قوله: "مؤتضًّا" أي: مضطرًا؛ من ائتض إليه ائتضاضًا، أي: اضطر إليه، قوله: "داينت": ¬
من المداينة، يقال: داينت فلانًا إذا عاملته فأعطته دينًا وأخذت بدين، و "أروى" بفتح الهمزة وسكون الراء؛ اسم امرأة، قوله: "فمطلت": من المطل وهو التسويف، قوله: "وأدت" ويروى: وفت. الإعراب: قوله: "داينت": جملة من الفعل والفاعل، و "أروى": مفعوله، قوله: "والديون تقضى": جملة اسمية وقعت حالًا، قوله: "فمطلت": جملة من الفعل والفاعل، و "بعضًا": مفعوله، وكذلك: "أدت بعضًا". الاستشهاد فيه: على أن لفظة: "بعض" يصح وقوعه على النصف وعلى أزيد منه، وهذا حجة على الكسائي وهشام حيث قالا: إن البعض لا يقع إلا على ما دون النصف، وهذا البحث هاهنا استطرادي (¬1). * * * ¬
شواهد الحال
شواهد الحال الشاهد التسعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) فلولا اللهُ والمُهْرُ المفدَّا ... لرحتَ وأنتَ غِرْبَالُ الإهابِ أقول: قائله هو منذر بن حسان، وهو من قصيدة بائية من الوافر، ومنها قوله: 1 - وبَادِيَةِ الجَوَاعِر مِن نُمَيرٍ ... تُنَادَى وَهْيَ سَافِرَةُ النِّقَاب (¬3) 2 - تُنَادي بالجَزِيرَة يَا لَقَيسٍ ... وَقَيْسٌ بِئسَ فِتيَانُ الضِّرَابِ 3 - قَتَلنَا مِنهُمْ مَائَتَيِن صَبرًا ... وأَلْفًا بالتِّلاع وبالرَّوَابِي 4 - وأَفْلَتْنَا هُجَينَ بَنِي سُلَيمٍ ... يُفَدِّي المهُرَ مِنْ حُبِّ الإيَابِ 5 - فلَوْلا اللهُ .................. ... ................................ إلخ 1 - قوله: "وبادية الجواعر من نمير" أي: مكشوفة الإست، والجواعر: جمع جاعرة وهي حلقة الدبر. 2 - قوله: "بالجزيرة" بالجيم والزاي ثم الراء، اسم موضع بعينه ما بين الفرات ودجلة. 3 - و "التلاع" بكسر التاء المثناة من فوق؛ جمع تَلْعَةٍ، وهي ما ارتفع من الأرض، وما انهبط -أيضًا- من الأضداد، قاله أبو عبيدة، وقال أبو عمرو: التلاع: مجاري الماء على الأرض إلى بطون الأودية (¬4)، و "الروابي": جمع رابية، وهي ما ارتفع من الأرض مثل التل. ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الأربعمائة
5 - قوله: "والمهر المفدا" بفتح الدال؛ من قولهم: فديت فلانًا إذا قيل له: جعلت فداك، وأراد به شكر المهر الذي يقال له عند جريه وسبقه: جعلت فداك، و "الغربال" بكسر الغين المعجمة؛ آلة مشهورة، و "الإهاب": الجلد، والمعنى: لولا عناية الله والفرس الذي تحتك لرحت وأنت مقطع الجلد مثقوب البشرة مثل الغربال. الإعراب: قوله: "فلولا الله" الفاء للعطف على ما قبله، وكلمة لولا لامتناع الثاني لوجود الأول؛ نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فهلاك عمرو منتف لوجود زيد، ولفظة الله مبتدأ، و "المهر": عطف عليه، و "المفدا": صفته والخبر محذوف، والتقدير: لولا الله معين والمهر موجود لرحت، أي: لقتلت وأدركتك الأسنة فمزقت جلدك وجعلتك كالغربال، ودخلت اللام فيه؛ لأنه جواب لولا، ويروى: لأبت، أي: لرجعت، وقوله: "وأنت غربال الإهاب" أي: وأنت مثقب الجلد، قوله: "وأنت" مبتدأ، و: "غربال الإهاب": كلام إضافي خبره، والجملة في محل النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "غربال الإهاب" فإنه جامد ولكنه في تأويل المشتق تقديره: وأنت مثقب الجلد كما ذكرنا، ولهذا نقول: فيه ضمير يعود إلى المبتدأ. ذكر هذا استئناسًا لوقوع الجامد حالًا على تأويله بالمشتق (¬1). الشاهد الحادي والتسعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) أَفِي السِّلْمِ أعْيَارًا جَفَاءً وغِلْظَةً ... وفي الحرْبِ أمثال النساءِ العوَاركِ أقول: قالته هند بنت عتبة بن أبي لهب، قالت ذلك حين انصرف الذين خرجوا إلى زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك حين تجهزت وخرجت من مكة إلى المدينة النبوية، وهم رجال من قريش منهم: هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وذلك بعد وقعة بدر حين وقع أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس خَتَنُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوج ابنته زينب - رضي الله عنهما - ¬
في جملة من أسر من أهل مكة، وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها واستحثها في المهاجرة. وهي من الطويل. قولها: "في السلم" بفتح السين وكسرها وهو الصلح، قولها: "أعيارًا" بفتح الهمزة وسكون العين المهملة؛ جمع عَيْر بفتح العين وسكون الياء آخر الحروف، وهو الحمار الوحشي والأهلي، والأنثى عيرة، قولها: "العوارك": جمع عارك وهي الحائض، يقال: عركت المرأة تعرك عروكًا؛ أي: حاضت، ومنه قول الشاعر (¬1): ...................................... ... ... وهي شمطاء عارك الإعراب: قولها: "أفي السلم" الهمزة للاستفهام، "وفي السلم" يتعلق بمحذوف، و "أعيارًا": حال من المحذوف تقديره: أتتحولون في السلم أعيارًا؟ أي: شبه أعيار، والأعيار وإن كان جامدًا، ولكنه وقع حالًا بهذا التأويل؛ كما في قولك: كَرَّ زيد أسدًا، أي: مثل أسد. قولها: "جفاء" نصب على التعليل، أي لأجل الجفاء، و "غلظة": عطف عليه، قولها: "وفي الحرب": يتعلق بالمحذوف الذي قدرناه، أي: تتحولون في الحرب أمثال النساء العوارك، [أي: كأمثال النساء] (¬2) فنصبه بنزع الخافض. وحاصل المعنى: أتتحولون هذا التحول وهو كونكم أعيارًا في السلم، وأشباه النساء الحيض في الحرب؟ الاستشهاد فيه: في قولها: "أعيارًا" فإنه جامد وقع حالًا بالتأويل الذي ذكرناه (¬3). ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد الأربعمائة
الشاهد الثاني والتسعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) مَشَقَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مع السُّرَى ... حتى ذَهَبْنَ كَلاكِلًا وصُدُورًا أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وهو من قصيدة يهجو بها الأخطل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - صَرَمَ الخليطُ تبايُنًا ونكورًا ... وَحَسِبتُ بَينَهُمُ عليكَ يسيرًا 2 - عَرَضَ الهَوَى فَتَبَلَّغَتْ حَاجَاتُهُ ... منْكَ الضَّمِيرَ فَلَمْ يَدَعْنَ ضَمِيرًا 3 - إنَّ الغَوَانِيَ قدْ رَمَيْنَ فُؤَادَهُ ... حَتَّى تَرَكْنَ بِسَمْعِهِ توقيرًا إلى أن قال: 4 - حَيَّيْتُ زَوْرَكِ إِذ أَلَمَّ ولمْ تَكُنْ ... هِنْدْ لِقَاصِيةِ البُيُوتِ زؤورًا 5 - مَشَقَ الهَوَاجِرُ .............. ... ......................... إلى آخره 6 - مِنْ كل جُرْشعةِ الهَوَاجِرِ زَادَهَا ... بُعْدُ المَسَافَةِ جُرْأةً وضَرِيرًا 7 - قَرَعَتْ أخِشّتُهَا العِظَامَ وَغَادَرَتْ ... مِنهَا عَجَارِفَ جَمَّةً وَنَكِيرًا وهي طويلة من الكامل. 1 - قوله: "صرم الخليط": من صرمت الشيء صرمًا إذا قطعته، و "الخليط" بفتح الخاء المعجمة؛ الخالط كالنديم بمعنى المنادم، والجليس بمعنى المجالس، قوله: "ونكرًا" بضم النون؛ من نكرت الرجل بالكسر أنكره نكرًا بالتحريك [ونكرًا] (¬4) بالضم، ونكورا ونكيرًا من الإنكار. 3 - و "الغواني": جمع غانية وهي المرأة التي غنيت بحسنها وجمالها. 4 - قوله "ألمّ": من الإلمام وهو النزول، قوله: "زؤورا" بفتح الزاي المعجمة وضم الهمزة على وزن فعول من الزيارة. 6 - قوله: "جُرْشُعة" الجرشع بضم الجيم وسكون الراء وضم الشين المعجمة وفي آخره عين ¬
مهملة، وهو من الإبل العظيم الصدر المنتفخ الجنبين، قوله: "بعد المسافة"، ويروى: بعد المفازة (¬1)، قوله: "ضريرًا" بفتح الضاد المعجمة، يقال: إنه لذو ضرير على الشيء إذا كان ذا صبر عليه ومقاساة له. قوله: "أخشتها": جمع خشاش بالكسر، وهو الذي يدخل في عظم أنف الجمل، وهو من خشب، والبرة من حديد، والخزامة من شعر، و "العجارف": جمع عجرف، وهو جمل فيه تعجرف، وعجرفة وعجرفية، كأن فيه خرقًا وقلة مبالاة لسرعته. 5 - قوله: "مشق" من المشق، وهو السرعة في الطعن والضرب والأكل والكتابة، و"الهواجر": جمع هاجرة، وهي وقت اشتداد الحر وقت الظهيرة، وكذلك الهجر، و "السرى" بضم السين المهملة وتخفيف الراء، وهو السير بالليل، و "الكلاكل": جمع كلكل وهو الصدر، وكذلك الكلكال، وربما تشدد اللام للضرورة. الإعراب: قوله: "مشق": فعل ماض، و "الهواجر": فاعله، و "لحمهن": كلام إضافي مفعوله، قوله: "مع السرى" يرتبط بالهواجر، والتقدير: مشق حَرُّ الهواجر مع السير في الليل لحمهن، والضمير فيه يرجع إلى الإبل وهي مؤنثة؛ لأنها جمع لما لا يعقل ولا واحد لها من لفظها. قوله: "حتى" للغاية، و "ذهبن": جملة من الفعل والفاعل، قوله؛ "كلاكلًا وصدورًا": منصوبان على الحالية، والتقدير: ذهبن علي هذه الحالة شيئًا بعد شيء حتى لم يبق منهن شيء إلا رسم الكلاكل والصدور. وذهب المبرد إلى أن النصب هاهنا على التمييز، والمعنى على قوله: إنها ذهبت دفعة واحدة كلاكلًا وصدورًا. ومنهم من قال: إن النصب على البدل من الهاء والنون في لحمهن، وأقوى الأوجه (¬2) أن يكون حالًا (¬3)، والمعنى: حتى ذهبن علي هذه الحال شيئًا بعد شيء كما ذكرنا؛ كما يقال: ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الأربعمائة
ذهب فلان ظهرًا وبطنًا، أي: ذهب جسده كله ظهرًا وبطنًا، قال سيبويه: إنما هو على قوله: ذهب قُدْمًا وذهب أُخْرًا، وقال أبو الحسن: يريد أن معناه متقدمًا ومتأخرًا (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "كلاكلًا وصدورًا" حيث نصبا على الحال، وهو من الجوامد على التأويل الذي ذكرناه. الشاهد الثالث والتسعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) وفي الجِسْمِ مِنِّي بَيِّنًا لَوْ عَلِمْتِهِ ... شُحُوبٌ وَإنْ تَسْتَشْهِدِ العَينَ تَشْهَدِ أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطويل. قوله: "شحوب" بضم الشين المعجمة والحاء المهملة وفي آخره باء موحدة، من شحَب جسمه يشحُب بالضم شحُوبًا إذا تغير، وشحُب جسمه بالضم شحوبة لغة فيه حكاها الفراء (¬4) قوله: "وإن تستشهد العين" أي: وإن تطلبي الشهادة من العين تشهد لك العين بأن في جسمي شحوبًا بينًا؛ أي: ظاهرًا. الإعراب: قوله: "وفي الجسم" ويروى: وبالجسم وهو في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ متأخر، وهو قوله: "شحوب"، قوله: "مني" في محل الجر؛ لأنه صفة للجسم على تقدير زيادة الألف واللام فيه، أو حال منه على تقدير عدم الزيادة. قوله: "بيِّنًا" حال من شحوب، قوله: "لو علمته": جملة معترضة، ويروى: إن نظرته والخطاب للمؤنث، قوله: "وإن": حرف جزم، و "تستشهد" مجزوم، ولكنه لما اتصل بالعين الذي هو مفعوله حركت داله بالكسرة؛ لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر (¬5)، وقوله: ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة
"تشهد" مجزوم؛ لأنه جواب الشرط، ولكنه حرك للقافية، وأصله: تشهد لك. الاستشهاد فيه: في قوله: "بينًا" حيث وقع حالًا مقدمًا على ذي الحال؛ لكون ذي الحال نكرة، وقد علم أن الحال في الأصل خبر، وذا الحال مخبر عنه؛ فالأصل فيه أن يكون معرفة؛ كما في المبتدأ، وكما جاز الابتداء بالنكرة بالخصص، فكذلك جاز وقوع الحال عن النكرة بالخصص، [ومن جملة المخصصات] (¬1) لجواز وقوع الحال عن النكرة: تقدم الحال على ذي الحال؛ كما في قوله: "بَيِّنًا" فإنه في الأصل خبر عن شحوب تقديره: وفي جسمي شحوب بيِّنٌ (¬2) فافهم. الشاهد الرابع والتسعون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) نَجَّيْتَ يا ربِّ نُوحًا واستجَبتَ لهُ ... في فُلُكٍ مَاخرٍ فِي اليَمِّ مشْحْونَا أقول: احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله، وبعده بيت آخر، وهو قوله: 2 - وَظَلَّ يَدْعُو بآياتٍ مُبَيِّنَةٍ ... في قومِهِ ألفَ عامٍ غيرَ خَمْسِينَا وهما من البسيط. قوله: "في فلك" أي: سفينة، والفلك -بضم الفاء وسكون اللام واحد وجمع يذكر ويؤنث، ولكن ضمت لامه للضرورة، قوله: "ماخر" بالخاء المعجمة، وهو الذي يشق الماء، قال الله تعالى: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12]. قوله: "في اليم" أي: في البحر، قوله: "مشحونًا" بالشين المعجمة والحاء المهملة؛ من شحنت السفينة ملأتها، وشحنت البلد بالخيل ملأته، قال الله تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء: 119] أي: المملوء. ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الأربعمائة
الإعراب: قوله: "نجيت": جملة من الفعل والفاعل، و "نوحًا" مفعوله، وقوله: "يا رب": دعائية معترضة بين الفاعل والمفعول، قوله: "واستجبت": عطف على نجيت، وفيه دلالة على بطلان قول من يقول إن الواو تدل على الترتيب؛ لأن النجاة لا تكون إلا بعد الاستجابة. قوله: "في فلك" يتعلق بقوله: "نجيت"، وقوله: "ماخر" بالجر صفة الفلك، قوله: "في اليم": يتعلق بماخر، قوله: "مشحونًا": حال من فلك وإن كان نكرة؛ لأنه وصفه بماخر، وهذا محل الاستشهاد، وهو ظاهر (¬1). الشاهد الخامس والتسعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) لا يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إلى الإِحْجامِ ... يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لحِمَامِ أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة التميمي أبو نعامة الخارجي، وكان من الشجعان المشاهير، ويقال: إنه مكث عشرين سنة يسلم عليه أصحابه من الخوارج بالخلافة. قتل في سنة تسعة وسبعين للهجرة، قتله عسكر الحجاج من جهة عبد الملك بن مروان الأموي. ووقع في نسخة ابن الناظم أن قائل هذا البيت [هو] (¬4) الطرماح (¬5)، وهو غلط فاحش، فالسهو إما منه، وإما إلحاق من الناسخ، وبعده ستة أبيات أخر، وهي (¬6): 2 - فلَقَدْ أَرَانِي للرِّمَاحِ دَرِيئَةً ... مِنْ عَنْ يَمِينِي مَرَّةً وأمَامِي 3 - حَتَّى خَضَبتُ بِمَا تَحَدَّرَ مِنْ دَمِي ... أَكْنَافَ سَرْجِي أوْ عِنَانَ لِجَامِي ¬
4 - ثُمّ انْصَرَفْتُ وقَدْ أَصَبتُ ولَمْ أُصَبْ ... جَذَعَ البَصِيرَةِ قَارِحَ الإقدَامِ 5 - مُتَعَرِّضًا للموت أَضْرِبُ مُعْلَمًا ... بُهْمَ الحُرُوب مُشَهَّرَ الأعْلامِ 6 - أدْعُو الكُمَاةَ إلى النّزَالِ ولا أَرَى ... نَحْرَ الكريمِ عَلَى القَنَا بِحَرَامِ وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع. 1 - قوله: "لا يركنن": من ركن إلى الشيء يركن من باب نصر ينصر، وركن يركن من باب علم يعلم إذا مال إليه، وقد جاء ركن يركن بالفتح فيهما وهو لغة متداخلة (¬1). قوله: "الإحجام" بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة بعدها الجيم، ومعناه: النكوص والتأخر، و "الإجحام" بتقديم الجيم مثله وهو مقلوب، قوله: "يوم الوغى" بالغين المعجمة، أي: يوم الحرب، قوله: "متخوفًا" المتخوف: الخائف شيئًا بعد شيء، قوله: "لحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم، أي: للموت، وقال الجوهري: الحمام بالكسر: قدر الموت (¬2). 2 - قوله: "دريئة" يهمز ولا يهمز، فيجعل من الدرء وهو الدفع، ومن الدرى وهو الختل، وبهذا سمي البعير الذي يسيب فتألفه الوحش لا تنفر منه، ثم يجيء صاحبه يستتر به فيرمي الوحش، والحلقة التي يتعلم عليها الطعن دريئة، ويمكن حمل معنى البيت عليهما جميعًا، فإذا أراد بالدريئة الحلقة، فالمراد أن الطعن يقع فيه كما يقع في تلك الحلقة، وإن أراد به الدابة التي يستتر بها؛ فالمراد أنه يتقى به فيصير سترة لغيره من الطعن؛ كما تكون الدابة سترة للصائد، وعلى هذا معنى للرماح: من أجل الرماح. قوله: "من عن يميني" كلمة عن هاهنا اسم، والمعنى: من جانب يميني. 3 - قوله: "أو عنان لجامي" "أو" هاهنا ليست للشك، وإنما هي التي يراد بها أحد الأمرين على طريق التعاقب [أي] (¬3) إما ذا وإما ذا، ولك أن تريد الجمع لأنه أصله الإباحة. 4 - قوله: "جذع البصيرة" الجذع: قبل الثني بسنة، وانتصابه على الحال، وجذع البصيرة قارح الأقدام: أصلهما في الخيل وذوات الحوافر كلها، وذلك أن المهر يركب بعد حول سياسة ورياضة، فإذا بلغ حولين، فهو جذع فحينئذ يستغني عن الرياضة، يقول: استبصاري ويقيني لا يحتاجان إلى تهذيب وتأديب؛ كما لا يحتاج الجذع إلى الرياضة، وإقدامي قارح، أي: قد بلغ النهاية؛ كما أن القروح نهاية سن الفرس ولا سن بعده. ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الأربعمائة
6 - قوله: "أدعو الكماة" بضم الكاف؛ جمع كمي، وهو الشجاع المتغطي بسلاحه، قوله: "إلى النزال" بكسر النون، وهو أن يتنازل الفريقان في الحرب. الإعراب: قوله: "لا يركنن": فعل نهي مؤكد بالنون الخفيفة، وقوله: "أحد": فاعله، و "إلى الإحجام": يتعلق به، قوله: "يوم الوغى": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "متخوفًا" حال من أحد، وإن كان نكرة لوقوعه في سياق النهي، وهو محل الاستشهاد (¬1)، قوله: "لحمام" أي: لأجل حمام، يتعلق بقوله: "متخوفًا". الشاهد السادس والتسعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ باقِيًا فَتَرَى ... لِنَفْسِكَ العُذْرَ في إِبْعَادِهَا الأَمَلَا أقول: قائله رجل من طيء لم يعلم اسمه، وهو من البسيط. قوله: "حُمَّ" بضم الحاء المهملة وتشديد اليم، ومعناه: هل قدر، ومنه: حمة الفراق ما قدر وقضى. الإعراب: قوله: "يا صاح": جملة ندائية، "وصاح" أصله: صاحب فرخم، قوله: "هل" للاستفهام على وجه الإنكار، قوله: "حم" فعل ماض مجهول، و"عيش": مرفوع لأنه ناب عن الفاعل، وقوله: "باقيًا": حال من عيش، وإن كان نكرة؛ لأنه في سياق الاستفهام [على وجه الإنكار] (¬4). قوله: "فترى": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة: "أن" مقدرة بعد الفاء، تقديره: فأن ترى (¬5)، وقوله: "العذر" بالنصب مفعوله، قوله: "في إبعادها" الإبعاد، مصدر من أبعد، مضاف إلى فاعله وهو الضمير الذي يرجع إلى النفس، قوله: "الأملا": مفعوله، وألفه للإشباع. ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد الأربعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "باقيًا" حيث وقع حالًا عن النكرة وهو قوله: "عيش" لأنه في سياق الاستفهام كما ذكرنا (¬1). الشاهد السابع والتسعون بعد الأربعمائة (¬2) , (¬3) فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ أقول: قائله هو طُلَيْحَة بن خويلد بن نوفل الأسدي من بني ثعلبة، فارس مشهور، وبطل مذكور يعدل بألف، خرج خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى قتاله في خلافة الصديق - صلى الله عليه وسلم - وبعث بين يديه عكاشة بن محصن وثابت بن الأَقْرَم الأنصاري طليعة، وخرج طُلَيحَة وأخوه أبو حبال سلمة طليعة لأصحابهما فقتلا عكاشة وثابتًا - رضي الله عنهما -. وقال ابن سعد (¬4): لما دنا خالد من طُلَيحَة وأصحابه بعث عكاشة وثابتًا طليعة بين يديه يأتيانه بالخبر فلقيا طُلَيحَة [وأخاه طليعة] (¬5) لقومهما، فانفرد طُلَيْحَة بعكاشة، وأخوه بثابت، فلم يلبث سلمة أن قتل ثابتًا، وصرخ طُلَيحَة بسلمة: أعني على الرجل فإنه قاتلي، فكرّ سلمة على عكاشة فُقتلا جميعًا، وأنشد طُلَيْحَة هذه القصيدة. وهي من الطويل وأولها قوله: فإنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبنَ ............ ... .......................... إلى آخره وبعده: 2 - عَشِيَّةَ غَادَرتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاويًا ... وَعُكَاشَةَ الغُنْمي عِنْدَ مَجَالِ 3 - نَصَبْتُ لهم صَدْرَ الحِمَالةِ إِنَّهَا ... مُعَوِّدَةٌ قِيلَ الكُمَاةُ نَزَالِ 4 - فَيَوْمًا تَرَاهَ فيِ الجَلَالِ مَصُونَةً ... ويَومًا تَرَاهَا غَيرَ ذَاتِ جَلالِ ¬
ثم أسلم طُلَيْحَة وحسن إسلامه، ثم شهد القادسية فأبلى فيها بلاء حسنا، وكان مع النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - في وقعة نهاوند، واستشهد بها سنة إحدى وعشرين للهجرة. 1 - قوله: "أذواد": جمع ذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة، وهو من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، و "أذواد": جمع قلة، قوله: "فرغًا" بكسر الفاء وفتحها وسكون الراء وبالعين المعجمة، يقال: ذهب دمه فرغًا، أي: هدرًا يطلب به. قوله: "حبال" بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة، هو اسم ابن أخي طُلَيْحَة المذكور. وكان المسلمون أصابوه في الردة وأخذوا مال بني أسد وسبوا نساءهم، فقَتَل طُلَيْحَة بابن أخيه حبال هذا عكاشةَ وثابتَ بن الأَقْرَم كما ذكرنا، يقول طُلَيْحَة في ذلك: إن أصبتم سبيًا وإبلًا فذهبتم بها ولم يؤخذ منكم مثلها، فما ذهبتم بدم حبال باطلًا فإني قتلت به عكاشة وثابتًا، وهو معنى قوله: "عشية غادرت ابن أَقْرَم" أي: عشية تركت ثابت بن أَقْرَم. 2 - و "ثاويًا": نصب على الحال، وقوله: "وعكاشة" عطف على قوله: "ابن أَقْرَم" فقوله: "عند مجال" أي عند الحرب، قوله: "صدر الحمالة" بكسر الحاء المهملة، وهو اسم فرس لطُلَيْحَة مشهورة، و"الكماة" بالضم جمع كمي، وهو المتغطي في السلاح. الإعراب: قوله: "فإن" حرف شرط، وقوله: "تك" أصله: تكن وهو فعل الشرط، وقوله: "أذواد" بالرفع لأنه اسم تكن، قوله: "أصبن": خبره، "ونسوة" بالرفع عطف على أذواد، قوله: "فلن تذهبوا": جواب الشرط، قوله: "فرعًا" حال من قوله: "بقتل" مقدم عليه مع كونه مجرورًا، فدل هذا على جواز القول: بمررت جالسة بهند، ويكون التقدير في البيت: فلن تذهبوا بدم حبال فرغًا، أي: حال كونه فرغًا؛ أي: هدرًا، وقوله: "حبال" مجرور بالإضافة. الاستشهاد فيه: في قوله: "فرغًا" حيث وقع حالًا مقدمًا كما ذكرنا (¬1). ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الأربعمائة
الشاهد الثامن والتسعون بعد الأربعمائة (¬1) , (¬2) لَئِنْ كانَ بَرْدُ المَاءِ هَيمَانَ صَادِيًا ... إِلَيَّ حَبِيبًا إِنَّهَا لَحَبِيبُ أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة بائية، وأولها هو قوله (¬3): 1 - أبَى القَلْبُ إلا أُمَّ عَمْرٍو وَبَغَّضَتْ ... إلَيَّ نِسَاءً مَا لَهُنَّ ذُنُوبُ 2 - حَلَفْتُ لَهَا بالمَأْزِمينِ وَزَمْزَمٍ ... ولله فَوقَ الحَالِفِينَ رَقِيبُ 3 - لئن كان .................. ... .......................... إلخ 4 - لعَمْرُ أبِيهَا إِنَّ دَهْرًا يَرُدُّهَا ... إلَيَّ عَلَى شَحَطِ النَّوَى لَطَلُوبُ وهي من الطويل. 2 - قوله: "بالمأزمين" بالهمزة الساكنة بعد الميم وكسر الزاي المعجمة؛ تثنية مأزم، وهو كل طريق ضيق بين الجبلين، والمراد به: هو الموضع الذي بين عرفة والمشعر. 3 - قوله: "هيمان" بفتح الهاء وسكون الياء آخر الحروف، وقال الأصمعي: الهيمان: العطشان، والهُيام بالضم: أشد العطش، ويروى: حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهو العطشان- أيضًا، والأنثى حَرًّا مثل عطشى، والحرة -بكسر الحاء العطش، والحرار العطاش. قوله: "صاديًا": اسم فاعل من الصدا، وهو العطش، وقد صدى يصدى صَدًا فهو صيدٍ وصاد وصديان وامرأة صديا. 4 - قوله: "على شحط النوى" الشحط -بفتح الشين المعجمة والحاء المهملة هو البعد، و "النوى" بفتح النون؛ هو الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد. الإعراب: قوله: "لئن" اللام فيه تسمى اللام المؤذنة وتسمى الموطئة -أيضًا-، أما المؤذنة فللإيذان (¬4) بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، وأما الموطئة فلأنها وطأت الجواب ¬
للقسم، أي: مهدته له نحو [قوله تعالى] (¬1): {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ} [الحشر: 12]. وكلمة: "إن" للشرط، قوله: "كان برد" [فعل] (¬2) الشرط، وقوله: "إنها لحبيب": جواب الشرط، وقوله: "برد الماء" كلام إضافي مرفوع؛ لأنه اسم كان وخبره قوله: "حبيبًا". قوله: "هيمان": حال من الياء في قوله: "إليّ" وتقدمت عليه مع كونه مجرورًا، تقديره: لئن كان برد الماء حبيبًا إليَّ حال كوني هيمان صاديًا إنها لحبيب، و "صاديًا" أيضًا حال؛ إما من الأحوال المترادفة أو من الأحوال المتداخلة، وقد أول الجمهور هذا بأن برد في "برد الماء" مصدر، وأن "هيمان" منصوب به على أنه مفعول به، وكأنه قال: لئن كان برد الماء جوفًا هيمان صاديًا إليَّ حبيبًا إنها لحبيب، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه (¬3)، وأراد بالجوف جوف نفسه. وقال أبو الفتح: يجوز أن يكون حران حالًا من الماء، أي: في حال حرارة الماء وصداه على حد المبالغة؛ لأنه [إذا] (¬4) عطش الماء فهو الغاية، وفيه بعد. وهذه التأويلات كلها لأجل الهروب عن القول بجواز وقوع الحال من المجرور المتقدمة عليه؛ فلذلك أولوا هذه التأويلات، وقالوا أيضًا: فلو لم يؤول فلا حجة فيه؛ لأن الشعر يجيء فيه ما لا يسوغ في الكلام. فإن اعتُرضَ عليهم بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، فإن كافة حال من المجرور باللام وهو الناس، وقد تقدم عليه. أجابوا بأن كافة حال من ضمير النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون المعنى؛ وما أرسلناك إلا كافًّا للناس، ودخلت التاء التي للمبالغة؛ كما في قولهم: رَاويَةُ الشِّعْرِ. فإن قيل: باب به التاء للمبالغة مقصور على السماع، ولا يأتي غالبًا إلا على أحد أمثلة المبالغة؛ كنسابة وفروقة ومهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها لكونها على فاعلة، فإن حملت على راوية حملت على شاذ الشاذ؛ لأن إلحاق تاء المبالغة أحد أمثلة المبالغة شاذ وإلحاقه لما لا مبالغة فيه أشذ. قيل: هذا مجرد دعوى ولا برهان فيه، ولئن سلمنا ذلك فنقول: إن كافة مصدر؛ لأن الفاعل قد يجيء بمعنى المصدر؛ كالكاذبة والعاقبة فتكون كافة بمعنى كف وهو مصدر لفعل محذوفٍ ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الأربعمائة
وهو يكف، أي: ما أرسلناك إلا لتكفى كفًّا، وقال الزمخشري: كافة صفة لمصدر محذوف، أي: إلا إرساله كافة شاملة لجميع الناس (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "هيمان" فإنه حال من الياء في: "إليّ" كما ذكرناه مفصلًا (¬2). الشاهد التاسع والتسعون بعد الأربعمائة (¬3) , (¬4) تسلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بعدَ بيْنِكمْ ... بذكراكم حتَّى كَأَنَّكُمْ عِنْدِي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "تسليت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "طرًّا": حال من الكاف والميم في: "عنكم". فإن قلت: شرط الحال أن يكون من المشتقات. قلت: طرًّا بمعنى جميعًا وهو المشتقات، قوله: "عنكم" يتعلق "بتسليت"، وقوله: "بعد بينكم": كلام إضافي، وبعد نصب على الظرف، والباء في بذكراكم تتعلق بتسليت، والذكرى على وزن فِعْلَى: مصدر مضات إلى مفعوله، والفاعل محذوف تقديره: بذكري إياكم. قوله: "حتى" هاهنا حرف ابتداء يعني: حرف يبتدأ بعده الجملة، فيدخل على الجملة الاسمية، وهاهنا كذلك؛ فإن قوله: "كأنكم عندي" جملة اسمية، وتدخل على الفعلية -أيضًا- نحو قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "طرًّا" فإنه حال عن المجرور وقد تقدم عليه (¬6). ¬
الشاهد المتمم للخمسمائة
الشاهد المتمم للخمسمائة (¬1) , (¬2) غافلًا تَعْرِضُ المَنِيَّةُ لِلْمَرْ ... ءِ فَيُدْعَى وَلَاتَ حِينَ إِبَاءِ أقول: لم يعرف قائله مَنْ هُوَ، وهو من الخفيف وفيه الخبن. قوله: "المنية" أي: الموت، قوله: "إباء" أي: امتناع، من أبي يأبى، والمعنى: ليس الحين حين إباء وامتناع. الإعراب: قوله: "غافلًا": حال من قوله: "للمرء" تقدمت عليه مع أنه مجرور، قوله: "تعرض المنية": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "للمرء" في محل النصب على المفعولية. قوله: "فيدعى" على صيغة المجهول عطف على قوله: "تعرض"، والفاء للتعقيب في غير تراخ؛ يعني: عقيب عروض المنية يدعى. وقد قيل: إن الفاء للحال؛ كما في قوله -عليه الصلاة والسلام - (¬3) "إذا كَبَّرَ الإمام فكبروا" حتى إن أبا حنيفة - رضي الله عنه - استدل على أن القوم يكبرون مع تكبير الإمام مقارنًا كمقارنة حلقة الخاتم للأصبع، وذكروا فيه أن الفاء في قوله: "فكبروا" للحال هكذا ذكروا، ولم أدر أثبت في اللغة مجيء الفاء للحال أم لا؟ (¬4). قوله: "ولات" بمعنى ليس وتعمل عملها، فقوله: "حين إباء": كلام إضافي في محل الخبر للات، واسمها محذوف، والتقدير: ليس الحين حين إباء، وقد علم أنه لا يذكر بعد لات إلا أحد المعمولين، والغالب أن يكون المحذوف هو المرفوع (¬5)، واختلف في معمولها، فنص الفراء على أنها لا تعمل إلا في لفظة الحين، وهو ظاهر قول سيبويه (¬6)، وذهب الفارسي ¬
الشاهد الأول بعد الخمسمائة
وجماعة إلى أنها تعمل في الحين وفيما رادفه؛ كالزمان والأوان ونحوهما (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "غافلًا" حيث وقع حالًا عن المجرور، وقد تقدم عليه (¬2). الشاهد الأول بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) مَشْغُوفَةً بِكِ قد شُغِفْتُ وإِنما ... حُمَّ الفراقُ فما إلَيْكِ سَبيلُ أقول: احتج به جماعة من النحاة، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله. وهو من الكامل وفيه الإضمار والقطع. قوله: "مشغوفة": من شغفه الحب، أي: بلغ شغافه وهو غلاف القلب وهي جلدة دونه كالحجاب، ويجوز بالعين المهملة -أيضًا- فيقال: شعفه الحب؛ أي: أحرق قلبه، وقال أبو زيد: أمرضه (¬5)، وقرأ الحسن: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30] بالعين المهملة (¬6)، قوله: "حم الفراق" أي: قدر. الإعراب: قوله: "مشغوفة" بالنصب؛ لأنه حال من الكاف الذي في بك وهي كاف المؤنث، والمعنى: قد شغفت بك مشغوفة، وقوله: "قد شُغِفت" على صيغة المجهول، قوله: "وإنما" إن كفت عن العمل بدخول ما الكافة عليها، وقوله: "حم" على صيغة المجهول أسند إلى الفراق، وهو مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "فما إليك سبيل" الفاء تصلح أن تكون للتعليل، وما بمعنى ليس، "وسبيل": اسمه، "وإليك" مقدمًا خبره (¬7). ¬
الشاهد الثاني بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "مشغوفة" فإنه حال من المجرور، وقد تقدم عليه (¬1). الشاهد الثاني بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ ... ................................ أقول: قائله هو كثير [بن عبد الرحمن، المشهور بكثير] (¬4) عزة، وتمامه: ........................... ... يَلُوحُ كَأَنَّهُ يخلَلُ وهو من الوافر من العروض الثانية المجزوءة وضربها مثلها (¬5). قوله: "لمية" بفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف وهو اسم امرأة، و "الطلل" بفتحتين؛ ما شخص من آثار الديار، قوله: "يلوح" أي يلمع من لاح يلوح لوحًا. قوله: "خلل" بكسر الخاء المعجمة؛ جمع خلة-[أيضًا-] (¬6)، قال الجوهري: الخلة بالكسر واحدة خِلَل السيوف، وهي بطائن كانت تُغَشَّى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره، وهي -أيضًا- سيور تَلْبِسُ ظهور القوس (¬7). الإعراب: قوله: "لِمَيَّةَ": خبر مبتدأ متأخر، أعني: قوله: "طلل"، وقوله: "موحشًا": حال من طلل تقدمت عليه لكون ذي الحال نكرة، قوله: "يلوح": جملة وقعت صفة لطلل، قوله: "كأنه خلل" كأن للتشبيه؛ والهاء اسمه، وخلل خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "موحشًا" حيث تقدم على ذي الحال لكونه نكرة وتقديم الحال على ذي الحال واجب إذا كان ذو الحال نكرة غير مختصة بوجه من وجوه التخصيص ليتميز بالتقديم عن ¬
الشاهد الثالث بعد الخمسمائة
الصفة، فإن الحال يتقدم على ذي الحال والصفة لا تتقدم على الموصوف وهذا من جملة الفروق بينها وبين الصفة. قيل: والحق أن هذه الحال ليست حالًا عن النكرة؛ بل هي حال من الضمير في الخبر والضمير معرفة؛ لأن العامل في الحال هو العامل في صاحبها، والعامل في صاحبها هو الابتداء والحال فضلة، والابتداء لا يعمل في الفضلات، اللَّهم إلا أن يقال: العامل في الحال لا يجب أن يكون هو العامل في صاحبها بدليل (¬1) [قوله تعالى]: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: 91]، فإن العامل في الحال غير العامل في صاحبها. قلت: هذا مشكل؛ لأن المضمر لا يعمل، والابتداء -أيضًا- لا يعمل في الفضلات (¬2). الشاهد الثالث بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) تَقُولُ ابنَتِي إنَّ انْطِلَاقَكَ وَاحِدًا ... إلى الرَّوْعِ يَوْمًا تَارِكِي لا أَبَا لِيَا أقول: قائله هو مالك بن الريب بن حوط بن قوظ بن حِسْل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، قتل بخراسان مع سعيد بن عثمان نائب معاوية على خراسان (¬5). وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬6): 1 - ألَا لَيتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيلَةً ... بِجَنْبِ الغَضَى أُزْجِي القِلاصَ النَّوَاجِيَا ¬
2 - فلَيتَ الغَضَى لَمْ يَقْطَعِ الرَّكْبُ عَرضَهُ ... وليتَ الغَضَى مَاشَى الرِّكَابَ لَيَالِيَا 3 - لقدْ كَانَ فيِ أَهْلِ الغَضَى لَوْ دَنَا الغَضَى ... مَزَارٌ وَلَكنَّ الغَضَى ليسَ دَانِيَا 4 - ألمْ تَرَنِي بِعْتُ الضلالةَ بالهُدَى ... وأصْبَحْتُ فيِ جِيشِ ابن عفَّانَ غَازِيَا 5 - وأصْبَحْتُ فيِ أَرْضِ الأعَادِي بُعَيْدَمَا ... أُرَانِي عَنْ أَرْضِ الأعَادي قَاصيَا 6 - دَعَانِي الهَوَى مِنْ أهْلِ أُودٍ وَصُحْبَتِي ... بِذِي الشطَّين فَالتَفَتُّ ورَائِيَا 7 - أَجَبْتُ الهَوَى لَمَّا دَعَانِي بِزَفْرَةٍ ... تَقَنَّعْتُ مِنْهَا أنْ أُلامَ رِدَائِيَا 8 - أقُولُ وقَدْ حَالتْ قَرَي الكُردِ بيننا ... جَزَى الله عَمَرًا خَيرَ مَا كَانَ جَازِيَا 9 - إنِ الله يُرْجِعُنِي منَ الغَزْو لَا أُرَى ... وَإنْ قَلّ مَالِي طَالِبًا مَا وَرَائِيَا 10 - تقول ابنتي ................ ... ...................................... إلخ 1 - قوله: "بجنب الغضى" بفتح الغين والضاد المعجمتين، قال أبو علي: الغضا: شجر ينبت في الرمل ولا يكون غضًّا إلا في الرمل، قوله: "أزجي" أي: أسوق، يقال: أزجاه يزجيه إزجاء وزجاه [يزجيه] (¬1) تزجية، قوله: "القلاص" بكسر القاف؛ جمع قلوص وهو الشاب من الإبل، و "النواجي": السراع. 2 - و: "الركاب": الإبل، ويجمع على ركائب، والمعنى: ليت الغضا طال بهم. 4 - قوله: "ألم ترني بعت" يعني: بعت ما كنت فيه من الفتك والضلالة بأن صرت في جيش سعيد بن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. 5 - قوله: "قاصيا" من قصى إذا بَعُد. 6 - قوله: "بذي الشطين"، قال أبو علي القالي: شطين بخراسان أو قريبًا منها، يقول: دعاني هواي وتشوقي من ذلك الموضع وأصحابي بالموضع الآخر. 7 - قوله: "تقنعت منها" يقول: لما ذكرت ذلك الموضع استعبرت واستحييت فتقنعت بردائي لكي لا يري ذلك مني. 8 - [قوله: "قوي الكرد" بفتح الكاف وسكون الراء وفي آخره دال مهملة، وهو الطرد] (¬2). 10 - قوله: "إلى الروع" بفتح الراء، وهو الفزع والخوف، ولكن أريد به الحرب الذي من لوازمه الفزع والخوف. ¬
الإعراب: قوله: "قول": فعل مضارع، و "ابنتي": كلام إضافي فاعله، والجملة التي بعده مقول القول، قوله: "إن انطلاقك" الانطلاق: مصدر مضاف إلى فاعله وقع اسمًا لإن، وخبره قوله: "تاركي". قوله: "واحدًا" حال من الكاف التي أضيف إليها الانطلاق، قوله: "إلى الروع": يتعلق بالانطلاق، قوله: "يومًا": نصب على الظرف، قوله: "لا أبا ليا" في محل النصب على المفعولية وأصله: لا أب لي، وأب: اسم لا، وخبره محذوف، أي: لا أب لي موجود حينئذ، وإنما زِيدَتْ الألف فيه كما يقال في: يا غلامي: يا غلامًا، قال أبو النجم (¬1) , (¬2): يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ... ........................... وقال أبو علي: تقول العرب: قم لا أب لك، ولا أبا لك على توهم الإضافة؛ كما قال الشاعر (¬3): ............................ ... يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام يريد: يا بؤس الجهل، قال: ويروى: لا أبًا ليا بالتنوين، ولا أبا ليا بغير تنوين (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "واحدًا" فإنه وقع حالًا عن المضاف إليه وهو الكاف في: "انطلاقك"، وإنما جاز ذلك؛ لأنها فاعل بالمصدر، والتحقيق هاهنا أن صاحب الحال لا يجوز أن يكون مجرورًا ¬
الشاهد الرابع بعد الخمسمائة
بالإضافة نحو: جاءني غلام هند كريمة إلا في ثلاثة مواضع: أحدها: أن يكون المضاف عاملًا في الحال [مجرورًا] (¬1) مثل أن يكون فيه معنى الفعل كقولك: اعتكافي صائمًا، وصومي ذاكرًا، وصلاتي خاشعًا، قال الله تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة: 48]، ومنه البيت المذكور. والثاني: أن يكون المضاف جزء ما أضيف إليه؛ كقوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47]. الثالث: أن يكون كجزئه نحو: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95] (¬2). الشاهد الرابع بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) لَهِنَّكَ سَمْحٌ ذَا يَسَارٍ ومُعْدمًا ... كَمَا قَدْ أَلِفْتَ الحِلْمَ مَرْضي ومُغْضَبَا أقول: استشهد به أبو علي، وأبو الفتح وغيرهما، ولم أر أحدًا منهم عزاه إلى قائله (¬5)، وهو من الطويل. قوله: "لهنك" أصله: لإنك فأبدلوا الهاء من همزة أن، قال الشاعر، وهو (¬6) محمد ¬
ابن سلمة (¬1): ألَا يَا سَنَا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الحمَى ... لَهِنَّكَ مِنْ بَرْقٍ عَلَيّ كَرِيمُ ويقولون: هِن فعلتَ فعلتُ، يريدون: إن فعلت (¬2). قوله: "سمح" بفتح السين المهملة وسكون الميم، وفي آخره حاء مهملة ومعناه: كريم؛ من السماح والسماحة وهو الجود، وسمح به، أي: جاد به، وسمح لي، أي: أعطاني، ولقد سمُح بالضم فهو سمح، وقوم سمحاء؛ كأنه جمع سمح، ومساميح كأنه جمع مسماح، وامرأة سمحة ونسوة سماح لا غير، وعن ثعلب: المسامحة: المساهلة، وتسامحوا تساهلوا. قوله: "ذا يسار" أي ذا غنى، و "معدمًا" أي: فقيرًا، و "العدم" بفتحتين: الفقر، وكذا العُدْم بضم العين وسكون الدال، وأعدم افتقر فهو معدم وعديم، قوله: "مرضي": اسم مفعول من الإرضاء، وكذا قوله: "مغضب": اسم مفعول من الإغضاب. الإعراب: قوله: "لهنك" اللام فيه لام التوكيد وهي مفتوحة، وهنك بكسر الهاء، وأصلها: إنك، والكاف اسمه، و "سمح" خبره، قوله: "ذا يسار": كلام إضافي وقع حالًا من ضمير سمح، و "معدمًا" معطوف عليه. قوله: "كما قد ألفت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، وقد للتحقيق، وألفت جملة من الفعل والفاعل، و "الحلم" مفعوله، وقوله: "مرضي": حال من الضمير الذي في ألفت، وكذلك قوله: "مغضبَا" حال إما من المتداخلة، أو المترادفة، وتقدير الكلام: كألفتك الحلم والرأفة في حال الرضى وحالة الغضب، والمعنى: إن الحلم لا يفارقك، سواء كنت راضيًا أو غضبان. الاستشهاد فيه: في قوله: "ذا يسار" فإنه حال قدم على عاملها، ويجوز في الكلام تقديم الحال على سمح بأن يقال: إنك ذا يسار ومعدمًا سمح؛ لقوة عمل الصفة المشبهة (¬3) فافهم. ¬
الشاهد الخامس بعد الخمسمائة
الشاهد الخامس بعد الخمسمائة (¬1) , (¬2) رَهْطُ ابنِ كُوزٍ مُحْقِبي أَدْرَاعِهِم ... فيهمْ وَرَهْط ربيعةَ بن حُذار أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة من الكامل يخاطب بها زرعة بن عمرو، وقد ذكرناها وما يتعلق بها مستوفاة في شواهد العلم (¬3). قوله: "رهط ابن كوز" رهط الرجل: قومه وقبيلته، والرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]، وهو جمع معنى، وليس له واحد من لفظه، مثل: ذود، والجمع أرهط وأرهاط وأراهط؛ كأنه جمع أرهط وأراهيط. قوله: "ابن كوز" بضم الكاف وسكون الواو وفي آخره زاي معجمة، وهو يزيد بنُ حُذَيْفَةَ بن كوز، قال الجوهري: اسم رجل من بني ضبَّةَ (¬4)، قوله: "محقبي أدراعهم" من أحقب زاده خلفه على راحلته إذا جعله وراءه حقيبة، والأدراع: جمع دِرْع الحديد وهي مؤنثة، وحكى أبو عبيدة أنه يذكر ويؤنث (¬5)، و"الأدراع": جمع قلة، وكذلك الأَدْرُع، والجمع الكثير دُرُوع، قوله: "ابن حُذَار" بضم الحاء المهملة وبالذال المعجمة، وهو من بني أسد. الإعراب: [قوله: "] (¬6) رهط" مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هو رهط ابن كوز، والضمير يرجع إلى قوله: "ألقى إليك" في البيت الذي قبله، ويجوز أن ينتصب على أن يكون تفسيرًا لقوله: ألقي إليك قوادم الأكوار"، قوله: "محقي أدراعهم" كلام إضافي حال من ¬
الشاهد السادس بعد الخمسمائة
الضمير المجرور، قوله "ورهط ربيعة": كلام إضافي -أيضًا- عطف على رهط (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "محقبي أدراعهم" حيث وقع حالًا من الضمير المجرور، وهو قوله: "فيهم"، وهذا شاذ لا يقاس عليه، وقد قال بعضهم: إن "محقبي أدراعهم" نصب على المدح، فحينئذ لا شاهد فيه ولا حكم بالشذوذ فافهم (¬2). الشاهد السادس بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) بِنَا عَاذَ عَوْفٌ وَهُوَ بَادِيَ ذِلَّةٍ ... لَدَيْكُمْ فَلَمْ يعْدَمْ وَلاءً ولا نَصْرًا أقول: لم أقف على اسم قائله، قيل: إن قائله مجهول، وهو من الطويل. قوله: "وهو بادي ذلة" أي ظاهر ذلة؛ من البدو وهو الظهور، قوله: "فلم يعدم": من عدمت الشيء بالكسر أعدمه عَدَمًا بالتحريك على غير قياس؛ أي: فقدته، قوله: "ولاء" بفتح الواو؛ من الموالاة وهو ضد المعاداة. الإعراب: قوله: "بنا": جار ومجرور يتعلق بعاذ، و: "عاذ عوف": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "وهو بادي ذلة": جملة وقعت حالًا من الضمير المستتر في: "لديكم"، وفيه دليل على جواز: زيد جالسًا في الدار وهو قول الأخفش (¬5). ¬
الشاهد السابع بعد الخمسمائة
قوله: "فلم يعدم" عطف على قوله: "عاذ"، وهو جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله: "ولاء" بالنصب مفعوله، "ولا نصرًا" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "بادي ذلة" فإنه وقع حالًا من الضمير المجرور بالظرف وتقدم عليه، وهو شاذ (¬1). الشاهد السابع بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) ونَحْنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أَنْ تَشْرَبُوا به ... وقد كَانَ منكُمْ مَاؤُه بمكَانِ أقول: قد ذكر بعضهم أن هذا البيت من أبيات قالها بعض الخوارج (¬4) حين حالوا بين الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - وبين الماء بأرض كربلاء حتى مات أكثر شيعته عطشًا. وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ونحن منعنا" الواو للعطف على شيء قبله، ونحن مبتدأ، ومنعنا جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنه خبر، قوله: "البحر": منصوب بنزع الخافض تقديره: عن البحر، وقوله: "أن تشربوا": مفعول منعنا، وأن مصدرية، تقديره: منعنا شربكم عن البحر، يقال: منعت زيدًا عن الكلام ونحوه، قوله: "به" الباء هاهنا يصح أن تكون للتبعيض؛ كما في قوله: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6]، وكما في قول الشاعر (¬5): شَرِبْنَ بِمَاء البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ .... ............................. ¬
الشاهد الثامن بعد الخمسمائة
ويجوز أن يضمن تشربوا معنى: ترووا، يعني: منعنا أن ترووا بماء البحر، وهذه اللفظة -أعني قوله: "أن تشربوا به" هكذا وقعت في نسخ ابن المصنف بإعمال أن وبحرف الجر، وربما أشار ابن هشام إلى التأويل الذي ذكرناه، وأنشده الشيخ عبد العزيز بن جمعة الموصلي المعروف بالقواس (¬1) في شرحه لألفية ابن معطٍ هكذا (¬2): ونَحْنُ مَنَعْنَا البَحْرَ أنْ تَشْرَبُونَهُ ... .......................... بإثبات نون الجمع في النصب؛ لأنه أتى به شاهدًا لإثبات النون حالة النصب، فعلى هذا لا يحتاج إلى التأويل المذكور، ولكن يحتاج إلى تأويل آخر، وهو أن التقدير: أن تشربوا منه، فافهم ذلك فإنه موضع النظر. قوله: "وقد كان" جملة وقعت حالًا من الضمير الذي في منكم، وهو الضمير المجرور بالحرف (¬3)، قوله: "ماؤه" كلام إضافي مرفوع لأنه اسم كان، قوله: "بمكان": في محل النصب على الخبرية. الاستشهاد فيه: في قوله: "وقد كان" حيث وقع حالًا عن المجرور بالحرف وهو شاذ؛ لأن تقديم الحال على العامل الحرفي لا يجوز، وما جاء من ذلك شاذ، وكذلك لا يجوز تقديها على العامل الظرفي (¬4)؛ كما في البيت السابق (¬5). الشاهد الثامن بعد الخمسمائة (¬6) , (¬7) متَى مَا نَلْتَقِي فَرْدَيْنِ ترجُفْ ... روانِفُ إِليتَيكَ وتستطارَا أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدة رائية من الوافر، وأولها هو ¬
قوله (¬1): 1 - أحَوْلِي تَنْفُضُ استك مِذرَويهَا ... لِتَقْتُلَنِي فَهَا أَنَا ذَا عُمارَا 2 - متَى مَا .................. ... .................................... إلى آخره 3 - وَسيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عليهِ ... أشَاجعٌ لا تَرَى فيها انتشارَا 4 - حُسَامٌ كالعقيقةِ فهوَ كِمْعِي ... سِلاحِي لا أَفَلَّ ولَا فُطَارَا (¬2) 5 - ومُطَّرِدُ الكُعُوبِ أَحَصُّ صَدْقٍ ... تَخَالُ سِنَانَهُ في اللَّيل نَارَا 6 - سَتَعْلَمُ أَيُّنَا للموْتِ أدْنَى ... إذَا دانيت لي الأَسَلَ الحِرَارَا 7 - ولِلرُّعيَانِ فِي لُقُحٍ ثَمَانٍ ... تُهَادِنُهُنَّ صَرًّا أو غِرَارَا 8 - أقَامَ علَى خَسِيسَتِهنَّ حَتَّى ... لَقَحْنَ وَنَتَّجَ الأُخَرَ العِشَارَا 9 - وقِظْنَ على لَصَافٍ وَهنَّ غُلْبٌ ... تَرَنُّ مُتُونُهَا لَيلًا ظُئَارَا 10 - ومَنجُوبٌ لهُ مِنْهُن صَرْعٌ ... يَميلُ إذا عَدَلْتَ به الشوارَا 11 - أقلُّ عَلَيكَ ضُرًّا مِنْ قَرِيحٍ ... إذَا أَصْحَابُهُ ذَمَرُوهُ سارا 12 - وخَيْلٍ قدْ زَحَفْتُ لها بخيلٍ ... عليهَا الأسْدُ تهْتَصرُ اهتِصَارَا (¬3) قال الأعلم (¬4): يهجو عنترة بهذه القصيدة عمارة بن زياد، وكان يحسد عنترة ويقول لقومه: إنكم أكثرتم ذكره، والله لوددت أن لقيته خاليًا حتى أعلمتكم أنه عبد، وكان عمارة جوادًا كثير الخير مضيعًا لماله مع جوده، وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلًا يعطيها أخوته فيقسمها، فبلغه ما يقول عمارة، فقال [في ذلك] (¬5): 1 - أحَوْلِي تَنفُضُ استك مِذرَوَيْهَا ... ............................. ¬
يقال: جاء ينفض مذرويه إذا جاء باغيًا يتهدد، و "المذروان": طرفًا الإليتين ولا واحد لهما؛ لأنه لو كان واحدهما مِذْرَي على ما قاله (¬1) أبو عبيدة لقالوا: مذريان في التثنية؛ لأن المقصور إذا كان على أربعة أحرف يثنى بالياء على كل حال؛ نحو: مقلى ومقليان (¬2). قوله: "عمارَا" بضم العين؛ منادى مرخم، أصله: يا عمارة، فلما حذف حرف النداء رخمه. 2 - قوله: "نلتقي": من اللقى، قوله: "فردين" أي: منفردين، قوله: "ترجف" أي: تضطرب وتتحرك، و "الروانف": جمع رانفة، وهي طرف الإلية، قال الجوهري: الرانفة [أسفل] (¬3) الإلية وطرفها الذي يلي الأرض من الإنسان إذا كان قائمًا، قوله: "وتستطارا" من قولهم: استطار (¬4) الشيء إذا طير، والألف فيه ضمير الروانف؛ لأنه (¬5) في معنى رانفتين، ويجوز أن يكون ضمير الإليتين. 3 - قوله: "صارم" أي: قاطع، والأشاجع": عصب ظاهر الكف، واحدها أشجع (¬6)، وصفها بقوله: لا ترى فيها انتشارًا أنه سليم العصب شديد الخلق. 4 - قوله: "كالعقيقة" أي: كالسحابة تنشق عن البرق، قال الجوهري: وعقيقة البرق ما انعق منه أي: تضرَّبَ في السحاب، وبه شبه السيف، قال عنترة: وسيفي كالعقيقة ........... ... ......................... إلى آخره (¬7) قوله: "كمعي" بكسر الكاف؛ أي: ضجيعي، وأراد: هو ملازم لي وإن كنت مضطجعًا كان مضاجعي، قوله: "لا أفل": من الفلول، و "الفطار" بضم الفاء؛ المشقق. 5 - قوله: "ومطرد الكعوب" أراد به رمحًا طويلًا؛ وكعوبه: رؤوس أنابيبه، واطرادها: تتابعها واستقامتها، قوله: "أحص" أي: أملس لا لحاء عليه ولا عقدة، قوله: "صدق" بفتح الصاد المهملة وسكون الدال وفي آخره قاف، وهو الرمح المستوي المستقيم الصلب. 6 - و"الأسل" بفتحتين؛ أطراف الرماح، و "الحرار" بكسر الحاء المهملة، أي: العطاش إلى الدم. 7 - و "الرعيان": جمع راعٍ، و "اللقح": جمع لقحة، وهي ذوات الألبان، "تهادنهن" أي تخادعهن الرعيان وتداريهن لتسكن عند الحلب، و "الصرّ" بفتح الصاد المهملة وتشديد ¬
الراء؛ أن تصر ضروعها لتحتفل درتها، و "الغرار" بكسر الغين المعجمة؛ نقصان اللبن. 8 - قوله: "أقام على خسيستهن" أي: قام الراعي "وخسيستهن": مهازيلُهنّ ورذالُهُنَّ، قوله: "لقحن" أي: حملن، و "العشار": التي عليها عشرة أشهر منذ حملت. 9 - قوله: "وقِظْن" بكسر القاف وسكون الظاء المعجمة؛ من القيظ، أراد: أنهن أقمن أيام القيظ على لصاف، وهو منزل من منازل بني تميم، وهو بفتح اللام والصاد وفي آخره فاء، ويجوز كسر الفاء على البناء كقطام وفتحها للإعراب لأنه لا ينصرف، و"الغلب" بضم الغين المعجمة وسكون اللام، أراد أنها غلاظ الرقاب، و "متونها": شدادها وصلابها على البرد، ومعنى "ترن": تصوت وتئن، و "الظؤار" بضم الظاء المعجمة؛ جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها. 10 - قوله: "ومنجوب" أي: زق مدبوغ بالنجب، وهو قشر شجرة يدبغ به، وهو بفتح النون والجيم وفي آخره باء موحدة. قوله: "صرع" بفتح الصاد وسكون الراء وفي آخره عين كلها مهملات، وهي الناقة التي تتخذ لأداة الراعي، و "الشَّوار" بفتح الشين المعجمة؛ متاع الراعي ومتاع الرجل. 11 - و "القريح" بفتح القاف، وهو الرجل الذي به القرحات، قوله: "دفروه" أي: زجروه وحثوه على القتال، [قوله: "] (¬1) سار": من السورة، وهي الوثبة على القرن والإقدام عليه. 12 - قوله: "قد زحفت": من الزحف وهو النهوض إلى القتال، و "الاهتصار": جذب الشيء ليكسر. الإعراب: قوله: "متى ما نلتقي" يخاطب به عنترةُ عمارةَ بن زياد، ويصف نفسه بالشهامة، ومتى مِنْ كَلِم المجازاة، و: "نلتقي" جزم به، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "فردين": حال من الفاعل والمفعول معًا، أي: أنا فرد وأنت فرد (¬2)، قوله: "ترجف": مجزوم لأنه جواب الشرط، قوله: "روانف": مرفوع لأنه فاعل ترجف، وهو مضاف إلى إليتيك. و"تستطارا" يحتمل وجوهًا: أحدها: أن يكون مجزومًا بحذف النون، والأصل: تستطاران؛ فالضمير للروانف، وعاد إليها الضمير بلفظ التثنية وإن كان جمعًا؛ لأنها تثنية في المعنى (¬3)؛ لأن كل إلية لها رانفة (¬4) فهو من ¬
الشاهد التاسع بعد الخمسمائة
قبيل [قوله تعالى (¬1)]: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. والثاني: أن يكون عائدًا إلى الإليتين. والثالث: أن يكون الضمير مفردًا عائذا إلى المخاطب، والألف بدل من نون التوكيد، والأصل: تستطارن فأبدل من النون ألفًا؛ كما في قوله (¬2): ........................... ... فَلَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ واللهَ فاعْبُدَا أصله: فاعبدن، ويقال: الضمير المفرد عائد إلى الروانف تقديره: تستطارن هي، ويقال: يجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أن في تقدير مصدر مرفوع بالعطف على مصدر ترجف، تقديره؛ ليكن منك رجف الروانف والاستطارة. الاستشهاد فيه: في قوله: "فردين" فإنه وقع حالًا من الفاعل والمفعول جميعًا (¬3). الشاهد التاسع بعد الخمسمائة (¬4) , (¬5) عَهِدْتُ سُعَادَ ذَاتَ هَوًى مُعَنًّى ... فَزِدْتُ وَزَادَ شلْوَانًا هَوَاهَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "مُعَنًّى" أي: أسيرًا في الحب، من عناه يعنيه، والعاني: الأسير، قوله: "سلوانًا" بضم السين؛ بمعنى السلوة، قال الأصمعي؛ يقول الرجل لصاحبه: سقيتني منك سلوة وسلوانًا، أي: طيبت نفسي عنك، ويقال: السلوان: دواء يسقاه الحزين فيسلو، والسلوانة: خرزة كانوا يقولون إنها إذا صببت عليها ماء المطر ثم شربه العاشق سلا. ¬
الشاهد العاشر بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "عهدت": جملة من الفعل والفاعل، و "سعاد": مفعوله وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث، قوله: "ذات هوي": كلام إضافي حال من سعاد، قوله: "معنًّى": حال من التاء في عهدت. قوله: "فزدت": جملة من الفعل والفاعل وهو فعل لازم هاهنا، وقوله: "سلوانًا": نصب على التمييز، وقوله: "زاد" -أيضًا- فعل لازم، وقوله: "هواها": كلام إضافي فاعله، والضمير ورجع إلى سعاد، أراد: أنه لما كان مغرمًا بها كانت هي خالية، فلما زاد سلوانًا زادت هي غرامًا، وهذا هو من عكس الزمان؛ حيث يأتي دائمًا بضد المقصود، ومن هذا القبيل قول الشاعر (¬1): سَأَطلُبُ بُعْدَ الدَّارِ عنكُم لِتَقْرَبُوا ... وَتَسْكُبُ عَينَايَ الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا الاستشهاد فيه: في قوله: "ذات هوى معنًّى" فإن "ذات هوى" حال من المفعول وهو سعاد، "ومعنًّى" حال من الفاعل وهو التاء في: "عهدت" كما ذكرناه (¬2). الشاهد العاشر بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) وتُضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلَامِ مُنِيرَةً ... كَجُمَانَة البَحْريُّ سُلَّ نِظَامُهَا أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وقد ترجمناه في أول الكتاب (¬5). وهو من قصيدة طويلة من الكامل، يصف بالبيت بقرة، وأول القصيدة هو قوله (¬6): 1 - عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فمُقامُها ... بِمنًى تأبدَ غَوْلُهَا فرِجَامُهَا ¬
2 - فمُدافِعُ الريَّانِ عُرِّي رَسْمُهَا ... خَلَقًا كما ضَمِنَ الوَحِيّ سِلامُهَا 3 - حتَّى إذَا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ ... بَكرتْ تَزِلَّ عن الثّرى أزْلامُها إلى أن قال: وتضيء ......................... ... ............................ إلخ 1 - قوله: "عفت الديار" أي: درست؛ من العفى وهو الدروس، "ومحلها": حيث حلوا ونزلوا، و "المقام": حيث أقاموا، قال الأصمعي: "منى": موضع ببلاد قيس قريب من طخفة في الشق الأيسر وأنت مصعد إلى مكة، وصرفه لأنه ذكر، وكذلك منى الحرم مصروف، قوله: "تأبد" أي: توحش، قوله: "غولها" الغول -بفتح الغين المعجمة مكان بعينه، وكذلك "الرجام": مكان، وهو بكسر الراء وبالجيم. 2 - و"الريان": اسم واد، و"مدافعه": أعاليه التي تدفع الماء إلى أسفله، قوله: "عُرِّى رسمها" أي: لم يبق فيه أحد، قوله: "خلقًا": نصب على القطع من الرسم؛ لأنه مضاف إلى معرفة، والمعنى: إن هذا الرسم خلق فلا تكاد تبينه إلا كما ترى من الكتاب القديم في الحجارة، وهي السلام بكسر السين، و"الوحيّ" بفتح الواو وكسر الحاء [المهملة] (¬1) وتشديد الياء آخر الحروف، بمعنى المكتوب. 4 - قوله: "وتضيء" أي: تضيء هذه البقرة، يعني: لونها يضيء إذا تحركت في وجه الظلام، ويروى: وتضيء في غلس الظلام منيرة ... ............................................ و"الجمانة" بضم الجيم وتخفيف الميم؛ حبّة تعمل من فضة كالدُّرة، والجمع جمان، و "البحري" بتشديد الياء آخر الحروف، من أهل الريف والأمصار، قال الراجز (¬2): حَسِبْتُ فيهَا تَاجِرًا بَحْرِيًّا ... نشر من ملائه البَصْرِيّا قوله: "سل": من سللت الشيء أسله سلًّا، و "النظام" بكسر النون؛ هو الخيط الذي ينتظم به اللؤلؤ، قوله: "إذا حسر" أي: انكشف، و "أسفرت" يعني: البقرة، قوله: "أزلامها" يعني: أظلافها، ويقال: قوائمها، أرد أن قوائمها كالقداح، وإنما تزل للسرعة والخفة. ¬
الشاهد الحادي عشر بعد الخمسمائة
الإعراب: [قوله: "] (¬1) وتضيء": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى البقرة التي يصفها، قوله: "في وجه الظلام" يتعلق به، قوله: "منيرة": حال من الضمير الذي في تضيء، قوله: "كجمانة البحري" الكاف للتشبيه وجمانة مجرور به، والبحري مجرور بالإضافة، قوله: "سل" على صيغة المجهول، و "نظامها": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة صفة لجمانة. الاستشهاد فيه: في قوله: "منيرة" فإنه حال مؤكدة لعاملها (¬2). الشاهد الحادي عشر بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) سَلَامَكَ رَبَّنَا في كُلِّ فَجْرٍ ... بَرِيئًا ما تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غبرة بن ثقيف أبو عثمان. ويقال: أبو الحكم الثقفي، شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان صالحًا، وأنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وأنه هو الذي أراد الله بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175] الآية. والبيت المذكور من الوافر. قوله: "ما تغنثك الذموم" قال الخليل: تغنثني كذا؛ أي: لاق بي، وأنشد البيت المذكور، أي: لا يليق بك، وقال أبو حيان في التكميل: معنى ما تغنثك: ما تلزق بك، قلت: ومادته غين معجمة ونون وثاء مثلثة، و "الذموم": جمع ذم وهو خلاف المدح. ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "سلامك": مصدر ناب عن فعله، أي: سلمت عن النقائص في كل وقت، قوله: "ربنا": منادى حذف منع حرف النداء، أي: يا ربنا، قوله؛ "في كل فجر" ويروى: في كل وقت، أراد: سلمت من النقائص في كل وقت، قوله: "بريئًا": حال من الكاف في سلامك، قوله: "ما تغنثك الذموم": جملة منفية مركبة من الفعل والمفعول وهو الكاف، والفاعل هو قوله: "الذموم" وهذه الجملة مؤكدة لقوله: "بريئًا" في المعنى؛ لأن معناها البراءة مما لا يليق بجلاله. الاستشهاد فيه: في قوله: "بريئًا" فإنه حال من الكاف في "سلامك" من الأحوال المؤكدة؛ لأن سلامك معناه: سلمت كما ذكرنا (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) قمْ قَائِمًا قمْ قَائِمًا ... صَادَفْتَ عبْدًا نَائِمًا وعُشْرَاءَ رائِمًا ... .............................. أقول: هذا رجز قالته امرأة من العرب. 2 - قوله: "صادفت": دعاء بلفظ الخبر دعت لولدها أن يصادف عبدًا نائمًا، و "عشراء" أي: ناقة عشراء، و "رائمًا": من رئمت الناقة ولدها رئمًا إذا أحبته وحنت عليه، والناقة رؤوم ورائمة، وإنما قالت: رائما ولم تقل: رائمة إما للضرورة، وإما على تأويل: ذات رئمان. 3 - والناقة العشراء هي التي يأتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر وزال عنها اسم الخاض ثم لا يزال اسمها عشراء حتى تضع وبعد ما تضع أيضًا، يقال: ناقتان عشراوان، ونوق عشار وعشراوات، ويبدلون من همزة التأنيث واوًا. الإعراب: قوله: "قم": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، و "قائمًا": حال مؤكدة ¬
الشاهد الثالث عشر بعد الخمسمائة
لصاحبها لفظًا ومعنى، والتكرير فيه لأجل التاكيد، قوله: "صادفت": جملة من الفعل والفاعل، و "عبدًا": مفعوله، و "نائمًا" صفته، وقد قلنا: إنها جملة دعائية بلفظ الخبر، قوله: "وعشراء": عطف على عبد، و "رائمًا": صفته على التأويل الذي ذكرناه. الاستشهاد فيه: في قوله: "قائمًا" فإنه حال مؤكدة كما ذكرنا (¬1). الشاهد الثالث عشر بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) أَصِخْ مُصِيخًا لِمَنْ أَبْدَى نَصِيحَتَهُ ... والزَمْ تَوَقِّي خَلْط الجدِّ باللَّعِبِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "أصخ": أمر من أصاخ؛ أي: استمع، ومادته: صاد مهملة وياء آخر الحروف وخاء معجمة، قوله: "لمن أبدى" أي: أظهر، و"التوقي": التحفظ والتحرز، و "الجد" بالكسر (¬4)؛ ضد الهزل. الإعراب: قوله: "أصخ": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، قوله: "مصيخًا": نصب على الحال من الضمير في أصخ، قوله: "لمن أبدى": يتعلق بقوله أصخ. قوله: "من" موصولة، و "أبدى نصيحته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة الموصول، قوله: "والزم": أمر عطف على قوله: " [أصخ"، وقوله: "توقي" بالنصب مفعول الزم، وهو مضاف إلى الخلط المضاف إلى الجد، قوله: "] (¬5) باللعب": يتعلق بالخلط. الاستشهاد فيه: في قوله: "مصيخًا" حيث وقع حالًا من ضمير أصخ مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنًى فافهم (¬6). ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الخمسمائة
الشاهد الرابع عشر بعد الخمسمائة (¬1) , (¬2) أنَا ابنُ دَارَةَ مَعرُوفًا بِهَا نَسَبِي ... وَهَلْ بدَارَةَ يَا لَلنّاسِ مِن عَارِ؟ أقول: قائله هو سالم بن دارة اليربوعي (¬3)، وهو من قصيدة يهجو بها فزارة، وقبله (¬4): 1 - لا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلَى قُلُوصكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ 2 - لا تَأَمَنَنَّ عَليهَا أن يُبَيِّتَهَا ... عَارِي الجوَاعِرِ يعْلُوهَا بقُسْبَارِ 3 - أنا ابن دارة ........... ... ........................... إلخ وهي من البسيط. 1 - قوله: "قلوصك" القلوص -بفتح القاف: الفتى من الإبل كالشاب من الرجال، قوله: "بأسيار": جمع سير (¬5). 2 - و "الأجاعر": الإست، و "القسبار" بضم القاف وسكون السين المهملة وبالباء الموحدة، وهو الذكر الطويل الضخم (¬6). 3 - قوله: "أنا ابن دارة" بالدالة والراء المهملتين، وهو اسم أم الشاعر. الإعراب: قوله: "أنا" مبتدأ، و "ابن دارة": كلام إضافي خبره، وقوله: "معروفًا": حال مؤكدة، و "بها" ناب (¬7) عن الفاعل، ويروى: "معروفًا لها نسبي"، وقوله: "نسبي": مرفوع بقوله: "معروفًا". ¬
الشاهد الخامس عشر بعد الخمسمائة
قوله: "وهل": استفهام على وجه الإنكار وتقديره (¬1): هل عار بدارة؟، وكلمة "من" في قوله: "من عار" زائدة وهو في الأصل مبتدأ، وبدارة خبره. قوله: "يا للناس": معترض بين المبتدأ والخبر، وكلمة: "يا" يجوز أن تكون لمجرد التنبيه، فحينئذ لا يحتاج إلى المنادى، ويجوز أن تكون للنداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قومي للناس، واللام فيه للتعجب المجرد، ولا يستعمل إلا في النداء؛ كما في قولك: يا للماء إذا تعجبت من كثرته فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "معروفًا" فإنه حال مؤكدة لمضمون الجملة الاسمية؛ كما في قولك: زيد أبوك عطوفًا (¬2). الشاهد الخامس عشر بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَأَقْتُلُ قَوْمَهَا ... زَعْمًا -لَعَمْرُ أَبِيكَ؟ لَيسَ بِمَزْعَمِ أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬5): 1 - هَلْ غَادَرَ الشعراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ ... أمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؟ (¬6) 2 - أعْيَاكَ رَسْمُ الدارِ لَم يتكلَّمِ ... حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصمِّ الأعْجَمِ إلى أن قال: 3 - حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ... أقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيثَمِ 4 - حَلَّتْ بأرْضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحَتْ ... عسِرًا عليَّ طِلَابُهَا ابنةُ مُخْرَمِ ¬
5 - علقتها ..................... ... ............................ الخ وهي من الكامل. قوله: "علقتها" على صيغة المجهول؛ من علق الرجل امرأة من علاقة الحب، وثلاثيه علِق بالكسر، ويقال: قد علقتها وعلق حبها بقلبه، أي: هوايها، وعلق بها علوقًا. 5 - قوله: "عرضًا" بفتح العين والراء المهملتين وبالضاد العجمة وهو ما يعرض للإنسان من الأمور، والمعنى (¬1) هنا: هويتها وعلقتها من غير قصد، كما جاء نحوه في قول الأعشى (¬2): عُلِّقْتُهَا عرضًا وعُلِّقَتْ رَجُلًا ...... غيري وعُلِّقَ أُخْرَى غَيرَهَا الرَّجُلُ قوله: "زعمًا" بفتح الزاي [المعجمة] (¬3) والعين المهملة أي: طمعًا، وقد زعم بالكسر؛ أي: طمع، يزعم زعما وأزعمته أنا، وقوله: "ليس بمزعم" بفتح الميم؛ أي: ليس بمطمع. الإعراب: قوله: "علقتها" التاء نائب عن الفاعل، والهاء مفعول ثان، قوله: "عرضًا" لا نصب على التمييز، أي من جهة العرض لا من جهة القصد، قوله: "وأكمل قومها": جملة وقعت حالًا ولكن التقدير: وأنا أقتل قومها، لأن المضارع المثبت إذا وقع حالًا لا يقترن بالواو؛ فلا يقال: جاء زيد ويضحك، فإذن لا بد من التقدير بما ذكرنا. قوله: "زعمًا": منصوب على المصدرية، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى زاعما، قوله: "لعمر أبيك": قسم واللام للتأكيد، و "عمر أبيك" كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: لعمر أبيك قسمي أو يميني، قوله: "ليس بمزعم": جملة وقعت صفة لقوله: "زعمًا" ولعمر أبيك معترض بينهما. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأقتل قومها" حيث وقع حالًا، وهو مضارع مثبت؛ فلا يجيء بالواو، ويقدر بالجملة الاسمية، وتقديره: وأنا أقتل، كما قيل: قمت وأصك عينه، حكاه الأصمعي، وتأول على: قمت وأنا أصك عينه (¬4). ¬
الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة
ويقال: هذا ضرورة، ويقال: الواو فيه للعطف، والمضارع مؤول بالماضي تقديره: علقتها عرضًا وقتلت قومها (¬1). الشاهد السادس عشر بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ ... نَجَوْتُ وَأَرْهَنُهُمْ مَالِكًا أقول: قائله هو عبد الله بن همام السلولي، وهو من المتقارب وفيه الحذف والقبض. المعنى: لما خشيت حملته وأنشاب أظفاره نجوت وخليت بينه وبين مالك، والذي خشيه هو عبيد اللَّه (¬4) بن زياد، وكان قد توعده فهرب إلى الشام واستجار بيزيد فأمنه وكتب إلى عبيد اللَّه [يأمره أن يصفح عنه، قوله: "وأرهنهم مالكًا" يريد: تركت عريفي في يد عبيد اللَّه بن زياد وكان اسم] (¬5) عريفه مالكًا. الإعراب: قوله: "فلما" بمعنى: حين، الفاء للعطف على ما قبله من الأبيات، قوله: "خشيت": جملة من الفعل والفاعل، و"أظافيرهم": كلام إضافي مفعوله، قوله: "نجوت": جواب لما. قوله: "وأرهنهم" خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وأنا أرهنهم؛ كما تقول: قمت وأصك قفاه، أي: وأنا أصك، و"مالكًا": مفعول ثان [قال ثعلب: الرواة كلهم على: أرهنتهم مالكًا على أنه يجوز: رهنته وأرهنته إلا الأصمعي، فإنه روى: وأنا أرهنهم مالكا؛ على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض، وشبهه بقولهم: قمت وأصك وجهه، وهو مذهب حسن؛ لأن الواو واو حال، فيجعل أصك حالا للفعل الأول على معنى: قمت صاكًّا وجهه؛ أي: تركته مقيمًا عندهم ليس من طريق الرهن؛ لأنه لا يقال: أرهنت الشيء، وإنما يقال: رهنته] (¬6). الاستشهاد فيه: في قوله: "وأوهنهم مالكًا" حيث وقع حالًا، وهو مضارع مثبت، ولا يجيء بالواو، تقديره: وأنا أرهنهم كما ذكرنا (¬7). ¬
الشاهد السابع عشر بعد الخمسمائة
الشاهد السابع عشر بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) ولو أن قَوْمًا لارْتِفَاعِ قَبِيلَةٍ ... دَخَلُوا السَّمَاءَ دَخلتُها لا أحجَبُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ولو أن قومًا" الواو للعطف، ولو للشرط في المستقبل إلا أنها لا تجزم، وتقع أن بعدها كثيرًا، "وقومًا" اسم أن، وخبره قوله: "دخلتها". فإن قلت: ما موضع أن هاهنا؟ قلت: الرفع، ولكنهم اختلفوا (¬3): فقال سيبويه: بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه (¬4). وقال ابن عصفور: يقدر له الخبر مؤخرًا؛ كما في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} [البقرة: 103]، أي: ولو أن إيمانهم ثابت (¬5). وقال المبرد والزجاج والكوفيون: الرفع على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها تقديره: ولو ثبت أن قومًا، والتقدير في الآية: ولو ثبت أنهم آمنوا، فافهم (¬6)، قوله: "لارتفاع قبيلة" يتعلق بقوله: "دخلوا السماء" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو السماء، وقعت صفة للقوم، وقوله: "لا أحجب" جملة وقعت حالًا من ضمير دخلت مجردة عن الواو؛ كما في قوله تعالى: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل: 20]، و {وَمَا لَنَا لَا نُؤمِنُ بِاللهِ} [المائدة؛ 84]. ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أحجب" لأن الحال إذا كان مضارعًا مثبتًا أو منفيًّا بلا استغنت عن الواو (¬1). الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) ......................... ... وَكُنْتُ ولَا يُنَهْنِهُنِي الوَعِيدُ أقول: قائله هو مالك بن رقية، وصدره: أمَاتُوا مِنْ دَمِي وتَوَاعَدُونِي ... ................................... وقبله: 1 - كفَانِي مصْعَبٌ وَبَنُو أَبِيهِ ... فأينَ أحيدُ عنهُمْ لا أحيدُ؟ وهما من الوافر. 1 - قوله: "فأين أحيد": من حاد يحيد عن الشيء حيدًا وحيودًا وحيدودة إذا مال وعدل عنه، قوله: "ولا ينهنهني" أي: ولا يزجرني الوعيد؛ من نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه أي: كففته وزجرته فكف، ونهنهت السبع إذا صحت به ليكف، والأصل في نهنهه: [نهّهه] (¬4) بثلاث هاءات، وإنما أبدلوا من الهاء الوسطى نونًا للفرق بين فعّل وفعلل، وإنما زادوا النون من بين سائر الحروف؛ لأن في الكلمة نونًا. 2 - و"الوعيد، والإيعاد": يستعملان في الشر، والوعد يستعمل في الخير والشر جميعًا، قال الفراء: يقال وعدته خيرًا، ووعدته شرًّا (¬5). الإعراب: قوله: "وكنت": من كان التامة فلا تحتاج إلى خبر، والمعنى: وجدت غير منهنه بالوعيد، أي: غير منزجر به، ولا يجوز أن تجعل ناقصة والواو زائدة؛ لأن زيادة الواو لا تنقاس فافهم. ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا ينهنهني الوعيد" فإنه مضارع منفي وقع حالًا، وقد جاء بالضمير والواو، وهذا قليل، والأكثر مجيئه بالضمير بلا واو (¬1). الشاهد التاسع عشر بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) أَكسَبَتْهُ الوَرِقُ البيضُ أَبًا ... ولقد كانَ ولا يُدْعَى لأَبِ أقول: قائله هو مسكين الدارمي، واسمه: ربيعة بن عامر، وهو من الرمل، وفيه الخبن والحذف. قوله: "الورق" بفتح الواو وكسر الراء، وهي الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة [بالتخفيف] (¬4)، والهاء عوض عن الواو، قال الفراء: في الورق ثلاث لغات: ورِق مثل كبِد، ووَرْق مثل كَبْد، وورْق مثل كِبْد (¬5)، قوله: "ولا يدعى" أي: لا ينتسب؛ من الدعوة بكسر الدال. المعنى: أنَّه كان مجهول النسب، ولم يكن يعرف له أب يدعى إِليه، فلما أعطي [له] (¬6) مالًا ظهر له نسب واشتهر له أب يدعى إليه. الإعراب: قوله: "اكسبته الورق": جملة من الفعل وهو أكسبته، والمفعول وهو الهاء الَّذي يرجع إلى المعهود، والفاعل وهو الورق، وقوله: "البيض" بكسر الباء جمع أبيض صفة للورق، قوله: "أبا": مفعول ثان لأكسبت. قوله: "ولقد كان" الواو للحال، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وكان تامة فلا تحتاج إلى خبر، قوله: "ولا يدعى لأب": جملة وقعت حالًا -أيضًا- وهي مضارع منفي، جاء بالواو، ¬
الشاهد العشرون بعد الخمسمائة
وهو قليل، والأكثر مجيئه بلا واو؛ كما ذكرنا في البيت السابق. والاستشهاد فيه وهو ظاهر (¬1). الشاهد العشرون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ به حَبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬4): 1 - أمنْ أُمِّ أوْفَى دِمْنَةً لَمْ تكلّم ... بِحَوْمَانَةِ الدُّرَّاجِ فالمتُثَلَّمِ 2 - ديَارٌ لهَا بالرقْمَتَيْن كأنَّها ... مراجِعُ وَشْمٍ في نَوَاشِرَ مِعْصَمِ 3 - بها العينُ والآرامُ يمْشِيَن خِلْفَةً ... وأَطلَاؤُهَا ينهَضْنَ من كلِّ مَجْثِمٍ 4 - وقفْتُ بِهَا من بعدِ عشْرِينَ حِجَّةً ... فلأيًا عَرَفْتُ الدارَ بعدَ تَوَهُّمِ 5 - أَثَافِيَّ سُعْفًا من مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ... ونُؤْيًا كَحَوْضِ الجُدِّ لمْ يَتَثَلَّمِ 6 - فلما عرفتُ الدارَ قلتُ لربْعِهَا ... ألَا أَنْعِمْ صباحًا أَيُّها الربْعُ واسلَمِ 7 - تبصَّرْ خليليَّ هلْ تَرَى مِنْ ظعائنَ ... تحَمَّلْنَ بالعليَاءِ منْ فوقِ جُرْثُمِ إلى أن قال: 8 - كأن فتات .................. ... ....................... إلخ وهي من الطويل، يمدح بها زهير بن الحرث بن عوف وهرم بن سنان. قوله: "دمنة" بكسر الدال وهي الكناسة. 1 - قوله: "لم تكلم" أصله: لم تتكلم فحذفت إحدى التاءين؛ كما في [قوله تعالى] (¬5): ¬
{نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أي: تتلظى، قوله: "بحومانة" بفتح الحاء المهملة، وهو ما كان من فوق الرمل، أو دونه حين تصعده أو تهبطه، ويجمع على حوامين. قوله: "الدراج" بفتح الدال، ورواه أبو عمرو بضمها، وزعم أنَّه سمعها من بعض ولد زهير ممن يوثق بعلمه، وقال: هو بلد، وقال أبو نصر: الدراج: مكان غليظ (¬1)، وزعم أبو عبيدة أن الدراج، والمتثلم أماكن بالعالية، ويقال: المتثلم: ماء لبني فزارة. 2 - قوله: "ديار لها" أي: لأم أوفى، وروى الأصمعي: ودار لها، وقال: الرقمتان: روضتان إحداهما قرب المدينة، والأخرى: عندنا هاهنا، وقال أبو زياد الكلابي: هما من جانب الرغام من [بلاد] (¬2) بني تميم من أطراف عارض اليمامة التي تلي مهب الجنوب. قوله: "مراجع وشم" الوشم: أن تغرز المرأة في يديها بالإبرة ثم تذرُّ عليها الإثمد فيبقى أثره فيها، وأراد بالمراجع أنَّه يرجع إلى الوشم ليثبت، قوله: "في نواشر معصم" وهي عروق ظاهر الكف وباطنها، والمعصم -بكسر الميم: موضع السوار. 3 - قوله: "بها العين" أي: فيها العين؛ أي: في الديار، والعين -بكسر العين: جمع عيناء، وهي البقرة الواسعة العين من بقر الوحش، و"الآرام": جمع ريم، وهو الظبي الأبيض، قوله: "يمشين خلفة" أي: مختلفة في المشي، ويقال: مختلفة في الألوان، قوله: "وأطلاؤها" أي: أولادها، وهو جمع طلا بفتح الطاء، قوله: "ينهضن من كل مجثم" أي: من كل مبرك يبركن فيه. 4 - قوله: "فلأيًا عرفت الدار" أي: بعد إبطاء عرفت الدار، أي: لم أكن أعرفها، قال الجوهري: اللأي: الشدة والبطء (¬3). 5 - قوله: "أثافي": جمع أثفية، وهي الأحجار الثلاثة يوضع عليها القدر، قوله: "سعفًا" أي: محمودًا، والسعفة سواد فيه شيء من حمرة، ويقال: سعفته النار إذا لوحته، قوله: [معرس مرجل" وهو الموضع الَّذي توضع فيه القدر، وكل قدر عند العرب مرجل من برام أو صفر (¬4) أو خزف، و"المعرس" بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره سين مهملة وهو المنزل، و"المرجل" بكسر الميم والجيم، قوله: "ونؤيًا" بضم النون وسكون الهمزة، وهي الحفرة التي تحفر حول الخباء لترد ماء المطر، قوله: "كحوض الجد" بضم الجيم وتشديد الدال، وهي البئر، وتجمع على أجداد، قوله: "لم تتثلم" أي: تنكسر. ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد الخمسمائة
6 - قوله: "ألا أنعم صباحًا" أي: نعمت بأهلك حتَّى أراهم فيك، ويقال: أي: سلمك اللَّه من الآفات والدروس. 7 - قوله: "ظعائن": جمع ظعينة، وهي المرأة التي تحمل في الهودج، و"العلياء": موضع، قوله: "من فوق جرثم" بضم الجيم وسكون الراء وضم الثاء المثلثة وهو ماء من مياه بني أسد. 8 - قوله: "كأن فتات العهن" ويروى: كأن حتات العهن، وكلاهما بمعنى واحد، والعهن بكسر العين: الصوف، قوله: "في كل منزل" ويروى: في كل موقف وقفن به، قوله: "حب الفنا" بفتح الفاء والنون مقصور، وهو شجر ثمره حب أحمر وفيه نقطة سوداء، ويسمى؛ عنب الذيب، "لم يحطم" أي لم يكسر، والمعنى: إن ما تفتت من العهن الَّذي علق بالهودج إذا نزلن في منزل كحب الفنا الصحيح الَّذي لم ينكسر؛ لأنه إذا تكسر ظهر لون غير الحمرة، والحاصل: أنَّه شبه ما تفتت منه بحب الفنا الصحيح. الإعراب: قوله: "كأن" للتشبيه، وقوله: "فتات العهن": كلام إضافي اسمه، وخبره قوله: "حب الفنا"، قوله: "في كل منزل": يتعلق بقوله: "نزلن"، قوله: "به" أي فيه، قوله: "لم يحطم": جملة وقعت حالًا مجردة عن الواو، وذلك أن المضارع النفي بلم إذا وقع حالًا، فالأكثر إفراد الضمير والاستغناء عنه بالواو والجمع بينهما، وهاهنا وقع مجردًا من الواو؛ كما ذكرنا وهو موضع الاستشهاد (¬1). الشاهد الحادي والعشرون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) ولَقَدْ خَشِيتُ بأنْ أَمُوتَ ولَمْ تَكُنْ ... لِلْحَرْبِ دَائِرَةٌ على ابْنَيْ ضَمْضَمِ أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬4): ¬
1 - أعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لَمْ يَتَكَلَّمِ ... حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ إلى أن قال: 2 - ولقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبرَأَ سُقْمَهَا ... قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنترَ قدّم 3 - ذُلُلٌ رِكَابِي حَيثُ شِئتُ مُشَايعِي ... قَلْبِي وَأَحْفُزُهُ بِرَأْيٍ مبرمِ 4 - ولقد خشيت ................ .... ................... إلخ 5 - الشَّاتِمِي عِرْضِي وَلَمْ أشتُمْهُمَا ... والنَّاذِرينَ إذَا لَمْ أَلْقَهُمَا دَمِي (¬1) 6 - إنَّ العَدُوّ عَنِ العَدُوِّ لَقَائِلٌ ... مَا كَانَ يعْلَمَهُ ومَا لَمْ يَعْلَمِ (¬2) 7 - إن يَفْعَلا فلقَدْ تركتُ أباهما ... جَزَرَ السِّبَاعِ وكُلِّ نَشرٍ قَشْعَمِ وهذا آخر القصيدة، وهي من الكامل. 2 - قوله: "قيل الفوارس" بكسر القاف وسكون الياء آخر الحروف، أي: قول الفوارس، قوله: "ويك عنتر أقدم" مقول القول، أراد: ويلك يا عنترة قدم الفرس، وقيل: معنى "وي" تنبيه، والكاف للخطاب، وعنتر: منادى مرخم، وأصله: يا عنترة كما قلنا، ويروى: أقدم؛ أي: تقدم. 3 - قوله: "ذلل ركابي" ويروى: ذلل جمالي حيث تبتلت، أي: حيث قبلت الغزو فركابي ذلل؛ لما عودتها من كثرة الترحال، قوله: "مشايعي قلبي" أي: قلبي غير مفارق لي، ويروى: مشايعي لُبِّي، أي: عقلي، ومعنى: "أحفزه" أي: أنهضه وأدفعه، ومادته: حاء مهملة وفاء وزاي معجمة، قوله: "برأي مبرم" أي: محكم، من الإبرام وهو الإحكام والإتقان، ويروى: بأمر مبرم. 4 - قوله: "دائرة" أي هزيمة، قال الله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح: 6]، المعنى: كنت أخشى أن أموت قبل أن ألقى ابني ضمضم في الحرب وأدير عليهما دائرة، وابنا ضمضم هما: حصين ومرة بن ذييان من بني مرة؛ كذا قاله الأعلم (¬3). 5 - قوله: "والناذرين" تثنية ناذر من النذر، يعني: ينذران على أنفسهما ويقولان: لئن لقيناه لنقتلنه، قوله: "ودمي" هو مفعول الناذرين، قوله: "إذا لم ألقهما" يعني: يقولان ذلك في ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد الخمسمائة
الخلاء، فإذا لقيتهما أمسكا عن ذلك هيبة وخوفًا مني. 7 - قوله: "جزر السباع" بفتح الجيم والزاي المعجمتين ثم الراء، وهو اللحم الَّذي تأكله السباع، يقال: تركوهم جزرًا إذا قتلوهم، قوله: "وكل نسر قشعم" النسر: طائر مشهور، وقشعم صفته، قال الجوهري: القشعم من النسور والرجال: المسن، وأم قشعم: المنية والداهية (¬1)، ويروى الشطر الثاني: ................................ ... جُزُرًا لِخَامِعَةٍ وَنَسْرٍ قَشْعَمِ كذا وقع في رواية الأعلم (¬2)، وقال: الخامعة: الضبع؛ لأنها تخمع لذلك، ولهذا يقال: الضبع العرجاء. الإعراب: قوله: "ولقد خشيت" الواو للعطف، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، وخشيت فعل وفاعل، قوله: "بأن أموت" الباء للسببية، وأن مصدرية، والتقدير: خشيت بسبب موتي، والحال لم تكن للحرب دائرة، و"دائرة" مرفوع لأنها اسم تكن، و"للحرب" خبره، و"على" يتعلق بدائرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولم تكن للحرب دائرة" حيث وقع المضارع المنفي بلم حالًا مقرونة بالواو؛ كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] (¬3). الشاهد الثاني والعشرون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) سقطَ النَّصيفُ ولَمْ تُرِدْ إِسْقَاطُه ... فتناولَتْهُ واتقتنا باليدِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة طويلة من الكامل ذكرناها في شواهد الكلام ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد الخمسمائة
في أول الكتاب (¬1). قوله: "سقط النصيف" بفتح النون وكسر الصاد المهملة وهو الخمار الَّذي تتخمر به المرأة، قوله: "واتقتنا" من اتقى إذا حفظ وكذلك توقى. الإعراب: قوله: "سقط النصيف": جملة من الفعل والفاعل، والألف واللام في النصيف بدل من المضاف إليه؛ أي: نصيفها، أراد نصيف تلك المرأة المعهودة. قوله: "ولم ترد إسقاطه" جملة وقعت حالًا، والضمير فيه يرجع إلى النصيف، والضمير الَّذي في "لم ترد" يرجع إلى المرأة، قوله: "فتناولته": عطف على قوله: "ولم ترد" أي: فتناولت تلك المرأة النصيف، قوله: "واتقتنا" عطف على ما قبله، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو التاء (¬2) والمفعول وهو النون، قوله: "باليد" يتعلق باتقتنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولم ترد" حيث وقع حالًا وهو مضارع منفي بلم مقرون بالواو، كما في قوله تعالى: {أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93]. الشاهد الثالث والعشرون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) كنْ للْخَلِيلِ نَصِيرًا جَارَ أَوْ عَدلًا ... ولا تَشُحّ عَلَيهِ جَادَ أَوْ بَخِلًا أقول: لم أقف على اسم قائله، والظاهر أنَّه من كلام المحدثين، وهو من البسيط. قوله: "للخليل" أي: للصاحب والصديق، و"النصير": فعيل بمعنى فاعل، و"جار": من الجور، وهو خلاف العدل، و"الشح": البخل، و"جاد": من الجود بالضم، وهو الكرم، أراد: انصر صاحبك في كل الأحوال سواء جار في حقك أو عدل، ولا تبخل عليه بشيء سواء بخل في حقك أو جاد. الإعراب: قوله: "كن": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه، وهو اسم كان، و"نصيرًا": ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الخمسمائة
خبره، قوله: "جار": جملة ماضية وقعت حالًا، وقوله: "أو عدلا": عطف عليه، وألفه للإطلاق. قوله: "ولا تشح": عطف على قوله: "كن"، وفي عطف النهي على الأمر خلاف مشهور، والصحيح جوازه (¬1)، قوله: "عليه": يتعلق بقوله: "ولا تشح" في محل النصب على المفعولية، قوله: "جاد": جملة وقعت حالًا، و"أو بخلا": عطف عليها، وألفه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "جاد" حيث وقع حالًا، وهو ماض ولم يجيء معها قد؛ لكون الماضي قد عطف عليه بأو، وكذا وقع بعد إلا؛ كما في قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: 30]، وكذا الكلام في قوله: "جاد" فافهم (¬2). الشاهد الرابع والعشرون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) وَقَفْتُ برَبْعِ الدَّارِ قدْ غيَّرَ البِلَى ... معَارِفَهَا والسَّاريَاتُ الهَوَاطِلُ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه: زياد بن معاوية؛ كما قد ذكرنا غير مرة. وهو من قصيدة من الطويل يرثي بها النعمان بن الحرث بن أبي شمر الغساني، وأولها هو قوله: 1 - دَعَاكَ الهَوَى واستَجْهَلْتْكِ المَنَازِلُ ... وكَيفَ تَصَابي المَرْء والشَّيْبُ شَاملُ 2 - وقفتُ بِرَبْعِ الدَّارِ .............. ... ............... إلى آخره (¬5) 3 - أُسَائِلُ عن سُعدى وَقَدْ مَرَّ بَعْدَنا ... عَلَى عَرَصَات الدَّارِ سَبعٌ كَوَاملُ 4 - فسَلَّيتُ ما عِندِي بِرَوْحَةِ عِرْمِسٍ ... تَخُبُّ برحْلِي تَارةً وتُناقلُ وهي ثلاثون بيتًا. 1 - قوله: "دعاك الهوى" يقول: لما رأيت منازل سعدى فعرفتها حركت منك ما كان ¬
ساكنًا، وذكرتك بعض ما قد نسيت، وحملتك على الجهل والصبي، قوله: "وكيف تصابي المرء": كلام إضافي، أي: كيف ميل المرء إلى الجهل والمروءة؟ (¬1) وأصله من صبا يصبو صبوة وصبوًا. 2 - قوله: "بربع الدار" الربع: المنزل، قال الجوهري: الربع: الدار بعينها حيث كانت، وجمعها: رباع وربوع [وأرباع] (¬2)، وأربُع (¬3)، قوله: "البلى" بكسر الباء الموحدة؛ من بلى الثوب يبلى بِلًى بكسر الباء، فإن فتحتها مدت، قوله: "معارفها" ويروى: معالمها، قوله: "والساريات": جمع سارية، وهي السحابة التي تأتي ليلًا، و"الهواطل": جمع هاطلة؛ من الهطل، وهو تتابع المطر وسيلانه. 3 - قوله: "عرصات الدار": جمع عرصة، وهي كل فجوة ليس فيها بناء، وقوله: "سبع كوامل" أي: سبع سنين [كوامل] (¬4) لم ينقص منها شيء. 4 - قوله: "فسليت ما عندي" يعني: سلوت ما عندي من البكاء على الديار ومساءلتها عن أهلها بروحة ناقة عرمس، وهي الشديدة، وأصل العرمس: الصحرة؛ فشبهت الناقة بها لصلابتها، قوله: "تخبّ": من الخبب وهو ضرب من السير سريع، و: "تناقل" من المناقلة، وهي أن تناقل يديها رجليها، وهو أن تضع رجليها في مواضع يديها لسعة باعها وقوة سيرها. الإعراب: قوله: "وقفت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بربع الدار": مفعوله، قوله: "قد غير البلى": جملة وقعت حالًا، و"معارفها": مفعول عُمر، قوله: "والساريات" بالرفع عطف على البلى، و"الهواطل": صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "غيَّر البلى" حيث وقع حالًا، وهو ماض مقرون بكلمة قد دون الواو، وهو قليل بالنسبة إلى التي تجيء بقد والواو، وأقل منه ما إذا جاء مجردًا عنهما؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] (¬5). ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد الخمسمائة
الشاهد الخامس والعشرون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) ............................... ... سَرَتْ قَرَبًا أَحْنَاؤُهَا تتَصَلْصَلُ أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، وصدره: وتشربُ أسْآرَ القطَا الكُدْرَ بعدَمَا ... ..................................... وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬3): 1 - أَقيمُوا بَني أُمِّي صُدُورَ مَطيِّكُمْ ... فإني إلى قَوْمٍ سوَاكُمْ لَأمْيَلُ 2 - فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ ... وشُدّتْ لطياتٍ مَطَايَا وأَرْحُلُ إلى أن قال: 3 - وَفَاءَ وَفاءَت بَادِيات وكُلُّها ... على نَكَظٍ مما نكاتم محمِلُ 4 - وتَشْرَبُ ................ ... .............................. إلخ 5 - هممتُ وهمَّتْ وابتَدَرْنا وأسدلتْ ... وشمَّرَ منِّي فارطٌ ومُهَمِّلُ وهي من الطويل. 2 - قوله: " [فقد] (¬4) حُمَّت" أي: قدرت، و"الطيات": جمع طية، وهي الحاجة، و"المطايا": جمع مطية، و"الأرحل": جمع رحل البعير. 3 - قوله: "باديات" أي: مستعجلات، وهو نصب على الحال، و"كلها" مبتدأ، و"محمل" خبره، قوله: "على نكظ" أي: على شدة كائنة مما يكاتم، و"ما" بمعنى الَّذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية. 4 - قوله: "الكدر" بضم الكاف وسكون الدال، جمع أكدر، قوله: "قربًا" بفتح القاف والراء وبالباء الموحدة، قال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما القرب؟ قال: سير الليل لورد الغد، ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد الخمسمائة
قلت: ما الطلق؟ قال: سير الليل لورد الغب، يقال: قربت أقرب قرابًا، مثل: كتبت أكتب كتابًا إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة، والاسم: القرب، قوله: "أحناؤها" أي: جوانبها، واحدها حِنْوٌ بكسر الحاء، قوله: "تتصلصل" أي: تصوت، وهو بالصادين المهملتين. الإعراب: قوله: "وتشرب": جملة من الفعل والفاعل، و"أسآر القطا" كلام إضافي مفعوله، وهو جمع سؤر، وهو بقية الماء في الإناء، قوله: "الكدر": صفة الأسار، قوله: "بعدما سرت" بعد: ظرف للشرب (¬1)، وما مصدرية، و"قربًا" حال من الضمير الَّذي في سرت، وهو العامل فيها، قوله: "أحناؤها" مبتدأ، وخبره قوله: "تتصلصل"، والجملة الاسمية وقعت حالًا من الضمير الَّذي في: سرت، ويجوز أن يكون من القطا فيكون العامل تشرب. الاستشهاد فيه: في قوله: "أحناؤها تتصلصل" حيث وقعت حالًا، وهي جملة اسمية مجردة عن الواو، وهو قليل، وقال الزمخشري: ضعيف، وكان حقها أن تكون بالواو (¬2). الشاهد السادس والعشرون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ المسكِ بهمْ ... يَلْحِفُونَ الأرْضَ هُدَّابَ الأُزُرْ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدة رائية وأولها هو قوله (¬5): 1 - أَصَحَوْتَ اليوم أَمْ شاقتكَ هِرّ ... ومِنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ 2 - لا يكنْ حُبُّكِ داءً قاتلًا ... ليس هذا منكِ ماويَّ بِحُرْ 3 - كيف أرجُو حُبَّهَا من بعدما ... عَلِقَ القلبُ بنُصْبٍ مُسْتَسِرْ ¬
إلى أن قال: 4 - فإذا ما شَرِبُوهَا وانْتَشَوْا ... وَهَبُوا كُلَّ أمُونٍ وطِمِرْ 5 - ثم راحوا ............. ... ........................ إلخ وهي طويلة من الرمل. 1 - قوله: "مستعر" أي: شديد بالغ، وأصله: ملتهب؛ من سعرت النار إذا أوقدتها. 2 - [قوله: "ماوي" يعني: ماوية، وهو اسم امرأة، حذف حرف النداء ورخمه، قوله: "بحر" أي: ليس هجرك لي وبخلكِ عليَّ بفعل كريم حسن، و"الحر" بضم الحاء؛ خلاف العبد، أراد أن هذا الأمر منك هجين كالعبد] (¬1). 3 - قوله: "كيف أرجو حبها" أي: كيف أرجو إقلاع حبها عني وقد علق القلب منه "بنصب" أي عذاب وشدة، و"المستسر": المكتتم الداخل في القلب. 4 - قوله: "وانتشوا" أي: وسكروا، و"الأمون" بفتح الهمزة؛ الوثقة الخلق التي يؤمن عثارها من الإبل والخيل، و"الطِّمر" بكسر الطاء؛ الفرس الطويل المشرف. 5 - قوله: "عبق المسك" بفتح العين المهملة والباء الموحدة، وهو مصدر عبق به الطيب بكسر الباء؛ أي: لزق به، أراد أن رائحة المسك ملازمة لهم لاصقة بهم. قوله: "يلحفون الأرض" بالحاء المهملة والفاء؛ من لحفت الرجل ألحفه لحفًا إذا طرحت عليه اللحاف أو غطيته بثوب، وقال الأعلم: معناه: يجرون أزرهم على الأرض من الخيلاء ويغطونها بها (¬2)، و"الهدّاب" الهدب -بضم الهاء وتشديد الدال، من هداب النخل وهو سعفه، وأراد به هاهنا طرة الأزر، و"الأزر" بضم الهمزة وضم الزاي وفي آخره راء؛ جمع إزار، وهو جمع كثرة وجمع القلة: آزرة، مثل: حمار وحمر وأحمرة. الإعراب: قوله: "ثم راحوا" عطف على قوله: "وهبوا" في البيت السابق، قوله: "عبق المسك": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "بهم"، والجملة وقعت حالًا، [قوله: "] (¬3) يلحفون الأرض"؛ جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الَّذي في يلحفون، والمفعول وهو الأرض، ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد الخمسمائة
وهي -أيضًا- حال، قوله: "هداب الأزر" كلام إضافي منصوب على المفعولية (¬1) -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: "عبق المسك بهم" فإنها جملة اسمية وقعت [حالًا] (¬2) بلا واو، وهو قليل (¬3). الشاهد السابع والعشرون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) ولولا جَنَانُ الليلِ ما آب عامرٌ ... إلى جعْفَرٍ سِرْبَالُه لمْ يُمَزَّقِ أقول: قائله هو سلامة بن جندل؛ كذا قاله ابن بري (¬6)، وأنشده الفارسي في الإغفال هكذا (¬7): ولولا جَنَانُ الليلِ مَا آلَ جَعْفَرَ ... إلى عامر سرْبَالُهُ لَمْ يُحَرَّقِ وهو من الطويل. قوله: "جنان الليل" أي ظلمته، قال الجوهري: جنان الليل: إدلهامه، ويروى: ولولا جنون الليل؛ أي: ما ستر من ظلمته (¬8)، "ما آب" أي: ما رجع؛ من آب يؤوب أوبة وإيابًا وأوبًا إذا رجع، قوله: "سِرْبَالُه" بكسر السين، وهو القميص. الإعراب: قوله: "ولولا" قد تقدم غير مرة أن لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى؛ نحو: لولا زيد لهلك عمرو، فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، وكذلك هاهنا عدم. رجوع عامر إلى جعفر منتفٍ لوجود ظلام الليل، قوله: "جنان الليل": كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لولا جنان الليل موجود، وقوله: "ما آب عامر": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للولا، وقوله: "إلى جعفر" يتعلق بقوله: "ما آب". ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "سرباله لم يمزق" حيث وقع حالًا، وهو جملة اسمية بدون الواو، كما في قوله: كلمته فوه إلى فيّ، وهو قليل كما ذكرناه (¬1). الشاهد الثامن والعشرون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) وَجَاءَتْ بِهِ سِبطَ العِظَامِ كَأنَّمَا .. عِمَامَتُهُ بينَ الرِّجَالِ لِوَاءُ أقول: قائله هو رجل من بني جِناب من بلقين، وكانت تحته ابنة عم له جاء له منها ولد يسمى سيارًا، وكان له ابن آخر من أمَةٍ يقال له: حندج، وكانت الحرة إذا رأته يلطف حندجًا ببعض اللطف غضبت عليه، فأنشأ يقول (¬4): 1 - لا تَعْذُلِي فيِ حُنْدُج إن حُنْدُجًا ... وَلَيثُ عِفِرِّينِ لَدَيّ سَوَاءُ 2 - حَمَيتُ علَى العُهَّارِ أطهار أمِّه ... وبَعْضُ الرِّجَالِ المُدعِين غُثاءُ 3 - وَجَاءَتْ بِهِ سِبْطَ العِظَامِ كَأَنَّمَا ... عِمَامَتُهُ بينَ الرِّجَالِ لِوَاءُ وهي من الطويل، وفيه الكف والثلم؛ فإن قوله: "لا تع" فعلن مكفوف أثلم، "ذلي في حن" مفاعيلن،: "دج إن" فعولن، "ن حندجًا" (¬5) مفاعيلن، والباقي ظاهر. 1 - قوله: "ليث عفرين" أراد به الأسد، وعفرين -بكسر العين المهملة والفاء وتشديد الراء، وهو اسم موضع مشهور بالأسود العظام. 2 - قوله: "العهار" بضم العين المهملة وتشديد الهاء؛ جمع عاهر، وهو الزاني، وإنما خص الأطهار لما في المحيض من الاعتزال، قوله: "غثاء" بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة، وهو الَّذي يعلو على وجه السيل من القش ونحوه، ويروى: جفاء بالجيم. 3 - قوله: "جاءت به" أي ولدته، قوله: "سبط العظام" يقال: فلان سَبِط الجسم، وسَبْط الجسم؛ مثل: فخِذ وفخْذ إذا كان حسن القد والاستواء، قوله: "لواء" بكسر اللام، وهي دون ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الخمسمائة
العلم، وإنما قال هذا لطول ابنه وعظم جسمه. الإعراب: قوله: "وجاءت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى أم حندج، قوله: "به": في محل نصب على المفعولية والضمير يرجع إلى حندج، قوله: "سبط العظام": كلام إضافي وقع حالًا، قوله: "كأنما" كأن للتشبيه وبطل عملها بدخول ما عليها، و"عمامته" كلام إضافي مبتدأ، قوله: "لواء" خبره، قوله: "بين الرجال" نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: في قوله: "سبط العظام" فإنه حال غير منتقلة، يعني: وصف لازم، وهو قليل؛ لأن الأكثر في الحال أن تكون منتقلة مشتقة، ومعنى الانتقال: أن لا تكون لازمة كجاء زيد راكبًا (¬1). الشاهد التاسع والعشرون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) ومَا لَامَ نَفْسِي مثلَهَا لِي لَائِمٌ ... وَلَا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "وما لام" وهو من اللوم وهو العذل، واللائم فاعل منه. الإعراب: قوله: "وما لام" الواو للعطف إن كان قبله شيء من الأبيات، وإلا فهي لاستفتاح الكلام مع إقامة الوزن، وكلمة "ما" للنفي، و"لام": فعل ماض، وقوله: "لائم" بالرفع فاعله. وقوله: "نفسي": كلام إضافي مفعوله، وقوله: "مثلها" بالنصب حال من لائم، قوله: "لي": جار ومجرور بدل من نفسي، قوله: "ولا سد": عطف على "لام"، "وسد": فعل ماض، قوله: "مثل ما ملكت يدي": بالرفع فاعله، وقوله: "فقري" كلام إضافي مفعوله. وقوله: "ملكت يدي": جملة من الفعل والفاعل صلة لما، والعائد محذوف تقديره: مثل ما ملكته يدي. ¬
الشاهد الثلاثون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "مثلها" فإنه حال من لائم كما ذكرنا، وهو نكرة، ولا يسوغ أن يكون ذو الحال نكرة إلا بتخصيص، والمخصص هاهنا تقديم الحال على صاحبها (¬1) فافهم. الشاهد الثلاثون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) مَا حُمَّ من موتٍ حِمًى واقيًا ... ولَا تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيًا أقول: هذا [من السريع] (¬4) لم أقف على اسم قائله (¬5). قوله: "ما حُمَّ" على صيغة المجهول، يقال: حم الشيء وأحم؛ أي: قُدِّر، و"الواقي": فاعل من وقى يقي وقاية إذا حفظ. الإعراب: قوله: "ما حُمَّ" كلمة "ما " نافية، و"حم": فعل مجهول، وقوله: "حِمًى": مرفوع؛ لأنه مفعول ناب عن الفاعل، والمعنى: ما قدر حِمًى، أي: موضع حماية عن الموت، وقد وقع في بعض المواضع: حَمًّا بفتح الحاء وتشديد الميم على أنَّه مصدر حم، فيكون انتصابه على المصدرية، والصحيح أنَّه حِمًى على وزن مِعًى؛ من أحميت المكان جعلته حمى، يقال: هذا شيء حِمًى أي: محظور ولا يقرب، وفي الحديث (¬6): "لا حمى إلا لله ورسوله" وحمى، الملك الَّذي يحميه عن الناس. وقوله: "من موت": بيان لما، لأنها مبهمة. قوله: "ولا ترى": جملة من الفعل والفاعل عطف على الجملة التي قبلها، وقوله: "من أحد": مفعوله، وكلمة: "من" زائدة "وباقيًا" مفعول ثان. ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "واقيًا" فإنه حال من قوله: "من موت" وهو نكرة، وقد علم أن من الواجب تعريف ذي الحال، ولكن المسوغ هاهنا هو كون ذي الحال بعد النفي، ونظيره قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]، فإن قوله: {كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] جملة في موضع الحال من قرية، والمسوغ لذلك وقوعها بعد النفي. فافهم (¬1). الشاهد الحادي والثلاثون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) لَقِيَ ابْنِي أَخَوَيْهِ خَائفًا ... مُنْجِدَيْه فَأَصَابُوا مَغْنَمًا أقول: قائله مجهول، وهو من الرمل (¬4). قوله: "منجديه": تثنية منجد؛ من أنجده إذا أعانه وأنقذه، واستنجد فلان إذا طلب النجدة، واستنجد -أيضًا- إذا قوي بعد ضعف، واستنجد عليه إذا اجترأ عليه بعد هيبة، قوله: "فأصابوا مغنمًا" أي: نالوا غنيمة، والمغنم -بفتح الميم بمعنى الغنيمة، ويقال: غنم القوم غنمًا بالضم. الإعراب: قوله: "لقي": فعل ماض، و"ابني": كلام إضافي فاعله، وقوله: "أخويه": مفعول، والضمير فيه يرجع إلى الابن، قوله: "خائفًا": حال من ابني، و"منجديه": حال من أخويه، والعامل في الحالين هو قوله: "لقي"، قوله: "فأصابوا" جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر الَّذي يرجع إلى الابن والأخوين، و"مغنمًا" بالنصب مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "خائفًا منجديه" حيث وقع خائفًا حالًا من ابني، ومنجديه من أخويه كما ذكرنا، وهذا مثال لتعدد الحال مع تعدد ذي الحال؛ كما في قولك: لقيت هندًا مصعدًا منحدرة (¬5). ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الخمسمائة
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) ............................ .... نَجَوْتِ وهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ أقول: قائله هو يزيد بن طليق بن مفرغ الحميري، وصدره: عَدَسْ ما لِعَبَّادٍ عَلْيْكِ إمَارَةٌ ... .................................. وقد مرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد الموصول (¬3). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "تحملين" فإنه حال، وعاملها: "طليق" وهو صفة مشبهة، والتقدير: وهذا طليق محمولًا. فافهم (¬4). الشاهد الثالث والثلاثون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لدى وَكْرِهَا العُنَّابُ والحَشَفُ التالِي أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة لامية طويلة من الطويل، وقد ذكرناها في شواهد المعرب والمبني، وفي شواهد الموصول وغيرهما (¬7). قوله: "وكرها" بفتح الواو وسكون الكاف وفي آخره راء، وهو العش، و"الحَشَف" بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة وفي آخره فاء، وهو أرْدَأُ التمر، و"البالي" بالباء الموحدة، من بلي الثوب إذا خلق. الإعراب: قوله: "كأن" للتشبيه، و"قلوب الطير": كلام إضافي اسمه، وخبره قوله: "العناب"، ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الخمسمائة
وهذا يسمى [تشبيهًا] (¬1) ملفوفًا، وهو ما أتي فيه بالمشبهين ثم أتي بالمشبه بهما. قوله: "رطبًا" حال منه، و"يابسًا" عطف عليه، قوله: "لدى": نصب على الظرف ومضاف إلى: و"كرها"، قوله: "العناب" خبر كان، و"الحشف" بالرفع عطف عليه، و"البالي": صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "رطبًا ويابسًا" فإنهما حالان، وهما مضمنان معنى الفعل، فلذلك وجب تأخيرهما (¬2). الشاهد الرابع والثلاثون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) اُطلُبْ وَلَا تَضْجَرَ مِنْ مَطلَبٍ ... .................................... أقول: هذا كلام المحدثين، ولا يُحتَجّ به إلا بطريق التمثيل، وتمامه: ................................ ... وآفَةُ الطَّالِبِ أنْ يَضْجَرَا وبعده: أَمَا تَرَى الحبلَ بتكرَارِه ... في الصَّخْرَة الصَّمَّاءِ قَدْ أثرا وهو من السريع (¬5)، وفي بعض نسخ ابن هشام وقع هكذا (¬6): اُطْلُب مناكَ ولا تَضْجَرَ من مطلب ... ................................... وهذا لا يناسب الشطر الثاني؛ لأنه من البسيط، وذاك من الرجز، والظاهر أن هذا إلحاق من النساخ، والدليل عليه أنَّه أنشده مثل ما أثبتناه هاهنا في كتابه المغني، وفي فوائده التي سماها التذكرة. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "اطلب": أمر وفاعله أنت مستتر فيه، والمفعول محذوف، والتقدير: اطلب قصدك أو اطلب العلم أو اطلب مناك، مثل ما وقع في بعض النسخ. قوله: "ولا تضجر" بفتح الراء، وهي فتحة إعراب؛ كما في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن؛ بفتح الباء وليست هي فتحة بناء؛ لأن نون التوكيد الخفيفة محذوفة؛ بأن يكون الأصل: ولا تضجرن، حذفت منه النون؛ كما في قراءة من قرأ: {أَلَمْ نَشَرَحْ} [الشرح: 1] بفتح الحاء (¬1)، وأصله: ألم نشرحن بنون التوكيد الخفيفة، وحذفت النون فبقي: ألم نشرح بالفتح (¬2)، وهذا ليس بصحيح لما قلنا. وقد قيل: إن بعض العرب ينصب الفعل بعد لم، وقراءة من قرأ: ألم نشرح بالفتح على هذه اللغة، وهي -أيضًا- شاذة (¬3). فإن قلت: ما الواو في قوله: ولا تضجر؟ قلت: للعطف عطف بها على قوله: "اطلب"؛ كما في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36] (¬4)، وقد قال الأمين المحلي: إن الجملة حالية والواو للحال، وأن: "لا" ناهية وقد غلطوا في هذا، والقول ما ذكرناه، والاستشهاد فيه، وقد ذكرناه. الشاهد الخامس والثلاثون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) فأرْسَلَهَا العِرَاكَ ولمْ يَذُدْهَا ... ولمْ يُشْفِقْ على نَغَصِ الدَّخَالِ أقول: قائله هو لبيد بن عامر، وقد ترجمناه في أول .................................. ¬
الكتاب (¬1)، وهو من قصيدة من الوافر. قوله: "العراك" بكسر العين المهملة وهو مصدر من عارك يعارك معاركة وعراكًا، يقال: أورد إبله العراك إذا أوردها جميعًا الماء؛ من قولهم: اعترك القوم إذا ازدحموا في المعرك. قوله: "ولم يذدها": من الذياد بالذال المعجمة وفي آخره دال مهملة، وهو الطرد، تقول: ذدته عن كذا، وذدت الإبل: سقتها وطردتها، والتذويد مثله، [قوله: "] (¬2) ولم يشفق": من أشفقت عليه وأنا شفيق. قوله: "على نغص الدخال" النغص بالنون المفتوحة والغين المعجمة المفتوحة وفي آخره صاد مهملة، وهو مصدر من نغص الرجل -بالكسر ينغص إذا لم يتم شربه (¬3) وكذلك البعير إذا لم يتم شربه، و"الدخال" بكسر الدال المهملة وبالخاء المعجمة؛ من المداخلة. أراد: لم يشفق على كدرة الماء لمداخلة بعضها بعضًا، والدخال يأتي لمعنى آخر، فقد قال الجوهري: الدخال في الورد: أن يشرب البعير ثم يُرَدُّ من العَطَن إلى الحوض ويُدخل بين بعيرين عطشانين ليشرب منه ما عساه لم يكن شِرَب منه (¬4). ويصف لبيد بهذا البيت حمار الوحش أنَّه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة، ولم يشفق عليها من نغص الدخال، وهو تكدير الماء بورودها فيه مزدحمة لمداخلة بعضها بعضًا ووقف هو، أعني: حمار الوحش، على موضع عال ينظر لها خوفًا من صائد يهجم عليها في الماء. الإعراب: قوله: "فأرسلها": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى حمار الوحش، والمفعول وهو: ها، الَّذي يرجع إلى الأتن، والفاء فيها للعطف على ما قبله من البيت. قوله: "العراك": حال بمعنى معتركة، قوله: "ولم يذدها": عطف على أرسلها، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "ولم يشفق": عطف على [قوله: "] (¬5) لم يذدها" [قوله: "] (¬6) على نغص الدخال" يتعلق بلم يشفق، و"الدخال" مجرور بالإضافة. الاستشهاد فيه: في قوله" "العراك" فإنه حال، وهو معرف بالألف واللام، وشرط الحال أن يكون نكرة، ¬
وفيه ثلاثة مذاهب: الأول: أنَّه مصدر في موضع الحال، وهو مذهب سيبويه (¬1). والثاني: أنَّه معمول لفعل مقدر، أي: تعترك العراك، وهو مذهب الفارسي (¬2). والثالث: أنَّه معمول لحال محذوف، أي: معتركة العراك. وذهب ابن الطراوة إلى أن "العراك" نعت مصدر محذوف وليس بحال، أي: فأرسلها الإرسال العراك، وأنشده ثعلب: فأوردها العراك، وزعم أن العراك مفعول ثانٍ لأوردها (¬3). وقال الشريف النيلي (¬4): ولولا أن العراك مصدر لم يجز أن يقع حالًا، وهو معرفة، فلو قال: أرسلها العارك لم يجز، إما لأن المصدر لا فرق بين تعريفه وتنكيره؛ لأنه اسم جنس فهو مثل قولك: أتانا مشيًا وركضًا، أي: ماشيًا وراكضًا؛ لأن المصدر (¬5) يقع موقع الحال كثيرًا إذا كان ضربًا من الفعل؛ فإن الإتيان ضرب من المشي. وكذلك: العراك ضرب من الإرسال؛ لأن أرسلها بمعنى: أطلقها، والمصدر يؤكد الفعل، والفعل نكرة؛ فتأكيده بمنزلته معرفة كان المصدر أو نكرة، وإما لدلالة المصدر على اسم الفاعل؛ كما يدل عليه الفعل، فكأنه قال: أرسلها معتركة، وإما لدلالة المصدر على الفعل الدال على اسم الفاعل، فكأنه قال: أرسلها تعترك العراك؛ فالعراك على هذا مصدر، والفعل الدال عليه هو الحال. قلت: حاصل كلامه أنَّه جعل العراك في موضع الحال وهو معرفة، وإنما جاز الاتساع في المصادر؛ لأن لفظها ليس بلفظ الحال؛ إذ حقيقة الحال أن تكون بالصفات، ولو صرحت بالصفة لم يجز دخول الألف واللام، لم تقل العرب: أرسلها العارك، والمعترك، ولا: جاء زيد القائم، فعلم أنَّه نائب عن الفاعل، والتقدير: أرسلها معتركة، ثم جعل الفعل موضع اسم الفاعل لمشابهته له فصار: تعترك، ثم جُعِل موضع الفعل لدلالته عليه، فافهم. ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الخمسمائة
الشاهد السادس والثلاثون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) متَى يَأتِ هذا الموتُ لا تُلْفَ حاجةٌ ... لنفسي إلَّا قَدْ قَضَيْتُ قضاءَهَا أقول: قائله هو قيس بن الخطيم، وهو من قصيدة هائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ القَيْسِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ ... لَهَا نَفَذٌ لَوْلَا الشّعَاعُ أَضَاءَهَا 2 - مَلَكتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يُرَى قَائمًا مِنْ دونهَا مَا وَرَاءَهَا 3 - يَهُونُ عَلَي أَنْ تُرَدَّ جِرَاحُهَا ... عُيونَ الأَوَاسِي إذْ حَمِدْتُ بَلاءَهَا 4 - وساعَدَنِي فيها ابْنُ عَمْرٍو بْنُ عَامِرٍ ... خِدَّاشٌ فَأَدَّى نِعْمَةً وَأَفَاءَهَا 5 - وكُنتُ امَرَأً لا أَسْمْعُ الدَّهْرَ سُبّةً ... أُسَبُّ بها إلا كشَفْتُ غِطَاءَهَا 6 - وَأَنِّي في الحَرْبِ الْعَوَانِ مُوَكَّلٌ ... بِإقْدَامِ نَفْسٍ مَا أُرِيدُ بَقَاءَهَا 7 - متى يأت .................. ... .................... إلى آخره (¬4) 1 - قوله: "لولا الشعاع" أي: المتفرق، ومنه شعاع الغارة، وتطاير القوم شعاعًا، هذا إذا كان بفتح الشين، وإذا كان بضمها فالمراد به نور الشمس، والأول أحسن. 2 - قوله: "ملكت بها كفي": من ملكت العجين وأملكته إذا شددت عجنه، أي: شددت بهذه الطعنة كفي ووسعت خرقها، [قوله: "فأنهرت" بالنون قبل الهاء؛ أي: وسعت حتَّى جعلته] (¬5) كالنهر سعة، قوله: "يرى قائمًا" يعني: يرى ما وراءها إذا كان قائمًا من دونها، و"وراءها" هنا بمعنى: خلف، و"من دونها" أي: ومن قدامها، ويروى: من ورائها. 3 - قوله: "عيون الأواسي" أي: عيون النساء المداويات للجرح، ويقال للرجال: الآسون والأساة. 4 - و"خداش" بكسر الخاء المعجمة، هو: خداش بن زهير بن عمر بن ربيعة بن عامر، وفي الأصل: هو جمع خدش، وهو جرح لا يسيل دمه، ويجوز أن يكون مصدر خادشته، ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد الخمسمائة
[قوله: "] (¬1) وأفاءها": من فيء الغنيمة أو من الرجوع. 6 - قوله: "في الحرب العوان" العوان من الحروب: التي قوتل فيها [مرة] (¬2) كأنهم جعلوا الأولى بكرًا. 7 - قوله: "متى يأت": إشارة إلى ما تصوره حاضرًا لمعرفته بإدراكه لا محالة، ويجوز أن يكون لدوام استقباله، إشارة إليه على وجه التقريب، قوله: "ولا تلف": من ألفى إذا وجد، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيدَهَا لَدَا البَابِ} [يوسف: 25] أي: وجدا، قوله: "إلا قد قضيت قضاءها" أي: فرغت منها لقضائي لأمثالها. الإعراب: قوله: "متى يأت" متى هنا للشرط، ويأت مجزوم به، و"هذا الموت": فاعل يأت، وأشار بهذا إلى ما تصوره من حضور الموت بين يديه، قوله: "تلف حاجة": جواب الشرط، وارتفاع حاجة بكونه مفعولًا ناب عن الفاعل، قوله: "لنفسي": جار ومجرور في محل الرفع لكونه صفة لحاجة. الاستشهاد فيه: في قوله: "قد قضيت قضاءها" فإنه جملة وقعت حالًا مصدرة بكلمة قد، وفيها الضمير يرجع إلى ذي الحال، وقد علم أن الجملة الفعلية الماضية المثبتة التالية لإِلَّا إذا وقعت حالًا لا بد أن يكون فيها ضمير، وأن تكون خالية عن الواو، وعن كلمة قد. الشاهد السابع والثلاثون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَا ... ..................................... أقول: قائله هو امرؤ القيس الكندي وتمامه: .............................. ... لَدَى السِّتْر إلَّا لِبسَة المُتَفَضِّلِ ¬
وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬1): قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ ... .................................... وهي من الطويل. قوله: "نضت": أي سلخت عنها ثيابها، قال الجوهري: نضى ثوبه، أي: خلعه، ثم أنشد البيت المذكور (¬2)، قوله: "إلا لِبسة" بكسر اللام، وهي هيئة اللباس، و"المتفضل": اللابس ثوبًا واحدًا. الإعراب: قوله: "فجئت": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على ما قبله من البيت، وقوله: "وقد نضت" جملة وقعت حالًا، واللام في: "لنوم" للتعليل، وقوله: "ثيابها": منصوب بقوله "نضت". الاستشهاد فيه: في قوله: "وقد نضت" فإنه جملة ماضية مثبتة وقعت حالًا بالواو، فلذلك لزمها دخول قد (¬3) واللَّه أعلم. * * * ¬
شواهد التمييز
شواهد التمييز الشاهد الثامن والثلاثون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) ....................... ... صَدَدْتَ وَطِبْتَ النفسَ يا قَيْسُ عَنْ عَمْرٍو أقول: قائله هو راشد بن شهاب اليشكري، وصدره: رَأَيتُكَ لمَّا أنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا ... ................................... وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد المعرف باللام (¬3). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "وطبت النفس" فإن النفس تمييز، وشرطه: أن يكون نكرة، وأجيب عن هذا بأن أل فيه زائدة تقديره: وطبت نفسًا (¬4). الشاهد التاسع والثلاثون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لستُ مُحْصِيَهُ ... ربِّ العِبَادِ إليهِ الوجهُ والعملُ أقول: هذا من أبيات الكتاب ولم ينسب فيه إلى أحد (¬7)، وهو من البسيط. ¬
الشاهد الأربعون بعد الخمسمائة
قوله: "إليه الوجه" أي: التوجه. الإعراب: قوله: "أستغفر الله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "ذنبًا" منصوب بنزع الخافض، أي: من ذنب؛ كما في قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أي: من قومه، "لست محصيه" التاء اسم ليس، و"محصيه": كلام إضافي خبره، والجملة وقعت صفة للذنب. قوله: "رب العباد": كلام إضافي، والرب منصوب؛ لأنه صفة لله، ويجوز رفعه على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو رب العباد، أو أنت رب العباد. قوله: "إليه الوجه": جملة من المبتدأ وهو الوجه، والخبر وهو إليه، و"العمل" بالرفع عطف عليه. فإن قلت: ما موقع هذه الجملة مما قبلها؟ قلت: هي جملة منقطعة لفظًا ولكنها صفة معنًى، ومثلها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10] ثم قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [الصف: 11]، فقوله: تؤمنون منقطع مما قبله لفظًا بدل في المعنى من التجارة؛ فهو منقطع لفظًا متصل معنى؛ لأنك لو قلت: هل أدلكم على تجارة تؤمنون لم يستقم ذلك لفظًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "ذنبًا" فإنه اسم نكرة يتضمن معنى من، وهو حد التمييز، ولكن فيه زيادة، وهي لبيان ما قبله من إبهام، فلما قيل لبيان ما قبله من إبهام خرج عن حد التمييز مثل: "ذنبًا" في قوله: "أستغفر الله ذنبًا" فإنه ليس ببيان لما قبله لعدم الإبهام فافهم (¬1). الشاهد الأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) تخَيّرَهُ فَلَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ ... فنعْمَ المرْءُ مِنْ رَجُلٍ تَهامِي أقول: قائله هو أبو بكر بن الأسود، المعروف بابن شعوب الليثي، وشعوب أم الأسود هذا، وقال ¬
ابن دريد: قائله بجير بن عبد الله، وسيأتي الكلام فيه مستقصى في باب نعم وبئس، وقبله: 1 - فَذَرْنِي أَصْطَبِحْ يَا بَكْرُ إِنِّي ... رَأَيْتُ المَوتَ نَقَّبَ عَنْ هِشَامِ وهما من الوافر، وفيه العصب والقطف. 1 - قوله: "نقب عن هشام" أي: هجم عليه. 2 - قوله: "فلم يعدل": [من العدول، والمعنى: لم يعدل الموت من هشام إلى غيره، ولهذا قال: تخيره؛ أي: تخير الموت هشامًا، وما قيل، (¬1) هو من العدل بالكسر بمعنى الميل، والمعنى: فلم يجعل غيره مثله، فهو معنى بعيد على ما لا يخفى. قوله: "تهامِي": نسبة إلى تهامة، وهي بفتح التاء هاهنا؛ فلذلك لم تشدد الياء؛ كما تقول: رجل يمان وشآم؛ إلا أن الألف في تهام من لفظها، والألف في: يمان وشآم عوض من ياء النسبة، وعلى هذا يقال: قوم تهامون؛ كما يقال: يمانون، وقال سيبويه: ومنهم من يقول: تهاميّ وشاميّ ويمانيّ بالفتح مع التشديد (¬2). الإعراب: قوله: "تخيره": جملة من الفعل والفاعل والمفعول [فضمير الفاعل هو الموت المذكور في البيت الَّذي قبله، وضمير المفعول هو هشام] (¬3)، قوله: "فلم يعدل" الفاء فيه تصلح أن تكون للتعليل، و"لم يعدل": جملة من الفعل والفاعل [الَّذي هو الموت، والتقدير: ولم يعدل إلى سواه، أي: إلى غيره كما ذكرناه] (¬4) [وسواه "مفعوله] (¬5)، قوله: "فنعم": من أفعال المدح، وهو نقيض بئس، وهو فعل ماض غير منصرف، قوله: "المرء": فاعله، وقوله: "من رجل": تمييز مجرور بمن. الاستشهاد فيه: حيث جر بمن ما كان حقه أن ينصب على التمييز، وقد علم أن كل ما ينصب على التمييز يجوز جره بمن ظاهرة، إلا تمييز العدد، والفاعل في المعنى إلا في تعجب أو نحوه؛ كقولهم: لله دره من فارس!، ونحو البيت المذكور فافهم (¬6). ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد الخمسمائة
الشاهد الحادي والأربعون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) وواردة كأنها عصبُ القَطَا ... تُثِيرُ عجاجًا بالسنابكِ أصْهَبَا رددتُ بمثلِ السِّيدِ نهْدٍ مُقَلِّصٍ ... كَمِيشٍ إذا عِطْفَاهُ ماءً تَحَلَّبَا أقول: قائله هو ربيعة بن مقروم بن قيس بن جابر بن خالد بن عوف بن عرط بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أد، وكان ممن أصفق عليه كسرى (¬3)، ثم عاش في الإسلام دهرًا طويلًا، وهو مسلم وشهد القادسية. والبيتان المذكوران من قصيدة بائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - تَذَكَّرْتُ والذِّكْرَى تَهِيجُكَ زَيْنَبَا ... وأصبَحَ بَاقِي وَصْلِهَا قَدْ تَقَضَّبَا 2 - وَحَلَّ بِفَلْجٍ فَالأَبَاتِرِ أَهْلُنَا ... وَشَطَّتْ فَحَلَّتْ غَمْرَةً فَمُثَقَّبَا 3 - وطَاوَعْتُ أمْرَ العَاذِلَاتِ وَقَدْ أَرَى ... عَلَيهِن أَبَّاءُ القَرِينَةِ مِشْغبَا 4 - فيَا رُبَّ خَصْمٍ قَدْ كَفِيتُ دِفَاعَهُ ... وقَوَّمْتُ مِنهُ دَرْأَهُ فَتَنَكَّبَا 5 - وَمَولَى عَلَى ضَنكِ المقَامِ نَصَرتُهُ ... إذَا النَّكْسُ أكْبَى زَندَهُ وتَذَبذَبَا 6 - وأضْيَافَ لَيلٍ مِنْ نَهَارِ شَمَلَّةٍ ... قَربتُ مِنَ الكُومِ السَّدِيفِ المُرَعَّبَا 7، 8 - وَوَارِدَةٍ ................... ... ...................... إلى آخره (¬5) 9 - وأَسْمَرَ خَطِّيِّ كَأَنَّ سِنَانَهُ ... شِهَابُ غَضَى شَيَّعْتُهُ فَتَلَهَّبَا 10 - وفِتيانِ صِدقٍ قَدْ صَبَحْتُ سُلافَهُ ... إذَا الدِّيكُ فيِ حوشٍ مِنَ الليلِ أَطرَبَا 1 - قوله: "تذكرت" بفتح التاء، يخاطب نفسه، و"زينب": اسم امرأة، [قوله: "] (¬6) قد تقضبا لا أي: تقطع. 2 - قوله: "بفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم؛ اسم موضع، وكذلك قوله: ¬
"والأباثر": اسم موضع، وهو بفتح الباء الموحدة وبعد الألف [ثاء] (¬1) مثلثة مكسورة وفي آخره راء. قوله: "وشطت" أي: بعدت، قوله: "فحلت" أي: نزلت، "غمرة" بفتح الغين المعجمة وسكون الميم وفتح الراء، وهي (¬2) اسم موضع، وكذلك: "المثقب": اسم موضع، وهو بضم الميم وفتح الثاء المثلثة وتشديد القاف المفتوحة. 3 - قوله: "أبّاء القرينة" بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة، فعال من الإباء، وأراد بالقرينة نفسه، وهي -أيضًا- القرين والقرونة، قوله: "مشغبًا" بكسر الميم وسكون الشين وفتح الغين المعجمتين، يعني: شديد التشغب عليهن لا أطيعهن فيما يردن. 4 - قوله: "دفاعه" أي: مدافعته، قوله: "درأه" أي: خلافه؛ من تدارأ القوم في الأمر: تدافعوا واختلفوا. 5 - قوله: "ومولى" أراد به الولي، و"الضنك": الضيق، أي: نصرته على ضيق من الأمر وشدة حتَّى دفعت عنه الظلم، و"النكس" بكسر النون؛ الرديء من الرجال، و"أكبى زنده": إذا لم يكن فيه نار، و"تذبذب الرجل": إذا لم يثبت على شيء، ومنه قولهم: رجل مذبذب وتذبذب بين ذلك. 6 - قوله: "شملة" أي: باردة، و"الكوم" بضم الكاف؛ العظام الأسنمة والذكر أكوم، والأنثى كوماء، و"السديف" شطب السنام، و"المرعب" بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة؛ بمعنى المقطع، ويقال: أخذ من الترعيب وهو قطع السنام. 7 - قوله: "وواردة" أراد بها القطيع من الخيل، قوله: "كأنها عصب القطا" أي: كأنها جماعات القطا، و"العصب": جمع عصبة، شبه الخيل في سرعتها بالقطا في سرعته. قوله: "تثير": من الإثارة، قوله: "عجاجًا" بفتح العين المهملة وفتح الجيم، وهو الغبار، ويقال للدخان: عجاج -أيضًا-، قوله: "بالسنابك": جمع سنبك -بضم السين، وهو طرف مقدم الحافر، قوله: "أصهبا": من الصهبة، أراد [أنَّه] (¬3) يشبه الغبار في لونه. 8 - قوله: "رددت" ويروى: وزعت بمعنى: كففت، قوله: "بمثل السيد" بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وهو الذئب. ¬
قوله: "نهد" بفتح النون وسكون الهاء وفي آخره دال مهملة، أي: ضخم، قوله: "مقلص" بكسر اللام، وهو طويل القوائم ليست برهلة [من رهل اللحم بالكسر إذا استتر واضطرب] (¬1). قوله: "كميش" بفتح الكاف وكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، أي: جادٌّ في عدوه منكمش مسرع، ويروى: جهيز بالجيم والزاي المعجمة، أي: الشديد الجري، شبه فرسه بالذئب في سرعته، قوله: "عطفاه" أي: جانباه، قوله: "تحلبا" أي: سال، والألف فيه للتثنية. 9 - قوله: "وأسمر خطى" أراد به الرمح المنسوب إلى الخط [بالفتح] (¬2) وهو موضع، و"الغضى": شجر كثير النار حسن التوقد، و"شيعته": ألهبته. 10 - قوله: "قد صبحت" من صبحت الرجل أصبحه إذا سقيته صبوحًا، و"السلافة": ما سال من الخمر قبل العصر، وكذلك السلاف، قوله: "في جوش" بفتح الجيم وسكون الواو وفي آخره شين معجمة، يقال: مضى من الليل جوش، أي: قطع. الإعراب: قوله: "وواردة" بالجر لكون الواو واو ربّ، أي: ورب واردة، قوله: "كأنها" كأن للتشبيه والضمير المتصل به اسمه، وخبره قوله: "عصب القطا"، قوله: "تثير" جملة من الفعل والفاعل، و"عجاجًا": مفعوله، [وقوله: "] (¬3) بالسنابك": يتعلق بتثير، قوله: "أصهبَا" صفة لعجاجًا، والجملة في محل النصب على الحال. قوله: "رددت": جواب رب المضمرة في قوله: "وواردة"، قوله: "بمثل": يتعلق برددت، وهاهنا محذوف تقديره: رددت بفرس مثل السيد. قوله: "نهد" بالجر صفة للموصوف المحذوف، و "مقلص" بالجر صفة أخرى، وكذلك قوله: "كميش"، قوله: "إذا عطفاه" أراد [إذا] (¬4) تحلب عطفاه، و"عطفاه": مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر، قوله؛"ماء" بالنصب تمييز. الاستشهاد فيه: هو أن ابن مالك استدل به على جواز تقديم التمييز على عامله لكونه فعلًا متصرفًا (¬5)، ولا دليل فيه، لأن عطفاه مرفوع بفعل محذوف، كما ذكرناه، كما في قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد الخمسمائة
انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، وقوله: {ماء لا مفعول لذلك المحذوف لا للفعل المذكور المتأخر (¬1) فافهم. الشاهد الثاني والأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) وَلَسْتُ إذَا ذرْعًا أَضِيقُ بضارعٍ ... ولا يائسٍ عندَ التعَسُّر من يُسْرٍ أقول: ما وقفت على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "ذرعًا" يقال: ضقت بالأمر ذرعًا إذا لم تطقه ولم تقو عليه، وأصل الذرع إنما هو بسط اليد، فكأنك تريد: مددت يدي إليه فلم تنله، وربما قالوا: ضقت به ذراعًا. قوله: "بضارع" الضارع هاهنا بمعنى الذليل المتضرع لأحد [قوله: "] (¬4) ولا يائس" ضبطه بعضهم بالباء الموحدة، وهو من بئس يباس بؤسًا إذا اشتدت حاجته، وليس بصواب؛ بل الصواب: ولا يائس بالياء من يئس إذا قنط ييأس. الإعراب: قوله: "ولست" التاء اسم ليس، وقوله: "بضارع" خبره، والباء فيه زائدة، قوله: "ذرعًا": تمييز، فقال الناظم وابنه: من أضيق، وقد تقدم على عامله، وجوّزا تقديم التمييز على عامله. و[قال] (¬5) غيرهما: تمييز من الفعل المحذوف تقديم: إذا أضيق ذرعًا أضيق، والمذكور هو الَّذي يفسره؛ فيكون الناصب للتمييز هو المحذوف؛ لأن تقديم التمييز على عامله لا يجوز على الصحيح. فإن قلت: ما تقول في قوله (¬6): ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد الخمسمائة
....... ... وما ارْعَوَيْتُ وشَيْبًا رَأسِي اشْتَعَلَا قلت: هو الضرورة، والضرورات تبيح المحذورات. فإن قلت: أين جواب إذا؟ قلت: جوابه لست؛ لأن "إذا ذرعًا أضيق" معترض بين اسم ليس وخبره، والتقدير: إذا أضيق ذرعا لست بضارع فافهم. قوله: "ولا يائس" بالجر عطف على ضارع، قوله: "عند التعسر": كلام إضافي نصب على الظرف، وهو ظرف يائس، قوله: "من يسر": يتعلق بقوله: "ولا يائس". الاستشهاد فيه: في قوله: "ذرعًا" فإنه نصب على التمييز، وقد تقدم على عامله، وقد أبيح ذلك للضرورة كما ذكرناه (¬1). الشاهد الثالث والأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) أَتَهْجُرُ لَيلَى لِلْفُرَاقِ حَبِيبَهَا ... وَمَا كَانَ نَفْسًا بِالْفُرَاقِ تَطِيبُ أقول: قائله هو المخبل السعدي، واسمه؛ ربيع بن ربيعة بن مالك، ويقال: إنه لأعشى همدان، واسمه عبد الرحمن [بن عبد الله] (¬4)، وكذا قال في شرح اللب للشيخ العلامة شمس الدين النكسري شيخ شيخي العلامة شرف الدين السرمادي رحمه الله فإنه نقل في ديوانه، ونسبه أبو الحسين بن سيده لقيس بن معاذ الملوح العامري، وهو من أول قصيدة من الطويل وبعده (¬5): 2 - إذَا قِيلَ مِن مَاءِ الفُراتِ وطِيبِهِ ... تَعَرَّضَ لِي مِنْهَا أَغَنُّ غَضُوبُ 3 - وأهلكني شيبانُ في كل شتوة ... لقلبي من خوف الفراق وجيب 4 - أشيبان ما أدراك أن رُبَّ ليلة ... غبقتك فيها والغبوق حبيب ¬
2 - قوله: "أغن": هو الَّذي يتكلم من قبل خياشيمه، ومنه: طير أغن، يقال: امرأة غضوب أي: عبوس. 3 - قوله: "شيبان" بفتح الشين المعجمة وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، قال الجوهري: شِيبان ومِلْحانُ: شهرا قُماح، وهما أشد الشتاء بردًا، سُمِّيَا بذلك لبياض الأرض مما عليها من الثلج والصقيع (¬1)، وفي العباب: شهرا قماح بالكسر وبالضم، والضم عن ابن الأعرابي، وهما الكانون، وأصله: من قامحت إبلك إذا وردت الماء ولم تشرب ورفعت رؤوسها من داء يكون بها، أو برد، وهي إبل مقامحة، وبعير مقامح- أيضًا، وناقة مقامح -أيضًا-، والجمع: قِماح [بالكسر] (¬2). قوله: "شتوة" بفتح الشين المعجمة وسكون التاء المثناة من فوق، ويجمع على شتاء، و"وَجِيب" بفتح الواو وكسر الجيم؛ من الوجب وهو الخوف، والجبان أيضًا وجب ووجيب. 4 - قوله: "غبقتك": من غبقت الرجل الغبوق، وهو الشرب بالليل فاغتبق. 1 - ومعنى البيت المستشهد به: أتهجر ليلى عاشقها في الفراق وما كان الشأن تطيب ليلى نفسًا بالفراق، والمراد بالحبيب (¬3) هاهنا المحب وهو العاشق، والمعنى على هذا فافهم. الإعراب: قوله: "أتهجر" الهمزة للاستفهام وتهجر فعل، و"ليلى" فاعله، وقوله: "حبيبها": مفعوله، قوله: "للفراق": في محل النصب على التعليل، قوله: "وما كان" ما نافية، واسم كان هو ضمير الشأن المستتر فيه، وخبرها "تطيب"، و: "نفسًا": نصب على التمييز، و"بالفراق": يتعلق بتطيب، الاستشهاد فيه: في قوله: "نفسًا" فإنه تمييز عن قوله: "تطيب" وتقدم عليه، والقياس: تطيب نفسًا، وهذا قد جوزه الكوفيون والمازني والمبرد وتبعهم ابن مالك (¬4)، والجمهور قال: إنه ضرورة فلا يقاس عليه (¬5). ويقال: إن أبا إسحاق الزجاج قال: إنما الرواية: وما كان نفسي بالفراق تطيب، فحينئذ ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الخمسمائة
لا يكون فيه شاهد لمن يجوّز تقديم التمييز على العامل فيه (¬1). وقد قال بعض شراح أبيات المفصل: المشهور أن المروي كاد وسلمى وليلى وتطيب بالتذكير والتأنيث معًا، ونفسًا ونفسي (¬2)، ونقل أبو الحسن أن الرواية في ديوان الأعشى (¬3): أَتُؤْذِنُ سَلْمَى بِالفُرَاقِ حَبِيبَهَا ... ولَمْ تَكُ نَفْسِي بِالفُرَاقِ تَطِيبُ وقال العلامة شمس الدين النكسري: وجه التمسك بهذا البيت إنما يتمشى على رواية: التأنيث في تطيب؛ لأنه حينئذ في كان ضمير الشأن لتذكيره، ففي تطيب ضمير سلمى، أي: وما كان الشأن تطيب سلمى نفسًا بالفراق؛ أي: بإرادة الفراق: فقدم نفسًا. وأما على رواية التذكير في تطيب فلا يتعين الاستدلال؛ إذ جاز أن يكون الضمير في كان للحبيب، و"نفسي كطيب" على التمييز من كان، وهو العامل فيه، وتطيب خبر كان، أي: ما كان نفسًا تطيب بالفراق، بمعنى: ما كان نفسه تطيب بالفراق. وأما على رواية نفسي تطيب خبر كاد أو كان واسمها نفسي، فيحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والقصة، ونفسي مبتدأ، وتطيب خبره، والجملة مفسرة لذلك الضمير. وعلى رواية: "نفسًا" يجوز أن يرجع ضمير كان إلى الحبيب، أو إلى ليلى بتأويل المعشوق والمحبوب، و"نفسًا" خبر كان، وتطيب على التذكير أو على التأنيث صفة نفسًا بتأويله بالشخص في التذكير، أي: ما كان نفسًا طيبة بالفراق، هذا على رواية كان، أما على رواية كاد فنفسًا خبر كاد على الأصل المرفوض بحذف المضاف، أي: ما كاد الحبيب ذا نفس طيبة، ويروى: تطيب بضم التاء؛ من أطاب إطابة؛ فعلى هذا نفسًا مفعول لتطيب، وفاعله ضمير ليلى وفي كاد ضمير الشأن فافهم (¬4). الشاهد الرابع والأربعون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) ونارُنا لم يُرَ نارًا مِثْلُهَا ... قَدْ عَلِمَتْ ذَاكَ مَعَدٌّ كُلهَا أقول: هذا رجز لم يعلم قائله. ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الخمسمائة
قوله: "معد" بفتح الميم وهو أبو العرب وهو معد بن عدنان، وكان سيبويه يقول: الميم من نفس الكلمة لقولهم: تمعدد لقلة تمفعل في الكلام (¬1)، وقد خولف فيه. الإعراب: قوله: "ونارنا": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "لم ير نارًا مثلها"، ولم ير على صيغة المجهول، و"مثلها": بالرفع مفعول ناب عن الفاعل، واكتفى على مفعول واحد؛ لأن الرؤية من رؤية البصر، قوله: "نارًا" تمييز، وقد تقدم على عامله، وهو "مثلها"، وهو اسم جامد، وهو خاص بالضرورة، وقد يقال: إن هذا لا دليل فيه على جواز تقديم التمييز على عامله إن كان اسمًا جامدًا، وذلك لجواز أن تكون الرؤية من رؤية القلب، فحينئذ يكون "مثلها" مفعولًا أولًا ناب عن الفاعل، ونارًا مفعولًا ثانيًا. قوله: "قد علمت" قد للتحقيق، وعلمت فعل، و"معد": فاعله، و: "ذاك": مفعوله، و"كلها" بالرفع تأكيد تابع لمعد، والتأنيث باعتبار القبيلة أو الجماعة. الاستشهاد فيه: في قوله: "نارًا" فإنه تمييز تقدم على عامله الاسم الجامد، وقد قرَّرناه (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) ضَيَّعْتُ حَزْمِيَ في إِبعَادِيَ الأَمَلَا ... وما ارْعَوَيْتُ وشَيبًا رَأْسِي اشْتَعَلَا أقول: هذا من البسيط. قوله: "حزمي" الحزم: أخذ الأمور بالإتقان، قال الجوهري: الحزم: ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة (¬5)، قوله: "وما ارعويت" أي: وما رجعت، يقال: ارعوى الرجل عن فعل القبيح إذا رجع عنه رجوعًا حسنًا، وثلاثيه: رعى يرعو؛ أي: كف عن الأمور، يقال: فلان حسن الرِّعْوة والرَّعوة [والرعوى] (¬6)، والارعواء. ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الخمسمائة
قوله: "اشتعلَا" بالعين المهملة؛ من اشتعال النار وهو اضطرامها، يقال: اشتعل الرأس شيبًا، وهذا تشبيه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم هو أخرج مخرج الاستعارة؛ ألا ترى أنَّه أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته، وهو الرأس ثم أخرج الشيب مميزًا. الإعراب: قوله: "ضيعت": جملة من الفعل والفاعل، و"حزمي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "في إبعادي": يتعلق بضيعت، و"الإبعاد": مصدر مضاف إلى فاعله، و"الأملا " مفعوله، قوله: "وما ارعويت": جملة من الفعل والفاعل عطف على ضيعت، قوله: "وشيبًا" تمييز على ما نذكره الآن، قوله: "رأسي" كلام إضافي مبتدأ، و"اشتعل": خبره، والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "وشيبًا" حيث قدم وهو تمييز على عامله، واحتج به الكسائي والمازني والمبرد على جواز تقديم التمييز على عامله، ووافقهم ابن مالك على ذلك في غير الألفية، ونص في الألفية على قلة هذا (¬1). الشاهد السادس والأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) أَنَفْسًا تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنَى ... وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادي جهَارًا أقول: هو المتقارب. و"المنى" بضم الميم؛ جمع منية، و"المنون" بفتح الميم؛ المنية؛ لأنها تقطع المدد وتنقص العدد، قال الفراء: المنون مؤنثة وتكون واحدة وجمعًا (¬4). ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "أنفسًا" الهمزة ستفهام، و"نفسًا": تمييز، وقوله: "تطيب": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، أعني: أنت، قوله: "بنيل المنى" يتعلق بتطيب. قوله: "وداعي المنون" الواو للحال، و"داعي المنون": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "ينادي": جملة خبره، قوله: "جهارًا": صفة لمصدر محذوف، أي: ينادي نداء جهازا، ويجوز أن يكون حالًا بمعنى مجاهرًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "نفسًا" فإنه نصب على التمييز، وقد قدم على عامله، وفيه الخلاف الَّذي ذكرناه (¬1). الشاهد السابع والأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) طَافَتْ أُمَامَةُ بالرُّكْبَانِ آونَةً ... يا حُسْنَهُ منْ قَوَامٍ ما ومُنْتَقَبَا أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول، قال الجوهري: جرول: لقب الحطيئة العبسي الشاعر (¬4). وهو أول قصيدة بائية من البسيط، وبعده قوله (¬5): 2 - إذْ تَسْتَبِيكَ بمصقولٍ عَوَارِضُهُ ... حَمْش اللِّثَاتِ ترى في غَرْبِهِ شنبَا 3 - قد أخلقتْ عهْدَهَا من بعد جِدَّتِهِ ... وكذَّبَتْ حبَّ مَلْهُوفٍ وما كذبَا 4 - بحيثُ يَنْسَى زِمامَ العَنسِ راكبُها ... ويُصبحُ المرءُ فيها ناعسًا وصِبَا 5 - مُسْتَهْلِكَ الورْدِ الأُسْدِيّ قد جعلتْ ... أَيْدِي المَطيِّ به عاديّةً رُغُبَا وجملتها ستة وعشرون بيتًا. 1 - قوله: "أمامة" بضم الهمزة وتخفيف الميم، اسم امرأة، و"الركبان": جمع ركب، ¬
والركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، قال الجوهري: والجمع: أركب، والركَبَة [بالتحريك] (¬1) أقل من الركْب، والأُرْكُوب -بالضم أكثر من الركب، والركبان: الجماعة منهم (¬2). قوله: "آونة" بالمد؛ أي: مرة وتارة، قال يعقوب: يقال فلان يصنع ذلك الأمر آونة إذا كان يصنعه مرارًا ويدع مرارًا (¬3)، قال الجوهري: الأوان: الحين، والآونة جمعه؛ مثل زمان وأزمنة (¬4)، قوله: "قوام" بكسر القاف؛ من قوام الرجل، وهو قامته وحسن طوله، وقوام الأمر: نظامه، و"المنتقب" بفتح القاف؛ موضع النقاب منها، والمعنى: يا حسن قوامها ويا حسن منتقبها، يريد: ما أحسن ذلك منها. 2 - قوله: "إذ تستبيك" أي: حين تستبيك؛ من الاستباء، وهو السبي، وكلاهما بمعنى الأسر، قوله: "حمش اللثات" أي: قليلة اللحم، أي ضمرها، و"الغرْب"؛ حدة الأسنان، و"الشنب" بفتح الشين المعجمة والنون: رقة الأسنان وكثرة مائها وصفاؤها. 4 - قوله: "بحيث ينسى" يريد: طاف خيالها بنا في هذا الموضع المخوف الَّذي ينسى الرجل فيه زمام ناقته خوفًا، و"العنس" بفتح العين المهملة وسكون النون وفي آخره سين مهملة، وهي الناقة الصلبة. و"الناعس": من النعاس، وهو الوسن، و"الصِّبا" بكسر الصاد؛ الشوق، و"الورد" بكسر الواو؛ طريق الماء، و"الأسدي" بضم الهمزة وسكون السين المهملة؛ جمع سدى وهو ندى الليل، قوله: "عادية" أراد بها الطريق العادية وهي القديمة، و"الرغب" بضم الراء والغين المعجمة؛ الواسعة. الإعراب: قوله: "طافت": فعل و"أمامة": فاعله، و"بالركبان": في محل النصب على المفعولية، وهو من طيف الخيال وهو مجيئه في النوم، قوله: "آونة": نصب على الظرف. قوله: "يا حسنه" في موضع التعجب، وحرف النداء في مثل هذا الوضع للتنبيه لعدم صلاحية المنادى هاهنا للنداء، قوله: "من قوام": تمييز، وكلمة: "من" فيه زائدة، والتقدير: قوامًا، ولهذا صح عطف: "ومنتقبًا" بالنصب عليه، قوله: "ما" صلة للتأكيد. ¬
الاستشهاد في قوله: "من قوام" حيث جر بمن الزائدة في الكلام الواجب، ولهذا عطف على موضعها بالنصب؛ كما ذكرنا، نص على صحة ذلك في الارتشاف (¬1). والله أعلم. * * * ¬
شواهد حروف الجر
شواهد حروف الجر الشاهد الثامن والأربعون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) فقالتْ أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ مَانِحًا ... لِسَانَكَ كيما أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعَا أقول: قائله هو جميل بن عبد اللَّه صاحب بثينة؛ كذا قاله الزمخشري، وتبعه على ذلك أبو حيان، ويقال: هو لحسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - (¬3)، والأول أصح. وهو من الطويل. قوله: "مانحًا": من المنح وهو العطاء، يقال: منحه ويمنحه، والاسم: المنِحة بالكسر، وهي العطية، أراد أنَّه يعطي الناس بلسانه، يعني: بالقول دون الفعل ليخدعهم بذلك. الإعراب: قوله: "فقالت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله: "أكل الناس" الهمزة للاستفهام، و"كل الناس" كلام إضافي منصوب بقوله: "مانحًا"؛ فإنه مفعول أول له، وقوله: "لسانك": مفعول ثان، قوله: "أصبحت" من الأفعال الناقصة؛ فالتاء اسمه، ومانحًا ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الخمسمائة
خبره، قوله: "كيما" كي للتعليل، وما مصدرية، ويجوز أن تكون كافة، قوله: "أن" ظهرت هاهنا للضرورة؛ لأن "أن" بعد كي لا تظهر، وقوله: "تغر" منصوب بأن، "وتخدعا": عطف عليه، والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "كيما أن" حيث ظهرت فيه أن لأجل الضرورة (¬1). الشاهد التاسع والأربعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) إذَا أَنْتَ لمْ تَنْفَعْ فَضُرّ فَإنَّمَا ... يُرَادُ الفَتَى كَيمَا يَضُرّ وَينفعُ أقول: قيل إن قائله هو النابغة الذبياني، وقيل: الجعدي، [والأصح أن قائله قيس ابن الخطيم؛ كذا ذكره البحتري في حماسته. وهو من الطويل] (¬4) المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إذا" للشط، وفعل الشرط محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا لم تنفع أنت لم تنفع، وذلك أن إذا التي للشرط لا تدخل إلا على الجملة الفعلية. وقوله: "فضر": جواب الشرط، وهو أمر من ضر يضر، يجوز فيه الحركات الثلاث، أما الفتح فلأنه أخف الحركات، وأما الضم فلأجل ضمة الضاد، وأما الكسر فلأن الأصل في الساكن إذا حرك أن يحرك بالكسر، ويجوز فيه فك الإدغام في غير هذا الموضع، كما تقول: امدد في مدّ (¬5). ¬
الشاهد الخمسون بعد الخمسمائة
[قوله: "فإنما" الفاء فيه تصلح للتعليل، وإن بطل عملها بدخول ما عليها، قوله: "يراد": على صيغة المجهول] (¬1) أسند إلى الفتى، و"الفتى": مفعول ناب عن الفاعل، ويروى: فإنما يرجى الفتى، قوله: "كيما" جارة وما مصدرية، أي: للضر والنفع، والمعنى: ليضر من يستحق الضر وينفع من يستحق النفع. الاستشهاد فيه: على دخول: "كي" على "ما" المصدرية وهو نادر، ويقال: إن "ما" فيه كافة. فافهم (¬2). الشاهد الخمسون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَينَا ... بِشَيْءٍ أَنَّ أُمَّكُمْ شَرِيمُ أقول: هو من الوافر. قوله: "شريم" بفتح الشين المعجمة وكسر الراء، وهي المرأة المفضاة، قال الجوهري: وكذلك الشروم، وهي المرأة التي اتحد مسلكاها (¬5). الإعراب: قوله: "لعل" هاهنا حرف جر، فلذلك جر لفظة الله، وهي لغة عقيل، ويجوز في لامه الأولى الإثبات والحذف، وفي لامه الثانية الفتح والكسر على لغتهم (¬6). وقوله: "فضلكم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "علينا" في محل النصب بفضل، و"بشيء": صلته، وقوله: "أن" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "أمكم": كلام إضافي اسمه، و "شريم": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعل" على كونه حرف جر هاهنا كما ذكرنا (¬7). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الخمسمائة
الشاهد الحادي والخمسون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) ............................. ... لَعَلَّ أَبِي المغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ أقول: قائله هو كعب بن سعد الغنوي، وصدره: فَقُلْتُ ادْعُ أخرى وارْفَعِ الصوتَ دَعْوَةً ... ................................ وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): تَقُول سُلَيْمَى مَا لجِسْمِكَ شَاحِبًا ... كَأَنَّكَ يَحْمِيكَ الطَّعَامَ طَبِيبُ فَقُلْتُ وَلَمْ أُدْعَ الجَوَابَ لِقَوْلَهَا ... ولَلدَّهْرُ في صُمِّ الصِّلابِ نَصِيبُ إلى أن قال: وداعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَا ... فلمْ يسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ فَقلْتُ ادع أخرى ............. ... ........................ إلخ المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فقلت" الفاء للعطف، وقلت: جملة من الفعل والفاعل، وادع: مقول القول، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أخرى": صفة موصوفها محذوف، أي: دعوة أخرى وانتصابها على المصدر (¬4). قوله: "وارفع الصوت": عطف على قوله: "ادع" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الصوت، قوله: "دعوة": نصب على التعليل، أي: لأجل الدعوة، قوله: "لعل" حرف جر هاهنا، فلذلك جر أبي المغوار، وروي: أبا المغوار على أصله، فعلى هذا أبا المغوار اسم لعل، ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الخمسمائة
وقريب خبره، و"منك": يتعلق بقريب. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعل أبي المغوار" حيث جاءت فيه لعل حرف جر كما ذكرنا، وأبو المغوار بكسر الميم وسكون الغين المعجمة، يقال: رجل مغوار ومُغاور؛ أي: مقاتل (¬1). الشاهد الثاني والخمسون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمْ تَرَفَّعَتْ ... متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنَّ نَئِيجُ أقول: قائله هو أبو ذؤيب (¬4) يصف السحاب، وهو من قصيدة جيمية من الطويل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - صَبَا صَبْوَةً بلْ لَجَّ وَهْوَ لجُوجُ ... وزالتْ به بالأنْعَمَينِ حُدُوجُ 2 - كَمَا زَال نَخْلٌ بِالعِرَاقِ مُكَمِّمٌ ... أُمِرَّ لَهُ مِنْ ذِي الفُراتِ خَلِيجُ 3 - فإنَّكَ عَمْرِي أيَّ نَظْرَةِ عَاشِقٍ ... نَظَرتَ وقُدْسٌ دُونَنَا وَدَجوجُ 4 - إلَى ظُعُنٍ كَالدَّومِ فِيهَا تَزَايُلٌ ... وهِزَّةُ أَجْمَالٍ لَهُنَّ وَسيجُ 5 - غَدَونَ عَجَالى وَانْتَحَتْهُنَّ خَزرَجٌ ... مُعَفِّيَةٌ آثَارَهُنَّ هَدُوجُ 6 - سَقَى أمَّ عَمرٍو كُلَّ آخرٍ ليلةٍ ... حَنَاتِمُ سُودٌ مَاؤُهُنَّ ثَجِيجُ 7 - إذا هَمَّ بالإقْلَاعِ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا ... فأَعْقَبَ نشء بَعدَهَا وَخُرُوجُ 8 - شربن .................... ... ............................. إلخ ويروى: تَرَوَّتْ بمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَنَضَّبَتْ ... على حَبَشِيَّاتٍ لَهُنَّ نَئِيجُ ¬
1 - قوله: "صبا" أي: مال، قوله: "بالأَنعمين" اسم موضع، و: "حدوج" بضم الحاء المهملة جمع حدج وهي مراكب النساء. 2 - قوله: "مكمم": [من التكميم] (¬1) من الكم بالكسر، وهو وعاء الطلع وغطاء النور، قوله: "أُمِرّ": من الإمرار، و"الفرات": الماء العذب. 3 - قوله: "قدس" بضم القاف وسكون الدال وفي آخره سين مهملة، جبل عظيم بأرض نجد، قوله: "ودوج" من قولهم: فلان ودجي إلى فلان، أي: وسيلتي. 4 - قوله: "إلى ظعن" بضمتين؛ جمع ظعينة، وهي الهودج كانت فيه المرأة أو لم تكن، و"الدوم": شجر المقل، قوله: "وهزة أجمال" بالجيم؛ جمع جمل، وقيل بالحاء، والأول أصح، قوله: "وسيج" بفتح الواو وكسر السين المهملة، وهو ضرب من سير الإبل، يقال: وسج البعير وسيجًا. 5 - قوله: "خزرج" أي: ريح، قال الفراء: خزرج: هي الجنوب (¬2)، وهدوج: هي الريح التي لها حنين. 6 - قوله: "حناتم" بالتاء وبالحاء المهملة؛ الجرار الخضر، وهي جمع حنتمة، شبه السحب بها، قوله: "ثجيج": من الثج وهو السيلان. 7 - قوله: "نشء" بفتح النون وسكون الشين المعجمة وفي آخره همزة، وهو أول ما ينشأ من السحاب، و"الخروج": جمع خرج، وهو السحاب أول ما ينشأ. 8 - قوله: "ثم ترفعت" أي: توسعت، قوله: "لجج" بضم اللام؛ جمع لجة، وهو معظم الماء، قوله: "نئيج" بفتح النون وكسر الهمزة وفي آخره جيم، يقال: نأجت الريح تنأج نئيجًا: تحركت، فهي نؤج ولها نئيج، أي: مرٌّ سريع مع صوت، قوله: "حبشيات" أي: متجمعات؛ من التحبش وهو التجمع. الإعراب: قوله: "شربن": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع للسحب، قوله: "بماء البحر": يتعلق بشربن، وهي صلته. فإن قلت: شرب لا يحتاج إلى صلة، يقال: شرب الماء، ولا يقال: شرب بالماء. ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الخمسمائة
قلت: ضمن شربن هاهنا معنى روين، فلذلك وصلت بالباء، ويقال: هذا شاذ (¬1). قوله: "ثم ترفعت": عطف على شربن، قوله: "متى لجج" أي: من لجج، ومتى هاهنا بمعنى من الجارة في لغة هذيل، ويقال: بمعنى وسط (¬2)، قوله: "خضر": صفة للجج، قوله: "لهن نئيج": جملة اسمية من المبتدأ وهو نئيج، والخبر وهو لهن، ويصلح أن تكون الجملة حالًا بدون الواو، وهو كثير، وإن كان ضعيفًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "متى" فإنها حرف جر بمعنى من كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثالث والخمسون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) رُب رِفْد هَرَقَتْهُ ذلكَ اليو ... م وأسرى من مَعشَرٍ أَقْيالِ أقول: قائله هو الأعشى، أعشى همدان، واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله، وهو من قصيدة لامية من الخفيف، وبعده (¬6): 2 - وَشُيوخ حَربَي بِشَطّي أريك ... ونسَاء كَأنهُن السعَالي 3 - وشريكين في كَثير مِن الْما ... ل وكَانَا مُحَالِفَي إقْلال 4 - قَسَّمَا الطارفَ التليد منَ الغنـ ... ـم فَآَبَا كلاهُمَا ذُو مَال 1 - قوله: "رفد" بكسر الراء وفتحها، وهو الشيء المبذول، والقدح الكبير -أيضًا-، قوله: "هرقته" أي: أرقته؛ من الإراقة، و"أسرى": جمع أسير، وقوله: "أقيال": جمع قيل -بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو الملك، وأكثر ما يطلق على ملوك حمير، ويروى: أقتال بالتاء المثناة من فوق؛ جمع قتل -بكسر القاف وسكون التاء المثناة، وهو العدو. ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة
2 - و "الأريك" بفتح الهمزة وكسر الراء؛ اسم وادٍ، و "السعالي": جمع سعلاة، وهو أخبث الغيلان. 3 - و "الطارف" من المال: المستحدث، وكذلك الطريف، والتليد والتالد خلافه. الإعراب: قوله: "رب": حرف جر، و"رفد": مجرور برب، و "هرقته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لرفد، قوله: "وأسرى" عطف على رفد، و "من معشر": يتعلق بمحذوف؛ أي: وأسرى كائنين من معشر، وهي صفة لأسرى، و "أقيال" صفة لمعشر، والتقدير: رب رفد مهراق ضممته إلى أسرى، ورب أسرى كائنين من معشر أقيال ملكتهم. الاستشهاد فيه: على أن: "رب" استعمل فيه للتنكير تهكمًا، والحال أنه حرف تقليل، وفيه استشهاد آخر: وهو حذف جواب رب، وذلك في قوله: "رب رفد هرقته" أي: رب رفد مهراق ضممته إلى أسرى؛ كما ذكرنا ولكنه لم يورده هاهنا لهذا (¬1). الشاهد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) خلَّى الذنابات شمَالًا كَثْبًا ... وَأم أَوْعَالٍ كَهَا أو أَقْربَا أقول: قائله هو العجاج الراجز، وهو من قصيدة مرجزة مسدسة، وأولها هو قوله (¬4): 4 - مَا هَاجَ دَمْعًا سَاكِبًا مُستَسكَبًا .... مِنْ أَنْ رَأَيْتَ صَاحِبَكَ أكأَبَا إلى أن قال في وصف الحمير: 2 - حتى إِذَا مَا يَوْمُنَا تَصَبصَبَا ... وَعَمَّ طُوفَانُ الظَّلامِ الأَثْأَبَا 3 - وَاطَأَ مِنْ دَعْسِ الحَمِيرِ نَيسَبَا ... مِنْ صَادِر أَوْ وَارِد أَيْدِ سَبَا ¬
4 - خَلَّى الذّنَابَاتِ ............ ... ..................... إلى آخره 5 - ذَاتَ اليَميِن غيرَ مَا أَنْ يَنْكَبَا ... تَخَالُ لحيَيهِ وَفَاهُ قَتَبَا 6 - إذَا استَهَلَّ زنَّةً وَأَزيَبَا ... ................................... 1 - قوله: "هاج": من الهيجان. 2 - وتصبصب الشيء: انمحق وذهب، و "الأثأب" بفتح الهمزة وسكون الثاء المثلثة وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة، وهو شجر، الواحدة أثأبة. 3 - قوله: "واطأ": من الواطاة وهي الموافقة، و "الدعس" بفتح الدال وسكون العين وفي آخره سين كلها مهملات، قال الجوهري: الدعس بالفتح: الأثر، يقال رأيت طريقًا دعسًا؛ أي: كثير الآثار (¬1)، و "النيسب" بفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفتح السين المهملة وفي آخره باء الموحدة، وهو الذي تراه كالطريق من النمل نفسها، وهو على وزن فيعل. 4 - قوله: "خلى الذنابات" ويروى: "نحى الذنابات"، وهي بفتح الذال المعجمة والنون وبعد الألف باء موحدة وبعد الألف الأخرى تاء مثناة من فوق، وهو اسم موضع بعينه. قوله: "كثبًا" بفتح الكاف والثاء الثلثة والباء الموحدة، ومعناه القرب، ويقال: رماه من كثب؛ أي: قرب، و "أم أوعال" بفتح الهمزة، وهي اسم هضبة بعينها، ويقال لكل هضبة تكون فيها الأوعال: أم أوعال، وهو جمع وعل، وهو ذكر الأروى. 6 - قوله: "رنة" بفتح الراء وتشديد النون، النغمة، قوله: "وأزيبا" بفتح الهمزة وسكون الزاي المعجمة وفتح الياء آخر الحروف، وهو السرعة والنشاط. الإعراب: قوله: "خلى": فعل وفاعله مستتر فيه، وهو الضمير الذي يرجع إلى حمار الوحش، أراد أنه مضى في عدوه ناحية الذنابات فكأنه نحاها عن طريقه، وهي عن شماله بالقرب من الموضع الذي عدا فيه. وقوله: "الذنابات": مفعوله، قوله: "شمالًا": مفعوله الثاني، قوله: "كثبًا": صفته على تقدير: جعل الذنابات ناحية شماله قريبة منه، قوله: "أم أوعال": مبتدأ، وخبره قوله: "كها" أي كالذنابات. ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد الخمسمائة
قوله: "أو أقربا": عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، ويجوز أن تكون: "أم أوعال" منصوبًا عطفًا على الذنابات على معنى: جعل أم أوعال كالذنابات أو أقرب، فيكون أو أقرب حينئذ عطفًا على محل الجار والمجرور فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "كها" حيث دخلت كاف التشبيه على المضمر وهو قليل (¬1). الشاهد الخامس والخمسون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) فَلا ترَى بَعْلًا ولَا حَلَائلًا ... كَهُو ولَا كَهُنَّ إلا حاظِلا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من قصيدة مرجزة مسدسة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - عَرَفْتَ بِالنصْرِية المنازلا ... قَفْرًا وكَانَتْ منهُمُ مَآهِلَا 2 - حتى إذَا مَا اجْتَابَ لَيلا لَائلا ... هَيَّجَهَا ولم تَخَلْهُ فَاعلَا 3 - يَعْلُو بهَا القُّرْيَانَ والمسايِلا .. وكُل صَمْدٍ يُنبتُ القَلاقلا 4 - تَحسِبُهُ إذَا استَتَبّ دَائلًا .... كَأَنمَا يُنْحِي هجارًا مَائِلَا 5 - فلا ترى ............... ... ........................ إلخ 2 - قوله: "اجتاب" بالجيم؛ أي: قطع، قوله: "لائلا" يقال: ليل لائل إذا كان شديد ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الخمسمائة
الظلمة؛ كما يقال: شعر شاعر للمبالغة. 3 - وقوله: "القريان" بضم القاف وسكون الراء وبالياء آخر الحروف جمع قري وهو مجرى الماء، وهو مستجمع ماء كثير في شبه واد صغير، و "الصمد" بفتح الصاد المهملة وسكون الميم وفي آخره دال مهملة، وهو مكان صلب، و "القلاقلَا": جمع قلقل بالقافين المكسورتين، وهو نبت. 4 - قوله: "استتب" أي: استقام، "دائلَا": من الدألان، وهو مشي يقارب فيه الخطو كأنه مثقل من الحمل، قوله: "ينحي هجارًا" الهجار بكسر الهاء: حبل يشد في رسغ رجل البعير ثم يشد إلى حقوه إن كان عريًّا، وإن كان مرحولًا يشد في الحقب، تقول منه: هجرت البعير أهجره هجرًا، وهجار القوس وترها. 5 - قوله: "بعلًا": أي: زوجًا، قوله: "ولا حلائلًا" بالحاء المهملة؛ جمع حليلة الرجل وهي امرأته، قوله: "حاظلا" بالحاء والظاء المعجمة، وهو المانع من التزويج، وهو مثل العاضل إلا أنه بالضاد. الإعراب: قوله: "ولا ترى": جملة منفية من الفعل والفاعل، وقوله: "بعلًا": مفعوله، "ولا حلائلًا": عطف عليه، قوله: "كهو" أي: كالحمار الوحشي، والكاف للتشبيه، ومحله النصب، لأنه مفعول ثان لترى، قوله: "ولأكهن" أي: كالأتن، وهو عطف على: "كه"، قوله: "إلا حاظلَا": استثناء من قوله: "بعلًا ولا حلائلًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "كه ولا كهن" مثل البيت الذي قبله (¬1). الشاهد السادس والخمسون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) وَاهٍ رَأَبْتُ وَشِيكًا صَدْعَ أَعْظُمِهِ ... وَرُبَّهُ عَطِبًا أَنْقَذْتُ مِن عطبه أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله، وهو من البسيط. ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الخمسمائة
قوله: "وَاهٍ": من وهي الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط، قوله: "رأبت": من رأبت الإناء: شعبته وأصلحته، ومنه قولهم: اللَّهم ارأب بينهم، أي: أصلح، ومادته: راء وهمزة وباء موحدة، وكثير من الناس يصحفونه ويقولون: رأيت من رؤية البصر وهو غلط. قوله: "وشيكًا" بفتح الواو وكسر الشين المعجمة، أي: قريبًا، قال الجوهري: وشيكًا أي: سريعًا (¬1)، قوله: "صدع أعظمه" الصدع: الشق، قوله: "وربه عطبا أنقذت من عطبه" العطب الأول: صفة مشبهة على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين، والعطب الثاني: مصدر على وزن فَعَل بفتحتين. والمعنى: وربه من عطب، أي: هالك، يعني: مشرف على الهلاك، أنقذته؛ "أي: خلصته من عطبه؛ أي: من هلاكه، وأنقذت من الإنقاذ وهو التخليص والإنجاء. الإعراب: قوله: "واه" أي: رب واه، وهو مجرور برب المحذوفة، قوله: "رأبت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "صدع أعظمه": كلام إضافي [مفعوله] (¬2)، "وشيكًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: رأبًا وشيكًا. قوله: "عطبًا" تمييز لقوله: "ربه"، ويروى: "وربه عطب" بالجر على نية من، وهو شاذ، قوله: "أنقذت": جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف تقديره: أنقذته. الاستشهاد فيه: في قوله: "وربه عطبًا" حيث دخلت رب على الضمير، وأتى تمييزه بحمسب الضمير، وهذا الضمير عند البصريين مجهول لا يعود على ظاهر (¬3). الشاهد السابع والخمسون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) رُبَّهُ فتيةً دَعَوْتُ إلى ما ... يُورِثُ الحَمْدَ دَائِبًا فَأَجَابُوا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد الخمسمائة
قوله: "دائبًا" أي: دائمًا. الإعراب: قوله: "ربه" الهاء مجرور برب، "وفتية": تمييز، والمشهور أن الضمير لا يجيء إلا مفردًا مذكرًا والمميز بحسب قصد المتكلم، يقال: ربه رجلًا، وربه امرأة، وربه رجلين ورجالًا، وربه امرأتين، وربه نساء، فيختلف المميز ولا يختلف الضمير، وهاهنا كذلك، فإن فتية جمع فتى، وقد جاء الضمير مفردًا، وعند الكوفيين أنه راجع إلى مذكور تقديرًا؛ كأن قائلًا قال: هل من رجل كريم؟ فقيل: ربه رجلًا، ولذلك ثني وجمع وأنث على حسب مميزه، فيقال: ربهما رجلين وربها امرأة، وربهم رجالًا وربهن نساء (¬1). قوله: "دعوت": جملة من الفعل والفاعل، ومفعوله محذوف تقديره: دعوتهم، و "إلي": يتعلق بدعوت، و "ما" موصولة، و "يورث الحمد": جملة صلته، قوله: "دائبًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: إيراثًا دائبًا، أو حمدًا دائمًا، قوله: "فأجابوا": عطف على قوله: "دعوت" وهي جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف، أي: فأجابوا دعائي. الاستشهاد فيه: في قوله: "ربه فتية" حيث جاء الضمير مفردًا مع كون المميز جمعًا على المشهور كما ذكرنا (¬2). الشاهد الثامن والخمسون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) أتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِماءَنَا ... وَلَوْلَاكَ لَم يَعْرِضْ لأَحْسَابِنَا حَسَنْ أقول: [قائله هو عمرو بن العاص، وهو من قصيدة] (¬5) من الطويل [يخاطب بها معاوية بن أبي سفيان أولها: 1 - معاويَ إِنِّي لَم أُبَايِعْكَ فَلْتَةً ... ومَا ذَاكَ مَا أَسْرَرتُ مِني كَمَا عَلَنْ ¬
2 - أتُطمِعُ فِينَا ............... ... ............................ إلخ وبعده: 3 - عَلَى أَنهُ أَجْرَى لُؤَيُّ بنُ غَالِبٍ ... عَلَى شَتْمِهَا جَهْرًا وَأَحْيَاهُ للفِتَنْ 4 - وَقَوْلُهُم والنَّاسُ يَمْشُونَ حَوْلَهُم ... أنا ابْن رَسُول الله مُعْتقدُ المِننْ 5 - فَأَعظِم بهَا مِن فتنةٍ هَاشِمية ... تَدُبُّ بهَا أَهْلُ العراق إلَى اليَمَنْ 6 - فَأُقْسمُ بِالبَيتِ الذِي نَسَكَتْ لَهُ ... قُرَيْش لَئنْ طَوَّلْتَ للحَسَن الرَّسنْ 7 - ليَجْتَلِبنَّ يَومًا عَلَيك عَصَبصَبًا ... يشيبُ العَذَارَى أَو يغصَّنكَ اللَّبن 8 - وإلا فَأَعطِ المَرْءَ مَا هُوَ أَهْلُهُ ... ولا تَظْلِمَنْهُ إِنهُ لابْنُ مَن وَمَنْ وأراد بالحسن حسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - (¬1)، قوله: "أتطمع": من الإطماع، و"أراق": من الإراقة. الإعراب: قوله: "أتطمع" الهمزة للاستفهام، و"تطمع" بضم التاء: جملة من الفعل والفاعل، و"فينا" في محل النصب على المفعولية، قوله: "من أراق": في محل النصب -أيضًا- لأنه مفعول ثان لتطمع، ومن موصولة. و"أراق دماءنا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صلة، قوله: "لولاك" الأصل فيه أن يكون فيما يليه ضمير الرفع، ولولاك ولولاه ولولاي قليل (¬2)، وأنكره المبرد، وقال: لا يوجد في كلام من يحتج بكلامه (¬3). وهذا مخالف لكلام سيبويه والكوفيين، أما سيبويه فإنه أنشد قول يزيد بن الحكم (¬4): وَكَم مَوْطِنٍ لوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هوى ... ............................... على ما يجيء بيانه عن قريب - إن شاء الله - (¬5)، وأما الكوفيون فإنهم أنشدوا قول الشاعر: أتُطمعُ فينَا مَن أَرَاقَ دماءَنَا ... وَلَوْلَاكَ ................ إلخ (¬6) ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الخمسمائة
فذهب سيبويه إلى أن كاف لولاك وأخواته في موضع جر بلولا (¬1)، وذهب الأخفش إلى أنها في موضع رفع (¬2)، وسيجيء مزيد الكلام فيه في البيت الآتي. قوله: "لم يعرض": فعل منفي، وفاعله قوله: "حسن"، واللام في: "لأحسابنا" تتعلق بقوله: "لم يعرض". الاستشهاد فيه: في قوله: "لولاك" فإن فيه حجة على المبرد؛ حيث أنكر مجيء هذا على الفصيح كما ذكرناه. الشاهد التاسع والخمسون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) وَكَم مَوْطنٍ لَوْلَايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى ... بأَجْرَامِهِ مِنْ قنَّةِ النيقِ مُنْهَوي أقول: قائله هو يزيد بن الحكم بن العاص، وهو من قصيدة واوية من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - تُكَاشِرُني كَرهًا كَأنَّكَ نَاصِحٌ ... وَعَينُكَ تُبدِي أَنَّ صَدْرَكَ لي دَوي وقد ذكرناها في شواهد المفعول معه عند قوله (¬5): جَمَعَت وفُحْشًا غِيبةً وَنميمةً ... ثَلاثُ خصَالٍ لستَ عَنَها بمرعَوي قوله: "طحت" بكسر الطاء وضمها، أي: هلكت وسقطت، من طاح يطوح ويطيح، قوله: "كما هوي" أي: كما سقط من هوى يهوي هويًا من باب ضرب يضرب. قوله: "بأجرامه" الأجرام: جمع جرم، وجرم الشيء جثته، قوله: "من قنة النيق" القنة بضم القاف وتشديد النون مثل القلة، وهي أعلى الجبل، ويجمع على قنان، مثل: برمة وبرام، وقنن وقنات، و"النيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره قاف، وهو أرفع موضع في الجبل، ويجمع على نياق، قوله: "منهوي" بضم الميم، الهاوي والمنهوي، كلاهما بمعنى الساقط. ¬
الإعراب: [قوله: "] (¬1) وكم موطن" كم هنا خبرية بمعنى كثير، وموطن مميزه، وقد علم أن مميز كم الخبرية يكون مفردًا ويكون مجموعًا؛ نحو: كم عبد ملكت، [وكم عبيد ملكت] (¬2). قوله: "لولاي" لولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو: لولا زيد لهلك عمرو، أي: لولا زيد موجود، ثم إنها هاهنا وليها مضمر، والأصل فيه أن يكون ضمير رفع نحو: {لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، وأما لولاي ولولاك ولولاه فقليل (¬3). ثم مذهب سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به؛ كما اختصت حتى والكاف بالظاهر، ولا يتعلق لولا بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء، والخبر محذوف. وقال الأخفش: الضمير مبتدأ، ولولا غير جارة، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع؛ كما عكسوا؛ إذ قالوا: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا (¬4). وقال النحاس: لولاك ولولاي إذا أضمر فيه الاسم جر، وإن ظهر رفع، قال سيبويه: وهذا قول الخليل ويونس (¬5)، فمعنى هذا أنك تقول: لولا زيد لكان كذا، فترفع بالابتداء، وتقول: لولاك فتكون الكاف في موضع خفض، وهذا عند أبي العباس خطأ؛ لأن المضمر عقيب المظهر، فلا يجوز أن يكون المظهر مرفوعًا والمضمر مجرورًا. وأبو العباس لا يجيز: لولاك ولولاه، وإنما يقول: لولا أنت، قال أبو العباس: وحدثت أن أبا عمرو اجتهد في طلب: لولاك ولولاي بيتًا يصدقه أو كلامًا مأثورًا عن العرب فلم يجده، قال أبو العباس: وهو مدفوع لم يأت عن ثقة، ويزيد بن الحكم ليس بالفصيح، وكذلك عنده قول الآخر (¬6): ¬
الشاهد الستون بعد الخمسمائة
............... ... لولاك في ذا العام لم أحجج (¬1) قال: إذا رأيت القصيدة رأيت الخطأ فيها فاشيًا (¬2). وقال الفراء: لولاي ولولاك المضمر في موضع رفع، كما تقول: لولا أنا ولولا أنت (¬3)، وفيه بحث كثير حذفناه للاختصار (¬4). وقوله: "طحت" جواب لولاي، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "كما هوى" الكاف للتشبيه، و "ما" يجوز أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة، قوله: "هوى": فعل ماض، وقوله: "منهوي" فاعله، والباء في: "بأجرامه" في محل النصب، و "من" في: "من قنة النيق": تتعلق بهوى. الاستشهاد فيه: في قوله: "لولاي" فإن فيه حجة على المبرد، حيث أنكر مجيء نحو هذا في الكلام الفصيح (¬5). الشاهد الستون بعد الخمسمائة (¬6)، (¬7) فلا واللَّه لَا يُلْفِي أُنَاسٌ ... فَتى حَتَّاكَ يا ابنَ أَبِي زِيَادِ أقول: هو من الوافر. ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة
قوله: "لا يلفي" أي لا يجد، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25] أي: وجداه، وضبطه بعضهم بالقاف من اللقى، وكلاهما يجوز على ما لا يخفى، قوله: "يا ابن أبي زياد" ويروى: يا ابن أبي يزيد. الإعراب: قوله: "فلا والله" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، ولا لتأكيد القسم، ولفظة اللَّه مجرور بواو القسم، قوله: "لا يلفي أناس" جواب القسم، وأناس بالرفع فاعل يلفي، قوله: "فتى": مفعول يلفي. الاستشهاد فيه: في قوله: "حتاك" فإن الأصل فيه أن يجر المظهر، وهاهنا قد جر المضمر، وهو شاذ (¬1). الشاهد الحادي والستون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) وإذا الحَربُ شَمَّرَتْ لم تَكُن كي ... .......................... أقول: هذا أنشده الفراء، وقال أنشدنيه بعض أصحابنا، ولم أسمعه أنا من العرب، ولم يذكر اسم قائله، وتمامه: ........................ ... حينَ تدعُو الكُمَاةُ فيها نَزَالِ وهو من الخفيف. قوله: "شمرت" يعني: نهضَتْ وقامت على ساقها، وأصله من [شمَّر] عن ساقه، قوله: "الكماة" بضم الكاف؛ جمع كام مثل قاض وقضاة، والكامي هو الكميّ وهو الشجاع المتكمي في سلاحه؛ لأنه كمى نفسه، أي: سترها بالدرع والبيضة، قوله: "نزال" كلمة توضع موضع انزل، وهو معدول عن: انزل انزل. ¬
الشاهد الثاني والستون بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "وإذا الحرب" الواو للعطف، وإذا للشرط، وفعل الشرط محذوف دل عليه قوله: "شمرت"، والتقدير: وإذا شمرت الحرب؛ لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، قوله: "لم تكن": جواب الشرط، قوله: "حين": نصب على الظرف، و "تدعو": فعل مضارع، و"الكماة": فاعله، قوله: "فيها" أي: في الحرب، يتعلق بتدعو، قوله: "نزال": في محل النصب على أنه مفعول تدعو، والتقدير: حين تدعو تقول: نزال. الاستشهاد فيه: في قوله: "لم تكن كي" حيث أدخل الكاف على ضمير المتكلم على معنى؛ لم تكن أنت مثلي، وهذا شاذ لا يستعمل إلا في الضرورة، وحُكي عن الحسن البصري -رحمه الله- أنه قال: أتاك وأنت كي (¬1)، يعني: أنا كمثلك وأنت كمثلي، واستعمال هذا في حال السعة شذوذ لا يلتفت إليه (¬2). الشاهد الثاني والستون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) عيَّنَتْ ليلة فَمَا زلْتُ حتى ... نِصفِهَا راجِيا فَعُدتُ يَؤُوسا أقول قبله: 1 - إنَّ سَلْمَى مِنْ بَعْدِ يَأْسِي هَمَّتْ ... بوصَالٍ لَو صَحَّ لم يُبق بُؤْسا وهما من المديد (¬5). قوله: "بؤسا" بضم الباء الموحدة، وهو الشدة، قوله: "يؤوسا": من اليأس، وهو القنوط وهو خلاف الرجاء. ¬
الإعراب: قوله: "عينت": فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يعود إلى سلمى من البيت السابق، قوله: "ليلة": مفعول به وليس مفعولًا فيه فافهم، قوله: "فما زلت" التاء اسم ما زال، و "راجيًا": خبره. قوله: "حتى"هاهنا بمعنى إلى، وهي حتى الجارة، و "نصفها": مجرور بها، قوله: "فعدت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "فما زلت"، قوله: "يؤوسا": حال من الضمير الذي في عدت. الاستشهاد فيه: في قوله: "حتى نصفها" فإن ابن مالك استدل به على أنه لا يشترط في مجرور حتى كونه آخر جزء ولا ملاقي آخر جزء، وهذا الذي ذكره في التسهيل (¬1). وأما ما ذكره في شرح الكافية فهو ما ذهب إليه الزمخشري والمغاربة من أن المجرور بحتى يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، بخلاف إلى لو قلت: سرت النهار حتى نصفه لم يجز، ولو قلت: إلى نصفه جاز، هذا ما نص عليه الزمخشري (¬2). وقال ابن هشام في المغني (¬3): لمخفوض "حتى" شرطان: أحدهما: عام وهو أن يكون ظاهرًا لا مضمرًا خلافًا للكوفيين والمبرد. والثاني: خاص بالمسبوق بذي أجزاء، وهو أن يكون المجرور آخرًا؛ نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقيًا لآخر جزء؛ نحو [قوله (¬4) تعالى]: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]. ولا يجوز: سرت البارحة حتى ثلثها أو نصفها؛ كذا قالت المغاربة وغيرهم، وتوهم ابن مالك أن ذلك لم يقل به إلا الزمخشري، واعترض عليه بقوله: عينت ليلة ........... ... ....................... ¬
الشاهد الثالث والستون بعد الخمسمائة
البيت، وهذا ليس محل الاشتراط، إذ لم يقل: فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها وإن كان المعنى عليه، ولكنه لم يصرح به (¬1). الشاهد الثالث والستون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) لَئِنْ كَانَ من جِنٍّ لأبرَحُ طارقًا ... وَإنْ يَكُ إِنْسًا ما كَهَا الإنْسُ تَفْعَلُ أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، واسمه براق، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها (¬4): أقيموا بني أُمِّي صدُورَ مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأَمْيَلُ وهي من الطويل. قوله: "لأبرح" أي جاء بالبرح وهو الشدة، قوله: "طارقًا": من طرق أهله إذا أتاهم ليلًا [والله أعلم] (¬5). الإعراب: قوله: "لئن كان" ويروى: لئن يك من جن، اللام للتأكيد، واسم كان مستتر فيه، و "من جن": خبره، قوله: "لأبرح": جواب الشرط، قوله: "طارقًا": حال، قوله: "وإن يك" أصله: يكن فحذفت [النون للتخفيف] (¬6) لكثرة استعماله في الكلام، واسمه مستتر فيه وخبره قوله: "إنسًا"، قوله: "ما كها" كلمة ما للنفي، والكاف للتشبيه دخلت على الضمير، أي: وما كان كفعله؛ يعني: ما يفعل الإنس مثل هذه الفعلة؛ فالإنس مبتدأ، ويفعل خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما كها" حيث دخلت الكاف على الضمير وهو شاذ (¬7). ¬
الشاهد الرابع والستون بعد الخمسمائة
الشاهد الرابع والستون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) تُخُيِّرنَ منْ أَزْمَان يَوم حَليمَةٍ ... إلى اليوم قَدْ جُرِّبْنَ كُلَّ التجَارِبِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة بائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - كلِيني لهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصبِ ... وليل أقاسيهِ بَطِيء الكَوَاكبِ 2 - تقاعسَ حتى قلتُ ليسَ بمُنقضٍ ... وليسَ الذي يرعَى النُّجُومَ بآيبِ 3 - وصدرٍ أراحَ الليلُ عازِبَ هَمِّهِ ... تضاعَفَ فيه الحُزْنُ منْ كُلِّ جانبِ 4 - عليّ لعمرو نِعمة بعدَ نعْمَةٍ ... لوالدِه ليسَتْ بِذَات عَقَارِبِ (¬4) 5 - حَلَفْتُ يَمِينًا غيرَ ذي مَثْنَويَّةٍ .... ولا علْمَ إلا حُسنُ ظنّ بصاحبِ 6 - لَئِنْ كانَ للقَبرَين قَبر بجلِّقٍ ... وقبر بصيداءَ الذي عند حاربِ 7 - وللحارث الجفني سيد قومه ... ليلتمسْنَ بالجمع أرضَ المحاربِ (¬5) [إلى أن قال] (¬6). 8 - لهُم شيمة لم يُعْطِهَا الله غيرَهُم ... من الناس والأحْلامُ غيرُ عوازبِ 9 - مَحَلَّتُهُم ذاتُ الإله ودينُهُم .... قويم فمَا يَرجُونَ غيرَ العَوَاقبِ 10 - ولَا عَيبَ فيهم غيرَ أن سُيوفهم ... بهِن فُلُول مِن قِرَاعِ الكتائبِ 11 - تُخُيِّرنَ من أزمان ...... ... ......................... إلخ 1 - قوله: "كليني" بكسر الكاف، أي: دعيني وهمي، يقال: وكله إلى كذا يكله؛ أي: ¬
تركه وإياه، و "ناصب" أي: ذو نصب، وهو التعب، قوله: "بطيء الكواكب" أي: كأن كواكبه لا تسير ولا تغيب؛ لأن انقضاء الليل لا يكون إلا بانتهاء الكواكب الطالعة إلى موضع غروبها. 2 - قوله: "تقاعس" أي: تأخر، ويروى: تطاول. 5 - قوله: "غير ذي مثنوية" أي: لم أستثن في يميني ثقة بفعل هذا الممدوح وحسن ظن به. 6 - قوله: "لئن كان للقبرين" يعني: لئن كان هذا الذي أقسمت على فعله حسن ظن به لصاحبي القبرين، أي: ابن هذين الرجلين اللذين في هذين القبرين ليمضين لأمره وليلتمسن دار من حاربه، و"صيداء" أرض بالشام، و "جلق" بلد، و "حارب": اسم رجل، وقيل: هو موضع. 8 - [قوله: "شيمة" أي: طبيعة وخلق] (¬1) قوله: "والأحلام غير عوازب" أي: عقولهم حاضرة غير بعيدة عنهم. 9 - قوله: "محلتهم" أي: مسكنهم، وهو موضع حلولهم، قوله: "ذات الإله" يعني: بيت المقدس [وهذا عرف خاص لهم في إطلاق ذات الإله على بيت المقدس؛ كما يقال: بيت الله] (¬2). 11 - قوله: "يوم حليمة" بفتح الحاء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الميم وفي آخره تاء، وهو اسم موضع، قال المبرد: يوم حليمة: اليوم الذي سار فيه المنذر بن المنذر بعرب العراق إلى الحرث الأعرج الغساني، وهو الأكبر، وهو أشهر أيام العرب، ومن أمثالهم (¬3): ما يوم حليمة بسرّ. الإعراب: قوله: "تخيرن" على صيغة المجهول، والضمير فيه هو المفعول [الذي ناب عن الفاعل، وهو يرجع إلى السيوف؛ لأن النابغة يصف السيوف بهذا البيت] (¬4)، قوله: "من أزمان" من هنا لابتداء الغاية في الزمان، والأزمان مضاف إلى يوم، ويوم إلى حليمة. قوله: "إلى اليوم": يتعلق بقوله: "تخيرن" يعني: إلى يومنا هذا، قوله: "قد جربن": جملة وقعت حالًا، وجربن -أيضًا- مجهول، والضمير الذي فيه يرجع إلى السيوف. قوله: "كل التجارب": كلام إضافي نصب على المصدرية؛ لأن كلا وبعضًا إذا أضيفا إلى ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الخمسمائة
المصدر يكونان منصوبين بطريق النيابة عن المصدر؛ كما في قوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]. الاستشهاد فيه: في قوله: "من أزمان" فإن "من" هاهنا جاء لابتداء الغاية في الزمان؛ كما أن أكثر مجيئها لابتداء الغاية في المكان، وهو حجة على من ينكر ذلك (¬1). الشاهد الخامس والستون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إلَّا حِينَ يَبتَسِمُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة يمدح فيها زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وقد مرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد النائب عن الفاعل (¬4). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "من مهابته" فإن من هاهنا للتعليل (¬5). الشاهد السادس والستون بعد الخمسمائة (¬6)، (¬7) وكُنتُ أُرَى كالموتِ من بَيِن ساعَةٍ ... فكيفَ ببينٍ كَانَ موْعِدَهُ الحَشْرُ أقول: قائله هو سلمة بن يزيد بن مجمع الجعفي، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها ¬
هو قوله (¬1): 1 - أَقُولُ لِنَفْسِي فيِ الخلاءِ أَلُومُهَا ... لكِ الوَيلُ ما هذا التَّجَلُّدُ والصبر 2 - ألم تَعْلَمِي أنْ لَستُ مَا عِشْتُ قِيًا ... أخِي إذْ أتَى مِنْ دُونِ أوْصَالِهِ القَبرُ 3 - وَهَوَّنَ وَجْدِي أَنني سَوفَ أَغْتَدِي ... علَى إِثْرِهِ يَوْمًا وإنْ نَفَسَ العُمْرُ 4 - وكنت ................... ... .......................... إلخ 5 - فَتًى كَانَ يُعطِي السيفَ فيِ الرَّوْعِ حَقَّهُ ... إذَا ثَوَّبَ الداعِي وَتَشْقَى بِهِ الجُزْرُ 6 - فَتًى كَانَ يُدْنِيهِ الْغِنَى مِنْ صَدِيقهِ ... إذَا مَا هُوَ اسْتغنَى ويبعِدُهُ الفَقْرُ المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وكنت" التاء اسم كان، وخبره قوله: "أرى كالموت" وأرى: على صيغة المجهول بمعنى أظن، وقوله: "من بين ساعة" مفعول لأرى؛ لأن: "من" زائدة، والمعنى: كنت أرى بين ساعة كالموت، يعني: افتراق ساعة من المحبوب كالموت. قوله: "فكيف" للاستفهام، وقوله: "ببين": خبر لمبتدأ محذوف تقديره: كيف حالي ببين؟ قوله: "كان موعده الحشر": جملة وقعت صفة لبين، وقوله: "الحشر": اسم كان، و "موعده": مقدمًا خبره، وكان هنا بمعنى يكون للمستقبل من الزمان، وذلك كما في قول الطرماح (¬2): وَإنِّي لآتيكُم تَشَكُّرَ مَا مَضَى ... منَ الأمْرِ واستنجازَ ما كان في غدِ (¬3) الاستشهاد فيه: في قوله: "من بين ساعة" فإن الأخفش احتج به على جواز زيادة من في الإيجاب، وأجيب ¬
الشاهد السابع والستون بعد الخمسمائة
عن هذا بأنه يحتمل أن تكون "من" لابتداء الغاية، وتكون الكاف في قوله: "كالموت" اسمًا، ويكون المعنى: وكنت أرى من بين ساعة حالًا مثل الموت؛ كما في قولهم: رأيت منك أسدًا (¬1)، [فيكون من باب التجريد] (¬2)، وفي البيت استشهاد آخر، وهو توسط خبر كان، كما بيناه. الشاهد السابع والستون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) يَظَلُّ به الحِرْبَاءُ يَمْثُلُ قَائمًا .... وَيَكْثُرُ فيه منْ حنين الأَباعر أقول: [لم أقف على اسم قائله] (¬5) يصف به الشاعر يومًا توهج حره واشتد جمره. وهو من الطويل. قوله: "يظل" بالفتح؛ مضارع ظللت بالكسر، يقال: ظل يفعل إذا فعل نهارًا أو بات يفعل إذا فعل ليلًا، وكون بمعنى: صار؛ كقوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: (58)]، وهو المراد هاهنا. و"الحرباء": ذكر أم حبين، وهو حيوان يرى له سنام كسنام الجمل يستقبل الشمس ويدور معها كيفما دارت ويتلون ألوانًا بحر الشمس، وهو في الظل أخضر، ويكنى: أبا قرة، وبه يضرب المثل في الحزامة؛ لأنه يلزم ساق الشجر فلا يرسله إلا ويمسك ساقًا آخر، وجمع الحرباء: حِرابي، والأنثى: حرباءة، وألف حرباء للإلحاق بقرطاس، فلذلك ينون ويلحقه الهاء، ومثله: العلباء. قوله: "يمثل" أي: ينتصب، من باب نصر ينصر، و "الأباعر": جمع بعران في جمع بعير. الإعراب: قوله: "ظل": فعل، و "الحرباء" فاعله؛ يعني اسمه، والباء في: "به" بمعنى: في؛ أي: فيه، والضمير يرجع إلى اليوم؛ لأنه يصف يومًا شديد الحر بحيث أن الحرباء ينتصب قائمًا ولا يتحرك من شدة الحر ويكثر فيه حنين الأباعر، أي: صوتها الحزين. قوله: "يمثل": جملة خبر يظل، و "قائمًا": حال من الضمير الذي في: "يمثل" الراجع إلى الحرباء، قوله: "ويكر": عطف على قوله: "يظل به الحرباء"، قوله: "فيه" أي: في اليوم الذي وصفه الشاعر. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "من حنين الأباعر" فإن الأخفش احتج به على زيادة [من] (¬1) في الإيجاب، والمعنى: يكثر فيه حنين الأباعر، فيكون قوله: "حنين الأباعر" كلامًا إضافيًّا وقع فاعلًا لقوله: و"يكثر [فيه"] (¬2). وأجيب عن هذا بأن "من" هاهنا لبيان الجنس، ومتعلقه محذوف، وهو في موضع النصب على الحال من الضمير الذي في: "يكثر" وهو ضمير ما دل عليه العطف على يظل به الحرباء، ويكون تقدير الكلام: ويكثر فيه شيء آخر من حنين الأباعر. قلت: هذا لا يخلو عن تعسف، والظاهر مع الأخفش فليتأمل (¬3). الشاهد الثامن والستون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) جَارِيَةٌ لم تَأكلِ المُرَقَّقَا ... ولم تَذُقْ مِن البُقُولِ الفُستَقَا أقول: قائله هو أبو نخيلة بالنون والخاء المعجمة، واسمه: يعمر بن حزن بن زائدة بن لقيط بن هدم بن أبزى بن ظالم بن محاسن بن حمار، وحمار هو عبد العزى بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، شاعر محسن متقدم في القصيد والرجز. قوله: "المرققا" هو الرغيف الواسع الرقيق، وفي الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم -: "ما أكل مرققًا حتى لقي الله" (¬6). الإعراب: قوله: "جارية": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي جارية، وقوله: "لم تأكل المرققا": جملة ¬
الشاهد التاسع والستون بعد الخمسمائة
وقعت صفة للجارية، قوله: "لم تذق" عطف على [قوله: "] (¬1) لم تأكل"، قوله: "الفستقا": مفعوله، قوله: "من البقول" من هاهنا للبدل، أي: بدل البقول، كذا قاله ابن مالك (¬2). وقال بعضهم (¬3): توهم الشاعر أن الفستق من البقول (¬4)، وقال الجوهري: الرواية: النقول بالنون فتكون "من" على قوله للتبعيض، ويكون المعنى: إنها تأكل النقول إلا الفستق، وإنما أراد أنها لا تأكل إلا البقول لأنها بدوية (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "من" وقد حررناه. الشاهد التاسع والستون بعد الخمسمائة (¬6)، (¬7) فليت لي بهم قومًا إِذَا رَكبُوا ... شَنُّوا الإِغَارَةَ فُرسَانًا وَرُكْبَانًا أقول: قائله هو قريط بن أنيف من بلعنبر شاعر إسلامي، وقد مر الكلام فيه مطولًا في شواهد المفعول له (¬8). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "بهم" فإن الباء فيه للبدل، والإغارة نصب على أنه مفعول له (¬9). الشاهد السبعون بعد الخمسمائة (¬10)، (¬11) وإني لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ .... كَمَا انْتَفَضَ العصْفُورُ بلَّلَهُ القَطْر أقول: قائله هو أبو صخر الهذلي، وقد مَرّ الكلام فيه ............................... ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الخمسمائة
مستوفًى في شواهد المفعول له (¬1). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "لذكراك" فإن اللام للتعليل؛ كما في قولك: جئت (¬2) لإكرامك (¬3). الشاهد الحادي والسبعون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) وَمَلَكتَ مَا بَينَ العِرَاقِ وَيَثْرِبٍ ... مُلْكًا أَجَارَ لِمُسلِمٍ وَمُعَاهِدِ أقول: قائله هو ابن ميادة، واسمه الرماح، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، وكان أمير المدينة فدح بها حين قدم ابن ميادة المدينة، وأولها هو قوله (¬6): 1 - من كان أخطأه الربيع فإنما ... نصر الحجاز بغيث عبد الواحد 2 - إن المَدِينَةَ أَصْبَحَتْ مَعْمُورةً ... بِمُتوَّجٍ حُلْو الشمَائِلِ مَاجِدِ 3 - ولَقَدْ بَلَغْتَ بِغَيرِ أَمْرِ تَكَلُّف .... أعْلَى الخُطُوبِ بِرَغْمِ أنْفِ الحَاسِدِ 4 - وملكت .................... ... ........................... ! لخ 5 - ماليهِمَا ودَمَيهِمَا مِنْ بَعْدِ مَا ... غَشَّى الضعِيفَ شُعَاعُ سَيفِ الماردِ وهي من الكامل. 4 - قوله: "ويثرب" هي مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قوله: "أجار" معناه: حمى مسلمًا ومعاهدًا وهو الذمي، أراد: أن ملكه عَمّ أهل ما بين العراق ويثرب من المسلمين وأهل الذمة. ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الخمسمائة
الإعراب: قوله: "وملكت" فعل وفاعل، و "ما بين العراق ويثرب": مفعوله، قوله: "ملكًا": نصب على المصدر، قوله: "أجار" صفة لملكًا، واللام في "لمسلم" زائدة للتأكيد. وفيه الاستشهاد، و "معاهد": عطف عليه (¬1). الشاهد الثاني والسبعون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) فَلَثَمْتُ فَاهَا آخِذًا بِقُرُونِهَا ... شُرْبَ النَّزيف بِبَردِ مَاءِ الحَشْرَجِ أقول: قيل: إن قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وقيل: هو جميل، وهو الأصح، وكذا قاله الجوهري، وفي الحماسة البصرية: قائله هو عبيد بن أوس الطائي في أخت عدي بن أوس. وهو من قصيدة من الكامل، أولها هو قوله (¬4): 1 - ما زلتُ أطوي الحَيَّ أتبعُ حِسَّهُم ... حتى دَفَعْتُ إِلَى رَبيبَةِ هَودَجِ 2 - قالتْ وعيشِ أَبِي وعِدَّةَ إِخْوتي ... لأُنَبِّهَنَّ الحَي إِنْ لَم تَخْرُجِ 3 - فخَرَجْتُ خِيفَةَ قَوْلهَا فتبسمتْ ... فعلمتُ أَن يَمِينَها لَم يَلْجُجِ 4 - فتناولتْ رَأسي لتَعْرِفَ مَسَّهُ ... بِمخَضَّب الأَطْرَافِ غَيرَ مُشَنَّج 5 - فَلَثَمْتُ فَاهَا ........... ... .............................. إلخ 5 - قوله: "فلثمت" أي: قبلت؛ من اللثم وهو القُبلة، وقد لِثمت فاها بالكسر إذا قبلتها وربما ¬
جاء بالفتح، قال ابن كيسان: سمعت المبرد ينشد قول جميل: فلثمت فاها آخذًا بقرونها ... ................................ بالفتح، و "القرون": جمع قرن وهي خصلة من الشعر، قوله: "النزيف" بفتح النون وكسر الزاي وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو فعيل بمعنى [مفعول: أي] (¬1) منزوف ماؤه. ويقال للرجل إذا عطش حتى يبست عروقه وجفَّ لسانه: نزيف ومنزوف، شبه الشاعر شربه ريقها بشرب النزيف الماءَ الباردَ، والمنزوف أيضًا: المنزوف من الخمر، نزف من إنائه ومزج بالماء البارد. و"الحشرج" بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وفي آخره جيم، وهو ما تنسفه الأرض من الرمل، فإذا صار إلى صلابة أمسكته، فتحفر عنه الأرض فيستخرج. [وقال المبرد: الحشرج في هذا البيت: الكوز الرقيق الجاري، وقال ثعلب: الحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو] (¬2). الإعراب: قوله: "فلثمت" جملة من الفعل والفاعل، و "فاها": مفعوله، و: "آخذا": حال من الضمير الذي في لثمت، والباء في: "بقرونها" تتعلق بآخذًا. قوله: "شرب النزيف": كلام إضافي منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: لثمت ومصصت ريقها وشربتها شربًا مثل شرب النزيف ببرد ماء الحشرج، والباء في: "ببرد" زائدة، كما في قوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20]، فيكون الشرب مصدرًا مضافًا إلى فاعله، و"برد الحشرج": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "بقرونها" فإن الباء فيه للتبعيض؛ أي: ببعض قرونها (¬3). ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الخمسمائة
الشاهد الثالث والسبعون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) شربنَ بماء البحر ثم ترفعتْ ... ............................. أقول: قائله هو أبو ذؤيب، وتمامه: ........................... ... مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في هذا الباب عن قريب (¬3). والاستشهاد فيه: في قوله: "بماء البحر" فإن الباء فيه بمعنى من للتبعيض، وقد قلنا: "إن شربن" ضمن معنى: روين، فحينئذ الباء على حاله (¬4). الشاهد الرابع والسبعون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) إذا رَضِيَتْ عليَّ بَنُو قُشَيرٍ ... لَعَمْرُ الله أَعْجَبَنِي رِضَاهَا أقول: قائله هو قحيف العامري (¬7)؛ كذا قاله المبرد (¬8)، وبعده: ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد الخمسمائة
2 - وَلَا تنْبُو سُيوفُ بَنِي قُشَيْرٍ ... وَلَا تَمْضي الأَسنَّةُ في صَفَاهَا وهما من الوافر. قوله: "بنو قشير" هو قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منظور بن عكرمة بن حصفة بن قيس غيلان، قال ابن دريد (¬1): قشير: تصغير أقشر، وهو الشديد الشقرة حتى يكاد وجهه يتقشر، أو تصغير قشر، والقشر الثوم. الإعراب: قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و "رضيت": فعل، و "بنو قشير": فاعله، و "علي" بمعنى عني، قوله: "لعمر الله" مبتدأ، وخبره محذوف، أي: لعمر الله قسمي أو يميني، قوله: "أعجبني": فعل ومفعول، وقوله: "رضاها": فاعله، والجملة جواب إذا. الاستشهاد فيه: في قوله: "عليَّ" فإن علي فيه بمعنى عن، ويحتمل أن يكون رضي ضمن معنى عطف (¬2)، وقال الكسائي: حمل على نقيضه وهو سخط (¬3)، وقال المبرد في الكامل: وبنو كعب بن ربيعة بن عامر يقولون: رضي الله عليك (¬4). الشاهد الخامس والسبعون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) لئنْ مُنيتَ بِنَا عنْ غِبِّ مَعْرَكَةٍ ... لا تُلْفِنَا عنْ دمَاءِ القومِ ننتفلُ أقول: قائله [هو] (¬7) الأعشى، واسمه ميمون بن قيس، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬8): ¬
1 - ودِّع هُريرةَ إِن الرَّكبَ مُرتَحِل ... وهل تُطيقُ وَدَاعًا أيها الرجُلُ إلى أن قال: 2 - لئن قتلتُم عَمِيدًا لم يَكُن صدَدًا ... لنَقْتُلَنْ مثْلَهُ مِنْكُم فَنَمْتَثِلُ 3 - لئن مُنيتَ بنَا عن غبٍّ مَعركةٍ ... ............................ إلخ وهي من البسيط. 3 - قوله: "لئن مُنيتَ بنَا" أي: لئن ابتليت بنا، من مُنيَ بأمر كذا إذا ابتلي به، من مني يمنى، من باب: فتح يفتح، ومنى يمنو من باب نصر ينصر (¬1)، وأما منى يمني إذا أنزل المني، فمصدره منيًّا على وزن فعْل بفتح الفاء وسكون العين، وبابه من باب: ضرب يضرب، ومُني -أيضًا- بمعنى: قُدّر، ومنه: المنية وهو الموت؛ لأنه مقدر على الخلق كلهم. قوله: "عن غبّ" بكسر الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة، أي: عن عقب معركة، قوله: "لا تلفنا" أي: لا تجدنا من ألفى يلفي، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، أي: وجدا. قوله: "ننتفل" أي: ننتفي، يقال: انتفل عن الشيء إذا انتفى عنه، وذكر في شرح ديوانه أن الانتفال الجحود، يقال: انتفلت عن (¬2) الشيء إذا تبرأت منه وجحدته، يقول. إن لقيتنا بعد وقعة نوقعها بكم لم ننتفل ولا نتبرأ ولا نعتذر من دماء من قتلنا منكم. الإعراب: قوله: "فن" اللام فيه موطئة للقسم المحذوف، تقديره: والله لئن منيت، وكل واحد من القسم والشرط يستدعي جوابًا، وقد رجح الشرط على القسم هاهنا حيث قال: لا تلفنا بالجزم فإنه جواب الشرط وهو قوله: "إن"، وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه، ولو كان الجواب للقسم لقال: لا تلفينا بالياء لأنه مرفوع. و"منيت"على صيغة المجهول، و"بنا" جار ومجرور [مفعول] (¬3) ناب عن الفاعل، وقوله: "عن غب" يتعلق بقوله: "منيت"، و "معركة" مجرور بالإضافة. وقوله: "لا تلفنا": جملة مجزومة لأنها جواب الشرط، وقوله: "عن دماء": يتعلق بقوله: "ننتفل"، و "ننتفل": جملة وقعت حالا من الضمير المنصوب في لا تلفنا، وقد علم أن ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد الخمسمائة
المضارع إذا وقع حالًا وكان مثبتًا يكتفى بضميره فلا يحتاج إلى الواو (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "عن غب معركة" فإن عن فيه بمعنى بعد؛ كما في قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] أي: بعد طبق، وهذا قليل (¬2). الشاهد السادس والسبعون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) لاهِ ابنُ عمِّكَ لا أفضِلْتَ في حسبٍ ... عَنِّي ولا أنتَ ديَّانِي فَتَخْزُونِي أقول: قائله هو ذو الأصبع العدواني، واسمه حرثان بن الحرث بن محرث بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن سعد بن قيس غيلان بن نزار بن مضر. وهو أحد بني عدوان بطن من جذيلة، شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية، وله غاوات كثيرة في العرب، ووقائع مشهورة، وروي عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال: نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونًا لكثرة عددهم، ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا. والبيت المذكور من قصيدة من البسيط، قالها ذو الأصبع في مزين بن جابر، وأولها هو قوله (¬5): 1 - يَا مَنْ لِقَلْب شَدِيدِ الهَم مَحْزُونِ ... أمْسَى تَذَكَّرَ رَيًّا أمَّ هَرُونِ 2 - أمْسَى تَذَكَّرَهَا مِنْ بَعْد ما شَحَطَتْ ... والدَّهْرُ ذُو غِلْظَةٍ حِينًا وَذُو لِين 3 - فَإنْ يَكُنْ حُبُهَا أمْسَى لنَا شَجَنًا ... وأصبَحَ الرَّأْيُ منهَا لا يُوَاتِينِي 4 - فقَدْ غَنينَا وَشَمْلُ الدَّهْر يَجْمَعُنَا ... أُطِيعُ ريًّا وريًّا لا تُعَاصينِي ¬
5 - نَرْمِي الوُشاةَ فلا نُخْطِئْ مُقَاتِلَهُم ... بِخَالِصٍ من صَفَاءِ الودِّ مَكنُونِ 6 - لِيَ ابْنُ عَمٍّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ ... مُخْتَلِفَانِ فَأُقْلِيهِ ويُقْلِيني 7 - أزْرَى بِنَا أَننَا شالتْ نَعَامَتُنَا ... فَخَالنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُهُ دونِي 8 - ولَا تَقُوتُ عِيَالِي يَومَ مَسغَبَةٍ ... ولَا بِنَفْسِكَ فيِ الضَّرَّاءِ تَكْفِيني (¬1) 9 - لاهِ ابنِ عَمِّكَ ............ ... ............................ إلخ 10 - فإنْ تُرِد عرَضَ الدنْيَا بِمَنْقَصَتِي ... فإن ذَلكَ مِمَّا لَيسَ يُشْجِيني 11 - ولا ترَى فيِ غير الصَّبرِ مَنْقَصَةً ... ومَا سوَاهُ فإن اللهَ يَكْفِيني 12 - لولَا أياصر قُربَى لَستَ تَحْفظهَا ... ورَهْبَةُ الله فِيمَنْ لا يُعَادِينِي 13 - إذًا بَرَيتُكَ بَريًا لا انْجِبَارَ لَهُ ... إني رَأَيْتُكَ لَا تَنْفَك تبرِينِي 14 - إن الذِي يَقْبِضُ الدُّنيَا ويبسطها ... إِنْ كَانَ أغْنَاكَ عَنِّي سَوفَ يُغْنِيني 15 - اللهُ يَعْلَمُنِي واللَّهُ يعلَمُكُم ... واللهُ يُجْزِيكُمُ عَنِّي وَيَجْزِينِي 16 - مَاذَا عَلَيّ وَإنْ كُنتُم ذَوي رَحِمِي ... أنْ لَا أُحِبكُم إذْ لَمْ تُحِبوني 17 - لَو تَشرَبُونَ دَمِي لَم يرو شاربكم ... ولَا دِمَاؤُكُم جَمْعًا ترَوِّينِي 18 - لِيَ ابْنُ عَم لَوْ أَن الناسَ فيِ كَبَدٍ ... لَظَل مُحْتَجِرًا بِالنَّبلِ يَرمِيني 19 - يَا عَمْرُو إِنْ لا تَدَعْ شَتْمِي ومَنقَصَتِي ... أَضربْكَ حَتَّى تَقُولَ الهَامَةُ اسْقُونِي 20 - كُلُّ امْرِئ صَائِرٌ يَوْمًا لِشِيعَتِهِ ... وإنْ تَخَلَّقَ أخْلاقًا إلَى حِيِن 21 - إني لَعَمْرُكَ ما بَابِي بِمُنْغَلِقٍ ... عَلَى الصديق ولا خيري بِمَمْنُونِ 22 - ولا لِسَانِي عَلَى الأَدْنَى بِمُنَطِلقٍ ... بالمنكراتِ ولا فَتْكِي بِمَأْمُونِ 23 - لَا يَخْرُجُ القَسرُ مِنِّي غيرَ مَغْضَبَةٍ ... ولَا ألْيَنُ لمن لا يَبتَغِي لِيني 24 - وأنْتُمُ مَعشَرٌ زَيْدٌ عَلَى مِائَةٍ ... فَاجْمِعُوا أمْرَكُم شتى وكِيدُونِي 25 - وإنْ عَلِمتُم سَبِيلَ الرشدِ فانْطَلقُوا ... وإنْ جَهِلْتُم سَبِيلَ الرشْدِ فَأتُوني 26 - يا رُبّ ثَوبٍ حَوَاشيهِ كأوسطِهِ ... لا عَيبَ في الثوبِ مِنْ حُسنٍ ومِنْ لِيِن 27 - مَاذَا علَيَّ إِنْ تَدْعُونَنِي ضَرَعًا ... إن لا أجِيبُكُمُ إذْ لا تُجِيبُونِي 28 - قَدْ كُنْتُ أعْطِيكُمُ مَالِي وَأَمْنَحُكُم ... وُدِّي عَلَى مُثْبَتٍ فيِ الصَّدرِ مَكْنونِ ¬
29 - يَارُب حَيّ شَدِيدِ الشَّغْب ذِي لجبٍ ... دَعَوْتُ منْ رَاهِنٍ فِيهِ وَمَرهُونِ 30 - ردَدْتُ بَاطِلَهُمْ في رَأْس قَائِلِهِم ... حَتَّى يَظَلُّوا خُصُومًا ذَا أفَانِيِن 31 - يا صَاحِ لو كنتَ لي ألْفَيتَنِي بَشَرًا ... سَمْحًا كَرِيمًا أُجَازِي مَنْ يُجَازِيني 32 - واللَّه لو كَرْهَت كفي مُصاحبتي ... لقلت إذ كَرِهَتْ قربي لها بِيني 9 - قوله: "لاه ابن عمك" أي: لله درّ ابن عمك، قوله: "ولا أنت دياني كمخزونيّ" قال ابن السكيت: أي: ولا أنت مالك أمري فتسوسني، ومادة فتخزوني: الخاء والزاي العجمتان والواو، يقال: خزاه يخزوه خزوًا: ساسه وقهره، وأما الخزْيُ فهو من خَزِيَ يَخْزِي خزيًا، أي: ذلّ وهان. الإعراب: قوله: "لاه ابن عمك" قد قلنا: إن أصله: لله درُّ ابن عمك، وهذا يقال في المدح، ومعناه: لله خير ابن عمك، والدّرّ: اللبن، يقال في الذم: لا درّ درُّهُ، أي لا كثر خيره، وقوله: "در ابن عمك": كلام إضافي مبتدأ، و "لله" مقدمًا خبره. قوله: "لا أفضلت" جملة منفية، و "في حسب" متعلق به، "ولا أنت"؛ عطف عليه، وأنت: مبتدأ، و "دياني": خبره، وأصله: ديانني حذفت نون الوقاية للتخفيف فصار: دياني، قوله: "فتخزوني" مرفوع. والمعنى: ما أنت دياني فما تخزوني، وذلك لأن شرط النصب بعد الفاء التي تقع جواب النفي أن يكون خالصًا من معنى الإثبات، فإن لم يكن خالصًا تعين الرفع نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، على معنيين. الأول: نفي الإتيان والحديث، أي: ما تأتينا فما تحدثنا. والثاني: نفي الإتيان وإثبات الحديث، أي: ما تأتينا فأنت تحدثنا (¬1)، وقوله: "فتخزوني" على المعنى الأول فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "عني" فإن عن هاهنا بمعنى على، أي: لا أفضلت في حسب عليَّ (¬2). ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الخمسمائة
الشاهد السابع والسبعون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) لَوَاحِقُ الأقراب فيها كالمُقَق ... ................................ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز يصف خيلًا، وهو من قصيدة طويلة مرجزة سقناها في أول الكتاب (¬3). قوله: "لواحق الأقراب" اللواحق: الضوامر من الخيل؛ من: لحق لحوقًا إذا ضمر، والأقراب: جمع قرُب بضم القاف والراء وفي آخره باء موحدة وهو من الشاكلة إلى مراقي البطن، قوله: "كمالمقق" بضم الميم وبالقافين، وهو الطول. الإعراب: قوله: "لواحق الأقراب": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف، أي: هي لواحق الأقراب، قوله: "فيها كمالمقق": جملة من المبتدأ والخبر في الحقيقة؛ لأن الكاف زائدة، والتقدير: فيها المقق. الاستشهاد فيه: وهو زيادة الكاف (¬4). الشاهد الثامن والسبعون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوي شططٍ ... كَالطعنِ يذهبُ فيه الزيتُ والفتلُ أقول: قائله هو الأعشى ميمون، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: وَدِّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مرتَحِلٌ ... ................................ ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الخمسمائة
وقد ذكرنا أولها عن قريب (¬1). قوله: "أتنتهون" ويروى: هل تنتهون، ويروى: لا تنتهون، قوله: "ولن ينهى" ويروى: ولا ينهى، و "الشطط": الظلم والجور، قوله: "يذهب فيه" ويروى: يهلك فيه، أي: في موضعه من المطعون. والمعنى: لا ينهى الظالم عن ظلمه إلا الطعن الجائف الذي تغيب فيه الفتل إذا دسمت بالزيت، وذلك لسعته وبعد غوره. الإعراب: قوله: "أتنتهون" الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار والتوبيخ، قوله: "ولن ينهى" يجوز أن يكون الواو للحال، "وينهى": فعل، وفاعله: "كالطعن" على ما يأتي، و: "ذوي شطط": مفعوله. قوله: "يذهب" فعل، و"الزيت" فاعله، و "الفتل" عطف عليه، والجملة في محل النصب على الحال، ويجوز أن تكون صفة لطعن على تقدير زيادة الألف واللام (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "كالطعن" فإن الكاف فيه مرفوع على الفاعلية، والعامل فيه ينهى كما قلنا، والتقدير: ولن ينهى ذوي شطط مثل الطعن؛ فيرفعه بفعله، ويقال: يجوز أن تكون الكاف حرف جر، وتكون صفة قامت مقام الموصوف تقديره: لن ينهى ذوي شطط شيء كالطعن، فشيء هو الفاعل المحذوف، والكاف حرف جر صفة لشيء، فإن شيئًا نكرة، والنكرات قد توصف بحرف الجر؛ نحو: كلمت غلامًا لمحمد. فافهم (¬3). الشاهد التاسع والسبعون بعد الخمسمائة (¬4)، (¬5) أبدًا كَالفِرَاء فَوقَ ذُرَاهَا ... حينَ يَطْوي المَسَامِعَ الصَّرَّارُ أقول: لم أقف على اسم قائله. ¬
وهو من الخفيف، يصف الشاعر بهذا في الحقيقة رجلًا يأوي ذرا الجبال بالليالي دائمًا خوفًا من عدوه يدهمه في منزله؛ كحمير الوحش التي تتعلق برؤوس الجبال في الليالي خوفًا من دهمة مفترس. قوله: "كالفراء" بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف همزة، وهو جمع فرا بفتح الفاء والراء المقصورة، وهو الحمار الوحشي؛ كجبل يجمع على جبال، وقد ضبطه بعضهم بضم الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف راء أخرى، وهذا غير صحيح، وإن كان له وجه في المعنى؛ لأن فرارًا على وزن طوال ولد البقرة الوحشية، وكذلك الفرير مثل طويل، ويقال: الفرار جمع فرير، قال أبو عبيدة: ولم يأت على فعال شيء من الجمع إلا أحرف هذا أحدها. قوله: "ذراها" بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة [الجبل] (¬1) وهي أعلاه، ومنه ذروة السنام [والضمير يرجع إلى الجبال] (¬2)، قوله: "حين يطوي" أي: حين يسد المسامعَ الصرارُ وهو بفتح الصاد وتشديد الراء، وهو الطير الذي يصيح بالليل، وهو الذي يسمى الجدجد بضمتين. الإعراب: قوله: "أبدًا": نصب على الظرف، قوله: "كالفراء" الكاف اسم في محل الرفع على الابتداء، والظرف، أعني قوله: "فوق ذراها": خبره، يعني: الحمير الوحشية مستمرة فوق ذراها بالليالي، ويخبر بهذه الجملة عن استمرار كون الفراء فوق ذرا الجبال، وهو معنى قوله: "أبدًا"، أي: مستمرًّا دائمًا، وذلك إنما يكون غالبًا حين يقوى صياح الصرار، وذلك لا يكون إلا بالليل؛ لأن الصرار لا يقوى صياحه إلا بالليل، ولكن ذكر هذه الجملة وأراد في الحقيقة بيان حال الرجل الذي ذكرناه آنفًا، والتقدير: مثل هذا الرجل المستمر فوق رؤوس الجبال بالليالي مثل الفراء المستترة فيها فافهم. وفي الحقيقة: الكاف في محل الرفع على الخبرية وبحسب الظاهر من غير التقدير هي في محل الرفع على الابتداء وعليه كلام ابن الناظم حيث قال: ومبتدأ -أي ويكون مبتدأ، وعليه قول الشاعر: أبدًا كالفراء ............ ... ....................... إلخ [قوله: "] (¬3) حين": نصب على الظرف، و "يطوي": فعل، و "الصرار": فاعله، ¬
الشاهد الثمانون بعد الخمسمائة
و "المسامع": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "كالفراء" وقد ذكرناه (¬1). الشاهد الثمانون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) ...................... ... يَضْحَكْنَ عَنْ كَالْبَردِ المُنْهَمّ أقول: قائله هو العجاج الراجز، وأوله (¬4): 1 - ولَا تَلُمْنِي اليَوْمَ يَابْنَ عَمِّي ... عِنْدَ أَبِي الصَّهْبَاءِ أَقْصَى هَمِّي 2 - بِيضٌ ثَلَاثٌ كَنِعَاجٍ جُمٍّ ... يَضحَكْنَ عَنْ كَالْبَردِ المنهَمّ 3 - تَحْتَ عَرَايين أُنُوف شُم 2 - و "البيض": جمع بيضاء، و "النعاج": جمع نعجة الرمل، وهي البقرة [الوحشية] (¬5)، قال أبو عبيد: ولا يقال لغير البقر من الوحش نعاج، و "الجم" بضم الجيم جمع جمَّاء وهي التي لا قرن لها، وبالفتح بمعنى الكثير، قوله: "كالبرد المنهمّ" بتشديد الميم، أي: مثل البرد الذائب يصف به النسوة؛ يعني: أولئك النسوة يضحكن عن أسنان كالبرد الذائب لطافة ونظافة. الإعراب: [قوله] (¬6): "بيض"؛ خبر مبتدأ محذوف، أي: هن بيض، أو مبتدأ خبره محذوف، أي: منهن بيض، أو مبتدأ وثلاث صفته، وكذلك الكاف في: "نعاج"، وخبره: "يضحكن"، وقوله: "عن": يتعلق بيضحكن، و"المنهم": صفة للبرد. الاستشهاد فيه: في قوله: "كالبرد" فإن الكاف فيه اسم بمعنى المثل، والدليل على اسميتها دخول ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد الخمسمائة
حرف الجر عليها (¬1). الشاهد الحادي والثمانون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) بكَا اللقْوَةِ الشغواءِ جُلْتُ فلم أكنْ ... لِأُولَعَ إلا بالكَمِي المقُنَّع أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله، وهو من الطويل. قوله: "اللقوة" بفتح اللام وسكون القاف، وهي العقاب سميت بذلك لسرعة اختطافها، وتسمى -[أيضًا]- (¬4) فتخاء للين جناحيها، قال الجوهري: اللَّقوة: العقاب الأنثى، واللِّقوة بالكسر مثله، قال أبو عبيدة: سميت بذلك لقوة لَسْع أشداقها (¬5). قوله: "الشغواء" بالشين والغين المعجمتين، يقال للعقاب: شغواء لفضل منقارها الأعلى على الأسفل، ويقال: سميت بذلك لاعوجاج منقارها، ويقال: غارة شعواء بالعين المهملة، وهي التي تأتي من كل جانب. قوله: "جلت": من الجولان، أراد به الجولان في الحرب، قوله: "لأولع" على صيغة المجهول من أولع بالشيء فهو مولَع به بفتح اللام، أي: مغرى به، قوله: "بالكمي" بفتح الكاف وتشديد الياء، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه؛ لأنه كمى نفسه؛ أي: سترها بالدرع والبيضة. قوله: "المقنع" بضم الميم وفتح القاف وتشديد النون وفي آخره عين مهملة، يقال: رجل مقنع إذا كان عليه بيضة. الإعراب: قوله: "بكا اللقوة" الباء تتعلق بقوله: "جلت"، والكاف اسم على ما يأتي، و "الشغواء" بالجر صفة اللقوة، و "جلت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "فلم أكن" جملة معطوفة على قوله: "جلت"، واسم كان مستتر فيه وخبره هو قوله: "لأولع"، وانتصاب لأولع بأن المقدرة، أي: لأن أولع، قوله: "إلا": استثناء من قوله: "لأولع"، قوله: "بالكمي": يتعلق بأولع، ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد الخمسمائة
و: "المقنع" بالجر صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "بكا اللقوة" حيث جاء الكاف فيه اسمًا؛ لأنه مجرور بالباء، والمعنى: بمثل اللقوة الشغواء جلت (¬1). الشاهد الثاني والثمانون بعد الخمسمائة (¬2)، (¬3) فقلتُ للرَّكب لمَّا أنْ علَا بهم ... من عَن يمين الحُبَيَّا نَظْرَةٌ قَبلُ أَلمحة مِنْ سَنَا بَرقٍ رَأَى بَصَري ... أَمْ وَجْهَ عَالية اخْتَالتْ بِهَا الكِلَلُ أقول: قائله هو القطامي (¬4)، واسمه عمير بن شنيم التغلبي؛ فالقطامي لقب عليه، وهذا من قصيدة طويلة يمدح بها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأولها هو قوله (¬5): 1 - إِنا مُحَيُّوكَ فَاسْلَم أيُّهَا الطَّلَلُ ... وإن بَلِيتَ وَإنْ طَالتْ بِكَ الطيَلُ 2 - أنى اهْتَدَيْتُ لِتَسليم عَلَى دمنٍ ... بِالْغَمرِ غَيَّرَهُن الأَعْصُرُ الأوَلُ 3 - والْعَيشَ لا عَيشَ إلا مَا تقرُّ بِه ... عَينٌ ولا حَال إلا سَوفَ تَنتقلُ 4 - والناسُ مَنْ يَلْقَ خَيرًا قَائِلُونَ لَهُ ... مَا يَشْتَهي وَلأُم المخطِئِ الْهَبَلُ 5 - قَدْ يُدْرِكُ المُتأَنِّي بَعضَ حَاجَتهِ ... وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المستَعْجلِ الزلَلُ 6 - يَمْشيَن رَهْوًا فَلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ ... ولا الصُّدُور على الأَعْجازِ تتَّكلُ 7 - فقلْتُ للركب .............. ... ................................... 8 - ....................... ... .................... إلى آخر البيتين 9 - تُهْدي لَنَا كُلَّمَا كَانَتْ عَلاوَتُنَا ... رِيحُ الحُزَامَى جَرَى فِيها النَّدَى الخضِلُ ¬
10 - أما قُرَيشٌ فَلَنْ تَلْقَاهُم أبَدًا ... إلا وَهُمْ خَيرُ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ 11 - إِلا وَهُم جَبلُ الله الذِي قَصُرَت ... عنهُ الجِبَالُ فَمَا سَاوَى بِهِ جَبَلُ 12 - قَوْمُ هُمُ بَيَّنوا الإسلامَ وَامْتَنَعُوا ... قَومُ الرَّسُولِ الذِي مَا بَعْدَهُ رُسُلُ 13 - مَنْ صَالحُوهُ رَأَى في عَيشِهِ سعةً ... ولا يُرَى مَنْ أَرَادُوا ضُرَّهُ يَئلُ 14 - كَم نَالني منْهُمُ فَضْلًا علَى عَدَم ... إذْ لا أكادُ مِنَ الاقْتَارِ أَجْتَمِلُ 15 - وَكَم منَ الدَّهْرِ مَا قَدْ ثَبَّتوا قَدَمِي ... إذْ لا أَزَالُ معَ الأَعدَاءِ نَنْتَضِلُ 16 - فلَا هُمُ صَالحُوا مَنْ يبتغي عَنتِي ... ولَا هُمُ كدَّرُوا الخيَرَ الذِي فَعَلُوا 17 - هُمُ المُلُوكُ وَأَبْنَاء المُلُوكِ لَهُم ... والآخِذُونَ بِهِ وَالسَّادَةُ الأُوَلُ (¬1) وهي من البسيط. 7 - قوله: "للركب" الركب: جمع [راكب] (¬2) عند الأخفش، وعند سيبويه اسم جمع، وفي النهاية: الركب: اسم من أسماء الجموع كنفر ورهط، ولهذا يصغر على لفظه، وقيل: هو جمع راكب كصاحب وصحْب، وقال الجوهري: الركب: أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، والجمع: أركب (¬3). قوله: "لما أن علا بهم" ويروى: علا لهم، والمعنى: علت لهم، أي: جعلتهم يعلون ويستشرفون للنظر إلى عاليه، وهو بمنزلة قوله: أعلتهم، لأن الباء والهمزة تتعاقبان على نقل الأفعال، كقولك: ذهبت به وأذهبته. قوله: "الحبيا" بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف مقصور مصغر لا تكبير له، وهو اسم موضع بالشام، قوله: "قبل" بفتح القاف وفتح الباء الموحدة، يقال: نظرة قبل إذا لم يتقدمها نظر، ومنه يقال: رأينا الهلال قبلًا إذا لم يكن رؤي قبل ذلك. 8 - قوله: "من سنا برق" سنا البرق ضوءه، قوله: "عالية" أي: امرأة عالية [وقيل: عالية اسم امرأة] (¬4) قوله: "اختالت" بالخاء المعجمة، أي: تبخترت، قوله: "الكلل" بكسر الكاف جمع كلة وهو ستر رقيق (¬5). ¬
9 - قوله: "علاوتنا" بفتح العين المهملة، يقال: كن في علاوة الريح وسفالتها، فعلاوتها: أن تكون فوق الصيد، وسفالتها: أن تكون تحت الصيد لئلا يجد الوحش رائحتك، يقال: قعد فلان في علاوة الريح، أي: في موضع مشرف يصيبه الريح، وقعد في سفالتها، أي: في موضع منخفض لا يأتي له الريح، قوله: "الخضل" بالخاء والضاد المعجمتين، أي: الرطب البلول. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "للركب": يتعلق بقلت، والقول إذا وصل باللام يكون بمعنى الخطاب، أي: خاطبت الركب، قوله: "لما" بمعنى حين ظرف، والعامل فيه "قلت"، وكلمة: "أن" مفسرة (¬1). قوله: "علا بهم" جملة من الفعل والفعول بمعنى أعلتهم، والفاعل قوله: "نظرة"، قوله: "من عن يمين الحبيا": يتعلق بما قبله، و "عن" هنا بمعنى جانب، فلذلك دخل عليها حرف الجر، قوله: "قبل" بالرفع صفة للنظرة. قوله: "ألمحة" الهمزة للاستفهام و "لمحة" منصوب بقوله: "رأى بصرى"، قوله: "من سنا برق": [يتعلق بلمحة في موضع النصب، والتقدير: ألمحة كائنة من سنا برق] (¬2). وقوله: "بصري": فاعل رأى، قوله: " [أم]: (¬3) متصلة عطف بها، [قوله: "] (¬4) وجه عالية على قوله: "لمحة"، قوله: "اختالت" فعل، و: "بها" في محل النصب على المفعولية، و "الكلل": فاعله، والجملة وقعت حالًا من عالية، ويروى: "اختالت به" بتذكير الضمير، فعلى هذا يكون الحال من الوجه. الاستشهاد فيه: في قوله: "من عن يمين الحبيا" فعن هاهنا اسم مجرور بمن، ويكون في مثل هذا الموضع بمعنى جانب، والمعنى: من جانب الحبيا، وهذا كثير في الكلام (¬5). ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة
الشاهد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) غَدَتْ مِن عَلَيه بَعدَ مَا تَمَّ ظِمؤُهَا ... تَصِلُّ وَعَن قَيضٍ ببَيدَاءَ مَجْهَلِ أقول: قائله هو مزاحم بن الحرث العقيلي (¬3)، وهو إسلامي، قاله أبو حاتم وأبو الفرج (¬4)، وهو الصحيح، لا ما قاله ابن سيده إنه جاهلي، وقصيدته هذه اللامية من أحسن ما وصف به القطا، وقبله: 1 - قطعت بشَوشَاة كَأَن قتودها ... على خاضب يعلو الأَمَاعزَ هَيكَلِ 2 - أَذَلكَ أَم كُدريَّة ظَل فَرخُهَا ... لَقَى بشَرَوْرَى كَالْيَتِيمِ المُعَيَّلِ وهي من الطويل. 1 - قوله: "بشوشاة" بفتح الشينين المعجمتين بينهما واو ساكنة مثل: موماة، وهي الناقة السريعة، قوله: "كأن قتودها" القتود: جمع قتد بفتح القاف والتاء المثناة من فوق، وهو خبث الرحل، ويجمع على أقتاد -أيضًا-، و "الخاضب" بالخاء والضاد المعجمتين وبالباء الموحدة، وهو الظليم الذي أكل الربيع واحمر ظنبوباه واصفر، "الأماعز" بالعين المهملة والزاي المعجمة، وهي المواضع الكثيرة الحجارة و "الهيكل": العظيم الخلق. 2 - و "الكدرية" بضم الكاف وسكون الدال، وهي القطا التي في لونها كدرة، والقطا نوعان: كدري وجونى (¬5)، والكدري أغبر اللون، والجوني أسود اللون. قوله: "لَقَى" بفتح اللام وفتح القاف مقصور، وهو المطروح الذي لا يلتفت إليه، قال الجوهري: اللقى بالفتح: الشيء الملقى لهوانه، وجمعه ألقاء، و "شرورى" بفتح الشين المعجمة ¬
وفتح الراءين المهملتين بينهما واو ساكنة، وهو اسم موضع، ويقال: اسم جبل، قوله: "المعيل" أي: المهمل المتروك. قوله: "غدت" بالغين [المعجمة] (¬1) والدال؛ من غدا يغدو غدوًا، وهو نقيض الرواح، أراد أنها أقامت مع فرخها حتى احتاجت إلى ورود الماء وعطشت، فطارت تطلب الماء عندما تم ظمؤها (¬2)؛ لأنها كانت تشرب في كل ثلاثة أيام أو أربعة مرة، فلما جاءها ذلك الوقت طارت، قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: كيف قال غدت من عليه، والقطاة إنما تذهب إلى الماء ليلًا لا غدوة؟ فقال: لم يرد الغدو، وإنما هذا مثل للتعجيل. قوله: "ظمؤها" بكسر الظاء المعجمة وسكون الميم بعدها همزة، والظمؤ: مدة صبرها عن الماء، وهو ما بين الشرب إلى الشرب، ويروى: "بعد ما تم خمسها" بكسر الخاء، وهو ورود الماء في كل خمسة أيام، ولم يرد أنها تصبر عن الماء خمسة أيام؛ إنما هذا للإبل لا للطير، ولكنه ضربه مثلًا، هذا قول أبي حاتم، ولأجل هذا كانت رواية من روى: "بعد ما تم ظمؤها" أحسن وأصح. قوله: "تصل" بالصاد المهملة المكسورة، أي: تصوت أحشاؤها من العطش، يقال: جاءت الإبل تصل عطشًا، قاله أبو حاتم، وقال غيره: تقبل (¬3) في طيرانها. وقوله: "عن قيض" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ضاد معجمة، وهو قشر البيض الأعلى، ويقال: وعن قيض يعني: عن فراخ، والقيض في الأصل: اسم لما يقشر من البيض عن الفراخ، وإنما يريد أن يذكر ساعة طيرانها من أجل ذلك. قوله: "ببيداء" بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ممدودة، وهي الفلاة التي تبيد من سكنها، أي: تهلك، وهوى: "بزيزاء مجهل" الزيزاء بكسر الزاي المعجمة الأولى: الغليظ من الأرض، قاله الثعلبي وغيره. قلت: الزيزاء: منهل من مناهل الحجيج من أرض الشام ينزل منها إلى أرض معان من بلاد الشوبك. ويروى بفتح همزتها وكسرها، ففتحها، على أنه ممنوع من الصرف، فعند البصريين منع للعلمية والتأنيث لأنه بقعة، وعند الكوفيين لأن ألفه للتأنيث، فعلى هذا يكون قوله: "مجهل" ¬
صفة لزيزاء، وأما كسرها فعلى الإضافة إلى مجهل، والمجهل: القفر التي ليس فيها أعلام يهتدى بها (¬1). وحاصل المعنى من هذا البيت: أنه يصف قطاة في أشد أحوالها وحاجتها إلى الطيران من عطشها وحاجة فرخها إلى الري؛ لأنها غدت في اليوم الخامس من شربها وجوفها يصوِّت من يبسه وبعد عهده عن الماء. الإعراب: قوله: "يعلو الأماعز": جملة وقعت صفة لخاضب، وكذا قوله: "هيكل": صفة أخرى، قوله: "أذلك" إشارة إلى خاضب، قوله: "غدت من عليه" اسم غدت مستتر فيه يعود إلى القطاة، ومعنى: "من عليه" من فوقه، والضمير يرجع إلى الفرخ، وقال أبو عبيدة: معناه من عند فرخها. قوله: "بعد": نصب على الظرف، قوله: "بعد ما تم ظمؤها" كلمة ما مصدرية، أي: بعد تمام ظمئها، قوله: "تصل": جملة وقعت خبرًا لقوله: "غدت"، وقال شارح أبيات الجمل: تصل في موضع نصب على الحال (¬2). قوله: "وعن قيض" عطفت على قوله: "من عليه"، قوله: "ببيداء": جار ومجرور صفة لقوله: "قيض"، وقوله: "مجهل": صفة للبيداء، وهو إما مصدر ميمي في الأصل أو اسم مكان. الاستشهاد فيه: في قوله: "من عليه" فإن على هاهنا اسم بمعنى فوق كما ذكرناه (¬3). ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد الخمسمائة
الشاهد الرابع والثمانون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) وَلَقَدْ أَرَانِي لِلرِّمَاحِ درِيئةً ... مِنْ عَنْ يَمِيني تَارَةً وَأَمَامِي أقول: قائله هو قطري بن الفجاءة الخارجي، وهو من قصيدة أولها (¬3): 1 - لَا يَركَنَنَّ أحَدٌ إِلَى الإحْجَامِ ... يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لحِمَامِ وقد ذكرناها بتمامها في شواهد الحال (¬4)، وهي من الكامل. قوله "دريئة" هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي، ولقد تكلمنا في هذا البيت بما فيه الكفاية في شواهد الحال. الإعراب: قوله: "ولقد أراني" الواو للعطف، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "أراني": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى يوم الوغى في البيت الذي قبله. قوله: "للرماح" اللام فيه للتعليل؛ أي: من أجل الرماح، قوله: "دريئة": نصب على أنه مفعول ثان لأرى، قوله: "من عن يميني" أي: من جانب يميني، قوله: "تارة": نصب على المصدر؛ كما في: مرة وطورًا، ويجمع على تارات وتير، قال الشاعر (¬5): يَقوم تيرات ويمشي تيرًا ... ................................ قوله: "وأمامي": عطف على يميني، والتقدير: ومن عن أمامي تارة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "من عن يميني" فإن عن هاهنا اسم بمعنى جانب بدليل دخول حرف الجر عليها (¬6) فافهم. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة
الشاهد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة (¬1)، (¬2) على عنْ يَمِيني مَرَّت الطيرُ سُنّحًا ... .............................. أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: ........................... ... وَكَيفَ سُنُوحٌ واليَمينُ قَطيعُ وهو من الطويل. قوله: "سنحًا" بضم السين المهملة وتشديد النون؛ جمع سانح، تقول: سنح لي الطير يسنح سنوحًا إذا مَرَّ من مياسرك إلى ميامنك، والعرب تتيمن بالسانح دون البارح (¬3)؛ [كذا قاله الجوهري (¬4)] (¬5). قلت: العرب تختلف في ذلك فأهل نجد يتيمنون بالسانح دون البارح وأهل الحجاز بعكس ذلك، قال ذو الرمة وهو نجدي (¬6): خَلِيلَيَّ لَا لاقَيتُمَا مَا حَييتُمَا ... منَ الطير إلا السَّانِحَات وأسْعُدَا وقال النابغة وهو نجدي يتشاءم بالبارح (¬7): زعمَ البوَاح أن رحلتنا غدًا ... وبذَاكَ تَنْعَابُ الغُرَابِ الأسْوَد وقال كثير وهو حجازي يتشاءم بالسانح (¬8): أقولُ إذَا مَا الطيرُ مَرَّت مُخِيفَةً ... سَوَانِحُهَا تَجْري ولَا أَسْتَثيرُهَا فهذا هو الأصل، ثم قد يستعمل النجدي لغة الحجازي، والحجازي لغة النجدي، فمن ذلك ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد الخمسمائة
قول عمر بن قميئة (¬1)، وهو نجدي: فَبيني عَلَى طَيْرٍ شَخيصٍ نحوسه ... وأَشأَمُ طَير الرَّاجِزِين سَنِيحُهَا (¬2) وقال الأعشى وهو نجدي (¬3): أَجارَهُمَا بِشْرٌ مِنَ المَوْت بَعدَمَا ... جَرَتْ لَهُمَا طَيرُ السنيح بأَشْأَم الإعراب: قوله: "على عن يميني": يتعلق بقوله: "مرت"، و"الطير": فاعل مرت، و"سنحا": نصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "على عن يميني" فإن عن هاهنا اسم بدليل دخول على عليها، وهذا نادر، والمحفوظ من دخول "على" على كلمة عن في هذا البيت فقط، فإن الأكثر أن تدخل عليه كلمة من عند كونها (¬4) اسمًا (¬5). الشاهد السادس والثمانون بعد الخمسمائة (¬6)، (¬7) دَعْ عَنْكَ نَهبًا صيحَ فيِ حُجُرَاته ... ................................ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وآخره: ........................ ... وَلكنْ حديثًا مَا حديثُ الرَّواحلِ ¬
وهو من [أول] (¬1) قصيدة لامية من الطويل، وفيها الثلم (¬2)، وبعده (¬3): 2 - كَأَن دِثَارًا حَلَّقَتْ بِلَبُونهِ ... عُقَابُ تَنُوفُ لَا عُقَابُ القَوَاعِلِ 3 - تَلَعَّبَ بَاعِثٌ بِذِمَّةِ خَالِدٍ ... وَأَوْدَى دِثَارٌ فيِ الخُطُوبِ الأَوَائِلِ 4 - وأَعْجَبني مَشْي الحُذُفَّةِ خَالِدٍ ... كَمَشْيِ الأَتَانِ حُلِّئَتْ بِالْمناهِلِ 5 - أبَتْ أَجَأٌ أَنْ تُسلِمَ اليَوْمَ جَارَهَا ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيَنْهَضْ لَهَا بالمقَاتِلِ 6 - تَبِيتُ لَبُوني بِالقُرَيةِ أُمَّنًا ... وَأَسرَحُهَا غِبًّا بِأكنَافِ حَائِلِ 7 - بَنُو ثُعَلٍ جِيرَانُهَا وحُمَاتُهَا ... وَتُمْنَعُ مِنْ رِجَالِ سَعْد ونَابِلِ 8 - تَلَاعبُ أوْلَادَ الوُعُولِ رِبَاعُهَا ... دُوَينَ السَّمَاءِ فيِ رُؤُوسِ المجادِلِ 9 - مُكَلَّلَةً حَمْرَاءَ ذَاتَ أَسِرَّةٍ ... لَهَا حُبُك كَأَنَّهَا مِنْ وَصَائِلِ 1 - قوله: "دع" أي: اترك، "نهبًا" أي: ما انتهب، ويجمع على نهاب، قوله: "صيح": مجهول صاح، و "الحجرات" بضم الحاء (¬4) ثم الجيم النواحي، قال الأصمعي: معناه: دع الذي انتهبه باعث وحدثني حديثًا عن الرواحل التي أنت ذهبت بها. وقال: نزل امرؤ القيس على خالد بن سدوس الطائي وأغار باعث وهو رجل من طيء على مال امرئ القيس، فقال له جاره خالد: أعطني صنائعك، يعني: إبله حتى أطلب مالك وأرده عليك، ففعل امرؤ القيس وانطوى خالد عليها. 2 - قوله: "كأن دثارًا" أراد به دثار بن فقعس بن طريف من بني أسد، كان راعيًا لامرئ القيس، قوله: "حلقت": من التحليق، قوله: "عقاب تنوف" بالتاء المثناة من فوق وضم النون وفي آخره فاء، وهو موضع في جبل طيء مرتفع، و "القواعل" بالقاف والعين المهملة؛ جبال صغار، قال ابن الكلبي: القواعل: جبل سلمى بموضع يقال له القواعلة، أراد أن لبونه أغير عليه من قبل تنوف. 3 - قوله: "أودى" أي: هلك فيمن مضى، قوله: "في الخطوب": جمع خطب، وهو الأمر العظيم. ¬
4 - قوله: "مشْي الحُزُقَّةِ" بضم الحاء المهملة والزاي المعجمة وتشديد القاف، وهي لقب، ويقال: ضربٌ من المشي، فمن جعلها ضربًا من المشي نصبه، ومن جعله نعتًا رفعه. قوله: "حلئت" أي: منعت أن ترد، يقال: حلأت الإبل تحلئة، أي: منعتها من ورود الماء، شبهه بالأتان لأنه حقره، و "المناهل": المياه. 5 - قوله: "أجأ" بالمد (¬1) أحد جبلي طيء، وهو مؤنث، ومن العرب من لا يهمزه [أي يستعمله مقصورًا، وكذا وقع هنا في النظم للضرورة] (¬2). 6 - قوله: "القُرَيّة" بضم القاف وفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ موضع، قوله: "أُمُّنًا" بضم الهمزة وتشديد الميم؛ أي: آمنة ليست بخائفة، ويروى: آمنًا؛ أي: آمنًا أنا عليها، و "الأكناف": النواحي، "وحائل" بالحاء المهملة؛ اسم موضع. 7 - قوله: "نابل" بالنون وبالباء الموحدة، ونابل وسعد حيان من طيء، ورواه أبو حاتم: نايل بالياء آخر الحروف. 8 - قوله: "تلاعب" أراد أولاد الوعول، يقول: هي من الأمن تراعي الوحوش ربَاعها، وهو جمع رِبع وهو ما ينتج من الربيع، و "المجادل" بالجيم؛ القصور، الواحد مجدل، وهي هنا الجبال شبهت بالقصور، يروى: المعاقل جمع معقل. 9 - قوله: "مكللة" أي: هذه الجبال مكللة بالصخور، قيل: بالسحاب، قوله: "ذات أسرة" أي: في ذات طرائق، "لها حبك" بضم الحاء المهملة والباء الموحدة؛ أي: طرائق، و "الوصائل": جمع وصيلة، وهو ثوب أمعر الغزل فيه خطوط. الإعراب: قوله: "دع": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "نهبًا": مفعوله، وفيه حذف، والتقدير: دع عنك ذكرك نهبًا، قوله: "صيح في جراته": في محل النصب على أنه صفة لنهبًا، والتقدير: نهبًا صيح عليه في نواحيه، قوله: "ولكن حديثًا" أي ولكن حدثنا حديثًا؛ فانتصاب حديثًا بالمقدر المذكور، قوله: "ما": استفهام مبتدأ، و "حديث الرواحل": خبره. ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "دع عنك" فإن عن هنا اسم بمعنى جانب وهذا متعين في ثلاثة مواضع: أحدها: أن تدخل عليها من كما في قوله: وَلَقَدْ أَرانِي للرِّمَاح دريئةً ... منْ عَنْ يَميني تَارةً وَأَمَامِي وقد ذكر عن قريب (¬1). والثاني: أن تدخل عليها على وذلك نادر، والمحفوظ منه بيت واحد وهو قوله: على عنْ يَميني مَرَّت الطيرُ سُنّحَا ... ....................... (¬2) والثالث: أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد، قاله الأخفش (¬3)، وذلك كما في قوله: دع عنك نهبًا ............. ... ......................... إلخ وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المنفصل" (¬4). الشاهد السابع والثمانون بعد الخمسمائة (¬5)، (¬6) لمن الدِّيَارُ بِقُنَّةِ الحِجْر ... أَقويْنَ مُذْ حجج وَمُذ دهْر أقول: قائله هو زهير بن أبن سلمى، واسمه: ربيعة، وهو من قصيدة رائية، من الكامل، يمدح بها هرم بن سنان، وهو أول القصيدة، وبعده (¬7): ¬
2 - لعِبَ الدِّيَارُ بِهَا فغَيّرَهَا ... بَعدي سوَافيِ المُورِ والقَطْرِ 3 - قَفْرًا بمنْدَفِع النَّحَائِبِ مِنْ ... ضَفْوَى أولات الضال والسِّدْر 4 - دَعْ ذَا وَعَدِّ القَوْلَ فيِ هَرَمٍ ... خَيرِ الكُهُول وَسَيِّدِ الحَضْر 5 - تَالله ذَا قَسَمًا لقد عَلِمَتْ ... ذُبيَانُ عَامَ الحَبس والأَصْر 6 - أَنْ نِعْمَ مُعْتَركُ الجِيَاعِ إِذَا ... حُبَّ القِتَارُ وسَابئُ الخمْر 7 - ولَنعْمَ حَشْوُ الدِّرع أنْتَ إذَا ... دُعِيَتْ نَزَال وَلُجّ في الذُّعْر (¬1) 8 - ولَنِعْمَ مَأْوَى القَوْمِ قَد عَلمُوا ... إنْ عَضَّهُم جل منَ الأَمْر 9 - ولَنعْمَ كَافيِ مَنْ كَفيتُ ومن ... تَحْملْ [لَهُ يُحْمَلْ] عَلى ظَهرِ (¬2) 10 - حَامي الذمار على مُحَافَظَةٍ الـ ... جُلّي أَمينُ مُغَيَّبُ الصَّدر (¬3) 11 - حَدِبٌ عَلَى المولَى الضعيفِ إِذَا ... مَا نَابَ بعْضُ نَوائبِ الدَّهْرِ (¬4) 12 - وَمرَهقُ النيرَان يُطْعم في الـ ... لَأْوَاءِ غير مُلعّن القدْر (¬5) 13 - وَيَقيك مَا وقَّى الأكارمَ منْ ... حُوبٍ نُسَبُّ بِه ومِنْ غدْر 14 - وإذَا بَرَزْتَ بِه بَرَزْتَ إلى ... صَافيِ الخَليقَةِ طَيِّب الخبر 15 - متَصَرف للحمد مُعْتَرِف ... للرُّزْء نهَّاضٌ إلى الذكْر (¬6) 16 - جَلَد يَحُثُّ عَلَى الجميع إذا ... كَرِهَ الظُّنُونُ جَوَامعَ الأَمْرِ 17 - ولأنتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وبعـ ... ـضُ الناس يَخْلُقُ ثُم لَا يَفْري 18 - ولأنتَ أَشْجَعُ حيَن تَتجِهُ الأَبْـ ... طالُ منْ لَيث أبي أَجْر ¬
19 - وَرْدٌ عُرَاضُ السَّاعِدَينِ حدِيد ... النَّابِ بينَ ضَرَاغِمِ غُثْرِ 20 - يَصْطَادُ أحْدَانُ الرِّجَالِ فما ... تَنْفَك أَجْرِيهِ على ذُحْرِ 21 - والسِّتْرُ دونَ الفَاحِشاتِ فَمَا ... يَلْقَاكَ دُونَ الخيرِ مِنْ سِتْرِ 22 - أُثني عَلَيكَ بِمَا عَلِمتُ وَمَا ... أَسْلَفْتَ في النَّجْدَاتِ والذكْرِ 23 - لَوْ كُنْتُ مِنْ شَيء سِوَى بَشَرٍ ... كَنْتُ المنورُ لَيلَةَ الْبَدْرِ (¬1) 1 - قوله: "بقنة الحجر" القنة -بضم القاف وتشديد النون: أعلى الجبل، والحجر بكسر الحاء وسكون الجيم، قال أبو عمرو: ولا أعرف [لحجر] (¬2) إلا حجر ثمود، ولا أدري هو ذاك أم لا، وحجر [اليمامة] (¬3) غير ذاك مفتوح، قوله: "أقوين" أي: خلون، وأقوى الرجل إذا نزل بالقفر، قوله: "مذ حجج" أي: مذ سنين، وهي جمع حجة (¬4)، ويروى: [من حجج] (¬5) ومن شهر. والمعنى: أقوت من أجل مرور السنين والدهور وتعاقبهما عليها. 2 - قوله: "سوافي "بالسين المهملة جمع سافية، من سفت الريح تسفي، و: "المور" بضم الميم وفي آخره راء مهملة؛ التراب، و "القطر": المطر. 3 - و "القفر" بالقاف والفاء، و "المندفع": حيث يندفع الماء، "إلى النحائب" بالنون والحاء المهملة، وهي آبار في موضع معروف، يقال لها النحائب، وليس كل آبار تسمى النحائب، قوله: "من ضفوى" بفتح الضاد وسكون الفاء: اسم موضع بأرض غطفان، قوله: "أولات الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام، وهو السدر البري. 4 - قوله: "دع ذا": خطاب لنفسه؛ أي: دع هذا الذي هممت به واصرف قولك إلى مدح هرم، "خير الكهول وسيد الحضر" بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، يقال: قوم حضر وقوم سفر، أراد به: خير من حضر وخير من غاب. 5 - و "الحبس والأصر (¬6) والأزل" (¬7) واحد، ويقال: أراد بعام الحبس العام الذي أحدق ¬
بهم العدو فحبسوا مالهم لئلا يخرج إلى الرعي خشية أن يغار عليهم. 6 - قوله: "معترك الجياع" أي: مزدحمهم، و: "حُبّ القُتار" بضم القاف وبالتاء المثناة من فوق، وهو ريح الطعام، و: "سابئ الخمر": المشتري من سبأت الخمر أسبؤها سبأ وسباءً إذا اشتريتها. 7 - "ولج": من اللجاجة، و "الذعر" بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة، وهو الخوف والفزع. 10 - ["الذمار": ما ينبغي له أن يحميه من حرمة، وروى أبو عمرو: حامي القتير] (¬1) و"القتير" بفتح القاف وكسر التاء المثناة من فوق، وهي المسامير، وأراد: الدروع يلبسها في الحرب فتحمي مساميرها عليه، و"الجلي" بضم الجيم وتشديد اللام، وهي الخصلة العظمى والجمع: جلل، ويقال: الجلي: جماعة العشيرة، وقيل: عظماء العشيرة، قوله: "مغيب الصدر" يعني: لا يضمر إلا الخير. 11 - قوله: "حدب" بفتح الحاء وكسر الدال المهملتين؛ أي: متعطف مشفق. 12 - قوله: "ومرهق النيران" يعني: تغشي نيرانه وتدني، و"اللأواء": الشدة، قوله: "غير ملعن القدر" يعني: لا تُسَبُّ قِدره لأنه يطعم. 13 - و"الحوب" بضم الحاء المهملة؛ الإثم. 15 - و"متصرف الحمد" يتصرف في كل باب خيرًا، حيث ما رأى حمدًا انصرف إليه، قاله الأصمعي، قوله: "معترف للرزء" أي: صابر للمصيبة، والرزء بضم الراء وسكون الزاي وفي آخره همزة. 16 - و"جلد" بفتح الجيم وسكون اللام، أي: قوي. 17 - قوله: "تفري": من الفري، وهو القطع، قوله: "ما خلقت" أي: ما قدرت، والخالق الذي يقدر ويهيئ للقطع. 18 - و"الأبطال": جمع بطل وهو الشجاع. 19 - و"الضراغم": جمع ضرغم وهو الأسد، قوله: "غثر" بضم الغين المعجمة وسكون الثاء المثلثة؛ جمع أغثر وهو الأغبر. 20 - قوله: "أحدان": جمع واحد؛ أبدلوا الواو همزة. ¬
21 - و "النجدات": جمع نجدة وهي الشدة. الإعراب: قوله: "لمن الديار" الديار مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "لمن" مقدمًا، ومن استفهامية ومتعلق اللام محذوف وهو -أيضًا- متعلق الباء في: "بقنة الحجر"، والتقدير: لمن الديار الكائنة بقنة الحجر، وقنة الحجر في محل الرفع على أنها صفة للديار (¬1). قوله: "أقوين": جملة من الفعل والفاعل وقعت حالًا بتقدير: قد؛ أي: قد أقوى، قوله: "مذ حجج" مذ لابتداء الغاية لكون الزمان ماضيًا، وهو حرف جار لا يجر به إلا الزمان. فإن كان ماضيًا يكون بمعنى من؛ مثلًا إذا قلت: ما رأيته مذ شهر فالمعنى: من شهر، فإن كان حاضرًا فهو بمعنى في نحو: ما رأيته مذ اليوم؛ أي فيه، وكذا الكلام في منذ (¬2). ثم معنى قوله: "مذ حجج ومذ دهر": أقوين من أجل مرور الحجج ومرور الدهور وتعاقبهما عليها، هذا عند البصريين (¬3)، وأما رواية من روى: مذ حجج ومذ شهر، فهي على لغة من يخفض بمذ على كل حال (¬4)؛ ولهذا قال أبو القاسم الزجاجي: كأن مِنْ لغة زهير بن أبي سلمى أن يخفض بمذ على كل حال (¬5). وقال بعضهم: هذا اعتذار لهذه الرواية؛ لئلا يقال لمن: رواه هكذا: كيف يخفض بمذ ما مضى وحكمها أن توفع ما مضى وتخفض ما أنت فيه؟ على أن الأبيات الثلاثة التي من أول هذه القصيدة لم يصح أنها لزهير، وقد روي أن هارون الرشيد [رحمه الله] (¬6) قال للمفضل بن محمده [رحمه الله] (¬7) كيف بدأ زهير شعره بقوله: دَع ذا وَعَدِّ القَولَ فيِ هَرَمٍ ... خَيرِ الكهول وسيد الحَضْرِ ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة
ولم يتقدم قبل ذلك شيء ينصرف إليه؟ فقال المفضل: قد جرت عادة العرب أن يقدموا قبل المديح تشبيهًا، ووصف إبل، ونحو ذلك، وكان زهير همَّ بذلك ثم قال لنفسه: دع هذا الذي هممت به مما جرت به العادة واصرف قولك إلى مدح هرم، فهو أولى من بدئ بذكره في الكلام، فاستحسن الرشيد قوله. وكان حماد الراوية حاضرًا فقال: يا أمير المؤمنين ليس هذا أول الشعر، ولكن قبله. لِمنِ الديَارُ بِقُنَّةِ الحِجرِ ... أَقْوَيْنَ مُذْ حِججٍ وَمُذْ دهرِ إلى أن قرأ الأبيات الثلاثة، فالتفت الرشيد إلى المفضل، فقال: ألم تقل أن: "دع ذا" هو أول الشعر، فقال: ما بهذه الرواية إلا يومي هذا، ويوشك أن تكون مصنوعة، فقال الرشيد لحماد: أصدقني, فقال: يا أمير المؤمنين أنا زدتها (¬1) هذه الأبيات، فقال الرشيد: من أراد الثقة والرواية الصحيحة فعليه بالمفضل، ومن أراد الاستكثار والتوسع فعليه بحماد. الاستشهاد فيه: في قوله: "مذ وحجج ومذ دهر" فإن مذ ها هنا لابتداء الغاية في الزمان الماضي وجرها الماضي، وهو قليل, وذلك لأن أكثر العرب وجوب جرها للحاضر, وعلى ترجيح جر منذ للماضي على رفعه، وجر مذ ها هنا من القليل (¬2). الشاهد الثامن والثمانون بعد الخمسمائة (¬3)، (¬4) قفَا نَبكِ مِنْ ذِكرى حبيبٍ وعرفان ... وَربعٍ آثَارُهُ مَنْذُ أَزْمَانِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي (¬5)، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وعروضه ليست بمقبوضة؛ لكونه (¬6) مصرعًا، وهذا أولها، وبعده (¬7): 2 - أتتْ حججٌ بعدي عليها فأصبحت ... كخطِّ زَبُورٍ فيِ مصاحفَ رُهْبَانِ ¬
3 - ذكرتُ بهَا الحي الجميعَ فهيّجتْ ... عَقَابِيلَ سُقْم من ضمير وأشجانِ 4 - فَسَحَّتْ دموعي في الرِّدَاءِ كأنَّهَا ... كُلى مِنْ شَعِيبٍ ذات سَحٍّ وتَهْتَانِ 1 - قوله: "قفا": خطاب للاثنين، ولكن المراد واحد، ومن عادتهم أن يخاطبوا (¬1) الواحد بصيغة الاثنين؛ كما في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24]، والخطاب لمالك خازن النار، ويراد به التكرير للتأكيد؛ كأنه قيل: قف قف، وألق ألق، ويقال: الألف فيه ليست للتثنية، وإنما هي مبدلة من نون التأكيد، وأصله: قفن فأبدلت الألف من النون. قوله: "ذكرى" بكسر الذال؛ مصدر من ذكر يذكر، قوله: "وعرفان" يريد به: عرفان الديار يعني معرفتها، و"الربع" ربع الدار بعينها حيث كانت، ويجمع على ربوع وأرباع وأربع، والربع: المحلة -أيضًا-، ويروى: "ورسم عفت" وهكذا وقع في شرح ابن (¬2) القاسم (¬3)، قوله: "عفت" يعني: درست؛ من عفى المنزل يعفو درس، يتعدى ولا يتعدى. 2 - و"الحجج"؛ السنون، وأراد بالرهبان الأحبار. 3 - قوله: "عقابيل" هي بقايا الأرض لا واحد لها من لفظها، و"الأشجان": جمع شجن وهو الحزن. 4 - قوله: "فَسَحَّتْ" أي: سالت، قوله: "كُلى" بضم الكاف، أراد بها الرقاع التي حول المزادة، و"الشعيب" بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة؛ المزادة من أديمين، قوله: "سح" أي: صبّ، و"تهتان" أراد به السيلان. الإعراب: قوله: "قفا": أمر من وقف [يقف] (¬4) قف قفا، وفاعله مستكن (¬5) فيه، قوله: "نبك": مجزوم لأنه جواب الأمر، "من ذكرى": يتعلق به، و"عرفان": عطف عليه، قوله: "وربع" عطف على قوله: "ذكرى" أي: ومن ربع، قوله: "عفت": فعل ماض، و"آثاره": فاعله، والجملة صفة لربع، قوله: "منذ": حرف جر، و"أزمان": مجرور به. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "منذ" حيث وقع لابتداء الغاية وجر الزمان، وجره في مثل هذا الموضع مرجح على رفعه (¬1). الشاهد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) مَا زَال مُذْ عَقَدَت يَدَاهُ إزَارَهُ ... فَسَمَا فأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَار يُدْنِي كَتَائبَ مِنْ كتَائِبَ تَلْتَقِي ... في ظلٍّ مُعْتَرِكِ العَجَاجِ مُثَارِ أقول: قائله هو الفرزدق مدح به يزيد بن المهلب، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وقبل قوله: "ما زال": 1 - وَإذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُم ... خُضُعَ الرِّقَابِ نَواكِسَ الأَبْصَارِ وبعدهما هو قوله: 4 - ولقدْ وَطِئتْ يزيد كلَّ مدينةٍ ... بينَ الدُّرُوبِ وبينَ بَحْرِ وَبَارِ 5 - شُعْثًا مُسَومَةً على أكْنافِهَا ... أُسدٌ هَوَاصِرُ بالكماة ضَوَارِي 1 - قوله: "خضع الرقاب" بضم الخاء والضاد المعجمتين؛ جمع خضوع؛ أي: خاضع، و"النواكس": جمع ناكس، وهو المطأطئ رأسه، وهو جمع شاذ؛ كما يقال فوارس في جمع فارس. 2 - قوله: "فسما" أي: علا وارتفع، [قوله: "] (¬4) وأدرك خمسة الأشبار] معناه: أيفع ولحق حد الصبي؛ لأن الفلاسفة زعموا أن المولود إذا ولد لتمام مدة العمل ولم تعتره آفة في الرحم، فإنه يكون في قده ثمانية أشبار [من شبر نفسه، وتكون سرته بمنزلة المركز له؛ فيكون ¬
منها إلى نهاية شقه الأعلى أربعة أشبار] (¬1) بشبره، ومنها إلى نهاية شقه الأسفل أربعة أشبار، ومنها إلى أطراف أصابعه من يديه جميعًا أربعة أشبار، حتى إنه لو رقد على صلبه وفتح ذراعيه ووُضع ضابط في سرته وأدير لكان شبه الدائرة. قالوا: فما زاد على هذا أو نقص فلآفة عرضت له في الرحم، فإنك تجد من نصفه الأعلى أطول من نصفه الأسفل، ومن نصفه الأسفل أطول من نصفه الأعلى، ومن يده الواحدة أقصر من الأخرى، فإذا تجاوز الصبي أربعة أشبار فقد أخذ في الترقي إلى غاية الكمال. ويقال: عنى بخمسة الأشبار السيف؛ لأنه الأغلب في السيوف الموصوفة بالكمال. ويقال: هي عبارة عن خلال المجد على أحسن مذاهب أهل الحد، وهي: العقل والعفة والعدل والشجاعة والشعر، وقيل: بل الوفاء مكان الشعر. وقال غالب شراح كتب النحو: إن معناه لم يزل منذ نشأ مَهِيبًا فائزًا بالمعالي حتى مات فأقبر في لحد هو خمسة أشبار، وهذا كما ترى بعيد لا يساعده التركيب، ولا هو قريب منه على ما لا يخفى. 3 - قوله: "كتائب": جمع كتيبة وهو الجيش، ويروى: "يدني خوافق": من خوافق وهي جمع خافقة، وهي الراية، قوله: "معترك العجاج": موضع الحرب، والعجاج: الغبار، قوله: "مثار" بضم الميم وبالثاء المثلثة؛ من أثار يثير، يقال: أثار الغبار يثور ثورًا وثورانا إذا سطع وأثاره غيره. الإعراب: قوله: "ما زال" من الأفعال الناقصة، واسمه مستتر فيه، وخبره قوله: "يدني" في البيت الثاني، فلذلك ذكر ابن الناظم البيت الثاني مع أنه لا استشهاد فيه لتعلقه بالأول في المعنى (¬2). قوله: "مذ عقدت" مذ ها هنا ظرف مضاف إلى الجملة الفعلية، ودخوله على الجملة الفعلية أكثر من الاسمية، و"يداه": فاعل عقدت، و" إزاره": مفعوله، قوله: "فسمَا": عطف على عقدت. وقوله: "فأدرك": عطف على فسمَا، وقوله: "خمسة الأشبار" كلام إضافي مفعول أدرك، قوله: "يدني": خبر ما زال، وهو جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الممدوح. وقوله: "كتائب": مفعوله، وكلمة: "من": تتعلق بيدني، و"تلتقي": جملة من الفعل ¬
الشاهد التسعون بعد الخمسمائة
والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى كتائب الثاني، والمفعول محذوف تقديره من كتائب تلتقي الأعداء. وقوله: "في ظل": يتعلق بتلتقي، وأراد بظل المعترك ظل الغبار الساتر من اعتراك الرجال في المعترك، فإن الغبار إذا اشتد يطبق ما بين السماء والأرض فلا يرى لا شمس ولا ضوء فيصير كالظل الكثيف، وهذا لا يكون هكذا إلا من غاية اشتداد الحرب؛ حيث يرتفع الغبار من سنابك الخيول فيملأ مكانها، وقوله: "مثار": صفة للعجاج، ولكن بتقدير زيادة الألف واللام. الاستشهاد فيه: في قوله: " [مذ عقدت" حيث أضيف فيه مذ إلى الجملة الفعلية (¬1)، وفيه شاهد آخر وهو قوله: "] (¬2) خمسة الأشبار" حيث جرد الفرزدق المضاف من حرف التعريف، فإنه لا يستعمله هكذا إلا الفصحاء. وهو حجة على الكوفيين في جوازهم الجمع بين تعريف المضاف باللام والإضافة إلى المعرفة كما قيل: الثلاثة الأثواب، وهو منقول عن عرب غير فصحاء، فإن المسموع تجريد الأول من التعريف؛ كما في قول الفرزدق، وكما في قول ذي الرمة (¬3): وَهَلْ يَرجِعُ التسلِيمَ أَوْ يَكْشِفُ العَمَى ... ثَلاثُ الأثَافي وَالديَارُ البَلاقِعُ (¬4) "العمى": الإلباس، و"البلاقع" الأرض الخالية، و"الأثافي ": جمع أثفية وهي حجارة تنصب عليها القدر. الشاهد التسعون بعد الخمسمائة (¬5) , (¬6) وَمَا زِلْتُ مَحمُولًا عَلَيَّ ضَغِينَةٌ ... وَمضْطَلِعَ الأَضغانِ مُذْ أَنَا يَافِعُ أقول: قائله هو رجل من سلول، وقيل: قائله هو ..................................... ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الخمسمائة
الكميت بن معروف الأسدي (¬1)، وهو من الطويل. قوله: "ضغينة" بالضاد والغين المعجمتين، وهو الحقد، قوله: "ومضطلع الأَضْغَانِ" المضطلع بالشيء: القادر عليه المستقل به، والأَضْغَانِ: جمع ضغن بكسر الضاد وهو الحقد. قوله: "يافع": من أيفع شاذ، والقياس: موفع، واليافع: الذي ناهز الحلم، والمعنى: لم أزل مذ ناهزت الحلم محسدًا مضطلعًا بضغائن الأعداء. الإعراب: قوله: "وما زلت": من الأفعال الناقصة، والتاء اسمه، وقوله: "محمولًا عليَّ ضغينة": جملة خبره، وارتفاعِ ضغينة يكون مفعولًا لمحمولًا الذي هو اسم مفعول قد ناب عن الفاعل، قوله: "ومضطلع الأضْغَانِ": كلام إضافي عطف على قوله: "محمولًا"، قوله: "مذ" ها هنا ظرف أضيف إلى الجملة الاسمية وهو قوله: "أنا يافع" لأنه خبر ومبتدأ. الاستشهاد فيه: في قوله: " [مذ أنا يافع" حيث أضيف مُذْ إلى الجملة الاسمية (¬2)، وفيه شاهد آخر وهو] (¬3) "محمولًا" حيث ذكره الشاعر وهو فعل المؤنث، وذلك لأن تاء الضغينة تأنيث لفظي، فلذلك قال: محمولًا ولم يقل: محمولة. الشاهد الحادي والتسعون بعد الخمسمائة (¬4) , (¬5) مَا زِلْتُ أَبْغِي الْمال مُذْ أَنَا يَافِعُ ... وَلِيدًا وَكَهْلًا حِينَ شِبْتُ وَأَمْرَدا أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو ¬
قوله (¬1): ألم تَغْتَمِضْ عَينَاكَ لَيلَةَ أَرمَدَا ... وَبتَّ كمَا بَاتَ السلِيمُ مُسَهَّدَا وقد ذكرنا معه جملة أبيات في شواهد المفعول المطلق (¬2)، وبعد البيت المذكور: 2 - وأبْتَذِلُ العِيسَ المَرَاقِيلَ تَغْتَلِي ... مَسَافَةَ مَا بَينَ النُّجَيرِ فَصَرْخَدَا 3 - ألا أيُّهَذَا السائِلِي أَيْنَ يمَّمَتْ ... فإن لَهَا في أَهْلِ يَثْرِبَ موْعِدَا 4 - فَإنْ تَسأَلِي عَنِّي فَيَارب سَائِلٍ ... حَفِي عَنِ الأَعْشَى بهِ حَيثُ أَصْعَدَا 1 - قوله: "أبغي" أي: أطلب؛ من البغية، و"يافع" قد فسرناه الآن (¬3)، و"الوليد": الصبي، و"الكهل": بعد الثلاثين، وقيل: بعد الأربعين إلى الخمسين، و"الأمرد": الذي ليس في وجهه شعر، وأصله من تمريد الغصن وهو تجريده عن ورقه. 2 - قوله: "العيس" بكسر العين، جمع أعيس وعيساء، وهي الإبل البيض تخلطها صُفْرة، ويقال: البيض بأعيانها، و"المراقيل": جمع مِرقال بكسر الميم؛ من الإرقال، يقال: أرقل البعير إذا ارتفع عن سيره ومد عنقه ونفض رأسه وضرب بمشافره، قوله: "تغتلي" بالغين المعجمة؛ أي: تبادر وتسرع، و"النُّجَير" بضم النون وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف؛ موضع بحضرموت، و"صرخد": بلدة بالشام. 4 - قوله: "حفي "بالحاء المهملة؛ من حفيت به حفاوة، وأنا حفي به إذا ألطفته (¬4)، وحفوته حفوًا وهو أن يسألك فتحرمه، وأحفيت الرجل إحفاء إذا سألته فأكثرت عليه، ومنه قوله تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37] أي: يسألكم كثيرا، وحفى حفًا شديدًا في باطن قدميه، وحفيت حفاية وحفوة إذا لم يكن لك نَعْلان أو خفان. الإعراب: قوله: "وما زلت" من الأفعال الناقصة، والتاء اسمه -وخبره الجملة أعني قوله: "أبغي المال"، قوله: "مذ أنا يافع" الكلام فيه مثل الكلام في البيت السابق في الإعراب (¬5). ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد الخمسمائة
والاستشهاد [فيه: في] (¬1) قوله: "وليدًا": نصب على أنه خبر كان المقدرة تقديره: ومذ كنت وليدًا، المعنى: ما زلت مكتسبًا في حالاتي هذه، وقوله: "وكهلًا": عطف على قوله: "وأمردًا" في التقدير لأن الكهولة بعد الأمردية، والتقدير: وليدًا أو أمردًا أو كهلًا, قوله: "حين شبت": ظرف لقوله: "وكهلًا" (¬2). الشاهد الثاني والتسعون بعد الخمسمائة (¬3) , (¬4) ربمَا الجَامِلُ المُؤَبَّلُ فيهم ... وعَنَاجيجُ بَينَهُنَّ المِهَارُ أقول: قائله هو أبو دؤاد الجارية بن الحجاج أحد بني برد بن أقصى من أياد (¬5)، وهو من قصيدة من الخفيف، وأولها (¬6): 1 - أَوحَشَت من سُرُوبِ قَومي تِعَارُ ... فَأَرُومُ فَشَابَةٌ فَالستَارُ 2 - بَعد مَا كَانَ سِرْبُ قومي حينًا ... لهُم الخيلُ كُلُّهَا وَالبحَارُ 3 - فإلي الدُّور فالمَرَورَات منهُم ... فَجَفيرٌ فَناعمُ فَالديَارُ 4 - فقَدْ أمسَت دِيَارُهُم بَطْنُ فَلْجٍ ... وَمَصيرٌ لصَيفهم تعْشَارُ 5 - رُبّمَا الجاملُ .............. ... ........................ إلخ 1 - قوله: "أوحشت" أي: أقفرت، و "السروب": جمع سرب، وهو المال السارح، و"تعار" بكسر [التاء] (¬7) المثناة من فوق، و "أروم" بفتح الهمزة وضم الراء، و "شابة" ¬
بالشين المعجمة وفتح الباء الموحدة المخففة، و"الستار" بكسر السين المهملة؛ كلها مواضع. 2 - قوله: "والبحار" أراد بها الريف. 3 - قوله: "فإلى الدور" بضم الدال؛ جوب تنجاب في الرمل، و"المرورات" بفتح الميم والراءين المهملتين بينهما واو ساكنة، و "الجفير" بفتح الجيم وكسر الفاء، و"ناعم" بالنون وكسر العين المهملة، و"الديار" بكسر الدال؛ كلها أسماء مواضع، وكذلك "بطن فلج" اسم موضع، وهو بفتح الفاء وسكون اللام وفي آخره جيم. 4 - وكذلك "تعشار" اسم موضع وهو بكسر [التاء] (¬1) المثناة من فوق وسكون العين المهملة وبالشين المعجمة. 5 - قوله: "الجامل" بالجيم؛ جماعة من الإبل، لا واحد لها من لفظها؛ كذا في شرح ديوان أبي دواد، وقيل: هو جماعة الأجمال؛ كالباقر جمع بقر، قال الجوهري في الجامل: القطيع من الإبل مع رعاته وأربابه، و"المؤبل" بضم الميم وبفتح الهمزة والباء الموحدة المشددة [جمع وابل] (¬2) [يقال: إبل] (¬3) مؤبل إذا كانت للقنية. قوله: "وعناجيج": الخيول الطوال الأعناق، وهو جمع عنجوج بضم العين والجيمين، قوله: "المهار" بكسر الميم، جمع مهر، وهو ولد الفرس، ويجمع على: أمهار ومهارة -أيضًا-، والأنثى مهرة، والجمع: مُهُر ومهرات. الإعراب: قوله: "ربما" كلمة رب قد كُفَّتْ عن العمل بما، و"الجامل" مبتدأ وخبره قوله: "فيهم" و"عناجيج": عطف على الجامل. الاستشهاد فيه: في قوله: "ربما" حيث دخلت على رب ما الكافة فكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الاسمية، وهو نادر، ولأجل هذا قال أبو علي: يجب أن تقدر ما اسمًا مجرورًا على معنى شيء، و"الجامل" خبر الضمير محذوفًا (¬4)، وتكون الجملة صفة لما، ويكون التقدير: رب شيء هو الجامل المؤبل. فافهم (¬5). ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الخمسمائة
الشاهد الثالث والتسعون بعد الخمسمائة (¬1) , (¬2) مَاويّ يَا رَبَّتَمَا غَارَةٍ ... شَعْوَاءَ كَاللَّذْعَةِ بِالميسَمِ أقول: قائله هو ضمرة بن ضمرة النهشلي (¬3)، وبعده (¬4): 2 - نَاهَبتُهَا الغُنْمَ عَلَى طَيِّعٍ ... أَجْرَدَ كالقِدْحِ من السأْسَمِ 3 - مَا بَلْ لَستُ بِرعْدِيدَةٍ ... أَبْلَخَ وَجَّادٍ عَلَى المعدِمِ 4 - لا وَأنتْ نَفْسُكَ خَلِيَّتَهَا ... لِلْعَامِرِيَّينْ ولَم تُكْلَمِ وهي من السريع (¬5). 1 - قوله: "يا ربتما" ربت بفتح الراء وتشديد الباء وفتح التاء المثناة من فوق، وفيه لغات أحدها هذه، قوله: "غارة": اسم من أغار يغير، و"الشعواء": الفاشية المتفرقة، قوله: "كاللذعة" [بالذال المعجمة والعين المهملة؛ من لذعته النار إذا أحرقته، وإنما اللدغة بالدال المهملة والغين المعجمة] (¬6) فهي الفرصة من لدغ العقرب، و"الميسم" بكسر الميم؛ آلة الوسم وهو المكوى. 2 - قوله: "طيّع" أي: فرس طيّع ليّن العنان طوع، وأجرد: قصير الشعر، وهو صلب كأنه قدح من خشب من الأبنوس وهو الساسم، ورجل رعديدة ورعديد إذا كان يرعد عند القتال. 3 - [و"الأبلخ" بالخاء المعجمة؛ المتكبر الفخور، و: "وجّاد" بتشديد الجيم؛ كثير الغضب] (¬7). 4 - قوله: "لا وألت" أي: نجت، ومنه الموئل وهو المنجا، قوله: "ولم تكلم" أي: ولم تُجْرَج. الإعراب: قوله: "ماوي" منادى مرخم، وأصله: يا ماوية، قوله: "يا ربتما" كلمة يا للتنبيه، وليست للنداء؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح أن يكون منادى، ورب دخلت عليها ما, ولم تكفها عن ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الخمسمائة
العمل، ولهذا جرت قوله: "غارة"، و"شعواء": صفة غارة، [قوله: "] (¬1) كاللذعة": جار ومجرور، و"بالميسم": يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "ربتما غارة" حيث جرت رب مع دخول "ما" عليها, ولم تكلها عن العمل، قال أبو حيان: كلمة ما زائدة، والتقدير: رب غارةٍ (¬2)، وكذا نص عليه ابن هشام رحمه الله (¬3). الشاهد الرابع والتسعون بعد الخمسمائة (¬4) , (¬5) وَنَنْصرُ مَوْلانَا ونَعْلَمُ أنَّهُ ... كمَا النَّاسِ مَجْرُومٌ عليه وَجَارِمُ أقول: قائله هو عمرو بن البراقة النبهي (¬6)، وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله (¬7): 1 - تَقُولُ سُلَيمَى لَا تَعَرَّضْ لِتَلْقَة ... ولَيلُكَ مِنْ لَيلِ الصعَالِيكِ نَائِمُ 2 - ألَم تَعْلَمِي أَن الصَّعَالِيكَ نَوْمُهُم ... قَلِيلٌ إذا نَامَ الخلِي المُسَالِمُ 3 - إذَا الليلُ أدْجَى وَاكْفَهَرَّتْ نُجُومُهُ ... وصَاحَ مِنَ الإِفْرَاطِ هَامٌ جَوَاثمُ 4 - وَمَال بِأَصْحَابِ الكَرَى غَلَبَاتُهَا ... فَإني عَلَى أَمْرِ الغِوَايَةِ حَازِمُ 5 - وكَيفَ ينامُ الليلَ مِنْ جُلّ هَمّهِ ... حُسَامٌ كَلَونِ الملحِ أبيضُ صَارِمُ 6 - وكُنتُ إذَا قَوْمٌ غَزَوْني غَزَوْتُهُم ... فَهَلْ أنَا فيِ ذا يال هَمْدَانِ ظَالِمُ 7 - مَتَى تَجْمَعُ القَلْبَ الذكِيَّ وصَارمًا ... وأنفًا حَمِيًّا تَجْتِنبكَ المَظَالِمُ 8 - متَى تَجْمَعِ المال المُمَنّعَ بالقَنَا ... تَعِشْ مُثْرِيًا أوْ تَخْتَرِمْكَ المخارِمُ 9 - كَذَبْتُم وَبَيتُ الله لا تَأْخُذُونَهَا ... مُرَاغَمَةً مَا دَام للسيفِ قَائِمُ ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الخمسمائة
10 - إذَا جَرَّ مَولانَا عَلينَا جَريرَةً ... صبَرنَا لَهَا إنا كرَامٌ دعَائمُ 11 - ونَنْصُرُ مَوْلَانَا .......... ... ................ إلى آخره 12 - أمُستَبطنٌ عَمرُو بنُ نُعمَانَ غَارَتي ... ومَا لَيلُ مَظْلُومٍ إذَا هَمَّ نَائمُ 3 - قوله: "أدجى": أظلم، قوله: "واكفهرت": من اكفهرّ الرجل إذا عبس، ومنه قول ابن مسعود - رضي الله عنه - (¬1): "إذا لقيت الكافر فألقه بوجه مكفهر" (¬2)، و" الهام": جمع هامة وهي الرأس، وهامة القوم: رئيسهم وكبيرهم. 6 - قوله: "يالَ همدان" أصله: يا آل همدان، حذفت الهمزة للضرورة. 11 - قوله: "مجروم عليه": من الجرم بالجيم والراء، وهو الذنب، ويروى: كما الناس مظلوم عليه وظالم. الإعراب: قوله: "وننصر": جملة من الفعل والفاعل، و "مولانا": مفعوله، و "نعلم": عطف على ننصر، قوله: "أنه" أن واسمها (¬3)، وهو الضمير، وخبرها وهو قوله: "مجروم عليه" سدت مسد مفعولي نعلم، قوله: "كما الناس" دخلت ما على الكاف ولم تكف عملها؛ فلهذا جرت الناس. والاستشهاد فيه: وهو ظاهر، والواو في قوله: "وجارم" بمعنى أو، أي: أو جارم (¬4). الشاهد الخامس والتسعون بعد الخمسمائة (¬5) , (¬6) أَخٌ مَاجِدٌ لَم يُخْزِنِي يومَ مَشْهَدٍ ... كمَا سيفُ عمرو لم تَخُنْهُ مَضَاربهْ أقول: قائله هو نهشل بن حريّ (¬7)، وقبله بيتان آخران، وهما قوله: ¬
1 - أَغَرُّ كَمصْبَاحِ الدُّجُنَّةِ يَتَّقي ... قَذَى الزَّادِ حَتَّى تُسْتَفَادَ أطَايِبُهْ 2 - وهَوَّنَ وَجْدِي عَنْ خَليليَ أنَّني ... إذا شئتُ لَاقَيتُ امْرَأً مَاتَ صاحبُهْ وهي من الطويل يرثي بها نهشل أخاه مالكًا قتل بصفين مع علي - رضي الله عنه - وكان شجاعًا، ويكنى أبا ماجد. 1 - قوله: "الدجنة" أي: الظلمة، قوله: "قذى الزاد" بالقاف والذال المعجمة، أراد أنه يزهد فيما يشين أخذه إلى أن يستفيد الطيبات. 3 - قوله: "ماجد" أي: كريم، قوله: "لم يخزني": من الخزي وهو الذل والهوان، قوله: "يوم مشهد" المشهد بفتح الميم: محضر الناس، وأراد به مشهد صفين؛ يعني: وقعتها، قوله: "كما سيف عمرو" وأراد به: عمرو بن معدي كرب، [وسيفه] (¬1) هو الصمصامة، قوله: "مضاربه": جمع مضرب السيف، وهو نحو من شبر من طرفه، وخيانة السيف: النبوة عند الضربة. الإعراب: قوله: "أخ ماجد": مبتدأ تخصص بالصفة وهو قوله: ماجد، وقوله: "لم يحزني": خبره (¬2)، و "يوم مشهد": كلام إضافي منصوب على الظرفية، قوله: "كما سيف" الكاف دخلت عليها ما الكافة فكفتها عن العمل؛ فلذلك ارتفع قوله: "سيف" على الابتداء، وقوله: "لم تخنه": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "كما" حيث كف ما [عمل] (¬3) الكاف الجر كما ذكرنا (¬4). ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة
الشاهد السادس والتسعون بعد الخمسمائة (¬1) , (¬2) بَل بَلَدٍ مِلْءُ الفَجَاجِ قَتَمُهْ ... لا يُشْتَرَى كَتَّانُهَ وجَهْرَمُهْ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز. قوله: "ملء الفجاج" أي: ملء الطرق، قوله: "قتمه" بفتح القاف والتاء المثناة من فوق، وهو الغبار، وكذلك القتام، قوله: "جهرمه" أراد جهرميه بياء النسبة، والجهرمية: بسط شعر، تنسب إلى قرية بفارس تسمى جهرم، وقال صاحب العين: جعل الجهرم اسمًا بإخراج ياء النسبة منه. الإعراب: قوله: "بل بلد" أي: رب بلد، وبلد: مجرور برب المضمرة، قوله: "ملء الفجاج": كلام إضافي خبر عن قوله: "قتمه" فإنه مبتدأ، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لبلد، قوله: "لا يشترى" على صيغة المجهول، و"كتانه": مفعول ناب عن الفاعل، و"جهرمه": عطف عليه. الاستشهاد فيه: على إضمار: "رب" وعملها كما ذكرنا (¬3). الشاهد السابع والتسعون بعد الخمسمائة (¬4) , (¬5) فَمِثْلكِ حُبلَى قد طَرَقتُ وَمُرْضِعٌ ... فَأَلْهَيتُها عن ذي تمائم مُغْيَلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته .................... ¬
المشهورة التي أولها (¬1): قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ................................ قوله: "فمثلك حبلى" ويروى: فمثلك بكرًا قد طرقت وثيبًا، ويروى: ومرضعًا، ومعنى: "طرقت" أتيتها ليلًا، [قوله: "] (¬2) فألهيتها" أي أشغلتها، يقال: لهيت عن الشيء إذا تركته وشغلت عنه، فالمصدر لَهيًا ولُهيًا ولِهيًا (¬3)، وحكى الرياشي: لهيانًا ولهوت به ألهو لهوًا لا غير. قوله: "تمائم" هي التعاويذ، واحدتها تميمة وهي العوذ، قوله: "مغيل" [بضم الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف] (¬4) هذه رواية أبي عبيدة والأصمعي. وقال الأصمعي: هو الذي تؤتى أمه وهي ترضع، يقال: امرأة مُغِيل، ومُغْيَل بكسر الغين المعجمة وسكونها، قد أغالت وأغيلت إذا سقت ولدها غيلًا، والغيل: أن ترضع على حمل، أو تؤتى وهي ترضعه (¬5). ويروى: مِحول، وهو الذي يأتي عليه الحول، يقال: حال إذا أتى عليه الحول فهو محيل ومحول، ويقال: إن العرب تقول لكل صغير، محول ومحيل، وإن لم يأت عليه حول، وكان يجب أن يكون محيل مثل مقيم، إلا أنه أخرجه عن الأصل؛ كما يقال: استحوذ، ولو قال: استحاذ لكان جيدًا. ومعنى البيت أنه ينفق نفسه عليها يقول: إن الحامل والمرضع لا يكادان يرغبان في الرجال وهما يرغبان فيّ لجمالي. الإعراب: قوله: "فمثلك": مجرور برب المضمرة، تقديره: رب مثلك، والعرب تبدل من رب الواو، وتبدل من الواو الفاء لاشتراكهما في العطف، ولو روي: (فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعًا) بنصب المثل لكان جيدًا، على أن ينتصب بطرقت، ويعطف مرضعًا عليه؛ إلا أنه لم يرو هكذا. قوله: "قد طرقت": جواب رب، وأصله: طرقته حذف المفعول للعلم به، و"موضع" بالجر ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الخمسمائة
عطف على "فمثلك"، قوله: "فألهيتها": عطف على قوله: "قد طرقت"، والمعنى: فألهيت كل واحدة منهما. قوله: "عن ذي تمائم" أي: عن صبي ذي تمائم؛ أقام [النعت مقام] (¬1) المنعوت، قوله: "مغيل": صفة لذي تمائم. الاستشهاد فيه: في قوله: "فمثلك" حيث حذفت (¬2) رب بعد الفاء كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثامن والتسعون بعد الخمسمائة (¬4) , (¬5) وَلَيلٍ كَمَوْجِ البَحْر أَرْخَى سُدُولَهُ ... عَلَيَّ بأَنْوَاع الهُمُوم ليبتلي أقول: قائله هو امرؤ القيس -أيضًا-، وهو -أيضًا- من قصيدته المشهورة التي ذكرنا أولها آنفًا (¬6). قوله: "كموج البحر" أي: في كثافة ظلمته، يقال: أظلم كأنه موج البحر إذا تكاثفت ظلمته، قوله: "سدوله" أي: ستوره، يقال: سدلت ثوبي إذا أرخيته ولم تضممه. قوله: "بأنواع الهموم" [أي: بضروب الهموم، قوله: "] (¬7) ليبتلي" أي: لينظر ما عندي من الصبر والجزع، ويقال: ليختبر، ويقال: ليعذبني، ومعنى البيت: أنه يخبر أن الليل قد طال عليه لما هو فيه. الإعراب: قوله: "وليل": مجرور برب المضمرة، أي: رب ليل، وقوله: "كموج البحر": صفته، قوله: "أرخى سدوله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لليل (¬8)، والدليل عليه أنه ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الخمسمائة
يروى: "مرخ سدوله"، على وزن اسم الفاعل من الإرخاء. قوله: "علي": يتعلق بأرخى، قوله: "بأنواع الهموم": يتعلق بقوله: "ليبتلي"، واللام فيه للتعليل، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الليل، والمفعول محذوف تقديره: ليبتليني، أي: ليعذبني كما قلنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "وليل" حيث حذف رب بعد الواو كما ذكرنا (¬1). الشاهد التاسع والتسعون بعد الخمسمائة (¬2) , (¬3) رَسْمِ دَارٍ وَقَفْتُ في طَلَلهْ ... كِدْتُ أَقْضِي الحَيَاةَ مِنْ جَلَلهْ أقول: قائله هو جميل بن معمر، وروى الأصمعي: أقضي الغداة، وبعده (¬4): 2 - مُوحِشًا مَا تَرَى به أَحَدًا تنـ ... سجُ الريحُ تُربَ مُعْتَدلهْ 3 - وصَرِيعًا مِنَ الثُّمام تَرَى ... عَازفَات المَدَبِّ في أَسَلِهْ 4 - بَيْن عَلْياء وَابش فَبُليٍّ ... فالغَميم الذي إلى جَبَله (¬5) 5 - وَاقِفًا فيِ رِبَاعِ أُمِّ جُسَيْرٍ ... [من ضُحَى يَوْمه إِلَى أُصُله 6 - يا خليلي إن أُمِّ جُسَيْرٍ] (¬6) ... حين يدنُو الضجيعُ من غَلَلِهْ 7 - روضةٌ ذاتُ حَنْوَةٍ وخُزَامَى ... جادَ فيها الربيعُ منْ سَبَله 8 - بينمَا نَحْنُ بالأراكِ معًا ... إذْ بدَا راكبٌ على جمَلهْ 9 - فَتَنَظَّرنَ ثُم قُلْنَ لَهَا ... أكرميه حُيِّيتِ في نُزُلهْ 10 - فظللْنا بنعمَةٍ واتكَأْنَا ... وَشَرِبنَا الحَلَال بن قُلله ¬
11 - قد أصُونُ الحَديثَ دونَ خَليلٍ ... لا أَخَافُ الأداةَ مِنْ قبَلِهْ وهي من الخفيف، من عروضه الثانية المحذوفة. 1 - قوله: "رسم دار" الرسم: ما كان لاصقا بالأرض من آثار الدار كالرماد ونحوه، و"الطلل": ما شخص من آثار الدار، قوله: "من جَلله" بفتح الجيم؛ معناه: من أجله، ويقال: من عِظَمِهِ في عيني كذا فسَّره الجوهري (¬1). 2 - و "الترب" بالضم؛ التراب. 3 - و"الثمام" بضم الثاء المثلثة؛ نبت ضعيف له خوص، و"العازفات": من عزف الريح وهي (¬2) أصواتها، و"الأسل" بفتح الهمزة والسين المهملة؛ شجر، ويقال: كل شوك طويل شوكه أسل، وتسمى الرماح أسلًا. 5 - و: "الأُصُل" بضمتين؛ جمع أصيل، وهو الوقت بعد العصر. 6 - قوله: "من غلله" بفتح الغين المعجمة واللام، وهو الماء بين الأشجار. 7 - قوله: "ذات حنوة" بفتح الحاء المهملة وسكون النون، وهو نبت طيب الريح، قوله: "سبله" بفتح السين المهملة والباء الموحدة، وهو المطر ها هنا، و"السبل": السنبل -أيضًا-. 8 - قوله: "بالأراك" بفتح الهمزة، وهو شجر من الحمض. الإعراب: قوله: "رسم": مجرور برب المضمرة، ولم يتقدمها شيء، لا واو ولا فاء ولا بل، وهو قليل جدًّا، و"دار": مجرورة بالإضافة، قوله: "وقفت": جملة من الفعل والفاعل، و"في طلله": في محل النصب على المفعولية، والجملة في محل الجر على أنها صفة لدار. قوله: "كدت": من أفعال المقاربة، والتاء اسمه، وقوله: "أقضي الحياة": خبره، والحياة منصوب بأقضي، قوله: "من جلله": يتعلق بأقضي. الاستشهاد فيه: في قوله: "رسم دار" حيث جر رسم برب المضمرة ولم يتقدمها شيء (¬3). ¬
الشاهد المتمم للستمائة
الشاهد المتمم للستمائة (¬1) , (¬2) وَكريمَةٍ مِنْ آلِ قَيسِ أَلفْتُهُ ... حتَّى تَبَذَّخَ فارتَقَى الأَعْلامِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "وكريمة" أي: رب كريمة، فالهاء للمبالغة لا للتأنيث بدليل قوله: "ألفته وتبذخ وفارتقى"، [قوله: "] (¬3) ألفته" بفتح الهمزة وفتح اللام، معناه: أعطيته ألفًا، [يقال: ألفه يألِفه من باب: ضرَب يضرِب إذا أعطاه ألفًا] (¬4). وأما: ألِف يألَف من الألفة فهو من باب علم يعلم. قوله: "تُبَذَّخَ" بفتح [التاء] (¬5) المثناة من فوق وفتح [الباء] (¬6) الموحدة وتشديد الذال المعجمة، وفي آخره خاء معجمة، ومعناه: تكبر وعلا وشرف، يقال: بذِخ بالكسر، من البذخ بفتحتين وهو الكبر، وشرُف باذخ، أي: عال، والبواذخ من الجبال: الشوامخ، قوله: "فارتقى": من الارتقاء وهو الصعود، و"الأعلام": جمع علم وهو الجبل. الإعراب: قوله: "وكريمة": مجرور برب المضمرة، قوله: "من آل قيس": في محل الجر؛ صفته؛ أي: كريم كائن من آل قيس، قوله: "ألفته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهذه -أيضًا- صفة. قوله: "حتى" هذه هي الابتدائية التي تبتدأ بعدها الجملة، قوله: "تبذخ": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى كريمة، [قوله: "] (¬7) فارتقى": عطف عليه، قوله: "الأعلام": جرور وإلى المقدرة، تقديره: فارتقى إلى الأعلام، وهذا مختص بالضرورة (¬8). والاستشهاد فيه: هذا البيت مشتمل على أمور متعسفة: الأول: في قوله: "كريمة" حيث أدخل الهاء فيه للمبالغة قياسًا؛ وذلك لأن أمثلة المبالغة ثلاثة ¬
الشاهد الأول بعد الستمائة
وهي: فعالة كنسابة، وفعُولة كفروقة، ومفعالة كمهذارة، وهذا ليس منها. والثاني: حذف التنوين من "قيس" للضرورة. والثالث: حذف إلى من قوله: "الأعلام". الشاهد الأول بعد الستمائة (¬1) , (¬2) ربمَا ضَربَةٍ بِسَيفٍ صَقِيلٍ ... بَينَ بُصْرَى وَطَعْنَةٍ نجلاءِ أقول: قائله هو عدي بن الرعلاء الغساني (¬3)، وهو من قصيدة هو أولها، وبعده قوله (¬4). 2 - وغَمُوسٍ تضِلُّ فِيهَا يَدُ الأسِي ... وأَعْيَتْ طَبِيبَهَا بالشِّفَاءِ 3 - رفَعُوا رايَةَ الضِّرَابِ وَقَالُوا ... لَيَذُودَنَّ سَامرُ المللْحَاءِ وهي من الخفيف وفيه التشعيث (¬5)، فإن نجلاء وزنه مفعولن، وهو مشعث. قوله: "بين بصرى" ويروى: دون بصرى، وهو الأصح، أي: عند بصرى، وهو بضم الباء الموحدة؛ بلد بالشام وهي كرسي جوران، و"نجلاء" بفتح النون وسكون الجيم، يقال: طعنة نجلاء؛ أي: واسعة بينة النخيل والنجل، بالتحريك سعة شق العين. الإعراب: قوله: "ربما" كلمة رب دخلت عليها ما الكافة ولكنها ما كفتها ها هنا عن العمل؛ ولهذا جرت ضربة، وقوله: "بسيف": يتعلق بضربة، و"صقيل": صفة بمعنى مصقول، قوله: "بين بصرى" أي: بين جهات بصرى، فاكتفى بالمفرد؛ إذ كان مشتملًا على أمكنة، وهو نصب على الظرف، قوله: "وطعنة" بالجر عطف على قوله: "ضربة"، قوله: "نجلاء": صفتها. ¬
الشاهد الثاني بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ربما ضربة" حيث دخلت [ما] (¬1) على رب ولم تكلها عن العمل، وهو قليل (¬2). الشاهد الثاني بعد الستمائة (¬3) , (¬4) ربما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ ... تَرفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاتُ أقول: قائله هو جذيمة الأبرش، وهو جذيمة بن مالك بن فهم الأزدي المعروف بالوضاح، وكان به برص فكَنَّتْ العرب عنه بالوضاح، والأبرش إعظامًا له، وقيل إن قائله: تأبط شرًّا، وهو غلط، وبعد هذا البيت (¬5): 2 - في فُتُوٍّ أنا رَائبُهُم ... منْ كَلالِ غَزْوَةٍ ماتُوا 3 - ليت شِعْري ما أَماتَهُمُ ... نحنُ أَدْلَجْنَا وهم باتُوا 4 - ثُمَّ أُبْنَا غَانِمِينَ وكم ... من أُنَاسٍ قَبلَنا فاتُوا وهي من المديد. 1 - قوله: "أوفيت" أي: نزلت، وأصله من أوفى على الشيء إذا أشرف، قوله: "في علَم" بفتح اللام، وهو الجبل، قوله: "شمالات" بفتح الشين المعجمة، وهو جمع شمال، وهي الريح التي تهب من ناحية القطب. وفيه خمس لغات: شَمْل بسكون الميم، وشمَل بالتحريك، وشمال بلا همز، وشمأل بالهمز، وشأمل مقلوب منه، وربما جاء بتشديد اللام. 2 - قوله: "في فتو" ويروى: في شباب، قوله: "أنا رائبهم"، ويروى: أنا كالئهم؛ من كلأ إذا حرس، والأولى من ربأت القوم ربئًا، وارتبأتهم؛ أي: رقبتهم، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف. ¬
الشاهد الثالث بعد الستمائة
3 - قوله: "ما أماتهم" ويروى: ما أطاف بهم. الإعراب: قوله: "ربما" ما في رب كافة، و"أوفيت": جملة من الفعل والفاعل، و"في علم": يتعلق به، وفي ها هنا بمعنى على؛ كما في قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]. قوله: "ترفعن" أصل: ترفع، زيدت فيه نون التأكيد الخفيفة للضرورة، وهو فعل مضارع، و"شمالات": فاعله، و"ثوبي": مفعوله، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: علم (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "ربما" فإن ما دخلت على رب وكفتها عن العمل، ودخلت على الجملة الفعلية (¬2). وفيه استشهاد آخر غير مقصود ها هنا: وهو دخول نون التأكيد في الواجب فافهم (¬3). الشاهد الثالث بعد الستمائة (¬4) , (¬5) بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهٍ ... ................................ أقول: قائله هو رؤبة، وقيل: العجاج والد رؤبة، ولم أجده في ديوانه، وهو من قصيدة مرجزة. و"المهمه": المفازة البعيدة الأطراف، ويجمع على مهامه. الإعراب: قوله: "بل مهمه" أي: بل رب مهمه، فحذفت رب، وبقي عملها، وهذا بعد بل قليل (¬6)، ¬
الشاهد الرابع بعد الستمائة
وفيه الاستشهاد. قوله: "قطعت": فعل وفاعل والمفعول محذوف، أي: قطعتها، والجملة في محل الجر [لأنها] (¬1) صفة مهمه، و"بعد": نصب على الظرف، و"مهمه": مجرور بالإضافة. الشاهد الرابع بعد الستمائة (¬2) , (¬3) وَقاتِمِ الأعْمَاقِ خَاوي المُخْتَرَقْن ... ................................... أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقد استوفينا الكلام فيه في شواهد الكلام في أول الكتاب (¬4). والاستشهاد فيه: في قوله: "وقاتم" فإن "رب" مضمرة فيه بعد الواو؛ أي: ورب قاتم الأعماق (¬5). الشاهد الخامس بعد الستمائة (¬6) , (¬7) فَإنَّ الحُمُرَ مِن شَرِّ المَطَايَا ... كَمَا الحبَطَاتُ شَرّ بَنِي تَمِيمِ أقول: قائله هو زياد الأعجم، وقبله بيتان آخران وهما: 1 - لَعَمْرُكَ إننِي وَأَبَا حَمِيدٍ ... كَمَا النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الحَلِيمُ 2 - أُرِيدُ حَيَاتَهُ ويُرِيدُ قَتْلِي ... وَأَعْلَمُ أنَّهُ الرجُلُ اللئِيمُ وهي من الوافر وفيه العصب والقطف. قوله: "فإن الحمر" بضم الحاء المهملة وسكون الميم؛ جمع حِمار، وهكذا وجدته مضبوطًا ¬
الشاهد السادس بعد الستمائة
في نسخة صحيحة لأبي علي الفارسي، أعني: التذكرة، ووجدت في موضع آخر: فإن الخمر بفتح الخاء المعجمة، وهي التي تشرب، وهذا أقرب، وإن كان ذلك أصوب، وقد شبه الخمر بالمطية التي لا خير فيها، ووجه التشبيه حصول الشر من كل منهما. قوله: "الحبطات": جمع حبط، وكان الحرث بن عمرو بن تميم يسمى الحبط؛ لأنه كان في سفر فأكل من الذرق وهو الحندقوق وانتفخ بطنه فسموه حبطًا؛ أخذًا من الحبط وهو أن ينتفخ بطن الماشية من أكل الحندقوق، ثم سُمي أولاده كلهم حبطات. الإعراب: قوله: "فإن الخمر" الفاء للعطف، وإن [حرف] (¬1) من الحروف المشبهة بالفعل، و"الخمر": اسمها، و "من شر المطايا": خبرها، قوله: "كما الحبطات" الكاف للتشبيه، دخلت عليها ما الكافة فكفتها عن العمل، فالحبطات مرفوع على الابتداء، وخبره: "شرَّ بني تميم". والاستشهاد فيه: وهو ظاهر. الشاهد السادس بعد الستمائة (¬2) , (¬3) ........................... ... لَبِمَا قَدْ تُرَى وَأَنْتَ خَطِيبُ أقول: قائله مجهول، وصدره: فَلَئن صِرْتَ لَا تُحِيرُ جَوَابًا ... .................................... (¬4) وهو من الخفيف. قوله: "لا تحير جوابًا" من أحار يحير، يقال: كلمته فلم يحر جوابًا؛ أي: لم يرده، وفي حديث سطح (¬5) "فَلَم يُحِرْ جَوَابًا" أي: لم يرجع أو لم يرد، وفي الحديث (¬6): "مَنْ دعا رَجُلًا بالكُفْر ولَيس كَذلكَ حَارَ عَلَيه" أي: رجع إليه ما نسب إليه. ¬
الشاهد السابع بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "فلئن" الفاء إما للعطف وإما لغيره، على حسب ما تقدمه من الكلام، واللام للتأكيد، و"إن" للشرط، قوله: "صرت" جملة من الفعل والفاعل، فعل الشرط. قوله: "لا تحير": جملة وقعت خبر صرت والتاء اسمه، قوله: "جوابًا": نصب على أنه مفعول لقوله: "لا تحير" وقيل: إنه نصب على التمييز، أي: من حيث الجواب، أو على التعليل. قلت: هذه لا تستقيم ها هنا، إلا أن يجعل لا تحير من حار يحير حيرة، وإما من أحار يحير كما ذكرنا فهو مفعول، والمعنى ها هنا على هذا. قوله: "لبما قد ترى": جواب الشرط، والباء حرف جر دخلت عليه ما الكافة عن عمل الجر، ذكره ابن مالك، وقال (¬1): إن ما الكافة أحدثت مع الباء معنى التعليل؛ كما أحدثت في الكاف معنى التعليل؛ كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 198] (¬2)، قوله: "قد ترى" على صيغة لمجهول؛ أي: قد تظن، قوله: "وأنت خطيب": جملة اسمية وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لبما" وقد ذكرناه مستوفًى. الشاهد السابع بعد الستمائة (¬3) , (¬4) لَعَمرُكَ إننِي وَأَبَا حُمَيدٍ ... كَمَا النَّشْوَانُ والرَّجُلُ الحَلِيمُ أقول: قائله هو زياد الأعجم، وقد ذكرناه عن قريب. المعنى ظاهر (¬5). الإعراب: قوله: "لعمرك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمرك يميني أو قسمي، قوله: "إنني" إن من الحروف المشبهة بالفعل، واسمه ضمير المتكلم، وخبره: النشوان. قوله: "وأبا حميد": كلام إضافي عطف على اسم إن، قوله: "كما النشوان" الكاف للتشبيه ¬
الشاهد الثامن بعد الستمائة
دخلت عليها ما الكافة عن العمل؛ فلذلك رفع النشوان على الخبر (¬1)، ويروى: لكالنشوان؛ فعلى هذا لا استشهاد فيه، قوله: "والرجل" بالرفع عطف على النشوان، والحليم صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "كما النشوان" وهو ظاهر، وقد أجاز بعضهم أن تكون ما مصدرية على مذهب من أجاز وصلها بالاسمية (¬2). الشاهد الثامن بعد الستمائة (¬3) , (¬4) فَحُورٍ قدْ لَهَوْتُ بِهن عِينٍ ... ............................... أقول: قائله هو المتنخل، واسمه مالك بن عويمر بن عثمان بن حبيش بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طانجة بن لحيان بن هذيل، وكنيته أبو أشيلة، وتمامه: .......................... ... نواعم في المُرُوطِ وفي الرياطِ وهي من قصيدة طائية، قال الأصمعي: هذه أجود طائية قالتها العرب، وأولها هو قوله (¬5): 1 - عَرَفْتُ بأَجْدُثٍ فَنِعَافِ عِرْقٍ ... عَلاماتٍ كَتَحْبِيرِ النمَاطِ 2 - كَوَشْمِ المِعْصَمِ المُغْتَالِ عُلَّتْ ... نوَاشِرُهُ بِوَشْم مُستَشَاطِ 3 - ومَا أنْتَ الغدَاةَ وذِكْرُ سَلْمَى ... وأَضْحَى الرأْسُ مِنْكَ إلَى اشْمِطَاطِ 4 - كأن عَلَى مَفَارِقِهِ نَسِيلًا ... مِن الكتَّانِ يُنْزَعُ بالمِشَاطِ 5 - فإما تُعْرِضَنَّ أُمَيمُ عَنِّي ... ويَنزَغُكِ الوشَاة أولُو النَّبَاطِ 6 - فحُورٍ قَدْ لَهَوْتُ ......... ... ........................... إلخ 7 - لَهَوْتُ بِهِنَّ إذْ مَلَقِي مَلِيحٌ ... وإذْ أنَا فيِ المخيَلَةِ والشطَاطِ وهي من الوافر. ¬
1 - قوله: "بأجدث" بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الدال وفي آخره شاء مثلثة، ويروى: بالحاء المهملة، فأجدث وأحدث كلاهما موضع، قوله: "فنعاف" بكسر النون وبالعين المهملة وفي آخره فاء، وهو جمع نعف، وهو ما انحدر من الجبل وارتفع عن مسيل الوادي، وأراد بنعاف عرق طريق مكة، قوله: "كتحبير النماط" التحبير -بالحاء المهملة الوشي والتزيين، والنماط كسر النون: جمع نمط، أي: كأن هذه الديار وشي النماط. 2 - قوله: "كوشم المعصم" المعصم: موضع السّوَار من المرأة، و"الوشم": النقش، و"المغتال" بالغين المعجمة؛ أي: الممتلئ من لحم وشحم، قوله: "علت": من العلل" أي: علّتها مرة بعد مرة. و"النواشر": عروق باطن الذراع، قوله: "مستشاط" أي: طلب منه أن يستشيط فاستشاط هذا الوشم؛ أي: ذهب فتفشى واتسع، ومنه: استشاط غضبًا أي: امتلأ، والحاصل أنه طار كل مطر وانتشر. قوله: "إلى اشمطاط" وهو اختلاط البياض بالسواد، وكل خليط شميط، قوله: "نسيلا" وهو ما نسل منه إذا سرح بالمشط، فشبه الشيب ببياضه، و"المِشاط" بكسر الميم؛ جمع مشط. 5 - قوله: "أميم" يعني: يا أميمة، قوله: "ينزغك" بالغين المعجمة، أي: يؤذيك ويقرصك، [قوله: "] (¬1) أولو النباط": الذين يستنبطون الأخبار والأحاديث ويستخرجونها. 6 - قوله: "فحور" بضم الحاء المهملة؛ جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها. 7 - قوله: "لهوت": من لهوت بالشيء ألهو لهوًا إذا لعبت به، قوله: "عين" بكسر العين المهملة، جمع عيناء وهي الواسعة العين، قوله: "نواعم": جمع ناعمة، و"المروط": جمع مِرط بكسر الميم، وهو إزار له علم، و: "الرياط": جمع رِيطة بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف، وهي الملحفة التي ليست بملفقة. الإعراب: قوله: "فَحُورٍ" أي: رب حور، والجر فيه برب المضمرة، قوله: "قد لهوت بهن": جملة معترضة دين الصفة والموصوف، وذلك لأن عينًا صفة للحوراء. ¬
الشاهد التاسع بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: على إضمار رب بعد الفاء. الشاهد التاسع بعد الستمائة (¬1) , (¬2) بَدَا لِي أنِّي لَستُ مُدْركَ ما مضى ... وَلَا سَابِقٍ شيئًا إِذَا كَانَ جَائِيَا أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد إن وأخواتها (¬3). الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "ولا سابق" فإنه مجرور بالباء المقدرة عطفًا على خبر ليس، على توهم إثبات الباء فيه، هذا إذا روي بالجر، وقد روي بالنصب -أيضًا- عطفًا على اللفظ؛ فحينئذ لا استشهاد فيه. الشاهد العاشر بعد الستمائة (¬4) , (¬5) ألا رجلٍ جَزَاهُ اللهُ خيرًا ... ................................. أقول: قائله هو رجل من أهل البادية، وتمامه: ........................... ... يدُلُّ عَلَى مُحَصِّلةٍ تَبِيتُ وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد لا التي لنفي الجنس (¬6). الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "رجل" فإنه مجرور بمن مقدرة تقديره: ألا من رجل، وأكثر الروايات: ألا رجلًا بالنصب، أي: ألا تروني رجلًا، وقد ذكرناه (¬7). ¬
الشاهد الحادي عشر بعد الستمائة
الشاهد الحادي عشر بعد الستمائة (¬1) , (¬2) ............................ ... وَلِلطيرِ مَجرَى وَالجُنُوبِ مَصَارِعُ أقول: قائله هو قيس بن ذريح، والأصح أن قائله هو البعيث، وهو خداش بن بشر الدارمي، وصدره: ألَا يَا لَقَوْمِ كُل مَا حُمَّ وَاقِعٌ ... ................................ وهو من الطويل. قوله: "كل ما حُمَّ" بضم الحاء وتشديد الميم، معناه: كل ما قدر واقع، قال الجوهري: حُم الشيء وأُحِمّ؛ أي: قُدِّرَ فهو محموم (¬3) قوله: "والجنوب": جمع جنب، و"المصارع": جمع مصرع؛ من صرعته صَرعًا وصِرعًا بالفتح لتميم، والكسر لقيس. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، وقوله: "يا لقوم" يا حرف نداء، و"لقوم": منادى مضاف، وأصله: قومي، فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة التي فيما قبلها، واللام فيه للاستغاثة، وهي من اللامات الزائدة للتوكيد. قوله: "كل ما حُم": كلام إضافي [مبتدأ] (¬4)، وقوله: "واقع": خبره، قوله: "وللطير مجرى": جملة من المبتدأ، وهو قوله: "مجرى" و [الخبر] (¬5) وهو قوله: "للطير". الاستشهاد فيه: في قوله: "والجنوب مصارع" حيث جاء قوله: " [والجنوب] (¬6) بالجر، مع أنه خبر عن قوله: "مصارع"؛ لأنه عطف على قوله: "وللطير" بحرف مقدر تقديره: وللجنوب مصارع (¬7). ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الستمائة
الشاهد الثاني عشر بعد الستمائة (¬1) , (¬2) مَا لِمُحِبٍّ جَلَدٌ أنْ يَهْجُرَا ... وَلَا حَبِيبٍ رَأْفَةٌ فَيَجْبُرَا أقول: لم أقف على اسم راجزه. قوله: "جلَد" بفتح اللام؛ أي: قوة، وأصل الجلد الصلابة والجلادة، تقول منه: جلُد الرجل بالضم فهو جلد وجليد بيِّن الجلد والجلادة والجلودة، قوله: "يهجرا": من الهجر، وهو ضد الوصل، وقد هجره هجرًا وهجرانًا، و"الرأفة": الرحمة والشفقة؛ من رَؤُف يرؤُف، وأصل: "الجبر" أن تغني الرجل من فقر، أو تصلح عظمه من كسر. الإعراب: قوله: "ما لمحب جلد" كلمة ما بمعنى ليس، "وجلد" اسمها "ولمحبٍّ": مقدمًا خبرها، قوله: "أن يهجرا" أي: لأن يهجر؛ فأن مصدرية، والتقدير: ما لمحب قوة للهجران. قوله: "ولا حبيب" أي: وليس لحبيب رأفة، وارتفاع رأفة بكونها اسم لا، "ولحبيب" مقدمًا خبره، قوله: "فيجبرا" بنصب الراء بتقدير أن بعد الفاء، أي: فأن يجبرا، والألف فيه للإشباع، وكذلك في قوله: "أن يهجرا"، والمفعول محذوف تقديره: فيجبره؛ أي: المحب. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا حبيب" حيث جاء مجرورًا لكونه عطفًا على قوله: "لمحب" بحرف منفصل وهو قوله: "لا" تقديره: ولا لحبيب رأفة؛ كما ذكرناه فافهم (¬3). الشاهد الثالث عشر بعد الستمائة (¬4) , (¬5) إذَا قيلَ أَيُّ النَّاس شَرُّ قَبيلَةٍ ... أَشَارَتْ كُلَيبٍ بالأَكُفِّ الأَصَابع أقول: قائله هو الفرزدق، وقد مَرّ الكلام فيه مستوفًى في ............................. ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الستمائة
شواهد تعدي الفعل ولزومه (¬1). الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "كليب" فإنه مجرور بإلى القدرة، والتقدير: أشارت إلى كليب، قال ابن مالك: ولا خلاف في شذوذ هذا الجر (¬2). الشاهد الرابع عشر بعد الستمائة (¬3) , (¬4) أَلا رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيسَ لَهُ أَبٌ ... وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلِدَهُ أَبَوَانِ أقول: قائله هو رجل من أزد السراة، وحكى أبو علي الفارسي أن قائله هو عمرو الجنبي (¬5)، وإنه لقي امرأ القيس في بعض المفاوز، فسأله فقال له: عمرو: عجبت لمولود البيت، فأجابه امرؤ القيس: فذاك رسول الله عيسى ابن مريم وآدم - عليهما السلام -، وبعده بيتان آخران وهما (¬6). 2 - وَذِي شامَةٍ غَرّاءَ فيِ حُرِّ وجهِهِ ... مُجَلَّلَةٍ لا تَنْقَضي لأوَانِ 3 - وَيَكْمُلُ في خَمْسٍ وتِسْعٍ شَبَابُهُ ... وَيَهْرَمُ فيِ سَبْعٍ مَعًا وَثَمَانِ وهي من الطويل. قوله: "رب مولود وليس له أب" أراد به عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - (¬7)، وأراد بـ: "ذي ولد لم يلده أبوان" آدم - عليه السلام -، ويقال: أراد به القوس، وولده السهم لم يلده أبوان؛ لأنه لا يتخذ القوس إلا من شجرة واحدة مخصوصة. وقيل: أراد بذي الولد البيضة، وأراد بذي شامة غراء إلخ القمر؛ فإنه ذو شامة، وهي المسحة التي فيه، يقال: إنها من أثر جناح جبريل - عليه السلام - لما مسحه. ¬
وأراد بكمال شبابه: "في خمس وتسع": تبدره ليلة الرابع عشر، وذلك لأنه في ذلك الوقت في غاية النهاية من النور والبهاء؛ كما أن الشاب في غاية قوته وحسن منظره في عنفوان شبابه، وأراد بهرمه ذهاب نوره ونقصان ذاته ليلة التاسع والعشرين، فإن الخمس والتسع والسبع والثمان تسعة وعشرون، وهذا إلغاز حسن. قوله: "لم يلده أبوان" بسكون اللام وفتح الدال [وأصله: لم يلده بكسر اللام وسكون الدال] (¬1) ثم لما سكن اللام تشبيهًا بكف، والتقى ساكنان، حرك الدال بالفتح. 2 - وقوله: "غراء" فعلاء؛ تأنيث الأغر وهو الأبيض، قوله: "في حر وجهه" الوجه: ما بدا من الوجنة، قال: لطمه على حرّ وجهه، قوله: "مجللة": من التجليل، وهو التغطية، قوله: "لا تنقضي لأوان" أي: لا تذهب في وقت من الأوقات. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و "رب": حرف جر و "مولود": مجرور به، وقال ابن هشام اللخمي: والصواب: عجبت لمولود، قوله: "وليس له أب": جملة حالية، ويقال: الواو فيه لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إلا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4]. قوله: "وذي ولد" أي: وصاحب ولد، وهو عطف على قوله: "مولود" وقوله: "لم يلده أبوان": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الجر؛ لأنه صفة لذي ولد، قوله: "وذي شامة": عطف على ذي ولد. قوله: "غراء": صفة لشامة، قوله: "في حر وجهه": صفة لشامة -أيضًا، تقديره: كائنة في حر وجهه، قوله: "مجللة" بالجر صفة أخرى، وكذا قوله: "لا تنقضي لأوان"، واللام في لأوان للوقت؛ كما في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أي: لوقت دلوك الشمس. ويروى: لا تنجلي لزمان، لا يقال: هذا إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن المعنى لو قلت: وقت؛ لأن التغاير في اللفظ كافٍ في دفع ذلك. قوله: "ويكمل": عطف على قوله: "لا تنقضي"، ويجوز عطف المثبت على المنفي والعكس - أيضًا، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو قوله: "شبابه"، قوله: "في خمس": إنما أنت ¬
الأعداد كلها باعتبار الليالي (¬1)، قوله: "ويهرم": عطف على يكمل، قوله: "معًا" أي: جميعًا وانتصابه على الحال. الاستشهاد فيه: أن: "رب" ها هنا للتقليل، واعلم أن معنى رب ليس للتقليل دائمًا [خلافًا للأكثرين] (¬2) ولا للتكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وطائفة؛ بل ترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلًا، فمن الأول قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] ومن الثاني البيت المذكور، ونظير رب في إفادة التكثير كم الخبرية، وفي إفادة التكثير تارة وإفادة التقليل أخرى كلمة: "قد" فافهم (¬3). * * * ¬
شواهد الإضافة
شواهد الإضافة الشاهد الخامس عشر بعد الستمائة (¬1) , (¬2) تَسَائِلُ عَنْ قِرْمٍ هجَانٍ سَمَيذَعٍ ... لَدَى الْبَأْسِ مِغْوَار الصَّبَاحِ جَسُورِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه -. وهو من الطويل. قوله: "هجان" بكسر الهاء؛ أي: خيار، قال ابن فارس: يقال: رجل هجان؛ أي: كريم، والهجان من الإبل: البيض الكرام، ناقة هجان وبعير هجان (¬3). وقال ابن الأثير: الهجان: الأبيض، ويقع على الواحد والاثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد، يقال: أرض هجان: إذا كانت طيبة التراب (¬4). قال الجوهري: رجلٌ هَجينٌ بيِّن الهُجْنة، والهُجْنَة في الناس والخيل إنما تكون من قبل الأم، فإذا كان الأب عتيقًا والأم ليست كذلك كان الولد هجينًا (¬5)، والإقراف من قبل الأب. ¬
الشاهد السادس عشر بعد الستمائة
قوله: "سميذع" بفتح السين المهملة؛ السيد الموطأ الأكناف، قوله: "لدى العباس" بالباء الموحدة، وهي الشدة في الحرب، قوله: "مغوار الصباح" بكسر الميم وسكون الغين المعجمة؛ من أغار على العدو ويغير إغارة، ورجل مغوار ومغاور؛ أي: مقاتل، وقوم مغاوير وخيل مغيرة، قوله: "جسور" بفتح الجيم وضم السين المهملة، وهو المقدام؛ من جسر على كذا يجسر جسارة وتجاسر عليه، أي: أقدم عليه. الإعراب: قوله: "تسائل": جملة من الفعل والفاعل، "عن قرم": في محل النصب على المفعولية، قوله: "هجان" بالجر صفة قوم، و"سميذع" صفة أخرى، و"لدى العباس": كلام إضافي منصوب على الظرفية، وقوله: "مغوار الصباح" بالجر -أيضًا- صفة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "مغوار الصباح" أي: مغوار في الصباح، والإضافة فيه بمعنى في؛ كما في قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33] , أي: مكر في الليل، وقل من يذكر هذا من النحويين (¬1)، وقوله: "جسور" بالجر -أيضًا- صفة بعد صفة. الشاهد السادس عشر بعد الستمائة (¬2) , (¬3) إذا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ ... سُهَيلٌ أَذَاعَتْ غَزْلَهَا في القَرَائِبِ أقول: قائله لم أقف على اسمه (¬4)، وبعده بيت آخر: 2 - وقَالتْ سَمَاءُ البَيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ ... وَلَمَّا تُيَسِّر أَحْبلًا لِلركَائِبِ وهما من الطويل. قوله: "كوكب الخرقاء" بفتح الخاء وسكون الراء وبالقاف، وهي امرأة كان في عقلها ¬
الشاهد السابع عشر بعد الستمائة
نقصان؛ من الخرق بضم الخاء المعجمة، وهو الجهل والحمق؛ من خرق يخرق من باب علم يعلم خَرَقًا بفتحتين، فهو أخرق، وهي خرقاء، والاسم: الخرق بالضم، والخرقاء: صاحبة ذي الرمة غيلان الشاعر، وهي من بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قوله: "لاح" أي: ظهر، قوله: "سهيل" بضم السين المهملة؛ اسم نجم يطلع وقت السحر، قوله: "أذاعت" بالذال المعجمة؛ أي: فرقت، وثلاثيه ذاع، يقال: ذاع الخبر يذيع ذيعًا وذيوعًا وذيعوعة وذيعاعة؛ أي: انتشر، وأذاعه غيره؛ أي: أفشاه. والمعنى: أن هذه المرأة كانت تنام عن غزلها، ثم إذا أحست بطلوع سهيل فرقت غزلها بين قرائبها النساء. الإعراب: قوله: "إذا": ظرف، و "كوكب الخرقاء": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "لاح" (¬1)، وقوله: "بسحرة" في محل المفعول فيه، قوله: "سهيل" بالرفع عطف بيان على الكوكب أو بدل منه. قوله: "أذاعت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى الخرقاء، والجملة مظروف إذا، قوله: "غزلها": مفعول أذاعت، قوله: "في القرائب" يتعلق بأذاعت. الاستشهاد فيه: في قوله: "كوكب الخرقاء" حيث أضيف الكوكب إلى الخرقاء لأدنى ملابسة بسبب اجتهادها في العمل عند طلوعه (¬2). الشاهد السابع عشر بعد الستمائة (¬3) , (¬4) ...................... ... لتُغْنِي عَنِّي ذَا إِنَائِكَ أَجمَعَا أقول: قائله هو ابن عناب الطائي، وصدره (¬5): ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الستمائة
إذا قَال قَدني قال بالله حلفة ... ................................. وقد مَرّ الكلام فيه مستوفى في شواهد النكرة والمعرفة (¬1). الاستشهاد فيه ها هنا: أنه أضاف الإناء إلى المخاطب في قوله: "ذا إنائك" لأدنى ملابسة بسبب شربه منه، وإن كان الإناء في الحقيقة لسقي اللبن؛ فصار فيه دليلًا على صحة الإضافة لأدنى ملابسة (¬2). الشاهد الثامن عشر بعد الستمائة (¬3) , (¬4) فَأتَتْ بهِ حُوشَ الفُؤَادِ مُبطّنًا .. سُهُدًا إذا مَا نَامَ لَيلُ الهَوْجَلِ أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس الجَرْبِي (¬5). وهو من قصيدة لامية من الكامل، قالها في تأبط شرًّا، وكان زوج أمه، وأولها هو قوله (¬6): 1 - ولقَد سَرَيْتُ عَلَى الظلام بمْغشَمٍ ... جَلد مِنَ الفتيَان غَيرِ مُثَقَّلِ 2 - ممنْ حَمَلْنَ بهِ وَهُنَّ عَوَاقدٌ ... حُبُكَ النِّطَاق فَشَبَّ غَيرَ مُهَبَّلِ 3 - ومُبَرَّإ منْ كُلِّ غُبر حَيضَةٍ ... وَفَسَاد مُرضعَة ودَاء مُغْيَلِ 4 - حَمَلَتْ بِهِ في لَيلَةٍ مزؤُودَةٍ ... كَرْهًا وعَقْدُ نطَاقهَا لَم يُحَلّلِ 5 - فإذا طَرَحْتَ لَهُ الحَصَاةَ رَأَيْتَهُ ... يَنْزُو لِوَقْعَتِهَا طُمُورَ الأَخْيَلِ 6 - وإذَا يَهُبُّ منَ المنامِ رَأَيْتَهُ ... كَرُتُوب كَعْبِ السَّاق ليسَ بزُمُّلِ 7 - فأتَتْ به حُوش .......... ... ....................... إلخ (¬7) 8 - مَا إنْ يَمَسُّ الأرْضَ إلَّا مَنكبٌ ... منهُ وحَرف السَّاقِ طيَّ المحمَل 9 - وإذَا رَمَيتَ بهِ الفِجَاجَ رَأَيْتَهُ ... يهوَي مَخَارمَهَا هَويَّ الأَجْدَلِ ¬
10 - وإذا نَظَرتْ إلَى أسِرَّةِ وَجْههِ ... بَرَقَتْ كَبَرقِ العَارِضِ المتُهَلِّلِ 1 - قوله: "بمغشم" بكسر الميم وسكون الغين المعجمة؛ أي: برجل مغشم، أي: ظلوم، وكذلك غشوم. 2 - قوله: "حبك النطاق" أي: الإزار، وحبك الإزار: طرائقه، و"مهبل" أي: مثقل، يقال: هبله اللحم: أكثر عليه وغلظ. 3 - قوله: "من كل غبر حيضة" يعني: لم تحمله أمه في بقية الحيض بل حملت حين طهرت طهرًا بينًا، و"مغيل": من أغالت إذا أرضعته على حبل. 4 - قوله: "في ليلة مزؤودة" (¬1) أي: ليلة ذات زؤد؛ أي: ذعر. 7 - قوله: "حوش الفؤاد" بضم الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخره شين معجمة، يقال: رجل حوش الفؤاد؛ أي: حديد الفؤاد، ويروى: حوش الجنان، قوله: "مبطنًا" أي: ضامر البطن، قوله: "سُهُدًا" بضم السين المهملة والهاء، وهو القليل النوم، و"الهوجل" الوخم الثقيل. 5 - قوله: "ينزو" أي: يُشب من النشاط، قوله: "طمور الأخيل" وهو طائر زعموا أنه الشقراق. 6 - قوله: "كرتوب" بضم الراء والتاء المثناة من فوق وفي آخره جاء موحدة، ورتوب الكعب: انتصابه وقيامه، و "الزمل" بضم الزاي المعجمة وتشديد الميم؛ الضعيف النوم. 9 - و"الفجاج": الطرق، قوله: "مخارمها" المخارم -بالخاء المعجمة: منقطع أنف الجبل، و"الهوي": السقوط، و"الأجدل": الصقر. 10 - و: "أسرة وجهه": محاسنه والطرائق التي في الوجه، "المتهلل": الذي يتهلل في البرق؛ أي: يضيء. الإعراب: قوله: "فأتت به" معناه: ولدته أمه، يعني: أم تأبط شرًّا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "حوش الفؤاد": كلام إضافي منصوب على الحال، وكذا انتصاب "مبطنًا" و"سهدًا". قوله: "إذا" ظرف لقوله: "سهدًا"، و "ما" زائدة، ويحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: حين ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الستمائة
نوم ليل الهوجل، وجعل الفعل لليل لوقوعه فيه، أي, نام الهوجل فيه، وأراد [بالهوجل] (¬1) تأبط شرًّا، وأضاف الليل إليه لأجل إسناد النوم إلى الليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "حوش الفؤاد" فإن الإضافة لم تفد فيه شيئًا من التعريف والتخصيص؛ فلذلك وقع حالًا كما ذكرنا؛ إذ الحال لا يكون إلا نكرة (¬2). الشاهد التاسع عشر بعد الستمائة (¬3) , (¬4) يَا رُبَّ غابِطِنا لَوْ كَانَ يَطْلبُكُم ... لَاقى مُبَاعَدَةً مِنْكُم وحِرْمَانَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة نونية، وهي طويلة جدًّا من البسيط يهجو فيها الأخطل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - بَانَ الخلِيطَ وَلَوْ طُوِّعْتُ مَا بَانَا ... وَقَطَّعُوا مِنْ حِبَالِ الوَصْلِ أَقْرَانَا 2 - حَيِّ المنازِلَ إِذْ لَا نَبتَغِي بَدَلًا ... بالدَّارِ دَارًا ولَا الجِيرَانِ جِيرَانَا 3 - قَدْ كُنْتُ فيِ أَثَرِ الأَظْعَانِ ذَا طَرَبٍ ... مُرَوَّعًا مِنْ حِذَارِ البَيِنْ مِحْزَانَا 4 - يَا رب مكْتَئِب لَو قَدْ نعِيتُ لَهُ ... بَاكٍ وآخَرَ مَسرورٍ بمَنعَانَا إلى أن قال: 5 - إِنَّ العيونَ التِي فيِ طَرفِهَا مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثمَّ لَم يُحْيينَ قَتْلَانَا 6 - يَصْرَعْنَ ذَا اللبِّ حتى لا حَرَاكَ بِهِ ... وَهنَّ أَضْعَف خَلْقِ الله أَرْكَانَا 7 - يا رب غابطنا .............. ... ...................... إلخ 8 - أَرَيْنَهُ الموتَ حَتَّى لا حَيَاةَ بِهِ ... قَدْ كن دِنَّكَ قَبْلَ الموتِ أَدْيَانَا 9 - ظَنِّي بِكم حَسَنٌ من خبرة بكم ... فَلَا تَكونوا كمَن قد كَانَ أَلْوَانَا ¬
الشاهد العشرون بعد الستمائة
قوله: "غابطنا": من الغبطة وهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه وليس بحسد، تقول منه: غبطه بما نال أغبطه غبطا غبطة واغتباطا فاغتبط هو. قوله: "وحرمانًا": من حرمه الشيء يحرُمُه، من باب: نصر ينصر حَرِمًا بفتح الحاء وكسر الراء، وحرِمة وحريمة وحرمانا إذا منعه. الإعراب: قوله: "يَا رُبَّ" يا حرف نداء، ولكن ها هنا لمجرد التنبيه، ولهذا لا يحتاج إلى المنادى؛ وذلك لأن حرف النداء إذا وليّه ما لا يصلح أن يكون منادى يكون لمجرد التنبيه، وقد قيل: يكون للنداء -أيضًا- في مثل هذه المواضع، والمنادى محذوف. وقوله: "رب": حرف جر، و "غابطنا": كلام إضافي مجرور برب، قوله: "لو كان" لو للشرط، وكان فعل الشرط، والضمير فيه اسم كان، وخبره الجملة - أعني قوله: "يطلبكم". قوله: "لاقى": جواب لو، وهي جملة من الفعل والفاعل، و"مباعدة ": مفعوله، وقوله: "منكم": في محل النصب لأنها صفة لمباعدة، والمعنى: مباعدة حاصلة منكم، وقوله: "حرمانا" عطف على مباعدة. الاستشهاد فيه: في قوله: "غابطنا" فإن الإضافة فيه غير محضة، فلهذا دخلت عليه رُبّ (¬1). الشاهد العشرون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) إِن وَجْدِي بكَ الشدِيدَ أَرَاني ... عَاذِرًا مَنْ عَهدْتُ فيك عَذُولًا لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "إن": [حرف] (¬1) من الحروف المشبهة بالفعل، قوله: "وجدي": كلام إضافي اسمه، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، قوله: "بك" في محل النصب مفعوله. وقوله: "الشديد" بالنصب صفة وجدي، قوله: "أراني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع لأنها خبر إن، وأرى يستدعي ثلاثة مفاعيل؛ الأول: الياء، والثاني: قوله: "من عهدت" والثالث: قوله "عاذرًا". قوله: "من" موصولة، و"عهدت" فعل وفاعل، و"فيك" في محل النصب مفعوله، و"عذولًا": مفعول ثان لعهدت، والمفعول الأول محذوف تقديره: من عهدته، قوله: "فيك" حال من عذولًا، والجملة صلة الموصول والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول عاذر. الاستشهاد فيه: في قوله: "إن وجدي" فإنه مصدر مضاف إلى فاعله كما قلنا، واكتسب بإضافته التعريف، فلذلك وصف بالمعرفة وهو قوله: "الشديد"، فلو لم يكتسب تعريفًا بإضافته لما جاز وصفه بالمعرفة فافهم (¬2). الشاهد الحادي والعشرون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيَهَا مَرُّ الرِّياحِ النَّوَاسمِ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان بن عقبة، وهو من قصيدته [الطويلة] (¬5)، من الطويل التي أولها هو قوله (¬6): 1 - خَلِيلَيَّ عُوجَا النَاعِجَاتِ فَسَلَّمَا ... عَلَى طَلَلٍ بيَن النَّقَا والأَحَارِمِ ¬
2 - كَأَنْ لَم يَكُنْ إِلا حَدِيثًا وَقَدْ أَتَى ... لَهُ مَا أَتَى لِلْمُزْمِنِ المُتَقَادِمِ 3 - سلَامَ التِي شقَّتْ عَصَا البَين بَيْنَهُ ... وبَيْنَ الهَوَى مِنْ إِلْفِهِ غَيرَ صَارِمِ [إلى أن قال] (¬1). 4 - لحَفْنَ الحَصَا أَنْيَارَهُ ثُمَّ خُضْنَهُ ... نُهُوضَ الهِجَانِ المُوعِثَاتِ الجَوَاشِمِ 5 - مَشَينَ .................. ... ....................... إلخ وقد مدح بها غيلانُ الملازمَ بنَ حريث الحنفي. قوله: "الناعجات" بالنون؛ جمع ناعجة، وهي إبل يصاد عليها بقر سِرَاعٌ، والنعج: البياض، و"النقا" بفتح النون وبالقاف؛ اسم للرمل المستطيل، قوله: "والأحارم" بفتح الهمزة والحاء وكسر الراء؛ اسم لطرف الرمال، و"الطلل": ما شخص من آثار الديار، قوله: "لحفن" أي جعلنه كالملحف، و"الأنيار": أعلام الخز، قوله: "ثم خضنه" أي: خضن فضول المروط كما يخاض الماء، و"الموعثات": اللائي وقعن في الوعث فهن يتجشمن المشي على مشقة، قوله: "مشين كما اهتزت"، وفي ديوان ذي الرمة: رويدًا كما اهتزت ............. ... .............................. (¬2) قوله: "تسفهت" أي: مالت بأعاليها مرَّ الرياح، يقال: تسفهت الريح الشجر إذا مالت به، قوله: "النواسم": جمع ناسمة؛ من نسمت الريح نسمًا ونسمانًا، ونسيم الريح: أولها حين تهب بلين قبل أن تشتد. الإعراب: قوله: "مشين" أي النسوة، جملة من الفعل والفاعل، قوله: "كما اهتزت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية واهتزت فعل، و"رماح" فاعله، والتقدير: كاهتزاز الرماح. قوله: "تسفهت": فعل ماض، وفاعله قوله: "مر الرياح" وقوله: "أعاليها" بالنصب مفعوله، و"النواسم" بالجر صفة الرياح، والجملة في محل الرفع لأنها صفة الرماح. الاستشهاد فيه: في قوله: "تسفهت" حيث أنثها الشاعر مع [أن] (¬3) فاعلها مذكر، وهو لفظ: "مر" ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد الستمائة
وذلك لأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو الرياح (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) أَتْيُ الفَوَاحِشِ عِنْدَهُم مَعْرُوفَةٌ ... وَلَدَيْهِم تركُ الجَمِيلِ جَمَالُ أقول: قيل إنه للفرزدق ذَمَّ به الأخطل، وهو من الكامل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "أتي" أي: إتيان الفواحش، وهو كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "معروفة" وإنما أنث الخبر لكون المبتدأ اكتسب التأنيث من المضاف إليه، قوله: "ولديهم": ظرف، والعامل فيه قوله: "ترك الجميل" وهو مبتدأ، وخبره قوله: "جمال". الاستشهاد فيه: في قوله: "معروفة" فإنها مؤنثة مع أنها خبر لقوله: "أتي الفواحش" والأتي مذكر، وذلك لأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه [المؤنث] (¬4)، وهو الفواحش (¬5). الشاهد الثالث والعشرون بعد الستمائة (¬6) , (¬7) رؤْيَةُ الفِكْرِ ما يَؤُولُ لهُ الأَمْرُ ... مُعَينٌ على اجْتِنَابِ التَّوَانِي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "ما يؤول" أي: ما يرجع له الأمر، قوله: "على اجتناب التواني" ويروى: على اكتساب الثواب. ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "رؤية الفكر": كلام إضافي مبتدأ وهو [مصدر] (¬1) مضاف إلى فاعله، وقوله: "ما يؤول له الأمر": جملة وقعت مفعولًا للمصدر، وقد قيل: ما يؤول به الأمر جملة في محل الجر؛ لأنه صفة للفكر، يعني: الفكر الذي يرجع إليه الأمر، قوله: "معين": خبر المبتدأ، قوله: "على اجتناب": يتعلق بالمعين. الاستشهاد فيه: في قوله: "له الأمر" حيث قال: له ولم يقل: لها، فكأنه قال: الفكر الذي يؤول له الأمر، كذا قال البعلي، ويجوز أن يكون الاستشهاد في قوله: "معين" فإنه مذكر مع أن المبتدأ مؤنث، وذلك لسريان التذكير إليه من المضاف إليه، وهو الفكر، وهو عكس البيتين السابقين (¬2). الشاهد الرابع والعشرون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) .............................. ... وَإنْ سَقَيتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسْقِينَا أقول: قائله هو أبو شامة بن حزن النهشلي، وصدره: إِنَّا مُحَيُّوكِ يَا سَلْمَى فَحَيِّينَا ... ................................ وهو من قصيدة نونية من البسيط وأولها هو قوله (¬5): 1 - إنّا مُحَيُّوكِ يَا سلْمَى فَحَيِّينَا ... وَإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاس فاسْقِينَا 2 - وإنْ دَعَوْتِ إلَى جُلَّى وَمَكْرُمَةٍ ... يَوْمًا سَرَاةَ كرامِ النَّاس فادْعِينَا 3 - إنّا بَنِي نهْشَلٍ لَا نَدَّعِي لأَبٍ ... عَنْهُ ولَا هُوَ بِالأبناء يَشْرِينَا 4 - إِنْ تُبْتَدَرْ غَايَةٌ يَوْمًا لمكْرُمَةٍ ... تلْقَ السَّوَابِقَ منَّا وَالمُصَلِّينَا وهي من قصيدة طويلة، المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "إنا" إن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، ونا اسمه، و"محيوك": خبره، وأصله: محيون إياك، فلما أضيفت سقطت النون، وقوله: "يا سلمى": منادى مفرد مثل يا زيد. قوله: "فحيينا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والفاء [فيه] (¬1) هي الفاء التي تربط الجواب بالشرط، ولكن ليس ها هنا حقيقة الشرط، ولكن (¬2) ها هنا شبه الشرط؛ كما في قوله: الذي يأتيني فله درهم، وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان، فكذلك ها هنا فهم ما أراده من ترتب لزوم تحيتهم على تحيتها، وكذلك الكلام في الشطر الثاني. الاستشهاد فيه: في قوله: "كرام الناس" فإن إضافة الكرام إلى الناس إضافة الصفة إلى الموصوف؛ كما في نحو: سحق عمامة (¬3). الشاهد الخامس والعشرون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) عَلا زَيدُنَا يَومَ النَّقا رَأْسَ زَيْدكم ... ............................... أقول: قائله هو رجل من طيء؛ كذا قاله المبرد، وتمامه: .......................... ... بأَبْيضَ مَاضي الشَّفْرَتينِ يَمَان وبعده (¬6): 2 - فإنْ تَقْتُلُوا زَيْدًا بزَيْدٍ فَإنمَّا ... أَقَادَكُم السلطانُ بعدَ زَمَان وهما من الطويل. وقصته أن رجلًا من طيء يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل، قتل رجلًا من بني أسد ¬
يقال له زيد، ثم أقيد به بعد فقال شاعر طيء في ذلك. قوله: "علا" من علا يعلو هذا في المكان، وأما في الشرف والرتبة فيقال: علا يعلي علاء وكلاهما متعد بمعنى فاقه. قوله: "يوم النقا" بفتح النون والقاف؛ أي: يوم الحرب عند النقا؛ وذلك نحو قولهم: يوم أحد؛ أي: يوم الحرب عند أحد، و "النقا" مقصور، وهو الكثيب من الرمل، وكتب بالألف؛ لأنه من الواو بدليل ظهورها في التثنية: نقوان، ومن قال: نقيان كتبه بالياء، يذكِّرُهم بوقعة جرت في ذلك الموضع وكانت الغلبة لهم، ويروى: عَلَا زيدُنَا يومَ الحِمَى رأسَ زَيدِكُم ... ................................ كذا رواه المبرد. [قوله: "] (¬1) بأبيض" أي: بسيف أبيض وبياضه من صفائه وصقالته، قوله: "ماضي الشفرتين" أي: نافذ الحدين، وشفرة السيف: حدته، وفي رواية المبرد: ....................... ... بأبيَضَ مشحوذ الفرَارِ يَمَانِ قوله: "يمانِ" منسوب إلى اليمن، والألف فيه عوض عن ياء النسب فلا يجتمعان، قال سيبويه: وبعضهم يقول: يمانيّ بالتشديد، وها هنا لا يجيء التشديد (¬2). الإعراب: قوله: "علا": فعل ماض، "زيدنا": كلام إضافي فاعله، و"يوم النقا": كلام إضافي نصب على الظرف، وقوله: "رأس زيدكم": كلام إضافي مفعول لقوله: "علا". قوله: "بأبيض": صفة موصوفها محذوف، أي: بسيف أبيض، والجار والمجرور في محل النصب بأنه مفعول ثان لعلا، قوله: "ماضي الشفرتين": كلام إضافي مجرور تقديرًا لأنه صفة لأبيض، قوله: "يمان": صفة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "زيدنا" فإن فيه إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، أي: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم، فحذف الصفتين وجعل الموصوف خلفًا عنهما في الإضافة، واستشهد به الزمخشري، وقال: أجرى زيدًا مُجرَى النكرات فأضافه كما أضيف النكرات فقال: ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد الستمائة
زيدنا وزيدكم (¬1). الشاهد السادس والعشرون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) فقلتُ انْجُوَا عَنْهَا نَجَا الجلْدِ إنهُ ... سيرضِيكُمَا مِنْهَا سَنَامٌ وَغَارِبُه أقول: قائله هو أبو الجرّاح، قاله أبو علي البغدادي في كتاب المقصور والممدود، وقال الصاغاني في العباب: هو أبو الغمر الكلابي، وقد نزل عنده ضيفان فنحر لهما ناقة فقالا: إنها مهزولة. فقال معتذرًا لهما: فَقُلْتُ انْجُوَا عَنهَا ............ ... ............................. وقبله بيتان آخران وهما (¬4): 1 - وَرَدْتُ وأهْلِي بَين قوٍّ وفَرْدَةٍ ... عَلَى مجْزَرٍ تَأْوي إليهِ ثَعَالبُه 2 - فَصَادَقْتُ خيري كاهل فاجآ بها ... يَشُفَّانِ لحمًا بَانَ مِنْهُ أَطَايبُهْ [وهي من الطويل] (¬5). 1 - قوله: "قو" بفتح القاف وتشديد الواو؛ اسم موضع، وكذلك: "فردة". 3 - قوله: "انجوا": أمر الاثنين، من نجوت جلد البعير عنه إذا سلخته، وكذلك أنجيته، ومادته: نون وجيم وواو، يخاطب به الشاعر الضيفين، قوله: "نجا الجلد" النجا مقصور اسم الجلد، قوله: "غاربه" بالغين المعجمة، وهو أعلى الظهر. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "انجوا عنها نجا الجلد": مقول القول؛ أي: انجوا عن الناقة نجا الجلد، قال الفراء: وإنما أضاف النجا إلى الجلد مع أن النجا هو الجلد؛ لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان؛ كقوله: {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: 95]، ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد الستمائة
{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} [يوسف: 109]. قوله: "إنه" أي: الشأن، الهاء اسم إن، والجملة التي بعده خبره في محل الرفع، قوله: "منها" أي من الناقة، وهو حال من السنام، و "سنام": مرفوع على أنه فاعل لقوله: "سيرضيكما", وقوله: "وغاربه": كلام إضافي عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "نجا الجلد" فإنه أضاف المؤكِّد إلى المؤَكَّد؛ هكذا قال ابن أم قاسم (¬1)، والأحسن أن يقال فيه ما قاله الفراء على ما ذكرناه الآن. الشاهد السابع والعشرون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) إلى الحَوْل ثم اسْمُ السلام علَيكُمَا ... ................................ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وتمامه: ........................... ... ومن يبكِ حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَرْ ولما بلغ لبيد ثلاثين ومائة سنة وقربت وفاته قال (¬4): 1 - تَمَنَّى ابْنَتَايَ أن يَعيشَ أبُوهُمَا ... وَهَلْ أنَا إلَّا مِنْ رَبيعَةَ أوْ مُضَرْ 2 - فَقُومَا وقُولَا بالذي تَعْلَمَانِهِ ... ولا تَخْمشَا وَجْهًا ولَا تَحْلِقَا شعر 3 - وقُولَا هُوَ المَرءُ الذي لا صَدِيقَهُ ... أضَاعَ وَلَا خَانَ الخليلَ ولا غَدَرْ 4 - إلى الحول ................... ... ....................... إلخ وهي من الطويل، [المعنى ظاهر] (¬5). ¬
الإعراب: 4 - قوله: "إلى الحول": جار ومجرور يتعلق بقوله: "وقولا بالذي تعلمانه" لأن المعنى: اذكراني بعدي بالذي تعلمانه فيّ من الشفقة والإحسان إليكما ثم ابكيا على إلى الحول، ولا بد من تقدير: ابكيا بقرينة. 2 - قوله: "ولا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعر" وذلك أن النهي عن خمش الوجه وحلق الشعر لا يكون إلَّا في البكاء، فأمرهما بالبكاء عليه بدون هذين؛ لأن البكاء على الميت يباح إذا لم يكن فيه خمش وجه وحلق شعر ولطم خد ونحو ذلك. فإن قلت: فما معنى تقدير الحول؟ قلت: لأن الزمان ساعات وأيام وجُمَع وشهور وسنون، [والسنون] (¬1) هي النهاية، فكأنه أمرهما بالقول بما فيه والبكاء عليه إلى مدة هي نهاية الزمان في التقسيم إلى أجزائه. ويمكن أن يكون لبيد قد نظر في ذلك إلى ما روي في بعض الآثار أن أرواح الموتى لا تنقطع من التردد إلى منازلهم في الدنيا إلى سنة كاملة، ثم بعد سنة ترتفع وتنقطع عن الدنيا. فكأنه قصد بذلك أن تذكرانه وتبكيان عليه في هذه المدة ليشاهد ذلك عنهما بعين الحال، فلذلك قال: ........................... ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَاملًا فَقَدْ اعْتَذَرْ وقد قيل: إن هذه المدة كانت عزاء الجاهلية وقد أبطلها الشرع. قلتُ: هذا إنما يتمشى أن لو كان لبيد قال هذا في الجاهلية، ولم يقل لبيد هذا إلَّا في الإِسلام؛ لأنه إنما قاله قبيل موته حين دنت وفاته، وأكثر شراح هذا البيت قد خَبَّطُوا ها هنا، ولا سيما بعض من شراح أبيات كتاب الزمخشري (¬2)، فقد رووا قبل قوله: "إلى الحول" بكيت، وقالوا: يخاطب الشَّاعر خليليه بقوله: بكيت إلى سنة من فراقكما ثم سلمت عليكما، ومن يبك سنة فهو معذور لو ترك البكاء، وذهلوا عن الأبيات التي تقدمت عليه وتكلفوا في معناها هذا التكليف، وليس الأمر كذلك وإنما هو مثل الذي ذكرناه. قوله: "ثم اسم السلام عليكما": كناية عن الأمر بترك ما كان أمرهما به من القول بما فيه والبكاء عليه إلى سنة للمعنى الذي ذكرناه؛ ألا ترى أن رجلًا إذا كان في حديث مع أحد ثم ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد الستمائة
أراد أن يترك كلامه ويفارقه ينهض ويقول: السلام عليكم، ويكون هذا القول قاطعًا لكلامه. وإنما عطف بثم؛ لأن المعنى على التراخي؛ لأنه قال: افعلَا وافعلَا ولا تفعلَا ولا تفعلَا إلى الحول، ثم قال: اتركا هذا كله بقوله: ثم اسم السلام عليكما, ولفظة: اسم مقحمة. والمعنى: ثم السلام عليكما، والخطاب لبنتيه لا لغيرهما كما زعمه بعضهم ممن قد ذكرناهم الآن، وقوله: "اسم السلام" مبتدأ، و"عليكما" خبره. قوله: "ومن يبك حولًا": إشارة إلى تعليل أمره إياهما بترك ما أمرهما به من القول بما فيه والبكاء عليه إلى سنة، فكأنه يقول: السنة مدة بعيدة، فإذا ذكرتماني بعد موتي سنة كاملة ثم تركتما ذكري فأنتما معذورتان؛ لأن من يبكي على ميته سنة كاملة فهو معذور إذا ترك البكاء. وكلمة "من" شرطية، و"يبك" مجزوم بها، و"حولًا" نصب على الظرف، و"كاملًا": صفته، وقوله: "فقد اعتذر": جملة فعلية جزاء للشرط. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثم اسم السلام" فإن اسم مضاف إلى السلام، وهو إضافة الملغي إلى المعتبر؛ يعني: لفظة الاسم ها هنا ملغي؛ لأن دخوله وخروجه سواء. فافهم (¬1). الشاهد الثامن والعشرون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) أَقَامَ بِبَغْدَادِ العِرَاقِ وَشَوْقُهُ ... لِأَهْلِ دِمَشْقِ الشَّامِ شَوْقٌ مُبَرّحُ أقول: قائله بعض الطائيين، وهو من الطَّويل. قوله: "مبرح" أي: شديد، يقال: برّح به الأمر تبريحًا؛ أي: جهده. الإعراب: قوله: "أقام": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "ببغداد العراق" في محل النصب على المفعولية، وبغداد لا ينصرف فلما أضيف انجر بالكسر، قوله: "وشوقه"؛ مبتدأ، وخبره قوله: ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الستمائة
شوق" الثاني [وقوله: "مبرح" صفته، والجملة وقعت حالًا] (¬1)، وقوله: "وشوقه" مصدر مضاف إلى فاعله، وقوله: "لأهل دمشق الشَّام" في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: في قوله: "ببغداد العراق، ودمشق الشَّام" فإن الإضافة فيهما إضافة المعتبر إلى الملغي عكس البيت السابق، وذلك لأن دخول العراق والشَّام وخروجهما سواء (¬2). الشاهد التاسع والعشرون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) ..................... ... كمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ من الدَّمِ أقول: قائله هو الأَعمش ميمون بن قيس، وصدره: وَتَشْرَقُ بالقَوْلِ الذي قد أَذَعْتُهُ ... .............................. وهو من قصيدة ميمية وهي طويلة [من الطَّويل] (¬5)، وأولها هو قوله (¬6): 1 - ألَا قُلْ لَتِيّا قَبْلَ مِرَّتِهَا اسْلَمِي ... تَحِيّةَ مُشْتَاقٍ إلَيهَا مُتَيَّمِ 2 - عَلَى قِيلِهَا يَومَ التَقَيْنَا وَمَنْ يَكُنْ ... عَلَى مَنْطِقِ الوَاشِيَن يَصْرِمْ ويُصْرَمِ 3 - لئِنْ كُنتَ فيِ حُبِّ ثَمَانِينَ قَامَةً ... وَرُقِّيتَ أسْبابَ السَّمَاءِ بسُلَّمِ 4 - ليَسْتَدْرِجَنَّكَ القَولُ حَتَّى تَهِرُّهُ ... وتَعْلَمَ أنِّي عَنْكَ لَسْتُ بِمُلْجِم 5 - وتشرق بالقول ............ ... ..................... إلخ 6 - فَلَا تُوعِدَنِّي بِالفَخَارِ فإنَّنِي ... بَنَى الله بَيْتِي فيِ الدَّخِيسِ العَرَمْرَمِ 1 - قوله: "لتيّا": تصغير تا التي من أسماء الإشارة. 5 - قوله: "وتشرق": من شرق بريقه إذا غصّ، وهو من باب علم يعلم، قوله: "قد أذعته" ¬
الشاهد الثلاثون بعد الستمائة
بالذال المعجمة والعين المهملة؛ من الإذاعة وهو الإفشاء، قوله: "صدر القناة" وهو الرمح، ويجمع على قَنا وقنوات وقنى وقناء. 6 - قوله: "في الدخيس" بفتح الدال وكسر الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة، وهو العظيم، و"العرمرم": الكثير. الإعراب: قوله: "وتشرق": جملة من الفعل والفاعل، و"بالقول" في محل النصب مفعول، وقوله: "الذي قد أذعته" صفة للقول، قوله: "كما شرقت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، والتقدير: كشرق صدر القناة. الاستشهاد فيه: في قوله: "شرقت" فإنَّها مؤنثة وفاعلها وهو الصدر مذكر، وكان القياس شرق، ولكن لما كان الصدر الذي هو مضاف بعض المضاف إليه أعطي له حكمه (¬1). الشاهد الثلاثون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عيْنٍ ثَرَّةٍ ... ................................ أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وتمامه: .......................... ... فَتَرَكْنَ كُلَّ حَدِيقَةٍ كالدِّرْهَمِ وهو من قصيدته المشهورة التي أولها (¬4): أعْيَاكَ رَسْمُ الدَّارِ لَمْ يَتَكلَّمِ ... حَتَّى تَكَلَّمَ كَالأَصَمِّ الأَعْجَمِ ¬
وهو (¬1) من الكامل. قوله: "ثرة" بفتح الثاء المثلثة وتشديد الراء، معناه: كل عين كثيرة الماء، وكذلك يقال: سحاب ثر؛ أي: كثير الماء، وناقة ثرة: واسعة الإحليل، ويروى: جَادَتْ عَلَيهِ كُلُّ بَكْرٍ حُرَّةٍ ... ................................ قوله: "كل حديقة"، ويروى: كل قرارة، أي: جادت بمطر جود، و"البكر" السحابة في أول الرَّبيع التي لم تمطر، و"الحرة": البيضاء، وقيل: الخالصة [وحرّ كل شيء: خالصه] (¬2)، ومن روى: "ثرة" فهو المليء، وكذلك الثرثارة، والقرارة: كل مطمئن من الأرض يجتمع فيه السيل، فإذا اشتد الريح رأيت له حبكًا وطرائق فكان لقراره مستقر السيل. قوله: "فتركن كل حديقة" معناه: أن الماء لما اجتمع استدار أعلاه فصار كَدَور الدرهم، ويقال: شمه بياضه ببياض الدرهم. الإعراب: قوله: "جادت": فعل ماض، وقوله: "كل عين" كلام إضافي فاعله، قوله: "عليه" في محل النصب على أنَّه مفعول، والضمير يرجع إلى النبت في البيت السابق، وهو قوله: أوْ رَوْضَةً أُنُفًا يُضَمِّنُ نَبتَهَا ... غَيثٌ قَلِيلُ الدّمْنِ لَيسَ بِمَعلَمِ قوله: "ثرة" بالجر صفة للعين، قوله: "فتركن": محمول على المعنى؛ لأن المعنى: جادت عليه السحاب، ولو كان في الكلام لجاز؛ فترك كل قرارة على لفظ كل، وتركت ترده على بكر، قوله: "وكل حديقة": كلام إضافي منصوب بقوله: "تركن"، قوله: "كالدرهم" الكاف للتشبيه، و"الدرهم مجرور به. والاستشهاد فيه: في قوله: "جادت" حيث أنث مع إسناده إلى لفظة: "كل" لاكتساب كل التأنيث من المضاف إليه بإضافته فافهم (¬3). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الستمائة
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) دَعَوْتُ لَمَّا نَابَنِي مِسْوَرًا ... فَلَبَّى فَلَبَّىْ يَدَيْ مِسْوَر أقول: قائله هو أعرابي من بني أسد، قاله أبو تمام (¬3). وهو من المتقارب وفيه الحذف. قوله: "لما نابني" أي: لما أصابني؛ من النائبة، قوله: "فلبى" يعني: قال لبيك، يقال: لبيت الرَّجل إذا قلت له لبيك، و"المسور" بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وفي آخره راء مهملة؛ اسم رجل. الإعراب: قوله: "دعوت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "مسورًا": مفعوله، والسلام في "لما" للتعليل وما موصولة، و"نابني": جملة صلته، والتقدير: دعوت مسورًا لأجل النائبة التي نابتني، وكان دعا مسورًا ليقوم عنه بدية لزمته فأجابه إلى ذلك. قوله: "فلبى" أي فلباني فحذف المفعول، أي: قال لبيك، قوله: "فلبى يدي مسور" [يعني] (¬4)، فإجابة مني بعد إجابة له إذا سألني في أمر نابه فدعا له جزاء الصنيعة، وخص يديه بالذكر؛ لأنهما اللتان أعطتاه المال، وقيل: ذكر اليدين على سبيل الإقحام والتأكيد. فإن قلتَ: ما الفرق بين الفاءين؟ قلت: الأولى للعطف المؤذن بالتعقيب، والثانية منببية على حذف الفعل وإقامة المصدر مقامه، دعا له أن يكون مجابًا كما كان مجيبًا، يقول: دعوت مسورًا لينصرني لما نابني من الشدائد فأجابني فأجاب الله دعاءَه، وزعم سيبويه أن لبيك تثنية لبّ (¬5). وزعم يونس أنَّه اسم مفرد وأصله: لبّى على وزن فعْلَى، ثم قلبت ألفه ياء؛ لاتصاله بالضمير؛ ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الستمائة
كما في: عليك وإليك (¬1)، ورد عليه سيبويه بهذا البيت؛ فإنَّه أضافها إلى الظاهر ولم يأت بالألف، ولو كان بمنزلة: "على" لقال: فلبا يدي مسور؛ لأنك تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم، وإن لم تظهر قلت: عليه (¬2)؛ كما قال (¬3): دَعَوْتَ فَتًى أَجَابَ فَتًى دَعَاهُ ... بِلَبَّيْهِ أَشَمَّ شَمَرْدلِيُّ الاستشهاد فيه: في قوله: "فلبى يدي مسور" حيث جاء لبي مضافًا إلى الظاهر، وهو نادر شاذ؛ لأن هذا من الأسماء التي تلزم الإضافة إلى الضمر نحو: دواليك وسعديك وحنانيك وهذاذيك (¬4). وفي شرح الكشاف كتب ابن حبيب الكاتب: "فلبى" الأولى بالألف، والثانية بالياء على إضافتها إلى يدي إضافة المصدر إلى المفعول، وصححه الصاغاني. قلت: الأول فعل لهان كانت الألف رابعة، ولعل ذلك لتمييز أن الأولى فعل وأن الثَّانية مصدر منصوب، وعلامة النصب فيه الياء. الشاهد الثاني والثلاثون بعد الستمائة (¬5) , (¬6) إنكَ لَوْ دَعَوْتَنِي وَدُونِي ... زَوْرَاءُ ذاتُ مُتْرَعٍ بَيُونِ لَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُوني ... ..................... أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز. قوله: "زوراء" بفتح الزاي وسكون الواو ومدّ الراء، وهي البئر البعيدة القعر، والأرض البعيدة -أَيضًا - تسمى زوراء، وكذلك دجلة بغداد [تسمى] (¬7) زوراء. قوله: "مَتْرَع" من قولهم: حوض ترع بالتحريك إذا كان ممتلئًا، وضبطه بعضهم منزع بالزاي ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد الستمائة
المعجمة؛ من قولهم: بئر نزوع ونزيع إذا كانت قريبة القعر ينزع منها باليد، والأول أصح وأقرب. قوله: "بيون" بفتح الباء الموحدة وضم الياء آخر الحروف المخففة وفي آخره نون، وهي البئر البعيدة القعر الواسعة، وكذلك البائنة، قاله الجوهري (¬1). الإعراب: قوله: "إنك" الكاف اسم إن، و"لو" للشرط، و"دعوتني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، قوله: "ودوني زوراء": جملة اسمية وقعت حالًا، قوله: "ذات مترع": كلام إضافي مرفوع؛ لأنها صفة زوراء. قوله: "بيون" بالجر صفة المترع [قوله: "لقلت" جواب لو، وفي الحقيقة هو خبر إن سدَّ مسد جواب الشرط] (¬2)، قوله: "لبيه": مقول القول، وقوله: "لمن يدعوني": يتعلق بقوله: "قلت". الاستشهاد فيه: في قوله: "لبيه" فإنَّه أضيف إلى ضمير الغيبة، وهو شاذ، والحكم فيه وفي أمثاله أن يضاف إلى ضمير المخاطب (¬3). الشاهد الثالث والثلاثون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) أَمَا تَرَى حَيثُ سُهَيلٍ طَالِعًا ... ....................... أقول: هذا الشطر أنشده ابن الأعرابي، ولم ينشد تمامه، ولا عزاه إلى قائله، وقد قيل: إن قائله مجهول، وأنشد السيد السمرقندي (¬6) تمامه في شرحه لمقدمة ابن الحاجب فقال: أَمَا تَرَى حَيثُ سُهَيلٍ طَالِعًا ... نَجْمًا يُضيءُ كالشِّهَاب لَامِعًا قوله: "سهيل" بضم السين المهملة، وهو نجم يطلع وقت السحر. ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "أما" الهمزة للاستفهام، و"ترى": جملة من الفعل والفاعل، و"حيث": ظرف أضيف إلى سهيل فلذلك جر سهيل، و"طالعًا" نصب لأنه مفعول ترى وهو من رؤية البصر؛ فلذلك اقتصر على مفعول واحد. الاستشهاد فيه: في قوله: "حيث سهيل" لأن حيث من حقها أن تضاف إلى الجملة، وها هنا قد أضيفت إلى المفرد وهو شاذ (¬1). فإن قلت: ما محل حيث ها هنا؟ قلت: حيث ها هنا معرب؛ لأنه لم يضف إلى جملة، فهو إما منصوب على الظرفية، أو منصوب على المفعولية، وتكون ترى من رؤية القلب التي تستدعي المفعولين، فالمفعول الأول هو حيث، والثاني هو قول: طالعًا، أو يكون من رؤية البصر ويكون حيث مفعوله (¬2)، و"طالعًا" حالًا من حيث لا من سهيل؛ لأن الحال من المضاف إليه ضعيفة. فإن قلت: كيف تقول: "حيث" ها هنا معربة؟. قلت: لأن الموجب لبنائه هو إضافته إلى الجملة، وإذا زال ذلك الموجب الذي هو علة البناء زال المعلول وهو البناء، ومنهم من قال: حيث مبنية وإن أضيفت إلى المفرد كما في: "لدن". وقد قيل: إن حيث ها هنا مضافة إلى الجملة، وإن سهيلًا مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، أي: مستقر أو ظاهر في حال طلوعه فافهم. الشاهد الرابع والثلاثون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) إِذَا رَيْدَةٌ مِنْ حَيثُ مَا نَفَحَتْ لَهُ ... ....................... أقول: قائله هو أبو حية النميري، واسمه المشمر بن الربيع بن زرارة بن كثير بن حباب ¬
ابن مالك بن عامر بن نمير الشَّاعر المشهور. وأبو حية بالياء آخر الحروف المشددة، وهو شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وكان فصيحًا مقصدًا راجزًا، من ساكني البصرة، وكان أهوجًا جبانًا بخيلًا كذابًا معروفًا بذلك أجمع، وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه، وقيل: إنه كان يصرع، وتمام البيت: ....................... ... أَتَاهُ بِرَيَّاهَا خَلِيلٌ يُوَاصِلُهْ وهو من الطَّويل. قوله: "ريدة" بفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف وفتح الدال المهملة، يقال: ريح ريدة ورأدة وريدانة، أي: لينة الهبوب، قال هميان (¬1) بن قُحافة (¬2): جَرَتْ عَلَيهَا كُلُّ رِيحٍ رَيْدَةٍ ... هَوْجَاءَ شَغْوَاءَ نَؤوجُ الغُدْوَةِ قوله: "نفحت": من نفح الطِّيب ينفح إذا فاح وله نفحة طيبة، قوله: "برياها" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف، وهي الرائحة. الإعراب: قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و"ريدة": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر؛ أي إذا نفحت ريدة، قوله: "من حيث" حيث ها هنا منقطع عن الإضافة تقديره: إذا ريدة نفحت له من حيث هبت؛ وذلك لأن ريدة فاعل بفعل محذوف يفسره نفحت؛ كما ذكرنا، فلو كان نفحت مضافًا إليه، حيث لزم بطلان التفسير؛ إذ المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، فلا يفسر عاملًا فيه. قوله: "أتاه": جواب إذا، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهو قوله: "خليل"، قوله: "يواصله": جملة وقعت صفة لخليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "من حيث" حيث قطعت عن الإضافة كما ذكرنا، وأصله من حيث هبت (¬3). ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الستمائة
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) ونَطْعَنُهُمْ تَحْتَ الحُبَا بَعْدَ ضَرْبهِمْ ... بِبِيضِ المَوَاضِي حيثُ لَيِّ العَمَائِمِ أقول: قيل إن قائله هو الفرزدق من قصيدته التي نذكرها في البيت الذي يأتي، ولم أجده فيها في ديوانه. وهو من الطَّويل. قوله: "ونطعنهم": من طعنه بالرمح يطعنه بالفتح فيهما، وطعن في السنن يطعُن بالضم، قوله: "تحت الحُبا" بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وضبطه الجوهري بكسر الحاء (¬3) وابن السكيت ذكر الوجهين (¬4)، وأراد بهذا: أوساطهم؛ كما أراد من "لي العمائم" رؤوسهم، والمعنى: نطعنهم في أوساطهم بعد ضربهم في رؤوسهم. قوله: "ببيض المواضي" البيض -بفتح الباء: الحديد، والمواضي: السيوف، وأراد ضربهم بحديد السيوف في رؤوسهم، ويجوز كسر الباء ويكون جمع أبيض، وهو السيف، والمواضي صفتها والإضافة فيه من قبيل الإضافة في: جرد قطيفة (¬5). الإعراب: قوله: "ونطعنهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "تحت الحبا": كلام إضافي في محل النصب على المفعولية، قوله: "بعد" نصب على الظرف، و"ضربهم": مصدر مضاف إلى المفعول، وطوى ذكر الفاعل، والتقدير: بعد ضربنا إياهم، والباء في: "ببيض المواضي" يتعلق بالضرب، قوله: "حيث": مبني على الضم، و"لي العمائم": كلام إضافي مجرور بالإضافة. ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: وذلك أن حيث فيه لم تضف إلى جملة؛ فيكون معربًا، ومحله النصب على الحالية، وقد مر الكلام فيه عن قريب (¬1). الشاهد السادس والثلاثون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) أَبَأْنَا بهَا قَتلَى وَمَا في دِمَائهَا ... شِفَاءٌ وَهُنَّ الشَّافيَاتُ الحَوَائمِ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة طويلة قالها في قتل قتيبة بن مسلم، ومدح بها سليمان بن عبد الملك بن مروان، وأولها هو قوله (¬4): 1 - تَحِنُّ بِزَوْرَاء المَدينَة نَاقَتي ... حَنِينَ عَجُولٍ تَبْتغِي البَوّ رَائمِ 2 - فيا لَيتَ زَوْرَاءَ المَدينةِ أَصْبَحَتْ ... بأَخفَارِ فَلْجٍ أوْ بسَيفِ الكَوَاظِمِ 3 - وكَمْ نَامَ عَنِّي بالمَدِينةِ لَمْ يُبَلْ ... إليّ اطِّلاعَ النَّفسِ فَوقَ الحَيَازِمِ إلى أن قال: 4 - إذَا جَشَأَتْ نفْسِي أقُولُ لهَا ارْجَعِي ... ورَاءَكِ واسْتَحْيي بَيَاضَ اللَّهَازِمِ 5 - شَفَينَ حَزَازَات [الصُّدُورِ] ولَمْ تَدَعْ ... عَلينَا مَقَالًا في وَفَاءٍ لِلَائِمِ (¬5) 6 - جَزَى الله قَوْمِي إذ أَرَادَ حَقَارَتِي ... قُتَيبَةُ سَعْيَ المُدرِكِينَ الأَكَارِم 7 - أبأنا ........................ ... ...................... إلخ 1 - قوله: "تحن": من الحنين والشوق، و"الزوراء": اسم موضع بالمدينة، و"البوّ" بفتح الباء الموحدة وتشديد الواو؛ جلد حوار يحشى ثمامًا، تراه الناقة التي مات ولدها فتسكن (¬6). ¬
2 - و"الأحفار": جمع حفر الماء، و"الفلج" بفتح الفاء وسكون اللام وبالجيم؛ اسم موضع، و"السِّيف" بكسر السين المهملة؛ شط البحر، و"الكواظم": جمع كاظم (¬1) والكاظم: اسم موضع، وأراد بجمعها ها هنا كاظمة وما حولها. 3 - قوله: "وكم نام عني" أي: وكم خلي البال نام عني لا يبالي ما أنا فيه من الكرب والغم الذي قد خرجت له نفسي من الحيازم، إلى التراقي. 4 - قوله: "إذا جشأت" أي: ارتفعت نفسي لتخرج من صدري أقول لها ارجعي وراءك واستحصي من بهاض اللهازم، أي: الشيب، وهو جمع لهزمة. 5 - و"الحزازات": جمع حزازة الصدر، وهو ما في القلب من الأمر المطلوب الذي يتعب صاحبه. 6 - قوله: "أبأنا بها" في ديوان الفرزدق: أبأنا بهم، فعلى الأول يرجع الضمير إلى السيوف المذكورة فيما قبل، وعلى الثاني: يرجع إلى أهل الوقعة، ومعنى أبأنا: قتلنا، كما في قول طفيل (¬2): أَبَأْنَا بِقَتْلانَا مِنَ القَومِ ضِعْفُهُمْ ... ............................... قال ابن هشام: ومعناه: قتلنا (¬3)، قوله: "الحوائم" العطاش التي تحوم حول الماء؛ جمع حائمة؛ من الحوم وهو الطواف حول الشيء. الإعراب: قوله: "أبأنا": جملة من الفعل والفاعل، و"بها" جار ومجرور، والباء للاستعانة، وعلى رواية: بهم تكون الباء للسببية، وقوله: "قتلى"؛ مفعول لقوله: أبأنا، قوله: "وما" نافية، وقوله: "شفاء": مبتدأ، و"فيها": مقدمًا خبره، والضمير يرجع إلى السيوف، قوله: "وهن" مبتدأ أي السيوف، و"الشافيات": خبره، يقول: ليس الشفاء في دماء السيوف، يعني الدماء التي تهريقها السيوف، وإنما هي الشافيات؛ لأنه لولاها (¬4) لما سفكت الدماء. الاستشهاد فيه: في قوله: "الشافيات الحوائم" حيث دخلت الألف والسلام على الشافيات الذي هو مضاف ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد الستمائة
إلى الحوائم؛ وذلك لأن الإضافة فيه لفظية، وتختص الإضافة اللفظية بجواز دخول الألف واللام على المضاف في مسائل منها مثل هذا الموضع؛ كما في قولك: كالجعد الشعر ونحوه (¬1). الشاهد السابع والثلاثون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) لقدْ ظَفِرَ الزُّوَّارُ أَقْفِيةِ العِدَا ... بِمَا جَاوَزَ الآمال مَلْأَسْرِ والقَتْل أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الكامل. قوله: "الزوار" بضم الزاي؛ جمع زائر، و"الأقفية": جمع قفا، و"العدا" بكسر العين؛ جمع عدوّ، و"الآمال": جمع أمل وهو الرَّجاء. الإعراب: قوله: "لقد" اللام للتأكيد وقد للتحقيق، و"ظفر": فعل، و"الزوار": فاعله، وهو مضاف إلى أقفية التي هي مضافة إلى العدا، والباء في قوله: "بما" يتعلق بقوله: "ظفر" وما موصولة، و"جاوز" فعل وفاعل، و"الآمال": مفعوله، والجملة صلة الموصول، قوله: "ملأسر" أصله من الأسر على لغة أهل اليمن؛ فإنهم أبدلوا الميم من اللام (¬4)؛ كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - (¬5): "ليس من امبر في امصيام في امسفر" (¬6)، وكلمة من ها هنا للبيان والتفصيل، وقوله: "والقتل" عطف على قوله: "ملأسر". الاستشهاد فيه: في قوله: "الزوار أقفية العدا". فإن الزوار بالألف واللام مضاف إلى أقفية التي هي مضافة إلى العدا التي بالألف واللام؛ كما في قولك: الضارب رأس الجاني، وذلك لكون الإضافة فيه لفظية (¬7). ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الستمائة
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) الوُدُّ أَنْتِ المستحقةُ صَفْوهِ ... مِنِّي وَإنْ لَم أَرْجُ مِنْكِ نَوَالًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو -أَيضًا - من الكامل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "الود": مرفوع بالابتداء، قوله: "أنتِ" بالكسر خطاب لمؤنث، وهو -أَيضًا - مبتدأ، وخبره قوله: "المستحقة صفوه"، والجملة خبر المبتدأ الأول، قوله: "مني": جار ومجرور في محل النصب على الحال من الود. قوله: "وإن لم أرج " إن هذه تسمى واصلة، وفي التقدير: هو عطف على مقدر تقديره: أرجو منك نوالًا وإن لم أرج، و"نوالًا" نصب على أنَّه مفعول لقوله: "لم أرج"، وصدر الكلام أغنى عن جواب إن. الاستشهاد فيه: في قوله: "المستحقة صفوه" فإن المستحقة مضاف إلى صفوه، وصفوه مضاف لضمير ما هو مقرون بأل وهو الود (¬3)، وذهب المبرد إلى أن مثل هذا لا يجوز فيه إلَّا النصب ولا يجوز الجر (¬4)، والصحيح الجواز بدليل البيت المذكور؛ فإن صفوه فيه مجرور، وهو حجة عليه (¬5). الشاهد التاسع والثلاثون بعد الستمائة (¬6) , (¬7) إِنْ يَغْنِيَا عَنِّي المسُتَوْطِنَا عَدَنٍ ... فإنَّنِي لَسْتُ يَوْمًا عَنْهُمَا بِغَنِي أقول: قائله -أَيضًا- مجهول، وكثيرًا ما يحتج ابن هشام بالأبيات المجهول قائلها (¬8)، ¬
الشاهد الأربعون بعد الستمائة
والجهالة لا تضر بالاحتجاج إذا احتج بها المتقدمون مثل سيبويه وأمثاله، فإن في كتابه أبياتًا مجهولة وقد احتج بها، [وهو من بحر البسيط] (¬1). قوله: "إن يغنيا": من غنى فلان عن كذا فهو غان، يعني: استغنى عنه ولا حاجة له به، وذكره في الدستور (¬2) في باب فعل يفعَل مثل: علم يعلم، وقال: غني عنه غِنى فهو غنيٌّ استغنى. الإعراب: قوله: "إن": حرف شرط، و"يغنيا": فعل الشرط مجزوم، و"عني" صلته، قوله: "المستوطنا عدن" أصله: المستوطنان، فحذفت النُّون للإضافة، والألف والسلام فيه بمعنى الذي، أي: اللذان استوطنا عدن، قوله: "فإنني" جواب الشرط، وضمير المتكلم اسم إن، والجملة - أعني: "لست يومًا عنهما بغني" خبره، والتاء اسم ليس، وخبره قوله: "بغني"، والباء فيه زائدة والأصل: لست غنيًّا عنهما، وخففت الياء فيه للضرورة، و"يومًا" نصب على الظرف، و"عنهما" يتعلق بغني. الاستشهاد فيه: في قوله: "المستوطنا عدن" حيث دخلت الألف واللام في المضاف المثنَّى لكون الإضافة لفظية. الشاهد الأربعون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) ليسَ الأخِلَّاءُ بالمُصْغِي مَسَامِعهم ... إلى الوُشَاةِ ولو كانُوا ذَوي رَحِمِ أقول: قائله مجهول، وهو -أَيضًا- من البسيط. "الأخلاء": جمع خليل وهو الصديق الصافي، و"الوشاة" بضم الواو؛ جمع واش، وهو الساعي بنقل الكلام بين الأخلاء. ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "الأخلاء": مرفوع لأنه اسم ليس، وخبره هو قوله: "بالمصغي مسامعهم"، والباء فيه زائدة للتأكيد، وقوله: "إلى الوشاة" يتعلق بقوله: بالمصغي، قوله: "ولو" حرف شرط واصل بما قبله، وفي الحقيقة هو عطف على مقدر تقديره: إن لم تكن الوشاة ذوي رحم ولو كانوا ذوي رحم، واسم كان الضمير الذي يرجع إلى الوشاة، وخبره هو قوله: "ذوي رحم". الاستشهاد فيه: في قوله: "بالمصغي مسامعهم" حيث دخلت الألف والسلام في المضاف الجمع (الذي أَتبع المثنَّى فيه) لكون الإضافة لفطة كما ذكرنا (¬1). الشاهد الحادي والأربعون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) طُولُ الليالِي أسْرَعَتْ في نقْضِي ... نَقَضْنَ كُلِّي ونَقَضْنَ بَعْضِي أقول: قائله هو الأغلب العجلي، وكان من العمرين، وعاش دهرًا طويلًا، وبعده بيت آخر وهو (¬4): 2 - حَنَينَ طُولِي وَطَوَينَ عَرْضِي ... أَقْعَدْنَنِي مِنْ بَعْد طُولِ النَّهْضِ وهما من الرجز وفيه القطع. قوله: "طول الليالي" ويروى: إن الليالي أسرعت، وقوله: "ونقضن بعضي" ويروى: أخذن بعضي [وتركن بعضي] (¬5). المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "طول الليالي": كلام إضافي مبتدأ، و"أسرعت": خبره، وقوله: "في نقضي" يتعلق به، قوله: "نقضن كلي" جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا بتقدير قد، قوله: "ونقضن بعضي": جملة مثلها معطوفة على الجملة المتقدمة. ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "أسرعت" فإنَّها خبر عن المذكر وهو قوله: "طول"، والقياس: أسرع، ولكن المبتدأ اكتسب التأنيث من المضاف إليه، فلذلك أُنِّث الخبر (¬1). الشاهد الثاني والأربعون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) إِنَارةُ العَقْلِ مَكْسُوفٌ بِطَوْعِ هَوًى ... وَعَقْلُ عَاصِي الهَوَى يَزْدَادُ تَنْويرَا أقول: قيل إن قائله من المولدين، وهو من البسيط، المعنى ظاهر، وهو معنى مليح جدًّا وفيه موعظة كبيرة. الإعراب: قوله: "إنارة العقل": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "مكسوف": خبره؛ أي: مظلم، والباء في: "بطوع" يتعلق به، وهو مضاف إلى هوى، قوله: "وعقل عاصي الهوى": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "يزداد"، وقوله: "تنويرًا" نصب على التمييز. الاستشهاد فيه: عكس الاستشهاد في البيت السابق؛ لأن في هذا تذكير المؤنث، وهو قوله: "مكسوف"، وكان القياس: "مكسوفة"، وهناك تأنيث المذكر وهو قوله: "أسرعت"، وإنما ذكر المؤنث ها هنا مع أنَّه خبر عن المؤنث، وهو قوله: "إنارة العقل"؛ لأن المضاف اكتسب التذكير من المضاف إليه. الشاهد الثالث والأربعون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) وَكُنْتَ إِذْ كُنْتَ إلَهي وَحْدَكَا ... لَم يَكُ شَيءٌ يَا إِلاهي قبلكَا أقول: قائله هو عبد الله بن عبد الأعلى القُرشيّ الراجز، وهو من الرجز المسدس. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "وكنت" من كان التامة، وفي كتاب سيبويه: قد كنت (¬1)، قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين كنت، وهو -أَيضًا- من كان التامة، قوله: "إلهي" أصله يَا إلهي، قوله: "وحدكا": منصوب على الحال، والعامل محذوف تقديره: انفردت وحدكا، والألف في وحدكا وقبلكا للإطلاق. قوله: "لم يك" أصله: لم يكن حذفت النُّون منه للتخفيف، وهي من كان الناقصة، وقوله: "شيء" اسمه، وقوله: "قبلكا": خبره، وقوله: "يَا إلهي": معترض بين اسم كان وخبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "وحدكا" حيث أضيف [لفظ] (¬2) وحد إلى كاف الخَطَّاب، وهو مما يضاف لكل مضمر: إلى الغائب نحو: وحده، وإلى المخاطب نحو: وحدك، وإلى المتكلم نحو: وحدي (¬3). الشاهد الرابع والأربعون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) والذِّئبَ أَخْشَاهُ إِنْ مَرَرْت بِهِ ... وَحْدِي وَأَخْشَى الرَّيَّاحَ والمَطَرَا أقول: قائله هو الرَّبيع بن ضبيع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان، قال أبو حاتم: وكان من أطول من كان قبل الإِسلام عمرًا، عاش أربعين وثلاثمائة سنة ولم يُسلِم، وقال حين بلغ مائة سنة وأربعين سنة: 1 - أقْفَرَ مِنْ مَيَّةَ الحَرِيبَ إلَى ... زجَين إلا الظِّبَاءَ والبَقَرَا 2 - كَأنَّهَا دُرَّةٌ مُنَغَّمَةٌ ... مِنْ نِسوَة كُنَّ قَبلَهَا دُرَرًا 3 - أصْبَحَ مِنِّي الشَّبَابُ قَدْ حَسَرَا ... إنْ يَنَأْ عَنِّي فَقَدْ ثَوَى عُصُرَا 4 - فارَقَنَا قَبلَ أنْ نُفارِقَهُ ... لمَّا قَضَى مِنْ جِمَاعِنَا وَطَرَا ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الستمائة
5 - أصْبَحْتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا ... أَمْلِكُ رَأسَ البَعِيرِ إنْ نَفَرَا 6 - والذئب أخشاه ........... ... .............. إلخ وهي من المنسرح (¬1). ووصف بهذا البيت والذي قبله انتهاء سِنّه وذهاب قوته؛ فلا يطيق حمل السلاح لحرب ولا يملك رأس البعير إن نفر من شيء، وأنه يخشى من الذئب إن مر به على حدته، ولا يحتمل الريح وأذى المطر لهرمه وضعفه. الإعراب: قوله: "والذئب": منصوب بفعل يفسره الظاهر، أي: أخشى الذئب أخشاه، ويجوز فيه الرفع على الابتداء، والأول أوجه، قوله: "إن مررت به" أي بالذئب، وجواب الشرط محذوف تقديره: إن مررت به أخشاه، قوله: "وحدي": حال من الضمير الذي في مررت، أي: حال كوني متوحدًا، قوله: "أخشى": عطف على أخشاه، وهي جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "الرياح" مفعول، و"المطرا": معطوف عليه، والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "وحدي" حيث أضيف وحد إلى ياء المتكلم (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) ضَرْبًا هَذَا ذَيْكَ وَطَعْنًا وَخْضَا ... ..................... أقول: قائله هو العجاج الراجز، يمدح به الحجاج بن يوسف، ويذكر فيه ابن الأشعث وأصحابه، وبعده (¬5): ¬
4 - يَمْضي إِلَى عَاصِي الْعُرُوق النَّحضَا ... ................... وقبله: 1 - نَجْزيهمْ بِالطَّعْنِ فَرْضًا فَرْضَا ... وتَارَةً يَلْقَوْنَ قَرْضًا قَرْضَا 2 - حَتَّى نُقَضِّي الأجَلَ المنقَضَّا ... ..................... 3 - قوله: "هذاذيك": من الهذ -بالذال المعجمة وهو الإسراع في القطع، وقال الأصمعيّ: تقول للنَّاس إن أردت أن يكفوا عن الشيء: هجاجيك وهذاذيك على تقدير الاثنين، قوله: "وَخْضًا" بفتح الواو وسكون الخاء وبالضاد المعجمتين، قال ابن فارس: الوخض: الطعن غير جائف، يقال: وخضه بالرمح (¬1)، وقال ابن يعيش: الوخض: الطعن الجائف (¬2)، وقال [ابن النحاس] (¬3) في شرح أبيات الكتاب: الوخض بالتحريك (¬4). 4 - قوله: "إلى عاصي العروق" بالعين والصاد المهملتين (¬5)، قال الجوهري: العاصي: العرق الذي لا يرقأ، ويجمع على عواص (¬6)، قوله: "النحضا" بفتح النُّون وسكون الحاء المهملة ثم ضاد معجمة، وهو اللحم المكتنز كلحم الفخذ، وكذلك النحضة. وحاصل المعنى: يمضي الطعن والضرب في اللحم إلى العروق العاصية. الإعراب: قوله: "ضربًا": نصب على المصدر، والتقدير: نضرب ضربًا، وقوله: "هذاذيك": نصب على المصدر -أَيضًا، وهو بدل من الأول وثني للتكرار (¬7)، كأنه يقطع الأعناق بضربه ويبلغ الأجواف بطعنه، قوله: "وطعنًا": عطف على قوله: "ضربًا" أي: يطعن طعنًا، قوله: "وَخْضَا" صفة لقوله: "طعنًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "هذاذيك" فإنَّه مصدر قصد من تثنيته التكرار، وأنه شيء يعود مرة بعد مرة، فليس المراد منه شيئين فقط؛ كما تقول: ادخلوا الأول فالأول، والغرض أن يدخل الجميع، وجئت بالأول فالأول، حتَّى يعلم أنَّه شيء بعد شيء، ومنه يقال: جاء القوم رجلًا فرجلًا على ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الستمائة
هذا المعنى، ولا يحتاج إلى تكريره مرة واحدة (¬1). الشاهد السادس والأربعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) إذَا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بِالبُرْدِ مِثْلُهُ ... دَوَاليْكَ حتَّى ليسَ لِلْبُرْدِ لَابِسٌ أقول: قائله هو سحيم بن عبد بني الحسحاس في ابنة مولاه، وقبله (¬4): 1 - وإنَّ الصُّبَيْرَياتِ وَسْطَ بُيُوتِنَا ... ظِبَاءٌ حَنَتْ أَعْنَاقَهَا في المكَانِسِ 2 - فَكَمْ قَدْ شَقَقنَا من رِدَاءٍ منير ... وَمِنْ بُرْقُعٍ عَنْ طَفْلَةٍ غَير عَانِسِ 3 - وَهُن بَنَاتُ القَوْمِ إن يظْفَرُوا بِنَا ... يَكُنْ فيِ بَنَاتِ القَوْمِ إحْدَى الدَّهَارِسِ وهي من الطَّويل. 1 - [قوله: "وإن الصبيريات" أي: النسوة المنسوبة إلى بني صبير بن يربوع، قوله: "المكانس": جمع مكنس الظبي، وهو موضع كنسه؛ أي: تستره. 2 - قوله: "منير" أي: ذي أعلام. قوله: "طفلة" بفتح الطاء؛ المرأة الناعمة، قوله: "ممكورة" أي: خدلة الساقين؛ يعني: ممتلئة الساقين] (¬5). 3 - قوله: "الدهارس" الدواهي. 4 - قوله: "دواليك": من المداولة، وهي المناوبة، كانت عادة العرب في الجاهلية أن يلبس كل واحد من الزوجين بُرد الآخر، ثم يتداولان على تخريقه حتَّى لا يبقى فيه لبس؛ طلبًا لتأكيد المودة، ومال: تزعم النساء أنَّه إذا شق أحد الزوجين عند البضّاع شيئًا من ثوب صاحبه دام الوُدّ بينهما وإلا تهاجرا. الإعراب: قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، و"شق" فعله، و"شق" الثاني جوابه، وقوله: ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الستمائة
"برد، ومثله": مرفوعان بالنيابة عن الفاعل، قوله: "دواليك": نصب على المصدر يعني تداولًا بعد تداول، ويقال: نصب على الحال؛ أي: متداولين. قوله: "حتَّى": ابتدائية ها هنا، و"لابس": مرفوع لأنه اسم ليس، وخبره قوله: "للبرد"، ووروى: حتَّى كلنا غير لابس، والجملة مستأنفة عند الجمهور، وعند الزجاج وابن درستويه في موضع جر بحتى. الاستشهاد فيه: في قوله: "دواليك" فإنَّه مصدر مثنى مضاف إلى ضمير المخاطب مخصوص به، ومعناه التكرار. فافهم (¬1). الشاهد السابع والأربعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) نَدِمْتُ عَلَى مَا فَاتَنِي يَوْمَ بِنْتُمُ ... ........................ أقول: قائله هو كثير عزة، وتمامه: ................... ... فَيَا حَسْرَتَا أَنْ لَا يَرَيْنَ عَويلِي وهو من قصيدة لامية، وهي [طويلة] (¬4) من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - ألَا حَيّيَا ليلَى أجَدَّ رَحِيلي ... وآذَنَ أصْحَابِي غَدًا بِقُفُولِ 2 - تَبَدَّتْ لَهُ لَيلَى لِتُذْهِبَ عَقْلَهُ ... وَشَاقْتك أُمّ الصَّلْتِ بَعْدَ ذُهُولِ 3 - أُرِيدُ لأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأَنَّمَا ... تُمَثَّلُ لِي لَيلَى بِكُلِّ سَبيلِ 4 - إذَا ذُكِرَتْ لَيلَى تَغَشَّتْكَ عَبرَةٌ ... تُعَلُّ بِهَا العَينَانِ بَعْدَ نُهُولِ 5 - وَكَمْ مِنْ خَلِيلٍ قَال لِي هَلْ سَأَلْتَهَا ... فَقُلْتُ نَعَمْ لَيلَى أضَنُّ خَلِيلِ 6 - وأبعَدَهُ لَيلًا وأوشكهُ قِلَى ... وإنْ سُئِلْتَ عُرْفًا فَشَرُّ مَسُولِ 7 - لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ مَا بُحْتُ عِندَهُمْ ... بِلَيلَى ولَا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ 8 - فإنْ جَاءَكِ الوَاشُونَ عَنِّي بِكِذْبَةٍ ... فَرَوْهَا وَلَمْ يَأتُوا لَهَا بِحَويلِ ¬
9 - فلا تَعْجَلِي يَا لَيلُ أنْ تتَفَهَّمِي ... بِنُصْحٍ أتَى الوَاشُونَ أمْ بِحُبُولِ 10 - فإنْ تَبْذُلِي لِي منك يَومًا مَوَدَّةً ... فَقدْمًا صَنَعْتُ القَرْضَ عِنْدُ بُذُولٍ 11 - وإنْ تَبخَلِي يَا لَيلُ عَنِّي فإنَّنِي ... تُوَكِّلُنِي نَفْسِي بكُلٍّ بَخِيل 12 - ولسْتُ بِرَاضٍ من خليلٍ بنائِلٍ ... قَلِيلٍ وَلَا أرْضَى لَهُ بِقلِيلِ 13 - ولَيسَ خَلِيلِي بِالملولِ ولَا الَّذِي ... إذَا غِبتُ عَنْهُ بَاعَنِي بِخَيلِ 14 - ولَكِنْ خَلِيلِي مَن يُدِيمُ وصَالهُ ... وَيَحْفَظُ سِرِّي عِندَ كُلِّ دَخِيلِ 15 - ولَمْ أَرَ مِن لَيلَى نَوَالًا أعُدُّهُ ... ألا رُبَّما طَالبتُ غَيرَ مُنِيلِ 16 - يَلُومُكَ فيِ لَيلَى وَعَقْلُكَ عِندَهَا ... رِجَالٌ ولَمْ تَذْهبْ لَهُمْ بِعُقُولِ 17 - يقولُون لي دَعْ عَنكَ لَيلَى وَلا تَهِمْ ... بقَاطِعَةِ الأقرَانِ ذَاتِ حَلِيلِ 18 - فمَا نفعت نفسي بما أَمَرُوا به ... وَلَا عُجْتُ مِنْ أقوالِهمْ بفَتِيلِ 19 - نَدِمْتُ عَلَى مَا فَاتَني ......... ... ................ إلخ 22 - وقَالُوا نَأَتْ فَاخْتَرْ مِنَ الصَّبرِ والبُكَا ... فَقُلْتُ البُكَا أَشْفَى إذًا لِغَلِيلِي 21 - فَوَلَّيتُ مَحْزُونًا وقُلْتُ لِصَاحِبي ... أَقَاتِلَتِي لَيلَى بِغَيرِ قَتِيلِ 22 - لقدْ أكْثَرَ الوَاشُونَ فِينَا وفِيكُمُ ... ومَال بنَا الوَاشُونَ كل مُميلِ 23 - ومَا زِلتُ مِنْ لَيلَى لَدُنْ طُرَّ شَاربِي ... إلى اليَومِ كالمقصَى بِكُلِّ سَبيلِ 7 - قوله: "برسول" ويروى: برسيلي، وكلاهما بمعنى الرسالة. 9 - قوله: "بحُبُولِ" بالحاء المهملة المضمومة؛ جمع حِبل بكسر الحاء وهو الداهية، ويروى: بالخاء المعجمة، وهو الفساد. 10 - قوله: "فقِدْمًا" بمعنى: قديمًا، ويروى: فقَدْ ما [بفتح القاف] (¬1) على أن قد حرف تحقيق وما زائدة، قاله أبو علي. 17 - قوله: "الأقران": جمع قرن، وهو الحبل يريد به الوصل، أو جمع قِرن بكسر القاف [وهو الفساد] (¬2). 18 - [قوله: "ولا عجت" بكسر العين؛ أي: ولا انتفعت، يقال: تناولت دواء فما عجت به؛ أي: ما انتفعت به، و"الفتيل" بالفاء، هو الخيط الذي يكون في شق النواة] (¬3). ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "ندمت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "على": يتعلق به، و"ما": موصولة، و"فاتني": جملة صلتها، و"يوم": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة -أعني: بنتم، قوله: "يَا حسرتا" قد مَرَّ غير مرة أن حرف النداء في مثل هذا الموضع يكون لمجرد التنبيه، وأن أَلْف حسرتا لد الصوت بالمنادى المندوب (¬1). قوله: "أن لا يرين": جملة شرطية، قوله: "فيا حسرتا" مقدمًا جواب، وقوله: "عويلي": كلام إضافي مفعول يرين، وهو من رؤية البصر، ولهذا اكتفى بمفعول واحد، و"العويل": الصياح والضجيج. الاستشهاد فيه: في قوله: "يوم بنتم" فإن يوم ظرف أضيف إلى الجملة التي هي الفعل الماضي، ويجوز في الفتحة أن تكون إعرابًا وأن تكون بناء (¬2). الشاهد الثامن والأربعون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) على حين عَاتَبتُ المشيبَ عَلَى الصِّبَا ... ...................... أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد تكرر ذكره، وتمامه: ....................... ... وَقُلْتُ أَلمَّا أصْحُ والشَّيْبُ وَازِعُ؟ وهو من قصيدة عينية طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬5): ¬
1 - عَفَا ذُو حُسَا مِنْ فَرْتِنَا فَالفَوَارِعُ ... فَجَنْبًا أريكٍ فالتلاعُ الدوافعُ 2 - فمُجْتمَعُ الأشْرَاجِ غيَّرَ رَسْمَهَا ... مَصَايِفُ مَرَّتْ بَعْدَنَا وَمَرَابعُ 3 - تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فعرفتُها ... لِسِتَّة أعْوَامٍ وذَا العَامُ سَابِع 4 - رَمَادٌ ككحلِ العينِ لأيًا أبِينُهُ ... ونُؤْيٌ كَجَذْمِ الحَوضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ 5 - كأن مَجَرَّ الرامسَاتِ ذُيُولَهَا ... عَلَيهِ حَصِيرٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوانِعُ 6 - عَلَى ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جَديدٍ سُيُورُهَا ... يَطُوفُ بها وسطَ اللّطِيمَةِ بائعُ 7 - فَكفْكَفْتُ مِنِّي عَبرَةٌ فَرَدَدْتُهَا ... عَلَى النَّحْرِ مِنْهَا مُسْتَهَلٌّ وَدَامِعُ 8 - على حين .............. ... .................... إلخ 9 - وقدْ حَال هَمٌّ دُونَ ذَلكَ شَاغِلٌ ... مَكَانَ الشِّغَافِ تَبتَغِيهِ الأصَابعُ 10 - وعِيدُ أبِي قَابُوسَ في غَيرِ كُنهِهِ ... أَتَانِي وَدُونِي رَاكِسٌ فالضَّوَاجِعُ 1 - قوله: "عفا" أي: اندرس، قوله: "ذو حسا" بضم الحاء والسين المهملتين، وهو موضع، قوله: "من فرتنا" أي: منازل فرتنا، وهو اسم امرأة، و"الفوارع" بالفاء؛ مواضع مرتفعة، و"الأريك" بفتح الهمزة وكسر الراء اسم موضع، و"التلاع" بكسر التاء المثناة من فوق: مجاري الماء، والواحدة تلعة، و"الدوافع": التي تدفع إلى الوادي. 2 - قوله: "فمجتمع الأشراج" هو شعاب تدفع من الحرة، واحدها شرح بالجيم، و"المصايف": جمع مصيف، وهي زمن الصيف، و"المرابع": أزمنة الرَّبيع. 3 - و"الآيات" علامات الدار. 4 - قوله: "لأيًا أبينه" أي: لقلته وتغيره عن حالته لا أبينه إلَّا بعد بطء وجهد، و"النؤي" بضم النُّون وسكون الهمزة؛ حاجز حول البيت لئلا يدخله الماء، وجذم كل شيء، أصله، و"الأثلم": الذي تثلم وانهدم، و: "الخاشع" هنا المطمئن اللاصق بالأرض الذي ذهب شخوصه. 5 - و"الرامسات" الرياح الشديدة، قوله: "نمقته" أي زينته. 6 - قوله: "على ظهر مبناه" أي على ظهر نطع، وكانوا يبسطون النطع ويلقون عليها الحصر إذا عرضوها للبيع، و"اللطمة": سوق الطِّيب، وقيل: سوق فيها بز وطيب. 7 - قوله: "مستهل" بضم الميم؛ أي: سائل منصب، و"الدامع": المترقرق في العين. 8 - قوله: "أصح": من الصحو، وهو خلاف السكر، قوله: "وازع" بالزاي المعجمة والعين
المهملة؛ من وزعت الرَّجل عن الأمر؛ أي: كففته وسمي الكلب وازعًا؛ لأنه يكف الذئب عن الغنم. 9 - قوله: "الشغاف" بفتح الشين والغين المعجمتين، وهو حجاب القلب، قوله: "تبتغيه الأصابع" أي: أصابع الأطباء الذين يعالجونه. 10 - قوله: "في غير كنهه" أي: جاءني وعيده في غير قدر الوعيد وفي غير حقيقته، أي: لم أكن بلغت ما يغضب عليّ فيه ويتوعدني من أجله، قوله: "راكس بالراء والكاف والسين المهملة؛ اسم واد، و"الضواجع": جمع ضاجعة وهي منحنى الوادي ومُنْعطفه. الإعراب: قوله: "على حين" على ها هنا ظرف كفي؛ كما في قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ} [القصص: 15] أي: في وقت غفلة. والمعنى ها هنا: في وقت عاتبت، وحين ها هنا مبني مضاف إلى جملة، وهي فعل مبني بناء أصليًّا، ويجوز فيه الإعراب، ولكن البناء أرجح للتناسب، قوله: "عاتبت": جملة من الفعل والفاعل، و "المشيب" مفعوله، و "على الصبا" يتعلق بعاتبت، و"على" ها هنا للتعليل، والمعنى: عاتبت المشيب لأجل الصبا؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] أي: لهدايته إياكم. قوله: "وقلت" عطف على قوله: "عاتبت"، [قوله: "] (¬1) ألما" الهمزة للاستفهام على وجه الإنكار، ولما من الجوازم، و "أصح": مجزوم به، و"الشيب": مبتدأ، و"وازع": خبره والجملة وقعت حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "حين" حيث بني على الفتح لإضافته إلى فعل بناؤه لازم كما ذكرناه؛ ويجوز كسره للإعراب، ولكن البناء أرجح. فافهم (¬2). ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الستمائة
الشاهد التاسع والأربعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) ...................... ... عَلَى حِينَ يَسْتَصْبِينَ كُلَّ حَلِيمِ أقول: قائله لم أقف على اسمه، وصدره: لَأَجْتَذِبَنْ مَنْهُن قَلْبِي تَحَلُّمًا ... ..................... وهو (¬3) من الطَّويل. قوله: "تحلمًا" بتشديد اللام، وهو تكلف الحلم بكسر الحاء، وهو الأناة، قوله: "حين": مضاف إلى "يستصبين" من استصبيت فلانًا إذا عددته صبيًّا؛ يعني: جعلته في عداد الصبيان. الإعراب: قوله: "لأجتذبن" اللام للتأكيد، وأجتذبن: جملة من الفعل والفاعل مؤكدة بنون التأكيد الخفيفة، قوله: "منهن": جار ومجرور يتعلق بها، قوله: "قلبي": كلام إضافي مفعول لأجتذبن. قوله: "تحلمًا" يجوز أن يكون حالًا بمعنى متحلمًا، ويجوز أن يكون نصبًا على التعليل، قوله: "على حين" لم يظهر الجر في حين لكونه مبنيًّا لإضافته إلى الجملة -أعني قوله: "يستصبين"، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "كل حليم": كلام إضافي مفعول. الاستشهاد فيه: في قوله: "على حين" حيث جاء مبنيًّا على الفتح لإضافته إلى الجملة، وهذا البيت حجة على من ذهب إلى أن المضارع المتصل به نون الإناث باقٍ على إعرابه (¬4). ¬
الشاهد الخمسون بعد الستمائة
الشاهد الخمسون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) ....................... ... على حينِ التواصلُ غير دان أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: تَذكَّرَ ما تَذَكّرَ منْ سُلَيمَى ... ...................... وهو من الوافر. قوله: "على حين التواصل" ويروى: على حين التراجع. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "تذكر": [جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ما تذكر" جملة في محل النصب على أنها مفعول] (¬3)، وكلمة من في: "سليمى" للغاية حيث جعل سليمى غاية؛ لتذكره، يعني: أنها في محل الابتداء والانتهاء، ويقال: إنها للمجاوزة، والأول أظهر. قوله: "على حين" يجوز في حين الإعراب لتصدره باسم، وهو قوله: "التواصل" فإنَّه اسم مرفوع بالابتداء، وقوله: "غير دان": كلام إضافي خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "على حين" فإنَّه يجوز فيه الإعراب والبناء، ولكن البناء على الكسر أرجح على الإعراب، ولا يجيز البصريون غيره (¬4). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الستمائة
الشاهد الحادي والخمسون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) أَلَم تَعْلِمِي يَا عَمْرَكِ الله أَنَّنِي ... كَرِيمٌ عَلَى حيِن الكرامُ قليلُ أقول: قائله هو مويال بن يهم المذحجي، ويقال: هو مبشر بن الهذيل الفزاري (¬3). وهو من قصيدة من الطَّويل هو أولها، وبعده: 2 - وإِني لا أَخْزَى إذَا قِيلَ مُمْلَقٍ ... سَخِيَّ وَأْخْزَى أن يُقَال بَخِيلُ 3 - فإنْ لا يَكُنْ جِسْمِي طَويلًا فإنّنِي ... لَهُ بالخِصَالِ الصَّالحاتِ وَصُولُ 4 - إذا كُنْتُ فيِ القَومِ الطِّوالِ عَلَوْتَهُمْ ... بِعَارِفَةٍ حَتَّى يُقَال طَويلُ 5 - ولا خَيرَ فيِ حُسنِ الجُسُومِ وطُولِهَا ... إذَا لَم يَزِنْ حُسْنَ الجُسومِ عقُولُ 6 - وكَم قَدْ رَأَينَا من فروع كَثيرَةٍ ... تَمُوتُ إذَا لَمْ يُحْيِهُنّ أُصُولُ 7 - ولم أرَ كَالمعْرُوفِ أمَّا مَذَاقُهُ ... فحُلْوٌ وأمَّا وَجْهُهُ فَجَميلُ المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "ألم تعلمي" الهمزة للاستفهام، وكلمة لم جازمة، وتعلمي مجزوم بها، و"أَنْتَ" فيه مستتر فاعله (¬4)، قوله: "يَا عمرك الله": من عمِر الرَّجل بالكسر يعمر عَمرًا وعُمرًا بفتح العين وضمها على غير قياس؛ لأن قياس مصدره التحريك؛ أي: عاش زمانًا طويلًا. ومنه قولهم: أطال الله عَمرك وعُمرك، وهما وإن كانا مصدرين بمعنى التعمير إلَّا أنَّه استعمل في القسم أحدهما، وهو المفتوح، فإذا أدخلت عليه اللام رفعته بالابتداء، فقلت: لعمر الله، واللام لتوكيد الابتداء، والخبر محذوف تقديره: لعمر الله قسمي، ولعمر الله ما أقسم به، فإن ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الستمائة
لم تأت باللام نصبته نصب المصادر، فقلت: عمر الله ما فعلت كذا، وعمرك الله ما فعلت. ومعنى لعمر الله، وعمر الله: أحلف ببقاء الله ودوامه عزَّ وجلَّ، وإذا قلت: عمرك الله، فكأنك قلت: بتعميرك الله، أي: بإقرارك له بالبقاء، وقال عمر بن أبي ربيعة (¬1): أيُّهَا المنكِحُ الثُّرَيا سُهَيلًا ... عَمْرُكَ الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ يريد: إنِّي سألت الله أن يطل عمرك، لأنه لم يرد القسم بذلك، وكذلك المعنى ها هنا: ألم تعلمي يَا فلانة سألت الله أن يطيل عمرك، فالتقدير هكذا والنادى محذوف، أو تقول: إن حرف النداء ها هنا لمجرد التنبيه، وذلك لأن "يا" إذا وليها ما ليس بمنادى تكون لمجرد التنبيه عند البعض، وعند البعض النادى محذوف، ويقدر بحسب ذلك المقام. قوله: "أنني" أن مع اسمه وخبره سد مسد مفعولي تعلمي، قوله: "على" بمعنى الظرف، و"حين" معربة بالكسر؛ لأنه وقع قبل المعرب، أعني قوله: "الكرام" فإنَّه مرفوع بالابتداء، و"قليل" خبره. الاستشهاد فيه: وذلك لأن لفظة: "حين يوم" ونحوهما تعرب قبل المعرب نحو: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119] وقبل مبتدأ نحو: "حين الكرام قليل"، فالإعراب قبل هذين جائز بالاتفاق (¬2). وأما البناء فمنعه البصريون وأجازه الكوفيون، ومال أبو علي إلى تجويزه، واختاره ابن مالك، وعلى هذا روي البناء على الفتح ها هنا، أعني: على حين الكرام قليل، بفتح نون حين، فافهم (¬3). الشاهد الثاني والخمسون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) إذَا بَاهِلِيٌّ تَحْتَهُ حَنْظَلِيَّةٌ ... لَهُ وَلَد مِنْهَا فَذَاكَ المُذرّعُ أقول: قائله هو الفرزدق، واسمه همام بن غالب، وقد تكرر ذكره. ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الستمائة
وهو من الطَّويل. قوله: "باهلي" [بالباء] (¬1) الموحدة؛ نسبة إلى باهلة قبيلة من قيس غيلان، وباهلة بنت صعب بن سعد العشيرة بن مالك، ومالك هو جماع مذحج. "وحنظلية": نسبة إلى حنظلة، وهي أكرم قبيلة في تميم، يقال لهم: حنظلة الأكرمون، وأبوهم حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، "المذرع" بضم الميم وفتح الذال المعجمة وتشديد الراء وفي آخره عين مهملة، وهو الذي أمه أشرف من أبيه، وهو الذي يسمى: إقرافًا، والإقراف: أن يكون الرَّجل والده وضيعًا وأمه شريفة، وقال له: المذرع، وقال ابن هشام اللخمي؛ وإنما سمي المذرع للرقمتين في ذراع البغل، وإنما صارتا فيه من قبل الحمار. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط و"باهلي": مرفوع بكان المقدرة، تقديره: إذا كان باهلي، فحذف كان وأبقى اسمها وخبرها, ولا بد من هذا التقدير؛ لأن إذا الشرطية لا تدخل على الجملة الاسمية (¬2). قوله: "تحته حنظلية" جملة اسمية؛ لأن حنظلية مبتدأ وتحته خبره، والجملة في محل النصب لأنها خبر كان المقدرة، قوله: "له ولد": جملة اسمية يجوز أن تكون في محل الرفع على أنها صفة لباهلي، ويجوز أن تكون في محل النصب على الحال بدون الواو على القلة، قوله: "فذاك": مبتدأ، و"المذرع": خبره، والجملة جواب إذا. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذا باهلي" احتج به الأخفش والكوفيون على جواز دخول إذا الشرطية على الجملة الاسمية، وأجيب عنه بأن كان فيه مقدرة كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثالث والخمسون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) ....................... ... ...... فَهَلًّا نَفْسُ لَيلَى شَفِيعُهَا أقول: قائله هو قيس بن الملوح الملقب بالمجنون، ويقال: قائله هو ابن الدمينة، وقال ¬
ابن عصفور: قائله هو الصمة بن عبد الله القشيري (¬1)، وصدره (¬2): ونُبِّئتُ ليلَى أرسَلَتْ بشَفَاعَةٍ ... إِلَيَّ فهلَّا ............... وبعده: 2 - أأكرَمُ مِنْ لَيلَى عَلَيَّ فَتَبْتَغِي ... بِهِ الجَاهَ أَمْ كُنتُ امْرَأً لا أُطيعُهَا وهما من الطَّويل. قوله: "نبئت" أي: أخبرت. الإعراب: قوله: "ونبئت" على صيغة المجهول؛ فالتاء مفعوله الأول ناب عن الفاعل، وقوله: "ليلى": مفعول ثان، قوله: "أرسلت" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى ليلى مفعول ثالث، وقوله: بشفاعة" في محل النصب مفعول أرسلتْ، وقوله: "إليّ" يتعلق بأرسلت. قوله: "فهلَّا": حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية، فلذلك يقال ها هنا محذوف تقديره: فهلَّا كان هُو -أي: الشأن- نفس ليلى شفيعها، ويقال التقدير: فهلا شفعت نفس ليلى؛ لأن الإضمار من جنس المذكور أقيس، فعلى هذا قوله: "شفيعها" مرفوع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هي شفيعها، وعلى التقدير الأول قوله: "نفس ليلى" كلام إضافي مبتدأ، و"شفيعها" خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "فهلا نفس" حيث أضمر فيه ضمير الشأن كما ذكرنا، والتقدير فيه: فهلا كان هو؛ لأن هذا مختص بالجملة الفعلية الخبرية كما ذكرناه (¬3). ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد الستمائة
الشاهد الرابع والخمسون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفاعةٍ ... بِمُغْنٍ فَتِيلَا عَنْ سَوَاد بن قارِبِ أقول: قائله هو سواد بن قارب الأَزدِيّ الصحابي - رضي الله عنه -، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في شواهد ما ولا وإن المشبهات بليس (¬3). والاستشهاد فيه: في قوله: "يوم لا ذو شفاعة" فإن يوم فيه بمنزلة إذ في كونه اسم زمان مبهم لما يأتي؛ فلذلك نزل منزلته فيما أضيف إليه، وهذا ونحوه نزل فيه المستقبل لتحقيق وقوعه منزلة ما قد وقع ومضى. الشاهد الخامس والخمسون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) إِنَّ لِلْخَيْر وللشَّرِّ مدًى ... وَكِلَا ذَلكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ أقول: قائله هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهو بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وهو أحد شعراء قريش المعدودين، وكان يهجو المسلمين ويحرض عليهم كفار قريش، ثم أسلم بعد ذلك، وقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - إسلامه، وأمنَّه يوم الفتح، وقال ذلك يوم أحد وهو يومئذ ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الستمائة
مشرك، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬1): يَا غُرَابَ البَينِ أَسَمَعْتَ فَقُلْ ... إنَّما تَنْطقُ شيئًا قَدْ فُعِلْ إلخ، ويروى: إنَّ لِلخَيرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى ... لِكِلَا ذَيْنِكَ وَقْتٌ وأَجَلْ كُلُّ بُؤْسٍ ونَعِيمٍ زَائِلٌ ... وبَنَاتُ الدَّهْرِ يَلْعَبْنَ بكُلْ والعَطِيَّاتُ خِسَاسٌ بَينَهُمْ ... وسَواءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ ومُقِلْ وهو من الرمل، وأصله في الدائرة: "فاعلاتن" ست مرات، وفيه الخبن والحذف. قوله: "مدى" أي: غاية، قوله: "وقبل" بفتح القاف والباء الموحدة؛ أي: جهة. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "مدى": اسمه، و" للخير" مقدمًا خبره، و"للشر": عطف عليه، قوله: "وكلا ذلك": كلام إضافي مبتدأ، قوله: "وجه": خبره، و"قبل": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "وكلا ذلك" فإن كلا فيه أضيف إلى ذلك، وهو لأن كان مفردًا في اللفظ ولكنه يرجع إلى شيئين في المعنى؛ لأن المذكور هو الخير والشر، فكأن المعنى: وكلا ما ذكر من الخير والشر، كما في قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] أي: بين ما ذكر من الفارض والبكر. وإنما قدر هكذا؛ لأن كلتا وكلا مما يلازم الإضافة إلى معرف مثنى لفظًا ومعنًى نحو: كلا الرجلين، وكلتا المرأتين، أو معنى دون لفظ؛ كما في قولك: كلانا فعلنا، ومنه البيت المذكور (¬2). الشاهد السادس والخمسون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) كِلا أَخِي وَخَلِيلي وَاجِدِي عَضُدًا ... في النَّائِبَاتِ وَإلْمَامِ المُلِمَّاتِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الستمائة
قوله: "عضدًا" أي: معينًا ومساعدًا، [قوله: "] (¬1) في النائبات": جمع نائبة، وهي المصيبة، ونائبات الدهر: مصائبه، قوله: "وإلمام الملمات" الإلمام: الإتيان والنزول، وقد ألمَّ به؛ أي: نزل به، والملمات: جمع ملمة، وهي النازلة من نوازل الدهر. الإعراب: قوله: "كلا أخي": كلام إضافي مبتدأ، و"خليلي": عطف عليه، وقوله: "واجدي": كلام إضافي -أَيضًا- خبر المبتدأ، وإفراد الخبر باعتبار لفظ كلا؛ لأنه وإن كان مثنى في المعنى فهو مفرد في اللفظ، أو يكون التقدير: كل منهما واجدي عضدًا؛ فياء الإضافة هو المفعول الأول لواجد، وقوله: "عضدًا": مفعول ثان، قوله "في النائبات": جار ومجرور يتعلق بواجدي، و: "إلمام الملمات": عطف عليه. الاستشهاد فيه: أن "كلا" أضيف إلى كلمتين، ولا يجوز ذلك، فلا يقال: كلا زيد: عمرو قاما، وهذا الذي جاء ضرورة نادرة (¬2)، وأجاز ابن الأنباري إضافتها إلى المفرد بشرط تكررها نحو: كلاي وكلاك محسنان (¬3). الشاهد السابع والخمسون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) كِلَا الضَّيفَن المشنُوء والضيفِ واجدٌ ... لَدَيّ المُنَى والأمنُ في اليُسْرِ والعُسْرِ أقول: احتج به ابن الأنباري، ولم يعزه إلى قائله (¬6). وهو من الطَّويل. ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد الستمائة
و"الضيفن" بفتح الضاد المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الفاء وفي آخره نون، وهو تابع للضيف، وهو الذي يسمى الطفيلي، والنون فيه زائدة؛ فوزنه فعلن لا فيعل. قوله: "المشنوء" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم النُّون وفي آخره همزة، ومعناه: المبغض من شنُؤَ الرجل فهو مشنوء، أي: مبغض وإن كان جميلًا. الإعراب: قوله: "كلا الضيفن": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "المشنوء" بالجر؛ صفة الضيفن، قوله: "والضيف" بالجر عطف على الضيفن، قوله: "واجد": خبر لمبتدأ، وإفراد الخبر بالنظر إلى لفظ كلا، كما ذكرنا في البيت السابق، ويروى: نائل مكان واجد؛ من نال إذا بلغ وأدرك. قوله: "لدي": نصب على الظرف؛ أي: عندي، قوله: "المني": مفعول لقوله: "واجد"، و"الأمن" بالنصب؛ عطف عليه، واقتصر واجد على مفعول واحد؛ لأنه من وجدت بمعنى: أصبت. [قوله: "في اليسر": جار ومجرور في محل النصب على الحال، و"العسر" بالجر، عطف عليه، وقوله: "في اليسر" يرجع] (¬1) في المعنى إلى المنى، وقوله: "العسر" إلى "الأمن". الاستشهاد فيه: إن: "كلا" أضيفت إلى مفرد معطوف عليه آخر، وهذا لا يجوز إلَّا في الضرورة النادرة؛ كما ذكرنا في البيت الذي قبله (¬2). الشاهد الثامن والخمسون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) ..................... ... أَيِّي وَأَيُّكَ فارسُ الأَحْزَابِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ ... ....................... وهو من الكامل. ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الستمائة
"الأحزاب": الجماعات؛ جمع حرب وهو الطائفة من كل شيء. الإعراب: قوله: "فَلَئِنْ "الفاء إما للعطف على شيء قبله، وإما جواب شرط ذكر فيما تقدم، والسلام للتأكيد، وإن للشرط. وقوله: "لقيتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، وقوله: "خاليين" حال من الفاعل والمفعول جميعًا، وقوله: "لتعلمن": جملة من الفعل والفاعل وقعت جواب الشرط، وأكدت باللام والنون. قوله: "أيّي": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "وأيك" -أَيضًا: كلام إضافي عطف عليه، وقوله: "فارس الأحزاب": كلام إضافي خبر المبتدأ، والجملة وقعت مفعولًا لقوله: لتعلمن. الاستشهاد فيه: في قوله: "أيِّي وأيُّك" وذلك أن أي لا يضاف إلى مفرد معرفة إلَّا إذا تكررت، ولا يأتي ذلك إلَّا في الشعر؛ كما جاء ها هنا فافهم (¬1). الشاهد التاسع والخمسون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) أَلَا تَسْأَلُونَ النَّاسَ أَيِّي وَأَيِّكُمْ ... غَدَاةَ الْتقينَا كَانَ خَيْرًا وَأَكْرَمَا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطَّويل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و"تسألون": جملة من الفعل والفاعل، و"النَّاس": مفعوله، قوله: "أبي": كلام إضافي مبتدأ، و"أيكم": عطف عليه، وقوله: "غداة": نصب على الظرف أضيف إلى الجملة المركبة من الفعل والفاعل، قوله: "كان خيرًا": خبر المبتدأ، واسم كان مستتر فيه، و"خيرًا": خبره، و"أكرما": عطف عليه. ¬
الشاهد الستون بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "أبي وأيكم" والكلام فيه كالكلام في البيت السابق (¬1). الشاهد الستون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) فَأَوْمَأْتُ إِيمَاءً خَفِيًّا لِحَبتَرٍ ... فَلِلَّهِ عَينَا حَبتَرٍ أَيَّمَا فَتَى أقول: قائله هو الراعي النميري، وكان نزل به رجل من بني بكر بن كلاب في ركب معه ليلًا، في سنة مجدبة وقد عزبت عن الراعي إبله، فنحر لهم نابًا من رواحلهم، فلما غدت الإبل أعطى الراعي ربَّ الناب نابًا مثلها وزاده ناقة ثنية، وقال (¬4): 1 - عَجِبتُ مِنَ السَّارِينَ وَالرِّيحُ قَرَّةٌ ... إِلَى ضَوء نَارٍ بينَ فَرْدَةَ والرَّجَا 2 - إلى ضَوء نَارٍ يَشْتَوي القِدُّ أَهْلُهَا ... وقَدْ تُكْرَمُ الأَضْيَافُ والقدُّ يُشْتَوَى 3 - فلَمَّا أَتَوْنَا واشْتَكَينَا إلَيهم ... بَكَوْا وكِلا الحَيَّينِ مِمَّا بهِ بَكَى 4 - بَكى مُعْوِزٌ منْ أن يُلَامَ وطَارِقٌ ... يَشُدُّ مِنَ الجُوع الإزَارَ عَلَى الحَشَا 5 - فأَلْطَفْتُ عَينِي هَلْ أَرَى مِنْ سَمِينَةٍ ... ووَطَّنْتُ نَفْسي بالغَرَامَةِ والقِرَى 6 - فأبصَرْتُهَا كَوْمَاءَ ذَاتَ عَرِيكَةٍ ... هِجَانًا مِنَ اللائي تَمتَّعْنَ بالصُّوَى 7 - فأومأت ................. ......................... إلخ 8 - وقُلتُ لَه أَلْصق بأَيْبَسِ سَاقِهَا ... فإن يُجْبَرِ العُرْقُوبُ لَا يَرْقَإِ النَّسَا 9 - وفَدَّيْتُهُ لَمَّا رَأَيتُ فُؤَادَهُ ... مَضَى غَيرَ مَنْكُوب ومُنْضلِهُ انْتَضَى 10 - كأَنِّي وقَدْ أَشْبَعْتُهُمْ مِنْ سَنَامِهَا ... جَلَوتُ غِطَاءً عَنْ فُؤَادِيَ فَانْجلَى 11 - فَبتْنَا وبَاتَتْ قدْرُنَا ذَاتَ هزَّةٍ ... لَنَا قَبلَ ما فيها شِوَاءٌ ومُصْطَلَى 12 - فأصْبَحَ رَاعِينَا بُرَيْمَةُ عِندَنَا ... بستِّينَ أَبْقَتْهَا الأخِلَّةُ والخِلا 13 - فَقُلْتُ لِرَبِّ النَّاب خُذْها ثَنِيَّةً ... ونَابٌ عَلَينَا مثْلُ نابِك في الحيَا ¬
وهي من الطَّويل. 1 - قوله: "قرة" بفتح القاف وتشديد الراء؛ أي: باردة، قوله: "فردة": اسم موضع، وكذلك: "الرجا" بالراء والجيم. 2 - قوله: "القد" بكسر القاف؛ السير الذي يقطع من الجلد. 4 - و"الطارق": الذي يأتي أهله ليلًا. 6 - و"الكوماء" بفتح الكاف؛ الناقة العظيمة السنام، وتجمع على كُوم بضم الكافُ وعريكة السنام: بقيته، قوله: "هِجانا" بكسر الهاء، وهو من الإبل البيض، ويستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع، يقال: بعير هجان، وناقة هجان، وإبل هجان، قوله: "بالصُّوى" بضم الصاد المهملة، وهو ما غلظ من الأرض وارتفع ولم يبلغ أن يكون جبلًا. 8 - [قوله: "ألصق" من قولهم: ألصق فلان بعيره إذا عقره، وربما قالوا: ألصق بساق بعيره، وقيل لبعض العرب: كيف أنت عند القرى؟ قال: ألصق والله بالناب الفانية والبكر الضرع، وأراد الشَّاعر: ألصق السيف بساقها وأعقرها] (¬1). 7 - قوله: "فأومأت": من الإيماء وهو الإشارة، قوله: "لحبتر" بفتح الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وفتح التاء المثناة من فوق وفي آخره راء، وهو اسم رجل، والحبتر في اللغة: القصير. 8 - قوله: "النسا" بفتح النُّون، وهو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعرقوب حتَّى يبلغ الحافر. قوله: "مُنْصَلِه" بضم الميم وسكون النُّون وفتح الصاد، وهو السيف، قوله: "انتضى": [من انتضيت السيف إذا سللته- بالضاد المعجمة] (¬2)، [وهو يجوز بالصاد المهملة والمعجمة، وكلاهما بمعنى واحد] (¬3). 12 - قوله: "الأخلة" بالخاء المعجمة؛ جمع خلال وهو العود، "والخلاء" بالخاء -أَيضًا-[الكلأ] (¬4). 13 - و"الناب" بالنُّون؛ الناقة المسنة، قوله: "في الحبا" بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة؛ أي: العطاء. الإعراب: قوله: "فأومأت": جملة من الفعل والفاعل، و"إيماء": نصب على أنَّه مفعول مطلق، ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الستمائة
و"خفيًّا": صفته، قوله: "لحبتر": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية. قوله: "فللَّه" اللام فيه للتعجب والقسم، وقوله: "عينا حبتر": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "فللَّه"، قوله: "أيما" في محل الجر؛ لأنه صفة لحبتر، ومعناه: كامل؛ كما في قولك: مرت برجل أيما رجل، ويجوز أن يكون حالًا؛ لمعرفة أي: كاملًا، وقال أبو إسحاق: المعنى: أيما فتى هو. والاستشهاد فيه: أن "أيًّا" فيه صفة، وقد علم أنَّه صفة لمعرفة وحال من نكرة (¬1)، ولا يضاف إلَّا إلى نكرة، وأنشده ابن مالك مثالًا لوقوع: "أي" حالًا لمعرفة (¬2). وقال أبو حيان في شرحه: أصحابنا أنشدوه بالرفع على أنَّه مبتدأ، أو خبر مبتدأ، وقدّروه: أي فتى هو، ولم يذكر أصحابنا كون أي تقع حالًا، وإنما ذكروا لها خمسة أقسام: موصولة، وشرطية، واستفهامية، وصفة لنكرة، ومنادى (¬3). الشاهد الحادي والستون بعد الستمائة (¬4) , (¬5) .......................... ... لَدُنْ شَبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوَائب أقول: قائله هو القطامي، واسمه عمير بن شييم (¬6)، وقد ذكرناه، وصدره: صريعُ غَوَانٍ راقَهُنَّ ورُقْنَهُ ... ....................... ¬
وهو من قصيدة بائية من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - نَأَتْكَ بلَيلَي نِيَّةٌ لَم تُقَارِبِ ... ومَا حُبُّ لَيلَى منْ فُؤَادِي بذَاهِب 2 - مُنَعَّمَة تَجْلُو بِعُودِ أرَاكَةٍ ... ذُرَى بَرَدٍ عَذْبٍ شَتِيتِ المنَاصِب 3 - كَأَن فَضيضًا من غرِيضِ غَمَامَةٍ ... عَلَى ظَمَأٍ جَادَتْ به أُمّ غَالِب 4 - صريع غَوانٍ ............... ... ..................... إلخ 5 - لِمسْتَهْلِكٍ قَدْ كَادَ منْ شِدَّة الجَوَى ... يَمُوتُ وَمن طُولِ العِدَاتِ الكَوَاذِبِ (¬2) 6 - قُدَيْدِيمَةَ التَّجْريب والحِلْمِ أنَّنِي ... أَرَى غَفَلاتِ العَيش قَبلَ التَّجَارِب 2 - قوله: "ذرى برد" بضم الذال المعجمة، وذرى كل شيء: أعاليه والبرد: حب الغمام. 3 - و: "الفضيض" بضادين معجمتين؛ الماء السائل، "والغريض": الطري الناعم. 4 - قوله: "غوان": جمع غانية، وهي الجارية التي غنيت بحسنها عن العلي، قوله: "راقهن" أي: أعجبهن، و"رقنه" أي: أعجبنه، وذكر في شرح ديوانه معنى راقهن: أصبنه حتَّى لا حراك به، و"الذوائب": جمع ذؤابة الشعر. الإعراب: قوله: "صريع غوان": كلام إضافي خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو صريع غوان، وقوله: "راقهن": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صفة لغوان، وقوله: "رقنه": عطف على راقهن، ويجوز أن يكون "صريع غوان" مرفوعًا بالابتداء، ويكون قوله: "راقهن" خبره. قوله: "لدن": اسم لأول الغاية زمانًا أو مكانًا، وهي لازمة البناء، والإضافة لا تمنعها عن البناء، وقوله: "شب": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر بالإضافة، والمعنى: عند شبيبته. قوله: "حتَّى" للغاية، و"شاب سود الذوائب": جملة من الفعل والفاعل، والمعنى: صريع غوان راقهن ورقنه من عند شبيبته إلى شيب سود ذوائبه. الاستشهاد فيه: في جواز إضافة لدن إلى الجملة كما في قوله: "لدن شب" (¬3). ¬
الشاهد الثاني والستون بعد الستمائة
الشاهد الثاني والستون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) تَنْتَهِضُ الرَّعْدَةُ في ظُهَيْري ... مِن لَدُنِ الظُّهْرِ إلى العُصَيرِ أقول: قائله هو راجز من رجاز طيء لم أقف على اسمه. قوله: "الرعدة": من الارتعاد، قوله: "في ظهيري": تصغير ظهري بفتح الظاء. والمعنى: يقوم عليَّ الارتعاد من عند الظهر إلى العصر. الإعراب: قوله: "تَنْتَهضُ [الرعدة] (¬3) ": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة: "في" تتعلق بمحذوف؛ أي: الرعدة الكائنة في ظهري، و "من" و"إلى" يتعلقان بقوله: "تَنْتَهضُ". الاستشهاد فيه: في قوله: "من لدن" حيث جاءت معربة وهي لغة قيس (¬4). الشاهد الثالث والستون بعد الستمائة (¬5) , (¬6) وَمَا زَال مُهْرِي مَزْجَرَ الكَلْب منْهُمُ ... لَدُنْ غدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوب أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. المعنى: ظاهر. الإعراب: قوله: "وما زال": من الأفعال الناقصة، فقوله: "مهري": كلام إضافي اسمه، قوله: "مزجر ¬
الشاهد الرابع والستون بعد الستمائة
الكلب" كلام إضافي -أَيضًا- خبره، قوله: "منهم": جار ومجرور في محل النصب على الحال. قوله: "لدن" قد قلنا إن لدن لابتداء الغاية في زمان أو في مكان، ولا تمنعها الإضافة عن البناء؛ كما لم تمنع كم لأن بناءها لازم وهي بمعنى عند، ولكن الفرق بينهما أن لدن لما حضرك، وعند لما حضرك ولما غاب عنك، فعند أعم في الاستعمال، فتقول: عندي مال وإن كان بمكة، ولا تقول: لديّ مال إلَّا لما هو بحضرتك، وقد نصبت العرب بها غدوة تشبيهًا لنونها بالتنوين في اسم الفاعل؛ حيث رأوها تثبت تارة وتحذف تارة، فلذلك نصبوا غدوة بعدها على التشبيه بالمفعول. ويقال: نصبوا ما بعدها كما نصبوا ما بعد كم الخبرية، ومنهم من رفع غدوة تشبيهًا بالفاعل؛ كما نصب تشبيهًا بالمفعول، ومنهم من جرها على القياس، ولم تقع غدوة بعد لدن إلَّا مصروفة، وهي معرفة مؤنثة لكثرة الاستعمال؛ ألا ترى أنَّهم لم يقولوا: لدن شحرة ولا لدن بكرة، ويقال: انتصاب غدوة على التمييز، وهو اختيار ابن مالك. وقيل: هي خبر لكان المقدرة، والتقدير: لدن كانت الساعةُ غدوة، وحكى الكوفيون رفعها بكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة، قوله: "حتَّى دنت" أي: الشَّمس، "لغروب"، أي: لوقت غروبها (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "لدن غدوة" حيث جاءت غدوة منصوبة كما ذكرنا مفصلًا. الشاهد الرابع والستون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) حَنَنْتَ إلَى رَيَّا وَنَفْسُكَ بَاعَدَتْ ... مزارَكَ من ريَّا وشَعْباكما مَعَا أقول: قائله هو الصمة بن عبد الله القشيري، وهو من قصيدة عينية من الطَّويل يتغزل بها في ¬
بنت عمه رَيَّا، وأولها: 1 - أمِنْ ذِكْرِ دَارٍ بالرِّقاشَيِن أَعْصَفَتْ ... بِهَا بَارِحَاتُ الصّيفِ بَدْءًا ورُجَّعَا؟ 2 - فمَا حَسَنٌ أنْ تَأْتِي الأمْرَ طَائِعًا ... ويَجْزَعُ إنْ دَاعِي الصَّبَابَةِ أَسْمَعَا 3 - كأنكَ لَم تَسْمَعْ وَدَاعَ مُفَارِقٍ ... ولَمْ تَرَ شَعْبَي صَاحِبَيِن تَقَطَّعَا 4 - بَكَتْ عَينِي اليُسرَى فَلَمَّا زَجَرْتُهَا ... عَنْ الجَهْلِ بَعدَ الحِلمِ أَسْبَلَتَا مَعَا 5 - ألا يَا خَلِيلَيَّ اللَّذَينِ تَوَاصَلا ... بِلَومِي إلَّا أنْ أُطِيعَ وأسْمَعَا 1 - قوله: "بالرقاشين" بكسر الراء؛ اسم موضع، قوله: "أعصفت" يقال: أعصفت الريح إذا اشتدت، هذه لغة أسد، وغيرهم يقولون: عصفت بلا همزة، و"البارحات" بالباء الموحدة؛ جمع بارحة، وهي الريح الشديدة الهبوب. 6 - قوله: "حننت": من الحنين وهو الشوق وتوقان النفس، تقول: حن إليه يحنُّ حنينًا فهو حانّ، و"ريَّا" بفتح الراء وتشديد الياء آخر الحروف [اسم امرأة] (¬1)، قوله: "وشعباكما" أي: اجتماعكما، وهذا اللفظ من الأضداد، يقال: شعبت الشيء فرقته، وشعبته جمعته، يقال: التأم شعبهم؛ أي: اجتمعوا بعد التفرق، وتفرق شعبهم إذا تفرقوا بعد الاجتماع. الإعراب: قوله: "حننت": جملة من الفعل والفاعل، و"إلى ريا": يتعلق به في محل النصب على المفعولية، قوله: "ونفسك": كلام إضافي مبتدأ، و"باعدت": خبره، والجملة حال. قوله: "مزارك": كلام إضافي منصوب بقوله: "باعدت"، يقال: أبعده وباعده وبعّده كلها بمعنى واحد، قوله: "من ريا" في موضع النصب على الحال من المزار. قوله: "وشعباكما": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "مَعَا" بمعنى جميعًا، والجملة حال أَيضًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "مَعَا" حيث وقع منقطعًا عن الإضافة بمعنى جميعًا في محل الرفع على الخبرية كما ذكرنا، وهو قليل (¬2). ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الستمائة
الشاهد الخامس والستون بعد الستمائة (¬1) , (¬2) فَريشِي مِنكمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ ... وَإنْ كانت زِيَارَتُكُمْ لِمَامَا أقول: قائله هو جرير الخطفي، يمدح هشام بن عبد الملك، وهو من قصيدة ميمية من الوافر، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ألَا حيّ المنازلَ والخِيامَا ... وَسَكْنًا طال فيها ما أقامَا 2 - أُحيِّيهَا وَمَا بي غيرَ أنِّي ... أُرِيدُ لأُحْدِثَ العَهْدَ القُدامَى 3 - منازِلَ قدْ خَلَت من سَاكنِيهَا ... عَفَتْ إلَّا الدَّعَائمَ والثُّمامَا 4 - مَحَتهَا الرِّيحُ والأَمْطارُ حتَّى ... حَسِبْتُ رَسُومَهَا فيِ الأرضِ شَامَا قوله: "فريشي" بكسر الراء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، وهو اللباس الفاخر: وكذلك الرياش، قال الله تعالى: {وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [الأعراف: 26] ويقال: الريش والرياش: المال والخصب والمعاش، قوله: "لمامَا" بكسر اللام وتخفيف الميم، مال: فلان يزورنا لمامًا؛ أي: في الأحايين. الإعراب: قوله: "فريشي": مبتدأ، وخبره: "منكم" وكذلك قوله: "هواي" مبتدأ، وخبره: "معكم"، قوله: "وإن": واصلة بما قبلها، وقوله: "كانت": من الأفعال الناقصة، وقوله: "زيارتكم": اسمه، و"لمامَا": خبره، والجملة فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الشطر الأول. ¬
الشاهد السادس والستون بعد الستمائة
فإن قلت: هذه الجملة معطوفة على ماذا؟ قلت: على محذوف تقديره: إن لم يكن وإن كانت. الاستشهاد فيه: في قوله: "معْكم" حيث بني على السكون وهذه لغة ربيعة وتميم، وعند الجمهور عينها مفتوحة معربة (¬1). الشاهد السادس والستون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) وَمِنْ قَبلِ نَادَى كُلُّ مَوْلى قَرَابَةٍ ... فَمَا عَطَفَتْ مَوْلَى عَلَيهِ العَوَاطِفُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "مولى قرابة" أراد به ابن العم؛ لأن المولى يقع على جماعة كثيرة وهم الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والعتق والمنعم عليه، ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه، وها هنا المقتضى أن يكون ابن العم بدليل إضافته إلى قرابة. قوله: "فما عطفت": من العطف وهو الحنو والرأفة، فالمعنى: نادى كل ابن عم [يزعم] (¬4) إلى قرابته وصرخ حتَّى يعينوه فيما هوفيه إما من الحرب، وإما من نازلة نزلت به، فما رحم عليه أحد منهم ولا أجاب لدعائه. ¬
الشاهد السابع والستون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "ومن قبل" الواو للعطف إن تقدمه شيء من الكلام، وقبل مجرور بمن، وهو معرب ها هنا، وقوله: "فأدى": فعل، و"كل مولى": كلام إضافي فاعله، و"قرابة" مجرور بإضافة مولى إليه، قوله: "فما عطفت" الفاء للتعقيب، وما للنفي، وعطفت فعل، و"العواطف": فاعله، وقوله: "عليه": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، والضمير يرجع إلى قوله: "مولى قرابة"، وقوله: "مولى" قيل: أنَّه بدل من الضمير ولكنه قدم لأجل الضرورة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ومن قبل" فإنَّه معرب؛ لأن المضاف إليه منوي تقديره: من قبل ذلك ونحوه (¬1). الشاهد السابع والستون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكنْتُ قَبلًا ... أَكَادُ أَغَصُّ بالمَاء الحَمِيمِ أقول: قائله هو عبد الله بن يعرب بن معاوية بن غيلان بن البكاء بن عامر، وكان له ثأر فأدركه فأنشده. وهو من الوافر. قوله: "فساغ" أي: استمرأ، قال الجوهري: ساغ يسوغ سوغًا؛ أي: سهل مدخله في الحلق، وسُغتُه أنا أسيغه وأسوغه، يتعدى ولا يتعدى، والأجود: أسغته إساغة (¬4). قوله: "أغص بالماء" أي: أَشْرق به؛ من غصص يغصص وغص يغص من باب علم يعلم، قوله: "بالماء الحميم" والأظهر: بالماء الفرات؛ أي: العذب، ولكن المشهور: "بالماء الحميم"، والذي رواه الثعالبي والزمخشري: "بالماء الفرات" (¬5)، وهو الأنسب لأن الحميم الحار، ومنه اشتقاق الحمام، وقد قيل: الحميم ها هنا بمعنى البارد وهو من الأضداد. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "فساغ": فعل ماض، و"الشراب": فاعله, و"لي": يتعلق بساغ، قوله: "وكنت قبلًا" الواو للحال، والتاء اسم كان، والجملة -أعني: قوله: "أكاد أغص": خبره، و"قبلًا": نصب على الظرفية، واسم: "أكاد" الضمير المستتر فيه، وقوله: "أغص": خبره، و"بالماء" يتعلق به، و"الحميم": صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "قبلًا" فإنَّه حذف المضاف إليه منه ولم ينوه؛ فلذلك أعربه، ولو كان المحذوف منويًّا لكان "قبل" مبنيًّا على الضم؛ كما في قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:] (¬1). الشاهد الثامن والستون بعد الستمائة (¬2) , (¬3) وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ ... فَمَا شَرِبُوا بَعْدًا عَلَى لَذَّةٍ خَمْرًا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من الطَّويل. قوله: "الأسد" بضم الهمزة وسكون السين؛ جمع أسد، ويجمع على أسود -أَيضًا- بضمتين وأسْد وآساد، قوله: "خفية" بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، قال الجوهري: قولهم أُسُود خفية؛ كقولهم: أسود جلية وهما مأسدتان (¬4)، وقال ابن سيده: الخفية: اسم علم لموضع، ثم أنشد البيت المذكور (¬5). الإعراب: قوله: "ونحن": مبتدأ، وخبره قوله: "قتلنا الأسد" وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، ¬
الشاهد التاسع والستون بعد الستمائة
قوله: "أسد خفية": كلام إضافي بدل من الأسد، قوله: "فما شربوا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "خمرًا": مفعوله، قوله: "بعدًا": نصب على الظرف، قوله: "على لذة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "فما شربوا"، ومحله النصب على أنَّه صفة لقوله: "خمرًا" (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "بعدًا" فإنَّه أعرب؛ لأنه لم تنو فيه الإضافة (¬2). الشاهد التاسع والستون بعد الستمائة (¬3) , (¬4) لعَنَ الإِلهُ تَعِلَّةَ بنَ مُسَافِرٍ ... لَعْنًا يُشَنُّ عَلَيهِ منْ قُدَّامُ أقول: قائله هو رجل من بني تميم، وقبله (¬5): 1 - أَلْبَانُ إِبْلِ تَعِلَّةَ بن مُسَافِرٍ ... مَا دَامَ يَمْلِكهَا عَلَيَّ حَرَامُ 2 - وطَعَامُ عِمْرَانَ بْنِ أَوْفَى مِثْلُهُ ... مَا دَامَ يَسْلُكُ في الحُلُوقِ طَعَامُ 3 - إنَّ الذِينَ يَسُوغُ في أَعْنَاقِهْم ... زَادٌ يَمُنُّ عَلَيهمُ لَلِئامُ وهي من الكامل. قوله: "تعلة بن مسافر"، ويروى: تعلة بن مزاحم، وتعلة بفتح [التاء] (¬6) المثناة من فوق وكسر العين المهملة، وهو اسم رجل، وفي البسيط أول هذه الأبيات هكذا: ألبان ثعلبة بن نبت مسافر، فعلى هذا لفظ تعلة الذي ضبطاه مصحف، ويحتمل أن يكون صحيحًا, ولكنه بعيد فافهم قوله: "يشن عليه" ويروى: يصب عليه ومعناهما واحد. الإعراب: قوله: "لعن الإله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "تعلة بن مسافر": مفعوله، و"لعنًا" ¬
الشاهد السبعون بعد الستمائة
نصب على أنه مفعول مطلق، قوله: "يشن عليه" على صيغة المجهول؛ جملة وقعت صفة لقوله: "لعنًا"؛ فيكون محلها من الإعراب النصب، قوله: "عليه": صلة يشن. الاستشهاد فيه: في قوله: "من قدام" فإن أصله: من قدامه، فلما قطعه عن الإضافة ونواها بناه على الضم (¬1). الشاهد السبعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) ........................... ... عَلَى أَيِّنَا تَغدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ أقول: قائله هو معن بن أوس، وكان متزوجًا بأخت صديق له فطلقها، فأقسم أن لا يكلمه، فقال قصيدة من الطويل يستعطفه، وأولها هو قوله: 1 - لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأرْجَلُ ... عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ 2 - وإنِّي أَخُوكَ الدَّائمُ العَهْدِ لَمْ أَحُلْ ... إنْ أَبْزَاكَ خَصْمٌ أوْ نَبَا بِكَ مَنْزِلُ 3 - أُحَارِبُ مَنْ حَارَبْتَ مِنْ ذِي عَدَاوَةٍ ... وأَحْبِسُ مَالِي إنْ غَرَمْتَ فَاعْقِلِ 4 - وإنْ سُؤتَنِي يَوْمًا صَفَحْتُ إلَى غَدٍ ... ليُعْقِبَ يَومًا مِنكَ آخرُ مُقبِلِ 5 - كأنَّكَ تَشْفِي مِنكَ دَاء مَسَاءَتِي ... وسُخْطِي وَمَا في رَيْثَتِي مَا تَعَجَّلُ 6 - وإنِّي عَلَى أَشْيَاءَ مِنكَ تُرِيبُنِي ... قَدِيمًا لَذُو صَفْحٍ عَلَى ذَاكَ مُجْمِلُ 7 - سَتقطعُ في الدّنيَا إذا ما قطّعْتنِي ... يَمِينُك فَانْظُرْ أيَّ كَفٍّ تُبَدِّلُ 8 - وفيِ النَّاسِ إن رَثَّت حِبَالُكَ وَاصِلٌ ... وفي الأرْضِ عَنْ دَارِ القِلَى مُتَحَوَّلُ 9 - إذا أَنْتَ لَمْ تُنْصِفْ أخَاكَ وَجَدْتَهُ ... عَلَى طَرَفِ الهِجْرَانِ إنْ كَانَ يَعقِلُ 10 - ويَرْكَبُ حَدَّ السَّيفِ مِنْ أنْ يُضِيمَهُ ... إذا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَفْرَةِ السَّيفِ مَزْحل 11 - وكُنتُ إذَا مَا صَاحِبٌ رَامَ ظَنَّتِي ... وبُدِّلَ سُوءًا بالذِي كُنتُ أفْعَلُ 12 - قَلَبتُ لَهُ ظَهرَ المجَنِّ فَلَم أدُمْ ... عَلَى ذاكَ إلَّا رَيثَمَا أتَحَوَّلُ 13 - إذَا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عَن الشَّيءِ لَمْ تَكَدْ ... إلَيهِ بِوَجْهٍ آخَرَ الدَّهْرِ تُقْبِلِ ¬
1 - قوله: "لأوجل" أي: لأخاف، من وجل يوجل، قوله: "المنية" أي: الموت، و "تغدو": بالغين المعجمة والدال المهملة، من الغدو، وهو نقيض الرواح. 2 - قوله: "لمْ أُحَل": من حال عن العهد حؤولًا: انقلب، وهو بالحاء المهملة، [قوله: "] (¬1) إن أبزاك" بالباء الموحدة والزاي المعجمة، يقال: أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهره، قوله: "أو نبا بك منزل" بالنون ثم الباء الموحدة، يقال: نبا بفلان منزله إذا لم يوافقه، وكذلك فراشه. 5 - قوله: "وما في ريثتي" بالراء المفتوحة والياء آخر الحروف الساكنة ثم الثاء المثلثة من راث عليَّ خبرك يريث ريثًا، أي: أبطأ. 6 - قوله: "تريبني": من الريب وهو الشك، قوله: "مجمل" بالجيم، من الإجمال وهو الإحسان. 8 - قوله: "رثت" أي بليت وخلقت، "عن دار القلى" بكسر القاف، وهو البغض والعداوة. 10 - قوله: "مزحل" بالزاي المعجمة والحاء المهملة؛ من زحل عن مكانه زحولًا، وتزحل إذا انتحى وتباعد، والمزحل: مصدر ميمي بمعنى الزحول. 12 - قوله: "إلا ريثما" يعني: إلا قدر التحول، وما مصدرية وقد يستعمل بغير ما نحو: لا يَصْعُبُ الأمْرُ إلا رَيْثَ تَرْكَبُهُ ... .......................... الإعراب: قوله: "لعمرك": مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لعمرك يميني أو قسمي، وقد تكرر نحو هذا في الكتاب (¬2)، قوله: "ما أدري": جواب القسم، ومفعوله محذوف تقديره: ما أدري ما يفعل بنا، أو ما أدري ما يكون ونحو ذلك. وقوله: "وإني" الياء اسم إن، وخبره قوله: "لأوجل"، واللام فيه للتأكيد مفتوحة، قوله: "على أينا" يتعلق بقوله: "تغدو" وهو فعل مضارع، و "المنية" فاعله، قوله: "أول": مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة، تقديره: أول الوقت أو أول الساعة ونحو ذلك. والاستشهاد فيه وهو ظاهر (¬3). ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الستمائة
الشاهد الحادي والسبعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) فَأَدْرَكَ إرْقَال العَرَادَةَ ظَلْعُهَا ... وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حَزِيمَةَ إِصْبَعَا أقول: قائله هو الأسود يصف فرسًا؛ كذا قاله الزمخشري (¬3)، وقال ابن الناظم: وقول الكلحبة اليربوعي: فأدرك ....................... ... ................... إلخ وهو كلحبة بن عبد الله بن كلحبة، ويقال: اسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع (¬4)، وكلحبة لقبه، وهو بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الحاء المهملة والباء الموحدة، والذي قال ابن الناظم هو الصحيح (¬5)، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬6): 1 - فإنْ تَنجُ مَنهَا يَا حَزِيمَ بنَ طَارِقٍ ... فقدْ تَرَكَتْ مَا خَلْفَ ظَهرِكَ بَلْقَعَا 2 - ونادى مُنادِي الحيَّ أَنْ قد أُتيتُمُ ... وقدْ شَرِبَتْ مَاءَ المَزَادَةِ أجمعَا 3 - وقُلْتُ لِكَأْسِ أَلْجمِيهَا فَإِنَّمَا ... نَزَلْنَا الكَثِيبَ مِنْ زَرُود لِنَفْزَعَا 4 - كَأَنَّ بَلِيَتَيْهَا وبَلْدَةِ نَحْرِهَا ... مِنَ النَّبْلِ كُرَّاثَ الصَّرِيمِ المُنْزَعَا 5 - فأدرك .................... ... ................. إلخ (¬7) 6 - أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى ... ولَا أَمْرَ لِلْمَعْصِيِّ إلا مُضَيَّعَا 7 - إذَا المَرْءُ لَمْ يَغْشَ الكَرِيهَةَ أَوْشَكَتْ ... حِبَالُ الهُوَيْنَى بالفَتَى أنْ تَقَطعَا 1 - قوله: "فإن تنج منها" أي: من فرس الكلحبة، وكانت تسمى العرادة، وذلك أنه أغار ¬
عليه فاستاق ماله وأفْلَتَ بنفسه، فقال: إن نجوت منها فقد ذهبت بمالك، و "البلقع": الأجرد الذي لا شيء فيه. وقال المفضل: أغار حزيمة بن طارق أخو بني ثعلبة علي بني يربوع بزرود فاستاق إبلهم، فأتى بني يربوع الصريخ فركبوا في إثره فهزموه واستنقذوا ما كان أخذه، وأسروا خزيمة بن طارق، فقال في ذلك هبيرة بن عبد مناف: فإن تنج منها يا حزيم بن طارق ... .................... إلخ (¬1) و"حزيم": ترخيم حزيمة، يقول: فإن نجوت يا خزيمة من فرسي، وهي العرادة، فلم تفلت إلا بنفسك، وقد استبيح مالك وما كنت حويته وغنمته، فلم تدع لك هذه الفرس شيئًا. 3 - قوله: "لكأس" هي ابنته، وقال أحمد بن عبيد: كأس جاريته، و "الكثيب": قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة، و "زرود" بفتح الزاي المعجمة وضم الراء وسكون الواو وفي آخره دال مهملة؛ اسم موضع، قوله: "لنفزعا" أي: لنغيث، يقول: ما نزلنا في هذا الموضع إلا لنغيث من استغاث بنا ونجيب الداعي. 4 - [قوله: "] (¬2) بليتيها" الليتان: صفحتا العنق، و "الصريم": قطع من الرمل، الواحدة صريمة، و "الكراث": نبت، وهي ثلاث ورقات تشبه قذذ السهم، وإنما خص الصريم لأن الكراث لا ينبت إلا في الرمل، وإنما قال: "المنزعا" لأن ساق الكراثة تكون غائبة في الرمل، فإذا نزعت أشبهت النبل بكمالها. 5 - قوله: "إرقال العرادة" الإرقال -بكسر الهمزة: نوع من السير، وقال الجوهري: الإرقال: نوع من الخبب (¬3)، و "العَرادة" بفتح العين المهملة والراء المهملتين- أيضًا: اسم لفرس كانت لهبيرة كما ذكرنا، قوله: "ظلعها" بالظاء المعجمة؛ من ظلع البعير يظلع ظلعًا؛ أي: غمز في مشيه. قوله: "من حزيمة" بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي المعجمة، وهو حزيمة بن طارق (¬4) كما ذكرنا، ولقد غلط جماعة من شرح المفصل (¬5) في تفسيرهم حزيمة بالقبيلة (¬6)، وكان كلحبة على فرسه عرادة، وكانت مجروحة، فقصرت لما قربت من حزيمة ففاته، فقال: ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الستمائة
فأدرك إرقال العرادة ....... ... ....................... إلخ يعني: أدرك سير العرادة، "ظلعها" يعني: غمزها في مشيها، والحال أنها قد كانت جعلتني من حزيمة قدر مسافة أصبع، فالحاصل أنه لما تبعه لحقه، ولم تبق بينه وبينه إلا قدر مسافة أصبع حتى أدركه فرسه الظلع فقصرت ففاته حزيمة. 6 - قوله: "بمنعرج اللوى" اللوى مقصور الرمل ومنعرجه، حيث انثنى منه وانعطف، قوله: "إلَّا مضيعَا" أي: إلا أمرًا مضيعًا، قوله: "الهوينى" بضم الهاء؛ أي: الرفق والدعة. الإعراب: قوله: "فأدرك": فعل ماض، و "ظلعها": كلام إضافي فاعله، وقوله: "إرقال العرادة": كلام إضافي منصوب لأنه مفعول لأدرك، قوله: "وقد جعلتني": جملة فعلية وقعت حالًا، "من حزيمة" أي: من جهة حزيمة، قوله: "إصبعَا": مفعول ثان لجعلتني؛ أي: قدر مسافة إصبع. والاستشهاد فيه: حيث حذف فيه المضاف والمضاف إليه جميعًا، وأقيم المضاف إليه الثاني الذي هو الثالث مقامهما (¬1). الشاهد الثاني والسبعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) أَكُلَّ امرئٍ تَحْسَبِينَ امْرَأً ... وَنَارٍ تَوَقدُ باللّيْلِ نَارًا أقول: قائله هو أبو دؤاد، واسمه: جارية بن الحجاج، وقيل: جريرة بن الحجاج، وقيل: جارية ابن حمران الحذاقي من إياد، وقد بسطا الكلام فيه فيما مضى (¬4) وبعده: 2 - ودَارٍ يقُولُ لَهَا الزَّائِرُو ... نَ وَيْلُ أُمِّ دَارِ الحَذَاقِيِّ دَارًا وهما من المتقارب. ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الستمائة
المعنى: أَكُلَّ رجل تحسبينه رجلًا وكُلَّ نار تحسبينها نارًا، يعني: ليس كل من له صورة امرئ بامرئ كامل، بل المراد بالكامل (¬1): من له خصال سنية وأوصاف بهية، وليس كل نار توقد بالليل نارًا، إنما النار نار توقد لقرْي الزوار. الإعراب: قوله: "أكل امرئ" الهمزة للاستفهام، "وكل امرئ": كلام إضافي مفعول لقوله: "تحسبين"، وقوله: "امرأ" مفعوله الثاني. قوله: "ونار" بالجر لأن أصله: وكل نار، فلما حذف كل، أبقي نار على أصله بالجر، و "تحسبين" -أيضًا- فيه مقدرة؛ لأن المعنى: وتحسبين كل نار، ويروى: ونارًا بالنصب، قال النحاس: ومن لم يعطف على عاملين رواه: "ونارًا" بالنصب. قوله: "توقد" أصله: تتوقد، فحذفت منه إحدى التاءين وهي [جملة] (¬2) وقعت صفة للنار، قوله: "نارًا" نصب لأنه مفعول ثان لتحسبين المقدرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ونار" حيث حذف المضاف فيه، وترك المضاف إليه بإعرابه؛ إذ تقديره: وكل نار" كما ذكرنا، فحذف كل وترك نار بالجر على ما كان عليه، ولا يجوز أن يعطف نار المجرور على امرئ؛ إذ فيه عطف على عاملين بواو واحدة فافهم (¬3). الشاهد الثالث والسبعون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) ............................... ... وَأَتَيْتُ فَوْقَ بَنِي كُلَيْبٍ مِنْ عَلُ أقول: قائله هو الفرزدق يهجو جريرًا، وصدره: ولَقدْ سَدَدتُ عليكَ كُل ثَنِيَّةٍ ... ............................ ¬
وبعده (¬1): 2 - رَمَحَتْكَ حِيَن عَجِلَتْ دُونَ وَدَاقِهَا ... لَكِنْ أبُوكَ وَدَاقَهَا لا يَعْجَلُ 3 - وأَنَخْتَ أمّكَ يَا جَرِيرُ كَأَنَّهَا ... للنَّاسِ بَارِكَةً طَرِيقٌ مُعْمَلُ وهي من الكامل. 1 - قوله: "ثنية" بفتح الثاء المثلثة وكسر النون وتشديد الياء آخر الحروف، وهي طريقة العقبة. 2 - و "الوداق" بفتح الواو وبالقاف المطر، وكذلك الودق، ولكن المراد هاهنا الماء؛ من ودق الماء إذا سال. الإعراب: قوله: "سددت": فعل وفاعل، و "كل ثنية": كلام إضافي مفعوله، و "أتيت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "سددت"، وقوله: "فوق": نصب على الظرف مضاف إلى بني كليب. الاستشهاد فيه: في قوله: "من عل" حيث جاء مبنيًّا على الضم كفوق؛ فإنه يوافق فوق في معناه وفي بنائه على الضم؛ لأن معناه هاهنا: من فوقهم (¬2). واعلم أن عل - بلام خفيفة اسم بمعنى فوق، والتزم فيه أمران: أحدهما: استعماله مجرورًا بمن. والثاني: استعماله غير مضاف؛ فلا يقال: أخذته من عل السطح؛ كما يقال: من علوه ومن فوقه، ومتى أريد به المعرفة كان مبنيًّا على الضم تشبيهًا بالغايات؛ كما في البيت المذكور؛ إذ المراد فوقية معينة لا فوقية مطلقة، ومتى أريد به النكرة كان معربًا (¬3)؛ كما في ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد الستمائة
البيت الذي يأتي بعد بيت واحد (¬1). الشاهد الرابع والسبعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) أَقَبُّ مِنْ تَحْتُ عَرِيضٌ مِنْ عَلُ ... ......................... أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، وهو من قصيدة مرجزة يصف فيها أشياء كثيرة، وبهذا الشطر يصف الفرس. قوله: "أقب" بالقاف وتشديد الباء الموحدة، وهو الضامر البطن؛ من القبب وهو دقة الخصر، والأنثى قباء، قوله: "من عل" أي: من علوه؛ أي: من فوقه. الإعراب: قوله: "أقب": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أقب، قوله: "من تحت": جار ومجرور في محل الرفع على الوصفية، وقوله: "عريض": خبر بعد خبر، و "من عل": صفته. الاستشهاد فيه: والكلام فيه كالكلام في البيت السابق (¬4). الشاهد الخامس والسبعون بعد الستمائة (¬5)، (¬6) مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا ... كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها ¬
قوله (¬1): قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل ... بسِقْطِ اللِّوَى بَيَن الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ وهي من الطويل. قوله: "مِكَرٍّ" بكسر الميم؛ يعني: لا يسبق في الكر، و "مفرٍّ" - أيضًا -بكسر الميم؛ يعني: لا يسبق في الفرار، قوله: "مقبل مدبر" يعني: إذا استدبرته حسن، وإذا استقبلته حسن. قوله: "كجلمود" بضم الجيم، وهي الصخرة الملساء، قوله: "حطه السيل" يعني: حدره السيل من عل، يعني: من فوق، يعني: من مكان عال، يمدح به فرسه، يقول: إذا أردت الكر وأنا عليه وجدته عنده كجلمود حدره السيل من مكان عال. الإعراب: قوله: "مكر" بالجر لأنه صفة لقوله: "بمنجرد قيد الأوابد هيكل" في البيت السابق يعني بفرس منجرد مكر، "ومفر" -أيضًا- بالجر صفة أخرى، وكذلك قوله: "مقبل ومدبر"، وهذه كلها صفات مجرورة. قوله: "معًا" يعني: جميعًا، نصب على الحال، يعني: مجتمعين، والكاف في قوله: "كجلمود" للتشبيه، وجلمود مجرور به، وهو مضاف إلى صخر من قبيل إضافة الخاص إلى العام. قوله: "حطه": فعل ومفعول، و "السيل": فاعله، والضمير المنصوب يرجع إلى الجلمود. قوله: "من عل": يتعلق بقوله: "حطه"، وفيه ثمان لغات: [جئته] (¬2) من علُ، ومن علِ، ومن علو، ومن علا، ومن علو، ومن عال، ومن معال، ومن معالا، فمن قال: من عل بالتنوين جعله نكرة، كأنه، قال: من موضع عال، ومن قال: مِن عَلُ فهو مَعرفة، وتقديره: من فوق ما يعلم. وكان الواجب أن لا يحرك، إلا أنه لما ضارع المتمكن أعطوه فضيلته، وهي الحركة، واختير له الضمة لأنها غاية الحركات، ومن قال: جئتُكَ بن عُلُوٍّ جعله نكرة -أيضًا- وجاء به على التمام، ومن ضم قدره معرفة، ومن قال: جئتك من عَالٍ، فمعناه: من مكان عال (¬3). ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد الستمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "من عل" فإنه معرب لأنه أريد به النكرة؛ إذ المراد تشبيه الفرس في سرعته بجلمود انحط من مكان ما عال، لا من علوّ مخصوص، فقوله من عل، أي: من مكان عال (¬1). الشاهد السادس والسبعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) ................................ ... بِمِثْلِ أَوْ أَنْفَعَ مِنْ وَبْلِ الدِّيَمْ أقول: هذا رجز ما وقفت على اسم راجزه، وصدره: عَلَّقْتُ آمالي فَعَمَّتِ النِّعَمْ ... ......................... قوله: "من وبل الديم" الوبل: المطر الشديد، وكذلك: الوابل، "والديم" بكسر الدال؛ جمع ديمة، قال أبو زيد: الديمة: المطر الذي ليس فيه رعدٌ ولا برق، أقله ثلث النهار، أو ثلث الليل، وأكثره ما بلغ من الغد، والجمع الديم. الإعراب: قوله: "علقت": جملة من الفعل والفاعل، و "آمالي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "فعمت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر الراجع إلى الآمال، و "النعم": مفعوله، قوله: "بمثل": جار ومجرور يتعلق بقوله: "علقت"، والمضاف إليه محذوف تقديره: بمثل وبل الديم أو أنفع من وبل الديم كما في قوله -عليه الصلاة والسلام- (¬4) "إن أحدكم ليفتن في قبره مثل أو قريبًا من فتنة الدجال"، والتقدير: مثل فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال، قوله: "أو أنفع": عطف على المقدر الذي ذكرناه (¬5). ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الستمائة
والاستشهاد فيه: هو ما ذكرناه. الشاهد السابع والسبعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) ................................. ... بَيْنَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ أقول: قائله هو الفرزدق، وصدره: يا مَنْ رَأَى عَارِضًا أُسَرُّ بِهِ ... .............................. وهو من المنسرح، وأصله: مستفعلن مفعولات [مستفعلن] (¬3) مرتين، وفيه الطيّ فافهم. قوله: "عارضًا" أي: سحابًا، قوله: "أسر به" أي أفرح به، ويروى: أكفكفه، يقال: يكفكف دمعه: يمسحه مرة بعد أخرى ليرده، ويروى: أرقت له؛ بمعنى: سهرت لأجله، قوله: "بين ذراعي" أراد بذراعي الأسد الكوكبين اللذين يدُلان على المطر عند طلوعهما، وذراعا الأسد وجبهتا الأسد: منزلتان من منازل القمر، والذراع والجبهة من أنواء الأسد. الإعراب: قوله: "يا من رأى" يا حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم من رأى سحابًا أفرح به، ويحتمل أن يكون "من" منادى مفردًا، وعلى الأول تكون من استفهامية، و "عارضًا" مفعول رأى. قوله: "أسر به" على صيغة المجهول، وهي جملة في محل النصب؛ لأنها صفة لقوله: "عارضًا"، قوله: "بين": نصب على الظرف، وهو معمول الرؤية دون السرور لفساد المعنى، و "ذراعي": مضاف إلى مقدر، تقديره: بين ذراعي الأسد؛ وجبهة الأسد فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد الستمائة
والاستشهاد فيه: وهو أنه فصل بين ذراعي وجبهة الأسد بما ليس بظرف وهو قوله: "وجبهة"، والفصل بدون الظرف لا يجوز، فلذلك قلنا: إن المضاف إليه مقدر في الأول. ويقال: مذهب سيبويه هاهنا أن المضاف إليه محذوف من الثاني، والمذكور آخرًا هو المضاف إليه الأول، وإنما أُخِّر ليكون كالعوض عن المضاف إليه الثاني؛ إذ لو قدم وقيل: بين ذراعي الأسد وجبهته، لم يكن للثاني مضاف إليه لفظًا، ولا ما يقوم مقامه، فأخر الأول ليكون كالقائم مقامه (¬1). الشاهد الثامن والسبعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) إلّا عُلَالةَ أوْ بُدَا ... هَةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - يَا جَارَتَا مَا كنتِ جَارَهْ ... بَانَتْ لِتُحْزنُنَا عُفَارهْ 2 - تُرْضِيِكَ مِنْ حُسنٍ ومِنْ ... دَلٍّ مُخَالِطُهُ غَرَارَهْ (¬5) [إلى أن قال] (¬6). 3 - وهُناكَ يَكْذِبُ ظنُّكُمْ ... أَنْ لا اجتماعَ ولَا زِيارَهْ (¬7) 4 - ولا بَرَاءَةَ للبَرِي ... ءِ ولَا عَطَاءَ ولَا خُفَارَهْ ¬
5 - ولا نُقَاتِلُ بالعصِيِّ ... ولا نُرَامِي بالحِجَارَهْ (¬1) 6 - إلّا عُلَالةَ أوْ بُدَا ... هَةَ سابِحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ 1 - قوله: "يا جارتا ما كنت جاره" يعني: آية جارة كنت، وما في موضع نصب؛ كما تقول: يا رجل أي رجل كنت. 2 - قوله: "غراره": من الغرة. 3 - قوله: "وهناك يكذب إلخ" يخاطب بها الأعشى شيبان بن شهاب يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا لا نغزوكم ولا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح كذب. 4 - قوله: "ولا براءة" يعني: البريء منكم لم تنفعكم براءته؛ لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء وغيره، قوله: "ولا عطاء" أي: نحن ننال جماعتكم بما يكرهون ولا نقبل منهم عطاء ولا خفارة [تفتدون بهما منا، وأراد: لا قبول عطاء لكم ولا خفارة] (¬2) "إلا علالة أو بداهة ... إلخ". 5 - قوله: "بالعصي" بكسر العين؛ جمع عصا. 6 - قوله: "إلا علالة" بضم العين المهملة وتخفيف اللام، وهي بقية جري الفرس، وبقية كل شيء: علالة، قوله: "أو بداهة" بضم الباء الموحدة وتخفيف الدال المهملة، وهي أول جري الفرس. قوله: "سابح" ويروى: قارح، يقال: فرس قارح؛ من قرح إذا انتهت أسنانه، وإنما تنتهي في خمس سنين؛ لأنه في السنة الأولى حولي ثم جذع ثم ثني ثم رباع ثم قارح، يقال: أجذع المهر وأثنى وأربع وقرح، وهذه وحدها بلا ألف، والفرس قارح، والجمع قرح، والإناث قوارح. وأما السابح [فهو بالباء الموحدة؛ من سَبْح الفرس وهو جريه، يقال: فرس سابح، ويحتمل أن يكون] (¬3) من ساح الماء يسيح إذا جرى، يشبه به الفرس الشديد الجري. قوله: "نهد الجزارة" النهد بفتح النون وسكون الهاء وفي آخره دال مهملة، يقال: فرس نهد؛ أي: جسيم مشرق تقول منه: نَهُد الفرسُ بالضم نهودة. "والجزارة" بضم الجيم وتخفيف الزاي المعجمة وبعد الألف راء مهملة، وهي أطراف البعير اليدان والرجلان والرأس، سميت بذلك لأن الجزار يأخذها فهي جزارته؛ كما يقال: أخذ العامل ¬
عمالته، فإذا قالوا: فرس نهد الجزارة أو عبل الجزارة، فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبهما، ولا يدخل الرأس هنا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل. الإعراب: قوله: "إلا علالة": استثناء من قوله: "ولا عطاء ولا خفارة" استثناء منقطع؛ أي: لا يقبل منكم عطاء ولا خفارة، ولكن نزوركم بالخيل والمضاف إليه فيه محذوف تقديره: إلا علالة سابح لما نذكره الآن -إن شاء الله تعالى- قوله: "أو بداهة سابح": كلام إضافي منصوب لأنه عطف على المستثنى، قوله: "نهد الجزارة": كلام إضافي مجرور؛ لأنه صفة لسابح. الاستشهاد فيه: في قوله: "إلا علالة" أصله: إلا علالة سابح أو بداهته؛ فحذف من الثاني ما تكرر في الأول وهو الهاء؛ كما قال تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41] ثم أخر سابحًا، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله: "أو بداهة"، وهذا مذهب سيبويه في جميع هذا النوع (¬1). وقال الفراء وغيره من الكوفيين والبصريين كالمبرد وغيره: أصله: إلا علالة سابح أو بداهة سابح، ثم حذف المضاف إليه من الأول، ولا فصل على هذا الوجه في البيت بين مضاف ولا مضاف إليه. والمبرد [رحمه الله] (¬2) استشهد بهذا البيت على قوله (¬3): يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لَا أَبَا لَكُمُ ... لا يَكفِينكُمُ في سَوْأَةٍ عُمَرُ أراد: إلا علالة سابح أو بداهة سابح، ويا تيم عدي تيم عدي (¬4)، وقد قيل: إن في كل من القولين مخالفة للأصل؛ أما المبرد فلأنه حذف من الأول لدلالة الثاني عليه (¬5)، وأما سيبويه فلأنه فصل بين المتضايفين (¬6)، وقال الفراء: والاسمان مضافان معًا إلى سائح أو قارح على الاختلاف في الرواية، وهذا يلزم منه توارد عاملين على معمول واحد (¬7). ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الستمائة
الشاهد التاسع والسبعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) يَفرُكْنَ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ ... بالْقَاعِ فَرْكَ القُطُنَ المَحَالِجِ أقول: قائله هو أبو جندل الطهوي، كذا قاله أبو حاتم في كتاب الطير. وهو من قصيدة جيمية من الرجز المسدس يصف بها الجراد، وأولها هو قوله (¬3): 1 - يا رَبُّ رَبَّ القُلُصِ النَّوَاعِجِ ... الحُنُفِ الضَّوَابِعِ الضُّماعجِ 2 - مُعْصَوْصَبَات بذَوي الحَوَائِجِ ... اصْبُبْ عَلَى زَرْعِ الخَبِي الوَالِجِ 3 - بَيْنَ إنَا حيَن الحَصَادِ الهَائِجِ ... وبَيَن خُرْفَنْجِ النَّبَاتِ البَاهِجِ 4 - فيِ غُلْوَاءِ القُصُبِ النَّوَاهِجِ ... مِنَ الدَّبَا ذَا طَبَقٍ أفَايِجِ 5 - مِنْ ثَابِرٍ ونَاقِزٍ ودَارِج ... ومُسْتَقِلٍّ فَوْقَ ذَاكَ مَائِجِ 6 - يَجِنُّ مِنْ مَشَافِرِ الحَنَادِجِ ... بَيْنَ تَنَاهِي القُفِّ ذِي الفَوَائِجِ 7 - يَفرُكْنَ .................. ... ..................... إلخ 8 - ثُمَّ يَسِيحُ وهْوَ ذُو مَسَاحِجٍ ... قُعْسَ الرِّقَابِ مُشْرِف المَنَاسِجِ 1 - قوله: "القلص" بضم القاف [واللام] (¬4)؛ جمع قلوص، وهو الفتى من الإبل، و "النواعج" من الإبل، السراع، و "الحنف" بضم الحاء المهملة والنون؛ جمع حنفاء، وهي التي [لها] (¬5) ميل في صدر قدمها، و "الضوابع " بالضاد المعجمة، يقال: ناقة ضابع إذا مدت أضباعها في سيرها، وهي أعضادها، ويجمع على ضوابع على غير قياس؛ كفوارس جمع فارس، و: "الضماعج" بضم الضاد المعجمة، قال ابن دريد: الضمعج والعمضج والضماعج والعماضج: الصلب الشديد (¬6). 2 - قوله: "معصوصبات" من اعصوصب اليوم إذا اشتد، وأصله من العصب وهو الطي ¬
الشديد، والمعصوب: الشديد اكتناز اللحم، ومنه [قوله (¬1) تعالى]: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77]، أي: شديد، والتركيب يدل على ربط شيء بشيء، قوله: "الخبيء" بفتح الخاء المعجمة وكسر الباء الموحدة بعدها همزة، قال الجوهري: الخبء والخبيء: ما خبئ، وخبء الأرض: النبات (¬2)، و"الوالج": صفته؛ من ولج إذا دخل. 3 - قوله: "بين إنا" بكسر الهمزة وبالنون مقصورًا بمعنى الحين، وأضيف إلى الحين لاختلاف اللفظين، وذلك لأجل التأكيد فافهم، قوله: "الهائج" من هاج النبات هياجًا إذا يبس وأرض هائجة: يبس بقلها واصفر، قوله: "خُرْفَنْج" بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وفتح الفاء وسكون النون وفي آخره جيم، يقال: نبت خُرْفَنْج، أي: ناعم غض، وكذلك: خِزفِنْج بكسر الخاء والفاء، وخرفاج بكسر الخاء، وخرافج [بضم الخاء] (¬3)، وخرفج بفتح الخاء والراء وكسر الفاء الكل بمعنى واحد، قوله: "الباهج" من أبهجت الأرض بهج نباتها. 4 - قوله: "في غُلَوَاء" بضم الغين المعجمة وفتح اللام والواو وبالمد، و "غلواء" [كل] (¬4) شيء: أوله، ومنه: غلواء الشباب وهو سرعته، و "النواهج" جمع ناهج بالنون من نهج الثوب إذا بلي، قال أبو عبيد: هو نهج بكسر الهاء وأنهج الثوب أخذ في البلى. قوله: "من الدبا" بفتح الدال المهملة والباء الموحدة المخففة وهي صغار الجراد، قوله: "ذا طبق" بفتح الطاء والباء الموحدة وبالقاف، أي: ذا جماعة، يقال: أتانا طبق من الناس، وطبق من الجراد، أي: جماعة، قوله: "أفايج" أراد به: أفاوج، جمع فوج وهو الجماعة. 5 - قوله: "من ثابر" بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛ من المثابرة وهي المواظبة على الشيء، قوله: "وناقز" بالنون والقاف والزاي المعجمة؛ من نقز الظبي إذا وثب، و"دارج": من درج إذا ذهب ومضى، وهذا تقسيم الدبا إلى هذه الأحوال الثلاثة، قوله: "مائج" من ماج يموج [موجًا] (¬5) إذا اضطرب. 6 - قوله: "يجن" بالجيم والنون؛ من جن الذباب إذا كثر، قوله: "من مشافر الحنادج" المشافر: جمع مضفر، و "الحنادج": العظام من الإبل، قوله: "القُفّ" بضم القاف وتشديد الفاء، وهو ما ارتفع من متن الأرض، وكذلك القفة، والجمع قفاف، و "الفوائج" بالفاء، جمع فائجة وهو متسع ما بين كل مرتفعين من غلظ أو رمل. 7 - و "الكُنافج" بضم الكاف وتخفيف النون وكسر الفاء، وهو الممتلئ، و"القاع": ¬
المستوي من الأرض، وكذلك القيعة، و "المحالج": جمع محلج -بكسر الميم، وهو الآلة التي يحلج بها القطن. 8 - قوله: "ثم يسيح": من ساح الظل إذا فاء، قوله: "ذو مساحج": جمع مسحج - بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الحاء المهملة ثم جيم، يقال: حمار مسحج ومسحاج: مكدم، وبعير سحاج: يسحج الأرض بخفه (¬1). قوله: "قعس الرقاب" بضم القاف؛ جمع أقس، وهو الذي يميل رأسه وعنقه نحو ظهره، قوله: "مشرف المناسج" أي: عالي المناسج، وهو جمع منسج -بفتح الميم، وهو أسفل الحارك من الحيوان. الإعراب: قوله: "يفركن": فعل مضارع، والضمير فيه يرجع إلى الجراد، وهو فاعله، و "حب السنبل": كلام إضافي مفعوله، و "الكنافج" صفة السنبل، قوله: "بالقاع" أي: في القاع، والباء [فيه] (¬2) ظرفية. قوله: "فرك القطن المحالج" فرك مضاف، والمحالج مضاف إليه، والقطن مفعول به قد فصل بين المضاف والمضاف إليه، وهذا من قبيل قراءة ابن عامر (¬3): {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام: 137] بنصب الأولاد (¬4). والاستشهاد فيه: وهو ظاهر، وقد أنشده أبو حاتم في كتاب الطير: يَفْرُكْنَ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ ... بِالْقَاعِ فَرْكَ القُطْنِ بالمَحَالِجِ بزيادة الباء في قوله: "بالمحالج" فحينئذ لا استشهاد فيه؛ لأن الفرك حينئذ يكون مضافًا إلى القطن؛ من إضافة المصدر إلى مفعوله. فافهم (¬5). ¬
الشاهد الثمانون بعد الستمائة
الشاهد الثمانون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) وَحَلَقِ المَاذِيِّ والقَوَانِسِ ... فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصَادِ الدَّائِسِ أقول: قائله هو عمرو بن كلثوم، وهو من الرجز المسدس. قوله: "الماذي" والماذية بالذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، وهو من الدروع البيضاء، ويقال: العسل الماذي هو الخالص الصافي؛ شبهت به الدروع الصافية الخالصة من الخبث، وقيل: الماذي نسبة إلى ماذي بن يافث بن نوح - عليه الصلاة والسلام -. و"القوانس": جمع قونس بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون وفي آخره سين مهملة وهو أعلى البيضة من الحديد، قوله: "فداسهم" من الدوس، "والدائس": فاعل منه. الإعراب: ظاهر لأن الظاهر أن قوله: "وحلق الماذي" بالجر؛ عطف على ما ذكر قبله من المجرورات من آلات الحرب، و "القوانس": عطف عليه، وقوله: "فداسهم": جملة من الفعل والفاعل -وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى المذكور فيما قبله- والمفعول. والاستشهاد فيه: في قوله: "دوس الحصاد الدائس" فإن الحصاد منصوب؛ لأنه مفعول به وقع بين المضاف وهو الدوس، والمضاف إليه وهو الدائس، والدوس منصوب؛ لأنه مفعول مطلق لقوله: "فداسهم"، والتقدير: كدوس الدائس الحصاد (¬3). الشاهد الحادي والثمانون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) يَطُفْنَ بِحُوزِيّ المَرَاتِعَ لَمْ تَرْعَ ... بوَادِيهِ منْ قَرْعِ القِسيّ الكنَائِنِ أقول: قائله هو الطرماح بن حكيم الطائي، وهو من قصيدة نونية من الطويل، وأولها هو ¬
قوله (¬1): 1 - أسَاءَكَ تَفْويضُ الخَلِيطِ المبايِنِ ... نَعَمْ والنَّوَى قَطَّاعَةٌ للقَرَائِنِ [وقبله هو قوله: 2 - يُخَافِتَنْ بعْضَ المَضْغِ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى ... ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ انتصَات القَنَاقِنِ 2 - "القناقن": جمع قِنْقِن بقافين مكسورتين بينهما نون ساكنة، وهو الرجل الماهر المهندس الذي يعرف الماء تحت الأرض. قاله الأزهري (¬2)، وقال أبو عبيد: أنصته وانتصت له بمعنى واحد، وقال الأزهري: نصت وانتصت بمعنى واحد (¬3)، يصف الطرماح بهذه الأبيات بقر الوحش] (¬4). 3 - قوله: "بحوزي المراتع" الحوزي بضم الحاء المهملة وكسر الزاي المعجمة، قال ابن فارس: الحوزي من الناس: الذي ينحاز عنهم ويعتزلهم (¬5)، قال الصاغاني: الحوزي: الرجل الذي له أبدا من عقله ورأيه مذخور، [قال العجاج يصف ثورًا يطعن الكلاب (¬6): يَحُوزُهَا وَهْوَ لَهَا حُوزِيّ أي: يغلبهم بالهوينى، ويجوز يطعن -بفتح الياء، وتكون الباء في: "بحوزي" حينئذ للمصاحبة أي: تطوف هذه البقر المراتع بمصاحبة الحوزي الذي يحميهن] (¬7)، ولكن المراد بالحوزي هاهنا الثور الذي يجعله بقر الوحش رأسًا لهن يتبعنه في المرعى ومورد الماء، وهو الذي يحوشهن ويحوزهن ويحميهن عمن يقصدهن من بني آدم وغيرهم. و"المراتع": مواضع الرتع؛ من رتع إذا أكل ما شاء، قوله: "لم ترع": من الروع وهو الخوف والفزع، وأراد "بالوادي": البوادر، قوله: "من قرع القسي": من قرعت الشيء إذا ضربته. و"القسي": جمع قوس، ووزنه فليع، وأصله: قووس على وزن فعول، فقدمت اللام على العين [فصارت] (¬8) قسوو على وزن فلوع، ثم [قلبت] (¬9) الواو ياء، وكسرت السين؛ كما ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد الستمائة
فعل كذلك في عصي، ثم كسرت القاف -أيضًا- للمتابعة، و"الكنائن": جمع [كنانة] (¬1)، وهي الجعبة التي يجعل فيها السهام. الإعراب: قوله: "يُطفن" بضم الياء؛ من أطاف به إذا ألم به وقاربه، وهي جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى بقر الوحش، وقوله: "بحوزي" صلته، و "يطفن": بفتح الياء؛ من الطواف، وتكون الباء في بحوزي حينئذ للمصاحبة؛ أي: تطوف هذه البقر المراتع بمصاحبة الحوزي الذي يحميهن. وقوله: "المراتع" بالنصب مفعول، والمعنى: يطوف بقر الوحش بالثور المراتع كما ذكرنا، قوله: "لم يُرَعْ" على صيغة المجهول، و "بواديه": كلام إضافي مفعوله الذي ناب عن الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى الحوزي، والجملة في موضع النصب على الحال. والمضارع المنفي إذا وقع حالًا يجوز فيه الواو والضمير معًا نحو: جاء زيد وما يضحك غلامه، ويجوز الواو وحده نحو: جاء زيد وما يضحك عمرو، ويجوز الضمير وحده نحو: جاء زيد ما يضحك غلامه، فهذه ثلاثة أوجه كما عرف في موضعه (¬2). قوله: "من قرع" متعلق بقوله: لم يرع، والقرْع مصدر، وقوله: "الكنائن" فاعله جر بالإضافة، و "القسي" بالنصب مفعوله. والاستشهاد فيه: حيث فصل بين المصدر المضاف وفاعله المضاف إليه بالمفعول وهو قوله: "القسي" (¬3). الشاهد الثاني والثمانون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) عَتَوْا إِذْ أَجَبْنَاهُمْ إلى السَّلْمِ رَأْقَةً ... فسُقْنَاهُمُ سَوْقَ البُغَاثَ الأجادِل ومَن يُلْغِ أَعْقَابَ الأُمُورِ فَإِنَّهُ ... جَدِيرٌ بهُلك آجِلٍ أو مُعَاجِل أقول: لم أقف على اسم قائلهما، وهما من الطويل. ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة
1 - قوله: "عَتَوْا": من عتى يعتو، قال أبو عبيدة: كل مبالغ من كبر أو فساد أو كفر فقد عتى يعتو عتيًّا، قوله: "إلى السلم" بكسر السين؛ أي: إلى الصلح، و"البغاث" بتثليث الباء الموحدة والغين المعجمة وفي آخره ثاء مثلثة، وهو طائر ضعيف يُصاد ولا يصطاد، و "الأجادل": جمع أجدل وهو الشقراق، وقال الجوهري: الأجدل: الصقر (¬1). 2 - قوله: "جدير" أي: لائق، قوله: "بُهلك" [بضم الهاء] (¬2) أي: بهلاك. الإعراب: قوله: "عَتَوْا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين أضيف إلى الجملة - أعني: "أجبناهم"، و "إلى السلم" يتعلق بها. قوله: "رأفة": نصب على التعليل، أي: لأجل الرأفة والشفقة، قوله: "فسقناهم": عطف على قوله: "عتوا" والفاء للسببية لأن عتوهم كان سببًا لسوقهم إياهم. قوله: "سوق" نصب لأنه مفعول مطلق وهو مضاف إلى الأجادل، و "الأجادل" مجرور بالإضافة، و "البغاث" نصب على أنه مفعول، ولكنه فصل به بين المضاف والمضاف إليه. قوله: "ومن": شرطية، وقوله: "يلغ": من الإلغاء مجزوم لأنه فعل الشرط، و "أعقاب الأمور": كلام إضافي مفعول يلغ، قوله: "فإنه": جواب الشرط، والضمير اسم إن، وخبره قوله: "جدير بهلك": يتعلق به، قوله: "آجل" بالجر صفة لقوله: "بهلك"، وقوله: "أو معاجل": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "سوق البغاث الأجادل" فإن البغاث كما ذكرنا مفعول، وقد وقع فصلًا بين المضاف -أعني: "سوق"، والمضاف إليه- أعني: "الأجادل" فافهم. الشاهد الثالث والثمانون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) لَئِنْ كَانَ النِّكَاحُ أَحَلَّ شيء ... فإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٍ حَرَامُ أقول: قائله هو الأحوص، واسمه محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، وهو من قصيدة ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد الستمائة
ميمية، منها قوله (¬1): سلامُ الله يا مطَرٌ عليها ... وَليسَ عليكَ يا مطرُ السلامُ وقد ذكرناها في شواهد الكلام في أول الكتاب، و"مطر": اسم رجل هنا، وكان أقبح الناس، وكانت له امرأة من أجمل النساء، وكانت تريد فراقه ولا يرضى مطر بذلك، وأنشد الأحوص هذه القصيدة يصف بها أحوالهما. [الإعراب] (¬2): قوله: "لئن كان" ويروى: "فإن يكن": إن حرف شرط، واللام فيه للتأكيد، و "كان النكاح": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله: "فإن نكاحها": جواب الشرط، وكان ناقصة، والنكاح اسمه، و"أحل شيء": كلام إضافي خبره. وقوله: "نكاحها": اسم إن، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله أو فاعله، و "حرام" بالرفع خبر إن، وقوله: "مطر" يروى بالحركات الثلاث: الخفض فيكون فصلًا بين المتضايفين بمضمر الفاعل أو المفعول؛ فإنه يقال: نكحته ونكحها، قال الله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. والرفع فلا فصل بين المتضايفين، ولكن يكون المصدر مضافًا إلى المفعول، ويكون: "مطر" فاعله، والنصب عكس ذلك. الاستشهاد فيه: في قوله: "مطر" إذا روي بالجر، فإنه يكون فصلًا بين المتضايفين؛ كما قلنا، وهذا ليس بضرورة، فإنه يمكنه أن يقول: فإن نكاحها مطرٌ بالرفع، أو مطرًا بالنصب (¬3). الشاهد الرابع والثمانون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) فَزَجَجْتُهَا بِمِزَجَّةٍ ... زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَةَ أقول: أنشد الأخفش هذا البيت ولم يعزه إلى أحد، وهو من الكامل. ¬
قوله: "فزججتها" بالزاي المعجمة وبالجيمين، يقال: زججت الرجل أزجه زجًّا فهو مزجوج إذا طعنته بالزج، قوله: "بمزجة" بكسر الميم وفتح الزاي وتشديد الجيم وهو رمح قصير كالمزارق، والناس يلحنون فيها فيفتحون ميمها، قوله: "القلوص" بفتح القاف الشابة من النوق كالفتى من الرجال، و "أبو مزادة": كنية رجل. الإعراب: قوله: "فزججتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير الراجع إلى الناقة المذكورة فيما قبله، والأظهر أن الضمير يرجع إلى المرأة؛ لأنه يخبر أنه زج امرأة بالمزجة كما زج أبو مزادة القلوص، والباء في: "بمزجة" للاستعانة؛ كالباء في: كتبت بالقلم [أي هي باء الآلة] (¬1). قوله: "زج": نصب بنزع الخافض؛ أي: زججتها زجًّا كزج أبي مزادة القلوصَ، و "القلوص": منصوب على أنه مفعول، ولكنه اعترض بين المصدر المضاف وبين فاعله؛ لأن قوله: "زج" مضاف إلى أبي مزادة. والاستشهاد فيه: حيث فصل بالقلوص بين المضاف، وهو "زج"، والمضاف إليه وهو "أبي مزادة"، وقال الزمخشري (¬2): سيبويه بريء من إجازة مثل هذا، وليس لقائله في هذا عذر إلا مس الضرورة لإقامة الوزن (¬3)، ووجهه: أن يجر القلوص على الإضافة، ويقدر مضاف إلى أبي مزادة [محذوف] (¬4) بدلًا عن القلوص، تقديره: زج القلوص قلوص أبي مزادة فافهم. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الستمائة
الشاهد الخامس والثمانون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) مَا زَال يُوقِنُ مَنْ يَؤُمُّكَ بِالْغنَى ... وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل (¬3). قوله: "من يؤمك" أي: من يقصدك. الإعراب: قوله: "ما زال": من الأفعال الناقصة، وقوله: "من يؤمك": اسمه، ومن موصولة، "ويؤمك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، وقوله: "يوقن": خبر ما زال مقدمًا، و"بالغنى": يتعلق به، قوله: "سواك" كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "مانع" خبره وهو مضاف إلى المحتاج، وقوله: "فضله" كلام إضافي فاصل بينهما. والاستشهاد فيه: فإن قوله: "فضله" منصوب على المفعولية، فصل به بين المضاف وهو "مانع"، وبين المضاف إليه وهو المحتاج (¬4). الشاهد السادس والثمانون بعد الستمائة (¬5)، (¬6) كَمَا خُطَّ الكتابُ بكفِّ يومًا ... يهوديٍّ يُقاربُ أو يُزِيلُ أقول: قائله هو أبو حية النميري، وبعده: 2 - علَى أن المَصِيرَ بِهَا إذَا مَا ... أعادَ الطرفَ يعْجمُ أو يقِيلُ ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد الستمائة
وهما من الوافر. قوله: "كما خط الكتاب" ويروى: كتحبير الكتاب، قوله: "يقارب" أي: اليهودي الخطَ؛ يعني: يقارب بعض خطه من بعض أو يزيل، أي: أو يقرب فيما بينه ويباعد، يقال: زلت الشيء أزيله زيلًا إذا ميزت بعضه من بعض، وفرقته، وزيلته فتزيل، وصف رسوم الدار تشبيهًا بالكتاب في الاستدلال بها، وخصَّ اليهود لأنهم أهل كتاب، وجعل كتابته بعضها تتقارب من بعض، وبعضها يفترق كما ذكرنا. 2 - قوله: "يعجم" أي: يقرب أو يشك، يقال: رأيت فلانًا فجعلت عيني تعجمه، أي: كأنها تعرفه ولا تمضي على معرفته؛ كذا قاله ابن سيده ثم أنشد البيت المذكور (¬1). الإعراب: قوله: "كما" الكاف للتشبيه وما مصدرية، و "خط" على صيغة المجهول مسند إلى قوله: "الكتاب"، والتقدير: كخط الكتاب، وهو في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: رسم هذه الدار كخط الكتاب، قوله: "بكف": جار ومجرور يتعلق بقوله: "خط"، وهو مضاف إلى قوله: "يهودي"، وقد فصل بينهما بالظرف وهو قوله: "يومًا". قوله: "يقارب": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر صفة ليهودي، قوله: "أو يزيل": عطف عليه، وهي -أيضًا- في محل الجر على أنها صفة ليهودي. والاستشهاد فيه: في قوله: "يومًا" فإنه نصب على الظرف بقوله: "خُط"، وقد فصل به بين المضاف وهو "بكف"، والمضاف إليه وهو "يهودي"، والحال أنه أجنبي؛ فلا يجوز ذلك إلا في الضرورة (¬2). الشاهد السابع والثمانون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) هما أَخَوَا في الحربِ مَنْ لَا أَخا لهُ ... إذا خَافَ يَوْمًا نَبْوَةً فَدَعَاهُمَا أقول: قائلته هي عمرة الخثعمية، ترثي ابنيها؛ كذا قال في الحماسة، وقال الزمخشري: قالته درنى بنت عبعبة. ¬
وهي من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - لقد زعمُوا أَنِّي جَزِعْتُ عليهِمَا ... وهلْ جَزَعٌ إِنْ قُلْتُ وَا بأَبَا هُمَا 2 - هما أخوا ............ ... ........................ إلخ 3 - هُمَا يَلْبَسَانِ المَجْدَ أَحْسَنَ لِبْسَةً ... شَحِيحَانِ ما اسْطَاعَا عَلَيهِ كِلاهُمَا 4 - شِهَابَانِ مِنَّا أُوقِدَا ثُمَّ أُخْمِدَا ... وَكَانَ سَنًا لِلْمُدْلِجِينَ سناهما 5 - إذا نَزَلَا الأرْضَ المَخُوفَ بِهَا الرَّدَى ... يُخَفِّضُ مِنْ جَأْشَيْهِمَا مُنْصَلاهُمَا 6 - إذَا اسْتَغْنَيَا حَبَّ الجَمِيعُ إليهِمَا ... ولَمْ يَنْأَ عَنْ نَقْعِ الصَّدِيقِ غِنَاهُمَا 7 - إذا افْتَقَرَا لَمْ يَجْثُمَا خَشْيَةَ الرّدَى ... ولَمْ يَخْشَ زُرْءًا منهُمَا مولياهما 8 - لقد سَاءَنِي أنْ عَنَسَتْ زَوْجَتَاهُمَا ... وإنْ عُرِّيَتْ بعدَ الوَجَى فَرَسَاهُمَا 9 - وإنْ يَلْبَثْ العَرْشَانِ يُسْتَلُّ مِنهُمَا ... خِيَارُ الأواسِي أنْ يَمِيلَ غَمَاهُمَا 1 - قولها: "لقد زعموا" زعم يستعمل كثيرًا فيما لا حقيقة له، قولها: "وا": حرف الندبة للتألم والتشكي، قولها: "بأبا هما" أصله: بأبي هما، فهرب من الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة فانقلبت ألفًا. 2 - قولها: "نبوة" بفتح النون وسكون الباء الموحدة؛ من نبا السيف إذا لم يعمل في الضربة. 5 - قولها: "منصلاهما": تثنية منصل وهو السيف. قولها: "زُرْءًا" بضم الزاي وسكون الراء وفي آخره همزة، وهو الاحتقار، ومنه الازدراء. 8 - قولها: "عنست" من التعنيس، وهو طول مكث الجارية في منزل أهلها بعد الإدراك حتى خرجت من حد الإبكار، و "الوجى" بالجيم من وجي الفرس بالكسر، وهو أن يجد وجعًا في حافره. 9 - قولها: "الأواسي": جمع آسية، وهي الطيبة؛ من الأسى وهو الطب. ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد الستمائة
الإعراب: قولها: "هما": مبتدأ، وأرادت بهما عمرةُ ابنيها، وقولها: "أخوا": خبره، وهو مضاف إلى قولها: "من لا أخا له"، وقولها: "في الحرب": جار ومجرور فصل به بين المضاف والمضاف إليه، وكلمة "من" موصولة، وقولها: "لا أخا له" صلته. قولها: "إذا" للشرط، وقولها: "خاف يومًا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى مَنْ، وقعت فعل الشرط، وقولها: "يومًا": نصب على الظرف، و"نبوة": نصب على أنه مفعول خاف، وقولها: "فدعاهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جواب الشرط (¬1). الاستشهاد فيه: في قولها: "أخوا [في الحرب من لا أخا له] حيث فصل بالأجنبي بين المضاف -أعني قوله: "أخوا"، (¬2) وبين المضاف إليه - أعني قولها: "من لا أخا له" كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثامن والثمانون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) تَسْقِي امْتيَاحًا نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا ... كمَا تَضَمَّنَ ماءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ أقول: قائله هو جرير [بن عطية] الخطفي، وهو من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها يزيد بن عبد الملك بن مروان ويهجو آل المهلب، وأولها هو قوله (¬6): 1 - انْظُرْ خَلِيلِي بِأَعْلَى ثَرْمَدَاءَ ضُحًى ... والعِيسُ جَائِلَةٌ أَغْرَاضُهَا خنُفُ 2 - استقبَلَ الحيُّ بَطْنَ السِّرِّ أَمْ عَسَفُوا ... فالقَلْبُ فِيهِمْ رَهِينٌ أَيْنَما انْصَرفُوا ¬
[إلى أن قال] (¬1). 3 - مَا اسْتَوْصَفَ النَّاسُ عَنْ شَيْءٍ يَرُوقُهُمُ ... إلَّا أَرَى أُمَّ عَمْرٍو فوقَ مَا وَصَفُوا 4 - كأنها مُزْنَةٌ غَراءُ واضِحَةٌ ... أوْ دُرَّةٌ لا يُوَارِي ضَوْءَهَا الصَّدَفُ 5 - مَكسُوَّةٌ البَدْنِ في لُبٍّ يُزَيِّنُهَا ... وفي المناصبِ مِنْ أَنْيَابِهَا عَجَفُ 6 - تسقي ............. ... ......................... إلخ 1 - قوله: "ثرمداء" اسم موضع، و: "العيس" بالكسر الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة واحدها أعيس والأنثى عيساء، قوله: "خنف" بضمتين [جمع أخنف] (¬2) من الخنف وهو الاعوجاج في الرجل. 4 - و: "المزنة" السحابة البيضاء، و: "الغراء" البيضاء، قوله: "لا يواري" أي لا يستر من المواراة، وقوله: "الصدف" جمع صدفة وهي غشاء الدر. 5 - قوله: "في لب" بضم اللام وتشديد الباء ولب كل شيء خالصه، و: "العجف" بالتحريك الهزال. 6 - قوله: "امتياحًا" من ماح فاه بالسواك يميح إذا استاك، و: "الندا" بفتح النون البلل من النداوة، و: "المزنة" السحابة كما قد ذكرنا الآن، و: "الرصف" بفتح الراء والصاد المهملتين جمع رصفة، وهي حجارة مرصوف بعضها إلى بعض [قال العجاج (¬3): .............................. .... مِنْ رَصَفٍ نَازَعَ سَيْلًا رَصَفًا (¬4)] يقال: مزج هذا الشراب من ماء رصف نازح رصفًا آخر؛ لأنه أصفى له وأرق. الإعراب: [قوله: "] (¬5) تسقي" جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو: "هي" الذي يرجع إلى أم عمرو المذكورة في الأبيات [السابقة] (¬6)، وقوله: "ندى" مضاف إلى قوله: "ريقتها" وهو كلام إضافي مفعول لتسقي، وقوله: "المسواك" فصل به بين المضاف والمضاف إليه، ونصب على أنه مفعول ثان لتسقي. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الستمائة
وقوله: "امتياحًا": نصب على الحال؛ أي: تسقي ندى ريقتها المسواك حال كونها ممتاحة [أي: متسوكة] (¬1) أو يكون منصوبًا بنزع الخافض، أي: عند الامتياح، ويجوز أن يكون فاعل تسقي. قوله: "ندى ريقتها"، و"المسواك" مفعوله الأول، وقوله: "امتياحًا" مفعولًا ثانيًا، ويكون الامتياح الريق الحاصل من فمها؛ لأن الامتياح هو أخذ الماء من البئر، قوله: "كما" الكاف للتشبيه وما مصدرية، و "تضمن": فعل، و "الرصف": فاعله، و "ماء المزنة": كلام إضافي مفعوله، والتقدير: كتضمن الرصف ماء المزنة وهو المطر. الاستشهاد فيه: في قوله: "المسواك" فإنه منصوب على المفعولية، فصل به بين المضاف وهو قوله: "ندى" وبين المضاف إليه، وهو "ريقتها"، والتقدير: تسقي ندى ريقتها المسواك (¬2). الشاهد التاسع والثمانون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ ... إِذْ نَجَلَاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلَا أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس يمدح به سلامة ذا فايش. قوله: "أنجب أيام والداه"، ويروى: "أزمان والداه"، ويروى: "أنجب أيام والديه به"، قوله: "أنجب": من أنجب الرجل إذا ولد نجيبًا، قوله: "إذ نجلاه" بالنون والجيم؛ أي: إذ نسلاه؛ من النجل وهو النسل، ونجله أبوه؛ أي: ولده، قوله: "فنعم ما نجلا" أي: فنعم ما ولدا؛ يعني: أبوي سلامة قد ولدا ولدًا كريمًا. ¬
الشاهد التسعون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "أنجب": فعل ماض، وفاعله قوله: "والداه"، قوله: "أيام": نصب على الظرف، فصل به بين الفعل والفاعل، قوله: "به" أي: بسلامة، قوله: "إذ": بمعنى حين، و "نجلاه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والضمير المنصوب فيه ورجع إلى سلامة. قوله: "فنعم": من أفعال المدح، و "ما نجلا": فاعله، والمخصوص بالمدح محذوف، والتقدير: فنعم ما نجلاه. الاستشهاد فيه: في قوله: "أيام" فإنه ظرف فصل به بين الفعل وهو قوله: "أنجب" وفاعله وهو قوله: "والداه"؛ إذ التقدير: أنجب والداه به أيام إذ نجلاه (¬1). الشاهد التسعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ ... مِنْ ابْنِ أبي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طالِبِ أقول: قائله هو معاوية بن أبي سفيان [- رضي الله عنهما -]، (¬4)، قال ذلك لما اتفق ثلاثة من الخوارج، وهم عبد الرحمن بن عمرو، المعروف بابن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي -أيضًا- على قتل علي بن أبي طالب [-كرم الله وجهه-] (¬5) ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص -رضي الله عنهم-، فقال المرادي: أنا أكفيكم علي بن أبي طالب [كرم الله وجهه] (¬6)، وقال البرك: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاهدوا على ذلك فأخذوا أسيافهم فسموها، واتعدوا لسبعة عشر من رمضان أن يبيت كل واحد منهم في [بلد] (¬7) صاحبه الذي هو فيه. فأما ابن ملجم فإنه سار إلى الكوفة، وبرك سار إلى دمشق، وعمرو بن بكر سار إلى مصر، فلما دخل السابع عشر من رمضان نهض المرادي وقتل عليًّا - رضي الله عنه - حين خرج إلى المسجد، وجعل ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الستمائة
ينهض الناس من النوم. وأما البرك فإنه حمل على معاوية وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم فضربه بالسيف فمسك وقُتل، وداوى معاوية جرحه فبرأ. وأما عمرو بن بكر فإنه لما كمن لعمرو بن العاص ليخرج إلى الصلاة، فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم؛ فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة، وهو خارجة بن حبيبة، وكان على شرطة عمرو فحمل عليه فقتله، وهو يعتقده عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، فلما أُخِذَ قال: أردت عمرًا، وأراد الله خارجةَ، ثم ضُرِبَ عنُقه، ثم قال معاوية هذا البيت: نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ ... .......................... أراد به عبد الرحمن بن ملجم - لعنه الله تعالى، وأراد من ابن أبي شيخ الأباطح طالب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. الإعراب: قوله: "نجوت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "وقد بلَّ المرادي": جملة فعلية وقعت حالًا؛ فلذلك ذكرت بقد، قوله: "من ابن": جار ومجرور يتعلق ببلَّ، وقوله: "أبي": مضاف إلى قوله: "طالب"، وقوله: "شيخ الأباطح": فصل به بين المضاف والمضاف إليه. والاستشهاد فيه: إذ التقدير: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح؛ فوصف المضاف قبل ذكر المضاف إليه، و "الأباطح": جمع أبطح، وهو في الأصل مسيل ماء فيه دقاق الحصى، وأراد به شيخ مكة شرَّفها الله تعالى، فإن أبا طالب من أعيان أهل مكة وأشرافها (¬1). الشاهد الحادي والتسعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ ... زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ أقول: لم أقف على اسم راجزه. ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد الستمائة
قوله: "برذون" بكسر الباء الموحدة، قال الجوهري: البرذون: الدابة (¬1)، قلت: البرذون: الكديش الرومي (¬2). الإعراب: قوله: "كأن" للتشبيه، و "برذون": اسمه، وقوله: "أبا عصام": منادى حذف منه حرف النداء، تقديره: يا أبا عصام، وقد اعترض به بين المضاف وهو برذون، وبين المضاف إليه وهو زيد، و "حمار" بالرفع لأنه خبر كأن، قوله: "دق باللجام": جملة في محل الرفع لأنها صفة لحمار. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبا عصام" فإنه منادى منصوب، فصل به بين المضاف والمضاف إليه كما ذكرنا؛ إذ التقدير: كأن برذون زيد يا أبا عصام حمار دق باللجام (¬3). الشاهد الثاني والتسعون بعد الستمائة (¬4)، (¬5) ............................. ... كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: فَرِشْنِي بِخَيْرٍ لا أَكُونَنْ وَمِدْحَتِي ... ........................ وهو من الطويل. قوله: "فرشني": أمر من راش يريش، يقال: رشت فلانًا: أصلحت حاله، والمعنى: أصلح [لي] (¬6) حالي بخير وهو على التشبيه من قولهم: رشت السهم إذا لزقت عليه الريش، قال الشاعر (¬7): فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالما قَدْ بَرَيْتَنِي ... وخَيْرُ الموَالِي مَنْ يَريشُ ولا يَبْرِي ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الستمائة
قوله: "بعسيل" بفتح العين وكسر السين المهملتين، وهو قضيب الفيل، قاله الجوهري (¬1)، وقال الصاغاني: العسيل هو مكنسة العطار الذي يجمع به العطر، ثم أنشد البيت المذكور. قلت: كلاهما يصلح أن يكون مرادًا هاهنا؛ لأن المعنى: لا ينبغي أن أكون في مدحتي كمن ينحت الصخرة بقضيب الفيل لاستحالته عادة، أو كمن ينحتها بمكنسة العطار لعدم الفائدة. الإعراب: قوله: "فرشني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "بخير": يتعلق به، قوله: "لا أكوننْ": جملة مؤكدة بالنون الخفيفة، قوله: "ومدحتي" مفعول معه، أي: مع مدحتي إياك. قوله: "كناحت" الكاف للتشبيه، و "ناحت": مجرور بها، وهو مضاف إلى صخرة، و "يومًا" نصب على الظرف، فصل به بين المضاف والمضاف إليه، وقوله: "بعسيل": يتعلق بقوله: "ناحت". الاستشهاد فيه: في قوله: "يومًا" فإنه ظرف فصل بين المضاف وهو قوله: "كناحت"، والمضاف إليه وهو "صخرة"، والتقدير: كناحت صخرة يومًا بعسيل (¬2). الشاهد الثالث والتسعون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) مَا إِنْ وَجَدْنَا للهَوَى مِنْ طِبٍّ ... ولَا عَدِمْنَا قَهْرَ وُجْدٌ صَبِّ أقول: لم أقف على اسم راجزه. [قوله: "] (¬5) ما إن وجدنا" ويروى: ما إن عرفنا، قوله: "ولا عدمنا"، ويروى: ولا جهلنا، و "الوجد": شدة الشوق، و "الصب": العاشق. ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الستمائة
الإعراب: "ما" نافية، و"إن" زائدة؛ كما في قوله (¬1): فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ ... مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَا وقوله: "وجدنا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "من طب" مفعوله، و: "من" زائدة، والأصل: طبًّا، وقوله: "للهوى": يتعلق بمحذوف، والتقدير: طبًّا كائنًا للهوى أو حاصلًا. قوله: "ولا عدمنا": جملة من الفعل والفاعل -أيضًا، عطف على الجملة الأولى، وقوله: "قهر" بالنصب مفعوله وهو مصدر مضاف إلى قوله: "صبّ"، وقوله: "وجد" بالرفع فاعله اعترض به بين المضاف والمضاف إليه. وفيه الاستشهاد: لأن التقدير: ولا عدمنا قهر صبّ وجد، ويحتمل أن يكون وَجْد مفعولًا، ولا يكون الفصل حينئذ بفاعل المضاف (¬2). الشاهد الرابع والتسعون بعد الستمائة (¬3)، (¬4) سَقَى الأَرَضِينَ الغَيْثُ سَهْلَ وَحَزْنَهَا ... فَنِيطَتْ عُرَى الآمالِ بالزَّرْعِ والضَّرعِ أقول: أنشده ابن الأنباري، ولم يعزه إلى قائله (¬5)، وهو من الطويل. لا الغيث ": المطر، و "السهل": نقيض الجبل، قال: مكان سهل وأرض سهلة، و " الحزن" بفتح الحاء وسكون الزاي وهو ما غلظ من الأرض وصلب وفيه حزونة. قوله: "فنيطت" أي: تعلقت، من ناط قلبي به، أي: تعلق، و "العرى" بضم العين، جمع عروة، و "الآمال": جمع أمل وهو الرجاء، و "الضرع" لكل ذات خف أو ظلف. ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الستمائة
الإعراب: قوله: "سقى": فعل، و "الغيث": فاعله، و "الأرضين": مفعوله، قوله: "سهل" بالنصب؛ بدل من الأرضين، بدل البعض من الكل، والمضاف إليه محذوف تقديره: سهلها، وقوله: "وحزنها": عطف عليه، قوله: "فنيطت" الفاء تصلح أن تكون للسببية، ونيطت على صيغة المجهول، و "عرى الآمال": كلام إضافي مفعوله ناب عن الفاعل، والباء تتعلق بقوله: "نيطت". الاستشهاد فيه: في قوله: "سهل" حيث حذف الشاعر منه المضاف إليه؛ إذ أصله كما قلنا: سهلها، لدلالة ما أضيف إليه بعده عليه (¬1). الشاهد الخامس والتسعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) وَلَئِنْ حَلَفْتُ عَلَى يَدَيْكِ لأَحْلِفَنْ ... بِيَمِيِن أَصْدَقَ مِنْ يَمِيِنكِ مُقْسِمِ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من الكامل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ولئن": الواو للعطف إن تقدمه شيء، واللام للتأكيد، وإن للشرط، و "حلفت": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، وقوله: "على يديك": تتعلق بها. قوله: "لأحلفن": جملة مؤكدة باللام والنون وقعت جوابًا للشرط، [قوله: "] (¬4) بيمين": مضاف إلى قوله: "مقسم"، وقوله: "أصدق من يمينك": معترض بين المضاف والمضاف إليه. والاستشهاد فيه: فإن التقدير: لأحلفن بيمين مقسم أَصْدقَ من يمينك، وهذه الجملة المعترضة نعت لليمين، ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الستمائة
فصلت بين المضاف وهو قوله: "بيمين" والمضاف إليه وهو قوله: "مقسم" (¬1). الشاهد السادس والتسعون بعد الستمائة (¬2)، (¬3) لأَنْتَ مُعْتَادُ في الهَيْجَا مُصَابَرَةِ ... يَصْلَى بها كُلُّ مَنْ عَادَاكَ نِيرَانَا أقول: لم أقف على اسم قائله. وهو من البسيط، ولم يذكر في غالب نسخ ابن أم قاسم إلا الشطر الأول؛ لأن الاستشهاد فيه. قوله: "في الهيجا" قال الجوهري: الهيجا الحرب، يمد ويقصر وها هنا مقصورة، قوله: "يصلى" من قولهم: صليت الرجل نارًا إذا أدخلته النار، وصلى هو -أيضًا-، قال تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} [المسد: 3] وهو من باب علم يعلم، فإن ألقيته فيها إلقاء كأنك تريد الإحراق، قلت: أصليته بالألف وصليته تصلية. الإعراب: قوله: "لأنت": مبتدأ، واللام فيه للتأكيد، وقوله: "معتاد": خبره، وهو مضاف إلى قوله: "مصابرة"، وقوله: "في الهيجا": معترض بين المضاف والمضاف إليه، قوله: "يصلى": فعل مضارع، وقوله: "كل من عاداك": كلام إضافي فاعله، وقوله: "نيرانَا" مفعوله، والباء في: "بها" للسببية؛ أي: بسبب مصابرتك في الحرب يدخل أعداؤك النار، أراد: نار الحرب. الاستشهاد فيه: في قوله: "في الهيجا" فإنه فصل بين المضاف وهو قوله: "معتاد"، والمضاف إليه وهو قوله: "مصابرة"، قال ابن مالك: هذا من أحسن الفصل لأنه فصل بمعمول المضاف، ويدل على جوازه من الأخبار قوله - عليه الصلاة والسلام - (¬4) "هل أنتم تاركو لي صاحبي" فإن قوله: "تاركو" مضاف إلى قوله: صاحبي، وقد فصل بينهما بالجار والمجرور، وهو قوله: "لي" فافهم (¬5). ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد الستمائة
الشاهد السابع والتسعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) هُمَا خُطَّتَا إِمَّا إِسَارٍ وَمِنَّةٍ ... .......................... أقول: قائله هو تأبط شرًّا (¬3)، واسمه ثابت بن جابر الفهمي جاهلي، وتمامه: ............................ ... وإمَّا دَمَ والقَتْلُ بالحُرِّ أَجْدَرُ وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - إذَا المَرْءُ لَمْ يَحْتَلّ وَقَدْ جَدَّ جَدُّهُ ... أَضَاعَ وقَاسَى أمْرَهُ وَهْوَ مُدْبِرُ 2 - [ولكنْ أخُو الحَزْمِ الذِي لَيسَ نَازِلًا ... بِهِ الخَطْبُ إلَّا وهْوَ لِلْقَصْدِ مُبصِرُ 3 - فَذاكَ قَرِيعُ الدَّهرِ مَا عَاشَ حُوَّلٌ ... إذَا سَدَّ مِنهُ مَنخِرٌ جَاشَ مِنخُر 4 - أقُولُ لِلَحْيَانِ وقدْ صَفِرَتْ لَهْم ... وطَابي وَيَومِي ضَيِّقُ الحِجْرِ مُعْوَرُ 5 - هما خطتا ........... ... ....................... ] (¬4) وقد ذكرنا تمامها مع معانيها في شواهد أفعال المقاربة (¬5). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "خطتا إما إسار" حيث فصل فيه "إما" بين المضاف وهو قوله: "خطتا" والمضاف إليه وهو قوله: "إسار"، و"خطتا": تثنية خطة، وأصله: خطان، فحذفت النون للإضافة، والخطة -بضم الخاء المعجمة هي القصة والحالة، و "الإسار" بكسر الهمزة؛ بمعنى الأسر، والتقدير: خطأ أسر. والمعنى: ليس لي إلا واحدة من خصلتين اثنتين على زعمكم؛ إما إسار والتزام منكم إذا رأيتم العفو، وإما قتل، وهو بالحر أجدر مما يكسبه الذل، فهاتان الخصلتان هما اللتان أشار إليهما بقوله: "هما خطتا" وقد ثلثهما بخطة أخرى فيما بعد، وهذا كله تهكم وهزؤ (¬6). ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الستمائة
الشاهد الثامن والتسعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) نَرَى أسْهُمًا للْمَوْتِ تُصْمِي وَلَا تُنْمِي ... ولا نَرْعَوي عِنْ نَقْضِ أَهْواؤُنَا العَزْمِ أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه إلى أحد، وهو من الطويل. قوله: "أسهمًا": جمع سهم، قوله: "تصمي": من الإصماء؛ من أصميت الصيد إذا رميته فقتلته بحيث تراه، قوله: "ولا تنمي": من الإنماء؛ من أنميت الصيد إذا رميته فغاب عنك، ثم مات. والحاصل: أن سهام الموت عمالة لا يفوت عنها الحاضر والغائب، قوله: "ولا نرعوي": من الارعواء وهو الكف، يقال: ارعوى عن القبيح إذا كف عنه وكذا رعى عنه، و "العزم": من عزمت على الأمر إذا أردت فعله وقطعت عليه. الإعراب: قوله: "نرى": من رؤية البصر، و "أسهمًا": مفعوله، و"للموت": يتعلق بمحذوف تقديره: أسهمًا كائنة للموت، قوله: "تصمي": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على أنها صفة لأسهمًا، ويجوز أن يكون مفعولًا ثانيًا لنرى إذا جعلناها من رؤية القلب، قوله: "ولا تنمي" عطف على قوله: "تصمي"، ويجوز عطف المنفي على المثبت وبالعكس. قوله: "ولا نرعوي": جملة وقعت حالًا، وقوله: "عن نقض": يتعلق بها، وقوله: "نقض": مصدر مضاف إلى قوله: "العزم"، وقوله: "أهواؤنا": مرفوع لأنه فاعل المصدر. وفيه الاستشهاد: حيث فصل به بين المضاف وهو قوله: "نقض" وبين المضاف إليه وهو: "العزم" مع أن الفاعل متعلق بالمضاف، وهو ضعيف، والتقدير: عن نقض العزم أهواؤنا، أي: عن أن تنقص أهواؤنا العزم (¬3). ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الستمائة
الشاهد التاسع والتسعون بعد الستمائة (¬1)، (¬2) وِفَاقُ كَعْبُ بُجَيْرٍ مُنْقِذٌ لَكَ مِنْ ... تَعْجِيلِ تَهْلُكَةٍ والخُلْدِ فِي سَقَرَا أقول: قائله هو بجير بن زهير بن أبي سلمى، واسم أبي سلمى: ربيعة بن رباح بن قرط بن الحرث بن مازن بن حلاوة بن ثعلبة بن ثور بن زهير بن هدمة بن الأثلم بن عثمان بن مزينة المزني، وهو أخو كعب بن زهير، أسلم قبل أخيه، وهما شاعران مجيدان. وأما أبوهما زهير فهو مشهور من فحول الشعراء، وشهد بجير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف. والبيت المذكور من قصيدة من البسيط، يحرض بها بجير أخاه كعبًا على الإسلام؛ لأن بجيرًا أسلم قبل كعب كما ذكرنا، وأما أبوهما زهير فإنه مات قبل المبعث لسنة. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وفاق": مرفوع بالابتداء، وهو مضاف إلى قوله: "بجير"، وقوله: "كعب": منادى وقد حذف منه حرف النداء، وأصله: يا كعب، قوله: "منقذ": خبر المبتدأ، وقوله: "لك": يتعلق به، وكذلك قوله: "من تعجيل"، قوله: "والخلد" بالجر عطف على قوله: "من تعجيل" أي: ومن الخلد في السقر وهو النار يوم القيامة. الاستشهاد فيه: في قوله: "كعب" فإنه منادى كما ذكرنا، وقد فصل به بين المضاف وهو قوله: "وفاق"، وبين المضاف إليه وهو قوله: "بجير"، والتقدير: وفاق بجير يا كعب منقذ لك، أي: منج لك من تعجيل الهلاك في الدنيا والخلود في النار في الآخرة (¬3). ¬
الشاهد المتمم للسبعمائة
الشاهد المتمم للسبعمائة (¬1)، (¬2) بِأَيِّ تَرَاهُمُ الأَرَضِينَ حَلُّوا ... ............................. أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: ............................. ... آلدَّبَرَانِ أم عسَفُوا الكِفَارا؟ وقبله هو قوله: ألَا يَا صَاحِبَيَّ قِفَا المَهَارَا ... نسائلْ حِبّ بَثْنَةَ أين سارَا؟ وهما من الوافر. قوله: "المهارا" بفتح الميم؛ جمع مهرية، وهي الإبل المنسوبة إلى مهرة بلد باليمن، وبلاد مهرة ليست بها نخيل ولا زرع، وإنما أموال أهلها الإبل، وينسب إليها النجب المفضلة، وألسنة أهلها مستعجمة لا يكاد يوقف عليها، [قوله: "حِبّ" بكسر الحاء؛ أي: محبوبي] (¬3)، و "بثنة": بفتح الباء الموحدة وسكون الثاء المثلثة وفتح النون وهو عطف بيان عن حب، قوله: "آلدبران" بفتح الدال المهملة، وهو اسم موضع، وكذلك: "الكِفار": اسم موضع، وهو بكسر الكاف. الإعراب: قوله: "بأي": تتعلق بقوله: "حلُّوا"، وهو مضاف إلى "الأرضين"، و"تراهم": "معترض بينهما، قوله: "آلدبران" الهمزة للاستفهام، وفيه إضمار، والتقدير: هل حلوا بالدبران أم عسفوا؟ أي: أم توجهوا نحو الكفار؟ و "أم" هذه متصلة لمعادلتها الهمزة في إفادة التسوية. الاستشهاد فيه: في قوله: "بأيِّ تراهم الأرضين" فإن التقدير فيه: بأي الأرضين تراهم حلوا، ففصل بقوله: "تراهم" بين قوله: "بأي" الذي هو مضاف، وبين قوله: "الأرضين" الذي هو مضاف إليه (¬4). ¬
الشاهد الأول بعد السبعمائة
الشاهد الأول بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) ......................... ... مُعَاوِدُ جُزأَةً وَقْتِ الْهَوَادِي أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: أَشَمُّ كَأَنَّهُ رَجُلٌ عبُوسٌ ... ............................ وهو من الوافر وفيه العصب [في عروضه] (¬3). قوله: "أشم": من الشمم، وهو الارتفاع والتكبر، وهو من باب علم يعلم، قوله: "عبوس" من قولهم رجل عبوس الوجه؛ أي: عابسه وكريهه، ومادته: عين وباء موحدة وسين مهملة، قوله: "الهوادي": جمع هادية؛ من هدأ إذا سكن. الإعراب: قوله: "معاود": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو معاود، وهو مضاف إلى قوله: "وقت الهوادي"، و "جرأة": نصب على المفعولية، وقد فصل بين المضاف وهو قوله: "معاود" وبين المضاف إليه وهو قوله: "وقت الهوادي". وفيه الاستشهاد: والتقدير: معاود وقت الهوادي جرأة (¬4). * * * ¬
شواهد المضاف إلى ياء المتكلم
شواهد المضاف إلى ياء المتكلم الشاهد الثاني بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) سَبَقُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخَرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ أقول: قائله هو أبو ذؤيب الهذلي، واسمه خالد بن خويلد، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة عينية طويلة من الكامل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - أَمِنَ المنُونِ وَرَيْبهَا تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِب مَنْ يَجْزَعُ 2 - قَالت أُمَامَةُ مَا لجِشِمِكَ شَاحِبًا ... مُنْذُ ابْتَذَلْتَ وَمِثْل مالِكَ ينفعُ 3 - أَمْ مَا لِجَنْبِكَ لا يُلَائِمُ مضْجَعَا ... إلا أَقَضَّ عَلَيْكَ ذَاكَ المَضْجَعُ 4 - فَأَجَبْتُهَا أن مَا لِجِسْمِي أنَّهُ ... أَوْدَى بني من البِلَادِ فَوَدّعُوا 5 - أَوْدَى بَنِيَّ فَأَعْقَبُونِي حَسْرَةً ... بَعْدَ الرّقَادِ وَعبرة ما تَقْلَعُ 6 - فَالْعَينُ بَعْدَهُمْ كأَنَّ حِدَاقَهَا ... كحّلتْ بِشَوْك فَهْيَ عُور تَدْمَعُ 7 - سبقوا ................... ... ............. إلخ 8 - فغبرت بَعْدَهُمْ بِعَيْشِ نَاصِبٍ ... وَإِخَالُ أَنِّي لَاحِقٌ مُسْتَتْبعُ 9 - وَلَقَدْ حَرِصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُم ... فَإِذَا المَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لَا تُدْفَعُ ¬
10 - وَإِذَا المِنيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ 11 - وتَجَلُّدِي للشامتين أُرِيهُمُ ... أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ 12 - حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوَادِثِ مَرْوَةٌ ... بِصَفَا المُشَرَّقِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ 13 - وَالدَّهْرُ لَا يَبْقِي عَلَى حَدَثَانِه ... جَوْنُ السَّحَابِ لَهُ جَدَائدُ أَرْبَعُ وكان أبو ذؤيب هلك له بنون خمسة في عام واحد، أصابهم الطاعون وكانوا هاجروا إلى مصر فرثاهم بهذه القصيدة. 1 - قوله: "أمن المنون" أي: الموت، قال الأخفش: المنون واحد لا جماعة له، قوله: "وريبها" أي: ريب المنون، وروى الأصمعي: وريبه، وقال هكذا ينشد، وذكر المنون هاهنا والمنون يذكر ويؤنث، وقول الأصمعي أرجح لقوله: .............................. ... والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ والدهر هاهنا الموت، وحكى في تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] أي الموت، والله أعلم. و"الريب": من رابني الدهر وأرابني، وريبه: ما يأتي به من الفجائع والمصائب، و "التوجع": التفجع، و"المعتب": من الإعتاب، يقال: عاتبته فأعتبني، أي رجع عما أكره إلى ما أحب. 2 - قوله: "أمامة" ويروى: أميمة، و "الشاحب" بالشين المعجمة والحاء المهملة، هو المتغير المهزول، "منذ ابتذلت" أي: منذ وليت العمل وامتهنت نفسك، و "الابتذال": العمل والكد. قوله: "ومثل ما لك ينفع" أي: مثل ما لك ينبغي لك أن تودّع نفسك به، وقال الأصمعي: معناه: إن كان مات من كان يكفيك من بنيك، فمثل مالك يشتري به من يكفيك ضيعتك فاتخذ من يكفيك وأقم وودع نفسك. 3 - قوله: "لا يلائم" أي: لا يوافق، قوله: "إلا أقض" بالضاد المعجمة، أي: صار تحت جنبك على مضجعك مثل قضض الحجارة وهي حجارة صغار. 4 - قوله: "أن ما لجسمي" قال الأخفش: ما صلة إنما هو أن لجسمي أن الأولى في موضع [خفض]، والثانية في موضع رفع، والمعنى: فأجبتها أن الذي لجسمي إيداء بني، والإيداء الهلاك، أودى يودي إيداء. 5 - قوله: "فأعقبوني" أي: أورثوني، قوله: "ما تقلع": من الإقلاع.
6 - قوله: "حداقها": جمع حدقة، قوله: "كحلت" ويروى: سملت، يعني: غرزت بشوك، و "العور" بضم العين؛ جمع أعور. 7 - قوله: "هويَّ" لغة هذيل؛ يعني: هواي، وجميع المقصور يفعل به هكذا عندهم (¬1)، قوله: "وأعنقوا" يعني: تبع بعضهم بعضًا، قوله: "فتخرموا" على صيغة المجهول من الماضي وهو بالخاء المعجمة، أي: أخذوا واحدًا واحدًا، تقول: مضوا للموت وتخرمتهم المنية، قوله: "ولكل جنب مصرع" معناه: كل إنسان يموت. 8 - قوله: "فغبرت" بالغين المعجمة؛ أي: بقيت (¬2) ويروى فلبثت. قوله: "ناصب": من نصب العيش ينصب نصوبًا إذا اشتد، قوله: "وإخال" أي: أظن، وهو بمعنى اليقين هنا، قوله: "مستتبع" أي: مستلحق. 10 - قوله: "أنشبت أظفارها": جمع ظفر، أراد أن المنية لا تفارق؛ كالسبع إذا أخذ لا يفارق حتى يعض، قوله: "ألفيت" أي: وجدت؛ من الإلفاء، و "التميمة": المعاذاة وهي العوذة، فلا تنفع العوذ والرقى إذا جاءت المنية. 11 - قوله: "لا أتضعضع" أي: لا أتكسر. 12 - قوله: "مروة بصفا المشرق": شبه نفسه بالحجر، يقول: كأنما أنا مروة في السوق تقرعها أقدام الناس، ومرورهم بها للمصائب [التي] (¬3) تمر لي فتقر عيني كل يوم. و "المروة": الحجارة البيض ملء الكف، و "الصفا": الصخرة العريضة، و "المشرق" بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وفي آخره قاف، قال الأصمعي: هو المصلى ومسجد الخيف هو المشرق، قال أبو عبيدة: المشرق سوق الطائف، وقال الباهلي: هو جبل البرام، ويروى: بصفا المشقر بتقديم القاف على الراء، قال [ابن] (¬4) الأعرابي: هو حصن بالبحرين بهجر، والصفا موضع آخر. 13 - قوله: "جون السحاب" ويروى: جون السراة، وظهر كل شيء: سراته، وأعلى الظهر: السراة، قوله: "جدائد" بالجيم؛ جمع جدود، وهي النعجة التي لا لبن لها من غير بأس، قال الأصمعي: الجدائد: الأتن التي قد جفت ألبانها، واحدتها جدود، وامرأة جداء: لا ثدي لها، والمعنى: لئن هلك بنيَّ وأصابني ما أصابني بعدهم فالدهر لا يبقي على حدثانه. ¬
الشاهد الثالث بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "سبقوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى بني أبي ذؤيب الذين هلكوا في عام واحد، وقوله: "هويّ": كلام إضافي مفعوله، قوله: "وأعنقوا" أيضًا جملة من الفعل والفاعل معطوفة على الجملة الأولى، وقوله: "لهواهم": في محل النصب على المفعولية. قوله: "فتخرموا" الفاء للتعقيب مع ما فيه من معنى السببية، قوله: "ولكل جنب": كلام إضافي في محل الرفع على أنه خبر لقوله: "مصرع"، ومحل الجملة النصب على الحال، والأَوْلى أن تكون الواو هاهنا للاستئناف. الاستشهاد فيه: في قوله: "هويّ" حيث قلب فيه ألف المقصور ياء، وأُدغمت الياء في الياء؛ لأن أصله: هواي، وهذا لغة هذيل فإنهم يفعلون ذلك في كل مقصور (¬1). الشاهد الثالث بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أَوْدَى بَنِيَّ وَأَعْقَبَونِي حَسْرَةً ... ........................... أقول: قائله هو أبو ذؤيب، وقد مرَّ الكلام فيه مستقصى الآن (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "بني" حيث قلبت واو الجمع فيه ياء، ثم أدغمت الياء في الياء لأن أصله بنون، فلما أضيفت إلى ياء المتكلم سقطت النون، فصار: بنوي، اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياءً، وأُدغمت الياء في الياء، فصار "بني" بضم النون، ثم أبدلت من ضمة النون كسرة لأجل الياء فصار "بنيَّ" (¬5). * * * ¬
شواهد إعمال المصدر
شواهد إعمال المصدر الشاهد الرابع بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) بِضَرْبٍ بِالسّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ ... أَزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ المَقِيلِ أقول: قائله هو المرار بن منقذ التميمي، وهو من الوافر. قوله: "هامهن" الهام: جمع هامة، وهي الرأس، والضمير فيه يرجع إلى الرؤوس. فإن قلت: المعنى على هذا أزلنا رؤوس الرؤوس، وهذه إضافة الشيء إلى نفسه وهي باطلة. قلت: إنما أضافها إليها لاختلاف اللفظين، ومثل هذا لا يجوز إلا لأجل التأكيد (¬3)، قوله: "عن المقيل" أراد به الأعناق لأنها مقيل الرأس، وأصله من قال يقيل قيلولة وقيلًا ومقيلًا، وهو شاذ (¬4) وهو النوم في الظهيرة، [والمقيل] (¬5) والقيل والقيلة- أيضًا: شرب نصف النهار. الإعراب: قوله: "بضرب" الباء فيه تتعلق بقوله: "أزلنا"، و"السيوف": "يتعلق بضرب، وهو فاعل المصدر (¬6)، و "رؤوس قوم": كلام إضافي منصوب بالمصدر. ¬
الشاهد الخامس بعد السبعمائة
قوله: "أزلنا": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "هامهن": كلام إضافي منصوب على المفعولية، وإنما أنث الضمير لأنه يرجع إلى الرؤوس كما ذكرنا، ويجوز أن يرجع إلى القوم، والقوم يذكر ويؤنث؛ لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين تذكر وتؤنث مثل: رهط ونفر وقوم، قال تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام: 66]، وقال: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} [الشعراء: 105] فأنث، قوله: "عن المقيل": يتعلق بأزلنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "روؤوس قوم" حيث نصب بقوله: "بضرب" وهو مصدر منكر منون؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} [البلد: 14، 15] فإن الإطعام مصدر نكرة منون، وقد عمل في قوله: "يتيمًا"، وإعمال المصدر مضافًا أكثر، ومنونًا أقيس (¬1). الشاهد الخامس بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) ضَعِيفُ النِّكَايَةِ أَعْدَاءَهُ ... يخالُ الفِرَارُ يُرَاخِي الأجلَ أقول: هذا من أبيات الكتاب، ولم ينسب فيه إلى أحد، وهو من المتقارب. قوله: "النكاية" هو الإضرار، يقال: نكيت في العدو أنكي نكاية إذا قتلت فيهم وجرحت، قال أبو النجم (¬4): نَنْكِي العِدَا وَنُكْرِمُ الأَضْيَافَا ... ........................... قوله: "يخال" أي: يظن، قوله: "يراخي" أي: يباعد أو يؤخر، يهجو رجلًا بالضعف والعجز عن مكافأته أعداءه والانتصاف منهم إذا ظلموه، ثم ذكر أنه يحسب أن الفرار عن الحرب يباعد الأجل ويحرس نفسه. الإعراب: قوله: "ضعيف النكاية": كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو ضعيف ¬
الشاهد السادس بعد السبعمائة
النكاية، وقوله: "أعداءه": [كلام إضافي] (¬1)] منصوب بالنكاية] (¬2). قوله: "يخال": فعل مضارع، وفاعله مستتر فيه، و "الفرار" بالنصب مفعوله الأول، وقوله: "يراخي الأجل": جملة في محل النصب على أنها مفعول ثان ليخال، والضمير في يراخي يرجع إلى الفرار. الاستشهاد فيه: في قوله: "ضعيف النكاية" فإنه مصدر معرف باللام، وقد عَمِل عَمَل فعله، فنصب الأعداء كما قلنا (¬3). الشاهد السادس بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) لَقَدْ عَلِمَتْ أُولِي المُغِيرَةِ أَنَّنِي ... كَرَرْتُ فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعًا أقول: قائله هو المرار الأسدي، وقد مَرَّ ذكره مع البيت مستوفًى في شواهد التنازع في العمل (¬6). و"المغيرة": الخيل التي تغير، قوله: "فلم أنكل" أي: فلم أعجز، و "مسمع" بكسر الميم؛ اسم رجل. والاستشهاد فيه: هاهنا أن المصدر المعرف باللام وهو قوله: "الضرب" قد عَمِل عَمَل فعله ونصب مسمعًا، وهذا نحو قوله: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 148] فالجهر مصدر معرف بالألف واللام عامل في: "بالسوء"، نص على ذلك غير واحد (¬7). ¬
الشاهد السابع بعد السبعمائة
الشاهد السابع بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) أَظَلُومُ إِنَّ مُصابُكُمْ رَجُلًا ... أَهْدَى السَّلَامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ أقول: قائله هو الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي (¬3)، وقال الحريري في درة الغواص: قائله العرجي (¬4)، وليس بصحيح، والصحيح ما ذكرناه. وهو من قصيدة ميمية من الكامل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - أَقْوَى مِن آلِ ظُلَيْمَةَ الحُرْمُ ... فَالْعَيْرَتَانِ فَأَوْحَشَ الحُطْمُ 2 - فَجنُوبُ أَبِيْرَةَ فَمُلْحِدُهَا ... فَالسِّدْرَتَانِ فَمَا حَوَى دُسْمُ 3 - وَبمَا أرَى شَخْصًا بهِ حَسَنًا ... فيِ القَوْمِ إذْ تخييلُهُ نُعْمُ 4 - إذْ وُدّهَا صَافٍ وَرُؤْيَتُهَا ... أُمْنِيّةٌ وكَلَامُهَا غُنْمُ 5 - لَفَّاءُ مَمْكُورٌ مُخَلْخَلُهَا ... عَجْرَاء لَيْسَ لِعَظْمِهَا حَجْمُ 6 - خَمْصَانَة قَلِقٌ تُوَشَّحُهَا ... رُؤْدُ الشَّبَابِ عِلَابُهَا عَظْمُ 7 - وَكَأَن غَالِيَةً تُبَاشِرُهَا ... تَحْتَ الثِّيَابِ إِذَا صَغَا النَّجْمُ 8 - أظلوم ............ ... ........................ إلى آخره 9 - أَقْصَيْتِهُ وَأَرَادَ سِلْمَكُم ... فليهْنهِ إذَا جَاءَكَ السّلْمُ 1 - قوله: "أقوى": من أقوت الدار إذا خلت، وكذلك قويت، و "ظليمة": تصغير ظلمة، وهي أم عمران زوجة عبد الله بن مطيع، وكان الحارث يتشبب بها، ولما مات زوجها تزوجها بعده، و "الحرم" بضم الحاء وفتح الراء؛ جمع حرمة الرجل، وهي أهله، و: "العيرتان" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف؛ اسم موضع، وكذلك "الحطم" بضم الحاء ¬
وسكون الطاء المهملتين، وكذلك أبيرة، و "السدرتان"، "ودسم" مواضع. 4 - و "الغنم" بضم الغين المعجمة؛ بمعنى الغنيمة. 5 - قوله: "لفاء" بفتح اللام وتشديد الفاء، يقال: امرأة لفاء: ضخمة الفخذين مكتنزة، قوله: "ممكور مخلخلها" من قولهم: امرأة ممكورة الساقين؛ أي: خدلاء، ومخلخلها: موضع الخلخال وهو الساق، و "عجراء" بالراء المهملة؛ أي: سمينة؛ من قولهم: عجر الرجل بالكسر يعجر عجرًا أي: غلظ وسمن. 6 - و "خمصانة" بضم الخاء المعجمة؛ أي: ضامرة البطن، قوله: "رؤد الشباب" بضم الراء وسكون الهمزة؛ أي: حسن الشباب، والرؤودة والرأدة: الشابة الحسناء، قوله: "علابها" بكسر العين المهملة؛ من علب اللحم إذا اشتد، والعلاب: وَسْم في طول العنق. 7 - قوله: "إذا صغا النجم" أي: إذا مال للغروب، ومادته صاد مهملة وغين معجمة. 9 - و "السلم" بكسر السين: الصلح. الإعراب: قوله: "أظلوم" قال ابن بري: والصواب: أظليم، وظليم ترخيم: ظليمة تصغير ظلمة، وهي أم عمران، وقد ذكرناها آنفًا، ويروى: أسليم، والصحيح: أظليم، والهمزة: حرف نداء، تقديره: يا ظليم. و"إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "مصابكم": اسمه وهو مصدر ميمي بمعنى إصابتكم، و "رجلًا": منصوب بالمصدر، و "أهدى السلام": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر في أهدى، والمفعول هو السلام في محل النصب لأنها صفة لرجل، وقوله: "تحية" مصدر لأهدى السلام؛ من باب قعدت جلوسًا، و "ظلم": مرفوع لأنه خبر "إن". الاستشهاد فيه: في قوله: "مصابكم" حيث عَمِل عمل فعله، وهو مصدر ميمي، وذلك جائز بالاتفاق.
الشاهد الثامن بعد السبعمائة
الشاهد الثامن بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطَائِكَ المَائةَ الرِّتَاعَا أقول: قائله هو القطامي، واسمه عمير بن شييم، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من قصيدة عينية من الوافر يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وأولها هو قوله (¬3): 1 - قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ضبَاعًا ... وَلَا يَكُ مَوْقِفٌ مِنْكِ الوَدَاعًا إلى أن قال: 2 - وَمَنْ يَكُنْ اسْتَلَامَ إلى ثُوْيّ ... فقد أحْسَنْتُ يَا زِفْرُ المَتَاعَا 3 - أكفرًا بعد ............... ... .................. إلى آخره (¬4) 4 - فلَوْ بِيَدِي سوَاكَ غَدَاةَ زَلَّتْ ... بيَ القدَمَانِ لَمْ أَرْجُ اطّلَاعًا 5 - إذًا لَهَلَكْتُ لَوْ كَانَتْ صِغَارًا ... من الأَخْلَاقِ تَبْتَدِعُ ابْتِدَاعًا 6 - فَلَمْ أر منعمين أَقَلّ مِنّا ... وأَكْرَمَ عِنْدَمَا اصْطَنَعُوا اصْطناعَا 7 - مِنَ البيضِ الوُجُوهِ بَنِي نُفَيلٍ ... أَبَتْ أخلاقُهُم إِلَّا اتِّسَاعَا 1 - قوله: "ضباعًا" أراد ضباعة بنت زفر بن الحارث. 2 - قوله: "استلام": من اللوم، أي: [أتى] (¬5) ما يلام عليه، و"الثويّ" بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء، وهو الضعيف. 3 - و"الرتاع" بكسر الراء؛ التي ترتع؛ هكذا فسره في شرح ديوان القطامي، وذكر كثير من شراح كتب النحو أن الرتاع اسم رجل. 4 - قوله: "اطلاعًا" أي ارتفاعا. 5 - قوله: "إذًا لهلكت إلى آخره" معناه: لو ابتدعت فيَّ أمورًا صغارًا لهلكتُ وبنو نفيل من بني عامر بن صعصعة. واللَّه أعلم. ¬
الإعراب: قوله: "أكفرًا" الهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، و"كفرًا": نصب بفعل محذوف؛ أي: أأكفر كفرًا بعد رد الموت عني؟ قال ذلك القطامي حين أُتي به مأسورًا إلى زفر بن الحارث، وأطاف به قوم ليقتلوه، فأبى زفر ومنعه ومنّ عليه ورد عليه ماله، وأعطاه مائة بعير من غنائم القوم الذين أسروه، فقال القطامي: أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي ... .................................... و"بعد": نصب على الظرفية مضاف إلى قوله: "د"، و"د"؛ مضاف إلى الموت، والتقدير: بعد رد زفر الموت عني، والمصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل، قوله: "وبعد عطائك": عطف على قوله: "بعد رد الموت عني". وقوله: "عطائك" مصدر [مضاف] (¬1) إلى فاعله؛ بمعنى إعطائك، وقوله: "المائة"؛ مفعوله، و"الرتاعا": صفة المائة، وما ذكرنا من القصة أدل دليل على صحة ما ذكر في شرح ديوان القطامي من أن المراد من الرتاع: الإبل التي ترتع، وغلط تفسير من فسَّر الرتاع باسم الرجل، وآفة غلطهم في مثل هذا الموضع من عدم اطلاعهم على السوابق واللواحق من البيت الَّذي يستشهد به، وعدم وقوفهم في موارد الأبيات وقصتها، والمفعول الثاني فيه محذوف تقديره: وبعد عطائك إياي المائة الراتعة من الإبل (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "وبعد عطائك [المائة الرتاعا] (¬3) " فإن لفظ العطاء اسم للمصدر بمعنى الإعطاء؛ فأعطى حكم المصدر في العمل، وذلك لأنه نصب قوله: "المائة" كما ذكرنا. وقد جاء في الخبر نحوه، وذلك في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" (¬4)، فإن القبلة: اسم للتقبيل، وقد عَمل عَمَلَه حيث نصب امرأته، وقوله: "الوضوء": مرفوع بالابتداء، وقوله: "من قبلة الرجل امرأته": مقدمًا خبره فافهم (¬5). ¬
الشاهد التاسع بعد السبعمائة
الشاهد التاسع بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) ............................... ... قَرْعُ القَوَاقِيزِ أَفْوَاهَ الأَبَارِيقِ أقول: قائله هو الأقيشر الأسدي، واسمه المغيرة بن عبد اللَّه، وقد ترجمناه في أول الكتاب (¬3)، وصدره: أَفْنَى تِلَادِي وما جَمّعْتُ من نَشَبٍ ... ................................... وهو من قصيدة قافية من البسيط، وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَقُولُ والكَأْسُ فيِ كَفِّي أُقَلِّبُهَا ... أُخَاطبُ الصِّيدَ أَبْنَاءَ العَمَالِيقِ 2 - إنِّي تُذَكِّرُنِي هِنْدًا وَجَارَتَهَا ... بالطّفِّ صَوْتُ حَمَامَاتٍ على نيق 3 - أفنى تلادي ............. ... ...................... إلى آخره (¬5) 4 - كأَنَّهُن وَأَيْدِي الشّرْب مُعْمَلَة ... إذَا تَلَألَأْنَ فيِ أَيْدِي الغَرَانِيقِ 5 - بناتُ مَاء مغائيص جَآْجئهَا ... حمرٌ مَنَاقِيرُها صُفْرُ الحَمَالِيقِ 6 - أَيْدِي سُقاة تَهُزُّ الدَّهْرَ مُعْمِلَةٌ ... كَأَنَّمَا أوْبُهَا رَجْعُ المَخَارِيِقِ 7 - تِلْكَ اللَّذَاذَةُ مَا لَمْ تَأْتِ فاحِشَةٌ ... أَو تَرْم فِيهَا بسَهْمٍ سَاقِطِ الفُوقِ 8 - عَلَيكَ كُلّ فَتًى سَمْحٍ خَلَائِقُهُ ... مَحْضِ العُرُوقِ كَرِيم غيرِ مَمْذُوقِ 9 - وَلَا تُصَاحِبْ لَئِيمًا فِيهِ مَقْرِفَةٌ ... ولا تَزُورَنّ أصْحَابَ الدَّوَانِيقِ 10 - لا تَشْرَبَنْ أَبَدًا رَاحًا مُسَارَقَةً ... إلا مَعَ الغُرِّ أبْنَاء البَطارِيِقِ 1 - قوله: "الصيد" بكسر الصاد المهملة؛ جمع أصيد وهو الملك، و"العماليق": جمع عملاق، وهم قوم من ولد عمليق بن لاوذ بن أورم بن سام بن نوح - عليه الصلاة والسلام، وهم أمم تفرقوا في البلاد، وأراد بهم الملوك. ¬
2 - قوله: "بالطَّفِّ" بفتح الطاء وتشديد الفاء، وهو اسم موضع بناحية الكوفة، قوله: "على نيق" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف، وهو أرفع موضع في الجبل. 3 - قوله: "تلادي" بكسر التاء المثناة من فوق، وهو المال القديم من تراث وغيره، قوله: "من نشب" بفتح النون والشين المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو المال الثابت كالدار ونحوها. و"القواقيز" بالقافين والزاي المعجمة، وهي ضرب من الرواظيم، وهي الكؤوس الصغار، وهي جمع قازوزة، وقد قالوا: قازوزة، وجمعها قواقيز، وقال الجوهري: القازوزة: مشربة، وهي قدح ولا تقل قاقُزَّة (¬1)، وقال ابن السكيت: وأما القاقزة فمولدة، و"الأباريق": جمع إبريق، والأباريق ذات العرى، والأكواب: التي لا عرى لها. 4 - و"الغرانيق": جمع غرنوق، وغرانق - أيضًا، وهو الشاب الناعم، والغرانيق - أيضًا: جمع غُرنيق، وهو طير طويل العنق يأوي [إلى] (¬2) المياه. 5 - و"مغائيص": جمع غائص على غير قياس، و"الجآجئ" جمع جؤجؤ وهو المصدر، و"الحماليق" بالحاء المهملة؛ جمع حملاق وهو باطن الأجفان الَّذي (¬3) يسوده الكحل، ويقال: ما غطته الأجفان من بياض المقلة. 6 - قوله: "أوبها" أي: رجوعها، و"المخاريق" بالخاء المعجمة؛ جمع مخراق، وهو البرق. 7 - و"الفوق" بضم الفاء؛ موضع الوتر من القوس (¬4). 8 - قوله: "خلائقه": جمع خليقة وهي الطبيعة، قوله: "محض العروق" أي: خالص العروق، قوله: "غير ممذوق" بالذال المعجمة؛ أي: غير مختلط وهو المخلص. 9 - قوله: "مقرفة" بالقاف قبل الفاء؛ من الإقراف، والمقرف: الَّذي أمه عربية وأبوه ليس كذلك، والإقراف يكون من قبل الفحل، والهجنة من قبل الأم، و"الدوانيق": جمع دافق وهو مشهور، ويقال للمهزول الساقط - أيضًا: دانق، وأراد بها هاهنا أصحاب النفوس الدنيئة من البخلاء؛ لأنهم يحررون على دانق تحريرًا عظيمًا. 10 - و"الراح" الخمر، و"الغر" بضم الغين المعجمة جمع أغر، وهو الرجل الشريف، و"البطاريق": جمع بطريق، وهو الَّذي مرتبته دون مرتبة الملك. ¬
الشاهد العاشر بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "أفنى": فعل ماض، وفاعله قوله: "قرع القواقيز"، و"تلادي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "وما جمعت": عطف على قوله: "تلادي" أي: والذي جمعته، ومن للبيان، قوله: "قرم القواقيز": مصدر ترعت أضيف إلى فاعله، قوله: "أفواه الأباريق": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "قرع القواقيز" فإن القواقيز مخفوضة في اللفظ، مرفوعة في المعنى، ويروى: قرع القواقيز أفواه الأباريق على أن يكون القواقيز هي المفعولة في المعنى، و"الأفواه" هي الفاعلة؛ لأن من قرعك فقد ترعته، فيكون إضافة المصدر هنا إلى المفعول، وعلى الوجه الأول هي إضافة إلى الفاعل، ولم يقع في القرآن مصدر مضاف إلى المفعول ومعه الفاعل إلا قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فحج مصدر، والبيت مفعول في المعنى وقد أضيف المصدر إليه، و"من" هي الفاعلة، والتقدير: ولله على الناس أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلًا. فافهم (¬1). الشاهد العاشر بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) حتَّى تَهَجَّرَ في الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا ... طلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، يصف حمارًا وأتانه قد كانا في خصب زمانًا، حتَّى إذا هاج النبات ونضب أكثر العيون وخاف أن ترشقه سهام من القناص، أسرع مع أتانه إلى [كل] (¬4) نجد، يرجوان فيه أطيب الكلأ وأهنأ الورد، وقبله قوله (¬5): 1 - أو مِسْحَلٍ شَنِجٍ عِضَادَةَ سَمْحَجٍ ... بسَرَاتهِ نَدَبٌ لَهَا وكُلُومُ ¬
2 - يُوفيِ وَيَرْتَقِبُ النَّجَادَ كَأَنَّهُ ... ذو إرْبَةٍ كُلَّ المَرَامِ يَرُومُ 3 - قَرْبًا يَشُجُّ بِهَا الحُزُونَ عَشِيَّةً ... رَبِذٌ كَمِقْلَاةِ الوَلِيدِ شَتِيمُ 3 - حتَّى تَهَجَّرَ فيِ الرَّوَاحِ وَهَاجَهَا ... طلَب المُعَقِّبِ حَقَّهُ المَظْلُومُ وهي من الكامل. 1 - قوله: "أو مسحل" بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الحاء المهملة، وهو الحمار الوحشي، و"شنج" بفتح الشين المعجمة وكسر النون وفي آخره جيم؛ أي: منقبض مجتمع. قوله: "سمحج" بفتح السين [المهملة] (¬1) وسكون الميم وفتح الحاء المهملة وفي آخره جيم، وهي الأتان الطويل الظهر، وكذلك الفرس، ولا يقال للذكر، قوله: "بسراته" أي: بظهره، و"ندب" أي: أثر، و"كلوم" أي: جراح؛ جمع كلم بفتح الكاف؛ من عض الحمر إياه. 2 - [قوله: "النجاد" بكسر النون؛ جمع نجد، وهو ما ارتفع من الأرض] (¬2)، قوله: "إربة" بكسر الهمزة؛ أي: حاجة، قوله: "يروم" أي يطلب. 3 - قوله: [أقُرَبًا] بفتحتين، وهي الليلة التي يرد الماء في صبيحتها، قوله: "] (¬3) يشج": من شججت المفازة: قطعتها، ومادته شين معجمة وجيمان، و"الحزون" بضم الحاء المهملة؛ جمع حزن وهو ما غلظ من الأرض. قوله: "رَبِذ" (¬4) بفتح الراء وكسر الباء الموحدة وفي آخره [ذال معجمة؛ أي: سريع خفيف القوائم في مشيه، قوله: "كمقلاة الوليد" أي: الصبي، والمقلاة بكسر] (¬5) الميم؛ عصية يتخذها الصبي من أصلب العيدان ليضرب بها القلة، والقلة: الخشيبة الصغيرة التي تنصب شبه الحمار بها في نزوه نشاطًا وخفة، قوله: "شتيم" بفتح الشين المعجمة وكسر التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف، وهو كريه الوجه. 4 - قوله: "حتَّى تهجر" أي: حتَّى صار هذا المسحل في الهاجرة مع أتانه، ويقال: هجر -أيضًا- إذا ارتحل في وقت الهاجرة، ويقال للهاجرة: الهجير والهجر - أيضًا، وذلك نصف النهار، قوله: "وهاجها" أي: العير هاج الأتان في وقت الرواح لطلب الماء، ويروى: هاجه على إرادة العير، يقال: هاج الشيء؛ أي: ثار، وهاجه غيره يتعدى ولا يتعدى، قوله: "المعقب" بضم ¬
الشاهد الحادي عشر بعد السبعمائة
الميم وفتح العين المهملة وتشديد القاف؛ من عقّب في الأمر إذا تردد في طلبه مُجِدًّا، قاله الجوهري (¬1) وقال غيره: المعقب: الغريم الطالب لأنه يأتي في عقب غريمه. الإعراب: قوله: "حتَّى تهجر" حتَّى للغاية، و"تهجر": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى المسحل، قوله: "في الرواح" المضاف فيه محذوف؛ أي في وقت الرواح، قوله: "وهاجها": عطف على تهجر، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الأتان. قوله: "طلب المعقب": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، والتقدير: هاجه الطلب مثل طلب المعقب، و"حقه": منصوب لأنه مفعول للمصدر قوله: طلب. قوله: "المظلوم" مرفوع لأنه، صفة للمعقب [في المعنى] (¬2)؛ لأن المعقب وإن كان مجرورًا في اللفظ لأجل الإضافة، ولكنه مرفوع في المعنى لأنه فاعل، والتقدور: كما طلب المعقب حقه المظلوم، وقال أبو حاتم: المظلوم جار على المضمر الَّذي في المعقب؛ كأنه يذهب إلى أنَّه بدل اشتمال من الضمير الفاعل الَّذي في المعقب، ويقال: إن المظلوم فاعل لقوله: حقه، وحقه: فعل ماض، والهاء مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "المظلوم" حيث رفع على المحل كما قررناه فافهم (¬3). الشاهد الحادي عشر بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) السَّالِكُ الثَّغْرَةَ اليَقْظَانَ سَالِكها ... مَشْيَ الهَلُوكِ عليها الخيعَلُ الفُضُلُ أقول: قائله هو المتنخل الهذلي (¬6)، واسمه مالك بن عويمر، وهو من قصيدة من البسيط، ¬
وأولها هو قوله (¬1): 1 - مَا بَالُ عَينَيكَ أَمْسَتْ دَمْعُهَا خَضِلُ ... كَمَا وَهِي سَربُ الأخْرَابِ مُنْبَذِلُ 2 - لَا تَفْتَأُ اللَّيْلَ مِنْ دَمعٍ بِأَرْبَعَةٍ ... كَأَنَّ إِنْسَانَهَا بالصَّاب مُكْتَحِلُ 3 - تَبْكِي علَى رَجُلٍ لَمْ تَبْلَ جدَّتُهُ ... خلَّى عليك فِجَاجًا بَينَهَا سُبُلُ 4 - فَقَدْ عَجبتُ ومَا بالدَّهْرِ منْ عَجَبٍ ... أني قُتلْتَ وأَنْتَ الحَازِمُ البطلُ 5 - السالكُ الثغرة ................... ... ............................. إلى آخره 1 - قوله: "خضل" بالمعجمتين؛ أي: نديّ، قوله: "وهي" أي: انشق، و"الأخراب" بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة؛ جمع خُرْبةٍ على غير قياس، وهي عرا المزادة، قوله: "منبذل" أي: منشق. 2 - قوله: "لا تفتأ" أي: لا تزال، و"الصاب" بالصاد المهملة والباء الموحدة في آخره؛ شجر له لبن إذا أصاب العين حلبها كأنه شهاب نار، وربما أضعف البصر، وقال الأصمعي: هو شجر مرٌّ يكون بالغور. 3 - قوله: "لم تبل جدته" أي لم ينتفع بشبابه، و: "الفجاج" جمع فج وهو الطريق. 4 - و"البطل" الشجاع. 5 - و"الثغرة" بضم الثاء المثلثة؛ كل ثنية قبلها خوف من الأعداء، قوله: "سالكها" ويروى: كالئها؛ أي: حافظها، أراد أن حافظها لا ينام من الخوف، و"الهلوك" بفتح الهاء وضم اللام وفي آخره كاف؛ المرأة الفاجرة المتساقطة، و"الخيعل" بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح العين المهملة وفي آخره لام، وهو ثوب يخاط أحد شقيه ويترك الآخر؛ كذا قاله في شرح الهذليات (¬2)، وذكر في شرح كتب النحو أن الخيعل قميص لا كم له، وقيل: قميص قصير. و"الفضل" بضم الفاء والضاد المعجمة، وهو قميص تلبسه المرأة في بيتها؛ كذا ذكره الركني، وفي شرح الهذليات: الفضل هو الخيعل ليس تحته إزار، وهذا هو الصحيح. الإعراب: قوله: "السالك": مرفوع خبر بعد خبر لقوله: "وأنت الحازم البطل"، وقوله: "الثغرة": يجوز فيه النصب على المفعولية، والجر على الإضافة، وكذلك يجوز الوجهان في "اليقظان" ¬
الشاهد الثاني عشر بعد السبعمائة
لأنه صفة الثغرة، و"سالكها": فاعل اليقظان، والضمير فيه يرجع إلى الثغرة. قوله: "مشي الهلوك": كلام إضافي منصوب بفعل مقدر، تقديره: يمشي مشي الهلوك، ولا يجوز أن يكون منصوبًا بالسالك؛ لأنه موصوف باليقظان، ولا يوصف الموصوف قبل تمامه؛ فلا يقال: مررت بالضارب الظريف زيدًا؛ بل بالضارب زيدًا الظريف، قوله: "الخيعل": مرفوع بأنه مبتدأ، و "عليها": مقدمًا خبره، والجملة حالية. الاستشهاد فيه: في قوله: "الفضل" فإنه مرفوع لأنه صفة للهلوك على الموضع لأنه فاعل المشي، قلت: هذا إنما يتمشى على تفسير ابن الناظم الفضل بقوله: اللابسة ثوب الخلوة، وأما على التفسير الَّذي ذكرناه فهو صفة للخيعل؛ فلا يكون فيه استشهاد فافهم (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) قد كُنْتُ دايَنْتُ بِهَا حَسَّانًا ... مَخَافَةَ الإِفْلَاسِ والليَّانَا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقال أبو علي: قائله هو زياد العنبري، وزعم أنَّه وجد ذلك بخط مؤرّج السدوسي، أنشده إياها أبو الدّقَيش لزياد العنبري، وكذا قال ابن يعيش وهو الأصح. وهو من الرجز المسدس، وبعده (¬4): يحُسْنِ بيْعَ الأصْلِ والقِيَانَا ... ............................ قوله: "داينت": من المداينة، وداينت فلانًا: عاملته فأعطيت دينًا وأخذت بدين، وبعته بدين؛ أي: بتأخير، و"حسان" اسم رجل. قوله: "والليانا" بفتح اللام وكسرها، والفتح أكثر استعمالًا والكسر أقيس، وليس في المصادر فعلان بفتح الفاء وسكون العين إلا الليان فيمن فتح اللام، والشنآن فيمن سكن النون، ¬
وقال أبو علي: الليان: الَّذي يلوي بالحق، يريد أنَّه من صفة الفاعل، وأنه أحق من المصدر؛ وكذا قال في الشنآن أنَّه صفة الفاعل، ويقال: الليان: المطل بالدين، قوله: "والقيانا" بالقاف؛ جمع قينة، وهي الأَمَةُ المغنية. الإعراب: قوله: "قد" للتحقيق، والتاء في "كنت" اسم كان، وخبره الجملة -أعني: "داينت بها"، قوله: "حسانًا" مفعول داينت، و"مخافة الإفلاس": كلام إضافي نصب على التعليل، قوله: "والليانا" بالنصب؛ عطف على موضع الإفلاس؛ لأن موضعه نصب لكونه مفعولًا في المعنى للمخافة الَّذي هو مصدر. وفيه الاستشهاد: ويجوز -أيضًا- النصب في "الليانا" من وجهين آخرين: أحدهما: أنَّه يريد: ومخافة الليان؛ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه في الإعراب. والآخر: أن ينتصب على المفعول معه أي مخافة الإفلاس مع الليان، قوله: "يحسن": من الإحسان، و "بيع الأصل": مفعوله، و"القيانا": عطف على موضع الأصل كما في الليانا (¬1). ¬
الشاهد الثالث عشر بعد السبعمائة
الشاهد الثالث عشر بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجرَةٍ ... نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من البسيط. قوله: "تنفي": من النفي بالنون والفاء، وفي المحكم: كل ما رددته فقد نفيته، ونفيت الدراهم: أبرزتها للانتقاد ثم أنشد البيت المذكور (¬3)، و"الهاجرة": وقت اشتداد الحر في وقت الظهيرة، قوله: "نفي الدراهيم" ويروى: نفي الدنانير؛ جمع دينار، وأصله دنّار بالتشديد، فأبدلت إحدى النونين ياء (¬4) كما في (¬5): تَقَضِّي البَازِي إِذَا البَازِي كَسَرْ ... ..................................... أصله: تقضض (¬6)، والدراهيم: جمع درهام لا جمع درهم، فإن جمع درهم دراهم، ومن جعل الدراهيم جمع درهم، كان شاذًّا على غير قياس، والدرهم فارسي معرب، وكسر الهاء لغة، وربما قالوا درهام، قال الشاعر (¬7): لَوْ أنَّ عِنْدِي مَائَتَي دِرْهَامِ ... لَجَازَ فيِ آفَاتِهَا خَاتَامِي قوله: "الصياريف": جمع صيرف، ولكن لما أشبعت كسر الراء تولدت منها الياء. الإعراب: قوله: "تنفي": فعل مضارع، و "يداها": فاعله، و"الحصى" مفعوله، و"في كل هاجرة": ¬
الشاهد الرابع عشر بعد السبعمائة
يتعلق بتنفي، قوله: "نفي الدراهيم": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، تقديره: تنفي الحصى يداها نفيًا كنفي الدراهيم، والنفي مصدر مضاف إلى مفعوله. قوله: "تنقاد": فاعله، وتنقاد -أيضًا- مصدر على وزن تَفْعَال كترداد، و"الصياريف": فاعل به مجرور بالإضافة، وفي شرح الكتاب: ويجوز نصب التنقاد ورفع الدراهيم في المحل على القلب من حيث أمن اللبس، فيكون ذلك كقوله (¬1): ............................ ... ......... أوْ بَلَغَتْ سوْءَاتِهِمْ هَجْرُ وهجر لا تبلغ السوءات. الاستشهاد فيه: حيث أضيف المصدر إلى مفعوله ثم رفع الفاعل؛ كما في قولك: عجبت من شرب العسل زيد، وقيل: إن هذا مختص بالضرورة (¬2). الشاهد الرابع عشر بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) يَمُرُّونَ بِالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهُمْ ... وَيَخْرُجْنَ مِنْ دَارَيْنِ بُجْرَ الحقَائِبِ عَلَى حينَ أَلْهَى النَّاسَ جُلُّ أُمُورِهِمْ ... فَنَدْلًا زُرَيْق المال نَدْلَ الثَّعَالِبِ أقول: قائله هو الأحوص، أو أعشى همدان على الاختلاف، وقد مَرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد المفعول المطلق (¬5). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "فندلًا" فإنه بدل من اندل الَّذي هو أمر من ندل يندل إذا نقل واختلس، ¬
الشاهد الخامس عشر بعد السبعمائة
والمصدر إذا كان بدلًا من اللفظ بالفعل، يعمل عمل الفعل لأنه يقوم مقامه، فلذلك احتمل فيه هاهنا ضمير الفاعل، ونصب المفعول وهو قوله: "المال"؛ لأن تقدير قوله: "فندلًا زريق المال": اندل يا زريق المال كندل الثعالب (¬1). الشاهد الخامس عشر بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) فإنكَ وَالتَّأْبِينَ عُروَةَ بَعْدَمَا ... دَعَاك وأَيْدِينَا إِلَيكَ شَوَارِعُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وبعده بيت آخر: 2 - لكالرَّجُلْ الحَادِي وَقَدْ تَلَعَ الضُّحَى ... وطَيرُ المَنَايَا فَوْقَهُنّ أَوَاقِعُ وهما من الطويل. قوله: "والتأبين": من أبنت الرجل رقبته، وقال الأصمعي: التأبين: أن تقفو أثر الشيء، قوله: "دعاك": من دعا بالدال المهملة، وقد ضبطه بعضهم "وعاك" من الوعي وهو الحفظ، يقال: وعيت الحديث والكلام، و"شوارع": جمع شارعة، أي: ممتدة، قوله: "الحادي": من الحدو، وهو سوق الإبل والغناء لها، قوله: "وتلع الضحى" أي: ارتفع، ومادته تاء مثناة من فوق ولام وعين مهملة، قوله: "أواقع" أصله: وواقع لأنه جمع واقعة؛ فأبدلت الواو همزة. الإعراب: قوله: "فإنك" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وإن: حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والكاف اسمه، وخبره في البيت الثاني، وهو قوله: "لكالرجل الحادي". قوله: "والتأبين": نصب على أنَّه مفعول معه، و"عروة": نصب على أنَّه مفعول المصدر، أعني: التأبين، و "بعد" نصب على الظرف، وما مصدرية، قوله: "دعاك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "وأيدينا": كلام إضافي مبتدأ، و"شوارع": خبره، والجملة في محل النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "والتأبين عروة" حيث نصب التأبين عروة، وهو مصدر معرف بالألف واللام (¬4). ¬
الشاهد السادس عشر بعد السبعمائة
الشاهد السادس عشر بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) إِذَا صَحَّ عَوْنُ الله ألمَرْءَ لَمْ يَجِدْ ... عَسِيرًا من الآمالِ إلا مُيَسَّرًا أقول: أنشده الأصمعي ولم يعزه إلى قائله، وهو من الطويل. قوله: "عون الله ألمرء" بإظهار الهمزة في أول المرء لأجل الوزن، ويروى: إذا صح عون الخالق المرء، وهذه أصح، و"الآمال" بالمد؛ جمع أمل وهو الرجاء. الإعراب: قوله: "إذا": للشرط، وقوله: "صح عون اللَّه": جملة من الفعل والفاعل و"ألمرء": مفعوله، وقعت فعل الشرط، وقوله: "لم يجد"؛ جواب الشرط، قوله: "عسيرًا" مفعول لم يجد، وقوله: "من الآمال": جار ومجرور في محل النصب لأنها صفة لعسيرًا أي: عسيرًا كائنًا من الآمال، قوله: "إلا ميسرًا": استثناء من "عسيرًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "عون اللَّه ألمرء" فإن لفظ العون مصدر أضيف إلى فاعله، ونصب المرء على المفعولية، وإنما قلنا: إن لفظة: "عون" مصدر لأنه بمعنى الإعانة، والمصدر الَّذي حذفت منه همزته أو غيرها يعمل عمل فعله، ومنه قول حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه (¬3): لِأَنَّ ثَوَابَ الله كُلَّ مُوَحِّدٍ ... جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ فِيهَا يُخَلَّدُ فإن الثواب بمعنى الإثابة فافهم (¬4). ¬
الشاهد السابع عشر بعد السبعمائة
الشاهد السابع عشر بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) بعِشْرَتِكَ الكِرَامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ ... فَلا تُرِيَنْ لِغَيْرهِمُ الوَفَاءَ أقول: هو من الوافر، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "بعشرتك " الباء تتعلق بقوله: "تعد"، و"العشرة ": مصدر مضاف إلى فاعله، و"الكرام": مفعوله. قوله: "تعد" على صيغة المجهول؛ جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، و"منهم": يتعلق به، قوله: "فلا ترين" الفاء جواب شرط محذوت تقديره: إذا كان الأمر كذلك فلا ترين، وهو جملة من الفعل والفاعل دخلها نون التأكيد المخففة، وقوله: "الوفاء" بالنصب؛ مفعولها، واللام في "لغيرهم" يتعلق بها. الاستشهاد فيه: في قوله: "بعشرتك الكرام" فإن لفظ العشرة نصب الكرام؛ لأنه بمعنى المعاشرة، وهو مصدر عَمل عَمَل فعله؛ حيث رفع الفاعل ونصب المفعول، أعني: الكرام؛ كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثامن عشر بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) يُحَايِي بهِ الجَلْدُ الَّذي هو حازِمٌ ... بِضَرْبَةِ كَفَّيهِ المَلا نَفْسَ رَاكِبِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "يحايي": بمعنى يحيي؛ من الإحياء، قوله: "الجلد" أي: القوي الصلب، و"الحازم": الضابط، قوله: "الملا" بفتح الميم، مقصور، وهو البري، وأراد به التراب، قوله: "يحايي به" أي: بالماء، يصف مسافرًا معه ماء فتيمم وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشًا. ¬
الإعراب: قوله: "يحاصى": فعل، وقوله: "الجلد": فاعله، وقوله: "به" الباء فيه للاستعانة أو للسبب، والمضمر يرجع إلى الماء كما ذكرناه، قوله: "الَّذي هو حازم": موصول مع صلته، والجملة من المبتدأ والخبر صفة للجلد، قوله: "بضربة": يتعلق بقوله: "يحايي"، ويجوز أن يتعلق بقوله: "حازم"، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، و"الملا" مفعوله، قوله: "نفس راكب": كلام إضافي منصوب بقوله: "يحايي". الاستشهاد فيه: في قوله: "بضربة كفيه" فإن ضربة مصدر محدود أضيف إلى فاعله، ونصب الملا وهو مفعوله، وهو شاذ لأن المصدر المحدود لا يعمل، فإذا ورد حكم بشذوذه (¬1). * * * ¬
شواهد إعمال اسم الفاعل
شواهد إعمال اسم الفاعل الشاهد التاسع عشر بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا ... فَلَمْ يضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها قوله (¬3): 1 - وَدّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ ... وهل تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرجلُ إلى أن قال: 2 - تُغْرِي بِنَا رهطَ مسعُودٍ وأخوتهِ ... يومَ اللقاءِ فَتَرْدَى ثُمَّ تَعْتَزِلُ 3 - أَلَسْتَ مُنْتَهِيًا عن نحتِ أَثْلَتِنَا ... وَلَسْتَ ضائرَهَا ما أطّتِ الإِبِلُ 4 - كَنَاطِح صَخْرَةً .............. ... .................... إلى آخره [وهو من البسيط] (¬4). 3 - قوله: "أطت الإبل": من أطيط الإبل، وهو نقيض جلودها عند الحكة [و"النقيض" بفتح النون وكسر القاف وفي آخره ضاد معجمة، وهو صوت النسع والرحل والمفاصل والأضلاع] (¬5). 4 - قوله: "ليوهنها" أي: ليزعزعها من مكانها، ويروى: ليفلقها، أي: ليشقها، قوله: "فلم ¬
الشاهد العشرون بعد السبعمائة
يضرها": من ضار يضير ضيرًا بمعنى: ضره يضره ضرًّا، قوله: "وأوهى" من أوهيت الجلد إذا خرقته، يقال: وهي الجلد يهي إذا خرق، قوله: "الوعل" بفتح الواو وسكون العين المهملة وكسرها، وهو الأيَّل [وهو تيس الجبل] (¬1). والمعنى: أنك تكلف نفسك ما لا تصل إليه ويرجع ضرره عليك. الإعراب: قوله: "كناطح": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أنت كوعل ناطح، و"صخرة": منصوب لأنه مفعول اسم الفاعل، و "يومًا": نصب على الظرف، قوله: "ليوهنها" اللام للتعليل، ويوهن منصوب بأن المقدرة، وقوله: "فلم يضرها" جملة معطوفة على الجملة الأولى. قوله: "وأوهى": فعل ماض، وقوله: "الوعل": فاعله، وقوله: "قرنه": كلام إضافي مفعوله، والضمير فيه يرجع إلى الوعل، وليس بإضمار قبل الذكر؛ لأنه وإن كان مقدمًا في الذكر ففي الرتبة مؤخر. الاستشهاد فيه: في قوله: "كناطح" فإنه اسم فاعل عَمِل عَمَل فعله لاعتماده على موصوف مقدر؛ لأن تقديره: كوعل ناطح كما ذكرناه، والاعتماد على الموصوف المقدر كالاعتماد على الموصوف الظاهر (¬2). الشاهد العشرون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) وَكَمْ مَالِئٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شَيءِ غيرِه ... إذا راحَ نحوَ الجَمْرَةِ البيضُ كالدُّمي أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - وكمْ من قتيلٍ لا يُباءُ به دمٌ ... ومنْ غَلِقٍ رهنًا إذا لفّهُ مِنَى ¬
2 - وكَمْ مَالِئٍ ................... ... ....................... إلى آخره 3 - يسحبنَ أذيال المُرُوطِ بأسوُقٍ ... خدال إذا ولّينَ أَعْجَازَهَا رِوَى 4 - أوانسُ يسلُبْنَ الحليمَ فؤادَهُ ... فيا طولَ ما شوقٍ ويا حسنَ مُجْتَلَى 5 - مع الليلِ قَصْرًا رميُهَا بأكُفِّهَا ... ثلاثَ أَسَابيع تُعَدُّ من الحصَى 6 - فلمْ أَرَ كالتجْميرِ مَنْظَرَ نَاظِرٍ ... ولا كليالي الحجِّ أَفْلَتْنَ ذا هوى وقد قالها عمر بن أبي ربيعة في بنت مروان بن الحكم، ولها قصة أضربنا عنها لطولها. 1 - قوله: "لا يباء به دم" أي: لا يقتص به، قوله: "من غلق" بفتح الغين المعجمة وكسر اللام، يقال: غلِق الرهن إذا استوجبه المرتهن فذهب به، وكانت الجاهلية تعمل به فيرهن الرجل عند الرجل رهنًا، ويقول: إن جئتك بمالك إلى وقت كذا وإلا فالرهن لك، فإذا جاء الوقت قالوا: غلق رهن فلان إذا استحقه المرتهن فأخذه، فنفى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[بقوله] (¬1): "لا يغلق الرهن" (¬2)، والحديث أخرجه الدارقطني وغيره. 2 - قوله: "وكم مالئ": اسم فاعل من ملأ يملأ، قوله: "إذا راح": من الرواح بالعشيّ، وأراد بالجمرة الجمار التي ترمى بمنى، ورمي الجمار فيها بعد الزوال، وقبل الصلاة، وواحد الجمار جمرة، وقيل: المراد بالجمرة هنا الموضع؛ سمي بذلك لاجتماع الجمار فيه، وهي الحجارة التي يرمى بها، قوله: "البيض" بكسر الباء الموحدة؛ جمع بيضاء، وأراد بها النساء الحسان، قوله: "كالدمي" بضم الدال المهملة؛ جمع دمية وهي الصورة التي ينقشها النقاش، والمعنى: كم رجل أيام منى ينظر إلى النساء الحسان ممتلئة (¬3) عيناه مما لا يملك إذا رحن إلى رمي الجمار لا يفيد نظره شيئًا، وشبه البيض [بالدمي] (¬4) في حسنها وبياضها وجودة صورتها؛ لأن ¬
الصانع لها لا يبقى غاية في تحسينها وتلطف شكلها وتخططها، ويراد أيضًا مع ذلك السكينة والوقار. 3 - قوله: "أذيال المروط" الأذيال: جمع ذيل، والمروط: جمع مرط -بكسر الميم وهو المئزر من الخز هاهنا، و"الأسوق": جمع ساق، و"خدال" بكسر الخاء وبالدال المهملة؛ جمع خدلاء، وهي الممتلئة الساقين والذراعين، قوله: "رِوى" بكسر الراء؛ من قولهم: ماء روي؛ أي: عذب. 6 - قوله: "ذا هوى" أي: ذا عشق ومحبة. الإعراب: قوله: "وكم مالئ" كم خبرية في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف، والتقدير: لا يفيد نظره شيئًا، وهذه الجملة في موضع الخبر، وهذا التقدير أَوْلى من تقدير بعضهم كائن أو موجود. قوله: "مالئ عينه": كلام إضافي، قوله: "من شيء غيره" [بإضافة شيء إلى غيره] (¬1) يتعلق بمالئ، قوله: "إذا": ظرف فيه معنى الشرط، وجوابه محذوف سدَّ مسده الكلام [المتقدم، وتقديره؛ إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى ملأ عينيه، فملأ هو الجواب] (¬2)، ودل عليه قوله: "مالئ"، وهو العامل في "إذا"، "وراح" من أخوات كان يرفع الاسم وينصب الخبر، ولا تستعمل تامة وإنما تستعمل ناقصة داخلة على جملة، فالبيض اسمه، والخبر الظرف المتقدم وهو قوله: "نحو الجمرة"، والتقدير: إذا راح البيض كالدمي مستقرات نحو الجمرة أو كائنات، فالعامل في الظرف الاستقرار المحذوف أو الكون، ويروى بجر البيض بدلًا من شيء، فاسم راح مستتر يرجع إلى مالئ فافهم (¬3). قوله: "كالدمي" في موضع رفع على الصفة للبيض، لأن الألف واللام فيها للجنس وليست للعهد، والتقدير: إذا راح نحو الجمرة البيض مثل الدمي، ويحتمل أن تكون الكاف في موضع النصب على الحال من البيض وإن كانت الألف للجنس، لأن لفظها لفظ المعرفة. الاستشهاد فيه: في قوله: "مالئ عينيه" حيث جاء بمالئ بالتنوين، ونصب عينيه، لأنه اعتمد على موصوف ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد السبعمائة
مقدر؛ لأن تقديره: وكم رجل مالئ؛ كما في البيت السابق (¬1). الشاهد الحادي والعشرون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أخَا الحَرْبِ لبَّاسًا إليها جلالهَا ... وليس بولَّاجِ الحَوَالِفِ أعقلَا أقول: قائله هو القلاخ بن حَزْن بن جناب، وهو من قلخ البعير إذا هدر هديرًا صافيًا، ومادته قاف ولام وخاء معجمة، وقبل البيت: 1 - فإنْ تَكُ فَاتْتَك السَّماءُ فإِنَّنِي ... بأرفع مَا حَوْلِي مِنَ الأَرْضِ أَطْوَلَا 2 - وأدنى فُرُوعًا للسَّمَاءِ أعالِيًا ... وأمنعه حوضًا إذَا الورْدُ أَثْعَلَا وهي من الطويل. قوله: "فإن تك إلى آخره" يقول: إن لم تبلغ أنت أيها المخاطب الرتبة العلية فإنني أرفع من جميع ما يناسبني وأعلى ذكرًا، قوله: "أثعلا": من أثعل الأمر إذا عظم وكذلك [الجيش] (¬4) ومادته: ثاء مثلثة وعين مهملة ولام، قوله: "لباسًا": مبالغة لابس من اللبس، و"الجلال" بكسر الجيم؛ جمع جُل ويريد به هاهنا الدروع والجواثن، و"الولاج": مبالغة من والج من الولوج، وهو الدخول، و"الخوالف" بالخاء المعجمة؛ جمع خالفة وهي عماد البيت، والمراد به البيت، و"الأعقل" بالعين المهملة والقاف؛ الَّذي يضطرب رجلاه من وجع أو فزع، يريد أنَّه قوي النفس ثابت القدم في موضع الزلل، إذا حضر البأس والحرب لا يلج البيت مستترًا بل يظهر ويحارب. الإعراب: قوله: "بأرفع": خبر إن في قوله: "فإنني"، وقوله: "أطولا": نصب على الحال، وأراد: أطول من كل شيء، فحذف؛ أي: أنا بأرفع الأمكنة التي حولي طائلًا كل شيء. وقوله: "أخا الحرب": كلام إضافي منصوب على الحال، وكذلك قوله: "لباسًا": حال ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد السبعمائة
أخرى، وذو الحال هو الضمير في قوله: "فإنني"، وأراد بقوله: "أخا الحرب": مؤاخي الحرب وهو كناية عن ملازمته الحرب وأنه لا يفارقها، قوله: "جلالها": نصب بقوله "لباسًا". قوله: "وليس": من الأفعال الناقصة، واسمه الضمير المستتر فيه، وقوله: "بولاج الخوالف": كلام إضافي خبر ليس، والباء فيه زائدة، قوله: "أعقلا": نصب لأنه خبر بعد خبر لليس، وهو غير منصرف وألفه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "لباسًا" فإنه صيغة المبالغة للفاعل كما ذكرنا، وقد أعمل عمل فعله؛ حيث نصب جلالها كما يعمل اسم الفاعل الَّذي لغير المبالغة (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) عَشِيَّةَ سُعْدَى لوْ تَرَاءَتْ لِرَاهِبٍ ... بِدُوْمَةَ تَجْرٌ عندهُ وحَجِيجُ قَلَى دِينَهُ وَاهْتَاجَ للشَّوْقِ إِنَّهَا .... على الشَّوْقِ إِخْوَانَ العَزَاءِ هَيُوجُ أقول: قائله هو الراعي، واسمه عبيد؛ كذا قال ابن الناظم، وفي شرح المقرب والجزولية: قائله أبو ذؤيب، والصحيح أنهما للراعي، نصَّ عليه ابن هشام اللخمي. وهما من الطويل. قوله: "سعدى": اسم محبوبته التي يتشبب بها، قوله: "بدومة" بضم الدال وسكون الواو وفتح الميم، وهو موضع فاصل بين الشام والعراق، على سبع مراحل من دمشق، وعلى ثلاث عشرة مرحلة من المدينة، وهي التي تسمى دومة الجندل. ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد السبعمائة
قوله: "تجر" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الجيم؛ جمع تاجر، و"الحجيج": جمع حاج، قوله: "قلى" بالقاف؛ من القلى وهو البغض، قوله: "واهتاج": من هاج يهيج هيجًا وهيجانًا؛ أي: ثار، يتعدى ولا يتعدى، و"الهيوج": بمعنى اسم الفاعل منه. الإعراب: قوله: "عشية": نصب على الظرف وهو منصوب لأنه لم يرد به معين، أضيف إلى الجملة أعني قوله: "سعدى" لأن "سعدى" مبتدأ، وقوله: "لو تراءت إلى آخره" خبره. قوله: "تراءت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي ورجع إلى سعدى، وقعت فعل الشرط، والباء في "بدومة": ظرف؛ أي: في دومة، ومحلها الجر لأنه صفة لراهب، تقديره: لراهب كائن في دومة. [قوله: "تجر": مرفوع بالابتداء، والمخصص كونه معطوفًا عليه؛ لأن] (¬1)، قوله: "وحجيج": عطف عليه، وقوله: "عنده": خبره، والتقدير: تجر وحجيج كاثنان عنده؛ كما في قول الشاعر (¬2): فَيَوْمٌ عَلَينَا وَيَوْمٌ لَنَا ... ............................. قوله: "قلى دينه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقعت جواب الشرط، قوله: "واهتاج للشوق": جملة معطوفة على الجملة الأولى، قوله: "إنها" أي: إن سعدى، والضمير اسم ان، وقوله: "هيوج": خبره، وقوله: "إخوان العزاء"؛ كلام إضافي منصوب بقوله: "هيوج". والاستشهاد فيه: فإن: "هيوج" في معنى اسم فاعل على وزن فعول، وقد نصب إخوان العزاء، وهو مقدم كما ينصب اسم الفاعل الحقيقي (¬3). الشاهد الثالث والعشرون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) ضَرُوبٌ بنَصْلِ السَّيفِ سُوقَ سِمَانِهَا ... ................................... أقول: قائله هو أبو طالب، واسمه عبد مناف بن عبذ المطلب، وتمامه: ¬
................ ... إذا عدِمُوا زادًا فإنكَ عاقِرُ وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - ألا إنَّ زَادَ الرَّكْبِ غَيرُ مُدَافِعٍ ... بِسَرْوٍ سُحَيمٍ غَيَّبَتْهُ المَقَابِرُ 2 - بسَرْو سُحَيمٍ عَارِفٌ ومُنَاكِرٌ ... وفَارِسُ غَارَاتِ خَطيبٌ وبَاسِرُ 3 - تَنَادَوْا بأن لا سَيِّدَ الحَيِّ فِيهُمُ ... وقَدْ فُجِعَ الحَيَّانِ كَعْبٌ وعَامرُ 4 - وكَانَ إذَا وَافَى منَ الشَّامِ قَافِلًا ... تَقدَّمَهُ تسْعَى إليْنَا البَشَائِرُ 5 - فتُصْبِحُ أَهْلُ الله بِيضًا كَأَنَّمَا ... كَسَتهُمْ حَبِيرًا رَبْدَةٌ ومَعَافِرُ 6 - فَإِلَّا يَكُنْ لحَمٌ غَرِيضٌ فإنَّهُ ... تُكَبُّ عَلَى أفْوَاههِنَّ الغَرَائِرُ 7 - فيَا لكَ مِنْ نَاعٍ حُبيتَ بألَةٍ ... شِرَاعِيّةٍ تصْفَرّ مِنهَا الأظَافِرُ 8 - تَرَى دَارَهُ لا تَبْرَحُ الدَّهْرَ عِنْدَهَا ... مُجَعْجِعَةً كُومٌ سِمَانٌ وبَاقِرُ 9 - إذا أَكِلَتْ يَومًا أَتَى الغَدَ مِثْلَهَا ... زَوَاهِقُ زُهْمٌ أَوْ مَخَاضٌ بَهَازِرُ 10 - ضروب .................. ... ..................... إلى آخره وكان أبو طالب رثى بهذه القصيدة أمية بن المغيرة المخزومي، وكان خرج إلى الشام فمات في الطريق في موضع يقال له: سرو سحيم، و"سحيم" اسم موضع، و"سرو": شجرة. 5 - قوله: "حبيرًا" بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة، يقال: ثوب حبير؛ أي جديد، قوله: "ربدة" بكسر الراء وسكون الباء الموحدة، قال الصاغاني: الرَّبدة والرَّبدة [بالكسر في الأول وسكون الباء والفتح في الثاني في الراء والباء] (¬2)، وهي الصوفة، قوله: "معافر" بفتح الميم؛ حي من همدان تنسب إليهم الثياب المعافرية [وأراد به هاهنا تلك الثياب] (¬3). 6 - قوله: "غريض" بالغين المعجمة؛ أي: طري ناعم، و"الألّة" بفتح الهمزة [وتشديد اللام] (¬4)، وهي الحربة العريضة النصل. 7 - قوله: "شراعية" بضم الشين المعجمة؛ أي: طويلة. ¬
8 - قوله: "مجعجعة": من الجعجعة وهي صوت الرحى (¬1)، و"الكوم" بضم الكاف؛ جمع كوماء، وهي الناقة أنعطمة السنام، قوله: "زواهق" بالزاي المعجمة؛ جمع زاهقة وهي السمينة. 9 - و"الزهم" بضم الزاي المعجمة؛ جمع زهماء وهي السمينة -أيضًا-، و"البهازر" بفتح الموحدة؛ جمع بهازرة وهي الناقة السمينة. 10 - قوله: "ضروب" على وزن فعول؛ مبالغة ضارب، و"نصل السيف": حديدته وذبابه طرفه الَّذي يضرب به، و"السوق" بضم السين؛ جمع ساق، و"السمان": جمع سمينة، وأراد بها السوق السمان، قوله: "عاقر" بالقاف؛ من العقر وهو النحر. الإعراب: قوله: "ضروب": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ضروب، وقوله: "بنصل السيف": كلام إضافي يتعلق به، والباء فيه للاستعانة كما في: كتبت بالقلم، و"سوق" بالنصب مفعول لقوله: "ضروب"، و"سمانها": مجرور بالإضافة، قوله: "إذا" ظرف لقوله "ضروب"، و"عدموا": فعل وفاعل، و"زادًا" مفعوله، كذا قاله البعض، وليس كذلك؛ بل إذا للشرط، وعدموا فعل الشرط. وقوله: "فإنك عاقر": جملة وقعت جوابًا للشرط، فلذلك دخلت الفاء، والعامل في إذا فعل محذوف دل عليه عاقر، والتقدير: إذا عدموا زادًا عقرت. الاستشهاد فيه: في قوله: "ضروب" فإنه صيغة مبالغة للضارب، وقد عمل عمل فعله؛ حيث نصب سوق سمانها، وقال ابن ولاد (¬2): سألت أبا إسحاق؛ لم صار ضروب ونحوه يعمل وهو بمنزلة ما استقر وثبت؛ وضارب لا يعمل إذا كان كذلك؟ فقال: لأنك تريد أنها حال ملازمة هو فيها، ولست تريد أنَّه فعل فعله مرة واحدة وانقضى الفعل؛ كما تريد في: ضارب. فإذا قلت: هذا ضروب رؤوس الجبال أمس، فإنما هي حال كان فيها؛ فنحن نحكيها (¬3)، قال ابن عصفور: هذا الَّذي ذهب إليه أبو إسحاق هو الصحيح، والدليل على صحته قول أبي طالب: ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد السبعمائة
ضروب ..................... ... ...................... إلى آخره لأنه مدح بني أمية بن المغيرة بما ثبت له واستقر، وحكى الحال التي كان فيها من عقر الإبل إذا عدم الزاد، ولو أراد المضي المحض ولم يرد حكاية حال، لما ساغ الإتيان بإذا؛ لأنها إنما وضعت للزمان المستقبل فافهم (¬1). الشاهد الرابع والعشرون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) فَتَاتَانِ أَمَّا منهُمَا فَشَبِيهُةٌ ... هِلَالًا والأخْرَى منهما تُشْبِهُ البَدْرَا أقول: قائله هو عبد الله بن قيس الرقيات، وبعده: فَتَاتَانِ بالنَّجْمِ السَّعِيدِ ولدتُّمَا ... ولمْ تَلْقَيَا يَومًا هَوَانًا وَلَا نَزْرَا وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فَتَاتَانِ": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هما فتاتان، وكلمة: "أما" للتفصيل فَصَّلَ بها الفتاتين في الحسن والتشبيه، قوله: "فشبيهة": خبر مبتدأ محذوف تقديره: أما واحدة منهما، أي: من الفتاتين، و"هلالًا": منصوب بشبيهة. قوله: "والأخرى" بدرج الهمزة للوزن، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "تشبه"، و"البدرا": مفعوله، وألفه للإطلاق، وقد شبه الرقيقة منهما بالهلال والأخرى (¬4) بالبدر. الاستشهاد فيه: في قوله: "فشبيهة هلالًا" حيث نصب شبيهة هلالًا؛ لأنها عملت عمل فعلها، وهذا جائز خلافًا لجماعة من البصريين (¬5). ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد السبعمائة
الشاهد الخامس والعشرون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) حَذِرٌ أمورًا لَا تَضِيرُ وَآمِنٌ ... مَا ليسَ مُنْجِيَهُ منَ الأقْدَارِ أقول: قائله هو أبو يحيى اللاحقي (¬3)، قال المازني: زعم أبو يحيى أن سيبويه سأله: هل تعدي العرب فعلًا؟، قال: فوضعت له هذا البيت وعملته له ونسبته إلى العرب وأثبته في كتابه، وكان هذا اللاحقي غير موثوق به (¬4). وهو من الكامل. قوله: "حذر" أي: خائف، وهو بفتح الحاء وكسر الذال، قوله: "لا تضير": من ضار يضير، بمعنى: ضرّ يضرّ، والظاهر من البيت أنَّه ذم، ويحتمل أن يكون مدحًا يمدحه بكثرة الحذر، قوله: "منجيه": اسم فاعل من أنجي إنجاء، و"الأقدار": جمع قدر. الإعراب: قوله: "حذر": مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو حذر، وقوله: "أمورًا": مفعوله، وقوله: "لا تضير": في موضع نصب على الصفة لأمور، والتقدير: حذر أمورًا غير ضائرة، قوله: "وآمن": عطف على حذر، وقوله: "ما": مفعول لقوله: "آمن" لأنه بمعنى المضارع، ولا يكون بمعنى المضي؛ لأن الحذر والآمن إنما يكونان فيما يأتي، وأما ما مضى فقد علم وما بمعنى الَّذي، و"ليس إلى آخره": صلته، واسم ليس ضمير فيها عائد على ["ما" بحكم الصلة] (¬5). و"منجيه": كلام إضافي خبر ليس، والهاء فيه يرجع إلى ما يرجع الضمير الَّذي في ليس، وقوله: "من الأقدار": متعلق بمنجيه، و"منجيه": اسم فاعل مضاف إلى الهاء، والهاء في موضع نصب لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وأضيف كانت إضافته غير ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد السبعمائة
محضة وكانت النية بها الانفصال، فإن قلت: ما الدليل على أنَّه هاهنا بمعنى المضارع؛ قلت: وقوعه خبرًا لليس، والنفي إنما يقع على الأخبار، وليس إنما تنفي المضارع. الاستشهاد فيه: في قوله: "حذر" فإنه على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين، وقد عمل عمل حاذر (¬1). الشاهد السادس والعشرون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أتانِي أنهم مَزِقُونَ عِرْضِي ... جِحَاشُ الكِرْمَلَين لهَا فَدِيدُ أقول: قائله هو زيد الخيل الَّذي سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير، وكان سيد طيئ قدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع وفد طيئ سنة تسع من الهجرة، فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل" فإنه ¬
لم يبلغ كل الَّذي فيه، ثم سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد الخير، وإنما سمي زيد الخيل لخمسة (¬1) أفراس كنّ له، وأقطع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب له بذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن ينج زيد من حمى المدينة" (¬2) فلما انتهى إلى بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له قردة أصابته الحمى فمات. وهو من الوافر. قوله: "مزقون": جمع مزق بفتح الميم وكسر الزاي، وهو مبالغة مازق؛ من المزق وهو شق الثياب ونحوها، يقال؛ مزقة يمزِقه بالكسر، قوله: "عرضي" بكسر العين، وعرض الرجل: جانبه الَّذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه، والعرض -أيضًا- النفس، يقال: أكرمت عنه عرضي؛ أي: نفسي، وفلان نقي العرض؛ أي: بريء من أن يُشتَم أو يعاب. قوله: "جحاش"، جمع جحش وهو ولد الحمار، و"الكرملين" بكسر الكاف؛ اسم ماء في جبل طيئ، و"الفديد" بالفاء؛ الصوت، قاله الأصمعي، وفدّ الرجل يفدّ فديدًا، وقال أبو خيرة: الفديد: صوت عَدْو الشاة. الإعراب: قوله: "أتاني": جملة من الفعل [والفاعل] (¬3)، والمفعول، وقوله: "أنهم" بالفتح في محل الرفع على الفاعلية، والضمير اسم أن، وقوله: "مزقون": خبره، وقوله: "عرضي": كلام إضافي مفعول لقوله مزقون. [قوله: "] (¬4) جحاش الكرملين] كلام إضافى مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم جحاش الكرملين، وهذه استعارة بليغة؛ حيث ذكر فيها المشبه به وترك ذكر المشبه وهو حد الاستعارة - أيضًا، وأراد بذلك أن هؤلاء القوم الذين بلغني عنهم أنهم مزقون عرضي عندي بمنزلة جحاش الكرملين التي تصوت عند ذلك الماء، أراد أني لا أعبأ بذلك ولا أصغي إليه؛ كما أنَّه لا يعبأ بصوت الجحاش حين تنهق عند الماء، وتخصيص الجحاش بصوتها للمبالغة في الحقارة ولا سيما صوت الحمير الَّذي هو أنكر الأصوات الَّذي يجتنب [عند] (¬5) سماعه ويحذر (¬6) عن الالتفات إليه. ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد السبعمائة
قوله: "فديد": مرفوع بالابتداء، و"لها" مقدمًا خبره، والجملة في محل الرفع على أنها صفة للجحاش. الاستشهاد فيه: في قوله: "مزقون" فإنه جمع مزق بفتح الميم [وكسر الزاي] (¬1) المعجمة بمعنى ممزق، وقد عمل في قوله: "عرضي" عَمَلَ فعله (¬2). الشاهد السابع والعشرون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) ثم زادُوا أَنَّهُمْ في قومِهم ... غُفُرٌ ذَنْبَهُمُ غَيرُ فُخُرْ أقول: قائله هو طرفة بن العبد، شاعر جاهلي، وهو من قصيدة طويلة من الرمل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - أَصَحَوْتَ اليومَ أَمْ شَاقَتْكَ هِرّ ... ومنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرْ إلى أن قال: 2 - أُسْدُ غَاب فإذا مَا فَزِعُوا ... غَيرُ أَنْكَاسٍ ولا هُوجٌ هُذُرْ 3 - وهُمْ ما هُمْ إذا مَا لَبِسُوا ... نَسْجَ داودَ لبأْسٍ مُحْتَضِرْ 4 - وَتَسَاقَى القَوْمُ كأسًا مُرَّةً ... وعلا الخَيْلَ دمَاءٌ كالشَّقِرْ 5 - ثم زادوا ............... ... .................. إلى آخره 1 - قوله: "هر": مرخم هرة؛ اسم محبوبته. 2 - و"أسد" بضم الهمزة وسكون السين؛ جمع أسد، و"غاب": جمع غابة، وهي ¬
الأجمة، مدح قومه وشبههم بالأسد التي تسكن الآجام، فإذا تعرض لها شيء قاتلت عن آجامها حتَّى تحمي أشبالها قتالًا شديدًا، و"الأنكاس": جمع نكس بالنون وهو من الرجال الرديء الَّذي لا خير فيه، و: "الهوج" بضم الهاء؛ جمع أهوج وهو الأحمق. قوله: "هذر" بضم الهاء والذال؛ جمع هذُور وهو كثير الكلام، ويروى: ولا هُوج دثر، والدثر -بضم الدال والثاء المثلثة: جمع دثور، وهو المتزمل في ثيابه الملتف من الكسل وضعف البدن والهمة. 3 - قوله: "وهم ما هم!؟ ": تفخيم وتعجب كأنه قال: أي رجال هم، [قوله: "] (¬1) نسج داود" يعني: الدروع والنسج عملها وسردها، وأول من عملها داود - عليه الصلاة والسلام - فلذلك نسبت إليه، قوله: "لبأس" أي: لشدة، قوله: "محتضر" بفتح الضاد المعجمة؛ أي: المحضور المجتمع إليه، ويروى: بكسر الضاد؛ أي: حاضر. 4 - [قوله: "] (¬2) وتساقى القوم": هذا مثل ضربه؛ أي: سقى بعضهم بعضًا كأس الحتوف، قوله: "كالشقر" بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وهو شقائق النعمان، وقال الأصمعي: هو شجر له ثمر أحمر. 5 - قوله: "غفر" بضمتين؛ جمع غفور، وكذا "فخر": جمع فخور بالخاء المعجمة؛ من الفخر. والمعنى: أنهم زادوا على أمثالهم بأنهم يغفرون ذنوب المذنبين ولا يفتخرون على من عداهم. الإعراب: قوله: "ثم زادوا": جملة من الفعل والفاعل، وهو هم المستتر فيه، عطفت على ما قبلها، قوله: "أنهم" بفتح الهمزة أراد: بأنهم، فحذف الباء، والضمير اسم أن، وقوله: "غفر" [خبره، والجملة تعلقت بما قبلها تعلق المفعول له، أي لأجل أنهم غفر] (¬3) في قومهم، أي: عند قومهم، وكلمة في بمعنى عند، ويتعلق الظرف بزادوا، وقوله: "ذنبهم": كلام إضافي مفعول لقوله: "غفر"، قوله: "غير فخر": خبر آخر لأن. الاستشهاد فيه: في قوله: "غفر ذنبهم" وذلك أن ذنبهم معمول اسم الفاعل المجموع وهو غفر فافهم (¬4). ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد السبعمائة
الشاهد الثامن والعشرون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) .................................. ... والنَّاذِرَينِ إذا لمْ أَلْقَهُمَا دَمِي أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وصدره: الشَّاتِمَيْ عِرْضي وَلَمْ أَشْتِمْهُمَا ... ................................... وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬3): 1 - أعياكَ رسْمُ الدارِ لم تتكلمِ ... حَتَّى تكلمَ كالأَصَمِّ الأَعْجَمِ إلى أن قال: 2 - ولقدْ خشيتُ بأنْ أَمُوتَ ولمْ تَدُرْ ... لِلْحَرْب دائرة على ابْنَيْ ضُمْضُمِ 3 - الشاتمي عرضي ............... ... ........................ إلى آخره وهي من الكامل. قوله: "الشاتمي عرضي" أصله: الشاتمين: تثنية شاتم؛ من الشتم وهو السب، و"العرض": نفس الرجل، والعرض الحسب [وقد حققناه عن قريب] (¬4)، وأراد بالشاتمين: ابني ضمضم، وهما حصين ومرة. قوله: "والناذرين": تثنية ناذر؛ من النذر؛ يعني: ينذران على أنفسهما ويقولان: لئن لقيناه لنقتلنه [قوله: "] (¬5) إذا لم ألقهما" عني: يقولان ذلك في الخلاء، فإذا لقيتهما أمسكا عني ذلك هيبة لي وجبنًا عني. الإعراب: قوله: "الشاتمي عرضي": كلام إضافي منصوب لأنه صفة لقوله: "ابني ضمضم"، قوله: "ولم أشتمهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا، قوله: "والناذرين" بالنصب؛ عطفًا على قوله: "الشاتمي عرضي". قوله: "إذا": ظرف لقوله: و"الناذرين"، وقوله: "لم ألقهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد السبعمائة
وهو الضمير المنصوب الَّذي يرجع إلى ابني ضمضم، قوله: "دمي" مفعول لقوله: "الناذرين". الاستشهاد فيه: في قوله: "والناذرين" لأنه تثنية اسم فاعل، وقد عمل عمل فعله؛ لأن تثنية اسم الفاعل وجمعه كالمفرد في العمل والشروط (¬1). الشاهد التاسع والعشرون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أَوَالِفًا مَكَّةَ منْ وُرْقٍ الحمى ... ........................................ أقول: قائله هو العجاج الراجز، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - يا دارَ سَلْمَى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمي ... بِسَمْسَمٍ أوْ عَنْ يَمِينِ سَمْسَمِ 2 - ظَلِلْتُ فِيهَا لَا أُبَالِي لُوَّمِي ... ولا صِبَايَ في سُؤَالِ الأرسمِ 3 - وَمَا سُؤَال طَلَلٍ وحُمَمِ ... وَمَا التَّصَابِي لِلْعُيُونِ الحلّمِ 4 - بَعْدَ بَيَاضِ الشَّعَرِ الْمُلَمْلَمِ ... إلَّا تَضَالِيل الفُؤَادِ الأيْهَمِ 5 - غرَّاء لَمْ تَشْغَبْ فَتَسْهُمِ ... وَلَمْ يَلُحْهَا حزنٌ على ابنِمِي 6 - وَلَا أخٍ ولَا أبٍ فَتَسْهُمِ ... فَالحمْدُ للَّه العَلِيِّ الأَعْظَمِ 7 - ذِي الجبرُوت وَالأَثَالِ الأَفخم ... وعالم الإِعْلَان والمكَتَّمِ 8 - وَرَبِّ كُل كَافِرٍ وَمُسْلِمِ ... بَانِي السَّمَوَات بغَيْر سُلَّمِ 9 - وَرَبِّ أَسْرَابِ حجيجٍ كُظَّم ... عن اللّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّم 10 - وربِّ هَذَا الحَرَم المُحَرَمِ ... والقانطات أَلْبَيتَ غير الرُّيَّمِ 11 - أوَالِفًا مَكَّةَ منْ وُرْق الحِمَي ... وَرَبِّ هَذَا الأَثَرِ المُقَسَّمِ وهي قصيدة طويلة منها قوله: ¬
فَخِنْدَفٌ هَامَة هَذَا العَأْلَمِ ... قَوْمٌ لَهُمْ فضل السَّنَاء الأَكْرَمِ 1 - قوله: "يا اسلمي" يا للتنبيه بخلاف قوله: "يا دار سلمى" فإنها للنداء، و"سمسم": اسم موضع. 2 - و"الُلوّم" بضم اللام وتشديد الواو؛ جمع لائم، و"الصبا": الجزع. 3 - والطلل: آثار الدار وما سوَّدوا، و"الحمم" بضم الحاء المهملة وفتح الميم؛ الفحم، و"التصابي": اتباع الصبا، و"العيون": سادة القوم، و"الحُلّم" بضم الحاء المهملة وتشديد اللام؛ من الحلم. 4 - و"الململم" المجتمع المضموم بعضه إلى بعض، و"الأيْهم" بفتح الهمزة وسكون الياء آخر الحروف، وهو الذاهب العقل. 5 - قوله: "لم تسغب" من السغب بالسين المهملة والغين المعجمة وهو الجوع، قوله: "ولم يلحها" بالحاء المهملة؛ أي لم يغيرها، قوله: "على ابنم" أي: على ابن، والميم زائدة. 7 - و"الأثال": الأثر في المال، يقال: ما أحسن أثال بيتك! 9 - و"الحجيج": جمع حاج، و"الكظم": جمع كاظم، و"اللغى" بفتح اللام؛ اللغو، و"الرفث": الفحش. 10 - و"القاطن": الثابت، قوله: "غير الريم" بضم الراء وتشديد الياء آخر الحروف؛ جمع رائم؛ من رام يريم إذا برح. 11 - قوله: "أوالفًا": جمع آلفة؛ من ألف يألف ألفة، ويروى: "قواطنا مكة"؛ جمع قاطنة؛ يعني: مقيمة، قوله: "من ورق الحمى" الورق -بضم الواو وسكون الراء؛ جمع ورقاء، وهي التي في لونها بياض إلى سواد، يقال: جمل أورق وحمامة ورقاء، و"الحمى" بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، وأصله: الحمام؛ فحذف الألف لأنها زائدة، وأبدل إحدى الميمين ياء؛ كما تقول في تقضضت تقضيت، وقال ابن كيسان: يريد الحمام؛ فحذف من آخره الألف والميم شبهًا بما يحذف في الترخيم، والياء صلة لكسر الميم. وقال أبو العباس: حذف الميم فصارت الحما، فقلبت الألف ياء وذلك لطلب القافية. ويقال: كان الحمام؛ فحذف الألف لأنها زائدة، فالتقى حرفان من جنس واحد فحذف الأخير منهما وعوض ياء، وقال النحاس: رأيت في كتاب من كتب محمد بن يزيد (¬1) يقول فيه: حذف الميم من الحمام على الترخيم في غير اك داء، وقلب الألف ياء؛ لأنها زائدة، وحروف اللين ¬
الشاهد الثلاثون بعد السبعمائة
يبدل بعضها من بعض. الإعراب: قوله: "أوالفًا": نصب على الحال من قوله: "القاطنات"، و: "مكة" نصب على أنها مفعول أوالفا، و"من" للبيان، و: "الورق" مجرور به، و"الحمى" مجرور بالإضافة. الاستشهاد فيه: في قوله: "أوالفًا" فإنه جمع اسم الفاعل، وقد عمِل عمَل فعله؛ حيث نصب مكة كما ذكرناه (¬1). الشاهد الثلاثون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) مِمَّنْ حَمَلْنَ به وهُنَّ عَوَاقِدٌ ... حُبَكَ النِّطَاقِ فَشَبَّ غَيرَ مُهَبَّلِ أقول: قائله هو أبو كبير الهذلي، واسمه عامر بن الحليس، وهو من قصيدة لامية، وقد ذكرنا بعضها في شواهد المفعول المطلق (¬4)، وبعضها في شواهد الإضافة (¬5). قوله: "حبك النطاق" ويروى: حبك الثياب؛ لأن النطاق لا يكون له حبك، والحبك: الطرائق، والواحد حبيكة، و"المهبل" بتشديد الباء الموحدة المفتوحة؛ المعتوه الَّذي لا يتماسك، ويقال: غير مهبل: هو الَّذي لم يدع عليه بالهبل والثكل، أو الَّذي حملت به أمه وهي مكرهة، وقد زعم العرب أن المرأة إذا وُطِئَت مكرهة غير مطاوعة جاء الولد نجيبًا. الإعراب: قوله: "ممن حملن به" ويروى: مما حملن به؛ فالمعنى على الأول: من الذين حملن به، أي: من الفتيان الذين حملن بهم أمهاتهم بهم، وعلى الثاني: من الحمل الَّذي حملن به، وهو خبر ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد السبعمائة
مبتدأ محذوف؛ أي: هو ممن حملن به. والمراد به: تأبط شرًّا؛ لأنا قد قلنا فيما مضى: إن أبا كبير قد مدح بهذه القصيدة تأبط شرًّا وكان زوج أمه؛ أي: تأبط شرًّا ممن حملن به، والضمير في حملن يرجع إلى النساء، و "به": في محل نصب على أنَّه مفعول حملن. قوله: "وهن": مبتدأ، و "عواقد": خبره، وصرف عواقد للضرورة، و "حبك النطاق": كلام إضافي منصوب بعواقد، قوله: "فشب": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الَّذي يرجع إلى تأبط شرًّا، قوله: "غير مهبل": حال من الضمير الَّذي في: "فشب". الاستشهاد فيه: في قوله: "عواقد حبك النطاق" فإن "حبك النطاق" منصوب بعواقد، وفيه دليل على إعمال اسم الفاعل مجموعًا جمع تكسير (¬1). الشاهد الحادي والثلاثون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) إذا فَاقِدٌ خَطْبَاءُ فَرْخَيِنْ رَجَّعَتُ ... ذَكَرْتُ سُلَيمْى في الخلِيطِ المُزَايِلِ أقول: قائله هو بشر بن أبي خازم (¬4). وهو من الطويل. قوله: "فاقد" بالفاء في أوله، وهي المرأة التي تفقد ولدها وزوجها، وكذلك ظبية فاقد، قوله: "خطباء" معناه: بيِّنة الخطب، وهو الأمر العظيم، قوله: "فرخين": تثنية فرخ، وأراد به الولد، والفرخ في الأصل: ولد الطائر، قوله: "رجعت" بتشديد الجيم؛ من الترجيع وهو الاسترجاع، وهو أن تقول عند المصيبة: {إنَّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَجِعُونَ} [البقرة: 156]. قوله: "في الخليط" بفتح الخاء المعجمة؛ بمعنى الخالط؛ كالنديم بمعنى المنادم، قوله: "المزايل" ويروى: المباين، ومعناهما واحد. ¬
الإعراب: قوله: "إذا": كلمة الشرط، و "فاقد": مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره: إذا رجعت فاقد، و "فاقد": صفة موصوفها محذوف تقديره: إذا امرأة فاقد، قوله: "خطباء" بالرفع؛ صفة فاقد، قوله: "فرخين": منصوب بفعل دل عليه فاقد، ويجيء تحقيق الكلام فيه عن قريب (¬1). قوله: "ذكرت": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا لإذا، و "سليمى": مفعول ذكرت، وقوله: "في الخليط": متعلق بذكرت، و"المزايل": صفة الخليط. الاستشهاد فيه: في قوله: "فرخين" حيث استدل به الكسائي على جواز إعمال اسم الفاعل الموصوف؛ وذلك لأن فرخين معمول لفاقد بعد ما وصف بقوله: "خطباء" (¬2)، وأجيب بأن فرخين منصوب بإضمار فعل يفسره فاقد ويدل عليه، وتقديره: فقدت فرخين، ويؤيد أنَّه ليس منصوبًا بفاقد؛ أن فاقدًا صفة غير جارية على الفعل في التأنيث؛ ألا ترى أن اسم الفاعل إذا لم يجر على الفعل في تذكيره وتأنيثه لم يعمل، لا يجوز: هذه امرأة مرضع ولدها؛ لأن اسم الفاعل لا يذهب به؛ إذ ذاك مذهب الفعل؛ إنما ذهب به مذهب النسب؛ فإذا قلت: امرأة مرضع؛ فالمعنى: ذات إرضاع؛ كما تقول: رجل دارع، أي: ذو درع، فإذا ذهبت بمرضع مذهب التاء فلا بد من الزمان، ويعمل إذ ذاك (¬3)، قال الشاعر (¬4): كَمُرْضعَةٍ أوْلادَ أُخْرَى وضَيَّعت ... بَنِي بَطْنِها هَذا الضَّلَال عَنِ الْقَصْدِ وقال أبو علي في التذكرة: لا يكون فرخين منصوبًا إلا بمضمر دل عليه فاقد، ولا يكون منصوبًا بفاقد لأمرين: أحدهما: أنك قد وصفتها بخطباء، واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل. والآخر: أن فاقدًا غير جارٍ على الفعل؛ إذ لو كان جاريًا عليه لقيل: فاقدة؛ فدلَّ على أنَّه ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد السبعمائة
بمعنى النسب؛ نحو: امرأة طالق؛ فلا يعمل حينئذ عمل فعله. الشاهد الثاني والثلاثون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) هَلْ أَنْتَ بَاعِثُ دِينَارٍ لحَاجَتنَا ... أَو عَبْدَ رَبِّ أَخَا عَوْنِ بنِ مِخْرَاقِ أقول: قائل هذا البيت مجهول [وقيل إنه مصنوع]، وقيل: إنه لجرير الخطفي. وهو من البسيط. و"دينار": اسم رجل، وكذلك: "عبد رب". الإعراب: قوله: "هل" للاستفهام، و"أنت": مبتدأ، و"باعث": خبره، و"دينار": مجرور بالإضافة، وقوله: "لحاجتا: يتعلق بقوله: "باعث"، قوله: "أو عبد رب": عطف على دينار في المعنى؛ لأنه مفعول في الحقيقة؛ إذ التقدير: باعث دينارًا؛ قوله: "أخا عون" كلام إضافي بدل من "عبد رب" بدل الشيء من الشيء، وهما لعين واحدة. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو عبد رب" فإنه منصوب بفعل مضمر تقديره: أو تبعث عبد رب؛ لأنك إذا عطفت على مثل هذا، كان لك في المعطوف وجهان: إن شئت أن تخفضه بالحمل على اللفظ، وإن شئت تنصبه بإضمار فعل، تقول: هذا ضارب زيد وعمرو، فتشرك بين الآخر والأول في الجار، وتقول: هذا ضارب زيد وعمرًا؛ كأنك تقول: وتضرب عمرًا أو ضارب عمرًا. وقال الزجاجي: أو عبد رب منصوب بإضمار فعل (¬3)، وخطأه بعضهم وقال: لا يحتاج هنا إلى الإضمار؛ لأن اسم الفاعل بمعنى الاستقبال، وموضع دينار نصب فهو معطوف على الموضع؛ فلا يحتاج إلى تكلف إضمار، وإنما يحتاج إلى الإضمار إذا كان اسم الفاعل بمعنى المضي؛ لأن إضافته إضافة محضة لا ينوى بها الانفصال. ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد السبعمائة
قلت: الَّذي قاله الزجاجي هو الَّذي قاله سيبويه (¬1)؛ بل لا يحتاج هاهنا (¬2) إلى الإضمار؛ لأن إضافة اسم الفاعل غير محضة؛ لأن النية بها الانفصال لكونه بمعنى الاستقبال والدليل عليه دخول هل؛ لأن الاستفهام أكثر ما يقع عما يكون في الاستقبال، وإن كان قد يستفهم عن ماض كقولك: هل قام زيد أمس؟ وهل أنت قائم أمس؟ وقال تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44]؟ فهذا كله ماض، لكنه لا يكون إلا بدليل، والأصل ما قلنا. و"باعث" هاهنا بمعنى مرسل؛ كما قال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، وقد يكون بمعنى الإيقاظ؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف: 19]، وقال -أيضًا-: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا] [يس: 52] أي: من أيقظنا؛ ولكن الأحسن هنا أن يكون بمعنى الإرسال؛ إذ لا دليل على النوم في البيت فافهم (¬3). الشاهد الثالث والثلاثون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) أَنَاوٍ رِجَالُكِ قَتْلَ امرِئٍ ... مِنَ العِزِّ في حُبِّكِ اعتاضَ ذُلًّا؟ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من المتقارب (¬6). قوله: "أناو" اسم فاعل من نوى ينوي نية. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "أناو" الهمزة للاستفهام، "وناو": اسم فاعل، و"رجالك": كلام إضافي فاعله، وقوله: "قتل امرئ": كلام إضافي مفعوله، قوله: "من العز": يتعلق بقوله: "اعتاض"، وكذلك قوله: "في حبك"، والكاف فيه لخطاب المؤنث، وكذلك في قوله: " [رجالك] (¬1)، قوله: "ذلًّا": نصب لأنه مفعول اعتاض؛ [والجملة من اعتاض ومتعلقاته صفة لامرئ] (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "أناو رجالك" فإن قوله: "أناو" اسم فاعل، وقد عَمِل عَمَل فعله حيث اعتمد على حرف الاستفهام، وذلك لما قد علم أنَّه لا يعمل حتَّى يعتمد على أحد الأشياء الستة، منها الاستفهام (¬3). الشاهد الرابع والثلاثون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) ............................. ... تَرَقْرَقُ في الأَيْدِي كُمَيْتٍ عَصِيرُهَا أقول: قائله هو مضرس بن ربعي (¬6)، وصدره: فما طعمُ راحٍ في الزجاجِ مدَامَةٍ ... ................................... وهو من الطويل. قوله: "راح": وهو الخمر، ومن أسمائه المدام، وله أسام كثيرة، قوله: "ترقرق": من رقرق الشيء إذا تلألأ ولمع، قوله: "كميت": من الكمتة وهي الحمرة الشديدة التي تضرب إلى السواد من شدة حمرتها. الإعراب: قوله: "فما طعم راح" الفاء للعطف على ما تقدمه أو جواب شرط، و"طعم راح": كلام ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد السبعمائة
إضافي مبتدأ، و"مدامة": خبره (¬1)، قوله: "في الزجاج": في محل الجر على أنَّه صفة للراح، قوله: "ترقرق": جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنها صفة لمدامة و"في الأيدي": يتعلق بها، قوله: "كميت" بالجر؛ صفة للراح، وقوله: "عصيرها": مرفوع به (¬2). والاستشهاد فيه: في قوله: "كميت" حيث رفع: "كميت عصيرها" فإن قوله: "كميت" وصف لم يستعمل إلا مصغرًا، وقد عمل في قوله: "عصيرها" حيث رفعها، وهذا مذهب المتأخرين من المغاربة؛ فإنهم قالوا: إذا كان الوصف لا يستعمل إلا مصغرًا ولم يحفظ له مكبر جاز إعماله، وأنشدوا هذا البيت، لكن هذا على رواية من جر كميت على أنَّه وصف (¬3). الشاهد الخامس والثلاثون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) شُمٌّ مهَاوينُ أبدانَ الجَزُورِ مخا ... مِيصُ العَشِيَّاتِ لا خُوْرٌ ولا قَزَمُ أقول: قائله هو كميت بن معروف الأسدي، وهو من البسيط. قوله: "شم" بضم الشين المعجمة وتشديد الميم؛ جمع أشم؛ من الشمم وهو ارتفاع قصبة الأنف مع استواء أعلاه، وأراد به هاهنا أنهم سادات كبار، قوله: "مهاوين": جمع مهوان ¬
بكسر الميم، وهو الَّذي يهين الجزور وينحرها. قوله: "أبدان الجزور" أراد: أبدان الجزر بالجمع ولكنه اكتفى بالواحد، و"الجزور" -بفتح الجيم من الإبل يقع على الذكر والأنثى، ويجمع على جُزُر بضمتين، ويروى: أبداء الجزور، والأبداء: جمع بدأة وهو المفصل، وقال الجوهري: البدأة: النصيب من الجزور، والجمع أبداء وبدوء، مثل: جفن وأجفان وجفون (¬1)، ومادته باء الموحدة ودال وهمزة. و"المخاميص": جمع مخماص، وهو الضامر البطن، وأراد به هاهنا الجائع؛ يعني أنهم يجوعون أوقات العشيات لأجل الضيفان، و"العشيات": جمع عشية، قال الجوهري: العشي والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة (¬2). قوله: "لا خور" بضم الخاء المعجمة وسكون الواو وفي آخره راء مهملة؛ جمع أخور، وهو الضعيف؛ من خار يخور خؤورة إذا ضعف، وخار الحر إذا انكسر، و"القزم" بفتح القاف والزاي المعجمة، قال الجوهري: رجل قزم والذكر والأنثى والواحد والجمع فيه سواء؛ لأنه في الأصل مصدر، و"القزم" هو أردأ المال، والقِزام -بالكسر: اللئام (¬3)، وأراد أنهم ليسوا برَذَال الناس وسفلتهم. الإعراب: قوله: "شم": خبر مبتدأ محذوف، أي هم شم، قوله: "مهاوين" بالرفع إما صفة وإما خبر بعد خبر، و"أبدان الجزور": كلام إضافي نصب على أنَّه مفعول مهاوين. قوله: "مخاميص العشيات": كلام إضافي مرفوع لأنه خبر بعد خبر، والإضافة فيه بمعنى في، أي: مخاميص في أوقات العشيات، قوله: "لا خور": عطف على ما قبله من الموفوع، "ولا قزم": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "مهاوين أبدان الجزور" فإن مهاوين جمع اسم الفاعل الَّذي للمبالغة، وقد عمِل عمَل فعله؛ حيث نصب أبدان الجزور (¬4). * * * ¬
شواهد أبنية المصدر
شواهد أبنية المصدر الشاهد السادس والثلاثون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَهْيَ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيًّا ... كَمَا تُنَزِّي شَهْلةٌ صَبيًّا أقول: لم أقف على اسم قائله (¬3). قوله: "وهي تنزي" ويروى: بات ينزي دلوه، وكذا رواه أبو عبيدة، قوله: "تنزي": من التنزيه وهي رفع الشيء إلى فوق، قوله: "شهلة" بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء، وهي العجوزة الكبيرة، شبَّه يديها إذا جذبت بهما الدلو لتخرج من البئر بيدي امرأة ترقص صبيًّا، وخص الشهلة؛ لأنها أضعف من الشابة فهي تنزي الصبي باجتهاد، وقال أبو عبيدة: التنزية: رفعها إياه إلى فوق. الإعراب: قوله: "وهي": مبتدأ، و"تنزي": خبره، قوله: "دلوها": كلام إضافي مفعول تنزي، قوله: "تنزيًّا": نصب على المصدرية، قوله: "كما" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، و"تنزي": فعل، و"شهلة" فاعله، و"صبيًّا": مفعوله، والتقدير: كننزي الشهلة الصبي. الاستشهاد فيه: في قوله: "تنزيًّا" فإن القياس فيه: تنزية بالياء المخففة بعدها تاء التأنيث؛ كما تقول: سمي ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد السبعمائة
تسمية وزكى تزكية، ولكنه أتى كمصدر الفعل الصحيح؛ نحو: سلم تسليمًا، وكلّم تكليمًا (¬1). الشاهد السابع والثلاثون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) يا قَوْمُ قدْ حَوْقَلْتُ أوْ دَنَوْتُ ... وَبَعْضُ حِيقَالِ الرِّجالِ الموتُ أقول: [قيل] (¬4) إنه لرؤبة، ولم أقف على صحته (¬5)، وهو من الرجز المسدس. قوله: "حوقلت" من حوقل الشيخ حوقلة وحيقالًا إذا كبُر وفتُر عن الجماع، قوله: "وبعض حيقال الرجال"، ويروى: و"بعض حوقال" بفتح الحاء المهملة، وأراد المصدر، فلما استوحش [من] (¬6) أن تصير الواو ياءً فتحه، وأما حيقال فأصله: حِوقال -بكسر الحاء وسكون الواو، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. الإعراب: قوله: "يا قوم": منادى مضاف، وأصله: يا قومي بياء المتكلم فاكتفى بالكسرة عنها، قوله: "قد": للتحقيق، و"حوقلت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أو دنوت": عطف عليه، قوله: "وبعض حيقال الرجال"؛ كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "الموت"، والجملة يجوز أن تكون حالية أو مستأنفة. الاستشهاد فيه: في قوله: "وبعض حيقال" فإنه على وزن فيعال، وهو مصدر فوعل، والقياس في مصدره: فوعلة؛ كدحرج دحرجة، ولكنه جاء على فيعال -أيضًا- كحيقال. فافهم (¬7). * * * ¬
شواهد الصفة المشبهة باسم الفاعل
شواهد الصفة المشبهة باسم الفاعل الشاهد الثامن والثلاثون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَمَا أنَا مِنْ رُزْءٍ وَإنْ جلَّ جَازِعٌ ... ولَا بِسُرُورٍ بَعْدَ مَوْتكَ فارِحُ أقول: قائله هو أشجع السلمي (¬3)، وهو من قصيدة حائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - مضَى ابْنُ سَعِيدٍ حِينَ لم يبقَ مَشْرِقٌ ... وَلَا مَغْرِبٌ إلا لَهُ فِيهِ مَادِحُ 2 - ومَا كُنْتُ أَدْرِي مَا فَوَاضِلُ كَفِّهِ ... عَلَى النَّاسِ حتَّى غَيَّبْتْهُ الصَّفَائِحُ 3 - فَأصْبَحَ فيِ لَحْدٍ مِنَ الأَرْضِ مَيتًا ... وكَانَتْ بِهِ حَيًّا تضيقُ الصَّحَاصِحُ 4 - فما أنا من رزء ................. ... ......................... إلى آخره 5 - كَأَنْ لَمْ يَمُتْ حَيٌّ سِوَاكَ وَلَمْ تَقُمْ ... عَلَى أَحَدٍ إلا عَلَيكَ النَّوَائِحُ 6 - سَأَبْكِيكَ مَا فَاضَتْ دُمُوعِي فَإِنْ تُغِضْ ... فحَسْبُكَ مِنِّي مَا تُجِنُّ الجَوَانِحُ 7 - لئنْ حَسُنَتْ فِيكَ المرَاثِي وذِكْرُهَا ... لَقَدْ حَسُنَتْ مِنْ قَبلُ فِيكَ المَدَائِحُ قوله: "الصفائح": جمع صفيحة، وأراد بها الأحجار - أعني أحجار القبر. و"الصحاصح": جمع صحصح وهي الأرض المستوية، وكذلك الصحصحان، و"النوائح": جمع نائحة. ¬
قوله: "فإن تغض": من غاض الماء إذا نقص، قوله: "تجن" أي: تستر؛ ومنه الجنّ لاستتارهم عن الإنس، و"الجوانح": الأضلاع. قوله: "من رزء" بضم الراء وسكون الزاي المعجمة وفي آخره همزة، وهو المصيبة، ويجمع على أرزاء، قوله: "وإن جل" بالجيم، بمعنى عظم، وكثير منهم يصحفونه وينشدونه بالحاء المهملة، قوله: "بعد موتك" [الكاف] (¬1) للخطاب لابن سعيد المذكور في أول القصيدة. الإعراب: قوله: "وما أنا" ويروى: فما أنا بالفاء، وكلمة ما نافية، وأنا مبتدأ، وخبره قوله: "جازع"، وقوله: "من رزء": جار ومجرور يتعلق به، قوله: "وإن": واصلة بما قبله. و"جل": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى الرزء، وفي الحقيقة هو عطف على محذوف تقديره: وما أنا جازع من رزء إن لم يجل وإن جلّ، قوله: "ولا بسرور" الباء تتعلق بقوله: "فارح"، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: ولا أنا فارح بسرور بعد موتك. الاستشهاد فيه: في قوله: "فارح" فإن الصفة المشبهة التي هي فرح حُوّلت إلى فارح على صيغة اسم الفاعل لإفادة معنى الحدوث (¬2) في الزمن المستقبل، وإذا قصد باسم الفاعل الثبوت عومل معاملة الصفة المشبهة، وإذا قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل فافهم (¬3). ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد السبعمائة
الشاهد التاسع والثلاثون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) بِبُهْمَةٍ مُنِيَتُ شَهْمٍ قَلْبُ ... مُنَجِّذٍ لَا ذِي كَهَامٍ يَنْبُو أقول: لم أقف على اسم راجزه، وهو من الرجز المسدس. قوله: "ببهمة " البهمة -بضم الباء الموحدة الفارس الَّذي لا يدري من أين يؤتى لشدة بأسه، والجمع بُهَم، ويقال -أيضًا- للجيش: بهمة، ومنه قولهم: فلان فارس بهمة وليث غابة. قوله: "منيت" بضم الميم وكسر النون بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، ومعناه: ابتليتُ؛ من منوته ومنيته إذا ابتليته، قوله: "شهم" بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء، يقال: رجل شهم أي: جلد ذكي الفؤاد؛ من شهُم الرجل بالرجل شهامة فهو شهم. قوله: "منجذ" بضم الميم وفتح النون وتشديد الجيم المفتوحة وفي آخره ذال معجمة، يقال: رجل منجذ؛ أي: مجرب أحكمته الأمور، قوله: "كهام" بفتح الكاف وتخفيف الهاء، يقال: سيف كهام. أي: كليل، ولسان كهام؛ أي: عييّ، وفرس كهام أي بطيء، قوله: "ينبو": من نبا الشيء ينبو؛ أي: تجافى وتباعد. الإعراب: قوله: "ببهمة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "منيتُ"، والتاء في منيت مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "شهم": مجرور لأنه صفة بهمة، وقوله: "قلب": مرفوع بقوله: "شهم"، وهو نظير؛ حسنٌ وجهٌ بالرفع. قوله: "منجذ" بالجر؛ صفة أخرى لبهمة، قوله. "لا ذي كهام": عطف على ما قبله من المجرور، قوله: "ينبو": جملة وقعت صفة لكهام. الاستشهاد فيه: في قوله: "شهم قلب" فإن فيه شاهدًا على جواز: حسنٌ وجهٌ بالرفع، وهو ضعيف لعدم رابط في اللفظ بين الصفة وموصوفها. فافهم (¬3). ¬
الشاهد الأربعون بعد السبعمائة
الشاهد الأربعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذِنَابِ عَيْشٍ ... أَجَبّ الظهرِ ليسَ لهُ سَنَامُ أقول: قائله هو النابغة، واسمه زياد بن معاوية الذبياني، وهو من قصيدة ميمية في مدح النعمان بن الحارث الأصغر، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ألم أقسمْ عليكَ لتُخْبِرَنِّي ... أمحمولٌ على النعش الهُمامُ 2 - فإنِّي لَا أُلَامُ عَلَى دُخُولٍ ... ولَكِنْ ما وَرَاءَكَ يَا عِصَامُ 3 - فإنْ يَهْلِك أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ ... رَبيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرامُ (¬4) 4 - ونَأْخُذ بَعْدَهُ ............... ... ..................... إلى آخره وكان النابغة بلغه أن النعمان ثقيل من مرض كان أصابه حتَّى أشفق منه عليه فأتاه النابغة، وكان النعمان يُحمل في مرضه ذلك على سرير يُنقل ما بين الغمر وقصوره التي بالحيرة، وكان النعمان قد حجب النابغة لما بلغه عنه من أمر المتجردة، فكان النابغة إذا أراد الدخول على ¬
النعمان جعل عصام حاجب النعمان يخبر عنه أنَّه عليل فقال النابغة لعصام [وهو عصام] (¬1) ابن شهبرة الجرمي: ألم أقسم عليك .............. ... ......................... إلى آخره 1 - [قوله: "] (¬2) عليك": خطاب لعصام، قوله: "أمحمول على النعش" كان الملك إذا مرض جعلته الرجال على أكتافها يعتقبونه ويقفون ويقال: إن ذلك أوطأ له في الأرض. وقيل: معنى أمحمول على النعش، أي: هل مات فيحمل على النعش أم لا؟، و"الهمام" بضم الهاء؛ السيد الشريف. 2 - قوله: "فإني لا ألام على دخول" أي: لا ألام على ترك الدخول عليه؛ لأني محجوب لا أصلُ إليه، يريد أنَّه لا يقدر على أن يدخل على النعمان لغضبه عليه وحجابه له، قوله: "ما وراءك يا عصام" يريد: أخبرني بكنه أمره وحقيقته. 3 - قوله: "فإن يهلك أبو قابوس" هو كنية النعمان، قوله: "يهلك ربيع الناس" جعله بمنزلة الربيع في الخصب لكثرة عطائه وفضله، قوله: "والشهر الحرام" أي: هو موضع أمن في كل مخافة لمستجير وغيره، ويقال: إن الشهر الحرام يُضَاعُ بعده ويتعاور الناس [فيه] (¬3) ويقتتلون ولا ترعى حرمته. 4 - قوله: "ونأخذ بعده" ويروى: ونمسك بعده بذناب عيش؛ أي: نبقى بعده في شدة وسوء حال، ونتمسك بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الَّذي ذهب بسنامه وانقطع لشدة هزاله، و"الذناب" بكسر الذال [المعجمة] (¬4) عقب كل شيء، قوله: "أجب الظهر" أي: مقطوع السنام؛ كأن سنامه قد جُبّ؛ أي: قطع من أصله، ويقال؛ بعير أجب وناقة جباء. الإعراب: قوله: "ونأخذ": جملة من الفعل والفاعل عطف على ما قبله، "وبعده": كلام إضافي نصب على الظرف؛ أي: بعد النعمان، والباء في بذناب يتعلق بنأخذ، و"عيش": مجرور بالإضافة. والاستشهاد فيه: في قوله: "أجب الظهر" فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: الأول: أجبُّ الظهرَ برفع أجب ونصب الظهر مثل: حسنٌ الوجهَ، وهذا من أقسام الضعيف ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد السبعمائة
وهو أن تنصب الصفة المجردة المعرفَ بالألف واللام، فأجب مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو أجب، وأما نصب الظهر فعلى التشبيه بالمفعول أو على التمييز على رأي الكوفيين (¬1). الثاني: نصب "أجب" ورفع الظهر، وهو مثل الأول غير أن ارتفاع الأجب في الوجه الأول يكون على أنَّه خبر مبتدأ محذوف كما قلنا ونصبه في الوجه الثاني على الحال (¬2). الوجه الثالث: جر الأجب والظهر جميعًا، أما جر الأجب فعلى أنَّه صفة لعيش، وأما جر الظهر فبالإضافة (¬3). الشاهد الحادي والأربعون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) أنعتُهَا إِنِّي مِن نُعّاتِهَا ... كُوَمَ الذُّرَا وَادِقَةً سُرَّاتِهَا أقول: قائله هو عمر [بن الأشعث] (¬6) بن لحاء -بالحاء المهملة- التيمي، وترتيب هذا الرجز هكذا (¬7): 1 - أنعتها إني من نُعَّاتِهَا ... مدارةَ الأخفاف مجمراتِهَا 2 - غُلْبَ الذَّفَارَى وعفَرْنِيّاتِهَا ... كُوَمَ الذُّرَا وَادِقَةً سُرَّاتِهَا 3 - حملتُ أثقالي مصمماتها ... ................................ 1 - قوله: "أنعتها" أي: أصفها، والضمير المنصوب يرجع إلى النوق، قوله: "نعاتها" بضم النون وتشديد العين؛ جمع ناعت، قوله: "مدارة" أي: مدورة الأخفاف، قوله: "مجمراتها": جمع مجمرة بالجيم، دقال: حافرٌ مجمرٌ؛ أي: صلب قويٌّ. 2 - و"الغلب" بضم الغين المعجمة وسكون اللام وفي آخره [باء موحدة] (¬8)؛ جمع غلباء، يقال: رجل أغلب إذا كان غليظ الرقبة وامرأة غلباء. و"الذفارى" بفتح الذال المعجمة والفاء والراء، وهو جمع ذفرى بكسر الذال وسكون ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد السبعمائة
الفاء، والذفرى من القفا هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، يقال: هذه ذفرى أسيلة لا ينون؛ لأنَّ ألفها للتأنيث وهي مأخوذة من ذفر العرق؛ لأنها أول ما يعرق من البعير، والجمع ذفريات، وذفارَى بفتح الراء، وهذه الألف في تقدير الانقلاب عن الياء؛ ومن ثَمّ قال بعضهم: ذفارٍ، مثل: صحارٍ. قوله: "وعفرنياتها" بفتح العين المهملة والفاء وسكون الراء وفتح النون بعدها الياء آخر الحروف، وهو جمع عفرناة، يقال: ناقة عفرناة؛ أي: قوية، قوله: "كوم الذرا" الكوم: جمع كوماء، وهي الناقة العظيمة السنام، والذرا -بضم الذال المعجمة؛ جمع ذروة وهي أعلى السنام. قوله: "وادقة": من ودقت إذا دنت لأنها [إذا] (¬1) سمنت دنت سرتها من الأرض من سمنها، "السرات" بضم السِّين المهملة؛ جمع سرة. 3 - قوله: "مصمماتها": جمع مصممة؛ من صمم في السير وغيره إذا مضى. الإعراب: قوله: "أنعتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "إنِّي" الياء اسم إن، وقوله: لا من نعاتها": خبره، قوله: "كوم الذرا": كلام إضافي نصب على المدح، قوله: "وادقة": صفة مشبهة نصب على الوصف، و "سراتها": نصب على التشبيه بالمفعول وعلامة النصب فيه الكسر؛ كما في مسلمات، وإما نُصب على التمييز على رأي الكوفيين (¬2). والاستشهاد فيه: لأنَّ فيه شاهدًا على جواز قولك: زيد حسن وجهَه، بالنصب، وهو القسم الذي ينصب الصفة المشبهة المضاف إلى ضمير الموصوف فافهم، والله -سبحانه وتعالى- أعلم (¬3). الشاهد الثاني والأربعون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) أَمِن دِمْنَتَيِنْ عَرَّجَ الرّكبُ فيهمَا ... بِحَقْلِ الرُّخَامَى قَدْ عَفَا طَلَلَاهُمَا أَقَامَتْ عَلَى رَبْعَيهِمَا جَارَتَا صَفا ... كُمَيتا الأَعَالِي جَوْنَتَا مُصْطَلَاهُمَا أقول: قائله هو الشماخ، واسمه معقل بن ضرار بن حرملة بن صيفي بن إياس بن عبد غنم ¬
ابن جحاش بن مجللة بن مازن بن ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهما من أول قصيدة طويلة من الطَّويل. قوله: "دمنتين": تثنية دمنة، وهي ما بقي من آثار الديار، وأراد بهما الأثفيتين، قوله: "عرج الركب": من التعريج على الشيء، وهو الإقامة عليه، يقال: عرَّج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه، ويروى: عرس الركب؛ من التعريس وهو نزول القوم في السَّفر من آخر الليل يقفون فيه وقفة للاستراحة ثم يرتحلون، وأعرس لغة فيه، "والركب": جمع راكب، كصحب جمع صاحب، و "حقل" بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وفي آخره لام، وهو القراح الطيب، الواحدة: حقلة، والقَراح -بفتح القاف؛ الماء الذي لا يشوبه شيء، و "الرخامى" بضم الراء وبالخاء المعجمة وفتح الميم؛ شجر مثل الضال، وفي شرح الرضي: الحقل: الموضع الذي ينبت فيه الرخامى (¬1)، [والمراد بحقل الرخامى ها هنا: اسم موضع] (¬2). قوله: "قد عفا" أي: درس؛ من عفت الدار إذا درست، والصَّواب في عفا أن يكتب بالألف لأنَّه من ذوات الواو؛ يقال: عفا يعفو، قوله: "طللاهما": تثنية طلل، وهو ما شخص من آثار الدار. قوله: "على ربعيهما": تثنية رَبْع وهو الدار، قوله: "جارتا صفا" الصفا: الجبل، وأراد بجارتا صفًّا: الأثفيتين، قوله: "كميتا الأعالي" أي: أسود، أعلاهما من أثر النار، قوله: "جونتا مصطلاهما" الجون -بفتح الجيم وسكون الواو- من الأضداد يطلق على الأبيض والأسود، والمراد ها هنا الأسود، وقال البعلي: أراد به الأبيض. وقال سيبويه: يريد مصطلى الأثفيتين جون وأعلاهما كميت (¬3)، وتأول الضمير في مصطلاهما ¬
بأنه عائد على الأعالي؛ لأنها مثناة في المعنى، و "المصطلى" بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء واللام؛ موضع النَّار. والمعنى: أقامت ثفيتان اللتان في ربع الدمنتين أعاليهما شديدة الحمرة وأسافلهما مُسوَدّة. الإعراب: قوله: "أمن دمنتين" الهمزة للاستفهام، و "من" للتعليل؛ أي؛ من أجل دمنتين، و "عرج الركب": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "فيهما" أي: عليهما، لأنَّ عرج يستعمل بعلى لا بفي يقال: عرج عليه؛ كما قلنا، وفي تجيء بمعنى على؛ كَمَا في قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي: عليها، والباء في: "بحقل الرخامى" بمعنى في، ومحلها النصب على الحال؛ أي: حال كونهم كائنين في حقل الرخامى. وقوله: "قد عفا طللاهما": جملة فعلية وقعت حالًا من الدمنتين، قوله: "أقامت": فعل وفاعله: قوله: "جارتا صفا"، "وصفا" في تقدير الجر على الإضافة، قوله: "على ربعيهما": يتعلق بأقامت، وعلى بمعنى في، قوله: "كميتا الأعالي": كلام إضافي، وأصله: كميتان، سقطت النون للإضافة وهي صفة: جارتا صفا. قوله: "جونتا مصطلاهما": صفة مشبهة من حبان يجون، وهي أضيفت إلى ما أضيف إلى ضمير موصوفها، أعنى: مصطلاهما، وضمير مصطلاهما يعود إلى جارتا، فهي مثل قولك: مررت برجل حسن وجهِه بالإضافة، والمبرد يمنعه مطلقًا (¬1)، وسيبوبه يخصه (¬2). وقال بعض شراح كتاب سيبوبه: الشاهد لسيبويه في البيت: جونتا مصطللاهما؛ حيث أضاف جونتا إلى مصطلى، وأضاف مصطلى إلى هما، وهما راجعان إلى "جارتا صفا"؛ لأنَّ الجونتين من صفة الجاريتين. الاستشهاد فيه: كما قررناه، فإن سيبويه قال: الجر في هذا النحو من الضرورات (¬3)، ثم أنشد قول الشماخ: ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد السبعمائة
فجونتا مصطلاهما نظير: حسن وجهِه، وأجازه الكوفيون في السعة، وهو الصَّحيح على ما نص عليه ابن الناظم (¬1). الشاهد الثالث والأربعون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) هَيفَاءُ مُقْبِلَةً عَجْزَاءُ مُدْبِرَةً ... مَمْخُوطَةٌ جُدِلَتْ شَنْبَاءُ أَنْيَابَا أقول: قائله هو أبو زبيد الطَّائي، واسمه حرملة بن المنذر، توفي في زمن عثمان - رضي الله عنه -، ولم يعرف تاريخه. وهو من البسيط. قوله: "هيفاء": الضامرة، والمذكر: أهيف، "والعجزاء" بالزاي المعجمة؛ العظيمة العجز، "وممخوطة" بالطاء المهملة، يحتمل أنها موشومة بالمخط -بكسر الميم- الذي يوشم به، وقيل: المخط: الحديدة التي ينقش بها الأديم. قوله: "جدلت": من الجدل وهو الفتل؛ يقال: جدلت الحبل أجدله جدلًا؛ أي: فتلته فتلًا محكمًا، ومنه: جارية مجدولة الخلق حسنة الجدل، ومادته جيم وقال مهملة ولام. قوله: "شنباء": من الشنب وهو حدة الأسنان، وقيل: برد وعذوبة، وامرأة شنباء بينة الشنب، قال الجرمي: سمعت الأصمعي يقول: الشنب: برد الفم والأسنان، فقلت: إن أصحابنا يقولون: هو حدتها حين تطلع فيراد بذلك حداثتها وطراءتها؛ لأنها إذا أتت عليها السنون احتكت، فقال ما هو إلَّا بردها. الإعراب: قوله: "هيفاء": خبر ابتدأ محذوف؛ أي: هي هيفاء، و "مقبلة" نصب على الحال، وكذا الكلام في: "عجزاء مدبرة". فإن قلتَ: ما العامل في الحال؟ ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد السبعمائة
قلتُ: محذوف تقديره: إذا كانت مقبلة وإذا كانت مدبرة، وكانت ها هنا تامة. قوله: "ممخوطة" كذلك خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر، و "جدلت" على صيغة المجهول وقعت صفة لقوله: "ممخوطة"، قوله: "شنباء": خبر بعد خبر، و "أنيابًا": نصب بقوله "شنباء" مثل: حسن وجهًا. الاستشهاد فيه: فإن شنباء صفة مشبهة نصبت أنيابًا التي هي مجردة عن الألف واللام، وفيه شاهد على جواز قولك: حسن وجهًا. فإن قيل: ما يسمى هذا المنصوب؟ قلتُ: هذا تمييز لأنَّه نكرة، وأمَّا إذا كان معمولها معرفة بالألف واللام يجوز أن يقال إنه نصب على التمييز أو على التشبيه بالمفعول (¬1) فافهم. الشاهد الرابع والأربعون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أَلِكْنِي إِلَى قَوْمِي السَّلَامَ رسَالةً ... بِآيَة مَا كَانُوا ضِعَافًا وَلَا عُزْلَا وَلَا سَيِّئي زِيّ إِذَا مَا تَلَبَّسُوا ... إلَى حَاجَة يَوْمًا مُخَيَّسَةً بُزْلَا أقول: قائلها هو عمرو بن شأس بن عبيد بن ثعلبة بن دومة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة. وهما من الطويل. قوله: "ألكني" بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الكاف، قال البعلي: معناه: بلغني، وقال ¬
ابن هشام: أرسلني (¬1)، قلت: معناه ما قاله ابن فارس في المجمل: "ألكني"؛ أي: تحمل رسالتي إليه، قال الشاعر (¬2): ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديَا (¬3) وقال أبو زيد: ألكته أليكه إذا أرسلته، قلت: فحينئذ يكون ألكنى أمرًا من ألاك يلين إذا أرسل، وقال الجوهري: الألوك الرسالة، وكذلك المألك والمألكة بالضم فيهما (¬4). قوله: "رسالة" ويروى: تحية، قوله: "بآية" أي: بعلامة، "ممَّا كانوا ضعافًا" وهو جمع ضعيف؛ ككرام جمع كريم، قوله: "ولا عزلا" بالعين المهملة والزاي المعجمة؛ جمع أعزل وهو الذي لا سلاح معه. قوله: "ولا سيئي زي" أصله: ولا سيئين بالنون سقطت للإضافة، وهو جمع سيئ من السوء، و "المزي" -بكسر الزَّاي المعجمة، وتشديد الياء آخر الحروف، وهو اللباس والهيئة، ويروى: ولا سيئي رأي بالراء المهملة وسكون الهمزة (¬5). قوله: "ولا مخيسة" بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وفتح السِّين المهملة؟ أي: محبوسة، وقال النحاس: الأجود أن يكون مخيسة بمعنى مذللة (¬6)، وقال الجوهري: المخيس: اسم سجن كان بالعراق؛ أي: موضع التذلل، وكل سجن مخيَس ومخيِس -أيضًا- يعني بفتح الياء وكسرها (¬7). قوله: "بزلَا" بضم [الباء] (¬8) الموحدة وسكون الزَّاي المعجمة؛ جمع بازل وهو البعير الذي فطر نابه؛ أي انشق، ذكرًا كان أو أنثى. الإعراب: قوله: "ألكني": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت في ألك والمفعول وهو "ني" وهو مفعول ثان مقدمًا، وقوله: "السَّلام" هو المفعول [الأول] (¬9)، والتقدير: بلغ السَّلام عني. ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد السبعمائة
قوله: "رسالة": نصب على الحال، قوله: "بآية ما كانوا" الباء تتعلق بقوله "رسالة"، وكلمة ما نافية، ويجوز أن تكون زائدة، ويكون في "ضعافًا" كلمة لا مقدرة، تقديره ولا ضعافًا ولا عزلًا حذفت "لا" لدلالة لا الثَّانية [عليها] (¬1)، ويجوز أن تكون ما مصدرية؛ أي: بآية كونهم لا ضعافًا ولا عزلًا. قوله: "ولا عزلًا": عطف على قوله: "ضعافًا"، قوله: "ولا سيئي زي": عطف على قوله: "ولا عزلًا"، وهو كلام إضافي منصوب، قوله: "إذا ما تلبسوا" إذا ظرف لقوله: "ولا سيئي زي"، وكلمة ما زائدة أو مصدرية أي ولا سيئي زي وقت تلبسهم. قوله: "إلى حاجة" متعلق بقوله: "تلبسوا"، و "يومًا" نصب على الظرف، قوله: "مخيسة": نصب على أنها صفة لقوله: "بزلًا" قدمت على موصوفها للضرورة، و "بزلًا": منصوب بقوله: "تلبسوا". وحاصل المعنى: ولا كانوا سيئي زي إذا ركبوا بزلًا مخيسة؛ أي مذللة إلى حاجة ذوي الحاجات أي لأجل حاجتهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا سيئي زي" فيه دليل على جواز: حسن وجهٍ بالإضافة وبتجريد المضاف إليه من الألف واللام (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) لَا يَبْعَدَن قَوْمِي الذينَ هُمُ ... سُمُّ العَدَاةِ وَآفَةُ الجُزْر النَّازلُي بِكلِّ مُعْتَرَكٍ ... والطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ أقول: قائلته هي خرنق بنت هفان القيسية، من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. ترثي زوجَها بشر بن عمرو بن مرثد وابنَها علقمة بن بشر وأخويه حسَّان وشرحبيل. ¬
وكانوا قد أغاروا في بني ضبيعة علي بني أسد، فأخذ عليهم بنو أسد عقبة جبل يقال له قلاب من محلة بني أسد فقتلوهم به، فقالت خرنق تذكُر ذلك (¬1): 1 - فَلَا وَأَبِيكَ يبقى بَعْدَ بِشر ... عَلَى حَيٍّ يَمُوتُ صَديق 2 - وبعدَ الخير عَلقَمَةُ بنُ بشْر ... إذا مَا الموتُ كَانَ لَدَى الحُلوقِ 3 - وَمَال بَنُو ضُبَيعَةَ بَعْدَ بِشْر ... كمَا مَال الجُذُوعُ من الحريق 4 - فَكَم بقُلَاب مِن أَوْصَالِ خرقٍ ... أخِي ثقَة وَجُمجُمَةٍ فَلِيق والبيتان المذكوران من قصيدة من الكامل، وأولها هو قولها (¬2): 1 - إنْ يَشرَبُوا يَهبُوا وإنْ يَذَرُوا ... يَتَوَاعَظُوا عنْ منطق الهُجْر 2 - قومٌ إذا رَكِبُوا سمعت لهُم ... لغَطًا ينَ التَّأْيِيهِ والزجرِ 3 - والخَالطينَ نحيتَهُم بنُضَارهم ... وذَوي الغنَى مِنْهُم بِذي النقر 4 - هَذَا ثنَائي مَا بَقيتُ لَهُم ... فَإذَا هَلَكتُ أَجَنَّنِي قبرِي 1 - قولها: "الهجر" بضم الهاء؛ الفحش. 2 - و "اللغط": الجلبة. و"والتأبيه": الصوت، يقال: أيهت به تأبيهًا إذا صحت به. 3 - و "النحيت": الخامل الساقط الذكر فيهم، و "النضار": الرفيع. 5 - قولها: "لا يبعدن" بفتح العين والدال؛ من بَعِدَ يبعَدُ -من باب علم يعلم- بَعَدًا بفتحتين إذا هلك، ومعناه: لا يهلكن قومي، قولها: "سم" بضم السِّين المهملة، وحكى الأخفش الكسر- أيضًا، وجمعه: سمام، و "العداة": جمع عاد؛ كالقضاة جمع قاض. [قولها] (¬3): "وآفة الجزر" الآفة العلة، والجزر بضم الجيم وسكون الزاى بعدها راء، وأصله: جزر بضمتين فسكنت [الثَّانية] (¬4) للوزن، وهو جمع جزور، وأراد بآفة الجزر: أنهم كانوا يكثرون من نحر الجزر للضيفان. قوله: "معترك" بضم الميم، هو موضع القتال، وكذلك المعركة، ومعنى "النازلين بكلِّ معترك" (¬5) ¬
أنهم ينزلون عن الخيل عند [ضيق] (¬1) المعترك فيقاتلون على أقدامهم، وفي ذلك الوقت يتداعون نزال، و "الأزر" بضم الهمزة وسكون الزَّاي؛ جمع إزار. و"المعاقد" بفتح الميم، وهو موضع عقد الإزار، ويقال: المعاقد: الحجز، وهي جمع حجزة، والحجزة: حيث ينثني طرف الإزار في لوث الإزار، وحكى ابن الأعرابي: الحزة كما ينطق بها العامة، وقيل: المعاقد للأزر، والحجز للسراويلات، والحجز للعجم وملوك العرب؛ [كما قال النابغة في ملوك غسان (¬2): رقَاقُ النِّعَالِ طَيِّبٌ حُجُزَاتهُم ... يُحَيَّوْنَ بالرِّيحَان يَوْمَ السَّبَاسِب والمعاقد للعرب] (¬3) لأنها لا تكاد تلبس إلَّا الأزر، والأزر جمع إزار، وسكن الزَّاي للاستخفاف. وحاصل معنى قولها: "والطيبون معاقد الأزر" أنهم موصوفون بالعفة؛ لأنَّ العرب تكني بالشيء عما يحويه ويشتمل عليه؛ كما قالوا: ناصح الجيب يريدون الفؤاد؛ فكنوا عنه بالجيب الذي يقع عليه أو قريبًا منه. الإعراب: قوله: "لا يبعدن" لا: دعاء، ويبعدن: في موضع جزم بالدعاء؛ لأنَّ الدعاء يجزم كما يجزم النَّهي غير أن النون الخفيفة ذهبت بإعرابه في اللفظ وبقي الموضع مجزومًا، قوله: "قومي": فاعل غير أنَّه لا يظهر فيه الإعراب، قوله: "الذين": موصول، و "هم" مبتدأ، و "سم العداة": خبره، والجملة صلة الموصول، والموصول مع صلته صفة للقوم. قوله: "وآفة الجزر" كلام إضافي [عطف] (¬4) على: "هم سم العداة"، قوله: "النازلين" بالنصب على القطع، ويروى: النازلون بالرفع -أيضًا- بالإتباع، ويروى كلاهما بالقطع -أيضًا-. قوله: "والطيبون معاقد الأزر" من باب الحسن الوجه، و "معاقد": منصوب على التشبيه بالمفعول به، وهو مشبه بالضاربين زيدًا، ولا يجوز أن يكون مفعولًا به؛ لأنَّ طاب غير متعد، ولا يجوز أن يكون تمييزا؛ لأنَّ التمييز لا يكون إلَّا نكرة، ولا يجوز أن ينوى به الانفصال؛ لأنَّ ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد السبعمائة
معاقد لا يخلو إما أن يكون جمع معقِد بكسر القاف، وهو الموضع، أو جمع معقَد بفتح القاف، وهو المصدر، وأجمع النحويون على أن إضافة المصدر والموضع محضة لا ينوى بها الانفصال. الاستشهاد وفيه: في قوله: "والطيبون معاقد الأزر" فإن فيه دليلًا على صحة: الحسن وجه الأب (¬1) برفع الوجه، ويجوز نصبه كما يجوز نصب معاقد الأزر على الوجه المذكور. الشاهد السادس والأربعون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) فَمَا قَوْمِي بثَعْلَبَةَ بنن سَعْدٍ ... ولَا بِفَزَارَةَ الشُّعْر الرِّقَابَا أقول: قائله هو الحارث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ بن مرَّة أحد بني مرَّة بن عوف. وهو من قصيدة بائية من الوافر، قالها الحارث حين هرب من النُّعمان بن المنذر فلحق بقريش، والبيت المذكور أول القصيدة، وبعده (¬4): 2 - وقَوْمِي إِنْ سَأَلْت بَنو لُؤَيٍّ ... بمَكَّةَ علّمُوا مُضَرَ الضِّرَابَا 3 - سَفِهْنَا باتّبَاعِ بَني بَغِيضٍ ... وتَركِ الأَقْربينَ بِنَا انْتِسَابَا 4 - سفاهةَ مُخْلِفٍ لما ترَوّى ... هراق الماءِ واتبع السَّرَايَا 5 - فَلَوْ طَوَّعْتَ عمركَ كُنتَ فيهم ... وما ألفيتَ أنْتَجعُ السَّحَابَا 1 - قوله: "الشعر" بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة جمع أشعر، يقال: رجل أشعر إذا كان كثير شعر الجسد. الإعراب: [قوله] (¬5): "فما" بمعنى ليس، و "قومي": كلام إضافي اسمه، وقوله: "بثعلبة بن سعد": خبره، والباء فيه زائدة، قوله: "ولا بفزارة": عطف على قوله: "بثعلبة بن سعد"، وقوله: "الشعر الرقابا": صفة لفزارة. ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد السبعمائة
وفيه الاستشهاد: فإنَّه مثل: الحسن الوجهَ، بنصب الوجه؛ فإن الحسن صفة مشبهة، وقد نصب الوجه، وهو معرف بالألف واللام، [وكذلك "الشعر" صفة مشبهة نصب الرقاب وهو معرف بالألف واللام] (¬1)، (¬2). الشاهد السابع والأربعون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) لَقَدْ عَلمَ الأَيْقَاظُ أخفيَةَ الكَرَى ... تَزَجُّجَهَا منْ حَالِكٍ واكْتِحَالهَا أقول: قائله هو كميت بن زيد الأسدي، وهو من قصيدة هائية (¬5) من الطَّويل، وقبله هو قوله: 1 - أبُوكَ أبو العَاصِي إذا الحَربُ شمَّرَتْ ... عَنِ السَّاق وابتَزَّ الغُوَاةُ جِلَالهَا 2 - إذا مَا بَدَت بعدَ الخريعِ الذِي أَرتْ ... مَحَاسِنَهَا أَعْفَارهَا وَجَمَالهَا 3 - تُعَرِّضُ لِلْأَيْدِي اللَّوَامِسِ منهم ... روَادِفَهَا مَبذُولَة ودلَالهَا 4 - مُحَلَّقَةَ الأَصْدَاغِ شَمْطَاءَ كشَّفَتْ ... عَنِ الذعرِ المنقُوضِ منهُ فِضالهَا 1 - قوله: "أبوك أبو العاصي إلى آخره" يمدحه ويصفه بمعرفة الحرب وتلقيها بالحزم والصبر عند اغترار الجاهل بها، وشبهها بالخريع وهي العاجزة (¬6)، وقيل: الناعمة الرخصة، وقال كراع: الخريع: الماجنة المتبرجة، والخريعة بالهاء: الفاجرة، والخراعة: الدعارة ففرق بينهما. 3 - قوله: "مبذولة" أي: مبذولة هي؛ يعني الروادف [ودلالها بالنصب على المعية أي: مع دلالها ولا يعطف على الروادف] (¬7)؛ لأنَّ الدلال الذي هو الغنج والشكل لا يلمس باليد. 4 - قوله: "محلقة الأصداغ" بالنصب على الحال من الضمير الذي في قوله: "إذا ما بدت". ¬
قوله: "فضالها" بكسر الفاء؛ يعني: ثيابها التي للتبذل لأنها قد تعرف من كسوة التجمل. قوله: "الأيقاظ": جمع يقظ، "والأخفية": الأغطية، واحدها خفاء (¬1)، وسمي خفاء لأنَّه يخفي ما تحته، وأصل الخفاء الكساء الذي يستر به الرطب، وهو سقاء اللبن، [والمراد] (¬2) ها هنا أجفان العيون، "والكرى": النوم. قوله: "تزججها" أي: تكحلها بالمزج، يقال: زججت المرأة حاجبيها إذا أدقت صنعتهما وتزيينهما، قوله: "من حالك" أي من أسود، ويروى: [تزججها] (¬3) من آنف [واكتحالها] (¬4)، أي: من قريب؛ قاله السكري، ثم قال: التزجج إنَّما يكون للحاجب إذا نتف ما حوله لكنَّه إستعاره للأنف لقربه منه، وهذا التفسير يوجب أن يكون قوله: "من آنف": جمع أنف وجمعه بما حوله. الإعراب: قوله: "لقد" اللام للتأكيد و "قد" للتحقيق، و "علم" ها هنا بمعنى عوف؛ فلذلك اقتصر به على مفعول واحد وهو قوله: تزججها، و "الأيقاظ" بالرفع فاعل علم. قوله: "أخفية الكرى": كلام إضافي منصوب على التمييز عند أبي الفتح، كأنه حمله على المعنى؛ لأنَّ المعنى: الأيقاظ عيون أخفية الكرى، فكأنه قال: الأيقاظ عيونًا من أغطية النوم التي تشتمل على عيون جهال القوم. ويجوز أن تجعل الأخفية العيون أنفسها لاشتمالها على النوم كاشتمال الأخفية على ما فيها، وللمجاورة، كأنه قال: الأيقاظ عيونًا، وكذا قدره أبو الفتح (¬5). وأجاز أبو علي نصبه كنصب: مررت برجل حسن وجهَه، على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز وإن كان معرفة؛ لأنَّ التعريف لا يفيد هنا شيئًا فهو كتعريف الأجناس (¬6). قوله: "من حالك": "يتعلق" (¬7) بتزججها، قوله: "واكتحالها" التقدير: واكتحالها منه فحذف للدلالة عليه كما تقدم، ولا يجوز أن يتعلق من حالك باكتحالها؛ لما يؤدي إليه من تقديم الصلة على الموصول، فافهم. ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد السبعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "الأيقاظ أخفية الكرى" فإن فيه دليلًا على صحة: الحسن وجه الأب (¬1). الشاهد الثامن والأربعون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) الحَزْنُ بَابًا والعقورُ كَلبَا ... ................................. أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقبله (¬4): ................................ ... فذَاكَ وضْمٌ لَا يُبَالي السَّبَا يذم به إنسانًا بابه مغلق دون الأضياف، وأن كلبه عقور، وهو نظير: الحسن وجهًا، فإن الحسن صفة مشبهة نصبت وجهًا، وهو مجرد عن الألف واللام والإضافة، وكلك قوله: "الحزن بابًا والعقور كلبًا" فإن الحزن والعقور صفتان مشبهتان وقد نصبتا بابًا وكلبًا، وهما عاريان عن الألف واللام والإضافة (¬5). الشاهد التاسع والأربعون بعد السبعمائة (¬6) مَا الرَّاحِمُ القلْب ظَلَّامًا وَإِنْ ظُلمَا ... ................................... أقول: لم أقف على اسم قائله (¬7) وتمامه: ................................. ... ولَا الكَريمُ بمَنَّاع وإنْ حُرِمَا وهو من البسيط. ¬
الشاهد الخمسون بعد السبعمائة
قوله: "ظلَّامًا" على وزن فعال بالتشديد مبالغة ظالم، وكذلك المناع مبالغة مانع، ولكن المعنى ها هنا: ليس بذي ظلم، وليس بذي منع؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي ليس بذي ظلم، وليس المراد به المبالغة فافهم، قوله: "وإن ظُلِمَا": على صيغة المجهول، وكذا قوله: "وإن حُرِمَا" وأصله: من حَرَمَهُ الشَّيءَ يحرِمُه حَرِمًا، مثال سرَقَه سَرِقًا بكسر الراء، وحِرمَة وحَريمَة وحِرمَانًا، وَأحرمه -أيضًا- إذا منعه إيَّاه (¬1). الإعراب: قوله: "ما الراحم القلب" ما بمعنى ليس و "الراحم القلب": كلام إضافي اسمه، و "ظلامًا" خبره، قوله: "وإن" واصل بما قبله معطوف على محذوف تقديره: إن لم يظلم وإن ظلم، والألف في "ظلمًا" للإطلاق، وكذلك التي في: حُرمَا، قوله: "ولا الكريم": عطف على قوله: "ما الراحم القلب"، والباء في [قوله:] (¬2) "بمناع" زائدة، والكلام في قوله: "وإن حُرِمَا" مثل الكلام في قوله: "وإن ظُلِمَا". الاستشهاد فيه: في قوله: "ما الراحم القلب" فإن الراحم اسم فاعل أضيف إلى فاعله، وإضافة اسم الفاعل إلى فاعله لا تجوز إلَّا إذا أمن اللبس وفاقًا للفارسي ومَن تبعه، والجمهور على منعه، وقالت جماعة: إن حذف مفعوله اقتصارًا جاز وإلا فلا (¬3). ومن هذا القبيل البيت المذكور، فإن قوله: "الراحم" اسم فاعل أضيف إلى فاعله وحذف مفعوله اقتصارًا، والصحيح أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس، ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي؛ فلذلك سهل فيه الاستعمال المذكور، وأمَّا في اسم الفاعل المتعدي فقليل؛ كما في قوله: "ما الراحم القلب" إلى آخره. الشاهد الخمسون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) مِنْ صديقٍ أَوْ أَخي ثِقَةٍ ... أَوْ عَدُوٍّ شَاحِطٍ دارَا أقول: قائله هو عدي بن زيد بن حمار التميمي، شاعر جاهلي، وهو من المديد. ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد السبعمائة
قوله: "شاحط": فاعل من الشحط وهو البعد، وكذلك الشحوط، يقال: شحط يشحط شحطًا وشحوطًا ومشحطًا إذا بعد. الإعراب: ظاهر لأنَّ قوله: "من صديق" يتعلق بما تقدمه من البيت، وقوله: "أو أخي ثقة": كلام إضافي عطف عليه، وكذا قوله: "أو عدو"، وقوله: "شاحط" صفة للعدو، و "دارًا" نصب به. الاستشهاد فيه: في قوله: "شاحط" فإنَّه صفة مشبهة باتفاقهم مع أنَّه جار على فعله، وبهذا رد على من قال: إن الصفة هي التي لا تجري على فعلها نحو: حسن وشديد، وممن قال ذلك أبو علي والزمخشري (¬1). قلت: إن صح اتفاقهم فهو محمول على أنَّه اسم فاعل، ولكنه لما قصد به الثبوت أجرى حكمه حكم الصفة المشبهة، فلذلك أطلق عليه أنَّه صفة مشبهة فافهم (¬2). الشاهد الحادي والخمسون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) سَبَتني الفَتَاةُ البَضَّةُ المُتَجَرَّدِ الْ ... لَطِيفَةِ كشحِهِ وَمَا خِلْت أَنْ أُسبَى أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "الفتاة" الشابة، و "البضة" بفتح الباء الموحدة وتشديد الضَّاد المعجمة، يقال: رجل بَضٌّ؛ أي: رقيق الجلد ممتلئ، وجارية بضة كانت أدماء أو بيضاء. قوله: "المتجرد" بضم الميم وفتح [التاء] (¬5) المثناة من فوق والجيم والراء، يقال: فلان حسن المتجرد بفتح الراء والمجرد والمجردة؛ كقولك: حسن العرية والمعرى، وهما بمعنى واحد. قوله: "كشحه" الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو بكسر الحاء، وهو أقصر الأضلاع، قوله: "ومما خلت" أي: وما ظننت أن أسبى؛ من السبي وهو الأسر. ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "سبتني": جملة من الفعل والمفعول، قوله: "الفتاة" فاعلها، و "البضة" بالرفع صفة الفتاة، قوله: "المتجرد" مجرور بإضافة البضة إليه، وقوله: "اللطيفة": مرفوع لأنَّه صفة أخرى للفتاة، وهو مضاف إلى كشحه، والضمير في كشحه يرجع إلى المتجرد، قوله: "وما خلت": جملة من الفعل والفاعل، و "أن أسبى": على أنَّه في محل النصب مفعول. الاستشهاد فيه: في قوله: "البضة المتجرد اللطيفة كشحه" فإن الكشح مضاف إلى ضمير المتجرد المضاف إليه البضة، ونظيره: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها، فإن المعمول مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، وهذا تركيب نادر (¬1). الشاهد الثَّاني والخمسون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) فَعُجْتُهَا قبلَ الْأَخيَار مَنزلَةً ... وَالطَّيِّبِي كُلِّ مَا التَاثَتْ بِهِ الأُزُرُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة من البسيط، وأولها هو قوله (¬4): 1 - تَقُولُ لَمَّا رَأَتْنِي وَهيَ طيبةٌ ... عَلَى الفراش ومنهَا الدَّلُ والحفرُ 2 - أصدِر هُمُومَكَ لَا يَقتُلكَ وَاردُهَا ... فَكلُّ وَاردَةٍ يَومًا لها صدرُ 3 - فعجتها قِبَلَ الأَخيَار مَنزلَةً ... وَالطَّيِّبي كُلِّ مَا التَاثَت بِهِ الأُزُرُ (¬5) 4 - إذَا رَجَا الرَّكْبُ تَعْرِيسًا ذكرتُ لهُم ... غَيثًا يَكُونُ عَلَى الأَيْدِي لَهُ دِرَرُ 5 - وَكَيفَ تَرجُونَ تغميضًا وَأَهْلُكُم ... بِحَيثُ تَلْحَسُ عن أولادِها البقرُ 6 - سِيرُوا فإنَّ ابنَ ليلَى مِنْ أمامِكُم ... وَبادِرُوهُ فإنَّ العُرفَ يُبتَدَرُ 7 - فأصْبَحُوا قدْ أعادَ الله دولتَهم ... إذ هم قريشٌ وإذ ما مثلَهم بشرُ ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد السبعمائة
8 - ولن يَزَال إمامٌ منهمُ ملكٌ ... إليه يَشخَصُ فوقَ المنبرِ البصرُ 3 - قوله: "فعجتها" أي: فعجت الناقة؛ يقال: عجت البعير أعوجه عوجًا ومعاجًا إذا عطفت رأسه بالزمام، وانعاج عليه: انعطف، قوله: "قبل الأخيار" بكسر القاف وفتح الباء الموحدة؛ أي: نحوهم وجهتهم، والأخيار: جمع خيِّر بالتشديد. قوله: "والطيبي" أصله: والطيبين، سقطت النون للإضافة، وهو جمع طيب قوله: "التاثت": من الالتياث، وهو الاختلاط والالتفاف، يقال: التاث برأس القلم شعرة، ومادته: لام وياء وثاء مثلثة، "والأزر": جمع إزار، وهو كناية عن وصفهم بالعفة، والعرب تكني بالشيء عما يحويه ويشتمل عليه؛ كما قالوا: فلان ناصح الجيب؛ أي: الفؤاد، وكذلك ها هنا، أراد أنهم موصوفون بالعفة فافهم. الإعراب: قوله: "فعجتها" الفاء للعطف، وعجتها: جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "قبل الأخيار": كلام إضافي منصوب على الظرفية، و "منزلة" نصب على التمييز. قوله: "والطيبي كل ما التاثت": عطف على الأخيار، ولفظ "كل" مضاف إلى ما الموصولة و "التاثت": فعل ماض، و "الأزر": فاعله، والجملة صلة الموصول، والضمير في "به" يرجع إلى لفظ ما. الاستشهاد فيه: في قوله: "والطيبي كل ما التاثت" فإن قوله: "الطيبي" صفة مشبهة مضافة إلى كل الذي هو مضاف إلى موصول، وقد علم أن معمول الصفة المشبهة على أنواع منها المضاف إلى موصول؛ كما في البيت المذكور، والباقي عرف في موضعه (¬1). الشاهد الثالث والخمسون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) ........................... ... وَثيرَاتُ مَا الْتَفَّتْ عَلَيها المآزِرُ أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وصدره: ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد السبعمائة
أَسِيلَاتُ أَبْدَانٍ دِقَاقُ خصُورُهَا ... ................................... وهو من الطَّويل. قوله: "أسيلات أبدان": جمع أسيلة، وهي الطويلة، وكل مسترسل أسيل؛ ومنه سمي الرماح أسيلًا، ورجل أسيل الخد إذا كان لين الخد طويله، وقد أسل بالضم أسالة. و"الدقاق" بكسر الدال جمع دقيق، و "الخصور": جمع خمس، قوله: "وثيرات": جمع وثيرة -بفتح الواو وكسر الثاء المثلثة، والوثير: الفراش الوطيء، وأراد بها ها هنا وطيآت الأرداف والأعجاز. الإعراب: قوله: "أسيلات أبدان": كلام إضافي خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هن أسيلات أبدان، قوله: "دقاق": جمع اسم فاعل عَمِل عَمَل فعله؛ حيث رفع خصورها وهو -أيضًا- خبر بعد خبر. قوله: "وثيرات ما التفت": كلام إضافي خبر بعد خبر [وما موصولة، و "التفت": فعل ماض، و "المآزر": فاعله، والجملة] (¬1) صلة للموصول، والضمير في "عليها" يرجع إلى "ما" باعتبار معناها. الاستشهاد فيه: في قوله: "وثيرات ما التفت" فإن وثيرات صفة مشبهة أضيفت إلى الموصول، وقد علم أن الصفة المشبهة المضافة على أنواع: منها المضاف إلى الموصول كما في البيت المذكور (¬2). الشاهد الرابع والخمسون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) أَزور امرأ جَمًّا نوالٌ أعده ... لمن أَمَّه مُستَكْفِيًا أَزْمَةً الدَّهْرِ أقول: قائله مجهول، وهو من الطَّويل. قوله: "جمًّا" بالجيم وتشديد الميم؛ أي: عظيمًا، قوله: "نوال" بفتح النون، وهو العطاء وكذلك النول، قوله: "لمن أمه" أي: قصده، قوله: "أزمة الدهر" أي: شدته. ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "أزور": جملة الفعل والفاعل، و "امرأ": مفعوله، و "جمًّا": صفة مشبهة منصوب لأنَّه صفة لامرئ، وقوله: "نوال": مرفوع بقوله: "جمًّا" لأنه صفة مشبهة عمل عمل فعله. قوله: "أعده": من الإعداد، جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، والفعول وهو الهاء الذي يرجع إلى النوال، والجملة في محل الرفع لأنها صفة للنوال، والأَوْلى أن تكون في محل النصب على أنها صفة لامرئ ويكون الضمير فيها راجعًا إليه (¬1). وقوله: "لمن أمه": يتعلق بقوله: "مستكفيًا"، ومن موصولة، و "أمه" جملة صلتها، و "مستكفيًا" نصب على أنَّه مفعول ثان لأعده، وقوله: "أزمة الدهر": كلام إضافي منصوب بقوله: "مستكفيًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "جمًّا نوالُ" حيث [رفع جمًّا نوال] (¬2) مع أنَّه غير متلبس بضمير صاحب الصفة لفظًا، وفي المعنى التقدير: جمًّا نواله (¬3). الشاهد الخامس والخمسون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) حَسَنُ الوَجهِ طَلْقُهُ أَنْتَ فِي السِّلْـ ... ـمِ وَفِي الحَربِ كَالِحٌ مُكفَهِرٌّ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "طلقه" أي طلق الوجه؛ يقال: رجل طلق الوجه وطليق الوجه؛ أي: غير عبوس، "والسلم" بكسر السِّين؛ الصلح، "والكالح": من الكلوح وهو التكشير في عبوس، وقد كلح الرجل كلوحًا وكلاحًا، و "المكفهر": من اكفهر الرجل إِذا عبس. الإعراب: قوله: "حسن الوجه" كلام إضافي، وقد عمل في الضمير البارز وهو قوله: "أنت"، وقوله: ¬
"طلقه" بالرفع بدل من قوله: "حسن الوجه" (¬1)، قوله: "في المسلم": حال من أنت؛ أي: حال كونك في المسلم، [قوله:] (¬2) "وفي الحرب": طف على قوله: "في المسلم"، وهو متعلق بكالح، و "كالح": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: أنت في الحرب كالح، و "مكفهر": خبر بعد خبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "حسن الوجه طلقه أنت" حيث عمل حسن الوجه وهو صفة مشبهة في الضمير البارز وهو أنت مع أنَّه غير سببي، وقد شرط أن يكون معمول الصفة المشبهة سببيًّا بخلاف اسم الفاعل فإنَّه يعمل في السببي والأجنبي، والمراد بالسببي المتلبس بضمير صاحب الصفة لفظًا أو معنًى، وأجيب عن ذلك بأن المراد من السببي أن لا يكون أجنبيًّا، فإنَّها لا تعمل في الأجنبي، وأمَّا عملها في الموصوف فلا إشكال فيه (¬3). * * * ¬
شواهد التعجب
شواهد التعجب الشاهد السادس والخمسون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَاهًا للَيلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهًا ... ....................................... أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، ويقال أبو النجم العجلي، وقد ذكرناه مع الاختلاف فيه مع شواهد المعرب والمبني عند قوله (¬3): إن أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... ................................... وقوله: "واهًا لليلى" أول القصيدة المرجزة، وهي (¬4): 1 - وَاهًا لِلَيلَى ثُمَّ وَاهًا وَاهًا ... هِيَ المُنَى لَو أنَّنا نِلْنَاهَا 2 - يا لَيتَ عينَاهَا لَنَا وَفَاهَا ... بثَمَنٍ نُرضى بِهِ أَبَاها 3 - إن أبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَاياهَا قوله: "واهًا" كلمة يقولها المتعجب، فإذا تعجبت من طيب شيء، قلت: واهًا له ما أطيبه!، وكلمة: "وا" ها هنا اسم لأعجب كما في قوله (¬5): وَا بِأَبي أنْتِ وفُوكِ الأَشْنَبُ ... ................................... ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد السبعمائة
وقد يزاد فيها الهاء، فيقال: واهًا كما في البيت المذكور، قوله: "لليلى" اللام فيه للتعجب، وهي مكسورة ليفرق بينها وبين لام الاستغاثة، قوله: "لم واهًا": عطف على: واهًا [لليلى، قوله: "واهًا] (¬1) تأكيد للأول. الاستشهاد فيه: في قوله: "واهًا" فإنَّه كلمة للتعجب؛ كما ذكرنا، وقد علم أنَّه يستعمل على صيغ مختلفة منها كلمة: "واهًا"، ومنها كلمة: كيف؛ كما في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28]، ومنها لفظ: سبحان الله؛ كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (¬2): "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس" (¬3). الشاهد السابع والخمسون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) .............................. ... يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ! أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وأوله: بَانَت لِتُحْزِنَنَا عفَارَة ... ................................... وهي من قصيدة طويلة، من الكامل المجزوء المرفل المصرع (¬6)، وأولها هذا البيت، وبعده قوله (¬7): 2 - تُرضِيكَ مِن حُسْنٍ وَمِن ... دلّ مُخَالطُةُ غَرَارَهْ 3 - بَيضَاءُ ضَحوَتهَا وَصَف ... رَاءُ العَشِيَّة كالعَرَارَة (¬8) 4 - وَسَبَتْكَ حِينَ تَبَسَّمَت ... بينَ الأَريكةِ وَالسِّتَارَهْ ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد السبعمائة
1 - قوله: "بانت": من البين، و "عفارة": اسم امرأة يحتمل أن تكون هي الجارة أو غيرها، فإن كانت عينها فقد انتقل من الإخبار إلى الخطاب بقوله: يا جارتا، والجارة ها هنا زوجته، وأصله: يا جارتي، فأبدل من الكسرة فتحة، فانقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويجوز أن تكون الألف فيها ألف الندبة، فلما وصلها حذف الهاء، فكأنه لما فقدها ندبها. 2 - قوله: "غراره" بالغين المعجمة؛ من الغرة، "والعَرارة" بفتح العين المهملة، وهو شجر له نور أصفر يكون قدر شبر، "والأريكة" السرير المتخذ في حجلة، ويجمع على: أرائك. الإعراب: قوله: "بانت": فعل، و "عفاره": فاعله، واللام في: "لتحزننا" للتعليل، قوله: "يا جارتا": منادى منصوب؛ لأنَّه مضاف؛ إذ أصله: يا جارتي؛ كما نقول؛ يا غلامي ثم نقول: يا غلامًا. قوله: "ما أنت" ما نافية، و "أنت": مبتدأ، و "جاره": خبره، ويروى: ما كنت جاره، فهذا يؤكد (¬1) معنى النفي، ويجوز أن تكون ما استفهامًا في موضع الرفع على الابتداء، وأنت خبره، وجاره يكون تمييزًا، والمعنى: عظمت من جارة. [الاستشهاد فيهِ: في قوله: "ما أنت جارة! " حيث يدل على التعجب؛ إذ التقدير: عظمت من جارة] (¬2) كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثامن والخمسون بعد السبعمائة (¬4) يَا هَيْء مَا لِي مَن يُعَمِّر يُفْنِهِ ... مَرَّ الزَّمَانِ عَلَيهِ وَالتَّقْلِيبُ أقول: قائله هو جميح بن الطماح الأسدي، ويقال: نافع بن لقيط الأسدي؛ قاله ابن بري، وعن أبي الحسن الأخفش عن ثعلب أنَّه لنافع بن نويفع الفقعسي (¬5)، وهو من قصيدة طويلة من الكامل، وأولها هو قوله: 1 - بَانتْ لِطَيِّبِهَا الغدَاةَ جَنُوبُ ... وَطَرِبْتَ أَنَّكَ مَا عَلِمْتُ طَرُوبُ ¬
قوله: "يا هيء" ذكر بعض أهل اللغة أن هيء اسم لفعل أمر ومعناه تنبه واستيقظ كمعنى: صه ومه في كونهما اسمين لاسكت واكفف (¬1)، وإنما بنيت على حركة بخلاف: صه ومه؛ لئلا يلتقي ساكنان، وخصت بالفتحة طلبًا للخفة بمنزلة: أين وكيف. قوله: "ما لي" يعني: أي شيء لي، يريد بذلك من تغير حاله عما كان يعهده، ثم استأنف ذلك فأخبر عن تغير حاله، فقال: لا من يعمر يفنه مر الزمان عليه"، "والتقليب": أي: التغيير من حال إلى حال، ويروى: يا فيء ما لي بالفاء وسكون الياء، والعرب تقول: يا فيء ما لي؛ تتأسف بذلك، قوله: "من يعمر يفنه" ويروى: يبله؛ من بلي الثوب إذا خَلِق. الإعراب: قوله: "يا هيء" يا ها هنا لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، وقال ابن بري: دخل حرف النداء على هيء كما دخل على فعل الأمر في قول الشماخ (¬2): ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال ... ................................... والسنجال -بكسر السيد: اسم قرية من قرى أرمينية، قوله: "ما لي": جملة من المبتدأ والخبر، وكلمة ما للاستفهام، قوله: "مَن" شرطية، و "يعمر": على صيغة المجهول فعل الشرط فلذلك جزم، وقوله: "يفنه مر الزمان" جواب الشرط، "ويفنه": فعل ومفعول، و "مر الزمان": كلام إضافي فاعله، قوله: "عليه": يتعلق بكر، قوله: "والتقليب" بالرفع عطف على المضاف في قوله: "مر الزمان". الاستشهاد فيه: في قوله: "يا هيء ما لي" حيث يدل على التعجب؛ كما ذكرنا (¬3). ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد السبعمائة
الشاهد التاسع والخمسون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) يا مَا أُمَيلِحَ غِزْلَانًا شدَنَّ لَنَا ... منْ هَؤُلَيَّائِكُنَّ الضّالّ والسمُر! أقول: قائله هو العرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفَّان الأموي، وقد مرَّ ذكره مع البيت في شواهد اسم الإشارة (¬3). قوله: "أميلح": تصغير أملح؛ من ملح الشيء ملاحة، و "شدن": جمع مؤنث (¬4) من شدن الظبي إذا صلح جسمه، و "الضال" بالضاد المعجمة وتخفيف اللام وهو السدر البري، واحدها: ضالة بالتخفيف -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا ما أميلح" فإن الكوفيين استدلوا به على أن صيغة ما أفعله! في التعجب اسم؛ لأنَّه صغر ها هنا، والتصغير لا يكون إلَّا في الأسماء، وأجاب البصريون عن ذلك أنَّه شاذ وقد استوفينا الكلام هناك (¬5). ¬
الشاهد الستون بعد السبعمائة
الشاهد الستون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) ومُستَبدِلٍ مِن بَعد غَضبَى صُرَيمَةً ... فَأَحرِ بِه منْ طُولٍ فَقرٍ وَأَحْريَا أقول: أنشده ثعلب ولم يعزه لقائله، وهو من الطَّويل. قوله: "ومستبدل": اسم فاعل من الاستبدال، قوله: "غضبى" بفتح الغين وسكون الضَّاد المعجمتين وفتح الباء الموحدة، وهو المائة من الإبل، وفي كتاب القالي: غضيى بالياء آخر الحروف موضع الباء (¬3)، وفي كتاب ابن ولاد: غضنى بالنون موضع الياء وهو تصحيف. قوله: "صريمة": تصغير صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء، وهي قطعة من الإبل نحو الثلاثين، صغرها للتقليل، قوله: "فأحر به" أي: أجدر به، وهو صيغة التعجب؛ من قولهم: فلان حري أن يفعل كذا؛ أي: جدير ولائق، قوله: "وأحريا" أصله: أحرين بنون التوكيد فأبدلت الألف من النون، وهو -أيضًا- صيغة التعجب. الإعراب: قوله: "ومستبدل" مجرور بالعطف على ما قبله إن تقدمه شيء، وإلا فبإضمار رب، قوله: "صريمة" منصوب على أنَّه مفعوله. قوله: "فأحر به" على وزن أفعل به من صيغة التعجب، ولكن معناه: ما أفعله!؛ كما تقول: أكرم يزيد!، معناه: ما أكرمه!، لفظه أمر ومعناه تعجب، وفاعله المجرور بالباء عند البصريين، وهو ضمير مستتر عند الكوفيين على ما عرف في موضعه. قوله: "من طول فقر" كلام إضافي مجرور بمن يتعلق بأحر به قوله: "وأحريا" عطف على قوله: فأحر به! كرر للتأكيد، والتقدير: وأحرين به، فأبدلت النون ألفًا، وحذف به ها هنا لدلالة الأول عليه. الاستشهاد فيه: أمران: أحدهما: الاستدلال على فعلية هذه الصيغة، أعنى: أفعل به! لمرادفته لما ثبتت فعليته مع ¬
الشاهد الحادي والستون بعد السبعمائة
كون وزنه من الأوزان التي تخص الأفعال نحو [قوله تعالى] (¬1): {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38] (¬2). والثاني: توكيده بنون التوكيد الخفيفة في قوله: "وأحريا" [كما ذكرنا] (¬3). الشاهد الحادي والستون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) أرأَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أملودًا ... مُرَجلًا ويلبسُ البرودَا أقائلُن أحضِرُوا الشُّهُودَا ... ................................... أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفًى في شواهد الكلام في أوائل الكتاب (¬6)، وقد ذكرنا أن الاستشهاد فيه دخول نون التوكيد في اسم الفاعل، وهو قوله: "أقائلن" تشبيهًا له بالفعل، وقد دل هذا على أن الاستدلال على فعلية أفعل به! في التعجب بدخول نون التوكيد عليه، كما في قوله: "وأحريا" في البيت السابق ليس بقوي، لاحتمال أن يقال النون فيه كالنون في قوله: أقائلُنَّ أحضروا الشهودا ... ...................................... الشاهد الثاني والستون بعد السبعمائة (¬7)، (¬8) جَزَى اللهُ عَنِّي وَالْجَزَاءُ بِفَضلِهِ ... ربيعَةَ خَيرًا مَا أعَفَّ وَأكرَمَا أقول: قائله هو ........................................................ ¬
الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة
[أمير المؤمنين] (¬1) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهو من الطَّويل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "جزى الله": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ربيعة": مفعول به، و "خيرًا": مفعول ثان، والجملة دعائية لا محل لها من الإعراب إنشاء في صورة الإخبار. قوله: "والجزاء": مبتدأ، و "بفضله": خبره؛ أي: بفضل [الله] (¬2) وقد اعترضت بين الفاعل والمفعول، قوله: "ما أعف" صيغة التعجب؛ أي: ما أعفهم!، قوله: "وأكرما": عطف عليه، وأصله: ما أكرمهم والألف فيه للإطلاق. والاستشهاد فيه: وذلك لأن المتعجب [منه] (¬3) إذا علم جاز حذفه سواء كان معمول أفعل كما في قوله: "ما أعفَّ وأكرمَا"؛ إذ أصله: ما أعفهم وأكرمهم؛ كما ذكرنا، أو معمول أفعل به. فافهم (¬4). الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة (¬5)، (¬6) فَذَلِكَ إِنْ يَلْقَ المَنِيَّةَ يَلْقَهَا ... حَمِيدًا وَإنْ يَستَغنِ يَومًا فأجدر أقول: قائله هو عروة بن الورد بن زيد، وقيل: ابن عمرو بن زيد بن عبد الله بن ثابت بن هرم بن لديم بن عرذ بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن الريث بن غطفان بن سعد بن غيلان بن مضر بن نزار، شاعر من شعراء الجاهلية، وفارس من فرسانها، وصعلوك من صعاليكها المعدودين ¬
المعدمين الأجواد، وكان [يلقب] (¬1) عروة الصعاليك لجمعه إيَّاهم وقيامه بأمرهم، وقيل: لقب بقوله: لحى الله صعلوكًا ....... ... ........................ إلى آخره وهو من قصيدة رائية من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬2): 1 - لحَى الله صُعلُوكًا إذا جَنَّ لَيلُهُ ... مصافي المُشاشِ آلفًا كل مجزرِ 2 - يَعُدُّ الغِنَى مِن نفسِهِ كل ليلَةٍ ... أصابَ قراهَا من صَدِيقٍ مُيَسّرِ 3 - ينامُ عِشَاءً ثمَّ يُصْبحُ ناعِسًا ... يَحُتُّ الحَصَى عنْ جَنْبِهِ المتَعَفِّرِ 4 - يُعِينُ نِسَاءَ الحَيِّ مَا يستعِنَّهُ ... ويُضْحِي طَلِيحًا كالبعيرِ المحسرِ 5 - ولله صعلوكٌ صفيحةُ وجهِهِ ... كضوءِ شِهَابِ القَابِسِ المتنوّرِ 6 - مطِلٌّ على أعدائِهِ يزجُرُونَهُ ... بساحتهِم زجرَ المنيحِ المشَهَّر 7 - إذا بعدُوا لا يأمنُونَ اقترابَه ... تَشَوُّفَ أَهْلِ الغائبِ المتُنَظّرِ 8 - فذلك .................. ... ........................ إلى آخره (¬3) 1 - أقول: [قوله: "] (¬4) لحى الله"، أصله: اللوم والقشر، ويستعمل في السب، و "الصعلوك": الفقير، و "المشاش"، بضم اليم، كل عظم هش دسم، الواحدة مشاشة، و "المجزر": الموضع الذي تجزر فيه الإبل. 2 - و "المُيَسّر" بضم الميم وفتح الياءآخر الحروف وتشديد السِّين المهملة، الذي قد نتجت إبله وكثر لبنه، وضده المجنّب، ويحت ويحط متقاربان. 3 - و "المتعفر" بالعين المهملة، المتمرغ في التُّراب. 4 - و "الطليح" بالحاء المهملة؛ من طلح البعير أعيا فهو طليح، و "المحسر" بالحاء والسين المهملتين، من حسر البعير يحسر حسورًا إذا كلَّ وأعيا وحسره غيره. 5 - قوله: "صفيحة وجهه" أراد ضوء صفيحة وجهه. 6 - قوله: "مطلّ": من أطل على كذا إذا أوفى عليه، و "المنيح" بفتح الميم وبالحاء المهملة يستعمل في معنيين: أحدهما: أن يكون قدحًا لاحظ به، والآخر: في معنى المستعار، لأنَّ العارية يقال لها المنحة، وكانوا يستعيرون القداح بعضهم من بعض، والبيت يحتمل الوجهين. ¬
الشاهد الرابع والستون بعد السبعمائة
7 - قوله: "تشوف أهل الغائب": نصب على المصدر، والمفعول محذوف، والتقدير: تشوف أهل الغائب رجوعه. 8 - و "المنية": الموت. الإعراب: قوله: "فذلك": إشارة إلى الصعلوك الثَّاني من القصيدة، والفاء تصلح أن تكون للترتيب الذكري، وهو الذي يفصل المجمل الذي سبق وهو مبتدأ، والجملة الشّرطيّة خبره. وقوله: "إن" للشرط، و "يلق": فعل وفاعل، و "لمنية" مفعول، والجملة: فعل الشرط، قوله: "يلقها": جواب الشرط فلذلك جزم الفعل، والهاء ترجع إلى المنية في محل النصب على المفعولية. وقوله: "حميدًا": نصب على الحال من الضمير المنصوب بمعنى محمودة، وصيغة فعيل يستوي فيها المذكر والمؤنث إذا كان بمعنى المفعول؛ كما في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (¬1). قوله: "وإن يستغن": عطف على الجملة الأولى، وهي -أيضًا- شرطية، و "يومًا": نصب على الظرف، قوله: "فأجدر": وقع جوابًا للشرط فلذلك دخلت الفاء. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأجدر" فإن صيغة التعجب على وزن أفْعِل، ولكن حذف منه المتعجب منه، ولا يسوغ ذلك في أفعل به إلَّا إذا كان معطوفًا على آخر مذكور معه المتعجب منه، كما في قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38]، والتقدير: وأبصر بهم (¬2)، وقد حذف ها هنا بدون ذلك؛ لأنَّ أصل قوله: "فأجدر" أي: فأجدر بكونه حميدًا، وذلك للضرورة وهو قليل (¬3). الشاهد الرابع والستون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) وقَال نَبِيُّ المُسلِمِينَ تَقَدَّمُوا ... وَأَحْبِبْ إِلَينَا أَنْ يَكُونَ المُقدَّمَا أقول: قائله هو عباس بن مرداس، وهو من المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ¬
سبي حنين مائة من الإبل، وهو من قصيدة طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬1): 1 - أَلا مُبلِغُ الأقْوامِ أن مُحمدًا ... رَسُولَ الإله راشدٌ حَيثُ يمَّمَا 2 - دَعَا رَبَّهُ وَاسْتَغْفَرَ الله وحْدَهُ ... فَأصْبَحَ قَدْ وَفَّى إايهِ وأَنْعَمَا 3 - سَرَينَا وَوَاعَدْنَا قُدَيدًا مُحَمَّدًا ... يَؤُمُّ بِنَا أمْرًا مِنَ الله مُحْكَمَا 4 - تَمَارَوْا بنَا فيِ الفَجْرِ حَتَّى تَبَيَّنوا ... مَعَ الفَجْر فِتْيَانًا وغَابًا مُقَوَّمَا 5 - علَى الخيلِ مَشْدُودًا عَلَينَا دُرُوعُنَا ... ورَجلًا كدَفَّاعِ الآتي عَرَمرَمَا 6 - فإنَّ سرَاةَ الحَيِّ إنْ كُنتَ سَائلًا ... سُلَيمٌ وفِيهِم منهُمُ مَنْ تَسَلَّمَا 7 - وَجِيدٌ منَ الأنْصَارِ لا يَخْذُلُونَهُ ... أطَاعُوا فلَا يَعْصُونَهُ مَا تَكَلَّمَا 8 - وإنْ تَكُ قَدْ أمَّرتَ فيِ القَومِ خَالِدًا ... وقَدَّمْتَهُ فإنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَا 9 - بجُندٍ هدَاهُ الله أنْتَ أمِيرُهُ ... تُصِيبُ بهِ في الحقِّ مَنْ كَان أظْلَمَا 10 - حَلَفْتُ يَمينًا بَرَّةً لمُحمَّدٍ ... فَأكمَلْتُها أَلْفًا منَ الخَيل مُلْجَمَا 11 - وقال نَبيُّ المُسلمين .......... ... ................... إلى آخره 1، 3 - [قوله: "] (¬2) يمما" أي: قصد، و "قديد" بضم القاف؛ موضع بين مكّة والمدينة. 4، 5 - قوله: "تماروا" أي: شكوا، و: "الآتيّ" بفتح الهمزة وكسر التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف، وهو السيل العظيم. 6، 7 - و "العرمرم": الكثير، ومنه قيل للجيش الكثير: عرمرم، و "سراة القوم": ساداتهم. الإعراب: قوله: "وقال": فعل، و "نبي المسلمين": كلام إضافي فاعله، ويروى: وقال أمير المؤمنين، وكذا رواه ابن عصفور، قوله: "تقدموا": جملة من الفعل والفاعل وهو أنتم، وقعت مقولًا للقول. قوله: "وأحبب إلينا": صيغة التعجب معناه: ما أحب إلينا!، قوله: "أن يكون" أصله: بأن ¬
الشاهد الخامس والستون بعد السبعمائة
يكون، واسم يكون هو الضمير الذي يرجع إلى النبيِ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: "المقدما": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أحبب إلينا أن يكون" حيث فصل الشاعر فيه بين فعل التعجب ومعموله بالظرف وهو قوله: "إلينا"، وقد منع ذلك الأخفش والمبرد، والبيت حجة عليهما (¬1). الشاهد الخامس والستون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أُقيمُ بدَارِ الحَزْمِ ما دام حَزْمُهَا ... وَأَحْرِ إذا حَالتْ بأنْ أتَحَوَّلَا أقول: قائله هو أوس بن حجر، وهو من قصيدة طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - صَحَا قَلْبُهُ عَنْ سُكْرِه وَتَأَمَّلَا ... وَكَانَ بِذكْرَى أُمِّ عَمْرو مُوكّلَا 2 - وَكَانَ لَهُ الحينُ المتَاحُ حمولةً ... وَكُلُّ امرِيءٍ رَهْنٌ بمَا قد تحَمَّلَا ¬
الشاهد السادس والستون بعد السبعمائة
3 - أَلَا أَعْتِبُ ابْنَ العَمِّ إِنْ كَانَ ظَالِمًا ... وأغفِرُ عَنْهُ الجهلَ إن كَانَ أَجْهَلَا 4 - وَإنْ قَال لي مَاذا تَرَى يَشتَشِيرُنِي ... يَجدْنِي ابنَ عمٍّ مُخْلِطَ الأَمْرِ مزيلَا 5 - أُقِيمُ بِدَارِ الحزْمِ ............. ... ........................ إلى آخره 5 - قوله: "أقيم بدار الحزم ما دام حزمها" معناه: ما دامت [هي] (¬1) حازمة في الإقامة فأنا -أيضًا- حازم بها، فإذا تحولت هي فالأَولى لي أن أتحول، وقال ابن السكيت في معنى هذا البيت: يريد ما كانت الإقامة بها حزمًا، ويقول: أخلق أن أتحول عنها إذا انقلبت وتغيرت فصارت داره معجزة. وأخلق وأحر وأقمن به معناه كله واحد (¬2). الإعراب: قوله: "أقيم": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو أنا، قوله: "ما دام" أي: مدة دوام حزمها، قوله: "وأحر": صيغة التعجب، ومعموله هو قوله: "بأن أتحولا"، قوله: "إذا حالت" إذا للظرف، والعامل فيه أتحولا، والضمير في "حالت" وفي قوله: "حزمها" ورجع إلى أم عمرو المذكورة في البيت السابق (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "وأحر إذا حالت بأن أتحولا" حيث فصل بين فعل التعجب وبين فاعله وهو: "بأن أتحولا" بالظرف وهو قوله: "إذا حالت"، وهذا مختلف فيه فأجازه الجرمي ومنعه المبرد والأخفش (¬4). الشاهد السادس والستون بعد السبعمائة (¬5)، (¬6) خَليليَّ مَا أَحرَى بِذي اللُّبِّ أَن يُرَى ... صَبُورًا وَلكن لا سبيلَ إلى الصبر أقول: احتج به الجرمي وغيره ولم يذكر أحد منهم اسم قائله، وهو من الطَّويل. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد السابع والستون بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "خليلي": منادى حذف منه حرف النداء، وأصله: يا خليلي، وفي التقدير: يا خليلان لي فسقطت النون للإضافة، قوله: "ما أحرى": صيغة التعجب، قوله: "بذي اللب": جار ومجرور يتعلق بأحرى. قوله: "أن يرى" أصله: بأن يرى، وهو في محل الرفع لأنَّه فاعل أحرى، والضمير الذي فيه مفعول ناب عن الفاعل، "وصبورًا" مفعول ثان، قوله: "ولكن" للاستدراك. وقوله: "لا سبيل" كلمة لا لنفي الجنس، "وسبيل" اسمه وخبره محذوف تقديره: لا سبيل موجود، وقوله: "إلى الصبر" يتعلق بالمحذوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن يرى" حيث حذف منه الباء وفصل بينه وبين فعله وهو أحرى بالجار والمجرور وهو قوله: "بذي اللب" (¬1). الشاهد السابع والستون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) ما كَانَ أَسعَدَ مَن أَجَابَكَ آخِذًا ... بِهُدَاكَ مُجْتنبًا هَوًى وَعِنَادًا أقول: قائله هو عبد الله بن رواحة الأنصاري - رضي الله عنه - يخاطب به النَّبيّ - عليه الصَّلاة والسلام (¬4) - وهو من الكامل. الإعراب: قوله: "ما كان أسعد": لفظة كان زائدة بين ما وفعل التعجب، والتقدير: ما أسعد، وقوله: "من أجابك" في محل الرفع لأنَّه فاعل فعل التعجب (¬5)، و "من": موصولة، و "أجابك": ¬
الشاهد الثامن والستون بعد السبعمائة
جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة. قوله: "آخذًا": حال من الضمير المرفوع الذي في أجابك، و "بهداك": يتعلق به، قوله: "مجتنبًا": حال أخرى إما مترادفة أو متداخلة، قوله: "هوىً": مفعول مجتنبًا، و "عنادًا": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما كان أسعد" حيث زيدت فيه لفظة كان؛ كما ذكرنا (¬1). الشاهد الثامن والستون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) ................................ ... كفَى الشَّيبُ وَالإسْلامُ لِلْمَرء نَاهيَا أقول: قائله هو سحيم عبد بني الحسحاس، شاعر إسلامي، وهو من قصيدة يائية من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - عُمَيرَةَ وَدِّعْ إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا ... كفَى الشَّيبُ وَالإسْلامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيَا 2 - تُرِيكَ غَدَاةَ البَين كفًّا ومِعْصَمَا ... وَوَجْهًا كدِينَار الهِرَقْلِيِّ صَافِيَا 3 - كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ فَوقَ نَحْرهَا ... وَجَمْرُ غضَى هَبتْ لَهُ الرِّيحُ ذَاكِيَا 4 - فمَا بَيضَة بَاتَ الظَّلِيمُ يَحُفُّهَا ... ويَرْفَعُ عَنهَا جُؤْجُؤًا مُتَجَافِيَا 5 - بأحْسَنَ مِنهَا يَومَ قَالتْ أرائِحٌ ... مَعَ الرَّكبِ أمْ يأتي لَدَينَا ليَالِيَا 6 - فَإنْ تثوَ لا تهل وإنْ تضْحَ نَاويًا ... تُزَوَّدْ وَتَرجِعْ عَنْ عُمَيرَةَ راضِيَا 1 - قوله: "عميرة": منصوب بقوله: "ودع"، وهو اسم محبوبته التي كان يتشبب بها، قوله: "غاديًا" بالغين المعجمة؛ من الغدو وهو الذهاب. 2 - و: "البين" بفتح الباء الموحدة؛ الفراق. 3 - و "الدينار الهرقلي" منسوب إلى هرقل ملك الروم، قوله: "ذاكيا" بالذال المعجمة؛ من: [ذكى يذكى من باب فتح يفتح إذا فاح. ¬
الشاهد التاسع والستون بعد السبعمائة
4 - و "الظليم" بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام؛ ذكر النعام] (¬1)، و "الجؤجؤ": المصدر. 5 - قوله: "أم ثاو": من ثوى إذا أقام. الإعراب: قوله: "كفى": فعل، و "الشَّيب": فاعله [و: "الإسلام": عطف عليه، وقوله: "للمرء": يتعلق بقوله: "كفى"، وقوله: "] (¬2) ناهيًا: مفعول كفى، وهو ها هنا متعد إلى واحد (¬3). الاستشهاد فيه: في ترك دخول الباء على فاعل كفى؛ كما لم يترك في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] فإن زيادتها غير لازمة ها هنا، بخلاف باب التعجب؛ فإن زيادتها فيه لازمة نحو أفعل به (¬4). الشاهد التاسع والستون بعد السبعمائة (¬5)، (¬6) أَرَى أُمِّ عَمْرٍو دَمعُهَا قَد تَحَدَّرَا ... بُكاءً عَلَى عَمرو وَمَا كَانَ أَصبَرَا أقول: قائله هو امرؤٌ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة [رائية] (¬7) من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬8): 1 - سَمَا بكَ شوقٌ بَعدَ مَا كانَ أَقصَرَا ... وحَلَّت سُلَيمَى بَطْن قَوّ فعَرعَرَا 2 - كِنَانِيَّة بانَت وفي الصَّدْرِ وُدُّهَا ... مجاورة غسانَ والحي يَعمُرَا إلى أن قال: 3 - أَرَى أُمِّ عَمْرو ................ ... ................. إلى آخره 1 - قوله: "سما بك" أي: ارتفع وذهب بك كل مذهب لبعد الأحبة عنك بعد ما كان ¬
الشاهد السبعون بعد السبعمائة
أقصر عنك، و "قوّ" بفتح القاف، و "عرعر" موضعان، يقول: جل قومها بهذين الموضعين المتباعدين عن ديارك فاشتد لذلك شوقك. 2 - قوله: "كنانية" أي: من بني كنانة أو من بلادهم، قوله: "بانت" أي: ذهبت وانقطعت عنك وجاورت حيًّا غير حيك، وودها مع ذلك باقٍ في صدرك، ووصف أنها من كنانة، وكنانة من مضر، وأنها جاوزت غسان، وغسان من اليمن؛ إشارة إلى أن حيها ليس من حيه فذلك أشد عليه وأبعد لاجتماعها به، و "يعمر": من بني كنانة، يريد أنها مرَّة تجاور في هذا الحي من كنانة ومرة تجاور من اليمن. 3 - قوله: "أرى أم عمرو" يعني: عمرو بن قميئة اليشكري صاحبه، يصف أن السَّفر بعيد وأن أم عمرو باكية عليه لبعدها عنه وشوقها إليه، قوله: "وما كان أصبرَا! ": تعجب؛ أي: وما كان أصبرها!. الإعراب: قوله: "أرى": جملة من الفعل والفاعل، وهو من رؤية البصر، فلذلك اكتفى بمفعول واحد وهو قوله: "أم عمرو"، وقوله: "دمعها" كلام إضافي مبتدأ، و "تحدرا": خبره، والجملة وقعت حالًا بدون الواو، والألف في: تحدرا للإطلاق. قوله: "بكاء": نصب على التعليل؛ أي: لأجل البكاء على عمرو، قوله: "وما كان أصبرَا": صيغة التعجب؛ أي: وما كان أصبرها!، والضمير المنصوب بأصبر الذي للتعجب قد حذف لدلالة ما قبله عليه، وفيه الاستشهاد. الشاهد السبعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَلَم أَرَ شيئًا بَعْدَ لَيلَى أَلذُّهُ ... وَلَا مَنْظَرًا أَروَى بِهِ فَأَعِيجُ أقول: هذا أنشده أحمد بن يَحْيَى عن ابن الأعرابي، ولم يعزه إلى قائله، وبعده: 2 - كَوسطَى لَيَالِي الشَّهْرِ لَا مُقْسَئِنَّةٌ ... وَلَا وَثَبَى عَجْلَى القِيَامِ خَروجُ وهما من الطَّويل. قوله: "ولا منظرًا أروى به" ويروى: ولا مشربًا أروى به، وكذا ضبطه الشَّيخ أبو حيان -رحمه الله تعالى- بيده وهو الصَّحيح، قوله: "فأعيج" أي: أنتفع، يقال: شربت دواء فما عجت ¬
به؛ أي: ما انتفعت به، وقال ابن مالك (¬1): يعيج من الكلم التي لا تستعمل إلَّا في النفي. وهذا البيت يرد عليه، قوله: "ولا مقسئنة": من اقسأن العود إذا صلب، ومادتها: القاف والسين المهملة والهمزة والنون والمقسئنة: الكبيرة العاسية، والعاسية بالعين والسين المهلتين من عسا الشيخ يعسو الشيخ يعسو عسيًا إذا كبر وولى، قوله: "ولا وثبى": من وثب وثبة، وكنى بها عن عدم الصغر؛ يعني لا كبيرة ولا صغيرة بل هي وسط. الإعراب: [قوله: "] (¬2) ولم أر": جملة من الفعل والفاعل المنفي، وقوله: "شيئًا": مفعوله، و "بعد ليلى": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "ألذه": من لذذت الشيء ألذه لذًّا ولذاذة، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها صفة لقوله: "شيئًا". قوله: "ولا منظرًا": عطف على قوله: "شيئًا" أي: ولم أر منظرًا، قوله: "أروى به": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها صفة لمنظرًا، قوله: "فأعيج": عطف على أروى. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأعيج" وذلك أنَّه قد علم أن شروط ما يصاغ منه فعلًا التعجب ثمانية منها: أن يكون مثبتًا؛ فلا يصاغان من فعل مقصود نفيه لزومًا كم يعِج، أو جوازًا كم يعج، معناه: أن عاج يعيج بمعنى: انتفع لم يستعمل إلَّا منفيًّا، وعاج يعوج بمعنى: مال استعمل مثبتًا ومنفيًّا؛ كذا قال في شرح التسهيل (¬3)، ولكن نُوزع في اختصاص المعنى بالنفي بوروده مثبتًا في البيت المذكور؛ حيث قال: فأعيج. فافهم (¬4). * * * إلى هنا انتهى المجلد الثالث ويليه المجلد الرابع مبتدءًا بـ: شواهد "نعم وبئس" وما جرى مجراها ¬
كَافةُ حُقُوق الطّبع والنشر والترجَمَة محفوُظَة للناشِر دَار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة لصَاحِبهَا عبد الْقَادِر مَحْمُود البكار الطَّبعَة الأولى 1431 هـ - 2010 م بطاقة فهرسة فهرسة أثْنَاء النشر إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية - إدارة الشؤون الفنية بدر الدّين الْعَيْنِيّ، مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى، 1361 - 1451. الْمَقَاصِد النحوية فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية، الْمَشْهُور، بشرح الشواهد الْكُبْرَى / تأليف بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى الْعَيْنِيّ؛ تَحْقِيق عَليّ مُحَمَّد فاخر، أَحْمد مُحَمَّد توفيق السوداني، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد فاخر - ط 1، الْقَاهِرَة: دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2010 م. 4 مج فِي 1؛ 24 سم. ردمك 1 - 933 - 342 - 977 - 978 1 - اللُّغَة الْعَرَبيَّة - النَّحْو. أ- فاخر، عَليّ مُحَمَّد (مُحَقّق). ب- السوداني، أَحْمد مُحَمَّد توفيق (مُحَقّق). جـ- فاخر، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد (مُحَقّق). د- العنوان دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ش. م. م تأسست الدَّار عَام 1973 م وحصلت على جَائِزَة أفضل ناشر للتراث لثَلَاثَة أَعْوَام متتالية 1999 م، 2000 م، 2001 م هِيَ عمر الْجَائِزَة تتويجًا لعقد ثَالِث مضى فِي صناعَة النشر جمهورة مصر الْعَرَبيَّة - الْقَاهِرَة - الْإسْكَنْدَريَّة الإدارة: الْقَاهِرَة: 19 شَارِع عمر لطفي موازٍ لشارع عَبَّاس العقاد خلف مكتب مصر للطيران عِنْد الحديقة الدولية وأمام مَسْجِد الشَّهِيد عَمْرو الشربيني - مَدِينَة نصر هَاتِف: 22704280 - 22741578 (202 +) فاكس: 22741750 (202 +) المكتبة: فرع الْأَزْهَر: 120 شَارِع الْأَزْهَر الرئيسي - هَاتِف: 25932820 (202 +) المكتبة: فرع مَدِينَة نصر: 1 شَارِع الْحسن بن عَليّ متفرع من شَارِع عَليّ أَمِين امتداد شَارِع مصطفى النّحاس - مَدِينَة نصر - هَاتِف: 24054642 (202 +) المكتبة: فرع الْإسْكَنْدَريَّة: 127 شَارِع الْإِسْكَنْدَر الْأَكْبَر - الشاطبي بجوار جمعية الشبَّان الْمُسلمين هَاتِف: 5932205 فاكس: 5932204 (203 +) بريديًّا: الْقَاهِرَة: ص. ب: 161 الغورية - الرَّمْز البريدي: 11639 الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected] موقعنا على الإنترنت: www.dar-alsalam.com
شواهد "نعم وبئس" وما جرى مجراهما
شواهد "نعم وبئس" وما جرى مجراهما الشاهد الحادي والسبعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) صَبَّحَكِ اللهُ بِخَيْرٍ بَاكِرٍ ... بِنِعْمَ طَيْرٍ وشَبَابٍ فَاخِرِ أقول: لم أقف على اسم راجزه. قوله: "باكر" أي: عاجل؛ يعني: خير سريع غير متأخر؛ من بكرت إذا أسرعت أيَّ وقت كان، قوله: "بنعم طير" أي: بخير طير، أراد: صبحك الله بكلمة نعم منسوبة إلى الطائر الميمون. الإعراب: قوله: "صبحك الله": جملة إنشائية دعائية في صورة الإخبار، والباء في: "بخير" تتعلق بصبحك، و "باكر" بالجر صفة خير، قوله: "بنعم طير": بدل من قوله: "بخير باكر"، قوله: "وشباب": عطف على ما قبله، و "فاخر": صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "بنعم طير" حيث أدخل حرف الجر على: "نعم"، وذلك لا يدل على اسمية نعم؛ لأن تأويله أنه نزل نعم منزلة خير، أي: بخير طائر كما ذكرناه، فجعل نعم اسمًا للخير وأضافها لطير، ولو كانت نعم هاهنا على أصلها لجاء بعدها اسم معرف، وقال ابن الناظم: وأما قوله: "بنعم طير" فهو على الحكاية، ونَقْل الكلمة عن الفعلية إلى جعلها اسمًا. ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد السبعمائة
والمعنى: صبحك الله بكلمة [نعم] (¬1) منسوبة إلى الطائر الميمون (¬2). قلتُ: هذا تكلف، والأَوْلى حمله على الشذوذ (¬3). الشاهد الثاني والسبعون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) عَمْرُكَ مَا لَيْلِي بِنَامَ صَاحِبُهْ ... وَلَا مُخَالِطَ اللَّيانِ جَانِبُهْ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز المسدس، فإذا حركت الهاء يكون من مربع الكامل (¬6). و"الليان" بفتح اللام وتخفيف الياء آخر الحروف؛ مصدر من اللين، يقال: فلان في ليان من العيش، أي: لين الجانب، وكذلك فلان ملينه. الإعراب: قوله: "عمرك": قسم ويمين بدليل ما روي في رواية: والله ما ليلى بنام" صاحبه، وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره: عمرك قسمي أو يميني، وكلمة ما نافية بمعنى ليس، وقوله. "ليلى": كلام إضافي اسمه. وقوله: "بنام صاحبه": خبره بالتأويل، تقديره: ما ليلي بليل مقول فيه نام صاحبه؛ فلما حذف الخبر أقيم قوله: "نام صاحبه" مقامه، وأدخلت فيه الباء التي كانت في الخبر، قوله: "ولا مخالط الليان" عطف على المنفي قبله، وهو كلام إضافي، قوله: "جانبه" مرفوع لأنه اسم لا التي بمعنى ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد السبعمائة
ليس، قوله: "ولا مخالط الليان" بالنصب مقدمًا خبره، تقديره: وليس جانبه مخالط الليان (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "بنام صاحبه" حيث أدخلت الباء على الفعل الماضي بالطريق الذي ذكرناه؛ فلا يدل ذلك على اسمية نام، فكذلك دخول حرف الجر على: "نعم وبئس" في قوله: "بنعم الولد (¬2)، وعلى بئس العير" (¬3) لا يدل على اسميتهما، وروى ابن سيده هذا البيت في المحكم: بِالله مَا زَيْدٌ بِنَامَ صَاحِبُهْ ... ولَا مُخَالِطَ اللِّيَانِ جَانِبُهْ ثم قال: قيل إن: "نام صاحبه" علم رجل، وإذا كان كذلك جرى مجرى: "شاب قرناها". فإن قلتَ: فإن قوله: "ولا مخالط الليان جانبه" ليس علمًا وإنما هو صفة، وهو معطوف على نام صاحبه، فيجب أن يكون قوله: "نام صاحبه" -أيضًا- صفة. قيل: قد يكون في الجمل إذا سمي بها معاني الأفعال؛ ألا ترى أن: "شاب قرناها"، تصر وتحلب هو اسم علم، وفيه مع ذلك معنى الذم، وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله: "ولا مخالط الليان جانبه" معطوفًا على ما في قوله: "نام صاحبه"، من معنى الفعل. فافهم (¬4). الشاهد الثالث والسبعون بعد السبعمائة (¬5)، (¬6) فنعْمَ ابنُ أخْتِ القَوْمِ غيرَ مُكَذِّبٍ ... زُهَيْرٌ حسام مفرد مِنْ حَمَائِل أقول: قائله هو أبو طالب، عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو من قصيدة من الطويل تشتمل على اثنين ¬
وثمانين بيتًا، وأولها هو قوله (¬1): 1 - لَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لَا وُدَّ فِيهم ... وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرَى والوَسَائِلِ 2 - وَقَدْ صَارَحُونَا بَالْعَدَاوَةِ والأَذَى ... وقدْ طَاوَعُوا أَمْرَ العدو المزَايِلِ 3 - وَقَدْ حَالفُوا قَوْمًا عَلَيْنَا أظِنَّةً ... يَعضُّونَ غَيْظًا خلْفَنَا بالأَنَامِلِ إلى أن قال: 4 - فَكُلُّ صَدِيقٍ وابنُ أختٍ نَعُزُّهُ ... لَعَمْرِي وجدنَا غبهُ غير طَائِلِ 5 - سوَى أنّ رَهْطًا مِنْ كِلاب بْنِ مرَّةٍ ... بَرَاءٌ إِلَيْنَا مِنْ مَعَقَّةِ خَاذِلِ 6 - فنعْمَ ابنُ أخْتِ القَومِ .......... ... ................. إلى آخره وفي أول البيت ثرم، وهو فعلن على ما لا يخفى على العروضي، و "العرى" بضم العين؛ جمع عروة، و"الوسائل": جمع وسيلة، قوله: "غبه" بكسر الغين المعجمة وتشديد الباء الموحدة؛ أي: عقيبه، قوله: "زهير" بضم الزاي؛ اسم رجل، و "الحسام": السيف، و "الحمائل": جمع حمالة السيف بالكسر. الإعراب: قوله: "فنعم" الفاء للعطف، ويروى: ونعم بالواو، ونعم من أفعال المدح كما علم، قوله: "ابن أخت القوم": كلام إضافي فاعله، وقوله: "غير مكذب": كلام إضافي منصوب على الحال، قوله: "زهير": مخصوص بالمدح، وارتفاعه على الابتداء، والجملة مقدمًا خبره، قوله: "حسام": صفة زهير (¬2)، وقوله: "مفرد من حمائل": صفة للحسام. الاستشهاد فيه: في قوله: "فنعم ابن أخت القوم" فإن فاعل نعم فيه مظهر مضاف إلى ما أضيف إلى المعرف بالألف واللام؛ وذلك لأن شرط الظاهر الذي هو فاعل نعم أن يكون معرفًا بأل، أو مضافًا إلى ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد السبعمائة
المعرف بها، أو إلى مضاف إلى المعرف [بها] (¬1) , (¬2). الشاهد الرابع والسبعون بعد السبعمائة (¬3) , (¬4) لَنِعْمَ مَوْئِلًا المَوْلَى إِذَا حُذِرَتْ ... بَأْسَاءُ ذِي البَغْيِ وَاسْتِيلَاءُ ذِي الإِحَنِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "موئلًا" أي: ملجأ، و "البأداء": الشدة، و "البغي": الظلم والعدوان، و "الإحن" بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة؛ جمع إحنة وهي الحقد. الإعراب: قوله: "لنعم" اللام للتأكيد، ونعم من أفعال المدح، وفاعله مستتر فيه، وقد فسره التمييز الذي بعده وهو قوله: "موئلًا"، وقوله: "المولى": مخصوص بالمدح وهو مبتدأ، والجملة مقدمًا خبره، قوله: "إذا" للظرف، و "حذرت" على صيغة المجهول مسندًا إلى قوله: "بأداء"، وهو مضاف إلى: "ذي البغي"، ويجوز أن يكون إذا للشرط ويكون الجواب محذوفًا دل عليه الكلام السابق، قوله: "واستيلاء" بالرفع عطف على قوله: "بأساء". الاستشهاد فيه: [في قوله: "] (¬5) [لنعم] (¬6) " فإن فاعل نعم مستتر فيه مفسر بالتمييز وهو قوله: "موئلًا"، والتقدير: لنعم الموئلًا موئلًا المولى فافهم (¬7). ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد السبعمائة
الشاهد الخامس والسبعون بعد السبعمائة (¬1) , (¬2) وَالتَّغْلَبِيُّونَ بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُمُ ... فَحْلًا وَأُمُّهُمُ زَلَّاءُ مِنْطِيقُ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، يهجو الأخطل، وهو من البسيط. قوله: "زلاء" بفتح الزاي المعجمة وتشديد اللام وبالمد، يقال: امرأة زلاء إذا كانت رسحاء، وهي اللاصقة العجز خفيفة الإلية، قوله: "منطيق" بكسر الميم؛ مبالغة ناطق، ويستوي فيه المذكر والمؤنث وهو البليغ، ولكن المراد به هاهنا المرأة التي تأتزر بحشية تعظم بها عجيزتها، والحشية: كساء غليظ خشن. الإعراب: قوله: "والتغلبيون": مبتدأ وهو جمع تغلبي بالغين العجمة وكسر اللام؛ نسبة إلى بني تغلب، قوم من نصارى العرب بقرب الروم، والأخطل منهم، والجملة أعني قوله: "بئس الفحل فحلهم" خبره، وقوله: "فحلهم": مخصوص بالذم مرفوع بالابتداء، و "بئس الفحل" مقدمًا خبر. قوله: "فحلًا" نصب على التمييز ذكره على سبيل التأكيد، قوله: "وأمهم": كلام إضافي مبتدأ، و "زلاء": خبره، و "منطيق": خبر بعد خبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "فحلًا" حيث جمع بينه وهو تمييز وبين الفاعل الظاهر على سبيل التوكيد، وقد ذكرنا أن هذه مسألة فيها خلاف (¬3) , .................................................. ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد السبعمائة
وقد ذهب بعضمهم إلى أن فحلًا حال مؤكدة فافهم (¬1). الشاهد السادس والسبعون بعد السبعمائة (¬2) , (¬3) وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا أقول: قائله هو أبو طالب عم النبي - عليه الصلاة والسلام -. وهو من الكامل، وقد احتجت به طائفة من الشيعة على إسلام أبي طالب، وجمهور أهل السنة على خلافه (¬4). المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ولقد" الواو للعطف إن تقدمه شيء؛ هكذا قيل [وليس بصواب] (¬5) بل الواو للقسم، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "علمت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بأن دين محمد" الباء فيه زائدة، وأن مع اسمها وخبرها سد مسد مفعولي علمت. الاستشهاد فيه: في قوله: "دينًا" [فإنه تمييز مؤكد، وقد استشهد به على كون فحلًا في البيت السابق تمييزًا مؤكدًا كما ذكرناه] (¬6) , (¬7). ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد السبعمائة
الشاهد السابع والسبعون بعد السبعمائة (¬1) , (¬2) ............................ ... لبئس الفَتَى المدْعُوُّ باللَّيْلِ حَاتمُ أقول: قائله هو يزيد بن قنافة بن عبد شمس العدوي، وصدره: لَعَمْرِي وَمَا عَمْرِي عَلَيَّ بِهَيِنِّ ... .............................. وبعده (¬3): 2 - غَدَاةَ أَتَى كالثَّوْرِ أُحْرِجَ فاتَّقَى ... بِجَبْهَتِهِ أَقْتَالهُ وَهُوَ قَائِمُ 3 - كَأَنَّ بصَحْرَاءِ المُرَيْطِ نَعَامَةً ... تُبَادِرُهَا جُنْحَ الظَّلَامِ نَعَائِمُ 4 - أَعَارَتْكَ رِجْلَيْهَا وَهَا في لُبِّهَا ... وَقَدْ جُرِّدَتْ بيضُ المتُونِ صَوَارِمُ 2 - قوله: "أحرج": من الحرج، وهو من الإبل التي لا تركب ولا يضربها الفحل ليكون أسمن لها، إنما هي معدة لذلك، قوله: "أقتاله" بفتح الهمزة وسكون القاف، وهو جمع قتل بكسر القاف، وهو العدو. 3 - و "صحراء المريط": موضع، قوله: "نعائم": جمع نعامة. 4 - و "البيض" بكسر الباء؛ جمع أبيض، و "المتون": جمع متن السيف، و "الصوارم": القواطع، جمع صارم، مثل فوارس جمع فارس على غير القياس، وأصل الصرم القطع. الإعراب: قوله: "لعمري": مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لعمري يميني أو قسمي، قوله: "وما" للنفي، وقوله: "عمري": اسمه، وقوله: "بهين": خبره، والباء زائدة، "وعليَّ": يتعلق به، قوله: "لبئس": من أفعال الذم، و "الفتى": فاعله، و "المدعو بالليل": صفته، و "حاتم" هو المخصوص بالذم مرفوع على الابتداء، والجملة مقدمًا خبره. ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد السبعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لبئس" حيث دخلت عليه لام القسم الدال دخولها على فعلية أفعال المدح والذم (¬1). الشاهد الثامن والسبعون بعد السبعمائة (¬2) , (¬3) فَنِعْمَ أَخُو الْهَيْجَا وَنِعْمَ شَهَابُهَا ... ................................ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو شطر بيت من الطويل. قوله: "أخو الهيجا" أي: صاحب الهيجاء، وهو كناية عن ملازمة الحرب وشدة مباشرتها، والهيجاء ممدود اسم للحرب وقصرت هنا للوزن، قوله: "ونعم شهابها" أي: شهاب الهيجاء، أراد: نار الحرب، وهو أيضًا كناية عن شدة حربه وغاية شجاعته فيها، وعدم توليه كالنار إذا قويت لا تولى عن شيء، وتحرق كل شيء أصابته. الإعراب: قوله: "أخو الهيجا": كلام إضافي مرفوع؛ لأنه فاعل نعم، وكذلك الكلام في قوله: "ونعم شهابها". الاستشهاد فيه: في قوله: "ونعم شهابها" حيث أضيف فاعل نعم إلى ضمير ما فيه الألف واللام، وقد استدل به البعض على جواز ذلك، والصحيح أنه لا ينقاس عليه لقلته (¬4). الشاهد التاسع والسبعون بعد السبعمائة (¬5) , (¬6) إِنِّي اعْتَمَدْتُكَ يَا يَزِيدُ ... فَنِعْمَ معْتمدُ الوَسَائِلِ أقول: قائله هو الطرماح، وهو من مربع الكامل وفيه الترفيل. ¬
الشاهد الثمانون بعد السبعمائة
المعنى ظاهر، وهو من قصيدة يمدح بها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة (¬1)، وبعده (¬2): 2 - أَرْجُو نَوَافِلَ مِنْ يَدَيْـ ... ـكَ وَأَنْتَ مَبْسْوطُ النَّوَافِلِ الإعراب: قوله: "إني" الضمير المتصل اسم إن، وقوله: "اعتمدتك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ خبرها، وقوله: "يا يزيد": منادى مفرد مبني على الضم، قوله: "فنعم": كلمة المدح، و "معتمد الوسائل": فاعله، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: نعم معتمد الوسائل أنت؛ كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75] أي: نحن. الاستشهاد فيه: وهو حذف المخصوص بالمدح (¬3) فافهم. الشاهد الثمانون بعد السبعمائة (¬4) , (¬5) أَلَا حَبَّذَا أَهْلُ المَلَا غيرَ أَنَّهُ ... إِذَا ذُكِرَتْ مَيُّ فَلَا حَبَّذا هِيَا أقول: قائلته هي أم شملة بن برد المنقري (¬6)، قالت ذلك في مية صاحبة ذي الرمة، وهو من قصيدة بائية، وهو أولها، وبعده (¬7): ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد السبعمائة
2 - عَلَى وَجْهِ مَيٍّ مَسْحَةٌ مِنْ ملَاحَةٍ ... وَتَحْتَ الثِّيَابِ الخِزْيُ لَوْ كانَ بَادِيَا 2 - أَلَمْ تَرَ أَنَّ الماءَ يخْلفُ طَعْمُهُ ... وإنْ كانَ لَوْنُ الماءِ فيِ العَيِنْ صَافِيَا 3 - إِذَا مَا أَتَاهُ وارِدٌ مِنْ ضَرُورَةٍ ... تَوَلَّى بِأَضْعَافِ الَّذِي جَاءَ ظَامِيَا 4 - كَذَلِكَ مَيٌّ فيِ الثِّيَابِ إِذَا بَدَتْ ... وأَثْوَابُهَا يُخْفِينَ مِنْهَا المَخَازِيَا 5 - فَلَوْ أَنَّ غَيْلَانَ الشَّقِيَّ بَدَتْ لَهُ ... مُجَرَّدَةً يَوْمًا لما قَال ذَا لِيَا 6 - كقولٍ مَضَى فِيهَا ولَكنْ لَرَدَّهُ ... إِلَى غَيْرِ مَيٍّ أَوْ لأَصْبَحَ سَالِيَا وهي من الطويل، قوله: "مي": ترخيم مية، وأرادت بغيلان ذي الرمة، فإن اسمه غيلان. الإعراب: قولها: "ألا": للتنبيه و "حبذا": فعل المدح، وهو جملة من الفعل والفاعل، وقولها: "أهل الملا": كلام إضافي مخصوص بالمدح مرفوع بالابتداء، والجملة مقدمًا خبره. قولها: "غير": نصب على الاستثناء، والهاء في "أنه" ضمير الشأن، وهو اسم أن، والجملة بعدها خبرها، وكلمة "إذا" للشرط، و "ذكرت مي": جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل وقعت فعل الشرط، قولها: "فلا حبذا هيا": جواب الشرط وهي كناية عن مية، والألف فيه للإشباع لإقامة القافية. الاستشهاد فيه: في قولها: "فلا حبذا هيا" حيث صار حبذا هاهنا للذم بدخول حرف "لا" عليها. الشاهد الحادي والثمانون بعد السبعمائة (¬1) , (¬2) .............................. ... فَنِعْمَ المَرْءُ مِنْ رَجُلٍ تِهَامِي أقول: قائله هو أبو بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي، وشعوب أم الأسود، وصدره (¬3): ¬
تَخَيَّرَهُ وَلَمْ يَعْدِلْ سِوَاهُ ... ................................ وقبله: 1 - فَذَرْنِي أَصْطَبِحْ يَا بَكْرُ إِنِّي ... رَأَيْتُ الموتَ نَقَّبَ عَنْ هِشَامِ وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: قال أبو حاتم عن أبي عبيدة: قال: لما هلك هشام بن المغيرة (¬1) نادى مناد بمكة: اشهدوا جنازة ربكم، فقال بجير بن عبد اللَّه بن سلمة الخير بن قشير (¬2) يرثيه (¬3): 1 - فَدَعْنِي أَصْطَبِحْ يَا بَكْرُ إِنِّي ... رَأَيْتُ المَوْتَ نَقَّبَ عَنْ هِشَامِ 2 - تَعَمَّدْهُ وَلَمْ يعظمْ عليهِ ... ونِعْمَ المرءُ مِنْ رَجلٍ تهَامِيّ 3 - فَوَدَّ بنو المغُيرةِ لَوْ فَدَوْه ... بألْفِ مُقَاتلٍ وبألفِ رَامِي 4 - وَوَدَّ بنو المُغِيرةِ لَوْ فَدَوْهُ ... بأَلْفٍ مِنْ رِجَالٍ أَوْ سَوَامِ 5 - فبَكِيهِ ضِبَاع ولَا تَمَلِّي ... هِشَامًا إِنَّهُ غَيْثُ الأَنَامِ وهي من الوافر. قوله: "فذرني" أي: دعني، و "أصطبح": من الصبوح، قوله: "نقَّبَ" بالنون والقاف المشددة، معناه: هجم عليه وقطع آثاره، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد التمييز (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "من رجل" فإنه فيه: "من" ليس بتمييز، وإنما هي مبعضة، فكأنه قال: ونعم المرء الذي هو بعض الحي التهامي؛ أي: جزء منه، ولا يقع تمييزًا لنعم وبئس شيء من الأشياء الموغلة في الإبهام نحو: شيء ومن وما إلا أن يخصص بالوصف، وأجازه بعضهم بغير وصف وهو قول أبي (¬5) موسى (¬6). ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد السبعمائة
الشاهد الثاني والثمانون بعد السبعمائة (¬1) , (¬2) حُبَّ بِالزَّوْرِ الذِي لَا يُرَى ... ................................ أقول: قائله هو الطرماح، وتمامه (¬3): ................................ ... مِنْهُ إلا صَفْحَةٌ أَوْ لِمَامُ وهو من المديد، وفيه الحذف. قوله: "بالزور" بفتح الزاي وسكون الواو بمعنى الزائر، قال الجوهري: الزَّوْر: الزائرون، يقال: رجل زائر وتوم زَوْر (¬4)، وصفحة كل شيء: جانبه، و "اللمام" بكسر اللام وتخفيف الميم؛ جمع لمة بكسر اللام وتشديد الميم، وهو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، فإذا بلغت المنكبين فهي جمة، وتجمع على لمم -أيضًا-. الإعراب: قوله: "حب بالزور" أصله: حبب الزور؛ جملة من الفعل والفاعل، فنقلت حركة الباء وهي الضمة إلى الحاء بعد سلب حركتها فصار: "حب"، وزيدت الباء في الفاعل أعني: "الزور"، قوله: "الذي": موصول، و "لا يرى": فعل مجهول، وقوله: "صفحة": مرفوع به، والجملة صلة الموصول، قوله: "أو لمام" بالرفع عطف على صفحة. الاستشهاد فيه: في زيادة الباء في حب، وأدغمت إحدى الباءين من حبب في الأخرى كما ذكرناه مستقصًى في موضعه. ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد السبعمائة
الشاهد الثالث والثمانون بعد السبعمائة (¬1) , (¬2) أَلَا حَبَّذَا عَاذِرِي فِي الهَوَى ... وَلَا حَبَّذَا الجَاهلُ العَاذِلُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من المتقارب وفيه الحذف. قوله: "عاذوي": من عذره فيما صنع، وضده: عذله إذا لامه فيما صنع. الإعراب: قوله: "ألا": للتنبيه، و "حبذا": كلمة المدح؛ جملة من الفعل والفاعل أعني: ذا، وقوله: "عاذري": كلام إضافي مخصوص بالمدح مرفوع على الابتداء، و "في الهوى"، يتعلق به، قوله: "ولا حبذا": بمنزلة بئس، و "الجاهل": مخصوص بالذم، و "العاذل": صفته. الاستشهاد فيه: أن حبذا التي للمدح تكون للذم إذا دخلت فيه لا كما ذكرناه (¬3). الشاهد الرابع والثمانون بعد السبعمائة (¬4) , (¬5) فَنِعْمَ صَاحِبُ قَوْمٍ لَا سِلَاحَ لَهُمْ ... ................................ أقول: قائله هو كثير بن عبد الله المعروف بابن الغريرة، قال أبو الفرج: الغريرة هي أم عبد اللَّه وكانت سبية من تغلب، وهو جاهلي إسلامي، قال أبو عبيد: أدرك معاوية - رضي الله عنه - (¬6)؛ كذا نسب هذا البيت أبو محمد بن السيرافي في شرحه لأبيات الإيضاح (¬7)، ونسبه صاحب الموعب في اللغة (¬8) ¬
لأوس بن مغراء، وكذا نسبه أبو حاتم في إصلاح المفسد (¬1)، وتمام البيت المذكور (¬2): ................................ ... وَصَاحِبُ الركْبِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَا وقبله: 1 - ضَحُّوا بِأَشْمَطَ عُنْوَانُ السُّجُودِ بِهِ ... يقطَّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وَقُرْآنا وهما من البسيط. 1 - قوله: "بأشمط" أي: بأشيب، أشار بذلك إلى قلة غلبة الشيب عليه أو إلى أن قوته كانت لم تذهب ذهاب من بلغ مثل سنه، وكان سنه - رضي الله عنه - يوم قتل ستًّا وثمانين سنة. قوله: "عنوان السجود به" أي: علامة السجود به ورونقه فيه، قوله: "فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم": إشارة إلى فضل عثمان [- رضي الله عنه -] (¬3)، وأنه يغني يوم القيامة بالشفاعة غنى من دافع في الدنيا بسلاحه عن عزل الجماعة، وقد يكون السلاح أيضًا عبارة عن بذله لماله وتوسعته لصحبه فيه، فيكون ذلك أجدى من السلاح لحامله، والسلاح يذكر ويؤنث. الإعراب: قوله: "عنوان السجود": نصب على الحال من الضمير في يقطع الليل، ويجوز أن تكون مجرورة على النعت لأشمط؛ كأنه قال: ضحوا بأشمط ظاهر الخير، قال أبو الحجاج: "وقد يكون حالًا من أشمط وإن كان نكرة؛ لأنها مفهوم من يراد بها" (¬4)، وقد حكى سيبويه هذه مائة بيضاء (¬5). قوله: "قرآنًا": مصدر، يريد: وقراءة، قوله: "فنعم": من أفعال المدح، و "صاحب قوم": كلام إضافي فاعل نعم، قوله: "لا سلاح لهم" في محل الجر على أنها صفة لقوم، قوله: "وصاحب الركب": عطف على صاحب قوم، وقوله: "عثمان": مخصوص بالمدح، وارتفاعه بالابتداء، وقوله: "فنعم صاحب قوم" مقدمًا خبره. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد السبعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فنعم صاحب قوم" حيث رفع "فنعم" "صاحب قوم"، وهو نكرة مضافة، وهذا لغة قوم من العرب حكاها الأخفش عنهم أنهم يرفعون بنعم النكرة مفردة ومضافة، ولذلك استشهد به أبو علي في الإيضاح على دخول نعم على مرفوع مضاف إلى ما لا ألف ولا لام فيه على الوجه الشاذ، وقال: هي لغة قوم من العرب فيما زعم الأخفش، يرفعون النكرة المضافة بنعم وبئس تشبيهًا لها بما أضيف إلى ما فيه الألف واللام (¬1). الشاهد الخامس والثمانون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) بِئْسَ قَوْمُ اللهِ قَوْمٌ طُرِقُوا ... فَقَرَوْا جَارَهُمْ لَحْمًا وَحِرْ أقول: لم أقف على اسم قائله، وبعده: 2 - وَسَقَوْهُ فِي إِنَاءٍ كَلِعٍ ... لَبَنًا مِنْ درِّ مخْرَاطٍ فَئِرْ وهما من الرمل. قوله: "طُرقوا": من الطروق وهو إتيان الأهل ليلًا، قوله: "فقروا": من قري الضيف، وقوله: "وَحِر" بفتح الواو وكسر الحاء المهملة وفي آخره راء، وهو اللحم الذي تدب عليه الوحرة وهي دابة تشبه العظاية. 2 - قوله: "كلع" بفتح الكاف وكسر اللام وفي آخره عين مهملة، يقال: إناء كلع إذا التبد عليه الوسخ، وسقاء كلع إذا تركب عليه تراب (¬4). قوله: "من در مخراط" أي: من لبن مخراط، يقال: شاة مخراط؛ من الخرط وهو داء يصيب الضرع فيخرج اللبن متعقدًا كقطع الأوتار، وقال ابن فارس: يقال: شاة مخراط بكسر ¬
الميم، فإذا كان عادة لها فهي مخراط بكسر الميم، قوله: "فئر" بفتح الفاء وكسر الهمزة، أي: سقطت فيه فأرة. الإعراب: قوله: "بئس": فعل الذم، وقوله: "قوم الله": كلام إضافي فاعله، قوله: "قوم": مخصوص بالذم مرفوع بالابتداء [والجملة] (¬1) مقدمًا خبره، قوله: "طرقوا" على صيغة المجهول في محل الرفع على أنها صفة لقوم. قوله: "فقروا": جملة من الفعل والفاعل، و "جارهم": مفعول، قوله: "لحمًا": مفعول ثان؛ لأن قروا معناه أطعموا، قوله: "وحر": صفة اللحم، وأصله: وحرًا، فأسكنت الراء لضرورة الوزن. الاستشهاد فيه: في قوله: "بئس قوم الله" حيث أسند بئس إلى قوم أضيف إلى لفظة اللَّه، ومثل ذلك لا يجوز؛ لأن الشرط أن يكون فاعل بئس ونعم إذا كان ظاهرًا: أن يكون معرفًا بأل نحو: [قوله تعالى] (¬2)، (¬3): {فَنِعْمَ الْمَوْلَى} [الحج: 78]، أو مضافًا إلى المعرف بالألف واللام نحو: فَنِعْمَ ابْنُ أُختِ القَوْمِ ... ................. إلى آخره وهاهنا ليس كذلك؛ لأن القوم ليس معرفًا بالألف واللام ولا مضافًا إلى ما عرف بهما؛ كما لا يجوز أن يقال: نعم عبد الله هذا؛ لأن عبد الله ليس معرفًا بالألف واللام ولا مضافًا إلى ما عرف بهما (¬4) خلافًا للجرمي، وإنما ذلك للضرورة (¬5)، والذي سهل ذلك كون قوم يقع على ما يقع عليه القوم معرفًا بالألف واللام، وهو مع ذلك مضاف في اللفظ إلى ما فيه الألف واللام، وإن لم [يكن] (¬6) تعريفه بهما (¬7). ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد السبعمائة
الشاهد السادس والثمانون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ أَنْتَ إِذَا هُمُ ... ........................ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وتمامه: ................................ ... حَضَرُوا لَدَى الحُجُرَاتِ نَارَ المَوْقدِ وهو من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المري، وأولها (¬3): 1 - لِمَنِ الدِّيَارُ غشيتهَا بِالفَدْفَدِ ... كَالوَحِي فيِ حجرِ المَسِيلِ المُخْلِدِ 2 - دَارٌ لِسَلْمَى إِذْ هُم لَكَ جِيرَةٌ ... وإخَالُ أَنْ قَدْ أَخْلَفَتْنِي مَوْعِدِي 3 - إذ تَسْتَبِيكَ بِجِيدِ أُدْمٍ عَاقِدٍ ... يَقْرُو طُلُوحَ الأنْعَمين فَثَهْمَدِ 4 - وَمَؤْشر حِمْشُ اللِّثَاتِ كَأَنَّمَا ... شَركتْ مَنَابِتُهُ رَضِيضَ الإثْمِدِ 5 - دَعْهَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ... تَنْجُو نَجَاءَ الأخْدَرِيّ المُفْرَدِ إلى أن قال: 6 - نِعْمَ الفَتَى المُرِّيّ ....... ... ................... إلى آخره 7 - وَإلَى سِنَانٍ سَيْرُهَا ووشيجُهَا ... حتَّى تُلَاقيهَا بطَلْقِ الأَسْعُدِ 8 - خَلِطٌ أَلُوفٌ للجَمِيعِ بِبَيْتِهِ ... إذ لَا يُحَلُّ بِحَيِّزِ المتُوَحِّدِ وهي من الكامل. 1 - قوله: "بالفدفد": هو المكان المرتفع فيه صلابة وحجارة، ويقال: هي أرض مستوية، قوله: "كالوحي" أي: كالكتاب، وإنما جعله في حجر المسيل لأنه أصلب له، و"المخلد": المقيم؛ من أخلد إذا أقام. 3 - قوله: "أدم" بضم الهمزة وسكون الدال المهملة وفي آخره ميم؛ وهو من الظباء بيض يعلوهن جدد فيهن غبرة، تسكن الجبال، قوله: "عاقد": الذي يعقد عنقه، يعني: ظبيًا يثنيها، و "الطلوح": جمع طلح وهو شجر، قوله: "يقرو" يعني: يتبع ويرعى، "الأنعمين وثهمد": مكانان. ¬
4 - قوله: "مؤشر" يعني: ثغر فيه تحزيز من الأشر وهو تحزيز في الأسنان، وإنما يكون في الصبي لأنه لم يكثر المضغ على أسنانه، قوله: "حمش اللثات" يعني: قليل اللحم دقيق، "كأنما شركت" أي: خالطت، "منابته": أصوله، قوله: "رضيض الإثمد": مارض منه، يقول في لثاتها سواد، إنما يريد أنها قليلة لحم اللثة. 5 - قوله: "بجسرة" بالجيم، وهي الناقة السبطة الطويلة، والذكر جسر، قوله: "الأخدري": نسبة إلى أخدر، وهو فرس ضرب في الحمير فنسله معروف، و"المفرد": الفرد. 6 - قوله: "لدى الحجرات": جمع حجرة وهي شدة الشتاء. 7 - قوله: "وشيجها" بالجيم، وهو ضرب من السير، قوله: "بطلق الأسعد" الطلق: اليوم الذي لا برد فيه ولا أذى، و"الأسعد" هو اليمن؛ من السعود. 8 - قوله: "خلط" يعني: يختلط بالناس، قوله: "ألوف للجميع" يعني: يجعل بيته في الجميع لا يتنحى تألفهم حتى ينزل ناحية، و"المتوحد": الذي ينزل وحده كي لا يضيف ولا يقري. الإعراب: قوله: "نعم الفتى": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "المري": نسبة إلى مرة وهو صفة للفتى، قوله: "أنت": مخصوص بالمدح مرفوع بالابتداء، والجملة قبله خبره. قوله: "إذا" للمفاجأة، و"هم": مبتدأ، و"حضروا ": خبره (¬1)، و"لدى الحجرات": كلام إضافي نصب على الظرف، و"نار الموقد": كلام إضافي مفعول لقوله: "حضروا". الاستشهاد فيه: في قوله: "المري" حيث اتصف به الفتى الذي هو فاعل نعم، فهذا حكم فيه خلاف، فالجمهور على منع نعته (¬2). وأجازه أبو الفتح، وفي شرح التسهيل: "وأما النعت فلا ينبغي أن يمنع على الإطلاق؛ بل يمنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس؛ لأن تخصيصه حينئذ منافٍ لذلك القصد، وأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع من نعته حينئذ؛ لإمكان أن ينوي في ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد السبعمائة
النعت ما ينوي في المنعوت، وعلى هذا حمل قوله: نِعْمَ الفَتَى المُرِّيُّ .......... ... ................................. وحمل ابن السراج وأبو علي مثل هذا على البدل ومنعا أن يكون نعتًا، ولا حجة لهما في ذلك" (¬1). الشاهد السابع والثمانون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) أَلَا حَبَّذَا لَوْلَا الحَيَاءُ وَرُبَّمَا ... مَنَحْتُ الهَوَى مَا لَيْسَ بِالْمُتَقَارِبِ أقول: قائله هو مرار بن هماس الطائي، ويقال: مرداس بن هماس (¬4)، وقبله: 1 - هَويْتُكِ حَتَّى كَادَ يَقْتُلُنِي الهَوَى ... وَزُرْتُكِ حَتَّى لَامَنِي كلُّ صَاحِبِ 2 - وَحَتَّى رَأَى مِنِّي أَعَادِيكِ رِقَّةً ... عَلَيْكِ وَلَوْلَا أَنْتِ مَا لانَ جَانِبِي 3 - ألا حَبَّذا .................. ... .................... إلى آخره 4 - بِأَهْلِي ظِبَاء مِنْ رَبيعَةَ عَامِرٍ ... عِذَابُ الثَّنَايَا مُشْرِفَاتُ الحَقَائِبِ وهي من الطويل. 3 - قوله: "ألا حبذا" يريد: ألا حبذا حالي معك، يشير إلى هواه إياها وزيارته لها وما ترتب على ذلك في قوله قبل البيت: هويتك .................. ... ...................... إلى آخره قوله: "منحت الهوى" أي: أعطيت الهوى ما ليس بقريب. الإعراب: قوله: "ألا": للتنبيه، و"حبذا": كلمة المدح، وهي جملة من الفعل والفاعل؛ لأن حب فعل، و"ذا" فاعله، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره: ألا حبذا حالي معك كما قلنا، وقال أبو العلاء: التقدير: ألا حبذا ذِكْر هذه النساء لولا أني أستحيي أن أذكرهن. ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد السبعمائة
قوله: "لولا" هي لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، ويروى: لوما الحياء، فالحياء مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: لولا الحياء يمنعني، قوله: "وربما": رب دخلت عليها ما الكافة (¬1). و"منحت": جملة من الفعل والفاعل، و"الهوى": مفعوله الأول، وقوله: "ما ليس بالمتقارب": مفعول ثان، والمعنى: ربما منحت هواي ما لا يطمع في دنوه، ويروى: من ليس بالمتقارب؛ أي: ربما أحببت من لا ينصفني ولا مطمع فيه، وعلى كلا التقديرين كلمة من وما موصولة و"ليس بالمتقارب": جملة صلتها، واسم ليس مستتر فيه يعود إلى ما، و"بالمتقارب": خبره، والباء فيه زائدة. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا حبذا" حيث حذف [فيه] (¬2) المخصوص بالمدح؛ كما ذكرناه (¬3). الشاهد الثامن والثمانون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) فَقُلْتُ اقْتُلُوهَا عَنْكُمْ بِمِزَاجِهَا ... وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ تُقْتَلُ أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها قوله (¬6): 1 - أَنَاخُوا فَجَرُّوا شَاصِيَّاتٍ كَأَنَّهَا ... رِجَالٌ منَ السُّودَانِ لَمْ يَتَسربلُوا 2 - وَجاؤوا ببَيْسَانِيَّةٍ هي بعدَ مَا ... يَعُلُّ بِهَا السَّاقِي ألَذُّ وَأَسْهَلُ 3 - تَمُرُّ بِهَا الأَيْدِي سَنِيحًا وَبَارحًا ... وتُوضَعُ باللَّهُمَّ حَيّ وتُحْمَلُ 4 - فقلتُ اصْبِحُونِي لا أَبًا لأَبِيكُمو ... ومَا وَضَعُوا الأثْقَال إِلَّا لِيَفْعَلُوا 5 - فَصَبُّوا عُقَارًا فيِ إِنَاءٍ كَأَنَّهَا ... إِذَا لمحوهَا جُذْوَةٌ تتآكَلُ 6 - تَدبُّ دَبِيبًا فيِ العِظَامِ كَأَنَّهُ ... دَبِيبُ نِمَالِ فيِ نَقَا يَتَهَيَّلُ ¬
7 - رَبَتْ وَرَبَا فيِ كَرَمِهَا ابنُ مَدِينَةٍ ... يَظلُّ عَلَى مِسْحَاتِهِ يَتركَّلُ 8 - فقلت ................... ... ........................... إلى آخره 1 - قوله: "الشاصيات": جمع شاصية وهي الزقاق المملوءة الشائلة القوائم، وبه يصف الأخطل الزقاق؛ كذا قاله الجوهري (¬1). 2 - قوله: "ببيسانية" أي: بخمر بيسانية، نسبة إلى بيسان بلدة بغور الشام (¬2) ينسب إليها الخمر، قوله: "يعل بها الساقي": من العلل وهو الشرب الثاني. 5 - قوله: "جذوة" بتثليث الجيم وسكون الذال المعجمة، وهي قطعة من النار، وهي الجمرة. 6 - قوله: "نمال": جمع نمل، قوله: "نقا" بفتح النون مقصورًا، وهو الكثيب من الرمل، قوله: "يتهيل" أي: ينصب. 7 - قوله: "ربت" أي: زادت، قوله: "يتركل": من الركل وهو الضرب بالرجل الواحدة، وقد ركله يركله من باب نصر ينصر ولو خبر يظل، والجملة خبر لقوله: "ابن مدينة". 8 - قوله: "اقتلوها" أي: الخمر؛ من قولهم: قتلت الشراب إذا مزجته بالماء، قوله: "بمزاجها" بكسر الميم وتخفيف الزاي وكسر الجيم؛ من مزج الشراب إذا خلطه بغيره، ومزاج الشراب: ما يخلط به. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل وقوله: "اقتلوها": مقول القول، والباء في: "بمزاجها": تتعلق باقتلوا، قوله: "وحب" بضم الحاء المهملة [للمدح] (¬3) كحبذا، قوله: "مقتولة" أي: ممزوجة، وانتصابها على التمييز، "وحين": منصوب على الظرف، قوله: "تقتل" أي: تمزج. الاستشهاد فيه: في قوله: "وحب بها" حيث جاء فاعل: "حب" الذي للمدح بالباء الزائدة، فإن قوله: "بها" في موضع الرفع بحب، ونقلت حركة عينه إلى فائه؛ وذلك لأن الأكثر أن حب يجيء مع غير "ذا" مضمومة الفاء بالنقل من حركة عينها (¬4)، وقد لا تضم كما في الرجز الآتي عقب هذا. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد السبعمائة
الشاهد التاسع والثمانون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) بِاسْمِ الإلَهِ وبِهِ بَدِينَا ... ولَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا فَحَبَّذَا رَبًّا وحَبَّ دِينَا أقول: قائله هو عبد الله بن رواحة الأنصاري الصحابي [- رضي الله عنه -] (¬3). قوله: "بدينا" بكسر الدال، بمعنى بدأنا، وهي لغة أهل المدينة. الإعراب: قوله: "باسم الإله" الباء تتعلق بمحذوف [أي: أبتدئ] (¬4) باسم الله، ومحلها النصب على المفعولية، قوله: "وبه" الباء فيه تتعلق بقوله: "بدينا"، وهذه الجملة تأكيد للجملة الأولى. قوله: "ولو" للشرط، و"عبدنا": جملة من الفعل والفاعل، و"كيره": كلام إضافي مفعوله، والجملة فعل الشرط، قوله: "شقينا": جواب الشرط، قوله: "فحبذا": كلمة المدح، وإعرابه ظاهر، و"ربًّا": نصب على التمييز. قوله: "وحب" بفتح الحاء للمدح مثل حبذا، وحذف فاعله، تقديره: حب عبادته، وإنما ذكر ضمير العبادة لتأولها بالدين، وقوله: "دينًا": نصب على التمييز؛ لأنه يفسر المحذوف. والاستشهاد فيه: في قوله: "حب" حيث جاء للمدح مفتوح الحاء مع غير ذا، وكان الأصل ضم حائه، وقد فتح هاهنا كما ذكرنا في البيت السابق (¬5). ¬
الشاهد التسعون بعد السبعمائة
الشاهد التسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) تَقُولُ عِرْسِي وَهيَ لِي فِي عَوْمَرَهْ ... بِئْسَ امْرَأً وَإنَّنِي بِئْسَ المَرَهْ أقول: لم أقف على اسم راجزه. قوله: "عرسي" عرس الرجل: زوجته، وهي بكسر العين وسكون الراء وفي آخره سين كلها مهملات، قوله: "في عومره" قال ابن فارس: العومرة: الصخب والجلبة (¬3). الإعراب: قوله: "تقول": فعل، و"عرسي": كلام إضافي فاعله، قوله: "وهي لي في عومره": [جملة حالية] (¬4) واللام في قوله: "لي" بمعنى مع، والمعنى: وهي معي في عومرة، قوله: "بئس امرأ": مقول القول، وفاعل بئس مضمر فيه، و"امرأ": نكرة منصوبة على التمييز، وقد فسر الفاعل المضمر، قوله: "وإنني": الضمير المتصل به اسم إن، وقوله: "بئس المره": خبره، أي: بئست المرأة، وفيه ثلاثة أشياء: الأول: تذكير الفعل المسند إلى المؤنث (¬5). والثاني: تخفيف الهمزة من المرأة. والثالث: تقديم المخصوص بالذم على بئس لدخول الناسخ عليه (¬6). الاستشهاد فيه: في قوله: "بئس امرأً" حيث أضمر الفاعل فيه، وفسرته النكرة بعده المنصوبة على التمييز؛ كما ذكرناه (¬7). ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد السبعمائة
الشاهد الحادي والتسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أَبِيكَ فِينَا ... فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أَبِيكَ زَادَا أقول: قائله هو جرير، وهو من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، وقبله هو قوله (¬3): 1 - منْ عَبْدِ العَزِيزِ لَقِيتُ بَحْرًا ... إِذَا نَقَصَ البُحُورُ المَدِّ زَادَا 2 - فَسُدْتَ النَّاسَ قَبْلَ سِنِينَ عَشْرًا ... كَذَاكَ أَبُوكَ قَبْلَ العَشْرِ سَادَا 3 - وَثَبْتُ الفُرُوع فَهُنَّ خُضْرٌ ... وَلَوْ لَمْ تُحْيِي أَصْلَهُمْ لَبَادَا 4 - تزود مثل ............... ... ...................... إلى آخره وبعده: 5 - فَمَا كَعْبُ بْنُ مَامَةَ وابْنُ سعْدَى ... بِأَجْوَدَ مِنْكَ يَا عُمَرَ الجَوَادَا وهي من الوافر قوله: "تزود": أمر من تزود يتزود تزودًا، والباقي ظاهر. الإعراب: قوله: "تزود": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه، قوله: "مثل زاد": كلام إضافي نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: تزود تزودًا مثل زاد، و "أبيك" أيضًا؛ كلام إضافي مجرور بإضافة زاد إليه، ويقال: "مثل": نصب على الحال من زاد لأنه نعت نكرة تقدم عليها. قوله: "فينا": يتعلق بقوله: "زادًا" لأنه في الأصل مصدر، قاله الفراء (¬4)، قوله: "فنعم الزاد": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "زاد أبيك": كلام إضافي مخصوص بالمدح وهو مبتدأ، ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد السبعمائة
وقوله: "فنعم الزاد": مقدمًا خبره، قوله: "زادًا" في نصبه ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون تمييزًا لمثل في قوله: "زاد أبيك" أي: مثل زاد أبيك زادًا، فيكون نحو قولهم: ما رأيت مثلهم رجلًا، أي: من الرجال، وقد اجتمع فيه التمييز والمميز على جهة التأكيد، وهو مذهب أبي علي وشيخه أبي بكر بن السراج، وقيل: هذا من ضرورة الشعر وإنه لا يحسن في النثر (¬1). والثاني: أن يكون مفعولًا لقوله تزود. والثالث: أن يكون منصوبًا على المصدر المحذوف الزيادة، والتقدير: تزود مثل زاد أبيك فينا تزودًا، وذلك مبني على أن يكون الزاد مصدرًا كما قاله الفراء (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "فنعم الزاد إلى آخره" حيث جمع فيه بين الفاعل الظاهر والنكرة المفسرة تأكيدًا كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثاني والتسعون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) نِعْمَ الفَتَاةُ فَتَاةً هِنْدُ لَوْ بَذَلَتْ ... رَدّ التَّحِيَّةِ نُطْقًا أَوْ بِإِيمَاءِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. الإعراب: قوله: "نعم الفتاة": جملة من الفعل والفاعل، و"فتاة" بالنصب حال مؤكدة، قوله: "هند": مخصوص بالمدح مرفوع بالابتداء، والجملة قبله خبره، قوله: "لو" للشرط، و"بذلت": جملة فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف تقديره: لو بذلت فهي نعم الفتاة، قوله: "رد التحية": كلام إضافي مفعول بذلت، قوله: "نطقًا": نصب على التمييز، وقوله: "أو بإيماء": عطف عليه. ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد السبعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "نعم الفتاة فتاة" حيث جمع فيه بين التمييز والفاعل الظاهر، وأجاز ذلك المبرد وابن السراج والفارسي محتجين به وبأمثاله (¬1). الشاهد الثالث والتسعون بعد السبعمائة (¬2)، (¬3) وَقَائِلَةٍ نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتَى ... ............................... أقول: قائله هو الكروس بن الحصن، وتمامه: ................................ ... إِذَا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جَال بَرِيمُهَا وهي من الطويل. و"المرضع": التي ترضع على تأويل: ذات إرضاع، و"جال": من الجولان، و"البريم" بفتح الباء الموحدة وكسر الراء بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره ميم، وهو الحبل المضفور، وقال أبو عبيدة: الحبل البريم: المفتول يكون فيه لونان، وربما شدته المرأة على وسطها وعضدها، وقد يعلق على الصبي تدفع به العين، وجولان البريم: كناية عن الهزال؛ لأنه إنما يجول بريمها في وسطها إذا أثر الهزال فيها. الإعراب: قوله: "وقائلة" أي: وامرأة قائلة، والواو فيه واو رب، وقوله: "نعم الفتى": مقول القول، وهي جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أنت": مخصوص بالمدح في محل الرفع بالابتداء، والجملة مقدمًا خبره. قوله: "من فتى": تمييز معناه: من متفت (¬4)؛ أي: كريم، قوله: "إذا المرضع العوجاء": ظرف لقوله: "نعم الفتى"، وارتفاع المرضع بفعل محذوف يدل عليه قوله: "جال بريمها" تقديره: إذا جال بريم المرضع، و"العوجاء": صفة للمرضع، و "بريمها": كلام إضافي مرفوع بقوله: "جال". ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد السبعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "من فتى" فإنه تمييز كما ذكرنا، وفيه جمع بين التمييز والفاعل الظاهر، وفيه ثلاثة مذاهب: المنع: وهو مذهب سيبويه؛ إذ لا إبهام يرفعه التمييز (¬1). والجواز: وهو مذهب المبرد وابن السراج والفارسي، قال ابن مالك: وهو الصحيح (¬2). والمذهب الثالث: التفصيل: فإن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو: نعم الرجل رجلًا عالمًا، ومنه: ........ نِعْمَ الفَتَى أَنْتَ مِنْ فَتَى ... ................................ لأن المعنى: من متفت؛ كما ذكرنا، فأفاد معنى لا يفيده الفاعل فلذلك جاز، وإلا لم يجز، وصححه ابن عصفور رحمه اللَّه (¬3). الشاهد الرابع والتسعون بعد السبعمائة (¬4) , (¬5) إِذَا أَرْسَلُونِي عِنْدَ تَعْذِيرِ حَاجَةٍ ... أُمَارِسُ فِيهَا كُنْتُ نِعْمَ المُمَارِسُ أقول: قائله هو يزيد بن الطثرية (¬6). وهو من الطويل، المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد السبعمائة
الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "أرسلوني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط، و "عند": نصب على الظرف، و "تعذير حاجة": كلام إضافي وقع مضافًا إليه. قوله: "أمارس": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للشرط، وقوله: "فيها" يتعلق بقوله "كنت" (¬1) والضمير المتصل به اسم كان، وخبره الجملة أعني قوله: "نعم الممارس". الاستشهاد فيه: في قوله: "كنت نعم الممارس" فإن نعم كلمة المدح، و"الممارس" بالرفع فاعل، والمخصوص بالمدح مقدم، وهو الضمير في كنت، قال ابن مالك: إذا دخل الناسخ على المخصوص يجوز تقديمه على نعم كقوله: إذا أسلوني ............ ... ............... إلى آخره ويجوز تأخيره إلا في باب "إن" على ما يأتي الآن (¬2)، وقال ابن أم قاسم: يجوز دخول نواسخ الابتداء عليه؛ أي: فعل المدح، ثم أنشد البيت المذكور (¬3). الشاهد الخامس والتسعون بعد السبعمائة (¬4)، (¬5) إِنَّ ابْنَ عَبْدَ الله نِغـ ... ـمَ أَخُو النَّدَى وابْنُ العَشِيرَهْ أقول: قائله هو أبو دهبل (¬6) الجمحي، وأوله (¬7): 1 - يَا نَاقُ سِيرِي واشْرُقِي ... بِدَمٍ إِذَا جِئْتُ المُغِيرَهْ 2 - يَا نَاقُ ثُمَّ عَنَقتِ مِنْ ... دَلجْي ومِنْ نَصّ الظّهيرَهْ ¬
3 - سيُثيبني أُخْرَى سِوَا ... كَ وَتِلْكَ لِي مِنْهُ يَسِيرَهْ وهي من الكامل، وفيه الإضمار والترفيل. قوله: "يا ناق": منادى مرخم، أصله: يا ناقة، قوله: "واشرقي بدم": من قولهم: شرق الدم إذا ظهر، قوله: "من دلجي" أي: من إدلاجي، أي: سيري في الظلمة، قوله: "نص الظهيرة": من نصصت ناقتي أنصها [إذا استخرجت] (¬1) أقصى ما عندها من السير، و "الظهيرة" وقت اشتداد الحر، قوله: "أخو الندى" بفتح النون وتخفيف الدال المقصورة؛ أي: صاحب الكرم والسخاء. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "ابن عبد الله": كلام إضافي اسمه، قوله: "نعم أخو الفتى": جملة من الفعل والفاعل خبره، و"ابن العشيرة": عطف عليه. والاستشهاد فيه: في جواز دخول: "إن" على "نعم" وتقديم المخصوص، وقال ابن مالك: يجوز إدخال النواسخ على المخصوص، فإذا دخل يجوز تقديمه، ويجوز إبقاؤه مؤخرًا إلا "إن" فإنه إذا دخلت يجب تقديمه كقوله: إن عبد الله ............ ... ..................... إلى آخره (¬2) * * * ¬
شواهد أفعل التفضيل
شواهد أفعل التفضيل الشاهد السادس والتسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) تَرَوَّحِي أَجْدَرَ أَنْ تَقِيلِي ... غَدًا بِجَنْبَيْ بَارِدٍ ظَلِيلِ أقول: قائله هو أحيحة بن الجلاح، [وقبله: 1 - تَأَبَّرِي يَا خِيرَةَ الفَسِيلِ ... تَأَبَّرِي مِنْ حَنَذٍ فَشُولِي 2 - إِذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بِالْفُحُولِ ... ] (¬3) .............................. وبعده: 4 - وَمَشْرَبٍ يَشْرَبُهَا رَسِيلُ ... لَا آجِنِ الطَّعم ولَا وبِيلِ 1 - قوله: "تأبري" معناه: تلقحي، وتأبير النخل تلقيحه، و"الفسيل" بفتح الفاء وكسر السين المهملة، وهو الودي، وهو صغار النخل، [وكذلك الفسيلة، والجمع فسلان، قوله: "من حنذ" بفتح الحاء المهملة والنون وفي آخره ذال معجمة، وهي قرية أحيحة بن الجلاح، وقيل: ماء لبني سليم ومزينة، قوله: "فشولي": عطف على قوله: "تأبري"، معناه: ارتفعي؛ من شأل إِذا ارتفع] (¬4). 3 - قوله: "تروحي": أمر من تروح يتروح، [يقال: تروح النبت إذا طال، والمعنى: طولي ¬
يا فسيل، والخطاب للفسيل في قوله: يا خيرة الفسيل، وقد جعل كثير ممن يتعانى بتفسير الأبيات حتى الأفاضل منهم: الخطاب في قوله: "تروحي" للناقة، وقالوا معناه: اصبري على السير في وقت الرواح، وهو وقت العشي، وهو من زوال الشمس إلى الليل] (¬1)، والذي حملهم على ذلك عدم وقوفهم على ما قبل البيت، وغرهم لفظ تروحي حتى جعلوا الخطاب للناقة. قوله: "أجدر" أي: أولى، قوله: "تقيلي": من قال يقيل قيلولة وقيلًا ومقيلًا وهو النوم في الظهيرة. 4 - قوله: "رسيل" أي: سهل وهو صفة المشرب، و"الآجن": المتغير الطعم، و"الوبيل": بفتح الواو وكسر الباء الموحدة، معناه: الوخيم؛ من الوخامة؛ من وبل المرتع بالضم وبلًا. الإعراب: قوله: "تروحي": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه؛ أعني: أنت، قوله: "أجدر": نصب على أنه صفة لمنصوب محذوف، تقديره: تروحي وائتي مكانًا أجدر من غيره. قوله: "أن تقيلي" بفتح الهمزة، أصله: بأن تقيلي فيه، وتقيلي منصوب بأن، وعلامة النصب سقوط النون [إذ أصله تقيلين، وأصله: أن تقيلي فيه، فحذف كلمة في فصار تقيليه، على الاتساع، ثم حذف الضمير أيضًا فصار: تقيلي، وقيل أصله: تروحي مكانًا أجدر بأن تقيلي فيه فحذف مكانًا الذي هو الموصوف فصار أجدر بأن تقيلي ثم حذف في، ثم الهاء كما ذكرنا] (¬2). قوله: "غدًا": نصب على الظرف، والباء في: "بجنبي" يتعلق بقوله: "تقيلي"، و"بارد": مجرور بالإضافة، و"ظليل": صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "أجدر" فإنه أفعل التفضيل واستعمل بغير ذكر: "من" لكونه صفة لمحذوف؛ إذ التقدير: وائتي مكانًا أجدر أن تقيلي فيه من غيره كما ذكرنا (¬3). ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد السبعمائة
الشاهد السابع والتسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى ... وَإنَّمَا العِزَّةُ لِلْكَاثِرِ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من الرجز. قوله: "حَصًى" أي: عددًا، و"الكاثر" بمعنى الكثير، يقال: عدد كاثر؛ أي: كثير. الإعراب: قوله: "ولست" التاء اسم ليس، وقوله: "بالأكثر": خبره، والباء فيه زائدة، و"حصى" نصب على التمييز، وبطل عمل إن بدخول ما الكافة عليها، و"العزة": مبتدأ، و"الكاثر": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالأكثر منهم" فإنه جمع بين الألف واللام وكلمة من، وذلك ممتنع؛ لا يقال: زيد الأفضل من عمرو، وأجيب عنه بأربعة أوجه: الأول: أن: "من" فيه ليست لابتداء الغاية بل لبيان الجنس كما يقال: أنت منهم الفارس الشجاع، أي: من بينهم. الثاني: أن: "من" تتعلق بمحذوف تقديره: ولست بالأكثر بأكثر منهم، والمحذوف بدل من المذكور. الثالث: أن: "أل" فيه زائدة فلذلك لم يمنع من دخول: "من". الرابع: أن: "من" بمعنى في؛ أي: بالأكثر فيهم، ويقال: إن: "منهم" حال من التاء في: "لست"، والتقدير: ولست كائنًا منهم بالأكثر حصًى، وفيه نظر؛ لأن فيه فصلًا بين أفعل ومعموله وهو حصى، بأجنبي وهو معمول ليس، والذي أراه أن يكون حالًا من الضمير المستكن ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد السبعمائة
في الأكثر (¬1)، وقد وهم الجاحظ حيث قال: هذا البيت يبطل قول النحويين لا تجتمع من وأل في اسم التفضيل فجعل كلًّا من "أل" و"من" معتدًّا به جاريًا على ظاهره (¬2). الشاهد الثامن والتسعون بعد السبعمائة (¬3)، (¬4) تولى الضَّجِيعَ إِذَا تَنَبَّهَ مَوْهِنًا ... كَالأُقْحُوَانِ مِنَ الرَّشَاشِ المُسْتَقِي أقول: قائله هو القطامي (¬5)، واسمه عمير بن شييم، وهو من قصيدة قافية طويلة من الكامل، وأولها هو قوله (¬6): 1 - طَرَقَتْ جَنُوبُ رِحَالنَا مِنْ مَطْرَقِ ... مَا كُنْتُ أَحْسَبُهَا قَرِيبَ المُعْنَقِ 2 - قَطَعَتْ إِلَيْكَ بِمِثْلِ جِيدِ جَدَايَةٍ ... حَسَن مُعَلَّق تُومَتَيْهِ مُطَوَّقِ 3 - هَلَّا طَرَقْتِ إِذِ الحَيَاةَ لَذِيذَةٌ ... وإذ الشَّبَابَ قَمِيصُهُ لَمْ يَخْلُقِ [إلى أن قال:] (¬7) 4 - تُعْطِي الضَّجِيعَ إِذَا تَنَبَّهَ مَوْهنًا ... مِنْهَا وَقَدْ أَمِنَتْ لَهُ مَنْ تَتَّقِي 5 - عَذْبَ المَذَاقِ مفلجًا أَطْرَافهُ ... كَالأُقْحُوَانِ منَ الرَّشَاشِ المُسْتَقِي 6 - نَفَضَتْ أَعَاليَهُ الشَّمال تَهزُّهُ ... وَغَدَتْ عَلَيْهِ غَدَاةَ يَوْمٍ مشْرِقِ فعرفت من هذا أن البيت المذكور الذي استشهد به ابن الناظم مركب من صدر بيت وعجز بيت آخر، والصحيح ما ذكرناه كما نقلناه من ديوانه. ¬
1 - قوله: "جنوب" بفتح الجيم وضم النون وفي آخره باء موحدة، وهو اسم امرأة، قوله: "من مطرق" أي: من موضع بعيد يطرق منه، قوله: "المعنق" مفعل بضم الميم بمعنى الإعناق؛ من أعنق في المشي أو بمعنى: اسم الموضع الذي يفعل فيه. 2 - قوله: "جيد جداية" الجيد -بكسر الجيم؛ العنق، والجداية -بفتح الجيم؛ الظبية لها ما بين ثلاثة أشهر إلى خمسة، والجداية من الظباء كالعناق من الغنم، وقال أبو عمرو: الجداية من الذكر والأنثى من الظباء سواء، وهي التي قد اشتدت رجلاها ومشت، قوله: "تومتيه" التومتان بضم التاء المثناة من فوق؛ الدرتان، قال ابن فارس: التومة: الحية (¬1). 4 - قوله: "موهنًا" بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء بعدها النون، قال الأصمعي: الموهن: حين يدبر الليل (¬2)، قال الجوهري: الوهن: نحو من نصف الليل وكذا المَوهن (¬3). 5 - و"الأقحوان" بضم الهمزة على وزن أفعلان، وهو البابونج وهو نبت طيب الريح حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر، قوله: "من الرشاش" بفتح الراء؛ من قولهم: أصابنا رشاش [المطر، وأصله من الرش] (¬4)، وهو ما ترشش من الدمع والدم ونحوهما. الإعراب: قوله: "تولى": من أولى إيلاء إذا أعطى، ويدل عليه رواية من روى: تعطي الضجيع، والضمير فيه يرجع إلى المرأة المذكورة في القصيدة، و"الضجيع": مفعوله، وضجيع الرجل: الذي يضاجعه، قوله: "إذا": ظرف، "تنبه": جملة من الفعل والفاعل و"موهنًا": نصب على الظرف، قوله: "كالأقحوان" الكاف للتشبيه والأقحوان مجرور بها. الاستشهاد فيه: في قوله: "من الرشاش المستقي" إذ الألف واللام في الرشاش زائدتان، والتقدير: من رشاش المستقي، واستدل بها على زيادة أل في المضاف. فافهم (¬5). ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد السبعمائة
الشاهد التاسع والتسعون بعد السبعمائة (¬1)، (¬2) إِنَّ الذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنا ... بَيتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة لامية من الكامل، وأولها هذا البيت، وبعده (¬3): 2 - بَيْتًا بَنَاهُ لَنَا الملَيكُ وَمَا بَنَى ... مَلِكُ السَّمَاءِ فَإِنَّهُ لا يُنْقَلُ 3 - بَيْتًا زُرَارَةُ مُحْتبٍ بِفَنَائِهِ ... وَمُجَاشِعٌ وَأَبُو الفَوَارِسِ نَهْشَلُ 4 - يَلجُونَ بَيْتَ مُجَاشِعٍ فَإذَا احْتَبَوْا ... بَرَزُوا كَأَنَّهُمْ الجِبَالُ المُثَّلُ وهي تزيد على مائة بيت. قوله: "سمك": من سمك الله السماء سمكًا، أي: رفعها، وسمك الشيء سموكًا: ارتفع، وسنام سامك؛ أي: عال، والمسموكات السموات، قوله: "بيتًا" أراد به الكعبة المشرفة، و"الدعائم": جمع دعامة وهي الأسطوانة. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "الذي": اسمه، وقوله: "بنى لنا": خبره، وقوله: "سمك السماء": جملة صلة الموصول، و"بيتًا": مفعول "بنى"، قوله: "دعائمه": كلام إضافي مبتدأ، و "أعز": خبره، و "أطول": عطف عليه، والجملة صفة للبيت في محل النصب. الاستشهاد فيه: في قوله: "أعز وأطول" فإنهما على أفعل التفضيل ولكن لم يقصد بهما تفضيل؛ فإنهما بمعنى: عزيزة وطويلة كما في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] يعني: وهو هين عليه (¬4). ¬
الشاهد المتمم للثمانمائة
الشاهد المتمم للثمانمائة (¬1)، (¬2) فَقَالتْ لَنَا أَهْلًا وَسَهْلًا وَزَوَّدَتْ ... جَنَى النَّحْلِ بَلْ مَا زَوَّدَتْ مِنْهُ أَطْيَبُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من الطويل. المعنى ظاهر، [وذكر في كتاب الضيفان لأبي عبيد: ضاف الفرزدق مية الضبية بالمعلى فلم تقره، ولم تحمله، ولم تزوده، فأتى عزيزة من بني ذهل بن ثعلبة فقرته وحملته وزودته، فقال في ذلك: 1 - لأُخْتِ بَنِي ذُهْلٍ غَدَاةَ لَقِيتُهَا ... عَزِيزَةٌ فِينَا مِنْك يَا مَيُّ أَرْغَبُ 2 - أَتَيْنَا بِحَلْبِهَا وَأَفْقَرنَا ابْنهَا ... مُروجًا بِرَحْلَيهَا تَجُولُ وَتَجْذُبُ 3 - وقَالُوا لَنَا أَهْلًا وَسَهْلًا وزوَّدَتْ ... جَنَى النَّحْلِ أَوْ مَا زوَّدَتْ هُوَ أَطْيَبُ 4 - أَبُوهَا ابنُ عَمِّ الشَّعْثَمِيّ وَحَسْبُهَا ... إِذَا كَانَ مِنْ أَشْيَاخِ ذُهْل لَهَا أَبُ (¬3) الإعراب: قوله: "فقالت" الفاء للعطف على ما تقدمه، و"قالت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى محبوبته، وقوله: "لنا": جار ومجرور يتعلق بقالت. وقوله: "أهلًا وسهلًا": منصوبان على أنهما مقولان للقول، والتقدير: قالت أتيت أهلًا فاستأنس ولا تستوحش وأتيت مكانًا سهلًا. قوله: "وزودت": جملة من الفعل والفاعل، و"جنى النحل": كلام إضافي مفعوله، وهي في محل النصب على الحال، والماضي إذا وقع حالًا وكان مثبتًا وبالواو لم يحتج إلى قد، قوله: "أو" هاهنا بمعنى بل، والدليل عليه رواية من روى: بل ما زودت. الاستشهاد فيه: في قوله: "منه أطيب" حيث تقدم المجرور بمن على أفعل التفضيل، والحال أنه غير الاستفهام، والتقدير: أطيب منه وهذا قليل (¬4)، وعلى ما ذكره أبو عبيد لا شاهد فيه. ¬
الشاهد الأول بعد الثمانمائة
الشاهد الأول بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ولَا عَيْبَ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ قَطُوفَهَا ... سَرِيعٌ وَأَنْ لَا شَيءَ مِنْهُنَّ أَكْسَلُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وهو من قصيدة لامية طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - أَللرَّبْعِ ظَلَّتْ عَيْنُكَ الماءَ تَهْمُلُ ... رِشَاشًا كما اسْتَنَّ الجُمَانُ المُفَصَّلُ 2 - لِعِرْفَانِ أَطْلَالٍ كَأنَّ رُسُومَهَا ... بِوَهْبَيِنْ وَشْيٌ أَوْ رِدَاءٌ مُسَلْسَلُ إلى أن قال: 3 - قِصَارُ الخُطَا يَمْشِينَ هَوْنًا كَأَنَّهَا ... دَبِيبُ القَطَا بَلْ هُنَّ فيِ الوَعْثِ أَوْحَلُ 4 - إِذَا نَهَضَتْ أَعْجَازُهَا خَرَجَتْ بِهَا ... بِمُبتَهِرَاتٍ غَيْرَ أَنْ لا تَخَزَّلُ 5 - ولا عيب فيها ............. ... ........................... إلى آخره 1 - قوله: "تهمل" أي: تسيل، و"الرشاش" بالفتح؛ ما ترشش من الدمع ومن الدم -أيضًا-، قوله: "كما استن الجمان"، أي: كما تفرق بعد انقطاع سلكها، و"الجمان": جمع جمانة وهي حبة من فضة كالدرة. 2 - و"الأطلال": جمع طلل الدار، وهو ما شخص من آثارها. 3 - و"الوعث": المكان اللين. 4 - و"مبتهرات": من البهر وهو العجب، قوله: "تخزل" بالخاء المعجمة والزاي المعجمة - أيضًا؛ من الخوزلى وهي مشية فيها تفكك. 5 - قوله: "أن قطوفها" بفتح القاف، وهو المتقارب الخطو. ¬
الشاهد الثاني بعد الثمانمائة
والبيت المستشهد به هكذا وقع في نسخة ابن الناظم، وليس كذلك في ديوان ذي الرمة بل فيه: .................... غير أن سريعها ... قطوف .......................... والمعنى عليه، فافهم. الإعراب: قوله: "ولا عيب" كلمة لا لنفي الجنس، و"عيب": مبني على الفتح اسمها، والخبر محذوف تقديره: ولا عيب حاصل فيها، والجار والمجرور يتعلق بالمحذوف، والضمير يرجع إلى النساء المذكورات في أول القصيدة، قوله: "غير": نصب على الاستثناء، و"قطوفها": كلام إضافي اسم إن، و"سريع": خبرها، وهذا من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم نحو قوله (¬1): وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قرَاعِ الكَتَائِبِ قوله: "وأن لا شيء": عطف على قوله: "أن قطوفها". الاستشهاد فيه: في قوله: "منهن أكسل" حيث قدم المجرور بمن على أفعل التفضيل وهو أكسل، والتقدير: وأن لا شيء أكسل منهن، وارتفاع الأكسل على الخبرية (¬2). الشاهد الثاني بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) لَأُكْلَةٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ... أَلْيَنُ مَسًّا فِي حَشَايَا البَطْنِ مِنْ يَثْرِبيَّاتٍ قِذَاذٍ خُشْنِ أقول: لم أقف على اسم راجزه، وأول الرجز (¬5): 1 - تعْلَمنْ يَا زَيْنُ يَا ابنَ زينٍ ... لأُكلَةٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ¬
2 - وشرْبَتَانٍ مِنْ عَكيّ الضَّأْنِ ... ألْيَنُ فيِ حَشَايَا البَطْنِ 3 - مِنْ يَثْرِبيَّات قِذَاذٍ خُشْنِ وفي آخر الرجز قوله: يَرْمي بِهَا أَرْمَى مِنْ ابنِ تِقْنِ 1 - قوله: "لأكلة" بضم الهمزة وسكون الكاف، وهي اللقمة، تقول: أكلت أُكْلة؛ أي: لقمة، وأما الأكلة بفتح الهمزة فهي المرة من الأكل، و "الأقط" بفتح الهمزة وكسر القاف وفي آخره طاء مهملة، وربما تسكن القاف في الشعر، وهو شيء يتخذ من اللبن فيصير جبنًا معقودًا. 2 - قوله: "في حشايا": جمع حشية بفتح الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف، ويروى: في حوايا البطن، وهو جمع حوية بفتح الحاء المهملة وكسر الواو وتشديد الياء آخر الحروف، وهي الأمعاء، قال الجوهري: حوية البطن وحاوية البطن وحاوياء البطن كله بمعنى (¬1). 3 - قوله: "من يثربيات" أي: من قذاذ يثربيات، يقال: قذ يثربي، ونصل يثربي، منسوب إلى يثرب مدينة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وإنما فتحوا الراء استيحاشًا لتوالي الكسرات. قوله: "قذاذ" بكسر القاف وتخفيف الذال المعجمة؛ جمع قذ، بضم القاف وتشدد الذال المعجمة، وهو جمع أقذ على وزن أفعل، وهو السهم الذي لا ريش عليه، و "الخشن" بضم الخاء وسكون الشين المعجمتين؛ جمع أخشن بمعنى الخشن، قوله: "ابن تقن" بكسر التاء المثناة من فوق وسكون القاف، وهو رجل كان من الرماة الحذق يضرب به المثل. الإعراب: قوله: "لأكلة" اللام للتأكيد، وأكلة مرفوع بالابتداء، وتخصص بالصفة وهي قوله: "من أقط"، ومن فيه للبيان، والمعنى: لأكلة كائنة من أقط، و "سمن": عطف عليه، وقوله: "ألين": خبره، و "مسًّا": نصب على التمييز. قوله: "حشايا" يتعلق بقوله: "ألين"، و "البطن": مجرور بالإضافة، قوله: "من يثربيات": صفة موصوفها محذوف تقديره: من قذاذ يثربيات، قوله: "قذاذ": مجرور؛ لأنه بيان لقوله: "يثربيات" أو بدل عنها، قوله: "خشن" بالجر صفة القذاذ. ¬
الشاهد الثالث بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ألين مسًّا في حشايا البطن من يثربيات" حيث فصل فيه بين: "من" وأفعل التفضيل بشيئين أجنبيين، والأصل أن لا يفصل بينهما بأجنبي لشبه أفعل التفضيل مع: "من" بالمضاف والمضاف إليه (¬1). الشاهد الثالث بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) مَرَرْتُ عَلَى وَادِي السِّبَاعِ وَلَا أَرَى ... كَوَادِي السِّبَاعِ حِينَ يُظْلمُ وَادِيًا أَقَلَّ بهِ رَكْبٌ أَتوهُ تَئِيَّةً ... وَأَخْوَفَ إِلَّا مَا وَقَى اللهُ سَارِيًا أقول: قائلهما هو سحيم بن وثيل (¬4)، وهما من الطويل. 2 - قوله: "ركب": اسم جنس وهم الركبان، وقيل: جمع راكب، قوله: "تئية" أي: مكثًا وتلبثًا، يقال: تأيَّا؛ أي: تمكث وتوقف، ويقال: ليس منزلكم هذا بمنزل تئية، أي: منزل تلبث وتحبس، ومادته: همزة وياء وألف. الإعراب: قوله: "مررت": جملة من الفعل والفاعل [و "على": صلة مررت، قوله: "ولا أرى": جملة من الفعل والفاعل] (¬5) ومحلها النصب على الحال، قوله: "واديًا": مفعول لأرى، والتقدير: ولا أرى واديًا مثل وادي السباع، و "حين": نصب على الظرف مضاف إلى الجملة أعني قوله: "يظلم"؛ من أظلم إظلامًا. قوله: "أقل به" بالنصب لأنه صفة لواديًا في اللفظ، وهو في المعنى لمسبب له وهو الركب، و "ركب": مرفوع بأقل ارتفاع الكحل بأحسن في قولك: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل. ¬
الشاهد الرابع بعد الثمانمائة
والمعنى: أن ثبوت الركب في وادي السباع أقل من ثبوته في غيره من الأودية، والضمير في: "به" يرجع إلى الوادي. قوله: "أتوه": جملة فعلية في موضع رفع صفة لركب، قوله: "تئية": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي إتيانًا تئية، أي: مكثًا وتلبثًا كما ذكرنا، ويجوز أن يكون نصبًا على المصدرية لأنه التئية مصدر، ولأن التلبث نوع من الإتيان، وقيل نصب على الحال؛ أي: أتوه متوقفين، أو ماكثين. قوله: "وأخوف": عطف على قوله: "أقل" أو على: "تئية" إن جعلت حالًا، قوله: "إلا": استثناء مفرغ؛ أي: في كل وقت إلا وقت وقاية الله ساريًا، و "وقى": فعل، و"الله": فاعله، و"ساريًا" مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "أقل به ركب" حيث رفع أفعل التفضيل الذي هو أقل الاسم الظاهر الذي هو ركب لكونه قد ولي النفي ومرفوعه أجنبي، وذلك كما في قولك: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، وأصل التركيب: ولا أرى واديًا أقل به ركب أتوه منه بوادي السباع (¬1). الشاهد الرابع بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) دَنَوْتِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالْبَدْرِ أَجْمَلا ... فَظَلَّ فُؤَادِي فِي هَوَاكِ مُضَلَّلَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "دنوت" من الدنو [وهو القرب] (¬4) قوله: "خلناك" أي: ظنناك. ¬
الشاهد الخامس بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "دنوت": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه، وهو أنت الذي هو خطاب للمؤنث. قوله: "وقد" الواو للحال، وقد للتحقيق، و"خلناك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "كالبدر": في محل النصب لأنه مفعول ثان، قوله: "أجملا": نصب على الحال، والعامل فيها: دنوت، والتقدير: دنوتِ حال كونكِ أجمل من البدر، والحال: إنا قد خلناك مثل البدر. قوله: "فظل": فعل من الأفعال الناقصة، وقوله: "فؤادي": كلام إضافي اسمه، و "مضللا": خبره، و"في هواك": يتعلق بمضللا. الاستشهاد فيه: في قوله: "أجملا" فإنه أفعل تفضيل، وحذفت منه: "من" والتقدير: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر، وأكثر ما تحذف "من" في أفعل التفضيل إذا كان خبرًا كما في قوله تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف: 34] أي: أعز منك، وحذفها في غير الخبر قليل كما في البيت المذكور (¬1). الشاهد الخامس بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) وَإنْ مُدَّتِ الأَيْدِي إِلَى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ ... بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ أقول: قائله هو الشنفرى الأزدي، وهو من قصيدة لامية مشهورة، وقد ذكرنا الكلام فيها مستوفًى في شواهد ما ولا ولات وإن المشبهات بليس (¬4). و"الأجشع" بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح الشين المعجمة وفي آخره عين مهملة؛ أفعل ¬
الشاهد السادس بعد الثمانمائة
من الجشع وهو الحرص على الأكل. والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "بأعجلهم" فإن وزنه أفعل ولكنه لغير التفضيل؛ إذ معناه: لم أكن بعجيلهم، فافهم (¬1). الشاهد السادس بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) إِذَا سَايَرَتْ أَسْمَاءُ يَوْمًا ظَعِينَةً ... فَأَسْمَاءُ مِنْ تِلْكَ الظَّعِينَةِ أَمْلَحُ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي التميمي، وهو من الطويل. قوله: "سايرت": من المسايرة، و"أسماء": اسم امرأة، و"الظعينة": الهودج كانت فيه امرأة أو لم تكن، ثم سميت المرأة ظعينة ما دامت في الهودج، و"أملح": أفعل التفضيل من ملح الشيء بالضم يملح ملحًا وملوحةً وملاحة؛ أي: حسن فهو مليح وملاح بالضم والتخفيف. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و"سايرت أسماء": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، و "يومًا": نصب على الظرف، و"ظعينة": نصب على المفعولية، قوله: "فأسماء". مبتدأ، و"أملح": خبره، والجملة جواب الشرط فلذلك دخلت عليها الفاء. الاستشهاد فيه: في قوله: "من تلك الظعينة أملح" حيث قدمت كلمة "من" فيه على أملح الذي هو أفعل التفضيل؛ إذ التقدير: فأسماء أملح من تلك الظعينة، وهذا شاذ؛ لأن محل ذلك في الاستفهام نحو: من أيهم أنت أفضل؟ فافهم (¬4). ¬
الشاهد السابع بعد الثمانمائة
الشاهد السابع بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) كَأَنَّ صُغْرَى وَكُبْرَى مِنْ فَقَاقِعِهَا ... حَصْبَاءُ دُرٍّ عَلَى أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ أقول: قائله هو أبو الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح المعروف بأبي نواس الحكمي الشاعر المشهور، وقد ذكرنا ترجمته مستوفاة فيما مضى في أوائل الكتاب. وهو من البسيط. قوله: "صغرى": تأنيث الأصغر، وكذلك "كبرى": تأنيث الأكبر، و "الفقاقع" بفتح الفاء والقاف وبعد الألف قاف مكسورة وفي آخره عين مهملة، وهي الانتفاخات التي ترتفع فوق الماء، و"الحصباء": الحصى. الإعراب: قوله: "كأن": من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "صغرى": اسمها، و "كبرى": عطف عليه، قوله: "من فقاقعها": يتعلق بمحذوف؛ أي: كأن كبرى وصغرى الحاصلتين من فقاقعها. قوله: "حصباء در": كلام إضافي خبر كأن، قوله: "على أرض" يتعلق بمحذوف، أي: در كائن على أرض، قوله: "من الذهب": جار ومجرور وقع صفة لأرض، و "من" للبيان. الاستشهاد فيه: في قوله: "صغرى وكبرى" فإنه قد قيل: إنه لحن لأن اسم التفضيل إذا كان مجردًا من أل والإضافة يجب أن يكون مفردًا مذكرًا دائمًا؛ فتأنيثه لحن كما في البيت المذكور، وقد اعتذروا عن هذا بأن أفعل العادي إذا كان مجردًا عن معنى التفضيل جاز جمعه، فإذا جاز جمعه جاز تأنيثه (¬3). ¬
الشاهد الثامن بعد الثمانمائة
الشاهد الثامن بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) وَلَفُوكِ أَطْيَبُ لَوْ بَذَلْتِ لَنَا ... مِنْ مَاءِ مَوْهَبَةٍ عَلَى خَمْرِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "موهبة" بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء والباء الموحدة، وهي نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء، والجمع مواهب، قوله: "على خمر" ويروى: على شهد. الإعراب: قوله: "ولفوك" الواو للعطف إن تقدمه شيء، واللام للتأكيد، و "فوك": كلام إضافي مبتدأ، و "أطيب": خبره، قوله: "لو" للشرط، و"بذلت": جملة من الفعل والفاعل فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الكلام السابق، وقوله: "لنا": يتعلق ببذلت، قوله: "على خمر" في محل الجر على أنها صفة للماء تقديره: ماء مَوْهَبة حاصل على خمر. الاستشهاد فيه: في قوله: "أطيب" فإنه أفعل التفضيل، وقد فصل بينه وبين "من" التي هي صلة بكلمة لو، وهي قوله: "لو بذلت لنا" والأصل: أن لا يفصل بينهما (¬3). الشاهد التاسع بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) نَحْنُ بِغَرْسِ الوَدِيِّ أَعْلَمُنَا ... مِنَّا بِرَكْضِ الجِيَادِ فِي السَّدَفِ أقول: قائله هو سعد القرقرة؛ قاله الجوهري (¬6)، وقال ابن عصفور: قيس بن الخطيم ¬
الأنصاري (¬1)، والأصح ما قاله الجوهري، وذكر البكري في شرح الأمثال: قال: قال عبيد بن شربة: أتى النعمان بحمار وحش فدعى بسعد القرقرة فقال: احملوه على اليحموم وأعطوه مطردًا وخلوا عن هذا الحمار حتى يطلبه سعد فيصرعه فقال سعد: إني أصرع من هذا فما لي ولهذا، فقال النعمان: والله ليحملنه فحُمل على اليحموم ودفع إليه المطرد وخلى عن الحمار، فنظر سعد إلى بعض بنيه قائمًا في النظارة فقال: وا بأبي (¬2) وجوه اليتامى، فأرسلها مثلًا وركض الفرس، فألقى المطرد وتعلق بمعرفة الفرس فضحك به النعمان ثم أدرك فأنزل، فقال سعد في ذلك: 1 - نحن بِغَرَس الودي ......... ... ............................. إلى آخره 2 - يا لهفَ نفسِي وَكَيْفَ أَطْعَنُهُ ... مُسْتَمْسِكًا واليَدَانِ فِي العُرُفِ 3 - قَدْ كُنْتُ أَدْرَكْتُهُ فَأَدْرَكنِي ... لِلصَّيدِ عُرْفَ مِنْ معْشَرٍ عنف وهي من المنسرح (¬3). قوله: "الوديّ" بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء آخر الحروف على وزن فعيل؛ جمع ودية وهي النخلة الصغيرة، قال الجوهري: الوديّ: صغار الفسيل (¬4)، وقال: الفسيل: الودي وهو صغار النخل، والجمع الفسلان (¬5). قوله: "بركض" الركض: تحريك الرَّجل، يقال: ركضت الفرس برجلي إذا استحثثته ليعدو، و"الجياد" بكسر الجيم؛ جمع جواد وهو الذكر والأنثى من الخيل، ويجمع على أجياد وأجاويد -أيضًا-، قوله: "في السدف" بفتح السين والدال المهملتين وفي آخره فاء، وأراد به الصبح وإقباله. الإعراب: قوله: "نحن": مبتدأ، وخبره، قوله: "أعلمنا"، وقوله: "بغرس الودي" يتعلق بقوله: "أعلمنا"، قال أبو الفتح: إن: "نا" في "أعلمنا" مرفوع مؤكد للضمير في: أعلم وهو نائب عن نحن (¬6)، وإنما قال ذلك ليتخلص بذلك عن الجمع بين إضافة أفعل وكونه بمن، وهذا ¬
الشاهد العاشر بعد الثمانمائة
البيت: أشكل على أبي علي حتى جعله من تخليط الإعراب (¬1). قوله: "بركض الجياد": كلام إضافي، والباء فيه بمعنى: "عن" أي: عن ركض الجياد؛ كما في قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] أي: عن أيمانهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "أعلمنا منا" حيث جمع الشاعر فيه بين الإضافة ومن، وأجيب عنه بأن التقدير: أعلم منا، والمضاف إليه في نية المطروح كاللام في: أرسلها العراك (¬2). الشاهد العاشر بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) إِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَسْوَدُ العَيْنِ كُنْتُمْ ... كِرَامًا وَأَنْتُمْ مَا أَقَامَ أَلَائِمُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من الطويل. قوله: "أسود العين" قال الركني (¬5) في شرحه للكافية: هو اسم رجل، وهو غلط، والمعنى: ما قاله أبو بكر بن دريد: أسود العين: جبل، والجبل لا يغيب، يقول: أنتم لئام أبدًا، قوله: "ألائِم": جمع ألأم على وزن أفعل، بمعنى لئيم، واللئيم: الدنيء الأصل الشحيح النفس. الإعراب: قوله: "إذا": للشرط، و"غاب": فعل، و"أسود العين": فاعله، والجملة فعل الشرط، و "عنكم": يتعلق بغاب، قوله: "كنتم كرامًا": جواب الشرط، والضمير المتصل بكان هو اسمه، و"كرامًا": خبره، وهو جمع كريم. قوله: "وأنتم": مبتدأ، وقوله: "ألائم": خبره، قوله: "ما أقام" أي: ما أقام أسود العين؛ أي: ما دام قائمًا، أي: مدة إقامته، وهذا كناية عن عدم إزالة البخل والشح عنهم؛ كما لا يزول أسود العين عن موضعه كما أشار إليه ابن دريد. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "ألائم" حيث جمع لأنه جمع ألأم كما، ذكرنا، وإنما يجمع أفعل إذا جرد عن معنى التفضيل وكان عاريًا عن اللام ومن، مؤولًا باسم الفاعل كما في قوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} [النجم: 32]. والمعنى: عليم بكم، وكذلك هنا: "ألائم" بمعنى اللئيم (¬1). * * * ¬
شواهد النعت
شواهد النعت الشاهد الحادي عشر بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللئِيمِ يَسُبُّني ... وأَعِفُّ ثُم أَقُولُ مَا يَعْنِينِي أقول: قائله رجل من بني سلول لم يعين اسمه، وبعده بيت آخر، وهو (¬3): 2 - غضبَانَ مُمْتَلِئًا عليَّ إِهَابُهُ ... إِنِّي وَرَبِّكَ سُخْطُهُ يُرضِيني وهما من الكامل. قوله: "على اللئيم" هو الدنيء الأصل الشحيح النفس، قوله: "وأعف"، ويروى: .............................. ... فمضيت ثمة قلت لا يعنيني أي: لا يقصدني، من عنى يعني إذا قصد. الإعراب: قوله: "ولقد" الواو للعطف إذا تقدمه شيء، والأَولى أن تكون للقسم، واللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "أمر": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "على اللئيم" يتعلق به، قوله: "يسبني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لقوله: "اللئيم"، والآية يجيء الكلام فيه، قوله: "وأعف": جملة من الفعل والفاعل، عطف على قوله: "يسبني"، قوله: "ثم أقول": عطف ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الثمانمائة
على قوله: "وأعف"، وقوله: "ما يعنيني": جملة وقعت مقولًا للقول. الاستشهاد فيه: في قوله: "يسبني" فإنها جملة وقعت صفة مع أنه معرف بالألف واللام، وقد ثبت أن النكرات لا تقع صفة للمعارف، ولكن لما كانت للئيم الألف واللام فيه للجنس قربت مسافته من التنكير فجاز نعته حينئذ بالنكرة، وذلك كما في قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37]، فإن قوله: "نسلخ" صفة لليل لكون الألف واللام فيه للجنس، ومع هذا لا يتعين أن يكون قوله: "يسبني" صفة لأنه يجوز أن تكون حالا، وكذلك قوله: "نسلخ" يجوز أن يكون حالا من المفعول. فافهم (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) فمَا أَدْرِي أَغَيرَهُم تَنَاءٍ ... وَطُولُ العَهْدِ أَم مَال أَصَابُوا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة من الوافر، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ألا أبلِغْ مُعَاتِبَتِي وَقُولي ... بَنِي عَمِّي فَقَدْ حَسُنَ العِتَابُ 2 - وَسَلْ هَلْ كَانَ لِي ذَنْبٌ إِلَيهِم ... هُمُ مِنْهُ فأَعْتَبَهُم غِضَابُ 3 - كَتَبتُ إِلَيهِم كُتُبًا مِرَارًا ... فَلَم يَرجِعْ إِليَّ لَهُم جَوَابُ 4 - فَمَنْ يَكُ لَا يَدُومُ لَهُ وَفَاءٌ ... وَفِيهِ حِينَ يَغْتَرِبُ انْقِلَابُ 5 - فَعَهْدِي دَائِمٌ لَهُم وَوُدِّي ... عَلَى حَالٍ إِذَا شَهِدُوا وَغَابُوا ورأيت في نوادر أبي علي القالي (¬5): حدث الأصمعي قال: خرج أعرابي إلى الشام فكتب إلى بني عمه فلم يجيبوه فكتب إليهم: ¬
ألَا بَلِّغْ مُعَاتبَتي وَقُولي ... ....................... إلى آخر القصيدة. قلت: يمكن أن يكون المراد من قوله: "الأعرابي" هو جريرًا، أو يكون الأعرابي قد كتب هذه الأبيات التي هي لجرير، ولم يكن هو الذي قالها، وذكر في الحماسة البصرية (¬1) أن قائل هذه القصيدة هو الحارث بن كلدة الثقفي، ويروى: لغيلان بن مسلمة الثقفي. 6 - قوله: "تناء" أي: تباعد؛ من تنائى يتنائى تنائيًا، وأراد بالعهد الزمان. الإعراب: قوله: "فما أدري" الفاء للعطف، و "ما أدري": جملة من الفعل والفاعل دخل عليها حرف النفي، قوله: "أغيرهم" الهمزة للاستفهام، وغيرهم: فعل ومفعول، وقوله: "تناء": فاعله. قوله: "وطول عهد": كلام إضافي عطف على تناء، قوله: "أم" متصلة، و "مال" بالرفع عطف على طول العهد، و "أصابوا": فعل وفاعل، والمفعول محذوف، والتقدير: أم مال أصابوه. الاستشهاد فيه: فإنه حذف الضمير الذي يربط الصفة بالموصوف وذلك؛ لأن أصابوا جملة وقعت صفة للمال، ولا بد في الجملة المنعوت بها من ضمير يربطها بالمنعوت؛ ليحصل بها تخصيصه كقولك: مررت برجل أبوه كريم، وقد يحذف للعلم به كما في هذا البيت (¬2). ¬
الشاهد الثالث عشر بعد الثمانمائة
الشاهد الثالث عشر بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ............................... ... جَاؤُوا بَمُذقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذِّئبَ قَط؟ أقول: ذكره المبرد ونسبه إلى راجز، ولم يعين اسمه، وقيل: هو العجاج، وأول هذا الرجز هو (¬3): 1 - بِتْنَا بِحَسَّانَ ومعْزَاه تَئطّ ... مَا زِلْتُ أَسْعَى بَينَهُم وَأَغْتَبِطُ 2 - حَتَّى إِذَا كَانَ الظلامُ يَخْتَلِطْ ... جَاؤُوا بِمَذْقٍ هَلْ رَأيْتَ الذئْبَ قَط؟ 1 - قوله: "معزاه" المعزى -بكسر الميم- من الغنم خلاف الضأن، وهو اسم جنس، وكذلك المعز والعيز والأمعوز، وواحد المعز: ماعز كصحب وصاحب، والأنثى: ماعزة وهي العنز، والجمع مواعز، قوله: "تئط" أي: تصوّت، وأكثر ما يستعمل هذا في الإبل، وقال الجوهري: الأطيط: صوت الرحل والإبل من ثقل أحمالها (¬4). 2 - قوله: "حتى إذا كان الظلام"، ويروى: "حتى إذا جن الظلام واختلط"؛ من جن عليه [الليل يجن] (¬5) بالضم جنونًا، قوله: "بمذق" بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وفي آخره قاف، وهو اللبن الممزوج بالماء فيقل بياضه بمزجه بالماء، فيشبه بلون الذئب. والراجز يصف قومًا أضافوه وأطالوا عليه، ثم أتوه بلبن مخلوط بالماء حتى إن لونه في العشية لون الذئب. الإعراب: قوله: "حتى": حرف للانتهاء، و "إذا": ظرف، و "جن الظلام": جملة من الفعل ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة
والفاعل، قوله: "واختلط" عطف عليه، وفي رواية: كاد؛ فيكون "يختلط": خبر كاد واسمه: "الظلام، ويستعمل بدون أن كما عرفت. قوله: "جاؤوا": جملة من الفعل والفاعل مظروف إذا، وقوله: "بمذق": في محل النصب لأنه مفعول جاءوا، وقوله: "هل" للاستفهام، و "رأيت" بمعنى أبصرت، و "الذئب": مفعوله، و"قط": تأكيد للماضي المنفي، والاستفهام في معنى النفي. الاستشهاد فيه: في قوله: "هل رأيت الذئب قط" وذلك لأنها جملة إنشائية، وظاهرها يشبه أن يكون صفة لقوله: "بمذق" وليس كذلك؛ إذ لا توصف النكرة بالجملة الإنشائية بل إنما توصف بالجمل الخبرية فحينئذ يؤول هذا، والتقدير: جاؤوا بمذق مقول عند رؤيته: هل رأيت الذئب قط؟ (¬1). وقال البعلي: وفي تخريج هذا وجهان: أن التقدير: جاؤوا بمذق مشابه لونه لون الذئب، والآخر: مثل ما ذكرنا. الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) وَيَأْوي إِلَى نِسْوَةٍ عُطُلٍ ... وَشُعْثًا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِي أقول: قائله هو أمية بن أبي عائذ الهذلي (¬4)، وهو من قصيدة لامية طويلة من التقارب، وأولها: 1 - أَلَا يَا لَقَوْمِي لِطَيفِ الخيَالِ ... يُؤرِقُ مِنْ نَازحٍ ذي دلَالِ 2 - أَجَازَ إِلَينَا عَلَى بُعْدِهِ ... مَهَاوي خَرقٍ مهَابٍ مَهَالِ 3 - صَحارٍ تَغوَّلُ حِنَّانُهَا ... وَأَحْدَابٍ طودٍ رَفِيعِ الجِبَالِ ¬
إلى أن قال: 4 - مُقِيتًا مُفِيدًا لِأكْل القَنيـ ... ـصِ ذَا فَاقَة مُلْحِمًا للعِيَالِ 5 - لَهُ نِسْوَةٌ عَاطِلَاتُ الصُّدُو ... ر عُوجٌ مَرَاضيعُ مثل السّعَالِ ويروى: وَيَأْوي إِلَى نِسْوَة بَائساتٍ ... وَشُعْثًا مَرَاضِيعَ مِثْلَ السَّعَالِي 1 - قوله: "لطَيفِ الخيال": من طاف الخيال يطف طيفًا، قوله: "يؤرق" أي: يسهر، و "النازح" بالنون والزاي المعجمة؛ البعيد. 2 - قوله: "أجاز إلينا": من أجاز الخيال؛ أي: قطع إلينا على بعده، مهاوي يعني: براضع يهوي فيها، قوله: "مهاب" يعني: موضع هيبة، و "مهال": موضع هول. 3 - قوله: "تغول" أي: تلون، و "حنانها" بكسر الحاء المهملة، وهي طائفة من الجن، قال الجوهري: الحن بالكسر حي من الجن، ويقال: الحن: خلق بين الجن والإنس (¬1)، و "الأحداب": جمع حدب وهو ما ارتفع في الأرض، و "الطود": الجبل العظيم. 4 - قوله: "مقيتًا" أي: مقتدرًا، و "القنيص": الصيد، قوله: "ملحمًا للعيال" أي: يطعمهم اللحم، يصفه بأنه يصيد الوحش ويغيب عن نسائه لأجل الصيد ثم يأوي إليهن ويجدهن في أسوأ حال، وهو معنى قوله: "وَيَأْوي إلَى نِسوَة عُطل" وهو بضم العين وبالطاء المهملتين، يقال: عطلت المرأة إذا خلا جيدها من القلائد فهي عطل بالضم، والمصدر: عَطَل بفتحتين، قال الجوهري: وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء، وإن كان أصله في الحلي (¬2). و"الشعث" بضم الشين المعجمة وسكون العين المهملة وفي آخره تاء مثلثة؛ جمع شعثاء وهي المغبرة الرأس، قوله: "مراضيع" أصله: مراضع بدون الياء؛ لأنه جمع مرضع فالمد لإشباع الكسرة، ويحتمل أن يكون جمع مرضاع، فالمدة قياسية؛ كمصابيح في جمع مصباح. قوله: "مثل السعالي" بفتح السين المهملة؛ جمع سعلاة وهي أخبث الغيلان، قوله: "عوج" بضم العين المهملة؛ يعني: مهازيل، وهو جمع عوجاء وهي الناقة الضامرة، قوله: "بائسات" ¬
الشاهد الخامس عشر بعد الثمانمائة
بالباء الموحدة في أوله؛ أي: محتاجات. الإعراب: قوله: "ويأوي": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يعود إلى الصائد، قوله: "إلى نسوة" يتعلق به وهو في محل النصب لأنه مفعول يأوي، قوله: "عطل": صفة للنسوة. قوله: "وشعثًا": نصب على الترحم، والمعنى: وارحم شعثًا على ما يجيء بيانه مفصلًا عن قريب -إن شاء الله تعالى-، قوله: "مراضيع" نصب لأنه صفة شعثًا، قوله: "مثل السعالي" بالنصب -أيضًا- صفة بعد صفة، والسعالي مجرور بالإضافة. الاستشهاد فيه: في قوله: "وشعثًا" حيث جاء منصوبًا بفعل مضمر على الاختصاص ليبين أن هذا الضرب من النساء أسوأ حالًا من الضرب الأول الذي هو العطل منهن، تقديره: أعني شعثًا، ومثل هذا يسمى نصبًا على الترحم كما قلنا، وذلك أنه لما وصف النسوة التي هي نكرة بصفتين أتبع الأولى وهي قوله: "عطل"، وقطع الثانية وهي قوله: "وشعثًا" بتقدير: أترحم، ولو أتبعهما جاز بأن يقال: وشعثٍ بالجر؛ كما قد جاءت في رواية هكذا، ولو قطعهما لم يجز (¬1). الشاهد الخامس عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) ............................. ... تَرمِي بِكَفي كَانَ مِنْ أَرْمَى البَشَر أقول: لم أقف على اسم راجزه، وأوله (¬4): مَا لكَ عنْدِي غَيرَ سَهْمٍ وَحَجَرْ ... وَغَيرَ كبدَاء شَدِيدَة الوَتَر ¬
الشاهد السادس عشر بعد الثمانمائة
ترمي ....................... ... ...................... إلى آخره (¬1) قوله: "غير كبداء" بفتح الكاف وسكون الباء الموحدة، وهي قوس واسعة المقبض، قوله: "ترمي" ويروى؛ جادت بكفي؛ أي: أحسنت. الإعراب: قوله: "ما لك" ما نافية، وقوله: "لك": في محل رفع على أنه خبر المبتدأ؛ أعني قوله: "غير سهم"، قوله: "وحجر": عطف عليه، وكذا قوله: "وغير كبداء"، وقوله: "شديدة الوتر": صفة كبداء، قوله: "كرمي": جملة من الفعل والفاعل. قوله: "بكفي "أصله: بكفي رجل على ما يجيء الآن، قوله: "كان": من الأفعال الناقصة، واسمه مستتر فيه يرجع إلى رجل المقدر، وقوله: "من أرمى البشر": في محل [النصب على أنه خبر كان، و "أرمى": أفعل التفضيل من الرمي، وكمان مع اسمه وخبره في محل] (¬2) جر صفة للموصوف المحذوف؛ أعني: رجلًا المقدر في قوله: "بكفي "أي: بكفي رجل. الاستشهاد فيه: حيث حذف منه الموصوف وأقام الصفة مقامه؛ إذ التقدير: بكفي رجل كان من أرمى البشر، وهذا للضرورة؛ لأن النعت هاهنا لا يصلح لمباشرة العامل؛ كما قرره ابن الناظم (¬3). الشاهد السادس عشر بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) كَأنكَ مِنْ جمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... يُقَعقَعُ بَينَ رِجلَيهِ بِشَنِّ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقبله (¬6): 1 - أَتخْذِلُ نَاصِرِي وَتعِزُّ عَبسًا ... أَيَربوع بِنَ غَيظِ لِلمِعَنِّ ¬
الشاهد السابع عشر بعد الثمانمائة
وهما من الوافر. قوله: "أيربوع بن غيط": منادى منصوب، وهم رهط النابغة فاستغاث بهم لعيينة ودعاهم للتعجب منه؛ فقال: أيربوع بن غيط، والمعن بكسر الميم: العريض الذي يتعرض لك، والمعنى: يا عجبًا لعيينة المتعرض لما لا يعنيه ويعود عليه سوء مغبته، قوله: "بني أقيش" بضم الهمزة وفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة، وبنو أقيش: حيّ من عكل أو من أشجع أو من اليمن، ويقال: حي من الجن. والأصل فيه أن عبسًا قتلت رجلًا من أسد، فقتلت أسد به اثنين من عبس، فأراد عيينة بن حصن الفزاري أن يعين عبسًا وينقض الحلف الذي بين ذبيان وأسد، فقال النابغة: كأنك لسرعة غضبك وشدة نفورك مما لا ينبغي لعاقل أن يتقرب منه كجمل من جمال بني أقيش، وإنما خص بني أقيش؛ لأن جمالهم وحشية مشهورة بالنفور. حتى قيل إن إبلهم كانت من الجن، قوله: "يقعقع" أي: يصوّت، و "بين رجليه بشن" بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، وهي القربة اليابسة، وذلك أشد لنفورها. الإعراب: قوله: "كأنك" الكاف اسم كأن، وخبره محذوف، والتقدير: كأنك جمل من جمال بني أقيش، فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الخبر قوله: "من جمال بني أقيش" فلِمَ احتاج إلى هذا التقدير؟ قلت: لولا هذا التقدير لم تجد للضمير في قوله: "بين رجليه" ما يعود عليه فافهم. قوله: "يقعقع": جملة وقعت صفة للمحذوف؛ أعني جمل الذي قدرناه في قوله: كأنك جمل. الاستشهاد فيه: في قوله: "كأنك من جمال بني أقيش" حيث حذف منه الموصوف للضرورة؛ إذ الأصل: كأنك جمل من جمال بني أقيش، فحذف الموصوف للضرورة (¬1). الشاهد السابع عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) وَقَدْ كُنْتُ فِي الحَرْبِ ذَا تُدْرإٍ ... فَلَم أُعْطَ شَيئًا وَلَمْ أُمْنَعِ أقول: قائله هو العباس بن مرداس عامر بن حارثة السلمي الصحابي - رضي الله عنه -، أسلم قبل فتح ¬
مكة -شرفها الله تعالى- بيسير، وكان من المؤلفة قلوبهم وممن حسن إسلامهم، ولما أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع المؤلفة قلوبهم، وهم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وغيرهما من غنائم خيبر مائة من الإبل ونقص طائفة من المائة منهم عباس بن مرداس هذا قال (¬1): 1 - أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبيـ ... ـد بَبنَ عُيَينَةَ والأَقْرع 2 - فَمَا كَانَ حصْنْ وَلَا حابسٌ .... يَفُوقَانِ مرْدَاسَ في مَجْمَعِ 3 - وَمَا كُنْتَ دُونَ امْرئٍ مِنْهُمَا .... وَمَنْ تَضَع اليَومَ لا يُرفَعِ 4 - وَقَد كُنْتُ في الحَربِ ..... ... ....................... إلى آخره إلى غير ذلك من الأبيات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهبوا فاقطعوا عني لسانه" فأعطوه حتى رضي، وقيل: أتمها له مائة، وكان العباس هذا شاعرًا محسنًا وشجاعًا مشهورًا، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وكان ينزل البادية بالبصرة، وقيل: إنه قدم دمشق وابتنى بها دارًا، والله أعلم. وهي من المتقارب. قوله: "نهبي" بفتح النون وسكون الهاء، وهي الغنيمة، وتجمع على نهاب، و "العبيد" بضم العين المهملة، وهو اسم فرس العباس بن مرداس. قوله: "تدرإ" بضم التاء المثناة من فوق وسكون الدال وفتح الراء وفي آخره همزة، وهو من قولهم: السلطان ذو تدرإ، أي: ذو عدة وقوة على دفع أعدائه من نفسه، وهو اسم موضع للدفع، والتاء فيه زائدة كما زيدت في: تنضب وتنفل. الإعراب: قوله: "وقد كنت" الواو للعطف على ما قبله، وقد للتحقيق، والتاء في كنت اسم كان، وقوله: "ذا تدرإ": كلام إضافي خبره، وقوله: "في الحرب": يتعلق به، ويروى: "وقد كنت في الحرب ذا تدرإ"، وقوله: "فلم أعط" على صيغة المجهول، والضمير فيه مفعول ناب عن الفاعل، و "شيئًا": مفعول ثان، وقوله: "ولم أمنع": معطوف (¬2) عليه. ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فلم أعط شيئًا" حيث حذف منه الصفة؛ إذ التقدير: فلم أعط شيئًا طائلًا، ولولا هذا التقدير لتناقض مع قوله: "ولم أمنع" فافهم (¬1). الشاهد الثامن عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) لَوْ قُلْتَ مَا فِي قَوْمِهَا لَم تِيثَمِ ... يَفْضُلُهَا حَسَبٍ وَمِيسَمِ أقول: قائله هو أبو الأسود الحماني، كذا قاله ابن يعيش (¬4)، والشاعر يصف به امرأة، وهو من الرجز المسدس. قوله: "لم تيثم" بكسر التاء، وهي لغة قوم؛ أي: لم تأثم؛ من الإثم وهو الخطيئة، قوله: "ميسم، بكسر الميم، وهو الجمال، يقال: امرأة ذات ميسم إذا كان عليها أثر الجمال، وهو من الواو، وإنما قلبوها ياء لكسرة ما قبلها؛ كأنه من قولهم: فلان وسيم؛ أي: حسن الوجه. الإعراب: قوله: "لو قلت" لو للشرط، "وقلت": جملة من الفعل والفاعل، فعل الشرط، وجوابه: قوله: "لم تيثم". وقوله "ما في قومها" ما: نافية، "وفي قومها": خبر مبتدأ محذوف تقديره: ما في قومها أحد، والضمير في قومها يرجع إلى المرأة الممدوحة. قوله: "يفضلها": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى أحد المقدر، والمفعول وهو الضمير المنصوب البارز، وقعت صفه للمبتدأ المحذوف، قوله: "في حسب": يتعلق بقوله: "يفضلها"، و"وميسم": عطف عليه. ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في حذف الموصوف كما قلنا؛ إذ التقدير: ما في قومها أحد يفضلها، وقال ابن يعيش: المراد إنسان يفضلها، فحذف الموصوف الذي هو المبتدأ وأقام الجملة مقامه (¬1). الشاهد التاسع عشر بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) لَا يَبْعُدَنْ قَوْمِي الذِينَ هُمُ ... سُمُّ العُدَاةِ وَآَفَةُ الجُزْرِ النازِلِينَ بِكُل مُعْتَرَك .... والطيبُونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ أقول: قائلته هي خرنق بنت هفان القيسية (¬4)، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الصفة المشبهة باسم الفاعل (¬5). الاستشهاد فيه هاهنا: في قولها: "النازلين والطيبون" حيث جاء الأول بالقطع والثاني بالإتباع (¬6)، [ويروى: النازلون والطبين بإتباع الأول وقطع الثاني] (¬7)، ويروى: كلاهما بالرفع بإتباعهما، ويروى كلاهما بالنصب بقطعهما (¬8). الشاهد العشرون بعد الثمانمائة (¬9)، (¬10) ................................ ... مُهَفْهَفَةٍ لَهَا فَرعٌ وَجِيدُ أقول: قائله هو المرقش الأكبر، وصدره: ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد الثمانمائة
ورُب أَسِيلَةِ الخَديْنِ بِكْرٍ ... ................................ وهو من الوافر. قوله: "أسيلة الخدين" أي: لينة الخدين طويلتهما، وكل مسترسل أسيل، قوله: "مهفهفة" أي: ضامرة البطن، قوله: "فرع" أي: شعر تام، و "الجيد" بكسر الجيم؛ العنق. الإعراب: قوله: "ورب" الواو للعطف ورب للتقليل هنا، و "أسيلة الخدين": مجرور بها، و "بكر": عطف بيان، وقوله: "مهفهفة" بالجر صفة لبكر، قوله: "لها فرع": جملة اسمية من المبتدأ وهو فرع وخبر وهو قوله: "لها"، قوله: "وجيد" بالرفع عطف على فرع. الاستشهاد فيه: في قوله: "لها فرع وجيد" إذ التقدير: لها فرع وافر وجيد طويل؛ فحذفت الصفة من كل واحد منهما لدلالة لفظ كل واحد منهما عليه (¬1). الشاهد الحادي والعشرون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) .......................... ... أَبَى ذَاكَ عمّيّ الأكرَمَانِ وَخَالِيَا أقول: أقف على اسم قائله، وصدره: ولَستُ مُقرًّا لِلرِّجَال ظُلَامَةً ... ................................ وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ولست" التاء اسم ليس، و"مقرًا": خبره، و"للرجال" يتعلق به، وقوله: "ظلامة": نصب على أنه مفعول: مقرًّا. قوله: "أبي": فعل ماض، و "عمي": كلام إضافي فاعله، وقوله: "ذاك": مفعوله، وهو ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد الثمانمائة
إشارة إلى ما ذكر من قوله: "ظلامة"، قوله: "وخاليا": عطف على قوله: "عمي"، أصله: وخالي بسكون الياء، فلما حركت الياء لأجل الضرورة أشبعت ألفًا فصار: خاليا، وقوله: "الأكرمان": صفة لعمي وخاليا. الاستشهاد فيه: حيث قدم الصفة على أحد الموصوفين؛ فإن قوله: "الأكرمان" صفة لقوله: "عمي وخاليا"، وقد تقدمت على قوله: "وخاليا"، وذلك نحو قولك: قام زيد العاقلان وعمرو، ومنع ذلك جمهور النحاة (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) ............................ ... في أَنْيَابِهَا السّم نَاقِعُ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، واسمه زياد بن عمرو، وتمامه (¬4): 1 - فَبِتُّ كَأنَي سَاوَرَتنِي ضَئِيلَةٌ .... مِنَ الرُّقْش في أَنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ 2 - يُسَهَّدُ مِنْ لَيلِ التِّمَامِ سَلِيمُهَا .... لحلي النسَاءِ في يَدَيْهِ قعَاقِعُ 3 - تنَاذَرَهَا الرَّاقُونَ مِنْ سُوءِ سُمِّهَا ..... تُطَلقُه حِينًا وحِينًا تُرَاجِعُ وهي من الطويل. قوله: "ساورتني": من ساوره إذا واثبه، قوله: "ضئيلة" بفتح الضاد وكسر الهمزة وفتح اللام، وهي الحية الدقيقة، قد أتت عليها سنون كثيرة فقلّ لحمها واشتد سمها، قوله: "من الرقش "بضم الراء وسكون القاف وفي آخره شين معجمة؛ جمع رقشاء وهي حية فيها نقط سود وبيض. ¬
قوله: "ناقع" [بالنون والقاف، يقال: سم ناقع] (¬1) أي: بالغ، ويقال: دم ناقع، أي: طري، قوله: "من ليل التمام" بكسر التاء، وهو أطول ليالي الشتاء، وليل التمام -أيضًا- الذي يطول على من قاساه، وإن قصر، قوله: "سليمها" أي: لديغها، قوله: قعاقع ": جمع قعقعة، وهي حكاية صوت الحلي، وذلك أنهم كانوا يلبسون المنهوس حلي النساء ليمنعه حسه من النوم "تناذرها الراقون" أي: ينذر بعضهم بعضًا لأنها لا تجيب راقيًا لنكارتها وشدتها. الإعراب: قوله: "فبت" الفاء للعطف، و "بت": جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه (¬2)، قوله: "كأني" الضمير المتصل به اسمه، و "ساورتني ضئيلة" جملة خبره، و "من" في قوله: "من الرقش" للبيان، وقوله: "السم" مبتدأ، وخبره مقدم وهو قوله: "في أنيابها"، والجملة في محل الرفع لأنها صفة لقوله: "ضئيلة". الاستشهاد فيه: في قوله: "ناقع" فإنه نكرة وقعت صفة لعرفة، وهو قوله: "السم"، قال أبو الحسين بن الطراوة: يجوز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف خاصًّا لا يوصف به إلا ذلك الموصوف، وجعل من ذلك قول النابغة، ولا يجوز ذلك عند أحد من البصريين إلا ما روي عن الأخفش، ولا حجة في البيت السابق لأن قوله: "ناقع" خبر ثان (¬3). ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد الثمانمائة
الشاهد الثالث والعشرون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ....................... ... وَمَا شَيءٌ حَمَيتَ بمستَبَاحِ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي وصدره (¬3): أَبَحْتَ حِمَى تِهَامَةَ بَعْدَ نَجْدٍ ... ................................ وهي من الوافر يمدح به يزيد بن عبد الملك بن مروان. قوله: "حمى تهامة" يقال: هذا شيء حمى على وزن فعل، أي: محظور لا يقرب، وتهامة هي الناحية الجنوبية من الحجاز، ونجد هي الناحية التي بين الحجاز والعراق. قال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق الكوفة، وما وراء ذلك إلى مشارف أرض البصرة فهو نجد، وما بين العراق وبين وجرة وغمرة الطائف نجد، وما كان وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز. الإعراب: قوله: "أبحت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "حمى تهامة": كلام إضافي منصوب لأنه مفعول أبحت، قوله: "بعد نجد": كلام إضافي منصوب على الظرفية، قوله: "وما" للنفي، و "شيء": اسمه، و "حميت": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لشيء، وقوله: "بمستباح": خبر ما. واعلم أن نصب شيء هاهنا ممتنع، فلا بد من تقدير الهاء في حميت، ووجه امتناع النصب فساد المعنى لأنه لو نصب لصار: وما شيئًا حميت مستباحًا [فيكون مستباحًا] (¬4) نعتًا لشيء، والباء الزائدة تمنع من جعله نعتًا؛ إذ لا تزاد فيه، وينقلب معنى المدح؛ إذ يصير تقديره: وما حميت شيئًا مستباحًا، فنفى عنه أن يحمي شيئًا مستباحًا، وإذا لم يحم شيئًا مستباحًا فقد حمى شيئًا محميًّا، والشيء المحمي لا يحتاج إلى الحماية، لعدم فائدة تحصيل الحاصل فيخرج عن ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الثمانمائة
المدح، فإذا كان كذلك فيكون شيء اسم ما [وحميت نعت له، ولذلك أدخل الباء في: مستباح؛ لأنه خبر ما، ولو نصبت شيئًا بحميت لبطل دخول الباء؛ إذ لا يجوز: ما رأيت رجلًا بقائم؛ فتدخل الباء على الصفة وأنت تريد: ما رأيت رجلًا قائمًا] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "حميت" فإنه جملة منعوت بها، والجملة المنعوت بها لا بد من اشتمالها على ضمير يربطها بالمنعوت، وحكمه في جواز الحذف للعلم به كحكم الخبرية، وقوله هذا من قبيل الحذف؛ إذ أصله: ما شيء حميته (¬2). الشاهد الرابع والعشرون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) فَوَافَينَاهُمُ مِنَّا بجَمعٍ .... كَأُسد الغَابِ مُردَانٍ وَشِيبِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة طويلة من الوافر (¬5)، وأولها هو قوله (¬6): 1 - عَرَفْتُ دِيَارَ زَينبَ بِالْكَثيب ... كَخَط الْوَحْي فيِ الوَرَق القَشيبِ 2 - تَداوَلَهَا الريَاحُ وكُل جَوْن .... منَ الوَسْمي مُنْهَم سكُوب 3 - فَأَمْسَى رَسمهَا خَلْقًا وَأَمْسَتْ ... يبَابًا بَعْدَ ساكِنِهَا الحَبيب 4 - فَدَع عَنكَ التذَكرَ كُل يوم .... وَرُدَّ حَزازَةَ الصَّدْر الكَئيب 5 - وَخَبِّرْ بِالذِي لَا عَيب فيه .... بِصدْقٍ غَيرَ إِخْبَار الكذُوب (¬7) 6 - بِمَا صَنَع الملَيكُ غدَاةَ بَدْرٍ .... لَنا فيِ المشرِكِينَ مِنَ النصِيبِ 7 - غَدَاةَ كَأَن جَمْعَهُمُ حِرَاءُ .... بَدَتْ أركَانهُ جُنْحَ الغُرُوبِ ¬
9 - أَمَامَ مُحَمَّدٍ قَدْ آزَرُوهُ ... عَلَى الأَعْدَاءِ فيِ لَفْحِ الحُرُوبِ 10 - بِأَيدِيهِم صوَارِمُ مُرهَفَاتٌ .... وكُل مُجَرِّبٍ خَاظِي الكعُوبِ 11 - بنُو الأوْسِ الغَطَارِفُ آزَرَتْهَا ... بَنُو النجار في الدِّينِ الصَّلِيبِ 12 - فغَادَرْنَا أَبَا جَهلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالجْبُوبِ 13 - وَشَيبَةَ قَدْ تَرَكنَا في رِجَالِ .... ذَوي حَسَبٍ إِذَا نُسِبُوا حَسِيبِ 14 - يُنَادِيهِم رَسُولُ الله لما ... قَذَقنَاهُم كَبَاكِبَ في القَلِيبِ 15 - أَلم تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقًّا ... وَأَمْرُ الله يَأْخُذُ بالقُلُوبِ 16 - فَمَا نَطَقُوا وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا ... صَدَقْتَ وكُنْتَ ذَا رَأْي مُصِيبِ 1 - قوله: "بالكثيب" بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة، وهو قطعة من الرمل، قوله: "كخط الوحي" أي: الكتاب، و"القشيب": الجديد. 2 - و"الجون": السحاب، و"الوسمي": المطر الذي يأتي في الربيع، قوله: "منهمّ" أي: سائل. 3 - و"اليباب": الخراب. 4 - و "حزازة الصدر": ما حز فيه، وكل شيء حل في صدرك فقد حز، وأصله: من الحزاز، وهو وجع في القلب، و "الكئيب" الحزين. 8 - قوله: "فوافيناهم" أي: أتيناهم، يقال: وفي فلان إذا أتى، قوله: "بجمع" بفتح الجيم وسكون الميم، وهو اسم لجماعات الناس، ويجمع على جموع، و "الأسد" بضم الهمزة وسكون السين؛ جمع أسد، و "الغاب" بالغين المعجمة؛ الآجام، وهو جمع غابة وهي الأجمة، يقال: ليث غابة، و "مردان" بضم الميم؛ جمع أمرد، و "شيب" بكسر الشين المعجمة؛ جمع أشيب وهو المبيض الرأس. 9 - قوله: "قد آزروه" أي: أعانوه، و "لفح الحروب": شدتها. 10 - و "الصوارم": السيوف القواطع، قوله: "مرهفات" من قولهم: أرهفت سيفي؛ أي: رققته، قوله: "خاظي" من خظى لحمه يخظو إذا اكتنز. 11 - قوله: "الغطارف": جمع غطريف وهو السيد. 12 - قوله: "فغادرنا" أي: تركنا، و "الجبوب" بفتح الجيم وضم الباء الموحدة، وهو وجه الأرض.
الشاهد الخامس والعشرون بعد الثمانمائة
14 - و "الكباكب": جمع كبكبة وهي الجماعة الكثيرة، و "القليب": البئر. الإعراب: قوله: "فوافيناهم" الفاء للعطف، ووافايناهم: جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "بجمع": يتعلق بوافيناهم، وقوله: "منا": في محل الجر صفة لجمع، أي: بجمع كائنين منا، قوله: "كأسد الغاب" الكاف للتشبيه، وأسد مجرور بها وهو مضاف إلى الغاب، قوله: "مردان" بالجر صفة لجمع، و"شيب": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "مردان وشيب" حيث فرق فيه النعت؛ كذا قاله ابن مالك، وقال أبو حيان: وليس هذا من المسألة (¬1)؛ لأنه قال: يفرق نعت غير الواحد بالعطف إذا اختلف، والمنعوت هنا ليس بمثنى ولا مجموع بل هو اسم مفرد وهو قوله: "بجمع" فلا يطلق عليه أنه غير الواحد بل هو مفرد وإن كان مدلوله كثيرًا؛ ولذلك صحت تثنيته في قوله تعالى: {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41] (¬2). الشاهد الخامس والعشرون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) قَدْ سَالمَ الحَيَّاتِ منْهُ القَدَمَا ... الأُفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشجْعَمَا أقول: قائله هو أبو حيان الفقعسي، كذا قاله ابن هشام الحنبلي، وقال ابن هشام اللخمي: قائله: مساور العبسي، ويقال: العجاج والد رؤبة، وقال السيرافي: قائله الدبيري، وقال الصاغاني: قائله عبد بني عبس. ¬
وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله (¬1): 1 - عَيسِيَّةٌ لَم تَرْعَ قُفًّا أَدْرَمَا ... وَلَم تُعْجم عُرفُطًا مُعَجمَا 2 - كأن صوتَ شخبِهَا إِذَا هَمِيَ .... بينَ أكُفِّ الحَالِبَيِنْ كلمَا 3 - شدَّ عليهِن البنانَ المحكَمَا ... سحِيفُ أَفْعَى في حَشِي أَعْشَما 4 - مِثْلَ القَنَابِيرِ مُلِئْن هَيثَمَا .... وَقدْ وطِئْنَ حيثُ كانتْ قيمَا 5 - مَثْنَى الوطَابِ والوطَابَ المُذَمما ... وَقَمَعًا يُكْسَى ثُمَالًا قَشْعَمَا 6 - يحسبهُ الجاهلُ ما لم يَعْلَمَا ... شيخًا عَلَى كُرسِيهِ مُعَمّمَا 7 - لو أَنهُ أَبانَ أوْ تَكلمَا ... لَكَانَ إِيَّاهُ وَلَكِنْ أَعْجَمَا 8 - عِنْدَ كِرَامٍ لَم يكنْ مُكْرَمًا ... عَذّبَهُ اللَّهُ بِهَا وَأَغْرَمَا 9 - وُلَيدًا حتَّى عسى واعرَنْزَمَا ... قَدْ سالمَ الحياتُ منهُ القدَمَا 10 - الأُفْعُوَانَ والشجَاعَ الشَّجْعَمَا ... وذَاتَ قَرنَيِنْ ضَمُوزًا ضِرزَمَا 11 - يَبِتْنَ عندَ عَقِبَيهِ جُثَّمًا ... حتى غَدَوْنَ وغَدَا مسلمَا 12 - يتْبَعْنَ منهُ الدلجَات الرُّوَّما ... يَعْرِفْنَ منهُ الزرَّ والثكَلمَا 1 - قوله: "عيسية" أي: إبل بيض، و "القف" بضم القاف وتشديد الفاء؛ ما غلظ من الأرض، و "الأدرم": الذي لا نبات عليه، قوله: "عرفطًا" بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الفاء، وهو ضرب من النبات. 2 - و "الشخب" بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين وفي آخره باء موحدة، وهو خروج اللبن من الضرع، قوله: "إذا همي" أي: سال من باب ضرب يضرب. 3 - و "السحيف" بفتح السين وكسر الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو الصوت، وفي الأصل هو صوت الرحى، قوله: "الحشي" على وزن فعيل بالحاء المهملة والشين المعجمة المكسورة وتشديد الياء، وهو اليابس، و: "الأعشم" من العشم وهو الخبز اليابس. 4 - و "القنابير" بالقاف في أوله ثم النون وبعد الألف باء موحدة، وفي آخره راء، وهو جمع قنبرة، وهو نوع من العصافير، و "الهيثم": فرخ العقاب. ¬
5 - و "الوطاب": جمع وطب، وهو سقاء اللبن خاصة، وقال ابن السكيت: هو جلد الجذع فما فوقه. و "القمع": جمع قمعة، وهي رأس السنام، ويسمى الرأس أيضًا قمعًا، وقال أبو خيرة: القمع مثل العجاجة تنور في السماء، و"الثمال" بضم الثاء المثلثة؛ جمع ثمالة وهي الرغوة، و "القشع " من النسور والرجال: المسن. 9 - قوله: "عسى": من عسى الشيخ يعسو عسًا إذا ولي وكبر، و "اعرنزم" أي: اجتمع. 10 - و"الأفعوان" بضم الهمزة؛ ذكر الأفاعي، قوله "والشجاع": هو الحية، وكذا الشجعم، والميم فيه زائدة، و "ذات قرنين" صفة للحية، قوله: "ضموز" بفتح الضاد المعجمة وضم الميم وفي آخره زاي معجمة؛ من ضمز إذا سكت، و "الضرزم" بكسر الضاد المعجمة وسكون الراء بعدها الزاي المعجمة، يقال: أفعى ضرزم: شديدة النهش القبيحة. 11 - قوله: "عقبيه" بفتح العين المهملة، وكسر القاف؛ تثنية عقب. 12 - قوله: "الزر" بفتح الزاي المعجمة وتشديد الراء؛ العض. الإعراب: قوله: "قد سالم" قد للتحقيق، وسالم من المسالمة، وقوله: "الحيات": منصوب على المفعولية، وكذلك القدما منصوب، وذلك لأن كل واحد منهما فاعل ومفعول في المعنى، والتقدير: سالمت الحيات القدم، وسالمت القدم الحيات (¬1)؛ كما في قولك: ضارب زيد عمرًا، فإنه في التقدير: ضارب عمرو زيدًا. وقال البغداديون: أصله: القدمان، فحذف النون، واستدلوا به على جواز حذف نون التثنية، وقالوا: القدما مرفوع؛ لأنه فاعل سالم، والحيات منصوبة به، والأفعوان وما بعده بدل منها (¬2). وقال ابن جني: هذه رواية لا يعرفها أصحابنا، والصحيح عندنا ما رواه سيبويه (¬3): قَدْ سالم الحياتُ منهَا القَدَمَا ... ............................... برفع الحيات ونصب القدم، ثم نصب الأفعوان وما بعده بفعل مضمر دل عليه سالم؛ لأنه قد علم أنها مسالمة؛ كما أنها مسالمة، فكأنه قال فيما بعد: سالمت القدم الأفعوان والشجاع الشجعما (¬4). ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد الثمانمائة
الشاهد السادس والعشرون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ..................... ... لَكُم قِبْصُةٌ مِنْ بَيِن أَثْرَى وَأَقْتَرَا أقول: قائله هو الكميت يمدح به بني أمية، وصدره (¬3): لَكُم مَسجِدا لله المَزُورَانِ وَالحصَى ... .............................. وهو من الطويل. قوله: "لكم مسجدا لله" أراد: لكم مسجدان للَّه تعالى، وأراد بالمسجدين مسجد مكة ومسجد المدينة شرفهما الله، وأراد بالحصى العدد، والمعنى: لكم العدد الكثير من بين الناس المثري منهم والمقل. قوله: "قبصة" القبص: بكسر القاف وسكون الباء الموحدة وفي آخره صاد مهملة، وهو العدد الكثير من الناس؛ قاله الجوهري ثم أنشد البيت المذكور (¬4). قوله: "أثرى": من قولهم أثرى الرجل -بالثاء المثلثة- إذا كر ماله، و "أقتر": من أقتر الرجل إذا افتقر، والمعنى: من بين من أثرى وأقتر، قال الجوهري: التقدير: من بين من أثرى ومن أقتر؛ من بين مثر ومقتر (¬5). الإعراب: قوله: "مسجدا لله": كلام إضافي مبتدأ، وأصله: مسجدان لله؛ كما ذكرنا، [و"لكم": مقدمًا خبره، قوله: "المزوران": صفة للمسجدين، قوله: "والحصى": عطف على مسجدا اللَّه، أي: ولكم الحصى؛ أي: العدد، قوله: "لكم قبصه" أي: قبص الحصى، وهو مبتدأ، و "لكم": خبره] (¬6). الاستشهاد فيه: في قوله: "من بين أثرى وأقترا"؛ أي: من بين من أثرى، كما ذكرنا. ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد الثمانمائة
و "من" اسم منكور، و"أثرى": صفة لموصوف محذوف (¬1)، وأقيمت الصفة مقامها، وكذلك: "من أقترا"، ولا يجوز أن يكون من بمعنى الذي؛ لأن حذف الموصول لا يجوزا، وحذف الموصوف يجوز. فافهم (¬2). الشاهد السابع والعشرون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) كَأَنَّ حَفِيفَ النَّبلِ مِنْ فَوْقِ عَجسِهَا ... عَوَازِبُ نَحْلٍ أَخْطَأَ الغَارَ مُطْنِفُ أقول: قائله هو الشنفرى عمرو بن براق، وهو من الطويل. قوله: "حفيف النبل" بالحاء المهملة، وهو دوي ذهابه، وكذا حفيف الفرس: دوي جريه، وحفيف الطير: دوي جناحيه، و "النبل": السهم، قوله: "عجسها" أي: عجس القوس، وهم مقبضها، قال الجوهري: العَجْس والعُجْس والعجْس: مقبض القوس، وكذلك المعجس، مثل: المجلس، ومادته: عين مهملة وجيم وسين مهملة. قوله: "عوازب": جمع عازبة؛ من عزبت الإبل إذا أبعدت في المرعى لا تروح، والنحل مشهور، قوله: "مطنف" بضم الميم وسكون الطاء المهملة وكسر النون وفي آخره فاء، قال الجوهري: الطنف بالتحريك: الحد من الجبل ورأس من رؤوسه، والمطنف: الذي يعلوه، ثم قال: قال الشنفرى: وأنشد البيت المذكور (¬5). الإعراب: قوله: "كأن": من الحروف المشبهة بالفعل وهي للتشبيه، قوله: "حفيف النبل": كلام إضافي اسمها، وقوله: "عوازب نحل": كلام إضافي -أيضًا- خبرها، قوله: "من فوق عجسها" في محل النصب حال من النبل، قوله: "أخطأ": فعل ماض، وقوله: " مطنف" ¬
بالرفع فاعله، وقوله: "الغار": مفعوله، والجملة وقعت صفة لنحل. الاستشهاد فيه: في قوله: "أخطأ الغار" فإن الألف واللام في الغار أغنت عن الضمير العائد إلى الموصوف، تقديره: أخطأ غارها فحذف الضمير وجعل الألف واللام عوضًا عنه (¬1). * * * ¬
شواهد التوكيد
شواهد التوكيد الشاهد الثامن والعشرون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) حَمَامَةَ بَطْنِ الْوَاديَين تَرَنمي .... سَقَاكِ مِنَ الغُرِّ الغَوَادِي مَطيرُهَا أقول: قائله هو الشماخ بن ضرار (¬3)، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - تُغَالبني نَفْسي عَلى تَبَعِ الهَوَى ... وقَدْ جَاءَ نَفْسِي منْ هَوَاهَا نَذِيرُهَا 2 - وَأَمر يُرَجِّي النفْسَ ليسَ بضائر ... وتخْشَى عَلَيهَا ضَيرَة مَا يَصيرُهَا 3 - وقد قلتُ للنفسِ اللجُوح نَصيحَة ... مقال شفيقٍ لوْ يعيه ضميرُها 4 - فأنْتأتهَا أَن الحَيَاةَ وأهَلَها ... كعَاريَة أوْفَى بهَا مُستَعيرُها 5 - إلى أهلهَا إن العَوَريَ حقُّهَا ... أداءٌ بإحْسَانٍ إلى مَنْ يُعيرُهَا 6 - قِفَا فَاسألا يَا صَاحبَي حمَامَةً ... تُخَبرُنَا عَنْ أَهْلِهَا أَوْ نظِيرهَا 7 - حمامة بطن ............... ... ....................... إلى آخره [ويروى] (¬5): حَمَامَة دَار الجَارَتَين تكَلَّمي ... سقَاكِ منَ الغُر الغَوَادي مَطيرُهَا قوله: "ترنمي" أي: رجعي صوتك، يقال: ترنم إذا رجع صوته، ومنه: ترنم الطائر في هديرهها ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الثمانمائة
قوله: "من الغر" بضم الغين المعجمة؛ جمع غراء؛ يعني: البيضاء، و "الغوادي": جمع غادية بالغين المعجمة، وهي السحابة التي تنشأ صباحًا، قوله: "مطيرها": من قولهم: ليلة مطرة [إذا كانت] (¬1) كثيرة المطر. الإعراب: قوله: "حمامة": منادى حذف منه حرف النداء، تقديره: يا حمامة، وهي مضافة إلى البطن والبطن إلى الواديين، قوله: "ترنمي": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "سقاك": فعل ومفعوله، وقوله: "مطيرها": كلام إضافي فاعله، قوله: "من الغر": جار ومجرور يتعلق بسقاك، و"الغوادي": صفة الغر. الاستشهاد فيه: في قوله: "بطن الوادايين" حيث أفرد البطن، وكان القياس أن يقال: بطي الواديين؛ بل لأحسن أن يقال: بطون الواديين، وقال أثير الدين (¬2): ومن العرب من يضع المفرد موضع لاثنين، ووجه ذلك أنه لما أمن اللبس، وكره الجمع بين تتنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة صرف لفظة التثنية الأولى إلى اللفظ المفرد؛ لأنه أخف من الجمع، وذلك قليل جدّا لا ينبغي أن يقاس عليه، ومنه قوله: "بطن الواديين" أراد: بطي الواديين فأفرد (¬3). الشاهد التاسع والعشرون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) ............................... ... يَا أَشْبَهَ الناسِ كُلِّ النَّاسِ بالقمر أقول: قائله هو كثير عزة، وصدره (¬6): ¬
كَم قَدْ ذَكَرتُكِ لَو أُجْزَى بِذكْرِكُم ... ................................ وبعده: 2 - إِني لأُجْذِلُ إِنْ أَمْشِي مُقَابِلَهُ ... حُبًّا لِرُؤْيَةِ مَنْ أَشْبَهْتِ في الصورِ وهما من البسيط، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "كم": خبرية بمعنى كثير، والمعنى: كم وقت قد ذكرتك فيه، وكم في محل الرفع على الابتداء، وقوله: "قد ذكرتك": خبره، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: "أجزى": على صيغة المجهول، والضمير الذي فيه مفعول ناب عن الفاعل، وقوله: "بذكركم" في محل النصب على أنه مفعول ثان، قوله: "يا أشبه الناس": منادى مضاف منصوب، قوله: "كل الناس": كلام إضافي مجرور؛ لأنه تأكيد للناس في قوله: "أشبه الناس" والباء في "بالقمر" تتعلق بأشبه. الاستشهاد فيه: في قوله: "كل الناس" حيث أضيف فيه كل إلى اسم ظاهر، وقد علم أن كلًّا تجب إضافتها إلى اسم مضمر راجع إلى المؤكد إذا كان تأكيدًا لمعرفة نحو: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73]، وقال ابن مالك: وقد يخلفه الظاهر كقوله: كَم قَد ذَكَرْتُكِ ............... ... ....................... إلى آخره (¬1) وخالفه أبو حيان: وزعم أن كلًّا في البيت نعت مثلها في: "أطعمنا شاة كل شاة"، وليس توكيدًا (¬2)، وقال ابن هشام: وليس قوله بشيء؛ لأن التي ينعت بها دالة على الكمال لا علي عموم الأفراد (¬3). ¬
الشاهد الثلاثون بعد الثمانمائة
الشاهد الثلاثون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ................................... ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرسَينْ أقول: قائله هو خطام المجاشعي؛ كذا في كتاب سيبويه، وقال أبو علي: هو لهميان بن قحافة، وقبله (¬3): وَمَهْمَهَينِ قَذَفَينِ مَرتَينِ ... ................................. وبعدهما: قَطَعْتُهُ بِالسَّمْتِ لا بِالسَّمْتَينِ ... ............................. وهما من الرجز. قوله: "مهمهين" تثنية مهمه، قال أبو عبيدة: المهمه: القفر، وقيل: المستوي من الأرض، وقال صاحب العين: المهمه: الخرق الواسع الأملس (¬4)، قوله: "قذفين" تثنية فذف بفتح القاف والذال المعجمة وفي آخره فاء، وهو المكان المرتفع الصلب، ويقال: القذف: البعيد، ويقال: قذف وقذيف وقذوف، وقذَف الجبل: ناحيته، ويروى: وفدفدين، والفدفد: الأرض المستوية، قاله الجوهري (¬5). قوله: "مَرْتين" تثنية مَرْت بفتح الميم وسكون الراء وفي آخره تاء مثناة من فوق، وهو المكان الذي لا نبات فيه، وقيل: ولا ماء، قوله: "ظهراهما" أي: ظهرا هذين المهمهين مثل الترسين في الاستواء والإملاس وعدم المرفق فيهما من نبت للراعية أو علم هادٍ للناس. قوله: "بالسمت" بفتح السين المهملة وفي آخره تاء مثناة من فوق، قال الجوهري: السمت: السير بالحدس والظن (¬6)، وقال ابن يسعون: يريد بالسمت لا بالسمتين: بإشارة واحدة لم أحتج إلى تكرير النظر لحذقي ومعرفتي بالطريق وجراءتي ودربتي، وقال الجرمي: العرب تفتخر بهداية الطريق وتعير الجاهل به، وذكر في بعض شروح كتاب الزمخشري: ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثمانمائة
قطعته بالنعب والنعبين ... .............................. ثم قال: فرس نعب؛ أي: منتهٍ في الجري، ثم قال: رب مفازتين بهذه الصفات جبتهما بفرس لا بفرسين، قلت: هذا تخبيط وتخليط، والصواب ما ذكرناه. الإعراب: قوله: "ومهمهين" الواو فيه واو رب؛ أي: رب مهمهين، قوله: "قذفين": صفة، وكذا قوله: "مرتين" وكذا قوله: "ظهراهما" وهو كلام إِضافي مبتدأ، وخبره قوله: "مثل ظهور الترسين". قوله: "قطعته": جواب رب، قال أبو علي: أفرد الضمير وهو يريد المهمهين كما قال تعالى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِه} [النحل: 66]، ويقال التقدير: قطعت ذلك، ويقال: إنما أفرد الضمير؛ لأنه أراد المهمه وإنما ثناه تنبيهًا على طوله واتصال المشي لراكبه؛ كما قال رؤبة (¬1): وَمَهْمَه أَطْرَافُهُ في مَهْمَهٍ ... .............................. الاستشهاد فيه: في قوله: "مثل ظهور الترسين" حيث جمع الظهور بعد ما ثنى، والجمع أفصح، ومنه قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، والتثنية هي الأصل، وهي مرجوحة، والإفراد جائز (¬2). الشاهد الحادي والثلاثون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) فَدَاكَ حَيُّ خَوْلَانْ .... جَميعُهُم وَهَمْذَان وَكُلُّ آلِ قَحْطَانْ ... وَالأكرَمُونَ عَدْنَانْ أقول: هذا هزج قالته امرأة من العرب، وهي ترقص ابنها. قولها: "فداك": من فداه يفديه، وقد أنشده بعضهم بالذال المعجمة ظنًّا منه أن الفاء فيه عاطفة، و "ذاك" إِشارة وخطاب، وهذا تحريف وخطأ؛ بل هو من الفداء بالدال المهملة كما ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثمانمائة
ذكرنا، و "الحي": أحد أحياء العرب. و"خولان": قبيلة من اليمن، و "همدان" بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة أيضًا قبيلة من اليمن، وأما "همذان" بفتح الميم والذال المعجمة، فهي اسم مدينة في بلاد الجبل، وهي عراق العجم، وهي وسط بلاد الجبل، وهي مدينة كبيرة ولها أربعة أبواب، و "قحطان": أبو اليمن، وعدنان بن أد أبو معد، والعرب كلهم من عدنان وقحطان. الإعراب: قولها: "فداك": جملة من الفعل والمفعول وهو (¬1) الكاف، و "حي خولان": كلام إضافي فاعله، ويجوز فيه كسر الفاء بأن يكون الفدا اسمًا، ويكون فداك كلامًا إضافيًّا مبتدأ، وقولها: "حي خولان": خبره، أو بالعكس، وهذا الوجه هو الأظهر، وقولها: "جميعهم" بالرفع تأكيد لقولها: "حي خولان"، وهمدان عطف على حي خولان، وكذلك قولها: "كل آل قحطان"، وكل مضاف إلى آل، وآل مضاف إلى قحطان، قولها: "والأكرمون": عطف على قولها: "كل آل"، و "عدنان": عطف بيان من "الأكرمون". الاستشهاد فيه: في قولها: "جميعهم" فإنه تأكيد بمنزلة كل في المعنى والاستعمال؛ كما تقول: جاء الجيش كله، تقول: جاء الجيش جميعه (¬2). الشاهد الثاني والثلاثون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) يَا ليتَنِي كُنْتُ صَبِيًّا مُرضَعًا ... تَحْمِلُنِي الذَّلْفَاءُ حَوْلًا أكتَعًا إِذَا بكيتُ قَبَّلَتْنِي أَربَعًا .... إِذًا ظَللْتُ الدَّهرَ أَبْكِي أَجْمَعًا أقول: قائله راجز من الرجاز، لم أقف على اسمه. ¬
قوله: "الذلفاء" بفتح الذال المعجمة وبعد اللام الساكنة فاء، وهي اسم امرأة هاهنا ولكنه منقول من الذلف بتحريك اللام، وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة، تقول: رجل أذلف بيِّن الذلف، وقد ذلف، وامرأة ذلفاء من نسوة ذُلْف بضم الذال وسكون اللام، قال الجوهري: ومنه سميت المرأة، قال الشاعر (¬1): إِنمَا الذلْفَاءُ يَاقُوتَةٌ ... أُخرجَتْ مِنْ كيسِ دَهْقَانِ (¬2) قوله: "أكتعا" من ألفاظ التأكيد، مأخوذ من قوله: "أتى عليه حول أكتع"؛ أي: تام. الإعراب: قوله: "يا ليتني" يا حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم ليتني، وقد يقال إن "يا" في مثل هذه المواضع تكون لمجرد التنبيه فلا يحتاج إلى تقدير منادى، و "ليت": كلمة تمن، والضمير المتصل به اسمه، والجملة أعني قوله: "كنت صبيًّا": خبره، وصبيًّا: خبر كان، واسمه الضمير المتصل به، و "مرضعًا": صفة لـ"صبيّا". قوله: "تحملني": جملة من الفعل والمفعول، و "الذلفاء" هو الفاعل، و "حولًا" نصب على الظرف، و "أكتعًا " تأكيده، قوله: "إذا" للشرط، و "بكيت": فعل الشرط، وقوله: "قبلتني": جواب الشرط، و "أربعًا": صفة لمصدر محذوف تقديره: تقبيلًا أربعًا. قوله: "إذًا": حرف مكافأة وجواب، إن قدمت على الفعل المستقبل نصبته غير إذا قال لك أحد: الليلة أزورك، تقول: إذن أكرمك، فإن أخرتها ألغيتها، فقلت: أكرمُك إذن، فإن كان الفعل بعدها فعل الحال لم تعمل فيها العوامل الناصبة (¬3)، وهاهنا إذًا جواب لشرط مقدر لأن الأكثر أن يكون جوابًا للشرط الظاهر أو المقدر تقديره: إن لم يكن الأمر كذا (¬4)، إذًا ظللت، وظللت من الأفعال الناقصة، والضمير المتصل به اسمه، و "أبكي": جملة خبره، و "الدهر": نصب على الظرف، و "أجمعًا": تأكيد للدهر. ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: هاهنا في مواضع: الأول: في قوله: "أكتعًا" حيث أكد به وهو غير مسبوق بأجمع، وكان من شرطه أن يكون مسبوقًا بأجمع (¬1). والثاني: أنه أكد به النكرة وهي قوله: "حولًا"، وكان شرطه أن يؤكد به المعرفة (¬2). والثالث: في قوله: "أجمعًا" حيث أكد به الدهر، وهو غير مسبوق بكل، وكان من شرطه أن يكون مسبوقًا بكل (¬3). والرابع: أنه فصل بين المؤكِّد أعني أجمعًا والمؤكد أعني الدهر بقوله: "أبكي" (¬4). الشاهد الثالث والثلاثون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) ............................. ... قدْ صرّتْ البكرةُ يَومًا أَجْمَعًا أقول: قائله مجهول، وقال أبو البركات: هذا البيت مجهول لا يعرف قائله، فلا يستقيم الاحتجاج به (¬7)، وقيل: مصنوع لا يحتج به، والرواية الصحيحة: .......................... ... قد صرت البكرة يوما أجمعَ ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثمانمائة
بلا تنوين، أراد: يومي أجمع؛ فالألف بدل من ياء الإضافة، وصدره (¬1): إنَّا إذَا خُطَّافُنَا تقَعْقَعَا ... ............................... قوله: "صرت": من الصرير وهو التصويت، يقال: صر القلم والباب يصر صريرًا، وأراد بالبكرة بكرة البئر، وهي ما يستقى عليها، أي: صوتت بكرة البئر يومًا من أوله إلى آخره؛ يعني: لا ينقطع استقاء الماء من البئر بالبكرة. الإعراب: قوله: "قد" للتحقيق، و "صرت": فعل ماض، و "البكرة": فاعله، و "يومًا": نصب على الظرف، و"أجمعًا": تأكيده. الاستشهاد فيه: في قوله: "أجمعًا" فإنه أكد به النكرة المحدودة وهي قوله: "يومًا"، واستدل به الكوفيون على جواز توكيد النكرة المحدودة [وهي قوله: "يومًا"] (¬2)، والبصريون يمنعون ذلك، وأجابوا عن البيت بما ذكرناه الآن، وقطع الزمخشري في كتابه بعدم جواز تأكيد النكرة بكل وأجمع (¬3). الشاهد الرابع والثلاثون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) لَكِنَّهُ شَاقَهُ أَنْ قِيلَ ذَا وَجَبُ ... يَا ليتَ عِدَّةُ حَوْلٍ كُلِّهِ رَجَبُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "شاقه": من شاقني الشيء يشوقني فهو شائق، وأنا مشوق [والشوق] (¬6) نزاع النفس إلى الشيء. ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "لكنه" لكن للاستدراك، والضمير المتصل به اسمه، و"شاقه": جملة خبره، قوله: "أن" بالفتح مصدرية في محل الرفع على أنه فاعل شاقه، والتقدير: شاقه قولهم: ذا رجب، وكلمة "ذا" إشارة إلى الشهر في محل الرفع على الابتداء، و "رجب": خبره. قوله: "يا" حرف نداء ولكن هاهنا لمجرد التنبيه لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، ويجوز أن يكون على أصله، ويكون المنادى محذوفًا تقديره: يا قوم ليت عدة حول، و "ليت": كلمة التمني، وقوله: "عدة حول": كلام إضافي اسم لليت، وقوله: "كله" بالجر تأكيد لقوله: "حول" مع أنه نكرة، قوله: "رجب" بالرفع خبر ليت. الاستشهاد فيه: في قوله: "حول كله" حيث أكد: "حول" بلفظة كل، والحال أنه نكرة، وهذا مذهب الكوفيين، وقال البصريون: هذا وأمثاله من الشواذ (¬1)، وقول الكوفيين في ذلك أَوْلى بالصواب لصحة السماع بذلك، وكثير منهم ينشدون البيت المذكور: "يا ليت عدة شهر كله"، وهذا تحريف، والصواب: عدة حول، فافهم. الشاهد الخامس والثلاثون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) أَيَا مَنْ لَستُ أَقْلَاهُ ... ولَا فِي البُعْدِ أَنسَاهُ لَكَ اللهُ عَلَى ذاك ... لَكَ اللهُ لَكَ اللهُ أقول: هذان بيتان من الهزج، وأصله في الدائرة: مفاعيلن ست مرات ولكن لا يستعمل إلا مجزوءًا. قوله: "أقلاه": من قلاه يقليه قلًى وقلاء إذا أبغضه، ويقال: لغة طيئ: يقلاه، والبيت على لغة طيئ. الإعراب: قوله: "أيا": حرف نداء، و "من": في محل النصب منادى، و "لست أقلاه": جملة ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الثمانمائة
وقعت صفة لمن لأن "من" نكرة هاهنا وصفت بالجملة، قوله: "ولا في البعد أنساه": عطف على المنفي قبله، قوله: "لَكَ اللهُ": جملة اسمية من المبتدأ والخبر، والباقي ظاهر. الاستشهاد فيه: في تأيد الجملة الاسمية بإعادة لفظها (¬1). الشاهد السادس والثلاثون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) فَأَينَ إلى أَيْنَ النَّجَاءُ بِبَغلَتِي .... أَتَاكِ اللاحِقُونَ احبِسِ احبِسِ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد التنازع في العمل (¬4). والاستشهاد فيه: هاهنا أنه أكد الفعل والمفعول بإعادة لفظهما (¬5). الشاهد السابع والثلاثون بعد الثمانمائة (¬6)، (¬7) وَقُلْنَ عَلَى الفِردوس أَوَّلُ مَشْرَبٍ ... أَجَلْ جَيْرِ إن كَانَتْ أُبِيحَتْ دَعَاثِرُهْ أقول: قائله هو مضرس بن ربعي، [وقبله] (¬8): 1 - تَحَمَّلْ مِنْ ذَاتِ التنَانِيرِ أَهْلُهَا ... وقَلَّصَ عن نِهْيِ الدَّفِينَةِ حَاضِرُهْ وقال الصغاني: قال طفيل بن عوف الغنوي (¬9): ¬
وقُلْنَ أَلَا الْبَرْدِي أَوَّلُ مَشْرَب ... أَجَلْ جَيرِ إِنْ كَانَتْ رَوَاءً أَسَافِلُهْ تَحَاثَثْنَ وَاسْتَعجَلْنَ كُلَّ مُوَاشِك ... بِلؤمَتِهِ لَم يَعُدْ أَنْ شقَّ بَازِلُهْ وقد غير النحاة هذا الشاهد وجعلوه خنثى، وأنشدوا: وقُلْنَ عَلَى الفِردَوْسِ أَوَّلُ مَشْرَبٍ ... ................... إلى آخره وهو مغير من شعر مضرس [بن ربعي وهو: وقُلْنَ أَلَا الفِردَوْسُ أَوَّلُ مَشْرَبٍ ... مِنَ الحَي إِنْ كَانَتْ أُثِيرَث دَعَاثِرُهْ وهي من الطويل] (¬1). قوله: "ذات التنانير": عقبة بحذاء زبالة، وهو بضم الزاي المعجمة بعدها باء موحدة، منهل من مناهل طريق مكة -حرسها الله-، قوله: "وقلص" أي: ارتفع، و "النهْى" بكسر النون وسكون الهاء، هو الغدير، و "الدفينة": موضع. قوله: "حاضره" من قولهم: فلان حاضر بموضع كذا؛ أي: مقيم به، ويقال على الماء: حاضر، قوله: "على الفردوس" أي: على البستان، وأراد بها هاهنا روضة دون اليمامة، وقيل: لبنى يربوع. قوله: "دعاثره": جمع دعثور بضم الدال وسكون العين المهملة وضم الثاء المثلثة، وهو الحوض المنثلم، وقال ابن فارس: الدعثور: الحوض الذي لم يتنوق في صنعته ولم يوسع (¬2)، والضمير فيه يرجع إلى الفردوس. [الإعراب] (¬3): قوله: "وقلن" الواو للعطف، وقلن: جملة من الفعل والفاعل، قوله: "على الفردوس": حال أي: حال كونهن نازلات على الفردوس، قوله: "أول مشرب": مقول القول، وهو كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف؛ أي: لنا أول مشرب، قوله؛ "أجل جير": مقول القول المقدر. قوله: "إن" بكسر الهمزة للشرط، و "كانت": من الأفعال الناقصة، و "دعاثره": اسمه، و "أبيحت": جملة خبره مقدمًا، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق، ويجوز أن تفتح الهمزة وتكون مصدرية، والتقدير: لأن كانت؛ أي: لكون الدعاثر وهي الحياض مباحة. ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "أجل جير" لأن كلتيهما بمعنى الإيجاب، وإنما ذكرا معًا لأجل التأكيد فكأنه قال: أجل أجل أو جير جير (¬1). الشاهد الثامن والثلاثون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) حَتى تَرَاهَا وَكَأَنَّ وَكَأَنْ ... أَعْنَاقَهَا مُشَدَّدَاتٌ بِقَرَنْ أقول: قائله هو خطام المجاشعي (¬4)، وقال ابن بري: رأيت بخط النيسابوري: قال الأغلب العجلي (¬5): 1 - إنا على التشوَاقِ منّا والحزنْ ... مما عُد لِلْمَطِي المستَفَنْ 2 - نَسُوقُهَا سِنًّا وبعْض السوق سنْ .... حَتى تَرَاهَا وكَأنُّ وكَأَن 3 - أَعنَاقَهَا مُلَزَّزَاتٌ فيِ قرن ... حتَّى إِذَا قَضوْا لُبَاناتِ الشَّجَنْ 4 - وكلَ حَاجٍ لِفُلَانٍ أَوْ لَهُنّ ... قَامُوا فَشَدُّوهَا لما تُشْفِي الأَرَنْ 5 - وَرَحَلُوهَا رِحْلَةً فِيهَا رعَنْ ... حتَّى أنَخْنَاهَا إِلَى مَنْ وَمَنْ وهي من الرجز المسدس. قوله: "بقرن" بفتح القاف والراء، وهو حبل يقرن به البعير، و "التشواق" على وزن تفعال مصدر كالشوق، قوله: "للمطي" وهو الظهر، و"المستفن": من الفن وهو الطرد. [قوله: "] (¬6) سنًّا": من سننت الناقة: سيرتها سيرًا شديدًا، قوله: "ملززات" أي: مشدودات، "في قرن" أي: حبل قوي، و "اللبانات": جمع لبانة وهي الحاجة، و "الشجن": الحزن. ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثمانمائة
قوله: "وكل حاج" الحاج: جمع حاجة، و "الأرن" بفتح الهمزة، وهو النشاط، قوله: "رعن" بفتح الراء والعين، وهو الاسترخاء. الإعراب: قوله: "حتى" للغاية، "تراها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير العائد إلى المطي المذكورة في البيت السابق، قوله: "وكأن" للتشبيه، و "كأن" [الثاني] (¬1) تأكيد للأول. وقوله: "أعناقها": كلام إضافي اسم كأن، قوله: "مشددات" بالرفع خبره، قوله: "بقرن": جار ومجرور يتعلق بقوله: "مشددات" في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: في قوله: "وكأنّ وكأن" فإنه أكد الحرف قبل أن يتصل به معموله، والأكثر أن يقال: وكأن أعناقها وكأنها؛ فيؤتى مع الأول بمعموله، ويؤتى مع الثاني بضمير ذلك المعمول، ومثله: إن زيدًا إنه قائم، ويصح: إن إن زيدًا قائم، ويجوز: إن زيدًا إن زيدًا قائم، ولكن الأحسن أن يؤتى [مع] (¬2) الثاني بالضمير فافهم (¬3). الشاهد التاسع والثلاثون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) فَلَا وَاللَّهِ لَا يُلْفَى لِما بِي ... وَلَا لِلمَا بِهِم أَبَدًا دَوَاءُ أقول: قائله هو بعض بني أسد؛ كذا قاله ابن عصفور -رحمه الله - (¬6) وقبله (¬7): ¬
لَدَدْتُهُمُ النصِيحَةَ كُل لَدّ ... فَمَجُّوا النصْحَ ثُم ثَنَوْا وَفَاؤوا وبعدهما: وكنتُ وهم كَدَاءِ البَطْنِ يخْشَى ... وراءَ صحيحهِ داءٌ عَياءُ وهي من الوافر قوله: "لا يفى" أي: لا يوجد، قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]: أي: وجداه، قوله: "لددتهم" أي: ألزمتهم النصيحة كل الإلزام فلم يقبلوا، وهذا معنى قوله: "فمجوا النصح". قوله: "وفاؤوا": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهم فاؤوا، والجملة حالية (¬1)، قوله: "عياء" بفتح العين وتخفيف الياء آخر الحروف، يقال: داء عياء إذا عجزت فيه الأطباء. الإعراب: قوله: "فلا واللَّه" الفاء للعطف ولا لتأكيد القسم، ولفظ "اللَّه" مجرور بواو القسم، قوله: "لا يلفى": جواب القسم وهو علي صيغة المجهول. قوله: "دواء": مسند إلى قوله: "لا يلفى": مفعول قد ناب عن الفاعل، قوله: "لما بي" اللام تتعلق بقوله: "لا يلفى"، و"ما": موصولة، وقوله: "بي": صلتها، أي: للذي حصل بي من الداء، قوله: "ولا للمِا بهم": عطف على قوله: "لما بي"، واللام الثانية [فيه] (¬2) للتأكيد وهي حرف، وقوله: "أبدًا": نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا للما بهم": حيث كررت فيه اللام وهي حرف واحد، وهو على غاية الشذوذ والقلة، وذلك لأن مثل ذلك إنما يسهل إذا كان على أكثر من حرف واحد كما في البيت السابق (¬3). ¬
الشاهد الأربعون بعد الثمانمائة
الشاهد الأربعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) فَأَصْبَحْنَ لا يَسأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بِهِ .... أَصَعدَ فِي عُلُو الهَوَى أَمْ تَصَوبَا أقول: [قائله هو الأسود بن يعفر من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله: 1 - صَحَا سُكُرٌ مِنْهُ طَويل بِزَيْنَبَا ... تعَاقَبَهُ لما اسْتَبَانَ وجَربَا 2 - وَأَحْكَمَهُ شَيبُ القَذَالِ عَنِ الصبَا ... فَكَيفَ تُصَابِيهِ وَقَدْ صَارَ أَشْيَبَا 3 - وكَانَ لَهُ فِيمَا أَفَادَ حلائل ... عَجَلْنَ إِذَا لاقَينَهُ قُلْنَ مَرحَبَا 4 - فَأصْبَحْنَ ............... ... ......................... إلى آخره وبعده: 5 - طَوَامِحُ بِالأَبْصَارِ عَنْهُ كَأنمَا ... يرينَ عليهِ جل أَدْهَمَ أَجْرَبَا] (¬3) قوله: "أصعد" أي: ارتقى، قوله: "أم تصوب" أي قوله: أم نزل. الإعراب: قوله: "فأصبحن": جملة من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى النسوة المذكورة فيما قبل البيت، قوله: "لا يسألنه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير الذي ورجع إلى المبتلى بهن وقعت خبرًا لأصبحن: "عن بما به ": جار ومجرور، والباء زائدة للتأكيد، والهمزة في أصعد للاستفهام. و"صعد": فعل، وفاعله مستتر فيه يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير في بما به، والذي في يسألنه، قوله: "في علو الهوى" يتعلق بصعد، قوله: "أم تصوبا": عطف على قوله: "أصعد" والألف فيه للإطلاق. ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "عن بما به" حيث أدخلت الباء بعد عن تأكيدًا؛ لما كانا يستعملان في معنى واحد فيقال: سألت به وسألت عنه (¬1). الشاهد الحادي والأربعون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) فَإنْ تَسأَلُوني بالنِّسَاءِ فَإننِي ... خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النسَاءِ طَبِيبُ إِذَا شابَ رَأْسُ المَرْءِ أَو قَلَّ مَالُهُ ... فَلَيسَ لَهُ مِنْ وُدِّهِن نَصِيبُ أقول: قائلهما هو علقمة بن عبدة، وهما من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - طَحَا بِكَ قَلْبٌ فيِ الحِسَانِ طَرُوبُ ... بُعَيدَ الشَّبَابِ عَصْر حَانَ مَشِيبُ 2 - تُكلِّفُنِي لَيلَى وَقَدْ شطَّ وَليُهَا ... وَعَادَت عَوَاد بَينَنَا وخُطُوبُ إلى أن قال: فإن تسألوني .............. ... .................... إلى آخره وبعدهما: 5 - يُرِدْنَ ثَرَاءَ الْمالِ حَيثُ عَلِمْنَهُ ... وَشَرخُ الشَّبَابِ عندَهُن عَجِيبُ 4 - قوله: "من ودهن" الود مثلث الواو: المودة والمحبة. الإعراب: قوله: "فإن تسألوني" الفاء للعطف، و "إن" للشرط، و "تسألوني": جملة وقعت فعل الشرط، و "بالنساء" يتعلق بها، قوله: "فإنني": جواب الشرط، و"خبير": مرفوع لأنه خبر إن، وقوله: "بأدواء": يتعلق بقوله: "طبيب" وهو جمع داء وهو المرض، و "طبيب"؛ مرفوع خبر بعد خبر. ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد الثمانمائة
قوله: "إذا" للشرط، قوله: "شاب": نعل ماض، و "رأس المرء": كلام إضافي فاعله، قوله: "أو قل ماله": جملة من الفعل والفاعل معطوفة على: شاب رأس المرء، قوله: "فليس": جواب إذا فلذلك دخلها الفاء، قوله: "نصيب": اسم ليس، وخبره الجار والمجرور؛ أعني قوله: "له" أي: للمرء، ومن فائدة تقديم الخبر هاهنا إقامة الوزن، و "من ودهن": في محل الرفع لأنها صفة لقوله: "نصيب" (¬1) أي: ليس نصيب كائن من ودهن حاصلًا له. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالنساء" فإن الباء فيه بمعنى: عن، والمعنى: فإن تسألوني عن النساء؛ كما في قوله تعالى: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] أي: فاسأل عنه، وقد قال بعضهم: إن هذا يختص بالسؤال كما في هذا المثال، والأصح أنه لا يختص به بدليل قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12]، والمعنى: وعن أيمانهم، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] أي: عن الغمام (¬2). الشاهد الثاني والأربعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) يَمُتُّ بِقُربَى الزَّيْنَبَينِ كِلَيهِمَا ... ............................... أقول: قائله هو هشام بن معاوية، وتمامه (¬5): .......................... ... إِلَيكَ وَقُربَى خَالدٍ وَحَبيبِ وهو من الطويل. قوله: "يمت": من المتّ بفتح الميم وتشديد التاء المثناة من فوق، وهو التوسل بقرابة، و"القربى": بمعنى القرابة، والمعنى: ينسب إليه بقرابة الزينبين وقرابة خالد وحبيب. ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "يمت": جملة من الفعل [والفاعل] (¬1) والباء في: بقربى تتعلق بها، قوله: "كليهما": تأكيد للزينبين، قوله: "إليك": جار ومجرور يتعلق بقوله: "يمت"، قوله: "وقربى خالد ": كلام إضافي عطف على قوله: "بقربى الزينبين"، قوله: "وحبيب" بالجر عطف على خالد، والتقدير: وقربي حبيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "كليهما" فإنه وقع موقع كلتيهما، قال ابن عصفور: فأما قول الشاعر وأنشد البيت فمن تذكير المؤنث حملًا على المعنى للضرورة، كأنه قال: بقربى الشخصين كليهما (¬2). الشاهد الثالث والأربعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) إِنَّ إنَّ الكَرِيمَ يَحْلُمُ مَا لم ... يَرَيْنَ مَنْ أَجَارَهُ قَدْ ضِيمَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف، وفيه الشعث وهو إسقاط أحد متحركي الوتد فيصير: فاعاتن، أو فالاتن فيرد إلى مفعولن، فإن وزن قوله: "قد ضيما" مفعولن مشعث بالثاء المثلثة. قوله: "يحلم" من حلم يحلم بضم اللام فيهما حِلمًا بكسر الحاء وهو الأناة، قوله: "قد ضيما": من الضيم وهو الظلم، وفيه ثلاث لغات: ضِيم وضُيم وضُوم كما في بيع. الإعراب: قوله: "إن": من الحروف المشبهة بالفعل تنصب الاسم وترفع الخبر، وقوله: "الكريم": اسمه، والجملة -أعني: قوله: "يحلم": خبره، و "إن" الثانية تأكيد على ما يجيء- إن شاء الله تعالى-. ¬
قوله: "ما لم بين" كلمة "ما" هاهنا حرف مصدري زماني، والتقدير: يحلم الكريم مدة عدم رؤيته ضيم من أجاره، وقوله: "لم يرين": فعل مضارع دخلت عليه لم الجازمة، وأكد بنون التوكيد الخفيفة؛ فلذلك عادت إليه الياء التي كانت سقطت للجزم، وذلك لأن النون الساكنة تقتضي تحريك ما قبلها؛ كما تقول في: لم يضرب إذا أكدته: لم يضربن. قوله: "من أجاره" من موصولة بمعنى الذي، وأجار صلته، والجملة في محل النصب؛ لأنها مفعول: "لم يرين"، وهو من رؤية البصر فلا يستدعي إلا مفعولًا واحدًا، وقوله: "قد ضيما" على صيغة المجهول، جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: "من" (¬1)، ويحتمل أن يكون حالًا، والألف واللام فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "إنَّ إنَّ الكريم" حيث كررت إن هاهنا للتأكيد مع غير اللفظ الذي وصلت به، فلذلك حكم بشذوذ نحو هذا؛ وذلك لأن الحرف لا يعاد إلا مع ما اتصل به أو لا لكونه كالجزء منه نحو: إن زيدًا إن زيدًا قائم، وفي الدار في الدار زيد، ولا يعاد وحده إلا في الضرورة، نص عليه ابن السراج (¬2). وأجاز صاحب الكشاف ذلك من غير إعادة اللفظ المتصل، واحتج على ذلك بقول الشاعر المذكور، وتبعه على ذلك ابن هشام الخضراوي (¬3). ورد عليه ابن مالك في شرح التسهيل وقال: قوله مردود، لعدم إمام يستند إليه، وسماع يعتمد عليه (¬4)، وفيه نظر لا يخفى. ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الثمانمائة
الشاهد الرابع والأربعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) لَيتَ شعرِي هَلْ ثمَّ هَل آتيَتنهُم ... ................................ أقول: قائله هو الكميت بن معروف، وتمامه (¬3): ............................ ... أَمْ يَحُولَنَّ دُون ذاكَ حِمَامُ وهو من الخفيف، ويروى الشطر الثاني: ............................ ... أو يحولن من دون ذاك الردى و"الردى" بفتح الراء وتخفيف الدال؛ الهلاك، و"الحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم؛ الموت. الإعراب: قوله: "ليت شعري" أي: ليت علمي، فشعري: اسم ليت، وخبره محذوف، أي: حاصل، قوله: "هل" للاستفهام، وقوله: "ثم هل": عطف عليه، "وآتينهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والنون فيه ساكنة وهي نون التوكيد، قوله: "أم": منقطعة لأنها مسبوقة باستفهام بغير الهمزة؛ كما في قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد: 16]، ويجوز أن تكون متصلة بمعنى أن كائن على سبيل التقدير لحصول العلم بكون أحدهما. قوله: "يحولن" بنون التوكيد الثقيلة، وهي معطوفة على الجملة التي قبلها، قوله: "دون ذاك": كلام إضافي منصوب على الظرف، و"ذاك": إشارة إلى الإتيان الذي يتضمنه قوله: "آتينهم" قوله: "حمام" بالرفع فاعل لقوله: "يحولن". الاستشهاد فيه: في قوله: "هل ثم هل" حيث أكد هل الأولى بهل الثانية مع الفصل بينهما بحرف ثم، وقد ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الثمانمائة
ذكرنا في البيت السابق أن الحرف لا يعاد وحده، ولا يعاد إلا مع ما اتصل به أو بفاصل. فافهم (¬1). الشاهد الخامس والأربعون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) لَا يُنْسِكَ الأَسَى تأَسِّيًا فَمَا ... مَا مِنْ حِمَامٍ أَحَدٌ مُعْتَصِمًا أقول: قائله هو راجز من الرجاز لم أقف على اسمه، وهو من الرجز المسدس. قوله: "الأسى" بفتح الهمزة والسين المهملة مقصورة وهو الحزن، قوله: "تأسًا" أراد به: الصبر والاقتداء بغيره من الصابرين، قوله: "من جمام" بكسر الحاء وتخفيف الميم، وهو الموت [فلا فائدة حينئذ للجزع] (¬4). والمعنى: لا ينسك الحزن على مَن مات منك حسن التأسي بالصابرين؛ لأن أحدًا لا يعتصم عن الموت، فلا فائدة حينئذ للجزع وترك التأسي بالصابرين. الإعراب: قوله: "لا ينسك": جملة من الفعل والمفعول وهو الكاف، وقوله: "الأسى": فاعله، وقوله: "تأسيًا": مفعول ثان لينسك، قوله: "فما" الفاء للتعليل، وكلمة: "ما لا بمعنى ليس، وقوله: "أحد": اسمه، و"معتصمًا": خبره، و "ما" الثانية كررت للتأكيد، وقوله: "من حمام" جار ومجرور يتعلق بقوله: "معتصمًا". الاستشهاد فيه: [في قوله: "] (¬5) فما ما" فإنه كرر الحرف الواحد للتأكيد، ولكن فصل بينهما الوقف، والظاهر أنه جائز اختيارًا فافهم (¬6). ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الثمانمائة
الشاهد السادس والأربعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ...................... ... فَحَتَّامَ حَتَّامَ العَنَاءُ المُطَوَّلُ أقول: قائله هو الكميت، وصدره (¬3): فَتِلْكَ وُلَاةُ السُّوءِ قَدْ طَال ملكُهُم ... ............................... وهو من الطويل. قوله: "ولاة السوء" بضم الواو؛ جمع وال، وهو الذي يتولى أمور الناس، قوله: "العناء" بفتح العين وتخفيف النون، وهو المشقة والتعب. الإعراب: قوله: "فتلك": مبتدأ، وقوله: "ولاة السوء": كلام إضافي خبره، وقوله: "قد طال ملكهم": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على الحال. قوله: "فحتام" الفاء للعطف، وحتى للغاية ودخلت عليها ما الاستفهامية، وحذفت ألفها اكتفاء بدلالة فتحة الميم عليها، و "حتام" الثانية جميد للأولى، وقوله: " [العناء": مبتدأ، و "المطول": صفته، والخبر محذوف تقديره:] (¬4) العناء المطول منهم، أو العناء المطول بين الناس ونحو ذلك (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "فحتام حتام" حيث كررت حتى للتأكيد (¬6). ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الثمانمائة
الشاهد السابع والأربعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) ......................... ... صَمِّي لما فَعَلَتْ يَهُودُ صَمَامِ أقول: قائله هو الأسود بن يعفر، وصدره (¬3): فَرَّتْ يَهُودُ وَأَسلَمَتْ جِيرَانِهَا ... ............................... وهو من الكامل. قوله: "يهود": اسم قبيلة هاهنا، قوله: "صمي" أي: اخرسي، قوله: "صمام": اسم للداهية، [وفي المحكم قولهم: "صمي صمام": يضرب للرجل يأتي بالداهية، أي: اخرسي يا صمام، وقال الجوهري: يقال للداهية: صمي صمام، مثل: قطام، وهي الداهية، أي: زيدي] (¬4). الإعراب: قوله: "فرت": فعل، و "يهود": فاعله، ولم ينصرف للعلمية والتأنيث، ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها في مثل هذا اللَّهم إلا إذا كان يهود جمع يهودي فحينئذ يجوز أن تقول؛ اليهود كما تقول الروم. قوله "وأسلمت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "جيرانها": كلام إضافي مفعوله، قوله: "صمي": أمر [من صمم من باب علم يعلم، والصاد مفتوحة، وفاعله ضمير مستتر تقديره: صمي أنت (¬5) يخاطب به الداهية] (¬6). وقوله: "صمام": منادى مفرد تقديره: يا صمام صمي فحذف منه حرف النداء وهي مبنية على الكسر كحذام ونحوها. وقال أبو علي الفارسي: هي اسم للفعل (¬7)، ويقال: "صمام" هي الحية، وقيل لها: صمام ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد الثمانمائة
لأنها لا تعمل فيها الرقى لخبثها فكأنها صماء فهي لا يمكن منها الجواب. وقيل (¬1): الضمير في صمي يعود إلى الأذن؛ أي: صمي يا أذن لما فعلت يهود، ويهود قبيلة وصمام اسم للفعل مثل نزال، وليس بنداء، واللام في: "لما فعلت" تتعلق بصمي. الاستشهاد فيه: في قوله: "صمام" فإنه توكيد لفظي لقوله: "صمي"، وقد علم أن التوكيد اللفظي إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى، فالأل كقوله: ادرجي ادرجي، والثاني مثل قوله: "صمام" فإنه تقوية لمعنى صمي. فافهم (¬2). الشاهد الثامن والأربعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) فَإيَّاكَ إيَّاكَ المِرَاءَ فَإنَّهُ ... إلى الشرِّ دَعَّاءٌ وللشَّرِّ جَالِبُ أقول: هذا أنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وهو من الطويل. قوله: "إياك" تحذير، ومعناه: اتق، و"المراء" بكسر الميم وبالمد، هي المجادلة؛ من ماريتة مراء، [قوله: "] (¬5) دَعَّاء" على وزن فعال بالتشديد مبالغة داع. الإعراب: قوله: "فإياك" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وإياك: تحذير بمعنى اتق، وهي جملة من الفعل والفاعل، و "إياك" الثاني جميد، وقوله: "المراء": مفعوله، وقال أبو الحسن: "المراء" بمعنى أن تماري، أي: إياك مخافة أن تماري. وقال ابن يعيش: والمراد: والمراء بحرف العطف، أو من المراء بحذف حرف الجر (¬6). وسيبويه ينصب المراء بفعل غير الفعل الذي نصب إياك كأنه قال: إياك إياك اكتفى ثم قال ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الثمانمائة
اتق المراء أو جانب المراء (¬1)، كأنه نهاه أولًا ثم أضمر قولًا كأنه قال: اتق اتق المراء يا فتى. [والفاء في: "فإنه" للتعليل، والضمير المتصل به اسم إن، وخبره قوله: "دعاء"] (¬2)، وقوله: "إلى الشر": يتعلق بدعاء، قوله: "جالب": خبر بعد خبر، وقوله: "للشر": يتعلق به. فإن قيل: كيف ذكر أحد الخبرين للمبالغة دون الآخر؟ قلت: دعاء بمعنى داع، وإنما ذكره على صيغة المبالغة لأجل الوزن، أو يكون هذا على أصله، ويكون "جالب" بمعنى: جلاب، ولكنه تركه للضرورة -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: "فإياك إياك" حيث كرَّره مرتين للتأكيد، وقال أبو عثمان المازني: لما كرر "إياك" مرتين فكأن أحدهما عوض من الواو. الشاهد التاسع والأربعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) لَا لَا أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا ... أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثقًا وعُهُودًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "لا أبوح": من باح بسره إذا أظهره وأفشاه، و "بثنة" بفتح الباء الموحدة وسكون الثاء المثلثة وفتح النون وفي آخرها هاء؛ اسم محبوبته، والبثنة في اللغة: الأرض اللينة السهلة، قوله: "مواثقًا": جمع موثق بمعنى: الميثاق وهو العهد. الإعراب: قوله: "لا لا أبوح" كرر للتأكيد، و "أبوح": جملة من الفعل والفاعل، والباء في: "بحب بثنة" يتعلق به، وبثنة في محل جر بالإضافة، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث. قوله: "إنها" الضمير اسم إن، والجملة أعني قوله: "أخذت عليّ": خبرها، قوله: "مواثقًا": مفعول أخذت، و "عهودًا": عطف عليه. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "لا لا أبوح" حيث كرر فيه كلمة: "لا" التي للنفي لأجل التأكيد، وهو من أقسام التأكيدات اللفظية في الحروف، وهو يكون في المفرد والجملة، والمفرد يكون اسمًا ويكون فعلًا ويكون حرفًا، فالاسم نحو: زيد زيد قائم، والفعل نحو: ضرب ضرب زيد، والحرف كما في البيت المذكور (¬1). * * * ¬
شواهد عطف البيان
شواهد عطف البيان (¬1) الشاهد الخمسون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... ................................ أقول: قائله أعرابي قد أتى إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واستحمله، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد العلم في أوائل الكتاب (¬4). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "عمر" فإنه مرفوع وقع عطف بيان عن قوله: "أبو حفص" وأنه وقع متبوعه معرفة فأوضحه، وفيه أنه قدم الكنية على الاسم فافهم (¬5). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الثمانمائة
الشاهد الحادي والخمسون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) .............................. ... لَقَائِل يَا نَصْرُ نَصْرٌ نَصْرًا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج [كذا قال سيبويه، وقال الصغاني: وليس لرؤبة، ومع ذلك فيه تصحيف، والرواية: ............................ ... يَا نَضْرُ نَضْرٌ نَضْرًا بالضاد المعجمة على ما يأتي الأن، (¬3)، وأوله (¬4): إني وَأَسْطَارٍ سُطِرنَ سَطْرًا ... ............................... [وبعده: بَلغَكَ اللهُ فبلغَ نَصْرًا ... نَصْرَ بن سَيَّار يثبني وَقْرًا] (¬5) قوله: "وأسطار" بفتح الهمزة؛ جمع سطر، وهو الخط والكتابة، قوله: "يا نصر" أراد: نصر بن سيار أمير خرسان، وقال أبو عبيدة: أراد بنصر الثاني حاجب نصر بن سيار، وقال أبو الحجاج بن يسعون: رأيت في عرض كتاب أبي إسحاق الزجاج بخط يده وهو أصله الذي قرأ فيه على أبي العباس المبرد: نضرًا الذي هو الحاجب بالضاد المعجمة (¬6). الإعراب: قوله: "إني" إن: حرف ينصب ويرفع كما قد عرف، والضمير المتصل به اسمه، وقوله: "لقائل" بالرفع خبره، واللام فيه للتأكيد، وقوله: "وأسطار" الواو فيه للقسم، وأسطار مجرورة بها، وسطرن: على صيغة المجهول صفة للأسطار، وسطرًا: مفعول مطلق، والجملة معترضة بين اسم إن وخبرها، قوله: "يا نصر": منادى مفرد معرفة مبني على الضم وهو مقول القول. ¬
قوله: "نصر نصرًا" يروى برفع نصر الثاني ونصبه؛ فالرفع عطف بيان على اللفظ، والنصب عطف بيان على موضع: يا نصر. قال أبو حيان: ولا يجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ مضمر، ولا نصبه على إضمار فعل لأن هذا النوع من القطع إنما تكلمت به العرب إذا قصدت البيان أو المدح أو الذم أو الترحم، ونصر لا يفهم منه شيء من ذلك، فإن لم يكن الثاني من لفظ الأول ساغ القطع لما في ذلك من البيان، ولا يجوز أن يكون توكيدًا لفظيًّا، قيل: لتنوينه، والأول ليس كذلك (¬1). ورد بأن هذا القدر من الاختلاف مغتفر في التأكيد اللفظي، وقيل: للاختلاف في التعريف: فيا نصر قد عُرِّف بالإقبال عليه لا بالعلمية. والثاني: تُعَرّف بالعلمية؛ فكما لا يجوز جعل الثاني في: جاء الغلام غلام زيد تأكيدًا لفظيًّا؛ لاختلافهما في التعريف فكذلك هذا، ولا يجوز أن يكون بدلًا لأنه منون، ولا نعتًا لأنه علم، ويجوز في نصر الثاني أن يكون مصدرًا، أي: انصرني نصرًا، وعلى ذلك خرجه الأصمعي، وجعل نصرًا الثالث: تأكيدًا لنصر الثاني. وقال الجرمي: النصر: العطية، قاله أبو عبيدة: فيريد: يا نصر عطية عطية، ويرد هذا التأويل في نصر الثاني أنه روي بالرفع، وزعم أبو عبيدة أن نصر الثاني هو حاجب نصر بن سيار كما ذكرنا آنفًا، وأن الشاعر نصبه على الإغراء يريد: عليك نصرًا (¬2)، ويرد هذا القول رواية الرفع فيه، ويروى: نصر نصرًا ببناء الثاني على أن يكون بدلًا. الاستشهاد فيه: أن "نصرًا" الثاني من التوكيد اللفظي أتبع أولًا على اللفظ، وثانيًا على الموضع، وقال ابن الناظم: يجوز أن يكون نصرًا المنصوب مصدرًا بمعنى الدعاء كسقيًا ورعيًا (¬3)، وقال القواس (¬4): نصر الأخير ليس فيه إلا النصب؛ لأن القافية كذلك، وفيه وجهان: أحدهما: أنه عطف بيان على المحل كالوصف. والثاني: أنه منصوب على المصدر. وأما نصر الثاني فروي مرفوعًا ومنصوبًا ومضمومًا بغير تنوين، أما الرفع فلأنه عطف بيان ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الثمانمائة
على اللفظ، ولذلك نونه، ولو كان بدلًا لامتنع تنوينه، وأما النصب فعلى الوجهين المذكورين في نصر الأخير، وأما الضم فيحمل على البدل أو التأكيد اللفظي، وأما نصر الأول فليس فيه إلا الضم لكونه علمًا (¬1). الشاهد الثاني والخمسون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) أَيَا أَخَوَيْنَا عَبدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلَا ... أُعِيذُكمَا بِالله أَنْ تُحْدِثَا حَرْبَا أقول: قائله هو طالب بن أبي طالب، وهو من قصيدة من الطويل يمدح بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويبكي أصحاب القليب من قريش، وأولها هو قوله (¬4): 1 - أَلَا إِنَّ عَينِيَ أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سكبًا ... تَبكِي عَلَى كَعْبٍ ومَا إِنْ ترى كَعْبَا 2 - أَلَا إنَّ كَعْبًا فيِ الحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمُ ذَا الدَّهْرُ واجْتَرَحُوا ذَنْبَا 3 - وعَايز تَبكِي لِلْمُلِمَّات غدْوَةً ... فيا ليتَ شعري هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبَى 4 - هُمَا أَخَوَايَ كَي يَعُدَّا لغيةً ... تُعَدُّ ولَا يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا 5 - أيا أخوينَا عبدَ شَمْسٍ ...... ... ......................... إلى آخره 6 - ولَا تَصْبحُوا منْ بَعْدِ وُدٍّ وأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلُّكُم يَشْتَكِي النَّكَبَا 7 - ألم تَعْلَمُوا مَا كانَ في حربِ داحسِ ... وجيشِ أبِي يَكسُومَ إذْ بلَغُوا الشعْبَا 8 - فلولَا دِفَاعُ الله لَا شَيءَ غيرَهُ ... لأصبحْتُمُ لَا تَمْنَعُونَ لَكُم سِرْبَا 9 - فَمَا إِنْ جَنَينَا فيِ قُرَيْشٍ عَظِيمَةَ ... سِوَى أَنْ حَمَينَا خيرَ من وَطِيء التُرْبَا 10 - أَخَا ثِقَةٍ فيِ النَّائِبَاتِ مُرَزَّأً ... كَرِيمًا ثنَاهُ لَا بَخِيلًا ولَا ذَرْبَا 11 - يَطِيفُ بِهِ العَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يؤمُّون نَهْرًا لَا نُزُورًا ولَا صَرْبَا 12 - فوالله لَا تنفكُّ نفسي حَزِينَةً ... تُمَلْمِلُ حتَّى تَصْدُقُوا الخَزْرَجَ الضَّرْبَا 2 - قوله: "اجترحوا" أي: اكتسبوا. ¬
7 - قوله: "حرب داحس" بكسر الحاء المهملة، وهو اسم فرس مشهور لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي، وذلك أن قيسًا وحذيفة بن بدر الذبياني تراهنا على خطر عشرين بعيرًا وجعلا الغاية مائة غلوة، والمضمار أربعين ليلة، والمجرى من ذات الإصاد، فأجرى قيس داحسًا والغبراء، وأجري حذيفة الخطار والحنفاء، فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينًا على الطريق فردوا الغبراء ولطموها وكانت سابقة؛ فهاجت الحرب بين عبس وذبيان أربعين سنة. قوله: "أبي يكسوم"؛ ملك من ملوك الحبشة، وأصله من كسم بمعنى كسب، وأنشد (¬1): وحامل القدر أبي يكسوم 8 - قوله: "سربا" بفتح السين المهملة وسكون الراء، وهو الإبل وما رعى من المال. 10 - قوله: "ولا ذربا" بفتح الذال المعجمة وسكون الراء، أي: ولا متفحشًا في كلامه. 11 - قوله: "العافون" أي: السائلون، قوله؛ "ولا صربا" بالصاد المهملة، أراد: ولا مانعًا شياهه عن العافين. الإعراب: قوله: "أيا": حرف من حروف النداء، و "أخوينا": منادى مضاف منصوب، قوله: "عبد شمسٍ" بالنصب عطف بيان من أخوينا، قوله: "ونوفلا" بالنصب عطف بيان عن قوله: "أخوينا" [قوله: "ونوفلا" عطف على عبد شمس. قوله: "أعيذكما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "بالله": يتعلق به، ويروى: "سألتكما بالله لا تحدثا حربًا"، قوله: "أن تحدثا" أي: من أن تحدثا، وأن مصدرية، والتقدير: أعيذكما باللَّه من إحداثكما الحرب، وقوله: "حربًا": مفعول: تحدثا. الاستشهاد فيه: في قوله: "عبد شمس ونوفلًا" فإنهما بالنصب عطف بيان عن قوله: "أخوينا] (¬2)، ولا يجوز هاهنا البدل؛ لأن أحد المتعاطفين مفرد، وهما منصوبان، والبدل المجموع لا أحدهما، فلا يمكن تقدير حرف النداء، وكلاهما تابع لمنصوب لما يلزم من نصب أحدهما، وهو المضاف وبناء المفرد على الضم، والرواية بنصبهما فافهم [وقال النيلي: وروي: عبد شمس ونوفل بالرفع ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الثمانمائة
على إضمار مبتدأ] (¬1)، (¬2). الشاهد الثالث والخمسون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) أَنَا ابْنُ التَّارِكِ البَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيهِ الطَّيرُ تَرْقُبُهُ وُقُوعًا أقول: قائله هو المرار الأسدي، وهو من الوافر. وأراد ببشر هو بشر بن عمرو، وكان قد جُرح ولم يعرف جارحه، يقول: أنا [ابن] (¬5) الذي ترك بشرًا بحيث تنتظر الطيور أن تقع عليه إذا مات، وذلك لأن الطير لا تتناوله ما دام به رمق الإعراب: قوله: "أنا": مبتدأ، و"ابن التارك": كلام إضافي خبره، و"التارك البكري": كلام إضافي إضافة لفطة، قوله: "بشر" بالجر عطف بيان للبكري، قوله: "الطير": مبتدأ، والجملة أعني قوله "ترقبه": خبره، وقد وقعت حالًا عن البكري، والعامل فيها هو اسم الفاعل، قوله: "عليه": يتعلم بقوله: "وقوعًا"، و"وقوعًا" نصب على التعليل؛ أي: ترقبه الطير لأجل وقوعها عليه (¬6). الاستشهاد فيه: في قوله: "بشر" فإنَّه عطف بيان عن البكري، ولا يجوز أن يكون بدلًا عنه؛ لأنه لو كان بدلًا -والبدل في حكم تنحية المبدل- لكان التارك في التقدير داخلًا على بشر، ولا يجوز "التارك بشر"؛ كما لا يجوز: الضارب زيد. ¬
فإن قيل: ليس حكم التابع كحكم الأصل، فإنهم اتفقوا على جواز: كل شاة وسخلتها بدرهم، وعلى جواز: رب رجل وغلامه، مع أنهم اتفقوا على امتناع: كل سخلتها، ورب غلامه، فلا يلزم من امتناع التارك بشر تصريحًا امتناع التارك بشرًا تقديرًا. قلت: البدل في حكم تكرير العامل في جميع المواضع بخلاف المعطوف، فإنه وإن كان في بعض المواضع في حكم التكرير، كما في: ما زيد وعمرو، بالضم؛ فليس في كل المواضع في حكم التكرير، فلا يلزم من جواز تابع ليس في حكم التكرير لعامله جواز تابع في حكم تكرير العامل (¬1). * * * ¬
شواهد عطف النسق
شواهد عطف النسق الشاهد الرابع والخمسون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) أَيْنَ المَفَرُّ وَالإِلَهُ الطَّالِبُ ... والأشْرَمُ المَغلُوبُ لَيسَ الغالِبُ أقول: قائله هو نفيل بن حبيب، وأصل ذلك أن أبرهة لما أجمع على هدم البيت وتهيأ لدخول مكة -شرفها الله تعالى- وهيأ فيلة وعبأ جيشه، أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ بأذنه، فقال له: ابرك محمودًا، وكان اسمه محمودًا، فإنك في بلد الله الحرام فبرك، فكلما عالجوه لم يقم، فوجهوه إلى اليمن فقام يهرول، ثم أرسل اللَّه عليهم طيرًا، فخرجوا هاربين ويسألون من نفيل بن حبيب الطريق، فقال نفيل حين رأى ما نزل بهم من نقمته: أَيْنَ المَفَرُّ ............... ... ...................... إلى آخره قوله: "والأشرم" هو لقب أبرهة، والأشرم في اللغة: المشقوق الأنف، ومنه قيل لأبرهة الأشرم. الإعراب: قوله: "أَيْنَ المفَرُّ": جملة اسمية من المبتدأ والخبر (¬3)، قوله: "والإله الطالب" جملة اسمية -أيضًا- وقعت حالًا، وكذلك قوله: "والأشرم المغلوب": جملة اسمية وقعت حالًا. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "ليس الغالب" فإن الكوفيين والبغداديين احتجوا بأن: "ليس" تجيء عاطفة بمنزلة "لا"، والتقدير: لا الغالب (¬1)، وأجيب عن ذلك بأن قوله: "الغالب" اسم ليس، والخبر محذوف تقديره: ليس الغالب إياه (¬2). وقال ابن مالك: وهو في الأصل ضمير متصل عائد على الأشرم؛ أي: ليسه الغالب؛ كقولك: الصديق كأنه زيد، ثم تحذف فتقول: الصديق كان زيد (¬3)، ومقتضى كلامه: أنه لولا تقديره متصلًا لم يجز حذفه، وفيه نظر فافهم (¬4). ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد الثمانمائة
الشاهد الخامس والخمسون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) فَأَطعَمَنَا مِنْ لَحْمِهَا وسَنَامِهَا ... شوَاءً وَخَيْرِ الخير مَا كَانَ عَاجِلُه أقول: لم أقف على اسم قائله، وبعده: 2 - طَعَامَين لا أَسطِيعُ بُخلًا عَلَيهِمَا ... جَني النَّحْلِ والعَصُوبُ تَغْلِي مَرَاجلُه وهما من الطويل. قوله: "والعَصُوبُ" بفتح العين وضم الصاد المهملتين وفي آخره باء موحدة، يقال: ناقة عصوب لا تدر حتى تعصب، و"المراجل": جمع مرجل بكسر الميم وهو القدر من نحاس. الإعراب: قوله: "أطعمنا" الفاء للعطف إن تقدمه [شيء] (¬3)، "وأطعمنا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه والمفعول وهو الضمير المتصل به، وقوله: "من لحمها": متعلق بأطعم؛ أي: من لحم الناقة، و"سنامها": عطف عليه، قوله: "شواء" بالنصب مفعول ثان لأطعمنا، قوله؛ "وخير الخير": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "ما كان عاجله". والاستشهاد فيه: [في قوله: "ما كان عاجله"] (¬4) لأن التقدير: ما كأنه عاجله؛ فالهاء خبر كان، وعاجله اسمها، ذكر هذا استشهادًا لحذف الضمير في قوله: "ليس الغالب" في البيت السابق؛ إذ التقدير: ليسه الغالب كما ذكرنا، وقيل: يجوز أن تكون كان زائدة، ويكون التقدير: خير الخير هو عاجل الخير. فافهم (¬5). ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الثمانمائة
الشاهد السادس والخمسون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) أَغْلي السِّبَاءَ بِكُلّ أَدْكَنَ عَاتقٍ ... أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتَامُهَا أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - عَفَتِ الدِّيَارُ مَحلهَا فَمُقَامُهَا ... بمنًى تَأَبَّدَ غولُهَا فرِجَامُهَا إلى أن قال: 2 - قَدْ بِتُّ سَامرُهَا وَغَايَةُ تَاجِرٍ ... عَاليت إِذْ رَفَعَتْ وعزَّ مُدَامُهَا 3 - أَغلَى السِّبَاءَ ............. ... ..................... إلى آخره قوله: "عفت": دريست، من عفا يعفو عفوًا وعفاء، قوله: "محلها": حيث حلوا ونزلوا، و"المقام": حيث أقاموا، قوله: "بمنى" قال الأصمعي؛ منى: موضع ببلاد قيس قريب من طخفة في الشق الأيسر وأنت مصعد إلى مكة، وصرفه، لأنه ذكر، وكذلك منى الحرم مصروف، قوله: "تأبد" أي: توحش، و "الغول" بضم الغين المعجمة؛ مكان، وكذلك الرجام مكان وهو بكسر الراء وبالجيم، قوله: "وغاية تاجر" يقول: راية ينصبها التاجر صاحب الخمر ليشهر نفسه بها ويعرف. قوله: "إذ رفعت" يعني الغاية، قوله: "عز مدامها" يعني: غلا الخمر، قوله: "أغلى السباء" أي: اشتري الخمر بالغلاء، والسباء بكسر السين المهملة؛ شراء الخمر؛ من سبأت الخمر سبأ وسباء ومسبأ إذا اشتريتها لتشربها، واستبأتها مثله، ولا يقال (¬4) ذلك إلا في الخمر خاصة والاسم: السباء على وزن فعال بكسر الفاء، ويسمون الخمار: سبّاء بتشديد الباء، وأما إذا اشتريتها لتحملها إلى بلد آخر قلت: سبيت الخمر بلا همز، و"الأدكن": زق قد صلح وجاد في لونه ورائحته لعتقه، قوله: "عاتق" أي: عتيق. قوله: "أو جونة" بفتح الجيم وسكون الواو وفتح النون، وهي الخابية المطلية بالقار، قوله: ¬
"قدحت" بالقاف؛ أي: غرف ما فيها، ومنه المقدحة وهي المغرفة، قوله: "وفض" بالفاء المضمومة؛ أي: كسر خاتمها وهو الطين الذي على رأسها. وحاصل المعنى: أشتري الخمر للندماء غالية من كل زق أدكن وخابية سوداء قد فض ختامها وأغترف الخمر منها. الإعراب: قوله: "أغلي": جملة من الفعل والفاعل، و "السباء" بالنصب مفعوله، والباء في "بكل" تتعلق بقوله: "أغلي"، ولكن الباء بمعنى من؛ أي: من كل أدكن؛ كذا قيل (¬1)، وفيه نظر. والصواب: أن تكون الباء بمعنى في، ويكون متعلقها محذوفًا، والجملة محلها النصب على الحال، والتقدير: السباء حال كونها في كل أدكن، "وأدكن": مجرور في التقدير بالإضافة، وإنما منع الجر لامتناعه من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وقوله: "عاتق" بالجر صفة "أدكن"، قوله: "أو جونة" [بالجر] (¬2) عطف عليه، قوله: "قدحت" على صيغة المجهول صفة جونة وفُضَّ على صيغة المجهول أيضًا، و "ختامها": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة عطف على قدحت. الاستشهاد فيه: [في قوله: "وفض ختامها" حيث] (¬3) أن الواو لا تدل على الترتيب؛ وذلك لأن فض الخاتم سابق على القدح، فإن ختامها يفض ثم يقدح، وهذا مذهب جمهور العلماء من النحاة وغيرهم، وقد قيل: إنها تجيء للترتيب، وليس بصحيح، وقد نسب هذا القول إلى الفراء، وليس بصحيح -أيضًا- (¬4). ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الثمانمائة
الشاهد السابع والخمسون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بِجَوْزِهِ ... وَأَردَفَ أَعْجَازًا ونَاءَ بِكَلْكَلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: (¬3) قِفَا نَبْكِ .... إلى آخره. وقد ذكرنا غالبها فيما مضى، قوله: "بجوزه" أي: بوسطه، وجوز كل شيء: وسطه، ويروى: (لما تمطى بصلبه). و"الأعجاز" بفتح الهمزة؛ جمع عجز، والمراد بالأعجاز هاهنا العجز؛ ذكر الجمع وأراد الواحد، قوله: "وناء" بالنون، يقال: ناء ينوء ثوءًا إذا نهض بجهد ومشقة، وناء بمعنى سقط -أيضًا- وهو من الأضداد، و"الكلكل": الصدر. [الإعراب] (¬4): قوله: "فقلت" الفاء للعطف، و"قلت": جملة من الفعل والفاعل، و "له": يتعلق به، والضمير فيه يرجع إلى المذكور في البيت السابق، وهو قوله: وَلَيلٍ كَمَوْجِ البَحْر أَرْخى سدوله ... عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُومِ لِيَبتَلِي ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد الثمانمائة
ومقول القول هو البيت الثاني وهو قوله: أَلَا أَيُّهَا الليلُ الطويلُ ألَا انْجَلِي ... بِصُبحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكِ بِأَمْثَلِ و"لما" بمعنى حين، و"تمطى": جملة من الفعل والفاعل، و "بجوزه": يتعلق به، قوله: "وأردف": عطف على تمطى، و"أعجازًا": مفعوله، تقديره وأردف أعجازه؛ أي: أواخره، قوله: "وناء بكلكل": عطف على ما قبله. الاستشهاد فيه: مثل ما قبله، وهو أن الواو لا تدل على الترتيب لأن البعير ينهض بكلكله أولًا، ثم بعجزه، ثم بجوزه وهو وسطه (¬1). الشاهد الثامن والخمسون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) حَتَّى إذا رَجَبٌ تَوَلَّى وَانْقَضَى ... وجُمَادِيَانِ وَجَاءَ شَهْرٌ مُقْبِلٌ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "تولى" أي: أدبر، قوله: "وجماديان" بضم الجيم؛ تثنية جمادى الأولى وجمادى الآخرة، قال الفراء: الشهور كلها مذكرات إلا جماديين فإنهما مؤنثان، ويقال: هذا شهر كذا وشهر كذا، وهذه جمادى الأولى وجمادى الآخرة، فإن سمعت تذكير جمادى فإنما يذهب به إلى الشهر ويترك اللفظ، والجمع جماديات على القياس (¬4). ولو قيل: جماد لكان قياسًا مثل: كسالَى وكسالٍ، وإنما سميت جمادى لجمود الماء فيها، قلتُ: هذا باعتبار ما وقع في حال التسمية؛ فإنه صادق وقت جمود الماء، وإلا فقد يكون جمادى في شهور الصيف. ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "حتى إذا رجب" حتى هذه جارة عند ابن مالك (¬1)، وإذا في موضع الجر بها وهو (¬2) قول الأخفش وغيره (¬3). وعند الجمهور: حتى في مثل هذه المواضع [حرف (¬4) ابتداء] (¬5)، و"إذا": في موضع نصب بشرطها أو جوابها، و "رجب": مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: حتى إذا تولى رجب، قوله: "وانقضى": جملة من الفعل والفاعل، عطفى على "تولى"، قوله: "وجماديان": عطف على رجب ولكن فيه تقديم وتأخير في المعنى؛ لأن رجب بعد الجماديين لا قبلهما. قوله: "وجاء شهر": جملة من الفعل والفاعل عطف على ما قبلها، و"مقبل": صفة للشهر، وأراد به شهر شعبان أو شهر رمضان، وجواب إذا محذوف أو مذكور في البيت الثاني إن كان له شفع، ويقدر الجواب بحسب ما يليق بالمقام، وهو ظاهر لا يخفى. الاستشهاد فيه: [في قوله: "وجماديان] (¬6) مثل ما قبله وهو أن الواو لا تدل على الترتيب؛ لأن "رجب" بعد جماديين كما ذكرنا لا قبلهما (¬7). الشاهد التاسع والخمسون بعد الثمانمائة (¬8)، (¬9) ............................ ... بِسِقْطِ اللّوَى بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس حجر الكندي، وصدره (¬10): قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنزِلِ ... ............................. ¬
وهو أول قصيدته المشهورة، قوله: "بسقط اللوى" بكسر السين المهملة ولممكون القاف، وهو ما تساقط من الرمل، و "اللوى" بكسر اللام؛ منقطع الرمل من حيفا يرقّ، و "الدخول وحومل": موضعان من منازل بني كلاب، وقال الكلابي: الدخول: ماء لعمرو لن كلاب فيه أبنية (¬1). الإعراب: قوله: "قفا": خطاب للواحد بصيغة التثنية للتأكيد، كأنه قال: قف قف، وذلك كما في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] فإنه خطاب لمالك خازن النار، والمعنى: ألق ألق، وقد قيل: إنه خطاب لصاحبيه الاثنين، وكذا الخطاب في قوله: ألقيا للملكين. قوله: "نبك": مجزوم لأنه جواب الأمر، قوله: "من ذكرى": يتعلق بقوله: "نبك"، وهو مصدر ذكر يذكر، أضيف إلى حبيب، و "منزل": عطف عليه، والباء في "اللوى" ظرف، أي: في سقط اللوى، و "بين": نصب على الظرف أضيف إلى الدخول، وقوله: "فحومل": عطف عليه. الاستشهاد فيه: [في قوله: "فحومل"] (¬2) من حيث أنه أناب الفاء مناب الواو، والمعنى: بين الدخول وحومل، إذ لا يجوز أن يقال: زيد بين عمرو فخالد، بالفاء لأن بين إنما تقع معهما الواو؛ لأنك إذا قلت: المال بين زيد وعمرو فقد احتويا عليه، فهذا موضع الواو لأنها للاجتماع، وإن جئت بالفاء وقع التفريق فلم يجز، وعلى هذا كان الأصمعي يرويه: بين الدخول وحومل بالواو (¬3). وقال النحاس في شرحه: أما الاحتجاج لمن رواه بالفاء، فلأن هذا ليس كقولك: المال بين زيد وعمرو، لأن الدخول موضع يشتمل على مواضع، فلو قلت: عبد الله بين الدخول، تريد مواضع الدخول لتم الكلام؛ كما تقول: دربنا بين مصر تريد: بين أهل مصر، فعلى هذا قوله: "بين الدخول فحومل" أراد: بين مواضع الدخول وبين مواضع حومل، ولم يرد موضعًا بين الدخول وحومل. فافهم (¬4). ¬
الشاهد الستون بعد الثمانمائة
الشاهد الستون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) كَهَزِّ الرُّدَيْنِيُّ تَحْتَ العَجَاجِ ... جَرَى فِي الأَنَابِيبِ ثُمَّ اضْطَرَبْ أقول: قائله هو أبو دؤاد جارية بن الحجاج، وهو من قصيدة بائية من المتقارب، وأولها هو قوله (¬3): 1 - وَقَدْ أَغْتَدِي فيِ بَيَاضِ الصَّبَاحِ ... وَأَعْجَازُ ليلٍ مُوَلَّى الذَّنَبْ 2 - بِطِرْفٍ يُنَازِعُنِي مَرِسِنًا ... سَلُوفِ المقَادَةِ مَحْضِ النَّسَبْ 3 - غَدَوْنَا نُرِيدُ بِهِ الآبِدَاتِ ... تُؤَيِّيهِ بَينِ هَالٍ وهَبْ 1 - قوله: "أعجاز ليل": أواخره، و "الذنب" -أيضًا- آخره. 2 - قوله: "بطرف" بكسر الطاء وسكون الراء المهملتين وفي آخره فاء، وهو الفرس الكريم، قوله: "سلوف المقادة" أي: متقدم طويل العنق،: "محض النسب" أي: خالص النسب لم يقارف الهجنة. و"المرسن" بفتح الميم وسكون الراء وكسر السين؛ هو الأنف، وإنما قال: ينازعني مرسنًا؛ لأن الحبل ونحوه يقع على مرسنه، قوله: "كهز الرديني" أي: كهز الرمح الرديني، قال الجوهري: القناة الردينية والرمح الرديني زعموا أنه منسوب إلى امرأة سمهر تسمى ردينة، وكانا يقومان القنا بخط هجر (¬4). و"العجاج" بفتح العين وتخفيف الجيم؛ هو الغبار، و "الأنابيب": جمع أنبوبة وهي ما بين كل عقدتين من القصب، والأنبوبات -أيضًا- جمع. 3 - و: "الآبدات": المتوحشات، "تؤييه": من التأييه وهو الدعاء، وقال أبو عبيدة: ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة
التأييه أن تقول: آه ولا يدعى بها إلا ما بعد منهن، قوله: "هال": يستعمل في موضع نهي وإيعاد، ويجيء في موضع زجر، "وهب": تسكين، ويجيء في موضع زجر. الإعراب: قوله: "كهز الرديني" الكاف للتشبيه، والهز مصدر بمعنى الاهتزاز، والمعنى: كاهتزاز الرديني، فالمصدر مضاف إلى فاعله، وموضعها الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره: هز الطرف تحتي كهز الرديني، واهتزازه كناية عن سرعة حركته وشدة جريه، وقوله: "تحت العجاج": كلام إضافي نصب على الظرف والعامل فيه المصدر. قوله: "جرى": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الهز، و "في الأنابيب": يتعلق به، والمعنى: جرى اهتزازه في أنابيبه، قوله. "ثم اضطرب" أي: فاضطرب. الاستشهاد فيه: وهو أن ثم في موضع الفاء، فإن الهز إذا جرى في الأنابيب اضطرب الرمح ولم يتراخ ذلك، وقال ابن مالك: عطف بثم عطف مفصل على مجمل؛ لأن جريان الهز في الأنابيب هو اضطراب المهزوز، ولكن في الاضطراب تفصيل، وفي الهز إجمال (¬1). الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ ... رَحْلَهُ وَالزادَ حَتَّى نَعْلَهُ أَلْقَاهَا أقول: هذا البيت نسبه الناس إلى المتلمس، ولم يقع في ديوان شعره، وإنما هو لأبي مروان النحوي، قاله في قصة المتلصر حين فرَّ من عمرو بن هند، حكى ذلك الأخفش عن عيسى بن عمر فيما ذكره أبو علي الفارسي، وكان قد هجا عمرو بن هند، وهجاه -أيضًا- طرفة ¬
فقُتل طرفة وفر المتلمس، وبعد البيت المذكور (¬1): 2 - وَمَضَى يَظُنُّ بَرِيدَ عَمْرو خَلْفَهُ ... خوفًا وفارقَ أرضَهُ وقَلَاهَا وهما من الكامل. قوله: "ألقى الصحيفة" أراد بها الكتاب، يعني أنه ألقاها في النهر وبالغ في الإلقاء بإلقاء الزاد والنعل ليخفف عن راحلته وينجو من عدوه المخاطب بقتله، ويروى: الحقيبة، وهي ما تأخر من مؤخر الرحل، ويروى: الحشية وهي البرذعة المحشوة، والرحل للناقة كالسرج للفرس. الإعراب: قوله: "ألقى": فعل ماض من الإلقاء وفاعله الضمير الذي استتر فيه الذي يرجع إلى المتلمس، قوله: "كي" للتعليل، و "أن" مضمرة، و"يخفف": منصوب بها، وهي جملة من الفعل والفاعل، و"رحله": كلام إضافي مفعوله، قوله: "والزاد" بالنصب عطف على رحله. الاستشهاد فيه: في قوله: "حتى نعله ألقاها" وذلك لأن المعطوف بحتى لا يكون إلا بعضًا وغاية للمعطوف عليه، والنعل ليس بعض الزاد بل بينهما مباينة، ولكنه مؤول، وتقديره: ألقى ما يثقله حتى نعله (¬2). ويجوز في "نعله" ثلاثة أوجه: النصب على العطف بالتأويل المذكور. والرفع على الابتداء، وألقاها خبره، وتكون حتى حرف ابتداء ابتدأت بعدها الجملة. والجر على أن تكون حتى جارة بمنزلة إلى، فإن قيل: الشرط فيه أن تكون قرينة تقتضي دخول ما بعدها فيما قبلها وهاهنا ليس كذلك، قلتُ: قد مر الجواب عن هذا بأنه مؤول فافهم (¬3). ¬
الشاهد الثاني والستون بعد الثمانمائة
الشاهد الثاني والستون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) مَا أُبَالِي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيسٌ ... أَمْ جَفَانِي بِظَهْرِ غَيبٍ لَئِيمُ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وهو من الخفيف. قوله: "أنب" الهمزة فيه للاستفهام على ما نذكره، و "نب" بالنون وبالباء الموحدة؛ من نب التيس ينب من باب ضرب يضرب نبيبًا إذا صاح وهاج، و "الحزن" بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي، وهو في اللغة ما غلظ من الأرض وصلب، ولكن المراد هاهنا بلاد العرب فإن بلاد العرب تسمى حزنًا. الإعراب: [قوله: "] (¬3) ما أبالي": جملة من الفعل والفاعل وقد دخلها حرف النفي، قوله: "أنب": الهمزة للاستفهام، و "نب": فعل ماض، و "تيس": فاعله، والباء في بالحزن للظرف، قوله: "أم" متصلة، و"جفاني": جملة من الفعل والمفعول، و"لئيم": فاعله، والباء في بظهر غيب للظرف -أيضًا-. الاستشهاد فيه: أن "أم" متصلة وقعت بين جملتين فعليتين، والجملة في معنى المفرد، والتقدير: ما أبالي أكان من قيس نبيب أم من لئيم جفاء، فهذان فعلان لفاعلين، وقد يكونان لفاعل واحد، كما في قولك: أقام زيد أم قعد، والتقدير: أكان من زيد قيام أم قعود؟ (¬4). ¬
الشاهد الثالث والستون بعد الثمانمائة
الشاهد الثالث والستون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) وَلَسْتُ أَبَالِي بَعْدَ فَقْدِي مَالِكًا ... أَمَوْتِي نَاءٍ أَمْ هُوَ الآنَ وَاقِعُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "ناء" أي: بعيد؛ من نأى ينأى. الإعراب: قوله: "ولست" الواو للعطف إن تقدمه شيء، والضمير المتصل بليس اسمه، وخبره الجملة أعني قوله: "أبالي"، و "بعد" نصب على الظرف، و "فقدي" مصدر مضاف إلى فاعله، و "مالكًا": مفعوله، قوله: "أموتي" الهمزة للاستفهام، وموتي: كلام إضافي مبتدأ، وناء: خبره، قوله: "أم": متصلة، وقوله: "هو": مبتدأ، وخبره قوله: "واقع"، و "الآن": نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: أن: "أم" المتصلة وقعت بين جملتين اسميتين، وذلك لأن: "أم" الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين، ولا يكونان معها إلا في تأويل المفردين؛ كما [ذكرنا] (¬3) في البيت السابق، ويكونان فعليتين كما مر، واسميتين كما في هذا البيت، ويكونان مختلفتين نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193] (¬4). الشاهد الرابع والستون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) فَقُمْتُ للطَّيْفِ مُرْتَاعًا فَأَرَّقَنِي ... فَقُلْتُ أَهْيَ سرَتْ أَمْ عَادَنِي حُلُمُ أقول: قائله هو زياد بن حمل بن سعد بن عميرة بن حريث، وهو من قصيدة طويلة من ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الثمانمائة
البسيط ذكرناها في شواهد المعرفة والنكرة (¬1). قوله: "للطيف" هو طيف الخيال وهو الذي يجيء في النوم، ويروى: فقمت للزور ............... ... .................................... و"مرتاعًا": من الروع وهو الخوف، قوله: " [(¬2) فأرقني" بتشديد الراء؛ أي: أسهرني، قوله: "حلم" بضم الحاء واللام، وهو ما يراه النائم في نومه، والمعنى: رأيت الحبيبة في المنام، وظننت أنها أتتني، ولما استيقظت قلت: أهي أتتني حقيقة أم أتاني خيالها في النوم. الإعراب: قوله: "فقمت" الفاء للعطف، وقمت: جملة من الفعل والفاعل، واللام في: "للطيف" للتعليل أي: لأجل الطيف، و "مرتاعًا": نصب على الحال، قوله: "فأرقني": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى الطيف، والمفعول وهو الضمير المتصل به، قوله: "فقلت": عطف على قوله: "فأرقني"، ["قوله: "] (¬3) أهي" الهمزة للاستفهام، و "هي": مبتدأ، و "سرت": خبره، و "أم": متصلة، و "عادني": جملة من الفعل والمفعول، و "حلم": فاعله. الاستشهاد فيه: أن: "أم" المتصلة وقعت بين جملتين فعليتين في معنى المفردين، والتقدير: فقلت أهي سارية أم عائد حلمها، أي: أفي هذين، وفيه استشهاد آخر وهو إسكان الهاء في قوله: "أهي" تشبيهًا بكيف (¬4). الشاهد الخامس والستون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَلَوْ كُنْتُ دَاريًا ... شُعَيثُ ابْنُ سَهْمٍ أَمْ شُعَيثُ ابن مِنقِرِ أقول: قائله هو الأسود بن يعفر التميمي، وهو من الطويل. ¬
قوله: "شعيث" في الموضعين بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ثاء مثلثة، وكثير من الناس يصحفونه فيقرؤونه بالباء الموحدة. الإعراب: قوله: "لعمرك" اللام فيه للتأكيد، و "عمرك" بفتح العين مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: لعمرك قسمي أو يميني، قوله: "ما أدري": جملة منفية ومفعولها هو قوله: "شعيث بن سهم"؛ إذ التقدير: أشعيث بن سهم على ما يجيء الآن -إن شاء الله تعالى-. قوله: "ولو كنت داريًا"، [ويروى: وإن كنت داريًا، وهو عطف على مقدر تقديره: ما كنت داريًا وإن كنت داريًا] (¬1)، والمعنى: ما أدري أي النسبين هو الصحيح نسب شعيث بن سهم، أم نسب شعيث بن منقر. قوله: "شعيث" أصله: أشعيث؛ حذف منه حرف الاستفهام، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "ابن سهم، أي: أشعيث هو ابن سهم، وهذا خبر ليس بصفة، وإنما حذف [التنوين] (¬2) للضرورة؛ كما قد حذف في قوله: عَمْرُو الَّذي هَشَمَ الثَّريدَ ..... ... ................................ على ما يجيء الآن عن قريب (¬3)، قوله: "أم" متصلة، و "شعيث" مبتدأ، و"ابن منقر": خبره، وليس بصفة كما في الذي قبله. الاستشهاد ميه: في أربعة مواضع: الأول: هو الذي قصده ابن الناظم وهو وقوع أم المتصلة بين جملتين اسميتين (¬4). الثاني: فيه حذف الهمزة الاستفهامية من شعيث ابن سهم؛ إذ أصله: أشعيث ابن سهم. الثالث: أن شعيثًا في الموضعين ليس موصوفًا بابن؛ بل هو مخبر عنه به؛ كما قررناه فافهم. الرابع: فيه حذف التنوين من شعيث للضرورة (¬5). ¬
الشاهد السادس والستون بعد الثمانمائة
الشاهد السادس والستون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) عَمْرُو الَّذِي هَشمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ ... وَرِجَالُ مَكةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ أقول: قائله هو عبد الله بن الزبعرى السهمي، وهو من قصيدة من الكامل، وأولها هو قوله: 1 - كَانَتْ قُرَيْشُ بيضةً فتفلقت ... فَالمْخُّ خَالِصُهَا لِعَبدِ منَافِ 2 - الخالِطِينَ فَقِيرَهُم بِغَنِيّهُم ... والظَّاعِنِيَن لرِحْلَةِ الأَضْيَافِ 3 - والرَّائِشين ولَيسَ يُوجَدُ رَائِشٌ ... والقَائِلِينَ هَلُمَّ لِلأَضْيَافِ 4 - عَمرُو الَّذِي هَشَمَ ........... ... ......................... إلى آخره ويروى: عَمْرُو العلا هَشَّمَ الثريد لضيفه ... ................................ ومدح بها ابن الزبعرى هاشم بن عبد مناف، واسمه: "عمرو"، وإنما سمي هاشمًا لهشمه الثريد لقومه، وكان سبب مدح ابن الزبعري، وهو سهمي لبني عبد مناف أنه كان قد هجا قُصَيًّا بشعر كتبه في أستار الكعبة (¬3)، أوله: ألهى قصيًّا عَنِ المَجْدِ الأَسَاطِيرُ ... ومِشْيَةً مِثْل مَا يَمْشِي الشَّقَاريرُ فاستعدوا عليه بني سهم، فأسلموه إليهم فضربوه وحلقوا شعره وربطوه إلى صخرة بالحجون، فاستغاث قومه فلم يغيثوه، فجعل يمدح قصيًّا ويسترضيهم، فأطلقه بنو عبد مناف منهم وأكرموه فمدحهم بهذا الشعر. قوله: "هشم الثريد" الهشم: كسر الشيء اليابس، يقال: هشم الثريد إذا كسر [الخبز اليابس ولته بمرق اللحم، وقيل: لا يكون ثريدًا حتى يكون فيه لحم] (¬4). ¬
الشاهد السابع والستون بعد الثمانمائة
قوله: "مسنتون": من أسنت القوم: أجدبوا، وأصله من السنو (¬1)، قلبوا الواو تاء ليفرقوا بينه وبين قولهم: أسنى القوم إذا أقاموا سنة في موضع، قوله: "عجاف" بكسر العين، جمع عجفاء على غير قياس؛ لأن أفعل وفعلاء لا يجمعان على فعال، ولكنهم [بنوه] (¬2) على سمان، وهو من العجف بفتحتين، وهو الهزال. الإعراب: قوله: "عمرو": مرفوع بالابتداء، وحذف التنوين للضرورة، وخبره: "الَّذِي هَشَمَ الثريد" والتقدير: عمرو هو الذي هثم الثريد، واللام في "لقومه" للتعليل، قوله؛ "ورجال مكة": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "مسنتون" والجملة وقعت حالًا، و "عجاف": خبر بعد خبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "عمرو" حيث حذف منه التنوين لأجل الضرورة، استشهد به ابن الناظم على حذف التنوين من: "شعيث" في البيت السابق كما ذكرناه (¬3). الشاهد السابع والستون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) فَلَا تَعْجَلِي يَا مَيُّ أَنْ تَتَبَيَّنِي ... بِنصحٍ أَتَى الوَاشونَ أَمْ بِحُبُولِ أقول: قائله هو كثير عزة [وهو من قصيدة طويلة من الطويل ذكرناها كلها في (¬6) شواهد الإضافة] (¬7). قوله: "الواشون": جمع واش وهو النمام، و "الحبول" بضم الحاء المهملة والباء الموحدة؛ جمع حِبل بكسر الحاء وسكون الباء، وهو الداهية. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "فلا تعجلي" [الفاء للعطف على ما قبله، و"لا تعجلي":] (¬1) جملة من الفعل والفاعل، قوله: "يا مي" يا حرف نداء، ومي منادى [مرخم، أصله: مية، ويروى: يا عز، أصله: يا عزة. قوله: "أن تتبيني"، ويروى: أن تتفهمي، وكلاهما بمعنى واحد] (¬2)، و "أن" هذه مصدرية، وأصله: لأن تتبيني. والمعنى: فلا تعجلي إلى أن تتبيني، أبنصح أتى الواشون أم بغير نصح؟ والباء في: "بنصح" متعلق بأتى وهو فعل، و"الواشون": فاعله، قوله: "أم": متصلة، وقعت بين المفرد والجملة، فالمفرد هو قوله: "بنصح"، والجملة هي قوله: "بحبول" لأن تقديره: أم أتى بحبول (¬3). والاستشهاد فيه: في حذف الهمزة؛ لأن التقدير: أبنصح أتى الواشون أم أتوا بحبول؟ فافهم (¬4). الشاهد الثامن والستون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَلَوْ كُنْتُ دَارِيًا ... بِسَبْعٍ رَمَينَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمَانٍ أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة، وهو من قصيدة نونية من الطويل، وقبله: بَدَا لِي مِنْهَا مِعْصَمٌ حينَ جَمَّرَتْ ... وكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَتْ بِبَنَانِ ¬
الشاهد التاسع والستون بعد الثمانمائة
المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَلو كُنْتُ دَارِيًا" الكلام في هذا الشطر قد مر فيما قبله ببيتين (¬1)، وقوله: "بسبع" أصله: أبسبع، حذفت منه همزة الاستفهام، والباء تتعلق برمين، و "الجمر": مفعول رمين، وقوله: "أم": متصلة، والتقدير: [أم] (¬2) رمين بثمان جمرات. الاستشهاد فيه: في حذف حرف الاستفهام المتقدم على أم المتصلة وهو في قوله: "بسبع" وأصله: أبسبع كما قلنا (¬3). الشاهد التاسع والستون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) وَلَيتَ سُلَيمَى فِي المَنَامِ ضَجِيعَتِي ... هُنَالِكَ أَمْ في جَنَّة أمْ جَهَنَّمِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. و"سليمى" بضم السين المهملة، وهو اسم محبوبة الشاعر، و "ضجيعتي" أي: مضاجعتي. الإعراب: قوله: "وليت" الواو للعطف إن تقدمه شيء، وليت للتمني، و "سليمى": اسمه، و "ضجيعتي": كلام إضافي خبره، و "في المنام": يتعلق به، والرواية الصحيحة: في الممات بدليل قوله: "في جنة أم جهنم"؛ لأنه تمنى أن تكون سليمى معه بعد الموت سواء كان في الجنة ¬
الشاهد السبعون بعد الثمانمائة
أو في النار، وهذا من باب الإغراق (¬1). وقوله: "هنالك": إشارة إلى المنام أو الممات، قوله: "أم في جنة": عطف على قوله: "في الممات" ثم أضرب عن ذلك بقوله: "أم جهنم" لأن أم هاهنا بمعنى بل، أي: بل في جهنم. الاستشهاد فيه: وهو مجيء أم المنقطعة بعد الخبر متجردة عن الاستفهام، لأن المعنى: بل في جهنم كما ذكرنا (¬2). الشاهد السبعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) مَاذَا تَرَى فيِ عيالٍ قَدْ بَرِمْتُ بِهِمْ ... لَم أُخصِ عدَّتَهُم إلا بِعَدَّادِ كَانُوا ثَمَانِينَ أَوْ زَادُوا ثَمَانيَةً ... لَوْلَا رَجَاؤُكَ قَدْ قَتَّلْتُ أَوْلَادِي أقول: قائلهما هو جرير بن الخطفي يخاطب هشام بن عبد الملك، وهما من البسيط. قوله: "برمت بهم": من برمت به (¬5) بكسر الراء إذا سئمه وضجر منه، وكذلك تبرم به وأبرمه إذا أضجره وأمله. الإعراب: قوله: "ما": مبتدأ، و"ذا ترى": خبره، وذا يجوز أن تكون إشارة (¬6)، ويجوز أن تكون موصولة، يعني: ما الذي ترى، قوله: "في عيال": مفعول ترى، لأن ترى ها هنا من رأى في الأمر إذا فكر فيه فلا يتعدى إلا إلى مفعول واحد. ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الثمانمائة
قوله: "قد برمت بهم" في محل الجر لأنها صفة للعيال، وقوله: "لم أحص": جملة وقعت حالًا، والمضارع إذا وقع حالًا لا يحتاج إلى الواو سواء كان مثبتًا أو منفيًّا. وقوله: "عدتهم": كلام إضافي مفعول لم أحص، والاستثناء من قوله: "لم أحص"، قوله: "كانوا" الضمير فيه اسم كان، وهو يرجع إلى العيال، وقوله: "ثمانين": خبره، قوله: "أو زادوا": عطف على قوله: "كانوا"، وقوله: "ثمانية": نصب على أنه مفعول زاد. قوله: "لولا" لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، "ورجاؤك": كلام إضافي مبتدأ، وخبره محذوف؛ أي: لولا رجاؤك موجود، قوله: "قد قتلت": جواب لولا، قوله: "أولادي": كلام إضافي مفعول قتلت. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو زادوا" فإن "أو" فيه بمعنى بل الإضرابية، واحتج به الكوفيون وأبو علي وأبو الفتح وابن برهان أن "أو" تأتي للإضراب كبل مطلقًا (¬1)، وقال سيبويه: وإنما جاز ذلك بشرطين: تقدم نفي أو نهي وإعادة العامل (¬2). الشاهد الحادي والسبعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) جَاءَ الخِلافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى رَبَّه موسَى عَلَى قَدَرٍ أقول: قائله هو جرير، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الفاعل (¬5). ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الثمانمائة
والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "أَو كَانَتْ لَهُ قَدَرًا" فإن "أو" فيه بمعنى الواو، وقد روي: .............. إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... .............................. بكلمة إذ الحينية موضع "أو" فحينئذ لا استشهاد فيه (¬1). الشاهد الثاني والسبعون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأَيْتَهُمْ ... مَا بَينَ مُلْجم مُهْرِه أَوْ سَافِع أقول: قائله هو حميد بن ثور الهلالي - رضي الله عنه -، وهو من الكامل. قوله: "ملجم": من ألجمت الفرس، قوله: "أو سافع" بالسين المهملة وبالفاء؛ من سفعت بناصيته؛ أي: أخذت، ومنه قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15]. الإعراب: قوله: "قوم": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هم قوم، قوله: "إذا" للشرط، و "سمعوا الصريخ": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت فعل الشرط. قوله: "رأيتهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جواب الشرط، قوله: "ما بين ملجم مهره" في محل النصب على أنه مفعول ثان لرأيتهم، والتقدير: رأيتهم موصوفين بهذا الوصف، و "ملجم": اسم فاعل مضاف إلى مفعوله، قوله: "أو سافع": عطف على: " [ملجم] (¬4) مهره" أي: أو سافع مهره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو سافع" فإن "أو" فيه بمعنى الواو، والتقدير: ملجم مهره وسافع مهره (¬5). ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الثمانمائة
الشاهد الثالث والسبعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) فَظَلَّ طُهَاةُ اللحْمِ مِنْ بَين مُنْضِجٍ ... صَفِيفَ شوَاء أَوْ قَدِير مُعَجَّلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزِلِ ... ................................ قوله: "طهاة اللحم" [بضم الطاء المهملة] (¬3)، وهو جمع طاهٍ وهو الطباخ، قوله: "صفيف" بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء، وهو الذي قد فرق وصف على الجمر، وهو شواء الأعراب، وهو الذي يقال له الكباب، "والقدير": بالراء المهملة في آخره، وهو ما طبخ في قدر، قال الأعلم: إنما جعله معجلًا لأنهم كانوا يستحسنون تعجيل ما كان من الصيد ويستطرفونه، وبهذا يصفونه في أشعارهم (¬4). الإعراب: قوله: "فظل"، وفي ديوان امرئ القيس: "وظل" بالواو وكلاهما للعطف، "وظل" من الأفعال الناقصة، ومعناه: فعل بالنهار؛ كما أن بات معناه فعل بالليل. وقوله: "طهاة اللحم": كلام إضافي اسم ظل، وقوله: "من بين منضج": خبره، والمنضج: اسم فاعل من أنضج اللحم، وقوله: "صفيف شواء": كلام إضافي منصوب، لأنه مفعول اسم الفاعل، وقوله: "أو قدير": عطف على شواء، و "معجل" بالجر صفته. الاستشهاد فيه: أن "أو" بمعنى الواو، وقال الأعلم: والمعنى: من بين منضج صفيف [شواء] (¬5)، أو طابخ قدير، والمعنى: وطابخ قدير (¬6). ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد الثمانمائة
الشاهد الرابع والسبعون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) وَقَدْ كَذَبَتْكَ نَفْسُكَ فَاكْذِبَنْهَا ... فَإِنْ جَزْعًا وَإنْ إِجْمَال صَبْرِ أقول: قائله هو دريد بن الصمة، أنشده سيبويه في كتابه (¬3)، وهو من الوافر. قوله: "كذبتك" بالتخفيف، قوله: "إجمال صبر": من أجمل يجمل إجمالًا إذا أحسن. الإعراب: قوله: "وقد" الواو للعطف إن تقدمه شيء، و "قد" للتحقيق، و "كذبتك": جملة من الفعل والمفعول، [و"نفسك: كلام إضافي فاعله، قوله: "فاكذبنها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول] (¬4). قوله: "فإن" في الموضعين ليست إن الشرطية؛ بل هي بمعنى: إما، والتقدير: فإما جزعًا وإما إجمال صبر، و "جزعًا" منصوب بفعل مضمر تقديره: فإما تجزع جزعًا، وكذلك التقدير في قوله: "إجمال" أي: وإما تجمل إجمال صبر. وقال سيبويه: دخول الفاء منع أن تكون: "إن" جزاء؛ لأن الفاء إنما تكون للاستئناف، وتكون جوابًا لما قبلها فكيف يصير ما قبلها جوابًا لها على هذا (¬5)؟ وهذا الحكم إنما هو في الفاء وحدها، ولو كان بدل الفاء هاهنا واو لصلح أن يكون الجواب في: "وقد كذبتك نفسك"، وقد يجوز أن تجعل شرطًا وتحذف الجواب كقوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 35] فحذف الجواب، أي: فعلت، وكذلك البيت، أي: فإن تجزع جزعًا فعلت فحذف الجواب [وحذف الجواب] (¬6) قليل جدًّا، وحذف ما من إما قليل جدًّا] (¬7)، فعدل سيبويه عن حذف الجواب إلى حذف "ما" من "إما" لأنه أمثل قليلًا. ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فإن، وإن" فإن أصلهما: فإما وإما فحذفت منهما "ما" كما ذكرنا فافهم (¬1). الشاهد الخامس والسبعون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِصِدْقٍ ... فَأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي وَإلَّا فَاطرِحْنِي واتَّخِذْنِي ... عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي أقول: قائلهما هو المثقب العبدي، ويقال: هو سحيم بن وثيل الرياحي، وهما من قصيدة نونية، وأولها هو قوله (¬4): أَفَاطِمَ قَبلَ بَينكِ مَتِّعِيني ... ومَنعكِ مَا سَأَلْتُ كَأَنْ تَبِيني وقد ذكرنا شيئًا منها في شواهد المعرب والمبني في أوائل الكتاب مع الخلاف فيه عند قوله (¬5): أكل الدهر حل وارتحال ... ................................ قوله: "غثي" بفتح الغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة؛ من غث اللحم يغِث ويغَث بكسر الغين وفتحها غثاثة وغثوثة فهو غث وغثيث إذا كان مهزولًا، وكذلك غث حديث القوم وأغث؛ أي: ردؤ وفسد، والمعنى هاهنا: أعرف منك ما يفسد مما يصلح. الإعراب: قوله: "فإما" الفاء للعطف وإما هاهنا للتفصيل؛ كما في قوله تعالى: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]، ولكن استغنى عن ذكر إما الثانية بذكر ما يغني عنها وهو قوله: "والا فاطرحني"؛ كما في قولك: إما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت. ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد الثمانمائة
قوله: "أخي": كلام إضافي [خبر تكون، وقوله: "بصدق" في محل النصب؛ لأنه صفة لأخي] (¬1)، والتقدير: إما أن تكون أخًا لي صادقًا، قوله: "فأعرف" بالنصب عطفًا على قوله: "أن تكون"، وقوله: "غثي": كلام إضافي مفعول أعرف، وكلمة: "من" في: "من سميني" للبيان والتفصيل قوله: "وإلا" يعني: وإما؛ كما يجيء الآن. قوله: "فاطرحني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وكذلك: "اتخذني": جملة نحوها عطف عليها، قوله: "أتقيك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة لعدوًّا، قوله: "وتتقيني": عطف عليها. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإلا فاطرحني" حيث أناب "إلا" مناب إما، فيقال على ذلك: اضرب إما زيدًا وإلا عمرًا، وهو شاذ (¬2). الشاهد السادس والسبعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) نُهَاضُ بِدَارٍ قَدْ تَقَادَمَ عَهدُهَا ... وَإمَّا بِأَمْوَاتٍ أَلَمَّ خَيَالُهَا أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان (¬5)، وقبله (¬6): وَكَيفَ بِنَفْسٍ كُلَّمَا قيلَ أَشْرَفَتْ ... عَلَى البُرْءِ مِنْ حَوْصَاءَ هِيضَ انْدِمَالُهَا وهما من الطويل. ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الثمانمائة
قوله: "من حوصاء": فعلاء من الحوص بالتحريك، وهو ضيق في مؤخر العين، والرجل أحوص، قوله: "هيض": من الهيض وهو الكسر، وكذلك "نهاض" من الهيض؛ من هاض العظم يهيضه هيضًا، أي: كسره بعد الجبور فهو مهيض، واهتاضه- أيضًا، وكل وجع على وجع فهو هيض، والمعنى هاهنا: نكسر ونفرق إما بدار تُخَرَّب وإما بموت أموات، قوله: "ألم" ويروى: يلم من الإلمام. الإعراب: قوله: "نهاض" على صيغة المجهول، والضمير فيه هو المفعول النائب عن الفاعل، قوله: "بدار" أي: في دار (¬1)، قوله: "قد تقادم عهدها": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لدار، قوله: "وإما بأموات" عطف على: "إما" المحذوفة على ما يجيء الآن، قوله: "ألَمَّ خيالها": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لأموات. الاستشهاد فيه: في قوله: "بدار" أصلها: إما بدار قد تقادم عهدها، وإما بأموات، فحذفت إما الأولى اكتفاء بالثانية (¬2). الشاهد السابع والسبعون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) سَقَتْهُ الرَّوَاعِدُ مِن صَيِّفٍ ... وَإِنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يُعْدَمَا أقول: قائله هو النمر بن تولب العكلي (¬5)، وهو من قصيدة ميمية طويلة من المتقارب (¬6)، ¬
وأولها هو قوله (¬1): 1 - سَلَا عَنْ تَذَكرِهِ تَكتُّمًا ... وكَانَ رَهِينًا بِهَا مُغْرِمَا 2 - وَأقْصرَ عَنْهَا وآيَاتُهَا ... تُذَكِّرُهُ دَاءَهُ الأَقْدَمَا إلى أن قال: 3 - تكُونُ لأَعْدَائِهِ مَجْهَلًا ... مُضِلًّا وكَانَتْ لَهُ مَعْلَمَا 4 - سَقَتْهُ الرَّوَاعِدُ ....... ... ............................. إلخ 3 - قوله: "لأعدائه" الضمير فيه يرجع إلى الوعل، أي: لأعدائه من الناس، وكذلك الضمير في قوله: "سَقَتْهُ الزوَاعِدُ"، وهو جمع راعدة، وهي السحابة الماطرة، قوله: "من صيف" بتشديد الياء، وهو المطر الذي يجيء في الصيف. الإعراب: قوله: "سقته": جملة من الفعل والمفعول، و "الرواعد": فاعله، "من صيف": متعلق بسقته، قوله: "وإن" بمعنى: إما، والتقدير: وإما من خريف. والاستشهاد فيه: فإنه حذف ما وأبقى إن، وعن هذا قال سيبويه (¬2): إن "إما" مركبة من: "إن" و "ما" وقد يحذف "ما" ويبقى "إن" كما في البيت المذكور (¬3). وقال المبرد والأصمعي: "إن" في هذا البيت شرطية، والفاء فاء الجواب، والمعنى: وإن سقته من خريف فلن يعدم (¬4) الري، قيل: هذا ليس بشيء؛ لأن المراد وصف هذا الوعل بالري على كل حال، ومع الشرط لا يلزم ذلك (¬5). وقال أبو عبيدة: إن في البيت زائدة، والتقدير: ومن خريف، والألف في "فلن يعدما" للإشباع، ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد الثمانمائة
أي: فلن يعدم الوعل، ومفعوله محذوف؛ كما قلنا: إن التقدير: فلن يعدم الري (¬1) فافهم. الشاهد الثامن والسبعون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) يَا لَيتَمَا أُمَّنَا شَالتْ نَعَامَتُهَا ... أَيْمَا إِلَى جَنَّةٍ أَيْمَا إِلى نَارِ أقول: نسب هذا البيت إلى الأحوص وليس بصحيح، وإنما هو لسعد بن قرظ العبدي، وذكره أبو عبيدة هكذا في كتاب العققة، فقال: ومنهم؛ أي ومن العاقين سعد بن قرظ العبدي هجا أمه، فقال (¬4): يَا لَيتَمَا أُمَّنَا، .............. ... ................... إلى آخره وبعده: 2 - لَيسَتْ بِشَبْعَى ولَوْ أَنْزَلْتَهَا هَجَرًا ... ولَا بِرَيًّا وَلوْ حَلَّتْ بِذِي قَارِ 3 - خَرْقَاء بالخيرِ لَا تُهْدِي لِوجْهَتِهِ ... وَهْيَ صَنَاعُ الأَذَى فيِ الأَهْلِ وَالجارِ وهي من البسيط. قوله: "شالت نعامتها" أي: ارتفعت جنازتها؛ أخذ من النعامة وهي الخشبة المعترضة على الزرنوقين [وهما تثنية زرنوق بضم الزاي المعجمة وسكون الراء وضم النون وفي آخره قاف، قال أبو عمرو: الزرنوقتان: منارتان تبنيان على رأس البئر فتوضع عليهما النعامة] (¬5)، ويقال للقوم إذا ارتحلوا عن منهلهم أو تفرقوا: شالت نعامتهم، والمعنى: يا ليت أمي ارتفعت جنازتها إما إلى الجنة وإما إلى النار. الإعراب: قوله: "يا ليتما" كلمة يا لمجرد التنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، هذا هو ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الثمانمائة
التحقيق عند المحققين، ومنهم من يقدر منادى، والتقدير: يا قوم ليتما، و "ليت" للتمني دخلت عليها ما الزائدة، قوله: "أمنا": كلام إضافي نصب على أنه اسم ليت، وقوله: "شالت نعامتها": جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على الخبرية، [قوله: "] (¬1) أيما" أصله: [أما] (¬2). الاستشهاد فيه: في مواضع: الأول: إبدال الميم الأولى من: "إما" المكسورة ياء (¬3). والثاني: فتح همزته. والثالث: حذف واو العطف في: "أيما" الثانية؛ إذ التقدير: إلى جنة وإما إلى نار (¬4). الشاهد التاسع والسبعون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) كَأَنَّ دِثَارًا حَلَّقَتْ بِلَبُويه ... عُقَابُ تَنُوفَى لَا عُقَابُ القَوَاعِلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة لامية من الطويل، وقد قلنا إن في البيت الأول ثرمًا، وأولها هو قوله (¬7): 1 - دَعْ عَنْكَ نَهْبًا صِيحَ في حَجَرَاته ... وَلَكنْ حَدِيثًا مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِل 2 - كَأَن دثَارًا .................. ... ........................ إلى آخره 2 - قوله: "دثارًا" بكسر الدال وبالثاء المثلثة؛ اسم راع لامرئ القيس، وهو دثار بن فقعس بن طريف من بني أسد، قوله: "بلبونه" اللبون بفتح اللام الإبل التي لها ألبان، و "العقاب": هو الطائر المعروف، و"تنوفى" بضم التاء المثناة من فوق وضم النون وسكون الواو وفتح الفاء؛ ¬
اسم موضع مرتفع في جبل طيئ، و"القواعل" بالقاف والعين المهملة؛ جبل دون تنوفى، وقال ابن الكلبي: القواعل: جبل سلمى بموضع يقال له: القواعل، وبه تحالفت طيئٍ وأسد، ويقال -أيضًا-: أخبث العقبان ما أوى في الجبال المشرفة وهذا مثل، فأراد: كأن دثارًا ذهبت بلبونه داهية أي آفة، وأراد أنه أغير عليه من قبل تنوفى. الإعراب: قوله: "كأن" للتشبيه، و "دثارًا": اسمه، وقوله: "حلقت": فعل، وقوله: "عقاب تنوفى": كلام إضافي فاعله، وقوله: "بلبونه" في محل النصب مفعوله، وقوله: "لا عقاب القواعل": عطف على العقاب الأول، ومراده: كأن عقابًا من عقبان تنوفى ذهبت بهذه الإبل لا عقبان هذه الأجبل الصغار، وإنما يصف أن هذه الإبل لا يستطاع ردها، ولا يُطمع فيها كما لا يُطمع فيما نالته هذه العقاب. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا عقاب القواعل" فإنه معطوف على معمول فعل ماض، وهو العقاب الأول، وفيه رد على أبي القاسم الزجاجي في منعه أن يعطف بلا بعد الفعل الماضي (¬1). ¬
الشاهد الثمانون بعد الثمانمائة
الشاهد الثمانون بعد الثمانمائة (¬1)، (¬2) لَو اعْتصمَتْ بِنَا لَم تعْتَصِم بِعِدا ... بَلْ أَوْلِيَاءٌ كُفَاةٌ غَير أَوْكَالِ أقول: لم أقف على اسم قائله (¬3)، وهو من البسيط. قوله: "بعدا" بكسر العين؛ جمع عدو، و "كفاة" بضم الكاف؛ جمع كاف، و "الأوكال" بفتح الهمزة؛ جمع وكل بفتحتين، يقال: رجل وكل؛ أي: عاجز، يكل أموه إلى غيره، ويتكل إلى غيره، ويروى: غير أوغاد، بفتح الهمزة جمع وغد بفتح الواو وسكون الغين المعجمة وفي آخره دال مهملة، وهو الرجل الذي يخدم بطعام بطنه. الإعراب: قوله: "لو" للشرط، و "اعتصمت"؛ جملة من الفعل والفاعل، و "بنا" في محل النصب مفعوله، والجملة فعل الشرط، قوله: "لم تعتصم بِعِدا": مثله؛ جملة وقعت جواب الشرط، قوله: "بل" للإضراب، وقوله: "أولياء": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: نحن أولياء، و "كفاة" بالرفع صفته، وكذا قوله: "غير أوكال". وقد علم أن "بل" إذا تلاها جملة يكون معنى الإضراب الإبطال؛ كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، أي: بل هم عباد، قيل: وقد روي: أولياء بالنصب. قلت: فعلى هذا تكون "بل" عطفة عطف أولياء على قوله: "بنا" في قوله: "لو اعتصمت بنا" فإنه منصوب كما ذكرنا. الاستشهاد فيه: أنه احتج على المبرد في تجويزه أن تكون بل ناقلة لحكم النفي أو النهي لما بعدها؛ فعلى مقتضى قوله إذا قال: لا تضرب زيدًا بل عمرًا يكون نهيًا عن ضرب كل واحد منهما، وإذا قال: ما له عليّ درهم بل درهمان، لا يلزمه شيء لأن الدرهم منفي صريحًا وعطف عليه ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد الثمانمائة
الدرهمان منقولًا النفي إليهما؛ فصار كأنه قال: ما له عليَّ درهم وما له عليّ درهمان (¬1)، وما قاله مخالف لاستعمال العرب؛ ألا ترى إلى قول الشاعر: لو اعتصمت ............... ... ...................... إلى آخره فإنه يرد عليه هذا القول على ما لا يخفى (¬2). الشاهد الحادي والثمانون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) وَمَا انْتَمَيتُ إِلَى خُورٍ ولَا كُشُفٍ ... ولَا لِئَامٍ غَدَاةَ الرَّوْعِ أَوْزَاعِ بَلْ ضَارِبينَ حَبِيكَ البِيضِ إِنْ لَحِقُوا ... شُمّ العَرَانِيِن عندَ المَوْتِ لُذَّاعِ أقول: قائلهما (¬5) هو ضرار بن خطاب، وهو من قصيدة من البسيط قالها يوم أحد، وأولها هو قوله (¬6): 1 - أَتَى وجَدِّكَ لَوْلَا مقدمِي فَرَسِي ... إِذْ جَالتْ الخَيلُ بَينَ الجَزْعِ والقَاعِ 2 - مَا زَال مِنْكُم بِجَنْبِ الجزعِ مِنْ أَحَدٍ ... أَصْوَاتَ هَامٍ تَزَاقى أَمْرِهَا شَاعِ 3 - وَفَارِسٍ قَدْ أَصَابَ السَّيفُ مَفْرِقَهُ ... أَفْلَاقُ هَامتهُ كفَرْوَةِ الرَّاعِي 4 - إِني وجدكَ لَا أَنْفَكُّ مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمٍ مثْل لَوْنِ المِلْحِ قطاعِ 5 - عَلَى رِحَالةٍ ملواحٍ مُثَابَرَةٍ ... نَحْو الصَّرِيخ إِذَا مَا ثَوَّبَ الدَّاعِي 6 - وما انتميت ............... ... ............................. إلى آخره 7 - شم بها ليل مسترخٍ حمائلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سعْيًا غير دَعْدَاعِ ¬
1 - قوله: "الجزع" بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة؛ اسم لموضع بالقرب من جبل أحد، و"القاع": الأرض المستوية. 2 - و "الهام": جمع هامة، وهي الرأس، و "الرحالة" بكسر الراء؛ السرج. 5 - و "الملواح" بالحاء المهملة؛ الفرس الذي عطش من الجري. 6 - قوله: "وما انتميت" أي: وما انتسبت، و"الخور" بضم الخاء المعجمة وسكون الواو وفي آخره راء؛ جمع خوّار على وزن "فُغال" بالتشديد؛ من الخور بفتحتين وهو الضعف، و "الكشف" بضم الكاف والشين المعجمة؛ جمع أكشف، والأكشف: الرجل الذي لا ترس له في الحرب، و "اللئام": جمع لئيم، وهو الدنيء النفس شحيحها، قوله: "غداة الروع" أي: يوم الفزع والحرب، [قوله: "] (¬1) أوزاع" بفتح الهمزة؛ أي: جماعات متفرقين. 7 - قوله: "حبيك البيض" بكسر الباء، وهي السيوف، والحبيك بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره كاف، وهو فعيل بمعنى مفعول، والمحبوك: القوي من كل شيء، يقال: فرس حبيك وسيف حبيك ونحو ذلك. قوله: "شم العرانين" بضم الشين المعجمة وتشديد الميم؛ جمع أشم؛ والعرانين: جمع عرنين الأنف، وهو ما تحت مجتمع الحاجبين، وهو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم، يقال: هم شم العرانين إذا كانوا أكابر سادات، قوله: "لذاع" بضم اللام وتشديد الذال المعجمة؛ جمع لاذع؛ من لذعته النار إذا أحرقته، ولذعه بلسانه إذا أوجعه بكلام، ويروى: "دفاع" بضم الدال؛ جمع دافع، و "الدعداع": من دعدعته فتدعدع؛ أي: فرقته فتفرق. الإعراب: قوله: "وما انتميت" الواو للعطف، "وانتميت": جملة من الفعل والفاعل، و "إلى خور": في محل النصب على المفعولية، قوله: "ولا كشف": عطف على خور. وقوله: "ولا لئام" بالجر -أيضًا- عطف على كشف، قوله: "غداة الروع": كلام إضافي نصب على الظرفية، وقوله: "أوزاع": صفة للخور والكشف واللئام، قوله: "بل" للإضراب عطف به قوله: "ضاربين" على المجرورات قبله، والمعنى: بل انتميت إلى ضاربين، وقد علم أن بل إذا تلاها مفرد تكون للعطف. ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد الثمانمائة
وقوله: "حبيك البيض": كلام إضافي مفعول اسم الفاعل، قوله: "إن لحقوا": جملة شرطية وجوابها محذوف دل عليه سياق الكلام، ومفعول لحقوا محذوف -أيضًا- تقديره: إن لحقوا الأعداء، قوله: "شم العرانين": كلام إضافي صفة لما قبله، وكذا قوله: "لذاع" صفة بعد صفة، وقوله: "عند الموت": كلام إضافي نصب على الظرفية. الاستشهاد فيه: مثل الاستشهاد في البيت السابق بعينه وهو أن بل هاهنا نقلت حكم النفي لما بعدها، وهو حجة على المبرد كما ذكرنا (¬1). الشاهد الثاني والثمانون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) وَرَجَا الأُخَيْطِلُ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... مَا لَمْ يَكُن وَأَبٌ لَهُ لِيَنَالا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي يهجو الأخطل، وهو من الكامل. الإعراب: قوله: "ورجا الأخيطل": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة "من" في: "من سفاهة رأيه" للتعليل؛ أي: لأجل سفاهة [رأيه] قوله: "] (¬4) ما": في محل النصب على أنه مفعول لقوله: "ورجا"، والضمير في: "لم يكن" يرجع إلى الأخيطل، والمعنى: ما لم يكن الأخيطل وأبوه لينالا ذلك يعني: ما رجياه. قوله: "وأب": عطف الضمير المستكن في: "لم يكن"، وقوله: "له": جاو ومجرور في محل الرفع صفة لأب، أي: وأب كائن له؛ أي: للأخيطل، قوله: "لينالا" اللام فيه للتعليل (¬5)، وينالا: منصوب بأن المقدرة بعد اللام، وألفه للتثنية. ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الثمانمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "وأب" حيث عطفه على الضمير المستكن في: "لم يكن" من غير توكيد ولا فصل، وهو شاذ (¬1)، وفيه نظر؛ لأنه ليس بمضطر إلى رفع أب لأنه كان يمكنه أن يقول: "وأبًا" بالنصب على أنه مفعول معه، وكيف يكون شاذًّا، وقد ورد في صحيح البخاري مثل ذلك، وهو ما روي عن علي - رضي الله عنه - (¬2) أنه قال: "كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر" (¬3)، وروي عن عمر - رضي الله عنه - قال: "كنت وجار لي من الأنصار". الشاهد الثالث والثمانون بعد الثمانمائة (¬4)، (¬5) قُلْتُ إِذْ أَقْبَلَتْ وَزُهْرٌ تَهَادَى ... كَنِعَاجِ الملَا تَعَسَّفْنَ رَمْلًا أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة (¬6)، وهو من الخفيف. قوله: "زهر" بضم الزاي وسكون الهاء؛ جمع زهراء، قوله: "تهادى" أصله: تتهادى فحذفت إحدى التائين؛ كما في قوله تعالى: {نارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] أصله: تتلظى، ومعناه: تتبختر، و "الملا" بفتح الميم، الصحراء، و "النعاج": جمع نعجة، وأراد بها نعاج الرمل وهي البقر، قوله: "تعسفن" أي: ملن عن الطرق وأخذن في غيرها. وحاصل المعنى: قلت إذ أقبلت الحبيبة مع نسوة يتبخترن كنعاج الصحراء حين ملن عن الطريق وأخذن في الرمل. ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد الثمانمائة
الإعراب: قوله: "قلت": جملة من الفعل والفاعل، و "إذا": ظرف بمعنى حين، و "أقبلت": فعل وفاعله مستتر فيه يعود إلى الحبيبة، قوله: "وزهو". عطف على الضمير الذي في أقبلت، قوله: "تهادى": جملة في محل الوفع لكونها صفة لزهر، هذا على تقدير العطف. وأما إذا قلنا: إن الواو في: "وزهو" للحال يكون زهر مبتدأ، والجملة أعني قوله. "تهادى" خبره، وتكون الجملة محلها النصب على الحال، قوله: "كنعاج الملا" الكاف للتشبيه، و"نعاج" مجرور به، ومضاف إلى الملا، قوله: "تعسفن": فعل وفاعله النون، والجملة حال من النعاج، والعامل فيها: "تهادى"، و "رملًا": نصب على الظرف؛ أي: في رمل. الاستشهاد فيه: في قوله: "وزهو" حيث عطف على الضمير المستتر المرفوع في "أقبلت" من غير توكيد ولا فصل، وقد جوز الكوفيون ذلك محتجين بالبيت المذكور وأمثاله، وأجيب عن هذا بأن الواو ليست بمتحضة للعطف (¬1)؛ لأنها أن تكون للحال كما ذكرنا، وقيل: إنه شاذ، وفيه نظر؛ لأنه لا ضرورة فيه؛ إذ كان أن يقول: وزهرًا على أنه مفعول معه (¬2). الشاهد الرابع والثمانون بعد الثمانمائة (¬3)، (¬4) فاليومَ قرَّبت تَهجُونَا وَتَشْتِمُنَا ... فاذهبْ فمَا بكَ والأيامِ من عجبٍ أقول: هذا من أبيات الكتاب أنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وهو من البسيط. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فاليوم": نصب على الظرف، قوله: "قربت" بتشديد الراء؛ جملة من الفعل والفاعل وهو بمعنى قربت بالتخفيف، وقوله: "تهجونا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا، ويقال: قربت هاهنا من أفعال المقاربة؛ فحينئذ تكون الجملة خبرًا، قوله: "وتشتمنا": عطف عليها. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الثمانمائة
قوله: "فاذهب": جواب شرط محذوف، والتقدير: فإن فعلت ذلك فاذهب؛ فإن ذلك ليس بعجب من مثلك ومن مثل هذه الأيام، وكلمة: "من" في: "من عجب" زائدة، وهي الدالة على توكيد العموم (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "والأيام" فإنه عطف على الضمير المجرور، أعني قوله: "بك" من غير إعادة الجار، وهذا جائز عند الكوفيين ووافقهم على ذلك يونس والأخفش وقطرب وأبو علي الشلويين وابن مالك -رحمهم الله- (¬2)، واحتجوا على ذلك بالبيت المذكور، وبأمثاله (¬3). والجواب عن ذلك: أن كل ما روي من ذلك في السماع محمول على شذوذ إضمار الجار، وفيه نظر لا يخفى (¬4). الشاهد الخامس والثمانون بعد الثمانمائة (¬5)، (¬6) نُعَلِّقُ في مِثْلِ السَّوَارِي سيُوفَنا ... وَمَا بَينَهَا وَالكعْبِ غوطٌ نَفَانِفُ أقول: أنشده الفراء ولم يعزه إلى أحد، [وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: هو لمسكين ¬
الدارمي، وهو من قصيدة طويلة، وأولها هو قوله (¬1): 1 - لَقَدْ عَلِمَتْ قَيسٌ وخِنْدفُ أنَّني ... بثَغْرهمُ مِنْ عَارِم الناس وَاقَفُ 2 - وقدْ عَلمُوا أَنْ لَنْ نُبَقِّي عَدُوَّهُم ... إذا قَذَفَتْهُ فِي يَديَّ القُوَاذِفُ 3 - إِن أَبَانَا بَكْرُ آَدَمَ فَاعْلمُوا ... وحواءَ قَرْمٌ ذُو عثَانِيَن شَارِفُ 4 - كَأَن عَلَى خُرطُومِهِ مُتَهَافِتًا ... منَ القُطْن هَاجَتْهُ الأكُف النوَادفُ 5 - وَلِلصَّدَأ المُسْوَدُّ أَطْيَبُ عنْدَنَا ... منَ المسك دَافَتْهُ الأكُف الدَّوَائفُ 6 - نُعَلِّقُ في مثْلِ ............. ... ......................... إلى آخره وبعده: 7 - وتضْحَك عِرْفَان الدُّرُوع جُلُودُنَا ... إِذَا جَاءَ يَوْم مُظْلمُ اللَّوْنِ كَاسِفُ 8 - وَإنَّا أُنَاسْ يملأُ البيضَ هَامُنَا ... وَنَحْنُ حَوَاريُّونَ حينَ نُزَاحفُ 9 - بكُل رُدَيْنِيٍّ كَأَنَّ كُعُوبَهُ ... قَطَا سَابقٌ مُسْتَوْردُ الماء صَائِفُ 10 - كَأَن هلَالًا لَاحَ فَوْقَ قَنَاتِهِ ... جلَا الغيمَ عَنهُ والقَتَامَ الحَرَاجفُ] (¬2) وهي من الطويل. و"السواري": جمع سارية وهي الأسطوانة، قوله: "والكعب"، ويروى: والأرض، و"الغوط" بضم الغين؛ جمع غائط وهو المطمئن من الأرض، و"النفانف" بنونين وفائين؛ جمع نفنف وهي] (¬3) المفازة، وفي دستور اللغة (¬4): النفنف: الهواء الشديد، وهذا هو الأنسب؛ لأنه روي: وما بينها والكعب مهوى نفانف. الإعراب: قوله: "نعلق": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "سيوفنا": كلام إضافي بالنصب مفعوله، ويروى: "تعلق" على صيغة المجهول، و"سيوفنا" بالرفع مفعول ناب عن الفاعل، وقوله: "في ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد الثمانمائة
مثل" متعلق بنعلق، قوله: "وما": مبتدأ، وقوله: "غوط": خبره، والجملة حالية، و "نفانف"؛ صفة للغوط. الاستشهاد فيه: في قوله: "والكعب" فإنه عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجر، والتقدير: وما بينها وبين الكعب إلا أنه حذف الظرف لتقدم ذكره وبقي عمله فافهم (¬1). الشاهد السادس والثمانون بعد الثمانمائة (¬2)، (¬3) إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا لِحَرْبِ عَدُوِّهم ... فقد خَابَ مَنْ يَصْلَى بِهَا وَسَعِيرِهَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و"أوقدوا": جملة من الفعل والفاعل، و "نارًا": مفعولها، والجملة فعل الشرط، واللام في: "لحرب" للتعليل، وهو مضاف إلى عدوهم، قوله: "فقد خاب": جواب الشرط، و "قد" للتحقيق، و "خاب": فعل ماض، و"من يصلى": فاعله، والباء في "بها" بمعنى: في، أي: فيها. [الاستشهاد فيه] (¬4): في قوله: "وسعيرها" فإنه عطف على الضمير المجرور، أعني قوله: "بها" من غير إعادة الجار فافهم (¬5). الشاهد السابع والثمانون بعد الثمانمائة (¬6)، (¬7) بِنَا أَبَدًا لا غيرِنا يُدْرَكُ المُنَى ... وتُكشَفُ غَمَّاءُ الخطوبِ الفوادحُ أقول: احتج به الأخفش ولم ينسبه إلى أحد، وهو من الطويل. ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد الثمانمائة
قوله: "المنى" بضم الميم؛ جمع منية، قوله: "غماء الخطوب" بفتح الغين المعجمة وتشديد الميم وبالمد؛ من غم على الشيء إذا ستره، و"الخطوب": جمع خطب وهو الأمر العظيم، و"الفوادح" بالفاء؛ جمع فادحة؛ من فدح الشيء إذا ثقل، وفدح - أيضًا: كسر، ويروى: "البوارح" بالباء الموحدة؛ من البرح وهو الشدة والأذى، وقيل بالقاف من القدح وهو الطعن، وليس بمروي وإن كان له معنى. الإعراب: قوله: "بنا" جار ومجرور يتعلق بقوله: "يدرك" تقديره: يدرك المنى بنا، وقوله: "أبدًا": نصب على الظرف، قوله: "لا غيرنا" بالجر عطف على قوله: "بنا"، قوله: "وتكشف": عطف على قوله: "يدرك"، و"غماء الخطوب": كلام إضافي مفعول ناب عن الفاعل، و: "الفوادح" بالجر صفة الخطوب. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا غيرنا" فإنه عطف على الضمير المجرور؛ أعني قوله: "بنا" من غير إعادة الجار (¬1). الشاهد الثامن والثمانون بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) فَمَا كَانَ بَينَ الخيرِ لَوْ جَاءَ سَالِمًا ... أَبُو حُجُرٍ إلا لَيَالٍ قَلَائِلُ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة يرثي بها النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني، وأولها هو قوله (¬4): 1 - دَعَاكَ الهَوَى واستَجهَلَتْكَ المنَازِلُ ... وكَيفَ تَصَابِي المرءِ والشَّيبُ شَامِلُ 2 - وَقفْتُ بِرَبْعِ الدَّارِ قَدْ غَيَّرَ البِلَى ... مَعَارِفَهَا والسَّارِيَاتُ الهَوَاطِلُ 3 - أُسَائِلُ عَنْ سُعْدَى وَقَدْ مَرَّ بَعْدَنَا ... عَلَى عَرَصَاتِ الدَّارِ سَبعٌ كَوَامِلُ ¬
[إلى أن قال] (¬1): 4 - فَلا تَبْعُدَنَّ إنَّ المنَيَّةَ مَوْعدٌ ... وَكُل امرئٍ يَوْمًا بهِ الحَالُ زَائِلُ 5 - فما كان ............... ... ........................ إلى آخره (¬2) 6 - فَإن تَحْيَ لَا أَملَلْ حَيَاتِي وإنْ تَمُت ... فَمَا في حَيَاةٍ بَعْدَ مَوْتكَ طَائلُ وهو من الطويل. 1 - قوله: "وكيف تصابي المرء" أي: كيف أخذه في حد الصبا والشوق والشيب قد شمل شعره وعمه؟ 2 - و"الربع": موضع نزولهم، و"البلى" بكسر الباء الموحدة؛ تقادم العهد، و"المعارف": [ما تعرف به الدار] (¬3) مثل النؤي والأثافي والوتد وما أشبه ذلك، و"الساريات": سحاب تمطر ليلًا، و"الهواطل": جمع هاطلة؛ من الهطل وهو مطر ليس بالشديد ولا باللين. 3 - و"العرصات": جمع عرصة وهي كل فجوة ليس فيها بناء، وقوله: "سبع كوامل" أي: سبع سنين كوامل لم ينقص منهن شيء. 4 - قوله: "فلا تبعدن" أي: فلا تهلكن؛ من بعد يبعد إذا هلك من باب علم يعلم، والمصدر بَعد وبُعد بضم الباء وفتحها، وأراد بالحال حال الموت، والحال تذكر وتؤنث، وقد يقال: حالة أيضًا-. 6 - قوله: "لا أملل": من الملل، يعني: إذا حييت لا أملل الحياة لما أدركه بك من الخير والنعمة، وإن تمت فما في الحياة خير بعدك ولا نفع. الإعراب: قوله: "فما" الفاء للعطف، وما للنفي، و"كان": من الأفعال الناقصة، وقوله: "ليالٍ" اسمه، وقوله: "بين الخير" مقدمًا خبره، و"قلائل" بالرفع صفة لليالٍ. وقوله: "لو" للشرط، و: "جاء": فعل، و"أبو حجر": فاعله، و"سالمًا": حال عنه، وأبو حجر: كنية النعمان بن الحارث، وهو بضم الحاء والجيم وفي آخره راء، وضمت الجيم للوزن، ويقرب من هذا البيت قول الحطيئة (¬4): ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الثمانمائة
فما كَانَ بَيني لَوْ لَقِيتُكَ سَالمًا ... وبينَ الغِنَى إلَّا لَيالٍ قَلَائِلُ وهو من قصيدة يرثي بها علقمة بن علاثة الكلابي. الاستشهاد فيه: في قوله: "بين الخير لو جاء سالمًا" حيث حذف فيه المعطوف بالواو؛ إذ التقدير: فما كان بين الخير وبيني لو جاء سالمًا (¬1). الشاهد التاسع والثمانون بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) كَأنَّ الحَصَى منْ خَلْفِهَا وَأَمَامَهَا ... إِذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفٌ أَعْسَرَا أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - سَمَا لَكَ شَوقٌ بَعْدَمَا كَانَ أَقْصَرَا ... وحَلَّتْ سُلَيمَى بَطْنَ ظَبي فَعَرْعَرَا 2 - تُطَايِرُ شذَّانَ الحَصَى بمَنَاسمٍ ... صلَاب العُجَى ملثومها غيرُ أَمْعَرَا كأن الحصى ................... ... ................. إلى آخره 1 - قوله: "سما" أي: ارتفع، و"بطن ظبي": اسم موضع، ويروى: قرن ظبي، ويروى: بطن قو، و"عرعرا" -أيضًا- موضع. 2 - قوله: "تطاير" بمعنى: تطير، أي: تبعد، و"شذان الحصى" بفتح الشين المعجمة وتشديد الذال المعجمة، وهو ما تطاير منه، و"المناسم": جمع منسم بكسر الميم، وهو ظفر ¬
البعير، و"العجى" بضم العين المهملة وتخفيف الجيم، وهو عصب يكون في اليدين والرجلين، وفي شرح النحاس: هو جمع عجاية على غير قياس، ويجمع على عجايا جمع الجمع، وهي النواشر تكون في يد البعير ورجله، وهي عصب مستبطن أوظفة البعير، ومنتهى الأرساغ، إذا قشرت الواحدة رأيت فيها أربعة أعظم في طرفها مما يلي الرسغ من باطنه، وهن ينشرن العصب، ومن قِبلهن يكون الانتشار. قوله: "ملثومها": ما حول الحافر، وقد لثمته الحجارة لثمًا، قوله: "غير أمعرا": من أمعر ماله إذا ذهب، ويقال: ما أمعر حاج قط؛ أي: ما افتقر. 3 - قوله: "إذا نجلته" بالجيم؛ أي: فرقته ورمت به كما يرمى الأعسر لا يذهب حذفه مستقيمًا، فهي تفعل كذلك ترمي به هكذا وهكذا، و"الخذف" بالخاء المعجمة والذال -أيضًا- هو الحذف بالحصى، وأما الحذف بالحاء المهملة والذال المعجمة فهو الحذف بالعصا. الإعراب: قوله: "كأن" للتشبيه، و"الحصى": اسمه، وقوله: "خذف أعسرا": خبره، وقوله: "من خلفها" أي: من خلف تلك الناقة الممدوحة فيما سبق من الأبيات، وهذه الجملة في محل النصب على الحال، و"أمامها": عطف عليه، قوله: "إذا" للظرف. وقوله: "نجلته": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الراجع إلى الحصى، وقوله: "رجلها" بالرفع فاعل لنجلته، والضمير يرجع إلى الناقة، و"أعسر" لا ينصرف لوزن الفعل والصفة وأشبعت فتحة الراء فصارت ألفًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذا نجلته رجلها"، والتقدير: رجلها ويدها فحذف الواو مع العطف؛ كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي: والبرد، وهذا يسمى اكتفاء (¬1). ¬
الشاهد التسعون بعد الثمانمائة
الشاهد التسعون بعد الثمانمائة (¬1) , (¬2) تَرَاهُ كَأنَّ الله يَجْدَعُ أَنْفَهُ ... وَعَينَيهِ إِنْ مَوْلَاهُ ثَابَ لَهُ وَفْرُ أقول: قائله هو الزبرقان بن بدر؛ قاله كراع، [ونسبه الجاحظ لخالد بن الطيفان (¬3)، وقبله (¬4): 1 - ومَوْلَى كَمَوْلَى الزِّبْرقَانِ دَمَلْتُهُ ... كَمَا دَمَلَتْ سَاقٌ تُهَاضُ بِهَا كَسْرُ 2 - إِذَا مَا أَحَالتْ وَالجْبَائِرُ فَوْقَهَا ... مَضَى الحَوْلُ لَا بُرءٌ مبِينٌ وَلَا جَبرُ وبعده: 4 - تَرَى الشَّرَّ قَدْ أَفْنَى دَوَائِرَ وَجْهِهِ ... كَضَبِّ الكُدَى أَفْنَى براثينه الحَفْرُ] (¬5) وهو من الطويل. قوله: "يجدع" أي: يقطع أنفه، قوله: "مولاه" المولى يستعمل لمعان كثيرة، وقد ذكرناها في غير موضع في كتابنا هذا، والظاهر أن المراد به هنا الجار أو الصاحب، قوله: "ثاب" بالثاء المثلثة، أي: رجع من بعد ذهابه، و"الوفر" بفتح الواو وسكون الفاء وفي آخره راء، وهو المال الكثير، ويروى: دثر وهو بالمعنى الأول، وهذا في ذم شخص حاسد يحسد جاره أو صاحبه إذا رجع من سفره بمال كثير فيصير من شدة حسده كأن الله يجدع أنفه ويقلع عينيه. الإعراب: قوله: "تراه": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت، والمفعول وهو الهاء التي ترجع إلى الشخص الذي يذمه الشاعر، ولفظة: "الله": اسم كان، قوله: "بجدع أنفه": جملة في محل الرفع على الخبرية، "وعينيه" عطف على أنفه الذي هو المفعول. قوله: "إن مولاه" أصله: إن ثاب مولاه، حذف الفعل لدلالة الفعل الثاني عليه، قوله: "وفر": ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الثمانمائة
مرفوع بالابتداء، و"له" مقدمًا خبره، والجملة وقعت حالًا بدون الواو؛ كما في قولك: كلمته فوه إلى فيّ. الاستشهاد فيه: في قوله: "وعينيه" حيث حذف فيه العامل المعطوف باقيًا معموله؛ إذ التقدير: ويفقأ عينيه؛ كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] أي: واعتقدوا الإيمان (¬1). الشاهد الحادي والتسعون بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) إذَا مَا الغَانِياتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الحَوَاجبَ وَالْعُيُونَا أقول: قائله هو الراعي، وقد مر الكلام فيه مستوفًى في شواهد المفعول معه (¬4). الاستشهاد فيه هاهنا: مثل الاستشهاد في البيت السابق، وذلك أنه حذف فيه -أيضًا- العامل المعطوف باقيًا معموله؛ إذ التقدير فيه: زججن الحواجب وكحلن العيونا؛ لأن العيون لا تزجج بل تكحل (¬5). الشاهد الثاني والتسعون بعد الثمانمائة (¬6) , (¬7) يَا رُبَّ بَيضاءَ مِنَ العوَاهِجِ ... أُمّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَا أوْ دَارج أقول: أنشده المبرد ولم يعزه إلى راجزه، وقبله (¬8): ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الثمانمائة
يَا لَيتَنِي عَلِقْتُ غَيرَ خَارجٍ ... قَبْلَ الصَّبَاح ذَاتَ خَلْقٍ بَارِجِ قوله: "غير خارج" أي: غير آثم، و"بارج": من البروج وهو الظهور، و"العواهج": جمع عوهج وهي الطويلة العنق من الظباء والظلمان والنوق، وأراد بها هاهنا: المرأة التامة الخلق. قوله: "حبا" بالحاء المهملة؛ من حبى الصبي على استه حبوًا إذا زحف، قوله: "دارج": من درج الصبي يدرج دروجًا ودرجانًا إذا قارب بين خطاه؛ لكونه طفلًا لم تستحكم قوته بعد فلا يقدر على العدو والمشي. الإعراب: قوله: "يا رب" كلمة يا لمجرد التنبيه فلا يحتاج إلى المنادى، ورب هاهنا للتكثير، و"بيضاء" مجرور به في التقدير، و"من العواهج": يتعلق بمحذوف؛ أي: حاصلة ونحوها، قوله: "أم صبي": عطف بيان لقوله: "بيضاء"، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي أم صبي حابٍ أو دارج. قوله: "قد حبا": جملة فعلية وقعت صفة لصبي، قوله: "أو دارج": عطف على "قد حبا". الاستشهاد فيه: فإن فيه عطف الاسم على فعل هو الجملة، فإنه عطف الدارج الذي هو اسم على قوله: "قد حبا"، وهذا الباب فيه اختلاف أقوال (¬1). الشاهد الثالث والتسعون بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) باتَ يُعَشِّيهَا بِعَضْبٍ بَاتِرٍ ... يَقْصدُ في أَسْوُقهَا وَجَائرِ أقول: لم أقف على اسم راجزه، وهو من الرجز المسدس. قوله: "يعشيها" من العشا بفتح العين وهو الطعام الذي يؤكل وقت العشاء، و"العضب" ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الثمانمائة
بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو السيف، ويروى: بسيف باتر، أي: قاطع من البتر وهو القطع؛ قال الجوهري: السيف الباتر: القاطع (¬1). وقوله: "يقصد": من القصد، وهو ضد الجور، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9]، قوله: "أسوقها": جمع ساق، ويروى: "في أسوقها" وليس بصحيح، قوله: "وجائر": من الجور وهو ضد العدل. الإعراب: قوله: "بات": من الأفعال الناقصة ويستعمل في من يفعل بالليل كما أن ظل يستعمل في من يفعل بالنهار، والضمير المستتر فيه اسمه، وقوله: "يعشيها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ خبره، والضمير فيه يرجع إلى المرأة التي يعاقبها زوجها بالسيف (¬2)، والباء في "بعضب" تتعلق بقوله: "يعشيها"، وقوله: "باتر" بالجر صفة لعضب. قوله: "يقصد": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الذي في بات، ومحلها النصب على الحال (¬3)، وقوله: "في أسوقها" يتعلق بها. الاستشهاد فيه: في قوله: "وجائر" فإنه عطف على قوله: "يقصد"، وهو عطف الاسم على الفعل، والمسهل لذلك كون جائر بمعنى يجور فافهم (¬4). الشاهد الرابع والتسعون بعد الثمانمائة (¬5) , (¬6) فألْفَيتُهُ يَومًا يُبِيرُ عَدُوَّهُ ... وَمُجْرٍ عَطَاءً يَستَجفُّ المَعَابِرَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الثمانمائة
قوله: "فألفيته" أي: وجدته، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: 25]، أي: وجداه، قوله: "يبير": من أبار إذا أهلك؛ من البوار وهو الهلاك، قوله: "ومجرٍ" من الإجراء، و: "العطاء" اسم للعطية، و"المعابر": جمع معبر وهو المركب. الإعراب: قوله: "فألفيته" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، "وألفيته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و"يومًا": نصب على الظرف، قوله: "يبير": جملة من الفعل والفاعل، و "عدوه": كلام إضافي مفعولها، والجملة حالية (¬1)، و"مجر": عطف على قوله: "يبير" كما يجيء بيانه الآن، وقوله: "عطاء": مفعول، قوله: "مجر"، قوله: "يستخف المعابر": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت صفة للعطاء، والألف في "معابرا" ألف الإشباع. والاستشهاد فيه: في قوله: "ومجر" فإنه اسم عُطف على الفعل، وهو قوله: "يبير"، والمسهل لذلك كون يبير بمعنى مبير؛ فيكون في التقدير عطف الاسم على الاسم (¬2). الشاهد الخامس والتسعون بعد الثمانمائة (¬3) , (¬4) .......................... ... إِنمَا يَجْزِي الفَتَى ليسَ الجَمَلُ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وصدره (¬5): وَإذَا أُقرِضْتَ قَرضًا فَاجْزِه ... ................................... ¬
وبعده: 3 - وإذَا رُمْتَ رَحيلًا فَارتحلْ ... واعْصِ مَا يَأْمُرُ تَوصيمُ الكَسَلْ 4 - واكْذِبِ النفْسَ إذَا حَدَّثْتَهَا ... إن صِدْقَ النفسِ يُزْرِي بِالأمَلْ وهي من الرمل (¬1) وفيه الخبن والحذف. قوله: "وإذا أقرضت"، ويروى: "وإذا قورضت"، وفي كتاب ابن كيسان: وإذا جوزيت قرضًا، والكل بمعنى واحد، وقال أبو عبيدة: من أمثالهم في المكافأة (¬2): إنما يُجزي الفَتَى لَيسَ الجمَلُ. قالها لبيد في شعره، وشعره هذا كله أمثال. الإعراب: قوله: "وإذا" للشرط، و "أُقْرِضَتَ" على صيغة المجهول فعل الشرط، و"قرضًا": مفعول مطلق، وقوله: "فاجزه": جواب الشرط فلذلك دخلته الفاء، قوله: "إنما يجزي" إن قد بطل عملها بدخول ما الكافة عليها، "ويجزي": جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل (¬3)، [قوله: "] (¬4) ليس الجمل" بمعنى: لا الجمل. والاستشهاد فيه: فإن البغداديين احتجوا به على أن "ليس" تكون عاطفة؛ كما تقول: قام زيد ليس عمرو، فعمرو معطوف على زيد بليس؛ كما تقول: قام زيد لا عمرو، وكذلك قول الشاعر: .............................. ... ................. ليس الجمل [فَإن ليس فيه عاطفة بمعنى: لا الجمل] (¬5)، قال أبو حيان: وحكى النحاس وابن بابشاذ (¬6) هذا المذهب عن الكوفيين، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين (¬7)، وأجابوا عن ذلك بأنه لا حجة لهم في هذا البيت لاحتمال أن يكون "الجمل" اسم ليس، وخبرها محذوف لفهم المعنى، ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الثمانمائة
والتقدير: ليس الجمل جازيًا، والعرب قد تحذف خبر ليس في الشعر، قال الشاعر (¬1): لَهْفِي عَلَيكَ للهْفَةٍ منْ خَائفٍ ... يَبغي جوارَك حينَ ليسَ مُجيرُ إلا أن ليس في هذا البيت لا تكون عاطفة باتفاق، ولا يتصور ذلك فيها، وأن خبرها محذوف لفهم المعنى؛ كأنه قال: حين ليس في الدنيا مجير (¬2). الشاهد السادس والتسعون بعد الثمانمائة (¬3) , (¬4) وإنسَانُ عَيني يَحْسرُ الماءُ تَارَةً ... فَيَبدُو ......................... أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وتمامه: ............................. ... ........ وَتَارَات يَجمُّ فَيغرَقُ وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء (¬5). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "فيبدو" حيث عطفت الجملة بالفاء لاقتضائه التسبب فافهم (¬6). ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد الثمانمائة
الشاهد السابع والتسعون بعد الثمانمائة (¬1) , (¬2) إِن ابْنَ وَرْقَاءَ لا تُخشَى بَوَادِرُهُ ... لَكِنْ وَقَائِعُهُ فِي الحربِ تُنْتَظَرُ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة رائية من البسيط، وأولها هو قوله (¬3): 1 - أَبْلِغْ بَنِي نَوْفَلَ عَنِّي فقدْ بلَغت ... مني الحفِيظَةُ لما جَاءَنِي الخبرُ 2 - القائلِيَن يَسَارًا لا تُنَاظِرُه ... غشًّا لسيِّدِهِم فيِ الأَمْرِ إِذْ أَمرُوا 3 - إن ابنَ وَرْقَاءَ ............ ... ...................... إلى آخره و"ابن ورقاء" هو الحارث بن ورقاء الصيداوي، قوله: "بوادره": جمع بادرة وهي الحدة، ورأيت في ديوان زهير: "غوائله" وهي جمع غائلة، وهي ما يكون من شر وفساد، و"الوقائع": جمع وقيعة وهي القتال. الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و"ابن ورقاء": كلام إضافي اسمه، وقوله: "لا تخشى بوادره": جملة خبره، و"لكن" للاستدراك، و"وقائعه": كلام إضافي مبتدأ، و"تنتظر" خبره، و"في الحرف": يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "لكن وقائعه" وذلك أن لكن هاهنا حرف ابتداء؛ لأنه تلتها جملة وهي قوله: "وقائعه تنتظر"، وكذلك إذا تلت واوًا نحو: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 40] أي: ولكن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الثمانمائة
الشاهد الثامن والتسعون بعد الثمانمائة (¬1) سَوَاءٌ عَلَيكَ الفقر أَمْ بِتَّ لَيلَةً ... ................................ أقول: لم أقف على اسم قائله (¬2)، [وتمامه: ................................ ... بِأَهْلِ القِبَابِ منْ عُمَيرِ بِنِ عَامِرِ وهو من الطويل، المعنى ظاهر] (¬3). الإعراب: قوله: "سواء": مرفوع على أنه خبر عن المبتدأ المتأخر وهو قوله: "الفقر"، و"عليك" يتعلق به، قوله: "أم بِتّ" أم هاهنا بمعنى الواو، وعطف فعلًا على اسم؛ لأن الكلام في مذهب المصدر؛ كأنه قال: سواء عليك الفقر أم مبيت ليلة بأهل القباب؛ كذا في شرح الكتاب. وقال ابن طاهر في حواشيه على الإيضاح لأبي علي: وأنشده بعضهم: "أو أنت بائت"، وجاز فيهما: "أو" لقوله: "الفقر" لأن المعنى جزاء؛ كما تقول: اضربه قام أو قعد، ويذهب إلى معنى العموم كذهاب الواو، وهذا يقوي خروج أم إلى باب أو، ووجه هذا أنه أوقع الفقر موقع الفعل، وذهب مذهب الحدث، وحمله على المعنى؛ كما توقع الفعل هاهنا موقعه في المستعمل فيحمل على المعنى، فكأنه قال: أفقرت أم بت، ولولا ظهور الرفع في لفظه لنصبه، قوله: "ليلة" نصب على الظرف، قوله: "بأهل القباب" يتعلق بقوله: "بت"، قوله: "من عمير بن عامر": بيان لأهل القباب. الاستشهاد فيه: أن "أم" عادلت بين جملة ومفرد في ذكر التسوية، وهذا خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن التسوية لا يقع بعدها إلا الجملتان، وهاهنا قد وقعت بعدها جملة ومفرد، ولا يذكر بعد التسوية ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الثمانمائة
إلا الفعلية، فلا يجوز أن يقال: سواء عليَّ أزيد قائم أم عمرو منطلق خلافًا للأخفش (¬1). الشاهد التاسع والتسعون بعد الثمانمائة (¬2) , (¬3) عَلَفْتُهَا تِبنًا وَمَاءً بَارِدًا ... ................................ أقول: أنشده الأصمعي وغيره، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله، وتمامه: ............................... ... حتى شَتتْ هَمَالةً عيناها وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المفعول معه (¬4). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "وماءً باردًا" لأن الماء لا يعلف وإنما يسقى فافهم (¬5). ¬
الشاهد المتمم للتسعمائة
الشاهد المتمم للتسعمائة (¬1) , (¬2) ................................ ... لَهَا سبَبٌ تَرعَى بِه الماءَ والشَّجَر أقول: قائله هو طرفة بن العبد، وصدره (¬3): أَعَمْرَ بْنَ هِندٍ مَا تَرَى رَأْيَ صِرمةٍ ... .......................... وهو من الطويل. قوله: "صرمة" بكسر الصاد وسكون الراء المهملتين وفتح الميم، وهو القطع من الإبل نحو الثلاثين. الإعراب: قوله: "أعمرو" الهمزة حرف نداء، وعمرو منادى مفرد مبني على الضم، و"ابن هند" بالرفع صفته، قوله: "ما ترى": جملة من الفعل والفاعل، وكلمة "ما" نافية أو استفهامية، وقوله: "رأي صرمة": كلام إضافي مفعول، قوله: "سبب" بالرفع مبتدأ، و"لها" مقدمًا خبره، والجملة صفة للصرمة. قوله: "ترعى": فعل مضارع، وفاعله الضمير المستتر فيه الذي ورجع إلى الصرمة، وقوله: "الماء": مفعوله، و"الشجر" عطف عليه، والباء في "به" يتعلق بترعى، ويصلح أن تكون للاستعانة، والجملة بيان عن قوله: "لها سبب". الاستشهاد فيه: أن قوله: "تَرعَى بِه الماءَ والشجَر" يدل على صحة العطف في قول القائل: عَلَفْتُهَا تِبنًا وَمَاءً بَارِدًا، وأطعمته تمرًا ولبنًا خالصًا، ونحو ذلك. وذهب أبو عبيدة والأصمعي واليزيدي إلى أن ما ورد من ذلك إنما هو من عطف المفردات، وتضمين العامل معنى ينظم المعطوف والمعطوف عليه، فحينئذ يقدر في قوله: "علفتها" أعطيتها تبنًا وماءً باردًا، وفي قوله: أطعمته تمرًا ولبنًا: ناولته تمرًا ولبنًا. ¬
الشاهد الأول بعد التسعمائة
واختلف في هذا التضمين: هل يقتصر فيه على السماع أو يقاس؟ فالأكثرون على أنه ينقاس (¬1). الشاهد الأول بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) فَهَلْ لَكَ أَوْ منْ وَالدٍ لَكَ قَبلَنَا ... ................................ أقول: قائله هو أبو أمية الهذلي، وتمامه (¬4): ............................... ... يُوَشِّحُ أَوْلَادَ العِشَار وَيُفضِلُ وهو من الطويل. قوله: "يوشح": من التوشيح وهو التزيين، وقيل: هو يوشج بالجيم [من التوشيح] (¬5) من التوشيج وهو الإحكام، وقوله: "ويفضل" من الإفضال وهو الإحسان. الإعراب: "فهل" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وهل للاستفهام، وقوله: "لك": خبر مبتدأ محذوف تقديره: هل لك أخ؟، وقوله: "أو من والد": عطف عليه، و"من" زائدة، والتقدير: أو والد لك. الاستشهاد فيه: حيث حذف فيه المعطوف عليه؛ إذ تقدير الكلام: فهل لك من أخ أو من والد؟ و"من" في الموضعين زائدة، وهذا نادر، وقد كثر ذلك مع الواو كقولك: بلى وزيدًا، لمن قال: ألم تضرب عمرًا؟ وقلَّ مع الفاء؛ كما في قوله تعالى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63]، والتقدير: فضرب فانفلق (¬6)، والله أعلم. * * * ¬
شواهد البدل
شواهد البدل الشاهد الثاني بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) وَذَكَرَتْ تَقْتُدَ بَرْدَ مَائِهَا ... وَعَتَكُ البَوْلِ عَلَى أَنسَائهَا أقول: قائله هو أبو وجزة السعدي، ويقال: جبر بن عبد الرحمن، وهو الصحيح، وقبله (¬3): 1 - تَربَّعَتْ بَلْوَى إِلَى رَهَائِهَا ... حتى إذا مَا طارَ مِنْ عَفَائِهَا 2 - وصَارَ كَالرّيْط عَلَى أَقرَائهَا ... تتبَعُ صَات الهَدْر منْ أَثْنَائهَا 3 - وَذَكَرَتْ تقتد ............. ... .................. إلى آخره قوله: "رهائها" بفتح الراء، وهي الأرض الواسعة، و"العفاء" بفتح العين؛ التراب، قوله: "كالريط": جمع ريطة وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة، و"الإقراء": جمع قري وهي مسايل الماء إلى الرياض، وهي القريان -أيضًا-، و"الهدر": من هدير الحمام. قوله: "وذكرت" كذا في رواية سيبويه، وفي رواية غيره: تذكرت، قوله: "تقتد" بفتح التاء المثناة من فوق وسكون القاف وضم التاء الأخرى وفي آخره دال مهملة، وهو اسم موضع، وقال في المختلف والمؤتلف في أسماء البلدان: وهو ركية في ناحية الحجاز من مياه بني سعد بن بكر بن هوازن، وقال الصاغاني في العباب: هي قرية بالحجاز بينها وبين قلهي جبل يقال له أديمة، وبأعلى هذا الموضع رياض تسمى: الفلاج، جامعة للناس أيام الربيع، وبها مساك كثيرة لماء السماء يكتفون به صيفهم وربيعهم (¬4). ¬
الشاهد الثالث بعد التسعمائة
قوله: "وعتك البول" بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق وفي آخره كاف، قال النحاس في شرح أبيات الكتاب: العتك والعبك بالباء الموحدة -أيضًا- أثر البول. قوله: "على أنسائها" جمع نسا بفتح النون والسين المهملة، على وزن [عصا] (¬1) وهو عرق مستبطن الفخذ، وقال ابن النحاس: النسا عرق، وجمعه أنساء، والاثنان نسيان (¬2). الإعراب: قوله: "وذكرت": جملة من الفعل والفاعل، و"تقتد": مفعوله، وهو لا ينصرف للعلمية والتأنيث ووزن الفعل -أيضًا-، قوله: "برد مائها": كلام إضافي نصب على أنه بدل من تقتد بدل اشتمال، قوله: "وعتك البول": كلام إضافي مبتدأ، و"على أنسائها": خبره، والجملة حال، وقيل: "وعتك البول" بالنصب -أيضًا- عطف على تقتد على معنى: وذكرت عتك البول، وهو بعيد. الاستشهاد فيه: في قوله: "برد مائها" فإنه بدل اشتمال من قوله: "تقتد" كما ذكرنا، ونظيره قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] (¬3). الشاهد الثالث بعد التسعمائة (¬4) , (¬5) هَلْ تُدْنيَنَّكَ من أَجَارع وَاسطٍ ... أَوبَاتُ يَعْمَلُةِ اليَدَيْنِ حِضَارِ مِنْ خَالدٍ أَهلِ السَّمَاحَةِ والنَّدَى ... ملك العِرَاقِ إِلَى رِمَالِ وَبَارِ أقول: قائلهما (¬6) هو الطرماح، وهما من قصيدة من الكامل يمدح بها خالد بن عبد الله ¬
القشيري أمير العراق. 1 - قوله: "من أجارع": جمع أجرع وهي رملة مستوية لا تنبت شيئًا، وكذلك الجرعاء والجرع، و"واسط": مدينة مشهورة بناها الحجاج بن يوسف، قوله: "أوبات": جمع أوبة وهي سرعة تقليب اليدين والرجلين في السير، ومنه يقال: ناقة أووب على فعول. قوله: "يعملة اليدين" اليعملة بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة، وهي الناقة النجيبة المطبوعة على العمل، قوله: "حضار" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الضاد المعجمة، وهو الهجين من الإبل، واحده وجمعه سواء. 2 - قوله: "والندى" بفتح النون مقصورًا وهو العطاء، قوله: "وبار" بفتح الواو وتخفيف الباء الموحدة على وزن قطام، وهي أرض كانت لعاد. الإعراب: قوله: "هل" للاستفهام، و "تدنينك": جملة من الفعل والمفعول مؤكدة بالنون، قوله: "من أجارع" يتعلق بها، قوله: "أوبات يعملة اليدين": كلام إضافي مرفوع بأنه فاعل لتدنينك. قوله: "حضار" بالجر بدل من يعملة اليدين، أو عطف بيان، قوله: "من خالد": بدل اشتمال من أجارع واسط، قوله: "أهل السماحة": كلام إضافي صفة لخالد، قوله: "والندى": عطف على السماحة، قوله: "ملك العراق": كلام إضافي صفة بعد صفة، قوله: "إلى رمال": يتعلق بقوله: "ملك العراق" وأضيف رمال إلى وبار إضافة البيان. الاستشهاد فيه: في قوله: "من خالد" حيث وقع بدلًا من قوله: "من أجارع واسط" بإعادة الجار وهو خالٍ عن ضمير المبدل منه، والغالب في بدل الاشتمال أو البعض مصاحبة ضمير عائد على المبدل منه، وقد يخلوان عنه؛ كما في قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} [البروج: 4، 5] (¬1). ¬
الشاهد الرابع بعد التسعمائة
الشاهد الرابع بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) عَلَى حَالةٍ لَوْ أَنَّ في الْقَوْمِ حَاتِمًا ... عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بالماء حَاتِمِ أقول: قائله هو الفرزدق، وقبله (¬3): 1 - فَلَمَّا تَصَافنَّا الإداوةَ أجْهَشَت ... إِلَيَّ غُضُون العَنْبَرِي الجُرَاضِمِ 2 - فجاءَ بجُلْمُودٍ لهُ مثلَ رأسهِ ... لِيَشْرَبَ مَاءَ القَوْمِ بينَ الصرائِمِ 3 - على حالة ............... ... ..................... إلى آخره وهي من الطويل. 1 - قوله: "تصافنا": من تصافن القوم الماء: اقتسموه بالحصص، وذلك إنما يكون بالمقلة، يسقى الرجل بقدر ما يغمرها، و "الإداوة" بكسر الهمزة؛ المطهرة، والجمع الأداوى كالمطايا، قوله: "أجهشت": من الجهش وهو التسرع، يقال: أجهش بالبكاء، و"الغضون" بالغين والضاد المعجمتين المضمومتين، وهي مكاسر الجلد؛ جمع غضن بفتح الغين وسكون الضاد وفتحها، قوله: "العنبري": نسبة إلى بني عنبر قبيلة، و"الجراضم" بضم الجيم وبالضاد المعجمة، قال المبرد في الكامل: "الجراضم": الأحمر الممتلئ (¬4)، وقال الجوهري: الجرضم والجراضم: الأكول (¬5). 2 - قوله: "بجلمود" بضم الجيم، وهي الصخرة، قوله: "بين الصرائم" وهو جمع صريمة وهي معظم الرملة التي تتقطع من معظم الرمل. 3 - قوله: "على حالة"، ويروى: على ساعة، قوله: "حاتمًا" أراد به حاتم بن عبد الله الطائي جواد العرب، وكان الفرزدق صافن رجلًا من بني العنبر بن عمرو بن تميم إداوة في وقت فرامه العنبري وسامه أن يؤثره، وكان الفرزدق جوادًا فلم تطب نفسه عن نفسه، فقال الفرزدق: فَلَمَّا تَصَافنَّا الإدواةَ ......... ... .................. إلى آخره ¬
الشاهد الخامس بعد التسعمائة
الإعراب: قوله: "على حالة" يتعلق بقوله: "فجاء" في البيت السابق، قوله: "لو" للشرط، و"أن" بالفتح في محل الرفع على الفاعلية؛ لأن التقدير: لو ثبت أن في القوم، وقوله: "حاتمًا": اسمه، و "في القوم": خبره مقدمًا، وقوله: "لضن بالماء": جواب، والضمير في "ضن" يرجع إلى حاتم، وقوله: "على جوده" على هاهنا بمعنى الاستدراك والإضراب؛ كما في قولك: فلان لا يدخل الجنة لسوء صنيعه على أنه لا ييأس من رحمة الله. الاستشهاد فيه: في قوله: "حاتم" حيث جره على أنه بدل من الهاء التي في "جوده"، وذلك لأن القافية لما كانت مجرورة وأمكن البدل عدل إليه، ولو رفع على أنه فاعل لقوله: "لضن" لجاز، ولكن يكون فيه إقواء (¬1)، وهو من عيوب الشعر (¬2). الشاهد الخامس بعد التسعمائة (¬3) , (¬4) فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا فِي مَقَامِنَا ... ثلاثَتِنا حتى أُزِيرُوا المنَائِيَا أقول: قائله هو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي، وهو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان أسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشر سنين، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان له قدر ومنزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قتل في وقعة بدر - رضي الله عنه -. ويقال: كان عبيدة أمير المسلمين يوم بدر، فقطعت رجله، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه على ركبته، وعاد من بدر فتوفي بالصفراء، وكان عمره حين مات ثلاثًا وستين سنة (¬5). ¬
وهو من قصيدة من الطويل قالها يوم بدر في قطع رجله وفي مبارزته هو وحمزة وعلي -رضي الله تعالى عنهم- حين بارزوا عدوهم، وأولها هو قوله (¬1): 1 - سَتبلغُ عَنَّا أَهْلَ مَكةَ وقْعَةً ... يَهُبُّ لهَا من كان عنْ ذَاكَ نَائيَا 2 - بِعُتْبَةَ إِذْ ولى وَشيْبَه بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فيهَا كرُّ عتبة رَاضِيَا 3 - فَإنْ تَقْطَعُوا رجْلِي فَإني مُسلمٌ ... أرجي بهَا عيشًا منَ الله دَانِيَا 4 - معَ الحُورِ أَمْثَال التمَاثيلِ أخلصَتْ ... مَعَ الجنةِ العُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَاليَا (¬2) 5 - وبِعْتُ بهَا عَيشًا تعرفت صَفْوَهُ ... وعَالجتُ حَتى فَقَدْتَ الأَدَانِيَا 6 - وأكَرَمَني الرحمَنُ مِن فَضل مَنِّهِ ... بثَوبٍ منَ الإسْلامِ غَطَّى المسَاويَا 7 - وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إِلَيَّ قِتَالُهُم ... غَدَاةَ دَعَا الأكفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعيَا 8 - وَلم نبغ إِذْ سَالُوا النبيّ سواءنا ... ثلاثتنا حَتى حَضَرنَا المنَادِيَا 9 - لَقِينَاهُم كالأُسد نَخْطِرُ بالقَنَا ... نقاتلُ فيِ الرحْمَن مَنْ كَانَ عَاصيَا 10 - فما برحَتْ .............. ... .......................... إلى آخره المعنى ظاهر. قوله: "ثلاثتنا" أراد به نفسه وعليًّا وحمزة -رضي الله عنهم-، قوله: "حتى أزيروا" بضم الهمزة وكسر الزاي؛ من مجهول أزار؛ من زار زيارة، و"المنائيا": جمع منية وهي الموت. الإعراب: قوله: "فما برحت" الفاء للعطف، وما برحت مثل ما زالت، و"أقدامنا": كلام إضافي اسمه، وقوله: "في مقامنا": خبره، والمعنى: أقدامنا ثابتة ومستمرة في مقامنا في الحرب ولم تتحرك خوفًا من القتل، قوله: "ثَلاثتنَا": كلام إضافي بدل من "نا" في قوله: "مقامنا". قوله: "حتى" للغاية بمعنى إلى، يعني: إلى أن أزيروا المنايا، و"أُزيروا" على صيغة المجهول، والضمير المتصل (¬3) فيه مفعول ناب عن الفاعل، و"المنائِيا": مفعول ثان، وكان الأصل أن يقول: المنايا ولكن أظهر الياء المحذوفة للضرورة (¬4). ¬
الشاهد السادس بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاثتنَا" فإنه بدل وهو اسم ظاهر من ضمير الحاضر وهو: "نا" في قوله: "في مقامنا" بدل كل من كل، وإنما جاز هذا البدل وإن كان لا يبدل ضمير المتكلم والمخاطب بدل كل لإفادته فائدة التوكيد من الإحاطة والشمول فافهم (¬1). الشاهد السادس بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) أَوْعَدَني بالسِّجْن وَالأدَاهِمِ ... رِجْلِي فَرجْلِي شَثْنَةُ المناسم أقول: قائله هو العديل بن الفُرْخُ، وهو من الرجز المسدس. و"الأداهم": جمع أدهم وهو القيد، قوله: "شثنة المناسم" أي: غليظة المناسم، قال ابن فارس: الشثن: الغليظ الأصابع، وكل ما غلظ من عضو فهو شثن، وقد شثُن وشثِن شثنًا (¬4) ومادته: شين معجمة وثاء مثلثة ونون، ويجوز أن يكون قوله: "شثنة المناسم" من شثنت مشافر البعير إذا غلظت من أكل الشوك، ومادته: شين معجمة ونون وثاء مثلثة، و"المناسم": جمع منسم بفتح الميم وكسر السين المهملة، وهو خف البعير فاستعير للإنسان. الإعراب: قوله: "أوعدني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و"بالسجن" يتعلق بها، و"الأداهم" عطف عليه، والتقدير: أوعدني بالحبس في السجن، وأوعد رجلي بالأداهم، وإذا دخلت الباء على وعد جاء بالألف فيقال: أوعد" به، قوله: "رجلي": بدل من الياء في: "أوعدني"، وقال أبو حيان في تذكرته: قوله: "رجلي": منادى على طريق الاستهزاء بالموعد فافهم (¬5)، قوله: "فرجلي": كلام إضافي مبتدأ، و"شثنة المناسم": كلام إضافي -أيضًا- خبره، والفاء للعطف، وفي رواية [ابن السكيت: "ورجلي" بالواو، وهو الأصح (¬6). ¬
الشاهد السابع بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ورجلي" فإنه بدل بعض من] (¬1) الياء في قوله: "أوعدني" كما في قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21]، فلمن كان يرجو الله بدل من الضمير في: "لكم"، وأعيدت معه اللام تقوية (¬2). الشاهد السابع بعد التسعمائة (¬3) , (¬4) ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا ... ولا أَلْفَيتِنِي حِلْمِي مُضاعَا أقول: قائله هو عدي بن زيد العبادي شاعر جاهلي، ويقال هو رجل من بني خثعم أو بجيلة. وهو (¬5) من قصيدة من الوافر، وهذا البيت أولها، وبعده قوله (¬6): 2 - ألَا تِلْكَ الثعَالِبُ قَدْ تعَاوَتْ ... عَلَيَّ وحَالفَتْ عُرجًا ضِبَاعَا 3 - فَإنْ لَم تَنْدَمُوا فَثَكِلَتْ عَمْرًا ... وهَاجَرتُ المروق والسِّمَاعًا 4 - ولَا مَلَكَتْ يدَايَ عَنَانَ طرفٍ ... ولَا أَبصرتْ مِنْ شَمْسٍ شُعَاعَا 5 - وخُطَّة مَاجِدٍ كَلفتْ نَفسِي ... إِذَا ضَافُوا رَحُبَتْ بهم ذِرَاعَا 2 - قوله: "تعاوت". من تعاوى الكلب، قوله: "ضباعًا": جمع ضبع وهو الحيوان المعروف، وهذا الجمع للذكر والأنثى مثل سباع وسبع، قوله: "عوجًا" بفتح العين المهملة وكسر الراء وفي آخره جيم، وهي الإبل الكثيرة (¬7). ¬
الشاهد الثامن بعد التسعمائة
4 - و"الطرف" بكسر الطاء وسكون الراء وفي آخره فاء، وهو الفرس الجيد. 6 - قوله: "ذريني" أي: اتركيني؛ أمر من يذر بمعنى يدع، قوله: "ولا ألفيتني" أي: ولا وجدتني، وفي رواية سيبويه: وما ألفيتني (¬1). الإعراب: قوله: "ذريني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "أمرك": كلام إضافي اسم إن، وقوله: "لن يطاعا": خبره، والألف فيه للإطلاق، قوله: "ولا ألفيتني": جملة معطوفة على ما قبله. قوله: "حلمي": بدل من الياء في قوله: "ألفيتني"، قوله: "مضاعًا": مفعول ثان لألفى، ويقال: حال، وقال أبو حيان في التذكرة: ويجوز الرفع بالابتداء والخبر، والجملة مفعول ثان، والمعنى في الرفع والنصب واحد (¬2)، يريد: إن عاذلته تلومه على إتلاف ماله في المكرمات فردَّ عليها بأن العقل والحلم يأمرانه بإتلافه في اكتساب الحمد والثناء. الاستشهاد فيه: في قوله: "حلمي" فإنه بدل اشتمال من النون والياء في قوله: "ألفيتني" كما ذكرنا (¬3). الشاهد الثامن بعد التسعمائة (¬4) , (¬5) بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وسَنَاؤُنَا ... وَإنَّا لَنَرجُو فوقَ ذلكَ مَظْهَرَا أقول: قائله هو النابغة الجعدي، وقد اختلف في اسمه فقيل: قيس بن عبد الله، وقد ذكرنا ترجمته مستوفاة في شواهد: ما ولا وإن المشبهات بليس (¬6)، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنشده ¬
الرائية، ومنها (¬1): أَتَيتُ رسُولَ الله إذْ جَاءَ بالهُدَى ... وَيَتْلُو كِتَابًا كالمجرَّةِ نَيِّرَا وعن البغوي: (¬2) حدثنا داود (¬3) هو ابن رشيد حدثنا يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة يقول: أنشدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بَلَغْنَا السَّمَاءَ مَجْدُنَا وَجُدُودُنَا ... وإنا لَنَرجُو فوقَ ذلكَ مَظْهَرَا فقال: "أين المظهر يا أبا ليلى؟ "، قلت: الجنة، قال: "أجل -إن شاء الله تعالى-"، ثم قال: "قل"، فقلت: ولَا خَيرَ في حلْمٍ إذا لَم يَكُنْ لَهُ ... بَوَادرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يكدرَا ولَا خَيرَ فيِ جَهْلٍ إذَا لَم يَكُنْ لَهُ ... حَليمٌ إذَا مَا أَوْرَدَ الأَمْرَ أَصْدَرَا فقال: "أجدت، لا يفضض الله فاك"، قالها مرتين، والقصيدة من الطويل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "بلغنا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "مجدنا" بالرفع بدل من الضمير الذي في "بلغنا" بدل اشتمال، وقوله: "سناؤنا": عطف عليه، قوله: "وإنا" إن حرف من الحروف المشبهة بالفعل، والضمير المتصل به اسمه، وقوله: "لنرجو": خبره، واللام فيه للتأكيد، قوله: "فوق": نصب على الظرف، مضاف إلى ذلك (¬4)، قوله: "مظهرَا": مصدر ميمي نصب على أنه مفعول نرجو. الاستشهاد فيه: في قوله: "مجدنا" بدل اشتمال من الضمير المرفوع في قوله: "بلغنا" (¬5). ¬
الشاهد التاسع بعد التسعمائة
الشاهد التاسع بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) وَشوْهَاءَ تَعْدُو بِي إِلَى صَارخِ الوَغَى ... بِمُستَلْئِمٍ مِثْلَ الفَنِيقِ المُرَحَّلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "وشوهاء" على وزن فعلاء؛ من الشوه وهو قبح الخلقة، ولكنه وصف محمود في الفرس، يقال: فرس شوهاء إذا كان في رأسها طول، ويقال: يراد به سعة أشداقها. قوله: "تعدو بي" أي: تجري بي، و "الوغى" بفتح الواو والغين المعجمة، الحرب، قوله: "بمستلئم" على وزن مستفعل، وهو لابس اللأمة وهي الدرع، و "الفنيق" بفتح الفاء وكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره قاف، وهو الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته. قوله: "المرحل" بضم الميم وفتح الراء وتشديد الحاء المهملة؛ من رحلت البعير إذا ظعنته من مكانه وأرسلته؛ هكذا فسره في أكثر شروح تلخيص المفتاح، وذكر في بعض شروحه أن المرحل هو الذي لا يرسل في المرعى لعزه. وضبطه البعلي في كتابه بضم الميم وفتح الدال وتشديد الجيم وفي آخره لام؛ من دجلت البعير إذا طليته بالقطران والبعير مدجل، ثم قال: المدجل: المهنوء بالقطران، ويروى: مثل الفنيق المكرم، وقال ابن هشام: المحفوظ المرجل. الإعراب: قوله: "وشوهاء": صفة موصوفها محذوف تقديره: وفرس شوهاء، وهي في تقدير الجر برب المضمرة، أي: رب فرس شوهاء. قوله: "تعدو": جملة من الفعل والفاعل، و"بي": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، والجملة صفة لشوهاء، و"إلى صارخ الوغى": كلام إضافي يتعلق بتعدو، وقوله: "بمستلئم": بدل من قوله: "بي" على ما نذكره عن قريب، قوله: "مثل الفنيق": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض؛ أي: كمثل الفنيق قوله: "المرحل" بالجر صفة الفنيق. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "بمستلئم" فإن الأخفش والكوفيين استدلوا به على جواز إبدال الظاهر من ضمير الحاضر (¬1)، فإن قوله: "بمستلئم" ظاهر أبدل من قوله: "بي" وهو ضمير الحاضر؛ فعلى هذا يجوز أن يقال: قمت زيد، بأن يكون زيد بدلًا من الضمير الذي في قمت، ولا دليل فيه لجواز أن يكون هذا من باب التجريد كقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28] فإن جهنم دار الخلد ولكن جرد منها دار أخرى، وجعلت النار هي دار الخلد مبالغة، فكذلك الياء في قوله: "بي" هي نفس المستلئم، ولكنه جرد من نفسه ذاتًا وصفها بذلك. فإن قلت: إذا كان الأمر كذلك فما يكون محل مستلئم من الإعراب؟ قلت: الحال من الضمير في "بي" فافهم. والتجريد (¬2): هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة في كمالها، وهو على أنواع منها نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم، أي: بلغ من الصداقة حدًّا صح معه أن يستخلص منه صديق آخر، ومنها نحو قولهم: لئن سألت لتسألن به البحر، ونحو قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} فإن جهنم هي دار الخلد؛ لكن انتزع منها مثلها وجعلها معدًّا للكفار تهويلًا لأمرها، ومنها مخاطبة الإنسان غيره وهو يريد نفسه كقول الأعشى (¬3): وَدِّعْ هَرَيْرَةَ إن الرَّكْبَ مُرتَحِلٌ ... وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أيُّهَا الرَّجُلُ (¬4) ¬
الشاهد العاشر بعد التسعمائة
الشاهد العاشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) بِنَزْوَةِ لِصٍّ بَعْدَمَا مَرَّ مُصْعَبٌ ... بِأَشْعَثَ لَا يُفْلَى ولَا هُوَ يُقْمَلُ أقول: قائله هو الأخطل غوث بن غياث، وهو من الطويل. قوله: "بنزوة لص" اللص مثلث اللام هو السارق، و"النزوة" بفتح النون وسكون الزاي مصدر نزا ينزو، وقد أضيف إلى اللص، وهو اسم موضع هاهنا، وأراد بمصعب هذا مصعب [ابن الزبير] (¬3). قوله: "لا يفلى": من فلي الشعر وهو أخذ القمل منه، من باب: فلى يفلي كضرب يضرب [قوله: "يقمل": من الإقمال، والهمزة فيه للسلب والإزالة، أي: ولا هو يزال، وثلاثيه: قمل رأسه يقمل من باب علم يعلم] (¬4)، وأقمل؛ أي: أزال قمله. الإعراب: قوله: "بنزوة لص" الباء فيه تتعلق بما مر (¬5)، [و "بعد"] (¬6) نصب على الظرف، وكلمة ما مصدرية، والتقدير: بعد مرور مصعب بنزوة لص، وقوله: "مصعب": فاعل مر، قوله: "بأشعث": في محل الرفع لأنه بدل من قوله: "مصعب" بدل اشتمال. قوله: "لا يفلى" على صيغة المجهول؛ جملة وقعت حالًا من مصعب، قوله: "ولا هو يقمل" -أيضًا على صيغة المجهول كما ذكرنا، وهي جملة اسمية عطفت على الجملة التي قبلها، وموضعها النصب على الحال -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: "مصعب بأشعث" فإن فيه شاهدًا على التجريد؛ وذلك لأن الأشعث هو نفس ¬
الشاهد الحادي عشر بعد التسعمائة
المصعب، وقد ذكرنا الآن معنى التجريد (¬1). الشاهد الحادي عشر بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) ...................... أم من ... جَاءَ مِنهَا بطَائفِ الأَهْوَالِ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة لامية قد مر الكلام فيها مستوفى في شواهد ما ولا وإن المشبهات بليس (¬4)، وصدره: لاتَ هنَّا ذكرى جبيرةَ أم من ... جاء ........ إلى آخره الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "بطائف الأهوال" فإنه بدل عن الضمير في قوله: "منها"، والضمير يرجع إلى جبيرة، وهو اسم امرأة، قيل: هي امرأة أعشى، وإنما قيل: إنه بدل عن الضمير لأن نفسها هي طائف الأهوال، ومثل هذا يسمى التجريد فافهم (¬5). الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة (¬6) , (¬7) إِن عَلَيَّ الله أَنْ تبَايَعَا ... تُؤْخَذَ كَرْهًا أَوْ تَجِيءَ طَائِعًا أقول: لم أقف على اسم راجزه، وهو من الرجز المسدس. معنى البيت: في شخص تقاعد عن مبايعة الملك فقال له هذا القول. ¬
الشاهد الثالث عشر بعد التسعمائة
الإعراب: قوله: "إن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، قوله: "أن تبايعا": اسمه، وأن مصدرية، والتقدير: إن مبايعتك، وخبره قوله: "علي"، ولفظة: "الله" منصوبة بنزع الخافض، وهو واو القسم، والتقدير: إن مبايعتك عليّ والله، وفي شرح الكتاب: "علي" متعلق باستقرار محذوف في موضع خبر "إن" كأنه قال: وجب علي اليمين بالله لأن هذا الكلام قسم، و"أن تبايعا" يتعلق بعلى؛ أعني بما فيه من معنى الاستقرار. قوله: "تؤخذ" بنصب الذال بدل من قوله: "أن تبايعا" قوله: "كرهًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: تؤخذ أخذًا كرهًا، ويجوز أن يكون نصبًا على الحال؛ أي: تؤخذ كارهًا لذلك، قوله: "أو تجيء" بالنصب عطف على قوله: "تؤخذ"؛ لأنه إن لم يبايع كرهًا أو طوعًا، قوله: "طائعًا": نصب على الحال من الضمير الذي في تجيء. الاستشهاد فيه: في قوله: "تؤخذ" فإنه بدل من قوله: "أن تبايعا" بدل الجملة من الجملة، وهو من أقسام بدل الاشتمال (¬1). الشاهد الثالث عشر بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) أَقُولُ لَهُ ارحَلْ لَا تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا ... وإلا فَكُنْ فِي السِّرِّ وَالجهْر مُسْلِمًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "أقول": جملة من الفعل والفاعل، و"له": جار ومجرور يتعلق به، وقوله: "ارحل": مقول القول، قوله: "لا تقيمن": جملة مؤكدة بالنون وقعت بدلًا من قوله: "ارحل"، قوله: "وإلا" يعني: وإن لم ترحل، والفاء جواب الشرط، قوله: "مسلمًا": نصب على أنه خبر كان. ¬
الشاهد الرابع عشر بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لا تقيمن" فإنه جملة بدل عن جملة أخرى وهي قوله: "ارحل"، والثانية أظهر في إفادة المقصود (¬1). الشاهد الرابع عشر بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) إلى الله أَشكُو بِالْمَدينَة حَاجَةً ... وبالشام أُخْرَى كَيفَ يَلْتَقِيَانِ أقول: احتج به أبو الفتح وغيره ولم يعزه إلى أحد (¬4)، وقد قيل: إنه للفرزدق والله أعلم. [وهو من الطويل. المعنى ظاهر] (¬5). الإعراب: قوله: "إلى الله": جار ومجرو يتعلق بقوله: "أشكو"، والباء في: "بالمدينة" ظرف في محل النصب على أنه صفة لحاجة، والتقدير: أشكو حاجة كائنة في المدينة (¬6)، قوله: "وبالشام أخرى" أي: أشكو حاجة أخرى في الشام. الاستشهاد فيه: في قوله: "كيف يلتقيان" فإنه بدل من قوله: "حاجة وأخرى" كأنه قال: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقاؤهما، هكذا قدره أبو الفتح ابن جني (¬7). ¬
الشاهد الخامس عشر بعد التسعمائة
الشاهد الخامس عشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) كَأنِّي غَدَاةَ البَيِنْ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ... ................................ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه (¬3): ................................ ... لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنزِلِ ... ..................... قوله: "غداة البين" أي: الفراق. قوله: "لدى": بمعنى عند، و "السمرات": جمع سمرة وهي شجرة الطلح، قوله: "ناقف" بالنون وبعد الألف قاف ثم فاء، قال ابن فارس: ناقف الحنظل: الذي يستخرج الهبيد، قلت: الهبيد بفتح الهاء وكسر الباء الموحدة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره دال مهملة، وهو حب الحنظل (¬4). والمعنى: إني أبكي كناقف الحنظل؛ لأن ناقف الحنظل تدمع عيناه لحرارته. الإعراب: قوله: "كأني" للتشبيه، والضمير المتصل به اسمه، وقوله: "ناقف حنظل": كلام إضافي خبره، و"غداة البين": نصب على الظرف، "ويوم" -أيضًا- نصب على الظرف، و "تحملوا": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر بالإضافة، وقوله: "لدى" -أيضًا- ظرف مضاف إلى سمرات الحي. الاستشهاد فيه: في قوله: "يوم تحملوا" فإن البعض استدل به على أنه بدل كل من بعض، أعني أن قوله: "تحملوا" بدل من قوله: "غداة البين" ونفاه الآخرون وتأولوه (¬5). ¬
الشاهد السادس عشر بعد التسعمائة
الشاهد السادس عشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) لَمْيَاءُ في شَفَتَيهَا حُوُّةٌ لَعَسٌ ... .......................................... أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وتمامه (¬3): ................................ ... وفي اللِّثَاتِ وفي أنيابهَا شَنَبُ وهو من قصيدة طويلة بائية من البسيط، وأولها هو قوله: ما بَالُ عَينَيك مِنهَا الماءُ يَنْسَكِبُ ... كَأَنّهُ منْ كُلَى مُفْرِيَّة سَرَبُ [قوله: "من كلى مفرية" بالفاء؛ أي: من كلى قربة مقطعة، و"السرب" بفتح السين والراء؛ الماء السائل من المزادة ونحوها، وقال أبو عبيدة: ويروى: بكسر الراء، تقول: منه سربت المزادة تسرب سربًا فهي سربة إذا (¬4) سالت] (¬5). قوله: "لمياء": فعلاء من اللمى وهو سمرة في باطن الشفة وهو مستحسن، يقال: امرأة لمياء وظل ألمى: كثيف أسود، قوله: "حوة" بضم الحاء المهملة وتشديد الواو، وهي -أيضًا- حمرة في الشفتين تضرب إلى السواد، قوله: "لعس" بفتح اللام والعين المهملة وفي آخره سين مهملة، وهو -أيضًا- سمرة في باطن الشفة، يقال: امرأة لعساء. قوله: "وفي اللثات" بكسر اللام وتخفيف الثاء المثلثة؛ جمع لثة وهي معروفة، قوله: "شنب" بفتح الشين المعجمة والنون، قال الأصمعي: الشنب: برد وعذوبة في الأسنان، ويقال: هو تحديد الأسنان ودقتها. ¬
الإعراب: قوله: "لمياء" بالرفع خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي لمياء، قوله: "حوة": مبتدأ، و"في شفتيها": مقدمًا خبره، قوله: "لعس": بدل من حوة؛ بدل غلط، وذلك لأن الحوة السواد واللعس سواد تشوبه حمرة، قوله: "شنب": مبتدأ، و"في اللثات": خبره، و"في أنيابها": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "لعس" فإنه بدل غلط من قوله: "حوة" كما ذكرنا، وهذا حجة على المبرد حيث يدعي أن لا يوجد في كلام العرب بدل الغلط لا في النثر ولا في النظم، وإنما يقع في لفظ الغلاط (¬1). وأجاب بعضهم عن هذا بأن قوله: "لعس" مصدر وصفت به الحوة تقديره: "حوة لعساء" كما يقال: له حكم عدل، وقول فصل؛ أي: عادل وفاصل، ويقال: إن في البيت تقديمًا وتأخيرًا، التقدير: لمياء في شفتيها حوة، وفي اللثات لعس، وفي أنيابها شنب فافهم (¬2). ¬
الشاهد السابع عشر بعد التسعمائة
الشاهد السابع عشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيِنْ رِجْلٍ صحِيحَةٍ ... وَرِجْلٍ رَمَى فِيِهَا الزَّمَانُ فَشلَّتِ أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدته التي قالها في عزة، وهي من منتخباته، والتزم فيها ما لا يلزم، وذلك هو اللام التي قبل حرف الروي اقتدارًا على الكلام، وقوة في الصناعة، وما خرم ذلك إلا في بيت واحد وهو: فَمَا أَنْصَفت أمَّا النِّسَاء فَبغضَتْ ... إلَيّ وَأَمَّا بالنَّوَالِ فَضَنَّتِ وأول القصيدة هو هذا (¬3): 1 - خَلِيلَي هَذَا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا ... قُلُوصَيكُمَا ثُمَّ ابْكيَا حَيثُ حَلَّتِ وقد ذكرنا منها أبياتًا كثيرة في شواهد ظن وأخواتها (¬4). وقد اختلف في معنى البيت المذكور، فقال الأعلم: تمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها حتى لا يرتحل عنها، وقال ابن سيده: لما خانته عزة العهد فنزلت عن عهده وثبت هو على عهدها صار كذي رجلين؛ رجل صحيحة وهو ثباته على عهدها، وأخرى مريضة وهو زللها عن عهدها، وقال عبد الدايم: معنى البيت أنه بين خوف ورجاء وقرب وتناء (¬5). وقال غيرهم: تمنى أن تضيع قلوصه فيبقى في حي عزة؛ فيكون ببقائه في حيها كذي رجل صحيحة، ويكون في عدمه لقلوصه كذي رجل عليلة رمى فيها الزمان فأشلها، وقال ابن هشام اللخمي: هذا القول هو المختار والمعول عليه، وهو الذي يدل عليه ما قبل البيت (¬6). الإعراب: قوله: "وكنت" الواو للعطف، والضمير المتصل به اسم كان، وقوله: "كذي رجلين": ¬
خبره، قوله: "رجل" بالجر بدل من رجلين، و"صحيحة" بالجر صفتها، قوله: "ورجل" بالجر عطف على رجل الأولى، ويجوز نصب رجل في الموضعين على إضمار أعني، ويجوز رفعهما -أيضًا- على حذف المبتدأ، تقديره: إحداهما رجل صحيحة، والأخرى رجل رمى فيها الزمان. قوله: "رمى": فعل، و "الزمان": فاعله، والجملة في محل الجر صفة لرِجْل، ومفعول "رمى" محذوف تقديره: رمى فيها الزمان داء، قوله: "فشلت": عطف على رمى. الاستشهاد فيه: في قوله: "رجل صحيحة" فإن رجلًا نكرة وأبدلها من رجلين، وهي -أيضًا- نكرة، وعطف عليها الثانية، ولما جاء الثاني بلفظ الأول لم يكن بد من زيادة فائدة على ما تقدم، وهي الصفة، أعني: أن الرجل الأولى موصوفة بصحيحة، والرجل الثانية موصوفة بالجملة، ولما كان المبدل منه مثنى، وجب أن يؤتى باسمين حتى يستوفى حكمه، وكذلك الجمع -أيضًا- حكمه حكم هذا الحكم، تقول: جاءني أربعة محمد وعبد الله وجعفر وزيد على البدل، وهذا البدل يعرف ببدل المفصل من المجمل لأنك أجملت أولًا ثم فصلت آخرًا. فافهم (¬1). * * * ¬
شواهد النداء
شواهد النداء الشاهد الثامن عشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلَّغَنْ ... نَدَامَايِ مِن نَجْرَانَ أَنْ لَا تَلَاقِيَا أقول: قائله هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، شاعر جاهلي من شعراء قحطان، وفارس من فرسان قومه بني الحارث، مسود فيهم، وهو قائد يوم الكلاب الثاني إلى بني تميم، وأسر في ذلك اليوم، أسرته تيم الرباب، وكانوا يطلبونه بدم رجل منهم يقال له: النعمان بن جساس فأيقن أنه مقتول، فقال هذا الشعر ينوح به على نفسه، وأول القصيدة (¬3): 1 - ألا لا تلومَانِي كفى اللوم ما بيا ... فما لكما في اللَّومِ خير ولا ليا 2 - ألم تَعْلَمَا أنَّ الملامَةَ نفعُهَا ... قَليلٌ ومَا لومِي أخي مِن شمَالِيَا 3 - فيا راكبًا ............... ... ............................. إلى آخره 4 - أَبَا كَرِبٍ والأَيْهَمَيِنْ كِلَيهِمَا ... وَقَيسًا بِأَعْلَى حَضْرَ مَوْت اليَمَانِيَا وقال أبو الفرج: أسره فتى من بني عمير بن عبد شمس، وكان غلامًا أهوج، فانطلق به إلى أهله، فقالت له أم الغلام: من أنت؟ فقال: أنا سيد القوم، فضحكت وقالت: قبحك الله من ¬
سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج، فقال في جملة قصيدته (¬1): وتَضحَكُ مِني شَيخَةٌ عَبشَميَّةٌ ... كَأَنْ لَمْ تَرَيْ قَبلي أَسِيرًا يَمَانيًّا وهي من الطويل. قوله: "عرضت" أي: تعرضت؛ كذا فسره البعلي في شرح الجمل، وذكر بعض شراح أبيات المفصل أنه من عرض الرجل إذا أتى العروض وهي مكة والمدينة وما حولهما. قوله: "نداماي": جمع ندمان، قال ابن فارس: النديم: شريب الرجل الذي ينادمه، وهو ندمانه من المنادمة، ويقال: هي مقلوبة من المدامنة، وذلك إدمان الشراب [وفيه نظر] (¬2)، وناس يقولون: كان الشربيان يكون من أحدهما بعض ما يندم عليه؛ فلذلك سميا نديمين (¬3)، قوله: "أبا كرب" أبو كرب، و"الأيهمان" رجال من اليمن، و"قيس" هو ابن معدي كرب، وأبو قيس ابن: الأشعث الكندي. الإعراب: قوله: "أيا راكبًا" ويروى: فيا راكبًا، وأيا: حرف نداء، وهي مثل يا إلا أنها لا تستعمل إلا والمنادى مذكور، "وراكبًا": منصوب به لأنه نكرة غير مضافة ولا شبيهة بالمضاف. قوله: "إما عرضت" أصل "إما": إن ما، فإن حرف شرط، وما زائدة، أدغمت النون في الميم لقربهما في المخرج، وقوله: "عرضت": فعل الشرط جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف، أي: إن عرضت العروض؛ أي: بلغتها (¬4). قوله: "فبلغن" الفاء للجزاء، "وبلغن": فعل وفاعله مستتر فيه، وهو أنت، والنون نون التأكيد الخفيفة، قوله: "نداماي": كلام إضافي تقديره النصب على أنه مفعول فبلغن، قوله: "من نجران" المضاف فيه محذوف، أي: من أهل نجران، ومحله النصب على أنها صفة لنداماي (¬5). قوله: "ألا تلاقيا" ألا أصله: أن لا، فأن زائدة (¬6)، ولا لنفي الجنس أدغمت النون في اللام لقرب مخرجهما، و"تلاقيا": اسم لا وهو مبني على الفتح، وخبرها محذوف تقديره: ¬
أن لا تلاقي لنا، وألفه للإطلاق، والجملة في محل النصب مفعول ثان لقوله: "فبلغن"، وقال البطليوسي (¬1): أن مخففة من الثقيلة، واسمها مضمر فيها، وتقديره: أن لا تلاقي، فخبر لا التبرئة محذوف، والجملة في موضع خبر إن. الاستشهاد فيه: في قوله: "أيا راكبًا" حيث نصب راكبًا؛ لأنه منادى مفرد نكرة، وقال أبو عبيدة: أراد: أيا راكباه للندبة، فحذف الهاء؛ كقوله تعالى: {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84]، ولا يجوز [يا راكبًا] (¬2) بالتنوين لأنه قصد به راكبًا بعينه (¬3)، وإنما جاز أن يقال: يا رجلًا بالتنوين إذا لم يقصد به رجل بعينه، وأريد به واحد ممن له هذا الاسم. فإن قيل: حرف النداء يفيد التعريف بالاتفاق ومع ذلك كيف يدخل على المفرد النكرة ويبقى على تنكيره بعد دخوله؟ فيلزم من هذا أحد أمرين: إما خلو حرف النداء عن التعريف، وذلك خلاف الإجماع، وإما زوال التنكير بعد دخول حرف النداء، وذلك يستلزم: انتفاء كون المنادى مفردًا نكرة. قلتُ: المنادى يبقى على تنكيره بعد دخول حرف النداء؛ كما أن تعريفه يزيل تعريف العلمية في: يا زيد على أحد التأويلين، وقولهم: حرف النداء يفيد التعريف محمول على عدم المعارض فافهم (¬4). ¬
الشاهد التاسع عشر بعد التسعمائة
الشاهد التاسع عشر بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) يَا حَكَمَ بْنَ المنذِرِ بْنِ الجَارُود ... سُرَادِقُ المجدِ عَلَيكَ مَمْدُودْ أقول: قائله هو رؤبة، قال الجوهري (¬3): والصحيح أنه راجز من بني الحرماز، وبعد الشطر الأول: ................................ ... أَنْتَ الجَوادُ ابنُ الجَوَادِ المحمُود وهو من الرجز المسدس. قوله: "سرادق المجد" أي: العز والعظمة، والسرادق بضم السين المهملة يسمى بالفارسية: سرايرده. الإعراب: قوله: "يا حكم" يا حرف نداء، و"حكم بن المنذر": منادى مفتوح، ويجوز فيه الضم على ما يجيء الآن، قوله: "ابن الجارود" بالجر لأنه صفة المنذر، قوله: "سرادق المجد": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "ممدود"، و"عليك" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا حكم بن المنذر" فإن حكم منادى علم موصوف بابن مضاف إلى علم، فيجوز فيه الضم على الأصل، والفتح على الاتباع والتخفيف؛ كما في قولك: يا زيدَ بنَ سعيد، يجوز فيه الوجهان، وقال المبرد: الضم أولى ثم أنشد البيت المذكور بالفتح، ثم قال: ولو قال: يا حكمُ بنُ المنذر يعني بالضم كان أجود (¬4). ووافقه ابن مالك على ذلك (¬5)، وهذا مخالف لقول الجمهور من البصريين؛ فعندهم أن الفتح أرجح لأنه أخف (¬6). ¬
الشاهد العشرون بعد التسعمائة
الشاهد العشرون بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) سَلامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيهَا ... وَلَيسَ عَلَيكَ يَا مَطَرُ السَّلَامُ أقول: قائله هو الأحوص، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الكلام في أول الكتاب (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "يا مَطَرٌ" حيث نونه للضرورة، وقد علم أن المنادى المفرد المعرفة يستحق البناء على الضم، ثم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه جاز ذلك للضرورة، فإذا نونه فله أن يضمه وله أن ينصبه، وقد ضمه هاهنا كما نصبه الشاعر في البيت الآتي (¬4). الشاهد الحادي والعشرون بعد التسعمائة (¬5) , (¬6) ضَرَبَتْ صَدْوَهَا إِلَيَّ وَقَالت ... يَا عَدِيًّا لَقَدْ وَقَتْكَ الأَوَاقِي أقول: قائله هو المهلهل واسمه امرؤ القيس (¬7)، وكان أصل ذلك أن مهلهلًا أسره عمرو بن مالك، فطلبت أمه وخالته إلى عمرو في ذلك أن يدع مهلهلًا ففعل، ففي ذلك يقول مهلهل يتغزل في ابنة المجلل (¬8): ¬
1 - طَفْلَةٌ مَا ابنَةُ المُجَلِّلِ بَيضا ... ءُ لَعُوبٌ لَذِيذَةٌ فيِ العنَاقِ 2 - ظَبيَة مِنْ ظِبَاءِ وَجْرَةَ تَعْطُو ... ويَداهَا في ناضرِ الأَوْرَاقِ 3 - ضرَبَتْ صَدْرَهَا ......... ... .......................... إلى آخره 4 - ارحلِي ما إليكَ غَيرَ بَعيدٍ ... لَا يُؤَاتي العنَاقُ مَنْ فيِ الوَثَاق 5 - مَا أرجى فيِ العيشِ بَعْدَ ندامَى ... قدْ أَراهُم سُقُوا بكَأْس حلَاقِ 6 - بَعْدَ عَمْرو وَعَامِرٍ وحُيَيِّ ... ورَبيع الصدوفِ وابْنَي عَنَاقِ 7 - وَكُلَيبٍ سُمّ الفَوَارِسِ إذ عَيَّ ... رُمَاةُ الكُمَاة بالإيفَاقِ 8 - إنَّ تحتَ الأَحْجَارِ حَزْمًا وجُودًا ... وَخَصِيمًا ألدَّ ذَا مِعْلَاقِ 9 - حَيَّةٌ في الوَجَار أربدُ لا تنـ ... ـفَعُ منهُ السليمَ نَفْثَةُ رَاق وهي من الخفيف. 1 - قوله: "طفلة" بفتح الطاء؛ أي: ناعمة، وقيل: رخصة اليدين، وقيل: رخصة على الإطلاق، وبكسر الطاء: صغيرة يقال: طِفْلةٌ طَفلةٌ. 2 - قوله: "وجرة" بفتح الواو وسكون الجيم؛ اسم موضع، قوله: "تعطو" أي: تتناول. 3 - قوله: "ضربت صدرها" يعني: متعجبة من حالي إلى هذه الغاية مع ما لقيت من الحروب والأسر والخروج عن الأهل، وهو من فعل النساء، قوله: "وقتك": من وقى يقي وقاية أي: حفظ، و"الأواقي": جمع واقية وهي الحافظة، والأصل: وواقي، فأبدلت الواو الأولى همزة فصار: أواقي (¬1). 5 - قوله: "ندامى": جمع ندمان بمعنى النديم، قوله: "حلاق" بكسر الحاء المهملة، وهي المنية لأنها تحلق من حلت به. 6 - قوله: "والصدوف" بفتح الصاد المهملة وفي آخره فاء؛ اسم فرس الربيع الذي أضيف إليها، وقيل: اسم امرأة (¬2). 7 - قوله: "الكماة": جمع كام، وهو الكمي المتغطي بالسلاح، قوله: "بالإيفاق" بكسر الهمزة وسكون الياء آخر الحروف بعدها ألف وبعد الألف قاف، وهو إيتار السهم ليرمى به؛ من ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد التسعمائة
أوفقت السهم إذا وضعته على فوقه. 8 - قوله: "معلاق" بالعين المهملة، وهو اللسان البليغ، وبالمعجمة: الذي يغلق باب الحجة عن خصمه. 9 - قوله: "في الوجار" بكسر الواو وفتحها وبالجيم؛ جحر الضبع، ويستعار لغيرها، قوله: "أربد" بالراء وبالباء الموحدة، يقال: حية أربد وهي التي يضرب لونها إلى السواد، و"السليم": اللديغ، و"الراقي": الذي يرقي. الإعراب: قوله: "ضربت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى ابنة المجلل المذكورة في أول القصيدة، وقوله: "صدرها": كلام إضافي مفعوله، قوله: "إليَّ" يعني: لي، وهو في موضع النصب على الحال من الضمير الذي في ضربت، والتقدير: ضربت صدرها حال كونها مخاطبة لي، قوله: "وقالت": فعل وفاعل، وقوله: "يا عديًّا .... إلى آخره": مقول القول، قوله: "لقد وقتك" اللام للتأكيد، وقد للتحقيق، "ووقتك": جملة من الفعل والمفعول، و"الأواقي": فاعله. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا عديًّا" فإن الشاعر لما اضطر نون عديًّا الذي هو منادى مفرد معرفة، ثم لما نونه نصبه تشبيهًا بالمضاف (¬1). الشاهد الثاني والعشرون بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) لَيتَ التحِيةَ كَانَتْ لِي فَأَشْكُرَهَا ... مَكَانَ يَا جَمَلٌ حُيِّيتَ يَا رَجُلُ أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة لامية من البسيط، وأولها هو قوله (¬4): 1 - حَيّتكَ عَزَّةُ بَعْدَ الهَجْرِ وانْصَرَفَتْ ... فَحَي وَيْحَكَ مَن حَياكَ يَا جَمَلُ الأصل فيه أن عزة هجرت كثيرًا وحلفت أن لا تكلمه، فلما تفرق الناس من مِنًى لقيته ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد التسعمائة
فحيت الجمل ولم تحيه، فقال: "حَيَّتْكَ عَزَّةُ ....... إلى آخره". وبعده: 2 - لَوْ كُنْتَ حَييتَهَا مَا زِلْتَ ذَا مِقَةٍ ... عِنْدِي ولا مَسَّكَ الإدْلَاج والعملُ 3 - فَحَنَّ مِنْ وَلَهٍ إِذْ قُلْتُ ذَاكَ لَهُ ... وظَلّ مُعْتَذِرًا قَدْ شَفَّهُ الخجَلُ 4 - وَرَدَّ مِنْ جَزعٍ مَا كُنْتُ أَعْرِفُهَا ... وَرَامَ تَكلِيمَهَا لَوْ تَنْطِقُ الإِبِلُ (¬1) 5 - لَيتَ التَّحِيَّةَ ................. ... ..................... إلى آخره [الإعراب: قوله: "] (¬2) ليت": كلمة تمنّ تتعلق بالممكن والمستحيل، و"التحية" بالنصب اسمه، وقوله: "كانت لي": خبره، قوله: "فأشكرها" بنصب الراء لأنه جواب تمن؛ أي: فأن أشكرها، والفاء للجزاء، والتقدير: إن كان لي تحية فأشكرها، قوله: "مكان": نصب على الظرفية، والعامل فيه فعل محذوف، والتقدير: ليت التحية كانت لي فأشكرها، فعوضت مكان حييت يا جمل: حييت يا رجل، وحذف -أيضًا- حييت الأول لدلالة الثاني عليه، وقوله: "يا رجل" بالضم بلا تنوين لأنه منادى مفرد معرفة. والاستشهاد فيه: في قوله: "يا جمل" حيث نونه مضمومًا ويروى: يا جملًا بالنصب، والمشهور الضم (¬3). الشاهد الثالث والعشرون بعد التسعمائة (¬4) , (¬5) أعَبدًا حَلَّ في شُعَبَى غَرِيبًا ... أَلُؤمًا لَا أَبَا لَكَ واغْتِرَابًا أقول: قائله هو جرير، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المفعول المطلق (¬6). ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد التسعمائة
والاستشهاد فيه: في قوله: "أعبدًا" فإنه نون عبدًا وهو منادى مفرد معرفة، نونه للضرورة ثم نصبه؛ كما في قوله: "يا عديًّا" في البيت المذكور آنفًا (¬1). الشاهد الرابع والعشرون بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) فَيَا الغُلَامَان اللذَانِ فَرَّا ... إيَّاكُمَا أَن تَكْسِبَانَا شَرًّا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرجز وفيه الخبن والكسف بالسين المهملة. الإعراب: قوله: "فيا" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، ويا حرف نداء، و"الغلامان": منادى، قوله: "اللذان": موصول، و"فرا": صلته، والموصول مع صلته صفة للغلامان. قوله: "إياكما": تحذير، أن تكسبانا" أي: من أن تكسبانا، و"أن" مصدرية، والتقدير: من كسبكما إيانا، وكسبه أفصح من أكسبه، قوله: "شرًّا": مفعول ثان لتكسبانا، ويروى: إياكما أن تكتمانا سرًّا بكسر السين المهملة وتشديد الراء. الاستشهاد فيه: في قوله: "الغلامان" فإنه جمع فيه بين حرف النداء وبين الألف واللام للضرورة، وقال ابن يعيش: الصفة والموصوف كالشيء الواحد فصار حرف النداء كأنه باشر (اللذان) (¬4). ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والعشرون بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) إني إِذَا مَا حَدَثٌ ألَمَّا ... أَقُولُ يا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا أقول: قائله هو أبو خراش الهذلي، وقبله: إِنْ تَغْفِر اللَّهُمَّ تغْفِر جَمًّا ... وَأَيُّ عَبدٍ لَكَ لَا ألَمَّا وهي من الرجز المسدس. قوله: "حدث" بفتحتين، وهو الأمر الذي يحدث من مكاره الدنيا، قوله: "ألما" أي: نزل، وأصله: "ألمَّ بي" من قولك: ألممت بالرجل إذا نزلت به، ومنه الملمة وهي النازلة من نوازل الدنيا. الإعراب: قوله: "إني" الضمير المتصل به اسم إن، وخبره قوله: "أقول"، قوله: "إذا" للظرف، والعامل فيه "أقول"، وما زائدة، "وحدث" مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر تقديره: إذا ألم حدث أقول يا ألله يا ألله، قوله: "يا اللَّهم" يا حرف نداء، واللَّهم أصله: يا ألله؛ فعوضت الميم عن حرف النداء، ولا يجمع بينهما إلا في الضرورة كما في البيت، وقال الكوفيون: أصله: يا ألله أمنا بخير، وهذا لا يصح من وجوه: الأول: أنه لو كان كذلك لكثر الجمع بينهما ولم يخص بالضرورة. والثاني: أنه يصح أن يقع بعدها الاسم أمنا بخير. والثالث: أنه لو كان كذلك لجاز أن يقال: يا ألله أمنا ارحمنا بغير عطف؛ كما يقال: اللهم ارحمنا. الرابع: أنه لو كان كذلك لجاز باطراد أن يقال: اللهم وارحمنا بالعطف؛ كما يقال: اللهم أمنا بخير وارحمنا، قوله: "يا اللهما": تأكيد للأول (¬3). ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "يا اللَّهم" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض للضرورة كما قلنا (¬1). الشاهد السادس والعشرون بعد التسعمائة (¬2) , (¬3) ألا أيُّهذا الباخعُ الوَجدُ نفسَهُ ... لشيءٍ نَحَتْهُ مِنْ يَدَيْهِ المقَادِرُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وهو من قصيدة طويلة من الطويل يمدح بها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (¬4) - رضي الله عنه -، وأولها هو قوله (¬5): 1 - لِميَّةَ أَطلَالٌ بِحُزْوَى دَوَاثِرُ ... عَفَتْهَا السَّوَافيِ بَعْدَنَا والمواطِرُ 2 - كأَنَّ فُؤَادِي هَاض عِرفَانَ رَبْعِهَا ... بِهِ وَعْيَ سَاقٍ أَسْلَمَتْهَا الجبائِرُ إلى أن قال: 3 - ألا أيّهذا الباخعُ ............... ... ................. إلى آخره 1 - قوله: "أطلال": جمع طلل وهو ما شخص من آثار الدار، و"حزوى" بضم الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو اسم موضع، وقوله: "عفتها" أي: محتها ودرستها، و"السوافي "بالفاء؛ هي الرياح التي تسفي التراب، و"المواطر": جمع ماطرة. 2 - قوله: "هاض" بالضاد المعجمة؛ من هاض العظم كسره، بعد جبر، قوله: "وعي ساقه" الوعي: الجبر، والجبائر: جمع جبيرة. 3 - قوله: "الباخع" بالخاء المعجمة والعين المهملة، يقال: بخع إذا هلك. و"الوجد": الحزن وشدة الشوق، قوله: "نحته" بالنون والحاء المهملة والتاء المثناة من فوق؛ أي: صرفته عن يديه، و"المقادر": جمع مقدرة، وأراد بها التقادير. الإعراب: قوله: "ألا": حرف تنبيه، و"أيهذا": منادى، وحرف النداء محذوف تقديره: ألا يا أيهذا، ¬
وهذا في محل الرفع صفة المنادى. قوله: "الباخع": رفع صفة، بعد صفة، والألف واللام فيه بمعنى الذي تقديره: يا أيها الذي بخع الوجد نفسه؛ فالوجد مرفوع لأنه فاعل اسم الفاعل؛ فلا ضمير في: الباخع نفسه حينئذ، ويروى: بنصب الوجد على التعليل، أي: الباخع بنفسه لأجل الوجد؛ فحينئذ يكون في الباخع ضمير مستتر هو فاعله تقديره: الباخع هو نفسه لأجل الوجد. قوله: "لشيء": جار ومجرور يتعلق بقوله: "نحته"، والجملة أعني: قوله: "نحته المقادر" في محل الجر لأنها صفة لقوله "شيء"، وأصل المقادر: المقادير بالمد إلا أنها خففت بالحذف للتخفيف ورعاية للقافية. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا أيهذا" حيث وصف المبهم الذي هو أي باسم الإشارة فقال: أيهذا، ووصف اسم الإشارة بما فيه أل وهو قوله: "الباخع" (¬1). ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد التسعمائة
الشاهد السابع والعشرون بعد التسعمائة (¬1) , (¬2) يَا أيُّهَا الجَاهلُ ذُو التَّنَزِّيّ ... ................................ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وتمامه: ................................ ... لَا تُوعدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ قوله: "ذُو التَّنَزِّيّ" بفتح التاء المثناة من فوق والنون وتشديد الزاي المعجمة المكسورة، وهو نزع الإنسان إلى الشر، وأصله: من نزأت بين القوم إذا حرشت بينهم، قوله: "بالنكز" بفتح النون وسكون الكاف وفي آخره زاي معجمة؛ من نكزت الحية بأنفها، وقال ابن فارس: النكز بالشيء المحدود كالغرز (¬3). الإعراب: قوله: "يا أيها الجاهل" يا حرف نداء، وأي منادى، وها تنبيه، والجاهل صفة، وها تنبيه، و"ذُو التَّنَزِّيّ": كلام إضافي صفة الجاهل. الاستشهاد فيه: أنه وصف: "أيا" بما فيه أل، ووصف ما فيه أل بمضاف إلى ما فيه أل (¬4)، وقال أبو حيان: رفع ذو التنزي لأنه تابع لصفة، فدل على أن الوصف للمفرد مرفوع لا مضموم؛ فانفصل عن ذلك. وقال أبو الحسن: "الجاهل" صلة لأي، وليس بصفة، والتقدير عنده: يا أيها هو الجاهل ذو التنزي، فالحركة فيه ليست حركة إتباع، فيكون في موضع نصب؛ بل حركته إعراب لأنه خبر المبتدأ المحذوف، ونعت المرفوع مرفوع (¬5). ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد التسعمائة
الشاهد الثامن والعشرون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يَا زَيدُ زَيْدَ اليَعْمُلَاتِ الذُّبَّلِ ... تَطَاوَلَ الليْلُ عَلَيكَ فَانْزِلِ أقول: قائله هو بعض ولد جرير، وقال النحاس: قائله عبد الله بن رواحة الأنصاري - رضي الله عنه - (¬3). وهو من الرجز المسدس. وأراد بزيد زيد بن أرقم، و"اليعملات" بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة؛ جمع يعملة وهي الناقة القوية الحمولة، وإنما أضاف زيدًا إلى اليعملات لأنه كان يحدو لها، ولهذا قال: ................................ ... تَطَاوَلَ الليْلُ عَلَيكَ فَانْزِلِ أي: انزل عن ظهرها واحْدُ لها فقد تطاول الليل، و"الذبل" بضم الذال المعجمة وتشديد الباء الموحدة، جمع ذابل بمعنى الضامر؛ كرُكَّع جمع راكع. الإعراب: قوله: "يا": حرف نداء، قوله: "زيد" يجوز فيه الوجهان: النصب على تقدير: يا زيد اليعملات، لأنه يكون منادى مضاف، والضم لأنه منادى مفرد معرفة، وأما زيد الثاني فهو منصوب على الوجهين لأنه تأكيد للأول، وقوله: "الذبل" بالجر صفة اليعملات، قوله: "تطاول": فعل و"الليل": فاعله، قوله: "فأنزل": جملة من الفعل والفاعل معطوفة بالفاء على ما قبلها. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا زيد زيد" حيث وقع المنادى في حال الإضافة مكررًا، ويجوز في الأول الوجهان الضم والفتح، ويجب النصب في الثاني؛ كما بينا (¬4). ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد التسعمائة
الشاهد التاسع والعشرون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يَا ابْنَ أُمِّي وَيا شُقَيّقَ نَفْسِي ... أَنْتَ خَلَّيتَنِي لدَهْرٍ شَدِيدِ أقول: قائله هو أبو زبيد (¬3)، واسمه: حرملة بن المنذر (¬4)، وقد ترجمناه فيما مضى، وهذا البيت من شعر يرثي به أخاه، وأوله: 1 - إِنَّ طُولَ الحياةِ غَيرُ سعُودِ ... وَضَلَالٌ تَأْمِيلُ نَيلِ الخُلُودِ 2 - عُلِّلَ المَرْءُ بِالرَّجَاءِ ويُضْحِي ... غرَضًا للمَنُونِ نَصْبَ العُودِ 3 - كلّ يَوْمٍ تَرْمِيهِ منهَا برَشْقٍ ... فَمُصِيبٌ أَوْصَافَ غَيْرَ بَعِيدٍ 4 - كُل مَيْتٍ قَدْ اغْتَفَرْتُ فَلَا ... أوْجَعَ منْ والِدٍ ولَا مولودِ 5 - غيرَ أَنَّ اللَّجْلَاجَ هَزَّ جَنَاحِي ... يَوْمَ فَارَقْتُهُ بِأَعْلَى الصَّعِيدِ 6 - عن يَمِيِن الطرِيقِ عِنْدَ صَدّى ... حَرَّانَ يَدْعُو بالوَيلِ غيرَ مَقُودِ 7 - صَاديًا يسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... ولَقَدْ كَانَ عصْرَةَ المنْجُودِ 8 - يا ابن أمي ................ ... ........................ إلخ وهي من الخفيف. قوله: "شقيق": تصغير شقيق، تصغير ترخيم [معناه] (¬5) يا أخا نفسي، قوله: "لدهر" الدهر: الأمد الممدود، والمعنى: يا ابن أمي ويا أخا نفسي أنت خليتني لأمر شديد أكابده وحدي وقد كنت لي ظهرًا عليه وركنًا أستند إليه، فأوحشني فقدك وأتلف حالي بعدك. الإعراب: قوله: "يا ابن أمي" يا حرف نداء، و"ابن أمي": منادى مضاف، و "يا شقيق نفسي": عطف عليه، قوله: "أنت": مبتدأ و"خليتني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل ¬
الشاهد الثلاثون بعد التسعمائة
الرفع على الخبرية، قوله: "لدهر" يتعلق بها، و"شديد": صفة لدهر. الاستشهاد فيه: في إثبات الياء في "أمي"، والأصل هو إثبات الياء في المضاف إلى ياء المتكلم إذا نودي المضاف إلا في: يا ابن أمي، ويا ابن عمي، وذلك لكثرة الاستعمال فيهما خصا بالتخفيف بحذف الياء وبقاء الفتحة، وقد أثبتها الشاعر هنا لأجل الضرورة، وقد جوزوا في هذا خمسة أوجه: الأول: أيا ابن أميَ بتحريك الياء. والثاني: يا ابن أمي بتسكين الياء. والثالث: يا ابن أما؛ على قلب الكسرة فتحة فتنقلب الياء ألفًا. الرابع: يا ابن أم، على حذف الياء. الخامس: يا ابن أم، على وجهين أحدهما: أن يكون الأصل: يا ابن أما، فحذفت الألف؛ كما تحذف الياء فبقي: يا ابن أم، والوجه الثاني: أن يبنى الاسمان على الفتح بناء خمسة عشر بعد أن ينوي الإفراد في كل واحد منهما، حتَّى كأنهما لم يكونا مضافين ثم يقع البناء بعد ذلك، وإنما جاز البناء فيهما لكثرة الاستعمال (¬1). الشاهد الثلاثون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تَلُومِي وَاهْجَعِي ... .......................................... أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - قَدْ أَصْبَحَتْ أُمِّ الخيَارِ تَدَّعِي ... عَلَيَّ ذَنْبًا كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ ¬
2 - مِن أَنْ رَأَت رَأسِي كرَأْسِ الأَقْرَعِ ... ميزْ عَنْهُ قُنْزُعًا عن قَنْزَغَ 3 - جَذَبُ الليَالِي أبطئي أَوْ أَسْرِعِي ... أَفْنَاهُ قيلَ اللهُ للشَّمْسِ اطْلُعِي 4 - حَتَّى إِذَا واراك أُفقٍ فارجَعِي ... حتَّى بدَا بَعْدَ السُّخَامِ الأَقْرَعِ 5 - جَرّ بكِرْشِ الأخْرجِ الهَجَنَّعِ ... يَمْشِي كَمَشْي الأَهْدَأ المُكَنَّعِ 6 - يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تَلُومِي وَاهْجَعِي ... لَا يَخْرِقُ اللومُ حجَابَ مسمعي 7 - ألَمْ يَكُنْ يَبيَضُّ مَا لَمْ يَصْلَعِ ... ................................ 1 - قوله: "أم الخيار" اسم امرأته، وذكر في غالب شروح تلخيص المفتاح أن أم الخيار اسم محبوبته، وليس كذلك، قوله: "كله" يروى بالرفع والنصب؛ فالرفع مبتدأ، و"لم أصنع" خبره، والنصب مفعول لم أصنع. 2 - قوله: "الأقرع"، ويروى: الأصلع، وكلاهما واحد، و"القنزع" والقنزعة: واحدة القنازع وهو شعر حوالي الرأس. 3 - قوله: "قيل الله" أي: قول الله. 4 - قوله: "السُّخَامِ" بضم السين المهملة وبالخاء المعجمة، يقال: شعر سخام إذا كان لينًا وهو من السخمة وهو السواد. 5 - و"الأخرج": الَّذي له لونان من بياض وسواد، يقال: كبش أخرج وظليم أخرج، قوله: "الهجنع" بتشديد النون، وهو الطويل الضخم، و"الأهدأ" بالهمزة في آخره، يقال: رجل أهدأ؛ أي: أحدب، و"المكنع" بالنون من التكنيع وهو التقبض، و"الصلع": ذهاب شعر الرأس. 6 - قوله: "يا ابنة عمّا" خاطب به امرأته أم الخيار المذكور فيما مضى وهي ابنة عمه، و"اهجعي": من الهجوع وهو النوم بالليل خاصة، يقول لها: يا ابنة عما دعي لومي على صلع رأسي فإنه كان يشيب لو لم يصلع. الإعراب: قوله: "يا": حرف نداء، و"ابنة عما": منادى مضاف، قوله: "لا تلومي": جملة من الفعل والفاعل، وحذف النون منه علامة للجزم، قوله: "واهجعي": أمر عطف على النهي.
الشاهد الحادي والثلاثون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في إثبات الألف في: "يا ابنة عما" وإبدالها من الياء؛ إذ أصله: يا ابنة عمي (¬1). الشاهد الحادي والثلاثون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يَا أمَّتَا أَبْصَرَنِي رَاكِبٌ ... يَسِيرُ في مُسْحَنْفِرٍ لَاحِبِ فَقُمْتُ أخْشِي التربَ في وَجْهِهِ ... عمدًا وأَحْمِي حَوْزَةَ الغَائِبِ أقول: قالت هذا صبية من بنات العرب، وكان بعلها قد غاب عنها، فبينما هي إذ مر بها راكب فطمعت نفسه في الفجور بها، فكلمها في ذلك فحثت التراب في وجهه، وامتنعت عنه، ثم أخبرت بذلك أمها، وأنشدت البيتين، وقالت: (يا أمتا ... ) إلى آخره. وهما من الرجز (¬4)، فردت عليها أمها، وقالت [من السريع]: الحِصْنُ أدنى لوْ تَأييتهُ ... من حثيكِ التربَ عَلَى الرَّاكِبِ قول الأم: "الحصن": الحصانة، قولها: "لو تأييته" بالمد؛ أي: تعمدته. قول البنت: "في مسحنفر" أي: طريق ماض ممتد، ومادته: ميم وسين مهملة وحاء ونون وفاء وراء، قولها: "لاحب" بالحاء المهملة؛ أي: بين واضح ظاهر، قولها: "أحثي": من حثى يحثي حثيًا، وكذلك: حثى يحثو حثوًا، و"الترب": التراب، وقولها: "وأحمي" أي: أحفظ حوزة الغائب، أي: ناحيته، قال ابن فارس: الحوز والحوزة: الناحية، ثم أنشد هذا البيت (¬5)، ويقال: فلان يحمي حوزة الغائب؛ أي: يمنع من يريده بسوء. الإعراب: قوله: "يا أمتا" يا حرف نداء، و"أمتا": منادى، قولها: "أبصرني": جملة من الفعل والمفعول، و"راكب": فاعله، قولها: "يسير في مسحنفر": جملة وقعت صفة لراكب، قولها: "لاحب" بالجر صفة لقولها: "مسحنفر". قولها: "فقمت" ويروى: فظلت، قولها: "أحثي الترب": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا من الضمير الَّذي في "قمت"، قولها: "عمدًا" أي: قصدًا، نصب على ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد التسعمائة
الحال بمعنى عامدة، قولها: "وأحمي": عطف على "أحثي"، و"حوزة الغائب": كلام إضافي مفعول أحمي. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا أمتا" حيث أبدلت تاء التأنيث من ياء المتكلم وأتت بالألف لمد الصوت (¬1). الشاهد الثاني والثلاثون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَن فُلِ ... .................................... أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة، وهي من قصيدة مرجزة طويلة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - الحَمْدُ لله الوَهُوبِ المُجْزِلِ ... أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ إلى أن قال: 2 - تُثِيرُ أَيْدِيَهَا عَجَاجُ القَسْطَلِ ... إذا عَصَبَتْ بالعَطَنِ المغَرْبِلِ وقد ذكرنا أبياتًا كثيرة منها في أثناء الكتاب، يصف إبلًا أقبلت، وقد أثارت أيديها الغبار لكثرتها. 2 - و"القسطل": الغبار. 3 - قوله: "في لجة" اللجة -بفتح اللام- اختلاط الأصوات في الحرب، واللجة بالضم معظم الماء، والمراد هاهنا هو الأول، قوله: "عن فل" أي: عن فلان، وفلان كناية عن أسماء الأعلام نحو: زيد وعمرو؛ كما أن هناه كناية عن المنكرات، شبه تزاحم الإبل ومدافعة بعضها بعضًا بقوم شيوخ في لجة دفع بعضهم بعضًا، فيقال: أمسك فلانًا عن فلان؛ أي: أحجز بينهم، وخص الشيوخ لأن الشباب فيهم التسرع إلى القتال فلذلك قال: ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد التسعمائة
تُدَافِعِ الشَّيبَ ولَمْ تُقَتَّلِ ... ................................... أي: لم تقتل هذه الإبل وهي في ازدحام، ولا يقاتل كالشيوخ. الإعراب: قوله: "في لجة": جار ومجرور يتعلق بقوله: "تدافع الشيب" قوله: "أمسك فلانًا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها مفعول لمحذوف تقديره: في لجة مقول فيها أمسك فلانًا، وقوله: "عن فل" أي: عن ذكر فلان، و "عن" للمجاوزة. الاستشهاد فيه: فإنه مرخم في غير النداء للضرورة (¬1). الشاهد الثالث والثلاثون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) أُطَوِّفُ مَا أُطَوِّفُ ثُمَّ آوي ... إِلَى بَيْت قَعِيدتُهُ لَكَاعِ أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس، وقد تقدم الكلام فيه مستوفى في شواهد الموصول (¬4). والاستشهاد فيه هاهنا: استعمال: "لكاع" في غير النداء للضرورة (¬5). ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد التسعمائة
الشاهد الرابع والثلاثون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظيمًا فَاصْطَبَرْتَ لَهُ ... وقُمتَ فِيهِ بِأَمْرِ الله يَا عُمَرَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، يرثي به عمر بن عبد العزيز الأموي - رضي الله عنه - لما نعي، وأوله: نَعَى النَّعَاةُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ لَنَا ... يَا خَيرَ مَنْ حَجَّ بَيتَ الله واعْتَمَرَا حُمَّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاضْطَلَعْتَ لَهُ ... ...................... إلى آخره هكذا روى المبرد هذا الشطر (¬3)، وبعده: فالشَّمْسِ طَالِعَةٌ لَيسَتْ بِكَاسِفَةٍ ... تَبْكِي عَلَيكَ نُجُومَ الليلِ والقَمَرَا قوله: "النعاة" بضم النون؛ جمع ناعٍ وهو الَّذي يأتي بخبر الموت، قوله: "فاضطلعت به" من قولهم: فلان مضطلع بهذا الأمر؛ أي: قوي عليه، وهو مفتعل من الضلاعة، ولا يقال: "مطلع". الإعراب: قوله: "حملت" على صيغة المجهول، والتاء فيه مفعول ناب عن الفاعل، وقوله: "أمرًا" مفعول ثان، و"عظيمًا" صفته، قوله: "فاصطبرت" جملة معطوفة على الجملة الأولى ومحل "له" نصب على المفعولية، قوله: "وقمت": جملة -أيضًا- معطوفة، وكلمة: "في"، "والباء" كليهما يتعلق بقمت. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا عمرَا" فيا حرف نداء، وعمرا: منادى مندوب لأن الألف فيه للندبة، والهاء تزاد في الوقف لخفاء الألف، فإذا وصلت لم تزدها فقلت: يا عمرا ذا الفضل، فإذا وقفت، قلت: يا عمراه، وإنما حذف الشاعر الهاء لاستغنائه عنها (¬4). ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والثلاثون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) ذَا ارْعِوَاءً فَلَيسَ بَعْدَ اشْتِعَالِ الرْ ... أْسِ شَيبًا إلى الصِّبَا مِنْ سَبِيلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "ارعواء": من ارعوى عن القبيح إذا رجع، يقال: فلان حسن الرعو والرعوى، قوله: "اشتعال" بالعين المهملة؛ كما في قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْئًا} [مريم: 4]. الإعراب: قوله: "ذا": اسم إشارة منادى، وحرف النداء محذوف؛ أي: يا ذا ارعواء، و"ارعواء": نصب على المصدر، وتقديره: يا ذا ارعو ارعواءً، ويجوز أن يكون مفعولًا به، تقديره: يا ذا افعل ارعواء، ونحو ذلك. قوله: "فليس" الفاء فيه للتعليل، واسم ليس هو قوله: "سبيل"، وكلمة "من" زائدة، تقديره: فليس سبيل بعد شيب الرأس إلى الصبا، [قوله: "إلى الصبا"] (¬3) خبره، و"بعد": نصب على الظرف، و"شيبًا": نصب على التمييز. الاستشهاد فيه: في قوله: "ذا ارعواء" حيث حذف منه حرف النداء، والمنادى اسم الإشارة، وأصله: يا ذا ارعواء كما ذكرنا، ونص البصريون على أن حذف حرف النداء مع اسم الإشارة لا يجوز، وقال الكوفيون: يجوز ذلك، واستدلوا بالبيت المذكور، وهو اختيار ابن مالك - أيضًا - (¬4). ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد التسعمائة
الشاهد السادس والثلاثون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يا أَبْجَرَ بْنَ أَبْجَرٍ يَا أنْتَا ... ................................... أقول: قائله هو الأحوص، وتمامه: ............................. ... أَنْتَ الَّذِي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتا قَدْ أَحْسَنَ اللهُ وَقَدْ أسَأْتَا ... فَأَدّ رِزْقَهَا الَّذِي أَكَلْتَا وهو من الرجز المسدس، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "يا أبجر" يا حرف نداء، وأبجر: منادى، و"ابن أبجر": صفته، وقد علم أن المنادى إذا وصف بابن، والابن بين العلمين، بُني المنادى مع الابن علي الفتح؛ كما تقول: يا زيد بن عمرو، وهاهنا كذلك. وإن لم يقع بين علمين ترك المنادى على ضمه ونصب الابن؛ كما تقول: يا زيدُ ابنَ أخينا. الاستشهاد: في قوله: "يا أنتا" فإن يا حرف نداء، وأنت منادى، وأنت ضمير رفع، وحق المنادى أن يكون منصوبًا؛ فلذلك حكم بشذوذه. وقال أبو حيان (¬3): وأما "يا أنتا" فشاذ؛ لأن الموضع موضع نصب، وأنت ضمير رفع، فحقه ألا يجوز؛ كما يجوز في: إياك، لكن بعض العرب قد جعل بعض الضمائر نائبًا عن غيره؛ كقولهم: رأيتك أنت، بمعنى: رأيتك إياك، فناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، وكذلك قالوا: يا أنتا، والأصل: يا إياك، وقد يقال: إن يا في: يا أنتا حرف تنبيه، وأنت مبتدأ، وأنت الثانية! ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد التسعمائة
تأكيد لفظي، والخبر هو الموصول، وهو قوله: "الَّذي طلقت عام جعتا"، وهذا أَوْلى من ادعاء نداء المضمر بصورة المرفوع وجعله شاذًّا. وقال ابن عصفور: لا ينادى مضمر إلا نادرًا، والأسماء كلها تنادى إلا المضمرات، أما ضمير الغيبة وضمير التكلم فهما مناقضان لحرف النداء؛ لأن حرف النداء يقتضي الخطاب، ولم يجمع بين حرف النداء والضمير المخاطب؛ لأن أحدهما يغني عن الآخر؛ فلم يجمع بينهما إلا في الشعر مثل قوله: يا أقْرَعُ بنُ حَابِسٍ يا أنتا ... أنت الَّذي طَلَّقْتَ عَامَ جُعْتا فمنهم من جعل يا تنبيهًا، وجعل أنت مبتدأ، وأنت الثاني إما توكيدًا أو مبتدأ أو فصلًا أو بدلًا. انتهى (¬1). وقال أبو حيان: دل كلامه على أن العرب لا تنادي ضمير المتكلم؛ فلا تقول: يا أنا، ولا ضمير الغائب، فلا تقول: يا إياه، ولا: يا هو، فكلام جهلة الصوفية في نداء الله تعالى: يا هو ليس جاريًا على كلام العرب (¬2). الشاهد السابع والثلاثون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) هَذِي بَرَزْتِ لنا فَهِجْتِ رَسِيسًا ... .................................. أقول: قائله هو أبو الطيب [أحمد بن الحسين] (¬5) المتنبي، وهو من قصيدة طويلة يمدح بها أبا بكر بن محمد بن زريق الطرسوسي، وهو أول القصيدة وتمامه (¬6): ........................... ... ثمّ انْصَرَفتِ وما شفَيْتِ نَسِيسًا ¬
وبعده: 2 - وجعلتِ حَظِّي مِنْكِ حظِّي في الكَرَى ... وتركْتنِي للفَرْقَدَيْن جَلِيسًا 3 - قَطَّعْتِ ذَيَّاكِ الخُمَار بسَكْرَةٍ .... وأدَرْت منْ خمْرِ الفِرَاقِ كُؤُوسًا وهي من الكامل. قوله: "برزت" أي: ظهرت، قوله: "فهجت": من هاجه إذا أثاره، قوله: "وسيسًا" بفتح الراء وكسر السين المهملة، وهو مس الحمى أو الهم أو الوجد، قوله: "نسيسًا" بفتح النون وكسر السين المهملة الأولى، وهو بقية النفس. الإعراب: قوله: "هذي": منادى حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا هذه، و"برزت": جملة من الفعل والفاعل، و"لنا" يتعلق به، قوله: "فهجت": جملة أيضًا عطف على برزت، و"رسيسًا": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "هذي" حيث حذف منه أبو الطيب حرف النداء، وحَذْف حرف النداء مع اسم الإشارة لا يجوز، نص على ذلك البصريون؛ فلذلك لحنوا أبا الطيب في ذلك. وخرج على أن "هذي" إشارة إلى البرزة فهي مصدر؛ كقولهم: ظننت ذاك، فذاك إشارة إلى المصدر. وأما الكوفيون فإنهم جوَّزوا هذا على ما ذكرنا؛ فلا وجه حينئذ إلى تلحين أبي الطيب (¬1). ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد التسعمائة
الشاهد الثامن والثلاثون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) ......................... ... بِمِثْلِكِ [هذا] (¬3) لَوْعَةٌ وَغَرَامُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وصدره (¬4): إذا هَمَلَتْ عَيْنِي لَها قَال صَاحبي ... .................................... وهو من قصيدة ميمية، أولها هو قوله (¬5): 1 - عَلَيْكُنَّ يا أَطْلال مَيٍّ بشَارِعٍ ... علَى ما مضَى منْ عهدِكُنَّ سلامُ 2 - ولا زَال نَوْءُ الدَّلْو يَبْعَقُ وَدْقُهُ ... بِكُنَّ ومِنْ نَوْءِ السماء غَمَامُ إلى أن قال: إذا هملت .................... ... ........................ إلخ وهو (¬6) من الطويل. قوله: "هملت" أي: همرت، يعني: صبت، قال ابن فارس: الهمْرُ: صبُّ الدمعِ والماء (¬7)، قوله: "وغرام": من أغرم بالشيء: أولع به، والغرام: اللازم في قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65]. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و"هملت عيني": فعل وفاعل، وقعت فعل الشرط، قوله: "لها" أي: لأجلها، قوله: "قال صاحبي": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا لإذا، قوله: "هذا" يعني: يا هذا؛ فحذف حرف النداء، قوله: "لوعة" بالرفع مبتدأ، وخبره قوله: "بمثلك"، و"غرام": عطف على لوعة. ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "هذا" حيث حذف منه حرف النداء، والمنادى اسم إشارة، واستدل به الكوفيون على جواز حذف حرف النداء من اسم الإشارة، وقد مر الكلام فيه مستقصى (¬1). الشاهد التاسع والثلاثون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) أدارًا بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَين عَبرَةً ... ............................. أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وتمامه (¬4). .............................. ... فَمَاءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أو يَتَرَقْوَقُ وهو من قصيدة قافية من الطويل، وأولها هذا البيت، وبعده: كَمُسْتَعْبِري في رسمِ دارٍ كأنها ... بوَعْسَاءَ تَنْضُوهَا الجماهيرُ مُهْرَقُ وقفنا فسلَّمْنَا فكادت بِمُشْرِفٍ ... لِعِرْفَان صوْتِي دِمْنَةُ الدَّارِ تَنْطِقُ قوله: "بحزوى" بضم الحاء المهملة وسكون الزاي وفتح الواو؛ اسم موضع بعينه، قوله: "هجت" أي: حركت، وكذلك: هيجت بمعناه، و"العبرة": الدمع (¬5). قوله: "فماء الهوى" يعني: الدمع؛ لأنه يبعثه؛ فلذلك أضيف إليه، قوله: "يرفضَّ" أي. يسيل بعضه في إثر بعض، قال ابن فارس: إرْفَضّ دمعُ العيِن: سأل، وكلُّ متَفَرِّقٍ مُرْفَصٌّ، ومادته: راء وفاء وضاد معجمة (¬6). قوله: "أو يترقرق" بمعنى: يبقى في العين متحيرًا يجيء ويذهب، ورقراق السراب من ذلك، وحكى بعضهم أن معنى يترقرق هاهنا يتدفق. الإعراب: قوله: "أدارًا" الهمزة حرف النداء، يعني: يا دارًا، ودارًا منادى نكرة، قوله: "بحزوى": يتعلق بمحذوف، والتقدير: أدارًا مستقرة بحزوى، قوله: "هجت": فعل وفاعل، و"عبرة": مفعوله. ¬
و"للعين" يتعلق به، قوله: "فماء الهوى": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "يرفض": خبره، وقوله: "أو يترقرق": عطف عليه. قال ابن هشام اللخمي: "أو" هاهنا للإباحة، ويجوز أن تكون بمعنى الواو. الاستشهاد فيه: في قوله: "أدارًا" حيث نصب وإن كان هو مقصودًا بالنداء، قال الأعلم (¬1): هو منكور في اللفظ لاتصاله بالمجرور، ووقوعه موقع صفته، فكأنه قال: أدارًا مستقرة بحزوى، فجرى لفظة على التنكير وإن كان معرفة مقصودًا بالنداء ونظيره مما ينتصب، وهو معرفة، لأن ما بعده من صلته، فضارع المضاف نحو قولهم: يا خيرًا من زيد، وكذا ما نقل إلى النداء موصوفًا بما توصف به النكرة يجري عليه لفظ المنادى المنكور وإن كان في المعنى معرفة. وقال الفراء (¬2): النكرة [المقصودة (¬3)] الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها، يقولون: يا رجلًا كريمًا [أقبل (¬4)] فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون. وقال أبو حيان (¬5): يؤيد ذلك ما روي من قوله - عليه السلام - في سجوده: "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم" (¬6). وقال صاحب رؤوس المسائل: وإذا جئت بعد النكرة بفعل أو ظرف أو جملة وجب معها نصب المنادى عند البصريين قصدت به واحدًا بعينه أو لم تقصد، وأجاز [فيه] (¬7) الكسائي الرفع والنصب مطلقًا (¬8). ¬
الشاهد الأربعون بعد التسعمائة
الشاهد الأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) كَحِلْفَةٍ مِنْ أبِي رَبَاحٍ ... يَسْمَعُهَا لَاهُمُ الكُبَارُ أقول: قائله بعض العرب، أنشده الفراء، ولم يبين قائله (¬3)، وذكر بعض شراح الكتاب أن قائله هو الأعشى، وكذا قاله ابن جني في سر الصناعة (¬4)، وكذا الصاغاني في العباب، ولكن روايته: .................... ... ......... إلاهُهُ الكُبارُ (¬5) فعلى هذا لا استشهاد فيه. قوله: "كحلفة" أي: كيمين من أبي رباح، وهو كنية رجل، و"الكبار" بضم الكاف وتخفيف الباء الموحدة؛ صيغة مبالغة للكبير؛ كما في قوله تعالى: {وَمَكْرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22] قرئ بالتخفيف والتشديد. الإعراب: قوله: "كحلفة" الكاف للتشبيه وتتعلق بمحذوف، تقديره: حلف كحلف أبي رباح، وقوله: "من أبي رباح" في محل الجر صفة للحلفة، تقديره؛ كحلفة كائنة أو صادرة من أبي رباح، قوله: "يسمعها": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الَّذي يرجع إلى الحلفة، وقوله: "لا هم": فاعلهم (¬6)، و"الكبار" بالرفع صفته. ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لاهم" فإن فيه شذوذين: أحدهما: استعماله في غير النداء؛ لأنه فاعل يسمعها. والثاني: تخفيف ميمه، والأصل فيه التشديد؛ لأنه عوض في آخره من حرف النداء من أوله؛ ألا ترى أنَّه لا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر، ولكن الأعشى خففها للضرورة (¬1). الشاهد الحادي والأربعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) أَيُّهَذَانِ كُلَا زادكُمَا ... ............................... أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: ............................ ... وَدَعَاني وَاغِلًا فيمن يَغِلْ وهو من الرمل: [قوله] (¬4) و"دعاني" أي: اتركاني، قوله: "واغلًا" بالغين المعجمة، وهو الَّذي يدخل على القوم يشربون ولم يُدْعَ، وذلك الشراب الوغل، قوله: "فيمن يغل" أصله: يوغل لأنه من وغل، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ويروى: فيمن وغل. الإعراب: قوله: "أيهذان" أي: يا أيهذان، حذف منه حرف النداء، و"أي" هو المنادى وصف باسم الإشارة وهو هذان، قوله: "كُلا": جملة من الفعل والفاعل وهو أنتما المستكن فيه (¬5)، و"زادكما": كلام إضافي مفعوله، قوله: "ودعاني" -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله: "كُلا"، قوله: "واغلًا": حال من الضمير المنصوب في: "دعاني"، ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد التسعمائة
قوله: "فيمن يغل" يتعلق بواغلًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "أيهذان" حيث وصف المنادى فيه باسم الإشارة؛ كما في قوله: ألَا أَيُّهَذَا البَاخِعُ الوَجْد نَفْسَهُ ... .................................. (¬1) وقد مَرَّ بيانه. الشاهد الثاني والأربعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يا تيمُ تيمَ عَدِيٍّ لَا أَبَا لكُمُ ... ................................. أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وتمامه (¬4): .............................. ... لا يُلْفِيَنَّكُمْ في سَوْأةٍ عُمَرُ وهو من قصيدة يهجو بها عمرو بن لجأ التميمي، وقبله: 1 - والتيمُ عبدٌ لِأقوامٍ يلُوذُ بِهِمْ ... يُعْطَى المقُاداةَ إِنْ أَوْفَوْا وإنْ غَدَرُوا 2 - أَتَبْتَغِي التيمُ عُذْرًا بعدَ ما غَدَرُوا ... لا يَقْبَلُ اللهُ من تَيْمٍ إذَا اعْتَذَرُوا 3 - يا تيمُ تيمَ عَدِيٍّ .............. ... ............................... إلخ وهو من البسيط. 3 - قوله: "يا تيمُ تيمَ عَدِيٍّ" إنما أضاف التيم إلى عدي ليفرق بينها، وبين تيم مرة في قريش، وتيم غالب بن فهر في قريش - أيضًا، وهم بنو الأدرم، وتيم قيس بن ثعلبة، وتيم شيبان، وتيم ضبة، وعدي الَّذي أضاف تيمًا إليه هو أخوه، وهما - تيم وعدي - ابنا عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، قوله: "لا أبا لكم" للغلظة في الخطاب، وأصله أن ينسب الخاطب إلى غير أب شتمًا له واحتقارًا، ثم كثر في الاستعمال حتَّى جعل في ¬
كل خطاب يغلظ فيه على المخاطب. وحكى علي أبو الحسن بن الأخضر (¬1) أن العرب كانت تستحسن. لا أبا لك، وتستقبح: لا أم لك؛ لأن الأم مشفقة ضانة، والأب جائر مالك، قوله: "لا يلفينكم": من ألفى إذا وجد، قال تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ} [يوسف: 25]؛ أي: وجداه (¬2). قوله: "في سوأة" بفتح السين وسكون الواو وفتح الهمزة، وهي الفعلة القبيحة، والخطاب في ذلك إلى قومه، ويقول لهم: انْهَوْهُ عن شتمي ولا تساعدوه على ذلك، فإن لم تفعلوا ألفاكم في سوأة من هجوي إياكم، فلما توعّد جرير قوم عمرو بن لجأ في شعره التقدم أتَوْا بِهِ موثوقًا وحكموه فيه، فأعرض عن هجوهم. الإعراب: قوله: " [يا تيم] (¬3) يا: حرف نداء، وتيم: بالنصب منادى مضاف مع تأكيده، وحذف المضاف إليه من الأول لدلالة الثاني عليه، وتقديره: يا تيم عدي تيم عدي، قوله: "لا أبا لكم" لا لنفي الجنس، "وأبا لكم"، نصب اسمها تشبيهًا له بالمضاف، وقيل: إنه مضاف. قوله: "لا يلفينكم" لا نهي، "ويلفينكم": في موضع جزم بالنهي لأنه مبني لدخول النون الثقيلة عليه، فلذلك حكم على الموضع بالجزم، والكاف والميم مفعول بهما، و"عمر": فاعله، والنهي في اللفظ واقع على عمر، وفي المعنى واقع عليهم، ويروى: لا يوقعنكم. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا تيمُ تيمَ عدي" فمذهب سيبويه في هذا الباب إذا نصبهما جميعًا أن يكون الثاني مقحمًا، ويجوز أن يكون تيم الأول مضمومًا على أنَّه منادى علم، والثاني بدلًا من الأول، أو عطف بيان، أو منادى مضاف، وحذف المضاف إليه لدلالة الثاني عليه، والتقدير: يا تيم عدي يا تيم عدي؛ كما ذكرنا فحذف الأول، ويكون تيم الثاني على ما قدمنا من النداء أو البدل أو عطف البيان أو على إضمار: أعني (¬4). ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد الثالث والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) رَضِيتُ بِكَ اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى ... أدِينُ إِلَهًا غَيْرَكَ اللهُ رَاضِيًا أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - إلَى الله أُهْدِي مِدْحَتِي وثَنَائِيَا ... وقَوْلًا رَصِينًا لَا يَفي الدَّهْرَ بَاقِيَا 2 - إلَى الملَكِ الأَعلَى الذِي لَيْسَ فَوقَهُ إِلَهٌ ... ولَا رَبٌّ يَكُونُ مُدَانِيَا 3 - ألا أيُّهَا الإِنْسَانُ إيَّاكَ والرَّدَى ... فإنَّكَ لَا تَخْفَى مِنَ الله خَافِيَا 4 - وإِيَّاكَ لا تَجْعَلْ مَعَ الله غَيرَهُ ... فإن سبِيلَ الرُّشدِ أَصْبَحَ باديَا 5 - حَنَانَيكَ إنَّ الجِنَّ كُنْتَ رَجَاءَهُمْ ... وأَنتَ إِلَهِي رَبَّنَا ورَجَائِيَا 6 - رضِيتُ بكَ اللَّهُمَّ ............. ... ...................... إلخ وأنتَ الذِي مِن فَضْلِ مَنٌّ ورَحْمَةٍ ... بَعَثْتَ إلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيًا قوله: "رصينًا" أي: محكمًا، قوله: "باقيًا" صفة لقوله: "رصينًا"، و"الدهر": نصب ¬
على الظرف، قوله: "مدانيًا" أي: مقاربًا، و"الردى": الهلاك، وأراد به العمل الَّذي يؤدي إلى الهلاك، قوله: "باديًا" أي: ظاهرًا. قوله: "حنانيك": مصدر مثنى كلبيك، والمعنى: تحننًا بعد تحنن غير منقطع إليك، وقال ابن يعيش: التحنن: الرحمة والخير، وقد استعمل مفردًا -أيضًا -كما في قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِنْ لَّدُنًا} [مريم: 13] أي: رحمة (¬1). قوله: "رسولًا مناديًا" أراد به جبريل الَّذي أنزله الله - تعالى - إلى موسى - عليه السلام -. الإعراب: قوله: "رضيت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "بك": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، [وقوله] (¬2) "اللَّهم" أصله: يا الله كما علم، قوله: "ربًّا": منصوب على التمييز، والتمييز لان كان في الأصل أن يكون في المعنى فاعلًا فقد يكون مفعولًا -أيضًا-؛ كما في قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوُنًا} [القمر: 12]، ويجوز أن يكون منصوبًا على المفعولية؛ لأن رضي إذا عدي بالباء يتعدى إلى مفعول آخر. قوله: "فلن أرى" الفاء تصلح أن تكون للتفسير، وتصلح أن تكون جواب شرط محذوف، أي: إذا رضيت بك ربًّا فلن أرى، وهو من الرأي في الأمر، وقوله: "إلهًا" [منصوب] (¬3) بقوله: أدين، و"غيرك": كلام إضافي صفته. قوله: "راضيًا" نصب على أنَّه مفعول: رضيت، وهذا من قبيل قولك: قمت قائمًا، أي: قيامًا، والمعنى هاهنا: رضيت رضًا بك ربًّا، يعني: قنعت بك واكتفيت بك ولم أطلب ربًّا غيرك، ويروى: ثانيًا في موضع راضيَا على أنَّه صفة لقوله: "إلهًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "اللهَ" حيث حذف منه حرف النداء؛ إذ أصله: يا ألله، وقد علم أن حرف النداء لا يحذف من اسم اللَّه إذا لم تعوض الميم، ولكن قد أجاز ذلك بعضهم بدون التعويض مستدلًا بالبيت المذكور (¬4). ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد الرابع والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) عَبَّاسُ يا المَلِكُ المُتَوَّجُ والذِي ... عَرَفَتْ لَهُ بَيتَ العُلَا عَدْنَانُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "المتوج" هو الَّذي على رأسه تاج، و"عدنان": أبو العرب، وجميع العرب من عدنان وقحطان، فمن قحطان سبأ وحضر موت، ومن عدنان: ربيعة ومضر، ولما كان عباس المذكور من عرب عدنان عينه من شعره. الإعراب: قوله: "عباس": منادى مفرد معرفة حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا عباس، قوله: "يا الملك" -أيضًا- منادى، و"المتوج" بالرفع صفته حملًا على اللفظ، ويجوز النصب حملًا على المحل، قوله: "والذي": عطف على ما قبله، وقوله: "عرفت": فعل، و"عدنان": فاعله، و"بيت العلا": كلام إضافي مفعول، وقوله: "له" يتعلق بقوله: "عرفت". الاستشهاد فيه: في قوله: "يا الملك" فإن الكوفيين استدلوا به على جواز دخول حرف النداء على المعرف بالألف واللام، فأجازوا أن يقال: يا الغلام، ويا الَّذي قام، ويا الحرث، ويا الفرزدق، وحكى ذلك أيضًا أبو العباس عن البغداديين يقولون: يا الرجل أقبل، وأجيب عن ذلك بوجهين: الأول: أن ذلك محمول على الضرورة. والثاني: أن المنادى فيه محذوف تقديره: يا أيها الملك، وكذلك يقدر في الأمثلة المذكورة (¬3). ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) دَرَسَ المَنَا بِمُتَالِعٍ فَأَبَانِ ... ........................................ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وتمامه: ............................. ... فتقادَمَتْ بالحبسِ والسُّوبَانِ وهو من الكامل. قوله: "درس المنا" أي: درس المنازل فحذف منه حرفين، يقال: درس المنزل إذا عفى، و"المُتالع" بضم الميم وبالتاء المثناة من فوق وفي آخره عين مهملة، وهو اسم موضع، وقال الجوهري: اسم جَبَل (¬3). وكذلك: "أبان" اسم موضع، ويقال: اسم جبل، وهو بفتح الباء والهمزة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره نون، قوله: "بالحبس" بفتح الحاء المهملة وكسرها وسكون الباء الموحدة وفي آخره سين مهملة، وهو اسم موضع، وقيل: جبل، "والسوبان" [بضم السين] (¬4) المهملة وبعد الواو الساكنة باء موحدة، وهو أيضًا اسم موضع. الإعراب: قوله: "درس": فعل، وقوله: "المنا": فاعله، والباء في "بمتالع" في محل الرفع على أنها صفة للمنازل، أي: المنازل الكائنة في متالع وأبان، والفاء بمعنى الواو؛ كما في قول امرئ القيس (¬5): .................. ... ....... بين الدخول فحومل ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "المنا" فإن أصله: المنازل؛ كما ذكرنا، وحذف منه الزاي واللام، وهو حذف قبيح (¬1). الشاهد السادس والأربعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) ......................... ... إلى أُمّا ويُرْوينِي النَّقِيعُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره (¬4): أُطَوِّفُ ما أُطَوَّفُ ثُمَّ آوي ... ................................... وهو من الوافر. قوله: "أطوف": من طوف تطويفًا وتطوافًا، والتشديد فيه للتكثير، ومعناه: أكثر من الديوان والطواف، قوله: "ثم آوي": من أوى الإنسان إلى منزله يأوى أويًّا، قوله: "النقيع" بفتح النون وكسر القاف وهو اللبن المحض يبرد. الإعراب: قوله: "أطوف": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "ما أطوف" كلمة ما مصدرية، والمعنى: أطوف الطواف الكثير، وهو من المصادر السادة مسد الظروف؛ كأنه قال: مدة طوافي، قوله: "ثم آوي": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "أطوف"، وقوله: "إلى" يتعلق بقوله: آوي، و"يرويني": جملة من الفعل والمفعول، و"النقيع": فاعله، والجملة حال مقدرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "إلى أُمّا" إذ أصله: أمي، فقلبت الياء ألفًا، ومنه ما أجازه المازني من قوله: قام غلاما، أصله: غلامي (¬5). ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) ولسْتُ برَاجعٍ ما فاتَ مِنِّي ... بِلَهْفَ وَلَا بِلَيْتَ ولا لَوْ أَنِّي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الوافر. قوله: "بلهف": من لهف يلهف لهفًا إذا تحسر. الإعراب: قوله: "ولست" الواو للعطف إن تقدمه شيء، والتاء اسم ليس، وقوله: "براجع": خبره، والباء فيه زائدة، قوله: "ما": موصولة، و"فات مني": جملة صلتها، والموصول مع صلته في محل النصب على أنها مفعول لراجع، وراجع يتعدى ولا يتعدى. قوله: "بلهف" أي: بقولي لهف، والباء تتعلق بقوله: "براجع"، قوله: "ولا بليت": عطف على ما قبله، والتقدير: ولا بقولي ليت التي هي كلمة التمني، قوله: "ولا لو أني" أي: ولا بقولي: لو أني فعلت، إن كان تحسره على عدم الفعل، أو لو أني تركت، إن كان تحسره على الفعل، والحاصل أن الأمر الَّذي فات لا يعود ولا يتلاقى، لا بكلمة التلهف، ولا بكلمة التمني ولا بكلمة لو التي تفتح أبوابًا من الشيطان. الاستشهاد فيه: في قوله: "بلهف" فإن أصله: لهفا بالألف، ولكنه حذف الألف واكتفى بالفتحة، وأصله؛ "يا لهفي "فحذف حرف النداء، ثم قلبت الياء ألفًا، ثم حذفت الألف اجتزاء بالكسرة (¬3). ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد الثامن والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) .......................... ... ............. وَإِنَّمَا أهْلَكْتُ مَالُ أقول: قائله هو أوس بن غلفاء، وصدره: ذَرِيْنِي إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوبِي ... عَلَيَّ ............................... وقبله: أَلَا قَالتْ أُمَامَةُ يَوْمَ غَوْلٍ ... تقطع بابْنِ غَلْفَاءَ الحِبَالُ وهما من الوافر. قوله: "ذريني" أي: اتركيني، قوله: "صوبي" أي: صوابي، قوله: "أهلكت مال" أي: إِن الَّذي أهلكته مالي لا مال غيري. الإعراب: قوله: "ذريني": جمل من الفعل والفاعل والمفعول، وبطل عمل أن بدخول ما الكافة، وقوله: "خطي": كلام إضافي مبتدأ، و"صوبي": عطف عليه، وقوله: "عليَّ": خبره، قوله: "أهلكت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "مال" مفعوله. والاستشهاد فيه: إذ أصله: "مالي" فحذف ياء الإضافة مبنية فظهر إعراب ما قبلها، قاله أبو عمرو، وخالفه البعض، وقال: إنما أراد: وإن الَّذي أهلكته مال لا عرض؛ فحينئذ لا شاهد فيه؛ لأن مال يكون مرفوعًا على أنَّه خبر إن، وهكذا قدره الصاغاني في العباب، وقال بعد أن أنشد البيتين المذكورين: أي: وإن الَّذي أهلكت إنما هو مال، وينبغي أن يكون الصواب هذا، لأن على التقدير الأول يكون في البيت إقواء، فافهم (¬3). ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد التسعمائة
الشاهد التاسع والأربعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) كُنْ لِي لا عليَّ يا ابنَ عمَّا ... نَعِشْ عَزِيزَيْنِ ونكفي الهما أقول: أنشده أبو الفتح ولم يعزه إلى قائله، وهو من الرجز المسدس، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "كن": أمر، واسم كان الضمير الَّذي فيه، وقوله: "لي": جار ومجرور خبره، قوله: "لا عليّ": عطف على قوله: "لي"، أي: لا تكن عليَّ، وقوله: "يا ابن عما" كلمة يا حرف النداء، "وابن عما": كلام إضافي منادى، قوله: "نعش": فعل مجزوم جواب الأمر، قوله: "عزيزين": حال من الضمير الَّذي في نعش، قوله: "ونكفي الهما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على الجملة الأولى. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا ابن عمَّا" حيث قلب الشاعر ياء الإضافة ألفًا، والألف في "الهما" للإطلاق (¬3). ¬
الشاهد الخمسون بعد التسعمائة
الشاهد الخمسون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) أَيَا أَبَتِي لَا زِلْتَ فِينَا فَإِنَّمَا ... لَنَا أَمَلٌ في العَيْشِ ما دُمْتَ عَائِشًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. الإعراب: قوله: "أيا": حرف نداء، و"أبتي": منادى مضاف، وقوله: "لا زلت" الضمير فيه اسم لزال، وخبره قوله: "فينا"، والمعنى: لا زلت موجودًا فينا، قوله: "فإنما" الفاء للتعليل، وإِن أبطل عملها دخول ما الكافة، وقوله: "أمل": مبتدأ، وقوله: "لنا" مقدمًا خبره، و"في العيش" يتعلق بأمل، قوله: "ما دمت" كلمة ما مصدرية زمانية، والتقدير: مدة دوامك عائشًا، و"عائشًا" منصوب لأنه خبر ما دمت. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا أبتي" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض، وهما التاء وياء المتكلم؛ لأن التاء عوض عن ياء المتكلم في قولنا: يا أبت، وهذا لا يجوز إلا عند الضرورة؛ كما في البيت المذكور، ومذهب البصريين أنَّه لا يجوز الجمع بينهما في الكلام، وأجازه كثير من الكوفيين (¬3). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد التسعمائة
الشاهد الحادي والخمسون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) ......................... ... يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَوْ عَسَاكَنْ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وأوله: تقولُ بِنْتِي قد آنى أَنَاكَا ... ................................. قوله: "قد أنى أناك" أي: قد جاء وقتك وزمانك، يقال: أنى يأني أنًى، أي: حان، وأنى -أيضًا- أدرك، "وأناك" بفتح الهمزة وتخفيف النون أصله: أناؤك، والأناء على وزن فعال: اسم من الفعل المذكور، المعنى: تقول ابنتي: يا أبتي قد جاء زمن سفرك علك تجد رزقًا. الإعراب: قوله: "تقول": فعل، و"بنتي": كلام إضافي فاعله، "قد أنى": فعل ماض محقق بقد، و"أناك": كلام إضافي فاعله، قوله: "يا أبتا" يا حرف نداء، وأبتا: منادى مضاف إلى ياء المتكلم، والتاء والألف عوضان عن يائه، قوله: "علك": لغة في: لعلك (¬3)، والكاف اسم لعل، وخبره محذوف، تقديره: لعلك تجد رزقًا، قوله: "أو عساكن" عطف عليه، والكاف اسم عسى، وخبره محذوف، أي: أو عساك تجده. والاستشهاد فيه: في مواضع: الأول: وقوع الضمير المتصل بعد عسى على اللغة القليلة، والكثير فيه: عسيت. الثاني: دخول تنوين الترنم في عساكن. ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة
الثالث: في قوله: "أبتا" حيث جمع فيه بين العوض والمعوض؛ لأن الألف والتاء عوضان عن ياء المتكلم كما ذكرنا، وهذا هو محل الاستشهاد هاهنا (¬1). الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) .......................... ... كَأَنَّكَ فِينَا يَا أَبَاتِ غَرِيبُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: تقولُ ابْنَتِي لَمَّا رَأَتنِي شَاحِبًا ... ................................ وهو من الطويل. قوله: "شاحبًا" بالشين المعجمة والحاء المهملة والباء المعجمة، من شحب لونه يشحب إذا تغير وهو شاحب، وكذا فسره ابن فارس ثم أنشد البيت المذكور (¬4). الإعراب: قوله: "تقول": فعل، و"ابنتي": كلام إضافي فاعله، قوله: "لما": ظرف بمعنى حين، و"رأتني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و"شاحبًا": مفعول ثان، قوله: "كأنك إلى آخره": مقول القول، وكأن للتشبيه، والكاف اسمه، قوله: "غريب": خبره، وقوله: "فينا" يتعلق بقوله: "غريب". الاستشهاد فيه: في قوله: "يا أبات" حيث زاد فيه التاء؛ لأن أصله: يا أبا بالقصر، ولو لم يُعَوِّض لقال: ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد التسعمائة
يا أباي؛ كما يقال: يا فتاي (¬1)، وقال الفارسي: رد اللام وقلبها ألفًا كما تقلب في: قطاة ونحو ذلك (¬2). قال ابن سيده: وذهب أبو عثمان المازني في قراءة من قرأ: {يَا أَبَتِ} [مريم: 43] بفتح التاء إلى أنه أراد: يا أبتاه فحذف الألف، وقوله: "تقول ابنتي .. إلخ" أراد: يا أبتا، فقدم الألف وأخر الثاء (¬3)، وقال أبو حيان: وزعم بعض رواة اللغة من البغداديين أن قول الشاعر: (يا أبات) إنما أراد: يا أبتي فقلب، وهذا ممتنع بعيد؛ لأنه يلزم على هذا أن تكون تاء التأنيث قد لحقت بعد الياء التي هي اسم المتكلم، وهذا لا يجوز، ولم يوجد في موضع، ومع ذلك فإن التاء في: يا أبت في تقدير الإضافة، وقال أبو حيان: والأصل في مثل هذا البيت النادر تخريجه على الإشباع؛ كما قال: أعوذ بالله من العقراب، وقال سيبويه: لا يكادون يقولون يا أبات (¬4). الشاهد الثالث والخمسون بعد التسعمائة (¬5)، (¬6) ....................... ... ............ يا عُمَرُ الْجَوَادَا أقول: قائله هو جرير بن عطية الخطفي، وتمامه (¬7): فَمَا كَعْبُ بنُ مامَةَ وابنُ سُعْدَى ... بأَكْرَمَ منكَ يا عُمَرُ الجَوَادَا وهو من قصيدة يمدح بها جرير عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - وقبله: 1 - يعودُ الحِلمُ منك على قريشٍ ... وتفرجُ عنْهمُ الكُرَبَ الشِّدَادَا 2 - وقد أمَّنْتَ وَحْشَهُمُ برفقٍ ... وَيُعْيي النَّاسَ وَحْشُكَ أن يُصَادا ¬
3 - وتدعو اللهَ مجتهدًا ليرضى ... وتذكُرُ في رعِيَّتك المَعَادا 4 - فَمَا كَعْبُ بنُ مامَةَ ....... ... ....................... إلخ وهي من الوافر. و"كعب بن مامة": هو الإيادي الَّذي آثر على نفسه بالماء حتَّى هلك عطشًا، وذلك أنَّه كان في رفقة فقل عنهم الماء، فكان كعب يؤثر بنصيبه حتَّى ضعفت قوته وقد قربوا من موضع الماء، فقيل له: رد فقد وصلت إلى الماء، فلم تكن به قوة وخر ميتًا، فقال في ذلك أبوه (¬1): أَوْفَى عَلَى المَاءِ كَعْبٌ ثُمَّ قِيلَ لَهُ ... رِدْ كعب إنَّك وارِدٌ فَمَا وَرَدَا وأما ابن سعدى فهو أوس بن حارثة بن لام الطائي، وسعدى أمه، وقد ذكره ابن أبي حازم الأسدي في قوله (¬2): 1 - إلى أوْسِ بنِ حارِثَةِ بنِ لَامٍ ... ليَقْضِي حَاجَتي فِيمَنْ قَضَاهَا 2 - وما وَطِئَ الثَّرَى مَثَلُ ابنِ سُعْدَى ... ولَا لَبِسَ النِعَال ولَا احْتَذَاهَا فأخبر جرير أنَّه ليس واحد من هذين الجوادين بأكرم من عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -. الإعراب: قوله: "فما كعب" ما بمعنى ليس، وكعب اسمه، و"ابن مامة": صفته، ومامة لا ينصرف للتأنيث والعلمية، وقوله: "وابن سعدى": عطف على كعب، وقوله: "بأكرم منك": خبر ما، ومحله النصب، وقوله: "منك" يتعلق بأكرم، ولم ينصرف أكرم للصفة ووزن الفعل، وقوله: "يا عمرُ" منادى مفرد معرفة. الاستشهاد فيه: في قوله: "الجوادا" حيث نصبه الشاعر على النعت لعمر على الموضع، ولو رفع حملًا على اللفظ لجاز ولكن القوافي منصوبة (¬3). * * * ¬
شواهد الاستغاثة
شواهد الاستغاثة الشاهد الرابع والخمسون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يَا لَقَوْمِي ويَا لأَمْثَال قَوْمِي ... لِأُنَاسٍ عُتُوَّهُمْ في ازْديَادِ أقول: أنشده الفراء ولم يعزه إلى قائله، وهو من الخفيف. قوله: "عتوهم": من عتا يعتو عتوًّا إذا استكبر. الإعراب: قوله: "يا لقومي" يا حرف نداء، ولقومي: اللام فيه مفتوحة؛ لأنه مستغاث به وهو منادى، قوله: "ويا لأمثال قومي": عطف على ما قبله، واللام فيه -أيضًا- مفتوحة لتكرار حرف النداء، وأمثال: مضاف إلى قومي، قوله: "لأناس" اللام فيه مكسورة؛ لأنه مستغاث من أجله، قوله: "عتوهم": كلام إضافي مبتدأ، و"في ازدياد": خبره، والجملة محلها الجر لأنها صفة لأناس. ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "ويا لأمثال قومي" حيث فتحت فيه اللام لتكرر حرف النداء (¬1). الشاهد الخامس والخمسون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يُبْكِيْكَ نَاءٍ بَعيدُ الدَّارِ مُغْتَرِبٌ ... يَا للْكهُولِ ولِلشُّبَّانِ للْعجبِ أقول: قائله مجهول؛ كذا قال ابن هشام اللخمي، وهو من البسيط. قوله: "يبكيك" أي: يبكي عليك، تقول: بكيت زيدًا، يعني: بكيت على زيد، وأبكيته إذا صنعت به ما يبكيه، قوله: "ناءٍ": اسم فاعل من نأى ينأى إذا بعد، و"مغترب": بمعنى غريب، و"الكهول": جمع كهل، و"الشبان": جمع شاب. ومعنى البيت يقول: يا هذا المخاطب إذا متَّ في غربة بكاك النائي الغريب الَّذي هو مثلك في الاغتراب، فإذا ورد نعيك أقرباءك وبني عمك سروا بموتك، فيعجب من هذا ويستغيث يا للكهول وللشبان لهذا العجب العظيم، وقد يحتمل ألا يكون غريبًا ويكون قد مات في وطنه، فبكاه الغريب، وسر بموته القريب لأجل ما ورث منه. الإعراب: قوله: "يبكيك": جملة من الفعل والمفعول، و"ناء": فاعله، ولا يتبين فيه الإعراب؛ لأنه ناقص إلا في حال النصب، قوله: "بعيد الدار": صفة للنائي، وإضافته غير محضة، والنية بها الانفصال، فلذلك وقعت صفة للنكرة، والتقدير: بعيد داره، قوله: "مغترب" صفة أخرى. قوله: "يا للكهول" يا حرف نداء، وللكهول بفتح اللام؛ لأنه منادى، والمنادى يحل محل المضمر ولذلك بني، ففتحت اللام معه كما تفتح مع المضمر في لك وله؛ إذ أصل اللام الفتح، والمضمر يرد الأشياء إلى أصولها، والعامل في اللام هو حرف النداء؛ كأنه تعدى إلى المنادى بزيادة اللام؛ لأن سيبويه قال في باب الجر: إذا قلت: يا لَبكر فقد جعلت ما يعمل في المنادى ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد التسعمائة
مضافًا إلى بكر باللام، وحرف الإضافة لا يكون زائدًا حتَّى يسلب عنه معنى الإضافة (¬1). قوله: "وللشبان" اللام فيه مكسورة على كل حال، والقياس أن تفتح حملًا على العطوف عليه، لكنه لما كان معلومًا جاز فيه الكسر -أيضًا- فإنه قد بعد من يا الموجبة لفتح لام المستغاث به، والعامل فيه محند قوم من النحاة حرف النداء -أيضًا- عدوه إلى مفعولين بحرفي الجر، وهو يتعلق بفعل محذوف عند المبرد، وتقديره: أدعوكم للشبان. والظاهر من مذهب سيبويه: أن العامل في اللام المكسورة الحال المحذوفة، والتقدير: يا للكهول مدعوين للشبان (¬2)، قوله: "للعجب" اللام فيه مكسورة؛ لأنها لام المستغاث من أجله. الاستشهاد فيه: في قوله: "وللشبان" حيث كسرت فيه اللام، وإن كان القياس فتحها لكونها معطوفة على اللام الأولى، ولكن لما زال اللبس ولم يتكرر حرف النداء كسرت على ما حققناه الآن (¬3). الشاهد السادس والخمسون بعد التسعمائة (¬4)، (¬5) تكَنَّفَنِي الوُشَاةُ فَأَزْعَجُونِي ... فَيَا لَلَّهِ لِلواشِي المُطَاعِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - كذا قاله شارح الجزولية (¬6)، وقال ابن هشام ¬
اللخمي في كتاب شرح أبيات الجمل: هذا البيت لقيس بن ذريح، وكذا قال النحاس في شرح أبيات الكتاب. وهو من قصيدة طويلة من الوافر، قالها لما فراقته زوجته لبنى وخرج متوجهًا نحو الطريق الَّذي سلكته يتشمم روائحها، فسنحت له ظبية فقصدها فهربت، فقال: 1 - أَلَا يَا شِبْهَ لبنى لَا تُرَاعِي ... وَلَا تَتَيَمَّمِي قَلَلَ القِلَاعِ 2 - فَوَاكَبدِي وَعَاوَدَنِي رَدَاعِي ... وكان فِرَاقُ لُبْنَى كَالخِدَاع 3 - تكنفني الوشاة ............ ... ......................... إلخ 4 - فَأَصْبَحْتُ الغَدَاةَ أَلُومُ نَفْسِي ... عَلَى شَيْءٍ ولَيْسَ بِمُسْتَطَاع 5 - بدَارٍ مَضِيعَةٍ تَرَكَتْكَ لُبْنَى ... كَذَاكَ الحِينُ يُهْدَى للْمُضَاعِ 6 - كَمَغْبُونٍ يَعُضُّ عَلَى يَدَيْهِ ... تَبَيَّنَ غَبْنُهُ بَعْدَ البَياعِ 7 - وَقَدْ عِشنَا نَلَذُّ العَيشَ حِينًا ... لَوْ أَنَّ الدَّهْرَ للإنْسَانِ رَاعِي 8 - ولَكِنَّ الجَمِيعَ إلَى افْترَاقٍ ... وَأَسْبَابُ الحُتُوفِ لَهَا دَوَاعِي وهو من الوافر. 3 - قوله: "تكنفني" يعني: أحاطوا لي، والكنف الجانب، و"الوشاة" بضم الواو؛ جمع واشٍ وهو النمام، وأصله من الوشي وهو التزيين، والنمام لما كان يزن الباطل سمي به. قوله: "أزعجوني" أي: روعوني وأوعدوني من الوعيد وهو التهديد والتخويف، وإنما يعني أبويه؛ لأنهما أمراه بطلاق زوجته. قوله: "فيا لله" وفي أكثر الروايات: فيا للناس يدعوهم ويستغيث بهم لشر هذا الواشي المطاع الَّذي قد أطاعه فيما أمره به من طلاقها، وجعله مطاعًا لكونه أباه وأمه، ولو كان غيرهما لم يطعه، والألف واللام في الواشي للجنس، والدليل على ذلك قوله: "تكنفني الوشاة". الإعراب: قوله: "تكنفني": جملة من الفعل والمفعول، و"الوشاة": فاعله، قوله: "فأزعجوني" جملة من الفعل والفاعل والمفعول معطوفة على ما قبلها. قوله: "فيا" الفاء رابطة، و"يا" حرف نداء، و"لله": المنادى، واللام فيه مفتوحة لأن، مستغاث به، و"للواشي": جار ومجرور، واللام لام المستغاث من أجله، و"المطاع" صفته
الشاهد السابع والخمسون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "لله للواشي" حيث فتحت لام المستغاث به وهو: لله، وكسرت لام المستغاث من أجله وهو للواشي (¬1). الشاهد السابع والخمسون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يَا لَعْنَةُ الله والأقوامِ كُلِّهمُ ... والصالحينَ على سِمْعَانَ من جارِ أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه إلى قائله (¬4)، وهو من البسيط. قوله: "سمعان" بكسر السين المهملة؛ اسم رجل، قيل: الفتح فيه أكثر، وكلاهما قياس، فمن كسر كان كعمران وحطان، ومن فتح كان كقحطان ومروان، والمعنى: يا قوم لعنة الله ولعنة الأقوام كلهم ولعنة الصالحين على سمعان من جهة كونه جارًا. الإعراب: قوله: "يا": حرف نداء، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم لعنة الله، و "لعنة اللَّه": كلام إضافي مبتدأ، و"الأقوام" بالجر عطف على المضاف إليه، تقديره: ولعنة الأقوام، قوله: "كلهم" بالجر تأكيد. ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد التسعمائة
قوله: "والصالحين" يجوز فيه الوجهان: الرفع على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، تقديره: ولعنة الصالحين؛ كما ذكرنا، أو يكون معطوفًا على موضع الأقوام؛ إذ الأقوام فاعل اللعنة في المعنى، والجر عطفًا على لفظ الأقوام. قوله: "على سمعان": جار ومجرور في موضع الرفع؛ لأنه خبر عن قوله: "لعنه الله"، قوله: "من جار": في محل النصب على التمييز عن الجملة. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا لعنة اللَّه" حيث حذف منه النادى، والتقدير: يا قوم لعنة اللَّه كما ذكرنا (¬1). وفيه وجه آخر وهو أن يكون يا لمجرد التنبيه؛ كأنه نبه به الحاضرين على سبيل الاستعطاف لاستماع دعائه، ولو كانت اللعنة مناداة لنصبها؛ لأنها مضافة، قال سيبويه (¬2): فيا لغير اللعنة، يشير إلى أن النادى محذوف. الشاهد الثامن والخمسون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) يا يزيدَا لِآملٍ نيلَ عِزٍّ ... وَغِنًى بَعْدَ فَاقَةٍ وَهَوَانٍ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "لآمل": فاعل من الأمل وهو الرجاء، و"الفاقة": الفقر، و"الهوان": الذل والصغار. الإعراب: قوله: "يا زيدًا" يا حرف نداء، ويزيدا: منادى مستغاث به حذف منه لام الاستغاثة لأجل الألف في آخره، قوله: "لآمل" بكسر اللام لأنها لام المستغاث من أجله، قوله: "نيل عز": كلام إضافي مفعول لآمل، قوله: و"غنى": عطف على عز، و"بعد": نصب على الظرف، و"فاقة": مجرور بالإضافة، و"هوان": عطف عليه. ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "يا يزيدا" حيث يعاقب لام الاستغاثة ألف في آخره فحذفت (¬1)، واعلم أن المستغاث يجوز استعماله على ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون مجرورًا باللام المفتوحة. والثاني: أن يكون آخره ألفًا كقولك: يا زيدًا لعمرو، وتريد: يا لزيد لعمرو، ومنه البيت المذكور. الثالث: أن يكون خاليًا منهما؛ كما في البيت الَّذي يأتي الآن - إن شاء الله تعالى - (¬2). الشاهد التاسع والخمسون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) ألا يا قومِ لِلعجَبِ العَجِيبِ ... وَلِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلأَرِيبِ أقول: هذا من الوافر. و"الأريب" بفتح الهمزة وكسر الراء، وهو العالم بالأمور، وكذلك "الأَرِب" بدون الياء. الإعراب: قوله: "ألا يا قوم" ألا حرف تنبيه، ويا حرف نداء، وقوم: منادى مضاف حذف منه ياء المتكلم اكتفاء بدلالة الكسرة عليها، قوله: "للعجب" اللام فيه مكسورة؛ لأنه لام المستغاث من أجله، و"العجيب" بالجر صفته، قوله: "وللغفلات" عطف عليه. قوله: "تعرض": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الَّذي يرجع إلى الغفلات، وقوله: "للأريب": جملة في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: أنَّه ترك لام المستغاث والألف جميعًا، وكان القياس أن يقول: ألا يا لَقومي للعجب العجيب، أو يقول: ألا يا قومًا للعجب العجيب. فافهم (¬5). ¬
الشاهد الستون بعد التسعمائة
الشاهد الستون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) وقد رابني قولُها يا هَنَاهُ ... ................................. أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه (¬3): .......................... ... ويحكَ ألحقتَ شرًّا بشر وهو من قصيدة رائية، وأولها هو قوله (¬4): أحارَ بنَ عمرو كأني خَمِرْ ... ويعْدُو على المرء ما يأتمرْ إلى أن قال: فَلَمْ يَرَنَا كَالِئ كَاشِحٌ ... وَلَمْ يَفْش مِنَّا لَدَى الْبَيْت سِرْ وقَدْ رَابَنِي قَوْلُهَا يَا هَنَاهُ ... وَيْحَكَ أَلحْقتَ شرًّا بِشَرْ وهي من المتقارب، وقد ذكرناها مستوفاة في شواهد الكلام (¬5). قوله: "رابني": من راب إذا وقع في الريبة بلا شك، وأراب يريب إذا لم يصرح بالريبة، وبعضهم يقول: هما بمعنى واحد، وأما في هذا البيت فهي ريبة: واضحة، والضمير في "قولها" يرجع إلى ابنة العامري المذكورة فيما تقدم من القصيدة. قوله: "يا هناه" هناه: اسم من أسماء النداء لا يستعمل فيما سواه، وهو كناية عن رجل بمنزلة: يا رجل يا إنسان، وأكثر ما يستعمل عند الجفاء والغلظة، قوله: "ألحقتَ شرًّا بشرْ" معناه: كنت متهمًا فلما صرت إلينا ألحقت تهمة بتهمة؛ لأن التهمة شر، وتحقيقها شر منها. الإعراب: قوله: "وقد رابني" الواو للعطف، "وقد" للتحقيق، و "رابني": جملة من الفعل والمفعول، و "قولها": فاعل، قوله: "يا هناه": منادى مقصور، قوله: "ويحك": مصدر، ¬
الشاهد الحادي والستون بعد التسعمائة
والكاف في محل خفض بالإضافة، و "ألحقت شرًّا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب لأنها مقول القول، والباء في "بشر" تتعلق بألحقت. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا هناه" حيث بناه على فعال؛ لأن أصله الهاء، وأدخلت عليه الألف لمد الصوت في النداء، أو أصله الواو فقلبت ألفًا، ثم أدخلت الهاء للوقف، ثم كثر في كلامهم حتَّى صارت الهاء كأنها أصلية فحركت بالكسرة (¬1)، وقال ابن مالك: يجوز فيه الكسر والضم (¬2)، وقال أبو حيان: يحمل الكسر على أنَّه حرك به لالتقاء الساكنين، ويحمل الضم على أنَّه شبه هذه الهاء لما حركها بهاء الضمير، والذي حفظناه من الشيوخ ورويناه في هذا البيت الضم (¬3). الشاهد الحادي والستون بعد التسعمائة (¬4)، (¬5) فيَا شَوْقِ مَا أبْقَى ويَا لِي مِنَ النَّوَى ... ويا دَمْعِ ما أجْرَى ويا قلبِ ما أصْبَى أقول: قيل إنه من كلام المحدثين وهو الظاهر، قلت: إنه من قصيدة طويلة بائية قالها أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي، وأولها قوله: 1 - فَدَيْنَاكَ مِنْ رَبْعٍ وَانْ زِدْتنَا كَربًا ... فَإنَّكَ كُنْتَ الشَّرْقَ للشَمْسِ والغَرْبَا وهي من الطويل. و"النوى" بفتح النون والواو مقصورًا، وهو البعد، قال ابن فارس: النوى: التحوُّلُ من مكانٍ ¬
إلى مكان (¬1)، قوله: "أصبى": من صبا يصبو إذا مال، ومنه الصبي؛ لأنه يميل إلى كل شيء. الإعراب: قوله: "فيا شوق" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، "ويا": حرف نداء، والمنادى محذوف، أي: يا قوم شوقي ما أبقاه، أو تكون يا لمجرد التنبيه فلا تحتاج إلى تقدير المنادى، "وشوق": مبتدأ، وأصله: شوقي بياء التكلم فحذفت اكتفاء بالكسرة. قوله: "ما أبقى" كلمة ما للتعجب في محل الرفع بالابتداء، وأبقى خبره، والجملة في محل الرفع على الخبرية، والعائد فيها محذوف تقديره: ما أبقاه، وكذلك الكلام في قوله: "ويا دمع ما أجرى" وفي قوله: "ويا قلب ما أصبى". الاستشهاد فيه: في قوله: "ويا لي من النوى" فإن اللام فيه لام الاستغاثة وهي مكسورة، وأجاز ابن جني أن يكون قوله: "يا لي" مستغاثًا به كأنه استغاث بنفسه من النوى، قال: ويمكن أن يكون استغاث لنفسه وحذف المستغاث به (¬2). وقال ابن عصفور (¬3): والصحيح عندي أن: "يا لي" حيث وقع الضمير فيه مستغاثًا له، والمستغاث به محذوف؛ لأن العامل في المستغاث به إنما هو الفعل المضمر الَّذي قام حرف النداء مقامه. وقد نصَّ على ذلك سيبويه في باب الجر فقال هناك: فإذا قلت: يا لبكر فإنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى مضافًا إلى بكر باللام (¬4). فإذا جعلت الضمير من قولك: "يا لي" واقعًا على المستغاث به لزم أن يكون التقدير: يا أدعو لي، وذلك غير سائغ؛ لأنه يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل: وذلك لا يجوز إلا في باب ظننت. قال أبو حيان: هذا على ما اختاره من مذهب سيبويه، فأما على مذهب ابن جني فلا يلزم ¬
الشاهد الثاني والستون بعد التسعمائة
ذلك لأن اللام تتعلق بما في "يا" من معنى الفعل، ولا تجري "يا" مجرى صريح الفعل؛ لأنها لا تتحمل ضميرًا كما لم تتحمله ها التي للتنبيه، إذا عملت في الحال (¬1). وأما على اختيار ابن خروف أن اللام زائدة فيصح رد ابن عصفور ومنعه. الشاهد الثاني والستون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يَا لَعِطَّافِنَا ويَا لَرِيَاحِ ... ................................... أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وتمامه (¬4)؛ ............................. ... وأبي الحَشْرَجِ الفتى النَفَّاحِ وقبله: 1 - يا لَقَوْمِي مَن لِلْعُلَا وَالمَسَاعِي ... يَا لَقَوْمِي مَنْ لِلنَّدَى والسَّمَاحِ [وهو من الخفيف. "والمساعي"] (¬5): جمع مسعاة في الكرم والجود، و"الندى" مقصور، وهو السخاء والسماح والجود والكرم، و "عطاف ورياح وأبو الحشرج": أسماء رجال؛ فالشاعر يرثي هؤلاء، ورياح بالياء آخر الحروف، والنفاح بالنون والفاء المشددة معناه: الكثير العطاء، يقال: نفحه بشيء إذا أعطاه، وقال ابن فارس: نفح بالمال نفخًا، ولا يزال لفلان نفحات من المعروف (¬6). الإعراب: قوله: "يا لعطافنا" يا حرف نداء، واللام في: "يا لعطافنا" مفتوحة لأنه مستغاث به، وقوله: "يا لرياح": عطف عليه، واللام فيه -أيضًا- مفتوحة، وإنما تكسر اللام في المعطوف إذا لم يكرر حرف النداء، وهاهنا قد كرر فلذلك فتحت، قوله: "وأبي الحشرج": عطف على ما قبله، والتقدير: ويا لأبي الحشرج، ولا تلزم اللام في المعطوف، ويجوز أن يؤتى بها، ويجوز أن تترك، قوله: "الفتي": بدل من أبي الحشرج، و "النفاح": صفته. ¬
الشاهد الثالث والستون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه في موضعين: الأول: في قوله: "ويا لرياح" حيث فتحت فيه اللام لتكرار: "يا" كما ذكرنا. والثاني: ترك اللام في المعطوف؛ كما في قوله: "وأبي الحشرج" إذ أصله: ويا لأبي الحشرج. فافهم (¬1). الشاهد الثالث والستون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ ... .................................... أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه: ............................ ... بكلّ مَغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ وهو من قصيدته المشهورة التي أولها (¬4): قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ................................ وقد ذكرنا غالبها، قوله: "مغار الفتل" أي: محكم الفتل، يقال: أغرت الحبل إغارة، قال الجوهري: يقال: حبل شديد الغارة، أي: شديد الفتل (¬5)، قوله: "بيذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة وفي آخره لام، وهو اسم جبل. الإعراب: قوله: "فيا لك" الفاء للعطف رابطة، ويا حرف نداء، واللام في "لك" للاستغاثة والتعجب، استغاث به منه لطوله؛ كأنه قال: يا ليل ما أطولك! قوله: "من ليل": مستغاث من أجله، وجر بمن لأن "من" تأتي للتعليل كما تأتي اللام، قوله: "كأن" للتشبيه، و"نجومه": اسمه، وخبره قوله: "شدت بيذبل". ¬
الشاهد الرابع والستون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "فيا لك" حيث جاءت اللام فيه للاستغاثة، وفتحت اللام فيه مع أنَّه مستغاث من أجله؛ لأن اللام إنما تكسر في المستغاث من أجله إذا كانت في الأسماء الظاهرة، فأما الضمير فتفتح معه اللام إلا مع الياء نحو: يا لزيد لك، وإذا قلت: يا لك، احتمل الأمرين. وهاهنا استشهاد آخر وهو قوله: "من ليل" فإنه مستغاث من أجله، وقد جر بحرف من كما ذكرنا (¬1). الشاهد الرابع والستون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يا لَلرِّجَالِ ذوي الألبابِ مِنْ نَفَرٍ ... لَا يَبرَحُ السَّفَهُ المُرْدي لهمْ دينًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "ذوي الألباب": جمع لب بضم اللام وهو العقل، و"النفر": الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وكذلك: النفير والنفرة؛ حكاهما الفراء (¬4)، و"السفه": خفة العقل، و"المردي": فاعل من أردى من الرداءة (¬5) وهي الدناءة. الإعراب: قوله: "يا للرجال" يا حرف نداء، واللام في للرجال لام الاستغاثة وهي مفتوحة، والرجال مجرورة بها، قوله: "ذوي الألباب": كلام إضافي صفة للرجال، قوله: "من نفر": مستغاث من أجله، قوله: "لا يبرح" بمعنى: لا يزال، وقوله: "السفه": اسمه، و"المردي": صفته و"دينًا": خبره، والجملة في محل الجر لأنها صفة لنفر. الاستشهاد فيه: في قوله: "من نفر" حيث جر المستغاث من أجله بكلمة من، وذلك لما قلنا إن من للتعليل كاللام (¬6). ¬
الشاهد الخامس والستون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والستون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يا لِأُنَاسٍ أَبَوْا إلَّا مُثَابَرَةً ... عَلَى التَّوَغلِ في بَغْي وَعُدْوَانٍ أقول: هذا -أيضًا- من البسيط. قوله: "أبوا": من الإباء وهو الامتناع، و"المثابرة": المواظبة والمداومة، و"التوغل": بتشديد الغين المعجمة، وهو التعمق في الدخول، و"البغي": الظلم، وكذلك العدوان. الإعراب: قوله: "يا لأناس" يا حرف نداء، واللام في لأناس مكسورة وهو مستغاث له، والمستغاث به محذوف تقديره: يا لقومي لأناس، قوله: "أبوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه العائد على أناس، قوله: "مثابرة" منصوب بإلا (¬3)، و"على التوغل": يتعلق بمثابرة، قوله: "في بغي": جار ومجرور يتعلق بالتوغل، و"عدوان": عطف على بغي. الاستشهاد فيه: في قوله: "لأناس" فإنه مستغاث له اتصل بيا مجرورًا باللام المكسورة، وحذف [منه] (¬4) المستغاث به؛ كما ذكرنا (¬5). * * * ¬
شواهد الندبة
شواهد الندبة الشاهد السادس والستون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) وافَقْعَسًا وَأَيْنَ مِنِّي فَقْعَسُ ... ........................................ أقول: لم أقف على اسم راجزه، وبعده: أإبلي يَأْخُذُهَا كَرَوَّسُ و"فقعس": اسم حي من أسد، و"كروس" بفتح الكاف الراء وتشديد الواو وفي آخره سين مهملة، اسم رجل، وفي الأصل: الكروس: الرجل الغليظ، وكان كروس أغار على إبل الشاعر؛ فلذلك ندب بقوله: وا فقعسًا ................. ... .................... إلى آخره الإعراب: قوله: "وافقعسًا" كلمة "وا" للندبة، قوله: "وأين": استفهام عن المكان، قال ابن هشام: [استفهام] (¬3) استبعاد لأن من كان في التراب فهو في غاية البعد. قلت: وإنما قال ذلك؛ لأنه فسر الفقعس باسم رجل وأنه قد مات فندبه الشاعر، ولكن الشطر الثاني من البيت يدل على أن المراد من الفقعس هاهنا هو الحي من أسد، وكان كروس ¬
الشاهد السابع والستون بعد التسعمائة
أغار على إبله فندب باسم من فقده لغيبته؛ إذ لو كان فقعس هناك لم يجترئ كروس على الإغارة، ومحل "أين" رفع على الخبرية؛ لأن قوله: "فقعس": مبتدأ، وقوله: "مني" يتعلق بمحذوف تقديره: أين صار مني فقعس؟ قوله: "أإبلي" الهمزة فيه للاستفهام، وإبلي: كلام إضافي مبتدأ، والجملة أعني قوله: "يأخذها كروس": خبره. الاستشهاد فيه: على تنوين: "فقعسًا" فإنه لما اضطر الشاعر إلى تنوينه نونه بالنصب، ويجوز ضمه -أيضًا-، وقال ابن مالك: كذا روي بالنصب، ولو قيل بالضم جاز (¬1). الشاهد السابع والستون بعد التسعمائة (¬2) حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فاصْطَبَرْتَ لَهُ ... وقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ الله يَا عُمَرَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد النداء (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "يا عمرا" حيث ألحق في آخره ألف الندبة؛ لأنه الَّذي انتهى به الاسم (¬4). الشاهد الثامن والستون بعد التسعمائة (¬5)، (¬6) ألا يَا عمرو عمرَاه ... وعمرو بن الزبيراه أقول: لم أقف على اسم [قائله، وهو من الهزج] (¬7). ¬
الشاهد التاسع والستون بعد التسعمائة
أراد بعمرو عمرو بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و"يا": حرف نداء، و"عمرو": منادى مفرد معرفة، و"عمراه": تأكيد للمنادى ومندوب، وقوله: "وعمرو بن الزبيراه": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في تحريك الهاء في "عمراه، وفي "الزبيراه" بالضم؛ وذلك لأن المندوب إذا وقف عليه لحقه بعد القلب هاء السكت نحو: وازيداه، ولا تثبت الهاء في الوصل إلا في الضرورة، والبيت من الضرورة (¬1). وقال ابن مالك: لحق الهاء في "عمراه" وهو توكيد مندوب، ولحقت في "الزبيراه" وهو مضاف إليه نعت معطوف على مندوب، فلحاقها نعت المندوب أولى بالجواز، وكذلك لحاقها المضاف إليه نعت المندوب (¬2). الشاهد التاسع والستون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) .......................... ... وتَقُولُ سَلْمَى وَارَزِيَّتِيَهْ أقول: قائله هو عبد اللَّه بن قيس الرقيات، وصدره (¬5): ¬
تَبْكِيهِمُ أَسْمَاءُ مُعْولَةً ... .................................... وهو من قصيدة من الكامل، يرثي بها قومًا من قريش قُتلوا يوم الحرة بالمدينة في زمن يزيد بن معاوية، وأولها هو قوله: 1 - ذهبَ الصِّبَا وَتَرَكْتُ غَيَّتِيَّهْ ... وَرَأَى الغَوَانِي شَيْبَ لِمَّتِيَهْ 2 - وهَجَرْنَنِي وهجرتُهُنَّ وقدْ ... غَنيَتْ كَرَائِمُهَا يَطُفْنَ بيَهْ 3 - سَدِمًا يعْزِينِي الصَّحِيحُ وَقَدْ ... مَرْ المنُونُ عَلَى كريمتيه إلى أن قال: 4 - تبكيهم أسماء .......... ... ................... إلى آخره 5 - كيف الرُّقَادُ وكُلَّما هَجَعَتْ ... عَيْنِي ألمَّ خَيَالُ إِخْوَتِيَّهْ 6 - تالله أبرحُ في مُقَدَّمَةِ ... أهدي الجيوشَ إليَّ شِكَّتِيَّهْ 7 - حتَّى أُفَجِّعَهُم بِإخْوَتهمْ ... وأسوقُ نِسْوتَهمْ بِنِسْوَتِيَّهْ قوله: "معولة": من أعولت المرأة إعوالًا؛ من العويل وهو الصياح، "وارزيتيه" الرزية: الصيبة، وكذلك الرزء. قوله: "سدمًا" بفتح السين المهملة وكسر الدال، قال الجوهري: السدم: المغتاظ (¬1)، و"المنون": الموت، و"ألم": من الإلمام وهو النزول، وقوله: "على شكتيه": جملة اسمية وقعت حالًا بلا واو، و"الشكة" بكسر الشين؛ السلاح، ومنه: رجل شاك السلاح. الإعراب: قوله: "تبكيهم": جملة من الفعل والمفعول، والضمير يرجع إلى بني عبد المذكورين في القصيدة، قوله: "أسماء": فاعل تبكي، قوله: "معولة " بالنصب حال من أسماء. قوله: "تقول سلمى": جملة من الفعل والفاعل، ويروى: تقول ليلى، قوله: "وارزيتيه": مقول القول، وكلمة: "وا" للندبة، والهاء فيه هاء السكت، وهي اللاحقة لبيان حركة أو حرف نحو: {مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] ونحوها. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "وارزيتيه" حيث أغنى عن اسم المندوب ذكر لفظ الرزية، وذلك أن الأصل في الندبة أن تكون باسم علم أو مضاف إضافة يتضح بها المندوب، ولكن ربما يندب بلفظ الرزية ونحوها؛ كقولهم: وانقطاع ظهراه، وارزيتيه ونحو ذلك (¬1). * * * ¬
شواهد الترخيم
شواهد الترخيم الشاهد السبعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يَا حَارِ لَا أُرْميَنْ منكُمْ بِدَاهيَةٍ ... لَمْ يلْقَهَا سُوقَةُ قَبْلِي ولا مَلِكُ أقول: قائله زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة يخاطب بها الحارث بن ورقاء الصيداوي أحد بني أسد بن خزيمة، وكان أغار علي بني عبد الله بن غطفان فغنم وأخذ إبل (¬3) زهير وراعيه يسارًا؛ فطالبهم بذلك ليردوا عليه ما أخذوه وتوعدهم بالهجاء، فأطالوا معه حتى هجاهم فردوا عليه غلامه وإبله، وقبل البيت المذكور (¬4): 1 - هلا سألت بني الصيداءِ كلَّهمُ ... بأي حبلِ جوارٍ كنتُ أمتسكُ 2 - فلَنْ يقُولُوا بحبلٍ واهنٍ خَلَقٍ ... لو كان قومُكَ في أسبابه هَلَكوا 3 - يا حار ................. ... .............. إلى آخره 4 - ازدُدْ يسَارًا ولا تَعْنَفْ علَيهِ ولَا ... تَمعَكْ بِعَرْضِكَ إنَّ الغَادِرَ المَعِكُ وهي من البسيط. ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد التسعمائة
قوله: "بداهية" الداهية: النازلة بالقوم والخطب الشديد، قوله: "سوقة" بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف؛ واحدة السوق وهم أصحاب السوق، واحدهم سوقي، وقال اللخمي: السوقة: كل من كان دون الملك، وجمعها: سوق، وقيل: هم أوساط الناس، و "الملك": ذو الملك، وليس على الفعل، ولكنه على النسب، يقول: يا حارث لا تتعرض لإنزال هذه الداهية بي ولا تتمادى على ما فعلت منها، فإن فعلت رميت منك بداهية عظيمة. الإعراب: قوله: "يا حار" يا حرف نداء، وحار: مندى مرخم، وأصله: يا حارث، قوله: "لا أرمين": على صيغة المجهول مجزوم بالنهي، ويحتمل أن يكون دعاء، قوله: "بداهية": يتعلق به، قوله: "منكم" في محل الجر لأنها صفة لداهية، والتقدير: بداهية كائنة منكم (¬1)، قوله: "لم يلقها": فعل ومفعول و "سوقة": فاعله، والجملة في محل الجر لأنها صفة لداهية، والتقدير: بداهية غير لاقٍ لها قبلي سوقة ولا ملك. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا حار" حيث رخم على لغة من يحذف آخر الاسم ويبقي الباقي على ما كان عليه من كسر الراء. فافهم (¬2). الشاهد الحادي والسبعون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) جَارِيَ لا تَسْتَنْكْرِي عَذِيرِي ... سَيْرِي وَإِشْفَاقِي على بَعِيرِي أقول: قائله هو العجاج والد رؤبة، وبعده (¬5): ¬
2 - وهَلْ يَرَدُّ مَا خَلَا تَخْبِيرِي ... وكَثرَةُ الحَديثِ عَنْ شُقُورِي 3 - مَعَ الجَلَا ولَائِح القَتِيرِي ... وقذري ما ليس بالمقذوري 4 - وحِفْظَةٍ أكنها ضميري ... ........................... وهي من الرجز المسدس. قوله: "عذيري" العذير بفتح العين المهملة وكسر الذال المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء، وهو الأمر الذي يحاوله الإنسان مما يعذر عليه إذا فعله، ويجمع على: عُذُر بضمتين. والمعنى: يا جارية [لا تستنكري ما أحاوله معذورًا أنا فيه، وقال أبو عبيدة: معناه] (¬1) لا تنكري حالي من الهرم يا جارية، ولا كثرة ما أحدث به؛ يعني: مما تقدم في بالي من الأسرار، وذلك من أحوال الشيوخ المسنين وتهاتر الهرمى. قوله: "عن شقوري" بضم الشين المعجمة والقاف، وهو الحاجة، وكان الأصمعي يقولها بفتح الشين، والأول أصح، قوله: "القتير" بفتح القاف وكسر التاء المثناة من فوق بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، وهو الشيب. قوله: "قذري" بفتح الذال المعجمة؛ من القذر وهو ضد النظافة، ومنه قوله: بالمقذور، قوله: "حفظة" بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء وفتح الظاء المعجمة، وهي الحمية والغضب؛ كذا فسَّره في العباب، ثم أنشد البيت المذكور، قوله: "أكنها" أي: أخفاها، "ضميري" أي: قلبي. الإعراب: قوله: "جاري": منادى مرخم حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا جارية، وإنما رخم فحذف منه تاء التأنيث وحذف أداة النداء ضرورة. قوله: "لا تستنكري": جملة من الفعل والفاعل دخلت عليها لا الناهية، قوله: "عذيري": كلام إضافي مفعول، قوله: "سيري": بدل من قوله: "عذيري"، و "إشفاقي": عطف على سيري، ويجوز أن تكون الواو فيه بمعنى مع، قوله: "على بعيري" يتعلق بقوله: إشفاقي. ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "جاري" حيث حذف [منه] (¬1) حرف النداء، ورخم بحذف تاء التأنيث للضرورة (¬2). الشاهد الثاني والسبعون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) يا علقم الخير قد طالت إقامتنا ... .......................... أقول: [قائله هو]، وتمامه: [ .... ] (¬5). وهو من البسيط. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: " [يا علقم الخير] (¬6)، أصله: يا علقمة الخير، وهو منادى منصوب مضاف، قوله: "قد" للتحقيق، و"طالت": فعل، وقوله: "إقامتنا": كلام إضافي فاعله. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا علقم الخير" فإن الشاعر قد رخم علقمة، والحال أنه مضاف إلى الخير كما ذكرنا، ومن شرط الترخيم ألا يكون المنادى مضافًا؛ فلا يجوز ترخيم نحو: طلحة الخير، فأما الذي ورد في هذا البيت فنادر، واعلم أن ترخيم المنادى المركب لا يخلو إما أن [يكون] (¬7) تركيبه على غير جهة الإسناد أو على جهة الإسناد؛ أما الأول فإن كان تركيب إضافة امتنع ترخيمه على الأصح، وإن لم يكن تركيب إضافة جاز مطلقًا، سواء كان تركيب اسمين جُعلا ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد التسعمائة
اسمًا واحدًا؛ كمعدي كرب، أو اسم صوت كسيبويه، أو تركيب العدد كخمسة عشر، وأما الثاني: وهو تركيب على جهة الإسناد، نحو: تأبط شرًّا وبرق نحره، فلا يجوز ترخيمه على الأصح (¬1). الشاهد الثالث والسبعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) لَنِعْمَ الفتَى تعشُو إِلَى ضوْءِ نارِهِ ... طَرِيفُ بنُ مالٍ ليلةَ الجوعِ والخَصَرْ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وبعده بيت آخر وهو (¬4): 2 - إذا البازِلُ الكَوْماءُ راحَتْ عَشِيَّةً ... تُلاوذُ من صوتِ المُبِسِّينَ بالشَّجَرْ وهما من الطويل. قوله: "تعشو" أي: تسير في العشاء -وهو الظلام- إلى ضوء ناره، "والخصر" بفتح الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة؛ شدة البرد، قوله: "إذا البازل .. إلخ": يصف شدة الزمان وبرده، وأن هذا الممدوح كريم في هذا الوقت، و "البازل": المسنة من الإبل، وهي أجلدها وأقواها، ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد التسعمائة
و"الكوماء": العظيمة السنام لسمنها. قوله: "تلاوذ" أي: تلوذ بالشجر وتروغ من الداعي لها للحلب، ويروى: بالسحر بمهملتين أي: تمتنع في السحر، وإنما تفعل ذلك لشدة البرد، وفي الإبل نوق لا تحلب حتى تطلع عليها الشمس وتدفأ، و "المبس": الذي يدعوها للحلب فيقول لها بس بس. الإعراب: قوله: "لنعم" اللام للتأكيد، ونعم كلمة المدح، و "الفتى": فاعله، والجملة في محل الرفع على أنها خبر عن قوله: "طريف بن مال"، وأصله: ابن مالك. قوله: "تعشو": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه؛ أعني: أنت، وقوله: "إلى ضوء ناره": في محل النصب على المفعولية، قوله: "ليلة الجوع": كلام إضافي نصب على الظرف، و "الخصر": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "طريف بن مال" فإن أصله: ابن مالك؛ رخمه في غير النداء للضرورة، والمبرد لا يجيز ذلك بل يوجب انتظار المحذوف (¬1). الشاهد الرابع والسبعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) ألا أضحتْ حِبالُكمْ رِمَامًا ... وأضْحَتْ منكَ شَاسِعَةً أُمامَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وبعده (¬4): ¬
يَشُقُّ بِهَا العَسَاقِلَ مُوَجِذَاتٌ ... وكُلُّ عَرَنْدَسٍ يَنْفِي اللُّغَامَا وهما من الوافر. قوله: "حبالكم": جمع حبل وهو العهد، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]؛ أي: بعهده، قوله: "رمامًا": جمع رمة، وهي القطعة البالية من الحبل، والرمة - أيضًا -بضم الراء؛ قاع بنجد، وأما الرمة بكسر الراء فهي العظم البالي، قال الله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] والرمة -بفتح الراء- أخذ الشاة الحشيش بمرمتها، والمرمة والمقمة للشاة بمنزلة الشفة من الإنسان. قوله: "شاسعة" أي: بعيدة، قوله: "أُمامَا" أي (¬1): أمامة اسم امرأة. ومعنى البيت: أنه يقول للمخاطبين: ما كان بيني وبينكم من أسباب التواصل قد انقطع ثم رجع إلى نفسه يخاطبها، فقال: وأضحت منك أمامة بعيدة؛ فليس للاجتماع بها مطمع. قوله: "العساقل": ضرب من الكمأة، و"العرندس" من الإبل: الشديد، ولغام البعير بضم اللام وبالغين المعجمة؛ زبده. الإعراب: قوله: "ألا": حرف تنبيه، و "أضحت": من الأفعال الناقصة، و "حبالكم": كلام إضافي اسمه، و "رمامًا": خبره، قوله: "وأضحت": عطف على أضحت الأولى، قوله: "أماما": اسمه تقديره: وأضحت أمامة، و "شاسعة" خبره، و "منك": تتعلق بشاسعة. الاستشهاد فيه: في قوله "أمَامَا" حيث رخمت في غير النداء للضرورة، وقد روي هذا البيت (¬2): ألا أضْحْتْ حِبَالُكُم رمَامًا ... ومَا عَهدِي كَعَهدِكِ يَا أُمامَا فيكون: "يا أماما" منادى مرخمًا، ولا يكون في البيت حينئذ شاهد على هذه الرواية، وهذه الرواية أليق بنظم البيت؛ لأنه ذكر العهد في صدر البيت ثم رد العجز على الصدر، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء: 38]، وهذه الرواية رواية المبرد [-رحمه اللَّه تعالى-] (¬3). ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والسبعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) إِنَّ ابْنَ حَارِثَ إِنْ أَشْتَقْ لِرُؤْيَتِهِ ... أَوْ أَمْتَدِحْهُ فَإِنَّ النَّاسَ قد علِمُوا أقول: قائله هو أوس بن حبناء التميمي، وهو من البسيط. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إن": من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "ابن حارث": كلام إضافي اسم إن، وقوله: "إن أشتق" إن حرف شرط، وأشتق: جملة وقعت فعل الشرط، ولهذا حذف منه الألف لالتقاء الساكنين، وأصله: أشتاق، وقوله: "لرؤيته": يتعلق بأشتق، قوله: "أو أمتدحه": عطف على قوله أشتق، وقوله: "فإن الناس" الفاء جواب الشرط، والجملة خبر إن، والناس اسم إن، و "قد علموا": خبره، ومفعول علموا محذوف تقديره: قد علموا ذلك مني. الاستشهاد فيه: في قوله: "حارث" فإن أصله: ابن حارثة، فإنه رخمه في غير النداء على نية الحذف لأجل الضرورة، والمبرد لا يجيز ذلك إلا على انتظار الحذف، والبيت حجة عليه. ولما كان الترخيم في غير النداء مشابهًا للترخيم في النداء؛ ولذلك لا يجوز أن يرخم فيه إلا ما يجوز أن يرخم في النداء، ولما كان الترخيم في النداء على وجهين كان في غير النداء -أيضًا- على ذينك الوجهين من انتظار الحذف وعدم انتظاره. وإنكار المبرد أن يكون على نية المحذوف مدفوع قياسًا، وهو ما ذكرناه، وسماعًا كقول الشاعر المذكور (¬3). ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد التسعمائة
الشاهد السادس والسبعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) قواطنا مكة من ورق الحمى ... ........................... أقول: قائله هو العجاج والد رؤبة، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد اسم الفاعل (¬3). الاستشهاد فيه: هاهنا في قوله: "الحمى" فإن أصله الحمام، وقيل: إنه رخم للضرورة، ورد بأنه لا يصلح للضرورة؛ لكونه بأل، وإنما هو حذف لا على طريقة الترخيم (¬4). الشاهد السابع والسبعون بعد التسعمائة (¬5)، (¬6) لها بشَرٌ مِثْلُ الحَرِيرِ ومَنْطِقٌ ... رَخِيمُ الحَوَاشي لا هُرَاءٌ ولا نَزْرُ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وهو من قصيدة رائية من الطويل، وأولها هو قوله (¬7): 1 - ألا يا اسلمي يا دار مَيَّ على البِلَى ... ولا زال مُنْهَلًّا بجرْعَائِكِ القطْرُ ¬
إلى أن قال: 2 - جَرِى حينَ يُمْسِي أهلُهَا من فنائهمْ ... صهيلُ الجِيَادِ الأعوجيات والهُدْرُ 3 - لها بشر .......... ... ................... إلى آخره وبعده: 4 - وعينان قال الله كونا فكانتا ... فَعُولِينَ بالألباب ما تفْعَلُ الخَمْرُ 3 - قوله: "لها" أي: لمية بشر، وأراد به ظاهر جلدها، قوله: "رخيم الحواشي" بالخاء المعجمة؛ أي: لين نواحي الكلام، وقال ابن فارس: رخيم؛ أي: رقيق (¬1)، ويقال: الصوت الرخيم هو الشجي الطب النغمة، و "الحواشي": جمع حاشية وهي الناحية. قوله: "لا هراء" بضم الهاء وتخفيف الراء، وهو الكلام الكثير الذي ليس له معنى، و "النزر" بفتح النون وسكون الزاي المعجمة، وهو بمعنى القليل؛ يعني: كلامها لا كثير بلا فائدة ولا قليل مخل بل بين ذلك، ويروى: "ولا هذر"، والهذر: الكثير، يقال: رجل مهذار إذا كان كثير الكلام. الإعراب: قوله: "بشر": مبتدأ، و "لها": مقدمًا خبره، وقوله: "مثل الحرير": كلام إضافي صفة للبشر، قوله: "ومنطق": عطف على قوله: "بشر"، قوله: "رخيم الحواشي": كلام إضافي صفة لمنطق، قوله: "لا هراء": عطف على قوله: "رخيم الحواشي"،: "ولا نزر": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "رخيم الحواشي" فإن الترخيم بمعنى اللين والرقة، وبهذا المعنى يسمى الترخيم في النداء؛ لأن الاسم إذا حذف منه آخره نقص الصوت به وضعف، وقال الجوهري: الترخيم: التليين، ويقال: الحذف، ومنه ترخيم الاسم في النداء وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر (¬2). ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد التسعمائة
الشاهد الثامن والسبعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) أبا عُرْوَ لا تبعَدْ فَكُلُّ ابنِ حُرَّةٍ ... سيدعُوهُ دَاعِي مِيْتَةٍ فَيُجِيبُ أقول: قائله مجهول؛ كذا قاله ابن يعيش وشارح الجزولية، وهو من الطويل. قوله: "لا تبعد": من البعد بفتحتين وهو الهلاك، قوله: "ميتة" بكسر الميم بمعنى الموت. الإعراب: قوله: "أبا عرو": منادى مضاف مرخم حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا أبا عروة، قوله: "لا تبعد": جملة من الفعل والفاعل دخلت عليها لا الناهية، قوله: "فكل ابن حرة": كلام إضافي مبتدأ، والفاء [فيه] (¬3) تصلح أن تكون للتعليل. قوله: "سيدعوه داعي ميتة": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع (¬4) على الخبرية، قوله: "فيجيب": عطف على قوله: "سيدعوه"، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو يجيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبا عرو" فإنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء ودخله الترخيم، واستدل به الكوفيون على جواز ترخيم المنادى المضاف بحذف آخر المضاف إليه على ما يقتضيه القياس لو كان هو المنادى. وذهب البصريون إلى منع ذلك، وعلتهم في المنع أن المضاف إليه ليس هو المنادى، ولا يرخم عندهم إلا المنادى، وأجابوا عن هذا وما هو مثله أنه محمول على الضرورة (¬5). ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد التسعمائة
الشاهد التاسع والسبعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يا أسمُ صبرًا على ما كانَ مِنْ حَدَثٍ ... إنَّ الحوادثَ ملْقِيٌّ ومنتَظَرُ أقول: قائله هو أبو زبيد الطائي، واسمه حرملة بن المنذر؛ كذا قال اللخمي في شرح أبيات الجمل، ونسبه النحاس في شرح الكتاب إلى لبيد بن ربيعة العامري، [وقبله (¬3)] (¬4): 1 - تَرَى الكثِيرَ قلِيلًا حِينَ تَسْألُه ... ولا تُخَالِجُهُ المَخْلُوجَةُ الكُثُرُ 2 - يا أسمُ صبرًا على ما كانَ مِنْ حَدَثٍ ... إنَّ الحوادثَ ملْقِيٌّ ومنتَظَرُ 3 - صبرًا على حدثان الدهر وانقبضي ... عن الدناءة إِنَّ الحُرَّ يَصْطَبِرُ 4 - ولا تبيتَنَّ ذَا هَمٍّ تُكَابِدُهُ ... كأَنْمَا النَّارُ في الأَحشَاءِ تَسْتَعِرُ 5 - فَما رُزِقْتَ فإن اللهَ جَالِبُهُ ... ومَا حُرِمْتَ فَمَا يَجْرِي بِهِ القَدَرُ وهي من البسيط. 2 - قوله: "من حدث" الحدث هو النائبة من نوائب الدهر، والجمع: أحداث، وكذلك: الحوادث هي النوائب -أيضًا- واحدتها: حادثة، يقول لها: يا أسماء اصبري صبرًا على هذا الحدث النازل؛ فالحوادث على الإنسان مترادفة والآفات متعاقبة، منها ما نزل وحل [ومنها] (¬5) ما ينتظر أن يحل. الإعراب: قوله: "يا اسم" يا حرف نداء، وأسم: منادى مرخم، والتقدير: يا أسماء، قوله: "صبرًا": مصدر، تقديره: [اصبري صبرًا]. قوله: "ملقي": مبتدأ، وخبره محذوف، وكذلك "منتظر"، والتقدير: إن الحوادث منها ملقي، ومنها منتظر، والجملتان في موضع خبر إن، فموضعهما رفع. ¬
الشاهد الثمانون بعد التسعمائة
قوله: "على ما كان": جار ومجرور يتعلق بصبرًا، وكان ها هنا تامة بمعنى: حدث ووقع، وفاعلها مضمر فيها عائد على ما، وكان مع ما بعدها صلة ما، و "من حدث": يتعلق بكان. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا اسم" فإنه منادى مرخم فحذف الهمزة ثم حذف الألف التي قبلها لأنهما زائدتان، زيدتا معًا فحذفتا في الترخيم معًا؛ كما حذفتا في: مروان (¬1). الشاهد الثمانون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) أفاطمَ مهْلًا بعض هذا التَّدَلُّلِ ... ........................... أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه (¬4): ........................ ... وإنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ...................... قوله: "أفأطم" هي فاطمة بنت العبيد بن ثعلبة من عذرة، قوله: "أزمعت" أي: أحكمت عزمك، قوله: "صرمي" أي: قطعي، "فأجملي": من الإجمال وهو الإحسان. الإعراب: قوله: "أفاطم" الهمزة حرف نداء، و "فاطم": منادى مفرد؛ إذ أصله: فاطمة، قوله: "مهلًا": نصب بفعل محذوف؛ أي: أمهلي مهلًا، ومعناه: كفي، وقوله: "بعض هذا التدلل": كلام إضافي مفعوله، والمعنى: كفي بعض التدلل عني وأقلي منه. ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "أفاطم" فإنه [منادى] (¬1) مرخم كما قلنا، ولا تزول فتحة الميم لئلا يلتبس بنداء مذكر لا ترخيم فيه، وقد علم أن الفتحة لا تتغير في موضع الالتباس (¬2). الشاهد الحادي والثمانون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) خُذُوا حَظَّكُم يا آلَ عِكْرِمَ واعلموا ... .................... أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وتمامه: ............................ ... أَوَاصِرَنَا والرّحْمُ بالغَيْبِ تُذْكَرُ وهو من قصيدة رائية من الطويل، قالها زهير حيث بلغه أن بني سليم أرادوا الإغارة على بني غطفان، وأولها هو قوله (¬5): 1 - رأيتُ بنِي آلِ امرئِ القيسِ أصْفَقُوا ... عَلَيْنَا وقالوا إنَّنَا نَحْنُ أكثرُ 2 - سُلَيْمُ بنُ منصورٍ وأفناءُ عامرٍ ... وسعدُ بنُ بكرٍ والنصورُ وَأَعْصُرُ 3 - خذوا حظكم ............ ... ................ إلى آخره 4 - وإنَّا وإيَّاكُمْ إلى ما نسُومُكُمُ ... لَمِثْلانِ أو أنتم إلى الصُّلْحِ أفقرُ 5 - إذا ما سَمِعْنا صارخًا مَعَجَتْ بنا ... إلى صوتِه وُرْقُ المَرَاكِلِ ضُمَّرُ 6 - وإن شَلَّ رَيْعانُ الجميعِ مخافةً ... نَقُولُ جهَارًا ويلَكُمْ لا تنفِرُوا 7 - على رِسْلِكُمْ إِنَّا سنُعْدِي وراءكم ... فتمنعُكُمْ أرْمَاحُنَا أو سنُعْذِرُ ¬
8 - وإلا فإِنّا بالشَّرَبَّةِ فاللِّوى ... نُعَقِّرُ أُمَّاتِ الرِّباع ونَيْسِرُ 1 - قوله: "أصفقوا" أي: اجتمعوا علينا، وأراد "ببني آل امرئ القيس": هوازن وسليم. 2 - و "الأفناء": القبائل، و "النصور": بنو نصر، و "أعصر": أبو غني وباهلة وسعد بن بكر بن هوازن الذي كان النبي - عليه الصلاة والسلام - مسترضعًا فيهم. 3 - وقوله: "خذوا حظكم" يعني: خذوا نصيبكم من ودنا يا آل عكرمة، و "الأواصر": القرابات، الواحد: الآصرة. 4 - قوله: "نسومكم" أي: نعرض عليكم ونريدكم عليه، يقال: سامني الخسف، أي: طلب مني غير الحق. 5 - قوله: "صارخًا" أي: مستغيثًا، قوله: "معجت بنا" أي: أسرعت بنا إلى صوته، و "الورق" بضم الواو؛ جمع أورق وهو الذي يكون لونه لون الرماد، و "المراكل": جمع مركل، ومركلا الفرس: موضعَا رِجْلَي الراكب من جنبه. وفي شرح القصيدة: ورق المراكل: قد اسود مواضع أرجل الفرسان؛ لأن الشَّعْرَ تَحَاتَ عنها واسود موضعه لكثرة الركوب في الحرب، قوله: "ضمر": جمع ضامر؛ من ضمر الخيل ضمورًا، وذلك من خفة اللحم، ومنه تضمير الفرس. 6 - و "الرعيان": جمع راع. 7 - قوله: "على رسلكم" أي على هيئتكم، قوله: "سنعدي" أي: سنعدي الخيل وراءكم، ويقال: عدا الفرس وأعداه فارسه، قوله: "أو سنعذر" أي: الرماح، أي: يكون فيها ما تعذرون فيه. 8 - قوله: "وإلا" أي: وإن لم يكن بيننا وبينكم قتال فنعدي الخيل وراءكم فإننا بِالشَّرِبَة، أي: منزلنا بالمكان الذي تعلمون، وهي بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وفتح الباء الموحدة، و "اللِّوى" بكسر اللام، وهو منقطع الرمل، و "الأمات" أصله: الأمهات، و "الرباع" بكسر الراء؛ جمع ربع بكسر الراء، وهو ما نتج في الربيع، قوله: "ونيسر": من الميسر وهو الضرب بالقداح. الإعراب: قوله: "خذوا": جملة من الفعل والفاعل، و "حظكم": كلام إضافي مفعوله، قوله: "يا آل عكرم" أي: يا آل عكرمة، قوله: "واعلموا": عطف على قوله: "خذوا"، قوله: "أواصرنا":
الشاهد الثاني والثمانون بعد التسعمائة
كلام إضافي مفعول: "اعلموا"، والعلم بمعنى المعرفة؛ فلذلك اكتفى بمفعول واحد، و "الرحم": مبتدأ، و "تذكر": خبره، و "بالغيب" يتعلق به، والجملة حال. والاستشهاد فيه: في قوله: "يا آل عكرم" حيث رخم المضاف إليه من المنادى، وفيه خلاف بين البصريين والكوفيين، وقد حققناه عند قوله: أبا عرو، في هذا الباب (¬1). الشاهد الثاني والثمانون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) يا مروُ إن مطيَّتِي مَحْبُوسةٌ ... تَرْجُو الحِبَاءَ وربُّها لم ييأسِ أقول: قائله هو الفرزدق، وكان قدم المدينة مستجيرًا بسعيد بن العاص بن زياد بن أمية، فامتدح سعيدًا ومروان عنده قاعد، فقال (¬4): 1 - ترى الغُرَّ الحجاحِجَ مِن قُرَيْشٍ ... إذا ما الأمْرُ بالمكرُوهِ عالا 2 - قِيَامًا يَنْظُرُونَ إلى سعيدٍ ... كأنهمُ يرَوْنَ بهِ هِلالا فقال مروان: قعودًا يا غلام، فقال: لا واللَّه يا أبا عبد الملك إلا قيامًا فأغضب مروان، وكان معاوية - رضي الله عنه - يعادل بني مروان وبني سعيد، فلما ولي مروان كتب إلى واليه بضربَةٍ أن يعاقبه إذا حل وقال للفرزدق: إني كتبت لك بمائة دينار، فلما أخذ الكتاب وانصرف على أنه جائزته ندم مروان فكتب للفرزدق (¬5): 1 - قُلْ للفَرَزْدَقِ والسَّفَاهَةُ كاسْمِهَا ... إنْ كُنتَ تَارِكَ مَا أَمَرْتُكَ فاجلسِ 2 - ودَعِ المَدينَةَ إنَّهَا مَرْهُونَةٌ ... واعْمَدْ لمَكّةَ أو لبَيتِ المَقْدِسِ ¬
3 - وإن اجْتَنَبْتَ من الأمُورِ عظيمةً ... فخُذَنْ لنفسِكَ بالرِّقاعِ الأكْيَسِ ففطن الفرزدق ومزق الصحيفة، ورد عليه الفرزدق: 1 - يا مروُ إن مطيَّتِي مَحْبُوسةٌ ... تَرْجُو الحيَاءَ وربُّها لم ييأسِ 2 - وحبَوْتَنِي بصَحِيفةٍ مختُومةٍ ... يُخْشِى عليَّ بها حِبَاءُ النقْرَسِ 3 - ألقِ الصحيفةَ يا فرزدقُ إِنَّهَا ... نَكرَاءُ مثلُ صحيفةِ المتُلَمِّسِ فكان الفرزدق لا يقرُبُ مروانَ في خلافته ولا عبدَ الملك ولا الوليدَ (¬1). الإعراب: قوله: "يا مرو" يا حرف نداء، ومرو: منادى مرخم، أصله: بها مروان، قوله: "مطيتي": كلام إضافي اسم إن، و "محبوسة": خبرها. قوله: "ترجو": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى المطية، وأسند الرَّجَاء لها وهو يريد نفسه مجازًا، قوله: "الحباء": مفعول ترجو، وهو بكسر الحاء وتخفيف الباء الموحدة وبالمد هو العطاء، والجملة محلها الرفع على أنها خبر ثان لأن قوله: "وربها": مبتدأ، و "لم ييأس": خبره، والتقدير: وصاحبها غير آيس من نوالك. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا مرو" حيث رخم، وحذف منه الألف والنون لزيادتهما، وبقي الاسم ثلاثيًّا بعد حذفهما فافهم (¬2). ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد التسعمائة
الشاهد الثالث والثمانون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) يَا رِيحَ مِن نحو الشَّمالِ هُبِّي ... .......................... أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو شطر رجز، وقيل: هذا ليس بشعر. الإعراب: قوله: "يا" حرف نداء، و"رجح": منادى مفرد مفتوح، وقوله: "من نحو": جار ومجرور يتعلق بقوله: "هبي"، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر فيه (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "يا ريح" فإنه منادى مفرد، وكان حقه أن يضم ولكنه مفتوح؛ لأن من العرب من يبني المنادى المفرد على الفتح، ويقولون: يا طلحةَ بفتح التاء، وكذلك: يا ريحَ على هذه اللغة بفتح الحاء (¬4). الشاهد الرابع والثمانون بعد التسعمائة (¬5)، (¬6) قِفِي قَبْلَ التفَرُّقِ يا ضُبَاعَا ... ............................ أقول: قائله هو القطامي، واسمه عمير بن شييم، وتمامه (¬7): ............................ ... ولا يكُ موقِفٌ منكَ الودَاعا ¬
وهو أول قصيدة طويلة من الوافر يمدح بها القطامي زفر بن الحرث بن عبد عمرو بن معاذ بن يزيد بن عمرو بن خويلد، وأراد بقوله: "ضُباعَا": ضباعة بنت زفر بن الحرث. الإعراب: قوله: "قفي ": أمر من وقف يقف؛ جملة من الفعل والفاعل، و "قبل التفرق": كلام إضافي نصب على الظرف. قوله: "يا ضباعا": منادى مفرد معرفة مرخم، وأصله: ضباعة، قوله: "ولا يك" أصله: ولا يكن، فحذفت النون للتخفيف، و "موقف": اسم يكن، و "الوداعا": خبره، وقد علم في باب الخبر أن المعرفة هي المبتدأ، والخبر هو النكرة، وكذلك اسم كان وخبرها لا فرق بينهما (¬1). وأما القطامي فإنه عكس وجعل النكرة اسمًا والمعرفة خبرًا ليستقيم الوزن، والمعنى لا يفسد بذلك؛ إذ قد علم مراده، وذلك أن موقفًا هنا اجتمعت فيه ثلاثة أشياء تقربه من المعرفة: أحدهما: أنه وصف بقوله: "منك" والوصف مخصص. والثاني: أن موقفًا مصدر نكرة، ونكرة المصدر قريبة من المعرفة إذا كان المصدر حسيًّا؛ ألا ترى أنه لا فرق في المعنى بين أن تقول: خالط هذا الماء عسل أو العسل؛ لأنك تريد المعهود. الثالث: أن الوداع مصدر معرفته قريب من نكرته؛ ألا ترى أنه لا يريد وداعًا معهودًا بل وداعًا عامًّا، فَبَانَ بهذه الوجوه سهولة جعل المرفوع نكرة والمنصوب معرفة، قوله: "منك" في محل الرفع لأنه صفة للموقف، والتقدير: موقف حاصل منك. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا ضباعا" حيث عوض الألف فيه عن الهاء، وقال ابن مالك: ولا يستغنى غالبًا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها، أو تعويض ألف منها، وأشار بالتعويض إلى قوله: "يا ضباعا" (¬2). ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد التسعمائة
الشاهد الخامس والثمانون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) أَحَارَ بنَ بدرٍ قدْ وَلِيتَ ولايةً ... ......................... أقول: قائله هو أنس بن زنيم، يخاطب به الحارث بن بدر الغداني حين ولاه عبيد الله بن زياد سُرَّق، وتمامه (¬3): ......................... ... فكُنْ جُرَذًا فيهَا تَخُونُ وتَسْرِقُ وبعده هو قوله (¬4): 2 - ولَا تَحْقِرَنْ يا حَارِ شَيئًا وَجَدتَهُ ... فَحَظُّكَ مِنْ مُلْكِ العِرَاقَيِن سُرَّقُ 3 - وَبَاهِ تَميمًا بالغِنَى إنَّ لِلغِنَى ... لسَانًا به المَرءُ الهَيُوبةُ يَنْطِقُ 4 - وإنَّ جَميعَ الناسِ إمَّا مُكَذِّبٌ ... يَقولُ بِمَا يَهوَى وإمَّا مُصَدِّقُ 5 - يقُولُونَ أقْوَالًا ولَا يُحْكِمُونَهَا ... فَإِنْ قِيلَ يَوْمًا حَقِّقُوا لمْ يُحقِّقُوا وكان من أصل هذا أن حارثة بن بدر الغداني كان رجل بني تميم في وقته، وكان أخص أصحاب زياد، وكان الشراب قد غلب عليه؛ فكلما تكلموا فيه عند زياد ليحطوه فلا يلتفت إلى ذلك حتى مات زياد، وتولى عِوَضَهُ أرض العراق عبيد اللَّه جفاه عبيد اللَّه فقال له: إنك شريب، فاختر من عملي ما شئت واذهب إليه، فقال: ولّنِي رَامَهُزمُزْ فإنها أرض غداة وسرق، فإن بها شرابًا وُصِفَ لي، فولاه إياها، فلما خرج شيعه الناس، فقال أنس بن أبي أنيس: أحار بن بدر ........... ... ................. إلى آخره وهي من الطويل. قوله: "عذاة" بفتح العين المهملة والذال المعجمة، وهي الأرض الطيبة التربة، قوله: "وسرق": مثال ركع، إحدى كور الأهواز، ومدينتها دورق، قوله: "جرذ" بضم الجيم وفتح الراء وبالذال ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد التسعمائة
المعجمة، وهو ضرب من الفأر، ويجمع على جرذان. الإعراب: قوله: "أحار" الهمزة حرف نداء، وحار منادى مفرد معرفة مرخم، والتقدير: يا حارثة بن بدر، وابن بدر: كلام إضافي مبني على الفتح مع المنادى؛ لأن المنادى مبني على الفتح مع الابن الواقع بين علمين (¬1). قوله: "قد وليت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "ولاية": نصب على المفعولية، قوله: "فكن": أمر من كان، واسمه الضمير المستتر فيه، و "جرذًا" خبره، قوله: "فيها" أي: في الولاية، قوله: "تخون": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لجرذ، و "تسرق": عطف عليها. الاستشهاد فيه: في قوله: "أحار" حيث أريد به حارثة؛ رخمه أولًا بحذف الهاء على لغة من لم ينو [رد] (¬2) المحذوف، ثم رخمه ثانيًا بحذف الثاء على لغة من نوى رد المحذوف (¬3). الشاهد السادس والثمانون بعد التسعمائة (¬4)، (¬5) يا أرطَ إنك فاعل ما قُلْتَهُ ... ............................. أقول: قائله هو زميل بن الحارث، يخاطب أرطاة بن سهية، وتمامه (¬6): ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد التسعمائة
................. ... والمرءُ يستحيِي إذا لم يَصْدُقِ وهو من الكامل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "يا أرط" يا حرف نداء، وأرط: منادى مفرد معرفة مرخم، قوله: "إنك" الكاف فيه اسم إن، و "فاعل": خبره، قوله: "ما قلته": مفعول فاعل، و "ما" موصولة. و"قلته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، قوله: "والمرء": مبتدأ، و "يستحيي": خبره، قوله: "إذا" للشرط، و "لم يصدق": فعل الشرط، والجواب محذوف، والتقدير: إذا لم يصدق يستحيي؛ دل عليه الكلام الأول. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا أرط" حيث يريد به يا أرطاة؛ رخمه أولًا بحذف التاء على لغة من يرد (¬1) المحذوف، ثم رخمه ثانيًا بحذف الألف على لغة من نوى رد المحذوف وهو الألف (¬2). الشاهد السابع والثمانون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) يا عَبْدَ هَلْ تَذْكُرُنِي سَاعةً ... ............................ أقول: قائله هو عدي بن زيد، وتمامه. ........................... ... في مَوْكِب أو رَايِدًا للقَنِيصِ [والبيت من بحر السريع] (¬5)، وضربه موقوف مطوي. قوله: "في موكب" بفتح الميم وسكون الواو وكسر الكاف، وهو نوع من السير، و"الموكب": القوم الركوب على الإبل، والجمع مواكب، قوله: "أو رايدًا": من الرود وهو الطلب، يقال: ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد التسعمائة
بعثنا رايدًا ورود لنا الكلأ؛ أي: ينظر ويطلب، و "القنيص" بفتح القاف وكسر النون، وهو الصيد، قال ابن فارس: القانص الصائد، والقنص: الصيد، والقنص فعله، قال ابن دريد: القنيص: الصيد، والقنيص: الصائد أيضًا (¬1). الإعراب: قوله: "يا عبد" يا حرف نداء، وعبد منادى مضاف مرخم؛ إذ أصله: عبد هند، يخاطب الشاعر به عبد هند اللخمي (¬2)، وعبد هند علم له، قوله: "هل": للاستفهام، وقوله: "تذكرني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "ساعة": نصب على الظرف، قوله: "في موكب": جار ومجرور في محل النصب على الحال من الضمير المرفوع في "تذكرني"، قوله: "أو رايدًا": نصب على الحال - أيضًا-، و "للقنيص": يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا عبد" فإنه منادى مضاف مرخم؛ لأن أصله: يا عبد هند؛ كما ذكرنا فرخمه بحذف المضاف إليه؛ كما رخم النحاة: معدي كرب بحذف ثانيه (¬3). الشاهد الثامن والثمانون بعد التسعمائة (¬4)، (¬5) .............................. ... أعامِ لكَ ابن صَعْصَعَةِ بنِ سَعْدِ أقول: قائله هو الأحوص بن شريح الكلابي، وصدره: تَمَنَّانِي لِيَلْقَانِي لَقِيطٌ ... ................................... وهو من الوافر. قوله: "تمناني" أي: بلاني من البلاء، و "لقيط": اسم رجل. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد التسعمائة
الإعراب: قوله: "تمناني": جملة من الفعل والمفعول، و "لقيط": فاعله، واللام في "ليلقاني" للتعليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "أعام" فإنه منادى مستغاث به، وليس فيه لام الاستغاثة، وقد رخم إذ أصله: أعامر، وقد علم أن ترخيم المنادى إنما يصح إذا لم يكن مستغاثًا ولا مندوبًا؛ فإنهم نصوا على أنهما لا يرخمان، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث به إذا لم يكن فيه لام الاستغاثة، واستدل بهذا البيت (¬1). وقال أبو حيان: قال شيخنا أبو الحسن بن الضائع: وهذا ضرورة، وفيه نداء المستغاث به بغير يا (¬2)، وقد تقدم منعه على أن مجوزه أن عامرًا مما كثر التسمية به عندهم ونداؤه؛ ولذلك أكثر ما ينادى مرخمًا، فصار كأنه لم يحذف منه شيء، فلا ينبغي أن يقاس عليه. الشاهد التاسع والثمانون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) كُلَّمَا نَادَى مُنَادٍ منهمُ ... يا لَتَيْمِ الله قلنا يا لَمَالِ أقول: قائله هو مرة بن الرواغ من بني أسد، وهو من الرمل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "كلما": نصب على الظرفية، وناصبها الفعل الذي هو جواب وهو قوله: "قلنا"، وجاءتها الطرفية من جهة ما، فإنها محتملة لوجهين: الأول: أن تكون حرفًا مصدريًّا، والجملة بعده صلة له؛ فلا محل لها، ويكون التقدير: كل وقت نادى منادٍ، ثم عبر عن معنى المصدر بما والفعل، ثم أنيبا عن الزمان، أي: كل وقت نداء. ¬
الشاهد التسعون بعد التسعمائة
والثاني: أن تكون اسمًا نكرة بمعنى وقت؛ فلا يحتاج على هذا إلى تقدير وقت، والجملة بعده في موضع خفض على الصفة؛ فتحتاج إلى تقدير عائد منها، أي: كل وقت نادى فيه منادٍ منهم، قوله: "مناد": فاعل لقوله: "نادى"، قوله: "منهم" في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "مناد"، قوله: "يا لتيم الله" يا حرف نداء، ولتيم الله: منادى مستغاث به، قوله: "قلنا": جملة وقعت جوابًا لقوله: "كلما"، قوله: "يا لمال" [يا حرف] (¬1) نداء، ولمال منادى مستغاث به مرخم. والاستشهاد فيه: [في قوله: "يا لمال"] (¬2) فإنه منادى مرخم مستغاث به وفيه اللام؛ إذ أصله يا لمالك، فرخم المستغاث به، وفيه اللام، وقد علم أن المنادى المستغاث به لا يرخم سواء كان فيه لام أو لم يكن، إلا ما ذهب إليه ابن خروف من جواز ترخيمه إذا لم يكن فيه لام؛ كما ذكرناه في البيت السابق، وهذا البيت فيه منادى مستغاث به وهو باللام وقد رخم، فهو ضرورة أو شاذ. الشاهد التسعون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) ........................ ... ومَا عَهْدِي كَعَهدِكِ يا أُمَامَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وأوله: ألا أضحتْ حِبالُكمْ رِمَامًا ... ........................... وقد تقدم الكلام فيه مستوفى في هذا الباب فليعاود هناك (¬5). * * * ¬
شواهد باب الاختصاص
شواهد باب الاختصاص الشاهد الحادي والتسعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) بنَا تَمِيمًا يُكْشَفُ الضَّبَابُ ... .......................... أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج. و"الضباب" بفتح الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء أخرى، وهو شيء كالغبار يكون في أطراف السماء، ومن ذلك يقال: ضبب البلد إذا كثر ضبابه ويوم مضب. الإعراب: قوله: "بنا": جار ومجرور يتعلق بقوله: "يكشف" أي: يكشف بنا الضباب، "والضباب": مرفوع لأنه مفعول ليكشف ناب عن الفاعل. والاستشهاد فيه: في قوله: "تميمًا" فإنه منصوب على الاختصاص، والتقدير: نَخُصُّ تميمًا، والباعث على الاختصاص إما إظهار فخر أو إظهار تواضع أو زيادة بيان، وهاهنا أراد به إظهار فخره بكونه من تميم أو لزيادة البيان (¬3). ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد التسعمائة
الشاهد الثاني والتسعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةَ ناصِبِ ... ........................... أقول: قائله هو النابغة الذبياني زياد بن معاوية، وتمامه: ............................. ... وليلٍ أُقَاسِيهِ بَطِيءِ الكَواكِبِ وهو من قصيدة يمدح بها عمرو بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر، ويقال: شمر بإسكان الميم حين هرب إلى الشام لما بلغه سعي مرة بن ربيعة فرفع به إلى النعمان وخافه، والبيت المذكور من أول قصيدة، وبعده (¬3): 2 - تطاولَ حتى قلتُ ليسَ بمُنْقَضٍ ... وليس الذي يرعَى النُّجومَ بآيِبِ 3 - وصدرٍ أزَاحَ الليلُ عازبَ همِّهِ ... تضاعفَ فيه الحزنُ من كلِّ جانبِ 4 - عليَّ لِعمرٍو نعمةٌ بعدَ نعمةٍ ... لِوالدِهِ لَيستْ بذاتِ عقاربِ 5 - حلَفْتُ يمينًا غيرَ ذِي مثْنَويَّةٍ ... ولا عِلْمَ إلَّا حُسْنُ ظَنٍّ بصاحبِ وهي من الطويل. قوله: "كِليني" أي: دعيني، وأصله من وكل وكلًا ووكولًا، وهذا الأمر موكول إلى رأيك: و "أميمة": اسم امرأة، و "ناصب": بمعنى منصب من النصب وهو التعب، فجاء به على طرح الزائد، وحمله سيبويه على النسب؛ أي: ذي نصب (¬4)؛ كما يقال: طريق خائف؛ أي ذو خوف، قوله: "أقاسيه" أي: أكابده وأعالج دفع طوله، ومعناه: أنه يقول: دعيني لهذا الهم الناصب ومقاساة الليل البطيء الكواكب حتى كأن راعيها ليس بآيب. الإعراب: قوله: "كليني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "لِهَمٍّ": جار ومجرور يتعلق به ¬
و "ناصب" بالجر صفته، وقوله: "يا أميمة": معترض بين الصفة والموصوف، قوله: "وليل" بالجر معطوف على قوله: "لهمٍّ"، وقوله: "أقاسيه": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في موضع الجر على أنها صفة لليل، وقوله: "بطيء الكواكب": كلام إضافي [مجرور] (¬1)؛ لأنه صفة لليل بعد صفة، وقدم النعت بالجملة على النعت بالمفرد وهو جائز، قال اللَّه تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 155] فقدم الوصف بالجملة وهو {أَنْزَلْنَاهُ} على {مُبَارَكٌ} وهو مفرد. فإن قيل: إن ليلًا نكرة، وبطيء الكواكب معرفة بإضافته إلى ما فيه الألف واللام. قلت: تلك الإضافة في نية الانفصال لأنها من باب الحسن الوجه، والتقدير: بطيء كواكبه؛ كما تقول: مررت برجل حسن الوجه، والتقدير: حسن وجهه. فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا أميمة" حيث جاءت بفتح التاء؛ كما يقال في طلحة: يا طلحةَ بفتح التاء، وذلك كله بعد الترخيم، والأصل فيه أن يقال: يا طلحَ بالفتح، وطلحُ بالضم، ويا طلحةُ بضم التاء، وقد سمع وجه رابع وهو: يا طلحةَ بالفتح، وعلى هذا جاء قول النابغة: يا أميمةَ بالفتح. واختلفوا فيه فقيل: هو مقرر على أصل النادى ولم ينون لأنه غير منصرف (¬2)، وقيل: هو مبني على الفتح لأن منهم من يبني النادى المفرد على الفتح؛ لأنها حركة تشابه حركة الإعراب (¬3) فهو نظير: لا رجل في الدار (¬4). ¬
وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير: يا أميم، ثم أدخلت فيها الهاء غير معتد بها، وفتحت لأنها وقعت موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث (¬1)، ولأبي علي هاهنا قولان: أحدهما: أن الهاء زائدة ففتحت إتباعًا لحركة الميم. والثاني: أنها أدخلت بين الميم وفتحها، فالفتحة التي في الهاء هي فتحة الميم، ثم فتحت الميم إتباعًا لحركة الهاء. فافهم (¬2). * * * ¬
شواهد التحذير والإغراء
شواهد التحذير والإغراء الشاهد الثالث والتسعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لا أَخَا لهُ ... كَسَاعٍ إِلَى الهَيْجَا بغَيْرِ سِلاحِ أقول: قائله هو مسكين الدارمي؛ كذا قاله البكري (¬3)، وهو من قصيدة من الطويل (¬4). وأصلها أن مسكينًا دخل على معاوية فسأله أن يفرض له فأبى، فخرج وهو يقول: أخاك أخاك، وبعده: 2 - وإن ابن عَمّ المرَءِ فاعلَمْ جناحُهُ ... وهلْ يَنهَضُ البَازِيُّ بغَيرِ جنَاحِ 3 - ومَا طَالِبُ الحَاجَاتِ إلا مُعَذّبًا ... ومَا نَال شَيْئًا طَالِبٌ لِنَجَاحِ 4 - لحا اللهُ مَن بَاعَ الصدِيقَ بغيرِهِ ... ومَا كُلُّ بيعٍ بِعْتُهُ برَبَاحِ 5 - كَمُفْسِدٍ أَدْنَاهُ ومُصْلِحٍ غَيرَهُ ... ولَمْ يَأْتمِرْ فيِ ذاكَ غير صَلَاحِ قوله: "إلى الهيجا" أي: إلى الحرب، يمد ويقصر في النثر، وها هنا مقصورة. الإعراب: قوله: "أَخَاكَ": نصب على الإغراء؛ أي: الزم أَخَاكَ، والتكرير للتأكيد، قوله: "إن": من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "من": موصولة، و "لا أخا له": جملة صلتها، ومحلها النصب على أنها اسم إن، وقوله: "كساع": خبرها، والكاف للتشبيه؛ أي: كرجل ساعٍ، ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد التسعمائة
و "إلى الهيجا": يتعلق به، قوله: "بغير سلاح": كلام إضافي، والباء تتعلق بساع -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: "أخاك" فإنه نصب على الإغراء، وهو أمر المخاطب بلزوم أمر يحمد به، والإغراء كالتحذير ينصب بفعل مضمر، تقديره: الزم أخاك وحافظ عليه، وهذا الإضمار لازم، والتقدير في أخاك الثاني كذلك (¬1). الشاهد الرابع والتسعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) إن قومًا منهم عميرُ وأشبها ... هُ عميرٍ ومنهم السَّفَّاحُ لجديرون بالوَفاءِ إذا قا ... لَ أخُو النّجْدَةِ السلاحُ السلاحُ أقول: لم أقف على اسم قائلهما، وهما من الخفيف. قوله: "لجديرون" أي: لائقون، وحريون، قوله: "بالوفاء"، ويروى: باللقاء، وهو الأصوب، و "النجدة" بكسر النون؛ الشجاعة. الإعراب: قوله: "قومًا": اسم إن، وقوله: "عمير": مبتدأ، و "منهم": مقدمًا خبره، والجملة في محل النصب صفة لقومًا، قوله: "وأشباه" أي: أمثال عمير؛ كلام إضافي عطف على الجملة قوله: "ومنهم السفاح" جملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة التي قبلها، قوله: "لجديرون": خبر إن، واللام فيه للتأكيد، قوله: "بالوفاء" يتعلق بجديرون. قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "قال أخو النجدة": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، وجوابه محذوف دل عليه قوله: "لجديرون بالوفاء"، قوله: "السلاح": مقول القول. والاستشهاد فيه: إذ أصله: خذ السلاح لأن مقول القول يكون جملة، ثم رفع لأن العرب ترفع ما فيه معنى ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد التسعمائة
التحذير وإن كان حقه النصب؛ كما في قوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس: 13]، فنصب الناقة على التحذير، وكل محذر فهو منصوب، ولو رفع على إضمار هذه ناقة الله لجاز كما ذكرنا؛ كذا قاله الفراء ثم أنشد البيتين المذكورين (¬1)، وكأنه جعل الإغراء تحذيرًا من حيث المعن؛ لأن من أمرته بلزوم الأمر فقد حذرته من تركه. فافهم (¬2). الشاهد الخامس والتسعون بعد التسعمائة (¬3)، (¬4) خَلِّ الطَّرِيقَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بِهِ ... وابْرُزْ بِبَرْزَةَ حَيْثُ اصْطَرَّكَ القَدَرُ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي (¬5)، وهو من البسيط. قوله: "المنار" بفتح الميم وتخفيف النون على وزن مفعل؛ من الاستنارة، وأراد به هاهنا حدود الأرض، و "البرزة": الأرض الواسعة (¬6). الإعراب: قوله: "خلِّ": جملة من الفعل والفاعل، و "الطريق": مفعوله، واللام في "لمن": تتعلق بخل، و "يبني المنار": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلة للموصول، قوله: "به" أي: فيه، أي: في الطريق. قوله: "وابرز": عطف على قوله: "خل"، قوله: "ببرزة" أي: في برزة، وقوله: "اضطرك القدر": جملة من الفعل والمفعول والفاعل وهو القدر. والاستشهاد فيه: في قوله: "خل الطريق" حيث أظهر فيه الفعل الناصب. ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد التسعمائة
قال سيبويه: إذا قلت: الطريق الطريق لم يحسن إظهار الفعل؛ لأن أحد الاسمين قام مقامه، فإن أفردت الطريق حسن الإظهار وأنشد: خل الطريق البيت (¬1). الشاهد السادس والتسعون بعد التسعمائة (¬2) فإياكَ إِيَّاكَ المرَاءَ فإنَّهُ ... إلى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وللشّرّ جَالِبُ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد التوكيد (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "فإياك" فإنه تحذير، ومعناه: احذر، "وإيا" لا تضاف في هذا الباب إلا إلى ياء المتكلم وكاف الخطاب وهاء الغيبة وفروعها، فلذلك قالوا (¬4): "فإياه وإيا الشواب" شاذ (¬5)، ولا يحذف العاطف بعد "إيا" إلا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بمن، مثاله: إياك الشر، فلا يجوز أن يكون الشر منصوبًا بما انتصب به إياك. وقال سيبويه: لا يجوز: رأسك الجدار، حتى تقول: من الجدار، أو والجدار، وزعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز في هذا البيت: فإياكَ إِيَّاكَ المِرَاءَ فإنَّهُ ... .............................. وكأنه قال إياك ثم أضمر بعد إياك فعلًا، فقال: اتق المراء (¬6). وقال ابن عصفور: إن حذفت الواولم يلزم إضمار الفعل، نحو قوله: فإياك إياك المراء، تقديره: دع المراء (¬7). * * * ¬
شواهد أسماء الأفعال والأصوات
شواهد أسماء الأفعال والأصوات الشاهد السابع والتسعون بعد التسعمائة (¬1)، (¬2) دَعَاهُنَّ رِدْفِي فارْعَوَيْنَ لِصَوْتِهِ ... كَمَا رُعْتَ بِالحَوْبِ الظِّمَاءَ الصَّوَادِيَا أقول: قائله عويف القوافي، قاله الصاغاني، وهو من الطويل. قوله: "ردفي "بكسر الراء، وهو الذي يركب خلف الراكب، قوله: "ارعوين" أي: رجعن، يقال: فلان حسن الرعو؛ أي: الرجوع، قوله: "كما رعت": من راع إذا أعجب، أو من راعه إذا أفزعه، والمعنى الثاني أقرب هنا. قوله: "بِالحَوْبِ" بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخره باء موحدة، وهو لفظ تزجر به الإبل، وقيل: صوابه: بالجوت بالجيم وبالتاء المثناة في آخره (¬3)، قوله: "الظماء" بكسر الظاء المعجمة؛ جمع ظمأى من ظمئ يظمأ من باب علم يعلم إذا عطش، و "الصوادي": جمع صادية؛ من الصدى وهو العطش -أيضًا-. الإعراب: قوله: "دعاهن": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى النسوة، وقوله: "ردفي": كلام إضافي فاعله، قوله: "فارعوين": جملة من الفعل والفاعل، و"لصوته": يتعلق به، قوله: "كما" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، و "الظماء" بالنصب مفعول رعت، ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد التسعمائة
قوله: "بالحوب" يتعلق برعت وفيه حذف، وتقديره: بقولك: حوب حوب. والاستشهاد فيه. حيث يجوز فيه الإعراب والبناء، وذلك لأنه وقع موقع المتمكن؛ فيجوز أن يعرب بالكسر، ويجوز أن يبنى على الفتح. فافهم (¬1). الشاهد الثامن والتسعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) وَا بأبي أنتِ وفُوكِ الأشنبُ ... ........................... أقول: قائله راجز من رجاز تيم، وتمامه (¬4): كأنَّمَا ذُرَّ عَلَيْهِ الزَّرْنَبُ أوْ زَنْجَبِيلٌ وهو عِندِي أطْيَبُ قوله: "وفوك" أي: فمك، و "الأشنب" [أفعل من الشنب] (¬5) بفتح الشين المعجمة والنون وفي آخره باء موحدة، وهو حدة الأسنان، ويقال: برد وعذوبة، يقال: امرأة شنباء بينة الشنب. قوله: "ذر" بالذال المعجمة؛ من ذررت الحب ونحوه، و "الزرنب" بفتح الزاي المعجمة وسكون الراء وفتح النون على وزن فعلل؛ ضرب من النبت طيب الرائحة. الإعراب: قوله: "وا بأبي" وفي رواية الجوهري: يا بأبي (¬6) ولا استشهاد فيه على هذه الرواية، وكلمة: "وا" للتعجب، و "أنت": مبتدأ، و "بأبي": مقدمًا خبره، تقديره: أنت مفداة بأبي، قوله: "وفوك": كلام إضافي مبتدأ، و "الأشنب": صفته، وقوله: "كأنما ذر عليه الزرنب": خبره. "وذر": على صيغة المجهول، "والزرنب": مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "أو زنجبيل": عطف على الزرنب، [قوله]: ["وهو"] (¬7) مبتدأ، و "أطيب": خبره، والجملة حال. ¬
الشاهد [التاسع] والتسعون بعد التسعمائة
الاستشهاد فيه: في قوله: "وا بأبي" حيث جاءت فيه "وا" بمعنى التعجب كما ذكرنا، وأسماء التعجب هي: وي وواهًا، ووا، وقال ابن مالك: إن وي وواهًا أكثر من وا (¬1). الشاهد ددد [التاسع] والتسعون بعد التسعمائة (¬2)، (¬3) واهًا لِسَلْمَى ثُمَّ وَاهًا وَاهًا ... يا لَيْتَ عيْنَاهَا لَنَا وَفَاهَا بِثَمَنٍ نُرْضِي بِهِ أَبَاهَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المعرب والمبني (¬4)، قوله: "واهًا": كلمة تعجب، معناه أعجب، قوله: "وفاها" أي: فمها. والاستشهاد فيه: هاهنا في قوله: "واهًا": فإن معناه أعجب (¬5). الشاهد المكمل الألف (¬6)، (¬7) فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العقِيقُ وأَهْلُه ... وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالعَقِيقِ تُحَاولُهْ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في باب التنازع. ¬
الشاهد الأول بعد الألف
والشاهد فيه: في قوله: "هيهات" فإنه اسم فعل عمل عمل مسماه؛ كما تقول: هيهات نجدٌ، معناه: بعدتْ نجدٌ] (¬1). الشاهد الأول بعد الألف (¬2)، (¬3) يَا أيُّهَا المائِحُ دَلْوي دُونَكَا ... إِنِّي رأيتُ الناسَ يحْمَدُونَكَا أقول: قالت هذا جارية من بني مازن، وقصته ما روى البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنه قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بئر ذمة فنزل فيها ستة ماحة، ونزل فيها ناجية بن جندب الأسلمي - رضي الله عنه - بأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأدلت جارية من بني مازن دلوها، وقالت: 1 - يا أيُّهَا المائِحُ دَلْوِي دُونَكَا ... إِنِّي رأيتُ الناسَ يحْمَدُونَكَا 2 - يُثْنُونَ خيرًا ويُمَجِّدُونَكَا ... خُذْهَا إليكَ اشْغلْ بِهَا يمِينَكَا فأجابها ناجية (¬4): 1 - قد علمت جارية يَمَانِية ... أنِّي أنَا المائحُ واسْمِي نَاجِيَةْ 2 - وطَعنَةٍ ذاتِ رَشَاشٍ واهِيَةْ ... طَعنْتُهَا تَحتَ صُدُورِ العَاديَة كذا ذكره الصاغاني في العباب، وقوله: "بئر ذمة" أي: قليلة الماء، وكذا بئر ذميم. الإعراب: قوله: "يا أيها" أي: منادى مفرد معرفة والهاء مقحمة للتنبيه، و "المائح": صفة المنادى، وهو بالحاء المهملة؛ من الميح، يقال: ماح إذا انحدر في الركيّ فملأ الدلو وهو مائح، وقال الجوهري: المائِحُ: الذي يَنزِلُ البئرَ فيملَأُ الدلوَ إذا قلَّ ماؤُهَا، والجمعُ: ماحةٌ (¬5). ¬
الشاهد الثاني بعد الألف
قوله: "دلوي" إما مبتدأ، ودونكا خبره، وإما معمول دونكا على الاختلاف على ما يجيء بيانه الآن مفصلًا. قوله: "إني" الضمير المتصل اسم إن، و "رأيت الناس": خبرها، و "الناس": مفعول رأيت، و "يحمدونكا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها مفعول ثان إذا كانت الرؤية قلبية، وإن كانت بصرية تكون في موضع الحال فافهم، والألف في: "يحمدونكا ودونكا" للإشباع. الاستشهاد فيه: في قوله: "دلوي دونكا" حيث استدل به الكسائي على جواز تقديم معمول اسم الفعل عليه، فإن قوله: "دونكا" اسم فعل، ودلوي معموله مقدمًا، والتقدير: "دونك [دلوي"] (¬1)؛ كما في قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] والتقدير عنده: عليكم كتاب الله (¬2). وتأول البصريون ذلك على أن يكون كتاب الله منصوبًا على المصدر؛ أي: كتب الله ذلك عليكم كتابًا، ويكون نحو قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ} [الروم: 6]، أو على أن يكون مفعولًا بفعل مضمر، أي: الزموا كتاب الله، وكذلك: دلوي دونكا، تأولوه على أن يكون مرفوعًا بالابتداء، ودونكا: خبره، أو يكون منصوبًا بفعل محذوف تقديره: تناول دلوي. فافهم (¬3). الشاهد الثاني بعد الألف (¬4)، (¬5) يا عَنْزُ هذا شَجَرٌ وَمَاءُ ... عَاعَيْتُ لوْ يَنْفَعُنِي العَيْعَاءُ أقول: أنشده ابن الشجري في الأمالي ولم يعزه إلى قائله، وقال (¬6): ¬
الشاهد الثالث بعد الألف
1 - يا عَنْزُ هذا شَجَرٌ وَمَاءُ ... وحُجْرَةٌ في جَوْفِهَا صِلاءُ 2 - عَاعَيْتُ لَوْ يَنْفَعُنِي العِيْعَاءُ ... وقبلَ ذاكَ ذهبَ الحِيحَاءُ قوله: "يا عنز" العنز: واحدة المعزى، قاله ابن فارس (¬1)، وقال الجوهري: العنز: الماعزة، وهي الأنثَى من المَعِزِ (¬2)، قوله: "عاعيت": فعل بني من عاعى التي هي زجر للعنز، و "العيعاء": [مصدر] (¬3) منه، و "الحيحاء" أيضًا مصدر من حاحى. الإعراب: قوله: "يا عنز" يا حرف نداء، وعنز: منادى مفرد بني على الضم، قوله: "هذا": مبتدأ، و "شجر": خبره، و "ماء": عطف عليه، قوله: "عاعيت": جملة من الفعل والفاعل، والمفعول محذوف، تقديره: عاعيته. وكلمة: "لو" للشرط (¬4)، و "ينفعني": جملة من الفعل والمفعول، و "العيعاء": فاعلها وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: لو ينفعني العيعاء عاعيت؛ فحذف لدلالة عاعيت عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "عاعيت"، "والعيعاء" حيث بني الأول للماضي، والثاني للمصدر من عاعى غير مهموزين التي هي زجر للغنم كما ذكرنا (¬5). الشاهد الثالث بعد الألف (¬6)، (¬7) عَدَسْ ما لِعَبَّاد علَيْكِ إِمَارَةٌ ... ........................... أقول: قائله هو يزيد بن المفرغ الحِمْيَرِيّ، وتمامه: ¬
الشاهد الرابع بعد الألف
........... ... أمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الموصول في أوائل الكتاب (¬1). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "عَدَس" فإنه بفتح العين والدال وبالسين المهملات، وهو في الأصل صوت يزجر به البغل، وقد سمي به البغل هاهنا (¬2). الشاهد الرابع بعد الألف (¬3)، (¬4) يا دَارَ مَيَّةَ بالْعَلْيَاءِ فالسَّنَدِ ... أَقْوَتْ وَطَال عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو أول القصيدة التي يمدح بها النعمان بن المنذر ويعتذر إليه مما بلغه عنه فيما وشى به بنو قريع في أمر المتجردة، وبعده (¬5): 2 - وَقَفْتُ فِيهَا أُصيلانًا أُسَائِلُهَا ... عَيَّتْ جَوَابا وَمَا بالرَّبْعِ من أحدِ 3 - إلَّا الأَوارِيَّ لأْيًا ما أُبَيِّنُهَا ... والنُّؤْيُ كالحَوْضِ بالمظْلومَةِ الجَلَدِ وهي إحدى القصائد السبع المعلقات. 1 - قوله: "يا دار مية" إنما قال هذا توجعًا منه لأنه كان معها مقيمًا بها في سرور ونعمة زمن مرتبعهم، ثم انقضى ذلك فجعل يخاطبها توجعًا منه لما رأى من تغيرها، وتذكرًا لما عهده فيها، و "العلياء": ما ارتفع من الأرض، و "السند" بفتح السين المهملة والنون، وهو سند الجبل وهو ارتفاعه حيث يسند فيه؛ أي: يصعد، وإنما جعل الدار بالعلياء والسند، لأنها إذا كانت في موضع مرتفع لم يضرها السيل ولا ينهال عليها الرمل، قوله: "أقوت" أي: خلت ¬
من الناس وأقفرت، وإنما لم يقل: أقويتِ بالخطاب؛ لأن من كلامهم أن يخاطبوا الشيء ثم يتركوا خطابه ويكنوا عنه؛ كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: 22]، و "السالف": الماضي، و "الأبد": الدهر. 2 - قوله: "وقفت فيها": وصف أنه مر بالديار عشيًّا فوقف عليها وسألها عن أهلها توجعًا منه وتذكرًا، و "الأصيلان": تصغير أصلان؛ جمع: أصيل، وهو العشي، وإنما صغره ليدل على قصر الوقت، قوله: "عيت" أي: عجزت فلم تجبني، و "الربع": منزل القوم. 3 - و "الأواري" بفتح الهمزة؛ محابس الخيل ومرابطها، واحدها آري، قوله: "لأيًا" أي: بطأ، و "النؤي" بضم النون؛ حاجز من تراب حول الخباء لئلا يدخلها السيل، و "المظلومة": الأرض التي لم تمطر فجاءها السيل فجأة، و "الجلد": الأرض الصلبة، والمعنى: ليس في الدار شيء إلا محابس الخيل قد خفي أثرها فلا أتبينها إلا بعد بطئ وجهد. الإعراب: قوله: "يا دار مية" يا حرف نداء، ودار مية: منادى مضاف منصوب، قوله: "بالعلياء": محلها النصب على أنها صفة لدار مية، والتقدير: الكائنة بالعلياء، قوله: "فالسند": عطف على العلياء، والفاء بمعنى الواو، قوله: "أقوت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى دار مية، ومحلها النصب على الحال بتقدير: قد؛ كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] أي: قد حصرت. قوله: "وطال": فعل، و "سالف الأبد": كلام إضافي فاعله، والجملة عطف على أقوت. ولم يذكر ابن هشام هذا البيت لأجل الاستشهاد، وإنما ذكره للاحتراز في قوله: اسم الصوت: ما خوطب به ما لا يعقل مما يشبه اسم الفعل، فإن قوله: مما يشبه اسم الفعل احتراز من نحو قوله: "يا دار مية بالعلياء فالسند" (¬1). ¬
الشاهد الخامس بعد الألف
الشاهد الخامس بعد الألف (¬1)، (¬2) أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّويلُ أَلَا انْجَلِي ... ......................... أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه (¬3): ......................... ... بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ منْكَ بِأمْثَلِ وهو من قصيدته المشهورة: قِفَا نَبْكِ ...... إلى آخره، وقد مر غالب أبياتها. قوله: "انجلي": من الانجلاء وهو الانكشاف، والمعنى: أنا مغموم فالليل والنهار عليَّ سواء، ومعنى: وما الإصباح منك بأمثل إذا جاء الصبح فإني -أيضًا- مغموم. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، وقوله: "أيها": منادى قد حذفت منه حرف النداء، وأصله: يا أيها، والهاء مقحمة للتنبيه، و "الليل": مرفوع لأنه صفتها، و "الطويل": صفة الليل. وقوله: "انجلي": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو أنت، والخطاب لليل، والكلام فيه هاهنا أن هذا خطاب لما لا يعقل، وقد علم أن اسم الصوت -أيضًا- خطاب لما لا يعقل ولكنه مما يشبه اسم الفعل، فبهذا القيد حصل الاحتراز عن مثل قوله: ................ ألا انجلي ... ......................... فافهم (¬4). الشاهد السادس بعد الألف (¬5)، (¬6) ............................ ... قِيلُ الفَوَارِسِ وَيْك عَنْتَرَ أَقْدَمِ أقول: قائله هو عنتر بن شداد العبسي، وأوله: ¬
الشاهد السابع بعد الألف
وَلَقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا ... ........................ وهو من قصيدته المشهورة التي أولها (¬1): هل غادرَ الشُّعَراءُ من متردّمِ ... أمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ؟ قوله: "قيل الفوارس" بكسر القاف؛ بمعنى القول، ويروى -أيضًا- قول الفوارس وهو الأصح. الإعراب: قوله: "ولقد شفا" اللام للتأكيد، و "قد" للتحقيق، و "شفا": فعل ماض، و "نفسي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "وأبرأ": عطف على قوله شفا، و "سقمها": كلام إضافي مفعوله. وقوله: "قيل الفوارس": كلام إضافي، وقد تنازع فيه الفعلان شفا وأبرأ، فأعمل الثاني وأضمر في الأول، قوله: "ويك" أصله: ويلك، قوله: "عنتر": منادى مرخم، أصله: يا عنترة، فحذف منه حرف النداء ورخم، وقوله: "أقدم": أمر من قدم يقدم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ويك" حيث دخلت على وي كاف الخطاب، استدل به الكسائي على أن ويك محذوفة من: ويلك، والكاف عنده مجرورة بالإضافة، ويريد الشاعر به ويلك، وقال غيره: "وي" كلمة تعجب، والكاف اللاحقة به للمخطاب، والمعنى: أتعجب (¬2). الشاهد السابع بعد الألف (¬3)، (¬4) ........................ ... كذاكَ القولَ إِنّ عليكَ عينَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وصدره: ¬
يَقُلْنَ وقد تَلاحَقتِ المطَايا ... ............................ وهو من قصيدة يهجو بها الفرزدق، والبعيث بفتح الباء الموحدة وفي آخره ثاء مثلثة لقب شاعر من بني تميم، واسمه خداش بن بشير، وأولها هو قوله (¬1): 1 - عَفَا قَوٌّ وكان لنا محلًّا ... إلى جَوَّى صلاصلَ مَنْ لُبَينَى 2 - ألا نادِ الظعائِنَ لَوْ لَوينَا ... ولولا مَنْ يُرَافِين ارعوينَا 3 - يقلن ............... ... .................... إلى آخره وهي طويلة من الوافر. قوله: "عفا" أي: اندرس، و "قوّ" بفتح القاف وتشديد الواو، وهو اسم موضع، وكذلك: "جوى صلاصل": اسم موضع، و "لبينا": اسم محبوبته، وهو بضم اللام وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون، و "الظعائن" جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج، قوله: "لوينا": من اللي وهو الالتفات، قوله: "يرافين" بالفاء؛ من المرافاة وهي الاتفاق والالتحام، وأصله من رفوت الرجل إذا سكنت رعبه، قوله: "ارعوينا"، يقال: ارعوى عن فعلة القبيح إذا رجع عنه رجوعًا حسنًا. الإعراب: قوله: "يقلن": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "وقد تلاحقت": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على الحال، قوله: "كذاك": اسم فعل هاهنا على ما يجيء، وقوله: "القول": بالنصب مفعول كذاك، قوله: "عينًا": اسم إن، و "عليك": مقدمًا خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "كذاك" فإنه اسم فعل هاهنا، ومعناه: أمسك (¬2). ¬
الشاهد الثامن بعد الألف
الشاهد الثامن بعد الألف (¬1)، (¬2) رُوَيْد بَنِي شَيْبَانَ بَعْضَ وَعِيدِكُمْ ... ...................... أقول: قائله هو وداك بن ثميل المازني، وتمامه (¬3): ........................... ... تُلاقُوا غدًا خَيْلِي عَلَى سَفَوانِ وهو من قصيدة نونية من الطويل، وبعده: تُلاقُوا جِيَادًا لا تَحِيدُ عَنِ الوَغَى ... إذَا مَا غَدَتْ في المأْزِقِ المُتَدَانِي قوله: "سفوان" بفتح السين المهملة والفاء؛ اسم موضع، قوله: "لا تحيد": من الحيد وهو الميل، و "الجياد" على وزن فِعَال بكسر الفاء؛ جمع جائد، و "الوغى": الحرب، و "المأزق" بفتح الميم وسكون الهمزة وكسر الزاي المعجمة وفي آخره قاف، وهو المضيق. الإعراب: قوله: "رويد" معناه: أمهل، ومعناه هاهنا دع، أو اترك، جملة من الفعل والفاعل، [وقوله: "بني شيبان": كلام إضافي منادى منصوب حذف منه حرف النداء، وأصله: يا بني شيبان، وقوله: "بعض وعيدكم": كلام إضافي مفعول لقوله: رويد. قوله: "تلاقوا": جملة من الفعل والفاعل، جواب الأمر، ولهذا جزم] (¬4)، وقوله: "خيلي": كلام إضافي مفعول تلاقوا، و "غدًا": نصب على الظرف، و "على سفوان": يتعلق بتلاقوا. الاستشهاد فيه: في قوله: "رويد بني شيبان" حيث جاء رويد من غير زيادة كلمة (ما) بعده؛ لأنه قد جاء (ما) في بعض هذه المواضع بعد: رويد زائدة؛ كما في قوله: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر، أي: فدع الشعر، وكلمة ما زائدة (¬5). ¬
شواهد نوني التوكيد
شواهد نوني التوكيد الشاهد التاسع بعد الألف (¬1)، (¬2) هلَّا تَمُنِّنْ بوَعْدٍ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ ... كما عَهِدْتُكِ في أيامِ ذي سَلَمِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "هلا تمنن" بكسر النون الأولى وسكون الثانية؛ لأن أصله: تمنين خطاب للمؤنث، فلما دخلت عليه هلا التي للطلب سقطت النون، فصار: هلا تمني، ثم لما دخلت عليه نون التوكيد الخفيفة وهي ساكنة التقى ساكنان وهما النون والياء فحذفت الياء، فصار: هلا تمنن (¬3)، قوله: "ذي سلم" بفتح السين واللام، وهو اسم موضع بالحجاز، وقيل: اسم واديها. الإعراب: قوله: "هلا" للتحضيض والطلب، و "تمتن": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه، أعني: أنت للمؤنث، وقوله: "بوعد": يتعلق به، قوله: "غير مخلفة": كلام إضافي نصب على الحال، قوله: "كما عهدتك" الكاف للتشبيه، وما يجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: ¬
الشاهد العاشر بعد الألف
كعهدي إياك في أيام ذي سلم (¬1)، فكأنها قد وافته في الأيام التي كانوا مربعين بذي سلم ثم شرعت تخلف؛ فلذلك خاطبها بهذا الخطاب. الاستشهاد فيه: في قوله: "هلا تمنن" حيث أكد بنون التأكيد بعد حرف التحضيض (¬2). الشاهد العاشر بعد الألف (¬3)، (¬4) فليتَكِ يومَ الملتقَى تَرَيِنَّنِي ... لكي تَعْلَمِي أنِّي امرُؤٌ بكِ هائِمُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "يوم الملتقى" أي: يوم الالتقاء بك، و "الهائم": المتحير في العشق الغريق فيه. الإعراب: قوله: "فليتك" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، والكاف اسم ليت وقوله: "ترينني": خبرها، و "يوم الملتقى": كلام إضافي نصب على الظرف قوله: لكي" اللام فيه للتعليل، وكي هنا بمنزلة أن المصدرية معنًى وعملًا، وليست بحرف تعليل؛ إذ لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل، وأن مقدرة بعدها فلذلك نصب تعلمي (¬5). [قوله: "أني" الياء اسم أن، و "امرؤ": خبرها، وأن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي تعلمي، ويروى: لكي تعلمي] (¬6) أي امرئ، فأي مبتدأ مضاف إلى امرئ، وقوله: "هائم": خبره، وعلى الوجه الأول: "هائم": صفة امرئ، وقوله: "بك": يتعلق بهائم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ترينني" حيث أكده بنون التأكيد الثقيلة لوقوع الفعل بعد التمني (¬7). ¬
الشاهد الحادي عشر بعد الألف
الشاهد الحادي عشر بعد الألف (¬1)، (¬2) فَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادِي البلا ... دَ مِنْ حَذَرِ المَوْتِ أنْ يَأْتِيَنْ أقول: قائلة هو الأعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدة طويلة من المتقارب، وأولها هو قوله (¬3): 1 - لعَمْرُكَ مَا طُولُ هذا الزمنْ ... على المرءِ إلَّا عَنَاءٌ مُعَنْ 2 - يظلُّ رجيمًا لِرَيْبِ المَنُونِ ... ولِلْهَمِّ في أهلِهِ والحزَنْ 3 - وهالكِ أهْلٍ يُجِنُّونه ... كآخرَ في قفْرَةٍ لم يُجَنْ 4 - وما إنْ أَرَى الدهرَ في صرفِهِ ... يغادر من شارخٍ أو يفنْ 5 - فَهَلْ يَمْنَعَنِّي .......... ... ........................ إلخ وقد مدح الأعشى بهذه القصيدة قيس بن معدي كرب الكندي، قال أبو عبيدة: وهي أول كلمة مدحه بها. 1 - قوله: "عناء" أي: تعب ومشقة، قوله: "معن" أصله: معنّ بالتشديد؛ أي: متعب. 2 - قوله: "رجيمًا" بالجيم؛ أي: المرجوم، أي: المرمي، يريد أن ريب الدهر يرجمه بأحداثه، قوله: "والهم" يروى بالجر والرفع، و "المنون": الموت. 3 - قوله: "يجنونه" بالجيم؛ أي: يدفنونه، ومنه سمي القبر الجنين. 4 - قوله: "يغادر" أي: يترك، و "الشارخ" بالشين والخاء المعجمتين؛ الشاب، و "اليفن" بالياء آخر الحروف والفاء؛ الشيخ الكبير. 5 - قوله: "وهل يمنعني" وفي ديوان الأعشى: فهل بالفاء، قوله: "ارتيادي البلاد" أي: الطواف فيها؛ من راد يرود رودانًا. ¬
الشاهد الثاني عشر بعد الألف
الإعراب: قوله: "وهل" للاستفهام، و "يمنعني": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "ارتياد البلاد": كلام إضافي، والمصدر مضاف إلى مفعوله، وفي ديوان الأعشى: ارتيادي البلاد بإضافة ارتياد إلى ياء المتكلم، ونصب البلاد على المفعولية وهو الصحيح، قوله: "من حذر": يتعلق بقوله: "يمنعني". قوله: "أن يأتين": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الموت، و "أن" مصدرية تقديره: بأن يأتيني، أي: بإتيانه، أي: بإتيان الموت، وأصل التركيب: هل يمنعني ارتيادي في البلاد من حذر إتيان الموت؟ الاستشهاد فيه: في قوله: "فهل يمنعني" حيث أكده بنون التوكيد الثقيلة لوقوع الفعل بعد الاستفهام (¬1). الشاهد الثاني عشر بعد الألف (¬2)، (¬3) فأقبِلْ على رهْطِي وَرَهْطِكَ نبتَحِثْ ... مساعينا حتَّى تَرَى كيفَ نَفْعَلا أقول: ذكره ابن الطراوة وغيره، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله، وهو من الطويل. و"الرهط": العصابة دون العشرة، ويقال: بل إلى الأربعين، قوله: "نبتحث" أي: نفتش، قال: بحث وابتحث إذا فتش، ولكنه يستعمل بكلمة عن، تقول: بحث عنه وابتحث عنه، وقد ترك الشاعر كلمة عن، وهي مقدرة تقديره: نبتحث عن مساعينا، أي: فضائلنا ومآثرنا. الإعراب: قوله: "فأقبل" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وأقبل: أمر من الإقبال، وهو جملة من الفعل والفاعل، و "على رهطي": في محل النصب على المفعولية، قوله: "ورهطك": معطوف عليه. ¬
الشاهد الثالث عشر بعد الألف
قوله: "نبتحث": مجزوم لأنه جواب الأمر؛ قوله: "مساعينا": كلام إضافي مفعول نبتحث، و"حتى" للغاية، والمعنى: إلى أن ترى، و"ترى": جملة من الفعل والفاعل وهو المخاطب، وهو من الرأي الذي بمعنى الاجتهاد. الاستشهاد فيه: في قوله: "كيف نفعلا" أصله: نفعلن بنون التأكيد الخفيفة، أكده لوقوع الفعل بعد اسم الاستفهام وهو كيف؛ فأبدلت النون ألفًا لأجل القافية (¬1)، وقد قال ابن الطراوة قوله: "كيف نفعلا" على أنها نون الترنم أبدلها ألفًا في الوقف، وفيه نظر؛ لأن من شرط نون الترنم أن لا تغير حركة ما قبلها، وقد غيرت هاهنا لأن الفعل مرفوع (¬2). الشاهد الثالث عشر بعد الألف (¬3) , (¬4) فَإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ ... فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بهَا أقول: قائله هو الأعشى، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الفاعل (¬5): الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "فإما تريني" حيث ترك فيه نون التأكيد بعد إما الشرطية [وفيه رد على الزجاج حيث أوجب التأكيد بعد إما الشرطية] (¬6)، وليس بواجب بل هو جائز، يجوز توكيده ويجوز تركه (¬7). ¬
الشاهد الرابع عشر بعد الألف
الشاهد الرابع عشر بعد الألف (¬1) , (¬2) لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عليكم بيوتكمْ ... لَيَعْلَمَ رَبِّي أنَّ بَيتِيَ واسِعُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "لئن" اللام فيه للتأكيد، وإن للشرط، و"تك" أصله: تكن حذفت النون للخفة، وهذه زائدة هاهنا؛ لأن المعنى يتم بدونها، فإذا كان "تكون" زائدة لا تعمل شيئًا أو تكون تامة، والمعنى: لئن يكن الشأن قد ضاقت إلخ (¬3). قوله: "قد" للتحقيق، و"ضاقت": فعل، وقوله: "بيوتكم": كلام إضافي فاعله، وقوله: "عليكم": في محل النصب على المفعولية, قوله: "ليعلم ربي": جملة من الفعل والفاعل، واللام فيه للتأكيد، أعني: تأكيد القسم, قوله: "أن" مع اسمها وخبرها قد سدت مسد مفعولي يعلم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ليعلم" إذ أصله: ليعلمن بنون التأكيد فحذفها (¬4). ¬
الشاهد الخامس عشر بعد الألف
الشاهد الخامس عشر بعد الألف (¬1) , (¬2) قَلِيلًا بِهِ ما يحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ ... .............................. أقول: قائله هو حاتم الطائي وتمامه: ........................... ... إذا نال مما كنت تجمع مغنمَا وهو من قصيدة طويلة من الطويل، قد ذكرناها في شواهد المفعول له (¬3). الإعراب: قوله: "قليلًا": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: حمدًا قليلًا، والضمير في "به" يرجع إلى المال في البيت الذي قبله، وهو قوله: أهن للذي تهوى التلاد فإنه ... إذا مت كان المال نهبًا مقسمًا وكلمة ما زائدة، وقوله: "وارث": فاعل يحمدنك، والمعنى: يحمدنك وارثك بعد استيلائه على مالك حمدًا قليلًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "يحمدنك" حيث أكده الشاعر بالنون الثقيلة، والتأكيد في مثل هذا الموضع قليل، وهو أن يكون بعد ما الزائدة التي لم تسبق بإن (¬4). ¬
الشاهد السادس عشر بعد الألف
الشاهد السادس عشر بعد الألف (¬1) , (¬2) رُبَّما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ ... تَرْفَعَنْ ثَوْبِي شمَالاتُ أقول: قائله هو جذيمة الأبرش، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد حروف الجر (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "ترفعن" حيث أكده بالنون الخفيفة، ومثل هذا نادر؛ لأن كلمة ما إذا تقدمت عليها رب لم يؤكد الفعل بعدها إلا في النادر؛ كما في البيت المذكور (¬4). الشاهد السابع عشر بعد الألف (¬5) , (¬6) يحسبه الجاهلُ مَا لمْ يعلَمَا ... شيْخًا على كُرْسِيِّهِ معممَا أقول: قائله أبو حيان الفقعسي، وقد مر الكلام فيه مع الخلاف في قائله مستوفى في شواهد النعت (¬7). ¬
الإعراب: قوله: "يحسبه": فعل ومفعول، و "الجاهل": فاعله، والضمير المنصوب في: "يحسبه" يرجع إلى الجبل لأنه يصف جبلًا قد عَمَّه الخصب وحفه النبات؛ كذا قاله الأعلم (¬1)، وقال ابن هشام اللخمي: وليس الأمر كذلك، وإنما شبه اللبن في القعب لما عليه من الرغوة حتى امتلأ بشيخ معمم فوق كرسي، وما قبله يدل على ما ذكرنا، وهو (¬2): 1 - كأَن صوتَ شخبِهَا إِذَا هَمِيَ ... صَوتُ الأفَاعِي في خَشِيٍّ أعْشَمَا 2 - يحسبهُ الجاهلُ ما لمْ يَعْلَمَا ... شيْخًا عَلَى كُرْسِيِّهِ مُعَمَّمَا 3 - لوْ أَنَّهُ أَبانَ أوْ تَكَلَّمَا ... لَكَانَ إِيَّاهُ وَلَكِنْ أَعْجَمَا قوله: "ما لم يعلما" أصله: ما لم يعلمن، وكلمة ما مصدرية زمانية، والتقدير: مدة عدم علمه, قوله: "شيخًا": مفعول ثان ليحسبه, قوله: "معممًا: صفته، و "على كرسيه": معترض بين الصفة والموصوف، وموضعها النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "ما لم يعلما" حيث أكده بنون التأكيد بعد مضي لم الجازمة النافية، وهذا نادر؛ لأنه مثل الواقع بعد ربما فيما مضى معناه (¬3). ¬
الشاهد الثامن عشر بعد الألف
الشاهد الثامن عشر بعد الألف (¬1) , (¬2) مَنْ تَثْقَفَنْ مِنْهُمْ فَلَيسَ بِآيِبٍ ... أبَدًا وَقَتْلُ بَنِي قُتَيبَةَ شافِ أقول: أنشده الفراء وسيبويه وغيرهما، ولم ينسبوه إلى قائله، وهو من الكامل. قوله: "من تثقفن": من ثقف يثقف من باب علِم يعلَم إذا وجد، قال اللَّه تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} [الأنفال: 57]، أي: فإما تجدنهم، و"بآيب": من باب آب يؤوب إذا رجع، و"بنو قتيبة" من باهلة وغيرها. الإعراب: قوله: "من" شرطية في محل الرفع على الابتداء (¬3)، و"تثقفن": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط, قوله: "منهم": في محل النصب على المفعولية, قوله: "فليس بآيب": جواب الشرط، واسم ليس مستتر فيه، وقوله: "بآيب" خبره، والباء فيه زائدة, قوله: "وقتل بني كعبة": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "شافِ": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "من تثقفن" حيث أكده بالنون الخفيفة، وهو فعل واقع شرطًا بغير إما، وهو قليل (¬4). ¬
الشاهد التاسع عشر بعد الألف
الشاهد التاسع عشر بعد الألف (¬1) , (¬2) فمهما تَشَأْ منه فزارةُ تُعْطِكُمْ ... ومهما تَشَأْ منهُ فَزَارةُ تَمْنَعَا أقول: قائله هو الكميت بن معروف، وقال ابن الأعرابي: هو الكميت بن ثعلبة الفقعسي، وقبله (¬3): 1 - أبَتْ أمُّ دِينَارٍ فَأَصْبَحَ فَرْجُهَا ... حَصَانًا وقُلِّدْتُمْ قَلائِدَ قَوْزَعَا 2 - خُذُوا العَقْلَ إنْ أَعْطَاكُمُ العَقلَ قَومُكُمْ ... وكُونُوا كَمَنْ سِيمَ الهَوَانَ فَأَرْتَعَا 3 - ولا تُكْثِرُوا فِيهِ الضِّجَاجَ فإنَّهُ ... مَحَا السَّيفُ مَا قَال ابْنُ دَارَةَ أَجْمَعَا 4 - فمهما تشأ ................ ... ............................. إلخ وهي من الطويل. قوله: "أبت" أي: امتنعت، و "أم دينار": اسم امرأة, قوله: "قوزعا" بفتح القاف وسكون الواو وفتح الزاي المعجمة، وقال ابن الأعرابي: يقال: قلدتم قلائد قوزع معناه: طوقتم أطواقًا لا تفارقكم أبدًا, قوله: "العقل" أي: الدية، و"فزارة " بفتح الزاي من غطفان، وهو فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، قال ابن دريد: هو من قولهم: فزرت الشيء إذا صدعته، والفزرة: القطعة (¬4). الإعراب: قوله: "فمهما" الفاء للعطف، ومهما: اسم يتضمن معنى الشرط، ولهذا جزم قوله: "تشأ" في الموضعين، وتشأ: فعل، وفاعله هو فزارة، وقوله: "تعطكم": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى فزارة والمفعول وقعت جزاء، والكلام في الشطر الثاني مثل الكلام في الشطر الأول، والضمير في "منه" يرجع إلى ابن دارة المذكور في البيت الذي قبله (¬5). ¬
الشاهد العشرون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "تمنعا" أصله: تمنعن مؤكدًا بالنون الخفيفة، ثم أبدلت ألفًا للوقف، وإنما أكده لتوكيد الجزاء (¬1). الشاهد العشرون بعد الألف (¬2) , (¬3) ليتَ شِعْرِي وأشْعرَنَّ إذا ما ... قرّبُوها منْشُورَةً ودُعِيتُ ألِيَ الفَوْزُ أَمْ عَلَيَّ إذا حُو ... سِبْتُ أَنِّي على الحسَابِ مقيتُ؟ أقول: قائله هو السموأل بن العادياء الغساني اليهودي، وهو من قصيدة تائية من الخفيف، وأولها هو قوله (¬4): 1 - نُطْفَةٌ مَا مُنِيتُ يَومَ مُنِيتُ ... أُمِرَتْ أَمْرَهَا وفِيهَا بُرِيتُ 2 - كَنَّها الله فيِ مَكَانٍ خَفِيٍّ ... وخَفِيٍّ مَكَانُهَا لَوْ خَفِيتُ 3 - ميتَ دَهْرٍ قدْ كُنتُ ثُمَّ حَييتُ ... وَحَيَاتِي رَهْنٌ بِأَنْ سَأَمُوتُ 4 - إِنَّ حِلْمِي إِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي ... فاعلمي أنني كثيرًا رُزِيتُ 5 - ضَيِّقُ الصَّدرِ بالأمَانَةِ لا ... يُفْجِعُ فَقْرِي أَمَانَتِي مَا بَقِيتُ 6 - رُبُّ شَتْمٍ سَمِعْتُهُ فتَصَامَمْتُ ... وغَيّ تَركْتُهُ فكُفِيتُ 7 - ليت شعري ............. ... ................ إلى آخره 1 - قوله: "منيت" على صيغة المجهول؛ أي: قدّرت, قوله: "بريت" مجهول أيضًا معناه: خُلقت. 2 - قوله: "كنها الله" أي: سترها الله. 4 - قوله: "رُزيت" أي: أُصبت بمصيبة. ¬
6 - قوله: "وغي" بالغين المعجمة، والغي: الضلالة والخيبة. 7 - قوله: "قربوها" الضمير يرجع إلى صحيفة أعماله، و"الفوز": النجاة، ويروى: إلى الفضل, قوله: "مقيت" المقيت: المقتدر، والمقيت: الحافظ الشاهد، وهو المراد هاهنا، كما في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85] أي: شاهدًا. الإعراب: قوله: "ليت شعري" شعري: مصدر شعرت أشعر شعرًا إذا فطن وعلم؛ ولذلك سمي الشاعر شاعرًا لأنه فطن لما خفي على غيره، وهو مضاف إلى الفاعل، ومعنى ليت شعري: ليت علمي. والمعنى: ليتني أشعر، وأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن أشعر، ونابت الياء في: شعري عن اسم ليت التي في قولك: ليتني, قوله: "وأشعرن" بالنون الخفيفة؛ جملة من الفعل والفاعل (¬1)، و"أشعرن" من الأفعال المتعدية، وقد تعلق عن العمل؛ يعني: يبطل عمله في اللفظ ويعمل في المعنى فهاهنا كذلك، فإن قوله: "ألي الفوز أم عليَّ" استفهام في موضع النصب على المفعولية. قوله: "إذا ما" إذا للظرف، وما زائدة، و"قربوها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و"منشورة": نصب على الحال، قوله: "ودعيت": على صيغة المجهول حال -أيضًا- بتقدير قد؛ أي: والحال أني قد دعيت إلى قراءة الصحيفة. قوله: "ألي" الهمزة للاستفهام؛ كما ذكرنا، و"الفوز" مبتدأ، و"لي" مقدمًا خبره، و"أم علي": عطف عليه, قوله: "إذا حوسبت" إذا ظرف للمستقبل تضمن معنى الشرط فلذلك دخلت على الجملة الفعلية, قوله: "أني" الضمير المستتر اسم إن، والجملة خبره، أعني قوله: "على الحساب مقيت". الاستشهاد فيه: في قوله: "وأشعرن" حيث أكده بالنون الخفيفة وهو مثبت عارٍ عن معنى الطلب والشرط ونحوهما، وهذا في غاية الندرة (¬2). ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد الألف
الشاهد الحادي والعشرون بعد الألف (¬1) , (¬2) ........................... ... أَرَيْتَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أملودا مُرَجَّلًا وَيْلبَسُ البُرُودَا ... أَقَائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودَا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في شواهد الكلام في أوائل الكتاب (¬3). و"الأملود": الناعم. والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "أقائلن" حيث أدخلت فيه نون التوكيد، وهي مختصة (¬4) بفعل الأمر والمستقبل طلبًا أو شرطًا، وهذا اسم الفاعل، وقد أشبعنا الكلام فيه هناك (¬5). الشاهد الثاني والعشرون بعد الألف (¬6) , (¬7) لا تهِينَ الفقيرَ علَّكَ أنْ ... تَرْكَعَ يَوْمًا والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ أقول: قائله هو الأضبط بن قريع، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬8): 1 - قَدْ يَجمَعُ المال غيْرُ آكِلِهِ ... ويَأكُلُ المال غيْرُ مَنْ جَمَعَهْ 2 - فاقْبَلْ مِنَ الدَّهرِ ما أتَاكَ بَهِ ... مَنْ قَرَّ عَينًا بِعَيشِهِ نَفَعَهْ 3 - وصِلْ حِبال البَعيدِ إنْ وصَلَ الحَ ... بْلَ وأَقصِ القَرِيبَ إنْ قَطَعَهْ 4 - لا تُهينَ الفَقيرَ ................ ... ....................... إلخ ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد الألف
ويروى: لا تعادِ الفقير، فعلى هذا لا استشهاد فيه، ويقال: إن هذه القصيدة قيلت قبل الإسلام بدهر طويل, قوله: "لا تهين": من أهان يهين إهانة, قوله: "علك" أصله: لعلك، تقول. علك، ولعلك، وعنك، ولعنك، وفيها عشر لغات (¬1). قوله: "أن تركع": من الركوع، وهو الانحناء والميل؛ من ركعت النخلة إذا انحنت ومالت، وأراد به الانحطاط من الرتبة والسقوط من المنزلة. الإعراب: قوله: "لا تهين": جملة من الفعل والفاعل، قد دخلها لا الناهية، و"الفقير": مفعولها، قوله: "علك" الكاف اسمه، وقوله: "أن تركع": جملة خبره، و"يومًا": نصب على الظرف, قوله: "والدهر": مبتدأ، و "قد رفعه": خبره، والضمير فيه يرجع إلى الفقير، والجملة في موضع النصب على الحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا تهين" بكسر الهاء وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، وأصله: "لا تهينن" بنونين أولاهما مفتوحة، فحذف النون الخفيفة لما استقبلها ساكن (¬2). الشاهد الثالث والعشرون بعد الألف (¬3) , (¬4) فمنْ يك لَمْ يثأرْ بِأعْرَاضِ قومِهِ ... فإنِّي وَرَبِّ الرَّاقصاتِ لأثْأَرَا أقول: قائله هو النابغة الجعدي الصحابي، وهو من الطويل. ¬
قوله: "لم يثأر": من ثأر مهموز العين يثأر ثأرًا، وأراد به هنا: فمن لم ينتصر لأعراض قومه بالهجو والذب عنهم فإني قد هجوت من هجاهم وانتصرت لهم حفظًا لأعراضهم، و"الأعراض": جمع عِرض الشخص بكسر العين، وهو ما يحميه من أن يثلب فيه، وأراد "بالراقصات": إبل الحجيج التي تهز أطرافها في مشيها كأنها ترقص. الإعراب: قوله: "فمن يك" الفاء للعطف، ومن شرطية، و"يك": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى من وهو اسم يكن، وخبره هو قوله: "لم يثأر" والباء في بأعراض يتعلق بلم يثأر، قوله: "فإني" الفاء واقعة في جواب الشرط، وياء المتكلم اسم إن، وخبرها هو قوله: "لأثأرا"، واللام للتأكيد، قوله: "ورب الراقصات": جملة قسمية معترضة بين اسم إن وخبرها. الاستشهاد فيه: في قوله: "لأثأرا" أصله: لأثأرن، فلما وقف عليها أبدلها ألفًا كما يقال: لنسفعًا في قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] (¬1). ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد الألف
الشاهد الرابع والعشرون بعد الألف (¬1) , (¬2) اضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارِقَهَا ... ضَرْبَكَ بالسَّيْفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ أقول: قائله هو طرفة بن العبد، ويقال: إنه مصنوع عليه؛ كذا قاله ابن بري، وهو من المنسرح (¬3). قوله: "اضرب": من الضرب بالضاد المعجمة والباء الموحدة، وقد ضبطه بعضهم: اصرف من الصرف بالصاد المهملة وبالفاء، وليس بصحيح، والصحيح الأول، قوله: "طارقها": من طرق الرجل إذا أتى أهله ليلًا، قوله: "قونس الفرس" بفتح القاف وسكون الواو وفتح النون وفي آخره سين مهملة، وهو العظم الناتئ بين أذني الفرس، و"القونس" هو أعلى البيضة أيضًا. الإعراب: قوله: "اضرب" جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "الهموم": مفعولها، قوله: "طارقها": بالنصب بدل من الهموم، قوله: "ضربك": مصدر نوعي مضاف إلى فاعله وانتصابه بنزع الخافض، أي: كضربك بالسيف، والباء للاستعانة, قوله: "قونس الفرس": كلام إضافي مفعول المصدر. الاستشهاد فيه: في قوله: "اضرب" بفتح الباء، فإن أصله: اضربن بالنون الخفيفة؛ فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة، وهذا من الشاذ؛ لأن نون التأكيد لا تحذف إلا إذا لقيها ساكن (¬4). ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد الألف
الشاهد الخامس والعشرون بعد الألف (¬1) , (¬2) يمينًا لَأُبْغِضُ كُلَّ امرِئٍ ... يُزَخْرِفُ قَوْلًا ولا يَفْعَلُ أقول: لم أقف على اسم قائله وهو من المتقارب (¬3). قوله: "يزخرف" أي: يزين، أراد أنه يزين أقواله بالمواعيد ثم لا يفعل. الإعراب: قوله: "يمينًا" نصب بفعل محذوف تقديره: أقسم يمينًا أو أحلف يمينًا, قوله: "لأبغض": جواب القسم، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه، و"كل امرئ": كلام إضافي مفعوله، واللام فيه للتأكيد. قوله: "يزخرف": جملة من الفعل والفاعل، و"قولًا": مفعولها، والجملة في محل الجر لأنها صفة امرئ, قوله: "ولا يفعل": جملة معطوفة على: "يزخرف"، وعطف المنفي على المثبت جائز كما بالعكس، وفيه خلاف لا يعتد به. الاستشهاد فيه: في قوله: "لأبغض" فإنه جواب القسم، كما ذكرنا، وهو مضارع مثبت مقرون باللام، ولم تدخله نون التأكيد لأنه وقع حالًا (¬4). الشاهد السادس والعشرون بعد الألف (¬5) , (¬6) يا صاحِ إِمَّا تجدْنِي غيرَ ذي جِدَةٍ ... فما التَّخَلِّي عن الخِلّانِ من شيمي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد الألف
قوله: "جدة" بكسر الجيم وفتح الدال المخففة؛ من وجد في المال وجدًا ووَجدًا ووجدًا وجِدَةً أي: استغنى، ووجد في الحزن وَجدًا بفتح الواو، ووجد الشيء وجودًا ووجدانًا، ووجد عليه موجدة، و"الخلان": جمع خليل، و"الشيم" بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع شيمة وهي الخلق والطبيعة. الإعراب: قوله: "يا صاح" يا حرف نداء، وصاح: منادى مفرد مرخم، وأصله: يا صاحب, قوله: "إما" أصله إن الشرطية، وما الزائدة، و"تجدني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ فعل الشرط, قوله: "غير ذي جدة": كلام إضافي مفعول ثان لتجدني, قوله: "فما التخلي": جواب الشرط، و "ما" نافية، و "التخلي": مبتدأ، وقوله: "من شيمي": خبره، و "عن الخلان": يتعلق بالتخلي. الاستشهاد فيه: في قوله: "إما تجدني" حيث ترك فيه التوكيد بالنون بعد وقوع الفعل بعد [إما الشرطية] (¬1) إما لضرورة وإما أنه قليل (¬2). الشاهد السابع والعشرون بعد الألف (¬3) , (¬4) ........................... ... أفَبَعْدَ كِنْدَةَ تَمْدَحَنَّ قَبِيلًا؟ أقول: أنشده ابن مالك وغيره، ولم ينسبه إلى قائله (¬5)، وهو من الكامل. و"كندة" بكسر الكاف في كهلان، وهو ثور بن عفير بن عدي بن الحرث بن مرة، قيل: سمي ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد الألف
كندة لأنه من كند أباه، أي: عقَّ، وقيل: من كند نعمة الله؛ أي: كَفَرَهَا، والقبيل هو القبيلة. الإعراب: قوله: "أفبعد" الهمزة للاستفهام، وبعد: نصب على الظرف، وتقدير الكلام: أتمدحن بعد كندة؟ و: "تمدحن": جملة من الفعل والفاعل، و"قبيلًا": مفعولها. الاستشهاد فيه: في قوله: "تمدحن" حيث دخلت نون التأكيد لوقوع الفعل بعد الاستفهام (¬1). الشاهد الثامن والعشرون بعد الألف (¬2) , (¬3) ............................... ... ولا تعبُدِ الشَّيطَانَ واللهَ فاعبُدَا أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وأوله (¬4): وإياكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا ... ................................... وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله: 1 - ألَمْ تَغْتَمِضْ عَينَاكَ ليلَةَ أَرْمَدَا ... وَعَادَكَ مَا عَادَ السَّلِيمَ المسهّدَا 2 - وما ذاكَ منْ عِشْقِ النِّسَاءِ وإنَّمَا ... تناسَيْتَ بعدَ اليَوْمِ خُلَّةَ مَهْدَدَا إلى أن قال: 3 - فإياك والميتات لا تُطْعِمَنَّهَا ... ولا تأخذَنْ سَهْمًا حديدًا لتفصِدا 4 - وذا النُّصُبِ المنصوبَ لا تنسُكَنَّهُ ... لِعَافِيَةٍ والله ربك فاعبُدَا ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد الألف
5 - وصلِّ على حين العشيات والضحى ... ولا تَحْمَدِ الشَّيْطَانَ واللهَ فاحْمَدَا (¬1) هكذا رتبه ابن حبيب حين دون شعر الأعشى، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وإياك": كلمة تحذير، وقوله: "والميتات" أي: اتق الميتات، وهي جمع ميتة وهي التي ماتت حتف أنفها أو ذبحت بغير تسمية, قوله: "لا تقربنها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، دخلت عليها لا الناهية، وهي تأكيد في المعنى لما قبلها. قوله: "ولا تعبد الشيطان" يعني: لا تطعه لأن معنى العبادة الطاعة, قوله: "والله" منصوب بقوله: "فاعبدا"، والتقدير: فاعبد الله، وأصله: فاعبدن بالنون الخفيفة المؤكدة. فإن قلت: ما هذه الفاء؟ قلت: قيل هي جواب لأما مقدرة، وقيل: زائدة، وإليه ذهب أبو علي، وقيل: هي عاطفة، والتقدير: تنبه فاعبد الله، ثم حذف تنبه، وقدم المنصوب على الفاء إصلاحًا للفظ؛ كيلا تقع الفاء صدرًا فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "فاعبدا" إذ أصله فاعبدن بالنون الخفيفة؛ كما ذكرنا فأبدلت النون ألفًا للوقف (¬2). الشاهد التاسع والعشرون بعد الألف (¬3) دَامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رَحِمْتِ مُتَيَّمًا ... ................................... أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الكلام (¬4). والاستشهاد فيه: في قوله: "دامنَّ" حيث دخلت نون التأكيد في الفعل الماضي، وهو شاذ لا يعتد به (¬5). ¬
الشاهد الثلاثون بعد الألف
الشاهد الثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) فلا الجارةُ الدُّنْيَا لَهَا تَلْحَيَنَّهَا ... ولا الضَّيْفُ مِنْها إِنْ أنَاخَ مُحَوَّلُ أقول: قائله هو النمر بن تولب، وهو من قصيدة لامية طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - تأبّدَ مِنْ أَطْلالِ جَمْرَةَ مَأسَلُ ... فَقَدْ أَقْفَرَتْ مِنْهَا شرَاءٌ فَيَذْبلُ 2 - فبُرْقَةُ أرْمَامٍ فَجَنْبَا مُتَالِعٍ ... فوَادِي الْمياهِ فالبَدِيُّ فأنجَلُ إلى أن قال: 3 - وفيِ جِسمِ رَاعِيهَا شُحُوبٌ كَأَنَّهُ ... هُزَالٌ وَمَا مِنْ قِلَّةِ الطُّعْمِ يُهْزَلُ 4 - فلا الجارة .................. ... ....................... إلخ 1 - قوله: "تأبد" أي: توحش، يقال: تأبد المنزل إذا أقفر وألفته الوحوش، و"الأطلال": جمع طلل الدار وهو آثارها، و"جمرة" بالجيم؛ اسم محبوبته، و"مأسل" بفتح الميم وسكون الهمزة وفتح السين؛ اسم رملة، و"شراء" بفتح الشين والراء المهملتين وبالمد؛ اسم بلد، و"يذبل" بفتح الياء آخر الحروف وسكون الذال المعجمة وضم الباء الموحدة؛ اسم جبل. 2 - و"البرقة" بضم الباء الموحدة وسكون الراء؛ اسم موضع وهي قطعة في الجبل يختلط بها رمل وحصى وطين، "وأرمام" بفتح الهمزة وسكون الراء؛ اسم موضع، و"متالع" بضم الميم وتخفيف التاء المثناة من فوق وكسر اللام وفي آخره عين مهملة، وهو اسم جبل، و"أنجل" بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم؛ اسم موضع. 3 - قوله: "شحوب" بضم الشين المعجمة والحاء المهملة؛ أي: هزال. 4 - قوله: "فلا الجارة الدنيا" أي: القريبة, قوله: "تلحينها": من لحيته ألحاه لحيًا إذا لمته، ولاحيته ملاحاة إذا نازعته, قوله: "إن أناخ" أي: إذا برك راحلته, قوله: "محول" بضم الميم؛ من التحويل، يشير بهذا إلى كرم المدوحة بأن جارتها لا تلومها ولا تنازعها ولا هي تمنع ضيفها إذا نزل عندها. ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد الألف
الإعراب: قوله: "فلا" الفاء للعطف على ما قبله، ولا للنفي، و"الجارة" بالرفع مبتدأ، و"الدنيا" صفة، و"لها": في محل النصب على الحال، أي: على حال كونها الجارة الدنيا الكائنة لها، أي: للجمرة المذكورة في أول القصيدة. قوله: "تلحينها": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى الجارة والمفعول وهو الضمير المنصوب العائد إلى جمرة، والجملة في محل الرفع على الخبرية. قوله: "ولا الضيف" الضيف مبتدأ، و"محول": خبره، والجمل معطوفة على الجملة الأولى, قوله: "منها" يتعلق بقوله: "محول"، أي: من الجمرة المذكورة، و"إن" للشرط، و"أناخ": جملة وقعت فعلًا للشرط، والتقدير: ولا الضيف محول عنها إن أناخ؛ أي: نزل؛ لأن إناخته مركوبه تكون للنزول. وقوله: "محول" أغنى عن الشرط، أو يقدر له جواب، والتقدير: ولا الضيف محول عنها إن أناخ راحلته عندها، لا يتحول إِلى غيرها لحسن قيامها بالضيف. الاستشهاد فيه: في قوله: "تلحينها" حيث أدخل الشاعر فيها نون التوكيد بعد لا النافية تشبيهًا لها في اللفظ بلا الناهية (¬1). الشاهد الحادي والثلاثون بعد الألف (¬2) , (¬3) .............................. ... حَدِيثًا متَى ما يأتِكَ الخيرُ يَنْفَعَا أقول: قائله هو النجاشي، وصدره: ¬
ثُبتُمْ ثَبَاتَ الخَيزُرَانِيِّ في الوغى ... ............................ وقد ذكره الجاحظ في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض وهو (¬1): 1 - أيَا رَاكِبًا إمَّا عَرضْتَ فَبَلِّغَنْ ... بَنِي عَامرَ عَنّي وَأَبْنَاءَ صَعْصَعِ 2 - ثُبْتُمْ ثَبَاتَ الخَيْزُرَانِيِّ في الوغى ... حَدِيثًا متَى مَا يأتِكَ الخيرُ يَنْفَعِ وهما من الطويل. قوله: "في الوغى" بفتح الواو وبالغين المعجمة، وهي الحرب، وفي رواية الجاحظ: في الثرى بالثاء المثلثة وهي الأرض. الإعراب: قوله: "ثبتم": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "ثبات الخيزراني": كلام إضافي منصوب بنزع الخافض، والتقدير: كثبات, قوله: "حديثًا": منصوب بفعل محذوف تقديره: حدث حديثًا، و"متى" للشرط، وكلمة: "ما" زائدة، و"يأتك الخير": جملة من الفعل والمفعول وهو الكاف والفاعل وهو الخير وقعت فعل الشرط, قوله: "ينفعا": جملة وقعت جواب الشرط؛ كما ذكرنا. والاستشهاد فيه: حيث دخلت فيه نون التأكيد وهو جواب الشرط؛ كما ذكرنا (¬2). ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الألف
الشاهد الثاني والثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) ................................ ... كما قيلَ قَبْلَ اليَوْمِ خالِفَ تُذْكَرَا أقول: أنشده الجاحظ في البيان، ولم يعزه إلى قائله، وأوله (¬3): خِلافًا لِقَوْلِي مِنْ فَيَالة رَأْيِهِ ... .............................. وهو من الطويل. قوله: "من فيالة" بفتح الفاء والياء آخر الحروف واللام، أي: من ضعف رأيه، وقال الجوهري: رجل قال الرأي، أي: ضعيف الرأي مخطئ الفراسة، وقال الرأي يفيل فيولة، وفيّل رأيه تفييلًا، أي: ضعفه فهو فيل الرأي (¬4). الإعراب: قوله: "خلافًا": منصوب بفعل محذوف تقديره: خالف خلافًا، وقوله: "لقولي": يتعلق بذلك المحذوف، وكلمة "من" في من فيالة للتعليل، أي: لأجل فيالة رأيه، و"كما قيل" يجوز أن تكون الكاف فيه للتعليل وما مصدرية، والمعنى: خالف لأجل ما قيل له؛ أي: لأجل القول الذي قيل له قبل اليوم بما فيه خير وصلاح له. وقوله: "خالف" أي: خالفَ قول أهل الرأيِ السديدِ لرأيك الضعيف حتى يذكر ذلك؛ يعني: حتى يظهر لك سوء عاقبته، والأظهر أن الكاف للتشبيه وما مصدرية. والمعنى: خالف قول من ضعف رأيه وسيظهر له ذلك، فحاله هذا كالقول في أمثال الناس خالف تذكر ذلك في الأخير، فهذا وإن كان أمرًا في الظاهر ولكن معناه: نهي من قبيل قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، وهذا يسمى أمر تهديد ووعيد (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "خالف" حيث حذف منه نون التأكيد ففتح الفاء؛ إذ أصله: خالفن, قوله: ¬
"تذكّر" بتشديد الكاف، أصله: تتذكر لأنه مضارع من باب تفعّل، فحذف إحدى التاءين للتخفيف (¬1)؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14]، إذ أصله: تتلظى، والألف في آخره مبدلة من نون التأكيد. والمعنى: إن خالفت تذكرت ذلك، يعني: رأيت بعد ذلك سوء المخالفة أو جوزيت به (¬2). ¬
شواهد ما لا ينصرف
شواهد ما لا ينصرف الشاهد الثالث والثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) كَأَنَّ العُقَيْلِيَّينَ يَوْمَ لَقِيتهمِ ... فِرَاخُ القَطَا لاقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا أقول: قائله هو القطامي، واسمه: عمير بن شييم، وهو من قصيدة من الطويل. [وقبله (¬3)، وهو أولها (¬4): 1 - ألَا لَا أُبَالِي بَعدَ يَومٍ بِسَحْبَلٍ ... إذا لَمْ أُعَذَّبْ أنْ يَجِيءَ حِمَامِيَا 2 - تَركْتُ بجَنْبَيْ سَحْبَلٍ وتِلَاعِهِ ... مُراقَ دَمٍ لا يَبرَحُ الدَّهرَ ثَاويَا 3 - إِذَا مَا أَتَيتَ الحَارِثِيَّاتِ فانْعَنِي ... لَهُنَّ وخَبِّرْهُنَّ أَنْ لَا تَلَاقِيَا 4 - وَقَوِّدْ قُلُوصِي بَينَهُنَّ فإنَّهَا ... سَتُضْحِك مَسْرُورًا وتُبكِي بواكيَا 5 - فَلَيسَت وَرَائِي حَاجَةٌ غَيْرَ أَنَّنِي ... ودِدْتُ مُعَاذًا كَانَ فِيمنْ أتانيَا 6 - فَتصدقَهُ النَّفْسُ الكَذُوبَة بالتِي ... ويَعْلَمُ بِالعَشْوَاءِ أَنْ قَدْ رَآنِيَا 7 - كَأَنَّ العُقَيلِيَّينَ .............. ... ................... إلخ ¬
قال هذه الأبيات يخاطب معاذًا أعشى بني عقيل فأجابه بهذه الأبيات (¬1): 1 - تمنيتَ أن تَلقَى مُعَاذًا بِسَحْبَلٍ ... سَتَلْقَى مُعَاذًا والقَضِيبَ اليَمَانِيَا 2 - سَنقتُلُ منْكُمْ بالقَتِيلِ ثَلاثَةً ... ونَغلِي وقَدْ كَانَتْ دِمَاءً غَوالِيَا 3 - وَلَا تَحسَبنَّ الدِّينُ يا عَلْبُ مَنْظَرًا ... ولا الثَّائِرَ الحرانَ ينْسَى التَّقَاضِيَا قوله: "كَأَنَّ العُقَيْلِيينَ يَوْمَ لَقِيتهمِ"، ويروى: كَأنَّ بَنِي الدَّغْمَاءَ إذْ لَحِقُوا بِنَا ... فَرَاخُ ................ إلخ و"الفراخ": جمع فرخ، وهو ولد الطائر، والأنثى فرخةٌ، قال الجوهري: وجمع القلة: أفرُخٌ وأفراخ، والكثر: فِرَاخ (¬2)، و "القطا": جمع قطاة وهي طائر مشهور، و"الأجدل": الصقر: قوله: "بازيَا": من بزا عليه يبزو إذا تطاول عليه. الإعراب: قوله: "كَأَنَّ" للتشبيه، وقوله: "العُقَيْلِيينَ": اسمها، وقوله: "فراخ القطا": كلام إضافي خبرها, قوله: "يوم": نصب على الظرف, وأضيف إلى الجملة, قوله: "لاقين": جملة من الفعل والفاعل صفة الفراخ, قوله: "أجدل": مفعول لاقين، و "بازيَا": صفته. ويجوز أن يكون بازيًا هو الطير الجارح المشهور، ويكون عطفًا على أجدل، وحذف العاطف للضرورة. الاستشهاد فيه: في قوله: "أجدل" حيث منع من الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة، وذلك لأنه مأخوذ من الجدل وهو الشد، وأكثر العرب يصرفه لخلوه عن أصالة الوصفية (¬3). ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الألف
الشاهد الرابع والثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) ذَرينِي وَعِلْمي بالأُمُورِ وَشِيمَتي ... فَمَا طَائِرِي يَوْمًا عليكِ بِأخْيَلَا أقول: قائله حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - لكِ الخيرُ غُضِّي اللَّوْمَ عنِّي فإنني ... أُحِبُّ من الأخلاق ما كان أجْمَلَا 2 - ذريني ....................... ... .................... إلى آخره 3 - فإنْ كُنْتِ لَا مِنِّي ولَا منْ خَلِيقَتي ... فَمِنْكَ الّذِي أَمْسَى عَنْ الخَيْرِ مَعْزِلَا 4 - ألَمْ تَعْلَمي أَنِّي أَرَى البُخْلَ سُبَّةً ... وأُبْغِضُ ذا اللَّوْنَينِ والمتُنَقِّلَا 5 - إذا انْصَرَفَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ مَرَّةً ... فلسْتُ عَلَيهِ آخرَ الدَّهْرِ مُقبِلَا 2 - قوله: "ذريني" أي: دعيني واتركيني, قوله: "وشيمتي" الشيمة -بكسر الشين المعجمة- الخلق والطبيعة، و"الأخيل": طائر فيه خيلان، ويقال: الأخيل: الشقراق، والعرب تتشاءم به، ويقال: هو أشأم من أخيل (¬4)، ويجمع على أخايل، وقال أبو حاتم: الأخيل: الصرد، ويقال له: الأخطب والسميط، وهو طائر أبقع ضخم الرأس والمنقار، له برثن وهو نحو القارية، ويسمى مجوفًا لبياض جوفه وبُقَعُهُ نصفان، ويقال له: أخطب لخضرة ظهره، وأخيل لاختلاف لونه، ولا يكاد يُرَى إلا في شعبة أو شجرة، ولا يقدر عليه بشيء [وصيده العصافير وصغار الطير، وربما تشوئم به، قال أبو عبيد: القارية: هذا الطائر القصير الرجل، الطويل المنقار، الأخضر الظهر، تحبه الأعراب وتتيمن به، ويشبهون الرجل السخي به، وهي مخففة، والجمع القواري، والعامة تقول قاريَّة بالتشديد] (¬5). ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد الألف
الإعراب: قوله: "ذريني" الخطاب للمرأة، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول, قوله: "وعلمي": الواو بمعنى مع، و"بالأمور" يتعلق بعلمي, قوله: "وشيمتي": عطف على علمي, قوله: "فما طائري": كلمة ما بمعنى ليس، "وطائري": كلام إضافي اسمه، وقوله: "بأخلا": خبره، والباء فيه زائدة, قوله: "يومًا": نصب على الظرف, قوله: "عليك": يتعلق بأخيلا. الاستشهاد فيه: في قوله: "بأخيلا" حيث منع الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة؛ لأنه مأخوذ من المخيول وهو الكثير الخيلان (¬1). الشاهد الخامس والثلاثون بعد الألف (¬2) , (¬3) ولكنَّمَا أَهْلِي بوادٍ أنيسُهُ ... ذِئَابٌ تَبَغَّى الناسَ مثْنَى ومَوْحَدُ أقول: قائله هو ساعدة بن جؤية الهذلي، وهو من قصيدة من الطويل، وأوله هو قوله (¬4): 1 - ألا باتَ مَنْ حَوْلِي نِيَامًا وَرُقَّدَا ... وَعَاوَدَنِي حُزْنِي الذي يتجدّدُ 2 - وعاوَدَنِي دَينِي فَبِتُّ كَأنَّما ... خِلال ضُلُوعِ الصدرِ شِرْعٌ مُمَدَّدُ 3 - بِأَوْبِ يَدَي صَنَّاجَةٍ عِنْدَ مُدْمِنٍ ... غَويٍّ إِذَا ما يَنْتَشِي يَتَغَرَّدُ 4 - ولو أنه إذْ كَان ما حُمَّ واقعًا ... بجانبِ مَنْ يَحْفَى ومَنْ يَتَوَدَّدُ 5 - ولكنما أهلي ............ ... ....................... إلخ 1 - قوله: "نيامًا": جمع نائم. 2 - و"الشرع" بكسر الشين؛ الوتر الذي يمد في الملاهي، والمعنى: كأن حنيني ضرب عود في أضلاعي. 3 - قوله: "بأوب يدي صناجة" أوبها: رجعها وترديدها في الضرب، "عند مدمن" أي: ¬
عند رجل مدمن الخمر, قوله: "غوي" أي: جاهل, قوله: "ينتشي" أي: يسكر, قوله: "يتغرد" أي: يتطرب في غنائه، والتطريب: مد الصوت. 4 - قوله: "ما حم" أي: ما قدر, قوله: "من يحفى" بالحاء المهملة؛ يقال: حفى به حفاوة إذا أكرمه وألطفه. 5 - قوله: "ذئاب": جمع ذئب، ويروى: سباع جمع سبع، وهكذا وقع في ديوانه, قوله: "تبغى": على وزن تفعل، وأصله تتبغى بتاءين، فحذفت إحداهما؛ كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] يقال: تبغيته إذا طلبته وبغيته. الإعراب: قوله: "ولكنما" الواو للعطف، ولكن للاستدراك؛ لأنه لما قال: ولو أنه إذْ كَان ما حُمَّ واقعًا ... ....................... إلخ استدرك عن ذلك، والمعنى: لو كان ما أصابني إلى جانب من يحفى ويتودد، ولكنما أنا بجانب من لا يبالي لي، وأهلي بوادٍ أنيسه سباع وذئاب. وبطل عمل لكن بدخول ما الكافة. و"أهلي": كلام إضافي مبتدأ، و"بواد": خبره، والباء تتعلق بمحذوف تقديره: أهلي نازلون بواد وكائنون أو مقيمون ونحو ذلك, قوله: "أنيسه": كلام إضافي مبتدأ، و"ذئاب": خبره، والجملة صفة واد. قوله: "تبغَّى الناس": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، والجملة صفة لذئاب, قوله: "مثنى": خبر مبتدأ محذوف، أي: بعضهم مثنى وبعضهم موحد، ومعنى مثنى: اثنان اثنان، وهو غير مصروف للعدل والصفة، وكذلك موحد -بفتح الحاء - بمعنى واحد واحد، وهو -أيضًا- غير مصروف لما ذكرنا. الاستشهاد فيه: في قوله: "مثنى وموحد" حيث وقعا نعتين لذئاب، والأولى أن يكونا خبرين لمبتدأين محذوفين كما ذكرنا، وقيل: هما بدلان من ذئاب، ولا يصح ذلك، قال أبو حيان: لا يقال إنها تكون بدلًا مما قبلها لقلة ولايتها العوامل، والأبدال إنما تكون بالأسماء التي بابها أن تلي العوامل (¬1). ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد الألف
الشاهد السادس والثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) يَحْدُو ثمانيَ مُولَعًا بِلَقَاحِهَا ... حتى هَمَمْنَ بِرِبْقَةِ الإرْتاجِ أقول: قائله هو أعرابي؛ قاله أبو الخطاب ولم ينسبه، [ونسبه السيرافي لابن ميادة، وأنشد قبله: 1 - وكَأَنَّ أَصْلَ رَحِيلِهَا وَحِبَالهَا ... عُلِّقْنَ فَوقَ قُوَيْرِحٍ شَحَّاجِ 2 - يحدو ................ ... ...................... إلخ وهما من الكامل. 1 - قوله: "قويرح": تصغير قارح، وهو الذي جاوز خمس سنين، قال السيرافي: شبه ناقته لسرعتها بحمار وحشي قارح يحدو ثماني أتن، أي: يسوقها مولعًا بلقاحها حتى تحمل وهي لا تمكنه؛ لأن الأنثى غير الآدميات لا تمكن الفعل إذا حملت] (¬3). قوله: "يحدو": من الحدو وهو سوق الإبل والغناء لها، وقد حدوت الإبل حدوًا وحِداءً، قوله: "مولعًا" بفتح اللام؛ من أولع بالشيء فهو مولع به؛ أي: مغرى به، و"اللقاح" بفتح اللام هو ماء الفحل، وهو المراد هنا، وأما اللقاح بكسر اللام فهو جمع لقوح، وهي الناقة التي تحلب. قوله: "هممن": من هم بالأمر إذا قصده, قوله: "بربقة الإرتاج" قد ضبط بعضهم الربقة بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وبالقاف، وهو الحبل، و"الإرتاج" بكسر الهمزة وسكون الراء بعدها تاء مثناة من فوق وفي آخره جيم؛ من أرتجت الناقة إذا أغلقت رحمها على الماء وحملت؛ لأنها إذا عقدت على ماء الفحل انسد فم الرحم فلم يدخله كأنها أغلقته على مائه. والمعنى: من شدة طربهن لِحَدْو حادِيها قصدْنَ قطْع ربقة الإرتاج، يعني: ارتخين وانحللن حتى لا يكدن يجمعن أرحامهن على الماء، وضبطه بعضهم: بزيغة الإرتاج بالزاي المعجمة والياء آخر الحروف الساكنة والغين المعجمة، وعليه الأكثر، والمعنى على هذا: هممن بالميل عن ¬
الإرتاج؛ لأن الزيغة من زاغ إذا مال، وحاصل المعنيين واحد فافهم. الإعراب: قوله: "يحدو": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه, قوله: "ثماني" بفتح الياء أصله: ثمانيًا بالتنوين فمنع صرفه للضرورة؛ كما يجيء الآن - إن شاء الله تعالى -, قوله: "مولعًا": حال من الضمير الذي في يحدو، والباء في بلقاحها يتعلق به, قوله: "حتى" للغاية، "وهمن": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى اللقاح، وقوله: "بربقة الإرتاج" في محل النصب على المفعولية، و"الربقة" مضاف إلى الإرتاج. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثماني" حيث منع صرفه للضرورة تشبيهًا بمساجد؛ لأنه على وزنه، ويدل على متعدد ولكنه ليس بجمع، وقال أبو حيان: فكأنه جمع ثمنية كحذرية، والمعروف الصرف، وذكر في كتاب أبي الفضل البطليوسي في ثماني لغات الصرف لأنه ليس بجمع وإنما هو اسم عدد ومنع الصرف كما قال: "تَحْدُو ثَمَانِيَ" لأنه صار عنده جمعًا من جهة معناه؛ لأنه عدد يقع للجمع بخلاف يمان وشآم لأنه غير جمع (¬1). وقال الجوهري: ثمانية رجال وثماني نسوة (¬2)، وهو في الأصل منسوب إلى الثمن لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها، ثم فتحوا أوله لأنهم يغيرون في النسب، كما قالوا: دهري وسهلي، وحذفوا منه إحدى يائي النسب وعوضوا منها الألف كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن فثبتت ياؤه عند الإضافة؛ كما ثبتت ياء القاضي، فتقول: ثماني نسوة وثماني مائة؛ كما تقول: قاضي عبد الله، وتسقط مع التنوين عند الرفع والجر، وتثبت عند النصب؛ لأنه ليس بجمع فيجري مجرى: جوارٍ وغواشٍ في ترك الصرف، وما جاء في الشعر غير مصروف فهو على التوهم أنه جمع. فافهم (¬3). ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد الألف
الشاهد السابع والثلاثون بعد الألف (¬1) , (¬2) عليه مِن اللُّؤْمِ سِرْوَالةٌ ... فليسَ يَرِقُّ لِمُسْتَعْطِفِ أقول: قائله مجهول، وقيل البيت مصنوع، وهو من المتقارب. قوله: "من اللؤم" وهو [بضم اللام وهو الدناءة في الأصل والخساسة في الفعل، وبالفتح] (¬3) العذل (¬4)، و"المستعطف": طالب العطف وهو الشفقة. الإعراب: قوله: "سروالة": مرفوع بالابتداء، وخبره هو قوله: "عليه" مقدمًا، أي على ذلك المذموم، و "من اللؤم" يتعلق بمحذوف، وكذلك: "عليه"، والتقدير: سروالة كائنة عليه من اللؤم، و "من اللؤم": صفة لسروالة فيكون محلها الرفع (¬5) , قوله: "فليس" الفاء تصلح للتفسير وللتعليل، وهو الظاهر، والضمير المستتر فيه اسم ليس، و "يرق": جملة خبره، و "لمستعطف": يتعلق به. الاستشهاد فيه: في قوله: "سروالة" حيث احتج به من قال إن سراويل جمع: سروالة، وأن سراويل منع من الصرف لكونها جمعًا، وقال سيبويه: سراويل واحد وهو أعجمي أعرب؛ كما أعرب الآخر، إلا أن سراويل يشبه من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة [كما أشبه بَقَّمَ الفعل ولم يكن له نظير في الأسماء (¬6)، فسيبويه يرى أنه لا ينصرف في معرفة ولا نكرة] (¬7). وقال أبو الحسن: بعضهم يجعلها اسمًا مفردًا فهي مصروفة عنده في النكرة على هذا المذهب، قال: ومن العرب من يراها جمعًا وواحدها سروالة، وأنشد البيت المذكور؛ فعلى هذا لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، وهذا نقل الأخفش عن العرب وإنما علينا اتباعهم. ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد الألف
قال أبو حيان: ولعل سيبويه لم يسم من صرف لقلتها ولم يتقرر عنده أن سراويل جمع سروالة بل هو اعتقاده؛ ألا ترى أنه يقول: هو واحد وهو أعجمي، وقال ابن الحاجب: وسراويل إذا لم يصرف فقد قيل إنه أعجمي حمل على موازنه. وقيل: عربي جمع سروالة تقديرًا، فإذا صرف فلا إشكال (¬1)، وقال النيلي (¬2): في سراويل ثلاثة أقوال (¬3): أما سيبويه فيقول: سراويل اسم مفرد أعجمي نكرة، ولا ينصرف لأنه وافق بناؤه بناء ما لا ينصرف من العربي نحو قناديل. الثاني: أنه جمع سروالة في التقدير، وليس فيه عجمة بل هو عربي. الثالث: قيل: بل هو جمع محقق وأنشد البيت المذكور، وقال السيرافي: سروالة لغة في السراويل؛ إذ ليس مراد الشاعر عليه [من اللؤم] (¬4) قطعة من جزء السراويل. الشاهد الثامن والثلاثون بعد الألف (¬5) , (¬6) أَنَا ابنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا ... متَى أَضَعِ الْعمَامَةَ تَعْرِفُونِي أقول: قائله هو سحيم بن وثيل الرياحي (¬7)، وقيل: المثقب العبدي، وقيل: أبو زبيد، ونسبه بعضهم إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، وليس بصحيح، وإنما هو أنشده على المنبر لما قدم الكوفة واليًا عليها، وقيل: إنه من قصيدة سحيم التي أولها: 1 - أَفَاطِمَ قبل بينِكِ متِّعِينِي ... ومنعك ما سألت كأن تبيني وهو من قصيدة طويلة، وقد ذكرنا طرفًا منها في شواهد المعرب والمبني (¬8). ¬
قوله: "وطلاع الثنايا": مبالغة طالع من طلع القمر، يقال: رجل طلاع الثنايا إذا كان ساميًا لمعالي الأمور؛ كما يقال: طلاع أنجد، و"الثنايا": جمع ثنية وهي السن المشهورة (¬1). الإعراب: قوله: "أنا": مبتدأ، و"ابن جلا": كلام إضافي خبره, قوله: "وطلاع الثنايا": كلام إضافي -أيضًا- معطوف على الخبر. قوله: "متى": اسم شرط هاهنا، و"أضع": جملة مت الفعل والفاعل، و"العمامة": مفعوله، وقوله: "تعرفوني": جواب الشرط؛ ولهذا جزم به، وعلامة الجزم سقوط النون من: تعرفوني؛ إذ أصله: تعرفونني. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنا ابن جَلَا" فإن عيسى بن عمر استدل به على أنه إذا سمي بنحو: ضرب ودحرج منع الصرف، وأنه ليس من باب الحكاية، وليس فيه ضمير، ولكنه سماه بلفظ الفعل فامتنع الصرف وإن كان وزنًا مشتركًا (¬2). وردّ بأنه سمي بجلا من قولك: زيد جلا، ففيه ضمير مستتر فيه؛ فهو من التسمية بالفعل المحكي فقط، وأيضًا فلا نسلم أنه اسم بالكلية، بل هو صفة لمحذوف تقديره: أنا ابن رجل جلا (¬3)؛ كما في ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد الألف
قول الآخر (¬1): والله مَا زَيدٌ بِنَامَ صَاحِبُهْ ... ................................... يريد: برجل نام صاحبه، ومع هذه الاحتمالات لا يكون في الاستشهاد بهذا البيت حجة. الشاهد التاسع والثلاثون بعد الألف (¬2) , (¬3) على حِينَ عاتبتُ المَشيبَ عَلى الصِّبا ... ................................... أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وتمامه: ................................. ... وقلتُ أَلمَّا أَصْحُ والشَّيْبُ وازِعُ؟ وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الإضافة (¬4). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "على [حين] " (¬5)؛ حيث جاز فيه الإعراب والبناء على الفتح على ما تقدم ذكره (¬6). الشاهد الأربعون بعد الألف (¬7) , (¬8) لقدْ رَأَيْتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسًا ... عَجَائِزًا مِثْلَ السَّعَالِي خَمْسًا أقول: قائله مجهول لا يعرف، وبعده (¬9): ¬
2 - يأكُلْنَ ما في رَحْلِهِنَّ هَمْسًا ... ولا لَقِينَ الدَّهرَ إلَّا تَعْسًا 3 - فيهَا عَجُوزٌ لا تُسَاوي فِلْسًا ... لَا تَأكُلُ الزُّبدَةَ إلَّا نَهْسًا 4 - لا تَرَكَ الله لَهُنَّ ضِرْسًا ... ........................ [وهي من الرجز المسدس] (¬1). و"العجائز": جمع عجوز، و"السعالي": جمع سعلاة بكسر السين المهملة، وهي أخبث الغيلان، وقيل: هي ساحرة الجن، و"الهمس": الصوت الخفي، و"النهس": أخذ اللحم بمقدم الأسنان، يقال: نهست اللحم وأنهسته (¬2) بمعنى واحد. الإعراب: قوله: "لقد" اللام جواب قسم محذوف تقديره: والله لقد رأيت عجبًا، و"رأيت" بمعنى أبصرت؛ فلذلك اكتفى بمفعول واحد وهو قوله: "عجبًا"، و"مذ أمسًا": جار ومجرور، ومذ هاهنا حرف وهي بمنزلة في؛ كأنه قال: في أمس، والعامل فيها: رأيت، والفتحة فتحة إعراب وهي علامة الجر؛ كما في باب ما لا ينصرف، قوله: "عجائزا": بدل من قوله: "عجبًا"، وقوله: "مثل السعالي": صفته, قوله: "خمسًا": صفة بعد صفة أو عطف بيان أو بدل له. الاستشهاد فيه: في قوله: "مذ أمسًا" حيث أعرب إعراب ما لا ينصرف على لغة بني تميم؛ ولهذا جر بالفتحة، والألف فيه للإطلاق (¬3). ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد الألف
الشاهد الحادي والأربعون بعد الألف (¬1) , (¬2) ألم تَرَوْا إِرْمًا وَعَادًا ... أَوْدَى بِهَا الليلُ والنَّهَارُ ومرَّ دَهْرٌ على وَبَارِ ... فَهَلَكَتْ جَهْرَةً وبارُ أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، وهما من قصيدة من الوافر (¬3). قوله: "إرمًا" بكسر الهمزة، وهو اسم قبيلة عاد، أو اسم بلدتهم, قوله: "أودى بها" أي: أهلكها الليل والنهار، [قوله: "بها" صلة أودى] (¬4) قوله: "وبار" بفتح الواو وتخفيف الباء الموحدة على وزن قطام، وهي أرض كانت لعاد. الإعراب: قوله: "ألم تروا" الهمزة للاستفهام، "ولم تروا": جملة من الفعل والفاعل، وهي [من] (¬5) رؤية العين فلذلك اكتفى بمفعول واحد، وهو قوله: "إرمًا", قوله: "وعادًا": عطف عليه. قوله: "أودى": فعل، و"الليل": فاعله، و"النهار": عطف عليه؛ أي: أهلكها مرور الليل والنهار, قوله: "بها": صلة أودى, قوله: "ومر دهر": جملة من الفعل والفاعل, قوله: "على وبار" في محل النصب على المفعولية، و"وبار": مبني على الكسر. قوله: "فهلكت": فعل، وقوله: "وبار" بالرفع فاعله، وإعرابه إعراب ما لا ينصرف لأن القوافي مرفوعة، [و "جهرة": نصب على الحال] (¬6). الاستشهاد فيه: في قوله: "وبار" حيث جمع فيه بين اللغتين: إحداهما البناء على الكسر وذلك في قوله: "على وبار"، والأخرى: هي الإعراب كإعراب ما لا ينصرف، وذلك في قوله: "جهرة وبار" فرفع وبار بهلكت (¬7). ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد الألف
وقال أبو حيان: ويحتمل وجهًا آخر من الإعراب؛ فلا يكون جمعًا بين اللغتين بل يكون بناه في البيت، ويكون وبار فعلًا ماضيًا؛ لأن المعنى أن الدهر أهلك أهل وبار، ولا يريد بذلك المكان وإنما المراد أهله، وأعاد الضمير في هلكت مؤنثًا على وبار مراعاة للفظ وبار، ثم أعاد الضمير جمعًا على الأهل المحذوف؛ أي: وبار أهلها، أي: هلكوا؛ على جهة التأكيد من حيث المعنى، ونظيره قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] فأهلكناها نطره: فهلكت، و"هم" نظير وبار. ويحتمل أن يكون الضمير في: "وبار" لا يعود على محذوف بل على ما علم من سابق الكلام وهم أهل وبار، فيكون قد أخبر بأن البلد هلك بخرابه وهلك أهله بموتهم وفنائهم (¬1). الشاهد الثاني والأربعون بعد الألف (¬2) , (¬3) قدْ عَجِبَتْ مِنِّي ومِنْ يُعَيْلِيَا ... لما رأتني خَلقًا مُقْلَوْلِيا أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه إلى قائله (¬4)، وهو من الرجز المسدس. قوله: "يعيليا" بضم الياء آخر الحروف وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر اللام وتخفيف الياء آخر الحروف، وهو مصغر يعلى؛ اسم رجل. قوله: "خلقًا" بفتح الخاء واللام وبالقاف، يقال: ثوب خلق، إذا كان عتيقًا جدًّا، وأراد: ¬
رثاثة الهيئة، ودمامة الخلقة, قوله: "مقلوليا" بضم الميم وسكون القاف وفتح اللام وسكون الواو وكسر اللام وبالياء آخر الحروف؛ من اقلولى إذا ارتفع، و"المقلولي": المتجافي المستوفز، ويقال: اقلولى الرجل في أمره إذا انكمش، وهذا أظهر هنا. الإعراب: قوله: "قد" للتحقيق، و"عجبت": جملة من الفعل والفاعل، و"مني": يتعلق به, قوله: "ومن يعيليا": عطف عليه, قوله: "لما": ظرف بمعنى حين، والعامل فيه عجبت، و"رأتني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و"خلقًا": مفعول ثان، و"مقلوليَا": عطف عليه في التقدير وحذف العاطف. الاستشهاد فيه: في قوله: "يعيليا" حيث حرك الياء للضرورة؛ لأنه ردّه إلى أصله، وأصل الياءات الحركة، وإنما لم ينون لأنه لا ينصرف، واستدل به يونس فيما ذهب إليه من أن الفتحة تظهر في حالة الجر كما تظهر في حالة النصب، فتقول في "جوارٍ" إذا سميت بها في حالة الرفع [قام جواري، ورأيت جواريَ، ومررت بحواريَ فلا ينون مطلقًا لا رفعًا ولا نصبًا ولا جرًّا (¬1)، ووافقه] (¬2) على ذلك أبو زيد والكسائي والبغداديون. وحجتهم في ذلك: أن انصراف جوارٍ قبل أن يسمى به إنما سببه نقصان البناء، فإذا سميت به رجلًا امتنع الصرف للعلمية ووجود شبه العجمة، فإذا سميت به امرأة امتنع للتأنيث والتعريف، وإذا امتنع صرفه يجب أن يذهب علم الصرف وهو التنوين، وإذا ذهب عادت الياء التي كانت حذفت بسببه، وكذلك يعيليا منع الصرف في حال الجر للتعريف ووزن الفعل، وحرك الياء بالفتح لخفتها (¬3)، وذهب سيبويه والبصريون إلى أنه ينون رفعًا وجرًّا وتحذف ياؤه فيهما ويتم في النصب ولا ينون (¬4). ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد الألف
الشاهد الثالث والأربعون بعد الألف (¬1) , (¬2) يرى الرَّاؤُونَ بالشَّفَرَاتِ منها ... وُقُودَ أبِي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا أقول: قائله هو الكميت بن زيد الأسدي، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬3) 1 - وآل مزيقياء غَدَاةَ لاقَوْا ... بَنِي سَعدَ بْنَ ضَبَّةَ مُؤْلِفِينَا 2 - وأضْحَكَتِ الضِّباعُ سُيوفَ سَعْدٍ ... بقَتلِي مَا دُفِنَّ ولا وُدِينَا 3 - سُيوفٌ ما تَزالُ خلال قَومٍ ... يُهتِّكنَ البُيوتَ ويستبينا 4 - يرَى الرَّاؤونَ ........... ... ...................... إلخ وهي من الوافر، وهذه القصيدة يفخر فيها الكميت بالعدنانية، ويجلب مناقبها، ويسب القحطانية ويطلب مثالبها. 4 - قوله: "بالشفرات" بفتح الشين المعجمة والفاء؛ جمع شفرة السيف وهي حَدُّهُ, قوله: "وقود أبي حباحب" ويروى: "كنار أبي حباحب"، و"الوقود" بضم الواو؛ الإيقاد، وبالفتح الحطب، والأول هو المراد، وفي التيجان: الحباحب: رجل من قضاعة وهو أول من قدح بالزناد فأورى نارًا. وقال ابن الأعرابي: نار الحباحب: ما يخرج من الحجر عند ضرب الحافر، وهو -أيضًا- نار أبي الحباحب (¬4)، وقال الجاحظ: نار الحباحب ونار أبي الحباحب واحد، وقد ذكرهما الشعراء كثيرًا، قال: وكل نار تراها العين ولا حقيقة لها عند التماسها فهي نار أبي الحباحب، قال: ولم أسمع في أبي حباحب نفسه شيئًا (¬5)، وقال أبو حنيفة: لا يعرف حباحب ولا أبو حباحب (¬6). قوله: "والظبينا" بضم الظاء المعجمة وكسر الباء الموحدة؛ جمع ظبة وهي طرف النصل، ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد الألف
المعنى: إن سيوفهم مذكرات توقد النار عند الضرب بها من جميع الجهات. الإعراب: قوله: "يرى": فعل، و"الراؤون": فاعله, قوله: "بالشفرات" أي: في الشفرات، ويروى: -أيضًا- هكذا, قوله: "منها" أي: من سيوفهم، وهي في محل الجر لأنها صفة للشفرات، أي: في الشفرات الكائنة من سيوفهم, قوله: "وقود أبي حباحب": كلام إضافي مفعول ليرى, قوله: "والظبينا": عطف على قوله: "بالشفرات". الاستشهاد فيه: في قوله: "أبي حباحب" حيث منع صرفه للضرورة (¬1)، ويقال: جعله الشاعر اسمًا مؤنثًا فلذلك لم يصرفه، وفيه نظر؛ لأنه لو كان تركه الصرف للتأنيث والتعريف لم تدخل عليه الألف واللام؛ كما لا تدخلان على ما وضع علمًا للمؤنث؛ كزينب وجيئل ونحوهما فافهم. الشاهد الرابع والأربعون بعد الألف (¬2) , (¬3) طَلَبَ الأزارِقَ بالكتائب إذْ هَوَتْ ... بِشَبِيبَ غائلةُ النُّفُوسِ غَدُورُ أقول: قائله هو الأخطل، وهو من قصيدة من الوافر، يذكر فيها الأخطل ما جرى بين سفيان بن الأبرد نائب الحجاج بن يوسف زوج ابنته، وبين شبيب بن يزيد بن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت بن قيس بن شراحيل بن مرة بن ذهل بن شيبان رأس الخوارج الأزارقة الذي كان ادعى الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين، وكانت زوجته غزالة -أيضًا- خارجية، وكانت شديدة البأس، وكان الحجاج مع هيبته يخاف منها. ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد الألف
قوله: "الأزارق" أصله الأزارقة بالهاء؛ فحذفها الشاعر للضرورة، وهم طائفة من الخوارج ينسبون إلى أبي راشد نافع بن الأزرق، و"الكتائب": جمع منيبة وهي الجيش, قوله: "هوت" يقال: هوى به الأمر إذا أطمعه وغرَّه، ويقال: المعنى هاهنا أسقطه ورماه؛ من هوى يهوي هويًا من باب ضرب يضرب، والهوي السقوط, قوله: "بشبيب" بفتح الشين المعجمة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء أخرى موحدة، وهو شبيب بن يزيد الذي ذكرناه الآن، و"غائلة النفوس": شرها، يقال: فلان قليل الغائلة؛ أي: الشر. [الإعراب] (¬1): قوله: "طلب": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى سفيان بن الأبرد الذي ذكرناه، و"الأزارق" بالنصب مفعوله، وقوله: "بالكتائب" يتعلق بقوله: "طلب"، وقوله: "إذ": ظرف بمعنى حين، والعامل فيه قوله: "طلب". قوله: "هوت": فعل، و"غائلة النفوس": كلام إضافي فاعله، وقوله: "بشبيب": صلة هوت في محل النصب على المفعولية, قوله: "غدور" على وزن فعول بفتح الفاء كصبور، مبالغة من الغدر وهو نقض العهد والإغراء والغش، وارتفاعه على أنه بدل من الغائلة؛ لأن غائلة النفوس هي الغادرة -أيضًا- وهو من غال إذا هلك، وقيل: إنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هو غدور، أي: شبيب والأول أظهر. الاستشهاد فيه. في قوله: "بشبيب" حيث منعه من الصرف، وهو اسم مصروف للضرورة (¬2). الشاهد الخامس والأربعون بعد الألف (¬3) , (¬4) ومِمَّنْ وَلَدُوا عَامِـ ... ـــرُ ذو الطُّول وذو العرضِ أقول: قائله هو ذو الأصبع حُرْثان بن الحرث شاعر جاهلي، وهو من قصيدة من الهزج وفيه ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد الألف
الكف، وأولها هو قوله (¬1): 1 - ولَيسَ الأمْرُ فِي شَيءٍ ... مِنَ الإبْرَامِ والنَّقضِ 2 - إذَا أبْرَمَ أمْرًا خَا ... لَهُ يَقْضِي ومَا يَقْضِي 3 - يَقُولُ اليَومَ أُمْضِيهِ ... ولَا يَميكُ ما يُمضِي 4 - عَذِيرُ الحَيّ مِن عَدْوَا ... ن كَانُوا حَيَّةَ الأرْضِ 5 - بَغَى بَعضُهُمُ بَعضًا ... فَلَمْ يُبْقُوا عَلَى بَعضِ 6 - ومِنهُمْ كانت السَّادَا ... تُ والمُوفُونَ بالقَرْضِ 7 - ومِنهُمْ حَكَمٌ يَقضِي ... فَلا يُنقَضُ مَا يَقضِي 8 - ومنهُم مَنْ يُجيزُ النَّا ... سَ بالسّنة والفَرضِ 9 - وممن ولدوا عامر ... ذو الطول وذو العرض 9 - قوله: "ذو الطول وذو العرض": كناية عن عظم الجسم وبسطته وقوته. الإعراب: قوله: "وممن" الواو للعطف، ومن حرف جر، و"مَن" موصولة، و"ولدوا": جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: وممن ولدوهم, قوله: "عامر" بضم الراء بلا تنوين: مبتدأ، وخبره قوله: "ممن ولدوا", قوله: "ذو الطول": كلام إضافي صفته, قوله: "وذو العرض": عطف عليه. والاستشهاد فيه: في قوله: "عامر" حيث منعه من الصرف وهو اسم مصروف للضرورة (¬2). الشاهد السادس والأربعون بعد الألف (¬3) , (¬4) فما كانَ حِصْنٌ ولَا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ أقول: قائله عباس بن مرداس الصحابي - رضي الله عنه -، وهو من قصيدة قالها يوم أَعْطَى النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤلفة ¬
قلوبهم من سبي حنين مائة من الإبل فأعطى أبا سفيان بن حرب بن أمية مائة، وأعطى صفوان بن أمية مائة، وأعطى عيينة بن حصن مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة، وأعطى علقمة بن علاثة مائة، وأعطى مالك بن عوف مائة، وأعطى عباس بن مرداس دون المائة ولم يبلغ به أولئك، فأنشأ يقول (¬1): 1 - أَتَجعلُ نَهبِي ونَهبَ العُبيـ ... ـدِ بينَ عُيَينةَ والأقْرَعِ 2 - وَما كَانَ حِصنٌ ........ ... ........... إلى آخره 3 - وما كنتُ دُونَ امْرِيِء مِنهُمَا ... ومَنْ تَضعِ اليَومَ لا يُرفَعِ 4 - وقد كنتُ فيِ القَومِ ذا تُدْرَأ ... فَلمْ أُعْطَ شيئًا ولمْ أُمنَعِ 5 - إلّا أَقائِلُ أَعْطيتَهَا ... عدِيدَ قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ 6 - فكانَتْ نِهَابًا تَلافَيْتُها ... بِكَرِّي على المهر في الأجرع 7 - وإيقَاظِي القَومَ أنْ يَرقُدُوا ... إذَا هَجَعَ القَومُ لمْ أهْجَعِ قال سفيان بن عيينة: فأتم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة، وحصن والد عيينة، وحابس والد الأقرع، وهي من المتقارب، وفيه الثلم، وهو في قوله: "إلا أفائل" وهو جمع أفيلة، وهي بنت المخاض وبنت اللبون، والمذكر أفيل، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد النعت (¬2). الإعراب: قوله: "فما" للعطف، وما نافية، و"حصن": اسم كان، و"حابس": عطف عليه, قوله: "يفوقان": خبر كان, قوله: "مرداس": مفعول يفوقان، و"في مجمع": يتعلق بيفوقان. الاستشهاد فيه: في قوله: "مرداس" حيث منعه من الصرف وهو اسم مصروف للضرورة (¬3). ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد الألف
الشاهد السابع والأربعون بعد الألف (¬1) , (¬2) وقائِلَةٍ ما بالُ دَوْسَرَ بَعْدَنَا ... صَحَا قَلْبُهُ عَنْ آلِ لَيْلَى وعن هِنْدِ أقول: قائله هو دوسر بن دهبل القريعي (¬3)، قال ابن عصفور: والجيد الصحيح عندنا في هذا البيت: وقائلة ما للقريعي بعدنا (¬4). وهو من الطويل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وقائلة" مجرور بواو رب، أي: رب امرأة قائلة, قوله: "ما بال دوسر": مقول القول، و"ما" استفهامية، و"بال دوسر": كلام إضافي مبتدأ، و"بعدنا": نصب على الظرف, قوله: "صحا قلبه" جملة من الفعل والفاعل؛ خبر المبتدأ، وقوله: "عن آل ليلى": يتعلق بقوله: "صحا" وأراد به: عن ليلى، ولفظة: آل مقحمة, قوله: "وعن هند": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "دوسر" حيث منعه من الصرف وهو اسم مصروف للضرورة (¬5). الشاهد الثامن والأربعون بعد الألف (¬6) , (¬7) أؤمِّلُ أنْ أعيشَ وأنَّ يَوْمِي ... بأوَّلَ أوْ بِأَهْوَنَ أو جُبَارِ أو التالي دُبَارَ فإِنْ أَفُتْهُ ... فمُوْنِسَ أوْ عَرُوبةَ أو شِيَارِ أقول: قائله بعض شعراء الجاهلية، كذا قاله الجوهري وأبو حيان في التذكرة ولم ينسباه (¬8)، ¬
وهما من الوافر. 1 - قوله: "بأول" هو اسم يوم الأحد في أسمائهم القديمة, قوله: "بأهون" بفتح الهمزة، وهو اسم يوم الاثنين في أسمائهم القديمة, قوله: "أو جبار" بضم الجيم وتخفيف الباء الموحدة، وهو اسم يوم الثلاثاء في أسمائهم القديمة. 2 - قوله: "دبار" بضم الدال المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وهو اسم يوم الأربعاء في أسمائهم القديمة, قوله: "فمونس" بضم الميم وسكون الواو وكسر النون وفي آخره سين مهملة، وهو اسم يوم الخميس في أسمائهم القديمة. قوله: "أو عَرُوبة" بفتح العين المهملة وضم الراء وفتح الباء الموحدة، وهو اسم يوم الجمعة في أسمائهم القديمة, قوله: "أو شيار" بكسر الشين المعجمة وتخفيف الياء آخر الحروف، وهو اسم يوم السبت [في أسمائهم القديمة] (¬1). الإعراب: قوله: "أؤمل": من التأميل من الأمل وهو الرجاء، وهي جملة من الفعل والفاعل, قوله: "أن أعيش": في محل النصب على المفعولية، وأن مصدرية، والتقدير: آمل العيش. قوله: "وأن يومي" الواو للحال، ويومي: كلام إضافي اسم أن، وخبره: "بأول"، والباء بمعنى في، والمعنى: أرجو العيش والحال أن يوم موتي في أول، أي: في يوم الأحد. قوله: "أو بأهون": عطف عليه، أي: والحال أن يوم موتي بأهون؛ أي: في أهون, أي في يوم الاثنين، قوله: "أو جبار" بالجر عطف على ما قبله؛ أي: والحال أن موتي بجبار أي: في جبار؛ أي: في يوم الثلاثاء، وإنما دخله الجر لأنه منصرف, قوله: "أو التالي" أي: التابع لجبار وهو دبار، وهو عطف على قوله: "أو جبار" والتقدير: والحال أن يوم موتي في التالي جبار وهو دبار، وهو يوم الأربعاء كما ذكرنا. وقوله: "دبار" بدل من قوله: "أو التالي"، وإنما لم يدخله الجر لكون الشاعر منعه من الصرف, قوله: "فإن أفته" أي: فإن أفت الدبار، وإن للشرط، وأفته جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ فعل الشرط, قوله: "فمونس": جواب الشرط، ومنع من الصرف -أيضًا- للضرورة، قوله: "أو عروبة": عطف على قوله: "فمونس"، وهو غير منصرف للتأنيث والعلمية, قوله: "أو شيار": عطف عليه وهو منصرف فلذلك ظهر فيه الجر. ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "دبار، ومونس" فإنهما مصروفان، وقد ترك الشاعر صرفهما للضرورة، وفيه خلاف قد بين في موضعه (¬1). الشاهد التاسع والأربعون بعد الألف (¬2) , (¬3) تَبَصَّرْ خليلي هَلْ تَرَى من ظعائنٍ ... .............................. أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه: ............................ ... سَوَالِكَ نَقبًا بَينَ حَزْمَيْ شَعَبْعَبِ وهو من قصيدة طويلة من الطويل أولها هو قوله (¬4): 1 - خليليَّ مرَّا بي على أمِّ جُنْدُبٍ ... نُقَضِّي لُبانَات الفُؤَادِ المُعَذَّبِ 2 - فإنَّكُمَا إِنْ تنْظُرَانِي سَاعَةً ... مِنَ الدَّهْرِ تَنفَعُنِي لدَى أُمِّ جُندُبِ إلى أن قال: 3 - تبصر ................. ... .................. إلخ 4 - عَلَوْنَ بأنطاكيّة فوق عِقمَة ... كجرمة نخلٍ أو كجنة يثربِ 1 - قوله: "لبانات": جمع لبانة وهي الحاجة. 2 - قوله: "إن تنظراني" أي: تنتظراني، والمعنى: إن تنتظراني ساعة حتى أعرج إليها وأسلم عليها ينفعني ذلك عندها أو تنفعني ساعة انتظاركما. 3 - قوله: "من ظعائن" وهي النساء في الهوادج، و"السوالك": جمع سالكة، و"النقب" بالنون المفتوحة؛ الطريق في الجبل, قوله: "لين حزمي": تثنية حزم بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو ما غلظ من الأرض، و"شعبعب": اسم ماء، معناه: هذه الظعائن سلكن هذا الطريق بين هذين الموضعين المحيطين بشعبعب, قوله: "علون بأنطاكية" أي: علون الخدور بثياب عملت بأنطاكية، وتلك الثياب فوق عقمة، وهي ضرب من الوشي. ¬
الشاهد الخمسون بعد الألف
4 - و"جرمة النخل" بكسر الجيم، وهي ما يصرم من البسر، فشبه ما على الهوادج من ألوان الوشي والعهون بالبسر الأحمر والأصفر مع خضرة النخل، و"الجنة": البستان، وخص يثرب وهي مدينة الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأنها كثيرة النخل. الإعراب: قوله: "تبصر": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستكن فيه، وتبصر هاهنا بمعنى: انظر؛ ولهذا عدوه في التعليق، ولكن الأظهر هاهنا أنه من الإبصار بالعين, قوله: "خليلي": منادى مضاف حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا خليلي. و"هل" للاستفهام، و "ترى": جملة من الفعل والفاعل, قوله: "من ظعائن": كلمة من للغاية؛ كما تقول: رأيته من ذاك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك؛ أي: محلًّا للابتداء والانتهاء، ويقال: من في هذه المواضع للمجاوزة، والظاهر أنها للابتداء؛ لأن الرأي ابتدأ من عنده وانتهى إليه. فافهم. قوله: "سوالك": صفة الظعائن، ومنع الصرف لكونه على صيغة منتهى الجموع, قوله: "نقبًا": منصوب بسوالك، و "بين": نصب على الظرف مضاف إلى حزمي الذي هو مضاف إلى شعبعب. الاستشهاد فيه: في قوله: "من ظعائنٍ" حيث صرفه الشاعر وهو غير مصروف؛ لأنه مثل مساجد ففيه العلة التي تقوم مقام العلتين، وإنما صرفه للضرورة (¬1). الشاهد الخمسون بعد الألف (¬2) , (¬3) نُبِّئْتُ أَخْوَالِي بَنِي يَزِيدُ ... ........................... أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وتمامه: .............................. ... ظُلْمًا عَلَينَا لَهُمْ فَدِيدُ وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد العلم (¬4). ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد الألف
والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "بني يزيد" فإنه من المحكيات (¬1). الشاهد الحادي والخمسون بعد الألف (¬2) , (¬3) إذا قالت حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فإنَّ القوْلَ ما قالتْ حَذَامِ أقول: قائله هو لجيم بن صعب والد حنيفة وعجل ابني لجيم، وكانت حذام امرأته، وقاله لجيم فيها، وهو من الوافر. قوله: "حذام" وهي أم عجل وأم حنيفة البرشاء، سميت حذام لأن ضُرَّتَها البرشاء حذمت يدها بشفرة وصبت عليها حذام جمرًا فبرشت فسميت البرشاء، وقال ابن كرشم الكلبي: حذام هي بنت الريان بن جسر بن تميم بن يقدم بن عنزة، وهي أم عجل بن لجيم. وكان عاطس بن الجلاح الحِمْيَرِيّ قد سار إلى الريان في جموع من خثعم وجعفى وهمدان؛ فلقيهم الريان في عشرين حيًّا من أحياء ربيعة ومضر؛ فاقتتلوا وصبروا لا يولي أحد منهم دبره، ثم إن القيل الحميري رجع إلى معسكره وهرب الريان تحت ليلته [فسار ليلته] (¬4)، ومن الغد ونزل الليلة الثانية، فلما أصبح عاطس الحميري ورأى خلاء معسكرهم أتبعهم جمْلةٌ من سُمَاةِ رِجَالِهِ وأهل الغِنَاء منهم فجدوا في اتباعهم، فانتبه القطَا في إسرائهم من وقع دوابهم، فمرت على الريان وأصحابه عُرفًا عُرفًا فخرجت حذام بنت الريان إلى قومها فقالت (¬5): ألا يَا قَومَنَا ارْتَحِلُوا فسِيرُوا ... فَلَوْ تُركَ القَطَا لَيلًا لَنَامَا فقال ديسم بن ظالم [الأعصري] (¬6): إذَا قالت حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فإنَّ القوْلَ ما قالت حَذَامِ ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد الألف
فارتحلوا حتى اعتصموا بالجبل ويئس منهم أصحاب عاطس فرجعوا عنهم. [قلت: الحذم بالحاء المهملة والذال المعجمة، وهو القطع، وحذمه يحذمه حذمًا من باب ضرب يضرب، و"البرش" بفتح الباء الموحدة وفي آخره شين معجمة وهو في شعر الفرس نكت صغار تخالف سائر لونه، ومنه الأبرش، قال الخليل: سمي الأبرش لحرق أصابعه، وبقي إثره نقطًا, قوله: "عرفًا" بضم العين وسكون الراء وفي آخره فاء، ومعناه متتابعات، وهو مستعار من عرف الفرس, ومنه قوله تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]] (¬1). الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و"قالت حذام": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، وقوله: "فصدقوها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جواب الشرط, قوله: "فإن القول" الفاء للتعليل، والقول اسم إن، وقوله: "ما قالت حذام": خبره، و"ما" موصولة، و"قالت حذام" صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما قالته. الاستشهاد فيه: في قوله: "حذام" فإنه فاعل في الموضعين، وحقة الرفع، ولكنه بني على الكسر تشبيهًا له بنزالِ، وهو مذهب أهل الحجاز (¬2). الشاهد الثاني والخمسون بعد الألف (¬3) , (¬4) اعتصمْ بالرّجاء إِنْ عَنَّ بأْسُ ... وتناسَ الذي تضمَّنَ أمسُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "إن عنّ": من عن يُعْنُّ بضم العين في المستقبل وكسرها عننًا إذا اعترض وعرض، ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد الألف
ويروى: "عز" بالزاي المعجمة؛ أي: غلب، قوله: "وتناس": أمر من المناساة، وهو أن يرى من نفسه أنه نسيه. الإعراب: قوله: "اعتصم": جملة من الفعل والفاعل، و"بالرجاء": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية, قوله: "إن" للشرط، و"عن": فعل، و"بأس": فاعله، والجملة وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الكلام الأول، قوله: "وتناس": عطف على قوله: "اعتصم"، قوله: "الذي": صفة لموصوف محذوف، والتقدير فيه: وتناس الأمر الذي، وقوله: "تضمن أمس": جملة من الفعل والفاعل وقعت صلة للموصول. والاستشهاد فيه: في قوله: "أمس" حيث جاء معربًا في حالة الرفع إعراب ما لا ينصرف؛ هذه لغة نقلها سيبويه عن بني تميم، واعلم أن في "أمس" ثلاث لغات: الأولى: لغة الحجازين: أنه يبنى على الكسر [مطلقًا في موضع الرفع والنصب والجر. الثانية: أنه يبنى على الكسر] (¬1) في حالتي النصب والجر، ويعرب في حالة الرفع إعراب ما لا ينصرف، فتقول: ذهب أمسُ واستحسنت أمسِ وما رأيته مذ أمسِ، وعليه قول الشاعر. والثالثة: أنه يعرب إعراب ما لا ينصرف في الأحوال الثلاثة (¬2). الشاهد الثالث والخمسون بعد الألف (¬3) , (¬4) ............................... ... ومَضَى بَفَضلِ قَضَائِهِ أمْسِ أقول: قائله أسقف نجران، ويقال: قائله هو تبع بن الأقرن، ونسبه أبو علي القالي في ذيل النوادر إلى روح بن زنباع (¬5)، وقال: أنشده روح عند عبد الملك بن مروان لما قال لجلسائه: ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد الألف
أنشدوني أكرم أربعة أبيات قالتها العرب، وقبله (¬1): 1 - مَنَعَ البَقَاءَ تَصَرُّفُ الشّمسِ ... وطُلُوعُهَا مِنْ حَيثُ لا تُمسِي 2 - وطُلُوعُهَا حَمرَاءَ صَافِيةً ... وغُرُوبُهَا صَفرَاءَ كَالوَرسِ 3 - تَجرِي علَى كَبدِ السَّماءِ كَمَا ... يَجرِي حِمامُ الموتِ بالنَّفسِ 4 - اليومُ أَجْهَلُ ما يجيءُ به ... ومَضَى بِفَضْلِ قضائِهِ أمسِ ويروى: منع الحياة تقلب الشمس، وكذا روي: اليوم أعلم ما يجيء به والأول أظهر وهي من الكامل. الإعراب: قوله: "ومضى": فعل ماض، وفاعله هو قوله: "أمس" على ما نذكره، [والجملة معطوفة على ما قبلها، والباء في قوله: "بفضل" تتعلق بقوله: "مضى"، والضمير في قضائه يرجع إلى اليوم في قوله: "اليوم أجهل ما يجيء به"] (¬2)، وهو مصدر مضاف إلى فاعله، والمفعول متروك. الاستشهاد فيه هاهنا: أن: "أمس" مبنية على الكسر مع أنها في موضع رفع؛ لأنها فاعل لقوله: "مضى" كما ذكرنا، وهذا شاهد لقول أهل الحجاز: إنها مبنية لتضمنها لام التعريف، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين (¬3). الشاهد الرابع والخمسون بعد الألف (¬4) , (¬5) ويومَ دخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عَنِيزَةٍ ... فقالتْ لَكَ الوَيْلاتُ إِنك مُرْجِلِي أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... ............................... ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد الألف
قوله: "الخدر" بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال، وهو الستر، وقال الأعلم: هو الهودج وهو من مراكب النساء (¬1)، و "عنيزة" بضم العين المهملة وفتح النون وكسر الياء آخر الحروف وكسر الزاي، وهو اسم امرأة، قوله: "مرجلي": تاركي راجلة أمشي. الإعراب: قوله: "ويوم": نصب على الظرف وعطف على ما قبله، و"دخلت الخدر": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "خدر عنيزة" بالنصب بدل من الخدر، قوله: "فقالت": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر الذي يرجع إلى عنيزة، قوله: "الويلات" بالرفع مبتدأ، و "لك" مقدمًا خبره، وهي جملة معترضة بين القول ومقوله وهي قوله: "إنك مرلجي". الاستشهاد فيه: في قوله: "عنيزة" حيث صرفه الشاعر مع أنه غير منصرف للعلمية والتأنيث وذلك لأجل الضرورة (¬2). الشاهد الخامس والخمسون بعد الألف (¬3)، (¬4) ............................. ... ولكنَّ عَبْدَ اللَّه مَوْلَى موَالِيَا أقول: قائله هو الفرزدق يهجو به عبد اللَّه بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي (¬5)، وكان مولى الحضرميين وهم حلفاء بني عبد شمس بن مناف، والحليف عند العرب مولى، وإنما هجاه لأنه كان يطعن عليه في شعره، فقال الفرزدق: فلَوْ كَانَ عَبْدُ الله مَوْلًى هجوتُهُ ... ولكنَّ عبدَ الله مولى مواليا فقال عبد الله بن أبي إسحاق: لقد لحنت -أيضًا- في قولك: "مولى مواليا"، وكان ينبغي أن يقال: مولى موالٍ، وإنما قال: مواليا فنصبه لأنه رده إلى أصله للضرورة، وإنما لم ينون؛ لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف. ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد الألف
وهذا البيت من الطويل. الإعراب: قوله: "فلو" الفاء للعطف، ولو للشرط، وقوله: "كان عبد الله مولى": جملة وقعت فعل الشرط، و "مولى": منصوب لأنه خبر كان، وأراد به المولى الأعلى، وقوله: "هجوته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جواب الشرط، قوله: "ولكن" للاستدراك، و "عبد الله" اسمه، و "مولى مواليا": كلام إضافي خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "مواليا" وقد ذكرناه الآن (¬1). الشاهد السادس والخمسون بعد الألف (¬2)، (¬3) إنِّي مُقَسِّمُ ما مَلَكْتُ فَجَاعِلٌ ... أَجْرًا لآخِرَتِي ودُنْيًا تَنْفَعُ أقول: قائله هو المثلم بن رياح بن ظالم المري (¬4)، وهو من قصيدة من الكامل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - بَكَرَ العَوَاذِلُ بالسَّوَادِ يَلُمْنَنِي ... جَهلًا يَقُلنَ ألَا تَرَى مَا تَصنعُ 2 - أفْنَيتَ مالكَ في السَّفَاهِ وإنَّمَا ... أمْرُ السَّفَاهَةِ ما أَمَرْنَكَ أجْمَعُ 3 - وقَتُودُ ناجِيةٍ وَضَعْتُ بِقَفرَةٍ ... والطيرُ غَاشِيَةُ العَوَافيِ وُقَّع 4 - بِمُهَنَّدٍ ذِي حِلْيَةٍ جَرَّدْتُهُ ... يَبرِي الأصَمَّ منَ العِظَامِ ويَقطَعُ 5 - لِتَنُوبَ نائبة فَتَعلَمَ أنني ... ممَّنْ يُغَزُّ عَن الثَّناءِ فَيُخْدَعُ 6 - إنِّي مُقَسِّمٌ .......... ... .................... إلى آخره 1 - قوله: "العواذل": جمع عاذلة من العذل وهو اللوم. ¬
3 - قوله: "وقتود": جمع قتد وهو خشب الرّحْل. 4 - قوله: "بمهند" وهو السيف المطبوع من حديد الهند، قوله: "يبري الأصم من العظام" أراد به العظم الذي به قوام العضو. الإعراب: قوله: "إني" الياء اسم إن، وقوله: "مقسم": خبره، وهو مضاف إلى قوله: "ما ملكت" "وما" موصولة، وقوله: "ملكت": جملة صلتها، والعائد محذوف تقديره: ما ملكته. قوله: "فجاعل" الفاء فيه لعطف المفصل على المجمل، وارتفاعه على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: فمنه جاعل أجرًا، و "أجرًا": منصوب بجاعل، وقوله: "لآخرتي": يتعلق بمحذوف، تقديره: أجرًا كائنًا لآخرتي [فيكون محل لآخرتي من الإعراب النصب، قوله: "ودنيًا" عطف على أجرًا] (¬1)، ولكن فيه حذف تقديره: ومنه جاعل دنيا، قوله: "ينفع": جملة في محل النصب على أنها صفة لدنيا. الاستشهاد فيه: في قوله: "ودنيا" حيث نونه الشاعر، وفيه رد على من يقول: إن ما فيه ألف التأنيث المقصورة يمنع صرفه للضرورة؛ لأنه لا فائدة فيه؛ إذ يزيد بقدر ما ينقص، وقد رد عليه بهذا البيت؛ فإن ابن الأعرابي أنشده بتنوين دنيا. فافهم (¬2). ¬
الشاهد السابع والخمسون بعد الألف
الشاهد السابع والخمسون بعد الألف (¬1)، (¬2) وأتاهَا أُحَيْمِرٌ كأخي السّهْـ ... ـمِ بِعَضْب فقال كُونِي عقيرًا أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت الثقفي شاعر جاهلي، وقد ترجمناه فيما مضى، وهو من الخفيف. والضمير في "أتاها" يرجع إلى ناقة صالح - عليه السلام -، وأراد بأحيمر الذي عقر الناقة، واسمه: قدار بن سالف، وكان أحمر أزرق أصهب، وكان ولد زنية، ولد على فراش سالف وهو من رجل يقال له: صبيّان. وعن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - "ألا أحدثك بأشقى الناس" قال: بلى، قال: "رجلان: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا -يعني قرنه- حتى تبتل منه هذه -يعني لحيته" رواه ابن أبي حاتم (¬3)، و "االعضب" بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة وفي آخره باء موحدة، وهو السيف القاطع. الإعراب: قوله: "وأتاها": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "أحيمر": فاعلها، قوله: "بعضب": يتعلق بقوله: "وأتاها"، وقوله: "كأخي السهم" الكاف للتشبيه، والتقدير: أتاها مثل السهم بعضب، وقيل: التقدير: أتاها بعضب كأخي السهم، أي: كمثل السهم، فعلى الأول: محل الكاف النصب، وعلى الثاني: الجر على ما لا يخفى على الفطن. قوله: "فقال": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى أحيمر، وقوله: "كوني عقيرًا": الجملة وقعت مقول القول، و "كوني" خطاب للناقة، والياء اسم كان، وعقيرًا خبره، وهو على وزن فعيل، وفعيل إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ ¬
كما في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "أحيمر" حيث نونه مع أنه يستحق المنع، وذلك لأجل الضرورة. فإن قيل: قد علم أن كل ما لا ينصرف مكبرًا يصرف مصغرًا، وأحيمر مصغر أحمر فينبغي أن يكون صرفه لذلك لا للضرورة. قلت: هذا له شروط منها: أن لا يكون له شبه بالفعل المضارع سابق على التصغير، فأحمر يمنع من الصرف مكبرًا ومصغرًا؛ لأن شبه الفعل المضارع فيه سابق على التصغير، وكذلك الكلام في: أحمد. فافهم. * * * ¬
شواهد إعراب الفعل
شواهد إعراب الفعل الشاهد الثامن والخمسون بعد الألف (¬1)، (¬2) كَيْ تَجْنَحُونَ إلى سِلْمٍ وما ثُئِرتْ ... قَتْلاكُمُ ولظَى الهَيْجَاءِ تَضْطَرِمُ أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه إلى قائله، وهو من البسيط. قوله: "تجنحون": من جنح إذا مال يجنَح ويجنُح بفتح العين وضمها جنوحًا واجتنح مثله، و "السِلم" بكسر السين؛ الصلح. قوله: "ومما ثئرت": صيغة مجهول من ثأرت القتيل وبالقتيل ثأرًا وثؤرة؛ أي: قتلت قاتله، قوله: "ولظى الهيجاء" اللظى: النار، والهيجاء: الحرب يمد ويقصر، وهاهنا ممدودة، قوله: "تضطرم" أي: تلتهب؛ من الضرام بالكسر وهو اشتعال النار في الحلفاء ونحوها. الإعراب: قوله: "كي تجنحون" أي: كيف تجنحون، وكي لغة في كيف وهو للاستفهام (¬3)، وتجنحون: جملة من الفعل والفاعل، و "إلى سلم": يتعلق [به] (¬4)، قوله: "وما ثئرت قتلاكم": جملة حالية، وما نافية، وثئرت على صيغة المجهول، وقتلاكم: كلام إضافي مفعول ثئرت ناب عن الفاعل، قوله: "ولظى الهيجاء": كلام إضافي مبتدأ، و "تضطرم": خبره، والجملة وقعت حالًا -أيضًا-. ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "كي" فإنه بمعنى: كيف؛ [كما يقال: سوْ، في: سوف] (¬1)، وهو اسم لا شك فيه ككيف لدخول حرف الجر عليه (¬2). الشاهد التاسع والخمسون بعد الألف (¬3)، (¬4) إِذَا أنت لم تَنْفَعْ فضر ... فإنَّمَا يُرَادُ الفَتَى كَيمَا يَضُرَّ ويَنفَعَا أقول: قائله هو النابغة، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد حروف الجر (¬5). الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "كيما" حيث دخلت عليها (ما) المصدرية، والمعنى: إنما يرجى الفتى للنفع والضر (¬6). الشاهد الستون بعد الألف (¬7)، (¬8) فقَالتْ أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ مَانِحًا ... لِسَانَكَ كَيمَا أنْ تَغُرَّ وتَخْدَعَا أقول: قائله هو جميل بن معمر؛ كذا قال أبو حيان في شرحه (¬9)، وقال غيره: هو حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد حروف الجر (¬10). ¬
الشاهد الحادي والستون بعد الألف
والاستشهاد فيه: في قوله: "كيما أن" حيث جمع فيه بين "كي"، "وما"، ولا يجوز ذلك إلا في الضرورة (¬1)، وعن الأخفش أن "كي" جارة دائمًا وأنّ النصب بعدها بأن ظاهرة أو مضمرة (¬2)، ويرده نحو (¬3) [قوله تعالى]: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا} [الحديد: 23]. الشاهد الحادي والستون بعد الألف (¬4)، (¬5) كَيْ لِتَقْضَيِني رُقَيَّةُ مَا ... وَعَدَتْنِي غَيْرَ مُخْتَلَسِ أقول: قائله هو عبيد الله بن قيس الرقيات، وقبله هو قوله (¬6): 1 - يا ل فهر عادَ لي نُكْسِي ... مِنْ عِدَاة البُدَّنِ الشُّمْسِ 2 - ليتَنِي أَلْقَى رُقَيَّةَ في ... خَلْوَةٍ من غيرِ مَا بَئْسِ 3 - كَيْ لِتَقْضِيني في رُقَيَّةَ ما ... ......... إِلى آخره وبعده: 4 - حُلْوَةٌ إِذَا تُكَلِّمُهَا ... تَمْنَعُ الماعونَ بِاللقْسِ [وهي من المديد، وفيه الخبن، والحذف والكف] (¬7). 1 - قوله: "يال فهر" أصله: يا آل فهر، قوله: "نكسي" بضم النون وهو عود المرض بعد النقه، والنكس بالكسر؛ الرجل الضعيف، [والبدن بضم الباء الموحدة وتشديد الدال؛ جمع بادنة، وهي السمينة، و"الشمس" بضم الشين؛ جمع شمساء، وهي البيضاء] (¬8). 3 - قوله: "كي لتقضيني" أي: لتوفيني، قوله: "غير مختلس" بفتح اللام؛ مصدر ميمي ¬
الشاهد الثاني والستون بعد الألف
بمعنى الاختلاس؛ من اختلست الشيء إذا استلبته وكذلك خَلَسته. 4 - قوله: "الماعون" أراد به الطاعة هاهنا، و "اللقس" من قولهم: فلان لقس؛ أي: عسر. الإعراب: قوله: "كي" للتعليل، وقوله: "لتقضيني": جملة من الفعل والمفعول، و "رقية": فاعله، قوله: "ما وعدتني": مفعول ثان لتقضيني، و "ما" يجوز أن تكون موصولة، والجملة صلتها والعائد محذوف تقديره: الذي وعدتني إياه، ويجوز أن يكون "ما" مصدرية تقديره: لتقضيني رقية وعدها لي، قوله: "غير مختلس": نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: لتقضيني ما وعدتني قضاء غير مختلس. الاستشهاد فيه: في قوله: "كي لتقضيني" فإن كي فيه تعليلية لتأخر اللام عنها (¬1)، وقال أبو علي في التذكرة: إن كي هاهنا بمعنى: "أن"، ولا تكون الجارة؛ لأن حروف الجر لا تعلق، وإذا كانت الأخرى كانت زائدة كالتي في قوله (¬2): ..................... ... كأن ظبية تعطو ............... وقال النيلي (¬3): ويحتمل أن تكون لكي تقضينني فقدم وأخر. الشاهد الثاني والستون بعد الألف (¬4)، (¬5) أَنْ تَقْرَآنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا ... مِنِّي السلامَ وأنْ لا تُشْعِرَا أحَدًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وقبله (¬6): 1 - يَا صَاحِبَيّ فَدَتْ نَفْسِي نُفُوسَكُمَا ... وحَيثُمَا كُنتُمَا لاقيتُمَا رَشدَا 2 - إِنْ تَقْضِيَا حَاجَةً لِي خَفَّ مَحمَلُهَا ... تَسْتَوجِبَا نِعْمَةً عِندِي بِهَا ويَدَا ¬
الشاهد الثالث والستون بعد الألف
3 - أن تقرآن على أسماء ........ ... ............... إلخ وهي من البسيط. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "أن" بفتح الهمزة أهملت عن العمل، و "تقرآن": جملة من الفعل والفاعل وهو أنتما المستتر فيه. فإن قلت: ما محل أن هذه؟ قلت: إما نصبٌ بدلًا من حاجة، أو رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي أن تقرآن مني السلام على هذه المرأة، قوله: "على أسماء": يتعلق به، قوله: "ويحكما": خطاب لصاحبيه اللذين خاطبهما في أول القصيدة، وهي كلمة ترحم بخلاف لفظة: ويل (¬1)، قوله: "مني" يتعلق بمحذوف، و "السلام" بالنصب مفعول تقرآن، تقديره: السلام الكائن مني، قوله: "وأن" بالفتح عطف على أن الأولى، و "لا تشعرا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أحدًا": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن تقرآن" حيث أهملت فيه أن عن العمل حملًا لها على أختها ما المصدرية، وهذا من قبيل قراءة (¬2) ابن محيصن: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] برفع الميم (¬3)، وزعم الكوفيون أن: "أن" هذه هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل (¬4). الشاهد الثالث والستون بعد الألف (¬5)، (¬6) إذا مِتُّ فَادْفِنِّي إلَى جَنْبِ كِرْمَةٍ ... تُرَوّي عِظَامِي في الممات عُرُوقُهَا وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الفَلاةِ فَإنَّنِي ... أخافُ إِذَا مَا مِتُّ أنْ لَا أَذُوقُهَا أقول: قائله هو أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عقدة بن غيرة الثقفي، أسلم ¬
حين أسلمت ثقيف، وسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه، وكان من أهل البأس والنجدة، وكان شاعرًا مطبوعًا، وكان منهمكًا في الشراب، ذكر عبد الرزاق عن ابن جُريج، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حدَّ أبا محجن سبع مرات، ولولعه بالخمر له فيها أشعار كثيرة. وقال ابن حبيب: اختلف في اسمه فقيل: مالك، وقيل: عبد اللَّه، وقيل: اسمه كنيته، وضبط عن أبي عمرو: حُبَيْب مصغرًا، وبعد البيتين بيتان آخران وهما (¬1): 3 - أُبَاكِرُهَا عِندَ الشُّرُوقِ وتَارَةً ... يُعَاجِلُنِي عِندَ المَسَاءِ غَبُوقُهَا 4 - وللكَأسِ والصَّهْبَاءِ حَقٌّ مُعَظَّمُ ... فمِنْ حَقِّهَا أنْ لا تُضَاعَ حُقُوقُهَا وهي من الطويل، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "إذا مت" إذا ظرف يتضمن معنى الشرط، و "مت": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، قوله: "فادفني": جواب إذا، وقوله: "إلى جنب كرمة": يتعلق بالجواب. قوله: "تروّي" بتشديد الواو فعل مضارع، وقوله: "عروقها": فاعله، و "عظامي": كلام إضافي مفعوله، والجملة في محل الجر لأنها صفة كرمة، قوله: "في الممات" يعني: في حالة الممات، والممات مصدر ميمي، والألف واللام فيه بدل عن المضاف إليه. قوله: "ولا تدفنني": جملة معطوفة على قوله: "فادفني"، و "في الفلاة" يتعلق بها، قوله: "فإنني" الفاء فيه للتعليل، والضمير المتصل اسم إن، وخبره قوله: "أخاف"، وهو جملة من الفعل والفاعل. قوله: "إذا ما مِتُّ" إذا ظرف، وما زائدة، ومِتُّ: جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أن لا أذوقها" أن مصدرية [وهي ومدخولها] (¬2) في محل النصب على أنها مفعول أخاف، والتقدير: أخاف عدم ذوق الكرمة، أي: من عروقها. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن لا أذوقها" حيث أهملت أن ولم تعمل في قوله: "لا أذوقها"، هكذا زعم ¬
الشاهد الرابع والستون بعد الألف
بعضهم (¬1)، والصحيح، أن: "أن" هاهنا مخففة من الثقيلة، والتقدير: أخاف إذا ما مت أنه لا أذوقها؛ لأن أخاف هاهنا بمعنى: أتيقن وأعلم (¬2). الشاهد الرابع والستون بعد الألف (¬3)، (¬4) لَئِنْ عَادَ لِي عَبْدُ العَزِيزِ بِمِثْلِهَا ... وَأَمْكنَنِي مِنْهَا إذن لا أُقِيلُها أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان، وهي طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - عَجِبْتُ لِتَرْكِي خُطَّةَ الرُّشْدِ بَعْدَمَا ... بَدَا لِي مِنْ عَبْدِ العَزِيزِ قَبُولُهَا 2 - حَلَفْتُ بِربِّ الرَّاقِصَاتِ إِلَى مِنًى ... يُغُولُ البِلادَ نَصُّهَا وذَمِيلُهَا 3 - لئن عاد لي .............. ... ................... إلخ 1 - قوله: " [خطة الرشد] (¬6) بضم الخاء المعجمة، وأراد بها: خصلة الهداية. 2 - والمراد: "بالراقصات" إبل الحجيج التي تتبخترن في مشيهن كأنهن يرقصن، قوله: "يغولُ" أي: يجوبها ويقطعها، قوله: "نصها" النص: السير الشديد، و "ذميلها" بفتح الذال ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الألف
المعجمة وكسر الميم، وهو نوع من السير. 3 - قوله: "لا أقيلها": من أقال إقالة، والمعنى: لا أتركها. الإعراب: قوله: "لئن عاد" اللام فيه لام [التوطئة] (¬1) للإيذان بالقسم، وتسمى -أيضًا- لام التلقي، وإن شرط، وعاد: في موضع جزم بالشرط، وقوله: "لا أقيلها" في موضع جزم على جواب الشرط، وعملت إن في الموضع دون اللفظ (¬2)، قوله: "عبد العزيز": فاعل عاد، قوله: "بمثلها" يتعلق بعاد، والضمير يرجع إلى خطة الرشد المذكور في البيت السابق، والتقدير: لئن عاد لي عبد العزيز بمثل تلك الخصلة الحميدة الحسنة التي كانت ظهرت لي منه لا أتركها أبدًا، قوله: "وأمكنني": جملة معطوفة على قوله: "عاد لي"، قوله: "منها": يتعلق بأمكنني. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذن" حيث ألغيت عن العمل لوقوعها بين القسم والجواب، فالقسم قوله في البيت الذي قبله: "حلفت برب الراقصات إلى مِنًى"، وجواب القسم: "لا أقيلها" والتقدير: حلفت برب الراقصات لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها لا أقيلها إذن (¬3). الشاهد الخامس والستون بعد الألف (¬4)، (¬5) لا تَتْرُكَنِّي فيهُمُ شطيرًا ... إِنِّي إذنْ أَهْلِكَ أو أطِيرَا أقول: لم أقف على اسم راجزه. ¬
الشاهد السادس والستون بعد الألف
قوله: "شطيرًا" بفتح الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة، قال الأصمعي: الشطير: البعيد، يقال: بلد شطير، وشطر عني فلان؛ أي: نأى عني، قال الجوهري: والشطر أيضًا الغريب، قال الشاعر: لا تَتْرُكَنِّي فيهُمُ شطيرًا ... ........................... (¬1) الإعراب: قوله: "لا تتركني" لا ناهية، و "تتركني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول أكدت بنون التأكيد، قوله: "فيهم" يتعلق بشطيرًا، و "شطيرًا": نصب على الحال، والتقدير: لا تتركني حال كوني شطرًا كائنًا فيهم، قوله: "إني" الضمير اسم إن، وخبره قوله: "أهلك"، قوله: "أو أطيرا": عطف عليه، والألف فيه للإشباع. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذن" حيث أعملها الشاعر مع أنها معترضة بين إن وخبرها، وهو ضرورة (¬2) خلافًا للفراء (¬3)، وقد أول على حذف خبر إن، أي: إني لا أقدر على ذلك ثم استأنف ما بعده (¬4). الشاهد السادس والستون بعد الألف (¬5)، (¬6) ............................ ... كَأَنْ ظَبْيَةٍ تعطُو إلَى وارق السلمِ أقول: قائله هو علباء بن أرقم اليشكري، وصدره: وَيَومًا تُوَافِينَا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ ... ........................... وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد إن وأخواتها (¬7). قوله: "تعطو" أي: تتناول وتأخذ، قوله: "إلى وارق السلم" [أي: إلى مورق السلم] (¬8)، وهو بفتح السين واللام؛ شجر من شجر العضاة، واحدتها (¬9) سلمة. ¬
الشاهد السابع والستون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "كأن ظبية" على رواية من جر ظبية حيث وقعت فيه أن زائدة بين الكاف ومجرورها، وهو قوله: "ظبية" فلم تعمل شيئًا، وروي: ظبيةً بالنصب على أن: "أن" خففت من الثقيلة، وحذف اسمها وجاء خبرها مفردًا، وقد ذكرناها في شواهد إن مستوفى، والله أعلم. الشاهد السابع والستون بعد الألف (¬1)، (¬2) لأستسهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ المُنَى ... فَمَا انْقَادَت الآمالُ إلا لصابرٍ أقول: قائله لم أعرفه، وهو من الطويل. قوله: "لأستسهلن" من قولهم: فلان استسهل أمره، أي: عده سهلًا، و "المنى" بضم الميم وتخفيف النون؛ جمع منية، و "الآمال" بالمد؛ جمع أمل وهو الرجاء. الإعراب: قوله: "لأستسهلن" اللام فيه للتأكيد، "وأستسهلن": جملة من الفعل والفاعل أكدت بالنون الثقيلة، و "الصعب": مفعوله، قوله: "أو": بمعنى إلى، و "أدرك": فعل وفاعل، و "المنى": مفعوله، قوله: "فما انقادت" الفاء للتعليل، وما نافية، وانقادت فعل، و "الآمال": فاعله، والاستثناء من النفي. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو أدرك المنى" حيث جاءت أو فيه بمعنى إلى، وانتصب الفعل بعدها بأن مضمرة؛ كما في قولك: لألزمنك أو تقضيني حقي، وكذلك التقدير هاهنا: إلى أن أدرك المنى (¬3). ¬
الشاهد الثامن والستون بعد الألف
الشاهد الثامن والستون بعد الألف (¬1)، (¬2) وَكُنْتُ إذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعُوبَهُا أو تَسْتَقِيمَا أقول: قائله هو زياد الأعجم، وهو من الوافر. قوله: "غمزت": من غمزت الشيء بيدي، و "القناة": الرمح، ويجمع على قنى وقنوات وقناء، قوله: "كعوبها": جمع كعب، وكعوب الرمح: النواشز في أطراف الأنابيب، والمعنى: هجوت القوم إلا من يستقيم أو يترك هجائي. الإعراب: قوله: "وكنت" الواو للعطف إن تقدمه شيء، والضمير المتصل اسم كان، وقوله: "كسرت كعوبها": خبره، قوله: "إذا": ظرف يتضمن معنى الشرط، و "غمزت": فعل وفاعل، و "قناة قوم": كلام إضافي مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو تستقيما" حيث جاءت فيه "أو" بمعنى إلا في الاستثناء، فانتصب المضارع بعدها بإضمار أن؛ كما في قوله: لأقتلنه أو يسلم؛ أي: إلا أن يسلم، والتقدير: إلا أن تستقيما (¬3). ¬
الشاهد التاسع والستون بعد الألف
الشاهد التاسع والستون بعد الألف (¬1)، (¬2) لأُجْدِلَنَّكَ أو تملِك فِتْيَتِي ... بِيَدِي صَغَارٍ طَارِفًا وتَلِيدَا أقول: أنشده سيبويه ولم ينسبه إلى أحد، وهو من الكامل. قوله: "لأجدلنك" من قولهم: طعنه فجدّله بتشديد الدال، [أي] (¬3): رماه بالأرض، قوله: "فتيتي" بكسر الفاء وسكون التاء؛ جمع فتى، وأراد بهم غلمانه وخدامه، قوله: "صغار" بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة، وهو الذلة والهوان، و "الطارف" والطريف من المال: المستحدث، وهو خلاف التالد والتليد وهو المال القديم الأصلي الذي ولد عندك، والتاء فيه مبدلة من الواو، تقول منه: تلد المال يَتْلَد ويتلُدُ تلودًا، وأتلد الرجل إذا اتخذ مالًا. الإعراب: قوله: "لأجدلنك" اللام للتأكيد، وأجدلنك: جملة من الفعل والفاعل والفعول، قوله: "أو تملك" أي: إلا أن تملك، قوله: "فتيتي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "بيدي صغار": كلام إضافي في محل النصب على الحال من الضمير الذي في تملك، قوله: "طارفًا": مفعول ثان لتملك؛ كما تقول: ملكت زيدًا عبدي، أو داري، قوله: "وتليدًا" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "أو تملك" فإدن أو فيه بمعنى إلا، تقديره: إلا أن تملك فتيتي فافهم (¬4). الشاهد السبعون بعد الألف (¬5)، (¬6) فَمَا زَالت القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءهَا ... بِدِجْلَةَ حَتَّى ماءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، من قصيدة يهجو بها الأخطل، وهي طويلة من الطويل، ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد الألف
وأولها هو قوله: 1 - أَجِدَّكَ لا يَصْحُو الفُؤَادُ المُعَلَّلُ ... وقد لاحَ مِنْ شَيْبٍ عِذَارٌ وَمِسْحَلُ 2 - ألا لَيْتَ أن الظَّاعِنيَن بذِي الغَضَا ... أَقَامُوا وَبَعْضَ الآخَرِينَ تَحَمَّلُوا قوله: "القتلى": جمع قتيل، قوله: "تمج" أي: ترمي وتقذف، و "دجلة" بكسر الدال؛ نهر العراق، قوله: "أشكل" يقال: ماء أشكل إذا خالطه الدم، والأشكل: الذي تخالطه حمرة، وعين شكلاء إذا خالط بياضها حمرة، فإن كان سوادها يضرب إلى الخضرة فهي الزرقاء. الإعراب: قوله: "فما زالت القتلى" الفاء للعطف، و "القتلى": اسم ما زالت، و "تمج دماءها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ خبرها، قوله: "بدجلة" الباء ظرفية، أي: في دجلة، قوله: "حتى" حرف ابتداء، وقوله: "ماء دجلة": كلام إضافي مبتدأ، و "أشكل": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "حتى" حيث دخلت على الجملة الاسمية لأنها ابتدائية؛ يعني: حرف تبتدئ بعده الجمل أي تستأنف. فافهم (¬1). الشاهد الحادي والسبعون بعد الألف (¬2)، (¬3) يا ناقَ سِيرِي عَنَقًا فسِيحًا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة، وهو من الرجز المسدس. ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد الألف
قوله: "عنقًا" بفتح العين المهملة وبالنون والقاف، وهو ضرب من سير الدابة، وهو سير مسبطر، و "الفسيح" بفتح الفاء وكسر السين المهملة بعدها الياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره حاء مهملة، ومعناه: الواسع منه، ومكان فسيح ومجلس فسيح. الإعراب: قوله: "يا ناق" يا حرف نداء، "وناق" بفتح القاف منادى مرخم أصله: يا ناقة، ويجوز فيه ضم القاف؛ كما في: يا حار يجوز الوجهان، وكسر القاف لحن (¬1)، قوله: "سيري": خطاب للناقة؛ جملة من الفعل والفاعل، و "عنقًا" نصب على أنه ناب عن المصدر أو صفة مصدر محذوف، أي: سيرًا عنقًا، وقوله: "فسيحًا": نعت لعنقًا، قوله: "إلى سليمان": يتعلق بسيري، وأراد به سليمان بن عبد الملك بن مروان. الاستشهاد فيه: في قوله: "فنستريحا" حيث جاء منصوبًا؛ لأنه جواب الأمر بالفاء، ولا خلاف في نصب الفعل جوابًا للأمر إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة، وهو معلم الفراء أنه كان لا يجيز ذلك، وهو محجوج بثبوته عن العرب؛ كما في البيت المذكور، وله أن يقول: هذا نصب على الضرورة. فافهم (¬2). الشاهد الثاني والسبعون بعد الألف (¬3)، (¬4) رَبِّ وَفِّقْنِي فَلَا أَعْدِلَ عَنْ ... سَنَنِ السَّاعِينَ في خَيْرِ سَنَنِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الرمل. قوله: "فلا أعدل" أي: فلا أميل عن سنن الساعين، و "السنن" بفتح السين والنون الطريقة، يقال: استقام فلان على سنن واحد، وقال الجوهري: يقال: تنح عن سَنَنِ الطريق وسُنَنِه وسِنَنِه ثلاث لغات (¬5). ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد الألف
الإعراب: قوله: "رب": منادى حذف منه حرف النداء، تقديره: يا رب، قوله: "وفقني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهي جملة دعائية، قوله: "فلا أعدل" بالنصب لأنه جواب الدعاء، قوله: "عن سنن" يتعلق بقوله: "لا أعدل"، قوله: "في خير" يتعلق بقوله: "الساعين". الاستشهاد فيه: في قوله: "فلا أعدل" حيث جاء بالنصب لأنه جواب الدعاء كما ذكرنا، والفاء فيه فاء السبب في الجواب عن الدعاء بفعل أصيل، واحترزنا بالفعل من أن يكون الدعاء بالاسم نحو: سقيًا لك ورعيًا، وبقولنا: أصيل من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر نحو: رحم اللَّه زيدًا فيدخله الجنة (¬1). الشاهد الثالث والسبعون بعد الألف (¬2)، (¬3) هَل تَعْرِفُونَ لُبَاناتِي فأرجُوَ أنْ ... تُقْضَى فيرتدَّ بعضُ الروحِ في الجسدِ أقول: أنشده الفراء (¬4)، ولم ينسبه إلى أحد، وهو من البسيط. قوله: "لباناتي": جمع لبانة بضم اللام وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف نون مفتوحة، وهي الحاجة. الإعراب: قوله: "هل" للاستفهام، و "تعرفون": جملة من الفعل والفاعل، و "لباناتي": كلام إضافي مفعوله، قوله: "فأرجوَ" بفتح الواو لأنه جواب الاستفهام، قوله: "أن تقضى" في محل النصب على أنها مفعول أرجو، و "أن" مصدرية تقديره: فأرجو القضاء، قوله: "فيرتدَّ": عطف على تقضى، و "بعض الروح": كلام إضافي فاعل ليرتد، و "في الجسد" يتعلق بقوله: "يرتد". ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "فأرجوَ" حيث نصب لأنه جواب الاستفهام؛ كما في قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} [الأعراف: 53] (¬1). الشاهد الرابع والسبعون بعد الألف (¬2)، (¬3) يا ابنَ الكِرَامِ ألا تَدْنُو فتُبْصِرَ ما ... قَدْ حدَثُوكَ فَمَا رَاءٍ كمنْ سَمِعَا أقول: هو من البسيط. و"الكرام": جمع كريم، قوله: "تدنو": من دنا يدنو إذا قرب. الإعراب: قوله: "يا ابن الكرام" يا حرف نداء، و "ابن الكرام": منادى مضاف، قوله: "ألا" للعرض، و "تدنو": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "فتبصر" بنصب الراء، لأنه جواب العرض. قوله: "ما قد حدثوك" مفعول: تبصر، وما موصولة، وقد حدثوك صلتها، والعائد محذوف تقديره: الذي قد حدثوك به، قوله: "فما راء" ما بمعنى ليس، وقوله: "راءٍ": اسمه، وأصله رائي فاعل [أعل] (¬4) إعلال قاض، وقوله: "كمن سمعا": خبره، والكاف للتشبيه، ومَن موصولة، و "سمعا": جملة من الفعل والفاعل صلتها، والعائد محذوف تقديره: سمعه (¬5) والألف فيه للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "فتبصرَ" حيث نصب لأنه جواب العرض وهو قوله: "ألا"، والفاء فيه هي الفاء التي تدخل الجملة بعد العرض (¬6). ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد الألف
الشاهد الخامس والسبعون بعد الألف (¬1)، (¬2) يا ليت أم خُلَيْدٍ واعدَتْ فَوَفَتْ ... وَدَامَ لي ولها عمْرٌ فَنَصْطَحِبَا أقول: هو من البسيط -أيضًا- المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "يا ليت" يا لمجرد التنبيه فلا يحتاج إلى المنادى، وإما النداء على حقيقته والمنادى محذوف تقديره: يا قوم ليت أم خليد، و "أم خليد": كلام إضافي اسم ليت، قوله: "واعدت": جملة خبره، قوله: "فوفت": عطف عليها، قوله: "ودام": فعل، و "عمر": فاعله، واللام في: "لي ولها" يتعلق بدام. الاستشهاد فيه: في قوله: "فنصطحبا" حيث نصب لأنه جواب التمني وهو قوله: "ليت"، والفاء دخلت لذلك، والألف فيه ألف الإطلاق (¬3). الشاهد السادس والسبعون بعد الألف (¬4)، (¬5) سَأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَمِيمٍ ... وأَلْحَقُ بالحجازِ فأستريحَا أقول: قائله هو المغيرة بن حنباء بن عمرو التيمي الحنظلي (¬6)، وهو من الوافر. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "سأترك": جملة من الفعل والفاعل، و "منزلي": كلام إضافي مفعوله، و "لبني تميم" ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد الألف
يتعلق بسأترك، قوله: "وألحق" عطف على قوله: "سأترك"، و "بالحجاز" في محل النصب على أنها مفعول. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأستريحا" حيث جاء منصوبًا بعد الفاء، وهو غير مسبوق بنفي أو طلب، وهذا ضرورة (¬1). الشاهد السابع والسبعون بعد الألف (¬2)، (¬3) وما قامَ مِنَّا قائمٌ في نَدِيِّنَا ... فينطِقُ إلَّا بالتي هي أعرفُ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ومُسْتَنْفِراتٍ للقُلُوبِ كأنها ... مَهًا حولَ منتوجاتِهِ تتصرّفُ 2 - إذا هُنّ سَاقَطْنَ الحديثَ كأنهُ ... جنَي النحْلِ أو أبكارُ كرمٍ تُقَطَّفُ 3 - وإنِّي لمِنْ قَومٍ بِهِمْ يُتَّقَى العِدَا ... ورَأبُ الثأي والجَانِبُ المتُخَوّفُ 4 - ومَا حُلَّ مِنْ جَهلٍ حِبَى حُلَمَائِنَا ... ولا قائل المعروف فينا يُعَنَّفُ 5 - وما قام .......... ... .......................... إلخ ¬
1 - قوله: "ومستنفرات" أي: رب نساء مستنفرات، قوله: "مها" بفتح الميم؛ جمع مهاة وهي البقرة الوحشية. 3 - قوله: "ورأب الثأي" أي: وإصلاح الفساد، قال القالي: الثأي: الفساد يقع بين القوم، وهو بالثاء المثلثة (¬1). 4 - قوله: "وما حل": من الحل الذي هو ضد العقد، قوله: "حبى" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة؛ جمع حبوة، وهي اسم؛ من احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته، ومنه يقال: حل حبوته. 5 - قوله: "في ندينا" بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء آخر الحروف على وزن فعيل، وهو مجلس القوم ومتحدثهم، قوله: "إلا بالتي هي أعرف" أي: إلا بالأشياء التي هي معروفة، أي: التي فيها عرف. الإعراب: قوله: "وما قام": عطف على ما قبله، وقام فعل و "قائم" فاعله، ويروى: قائل، وقوله: "منا" في محل الرفع على أنه صفة لقائم، تقديره: وما قام قائم كائن منا، والأحسن أن يكون منا نصبًا على الحال، قوله: "في ندينا" يتعلق بمحذوف، أي: كائن في ندينا، أو كائنًا على الحال. قوله: "فينطق" بالرفع عطفًا على قوله: "قام" وإنما لم ينصب لأن النفي ليس بخالص على ما يجيء الآن بيانه، قوله: "إلا بالتي" استثناء من النفي فيكون إثباتًا، والتي: موصولة صفة لمحذوف؛ أي بالأشياء التي، قوله: "هي" مبتدأ، و "أعرف" خبره، والجملة صلة للموصول. الاستشهاد فيه: في قوله: "فينطق" حيث رفعه الشاعر؛ لأن من شرط النصب بعد النفي أن يكون خالصًا، وها هنا ليس كذلك، ونظيره: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام زيد فيأكل إلا طعامَه، كذا ذكره ابن مالك (¬2). ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد الألف
الشاهد الثامن والسبعون بعد الألف (¬1)، (¬2) فقلتُ ادعِي وأدعوَ إنَّ أندَى ... لِصوتٍ أنْ يُنادي داعيانِ أقول: قائله هو الأعشى، ويقال: الحطيئة؛ كذا قاله ابن يعيش (¬3)، وعزاه الزمخشري (¬4) إلى ربيعة بن جشم، وقال ابن بري: هو لدثار بن شيبان النمري (¬5)، وقبله (¬6): 1 - تقولُ حلِيلَتِي لمَّا اشتَكينا ... سَيُدْرِكُنَا بنُو القَرْمِ الهِجَانِ وهما من الوافر. قوله: "أندى" أفعل التفضيل من الندى بفتح النون والدال مقصورًا وهو بعد ذهاب الصوت، يقال: فلان أندى صوتًا من فلان إذا كان بعيد الصوت، والمعنى: قلت لتلك المرأة ينبغي أن يجتمع دعائي ودعاؤك فإن أرفع صوتٍ صوتُ دعاء داعيين. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "تقول"، وقوله: "ادعي": مقول القول، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو أنتِ بكسر التاء المستتر فيه. قوله: "وأدعو" بالنصب بتقدير أن، وهي -أيضًا- جملة من الفعل والفاعل وهو أنا المستتر فيه. قوله: "إن" حرف مشبه بالفعل، و "أندى": اسم إن، وقوله: "لصوت" في محل النصب على أنه صفة لأندى، قوله: "أن ينادي" خبرها، و "أن" مصدرية، و "داعيان": فاعل ينادي، والتقدير: مناداة داعيين. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأدعو" حيث نصبت الفعل فيه بتقدير أن بعد واو الجمع تقديره: وأن أدعو (¬7)، ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد الألف
وقال ابن يعيش: المعنى: ليكن منك أن تدعي وأدعو، ويروى: وادع على الأمر بحذف اللام (¬1). الشاهد التاسع والسبعون بعد الألف (¬2)، (¬3) لا تنهَ عن خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مثلَهُ ... عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ أقول: قائله هو أبو الأسود الدؤلي، ويقال: الأخطل وليس بصحيح (¬4)، وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام أنه للمتوكل الكناني ثم الليثي (¬5). وكذا حكى الأصبهاني -أيضًا- (¬6)، وذكر بإسناده أن الأخطل قدم الكوفة فنزل على قبيصة بن والق، فقال المتوكل بن عبد الله الليثي لرجل من قومه: انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع منه، فأتياه فقالا له: أنشدنا يا أبا مالك، فقال: إني لخائر يومي هذا، فقال له المتوكل: أنشدنا أيها الرجل، فو الله لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها، فقال: ومن أنت؟ فقال: أنا المتوكل، قال: ويحك أنشدني من شعرك فأنشده (¬7): 1 - للعَانِياتِ بذِي المَجَازِ رُسُومُ ... فبِبَطنِ مَكَّةَ عَهْدُهُنَّ قَدِيمُ 2 - فبمِنْحَرِ البُدْنِ المقُلَّدِ مِنْ مِنَى ... حِلَلٌ تَلُوحُ كَأنَّهُنَّ نُجُومُ 3 - لا تنهَ عن خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مثلَهُ ... عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ 4 - والْهَمُّ إنْ لم تُمضِهِ لسَبيلهِ ... دَاءٌ تَضَمَّنَهُ الضُّلُوعُ قَديمُ 5 - قدْ يكثر النِّكسُ المقُصِّرُ هِمّةً ... ويَقِلُّ مَالُ المَرءِ وهْوَ كَريمُ وقال ابن يسعون: هذا البيت أعني: "لا تنهَ عن خُلُقٍ" نسبه أبو علي الحاتمي لسابق البربري (¬8)، والصحيح عندي كونه للمتوكل، أو لأبي الأسود، وهما كنايتان، وقد رأيته في شعر كل واحد منهما إلا أنه لم يثبت في شعر أبي الأسود المشهور عند الرواة. ¬
وقال ابن هشام اللخمي في شرح أبيات الجمل: والصحيح أنه لأبي الأسود واسمه: ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان بن عبد مناة بن كنانة من قصيدته التي أولها (¬1): 1 - تَلْقَى اللبِيبَ مِحُسَّدًا لَمْ يَجْتَرِمْ ... شَتمَ الرِّجَالِ وعِرضُهُ مَشتُومُ 2 - حَسَدُوا الفَتَى إذْ لَمْ يَنَالُوا سَعيَهُ ... فَالنَّاسُ أعداءٌ لَهُ وخصُومُ 3 - كضَرائِرِ الحَسْنَاءِ قِلْنَ لِزَوجِهَا ... حَسَدًا وبَغْيًا إنهُ لَدَمِيمُ ثم مشى في القصيدة فقال: 4 - وإذا عَتَبْتَ عَلَى الصَّدِيقِ ولُمتَهُ ... في مِثلِ ما تَأتِي فأنْتَ مُلِيمُ 5 - وابْدَأْ بِنَفِسِكَ فانْهَهَا عَنْ غِيِّهَا ... فَإِذَا انتهَتْ عَنْه فَأَنْتَ حَكِيمُ 6 - لا تنهَ عن خُلُقٍ ........... ... .................. إلخ 7 - لا تُكْلِمَنْ عِرْضَ ابنِ عَمِّكَ ظَالِمًا ... فإذَا فَعَلْتَ فعِرْضُكَ المكْلُومُ 8 - وإذَا طلَبتَ إلَى كَرِيمٍ حَاجةً ... فلقَاؤُهُ يُغنِيكَ والتَّسلِيمُ 9 - فإذَا رَآكَ مُسَلِّمًا ذَكرَ الذِي ... كَلَّمتهُ فَكَأَنَّهُ مَلزُومُ 10 - ورَأى عَواقِبَ حَمدَ ذاكَ وذَمَّهُ ... للمَرءِ يَبْقَى والعِظَامُ رَمِيمُ 11 - وإذا طلبتَ إلَى لئِيمٍ حَاجَةً ... فألحّ فيِ رِفقٍ وأنْتَ مُدِيمُ 12 - والزَمْ قُبالةَ بَيتِهِ وفِنَائِهِ ... بأشَدّ مَا لَزمَ الغَرِيمَ غَريمُ 13 - وعجِبتُ للدّنيَا وحُرقَة أهْلِهَا ... والرِّزقُ فيمَا بينَهمْ مَقْسُومُ 14 - ثمَّ انقَضَى عَجَبِي لعِلْمِي أنَّهُ ... رزْقٌ مُوافٍ وقْتُهُ معْلُومُ ثم قال ابن هشام اللخمي: فإن صح ما ذكر عن المتوكل فإنه أخذ البيت من شعر أبي الأسود، والشعراء كثيرًا ما تفعل ذلك، ومعنى البيت المذكور يقول للمخاطب: أن من العار العظيم أن تنهى عن شيء تصنع مثله، ونحو من هذا قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]، وقال الحاتمي: وهو أشرد بيت قيل في تجنب إتيان ما نهي عنه. الإعراب: قوله: "لا تنهَ": جملة من الفعل والفاعل دخلت عليها لا الناهية، وقوله: "عن خلق": ¬
الشاهد الثمانون بعد الألف
يتعلق بها، قوله: "وتأتي" بنصب الياء، قوله: "عار" مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: ذلك عار عليك، أي: نهيك عنه وإتيانك مثله عار عليك، وقوله: "عظيم" صفة للعار، وقوله: "إذا فعلت" معترض بين الصفة والموصوف، وجواب إذا محذوف سد ما قبلها مسده، والتقدير: إذا فعلته فعلت عارًا عظيمًا؛ ففعلت الثانية جواب إذا والعامل فيها. الاستشهاد فيه: في قوله: "وتأتي مثله" حيث نصب الياء في تأتي بالواو في جواب النهي، والنصب في الحقيقة إنما هو بأن مقدرة؛ لأنه أراد: لا تجمع بين الإتيان والنهي، أي لا يكن منك أن تنهي وتأتي (¬1). وأنشد المبرد هذا البيت بالنصب، ثم قال: ولو جزمت لكان المعنى فاسدًا (¬2)، وهذا الفساد إنما هو من طريق الشرع؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على من جعل الله تعالى ذلك عليه، قال الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]. ويجوز الرفع في: "تأتي" على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وتكون الجملة في موضع نصب على الحال من الضمير في تنه، والتقدير: لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله، و "مثله": مفعول تأتي، فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه وهو مثل، والتقدير: وتأتي خلقًا مثله. فافهم. الشاهد الثمانون بعد الألف (¬3)، (¬4) عَلَّ صُروفَ الدَّهْرِ أو دُوْلاتِهَا ... يُدِلْنَنَا اللَّمَّةَ مِن لَمَّاتِهَا فَتَسْتَرِيحَ النَّفسُ مِنْ زَفْرَاتِها ... .......................... أقول: أنشده الفراء (¬5)، ولم ينسبه إلى راجزه. ¬
قوله: "عل" أصله لعل، قوله: "أو دولاتها" بضم الدال، جمع دولة، ويقال: الدّولة بالضم في المال، والدولة بالفتح في الحرب، قال أبو عبيدة: الدولة بالضم: اسم الشيء الذي يتداول به بعينه، والدولة بالفتح الفعل، وقال بعضهم: الدَّولة والدُّولة بالفتح والضم لغتان بمعنى واحد (¬1). قوله: "يدلننا" من أدالنا الله تعالى من عدونا من الدولة، والإدالة: الغلبة، يقال: اللَّهم أدلني على فلان وانصرني عليه، و "اللمة" بفتح اللام وتشديد الميم؛ الشدة، وتجمع على لمات، قوله: "من زفراتها" بفتح الزاي وسكون الفاء؛ جمع زفرة وهي الشدة، وتجمع على زفرات بفتح الفاء ولكنها سكنت للضرورة (¬2). الإعراب: قوله: "عل" حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "صروف الدهر": كلام إضافي اسمه، وقوله: "أو دولاتها": عطف عليه، قوله: "يدلننا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول خبر لعل. وقوله: "اللمة". بالنصب مفعول ثانٍ ليدلننا، قوله: "من لماتها": جار ومجرور في محل النصب لأنه صفة لقولهم اللمة، تقديره: اللمة الكائنة من لماتها، قوله: "فتستريح" بالنصب بتقدير أن، و "النفس" فاعله، و "من زفراتها" يتعلق بتستريح. الاستشهاد فيه: في قوله: "فتستريح" حيث نصب الفعل بعد أداة الترجي وهو قول الفراء (¬3) [(¬4) وجواز النصب بعد لعل هو الصحيح لثبوت ذلك في النظم والنثر، قال تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس: 3، 4] (¬5)، وقال تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد الألف
السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر: 36، 37] في قراءة من نصب فيهما (¬1)، وأما النظم فهو البيت المذكور. الشاهد الحادي والثمانون بعد الألف (¬2)، (¬3) لَلُبسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرَّ عَينِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِن لُبس الشفوفِ أقول: قائلته ميسون بنت بحدل الكلبية زوج معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - وأم ابنه يزيد، وكانت بدوية الأصل، فضاقت نفسها لما تسرى عليها، فعذلها على ذلك معاوية، وقال: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره، وكنت قبل اليوم في العباءة فقالت: لَلُبسُ عَبَاءةٍ ............ ... .................... إلخ. وقبله (¬4): 1 - لَبَيْتٌ تَخْفُقُ الأرْوَاحُ فيهِ ... أحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ 2 - وبَكْرٌ يَتْبَعُ الأظعان صعب ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ بَغْلٍ زَفُوفِ 3 - وكَلْبٌ يَنْبَحُ الطَّرَّاقَ عَنِّي ... أَحَبُّ إلَيّ مِنْ قِطٍّ أَلُوفِ 4 - ولبس عباءة ........ ... ........................... [وبعده] (¬5): 5 - وخَرْقٌ مِنْ بَنِي عَمِّي نَحِيفٌ ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عِلْجٍ عَلِيفِ 6 - خُشُونَةٌ عَيْشِتي في البَدْو أشْهَى ... إلَى نَفسِي مِنَ العَيشِ الطَّرِيفِ (¬6) ¬
7 - فما أبْغِي سِوَى وَطَنِي بَدِيلًا ... فحَسبِي ذَاكَ مِنْ وَطَنٍ شَرِيفِ وهي من الوافر. 1 - قولها: "منيف" أي: عال، قولها: "وبكر" بفتح الباء، وهو الفتى من الإبل. 2 - و "الأظعان": جمع ظعينة وهي المرأة ما دامت في الهودج، قولها: "بغل زفوف" أي: مسرع، وهو بفتح الزاي المعجمة وضم الفاء الأولى. 4 - قولها: "عباءة" بفتح العين المهملة والباء الموحدة وهمزة بعد الألف، وهي جبة من الصوف، قولها: "تقر" من قولهم: عين قريرة؛ أي: باردة؛ من البرد الذي هو النوم، وقيل: هو من البرد الذي هو ضد الحر، قولها: "الشفوف" بضم الشين المعجمة وضم الفاء الأولى، وهي الثياب الرقاق سميت بذلك لأنها تستشف ما وراءها، أي: تبصر، والواحد شَف، وشِف بفتح الشين وكسرها. 5 - [قولها: "وخرق" بكسر الخاء المعجمة؛ هو السخي الكريم، و "النجيب" بفتح النون، يقال: رجل نجيب أي: كريم بين النجابة] (¬1)، قولها: "جلف (¬2) غليف" أرادت به: معاوية، ويروى: من علج غليف، قال أبو الحجاج: تعني بالعلج الغليف: معاوية لقوته وشدته مع سمنه ونعمته؛ فقد حكى ابن دريد أن العلج الصلب الشديد، وبه سمي حمار الوحش علجًا (¬3)، وقد يحتمل أن تريد أن الأمرد القصيف أحب إليها من ذي اللحية الغليف، وقد حكى أبو زيد أنه يقال لكل ذي لحية علج، ولا يقال للغلام إذا كان أمرد علج، يقال: استعلج الرجل: إذا خرجت لحيته (¬4). و"الغليف" بفتح الغين المعجمة؛ هو الذي يغلف لحيته بالغالية، قلت: يجوز أن يكون بالعين المهملة -أيضًا- بمعنى المعلوف وهو السمين. الإعراب: قولها: "للبس عباءة" اللام فيه للتأكيد، والصحيح أنه "ولبس عباءة" بواو العطف، وقال ابن هشام اللخمي: ولبس عباءة بالواو أصح من رواية من روى: للبس عباءة باللام؛ لأن قولها: ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد الألف
ولبس عباءة عطف جملة على جملة في البيت المتقدم، وهو قولها: "لبيت تخفق الأرواح فيه" فافهم، وهو كلام إضافي مبتدأ، وخبره قولها: "أحب إلي"، وقولها: "من لبس الشفوف" يتعلق بأحب. الاستشهاد فيه: في قولها: "وتقر عيني" حيث نصب الراء فيه بأن مضمرة؛ لأنه لما تقدم في أول البيت مصدر وهو قولها: "لبس" أضمرت أن ونصبت بها تقر ليعطف مصدر على مصدر، والتقدير: ولبس عباءة وقرة عيني، ولو رفعت "وتقر عيني" لجاز على أن ينزل [الفعل منزلة المصدر؛ على نحو قولهم في المثل: تسمع بالمعيدي لا أن تراه (¬1)؛ فتسمع منزل] (¬2) منزلة: سماعك (¬3). الشاهد الثاني والثمانون بعد الألف (¬4)، (¬5) لولا توقُّع مُعْتَرٍّ فَأُرْضِيَهُ ... ما كُنْتُ أُوثِرُ أتْرَابًا على تَرَبِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "معتر" بتشديد الراء، وهو المعترض للمعروف، قوله: "أترابًا": جمع ترب بكسر التاء المثناة من فوق وسكون الراء، وترب الرجل: لدته، وهو الذي يولد في الوقت الذي ولد فيه (¬6). الإعراب: قوله: "لولا" لامتناع الثاني لوجود الأول؛ نحو قولك: لولا زيد لهلك عمرو؛ فإن هلاك عمرو منتفٍ لوجود زيد، قوله: "توقع معتر": كلام إضافي مبتدأ، خبره محذوف تقديره: لولا] (¬7) توقع ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد الألف
معتر موجود، قوله: "فأرضيه": عطف على قوله: "توقع معتر"، قوله: "ما كنت": جواب لولا، والضمير المتصل اسم كان، وقوله: "أوثر": جملة من الفعل والفاعل؛ خبره، وقوله: "أترابًا": مفعول لقوله: "أوثر"، و "على ترب" متعلق بقوله: "أوثر". الاستشهاد فيه: في قوله: "فأرضيه" حيث نصب الفعل بعد الفاء التي عطف بها على اسم غير شبيه بالفعل (¬1). الشاهد الثالث والثمانون بعد الألف (¬2)، (¬3) إِني وَقَتْلِي سُلَيْكًا ثُمَّ أَعْقِلَهُ ... كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عَافَتِ البَقَرُ أقول: قائله هو أنس بن مدركة الخثعمي. وهو من البسيط. قوله: "سليكًا" بضم السين المهملة؛ اسم رجل، وسبب هذا أن سليكًا مر في بعض غزواته ببيت من خثعم وأهله خلوف فرأى فيهن امرأة بضة شابة فاعتلا بها، فأُخبر أنس بن مدركة بذلك فأدركه فقتله، ثم أنشد: إني وقتلي سليكًا ............. ... .................. إلخ قوله: "ثم أعقله": من عقلت القتيل إذا أعطيت ديته، قوله: "عافت البقر": من عاف الرجل الطعام والشرب يعافه عيافًا، أي: كرهه فلم يشربه فهو عائف، والمعنى: أن البقر إذا امتنعت من شروعها في الماء لا تضرب لأنها ذات لبن، وإنما يضرب الثور لتفزع هي فتشرب. الإعراب: قوله: "إني" الياء اسم إن، قوله: "وقتلي": مصدر مضاف إلى فاعله، و "سليكًا" مفعوله، والجملة عطف على اسم إن (¬4)، قوله: "كالثور": خبر إن، قوله: "يضرب" على صيغة ¬
الشاهد الرابع والثمانون بعد الألف
المجهول؛ جملة وقعت حالًا عن الثور، قوله: "لما" بمعنى: حين، و "عافت البقر": جملة من الفعل والفاعل. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثم أعقله" حيث نصب الفعل بعد ثم التي عطف بها على اسم غير شبيه بالفعل (¬1). الشاهد الرابع والثمانون بعد الألف (¬2)، (¬3) وما رَاعَنِي إلا يَسِيرُ بِشُرْطَةٍ ... وعهدِي به قَينًا يِفَشُّ بِكِيرٍ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "بشرطة" بضم الشين المعجمة وسكون الراء وفتح الطاء، وهي واحدة الشرط؛ من أشرط فلان نفسه لأمر كذا؛ أي: أعلمها وأعدها، وسمي الشرط؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، قال الجوهري: واحد الشُّرْط: شُرْطة وشُرْطِيٌّ (¬4). قوله: "قينًا" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون، وهو الحداد، قوله: "يفش": من فش الكير إذا أخرج ما فيه من الريح، و "الكير" بكسر الكاف وسكون الياء آخر الحروف، وهو كير الحداد، وهو زق، أو جلد غليظ ذو حافات، المعنى: أتعجب منه، وقد كان أمس حدادًا ينفخ بالكير، واليوم رأيته والى الشرطة، وهذا من عجب الزمان. الإعراب: قوله: "وما" الواو للعطف إن تقدمه شيء، وما نافية، و "راعني": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "يسير": فاعل راعني بالتأويل؛ على ما يجيء الآن، قوله: "بشرطة": يتعلق بيسير. قوله: "وعهدي": مصدر مضاف إلى فاعله مرفوع بالابتداء، و "به" يتعلق به، تعلق المفعول بالفاعل، والضمير يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير الذي في يسير، وهو الشخص الذي يذمه، وقوله: "قينًا": نصب على الحال، والواو في "وعهدي" للحال. ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد الألف
قوله: "يفش": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى ما يرجع إليه الضمير الذي في "به"، وهذه الجملة في محل الرفع على أنها خبر للمبتدأ، وقوله: "بكير" يتعلق بيفش. الاستشهاد فيه: في قوله: "إلا يسير" برفع الراء، والتقدير فيه: إلا أن يسير، وأن مصدرية والتقدير: وما راعني إلا سيره، فلما حذفت أن بقي الفعل مرفوعًا على أصله، وذلك كما في قولهم (¬1): تسمعُ بالمعيدي خير من أن تراه، وأصله: وأن تسمع؛ أي: وسماعك به خير من رؤيتك إياه (¬2). الشاهد الخامس والثمانون بعد الألف (¬3)، (¬4) فلم أَرَ مثلَها خُباسَةَ واحدٍ ... ونَهْنَهْتُ نفسي بعدَ ما كدتُ أفعلَهْ أقول: قائله هو عامر بن جؤين الطائي، وهو من الطويل. قوله: "خباسة" بضم الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف سين مهملة، قال الجوهري: الخباسة بالضم؛ المغنم (¬5)، قوله: "ونهنهت نفسي" أي: زجرتها وكففتها، يقال نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه، أي: كففته وزجرته، ونهنهت السبع إذا صحت به لتكفه. الإعراب: قوله: "فلم أر مثلها" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، "ولم أر" تحتمل وجهين: إن جلت الرؤية من العلم كان قوله: "مثلها" في موضع المفعول الثاني، وإن جعلتها من رؤية البصر جاز ¬
الشاهد السادس والثمانون بعد الألف
لك فيه وجهان -أيضًا-: أحدهما: أن يكون مفعولًا، وقوله: "خباسة واحد": كلام إضافي بدل من مثلها. [والآخر: أن يكون مثلها] (¬1) صفة خباسة واحد، ولكنه لما تقدم عليها انتصب على الحال، قوله: "ونهنهت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "نفسي": كلام إضافي مفعوله، وقوله: "بعد": نصب على الظرف، وكلمة "ما" مصدرية، والتقدير: بعد قربي من الفعل، والتاء اسم كاد، وقوله: "أفعله" خبره. والاستشهاد فيه: حيث نصب اللام، قال سيبويه: لأن أصله: أن أفعله، فحذت أن، وبقي عمله وهو النصب (¬2)، وقال غيره: أصله: لأن أفعله ثم حذت ليكون مفعولًا من أجله مثل: عسيت أن أقوم، أي: للقيام (¬3). الشاهد السادس والثمانون بعد الألف (¬4)، (¬5) ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ أحضُرَ الوَغَى ... وأن أشهدَ اللذَّات هل أنت مُخْلِدِي؟ أقرل: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدته المشهورة التيِ أولها هو قوله: 1 - لِخَوْلَةَ أَطْلالٌ بِبَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد 2 - وُقُوفًا بِها صحبي عَلَى مطيِّهمْ ... يَقُولُونَ لَا تَهْلَكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ ¬
إلى أن قال: 3 - رَأَيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لَا يُنْكِرُونَنِي ... وَلَا أَهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ 4 - ألا أيهذا ........... ... ........................ إلخ وقد ذكرناها في شواهد اسم الإشارة (¬1)، وهي من الطويل. 1 - قوله: "ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد" رواية، والأشهر من الرواية "تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد". 4 - قوله: "الوغى" بفتح الواو والغين المعجمة؛ الحرب، وأصله: الصوت في الحرب ثم يكنى به عن الحرب نفسها، يقول: يا من يلومني أن أحضر الحرب وأن أنفق في الخمر وغيرها من أبواب الفتوة واللذة، هل في وسعك أن تخلدني فأكف عن ذلك؟ الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و "أي": منادى حذف منه حرف النداء، والتقدير: يا أيهذا الزاجري، وإنما حذف لأن الاسم الذي فيه اللام لا تدخله "يا" لأنه للتعريف، ويمتنع اجتماع [يا، وأل] (¬2) التي للتعريف؛ ولهذا جعل أي منادى ليفصل بين حرف النداء وبين الذي فيه اللام. وقوله: "هذا": صفة لأي، وقوله: "الزاجري": بدل من هذا، وفي الحقيقة هو المنادى، ولكن جيء بأي كما ذكرنا، والألف واللام فيه بمعنى الذي تقديره: يا أيهذا الذي يزجرني، فلذلك أضيف إلى ياء المتكلم، قوله: "أحضر الوغى" أصله: أن أحضر الوغى، وهي مصدرية، تقديره: الذي يزجرني عن حضور الحرب، قوله: "وأن أشهد": عطف على أحضر الوغى، وقوله: "اللذات": مفعول أشهد، و "هل" للاستفهام، و "أنت" مبتدأ، و "مخلدي": كلام إضافي خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أحضر الوغى" على رواية من نصب الراء على إضمار أن، وهو شاذ، والأصل أن "أن" إذا حذف أن يبقى الفعل مرفوعًا؛ فالحاصل أنه يجوز فيه الوجهان: الرفع وهو الأصل، والنصب على الشذوذ، فافهم (¬3). ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد الألف
الشاهد السابع والثمانون بعد الألف (¬1)، (¬2) ألَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَوَاءَ فَيَنْطِقُ ... ........................... أقول: قائله هو جميل بن عبد الله صاحب بثينة بنت الحبي، وتمامه: ................................ ... وهل يُخبِرَنْكَ اليومَ بَيْدَاءُ سَمْلَقُ وهو من قصيدة من الطويل، والبيت المذكور أولها، وبعده قوله (¬3): 2 - بمختلَفِ الأرْوَاح بين سُوَيْقَةٍ ... وأحْدَبَ كادتْ بعدَ عَهْدِك تَخْلَقُ 3 - أَضَرَّتْ بها النَّكْبَاءُ كل عَشِيَّةٍ ... ونفْخُ الصَّبَا والوابلُ المتُبَعِّقُ 4 - وقفتُ بها حتى تجلَّتْ عَمَايَتي ... ومَلَّ الوُقُوفَ العَنْتَرِيسُ المُنَوَّقُ 5 - وقال خليلي إنَّ ذا الصبابة ... ألا تَزْجُرُ القلبَ اللَّجُوجَ فَيَلْحَقُ 6 - تَعَزَّ وإنْ كَانَتْ عليكَ كريمةً ... لعلكَ مِنْ أسباب بَثْنَةَ تُعْتَقُ 7 - فقلتُ لهُ إنَّ البِعَادَ يشُوقُنِي ... وبَعْضُ بِعَادِ البَيْنِ والنَّأْيِ أشفق 1 - قوله: "الربع" هو الدار بعينها حيث ما كانت، والجمع: أربع وربوع ورباع، والمربع: المنزل في الربيع خاصة، قوله: "القواء" بفتح القاف؛ القفر، يقال: ربع قواء ودار قواء؛ أي: خلاء، قوله: "بيداء" بفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وهو القفر الذي يبيد من سلك فيه، أي: يهلك، قوله: "سملق" بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح اللام، وهي الأرض التي لا تنبت، وهي المستوية السهلة. والمعنى: يقول ألم تسأل الربع فيخبرك عن أهله ويشفيك من خبره، ثم رجع وقال: وهل يخبرنْكَ قفر لا نبات فيه؟ 2 - قوله: "سويقة" بضم السين؛ اسم موضع. ¬
3 - وكذلك "أحدب" موضع، و "الوابل": المطر العظيم القطر، و "المتبعق" بالعين المهملة، يقال: تبعقت المزن إذا مطرت بشدة، وكذلك انبعقت. 4 - و "الغيابة" (¬1) بالغين المعجمة، وهي كل شيء أظل الإنسان من فوق رأسه مثل: السحابة والغبرة والظلمة ونحوها، و "العنتريس": الناقة الصلبة الشديدة، والنون زائدة، قوله: "المنوق": من قولهم بعير منوق، أي: مذلل مروض. الإعراب: قوله: "ألم تسأل" الهمزة للاستفهام، والمراد به: التقرير، "ولم تسأل": جملة من الفعل والفاعل، و "الربع": مفعوله، والمفعول الثاني لتسأل محذوف، والتقدير: ألم تسأل الربع القواء عن أهله؟ قوله: "القواء" بالنصب صفة للربع. قوله: "وهل يخبرنك": فعل ومفعول، و "بيداء": فاعله، و "سملق": نعت لها، ويروى: تخبرنك بالتاء المثناة من فوق وبالياء آخر الحروف، فمن روى بالمثناة من فوق فلأن البيداء مؤنثة لأن الهمزة في آخرها للتأنيث، ومن رواه بالياء آخر الحروف حمله على التذكير لأن تأنيثها غير حقيقي. الاستشهاد فيه: في قوله: "فينطق" حيث رفع على أنه انقطع [عن] (¬2) ما قبله وجعله خبر مبتدأ مضمر، أي: فهو ينطق، وهو أحد وجهي الرفع في قولك: ما تأتينا فتحدثنا، ولو نصب لجاز، ولكن القوافي مرفوعة (¬3)، وقال ابن هشام: الفاء فيه للاستئناف عند بعضهم، والتقدير: فهو ينطق؛ لأنها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب، ومنه قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35] بالرفع، أي: فهو يكون حينئذ (¬4). ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد الألف
الشاهد الثامن والثمانون بعد الألف (¬1)، (¬2) أَرَدْتَ لِكَيْمَا أَنْ تطِيرَ بِقِرْبَتِي ... وتَتْرُكَهَا شَنًّا بِبَيْدَاءَ بلْقَعِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "شنًّا" بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، وهي القربة الخلق البالي، وكذلك الشنة، و "البيداء": المفازة، ويجمع على بيد بكسر الباء، و "بلقع" بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح القاف وفي آخره عين مهملة، قال الجوهري: البلقعُ والبلقعة: الأرض القفر التي لا شيء بها، يقال: منزل بلقعٌ بغير الهاء إذا كان نعتًا، فإن كان اسمًا قلتَ: انتهينا إلى بلقعة ملساء (¬3). الإعراب: قوله: "أردت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "لكيما" يجوز أن تكون كي تعليلية أو مصدرية؛ على ما نذكره، وقوله: "تطير" منصوب بأن، و "بقربتي" صلة تمر، يقال: طار به إذا ذهب به سريعًا، قوله: "وتتركها" بالنصب عطف على قوله: "أن تطير"، قوله: "شنًّا": نصب على الحال بتأويل: مشنة؛ من التشن، وهو اليبس في الجلد، والباء في "ببيداء" تتعلق بمحذوف تقديره: شنا كائنة ببيداء، و "بلقع": صفة بيداء. الاستشهاد فيه: في قوله: "لكيما أن تطير" فإنه يجوز فيه الوجهان: أحدهما: أن تكون تعليلية مؤكدة باللام. والآخر: أن تكون مصدرية مؤكدة بأن، وأن فيه زائدة غير عاملة لأن كيما تنصب الفعل بنفسها، ولا يجوز إدخال ناصب على ناصب. فافهم. ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد الألف
الشاهد التاسع والثمانون بعد الألف (¬1)، (¬2) فَأَوْقَدْتُ نارًا كَيْ ليُبْصِرَ ضوءَها ... ........................ أقول: قائله هو حاتم بن عدي أحد كرماء العرب المشهورين، وتمامه (¬3)؛ ........................... ... وأخرجْتُ كَلْبِي وهو في البيت داخِلُهْ وهو من الطويل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فأوقدت" الفاء للعطف، وأوقدت: جملة من الفعل والفاعل، و "نارًا" مفعوله، ويروى ناري بياء الإضافة، قوله: "كي" للتعليل، قوله: "ليبصر" اللام للتعليل -أيضًا- ويبصر بالنصب بإضمار أن بعد اللام، وهو فعل، وفاعله الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الضيف، و "ضوءها": كلام إضافي مفعول يبصر، قوله: "وأخرجت": جملة من الفعل والفاعل عطف على قوله: "فأوقدت"، قوله: "كلبي": كلام إضافي مفعول أخرجت، قوله: "وهو في البيت داخله": جملة حالية. الاستشهاد فيه: في قوله: "كي ليبصر ضوءها" فإن كي هاهنا يتعين أن يكون حرفًا جارًّا للتعليل بمعنى اللام لظهور اللام بعدها، وإنما جمع بينهما للتأكيد، وهذا تركيب نادر. الشاهد التسعون بعد الألف (¬4)، (¬5) إذن واللهِ نرميَهم بحربٍ ... يُشِيبُ الطِّفلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ أقول: قيل إن قائله هو حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، ولم أجده في ديوانه، وهو من الوافر، المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد الألف
الإعراب: قوله: "إذن" حرف أو اسم على الاختلاف، والأكثر أن يكون جوابًا لإِنْ، أو لو ظاهرتين، أو مقدرتين، وقد مرَّ قبله واحد منهما، قوله: "والله" مجرور بواو القسم. قوله: "نرميهم": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "بحرب" يتعلق به في محل النصب على المفعولية، قوله: "تشيب الطفل": جملة من الفعل والفاعل هو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الحرب، والمفعول وهو الطفل، والجملة في محل الجر على أنها صفة لحرب، قوله: "من قبل" يتعلق بقوله: تشيب. الاستشهاد فيه: في قوله: "إذن والله نرميهم" حيث نصب نرميهم؛ لكنه فصل بينها وبين إذن بالقسم، وقد علم أن شرط إعمال إذن أربعة: كونها جوابًا، والتصدير، وكون الفعل مستقبلًا، واتصالها بالفعل، والفصل بينهما بالقسم لا يضر؛ كما لا يضر الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ كما في قول بعض العرب: هذا غلام والله زيد (¬1)، وقال ابن عصفور: ويجوز الفصل بينهما أيضًا بالظرف وحرف الجر نحو: إذن في الدار أكرمَك بالنصب (¬2). الشاهد الحادي والتسعون بعد الألف (¬3)، (¬4) وطَرْفُكَ إمَّا جِئْتَنَا فَاصْرِفَنَّه ... كَمَا يَحْسَبُوا أنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ أقول: قائله هو جميل بن معمر العذري، وهو من قصيدة من الطويل، ..................... ¬
وأولها هو قوله (¬1): 1 - أَعَادٍ أَخِي مِنْ آلِ سَلْمَى فَمُبْكِرُ ... أَبِنْ لِي أغَادٍ أنْتَ أمْ مُتَهَجِّرُ 2 - وآخِرُ عَهْدٍ لِي بِهَا يَومَ ودَّعَتْ ... وَلَاحَ لَهَا خَدٌّ مَليحٌ وَمَحْجِرُ 3 - عَشِيَّةَ قَالتْ لا تُضَيِّعَنَّ سِرَّنَا ... إذَا غِبتَ عَنَّا وَارْعَهُ حِينَ تُدبرُ 4 - وأَعْرِضْ إِذَا لاقَيتَ عَينًا تَخَافُهَا ... وظَاهِرُ بِبُغْضٍ إنَّ ذَلكَ أَسْتَرُ 5 - فإنَّكَ إنْ عَرَّضْتَ بِي فيِ مَقَالةٍ ... يَزِدْ فيِ الذِي قَدْ قُلتَ وَاشٍ ويُكثِرُ 6 - ويَنشُرُ سِرًّا فيِ الصَّدِيقِ وغيرِهِ ... يَعِزُّ عَلينَا نَشرُهُ حينَ يُنشَرُ 7 - ومَا زِلتَ فيِ إعْمَالِ طَرفِكَ نَحوَنَا ... إذَا جِئتَ حَتَّى كَادَ حُبُّكَ يَظْهَرُ 8 - وما قُلتُ هذَا فَاعْلَمَنَّ تجنبًا ... لِصَرمٍ ولَا هذَا بِسَاعَةَ تُقصِرُ 9 - ولكِنَّنِي أَهْلِي فدَاؤُكَ أتَّقِي ... عَليكَ عُيُونَ الكَاشِحِينَ وأَحْذَرُ 10 - وأخْشَى بَنِي عَمِّي عَليكَ وإنما ... يَخَافُ ويتقى عِرْضَهُ المتُفَكِّرُ 11 - وأنْتَ امرُؤٌ مِنْ أهْلِ نَجدٍ وأَهلُنَا ... تَهامُ وما النَّجدِيُّ والمتُغَوِّرُ 12 - وطَرفُكَ إمَّا .............. ... ................ إلخ 1 - قوله: "أغاد" أي: أرائح، قوله: "أبِن لي": من أبان يبين، أي: أظهر، قوله: "متهجر": من التهجير وهو السير في الهاجرة. 2 - قوله: "محجر" على وزن مجلس، قال في العباب: هو الحديقة، ومحجر العين -أيضًا- ما يبدو من النقاب، وحجر القمر إذا استدار بخط دقيق من غير أن يغلظ، وكذا إذا صارت حوله دارة من الغيم. 5 - قوله: "واشٍ" أي: حاسد يمشي بالنميمة. 8 - قوله: "لصرام" أي: لانقطاع. 9 - قوله: "الكاشحين" بالحاء المهملة؛ أي: الحاسدين. ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد الألف
11 - قوله: "والمتغور": من الغور وهو تهامة وما يلي اليمن والحجاز. 12 - قوله: "وطرفك" بفتح الطاء المهملة، والطّرف: العين، والمعنى: وعينك. الإعراب: قوله: "وطرفك": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "إما جئتنا" أصله: إن جئتنا، وإن للشرط، وما زائدة، قوله: "فاصرفنَّه": جواب الشرط، فلذلك دخلت الفاء، والضمير المنصوب يرجع إلى الطرف، والجملة كلها في موضع الرفع على الخبرية، قوله: "أن الهوى" بفتح همزة أن لأنه مفعول، فإن قيل: حسب يقتضي مفعولين، قلت: أن مع اسمها وخبرها سد مسد المفعولين، فقوله: "الهوى": اسمه، وقوله: "حيث تنظر": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "كما يحسبوا" استدل به الكوفيون والمبرد على أن كما تنصب بنفسها بمعنى كيما؛ ألا ترى كيف نصب هاهنا: "يحسبوا" فعلامة النصب فيه سقوط النون من يحسبون، والصحيح ما ذهب إليه البصريون من أنه لا يثبت حرف ناصب بمحتمل قليل، ولو كانت كما ناصبة مثل كيما لكثر ذلك في كلام العرب نظمًا ونثرًا؛ كما كثر النصب بغيرها من النواصب. والبيت المذكور يحتمل أن تكون النون في قوله: "يحسبوا" حذفت للضرورة، أو يكون الأصل فيه: كيما فحذفت الياء ضرورة؛ كذا قاله الفارسي (¬1)، وقال ابن مالك: الكاف فيه للتشبيه كفت بما، ودخلها معنى التعليل فنصبت، وذلك قليل (¬2). الشاهد الثاني والتسعون بعد الألف (¬3)، (¬4) لا تشتُمِ الناسَ كَمَا لا تُشْتَمُ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج؛ قاله النحاس (¬5). ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد الألف
والمعنى: لعلك لا تشتم، وما هاهنا هي الكافة، ولما كفت غيرت المعنى؛ كما أن لم لما كفت بما تغيرت عما كانت عليه، والمعنى: أنك إن شَتمت شُتمت وإذا لم تَشتم لا تُشتم، ولعلك إن لم تَشتم لا تُشتم. الاستشهاد فيه: في قوله: "كما لا تشتم" حيث رفع الفعل بعد قوله: "كما" ولم ينصب، فقال الكوفيون: لأنها لم تكن بمعنى كيما، فلذلك لم تنصب، وقال البصريون: هذا على أصله؛ لأن كما ليست من النواصب؛ كما ذكرنا في البيت السابق (¬1). الشاهد الثالث والتسعون بعد الألف (¬2)، (¬3) أما واللهِ أن لو كنْتَ حرًّا ... .............................. أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه إلى أحد، وتمامه: ........................... ... وما بالحر أنت ولا العَتِيقِ وهو من الوافر، والمعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "أما" بفتح الهمزة وتخفيف الميم؛ حرف استفتاح بمنزلة: ألا، وتكثر قبل القسم نحو: "والله" فإنه قسم، قوله: "أن لو" فأن رابطة أو زائدة على ما نذكره الآن، ولو للشرط، و "كنت حرًّا": جملة من اسم كان وخبره وقعت فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "أن لو كنت" فإِن أَنْ فيه جُعل حرفًا يربط جملة القسم بجملة المقسم عليه، والذي ذهب إليه سيبويه أنها زائدة، وقال في كتابه وقد ذكر أقسام أن: فأما الوجه الذي تكون ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد الألف
فيه لغوًا فنحو قولك: لما أن جاء، وأما والله أن لو فعلت (¬1). الشاهد الرابع والتسعون بعد الألف (¬2)، (¬3) ربَّيتُهُ حتى إذا تَمَعْدَدَا ... كان جزائي بالعصا أنْ أُجْلَدَا أقول: لم أقف على اسم راجزه، وبعد الشطر الأول هو قوله: وصَارَ نَهْدًا كَالحِصَانِ أَجْرَدَا ... كَانَ جَزَائِي ................ قوله: "تمعددَا" معناه: غلُظَ وشبَّ، ويقال: تمعدد الرجل إذا تزيَّا بِزِيِّ معد وعيشهم، وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش، ومنه قيل للغلام إذا شب وغلظ: تمعدد [وذكره الجوهري في باب (عد) ليدل على أن ميمه زائدة (¬4)] (¬5). الإعراب: قوله: "ربيته": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، و "حتى": حرف ابتداء ابتدئت بعدها الجملة الفعلية الماضية وهي قوله: "إذا تمعددا". وقال ابن مالك في مثل هذا الموضع: إن حتى جارة وإن إذا في موضع جر بها؛ كما في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ} [آل عمران: 152]، وقد روي ذلك عن الأخفش (¬6)، والجمهور على خلافه، وأنها حرف ابتداء، وإذا في موضع نصب بشرطها أو جوابها، وهاهنا قوله: "تمعددا" في موضع الشرط، وقوله: "كان جزائي" في موضع الجواب (¬7)، وقوله: "جزائي": كلام إضافي اسم كان، وقوله: "أن أجلدا": خبره، والألف في أجلدا وتمعددا للإطلاق. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالعصا أن أجلدا" فإن قوله: بالعصا يتعلق بأجلدا، وأجلدا معمول أن وصلتها، ¬
الشاهد الخامس والتسعون بعد الألف
وقوله: بالعصا معمول معمول أن، واستدل به الفراء على جواز تقديم معمول معمول أن عليها. وقال الجمهور: "أن" حرف مصدري، ومعمولها صلة لها، ومعمول معمولها من تمام صلتها، فكما لا تتقدم صلتها عليها، كذلك لا يتقدم معمول صلتها، وأجابوا عن البيت بأنه نادر لا يقاس عليه لقلته وبعده عن القياس، وأولوه -أيضًا- بأن التقدير: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلد، فحذف العامل الأول لدلالة الثاني عليه (¬1). الشاهد الخامس والتسعون بعد الألف (¬2)، (¬3) ولولا رجالٌ مِنْ رِزَامٍ أَعِزَّةِ ... وآلُ سُبَيْعٍ أو أسوءك عَلْقَمَا أقول: قائله هو الحصين بن حمام المري (¬4)، وهو من الطويل. قوله: "أعزة": جمع عزيز، قوله: "من رزام" بكسر الراء وتخفيف الزاي، هو أبو حي من تميم، وهو رزام بن مالك بن عمرو بن تميم. الإعراب: قوله: "ولولا" الواو للعطف، ولولا لربط امتناع الثانية بوجود الأولى، وقوله: "رجال": مبتدأ وتخصص بالصفة وهو قوله: "من رزام"، والتقدير: ولولا رجال كائنون من رزام، وقوله: "أعزة": صفة أخرى، قوله: "وآل سبيع": كلام إضافي عطف [عليه] (¬5)، والخبر محذوف تقديره: موجودون، كما في قولك: لولا زيد، أي: لولا زيد موجود، قوله: "أو أسؤك" بالنصب بتقدير: أن، قوله: "علقمًا": منادى مرخم تقديره: يا علقمة فحذف حرف النداء فصار علقمة ثم رخمه فصار علقم بفتح الميم على ما كان ثم أشبع الفتحة ألفًا. ¬
الشاهد السادس والتسعون بعد الألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "أو أسوءك" حيث نصب الفعل بعد كلمة "أو" بتقدير أن، واعلم أن "أو" هذه ليست واقعة موقع: "إلى أن" أو "إلا أن"، ولكن هذا عطف في التقدير على اسم لولا بإضمار أن، والتقدير: أو أن أسوءك علقما، فهذا عطف على قوله: "رجال"، وإضمار أن بعد "أو" هذه ليس بلازم بخلاف أو التي بمعنى إلى أن، أو إلا أن فافهم. الشاهد السادس والتسعون بعد الألف (¬1)، (¬2) ليس العطاءُ مِنَ الفُضُولِ سَمَاحَةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْكَ قَليلُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ليس" من الأفعال الناقصة، و "العطاء" اسمه، و "سماحة" خبره، قوله: "من الفضول": جار ومجرور في محل الرفع على أنها صفة للعطاء، والتقدير: ليس العطاء الحاصل من فضول المال سماحة وجودًا، قوله: "حتى تجود" حتى للغاية، وتجود نصب بتقدير أن، قوله: "وما لديك قليل": جملة [حالية، وما موصولة، "ولديك قليل": جملة صلته] (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "حتى تجود" فإن حتى فيه بمعنى: "إلا أن"؛ فحتى هاهنا بمعنى الاستثناء. الشاهد السابع والتسعون بعد الألف (¬4)، (¬5) ألا رَسُولَ لَنَا مِنّا فيُخْبرَنَا ... .............................. أقول: قائله هو أمية بن أبي الصلت الثقفي، وتمامه: ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد الألف
................ ... ما بعد غَايَتِنَا مِنْ رَأسِ مُجْرَانَا وهو من البسيط، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "ألا" هاهنا للتمني، ولذلك نصب جوابه المقرون بالفاء وهو قوله: "فيخبرنا"، ويجيء -أيضًا- للعرض والتحضيض، ومعناهما: طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحثّ، وكل تحضيض عرض من غير عكس، وإذا كان ألا للعرض يكون مختصًّا بالفعلية، وأما التي للتمني فتختص بالاسمية. قوله: "رسول": مبني على الفتح، لأن ألا تعمل عمل لا التبرئة، ولكن تختص التي للتمني بأنها لا خبر لها لفظًا ولا تقديرًا، وبأنها لا يجوز مراعاة محلها مع اسمها، وأنها لا يجوز إلغاؤها ولو تكررت (¬1)، قوله: "لنا منا" كل منهما جار ومجرور، فمحل الأول النصب على الصفة، ومحل الثاني النصب على الحال. قوله: "فيخبرنا" بالنصب جواب التمني، فلذلك دخله الفاء، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى الرسول، قوله: "ما بعد غايتنا" في محل النصب لأنه مفعول ثان ليخبرنا، فما مبتدأ، وبعد غايتنا كلام إضافي خبره، قوله: "من رأس مجرانا": حال من الغاية، والتقدير: ما بعد غايتنا حال كونها من رأس مجرانا، ومجرانا بضم الميم مصدر ميمي بمعنى الإجراء أضيف إلى نون المتكلم. الاستشهاد فيه: في قوله: "فيخبرنا" حيث جاء منصوبًا بالفاء؛ لأنه جواب التمني، والنصب بتقدير: أن. الشاهد الثامن والتسعون بعد الألف (¬2)، (¬3) ....................... ... ........ لوْ نُعَانُ فَنَنْهَدَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: سَرَيْنَا إِلَيهِمْ فِي جُمُوعٍ كَأَنَّهَا ... جِبَالُ شَرَوْرَى ........... وهو من الطويل. ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد الألف
قوله: "جموع": جمع جمع وهو الجماعة، و "شرورى" بالشين المعجمة؛ اسم جبل لبني سليم، قوله: "نعان" على صيغة المجهول من العون، قوله: "فننهدا": من نهد إلى العدو ينهد بالفتح فيهما، أي: نهض، ومنه المناهدة في الحرب وهي المناهضة. الإعراب: قوله: "سرينا": جملة من الفعل والفاعل، و "إليهم": في محل النصب على المفعولية، قوله: "في جموع": في محل النصب على الحال، والتقدير: سرينا إلى هؤلاء القوم ونحن في جماعة أو نحن مجتمعون، قوله: "كأنها جبال شرورى": جملة في محل الجر على أنها صفة لقوله: "في جموع". الاستشهاد فيه: في قوله: "لو نعان" فإن لو هاهنا للتمني، ونصب الفعل بعدها بإضمار أن، وهو قوله: "فننهدا" أي: فأن ننهدا، ومنع ابن مالك كون لو للتمني وقدرها هاهنا [وودنا] (¬1) لو تعان، فهو جواب بمعنى إنشائي كجواب ليت، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وقال -أيضًا-: ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل مصدر. فافهم (¬2). الشاهد التاسع والتسعون بعد الألف (¬3)، (¬4) قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلٍ ... ...................... أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه: ............................. ... بسِقْطِ اللِّوَى بينَ الدُّخُولِ فحَوْمَلِ وهو من قصيدته المشهورة، وقد ذكرنا غالبها في مواضع شتى من الكتاب. قوله: "بسقط اللوى" بكسر السين وسكون القاف، وهو منقطع الرمل، و "اللوى" بكسر ¬
اللام؛ حيث يلتوي الرمل ويرق، وإنما خص منقطع الرمل وملتواه؛ لأنهم كانوا لا ينزلون إلَّا في صلابة من الأرض ليكون ذلك أثبت لأوتاد الأبنية وأمكن لحفر النؤي، وإنما تكون الصلابة؛ حيث ينقطع الرمل ويلتوي ويرق، و"الدخول وحومل" بلدان. الإعراب: قوله: "قفا": أمر للاثنين وأريد به الواحد لأن من عادتهم أن يخاطبوا الواحد بصيغة الاثنين؛ كما في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] والمخاطب هو مالك خازن النَّار، وقيل معناه: قف قف كرر للتأكيد، وكذلك المراد: ألق ألق، قوله: "نبك": مجزوم لأنه جواب الأمر، قوله: "من ذكرى" أي: لأجل ذكرى حبيب وذكر منزل، وكلمة من للتعليل، والباء في "بسقط اللوى" في محل الجر لأنه صفة المنزل، والتقدير: ومنزل كائن في سقط اللوى، وكذلك محل "بين الدخول" الجر لأنه صفة لسقط اللوى، والتقدير: بسقط اللوى الكائن بين الدخول فحومل. واستدل الجرمي بقوله: "فحومل" أن الفاء لا تفيد الترتيب في البقاع (¬1)، وأجيب عن هذا أن الفاء ها هنا بمعنى الواو، والتقدير: بين الدخول وحومل، ولهذا زعم الأصمعيّ أن الصواب روايته بالواو لأنه لا يجوز: جلست بين زيد فعمرو، ويجاب عن هذا بأن المراد بين مواضع الدخول فمواضع حومل؛ كما يجوز: جلست بين العلماء فالزهاد (¬2). وقال بعضهم: الأصل ما بين الدخول، فحذف ما دون بين، والفاء نائبة عن إلى، والتقدير: ما بين الدخول إلى حومل، ومحتاج على هذا القول إلى أن يقال: وصحت إضافة بين إلى الدخول لاشتماله على مواضع، أو لأن التقدير: بين مواضع الدخول، وكون الفاء للغاية بمنزلة "إلى" غريب (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "نبك" فإنَّه جواب الأمر فلذلك جزم؛ لأنه قد علم أن جواب غير النفي إذا خلا من الفاء وقصد الجزاء أن يجزم؛ لأنه جواب شرط دل عليه الطلب المذكور لقربه من الطلب، ¬
الشاهد المتمم للمائة بعد الألف
ولشبهه به في احتمال الوقوع وعدمه؛ فصلح أن يدل على الشرط ويجزم بعده الجواب بخلاف النفي. الشاهد المتمم للمائة بعد الألف (¬1) , (¬2) ........................ ... مَكَانَكِ تُحْمَدِي أَوْ تَسْتَرِيحِي أقول: قائله عمرو بن الإطنابة الأنصاري، وصدره (¬3): وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وجاشَتْ ... ........................... وهو من قصيدة من الوافر، وأولها هو قوله: 1 - أبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي ... وأخْذِي الحَمدَ بالثَّمَنِ الرَّبِيحِ 2 - وإقْدَامِي عَلَى المَكرُوهِ نَفْسِي ... وضَربِي هَامَةَ البَطَلِ المُشِيحِ 3 - وقَولِي كُلَّمَا ................ ... ................... إلخ 4 - لأكْسِبَهَا مَآثِرَ صَالِحاتٍ ... وأَحْمِيَ بَعدُ عَنْ عِرْضٍ صَحِيحِ 5 - بِذِي شَطْبٍ كَمثْلِ الْمِلْحِ صَافٍ ... ونَفْسِ مَا تَقَرُّ عَلَى القَبيحِ وكان معاوية - رضي الله عنه - ينشد هذه الأبيات يوم صفين ويستشهد بها، وقال: كنت على فرس أغر محجل فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة، وهي أجود ما قيل في الصبر في مواطن الحرب، وقال: يجب على الرجل تأديب ولده وأن يرويه من الشعر. 2 - قوله: "البطل" بفتح الباء الموحدة والطاء، وهو الرجل الشجاع، و"المشيح ": المجد في الأمر، من أشاح يشيح. 3 - قوله: "جشأت" بالجيم والشين المعجمة، يقال: جشأت نفسي جشوءًا إذا نهضت إليك، وجشأت من حزن أو فزع، وهو مهموز اللام، قوله: "وجاشت": من الجيش، يقال: جاشت نفسي إذا لقست ولقست بمعنى غثت، وكذا غانت ورانت (¬4). ¬
الشاهد الأول بعد المائة والألف
5 - قوله: "بذي شطب" أراد به السيف له شطب؛ أي: طرائق في وجهه وهو جمع شطة. الإعراب: قوله: "وقولي": كلام إضافي عطف على قوله: "وأخذي الحمد" قوله: "كما جشأت" أي: نفسي، وهو جملة من الفعل والفاعل، و"جاشت": جملة -أَيضًا- عطف عليه. قوله: "مكانك": اسمم فعل بمعنى اثبتي؛ كما في قوله تعالى: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ} [يونس: 28] وهو مقول القول، قوله: "تحمدي" على صيغة المجهول؛ جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، وجزم لأنه جواب الأمر، وذلك لأن قوله: "مكانك" بمعنى: اثبتي كما ذكرنا؛ كأنه قال: اثبتي تحمدي، قوله: "أو تستريحي": عطف على تحمدي، والمعنى: أنَّه يخاطب نفسه بأن تباشر الثبات والإقامة على مواطن الحرب؛ لأنها إما تحمد على ذلك أو تستريح. الاستشهاد فيه: في قوله: "تحمدي" حيث جزم لوقوعه بعد الطلب باسم فعل وهو قوله: "مكانك" فإن معناه: اثبتي؛ كما قلنا، وقد سقطت منه الفاء، وقد بين أن الفاء إذا سقطت بعد الطلب وقصد معنى الجزاء يجزم الفعل بعده جوابًا لشرط مقدر لتضمنه معنى الشرط لا لأجل الطلب، كما في قوله تعالى (¬1): {أَتْلُ} [الأنعام: 151] والتقدير: إن تأتوا أتْل. الشاهد الأول بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) ألم أكُ جارَكمْ ويكونَ بيني ... وبينَكُمُ المودةُ والإخاءُ؟ أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول بن أوس، وهو من قصيدة طويلة من الوافر، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ألا أبْلِغْ بَنِي عَوْفِ بنِ كَعبِ ... وَهَلْ قومٌ عَلَى خلُقٍ سواءُ 2 - عُطَارِدَها وبَهْدَلَةَ بنَ عَوْفٍ ... فَهَل يَشفِي صُدُووَكُمُ الشِّفَاءُ ¬
3 - ألَم أكُ نائِيًا فدَعَوْتُمُونِي ... فَجَاءَ بِي الموَاعِدُ والدُّعاءُ 4 - ألم أكُ جَارَكُمْ فَتَرَكْتُمُونِي ... لِكلْبي فيِ دِيَارِكُمُ عُواءُ 5 - ولمَّا كُنْتُ جَارَكمُ أبيتُمْ ... وشَرُّ مَوَاطِنِ الحَسَبِ الإباءُ 6 - ولمَّا كُنْتُ جَارَهُمُ حَبَوني ... وفيكمْ كان لَوْ شئْتُمْ حِبَاءُ 7 - ولمَّا أنْ مَدَحْتُ القومَ قُلْتُمْ ... هَجَوْتَ ومَا يحلُّ لكَ الهجاءُ 8 - ألَمْ أكُ جَارَكُمْ ............ ... ................ إلى آخره وفي ديوان الحطيئة وقع البيت المذكور هكذا: ألَمْ أكُ مُحْرِمًا وَيَكُونُ بَينِي ... وبَينَكُمُ المَوَدَّةُ والإخَاءُ ويروى: ألم أك مسلمًا، والمحرم: المسالم الذي يحرم عليك دمه ودمك عليه، و"المحل"؛ العدو الذي يستحل دمك وتستحل دمه. الإعراب: قوله: "ألم أك" الهمزة للاستفهام، "ولم أك": أصله لم أكن فحذفت النُّون تخفيفًا، والضمير الذي فيه اسم كان، و"جاركم": كلام إضافي خبره، قوله: "ويكون" بالنصب كما يجيء فإنه عن قريب، قوله: "المودة" بالرفع اسم يكون، و"الإخاء": عطف عليه، وقوله: "بيني": خبر يكون، و"بينكم" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ويكون" حيث نصب بتقدير "أن" لوقوع الفعل بعد واو المصاحبة الواقعة بعد الاستفهام (¬1). ¬
الشاهد الثاني بعد المائة والألف
الشاهد الثاني بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) فَأُقْسِمُ أَنْ لَو الْتَقَينَا وَأنتمُ ... لكانَ لكُمْ يَوْمٌ من الشَّرِّ مُظلِمُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. الإعراب: قوله: "فأقسم" الفاء للعطف، وأقسم: جملة من الفعل والفاعل، وكلمة "أن" وقعت بين القسم ولو، وهي زائدة. وقوله: "لو" للشرط، و"التقينا": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، وقوله: "لكان لكم": جواب الشرط، وقوله: "وأنتم": عطف على الضمير المرفوع في قوله: "التقينا"، وقد علم أن العطف على الضمير المتصل من غير توكيد ولا طول يقوم مقامه قبيح، ولكن الضرورة ها هنا أوجبت حذف الضمير المؤكد؛ إذ أصله: لو التقينا نحن وأنتم، وفي هذه المسألة خلاف بين البصريين والكوفيين (¬3). قوله: "يوم": اسم كان، وقوله: "مظلم" بالرفع صفة اليوم، وقوله: "من الشر" معترض بين الصفة والموصوف، ومحلها النصب على الحال من مظلم، وقوله: "لكم" خبر كان. الاستشهاد فيه: في قوله: "فأقسم أن لو" حيث وقعت أن زائدة بين القسم وكلمة لو كما ذكرنا (¬4). * * * ¬
شواهد عوامل الجزم
شواهد عوامل الجزم الشاهد الثالث بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) محمدُ تَفْدِ نفسَك كُلُّ نفسٍ ... إذا ما خِفْتَ من شَيءٍ تَبَالًا أقول: قائله مجهول (¬3)؛ كذا قاله أبو العباس (¬4)، ولكن هو من أبيات الكتاب، أنشده سيبويه (¬5)، ولو لم يكن محتجًّا به لما أنشده، وكونه مجهولًا عند أبي العباس لا يمنع أن يكون معلومًا عند غيره، ويجيء الآن مزيد الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وهو من الوافر. قوله: "تبالًا" بفتح الفوقية (¬6)، وتخفيف الباء الموحدة، وهو الفساد؛ كذا قاله بعض شراح كتاب الزمخشري، وقال الجوهري: التبل: الترة، والذحل بالذال المعجمة والحاء المهملة، ثم فسر الذحل بالحقد والعداوة (¬7). الإعراب: قوله: "محمَّد": منادى مبني على الضم حذف منه حرف النداء، والتقدير: يَا محمَّد، قوله: "تفد": أمر حذف منه اللام، وأصله: لتفد، و"نفسك": كلام إضافي مفعول، والفاعل هو قوله: "كل نفس"، و"إذا": ظرف بمعنى حين، وكلمة "ما" زائدة، و"خفت": جملة ¬
من الفعل والفاعل، و"من شيء" يتعلق به، و"تبالًا": مفعول خفت. الاستشهاد فيه: في قوله: "تفد" حيث حذف منه لام الأمر؛ إذ أصله: لتفد كما ذكرنا، وبعد الحذف لم يذهب عمله، وحذف لام الأمر وإبقاء عملها لا يجوز في الشعر، سواء تقدمه أمر بالقول أو قول غير أمر، أم لم يتقدمه قول، وهذا هو الصحيح (¬1)، وقال النحاس: قال سيبويه: فإنما أراد: لتفد، سمعت سليمان بن عليّ يقول: سمعت محمَّد بن يزيد ينشد هذا البيت ويلحِّن قائله ولا يحتج به، ولا يُجَوِّزُ مثله في شعر ولا في غيره؛ لأن الجازم لا يضمر، ولو جاز هذا لجاز: يقم زيد، بمعنى: لم يقم زيد. وحروف الجزم لا تضمر لأنها أضعف من حروف الجر، وحروف (¬2) الجر لا تضمر، فبعد أن حكى أبو سليمان هذه الحكاية وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه: وحدثني أبو الخَطَّاب أنَّه سمع هذا البيت ممن قاله، قال أبو إسحاق احتجاجًا لسيبويه بهذا البيت: هذا حذف [أي: لتفد، قال:] (¬3) وإنما سماه إضمارًا لأنه بمنزلته (¬4). ¬
الشاهد الرابع بعد المائة والألف
وقال أبو حيان (¬1): وإنما جاز حذف لام الأمر في الشعر وإبقاء عملها حملًا على حذف بعض حروف الجر كواو القسم ورُبَّ، وقد اضطرب [رأي] (¬2) ابن عصفور في حذف هذه اللام؛ فمرة قال: يجوز حذفها وإبقاء عملها بخلاف "لا" في النهي، ومرة قال: لا يجوز في الكلام وإنما يجوز ذلك في الشعر، قال: وهو مع ذلك قليل بحيث لا يقاس عليه (¬3)، وقد اعتل بعضهم لجواز حذف لام الأمر وامتناع حذف [لا في النهي] (¬4) بأن النهي نفي في المعنى، والنفي لا يكون إلَّا بحرف، والأمر إيجاب في المعنى، والإيجاب يكون بحرف وبغير حرف فافهم. الشاهد الرابع بعد المائة والألف (¬5) , (¬6) فلا تستطِلْ مِنِّي بَقَائي ومُدَّتِي ... ولكن يكن للخَيرِ مِنكَ نَصِيبُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل كخاطب به الشَّاعر ابنه لا تمني موته. الإعراب: قوله: "فلا تستطل" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، و"لا تستطل": جملة من الفعل ¬
الشاهد الخامس بعد المائة والألف
والفاعل، و"مني" يتعلق بها، وقوله: "بقائي": كلام إضافي مفعول تستطل، و"مدتي": عطف عليه، وقيل: إن بقائي بيان لقوله: "مني" أو بدل منه، قوله: "ولكن" للاستدراك. قوله: "يكن" أصله: ليكن على ما يجئ، قوله: "نصيب" اسم يكن، و"للخير": خبره، قوله: "منك" في موضع نصب على الحال من نصيب، والتقدير: حال كون النصيب منك، ويجوز أن يكون في محل الرفع على أنَّه صفة لنصيب، والتقدير: ليكن نصيب كائن منك لأجل الخير. الاستشهاد فيه: في قوله: "يكن" حيث حذف لام الأمر وأبقى عمله؛ لأن الأصل: ليكن كما ذكرنا، وإنما كان الحذف ها هنا للضرورة (¬1). الشاهد الخامس بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) إذا ما خرجنَا مِن دِمَشْقَ فَلَا نَعُدْ ... لَهَا أَبَدًا مما دامَ فِيهَا الجُرَاضِمُ أقول: قائله الفرزدق؛ كذا قاله ابن هشام في مغنيه (¬4)، وفسر الجراضم بقوله: "أي: عظيم البطن"، وقال أبو عبد الله بن المفجع (¬5) في كتابه المسمى بالمنقذ: قاله الوليد بن عقبة (¬6) يعرض بمعاوية - رضي الله عنه -: إذا ما خرجنا، وبعده بيت آخر وهو: 2 - بَصِيرٌ بما في الطَّبلِ بالبقْلِ عالمٌ ... جروزٌ لِمَا التَفَّتْ عَلَيهِ اللهَازِمُ قال ذلك حين وقد على معاوية في دمشق في أيام خلافته، وأراد بالجراضم معاوية؛ لأنه كان كثير الأكل جدًّا، ومع هذا ما كان يشبع؛ وذلك لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه أنس بن مالك يدعوه، وكان يأكل فتمادى حتَّى أرسله النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ثاني مرة فتمادى فيه، فسأله عن ذلك فقال: ¬
الشاهد السادس بعد المائة والألف
هو في الأكل، فقال - عليه السلام -: "لا أشبع الله بطنه" (¬1) فمن ذلك اليوم ما تلذذ معاوية بالأكل، وكان يأكل ما تأكله العشرة والعشرون من القوم ولا يشبع، و"الجراضم" بضم الجيم؛ الأكول الواسع البطن، وكذلك الجرضم. 2 - قوله: "بما في الطبل" هي السلة التي يجعل فيها الطعام، قوله: "جروز" بالجيم المفتوحة وبالزاي المعجمة في آخره، ومعناه: آكل لما بين يديه، و"اللهازم": جمع لهزمة وهي الأشداق. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وكلمة: "ما" زائدة، و"خرجنا": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، و"من دمشق": يتعلق بخرجنا، و"دمشق" لا ينصرف للعلمية والتأنيث. قوله: "فلا نعد": جواب الشرط، قوله: "لها" أي؛ لدمشق، يقال: عاد إليه إذا رجع وعاد له بعد ما كان أعرض عنه، قوله: "أبدًا" نصب على الظرف، قوله: "ما دام" كلمة ما مصدرية زمانية، ودام فعل، و"الجراضم": فاعله، والتقدير: مدة دوام الجراضم فيها؛ أي: في دمشق. الاستشهاد فيه: في قوله: "فلا نعد" فإن لا ناهية، وجزم بها قوله: "نعد" وهو للمتكلم مع غيره، وهو قليل؛ لأن المتكلم لا ينهي نفسه إلَّا على سبيل المجاز وتنزيلها منزلة الأجنبي (¬2). الشاهد السادس بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) ......................... ... ولكنْ متى يَسْتَرْفِدِ القومُ أَرْفدِ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وصدره (¬5): ولستُ بحلَّالِ التِّلاعِ مخافةً ... ........................... ¬
وهو من قصيدته المشهورة التي أولها: 1 - لِخَوْلَةَ أَطْلَالٌ ببَرْقَةِ ثَهْمَدِ ... ظَلِلتُ بهَا أَبْكِي وَأَبْكِي إلَى الغَدِ إلى أن قال: 3 - فَذَالتْ كَمَا ذَالتْ وليدة مجلسٍ ... تُرَى ربّها أذْيَال سَحْلٍ مُمَدَّدِ 4 - ولَستَ بحَلَّالِ .............. ... ......................... إلخ وقد ذكرنا منها طرفًا جيدًا في شواهد اسم الإشارة (¬1)، وفي شواهد إعراب الفعل عن قريب (¬2). 4 - قوله: "بحلال" فعَّال بالتشديد من حلّ يحُلّ بالضم إذا نزل، وأنشده أبو حيان في شرحه للتسهيل: ولسْتَ بِمحْلَالِ التِّلَاعِ ........... ... ..................... بكسر الميم؛ من قولهم: مكان محلال إذا كان يحل به النَّاس كثيرًا (¬3)، وضبطه بعضهم: بجلال التلاع، بالجيم ثم فسره بقوله: لست ممن يستتر في التلاع مخافة الضيف، و"التلاع" بكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف اللام، وهو جمع تلعة، قال أبو عبيدة: التلعة: ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها -أَيضًا، وهو عنده من الأضداد، قال أبو عمرو (¬4): التلاع: مجاري أعلى الأرض إلى بطون الأودية، قوله: "متى يسترفد" أي: متى يطلب الرفد وهو العطية، وقيل: المعونة. قوله: "فذالت" أي: ماست في مشيها وتبخترت، وأصله من جر الذيل اختيالًا، والسحل بالحاء المهملة ثوب أبيض. الإعراب: قوله: "ولست" الواو للعطف، والتاء اسم ليس، وخبره قوله: "بحلال التلاع"، والباء فيه زائدة، قوله: "مخافة": نصب على التعليل، أي: لأجل مخافة الضيف، أو مخافة الإعطاء، و"مخافة": مصدر ميمي بمعنى الخوف، قوله: "ولكن" استدراك، وقوله: "متى" شرطية، وقوله: "يسترفد القوم": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، وقوله: "أرفد": جواب الشرط. ¬
الشاهد السابع بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "متى" حيث جزم الفعلين وهما قوله: "يسترفد" وقوله: "أرفد" لأنها ها هنا جازمة، وهي ظرف زمان لتعميم الأزمنة، ولا تفارق الظرفية، وقد تكون شرطية كما في البيت المذكور، واستفهامية نحو قول الشَّاعر (¬1): مَتَى كَانَ الخِيَامُ بذِي طُلُوحٍ ... .......................... وإذا كانت استفهامًا وقعت خبرًا نحو: متى القتال؟ ووليها الماضي نحو: متى كان الخيام؟ والمستقبل نحو: متى يقوم؟ ولا يجيء بعدها ما، وإذا كانت شرطًا جاز أن يجيء بعدها نحو: متى ما تقم أقم. وقال الكوفيون: وتجيء متى بمعنى: وسط -أَيضًا-، وزعموا أن ذلك لغة هذيل، يقولون: جعلته في متى كيس، أي: في وسطه، وزعموا -أَيضًا- أنها تكون حرف جر بمعنى: من؛ كما في قوله (¬2): شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ ... متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهن نَئِيجُ (¬3) الشاهد السابع بعد المائة والألف (¬4) , (¬5) أيَّانَ نُؤْمِتكَ تَأمَنْ غَيرَنَا وإذا ... لم تدركْ الأَمْنَ منَّا لم تَزَلْ حَذِرَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. و"الحذر" بفتح الحاء وكسر الذال المعجمة؛ صفة مشبهة من الحذر بفتحتين. ¬
الشاهد الثامن بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "أيان" يستفهم به عن زمان مستقبل؛ كقوله تعالى: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65] ولكنها ها هنا جازمة فلذلك جزمت نؤمنك، و"نؤمنك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "تأمن" أَيضًا مجزوم؛ لأنه جواب، وهي -أَيضًا- جملة من الفعل والفاعل. وقوله: "غيرنا": كلام إضافي مفعول تأمن, قوله: "وإذا": ظرف يتضمن معنى الشرط، و"لم تدرك": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، و"الأمن" بالنصب مفعول لم تدرك، وقوله: "منا": جار ومجرور في محل النصب على الحال من الأمن, قوله: "لم تزل حذرا": جواب الشرط، والضمير المستتر في: لم تزل اسمه، و"حذرا": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "أيان" حيث جاءت جازمة ها هنا فجزمت قوله: "نؤمنك"، قال أبو حيان: وزعم بعض شيوخنا أن الجزم بأيان غير محفوظ، قال: لكن القياس يقتضي جواز ذلك؛ لأن معنى أيان ومتى واحد (¬1)، وما زعمه ليس بصحيح بدليل هذا البيت. فافهم (¬2). الشاهد الثامن بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) صَعْدَةٌ نَابتَةٌ في حَايِرٍ ... أينَمَا الرِّيحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ أقول: قائله هو الحسام بن ضرار الكلبي (¬5) كذا قاله الجوهري (¬6)، ويقال: قائله هو كعب بن جعيل (¬7) يصف امرأة، شبه قدها بالقناة، وقبله: 1 - فإذا قَامَتْ إلَى جَارَاتِهَا ... لَاحَتِ السَّاقُ بخَلخَالٍ زَجِلْ قوله: "صعدة" بفتح الصاد وسكون العين وفتح الدال المهملات، وهي قناة مستوية لا تنبت ¬
الشاهد التاسع بعد المائة والألف
إلَّا كذلك فلا تحتاج إلى تثقيف، قوله: "في حاير" بالحاء المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره راء، وهو مجتمع الماء، ويجمع على حيران وحوران. الإعراب: قوله: "صعدة": خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي صعدة، شبهها بالصعدة وهي القناة المستوية كما ذكرنا، ثم حذف أداة التشبيه للمبالغة؛ كما تقول: زيد أسد للمبالغة، قوله: "نابتة" بالرفع صفة لصعدة، و"في حاير" يتعلق بنابتة. الاستشهاد فيه: في قوله: "أينما الريح تميلها تمل" حيث جزم بأينما؛ فإن أين -أَيضًا- من أدوات الشرط، وقد جزم بها الفعلان جميعًا في قوله: "تميلها تمل" (¬1)، وفيه استشهاد آخر وهو تقدم الاسم على فعل الشرط وهو قوله: "الريح" على قوله: "تميلها"، وذلك للضرورة، والحاصل أن إِنْ التي للشرط يتقدم الاسم معها في الكلام، وأما غيرها من الأدوات فلا يتقدم الاسم إلَّا اضطرارًا (¬2). الشاهد التاسع بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) وإنكَ إذْ ما تأتِ ما أَنْتَ آمرٌ ... بهِ تُلْفِ مَن إِيَّاهُ تَأْمُرُ آتيًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "تأت" من الإتيان، وكذلك قوله: "آتيًا"، ووقع في بعض النسخ: آبيًا من الإباء وهو الامتناع، وهذا غير صحيح لأنه ينعكس المعنى، فإذا قرئ آبيًا من الإباء ينبغي أن يقرأ قوله: إذ ما تأت: إذا ما تأب، بالباء الموحدة من الغباء ليستقيم المعنى؛ لأنك إذا أبيت أمرًا، يعني: امتنعت منه ثم أمرت غيرك به فإنَّه لا يمتثل، بل يأباه كما أبيته، فالحاصل أنَّه يجب أن يكون في الموضعين مادة الإتيان أو مادة الإباء، وقد أنشد هذا أبو حيان في شرحه على هذا الوجه (¬5): ¬
الشاهد العاشر بعد المائة والألف
وإنَّكَ إِذْ مَا تَأبَ مَا أنْتَ آمِرٌ ... بِهِ لَا تَجِدْ مَنْ أَنْتَ تَأمُرُ فَاعِلًا قوله: "تلف": من ألفى إذا وجد. الإعراب: قوله: "وإنك" الواو للعطف إن تقدمه شيء، والكاف اسم إن، والجملة بعدها خبرها، قوله: "إذ ما" للشرط، وقوله: "تأت": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، قوله: "ما أَنْتَ آمر به" في محل النصب على أنَّه مفعول تأت، و"ما" موصولة، و"أَنْتَ": مبتدأ، و"آمر به": خبره، والجملة صلة الموصول، وقوله: "تلف": مجزوم لأنه جواب الشرط، قوله: "من أياه": مفعول تلف، وقوله: "أياه": مفعول تأمر، والجملة صلة الموصول؛ أعني: من، وقوله: "آتيًا": حال من: "مَنْ". الاستشهاد فيه: في قوله: "إذ ما" حيث جزم الفعلين وهما قوله: "تأت"، وقوله: "تلف" لأنها للشرط كما ذكرنا (¬1). الشاهد العاشر بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) حيثُما تستقمْ يقدِّرْ لكَ الله ... نجاحًا في غابرِ الأزْمانِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "نجاحًا" أي: فوزًا ونجاة، قوله: "في غابر الأزمان" أي: في باقي الأزمان؛ من غير إذا بقي وغبر إذا مضى -أَيضًا-، وهو من الأضداد، ومادته: غين معجمة وباء موحدة وراء. الإعراب: قوله: "حيثما" للشرط، و"تستقم": جملة من الفعل والفاعل؛ مجزوم لأنه فعل الشرط، قوله: "يقدر" -أَيضًا- مجزوم لأنه جواب الشرط وهو فعل، وفاعله هو قوله: "الله"، ¬
الشاهد الحادي عشر بعد المائة والألف
وقوله: "نجاحًا" مفعوله، قوله: "في غابر الأزمان" يتعلق بقوله: "نجاحًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "حيثما" حيث جزم الفعلين وهما قوله: "تستقم"، وقوله: "يقدر" لأنها للشرط كما ذكرنا (¬1). الشاهد الحادي عشر بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) خَلِيلَيَّ أنَّى تَأْتِيَانِي تأْتِيَا ... أَخًا غَيرَ ما يُرْضِيكمَا لا يُحَاولُ أقول: هو من الطَّويل. قوله: "لا يحاول": من حاولت الشيء إذا أردته، والمعنى: لا يريد شيئًا غير ما يرضيكما. الإعراب: قوله: "خليلي": منادى مضاف قد حذف منه حرف النداء، تقديره: يَا خليلي، وأصله: يَا خليلان لي؛ فلما أضيف خليلان إلى ياء المتكلم سقطت النُّون ثم انقلبت الألف ياء علامة للنصب، وأدغمت الياء في الياء فصار خليلي. قوله: "أنَّى" شرطية، وقوله: "تأتياني": مجزوم لأنه فعل الشرط، وقوله: "تأتيا" أَيضًا مجزوم لأنه جواب الشرط، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أخًا" مفعول تأتيا، قوله: "غير" منصوب بقوله: "لا يحاول"، ومضاف إلى قوله: "ما يرضيكما"، والجملة في محل النصب لأنها صفة لقوله: "أخًا"، وكلمة "ما" موصولة، و"يرضيكما": جملة من الفعل والفاعل والمفعول صلتها، والعائد محذوف تقديره: يرضيكما به، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: غير رضاكما، يعني: لا يحاول شيئًا غير رضاكما؛ أي: غير مرضي لكما فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "أنَّى" حيث جزم الفعلين وهما قوله: "تأتياني"، وقوله: "تأتيا"، وذلك لأنه للشرط ها هنا، وتكون أنى -أَيضًا- استفهامية بمعنى: متى، وتكون -أَيضًا- بمعنى: أين، ¬
الشاهد الثاني عشر بعد المائة والألف
وتكون -أَيضًا- بمعنى: كيف؛ ذكره الأعلم في المخترع، وقال في قوله تعالى: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ} [البقرة: 259] إن معناه: كيف يحيي؟ وقيل ذلك -أَيضًا- في قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] (¬1)، وقال الضحاك (¬2): معناه: متى شئتم (¬3). الشاهد الثاني عشر بعد المائة والألف (¬4) , (¬5) مَنْ يَكَدْني بسيئٍ كنتَ منهُ ... كالشَّجا بَينَ حَلْقِهِ وَالْوَريدِ أقول: قائله هو أبو زيد؛ كذا قاله أبو زيد (¬6)، وهو من الخفيف. قوله: "من يكدني": من كاده يكيده كيدًا ومكيدةً، والكيد: المكر، وربما سمي الحرب كيدًا، قوله: "بسيئٍ": من السوء، وأصله: من ساءه يسوءه سوءًا بالفتح نقيض سرّه، قوله: "كنت" بفتح التاء؛ لأنه يمدح بذلك شخصًا، قوله: "كالشجا" بفتح الشين المعجمة، وهو ما نشب (¬7) في الحلق من عظم أو غيره، قوله: "والوريد" بفتح الواو وكسر الراء، وهو عِرْق غليظ في العنق، قال الجوهري: حبل الوريد: عرق تزعم العرب أنَّه من الوتين، وهما وريدان مكتنفان صفحتي العنق مما يلي مقدمه غليظان (¬8). الإعراب: قوله: "من" شرطية، و"يكدني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول؛ فعل الشرط، قوله: "بسيئ" يتعلق بيكدني، قوله: "كنت منه": جواب الشرط، والتاء اسم كان، وقوله: "كالشجا": خبره، والكاف للتشبيه، و"بين" نصب على الظرف مضاف إلى حلقه، و"الوريد": عطف على حلقه، أي: بين حلقه وبين الوريد. ¬
الشاهد الثالث عشر بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: على كون فعل الشرط مضارعًا وهو قوله: "يكدني" وجواب الشرط ماضيًا وهو قوله: "كنت منه"، والنحويون يستضعفون ذلك حتَّى يراه بعضهم مخصوصًا بالضرورة (¬1)، قال ابن مالك: والصحيح الحكم بجوازه لثبوته في كلام أفصح الفصحاء، قال - صلى الله عليه وسلم - (¬2): "من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬3). الشاهد الثالث عشر بعد المائة والألف (¬4) , (¬5) إنْ تَصْرِمُونَا وَصَلْنَاكُم وإنْ تَصِلُوا ... ملأْتم أنفسَ الأعداءِ إِرْهَابَا أقول: أنشده ابن جني وغيره ولم ينسبه أحد إلى قائله، وهو من البسيط. قوله: "إن تصرمونا": من الصرم وهو القطع، و"الأعداء": جمع عدو، و"الإرهاب" بكسر الهمزة؛ مصدر أرهب، يقال: أرهبه واسترهبه إذا أخافه. الإعراب: قوله: "إن" للشرط، و"تصرمونا": فعل الشرط فلذلك جزم، وقوله: "وصلنا": جواب الشرط، وكذا قوله: "وإن تصلوا" فعل الشرط، وقوله: "ملأتم": جواب الشرط، قوله: "أنفس الأعداء": كلام إضافي مفعول لقوله: "ملأتم"، وقوله: "إرهابًا": مفعول ثان (¬6). والاستشهاد فيه: في موضعين: الأول في قوله: "إن تصرمونا وصلناكم" حيث وقع فعل الشرط مضارعًا ¬
الشاهد الرابع عشر بعد المائة والألف
والجواب ماضيًا، والثاني في قوله: "وإن تصلوا ملأتم" كذلك وقع الشرط مضارعًا والجواب ماضيًا (¬1). الشاهد الرابع عشر بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) وإنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يومَ مسْألةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حَرِمٌ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة من البسيط يمدح بها هرم بن سنان، وأولها هو قوله (¬4): 1 - قفْ بالدِّيَارِ التي لَم يَعْفُها القِدَمُ ... بَلَى وغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ والدِّيَمُ 2 - لا الدَّارُ غيَّرَها بُعْدُ الأنِيسِ ولا ... بالدَّارِ لَوْ كَلَّمَتْ ذَا حَاجَةٍ صَمَمُ إلى أن قال: 3 - هُوَ الجَوَادُ الذِي يُعطِيكَ نَائِلَهُ ... عَفْوًا ويُظْلَمُ أَحْيَانًا فَيظَّلِمُ 4 - وإنْ أتَاهُ ................ ... ..................... إلخ قوله: "خليل" أي: فقير، قوله: "يوم مسألة" ويروى: يوم مسغبة، أي: مجاعة، قوله: "ولا حرم" بفتح الحاء وكسر الراء، أي: ولا ممنوع، قال أبو عبيدة: حرام إذا كان يمنع ولا يعطي منه، وعن أبي عمرو: حرِم وحرَم بكسر الراء وفتحها، ورواية الأصمعيّ: بالكسر، وقال أبو عمرو: حرِم من الحرام، أي: ليس بحرام. الإعراب: قوله: "وإن" الواو للعطف، وإن للشرط، وقوله: "أتاه": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى هرم بن سنان، و"خليل": فاعله، والجملة فعل الشرط، قوله: "يقول": جواب الشرط، قوله: "لا غائب" لا بمعنى ليس، وغائب اسمها، وقوله: ¬
الشاهد الخامس عشر بعد المائة والألف
"مالي": خبرها، قوله: "ولا حرم": عطف على اسم ليس (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "يقول" فإنَّه مضارع وقع جزاء الشرط وهو مرفوع غير مجزوم، وقد علم أن الشرط إذا كان ماضيًا والجزاء مضارعًا يجوز فيه الرفع (¬2). الشاهد الخامس عشر بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) يا أقرعَ بنَ حابسٍ يَا أقرعُ ... إنكَ إنْ يُصْرعْ أخوكَ تُصْرَعُ أقول: قائله هو جرير بن عبد الله البَجَليّ (¬5)، وقال الصاغاني: قائله عمرو بن خَثَارِم البَجَليّ (¬6)، وهو من الرجز المسدس، وأصله هكذا (¬7): 1 - يَا أَقْرَعَ بنَ حابسٍ يَا أقْرَعُ ... إِنِّي أَخُوكَ فَانْظُرَن مَا تَصْنَعُ 2 - إنك إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعُ ... إِنِّي أَنَا الدَّاعِي نِزَار فَاسَمَعُوا 3 - في بَاذِخٍ مِنْ عِزِّ مُجِدٍّ يُفرَعُ ... بِهِ يُضَرُّ قَادِرٌ وَيَنْفَعُ 4 - وَأَدْفَعُ الضَّيْمَ غدًا وَأَمْنَعُ ... عِزٌّ أَلدُّ شَامِخٌ لا يُقْمَعُ ¬
5 - تَتْبَعُهُ النَّاسُ ولَا يُسْتتْبَعُ ... هَلْ هُوَ إِلَّ ذَنْبٌ وَأَكرَعُ 6 - وزمع مؤتشب مُجَمَّعُ وقال ابن الأعرابي: كان جرير بن عبد الله البَجَليّ ينافر هو وخالد بن أرطأة الكلبي إلى الأقرع بن حابس، وكان عالم العرب في زمانه، والمنافرة: المحاكمة؛ مأخوذة من النفر؛ لأن العرب كانوا إذا تنازع الرجلان منهم وادعى كل واحد منهم أنَّه أعز من صاحبه تحاكما إلى العلامة، فمن فضل منهما قدم نفره عليه، أي فضل نفره على نفره، فقال الأقرع: ما عندك يَا خالد؟ فقال: ننزل البراح ونطعن بالرماح ونحن فتيان الصباح، فقال: ما عندك يَا جرير؟ فقال: نحن أهل الدهن الذهب الأصفر والأحمر المعصفر نخيف ولا نخاف، ونطعم ولا نستطعم، ونحن حي الفلاح، نطعم ما هبت الرياح، نطعم الشهر ونصوم الدهر، ونحن ملوك القيصر، فقال الأقرع: واللات والعزى لو نافرت قيصر ملك الروم، وكسرى عظيم الفرس، والنعمان ملك العرب لنفرت عليهم، فقال عمرو بن ختام البَجَليّ هذه الأرجوزة في تلك المنافرة، ومن جملة ما وقع من المنافرة على اختلاف الروايات أن بجيلة قالت: (ونحن أخوة نزار). الإعراب: قوله: "يَا أقرع" يَا حرف نداء، وأقرع: منادى مبني على الفتح لكونه وصف بالابن، والابن بني معه لوقوعه بين العلمين، قوله: "يَا أقرع": منادى بني على الضم لأنه مفرد معرفة مثل: يَا زيد. قوله: "إنك" الكاف اسم إن، قوله: "إن يصرع لا إن للشرط، ويصرع مجزوم لأنه فعل الشرط، وقوله: "أخوك": مفعول يصرع ناب عن الفاعل، قوله: "تصرع" بالرفع خبر إن، والتقدير: إنك تصرع إِنْ يصرع أخوك، ووقع الشرط حشوًا بين إن وخبرها. الاستشهاد فيه: في [قوله] (¬1): "تصرع" الثاني؛ حيث رفع وهو ساد مسد جواب الشرط، وذلك أن فعل الشرط والجزاء إذا كانا مضارعين يجوز رفع الجزاء في الضرورة، ولكن المشهور أن يجزما معًا. ومن قبيل البيت قراءة طلحة بن سليمان (¬2): {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] (¬3) ¬
الشاهد السادس عشر بعد المائة والألف
بضم الكافين؛ حكاها ابن جني في المحتسب، وقال: لعمري هو ضعيف في العربية، وبابه الشعر والضرورة إلَّا أنَّه ليس بمردود؛ لأنه قد جاء عنهم، وذلك أنَّه على حذف الفاء، كأنه قال: فيدرككم الموت (¬1). الشاهد السادس عشر بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) فقلتُ تحمَّلْ فوقَ طوقكَ إنها ... مُطَبعَةٌ مَنْ يأتِهَا لا يضيرُها أقول: قائله هو أبو ذؤيب الهذلي (¬4)، وهو من قصيدة من الطَّويل، وأولها هو قوله: 1 - مَا حُمِّلَ البُخْتِيُّ عَامَ غِيَارِهِ ... عَلَيهِ الوُسُوقُ بُرُّهَا وشَعِيرُهَا 2 - أَتَى قَريَةً كَانَتْ كَثِيرًا طَعَامُهَا ... كَرَفْغِ التُّرَابِ كُل شَيء يَمِيرُهَا 3 - فقلتُ تحمل ............. ... ................ إلخ 4 - بأكْثَرَ مِمَّا كُنتُ حَمَّلتُ خَالِدًا ... وبَعضُ أمَانَاتِ الرِّجالِ غُرُورُهَا 5 - ولَوْ أننِي حَمَّلْتُها البُزْلَ مَا مَشَت ... بهَ البُزْلُ حَتَّى بها تَتْلَئب بِهَا صُدُورُهَا 1 - قوله: "عام غياره" أي: عام ميرته، يقال: غارهم يغيرهم إذا مارهم، قوله: "الوسوق": جمع وسن وهو حمل البعير. 2 - قوله: "أتى قرية" أي: أتى هذا البختي قرية كثيرة الطعام، قوله: "كرفغ التُّراب" بفتح الراء وسكون الفاء وبالغين المعجمة، وأراد به الكثرة، وأصل الرفع اللين والسهولة. 3 - قوله: "فقلت تحمل"، ويروى: فقيل تحمل، أي: فقلت للبختي تحمل فوق طوقك، أي: طاقتك، قوله: "إنها" أي: إن القرية مطبعة؛ أي: مملوءة من الطعام، قوله: "لا يضيرها" أي: لا يضرها. 4 - قوله: "خالدًا" أراد به خالد بن زهير، وكان أبو ذؤيب خلفه على أم عمرو، وكان قد ¬
الشاهد السابع عشر بعد المائة والألف
أخذها من أبي عويمر بن مالك، فكان أبو عويمر قبل ذلك يرسل إليها أَبا ذؤيب، فكان أبو ذؤيب يرسل إليها خالدًا، فلما كبر أبو ذؤيب أخذها خالد، فقال أبو ذؤيب: ما حمل البختي إلى آخر القصيدة. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "تحمل": مقول القول وهو خطاب للبختي المذكور في أول القصيدة، قوله: "فوق" نصب على الظرف. قوله: "إنها" أي: لأنها؛ أي: لأن القرية، وقد ذكرت في البيت الذي قبله، والضمير اسم إن، وقوله: "مطبعة": خبرها، قوله: "من" شرطية، و"يأتها": جملة وقعت فعل الشرط، وقوله: "لا يضيرها": جملة وقعت جواب الشرط. والاستشهاد فيه: حيث جاء مرفوعًا وهو جواب الشرط، وقد ذكرنا تحقيقه في البيت السابق (¬1). الشاهد السابع عشر بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) مَن يَفْعَلِ الحَسَنَاتِ الله يَشْكُرُهَا ... والشرُّ بِالشَّرِّ عند الله مثلانِ أقول: قائله هو عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثابت -رضي الله عنهما-، وهو من البسيط. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "من" شرطية، و"يفعل": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى من وقعت فعل الشرط، و"الحسنات": مفعول يفعل، وقوله: "الله": مبتدأ، و"يشكرها": خبره، والجملة جواب الشرط، قوله: "والشر": مبتدأ، والباء في "بالشر" للمقابلة، كما في ¬
الشاهد الثامن عشر بعد المائة والألف
قولك: كافأت إحسانه بضعفه، وقوله: "عند الله": نصب على الظرف، وقوله: "مثلان": خبر المبتدأ. الاستشهاد فيه: في قوله: "الله يشكرها" فإن هذه جملة وقعت جوابًا للشرط، وقد حذف منها الفاء، وأصلها: فالله يشكرها، وذلك للضرورة (¬1)، وعن المبرد: أنَّه منع ذلك حتَّى في الشعر، وزعم أن الرواية: من يفعل الخير فالرحمن يشكره (¬2)، وعن الأخفش: أن ذلك واقع في النثر الفصيح، وأن منه قوله تعالى (¬3): {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]، قال ابن مالك: يجوز في النثر نادرًا، ومنه حديث اللقطة (¬4)، "فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها" (¬5). الشاهد الثامن عشر بعد المائة والألف (¬6)، (¬7) وَمَن لم يزَلْ ينقادُ للغَيِّ والهَوَى ... سيُلْفَى على طول السَّلامةِ نادمَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "للغي" وهو الضلال، قوله: "والهوى" وهي ويروى: والصبا، قوله: "سيلفى" أي: سيوجده ¬
الشاهد التاسع عشر بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "ومن" الواو للعطف إن تقدمه شيء، ومن شرطية، وقوله: "لم يزل ينقاد" فعل الشرط، ويروى: ومن لا يزل ينقاد، والضمير المستتر في لم يزل اسمه، وينقال: جملة خبره، و"للغي"؛ جار ومجرور يتعلق بينقاد، و"الهوى": عطف عليه، قوله: "سيلفى": جواب الشرط، والضمير المستتر فيه مفعول ناب عن الفاعل، وقوله: "نادمًا": مفعول ثان، والأظهر أن يكون حالًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "سيلفى" فإنَّها جملة وقعت جزاء الشرط، وقد حذف منها الفاء، والتقدير: فسيلفى، فحذفها للضرورة (¬1). الشاهد التاسع عشر بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) فإن يَهْلِكْ أبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ ... ربيعُ النَّاسِ والبلدُ الحرامُ ونأخُذُ بعدَهُ بِذِنَابِ عَيشٍ ... أَجَبِّ الظَّهْرِ ليسَ لَهُ سَنَامُ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الصفة المشبهة باسم الفاعل (¬4). و"أبو قابوس": كنية النُّعمان بن الحارث، و"الذناب" بكسر الذال المعجمة؛ عقب كل شيء، وقوله: "أجب الظهر" أي؛ مقطوع السنام كأن سنامه قد جب، أي: قطع من أصله. الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "ونأخذ" فإنَّه يجوز فيه الرفع والنصب والجزم، أما الرفع فعلى الاستئناف، ويكون التقدير: ونحن نأخذ، وأما النصب فبتقدير: أن، وأما الجزم فبالعطف على الجزاء وهو قوله: "يهلك" فافهم (¬5). ¬
الشاهد العشرون بعد المائة والألف
الشاهد العشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) ومَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعَ نُؤْوهِ ... ولَا يَخْشَ ظلْمًا ما أقامَ ولا هَضْمًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "نؤوه": من آواه يؤويه إيواءً إذا أنزله به، قوله: "هضمًا" أي: ظلمًا؛ من قولهم: رجل هضيم ومهتضم، ويروى: ولا ضيمًا وهو بمعناه. الإعراب: قوله: "ومن" الواو للعطف إن تقدمه شيء، ومن للشرط، و"يقترب": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، قوله: "منا": جار ومجرور يتعلق به، قوله: "ويخضع" بالنصب بإضمار أن، قوله: "نؤوه": جواب الشرط، قوله: "ولا يخش": جملة من الفعل والفاعل دخلت عليها لا النافية، و"ظلمًا": مفعوله، قوله: "ما أقام" أي: مدة إقامته، وكلمة ما مصدرية زمانية، قوله: "ولا هضمًا": عطف على قوله: "ظلمًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "ويخضع" حيث جاء بالنصب بتقدير أن، والعطف على الشرط قبل الجواب بالفاء، والواو يجوز فيه وجهان: الجزم عطفًا على الشرط، والنصب بإضمار أن، وها هنا يتعين النصب للوزن (¬3). ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) فَطَلِّقْهَا فلستَ لَهَا بكُفْءٍ ... وإلَّا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحسَامُ أقول: قائله هو الأحوص محمَّد بن عبد الله بن عاصم الأَنْصَارِيّ، وهو من قصيدة ميمية، ذكرنا منها أكثرها في شواهد الكلام في أول الكتاب. قوله: "فطلقها" خطاب لمطر في قوله: سَلَامُ الله يَا مَطَرٌ عَلَيها ... وَلَيسَ عَلَيك يَا مَطَرُ السَّلَامُ والضمير المنصوب فيه يرجع إلى امرأة مطر، وكانت جميلة، وكان مطر ذميم الخلق، فلهذا قال: فلست لها بكفء، أي: بمعادل لها ومناسب لزوجيتها، قوله: "وإلا" يعني: وإن لم تطلقها، "يعل" أي: يفوق على، "مفرقك" أي: رأسك، و"الحسام" أي: السيف. الإعراب: قوله: "فطلقها" الفاء للعطف على ما قبله، وطلقها: جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "فلست" الفاء للتعليل، والضمير المتصل به اسم ليس، وقوله: "بكفء": خبره، والباء فيه زائدة، قوله: "وإلا" أصله: وإن لم، وليست هي إلَّا الاستثنائية، فالشرط فيه محذوف تقديره: وإن لم تطلقها، قوله: "يعل": جواب الشرط، وقوله: "مفرقك": كلام إضافي مفعول يعل، وقوله: "الحسام" بالرفع فاعل يعل. الاستشهاد فيه: في قوله: "وإلا يعل" حيث حذف فيه فعل الشرط، والتقدير (¬3): وإن لم تطلقها كما ذكرنا (¬4). ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) متى تُؤْخَذُوا قَسْرًا بِظَنَّةِ عامرٍ ... وَلَا ينجُ إلَّا في الصِّفَادِ يزيدُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل. قوله: "قسرًا" بفتح القاف وسكون السين المهملة، أي: قهرًا وغصبًا، قوله: "بظنة" بكسر الظاء وتشديد النُّون؛ أي: بتهمة عامر، قوله: "في الصفاد" بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء، وهو ما يوثق به الأسير من قيد وغل. الإعراب: قوله: "متى" للشرط، وقوله: "تؤخذوا": جواب الشرط، وفعل الشرط محذوف كما نذكره عن قريب، قوله: "قسرًا" نصب على التمييز، قوله: "بظنة عامر": كلام إضافي يتعلق بقوله: "تؤخذوا". قوله: "ولا ينج إلَّا في الصفاد يزيد" التقدير: ولا ينج يزيد إلا وهو في الصفاد، أراد الشَّاعر تحذير هؤلاء القوم الذين عامر كبيرهم حيث يقول: متى أخذتم لا ينج أحد منكم غير يزيد فإنَّه -أَيضًا يقيد في الصفاد. الاستشهاد فيه: في قوله: "متى تؤخذوا" حيث حذف فعل الشرط؛ إذ أصله: متى تثقفوا تؤخذوا (¬3). الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة والألف (¬4) , (¬5) قالتْ بناتُ العمِّ يَا سلمى وإنْ ... كَانَ فقيرًا معدمًا، قالتْ وإنْ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الكلام في أول الكتاب (¬6). ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "قالت وإن" حيث حذف فيه الشرط والجزاء معًا؛ لأن التقدير: وإن كان فقيرًا [معدمًا] (¬1) قبلته، وقال الشيخ أبو حيان: وإن كان كما تصفنه تزوجته (¬2). ونص ابن مالك على أن حذف الشرط والجزاء بعد إن مختص بالضرورة (¬3)، وتبع في ذلك ابن عصفور؛ فإنَّه ذكر أنَّه إذا لم يكن بتعويض فلا يجيء إلَّا في الشعر، ولم ينص غيرهما على أن ذلك ضرورة؛ بل قالوا: ويجوز حذف فعل الشرط والجزاء إذا فهم المعنى (¬4). الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة والألف (¬5) , (¬6) لَئِنْ مُنيتَ بِنَا عَنْ غِبٍّ مَعْرَكَةٍ ... لا تُلْفِنَا عن دِماءِ القومِ نَنْتَفِلُ أقول: قائله هو الأَعشى ميمون بن قيس، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬7): 1 - ودِّعْ هُريرةَ إِن الرَّكْبَ مُرْتَحِلٌ ... وهلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ إلى أن قال: 2 - لئنْ قتلتُمْ عَمِيدًا لم يَكُنْ صدَدًا ... لنَقْتُلَنْ مِثْلَهُ مِنْكُمْ فَنَمْتَثِلُ 3 - لئنْ مُنيتَ بِنَا عنْ غِبٍّ مَعْرَكَةٍ ... ..................... إلخ ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة والألف
وهي من البسيط، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد حروف الجر (¬1). الاستشهاد فيه: في أنَّه قد اجتمع فيه الشرط والقسم، أما الشرط فقوله: "لئن"، وأما القسم فإنَّه يدل عليه اللام لأنها موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لئن، وكل منهما يستدعي جوابًا، وقد ترجح الشرط على القسم ها هنا حيث قال: لا تلفنا بالجزم، وعلامة الجزم سقوط الياء؛ لأن أصله: لا تلفينا، وحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه، ولو كان "لا تلفنا" جواب القسم لقال لا تلفينا بإثبات الياء لأنه مرفوع (¬2). الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) لَئِن كان ما حُدِّثْتُهُ اليوْمَ صادقًا ... أَصُمْ في نَهَارِ القَيظِ للشَّمْسِ باديَا وَأَرْكَبْ حِمَارًا بَينَ سَرجٍ وَفَرْوَةٍ ... وأُعِرْ منَ الخَاتَامِ صُغْرَى شمَالِيَا أقول: قالت هذين البيتين امرأة فصيحة من عقيل، وهما من الطَّويل. و"القيظ" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره ظاء معجمة، وهو شدة الحُر، قال الجوهري: القيظُ: حمارة الصيف (¬5)، قال في العباب: بتخفيف الميم وتشديد الراء وربما خفف في الشعر، قوله: "باديَا": من بدا إذا ظهر، ويروى: "ضاحيا"، أي: بارزًا للشمس، ومنه ضاحٍ إذا كان بارزًا للشمس. ¬
2 - قوله: "من الخاتام" أي: من الخاتم، وفيه أربع لغات: خاتَم بفتح التاء، وخاتم بكسرها، وخاتام، وخيتام (¬1). الإعراب: قوله: "لئن" اللام فيه اللام الموطئة للقسم عند الكوفيين، وعند البصريين زائدة على ما يأتي الآن بيانه، و"إن" للشرط. وقوله: "كان ما حدثته": فعل الشرط، وما حدثته: اسم كان، وخبره قوله: "صادقًا"، وما موصولة، وحدثته صلتها وهو على صيغة المجهول من التحديث، والضمير المستتر فيه مفعول ناب عن الفاعل، والهاء مفعول ثان يرجع إلى ما، وقوله: "اليوم" نصب على الظرف. قوله: "أصم" بالجزم جواب الشرط، وقوله: "في نهار القيظ" يتعلق بأصم، قوله: "باديَا": حال من الضمير الذي في أصم، قوله: "وأركب" بالجزم -أَيضًا- عطف على قوله: "أصم"، و"حمارًا": مفعوله، و"بين" نصب على الظرف، و"سرج" مجرور بالإضافة، و"فروة": عطف عليه. قوله: "وأعر" بالجزم -أَيضًا- عطف على قوله: "وأركب"، وقوله: "من الخاتام" يتعلق به، قوله: "صغرى": مفعول أعر، وهو مضاف إلى شماليا، وأصله: صغرى شمالي، فحركت الياء بالفتحة وأشبعت بالألف للوزن. الاستشهاد فيه: في قوله: "أصم" فإنَّه جواب الشرط، وقد اكتفى به عن جواب القسم المقدر؛ لأن التقدير ها هنا: والله لئن كان ما حدثته اليوم صادقًا أصم؛ لأن اللام هي الموطئة التي يقدر قبلها القسم، وهذا مذهب بعض الكوفيين منهم الفراء (¬2)، وأما البصريون فقد أوَّلوا مثل هذا، وقالوا: اللام فيه زائدة، كما زادوها في قراءة من قرأ: {إلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ} [الفرقان: 20] (¬3) بفتح الهمزة، وفي خبر المبتدأ في قوله (¬4): أُمُّ الحُلَيسٍ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ ... .................... (¬5) ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد السادس والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) متَى تَأْتِهِ تعشُو إِلَى ضؤء نَارِه ... تَجِدْ خيرَ نَارٍ عندها خيرُ موقدِ أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه: جرول بن أوس العبسي، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬3): 1 - آثرتُ إِدْلاجِي على ليلِ حُرَّةٍ ... هَضِيمِ الحَشَا حُسَّانَةِ المتُجَرِّدِ 2 - إذا النَّومُ ألْهَاهَا فَي الزَّادِ خِلْتهَا ... بُعَيدَ الكَرَى باتتْ على طيِّ مجْسِدِ إلى أن قال: 3 - فَمَا زَالتْ العَوْجَاءُ تَجْرِي ضفورها ... إِلَيكَ ابْنَ شمَاسِ تَرُوحُ وتَغْتَدِي 4 - تَزُورُ امْرَأً يؤتِي عَلَى الحَمْدِ مَالهُ ... ومَنْ يُؤْتَ أثمان المحَامِدِ يُحْمَدِ 5 - يَرَى البُخْلَ لَا يُبْقِي عَلَى المَرْء مَالهُ ... ويَعلَمُ أَن البُخلَ غَيرُ مُخَلَّدِ 6 - كَسُوبٌ ومِتلَافٌ إذَا مَا سَأَلتَهُ ... تَهَلَّلَ واهْتَزَّ اهْتزَازَ المهنَّدِ 7 - مَتَى تَأْتِهْ ................... ... ...................... إلخ 8 - وذاكَ امرُؤٌ إنْ يعطِكَ اليومَ نائلًا ... بكفَّيْهِ لا يمْنَعْكَ من نائلِ الغدِ 9 - هُوَ الوَاهِبُ الكُومَ الصَّفايا لجاره ... يَرُوحُ بهَا العِبدَانُ في غَارِبٍ ندِي وهي من الطَّويل، وفيه الكف والثلم، وهو قوله: "آثرت إدلاجي" فإن "آثر" مكفوف أثلم (¬4). 1 - "والإدلاج": سير الليل، و"الحرة": الكريمة، و"هضيم الحشا" أراد به دقيق الخصر، و"حسانة المتجرد" أي: حسنة العرية، وهو بضم الحاء وفتح السين المهملتين. 2 - وقوله: "على طي مجسد" بضم الميم وسكون الجيم وفتح السين المهملة، معناه: على طي ثوب مجسد وهو المصبوغ بالزعفران، شبه عكنها وانطواء بطنها بطي ثوب مجسد. ¬
3 - و"العوجاء": الناقة الضامرة، و"ضفورها": أنساعها، وقوله: "ابن شماس" أي: يَا ابن شماس، وهو بغيض بن شماس السعدي. 6 - و"المهند": السيف المطبوع من حديد الهند. 7 - وقوله: "تعشو": من عشى إذا أتى نارًا يرجو عندها خيرًا أو هدى، وهو بالعين المهملة من باب نصر ينصر. 9 - و"الكوم" بضم الكاف؛ جمع كوماء وهي الناقة العظيمة السنام، وقوله: "العبدان" بكسر العين المهملة وسكون الباء الموحدة؛ جمع عبد، يقال: عبد وأعبد وعبيد وعِبدَان وعُبَدَاء ومعبدة ومعبوداء، و"الغارب" بالغين المعجمة والراء؛ ما بين السنام والعنق. الإعراب: قوله: "متى": ظرف زمان ومعناه الشرط، والعامل فيه تأته، و"تأته" مجزوم بالشرط، وقوله: "تعشو": مرفوع في موضع الحال تقديره: متى تأته عاشيًا، فعاشيًا حال من الضمير في تأته، وقوله: "إلى ضوء" يتعلق بتعشو، وقوله: "تجد" بالجزم لأنه جواب الشرط، قوله: "خير نار": كلام إضافي مفعول تجد، وهو من وجدت الضالة، وقوله: "خير موقد": كلام إضافي مبتدأ، وخبره الظرف المقدم عليه أعني قوله: "عندها"، والجملة في محل الجر لأنها صفة للنار، والتقدير: تجد خير نار كائن عندها خير موقد، ويجوز أن يكون ارتفاع خير موقد بالاستقرار على مذهب الأخفش وسيبويه (¬1)؛ لأن الظرف قد اعتمد بكونه صفة لموصوف وهي النَّار. الاستشهاد فيه: في قوله: "متى" حيث جزم الفعلين وهما قوله: "تأته وتجد"، وفيه استشهاد آخر وهو قوله: "تعشو" حيث رفع لأنه في موضع الحال كما ذكرنا (¬2). ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد السابع والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) لا أَعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامعُها ... مُرَدَّفاتٍ على أَعْقَابِ أَكوَارِ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وهو من قصيدة من البسيط، وأولها هو قوله (¬3): 1 - لقد نَهَيتُ بَنِي ذُبْيَانَ عن أُقُرٍ ... وَعَنْ تربُّعِهِمْ في كل أَصْفارِ 2 - وقلتُ يَا قومُ إن الليثَ مُنْقَبِضٌ ... على براثِنِهِ لِوَثْبَةِ الضاري 3 - لا أعْرِفَنْ رَبْرَبًا حُورًا مَدَامِعُها ... كأن أبكارَهَا نِعَاجُ دُوَّارِ 4 - يَنظرْنَ شزرًا إلَى مَنْ جَاءَ عَنْ عُرُضٍ ... بأوْجُهٍ مُنْكَراتٍ الرِّقِّ أحرارٍ 1 - قوله: "أقر" بضم الهمزة والقاف وفي آخره راء، وهو واد مملوء حمضًا ومياهًا، وكان النُّعمان بن الحارث الأصغر الغساني قد احتماه فاحتماه النَّاس فتربعه بنو ذبيان فنهاهم النُّعمان عن ذلك وحذرهم وخوفهم إغارة الملك فتربعوه، ولما مات النُّعمان رثاه النابغة وكان منقطعًا إليه، ثم انقطع إلى عمرو بن الحارث أخي النُّعمان بن الحارث فوجه إليهم خيلًا فأصابوهم، ففي ذلك قال النابغة هذه القصيدة [هي تسعة عشر بيتًا] (¬4)، قوله: "وعن تربعهم" أي: حلولهم فيه زمن الرَّبيع وإنما قال: "في كل أصفار" لأن صفر يومئذ كان في الرَّبيع، وقيل: معناه: حين يتصفر الماء ويتربل الشجر (¬5) ويبرد الليل، وذلك آخر الصيف. 2 - قوله: "إن الليث منقبض" أي: مجتمع متهيئ للوثوب و"البراثن": المخالب، و"الضاري": من صفة الليث، ومعناه: المتعود أكل النَّاس، وضرب هذا مثلًا للملك الذي حذر قومه منه. 3 - و"الربرب": القطع من البقر، شبه النساء به في حسن العيون وسكون المشي، قوله: "حورًا" بضم الحاء المهملة، جمع حوراء؛ من الحور وهي شدة بياض العين في شدة سوادها، يقال: امرأة حوراء؛ أي: بينة الحور، قال الأصمعيّ: ما أدري ما الحور في العين؟ وقال أبو عمرو: ¬
الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر، قال: وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء حور العيون؛ لأنهن شبهن بالظباء والبقر (¬1). و"المدامع": العيون وهي مواضع الدمع، قوله: "كأن أبكارها نعاج دُوَّار" هكذا وقع هذا الشطر في ديوان النابغة، و"النعاج": أناث البقر، قوله: "دوار" بضم الدال وتشديد الواو، وهو اسم موضع وهو شجر اليمامة. قوله: "مردفات": جمع مردفة بالتشديد؛ من ردفه إذا تبعه، وأراد به مترادفات؛ أي: متتابعات. قوله: "على أعقاب أكوار" ويروى: على أحناء أكوار، و"الأعقاب": جمع عقب، وعقب كل شيء: آخره، و"الأحناء" جمع حِنو السرج بكسر الحاء وسكون النُّون، و"الأكوار" جمع كور بضم الكاف، وهو الرحل بأداته. الإعراب: قوله: "لا" ناهية كما يجيء، و"أعرفن": جملة من الفعل والفاعل مؤكدة بالنُّون الخفيفة، وقوله: "ربربًا": مفعوله، قوله: "حورًا": نصب على أنَّه صفة لربربًا، و" مدامعها": مرفوع بقوله: "حورًا"، قوله: "مردفات": نصب على الحال من ربرب، وقوله: "على أعقاب أكوار" يتعلق بها. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أعرفَنْ" فإن لا ناهية، وهو نهي للمتكلم، وهو قليل جدًّا فإن المتكلم لا ينهي نفسه إلَّا على نوع من التجوز وتنزيلها منزلة أجنبي حتَّى ينهاها، وحاصل الكلام في هذا الباب أن الفعل إذا كان مبنيًّا للمفعول جاز دخول لا الناهية عليه مطلقًا، سواء كان متكلمًا أم مخاطبًا أم غائبًا نحو: لا أخرج ولا تخرج ولا يخرج زيد، وإن كان مبنيًّا للفاعل فالأكثر أن يكون للمخاطب نحو: لا تذهب، ويضعف للمتكلم والغائب. فافهم (¬2). ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) احفظ وَدِيعَتَكَ التي اسْتَودعْتَهَا ... يَوْمَ الأعَازِبِ إنْ وَصَلَتْ وإنْ لمِ أقول: قائله هو إبراهيم بن عليّ بن محمَّد بن سلمة بن عامر بن هرمة (¬3) وشهرته بنسبته إلى جده هرمة، يقال له: ابن هرمة القُرشيّ، وهو من الكامل. المعنى ظاهر. و"يوم الأعازب": يوم معهود بينهم. الإعراب: قوله: "احفظ": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه وهو أَنْتَ، قوله: "وديعتك": كلام إضافي مفعول: احفظ، قوله: "التي" موصولة، و"استودعتها" على صيغة المجهول جملة من الفعل والمفعولين أحدهما التاء نابت عن الفاعل، والثاني: الضمير المنصوب. قوله: "يوم الأعازب": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "إن وصلت" إن للشرط ووصلت: جملة وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه قوله: "احفظ". الاستشهاد فيه: في قوله: "وإن لم" حيث حذف منه الفعل الذي دخلت عليه: لم؛ إذ التقدير: وإن لم تصل، كذا قدره أبو حيان على صيغة المعلوم (¬4)، وقدره أبو الفتح البعلي على صيغة المجهول، فعلى التقدير الأول يكون قوله: إن وصلت على صيغة المعلوم -أَيضًا-، وعلى التقدير الثاني: يكون على صيغة المجهول، والصواب مع البعلي. فافهم (¬5). ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة والألف
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) قلتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها ... تِئْذَنْ فَإنِّي حَمُهَا وجَارُهَا أقول: لم أقف على اسم قائله، وقبله: جاريةً بسفَوَانَ دَارُهَا لَم تَدْرِ ... مَا الدَّهْنَا ولَا تَعْشَارُهَا قَدْ اعْصَرَتْ أوقددنا أعصارها ... تَمْشِي الهُوَيْنَى مَائِلًا خِمَارُهَا يَسْقُطُ مِنْ غِلْمَتِهَا إزارها ... قَلْتُ لبَوَّابٍ .................. وهي من الرجز المسدس. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "قلت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "لبواب" يتعلق به، قوله: "لديه" في محل الرفع لأنه خبر مبتدأ مؤخر، وهو قوله: "دارها"، والجملة في محل الجر لأنها صفة لبواب، قوله: "تئذن": مقول القول، وهو بكسر التاء المثناة من فوق، قوله: "فإنِّي" الفاء للتعليل، والضمير المتصل به اسم إن، وقوله: "حمها": كلام إضافي خبرها، قوله: "وجارها": عطف على الخبر. الاستشهاد فيه: في قوله: "تئذن" إذ أصله: لتأذن؛ فحذف اللام وأبقى عملها, وليس هذا بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن، قال أبو حيان: وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك على أن يكون مرفوعًا فسكن اضطرارًا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه باستغنائه عن الفاء فكان يقول: تيذن إنِّي حمها. فافهم (¬3). ¬
الشاهد الثلاثون بعد المائة والألف
الشاهد الثلاثون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) ...................... ... ..... ولا ذا حقَّ قومِكَ تَظْلِمِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطَّويل، وصدره: وقالوا أخانا لا تَخَشَّعْ لِظالمٍ ... عزيزٍ ...................... قوله: "تخشع" بتشديد الشين. الإعراب: قوله: "وقالوا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أخانا": منادى حذف منه حرف النداء، والتقدير: يَا أخانا، وهو كلام إضافي، قوله: "لا تخشع": جملة من الفعل والفاعل وقعت مقول القول، و"لظالم" يتعلق به، وقوله: "عزيز" صفة لظالم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا ذا حق قومك تظلم" حيث فصل الشَّاعر بين لا الجازمة وبين مجزومها بفضلة هي معمول المجزوم، وذلك أن قوله: "لا" جازمة، و"تظلم" مجزوم بها، وقد فصل بينهما بقوله: "ذا حق قومك"، وهو مفعول، والمفعول فضلة في الكلام، وإنما قيدنا بالفضلة؛ لأنه إذا كان عمدة لا يجوز نحو: لا يضرب زيد، فإنَّه لا يجوز أن يقال: لا زيد يضرب، وظاهر كلام ابن مالك أن ذلك يجوز على قلة في الكلام؛ إذ لم يخص ذلك بالضرورة (¬3). وقد قال في شرح الكافية الشافية: وقد فصل بين لا ومجزومها في الضرورة، وأنشد البيت المذكور، وقال: [وهذا رديء] (¬4)؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور (¬5). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة والألف
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) ..................... ... كأنْ لم سِوَى أَهْلٍ مِنَ الوَحْشِ تُؤْهَلِ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وصدره: فأضْحَتْ مَغَانِيها قِفَارًا رُسُومُهَا ... ........................... وهو من قصيدة طويلة من الطَّويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - قفِ العيسَ في أَطْلَالِ ميَّةَ فاسألِ ... رسومًا كأخلاقِ الرِّدَاءِ المُسلسلِ 2 - أظنُّ الذي يُجْدِي عليك سُؤَالُهَا ... دموعًا كَتَبْذِيرِ الجُمَانِ المفصَّلِ إلى أن قال: 3 - فيا كرمَ السَّكْنِ الَّذينَ تَحَمَّلُوا ... عَنْ الدَّارِ والمُسْتَخْلِفِ المتبدِّلِ 4 - فَأَضْحَت ................ ... ...................... إلى آخره 1 - قوله: "العيس" بكسر العين؛ جمع عيساء وهي الناقة التي يخالطها شقرة، و"الأطلال": جمع طلل الدار وهو ما شخص من آثارها، و"الرسوم": جمع رسم الدار وهو ما تعلم به الدار. 2 - و"الجمان": لؤلؤ مفصل بخرز. 3 - و"السكن": جمع ساكن. 4 - قوله: "مغانيها": جمع مغنى بالغين المعجمة وهو المنزل، وفي ديوان ذي الرمة: فأضحت مباديها، قال في شرحه: مباديها حيث تبدو، و"القفار" بكسر القاف؛ جمع قفر وهو الأرض الخالية، وقوله: "يؤهل من أهل الدار": نزلها من باب ضرب يضرب. الإعراب: قوله: "فأضحت" الفاء للعطف، و"أضحت" من الأفعال الناقصة، وقوله: "مغانيها": كلام إضافي اسمه، وقوله: "قفارًا": خبره، قوله: "رسومها" بالرفع بدل من قوله: "مغانيها"، ¬
الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة والألف
قوله: "كأن" مخففة [من الثقيلة] (¬1) من كأن التي للتشبيه، و"لم" جازمة، ومجزومها هو قوله: "تؤهل" والتقدير: كأن لم تؤهل الدار سوى أهل من الوحش. والاستشهاد فيه: حيث فصل بين لم وبين مجزومها بالظرف للضرورة، فإن"لم" جازمة، وقوله: "تؤهل" مجزوم بها، وقد فصل بينهما بقوله: "سوى أهل من الوحش"، ومن هذه بيانية (¬2). الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) لولا فوارسُ مِنْ ذُهْلٍ وأسرتُهُمْ ... يومَ الصُّلَيفَاء لمْ يوفونَ بالجارِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. و"الفوارس": [جمع فارس] (¬5) على غير قياس، قال الجوهري: وهو شاذ لا يقاس عليه؛ لأن فواعل إنما هو جمع فاعلة، مثل: ضاربة وضوارب، أو جمع فاعل إذا كان صفة للمؤنث مثل: حائض وحوائض، أو ما كان لغير الآدميين مثل: جمل بازل، وجمال بوازل، فأما مذكر ما يعقل فلا يجمع عليه إلَّا فوارس وهوالك ونواكس (¬6). قوله: "من ذهل" بضم الذال المعجمة، وهو حي من بكر، وهما ذهلان كلاهما من ربيعة، أحدهما: ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكانة، والآخر: ذهل بن ثعلبة بن عكابة، قوله: "وأسرتهم" أسرة الرّجل -بضم الهمزة- رهطه؛ لأنه يقوى بهم. قوله: "يوم الصليفاء" بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وبالفاء والمد، وهو اسم موضع، وفي الأصل هو تصغير: صلفاء وهي الأرض الصلبة. ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "لولا" لربط امتناع الثَّانية لوجود الأولى، و"فوارس": مبتدأ مخصص بالصفة، وهي قوله: "من ذهل"، والخبر محذوف تقديره لولا فوارس كائنون من ذهل موجودون. قوله: "وأسرتهم" بالرفع عطف على فوارس، ويروى: لكن فوارس من جرم وأسرتها، قوله: "يوم الصليفاء": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "لم يوفون بالجار": جواب لولا. الاستشهاد فيه: في قوله: "لم يوفون" حيث لم يجزم يوفون بلم؛ إذ قد أثبت النُّون، وظاهر كلام ابن مالك جواز ذلك على قلة وأنه لا يختص بالضرورة (¬1). وقال أبو حيان: وإنما أنشده الفارسيّ على أنَّه وقع ذلك في الشعر على سبيل الضرورة، وقد ذكر ابن جني في سر الصناعة هذا على تشبيه لم بلا (¬2). فافهم. الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) في أيِّ يومي من الموت أفرّ ... أيَوْمَ لم يُقْدَرَ أَمْ يَوْمَ قُدِرْ؟ أقول: قائله هو علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- كذا قال البحتري في الحماسة (¬5)، وقال ابن الأعرابي: هو للحرث بن المنذر الجرمي وليس لعلي - رضي الله عنه - ولكنه تمثل به. وهو من الرجز. ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "في أي" يتعلق بقوله: "أفر"، وكذلك قوله: "من الموت" و"أي": مضاف إلى مثنى، ويوم مضاف إلى ياء المتكلم، قوله: "أيوم" الهمزة للاستفهام، ويوم نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: في قوله: "لم يقدر" بنصب الراء، وذلك لغة بعض العرب أنَّهم ينصبون بكلمة لم، وعليه قراءة بعضهم: {أَلَمْ نَشْرَحْ} [الشرح: 1] بفتح الحاء (¬1)؛ كذا زعمه اللحياني (¬2)، وخرّج على أن الأصل: نشرحن ويقدرن، ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلًا عليها، وفي هذا شذوذان: توكيد المنفي بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين. وقال أبو الفتح: الأصل يقدر بالسكون، ثم تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة، وقد أجرى العرب الساكن المجاور للمحرك مجرى المحرك، والمحرك مجرى الساكن إعطاء للجار [حكم] (¬3) مجاوره، أبدلوا الهمزة المحركة ألفًا كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة، ولزم حينئذ فتح ما قبلها؛ إذ لا تقع الألف إلَّا بعد فتحة (¬4). الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائة والألف (¬5) , (¬6) .................... ... بني ثُعْلٍ مَنْ يَنْكَعِ العنزَ ظالمُ أقول: قائله هو فلان الأسدي، وصدره: ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة والألف
بَني ثُعَلٍ لا تَنْكَعُوا العَنْزَ شِرْبَها ... ............................. وهو من الطَّويل. قوله: "بني ثعل" بضم الثاء المثلثة وفتح العين وفي آخره لام، وبنو ثعل قبيلة في طيئ، وهو ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ، قوله: "من ينكع العنز" من قولهم: نكعت الناقة: جهدتها حلبًا، ومادته: نون وكاف وعين مهملة، والعنز: الماعزة وهي الأنثى من المعز، قوله: "شربها" بكسر الشين، وهو الحظ من الماء. الإعراب: قوله: "بني ثعل": منادى مضاف منصوب، وحذف منه حرف النداء، والتقدير: يا بني ثعل، قوله: "من ينكع" من شرطية، وينكع: جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي يرجع إلى من، وقعت فعل الشرط، و"العنز": مفعولها، قوله: "ظالم": مرفوع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي: فهو ظالم. والاستشهاد فيه: حيث حذف فيه المبتدأ مع الفاء التي هي جواب الشرط؛ لأن التقدير: فهو ظالم؛ كما ذكرنا، والذي حسن الحذف هو أن لا من لا الشرطية ها هنا قريبة من "مَن" الموصولة؛ فكأنه توهم أن: "من" موصولة وإن كان قد استعملها شرطًا؛ ألا ترى أنها لو كانت موصولة لما احتاج إلى تقدير حذف؛ إذ كانت "من" تكون مبتدأ، وظالم خبرها (¬1). الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) وَإنْسَانُ عَينِي يَحْسِرُ الماءُ تَارَةً ... فَيَبْدُو ......................... أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وتمامه: ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة والألف
.......... ... ....... وتَارَاتٍ يَجِمّ فَيَغْرَقُ وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء، وفي شواهد عطف النسق -أَيضًا- (¬1). والاستشهاد فيه ها هنا: في قوله: "يحسر الماء" حيث حذف منه إن؛ إذ أصله: إن يحسر الماء، فلما حذف ارتفع الفعل، وإنما قدروا (إن) فيه محذوفة، وأن تقديره: وإنسان عيني إن يحسر الماء تارة فيبدو؛ لأن قوله: "وإنسان عيني" مبتدأ، و"يحسر الماء تارة": جملة في موضع الخبر، ولا رابط فيه لهذه الجملة بالمبتدأ، فلما عدم الرابط ذهب من ذهب إلى أن أصلها جملة شرطية؛ لأنه لا يشترط في الشرط إذا وقع خبرًا أن يكون الرابط في جملة الشرط؛ بل قد يكون في جملة الجزاء نحو: زيد إن تقم هند يغضب. وقال أبو حيان (¬2): ولا ضرورة إلى تكلف إضمار أداة الشرط؛ لأن في الروابط ما تقع الجملة خالية عن الرابط فيعطف عليها بالفاء وحدها من بين سائر حروف العطف جملة فيها رابط فيكتفي به لانتظام الجملتين من حيث العطف بالفاء في نظم جملة واحدة. ومن هذا القبيل بيت ذي الرمة على أنَّه يحتمل أن يخرّج على تخريجين آخرين: أحدهما: أن تكون الألف واللام أغنت عن الرابط وقامت مقام الضمير على مذهب من يرى ذلك؛ فيكون المعنى: وإنسان عيني يحسر ماؤه تارة فيبدو، ولا يريد بالماء مطلق الماء ولا عموم الماء، وإنما يريد ماء إنسان عينه. والثاني: أن يكون الضمير محذوفًا لدلالة المعنى عليه، أي: يحسر الماء عنه تارة فيبدو. الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) فأقسمُ لو أَبْدَى النَّديّ سوادهُ ... لَمَا مسحَتْ تلكَ المُسالاتِ عامرُ أقول: أنشده الجوهري وغيره ولم يعزه إلى قائله، وهو من الطَّويل، وفي رواية الجوهري هكذا (¬5): ¬
فلَوْ كَانَ في الحَيِّ النَّجِيِّ سَوَادُهُ ... لَمَا مَسَحَتْ تلكَ المُسالاتِ عَامِرُ قوله: "لو أبدى الندي" من ندى يندي من النداوة من باب علم يعلم، و"الندي" بفتح النُّون وكسر الدال وتشديد الياء على وزن فعيل، وهو مجلس القوم ومتحدثهم. قوله: "سواده" أي: شخصه، والضمير فيه يرجع إلى الممدوح، قوله: "المسالات" بضم الميم وتخفيف السين المهملة، وهو جمع مسألة، قال الجوهري: مسالا الرَّجل: جانبا لحيته، الواحد مسال وأنشد البيت المذكور (¬1). قوله: "عامر" أراد به القبيلة، وهي في قريش: عامر بن لؤي، وفي كنانة: عامر بن عبد مناة بن كنانة بطن، وكانوا أشد حي في كنانة بأسًا، وفي قضاعة: عامر بن عوف، وفي قيس غيلان: عامر بن صعصعة، وفي عبد القيس: عامر بن الحارث بن أغار، المعنى: أن الشَّاعر يحلف أن الممدوح لو حضر المجلس لما قدر عامر أن يمسح شواربهم من هيبته وسطوته على النَّاس وشدة بأسه وشجاعته. وقوله: "لما مسحت تلك المسالات عامر": كناية في الحقيقة عن عدم مقاومتهم الممدوح وعن ضعف ملاقاتهم إياه؛ فحالهم معه حال من لا يقدر على مسح شاربه عند من يخاف منه. الإعراب: قوله: "فأقسم" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، و"أقسم": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "لو" للشرط، و"أبدى": فعل، و"الندي" فاعله، وقوله: "سواده": كلام إضافي مفعوله، والجملة وقعت فعل الشرط، وقوله: "لما مسحت": جواب القسم والشرط، وقوله: "عامر": فاعل مسحت، و"تلك المسالات": مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "لما" على الاكتفاء بجواب واحد لقسم وشرط، فإن قوله: "أقسم" يقتضي جوابًا، وقوله: "لو" كذلك، فاكتفى بجواب لو عن جواب القسم، وسواء في ذلك تقدم لو على القسم أو تأخرها عنه، وكذلك لولا، وهذا هو الصحيح (¬2)، وذهب ابن عصفور إلى ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة والألف
أن الجواب في ذلك للقسم لتقدمه (¬1). الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) والله لولا الله ما اهتدينا ... ..................... أقول: قائله هو عامر بن الأكوع - رضي الله عنه -، وكان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يقوله يوم الخندق على ما روينا بإسنادنا الصحيح عن البُخَارِيّ قال: حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم قال: حَدَّثَنَا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال: كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ينقل التُّراب يوم الخندق حتَّى أغمر بطنه، أو أغبر بطنه، ويقول: 1 - والله لَوْلَا الله مَا اهْتَدَينَا ... ولَا تَصَدَّقْنَا ولَا صَلَّينَا 2 - فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَينَا ... وثَبِّتِ الأقَدَامَ إِنْ لاقَينَا 3 - إن الألى قَدْ بَغَوْا عَلَينَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنةً أَبَينَا ورفع بهما صوته: أبينا أبينا (¬4)، وهو من الرجز المسدس. الإعراب: قوله: "والله": مجرور بواو القسم، وقوله: "لولا" لربط امتناع الثَّانية بوجود الأولى، وقوله: "الله": مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: لولا الله موجود، وقوله: "ما اهتدينا": جواب للقسم ولولا. ¬
الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة والألف
والاستشهاد فيه: حيث اكتفى فيه بجواب واحد لقسم وشرط؛ لأن كلًّا منهما يقتضي جوابًا فاكتفى بقوله: "ما اهتدينا" عن جواب الاثنين، ولا يجوز ها هنا حذف جواب القسم؛ لأن الجواب منفي، وقد بين أن الفعل الواقع جوابًا إذا كان منفيًّا لم يحذف جواب القسم (¬1). الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة والألف (¬2) , (¬3) إن يستغيثوا بنا إن يُذعَرُوا يَجِدُوا ... منَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زانَهَا كرمُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "إن يستغيثوا" من الإغاثة (¬4)، يقال: استغاثني فلان فأغثته، والاسم الغياث، قوله: "إن يذعروا" على صيغة المجهول؛ من الذعر وهو الفزع والخوف، قوله: "معاقل": جمع معقل وهو الملجأ. الإعراب: قوله: "إن" للشرط، و"يستغيثوا": مجزوم لأنه فعل الشرط، وقوله: "بنا" يتعلق به، قوله: "إن" أَيضًا للشرط، و"يذعروا": مجزوم لأنه فعله، قوله: "يجدوا": جواب الشرطين، فلهذا جزم، قوله: "معاقل عز": كلام إضافي مفعول يجدوا، قوله: "زانها": فعل ومفعول، و"كرم": فاعله، والجملة في محل النصب لأنه صفة لمعاقل. الاستشهاد فيه: على الاكتفاء بجواب واحد لشرطين، وذلك قوله: "إن يستغيثوا" وقوله: "إن يذعروا"، واكتفى بجواب السابق عن جواب الثاني مقيدًا للأول كتقييده بحال واقعة موقعه، والتقدير: إن يستغيثوا بنا مذعورين يجدوا (¬5)، ومنهم من جعل الشرط الثاني ها هنا متقدمًا في التقدير وإن كان متأخرًا في اللفظ، فكأنه قال: إن يذعروا وإن يستغيثوا بنا يجدوا معاقل عز؛ فيكون ¬
الشرطان بالعطف، وقد علم أن الشرطين إذا كانا بالعطف يكتفى بجواب واحد (¬1). قال ابن مالك: وإن توالى شرطان أو قسم وشرط استغني بجواب سابقهما، وربما استغني بجواب الشرط عن جواب قسم سابق، ويتعين ذلك إن تقدمهما ذو خبر أو كان حرف الشرط لو ولولا. انتهى (¬2). والحاصل: أن الأصل أن يكون فعل الشرط المتأخر ماضيًا؛ لأنه قد بين أن جواب الشرط لا يحذف في فصيح الكلام حتَّى يكون فعله ماضيًا (¬3)، والشرط الثاني في البيت المذكور مضارع، فحينئذ يحمل هذا على الندرة والقلة، فالجواب الواحد يكون جوابًا لهما، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} [محمد: 36] (¬4). * * * ¬
شواهد "لو"
شواهد "لو" الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة والألف (¬1) , (¬2) ولو أنَّ ليلى الأخيليةَ سلَّمَتْ ... عليَّ وَدُونِي جَنْدَلٌ وصفائِحُ لسلَّمْتُ تسليمَ البشاشَةِ أو زقَا ... إليهَا صدًى مِن جانِبِ القبرِ صَائِحُ أقول: قائله هو توبة بن الحمير، وبعدهما: 3 - وأُغْبِطُ مِن لَيلَى بِمَا لا أُنَالُهُ ... بَلَى كُلُّ مَا قَرَّتْ بِهِ العَينُ صَالِحُ 1 - قوله: "جندل" بفتح الجيم وسكون النُّون، وهي الحجارة، ويروى: ودوني تربة، أي: تراب، والتراب فيه لغات وهي: توراب، وتورب، وتيرب، وترب، وتربة، وترباء، وجمع تراب أتربة وتربان (¬3)، و"الصفائح": الحجارة العراض [تكون على القبور] (¬4)، وهي جمع صفيحة وهي الحجر العريض. 2 - قوله: "أو زقا" بالزاي المعجمة والقاف، يقال: زقى الصدى يزقو زقًا؛ أي: صاح، وكل صائح زاق، والمصدر الزقو والزقاء، و"الصدى" بفتح الصاد المهملة؛ هو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها. ¬
الشاهد الأربعون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "ولو" الواو للعطف إن تقدمه شيء، ولو للشرط، و"أن" من الحروف المشبهة بالفعل، وهي ومعمولها في محل الرفع فاعل لفعل محذوف، تقديره: ولو ثبت أن ليلى الأخيلية، وقوله: "ليلى" اسم لأن، والأخيلية بالنصب صفة ليلى. قوله: "سلمت": جملة من الفعل والفاعل خبر أن، وقوله: "عليَّ" يتعلق بسلمت في محل النصب على المفعولية، قوله: "ودوني": مبتدأ، و"جندل": خبره، و"صفائح": عطف عليه، والجملة وقعت حالًا. قوله: "لسلمت": جواب لو، وهي جملة من الفعل والفاعل، قوله: "تسليم البشاشة": كلام إضافي منصوب على المصدرية، قوله: "أو زقا" كلمة "أو" بمعنى: إلى أن. والمعنى: لرددت السلام بالصياح إلى أن زقا إليها صدى، وقوله: "زقا": فعل ماض، وقوله: "صدى": فاعله، وقوله: "إليها" أي: إلى ليلى [وهو] (¬1) يتعلق بزقا، قوله: "من جانب القبر": جملة في محل الرفع على أنها صفة لصدى، والتقدير: صدى كائن من جانب القبر، قوله: "صائح" بالرفع صفة لقوله: "صدى". الاستشهاد فيه: على وقوع "لو" للتعليق في المستقبل إلَّا أنها لا تجزم، وقد احتج به جماعة من النحويين على ذلك، ولا حجة لهم فيه لصحة حمله على المضي. فافهم (¬2). الشاهد الأربعون بعد المائة والألف (¬3) , (¬4) لَوْ بِغَيرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كنتُ كالغصَّانِ بالماءِ اعْتِصَارِي أقول: قائله هو عدي بن زيد بن حمار التَّيْميّ، وهو من قصيدة رائية من الرمل، وأولها ¬
هو قوله (¬1): 1 - أَبلِغِ النُّعمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا ... أَنَّهُ قَدْ طَال حَبسِي وانْتِظَارِي 2 - لَوْ بَغَيرِ المَاءِ ............ ... ...................... 3 - لَيتَ شِعْرِي عَنْ دَخِيلٍ يَعتَرِي ... حَيثُ مَا أَدْرَكَ لَيلي أَوْ نَهَارِي 4 - قَاعِدًا يَكْرُبُ نَفسِي بَثُّهَا ... وحَرَامًا كَانَ سِجْنِي واحْتِصَارِي 1 - [قوله] (¬2): "أبلغ النعمان" أراد به النعمان بن المنذر وأنه قد كان حبس عديًّا هذا، فأرسل بهذه القصيدة إليه ليستعطفه ويسترضيه، قوله: "مألكا" أي: رسالة، وكذلك الألوكة. 3 - قوله: "عن دخيل" بفتح الدال وكسر الخاء المعجمة، وهو ما في باطن الرجل من أمره، قوله: "بثها" بفتح الباء وتشديد الثاء المثلثة، وهو الإظهار. 2 - قوله: "شرق" بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وفي آخره قاف، وهو صيغة الصفة المشبهة من قولهم: شرق بريقه بكسر عين الفعل إذا غص، والمصدر: الشَّرَق بفتحتين، قوله: "كالغصان" بفتح الغين المعجمة وتشديد الصاد المهملة؛ من قولهم: غصصت يا رجل تغص بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها في المستقبل، فأنت غاص بالطعام وغصان، وأغصصته أنا، والمصدر: غصص بفتحتين. قوله: "اعتصاري" أي: نجاتي وملجئي، قال أبو عبيد: الاعتصار: الملجأ، والمعنى: لو شرقت بغير الماء أسغت شرقي بالماء، فإذا غصصت بالماء فبم أسيغه؟ (¬3)، وقال الجوهري: الاعتصار: أن يَغَصَّ الإنسان بالطعام فيعتصر بالماء وهو أن يشربه قليلًا ليسيغه، ثم أنشد البيت المذكور (¬4). الإعراب: قوله: "لو" للشرط، وقد علم أنها مخصوصة بالفعل؛ ولكن قد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره الظاهر أو اسم منصوب كذلك، أو خبر لكان محذوفة، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبره، وقوله: "لو بغير الماء" من هذا القبيل. قوله: "حلقي": مبتدأ، و "شرق": خبره، والباء في "بغير" يتعلق به، قوله: "كنت": ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة والألف
جواب لو، والتاء اسم كان، وقوله: "كالغصان": خبره، قوله: "اعتصاري": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "بالماء": خبره. الاستشهاد فيه: في قوله: "لو بغير الماء" وذلك أن "لو" شرطها أن تكون مختصة بالفعل، وليس كذلك هاهنا، وقد اختلف في تخريجه، فقال أبو علي الفارسي: تقديره: لو شرق بغير الماء حلقي هو شرق، فقوله: "هو شرق" جملة مفسرة للفعل المضمر (¬1). وقال ابن الناظم: كان الشأنية مضمرة فيه، والجملة المذكورة بعد "لو" خبر لها، تقديره: لو كان الشأن بغير الماء حلقي شرق، فقوله: "حلقي شرق": جملة اسمية في موضع النصب على أنها خبر كان (¬2)، ويقال: هو محمول على ظاهره، وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذًا، والحاصل أن هنا ثلاثة مذاهب: فعلى المذهب الأول: يكون "حلقي شرق" مبتدأ وخبرًا، ولا موضع للجملة من الإعراب. وعلى المذهب الثاني: تكون الجملة في محل النصب لأنها خبر كان الشأنية. وعلى المذهب الثالث: لا محل للجملة أيضًا. الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) ........................... ... ............ فَهَلَّا نَفْسُ لَيلَى شَفِيعُهَا أقول: قائله هو قيس بن الملوح، ويقال: غيره، وقد ذكرنا ما فيه الكفاية مستوفى في شواهد ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة والألف
الإضافة، وصدره: ونُبِّئْتُ لَيلَى أَرْسَلَتْ بِشَفَاعَةٍ ... إليّ ............ إلخ (¬1) والاستشهاد فيه هاهنا: على تقدير كان الشأنية، أي: هلا كان نفس ليلى شفيعها، فقوله: "نفس ليلى شفيعها" جملة اسمية في محل النصب على أنها خبر كان فافهم (¬2). الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) وَلَوْ أَن ما أَبْقَيتِ مِنِّي مُعَلَّقٌ ... بِعَوْدِ ثُمَامٍ ما تَأَوَّدَ عُودُها أقول: قائله هو أبو العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى (¬5)، ويقال: قائله هو الحسين بن مطر (¬6)، ويقال: كثير عزة، والأول أصح، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬7): 1 - وخُبِّرتُ لَيلَى بِالعِرَاقِ مَرِيضَةً ... فَأَقبَلْتُ مِنْ مِصرَ إلَيهَا أَعُودُهَا 2 - فَوَالله مَا أَدرِي إذَا أَنَا جِئْتُهَا ... أأُبْرِئُهَا مِنْ دَائِهَا أمْ أَزِيدُهَا؟ 3 - ألا ليْتَ شِعْرِي بَعْدَنا هَلْ تَغَيَّرَتْ ... مَلاحَةُ عَينَيْ أُمِّ عَمرٍو وَجِيدُهَا إلى أن قال: 4 - رَفَعتُ عَنِ الدُّنيَا المُنَى غَيرَ وَجهِهَا ... فَلَا أَسأَلُ الدُّنيَا ولَا أسْتَزِيدُهَا 5 - ولو أَنَّ ................... ... ........................ إلى آخره وهذا البيت آخر أبيات القصيدة. 5 - قوله: "ثمام" بضم الثاء المثلثة وتخفيف الميم، وهو نبت ضعيف له خوص أو شبيه ¬
بالخوص، وربما حشي به وشد به خصاص البيوت، الواحدة ثمامة، وبه سمي الرجل ثمامة، يصف الشاعر به ضعف الثمام مخاطبًا لمحبوبته مدعيًا بأنها لم تبق منه إلا شيئًا يسيرًا لو علق بعود ثمام ما اعوج مع ضعفه لكون ذلك الشيء حقيرًا جدًّا، وهذا كناية عن غاية فنائه في محبتها وأنه لم يبق فيه شيء ينتفع به، قوله: "ما تأود " أي: ما تعوج، وأصله من أود الشيء بالكسر يأود أودًا إذا اعوج. الإعراب: قوله: "ولو أن" الواو للعطف، ولو للشرط، وأن: من الحروف المشبهة بالفعل، وقوله: "ما أبقيت مني" اسمه، وقوله: "معلق": خبره، والجملة في محل الرفع على الفاعلية لأن تقدير الكلام: ولو ثبت أن ما أبقيت مني معلق، وقوله: "ما" يجوز أن تكون موصولة، والعائد محذوف تقديره: ما أبقيته مني، و "مني": في موضع الحال من الضمير، ويجوز أن تكون مصدرية، والتقدير: ولو ثبت أن بقائي الذي أبقيته معلق، قوله: "بعود" يتعلق بقوله "معلق"، وهو مضاف إلى ثمام، وقوله: "ما تأود عودها": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للو. الاستشهاد فيه: في وقوع خبر "أن" بعد "لو" اسمًا، وبه رد ابن الناظم على الزمخشري بقوله: وزعم الزمخشري أن خبر "أن" بعد "لو" لا يكون إلا فعلًا (¬1)، وهو باطل بنحو قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27]، وبنحو قول الشاعر: ولَوْ أَنَّ مَا أبْقَيتِ ........ ... ........................ إلخ (¬2) ووافقه على ذلك ابن الحاجب (¬3)، وقال: إنما ذلك في الخبر المشتق لا الجامد كالذي في الآية، وفي قوله (¬4): ¬
ما أطْيَبَ العَيشَ لَوْ أَنَّ الفَتَى حَجَرٌ ... تَنبُو الحَوَادِثُ عَنهُ وهْوَ مَلْمُومُ وقوله (¬1): وَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَةٌ لَحَسِبتَهَا ... مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيدًا وَأَزْنَما وقال ابن مالك رادًّا عليه، وقد جاء اسمًا مشتقًّا في قوله (¬2): ولَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكَ الفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ (¬3) وقال ابن هشام: وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسمًا مشتقًّا ولم يتنبه لها الزمخشري كما لم يتنبه لآية لقمان، ولا ابن الحاجب، وإلا لما منع من ذلك، ولا ابن مالك، وإلا لما استدل بالشعر، وهي قوله تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} [الأحزاب: 20] (¬4). وقد رُد على ابن هشام بأن هذه الآية ليست من هذا الباب؛ لأن ابن الحاجب قد ذكر في منظومته أن لو في قوله تعالى: {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} للتمني وليست للشرط، وإنما هي بمثابة الزائد. والمعنى: يودون أنهم بَادُونَ نحو: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7]، ¬
الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة والألف
فمن ذلك لم يلتزم فيها ما التزم في الشرطية (¬1). الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) وَلَوْ أَنَّ حيًّا فائِتُ المَوْتِ فَاتَهُ ... أخو الحَرْبِ فَوْقَ الْقَارِحِ العَدوَانِ أقول: قائله هو صخر بن عمرو (¬4)، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - أرَى أمَّ صَخْرٍ مَا تَمَلُّ عِيَادَتِي ... ومَلَّتْ سُلَيمَى مَضْجَعِي ومَكَانِي 2 - ومَا كُنتُ أَخْشَى أَنْ أَكُونَ جِنَازَةً ... عَلَيك ومَنْ يَغتَرُّ بالحَدَثَانِ 3 - لعَمرِي لقَدْ نَبَّهتِ مَنْ كَانَ نَائِمًا ... وأسْمَعتِ مَنْ كَانَتْ لهُ أُذُنَانِ 4 - أَهُمُّ بأمْرِ الحَزْمِ لَوْ أَستَطِيعُهُ ... وقَدْ حِيلَ بَينَ العَيرِ والنَّزَوَانِ 5 - فأيُّ امرِئٍ سَاوَى بِأُمِّ حَلِيلَةٍ ... فلا عَاشَ إلا في شَقَى وهَوَانِ 6 - وحَيٍّ حَرِيدٍ قَدْ صَبَحْتُ بغارة ... كَرِجْلِ جَرَاد أوْ دَبَا كُتُفَانِ 7 - ولو أن حيًّا ............. ... ............................. إلخ 2 - قوله: "جنازة " بكسر الجيم؛ اسم السرير الذي يحمل عليه الميت. ¬
4 - و "العير" بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره راء، وهو حمار الوحش. 6 - و "الدبا" بفتح الدال وتخفيف الباء الموحدة؛ صغار الجراد، قوله: "كتفان" بضم الكاف والتاء المثناة من فوق وبالفاء، وهو الذي يكتف في المشي (¬1). 7 - و "القارح" بالقاف؛ من قرح الحافر قروحًا إذا انتهت أسنانه، وإنما تنتهي في خمس سنين؛ لأنه في السنة الأولى حولي ثم جذع ثم ثني ثم رباع ثم قارح، ويقال: أجذع المهر وأثنى وأربع وقرح، هذه وحدها بلا ألف، والفرس قارح، والجمع قرّاح بضم القاف وتشديد الراء، قوله: "العدوان" بفتح العين المهملة والدال؛ بمعنى: شديد العدو، وذئب عدوان؛ أي: يعدو على الناس، ومنه قولهم: السلطان ذو عدوان وذو يدان، وعدوان بتسكين الدال اسم قبيلة. الإعراب: قوله: "ولو أن حيًّا" الواو للعطف، ولو للشرط، وحيًّا: اسم أن، وخبره قوله: "فائت الموت"، قوله: "فاته أخو الحرب": جواب لو، و "فاته": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى الموت، و "أخو الحرب": كلام إضافي فاعله، وأراد به صاحب الحرب، وإنما يذكر لفظ الأخ في أمر يكون صاحبه لا يزال يباشره ولا يفارقه كأنهما أخوان لا يفترقان، قوله: "فوق القارح": كلام إضافي وقع حالًا من: "أخو الحرب"، و "القارح": صفة موصوفها محذوف، أي: الفرس القارح، قوله: "العدوان": صفة بعد صفة. الاستشهاد فيه: في قوله: "فائت الموت" حيث وقع خبرًا لأن بعد "لو" وهو اسم، وفيه رد على من اشترط أن يكون خبر "أن" بعد "لو" فعلًا كما ذكرناه في البيت السابق (¬2). ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة والألف
الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) لو يسمعونَ كما سَمِعْتُ حَدِيثَهَا ... خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجُودًا أقول: قائله هو كثير عزة، وقد ذكر في شرح ابن عقيل قبله بيت آخر، وهو قوله (¬3): 1 - رُهْبَانُ مَدْيَنَ والذينَ عَهِدْتُهُم ... يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودًا وهما من الكامل. 1 - و "الرهبان": جمع راهب، و "مدين": بلدة مشهورة بساحل بحر الطور. 2 - وقوله: "خروا": من الخرور وهو السقوط، و "عزة": اسم محبوبة كثير التي كان يتشبب بها، و "الركع" بضم الراء، جمع راكع، و "السجود" بضم السين، جمع ساجد. الإعراب: قوله: "لو يسمعون" كلمة لو للشرط، ويسمعون: جملة من الفعل والفاعل، فعل الشرط، وقوله: "كما سمعت" الكاف للتشبيه، وما مصدرية، وسمعت: جملة من الفعل والفاعل، و "حديثها": كلام إضافي مفعوله، والتقدير: كسماعي حديثها، والضمير يرجع إلى عزة المذكورة في البيت السابق، قوله: "خروا": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للو، قوله: "لعزة" يتعلق بخروا، وكان القياس أن يقال: خروا لها، ولكنه ذكرها بالتصريح للاستلذاذ ولإقامة الوزن، قوله: "ركعًا": حال من الضمير في: "خروا"، و "سجودًا " كذلك حال. الاستشهاد فيه: على أن المضارع هو الذي وقع بعد "لو" وصرف معناه إلى المضي؛ لأن الغالب دخول "لو" التي للتعليق على الفعل الماضي الذي هو مبني؛ ألا ترى أنه إذا دخل على الفعل المضارع لا يعمل فيه شيئًا (¬4). ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة والألف
الشاهد الخامس والأربعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) إِنْ يكُنْ طِبُّكَ الدَّلال فلوْ فِي ... سَالِفِ الدَّهْرِ والسِّنِينَ الخَوالِي أقول: أنشده أبو الحسن (¬3)، ولم يعزه إلى أحد، [ونسبه ابن جني لعبيد بن الأبرص، ولكن يثبت في ديوانه، ووجد في بعض مجاميعه التي اختارها أبيات منه، وهي (¬4): 1 - لَيسَ رَسمٌ عَلَى الدَّفِينِ ببالِ ... فَلِوَى ذِرْوَةٍ فَجَنْبَي أَثَالِ 2 - فَالمَرَوْرَاتُ فَالصَّفِيحَةُ قَفْرٌ ... كُلُّ وَادٍ وَرَوْضَةٍ مِحْلَالِ 3 - دَارُ حَيٍّ أَصَابَهُمْ سَالِفُ الدَّهـ ... ـرِ فَأَضْحَتْ دِيَارُهُمْ كالخِلَالِ 4 - مُقْفَرَاتٍ إلا رَمَادًا عَفِيًّا ... وبَقَايَا مِنْ دِمْنَةِ الأطْلَالِ 5 - وَأَوَارِيُّ قَدْ عَفَتْ ونُؤْيًا ... ورُسُومًا غيَّرْنَ عَنْ أَحْوَالِ 6 - تِلكَ عِرْسِي غضبى تُرِيدُ زِيَالِي ... ألِبَيْنٍ تَقُولُهُ أَمْ دَلَالِ 7 - إنْ يَكُن طِبُّكَ الفِرَاقَ فلَا أحْـ ... فِلُ أَنْ تَعْطِفِي صُدُورَ الجِمَالِ 8 - أَوْ يَكُنْ طِبُّكَ الدَّلَال ...... ... ....................... إلخ 9 - إِذ أَرَاهَا مِثْلَ المَهَاةِ وإذْ أَغْـ ... دُو كَجَذْلَان مُرْخِيًا أَذْيَالِي 10 - فَدَعِي مَطَّ حَاجِبَيْكِ وعِيشِي ... مَعَنَا بالرَّجَاءِ والتَّأْمَالِ 11 - واتْرُكِي صَرْمَة عَلَى آلِ زَيْدٍ ... بِالْقُطَيبَاتِ كُنَّ مِنْ أَوْرَالِ 12 - لَمْ تَكُنْ غَزْوَةَ الجِيَادِ وَلَمْ يُنْ ... سَبْ بِآثَارِهَا صُدُورَ النِّعَالِ 13 - زَعَمْتَ أَنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَأَني قَلَّ ... مَالِي وضَنَّ عَني الموَالِي ¬
14 - وَصَحَا بَطِلِي وَأَصْبَحْتُ شَيْخًا ... لا يُوَاتِي أَمْثَالهَا أَمْثَالِي] (¬1) وهي من الخفيف. قوله: "طبك" بكسر الطاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، أي: إن يكن عادتك الدلال، فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه، و "الطب": العادة؛ كما في قول الشاعر (¬2): فما إنْ طِبُّنَا جُبنٌ ولكِنْ ... منَايَانَا ودَوْلَةٌ آخرينا و"الدلال" بفتح الدال وتخفيف" اللام؛ هو التحاشي والتمانع على المحب، وهو من دَلّ يَدِلُّ من باب ضرب يضرب، قوله: "الخوالي" يعني: المواضي؛ جمع خالية من خلى إذا مضى. الإعراب: قوله: "إن": حرف شرط، و "يكن طبك": جملة وقعت فعل الشرط، وجواب الشرط هو قوله: "فلو في سالف الدهر"، وقوله: "الدلال": منصوب لأنه خبر يكن. الاستشهاد فيه: في قوله: "فلو في سالف الدهر" حيث حذف فيه فعل الشرط للو، وجوابه؛ فإن تقدير قوله: "فلو في سالف الدهر والسنين الخوالي" [والأصل] (¬3): فلو كان ذلك في سالف الدهر لكان كذا، وقد قلنا إن المعنى: فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه، وشبه "لو" في هذا البيت بإن، فكما جاز حذف فعل الشرط والجواب بعد "إن" كذلك جاز بعد "لو"، ولكن ذلك في "إن" كان لدلالة المعنى جائز، وفي "لو" نادر. فافهم (¬4). ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد المائة والألف
الشاهد السادس والأربعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) فلوْ نُبِشَ المَقابرُ عن كُلَيبٍ ... فَيُخْبَرَ بالذنائبِ أيُّ زِيرٍ بيومِ الشَّعْثَمَيِنْ لَقَرَّ عَينًا ... وكيف لِقَاءُ منْ تَحْت القبورِ؟ أقول: قائلهما هو مهلهل بن ربيعة الجشمي شاعر جاهلي، واسمه امرؤ القيس، وهما من قصيدة طويلة من الوافر، وأولها هو قوله (¬3): 1 - ألَيلَتَنَا بِذِي حُسَمٍ أَنِيرِي ... إذَا أنْتِ انْقَضَيتِ فَلا تَحُورِى 2 - فإنْ يَكُ بالذَّنَائِبِ طَال لَيلِي ... فقَدْ أَبْكِي مِنَ اللَّيلِ القَصِيرِ إلى أن قال: 3 - كواكب ليلَة طَالت وعَمَّت ... فهذَا الصُّبحُ صاعِرة فَغُورِي 4 - فلو نُبِشَ المَقَابِر ........ ... ..................... إلخ 6 - وإني قَدْ تَرَكْتُ بِوَارِدَاتٍ ... بُجَيرًا فيِ دَمٍ مِثْل العَبِيرِ 7 - هَتَكْتُ بِهِ بُيوتَ بَنِي عُبَادٍ ... وبَعضُ القَتْلِ أشْفَى لِلصُّدُور 8 - وهَمَّامُ بنُ مُرَّةَ قَدْ تَرَكْنَا ... عَلَيهِ القَشْعَمَانِ مِنَ النُّسُورِ قال مهلهل هذا الشعر لما أدرك بثأر أخيه كليب واسمه كليب، وائل، وكنيته: أبو الماجدة، وإنما لقب كليبًا بالجرْو الذي أعده، فقال: فلو نبش المقابر عن كليب، وأراد بكليب أخاه. قوله: "فيخبر بالذنائب أي زير" قال القالي: تقديره: فيخبر بالذنائب أي زير أنا، و "الزير": بكسر الزاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، يقال: رجل زير نساء إذا كان يكثر زيارتهن، وكذلك يقال: هذا حِدْث نساء وهو الذي يكثر التحدث إلى النساء، وذلك أن كليبًا كان يعيره فيقول: إنما أنت زير نساء، وأراد بـ: "الشعْثمين " شعثمًا وشعيثًا ابني معاوية بن عمرو بن هقل بن ثعلب، واسم شعثم حارثة. ¬
قوله: "بالذنائب" بفتح الذال المعجمة, ثلاث هضبات بنجد، وبها قبر كليب وائل المذكور. 1 - قوله: "بذي حُسَمٍ" بضم الحاء وفتح السين المهملتين، وهو اسم موضع، قوله: "أنيري": من الإنارة، قوله: (فلا تحوري): من حار إذا رجع. 3 - قوله: "صاعرة" بالمهملتين, من الصعر بفتحتين وهو الميل، قاله الصاغاني في العباب. قوله: "فغوري" بالغين المعجمة, من غار النجم إذا غاب. 6 - قوله: "بواردات" على وزن فاعلات, اسم موضع، قوله: "العبير" بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة, اسم قبيلة. 8 - و "القشعمان": تثنية قشعم وهو النسر، وأراد نسرين من النسور. الإعراب: قوله: "فلو نبش" الفاء للعطف، ولو للشرط، وقوله: "نبش" على صيغة المجهول، و "المقابر": مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "عن كليب": صلة لنبش، قوله: "فيخبر" بنصب الراء, جواب لو بتقدير أن، قوله: "بالذنائب" أي: فيها، قوله: "أي زير": كلام إضافي مرفوع على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره: أي زير أنا، ويجوز أن يكون أنا مبتدأ، وأي زير مقدمًا خبره، والباء في: "بيوم الشعثمين" في موضع النصب على الحال من أنا المحذوف، قوله: "لقر": جواب لو بعد جواب آخر بالفاء، وهي جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى كليب، و "عينًا" نصب على التمييز. قوله: "وكيف" للاستفهام ولكنه أخرج مخرج التعجب؛ كما في قوله تعالى: {كَيفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} {البقرة: 28} ومحله الرفع على أنه خبر لقوله: "لقاء من تحت القبور" فإن لقاء مرفوع بالابتداء مضاف إلى من، وهي موصولة، وقوله: "تحت القبور": جملة محذوفة الصدر، تقديره: لقاء من هو تحت القبور، فقولك: "هو "مبتدأ، و "تحت القبور": خبره، والجملة صلة الموصول (¬1). قوله: "القشعمان" في البيت الأخير مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "عليه" مقدمًا، والجملة في موضع النصب على الحال، وتقديره: وعليه، فحذف الواو؛ لأن الهاء في: "عليه" تربط الكلام بأوله، ويروى: عليه القشعمين بالنصب فوجهه أن يكون منصوبًا بقوله: "تركنا" فافهم. ¬
الشاهد السابع والأربعون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: على أن جواب "لو" قد جاء باللام بعد جوابها بالفاء وهو قوله: "فيخبر"، وأما اللام فهو قوله: "لقر عينًا"، وقال ابن مالك: "إن لو هاهنا مصدرية أغنت عن التمني فلذلك نصب بعدها الفعل مقرونًا بالفاء وهو قوله: "فيخبر" أي: فأن يخبر (¬1)، ومثَّل لذلك الشيخ أبو حيان بقوله تعالى: {لَو أنَّ لَنَا كَرةَ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} {البقرة: 167} (¬2). الشاهد السابع والأربعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) سرينَا إليهم في جُمُوعٍ كَأنَّهَا ... جبالُ شَرَورَى لوْ نُعَانُ فننْهَدَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد إعراب الفعل (¬5). الاستشهاد فيه: في قوله: "فننهدا" حيث نصب بتقدير أن، أي: فأن ننهدا، وقال ابن مالك: لو هنا مصدرية، فلذلك نصب الفعل بعدها مقرونًا بالفاء (¬6). ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة والألف
الشاهد الثامن والأربعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) أخلَّايَ لوْ غيرُ الحِمَام أصابكم ... عَتبْتُ ولَكِن ما على الدهر مَعْتبُ أقول: قائله هو الغطمش (¬3)، وهو من قصيدة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - ألَا رُبَّ مَنْ يغْتَابني وَدّ أَنَّنِي ... أَبُوهُ الذي يُدْعَى إليه وينسَبُ 2 - عَلَى رِشدَة منْ أُمِّه أوْ لغَيَّةٍ ... فَيغْلِبُهَا فَحْلٌ عَلَى النَّسْلِ مُنجِبُ 3 - فَبِالخَيرِ لا بالشَّرِّ فَارجُ مَوَدَّتي ... وأَيُّ امرِئٍ يُقْتَالُ مِنهُ التَّرَهُّبُ 4 - أقُولُ وقَدْ فَاضَتْ بِعَيني عَبرَةٌ ... أَرَي الأرضَ تَبقَي وَالأخِلَّاءُ تذهَبُ (¬5) 5 - أخلايَ .................... ... ...................... إلخ 5 - و "الأَخلاء": جمع خليل، و"الحمام" بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم، وهو الموت، قوله: "معتب" بفتح الميم وسكون العين, مصدر بمعنى العتاب، يقال: عتب عليه أي: وجد عليه يعتُب ويعتِب بضم عين الفعل وكسرها عتبًا ومعتبًا. الإعراب: قوله: "أخلاي": منادى مضاف حذف منه حرف النداء تقديره: يا أخلاي، قوله: "لو" للشرط، و"غير الحمام": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "أصابكم"، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول، قوله: "عتبت": جواب لو، وقوله: "ولكن" للاستدراك، قوله: "معتب" مرفوع بالابتداء، وقوله: "ما على الدهر" مقدمًا خبره. ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "لو غير الحمام" حيث ولي "لو" غير الفعل، وقد علم أن "لو" لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره الظاهر، وهذا محمول على الضرورة (¬1). الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الفَلَاحِ ... ................................. أقول: قائله هو لبيد بن عامر العامري، وتمامه: ........................ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ وهو من الرجز المسدس. و"الفلاح": النجاة والفوز والبقاء، قوله: "ملاعب الرماح" أراد به أبا براء بن عامر بن جعفر بن كلاب الذي يقال له: ملاعب الأسنة، وإنما قال له لبيد: ملاعب الرماح لضرورة القافية. الإعراب: "لو" للشرط، و "أن": حرف من الحروف المشبهة بالفعل، و "حيا" اسمها، و "مدرك ¬
الشاهد الخمسون بعد المائة والألف
الفلاح": كلام إضافي خبره، قوله: "أدركه": جملة من الفعل والمفعول وقعت جوابًا للو، والضمير فيه يرجع إلى الفلاح، قوله: "ملاعب الرماح": كلام إضافي فاعل لقوله: أدركه. الاستشهاد فيه: في قوله: "مدرك الفلاح" حيث وقع خبرًا لأن الواقعة بعد لو، والحال أنه اسم، وفيه رد على من اشترط أن يكون خبر أن بعد "لو" فعلًا؛ كما ذكرناه فيما مضى (¬1). الشاهد الخمسون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) وَلَوْ أَنَّهَا عُصْفُورَةٌ لحَسِبتُهَا ... ................................ أقول: قائله هو العوام بن شوذب (¬4) الشيباني، وتمامه (¬5): .......................... ... مُسَوَّمَةً تَدْعُو عُبَيدًا وَأَزْنَما وهو من قصيدة من الطويل [قالها العوَّام بن شَوْذب الشيباني في أسر بِسْطام بن قيس وأصحابه، يجيبه بها في يوم العظالي، وهي آخر وقعة كانت بين بكر بن وائل وبين تميم في الجاهلية، وأولها هو قوله (¬6): 1 - وإنْ يَكُ فيِ يوم الغَبِيط مَلامَة ... فيومُ العُظَالِي كَان أَخزَى وأَلْأَمَا 2 - أناخوا يَريدُونَ الصَّباحَ فصَبَّحوا ... وكَانوا علَى الغازينَ دَعْوة أَشْأَمَا 3 - فَرَرتُمْ ولم تُلْوُوا على مُجْحِريكُمُ ... لَو الحَارثُ الحَرّابُ يُدْعَى لأَقْدَمَا ¬
4 - وَمَا يُجْمَعُ الغَزْوُ الشَّرِيعُ نَقِيرُهُ ... وَأَنْ تُحْرِمُوا يَوْمَ اللِّقَاءِ القَنَا الدَّمَا 5 - ولو أنّ بِسْطامًا أُطيع لأمره ... لأدّى إلى الأحياء بالحِنْو مَغْنمَا 6 - وَلَكِن مَفْرُوقَ القَفَا وَابْنَ خَالِدٍ ... أَلَامَا فليمًا يَوْمَ ذَاكَ وَشُوَّمَا 7 - فَفَرّ أبُو الصَّهبَاءِ إذْ حَمِي الوغَى ... وألقَى بأَبْدَان السِّلاح وسَلّما 8 - وأَيقن أنَّ الحيلَ إنْ تَلْتبس به ... تَتِمْ عِرْسُهُ أو تَملأ البَيتَ مَأْتمَا 9 - ولو أنها عُصفورة .......... ... .................... إلخ 10 - أبَى لك قَيد بالغِبِيط لقاءَهُمْ ... ويومُ العُظالِي إنْ نَجَوْتَ مُكلَّمَا 11 - فأفلتَ بسْطَامِ جَريضًا بنَفسه ... وغادَرَ أَتْرَاسًا وَلُدْنًا مُقوَّمَا 12 - وفاظَ أَسِيرًا هَانِئٌ وكأنَّمَا ... مَفَارِقُ مَفْروقِ تَغشَّين عَنْدَما والعظالي بضم العين المهملة وبالظاء المعجمة؛ سمي ذلك اليوم به لأن الناس فيه ركب بعضهم بعضًا، أو لتعاطلهم على الرياسة، وهو الاجتماع والاشتباك، وقيل: بل لأنه ركب الاثنان والثلاثة الدابة الواحدة] (¬1). قوله: "عصفورة " بضم العين، ويقال لها النفارة (¬2)، والذكر عصفور، فالذكر أسود الرأس والعنق، وسائره إلى الورقة، وفي جناحيه حمرة، والأنثى لونها يضرب إلى الصفرة والبياض، وفي العباب: ولم يحسن أبو الدقيش صفة الذكر، ثم قال: ويقال للأنثى: نفارة، وأنشد العوام بن شوذب: ولو أنها عصفورة ......... ... .................... إلخ قوله: "لحسبتها" أي: لظننتها. قوله: "مسومة" أي: خيولًا مسومة، وهي الخيول المعلمة بعلامة تعرف بها، قوله: "عبيد" بضم العين وفتح الباء الموحدة؛ بطن من الأوس، وهو عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن الأوس، وفي الخزرج -أيضًا- عبيد الله بن عدي بن غنم. وفي الأزد: عبيد بن غيرة بن زهران، وفي قضاعة أيضًا: عبيد بن عامر بن بكر، وفي خولان: عبيد بن سعد، وفي همدان: عبيد بن عمرو بن كثير بن مالك، قوله: "وأزنما" بفتح الهمزة وسكون الزاي المعجمة وفتح النون وفي آخره ميم؛ بطن من بني يربوع، وهو أزنم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع، تنسب إليهم الإبل الأزنمية [والشاعر يذم بهذا البيت شخصًا ويصفه بشدة ¬
الجبن والخوف، ويقول: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلًا مسومة قصدت هاتين القبيلتين، وهذا كقول الآخر (¬1): ما زِلْتَ تَحْسِبُ كُلَّ شَيءٍ بَعْدَهُم ... خَيْلًا تَكُرُ عَلَيكمُ وَرِجَالًا وكقول الآخر (¬2): إذا صَرَّتِ العُصْفُورُ طَارَ فُؤَادهُ ... ................................ ومن هذا القبيل قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون: 4] ونزلت في المنافقين دالة على جبنهم ورعبهم] (¬3). الإعراب: قوله: "ولو" الواو للعطف، ولو للشرط، والضمير المتصل بأن اسمها، و "عصفورة": خبرها، قيل: يرجع الضمير في: "أنها" إلى القبيلة التي يمدحها الشاعر، وقيل: الضمير يرجع إلى فرسه السمينة التي يمدحها، فعلى هذا يكون المراد من قوله: "عبيد" هي الفرس المشهورة، وكذلك: "الأزنم" الفرس المشهورة، والأول أصح وأشهر، وقوله: "لحسبتها": جواب لو، والضمير المنصوب فيها مفعول أول لحسبت، قوله: "مسومة" بالنصب حال من الضمير الذي في حسبتها، أعني: الضمير المنصوب. قوله: "تدعو": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على أنها مفعول ثانٍ لحسبتها، وقوله: "عبيد" مفعولها، وقد منع من الصرف للعلمية والتأنيث، و "أزنما": عطف عليه، والألف فيه ألف الإشباع لأجل القافية. ¬
الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "عصفورة" حيث وقع خبرًا لأن الواقعة بعد لو، وهي اسم جامد، وفيه ردّ على من شرط كون الخبر فعلًا، أعني خبر أن الواقعة بعد "لو" كما ذكرنا (¬1). الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) لا يُلْفِكَ الرَّاجُونَ إلا مُظْهِرًا ... خُلُقَ الكِرَامِ ولوْ تَكُونُ عَدِيمًا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "لا يلفك" بالفاء؛ أي: لا يجدك؛ من ألفى يلفي إذا وجد، و "الكرام": جمع كريم، و "العديم": المعدم، وهو الذي لا يملك شيئًا يمدح به الشاعر شخصًا، يقول: لا يجدك أحد من السائلين إلا وأنت تظهر لهم خلقًا جميلًا مثل أخلاق الكرماء، ولو كنت حالتئذ لا تملك شيئًا. الإعراب: قوله: "لا يلفك": جملة من الفعل والمفعول، و "الراجون": فاعلها (¬4)، وقوله: "مظهرًا" نصب على أنه مفعول ثان لقوله: "لا يلفك"، وقوله: "خلق الكرام": كلام إضافي نصب بقوله: "مظهرًا". الاستشهاد فيه: في قوله: "ولو تكون عديمًا" فإن "لو" فيه حرف شرط في المستقبل مع أنه لم يجزم؛ لأن "لو" الذي بمعنى "إن" لا يجزم، لكنه إذا دخل على الماضي يصرفه إلى المستقبل، وإذا وقع بعده مضارع فهو مستقبل المعنى، وقوله: "عديمًا" نصب لأنه خبر تكون (¬5). ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة والألف
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) ولوْ تَلْتَقِي أصْدَاؤُنَا بعْدَ موْتِنَا ... ومِنْ دُونِ رَمْسَينَا مِنَ الأرْضِ سَنسَبُ لظلَّ صدَى صوْتِي وإنْ كنتُ رِمَّةً ... لِصَوْتِ صَدَى ليلَى يَهَشُّ ويطْرَبُ أقول: قائلهما هو قيس بن الملوح المجنون، وهما من الطويل. 1 - قوله: "أصداؤنا": جمع صدى، وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال وغيرها، ويقال: صم صداه وأصم الله صداه، أي: أهلكه؛ لأن الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئًا فيجيبه، ويروى: ولَوْ تَلْتَقِي في المَوتِ رُوحِي وروحُهَا ... ومِنْ بَينِ رَمْسَينَا مِنَ الأرْضِ مَنكِبُ قوله: "رمسينا": تثنية رمس، وهو تراب القبر، وهو في الأصل مصدر، والمرمس: موضع القبر، قوله: "سبسب" بسينين مهملتين مفتوحتين وباءين موحدتين أولاهما ساكنة، وهي المفازة. 2 - قوله: "رمة" بكسر الراء وتشديد الميم؛ العظام البالية، والجمع رمم ورمام، تقول منه: رمّ العظم يرم بالكسر رمة، أي: بلي فهو رميم، قوله: "يهش": من الهشاشة وهي الارتياح والخفة للمعروف، وقد هششت لفلان بالكسر أهش هشاشة إذا ارتحت له. الإعراب: قوله: "ولو" الواو للعطف إن تقدمه شيء، ولو للشرط، وقوله: "تلتقي": فعل، و"أصداؤنا" كلام إضافي فاعله، و "بعد موتنا": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "سبسب" مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "من دون رمسينا"، والجملة حالية فلذلك دخلتها الواو، وكلمة: "من" في "من الأرض" بيانية. قوله: "لظل": جواب لو، وهي من الأفعال الناقصة، وقوله: "صدى صوتي": كلام إضافي اسمه، وقوله: "يهش": خبره، و" يطرب": عطف عليه، وقوله: "لصوت" يتعلق بقوله: "يهش"، وهو مضاف إلى صدى، وصدى مضاف إلى ليلى اسم محبوبته التي كان المجنون يتشبب بها. ¬
الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة والألف
قوله: "وإن كنت" إن هاهنا واصلة بما قبلها، وكنت: جملة فعلية فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه جواب لو، وقوله: "رمة": نصب على أنه خبر كان. فإن قيل: هذه الجملة معطوفة على ماذا؟ قلت: مثل هذه الجملة تعطف على مقدر، تقدير الكلام: إن لم أكن رمة وإن كنت رمة، فافهم. الاستشهاد فيه: أن "لو" هاهنا للتعليق في المستقبل ولهذا رادفت "إن" (¬1). الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) ما كان ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ ... وَرُبَّمَا مَنَّ الفَتَى وهو المَغِيظُ المُحْنَقُ أقول: قائلته هو قتيلة بنت الحرث ترثي به أخاها النضر بن الحرث بن كلدة أحد بني عبد الدار، وكان النبي - عليه السلام - (¬4) أمر عليًّا أن يضرب عنقه لما أقبل من بدر فضرب عنقه بالصفراء، وهو من قصيدة قافية من الكامل، وأولها هو قوله (¬5): 1 - يَا رَاكِبًا إنَّ الأثيلَ مَظِنَّةٌ ... مِن صبحِ خامسَة وأنتَ مُوَفَّقُ 2 - بلِّغ بهِ ميِّتًا فإنَّ تَحِيَّةً ... ما إنْ تَزَالُ بها الرَّكَائِبُ تخْفُقُ 3 - مني إليك وَعَبرَةً مسفوحةً ... جَادَتْ لِمانِحِهَا وأُخرَى تَخْفِقُ 4 - هَلْ يَسْمَعَنِّي النَّضْرُ إن ناديتُهُ ... إنْ كَانَ يَسْمَعُ ميِّتٌ أو يَنْطِقُ 5 - ظلتْ سيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلَّهِ أرْحَامٌ هناكَ تُشَقَّقُ 6 - أمُحَمَّدٌ ولأنتَ نَجْلُ نجيبةٍ ... في قَومِهَا والفَحْلُ فَحْلٌ معرقُ ¬
7 - ما كان ضرَّكَ ............... ... ........................ إلخ 8 - لَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فلتَأْتِينَ ... بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو لَديكَ ويُنفِقُ 9 - فالنضرُ أَقْرَبُ مَنْ أَصَبتَ وَسِيلَةً ... وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كانَ عِتْقٌ يُعْتقُ ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (¬1): "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته"، ويقال: إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكرمه، والموتورة: التي قتل لها قتيل ولم تدرك ثأرها، وكذلك رجل موتور من وتره حقه؛ أي: نقصه، وهو بالتاء المثناة من فوق. قولها: "الأثيل" بضم الهمزة وفتح الثاء المثلثة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره لام؛ مصغر: أثل، وهو نوع من الطرفاء، والواحدة أثلة، و"مظنة الشيء": موضعه. قولها: "المغيظ" بفتح الميم؛ من غاظه إذا أغضبه، والغيظ: غضب كامن للعاجز، وقال ابن دريد: الغيظ فوق الغضب، وقيل: الغيظ: سورة الغضب وأوله، و "المحنق" بضم الميم وسكون الحاء المهملة وفتح النون، وهو الذي يكمن في قلبه الغيظ والعداوة. الإعراب: قولها: "ما" استفهامية، ومعناها: أي شيء ضرك؟ وهي في محل الرفع على الابتداء، و "كان ضرك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، واسم كان مستتر فيه، وضرك خبره، و "لو" للشرط، وقولها: "مننت": جملة من الفعل والفاعل، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وصدر الكلام أغنى عن جواب لو. قولها: "وربما" رب حرف للتقليل غالبًا، ودخول ما كفَّها عن العمل وهيأها للدخول على الجملة الفعلية، والشرط أن يكون الفعل ماضيًا لفظًا ومعنًى، وهاهنا كذلك وهو قولها: "من الفتى"، وهو جملة من الفعل والفاعل، قولها: "وهو "مبتدأ، و "المغيظ" خبره، و "المحنق": خبر بعد خبر، والجملة موضعها النصب على الحال. الاستشهاد فيه: أن "لو" هاهنا مصدرية، فإذا كانت مصدرية فالشرط فيها أن ترادف "أن" بمعنى أن يصلح ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة والألف
موضعها أن المصدرية، ولكن أكثر وقوعها بعد "ود"، نحو قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} [القلم: 9]، والذي وقع في البيت قليل. فإن قيل: إذا كانت مصدرية كيف يكون التقدير؟ قلت: التقدير: وما كان ضرك المن عليه؛ أي: على النضر بن الحرث كما ذكرنا (¬1). الشاهد الرابع والخمسون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) كذبتُ وبيتِ الله لوْ كنتُ صادقًا ... لمَا سَبَقَتْنِي بالبُكَاء الحَمَائِمُ أقول: قائله هو مجنون بني عامر، وعن أبي عمرو الشيباني أن المجنون كان ذات ليلة جالسًا مع أصحاب له من بني عمه وهو والهٌ يتلظَّى ويتململ وهم يعظونه ويحادثونه حتى هتفت حمامة من سرحة كانت قريبة بإزائهم فوثب قائمًا، وقال (¬4): 1 - لَقَدْ غَرَّدَتْ في جُنحِ لَيلٍ حَمَامَةٌ ... عَلَى إلْفِهَا تَبكِي وإِنِّي لَنَائِمُ 2 - فَقُلْتُ اعْتذَارًا عِندَ ذَاكَ وإنَّنِي ... لِنفْسي فيمَا قَدْ رَأَيتُ لَلائِمُ 3 - أَأَزْعُمُ أنِّي عَاشِقٌ ذُو صَبابَةٍ ... بليلِي ولَا أبْكِي وتَبكِي البَهَائم 4 - كَذَبتُ ................ ... ............................. إلخ وهي من الطويل. قوله: "غرَّدت" أي: صاحت، قوله: "لو كنت صادقًا" ويروى: لو كنت عاشقًا، قوله: "حمائم": جمع حمامة. الإعراب: قوله: "كذبت": جملة من الفعل والفاعل، أراد في دعواي عشق ليلى، قوله: "وبيت الله" ¬
قسم، قوله: "لو "للشرط، و "كنت صادقًا": جملة من اسم كان وخبرها، وقعت فعل الشرط، وقوله: "لما سبقتني": جواب الشرط، والباء في "بالبكاء" تتعلق بسبقتني، و "الحمائم": مرفوع لأنه فاعل سبقتني. الاستشهاد فيه: في قوله: "لما سبقتني" فإنه جواب لو، وقد صحب اللام فيه حرف النفي، والأكثر في الماضي المثبت أن يكون باللام بدون اقتران حرف النفي، وقد تحذف اللام -أيضًا-كما في قوله تعالى: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70]، فافهم (¬1). * * * ¬
شواهد "أما ولولا ولوما"
شواهد "أما ولولا ولوما" الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) فأَمَّا القِتَالُ لا قِتَال لديكُمُ ... ولكِنَّ سيرًا في عِرَاضِ المَوَاكِبِ أقول: قائله قديم في الجاهلية هجا به بني أسد بن أبي العيص حتى قال بعضهم: إنه قيل قبل الإسلام بخمسمائة سنة، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء (¬3). الاستشهاد فيه هاهنا: في ذكر حذف الفاء من الجملة الواقعة جوابًا لأما وهو قوله: "لا قتال لديكم"، وكان القياس أن يقال: فلا قتال لكنه حذفها للضرورة (¬4). ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد المائة والألف
الشاهد السادس والخمسون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) الآن بعدَ لَجَاجَتِي تلْحُونَنِي ... هَلَّا التقدُّمُ والقُلُوبُ صِحَاحُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "بعد لجاجتي" أي: بعد غضبي، من لججت ألج من باب علم يعلم، والمعنى: أنكم تلومونني بعد أن وقع بيني وبينه، فهلا كان ذلك والقلوب عامرة ليس فيها غضب، قوله: "تلحونني": من لحيت الرجل ألحاه لحيًا إذا لمته فهو ملحي، قوله: "صحاح" جمع صحيح. الإعراب: قوله: "ألآن" بفتح الهمزة واللام والنون، وأصله: ألآن، حذفت الهمزة وأعطيت حركتها لما قبلها، وهو نصب على الظرف (¬3)، وكذلك: "بعد" نصب على الظرف مضاف إلى اللجاجة الذي هو مصدر، وهو مضاف إلى ياء المتكلم إضافة المصدر إلى فاعله، والتقدير: الآن تلحونني بعد لجاجتي، وقوله: "تلحونني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو العامل في الظرفين، قوله: "والقلوب": مبتدأ، و"صحاح": خبره، والجملة حالية. الاستشهاد فيه: في قوله: "هلَّا التقدم" حيث حذف الفعل بعد حرف التحضيض؛ لأن التقدير فيه: هلا كان التقدم باللَّحْي؛ وذلك لأن التحضيض لا يدخل إلا على الفعل، وارتفاع التقدم بكان المقدرة (¬4). الشاهد السابع والخمسون بعد المائة والألف (¬5)، (¬6) أتيتَ بعبدِ الله في القِدِّ مُوثَقًا ... فهلَّا سعيدًا ذا الخيانة والغدْرِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة والألف
قوله: "في القد" بكسر القاف وتشديد الدال، وهو سير يقد من جلد غير مدبوغ، والقدة أخص منه، والجمع أقدة. الإعراب: قوله: "أتيت": جملة من الفعل [والفاعل] (¬1)، و "بعبد الله" في محل النصب على المفعولية، قوله: "في القد" يتعلق بقوله: "موثقًا"، و "موثقًا" نصب على الحال من عبد الله، قوله: "فهلّا" للتحضيض، قوله: "سعيدًا" نصب بفعل محذوف تقديره: فهلَّا أسرت سعيدًا، أو قيدت، أوثقت ونحوها، قوله: "ذا الخيانة": كلام إضافي صفة لسعيد، قوله: "والغدر" بالجر عطف على الخيانة. الاستشهاد فيه: في قوله: "سعيدًا " حيث جاء منصوبًا بعد حرف التحضيض بتقدير العامل؛ إذ التقدير: فهلا أسرت سعيدًا كما ذكرنا، وذلك لأن التحضيض لا يدخل إلا على الفعل كما بين في موضعه (¬2). الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أفْضَلَ مَجْدِكُم ... بني ضَوْطَرَى لولَا الكَميّ المُقَنَّعَا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة يهجو بها الفرزدق، وقبله (¬5): 1 - فلَن تَذكُروا جرّ الفُقَيمِيّ غَالِبًا ... ولَا الفَقْرَ عندَ المنقَرِيّ المُضَيّعَا 2 - سأذكُرُ مَا لَمْ تَذكُرُوا عِندَ مِنقَرٍ ... وأثْنِي بِعَارٍ مِنْ حُمَيدَةَ أشنَعَا ¬
وهو من الطويل. 1 - قوله: "فلَنْ تَذكُرُوا جرَّ الفُقَيمِيِّ غَالِبًا " بالجيم وتشديد الراء؛ مصدر مضاف إلى فاعله، وغالبًا مفعوله، وهو أبو الفرزدق، وكان بين الفقيمي وغالب أمور كثيرة، وكان الفقيمي قد أنزله وأرجله وأذله، يعرض به جرير للفرزدق ما جعل لأبيه من الإهانة والذلة. 2 - قوله: "عقر النيب": من عقرت الناقة إذا عرقبتها لئلا تبرح لما يرام من نحرها، و "النيب" بكسر النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره باء موحدة، وهو جمع ناب، وهي الناقة التي نصفت سنها، وهي أحمد ما يكون لكثرة رسلها وتتابع نسلها. وقال الجوهري (¬1): "النابُ: "المُسنَّةُ من النُّوقِ، والجمع: النّيب وهو فُعْل كأسد وأُسْد، وإنما كسروا النون لتسلم الياء، والتصغير: نُيُيْبٌ، ويقال: سميت لطول نابها فهي كالصفة؛ فلذلك لم تدخلها الهاء لأن الهاء لا تلحق تصغير الصفات، تقول: نِيَّبَتِ الناقة، أي: صارت هَرِمَة، ولا يقال للجمل ناب، وقال سيبويه: من العرب من يقول في تصغير ناب: نويب، فيجيء بالواو لأن هذه الألف يكثر انقلابها من الواو (¬2). وقال ابن السراج: هذا غلط منه (¬3). قلت: ظاهر كلام الجوهري أن ابن السراج هو الذي غلط سيبويه وليس كذلك، بل المراد أن الغلط من العرب الذين يقولون ذلك، والتغليط من سيبويه لهؤلاء، فحكى ابن السراج كلام سيبويه مع تغليطه كلامهم لا أنه غلّط سيبويه (¬4). وحاصل المعنى: أن جريرًا قصد الذم من كلامه هذا، فزعم أنهم إنما يعقرون النيب لأنها نِيبَتْ وأسنت فلا يرجون نسلها ولا رسلها. 3 - قوله: "بني ضوطرى" بفتح الضاد المعجمة وسكون الواو وفتح الطاء والراء المهملتين، والضوطر والضيطر والضوطرى: الضخم الذي لا غناء عنده، وقال ابن يسعون في شرح أبيات ¬
الإيضاح: "الضوطرى: المرأة الحمقى، وزنها: فوعلى كالخوزلى، وبني ضوطرى رماهم بالحمق لأن أمهم محمقة، والمحمقة بضم الميم الأولى وكسر الثانية هي المرأة التي تلد الحمقى، وكذلك يقال: رجل محمق. وحكى كراع عن يعقوب: الضوطرى: الكثير اللحم، وهو قريب من المعنى الذي ذكرناه، قوله: "الكمي" بفتح الكاف وكسر الميم وتشديد الياء آخر الحروف، وقال ابن قتيبة: هو من كمي الشيء إذا ستره، وجعله فعيلًا بمعنى مفعول؛ لأنه مكمي أي: مستور؛ كأن الله يستره بحفظه إياه، وقيل: هو فعيل لفظًا ومعنى، أي: يخفي شجاعته فلا يظهرها إلا عند الحاجة أو يخفي نفسه في السلاح. وقال ثعلب (¬1): واشتقاقه من كمى يكمي إذا قصد إلى القتل؛ فهو على هذا فعيل أو فعول على الخلاف فيه، وقد أشار إليه أبو علي حيث قال في تكسير الصفات: وزعم أبو زيد أنهم قالوا: كمي وأكماء، قال: وزعم غيره أن مثله عدوّ وأعداء (¬2)، وهذا الجمع على اعتقاد حذف الزيادة منه، ومن قال في جمعه كماة شبَّه فعيلًا بفاعل. قوله: "المقنعا" بضم الميم وفتح القاف وتشديد النون بعدها عين مهملة، وهو الذي عليه مغفر أو بيضة. الإعراب: قوله: "تعدون": جملة من الفعل والفاعل وهو بمعنى: تحسبون فيقتضي مفعولين؛ لأنه من جهة الاعتقاد لا من جهة الأعداد، والمفعول الأول هو قوله: "عقر النيب"، والثاني: هو قوله: "أفضل مجدكم"، ويجوز أن يكون من العدّ، ويكون أفضل مجدكم مفعولًا ثانيًا بإسقاط حرف الجر؛ أي: تعدون ذلك من أفضل مجدكم، قوله: "بني ضوطرى": منادى حذف منه حرف النداء، تقديره: يا بني ضوطرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "لولا الكمي المقنعا" حيث نصب الكمي بالفعل المقدر بعد لولا؛ لأن تقديره: لولا تلقون الكمي أو تبارزون أو نحو ذلك (¬3). ¬
الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة والألف
وقال ابن يسعون: يجوز عندي أن يكون الفعل المراد بعد لولا تعدون لتقدم ذكره، والتقدير: هلا تعدون قتل الكمي المقنع أفضل مجدكم؛ فحذف المضاف لأنه لا يُشْكل لتقدم ذكره، وقال ابن مالك: التقدير: لولا تعدون عقر الكمي أو قتله؛ فحذف الفعل المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (¬1). الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) ونُبِّئْتُ لَيلَى أَرسَلَتْ بشَفَاعةٍ ... إليّ فَهَلَّا نَفسُ لَيلَى شَفِيعُهَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الإضافة، وفي شواهد لو -أيضًا- عن قريب (¬4). الاستشهاد فيه هاهنا: على حذف الفعل بعد هلَّا التي للتحضيض، والتقدير: فهلا كان الشأن نفس ليلى شفيعها، وقال أبو حيان: قد تأول أصحابنا هذا البيت على أن نفسًا فاعل بفعل محذوف، والتقدير: فهلَّا شفعت نفس ليلى، ويكون شفيعها خبر مبتدأ محذوف؛ التقدير: هي شفيعها، أي: نفسها شفيعها، وتأوله أبو بكر بن طاهر على إضمار كان التي يضمر فيها الأمر والشأن، وتكون الجملة في موضع نصب خبرها (¬5)، وذهب بعض النحويين إلى جواز مجيء جملة الابتداء بعد هذه الحروف مستدلًا بهذا البيت (¬6)، واللَّه أعلم. * * * ¬
شواهد الإخبار بالذي الألف اللام
شواهد الإخبار بالذي الألف اللام الشاهد الستون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) فَكَأَنَّمَا نَظَرُوا إلى قَمَرٍ ... أوْ حَيثُ عَلَّقَ قَوْسَهُ قُزَحُ أقول: قائله شقيق بن سليك الأسدي (¬3)، وهو من الكامل، المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "فكأنما" الفاء للعطف؛ لأن قبله أبياتًا ذكرها صاحب الحماسة (¬4)، و "كأن" بطل عملها بما الكافة، و "نظروا": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "إلى قمر" يتعلق بها في محل النصب على المفعولية، قوله: "أو حيث": عطف على قوله: "إلى قمر"، قوله: "علق": فعل، وقوله: "قزح" فاعله، و"قوسه" مفعوله. ¬
الشاهد الحادي والستون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: على أن المازني احتج به على جواز الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى (¬1)، وقال الجمهور: الاسم الذي ليس تحته معنى لا يمكن أن يصير خبرًا عن شيء؛ نحو: الأسماء المضافة في الكنى وغيرها من الأعلام المضافة؛ نحو: بكر من قولهم: أبو بكر، فلو أخبرنا عن ذلك لم تكن استفادة؛ لأن ذلك يكون كذبًا، وأجابوا عن ذلك بأن قُزَح اسم للشيطان، فكأن العرب قد وضعت قوسًا للشيطان فيكون ذلك من أكاذيبها، وروي في بعض الآثار: لا تقولوا قوس قزح، فإن قزح من أسماء الشيطان (¬2). الشاهد الحادي والستون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) مَا المُسْتَفِزُّ الهَوَى مَحْمُودَ عَاقِبَةٍ ... ................................ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الموصول (¬5). والاستشهاد فيه هاهنا: في حذف العائد إلى الألف واللام التي بمعنى الذي، ولا يجوز ذلك إلا في الضرورة؛ كما في هذا البيت؛ لأن التقدير: ما الذي استفزه الهوى (¬6). ¬
شواهد العدد
شواهد العدد الشاهد الثاني والستون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) ثلاثُ مِئِيَن لِلْمُلُوكِ وَفَى بها ... رِدَائِي وَجَلَّتْ عنْ وُجُوهِ الأَهاتِمِ أقول: قائله الفرزدق، وهو من الطويل، ويروى: فِدًى لسُيُوفٍ من تَميمٍ وَفَى بِهَا ... ردَائِي ............................. فعلى هذا لا استشهاد فيه، قوله: "ردائي" أراد به السيف؛ كما قال الآخر (¬3): ينَازِعُنِي رِدَائِي عَبدُ عَمرٍو ... رُويدًا يا أخَا سَعدِ بنِ بَكرِ والرداء يجيء بمعنى العطاء، قال كثير (¬4): غَمْرُ الرِّداءِ إذَا تَبَسَّمَ ضاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ المالِ والرداء: الدَّيْن -أيضًا-، ومنه قول حكيم العرب: فليخفف الرداء، والرداء: الثياب -أيضًا- قال الشاعر (¬5): ¬
وهَذَا رِدَائِي عِندَهُ يَسْتَعِيرُهُ ... ................................ قال ابن الأعرابي: أبوك رداؤك، وبنوك رداؤك، وكل ما زينك فهو رداؤك، ويقال: الرداء هاهنا على حقيقته، والشاعر يفتخر بذلك حيث رهن رداءه بالديات الثلاث [وأصل ذلك أن ثلاثة من الملوك قتلوا في المعركة، وكانت دياتهم ثلاثمائة بعير، فرهن رداءه بالديات الثلاث] (¬1) قوله: "وجلت عن وجوه الأهاتم" أراد بالأهاتم بني الأهتم سنان بن سمي، وإنما سمي بذلك لأنه كسرت ثنيته يوم الكُلَابِ، والهتم: كسر الثنايا من أصلها. الإعراب: قوله: "ثلاث مئين": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، قوله: "وفى بها": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "ردائي": كلام إضافي فاعلها، والجملة في محل الرفع على الخبرية، وقوله: "للملوك": جار ومجرور [في محل الرفع] (¬2) على أنه صفة لما قبله، والتقدير: ثلاث مئين من البعير الكائنة ديات للملوك، قوله: "وجلت"؛ جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الرداء، ومعنى جلّت بالتشديد جلت بالتخفيف؛ من جل القوم عن البلد يجلون بالضم إذا جلوا وخرجوا والمعنى: كشفت ردائي حين وفت بديات الملوك الثلاثة همّ ذلك وتمادي الحروب عن أعيان الأهاتم وكبرائهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاث مئين" حيث قال: مئين بلفظ الجمع مع أنها تمييز الثلاث، وتمييز الثلاثة وأخواتها بالمائة لا يجمع إلا في الشذوذ (¬3)، وقال ابن مالك: إذا كان مفسر الثلاثة وأخواتها مائة فيفرد نحو: ثلاث مائة، وكان القياس أن يجمع فيقال: ثلاث مئات أو مئين إلا أن العرب لا تجمع المائة إذا أضيف إليها عدد إلا قليلًا كقوله: ثلاث مئين ........... ... ............. إلى آخره (¬4) ¬
الشاهد الثالث والستون بعد المائة والألف
الشاهد الثالث والستون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) إذا عاشَ الفَتَى مائَتَينِ عَامًا ... فقدْ ذَهَبَ اللذاذةُ والفتَاءُ أقول: قائله هو الربيع بن ضبع الفزاري، وكان من المعمرين (¬3)، وهو من قصيدة أولها هو قوله (¬4): 1 - ألَا أبْلِغْ بَنِيَّ بَنِي ربِيع ... فَأَشْرَارُ البَنِينَ لَهُمْ فِداءُ 2 - بِأَنِّي قَدْ كبُرْتُ ورَقَّ عَظْمِي ... فَلا يَشْغَلْكُمْ عَنِّي النِّسَاءُ 3 - وإنَّ كَنَائِنِي لَنِسَاءُ صِدقٍ ... ومَا أَشكُو بَنِيَّ فمَا أساءوا 4 - إذا كَانَ الشتَاءُ فَأَدْفِئُونِي ... فَإن الشَّيخَ يَهدِمُهُ الشتَاءُ 5 - وأمَّا حِينَ يَذهَبُ كُلُّ قُرٍّ ... فَسرْبَال خَفِيفٌ أو رِدَاءُ 6 - إذا عاش .............. ... ........................... إلخ وهي من الوافر. قوله: "اللذاذة" بفتح اللام؛ من لذذت الشيء بالكسر لذاذة ولذاذًا إذا وجدته لذيذًا، ويروى: فقد ذهب المسرة والفتاء، و "الفتاء" بالمد من فتي بالكسر يفتي فتيًا فهو فتى السني بيّن الفتاء، وقد ولد له في فتاء سنه أولاد. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و "عاش الفتى": جملة من الفعل والفاعل؛ فعل الشرط، قوله: "مائتين": نصب على المفعولية، تقديره: مقدار مائتين ونحوه، و "عامًا" نصب على التمييز، قوله: "فقد ذهب اللذاذة": جملة من الفعل والفاعل وقعت جوابًا للشرط، قوله: "والفتاء": عطف على اللذاذة. ¬
الشاهد الرابع والستون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "مائتين عامًا" وذلك لأن القياس فيه إضافة المائتين إلى العام، وهذا شاذ لا يقاس عليه (¬1). الشاهد الرابع والستون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) تَوَهَّمتُ آيات لها فَعَرَفْتُهَا ... لسِتَّة أَعْوَامٍ وذا العامُ سابعُ أقول: قائله هو النابغة الذيباني، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬4): 1 - عفَا ذو حُسَا من فَرْتَنِي فَالفَوَارِعُ ... فَجَنْبا أريكٍ فالتِّلاعُ الدَّوافِعُ 2 - فمُجْتَمَعُ الأشرَاجِ غيَّرَ رَسْمَهَا ... مَصَايِفُ مرَّتْ بعدَنا ومَرَابِعُ 3 - تَوَهَّمْتُ آياتٍ .............. ... ........................ إلخ وهي من الطويل. وقد فسرنا الأبيات المذكورة غير مرة، قوله: "آيات" أراد بها علامات الدار التي تعرف بها، قوله: "لستة أعوام" أي: بعد ستة أعوام؛ كما في: كتبت لستة خلت من الشهر، أي: بعد ستة. الإعراب: قوله: "توهمت": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "آيات" مفعول، قوله: "لها" أي: لفرتني، والجار والمجرور في محل النصب على أنه صفة لآيات، والتقدير: آيات كائنة لها. قوله: "فعرفتها": عطف على قوله: "توهمت"، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى الآيات، قوله: "لستة أعوام" يتعلق بقوله: "فعرفتها"، قوله: "وذا العام سابع": جملة من المبتدأ والخبر. ¬
الشاهد الخامس والستون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "وذا العام سابع" [فإنه استعمل سابع] (¬1) مفردًا ليفيد الاتصاف بمعناه مجردًا، وهذا بخلاف ما يستعمله الشخص مع أصله ليفيد أن الموصوف به بعض العدد المعين نحو: سابع سبعة، وثامن ثمانية، ونحوهما (¬2). الشاهد الخامس والستون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) فكَانَ مِجَنِّي دون مَنْ كُنْتُ أَتَّقِي ... ثلاثُ شُخُوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ أقول: قائله هو عمر بن أبي ربيعة المخزومي (¬5)، وهو من قصيدة طويلة من الطويل. قوله: "مجني" بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون، وهو الترس، وتجمع على مِجَانَّ، ويروى: فكان نصيري دون من كنت أتقي، ومعناه: مانعي وساتري دون من كنت، ويروى: بصيري بالباء الموحدة؛ جمعُ بَصِيرة وهي التّرْسُ؛ حكاه أبو عبيدة (¬6). وقال ابن سيده: يؤيده رواية من روى: فكان مجني، قال: وأكثر الناس يروونه: نصيري بالنون وهو تصحيف. وقال أبو الحجاج: هذا القول فيه إفراط، ورواية النون غير بعيدة من الصواب، وإن كان رواية الباء أظهر لقوله "دون"، ولم يقل على المستعملة مع النصر في مثل هذا النحو، قوله: "كاعبان": تثنيةُ كاعب وهي التي نَهَضَ ثديُها. وقال الجوهري: الكاعب: الجارية حين يبدو ثديها للنُّهُودِ، وقد كَعِبَتْ تكْعُبُ بالضم كُعُوبًا ¬
الشاهد السادس والستون بعد المائة والألف
وكعَّبَتْ بالتشديد مثله (¬1)، قوله: "معصر" بضم الميم وسكون العين وكسر الصاد المهملتين، وهي الجارية أوَّلُ ما أدركتْ وحاضَتْ، يقال: قد أعصرت كأنها دخلت في عَصْرِ شَبَابها وبلغتْهُ. الإعراب: قوله: "فكان" الفاء للعطف، و "مجني": كلام إضافي اسم كان، وخبره قوله: "ثلاث شخوص"، قوله: "دون" نصب على الظرف، ومضاف إلى قوله: "من كنت"، ومن موصولة، و"كنت أتقي": صلتها، والعائد محذوف، أي: أتقيه، والضمير المتصل اسم كان، وأتقي: جملة في محل النصب خبره، قوله: "كاعبان": خبر مبتدأ محذوف تقديره: هن كاعبان ومعصر. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاث شخوص" فإن القياس فيه: ثلاثة شخوص، ولكنه كنى بالشخوص عن النساء ثم بيَّن ذلك بقوله: "كاعبان ومعصر" (¬2). الشاهد السادس والستون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) وإنَّ كِلابًا هذه عشرُ أَبْطُن ... وأنتَ بريء منْ قَبَائِلِهَا العشْرِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "أبطن": جمع بطن وهو دون القبيلة وهم بنو أب واحد، ويجمع على قبائل، وأصلها من قبائل الرأس وهي القطع المشعوب بعضها إلى بعض تصل بها الشؤون. الإعراب: قوله: "وإن كلابًا" الواو للعطف إن تقدمه شيء، و"كلابًا": اسم إن، و "هذه": إشارة إلى كلابًا، وقوله: "عشر أبطن": كلام إضافي خبر إن، قوله: "وأنت": مبتدأ، و "بريء": خبره، و "من قبائلها" يتعلق به، و "العشر" بالجر صفة لقبائلها. ¬
الشاهد السابع والستون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "عشر أبطن" [حيث قال: عشر أبطن] (¬1)، وكان القياس: عشرة أبطن؛ لأن البطن مذكر، لكنه كنى بالبطن عن القبائل بدليل قوله: "من قبائلها العشر" (¬2). الشاهد السابع والستون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) ثلاثةُ أنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ ... لقدْ جارَ الزَّمانُ علَى عِيالِي أقول: قائله أعرابي من أهل البادية، أنشده حين عم الغلاء ببلادهم، وهو من الوافر، وفي رواية المفضل (¬5): ثلاثةُ أعْبُدٍ وثَلَاثُ آمٍ ... لقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيالِي و"الآم": جمع أمة، ويجمع -أيضًا- على إماء، وأميّ، وأموان، وحكي أميات -أيضًا- وليس بالمعروف، قوله: "ذود" بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة، وهي الإبل ما بين الثلاث إلى العشر، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، والكثير أذواد، وفي المثل: الذود إلى الذود إبل (¬6)، قوله: "جار": من الجور وهو الحيف والظلم. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد المائة والألف
الإعراب: [قوله:] (¬1) "ثلاثة أنفس": كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: نحن ثلاثة أنفس، وقوله: "ثلاث ذود" بالرفع عطف على ثلاثة أنفس، والتقدير: ولنا ثلاث ذود، قوله: "لقد" اللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "جار الزمان": جملة من الفعل والفاعل، و "على عيالي" في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاثة أنفس" حيث قال: ثلاثة بالتاء، وكان القياس: ثلاث أنفس؛ لأن النفس مؤنث، ولكن لما كثر في كلامهم إطلاق النفس على الشخص صار كأنه قيل: ثلاثة أشخاص، قوله: "وثلاث ذود" كان القياس فيه: ثلاثة من الذود [لأن الذود] (¬2) اسم جمع، وإنما قياس العدد أن لا يضاف إلى الجمع (¬3). الشاهد الثامن والستون بعد المائة والألف (¬4)، (¬5) ................................ ... ظرفُ عَجُوزٍ فيه ثِنْتَا حَنْظَلِ أقول: قائله هو جندل بن المثنى، وفي شرح الفصيح قال ابن السيرافي: قالته سلمى الهذلية، وصدره: كَأَنَّ خُصْيَيْه منَ التَّدَلْدُلِ ... ................................ وقبله (¬6): 1 - تِقولُ يَا رَبَّاهُ يَا رَبُّ هَلِ ... أَنْتَ مِنْ هَذَا مُنَجٍ أَحْبُلِي 2 - إمَّا بِتَطْلِيقٍ وإمَّا بِارْحَلِي ... أوَارِمُ فيِ وَجْعَائِهِ بِدُمَّلِ ¬
وهي من مشطور الرجز، والقافية متدارك. قوله: "وجعائه" بفتح الواو وسكون الجيم وبالمد، وهو الاست، و "التدلدل": الاضطراب، قوله: "ظرف عجوز " ويروى: سَحْقُ جِرَابٍ فِيهِ ثِنتَا حَنظَلِ و"السحق": الخلق، و "الحنظل": جمع حنظلة وهي مشهورة، ويقال لها: العلقم، وروي عن أبي حاتم أنه قال: الحنظل هاهنا الثوم؛ شبه خصيتيه في استرخاء صفنهما حين شاخ واسترخت جلدة استه بظرف عجوز فيه حنظلتان (¬1)، وخص العجوز لأنها لا تستعمل الطيب ولا تتزين للرجال فيكون في ظرفها ما تتزين به، ولكنها تدخر الحنظل ونحوه من الأدوية، و "ظرف العجوز" هو مزودها الذي تخزن فيه متاعها. وقال النميري (¬2): هذا يجوز أن يكون مدحًا وأن يكون ذمًّا؛ لأن البطل يوصف بطول الخصية وقلة ثقلها. ورد عليه أبو محمد (¬3)، وأورد الأرجوزة التي فيها الثنتا حنظل في الذم. وقال الأعلم (¬4): يحتمل أن يكون الشعر مدحًا في وصف شجاع لا يجبن في الحرب فتقتلص خصيتاه، ويحتمل أن يكون هجوًا، ووجهه أنه يصف شخصًا قد كبر وأسن؛ ولذلك قال: ظرف عجوز، لأن ظرف العجوز خلق منقبض فيه تشنج لقدمه، فلذلك شبه جلد الخصية به للغضون التي فيه، والأولى أن يكون هجوًا لذكره العجوز والحنظلتين مع تصريحه بذكر الخصيتين، ومثل هذا لا يصلح للمدح. الإعراب: [قوله: "] كأن": حرف من الحروف المشبهة [بالفعل] (¬5)، وقوله: "خصييه"؛ اسمه، وخبره قوله: "ظرف عجوز"، وكلمة من في قوله: "من التدلدل" للتعليل، قوله: "ثنتا حنظل": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "فيه"، والضمير يرجع إلى الظرف. ¬
الشاهد التاسع والستون بعد المائة والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "ثنتا حنظل" حيث جمع فيه بين العدد والمعدود ضرورة، وكان حقه أن يقول: حنظلتان، وفي صدر البيت استشهاد آخر، وهو قوله: "خصييه" فإن القياس فيه إثبات التاء، أعني: يقال خصيتيه ولكنه حذفها للضرورة (¬1)، وقد استشهد به الزمخشري في كتابه (¬2). الشاهد التاسع والستون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) فيهَا اثنتَانِ وأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً ... سودًا كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأسْحَمِ أقول: قائله هو عنترة بن شداد العبسي، وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله (¬5): 1 - أَعْياك رَسْمُ الدَّارِ لم يتكلّمِ ... حتى تكلَّمَ كالأصمِّ الأَعْجَمِ إلى أن قال: 2 - إنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الفراقَ فإنما ... زمتْ ركابكُمْ بليلٍ مظلِمِ 3 - مَا رَاعَنِي إلَّا حمولةُ أَهْلِهَا ... وسْط الدِّيارِ تَسَفُّ حبّ القرطُمِ 4 - فيها اثنتان ............ ... .......................... إلخ ¬
وهي من الكامل. 4 - قوله: "فيها" أي: في الركاب، قوله: "حلوبة" بفتح الحاء المهملة وضم اللام وسكون الواو وفتح الباء الموحدة، وهي ما تحلب، وكذلك: الحلوب، وإنما جاء بالهاء، لأنك تريد الشيء الذي يحلب؛ أي الشيء الذي اتخذوه ليحلبوه، وليس لتكثير الفعل، وكذلك القول في الركوبة والقتوبة وأشباههما، وهو بالقاف والتاء الثناة من فوق، وهي الإبل التي تقتبها بالقتب، وفي الحديث: "لا صدقة في الإبل المقتوبة"، والمعنى: ليس في الإبل العوامل صدقة، إنما الصدقة في السوائم، ويروى: خلية بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وتشديد الياء آخر الحروف، وهي الناقة تعطف مع أخرى على ولد واحد فيدران عليه ويتخلى أهل البيت بواحدة يحلبونها. قوله: "كخافية الغراب" بالخاء المعجمة، ويجمع على: خوافٍ، قال الأصمعي: هو ما دون الريشات العشر من مقدم الجناح، قوله: "الأسحم" بالحاء المهملة؛ أي: الأسود؛ من السحمة وهي السواد. الإعراب: قوله: "فيها اثنتان" مبتدأ وخبر، وقوله: "حلوبة": نصب [على التمييز، قوله: "سودًا": بضم السين جمع سوداء] (¬1) نصب على أنه صفة لحلوبة، قوله: "كخافية" الكاف للتشبيه، والخافية مجرورة بها، وهي مضافة إلى الغراب، قوله: "الأسحم" بالجر صفة للغراب. الاستشهاد فيه: في قوله: "سودًا" فإنها وقعت نعتًا لقوله: "حلوبة"، وروعي فيها اللفظ، ويجوز في هذا الباب رعاية اللفظ ورعاية المعنى، تقول: عندي عشرون درهمًا وازنًا على اللفظ، وعشرون درهمًا وازنة على المعنى (¬2). ¬
الشاهد السبعون بعد المائة والألف
الشاهد السبعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) كُلِّفَ مِنْ عَنَائِهِ وشِقْوَتِهِ ... بنتَ ثمانِي عشْرَةٍ مِنْ حِجَّتِهْ أقول: [ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان (¬3): أنشدني أبو الرديني الدليهم بن شهاب أحد بني عوف بن كنانة من عكل قال: أنشدني نفيع بن طارق في تشبيه رَكَب المرأة (¬4) إذا جمم بجلد القنفذ (¬5): 1 - عُلِّقَ مِنْ عَنَائِهِ وشِقْوَتِهْ ... وقَدْ رأيتَ هَدَجًا فيِ مِشْيَتِهْ 2 - وقَدْ حَكَى الشَّيبُ عِذَارَ لِحيَتِهْ ... بِنْتَ ثَمَانِ عَشْرة من حِجَّتِهْ 3 - يَظُنُّهَا ظنًّا بِغَيرِ رؤْيَتِهْ ... تَمْشِي بِجَهْمٍ ضِيقُهُ فيِ هِمَّتِهْ 4 - لمْ يُخْزِهِ اللهُ بِرُحْبِ سَعَتِهْ ... حمحم بَعْدَ حَلْقِهِ ونَوْرَتِهْ 5 - كقُنفُذِ القف اخْتَفَى فيِ فَرْوَتِهْ ... لا يقنع الأيرُ بِنَزْغِ زهرته 6 - ولا يَكرُّ رَاجِعًا بِكَرَّتِهْ ... كأنَّ فيه وَهَجًا مِنْ مِلَّتِهْ] (¬6) قوله: "من عنائه" بفتح العين المهملة، وهو من عني بالكسر يعني عناءً؛ أي: تعب ونصب، و "الشقوة" بكسر الشين المعجمة؛ نقيض السعادة، وكذلك الشقاء والشقاوة بالفتح، وقراءة قتادة (¬7): {شِقوَتُنَا} [المؤمنون: 106] بالكسر (¬8)، ...................... ¬
وهي لغة (¬1)، و "الحجة "؛ السنة والعام، ويجمع على حجج. الإعراب: قوله: "كلف" على صيغة المجهول، والضمير المستتر فيه مفعول ناب عن الفاعل، وكلمة: "من" للتعليل، و "شقوته": عطف على عنائه، قوله: "بنت" بالنصب مفعول ثان لقوله: "كلف". الاستشهاد فيه: في قوله: "ثماني عشرة " حيث أضاف صدره إلى عجزه بدون إضافة عشرة إلى شيء آخر، وهذا لا يجوز بالإجماع إلا في ضرورة الشعر؛ كذا ادعى ابن مالك الإجماع فيه (¬2)، وهذه الدعوى ليست بصحيحة لأن غيره حكى عن الكوفيين أنهم أجازوا ذلك مطلقًا في الشعر وغيره (¬3). * * * ¬
شواهد "كم وكأين وكذا"
شواهد "كم وكأين وكذا" الشاهد الحادي والسبعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) كمْ عمَّةٍ لكَ يا جريرُ وخالةٍ ... فدْعاءَ قد حلبتْ عليَّ عشَارِي أقول: قائله هو الفرزدق، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الابتداء (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "كم عمة" حيث روي بالجر على اللغة المشهورة على أن كم خبرية، وبالنصب على أنها استفهامية، وتميم قد يُجْرُونَ كم الخبرية مجرى كم الاستفهامية وينصبون مميزها وإن كان جمعًا، وبالرفع على أن المميز محذوف، والتقدير: كم مرة أو كم وقت، ويكون ارتفاع عمة على الابتداء لأنه وُصِف (¬4). الشاهد الثاني والسبعون بعد المائة والألف (¬5)، (¬6) عَلَى أَنَّنِي بَعْدَ مَا قَدْ مضَى ... ثَلاثُونَ لِلْهَجْرِ حَوْلًا كَمِيلًا يُذَكِّرُنِيكِ حَنِينُ العَجُولِ ... وَنَوْحُ الحَمَامَةِ تَدْعُو هَديلًا أقول: قائلهما هو العباس بن مرداس السلمي كذا في الموعب، وهما من المتقارب. ¬
2 - قوله: "حنين العجول" أي: طربها وارتياحها، و "العجول" بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره لام، وهي الناقة التي قد ذبح [ولدها] (¬1) أو مات أو وهب؛ قاله الأصمعي، وقال غيره: "العجول": الناقة التي تلقي ولدها قبل أن يتم بشهر أو شهرين، وذلك لأنها أعجلته عن ولدها. قوله: "هديلًا" بفتح الهاء وكسر الدال، وهو الذكر من الحمام، ويقال: الهديل: الحمام الوحشي كالقماري والدباسي، وقيل: الهديل: الفرخ؛ قاله صاحب العين، وقال: هكذا يزعم الأعراب. وقال الجاحظ (¬2): يقال في الحمام الوحشي من القماري والفواخت والدباسي وما أشبه ذلك: هدل يهدل، ويقال في الحمام: هدر يهدر، قال أبو زيد: الجمل يهدر، ولا يقال باللام، وقال الجاحظ: الحمام يهدل، وربما كان بالراء (¬3)، قوله: "كميلًا" فعيل بمعنى فاعل بمعنى كامل. الإعراب: قوله: "على أنني" يتعلق بما قبله من أبيات القصيدة، وضمير المتكلم اسم أن، وخبرها هو قوله: "يذكرنيك" على ما يجيء، قوله: "بعد" نصب على الظرف مضاف إلى قوله: "ما قد مضى"، وقد للتحقيق، ومضى: فعل، و"ثلاثون": فاعله، و "للهجر" معترض بين ثلاثون ومميزه وهو: حولًا، قوله: "كميلًا" صفة لقوله: "حولًا". قوله: "يذكرنيك": جملة من الفعل والمفعولين أحدهما قوله: "في"والآخر: الكاف، وموضعها الرفع على أنه خبر أن، قوله: "حنين العجول": كلام إضافي فاعله، قوله: "ونوح الحمامة": عطف على الفاعل. قوله: "تدعو": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه العائد إلى الحمامة، قوله: "هديلًا": مفعول به لأن المعنى: تناديه ليسفدها الذكر، وإن كان المراد من الهديل الفرخ على ما زعمه بعض الأعراب، فكذلك هو مفعول به، وتكون تدعو في معنى: تبكي وترثي، وإن كان المراد من الهديل: الصوت، فيكون انتصاب هديلًا على المصدر، وإما على فعل مقدر من لفظه دل عليه قوله: "تدعو" أي: تهدل هديلًا، وإما بتدعو لأن معناه كمعنى تهدل، ويجوز أن تنصب ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة والألف
على الحال من الضمير في "تدعو"، أي: تدعو هادلة، ومفعول تدعو على هذين الوجهين محذوف، أي: تدعو صاحبها. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاثون للهجر حولًا كميلًا" حيث فصل بين "ثلاثون" وبين مميزه، أعني: حولًا بالجار والمجرور، وذلك للضرورة (¬1). الشاهد الثالث والسبعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) تَؤُمُّ سِنَانًا وكَمْ دُونَهُ ... مِنَ الأَرْضِ مُحْدَوْدِبًا غَارُهَا أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وقيل: ابنه كعب، وليس بموجود في ديوانهما، وهو من المتقارب (¬4). قوله: "تؤم" أي: تقصد سنانًا، وأراد به سنان بن أبي حارثة المري، قوله: "محدودبًا": من الحدب وهو ما ارتفع من الأرض، يقال: حدب ظهره واحدودب، قوله: "غارها" بالغين المعجمة، أصله: غائرها فحذف عين الفعل؛ كما حذف في قولهم: رجل شاك، أي: شائك، و "الغار" من الأرض؛ الغائر المطمئن (¬5). الإعراب: قوله: "تؤم": جملة من الفعل والفاعل وهو هي المستتر فيه الراجع إلى الناقة، قوله: "سنانًا": مفعوله، قوله: "وكم" الواو للحال، وكم خبرية، وقوله: "دونه" نصب على الظرف. ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة والألف
قوله: "من الأرض" يتعلق بمحذوف؛ قاله أبو علي (¬1)، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من غارها، والعامل فيه محذوف، ويجوز أن يكون حالًا مما في دونه الذي هو خبر كم، ويكون متعلقًا بمحذوف؛ قاله أبو الحجاج، وتقديره: معترض أو كائن دونه حاضرًا من الأرض، والعامل في "حاضر" الذي هو حال الخبر الذي هو كائن ونحوه مما يتعلق به الظرف الذي هو دونه، قوله: "غارها" مرفوع بمحدودبًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "وكم دونه من الأرض محدودبًا" حيث فصل بين كم ومميزها وهو قوله: "محدودبًا" بالظرف وهو قوله: "دونه" والمجرور وهو قوله: "من الأرض"، وفي مثل هذه الصورة يجوز نصب المميز ويجوز بقاء جره، والمختار نصبه في مثل هذا (¬2). الشاهد الرابع والسبعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) كمْ فيِ بَنِي بكرِ بنِ سعْدٍ سيِّدٍ ... ضَخْمِ الدَّسيعَةِ مَاجِدٍ نَفَّاعٍ أقول: قائله هو الفرزدق، وهو من الكامل. قوله: "ضخم الدسيعة" أي: العطية، يقال: فلان ضخم الدسيعة، أي: عطم العطية، وهي بفتح الدال وكسر السين المهملتين بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وعين مهملة، قوله: "ماجد": من مجد إذا شرف، و "نفاع": مبالغة نافع. ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "كم": خبرية مرفوع بالابتداء، وقوله: "في بني بكر بن سعد": ظرف في محل الرفع على الخبرية، وقوله: "سيد" مميز كم، و "ضخم الدسيعة": كلام إضافي صفته، و"ماجد": صفة أخرى، وكذلك "نفاع" صفة بعد صفة. الاستشهاد فيه: على أنه فصل بين كم الخبرية وبين مميزها وهو قوله: "سيد" بالظرف وهو قوله: "في بني [بكر ابن] (¬1) سعد"، وأبقى الجر في المميز، والمختار نصبه في هذه الصورة كما علم في موضعه (¬2). الشاهد الخامس والسبعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) كمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نَال العُلا ... وكريمٍ بُخْلُهُ قَدْ وَضَعَهْ أقول: قائله هو أنس بن زنيم، وهو من قصيدة قالها لعبيد الله بن زياد، وأولها هو قوله (¬5): 1 - سَلْ أَمِيرِي مَا الذِي غَيَّرَهْ ... عَنْ وصَالِي اليَومَ حَتَّى وَدَّعَهْ 2 - لا تَهنِّي بَعْدَ أنْ أَكْرَمْتَنِي ... فشَدِيدٌ عَادَةٌ مُنْتَزَعَهْ 3 - لا يَكُنْ وَعدُكَ بَرقًا خُلَّبًا ... إنَّ خَيرَ البَرْقِ مَا المَاءُ مَعَهْ (¬6) وهي من المديد. 3 - قوله: "خلبًا" بضم الخاء المعجمة وفتح اللام المشددة وفي آخره باء موحدة، وهو البرق الذي لا يكون معه مطر. 4 - قوله: "بجود" بضم الجيم؛ أي: بكرم وسخاوة، قوله: "مقرف" بضم الميم وسكون القاف وكسر الراء وفي آخره فاء، وأراد به الرجل الذي ليس له أصالة من جهة الأب؛ وذلك لأن المقرف هو الذي دانى الهجنة من الفرس وغيره الذي أمه عربية وأبوه ليس كذلك، لأن ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد المائة والألف
الإقراف إنما هو من قبل الفحل، والهجنة من قبل الأم. قوله: "نال العلا" أي: بلغ المنزلة العالية، قوله: "وكريم" أراد به الأصيل من الطرفين، قوله: "وضعه": من الوضيع وهو الدّني من الناس، يقال: في حسبه ضعة وضعه، والهاء عوض من الواو. الإعراب: قوله: "كم" خبرية، قوله: "بجود": جار ومجرور فصل به بين كم ومميزه، وهو قوله: "مقرف"، قوله: "نال العلا": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر على أنها خبر عن كم، قوله: "وكريم" [أي: وكم كريم] (¬1)، قوله: "بخله": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "قد وضعه": خبر، والجملة خبر لكم المحذوفة. الاستشهاد فيه: على أنه فصل بين كم وبين مميزه بالمجرور كما ذكرنا (¬2). الشاهد السادس والسبعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) كمْ نَالني منهم فَضْلًا على عَدَمٍ ... إذْ لَا أكَادُ منَ الإقْتَارِ أَجْتَمِلُ أقول: قائله هو القطامي، وهو من البسيط. قوله: "من الإقتار" من أقتر الرجل إذا افتقر، قوله: "أجتمل" بالجيم؛ من اجتملت الشحم جَمْلًا إذا أذبته، وكذا جملته أجْمُلُه جَملًا، وربما قالوا: أجملته؛ حكاه أبو عبيد، ورأيت في بعض الحواشي أنه روي: أحتمل بالحاء المهملة من الاحتمال، وما أظنه صحيحًا (¬5). ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "كم" خبرية؛ ظرف زمان تقديره: كم مرة أو كم يومًا، وقوله: "نالني منهم": جملة معترضة بين كم وبين مميزها وهو قوله: "فضلًا" (¬1). قوله: "فضلًا" يروى بالأوجه الثلاثة، أما النصب فلأجل الفصل على الأظهر، وأما الجر فعلى لغة من جر مع الفصل، وأما الرفع فلأنه فاعل نالني، قوله: "على عدم" يتعلق بقوله: "نالني" (¬2). قوله: "إذ": ظرف بمعنى حين، وقوله: "لا أكاد" من أفعال المقاربة، والضمير المستتر فيه هو اسمه، و"أجتمل" خبره، و "من الإقتار" يتعلق بأجتمل. الاستشهاد فيه هاهنا: على أنه فصل بين كم وبين مميزها، وهو قوله: "فضلًا" بالجملة وهي قوله: "نالني منهم"، ونصب المميز لأن النصب في مثل هذا الموضع واجب، وكذا إذا فصل بالظرف والمجرور معًا، فإن فصل بأحدهما لم يجب (¬3). الشاهد السابع والسبعون بعد المائة والألف (¬4)، (¬5) اطْرُدِ اليَأْسَ بالرَّجَا فكَأَيِّنْ ... آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرٍ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الخفيف. قوله: "اليأس" أي: القنوط، قوله: "آلمًا": اسم فاعل من ألم يألم، قوله: "حم" أي: قدر. ¬
الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "اطرد": جملة من الفعل والفاعل وهو أنت المستتر، و "اليأس" بالنصب مفعوله، قوله: "بالرجا" يتعلق باطرد، قوله: "فكأين" الفاء للتعليل، و "كأين" مثل كم في الإبهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير في الغالب، ويكون مميزها مجرورًا بمن غالبًا حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك (¬1)، ويرده قول سيبويه: وكأين رجل رأيت (¬2)، ومن الغالب قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ} [آل عمران: 146]، و {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} [العنكبوت: 60]، ومن النصب هذا البيت، وقول الآخر (¬3): وَكَائِنْ لنا فَضْلًا عليكم وَمِنَّةً ... قَدِيمًا ولا تَدْرُونَ ما مَنَّ منعمُ قوله: "آلمًا" منصوب على أنه مميز كأين كما ذكرنا، قوله: "حم" على صيغة المجهول أسند إليه قوله: "يسره"، والجملة في محل النصب على أنها صفة لآلمًا، وقوله: "بعد عسر" نصب على الظرف. الاستشهاد فيه: في مجيء مميز "كأين" منصوبًا، وقد ذكرناه محققًا الآن (¬4). الشاهد الثامن والسبعون بعد المائة والألف (¬5)، (¬6) كَمْ ملُوكٍ بَادَ ملكُهُمُ ... وَنَعِيمٍ سُوْقَةٍ بَادُوا أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من المديد. ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة والألف
قوله: "باد" أي: هلك؛ من باد يبيد بيدودة، و "السوقة" بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف، وهم ما دون الملك، وقيل: السوقة: جمع سوقي وهم أهل السوق، والمعنى الأول هو الأظهر هاهنا. الإعراب: قوله: "كم" خبرية، و "ملوك" بالجر مميزه، وقوله: "باد" فعل ماض، و"ملكهم": كلام إضافي فاعله، والجملة في محل الرفع على أنها خبر للمبتدأ، أعني قوله: "كم"، قوله: "ونعيم" بالجر عطفًا على ملوك تقديره: وكم نعيم سوقة، والتقدير: وكم باد نعيم سوقة، وقوله: "بادوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى السوقة، وهي في محل الجر لأنها صفة لسوقة. الاستشهاد فيه: في قوله: " [كم ملوك" فإن مميز"كم" فيه مجموع مجرور؛ لأنه استعمل استعمال عشرة، وقد تستعمل استعمال مائة فيكون تمييزه مفردًا نحو: كم مرة (¬1). الشاهد التاسع والسبعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) وَكَمْ لَيْلَةٍ قَدْ بِتُّهَا غَيْرَ آثِمٍ ... ............................. أقول: لم أقف على اسم قائله، وتمامه: ............................ ... بنَاجِيَةِ الحِجْلَيْنِ مُنَعَّمَة القَلْبِ وهو من الطويل. قوله: "آثم": فاعل من أثم يأثم. الإعراب: قوله: "وكم" الواو للعطف إن تقدمه شيء، وكم خبرية، وقوله: "ليلة" بالجر مميز "كم"، ¬
الشاهد الثمانون بعد المائة والألف
قوله: "قد بتها" أي: قد بت فيها، وهي جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الجر؛ صفة لليلة. قوله: "غير آثم": كلام إضافي منصوب على الحال من الضمير المرفوع الذي في بتها، قوله: "بناحية الحجلين" يتعلق بقوله: "بتها"، وأظنه اسم موضع، قوله: "منعمة القلب": كلام إضافي حال -أيضًا-. الاستشهاد فيه: في قوله: " (¬1) كم ليلة" حيث جاء التمييز فيها مفردًا مجرورًا (¬2). الشاهد الثمانون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) كَمْ دونَ مَيَّةَ مَوْمَاةٍ يَهَالُ لَهَا ... إذا تَيَمَّمَهَا الخرِّيتُ ذُو الجَلَدِ أقول: قيل: إن قائله ذو الرمة، ولم أجده في ديوانه، وهو من البسيط. قوله: "مية": اسم محبوبته، قوله: "موماة" بفتح الميم وسكون الواو، وهي المفازة، قوله: "يهال": من هاله يهوده هولًا أفزعه، والمكان مهال، قوله: "إذا تيممها" أي: إذا قصدها، و "الخريت" بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء المكسورة وفي آخره تاء مثناة من فوق قبلها ياء آخر الحروف، وهو الدليل الماهر الحاذق، قوله: "ذو الجلد" بفتح الجيم واللام؛ أي: ذو القوة. الإعراب: قوله: "كم" خبرية، و "دون مية": كلام إضافي نصب على الظرف، وقوله: "موماة" بالجر مميز "كم"، قوله: "يهال": فعل مضارع، وقوله: "الخريت": فاعله، وقوله: "لها" أي: للموماة؛ أي؛ لأجلها، وتكون اللام بمعني من أو في، قوله: "إذا": ظرف يتضمن معنى الشرط. وقوله: "تيممها": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى ¬
الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة والألف
الخريت، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى الموماة، وليس هذا بإضمار قبل الذكر؛ لأن التقدير: يهال منها الخريت إذا تيممها؛ أي: قصدها، وجواب إذا محذوف دل عليه صدر الكلام فافهم، قوله: "ذو الجلد": كلام إضافي بالرفع صفة للخريت. الاستشهاد فيه: في قوله: "كم دون مية موماة" حيث فصل بين "كم" وبين مميزه المجرور بالظرف وهو قوله: "دون مية"، وكان الواجب هاهنا نصب المميز حملًا لكم الخبرية على كم الاستفهامية، وهذا شاذ كما ذكرناه (¬1). الشاهد الحادي والثمانون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) عِدِ النَّفْسَ نُعْمَى بَعْدَ بُؤْسَاكَ ذاكِرًا ... كذَا وكَذَا لُطْفًا به نُسِيَ الجَهْدُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "نعمى" بضم النون؛ النعمة، وقال الأصمعي: تقول: له عليَّ نعمى ونعماء ونعمة، و"بؤسَى" بضم الباء الموحدة؛ الشدة مثلُ البأساء، و "الجهد" بفتح الجيم؛ الطاقة، وبالضم؛ المشقة، وقيل: لا فرق بينهما، والأول أصح، و "نسي": من النسيان الذي هو ضد التذكر، ويجوز أن يكون بمعنى الترك. الإعراب: قوله: "عد": أمر من وعد يعد؛ جملة من الفعل والفاعل، و "النفس" بالنصب مفعوله، وقوله: "نعمى": مفعول ثان بنزع الخافض تقديره: بنعمى، وقوله: "بعد" نصب على الظرف، و "بؤساك": كلام إضافي مجرور بالإضافة، قوله: "ذاكرًا": حال من الضمير الذي في عد. ¬
وقوله: "كذا": مفعول لذاكرًا، والثاني عطفًا عليه، و "لطفًا" نصب على التمييز، وقوله: "به نسي الجهد": جملة في محل النصب على أنها صفة لقوله "لطفًا"، و "الجهد": مرفوع لأنه مفعول نسي ناب عن الفاعل، والباء في "به" تتعلق بنسي، والضمير فيه يرجع إلى لطفًا. الاستشهاد فيه: في قوله: "كذا وكذا" وذلك أن "كذا" إذا كانت كناية عن العدد لا تستعمل إلا مكررة بالعطف؛ كما في قوله: كذا وكذا، وقال ابن مالك: وقد ورد كذا مفردًا ومكررًا بلا واو، ولم يذكر لهما شاهدًا (¬1)، وابن خروف أنكر استعماله مفردًا (¬2). * * * ¬
شواهد الحكاية
شواهد الحكاية الشاهد الثاني والثمانون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُم؟ ... فَقَالُوا الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلَامَا أقول: قائله هو جذع بن سنان الغساني على رواية من روى: "عِمُوا صَبَاحًا"، وأما على رواية من روى: "عِمُوا ظَلامًا" فإنه ينسب إلى شمير بن الحارث الضبي، وكذا وقع في رواية الجوهري؛ لأنه رواه: عِمُوا ظَلامًا (¬3)، وقال أبو القاسم (¬4): إن الناس يغلطون في هذا الشعر فيروونه: عموا صباحًا (¬5)، وجعل دليله على ذلك ما رواه عن ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي زيد ثم أنشد (¬6): ¬
1 - ونَارٍ قَدْ حَضَأْتُ بُعَيدَ وَهْنٍ ... بِدَارٍ مَا أُرِيدُ بِهَا مُقَامَا 2 - سِوَى تَرْحِيلِ رَاحِلَةٍ وعَيْرٍ ... أُكَالِئُهَا مَخَافَةَ أنْ تَنَامَا 3 - أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُمْ؟ ... فَقَالُوا الجنُّ قلتُ عِمُوا ظَلَامَا 4 - فقُلتُ إلَى الطَّعَامِ فَقَال مِنهُم ... زَعِيمٌ يَحسُدُ الأنَسَ الطَّعَامَا 5 - لقَدْ فُضِّلْتُمُ بِالأكْلِ فِينَا ... ولكِنْ ذَاكَ يُعقِبُكُم سقَامَا وقال ابن السيد (¬1): لقد صدق أبو القاسم فيما حكاه عن ابن دريد، ولكنه أخطأ في تخطئته رواية من روى: عِمُوا صَبَاحًا؛ لأن هذا الشعر الذي أنكره وقع في كتاب سد مأرب. ونسبه واضع الكتاب إلى جذع بن سنان الغساني في حكاية طويلة زعم أنها جرت له مع الجن، وَكِلا الشعرين أكذوبة من أكاذيب العرب لم تقع قط، فمنهم من يرويه على الصفة التي ذكرها أبو القاسم، ومنهم من رويه على ما وقع في كتاب السد، والشعر الذي على قافية الميم ينسب إلى شمير بن الحارث الضبي وينسب إلى تأبط شرًّا، وأما الشعر الذي وقع على قافية الحاء فلا أعلم خلافًا في أنه نسب إلى جذع بن سنان الغساني وهو (¬2): 1 - أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أنتُمْ؟ ... فَقَالُوا الجنُّ قلتُ عِمُوا صَبَاحَا 2 - نَزَلْتُ بِشِعْبِ وَادِي الجِنِّ لمّا ... رأيتُ الليلَ قَدْ نَشرَ الجَنَاحَا 3 - أَتَيتُهُم وللأقْدَارِ حَتمٌ ... تُلاقِي المَرءَ صُبحًا أَوْ رَوَاحَا 4 - أتَيتُهُمُ غَرِيبًا مُستَضِيفًا ... رَأَوْا قَتلِي إِذَا فَعَلُوا جُنَاحَا 5 - أتَوْنِي سَافِرِينَ فقُلتُ أهْلًا ... رأَيْتُ وُجُوهَهُمْ وُسْمًا صِباحَا 6 - نَحَرْتُ لهُمْ وقُلْتُ ألَا هَلُمُّوا ... كُلُوا مِمَّا طَهَيتُ لَكُمْ سَمَاحَا 7 - أتَانِي قَاشِرٌ وبَنُو أبِيهِ ... وقَدْ جَنَّ الدُّجَى والنَّجْمِ لَاحَا 8 - فنازَعَنِي الزُّجَاجَةَ بَعْدَ وهْنٍ ... مَزَجتُ لهم بها عَسَلًا وَرَاحَا 9 - وحَذَّرَنِي أُمُورًا سَوْفَ تأْتِي ... أَهُزُّ لهَا الصَّوارم والرّماحَا 10 - سأَمْضِي للَّذِي قَالُوا بِعَزْمٍ ... ولَا أبْغِي لذلكم قِدَاحَا 11 - أسَأْتُ الظَّنَّ فيهِ ومَنْ أساه ... بكلِّ النَّاسِ قَد لَاقَى نَجَاحَا! ¬
12 - وقدْ تأتي إلى المرْء المنايَا ... بأبْوَابِ الأمانِ سُدًى صُرَاحَا 13 - سَيُبقي حُكْمُ هذا الدَّهْرِ قومًا ... ويهْلِك آخرون به ذُبَاحَا! 14 - أَثعلبةَ بنَ عمرو ليس هذا ... أوانُ السَّيْر فاعتدَّ السِّلاحَا! 15 - ألم تعلمْ بأن الذلَّ موتٌ ... يتيحُ لِمَنْ أَلَمَّ بِهِ اجْتِيَاحَا 16 - ولا يبقى نعيمُ الدَّهْرِ إلَّا ... لِقرْم ماجِدٍ صَدَق الكفاحَا! والقصيدتان من الوافر. [شرح القصيدة الميمية] 1 - قوله: "قد حضأت (¬1) " أي: أَشْعَلَتُ وسَعَّرْتُ؛ من حضأ بالحاء المهملة والضاد العجمة وفي آخره همزة، قال الجوهري: يهمز ولا يهمز، والعود الذي تحرك به النار مِحْضَأ على مفعل، وإذا لم يهمز فالعود مِحْضَاءُ على مفعال (¬2)، قوله: "وهن" بفتح الواو وسكون الهاء وفي آخره نون، قال ابن سيده: الوهن والموهن: نحو من نصف الليل. 2 - قوله: "ترحيل راحلة" وهي الناقة التي تتخذ للركوب في السفر، وترحيلها إزالة الرحل عن ظهرها، والرحل للإبل كالسرج للخيل، قوله: "وعير أُكالئها" أي: أحرسها وأحفظها لئلا تنام، من كلأه اللَّه كِلاءة بالكسر؛ أي: حفظه وحرسه، يقال منه: أذهب في كلاءة اللَّه، ويروى: وعير بفتح العين وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره راء، قال الجوهري: وعَيْرُ العين: جفنُها. ومنه قولهم: فعلت ذاك قبل عَيْرٍ وما جرى، أي: قبل لحظ العيِن. 3 - قوله: "منون أنتم فقالوا الجن" ويروى "منون قالوا: سراة الجن" بفتح السين والراء المهملتين، أي: أشرافهم، والواحد سري. قوله: "عموا" أي: انعموا، يقال: عموا صباحًا بكسر العين وفتحها، ويقال: وَعَم يعم على مثال وعد يعد، وذهب قوم إلى أن يعم محذوف من نعِم ينعِم (¬3)، قالوا: فإذا قيل: عَموا بفتح العين فهو محذوف من أنعم مفتوح العين، وإذا قيل: عِموا بكسر العين فهو محذوف من أنعم بكسرِ العين، قال أبو عمرو بن العلاء: هو من نعم المطر إذا كثر كأنه يدعو بكثرة الخير، وقال الأصمعي: هو دعاء بالنعيم والأهل (¬4). ¬
4 - قوله: "زعيم" زعيم القوم: رئيسهم؛ من الزعامة وهي الرياسة، قوله: "يحسد الإنس" بفتح الهمزة والنون، وهي لغة في الإنس بكسر الهمزة وسكون النون، قوله: "بالأكل فينا" أي: علينا. [أول شرح القصيدة الحائية] 2 - قوله: "بشعب وادي الجن" أي: بوادي الجن، والشعب بفتح الشين في الأصل هو الطريق في الجبل. 3 - قوله: "والأقدار": جمع قدر، "حتم" أي: واجب. 5 - قوله: "سافرين": من سفر وجهه إذا كشفه، يقال: سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها فهي سافر، قوله: "وُسُمًا" بضم الواو والسين المهملة، وهو جمع وسيم، وهو الذي عليه سمة الجمال، قوله: "صِباحًا" بكسر الصاد؛ جمع صبيح. 6 - قوله: "هلموا" أي: أسرعوا، قوله: "مما طهيت" أي: طبخت، يقال: طهيت اللحم وطهوته، ومنه سمي الطباخ طاهيًا. 7 - قوله: "قاشر" [بالقاف وبالشين المعجمة وفي آخره راء] (¬1) اسم جني، قوله: "الدجى" أي: الظلمة، قوله: "لاح" أي: ظهر. 8 - قوله: "بعد وهن" وقد ذكرنا أنه [نحو من نصف الليل، قوله: "وراحًا" أي: خمرًا. 10 - قوله: "ولا أبغي" أي: ولا أطلب، و "القداح": جمع قدح] (¬2) بكسر القاف وسكون الدال، والمعنى: لا أطلب ضرب القدح؛ لأنهم كانوا إذا أرادوا فعل شيء ضربوا بالقداح فإن خرج المكتوب عليه لا تفعل لا يفعلون، وإن خرج افعل يفعلون. 11 - قوله: "أسأت الظن فيه" يقول: أسأت الظن بضرب القدح والتعويل على ما يأمر به وينهى عنه وأن ما أمرتني به الجن أحرى بأن يعول عليه. 12 - قوله: "المنايا": جمع منية وهي الموت، قوله: "سدى" بضم السين المهملة؛ التي لم يردها أحد، قوله: "صُراحًا" بضم الصاد المهملة؛ بمعنى الظاهر. 13 - قوله: "ذباحًا" بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الموحدة، وهو نبت يقتل من أكله ويسمى: الذُّبَح -أيضًا- بضم الذال- وفتح الباء الموحدة، وقال الجوهري: الذُّبَحُ مثل الهُبَعُ؛ ¬
نبت تأكله النعام (¬1). 15 - قوله: "يتيح" أي: يقدر؛ من أتاح اللَّه لك كذا؛ أي: قدره، قوله: "لمن ألم به" أي: نزل به، و "الاجتياح" بالجيم في أوله؛ الاستئصال. 16 - قوله: "القرم" بفتح القاف وسكون الراء، وهو السيد، وأصله: الفحل من الإبل، قوله: "الكفاحا" بكسر الكاف، وهو ملاقاة الأعداء (¬2). الإعراب: قوله: "أتوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الراجع إلى الجن، قوله: "ناري": كلام إضافي مفعوله، قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل عطف على: "أتوا". قوله: "منون": مبتدأ، وأنتم خبره، والجملة مقول القول في محل النصب، قوله: "فقالوا": عطف على قوله: "فقلت"، قوله: "الجن": مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: نحن الجن، والجملة مقول القول، قوله: "عموا" أي: أنعموا كما قلنا، قوله: "ظلامًا أو صباحًا": نصب على الظرف أو على التمييز. فإن قلت: كيف يجوز له أن يقول لهم عموا صباحًا وهم في الليل؟ وإنما يليق هذا الدعاء لمن لقي في الصباح؟ قلت: الرجل إذا قلت له: عم صباحًا: ليس المراد أن ينعم في الصباح دون المساء؛ كما إذا قيل له: أرغم الله أنفه وحيَّا اللَّه وجهه، ليس المراد الأنف والوجه دون سائر الجسم، وهذه الألفاظ ظاهرها الخصوص وباطنها العموم، أو معنى هذا الكلام: أطلع اللَّه عليك كل صباح بالنعيم؛ لأن الصباح والظلام نوعان والنوع يسمى كل جزء فيه بما تسمى جملته. الاستشهاد فيه: في قوله: "منون أنتم" فإن فيه شذوذين: الأول: إلحاق الواو والنون بها في الوصل. والثاني: تحريك النون وهي تكون ساكنة، وقال ابن الناظم: فيه شذوذان: أحدهما: أنه حكي مقدرًا غير مذكور. ¬
الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة والألف
والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل وحقها ألا تثبت إلا في الوقف. انتهى (¬1). وحكى يونس أن هذا مذهب لبعض العرب فإنهم يثبتون الزوائد وصلًا في الحكاية بمن فيقولون: منو يا فتى غير منون، وكذا منا ومني، ويكسرون نون المثنى ويفتحون نون الجمع ومنه قوله: فقلت منون أنتم ......... ... .................... (¬2) الشاهد الثالث والثمانون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) فأجبتُ قَائِلَ كيفَ أَنْتَ بِصَالِحٌ ... حَتَّى مَلِلْتُ وملَّنِي عُوَّادِي أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الكامل. قوله: "مللت": من الملالة وهي السآمة، و "العواد" بضم العين؛ جمع عائد [المريض] (¬5)، وهو الزائر الذي يزور المريض ويسأل عن حاله. الإعراب: قوله: "فأجبت" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وأجبت: جملة من الفعل والفاعل، قوله: "قائل" بالنصب مفعولها، وقد أضيف إلى الجملة من المبتدأ والخبر، أعني: قوله: "كيف أنت"، والتقدير: فأجبت قول قائل يقول: كيف أنت؟ قوله: "بصالح" يتعلق بقوله: "فأجبت"، والتقدير: فأجبت له بقولي؛ أنا صالح؛ على ما يجيء الآن، قوله: "حتى" للغاية، و "مللت": جملة من الفعل والفاعل، أراد أن المرض طال عليه حتى ملّ من كثرة قول الزوار: كيف أنت؟ وملت الزوار -أيضًا- من كثرة الزيارة. قوله: "وملني": جملة من الفعل والمفعول، والتقدير: وملّ منِّي، قوله: "عوادي": كلام إضافي فاعل. ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "بصالح" فإنه بالرفع حكاية على ما كان عليه قبل الباء، والتقدير: فأجبت بأنا صالح، ثم حذف المبتدأ وبقي الخبر على ما كان يستحقه من الرفع، وروي: بصالحٍ بالجر على قصد حكاية الاسم المفرد؛ كأنه قال: فأجبت قائلًا: كيف أنت بهذه اللفظة؟ ولا يجوز أن يقال: بصالحًا؛ كما لا يجوز أن يقال: قلت زيدًا لمن قال: من في الدار؟ قلت: وإنما يقال: زيد بالرفع؛ لأنه مبتدأ محذوف الخبر. فافهم (¬1). * * * ¬
شواهد التأنيث
شواهد التأنيث الشاهد الرابع والثمانون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) أَرْمِي عَلَيْهَا وَهْيَ فَرْعٌ أجْمَعُ ... وَهْيَ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ وَإصْبَعُ أقول: قائله هو حميد الأرقط، وبعده: 2 - وهْيَ إذا أنْبَضْتَ فِيهَا تَسْجَعُ ... تَرَنُّمَ النَّحْلِ أبَى لَا يَهْجَعُ وهي من الرجز المسدس. 1 - قوله: "أرمي عليها" أي: على القوس؛ لأنه يصف قوسًا عربية، قوله: "وهي" أي: القوس فرع، يقال: قوس فرع إذا عملت من رأس القضيب وليست بفلق، قوله: "وإصبع" لم يرد به حقيقة مقدار الإصبع ولكنه أشار بذلك إلى كمال القوس واستيفائها الثلاث الأذرع (¬3) المعلومة في ذات الكمال من القسي العربية، وهذا كما تقول: الثوب سبع أذرع وزائد، تريد أنها موفاة هذا العدد، وقيل: إن الإصبع على وجهه وإن القوس العربية الكاملة كذلك، وقيل: بل الأصبع هاهنا دهنها وحسن القيام عليها، وكذلك رواه بعضهم. و"الإصبع" معرفًا إما إشارة إلى زيادة القدر المعلوم للكاملة من القسي، وإما إلى الأثر الحسن بها، واعلم أن في الإصبع سبع لغات أفصحها وأعلاها: إصْبَعٌ بكسر الهمزة وفتح الباء ولم يعرف الأصمعي غيرها، وهي مؤنثة، ويقال: أَصبع بفتح الهمزة وضم الباء، وإصبع بكسر ¬
الهمزة والباء، وأُصبُعٌ بضم الهمزة والباء، وأَصْبعٌ بفتح الهمزة وكسر الباء، وأُصْبوع بضم الهمزة وبالواو الساكنة بعد الباء المضمومة (¬1). 2 - قوله: "إذا أنبضت" أي: ملأت وترها بإصبعي ثم أرسلته فصوتت، ويقال: أنبض وأنضب بمعنى، قوله: "تسجع" أي: تصوت في اعتدال، والسجع: موالاة الصوت على جهة واحدة واستواء. الإعراب: قوله: "أرمي": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "عليها" يتعلق بأرمي في محل النصب على المفعولية، قوله: "وهي": مبتدأ، و "فرع": خبره، و "أجمع": تأكيد له، والجملة في محل النصب على الحال، قوله: "وهي": مبتدأ -أيضًا-، و "ثلاث أذرع": كلام إضافي خبره، و "إصبع": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ثلاث أذرع" فإن سقوط الهاء في ثلاث يدل على تأنيث الذراع، قال الأصمعي وغيره: الذراع مؤنثة (¬2)، وقال أبو حاتم: الغالب عليها التأنيث وقد تذكر ونحوه، قال أبو زيد وأنشد هذا البيت وقال يصف قوسًا عربية، وقال الذراء: الذراع أنثى فيجمع ويقال: ثلاث أذرع، وأنشد (¬3): مَا لَكَ لا تَرْمِي وأَنْتَ أَنْزَعْ ... وهْيَ ثلَاثُ أذْرُعٍ وأَصْبَعُ وبعض عكل يقول: هذا ذراع فيذكره، قال: وينبغي أن يجمع على أذرعة ولا أراهم سموا أذرعات إلا بجمعه مذكرًا، والسماع الفاشي الكثير في الذراع التأنيث (¬4). وفيه استشهاد آخر: وهو تأكيد المؤنث بالمذكر في قوله: "فرع أجمع" حملًا على المعنى ¬
الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة والألف
ضرورة، وذلك أنه رد قوله: "أجمع" على المضمر الذي في قوله: "فرع" لأنه في معنى مجتمع. فافهم. الشاهد الخامس والثمانون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) أعبْدًا حلَّ فِي شُعَبَى غرِيبًا ... ............................ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وتمامه: .............................. ... ألُؤْمًا لا أَبَا لَكَ واغْتِرَابًا وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد المفعول المطلق (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "شعبى" فإنه على وزن فُعَلَى بضم الفاء وفتح العين، زعم ابن قتيبة أنه لا يجيء على هذا الوزن إلا ثلاثة أسماء وهي: أُرَبَى وأُدَمَى وشُعَبَى (¬4)، وقد رد عليه بمجيء أمثلة أخرى على هذا الوزن كما قد بين في موضعه. قلت: أرنى بضم الهمزة وفتح الراء والنون؛ وهو حَبُّ بقلٍ يطرح على اللبن فيثخنه ويجبنه، وأُدَمَى بضم الهمزة وفتح الدال والميم وهو اسم موضع، وكذلك شُعَبَى موضع، والذي جاء على هذا الوزن من الكلمات: أربى اسم من أسماء الداهية، وجُنَفَى بالجيم والنون والفاء اسم موضع، وجُعَبَى بالجيم والعين المهملة والباء الموحدة، وهي عظام النمل اللائي يَعْضَضْنَ ولهن أفْوَاهٌ واسعة. * * * ¬
شواهد المقصور والممدود
شواهد المقصور والممدود الشاهد السادس والثمانون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) يَا لك منْ تَمْرٍ ومنْ شِيشَاء ... يَنْشُبُ فِي المَسْعَلِ واللَّهَاءِ أقول: قائله أعرابي من أهل البادية؛ قاله الفراء ولم يسمه، وقبله (¬3): 1 - قَدْ عَلِمَتْ أُخْتُ بَنِي السِّعْلَاءِ ... وعَلِمَتْ ذَاكَ منَ الجَرَاء وهي من الرجز المسدس. 2 - قوله: "شيشاء" بشينين معجمتين أولاهما مكسورة بينهما ياء آخر الحروف ساكنة وبالمد، وهو الشيص، وهو التمر الذي لم يشتد نواه، وكذلك: الشيصاء، وإنما يتشيص إذا لم يلقح، وقيل: الشيصاء رديء التمر، وقال ابن فارس: الشيص: أردأ البسر (¬4)، وقال الجوهري: الشيشُ والشيشاءُ لغة في الشيص والشيصاءِ (¬5). قوله: "ينشب" أي: يتعلق في المسعل، من نَشِب الشيء [في الشيء] (¬6) بالكسر نشوبًا إذا علق به، ومادته نون وشين معجمة وباء موحدة، و "المسعل" بفتح الميم وسكون السّين وفتح العين المهملتين وفي آخره لام، وهو موضع السعال من الحلق. ¬
قوله: "واللهاء" بفتح اللام وبالمد، وأصله: لهى بالقصر لأنه جمع لهاة، وهي الهنة المطبقة في أقصى سقف الفم، ويروى: بكسر اللام، قال أبو عبيدة: وهو جمع لهى مثل الأضاء جمع أضى، والأضى جمع أضاة. 1 - قوله: "بني السعلاء" السعلى بكسر السين مقصور؛ ذكر الغيلان، والأنثى سعلاة، ولكن مُدّ هاهنا للضرورة، وتجمع السعلاة على سِعَالي، و "الجراء" [من قولهم: جارية بينة الجرء بفتح الجيم؛ من الجراءة وهي الشجاعة] (¬1). الإعراب: قوله: "يا": حرف نداء ولكن لم يقصد به النداء هاهنا بل هي لمجرد التنبيه، قوله: "لك": جار ومجرور في محل الرفع على الخبرية عن مبتدأ محذوف تقديره: يا لك شيء من تمر، وكلمة: "من" للبيان، وقيل: "من" زائدة، و "تمر": مبتدأ، و "لك" مقدمًا خبره وفي زيادة: "من" في الإثبات خلاف (¬2)، قوله: "ومن شيشاء": عطف عليه قوله: "ينشب": جملة من الفعل والفاعل في محل الجر على الوصفية، وقوله: "في المسعل" في محل النصب على المفعولية. الاستشهاد فيه: في قوله: "واللهاء" حيث مده للضرورة، وإلا فأصله: اللهى بالقصر كما ذكرناه، ويروى: اللهاء جمع لهى، قال أبو بكر بن الأعرابي: قد قصر الشاعر: "الشيشاء" للضرورة، وأنشد لأعرابي من السريع وفيه الصلم (¬3): يَا لك منْ تَمْرٍ ومنْ شِيشَا ... يَنْشُبُ فِي المَسْعَلِ واللَّهَا أنشب من مآشر حِداءِ ... .......................... ¬
الشاهد السابع والثمانون بعد المائة والألف
فقصر الشيشاء واللهاء وهما ممدودان (¬1)، وقال: أراد حدادًا فأسقط الدال، قال: ومن العرب من يفعل هذا، قال الراجز (¬2): قَوَاطِنًا مَكةَ مِنْ وُرْقِ الحمِي ... ............................ أصله: من ورق الحمام، فحذف الميم الأخيرة وكسر الأولى فصار الألف ياء، وقد مر الكلام فيه فيما مضى (¬3). الشاهد السابع والثمانون بعد المائة والألف (¬4)، (¬5) إِذَا قُلْتُ مَهْلًا غَارَتِ العَيْنُ بِالبُكَا ... غِرَاءً ومَدَّتْهَا مَدَامِعُ نُهَّلُ أقول: قائله هو كثير عزة، وهو من الطويل. قوله: "مهلًا" بمعنى أمهل، ويروى: إذا قلت أسلو غارت العين ... ......................... و"غارت" بالغين المعجمة والراء؛ من غار الغيث الأرض يغيرها؛ أي: سقاها، ويقال: غارت عينه تغور غورًا وغؤورًا إذا دخلت في الرأس، وغارت تغار لغة فيه، والأُوْلى أنسب بدليل ما روي في بعض الروايات: إذا قلت أسلو فاضت العين بالبكا ... .............................. قوله: "غراء" [بكسر الغين المعجمة وبالراء بعدها ألف ممدودة؛ من غاريت بين الشيئين غراء] (¬6)، ¬
إذا واليت؛ كذا قال أبو عبيد ثم أنشد الشعر المذكور (¬1)، وقال أبو عبيدة: هو من غَرِيتُ بالشيء أَغْرَى به وغَرِيَ فلانٌ إذا تمادى في غضبه (¬2)، قوله: "نهل" بضم النون وتشديد الهاء؛ بمعنى: كثيرة شائعة بدليل ما روي في رواية: "مدامع حفل" بضم الحاء المهملة وتشديد الفاء بمعنى ممتلئة. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، و "قلت": جملة من الفعل والفاعل، و "مهلًا": مقول القول، منصوب على الفعولية تقديره: أمهل مهلًا؛ يعني: إذا قلت لنفسي أمسك عن المحبوبة ولازم التسلي غارت العين، وهي جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "بالبكا" في محل النصب على الفعولية، والجملة جواب الشرط، قوله: "غراء" نصب على الحال بمعنى: مغايرة؛ من غاريت بين الشيئين إذا واليت بينهما كما ذكرناه الآن. قوله: "ومدتها": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير الذي يرجع إلى العين، وقوله: "مدامع"؛ [فاعل] (¬3)، والجملة معطوفة على قوله: "غارت العين"، قوله: "نهل" صفة للمدامع. الاستشهاد فيه: في قوله: "غراء" فإنه مصدر غرى، والقياس فيه القصر، والمد فيه شاذ، قلت: هذا على قول أبي عبيدة (¬4) واضح، وأما على قول أبي عبيد (¬5) فليس بشاذ؛ لأنه مصدر غاريت بين الشيئين ¬
الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة والألف
كما ذكرنا فتأمل (¬1). الشاهد الثامن والثمانون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) في لَيْلَةٍ منْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... ........................... أقول: قائله هو مرة بن محكان التميمي، وتمامه (¬4): ........................... ... لا يُبْصِرُ الكلْبُ مِنْ ظَلْمَائِهَا الطُّنُبَا وهو من قصيدة طويلة من البسيط، وأولها هو قوله: 1 - أقُولُ والضَّيفُ مَخْشِيٌّ زِمَامَتُهُ ... علَى الكَرِيمِ وحَقٌّ الضَّيفِ قَدْ وَجَبَا 2 - يا رَبَّةَ البَيْتِ قُومِي غَيرَ صَاغِرَةٍ ... ضُمِّي إليكِ رِحَال القَومِ والقُرُبَا 3 - في ليلة .................... ... .................... إلخ 4 - لا ينْبَحُ الكلْبُ فِيهَا غَيرَ وَاحِدَةٍ ... حَتَّى يَلُفُّ علَى خَيشُومِهِ الذَّنَبَا 3 - قوله: "من جمادى" بضم الجيم وفتح الدال، وهو اسم من أسماء الشهور، وهو فعالى من الجمد، ويجمع على جماديات، قوله: "ذات أندية" بالنون بعد الألف والياء آخر الحروف بعد الدال، وهو جمع ندى وهو المطر، قال الجوهري: جَمْعُ النَّدَى أَنْدَاءُ، وقد جُمِع على أنديةٍ ثم أنشد الشعر المذكور ثم قال: وهو شاذ لأنه جمع ما كان ممدودًا ككساء وأكسية (¬5)، قوله: "الطنبا" بضم الطاء والنون، وهو حبل الجباء، والجمع: أطناب. الإعراب: قوله: "في ليلة" يتعلق بقوله: "ضمي" في البيت السابق، قوله: "من جمادى" في محل الجر لأنها صفة لليلة، وكلمة: "من" للبيان، قوله: "ذات أندية": كلام إضافي صفة لليلة، قوله: "لا يبصر الكلب": جملة من الفعل والفاعل، و"الطنبا": مفعوله، وكلمة: "من" في ¬
الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة والألف
"من ظلمائها" للتعليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "أندية" فإنها جمع ندى، والندى لا يجمع إلا على أنداء، وجمعه أندية شاذ كما ذكرناه (¬1). الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) لا بُدَّ مِنْ صَنْعَا وإنْ طَال السَّفَرْ ... ......................... أقول: ذكره الرياشي (¬4)، ولم يعزه إلى راجزه، وعجزه هو قوله: ............................ ... وإنْ تَحَنَّى كُلُّ عَوْدٍ وَدَبِرْ قوله: "وإن تحنى" يعني: وإن انحنى؛ من حني ظهره إذا احدودب، ومنه أحنى الظهر، والمرأة حنياء [أي: في ظهرها احديداب، و "العود" بفتح العين المهملة وسكون الواو وفي آخره دال مهملة] (¬5)، وهو المسن من الإبل، وهو الذي قد جاوز في السن البازل والمخلف، وجمعه عودة بكسر العين وفتح الواو، والناقة عودة بفتح العين -أيضًا- وفي آخره هاء، قوله: "ودبر": من دبر البعير بالكسر يدبر دبرة ودبرًا إذا عقر ظهره. الإعراب: قوله: "لا بد" لا للنفي، "وبد" اسمه، وخبره محذوف تقديره: لا بد حاصل، أي: لا فراق ولا مفارقة من السفر إلى صنعاء بلدة في اليمن وإن طال السفر، قوله: "وإن" للشرط، "وطال السفر": جملة من الفعل والفاعل وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره: وإن طال السفر لا بد من السفر، وهو معطوف على مقدر تقديره: إن لم يطل السفر وإن طال ¬
الشاهد التسعون بعد المائة والألف
السفر، قوله: "وإن تحنى": عطف على وإن طال، و "كل عود": كلام إضافي فاعل لقوله: "وإن تحنى"، قوله: "ودبر": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى عود عطف على الجملة السابقة. الاستشهاد فيه: في قوله: "من صنعا" حيث قصرها وهي ممدودة (¬1). الشاهد التسعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) فَهُمْ مَثَلُ الناسِ الذي يعْرِفُونَهُ ... وأَهْلُ الوَفَا منْ حَادِثٍ وَقَدِيمِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "فهم مثل الناس" يريد بهذا الكلام أن هؤلاء القوم الذين مدحهم مثل للناس يضربون بهم الأمثال في كل حسن وفي كل نوع من أنواع الخير وأنهم مع هذا أهل الوفاء بالعهود من حادث متجدد وقديم ماض. الإعراب: قوله: "فهم" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وقوله: "هم" مبتدأ، و "مثل الناس": كلام إضافي خبره، قوله: "الذي": موصول، و "يعرفونه": جملة صلته، والموصول مع صلته صفة لمثل، قوله: "وأهل الوفا" بالرفع عطف على قوله: "فهم مثل الناس"، والتقدير: وهم أهل الوفاء، قوله: "من حادث" أي: من زمن حادث وزمن قديم، أراد بذلك أن وفاءهم مستمر لا يتغير بتغير الزمان. الاستشهاد فيه: في قوله: "وأهل الوفا" حيث قصره وهو ممدود (¬4). ¬
الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة والألف
الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) سيُغْنِينِي الذي أَغْنَاكَ عَنِّي ... فلا فَقْرٌ يَدُومُ ولا غِنَاءُ أقول: ذكره أبو علي القالي في كتاب المقصور والممدود ولم يعزه إلى قائله، وهو من الوافر. المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "سيغنيني": جملة من الفعل والمفعول، قيل: السين في هذا الموضع وإن كان للاستقبال ولكنه يدل على معنى التأكيد، وقوله: "الذي أغناك": موصول مع صلته في محل الرفع على الفاعلية، وقوله: "عني" يتعلق بقوله: "أغناك". قوله: "فلا فقر" الفاء تصلح للتعليل، وكلمة لا بمعنى ليس، و "فقر" اسمه، وخبره قوله: "يدوم"، قوله: "ولا غناء": جملة معطوفة على ما قبلها، والخبر فيها محذوف تقديره: ولا غناء يدوم، حذف لدلالة سياق الكلام عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ولا غناء" حيث مده الشاعر وهو مقصور، وليس المراد هاهنا مصدر غانيته إذا فاخرته بالغنى عنه لأنه قرنه بالفقر؛ فدل ذلك على أنه يريد السعة في المال لا المفاخرة بالغنى عنه. وقال أبو بكر بن الأنباري: أنشد بعض الناس: "فلا فقر يدوم ولا غناء" بفتح الغين، وقال: الغناء: الاستغناء ممدودة، وقال: هذا خطأ عندنا من وجهين: وذلك أنه لم يرو أحد من الأئمة بفتح الغين؛ لأن الشعر سبيله أن يحكى عن الأئمة كما يحكى باللغة، ولا تبطل رواية الأئمة بالظن والحدس، والحجة الأخرى: أن الغناء المدافعة، يقال: ما عند فلان [غناء، أي:] (¬3) مدافعة، ولا يقال نسأل الله الغناء على معنى الغنى. ¬
الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة والألف
الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) والمَرْءُ يُبْلِيهِ بِلاءَ السِّرْبالْ ... تعَاقُبُ الإِهْلالِ بَعْدَ الإهْلالْ أقول: قائله هو العجاج الراجز وهو من السريع. قوله: "يبليه" من بلِي الثَّوْبُ يَبْلَى إذا خَلق، وقال ابن يسعون: معنى يبليه هاهنا يمتحنه ويخلقه؛ لأنه يتلف جِدَّتَهُ [ويضعف حِدَّتَهُ] (¬3)، قوله: "بلاء السربال" قال الجوهري: بَليَ الثوب بلًى بكسر الباء، فإنْ فتحتها مدَدْتَ، قال العجاج: والمَرْءُ يُبليهِ بَلاءَ السِّربَالْ ... كرُّ الليالِي واخْتلَافُ الأَحوَالْ (¬4) وقال ابن يسعون: هو مصدر بلاه اللَّه يبلوه بلاة في معنى أبلاه بلاء، فجاء على غير فعله لتقارب اللفظين واتفاق المعنيين، قوله: "تعاقب الإهلال" أي: توارده، وهو من أهل الشهر إهلالًا. الإعراب: قوله: "والمرء": مبتدأ، وخبره الجملة التي بعده وهي قوله: "يبليه"، وهي جملة من الفعل والمفعول، والفاعل هو قوله: (تعاقب الإهلال)، قوله: "بلاء السربال": كلام إضافي، وانتصابه على المصدرية، والمعنى: يبليه بلاء كبلاء السربال، وفي الحقيقة هو منصوب بنزع الخافض، والجملة صفة للمصدر المحذوف. الاستشهاد فيه: في قوله: "بلاء السربال" حيث مد بلاء وهو مقصور، واعلم أن الاستشهاد به إنما يصح إذا قرئ: بِلاء السربال بكسر الباء، وأما إذا فتحتها فلا استشهاد على ما لا يخفى عليك من كلام الجوهري. ¬
الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة والألف
الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) ولَهَا كَبِدٌ مَلْسَاءُ ذَاتُ أَسِرَّةٍ ... وكشْحَانِ لمْ يَنْقُضْ طَوَاءَهُمَا الحَبَلْ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬3): 1 - لحَوْلَةَ بالأجْرَاعِ مِنْ إِضَمٍ طَلَلْ ... وبالسَّفْحِ من قوٍّ مُقامٌ ومُحْتَمَلْ وقد ذكرنا تمامها عند قوله (¬4): [13 - أَلَا إِنَّنِي شَرِبْتُ أَسْوَدَ حَالِكًا] ... أَلَا بَجَلِي مِنَ الشَّرَابِ أَلَا بَجَلْ في أول الكتاب. قوله: "كبد" أي: وسط، ومنه كبد القوس وهو مقبضها، وقوله: "ملساء": تأنيث أملس وهو اللين؛ من الملاسة وهي ضد الخشونة، قوله: "أسرة" أراد بها المخطوط التي تكون على البطن كما تكون في الكف والجبهة، واحدها: سرر بكسر السين وفتح الراء، وأراد بها: العكن، وقال الجوهري (¬5): السَّرَرُ: واحد أسرار الكفّ والجبهة، وهي خطُوطُها، وجمع الجمع أسارير، وفي الحديث (¬6): "تبرق أسارير وجهه"، وكذلك السِّرَارُ لغة في السَّرَرِ، وجمعه: أسرّة؛ مثل: خمار وأخمرة (¬7) قوله: "وكشحان": تثنية كشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وقال الأعلم: الكشحان: ما انضمت عليه الأضلاع من الجنبين، ويقال: هما الخصران (¬8)، قوله: "لم ينقض طواءهما" أراد أنها خميصة البطن ليست بمفاضة؛ من قولهم: رجل طاوٍ وطيان إذا كان ضامر البطن، ورجل حبلان إذا كان عظيم البطن، وامرأة حَبلَى وحَبْلانة، وأصل الحبل الامتلاء، ومنه قيل للحامل: حُبلَى. ¬
الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة والألف
الإعراب: قوله: "لها كبد": جملة من المبتدأ والخبر، و"ملساء": صفة لكبد، وقوله: "ذات أسرة": كلام إضافي مرفوع على أنه صفة بعد صفة أخرى، قوله: "وكشحان" عطف على قوله: "كبد" أي: لها كشحان، قوله: "لم ينقض": فعل، وفاعله الحبل، وقوله: "طواءهما": كلام إضافي مفعول، والجملة صفة لكشحان. الاستشهاد فيه: في قوله: "طواءهما" حيث مد الطواء، والمعروف فيه القصر، وإنما مد للضرورة، ويقال: الد فيه لغة، فإذا كان المد لغة لا يكون فيه استشهاد فافهم. الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) فقُلْتُ لوْ باكَرْتِ مَشْمُولةً ... صَفْرَا كَلَوْنِ الفَرَسِ الأشْقَرِ أقول: قائله هو الأقيشر، واسمه المغيرة بن عبد اللَّه، وقبله (¬3): 1 - تقول يا شيخُ ألا تسْتَحي ... مِنْ شُرْبِكَ الخمرَ عَلَى المَكبِرِ 2 - فقلتُ ............... ... ....................... إلخ وبعده: 3 - رُحْتِ وفيِ رِجْلَيكِ مَا فِيهِمَا ... وقَدْ بَدَا هَنكِ مِنَ المئزَرِ وهي من السريع، وفيه الطي والكف، وأصل ذلك أنه سكر فبدت عورته فضحكت منه امرأة فقال: تقول يا شيخ إلى آخره. 1 - قوله: "على المكبر" بفتح الميم، وهو مصدر ميمي بمعنى الكبر. 2 - قوله: "لو باكرت" يعني: لو بادرت وأسرعت، قوله: "مشمولة" أراد بها الخمر إذا كانت باردة الطعم، ومنه: غدير مشمول إذا ضربه ريح الشمال حتى يبرد، والنار مشمولة إذا ¬
هبت عليها ريح الشمال، قوله: "صفرا" ويروى: صهبا. 3 - قوله: "هنك" أي: فرجك. الإعراب: قوله: "فقلت": عطف على قوله: "تقول" في البيت السابق، وهي جملة من الفعل والفاعل، [قوله] (¬1): "لو باكرت" لو للشرط، وباكرت: جملة من الفعل والفاعل المستتر فيه، قوله: "مشمولة": مفعوله، وقوله: "صفرا": صفة لمشمولة، وقوله: "كلون" الكاف للتشبيه، [قوله] (¬2): "الأشقر": صفة للفرس، وجواب "لو" هو قوله: "رحت وفي رجليك". الاستشهاد فيه: في قوله: "صفرا" حيث قصرها وهي ممدودة (¬3). * * * ¬
شواهد جمع اسم المؤنث
شواهد جمع اسم المؤنث الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة والألف (¬1)، (¬2) ......................... ... فتَسْتَرِيحُ النَّفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد إعراب الفعل. الاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "زفراتها" حيث سكن الفاء فيها لإقامة الوزن، والقياس تحريكها (¬3). الشاهد السادس والتسعون بعد المائة والألف (¬4)، (¬5) أَخُو بَيَضَاتٍ رَائِحٌ متأوِّبٌ ... رفِيقٌ بمَسْحِ المنكَبَيِنْ سَبُوحُ أقول: قائله هو شاعر هذلي، وهو من الطويل. ¬
قوله: "أخو بيضات" أي: صاحب بيضات، وهي جمع بيضة الطير، قوله: "رائح" من راح إذا ذهب وسار بالليل، و "المتأوب": اسم فاعل من قولهم: تأوب إذا جاء أول الليل، وأصله: من الأوب وهو الرجوع. قوله: "رفيق بمسح المنكبين" أراد أنه عالم بتحريك المنكبين في السير، والمنكب مجتمع ما بين العضد والكتف، قوله: "سبوح" بفتح السين المهملة، معناه: حسن الجري، ويقال: اللَّين اليدين في الجري، وفسره بعض شراح أبيات المفصل للزمخشري بأن السبوح هو المتصرف في معاشه، ثم قال: معناه: يذهب ويجيء ويتصرف في معاشه، وهذا التفسير غلط هاهنا، وقال فخر الدين الجارَبُرْدِي (¬1)، قال قائلهم: أي قائل هذيل في صفة النعامة: أخو بيضات ............. ... .......................... إلخ وهذا أيضًا غلط لأن البيت في مدح جمله، شبهه بالظليم فيقول: جملي في سرعة سيره كالظليم الذي له بيضات يسير في الظلام ليلًا ونهارًا ليصل إليها، والظليم إذا كانت له بيضات يسرع في السير، وهو في نفسه سريع في السير، فإذا كانت له بيضات يكون أسرع (¬2). الإعراب: قوله: "أخو بيضات": كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو أخو بيضات، وهو تشبيه بليغ، والتقدير: هو كأخي بيضات، قوله: "رائح" بالرفع صفته، و "متأوب": صفة أخرى، و "رفيق بمسح المنكبين": صفة بعد صفة، و "سبوح" -أيضًا- صفة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "بَيَضَات" حيث جاءت مفتوحة العين في جمع بيضة، وهو معتل العين، والقياس فيه تسكين العين، ولكنه جاء بالفتح على لغة هذيل، وهذيل بن مدركة يجرون المعتل مجرى الصحيح في الأسماء، وغيرهم يسكنونها؛ لأن تحريك الياء بعد فتحة موجب لإبدالها ألفًا، ¬
الشاهد السابع والتسعون بعد المائة والألف
وهذيل لم تلتفت إلى هذا لأنه تحريك عارض (¬1). الشاهد السابع والتسعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) باللَّه يا ظَبَيَاتِ القَاعِ قُلْنَ لَنَا ... لَيْلَايَ منْكُنَّ أَمْ لَيْلَى منَ البَشَرِ أقول: قائله هو عبد اللَّه بن عمرو العرجي (¬4)، وهو من قصيدة من البسيط، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد اسم الإشارة (¬5). قوله: "باللَّه" بالباء الموحدة التي هي للقسم [ويروى: بالتاء المثناة من فوق، وهي -أيضًا- للقسم، و"القاع": المستوي من الأرض، والجمع أقواع] (¬6)، وأقوع وقيعان؛ أصله: قوعان قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، والقيعة مثل القاع. الإعراب: قوله: "بالله": جار ومجرور يتعلق بمحذوف تقديره: أنشدكن باللَّه يا ظبيات القاع، وهو كلام إضافي منصوب على النداء، قوله: "قلن": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه؛ أعني: أنتن (¬7)، و "لنا" يتعلق بها، قوله: "ليلاي": كلام إضافي مرفوع بالابتداء، وخبره قوله: "منكن" قوله: "أم ليلى": عطف على الجملة التي قبلها، والتقدير: أم هي ليلى (¬8)، قوله: "من البشر": جار ومجرور وقعت صفة لليلى. الاستشهاد فيه: في قوله: "يا ظبيات" حيث حرك الياء فيها؛ وذلك لأن الجمع [بالألف والتاء] (¬9) إذا كان ¬
الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة والألف
من الثلاثي الساكن العين غير معتلها ولا مدغمها وكانت فاؤه مفتوحة لزم فتح عينه (¬1). الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة والألف (¬2)، (¬3) وحُمِّلْتُ زَفْرَاتِ الضُّحَى فَأطَقْتُهَا ... وَمَا لِي بِزَفْرَاتِ العَشِيِّ يَدَانِ أقول: قائله هو أعرابي من بني عذرة، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): جَعَلْتُ لِعَرَّافِ اليَمَامَةِ حُكمَهُ ... وعَرَّافِ نَجْدِ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي قوله: "زفرات الضحى": جمع زفرة؛ من زفر يزفر إذا أخرَج نفَسَه بأنين، وهو من باب ضرب يضرب، وإنما أضاف الزفرات إلى وقتين أولهما: أول النهار، وآخرهما: آخر النهار؛ لأن من عادة المتيم أن يقوى الهيام فيه في هذين الوقتين [ولهذا ينقطع عن الأكل لأن الأكل يكون غالبًا في هذين الوقتين] (¬5). قوله: "فأطقتها" من الإطاقة وهي القدرة، وأراد بقوله: "يدان" القوة لأن اليد يعبر بها عن القوة في كثير من المواضع، والتثنية للتأكيد ولإقامة القافية؛ لأنها نونية. الإعراب: قوله: "وحملت" على صيغة المجهول، أراد: كلفت، وهي جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، قوله: "زفرات الضحى": كلام إضافي منصوب على المفعولية. قوله: "فأطقتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول معطوفة على قوله: "حملت"، وقوله: "وما" بمعنى ليس، وقوله: "يدان" اسمها، وقوله: "لي" مقدمًا خبرها. وقوله: "بزفرات العشي" يتعلق بمحذوف تقديره؛ وليس لي يدان مطيقتان بزفرات العشي، وإنما اعترف بإطاقة زفرات الضحى دون زفرات العشي؛ لأن وقت العشي أول وقت من الأوقات المستقبلة لليل التي يحصل فيها الهدوء والسكن واجتماع الأفكار والانقطاع عن ¬
الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة والألف
الناس؛ فيشتد حال المتيم في مثل هذا الوقت لذلك [ولا يتحمل شيئًا من ذلك] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "زفرات" حيث سكنت الفاء فيها للضرورة، وهذه ضرورة حسنة؛ لأن العين قد تسكن لأجل الضرورة مع الإفراد والتذكير ففي الجمع أولى على ما يأتي الآن (¬2). الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة والألف (¬3)، (¬4) يا عَمْرُو يَا ابنَ الأكْرَمِينَ نسْبًا أقول: هذا شطر من الرجز، وأراد بعمرو هو عمرو بن [ .... ] (¬5). المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "يا عمرو" يا حرف نداء، و"عمرو": منادى مفرد مبني على الضم، وقوله: "يا ابن الأكرمين": جملة ندائية، وأراد به: الأكرم من جهة الأب والأكرم من جهة الأم، قوله: "نسبًا" نصب على التمييز. الاستشهاد فيه: في قوله: "نسبًا" حيث سكنت السين للضرورة والحال أنه مفرد (¬6). ¬
شواهد جمع التكسير
شواهد جمع التكسير الشاهد المتمم للمائتين بعد الألف (¬1)، (¬2) أَبْصَارُهُنَّ إِلَى الشُّبَّانِ مَائِلَةٌ ... وَقَدْ أَرَاهُنَّ عَنِّي غَيْرَ صُدَّادِ أقول: قائله هو القطامي من قصيدة من البسيط، وأولها هو قوله: 1 - ما اعْتَادَ حُبّ سُليمَى حِيَن مُعتَادِ ... ولَا تُقْضَى بَوَادِي دينه الطَّادِي وقبل بيت الشاهد: 2 - مَا للكَوَاعِبِ وَدَّعْنَ الحياةَ كَمَا ... وَدَّعَتنِي واتَّخَذْنَ البَيْتَ مِيقَادِي قوله: "أبصارهن" الأبصار: جمع بصر وهو حاسة الرؤية، و "الشبان": جمع شاب، و "الصداد" بضم الصاد المهملة وتشديد الدال؛ جمع صادة هاهنا على ما يجيء؛ من صد عنه إذا أعرض. الإعراب: قوله: "أبصارهن": كلام إضافي مبتدأ، و"مائلة": خبره، و"إلى الشبان" يتعلق به، قوله: "وقد أراهن": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وهو الضمير الراجع إلى النسوة، والواو للحال، وقوله: "غير صداد": مفعول ثان لأراهن، قوله: "عني" يتعلق بصداد. ¬
الشاهد الأول بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "صداد" فإنه جمع صادة وهو نادر؛ لأن فعالًا بضم الفاء وتشديد العين يجيء جمع فاعل؛ كصوّام جمع صائم، وقوام جمع قائم، ويمكن أن يكون: صداد جمع صاد للمذكر لا جمع صادة، ويكون الضمير في قوله: "أراهن" راجعًا للأبصار لا للنسوة، لأنه يقال: بصر صاد كما يقال: بصر حاد وأبصار حداد. فافهم (¬1). الشاهد الأول بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) لكلِّ دَهْرِ قَدْ لَبِسْتُ أَثْوُبًا أقول: قائله هو معروف بن عبد الرحمن الراجز، ويقال: قائله هو حميد بن ثور، وهو من قصيدة أولها هو قوله: 1 - إنْ يُمسِ هَذا الدِّهْرُ بِي تَقَلَّبَا ... أوْ يُعْقِبَ الدَّهْرُ لِدَهْرٍ عَقَبَا 2 - وأُمسِ شَيخًا كالعَرِيِشِ أَحدَبَا ... إذَا مَشَيتُ أَتَشَكَّى الأَصْلُبَا 3 - تَضَوُّرَ العَوْدِ أشتَكي أنْ يُركَبَا ... فقد أُناغِي الرَّشَأ المُرَبَّبَا 4 - ذا الرَّعَشَاتِ البَادِنَ المُخَضَّبَا ... خُودًا ضناكًا لاتمد العُقُبَا 5 - يَهْتَزُّ مَتْنَاهَا إذَا ما اضَّطَرَبَا ... كهَزّ نَشْوَانٍ قَضِيبَ السَّبسَبَا 6 - لِكُلِّ دَهْرٍ قَدْ لَبسْتُ أثْؤُبًا ... مِنْ رَيْطَةٍ وَاليُمنَةَ المُعْصَّبا 7 - حتَّى اكْتَسَى الرأسُ قِنَاعًا أشْيَبَا ... أمْلَحَ لا لَذًّا ولا محببا 8 - أكْرَهَ جِلْبَابٍ إذَا تَجَلْبَبَا ... ...................... 2 - قوله: "كالعريش" أراد به خيمة من خشب وثمام. 3 - قوله: "العود" بفتح العين المهملة وفي آخره دال مهملة -أيضًا-، وهو المسن من الإبل، قوله: "أناغي" أي: أناجي، و"الرشأ" بالتحريك؛ ولد الظبي، و "المربب": المربى بأحسن التربية. ¬
4 - قوله: "ذا الرعثات" أي: صاحب الرعثات، وهو جمع رعثة وهي القرط، و"الخود" بفتح الخاء المعجمة وفي آخره دال مهملة، وهي المرأة الناعمة الجسد، قوله: "ضناكًا بفتح الضاد المعجمة وكسرها، وهي المرأة المكتنزة، و"العقب" بضمتين؛ العاقبة. 5 - و "السبسب": المفازة. 6 - و"الرياط" بكسر الراء؛ الملاءة من قطعة واحدة، وفي رواية الصاغاني: مِن رَيْطَةٍ وَاليُمنَةَ المُعَصَّبَا وذكر أبو عمرو الشيباني في كتاب الجيم: لِكُلِّ عَصْرٍ قَدْ لَبسْتُ أثْؤُبًا ... رَيطًا وبُرْدًا عَصَبَ المنُشَّبَا (¬1) و"العصب" بفتح العين وسكون الصاد المهملتين؛ ضرب من برود اليمن. 7 - و"المنشب" بضم الميم وفتح النون وتشديد الشين المعجمة، يقال: برد منشب؛ أي: موشى على صورة النشاب؛ كما يقال: برد مسهم. الإعراب: قوله: "لكل دهر" اللام تتعلق بقوله: "قد لبست"، ولفظة كل مضاف إلى دهر، وأراد به الزمان المؤبد، و "لبست": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أثوبا": مفعوله، وقوله: "ربطًا إلخ": بدل منه. الاستشهاد فيه: في قوله: "أثوبًا" فإنه جمع ثوب وهو شاذ؛ لأن القياس فيه أثواب أو ثياب، قال الجوهري: الثوب واحد الأثواب والثياب، ويجمع في القلة على أثوب، وبعض العرب يقول: أثؤب، فيهمز لأن الضمة على الواو تستثقل والهمزة أقوى على احتمالها، وكذلك: دار وأدؤر وساق وأسؤق، وجميع ما جاء على هذا المثال، قال الراجز: لِكُلِّ دهر ............ ... ................ إلى آخره (¬2) ¬
الشاهد الثاني بعد المائتين والألف
الشاهد الثاني بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) كأنهمْ أَسْيُفٌ بِيضٌ يمانيةٌ ... عَضْبٌ مَضَارِبُهَا بَاقٍ بِهَا الأثَرُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. قوله: "بيض" بكسر الباء؛ جمع أبيض، قوله: "يمانية" نسبة إلى يمان، قوله: "عضب" بفتح العين وسكون الضاد المعجمة؛ من عضبه إذا قطعه، ومنه العضب وهو السيف القاطع. قوله: "مضاربها": جمع مضرب السيف وهو نحو شبر من طرفه، وكذلك مضربة السيف، قوله: "الأثر" بفتح الهمزة (¬3)، والثاء المثلثة، وهو أثر الجُرْح يبقى بعد البُرْء، قال الجوهري: وفي الناس مَنْ يحمل هذا على الفِرِنْدِ (¬4). الإعراب: قوله: "كأنهم" كأن للتشبيه، والضمير المتصل بها اسمها، وقوله: "أسيف": خبرها، وقوله: "بيض": صفة لأسيف، وكذلك قوله: "يمانية"، فوله: "عضب مضاربها" -أيضًا- صفة، ومضاربها مرفوع بعضب، وكذا قوله: "باق بها الأثر" صفة أخرى، وقوله: "الأثر": مرفوع باسم الفاعل وهو باق. الاستشهاد فيه: في قوله: "أسيف" فإنه جمع سيف وهو شاذ، والقياس: سيوف أو أسياف" (¬5). الشاهد الثالث بعد المائتين والألف (¬6)، (¬7) مَاذَا تَقُولُ لأَفْرَاخٍ بذِي مَرَخٍ ... زُغْبُ الحَواصِلِ لا ماءٌ ولا شَجَرٌ أقول: قائله هو الحطيئة، واسمه جرول ..................................... ¬
ابن أوس الغطفاني، وبعده (¬1): 2 - ألقيتَ كاسِبَهُمْ في قعْر مُظْلِمَةٍ ... فاغْفِرْ عليكَ سلامُ اللَّه يا عمرُ 3 - أنتَ الأمينُ الذي مِنْ بَعْدِ صاحبهِ ... ألقتْ إِلَيكَ مقاليدَ النُّهَى البَشَرُ 4 - لمْ يُؤْثِرُوكَ بِها إذ قدَّمُوكَ لها ... لَكِنْ لأَنْفُسِهِمْ كَانَتْ بِهَا الخِيَرُ وهي من البسيط. وأصل ذلك أن الزبرقان (¬2) استعدى عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وزعم أنه هجاه، فلما أنشد عمر - رضي الله عنه - (¬3): ....................... ... واقعد فإنكَ أَنْتَ الطاعمُ الكاسِي قال: ما أراه قال لك بأسًا، فقال الزبرقان: سل ابن الفريعة، يعني: حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، فإن لم يكن هجاني فلا سبيل عليه، فأرسل إلى حسان فسأله: هل هجاه بقوله: ..................... ... واقعد فإنكَ أَنْتَ الطاعمُ الكاسِي قال: قد هجاه وأقبح به فحبسه، فقال الحطيئة وهو محبوس هذه الأبيات، وكانت السجون آبارًا، فأول من بنى السجن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬4)، (¬5). قوله: "لأفراخ": جمع فرخ، وأراد بها الأولاد، قوله: "بذي مرخ" بفتح الميم والراء وبالخاء المعجمة، وهو واد كمير الشجر قريب من فدك، وهو -أيضًا- واد باليمامة، قوله: "زغب الحواصل" بضم الزاي المعجمة وسكون الغين العجمة؛ من الزغب وهي الشعيرات الصفر على ريش الفرخ، والفراخ زُغْبٌ، ويروى: حمر الحواصل، وهو جمع حوصلة الطير. 2 - قوله: "كاسبهم" أراد به نفسه لأنه هو الذي يكسب لأجل أولاده، قوله: "في قعر مظلمة" أي: بئر مظلمة، وقد قلنا إن السجون كانت آبارًا. ¬
الشاهد الرابع بعد المائتين والألف
3 - قوله: "من بعد صاحبه" أراد بالصاحب أبا بكر - رضي الله عنه - فإن عمر تولى الخلافة من بعد أبي بكر، قوله: "مقاليد النهي" بضم النون؛ جمع نهية وهي العقل. 4 - قوله: "الخير" بكسر الخاء وفتح الياء آخر الحروف؛ جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شيء. الإعراب: قوله: "ماذا" مبتدأ، وخبره: "تقول" [وهي] (¬1) جملة من الفعل والفاعل، والخطاب فيه لعمر [- رضي الله عنه -] (¬2)، قوله: "لأفراخ" يتعلق بتقول، قوله: "بذي مرخ" في محل الجر صفة لأفراخ، والتقدير: لأفراخ كائنين بذي مرخ؛ أي: مقيمين هناك. قوله: "زغب الحواصل": كلام إضافي مجرور بالوصفية، قوله: "لا ماء" كلمة لا بمعنى ليس، وماء بالرفع اسمه، وخبره محذوف تقديره؛ لا ماء هناك، [قوله: "ولا شجر"] (¬3) عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "لأفراخ" فإنه جمع فرخ وهو شاذ؛ لأن القياس فراخ وأفرخ، قال الجوهري: الفرخ ولد الطائر، والأنثى فرخة، وجمع القلة: أفْرُخ، وأفراخ، والكثير: فِراخ (¬4). الشاهد الرابع بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) وُجِدْتَ إِذَا اصْطَلَحُوا خَيرَهُمْ ... وزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزْنَادِهَا أقول: أنشده الرياشي ولم يعزه إلى قائله، وهو من المتقارب (¬7). و"الزند" بفتح الزاي وسكون النون، وهو العود الذي تقدح به النار وهو العود الأعلى، والزندة هي السفلى وهي الأنثى، فإذا اجتمعا قيل: الزندان، ولا يقال: الزندتان فافهم، قوله: ¬
الشاهد الخامس بعد المائتين والألف
"أثقب": أفعل من ثقب النجم إذا أضاء، قال تعالى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق: 3] أي: المضيء. الإعراب: قوله: "وجدت" على صيغة المجهول، جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، قوله: "إذا" للظرف، و "اصطلحوا": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى القوم، قوله: "خيرهم": كلام إضافي مفعول ثان لوجدت، قوله: "وزندك": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "أثقب أزنادها" خبره، وأراد بهذا الكلام الكناية عن سرعة مبادرته إلى الخير، والضمير يرجع إلى القوم الذين كان هذا الممدوح خيرهم. فإن قلت: ما الواو في: وزندك؟ قلت: الظاهر أنه للحال. الاستشهاد فيه: في قوله: "أزنادها" فإنه جمع زند، وكان القياس فيه أن يجمع على: زناد؛ لأن فَعْلًا بالتسكين يجمع على: فِعال بكسر الفاء، وقد جمع على أفعال تشبيهًا بِفَعَل بفتح العين؛ إذ ليس بين فعل بالفتح وفعْل بالتسكين إلا فتح العين، فيكون هذا من التداخل، وإليه أشار ابن جني (¬1)، ويقال: إنهم حملوا زندًا على عود فجمعوه على أزناد؛ كما جمعوا عودًا على أعواد (¬2). الشاهد الخامس بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) لنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضحى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، حكى ابن قتيبة أن حسانًا فاخر النابغة الذبياني في خبر مستفيض، وقال له النابغة: إنك شاعر لولا أن بيتك معيب من ثلاثة أوجه؛ لأنك قلت: ¬
جفنات وأسياف ويقطرن، ولم تقل: جفان وسيوف ويجرين، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، وقلت: يلمعن بالضحى ولم تقل: يبرقن في الدجى، ولو قلت كان أبلغ في المدح لأن؛ الضيف بالليل أكثر. وقد زيد في هذا البيت نقد في أربعة مواضع أخر هي قوله. "الغر" ولم يقل البيض لأن الغرة؛ يسيرة، و "يلمعن" ولم يقل يشرقن ونحو ذلك مما يقتضي بياض الشحوم، و "بالضحى" ولم يقل: وبالضحاء؛ لأنه أوسع وقتًا وقال: "دمًا" ولم يقل دماء. وقال الأعلم: هذا كله تكلف وتعسف، وقد حكى أبو الفتح عن أبي علي أنه طعن في هذه الحكاية عن النابغة (¬1). وقال ابن يسعون: نقد هذا البيت من جهة اللفظ ساقط لأن الجمع في: "الجفنات" نظير قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، وأما "الغر" هاهنا ليس بجمع غرة كما تقدم، وإنما الغر البيض المشرفات من كثرة الشحوم وبياض اللحوم، وهي جمع غراء هاهنا، ويجوز أن يريد بالغر المشهوره المنصوبة للقرى. وكذلك قوله: "يلمعن" هو المستعمل في هذا النحو الذي يدل على البياض؛ كما تقول: لمع السراب ولمع البرق، وكذلك: الضحى والضحياء في ذلك لأنهما بمعنى واحد عند جماعة من العلماء على أن الضحى أدل على تعجيلهم القرى. وأما قوله: "يبرقن في الدجى" أبلغ في المدح فساقط -أيضًا- لأنه إنما أراد هنا أن طعامهم موصول وقراهم في كل وقت مبذول؛ لأنه قد وصف قبل هذا قراهم بالليل حيث قال: وإنَّا لَنقْرِي الضَّيفَ إنْ جاءَ طَارقًا ... مِنَ الشَّحمِ مَا أضْحَى صَحيحًا مُسَلَّمَا ويروى: ما أمسى، وأما قوله: "يقطرن" فهو المستعمل في مثل هذا، يقال: سيفه يقطر دمًا ولم تجر العادة أن يقال: سيفه يسيل دمًا أو يجري دمًا مع أن يقطر أمدح لأنه يدل على مضاء السيف وسرعة خروجه عن الضربة حتى لا يكاد يعلق به دم. والبيت المذكور من الطويل، وبعده (¬2): ¬
2 - ولدْنَا بَنِي العَنْقَاءِ وابْنَيْ مُحَرِّقٍ ... فَأكْرِمْ بِنَا خالًا وأكرمْ بنا ابنمَا 3 - متى ما تَزُرْنَا مِنْ مَعَدٍّ بعُصْبَةٍ ... وغسّان نمنعْ حَوْضَنَا أنْ يُهَدَّمَا 4 - بكلِّ فَتًى عارِي الأشَاجِعِ لَاحَهُ ... قرَاعُ الكُمَاةِ يَرْشَحُ المسكَ والدَّمَا 5 - أبَى فِعْلُنَا المعروفُ أنْ ننطِقَ الخَنَا ... وقائلُنا بالعُرْفِ إلا تكلُّمَا 1 - قوله: "الجفنات": جمع جفنة وهي القصعة، قوله: "الغر" بضم الغين المعجمة؛ جمع غراء وهي البيضاء، قوله: "يلمعن": من لمع البرق إذا أضاء، قوله: "من نجدة" أي: من شجاعة وشدة. الإعراب: قوله: "لنا الجفنات" مبتدأ وخبر، و "الغر": صفة الجفنات، قوله: "يلمعن": جملة من الفعل والفاعل في محل النصب على الحال من الجفنات، قوله: "بالضحى" الباء فيه ظرفية، أي: في الضحى، قوله: "وأسيافنا": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "يقطرن" خبره، قوله: "من نجدة": كلمة من هاهنا للبيان والتبعيض، قوله: "دمًا": واحد وضع موضع الجمع لأنه جنس، وقد يكون مصدر دمى يدمي [دمًا] (¬1)، فوقع موقع العين وإن كان حدثًا فيكون حينئذ للكثرة. الاستشهاد فيه: في قوله: "الجفنات" حيث جمعت بالألف والتاء في القلة، وأما في التكثير فقد اطرد جمع مثل هذا البناء في الكثرة على: فِعال كالجفان ونحو ذلك (¬2)، وقال ابن أم قاسم: الاستشهاد في الجفنات وأسيافنا فإن المراد بهما التكئير (¬3). وقال الركني: القياس: الجفان والسيوف؛ لأنه مدح، واعُتِذَر بأن كل [واحد] (¬4) منهما بستعمل موضع الآخر على سبيل الاستعارة، بأن جعلت جمع القلة كالكثرة مرادًا منهما وبالعكس ادعاء، سواء وجد صيغته الأصلية كقوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقره: 228] موضع قراء، أو لا كثلاثة رجال؛ إذ لم يوجد من لفظه جمع قلة، قال تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] مع أن في الجنة غرفًا كثيرة (¬5). ¬
الشاهد السادس بعد المائتين والألف
الشاهد السادس بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ......................... ... وَأَنْكَرَتْنِي ذَوَاتُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: طَوَى الجَدِيدَانِ مَا قَدْ كنْتُ أَنْشُرُهُ ... ....................... وهو من البسيط. و"الجديدان": الليل والنهار، و "الأعين": جمع عين، و "النجل" بضم النون؛ جمع نجلاء؛ من النجل وهو سعة شق العين، والرجل أنجل، والأنثى نجلاء، ومنه يقال: طعنة نجلاء؛ أي: واسعة. الإعراب: قوله: "طوى": فعل، و "الجديدان": فاعله، قوله: "ما قد كنت أنشره" في محل النصب على المفعولية، وما موصولة، وقد كنت أنشره: صلتها، قوله: "وأنكرتني": جملة من الفعل والمفعول، قوله: "ذوات الأعين": كلام إضافي فاعله، و "النجل" بالجر صفته. الاستشهاد فيه: في قوله: "النجل" فإنه بضم النون والجيم، وذلك للضرورة؛ لأن الأصل في مثل هذا الجمع سكون العين (¬3). الشاهد السابع بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) أَغَرُّ الثَّنَايَا أَحَمُّ اللِّثَاتِ ... تُحَسِّنُهَا سُوُكُ الإِسْحِلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من المتقارب. ¬
الشاهد الثامن بعد المائتين والألف
قوله: "أغر" أي: أبيض، وقوله: "الثنايا": جمع ثنية وهي الأسنان الأربعة التي تليها الرباعيات، وتلي الرباعيات الأنياب ثم تليها الضواحك ثم تليها الأضراس. قوله: "أحم": من الحمة وهي لون بين الدهمة والكمتة، و "اللثات": جمع لثة وهي اللحمة الركبة فيها الأسنان، و "السوك": جمع سواك، و "الإِسحِل" بكسر الهمزة وسكون السين وكسر الحاء المهملتين وفي آخره لام، وهو شجر يتخذ منه المساويك، قال المفضل: وتتخذ المساويك من الأراك والبشام والإسحل والضرو وهو شجر حبة الخضراء والعتم وهو الزيتون. الإعراب: قوله: "أغر الثنايا": كلام إضافي مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي أغر الثنايا، وقوله: "أحم اللثات" -أيضًا- كلام إضافي خبر بعد خبر، قوله؛ "تحسنها": جملة من الفعل والمفعول الراجع إلى الثنايا واللثات، ومعناه: تُجَمِّلُهَا وتزيد في صفائها، قوله: "سوك الإسحل": كلام إضافي مرفوع لأنه فاعل للفعل المذكور. الاستشهاد فيه: في قوله: "سوك الإسحل". حيث ضم الواو فيه للضرورة، والقياس تسكينها؛ كما يقال في جمع سوار: سُور، وفي خوان: خُوْن. فافهم (¬1). الشاهد الثامن بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) أهْلًا بِأَهْلٍ وَبَيتًا مثلَ بَيْتِكُمْ ... وبالأناسينِ أَبْدَالِ الأناسينِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من البسيط. فقائل هذا يسلي شخصًا مصابًا بأهله نازحًا عن داره ووطنه الذين فقدهم وأصيب بهم، وقدم على قوم أحسنوا إليه غاية الإحسان حتى كأنه اجتمع بأهله في وطنه ولم يفقد أحدًا منهم. ¬
الشاهد التاسع بعد المائتين والألف
الإعراب: قوله: "أهلًا بأهل": منصوب بفعل محذوف تقديره: أتيت أهلًا، والباء في قوله: "بأهل" للمقابله؛ كما في قولك: هذا بذاك، أي: أتيت أهلًا عوضًا عن أهلك، قوله: "وبيتًا": عطف على أهلًا، أي: وأتيت بيتًا مثل بيتكم؛ أي: عوضه، قوله: "وبالأناسين": عطف علي قوله: "بأهل"، والمعنى: وعوضت [عوضه] (¬1) بالأناسين. وقوله: "أبدال الأناسين" يجوز بالجر على أنه صفة للأناسين الأول، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم أبدال الأناسين، والجر أظهر، و"الأبدال": جمع بدل، وأراد به العوض، وأراد بالأناسين [الأول] (¬2) الأناسين الذين قدم عندهم وبالثاني الأناسين الذين فقدهم وأصيب بهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالأناسين" فإنه جمع إنسان، وتبدل من النون الياء، فيقال: أناسيّ، وهذا إبدال غير لازم، وبه يرد على ابن عصفور؛ حيث ادعى بلزوم هذا البدل؛ إذ لو كان لازمًا لما جاء في الشعر هكذا (¬3). الشاهد التاسع بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) وَلَسْتَ لإنْسِيٍّ ولكن لِمَلْأَكٍ ... تَنَزَّل مِنْ جَوِّ السَّماء يَصُوبُ أقول: قائله هو رجل من عبد القيس يمدح به النعمان بن المنذر، وقيل: قائله هو أبو وجزة ¬
يمدح به عبد اللَّه بن الزبير - رضي الله عنه -، ويقال: قائله هو علقمة بن عبدة، وقبله (¬1): 1 - تَعَاليتَ أَنْ تُعزَى إلَى الإنْسِ خُلَّةً ... وللإنْسِ مَن يَعزُوكَ فَهْوَ كَذُوبُ وهما من الطويل. قوله: "تعاليت" يعني: تعاظمت، "أن تعزى" أي: تنسب، قوله: "خلة" أي: خصلة، وهو نصب على التمييز، قوله: "لملأَكٍ" بالهمزة؛ لأن الشاعر أخرجه على الأصل؛ لأن أصل ملك: ملأك، حذفت منه الهمزة للتخفيف، ولكن الهمزة كانت قبل اللام؛ لأنه من الألوكة وهي الرسالة (¬2)، فأخرت بعد اللام ليكون طريقًا إلى حذفها؛ لأن الهمزة متى سكن ما قبلها جاز حذفها وإلقاء حركتها على ما قبلها (¬3)، قوله: "يصوب" بمعنى: ينزل؛ كذا قاله الجوهري والأعلم واللخمي والواحدي وغيرهم (¬4) من صاب يصوب صوبًا، أصل صاب صوب قلبت الواو ألفًا، ويقال معناه: يقصد من صاب إذا قصد؛ لأن على التفسير الأول يلزم التكرار فافهم. الإعراب: قوله: "ولست": عطف على ما قبله من البيت المذكور، والتاء اسم ليس، وخبره محذوف تقديره: ولست معزوًّا لإنسي، وحرف الجر يتعلق بالمحذوف، قوله: "ولكن" للاستدراك، وقوله: "لملأك" يتعلق بمحذوف تقديره: ولكن أنت معزو لملأك، قوله: "تنزل": جملة من الفعل والفاعل وقعت صفة لملأك، و "من جو السماء" يتعلق به، قوله: "يصوب": جملة وقعت حالًا من ملأك. الاستشهاد فيه: في قوله: "لإنسي" فإن بعضهم احتج به على أن الياء في أناسيّ ليست بدلًا من النون كما ذكرنا في البيت السابق، وإنما الأناسي جمع إنسي، والأناسين بالنون جمع إنسان، والقول بهذا أحسن من الذهاب إلى أن الأناسي أصله: الأناسين، وأن الياء مبدلة من النون، وأن هذا البدل لازم أو غير لازم، وفيه نظر، وذلك لأنه لو كان الأناسي جمع إنسي لكان يجوز أن يقال في ¬
الشاهد العاشر بعد المائتين والألف
جمع جني: جناني، وفي جمع تركي: تراكي. فافهم (¬1). الشاهد العاشر بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ..................... ... سوابيغُ بيضٌ لا يُخَرِّقُهَا النَّبْلُ أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وصدره: عليها أُسُودٌ ضَارِيَاتٌ لَبُوسُهُمْ ... .......................... وهو من قصيدة طويلة من الطويل، وأولها هو قوله (¬4): 1 - صَحَا القَلْبُ عَنْ سَلْمَى وقَدْ كَانَ لا يَسْلُو ... وأقف من سَلْمَى التَّعَانِيقُ فالثقل 2 - وقد كُنتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينَ ثَمَانِيًا ... علَى صِيرِ أمْرٍ ما يُمِرُّ ومَا يَحْلُو إلى أن قال: 3 - وإنْ يُقتَلُوا فَيُشْتَفَى بدِمَائِهِمْ ... وكَانُوا قَدِيمًا مِنْ مَنَايَاهُمُ القَتلُ 4 - عليها ................... ... .................... إلخ 5 - إذا لَقِحَتْ حَربٌ عَوَانٌ مُضِرَّةٌ ... ضَرُوسٌ تُهِرُّ النَّاسَ أنْيَابُهَا عُصْل 1 - قوله: "وأقفر" بتقديم القاف، أي: خلا التعانيق والثقل، وهما موضعان. 2 - قوله: "على صير" أي: على طرف أمر ومنتهاه وما يصير إليه، يقال: أنا في حاجتي على صير، أي: على طرف منها وإشراف على قضائها، قوله: "ما يمر" بضم الياء؛ من الإمرار ¬
من المُرِّ نقيض الحلو. 3 - قوله: "وكانوا قديمًا من مناياهم القتل" أراد أنهم أهل حرب فلا يموتون على فرشهم حتف أنوفهم. 4 - قوله: "عليها" أي: على الخيل أسود، وهو جمع أسد، و "الضاريات": جمع ضارية في الجرأة وشدة الحملة، و "اللبوس" ما يلبسه الإنسان، وهو فعول في معنى مفعول، وأراد به الدروع، و "السوابغ": الكاملة، وأراد بالبيض أنها صقيلة لم تصدأ، و "النبل": السهم. 5 - قوله: "إذا لقحت" بالقاف والحاء المهملة؛ أي: إذا اشتدت وقويت، وجواب إذا قوله: تَجدهم على ما خَلَّيْتَهُمْ إزاءَ مَا ... وإنْ أَفسدَ المال الجماعاتُ والأزلُ وضرب اللقاح مثلًا لكمالها وشدتها، قوله: "عوان" أراد بها الحرب التي ليست بأولى، وهي الحرب التي قوتل فيها مرة بعد مرة، "الضروس" بالفتح؛ العضوض السيئة الخلق، قوله: "تهر الناس" أي: تصيرهم يهرونها، و "العصل" بضم العين وسكون الصاد المهملتين، وأراد بها الكالحة المعوجة (¬1)، وضربها مثلًا لقوة الحرب وقدمها لأن ناب البعير إنما يعصل إذا أسن فاعلم ذلك. الإعراب: قوله: "أسود" مبتدأ، و "عليها" مقدمًا خبره، و "ضاريات" صفة لأسود، قوله: "لبوسهم": كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "سوابيغ"، وقوله: "بيض" صفة لسوابيغ والموصوف مع صفته صفة للبوس في الحقيقة، وقوله: "لا يخرقها النبل": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير، والفاعل وهو قوله: "النبل"، وقعت صفة أخرى. الاستشهاد فيه: في قوله: "سوابيغ" فإنه شاذ، والقياس فيه: سوابغ بدون الياء، فإن فاعلة يجمع على فواعل لا فواعيل ولكن زاد الياء فيه للضرورة (¬2). * * * ¬
شواهد التصغير
شواهد التصغير الشاهد الحادي عشر بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) أوْ تَحْلِفِي بِرَبِّكِ العَلِيِّ ... أَنِّي أَبُو ذيَّالِك الصّبِيِّ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد إن وأخواتها (¬3). والاستشهاد فيه هاهنا: في قوله: "ذيالك" فإنه مصغر "ذلك" (¬4). الشاهد الثاني عشر بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) ............................ ... دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الأَنَامِلُ أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة بن عامر العامري، وصدره: وَكُلُّ أُنَاسٍ سوفَ تَدْخُلُ بَينَهُمْ ... ......................... ¬
الشاهد الثالث عشر بعد المائتين والألف
وهو من قصيدة لامية ذكرناها في أول شواهد الكلام (¬1). قوله: "دويهية" تصغير داهية، وهي الأمر العظيم، ودواهي الدهر: ما يصيب الناس من عطيم نوبه. الإعراب: قوله: "وكل أناس": كلام إضافي مبتدأ، وقوله: "سوف تدخل بينهم" خبره، وقوله: "دويهية": فاعل تدخل، قوله: "تصفر منها الأنامل": جملة من الفعل والفاعل في محل الرفع على أنها صفة لدويهية. الاستشهاد فيه: في قوله: "دويهية" فإن الكوفيين احتجوا بها على أن التصغير قد يأتي للتعظيم، فإن دويهية [تصغير] (¬2) داهية، والمراد بها الموت، والمعنى: دويهية عظيمة، وأجيب عن هذا بأن الداهية وإن كانت عظيمة في نفسها ولكنها سريعة الوصول؛ فبالنظر إلى هذا المعنى صغر الداهية إشارة إلى تقليل المدة وتحقيرها، وفيه نظر لا يخفى (¬3). الشاهد الثالث عشر بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) صُبَيَّةً على الدُّخَانِ رُمْكًا ... ما إنْ عَدَا أَصْغَرُهُمْ أَنْ زَكَّا أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج الراجز. قوله: "ومكًا" بضم الراء المهملة وسكون الميم؛ جمع أرمك من الرمكة وهي لون كلون الرماد، وصف رؤبة بهذا صبيةً صغارًا قد اغبروا وتشعثوا لشدة الزمان وكلب الشتاء والبرد، قوله: "أن زكا" ويروى: قد زكا، ويقال: زك زكيكًا إذا دب، وقال ابن دريد: يقال: زك يزك ¬
زكًّا وزكيكًا، وقال أبو زيد: زكزك؛ أي: مشى متقارب الخطو، ومادته: زاي معجمة وكاف (¬1). الإعراب: قوله: "صبية" منصوب بفعل مقدر تقديره: ترك صبية، وقوله: "على الدخان" حال، وقوله: "رمكا": صفة لصبية، قوله: "ما إن عدا" كلمة ما للنفي، وإن زائدة، وعدا بمعنى: جاوز. قال الأعلم: وقع في الكتاب: "ما أن عدا أصغرهم" (¬2)، [والصواب: ما إن عدا أكبرهم أن يدب صغرًا وضعفًا، فكيف صغيرهم؟! قلت: هذا قول المبرد، فإنه قال الصواب: أن عدا أكبرهم، فإنك إذا قلت: أصغرهم] (¬3) ما إن عدا أن زكا؛ أي: قارب الخطو؛ فأكبرهم إذن يمشي، أو على حالة أخرى أحسن من حال الصغير، ولا فائدة لهذا الذم لأنه يريد أن يذمهم (¬4). قيل: هذا أوجه، ولكن الأحسن ما رواه سيبويه وإن ضعفه المبرد (¬5)؛ لأن هذا الشاعر إنما يريد أن يقول إن أصغرهم ما إن عدا أن زك، فكيف كبر من كبرت آفته وهمه؟ فكبيرهم أشد من صغيرهم، وصغيرهم ما عدا أن زك، وهذا أبلغ في المعنى. الاستشهاد فيه: في قوله: "صُبَيَّة" فإنها تصغير: صبية بكسر الصاد وسكون الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف، وهو جمع صبية بفتح الصاد وكسر [الباء الموحدة وتشديد] (¬6) الياء آخر الحروف، وهذا التصغير هو القياس، وقد جاء [شاذًّا] (¬7) أُصَيْبِيَة، ورؤبة بن العجاج أخرجها على القياس (¬8). ¬
الشاهد الرابع عشر بعد المائتين والألف
الشاهد الرابع عشر بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) حِمًى لَا يُحَلُّ الدهرَ إلَّا بِإذْنِنَا ... ولا نَسْألِ الأقْوَامَ عقدَ الميَاثِقِ أقول: قائله هو عياض بن أم درة الطائي شاعر جاهلي (¬3)، وقبله: وكُنَّا إذَا الدِّينُ الغُلُبَّى بَرَى لَنَا ... إذَا مَا حَلَلْنَاهُ مَصَابَ البَوَارِقِ وهما من الطويل. قوله: "وكنا إذا الدين" أراد به الطاعة، و "الغلبى" بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الباء الموحدة [مصدر بمعنى المغالبة، قوله: "برى لنا" بالباء الموحدة] (¬4)، ومعناه: عرض لنا، و "الحمى" بكسر الحاء، هو الموضع الذي يحميه الإمام ولا يقربه أحد؛ من حمى المكان وأحماه، قوله: "لا يحل": من الإحلال. الإعراب: قوله: "حمى": خبر مبتدأ محذوف، أي: حمانا حمى، أو نحو ذلك مما يناسب المقام، قوله: "لا يُحَلُّ" على صيغة المجهول؛ جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل في موضع الرفع على أنها صفة لحمى، وقوله: "الدهر" نصب على الظرف، قوله: "ولا نسأل": جملة معطوفة على ما قبلها، و "الأقوام": مفعول لا نسأل. الاستشهاد فيه: في قوله: "عقد المياثق" فإن القياس فيه: المواثق لأنه جمع ميثاق، والواجب في جمع التكسير رده إلى أصله؛ كما تقول في باب: أبواب، وفي ناب: أنياب، ورأيت في نوادر أبي زيد: "عقد المواثق" على الأصل، فعلى هذا لا استشهاد فيه (¬5). ¬
شواهد النسب
شواهد النسب الشاهد الخامس عشر بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) وَكيفَ لَنَا بِالشُّرْبِ إِن لم تَكُنْ لَنَا .. دَرَاهِمُ عندَ الحَانَويّ ولا نَقْدُ أقول: قائله هو الفرزدق؛ قاله ثعلب، وقال غيره: هو لأعرابي، وقيل: قائله مجهول، وهو من قصيدة دالية من الطويل، وبعده (¬3): 2 - أندانُ أم نَعْتَانِ أم يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثلُ نَصْلِ السَّيفِ شِيمَتُهُ المَجْدُ 3 - فمَا حَرَّمَ الرَّحْمَنُ تَمْرًا قَنيتهُ ... وَمَاء سَقَانَا مِنْ ركيته سَعْدُ 4 - إذَا طُرِحَا فيِ الدَّنِّ صَرَّحَ منهُمَا ... شَرَابٌ إذَا مَا صُبَّ في صَحْنِهِ الوَردُ 5 - نُبَاكِرُ حَدَّ الرَّاحِ حَتَّى كَأَنَّمَا ... نَرَى بالضُّحَى أطْنَابَ مَنْ قَبْلَنَا بَعْدُ قوله: "دراهم" ويروى: دنانير، ويروى: دوانيق. قوله: "أندان" من الاستدانة، قوله "نعتان": من اعتون القوم إذا أعان بعضهم بعضًا، قوله: "ينبري": من قولهم: انبرى له؛ أي: اعترض، والركية: البئر التي لم تطو، قوله: "حد الراح" قال في العباب: حد الشراب: سورته وصلابته. ¬
الشاهد السادس عشر بعد المائتين والألف
الإعراب: قوله: "وكيف" للتعجب هاهنا وإن كان فيه معنى الاستفهام، قوله: "لنا": خبر مبتدأ محذوف تقديره: وكيف لنا التلذذ بالشراب، والباء تتعلق بذلك المقدر، قوله: "إن" للشرط، و "لم تكن لنا دراهم": جملة وقعت فعل الشرط، والجواب محذوف دل عليه الكلام السابق، وقوله: "دراهم": اسم لم تكن، وقوله: "لنا" مقدمًا خبره، وقوله: "عند الحانوي": كلام إضافي نصب على الظرف، قوله: "ولا نقد" بالرفع عطف على قوله "دراهم". الاستشهاد فيه: في قوله: "الحانوي" فإنها نسبة إلى الحانية تقديرًا، وقلبت الياء فيه واوًا؛ كما يقال في النسبة إلى القاضي: قاضوي، والأصل فيه أن الياء إذا وقعت رابعة تحذف، وقد تقلب واوًا ويفتح ما قبلها كما في المثال المذكور. قال النحاس: قال سيبويه [والوجه: الحاني، وإنما صار الوجه ما قال سيبويه] (¬1)؛ لأنه منسوب إلى الحانة، والحانة بيت الخمار، وإنما جاز أن يقال: حانوي لأنه بني واحده على فاعلة؛ من حنى يحنو إذا عطف (¬2)، قال الشيخ أثير الدين: قياس كل منقوص زائد على ثلاثة أحرف حَذْف يائه، فإذا كان رباعيًّا نحو: قاضٍ ومُغْزٍ اسم رجل فإنه قيل: يجوز فيه الحذف، وهو القياس، واختير فيه وجه ثان وهو أن يقال: قاضوي ومغزوي، قال الشاعر: فكيف لنا بالشُّربِ ...... ... ................... إلخ الشاهد السادس عشر بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) وليس بِذِي رُمْحٍ فيطعنَنِي به ... وليس بذِي سَيفٍ وليس بنبَّال أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، ذكرناها ¬
فيما مضى، أولها هو قوله (¬1): ألا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي ... وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فيِ العُصُرِ الخَالِي إلى أن قال: أيَقْتُلُنِي وَالْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ وليس بذي رمحٍ ........... ... ...................... إلخ أراد بقوله: "وليس بذي رمح" ليس بفارس، وقوله: "وليس بذي سيف" أي: بصاحب سيف؛ يعني: ليس بنافع لا فارسًا ولا راجلًا، قوله: "وليس بنبال" أي: ليس برامي النبل. قال الرياشي: النبال هاهنا ليس بجيد؛ لأن النبال هو الذي يعمل النبل أو يبيعها، والذي رمي بها هو النابل (¬2)، وقال أبو حاتم: قد يجيء مثل هذا؛ كقولهم: سياف؛ أي: يضرب بالسيف، وزراق، أي: يزرق بالمزراق (¬3). الإعراب: قوله (¬4): "وليس" الضمير المستتر فيه اسمه، وقوله: "بذي رمح" خبره، والباء فيه زائدة، قوله: "فيطعنني" بالنصب لأنه جواب النفي، وهو جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: "به": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، والباء فيه للاستعانة، قوله: "وليس بذي سيف": عطف على قوله: "وليس بذي رمح"، وإعرابه كإعرابه، وكذلك قوله: "وليس بنبال". الاستشهاد فيه: في قوله: "وليس بنبال" فإنه على وزن فعَّال بالتشديد، بمعنى: صاحب نبل، فاستغنى بهذا الوزن عن ياء النسب، وبهذا يجاب عن قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، فإن ظلام هاهنا بمعنى: ذي ظلم، وليست الصيغة للمبالغة هاهنا؛ إذ لا يلزم من نفي الظلام نفي ¬
الشاهد السابع عشر بعد المائتين والألف
الظالم. فافهم (¬1). الشاهد السابع عشر بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) لَسْتُ بِليْلِيٍّ ولكني نَهِرْ ... لا أُدْلِجُ الليلَ ولكن أبتكِرْ أقول: أنشده سيبويه ولم يعزه لأحد، وبعده (¬4): متى أرى الصبح فإني أنتشر ... .............................. قوله: "لست بليليّ" أي: لست بعامل في الليل، وفي رواية الجوهري: إِنْ كُنتَ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرْ ... ........................ (¬5) و"نهر" بفتح النون وكسر الهاء؛ أي: صاحب نهار، أي: عامل بالنهار. قوله: "لا أدلج": من أدلج القوم إذا ساروا من أول الليل، والاسم: الدَّلَج بالتحريك، والدُّلجة، والدَّلجة مثل: بُرْهة من الدهر، وبَرهة، فإن ساروا من آخر الليل يقال: ادّلجوا بتشديد الدال، قوله: "أبتكر": من الابتكار وهو الأخذ بأول الأشياء. الإعراب: قوله: "بليليٍّ": خبر ليس، واسمه الضمير المتصل به، و "لكني نهر": جملة معطوفة على الجملة الأولى، قوله: "لا أدلج الليل": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وهي في الحقيقة ¬
الشاهد الثامن عشر بعد المائتين والألف
تكشف معنى الجملة الأولى، فتكون من الصفات الكاشفة، قوله: "ولكن أبتكر" أصله: ولكني أبتكر. الاستشهاد فيه: في قوله: "نهر" فإنه استغنى بهذا الوزن عن ياء النسب، لأنه يستغنى عن ياء النسب بفَعِل بمعنى: صاحب؛ كما يقال: رجل طَعِم؛ أي: ذو طعام، ومنه قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أي: بذي ظلم (¬1). الشاهد الثامن عشر بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) أَلا يا دِيارَ الحَيِّ بالسَّبُعان ... أَمَلَّ عليها بالبِلَى المَلَوَانِ أقول: قائله هو تميم بن مقبل (¬4) شاعر مجيد فائق، ونسبه ابن هشام إلى خلف الأحمر (¬5)، وهو غير صحيح، وبعده (¬6): 2 - أَلَا يَا دِيَارَ الحَيِّ لَا هَجْرَ بَيْنَنَا ... ولَكِنَّ رَوْعَاتٌ مِنَ الحدثَانِ 3 - نَهَارٌ ولَيلٌ دَائِبٌ مَلَوَاهُمَا ... عَلَى كُلِّ حَالِ النَّاسِ مُخْتَلِفَانِ وهي من الطويل، وعروضه محذوفة لكونه مصرعًا. قوله: "بالسبعان" بفتح السين المهملة وضم الباء الموحدة، وهو اسم موضع، قوله "أملَّ" من أمللت الكتاب، قال الجوهري: أمليت الكتاب أملي وأمللته أمله، جيدتان جاء بهما القرآن الكريم (¬7)، و"البِلَى" بكسر الباء الموحدة، مصدر بلي الثوب إذا خلق، و "الملوان": الليل والنهار. ¬
الشاهد التاسع عشر بعد المائتين والألف
الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، وقوله: "يا ديار الحي" يا: حرف نداء، وديار الحي؛ منادى مضاف منصوب، والنداء في الحقيقة لأهل الدار الذين رحلوا ومضوا، وقوله: "بالسبعان" في محل النصب على الصفة؛ أي: الكائنة بالسبعان، قوله: "أَمَلَّ" فعل، وقوله: "الملوان": فاعله، و"عليها" في محل النصب مفعوله، وقوله: "بالبلى" يتعلق بأمل، والجملة حالية بتقدير: قد. الاستشهاد فيه: في قوله: "بالسبعان" فإنه في الأصل تثنية: سبع، والشاعر أجراه مجرى سلمان؛ إذ لو أجراه مجرى التثنية لقال: بالسبعين (¬1). الشاهد التاسع عشر بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ولستُ بنحويٍّ يلُوكُ لسانَهُ ... ولكنْ سَلِيقِيٌّ أقولُ فأُعْرِبُ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "بنحويّ" أي: منسوب إلى علم النحو، قوله: "يلوك": من لاك يلوك، يقال: لكت الشيء في فمي إذا علكته، قوله: "سليقي": نسبة إلى السليقة، وهي الطبيعة، يقال: فلان يتكلم بالسليقة؛ أي: بطبعه لا عن تعلم، فالسليقي من يتكلم بسليقته معربًا من غير تعلم. الإعراب: قوله: "ولست" التاء فيه اسم ليس، وقوله: "بنحوي" خبره، والباء زائدة للتأكيد، قوله: "يلوك": جملة من الفعل والفاعل، و "لسانه": مفعوله، والجملة في محل الجر على الوصفية. قوله: "ولكن سليقيّ" لكن للاستدراك، وسليقي: خبر مبتدأ محذوف، أي: ولكن أنا سليقي، قوله: "أقول": جملة وقوله: "فأعرب": جملة أخرى عطف عليها، والجملتان كاشفتان معنى: "سليقي". ¬
الاستشهاد فيه: في قوله: "سليقي" فإن القياس فيه: سلَقِيّ بدون الياء، فإنه نسبة إلى: سليقة، وهي فعيلة، وفي النسبة إلى: فَعِيلة، وفُعَيْلة تحذف الياء والهاء؛ كما تقول في حنيفة: حَنَفِيّ، وفي جُهَيْنة: جُهَنِيّ، ولكنه جاء على غير القياس (¬1). * * * ¬
شواهد الوقف
شواهد الوقف الشاهد العشرون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ألَا حَبَّذَا غُنْمٌ وحُسْنُ حديثها ... لقد تَركتْ قلبي بها هائِمًا دَنِفْ أقول: هو من الطويل. قوله: "غنم" بضم الغين المعجمة وسكون النون، وهو اسم امرأة، و"الهائم": من هام على وجهه يهيم هيمًا وهيمانًا من العشق، أو غيره، و"دنف" بفتح الدال وكسر النون؛ صفة مشبهة من الدنف بفتح النون وهو المرض الملازم. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و "حبذا" كلمة مدح؛ فحبَّ فعل، وذا فاعله، و "غنم" هو المخصوص بالمدح، وقد اختلف في إعرابه، فقيل: حبذا مبتدأ، وغنم خبره، قلت: هذا لا يتمشى إلا على قول من يقول: إن الغالب على حبذا الاسمية (¬3). وقيل: "غنم" بدل من"ذا"؛ كأنه قال: حب غنم، وقيل: غنم خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قيل: لما قيل حبذا من المحبوب، فقيل: غنم، أي: هي غنم، وقيل: غنم مبتدأ، وحبذا مقدمًا خبره، وقد أغنى اسم الإشارة غناء الضمير فيمن جعله جملة، وفيمن جعله اسمًا مفردًا فلا إشكال. ¬
الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين وألف
قوله: "وحسن حديثها": كلام إضافي عطف على ما قبله، قوله: "لقد تركت": جملة فعلية من الفعل والفاعل، وهو الضمير المستتر الراجع إلى غنم، وكل واحدة من اللام وقد للتأكيد، قوله: "قلبي": كلام إضافي مفعول تركت، قوله: "بها" يتعلق بقوله: "هائمًا"، والباء للسببية، أي: هائمًا بسببها، و "هائمًا ودنفًا": حالان من قلبي إما متداخلان، وإما مترادفان. الشاهد فيه: في قوله: "دنف" فإنه بسكون الفاء، والقياس فيه: دنفًا، ولكن ربيعة يقولون في الوقف: رأيت زيد، بالتسكين (¬1). الشاهد الحادي والعشرون بعد المائتين وألف (¬2)، (¬3) يا رُبّ يومٍ لي لا أُظَلِّلُهْ ... أُرْمِض مِن تحتُ وأُضْحَى من عَلُهْ أقول: قائله هو أبو ثروان، وهو من الرجز المسدس. قوله: "لا أظلَّله" على صيغة المجهول؛ من الظل، والمعنى: رب يوم لا أجعل في ظل فيه أصير كذا وكذا. قوله: "أرمض" على صيغة المجهول؛ من رمضت قدمه إذا احترقت من شدة الرمضاء، وهي الأرض التي تقع عليها شدة حرارة الشمس، قوله: "وأضحى" على صيغة المجهول -أيضًا- من ضحيت الشمس ضحاء ممدودًا إذا برزت، وضحيت بالفتح ضحاء مثله، والمستقبل أضحى في اللغتين جميعًا. الإعراب: قوله: "يا رب يوم" كلمة: [يا] (¬4) للمناداة، والمنادى محذوف تقديره: يا قوم رب يوم، ¬
وإما للتنبيه؛ لأنها دخلت على ما لا يصلح للنداء، ويوم مجرور برب، وقوله: "لي" في محل الجر صفة ليوم. قوله: "لا أظلله" أي: لا أظلل فيه، وهي جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل (¬1) في موضع النصب على الحال، قوله: "أرمض" فعل، والمضمر فيه مفعول ناب عن الفاعل، قوله: "من تحت" أصله: من تحتي بالإضافة إلى ياء المتكلم، فلما قطع عن الإضافة بني على الضم (¬2). قوله: "وأضحى" كذلك فعل، والضمير فيه ناب عن الفاعل، قوله: "من عله" بفتح العين وضم اللام وسكون الهاء. قال أبو علي: الهاء في: "من عله" مشكلة؛ لأنها لا تخلو من أن تكون ضميرًا أو هاء سكت، فلو كانت هاء الضمير لوجب أن يقال: من علِه بالجر؛ لأن الظرف لا يبنى في حال إضافته، ولا تكون هاء السكت؛ لأن هاء السكت لا تدخل معها ولا يبنى بها حركة بناء تشبه حركة المعرب؛ ولذلك لا تدخل على الماضي لمضارعته المضارع، وحركة هذا الضرب من المبنيات تجري مجرى حركة المعرب (¬3). وأجاب ابن الخشاب فقال: الهاء بدل من الواو، والأصل: علو، فأبدلوا الواو هاء؛ كما أبدلوا الواو هاء في: يا هناه، والأصل: يا هناو، ولأنه فعال من: هنوك، ومنه قولهم: عاملته مساناة ومسانهة؛ فالهاء في مسانهة بدل من الواو؛ لأن مساناة لامه واو؛ كقولهم: سنوات (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "لا أظلله"، والقياس فيه: لا أظلل فيه، فحذف الجار توسعًا؛ هذا ما ذكره ابن الناظم (¬5)، وأما ابن هشام وابن أم قاسم فإنهما استشهدا بالشطر الأخير في قوله "من عله" فإن هاء السكت دخل فيه، والحال أن بناءه عارض. ¬
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين والألف
الشاهد الثاني والعشرون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) إنك يا ابنَ جَعْفَرٍ نِعْمَ الفتى ... .......................... أقول: قائله هو الشماخ، واسمه معقل بن ضرار، وبعده (¬3): 2 - ........................... ... ونِعمَ مَأْوَى طارق إذَا أَتَى 3 - وَرُبَّ ضَيْفٍ طَرَقَ الحيَّ سُرَى ... صادفَ زادًا وحديثًا ما اشْتَهَى 4 - إن الحديثَ طرفٌ مِن القِرَى ... ثم اللَّحَافُ بَعْدَ ذَاكَ فِي الذَّرَى وهو من مشطور الرجز، والقافية هنا تجمع بين المتراكب والمترادف والمتكاوس (¬4). قوله: "إنك يا ابن جعفر" يخاطب به عبد اللَّه بن جعفر بن محمد الصادق - رضي الله عنهم -، قوله: "طرق الحي سرى" أي: ليلًا؛ لأن السَّرى لا يكون إلا ليلًا، قوله: "في الذرى" بفتح الذال المعجمة، وهو الكنف. الإعراب: قوله: "إنك" الكاف اسم إن، قوله: "نعم الفتى" خبره، وقوله: "يا ابن جعفر": جملة ندائية معترضة، قوله: "سرى": موضع ظرف، واسم الزمان محذوف معه، وهو كقولك: جئتك مقدم الحاج، أي: وقت قدوم الحاج. الاستشهاد فيه: في قوله: "نعم الفتى" فإن الفتى قبل دخول الألف واللام عليه منون، وهو مقصور، والمنون المقصور يوقف عليه بالألف نحو: رأيت فتى، وفي هذه الألف ثلاثة مذاهب (¬5): الأول: أنها بدل من التنوين في الأحوال الثلاثة، وهو مذهب أبي الحسن (¬6)، والفراء والمازني. ¬
الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين والألف
والثاني: أنها الألف المنقلبة في الأحوال الثلاثة، وأن التنوين حذف، فلما حذف عادت الألف، وهو مذهب الكوفيين، وروي عن أبي عمرو والكسائي، وإليه ذهب السيرافي وابن كيسان وابن مالك في الكافية، وقال في شرحها: ويقوي هذا المذهب ثبوت الرواية بإمالة الألف وقفًا والاعتداد بها رويًّا (¬1)، وقال ابن أم قاسم: مثال الاعتداد بها قول الراجز: إِنَّكَ يَا ابْنَ جَعْفَرٍ نِعْمَ الفَتَى ... ......................... (¬2) إلى قوله: وَرُبَّ ضَيفٍ طَرَقَ الحَيَّ سُرَى ... .......................... الثالث: اعتباره كالصحيح؛ فالألف في النصب بدل من التنوين، وفي الرفع والجر بدل من لام الكلمة، وهو مذهب سيبويه (¬3)، ومعظم النحاة، وإليه ذهب أبو علي الفارسي -رحمه اللَّه تعالى- (¬4). الشاهد الثالث والعشرون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) ألا أَذِّنْ فما أَذْكَرْتَ ناسي ... ............................... أقول: قائله هو أحمد بن الحسين المتنبي، وتمامه: ......................... ... ولَا لَيَّنْتَ قَلْبًا وَهُوَ قاسي وبعده: وَلَا شُغِلَ الأَمِيرُ عَنِ المَعَالِي ... ولَا عَنْ حَقِّ خَالِقِهِ بِكَاسِي وكان سيف الدولة بن حمدان يشرب فأذن المؤذن، فوضع سيف الدولة القدح من يده، وقال المتنبي البيتين المذكورين، وهما من الوافر. المعنى ظاهر. ¬
الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين والألف
الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، وقوله: "أذن": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "فما أذكرت" الفاء لربط الجواب، و"فما أذكرت": جملة من الفعل والفاعل، وقد دخل عليها حرف النفي، وقوله: "ناسي" مفعول: أذكرت. والاستشهاد فيه: في قوله: "ناسي" لأن القياس فيه: ناسيًا، وهذا للتمثيل، وإلا فالمتنبي لا يحتج به (¬1). الشاهد الرابع والعشرون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ....................... ... رهطُ مَرْجومٍ ورهْطُ ابنِ المُعَل أقول: قائله هو لبيد بن ربيعة العامري، وصدره: وَقَبِيلٌ من لُكَيْزٍ حاضِرٌ ... ............................ وهو من الرمل. قوله: "قبيل" أي: قبيلة، [وقوله] "من لكيز" بضم اللام وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره زاي معجمة، وهو: لكيز بن أقصى بن عبد القيس. قوله: "حاضر" أي: شاهد، ويروى هكذا أيضًا، قوله: "رهط مرجوم" بالجيم، قال أبو عبيدة: سمي بذلك؛ لأنه فاخر رجلًا عند النعمان، فقال له النعمان: رجمك بالشرف، فسمي مرجومًا، واسمه فلان، وأما الذي ورد في شعر خالد بن معاوية بن سنان السعدي (¬4): دُومُوا بَنِي غُنْمٍ ولَنْ تَدُومُوا ... لَنَا ولَا سَيِّدُكُمْ مَرْحُومُ فإنما هو بالحاء المهملة على أنه قال: ما أدري صحته. ¬
الشاهد الخامس والعشرون بعد الماتئين والألف
الإعراب: قوله: "وقبيل" مبتدأ، و"من لكيز" صفته، أي: قبيل كائن من لكيز، و"حاضر" خبره، وقوله: "رهط مرجوم" بالرفع بدل من قبيل، أو عطف بيان، قوله: "رهط ابن المعل": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ابن المعل" حيث حذف التشديد والألف فيه في الوقف؛ لأن أصله: المعلى، وهذا شاذ؛ لأن المقصور غير المنون إذا وقف عليه لم تحذف ألفه ولم يغير، وقد حذف الشاعر هنا للضرورة وهو شاذ. (¬1). الشاهد الخامس والعشرون بعد الماتئين والألف (¬2)، (¬3) لَقَدْ خَشِيتُ أنْ أرى جَدَبَّا ... مثلَ الحريق وافَقَ القصبَّا أقول: قائله هو رؤبة على ما ذكره في الكتاب، وليس بموجود في ديوانه، ونسبه أبو حاتم في كتاب الطير لأعرابي، وقال ابن يسعون: هذا لربيعة بن صبح فيما زعم الجرمي، وهو من قصيدة مرجزة، وأولها هو قوله (¬4): 1 - لقد خشيتُ أَنْ أَرَى جَدَبَّا ... في عَامِنَا ذَا بَعْدَمَا أخْصَبَّا 2 - إنَّ الدَّبا فوقَ المتون دبَّا ... وَهَبَّتِ الرِّيحُ بِمُورٍ هَبَّا 3 - تَتْرُكُ مَا أبْقَى الدَّبَّا سَبْسَبَّا ... كَأَنَّهُ السَّيْلُ إذَا اسْلَحَبَّا 4 - أوْ كالحَرِيقِ وَافَقَ القَصَبَّا ... والتِّبْنَ والحَلْفَاءَ فالْتَهَبَّا 5 - حَتَّى تَرَى البُوَيزلَ الأَرْزَبَّا ... مِنْ عَدَمِ المَرْعَى قَدْ اقْرَعَبَّا 6 - تبًّا لأَصْحَابِ الشَّويِّ تَبَّا ¬
1 - قوله: "جدبّا" بتشديد الباء، وهو نقيض الخصب، وقوله: "أخصبا" بتشديد الباء؛ ماضٍ من الخصب. 2 - و "الدّبّا" بفتح [الدال] (¬1) والباء الموحدة، وهي صغار الجراد، وأراد بـ "المتون": ظهور الأرض، قوله: "دبّا": من الدبيب، والألف فيه للإطلاق، قوله: "بمور" بضم الميم وسكون الواو وفي آخره راء، وهو الريح والغبار. 3 - قوله: "سبسبَّا" بسينين مهملتين بين بائين موحدتين، وهو القفر الذي لا شيء فيه، قوله: "اسلحبَّا": من اسلحباب النار، وهو انتشارها في القصب، أو الحلفاء، أو التبن. 5 - قوله: "البويزل": مصغر بازل وهو من الإبل ما فطر نابه، و "الأرْزَبّ" بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي، ومعناه: الشديد، قوله: "اقرعبّا" معناه: تقبض من الهزال (¬2). قوله: "تبًّا" أي: خسرانًا وهلاكًا لأصحاب الشويّ، أراد: أصحاب الشاء؛ لأنها أقل احتمالًا للشدة. الإعراب: قوله: "لقد" اللام للتأكيد، وقد للتحقيق، و "خشيت": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "أن أرى" في محل النصب على المفعولية، وأرى من رؤية البصر، فلهذا اقتصر به على مفعول واحد، وهو قوله: "جدبَّا"، قوله: "مثل الحريق" هكذا هو في رواية [لسيبويه. وفي رواية أبي علي: "أو كالحريق" بالعطف على ما ذكرنا، وانتصاب مثل هذا على رواية] (¬3) سيبويه على أنه حال من ضمير السيل الذي في: اسلحب، أي: هذا الجراد في انتشاره وسرعة مرِّه كالسيل إذا امتد وانتشر سريعًا مثل الحريق، أي: النار في القصب والتبن والحلفا. ويجوز أن يكون انتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: اسلحب اسلحبابًا مثلَ الحريق، أي: مثل اسلحباب الحريق في الأشياء المذكورة، قوله: "وافق القصبا": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت حالًا من الحريق. الاستشهاد فيه: في تضعيف الباء في: "جدبَّا"، وكان القياس أن يقال: جدبًا، لكنه لا اضطر شددها، وللتضعيف في مثل هذا شروط: ¬
الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين والألف
الأول: ألا يكون في آخره همزة. والثاني: ألا يكون معتلًّا. والثالث: أن يكون بعد متحرك. والرابع: أن لا يكون منصوبًا منونًا. فلذلك قيل: إن قوله: "جدبَّا" ضرورة، وأما قوله: "القصبَّا" فالقياس فيه أن يقال: القصب؛ لكنه اضطر فحرك في الوصل ما كان ساكنًا، وترك التضعيف على حاله في الوقف تشبيهًا للوصل بالوقف في حكم التضعيف. فافهم. الشاهد السادس والعشرون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) فلوْ أَنَّ الأطِبَّا كانُ حَوْلِي ... ............................ أقول: ذكره ابن عصفور (¬3)، وغيره (¬4)، ولم أر أحدًا عزاه إلى قائله، وتمامه: ...................... ... وكان مع الأطبَّاءِ الأُساة وبعده بيت آخر وهو: إذًا مَا أَذْهَبُوا وَجْدًا بقَلْبِي ... وإِنْ قيلَ الأُسَاةُ هُمُ الشُّفَاةُ وهما من الوافر. قوله: "الأطباء": جمع طبيب، و "الأساةُ" بضم الهمزة؛ جمع: آسٍ، وهو الجراح، قال الجوهري: الآسي: الطبيب، والجمع: أساة مثل: رام ورماة (¬5). الإعراب: قوله: "فلو أن" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، ولو للشرط، و "أن" في محل الرفع على ¬
الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين والألف
الفاعلية؛ لأن التقدير: لو ثبت أن الأطباء، و "الأطبا": اسم أن، وخبرها هو قوله: "كانُ بضم النون، أصله: كانوا، وقوله: "حولي": كلام إضافي ظرف، قوله: "وكان" عطف علي قوله: "كانُ"، وقوله: "الأساة": اسمه، و "مع الأطباء": خبره، وقوله: "إذًا ما أذْهبُوا" جواب لو فافهم. الاستشهاد فيه: في قوله: "كانُ" بضم النون، فإن أصله: كانوا حولي، فحذفت الواو اكتفاء بضم النون وفيها استشهاد آخر وهو أنه قصر الممدود وهو قوله: "الأطبا"، فإن أصله: الأطباء بالهمزة لأنه جمع طبيب، وفعيل يجمع على أفعلاء كما بين في موضعه. الشاهد السابع والعشرون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) مَنْ يأُتمِرْ لَلْخير فيما قصَدُهْ ... يُحْمَدْ مَسَاعِيهِ ويُعْلَمْ رَشَدُهْ أقول: لم أقف على اسم راجزه. قوله: "من يأتمر" أي: من يباشر الخير فيما قصده تحمد مساعيه، وهو جمع مسعى بمعنى السعي، و "الرشد" بفتحتين؛ التهدي إلى طريق الصواب. الإعراب: [قوله] (¬3) "من" شرطية، و "يأتمر": جملة وقعت فعل الشرط، وقوله: "يحمد مساعيه جواب الشرط فلذلك جزم، وقوله: "للخير" يتعلق بقوله: "يأتمر"، و"ما" في: "فيما موصولة، و "قصده" جملة صلتها. [قوله] (¬4): "ويعلم" بالجزم -أيضًا- عطف على يحمد، وكلاهما مجهول، وقول "مساعيه، ورشده" كلامان إضافيان وقعا مفعولين نائبين عن الفاعل. الاستشهاد فيه: في قوله: "فيما قصدُهْ" بضم الدال؛ فإن قصده في الأصل بفتح الدال؛ لأنه فعل ماض. ¬
الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين والألف
قصد يقصد قصدًا، ولكنه لما وقف عليه نقل حركة الهاء إلى الدال وهي متحركة، وقد أجيب عن هذا بأنه يحتمل أن يكون أصله: قصدوه بواو الجمع حملًا على معنى من، ثم حذف الواو اكتفاء بالكسرة؛ كما في قوله: ................ كانُ حولي ... .................. في البيت السابق (¬1). الشاهد الثامن والعشرون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ألامَ يقولُ الناعيانِ ألا مَهْ ... ألا فَانْدُبَا أَهْلَ النَّدا والكَرَامَهْ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل، والبيت مصرع. قوله: "الناعيان": تثنية ناعٍ وهو الذي يأتي بخبر الميت، وأراد بـ" الندا" الفضل والعطاء. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، قوله: "م" أصلها: ما، وهي في محل الرفع على الابتداء، واعلم أنه لا ضرورة في حذف الألف هاهنا؛ لأن بقاءها لا يضر الوزن على ما لا يخفى، ولا هي مجرورة بحرف الجر حتى تحذف. وقوله: "يقول" فعل، و "الناعيان": فاعله، والجملة في محل الرفع على الخبرية، وقوله: "ألا" أيضًا للتنبيه، وقوله: "فاندبا": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "أهل الندا": كلام إضافي مفعوله، وقوله: "والكرامة": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "ألا مه" فإن الألف فيه قد حذفت في "ما" الاستفهامية مع أنها غير مجرورة، وذلك لأجل الضرورة؛ لأنه أراد أن يصرع البيت، فلم يمكنه ذلك إلا بإدخال هاء السكت في آخرها. وقد علم أنه إنما يجب حذف ألف "ما" الاستفهامية إذا جرت، وتبقى الفتحة دليلًا عليها؛ كما في قولك: فيمَ وإلامَ، ومنه قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] أصله: عن ما يتساءلون، فأدغمت ¬
الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين والألف
النون في الميم وحذفت الألف فصار: عمّ، وعلة حذف الألف: الفرق بين الاستفهام والخبر. فلهذا حذفت في نحو: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43]، {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35]، {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، وثبتت في: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14]، {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة: 4]، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. فإن قيل: قد قرأ عكرمة، وعيسى (¬1): (عمَّا يتساءلون). قلت: هذا نادر (¬2). الشاهد التاسع والعشرون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) عَلَى ما قامَ يَشْتِمُنِي لئيمٌ ... كخِنْزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، يقوله لبني عائذ بن عمرو بن مخزوم، ونسبه بعضهم لجرير وهو غلط، وهو من قصيدة دالية، من الوافر، وأولها هو قوله (¬5): 1 - فإنْ تَصْلُحْ فإنكَ عائِذِيٌّ ... وصُلحُ العائذِي إلى فسادِ 2 - وإنْ تَفْسُدْ فما أُلْفِيتَ إلَّا ... بَعِيدًا مَا عَلِمْتَ منَ السَّدادِ 3 - وتَلْقَاهُ على ما كان فِيهِ ... مِنَ الهَفَوَاتِ أوْ نُوكِ الفُؤَادِ 4 - مُبِينَ الغَيِّ لا يَعْيَا عليهِ ... ويَعْيَا بَعْدُ عنْ سُبُلِ الرَّشَادِ ¬
5 - على ما قام ......... ... ................. إلى آخره ويروى: "ففيم تقول يشتمني لئيم"، قوله: "كخنزير" تعريض بكفره، أو بقبح منظره، فلذلك خص الخنزير، لأنه مسيخ قبيح المنظر سمج الخلق أكّال للعذرات، قوله: "تمرغ في رماد": تتميم لذمه لأنه يُدَلِّكُ خلْقَه بالشجر، ثم يأتي للطين والحمأة فيتلطخ بهما، وكلما تساقط منه عاد فيهما. قال الجاحظ: والعين تكره الخنزير دون سائر المسوخ، لأن القرد وإن كان مسيخًا فهو مستملح، وأما الفيل فهو عجيب ظريف نبيل بهي، وإن كان سمجًا قبيحًا (¬1)، ويروى: "في دمان" موضع رماد. قال أبو الحجاج؛ وقد غلط في هذا البيت قوم من منتحلي الأدب فروى بعضهم: في دمال، وبعضهم: في دمان، مكان "رماد" لما جهلوا ما يتصل به (¬2). قوله: "أو نوك الفؤاد" بضم النون وسكون الواو وفي آخره كاف، وهو الحمق. الإعراب: قوله: "على ما قام" كلمة "على" هاهنا للتعليل؛ يعني: لأجل أي شيء يشتمني لئيم؛ كما في قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي: لهداية اللَّه إياكم. وكلمة: "ما" استفهامية؛ لأن المعنى: لأي شيء كما ذكرنا، وقال ابن جني: لفظة: "قام" هاهنا زائدة، والتقدير: على ما يشتمني لئيم، وقال ابن يسعون: وليس كذلك عندي؛ لأنها تقتضي النهوض بالشتم والتشمير له والجد فيه. وقوله: "يشتمني": جملة من الفعل والمفعول، وقوله: "لئيم" فاعله، قوله: "كخنزير" الكاف للتشبيه، وخنزير مجرور به، قوله: "تمرغ": جملة من [الفعل والفاعل] (¬3) في محل الجر؛ لأنها صفة لخنزير، وقوله: "في رماد" يتعلق بتمرغ. الاستشهاد فيه: في قوله: "على ما قام" حيث أثبت ألف "ما" الاستفهامية المجرورة غير المركبة؛ لأجل الضرورة، ومن ذلك عد بعضهم قوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِي} [يس: 27]. ¬
الشاهد الثلاثون بعد المائتين والألف
الشاهد الثلاثون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) يَا أسَدِيًّا لِمْ أَكَلْتَهُ لِمَهْ ... ............................. [أقول: لم أقف على اسم راجزه، قال أبو الفتح في شرح ديوان المتنبي: يقال: لمَ فعلت؟ ولم فعلت؟ قال الراجز: يا فَقْعَسِي لِمْ أكلته لِمَهْ ... لو خافك اللَّه عليه حرمه وذكر بعض الفضلاء أن الضمير المنصوب في قوله: "لم أكلته" يرجع إلى الكلب؛ يعني كلبًا أكله هذا الإنسان، فقال: لو خافك اللَّه، فأجاز على اللَّه -سبحانه الخوف- تعالى اللَّه عن ذلك-، وعلى هذا عادة الجهلاء من العرب مما يجوزون أن يوصف به اللَّه -تعالى- مما لا يجوز أن يوصف به؛ كما قال قائلهم (¬3): لا هُمَّ إن كنتَ الذي كَعَهْدِي ... ولمْ تُغَيّرْكَ الأُمورُ بعدي فجعله -تعالى- مما يجوز عليه التغير وتعاقب الأمور -تعالى اللَّه عن ذلك-، ومنهم من خرجه تخريجًا حسنًا يسلم هذا الشاعر من هذه الغلطة، وهو أنه يخاطب الفقعسي ثم عدل عن خطابه إلى خطاب اللَّه تعالى على عادة لهم في ذلك مشهورة، فقال: لو خافك اللَّه، وأراد: يا أللَّه، فحذف حرف النداء؛ كما في قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: 46] أي: يا يوسف. والمعنى: لو خافك يا أللَّه على نفسه من أن تعاقبه على جرمه لحرم هذا المأكول الذي حرمته ولم يقربه، وضمير الهاء في: "عليه" يرجع إلى الفقعسي؛ كما يقال: أخاف فلانًا على نفسي، وضمير الهاء في "حرمه" يرجع إلى المأكول؛ فالضميران مختلفان وباختلافهما يتم المعنى الذي قصده، ووقع في كتاب ابن أم القاسم: يا أسديًّا، والأسدي: المنسوب إلى بني أسد، والفقعسي: المنسوب إلى بني فقعس. وإعرابه ظاهر] (¬4). ¬
الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "لم أكلته" حيث جاءت ميم "لَمَ" ساكنة، وأصلها: لما، "وما" استفهامية دخل عليها حرف الجر فحذفت الألف؛ لما مر في الأبيات السابقة، ثم سكنت الميم للضرورة. الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائتين والألف (¬1) أتوا ناري فقلت منون أنتم ... .............................. أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد الحكاية (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "منون أنتم" حيث ألحق الواو والنون بها في الوصل، وهو شاذ، وقد مر الكلام فيه هناك بتحقيق، واللَّه أعلم (¬3). الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) ومهمهٍ مُغْبَرَّةٍ أرْجَاؤُهُ ... كأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سماؤُهُ أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس. قوله: "ومهمه" أي: مفازة، ويجمع على: مهامه، قوله: "مغبرة": من اغبر الشيء إذا تلون بالغبرة، وهو لون شبيه بالغبار، قوله: "أرجاؤه" أي: أطرافه؛ جمع رجا بالقصر، قوله: "كأنَّ لَوْنَ أَرْضِهِ سماؤُهُ". وأراد: كأن لونَ سمائه من غبرتها لون أرضه، فعكس التشبيه للمبالغة، وهي الاعتبار اللطيف. الإعراب: قوله: "ومهمه" أي: رب مهمه؛ يصف مفازة، قوله: "مغبرة" بالجر صفة مهمه، وإنما أنث الصفة وإن كان الموصوف مذكرًا باعتبار تأنيث فاعله، وذلك لأن أرجاءه فاعل لمغبرة. ¬
الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين والألف
قوله: "كأن" من الحروف المشبهة بالفعل وضعت للتشبيه، وقوله: "لون أرضه": كلام إضافي اسمه، قوله: "سماؤه" بالرفع خبره، وقد قلنا إنه من عكس التشبيه، والتقدير: كأن لون سمائه لون أرضه. الاستشهاد فيه: في ثبوت صلة الضمير في قوله: "أرجاؤه وسماؤه" وهي الواو التي تلفظ بعد الهاء، وذلك لأجل الضرورة في الوزن، وإلا فالأصل في الوقف على هاء الضمير إذا كانت مضمومة (¬1)، أو مكسورة أن تحذف صلتها؛ كما قد علم في موضعه. الشاهد الثالث والثلاثون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) واللَّهَ أَنْجَال بِكفَّيْ مَسْلَمَتْ ... ............................. أقول: لم أقف على اسم قائله، وبعده (¬4): ............................ ... مِنْ بَعْدِ مَا وبعدِ ما وبعْدمَتْ صَارَتْ نُفُوسُ القَوْمِ عند الغَلْصَمَتْ ... وَكَادَتِ الحُرَّةُ أن تُدْعَى أَمَتْ قوله: "بعدمت" أي: بعد ما، فأبدل من الألف هاء، ثم أبدل الهاء تاء لتوافق بقية القوافي، و "الغلصمت": رأس الحلقوم، وهو الموضع الناتئ في الحلق. الإعراب: قوله: "واللَّه": مبتدأ، و "أنجاك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل الرفع على الخبرية، والباء في "بكفي" يتعلق بها. ¬
الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "مسلمت" حيث وقف عليها بالتاء، والقياس بالهاء. الشاهد الرابع والثلاثون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) تَجَاوَزْتُ هِنْدًا رَغْبَةً عنْ قِتالِه ... إلى مَلِكٍ أعشُو إلى ضَوْء نارِهِ أقول: [لم أقف على اسم قائله] (¬3)، وقد أنشد الإمام ناصر الدين شارح الألفية لابن معطٍ هذا البيت هكذا (¬4): 1 - تَجَاوَزْتُ هِنْدًا رَغْبَةً عنْ قِتالِهِ ... إِلَى مَلِكٍ أعْشُو إِلَى ذِكْرِ مَالِكِ 2 - وَأَيْقَنْتُ أنِّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِدٌ ... غَدَاةَ إذَنْ أَوْ هَالِكٌ فيِ الْهَوَالِكِ وهما من الطويل. 1 - قوله: "هندًا" أراد به: اسم رجل فلذلك صرفه، وأعاد الضمير إليه بالتذكير، قوله: "أعشو" بالعين المهملة؛ من عشا يعشو عشوًا، وهو أن يستضيء ببصر ضعيف أو بضوء ضعيف في ظلمة. وقال ابن دريد: العشو: مصدر عشوت إلى ضوئك أعشو عشوًا إذا قصدتك بليل ثم صار كل قاصد شيئًا عاشيًا (¬5). وقال صاحب كتاب العين: العشو إتيانك نارًا ترجو عندها هدي أو خيرًا (¬6)، وقال ابن الأعرابي: فلان يعشو إلى فلان إذا أتى يطلب ما عنده. ¬
الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين والألف
الإعراب: قوله: "تجاوزت": جملة من الفعل والفاعل، و "هندًا": مفعوله، و "رغبة": نصب على التعليل، قوله: "إلى ملك" يتعلق بقوله: "تجاوزت"، قوله: "أعشو": جملة وقعت حالًا، قوله: "إلى ضوء" يتعلق بأعشو. الاستشهاد فيه: في ثبوت الهاء في قوله: "قتاله" وقوله: "ناره" عند الوقف؛ لأجل الضرورة، وإلا فالأصل أن هاء الضمير إذا وقف عليها وكانت مكسورة أو مضمومة أن تحذف صلتها؛ كما تقول: مررت به. الشاهد الخامس والثلاثون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) أَنَا ابنُ ماويَّةَ إِذْ جَدَّ النَّقُرْ ... .......................... أقول: قائله هو بعض السعديين؛ كذا قاله سيبويه (¬3)، وقال الصاغاني في العباب: قائله فدكي بن أعبد المنقري، ويقال: هو لعبيد اللَّه بن ماوية الطائي (¬4)، وكذا قاله الجوهري (¬5)، وبعده (¬6): ......................... ... وَجَاءَتِ الخَيْلُ أَثَابيَّ زُمَرْ وهو من الرجز. قوله: "أنا ابن ماوية" [ماوية] (¬7) اسم امرأة، ويمكن أن يجعل لقبًا تنبيهًا على نقاء عرضها وكرم أصلها؛ لأن الماوية: المرآة الصافية، وقيل: حجر البلور. قوله: "إذ جد النقر" بفتح النون وضم القاف، وهو صوت اللسان؛ قال صاحب العين: وهو إلصاق طرفه بمخرج النون ثم يصوت به فينقر الدابة لتسير، قال: ولتسكن أيضًا (¬8)، قال الجوهري: قدْ نقَرْتُ بالفرس نقرًا، وهو صُوَيْت تُزْعِجُهُ به، وذلك أن تُلْصِقَ لسانك بحَنَكِكَ ثم ¬
الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين والألف
تفتح (¬1)، وقال كراع: والنقر أيضًا أن تحتفر الخيل بحوافرها، وقال ابن يسعون (¬2): وروى غير سيبويه: إذا جد النفر بفتح النون والفاء، قوله: "أثابي" بفتح الهمزة والثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة؛ جمع ثبة، وهي الجماعة، وهو منصوب على الحال. الإعراب: قوله: "أنا" مبتدأ، وخبره قوله: "ابن ماوية"، قوله: "إذ" ظرف بمعنى حين، قوله: "جد النقر": جملة من الفعل والفاعل. الاستشهاد فيه: في قوله: "جد النقر" فإن القياس فيه: النَقْر، بفتح النون وسكون القاف، ولكن لما وقف نقل حركة الراء إلى القاف؛ إذ كان ساكنًا؛ ليعلم السامع أنها حركة الوقف في الوصل؛ كما تقول: هذا بكر ومررت ببكر، ولا يكون ذلك في النصب، قال ابن يسعون: أراد النقر بالوقف فالتقى ساكنان وحرك القاف بالحركة التي هي الضمة الواجبة له في حال الوصل، وإنما فعلوا ذلك لوجهين: أحدهما: الخوف على حركة الإعراب أن يستهلكها الوقف. والوجه الآخر: الاستراحة من اجتماع ساكنين. الشاهد السادس والثلاثون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلامُ ... فما إِنْ يُقَالُ لهُ مَنْ هُوَهْ أقول: قائله هو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، حكى ابن الكلبي عمن حدثه من أشياخ الأنصار أن السِّعلاة لقِيَتْ حسانَ بنَ ثابت - رضي الله عنه - في بعض أزِقَّة المدينة فَصَرَعَتْهُ وقعدتْ على ¬
صدره، وقالت: أنت الذي يؤمل قومُكَ أن تكون شاعرَهم، قال: نعم، قالت: والله لا يُنْجِيكَ منِّي إلا أن تقولَ ثلاثة أبيات على رويٍّ واحد، فقال حسان: إذَا مَا تَرَعْرَعَ ......... ... ........................ إلخ قالت: ثَنِّه، فقال: إذَا لَمْ يَسُدْ قبل شَدِّ الإزارِ ... فذَلِكَ فِينَا الَّذِي لَا هُوَهْ فقالت: ثلِّثه، فقال: وَلِيَ صاحبٌ مِنْ بني الشَّيْصَبَانِ ... فحينًا أَقول وحينًا هُوَهْ (¬1) وهي من المتقارب وفيه الحذف. وقال الأثرم: أخبرني علماء الأنصار أن حسان بن ثابت بعد ما ضُرَّ بصرُهُ مرَّ بابن الزِّبَعْرَى وعبد اللَّه بن أبي طلحة بن سهل بن الأسود بن حَرَام ومعه ولدُه يقوده، فصاح به ابن الزِّبَعْرَى بعد ما ولى: يا أبا الوليد من هذا الغلام؟ فقال حسان بنُ ثابت الأبيات الثلاثة. وهي من الوافر (¬2). قوله: "ترعرع" أي: قارب الحلم، قال الأصمعي: إذا احتلم الصبي، قيل: محتلم وحالم، وعند ذلك يقال: قد ترعرع، وهو غلام رعرع، وقال بعضهم: الحزَوّر واليافع والمترعرع واحد، قوله: "الشيصبان": هي قبيلة من الجن. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وكلمة: "ما" زائدة، و "ترعرع": فعل ماض، و "الغلام": فاعله، والجملة وقعت فعل الشرط، قوله: "فينا" أي: بيننا، قوله: "فما إن يقال": جواب الشرط، وكلمة: "ما" نافية، و "إن" زائدة؛ كما في قوله: فَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ ..... ... ....................... إلخ وقوله: "من": مبتدأ، و "هو": خبره، والجملة مقول القول. ¬
الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين والألف
[الاستشهاد فيه: في قوله: "هوه"] (¬1)؛ حيث أدخل الشاعر فيه هاء السكت؛ كما في قوله تعالى: {مَا هِيَهْ} [القارعة: 10]، {مَالِيَه} [الحاقة: 28]، {سُلطَانِيَهْ} [الحاقة: 29]. الشاهد السابع والثلاثون بعد المائتين والألف (¬2) كَمْ بِهِ مِنْ مَكْو وحَشِيَّةٍ ... قِيظ فِي مُنْتَثلِ أَوْ شِيَامْ (¬3) ¬
شواهد التصريف
شواهد التصريف الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) جاءوا بِجَيْشٍ لَوْ قِيسَ مُعْرَسُهُ ... ما كان إلا كَمُعْرَسِ الدُّئِلِ أقول: قائله هو كعب بن مالك الأنصاري (¬3)، يصف به جيش أبي سفيان حين غزا المدينة بالقلة والحقارة. قوله: "لو قيس" أي: لو قدر؛ من قاس يقيس، قوله: "معرسه" بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الراء وبالسين المهملة، وهو المنزل الذي ينزل به الجيش. والمعنى: لو قدر مكانه عند تعريسهم كان كمكان الدئل عند تعريسها، و "الدئل" بضم الدال وكسر الهمزة وفي آخره لام، وهي دويبة صغيرة شبيهة بابن عرس. الإعراب: قوله: "جاءوا": جملة من الفعل والفاعل، قوله: "بجيش": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، قوله: "لو قيس" لو: كلمة الشرط، "وقيس": فعل مجهول، و "معرسه": مفعول ناب عن الفاعل، والجملة فعل الشرط، قوله: "ما كان إلا" جواب الشرط. ¬
الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "الدئل" فإنه بضم الدال وكسر الهمزة، وذهب الجمهور إلى أن هذا الوزن مهمل؛ لاستثقال الانتقال من ضم إلى كسر، وإن كان أخف من عكسه (¬1)، وذهب جماعة إلى أنه مستعمل لكنه قليل، واحتجوا بالبيت المذكور (¬2). الشاهد التاسع والثلاثون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) ألا مَنْ مُبْلِغُ حَسَّانَ عنِّي ... مُغَلْغَلةً تَدُبُّ إِلى عُكَاظِ أقول: قائله هو أمية بن خلف الخزاعي، يهجو حسان بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وبعده: 1 - أليس أبوك فينا كان قَيْنًا ... لدى القَيْنَاتِ فسَلًا في الحِفَاظِ 2 - يمَانِيًّا يظَلُّ يشُدُّ كِيرًا ... وينفُخُ دائبًا لهَبَ الشُّواظِ فأجابه حسان - رضي الله عنه - (¬5): 1 - أتانِي عنْ أُمَيَّةَ ذَرْوُ قَوْلٍ ... وما هُوَ بالمَغِيبِ بذِي حِفَاظِ 2 - سأنشُرُ إنْ بَقِيتُ لكم كلامًا ... يُنَشَّرُ في المَجامعِ مِنْ عُكاظِ 3 - قوافَي كالسِّلامِ إذا استَمَرَّتْ ... مِنَ الصُّمِّ المعجْرَفَةِ الغِلاظِ 4 - تَزُورُكَ إنْ شتَوْتَ بكل أرضٍ ... وتَرْضَخُ في محلِّك بالمَقَاظِ 5 - بَنَيْتُ عليكَ أبْيَاتًا صِلابًا ... كأمر الوسْقِ يقفص بالشِّظاظِ 6 - مُجَلِّلَةً تعممه شَنَارًا ... مُضَرَّمَةً تأجَّجُ كالشِّواظِ 7 - كهَمْزَةِ ضَيْغَمٍ يَحْمِي عَرِينًا ... شَدِيدِ مَغَازِرِ الأَضْلاعِ خَاظِي ¬
8 - تَغُضُّ الطّرْفَ أنْ ألقَاكَ دُونِي ... وتَرْمِي حينَ أُدْبِرُ باللِّحاظِ (¬1) [شرح أبيات أمية] 1 - قوله: "مغلغلة" بضم الميم وفتح الغينين المعجمتين وباللامين أولاهما ساكنة، يقال: رسالة مغلغلة إذا كانت محمولة من بلد إلى بلد، قوله: "تدب": من دب على الأرض يدب دبيبًا، و "عكاظ" بضم العين المهملة وتخفيف الكاف، وهو اسم سوق من أسواق الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بها كل سنة ويتفاخرون ويتناشدون. 2 - و "القين" بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون، وهو الحداد، و "الفسل" بفتح الفاء وسكون السين المهملة، وهو الرذل من الرجال، وكذلك المفسول. 3 - و: "الشواظ" بضم الشين وكسرها؛ اللهب الذي لا دخان فيه. [شرح أبيات حسان] 1 - قوله: "ذرو قول" أي: طرف منه ولم يتكامل، وهو بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وفي آخره واو، و "الحفاظ" بكسر الحاء؛ المحافظة على العهد والوفاء بالعفو والتمسك بالود. 3 - قوله: "كالسلام" بكسر السين، وهو الحجارة، و "المعجرفة": الشديدة الغليظة. 4 - قوله: "شتوت" أي: دخلت في الشتاء، قوله: "ترضخ" أي: تعطي، و "المقاظ" بفتح الميم؛ موضع القيظ، وهو شدة حر الصيف. 5 - و "الوسق" بفتح الواو؛ هو حمل البعير أو الحمار، قوله: "يقفص" أي: يشد، ومادته: قاف وفاء وصاد مهملة، وأصله: من قفصت الظبي إذا شددت قوائمه وجمعتها، و "الشظاظ" بكسر الشين المعجمة؛ خشبة عقفاء محددة الطرف تجعل في عروتي الجوالقين إذا عكما على البعير، وهما شظاظان. 6 - قوله: "شنارًا" بفتح الشين المعجمة والنون، أي: عيبًا وعارًا، قوله: "مضرمة" من ضرمت النار تضرم ضرمًا، وهو التهابها سريعًا، قوله: "تأجج": من أججت النار إذا اشتد حرها وتوهجها. 7 - و "الهمزة" بالزاي؛ العضة، و "الضيغم": الأسد، قوله: "يحمي" أي: يحرس، ¬
الشاهد الأربعون بعد المائتين والألف
و"العرين": مأوى الأسد الذي فيه أولاده، قوله: "خاظي" بالمعجمتين؛ من خظي لحمه أي اكتنز. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، قوله: "مَنْ" استفهامية في محل الرفع على الابتداء، و "مبلغ": خبره، و"حسان" منصوب على الفعولية، و "عني" يتعلق بمبلغ، و "مغلغلة": مفعول مبلغ أيضًا، قوله: "تدب": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى مغلغلة، و "إلى عكاظ" يتعلق بها، والجملة في محل النصب على أنها صفة لمغلغلة] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "حسان" فإن الشاعر منعه من الصرف، وذلك يدل على زيادة نونه (¬2). الشاهد الأربعون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) أمهتي خِنْدِفٌ وإلياسُ أَبِي ... ................................ أقول: قائله هو قصي بن كلاب بن مرة أحد أجداد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبله: إِنِّي لَدَى الحَرْبِ رَخِيُّ اللَّبَبِ ... عِنْدَ تَنَادِيهِمْ بِهَالِ وَهَبِى وبعده: حَيْدَةُ خَالِي ولَقِيطٌ وعَلِي ... وحَاتِمُ الطائِيُّ وَهَّابُ المِئِي (¬5) ¬
قوله: "خندف" بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وكسر الدال وفي آخره فاء، وهي أم مدركة زوجة إلياس، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحارث (¬1) بن قضاعة، واشتقاق خندف من الخندفة، وهو مشي فيه سرعة وتقارب خطى، والنون زائدة، وعن الخليل: أن الخندفة مشي كالهرولة للنساء خاصة دون الرجال (¬2)، وإلياس هو ابن مضر بن نزار، وهو بفتح الياء آخر الحروف وبالهمزة، ويقال: إلياس بكسر الهمزة موافقًا لاسم إلياس النبي - عليه السلام -. وقال السهيلي: ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنًا" (¬3)، وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج. الإعراب: قوله: "إني" الضمير المتصل اسم إن، وخبره قوله: "رخي اللبب"، وقوله: "لدى الحرب": كلام إضافي ظرف، قوله: "أمهتي" مبتدأ، وخبره قوله: "خندف"، وكذلك قوله: "وإلياس" مبتدأ، وخبره قوله: "أبي". الاستشهاد فيه: في قوله: "أمهتي" حيث أظهر فيه الهاء، وهو على الأصل، وذلك لأن أصل أم: أمهة، ولذلك يجمع على: أمهات، ويقال: الأمهات للناس، والأُمَّات للبهائم (¬4). ¬
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائتين والألف
الشاهد الحادي والأربعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) إذا جَاوَزَ الإثْنَيْن سِرٌّ فَإِنَّهُ ... ........................... أقول: قائله هو قيس بن الخطيم، وتمامه (¬3): ....................... ... بنشرٍ وإفشاء الحديث قمينُ ويروى: ........................ ... بِنَثٍّ وتَكْثِيرُ الحَدِيثِ قَمِينُ وبعده: 2 - وإنْ ضَيَّعَ الإخْوانُ سِرًّا فإنَّنِي ... كَتُومٌ لأسْرَارِ العَشِيرِ أمِينُ 3 - يَكُونُ لَهُ عِندِي إذَا مَا ضَمِنْتُهُ ... مَكَانٌ بِسَوْدَاءِ الفُؤَادِ مَكينُ [وهي من الطويل] (¬4). قوله: "وإفشاء"، أي: إظهار الحديث، قوله: "قمين" أي: جدير بذلك، يقال: قمين وقمن، أي: خليق بذلك وحري، قوله: "نثيث" بفتح النون وكسر الثاء المثلثة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة وفي آخره ثاء مثلثة -أيضًا- ويروى: "بِنَثٍّ" بالباء الجارة وفتح النون وتشديد الثاء المثلثة؛ من نث الحديث ينثه بالضم نثًّا إذا أفشاه. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "جاوز" فعل، و "سر": فاعله، و "الإثنين" مفعوله، والجملة وقعت فعل الشرط، قوله: "فإنه": جملة وقعت جواب الشرط، والضمير يرجع إلى السر، وهو اسم إن، وخبره هو قوله: "قمين"، وقوله: "بنشر" يتعلق به، قوله: "وإفشاء الحديث" [كلام إضافي] (¬5) عطف عليه. ¬
الشاهد الثاني والأربعون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في إثبات همزة الوصل في الدرج للضرورة؛ لأن ذلك لا يجوز في حالة الاختيار. فافهم (¬1). الشاهد الثاني والأربعون بعد المائتين والألف (¬2) لا نسب اليوم ولا خلة ... إتسع الخرق على الراقع أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد "لا" التي لنفي الجنس (¬3). الاستشهاد فيه: في قوله: "إتسع" حيث أثبت فيه همزة الوصل في الدرج للضرورة، ومثل هذا يقع كثيرًا في أوائل أنصاف الأبيات (¬4). الشاهد الثالث والأربعون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) وهلْ لِي أُمٌّ غيرُها إنْ ذكرْتُهَا ... أَبَى اللَّهُ إلَّا أنْ أكونَ لها ابْنَمَا أقول: قائله هو المتلمس (¬7)، واسمه جرير بن عبد المسيح، وهو من قصيدة ميمية من الطويل، وأولها هو قوله (¬8): ¬
الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين والألف
1 - يُعَيِّرُنِي أُمِّي رِجَالٌ وَلَا أَرَى ... أخَا كَرَمٍ إلَّا بِأَنْ يَتَكَرَّمَا قوله: "أبى اللَّه" أي: منع أن لا أكون إلا ابنًا لها. الإعراب: [قوله: "وهل" الواو للعطف، وهل للاستفهام، وقوله: "لي أم": جملة من المبتدأ والخبر، قوله: "غيرها" بالرفع صفة لأم، قوله: "إن" للشرط، و "ذكرتها": جملة فعل الشرط، والجواب محذوف، دل عليه الكلام السابق، قوله: "أبى اللَّه" فعل وفاعل، و "أن" مصدرية، والتقدير: إلا كوني ابنًا لها؛ أي: لأمي، و "ابنما": منصوب لأنه خبر لأكون] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "ابنما" فإن أصله: ابن، زيدت فيه الميم للمبالغة؛ كما زيدت في: زرقم، وشجعم (¬2). الشاهد الرابع والأربعون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) عَلَّمَنَا إِخْوَانُنَا بَنُو عِجلْ ... شُرْبَ النَّبِيذِ واصطِفَافًا بالرِّجِلْ أقول: لم أقف عل اسم راجزه، وقال أبو عمرو: سمعت أبا سوار الغنوي ينشد: عَلَّمَنَا إِخْوَانُنَا بَنُو عِجلْ ... الشَّغْزَبَي ثُمَّ اعْتِقَالًا بالرِّجْلْ قلت: "الشغزبي": ضرب من الصراع، و "الاعتقال": أن يدخل رجله بين رجلي صاحبه حتى يصرعه، و "الاصطفاق" بالقاف في آخره، الرقص. الإعراب: قوله: "علمنا": فعل ومفعول، و "إخواننا": كلام إضافي فاعله، وقوله: "بنو عجل": كلام إضافي عطف بيان أو بدل، وقوله: "شرب النبيذ": كلام إضافي نصب على أنه مفعول ¬
الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين والألف
ثان لعلمنا، قوله: "واصطفاقًا": عطف على شرب النبيذ، و "بالرجل" يتعلق به. الاستشهاد فيه: في: "عجل، الرجل" فإن الشاعر حرك الجيم فيهما للضرورة (¬1)، وبنو عجل قبيلة تنسب إلى عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. الشاهد الخامس والأربعون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) أَأَلْحَقُ إنْ دارُ الرَّبَابِ تباعدَتْ ... أو انْبَتَّ حَبْلٌ أنّ قلبَكَ طائِرٌ أقول: قائله هو حسان بن يسار التغلبي، وبعده: 2 - أَمِتْ ذِكْرَهَا وَاجْعَلْ قَدِيمَ وِصَالِهَا ... وَعِشْرَتهَا كَبَعْضِ مَنْ لَا تُعَاشِرُ 3 - وَهَبْهَا كَشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَنَازِحٍ ... بهِ الدَّارُ أَوْ مَنْ غَيَّبَتْهُ المقَابِرُ وهي من الطويل. قوله: "الرباب" بفتح الراء بعدها باء موحدة وفي آخره باء أخرى، وهو اسم امرأة، قوله: "انبتّ" أي: انقطع؛ من البت وهو القطع، وأراد بـ "الحبل" حبل المودة، وهو الوصلة التي كانت بينهما. الإعراب: قوله: "أَأَلحق" بهمزتين: ¬
الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين والألف
الأولى: همزة الاستفهام. والثانية: همزة أداة التعريف، وارتفاع الحق على أنه مبتدأ، وخبره الجملة، أعني قوله: "أن قلبك طائر"، والعائد محذوف تقديره: أن قلبك طائر له، أي: لأجله، أي: لأجل بعد دار الرباب، قوله: "إن" للشرط، وفعل الشرط محذوف تقديره: إن تباعدت دار الرباب، و "تباعدت" المذكورة مفسرة لها، وقوله: "أو انبت حبل": جملة من الفعل والفاعل عطف على الجملة الأولى. الاستشهاد فيه: في قوله: "أألحق" فإنه سهل الهمزة الثانية بين بين، والأَوْلى إبدال الثانية ألفًا، وقد قرئ بالوجهين قوله تعالى: {قُلْءَآلذَّكَرَيْنِ} [الأنعام: 144] (¬1). الشاهد السادس والأربعون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ألَا لَا أرى إثنين أحسنَ شِيمَةً ... على حَدَثَانِ الدَّهْرِ منِّي ومِنْ جُمْلِ أقول: لم أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. و"الشيمة" بكسر الشين المعجمة؛ الخلق والطبيعة، و "حدثان الدهر": الذي يحدث فيه من النوائب والنوازل، قوله: "جمل" بضم الجيم وسكون الميم وفي آخره لام، وهو اسم امرأة. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و "لا أرى": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "إثنين" مفعوله الأول، وقوله: "أحسن" مفعوله الثاني، و"شيمة" نصب على التمييز، قوله: "على حدثان" يتعلق ¬
[بقوله: "أحسن] (¬1) شيمة"، قوله: "مني" صفة لقوله: "شيمة" فإنه أفعل التفضيل فلا بد له من أحد الأمور الثلاثة، أحدها: "من" كما عرف في موضعه (¬2)، قوله: "ومن جمل": عطف على قوله: "مني". الاستشهاد فيه: في قوله: "إثنين" حيث لم يدرج همزة الوصل فيها للضرورة، وقد علم أن همزة الوصل لا تثبت في الدرج (¬3). * * * ¬
شواهد الإبدال
شواهد الإبدال الشاهد السابع والأربعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) يا ربِّ إنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ ... فلا يَزَالُ شَاحِجٌ يأتيك بِجْ أقْمَرُ نَهَّاتٌ تنزي وفرتِجْ أقول: قائله هو رجل من اليمانيين، وقال المفضل: أنشدني أبو الغول هذه الأبيات لبعض أهل اليمن (¬3)، وهو من الرجز المسدس. قوله: "يا رب" كذا أنشده ابن مالك في شرح الشافية (¬4)، وأنشده الزمخشري: "لا هم إن كنت" (¬5)، قوله: "شاحج" بالشين المعجمة وبعد الألف حاء وجيم وهو البغل، وللجاحظ كتاب سماه: الصاهل والشاحج، يتكلم فيه على لساني الفرس والبغل، قوله: "أقمر" أي: أبيض، قوله: "نهات" بفتح النون وتشديد الهاء وفي آخره تاء مثناة من فوق، ومعناه: النهاق، قوله: "تنزي"، أي: تحرك، و "الوفرة": الشعر إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة، وهي التي ألمت بالمنكبين. الإعراب: قوله: "يا رب" يا حرف نداء، ورب: أصله: ربي حذفت الياء واكتفي بكسرة الباء، وهو ¬
الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين والألف
منادى مضاف، قوله: "إن" للشرط، قوله: "كنت قلبت حجتج": جملة وقعت فعل الشرط، وقوله: "فلا يزال": [جواب الشرط] (¬1)، و"شاحج" اسم لا يزال، وقوله: "يأتيك": جملة خبرها، وقوله: "بج": جار ومجرور في محل النصب على المفعولية، قوله: "أقمر" بالرفع لأنه صفة شاحج، وقوله: "نهات" صفة أخرى. وقوله: "تنزي": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى شاحج، وقوله: "وفرتج": كلام إضافي مفعوله، والجملة في محل الرفع على أنها صفة أخرى لشاحج. الاستشهاد فيه: في قوله: "حجتج، وبج، ووفرتج"، فإن أصلها: حجتي، وبي، ووفرتي، فأبدل من الياءات جيمًا، وقوله: "بج" بتخفيف الجيم، ومن شدد فقد غلط (¬2). الشاهد الثامن والأربعون بعد المائتين والألف (¬3) صَعْدَةٌ نَابِتَةٌ في حائِرٍ ... أينما الرِّيحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد عوامل الجزم (¬4). الاستشهاد فيه: هاهنا في قوله: "حائر" فإنه على وزن فاعل، وهو اسم للبستان وليس باسم فاعل، فيجوز فيه إبدال الياء همزة؛ كما يجوز في فاعل الذي هو اسم فاعل (¬5). ¬
الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين والألف
الشاهد التاسع والأربعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) .................... ... وكَحَّل العَيْنَيْنِ بالعوَاورِ أقول: قائله هو جندل بن المثنى الطهوي، وأوله هو قوله (¬3): 1 - غرَّكِ أنْ تَقَارَبَتْ أبَاعِرِي ... وَأَنْ رَأَيْتَ الدَّهْرَ ذَا الدَّوَائِرِ 2 - حَنَّى عِظَامِي وَأَرَاهُ ثَاغِرِي ... وَكَحَّلَ العَيْنَيْنِ بالعَوَاورِ ويروى: وَكَاحِلًا عَيْنَيَّ بالعَوَاورِ وهي من الرجز المسدس. قوله: "وكَحَّل العَينَيِنْ بالعوَاورِ" أي: جعل فيهما ما يقوم مقام الكحل لهما، وهذا على المجاز والاتساع، و "العواور": جمع عوار بضم العين وتخفيف الواو، وهو الرمد الشديد، وقيل: هو كالقذا والطعن يجده الإنسان في عينه، قوله: "أن تقاربت أباعري" يريد أن إبله قد تقاربت، أي: قربت من الدناءة؛ من قولك: شيء مقارب إذا كان دونًا، وكذلك: رجل مقارب، قيل: إنما المعنى: قرب بعضها من بعض، قوله: "حنى عظامي" أي: قوسها، قوله: "ثاغري" بالثاء المثلثة والغين المعجمة؛ من ثغرته إذا كسرت ثغرته. الإعراب: قوله: "وكحل": فعل ماض، وفاعله الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الدهر، و "العينين": مفعوله، والباء تتعلق بكحل في محل النصب على أنه مفعول ثانٍ. الاستشهاد فيه: في قوله: "العواور" فإن أصله: العواوير، فلذلك صحت الواو لبعدها من الطرف ثم حذفت ¬
الشاهد الخمسون بعد المائتين والألف
الياء وبقي التصحيح بحاله؛ لأن حذف الياء عارض (¬1). الشاهد الخمسون بعد المائتين والألف (¬2) فما برِحَتْ أقْدَامُنَا في مقامِنَا ... ثَلاثَتِنَا حتى أُزِيرُوا المَنَائِيَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد البدل (¬3). والاستشهاد فيه: [في قوله] (¬4): ["المنائيا" حيث أثبت فيه حرف العلة في الموضع الذي يجب حذفه فيه في سعة في الكلام، إجراء للمعتل مجرى الصحيح، وكان الوجه أن يقول: المنايا، ولكنه أظهر الياء للضرورة] (¬5). الشاهد الحادي والخمسون بعد المائتين والألف (¬6)، (¬7) إنَّ الخليطَ أجَدُّوا البيْنَ فَانْجَرَدُوا ... وأَخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرَ الذي وعدوا أقول: قائله هو أمية الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب (¬8)، وقد روي الشطر الأول من هذا البيت على وجوه كثيرة لأناس متعددة، فقال بسامة بن الغدير (¬9): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ وابْتَكَرُوا ... لِبَنِينَا ثُمَّ مَا عَادُوا ولا انْتظَرُوا وقال نهشل بن حري (¬10): ¬
إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فابْتَدَرُوا ... وامْتَاحَ شَوْقَكَ أجْدَاجٌ لَهَا زُمَرْ وقال ابن ميادة (¬1): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فانْدَفَعُوا ... ومَا رَبُوا قَدْرَ الأمْرِ الذِي صَنَعُوا (¬2) وقال الحسين بن مطير (¬3): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فانْقَذَفُوا ... وأمْتَعُونِي بِشَوقٍ أيَّةَ انْصَرَفُوا وقال مرة بن الرقاع (¬4): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فادّلجوا ... وهُمْ لِذَلكَ في آثَارِهِمْ لَجَجُوا وقال جرير بن عطية (¬5): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ يَوْمَ غَدَوْا ... منْ دَارَةِ الجَأْبِ إذ أحْدَاجُهُمْ زُمَرُ وقال نصيب (¬6): إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فَاحْتَمَلُوا ... ........................... وقال عمر بن أبي ربيعة (¬7): ...................... ... إنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَينَ فَاحْتَمَلُوا قوله: "الخليط" بفتح الخاء المعجمة؛ صاحب الرجل الذي يخالطه في جميع أموره، ويستوي فيه الواحد والجمع، و "البين" بفتح الباء؛ الفراق والانقطاع، قوله: "فانجردوا" [أي: ¬
اندفعوا، يقال: انجردت عنهم، أي: تركتهم وفارقتهم] (¬1). الإعراب: قوله: "الخليط" اسم إن، وقوله: "أجدوا": فعل وفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الخليط، وقد قلنا: إن الخليط يستوي فيه الواحد والجمع، وقوله: "البين" بالنصب مفعوله، والجملة خبر إن، قوله: "فانجردوا": جملة معطوفة على الجملة التي قبلها. قوله: "وأخلفوك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله: "عِدَ الأمر": كلام إضافي مفعوله، و "الذي" موصول، وقوله: "وعدوا" صلته، والعائد محذوف تقديره: الذي وعدوه. الاستشهاد فيه: في قوله: "عِدَ الأمر"، فإن أصله: وعدة الأمر، وذلك لأنه مصدر من وعد يعد وعدًا، فلما حذف الواو تبعًا لحذفها في الفعل عوض عنها التاء، فصار: عدة، ثم حذف الشاعر التاء في حال الإضافة، وهذا كثير؛ كما في قوله تعالى: {وَإِقَامِ الصَّلَاةِ} [النور: 37]، أصله: وإقامة الصلاة، ولا يختص ذلك بالنظم (¬2). ¬
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين والألف
الشاهد الثاني والخمسون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) وكَأَنَّهَا تفّاحَةٌ مَطْيُوبَةٌ ... ............................ أقول: قائله شاعر تميمي (¬3)، وتمامه (¬4): المعنى ظاهر. الإعراب: قوله: "وكأنها" الواو للعطف على ما قبله، والضمير يرجع إلى الخمر، و "تفاحة": خبر كأن، و "مطيوبة": صفتها. والاستشهاد فيه: في قوله: "مطيوبة" حيث أخرجه الشاعر عن الأصل، والقياس فيه: مطيبة؛ كما في مبيوع، فإنه يقال فيه: مبيع بالإعلال على ما بين في موضعه (¬5). الشاهد الثالث والخمسون بعد المائتين والألف (¬6)، (¬7) قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسبُونَكَ سيِّدًا ... وأخالُ أنكَ سيدٌ معْيُونُ أقول: قائله هو العباس بن مرداس، وكان فارسًا سيدًا، وقيل: إن أمه الخنساء، وهذا قول ¬
الأصفهاني (¬1)، وأنكر ذلك الكلبي، وذكر القتبي أولادها من المرداس وغيره ولم يذكر العباس، وقال الأصفهاني: لما انصرف حرب بن أمية ومرداس من حرب عكاظ مرا بالقُرَيَّةَ وهي غيضة فاشتركا فيها وأضرما فيها النار على أن يزرعاها، فسمع من الغيضة أنين وضجيج وطارت منها حيّات بيض، ولم يلبثا إلا قليلًا وماتا، وادعى كليب بن عييمة السلمي القرية فقال العباس (¬2): 1 - أكُلَيبُ ما لَكَ كلَّ يومٍ ظَالِمًا ... والظلمُ أنكدُ وجهُهُ ملعُونُ 2 - افعل بقومك ما أرادَ بوَائِلٍ ... يَوْمَ الغَدِيرِ سَمِيُّكُ المَطْعُونُ 3 - وإخَالُ أَنَّكَ سَوفَ تَلْقَى مثلَها ... فيِ صَفْحَتَيهِ سِنَانُهَا مَسْنُونُ 4 - قَدْ كَانَ قَومُكَ ......... ... ........................... وهي من الكامل. قوله: "وأخال" بمعنى: أظن، والقياس فيه فتح الهمزة، ولكن يحكى عن بني أسد كسر همزته، قوله: "معيون" بالعين المهملة؛ من عنت الرجل بعيني فأنا عائن، وهو معين على النقص، ومعيون على التمام. الإعراب: قوله: "قد" للتحقيق، و "كان" من الأفعال الناقصة، و "قومك": كلام إضافي اسمه، وقوله: "يحسبونك": جملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل النصب على أنها خبر كان، قوله: "سيدًا" مفعول ثان ليحسبونك، قوله: "وأخال": جملة من الفعل والفاعل. وقوله: "أنك" أن مع اسمه وخبره سد مسد مفعولي أخال، فالكاف اسم أن، و "سيد" خبره، وقوله: "معيون": خبر بعد خبر أو صفة لسيد، وأصله: سيود لأنه من ساد يسود، فأبدلت الواو [ياء] (¬3)، وأدغمت الياء في الياء. ¬
الشاهد الرابع والخمسون بعد الماتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "معيون" فإن القياس فيه: معين، ولكنه أخرجه على الأصل والتمام كما ذكرنا (¬1). الشاهد الرابع والخمسون بعد الماتين والألف (¬2)، (¬3) ................................ ... يومُ رذَاذٍ عليه الدجْنُ مَغيُومُ أقول: قائله هو علقمة بن عبدة التميمي، وصدره (¬4): حَتى تَذَكَّرَ بَيضَاتٍ وَهَيجَهُ ... ................................ وهو من قصيدة طويلة من البسيط، وأولها هو قوله: 1 - هل ما علِمتَ ومَا استودِعْتَ مكتومُ ... أمْ حَبلُهَا إذْ نَأَتْكَ اليوم مَصْرُومُ؟ 2 - أمْ هلْ كَبِيرٌ بكَى لم يقضِ عَبرَتَهُ ... إثْرَ الأحِبَّةِ يومَ البينِ مَشْكُومُ إلى أن قال: 3 - يَظَل في الحَنْظَلِ الخُطْبَان يَنْقُفُهُ ... ومَا اسْتَطَفَّ مِنَ التنومِ مخْدومُ 4 - فُوهٌ كشِقِّ العَصَا لأْيًا تَبَينهُ ... أسَكُّ ما يَسمَعُ الأصْوَاتَ مَصلُومُ 5 - حتى تذكر ............... ... .................. إلى آخره 6 - فلا تَزيدُهُ في مَشْيِه نَفِقٌ ... ولا الزفِيفُ دُوَين الشدِّ مسؤُومُ 1 - [قوله] (¬5): "هل ما علمت إلى آخره" أي: من حبها مكتوم عندها أم منتشر؟ و"حبلها": وصلها، قوله: "نأتك" أي: بعدت منك، و: "مصروم" أي: منقطع. 2 - قوله: "لم يقض عبرته" أي: لم يشتف من البكاء لأن في ذلك راحة، و"العَبرة": ¬
الدمعة، وأراد بالكبير قيس بن الخطم، قوله: "إثر الأحبة" أي: عند فراق الأحبة، و "البين" الفراق، و "مشكوم" بالشين المعجمة، معناه: مثاب مكافأ. 3 - قوله: "يظل" أي: الظليم يظل في الحنظل الخطان، قال الأصمعي: إذا صار للحنظل خطوط تضرب إلى السواد ولم يدخله بياض ولا صفرة فهو الخطان، والواحدة: خطبانة (¬1). قوله: "ينقفه" أي: يستخرج حبه، يقال: نقفت الحنظل أنقفه إذا كسرته واستخرجت حبه ومادته: نون وقاف وفاء. 4 - قوله: "فوه" أي: فمه، قوله: "كشق العصا" أي: لاصق ليس بمفتوح ولا تكاد ترى شدته. قوله: "لأيًا" أي: بطئًا، قوله: "أسك" أي: ما يسمع، و "المصلوم": مقطوع الأذنين. 5 - قوله: "حتى تذكر" أي: هذا الظليم كان يرعى الخطان حتى تذكر بيضات له، وهو جمع بيضة، قوله: "هيجه": من التهييج، وثلاثيه: هاج إذا ثار يتعدى ولا يتعدى، و "الرذاذ" بفتح الراء وبذالين معجمتين [بينهما ألف] (¬2)، وهو المطر الخفيف. وهو فوق القطط، يقال: أرذت السماء وأرض مرذة، ولا يقال: مرذوذة، ويقال: يوم مرذ، أي: ذو رذاذ، و "الدجن" بفتح الدال المعجمة وسكون الجيم وفي آخره نون، وهو إلباس الغيم السماء، وقد دجن يومنا يدجن دجنًا ودجونًا، وأدجنت السماء: دام مطرها، يقال للمطر الكثير: دجن أيضًا. قوله: "مغيوم" بالغين المعجمة؛ من الغيم وهو السحاب، يقال: غامت السماء تغيم. 6 - قوله: "فلا تزيده" التزيد: المشي في العنق، و "النفق" بفتح النون وكسر الفاء وفي آخره قاف، وهو السريع الذهاب، و"الزفيف" دون الشد قليلًا، و"مسؤوم": من سئمت سأمًا؛ أي: مللت ملالة. الإعراب: قوله: "حتى" للغاية، و "تذكر": جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الظليم وهو ذكر النعام، قوله: "بيضات" مفعوله. قوله: "وهيجه": جملة من الفعل والمفعول وهو الضمير المنصوب الراجع إلى الظليم، وقوله: "يوم رذاذ": كلام إضافي مرفوع بالفاعلية، قوله: "عليه الدجن": جملة من المبتدأ والخبر وقعت صفة ليوم، قوله: "مغيوم" بالرفع صفة أخرى ليوم. ¬
الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "مغيوم" فإنه جاء على أصله بدون إعلال، والقياس فيه: مغيم (¬1). الشاهد الخامس والخمسون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) ........................ ... وَمَا أرّقَ النُّيَّامَ إلَّا كَلَامُهَا أقول: قائله هو أبو الغمر الكلابي، وصدره: ألا طَرَقَتنَا مَيَّةُ ابنَةُ مُنْذِرٍ ... ................................ وهو من الطويل: قوله: "طرقتنا": من الطروق من طرق إذا أتى أهله ليلًا. الإعراب: قوله: "ألا" للتنبيه، و "طرقتنا": جملة من الفعل والفعول، و "مية": فاعلها، و "ابنة منذر": كلام إضافي صفة لمية، قوله: "وما" للنفي، و "أرق": فعل؛ أي: أسهر، و "النيام": مفعوله، قوله: "إلا كلامها" بالرفع فاعله. الاستشهاد فيه: في قوله: "النيام" فإن أصله: النوّام بضم النون جمع نائم، وأصله: النيوام، قلبت الياء واوًا وأدغمت الواو في الواو فصار النوّام (¬4)، وقلب الواو ياء، وإدغام الياء في الياء شاذ (¬5). ¬
الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين والألف
الشاهد السادس والخمسون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ................................ ... فإنه أهْلٌ لأَنْ يُؤَكْرَمَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد النعت، وفي شواهد نوني التوكيد (¬3). الشاهد فيه: هاهنا في قوله: "يؤكرما" حيث أخرجه على الأصل للضرورة، والقياس فيه: "يكرما" بحذف الهمزة (¬4). الشاهد السابع والخمسون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) وَقَفْتُ فيهَا أُصَيلالًا أُسَائلُهَا ... عَيَّتْ جَوَابًا وما بِالربْع من أحَدٍ أقول: قائله هو النابغة الذبياني، وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد أسماء الأفعال والأصوات (¬7). ¬
الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "أصيلالًا" فإنه تصغير: أصيل على غير قياس، وإبدال اللام فيه من النون، وهذا إبدال غير شائع، والأحرف التي تبدل من غيرها إبدالًا شائعًا تسعة يجمعها قوله: "هدأت موطيًا (¬1). الشاهد الثامن والخمسون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) أدارًا بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَينِ عَبرَةً ... ................................ أقول: قائله هو ذو الرمة غيلان، وتمامه: ................................ ... فماء الهوى يرفض أو يترقرق وقد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد النداء (¬4). الاستشهاد فيه: في قوله: "بحزوى" فإن حزوى على وزن فُعْلَى بضم الفاء وهو اسم لموضع؛ لذلك لم يتغير، وإلا فالأصل في "فُعْلَى" إذا كان صفة تقلب فيه الواو ياء؛ كما في: الدنيا والعليا، وقولهم ناقة قصوى شاذ. الشاهد التاسع والخمسون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) ألا يَا دِيَارَ الحَيِّ بالسَّبُعَانِ ... أَمَلَّ عَلَيهَا بالبِلَى المَلَوَانِ أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد النسب (¬7). ¬
الشاهد الستون بعد المائتين والألف
الاستشهاد هاهنا: أنه إذا أريد أن يبنى من الرمي مثل: سبعان الذي هو اسم موضع يقال فيه: رموان بالواو المبدلة من الياء وضم الميم، وتحقيقه في كتاب من أخرج البيت. الشاهد الستون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) فإنْ تَتَّعِدْنِي أَتَّعِدكَ بِمِثْلِهَا ... وَسَوْفَ أريدُ البَاقِيَاتِ القَوَارصَا أقول: قائله هو الأعشى ميمون بن قيس، يهجو علقمة بن علاثة، وبعده (¬3): 2 - قوافيَ أمثالًا يُوَسِّعْنَ جِلْدَهُ ... كما زدتَ في عَرضِ القميصِ الدَّخارِصَا 3 - أتوعِدُنِي أنْ جَاش بَحْرُ ابنِ عمكُم ... وَبَحْرُكَ سَاجٍ لا يُوَارِي الدَّعَامِصَا وهي من الطويل. قوله: "القوارصا": جمع قارصة، وهي الكلمة المؤذية، ومنه: قرص البراغيث وهو لسعها. و"الدخارص": جمع دخريص (¬4)، [قوله: "أن جاش": من جاشت النفس تجيش جيشًا وجيشانًا إذا غلت، قال الخليل: وكذلك كل شيء يغلي فهو يجيش حتى الهم والغصة في الصدر، والبئر إذا نبع ماؤها، والوادي إذا زخر، قوله: "وبحرك ساج" أي: ساكن، من سجا يسجو سجوًا إذا سكن ودام، والبحر في الموضعين بالباء الموحدة، قوله: "لا يواري" أي: لا يستر] (¬5)، و "الدعامص": جمع دعموص، وهي دويبة تغوص في الماء، وقد عدها بعضهم من الممسوخات؛ كالقرد والخنزير والفيل، وهو بالعين والصاد المهملتين. الإعراب: قوله: "فإن" الفاء عاطفة، وإن للشرط، و "تتعدني": جملة من الفعل والفاعل والمفعول ¬
الشاهد الحادي والستون بعد المائتين والألف
وقعت فعل الشرط، قوله: "أتعدك" جملة مثلها وقعت جواب الشرط، والباء في: "بمثلها" تتعلق بأتعدك، والباقي ظاهر. الاستشهاد فيه: في قوله: "فإن تتعدني" وفي قوله: "أتعدك" فإن أصلهما: توتعدني، وأوتعدك؛ لأنه من الفعل الواوي الفاء، فأبدلت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء كما علم في موضعه (¬1). الشاهد الحادي والستون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) يا هال ذاتَ المنطق التمتام ... وكفِّكِ المُخَضَّبِ البنام أقول: قائله هو رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس. قوله: "هال" أصله: هالة وهو اسم امرأة، والهالة في الأصل: دارة القمر، و"التمتام": الذي فيه تمتمة، وهو الذي يتردد في التاء، ووزنه: فعلال، فافهم، و"المخضب": الذي استعمل فيه الخضاب. [الإعراب] (¬4): قوله: "يا" حرف نداء، و "هال": منادى مرخم، وأصله: يا هالة، قوله: "ذات المنطق": كلام إضافي يجوز فيه الوجهان (¬5)، [الرفع حملًا على اللفظ، والنصب حملًا على المحل، ¬
الشاهد الثاني والستون بعد المائتين والألف
قوله: "التمتام": بالجر صفة المنطق، قوله: "وكفك" الكاف فيه لخطاب المؤنث، ويجوز أن يكون مرفوعًا على الابتداء، وخبره في البيت الآتي أو محذوف، قوله: "المخضب البنان": صفة للكف] (¬1). الاستشهاد فيه: في قوله: "البنام" فإن أصله: البنان، فأبدل الميم من النون؛ كما يقال في عنبر: وعمبر، وفي حنظل: وحمظل، وغير ذلك (¬2). الشاهد الثاني والستون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) فإن القوافي يتلجن موالجًا ... ................................ أقول: قائله هو طرفة بن العبد البكري، وتمامه: .............................. ... تَضَايَقَ عَنهَا أنْ تَوَلَّجَهَا الإبر وهي من الطويل. قوله: "فإن القوافي "جمع قافية، وهي اللفظ الأخير من البيت الذي يكمل البيت، ولكن أراد بها القصيدة لاشتمال القافية عليها، قوله: "يتلجن" أي: يدخلن؛ من الولوج وهو الدخول، و "الوالج": جمع مولج، وهو موضع الولوج، و "الإبر": جمع إبرة الخياط. الإعراب: قوله: "فإن" الفاء للعطف إن تقدمه شيء، وإن للتحقيق، و "القوافي ": اسمه، و "يتلجن": خبره، و "موالجًا": مفعول يتلجن، قوله: "تضايق": فعل ماض، وقوله: "أن تولجها": فاعله، وأن مصدرية، وقوله: "الإبر": فاعل تولجها، والتقدير: تضايق عنها تولج الإبر. ¬
الشاهد الثالث والستون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "يتلجن" فإن أصله يوتلجن؛ لأنه من ولج؛ كما ذكرنا، فأبدلت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء (¬1). الشاهد الثالث والستون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) هُوَ الجَوَادُ الذي يعْطِيكَ نائلَهُ ... عَفْوًا ويُظْلَمُ أَحْيَانًا فيَظّلِم أقول: قائله هو زهير بن أبي سلمى، وهو من قصيدة طويلة من البسيط يمدح بها هرم بن سنان، وأولها (¬4): 1 - قِفْ بالديارِ التي لم يعفُها القِدَمُ .... بِلًى وَغَيَّرَهَا الأَروَاحُ والديَمُ إلى أن قال: هُوَ الجَوَادُ ............... ... .................... إلخ وبعده: وإنْ أتَاهُ خَليلٌ يَومَ مَسأَلَةٍ ... يَقُولُ لَا غَائب مَالِي ولَا حَرَمُ قوله: "لم يعفها" أي: لم يدرسها ولم يمح أثرها تقادم عهدها، و "الأرواح": جمع ريح، و "الديم" بكسر الدال؛ الأمطار الدائمة مع سكون. قوله: "نائله" أي: عطاؤه، قوله: "عفوًا" أي: سهلًا بلا مطل ولا تعب، و "الخليل": الفقير، و "الحرم" بفتح الحاء وكسر الراء، وهو الممنوع. الإعراب: قوله: "هو" مبتدأ، وأراد به هرم بن سنان، و "الجواد" خبره، وقوله: "الذي" موصول، و "يعطيك": فعل وفاعل ومفعول، و "نائله": كلام إضافي مفعول ثان، والجملة صلة للموصول. ¬
الشاهد الرابع والستون بعد المائتين والألف
قوله: "غفوًا" نصب على المصدرية كسهلًا (¬1)، قوله: "ويظلم" على صيغة المجهول؛ جملة من الفعل والمفعول النائب عن الفاعل، و"أحيانًا" نصب على الظرفية، قوله: "فيظلم": عطف على قوله: "ويظلم"، وهو على صيغة المعلوم، ومعناه: يحتمل الظلم. والاستشهاد فيه: في قوله: "فيظلم" فإن أصله: يظتلم، وهو يفتعل من الظلم، قلبت التاء طاء لمجاورتها الظاء، فإذا أدغم فمنهم من بقلب الطاء ظاء ثم يدغم الظاء في الظاء فيصير: يظلم [بظاء معجمة مشددة، ومنهم من يقلب الظاء طاء ثم بدغم الطاء في الطاء على القياس فيصير: يطلم] (¬2) بطاء مهملة مشددة، والبيت يروى على الوجهين (¬3). وقال ابن هشام: وقد يروى بثلاثة أوجه: الإظهار، والإدغام مع إبدال الأول من جنس الثاني، ومع عكسه (¬4). الشاهد الرابع والستون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) لها أشاريرُ من لحمٍ تُتَمِّرُهُ ... من الثعَالِي ووخْزٌ من أرانيها أقول: قائله هو أبو كاهل النمر بن تولب اليشكري، يصف فرخة عقاب تسمى غُبة كانت لبني يشكر، وهو بالغين المعجمة المضمومة، وفتح الباء الموحدة المشددة، وفي آخره هاء. وهو من البسيط. قوله: "أشارير" هي قطع قديد من اللحم، قوله: "تتمره": من تمرت اللحم والتمر بالتاء المثناة من فوق (¬7)، وتشديد الميم إذا جففتهما، قال الجوهري: تتمير اللحم، والتمر بتجفيفهما، ثم أنشد البيت المذكور (¬8)، قوله: "ووخز" بالخاء والزاي المعجمتين، معناه: شيء قليل. ¬
الشاهد الخامس والستون بعد الماتين والألف
الإعراب: قوله: "لها" أي: للفرخة، أعني: فرخة العقاب التي يصفها بهذا البيت، وهي في محل الرفع؛ لأنها خبر للمبتدأ، أعني قوله: "أشارير"، وكلمة: "من" في: "من لحم" للبيان، وقوله: "تتمره": جملة من الفعل والفاعل وهو "هي" المستكن فيه العائد إلى الفرخة، والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى اللحم، وهي في محل الجر لأنها صفة اللحم، قوله: "من الثعالي": جار ومجرور في محل الرفع على [أنها] (¬1) صفة لقوله: "أشارير"، قوله: "ووخز" بالرفع عطف على قوله: "أشارير"، قوله: "من أرانيها" في محل الرفع على أنها صفة لقوله: "ووخز". الاستشهاد فيه: في قوله: "من الثعالي"، [وقوله] (¬2) "أرانيها" فإن أصله: من الثعالب، [والأرانب: جمع ثعلب] (¬3)، وأرنب، فأبدلت الباء الموحدة فيهما ياء آخر الحروف (¬4). الشاهد الخامس والستون بعد الماتين والألف (¬5)، (¬6) ............................... ... مَال إِلَى أرطَاةِ حِقْفٍ فالطَّجَعْ أقول: قاله منظور بن حية الأسدي، وصدره (¬7): لما رأى ألا دَعَهْ ولَا شِبَعْ ... ................................ وقبله: يا رُبَّ أبَّازٍ مِنَ العُفْر صَدَعْ ... تَقَبَّضَ الذئْبُ إليهِ واجْتَمَعْ قوله: "ألا دعه" أي: أن لا دعه، أي: لا راحة، قال الجوهري: الدعة: الخفض، والهاء ¬
الشاهد السادس والستون بعد المائتين والألف
عوض من الواو، تقول منه: ودع الرجل بالضم فهو وديع، أي: ساكن، ووادع أيضًا (¬1). قوله: "ولا شبع" بكسر الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة، وهو مصدر من شبع يشبع، وهو من مصادر الطبائع، قوله: "أباز" بفتح الهمزة وتشديد الباء الموحدة، وفي آخره زاي، وهو الذي يقفز، قوله: "من العفر" بضم العين المهملة، وسكون الفاء، وهي من الظاء التي يعلو لونها حمرة. قوله: "تقبض" يعني: جمع قوائمه ليشب على الظبي، قوله: "لما رأى" أي: الذئب، يعني: لما رأى أنه لا يشبع من الظبي ولا يدركه وأنه قد تعب في طلبه مال إلى أرطاة، قوله: "مال": من الميل. قوله: "إلى أرطاة حقف" الأرطاة: شجرة من شجر الرمل، ويجمع على أرطى، و "الحقف" بكسر الحاء المهملة وسكون القاف بعدها فاء، وهو من الرمل المعوج، والجمع: حقاف وأحقاف. الإعراب: قوله: "لما" ظرف بمعنى حين، و "رأى": فعل، وفاعله الضمير المستتر فيه الذي يرجع إلى الذئب؛ لأنه في وصف الذئب، قوله: "ألا دعه" في محل النصب على المفعولية، وأصله: أن لا دعة كما ذكرنا، ولا لنفي الجنس، ودعه اسمه، وخبره محذوف. قوله: "ولا شبع" عطف عليه، أصله: ولا شبع بفتح العين، وإنما سكنت لأجل السجع، قوله: "مال" جواب لما، والضمير فيه -سجع إلى الذئب -أيضًا-، قوله: "إلى أرطاة" يتعلق به، قوله: "فالطجع" عطف على قوله: مال. الاستشهاد فيه: في قوله: "فالطجع" فإن أصله: اضطجع، فأبدلت الضاد فيه لامًا وهو شاذ، وقد روي: فاضطجع، وروي فاطجع، ويروى: فاضجع، هكذا ذكر أبو الفتح في سر الصناعة (¬2). الشاهد السادس والستون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) خالي عُوَيْفٌ وَأبو علِجّ ... ................................ أقول: قائله أعرابي من أهل البادية، ................................ ¬
وتمامه (¬1): ............................. ... المُطْعِمَانِ اللحمَ بالعَشِجِّ وبالغَدَاةِ كُتَلَ البزنج ... تُقْلَعُ بالوَد وبالصيصجِّ [قوله] (¬2): "كتل البرنج"، ويروى: كيس البرنج، والكتل: بضم الكاف وفتح التاء الثناة من فوق؛ جمع كتلة، وهي القطعة المجتمعة، و "البرنج": ضرب من التمر، قوله: "بالود" أصله: بالوتد فقلبت التاء دالًا وأدغمت الدال في الدال، و [الصيصج: الصيصي، وهو] (¬3) قرن البقرة. الإعراب: قوله: "خالي": كلام إضافي مبتدأ، و "أبو عويف": خبره، و "أبو علج": عطف عليه، قوله: "المطعمان": صفة عويف، وأبو علج، والألف واللام فيه بمعنى الذي، أي: اللذان يطعمان اللحم. قوله: "اللحم" ويروى: الشحم؛ مفعول، قوله: "وبالغداة" أي: فيها، والجملة عطف على المفعول، قوله: "تقلع" على صيغة المجهول؛ جملة وقعت صفة البرني، قوله: "وبالصيصج": عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "أبو علج" فإن أصله: أبو علي، فأبدل الجيم من الياء المشددة، وكذا الكلام في العشج، والبرنج، وبالصيصج، فإن أصلها العشي، والبرني، والصيصي (¬4). ¬
الشاهد السابع والستون بعد المائتين والألف
الشاهد السابع والستون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ........................ ... فيها عيائيلُ أسودٍ ونُمُرْ أقول: قائله هو حكيم بن معية الربعي (¬3)، وقبله (¬4): 1 - أحمي قناةً صلْبَةً لم تنكسِر ... صمَّاءَ تَمتْ في نِيَاف مشْمَخِر 2 - حُفَّتْ بِأطْوَاد عِظام وسَمُر ... في أشِبِ الغيطَانِ مُلْتَف الحُظُر وصف قناة تنبت في موضع محفوف بالجبال والشجر. 2 - [قوله: "حفت"] (¬5) يعني القناة، أراد: حف موضع هذه القناة [التي تنبت فيها بأطواد الجبال وبالسمر، وهو جمع سمرة، وهي شجرة عظيمة. قوله: "في أشب الغيطان" الأشب: المكان الملتف النبت المتداخل، و"الغيطان": جمع غائط وهو المنخفض من الأرض، و "الحظر" بضم الحاء المهملة والظاء المعجمة؛ جمع حظيرة. 3 - قوله: "عيائيل"] (¬6)، قال الصاغاني في العباب: واحد العيال: عيل، والجمع: عيائل، مثل: جيد وجياد وجيائد، وقد جاء عيائيل (¬7)، وأنشد سيبويه لحكيم بن معية: ....................... ... فيها عياييلُ أسود ونمُر (¬8) قال ابن السيرافي (¬9): كأنه قال: فيها متبخترات أسود، ولم يجعلها جمع عيل، لكن جعلها جمع: [عيّال (¬10) بالفتح والتشديد] (¬11)، وقال أبو محمد بن الأعرابي (¬12): صحف ابن السيرافي، والصواب: غيائيل بالغين المعجمة، جمع: غيل على غير قياس. ¬
الشاهد الثامن والستون بعد المائتين والألف
[قلت: الغيل بالكسر؛ الأجمة، وموضع الأسد غيل مثل: خيس، ولا تدخله الهاء] (¬1)، قوله: "ونمر" بضم النون والميم؛ جمع نمر. الإعراب: قوله: "عيائيل أسود": كلام إضافي مبتدأ، [وهو من إضافة الصفة إلى موصوفها على قول ابن السيرافي، وعلى قول ابن الأعرابي تكون الإضافة مثل الإضافة في: دار زيد، وبيت عمرو] (¬2)، وقوله: "فيها" مقدمًا خبره، قوله: "ونمر" عطف على: عيائيل. الاستشهاد فيه: في قوله: [عيائيل] (¬3) حيث أبدلت الهمزة من ياء فعاييل، قال ابن هشام: لأن أصله: فعايل؛ لأن عيائيل جمع عيل -بكسر الياء- واحد العيال، والياء زائدة للإشباع (¬4). الشاهد الثامن والستون بعد المائتين والألف (¬5) ....................... ... .......... تنقاد الصياريف أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد [إعمال المصدر] (¬6)، وتمامه: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف (¬7). والاستشهاد فيه: هاهنا في قوله: "الصياريف" حيث زاد الشاعر ياء قبل الفاء للإشباع (¬8). ¬
الشاهد التاسع والستون بعد المائتين والألف
الشاهد التاسع والستون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ويومَ عقَرتُ للعذَارَى مَطِيَّتِي ... ................................ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وتمامه (¬3): ............................ ... فيا عجبا مِنْ رحْلِهَا المتُحَملِ وهو من قصيدته المشهورة التي أولها هو قوله: قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكرَى حَبِيبٍ ومَنزِلِ ... بسِقطِ اللّوَى بَينَ الدُّخُولِ فحَوملِ وقد ذكرنا غالبها في أثناء الكتاب. قوله: "عقرت": من العقر وهو الجرح، و "العذارى": جمع عَذْرَاء وهي البكر، ويقال في جمعه: عذارَى بفتح الراء، وعذارِي بكسرها، وعذراوات؛ كما يقال في الصحراء (¬4)، و "المطية": الراحلة، ويجمع على مطايا؛ إنما سميت مطية؛ لأنه يركب مطاها، أي؛ ظهرها، ويقال: لأنه يمتطى عليها في السير، أي: يمد. الإعراب: قوله: "ويوم" في موضع خفض عطفًا على "يوم" الذي يلي سيما في قوله: ....................... ... ولَا سيَّما يَومًا بِدَارَةَ جُلجُلِ ومن رفع فقال: ولا سيما يومٌ، فموضع يوم الثاني أيضًا رفع، وإنما فتح لأنه جعل يومًا وعقرت بمنزلة اسم واحد. وكذا ظروف الزمان إذا أضيفت إلى الأفعال الماضية، أو إلى اسم غير متمكن بنيت معها؛ كقولك: أعجبني يومَ خرج زيد، وكما في قوله تعالى: {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} [هود: 66] فيوم في موضع خفض، وقد قرئ بالخفض (¬5)، ويجوز أن يكون منصوبًا معربًا؛ كأنه قال: ¬
الشاهد السبعون بعد المائتين والألف
اذكر يوم عقرت (¬1). قوله: "مطيتي": كلام إضافي مفعول لقوله: "عقرت"، قوله: "فيا عجبا" الألف في: عجبا، بدل من الياء؛ كما تقول: يا غلاما أقبل، تريد: يا غلامي أقبل. فإن قلت: كيف ينادي العجب، وهو مما لا يجيب ولا يفهم؟ قلت: العرب إذا أرادت أن تعظم أمر الخبر جعلته نداء، قال سيبويه: إذا قلت: يا عجباه، فكأنك قلت: تعال يا عجب، فإن هذا من أزمانك، فإن هذا أبلغ من قولك: تعجبت، والتقدير هاهنا؛ يا قوم انتهوا للعجب (¬2). الاستشهاد فيه: في قوله: "للعذارى" إذ أصله عذارئ بالهمزة في آخره؛ لأنه جمع: عذراء، فقلبت ياء؛ لأن الهمزة المتطرفة شأنها ذلك كما علم في موضعه، فصار: عذاري بكسر الراء، ثم أبدلت من الكسرة فتحة للتخفيف فصار: عذارى (¬3). الشاهد السبعون بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) ............................. ... تَضِلُّ المَدَارَي في مثنَّى ومرسَلِ أقول: قائله هو امرؤ القيس بن حجر الكندي، وصدره: ¬
الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين والألف
غدَائِرُهُ مُستَشْزَرَات إلى العلا ... ............................ وهو أيضًا من القصيدة المذكورة آنفا. قوله: "غدائره" أي: ذوائبه [وهي جمع] (¬1) غديرة، وهي الذؤابة، قوله: " مُشتَشْزَرَاتٍ" بفتح الزاي، أي: مفتولات، شزرًا، أي: على غير جهة لكثرتها، ووروى: مستشزرات بالكسر؛ أي: مرتفعات، قوله: "إلى العلا" أي: إلى ما فوقها. قوله: "تضل" من الضلال، و "المداوي" بفتح الميم؛ جمع مدرى بكسر الميم، وهو مثل الشوكة تحك به المرأة رأسها، وإنما تضل المداري من كثافة شعرها، ويروى: تضل العقاص، بكسر العين جمع عقصة، وهي ما جمع من الشعر ففتل تحت الذوائب. قوله: "في مثنى ومرسل" أراد أن وفور شعرها وكثرته بحيث يستر بعضه بعضًا، والحاصل أن المثنى هو المفتول؛ لأنه ثني بالفتل، و "المرسل": المسرح من غير فتل. الإعراب: قوله: "غدائره" مبتدأ، وخبره: "مُستَشْزَرَات"، والضمير يرجع إلى الفرع في البيت الذي قبله: [وهو قوله] (¬2). وفرع يزِينُ المُتْنَ أسوَدَ فَاحِمٍ ... أثيتٍ كَقِنو النخلَةِ المُتَعَثْكلِ قوله: "تضل المداوي": جملة من الفعل والفاعل، وقوله: "في مثنى" في محل النصب على المفعولية، وقوله: "ومرسل": عطف عليه، والتقدير: في مثنى منه ومرسل منه؛ أي: من الفرع. الاستشهاد فيه: في قوله: "المداوي"، والكلام فيه كالكلام في: العذاري؛ كما ذكرناه الآن (¬3). الشاهد الحادي والسبعون بعد المائتين والألف (¬4)، (¬5) ........................... ... وأنَّ أَعِزَّاءَ الرِّجالِ طِيَالُها أقول: لم أقف على اسم قائله، وصدره: تبيَّنَ لِيَ أن القَماءَةَ ذِلَّةٌ ... ..................................... ¬
الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين والألف
وهو من الطويل. قوله: "أن القماءة" قال القالي: القمأ من القماءة وهو الصغر؛ كذا قال أبو بكر بن الأنباري على فَعَل، قال الشاعر: تبين لِيَ أن القَماءَةَ ذِلة ... ..................... (¬1) وقال أبو زيد: قمؤ الرجل قماءة إذا صغر (¬2)، والحاصل أن مصدر قمؤ على قمأ على وزن فعل بالتحريك، وقمأة بالتاء، وإنما مد في الشعر المذكور للضرورة، قوله: "طيالها" الطيال: جمع طويل. والاستشهاد فيه: فإنه جاء بالياء، والقياس فيه: طوالها (¬3)، وقد رواه القالي: طوالها على القياس (¬4)، وقد ترى إعراب البيت لظهوره. الشاهد الثاني والسبعون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) وكنتُ إذا جارِي دعا لِمضُوفَةٍ ... أُشَمِّرُ حتى يبلغ الساقَ مِئْزَرِي أقول: قائله هو أبو جندب الهُذَلي، وهو من الطويل. ¬
قوله: "لمضُوفَةٍ" بفتح الميم وضم الضاد المعجمة وسكون الواو وفتح الفاء، قال الأصمعي: هو الأمر الذي يشفق منه، وقال أبو سعيد: هذا البيت يروى على ثلاثة أوجه: على المَضُوفَة، والمضيفة، والمضافة (¬1). وقال ابن يعيش: المراد من المضوفة هاهنا ما ينزل من حوادث الدهر ونوائب الزمان، أي: إذا جاري دعاني لهذا الأمر شمرت عن ساقي وقمت في نصرته (¬2)، قوله: "حتى يبلغ الساق"، ويروى: حتى ينصف الساق (¬3). الإعراب: قوله: "وكنت" الواو للعطف إن تقدمه شيء، والضمير المتصل به اسم كان، وخبره قوله: "أشمر، وجعل الجوهري "كان" هاهنا زائدة، وقال: لأنه يخبر عن حاله وليس يخبر بكنت عما مضى من فعله (¬4)، وفيه نظر؛ لأن "كان" لا تقع زائدة أولًا إذا رفعت الاسم ونصبت الخبر، بل تقع زائدة إذا وقعت حشوًا كما في قوله (¬5): ........................ ... على كان المسومة العراب قوله: "إذا جاري" تقديره: إذا دعا جاري، فقوله: "جاري": كلام إضافي مرفوع بفعل محذوف يفسره الظاهر، ومفعول "دعا" محذوف تقديره: دعاني، واللام في لِمَضُوفَةٍ تتعلق بـ: "دعا"، قوله: "حتى" للغاية، و "أن" بعدها مضمرة، و "يبلغ" منصوب به [والساق مفعول] (¬6)، و "مئزري": كلام إضافي فاعل يبلغ، وهذا الكلام كناية عن شدة قيامه واهتمامه في نصرة جاره عند حلول النوائب؛ كما ذكرنا. ¬
الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "لِمَضُوفَةٍ" فإن القياس فيه: مضيفة، وهذا البيت عند سيبويه شاذ في القياس والاستعمال، فهو في الشذوذ كالقود والقصوى، فإن القياس فيهما: قاد والقصيا، فافهم (¬1). الشاهد الثالث والسبعون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) إذا لم يَكُنْ فِيكُنْ ظِلٌّ ولا جنى ... فأبْعَدَكُن اللهُ منْ شيرات أقول: أقف على اسم قائله، وهو من الطويل. قوله: "ولا جنى" بفتح الجيم، وهو ما يجتنى من الشجر. الإعراب: قوله: "إذا" للشرط، وقوله: "لم يكن فيكن ظل": جملة وقعت فعل الشرط، و "ظل": مرفوع لأنه اسم كان، و "فيكن" مقدمًا خبره، وقوله: "ولا جنى": عطف على ظل، والخطاب هاهنا للأشجار التي لا ظل لها ولا ثمرة، قوله: "فأبعدكن الله": جملة من الفعل والفاعل والمفعول وقعت جوابًا للشرط. الاستشهاد فيه: في قوله: "من شيرات" بفتح الشين المعجمة والياء آخر الحروف، فإن أصلها شجرات فأبدلت الياء من الجيم، فلذلك لم تعل هذه الياء لأنها بدل (¬4). ¬
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين والألف
الشاهد الرابع والسبعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) وقد علِمَتْ عرسي مُلِيكةٌ أنني ... أنا الليثُ مَعْدِيًّا عليه وعَاديًا أقول: قائله هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، وهو من الكامل. قوله: "عرسي" العرس بكسر العين المهملة وسكون الراء [وفي آخره] (¬3) سين مهملة، وهي امرأة الرجل، والمعنى: قد علمت زوجي مليكة أني بمنزلة الأسد، فمن ظلمني فكأنه ظلم الأسد فلا بد أن أهلكه. وهكذا وقع في نسخ ابن أم قاسم: "معديًا عليه وعاديًا" بالعين والدال المهملتين (¬4)، ووقع في كتاب الزمخشري: "مغزيًّا عليه وغازيًا" بالغين والزاي المعجمتين حيث قال: "قالوا: عتوّ ومغزوّ، وقد قالوا: عتيّ ومغزيّ، قال: وقد علِمَت عرسي مُليكةٌ أنني ... أنا الليثُ مَغزِيًّا عليه وغَازِيًا (¬5) والأصح ما قاله الزمخشري (¬6): إذا قالتْ حَذَامِ فصَدِّقُوهَا .... فإن القَولَ مَا قَالتْ حَذَامِ الإعراب: قوله: "وقد علمت" الواو للعطف إن تقدمه شيء، وقد للتحقيق، وعلمت فعل، و "عرسي": ¬
الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين والألف
كلام إضافي فاعله، وقوله: "مليكة" بضم الميم؛ عطف بيان على عرسي، أو بدل منه. قوله: "أنني" بفتح الهمزة، فأن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي: علمت، والضمير المتصل بأن هو اسمها، وخبرها هو قوله: "الليث"، قوله: "أنا" ضمير الفصل فلا موضع له على الأصل، قوله: "معديًّا عليّ": حال من الليث، والعامل فيها ما في أن من معنى ثبت وتحقق، قوله: "وعاديًا" عطف عليه. الاستشهاد فيه: في قوله: "معديًّا" حيث جاء على الإعلال، فإن أصله: معدوو على وزن مفعول، قلبت الواو الأخيرة ياء استثقالًا فصار: معدوي، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فصار معديًّا بضم الدال، ثم أبدلت ضمة الدال كسرة للتناسب، فصار معديًّا بكسر الدال، وروي: معدوّا على الأصل (¬1). الشاهد الخامس والسبعون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) وقدْ تَخِذَتْ رِجْلِي لدى جَنبِ غِرزِهَا ... نَسِيفًا كأُقحُوص القَطَاة المُطَرِّق أقول: قائله هو الممزق العبدي، واسمه: شاس بن نهار العبدي، وهو من قصيدة طويلة من الطويل، منها قوله (¬4): ¬
فإن كنت مأكولًا فكن أنت آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق وبهذا البيت سمي الممزق. قوله: "تخذت" بمعنى: اتخذت، قوله: "لدى جنب" ويروى: إلى جنب غرزها، و "الغرز" بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفي آخره زاي معجمة، وهو ركاب الرجل من جلد، وإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب، قوله: "نسيفًا" بفتح النون وكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو أثر ركض الرجل بجنبي البعير إذا انحسر عنه الوبر. قوله: "كأفحوص" بضم الهمزة وسكون الفاء وضم الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخره صاد مهملة، وهو مجثم القطاة، أي: مبيتها، وسمي بذلك لأنها تفحصه، من فحص المطر التراب، أي: قلبه. و"القطاة": طائر مشهور، و "المطرق" بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء المكسورة، من طوقَتِ القَطَاةُ إذا حان وقتُ خروج بيضِهَا، قال أبو عبيد: لا يقال ذلك في غير القطاة (¬1). قلت: فيه نظر، لأن أوسًا تقول (¬2): لنَا صَرخَةٌ ثُم إسكَاتةٌ ... كمَا طَرَّقَتْ لِنِفَاسٍ بكرْ وقع في المفضليات: المطرق بفتح الراء، وفسره بالمعدل، يقال: طرق بمعنى: عدل (¬3). الإعراب: قوله: "وقد تخذت" قد للتحقيق، وتخذت فعل ماض، و "رجلي": كلام إضافي فاعله، وقوله: "نسيفًا" مفعوله، قوله: "لدى" نصب على الظرف مضاف إلى جنب، وجنب مضاف إلى غرزها، قوله: "كأفحوص" الكاف للتشبيه، والأفحوص مجرور بها مضاف إلى القطاة. قوله: "المطرق" بالجر صفة القطاة، وإنما ذكر مع أن القطاة مؤنث، لأنه لا يقال ذلك في غير القطاة على رأي أبي عبيدة، وأما على رأي غيره فيكون على إرادة النسبة، والتقدير: ذات التطريق، وأما على رواية من رواه بفتح الراء فيكون صفة للأفحوص بمعنى المعدل. ¬
الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين والألف
الاستشهاد فيه: في قوله: "تخذت" فإن أصله: اتخذت، ولكن لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء أصلية فبنوا منه فعِل يفعِل، قالوا: تخذ يتخذ، وقرئ قوله تعالى (¬1): (لتَخذت عليه أجرًا) (¬2). الشاهد السادس والسبعون بعد المائتين والألف (¬3)، (¬4) فقلت لصاحبي لا تَحْبِسَنَّا ... بنَزْعِ أُصُولِهِ واجْدَزَّ شِيحَا أقول: قائله هو يزيد بن الطثرية؛ كذا قاله الجوهري (¬5)، وقال ابن بري: هو لمضرس بن ربعي الأسدي. وقبله (¬6): 1 - وفِتيَانِ شَوَيْتُ لهم شواءً ... سريعَ الشِّيِّ كنتُ به نَجِيحَا 2 - فطِرتُ بمُنْصُلي في يعمَلاتٍ .... دوَامِي الأيْدِ يَخْبطْنَ السريحَا وهي من الوافر. ¬
قوله: "لا تحبسنا": من الحبس، وفي رواية الجوهري: لا تحبسانا، ثم قال: وربما خاطبتْ العربُ الواحد بلفظ الاثنين؛ كما قال سويد (¬1) بن كراع العكلي (¬2): فإن تَزجُرَاني يا ابنَ عَفَّانَ أنزَجر ... وإن تدَعَاني أَحمِ عِرضَا ممنعًا يعني: لا تحبسنا عن شيّ اللحم بأن تقلع أصول الشجر بل تأخذ ما تيسر من قضبانه وعيدانه وأسرع لنا في الشيّ، قوله: "واجدز" أصله: جزّ بالجيم والزاي المشددة؛ من جززت الصوف ونحوه، ثم نقل إلى باب الافتعال، فصار: اجتز، ثم قلبت التاء دالًا فصار: اجدز. و"الشيح" بكسر الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة، وهو نبت مشهور يقال له بالفارسية: درمنه، وبالتركية: يوشان. الإعراب: قوله: "فقلت": جملة من الفعل والفاعل، و"لصاحبي": يتعلق بها، وقوله: "لا تحبسنا": مقول القول، قوله: "بنزع" يتعلق به، والضمير في: "أصوله" يرجع إلى الكلأ، قوله: "واجدز": أمر من جز يجز كما ذكرنا، وفاعله مستتر فيه، وقوله: "شيحَا" مفعوله. الاستشهاد فيه: في قوله: "واجدز" فإن أصله: اجتز، فقلبت التاء دالًا؛ كما ذكرنا (¬3). ¬
الشاهد السابع والسبعون بعد المائتين والألف
الشاهد السابع والسبعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) يا ابنَ الزبَيرِ طَالما عَصَيكَا أقول: قائله راجز من حِمير؛ كذا في نوادر أبي زيد (¬3)، وتمامه (¬4): وطالما عنَّيتَنَا إليكَا .... لنضرِبَنْ بِسَيفِنَا قفيكَا وأراد بابن الزبير: عبد اللَّه بن الزبيري - رضي الله عنهما -. المعنى والإعراب ظاهران. الاستشهاد فيه: في قوله: "عصيكا" فإن أصله: عصيت، فأبدل الكاف من التاء؛ لأنها أختها في الهمس، وكان سحيم إذا أنشد شعرًا، قال: أحسنك واللَّه، يريد: أحسنت (¬5). الشاهد الثامن والسبعون بعد المائتين والألف (¬6)، (¬7) لو شئْتِ قد نقَعَ الفؤَاد بشربَةٍ .... تدَع الصَّوَادِيَ لا يَجُدْنَ غَلِيلًا أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وهو من قصيدة طويلة من الكامل يهجو بها الفرزدق، وأولها هو قوله (¬8): ¬
لَم أَرَ مثلَكِ يَا أُمَامَ خَلِيلًا ... أنأى بحَاجَتنا وأحسنَ قيلًا لو شئتِ ............... ... .................. إلخ قوله: "يا أمام" ترخيم أمامة، قوله: "أنأى بحاجتنا" من قولهم: ناء به الحمل إذا أثقله، قوله: "قد نقع" بالنون والقاف والعين المهملة؛ من نقعت بالماء إذا رويت، يقال: شرب حتى نقع، أي: شفى غليله. قوله: "بشربة"، ويروى: بمشرب، قوله: "تدع"، أي: تترك، و "الصوادي": جمع صادية من الصدى وهو العطش، قوله: "غليلًا" بالغين المعجمة، بمعنى الغلة وهي حرارة العطش. الإعراب: قوله: "لو" للشرط، و "شئت": جملة من الفعل والفاعل، وقعت فعل الشرط، قوله: "قد نقع الفؤاد": جملة من الفعل والفاعل وقعت جواب الشرط، ووقوع جواب لو بكلمة "قد" نادر (¬1). قوله: "بشرية" يتعلق بقوله: "نقع"، قوله: "تدع": فعل مضارع، والضمير المستتر فيه فاعله يعود إلى الشربة، وقوله: "الصوادي": مفعوله، والجملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: "بشربة". قوله: "لا يجدن" أي؛ لا يصبن، ولهذا اقتصر على مفعول واحد وهو قوله: "غليلًا"، والجملة في محل النصب على الحال من الصوادي. الاستشهاد فيه: في قوله: "لا يجُدن" بضم الجيم فإنه لغة بني عامر (¬2). ¬
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائتين والألف
الشاهد التاسع والسبعون بعد المائتين والألف (¬1)، (¬2) ........................ ... وصَالِيَات كَكمَا يُؤثفَينْ أقول: قائله هو خطام المجاشعي، وأوله (¬3): لم يبق من آي بها يُحَلَّيْنْ .... غيرَ حُطامٍ وَرَمَادٍ كِنْفَينْ وصَالِيَات كَكَمَا يُؤثفَينْ ... وغيرَ وَدٍّ جاذلٍ أوْ ودَّيْنْ وهي من الرجز المسدس. وقوله: "من آي بها" أي: بدار المحبوبة، والآي: جمع آية وهي العلامة، قوله: "يحلين" بالحاء المهملة، وهي من الحلية، قوله: "حطام" بضم الحاء المهملة، وهو ما تكسر من اليبيس. قوله: "كنفين": تثنية كِنف بكسر الكاف وسكون [النون] (¬4)، وهو وعاء يجعل فيه الراعي أداته، قوله: "وصالات": جمع صالية؛ من صلي النار [بالكسر] (¬5) يصلي صليًّا إذا احترق بها، قال تعالى: {هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} [مريم: 70]، أراد: أثافي صاليات، يعني: مسودات من آثار النار، وصف أنها على حالها التي وضعها عليها أهل الدار، فإن قرب آثارهم أجلب للشوق والتذكار. قوله: "يؤثفين": من أثفيت القدر: جعلت لها أثافي، ويقال: ثفيت القدر تثفية، أي: وضعتها على الأثافي وأثفيتها، والأثافي: جمع أثفية القدر، ووزنها: أفعولة، ويجوز في ياء الأثافي التشديد والتخفيف. الإعراب: قوله: "وصاليات" بالجر عطف على قوله: "غير حطام ورماد"، أي: غير صاليات وهي صفة موصوفها محذوف، أي: وأثافي صاليات، قوله: "ككما" الكاف الأولى حرف جر، ¬
والثانية اسم لدخول حرف الجر عليها؛ كما في قوله (¬1): فَصُيّرُوا مثلَ كَعَصْف مَأكُولْ ... ................................ لأن الاسم لا يضاف إلى الحرف، وكلمة: "ما" مصدرية، والتقدير: كإثفائها، قال ابن يسعون: هذا التقدير عند من جعل الهمزة زائدة؛ يعني في: يؤثفين، وأما من جعل الهمزة أصلية فالتقدير: كإثفائها؛ لأنها كالسلقاة في مصدر سلقيت؛ لأنه كالدحرجة، ومن قال: دحراجًا قال: إثفاء، فوزنه الآن فعلال، وفي الوجه الأول: إفعال كالإحرام (¬2). والاستشهاد فيه: في قوله: "يؤثفين" فإن الهمزة فيه يجوز أن تكون زائدة جاءت على القياس المرفوض؛ لأن قولك: أكرم يكرم، الأصل فيه: يؤكرم، فاستمر حذفها في مضارع الباب كراهة اجتماع همزتين في قولك: أنا أأكرم، ثم أتبع حذفها مع سائر حروف المضارعة. قال ابن يسعون: ولهذا قال أبو علي فيمن جعلها من: أثفيت (¬3)، فوزنها على هذا يؤفعلن، والدليل على كونها زائدة قول بعضهم: ثفيت القدر، قال المازني (¬4): فأثفية عند هؤلاء أفعولة مثل: أكرومة، قال: وسمعت الأصمعي ينشد (¬5): وذاكَ صنيعٌ لم تُثَفَّ لَهُ قِدْرُ وقال أبو الفتح: من جعلها أفعولة فلامها واو، وكان قياسها: أثفوة؛ إلا أنه قلب الواو إلى ياء تخفيفًا؛ والدليل على ذلك ما جاء عن ابن الأعرابي أنه قال: جاء يثفوه ويثفيه (¬6). ¬
وقال أبو علي: قولهم: يثفيه لا يكون إلا من الواو، ويريد أنه يكون بمنزلة يَعِد؛ لأن الواو هي التي استمر حذفها في هذا النحو دون الفاء، قال: إلا أن اللام قدمت إلى موضع الفاء كأنه كان: ثفوت، ثم صار: وثفت، ويجوز أن يكونا أصليين، قال: ومثله على هذا الأصل قول الآخر (¬1): ......................... ... فإنه أهلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا وقال أبو علي: وأن يكون يؤثفين يفعلين كيسلقين أولى من يؤفعلن؛ لأنه لا ضرورة فيه على من جعل الهمزة أصلًا. قال المازني: وبعض العرب بجعل أثفية فعلية، فيقول: أثفت القدر، وقال أبو الفتح؛ أي: أصلحت تحتها الأثافي، واجتمعت العرب على تخفيف الأثافي جمع أثفية فافهم (¬2)، فإنه مبحث دقيق. * * * ¬
شواهد الإدغام
شواهد الإدغام الشاهد الثمانون بعد المائتين والألف (¬1) وقَال نَبِيُّ المسلمِينَ تَقَدَّمُوا ... وأحْبِبْ [إلينا] (¬2) أنْ تكُونَ المُقَدَّمَا أقول: قد مر الكلام فيه مستوفى في شواهد التعجب (¬3). والاستشهاد فيه: هاهنا في قوله: "وأحبب" حيث جاء بلا إدغام مع وجود موجب الإدغام وهو اجتماع الحرفين المتماثلين (¬4). الشاهد الحادي والثمانون بعد المائتين والألف (¬5)، (¬6) فغُضّ الطرفَ إنكَ من نُمَيْرٍ ... ................................ أقول: قائله هو جرير بن الخطفي، وتمامه: .......................... ... فلا كعبًا بلَغْتَ ولا كلابًا وهو من قصيدة من الوافر، أولها هو قوله (¬7): ¬
1 - لَنَا حَوْضُ الحَجِيجِ وَساقيَاهُ .... ومَنْ وَرَثَ النُّبُوَّةَ والكتَابَا 2 - ألَسنَا أكْثَرَ الثَّقَلَيِن حيًّا ... بِبَطنِ مِنًى وأكثَرَهُم قبَابَا 3 - إذا غَضِبَتْ عَلَيكَ بَنُو تَمِيمٍ ... حَسِبتَ الناسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا 4 - فَلَا وأبيكَ مَا لَاقَيتُ حيًّا ... كيَربُوعٍ إذَا رَفَعُوا العُقَابَا 5 - فغُضَّ .............. ... .................. إلى آخره 1 - قوله: "الحجيج": جمع حاج، وأراد بحوض الحجيج بئر زمزم -شرفه الله تعالى-. 2 - و "القباب": جمع قبة، وهي التي تعمل من جلد أو لبد. 3 - و "بنو تميم" في مضر تنسب إلى تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. 4 - ويربوع في تميم، وهو يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفي غطفان: ربوع بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. 5 - و "نمير" بضم النون في قيس غيلان ينسب إلى نمير بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، قال أبو محمد: بنو نمير من أشراف بيوت قيس غيلان، وكان الرجل منهم ذا قيل له: ممن أنت؟ قال: نميري؛ كما ترى إدلالًا بنسبه وافتخارًا بمنصبه، حتى قال جرير بن الخطفي لعبيد بن حصين الراعي أحد بني نمير: فغض الطرف ............ ... ................ إلى آخره و"كعب وكلاب" ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة، فصار الرجل منهم إذا قيل له: ممن أنت؟ قال: عامري، ويكني عن نميري. الإعراب: قوله: "فغض": جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت الضمير المستتر فيه، والخطاب لعبيد الراعي كما ذكرناه، و "الطرف" مفعول، وأراد به العين، قوله: "إنك من نمير": جملة مؤكدة في موضع التعليل. الاستشهاد فيه: في قوله: "فغض" فإنه يجوز فيه الأوجه الأربعة: الفتح لخفته، والضم إتباعًا للغين، والكسر ¬
الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين والألف
لأن الأصل في تحريك اللسان أن يحرك بالكسر والفك؛ كما في قوله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19]، وبنو تميم يشددونه فلذلك قال جرير: فغض، بالتشديد (¬1). الشاهد الثاني والثمانون بعد المائتين والألف (¬2)، (¬3) الحَمدُ للهِ العليّ الأجْلَلِ .... الواسع الفضل الوهوب المجزِلِ أقول: قائله هو أبو النجم العجلي، واسمه: الفضل بن قدامة، وبعده (¬4): 2 - أَعطَى فلَم يَبخَلْ ولَم يُبَخّلْ ... ........................... وهو من الرجز المسدس. قوله: "الوهوب": صيغة مبالغة في الواهب، و "المجزل" من أجزل إذا أعطى إعطاء كثيرًا الإعراب ظاهر. الاستشهاد فيه: في قوله: "الأجلل" حيث فكَّ الإدغام فيه للضرورة مع أنه واجب في مثل هذا، ولهذا قال علماء المعاني: إن الفصاحة في المفرد: خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، ثم قالوا: ومخالفة القياس نحو: الحَمْدُ لله العليّ الأجْلَلِ ... .............................. والقياس: الأجل بالإدغام (¬5). * * * ¬
[خاتمة الكتاب]
[خاتمة الكتاب] وهذا آخر ما جمعناه من الشواهد الشوارد، ومنتهى ما نظمناه من الفرائد في القلائد، إيضاحًا فيها من الفوائد والعوائد، وكشفًا لقناع ما فيها من الخود والخرائد، فجاء بحمد الله تعالى مبرئًا للعليل ومرويًا للغليل، وليس الري من التشاف؛ كما أن العي من الاعتساف، والمأمول من الناظر ممم، ألا يكون من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا من الذين يصحفون في مبادئه ومقاطعه، وكم من متصرف في المهذب بالزيادة والنقصان، ومن مفوق نحوه أسهم الذم والطعان جزاء سنمار حين بنى الخورنق للنعمان، وهل هذا إلا من حسد ركب في الأجساد؟ ولأنهم عزل ما تكمى أهل الفضل والاجتهاد؛ فلذلك تراهم يخرطون القتاد، فهذا وإني قد بذلت فيه طاقتي حسب الإمكان، بترك ما تستلذه نفس الإنسان مع تجرع الغصص من مكايدة أهل هذا الزمان، وتحصيل كتب كثيرة فيما يتعلق بهذا الشان، حتى إني جمعت من الدواوين للشعراء المتقدمين ممم احتج بهم نحاة الأولين والآخرين ما يُنَيّف على مائة في عدد مبين، وهي: ديوان امرئ القيس الكندي، وديوان النابغة الذبياني، وديوان علقمة بن عبدة التميمي، وديوان زهير بن أبي سلمى المزني، وديوان طرفة بن العبد البكري الوائلي، وديوان عنترة بن شداد العبسي، وديوان الأعشى ميمون، وديوان الحطيئة، وديوان جرير، وديوان أبي دؤاد، وديوان كعب بن زهير، وديوان الفرزدق، وديوان رؤبة بن العجاج، وديوان لبيد العامري، وديوان الشنفرى، وديوان عمر بن أبي ربيعة، وديوان ذي الرمة، وديوان الحارث بن حلزة، وديوان أبي ذؤيب الهزلي، وديوان أبي كبير الهذلي، وديوان ساعدة بن جؤية الهذلي، وديوان أبي خراش الهذلي، وديوان أبي المثلم، وديوان صخر الغي، وديوان المتنخل، وديوان أبي العيال، وديوان أسامة بن الحارث، وديوان الأعلم بن عبد الله، وديوان بريق بن خويلد، وديوان ساعدة بن العجلان، وديوان خالد الخزاعي، وديوان السموأل بن عادياء، وديوان حنظلة بن الشرقي، وديوان سحيم عبد بني الحسحاس، وديوان أبي حلحلة الفزاري، وديوان حارثة بن بدر الغداني، وديوان وضاح اليمن، وديوان نهار بن توسعة، وديوان توسعة بن تميم، وديوان الحادرة [الذبياني] (¬1)، وديوان عمرو بن قميئة، وديوان عمرو بن كلثوم، وديوان النعمان بن بشير الأنصاري، وديوان مزاحم العقيلي، وديوان الشماخ، وديوان القطامي، وديوان أوس بن حجر، وديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، [وديوان النمر بن تولب، وديوان جران العود، وديوان راشد بن سهاب بالسين ¬
المهملة، (¬1)، وديوان كعب بن سعد الغنوي، وديوان أبي الطمحان القيني، وديوان رافع بن هريم، وديوان خفاف بن ندبة، وديوان حسان بن ثابت، وديوان حميد بن ثور، وديوان أبي طالب، وديوان ابن الدمينة، وديوان قيس بن الذريح، وديوان جابر بن زيد، وديوان عائذ بن سعد، وديوان حرملة بن جنادة، وديوان عبد الله بن جلهمة، وديوان شهم بن مرة، وديوان أبي رهدم، وديوان الهيثم بن معاوية، وديوان زهير بن جعدة، وديوان عبد الرحمن بن سيحان، وديوان عبيد بن ريحان، وديوان عامر بن قثير الخصفي، وديوان صخر بن الجعد، وديوان كميت، وديوان الأخطل، وديوان زفر بن أنس، وديوان نزال بن واقد، وديوان حنظلة بن ذؤيب، وديوان كثير عزة، وديوان مرار الأسدي، وديوان قيس المجنون، وديوان الأحوص، وديوان أمية بن أبي الصلت. وديوان جميل، وديوان ربيعة بن مقروم، وديوان ابن ميادة، وديوان زياد الأعجم، وديوان الصمت بن عبد الله، وديوان القلاح، وديوان العرجي، وديوان أبي أمية الهذلي، وديوان المتلمس، وديوان ذي الأصبع حرثان، وديوان توبة بن الحمير، وديوان كعب بن مالك الأنصاري، وديوان المهلهل وديوان امرئ القيس، وديوان المزرد، وديوان الراعي، وديوان زفر بن حنان، وديوان الطرماح وديوان خرنق بنت هفان، وديوان جنوب أخت عمرو ذي الكلب، وديوان ليلى، وديوان عاتكة. ومن دواوين المحدثين الذين تذكر أشعارهم لأجل التمثيل: وديوان أبي العتاهية، وديوان عطية السندي، وديوان أبي نواس، وديوان المعري، وديوان المتنبي، وديوان بشار بن برد، وديوان أبي الوليد الأنصاري، وديوان البحتري. ومن الحماسات: حماسة أبي تمام، والحماسة البصرية، والحماسة العسكرية. ومن النوادر: نوادر ابن دريد، ونوادر القالي، ونوادر اللحياني، ونوادر الأصمعي، ونوادر أبي زيد الأنصاري. ومن كتب اللغة: العباب للصاغاني، والصحاح للجوهري، والمحكم لابن سيده، ودستور الله للنطنزي، والمجمل لابن فارس، والكفاية للأجداني، والجمهرة لابن دريد، والأفعال لابن قوطية والمنظم لكراع. ومن كتب الأدب: كتاب الغررة، وكتاب العققة، وكتاب الضيفان، وكتاب المعمرين وكتاب أولاد السراري، وكتاب الأغاني الكبير، ومختصر الأغاني، وكتاب الزينة لأبي حاتم وكتاب خلق الإنسان، وكتاب الخيل، وكتاب الحيوان، وكتاب تثقيف اللسان، وكتاب الكامل ¬
المبرد، وكتاب الكمال لأبي عبيد، وسؤالات المبرد، وهيتيات أبي علي، وكتاب سر الصناعة، والمختار من أشعار القبائل، وكتاب الإصلاح، وكتاب المنقذ، وكتاب الاقتضاب، وكتاب أدب الكاتب، وكتاب الأمثال السائرة، وكتاب التأويلات، وكتاب تحفة العرب، وكتاب تقويم اللسان، وكتاب المقصور والممدود للأنباري، والمقصور والممدود للقالي، وكتاب الطرر لابن ماهر، وكتاب درة الغواص، وكتاب الطير لأبي حاتم، وكتاب الفصيح، وكتاب اليوم والليلة، وكتاب المشترك، وكتاب الأدواء، وكتاب المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن، والمؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء، وطبقات الشعراء، وطبقات النحاة، وشرح أبيات الإيضاح، وشرح أبيات الكتاب للنحاس، وشرح أبيات الإصلاح، وشرح أبيات كتاب الزمخشري، وتذكرة النحاة لأبي علي الفارسي، وتذكرة الشيخ أثير الدين، وتذكرة ابن هشام، وتذكرة ابن الصائغ. غير ما تصفحت من كتب النحو وشروحها من تصانيف العرب والعجم من مؤلفات السلف والخلف من الأم وغير ما وقفت عليه من فوائد الأجلاء من المشايخ والأساتذة، ومن حركات الأفاضل الأماثل الجهابذة، وغير ما قدحته أفكاري من فيض الخالق الباري، وغير ما أنتجه تصوري وولده تفكري، ومع هذا كله ينتبز ذو حسد من الجهلة اللئام، ومن الطاعنين ومما تعبت فيه أفاضل الأنام متصديًا للأعراض، متمنيًا قرض أثره بالمقراض لينال بذلك إلى المفاسد من الأغراض، ولكن من له دين قويم، أو طبع سليم يستنكف عن نبش المعايب، ولا يرضى لدينه بث المثالب مذعنًا فيما ظهرت آياته إلى القبول ومتجنبًا فيما قامت بيناته عن النكول، فنسأل الله تعالى أن يعصمنا عن الأباطيل، ويهدينا إلى سواء السبيل، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين. آمين.
قدَ نجز بحمد الله تعالى هذا الكتاب الميمون المحتوي على كل در مكنون برسم سيدنا ومولانا ربيب حجر السعادة، ورضيع ثدي السيادة، نتيجة الدهر والأوان، ونخبة الأماجد والأقران، كاوي صنوف الآداب بتمامها، ومستخرج زهرات الفضائل من أكمامها، ذي المجد الأثيل والفخر الجليل والأعراق الطاهرة، والشيم الفاخرة، سامي المجد والهمم، حاوي الغر والكرم، فرع الشجرة الذكية، وطراز العصابة الهاشمية، جناب حضرة السيد محمد أفندي الكيلاني، نجل حضرة سيدنا ومولانا: السيد عبد القادر أفندي الكيلاني الحسني الحسيني -أدام الله رفعته وحرس بهجته، وأبقى بيتهم الطاهر عالي العماد، ثابت الأركان والأوتاد، من غير تغيير ولا انثلام، ولا زالوا ملجأ للخاص والعام، ما دامت الليالي والأيام، والحمد لله على التمام على يد الفقير إليه سبحانه وتعالى محمد الرساني -عفا اللَّه عنه- تحريرًا في شهر شعبان المبارك من شهور سنة اثنين وأربعين ومائة وألف. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالين. آمين. * * *
فهرس المراجع
فهرس المراجع حَرفُ الهمزةِ 1 - أبنية الصرف في كتاب سيبويه، د. خديجة الحديثي. 2 - إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، المسمى منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات للشيخ أحمد محمد البنا، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل. ط. عالم الكتب ومكتبة الكليات الأزهرية، أولى لسنة (1987 م). 3 - أخبار النحويين البصريين لأبي سعيد السيرافي، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، ط. دار الاعتصام، أولى لسنة (1985 م). 4 - أدب الكاتب، تحقيق: محمد الدالي. 5 - ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي، تحقيق د: مصطفى أحمد النماس، ط. مطبعة المدني، أولى لسنة (1984 م). 6 - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب العزيز لأبي السعود. ط. دار الفكر. 7 - الأزهية في علم الحروف لعلي بن محمد الهروي -تحقيق: عبد المعين الملوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق لسنة (1982 م). 8 - أساس البلاغة للإمام جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، ط. مطبعة دار التنوير العربي. بيروت رابعة لسنة (1984 م)، وأخرى ط. دار صادر بيروت (1979 م). 9 - أساليب التوكيد في القرآن الكريم لعبد الرحمن المطردي، ط. الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، أولى لسنة (1986 م). 10 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري، ط. دار الفكر العربي، أولى لسنة (1989 م). 11 - أسرار العربية لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد بهجة البيطار، مطبعة الترقي بدمشق (1957 م). 12 - أسرار النداء في لغة القرآن الكريم د. إبراهيم حسن إبراهيم حسن، ط. مطبعة الفجالة. 13 - أسلوب القسم واجتماعه مع الشرط في رحاب القرآن الكريم، لعلي أبو القاسم عون، منشورات جامعة الفاتح (1992 م). 14 - إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين لعبد الباقي اليماني، تحقيق: عبد المجيد دياب، ط. أولى (1986 م).
15 - الأشباه والنظائر في النحو للحافظ جلال الدين السيوطي. ط. دار الكتب العلمية. بيروت. 16 - كتاب الاشتقاق لابن دريد، تحقيق (هارون)، ط. دار الجيل، بيروت، أولى (1991 م). 17 - أشعار بني تميم في العصر الجاهلي، جمع: عبد الحميد محمود المعيني. 18 - أشعار الستة الجاهليين للأعلم الشنتمري: نشر دار الآفاق الجديدة، أولى (1979 م). 19 - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ط. دار الكتب العلمية. 20 - إصلاح المنطق لابن السكيت، ط. دار المعارف، تحقيق عبد السلام هارون، خامسة، وأخرى تحقيق: فخر الدين قباوة. 21 - أصول الأملاء لعبد اللطيف الخطيب، ط. أولى وثانية، طبعة دار التراث، الكويت. 22 - الأصول في النحو لأبي بكر بن السراج، تحقيق: عبد المحسن الفتلي. ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، أولى لسنة (1985 م). 23 - الأضداد، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم. 24 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لأبي عبد الله الحسين بن خالويه، مكتبة المتنبي، القاهرة. 25 - إعراب الجمل وأشباه الجمل. د. فخر الدين قباوة، ط. مطبعة دار القلم العربي بحلب، خامسة لسنة (1989 م). 26 - إعراب القرآن لأبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس. تحقيق: د. زهير غازي زاهد، ط. عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، ثالثة لسنة (1988 م). 27 - الأعلام؛ قاموس تراجم لأشهر تراجم الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين لخير الدين الزركلي. ط. دار العلم بيروت. مختلفة الطبعات. 28 - الأعلم وأثره في النحو مع تحقيق شرح أبيات الجمل: "دكتوراه" بالأزهر رقم (173)، تحقيق د: محمد شعبان. 29 - الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، تحقيق: سمير جابر، ط. دار الكتب العلمية، ثانية (1992 م)، وأخرى ط. دار إحياء التراث العربي بيروت، وثالثة: ط. دار صعب بيروت، ورابعة ط. بولاق، وخامسة ط. بيروت، ط. مصورة عن دار الكتب المصرية، وسادسة شرح: عبدأ علي مهنا، ط. ثانية (1992 م). 30 - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي. تحقيق أ. مصطفى السقا، ود. حامد عبد المجيد، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب لسنة (1982 م). 31 - أمالي السهيلي أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي في النحو واللغة والحديث والفقه، تحقيق: محمد إبراهيم البنا. 32 - الأمالي النحوية "أمالي القرآن الكريم" لابن الحاجب. تحقيق: هادي حسن حمودي. ط. عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية، أولى لسنة (1985 م).
33 - الأمالي الشجرية لضياء الدين أبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة العلوي المعروف بابن الشجري، طبعات مختلفة، تحقيق محمود الطناحي وآخرين. 34 - الأمالي النحوية لابن الحاجب، تحقيق د. فخر الدين قباوة، وأخرى تحقيق: حسن هادي حمودي. 35 - إنباه الرواة على أنباه النحاة لجمال الدين علي بن يوسف القفطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، من دار الكتب المصرية لسنة (1952 م). 36 - الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين لكمال الدين أبي البركات عبد الرحمن محمد ابن أبي سعيد الأنباري النحوي ومعه: الانتصاف من الإنصاف لمحمد محيي الدين عبد الحميد. ط. المكتبة المصرية بيروت لسنة (1987 م). 37 - الأنموذج في النحو للزمخشري بشرح الأردبيلي، تحقيق: حسني عبد الجليل يوسف، نشر مكتبة الآداب. 38 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي وحاشية الشهاب الخفاجي، ضبط الشيخ عبد الرازق مهدي، نشر: محمد علي بيضون، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1997 م). 39 - أمثلة المبالغة بين القياس والسماع دراسة نحوية من خلال الأسلوب العربي، دكتور: عادل الطنطاوي، مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة، فرع جامعة الأزهر الشريف، العدد الثامن عشر. 40 - أهدى سبيل إلى علمي الخليل (العروض والقافية) لمحمود مصطفى، ط. مصطفى الحلبي (1936 م). 41 - أوزان الشعر وقوافيه من مسرحية كليوباترا، د. علي فاخر. 42 - أوضح المسالك بمصباح السالك، تحقيق: ووصف الشيخ، ومحمد البقاعي، دار المعرفة (1994 م). 43 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لأبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري ومعه كتاب بغية السالك إلى أوضح المسالك لعبد المتعال الصعيدي. ط. مطبعة صبيح رابعة لسنة (1968 م). 44 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام ومعه مصباح السالك إلى أوضح المسالك، تأليف بركات يوسف هبود. ط. دار المعرفة لسنة (1994 م). 45 - الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي، تحقيق د. حسن شاذلي فرهود. 46 - الإيضاح في شرح المفصل لأبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب. تحقيق د. موسى بناي العليلي. ط. مطبعة بغداد، لجنة إحياء التراث الإسلامي. 47 - الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم الزجاجي، تحقيق د. مازن المبارك، ط. دار النفائس، أولى لسنة (1974 م). 48 - الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني، ط. دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1985 م). 49 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون للبغدادي. ط. مطبعة المثنى بغداد.
حرف الباء
حَرْفُ البَاء 50 - التفسير الكبير المسمى "البحر المحيط" لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الشهير بأبي حيان وبهامشه النهر الماد من البحر المحيط وكتاب الدر اللقيط من البحر المحيط. ط. دار إحياء التراث العربي. بيروت، ثانية لسنة (1990 م). 51 - بحوث ومقالات في اللغة، د. رمضان عبد التواب، ط. الخانجي، أولى (1982 م). 52 - بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، أولى (1969 م). 53 - البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق: أحمد عبد الوهاب فتيح، ط. دار الحديث، خامسة (1998 م). 54 - البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. مكتبة دار التراث، ودار المعرفة بيروت، ثانية (1972 م)، وغيرها. 55 - البرهان في علوم القرآن للزركشي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ط. دار الفكر، أولى (1988 م). 56 - بغية الإيضاح لعبد المتعال الصعيدي، ط. مكتبة العلوم والحكم. 57 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي، ط. دار الفكر، ثانية (1979 م)، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، وأخرى ط. المكتبة العصرية بيروت. 58 - البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث لأبي البركات الأنباري، تحقيق د. رمضان عبد التواب، مطبعة دار الكتب. 59 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للحافظ جلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. دار الفكر، ثانية (1979 م)، وأخرى ط. المكتبة العصرية بيروت. 60 - بلوغ الأرب في الواو في لغة العرب، د. عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد. 61 - البيان في غريب إعراب القرآن لأبي البركات الأنباري. تحقيق: د. طه عبد الحميد طه، ومراجعة: مصطفى السقا، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب لسنة (1980 م). 62 - البيان والتبيين للجاحظ، تحقيق: هارون، دار الجيل، بيروت. 63 - ابن عصفور وابن هشام في النحو والصرف، ماجستير بجامعة الأزهر، إعداد. عبد العزيز فاخر (1995 م). حَرْفُ التَّاء 64 - تاج العروس للإمام اللغوي: محمد مرتضى الزبيدي، المطبعة الخيرية، المنشأة الجمالية مصر المحمية، أولى لسنة (1306 هـ). وأخرى تحقيق: علي شيري. ط دار الفكر لسنة (1994 م)، وأخرى تحقيق د. حسين نصار ط. دار إحياء التراث العربي بيروت. 65 - التأنيث في اللغة العربية، د. إبرهيم إبراهيم بركات، ط. دار الوفاء لسنة (1988 م). 66 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي القاهرة (1931 م).
67 - التبصرة في القراءات السبع لمكي بن أبي طالب. 68 - التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري، ط. المكتبة التوفيقية، أولى، لسنة (1979 م). 69 - تحصيل عين الذهب د. زهير سلطان. 70 - التذكرة لأبي حيان، تحقيق: د. عفت عبد الرحمن. 71 - التذييل والتكميل لأبي حيان الأندلسي شرح كتاب التسهيل لابن مالك، تحقيق د. حسن هنداوي، ط. دار القلم بيروت أولى لسنة (1997 م). 72 - التذييل والتكميل لأبي حيان، د. الشربيني، دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة. جامعة الأزهر. 73 - التذييل والتكميل شرح تسهيل الفوائد لأبي حيان الأندلسي، مخطوط. 74 - التذييل والتكميل لأبي حيان، رسالة دكتوراه بالأزهر، تحقيق: د. السيد تقي. 75 - تصحيح الفصيح وشرحه لابن درستويه، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحقيق: محمد بدوي المختون، ود. رمضان عبد التواب. 76 - التصريف لأبي عثمان المازني بشرح المنصف لأبي الفتح بن جني، تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، ط. وزارة المعارف أولى لسنة (1954 م). 77 - تطبيقات نحوية وبلاغية د. عبد العال سالم مكرم، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ثانية (1992 م). 78 - تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني، تحقيق: محمد عبد الرحمن المفدى، ط. أولى (1989 م). 79 - التعويض وأثره في الدراسات النحوية واللغوية. د. عبد الرحمن محمد إسماعيل. جامعة أم القرى ط. أولى لسنة (1982 م). 80 - تغيير النحويين للشواهد، د. علي محمد فاخر. 81 - التفسير والمفسرون بحث تفصيلي عن نشأة التفسير وتطوره وأنواعه ومذاهبه، د. محمد حسين الذهبي، نشر مكتبة وهبه، خامسة لسنة (1992 م). 82 - تهذيب إصلاح المنطق، الخطيب التبريزي، تحقيق: فخر الدين قباوة. 83 - تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، تحقيق: البردوني. 84 - التوجيهات والآثار النحوية والصرفية للقراءات الثلاثة بعد السبعة، د. علي فاخر، ط. أولى (1999 م). 85 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي، تحقيق: د. عبد الرحمن علي سليمان، مكتبة الكليات الأزهرية. 86 - التوطئة لأبي علي الشلوبين، دراسة وتحقيق: يوسف أحمد المطوع، لسنة (1981 م).
حرف الجيم
حَرْفُ الجيم 87 - جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، دار الكتب العلمية بيروت، أولى (1992 م)، وأخرى: تحقيق: أحمد محمد شاكر، نشر مؤسسة الرسالة، أولى (1420 هـ). 88 - الجامع الصحيح للترمذي أبي عسى محمد بن عيسى بن سورة. تحقيق: أحمد محمد شاكر. 89 - الجامع الصغير في النحو لأبي محمد جمال الدين بن هشام الأنصاري، تحقيق د. أحمد محمود الهرميل، نشر مكتبة الخانجي لسنة (1980 م). 90 - الجامع لأحكام القرآن الكريم لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي. ط. بيروت، أولى لسنة (1988 م)، وأخرى: ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت (1985 م). 91 - الجامع المفهرس لأطراف الأحاديث النبوية للألباني، تأيف سليم بن عيد الهلالي، دار ابن الجوزي، ط. (1989 م). 92 - جمل الزجاجي، تحقيق: ابن أبي شنب، طبعة (1926 م). 93 - الجمل في النحو للزجاجي، بتحقيق: علي توفيق الحمد (1984 م)، ط. أولى. 94 - كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط. مؤسسة الرسالة، ثانية لسنة (1987 م). 95 - جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام للقرشي، تحقيق: محمد علي الهاشمي، ط. جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، وأخرى ط. دار صادر. 96 - جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش، ط. دار الجيل، ودار الفكر، ثانية (1988 م). 97 - جمهرة اللغة لابن دريد، تصوير عن حيدر أباد الدكن. 98 - الجنى الداني في حروف المعاني للحسن ابن أم قاسم المرادي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ومحمد فاضل نديم، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، أولى، لسنة (1992 م). 99 - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، تأليف أحمد الهاشمي. حرفُ الحَاء 100 - حاشية الخضري للشيخ محمد الدمياطي الشافعي على شرح عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل لألفية ابن مالك وبهامشه شرح ابن عقيل. ط. مصطفى الحلبي. لسنة (1940 م). 101 - حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي أنوار التنزيل وأسرار التأويل. 102 - حاشية الشيخ محمد الأمير على مغني اللبيب لابن هشام، ط. دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي.
حرف الخاء
103 - حاشية العلامة يس العليمي على شرح التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري على ألفية ابن مالك في النحو والصرف للشيخ جمال الدين بن هشام الأنصاري. ط. دار إحياء الكتب العربية. عيسى الحلبي. 104 - الحجة في القراءات السبع لابن خالويه، تحقيق: عبد العال سالم، ط. مؤسسة الرسالة، خامسة لسنة (1990 م). 105 - حجة القراءات لأبي زرعة، تحقيق: سعيد الأفغاني، ط. مؤسسة الرسالة (1973 م). 106 - الحجة في القراءات السبع لابن خالويه، تحقيق: عبد العال سالم مكرم، ط. رابعة (1401 هـ)، نشر دار الشروق بيروت. 107 - الحروف العاملة في القرآن الكريم بين النحويين والبلاغيين، إعداد هادي عطية مطر، ط. عالم الكتب، أولى (1986 م). 108 - حروف المعاني لأبي القاسم الزجاجي تحقيق: علي توفيق الحمد. ط. بيروت. 109 - حروف المعاني لعبد الحي علي كمال، المطبعة السلفية (1392 هـ)، أولى. 110 - الحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد البطليوسي، تحقيق: د. مصطفى إمام (1979 م). 111 - حماسة البحتري، تحقيق: الأب لويس سنحودن. 112 - الحماسة البصرية، تحقيق: مختار الدين أحمد (عالم الكتب). 113 - حماسة ابن الشجري، تحقيق: عبد المعين الملوحي، دمشق (1970 م). 114 - حماسة أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، طبعة عالم الكتب. 115 - الحيوان للجاحظ، طبعة المجمع العلمي العربي الإسلامي، تحقيق: هارون، ثالثة (1969 م). حَرْفُ الخَاء 116 - اختيارات المرادي في تراثه النحوي د. أحمد السوداني، دكتوراه بالأزهر (1999 م). 117 - خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق: هارون، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب، ثانية لسنة (1979 م). 118 - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب على شواهد شرح الكافية للبغدادي. وبهامشه المقاصد النحوية في شرح شروح الألفية المزرى بفرائد العقود المشهور بشرح الشواهد الكبرى للعيني. ط. دار صادر بيروت، وأخرى نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض. أولى لسنة (1401 هـ). 119 - الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق: محمد علي النجار، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب، ثالثة، لسنة (1986 م). 120 - الخصائص الكبرى للسيوطي، دار الكتب العلمية، أولى (1985 م).
حرف الدال
حَرْفُ الدَّال 121 - دراسات لأسلوب القرآن الكريم للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة، ط. دار الحديث، القاهرة. 122 - دراسات نحوية وصرفية في شعر ذي الرمة، د. علي محمد فاخر، ط. أولى (1996 م). 123 - دراسة في النحو الكوفي من خلال معاني القرآن للفراء، للمختار أحمد ديرة، ط. دار قتيبة، أولى (1991 م). 124 - درة الغواص في أوهام الخواص للحريري، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر. 125 - الدرر اللوامع شرح شواهد همع الهوامع تأليف: أحمد بن الأمين الشنقيطي، تحقيق: عبد العال سالم مكرم، ط. أولى لدار البحوث العلمية الكويت لسنة (1983 م). 126 - دلائل الإعجاز للجرجاني، تحقيق: محمود شاكر، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأخرى مكتبة الأسرة مصورة عن الهيئة العامة للكتاب، لسنة (2000 م). حَرْفُ الذَّال 127 - ذيل الأمالي والنوادر، ط. دار الكتب المصرية (1926 م). حَرْفُ الرَّاء 128 - ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي، تحقيق: مصطفى أحمد النماس، ط. مطبعة المدني أولى (1984 م). 129 - رجال المعلقات العشر للغلاييني -عبيد بن الأبرص (ت 555) قبل الهجرة، ط. أولى (1414 هـ). 130 - الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي، تحقيق: د. شوقي ضيف، ط. دار المعارف، ثانية. 131 - رصف المباني شرح حروف المعاني للمالقي، تحقيق: أحمد محمد الخراط، ط. مجمع اللغة العربية بدمشق. 132 - روح المعاني للآلوسي، ط. دار إحياء التراث العربي بيروت. 133 - الروض الأنف للسهيلي. حَرْفُ السِّين 134 - السبعة في القراءات. 135 - سر صناعة الإعراب، لأبي الفتح بن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، ط. دار القلم، ثانية (1993 م). 136 - سمط اللآليء، تحقيق عبد العزيز الميمني. 137 - السموأل أخباره والشعر المنسوب إليه (مختار الغوث). 138 - اسم الفعل في كلام العرب والقرآن الكريم، د. سيد محمد عبد المقصود درويش.
حرف الشين
139 - سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ط. دار الحديث، القاهرة، لسنة (1988 م). 140 - سنن ابن ماجه. 141 - سنن الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمزلي، وخالد السبع العلمي، ط. دار الريان للتراث بالقاهرة، أولى (1987 م). 142 - سنن النسائي الحديث بشرح الحافظ السيوطي وحاشية السندي، ط. دار الحديث (1987 م). 143 - السيرة النبوية لابن هشام، تعليق طه عبد الرءوف سعد، ط. دار الجيل، وط. مكتبة الكليات الأزهرية. 144 - السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق د. محمد فهمي السرجاني، المكتبة التوفيقية، بدون. 145 - السيرة النبوية لابن هشام، طبعة دار إحياء التراث، تحقيق مصطفى السقا. 146 - السيرة النبوية لابن هشام، ط. دار الوفاء. حرفُ الشِّين 147 - الاشتقاق لابن دريد. 148 - شذا العرف في فن الصرف للشيخ أحمد الحملاوي، المكتبة الثقافية، بيروت. 149 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، ط. دار الآفاق، بيروت. 150 - شرح أبيات الإيضاح لابن بري. 151 - شرح أبيات سيبويه للسيرافي، تحقيق: محمد علي الريح هاشم، ط. دار الفكر (1974 م). 152 - شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، تحقيق: محمد علي. 153 - شرح أبيات سيبويه للنحاس، تحقيق: زهير غازي (البصرة)، وأخرى د. وهبة متولي. 154 - شرح أشعار الهذليين، تحقيق: عبد الستار فراج ومحمود شاكر. 155 - شرح أشعار الهذليين، ط. دار العروبة وبعناية محمود شاكر. 156 - شرح الأبيات المشكلة الإعراب لأبي علي الفارسي. تحقيق: د. محمود محمد الطناحي، ط. مطبعة المدني، أولى لسنة (1988 م). 157 - شرح أبيات مغني اللبيب لعبد القادر البغدادي. تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق، ط. دار المأمون للتراث، ثانية لسنة (1988 م). 158 - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ومعه حاشية الصبان وشرح الشواهد للعيني، ط. دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي. 159 - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم، ط. دار الجيل، تحقيق: عبد الحميد السيد.
160 - شرح الألفية لابن الناظم، منشورات ناصر خسرو، إيران. 161 - شرح الألفية لابن الناظم، ط. دار السرور بيروت، تصحيح: محمد بن سليم اللبابيدي. 162 - شرح بهاء الدين بن عقيل على ألفية ابن مالك ومعه منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمد محي الدين عبد الحميد، ط. المكتبة العصرية وأخرى لدار الاتحاد العربي، لسنة (1975 م)، وأخرى ط. صبيح، وأخرى ط. دار الفكر. 163 - شرح ألفية ابن معطٍ، للدكتور: علي موسى الشوملي، نشر مكتبة الخريجي. 164 - شرح التسهيل لجمال الدين محمد بن مالك. تحقيق: عبد الرحمن السيد ومحمد المختون، ط. هجر للطباعة والنشر، أولى لسنة (1990 م). 165 - شرح التسهيل للمرادي، دكتوراه بالأزهر باسم: عبد الهادي أحمد فراج سليمان. 166 - شرح التسهيل للمرادي، تحقيق د. أحمد محمد عبد الله يوسف (دكتوراه بالأزهر). 167 - شرح التسهيل لناظر الجيش، تحقيق د. علي فاخر، دكتوراه بالأزهر. 168 - شرح التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري على ألفية ابن مالك وبهامشه حاشية العلامة يس العليمي، ط. دار إحياء الكتب العربية. عيسى الحلبي. 69 - شرح الجمل لابن خروف، ط. أم القرى، معهد البحوث العلمية، تحقيق: د. سلوى محمد عمر، ط. أولى (1419 هـ). 170 - شرح جمل الزجاجي لابن هشام، تحقيق علي محسن عيسى مال الله، ط. عالم الكتب، أولى (1985 م). 171 - شرح ديوان الحماسة للمرزوقي، تحقيق أحمد أمين، وعبد السلام هارون، دار الجيل- بيروت. 172 - شرح ديوان الحماسة لأبي تمام التبريزي. 173 - شرح الحماسة البصرية، تحقيق: مختار الدين أحمد. 174 - شرح ديوان زهير بن أبي سلمى صنعة أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، دار الكتب المصرية (1944 م). 175 - شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق: فخر الدين قباوة. 176 - شرح ديوان المتنبي لابن جني (مخطوط) بمعهد المخطوطات. (القاهرة) رقم (526) أدب بدون ترقيم. 177 - شرح ديوان المتنبي للعكبري، مصطفى الحلبي (1956 م). 178 - شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين الأستراباذي محمد بن الحسن مع شرح شواهده لعبد القادر البغدادي، تحقيق محمد نور الحسن وآخران، ط. دار الكتب العلمية بيروت لسنة (1982 م). 179 - شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب لجمال الدين بن هشام الأنصاري ومعه منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب لمحمد محيي الدين عبد الحميد.
180 - شرح شواهد شرح شافية ابن الحاجب للرضي بتحقيق محمد نور الحسن وآخرَين لعبد القادر البغدادي. ط. دار الكتب العلمية بيروت. لسنة (1982 م). 181 - شرح شواهد مغني اللبيب لجلال الدين السيوطي. منشورات مكتبة الحياة بيروت. 182 - شرح شواهد ابن عقيل للجرجاني، ط. الحلبي. 183 - شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لجمال الدين محمد بن مالك. تحقيق: عدنان عبد الرحمن الدوري. ط. مطبعة العاني بغداد. لسنة (1977 م). 184 - شرح القصائد العشر للتبريزي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط. دار الآفاق الجديدة، ثالثة، بيروت (1979 م). 185 - شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام ومعه سبيل الهدى بتحقيق شرح قطر الندى لمحمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة. ط. الحادية عشرة لسنة (1963 م). 186 - شرح الكافية للرضي تعليق: يوسف حسن عمر. جامعة قاريونس. 187 - شرح الكافية الشافية لابن مالك تحقيق: عبد المنعم هريدي. ط. دار المأمون للتراث. 188 - شرح اللمع لابن برهان ط. الكويت. 189 - شرح المعلقات السبع للزوزني، ط. مكتبة المتنبي. 190 - شرح المعلقات السبع للتبريزي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. 191 - شرح المعلقات السبع للزوزني، ط. دار الكتب العلمية، وأخرى ط. مكتبة المتنبي. 192 - شرح المعلقات العشر للشنقيطي. 193 - شرح المعلقات العشر لمفيد قميحة. 194 - شرح المفصل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير، ط. دار الغرب الإسلامي. 195 - شرح المفصل لموفق الدين بن يعيش النحوي. ط. عالم الكتب بيروت. 196 - شرح المفضليات للتبريزي، تحقيق د. فخر الدين قباوة. 197 - شرح المقدمة الجزولية الكبير للأستاذ أبي علي الشلوبين، تحقيق: تركي بن سهو بن نزال العتيبي، ط. مؤسسة الرسالة، ثانية لسنة (1994 م). 198 - شرح المقرب لابن عصفور الإشبيلي الأندلسي، المرفوعات والمنصوبات د. علي محمد فاخر، ط. مطبعة السعادة، أولى لسنة (1990 م). 199 - شعر الأحوص الأنصاري، تحقيق: عادل سليمان جمال، تقديم د. شوقي ضيف، ط. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر (1970 م). 200 - شعر بني تميم في العصر الجاهلي (286) جمع وتحقيق د. عبد الحميد محمود المعيني، نشر نادي القصيم
حرف الصاد
الأدبي، ط. سابعة (1982 م). 201 - شعر الخوارج، جمع وتقديم د. إحسان عباس، الطبعة الثالثة، دار الثقافة بيروت. 202 - شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط. دار الكتب العلمية. 203 - شعر عمرو بن أحمر الباهلي، تحقيق د. حسين عطوان، دمشق. 204 - الشعر والشعراء، عالم الكتب- ط. الثالثة. 205 - الشعر والشعراء لابن قتيبة، تحقيق د. مفيد قميحة ومراجعة: نعيم زرزور، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ثانية (1985 م). 206 - شعب الإيمان للبيهقي. 207 - شعر بني تميم في العصر الحاهلي، جمع وتحقيق د. عبد الحميد محمود المعيني، نشر نادي القصيم الأدلي، ط. سابعة (1982 م). 208 - شعر الكلحبة اليربوعي ضمن كتاب: شعر بني تميم في العصر الجاهلي، جمع وتحقيق د. عبد الحميد المعيني. 209 - شعر الكميت بن زيد الأسدي، جمع وتقديم: داود سلام، بغداد (1969 م). 210 - شعر النعمان بن بشير الأنصاري، تحقيق: د. يحيى الجبوري، العراق. 211 - شعر هدبة بن خشرم العذري، تحقيق: يحيى الجبوري، دار القلم، الكويت (1986 م). 212 - شفاء العليل في إيضاح التسهيل لأبي عبد الله السلسيلي، تحقيق الشريف عبد الله الحسيني البركاتي، مكة المكرمة، ط. أولى (1406 - 1983 م). 213 - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لجمال الدين بن مالك، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ط. دار الكتب العلمية بيروت. حَرْفُ الصَّاد 214 - الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية لإسماعيل بن حماد الجوهري. تحقيق: أحمد عبد الغفور، ط. دار العلم للملايين، بيروت، أولى (1956 م). 215 - صحيح البخاري، طبعة دار الشعب. 216 - صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر، دار المعارف، بيروت. 217 - صحيح البخاري بفتح الباري، ط. دار المعرفة، تحقيق: عبد العزيز بن باز وآخرين. 218 - صحيح البخاري، ط. النسخة الأميرية (1314 هـ). 219 - صحيح البخاري، ط. محمد علي صبيح.
حرف الضاد
220 - صحيح ابن حبان بشرح الإحسان، تأليف: علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، طبعة أولى (1991 م). 221 - صحيح مسلم بشرح النووي، ط. أولى، المطبعة المصرية بالأزهر (1930 م). 222 - صحيح مسلم، ط. دار الفتح الإسلامي، وط. دار الشعب. 223 - الصفوة الصفية في شرح الدرة الألفية، تحقيق: محسن سالم الغميري، جامعة أم القرى. حَرْفُ الضَّاد 224 - ضرائر الشعر لابن عصفور، (خليل عمران المنصور). 225 - ضرائر الشعر لابن عصفور الإشبيلي تحقيق: السيد إبراهيم محمد. دار الأندلس للطباعة والنشر. 226 - الضوء اللامع لأهالي القرن التاسع لشمس الدين السخاوي. حَرْف الطَّاء 227 - طبقات الشعراء لابن سلام، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت. 228 - طبقات فحول الشعراء، لابن سلام، شرح: محمود محمد شاكر، ط. دار المدني بجدة. 229 - طبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي. ط. دار الكتب العلمية بيروت، أولى لسنة (1983 م). 230 - طبقات النحويين واللغويين لأبي بكر الزبيدي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف. ثانية. حَرفُ الظَّاء 231 - ظاهرة التركيب في النحو العربي، د. أحمد السوداني، ط. أولى (2005 م). حَرْفُ العَين 232 - عبيد بن الأبرص حياته وشعره، عبد الله علي الصويفي، جامعة الفاتح (1992 م). 233 - اعتراضات العيني على النحاة، واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد، ماجستير -الأزهر- سيد أبو المعاطي. 234 - العروض الواضح لمحمود حقي، ط. مكتبة دار الحياة (1984 م)، السادسة عشر. 235 - العقد الفريد، طبعة دار الكتب العلمية. 236 - العقد الفريد لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، تحقيق: محمد سعيد العريان، ط. دار الفكر. 237 - علل التثنية لابن جني، تحقيق: صبيح التميمي، ومراجعة: د. رمضان عبد التواب، ط. مكتبة الثقافة الدينية (1992 م).
حرف الغين
238 - علم البيان، د. عبد العزيز عتيق. 239 - علم العروض والقافية، د. عبد العزيز عتيق، ط. دار النهضة العربية بيروت (1987 م). 240 - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، ط. دار الفكر. 241 - عون المعبود شرح سنن أبي داود. 242 - العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي. حَرْفُ الغَين 243 - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، نشر: ج. برجستراسر، ط. مكتبة المتنبي، القاهرة. حَرْفُ الفَاء 244 - الفاخر في شرح جمل عبد القاهر للبعلي، تحقيق: ممدوح محمد خسارة، الكويت (2002 م). 245 - فرحة الأديب للغندجاني، تحقيق: محمد علي سلطاني. 246 - الفصول الخمسون لابن معط (238)، تحقيق: محمود الطناحي. 247 - فوات الوفيات، تحقيق: د. إحسان عباس، ط. دار صادر بيروت. حَرفُ القَاف 248 - القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي. ط. الحلبي. 249 - قضايا الخلاف النحوية والصرفية في كتاب شفاء العليل للسلسيلي، (دكتوراه) بالأزهر، إعداد: عبد العزيز فاخر (2000 م). 250 - القضايا النحوية والصرفية في الجزء السادس عشر من كتاب روح المعاني للآلوسي، من أول قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)} [الكهف: 75] إلى آخر سورة طه. ماجستير بالأزهر، إعداد: أحمد السوداني (1996 م). حَرْفُ الكَاف 251 - الكافي في العروض والقوافي للتبريزي تحقيق الحساني حسن عبد الله، ط. المدني (1969 م). 252 - كتاب الكافية في النحو لأبي عمر عثمان بن الحاجب بشرح رضي الدين الإستراباذي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت لسنة (1979 م). 253 - الكامل في اللغة والأدب لأبي العباس المبرد محمد بن يزيد، نشر مؤسسة المعارف بيروت.
حرف اللام
254 - الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري المعروف بعز الدين، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1987 م). 255 - الكامل في اللغة والأدب للمبرد، تحقيق: حنا الفاخوري، دار الجيل، بيروت، وأخرى تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، وثالثة: تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، نهضة مصر. 256 - كتاب التكملة لأبي علي الفارسي، رسالة ماجستير، كجامعة القاهرة، وأخرى تحقيق: كاظم بحر المرجان، ط. عالم الكتب. 257 - كتاب الافتتاح في سنن النسائي. 258 - كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، تحقيق: مصطفى السقا وزميله، ط. الهيئة العامة للكتاب (1981 م). 259 - كتاب سيبويه، ط. بولاق. 260 - كتاب سيبويه لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. نشر مكتبة الخانجي. ط. الثالثة لسنة (1988 م). 261 - كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب لابن ميمون، ط. دار الكتب المصرية (1990 م). 262 - الكشاف عن حقائق غواص التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل لجار الله الزمخشري، ط. دار الريان للتراث الثالثة (1987 م). وأخرى لدار المعرفة. 263 - كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، لحاجي خليفة، مكتبة المتنبي، بيروت. 264 - كمال الأعلام بتثليث الكلام طبع بتحقيق: سعد الغامدي، بجامعة أم القرى (مجلدان). 265 - الكميت بن زيد شاعر العصر الروائي وقصائده الهاشميات، تأليف: عبد المتعال الصعيدي، نشر دار الفكر العربي. حرفُ اللَّام 266 - لامية العرب للشنفرى، منشورات: مكتبة الحياة. 267 - لا النافية بين الحذف والزيادة، د، علي محمد فاخر، مطبعة السعادة (1990 م). 268 - اللامات لأبي القاسم عبد الرحمن بن إِسحاق الزجاجي، تحقيق: مازن المبارك، ط. دار الفكر، ثانية (1985 م). 269 - لسان العرب لابن منظور، ط. دار المعارف. 270 - اللمع لابن جني، تحقيق: حامد المؤمن، طبعة عالم الكتب، ومكتبة النهضة العربية، ثانية (1985 م). 271 - "لو" أنواعها وأحكامها دراسة نحوية تطبيقية في كتاب الله والشعر العربي، د. أحمد السوداني، بحث منشور بمجلة جامعة الأزهر (2007 م).
حرف الميم
حَرْفُ المِيمِ 272 - ما يشترك بين الاسمية والحرفية دكتور: عبد الحميد الوكيل، مطبعة الأمانة. 273 - المؤتلف والمختلف. 274 - المبسوط في القراءت الشعر. 275 - مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى. تحقيق: محمد فؤاد. 276 - مجالس ثعلب لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط. دار المعارف، رابعة لسنة (1980 م). 277 - مجمع الأمثال للميداني، تحقيق محمد محيي الدين، طبعة مطبعة السعادة. وأخرى ط. مكتبة السنة المحمدية (1955 م)، وثالثة تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. الحلبي. 278 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، وهو بتحرير الحافظين العراقي وابن حجر، ط. ثانية (1967 م)، دار الكتاب العربي، بيروت. 279 - المجمل في اللغة لابن فارس، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، ط. مؤسسة الرسالة، ثانية (1986 م). 280 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وآخرين، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. 281 - المحرر الوجيز لابن عطية، ط. دار الكتاب الإسلامي، القاهرة (1411 هـ-1991 م). 282 - المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، تحقتق: مصطفى السقا، وحسين نصار، ط. أولى (1958 م)، لمعهد المخطوطات بجامعة الدول. 283 - المذكر والمؤنث لابن الأنباري. 284 - مختصر شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه. ط. مكتبة المتنبي القاهرة. 285 - مختار الشعر الجاهلي لمصطفى السقا، ط. المكتبة الشعبية، ثالثة (1969 م). 286 - مختصر في العروض لابن جنى، تحقيق: د. إمام حسن الجبوري، ط. ثانية (1987 م). 287 - المخصص لابن سيده، طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، أولى (1996 م). 288 - المدارس النحوية، شوقي ضيف، ط. دار المعارف، ثانية. 289 - المذكر والمؤنث للفراء، تحقيق: د. رمضان عبد التواب، مكتبة دار التراث، بدون. 290 - مراتب النحويين لأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي، تحقيق محمد أبي الفصل إبراهيم. ط. مكتبة نهضة مصر. 291 - المزهر في علوم اللغة وأنواعها لجلال الدين السيوطي، شرح محمد أبي الفضل إبراهيم وآخرين، ط. مطابع
المختار الإسلامي، ثالثة. 292 - المسائل البصريات لأبي علي الفارسي. تحقيق: د. محمد الشاطر أحمد محمد، ط. مطبعة المدني أولى لسنة (1405 هـ). 293 - المسائل الحلبيات لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. حسن هنداوي. 294 - المسائل العسكريات لأبي علي الفارسي، تحقيق د. محمد الشاطر أحمد محمد، ط. المدني لسنة (1982 م). 295 - المساعد على تسهيل الفوائد شرح للإمام: بهاء الدين بن عقيل على تسهيل الفوائد لابن مالك تحقيق د. محمد كامل بركات، ط. دار الفكر لسنة (1980 م). 296 - مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب، تحقيق حاتم الضامن، ط. مؤسسة الرسالة، رابعة (1988 م). 297 - مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي تحقيق ياسين محمد السواس، ط. دار المأمون للتراث. 298 - مصباح السالك إلى أوضح المسالك تأليف بركات يوسف هبود، ط. دار المعرفة لسنة (1994 م). 299 - المصباح المنير. 300 - مصنف ابن أبي شيبة. 301 - معاني الحروف لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني. تحقيق د. عيسى عبد الفتاح شلبي، ط. دار نهضة مصر. 302 - معاني القرآن لأبي زكرياء الفراء، تحقيق يوسف نجاتي وآخرين ومراجعة علي النجدي ناصف، ط. الدار المصرية للتأليف والترجمة. 303 - معاني القرآن للأخفش الأوسط، تحقيق فارز فارس، ط. دار البشير ودار الأمل، ثانية لسنة (1981 م). وأخرى تحقيق: د. هدى قراعة. 304 - معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق د. عبد الجليل شلبي، ط. دار الحديث، أولى لسنة (1994 م). 305 - معاني القرآن للكسائي، جمع عيسى شحاتة عيسى، دار قباء للطباعة (1998 م). 306 - معجم البلدان، رضا عمر كحالة، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1990 م). 307 - معجم البلدان، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1990 م). 308 - معجم الشعراء للمرزباني. 309 - معجم شواهد العربية للأستاذ عبد السلام هارون، ط. الخانجي بالقاهرة (1982 م). 310 - معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 311 - معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض والقافية، د. محمد إبراهيم عبادة، ط. دار المعارف. 312 - المعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية، إميل بديع يعقوب.
313 - معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ). 314 - معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، لرضا عمر كحالة. 315 - المعجم الكبير للحافظ أبي القادم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: أحمد عبد المجيد السلفي، ط. مكتبة ابن تيمية. 316 - معجم مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق: عبد السلام هارون، ط. دار الجيل، أولى (1991 م). 317 - معجم النساء الشاعرات، دار الكتب العلمية (1990)، إعداد: عبدأ علي مهنا. 318 - المعرب من الكلام الأعجمي لأبي منصور الجواليقي، تحقيق د. عبد الرحيم، دار القلم، دمشق. 319 - كتاب المعمرون والوصايا لأبي حاتم السجستاني، تحقيق: عبد المنعم عامر. 320 - مغني اللبيب لابن هشام، بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. المكتبة العصرية بيروت، لسنة (1987 م). 321 - مغني اللبيب ومعه حاشية الأمير، ط. الحلبي. 322 - مفتاح العلوم لأبي يعقوب السكاكي وهامشه إتمام الدراية للسيوطي، ط. دار الكتب العلمية. 323 - المفصل للزمخشري بشرح ابن يعيش. ط. عالم الكتب بيروت. 324 - المفصل في العروض والقافية وفنون الشعر: عدنان حقي، ط. مؤسسة الإيمان، بيروت، أولى (1987 م). 325 - المفضليات بتحقيق: عبد السلام هارون، ط. دار المعارف. 326 - المفضليات للضبي، بشرح التبريزي، تحقيق د. فخر الدين قباوة. 327 - المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق كاظم بحر المرجان. 328 - المقتضب لأبي العباس المبرد. تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، ط. عالم الكتب بيروت. 329 - المقرب ومعه مثل المقرب، ط. دار الكتب العلمية بيروت. 330 - المقرب لابن عصفور تحقيق أحمد عبد الستار الجواني وآخر، ط. العاني بغداد. 331 - المقصور والممدود للفراء، تحقيق: ماجد الذهبي، ط. مؤسسة الرسالة، أولى (1983 م). 332 - المنقوص والممدود للفراء، ط. دار المعارف ثالثة، تحقيق: عبد العزيز الراجكوتي. 333 - الممتع في التصريف لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط. دار المعرفة أولى (1987 م). 334 - الممنوع في النحو، د. عبد العزيز محمد فاخر. 335 - المنصف شرح تصريف المازني لابن جني أبي الفتح، تحقيق: إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، ط. وزارة العمومية، أولى لسنة (1954 م).
حرف النون
336 - المنهج الصرفي، د. إبراهيم عبد الرازق البسيوني. 337 - موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف، إعداد محمد السعيد زغلول، ط. دار الكتب العلمية. 338 - موسوعة شعراء صدر الإسلام. 339 - موسوعة شعراء العرب. 340 - موسوعة شعراء العصر الجاهلي. 341 - موطأ الإمام مالك بشرح الزرقاني، ط. بيروت. 342 - ميزان الذهب في صناعة شعر العرب للسيد أحمد الهاشمي، ط. ثانية (1995 م) لمؤسسة الكتب الثقافية. حَرفُ النُّون 343 - النابغة الجعدي حياته وشعره (225)، د. خليل إبراهيم، ط. دار العلم، دمشق. 344 - نتائج الفكر للسهيلي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وآخر، ط. دار الكتب العلمية بيروت لسنة (1992 م). 345 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي. 346 - النحو الوافي د. عباس حسن، ط. دار المعارف. 347 - نزهة الطرف في علم الصرف لابن هشام، تحقيق: أحمد عبد المجيد هريدي. 348 - نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة للشيخ محمد الطنطاوي، مطبعة وادي الملوك، رابعة لسنة (1954 م). 349 - النشر في القراءات العشر لأبي الخير محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، تصحيح: علي محمد الضباع. ط. دار الفكر. 350 - نظرات بلاغية في أذكار الصلاة الفرضية د. رفعت السوداني، ط. مطبعة التركي. 351 - النقائض (ليدن)، تحقيق: يحيى الجبوري، بغداد. 352 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، تحقيق: طاهر الزاوي، ومحمود الطناحي، ط. دار الفكر. 353 - نتائج الفكر للسهيلي، تحقيق: أحمد عادل عبد الموجود وآخر، ط. دار الكتب العلمية بيروت (1992 م). 354 - كتاب النوادر لأبي علي القالي، ط. دار الكتب. 355 - النوادر لأبي زيد الأنصاري، تحقيق د. محمد عبد القادر أحمد، ط. دار الشروق. حَرفُ الهَاءَ 356 - همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي، ط. مكتبة الكليات الأزهرية.
حرف الواو
حَرْفُ الوَاو 357 - الوافي في العروض والقوافي للخطيب التبريزي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار الفكر سوريا، ط. رابعة (1986 م). 358 - وفيات الأعيان، ط. دار صادر، تحقيق: إحسان عباس. * * *
فهرس الدواوين
فهرس الدواوين - ديوان أبي دؤاد الإيادي. - ديوان أبي دهبل الجمحي، رواية أبي عمرو الشيباني، تحقيق: عبد العظيم عبد المحسن (1962 م) بغداد. - ديوان أبي النجم العجلي والمقطوعة -الموسوعة الشعرية (CD)- نشر دولة الإمارات العربية المتحدة. - ديوان أبي النجم العجلي، بتحقيق: علاء الدين أغا، الرياض (1980 م). - ديوان أبي نواس، تحقيق: أحمد الغزالي. - ديوان أبي الأسود الدؤلي، تحقيق: عبد الكريم الدجيلي، بغداد (1954 م). - ديوان أبي العلاء المعري، المسمى سقط الزند، ط. دار صادر. - ديوان أبي العلاء المعري، شرح أحمد شمس الدين (دار الكتب العلمية). - ديوان الأحوص الأنصاري بشرح مجيد طراد سلسلة (شعراؤنا)، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط. أولى لسنة (1994 م). - ديوان الأخطل بشرح إيليا سليم الحاوي، دار الثقافة بيروت، وينظر الخزانة (3/ 387). - ديوان الأخطل، شرح مهدي محمد ناصر، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1986 م). - ديوان الأعشى ميمون، ط. دار الكاتب العربي شرح إبراهيم جزيني (1968 م). - ديوان الأعشى، سلسلة شعراؤنا، طبعة دار الكتاب العربي، ثانية (1994 م). - ديوان الأعشى، طبعة المطبعة النموذجية، بشرح محمد حسين. - ديوان الأعشى تحقيق د. محمد محمد حسين، المكتب الشرقي، بيروت، لبنان. - ديوان الأغلب الراجز، طبعة دار الكاتب العربي أولى (1968 م) بشرح إبراهيم جزيني. - ديوان الإمام الشافعي، المكتبة التوفيقية. - ديوان الإمام الشافعي شرح د. إميل بديع يعقوب، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت. - ديوان الإمام علي، ط. دار الكتب العلمية. - ديوان أمية بن أبي الصلت، تحقيق: سيف الدين الكاتب. - ديوان أمية بن أبي الصلت، تحقيق: عبد الحفيظ السطلي. - ديوان أوس بن حجر، تحقيق د. محمد نجم، ط. دار صادر. - ديوان أبي زبيد الطائي، بتحقيق: د. نوري حمودي القيسي، بغداد (1967 م).
- ديوان أبي طالب، إيران، قم. - ديوان تأبط شرًّا وأخباره، تحقيق علي ذو الفقار شاكر (دار الغرب الإسلامي). - ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، تحقيق: د. عزة حسن، دمشق (1960 م). - ديوان ابن مقبل، تحقيق: د. عزة حسن، دمشق (1992 م). - ديوان جران العود، ط. دار الكتب. - ديوان جرير، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت. - ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق د. نعمان محمد طه، ط. دار المعارف. - ديوان جرير، ط. دار صادر. - ديوان جرير، شرح مهدي ناصر. - ديوان جرير، بشرح محمد إسماعيل الصاوي، ط. دار صعب بيروت. - ديوان جرير، تحقيق د. نعمان طه، دار المعارف. - ديوان جرير، ط. دار الكتاب اللبناني ضبط: إيليا الحاوي. - ديوان جميل بثينة، بشرح إميل بديع يعقوب. - ديوان جميل بثينة، تحقيق: د. حسين نصار، مكتبة مطر (1967 م). - ديوان جميل بثينة، ط. دار الكتاب العربي، أولى (1992 م)، وط. دار صادر. - ديوان حاتم الطائي، شرح يحيى بن مدرك الطائي، تحقيق د. حنا نصر الحتي، ط. دار الكتاب العربي، أولى (1994 م). - ديوان حسان، ط. الهيئة العامة للكتاب، تحقيق د. سيد حسنين. - ديوان حسان بن ثابت، ط. دار الكتب العلمية، أولى (1986 م). - ديوان حسان بن ثابت، شرح: عبدأ مهنا. - ديوان حسان بن ثابت الأنصاري بشرح يوسف عبيد، ط. دار الجيل. - ديوان حسان بن ثابت، ط. دار المعارف، تحقيق د. سيد حنفي. - ديوان حسين بن مطر الأسدي. - ديوان الحطيئة، بشرح ورواية ابن السكيت تحقيق دكتور: حنا نصر الحتي. - ديوان الحطيئة (شعراؤنا) بشرح ابن السكيت. - ديوان الحطيئة شرح يوسف عبيد، ط. دار الجيل، أولى (1992 م).
- ديوان الحطيئة، بشرح ابن السكيت والسكري، تحقيق: نعمان طه (ط. الحلبي). - ديوان الحطيئة، ط. دار صادر. - ديوان الحماسة للمرزوقي، نشر عبد السلام هارون، وأحمد أمين. - ديوان الحماسة للمرزوقي، ط. دار الجيل بيروت. - ديوان حميد بن ثور، تحقيق: محمد يوسف نجم، ط. دار صادر، بيروت. - ديوان الخرنق بنت بدر برواية أبي عمرو بن العلاء، دار الكتب، بيروت. - ديوان الخرنق بنت بدر، تحقيق: د. حسين نصار، ط. دار الكتب المصرية. - ديوان دريد بن الصمة، وهو في ديوانه، ط. دار المعارف، تحقيق: د. عمر عبد الرسول. - ديوان ذي الرمة بشرح أحمد حسن. - ديوان ذي الرمة بشرح أبي نصر حاتم الباهلي، صاحب رواية أبي العباس ثعلب، تحقيق: عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الإيمان، بيروت، طبعة ثانية (1982 م). - ديوان زياد الأعجم، د. يوسف بكار، دار المسيرة. - ديوان الراعي النميري، تحقيق نوري حمودي القيسي، وهلال ناجي. - ديوان رؤبة، تحقيق: سعدى ضناوي. - ديوان رؤبة بن العجاج المسمى بمجموع أشعار العرب، تحقيق: وليم بن الورد. - ديوان رؤبة بن العجاج، مجموع أشعار العرب، على الموسوعة الشعرية (CD) نشر دولة الإمارات العربية المتحدة. - ديوان الراعي النميري، بتحقيق د. نوري القيسي، المجمع العلمي العراقي (1980 م). - ديوان زهير بن أبي سلمى، دار بيروت. - ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة أبي العباس ثعلب، ط. دار الكتب المصرية. - ديوان زهير بن أبي سلمى، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، ط. حلب (1970 م). - ديوان زهير بن أبي سلمى، شرح علي فاعور، ط. دار الكتب العلمية، ط. أولى (1988 م). - ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، دار الكتب العلمية. - ديوان زياد الأعجم، تحقيق: يوسف بكار. - ديوان زيد الخير، تحقيق: د. نور حمود القيسي (العراق). - ديوان زيد الخير، تحقيق: أحمد البرزة. - ديوان زهير بن أبي سلمى، بشرح الإمام أبي العباس ثعلب، نسخة دار الكتب المصرية (1964 م).
- ديوان سحيم، تحقيق: عبد العزيز الميمني، ط. دار الكتب المصرية (1950 م). - ديوان سلامة بن جندل، صنعة محمد بن الحسن وقدم له: راجي الأسمر، نشر دار الكتاب العربي (بيروت). - ديوان السموأل، ط. دار صادر. - ديوان الشماخ بن ضرار، تحقيق: صلاح الدين الهادي، ط. دار المعارف، بمصر. - ديوان الشنفرى، تحقيق د. إميل بديع يعقوب. - ديوان طرفة بن العبد، ط. دار صادر. - ديوان طرفة، شرح: مهدي ناصر، طبعة دار الكتب العلمية. - ديوان الطرماح بن حكيم، تحقيق: د. عزة حسن، ط. وزارة الثقافة بدمشق (1968 م). - ديوان الطرماح بن حكيم، تحقيق: د. عمر حسن، دمشق (1968 م). - ديوان الطرماح بن حكيم، تحقيق: د. عزة حسين (1996 م). - ديوان الطفيل الغنوي، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد (1968 م). - ديوان عامر بن الطفيل، ط. دار صادر. - ديوان العباس بن مرداس، بتحقيق الجبوري. - ديوان العباس بن مرداس السلمي، تحقيق: د. يحيى الجبوري، وزارة الثقافة، بغداد. - ديوان عبد الرحمن بن حسان، تحقيق: سامي العاني. - ديوان عبد الله بن الزبير الأسدي، تحقيق د. يحيى الجبوري (العراق). - ديوان عبيد بن الأبرص، ط. دار صادر، بيروت. - ديوان عبد الله بن رواحة، تحقيق: وليد قصاب. - ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، ط. دار صادر بيروت، تحقيق: د. محمد يوسف نجم. - ديوان العجاج، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق. - ديوان العجاج بن رؤبة التميمي، تحقيق عبد الحفيظ السطلي (دمشق). - ديوان العجاج، بتحقيق سعد حناوي، دار صادر. - ديوان عدي بن زيد العبادي، بتحقيق محمد جبار (العراق). - ديوان العرجي، تحقيق: خضر الطائي، بغداد. - ديوان عروة بن الورد (شعراؤنا).
- ديوان عروة والسمؤال، ط. دار صادر، بيروت. - ديوان علقمة بن عبدة التميمي، بتحقيق السيد أحمد صقر. - ديوان علقمة بن عبدة التميمي، بشرح الأعلم الشنتمري، رواية الأصمعي، سلسلة شعراؤنا. - ديوان علقمة الفحل، ط. دار الكتاب العربي بحلب (1969 م)، تحقيق: لطفي العسال، درية الخطيب. - ديوان علقمة، شرح الأعلم وتقديم حنا نصر الحِتِّي، نشر دار الكتاب العربي، ط. أولى (1993 م). - ديوان عمر بن أبي ربيعة، بتحقيق وشرح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني (1965 م). - ديوان عمر بن أبي ربيعة، ط. دار صادر. - ديوان عمر بن أبي ربيعة، طبعة دار الكتب العلمية، تحقيق: عبدأ علي مهنا. - ديوان عمر بن أبي ربيعة، نشر دار الكتاب العربي، تحقيق د. فائز محمد. - ديوان عمر بن أبي ربيعة، بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة (1960 م). - ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي تحقيق مطاع الطرابيشي دمشق (1974 م). - ديوان عنترة بن شداد، تحقيق: محمد سعيد (المكتب الإسلامي). - ديوان عنترة بن شداد، تحقيق: عبد المنعم شلبي. - ديوان عنترة ط. دار صادر بيروت. - ديوان عنترة، دار الكتب العلمية (1985 م). - ديوان عنترة بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق: مجيد طراد، نشر دار الكتاب العربي (1994 م). - ديوان الفرزدق، دار صادر. - ديوان الفرزدق، تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي. - ديوان الفرزدق، بشرح مجيد طراد، ط. دار الكتاب العربي. - ديوان الفرزدق، شرح علي فاعور، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، أولى (1987 م). - ديوان القطامي، تحقيق: محمود الربيعي، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب (2001 م). - ديوان قيس بن الخطيم، عن ابن السكيت وغيره، تحقيق: ناصر الدين الأسد، دار العروبة أولى، بالقاهرة (1962 م). - ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق: إبراهيم السامرائي. - ديوان قيس بن الخطيم، ط. دار صادر. - ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق: أحمد مطلوب، والدكتور: إبراهيم السامرائي.
- ديوان قيس بن ذريح، ط. دار الكتاب العربي. - ديوان كثير، ط. دار الكتاب العربي، شرح: مجيد طراد، أولى (1993 م). - ديوان كثير، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت (1971 م). - ديوان كثير، بتحقيق: علي مهنا. - ديوان كعب بن زهير، ط. دار الكتب العلمية شرح علي فاعور (1997 م). - ديوان كعب بن زهير، بشرح أبي سعيد الحسن العسكري شرح. حنا نصر الحتي، نشر دار الكتاب العربي، أولى (1994 م). - ديوان كعب بن زهير، (نشر دار الشواف). - ديوان كعب بن زهير، طبعة دار الكتب المصرية. - ديوان كعب بن زهير، طبعة دار الأرقم اللبنانية. - ديوان الكميت، تحقيق: داود سلوم، جامعة بغداد. - ديوان الكميت بن زيد الأسدي، ط. العراق. - ديوان لبيد بشرح الطوسي. - ديوان لبيد، سلسلة شعراؤنا. - ديوان لبيد، ط. دار صادر. - ديوان لبيد بن ربيعة العامري، ط. دار صادر بيروت. - ديوان ليلى الأخيلية، تحقيق: واضح الغمد (دار صادر). - ديوان ليلى الأخيلية، ط. دار صادر. - ديوان متمم بن نويرة. - ديوان المتنبي بشرح العكبري. - ديوان المثقب العبدي. - ديوان مجنون ليلى، عبد الستار فراج. - ديوان مجنون ليلى، يوسف فرحات. - ديوان مجنون ليلى، ط. دار الكتاب العربي. - ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي، ط. دار صادر. - ديوان امرئ القيس بن حجر، ط. دار الكتب العلمية.
- ديوان امرئ القيس، ط. دار المعارف، بتحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم. - ديوان مسكين الدارمي، تحقيق: عبد الله الجبوري، وصاحبه (1970 م)، بغداد. - ديوان النابغة الذبياني، ط. دار الكتاب العربي. - ديوان امرئ القيس، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم (دار المعارف). - ديوان الهذليين. - ديوان المتلمس الضبعي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي (1970)، معهد المخطوطات، بالقاهرة. - ديوان المتلمس، رواية الأثرم وأبي عبيدة عن الأصمعي، طبعة: جامعة الدول العربية. - ديوان المتنبي بشرح العكبري. - ديوان المتنبي، شرح ناصيف اليازجي، تقديم: ياسين الأيوني، ط. دار الهلال، أولى (1996 م). - ديوان المتنبي، شرح مصطفى سبيتي، طبعة دار الكتب العلمية. - ديوان المتنبي، تحقيق مصطفى السقا، ط. الحلبي (1971 م). - ديوان مجنون ليلى، تحقيق: عبد الستار فراج، مكتبة مصر، الفجالة. - ديوان النابغة الجعدي منشورات، المكتب الإسلامي بدمشق (1964 م). - ديوان النابغة الذبياني، بتحقيق: سيف الدين الكاتب. - ديوان النابغة الذبياني شرح عباس عبد الساتر. - ديوان النابغة الذبياني، طبعات ديوانه ط. دار صادر بيروت. - ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف. - ديوان النمر بن تولب. - ديوان هدبة، تحقيق د. يحيى الجبوري. - ديوان الهذليين، نسخة دار الكتب المصرية (1965 م). - ديوان يزيد بن الطثرية، شرح: ناصر بن سعد الرشيد. - ديوان يزيد بن معاوية القرشي، ضمن دواوين الموسوعة الشعرية (CD) نشر دولة الإمارات العربية المتحدة. * * *
السير الذاتية للمحققين
السير الذاتية للمحققين
1 - أ. د. علي محمد فاخر
1 - أ. د. علي محمد فاخر ولد بقرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية سنة (1947 م). والتحق بكتّاب القرية، وحفظ القرآن الكريم، ودخل الأزهر الشريف فحصل على الإعدادية سنة (1965 م)، والثانوية سنة (1970 م). ثم التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل على الليسانس سنة (1974 م) بتقدير جيد جدًّا مع مرتبة الشرف، ثم حصل على الماجستير (سنة 1979 م) والدكتوراه سنة (1985 م) بمرتبة الشرف الأولى. عُيِّن معيدًا لكلية اللغة العربية بأسيوط، ثم انتقل إلى المنصورة وترقى إلى أن وصل إلى درجة أستاذ في النحو والصرف، وعمل بكلية اللغة العربية بالرياض -جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- مدة عشر سنوات. أشرف على عدة رسائل ماجستير ودكتوراه، كما ناقش عدة رسائل أخرى في كليات اللغة العربية بفروع جامعة الأزهر. - له منجزات علمية كثيرة، أهمها: 1 - شرح المقرب لابن عصفور (عدة أجزاء). 2 - التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات الثلاثة بعد السبعة (جزآن). 3 - دراسات نحوية وصرفية في شعر ذي الرمة (جزء واحد). 4 - تحقيق المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية للعيني (أربعة أجزاء) (ضمن ثلاثة محققين) وهو الذي بين يديك. 5 - أخطاء المتنبي النحوية والصرفية (رسالة الماجستير). 6 - ديوان شعر كبير (تحت الطبع). 7 - أوزان الشعر وقوافيه من مسرحيات شوقي (جزآن). 8 - تغيير النحويين للشواهد. 9 - تحقيق شرح التسهيل لناظر الجيش ضمن ستة أعضاء حققوا الكتاب المذكور (طبعة دار السلام بالقاهرة سنة 2007 م). * * *
2 - أ. د. أحمد محمد توفيق السوداني
2 - أ. د. أحمد محمد توفيق السوداني الميلاد: 8/ 8/ 1964 م، مصري، يعمل بجامعة الأزهر، حصل على جائزة وزارة الأوقاف في حفظ القرآن الكريم سنة (1975 م)، وليسانس اللغة العربية، جامعة الأزهر (1988 م)، بتقدير: جيد جدًّا، وماجستير اللغة العربية، جامعة الأزهر (1996 م) بتقدير: جيد جدًّا، والدكتوراه في اللغة العربية، جامعة الأزهر (1999 م) بتقدير: مرتبة الشرف الأولى، ودرجة أستاذ مساعد بجامعة الأزهر (2007 م). - الخبرات العلمية: أولًا: التدريس بالمعاهد الأزهرية [بنين وبنات] من: 11/ 2/ 1989 م حتى: 30/ 11/ 2002 م، وكانت مواد التدريس جميع مواد اللغة العربية التي تدرس بالأزهر. ثانيًا: التدريس بكلية اللغة العربية، والتربية، بجامعة الملك فيصل بجمهورية تشاد في الفترة ما بين: 26/ 9/ 2001 م و: 8/ 11 / 2002 م. [مرحلة الدراسات العليا - والإشراف على رسائل ماجستير، والإشراف على بحوث التخرج بالجامعة]. ثلاثًا: العمل بجامعة الأزهر من: 9/ 10/ 2002 م حتى: 8/ 12/ 2006 م، كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بالشرقية [لغة عربية- أصول الدين- شريعة إسلامية] إضافة إلى ما ينسب إليّ من أعمال في كلية الدراسات بنات بالشرقية. رابعًا: الالتحاق بجامعة الجوف في المدة 8/ 12/ 2006 م وحتى الآن. - الخبرات العلمية: - القضايا النحوية والصرفية في الجزء السادس من كتاب روح المعاني للآلوسي، من أول قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)} [الكهف: 67] ماجستير]. - "اختيارات المرادي في تراثه النحوي" [دكتوراه]. - التاء مدخولاتها واستعمالاتها في الدراسات النحوية. - التاء وأثرها في بنية الكلمة العربية. - الآراء النحوية والصرفية لعيسى بن عمر في كتاب سيبويه جمعًا ودراسة. - ظاهرة التركيب في النحو العربي. - الشواهد النحوية المجهولة القائل في الآمالي الشجرية جمعًا ودراسة. - الضرورة الشعرية في المقاصد النحوية جمعًا وتصنيفًا. - "لو" أنواعها وأحكامها دراسة نحوية تطبيقية في كتاب اللَّه والشعر العربي. - اختيارات المرادي في تراثه الصرفي. * * *
3 - د. عبد العزيز محمد فاخر
3 - د. عبد العزيز محمد فاخر تاريخ الميلاد: 22/ 3 / 1965 م. محل الميلاد: قرية ميت غزال -السنطة- محافظة الغربية. حفظت القرآن الكريم بكتّاب القرية -ثم التحقت بالأزهر الشريف فحصلت على الإعدادية ثم الثانوية من المعهد الأحمدي بطنطا، وكان ترتيبي الثالث على مستوى المعهد. ثم التحقت بكلية اللغة العربية وحصلت على الليسانس عام (1987 م) من جامعة الأزهر، ثم كانت مرحلة الدراسات العليا والماجستير (قسم اللغويات) عام (1995 م) ثم حصلت على شهادة العالمية الدكتوراه (قسم اللغويات) عام (2000 م) من جامعة الأزهر بتقدير "مرتبة الشرف الأولى". الوظيفة: عملت مدرسًا بمعهد طنطا الثانوي حتى عام (2001 م) ثم معارًا من قِبل الأزهر الشريف للتدريس بجامعة الملك فيصل -كلية اللغة العربية- بتشاد بإفريقيا ثم عميدًا لهذه الكلية بالجامعة نفسها حتى الآن، وهذا بفضل الله عزَّ وجلَّ ثم رضا ودعاء الوالدين والأهل والمحبين. كما قمت خلال إعارتي -وما زلت- بالإشراف والمناقشة للعديد من أبحاث الدراسات العليا ورسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعة المذكورة حفظها الله من كل سوء. - أهم المنجزات العلمية: 1 - الباء دراسة نحوية صرفية. 2 - الحروف النحوية الزائدة وقيمتها في اللغة. 3 - الممنوع في النحو. 4 - الزيادي وآراؤه النحوية. 5 - الشاهد النحوي في شعر النابغة الذبياني. 6 - الشواهد النحوية في شعر عمر بن أبي ربيعة- دراسة وتحليلًا. أسأل الله العلي القدير أن ينفع بها طلاب العلم ومحبي اللغة العربية إنه نعم المولى ونعم النصير. * * *