المفطرات الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة

عبد الرزاق الكندي

المُفَطِّرات الطِّبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة تأليف د. عبد الرزاق بن عبد الله بن غالب الكِندي

أصل هذا الكتاب رسالة علمية نال بها الباحث درجة الدكتوراه مع التوصية بطباعتها من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (IIUM) .

بسم الله الرحمن الرحيم

شكر وعرفان في مطلع هذا الكتاب يُسعدني أن أتقدم بخالص الشكر والعرفان لكل من أعانني في مسيرة هذا البحث من أطباء استشاريين وأخصائيين الذين فتحوا قلوبهم وعياداتهم لحواراتي وأسئلتي ورشدوا الجانب الطبي في هذا البحث، وأخص منهم: - سعادة الدكتور محمد علي البار استشاري أمراض باطنة ورئيس مركز أخلاقيات الطب وكبير خبراء المجامع الفقهية. - سعادة الدكتور خالد شامح الحميد استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم. - سعادة الدكتور سعيد بن عمر العمودي استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة، وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز. وشكري موصول لكل من أعانيي في مسيرة هذا البحث من الزملاء والأحبة. لهم مني جميعًا خالص الشكر والتقدير، وجزاهم الله عني خير الجزاء. «ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله».

مقدمة

مقدمة - توطئة. - موضوع البحث وأهميته. - مشكلة البحث. - أسئلة البحث. - أهداف البحث. - أسباب اختيار الموضوع. - ما سيضيفه هذا البحث. - منهجية البحث. - هيكل البحث.

توطئة

• توطئة: إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إنّ مما لا يخفى كون النصوص الشرعية متناهية، والمستجدات غير متناهية فلزم إرجاع تلك المستجدات إلى أصولها فكل نازلة لها حكم، وكل حادثة لها نص كلي أو تفصيلي ترجع إليه. وقد استجدت بعد الوحي حوادث ووقائع، ولم تستجد نصوص، إلا أنّ الأصول الكلية والنصوص العامة استوعبتها وجعلتها تحت الإطار العام للتشريع. قال السرخسي: «ما من حادثة إلا وفيها حكم لله تعالى من تحليل أو تحريم أو إيجاب أو إسقاط، ومعلوم أن كل حادثة لا يوجد فيها نص، فالنصوص معدودة متناهية، ولا نهاية لما يقع من الحوادث إلى قيام الساعة، والصحابة ما اشتغلوا باعتماد نص في كل حادثة طلباً أو رواية فعرفنا أنه لا يوجد نص في كل حادثة» (¬1). ¬

_ (¬1) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، أصول السرخسي، (بيروت: دار الكتاب العلمية، الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1993 م) , ج 2،ص 139.

ولهذا بقي الإسلام شامخاً راسخاً، فاستوعب المكان وساير الزمان، فما من معضلة ولا مشكلة إلا وفيه حل لها، ولا نازلة إلا وعنده جوابها. ولذا تعين على أهل العلم جملة النظر في كل ما استجد، وإظهار حكم الله فيه، وإعمال العقل في إخراج النوازل على النص، والنظر في الوقائع لتنال حكمها في الشرع، وطريقه إما النص في المنصوص عليه، وإما فهم النص فيما لم ينص عليه، ولا يكون ذلك إلا لذي الرأي الحصين، المدرك لعلم الشرع الشريف (¬1). وهذا ما درج عليه الصحابة - رضي الله عنهم -. يقول ابن القيم رحمه الله: «فالصحابة - رضي الله عنهم - مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه وبينوا لهم سبيله» (¬2). ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: «وأشرف العلوم ما ازدوج فيها العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع» (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: بن حميد، صالح بن عبد الله، الجامع في فقه النوازل (الرياض: مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية 1426 هـ-2005 م)، ص 12. (¬2) ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد (بيروت: دار الجيل، الطبعة الأولى، 1973 م) ج 1، ص 217. (¬3) الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، المستصفى في علم الأصول،، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، (بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1423 هـ) ص 4.

موضوع البحث وأهميته

• موضوع البحث وأهميته: يعتبر الاهتمام بمسائل النوازل سواء في العبادات أو المعاملات من فروض الكفايات التي يلزم إظهار حكم الشرع فيها، ومن أهم تلك النوازل ما يتعلق بالعبادات العينية حيث أنّها تتعلق بكل المكلفين، فتأكدت الفرضية فيها. ومما جدّ من النوازل الفقهية الهامة مسائل ومستجدات كثيرة تتعلق بمُفَطِّرات الصيام فكَثُر السؤال عنها واضطربت الفتوى فيها، فكان تجلية الحكم الشرعي في هذه النوازل ودراستها بعد تصورها على ما هي عليه علمياً أو طبياً من المهمات التي ينبغي أن يُشمَّر لها، ومن هنا كان هذا البحث. وعند النظر في النوازل الطبية في مُفَطِّرات الصوم نجد أنها من أدق مسائل الفقه؛ لكونها قضايا مستجدة يغلب على معظمها طابع العصر المتميز بالتعقيد والتشابك واستحداث وسائل لم تخطر على بال بشر يوماً من الدهر، والاجتهاد فيها ضرورة حتمية، وكلما وقعت واقعة احتجنا فيها إلى فتيا واجتهاد. • مشكلة البحث: كما هو معلوم أن فقه النوازل المعاصرة من أبرز التحديات التي تواجه الفقيه المعاصر، وهذا البحث جزء من منظومة الفقه المعاصر الذي تحفه مستجدات تحتاج إلى حل فقهي، وتتركز مشكلة البحث بوجود فراغ في أمر يتعلق بأحد فروض الأعيان، وركن من أركان الإسلام، حيث إنّ نوازل المُفَطِّرات المعاصرة غير مدروسة الدراسة الاجتهادية التأصيلية المحققة التي تربط بين

أسئلة البحث

تقعيدات الفقهاء وتقرير الطب الحديث؛ ليقيم الناس ركناً من أركان الإسلام على الوجه الشرعي الصحيح. كما يعالج البحث إشكالية إسقاط المُفَطِّرات الطبية المعاصرة على تقرير الفقهاء المتقدمين، وتكييفها على ضوء تخريجهم، لمجرد التشابه في الأسماء دون النظر إلى الحقيقة الطبية لها، والاكتفاء بتقريرهم الفقهي مع المفارقة الكبيرة بين الأمرين، وإن تشابهت الأسماء كما هو حاصل عند البعض في تكييف الحقن المعاصرة على ما ذكره الفقهاء المتقدمون من حقن كانت معهودة في زمانهم مع الفارق بين حقيقة كل منها؛ لذا حصل اللبس الذي سَبّب اختلافاً وتبايناً في الفتيا فيما استجد من نوازل المُفَطِّرات. ومن جهة أخرى لمس الباحث ميلاً للتشدد في فتاوى المُفَطِّرات عند كثير من المفتين بدعوى الاحتياط في جانب العبادة، فأراد أن يسد فرضاً كفائياً مما تمس الحاجة إليه وتعم به البلوى، حيث لم يتم استيعاب دراسة مُفَطِّرات الصيام المعاصرة لا كمّاً ولا كيفاً، وكذلك إبراز سعة الشريعة ورحمتها في إمكانية جريان الخلاف في المستجدات كما جرى في سابقاتها من المسائل، فيسع الناس فيها أكثر من قول، ويصح فيها أكثر من اجتهاد فيرتفع عن الناس الحرج. • أسئلة البحث: في ضوء ما تقدم فإن التساؤلات الرئيسة التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عنها هي:

أهداف البحث

1 - ما أهمية دراسة المُفَطِّرات الطبية المعاصرة؟ 2 - ما حكم دراسة النوازل المعاصرة؟ ومن يملك حق الفتيا فيها؟ 3 - كيف نحدد ضابط المُفَطِّرات؟ 4 - ما التيسير في باب المُفَطِّرات الطبية المعاصرة في ضوء القول الراجح؟ 5 - ما المُفَطِّرات الطبية المعاصرة؟ وما الإضافة العلمية فيها، وما حكمها في ضوء الفقه والطب الحديث؟ • أهداف البحث: في ضوء موضوع البحث وتساؤلاته تتحدد أهداف البحث في النقاط التالية: 1 - بيان أهمية دراسة المُفَطِّرات الطبية المعاصرة، وشروط الفتيا فيها، ومن يملك حق الإفتاء فيها. 2 - إظهار الحكم الشرعي في المُفَطِّرات الطبية المعاصرة؛ ليؤدي الناس عبادتهم على الوجه الصحيح. 3 - إظهار جانب الرحمة في مسائل المُفَطِّرات المعاصرة، وأنها من المسائل التي يسع الأمة تعدد الاجتهادات فيها. 4 - دراسة وتأصيل ما لم يدرس من مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، واستكمال ما لم يُسْتكمل. 5 - وضع التصور الصحيح للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة؛ ليتم الحكم

أسباب اختيار الموضوع

عليها على ضوئه، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وفهم النازلة نصف الاجتهاد. • أسباب اختيار الموضوع: مما دفع بي لدراسة هذا الموضوع أسباب عدة أهمها: أولاً: دراسة النوازل المتعلقة بالعبادات العينية من أهم المهمات التي يجب أن يظهر فيها الحكم الشرعي ليؤدي الناس عباداتهم على الوجه الصحيح. ثانياً: مُفَطِّرات الصيام الطبية المعاصرة لم تدرس دراسة مُفصلة إلا نزرٌ يسير منها تم بحثه من قِبَل مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة بحثاً إجمالياً، ولم يدرسها دراسة أكاديمية مقارنة، مع وجود الحاجة الملحة لدراستها وتأصيلها فقهياً بعد تصورها على ما هي عليه من خلال أهل الاختصاص. ثالثاً: إقامة الفرض الكفائي الذي يرى الباحث أنه لم يُسد في هذا الباب، فدراسة المُفَطِّرات الطبية المعاصرة فرض كفاية، والباحث يرجو ثواب سد هذا الفرض الكفائي. رابعاً: لم يجد الباحث من تقدم لبحث المُفَطِّرات المعاصرة إلا ما كان من بحوث قصيرة تناولتها بالعرض الإجمالي، ولم تدرسها دراسة فقهية مقارنة مع أهميتها وقيام الحاجة لذلك. خامساً: الرغبة في إظهار جانب الرحمة والتيسير في المُفَطِّرات الطبية

ما ستضيفه هذه الدراسة

المعاصرة من خلال عرض التكييف الفقهي لها في ضوء المذاهب الأربعة فيسع الأمة فيها ما وسعهم في المسائل الاجتهادية السابقة. • ما ستضيفه هذه الدراسة: بعد البحث والتنقيب لم أجد من استوعب دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات الطبية المعاصرة بدراسة فقهية مستوعبة لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف؛ ولذا فإن الذي ستضيفه دراسة الباحث هو استقراء للمُفَطِّرات المعاصرة ودراستها، وتصويرها تصويراً واضحاً في ضوء معطيات الطب المعاصر. كما أن هذه الدراسة سوف تدرس النازلة دراسة تأصيلية تُكَيِّف فيها النازلة، ثم تُخرج حكمها حسب المذاهب الأربعة، وتجري دراسة مقارنة فيما بينها، ثم تدرسها في ضوء ما قرره الطب المعاصر، ثم تجري دراسة مقارنة بين ما وصل إليه الحكم في التخريج الفقهي وبين ما قرره الطب المعاصر للخروج بحكم واضح للمسألة، كما سيقوم بحلحلة بعض الاتجاهات الساكنة داخل أروقة المذاهب الفقهية؛ لتصبح الصورة جلية للدارسين والمفتين وأهل الاختصاص بجذورها القديمة، وامتداداتها المعاصرة. إضافة إلى ترجيح الباحث في ضوء المعطيات السابقة، فإن البحث سيُظهر كون مسائل المُفَطِّرات المعاصرة من مسائل الاجتهاد التي يسع فيها الخلاف وتعدد الاجتهاد، وذلك مصدر تيسير ورحمة، واللهَ أرجو أن يبارك في هذا البحث ويجعل فيه إثراءً للمكتبة الإسلامية بدراسة مستوعبة مُعمقة.

منهجية البحث

• منهجية البحث: اعتمدت في بحثي على المنهجية الآتية: 1 - المنهج الاستقرائي: وذلك بتتبع جميع النوازل الطبية المعاصرة في باب المُفَطِّرات من جميع مظانها. 2 - المنهج الوصفي: وذلك بعرض جميع المُفَطِّرات الطبية المعاصرة، وتصويرها وفق ما توصل إليه الطب المعاصر من خلال المراجع الطبية المختصة، ومحاورة الأطباء المختصين. 3 - المنهج التحليلي: وذلك بدراسة مفردات البحث بأسلوب علمي واضح مستخدما تنظيما معينا للوصول إلى الحقائق والنتائج. 4 - المنهج المقارن: وذلك بالمقارنة بين أقوال الفقهاء وتأصيلهم، وبين نتائج الطب المعاصر. للوصول إلى القول الراجح. وقد اعتمدت في جمع معلومات البحث على المصادر والمراجع والأبحاث المتخصصة في الطب والفقه، ومزجت ذلك برؤية فقهية تأصيلية تتناسب مع المستجدات المعاصرة في باب المفطرات، وكان ذلك على النحو الآتي: أولاً الجانب الفقهي: أعتمدت على الكتب المعتمدة في كل مذهب، والتي استقرت المذاهب على اعتمادها أو ما استقر على كونه مرجعية معتمدة عند الأئمة في الفقه المقارن كالمجموع للنووي والمغني لابن قدامة، وشرقت وغربت بين

هيكل البحث

المكتبات الجامعية والعامة إضافة إلى مكتبتي الشخصية. ثانياً الجانب الطبي: فقد ترددت على المستشفيات الجامعية والتخصصية والمركزية، وقابلت الأطباء الاستشاريين والأخصائيين، وحاورتهم ووثقت حواراتهم مكتوبة ومسجلة، كما حاورت كبير خبراء المجامع الفقهية في المجال الطِّبي (¬1)، بالإضافة إلى الإبحار في المراجع والمواقع الطِّبية المختصة، وقد بلغ عدد من حاورت من الاستشاريين والأخصائيين سبعة عشر استشاري وأخصائي، بالإضافة إلى مراسلة اثنين آخرين. وقد تعاملت مع هذه المعلومات وفق منهجية علمية لدراسة النوازل المعاصرة من حيث التصوير أولاً ثم التكييف والتخريج مبيناً ما لم يتضح ومستدلاً لأقوال المذاهب والمعاصرين، ومناقشة ما يرد عليها من اعتراضات والجواب عنها إن وُجد، ثم استخلاص الراجح منها مبيناً أسباب الترجيح. • هيكل البحث: لتحقيق الأهداف المنشودة من البحث، ووفقاً للمنهجية المتبعة فقد جعلت هيكل البحث مكوناً من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة على الترتيب الآتي: المقدمة: واشتملت على: ¬

_ (¬1) الدكتور محمد علي البار، حيث حاورته في عيادته الخاصة بمدينة جدة وقد فتح لي قلبه وصدره وأفادني في العديد من المسائل.

(توطئة، موضوع البحث وأهميته، مشكلة البحث، أسئلة البحث، أهداف البحث، أسباب اختيار الموضوع، ما سيضيفه هذا البحث، منهجية البحث، هيكل البحث) الفصل الأول: التعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب، وفيه مباحث: المبحث الأول: التعريفات المنهجية لعنوان البحث. المبحث الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات. المبحث الثالث: شروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها. المبحث الرابع: العلاقة بين الفقه والطب. المبحث الخامس: حكم التداوي. الفصل الثاني: تقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات، وفيه مباحث: المبحث الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها. المبحث الثاني: الموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات. المبحث الثالث: تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء. المبحث الرابع: ضابط المُفَطِّرات. الفصل الثالث: المُفَطِّرات الطبية المعاصرة، وفيه مباحث. المبحث الأول: ما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه، وفيه مطالب. المطلب الأول: بخاخ الربو، وملحقاته.

المطلب الثاني: غاز الأكسجين. المطلب الثالث: استنشاق غاز التخدير. المطلب الرابع: استخدام معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته. المطلب الخامس: منظار المعدة. المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها. المطلب السابع: قطرات الأذن وملحقاتها. المطلب الثامن: قطرات العين وملحقاتها. المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان. المبحث الثاني: ما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذاً وامتصاصاً، وفيه مطالب: المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية. المطلب الثاني: حَقْن الدم. المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (الصفاقي). المطلب الرابع: منظار البطن. المطلب الخامس: إدخال القسطرة في الشرايين للتصوير أو العلاج. المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية. المبحث الثالث: ما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج، وفيه مطالب: المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة. المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي.

المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج. المبحث الرابع: (الخارج من البدن) وفيه مطالب: المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي. المطلب الثاني: التبرع بالدم. المطلب الثالث: سحب الدم للتحليل. المطلب الرابع: شفط الدهون. الخاتمة: وتشمل: النتائج والتوصيات. قائمة المصادر والمراجع. الملاحق.

الفصل الأول التعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب

الفصل الأول التعريفات المنهجية، وأهمية دراسة نوازل الصيام، وضوابط الفتيا فيها، والعلاقة بين الفقه والطب وفيه مباحث: - المبحث الأول: التعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة. - المبحث الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات. - المبحث الثالث: شروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها. - المبحث الرابع: العلاقة بين الفقه والطب. - المبحث الخامس: حكم التداوي.

المبحث الأول التعريفات المنهجية للمفطرات الطبية المعاصرة

المبحث الأول التعريفات المنهجية للمُفَطِّرات الطبية المعاصرة وفيه مطالب: - المطلب الأول: تعريف الصيام. - المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات. - المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات. - المطلب الرابع: تعريف الطب. المطلب الخامس: تعريف المعاصرة.

المطلب الأول: تعريف الصوم

تمهيد يتناول هذا المبحث التعريف بأهم المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في البحث, والتي توضح الركائز الأساسية التي يشتمل عليها البحث, وتعطي صورة عن أهم القوالب التي يتركب منها, كما يُبيِّن الضوابط العلمية والمنهجية لدراسة النوازل المعاصرة من منظور فقهي، ومدى الترابط بين الفقه والطب، وذلك ليتم الدخول للبحث من نافذة سليمة, ومسلك واضح. المطلب الأول: تعريف الصوم: لغة: الصيام في اللغة كلمة تدل على الإمساك، والترك، والركود في المكان. قال ابن فارس: «الصاد، والواو، والميم أصلٌ يدلُّ على إِمساكٍ وركودٍ في مكان» (¬1). والصوم الإمساك عن الشيء، والترك له، ولذلك قيل للصائم: صائماً لإمساكه عن الشراب والطعام والنكاح، وقيل للصامت صائماً؛ لإمساكه عن الكلام. ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم:26]. ¬

_ (¬1) ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، (بيروت: دار الجيل، الطبعة الثانية،1420 هـ-1999 م) , ج 3، ص 323.

وقال أبو عبيدة: «كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سَير، فهو صائم» (¬1). اصطلاحاً: الصوم في الاصطلاح يحمل نفس المعنى اللُغوي، إلّا أنَّه إمساك خاص، تميز ببعض التقييدات، ويكاد يكون تعريفه في الاصطلاح الشرعي محل اتفاق بين المذاهب في الجملة, ويقع الخلاف فيما أجملوه في التعريف من المُفَطِّرات التي يمتنع على الصائم تناولها، وهذا طرف من تعريفات المذاهب الأربعة للصوم. تعريف الحنفية: هو إمساك مخصوص، من شخص مخصوص، في وقت مخصوص (¬2). تعريف المالكية: الإمساك عن شهوتي الفم، والفرج، وما يقوم مقامهما، مخالفةً للهوى في طاعة المولى، في جميع أجزاء النهار، وبِنِيَّة قبل الفجر، أو معه إن أمكن (¬3). تعريف الشافعية: إمساك مخصوص، في زمن مخصوص، من شخص مخصوص (¬4). ¬

_ (¬1) ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، (بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى، د. ت) ج 12، ص 351. (¬2) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، (بيروت: دار المعرفة، د. ط) ج 3، ص 54. (¬3) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الثانية، 1398 هـ) ج 2، ص 378. (¬4) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، (بيروت: دار الفكر، د. ط، 1997 م)، ج 6، 245.

المطلب الثاني: تعريف المفطرات

تعريف الحنابلة: إمساك عن المُفَطِّرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس (¬1). ومن خلال تعريفات أصحاب المذاهب يتبين أنهم متفقون على أنّ الصيام هو إمساك عن المُفَطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التعبد لله، مع اختلافهم في تحديد ماهية المُفَطِّرات، مابين الحَدِّ والعَدِّ. OOOOO المطلب الثاني: تعريف المُفَطِّرات: لغة: مصدر من الفَطْر، قال ابن فارس: «والفاء، والطاء، والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه». وفَطَر الشيء يفطره فطراً فانفطر وفطره: شقه، وتَفَطّر الشيء تشقق. والفطر: الشق، ومنه أُخِذ فطر الصائم، يقال أفطر إفطاراً، وقوم فُطر أي مُفَطِّرون (¬2). اصطلاحاً: هي مفسدات الصيام وما ينقضه، ويقطعه. ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الأولى 1405 هـ) ج 3، ص 4. (¬2) انظر: ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج 4، ص 510، وابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 5، ص 55.

والمُفَطِّرات مصطلح شرعي ورد في السنة النبوية، ويراد به ما يفسد الصوم وينقضه، ومن ذلك حديث ثوبان - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (¬1)، وحديث ابن عباس ب قال: «سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَهُ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ب: فَصَامَ رَسُولُ اللهِ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» (¬2)، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكينا» (¬3). فهذه النصوص دلت على أنَّ كلمة أفطر تستخدم في النص الشرعي ويُراد بها ما يفسد الصوم ويبطله، وقد استخدم الأئمة الفقهاء تعبير المُفَطِّرات لما يفسد الصوم ويبطله وجعلوها باباً مستقلا في كتاب الصيام، أسموه المُفَطِّرات (¬4). OOOOO ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب الصوم، باب الصائم يحتجم، رقم: 2367. (¬2) رواه مسلم، كتاب الصوم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، رقم: 1113. (¬3) رواه مسلم، كتاب الصوم، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، رقم: 1111. (¬4) انظر: السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 86، وابن رشد، محمد ابن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1،ص 206، والغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، الوسيط في المذهب، تحقيق: أحمد محمد إبراهيم، ومحمد تامر، (القاهرة: دار السلام، الطبعة الأولى 1417 هـ) ج 2، ص 524، وابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1405 هـ) ج 3، ص 4.

المطلب الثالث: استخدام مصطلح المفطرات

المطلب الثالث: استخدام مصطلح المُفَطِّرات: إنّ تسمية النوازل الطبية المتعلقة بفساد الصوم بالمُفَطِّرات ليس حكما مسبقاً، وذلك أنّه إذا نزلت نازلة ليس لها اسم شرعي فإنها تُسمى بما يناسبها في اللغة، وحيث إنّ النوازل الطبية المتعلقة بالصيام أول ما يتبادر إلى الذهن أنها مُفسدة للصيام سميت مُفَطِّرات باعتبار أوليّة المتبادر إلى الذهن، وصارت اصطلاحاً شائعاً بين الفقهاء المتأخرين مع جريان الخلاف في كونها مُفَطِّرة أو غير مُفَطِّرة، وحتى من اعتبرها غير مُفَطِّرة عبَّر عنها وسماها بالمُفَطِّرات لشيوع الاصطلاح، وقد بحثها مجمع الفقه الإسلامي باسم المُفَطِّرات المعاصرة (¬1)، وكذا الباحثون الذين سبق الإشارة إلى بحوثهم في الدراسات السابقة أطلقوا عليها المُفَطِّرات، مع حكمهم على كثير منها بعدم التفطير؛ ولذا صار إطلاق اسم المُفَطِّرات على النوازل الطبية المتعلقة بالصيام اصطلاحاً علمياً وعرفياً، ولا يفهم منه إطلاق حكم مسبق. OOOOO المطلب الرابع: تعريف الطب: لغة: قال ابن فارس: «الطاء، والباء أصلان صحيحان، أحدهما: يدل على علم بالشيء، ومهارة فيه، والآخر يدل: على امتداد في الشيء واستطالة. ¬

_ (¬1) انظر: بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 5 - 451.

فالأول الطب وهو العلم بالشيء، يقال: رجل طَبّ وطبيب أي عالم حاذق. قال الشاعر: فإن تسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب (¬1) والطِّبُّ: علاجُ الجسم والنَّفْسِ، ورجل طَبٌّ وطَبِيبٌ عالم بالطِّبِّ، والمُتَطَبِّبُ الذي يَتعاطى عِلم الطِّبِّ» (¬2). اصطلاحاً: عرّفه ابن سيناء بأنه: «علم يعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة، ليحفظ الصحة حاصلةً، ويستردها زائلة» (¬3). وعرفته الموسوعات الحديثة بأنه: «علم، وفن يُعنى بدراسة الأمراض، ومعالجتها، والوقاية منها» (¬4). ¬

_ (¬1) البيت لعَلقمة بن عَبَدة، انظر: الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 2001 م) ج 13، ص 207. (¬2) انظر: ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج 3، ص 407، وابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 1، ص 553. (¬3) ابن سينا، أبو علي الحسين بن علي، القانون في الطب، تحقيق: محمد أمين الضناوي (دار البشير، د. ط، د. ت) ج 1، ص 13، ونلاحظ من تعريف ابن سيناء أنَّه سبق الطبَّ الحديث إذ لم يقتصر على جعل الطب معالجة المرض؛ بل جعله أيضاً المحافظة على الوضع السليم للجسم وحمايته من التعرض للمرض، وهو ما يذكره بعض المهتمين بالطب بأنه النقلة النوعية للطب المعاصر باعتباره الطب الوقائي. (¬4) انظر: مجموعة من العلماء، الموسوعة العربية العالمية، (الرياض، المؤسسة العربية العالمية، الطبعة الثانية، 1419 هـ ـ 1999 م) ج 15، ص 514، وكنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبية الفقهية (بيروت: دار النفائس، الطبعة الأولى 1420 هـ ـ 2000 م) ص 644، والبستاني، بطرس، دائرة المعارف، (بيروت: لبنان، دار المعرفة، د. ط، د. ت) ج 11، ص 203، البعلبكي، منير، موسوعة المورد (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الثانية 1996 م) ج 6، ص 221.

المطلب الخامس: تعريف المعاصرة

المطلب الخامس: تعريف المعاصرة: لغة: من العصر، وهو: الدهر والحين. قال ابن فارس: العين، والصاد، والراء أصولٌ ثلاثة صحيحة، والعصر هو الدهر. قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} [العصر:1 - 2] (¬1). ومن معانيه: الزمن الذي ينسب إلى ملِك، أو دولة، أو تطورات طبيعية، أو اجتماعية، يقال: عصر الدولة العباسية، عصر الكهرباء، عصر الذرَّة، العصر القديم، العصر المتوسط، والعصر الحديث، وهكذا (¬2). و «المعاصَرَة»: مُفاعَلة من العصر، وتعني اجتماع شيئين في عصر واحد، ومنه وصف الشخص بأنه «معاصِرٌ» أي: أدرك أهل هذا العصر، واجتمع معهم. أما «المعاصِرة» -بكسر الصاد- فالمقصود بها الكائنة في هذا العصر الذي نعيش فيه (¬3)، فالنوازل المعاصِرة هي التي حصلت في هذا العصر، عصر الثورة ¬

_ (¬1) ابن فارس، أبو الحسين أحمد، مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج 4،ص 340. (¬2) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، (القاهرة: مكتبة الشروق، الطبعة الرابعة، 1425 هـ -2004 م) ص 604. (¬3) انظر: اللويحق، عبد الرحمن بن معلا، الغلو في حياة المسلمين المعاصرة، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1412 هـ) ص 21.

العلمية، القرن العشرين وما بعده. اصطلاحاً: من خلال تتبعي لم أجد تعريفاً محدداً لكلمة «معاصِرة» إلا أنّ الاستخدام الاصطلاحي لكلمة معاصِرة ليس بعيدًا عن المعنى اللغوي، فالمسائل المعاصِرة هي المنسوبة لذلك العصر الذي تضاف إليه، ويُقصد بها المسائل التي حدثت في العصر الحاضر، فكل من يتحدث عن «المعاصِرة» تكون مضافة للزمن الذي يعيشه. وفي بحثنا هذا هي: ما استجَدَّ في عصرنا من قضايا طبية لها علاقة بفريضة الصوم صحة وفساداً.

المبحث الثاني أهمية دراسة النوازل في باب المفطرات

المبحث الثاني أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات - المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحًا. - المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة.

المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحا

المطلب الأول: تعريف النوازل لغة واصطلاحاً: لغة: جمع نازلة، قال ابن فارس: «النون، والزاء، واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس» (¬1). ومنه قول الشاعر: ولَرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى ... ذرعا وعند الله منها المخرج (¬2) ومنه القنوت في النوازل، يعني: في الشدائد التي تحل بالمسلمين. اصطلاحاً: هي المسائل الواقعة الجديدة التي تستدعي اجتهاداً وبياناً للحكم الشرعي (¬3). وضبطها بالجديدة ليخرج ما سبق وقوعه في زمن ماضٍ، وتحدث عنه الفقهاء، وأصدروا فيه حكماً. ويخرج بضابط «تستدعي اجتهاداً» ما كان حكمه واضحاً من المستجدات، ويدركه كل مكلف، وقد نص الأئمة أنّ النازلة ما تَطَلّب اجتهاداً ونظراً. ¬

_ (¬1) انظر: ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج 11،ص 659. (¬2) البيت لإبراهيم بن العباس الصولي المتوفى بسامراء سنة 243 هـ، انظر: الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم الأدباء (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى،1411 هـ - 1991 م) ج 1، ص 104. (¬3) الجيزاني، محمد حسين، فقه النوازل، مرجع سابق، ج 1، ص 21.

المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المفطرات المعاصرة

يقول ابن عبد البر رحمه الله: «واجتهاد الرأي على الأصول عندما ينزل بالعلماء من النوازل في أحكامهم» (¬1). ويقول النووي: -في معرض شرحه لقول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين قرر محاربة المرتدين: «والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه» -: «وفيه اجتهاد الأئمة في النوازل، وردها إلى الأصول» (¬2). OOOOO المطلب الثاني: أهمية دراسة النوازل في باب المُفَطِّرات المعاصرة: مما لا يخفى أن الوقائع الحياتية تتجدد وتتطور، وأن النصوص الشرعية متناهية، والمستجدات غير متناهية، فلزم إرجاع تلك المستجدات إلى أصولها، فكل نازلة لها حكم، وكل حادثة لها نص كلي أو تفصيلي ترجع إليه. وقد استجدت أحكام ولم تستجد نصوص، ولهذا بقي الإسلام شامخاً راسخاً، فاستوعب المكان وساير الزمان. فما من معضلة ولا مشكلة إلا وفيه حل لها، ولا نازلة إلا وعنده جوابها. قال السرخسي: «ما من حادثة إلا وفيها حكم لله تعالى من تحليل أو تحريم ¬

_ (¬1) ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري، جامع بيان العلم وفضله، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، 1398 هـ) ج 2، ص 171. (¬2) النووي، يحيى بن شرف بن مري، شرح صحيح مسلم، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1392 هـ) ج 1، ص 213.

أو إيجاب أو إسقاط، ومعلوم أنَّ كل حادثة لا يوجد فيها نص، فالنصوص معدودة متناهية، ولا نهاية لما يقع من الحوادث إلى قيام الساعة، والصحابة ما اشتغلوا باعتماد نص في كل حادثة طلباً أو رواية، فعرفنا أنه لا يوجد نص في كل حادثة» (¬1). والنوازل المستجدة التي تستدعي حكماً شرعياً تنقسم إلى قسمين من حيث أهميتها: الأول: ما يندر وقوعها وحاجة المكلفين إليها، مثل: إعادة العضو المقطوع في حَدٍّ أو قصاص، وزراعة الأعضاء، واللجوء السياسي، ونحوها. الثاني: مسائل يكثر وقوعها وتعظم الحاجة إليها عند عموم المكلفين، مثل: الصلاة في الطائرة، والبطاقات البنكية، ونحوها (¬2). وإذا نظرنا إلى مسائل ونوازل المُفَطِّرات الطبية وجدنا أنها من القسم الثاني؛ لأنها تتعلق بفرض عيني يلزم جميع المكلفين، وعلاقتها بهذا الفرض صحة وفساداً، وليس تكميلاً. فإذا تبين هذا أصبح النظر فيها من أهم الفروض وأوجب الأولويات لتعلقها بركن من أركان الإسلام. ومع التطور الطبي ووجود تصوير تشريحي دقيق لجسم الإنسان، ووجود أجهزة وعقاقير متنوعة تستخدم لعلاج الإنسان أصبحت من ضروريات حياته ¬

_ (¬1) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، أصول السرخسي، مرجع سابق، ج 2، ص 139. (¬2) الجيزاني، مجمد حسين فقه النوازل، مرجع سابق، ج 1،ص 28.

ظهرت قرارات وفتاوى حول الكثير من المُفَطِّرات الطبية المعاصرة، إلا أنّ غياب دراسة تحمل التوجه الاجتهادي في هذه النوازل جعل الحاجة ملحة، والواجب أشد آكدية لدراستها.

المبحث الثالث شروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها

المبحث الثالث شروط الفتوى في النوازل، ومن له حق الإفتاء فيها لما كانت النوازل المعاصرة يحيط بها قدر من التعقيد، لم يكن النظر فيها متاحاً لكل من آنس من نفسه ثقافة شرعية؛ بل إنّ النظر فيها يتطلب نظراً فقهيا دقيقاً، يجمع بين سلامة التصور، وامتلاك آلة النظر الفقهي؛ ولذا استلزم الأمر أن يُضبط بشروط ومحددات للنظر فيها. وهذه الشروط التي لابد منها هي: أولا: العلم: النظر في النوازل أمر يحتاج إلى اجتهاد؛ لذا كان شرط العلم والقدرة على الاجتهاد فيها شرطاً أساسياً، وذلك بأن يكون لدى الناظر في النازلة من العلم الشرعي ما يتمكن معه من الاجتهاد في النازلة، وقد نقل ابن الصلاح عن الإمام الجويني قوله: «والقول الوجيز في ذلك: أنَّ المفتي هو المتمكن من إدراك أحكام الوقائع على يسر من غير معاناة تَعَلّم» (¬1). ولا يلزم أن يصل مرتبة المجتهد المطلق، فإنَّ الاجتهاد يتجزأ. وأما ما اشترطه الأصوليون في المفتي أن يكون مجتهداً مطلقاً فإنما مرادهم المفتي المطلق في جميع أبواب الشرع. ¬

_ (¬1) انظر: ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي، أدب المفتي والمستفتي، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، (بيروت: مكتبة العلوم والحكم, الطبعة الأولى، 1407 هـ) ص 27.

أما المفتي في باب خاص من العلم، نحو علم المناسك, أو علم الفرائض، فلا يشترط فيه جميع ذلك، ومن الجائز أن ينال الإنسان منصب الفتوى والاجتهاد في بعض الأبواب دون بعض، فمن عرف القياس وطرقه وليس عالماً بالحديث، فله أن يفتي في مسائل قياسية يعلم أنّه لا تعلق لها بالحديث، ومن عرف أصول المواريث وأحكامها جاز له أن يفتي فيها، وإن لم يكن عارفا بأحاديث النكاح, ولا يجوز له أن يفتي في غير ذلك من أبواب الفقه. وقد قطع بجواز هذا جماعة من أهل العلم المحققين (¬1). وبالتأمل في أحوال المفتين عبر التاريخ نجد أنّ شروط الاجتهاد التي نص عليها الأصوليون لم تتوفر إلا في القليل، ولذا كان القول بأنّ كل من عَلِم باباً جاز له أن يفتي فيه هو المتعين, وبه يندفع الحرج عن الأمة. يقول ابن دقيق العيد: «توقيف الفتيا على حصول المجتهد-أي المطلق- يفضي إلى حرج عظيم» (¬2). وعليه فإن الناظر في النازلة إذا ملك آلة النظر والاجتهاد في مسألة جاز له أن يجتهد ويفتي فيها، فقد يكون الشخص أهلاً للإفتاء في مسائل معينة، وليس أهلاً للإفتاء في مسائل أخرى، أو للإفتاء العام. ¬

_ (¬1) انظر: النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، (دمشق: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1408 هـ) ص 24. (¬2) انظر: الشوكاني، محمد بن علي، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق: أبي مصعب محمد سعيد البدري (بيروت: دار الفكر، الأولى، 1412 هـ - 1992 م) ج 1، ص 450.

ثانياً: التصور: من المعلوم أنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولما كانت الفتوى تنزيل حكم الله في الواقعة أو النازلة, كان لابد من التصور الصحيح لتلك الحادثة أو النازلة حتى يُنزّل فيها حكم الله على الوجه الصحيح فمعرفة النازلة نصف الاجتهاد. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم. أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله» (¬1). ومن البديهي أن يتم الرجوع في التصور لأهل الاختصاص فنوازل الصناعات يُرجع فيها إلى أهل الصناعات المختصين، ونوازل الطب يرجع فيها إلى الأطباء المختصين. ¬

_ (¬1) ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد (بيروت: دار الجيل، د. ط 1973) ج 1، ص 87.

ومن هنا تبرز أهمية العلاقة بين الفقهاء وأهل الاختصاص، ويشهد لذلك قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} [النحل:43]، وكذا قوله تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]، وأهل الذكر في نوازل الصيام الطبية هما: الطبيب والفقيه إذ بغيرهما لا يمكن إيجاد حكم شرعي صحيح، فلابد قبل إصدار الحكم الشرعي من سماع قول المختص في تصوير النازلة، وكيفية تأثيرها على الجسم، ومدى انتفاع الجسم بتلك المواد ووصولها إلى الجهاز الهضمي، عندها يستطيع الفقيه إصدار الحكم الشرعي الصحيح. ثالثاً: التكييف والتخريج: والتكييف: هو تصنيف المسألة تحت ما يناسبها من النظر الفقهي، أو رَدّ المسألة إلى أصل من الأصول الشرعية (¬1). ويكون التكييف بعد التصور الصحيح فيضعها في بابها وموطنها إلحاقاً بالنصوص بدلالة العموم، أو المفهوم، أو الإيماء، أو الإشارة, أو القياس، أو بالاجتهاد في إلحاق هذه النازلة بما يشابهها من النوازل المتقدمة؛ لتقاس عليها، وتأخذ حكمها، وبعد أن يتم التكييف الصحيح للنازلة يكون التخريج. والتخريج: هو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه (¬2). ¬

_ (¬1) الجيزاني، محمد حسين، فقه النوازل، مرجع سابق، ج 1، ص 47. (¬2) انظر: المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: محمد حامد الفقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط) ج 1، ص 6، وابن بدران، عبد القادر، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1401) ص 140.

ويُعَرِّفه البعض بأنه: «استنباط الأحكام الشرعية من خلال آراء أئمة المذاهب وقواعدهم» (¬1). ووجه الصلة بين التكييف الفقهي والتخريج أنَّ التكييف هو الخطوة الأولى والمرحلة الأساسية التي يُبنى عليها التخريج الصحيح الموافق للدليل أو قول الإمام، فالمخرِّج أول ما يبدأ اجتهاده في واقعة ما لابد أن يتصورها تصوراً كاملاً، ثم يكيفها بإلحاقها بالصورة المشابهة لها، ثم يُخَرِّج حكمها في ضوء تكييفه لها من خلال مراتب يسير المجتهد على ضوئها ابتداءً بالأعلى، ثم الذي يليه، وهي كالآتي: 1) البحث عنها في نصوص الكتاب والسنة بدلالة العموم، أو المفهوم أو بالإشارة، مثال ذلك: دخول الشعر الصناعي (الباروكة) في قوله صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ الله الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» (¬2). 2) إلحاقها بالنوازل المتقدمة لتأخذ حكمها بالقياس. مثال ذلك: إلحاق حكم البوفية المفتوحة بحكم دخول الحمَّامات بأجرة ¬

_ (¬1) انظر: القحطاني، مسفر بن علي، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، (جدة، السعودية، دار ابن حزم، الطبعة الأولى- 1412 هـ 2003 م)، ص 355 وص 472. (¬2) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الوصل في الشعر، رقم: 5589.

معينة مع عدم تحديد كمية الماء المستهلك ومدة المكث. 3) اندراجها تحت القواعد الفقهية أو الأصول الشرعية. مثال ذلك: مشروعية السعي فوق سطح المسعى في تجديدات الحرم عملاً بالقاعدة الفقهية «الهواء يأخذ حكم القرار». 4) الاجتهاد في استخراج الحكم بطريق الاستنباط من خلال النظر في مقاصد الشريعة وكلياتها، أو قواعدها الكلية، مثل: سد الذرائع، والمصالح المرسلة، والأمور بمقاصدها. مثال ذلك: الحكم بجواز زراعة الأعضاء طلباً لمصلحة المريض المستفيد وحفظاً لحياته، والقول بوجوب الفحص الطبي قبل الزواج درءا لمفسدة انتشار الأمراض الوراثية (¬1). رابعاً: التطبيق: وذلك بتطبيق الحكم التخريجي عليها، والنظر في مدى مطابقته للنازلة والخروج بحكم شرعي مبني على سلامة التصور والتكييف والتخريج (¬2). فبعد أن يتصور الفقيه النازلة ويقوم بتكييفها وتخريجها فقهياً، عندها يصدر الحكم ¬

_ (¬1) انظر: القحطاني، مسفر بن علي، منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، مرجع سابق، ص 377 ومابعدها، والجيزاني، محمد حسين، فقه النوازل، مرجع سابق، ج 1،ص 51. (¬2) انظر: السفياني، عابد بن محمد، معنى النوازل والاجتهاد فيها، مجلة الأصول والنوازل، العدد الأول، (جدة: مركز المصادر، الطبعة الأولى،1430 هـ-2009 م) ص 19.

الشرعي الخاص بهذه النازلة مع ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية. يقول الإمام الشاطبي: «إنّ وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً» (¬1). ويقول المرداوي: «إنّ الله سبحانه شرع أحكامه لمصالح العباد، عُلِم ذلك بطريق الاستقراء» (¬2). فهذه الأسرار والغايات التي وُضِعت الشريعة لأجلها من حفظ الضروريات وإصلاح لأحوال العباد في الدارين معرفتها ضرورية على الدوام ولكل الناس، فالمجتهد يحتاج إليها عند استنباط الأحكام، وفهم النصوص، وغير المجتهد للتعرف على أسرار التشريع. والناظر في النوازل في أمَسِّ الحاجة إلى مراعاة فهم النصوص لتطبيقها على الوقائع وإلحاق حكمها بالنوازل والمستجدات، وكذلك إذا أراد التوفيق بين الأدلة المتعارضة، فإنه لابد وأن يستعين بمقصد الشرع (¬3). ¬

_ (¬1) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله دراز، (بيروت: دار المعرفة، الطبعة الثانية، 1416 هـ - 1996 م) ج 2، ص 6. (¬2) المرداوي، علي بن سليمان، التحبير شرح التحرير في أصول الفقه، تحقيق: د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح، (الرياض: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000 م) ج 7 ص 3408. (¬3) انظر: ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق الطاهر الميساوي (عمَّان، الأردن، دار النفائس، الطبعة الثانية،1421 هـ 2001 م) ص 183.

يقول الشيخ عبد الوهاب خلّاف: «ومعرفة المقصد العام من التشريع من أهم ما يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها، وتطبيقها على الوقائع، واستنباط الحكم فيما لا نص فيه» (¬1). والأخذ بالمقاصد وإعمالها يكون بتوسط من غير إفراط ولا تفريط، فلا إعمال مطلق مع وجود النص التفصيلي، ولا نفي مفرط، وهذا هو الموقف الأقرب للصحة والأليق بمنظومة الشرع، ومقررات العقل، ومتطلبات الواقع، ومصالح الناس (¬2). وهذا ما درج عليه الأئمة وسارت عليه مراتب الاستدلال. قال الإمام الشافعي: «فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها» (¬3). فلابد من رد النوازل إلى الأصول فإن وجد حكمها في الأدلة التفصيلية فهو مراد الشارع والمصلحة المتحققة للعباد، وإن لم نجد في الأدلة التفصيلية نظرنا في المقاصد الكلية. ولا يجوز تجاوز النصوص إلى النظر في المقاصد الكلية؛ لأنَّ المقاصد مأخوذة من مجموع النصوص، فالمقصد الأول في النص التفصيلي هو ¬

_ (¬1) خلّاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، (القاهرة: مكتبة الدعوة، الطبعة الثامنة، دت) ص 197. (¬2) انظر: الخادمي، نور الدين بن مختار، الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضوابطه، مجالاته، (قطر، وزارة الشؤون الإسلامية، الطبعة الأولى، 1419 هـ -1989 م) ص 39. (¬3) الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر (القاهرة: دار النشر، د. ط، 1358 هـ - 1939 م) ص 20.

المصلحة، فإن لم نجد فالمقاصد الشرعية والقواعد الكلية، ويشهد لذلك حديث معاذ - رضي الله عنه -: لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له: «كَيْفَ تَقْضِي؟» قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ الله، قَالَ: «فَإِنْ جَاءَكَ أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ الله»، قَالَ: أَقْضِي بِسُنَّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ الله؟» قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، قَالَ: «الْحَمْدُ لله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم» (¬1)، فرتب معاذ - رضي الله عنه - مآخذ الاستدلال من النص، فإن لم يجده اجتهد رأيه حسب قواعد الشريعة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذه التراتبية في الاستدلال. وقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «مَنْ عُرِض له منكم قضاء بعد اليوم، فليقض بما في كتاب الله، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله، ولا قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا قضى به الصالحون فليجتهد رأيه، ولا يقول إني أخاف، وإني أخاف، فإنَّ الحلال بَيِّن، والحرام بَيِّن، وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (¬2). وهذا ما درج عليه الصحابة - رضي الله عنهم -. يقول ابن القيم رحمه الله: «فالصحابة - رضي الله عنهم - مثلوا الوقائع بنظائرها، وشبهوها ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب الأقضية، رقم: 3592، والحديث مرسل إلا أن الأمة تلقته بالقبول لصحة معناه. انظر: ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني، التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، تحقيق: السيد عبدالله هاشم اليماني، (المدينة المنورة، 1384 هـ ـ 1964 م،) ج 4، ص 182. (¬2) رواه النسائي، كتاب آداب القضاة، باب الحكم باتفاق أهل العلم، رقم: 5397.

بأمثالها، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد، ونهجوا لهم طريقه، وبينوا لهم سبيله» (¬1). ومن هنا نعلم أنه إذا وُجِد العلم، وصَحَّ التصور للنازلة، وحَسُن التكييف، فإنّ الحكم الشرعي في النازلة يكون موفقاً ومسُدداً بعد توفيق الله للناظر فيها. ¬

_ (¬1) ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، مرجع سابق ج 1، ص 217.

المبحث الرابع العلاقة بين الفقه والطب

المبحث الرابع العلاقة بين الفقه والطب وفيه مطالب: - المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية. - المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب. - المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية.

المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية

المطلب الأول: علاقة الفقه بالطب، ومكانة الطب في الشريعة الإسلامية: بدأت العلاقة بين الفقه والطب مبكرة جداً، فمنذ ظهور التشريع الإسلامي ظهرت العلاقة بين الفقه والطب، فقد طهّر النبي صلى الله عليه وسلم الطب من الخرافة والشعوذة والتنجيم والتمائم التي استخدمت قبل الإسلام بين العرب وغيرهم كوسيلة من وسائل التطبب أو العلاج، وحسم الأمر بأقوى الألفاظ والأحكام، فمن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (¬1). وقوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً، وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» (¬2). وقوله: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ» (¬3). وهذا الحسم يعتبر دعوة صريحة للعلم التجريبي خاصة إذا ما أضيف إليه المنع من ممارسة الطب لغير الخبير بالمهنة وتضمين من مارسها وليس عارفاً بها حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ» (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب الطب، باب في الكاهن، رقم: 3904 (¬2) رواه البزار في مسنده، مسند عمران بن حصين، رقم: 3578. (¬3) رواه أحمد في المسند، مسند عقبة بن عامر، رقم: 17440. (¬4) رواه أبو داود، كتاب الديات، باب من تطبب بغير علم فأعنت، رقم:4588.

كما تجلت العلاقة بين الفقه والطب في كون حفظ النفس من مقاصد الشريعة الكبرى، وحفظها يكون بصيانتها من العطل والهلاك، فجاء الأمر بحفظ النفس والتداوي معززاً لهذه القاعدة. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]. وهذه الآية دعوة صريحة للطب الوقائي. وقال صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ - عز وجل - لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» (¬1). إنّ هذه النصوص القرآنية والنبوية أوجدت عند المسلمين حافزاً للاهتمام بالطب، وقد أفرد العلماء في كتب الحديث أبواباً خاصة بالطب كما في البخاري ومسلم وغيرهما (¬2). وصنف بعض الفقهاء كتباً مفردة ذكروا فيها تفاصيل طبية وتشريحية مما ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في السنن، كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى، رقم:3855، والترمذي، كتاب الطب، بَاب ما جاء في التَّدَاوِي بِالْعَسَلِ، رقم:2082، وقال: حسن صحيح. (¬2) انظر: البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي، الجامع الصحيح، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، (بيروت: دار ابن كثير , الطبعة الثالثة، 1407 هـ- 1987 م) ج 5، ص 2167، وانظر: مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط، د. ت) ج 4، ص 1718، أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، (دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 4، ص 3.

يدل على عنايتهم بالطب، مثل كتاب الطب النبوي لابن القيم (¬1). قال الإمام الشافعي: «لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب» (¬2). وقال العز بن عبد السلام: «الطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام» (¬3). كما قرر الأئمة أنّ دراسة الطب من فروض الكفايات التي يلزم تعلمها على بعض المسلمين، وإلّا لحق الإثم جميع الناس. قال الإمام النووي: «وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب والحساب» (¬4). ونقل النووي عن الإمام الغزالي قوله: «إنّ الحرف والصناعات التي لا بد للناس منها في معايشهم كالفلاحة فرض كفاية، فالطب والحساب أولى» (¬5). OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي، الطب النبوي، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق (بيروت: دار الفكر، د. ط). (¬2) انظر: الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط, محمد نعيم العرقسوسي (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة: التاسعة، 1413 هـ) ج 10، ص 57. (¬3) العز بن عبد السلام، عز الدين السلمي، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، د. ت) ج 1، ص 4. (¬4) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405) ج 10، ص 223. (¬5) المرجع السابق، ج 10، ص 223.

المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب

المطلب الثاني: جهود العلماء المسلمين في مجال الطب: لقد أفرز هذا الحافز الديني اهتماماً بالطب عند العلماء والخلفاء المسلمين، فكانت لهم جهود كبيرة في الطب من حيث الممارسة والتأليف والترجمة، فمن ذلك: - ممارسة الطب التجريبي، فقد فحصوا البول ورتبوا نتائج الفحص من حيث لون البول وكميته ورائحته وقوامه وملمسه وتعكره وصفاته ووجود الدم والترسبات فيه، وربطوا كل حالة منه بأمراض مخصوصة، وكذلك كانوا يجرون فحص الغائط والبصاق والمني. - التوصل إلى حقائق طبية رائعة، حيث أجروا العمليات الجراحية، وعالجوا الحالات النفسية والمستعصية، واستخدموا الكلاليب على الجنين الميت في الولادات العسرة، واستعملوا كيس الثلج على الرأس في الحمّيات الشديدة، ووصفوا أعراض التهاب السحايا، وأعطوا تشخيصاً للحصبة والجدري، وأجروا عملية الماء الأبيض على العين، ووصفوا الدورة الدموية الصغرى بشكلها الصحيح، وفرقوا بين شلل الوجه الناتج عن سبب داخلي في الدماغ وعن سبب خارجي (¬1). - ¬

_ (¬1) انظر: النتشه، محمد عبد الجواد حجازي، المسائل الطبية المستجدة، (ليدز، بريطانيا: دار الحكمة، الطبعة الأولى 1422 هـ ـ 2001 م) ج 1، ص 43، والبار، محمد علي، علم التشريح عند المسلمين، (جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1409 هـ ـ 1989 م).

المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية

تأليف الكثير من الكتب الطبية منها كتاب «القانون في الطب» لابن سينا، و «شرح القانون» للإمام فخر الدين الرازي، وكتاب «الشفاء» و «كتاب القولنج» لابن سينا أيضاً و «المعتبر في الحكمة» لابن ملكا البغدادي، و «كتاب التيسير في المداواة والتدبير» لأبي العلاء بن زهر، و «كتاب الشامل في الطب» لابن النفيس (¬1). - حققوا سبقا في الكثير من ركائز الطب الحديث، فقد سبق ابن النفيس الطبيب (وليام هارفي) بأربعة قرون في وصف الدورة الدموية, لكنّ الغرب يُرجع الفضل في هذا إلى (وليام هارفي) ويتناسى ابن النفيس؟! (¬2). OOOOO المطلب الثالث: اعتماد بعض الأحكام الشرعية على التخصصات الطبية: احترم الفقهاء المتقدمون تخصص الطب وأحالوا عدداً من مسائل الفقه لما يقرره الطبيب المختص، وبنوا الحكم الشرعي على قوله، ففي الديات وتقدير مقدار الجروح أرجعوها لقول الطبيب؛ بل حتى في التنازع في عيوب المواشي ردوها للطب البيطري. ¬

_ (¬1) انظر: عزام، طارق صالح يوسف، أثر الطب الشرعي في إثبات الحقوق (عَمّان: دار النفائس، الطبعة الأولى، 1429 هـ 2009 م) ص 20 - 21، وعطية، جميل عبد المجيد، تنظيم صنعة الطب خلال عصور الحضارة العربية والإسلامية، (الرياض: مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1423 هـ -2002 م). (¬2) انظر: كنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبية الفقهية، مرجع سابق، ص 199.

يقول ابن قدامة: «القسم السادس -من مسائل الحقوق المتنازع عليها-: ما لا يعرفه إلا أهل الطب كالموضحة وشبهها، وداء الدواب الذي لا يعرفه إلا البيطار، فإذا لم يُقْدر على اثنين قُبِل فيه قول الواحد العدل من أهل المعرفة» (¬1). وقال في موطن آخر في تحديد مقدار الجنايات: «وإذا زعم أهل الطب أنّ بَصَره يقلّ إذا بعدت المسافة، ويكثر إذا قربت، وأمكن هذا في المذارعة عمل عليه» (¬2). وقال الشيخ محمد العثيمين في اعتماد قول الطبيب في كون الشيء مُفَطِّراً أو لا: «ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك فإذا قالوا: إنّ هذا كالأكل والشرب وجب إلحاقه به وصار مُفَطِّراً، وإذا قالوا: إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب فإنه لا يكون مُفَطِّراً» (¬3). كما أنّ الفقهاء بنوا أحكامًا معتمدين فيها على تصور طبي تبين بعد ذلك عدم صحته، فتغير الحكم عند الفقهاء على ضوء التصور الصحيح، ومن ذلك مسألة أقل الحمل وأكثره وما بُني عليه من أحكام. ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل (بيروت: المكتب الإسلامي، د. ط، د. ت) ج 4، ص 541. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 8، ص 342. (¬3) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان، (الرياض: دار الثريا للنشر، الطبعة الأولى، 1423 هـ ـ 2003 م) ج 19، ص 204.

المبحث الخامس حكم التداوي

المبحث الخامس حكم التداوي وفيه مطالب: - المطلب الأول: تعريف التداوي. - المطلب الثاني: حكم التداوي. المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم.

المطلب الأول: تعريف التداوي

المطلب الأول: تعريف التداوي: لغة: مصدر للفعل تداوى، أي استعمل الدواء. قال الرازي: «داواه عالجه، يقال فلان يدوي ويُدَاوي وتداوى بالشيء تعالج به» (¬1). وتَدَاوى: تناول الدواء، وداواه عالجه، والدواء ما يتداوى به ويعالج (¬2). اصطلاحاً: التداوي (Treatment): هو تعاطي الدواء بقصد معالجة المرض أو الوقاية منه (¬3). وقد أصبح للتداوي في العصر الحاضر أشكال ووسائل عديدة جداً، منها: العلاج بالأدوية (Drugs)، والعلاج الجراحي (surgical treatment)، والعلاج النفسي (psychiatry) ، والعلاج الفيزيائي (physiotherapy) ، وغيرها من الوسائل العلاجية المستجدة (¬4). ويستعمل الطبيب الأدوية في العلاج لتخفيف عَرَض، أو مداواة مرض، أو ¬

_ (¬1) الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، مختار الصحاح، تحقيق: محمود خاطر، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، د. ط، 1415 هـ ـ 1995 م)، ج 1، ص 90. (¬2) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 14، ص 279، والزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين (دار الهداية، د. ط، د. ت) ج 6، ص 279. (¬3) انظر: كنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبية الفقهية، مرجع سابق، ص 193. (¬4) المرجع السابق، ص 193.

المطلب الثاني: حكم التداوي

لسد نقص في الجسم، وتستعمل الأدوية أيضاً في التشخيص والوقاية من الأمراض. وقد تكون الأدوية من أصل نباتي، أو حيواني، أو معدني، كما قد تكون مركباً تركيباً تخليقياً في المختبر (¬1). OOOOO المطلب الثاني: حكم التداوي: جاءت النصوص الشرعية صحيحة وصريحة في مشروعية التداوي والحث عليه من الكتاب والسنة، فمن ذلك قوله تعالى عن النحل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]، وهذه الآية متضمنة مشروعية التداوي، والطب العلاجي والوقائي، وبها استدل عمرو بن العاص - رضي الله عنه - حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفا على نفسه منه، فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على احتجاجه هذا (¬2). ومن السنة المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ - عز وجل - لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» (¬3). ¬

_ (¬1) القاموس الطبي العربي، موقع طبيب على الإنترنت www.altibbi.com. تاريخ التصفح،22/ 1/2010 م. (¬2) انظر: ابن عطية، عبد الحق بن غالب الأندلسي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد (لبنان: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413 هـ- 1993 م) ج 5، ص 150. (¬3) سبق تخريجه، ص (50).

إلا أن العلماء اختلفوا في مراتب مشروعية التداوي على أقوال نذكرها، ونذكر أدلتهم، ثم نذكر الراجح. القول الأول (وجوب التداوي): وهو قول بعض الحنابلة (¬1). وعزاه ابن تيمية لبعض الشافعية (¬2). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ - عز وجل - لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ» (¬3). ووجه الاستدلال: أنّ قوله صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا» أمْرٌ بالتداوي، والأمر يدل على الوجوب (¬4). الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَخِي ¬

_ (¬1) انظر: المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 2، ص 463. (¬2) انظر: ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، د ت) ج 24، ص 269. نقل ابن تيمية هذا القول عن بعض الشافعية، ولم أجد في كتبهم من نص على ذلك إلا ما ذكره البرلسي الملقب بعميرة في حاشيته على المنهاج حيث يقول: «إذا كان به جرح يخاف منه التلف وجب». انظر: البرلسي، شهاب الدين أحمد، حاشية عميرة على المنهاج، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1419 هـ - 1998 م) ج 1، ص 403. وهذا القول لا يعني القول بالوجوب مطلقاً، ولعل ابن تيمية وقف على قول عند الشافعية لم أتمكن من الوقوف عليه. (¬3) سبق تخريجه، ص (50). (¬4) انظر: الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله، التلخيص في أصول الفقه، تحقيق: عبد الله جولم النبالي، وبشير أحمد العمري، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، د. ط 1417 هـ- 1996 م) ج 1، ص 269.

يَشْتَكِي بَطْنَهُ، فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ؟ فَقَالَ: «صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلًا» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ (¬1). ووجه الاستدلال: أنّه صلى الله عليه وسلم أمره بشرب العسل وهو من التداوي، فدل على أنه مأمور به. والأمر يدل على الوجوب عند الإطلاق. المناقشة: نوقش هذا الاستدلال بأنه لو سلمنا بهذا القول لَلَحِق من ترك التداوي الذم بتركه، ومن المعلوم أن بعض الصحابة تَرَك التداوي كأبي بكر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، ولم ينكر عليهم أحد، ولو كان التداوي واجباً عليهم لم يتركوه، ولأنكر عليهم بقية الصحابة (¬2). القول الثاني (استحباب التداوي): وهو مذهب الشافعية (¬3)، وجمهور السلف، وعامة الخلف. قال النووي: «استحباب الدواء هو مذهب أصحابنا، وجمهور السلف ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، رقم: 5684، ومسلم، كتاب السلام، باب التداوي بسقي العسل، رقم: 2217. (¬2) انظر: ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي, محمد عبد الكبير البكري (المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، د. ط 1387) ج 5، ص 279. (¬3) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق ج 5، ص 96، وانظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، روضة الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1405) ج 2، ص 96.

وعامة الخلف» (¬1). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]. الدليل الثاني: قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69]. ووجه الاستدلال من الآيتين الكريمتين: أنهما في مقام الامتنان على العباد بما هو شفاء لهم، فدل على أن طلب الشفاء بالتداوي أمر مطلوب. الدليل الثالث: استدلوا بالأحاديث التي استدل بها القائلون بالوجوب، إلا أنهم قالوا إنّ الأمر فيها مصروف من الوجوب إلى الاستحباب بأدلة أخرى، فانصرف الوجوب، وبقي الاستحباب. المناقشة: نوقش بأنّ القول بالاستحباب مطلقاً يتنافى مع النصوص في الحالات التي قد يهلك فيها الإنسان من المرض؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)} [النساء:29]، أو يضر غيره بالعدوى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، شرح صحيح مسلم (بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1392 هـ) ج 1، ص 213، المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 2، ص 463.541.

ضِرَارَ» (¬1). القول الثالث (أن التداوي مباح): وهو قول الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، وبعض الحنابلة (¬4). قال ابن عبد البر: «وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء» (¬5). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: الدليل الأول: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَاجْتَوَوْهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، رقم:2340. وقَوّى الحديث الإمام النووي فقال: «له طرق يقوي بعضها بعضا».وتبعه ابن رجب. انظر: ابن رجب، أبو الفرج عبد الرحمن البغدادي، جامع العلوم والحكم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة 1417 هـ - 1997 م) ج 1، ص 304. (¬2) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 10، ص 156، والمرغيناني، أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح بداية المبتدي، (المكتبة الإسلامية، د. ط، د. ت) ج 4، ص 97. (¬3) العبدري، محمد بن يوسف بن أبي القاسم، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الثانية 1398) ج 2، ص 6، القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن (القاهرة، دار الشعب) ج 10، ص 138. (¬4) المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 2، ص 463، والبهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق: هلال مصيلحي (بيروت: دار الفكر، د. ط 1402 هـ) ج 2، ص 76. (¬5) ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله النمري، التمهيد لما في الموطأ، مرجع سابق، ج 5، ص 279.

إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا»، فَفَعَلُوا، فَصَحُّوا» (¬1). ووجه الاستدلال في قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئْتُمْ» فهو دليل على الإباحة المطلقة، ولو كان التداوي مستحباً، أو واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم ولم يؤخره عن وقت الحاجة. الدليل الثاني: حديث عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: سألت عائشة عَنِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ (¬2)، فَقَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ» (¬3). ووجه الاستدلال: أن التداوي رخصة فيكون مباحاً. المناقشة: نوقش الدليل الأول: بأنّ جملة «إِنْ شِئْتُمْ»: لا تدل على الإباحة؛ لأنّه قد ورد في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يخرجوا إلى إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها (¬4). ونوقش الدليل الثاني: بأنّ كلمة رخص في مقابل المنع فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك أولاً، ثم رخص فيها، وقد ثبت أنه رقى بنفسه ورُقي وحث على ¬

_ (¬1) رواه مسلم في الصحيح، كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين، رقم: 671. (¬2) والحُمَة: بضم الحاء وتخفيف الميم: سُمّ العقرب، أو سُمّ اللدغات عموما. انظر: ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب (بيروت: دار المعرفة، د. ط، د. ت) ج 10، ص 156. (¬3) رواه البخاري، كتاب الطب، باب رقية الحية والعقرب، رقم: 5409. (¬4) هذه الرواية عند البخاري، كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، حديث رقم:231

الرقية. القول الرابع (التداوي محرم): وهو قول بعض غلاة الصوفية (¬1). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: الدليل الأول: قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22]. ووجه الاستدلال: أنه مادام كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي. وقالوا إنّ الولاية لا تتم إلا إذا رضي العبد بجميع ما نزل به من البلاء، وأنَّ الله قد علم أيام المرض، وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته لما استطاعوا. المناقشة: نوقش هذا الاستدلال بأنّ هذا المفهوم للآية غير صحيح ولا يُسلم لهم، وذلك أنّه ليس في الآية إشارة إلى ترك التداوي، وإنما قررت الآية أنّ المصائب سبق أن سطرت في اللوح المحفوظ، كما أنّ النصوص التي حثت على التداوي وأمرت به تَردُّ عليهم وتبطل استدلالهم. قال الشوكاني: «من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعاً لسنته وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين، ولبس على ¬

_ (¬1) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، شرح صحيح مسلم، مرجع سابق، ج 14،ص 191، القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ج 10، ص 138.

رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشِعب، وخندق حول المدينة، وأَذِن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، وقال للذي سأله أيعقل ناقته أو يتوكل: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» (¬1) فأشار إلى أنّ الاحتراز لا يدفع التوكل» (¬2). الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ»، قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» (¬3). وجه الاستدلال: أنّه صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّ مِنْ وَصْف هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، فدل هذا على أنّ ترك التداوي هو الأقرب إلى التوكل وهو المطلوب. المناقشة: نوقش هذا الاستدلال بأن الحديث ليس فيه ذكر التداوي، وإنما فيه وصف للذين يدخلون الجنة بغير حساب (¬4). ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان، كتاب الرقائق، باب الورع والتوكل، رقم: 731. (¬2) الشوكاني، محمد بن علي، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (بيروت: دار الجيل، د. ط، 1973) ج 9، ص 92. (¬3) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ومن يتوكل على الله فهو حسبه، رقم: 6106، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم: 218. (¬4) انظر: الأشقر، محمد سليمان، أبحاث اجتهادية في الفقه الطبي، (بيروت: الرسالة ناشرون، الطبعة الأولى، 1422 هـ ـ 2001 م) ص 231.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح» أجوبة العلماء عن الاستدلال بهذا الحديث، وأنه ليس كما فهمه غلاة الصوفية، ومن هؤلاء الأئمة الحليمي حيث قال: «يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المُعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء، ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئًا» (¬1). الترجيح: بعد استعراض الأقوال، وأدلة كل فريق، ومناقشة الأدلة يترجح للباحث أنّ التداوي تلحقه الأحكام التكليفية الخمسة، وأنّه لا عبرة بقول غلاة الصوفية بالتحريم مطلقاً لتهافت أدلتهم ولمخالفته لما انعقد عليه الإجماع السكوتي قبلهم. فقد يكون التداوي واجباً، وقد يكون مستحباً، وقد يكون مباحاً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون محرماً بحسب اختلاف الأحوال والأشخاص جمعاً بين الأدلة وإعمالا لها جميعاً، فحكمه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص: - فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه، أو أحد أعضائه، أو عجزه، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره كالأمراض المنتقلة. - ¬

_ (¬1) ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 10، ص 211.

المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم

ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن، ولكن لا يترتب عليه هلاك النفس أو تلف الأعضاء. - ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين. - ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من المرض المراد إزالته. - ويكون محرمًا إذا أحدث أضرارًا تفوق أضرار المرض، عملاً بقاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وهي قاعدة متقررة عند الأصوليين (¬1). OOOOO المطلب الثالث: حكم التداوي للصائم: المسألة الأولى: الرخصة للمريض: أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض بالجملة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)} [البقرة:183 - 184]. وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ ¬

_ (¬1) انظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 3، ص 190.

أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة:185]. قال ابن قدامة: «أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة» (¬1). المسألة الثانية: المرض المبيح للفطر: من خلال ما سبق بيانه من حكم التداوي، وكون المرض من أسباب جواز الفطر في رمضان، فهل كل مرض يجيز التداوي الذي يفسد الصوم؟. هذا ما سيتبين في تقرير هذه المسألة. لفظ «المرض» واسع يدخل تحته صور كثيرة، فليس كل مرض يبيح الفطر، كما أنه ليس كل مرض يبيح التيمم، وكلاهما رُبِطت الرخصة فيه بالمرض. قال الإمام الشافعي: «والمرض اسم جامع لمعانٍ مختلفة فالذي سمعت أنّ المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه: الجراح» (¬2). وهذا تقريرٌ من الإمام الشافعي أنّ اللفظ ليس على إطلاقه، وأنه ليس كل ما يُسمى مرضاً سبباً للرخصة. وقال أيضاً: «وإن زاد مرض المريض زيادة بينة أفطر، وإن كانت زيادة ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق، ج 3، ص 41. (¬2) الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله، الأم، (بيروت: الطبعة الثانية، 1393 هـ) ج 1، ص 42.

محتملة لم يفطر» (¬1). وقال ابن قدامة: «فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصوم، ومنها ما لا أثر للصوم فيه ... فلم يصلح المرض ضابطاً، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره» (¬2). فكل من كان الصوم يجهده سواء بزيادة المرض، أو تأخر الشفاء، أو تحمل مشقة زائدة عن المشقة المعتادة في الصيام، أو يخاف تجدد المرض فهذا هو محل الرخصة الذي يجوز له الفطر في رمضان. وأما من كان الصوم لا يجهده، ولا يزيد من مرضه ولا يخاف معه تأخر الشفاء، أو تجدد المرض فهذا ليس محلاً للرخصة. يقول الشيخ القرضاوي: «هناك أمراض يتعايش معها الإنسان ولا تؤثر على حياته اليومية، وأمراض ساكنة لا توجب له تغير الحال، ولا تزيد بالصوم فهذه ليست محلاً للرخصة» (¬3). وقد يجب الفطر على الصائم إذا كان لا يطيق الصوم بحال، أو مع حصول الهلكة والتلف فهذا يجب عليه الفطر ويأثم بالصيام. ¬

_ (¬1) المرجع السابق، ج 2، ص 104. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق، ج 3، ص 42. (¬3) القرضاوي، يوسف عبد الله، فقه الصيام، (القاهرة: دار الصحوة، ودار الوفاء بالمنصورة، الطبعة الأولى 1411 هـ- 1991 م) ص 56.

قال الشاطبي: «الإجماع على أن التكليف بما لا يطاق غير واقع في الشريعة» (¬1). وقال القرطبي: «للمريض حالتان: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال فعليه الفطر واجباً. الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة، فهذا يستحب له الفطر ولا يصوم» (¬2). وقال الشوكاني: «للمريض حالتان إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة، وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة، وبهذا قال الجمهور» (¬3). ويمكننا أن نخلص مما سبق بالآتي: 1 - المريض الذي لا يقدر على الصوم بحال يجب عليه الفطر. 2 - المريض الذي لا يقدر على الصوم إلا بمشقة غير معتادة يجوز له الفطر. سواء نتج عن هذه المشقة تأخير البُرء، أو مضاعفة المرض. 3 - المرض الذي يُخشى (يقيناً أو غالباً) حصوله بسبب الصيام يجوز معه الفطر. ¬

_ (¬1) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 1، ص 150. (¬2) القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ج 2، ص 276. (¬3) الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 180.

4 - المرض الذي تحصل به مشقة محتملة معتادة؛ لا يُباح معه الفطر. المسألة الثالثة: حكم التداوي للصائم: من خلال ما تم استعراضه من نصوص الأئمة العلماء وفهمهم للنصوص الواردة في الترخيص للمريض بالفطر فقد توصلت للنتائج الآتية: - إذا كان حال المريض ممن يجوز له الفطر جاز له التداوي بما يُفَطِّر. - إذا كان المريض ممن يجب عليه الفطر لأجل الدواء وجب عليه التداوي بما يُفَطِّر. - إذا كان التداوي بما لا يُفطِّر فإنه يجري عليه الأحكام الخمسة الجارية على حكم التداوي المذكورة سابقاً.

الفصل الثاني تقرير قواعد الفقهاء في باب المفطرات

الفصل الثاني تقرير قواعد الفقهاء في باب المُفَطِّرات وفيه مباحث: - المبحث الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها. - المبحث الثاني: الموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات. - المبحث الثالث: تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء. - المبحث الرابع: ضابط المُفَطِّرات.

المبحث الأول المفطرات المجمع عليها والمختلف فيها

المبحث الأول المُفَطِّرات المجمع عليها والمختلف فيها - المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها. - المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها.

المطلب الأول: المفطرات المجمع عليها

المطلب الأول: المُفَطِّرات المجمع عليها: أجمع العلماء على أنّ أصول المُفَطِّرات ثلاثة ولم يخالف في ذلك أحد، وهي الأكل والشرب والجماع، لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} [البقرة:187]. قال ابن رشد: «أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع» (¬1). وذكر ابن المنذر في كتابه الإجماع أنّ العلماء أجمعوا أنّ من تعمد القيء فقد أفطر، حيث قال: «وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً» (¬2). والصواب أن القول بالفطر بتعمد القيء قول الجمهور وليس إجماعاً، وليس الأمر كما ذكر، ولعله لم يبلغه الخلاف، فالقول بعدم التفطير بتعمد القيء قول جماعة من أهل العلم منهم: ابن مسعود، وعكرمة وربيعة (¬3). ويستدل القائلون بعدم التفطير بتعمد القيء بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: «ثَلاَثٌ ¬

_ (¬1) ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (بيروت: دار الفكر، د ط، د. ت) ج 1، ص 211. (¬2) ابن المنذر، أبو بكر محمد بن إبراهيم النيسابوري، الإجماع، تحقيق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد (الإسكندرية: دار الدعوة، الطبعة الثالثة، 1402) ص 47. (¬3) انظر: الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار، (بيروت: دار الجيل، د. ط، 1973 م) ج 4، ص 280، والعظيم آبادي، محمد شمس الحق، عون المعبود شرح سنن أبي داود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1995 م) ج 7، ص 6.

لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالاِحْتِلاَمُ» (¬1). وذكر بعضهم الحيض والنفاس من المُفَطِّرات المجمع عليها، والصواب أنها من موانع الصيام إذ المُفطِّر يحصل بعد انعقاد الصوم، أما الحيض والنفاس، فلا ينعقد معه الصوم أصلاً، ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» (¬2). وهذا يدل على أنها تمتنع عن الشروع فيه، فإن شرعت فيه قبل الحيض ثم حاضت فلا تتم لحصول المانع، فهو من باب الحكم الوضعي، فإذا حصل الحيض والنفاس امتنع الصوم. وبهذا نخلص إلى أن المُفَطِّرات التي ورد بها النص، وانعقد عليها الإجماع هي الأكل والشرب والجماع، وأنّ تعمد القيء قول أكثر أهل العلم وليس إجماعاً. OOOOO ¬

_ (¬1) رواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء، رقم: 719, ولا يصح؛ ففيه أكثر من علة, وقد ضعفه محمد بن يحيى الذهلي والإمام أحمد وأبو حاتم وأبو زرعة والبيهقي, والدارقطني والترمذي, انظر: ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، مرجع سابق، ج 2، ص 194. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، رقم: 298.

المطلب الثاني: المفطرات المختلف فيها

المطلب الثاني: المُفَطِّرات المختلف فيها: المُفَطِّرات المختلف فيها كثيرة جداً، وقد عدَّ بعض الفقهاء المُفَطِّرات في كتبهم فأوصلوها إلى ما يقارب الستين مفطراً (¬1)، وهذه المُفَطِّرات قد يَقْوى الخلاف في بعضها، ويضعف في الأخرى, كالحجامة, والسعوط, والكحل, والحقن, والأدهان، وغير ذلك مما هو مبثوث في كتب المذاهب. قال ابن رشد في حديثه عن المُفَطِّرات: «واختلفوا من ذلك في مسائل منها ... فيما يرد الجوف مما ليس بمغذ وفيما يرد الجوف من غير منفذ الطعام والشراب، مثل الحقنة، وفيما يرد باطن سائر الأعضاء ولا يرد الجوف، مثل أن يرد الدماغ ولا يرد المعدة» (¬2). وسبب الخلاف فيها يرجع إما إلى حديث مختلف في صحته أو دلالته، أو الخلاف في القياس على المنصوص عليه، وتحرير المعنى الذي أناط به الشارع فساد الصوم، وهل حقيقة الصوم الإمساك المطلق عن كل ما يدخل الجسم، أو الإمساك المقيد بالأكل والشرب، وهل يُقيد ذلك بما دخل من منفذ معتاد، أم هو مطلق الدخول من أي منفذ، وبسبب ذلك اتجهت مذاهبهم إلى موسِّعين ومضيِّقين. ومن أسباب اختلافهم -خاصة بين المتقدمين والمتأخرين هو تغير النظرة ¬

_ (¬1) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 72. (¬2) ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مرجع سابق، ج 1،ص 212.

التشريحية للجسم، فتجد المتأخرين في بعض المذاهب يقررون أنه لا منفذ من الأذن للجوف؛ لِما ظهر لهم بسبب تطور التشريح، بينما يقرر المتقدمون في نفس المذهب أنها منفذ.

المبحث الثاني الموسعون والمضيقون في باب المفطرات

المبحث الثاني الموسعون والمضيقون في باب المُفَطِّرات - المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفطِّرات. - المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفطِّرات.

تمهيد بالتأمل بما سطرته أيادي الفقهاء المباركة حول مفسدات الصوم نستطيع أن نقسمهم إلى فريقين في موقفهم من المُفَطِّرات، فمنهم الموسع في هذا الباب الذي جعل فهم طبيعة المُفَطِّرات أُحْجِية لا يفهمهما ولا يعرف حدَّها وعدَّها إلا متمكن في العلم الشرعي، وهذا أمر يتنافى مع مقتضى التكاليف وعادتها في فروض الأعيان، إذ هي من السهولة التي يستطيع كل مكلف أن يدرك أحكامها، وإلّا للزم التكليف بما لا يطاق، وهذا مما ليس في شريعتنا السمحة (¬1). قال الشاطبي: «وثبت في الأصول الفقهية امتناع التكليف بما لا يطاق وأُلْحِق به امتناع التكليف بما فيه حرج خارج عن المعتاد» (¬2). ومن الفقهاء من يضيق المُفَطِّرات ويقصرها على ما جاء به النص، أو استوعبه عموم منطوق النص، أو دل عليه بالقياس الجلي، كما هو الحال مع ابن تيمية (¬3)، والشيخ محمود شلتوت (¬4)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬5)، والشيخ ¬

_ (¬1) قاعدة «عدم التكليف بما لا يطاق» قررتها النصوص القطعية في الكتاب الكريم، كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:78]. (¬2) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 2، ص 6. (¬3) ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 242. (¬4) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، (القاهرة: دار الشروق، الطبعة الثامنة عشر 1424 هـ-2004 م) ص 118. (¬5) انظر: القرضاوي، يوسف عبد الله، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 72.

محمد العثيمين (¬1). ومنهم من ضيقها حتى منع باب القياس والمعاني فكان في الطرف النقيض مع الأول كما هو الحال مع ابن حزم (¬2). OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 204 - 205. (¬2) انظر: ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، المحلى، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، (بيروت: دار الآفاق الجديدة، د. ط، د. ت) ج 6، ص 203.

المطلب الأول: مذهب الموسعين في المفطرات

المطلب الأول: مذهب الموسعين في المُفَطِّرات: هم الذين يقولون إنّ الصوم يفسد بدخول كل عين من الظاهر إلى باطن الجسم من منفذ مفتوح أصلي أو غير أصلي. وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية (¬1)، على خلاف في بعض الصور (¬2)، وعند النظر في باب المُفَطِّرات في كتب المذاهب المعتبرة نجد أن الفقهاء-رحمهم الله- توسعوا في هذا الباب حتى أوصل بعضهم المُفَطِّرات إلى ستين مفطراً، وقَعَّدوا لها قواعد لم يقم عليها دليل مُحْكَم من القرآن والسنة، ثم بنوا على هذه القواعد فروعاً لا تحصر، وأصبح معرفة هذه المُفَطِّرات أمراً معقداً يحتاج ¬

_ (¬1) المالكية أقرب للموسعين من جهة اعتبارهم بما دخل من فرج المرأة، والتفطير بالكحل، واعتبار بعضهم بما يدخل إلى الدماغ، إلّا أنهم أقل مذاهب التوسيع في المُفَطِّرات من حيث أن جمهورهم يقصر الجوف على التجويف البطني، ويحدونه بالحلق والمعدة والأمعاء. انظر: سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى (بيروت: دار صادر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 197، والخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، دط) ج 2، ص 249، والدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 524. (¬2) انظر: ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، (بيروت: دار المعرفة، الطبعة الثانية، د. ت) ج 2، ص 279، والكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93، والنووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 320، والشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مرجع سابق، ج 1، ص 237، ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق،.ج 3، ص 16.

إلى دراسة مطولة، فغاب التيسير الذي جعله الشارع ملازماً للتكليف (¬1). يقول الشيخ يوسف القرضاوي: «والواقع أنّ جلّ ما يقال في هذا المجال مما لم يدل عليه محكم قرآن، ولا صحيح سنة, ولا إجماع أمة, إنما هي اجتهادات يؤخذ منها ويترك، أو آراء بشر يجب أن تحاكم وتُرد إلى النصوص الأصلية والقواعد المرعية, والمقاصد الكلية» (¬2). وأهم الأسباب التي حملت الفقهاء المتقدمين على التوسع هي: 1 - التوسع في مفهوم الجوف، حيث يدخل فيه كل مجوف، كالمعدة والدبر الدماغ وداخل البطن وباطن الأذن وداخل قحف الرأس وباطن الإحليل. 2 - توسعهم في المنافذ المعتبرة، فكل فتحة نافذة إلى مجوف معتبرة كالفم، والأنف، والأذن، والدبر، وفرج المرأة، والإحليل، والجروح النافذة إلى البطن، أو الدماغ. 3 - توسعهم في العين الداخلة، فلا فرق بين المغذي وغيره، ولا بين المائع والجامد. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 72. (¬2) المرجع السابق، ص 80.

المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المفطرات

المطلب الثاني: مذهب المضيقين في المُفَطِّرات: وهم الذين يقولون إنّ الصوم إنما يفسد بالأكل والشرب خاصة، أو بما كان بمعناهما. في مقابل اتجاه التوسع في المُفَطِّرات سلك آخرون مسلك التضييق مكتفين بما دلت عليه معاقد الإجماع في هذا الباب أو قريباً منه، ومن أبرز من سلك مسلك التضييق في باب المُفَطِّرات: الإمام البخاري (¬1)، وابن حزم الظاهري (¬2)، وابن تيمية (¬3). أما الإمام البخاري فقد ظهر اتجاهه في باب المُفَطِّرات جلياً من خلال ترجمته لأبواب الصحيح، حيث روى آثاراً في تراجم أبواب الصيام تبين اختياره الفقهي كما هي عادته: (¬4). من ذلك ما ذكره في باب اغتسال الصائم: أنّ ابن عباس ب قال: «لا بأس أن يتطعم القِدْر أو الشيء»، ... وقال الحسن: «لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم»، .. وقال ابن سيرين: «لا بأس بالسواك الرطب. قيل: له طعم. قال: ¬

_ (¬1) انظر: البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، ج 2، ص 681. (¬2) ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، المحلى، مرجع سابق، ج 6، ص 214. (¬3) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 233 - 236. (¬4) فقه الإمام البخاري واختياراته الفقهية تظهر من خلال تراجمه لأبواب الصحيح، قال ابن حجر العسقلاني: «قال جمع من الأئمة فقه البخاري في تراجمه» انظر: ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 1، ص 243.

والماء له طعم وأنت تمضمض به» (¬1). وترجم في أحد الأبواب بقوله: «باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء»، ولم يميز بين الصائم وغيره، ... وقال عطاء: «ولا يمضغ العلك فإن ازدرد ريق العلك لا أقول إنه يفطر» (¬2). ومن أرباب مذهب التضييق ابن حزم الظاهري الذي ضيق باب المُفَطِّرات، وقصرها على المنصوص عليه، ومنع أي قياس عليه، وليس غريباً على مذهبه المانع للقياس حيث يقول رحمه الله: «ولا ينقض الصوم ... حقنة، ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل، أو في أنف، ولا استنشاق وإن بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد، ولا كحل، أو إن بلغ إلى الحلق نهاراً، أو ليلاً بعقاقير أو بغيرها، ... ولا سواك برطب أو يابس، ... ولا مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الأسنان أي وقت من النهار وُجِد» (¬3). وقال: «إنما نهانا الله تعالى في الصوم عن الأكل والشرب والجماع وتعمد القئ والمعاصي، وما علمنا أكلاً ولا شرباً يكون على دبر، أو إحليل، أو أذن، أو عين، أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس، وما نهينا قط عن أن نوصل إلى الجوف بغير الأكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله ...» (¬4). ¬

_ (¬1) البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي، الجامع الصحيح، مرجع سابق، ج 2، ص 681. (¬2) المرجع السابق، ج 2، ص 683. (¬3) ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، المحلى، مرجع سابق، ج 6، ص 203 - 204. (¬4) المرجع السابق، ج 6، ص 214.

ومن أرباب مسلك التضييق أيضاً: شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي لم يرفض القياس، وإنما ضيقه في باب الصيام، ورفض أن يُسلِّم بالعلة التي قاس عليها الفقهاء، وكانت سبباً للتوسع في باب المُفَطِّرات، حيث يقول: «وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ... ، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإنّ الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويَفْسُد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، ولو ذُكِرَ ذلك لَعَلِمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً عُلِم أنَّه لم يذكر شيئاً من ذلك» (¬1). وسلك مسلك التضييق جماعة من العلماء المعاصرين، كالشيخ محمود شلتوت (¬2)، والشيخ محمد العثيمين (¬3)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬4)، وهو ما تبنته قرارات المجامع الفقهية المعاصرة (¬5). ¬

_ (¬1) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 233. (¬2) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 118. (¬3) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ص 204. (¬4) القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 56. (¬5) انظر قرارات مجلة مجمع الفقه الإسلامي المنعقد حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 453،وص 364.

يقول الشيخ شلتوت: «إذا كان من محظور الصوم الأكل والشرب-وحقيقتهما دخول شيء من الحلق إلى المعدة، والمعدة هي محل الطعام والشراب من الإنسان-كان المبطل للصوم ما دخل فيها بخصوصها سواء أكان مغذياً أم غير مغذٍ، ولابد أن يكون من المنفذ المعتاد، ومن أجل هذا فما دخل الجوف ولكن لم يصل إليها لايفسد الصوم» (¬1). ويرى الشيخ العثيمين أنّ ما يُفَطِّر هو الأكل والشرب خاصة، وما كان في معناهما، ولم يرتضِ التوسع والتعليل بالوصول إلى الجوف حيث يقول: «نحن في غنى عن هذه التعليلات من الأصل إذا أخذنا بالقول الراجح، وهو أن المُفَطِّر هو الأكل والشرب، وما أدخل من طريق الإحليل فإنه لا يسمى أكلاً ولا شرباً» (¬2). ويقول في فتواه على جواز استخدام التحاميل الشرجية للصائم: «لا بأس أن يستعمل الصائم التحاميل التي تُجْعل في الدبر إذا كان مريضاً؛ لأنّ هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، والشارع إنما حَرَّم علينا الأكل أو الشرب؛ فما كان قائماً مقام الأكل والشرب أُعطِي حكم الأكل والشرب، وما ليس كذلك فإنه لا يدخل في الأكل والشرب لفظاً ولا معنى، فلا يثبت له حكم الأكل والشرب» (¬3). ¬

_ (¬1) شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 118. (¬2) العثيمين, محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، (الدمام: دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1424 هـ) ج 6، ص 358. (¬3) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 204 - 205.

يقول الشيخ القرضاوي: «وهذه الثلاثة –الأكل والشرب والجماع- وما أُلحق بها بالإجماع من تدخين التبغ ومضغه ونشوقه هي التي بينتها النصوص واتفقت مع حِكْمة الشارع» (¬1). ويقول: «والواقع أنَّ جلّ ما يقال في هذا المجال مما لم يدل عليه محكم قرآن ولا صحيح سنة, ولا إجماع أمة, إنما هي اجتهادات يؤخذ منها ويترك أو آراء بشر يجب أن تحاكم وترد إلى النصوص الأصلية والقواعد المرعية, والمقاصد الكلية، ... والذي أميل إليه أنه لا يُفَطِّر الصائم إلا ما أجمع الفقهاء على التفطير به، وذلك ما دل عليه محكم القرآن، وصحيح السنة، واتفق مع حِكْمة الشارع من الصيام» (¬2). وجانب التضييق هو ما اختاره أغلب أعضاء مجمع الفقه الإسلامي، فقد جاء في توصيات الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي ما يلي: «المفطرات في كتاب الله - عز وجل -، والسنة الصحيحة ثلاثة: هي الأكل والشرب والجماع، فكل ما جاوز الحلق وكان ينطبق عليه اسم الأكل أو الشرب، كمًّا وكيفًا، يعد مُفَطِّراً» (¬3). وعند النظر في مذهب المضيقين قد يبدو أنّ مذهبهم تمرداً على مذهب ¬

_ (¬1) القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 74. (¬2) المرجع السابق ص 80 - 81. (¬3) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العشر، ج 2، ص 464.

الجمهور في ضابط المُفَطِّرات التي توسعوا فيها تبعاً لتوسعهم في الجوف الذي جعلوه مناطاً لفساد الصوم، إلا أننا عند التأمل في مذهب المضيقين نجد أنهم وافقوا الجمهور في المحل الذي اتفقوا عليه من الجوف، والذي دل النص على أنّه مناط لفساد الصوم بما يصل إليه، وخالفوهم فيما تباينت فيه وجهاتهم إذ لا يوجد نص صريح على ما ذهبوا إليه، ولا علة منصوصة يمكن الركون إليها في توسيع دائرة المُفَطِّرات بما يشق على المكلفين، فبقي الأصل التشريعي في التكاليف وهو رفع الحرج، وكما قال الشعبي: «إذا اختلف عليك في أمرين، فخذ أيسرهما، فإن أيسرهما أقربهما من الحق؛ لأنّ الله - عز وجل - يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]» (¬1). والمضيقون منهم مَنْ حمله على ذلك أصوله المانعة والممانعة للقياس كابن حزم، ومنهم من ولجه بأدواته القياسية نافياً وجود علة صريحة يمكن البناء عليها في إفساد عبادة صحيحة متيقنة، وأنّ التوسع من الحرج الذي يجب رفعه عن المكلفين الذين يشق عليهم معرفة تفاصيل المُفَطِّرات المبنية على تلك العلة المستنبطة، وهذا مسلك ابن تيمية والقرضاوي، والعثيمين. والباحث يرجح مذهب المضيقين بمسلكه القياسي لما له من قوة حجة، ¬

_ (¬1) نقله عنه الإمام البغوي. انظر: البغوي، الحسين بن مسعود، شرح السنة، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - محمد زهير الشاويش (دمشق-بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ - 1983 م) ج 14، ص 391.

وموافقة لمقاصد الشريعة وأصولها الكلية (¬1). ¬

_ (¬1) وسيأتي تفصيل حجج الباحث لهذا الاختيار في مطلب: الراجح في ضابط المُفَطِّرات، ص (135).

المبحث الثالث تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء

المبحث الثالث تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء - المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة. - المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية. - المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء. - المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين. المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف.

تمهيد من خلال نصوص الفقهاء في المذاهب الأربعة وغيرها نرى أن السواد الأعظم من الفقهاء جعلوا مناط فساد الصوم بما يصل إلى الجوف على خلاف بينهم في تعريف الجوف, والمنافذ المعتبرة فيما يدخل منها إلى الجوف الأمر الذي أدى إلى اختلافهم في الكثير من المُفَطِّرات بناءً على خلافهم في اعتبار الجوف ومسالك النفاذ إليه, ولذا كان من المهم بيان ذلك لتتضح الصورة عند تخريج المسائل على أقوالهم، ومعرفة ما يفطر من المستجدات حسب قواعدهم. كما أنّ من الأهمية بمكان بيان الجوف عند الأطباء، وما هو الجوف المؤثر في الصيام لإجراء مقارنة بين تصور الفقهاء للجوف بناءً على مستوى الطب التشريحي في زمنهم وبين تصور الأطباء في ظل التطور الطبي الهائل الذي أظهر الصورة الداخلية للجسم واضحة للعيان, ومن خلال تلك المقارنة ينبني الترجيح في كثير من مسائل المُفَطِّرات الطبية، ليس إسقاطاً لكلام الفقهاء المتقدمين-رحمهم الله- فإنهم معذورون فيما قرروه بناءً على ما وصل إليه الطب البشري والتصور التشريحي للجسم في زمنهم. ومما ينبغي أن يكون متقرراً أنّ الأحكام التي بُنيت على تصور تبين بعد ذلك عدم صحته، فإنّ الحكم يتغير في ضوء التصور الصحيح، وهذا ليس مقتصراً على مسائل المُفَطِّرات الطبية، بل في أبواب كثيرة بنى الفقهاء فيها الحكم على تصور طبي تبين بعد ذلك عدم صحته فتغير الحكم عند الفقهاء على ضوء التصور الصحيح،

ومن ذلك مسألة أقل الحمل وأكثره وما بُني عليه من أحكام (¬1). وما أجمل ما قاله الطاهر بن عاشور في الموقف من كلام المتقدمين حيث يقول - رحمه الله -: «ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون, وآخر آخذ بمعوله فيهدم ما مضت عليه القرون, وفي كلتا الحالتين ضُرٌ كثير, وهناك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير, وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده, وحاشا أن ننقضه أو نبيده, علماً بأن غمط فضلهم كفران للنعمة, وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة» (¬2). وسوف أتطرق لبيان أنّ علة الجوف وجعلها مناطاً لما يفسد الصوم أمرٌ مستنبط من تعبيرات الفقهاء, ولم ينص عليها الشارع في موضوع الصوم مطلقاً, ولم يربط بها حكماً من أحكام الصوم أو مفسداته، وهو الأمر الذي أحدث إرباكاً وتوسعاً في باب المُفَطِّرات، ونظيره استعمال الفقهاء لفظ المخيط في محظورات الإحرام مع عدم وروده في النص النبوي، وإنما ورد النهي عن لباس معين (¬3). ولما كان الجوف غير مذكور في النص الشرعي فيما يخص الصوم، ولم يربط ¬

_ (¬1) انظر: بن قاسم، عبد الرشيد بن محمد أمين، أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية، (بحث منشور في موقع المشكاة، http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=36059 ، ص 4. (¬2) ابن عاشور, محمد الطاهر, التحرير والتنوير, (تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع, د. ط، 1997 م) ج 1, ص 7. (¬3) ذكر بعض أهل العلم أنّ أول من عبَّر بلفظ المخيط هو إبراهيم النخعي (ت:96 هـ)، وتوسع الفقهاء من بعده في مفهومه، انظر: العثيمين, محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 7، ص 127.

المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة

الشارع فساد الصوم به لا بنص قطعي أو ظني اختلف الفقهاء وتباينت أقوالهم في تحديد الجوف وضابط ما يصل إليه، وهذا ما سيتبين من خلال المطالب التالية: المطلب الأول: تعريف الجوف في اللغة: مفهوم الجوف في اللغة واسع، فمن خلال النظر في كلام أهل اللغة حول الجوف نجد أنّ للجوف معانٍ عدة عندهم، فهو يطلق على كل شيء مجوف، ومنها جوف الإنسان، ويعنون به بطنه، والأجوفان: البطن والفرج. قال ابن فارس: «الجيم والواو والفاء، كلمة واحدة، وهي جوف الشيء، يقال هذا جوف الإنسان، وجوف كل شيء» (¬1). والجوف: الخلاء، وهو مصدر، والجمع أجواف، هذا أصله، ثم استُعمِل فيما يقبل الشغل والفراغ، فقيل: جوف الدار لباطنها وداخلها (¬2). وقال ابن منظور: «جوف الإنسان بطنه، والأجوفان البطن والفرج لاتساع أجوافهما» (¬3). وهذا التوسع في معنى الجوف عند أهل اللغة هو ما جعل الفقهاء يتوسعون في الجوف وتحديد ماهيته، إذ لم يأتِ ضابط شرعي له فرجعوا في تحديده إلى اللغة. OOOOO ¬

_ (¬1) ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق، ج 1، ص 495. (¬2) انظر: الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، مختار الصحاح، مرجع سابق، ج 1، ص 50، الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، (بيروت: مؤسسة الرسالة، د. ط، د. ت) ج 1، ص 1031. (¬3) ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 11، ص 41.

المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية

المطلب الثاني: الجوف في النصوص الشرعية: ورد ذكر الجوف في النصوص الشرعية في مواطن متعددة، إلا أنّه ليس في شيء من تلك النصوص علاقة بالصوم وأحكامه، ففي الكتاب العزيز لم يَرِد ذكر الجوف إلا مرة واحدة وهي: قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4]. وجاء في السنة جملة أحاديث، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، تَمَنَّى إِلَيْهِمَا وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ» (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، صَلَاةِ الْعَصْرِ، مَلَأَ اللهُ أَجْوَافَهُمْ، وَقُبُورَهُمْ نَارًا» (¬3). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ كَالبَيْتِ الخَرِبِ» (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن، رقم 8502، ومسلم، كتاب الشعر، رقم 2258. (¬2) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، رقم: 6071. (¬3) رواه مسلم، كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، رقم: 628. (¬4) رواه الترمذي، كتاب فضائل القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ماله من الأجر، رقم:2913. وقال: «حسن صحيح».

المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ، وَلَا يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالْإِيمَانُ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا» (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ» (¬2). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ» (¬3). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْثَرُ مَا يَلِجُ بِهِ الْإِنْسَانُ النَّارَ الْأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ» (¬4). ومن خلال التأمل في النصوص الواردة في الكتاب والسنة حول الجوف نجد أنه لا يوجد فيها نص له علاقة بالصوم، وأنّ مفهوم الجوف واسع، من حيث الدلالة اللغوية، والسياق والقرائن هي التي تحدد دقة المعنى، إلّا أنَّ الشارع لم يربط به أي حكم من أحكام الصيام. OOOOO المطلب الثالث: الجوف عند الفقهاء: أولاً: الجوف عند الحنفية: من خلال استقراء نصوص السادة الأحناف نستطيع أن نقول إنّ عباراتهم ¬

_ (¬1) رواه ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الخروج في النفير، رقم:2274. (¬2) رواه الحاكم في المستدرك، كتاب الإيمان، رقم: 5. (¬3) رواه الحاكم في المستدرك، كتاب الفتن والملاحم، رقم: 8543. (¬4) رواه أحمد في المسند، مسند أبي هريرة، رقم: 9085.

لم تستقر في تحديد الجوف على ضابط معين فمنهم من قصره على التجويف البطني، وهذا ما ذهب إليه جمهور الأحناف، مع اعتبار الداخل إلى الدماغ مفطراً، لا لكونه جوفاً أصلياً مؤثرا، وإنما لأنّ فيه منفذاً للتجويف البطني – حسب اعتقادهم-، وهذه نصوصهم تدل على ذلك. قال ابن نجيم: «والمراد بترك الأكل ترك إدخال شيءٍ في بطنه أعم من كونه مأكولاً أو غير مأكول، ولا يرد ما وصل إلى الدماغ فإنه مفطر لما أنّ بين الدماغ والجوف منفذاً، فما وصل إلى الدماغ وصل إلى الجوف» (¬1). وقال الكاساني: «وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الأصلية، كالأنف، والأذن، والدبر، بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه, أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة. وكذا إذا وصل إلى الدماغ، لأنَّ له منفذاً إلى الجوف، فكان بمنزلة زاوية من زوايا الجوف» (¬2). فمن هذه النصوص يتبين أنّ التأثير حاصل عندهم بما يصل إلى التجويف البطني، وأنّ ما يصل إلى الدماغ مؤثر لكونه منفذاً إلى التجويف البطني. وقال ابن عابدين: «والتحقيق: أن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفذاً ¬

_ (¬1) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 279. (¬2) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية 1982) ج 2، ص 93.

أصلياً، فما وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن» (¬1). بينما نرى أنّ الإمام السرخسي يعتبر الدماغ أحد الجوفين، وأنّ مجرد وصول الدواء إليه مفطر حيث يقول: «والإقطار في الأذن كذلك يفسد؛ لأنه يصل إلى الدماغ، والدماغ أحد الجوفين» (¬2). هذا ما نص عليه جمهور الأحناف، إلا أننا نرى اختلافاً في المذهب فيما يُقَطَّر في الإحليل-ثقب الذَّكَر- وفيما يدخل إلى الجوف من غير المنافذ الأصلية. قال الكاساني: «وأما الإقطار في الأحليل فلا يُفْسِد-أي لا يفسد الصوم- في قول أبي حنيفة، وعندهما -محمد بن الحسن وأبي يوسف- يُفْسد» (¬3). وقال السمرقندي: «وأما الجائفة (¬4) والآمة (¬5) إذا داواهما: فإن كان الدواء يابساً فلا يفسد؛ لأنه لا يصل إلى الجوف، أما إذا كان رطباً: فيفسد عند أبي حنيفة، وعندهما لا يفسد، فأبو حنيفة اعتبر ظاهر الوصول بوصول المغذي إلى الجوف ¬

_ (¬1) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، د. ط، 1421 هـ - 2000 م) ج 2، ص 403. (¬2) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67. (¬3) الكاساني، علاء الدين أبوبكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93. (¬4) الجائفة: هي الجرح النافذ إلى خلاء داخل البدن، كالبطن والصدر. انظر: قلعة جي، محمد رواس، الموسوعة الفقهية الميسرة، (بيروت: دار النفائس، الطبعة الأولى، 1421 هـ - 2000 م) ج 1، ص 619. (¬5) الآمة، هي الشجة في الرأس إذا بلغت أم الدماغ، وهي: الجلدة الرقيقة المُغَلِفة للدماغ. انظر: قلعة جي، المرجع السابق، ج 1، ص 16.

حقيقة، وهما يعتبران الوصول بالمخارق الأصلية (¬1)، لا غير. ويقولون: في المخارق يتيقن الوصول، فأما في المخارق العارضة فيحتمل الوصول إلى الجوف، ويحتمل الوصول إلى موضع آخر، لا إلى محل الغذاء والدواء، فلا يفسد الصوم مع الشك والاحتمال، وأبو حنيفة يقول: الوصول إلى الجوف ثابت ظاهراً، فكفى لوجوب القضاء احتياطاً» (¬2). وهذا يدل على أنّ الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه –رحمهم الله- قائم في مسألة الداخل من الإحليل، ومسألة ما ينفذ إلى الجوف من غير المخارق الأصلية. كما أنّ الأحناف لا يكتفون بمجرد دخول الشيء إلى الجوف، وإنما يشترطون استقرار المادة التي دخلت. قال الكاساني: «ولو طُعِن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه: فإن أخرجه مع النصل لم يفسد، وإن بقي النصل فيه يفسد، وكذا قالوا: فيمن ابتلع لحماً مربوطاً على خيط ثم انتزعه من ساعته إنَّه لا يفسد، وإن تركه فسد ... وهذا يدل على أن استقرار الداخل في الجوف شرط فساد الصوم» (¬3). ومما سبق ندرك أن جمهور الأحناف يقتصرون على حصر الجوف بالتجويف ¬

_ (¬1) المخارق الأصليه عندهم هي: الفم، والأنف، والأذن، وفرج المرأة. انظر: السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 68. (¬2) السمرقندي، علاء الدين، تحفة الفقهاء، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1405 هـ - 1984 م) ج 2، ص 356. (¬3) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93.

البطني، وأنّ الدماغ معتبر لوجود منفذ إلى البطن، ضرورة أن يكون النافذ إليه عبر المخارق الأصلية، ويرى بعضهم أنَّ الداخل إلى الإحليل والنافذ من غير المخارق الأصلية مؤثر. وعدم انضباط كل الأحناف على قول واحد يرجع إلى عدم وجود حَدٍّ، أو ماهية للجوف في النصوص الشرعية؛ لكون الجوف ليس علة منصوصة، ولم يربط الشارع فساد الصوم بما يصل إليه بنص قطعي أو ظني. ثانياً: الجوف عند المالكية: بعد استقراء أقوال السادة المالكية حول الجوف نجد أنّ جمهور المالكية يقصرون الجوف على الحلق والمعدة والأمعاء «الجهاز الهضمي»، وما يوصل إليها كالدبر وفرج المرأة-حسب ظنهم-، ومنهم من اعتبر ما يدخل إلى الدماغ مؤثراً ومفسدا للصوم. قال سحنون: قلت لابن القاسم عن قول مالك في الكحل فقال: قال مالك «إذا دخل حلقه-أي الكحل- وعُلِم أنَّه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء» (¬1). وهذا نص من مالك على أنّ ابتداء الجوف من الحلق. وقال الخرشي: «وما وصل الأمعاء -أي من الدبر- من طعام حصل به فائدة الغذاء، فإنَّ الحقنة تُجْذَب من المعدة، ومن سائر الأمعاء عند الأطباء، فصار ¬

_ (¬1) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 197.

ذلك في معنى الأكل» (¬1). وقال القرافي: «ولا يُفَطِّر ما وصل إلى الدماغ، خلافاً للأئمة» (¬2). وقال الدسوقي: «ما وصل للمعدة من منفذ عالٍ موجب للقضاء، سواء كان ذلك المنفذ واسعاً أو ضيقاً بخلاف ما يصل للمعدة من منفذ سافل فإنه يشترط فيه كونه واسعاً كالدبر، وقُبُل المرأة والثقبة، لا كإحليل وجائفة وهي الخرق الصغير جداً الواصل للبطن، وصل للمعدة أو لا» (¬3). وهذا يبين أنَّ مذهب جمهور المالكية فيما يصل إلى التجويف البطني لا بد أن يكون من خلال المنافذ المعتادة، بدليل عدم اعتبارهم لما يدخل من الجائفة. وبعض المالكية لا يُسلِّم باعتبار فرج المرأة منفذاً إلى الجوف، ويرى أنّ فرج المرأة ليس متصلاً بالجوف فلا يصل منه شيء إليه (¬4). يقول الصاوي: «فرج المرأة وفيه نظر بل هو كالإحليل -أي غير معتبر-» (¬5). كما أنّهم لا يعتبرون الدماغ من الجوف، أو أنّ ما يصل إليه مؤثر خلافاً ¬

_ (¬1) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 2، ص 249. (¬2) القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري، الذخيرة في فروع المالكية، تحقيق: محمد حجي، (بيروت: دار الغرب، د. ط، د. ت، 1994 م) ج 2، ص 505. (¬3) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524. (¬4) المرجع السابق، ج 1، ص 533. (¬5) الصاوي، أحمد، بلغة السالك لأقرب المسالك، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1415 هـ - 1995 م) ج 1، ص 451.

للأحناف والشافعية والحنابلة. ويرى بعض المالكية أنَّ ما يصل إلى الدماغ مؤثر. قال المغربي «المعروف بالحطّاب»: «واستنشاق قدر الطعام بمثابة البخور; لأنّ ريح الطعام له جسم يتقوى به الدماغ، فيحصل به ما يحصل بالأكل» (¬1). وبعد هذا الاستقراء لنصوص السادة المالكية حول مفهوم الجوف نرى أنّّ جمهور المالكية يقصرون الجوف على الحلق والأمعاء والمعدة «الجهاز الهضمي»، ومنهم من وسع قليلاً واعتبر الواصل إلى الدماغ مفسداً للصوم بمجرد وصوله كما تفيد عبارة المغربي. وعليه لا يمكن استنتاج ضابط للجوف عند كل المالكية، ولكنهم أضيق في مفهوم الجوف من الشافعية والحنابلة. وهذا الخلاف وعدم القدرة على تحديد ضابط مُطَّرد في المذهب الواحد يرجع إلى ما أسلفنا الحديث عنه من كون مصطلح الجوف لم يرد في النصوص الشرعية كعلة لفساد الصوم بما يصل إليه، فضلاً عن عدم وجود نص يحدد ماهيته. ثالثاً: الجوف عند الشافعية: من خلال استقراء نصوص السادة الشافعية نجد أنّهم أوسع المذاهب في ¬

_ (¬1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (بيروت: دار الفكر الطبعة: الثانية 1398) ج 2، ص 426.

تحديد الجوف، وأنهم على مذهبين: مذهب الأكثر، ومذهب الأقل كما سيتبين من خلال نصوصهم. وقد نص الإمام النووي على ذلك بقوله: «وضبط الأصحاب الداخل المفطر بالعين الواصلة من الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم، وفيه قيود منها: الباطن الواصل إليه، وفيما يعتبر به وجهان. أحدهما: أنه ما يقع عليه اسم الجوف، والثاني: يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من دواء أو غذاء. والأول هو الموافق لتفريع الأكثرين» (¬1). وهذا نص على محل الخلاف في اعتبار ما يكون جوفاً مؤثراً، وأنَّ مذهب الأكثرين عدم اعتبار كون الجوف الواصل إليه محيلاً للغذاء والدواء. قال الأنصاري في حديثه عن مفسدات الصوم: «دخول عين من الظاهر وإن لم تؤكل عادة كحصاة جوفاً له ... ، ولو كان الجوف سوى محيل «أي غير محيل» للغذاء, أو الدواء كباطن الأذن، وإن كان لا منفذ منه إلى الدماغ; لأنّه نافذ إلى داخل قحف الرأس, وهو جوف، أو باطن الإحليل وإن لم يجاوز الداخل فيه الحشفة، كما يبطل بالواصل إلى حلقه وإن لم يصل إلى معدته, والمحيل كباطن الدماغ, والبطن, والأمعاء, والمثانة» (¬2). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 321. (¬2) الأنصاري، زكريا بن محمد، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، (المطبعة الميمنية، د. ط، د. ت) ج 2، ص 213.

وقال الغمراوي: «وشرطه أيضا الإمساك عن وصول العين وإن قَلَّت إلى ما يسمى جوفاً، وقيل يشترط مع هذا أن يكون فيه أي الجوف قوة تحيل الغذاء أي المأكول والمشروب» (¬1). وقال الشربيني: «والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء، الأول: ما وصل من عين وإن قلّت كسمسمة عمداً مختاراً عالماً بالتحريم إلى مطلق الجوف من منفذ مفتوح، سواءً أكان يحيل الغذاء أو الدواء أم لا، كباطن الحلق والبطن والأمعاء وباطن الرأس؛ لأنَّ الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف» (¬2). وقال أيضاً: «والتقطير في باطن الأذن وإن لم يصل إلى الدماغ وباطن الإحليل، -وهو مخرج البول من الذكر واللبن من الثدي-، وإن لم يصل إلى المثانة ولم يجاوز الحشفة أو الحلمة مفطر في الأصح بناءً على الوجه الأول، وهو اعتبار كل ما يسمى جوفا، والثاني: لا، بناءً على مقابِله، إذ ليس فيه قوة الإحالة، وأُلحِق بالجوف على الأول الحلق» (¬3). كما اختلف الشافعية فيما يدخل الإحليل هل يقع الفطر بمجرد الدخول أم ¬

_ (¬1) الغمراوي، محمد الزهري، السراج الوهاج على متن المنهاج، (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، د. ط) ج 1، ص 138. (¬2) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، (بيروت: دار الفكر، د. ط، 1415 هـ) ج 1، ص 237. (¬3) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 428.

يلزم أن يصل المثانة. يقول النووي: «وإن زَرَقَ في إحليله شيئاً، أو أدخل فيه ميلاً ففيه وجهان، أحدهما: يبطل صومه، لأنّه منفذ يتعلق الفطر بالخارج منه، فتعلق بالواصل إليه كالفم والثاني: لا يبطل؛ لأنَّ ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف فهو بمنزلة ما لو ترك في فمه شيئاً» (¬1). وهذه النصوص تبين لنا أن الجوف عند الشافعية يشمل كل مجوف كباطن الإذن، وداخل قحف الرأس، والداخل إلى الحلق، وإن لم يصل الداخل إليها إلى المعدة، وباطن الإحليل، على خلاف بينهم في لزوم وصوله إلى المثانة أو عدم لزومه. ولا يشترطون أن يكون الجوف محيلاً للغذاء، وهذا مذهب أكثر الشافعية والمشهور عندهم. ومذهب الأقل: قيدوا الجوف بما فيه قوة محيلة للغذاء أو الدواء، أو كان طريقاً إلى الجوف المحيل. وما سواها فلا أثر له في إفطار الصائم عندهم. وممن ذهب إلى ذلك من علماء الشافعية الإمام الغزالي حيث يقول: «وأما الباطن: عنينا به كل موضع مجوف فيه قوة محيلة للدواء والغذاء كداخل القحف ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 320.

والخريطة، وداخل البطن، والأمعاء، والمثانة» (¬1). والفريقان متفقان على أنّ البطن، والأمعاء، والمثانة، وباطن الدماغ أجواف معتبرة في فساد الصوم فما يصل إليها من الخارج يُفَطِّر بلا خلاف عندهم؛ لأنَّ في كلٍّ منها قوة محيلة. ومن خلال نصوص السادة الشافعية حول مفهوم الجوف نجد أنهم أوسع المذاهب، ومع ذلك فهم مختلفون في تحديده، وفي اشتراط كونه مما يحيل الغذاء والدواء، أم لا يحيل. كل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره من أنّ سبب الخلاف وعدم القدرة على ضبط مفهوم الجوف حتى في المذهب الواحد راجع إلى كون لفظة الجوف لم ترد في النصوص الشرعية- الكتاب والسنة- علة ومناطاً لفساد الصوم. رابعاً: الجوف عند الحنابلة: من خلال استقراء نصوص السادة الحنابلة نجد أنهم اختلفوا كما اختلف غيرهم من المذاهب في تحديد مفهوم الجوف وتباينت نصوصهم، وهم أقرب إلى الشافعية، فمنهم من يرى رأي أكثر الشافعية، ومنهم من يرى رأي الأقل من الشافعية. ومن خلال استعراض نصوصهم يتبين لنا ذلك. ¬

_ (¬1) الغزالي، محمد بن محمد أبو حامد، الوسيط في المذهب، تحقيق: أحمد محمود إبراهيم, ومحمد محمد تامر، (القاهرة، دار السلام، الطبعة الأولى، 1417 هـ) ج 2، ص 525.

قال ابن قدامة: «يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة، كالوجور واللدود (¬1)، أو من الأنف كالسعوط، أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل، أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة، أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه، أو من دواء المأمومة إلى دماغه فهذا كله يُفَطِّر؛ لأنّه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل، وكذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه، سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه» (¬2). وقال البهوتي: «... أو أدخل جوفه أو مجوف في جسده، كدماغه، وحلقه وباطن فرجها، وإذا أدخلت إصبعها، ونحو ذلك أي نحو الدماغ، والحلق، وباطن فرجها كالدبر، مما ينفذ إلى معدته شيئاً من أي موضع كان، ولو خيطاً ابتلعه كله أو ابتلع بعضه، أو رأس سكين، من فعله أو فعل غيره بإذنه، فغاب في جوفه، فسد صومه» (¬3). فهذه النصوص تبين أن مسمى الجوف عند الحنابلة يدخل فيه المعدة والحلق ¬

_ (¬1) الوجور بفتح الواو وهو ما صب في وسط الفم في الحلق، واللدود ما صب في أحد جانبيه، انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، تهذيب الأسماء واللغات، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، (بيروت: دار الفكر، الطبعة الأولى، 1996 م) ج 3، ص 362. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام، ج 3، ص 16. (¬3) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

والأمعاء، والدبر، وباطن الفرج، والدماغ. ومن الحنابلة من يشترط كمذهب الأقل من الشافعية أن يكون الجوف الواصل إليه مما يحيل الغذاء والدواء. قال ابن مفلح: «وإن داوى جرحه، أو جائفته، فوصل الدواء إلى جوفه، أو داوى مأموته فوصل إلى دماغه، أو أدخل إلى مجوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء شيئا من أَيِّ موضع أفطر» (¬1). وقال: «أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه؛ لأنَّ الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه فأفسد الصوم» (¬2). وقال المرداوي: «مثل ذلك في الحكم لو أدخل شيئاً إلى مجوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء من أي موضع كان» (¬3). كما اختلف الحنابلة في الداخل إلى الإحليل، فجمهورهم على عدم فساد الصوم وإن وصل المثانة، ولهم قول آخر بالفساد إن وصل المثانة. قال المرداوي: «وإن أقطر في إحليله لم يفسد صومه, وهو المذهب, نص ¬

_ (¬1) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ) ج 3، ص 35. (¬2) ابن مفلح، محمد المقدسي، المبدع في شرح المقنع، (بيروت: المكتب الإسلامي، د. ط، 1400 هـ -1980 م) ج 3، ص 23. (¬3) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 299.

عليه, وعليه أكثر الأصحاب, وقطع به أكثرهم، وقيل: يفطر إن وصل إلى مثانته, وهو العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف» (¬1). ويستفاد من النصوص المتقدمة أنَّ الجوف عند الحنابلة هو المعدة المحيلة للغذاء والدواء، أو أي مُجَوَّفٍ في الجسم ينفذ إلى المعدة كالدماغ والحلق وباطن الفرج والدبر. ومن خلال ما ذكرنا من نصوص السادة الحنابلة حول مفهوم الجوف نجد أنهم ممن توسع في مفهوم الجوف، إلا أنّهم مع ذلك مختلفون في تحديده كبقية المذاهب، وهل يشترط كون الجوف مما يحيل الغذاء والدواء، أم لا يشترط، كل هذا يرجع إلى ما سبق ذكره من أنّ سبب الخلاف، وعدم القدرة على ضبط مفهوم الجوف حتى في المذهب الواحد راجع إلى كون الجوف علة مستنبطة لم ترد في النصوص. OOOOO ¬

_ (¬1) المرجع السابق، ج 3، ص 307.

المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (1).

المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين (¬1). الجوف من حيث التشريح الطبي له مفهوم واسع، ومن حيث كونه مؤثراً في الصيام له مفهوم ضيق. أما المفهوم الطبي التشريحي للجوف فهو: «كل فراغ في الجسم يحتوي على الأعضاء الداخلية» (¬2)، وهناك عدة تجاويف رئيسية في بدن الإنسان (Body Cavities) أبرزها: التجويف الجمجمي، والتجويف النخاعي، والتجويف الأنفي، والتجويف الصدري، التجويف البطني (¬3). 1 - التجويف الجمجمي: وهو تجويف ممتلئ بالدماغ وبأغشية ثلاث تغلف الدماغ تعرف (بالسحايا)، وسائل يفرز من الضفائر المشيمية الموجودة في البطينيات الدماغية يملأ فراغات تجويف الجمجمة لحماية الدماغ من الصدمات، وهو ما يعرف باسم ¬

_ (¬1) قام بمراجعة هذا المطلب وإقراره طبياً: الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية، والدكتور عزت محمود موسى، أخصائي طب العائلة والرعاية الأسرية وطب الأطفال بمركز الحرس الوطني الطبي بالقصيم، والدكتور محمود محمد سالم، أخصائي طب العائلة والرعاية الأولية بمركز الحرس الوطني الطبي بالقصيم. (¬2) الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، (عَمان: مكتبة اليازوري العلمية، د. ط، د. ت) ص 23. (¬3) انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مرجع سابق، ج 10، ص 210.

(السائل الدماغي الشوكي) (¬1). 2:1 صورة توضيحية للتجويف الجمجمي العلاقة بين الدماغ والجهاز الهضمي: في الجمجمة تجويف يشغله الدماغ وأغشية الدماغ (السحايا) والسائل الدماغي الشوكي، ويتولد هذا السائل في البطينين الجانبيين (الوحشيين) من الدماغ، ثم يسيل هذا السائل إلى البطين الثالث من الدماغ، ومنه إلى البطين الرابع، ليصل إلى أغشية الدماغ الخارجية، فيسير بين الأم الجافية، وهي الغشاء الغليظ الخارجي للدماغ، والأم الحنون، وهي الغشاء الرقيق الملتصق بالدماغ. ¬

_ (¬1) انظر: الحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، (عَمان: الأردن، دار أسامة، الطبعة الأولى 2004 م) ص 92 - 96، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 10، ص 210 - 211.

وتبدأ من هناك عملية امتصاصه، ليذهب إلى الأوردة والجيوب الوريدية الموجودة في القحفة والجمجمة، كما يسير هذا السائل في الغشاء المحيط بالنخاع الشوكي (الحبل الشوكي)، ووظيفته حماية الدماغ والنخاع الشوكي من الهزات والارتطامات والصدمات. ويفرز الدماغ 500 مليلتر (نصف لتر) يومياً من هذا السائل، ويتم امتصاصه كذلك يوميًا للحفاظ على سلامة الدماغ، ولا يصل شيء من هذا السائل إلى الأنف إلا في حالة كسر في قاع الجمجمة، وهي حالة خطيرة قد تستدعي تدخلًا جراحيًا، وليس لبطينات الدماغ ولا للسائل الدماغي الشوكي أي علاقة بالجهاز الهضمي. ومن هنا نعلم أنَّ البلغم الموجود في الأنف أو البلعوم الأنفي ليس من الدماغ كما كان يعتقده القدماء، وبالتالي فإنَّ كل ما ذكره الفقهاء المتقدمون-رحمهم الله- من اتصال الدماغ بالجهاز الهضمي أثبت الطب الحديث عدم صحته، فالمأمومة ومداواتها وبطون الدماغ كلها بعيدة كل البعد عن الجوف المقصود في الصيام (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: إسحاق أزيموف، الدماغ البشري طاقاته ووظائفه، ترجمة: عبده سعيد، (القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية، د. ط،1969 م) ص 189 - 210، الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 30، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 210 - 211، كما أفادني الدكتور محمد البار بتلك المعلومات وأكدها لي في حوار أجريته معه في عيادته في مدينة جدة. وتوسع الباحث في بيان أنه لا علاقة للدماغ بالجوف المؤثر في الصيام؛ لأنّ الفقهاء المتقدمين –رحمهم الله- كانوا يعتقدون أن الدماغ جوف مؤثر، وأنّ له منفذًا إلى المعدة، وهو ما بيَّن الطب المعاصر عدم صحته.

2:2 صورة توضيحية تبين الدماغ وعدم اتصاله بالجهاز الهضمي 2 - التجويف الصدري: وهو المعروف بالقفص الصدري، ويوجد فيه الرئتان والقلب، وتقع الرئتان أحداهما في يمين التجويف الصدري، والأخرى في يساره، ويقع القلب في وسط التجويف مائلاً قليلاً إلى جهة اليسار, والقلب مغطى بغشاء يسمى التامور, والغشاء الخارجي منه غليظ سميك, أما الداخلي المحيط بعضلة القلب فهو رقيق، ويسمى الشغاف.

وفي القلب ذاته أربعة تجاويف فهناك الأذينان: (الأيمن والأيسر) في أعلى القلب, وفي كل واحد منهما يتجمع الدم, كما أنّ هناك البطينين: (الأيمن والأيسر)، وهما أكبر وأغلظ من الأذينين, ومن البطين الأيمن يضخ الدم إلى الرئة, ومن الأيسر يضخ الدم إلى كافة أجزاء الجسم (¬1). 2:3 صورة تبين التجويف الصدري ومحتوياته ¬

_ (¬1) انظر: بابلي، ضحى محمود، الموسوعة الصحية الشاملة، (الرياض: وزارة الصحة، الطبعة الثانية، 1426 هـ _2005 م) ص 431, الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 23، والحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، مرجع سابق، ص 87.

3 - التجويف الأنفي: يوجد في عظام الوجه تجاويف عدة تعرف بالجيوب الأنفية, وهي ترخم الصوت, وتخفف من وزن الرأس, ولها إفرازات هي التي تصل إلى البلعوم الأنفي (nasopharynx) ومنه إلى البلعوم الفموي (oropharynx) المعروف بالحلق (¬1). 2:4 صورة توضح التجويف الأنفي وعلاقته بالجهاز الهضمي ¬

_ (¬1) انظر: بابلي، ضحى محمود، الموسوعة الصحية الشاملة، مرجع سابق، ص 872، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 209 - 210.

4 - التجويف البطني: ويحتوي على القناة الهضمية, والغدد الملحقة بجهاز الهضم. وتجويف البطن هو: الجزء الذي ينحصر بين عضلة الحجاب الحاجر من أعلى, وبين الحجاب الحوضي من أسفل, ويحده من الخلف العمود الفقري والعضلات المحيطة به, وما يسمى بجدار البطن الأمامية, ونهايات الأضلاع, وغضاريفها. وينقسم تجويف البطن إلى جزئين رئيسين هما: أولاً: تجويف البطن الحقيقي: وهو الجزء الأكبر, ويقع أعلى الجزء السفلي المعروف بتجويف الحوض. ويحتوي على أعضاء مختلفة من الجهاز الهضمي, والجهاز البولي, وأوعية دموية, وغدد صماء وغير صماء, وأعصاب وغدد لمفاوية, وطحال. ثانياً: تجويف الحوض: ويحتوي تجويف الحوض على أجزاء من الجهاز البولي, والجهاز التناسلي, بالإضافة إلى المستقيم, والقولون السيني, والغدد اللمفاوية وأوعيتها, والأوعية الدموية, والأعصاب (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 24، و 131، الحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، مرجع سابق، ص 73. مجموعة من العلماء، الموسوعة العربية العالمية، مرجع سابق، ج 4، ص 468، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 210.

2:5 صورة تبين التجويف البطني الجوف المؤثر في الصيام عند الأطباء المعاصرين (¬1): للأطباء المعاصرين المهتمين بالشأن الفقهي والذين استكتبتهم المجامع الفقهية، ولهم مؤلفات وبحوث حول المُفَطِّرات الطبية رأي في تحديد الجوف المؤثر في الصيام من الناحية الطبية التشريحية، بناءً على مقصد الصيام الشرعي، حيث يرون أنَّ الجوف الذي يؤثر في الصيام ويحصل فساد الصوم بوصول الطعام والدواء إليه هو: الجهاز الهضمي، أو ما جاوز الفم والبلعوم من الجهاز الهضمي (المعدة، والأمعاء). يقول الدكتور محمد علي البار (¬2): «والجهاز الهضمي هو على الحقيقة: ¬

_ (¬1) وأقصد الأطباء المسلمين المهتمين بهذا الشأن، ومن أبرزهم: الأطباء الذين استكتبتهم المجامع الفقهية في مسألة الجوف المؤثر في الصيام. (¬2) الدكتور محمد علي البار: استشاري أمراض باطنية، ومستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيس مركز أخلاقيات الطب، وزميل الكليات الملكية للأطباء في المملكة المتحدة (غلاسجو وأدنبره ولندن)، وهو من أشهر الشخصيات المهتمة بالعلاقة بين الفقه والطب، وممن يستكتبهم مجمع الفقه الإسلامي في القضايا الفقهية المتعلقة بالطب، وله مؤلفات كثيرة في هذا المجال منها: الصوم وأمراض السمنة، الوجيز في علم الأجنة القرآني، علم التشريح عند المسلمين، موت القلب أو موت الدماغ، وغيرها. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، وموقع الدكتور على الإنترنت www.khayma.com/maalbar . كما أفادني بها في حواري معه.

الجوف المقصود في الصيام؛ إذ هو موضع الطعام والشراب, وكل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزاً الفم والبلعوم يكون سبباً للإفطار ومفسداً للصيام» (¬1). ويرى الدكتور البار أنّ الدماغ، والفرج، والمثانة، ليس لها أي علاقة بالجهاز الهضمي (¬2). ويقول الدكتور حسان شمسي باشا (¬3): «ليس هناك أدنى شك في أنَّ الدماغ لا يرتبط بالجهاز الهضمي، وأنَّ المثانة والإحليل لا علاقة لهما بالجهاز الهضمي، وأن المهبل والرحم منفصلان كلياً عن جهاز الهضم، والذي أراه هو أنَّ الجهاز ¬

_ (¬1) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 216. (¬2) انظر: المرجع السابق، ص 211، و 338. (¬3) الدكتور حسان شمسي باشا: رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد، واستشاري أمراض القلب، وعضو الهيئات الملكية للأطباء الداخلين في بريطانيا، وعضو الهيئات الملكية للأطباء الداخلين في إيرلندا، وهو من المختصين الذين لهم متابعات فقهية، وممن يستكتبهم مجمع الفقه الإسلامي في القضايا الفقهية المتعلقة بالطب، وله مصنفات في هذا، منها: الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، ومسؤولية الطبيب بين الفقه والقانون، ودليلك على عمليات القلب الجراحية، وغيرها. انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، وموقع الدكتور على الإنترنت www.drchamsipasha.com .

الهضمي هو الجوف المقصود في الصيام فهو موضع الطعام والشراب، وكل ما يدخل إلى الجهاز الهضمي متجاوزًا الفم والبلعوم يكون سببًا للإفطار ومفسدًا للصيام» (¬1). ويقول الدكتور خالد حميد استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير (¬2): «ما من شك أنّ الدماغ ليس له رابط بالجهاز الهضمي والذي أراه بأن الجهاز الهضمي المتضمن المريء والمعدة والأمعاء هو الجوف المقصود بالصيام، فهو مكان الطعام والشراب، وأن كل ما يدخل هذا الجهاز مما بعد الفم والبلعوم يكون سبباً للإفطار ومفسداً للصوم، وأما الجهاز البولي من إحليل ومثانة والجهاز التناسلي من رحم ومبايض وغيرها فلا علاقة لها بالجهاز الهضمي ولا رابط بينهما» (¬3). ويقول الدكتور عمر بن سعيد العمودي (¬4): «الجوف المؤثر في الصيام هو: المريء، والمعدة، والأمعاء الدقيقة» (¬5). OOOOO ¬

_ (¬1) باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 254. (¬2) الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية. (¬3) أخبرني بذلك في مقابلة حوارية في المستشفى المركزي بالقصيم. (¬4) استشاري الأمراض الصدرية، وأستاذ الأمراض الباطنية والصدرية والربو ورئيس وحدة الأمراض الصدرية بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة. (¬5) أفادني بتلك المعلومات في حوار أجريته معه في المستشفى الجامعي بمدينة جدة، بتاريخ 12/ 6/2010 م.

المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف

المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف: من خلال قراءة وتتبع نصوص الأئمة في المذاهب الأربعة حول علة التفطير، وضابط الجوف عندهم نجد تبايناً واختلافاً بين المذاهب؛ بل بين المذهب الواحد، وهذا الاختلاف والتنازع في علة التفطير -الجوف- بسبب كونها علة مستنبطة لم يعلق عليها الشارع الحكيم سبب فساد الصوم، وإنّما كانت استنباطاً اعتمد فيه الفقهاء على ما وصل إليه علمهم من التصور الطبي، وسوف يناقش الباحث أقوالهم في الجوف في ضوء النص القطعي الذي بَيَّن لنا فيه الشارع مفسدات الصوم، وفي ضوء ما توصل إليه الطب التشريحي الحديث. أولاً: اعتبار الفقهاء المتقدمين -رحمهم الله- الدماغ جوفاً مؤثراً: من خلال النصوص المتقدمة للفقهاء المتقدمين نرى أنهم اعتبروا الدماغ جوفاً مؤثراً معتمدين على أمور منها: 1 - اعتمادهم على المعنى اللغوي للجوف: «بأنه ما يقبل الشغل والفراغ». 2 - تصورهم أنّ له قوة محيلة للغذاء والدواء. 3 - تصورهم أنّ بين الدماغ والمعدة منفذاً يلج منه ما يصل الدماغ إلى البطن. 4 - اعتقادهم أنَّ النهي عن الاكتحال (¬1) سببه خشية وصول شيء منه إلى ¬

_ (¬1) وحديث النهي عن الاكتحال هو ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: ليتقه الصائم» رواه أبو داود كتاب الصيام، باب في الكحل عند النوم للصائم، رقم: 2377، وقال أبو داود بعد روايته للحديث: «قال لي يحيى بن معين: هذا حديث منكر» فالحديث ضعيف.

الدماغ. 5 - اعتقاد أغلب الفقهاء أنّ النهي عن المبالغة في الاستنشاق كما هو في حديث لقيط بن صبرة (¬1) خشية أن يلج من الأنف إلى الدماغ. المناقشة: سأناقش –بإذن الله- هذه التصورات عن الجوف عند الفقهاء المتقدمين فقرة فقرة، وأبيِّن مدى توافق ما قرروه مع الطب الحديث؛ ليتبين لنا مدى تأثيره على الصيام من عدمه ومدى اعتماد كون ما يصل إليه مفسداً للصيام. 1 - اعتماد الفقهاء على تقرير كون الدماغ جوفاً مؤثراً بناءً على تصورهم أنّ الدماغ جوف يقبل الشغل والفراغ، فقد تبين عدم صحة ذلك، حيث قرر التشريح الطبي المعاصر أنّه ليس ثمة فراغ في التجويف الدماغي؛ بل هو تجويف ممتلئ بالدماغ وبأغشية ثلاث تغلف الدماغ تُعرف (بالسحايا)، وسائل يملأ فراغات تجويف الجمجمة (¬2). 2 - اعتقادهم أنّ في الدماغ قوة محيلة للغذاء والدواء، كما نصوا على ذلك، ¬

_ (¬1) حديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه - حديث طويل وفيه: «قال لقيط بن صبرة: قلت يارسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» والحديث رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الاستنثار، رقم: 142، ورواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، رقم:788. قال أبو عيسى الترمذي: «هذا حديث حسنٌ صحيح». (¬2) انظر: الحسيني، إسماعيل، موسوعة طب المفاصل والعظام، مرجع سابق، ص 92 - 96.

إلا أنّ الطب الحديث بَيَّن لنا أن وظيفة الدماغ هي إدارة أجهزة الجسم، وجمع المعلومات وتحليلها وهو منبع لإنتاج معلومات جديدة، فليس له أي وظيفة آلية لإحالة الدواء أو الغذاء (¬1). 3 - اعتقادهم أنّ هناك منفذاً بين الدماغ والحلق، فإنّ التشريح الطبي الحديث يبيِّن لنا أنَّه لا يوجد منفذ البتة بين الدماغ والجهاز الهضمي، وأنَّ هناك حجاباً حاجزاً يفصل الدماغ عن التجويف الأنفي. يقول الدكتور محمد علي البار: «الجمجمة تجويف يشغله الدماغ، وسائل المخ شوكي الذي يدور حوله، ولا يصل شيء لا من الدماغ ولا من السائل إلى الجهاز الهضمي على الإطلاق، إلا إذا انكسر قاع الجمجمة نفسها» (¬2). ويقول: «وليس لبطون الدماغ ولا للسائل المخ شوكي أي علاقة بالجهاز الهضمي، وبالتالي فإن كل ما ذكره الفقهاء من أنّ ذلك سبب للإفطار لا أساس له من الصحة» (¬3). ويقول الدكتور حسان باشا: «الدماغ لا علاقة له بالجهاز الهضمي، وبالتالي فإنَّ ما يدخل إلى الدماغ من جرح (وهو ما يسميه الفقهاء بالمأمومة) لا يصل شيء ¬

_ (¬1) انظر: العقرب، عبد الحليم عبد الحافظ، أحكام الصيام المترتبة على تحديد الجوف، مرجع سابق، ص 40. (¬2) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 2, ص 338. (¬3) المرجع السابق، ص:211.

منه إلى البلعوم أو الأنف مهما وضع فيه دواء أو غيره» (¬1). 4 - اعتقادهم أنَّ النهي عن الاكتحال في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» (¬2) سببه خشية وصول شيء منه إلى الدماغ. فالجواب عن ذلك أنّ الحديث ضعيف، ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر (¬3)، ويعارضه حديث أنس بن مالك قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» (¬4). قال الترمذي: «إسناده ليس بالقوي، ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء». كما أنّ في إسناده أبو عاتكة، وهو ضعيف، واسم أبي عاتكة طريف بن سلمان. قال البخاري: «طريف بن سلمان: منكر الحديث»، وقال النسائي: «ليس بثقة»، وقال الرازي: «ذاهب الحديث» (¬5). ¬

_ (¬1) باشا، حسان شمس، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 2، ص 257. (¬2) سبق تخريجه، ص (125) (ورد ذكره في الحاشية). (¬3) الزيلعي، عبدالله بن يوسف أبو محمد الحنفي، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، تحقيق: محمد يوسف البنوري، (مصر: دار الحديث، د. ط 1357 هـ) ج 2، ص 457. (¬4) رواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ماجاء في الكحل للصائم، رقم: 726. (¬5) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، التحقيق في أحاديث الخلاف، تحقيق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415 هـ) ج 2، ص 90.

فالحديثان متقابلان وضعيفان فيسقط الاستدلال بهما. وعلى فرضية صحة النهي عن الاكتحال للصائم فإنه لا يصح الاستدلال به على أن الدماغ جوف مؤثر في الصيام، وذلك أنّ الطب الحديث أثبت أنّه لا يوجد منفذٌ بين العين والدماغ، وإنما هناك القناة الدمعية التي تصل إلى الأنف، وهذا باب آخر. وهو ما يتعلق بالواصل إلى الأنف (¬1). 5 - اعتقاد أغلب الفقهاء أنّ النهي عن المبالغة في الاستنشاق كما هو في حديث لقيط بن صبرة أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (¬2) خشية أن يلج من الأنف إلى الدماغ، فإنّ هذا الاستدلال في غير محله، وذلك أنّ الطب الحديث أثبت أنّه لا علاقة بين الأنف والدماغ، وأنَّ الأنف منفذ إلى الحلق (¬3). ثانياً: اعتبار الفقهاء (¬4) - رحمهم الله- أنّ الإحليل جوف معتبر، وأنّ ما يصل إليه يصل إلى الجهاز الهضمي. المناقشة: ¬

_ (¬1) انظر بيان العلاقة بين العين والجهاز الهضمي في مطلب قطرات العين، ص (230). (¬2) سبق تخريجه، ص (126) (حاشية). (¬3) انظر: مطلب الجوف عند الأطباء، التجويف الدماغي، علاقة الدماغ بالجهاز الهضمي، ص 80. (¬4) وهم جمهور الشافعية، وبعض الأحناف. انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 320، والكاساني، علاء الدين أبو بكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93.

مما يُنَاقش فيه كلام الفقهاء المتقدمين – رحمهم الله- أنهم اعتبروا أنّ الإحليل له صلة بالجهاز الهضمي، وهم في ذلك معذورون من حيث التصور، إذ أنّ تصورهم بناءً على ما توصل إليه علم التشريح في زمانهم، وقد أثبت الطب التشريحي الحديث بشكل جازم وقاطع أنّه لا يوجد منفذ بين الجهاز البولي والجهاز الهضمي، فإنّ ما يدخل إلى الجهاز البولي من دواء أو قسطرة عن طريق الإحليل - مجرى البول في الذكر أو الأنثى - يصل إلى المثانة، وذلك كله ليس له علاقة بالجهاز الهضمي (¬1). ثالثاً: اعتبار بعض الفقهاء (¬2) -رحمهم الله- أن المهبل والرحم جوفان معتبران ولهما صلة بالجهاز الهضمي. المناقشة: أظهر الطب الحديث عدم صحة ما تصوره الفقهاء المتقدمون من تأثير ما يدخل إلى المهبل والرحم على صحة الصوم، فليس للمهبل علاقة بالجهاز الهضمي، والمهبل (vagina) ليس تجويفًا؛ لأنّ الجدارين (الأمامي والخلفي) ¬

_ (¬1) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 254، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 10، ص 338. (¬2) وهم الشافعية والحنابلة، انظر: الرحيباني، مصطفى السيوطي، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مرجع سابق، ج 2،ص 191، والبهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

ينطبقان على بعضهما، ولكنَّ هذين الجدارين مرنان جداً فيتسعان عند الجماع والإيلاج، وعند الولادة ونزول الدم في الحيض أو النفاس، ولا توجد علاقة بين الرحم والجهاز الهضمي مطلقاً (¬1). رابعاً: اعتمادهم على قاعدة «الفطر مما دخل وليس مما خرج» مستدلين بحديث: «إِنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ» (¬2). وبأثر ابن عباس قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬3)، على اعتبار كل مجوف في الجسم مناطاً لفساد الصوم بما يصل إليه. المناقشة: الاستدلال بالحديث والأثر على أنَّ كل مجوف في الجسم يفسد الصوم بما يصل إليه محل مناقشة من عدة أوجه: 1 - الحديث المرفوع ضعيف ولا يصح ففي سنده راوٍ مجهول، وقد نص ¬

_ (¬1) أفادني بتلك المعلومات الدكتور محمد علي البار، والدكتور خالد حميد. وانظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 241، وص 257. (¬2) رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، رقم: 4602.والحديث ضعيف، انظر: الزيلعي، عبدالله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق، ج 2، ص 453. (¬3) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، باب الإفطار بالطعام وبغير الطعام إذا ازدرده عامد أو بالسعوط والاحتقان وغير ذلك مما يدخل جوفه باختياره، رقم:8042، ورواه البخاري معلقاً بلفظ «الصوم مما دخل وليس مما خرج»، كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم، رقم:1937. وصححه الألباني، انظر: الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 405 هـ-1985 م) ج 4، ص 79.

الأئمة على تضعيفه منهم الزيلعي في نصب الراية (¬1)، وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه» (¬2)، وقال القاري: «ولجهالة المولاة-أحد رواة الحديث- لم يثبته بعض أهل العلم» (¬3). وعلى فرضية صحة الحديث فإنَّ قصة الحديث وسياقه تبين لنا المراد من النص، فإنّ لفظ الحديث بتمامه: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا مروان عن رزين البكري قال: حدثتنا مولاة لنا - يقال لها سلمى من بكر بن وائل - أنها سمعت عائشة - رضي الله عنها - تقول: دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ؟» فَأَتَيْتُهُ بِقُرْصٍ فَوَضَعَهُ عَلَى فِيهِ وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ؟ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ. إِنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ». فالمراد ظاهر جدا من قصة الحديث حيث وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الكسرة في فمه، وقال: «يا عائشة: هل دخل بطني منه شيء ...» ثم عقب بقوله: «إنما الإفطار مما دخل»، أي دخل إلى البطن التي نفى أن يكون دخل إليها منه شيء، وكذلك المراد عن طريق الفم حيث كانت الكسرة في فمه، ولا يَرِد على هذا قاعدة العبرة بعموم اللفظ، إذ اللفظ متوجه لحكم حالة معينة، وهي ما يدخل البطن. ¬

_ (¬1) الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 453. (¬2) الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (القاهرة: دار الريان للتراث، بيروت: دار الكتاب العربي د. ط، 1407) ج 3، ص 167. (¬3) القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2001 م) ج 4، ص 437.

2 - أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - لا يدل على التوسع بمفهوم الجوف إذ الخطاب الشرعي متوجه إلى الغالب، والنادر لا حكم له؛ بل إن قلنا إنّ أثر ابن عباس مرفوع حكماً فيكون فهماً لآية الصيام: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]. فالخطاب العام يتوجه تفسيره بالمعنى الشرعي إن كان له معنى شرعي، وأثر ابن عباس - رضي الله عنهما - له معنى شرعي، وهو ما دلت عليه الآية، وعليه يترجح هذا المعنى على غيره، وإن كان غيره قد يقع، وهذا أقره الأصوليون ومنهم الإمام السبكي حيث يقول: «والخطاب الشرعي المجمل يكون من جهة أنّ الشرعي أرجح، وأغلب من غيره، وإن كان غيره قد يقع، فالحكم للغالب» (¬1). 3 - أنّ استدلال الشافعية بعموم ما دل عليه أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - ينتقض عليهم بصور، منها: الداخل من مسام الجلد؛ حيث أجمعوا على عدم فساد الصوم بما يدخل منها، وكذا نفى بعضهم فساد الصوم بما يدخل الإحليل ما لم يصل المعدة، مما يدل على أن العموم غير مقصود، فإن أخرجوا هذه الصورة لاعتبارات فغيرها يخرج باعتبارات أخرى، وعليه لا يُسلم لهم الاستدلال بالأثر. وبهذا يتبن أن المراد بأثر ابن عباس - رضي الله عنهما -: «الصوم مما دخل»، أي دخل من ¬

_ (¬1) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، (لبنان، بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأولى 1999 م - 1419 هـ) ج 3، ص 405. (بتصرف).

منفذه المعتاد إلى مدخله المعتاد الذي دلت آية الصوم على منع دخول أي شيء إليه. والله أعلم وأحكم (¬1). ¬

_ (¬1) هذه المعاني في مناقشة الحديث وأثر ابن عباس، مما فتح الله به على الباحث خلال معالجته مسائل هذا البحث، ولم أجد مَن ذكر هذا الجواب والتوجيه للحديث وللأثر من الفقهاء وشُرّاح الحديث الذين لم يرتضوا الاستدلال به، سوى تضعيفهم للحديث المرفوع، فلله الحمد أولاً وآخراً.

المبحث الرابع ضابط المفطرات

المبحث الرابع ضابط المُفَطِّرات بعد استعراض موقف الفقهاء والأطباء من الجوف، ومناقشة الأقوال في تحديد مناط المُفَطِّرات، فإن الضابط الذي توصل إليه الباحث، وتدل عليه النصوص، وتطمئن إليه النفس بعد دراسة وتمحيص في المُفَطِّرات الداخلة للجسم هو: كل ما دخل إلى المعدة عن طريق الحلق من أكل أو شرب سواء تغذى به البدن أو لم يتغذى، وكل ما دخل من منفذ آخر وتغذى به البدن. أو هو: كل ما دخل إلى المعدة عن طريق الحلق من أكل أو شرب سواء انتفع به الإنسان أم لم ينتفع، أو كان داخلاً من أي منفذٍ ويقوم مقام الأكل والشرب. أو هو: الأكل والشرب عن طريق الحلق، وما كان في معناهما حقيقة أو صورة (¬1). أدلة الترجيح: توصل الباحث إلى هذا الاختيار بناءً على دراسة متأنية لأقوال الفقهاء في المذاهب الفقهية المعتبرة، وسبر تلك الأقوال في ضوء الأدلة الشرعية والتطورات الطبية في مجال التشريح، وليس اختياره بدعاً من القول؛ بل ذهب إليه أو قريباً منه ¬

_ (¬1) كل هذه التعاريفات لها مؤدى واحد، وإنما نوعتها إثراءً للعبارة، وتسهيلا للتداول.

أئمة أعلام من المتقدمين والمتأخرين، وهذا استعراض لمرجحات الاختيار: أولاً: الفقهاء المتقدمون متفقون على أن المعدة هي أصل الجوف، وذكروا أجوافاً أخرى هي محل خلاف بين المذاهب؛ بل بين المذهب الواحد، فيكون محل الاتفاق مؤثراً لأنه معتمد على نص تحريم الأكل والشرب، ولذا يمكن اعتبار المحل المجمع عليه والمسْتنِد إلى نص هو ضابط رئيس في المُفَطِّرات بجعله مناطاً لفساد الصوم، ويُلغى ما كان محلاً للخلاف بسبب عدم ورود نص فيه، أو علة صريحة تجعله مناطاً لفساد الصوم، لئلا نبطل بذلك عبادة عينية مُطالب بها العام والخاص، وهذا ما صرح به النووي وابن قدامة. قال الإمام النووي: «أجمعت الأمة على تحريم الطعام والشراب على الصائم، وهو مقصود الصوم، ودليله الآية الكريمة والإجماع» (¬1). والآية الكريمة المشار إليها هي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة: 187]. وقال ابن قدامة: «أجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يتغذى به، ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 321.

فأما ما لا يتغذى به، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به» (¬1). ثانياً: إنّ إدراك مفسدات الصوم في ضوء توسع الفقهاء في الجوف مما زاد على المنصوص، ولا يستند إلى دليل أو تعليل قوي، مما يتعذر فهمه على كثير من المكلفين، فلا يمكن إفساد عبادة عينية تلزم كل المكلفين، العالِم منهم والجاهل، والذكر والأنثى، وصاحب الحاضرة وصاحب البادية بأمر خَفِيٍّ كهذا، وهذا مما لا تأتي به الشريعة، وقد جرت عادة التكليف في الشريعة في الفروض العينية سهولة فهمها لكل المكلفين، وتفريعات الفقهاء زيادة على مقصود الشارع، وما كان زائداً عن مقصود الشارع فالراجح إلغاؤه (¬2). ثالثاً: اعتبار غير المغذي (مما يدخل في عموم لفظ الأكل والشرب) في ضابط المُفَطِّرات إذا دخل المعدة عن طريق الحلق للأسباب التالية: 1. دخوله تحت عموم الأكل والشرب، فمن تناول ما لا يغذي عن طريق الفم فإنه ينطبق عليه أنّه أكَلَ أو شَرِب، فيدخل تحت دائرة الحظر. 2. اتفاق الفقهاء على أنّ تناول غير المغذي مفسد للصوم، وهو أشبه بالإجماع فكان محل اعتبار في ضابط المُفَطِّرات. قال ابن قدامة «أجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يتغذى به، فأما ما لا يتغذى به-أي من الأكل والشرب-، فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد، مرجع سابق، ج 3، ص 14. (¬2) انظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 1، ص 197.

به» (¬1). 3. مقصود الشارع متحقق بالامتناع عن تناول غير المغذي لما يحصل به من الإشباع وامتلاء المعدة، وإذا حصل هذا الامتلاء لم يحصل مقصود الصوم وحكمته. وقد أثبت ذلك الطب المعاصر حيث يتم علاج السمنة المستعصية بعملية بالون المعدة من أجل تخفيف الوزن، فيشعر الشخص معه بقدر من الشبع والامتلاء مع كونه غير مغذي (¬2). وقد فطن بعض الفقهاء المتقدمون لهذا المعنى. يقول الدسوقي: «الحصاة تشغل المعدة اشتغالاً ما، وتنقص كَلَب الجوع (أي شدته ووطأته)» (¬3). ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد، مرجع سابق، ج 3، ص 14. (¬2) يقول الدكتور عبد الحميد المؤمن، استشاري أول جراحة السمنة والمناظير في مستشفى سعد التخصصي، وأستاذ الجراحة المساعد في كلية الطب بجامعة الملك فيصل: «بالون المعدة مصنوع من مادة السيلكون المطاطية المرنة الناعمة، ويتم إدخاله وهو بأصغر حجم ممكن، ليستطيع الطبيب تمريره عبر الفم، وبمجرد إدخال البالون إلى المعدة، يملأ البالون بمحلول الملح المعقم، من خلال أنبوب ملي صغير يتم ربطه بالبالون، وعند امتلاء البالون يزيل الطبيب القسطرة بسحبها من الطرف الخارجي، فيصبح حجم البالون كبيراً بشكل لا يسمح له بالمرور في الأمعاء والعوم في المعدة بشكل تلقائي. عندها يشعر الشخص بقدر من الشبع والامتلاء». (بتصرف يسير) انظر: موقع الدكتور على شبكة الإنترنت. www.dralmomen.com/default.aspx?PageID=1 (¬3) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524.

2:6 صورة تبين بالون المعدة رابعا: إدراج المغذي الداخل من غير منفذ الحلق في ضابط المُفَطِّرات للأسباب الآتية: 1. أنّ أبرز الحِكَم الشرعية في منع الأكل والشرب للصائم لما فيهما من الغذاء، فإذا وجد الغذاء بغير هذه الطريقة فقد تحقق المقصود بهما، واختلاف طريق حصول الغذاء لا أثر له، ولهذا ثبت الحكم لعدم الفارق، وفارق طريق الحصول لا يؤثر في الحكم؛ لأنّ الشريعة مبنية على المعاني فما تحقق فيه المعنى أخذ حكم نظيره. 2. كل ما يتغذى به الجسم يقع تحت دائرة المُفَطِّرات حيث لا فارق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. وهذا المعنى متقرر عند الأصوليين، يقول الإمام الجويني: «ما علم قطعاً التحاقه بالمنصوص عليه، فلا حاجة فيه إلى استنباط معنى من مورد النص، وبيان وجود ذلك المعنى في المسكوت عنه؛ بل العقل يسبق إلى القضاء بالإلحاق، ويقدره

بالمنصوص عليه» (¬1). والضابط الذي توصل إليه الباحث يتوافق مع ما قرره بعض الأئمة الأفذاذ من المتقدمين والمتأخرين، فهذا الكاساني - رحمه الله - يقول: «وأما ركنه - أي الصوم- فالإمساك عن الأكل والشرب والجماع ... فلا يوجد الصوم بدونه، وعلى هذا الأصل؛ ينبني بيان ما يُفسد الصوم وينقضه؛ لأنَّ انتقاض الشيء عند فوات ركنه أمرٌ ضروري، وذلك بالأكل والشرب والجماع. سواء كان صورة ومعنى (تناول المغذي)، أو صورة لا معنى (تناول غير المغذي)، أو معنى لا صورة (تناول المغذي من غير مدخله المعتاد)» (¬2). ويقول الشيخ القرضاوي: «ولم يجيء فيهما- الكتاب والسنة-منع الصائم من شيء إلا من الأكل والشرب والجماع» (¬3). وجاء قرار مجمع الفقه الإسلامي في ضابط المُفَطِّرات بما يلي: «المُفَطِّرات في كتاب الله - عز وجل -، وفي السنة الصحيحة ثلاثة هي: الأكل والشرب والجماع، فكل ما جاوز الحلق وكان ينطبق عليه اسم الأكل أو الشرب، كمًّا وكيفًا، يُعد مُفَطِّراً» (¬4). ¬

_ (¬1) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: د. عبد العظيم محمود الديب (المنصورة، مصر: دار الوفاء، الطبعة: الرابعة 1418 هـ) ج 2، ص 516. (¬2) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 90. وما بين القوسين بيان من الباحث. (¬3) القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 72. (¬4) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

الفصل الثالث المفطرات الطبية المعاصرة

الفصل الثالث المُفَطِّرات الطبية المعاصرة وفيه مباحث: - المبحث الأول: ما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه. - المبحث الثاني: ما يدخل الجسم عبر الجلد، نفاذاً وامتصاصاً. - المبحث الثالث: ما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج. - المبحث الرابع: الخارج من البدن.

المبحث الأول ما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه

المبحث الأول ما يدخل الجسم عبر منافذ الوجه وفيه مطالب: - المطلب الأول: بخاخ الربو، وملحقاته. - المطلب الثاني: غاز الأكسجين. - المطلب الثالث: غاز التخدير. - المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته. - المطلب الخامس: منظار المعدة. - المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها. - المطلب السابع: قطرات الأذن وملحقاتها. - المطلب الثامن: قطرات العين وملحقاتها. المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان.

تمهيد إنّ الحديث عن المُفَطِّرات الطِّبية المعاصرة وتقرير حكم شرعي فيها يتطلب أمرين مهمين: الأول: وضوح التصور الطِّبي للمسألة؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره. ومن هذا المنطلق فقد ترددت على المستشفيات الجامعية والتخصصية والمركزية، وقابلت الأطباء الاستشاريين والأخصائيين وحاورتهم ووثقت حواراتهم مكتوبة ومسجلة، كما حاورت كبير خبراء المجامع الفقهية في المجال الطِّبي (¬1)، بالإضافة إلى الإبحار في المراجع والمواقع الطِّبية المتخصصة. الثاني: ضرورة الاستقراء التام لأقوال الفقهاء المتقدمين وأدلتهم في كل مسألة لتكييفها وتخريجها تخريجاً سليماً؛ ليُبنى الحكم والترجيح على أسس صحيحة، وتأخذ الدراسة طابعاً اجتهادياً يعين من يأتي بعدها. ومن هذين المنطلقين بدرجة أساسية دلفت إلى مسائل البحث التفصيلية، وكان توفيق الله وتيسيره معيني في هذا كله، فلله الحمد أولاً وآخراً. OOOOO ¬

_ (¬1) الدكتور محمد علي البار، حيث حاورته في عيادته الخاصة بمدينة جدة وقد فتح لي قلبه وصدره وأفادني في العديد من المسائل.

المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته

المطلب الأول: بخاخ الربو وملحقاته: بخاخ الربو: أولاً: الجانب الطِّبي (¬1): تعريف مرض الربو (asthma): هو أحد أمراض الجهاز التنفسي، وهو عبارة عن التهاب مزمن يصيب القصبات والقصيبات الهوائية مما يؤدي إلى ضيقها عند تعرض المريض للمواد الحساسة وبالتالي صعوبة دخول وخروج الهواء أثناء التنفس، وهذا ما يعرف بالنوبة الربوية. وضيق القصبات الهوائية يكون بسبب: 1. تضخم وتورم الأغشية المخاطية الموجودة فيها. 2. زيادة إفرازات المخاط. 3. إنقباض العضلات الخارجية للشعيبات الهوائية. ¬

_ (¬1) معظم المعلومات الطبية حول بخاخ الربو وملحقاته استفدتها من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

3:1 صورة لقصبة هوائية سليمة ... 3:2 صورة لقصبة هوائية مصابة بالربو أعراض مرض الربو: 1. صعوبة في التنفس وضيق في الصدر وصفير. 2. كحة ونقص في الأكسجين. 3. زرقة في الأطراف وعدم قدرة على الكلام. يتكون الجهاز التنفسي من الجزء العلوي والجزء السفلي: الجزء العلوي: ?- الأنف: وهو تجويف ينقسم إلى قسمين أيمن وأيسر، ويفصل بينهما الحاجز الأنفي، ويبطنه غشاء مخاطي وظيفته ترطيب الهواء الداخل وتدفئته وتنقيته من الغبار والعوالق بمساعدة شعيرات موجودة في الأنف. 2 - البلعوم: وهو قناة عضلية طولها 14 سم تصل بين الأنف من الخلف

والمريء من الأعلى، ويعتبر جزء من الجهاز الهضمي، ويتكون من ثلاثة أجزاء. أ-البلعوم الأنفي (الجزء العلوي) وتصل إليه إفرازات الأنف والجيوب الأنفية وما يوضع في الأنف من دواء سائل أو بخاخ أو أبخرة أو دخان. ب-البلعوم الفمي (الجزء المتوسط) ويقع خلف الفم مباشرة وعن طريقه يتم بلع الغذاء والشراب والدواء وكل ما يدخل الفم، ويتصل مباشرة بالمريء الموصل إلى المعدة. جـ-البلعوم الحنجري (الجزء السفلي): ويقع خلف الحنجرة، وفيه تقع فتحة الحنجرة، ويغطيها لسان المزمار عند البلع حتى لا يدخل الطعام والشراب إلى الحنجرة مما يؤدي إلى الشَرَق والغصة والكحة. 3 - الحنجرة: وتقع فوق القصبة الهوائية وتتصل بالبلعوم، ويغطيها لسان المزمار، وتحتوي الحنجرة على الحبال الصوتية المسؤولة عن إخراج الأصوات أثناء الكلام. 3:3 صورة للجزء التنفسي العلوي

الجزء السفلي: ?- القصبة الهوائية: تتكون من مجموعة من الغضاريف التي تلي الحنجرة مباشرة ويبلغ طولها 10 سم، ويقع نصفها الظاهر في أسفل العنق والنصف الباطن أعلى تجويف الصدر، وتُغطى من الداخل بغشاء مخاطي له أهداب عديدة وتفرز مادة مخاطية خفيفة، وتعمل على تنقية الهواء الداخل وطرد فضلات الزفير، وتنقسم القصبة الهوائية إلى شعبتين. 2 - الشعب الهوائية: تنقسم القصبة الهوائية إلى شعبتين رئيسيتين يمنى ويسرى تتصل الشعبة اليمنى بالرئة اليمنى، والشعبة اليسرى بالرئة اليسرى، ثم تنقسم كل شعبة هوائية إلى شعيبات أصغر فأصغر حتى تصل إلى الأسناخ. 3 - الشعيبات والحويصلات الهوائية: تتفرع الأسناخ إلى مجموعات كثيرة من الحويصلات الرقيقة التي تعرف بالحويصلات الهوائية، يتم من خلال جدراها انتقال الأكسجين من الرئة إلى الدم أثناء الشهيق، وطرد ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الرئة، ثم إلى الخارج أثناء الزفير (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، (عَمان، الأردن، مكتبة اليازوري العلمية، د. ط) ص 94، وموقع الموسوعةالطبية، http://www.webmd.com/asthma/default.htm، تاريخ التصفح 21/ 5/2010 م.

3:4 صورة للجزء التنفسي السفلي أدوية الربو: تنقسم أدوية الربو إلى قسمين أساسيين هما أدوية السيطرة طويلة الأمد وأدوية السيطرة السريعة. 1 - أدوية السيطرة طويلة الأمد: تستخدم للسيطرة على الربو المزمن أو الدائم. 2 - أدوية السيطرة السريعة: تستخدم لأعراض نوبة الربو الحادة أو تفاقم النوبات. الأجهزة المستخدمة لعلاج مرض الربو: البخاخات: وهي عبوات ذات أشكال مختلفة، يتم من خلالها إيصال جميع أنواع الأدوية - (الكورتيزون ومشتقاته) و (الكرومليون ومشتقاته) - إلى الشعب

الهوائية سواء كانت من مشتقات الكورتيزون، أو من موسعات الشعب الهوائية قصيرة، أو طويلة الأمد، وميزتها: صغر الجرعة الدوائية المستخدمة والتي تحسب بالميكروجرام (واحد على المليون من الجرام) (¬1). أنواع البخاخات: ?- البخاخات المضغوطة (أنابيب مضغوطة). 2 - البخاخات ذات البودرة الجافة (أنابيب اسطوانية) ومنها: أ-البخاخ ذو القرص (دسكهيلير). ب-البخاخ الاسطواني الدائري (دسكاكس). البخاخات المضغوطة: - يكون الدواء على شكل سائل مضغوط مع الهواء في أنابيب. - حجم المادة المضغوطة = 10 مليلترات تعطي 200 جرعة، كل جرعة تعادل 100 ميكروجرام (واحد على المليون من الجرام). - قد تختلف في الحجم، والجرعة حسب تصميم الشركة المنتجة واحتياج المريض، لكن فكرتها واحدة. ¬

_ (¬1) Adams, F, V. 2007. The Asthma Sourcebook.3 rd edi. 43 . New York. The McGraw-Hill Companies

طريقة استعمال البخاخات المضغوطة أ- مباشر: تُوضع فتحة البخاخ في الفم، ويتم إغلاق الشفتين حولها بإحكام، وأخذ نفس ببطء وعمق (الشهيق)، ويتم حينها الضغط على جهاز البخاخ لإخراج الدواء مع الاستمرار باستنشاق الهواء مع حبس النفس لمدة ?0 ثوان. ب- عن طريق القمع الهوائي: حيث يتم توصيل قمع هوائي بالبخاخ مما يساعد على: - سهولة إيصال الدواء إلى الرئة عندما يقوم المريض بسحب الهواء. - التقليل من ترسب الدواء في تجويف الفم والحنجرة، وإيصاله إلى الرئة بتركيز عالي. 3:5 صورة للاستخدام المباشر للبخاخ ... 3:6 صورة للاستخدام عن طريق البرميل الهوائي 3:7 صورة لبعض الأقماع الهوائية

طريقة استعمال البخاخات ذات البودرة الجافة: 1. توجد البودرة الدوائية جاهزة داخل الجهاز المخصص للاستنشاق أو في كبسولات خارجية توضع داخل الجهاز يتم تخريمها عند الاستعمال لاستنشاقها. 2. هناك أشكال متعددة وطرق مختلفة لاستعمال هذه الأدوية ولكن في الإجمال يتم شفط هذه البودرة إلى داخل الرئة أثناء التنفس. 3. تكون البودرة جاهزة للاستنشاق بعد تدوير القرص يميناً ويساراً قبل كل نشقة من الفم. 3:8 صورة تبين بخاخات البودرة 3 - النبيوليزير (الرذاذ البخاري): هو جهاز كهربائي يقوم بتحويل محلول المادة الدوائية إلى بخار مرئي يستنشقه المريض بواسطة كمامة توضع على الأنف والفم أو من خلال توصيلة توضع في الفم مباشرة، ويعطى عادة أثناء الأزمات الربوية في المنازل والمستشفيات، وله أشكال كثيرة وأنواع متعددة، والجرعة

المستخدمة: من ?- 4 جرعات يومياً حسب الحاجة، وتستمر فترة الاستنشاق مابين ?0 - ?5 دقيقة للجرعة. والجرعة المستخدمة في جهاز النبيوليزير: 2 سم محلول ملحي + ?- 2 ملل فنتولين + 2 ملل أتروفينت (250 - 500) ميكروجرام، وهي جرعة عالية مقارنة بالبخاخات حيث تعادل ما يقارب 20 بَخَّة ويترسب في داخل الرئة ?0% من الجرعة المعطاه، أما الباقي فيترسب في الأنابيب الموصلة وفي الأجزاء العلوية من مجاري التنفس ومعظمه يتطاير في الهواء (¬1). 3:9 صورة لجهاز النبيوليزير، وكيفية استخدامه ¬

_ (¬1) من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

ملاحظات هامة: 1. عند غسل الفم بالماء بعد استخدام البخاخ يتم التخلص من 50% من المادة المترسبة. 2. استخدام القمع الهوائي يمنع ترسب الدواء في البلعوم الفمي وبالتالي تنعدم فرص وصوله إلى المعدة. 3. الأقماع الهوائية لا يمكن استخدامها مع بخاخات البودرة في الوقت الحالي، لعدم وجود آلية طبية لذلك. 4. كمية الدواء التي يمكن وصولها إلى المعدة باستخدام جهاز النبيوليزر أكبر بكثير من الكمية التي تُعطى من خلال البخاخات الأخرى. استخدام البخاخ مباشرة ... استخدام بواسطة القمع الهوائي 3:10 صورة تبين الفرق في توزع الدواء إذا تم استخدام القصبة الهوائية حيث يصل الدواء إلى الرئة ولا يترسب في البلعوم الفمي

ثانيًا: الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: عند النظر في مسألة بخاخ الربو وحقيقته في ضوء المقدمات الطِّبية السابقة نستطيع أن نكيفه فقهياً على ثلاث صور عند الفقهاء المتقدمين-رحمهم الله-: 1. الصورة الأولى: مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور والتداوي به. 2. الصورة الثانية: مسألة دخوله في عموم الأكل أو الشرب حيث يتم تناوله من الفم. 3. الصورة الثالثة: مسألة المتبقي من المضمضة حال الصيام. التخريج الفقهي: وأما تخريج حكم كل صورة في ضوء نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة فهو كالتالي: • الصورة الأولى: مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور والتداوي به. وحكمه عند الفقهاء في ضوء التكييف الفقهي على مسألة استنشاق بخار الأطعمة والبخور يكون مُفَطِّراً عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، وغير مُفَطِّر عند الشافعية، وأقوالهم تبين لنا موقفهم من هذه المسألة. القول الأول: (استنشاق بخار الأطعمة والبخور مُفَطِّر). وهو قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة. •

الحنفية: قال ابن عابدين: «ولو أدخل حلقه الدخان بأي صورة كان الإدخال، حتى لو تبخر بخور فآواه إلى نفسه واشتمه ذاكراً لصومه أفطر لإمكان التحرز عنه» (¬1). • المالكية: قال الدسوقي: «متى وصل دخان البخور أو بخار القدر للحلق وجب القضاء; لأن دخان البخور وبخار كل منهما جسم يتكيف به الدماغ ويتقوى به، أي تحصل له قوة كالتي تحصل له من الأكل» (¬2). • الحنابلة: قال البهوتي: «ولا يفسد صومه إن طار إلى حلقه ذباب أو غبار طريق أو نخل نحو دقيق أو دخان بلا قصد لعدم إمكان التحرز منه» (¬3). ومفهومه أنّه إذا كان قاصداً فسد صومه. وهذه الأقوال صريحة في أنَّ البخار المتصاعد من الأطعمة والبخور مفسد للصوم عندهم، وتخريجاً على أقوالهم هذه يكون عندهم بخاخ الربو مُفَطِّراً للصائم. ¬

_ (¬1) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 395. (¬2) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 525. (¬3) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1996 م) ج 1، ص 482.

القول الثاني: (استنشاق بخار الأطعمة والبخور غير مُفَطِّر). وهو قول الشافعية قال الرملي: «ووصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمَّد فتح فِيه لأجل ذلك وهو ظاهر لما تقرر أنّها ليست عيناً عرفاً إذ المدار هنا عليه» (¬1). وقول الشافعية إنّ بخار القدر والبخور لا يُفَطِّر الصائم ولو تعمده، يتخرج عليه أنّ بخاخ الربو غير مُفَطِّر عندهم. • الصورة الثانية: دخوله في عموم الأكل أو الشرب حيث يتم تناوله من الفم ولاحتوائه على مواد دوائية. وحكمه في ضوء هذا التكييف يكون مُفَطِّراً على المذاهب الأربعة، كونه داخل في عموم الأكل والشرب حيث لم يُفرِّق الفقهاء المتقدمون بين القليل والكثير، فقد نصوا على أنّ تناول القليل يُفَطِّر. • الحنفية: قال السرخسي: «وإن تناول سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مُفْطِر لأنَّ هذا يقصد إبطال صومه ومعنى هذا أنّه إذا أدخل سمسمة في فمه فابتلعها فقد وُجِد ¬

_ (¬1) الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة، د. ط، 1404 هـ - 1984 م) ج 3، ص 169.

منه القصد إلى إيصال المُفَطِّر إلى جوفه وذلك مفسد لصومه» (¬1). • المالكية: قال المغربي (المعروف بالحطَّاب): «إذا ابتلع الصائم في النهار ما يبقى بين أسنانه من الطعام يجب عليه قضاء؛ لأنّه أمر غالب» (¬2). ومفهومه أنَّ تناول هذا اليسير عمداً يفسد الصوم لكونه ليس غالباً. • الشافعية: قال الشربيني: «والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء، الأول: ما وصل من عين وإن قلَّت كسمسمة عمداً مختاراً عالماً بالتحريم إلى مطلق الجوف من منفذ مفتوح» (¬3). • الحنابلة: قال البهوتي: «لو أدخل إلى جوفه شيئاً من كل محل ينفذ إلى معدته مطلقاً أي سواء كان ينماع ويغذى، أو لا، كحصاة وقطعة حديد ورصاص ونحوهما ولو طرف سكين من فعله أو فعل غيره بأذنه فسد صومه أو وجد طعم علك مضغه بحلقه فسد صومه لأنّه دليل وصول أجزائه إليه» (¬4). ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142. (¬2) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425. (¬3) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مرجع سابق، ج 1، ص 237. (¬4) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 481.

وهذه الأقوال تدل على أنَّ فقهاء المذاهب الأربعة يرون الفطر بوصول اليسير من الطعام أو الشراب إلى الحلق، وعلى تكييف بخاخ الربو أنّه نظير الأكل والشرب لاحتوائه على مادة دوائية وجزء من الماء يكون استخدام البخاخ مّفَطِّراً عندهم. • الصورة الثالثة: مسألة المتبقي من المضمضة حال الصيام. وحكمه في ضوء هذا التكييف أنّه غير مُفَطِّر عند المذاهب الأربعة، حيث يرون أنّ المتبقي من الماء بعد المضمضة في دائرة العفو. • الحنفية: قال السرخسي: «ألا ترى أنَّ الصائم إذا تمضمض فإنّه يبقى في فمه بَلَّة، ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه، وأحد لا يقول بأنّ ذلك يُفَطِّره» (¬1). وهذا النص من السرخسي صريح بأنَّ الماء المتبقي من أثر المضمضة لا يفسد الصوم عندهم وعند غيرهم حيث نص على موافقة المذاهب الثلاثة لهم (¬2) بقوله: «وأحد لا يقول: بأنَّ ذلك يُفَطِّره». • المالكية: قال العبدري: «قال ابن القاسم: ويجوز بلع ريقه إذا تمضمض» (¬3). ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142. (¬2) كتاب المبسوط عمدة في المذهب الحنفي ومقارن مع المذاهب الأخرى، حيث يحكي السرخسي من وافق وخالف المذهب في المسألة. (¬3) العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426.

وهذا يدل صراحة على أنَّ المالكية يرون أنّ بلع الرِّيق بعد المضمضة لا يؤثر في الصيام مع حصول اليقين أنّه يصل إلى المعدة. • الشافعية: قال النووي: «إذا تمضمض الصائم لزمه مَجُّ الماء, ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقة ونحوها بلا خلاف» (¬1). ومعلوم بداهة أن المتبقي يتم ابتلاعه ويصل إلى المعدة. • الحنابلة: يرى الحنابلة عدم فساد الصوم ببلع المتبقي من ماء المضمضة قال البهوتي: «لو بلع ما بقي من أجزاء الماء بعد المضمضة لم يفسد» (¬2). وهذه الأقوال الصريحة عند فقهاء المذاهب الأربعة تدل على أنَّ بخاخ الربو غير مُفَطِّر عندهم في حال تكييفه أنّ المتبقي منه في الفم نظير المتبقي من المضمضة تخريجاً على أقوالهم. وهذا التكييفات والتخريجات في ضوء ما قرره الفقهاء المتقدمون مقاربة وليست مطابقة تماماً؛ لأنّ تصور مثل هذه الحالة وتعقيداتها الطِّبية لم يكن في مخيلتهم، والواجب في مثل هذه المستجدات النظر إلى الحقيقة الطِّبية وهل تنطبق ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 338. (¬2) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 483.

تماماً على النظر الفقهي القديم. والحقيقة أنّ الأمر قد يكون مختلفاً، ومن ذلك مسألة بخاخ الربو حيث أثبت الطِّب أن المادة الداخلة لا تكاد تُرى بالعين المجردة، وهي يسيرة جداً، وجزء من ذلك اليسير يَعْلَق بالبلعوم الفمي، ولا يلج مباشرة، والتخلص من نصفه ممكن بالمضمضة، كما أنّ هناك أجهزة مساعدة على عدم علوق شيء من ذلك في البلعوم الفمي، كما هو الحال في استخدام الأقماع الهوائية مع البخاخ، ولذا تباينت أقوال المعاصرين في هذه المسألة على قولين. وفيما يلي بيانها: • أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم استخدام بخاخ الربو للصائم: القول الأول: أن بخاخ الربو لا يُفَطِّر: وهذا ما ذهب إليه كثير من المعاصرين، منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز (¬1) (مفتى السعودية سابقاً)، والشيخ محمد العثيمين (¬2)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬3)، الدكتور هيثم خياط (¬4)، والشيخ عبد ¬

_ (¬1) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الطبعة الثانية، 1420 هـ) ج 15، ص 265. (¬2) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 210. (¬3) انظر. فتوى الشيخ يوسف القرضاوي على موقعه على الإنترنت: www.qaradawi.net. تاريخ التصفح، 7/ 3/2010 م. (¬4) انظر: الخياط محمد هيثم، المفطرات في ضوء الطب الحديث، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 287.

الله البسام (¬1)، والشيخ فيصل مولوى (¬2)، والدكتور أحمد الخليل (¬3)، واللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية (¬4). أدلتهم: الدليل الأول: قياس الواصل إلى الجوف من بخاخ الربو على المتبقي من المضمضة والاستنشاق، وذلك بأن الصائم له أن يتمضمض ويستنشق، إجماعاً (¬5)، وإذا تمضمض سيبقى شيء من أثر الماء ومع بلع الريق سيدخل المعدة، ونظيره الداخل من بخاخ الربو إلى المريء ثم إلى المعدة قليل جداً، فيقاس على الماء المتبقي بعد المضمضة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: البسام، عبد الله بن عبد الرحمن، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية، 1414 هـ -1994 م) ج 3، ص 171. (¬2) انظر: موقع الشيخ على الإنترنت www.mawlawi.net، تاريخ التصفح 7/ 3/2010 م. والشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء. (¬3) الخليل، أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، (الدمام: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1425 هـ - 2005 م) ص 33. (¬4) انظر: عبد المحسن، عبد العزيز بن فهد، جامع الفتاوى الطبية والأحكام المتعلقة بها، (الرياض: دار القاسم، الطبعة الأولى، 1425 هـ -2004 م) ص 136. (¬5) انظر: السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 142، والعبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426، النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 338، البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 483. (¬6) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258 - 259، والخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 34، والسكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6.

ووجه ذلك أن عبوة بخاخ الربو تحتوي على 10 ملليتر من السائل بما فيه المادة الدوائية، وهذه الكمية مُعدَّة على أساس أن يبخ منه 200 بَخَّة (أي أن 10 مللتر تنتج 200 بَخَّة) وهذا يعني أنّه في كل بَخَّة يخرج جزء من المللتر الواحد، فكل بَخَّة تشكل أقل من قطرة واحدة (¬1)، وهذه القطرة الواحدة ستقسم إلى أجزاء يدخل الجزء الأكبر منه إلى الجهاز التنفسي، وجزء آخر يترسب على جدار البلعوم الفمي، والباقي قد ينزل إلى المعدة وهذا المقدار النازل إلى المعدة يعفى عنه قياساً على المتبقي من المضمضة، فإن المتبقي منها أكثر من القدر الذي يبقى من بَخَّة الربو بحيث لو مضمض المرء بماء مختلط بمادة مشعة (أي تظهر في الأشعة) لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل، مما يؤكد وجود قدر يسير معفو عنه، وهوأكثر مما يمكن أن يتسرب إلى المريء من بخاخ الربو يقيناً» (¬2). المناقشة: اعترض أصحاب القول الثاني (¬3) بأنّ هذا قياس مع الفارق؛ لأنَّ المحل الذي يقصد به الجناية على الصوم إنما هو الحلق، وهو ليس مقصود المضمضة، بل مقصودها هو الفم، بخلافه في بخاخ الربو فإن الجوف مقصود له (¬4). ¬

_ (¬1) وهذه القطرة تمثل جزءاً واحداً من خمسة وسبعين جزءاً مما في معلقة الشاي الصغيرة. (¬2) انظر: خياط، محمد هيثم، المفطرات في ضوء الطب الحديث، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 287. (¬3) وهم القائلون أنّ استخدام بخاخ الربو مفطر. (¬4) انظر فتوى دار الإفتاء المصرية، موقع دار الإفتاء http://www.dar-alifta.org، تاريخ التصفح 8/ 3/2010 م.

الجواب: يرى الباحث عدم التسليم بأنّ محل الجناية على الصوم هو الحلق، فالحلق إنما هو مظنة الوصول إلى المعدة، وبخاخ الربو لا يقصد به المعدة وإنما يُقصد به الرئتين، فليس ثمة جناية على الصوم. الدليل الثاني: قياس البخاخ على السواك في جواز استعماله للصائم مع وجود بعض المواد فيه والتي قد عفي عنها؛ لقلتها ولكونها غير مقصودة، فقد ذكر الأطباء أنّ السواك يحتوي على ثمان مواد كيميائية، تقي الأسنان، واللثة من الأمراض، وهي تتحلل باللعاب، وتدخل البلعوم، فإذا عُفي عن هذه المواد التي تدخل إلى المعدة؛ لكونها قليلة وغير مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يعفى عنه للسبب ذاته (¬1). المناقشة: اعترض اصحاب القول الثاني بأنّ المعفو عنه هو ما عَسُر دفعه، وأما ما نحن فيه فمقصود متعمد. الجواب: يرى الباحث بعدم التسليم لهذا الإيراد؛ لأنَّ القصد لا محل له هنا، إذ لو كان كذلك لجاء المنع من السواك إلا للعبادة فقط، والصواب أنّه يشمل حال العبادة وغيرها، حيث لم يقصره الأئمة على السواك للصائم حال الوضوء ¬

_ (¬1) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258 - 259، والخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 33، السكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6.

والصلاة، وإنما أطلقوا العبارة، ومن ذلك قول الإمام مالك: «لا بأس بالسواك للصائم في أول النهار وفي آخره» (¬1). الدليل الثالث: أن ما يحصل من بخاخ الربو لا يعتبر أكلاً أو شربًا في العادة، فلا يحصل به الفطر (¬2). المناقشة: اعترض أصحاب القول الثاني بأنّه وإن كان لا يعتبر أكلاً أو شربًا في العادة فإن ذلك لا يخرجه عن جملة المُفَطِّرات، فالعبرة بدخول الجرم للجوف اختياراً؛ لدلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم بما يشمل محل النزاع. وحقيقة الصيام هي: الإمساك، وتحقق الإمساك إنما يكون بمنع دخول أي جرم إلى الجوف. الجواب: يرى الباحث أن هذا الإيراد ليس في محله إذ ليس الممنوع مطلق دخول شيء إلى الجوف فقد جاء العفو عن دخول اليسير جداً كالباقي من المضمضة والسواك. الدليل الرابع: أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس قطعيًا فقد ¬

_ (¬1) انظر: سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 200. (¬2) انظر: فتوى دار الإفتاء المصرية، موقع دار الإفتاء http://www.dar-alifta.org، تاريخ التصفح 8/ 3/2010 م.

يدخل وقد لا يدخل، والأصل صحة الصوم، ولا يزول هذا اليقين بالشك. المناقشة: اعترض أصحاب القول الثاني بأنّه قد ثبت من الناحية الطِّبية أن الذي يصل إلى المعدة من الدواء يقارب الثمانين بالمائة والباقي يذهب إلى الجهاز التنفسي، فلم يصبح وصول الدواء للمعدة مشكوكًا فيه. الجواب: أننا نسلِّم بصحة ما ذكرتم، ولكن هذا الواصل يسير جداً، ولا يُرى بالعين المجردة فهو ملحق بما عُفي عنه، قياسا على المضمضة والاستنشاق (¬1). الدليل الخامس: بخاخ الربو يدخل مع مخرج النفس، لا مخرج الطعام والشراب (¬2). المناقشة: واعترض أصحاب القول الثاني بأن هذا الفرق بين المخرجين غير مؤثر، فالعبرة بالوصول إلى ما يسمى جوفًا دون التفات إلى المخرج. الجواب: يرى الباحث أنّ العبرة ليست بالوصول لما يسمى جوفاً، وأنَّ العبرة بما يسمى أكلاً أو شرباً أو ما كان في معناهما حقيقة أو صورة، كما سبق بيانه ¬

_ (¬1) انظر: الخليل أحمد بن محمد، مفطرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 33، والسكاكر، عبد الله بن حمد، فقه نوازل الصيام، مرجع سابق، ص 6. (¬2) انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، (مصر: بني سويف، مكتبة معاذ بن جبل، الطبعة الخامسة 1421 هـ -2000 م) ج 3، ص 270.

في ضابط المُفَطِّرات، وهذا لا يتحقق في بخاخ الربو. القول الثاني: أن بخاخ الربو مُفَطِّر: وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ محمد المختار السلامي (مفتي تونس) (¬1)، والشيخ محمود عبد اللطيف عويضة (¬2)، والشيخ وهبة الزحيلي (¬3)، والشيخ محمد تقي العثماني (¬4)، والشيخ فضل حسن عباس (¬5). أدلتهم: الدليل الأول: أنّ كل ما يدخل الجوف من الأجرام اختياراً يفسد الصوم؛ لأنَّ المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة. واستندوا لأثر ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّه قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا ¬

_ (¬1) انظر: السلامي، محمد المختار، بحث المفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 33. (¬2) انظر: عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، (مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 2005 م) ص 247. (¬3) انظر: الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، (دمشق: دار الفكر، الطبعة الثامنة، 1425 هـ -2005 م) ج 3، ص 1719. (¬4) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 366. (¬5) انظر: عباس، فضل حسن، التبيان والإتحاف في أحكام الصيام، (عَمَّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1416 هـ -1996 م) ص 112.

خَرَجَ» (¬1). المناقشة: أنّ العبرة ليس بالوصول لما يسمى جوفاً، وأن العبرة بما يسمى أكلاً أو شرباً أو ما كان في معناهما حقيقة أو صورة، كما سبق بيانه في ضابط المُفَطِّرات، وهذا لا يتحقق في بخاخ الربو. أما أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - فلا يدل على التوسع بمفهوم الجوف إذ الخطاب الشرعي متوجه إلى الغالب، والنادر لا حكم له؛ بل إن قلنا إنّ أثر ابن عباس مرفوع حكماً فيكون فهماً لآية الصيام {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187]، فالخطاب العام يتوجه تفسيره بالمعنى الشرعي إن كان له معنى شرعي، وأثر ابن عباس له معنى شرعي وهو ما دلت عليه الآية من منع الأكل والشرب، وعليه يترجح هذا المعنى على غيره، وإن كان غيره قد يقع، وهذا ما أقره الأصوليون ومنهم: الإمام السبكي حيث يقول: «والخطاب الشرعي المجمل يكون من جهة أنّ الشرعي أرجح وأغلب من غيره، وإن كان غيره قد يقع، فالحكم للغالب» (¬2). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص (131). (¬2) السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م)، ج 3، ص 405. (بتصرف).

كما أنّ الاستدلال بعموم أثر ابن عباس ينتقض عليهم بصور منها الداخل من مسام الجلد حيث أجمعوا على عدم فساد الصوم بما يدخل منها، وكذا نفى بعضهم فساد الصوم بما يدخل الإحليل ما لم يصل المعدة، مما يدل على أن العموم غير مقصود، فإن أخرجوا هذه الصور لاعتبارات فغيرها يخرج باعتبارت أخرى، وعليه لا يُسلم لهم الاستدلال بالأثر (¬1). الدليل الثاني: أنّ معنى الصوم هو الإمساك، ولا يتحقق الإمساك بدخول شيء ذي جرم إلى الجوف، وإلا كان ركن الصيام منعدمًا، وأداء العبادة بدون ركنها لا يتصور، والخارج من البخاخ رذاذ له جرم مؤثر، حيث أنّ بخاخ الربو يحتوي على مستحضرات طبية دوائية (الفانتلين + ماء + أوكسجين)، فهو مادة مركبة من أجزاء خاصة، غير أجزاء الهواء المعتاد الذي يتنفسه الإنسان. المناقشة: نُسلِّم أنّ بخاخ الربو له جرم، ولكن هذا الجرم مما جاء العفو عن نظائره مثل الداخل إلى الجوف من بقايا المضمضة والسواك. الدليل الثالث: أن المادة المنبعثة من البخاخ تدخل إلى الجوف من منفذ معتبر، والجمهور يرون أنَّ الدخان والبخور مُفَطِّر إذا أُدخل إلى الجوف عمداً خلافاً للشافعية القائلين بعدم الإفطار بالدخان والبخور (¬2). ¬

_ (¬1) سبق الرد على هذا الإيراد بتوسع في الفصل الثاني، المبحث الثالث، المطلب الخامس، ص (125). (¬2) انظر: الغرياني، الصادق عبد الرحمن، مدونة الفقه المالكي وأدلته، (بيروت: مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1423 هـ ـ 2002 م) ج 1، ص 631، والألفي، محمد جبر، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 76.

المناقشة: أولاً: دخول دخان البخور محل خلاف بين الفقهاء المتقدمين فالشافعية لا يرون كونه مُفَطِّراً فننازعكم في محل الاستدلال، حيث يقول الرملي (المعروف بالشافعي الصغير): «ووصول الدخان الذي فيه رائحة البخور أو غيره إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك وهو ظاهر لما تقرر أنّها ليست عينا عرفا إذ المدار هنا عليه» (¬1). ثانياً: على فرض التسليم فإنَّ الداخل يسير جدا أقلّ مما جاء العفو عنه في المضمضة والسواك. الترجيح في حكم بخاخ الربو: بعد هذا الاستعراض الطِّبي والفقهي فإن الباحث يرجح أنّ استخدام بخاخ الربو غير مُفَطِّر، كما يرى أنّ استخدام القمع الهوائي يحدث اطمئناناً أكثر حيث أثبت الطِّب أنّه باستخدامه تصل كمية الدواء شبه كاملة إلى الرئتين. والباحث إذ يرجح القول الأول فإنّ ذلك يرجع لعدة أمور: 1. قوة أدلة القول الأول. 2. ¬

_ (¬1) الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة، د. ط، 1404 هـ - 1984 م) ج 3 ص 169.

أنّ اعتراضات أصحاب القول الثاني على أدلة القول الأول أجاب عنها الباحث في موطنها، فأغنى عن إعادتها هنا. 3. أنَّ أدلة القول الثاني تمت الإجابة عليها. 4. التشخيص الطِّبي الدقيق لعملية استخدام بخاخ الربو يدل على أنَّ الكمية الواصلة إلى المعدة ضئيلة جداً (¬1). 5. أنّ المادة الداخلة يقصد إيصالها إلى الجهاز التنفسي، وعليه يغيب القصد المؤثر في الصوم عند إدخال المادة. 6. أنّه باستخدام القمع الهوائي يمكن فك النزاع بين القولين، وجمعهم على الجواز، حيث تزول العلة التي ذكرها القائلون بأن البخاخ مُفَطِّر. • حكم بخاخ البودرة. بخاخ البودرة حكمه حكم البخاخ العادي (المضغوط) في التكييف والتخريج والخلاف بين المعاصرين؛ بل إنّ الكمية التي تخرج منه لا يكاد يشعر بها المريض كما أفاد الأطباء، فهو غير مُفَطِّر لما سبق في ترجيح حكم بخاخ الربو ¬

_ (¬1) قام الباحث بإجراء تجربة تقريبية على 13 شخص لقياس المتبقي من المضمضة بإشراف الدكتور هاني سعدي شكري، أخصائي العلوم الطبية الحيوية، الجامعة الوطنية الماليزية UKM، وقد توصل إلى نتيجة مقاربة تقدر كمية المتبقي من المضمضة في اللعاب مابين 1 - 1.5 مليلتر. وكانت آلية التجربة باستخدام وعاء بلاستيكي خاص عليه مؤشر المليلتر، فتم إعطاء كل شخص 60 مليلتر من الماء ليتمضمض به ثم يمجه في نفس الوعاء المذكور، فتبين أنّ الماء قد نقص مابين 1 - 1.5 مليلتر، وهذه الكمية أكثر من المتبقي من بخاخ الربو، حيث أنَّ البخة الواحدة لا تساوي واحد مليلتر، فضلاً عن المتبقي منها.

العادي، ويفارق بخاخ الربو العادي بعدم وجود أنبوب طبي يمكن استخدامه معه حتى الآن كما مر معنا في الجانب الطِّبي. • حكم استخدام جهاز النبيوليزر (الرذاذ البخاري). جهاز النبيوليزر يقال فيه من التكييف والتخريج الفقهي ما قيل في التخريج الأول والثاني لبخاخ الربو، ولا ينطبق عليه التكييف والتخريج على الصورة الثالثة (صورة المتبقي من المضمضة والسواك)؛ لأن الكمية المستخدمة في الجرعة الواحدة كبيرة حيث تعادل 20 بَخَّة مقارنة مع الكمية الداخلة من بقايا المضمضة والسواك؛ كما أنّ مدة الجرعة الواحدة 10 - 15 دقيقة للجرعة الواحدة مما يعزز دخول كمية منه إلى المعدة، ولذا يفارق البخاخ العادي من حيث كمية الدواء الداخلة. وبناءً على ما سبق ذكره من القواعد والأصول, والتكييف والتخريج الفقهي، والأدلة والأقوال والترجيحات، فإنّ الباحث يرى أنّه مُفَطِّر لمفارقته البخاخ العادي من حيث أنَّ الكمية الداخلة إلى المعدة كبيرة، حيث يستمر استنشاق المريض للدواء مابين 10 إلى 15 دقيقة، كما أنّه يُعْطَى بدفع عالي يوصل جزء كبير منه إلى البلعوم. OOOOO

المطلب الثاني: غاز الأكسجين

المطلب الثاني: غاز الأكسجين: أولاً: الجانب الطِّبي: الأكسجين: هو أحد الغازات الحيوية الموجودة في الهواء والذي نستنشقه يومياً وبدونه لن نستطيع أن نعيش، وهو أحد المكونات الأساسية في الهواء نسبته بحدود 21%، والباقي عبارة عن غاز النيتروجين وغازات أخرى مثل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأشياء ضئيلة جداً. والشخص الذي لا يحصل على الأكسجين يتعرض للوفاة خلال لحظات قليلة، كما أن الشخص الذي لا يحصل على كمية كافية من الأكسجين لا يستطيع أن يمارس حياته بشكل طبيعي، لأنّه سيشعر بضيق في النفس وعدم قدرة على العمل وبالتالي لابد من إعطائه الأكسجين (¬1). غاز الأكسجين: غاز الأكسجين -المادة الطِّبية- عبارة عن أكسجين يضغط بطريقة طبية معينة في اسطوانات ذات أحجام متعددة، وتُعطى على حسب احتياج المريض. وعادة تكون كمية الأكسجين التي تعطى باللتر، فيُعطَى المريض على حسب احتياجه ما بين لتر إلى عشرة لترات كل دقيقة، فكلما كان مرضه أسوأ كلما كانت ¬

_ (¬1) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، (دمشق: دار النفائس، الطبعة الثالثة، 1426 هـ - 2005 م)، ص 403. ود. الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، (عَمان: دار المستقبل للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1413 هـ 1993 م) ص 81 وما بعدها.

نسبة احتياجاته للأكسجين أكثر. حالة الغاز العلاجية: غاز الأكسجين هو الغاز الذي نستنشقه أثناء التنفس ولا تضاف إليه أي مواد أخرى، حتى ما كان محفوظاً في الاسطوانات على شكل سائل فإنّه يتحول إلى غاز بمجرد خروجه من الأسطوانة (¬1). ويستثنى من ذلك بعض الحالات التي يحتاج فيها المريض لكميات كبيرة تستمر لوقت طويل قد يؤدي إلى نوع من النشوفية في الأنف أو في الحلق، وبالتالي يؤدي إلى نوع من التجريح ففي هذه الحالة يُمرر غاز الأكسجين على ماء لترطيب الأكسجين. فيختلط الرذاذ مع الأكسجين ويذهب إلى الممرات والشعب الهوائية، ولا يصل شيء منها للبلعوم أو المعدة (¬2). وغاز الأكسجين كما يُعطى للمرضى فأنّه يستخدمه رجال الإطفاء والغواصون ورجال الإنقاذ في بعض الحالات، وفي حالة انخفاض الضغط الجوي في الطائرات، ورجال الشرطة والجيش في بعض المهام. ¬

_ (¬1) من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة: بتاريخ 12/ 6/2010 م. (¬2) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص (403). وموقع طبيب على شبكة الإنترنت www.6 abib.com ، تاريخ التصفح 12/ 3/2010 م.

ثانياً: الجانب الفقهي: غاز الأكسجين له حالتان: الحالة الأولى: وهو أن يعطى غاز الأكسجين للمريض مجرداً- وهي الحالة الغالبة والأكثر استخداماً- ففي هذه الحالة حكمه حكم استنشاق الهواء ولا أعلم أحداً من المتقدمين أو المعاصرين قال أنّه مُفَطِّر، وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (¬1). وهي من المسائل البديهية المقررة، لولا الإشكال الحاصل عند بعض الناس بسبب تخزين الغاز بصورة سائلة، وهذا الإشكال ينفك ببيان أن مادة الأكسجين السائلة تعود لحالتها الغازية بمجرد مفارقتها للاسطوانة. الحالة الثانية: وهي الحالة التي يُمرر بها غاز الأكسجين على الماء لتجنب حدوث تجريح لطول مدة تناول الأكسجين. وهذه الحالة محل إشكال، والذي يظهر للباحث أنّها لم تكن محل دراسة من المجمع الفقهي أو أحد من المعاصرين، وذلك ربما كان لقلة حصولها إذ الغالب عدم تمرير الغاز على الماء. وهذه الصورة تُكيَّف وتخرج على الصور التي ذكرناها في بخاخ الربو (¬2)؛ إذ الماء المصاحب للهواء يدخل بقصد، إلا أنّه يذهب للجهاز التنفسي مع الغاز ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المفطرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬2) وقد تم ذكرها مع أدلتها ومناقشتها في بخاخ الربو مما يغني عن إعادتها هنا خشية الإطالة والتكرار.

لترطيب القصيبات الهوائية، ولا يعلق منه شي في البلعوم، لكونه يُستنشق مع الأكسجين إلى الرئة مباشرة. وفي هذه الحالة لا يفطر (¬1). OOOOO ¬

_ (¬1) هذا ما قرره الأطباء المختصون، من حوار أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة: بمكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م

المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia)

المطلب الثالث: غاز التخدير (Gas anesthesia) • الجانب الطِّبي: التخدير (nesthesia): هو عملية استخدام الأدوية القادرة على محاصرة الإحساس بالألم بصورة أساسية وبعض الإحساسات الأخرى. وتستعمل الأدوية المخدرة لمساعدة المرضى للخضوع للعمليات الجراحية بدون ألم ومعاناة. بداية علم التخدير: بدأ علم التخدير الحديث باكتشاف الأثير عام 1842 م، حيث استطاع العالم المسلم الكِندي استقطار الكحول، واكتشف الرازي حمض الكبريت. وإذا علمنا أنّ الأثير ينتج من تعامل الكحول بحمض الكبريت، لأدركنا أن المسلمين كانوا أول من وضع أسس تركيب هذه المادة المخدرة الجوية (الطيارة) في حقل الكيمياء، فإنّ رابطة الأثير التي هي الجذر الأساسي لمجموعة من المواد المخدرة الاستنشاقية التي تستعمل اليوم (أثير، ميتوكسي فلورين، أنفلورين، فلوروكسنت وفورين). وقد كان للمسلمين فضل كبير في هذا العلم، فهم الذين أسسوه بوصفه علماً، وأطلقوا عليه اسم (المُرَقِّد) أي المخدر، وخاصة التخدير العام في العمليات الجراحية (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: د. الحكيمي، عبد الصمد عبد الرحمن، اختصاصي تخدير وإنقاذ حياة، ومستشار هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء لشؤون الطوارئ وإنقاد الحياة، ومؤسس ومشرف مشروع الإنعاش القلبي الرئوي CPR ، علم التخدير والإنعاش علم عربي إسلامي، موقع صحة الطبي http://www.sehha.com، تاريخ التصفح، 23/ 3/2010 م وانظر: هونكة، زيغريد، شمس العرب تسطع على الغرب، ترجمة فاروق بيضون، وكمال الدسوقي، (بيروت: دار الجيل، ودار الآفاق الجديدة، الطبعة الثامنة، 1413 هـ- 1993 م) ص 280.

طرق التخدير: 1 - التخدير عن طريق الأنف: حيث يشم المريض مادةً غازية تؤثر على أعصابه، فيحدث التخدير. وهذا محل بحثنا في هذا المطلب. 2 - التخدير الجاف: وهو نوع من العلاج الصيني، ويتم بإدخال إبر مصمتةٍ جافةٍ إلى مراكز الإحساس، تحت الجلد، فتستحث نوعاً معيناً من الغدد على إفراز المورفين الطِّبيعي الذي يحتوي عليه الجسم، وبذلك يفقد المريض القدرة على الإحساس. وهو في الغالب تخدير موضعي، ولا يدخل معه شيء إلى البدن. 3 - التخدير بالحقن: وذلك بحقن الوريد بعقار سريع المفعول، بحيث ينام الإنسان في ثوان معدودة، ثم يدخل أنبوب مباشر إلى القصبة الهوائية عبر الأنف، ثم عن طريق الآلة يتم التنفس، ويتم أيضاً إدخال الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي فقداناً تاماً (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: الألفي، محمد جبر، مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 2، ص 240.

أنواع التخدير: 1 - تخدير جزئي: وهو الذي يزول معه الشعور بالإحساس والألم في منطقة معينة من الجسم هي محل التخدير. 2 - تخدير كلي: وهو الذي يفقد فيه الإنسان كامل الشعور والإحساس بالألم في كل أنحاء الجسم. غاز التخدير: هو غاز كيميائي يتم تصنيعه على شكل سائل يوضع في جهاز أثناء احتياج هذا الغاز. غازات ومواد التخدير: الأكسجين: هو غاز ليس له طعم ولا لون ولا رائحة غير قابل للاشتعال ولكن يساعد على الاشتعال بشدة، ويتواجد بالحالة الغازية في الطبيعة، ويعتبر من الدعائم اللازمة للحياة؛ لذلك يستخدم في المشافي لمساعدة المرضى في حال ضيق التنفس، كما يستخدم لأغراض التخدير وذلك بخلطه مع الغاز المخدر لضمان استمرار إمداد المريض بالأكسجين اللازم للحياة، ويتواجد بالحالة السائلة في الأسطوانة بضغط قدره 134.7 ضغط جوي. أوكسيد النتروز: غاز ليس له لون، ورائحته تؤدي إلى فقدان الوعي، ويستخدم كخلفية مساعدة للتخدير عند خلطه مع الأوكسجين، حيث أنّ هذا الخليط يؤدي إلى تسكين الآلام ولكن في العمليات الجراحية الكبرى يستخدم مع مواد مخدرة أكثر قوة مثل الهالوثين، ويتواجد بالحالة السائلة داخل الأسطوانة عند

ضغط 43.5 ضغط جوي لذلك فأنّه يستخدم والأسطوانة بالوضع الرأسي. الأنتونوكس: هو خليط من غازي الأوكسجين وأكسيد النتروز بنسبة 50% لكلٍّ منهما يتواجد داخل الأسطوانة بالحالة الغازية، وفائدته أنّه خليط جاهز للاستخدام في حالات تخفيف الآلام. البروبان الحلقي: غاز لا لون له، ورائحته تشبه رائحة البترول مخدر فعَّال مع الغازات الأخرى، يتواجد بالحالة السائلة داخل الأسطوانات عند ضغط 4.30 ضغط جوي. ثاني أوكسيد الكربون: غاز لا طعم له، ولا لون ولا رائحة، ويستخدم لإثارة أو تنبيه عملية التنفس؛ لأنَّ عملية الزفير تحدث عندما تصل نسبة ثاني أوكسيد الكربون داخل الرئة إلى قيمة معينة، عندها ترسل إشارة ما إلى المخ لتبدأ عملية الزفير (¬1). ¬

_ (¬1) انظر موقع صحة على شبكة الإنترنت، http://www.sehha.com/world/index.php?showtopic=17485. تاريخ التصفح 2/ 4/2010 م.

3:11 صورة لجهاز غاز التخدير طريقة التخدير بالغاز: يبدأ التخدير الكلي عادةً بحقنه في الوريد من عقار: (الباربيتورات) السريع المفعول جداً، أو عقار (المورفين)، ونحوه. بعد ذلك يتم إعطاء المريض غازات مستنشقة عن طريق الأنف مثل غاز (الأثير) وغيره، ويتم ذلك عن طريق كمامة من البلاستيك توضع على فم المريض، أو بإدخال أنبوب (¬1) إلى القصبة الهوائية عبر الأنف يتم بواسطته إدخال الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي تماماً. فيفقد المخَدّر وعيه تماماً بعد ثوانٍ معدودة، ويتم إجراء التنفس بواسطة الآلة. ويستمر إعطاء المريض الغازات المؤدية إلى فقدان الوعي فقداناً تاماً حسب طول مدة التخدير المطلوبة. ¬

_ (¬1) وهو ما يعرف بالأنبوب الرغامي.

وعند تخدير المريض تخديراً كلياً يطلب منه الصيام (الامتناع عن الأكل والشرب) قبله بعدة ساعات. ثم قبل التخدير، وقبل أخذ المريض إلى غرفة العمليات بوقت قصير يتم إعطاؤه عقاراً سائلاً عن طريق الفم لمنع القيء، ولترخية العضلات، وأحياناً يتم إدخال أنبوب إلى المعدة لاستخراج السوائل المتراكمة فيها، وقد يتقيأ المريض بعد العملية من أثر التخدير (¬1). 3:12 صورة تبين طريقة التخدير العادية ... 3:13 صورة توضح إدخال الأنبوب الرغامي إلى القصبة الهوائية • ¬

_ (¬1) هذه المعلومات من حوار مطول أجريته مع الدكتور ضرار خالد الزعتري استشاري التخدير والإنعاش في مستشفى الحبيب الطبي بالمملكة العربية السعودية في مكتبه بمستشفى الحبيب بتاريخ، 22/ 6/2010 م. وانظر: البار، محمد علي، المفطرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 240، وباشا، حسان شمسي، التداوي والمفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 10، ص 260.

الجانب الفقهي: الجانب الفقهي لاستنشاق غاز التخدير يتناول مسألتين لهما أثر على الصيام. حكم استنشاق غاز التخدير. حكم الإغماء وفقدان الوعي أثناء الصيام. أولاً: حكم استنشاق غاز التخدير أثناء الصيام. • التكييف الفقهي: عند النظر في حقيقة غاز التخدير ومواده الطِّبية نجد أن صورته تشبه صورة استنشاق الهواء فهو مماثل لصورة غاز الأكسجين. • التخريج الفقهي: القول في غاز التخدير هو القول في غاز الأكسجين؛ ذلك أنّ المواد التي تعطى غازات مجردة لا تحتوي على أي مواد جامدة أو سائلة ففي هذه الحالة حكمه حكم استنشاق الهواء وهذا ما قرره مجمع الفقه الإسلامي (¬1). وهي من المسائل البديهية المقررة، لولا إشكالية حفظ الغاز بصورة سائلة، وهذا الإشكال ينفك ببيان أنَّ الأكسجين يعود لحالته الغازية بمجرد مفارقته للأسطوانة. وهذا ما تطمئن إليه نفس الباحث لوضوح الصورة الطِّبية لهذه المسألة. ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المفطرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454.

وهذا هو حكم إعطاء غاز التخدير مجرداً، أما إذا صحبه إعطاء مواد مغذية عبر الوريد كما يحدث في بعض الحالات فهذا مُفَطِّر ليس بسبب الغاز ولكن بسبب المواد المغذية (¬1). ثانياً: حكم تأثير الإغماء على الصائم. • التكييف الفقهي للتخدير من حيث زوال العقل: هذه المسألة تتكيف على مسألة الإغماء التي تحدَّث عنها الفقهاء، لكون التخدير الكلي مطابق لها بزوال العقل والإدراك. • التخريج الفقهي: فقدان الوعي-الإغماء- له حالتان أثناء الصيام: الحالة الأولى: أن يغمى عليه من قبل الفجر ويستمر حتى ما بعد غروب الشمس. اختلف العلماء في حكم هذه الحالة، فالجمهور على عدم صحة الصوم في هذه الحالة، وذهب الأحناف إلى صحته. القول الأول: ذهب الجمهور (المالكية، والشافعية، والحنابلة) إلى عدم صحة الصوم. • المالكية: ¬

_ (¬1) وهذه المسألة تم بحثها في مبحث الحقن، ص (265).

قال الخرشي: «إذا أغمي عليه اليوم كله من فجره لغروبه فالقضاء» (¬1). والمالكية لا يشترطون تبييت النية في كل ليلة ويكتفون بنية واحدة عند دخول الشهر (¬2). • الشافعية: قال النووي: «إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه» (¬3). وقال الشربيني: «ولا يجزئه الصوم إذا أغمي عليه جميع النهار» (¬4). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «ومن نوى من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم» (¬5). ودليل الجمهور أنّ الإمساك لم يحصل، وهو أحد ركني الصوم (¬6). ¬

_ (¬1) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 2، ص 248. (¬2) النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، (بيروت: دار الفكر، د. ط، 1415 هـ) ج 1، ص 315. (¬3) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 358. (¬4) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، مرجع سابق، ج 1، ص 498. (¬5) ابن قدامة، المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 11. (¬6) ابن قدامة، المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 345.

القول الثاني: ذهب الحنفية إلى صحة الصوم في هذه الحالة. قال السرخسي: «رجل أغمي عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق إلا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول؛ لأنّه لما غربت الشمس وهو مفيق فقد صح منه نية صوم الغد، وركن الصوم هو الإمساك، والإغماء لا ينافيه، فتأدَّى صومه في اليوم الأول لوجود ركنه وشرطه، وعليه قضاء اليوم الثاني لأن النية في اليوم الثاني لم توجد، وقد بينا أن صوم كل يوم يستدعي نية على حدة، وبمجرد الركن بدون الشرط لا تتأدَّى العبادة» (¬1). أدلة الحنفية: قال الحنفية إنّ النية قد صحت، وذهاب الإدراك بعدها لا يمنع صحة الصوم؛ لوجود الإمساك المقترن بالنية، لأنّ الأصل وجودها منه من الليل حملاً لحال المسلم على الصلاح. واستدلوا بقياس الإغماء على النوم فلو نام من الليل بعد أن نوى ولم يستيقظ إلا بعد الغروب صح صومه، فكذلك الإغماء (¬2). وفي ضوء هذا التخريج فإن استعمال المريض غاز التخدير من قبل الفجر إلى ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 70. (¬2) انظر: المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح البداية، (المكتبة الإسلامية، د. ط، د. ت) ج 4، ص 97، وملا خسرو، محمد بن فراموز، درر الحكام شرح غرر الأحكام، (د. ط، د. ت) ج 3، ص 1.

غروب الشمس يكون مُفَطِّراً على رأي الجمهور، وغير مُفَطِّر على رأي الأحناف. الترجيح: والذي يظهر للباحث أن القول بصحة الصوم هو الصواب؛ لعدم وجود دليل يقوى على إبطال عبادة حقيقتها الإمساك مع النية، وقد حصلت النية وتحقق الإمساك، ولا وجه للتفريق بين النائم والمغمى عليه، وما فرَّق به الجمهور واعترضوا به من أنَّ النائم يمكن إيقاظه، فإن طبيب التخدير والإنعاش يمكنه إيقاظ الشخص المخدر متى أراد فلا وجه للتفريق. الحالة الثانية: أن يغمى عليه بعض النهار. القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية، والشافعية، والحنابلة) إلى أنّه إذا أفاق جزءاً من النهار سواء في أول أو آخره، ولو يسيراً صح صومه. وفيما يلي بيان اقوالهم: • الحنفية: قال السرخسي: «رجل أغمي عليه في شهر رمضان حين غربت الشمس فلم يفق إلا بعد الغد فليس عليه قضاء اليوم الأول» (¬1). وهذا فيمن أغمي عليه كل النهار فمن أفاق في بعضه فهو من باب أولى. • الشافعية: ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 70.

قال النووي: «والأظهر أن الإغماء لا يضر إذا أفاق لحظة من نهار» (¬1). ولهم قول آخر أنّه متى أفاق في أول النهار صح صومه، وإن أفاق في آخره فقط لم يصح صومه. قال الماوردي: «المسألة على قولين: أحدهما: متى أفاق في بعض النهار صح صومه، والثاني: لا يصح صومه حتى يكون مفيقاً في أول النهار» (¬2). وعلل من قال بوجوب الإفاقة أول النهار بأنّه يلزم أن يدخل أول العبادة بنية (¬3). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «ومتى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه سواء كان في أوله أو آخره» (¬4). القول الثاني: ذهب المالكية أنّه إذا أغمي عليه أكثر من نصف النهار لم يصح صومه، وإن كان أقل صح صومه. ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، منهاج الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت: دار المعرفة، د. ط، د. ت) ج 1،ص 36. (¬2) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، تحقيق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ 1999 م) ج 3، ص 441. (¬3) انظر: الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 185. (¬4) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق،.ج 3، ص 12.

قال الخرشي: «إذا أغمي عليه اليوم كله من فجره لغروبه فالقضاء، وكذا لو أغمي عليه جلَّ اليوم سلم أوله أم لا , وأما لو أغمي عليه أقلّ اليوم، - وهو ما دون الجُلّ الشامل للنصف- فإن لم يسلم أوله بأن طلع عليه الفجر مغمى عليه بحيث لو كان صحيحا ونوى لما صحت نيته فالقضاء أيضا» (¬1). ودليل الجمهور في صحة الصوم في الحالة الثانية-إن أفاق بعض النهار- قالوا لوجود الإمساك وهو أحد ركني الصيام (¬2). حكم التخدير بعض النهار على ضوء كلام الأئمة: حكم التخدير إذا كان في جزء من النهار فعلى قول الأحناف يصح صومه، وعلى قول المالكية إن استمر التخدير أكثر من نصف النهار لم يصح وإن كان أقلّ صح، وعلى قول جمهور الشافعية والحنابلة يصح صومه، وعلى قول بعض الشافعية يصح إن كان التخدير بعد دخول الفجر. الترجيح: سبق في الحالة الأولى الترجيح بأن الصوم يصح لو أغمي عليه كل النهار بعد أن بَيَّت النية من الليل، فهنا يصح من باب أولى، وما قيل في سبب الترجيح في الحالة الأولى يقال هنا. ¬

_ (¬1) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 2، ص 248. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 345.

تنبيه: بعد هذا الاستعراض لحكم التخدير الكلي عن طريق استنشاق غازات التخدير فإن ما تم تقريره هو بناءً على حالة إعطاء الغازات المخدرة وأثرها على زوال العقل، أما ما قد يصاحب ذلك في بعض الحالات من إعطاء المريض سوائل مغذية، أو إدخال أنبوب إلى المعدة لإخراج السوائل المتراكمة، فهذا أمر آخر يكون فساد الصوم فيه بسبب المغذي، أو استخراج السوائل قياساً على القيء، وكذلك إذا تقيأ المريض بعد عملية التخدير- مع علمه مسبقاً بأن التخدير قد يسبب له التقيؤ- فإن صيامه يفسد بالقيء لأنّه وقع بسبب منه. OOOOO

المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالجاته

المطلب الرابع: معجون الأسنان ومطهرات الفم ومعالِجاته: يدخل تحت هذا المطلب صور كثيرة منها: معجون الأسنان، والخيط السني، وغسول الفم. • المسالة الأولى: استخدام معجون الأسنان: الجانب الطبي: الأسنان عظام حية، وداخل كل سن يوجد نسيج حي يسمى لب السن، ويحتوي على شعيرات دموية تغذي السِّن، وعلى أعصاب تمكنه من الشعور بالبرودة والحرارة، والضغط والألم، ويحيط باللب مادة قاسية تدعى العاج (Dentin) ويغطي جزء السن الظاهر في الفم طبقة قاسية بيضاء اللون تدعى الميناء (Enamel)، وتحيط اللثة بأعناق الأسنان بإحكام بينما تنغرس جذور الأسنان بثبات في تجاويف خاصة داخل عظم الفك (¬1). وتتعرض الأسنان للنخر والتسوس والترسبات الناتجة من فضلات الطعام، فتصبح مرتعاً للجراثيم والبكتيريا، وهذا يؤدي لتصبغ الأسنان وتلفها وحدوث الألم (¬2). وقد كان من محاسن شريعتنا الغرَّاء الأمر بالمحافظة على نظافة الأسنان وجمالها فحثت على السواك، ورتبت الأجر على استخدامه، وهو الذي يحتوي على ¬

_ (¬1) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 544. (¬2) المرجع السابق، ص 545.

مواد كيميائية منظفة ومطهرة، وقد حاول الناس صنع مواد تساعد على تنظيف الأسنان، وأقدم محاولة معروفة لتصنيع المعجون كانت في مصر في القرن الرابع الميلادي، وكان ذاك الخليط مكونا من ملح مطحون، وفلفل، وأوراق نعناع، وزهور السوسن. وعلى كل حال فإنّ معاجين ومساحيق الأسنان لم ينتشر استعمالها كثيراً إلا في أوائل القرن العشرين، حيث تم إضافة الفلوريد إليها. والخلاصة أنّ معجون الأسنان هو تركيبة كيميائية لها طعم نفاذ، وبنكهات مختلفة، تستعمل لتنظيف الأسنان بواسطة الفرشاة. فما هو حكم استعمالها حال الصيام (¬1). 3:14 صورة لمعجون الأسنان ¬

_ (¬1) انظر: موقع الموسوعة الصحية الحديثة، http://www.se 77 ah.com/art-218 - ، تاريخ التصفح 4/ 6/2010 م.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: استخدام المعجون يتكيف على صورتين فقهيتين تحدث عنهما فقهاء المذاهب: الصورة الأولى: حكم ما دخل إلى الفم ولم يتجاوز الحلق. الصورة الثانية: حكم السواك في نهار رمضان. التخريج الفقهي للصورة الأولى: (حكم ما دخل إلى الفم (¬1) ولم يتجاوز الحلق). تحدث الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله- عن مسألة الفم وهل له حكم الظاهر أم الباطن، وهل ما يصل إليه مؤثر في الصيام؟ ومن خلال أقوالهم يتبين أنّ المذاهب الأربعة على أنّ ما يدخل الفم ولا يصل إلى الحلق لايفسد الصوم، فالفم له حكم الظاهر عندهم. • الحنفية: قال السرخسي: «والفم في حكم الظاهر. ألا ترى أن الصائم يتمضمض فلا ¬

_ (¬1) والفم يبدأ من باطن الشفتين إلى أول الحلق، فما بين باطن الشفتين والحلق يسمى: (فماً)، وهو موضع المضمضة في الوضوء. انظر: السلامي، محمد المختار، بحث المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ج 2، ص 24.

يضره ذلك» (¬1). • المالكية: قال المغربي: «وداخل الفم له حكم الظاهر» (¬2). • الشافعية: قال النووي: «النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم لم تضر بالاتفاق» (¬3). وحد الظاهر عندهم ما قبل الحلق. قال النووي نقلاً عن الغزالي: «مخرج الحاء المهملة من الباطن، والخاء المعجمة من الظاهر؛ لأن المهملة تخرج من الحلق والحلق باطن» (¬4). • الحنابلة: قال ابن قدامه: «ولأنَّ الفم في حكم الظاهر فلا يبطل الصوم بالواصل إليه» (¬5). فهذه نصوص العلماء من المذاهب الأربعة تبين أنهم متفقون على أنّ الفم له ¬

_ (¬1) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 93. (¬2) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 1، ص 135. (¬3) والنووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 328. (¬4) المرجع السابق، ج 6، ص 328. (¬5) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الشرح الكبير، (د. ط، د. ت) ج 3، ص 44.

حكم الظاهر. ومن خلال هذه النقول يتضح لنا أن حكم ما دخل إلى الفم دون أنْ يتجاوز الحلق لا يعتبر مُفَطِّراً عندهم جميعاً، وفي ضوء هذا يكون استخدام المعجون غير مؤثر ما لم يدخل إلى الحلق. التخريج للصورة الثانية: حكم السواك في نهار رمضان. المسألة الأولى: حكم السواك للصائم. اتفق الفقهاء -رحمهم الله تعالى - على جواز السواك للصائم في أول النهار، واختلفوا في حكم السواك للصائم بعد الزوال على قولين: القول الأول: كراهة السواك للصائم بعد الزوال. وهو مذهب الشافعية، ورواية عند الحنابلة. • الشافعية: قال النووي: «قال الشافعي والأصحاب: يكره للصائم السواك بعد الزوال، هذا هو المشهور، ولا فرق بين صوم النفل والفرض» (¬1). وقال الشربيني: «ولا يكره بحال إلا للصائم بعد الزوال ولو نفلاً لخبر الصحيحين: «لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (¬2) والخلوف بضم ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 398. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، رقم: 1795.

الخاء: تغير رائحة الفم» (¬1). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال، وهل يكره على روايتين: إحداهما: يكره، وهو قول الشافعي. والثانية: لا يكره (¬2). وقال ابن مفلح: «باب السواك وغيره: يستحب في كل وقت، ويكره للصائم بعد الزوال، وعنه – أي عن الإمام أحمد-: يباح» (¬3). أدلتهم: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ - عز وجل -: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ ¬

_ (¬1) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، مرجع سابق، ج 1، ص 56. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 1، ص 70. (¬3) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 1، ص 95.

فَرِحَ بِصَوْمِهِ» (¬1). وجه الاستدلال: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والخلوف يظهر غالباً بعد الزوال والسواك يزيله. أجيب عنه: بأن الحديث لا حجة فيه؛ لأنَّ الخلوف من خلو المعدة، والسواك لا يزيله، وإنما يزيل وسخ الأسنان. 2 - القياس: حيث قالوا إنَّ خلوف فم الصائم أثر عبادة مستطاب شرعاً فلم يستحب إزالته كدم الشهداء (¬2). 3 - حديث علي - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَ لَهُ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬3). وأجيب عنه بأنّه حديث ضعيف لا يصح، فقد قال الدارقطني بعد روايته للحديث: «كيسان-أحد رواةالحديث- ليس بالقوي ثم أخرجه عن كيسان عن ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم، رقم: 1805، ومسلم كتاب الصيام، باب فضل الصيام، رقم: 1151. (¬2) انظر: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 1، ص 70. (¬3) رواه الداراقطني، كتاب الصيام، باب السواك، رقم: 7، والبيهقي، كتاب الصيام، باب من كره السواك بالعشي إذا كان صائما، رقم 8120.

يزيد بن بلال عن علي موقوفاً وقال كيسان ليس بالقوي ويزيد بن بلال غير معروف» (¬1). القول الثاني: أن السواك جائز للصائم جميع النهار. وهو مذهب: الحنفية، والمالكية، ورواية عند الحنابلة. • الحنفية: قال محمد بن الحسن الشيباني: «قال أبو حنيفة: لا بأس بالسواك للصائم في أية ساعة من ساعات النهار في أوله وفي آخره، وقال أهل المدينة بقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى» (¬2). وقال الكاساني: «وله أن يستاك بأي سواك كان رطباً أو يابساً، مبلولاً أو غير مبلول، صائماً كان أو غير صائم، قبل الزوال أو بعده؛ لأن نصوص السواك مطلقة» (¬3). • المالكية: قال ابن عبد البر: «وذكر مالك في هذا الباب أنه سمع أهل العلم لا ¬

_ (¬1) الدارقطني، علي بن عمر، سنن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، (بيروت: دار المعرفة، د. ط، 1386 هـ - 1966 م) ج 2، ص 204، انظر: ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني، التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، مرجع سابق، ج 2، ص 201. (¬2) الشيباني، محمد بن الحسن، الحجة على أهل المدينة، تحقيق: مهدي حسن الكيلاني القادري، بيروت: عالم الكتب، الطبعة الثالثة، 1403 هـ) ج 1، ص 411. (¬3) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 1، ص 19.

يكرهون السواك للصائم في رمضان في ساعة من ساعات النهار، لا في أوله، ولا في آخره» (¬1). وقال الخرشي: في كلامه فيما يجوز للصائم: «وجاز سواك كل النهار» (¬2). • الحنابلة في الرواية الأخرى: قال ابن قدامة: «قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب أنه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال، وهل يكره على روايتين: إحداهما: يكره، وهو قول الشافعي، والثانية: لا يكره» (¬3). أدلتهم: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» (¬4). وجه الاستدلال: أنّ هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تحث على السواك وترغب به جاءت مطلقة لم يقيدها الشارع بوقت، فدل على الاستحباب في كل الأوقات. ¬

_ (¬1) ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى،2000 م) ج 3، ص 378. (¬2) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 259. (¬3) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 1، ص 70. (¬4) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، رقم: 847.

2 - القياس على المضمضة: فكما أنَّ المضمضة لا تكره للصائم أول النهار وآخره فكذلك السواك (¬1). 3 - حديث عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَا لَا أَعُدُّ، وَمَا لَا أُحْصِي يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ» (¬2). وأجاب أصحاب القول الأول (القائلون بالكراهة بعد الزوال) على هذه الأدلة بالآتي: 1 - قالوا: إنَّ هذه الأحاديث التي تحث على السواك عامة مخصوصة، والمراد بها غير الصائم آخر النهار (¬3). 2 - أنَّ هذا قياس مع الفارق؛ لأنَّ المضمضة لا تزيل خلوف فم الصائم بينما السواك يزيله فافترقا في الحكم (¬4). الترجيح في حكم السواك في نهار رمضان: بعد النظر في الأقوال السابقة وأدلتهم ومناقشتها يرى الباحث أنَّ القول الراجح والأسعد بالدليل هو القول الثاني القائل بجواز السواك في كل النهار، ¬

_ (¬1) المرجع السابق، نفس الصفحة. (¬2) رواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في السواك للصائم، رقم 752. قال الترمذي بعد روايته للحديث حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم. (¬3) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 3، 466. (¬4) انظر: الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1419 هـ 999 ام) ج 3، ص 467.

وذلك لأنّ ما استدل به أصحاب القول الأول إما ضعيف، أو تخصيص لعموم الأحاديث الدالة على السواك في كل الأوقات بغير مخصص، ولأنَّ رائحة الخلوف تأتي من المعدة لخلوها من الطعام وبذا ينتفي التعليل الذي استند إليه المانعون للسواك آخر النهار. الراجح في حكم استخدام المعجون: بعد التكييف والتخريج الفقهي لمسألة استخدام المعجون وبيان صورته الطبية يتضح لنا أنَّ استخدام المعجون جائز إذا أمن الشخص عدم وصوله إلى الحلق، وذلك أنَّ الفم له حكم الظاهر. وقد ذهب مجمع الفقه الإسلامي الى جواز استخدام معجون الأسنان حال الصيام إذا أمن الشخص وصوله إلى حلقه (¬1)، وبه أفتى دار الإفتاء بالأزهر (¬2)، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (¬3)، وهو الذي سار عليه أغلب الفقهاء المعاصرين من أرباب الفتوى، منهم الشيخ ابن باز (¬4)، والشيخ ابن عثيمين (¬5)، ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجلة مجمع الفقه الإسلامي المنعقد حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬2) انظر فتوى دار الإفتاء في موقع الدار على شبكة الإنترنت www.dar-alifta.org ، تاريخ التصفح 6/ 6/2010 م. (¬3) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، (الرياض: دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1416 هـ) ج 10، ص 328. (¬4) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 260. (¬5) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 354.

والشيخ القرضاوي (¬1). المسألة الثانية: غسول الفم ومعالِجاته: من الأمراض الشائعة التي تصيب الفم التقرحات وفطريات اللثة وتكلس الأسنان وتجمع الجراثيم فيها مما يؤدي إلى التهابات في الفم واللثة وظهور رائحة كريهة، وقد تم التعرف على أكثر من (250) نوعًا من البكتيريا موجودة في الفم، وبعض هذه البكتيريا الموجودة في هذه الطبقة تعمل على مهاجمه اللثة مسببة التهابات في حواف اللثة، وفي الجزء الهرمي من نسيج اللثة، وقد يهاجم الأنسجة المحيطة بالأسنان حتى يصل إلى العظم الداعم للأسنان ويؤدي إلى حركة الأسنان وعدم ثباتها، وتكون النتيجة النهائية هي خلع هذه الأسنان (¬2). كما أنه كلما زادت درجة التهابات اللثة زادت مخاطر الإصابة بالجلطة حيث ثبت أن البكتيريا المسببة لالتهابات اللثة تتحرك عبر الدورة الدموية إلى شرايين القلب وعند حدوث التهابات في هذه الشرايين يؤدي إلى تضيقها مسبباً الجلطة، وكذلك البكتيريا تؤدي إلى تجلط الدم مسببة الجلطة. وفي مثل هذه الحالات يحتاج المريض لتناول بعض العلاجات الموضعية مثل ¬

_ (¬1) والشيخ القرضاوي يرى جوازه بشرط استعماله على حذر لئلا يدخل إلى الحلق، ويرى الأفضل تأخير استخدامه إلى ما بعد الإفطار، انظر فتوى الشيخ القرضاوي على موقع على شبكة الإنترنت www.qaradawi.net ، تاريخ التصفح 6/ 6/2010 م. (¬2) انظر: موقع طبيب على شبكة الإنترنت، http://www.6 abib.com/t-8.htm، تاريخ التصفح 9/ 6/2010 م.

غسول الفم، وبخاخات إزالة الرائحة، والخيط السني المزود بمواد كيميائية، وتنظيف التكلسات من الأسنان بواسطة الطبيب (¬1). 3:15 صورة لتقرحات الفم ... 3:16 صورة لخيط الأسنان الطبي الجانب الفقهي: عند التأمل في حقيقة أدوية الفم من غسول فمي، ومعطر الفم، وأدوية المضمضة للفم نجد أنها تأخذ حكم معجون الأسنان من حيث التكييف والتخريج، والترجيح، فهي تستخدم في الفم لعلاج ما أصيب به، وليس مقصوداً إدخالها إلى الحلق، أو أنها تستخدم لتنظيفه فهي كالسواك. (¬2). وقد أفتى المجمع الفقهي في دورته المنعقدة حول المُفَطِّرات بأن غسول الفم ¬

_ (¬1) Slade, G.D., Offenbacher, S. & Beck, J.D. 2000. Acute-phase inflammatory response to periodontal disease in the US population. J Dent Res. 79: 49 - 57 (¬2) تم الاكتفاء بما سبق في المعجون تجنباً للإطالة والتكرار إذا أنّ الصورة واحدة.

ومعالجة الأسنان لا يفطر إذا لم يصل شيء من العلاجات إلى الحلق، حيث جاء في القرار ما يلي: الأمور التالية لا تعتبر من المفطرات: حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق. المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق (¬1). وبهذا أفتى الفقهاء المعاصرون (¬2)، ولا أعلم أحداً قال إنّ ذلك مفسد للصوم. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. وقد اخترت في هذا الموطن أن أذكر نص القرار لتعدد الصور التي ذكروها في علاجات الفم والأسنان، فرأيت أن ذكرها أبلغ من مجرد الإحالة على المرجع بخلاف ما لو كان القرار حول صورة واحدة. (¬2) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 259، وعويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 278.

المطلب الخامس: منظار المعدة

المطلب الخامس: منظار المعدة: الجانب الطبي: ما هو منظار المعدة؟ إنّ مصطلح: منظار المعدة (Upper Gi Endoscopy): يقصد به التقنية الخاصة للنظر داخل جزء من الجسم، وهو الجزء العلوي من الجهاز الهضمي. ومنظار المعدة: عبارة عن أنبوب بلاستيكي طري مزود في نهايته بعدسه وقنوات، ويدخل عن طريق الفم بعد رش الغشاء المخاطي للبلعوم بمحلول مخدر موضعي، ويدهن رأس الأنبوب بمادة زيتية مزلجة، ويدخل المنظار إلى المريء ثم المعدة ثم الإثنى عشر لرؤية جدار المعدة والإثنى عشر ما سبق، ويتم ضخ الماء عن طريق القنوات لتنظيف عدسات المنظار من إفرازات المعدة والمريء لتتضح الرؤية، ثم يتم شفط الماء إلا أنَّ جزءاً منه يبقى في المعدة ويتم امتصاصه فيها (¬1). ¬

_ (¬1) أفادني بذلك الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية. في حوار أجريته معه في المستشفى المركزي بالقصيم في 2/ 2/2010 م.

3:17 صورة للجهاز الهضمي ... 3:18 صورة لمنظار المعدة عمل منظار المعدة: يُستخدم المنظار للتشخيص، ومعالجة أمراض ومشكلات الجهاز الهضمي في بعض الحالات، ويقوم بإجراء منظار المعدة أخصائيو الجهاز الهضمي، وأطباء مؤهلون في التخصص الدقيق، ويعطي صوراً تمتاز بكفاءة عالية على شاشة التلفاز، وفي كثير من الحالات يعتبر منظار المعدة أدق من الأشعة السينية، ويُعد ذو فائدة كبرى في تشخيص وتقييم مشكلات مختلفة كآلام البلع وصعوبة البلع، أو آلام المعدة والبطن، والنزيف والقرح وكذلك الأورام، كما يقوم المنظار

بمهمات علاجية إضافة إلى مهمة الكشف والتصوير، حيث يتم تزويد المنظار بالمادة العلاجية مثل: حقن دوالي المريء، ونقاط النزف من المريء والمعدة والإثنى عشر. ويستخدم المنظار أيضا للقيام بمهمة غسيل المريء والمعدة بمحاليل مائية، ويغلب على معظم هذه المواد (نظراً لتعددها وكثرتها) التحلّل والامتصاص عن طريق الجهاز الهضمي. أما كمية الدواء المستخدم فتكون حسب الإجراء الطبي المطبق على المريض ودرجته ونوع المادة المستعملة (¬1). 3:19 صورة تبين الأماكن التي يقوم منظار المعدة بتصويرها ¬

_ (¬1) ذكر ذلك الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير في حواري معه المشار إليه سابقاً، وانظر: باشا، حسان شمسي، الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، (جدة: مكتبة السوادي، د. ط، 1415 هـ) ص 37، كما سبق إجراء عملية منظار المعدة للباحث، فأصبحت الصورة واضحة لدية نظرياً وعملياً.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي (¬1): بعد التصور الطبي الواضح لمنظار المعدة نستطيع أن نكيفه فقهياً على صورتين عند الفقهاء المتقدمين: 1 - الصورة الأولى: مسألة ابتلاع الحصاة والنوى وما لا ينتفع به البدن. 2 - الصورة الثانية: مسألة إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج. التخريج الفقهي: أما تخريج حكم كل صورة في ضوء نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة فهو كالتالي: الصورة الأولى: قياس منظار المعدة على مسألة ابتلاع الحصاة والنوى وما لا ينتفع به البدن. وحكم إدخال منظار المعدة في ضوء هذه المسألة عند الفقهاء يكون مُفَطِّراً عند المذاهب الثلاثة، المالكية، والشافعية، والحنابلة. وغير مُفَطِّر عند الحنفية، وذهب إليه بعض المالكية، وشيخ الإسلام ابن ¬

_ (¬1) هذا التكييف بناءً على افتراض إدخال منظار المعدة مجرداً من المواد المصاحبة، أو الدوائية أو المساعدة للرؤية.

تيمية من الحنابلة (¬1). والخلاف بين الجمهور والأحناف أنّ الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) يرون أنَّ الفطر يقع بمجرد الدخول، بينما الأحناف يشترطون في دخول الجامدات استقرار الداخل إلى المعدة إذا كان مما لا ينتفع به البدن. أما خلاف المذاهب الأربعة مع بعض المالكية فيرجع للخلاف في اشتراط أن يكون الداخل إلى المعدة مما ينتفع به البدن، أو عدم اشتراطه. قال ابن رشد: «وسبب اختلافهم في هذه هو قياس المغذي على غير المغذي، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي، فمن رأى أنَّ المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق المغذي بغير المغذي، ومن رأى أنها عبادة غير معقولة، وأنَّ المقصود منها إنما هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوى بين المغذي وغير المغذي» (¬2). القائلون بالتفطير: (المالكية والشافعية والحنابلة). • المالكية: قال سحنون: قلت لابن القاسم عن قول مالك في الكحل فقال: قال مالك «إذا دخل حلقه-أي الكحل- وعلم أنَّه قد وصل الكحل إلى حلقه فعليه القضاء» (¬3). ¬

_ (¬1) سيأتي بيان أقوالهم وأدلتهم مفصلة. (¬2) ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مرجع سابق، ج 1،ص 212. (¬3) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، 1، ص 197.

ومعلوم أن الكحل مما لا يتغذى به. وقال المغربي: «والذي يجب الإمساك عنه في الصوم نوعان أحدهما إيصال شيء إلى داخل البدن، والثاني إخراج شيء عنه، فالذي يوصل إلى داخل البدن ما يصل إلى الحلق ثم ينماع ويقع الاغتذاء به أو لا ينماع ويتطعم أو لا يتطعم وذلك كالطعام والشراب المغذيين وكالدرهم والحصا، وسائر الجمادات التي لا تتطعم ولا تنماع، ولا يقع بها غذاء» (¬1). • الشافعية: قال النووي: «ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل، فإن استف تراباً أو ابتلع حصاة أو درهماً أو ديناراً بطل صومه، لأنَّ الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا ما أمسك، ولهذا يقال: فلان يأكل الطين ويأكل الحجر» (¬2) • الحنابلة: قال البهوتي: «أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه مما ينفذ إلى معدته شيئاً من أي موضع كان ولو خيطاً ابتلعه كله، أو ابتلع بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فغاب في جوفه فسد صومه» (¬3). ¬

_ (¬1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426. (¬2) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 323. (¬3) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

وهذه النصوص تبين موقف الجمهور من دخول الجامد إلى المعدة، وأن الفطر يقع بمجرد دخولها، ولا يشترط استقرارها. أدلة الجمهور: اعتمد الجمهور في اعتبار كل ما يدخل مُفَطِّر على دليلين: 1 - حديث النهي عن الاكتحال، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» (¬1). وقالوا إنَّ الكحل يصل إلى المعدة، وليس مما ينتفع به البدن فهذا دليل على أنَّه يفطر بما وصل إلى المعدة سواء أكان ينتفع به البدن أو لا. 2 - أثر ابن عباس ب قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬2)، على اعتبار كل مجوف في الجسم مناطاً لفساد الصوم بما يصل إليه، بغض النظر عن طبيعة هذا الواصل، سواء انتفع به البدن أم لم ينتفع. المناقشة: سبق مناقشة استدلال الجمهور بالدليلين في باب مبحث الجوف عند الفقهاء، وبيَّن الباحث عدم التسليم بهذا الاستدلال (¬3). ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، ص (125). (¬2) سبق تخريجه، ص (131). (¬3) انظر: المبحث الثاني: تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125).

القول الثاني: عدم التفطير (الأحناف، وبعض المالكية، وابن تيمية من الحنابلة): وأصحاب هذا القول على قسمين في سبب قولهم بعدم التفطير. - الأحناف يرون أنَّ السبب عدم استقرار الداخل. - بعض المالكية، وابن تيمية يرون السبب كون الداخل مما لا ينتفع به البدن. • الحنفية: يشترط الأحناف لدخول الجامدات إلى المعدة استقرارها كشرط لفساد الصوم، وعلى هذا التخريج يكون دخول منظار المعدة مجرداً لا يفسد الصوم عندهم. قال الجصاص: «كل ما وصل إلى الجوف واستقر فيه مما يستطاع الإمتناع منه سواء كان وصوله من مجرى الطعام والشراب أو من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الإنسان أو من غيرها؛ لأنَّ المعنى في الجميع وصوله إلى الجوف واستقراره فيه مع إمكان الامتناع منه في العادة» (¬1). قال الكاساني: «ولو طعن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه فإن أَخرجه ¬

_ (¬1) الجصاص، أبو بكر، أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د. ط، 1405 هـ) ج 1، ص 238.

مع النصل لم يفسد وإن بقي النصل فيه يفسد» (¬1). • بعض المالكية، وابن تيمية: يشترط بعض المالكية، وشيخ الإسلام ابن تيمية أن يكون الداخل إلى المعدة مما ينتفع به البدن، وإلا لم يكن مُفَطِّراً، وعلى ضوء هذا فإنَّ حكم إدخال منظار المعدة لا يكون مُفَطِّراً حسب مذهبهم. • بعض المالكية: قال ابن الحاجب: «وشرطه (أي الصوم) الإمساك في جميع زمانه عن إيصال طعام أو شراب إلى الحلق، أو إلى المعدة من منفذ واسع كالفم والأنف والأذن يمكنه الاحتراز منه، وإيلاج الحشفة في قبل أو دبر وفي نحو التراب والحصا والدراهم قولان» (¬2). • ابن تيمية: قال ابن تيمية: «فالصائم نهي عن الأكل والشرب؛ لأن ذلك سبب التقوى فترك الأكل والشرب الذي يولد الدم الكثير الذي يجري فيه الشيطان إنما يتولد من الغذاء لا عن حقنة ولا كحل» (¬3). وهذا نص في اشترطه أن يكون الداخل من الأكل والشرب الذي يولد الدم ¬

_ (¬1) الكاساني، علاء الدين أبوبكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93. (¬2) ابن الحاجب، الكردي المالكي، جامع الأمهات، (د. ط، دت) ج 1، ص 172. (¬3) ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 245.

وينتفع منه البدن. التخريج الفقهي للصورة الثانية: مسألة إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج. عند التأمل في مسألة المنظار نجد أنَّ صورة أخرى مشابهة له تكلم عنها الفقهاء، ألا وهي فساد الصوم بإدخال خيط طرفه في المعدة والآخر في الخارج، وتخريج حكم المنظار في ضوء هذا التكييف -إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج- أنّه غير مفسد للصوم عند الحنفية، ومفسد له عند الشافعية والحنابلة. القول الأول (إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج غير مفسد للصوم): وهو قول الحنفية: قال السرخسي: «ولو طعن برمح حتى وصل إلى جوفه لم يفطره لأنَّ كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكماً فإن بقي الزج في جوفه فسد صومه؛ لأنَّه صار مغيباً حقيقة فكان واصلاً إلى باطنه وهو قياس ما لو ابتلع خيطاً، فإنَّ بقي أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وإن لم يبق فسد صومه» (¬1). وهذا القول يبين لنا أنَّ الحنفية يرون عدم فساد الصوم إذا بقي طرف الخيط خارج الفم، وهو ماينطبق على منظار المعدة. ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 98.

القول الثاني (إدخال خيط إلى المعدة وطرفه الآخر في الخارج مفسد للصوم): وهو قول الشافعية والحنابلة • الشافعية: قال النووي: «وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفها الآخر بارز أفطر بوصول الطرف الواصل ولا يعتبر الانفصال من الظاهر» (¬1). • الحنابلة: قال البهوتي: «أو أدخل إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ... مما ينفذ إلى معدته شيئا من أي موضع كان، ولو خيطاً ابتلعه كله، أو ابتلع بعضه أو رأس سكين من فعله أو فعل غيره بإذنه فغاب في جوفه فسد صومه» (¬2). وهذه الأقوال تبين أنّهم يرون فساد الصوم بمجرد وصول شيء إلى المعدة ولو بقي طرفه في الخارج، وهو ما ينطبق على منظار المعدة، فيكون عندهم مُفَطِّر. ولم أقف على قول للمالكية في هذه الصورة، ولعل ذلك يرجع لكون المالكية أقلّ المذاهب توسعاً في باب المُفَطِّرات، فلم يفترضوا حصول هذه الصورة. أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم استخدام منظار المعدة للصائم: • القول الأول: أنه (مُفَطِّر). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 358. (¬2) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

وذهب أصحاب هذا القول إلى أنه مُفَطِّر بكل حال سواء دخل مجرداً أو مصحوباً بمادة دهنية أو دوائية، وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ وهبة الزحيلي (¬1)، والشيخ توفيق الواعي (¬2)،والشيخ محمود عويضة (¬3). أدلتهم: أدلة أصحاب هذا القول هي أدلة الجمهور في أنّ كل ما يدخل إلى المعدة مُفَطِّر سواء كان مغذياً أو غير مغذ، وسواء استقر في المعدة أو لم يستقر. ومما استدلوا به النهي عن الاكتحال للصائم، وأثر ابن عباس الفطر مما دخل، وقد ذكرتها وبينت الاعتراض عليها في التخريج الفقهي للمنظار عند الجمهور. • القول الثاني: (غير مُفَطِّر). ذهب أصحاب هذا القول على أن إدخال منظار المعدة غير مُفَطِّر إذا دخل مجردا ً من المواد الدهنية أو الدوائية. وهذا هو قول جمهور المعاصرين، منهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي (¬4)، ¬

_ (¬1) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العشر، ج 2، ص 376. (¬2) انظر: الواعي، توفيق، وآخرون، المرشد الإسلامي في الفقه الطبي، (المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر، الطبعة الرابعة، 1410 هـ ـ 1990 م) ص 34 - 35. (¬3) عويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 247. (¬4) انظر: الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، ص 46.

والشيخ العثيمين (¬1)، والشيخ القرضاوي (¬2)، والمختار السلامي (¬3)، والصديق الضرير (¬4)، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي بالأغلبية (¬5). أدلتهم: استدل أصحاب هذا القول بأنَّ المنظار ليس أكلاً ولا شرباً، ولا يحصل به انتفاع للبدن، كما أنَّه لايستقر فيها، فعليه لا وجه للقول بإفساد عبادة عينية بدون دليل (¬6). الترجيح: يرى الباحث في ضوء التصور الطبي والتخريج الفقهي السابق بيانه أنَّ منظار المعدة مُفَطِّر للأسباب التالية: 1 - أنَّ المنظار لا يمكن إدخاله بدون استخدام المادة الدهنية المزلجة، كما بين ذلك الأطباء، وعليه فإنَّ إدخال هذه المادة يدخل في عموم الأكل والشرب لفظاً أو معنى، وقد سبق في ضابط المُفَطِّرات أنّ ما يصدق عليه ¬

_ (¬1) العثيمين, محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 6، ص 371. (¬2) القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 74. (¬3) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 288. (¬4) المرجع السابق ص 380. (¬5) المرجع السابق ص 455. (¬6) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 74، العثيمين, محمد بن صالح، الممتع شرح زاد المستقنع، مرجع سابق، ج 6، ص 371، الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، مرجع سابق، ص 46.

ذلك فهو مُفَطِّر. فإن اعترض معترض بأن هذه المادة يسيرة وتخرج مع المنظار، فالجواب: أنَّ هذا مخالف للواقع وقد بين الأطباء-كما تقرر في الجانب الطبي- أنَّ جزءًا ليس باليسير يعلق في الداخل وتمتصه المعدة والأمعاء. 2 - أنّ استخدام منظار المعدة يصاحبه استخدام الماء أو مواد منظفة تزيل إفرازات المريء والمعدة لتتضح الرؤية (¬1)، ثم يتم شفطها ويعلق جزء منها في المعدة. وهذا يصدق عليه أنّه إدخال الطعام أو الشراب إلى المعدة.، والحكم الشرعي يكون للحال للغالب (¬2). أما القول بعدم التفطير إذا تم إدخال المنظار بدون مواد دهنية، فهذه صورة ليست موجودة في الواقع، وحكمها معلق بما إذا حصلت، والذي يريد الباحث بيانه هنا حكم حقيقة طبية قائمة ومتداولة. وعليه فإن الصائم الذي يحتاج للمنظار في نهار رمضان ويشق عليه تأخيره إلى بعد الإفطار فإنه يستخدمه ويقضي مكان ذلك اليوم، فإن لم يشق عليه تأخيره إلى الليل فيحرم عليه استخدامه، لأنه مُفَطِّر. OOOOO ¬

_ (¬1) يتم استخدام الماء والمنظفات عند إدخال منظار المعدة بنسبة تزيد على 90%. (¬2) انظر: القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي، الفروق، تحقيق: خليل منصور، (بيروت: دار الكتب العلمية، د. ط، 1418 هـ - 1998 م) ج 4، ص 403، الصنعاني، محمد بن إسماعيل، إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، تحقيق: صلاح الدين مقبول، (الكويت: الدار السلفية، د. ط، 1405 هـ) ص 79.

المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها

المطلب السادس: قطرات الأنف وملحقاتها: • المسألة الأولى: قطرات الأنف: الجانب الطبي: الأنف هو مدخل الهواء المهم لجهاز التنفس، وعضو الشم وبدونه لا يمكن شم أية رائحة وهو مبطن بغشاء يحوي على أوعية دموية صغيرة جداً قريبة من السطح. وتحتوي مقدمة الأنف على شعيرات واقية، وكذلك فإنَّ بطانته تقوم بترشيح وترطيب وتدفئة هواء التنفس أثناء مروره من الممر الأنفي باتجاه الحلق والرئتين. ويسير الممر الأنفي بمحاذاة قبة الحنك (سقف الفم) الذي يفصل الأنف عن الفم ويتجه نحو الأسفل ليتصل بالممر القادم من الأنف إلى الحلق. والممر الأنفي ليس أنبوبا منبسطاً، فهناك سلسلة حواجز تدعى القرنيات تجعل الممر ملتوياً أكثر منه مستقيماً. وفي عدة أماكن ينفتح الممر بشكل جيوب، وهي أزواج من تجاويف مملوءة بالهواء في عظام الجمجة تعرف بالجيوب الأنفية, وهي ترخم الصوت, وتخفف من وزن الرأس, ولها إفرازات هي التي تصل إلى البلعوم الأنفي (nasopharynx) ومنه إلى البلعوم الفموي (oropharynx) المعروف بالحلق، ثم إلى المعدة (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: د. عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 405 - 406، وبابلي، ضحى محمود، الموسوعة الصحية الشاملة، مرجع سابق، ص 872، ود. الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 107.

ولذلك يستعمل الأطباء منفذ الأنف في تمرير أنابيب للتغذية في بعض الأحوال التي يحتاج فيها المريض إلى تغذية خارجية في حالة عدم استطاعته تناول الغذاء بنفسه أو في حالة تعمد ضخ بعض المواد إلى معدته. وبذا يتضح لنا أنَّ الأنف منفذ إلى الجهاز الهضمي، وأما اعتقاد الفقهاء المتقدمين أنّ الأنف يتصل بالدماغ، فقد أثبت الطب الحديث أنّه لا علاقة بين الأنف والدماغ كما تبين سابقاً (¬1). 3:20 صورة توضح اتصال الأنف بالبلعوم والمريء ¬

_ (¬1) انظر: الفصل الثاني من البحث، المطلب الرابع: الجوف عند الأطباء المعاصرين، التجويف الأنفي، ص (115).

قطرات الأنف: يصاب الأنف بحالات احتقان لأسباب عدة يحتاج معها المريض لاستخدام علاجات إزالة الاحتقان، وهي على صورة أقراص، أو قطرات تقوم بإحداث انقباض في الأوعية الدموية في منطقة الأغشية المخاطية (vasoconstriction) مما يؤدي إلى تخفيف الاحتقان (decongestion) فإذا قلَّ الاحتقان انفتحت المجاري الهوائية وارتاح المريض. ويتعاطي المريض قطرة واحدة، أو قطرتين، ومقدار القطرة مابين نصف إلى واحد 0.5 - 1 مل، ويستهلك جزء من هذا الكمية في الأنف والجيوب الأنفية، والباقي يتسرب إلى الحلق (¬1). 3:21 صورة توضح كيفية تعاطي قطرات الأنف ¬

_ (¬1) من حوار طبي أجريته مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: عند النظر في كلام الفقهاء نجد أن الصورة التي ينطبق عليها استخدام قطرات الأنف هي: الاستعاط. والسُعوط: بضم السين: جعل الشيء في الأنف وجذبه إلى الدماغ (¬1)، وبالفتح: هو اسم للشيء الذي يتسعطه الإنسان كالماء والدهن وغيرهما والمراد هنا بالضم (¬2). التخريج الفقهي: عند النظر في كلام الأئمة المتقدمين حول السعوط نجد أنهم متفقون على أنّه مفسد للصوم، وعليه فإنَّ تخريج حكم قطرات الأنف في ضوء تكييفها على السعوط يكون مُفَطِّراً عند المذاهب الأربعة (¬3)، وهذه أقوالهم تبين ذلك. • الحنفية: قال ابن نجيم: «وإذا احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة ¬

_ (¬1) وهذا حسب ما كان شائعا في زمنهم من الاتصال بين الأنف والدماغ. (¬2) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 320. (¬3) وهناك رأي ابن حزم مقابل رأي المذاهب الأربعة، حيث يرى أنَّ ما يصل من الأنف غير مُفَطِّر وأنَّه ليس في معنى الأكل والشرب. وقد ذكرت رأي ابن حزم، والرد عليه وبيان ضعفه؛ لأنَّ بعض المعاصرين استدل به على عدم تأثير قطرات الأنف، انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 87. وإن كان الباحث يرجح عدم تأثير القطرات؛ لكن ليس من باب عدم تأثير السعوط، وإنما من باب آخر ذكرته في موطن الترجيح.

بدواء ووصل إلى جوفه أو دماغه أفطر» (¬1). وقال الكاساني: «وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر بأن استعط، أو احتقن، أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه» (¬2). • المالكية: قال الخرشي في مفسدات الصوم: «لا فرق فيما يصل إلى المنفذ الأعلى بين أن يكون قد وصل من منفذ واسع كالفم، أو غير واسع كالأنف والأذن والعين» (¬3). وقال المغربي: «ويمنع الاستعاط؛ لأنَّه منفذ متسع، ولا ينفك المستعط من وصول ذلك إلى حلقه، ولم يختلف في وقوع الفطر» (¬4). • الشافعية: قال النووي: «وأما السعوط فإن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف، قال أصحابنا: وما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر» (¬5). ¬

_ (¬1) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 299. (¬2) والكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93 (¬3) الخرشي، محمد بن عبد الله، شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 249. (¬4) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425. (¬5) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 321.

وقال الماوردي: «أو استعط حتى يصل إلى جوف رأسه فقد أفطر» (¬1). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه، ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته، إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة، أو غير العادة كالوجور واللدود، أو من الأنف كالسعوط» (¬2). وقال المرداوي: «أو استعط سواء كان بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه فسد صومه، هذا المذهب وعليه الأصحاب» (¬3). أدلتهم: 1 - حديث لَقِيط بن صَبِرَة - رضي الله عنه - قال: قلت: يَا رَسُولَ الله، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قال: «أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (¬4). 2 - حديث: «الفطر مِمَّا دَخَل» (¬5). 3 - قالوا: إنَّ معنى الفطر موجود، وهو وصول ما فيه صلاح البدن إلى ¬

_ (¬1) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، مرجع سابق، ج 3، ص 456. (¬2) ابن قدامة، المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق،.ج 3، ص 16. (¬3) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 299. (¬4) سبق تخريجه، ص (131). (¬5) سبق تخريجه، ص (126).

الجوف (¬1). رأي ابن حزم رحمه الله: هناك رأي لابن حزم في مسألة ما يدخل من الأنف حيث يرى أنه غير مفسد للصوم، حيث يقول رحمه الله: «ولا ينقض الصوم ... حقنة، ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل، أو في أنف، ولا استنشاق وإن بلغ الحلق» (¬2). ويعلل ابن حزم ذلك بأن الله إنما نهى عن الأكل والشرب، وليس ثمة أكل ولا شرب يدخل من الأنف (¬3). ورد استدلال الجمهور بحديث لقيط بن صبرة بقوله: «ولا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس فيه أنَّه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق، وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط، لا نهيه عن المبالغة، فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه، وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستنشاق فرض عليه» (¬4). الجواب: وقد أجاب الجمهور على ابن حزم بأنَّ أمره صلى الله عليه وسلم بالمبالغة في الاستنشاق ونهيه عنها لأجل الصوم، فدل ذلك على أن ما وصل بالاستنشاق إلى الحلق، أو إلى ¬

_ (¬1) والمرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل، الهداية شرح البداية، مرجع سابق، ج 1، ص 125. (¬2) ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، المحلى، مرجع سابق، ج 6، ص 203 - 204. (¬3) المرجع السابق، ج 6، ص 214. (¬4) المرجع السابق، ج 6، ص 215.

الدماغ أنه يفطر، ولولا ذلك لما كان لنهيه عنها لأجل الصوم معنى مع أمره بها في غير الصوم (¬1). الراجح في تأثير السعوط على الصوم: لاشك أن قول المذاهب الأربعة هو الراجح، وهو الأسعد بالدليل فحديث لقيط بن صبرة واضح الدلالة والمفهوم، ولو لم يكن الصوم سبباً في المنع من المبالغة كان ذكره نوعاً من اللغو، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، وقد تناقض ابن حزم حين قال إنَّ المبالغة في الاستنشاق واجبة لغير الصائم، وتسقط عن الصائم. فما الذي أسقط واجباً إن لم يكن ما هو أوجب منه؟ وهو منع دخول شيء عن طريق الأنف. حكم قطرات الأنف في ضوء كلام الأئمة المتقدمين: تبين لنا جلياً أنَّ الأئمة من المذاهب الأربعة متفقون على أنَّ ما يدخل عن طريق الأنف ويجاوزه إلى الداخل مُفَطِّر، وفي ضوء هذا يكون حكم التقطير في الأنف مُفَطِّر عند المذاهب الأربعة إذا تجاوز إلى الداخل وقد علمنا في التصور الطبي أن القطرات تتجاوز إلى الحلق. الترجيح: يرى الباحث أنَّ قطرات الأنف لا تُفَطِّر الصائم، وأنّ تخريج حكمها على السعوط لا يتوافق تماماً، وذلك لعدة أسباب: ¬

_ (¬1) انظر: الجصاص، أحمد بن علي الرازي، أحكام القرآن، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي (بيروت: د. ط، 1405 هـ) ج 1، ص 238.

في ضوء التصور الطبي نجد أنَّ كمية القطرة مابين واحد 0.5 - 1 مل، وجزء كبير منها يتم امتصاصه في الأنف والجيوب الأنفية، وما يمكن وصوله إلى الحلق يسير جداً، كما أنّه يُستهلك قبل وصوله إلى المعدة، ولو وصل المعدة منه شيء فهو أقل مما يصل من بقايا المضمضة. استدلال الجمهور بحديث لقيط بن صبرة - رضي الله عنه -، وحديث «الفطر مما دخل»، فقد سبق بيان أنَّه ليس على إطلاقه، وأنَّ هناك قدْراً معفواً عنه قياسا على بقايا المضمضة والسواك. وهذا الحكم في حالة ما إذا كانت كمية القطرات المستخدمة قطرة لكل فتحة أما لو كانت أكثر فإنَّ الحكم يأخذ منحاً آخر؛ لأنَّ الكمية ستكون أكثر من مقدار المعفو عنه، ويكون قول الجمهور هو المتعين. OOOOO • المسألة الثانية: حكم بخاخ الحساسية عن طريق الأنف: وهو بخاخ مضغوط يُعطى عن طريق الأنف بمعدل بخة واحدة لكل فتحة في الأنف، ويتم استنشاقها من خلال الأنف أيضاً، ويدخل جزء من هذه المادة إلى البلعوم الأنفي، ثم البلعوم الفمي ثم يذهب جزء منه إلى المعدة لا شعورياً، حيث أنّ كمية البخة ضئيلة جداً أقل من حجم بَخَّة بخاخ الربو، فكمية البخة يساوي 64 مايكروجرام، بينما البخة في بخاخ الربو المضغوط 100 مايكروجرام أي أقل

من 0.1 مل (¬1). فيقال فيه ما يقال في قطرات الأنف من حيث التكييف والتخريج والحكم؛ بل القول بعدم حصول التفطير به أبلغ من قطرات الأنف لضآلة الكمية حيث يتم امتصاص جزء كبير من المادة في الجيوب الأنفية، وما يصل إلى المعدة كمية لا تكاد تذكر هي أقل مما يصل من بخاخ الربو المضغوط، وهي أقل بكثير مما يصل من بقايا المضمضة. وعليه فإنَّ استخدام بخاخ حساسية الأنف لا يُفطِّر، وهذا ما اختاره أكثر الفقهاء في الندوة الطبية الفقهية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (¬2)، وهذا ما أطمأنت له نفس الباحث بعد التصور الطبي من المختصين. OOOOO ¬

_ (¬1) أهم المعلومات الطبية حول بخاخ الحساسية أفادني بها الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز في حوار مطول أجريته معه بمكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م. (¬2) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ ـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 465.

المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها

المطلب السابع: قطرات العين، وملحقاتها: الجانب الطبي: تتكون كرة العين من ثلاث طبقات هي: الصُلبة: وهي الطبقة الخارجية للعين، وتتكون من نسيج ضام قوي غير شفاف لحماية العين، وتلف معظم كرة العين إلا الجزء الأمامي الذي هو قرنية العين الشفافة. المشيمية: وهي الطبقة التي تقع بين صُلبة العين وشبكية العين, والمشيمية تحتوي على شبكة غنية من الأوعية الدموية، ووظيفتها الأساسية هي دعم شبكية العين وتوفير الغذاء والأوكسجين لها. الشبكية: هي الطبقة الداخلية للعين، وتغطي ثلثي كرة العين من الداخل الجزء الخلفي. والشبكية هي الطبقة التي تحتوي على المُستقبلات الضوئية، والمسؤولة عن البصر. ويتم حماية العين بواسطة الجفون والرموش والجهاز الدمعي (¬1). والذي يعنينا في بحثنا هذا من العين هو الجهاز الدمعي، فما هو الجهاز الدمعي وما علاقته بالجهاز الهضمي؟ ¬

_ (¬1) انظر: د. الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 90 - 92.

الجهاز الدمعي: يتكون الجهاز الدمعي من النقاط الدمعية، وعددها اثنتان في كل عين مرتبطة بالأجفان ومتصلة بالقنوات الدمعية التي بدورها تصب في كيس الدمع، ومن ثم في الأغشية الدمعية والأنفية التي تفرغ محتوى الدمع في تجويف الأنف عبر فتحتها في النُقرة الأنفية السُفلى (¬1). وهذا يبين لنا علاقة القنوات الدمعية بالجهاز الهضمي حيث أنَّ هناك اتصال بالتجويف الأنفي الموصل إلى الحلق. يقول د. حسان باشا: «تنفتح القناة الدمعية التي تخرج من جوف العين على الأنف، عبر فتحة فيه, وبالتالي فإن وضع قطرة في العين تصل إلى الأنف ومنه إلى البلعوم (¬2). ويقول د. البار: «من المعلوم أن هناك قناة ما بين العين والأنف، فإذا وضع الإنسان قطرة في عينه فإنها تصل إلى الأنف، ومن الأنف قد تصل إلى البلعوم» (¬3). ¬

_ (¬1) من حوار أجريته مع الدكتور أيمن الغزاوي، استشاري طب العيون وجراحتها بمستشفى الملك فهد التخصصي، بتاريخ 3/ 2/2010 م. في عيادته بالمستشفى التخصصي. (¬2) باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258. (¬3) البار، محمد، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقهي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 216.

3:22 صورة توضح علاقة القنيات الدمعية بالتجويف الأنفي • المسألة الأولى: قطرات العين (Eye Drops) طبيعة العلاج بالقطرات: تتعرض العين لبعض الأمراض مثل جفاف العين، أو التهاب القزحية، أو التهاب الصُلبة وغيرها من الأمراض، فيحتاج المريض لعلاج القطرات (¬1). ومن أشهر قطرات العين، تلك التي تحتوي على المضادات الحيوية، أو (الكورتيزون)، أو مضادات (الهيستامين)، أو قطرات العين التي تعالج الماء الأزرق (الغلوكوما) الناتج عن ارتفاع ضغط العين. أو لمعالجة التهابات العين، ونحو ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 362 - 363. (¬2) Doughty, M.J. 2001. Ocular pharmacology and therapeutics: a primary care guide. 40 - 60. Woburn.Butterworth–Heinemann.

وعند العلاج يستخدم ما مقداره قطرة واحدة من المحلول أي خمسون ميكرولتر يتبقى منها في العين من 7 - 10 ميكرولتر (¬1). وهذه بدورها يُمتص جزء منها في قرنية العين وملتحمة العين، ويذهب الباقي من خلال الطرق الدمعية إلى جوف الأنف، وهي كمية يسيرة جداً (¬2). ومتقرر طبياً أنَّ جوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة فقط، وكل ما زاد عن ذلك تلفظه العين إلى الخارج، وأطباء العين يصفون وضع قطرة أو قطرتين في العين كل 4 - 6 ساعات مثلًا. ولكي نتصور كمية هذه القطرة الواحدة لا بد أن نذكر بأن الميليليتر الواحد يحتوي على 15 قطرة، وأن ملعقة الشاي الصغيرة تحتوي على 5 ميليليتر من السائل, وعليه فإن القطرة الواحدة التي توضع في العين تبلغ جزءًا من 75 جزءًا مما تحتويه ملعقة الشاي الصغيرة من السائل, وهذه تعتبر كمية ضئيلة جدًّا (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مقال للدكتور عبدالمطلب بهبهاني، استشاري أمراض وجراحة العيون، إرشادات حول كيفية إستخدام قطرات العيون، موقع طبيبك على شبكة الإنترنت، http://www.your-doctor.net/Article.aspx?ParentCatId=27&Id=489 تاريخ التصفح، 4/ 7/2010 م (¬2) من حوار أجريته مع الدكتور أيمن الغزاوي، استشاري طب العيون وجراحتها بمستشفى الملك فهد التخصصي، والدكتور تحسين رجب، أخصائي طب العيون بمستشفى الملك فهد التخصصي. (¬3) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: عند النظر في مسألة التقطير في العين، وما هو نظيرها في كلام الفقهاء المتقدمين من أصحاب المذاهب الأربعة، نجد أنَّ مسألة الاكتحال للصائم هي التي تناظرها وتتوافق مع التقطير في العين. التخريج الفقهي: إذا تبين لنا حكم الاكتحال للصائم عند المذاهب الأربعة استطعنا أن نعرف حكم التقطير في العين للصائم في ضوء كلام الأئمة المتقدين، فقد اختلف أصحاب المذاهب الأربعة فيها على قولين، فذهب الأحناف والشافعية إلى أنه غير مفسد للصوم، وذهب المالكية والحنابلة على أنه مفسد للصوم. القول الأول: الأحناف والشافعية (¬1) (الكحل غير مفسد للصوم مطلقاً). • الحنفية: قال السرخسي: «والاكتحال لا يضر الصائم وإن وجد طعمه في حلقه ... وإن وصل عين الكحل إلى باطنه فذلك من قِبَل المسام لا من قِبَل المسالك؛ إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك، فهو نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء ¬

_ (¬1) واختاره من الحنابلة شيخ الإسلام ابن تيمية. انظر: ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 233.

في كبده وذلك لا يضره» (¬1). وقال الكاساني: «ولا بأس أن يكتحل الصائم بالإثمد وغيره، ولو فعل لا يفطره، وإن وجد طعمه في حلقه عند عامة العلماء ... ، لأنه ليس للعين منفذ إلى الجوف، وإن وجد في حلقه فهو أثره لا عينه» (¬2) • الشافعية: قال الشافعي: «لا بأس أن يكتحل الصائم» (¬3). وقال النووي: «ويجوز أن يكتحل لما روي عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم ولأنَّ العين ليست بمنفذ، فلم يبطل الصوم بما يصل إليها» (¬4). أدلتهم: 1 - حديث عائشة ل قالت: «اكْتَحَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ صَائِمٌ» (¬5). 2 - حديث أنس - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَكَتْ عَيْنِي، أَفَأَكْتَحِلُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» (¬6). ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67. (¬2) الكاساني، علاء الدين أبوبكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 106. (¬3) الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله، الأم، مرجع سابق، ج 7، ص 145. (¬4) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 361. (¬5) رواه ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ماجاء في السواك والكحل للصائم، رقم: 1687. (¬6) سبق تخريجه، ص (128).

3 - أنَّ العين ليست منفذاً إلى الجوف، وأنَّ ما وصل إلى الحلق من الكحل فهو من قِبَلِ المسام لا من قِبَلِ المسالك (¬1). المناقشة: اعترض أصحاب القول الثاني (القائلون بأنَّه مفسد للصوم) بأنّ هذه الأحاديث لم تصح، وعززوا اعتراضهم بقول الترمذي: «لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب الكحل للصائم شيء» (¬2)، وأنّه على افتراض الصحة فيحمل على الاكتحال بما لا يصل إلى الجوف (¬3). وأما القول بأن العين ليست منفذاً إلى الجوف، فقد اعترضوا عليه بأن هذا غير صحيح، فإنَّ العين منفذ إلى الجوف؛ لأنَّه يوجد طعم الكحل في الحلق فدل على أنها منفذ. القول الثاني: المالكية والحنابلة (الكحل مفسد للصوم إذا وصل الحلق) • المالكية: قال المغربي: «ولا يكتحل ولا يصب في أذنه إلا أن يعلم أنَّه لا يصل إلى حلقه، فإن اكتحل بإثمد وصبر أو غيره، أو صب في أذنه دهناً لوجع به أو غيره فوصل ذلك إلى حلقه فليتمادَ في صومه، ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا ¬

_ (¬1) انظر: السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67. (¬2) انظر: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، التحقيق في أحاديث الخلاف، مرجع سابق، ج 2، ص 90. (¬3) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16.

يُكَفِّر إن كان في رمضان، فإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه» (¬1). وقال الدسوقي: «الكحل نهاراً لا يفطر مطلقاً؛ بل إن تحقق وصوله للحلق أو شك فيه أفطر فإن تحقق عدم وصوله فلا يفطر» (¬2). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «فأما الكحل، فما وجد طعمه في حلقه، أو علم وصوله إليه، فطَّره، وإلا لم يفطره» (¬3). وقال ابن مفلح: «وإن اكتحل بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور إثمد مطيب فعلم وصول شيء من ذلك إلى حلقه أفطر؛ ... لأنَّ العين منفذ، بخلاف المسام» (¬4). أدلتهم: - حديث أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَقَالَ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» (¬5). الترجيح بين القولين: ¬

_ (¬1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425. (¬2) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524. (¬3) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16. (¬4) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 46. (¬5) سبق تخريجه، ص (125).

إذا تأملنا أدلة الفريقين نجد أنها ضعيفة؛ وعليه فلا عبرة باستدلالهم بالأحاديث، ويبقى قول القائلين بأن العين منفذ إلى الجوف هو الراجح الذي شهد له الطب المعاصر من حيث أنه منفذ، لا من حيث أثر الكحل على الصيام، فهذا ما لا يُسلَّم به، وإن وجد الطعم في حلقه؛ لأنَّ الطعم إنما هو في حلمات التذوق آخر اللسان؛ ولأنَّ القناة الدمعية الواصلة إلى الحلق لا تسع إلا لكمية ضئيلة جداً، وتمر بمجاري يتم الامتصاص فيها، ولا يصل إلى المعدة شيء مما يدخل منها قطعاً. فقول المالكية والحنابلة من حيث وجود منفذ إلى الحلق هو الراجح، لا من حيث فساد الصوم بالكحل. حكم قطرات العين في ضوء آراء المذاهب: بعد هذا الاستقراء لأقوال الأئمة في المذاهب الأربعة نجد أنَّ قطرات العين مُفَطِّرة ومفسدة للصوم على قول المالكية والحنابلة، وغير مفسدة على قول الأحناف والشافعية. الراجح في حكم قطرات العين: يرى الباحث في ضوء التقرير الطبي والتخريج الفقهي أن قطرات العين لا تُفَطِّر للأسباب التالية: 1. أن كمية القطرات ضئيلة جداً، وأغلبها يخرج خارج العين وما يدخل القناة الدمعية جزء أقل مما يُعفى عنه من بقايا المضمضة، ذلك أن 1 مل فيه 15 قطرة، والقطرة أكبر جزء منها يذهب خارج العين. 2.

ما يبقى يتم امتصاص جزء منه في قرنية العين وملتحمة العين، ويذهب الباقي من خلال الطرق الدمعية إلى جوف الأنف، وهي كمية لا تكاد تُرى بالعين المجردة، وقطعاً لا يصل إلى المعدة منها شيء. 3. ما يجده الشخص من طعم فذلك من حلمات التذوق في آخر اللسان، وليس التذوق في الحلق. 4. القطرات ليست أكلاً ولا شربا، ً ولا في معنى الأكل والشرب، وما كان هذا شأنه فلا يفطر (¬1). والقول بعدم تأثير قطرات العين على صحة الصوم هو ما ذهب مجمع الفقه الإسلامي في قراره حول المُفَطِّرات (¬2)، وقررته الندوة الطبية الفقهية (¬3)، وأكثر العلماء المعاصرين (¬4). • ¬

_ (¬1) انظر: المبحث الثاني: تحديد الجوف وضابطه عند الفقهاء والأطباء، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125). (¬2) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العشر، ج 2، ص 454، وأما اشتراطهم في القرار اجتناب ابتلاع ما يصل إلى الحلق فهو تحصيل حاصل فقد تبين عدم وصول شيء إلى الحلق. (¬3) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464. (¬4) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 206.وابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 261، والقرضاوي، يوسف، فتوى على موقعه على شبكة الإنترنت: www.qaradawi.net.

المسألة الثانية: العدسات اللاصقة: الجانب الطبي: ظهرت العدسات اللاصقة كبديل طبي للنظارات، وبدأت طريقها بالانتشار في مجال الزينة والتجميل كزينة للعين في حالة الرغبة في تغيير لونها حتى صار هذا هو الاستخدام الغالب، فما هي حقيقة هذه العدسات؟ وما أثر استخدامها على الصوم؟ العدسات نوع من البلاستيك الخاص المصنَّع طبيًّا بإشراف ومواصفات خاصة. ولها مزايا أكثر من استعمال النَّظارات، فالرؤية بها أفضل، ورؤية الصور يكون بحجمها الطبيعي تقريباً، وهي أخف حملاً من النَّظارة، ويستعملها البعض رغبة في التزين بها من حيث اختيار بعض الألوان، وهذا في حالة كون مرتديها يعاني من قصر النظر، أما لبسها من غير قصر النظر فيكون لأجل الزينة لا غير (¬1). ومع أن العدسات ساعدت في رفع معاناة كثير من مستخدمي النظارات إلا أن سوء استخدامها يُشكِّل خطراً على العين، مثل: قرحة في القرنية والتهابات في أجزاء متعددة من العين. ومن هنا فإنه لا ينبغي استخدامها إلا باستشارة طبيب، مع المحافظة على نظافتها وفق التعليمات المعطاة، ويتم لبس العدسات إما مقروناً ¬

_ (¬1) Steinemann, T.L., Fletcher, M. & Bonny, A.E. 2005. Over-the-counter decorative contact lenses: Cosmetic or Medical Devices? A Case Series. Eye Contact Lens 31(5): 194 - 200

ببعض المحاليل المعقِمة والمطهِرة، أو بدون محاليل (¬1). 3:23 صورة تبين العدسات اللاصقة وطريقة تركيبها الجانب الفقهي: التكييف والتخريج الفقهي للعدسات اللاصقة أثناء الصوم عند التأمل في حقيقة العدسات نجد أنها توضع على الجزء الخارجي من العين، وهي عبارة عن مادة صلبة، وقد أجمع الفقهاء على أنَّ وصول شيء إلى ظاهر العين غير مؤثر على الصوم؛ ولذا فإن القائلين بفساد الصوم بالاكتحال (¬2) عللوا ذلك بأنه يصل إلى الجوف. ¬

_ (¬1) انظر: العدسات اللاصقة، موقع صحة على الإنترنت: http://www.se 77 ah.com/art 495 تاريخ التصفح، 19/ 10/2010 م. والكِنْدي، عبد الرزاق عبد الله، جمالك نظرة شرعية واقعية، من أبحاث مؤسسة الإسلام اليوم (القصيم، مؤسسة الإسلام اليوم،1424 هـ 2004 م) ص 25. (¬2) وهم المالكية والحنابلة.

وقال الدسوقي: «الكحل نهاراً لا يفطر مطلقاً؛ بل إن تحقق وصوله للحلق أو شك فيه أفطر فإن تحقق عدم وصوله فلا يفطر» (¬1). وقال ابن قدامة: «فأما الكحل، فما وجد طعمه في حلقه، أو علم وصوله إليه، فطَّره، وإلا لم يفطره» (¬2). وبهذا نعلم أنَّه في ضوء كلام الأئمة المتقدمين فإنَّ استخدام العدسات غير مُفَطِّر في حالة تم استخدامها من غير إضافة مواد عند لبسها. حكم لبس العدسات للصائم: من خلال التوصيف الطبي تبين لنا أنّ لبس العدسات له حالتان: الأولى: أن يتم لبسها بدون إضافة أي محاليل إليها فهذا لا إشكال فيه إذ العين بالاتفاق من الظاهر، ووصول جسم جاف إليها لا يؤثر. الثانية: أن يتم إضافة محلول للعدسة عند لبسها، فهذه يقال فيه ما قيل في قطرات العين من التكييف والتخريج على الاكتحال، فتكون مُفَطِّرة ومفسدة للصوم على قول المالكية والحنابلة (¬3)، وغير مفسدة على قول الأحناف ¬

_ (¬1) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16. (¬3) انظر: المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425، وابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16.

والشافعية (¬1). الراجح: يرى الباحث أن لبس العدسات مصحوباً بمحلول لا يفسد الصوم، وذلك أن الكمية الداخلة يسيرة جداً فهي مثل قطرات العين، وقد سبق ذكر أسباب الترجيح في قطرات العين في المسألة السابقة، فأغنى عن الإعادة. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: السرخسي، محمدبن احمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67، النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 361.

المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها

المطلب الثامن: قطرات الأذن وملحقاتها: الجانب الطبي: الأذن: هي عضو السمع والتوازن وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - الأذن الخارجية: وتتركب من الصوان، وهو زائدة غضروفية، ووظيفته تركيز وتوجيه ذبذبات الموجات الصوتية التي تدخل الأذن، ويؤدي الصوان إلى القناة السمعية الخارجية وطولها حوالي 3 سم، وكثيراً ما تحتوي على بعض الشعيرات الكثيفة وتنتهي هذه القناة بطبلة الأذن التي تفصل بين الأذن الخارجية والأذن الوسطى. 2 - الأذن الوسطى: وتبدأ بطبلة الأذن، وهي عبارة عن حجرة دقيقة تحتوي على ثلاث عظمات صغيرة تسمى العظيمات السمعية، وسميت حسب أشكالها، المطرقة، والسندان، والركاب، وهي مرتبة بحيث تنقل الذبذبات من غشاء الطبلة إلى عضو السمع الحقيقي (القوقعة). وفي القناة الوسطى توجد قناة استاكيوس التي تصل بين الأذن الوسطى وتجويف البلعوم. 3 - الأذن الداخلية: تحوي الأذن الداخلية على الأعضاء الخاصة بالسمع والتوازن، وهي أكثر أجزاء الأذن تعقيداً وحساسية، وهي موجودة في تجويف عميق داخل العظم الصدغي، ويسمى بالتيه العظمي ويتكون من الدهليز

والقنوات الهلالية والقوقعة (¬1). أمراض الأذن: تتعرض الأذن لعدة أمراض، منها التهابات الأذن الوسطى، وأخماج الأذن المزمنة، وهذه الأمراض غالباً ما يوصف لها علاج موضعي عن طريق قطرات أو مراهم توضع في الأذن (¬2). • المسألة الأولى: قطرات الأذن: طبيعة العلاج بالقطرات: يقول الدكتور محمد صالح أخصائي الأنف والأذن والحنجرة (¬3): المريض يضع في الأذن من 1 - 3 قطرات في الأذن الخارجية على أكثر تقدير، فإذا كانت الطبلة سليمة فلا مشكلة حيث لا منفذ إلى البلعوم الأنفي، وأما إذا كانت الطبلة مثقوبة فتدخل عن طريق ثقب الطبلة إلى الأذن الوسطى ثم عن طريق قناة استاكيوس تنزل إلى البلعوم الأنفي، ثم إلى المريء. ويضيف الدكتور: من المقرر طبياً أنَّ المسافة بين الأذن الخارجية إلى المعدة ¬

_ (¬1) انظر: الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 97 - 98. (¬2) انظر: هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 390 - 395. (¬3) من حوار أجريته مع الدكتور محمد بن محمد صالح، أخصائي أنف وأذن وحنجرة بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، في عيادته بالمستشفى المذكور، بتاريخ 8/ 2/2010 م. وقد أفاض بالشرح والتفصيل وأجرى تجربة عملية لإثبات، ما قرره.

حوالي 60 سم فالقطرات لا تصل إلى المعدة، أو بنسبة تكاد تكون بحكم المعدوم لسببين: 1 - أثناء مرور القطرات في الأغشية المخاطية للأذن والبلعوم والمريء يتم امتصاص جزء كبير منها. 2 - إذ وضعت 3 قطرات على سطح أملس لا يمكن مروه إلى نهاية 60 سم. فمن وجهة نظري- والكلام لأخصائي أمراض الأذن-أنه في حالة وجود ثقوب في الطبلة فإن القطرات لاتصل إلى المعدة (¬1). العلاقة بين الأذن والجوف: يتبين لنا من خلال كلام المختصين أنه لا علاقة بين الجهاز الهضمي والأذن، إلا في حالة انحراق الطبلة، ففي هذه الحالة يكون الاتصال بينهما عن طريق قناة استاكيوس. يقول الدكتور البار: «هناك فتحة في الأذن الوسطى وتتصل بقناة استاكيوس التي تصل إلى البلعوم وتعرف بالقناة البلعومية السمعية، ولكن الأذن الخارجية (وتشمل الصيوان وقناة السمع الخارجية) تفصلها عن الأذن الوسطى الطبلة، وهي غشاء جلدي. ولهذا فإنّ إفرازات الأذن الخارجية، أو وضع قطرات من الدواء، أو الماء، ¬

_ (¬1) المرجع السابق (من الحوار المذكور).

أو أي سائل في الأذن الخارجية لا تصل إلى الأذن الوسطى، وبالتالي لا تصل إلى القناة السمعية البلعومية (قناة استاكيوس) إلا إذا كانت طبلة الأذن مخروقة» (¬1). ويقول الدكتور حسان باشا: «يفصل الأذن الخارجية عن الوسطى غشاء الطبل (طبلة الأذن). وتتصل الأذن الوسطى بالبلعوم عن طريق قناة ضيقة تسمى (قناة استاكيوس) وهذه القناة تمرر الهواء عادة لتحافظ على توازن الضغط داخل الأذن. ولا يمكن لأي سائل أو قطرة توضع في الأذن الخارجية الوصول إلى البلعوم ما لم يكن غشاء الطبل مثقوبًا» (¬2). ومن هنا يتقرر أنَّ ما ذكره الفقهاء من اتصال الأذن الخارجية بالجوف كان بناءً على ظن أثبت الطب الحديث عدمه، فلزم أن يتغير ما بُني على هذا الظن على ضوء ما تقرر قطعاً بالطب الحديث، بأنَّه لا صلة بين الأذن والدماغ، ولا صلة بين الأذن والجهاز الهضمي إلا في حالة مرضية نادرة، وهي تخرم الطبلة. 3:24 صورة تشريحية للأذن تبين عزل الطبلة للأذن الخارجية عن الاتصال بقناة استاكيوس ¬

_ (¬1) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 217. (¬2) باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: عند النظر فيما سطره الفقهاء المتقدمون -رحمهم الله- حول المُفَطِّرات نجدهم قد نصوا على مسألة التقطير في الأذن، وهي مطابقة لمسألتنا حول قطرات الأذن. وسيتبن لنا ما قرروه. التخريج الفقهي: ذهب الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنّ الأذن منفذ إلى الجوف أو الدماغ، وبالتالي يفسد الصوم عندهم بما يقطر فيها، وذهب بعض الشافعية إلى أن الأذن ليست منفذاً إلى الجوف، وأنّه لا يفسد الصوم بالتقطير فيها (¬1)، وفرق بعض الأحناف بين الماء وغيره. وهذه أقوال المذاهب التي تبين موقفهم من التقطير في الأذن: • الحنفية: قال الكاساني: «أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه, أما إذا وصل إلى الجوف فلا شك فيه لوجود الأكل من حيث الصورة. وكذا إذا وصل إلى الدماغ، لأنَّ له منفذاً إلى الجوف، فكان بمنزلة زاوية من زوايا ¬

_ (¬1) وهو قول الإمام الغزالي واعتبره النووي خلاف جمهور الشافعية. انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 322.

الجوف» (¬1). وقال الرزاي: «ما يُفَطِّر من العلاج وما لا يُفَطِّر، ومن احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه دواءً أو دهناً أو داوى جائفة أو آمة بدواء رطب فوصل إلى جوفه أو دماغه لزمه القضاء لا غير، وإن أقطر في أذنه ماءلم يفطر» (¬2). وهذا يبين لنا أن بعض الأحناف يفرقون بين تقطير الماء وغيره وأن الماء لا يؤثر. وقد بين ابن عابدين حصول الخلاف بقوله: «والحاصل الاتفاق على الفطر بصب الدهن، وعلى عدمه بدخول الماء» (¬3). • المالكية: قال القيرواني في مفسدات الصوم: «ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه» (¬4) وقال المغربي: «أو صب في أذنه دهنا لوجع به أو غيره فوصل ذلك إلى حلقه فليتماد في صومه ولا يفطر بقية يومه وعليه القضاء ولا يُكَفِّر إن كان في رمضان، ¬

_ (¬1) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93. (¬2) الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، تحفة الملوك في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، تحقيق: د. عبد الله نذير أحمد، (بيروت: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ) ج 1، ص 143. (¬3) ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 396. (¬4) القيرواني، خلف بن أبي القاسم، تهذيب المدونة، (د. ط، د، ت) ج 1، ص 132.

فإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه» (¬1). • الشافعية: قال النووي: «ولو قطر في أذنه شيئاً فوصل إلى الباطن أفطر على الأصح عن الأكثرين كالسعوط، والثاني: لا يفطر كالاكتحال قاله الشيخ أبو علي، والقاضي حسين، والفوراني» (¬2). والقول الثاني اختاره الغزالي حيث يقول: «والصحيح أن تقطير الدهن في الأذن لا يضر» (¬3). وقد صرح النووي أنّ قول الغزالي خلاف قول جمهور الشافعية حيث قال: «لو قطر في أذنه ماءً، أو دهناً، أو غيرهما فوصل إلى الدماغ فوجهان: أصحهما يفطر، وبه قطع المصنف والجمهور» (¬4). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه، أو داوى مأمومه بما يصل إليه أفطر؛ لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع ¬

_ (¬1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 426. (¬2) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ) ج 2، ص 223. (¬3) الغزالي، محمد بن محمد بن محمد، الوسيط في المذهب، مرجع سابق، ج 2، ص 525. (¬4) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق ج 6، ص 322.

كان، ولأنّ الدماغ أحد الجوفين فأبطل الصوم ما يصل إليه كالآخر» (¬1). وقال البهوتي: «أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه» (¬2). أدلتهم: 1 - حديث لقيط بن صبرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (¬3). ووجه الاستدلال: أنه لما بطل الصوم بما يصل إلى الدماغ عن طريق الأنف، فكذلك بما يصل إليه من الأذن؛ لأنَّ الدماغ أحد الجوفين (¬4). والجواب عن هذا الاستدلال: يجاب عن استدلال الجمهور بأنّ هذا الاستدلال في غير محله، وذلك أنّ الطب الحديث أثبت أنّه لا علاقة بين الأذن والدماغ كما بينَّاه سابقاً. 2 - حديث: «إنما الفطر مما دخل» (¬5). ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 352. (¬2) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318. (¬3) سبق تخريجه، ص (126) (في الحاشية). (¬4) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق ج 6، ص 320. (¬5) سبق تخريجه، ص (131).

والتقطير في الأذن يصدق عليه ذلك، ففسد الصيام في التقطير فيها. والجواب عن هذا الاستدلال: أنّ الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (¬1)، وأنَّه على فرض صحته فإنَّه ليس على إطلاقه، وإلا للزم المخالف في صور لا يلتزم بها، وقد سبق تفصيل ذلك في مناقشة كلام الجمهور حول الجوف (¬2). حكم قطرات الأذن في ضوء المذاهب الأربعة: بعد هذا الاستعراض لأقوال أصحاب المذاهب الأربعة يتبن لنا أن قطرات الأذن مفسدة للصوم عندهم. وغير مفسدة للصوم على قول بعض الشافعية كالغزالي والقاضي حسين. وقد يتخرج لنا حكم آخر إذا تأملنا اشتراط المالكية وصول القطرات إلى الحلق فإن القطرات لا تكون مفطرة، حسب لازم قولهم، حيث أنّ قطرات الأذن لاتصل إلى الحلق، وقد اشترطوا وصولها. ولكن إذا نظرنا إلى مقياسهم فيما يعتبر واصلا إلى الحلق، فإن القطرات تكون مفطرة لاعتبارهم أن وجود الطعم في الحلق هو دليل الوصول، فيتخرج الحكم على مذهب المالكية على صورتين: التفطير وعدمه. ¬

_ (¬1) انظر: الزيلعي، عبد الله بن يوسف أبو محمد، نصب الراية، مرجع سابق، ج 2، ص 453. (¬2) انظر: الفصل الثاني، المبحث الثالث، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125).

الراجح في قطرات الأذن: بعد الاستعراض لما قرره الطب حول صلة الأذن بالجهاز الهضمي، وما ذكره الفقهاء في هذه المسألة وأدلتهم ومناقشتها يترجح للباحث أن قطرات الأذن لا تفطر سواء كانت الطبلة سليمة أم مثقوبة، وذلك للأسباب التالية: 1. عدم وجود منفذ بين الأذن والجهاز الهضمي، إلا في حال انخراق الطبلة. 2. أنه في حال انخراق الطبلة فإن قطرات الأذن لاتصل إلى المعدة بحال؛ لما أثبتناه في التقرير الطبي. 3. على فرضية وصول شيء من القطرات إلى المعدة فإن الواصل في عداد المعدوم، حيث أنّ الكمية الواصلة مما لا يكاد يُرى بالعين المجردة، فيكون أقل مما يعفى عنه من بقايا المضمضة. 4. أنّ ما استدل به الجمهور على بطلان الصيام بالتقطير في الأذن مبني على اعتقاد طبي غير صحيح، فلزم أن يدور الحكم مع السبب الذي بُني عليه، فلما بني على سبب تبين عدمه انتقض الحكم، وليس لديهم دليل يقوى على إبطال عبادة متيقنة إلا ما اعتقدوه من العلاقة بين الأذن والدماغ أو الحلق وتبين عدم صحته. • المسألة الثانية: غسول الأذن: تفرز القناة السمعية الخارجية شمع الأذن (الصملاخ) (cerumen)

ووظيفته وقائية لمنع حدوث ضرر على القناة السمعية بحكم اتصالها بالهواء الخارجي، وعند تسرب الماء أو العدوى، أو أي أذية. كما يقوم شمع الأذن باصطياد الجسيمات الدقيقة مثل ذرات الغبار. وحالة شمع الأذن هذه تتراوح بين الحالتين السائلة والصلبة المتصخرة، وفي الحالة الاعتيادية فإنّ شمع الأذن ينتقل من داخل القناة نحو الأذن الخارجية، ثم يأخذ بالاضمحلال، أو يبدأ بالجفاف والسقوط. ولعدد من الأسباب، فإنَّ هذا التراكم قد يتحول إلى كتلة مضغوطة تعيق سلامة السمع وتتسبب في طنين وألم للشخص (¬1). العلاج: ويتم علاج تشمع الأذن بعدة طرق منها: غسل القناة بالماء الدافئ الذي ينثر برفق بواسطة إبرة لتليين الشمع بهدف تسهيل انتقاله وخروجه (¬2)، وهي الطريقة التي لها تعلق ببحثنا. الجانب الفقهي: إذا تأملنا مسألة غسول الأذن فإنه ينطبق عليها التكييف الفقهي المذكور في ¬

_ (¬1) Hawke, M. 2003. Ear diseases: A clinical guide. 33 - 39. Hamilton. BC Decker Inc. (¬2) من مقال للدكتوره. سيليستا روب-نيكلسون، رئيسة تحرير «هارفارد ويمن هيلث ووتش»، خدمة هارفارد الطبية، كلية هارفارد، جريد الشرق الأوسط، العدد 10757.

مسألة قطرات الأذن، ويتخرج الحكم والترجيح فيه مثل الذي ذُكر في القطرات. إلا أنهما يفترقان في الحكم الراجح فيما إذا كانت الطبلة مثقوبة، ففي القطرات كان الترجيح بعدم إفساد القطرات للصوم لما سبق ذكره. أما في الغسول فإنَّ الحكم يكون مختلفاً، حيث أنّ كمية المياه التي تعطى في الغسول كثيرة وتتسرب إلى الحلق عن طريق قناة استاكيوس، فتصل بدورها إلى المعدة، التي هي محل الطعام والشراب فيستفيد منه الجسم، فتكون مفسدة للصيام؛ لأنها ليست بالقليلة- نظير ما يبقى من المضمضة - التي تكون في حكم المعفو عنه. وقد تبين أنَّه لا يصل إلى الحلق شيء إلا في حال انخراق الطبلة، وأنه في حال الانخراق يكون ما يصل من القطرات في حكم المعفو عنه. وأما حكم الغسول في حال انخراق الطبلة فإنّه مفسد للصوم حسب ما ترجح للباحث؛ لأن الكمية الداخلة كثيرة، وتصل المعدة، وليست نظير المعفو عنه. OOOOO

المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان

المطلب التاسع: الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان: الجانب الطبي: تعمل عضلة القلب كمضخة لتوصيل الدم إلى جميع أنحاء الجسم، وتحصل عضلة القلب على ما تحتاجه من طاقة (أوكسجين) لأداء تلك المهمة عن طريق الدم الذي يصلها عن طريق الشرايين التي تغذيها، وعددها ثلاثة تسمى بالشرايين الإكليلية أو التاجية. ويتعرض القلب لمشاكل وأمراض عدة، ومن أبرزاها ما يُعرف بالذبحة الصدرية، وهي التي تحدث للمريض عند نقصان الدم الساري في الشرايين التاجية المغذية لعضلات القلب والناتج عن عدم التوازن بين استهلاك القلب للغذاء ونسبة وصول الغذاء إليه، وهي في الغالب تكون نتيجة تصلب وضيق الشرايين التاجية مما يمنع وصول الدم بصورة كافية، وأحيانا يكون السبب زيادة كبيرة في حاجة القلب للغذاء، بالرغم من كفاءة الشرايين التاجية مثل حالات تضخم القلب نتيجة لارتفاع الضغط أو اعتلال عضلي. الأعراض: آلام مميزة الطابع في الجانب الأيسر من الصدر وخلف عظمة القفص الصدري يكون الألم من النوع الضاغط، وقد يمتد إلى الكتف الأيسر وأسفل الرقبة، والفك الأسفل وإلى اليد اليسرى، وأحيانا قد يمتد إلى الظهر أو أعلى البطن وهناك صفة شبه دائمة في أغلب الحالات وهي حدوث الألم مع الجهد

وزواله بانتهاء الجهد أو الراحة. أسباب الذبحة الصدرية: يشكل تراكم المواد الدهنية على جدار الشرايين التاجية والذي يبدأ في عمر مبكر قبل مرحلة البلوغ أحد الأسباب الرئيسية للذبحة الصدرية فمع امتداد الترسب الدهني يحدث مضاعفات داخل هذا الترسب منها النزف والتقرح والتكلس مما ينتج عنه في النهاية ضيق شديد في الشرايين أو انسداد كامل مما يؤدي لظهور الأعراض، وهناك عوامل أخرى تؤدي إلى سرعة حدوث تصلب الشرايين مثل تقدم العمر، وهناك أيضاً ارتفاع نسبة الكولسترول، وارتفاع ضغط الدم والتدخين والتي تشكل دوراً رئيسياً في حدوث الذبحة (¬1). العلاج: ينقسم علاج الذبحة الصدرية إلى ثلاث طرق: 1 - العلاج بالعقاقير: وذلك بإعطاء أدوية تبطئ من سرعة نبض القلب، أو تخفض من ضغط الدم أو تخفف من الحمل الحجمى على القلب بتوسيع الأوردة في الجسم وهي كلها عوامل تزيد من حاجة القلب للأكسجين، وهناك أدوية تعمل على توسيع ¬

_ (¬1) انظر: موقع جمعية القلب السعودية على الإنترنت: http://www.sha.org.sa/arabic/default.htm ، تاريخ التصفح 3/ 9/2010 م.

الشرايين التاجية نفسها وتمنع تقلصها وتخفف من الضغط داخل جدران القلب، وفى العادة تكون الحاجة لأكثر من دواء للتقليل من الذبحة الصدرية، أو التحكم بأعراضها. ومن أبرز هذه الأدوية وأسرعها مفعولاً تناول حبوب (النيتروغليسرين) تحت اللسان، حيث يضع المريض الحبة تحت اللسان، فتمتص بطريقة مباشرة من خلال الأوعية الدموية الموجودة تحت اللسان، ويحملها الدم إلى القلب فتوقف أزماته المفاجئة، ويحدث هذا خلال ثواني فقط (¬1). وهذا هو محل دراستنا في هذا المطلب. 2 - العلاج بالقسطرة: وتتلخص الفكرة في كيفية زيادة الدم الواصل إلى عضلة القلب وذلك عن طريق توسيع الشريان التاجي باستعمال البالون، أو إزالة الرواسب الدهنية من جدران الشريان عن طريق جهاز كحت الرواسب، أو بتركيب الدعامات المعدنية لمنع تضيق الشريان مرة أخرى (¬2). 3 - العلاج الجراحي: وذلك باستخدام وريد من الساق أو شريان الصدر وتوصيله من الأبهر إلى ¬

_ (¬1) Chisholm-Burns, M. Wells, B.G., Malone, P.M. ., Kolesar, J, M, Terry L, S., 2010. Pharmacotherapy Principles and Practice. 2 nd ed. 121 - 130. New York. McGraw-Hill. (¬2) حكم القسطرة القلبية سيتم بحثه في مبحث الداخل إلى الجسم عن طريق الجلد، ص (313).

ما بعد منطقة التضيق في الشريان التاجي لحين وصول الدم إلى عضلة القلب، ويفضل إجراء العملية الجراحية عند وجود تضيقات عديدة في الشرايين التاجية أو تضيق في الشريان التاجي الأيسر الرئيسي (¬1). الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: عند التأمل في حقيقة هذه الأقراص من الناحية الطبية، ومكان تعاطيها نجد أنه يتم تعاطيها في الفم ولا يدخل منها شيء إلى الجهاز الهضمي إذا ما لفظ الشخص البقايا اليسيرة من الحبة التي توضع تحت اللسان. والفم له حكم الظاهر، فما يصل إليه ولا يدخل إلى الحلق لا يؤثر على الصوم وقد تحدث الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله تعالى- عن مسألة الفم، وهل له حكم الظاهر أم الباطن، وهل ما يصل إليه مؤثر في الصيام، واتفقوا على أنّ ما يدخل الفم (¬2) ولا يصل إلى الحلق لا يؤثر على الصوم. • ¬

_ (¬1) انظر: موقع صحة على شبكة الأنترنت، http://www.sehha.com/diseases/cvs/cvs_toc.htm، ود. هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 453. (¬2) والفم يبدأ من باطن الشفتين إلى أول الحلق، فما بين باطن الشفتين والحلق يسمى: (فماً)، وهو موضع المضمضة في الوضوء. انظر: السلامي، محمد المختار، بحث المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 24.

الحنفية: قال السرخسي: «والفم في حكم الظاهر. ألا ترى أن الصائم يتمضمض فلا يضره ذلك» (¬1). • المالكية: قال المغربي: «وداخل الفم له حكم الظاهر» (¬2). • الشافعية: قال النووي: «النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم لم تضر بالاتفاق» (¬3). وحد الظاهر عندهم ما قبل الحلق. ومراد النووي أنّ النخامة إذا تم ابتلاعها قبل أن تصل إلى الفم لم تؤثر على الصوم، وأما إذا وصلت إلى الفم ثم ابتلعها فإنّها تؤثر على الصوم؛ لأنها خرجت إلى ماله حكم الظاهر، وهو الفم. • الحنابلة: قال ابن قدامه: «ولأنَّ الفم في حكم الظاهر فلا يبطل الصوم بالواصل ¬

_ (¬1) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 93. (¬2) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 1، ص 135. (¬3) والنووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 328.

إليه» (¬1). أما ظاهر الشفتين فليس من الفم باتفاق الفقهاء، وإنما هو جزءٌ من الوجه (¬2). فهذه نصوص العلماء من المذاهب الأربعة تبين أنهم متفقون على أن الفم له حكم الظاهر. حكم استخدام الأقراص العلاجية تحت اللسان: بعد هذا التوضيح الطبي والفقهي يتضح لنا أن حكم ما دخل إلى الفم دون أن يتجاوز الحلق لا يعتبر مُفَطِّراً عندهم جميعاً، وفي ضوء هذا يكون استخدام الأقراص العلاجية تحت اللسان غير مؤثر على صحة الصوم ما لم يدخل إلى الحلق. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي، والندوة الطبية الفقهية التابعة لمجمع الفقه أنّ تعاطي الأقراص العلاجية تحت اللسان لا يفطر إذا لفظ المريض بقايا الحبة (¬3). ¬

_ (¬1) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الشرح الكبير، (د. ط، د. ت) ج 3، ص 44. (¬2) انظر: مجموعة من العلماء الباحثين، الموسوعة الفقهية, مرجع سابق، ج 32، ص 209. (¬3) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464، وقرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

المبحث الثاني ما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذا وامتصاصا

المبحث الثاني ما يدخل الجسم عبر الجلد نفاذًا وامتصاصاً وفيه مطالب: - المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية. - المطلب الثاني: حَقْن الدم. - المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (الصفاقي). - المطلب الرابع: منظار البطن. - المطلب الخامس: إدخال القسطرة في الشرايين للتصوير أو العلاج. المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية.

المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية.

المطلب الأول: الحقن العضلية والجلدية والوريدية. تمهيد: قبل استعراض التفاصيل حول أنواع الحقن وحكم استخدامها يحسن بيان طبيعة الحقن بشكل عام من الناحية الطبية. أما من الناحية الفقهية فليس للفقهاء المتقدمين كلام عنها لكونها مستجدة وما تحدثوا عنه من حقنة الشرج فتلك صورة مغايرة للحقن الطبية الحديثة (¬1)، ولكن من خلال الصورة التشريحية فإنَّ أقرب تكييف فقهي له هو ماذكره الفقهاء في مسألة صب الدواء في الجروح الغائرة، وسيأتي تفصيله. الجانب الطبي: تعريف الحُقنة: هي إبرة مجوفة تستخدم كأداة طبية لحقن السوائل الطبية بالجسم سواء تحت الجلد في العروق والشرايين أو في العضل. وتربط بالمحقن الذي يتكون من أنبوب مستدق في أحد طرفيه، ويمر بداخله مكبس، أو ذراع اسطواني مسمط، ويعمل كل من الكبس والذراع على دفع السوائل أو سحبها بواسطة الشفط. ¬

_ (¬1) حقنة الشرج التي ذكرها الفقهاء عبارة عن قمع يوضع فيه دواء يصب في الدبر عن طريق أنبوب يدخل إلى الدبر. انظر: الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، مرجع سابق، ج 1، ص 237.

الحالات التي تستخدم فيها الحُقن: - عند الرغبة بإحداث تأثير دوائي سريع كما هو الحال في حالات الطوارئ. - عندما يكون المريض غير متعاون أو غير واعي. - عندما يكون المريض غير قادر على قبول أو تحمل الدواء عن طريق الفم. - عندما يكون الدواء غير فعال بالطرق الأخرى. ميزات طرق الحقن: 1. آنية التأثير: تستعمل في حالات الإسعاف (كمنبهات القلب والتنفس) 2. قد تكون الطريق الوحيد لإعطاء الدواء (في حالات العمليات الجراحية). 3. تساعد على ترميم حجم الدم أو البلاسما، وإعطاء المصول في حالات النزف أو الإسهال. 4. وصول الدواء إلى الدم بكامل كميته ودون أن يتخرب. 5. الامتصاص السريع للدواء. 6. في حالات المرضى الذين يسبب لهم الدواء اضطرابات في الجهاز الهضمي. طرق الحقن المستخدمة: • الحقن العضلي. • الحقن في الجلد (داخل الأدمة) أو تحت الجلد.

• الحقن الوريدي. • الحقن في تجاويف الجسم ويشمل الحقن في الشرايين، وفي القلب (¬1). وفي ضوء الواقع الطبي فإنَّ الدراسة ستتجه لأنواع الحقن الأربع. 3:25 صورة للحقنة ¬

_ (¬1) Lyn, W, Julie, K. Silver, M.D. & Ted, A. Lennard, 2007.Eesy injections. Philadelphia. 1 - 20. Butterworth Heinemann Elsevier

المسألة الأولى: الحقن العضلية (Injection Intramuscular) الجانب الطبي: سبق لنا في التمهيد الحديث عن ماهية الحُقن وطبيعة استخدامها وأنواعها، وحديثنا هنا عن النوع الأول منها، وهو الحقن العضلية: طريقة الحقن داخل العضل: تنفذ الحقن عميقاً داخل العضلات الهيكلية, ويجب أن تكون نقطة الحقن أبعد ما تكون عن الأعصاب الرئيسية وأوعية الدم، وتتم بالعضلات الكبيرة الفقيرة بالأوعية الدموية والأعصاب الكبيرة، وعند البالغين فإن الربع العلوي الخارجي من العضلة الأليوية أكثر المواقع استخداماً من أجل حقن الدواء داخل العضل , ويمكن أيضا الحقن في الوجه الوحشي للفخذ. وعادة ما يكون حجم الدواء الذي يمكن إعطاؤه عن طريق العضل محدود, وبشكل عام فإن الحد الأقصى هو 5 مل داخل العضل في المنطقة الألوية و 2 مل في العضلة الدالية. ويُؤمِّن حقن الدواء داخل العضل تأثيرات دوائية ذات سرعة أقل من الحقن الوريدية، ولكن بشكل عام فهي ذات مدة أكبر، ويمكن أن تُعطى المحاليل المائية أو الزيتية أو المواد الدوائية داخل العضل، وتختلف معدلات الامتصاص عن طريق العضل بشكل واسع حسب نموذج المستحضر المستخدم, فالأدوية التي بشكل محلول ستكون أسرع امتصاصاً من تلك التي تكون بشكل

كبسولات، والأدوية في المستحضرات المائية أسرع امتصاصاً مما هو عليه الحال في المستحضرات الزيتية (¬1). 3:26 صورة لإبرة العضل في الكتف ... 3:27 صورة لإبرة العضل في الإلية الجانب الفقهي للحقن العضلية: التكييف الفقهي: من خلال الاستعراض الطبي للحقن العضلية تبين لنا أن حقيقتها إدخال مواد دوائية عن طريق الغرز في الجلد والنفاذ إلى العضل ليتم تشرب الدواء فيها ثم توزيعه على الجسم عن طريق الأوردة الدموية. وإذا تأملنا ما ذكره الفقهاء في باب المُفَطِّرات نجد أن الصورة التي يمكن تكييف الحقن العضلية عليها هي مسألة المداواة في لحم الساق أو الفخذ. ¬

_ (¬1) انظر: طرق الحقن، موقع العيادات السورية على شبكة الإنترنت: http://www.syrianclinic.com/vb/threads/5219، تاريخ التصفح، 7/ 9/2010 م.

التخريج الفقهي: نص الشافعية والحنابلة على أن المداواة في الفخذ أو الساق ليس مفسداً للصوم. وهذه نصوصهم تبين موقفهم من هذه المسألة التي سيبنى عليها الحكم التخريجي للحقن العضلية. • الشافعية: قال النووي: «أو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز فيه سكيناً، أو غيرها فوصلت مخه لم يفطر بلا خلاف؛ لأنه لا يعد عضواً مجوفاً» (¬1). وقال الشربيني: «لو داوى جرحه الذي على لحم الساق، أو الفخذ فوصل الدواء إلى داخل المخ، أو اللحم، أو غرز فيه حديدة، فإنه لا يفطر؛ لأنه ليس بجوف» (¬2). • الحنابلة: قال ابن مفلح: «وإن قَطَّر في إحليله دهناً لم يفطر، لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحاً، كمداواة جرح عميق لم يصل إلى الجوف» (¬3). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322. (¬2) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج، مرجع سابق، ج 1، ص 428. (¬3) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

حكم الحقنة العضلية في ضوء تخريج الفقهاء المتقدمين: من خلال كلام الشافعية والحنابلة حول مسألة مداواة لحم الساق، والجروح العميقة، فإنه يتبين لنا أنها غير مفسدة للصوم، أما الحنفية والمالكية فلم أقف لهم على نص في هذه الصورة، إلا أنهم أقل توسعاً في المُفَطِّرات من الشافعية والحنابلة اللذين هما أوسع المذاهب في المُفَطِّرات. الراجح في حكم الحقن العضلية: يرى الباحث بعد النظر في حقيقة الحقن العضلية من الناحية الطبية، وفي ضوء تقرير الفقهاء المتقدمين أنَّ الحقن العضلية لا تُفَطِّر للأسباب التالية: 1 - أنها دواء يضخ إلى الجسم عن طريق العضل، فلا يصدق عليه أنه طعام أو شراب، وليس في معناهما. 2 - الدواء الواصل عن طريق الحقن العضلية وإن وصل إلى الأوردة الدموية إلا أنه لا يغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا يقوم بتزويد الجسم بمواد يستطيع من خلالها القيام بالعمليات الحيوية أو توليد الطاقة، فهو ليس بمعنى الأكل والشرب قطعاً. 3 - أنّ الدواء يدخل من منفذ الجلد الذي هو منفذ غير معتاد للأكل والشرب، ولا يصل إلى المعدة محل الطعام والشراب، ولا إلى ما اعتبره الفقهاء جوفاً.

وقد أطبق المعاصرون على أن الحقن العضلية لا تُفَطِّر، منهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً (¬1)، والشيخ محمود شلتوت (¬2)، والشيخ ابن باز مفتي السعودية سابقاً (¬3)، والشيخ العثيمين (¬4)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬5). بل إنَّ الشيخ القرضاوي نقل إجماع المعاصرين على أن الحقن العضلية لا تُفطِّر (¬6)، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في قراراته حول المُفَطِّرات (¬7). • المسألة الثانية: الحقن الجلدية (Skin Injection) الجانب الطبي: الحقن الجلدية: هي الحقن التي يتم فيها إعطاء الدواء بين طبقات الجلد، ومن هذه الحقن حقن الأنسولين وحقن التجميل، وحقن التطعيمات، وفي ¬

_ (¬1) انظر: الخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، ص 65. (¬2) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬3) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 257. (¬4) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 220 - 221. (¬5) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 85 (¬6) المرجع السابق، ص 85. (¬7) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

التخدير الموضعي، وغيرها (¬1)، وهذه الحقن تحتوى على مواد علاجية أو تجميلية. فأما الحقن العلاجية فيتم امتصاص المواد التي فيها عبر المسامات إلى داخل الجسم ثم تمتصها الشعيرات الدموية، ومن ذلك حقن الأنسولين (¬2)، وحقن التطعيمات. وأما الحقن التجميلية فهذه تظل المواد المحقونة تحت الجلد كمواد تعويضية عن الأنسجة التالفة، ومن ذلك: حقن البوتوكس: ويتم حقن هذه المادة في أماكن معينة بالجسم بغرض عمل ارتخاء في عضلات هذه الأماكن مثل «الجبهة، وبين الحاجبين» وعند بعض المرضى نجد أن انقباض عضلات الوجه الزائد يؤدي إلى شكل عبوس أو غضبان ولكن بعد حقن هذه المادة وارتخاء العضلات يظهر الشكل طبيعي، ولكن يحتاج المريض عادة إلى عدة جلسات للحقن قد تصل إلى ست جلسات أو أكثر. أما حقن الكورتيزون فيتم استعمالها لعلاج النسيج المتجدد الجلدي, ويتم حقنها على جلسات داخل النسيج المتجدد فيتم تعطيل تواصل واستمرار تكوين هذا النسيج المتجدد ويتحسن شكل الجلد (¬3). ¬

_ (¬1) الموسوعة الطبية الحديثة، ج 3، ص 525، نقلا عن: العقرب، عبد الحليم عبد الحافظ، أحكام الصيام المترتبة على تحديد الجوف، مرجع سابق، ص 227. (¬2) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 674. (¬3) من حوار مع الدكتور مجدي كامل عبد الجليل، أخصائي التجميل بمستشفى بريدة المركزي في السعودية بتاريخ 6/ 2/2010 م.

3:28 صورة تبين حقنة الأنسولين الجلدية ... 3:29 صورة تبين تعاطي حقن البوتوكس تحت الجلد الجانب الفقهي للحقن الجلدية: التكييف الفقهي: عند النظر في كلام الفقهاء المتقدمين لا نجد لهم حديث عن صورة مطابقة للحقن الجلدية لعدم وجودها في زمنهم، إلا أننا نجد صور مقاربة لها من حيث المؤدى العام، فالحقن الجلدية التي تعطى بين طبقات الجلد الصورة الأقرب لها ما ذكره الفقهاء في مسألة مداواة الجرح في الفخذ أو الساق، فتكيف فقهياً عليها. التخريج الفقهي: نص الشافعية والحنابلة على أن المداواة في الفخذ أو الساق ليس مفسداً للصوم، وقد سبقت أقوالهم في المسألة السابقة (الحقنة العضلية) فإدخال الدواء إلى لحم الفخذ أو الساق لا يُفَطِّر عندهم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322، وابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

وعليه فإن الحقنة الجلدية سواء النافذة كحقن الأنسولين والتطعيمات، أو المستقرة في الجلد، كالحقن التجميلية كلها لا تفسد الصوم ولا تؤثر على صحته. ترجيح الباحث: بعد الاستعراض الطبي والفقهي للحقن الجلدية يرى الباحث أن الحقن الجلدية لا تُفَطِّر، سواء ما يتم امتصاصه، أو ما يبقى مستقراً تحت الجلد، وأسباب الترجيح هي: 1 - أن الحقن الجلدية عبارة عن دواء يضخ للجسم عن طريق العضل، فلا يصدق عليها أنها طعام أو شراب، وليس في معناهما. 2 - ما يتم امتصاصه عبارة عن أدوية وعقاقير لا تغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا يقوم بتزويد الجسم بما يحتاجه من مواد حيوية، فهي ليس بمعنى الأكل والشرب قطعاً. 3 - أنّ الدواء الداخل من الجلد لا يصل إلى ما اعتبره الفقهاء جوفاً (¬1). وهذا ماقرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته حول المُفَطِّرات (¬2)، وعليه ¬

_ (¬1) ويبقى أمر آخر ليس محل دراستنا وهو الحكم الشرعي لحقن التجميل، وخطورتها، لأنّ عدم تأثيرها على صحة الصوم لا يعني جواز استخدامها مطلقاً، فهذه مسألة للفقهاء المعاصرين فيها كلام وتفصيل ليس محله هذا البحث. (¬2) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

معظم المعاصرين، ومنهم: الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقاً (¬1)، والشيخ محمود شلتوت (¬2)، والشيخ ابن باز مفتي السعودية سابقاً (¬3)، والشيخ العثيمين (¬4)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬5). وذكر الشيخ القرضاوي أن القول بعدم تفطير الحقن الجلدية والعضلية هو ما أجمع عليه الفقهاء المعاصرون (¬6). • المسألة الثالثة: الحقن الوريدية: الجانب الطبي: الوريد: وعاء أُنبوبي يحمل الدم في اتجاه القلب، حيث يجري الدم في الجسم بواسطة شبكة من الأنابيب تُسمَّى الأوعية الدموية. ¬

_ (¬1) انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، تحقيق: محمود أمين خطاب، (د. د، الطبعة الثالثة، 1406 هـ- 1958 م) ج 8، ص 457. وفتوى الشيخ محمد بخيت مثبتة بحاشية الصفحة المذكورة. (¬2) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬3) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 257. (¬4) العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 220 - 221. (¬5) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 85. (¬6) المرجع السابق، ص 85.

وهناك ثلاثة أنواع من الأوعية هي: الشرايين والشعيرات والأوردة، وتقوم معظم الأوردة بإرجاع الدم إلى القلب بعد أن يقوم بتغذية الخلايا وتنقيتها من الفضلات والسموم، ويسمَّى الدم الجاري في الأوردة الدم الوريدي، ويصب كل الدم الوريدي في وريدين كبيرين جدًا مفتوحين في القلب، أحدهما الوريد الأجوف العلوي، الذي يحمل الدم من الرأس واليدين، والآخر الوريد الأجوف السفلي الذي يحمل الدم من اليدين والقدمين (¬1). طبيعة الحقن الوريدية: الحقن الوريدية هي إدخال مواد إلى داخل دم الإنسان عن طريق الوريد، وهي إما سوائل مغذية تعوض الجسم عن حاجاته الغذائية، أو عقاقير علاجية، أو مواد مساعدة على التشخيص (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: موقع الموسوعة المعرفية الشاملة على شبكة الإنترنت: http://mousou 3 a.educdz.com تاريخ التصفح، 4/ 7/2010 م. (¬2) البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 201.

3:30 صورة تبين طريقة إعطاء الحقن الوريدية ومن خلال ما سبق يتبين أن الحقن الوريدية على نوعين: 1 - الحقن الوريدية المغذية: وهي عبارة عن سكريات ومعادن وسوائل تعطى عن طريق التسريب الوريدي وهذه تكون بكميات كبيرة ولمدة طويلة، وتُجعل على شكل محاليل معقمة تحتوي على المواد الغذائية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، موضوعة في قِرَب طبية توصل بأنبوب في طرفه إبرة تُحقن في وريد المريض. وتعطى للمرضى الذين لا يستطيعون الحصول على حاجتهم من المواد الغذائية لأسباب مرضية، أو غيرها كالمضربين عن الطعام (¬1). ويتكون محلول التغذية الوريدي من ماء معقم وكمية قليلة من كلوريدا ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتوره زكية مرسي زكي، أخصائية تخدير. بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، بتاريخ 9/ 2/2010 م.

الصوديوم، والدكستروز (السكر)، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإمداد الجسم بالطاقة، حيث يحتوي كل لتر من هذا المحلول على 50 جرام من السكر، ويتم حفظ هذا المحلول بأكياس بلاستيكية، أو عبوات زجاجية. استفادة الجسم من الحقن الوريدية: تقول الدكتوره زكية مرسي: «حقن المحاليل عن طريق الوريد تذهب المواد فيها مع تيار الدم إلى جميع أجزاء الجسم للاستفادة منها في العمليات الحيوية المختلفة فإما أن تسرع تفاعل حيوي، أو تلغى آخر، أو تستخدم في توليد الطاقة، ويستفيد الجسم من تسريب السوائل المحتوية على مغذيات كأي غذاء يتم هضمه وامتصاصه بالدم في تعويض الجسم بالجلوكوز والمعادن والسوائل اللازمة للقيام بالعمليات الحيوية المختلفة وتوليد الطاقة» (¬1). 2 - الحقن الوريدية العلاجية: وهي عبارة عن مواد دوائية مخلوطة ببعض المحاليل الملحية أو السكرية تُعطى لمعالجة الأمراض المختلفة، أو للمساعدة في إجراء تشخيص، وهذه عادة تعطى في الحالات العادية عن طريق الحقن دفعة واحدة، ولا يستغني بها الجسم عن الطعام والشراب، ولا تمده بالطاقة اللازمة، وإنما هي لأغراض علاجية (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق (من نفس الحوار مع الدكتوره). (¬2) أفادني بذلك الدكتور محمد علي البار كبير خبراء المجامع الفقهية في الجانب الطبي في حواري معه في عيادته الخاصة بمدينة جدة، في تاريخ 27 - جمادى الثاني-1431 هـ الموافق 9/ 6/2001 م.

3:31 صورة توضح كيفية إعطاء محاليل التغذية عن طريق الوريد الجانب الفقهي: التكييف الفقهي للحقن الوريدية: لم يتعرض الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله- لهذه الحقن أو صورة مشابهة لها؛ إذ لم يكن ذلك معروفا في زمانهم، وما تحدثوا عنه من أمر الحقنة الشرجية فهي صورة مختلفة تماماً عن هذه الحقن، حيث أنها عبارة عن وعاء جلدي يوضع به الدواء ويصب عن طريق قمع في الدبر (¬1). فيعوزنا تكييف هذه المسألة على صورة مطابقة أو مشابهة عند الفقهاء المتقدمين، وأقرب ما يمكن تكييفه عليه هو مسألة ما يخترق الجلد ويصل العضل، ¬

_ (¬1) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 13، ص 126، والنووي، يحيى بن شرف الدين، تحرير ألفاظ التنبيه، تحقيق: عبد الغني الدقر، (دمشق: دار القلم، الطبعة الأولى، 1408 هـ) ج 1، ص 125. والحقنة الشرجية تُستخدم اليوم في الطب الحديث بأدوات أكثر تطوراً، وتم بحثها في مبحث ما يدخل عن طريق الجهاز التناسلي والشرج، ص (358).

كالصورة التي تم التخريج عليها في الحقنة العضلية (¬1). التخريج الفقهي: في ضوء هذا التكييف يكون الحكم فيها هو ما قلناه في الحقنة العضلية من أن ما تم نفاذه عبر الجلد إلى العضل ولم يصل الجوف لا يفطر، كما نص عليه الشافعية والحنابلة (¬2). هذا من حيث التكييف والتخريج التقريبي عند الأئمة المتقدمين، ولكن كون هذه المسألة لم يسبق لها صورة مشابهة تماماً عند المتقدمين كثر الخلاف فيها عند الفقهاء المعاصرين، لذا يحسن عرض آرائهم وأدلتهم حول هذه الحقن. أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم الحقن الوريدية للصائم: الحقن الوريدية من المسائل التي أثارت جدلاً كبيراً بين الفقهاء المعاصرين، فمنهم من ذهب إلى أن المغذية مفسدة للصوم وغير المغذية لا تفسد الصوم. ومنهم من قال أن المغذية وغير المغذية لا تفسد الصوم، وقال آخرون كلاهما يفسد الصوم. وسوف نستعرض أقوالهم وأدلتهم واعتراضاتهم. ثم نخلص إلى الراجح إن شاء الله تعالى: ¬

_ (¬1) انظر: مطلب الحقن العضلية، ص (265). (¬2) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322، وابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

القول الأول: أنّ الحقن المغذية تُفَطِّر الصائم، وغير المغذية لا تُفَطِّر. وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته حول المُفَطِّرات (¬1)، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية (¬2). وإليه ذهب أكثر المعاصرين، منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى السعودية سابقاً (¬3)، والشيخ محمد العثيمين (¬4)، والشيخ عبد العزيز البسام (¬5)، والدكتور وهبة الزحيلي (¬6)، والشيخ أحمد الخليل (¬7). أدلتهم: 1 - أنَّ الحقن المغذية يحصل بها معنى الأكل والشرب؛ لاكتفاء البدن واستغنائه بها عن المواد المألوفة من أنواع الطعام والشراب، فهي تعطي للجسم كل وحداته الحرارية، وتحدث فيه التوازن لمتطلباته من الماء، بينما غير المغذية لا ¬

_ (¬1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مرجع سابق، ج 10، ص 252. (¬3) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 258. (¬4) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 219. (¬5) انظر: البسام، عبد الله بن عبد الرحمن، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (مكة المكرمة، مكتبة النهضة الحديثة، الطبعة الثانية 1414 هـ -1994 م) ج 3، ص 495. (¬6) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 377. (¬7) والخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، السعودية، مرجع سابق، ص 66 - 67.

يستغني بها البدن عن الطعام والشراب (¬1). 2 - غير المغذية لا تفسد الصوم قياساً على مسألة إيصال الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز السكين فيه، فإنه لا يفسد الصوم (¬2). المناقشة: اعترض القائلون بأنّ غير المغذية تفطر؛ لأنها لا تخلو من كميات قليلة من سوائل ملحية وسكرية. والجواب: أنَّ هذه الكمية قليلة جداً لا يستغني بها الصائم عن الطعام فلم تصر بمعنى الأكل والشرب، وليست أكلاً ولا شرباً. القول الثاني: أن الحقن الوريدية المغذية والعلاجية لا تفسد الصوم. وهو قول الشيخ محمد بخيت المطيعي (¬3)، والشيخ محمود شلتوت (¬4)، والشيخ سيد سابق (¬5)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬6)، والشيخ محمود عبد ¬

_ (¬1) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 214، والخليل، أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، مرجع سابق، ص 67. (¬2) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322. (¬3) انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، مرجع سابق، ج 8، ص 457. والفتوى مثبتة بحاشية الصفحة المشار إليها من كتاب الدين الخالص. (¬4) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬5) سيد سابق، فقه السنة، (القاهرة: الفتح للإعلام العربي، د. ط، د. ت)، ج 1، ص 323. (¬6) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 86. ومع أن الشيخ القرضاوي قرر ذلك في كتابه فقه الصيام، إلا أنَّه في فتواه الأخيرة يقول بأنَّ الأحوط ترك الإبر المغذية أثناء الصوم وهذا نص كلامه –حفظه الله-: «هناك نوع من الإبر يصل بالغذاء مصفى إلى الجسم، كإبر الجلوكوز فهي تصل بالغذاء إلى الدم مباشرة، فهذه قد اختلف فيها علماء العصر، ... ، فمنهم من يرى هذا النوع مُفَطِّرا؛ لأنَّه يصل بالغذاء إلى أقصى درجاته حيث يصل إلى الدم مباشرة، وبعضهم يقول: إنها لا تفطر أيضًا، وإن كانت تصل إلى الدم لأنّ الذي يفطر هو الذي يصل إلى المعدة، والذي يشعر الإنسان بعده بالشبع، أو بالري، فالمفروض في الصيام هو حرمان شهوة البطن وشهوة الفرج، أي أن يشعر الإنسان بالجوع وبالعطش، ومن هنا يرى هؤلاء العلماء أن هذه الإبر المغذية أيضًا لا تفطر، ومع أني أميل إلى هذا الرأي الأخير أرى أن الأحوط على كل حال أن يمتنع المسلم عن هذه الإبر في نهار رمضان، فعنده متسع لأخذها بعد الغروب .... ، فهو على الأقل يشعر بنوع من الانتعاش، بزوال التعب الذي يزاوله ويعاينه الصائم عادة، وقد أراد الله من الصيام أن يشعر الإنسان بالجوع والعطش، ليعرف مقدار نعمة الله عليه، وليحس بآلام المتألمين وبجوع الجائعين وبؤس البائسين» ا-هـ. انظر الفتوى في موقع الشيخ على شبكة الانترنت: http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp? ، تاريخ التصفح، 7/ 7/2010 م.

اللطيف عويضة (¬1). أدلتهم: 1. ما لا يدخل عن طريق منفذ معتاد لا يعد مُفَطِّراً ولو استفاد منه الجسم، سواء دخل من الوريد أو العضل، لأنه لا يصل منها شيء إلى الجوف. 2. ما يدخل عن طريق المسام لا يفطر باتفاق المذاهب، ولو أحسه في حلقه واستفاد منه البدن كما هو الحال في المراهم (¬2). 3. ¬

_ (¬1) عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 250 - 251 (¬2) انظر موقع دار الإفتاء المصرية، http://www.dar-alifta.org/fastbook/index.html ، تاريخ التصفح 7/ 7/2010 م.

الأصل صحة الصوم حتى يثبت ما يفسده بدليل شرعي، فإننا إذا شككنا في شيء مُفَطِّر أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح يكون لنا حجة عند الله. 4. الحقن المغذية لا تبعد الجوع والظمأ، ولا يحس من تناولها بالشبع والري؛ لأنه لا يدخل المعدة، ولا يمر بالجهاز الهضمي. ومجرد استفادة الجسم منها لا يكفي للقول بالتفطير فقد يحدث هذا لمن يغتسل بماء بارد وهو صائم فيشعر بالانتعاش، ومع هذا لا يفطر بالإجماع (¬1). المناقشة: اعترض القائلون بأن الحقن المغذية تفطر على هذا القول بأنه يحصل بالحقن المغذية ما يحصل من الأكل والشرب، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات (¬2). وأجاب القائلون بعدم التفطير بالحقن المغذية بأنها وإن كان يحصل بها استفادة البدن فإن هذا ليس وحده علة لفساد الصوم؛ لأنَّ الذي يُفطر هو الذي يصل إلى المعدة، والذي يشعر الإنسان بعده بالشبع، أو بالري فالمفروض في الصيام هو حرمان شهوة البطن وشهوة الفرج، أي أن يشعر الإنسان بالجوع ¬

_ (¬1) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 86. (¬2) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 214.

وبالعطش (¬1). الترجيح: بعد هذا الاستعراض الطبي والفقهي يرى الباحث أن الحقن الوريدية المغذية تفسد الصوم وغير المغذية لا تفسد الصوم وذلك للأسباب الآتية: 1. أنَّ الحقن المغذية تقوم مقام الأكل والشرب في منح الجسم بالطاقة والمواد الحيوية اللازمة ويستغني بها من يتناولها عن الطعام والشراب لفترات قد تطول أياماً أو شهوراً، فهي بمعنى الأكل والشرب. 2. أنَّ كل ما يتغذى به الجسم يقع تحت دائرة المُفَطِّرات حيث لا فارق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. 3. أن ما تحقق فيه معنى المنصوص، يلحق به، وهذا المعنى متقرر عند الأصوليين، يقول الإمام الجويني: «ما علم قطعًا التحاقه بالمنصوص عليه، فلا حاجة فيه إلى استنباط معنى من مورد النص، وبيان وجود ذلك المعنى في المسكوت عنه؛ بل العقل يسبق إلى القضاء بالإلحاق، ويقدره بالمنصوص ¬

_ (¬1) انظر فتوى الشيخ القرضاوي السابق ذكرها في موقعه على شبكة الإنترنت: http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=5452&version=1&template_id=130&parent_id=17 تاريخ التصفح، 7/ 7/2010 م.

عليه» (¬1). 4. القول بأنَّها لا تفطر لأنها لم تدخل إلى الجوف، يجاب عليه بأن الجوف مصطلح حادث لم يعلق الشارع الحكيم فساد الصوم عليه، وإنما العبرة بالأكل والشرب، وما كان في معناهما يأخذ حكمهما، بغض النظر عن وصوله الجوف أو عدم وصوله. 5. الحقن غير المغذية ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ولا صورتهما، وما كان كذلك فليس بمُفَطِّر، فيبقى التفطير بالمغذية لأنها بمعنى الأكل والشرب. 6. الكمية اليسيرة من المحلول الملحي أو السكري الموجود في الحقن الوريدية العلاجية لا يغني الجسم عن الأكل والشرب، ولا يمد الجسم بالطاقة، وإنما هو مساعد لدخول الدواء إلى الدم، فلا يتحقق فيه الأكل والشرب حقيقة ولا صورة ولا معنى. وعليه فليس بمُفَطِّر. OOOOO ¬

_ (¬1) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، البرهان في أصول الفقه، مرجع سابق، ج 2، ص 516.

المطلب الثاني: حقن الدم في الوريد

المطلب الثاني: حقْن الدم في الوريد: الجانب الطبي: الدم نسيج مائع معقد التركيب يسري في كامل جسم الإنسان عبر الأوعية الدموية والقلب. وحجم الدم يناهز 5 لترات. حيث يُشكِّل 1 من 13 من وزن الجسم، لدى الشخص البالغ. ويتكون الدم من جزءين هامين هما: - البلازما (Plasma) وتشكل 55 % من الحجم الكلي للدم. - خلايا الدم (Blood cells) وتشكل 45% من الحجم الكلي للدم (¬1). أولاً: البلازما (Plasma): هي عبارة عن الجزء السائل الذي تسبح فيها خلايا الدم، وهي ذات لون أصفر باهت ويشكل الماء نسبة 90 % من الحجم الكلي للبلازما وهذا شيء مهم إذا ما علمنا أن الماء مذيب جيد لكثير من المواد والجزيئات وبالتالي هذا يجعله وسطا فعالا لنقل جزيئات المواد الغذائية المذابة فيه، أما النسبة الباقية وهي الـ 10% تتكون من التالي: - بروتينات الدم (الألبومين، الجلوبيولين، الثرومبين والفبرينوجين). - ¬

_ (¬1) انظر: موقع وزارة الصحة التونسية، http://www.dondusang.tn/def-ar.htm ، تاريخ التصفح 22/ 8/2010 م.

مواد غذائية كالسكريات والدهون والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات. - مواد إخراجية مثل اليوريا والكرياتينين وحمض اليوريك. - مواد غير عضوية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم والحديد والكلور والمغنيسيوم وغيرها من العناصر الأخرى. ثانياً: خلايا الدم (Blood cells): تقسم خلايا الدم إلى ثلاثة أقسام هي: - خلايا الدم البيضاء. - كريات الدم الحمراء. - الصفائح الدموية (¬1). 3:32 صورة تبين جريان الدم بالوريد ومكوناته ... 3:33 صورة تبين كيفية نقل الدم للمريض ¬

_ (¬1) انظر: موقع طبيب: http://www.6 abib.com/hematology/hema-4.htm ، ود. عبد المجيد الشاعر، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 153، عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 530.

أبرز وظائف الدم: 1. الوظيفة التنفسية (Respiratory). تتمثل في نقل الأكسجين من الرئة إلى الأنسجة وطرد ثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الرئة. 2. الوظيفة الغذائية (Nutritive). تتمثل في نقل وتوزيع المواد الغذائية من القناة الهضمية إلى جميع الأنسجة المختلفة للجسم. 3. الوظيفة الإخراجية (Excretory). يقوم الدم بحمل نواتج التمثيل الغذائي من الأنسجة إلى أجهزة الإخراج مثال ذلك: نقل ثاني أكسيد الكربون إلى الرئتين ونقل اليوريا إلى الكليتين (¬1). الحالات التي يتم فيها نقل الدم للمريض: 1 - حالات النزف الداخلي أو الخارجي أو كليهما معاً. 2 - حالات الحروق حيث يفقد الجسم البلازما من الجلد المحروق. 3 - العمليات الجراحية. ¬

_ (¬1) Alkire, K. & Collingwood, J. 1990. Physiology of blood and bone marrow. Seminars in Oncology Nursing 6(2): 99 - 108.

4 - أنواع فقر الدم المختلفة وبالأخص الأنيمياء الإنحلالية. 5 - نقص صفائح الدم وعناصر التجلط الأخرى. 6 - حالات الفشل الكلوي التي تستدعي الديلزة (الغسيل الكلوي) حيث يتم وضع كمية من الدم في الآلة أولاً (¬1). أثر نقل الدم على الجسم: يقول الدكتور البار: «الدم يمد الجسم بأكثر من الغذاء ويحافظ على الجسم كله أكثر من الغذاء، حيث يوجد فيه السكر والبوتاسيوم والصوديوم، وفيه ما هو أهم من ذلك كله للدورة الدموية كلها، وهو أبلغ من الحقن الوريدية المغذية» (¬2). الجانب الفقهي: التكييف والتخريج الفقهي: لم يتعرض الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله- لهذه الحقن أو صورة مشابهة لها، إلا أننا نستطيع أن نكيفها أيضا على ما يخترق الجلد ويصل العضل (¬3)، فيكون الحكم فيها هو ما قلناه في الحقنة العضلية من أن ما تم نفاذه عبر الجلد إلى العضل ¬

_ (¬1) McClelland B. (Editor) (2007) Handbook of Transfusion Medicine 4 th edition London: The Stationery Office. (¬2) ذكر لي ذلك الدكتور محمد علي البار كبير خبراء المجامع الفقهية في الجانب الطبي في حواري معه في عيادته الخاصة بمدينة جدة، في تاريخ 27 - جمادى الثاني-1431 هـ الموافق 9/ 6/2001 م. (¬3) انظر: الجانب الفقهي للحقن العضلية من هذا البحث، ص (269).

ولم يصل الجوف لا يفطر كما نص عليه الشافعية والحنابلة (¬1). هذا من حيث التكييف والتخريج المُقَارِب عند الأئمة المتقدمين، ولكن كون هذه المسألة لم يسبق لها صورة مشابهة تماماً عند المتقدمين، فقد اختلفت أقوال الفقهاء المعاصرين وتباينت آراؤهم فيها، هل يُفَطِّر أو لا يُفَطِّر، واستند كل طرف لأدلة وتعليلات، وفيما يلي عرض لتلك الأقوال. القول الأول: أنّ حقْن الدم يفسد الصوم. وإليه ذهب عدد من العلماء المعاصرين، منهم: الشيخ عبد العزيز بن باز مفتى السعودية سابقاً (¬2)، والشيخ عبد العزيز البسام (¬3)، والدكتور وهبة الزحيلي (¬4). أدلتهم: أن البدن يتقوى بهذا الدم الذي تم حقنه، فهو في معنى الأكل والشرب فيأخذ حكمها في إفساد الصوم (¬5). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322، وابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56. (¬2) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 275. (¬3) انظر: البسام، عبد الله بن عبد الرحمن، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، مرجع سابق، ج 3، ص 495. (¬4) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 378. (¬5) انظر: وليد بن راشد السعيدان، ضوابط الصيام الفقهية، مرجع سابق، ص 23.

القول الثاني: أنّ حقن الدم لا يفسد الصوم. وهو قول الشيخ محمد بخيت المطيعي (¬1)، والشيخ محمود شلتوت (¬2)، والشيخ سيد سابق (¬3)، والشيخ العثيمين (¬4)، والشيخ محمود عبد اللطيف عويضة (¬5). وهو الذي قررته الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي (¬6). أدلتهم: 1 - أنَّ ما لا يدخل عن طريق منفذ معتاد لا يعد مُفَطِّراً ولو استفاد منه الجسم، سواء دخل من الوريد أو العضل، لأنَّه لا يصل منها شيء إلى الجوف (¬7). 2 - أنَّ الدم ليس أكلاً ولا شرباً، ولا يستغني به البدن عنهما، فإذا شككنا في شيء مُفَطِّر أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، لأنَّ من القواعد المقررة أنَّ اليقين لا ¬

_ (¬1) انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، مرجع سابق، ج 8، ص 457. (¬2) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬3) سيد سابق، فقه السنة، مرجع سابق، ج 1، ص 323. (¬4) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 20، ص 284. (¬5) وعويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 251. (¬6) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464. حيث نصت على التالي: «اتفق المجتمعون على أن الأمور الآتية لا تعتبر من المُفَطِّرات .. سابعاً: التبرع بالدم وتلقي الدم المنقول». (¬7) انظر: السبكي، محمود محمد خطاب، الدين الخالص للسبكي، مرجع سابق، ج 8، ص 457.

يزول بالشك (¬1). القول الثالث: التوقف في حكم المسألة: وهو ما اختاره مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة حول المُفَطِّرات حيث رأى التوقف وعدم البَتّ في مسألة تلقي الدم حتى مزيد بحث ودراسة، وهذا نص قرار المجمع حول هذه المسألة: «تأجيل إصدار قرار في الصور التالية، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، ومنها: ... ، وتلقي الدم المنقول» (¬2). الترجيح: بعد هذا الاستعراض الطبي والفقهي لحقيقة حقن الدم ومعرفة ما يتمتع به الدم من مواد غذائية يتم ضخها إلى الجسم وتساعد في تزويد الجسم بالطاقة، فإن الباحث يرى أن حقن الدم يُفَطِّر الصائم (¬3)، وذلك للأسباب التالية: 1. أن كل ما يتغذى به الجسم يقع تحت دائرة المُفَطِّرات فليس ثَمّة فرق بين ¬

_ (¬1) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 20، ص 284. (¬2) قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬3) دراسة هذه المسألة فيما إذا رغب المريض بالصوم؛ وإلا فإنّ الأطباء قرروا أنّ الحالة التي يحتاج معها المريض لحقن الدم مما تجيز له الفطر بالإجماع، أفادني الدكتور البار بهذه المعلومات في حواري معه في عيادته بمدينة جدة الذي سبق الإشارة إليه.

الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. 2. القول بأنَّ حقن الدم للمريض لا يُفَطِّر لأنَّه لم يدخل إلى الجوف، يجاب عليه بأن الجوف مصطلح حادث لم يعلق الشارع الحكيم فساد الصوم عليه، وإنما العبرة بالأكل والشرب، وما كان في معناهما يأخذ حكمهما، بغض النظر عن وصوله الجوف أو عدم وصوله. 3. أنَّ الطب قرر أنّ حقن الدم أبلغ من حقن المحاليل، فإذا تقرر لدينا أنّ المحاليل المغذية (¬1) تفطر فحقن الدم من باب أولى. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: الترجيح في حكم الحقن الوريدية المغذية في هذا المبحث، المسألة الثانية، ص (286).

المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (1) (Peritoneal dialysis)

المطلب الثالث: الغسيل الكلوي البريتوني (¬1) (Peritoneal dialysis) الجانب الطبي: دور الكلى في الجسم: تقوم الكلى بعدة وظائف أساسية تشمل الآتي: 1. إزالة الفضلات السامة الناتجة عن حرق الغذاء في خلايا الجسم. 2. وزن مستوى الماء والأملاح في الجسم. 3. إفراز هرمونات أساسية للمحافظة على العظام، وتكوين كريات الدم الحمراء. الفشل الكلوي: يعتبر الفشل الكلوي من الأمراض الشائعة في هذا العصر، ومن أهم أسبابه: 1. داء السكري. 2. ارتفاع ضغط الدم. 3. التهابات أنسجة الكلية (¬2). ¬

_ (¬1) وتعرف أيضاً باسم الديلزة الصفاقية. (¬2) انظر: الشاعر، عبد المجيد، وآخرون، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 274، وباشا، حسان شمسي، الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، مرجع سابق، ص 50.

4. أسباب أخرى مثل: العيوب الخَلْقية، أو الإصابة بالتهابات جرثومية متكررة. علاج الفشل الكلوي: في حال حصول الفشل الكلوي فإنَّ الإنسان لا يمكنه العيش بدون كلى فاعلة، إلا أن الطب قد ابتكر علاجات لهذا المرض وهي: 1. الغسيل الدموي (الديلزة الدموية). 2. الغسيل البريتوني (الديلزة الصفاقية). 3. زراعة الكلية (¬1). وما يهمنا في هذا: المطلب الغسيل البريتوني، إذ هو المتوافق في التكييف الفقهي مع مبحث الداخل عن طريق الجلد. عملية غسيل الكلى: هي طريقة طبية مستحدثة تستخدم لعلاج قصور الكلى لتنقية الدم من الفضلات التي تتراكم نتيجة عجز الكلى عن طرحها خارج الجسم (¬2). ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتور الاستشاري ماهر بشير الخردة جي، استشاري أمراض الكلى بمستشفى بريدة المركزي، السعودية، بتاريخ 6/ 3/2010 م، وانظر: هاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 662. (¬2) انظر: كنعان، أحمد محمد، الموسوعة الطبية الفقهية، مرجع سابق، ص 466.

وسوف نتناول في هذا المبحث الغسيل البريتوني بالدراسة طبيا وفقهياً (¬1). الغسيل البريتوني: الجانب الطبي: اكتشف الأطباء وجود غشاء في بطن الإنسان يشابه الغشاء الموجود في الكلية الصناعية. وهذا الغشاء يحيط بالأمعاء والأعضاء الأخرى في البطن، ويسمح لأمعاء البطن بالتحرك من غير حدوث احتكاك فيما بينها. ويتحوي على فتحات صغيرة جداً تشبه المنخل؛ لذلك عندما يتم وضع سائل في تجويف البطن (وليس في المعدة) فإنَّ الفضلات السامة تترشح من الدم الموجود في الأوعية الدموية لأعضاء البطن إلى هذا السائل عن طريق الانتشار؛ لذلك تم استغلال هذا الغشاء كأحد الطرق لإزالة المواد السامة والفضلات من الجسم. طريقة الغسيل البريتوني: يتم إدخال وإخراج السائل المستخدم للغسيل البريتوني من وإلى تجويف البطن من خلال استخدام أنبوب صغير في البطن، وينفذ من الجسم بجانب السُرَّه، وهذا الأنبوب يستخدم لإدخال أو سحب السائل. مكونات السائل المستخدم للغسيل البريتوني: يتم استخدام الماء النقي المضاف إليه الأملاح والمعادن بتركيزات مختلفة. ¬

_ (¬1) أما الغسيل الدموي فمحله في مبحث الخارج من البدن، حيث تكييفه الفقهي يتوافق مع الخارج من البدن.

وسبب استخدام السكر هو مقدرته على جذب الماء الزائد من الأوعية إلى تجويف البطن (¬1). وفي هذه العملية يتم دخول كمية من سكر الجلوكوز الموجود في السائل الذي يوضع داخل جوف البطن إلى دم المريض عن طريق الغشاء البريتوني (¬2). وهناك طريقتان يتم بها استخدام الغسيل البريتوني: 1 - الطريقة اليدوية: في هذه الطريقة يقوم المريض بوضع السائل النقي في تجويف البطن حيث يترك السائل من 4 - 6 ساعات، وخلال هذه الفترة تنتقل الفضلات السامة من الدم إلى تجويف البطن ثم إلى السائل. وبعد مرور هذه الفترة يقوم المريض بفتح الأنبوب وتفريغ السائل المحمل بالسموم والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم. ثم يتم وضع سائل نقي مرة أخرى في تجويف البطن. وفي كل مرة يضع المريض كميات تتراوح بين 1 - 3 لتر حسب حجم جسمه، وتتكرر هذه العملية 4 أو 5 ¬

_ (¬1) انظر: د. السويداء، عبد الكريم عمر، استشاري أمراض الباطنة والكلى، كلية الطب، جامعة الملك عبد العزيز، من بحث مقدم للندوة الفقهية، المنعقدة بالرياض 1428 هـ، بعنوان: غسيل الكلى وأثره على الصيام، ص 8، سلسة الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي (1)، الرياض 23/ 8/1428 هـ. http://www.islamfeqh.com/Nadawat/NadwaInfo.aspx?ID=1، تاريخ التصفح 26/ 8/2010 م. (¬2) انظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 261.

مرات يوميا. 2 - الطريقة الآلية: تعتمد هذه الطريقة على استخدام جهاز يقوم بوضع السائل النقي وسحب السائل المحمل بالسموم لفترة تتراوح من 7 إلى 9 ساعات أثناء النوم فقط. خلال هذه الفترة يظل المريض موصولاً إلى جهاز الغسيل البريتوني. وتمتاز هذه الطريقة بعدم حاجة المريض لفصل وإعادة شبك الأنبوب الموجود في البطن. كذلك عدم حاجة المريض إلى وضع وتفريغ السائل بنفسه ولكن هذه الطريقة تتطلب وجود المريض في السرير خلال فترة الديلزة (¬1). 3:34 صورة تبين طريقة الغسيل البريتوني ¬

_ (¬1) انظر: د. السويداء، عبد الكريم عمر، غسيل الكلى وأثره على الصيام، مرجع سابق، ص 8.

الجانب الفقهي للغسيل البريتوني: التكييف الفقهي: تحدث الفقهاء المتقدمون عن صورة مشابهة للغسيل البريتوني وهي مسألة مداواة الجائفة (¬1)، وعلى ضوء هذا التكييف يتبين حكم هذه العملية تخريجاً على أقوال أصحاب المذاهب الأربعة. التخريج الفقهي: اختلف الفقهاء المتقدمون في مداواة الجائفة وأثرها على الصوم على قولين، فمنهم من قال إنّ مداواة الجائفة مفسد للصيام، ومنهم من قال أنها غير مفسدة. القول الأول: (مداواة الجائفة مفسد للصيام) وهو مذهب الجمهور (الحنفية، والشافعية، والحنابلة)، على تفريق عند الأحناف بين الدواء الرطب واليابس. وهذا بيان بأقوالهم: • الحنفية: قال الكاساني: «وأما ما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ من غير المخارق ¬

_ (¬1) والجائفة هي: الجرح الذي يصل إلى الجوف من غير المخارق الأصلية، سواء وصل إلى البطن، أو الصدر، أو الخاصرة، أو المثانة. وتحصل الجائفة بكل ما يفضي إلى باطن الجوف، فلا فرق بين أن يجيف بحديدة، أو خشبة محددة، ولا بين أن تكون الجائفة واسعة أو ضيقة، ولو قدر إبرة. انظر: النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1405 هـ) ج 9، ص 265، والموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 15، ص 82.

الأصلية بأن داوى الجائفة والآمة، فإن داواها بدواءٍ يابسٍ لا يفسد؛ لأنَّه لم يصل إلى الجوف ولا إلى الدماغ، ولو علم أنَّه وصل يفسد في قول أبي حنيفة، وإن داواها بدواء رطب يفسد عند أبي حنيفة، وعندهما لا يفسد» (¬1). وقال الميرغيناني: «ولو داوى جائفة أو آمة بدواء فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر عند أبي حنيفة، والذي يصل هو الرطب، وقالا – أي الصاحبان (¬2) -: لا يفطر، لعدم التيقن بالوصول لانضمام المنفذ مرة واتساعه أخرى، كما في اليابس من الدواء، وله أنّ رطوبة الدواء تلاقي رطوبة الجراحة فيزداد ميلاً إلى الأسفل فيصل إلى الجوف، بخلاف اليابس، لأنه ينُشِّف رطوبة الجراحة فينسد فمها» (¬3). • الشافعية: قال الشيرازي: «وإن كانت به جائفة، أو آمة، فداواها فوصل الدواء إلى الجوف، أو الدماغ، أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه فوصلت الطعنة إلى جوفه، بطل صومه، لما ذكرناه في السعوط أو الحقنة» (¬4). وقال النووي: «لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه، أفطر ¬

_ (¬1) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1982 م) ج 2، ص 93. (¬2) محمد بن الحسن وأبو يوسف. (¬3) المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني، الهداية شرح البداية، مرجع سابق، ج 1، ص 125. (¬4) الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، مرجع سابق، ج 1، ص 182.

عندنا، سواء كان الدواء رطباً أو يابساً» (¬1). • الحنابلة: قال المرداوي: «أو احتقن، أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه فسد صومه، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب» (¬2). وقال ابن قدامة: «وإن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان، أو إلى دماغه مثل أن احتقن، أو داوى جائفة بما يصل جوفه، أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه، ... أفطر» (¬3). أدلتهم: 1 - حديث: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬4). 2 - أنَّه أوصل إلى جوفه الدواء باختياره، ولا فرق بين وصول الدواء ووصول الطعام والشراب إلى جوف (¬5). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 330. (¬2) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 299. (¬3) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 352. (¬4) سبق تخريجه، انظر: ص (131). (¬5) انظر: الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، مرجع سابق، ج 3، ص 456.

القول الثاني: (مداواة الجائفة غير مفسد للصيام): وهو مذهب المالكية. قال سحنون: «قلت –أي لعبد الرحمن بن القاسم (¬1) -: أرأيت من كانت به جائفة فداوها بدواء مائع، أو غير مائع، ما قول مالك في ذلك. قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، قال: ولا أرى عليه قضاء ولا كفارة، لأنّ ذلك لا يصل إلى مدخل الطعام والشراب، ولو وصل ذلك إلى مدخل الطعام والشراب لمات من ساعته» (¬2). وقال الدردير في حديثه عن المُفَطِّرات: «ولا قضاء في غالب قيء ..... ولا في دهن جائفة، أي دهن وضع على الجرح الكائن في البطن الواصل للجوف؛ لأنه لا يصل لمحل الطعام والشراب وإلا لمات من ساعته» (¬3). أدلتهم: أن الدواء لا يصل لمحل الطعام والشراب، وإلا لمات المريض من ساعته (¬4). ¬

_ (¬1) المدونة الكبرى هي رواية سحنون، عبد السلام بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك. (¬2) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198. (¬3) الدردير، أحمد أبو البركات، الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش، (بيروت: دار الفكر، د. ط، د. ت) ج 1، ص 533. (¬4) المرجع السابق، ج 1، ص 533.

الترجيح: يرى الباحث أنّ قول المالكية بعدم فساد الصوم بمداوة الجائفة هو الراجح، وذلك للأسباب التالية: 1. الحديث الذي استدل به الجمهور «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» ضعيف ولا يصح ففي سنده راوٍ مجهول، وقد نص الأئمة على تضعيفه منهم الزيلعي في نصب الراية (¬1)، وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه» (¬2)، وقال القاري: «ولجهالة المولاة-أحد رواة الحديث- لم يثبته بعض أهل العلم» (¬3). وعلى فرضية صحة الحديث فإن قصة الحديث وسياقه تبين لنا المراد من النص، وهو أن المقصود الداخل المعتاد من الفم (¬4). 2. العبرة في التفطير ليس بما وصل إلى أي جوف، وإنما ما وصل إلى الجهاز الهضمي من طعام أو شرب، أو كان في معناهما حقيقة أو صورة، ولا يوجد هذا في مداواة الجائفة، فلا يصدق عليه أنه طعام أو شراب، وليس ¬

_ (¬1) الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 453. (¬2) الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مرجع سابق، ج 3، ص 167. (¬3) القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1422 هـ - 2001 م) ج 4، ص 437. (¬4) سبق تفصيل الرد في ذلك في الفصل الأول، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص 101. فاكتفيت بالإجمال، واستغنيت عن التفصيل بالإحالة إليه.

في معناهما. 3. أنَّ الصحابة لا زلوا تصيبهم الجروح ويداونها، ولم ينبه النبي صلى الله عليه وسلم على كون ذلك مما يفسد الصوم مع وجود الداعي لبيانه لو كان مُفَطِّراً، ومعلوم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬1). حكم الغسيل البريتوني في ضوء هذا التخريج (مداواة الجائفة): الغسيل البريتوني يكون مفسداً للصوم عند الجمهور (الحنفية، والشافعية، الحنابلة)، وغير مفسد للصوم عند المالكية. أقوال المعاصرين في الغسييل البريتوني: لم أقف على نص صريح لأحد من الفقهاء المعاصرين في الغسيل البريتوني، سوى ما قرره مجمع الفقه الإسلامي من التوقف في هذه المسألة (¬2). الترجيح في حكم الغسيل البريتوني في نهار رمضان: بحسب ما سبق من مقدمات طبية حول الغسيل البريتوني فإنّ الذي يظهر للباحث أن الغسيل البريتوني مفسد للصوم للأسباب الآتية: 1. أنه يتم إدخال كمية كبيرة من السوائل (الماء، والأملاح، والمعادن، ¬

_ (¬1) انظر: الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، المستصفى في علم الأصول، مرجع سابق، ص 192. (¬2) انظر: قرارات مجلة مجمع الفقه الإسلامي المنعقد حول المُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 455.

والسكر) بحيث تتفاعل مع الدم لمدة طويلة ويتم انتقال هذه المواد إلى الدم، وهي كثيرة كما هو متقرر طبياً. 2. أنّ هذه العملية تستمر لساعات طويلة مابين 4 - 5 في الغسيل اليدوي، 7 - 9 في الغسيل الآلي، مما يدل على أنّ كمية السكريات والأملاح الداخلة إلى الدم كبيرة، ويمكن استغناء الجسم بها عن الطعام لمدة من الزمن. 3. أنّه إذا كان الغسيل البريتوني يمد الجسم بالمواد الحيوية من الأملاح والسكريات، فإن حكم الغسيل البريتوني هو حكم الحقن المغذية (¬1) حيث وجه التفطير فيها ليس وصولها إلى الجوف، وإنما استفادة الجسم من السكريات والأملاح الكثير الداخلة إلى الدم خلال العملية، فهو بمعنى الأكل والشرب. OOOOO ¬

_ (¬1) سبق في مطلب الحقن بيان أسباب الترجيح في أنَّ الحقن المغذية مُفَطِّرة، انظر، ص (286).

المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE)

المطلب الرابع: منظار البطن (LAPROSCOPE): هو عبارة عن منظار طبي يدخل إلى التجويف البطني عبر فتحة صغيرة في جدار البطن لإجراء التشخيص للأمراض مثل: أخذ خزعة من الكبد، أو الكلية، أو المبايض، أو إجراء العمليات الجراحية، كاستئصال المرارة والزائدة وغيرها من العمليات، ولا يصل إلى المعدة أو الأمعاء، وإنما ينظر في تجويف البطن والأحشاء (¬1). 3:35 صورة تبين منظار البطن وكيفية استخدامه ¬

_ (¬1) انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 243، باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 255.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: إذا تأملنا التوصيف الطبي لمنظار البطن، فإنّ ما يماثله مما تحدث عنه الفقهاء المتقدمون هو إدخال شيء صلب إلى الجوف من غير الفم والأنف. التخريج الفقهي: يرى الحنفية والشافعية والحنابلة أنّ ما يدخل الجوف من مادة صلبة مفسد للصوم، على خلاف بينهم في اشتراط الاستقرار من عدمه، فالشافعية والحنابلة لا يشترطون الاستقرار، بينما يشترطه الأحناف، وعليه فإنّ منظار البطن مفسد للصوم عندهم. وأقوالهم تبين موقفهم في هذه المسألة. • الحنفية: قال السرخسي: «ولو طعن برمح حتى وصل إلى جوفه لم يفطره؛ لأن كون الرمح بيد الطاعن يمنع وصوله إلى باطنه حكماً، فإن بقي الزج في جوفه فسد صومه؛ لأنه صار مغيباً حقيقة، فكان واصلاً إلى باطنه، وهو قياس ما لو ابتلع خيطاً فإن بقي أحد الجانبين بيده لم يفسد صومه وإن لم يبق فسد صومه» (¬1). وقال الكاساني: «ولو طعن برمح فوصل إلى جوفه أو إلى دماغه، فإن ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 98.

أخرجه مع النصل لم يفسد، وإن بقي النصل فيه يفسد» (¬1). • الشافعية: قال الشيرازي: «أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه فوصلت الطعنة إلى جوفه بطل صومه؛ لما ذكرناه في السعوط والحقنة» (¬2). وقال النووي: «لوطعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه فوصلت السكين جوفه أفطر بلا خلاف عندنا، سواء كان بعض السكين خارجاً، أم لا» (¬3). • الحنابلة: قال ابن مفلح: «أو طعن نفسه، أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه، فغاب هو أو بعضه فيه، أو احتقن بشيء أفطر لوصوله إلى جوفه باختياره» (¬4). • المالكية: لم أقف على نص للمالكية في هذه المسألة، ولعل ذلك يرجع لكونهم أقلّ المذاهب توسعاً في باب المُفَطِّرات. أدلتهم: 1. أثر ابن عباس ب قال: «إِنَّمَا الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬5)، على اعتبار كل مجوف في الجسم مناطاً لفساد الصوم بما يصل إليه. 2. ¬

_ (¬1) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، مرجع سابق، ج 2، ص 93. (¬2) الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، مرجع سابق، ج 1، ص 182. (¬3) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 334. (¬4) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 35. (¬5) سبق تخريجه، ص (131).

أنه أدخل شيئا إلى جوفه باختياره، وهذا ينافي معنى الإمساك (¬1). 3. قياسا على السعوط أو الحقنة» (¬2). المناقشة: سبق مناقشة استدلال الجمهور بالدليلين الأوليين، وكذا قياسهم على الحقنة في باب مبحث الجوف عند الفقهاء، وبيَّن الباحث عدم التسليم بهذا الاستدلال (¬3). أما استدلالهم بالقياس على السعوط فهذا قياس مع الفارق؛ لأنَّ السعوط يصل إلى الجهاز الهضمي مباشرة، وهو محل الطعام والشراب، أما ما ينفذ إلى غير الجهاز الهضمي فلا عبرة بوصوله، إذ هو ليس أكلاً ولا شرباً، لا صورة، ولا حكماً. حكم منظار البطن في ضوء كلام المذاهب الفقهية: في ضوء ما تقرر من كلام الفقهاء المتقدمين في المذاهب الثلاثة (الحنفية، والشافعية، والحنابلة) نستطيع أن نقول إنّ استخدام منظار البطن مفسد للصوم عند الحنفية والشافعية والحنابلة، لما سبق ذكره من أقوالهم وأدلتهم. الترجيح: بعد هذا الاستعرض الطبي والفقهي لمنظار البطن يرى الباحث أنّ إدخال ¬

_ (¬1) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 35. (¬2) الشيرازي، إبراهيم بن علي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، مرجع سابق، ج 1، ص 182. (¬3) انظر: الفصل الثاني، المبحث الثاني، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125).

منظار المعدة غير مفسد للصوم (¬1)، للأسباب الآتية: 1. إدخال المنظار ليس أكلاً ولا شرباً، لا حقيقة، ولا حكماً، وما كان هذا حاله فليس بمفسد للصوم كما سبق ترجيحه في مسألة ضابط المُفَطِّرات (¬2). 2. ما استدل به القائلون بالتفطير تمت مناقشته والإجابة عليه، وأنه استدلال غير مُسلَّم به. 3. أنّ إفساد عبادة عينية يحتاج إلى يقين ودليل صريح لإبطالها وإلا فالأصل الصحة، ولا مجال للتحوطات بإفساد عبادة المكلفين. وقد أقر المجمع الفقهي بكافة علمائه أنّ منظار البطن للفحص، أو أخذ عينات، أو إجراء عمليات جراحية غير مفسد للصوم (¬3). وهذا ما أقرته أيضا الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (¬4). OOOOO ¬

_ (¬1) هذا ما لم يصاحبه إعطاء سوائل مغذية، أو عارِض آخر مُفَطِّر، فهذا له مجال آخر. (¬2) انظر: الفصل الثاني، المبحث الثالث، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، ص (125). (¬3) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 455. (¬4) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization)

المطلب الخامس: القسطرة القلبية (Cardiac Catheterization): الجانب الطبي: هي عملية فحص تشخيصي يجرى تحت التخدير الموضعي بواسطة أنبوب دقيق يتم إدخاله عبر الأوردة أو عبر الشرايين، ويصل إلى القلب مباشرة لتصوير شرايين القلب، أو مداواتها (¬1). ويتم إدخال الأنبوب من أعلى الفخذ، حيث يصل من هناك إلى القلب، أو من طريق المرفق. كيفية عمل القسطرة: يتم إدخال القسطار عبر شريان طرفي مثل الشريان العضدي، أو الشريان الفخدي، وذلك بعد إعطاء المريض بنج موضعي ثم يدفع القسطار (الميل) إلى الشريان الأبهري فالبطين الأيسر، تحت إشراف دليل تلفزيوني (Fluroscopy) لتحديد المكان الذي وصل إليه القسطار، ويساعد على عملية التشخيص حقن مادة ظليلية (Contrast) من أجل تلوين فجوات القلب والشرايين التاجية، ويجرى ذلك الفحص في غرفة القسطرة القلبية، ويستغرق إجراؤه حوالي 30 - 45 دقيقة (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة المجمع الفقهي، مرجع سابق، ج 10، ص 245. (¬2) انظر: موقع طبيب، http://www.6 abib.com/a-1088.htm، تاريخ التصفح، 26/ 9/2010 م، وباشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 258.

3:36 صورة تبين طريقة عملية القسطرة الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: من خلال التوصيف الطبي للقسطرة القلبية نجد أنها عبارة عن أنبوب يخترق الجلد ليصل إلى الشرايين مصحوباً بمادة علاجية أو مساعدة، وهذا يمكن تكييفه في ضوء ما ذكره الفقهاء المتقدمون في مسألة المداواة في لحم الساق أو الفخذ. التخريج الفقهي: نص الشافعية والحنابلة على أن المداواة في الفخذ أو الساق ليس مفسدا

للصوم (¬1). • الشافعية: قال النووي: «أو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق، أو غرز فيه سكيناً، أو غيرها فوصلت مخه لم يفطر بلا خلاف؛ لأنه لا يعد عضواً مجوفاً» (¬2). وقال الشربيني: «لو داوى جرحه الذي على لحم الساق، أو الفخذ فوصل الدواء إلى داخل المخ، أو اللحم، أو غرز فيه حديدة، فإنه لا يفطر؛ لأنه ليس بجوف» (¬3). • الحنابلة: قال ابن مفلح: «وإن قَطَّر في إحليله دهناً لم يفطر، لعدم المنفذ، وإنما يخرج البول رشحاً، كمداواة جرح عميق لم يصل إلى الجوف» (¬4). حكم القسطرة في ضوء تخريج الفقهاء المتقدمين: من خلال كلام الشافعية والحنابلة حول مسألة مداواة لحم الساق، والجروح العميقة، فإنه يتبين لنا أنَّ القسطرة القلبية غير مفسدة للصوم عندهم. حكم القسطرة في ضوء التخريج الفقهي والتوصيف الطبي: يرى الباحث بعد النظر في حقيقة القسطرة من الناحية الطبية، وفي ضوء ¬

_ (¬1) لم أقف على قول للحنفية والمالكية لهذه الصورة. (¬2) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322. (¬3) الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج، مرجع سابق، ج 1، ص 428. (¬4) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 56.

تقرير الفقهاء المتقدمين أنَّ القسطرة لا تُفَطِّر للأسباب الآتية: 1. أنها عبارة عن مادة صلبة تدخل إلى الجسم عن طريق الجلد، فلا يصدق عليها أنها طعام أو شراب، وليس في معناهما. 2. الدواء المصاحب للقسطرة لا يغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا يقوم بتزويد الجسم بمواد يستطيع من خلالها القيام بالعمليات الحيوية أو توليد الطاقة، فهو ليس بمعنى الأكل والشرب قطعاً. 3. أنّ الدواء يدخل من منفذ الجلد الذي هو منفذ غير معتاد للأكل والشرب، ولا يصل إلى ما اعتبره الفقهاء جوفاً. وقد اتفق مجمع الفقه الإسلامي على أن القسطرة القلبية ليست مفسدة للصوم (¬1)، وكذا الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (¬2). OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 455. (¬2) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية

المطلب السادس: الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية الجانب الطبي: هناك العديد من المراهم والدهانات واللصقات التي يتم تعاطيها واستخدامها عبر الجلد، وهي إما تجميلية لترطيب الجلد وإعادة حيويته، أو علاجية، ويتم امتصاص هذه المراهم عبر مسامات الجلد فتنفذ إلى الداخل ويستفيد منها الجسم علاجياً. ولما كان ما يمتصه الجلد هو محل دراستنا في هذا المطلب فإنّ استعراض طبيعة الجلد ومكوناته ووظائفه مما يُجلي لنا الصورة. الجلد: هو العضو الأكبر في جسم الإنسان، وتبلغ مساحة الجلد عند الإنسان متوسط الحجم حوالي 1.6 متر مربع، وخلايا الجلد تنمو وتموت وتستبدل نفسها باستمرار. وظيفته: للجلد عدة وظائف من أبرزها: 1. حماية الأعضاء الداخلية للجسم من المؤثرات الخارجية. 2. تنظيم درجة حرارة الجسم. 3. امتصاص المواد الدوائية كالمراهم والكريمات.

طبقات الجلد: يتألف الجلد من ثلاث طبقات: 1 - البشرة (Epidermis): وهي الطبقة السطحية للجلد. تتكون البشرة من صحائف من الخلايا الميتة، حيث تنمو الخلايا الموجودة في قاعدة البشرة بصورة متواصلة، ثم تنقسم وتهاجر إلى السطح، وتمتلئ هذه الخلايا بالكيراتين Keratin (وهو بروتين ليفي قاسي)، يمنح الجلد قوته ومرونته، ومع مرور الوقت تصل خلايا الجلد إلى السطح، وهناك تموت وتُطرح على شكل قُشيرات جلدية، مفسحة المجال أمام ظهور جلد جديد. 2 - الأَدَمَة (Dermis): وهي الطبقة السفلية من الجلد. وتتكون من نسيج قوي ومرن، وتحتوي على جميع الأوعية الدموية اللمفية والغدد العرقية والأعصاب، والغدد الزهمية، وجريبات الشعر، والألياف العضلية، والمستقبلات (أعضاء حساسية تكشف اللمس والضغط والحرارة والبرد)، وهي التي تجهّز البشرة وتدعمها. كما تحتوي الأدمة أيضاً على خلايا تقوم بترميم الجلد عندما يتعرض للأذى. 3 - اللحمة، أو الأدمة التحتانية (Lower dermis): وهي عبارة عن نسيج ضامًّ وأوعية دموية وخلايا تختزن الدهن، ويساعد في وقاية الجسم من الضربات وغير ذلك من الإصابات، كما يساعد أيضاً في حفظ

حرارة الجسم (¬1). 3:37 صورة توضيحية لطبقات الجلد أولاً: المراهم والكريمات: الجانب الطبي: المراهم والكريمات (Ointments): شكل صيدلاني شبه صلب لزج القوام معد للاستعمال الخارجي على الجلد والأغشية المخاطية للعين (مرهم عيني)، والأنف، والمهبل، وتحتوي المراهم على المواد الدوائية موزعة أو ذائبة في القاعدة المرهمية. ¬

_ (¬1) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 257 - 258، والخطيب، عماد، وآخرون، دليل المصطلحات الطبية، مرجع سابق، ص 253، وموقع طبيب http://www.6 abib.com/a-662.htm ، تاريخ التصفح 20/ 9/2010 م.

أنواع المراهم والكريمات: المراهم الجلدية نوعان: منها ما هو مركب من قاعدة دهنية، ومنها ما هو مركب من قاعدة مائية، وكلاهما يمتص عبر المسام ويتشربه النسيج الجلدي. والمراهم والكريمات لها نفس التصور الطبي، إلا أنّ مذيب الدواء في المرهم هو الماء أو مادة ذائبة في الماء، أما في الكريم فإنّ المذيب فيه هو مادة زيتية أو دهنية. الاستعمال: تستعمل المراهم والكريمات للأغراض التالية: 1. لتأثيرها الواقي حيث تشكل طبقة تعزل الجلد عن المؤثرات الخارجية. 2. لتأثيرها الملين حيث تقي الجلد من الجفاف. 3. لتأثيرها العلاجي حيث تعالج حالات الحكة والحساسية والأكزيما والتسلخات الجلدية وغيرها. 4. لتأثيرها النازع للشعر. 5. لتأثيرها المطهر للجروح والجلد. 6. لتأثيرها المسكن أو المخدر لتخفيف الألم. 7. لتأثيرها على الجانب الجمالي، مثل تبييض البشرة (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: موقع عالم الصيادلة: http://www.pharmacistsworld.com/forum/showthread.php?t=14306، تاريخ التصفح:21/ 9/2010 م، وباشا، حسان شمس، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 2، ص 262.

3:38 صورة لمراهم ودهانات للجلد ثانياً: اللصقات الطبية: عبارة عن لصقة جلدية تحتوي على مادة دوائية علاجية أو وقائية توضع على الجلد لتوصل للجسم جرعة محددة من خلال الجلد لتصل إلى الدم. طبيعة عمل اللواصق: تستعمل اللواصق الطبية كوسيلة لإيصال الأدوية إلى الجسم عن طريق الجلد، وتنبع فكرتها من محاولة الالتفاف حول إشكالات الامتصاص عن طريق الفم أو عن طريق الحقن الوريدي أو العضلي، أو حتى تحت الجلد. وتمتاز اللصاقات الجلدية الطبية بقدرتها على إيصال الدواء إلى الدم بمعدل ثابت لا يمكن في الظروف العادية الوصول إليه إلا من خلال المحاليل الوريدية المستمرة. وهذه الميزة لا تتحقق بسهولة في وسائل إعطاء الأدوية الأخرى. كما تشتمل على فوائد كثيرة، وتيسير الأمر بالنسبة للمرضى، وتسهيل طرق الامتصاص وإنقاص عدد المرات التي يعطى فيها الدواء، ففي بعض الحالات يُكتفى بإعطاء الدواء مرة

أسبوعياً عن طريق الجلد، ولو تم إعطاء الدواء بطرق أخرى لاقتضى الأمر إعطاء الدواء عدة مرات يوميا. كما أنّ الأدوية التي تعطى عن طريق الجلد تصل إلى الدورة الدموية دون المرور على الجوف، أو القناة الهضمية والجهاز التنفسي، وبالتالي فلا يمكن اعتبارها أدوية عن طريق الجوف، بالإضافة إلى أنها تكاد تخلو من الماء حيث تقترب النسبة إلى أقل من الصفر (¬1). أنواعها: أبرز أنواع اللصقات المستخدمة والشائعة هي: 1. لصقة النيتروجلسرين: وتستخدم لعلاج الذبحة الصدرية، وهبوط القلب، وتوضع على جلد منطقة الصدر، حيث يمتص الجلد العلاج إلى الأوعية الدموية، ومنها إلى القلب، حيث تصل إلى الشرايين التاجية، وتقوم بتوسعتها ومنع انقباضها. 2. لصقة النيكوتين: وتستعمل لمساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين، وذلك عن طريق امتصاص الجلد مادة النيكوتين إلى الدم، حتى لا يشعر ¬

_ (¬1) انظر: أد./ الجار الله، جمال صالح، أستاذ مشارك الصيدلة الأكلينيكية، كلية الطب، جامعة الملك سعود، سلسة الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي (1)، الرياض 23/ 8/1428 هـ، http://www.islamfeqh.com/Nadawat/NadwaInfo.aspx?ID=1، تاريخ التصفح 21/ 9/2010 م.

المدخن برغبة في التدخين. 3. لصقة الهرمونات: وتعطى للمرضى الذين يعانون من نقص في الهرمونات الضرورية؛ كهرمونات الذكورة، وغيرها (¬1). ويختلف الامتصاص بين الأشخاص، فالصغار وكبار السن يمتصون الأدوية عن طريق الجلد أكثر من غيرهم، وحسب المنطقة من الجلد، فالجفون وكيس الخصيتين مثلاً يزيد الامتصاص فيه عن الأجزاء الأخرى، يليها جلد الجبهة، والوجه، وفروة الرأس، والصدر، والظهر، والبطن، والعضدين، والفخذين، بينما أقل المناطق امتصاصاً هي باطن الكفين، وباطن القدمين، والأظافر. وهناك عوامل تغير من الامتصاص، مثل الجلد المبلل الذي يمتص أفضل من الجلد الجاف، كما أنَّ الجلد الذي به جروح يمتص بشكل أكبر من غيره (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: د. عرفة، محمد رضوان، نائب مدير مركز الملك فهد لطب وجراحة القلب، اللاصق الطبي من منظور فقهي، http://www.islamfeqh.com/Forums.aspx?g=posts&t=19 الإصدارات الفقهية لموقع الفقه الإسلامي (1)، الرياض 23/ 8/1428 هـ، تاريخ التصفح 21/ 9/2010 م. (¬2) المرجع السابق، نفس الموقع.

3:39 صور لبعض اللصقات العلاجية الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: تحدث الفقهاء المتقدمون عن حكم ما يدخل الجسم عن طريق الجلد امتصاصاً من المسام، وأثره على الصوم، ومثلوا له بدهن الرأس، والبدن، والحناء، وحك الحنظل بالقدم، وحكم الصوم فيما إذا وجد طعم هذه الأشياء في حلقه. التخريج الفقهي: ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية، والشافعية، والحنابلة) إلى أنَّ ما يدخل الجسم عن طريق الجلد امتصاصاً من المسام لا يُفَطِّر الصائم، ولو وجد طعمه في حلقه. والمشهور عند المالكية أنّه يفسد الصوم إن وجد طعمه في حلقه، وقول آخر عندهم يوافق المذاهب الثلاثة.

القول الأول (الحنفية والشافعية والحنابلة): قالوا إن ما يدخل من الجلد لا يفسد الصوم وإن وجد طعمه في حلقه. وهذه أقوالهم تبين موقفهم من هذه المسألة. • الحنفية: قال السرخسي في حديثه عما لا يفسد الصوم: «وإن وصل عين الكحل إلى باطنه فذلك من قبل المسام لا من قبل المسالك؛ إذ ليس من العين إلى الحلق مسلك، فهو نظير الصائم يشرع في الماء فيجد برودة الماء في كبده، وذلك لا يضره، وعلى هذا إذا دهن الصائم شاربه» (¬1). وقال فخر الدين عثمان الزيلعي (¬2) في حديثه عما لا يفسد الصوم: «أو احتلم، أو أنزل بنظر، أو ادَّهَن، أو احتجم، أو اكتحل، أو قَبَّل ... لم يُفْطِرْ» (¬3). • الشافعية: قال النووي: «ولو طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل جوفه بشرب المسام لم يفطر؛ لأنَّه لم يصل من منفذ مفتوح كما لا يفطر بالاغتسال والانغماس في الماء وإن ¬

_ (¬1) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67. (¬2) ذكرت اسمه في الأصل لتمييزه عن الزيلعي صاحب نصب الراية، فذاك عبد الله بن يوسف، وفخر الدين عثمان متقدم عليه، وكلاهما من أئمة المذهب الحنفي. (¬3) فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 1، ص 322.

وجد له أثراً في باطنه» (¬1). وصرح ابن حجر الهيتمي بأن ما يدخل عن طريق المسام داخل تحت دائرة العفو، وإن وصل إلى الجوف من خلالها حيث يقول: «لا يضر تشرب المسام، وهي ثُقب البدن، بالدهن والكحل والاغتسال، فلا يفطر بذلك، وإن وصل جوفه؛ لأنه لما لم يصل من منفذ مفتوح كان في حيز العفو ولا كراهة في ذلك، لكنه خلاف الأولى» (¬2). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «من لطخ باطن قدميه بالحنظل فوجد مرارته في حلقه لم يفطره» (¬3). ومعلوم أن نفوذ الحنظل يكون عن طريق المسام. وقال البهوتي: «لو لطخ باطن قدمه بشيء فوجد طعمه بحلقه لم يفسد؛ لأن القدم غير نافذ للجوف أشبه ما لو دهن رأسه فوجد طعمه في حلقه» (¬4). القول الثاني (المشهور من مذهب المالكية): ذهب بعض المالكية إلى أنّ ما يصل الجسم عبر المسام مفسد للصوم، وهذه نصوصهم تبين ذلك: ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 358. (¬2) ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن محمد، الهيتمي، المنهج القويم (د. ن، د. ط، د. ت) ج 1، ص 509. (¬3) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، الكافي، مرجع سابق، ج 3، ص 352. (¬4) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، مرجع سابق، ج 1، ص 483.

• المالكية: قال العبدري: «وكذا إن وجد طعم دهن رأسه، فإنه يقضي، وفي التلقين: يجب الإمساك عما يصل إلى الحلق مما ينماع أو لا ينماع، ... ومثلها الكحل، والدهن، والشموم الواصلة إلى الحلق، وإن من الأنف» (¬1). أما القول الآخر في مذهب المالكية فقد ذهب إليه الدردير، فقد ذكر رأيه، وبين أنه خلاف المشهور من المذهب حيث قال: «فمن دهن رأسه نهاراً ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه نهاراً فاستطعمها في حلقه، فلا قضاء عليه، ولكن المعروف من المذهب وجوب القضاء» (¬2). أدلة القول الأول (الجمهور): استدل الجمهور على قولهم بعدة أدلة منها: 1 - حديث عائشة وأم سلمة - رضي الله عنها -: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» (¬3). وجه الدلالة أن الماء يخترق المسام ولو كان يفطر لما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - أثناء الصوم، ولقدم فعله قبل الفجر. ¬

_ (¬1) العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425. (¬2) الدردير، أحمد أبو البركات، الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524. (¬3) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً، رقم: 1825، ومسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، رقم: 1109.

2 - أثر ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا» (¬1). 3 - أثر أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا، فَلْيَدَّهِنْ حَتَّى لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ صَوْمِهِ» (¬2). ووجه الدلالة من الأثرين واضح، حيث جاء فيه حث الصائم على الادهان ولو كان الدهن – مع نفوذه إلى الداخل – يفسد الصوم لما حثَّ عليه. أدلة القول الثاني (جمهور المالكية): ذكر المالكية تعليلاً لما ذهبوا إليه، وهو أنَّ وجود الطعم في الحلق يدل على وصوله إليه، وما وصل إلى الحلق فهو مُفَطِّر (¬3). الترجيح: الذي يظهر جليا أن قول الجمهور هو الراجح، لقوة أدلتهم، وأما ما علل به المالكية بأنَّ وجود الطعم في الحلق يدل على وصوله إليه فليس بصحيح، إذ وجود الطعم بسبب استشعار عصب التذوق، وليس لوصول المادة. حكم المراهم واللصقات العلاجية والتجميلة في ضوء هذا التخريج: ¬

_ (¬1) رواه البخاري معلقاً، كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم. (¬2) رواه ابن أبي شيبة، كتاب الصيام، باب من كان يحب ألا يُعلم بصومه، رقم: 9755. (¬3) العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 425.

المراهم والكريمات واللصقات العلاجية غير مُفَطِّرة عند الجمهور، ومُفَطِّرة عند أغلب المالكية. أقوال المعاصرين في المراهم والكريمات واللصقات العلاجية: لم أقف –حسب علمي وتتبعي- على أحد من المعاصرين قال بأنَّ المراهم والكريمات واللصقات العلاجية والتجميلية مفسدة للصوم، ونقل الشيخ هيثم خياط إجماع المعاصرين على ذلك (¬1)، إلا ما وقع من خلاف حول لصقة النيكوتين المساعدة على ترك التدخين، ولصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش، ولذا أفردتهما بالدراسة عقب هذه المسألة، حيث أنّ سبب القول بالتفطير فيهما لا يرجع لدخول شيء عبر المسام، وإنما لما تحدثه لصقة النيكوتين من نشوة في الدماغ، ولمنافاة لصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش لحكمة الصوم. وقد اتفق أعضاء المجمع الفقهي على كون المراهم والكريمات واللصقات العلاجية غير مُفَطِّرة (¬2). كما أثبت الطب الحديث عدم وجود علاقة بين ما يدخل من مسام الرأس أو غيرها بالجهاز الهضمي، وما يجده الإنسان من طعم في حلقه إنما هو من حلمات عصب التذوق وليس لوصول المادة إلى الحلق (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 289. (¬2) انظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬3) أفادني الدكتور البار بهذه المعلومات في حواري معه في عيادته بمدينة جدة الذي سبق الإشارة إليه. وانظر: باشا، حسان شمس، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 2، ص 262.

مسألة لصقة النيكوتين: الجانب الطبي: لصقة النيكوتين (Nicorette Patches): هي لصقة تستعمل لمساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين، وذلك عن طريق امتصاص الجلد مادة النيكوتين إلى الدم، حتى لا يشعر المدخن برغبة في التدخين. ومعلوم أن النيكوتين مادة إدمانية موجودة في التبغ، والمدخن الذي يحاول الإقلاع عن التدخين غالباً ما يعاني من أعراض غير مريحة، وهو ما يطلق عليها بأعراض الانسحاب من النيكوتين والتي تضم الشعور بالاستثارة، والأرق، والصعوبة في التركيز، والميل للعودة إلى التدخين مرة أخرى. طريقة استخدام لصقة النيكوتين: ينبعث من اللصقة نيكوتين على هيئة جِل، ويمتصه الجلد ومن ثَّم الدم، وبهذه الطريقة تساعد لصقة النيكوتين على التوقف عن التدخين بتقليل أعراض الانسحاب، وتوضع الجهة اللاصقة في مواجهة الجلد على الحوض أو الجزء العلوي من الذراع، لمدة 16 ساعة فقط في اليوم، ولا تستخدم عند النوم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: موقع أفضل صحة الطبي: http://www.allbesthealth.com/Smoking 1/QuitSmoking/SmokingReplacementTherapy-OralTablets.htm، تاريخ التصفح: 24/ 9/2010 م. وموقع مجمع الأمل للصحة النفسية: http://www.alamal.med.sa/page_36_56.shtml، تاريخ التصفح: 24/ 9/2010 م.

4:40 صورة للصقة النيكوتين أثناء وبعد التركيب الجانب الفقهي: من حيث التأصيل الفقهي فإنَّ القول فيها هو ما سبق في الحديث عن المراهم واللصقات، وإنما أفردتها بسبب ما وقع من خلاف بين المعاصرين في حكمها. أقوال المعاصرين: القول الأول (أنها مُفَطِّرة): ذهب بعض المعاصرين إلى أن لصقة النيكوتين مُفَطِّرة ولا ينطبق عليها عموم حكم اللصقات العلاجية، وممن ذهب إلى ذلك مفتي السعودية الشيخ

عبدالعزيز آل الشيخ، واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (¬1). دليلهم: القياس على التدخين، حيث قالوا إنّ اللصقة تمد الجسم بالنيكوتين، وتصل إلى الدم، وهذا يبطل الصيام كما يبطله التدخين؛ لأن المفعول واحد (¬2). القول الثاني (أنها غير مُفَطِّرة): ذهب جمهور المعاصرين إلى أن لصقة النيكوتين غير مُفَطِّرة، وهو ما ذهب إليه قرار المجمع الفقهي (¬3)، وبه أفتى الشيخ العثيمين (¬4) خلافاً لقول اللجنة الدائمة، وبه أفتت لجنة الإفتاء الرسمية في الأردن (¬5). الترجيح: يرى الباحث أن لصقة النيكوتين غير مفسدة للصوم وأنَّ حكمها حكم بقية ¬

_ (¬1) انظر: فتوى اللجنة الدائمة على موقع اللجنة، http://www.alifta.net فتوى رقم: 21734. (¬2) المرجع السابق. (¬3) قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬4) انظر: الجلسات الرمضانية للشيخ العثيمين لعام 1415 هـ، دروس مفرغة على موقع طريق الإسلام، http://www.islamweb.net . (¬5) انظر موقع دائرة الإفتاء في الأردن: http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/fatwa/show/id/897، تاريخ التصفح، 24/ 9/ 2010 م.

اللصقات الطبية نظراً للأسباب الآتية: 1. أن ما يصل عن طريق الجلد غير مؤثر في الصوم، وسبق بيان أدلة الجمهور الصريحة وترجيحها. 2. أن ما يصل عن طريق لصقة النيكوتين ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما لا صورة ولا حكماً، حيث لا يستغني به الشخص عن الأكل والشرب. 3. ما ذكره المانعون من أن لصقة النيكوتين تعطي الجسم راحة، فهذا الحكم ينطبق على بعض المراهم العلاجية، ولا يقولون بكونها مُفَطِّرة، ويلزمهم إما القول بأنَّ الجميع مُفَطِّر أو غير مُفَطِّر (¬1). • مسألة لصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش: الجانب الطبي: مما ظهر في الآونة الأخيرة ما يعرف بلصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش، وذلك لغرض تخفيف الوزن في عملية الرجيم. مكوناتها وطبيعة عملها: تتكون هذه اللصقة المعروفة باسم (diet patches) من عدة مواد كميائية ¬

_ (¬1) استغرب الدكتور محمد البار الفتوى القائلة بأن لصقة النيكوتين مُفَطِّرة، ورأى أنّ الطب لا يتفق مع هذه الفتوى، وقال: إنّه لا فرق بينها وبين اللصقات العلاجية الأخرى. من حوار مع الدكتور، سبق الإشارة إليه.

تعمل عملها في إزالة الشعور بالشهية، وتقليل كمية المياه التي يفقدها الجسم وقد ذكر المختصون (¬1) أنّ المواد الأساسية والفاعلة للصقة النموذجية طبياً تتكون من عدة مواد لكل مادة دور تقوم به، وبمجموع هذه المواد تؤدي اللصقة مفعولها في إزالة الشعور بالجوع والعطش، والتقليل من الشهية، وهذه المواد هي: 1. (Fucus incease)، تساعد على عملية التمثيل الغذائي في الجسم من خلال تحفيز الغدة الدرقية، وحرق مزيد من السعرات الحرارية. 2. (5 - hydroxyl tryptophan): تقلل الرغبة الشديدة للحلويات والكربوهيدرات من خلال التحكم في مستويات السيروتونين في الدماغ. 3. (Zinc pyruvate s): تساعد في انهيار الخلايا الدهنية في الوقت الذي تساعد على بناء كتلة العضلات. 4. (Dehyropiandrosterone): تساعد الجسم على إدارة كمية من السعرات الحرارية أكثر كفاءة. 5. Yerba mate. خافض للشهية. 6. Lecithin. ليستين: يساعد على تكسير الدهون والكولسترول. 7. (Guarana)، وهو من المنشطات مثل الكافيين التي تساعد أيضا على ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتور محمد علي الناشري، أخصائي الكيمياء السريرة، بقسم العلوم الطبية بجامعة التكنولوجيا مارا الماليزية، UiTM . (1/349)

زيادة التمثيل الغذائي مع الحفاظ على مستويات عالية من الطاقة (¬1). ومن خلال التأمل في طبيعة عمل المواد المكونة لهذه اللصقة، فإنّه يتبين لنا أنّها لا تمد الجسم بطاقة غذائية، بقدر ما تمنع شعوره بالجوع والعطش من خلال تقليل الرغبة والشهية (¬2). الجانب الفقهي: التكييف والتخريج الفقهي: يتوافق التكييف الفقهي من حيث الصورة مع التكييف الفقهي للصقات والمراهم التي تصل موادها إلى داخل الجسم عن طريق المسام، فيكون تكييفها من هذا الجانب ما تم ذكره في عموم اللصقات العلاجية سابقاً، ويتخرج حكمها على أنها غير مُفَطِّرة عند جمهور الفقهاء (الحنفية، والشافعية، والحنابلة)، ومُفَطِّرة في المشهور عند المالكية وقد تقرر اتفاق المعاصرين أنّ اللصقات الطبية غير مُفَطِّرة، إلا في لصقة النيكوتين (¬3) ولصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش، لاعتبارات أخرى غير اعتبار ¬

_ (¬1) Herrick, C. & Mitchell, M .2009.100 Questions & Answers About How to Quit Smoking. PP: 157. Ontario. Jones and Bartlett Publishers. (¬2) قليل هم من تناول هذه اللصقة بحكم، وهناك مجامع وعدت بدراستها ولم يصدر بعد عنها قرار، وذلك أنّ ظهور هذه اللصقة إلى الواقع لم يتعدى الثلاث سنوات. (¬3) وهي المسألة التي تم دراستها قبل هذه المسألة، ص (330).

كونها نافذة من المسام، إذ أنّ ذلك غير مفسد للصوم (¬1). فما إشكالية الخلاف في هذه اللصقة؟ موقف الفقهاء المعاصرين: تكمن إشكالية الخلاف بين الفقهاء المعاصرين حول استخدم لصقة إزالة الجوع والعطش في كونها تنافي حِكَم الصيام، التي منها الشعور بالجوع والعطش لتتحقق النظرة الاجتماعية للفقراء والمساكين والشعور بشعورهم. وقد اختلفت أقوال الفقهاء المعاصرين على ثلاثة أقوال: القول الأول (الإباحة): وهو ما ذهب إليه الشيخ محمد باريش، مفتي جنوب تركيا، وعلل ذلك بأنّه لا يوجد محذور شرعي من استخدامها (¬2). القول الثاني (الكراهة): وهو ما ذهب إليه الشيخ يوسف القرضاوي (¬3)، وعلل ذلك بأنّ هذه ¬

_ (¬1) سبق بيان أقوالهم والترجيح بينها، فأغنى عن إعادتها هنا. (¬2) انظر: موقع محيط الإخباري: http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=160441&pg=5 تاريخ التصفح، 26/ 9/2010 م. (¬3) انظر: فتوى الشيخ القرضاوي على موقعة على شبكة الإنترنت http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=6153&version=1&template_id=225&parent_id=17 , تاريخ التصفح، 26/ 9/2010 م.

اللصقة تقلل من الحِكم التي أرادها الشارع من الصوم، مثل تحمل المشقة والشعور بمعاناة الفقراء. القول الثالث (التحريم): وهو ما ذهب إليه الشيخ أحمد طه ريان رئيس لجنة الفقه بالمجلس الأعلى بالأزهر، وعلل ذلك بأنه تحايل على الدين وعلى فريضة الصوم (¬1). الترجيح: بعد هذه الإطلالة على لصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش يرى الباحث أنّ هذه اللصقة غير مُفَطِّرة، إلا أنّ عدم استخدامها على الدوام أبلغ في تحقيق الحكمة من الصوم بتربية النفس على التحمل، والشعور بالفقراء والمساكين، وأن الشعور بالجوع والعطش يُسَكِّن النفس ويحد من غلوائها. أما اختيار الباحث عدم التفطير بهذه اللصقة فذلك للأسباب الآتية: 1. أنّ ما يدخل عن طريق المسام لا يؤثر على صحة الصوم كما تقرر سابقاً، وهو حقيقة هذه اللصقة. 2. أنها ليست أكلاً ولا شرباً، ولا تقوم مقامهما بتغذية البدن. ¬

_ (¬1) انظر: موقع العربية الإخباري: http://www.alarabiya.net/articles/2008/08/27/55584.html، تاريخ التصفح، 26/ 9/2010

3. أنَّ القول بالتحريم لمنافاتها الحكمة غير مسلم وذلك أنّ الحِكم مقاصد مستنبطة، ولا تربط بها الأحكام، وإنما تربط بالعلل التي هي أوصاف ظاهرة ومنضبطة. 4. أنّ تَقصد عدم الشعور بالجوع والعطش لا يؤثر على صحة الصوم فقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبرد بالماء وهو صائم لإزالة الشعور بالتعب، فقد ثبت عند أبي داود: «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ، أَوْ مِنَ الْحَرِّ» (¬1). كما ثبت ذلك أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يفعلون ذلك، فقد روى البخاري أنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يبُلّ الثوب ويلقيه على نفسه وهو صائم (¬2)، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنّه قال: «إِنَّ لِي أَبْزَنَ (¬3) أَتَقَحَّمُ فِيهِ، وَأَنَا صَائِمٌ» (¬4). فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة الكرام - رضي الله عنهم - يتقصدون التخفيف من وطأة الصوم، فإنَّ اللصقة التي تزيل الشعور بالجوع والعطش نظير هذه الصورة. ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب الصوم، باب الصَّائِمِ يَصُبُّ عليه الماء من العطش، رقم: 2365. (¬2) رواه البخاري معلقاً، كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم. (¬3) والأبزن: حوض صغير أو قصرية من فخار أو حجر. انظر: ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 4، ص 154. (¬4) رواه البخاري معلقاً، كتاب الصوم، باب اغتسال الصائم.

المبحث الثالث ما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج

المبحث الثالث ما يدخل الجسم عبر الجهاز التناسلي والشرج وفيه مطالب: المطب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة. وفيه مسائل: المسألة الأولى: المنظار المهبلي. المسألة الثانية: أصبع الفحص الطبي. المسألة الثالثة: الغسول المهبلي. المسألة الرابعة: التحاميل والمراهم المهبلية. المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي. وفيه مسائل المسألة الأولى: منظار الجهاز البولي. المسألة الثانية: القسطرة البولية. المسألة الثالثة: غسول المثانة. المسألة الرابعة: إدخال الدواء للجهاز البولي. المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج. وفيه مسائل المسألة الأولى: الحقن الشرجية. المسألة الثانية: التحاميل والمراهم الشرجية. المسألة الثالثة: المنظار الشرجي وأصبع الفحص الطبي.

المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة

المطلب الأول: ما يدخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة: الجانب الطبي: الجهاز التناسلي للمرأة: لكي نستطيع بناء الحكم على تصور صحيح في المسائل المتعلقة بما يدخل إلى المهبل، والرحم، لابد أن نعرف التوصيف الطبي للجهاز التناسلي عند المرأة. مكونات الجهاز التناسلي للمرأة: يتكون الجهاز التناسلي للأنثى من أعضاء تناسلية ظاهرة وأخرى باطنة. الأعضاء الظاهرة، وتشمل: 1. فتحة الفرج، وتقع في الدهليز بين الشفرين الصغيرين. 2. الشفران الصغيران والشفران الكبيران، ويقعان على حافتي فتحة الفرج. 3. صماخ قناة مجرى البول، وتقع أمام فتحة الفرج. الأعضاء الباطنة، وتشمل: 1. المهبل: وهو شقّ ضيق يصل ما بين فتحة الفرج من أسفل وعنق الرحم من أعلى، ويغطي المهبلَ غشاءُ البكارة قبل الزواج ويتمزق بعد الجماع. 2. المبيضان: ويوجد مبيض على كل جانب في الحوض الحقيقي للمرأة،

وفيهما تتكون البويضة. 3. الرحم: ويقع في وسط الحوض، وفيه يتخلَّق الجنين ويستقر. 4. قناتا الرحم (قناتا فالوب): واحدة من كل جانب، والقناة عبارة عن أنبوب يصل ما بين المبيض والرحم يبدأ طرفه الواسع من جهة المبيض، ويحتوي هذا الطرف على أهداب تساعد على حركة البويضة إلى داخل القناة، أما طرفه الضيق فيتصل بالرحم من جهته العليا (¬1). العلاقة بين الرحم والجهاز الهضمي: مما كان شائعاً في القديم وجود اتصال بين الجهاز التناسلي للمرأة وبين الجهاز الهضمي، مما حدا بالفقهاء المتقدمين أن يبنوا على ذلك أحكاماً معللين تلك الأحكام بما تصوروه من اتصال بين الجهازين، وقد بين الطب التشريحي الحديث عدم وجود أي اتصال بينهما (¬2). يقول الدكتور حسان شمسي باشا (¬3): «أما الآن فليس هناك أدنى شك في ¬

_ (¬1) انظر: د. عبد المجيد الشاعر، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 369، وهاني عرموش، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 784، و. موقع طبيبك، http://www.tbeebk.com/sexual-health-clinic/757 - female-genital-sysytem.html، تاريخ التصفح 28/ 9/2010 م. (¬2) انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 211، و 238. (¬3) الدكتور حسان شمسي باشا: رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد، واستشاري أمراض القلب، وعضو الهيئات الملكية للأطباء الداخلين في بريطانيا.

أنّ المهبل والرحم منفصلان كليًّا عن جهاز الهضم» (¬1). 3:41 صورة توضح تركيب الجهاز التناسلي للمرأة الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: من خلال التتبع لما يتم إجراؤه من علاجات، وفحص، وتشخيص للمهبل والرحم نجد أنّ لها صور متعددة، ولكن تكييفها الفقهي ينطبق عليه ما تحدث عنه الفقهاء المتقدمون حول ما يدخل عبر الفرج، وتأثيره على الصوم. التخريج الفقهي: يكاد أن يكون هناك اتفاق بين المذاهب أنَّ ما يصل إلى الفرج مفسد للصوم ¬

_ (¬1) باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 254.

على تفاوت في بعض الصور والشروط، فالحنفية يرون إدخال الإصبع أو العود في فرج المرأة مفسد للصوم إذا كان مبتلاً بماء أو دهن، وجمهور المالكية يرون أنَّ ما يصل إلى جوف الصائم عن طريق الفرج يفسد الصيام، ويوجب الكفارة، ولهم فيها شروط، وكذا الشافعية وجمهور الحنابلة عندهم أنّ ما وصل إلى جوف الصائم عن طريق الفرج من إصبع، ونحوه يبطل الصوم. وذهب بعض المالكية، وبعض الحنابلة إلى أنَّ ما يصل فرج المرأة لا يفسد الصوم وسوف نبين أقوالهم، وأدلتهم، وما اشترطوه وما استثنوه. القول الأول: أن الصوم يفسد بما يصل إلى فرج المرأة: وهو قول الحنفية، وجمهور المالكية، والشافعية، وجمهور الحنابلة. • الحنفية: قال ابن نجيم في حديثه عن المُفَطِّرات: «... أو أدخلت المرأة في فرجها هو المختار، إلّا إذا كانت الإصبع مبتلة بالماء أو الدهن فحينئذ يفسد؛ لوصول الماء أو الدهن، وقيل: إنّ المرأة إذا حشت الفرج الداخل فسد صومها» (¬1). ويقول: «الإقطار في قُبُل المرأة يفسد الصوم بلا خلاف على الصحيح» (¬2). ¬

_ (¬1) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 300. (¬2) المرجع السابق، ص 301.

فهذا ابن نجيم بين لنا اشتراط الحنفية أن يكون الداخل مبتلاً. ويقول فخر الدين عثمان الزيلعي: «لو أدخلت الصائمة إصبعها في فرجها أو دبرها لا يفسد على المختار، إلا أن تكون مبلولة بماء أو دهن ... ، واختلفوا في الإقطار في قُبُلِها، والصحيح الفطر» (¬1). وتصريح الزيلعي أبلغ في بيان أن دخول غير المبلول إلى فرج المرأة لا يفسد الصوم. • المالكية: قال الدسوقي في حديثه عن المُفَطِّرات: «وحقنة من إحليل – أي لا تفطر -؛ لأنها لا تصل لمعدته، وأما من الدبر، أو فرج المرأة فتوجب القضاء إذا كانت بمائع لا بجامد» (¬2). • الشافعية: قال النووي: «لو أدخل الرجل إصبعه، أو غيرها دبره، أو أدخلت المرأة إصبعها، أو غيرها دبرها، أو قُبُلها، وبقي البعض خارجاً: بطل الصوم باتفاق أصحابنا» (¬3). • الحنابلة: قال البهوتي: «داخل فرجها في حكم الباطن، فيفسد صومها بإدخال غير ¬

_ (¬1) الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 1، ص 322. (¬2) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524. (¬3) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322. (1/ 360)

الفرج الأصلي كإصبعها، وإصبع غيرها» (¬1). القول الثاني: (عدم فساد الصوم بما يصل إلى فرج المرأة): وهذا قول بعض المالكية وبعض الحنابلة. • بعض المالكية: قال الدسوقي مبيناً اعتراض بعض علماء المالكية على أنّ الداخل إلى الفرج مفسد للصوم: «واعترضه المسناوي – أي القول بأن الداخل إلى الفرج مُفَطِّر- بأن فرج المرأة ليس متصلا بالجوف فلا يصل منه إليه شيء» (¬2). ويقول الصاوي: «فرج المرأة، وفيه نظر بل هو كالإحليل» (¬3). أي أنّ الواصل إليه غير معتبر. • بعض الحنابلة: قال الرحيباني: «ولا يفسد صوم إن دخل في قُبُل كإحليل، ولو كان القُبُل لأنثى غير ذكر أصلي كإصبع وعود، ... لأن مسلك الذكر من الفرج في حكم الظاهر كالفم لوجوب غسل نجاسة» (¬4). وذكر ابن مفلح الخلاف في باطن الفرج هل له حكم الظاهر أو الباطن في ¬

_ (¬1) البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 193. (¬2) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 533. (¬3) الصاوي، أحمد، بلغة السالك لأقرب المسالك، مرجع سابق، ج 1، ص 451. (¬4) الرحيباني، مصطفى السيوطي، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مرجع سابق، ج 2، ص 193.

المذهب وقرر أنَّ جمهور الحنابلة على أنَّ له حكم الباطن، وبعضهم يرى أنه في حكم الظاهر، وعليه يتخرج الخلاف في فساد الصوم بما يصل إليه عند الحنابلة، حيث يقول: «إذا خرج ما احتشته ببلل: هل ينقض؟ قال في الرعاية: لا , لأنه في حكم الظاهر. وقال أبو المعالي: إن ابتل ولم يخرج من مكانه فإن كان بين الشفرين نقض , وإن كان داخلاً لم ينقض, ويخرج على ذلك أيضاً فساد الصوم بوصول إصبعها» (¬1). الترجيح: عند التأمل في قول الجمهور نرى أنهم لم يستندوا إلى دليل بقدر ما استندوا إلى تعليل كون الفرج متصلاً بالجوف، أو من الجوف، وقد ثبت بالتشريح الطبي ما لا يدع مجالاً للشك أنه لا علاقة بين الفرج والجهاز الهضمي، وأنَّ اعتبار الفرج من الجوف المؤثر على صحة الصوم ليس صحيحاً. وعليه فإنَّ القول بعدم فساد الصوم بما يصل إلى الفرج هو الراجح للأسباب الآتية: 1. أنّ القول الأول لا يعتمد على دليل. 2. فرج المرأة لا علاقة له بالجوف المؤثر (الجهاز الهضمي). 3. القول أنَّ الفرج جوف مؤثر بذاته لا يعتمد على دليل وقد سبق في ضابط ¬

_ (¬1) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 1، ص 95.

المُفَطِّرات أنّه لا يَفْسد الصوم إلا بما كان أكلاً أو شرباً أو في معناهما صورة أو حكماً، وليس ثمة شيء من ذلك في الداخل من الفرج. 4. أنّه لا يمكن أن نفسد عبادة إلا بنص صريح أو تعليل صحيح، وليس شيء من ذلك في الداخل من الفرج. أنواع الداخل عبر الجهاز التناسلي للمرأة: عند التتبع والاستقراء في المراجع الطبية، ومن خلال زيارتي للمستشفيات المختصة ومقابلتي مع الأخصائيين والاستشاريين الطبيين، وجدت أن ما يدخل الجهاز التناسلي للمرأة أحد أمرين: • أجهزة فحص وتنظير. • أدوية ومراهم للعلاج والتنظيف. وعلى ضوء هذا سنبين حكم ما يدخل إلى الجهاز التناسلي (¬1). • المسألة الأولى: المنظار المهبلي والرحمي: الجانب الطبي: يتعرض الجهاز التناسلي للمرأة لعدة أمراض مما يستدعي معه ضرورة التشخيص والعلاج للجزء الداخلي (المهبل والرحم)، ومن تلك الأمور المنظار ¬

_ (¬1) في جانب ما يتعلق بالداخل للجهاز التناسلي للمرأة زرت مستشفى الولادة والأطفال بمدينة بريدة، السعودية، وحاورت الدكتور مأمون توفيق رجب، أخصائي أمراض نساء وولادة في المستشفى، وقد اطلعني على هذه الأمور في عيادته في المستشفى، وانظر: موقع صحة الطبي http://www.6 abib.com/a-838.htm .

المهبلي، وأصبع الفحص الطبي، أو استخدام مراهم وأدوية، أو إجراء عمليات تنظيف للمهبل أو الرحم (¬1). عمل منظار المهبل والرحم: هو عبارة عن منظار يتيح للطبيب المعالج النظر إلى داخل الرحم مباشرة عن طريق عنق الرحم بعد إدخال سائل أو غاز معّين داخل تجويف الرّحم لفتحه ولسهولة النظر، ويتّصل هذا الجهاز بمصدر ضوئي كما هو الحال بالمنظار البطني ليتيح النظر من خلاله. ومن خلال عملية التنظير يستطيع الطبيب معرفة سبب النزيف والأورام الحميدة أو الخبيثة، حيث يتيح صورة مكبرة لهذه المنطقة، مما يسمح لأخصائي المناظير تمييز الأنسجة الطبيعية من غير الطبيعية بصرياً، وأخذ العينات الموجهة لإجراء فحوصات مرضية أخرى (¬2). 3:42 صورة تبين منظار المهبل والرحم • ¬

_ (¬1) من حوار أجريته مع الدكتور. مأمون توفيق رجب، أخصائي أمراض نساء وولادة في مستشفى الولادة والأطفال بمدينة بريدة، السعودية، في المستشفى المذكور. وانظر أيضاً البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ج 10، ص 242. (¬2) انظر: موقع الدكتورنجيب ليوس، http://www.layyous.com/root%20 folder/tr.htm .

المسألة الثانية: أصبع الفحص الطبي: قد يحتاج الطبيب لإجراء فحص يدوي للمهبل للتأكد من وجود بعض الأعراض المرضية، أو لإيصال العلاج إلى منطقة معينة داخل المهبل، ويستخدم الطبيب مادة دهنية مسهلة في الغالب (¬1). حكم منظار المهبل والرحم، وأصبع الفحص الطبي في ضوء كلام الفقهاء المتقدمين: إذا تأملنا المنظار المهبلي وحقيقته نجد أنه مُفَطِّر على رأي جمهور العلماء لأنه شيء يدخل إلى باطن الفرج، وقد سبق ذكر أقوالهم في التخريج الفقهي لما يدخل إلى باطن الرحم أنهم يرونه مفسداً للصوم. إلا أن يكون دخول المنظار بدون إضافة مواد دهنية مسهلة، فيكون غير مُفَطِّر على قول الحنفية، وقد سبق بيان اشتراطهم كون الداخل مبتلاً، وإلا لم يكن مفسداً للصوم. أما على القول الثاني (بعض المالكية، وبعض الحنابلة) فإن إدخال أصبع الفحص الطبي غير مفسد للصوم؛ لأنَّ المهبل له حكم الظاهر، أما المنظار فإنه يكون مُفَطِّراً عندهم إذا دخل إلى الرحم، أما إذا لم يتجاوز المهبل فلا يفطر (¬2). • ¬

_ (¬1) أفادني به الدكتور مأمون توفيق رجب، أخصائي أمراض نساء وولاد في المستشفى في حواري معه المذكور سابقاً، وانظر: باشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 257. (¬2) في ختام مسائل ما يدخل عن طريق الفرج سيكون ترجيح الباحث؛ حيث إنّ صورتها واحدة.

المسألة الثالثة: الغسول المهبلي (¬1) (VAGINAL DOUCHE): الجانب الطبي: هو عبارة عن سائل مائي مزود بمطهرات يتم ضخه إلى عمق المهبل، ثم يخرج مرة أخرى للتخلص من الإفرازات المهبلية، أو لتنظيف بقايا الدم بعد الدورة الشهرية، ويستخدم بعد الجماع لمنع حدوث الحمل، أو للوقاية دون انتقال الأمراض الجنسية (¬2). أنواع الغسول المهبلي: هناك نوعان من الدش المهبلي: الكرة المطاطية، والتي تحتوي بداخلها سائل مائي مزود بمطهرات تُضغط باليد ويندفع منها السائل خلال مخرج أنبوبي يتم إدخاله إلى المهبل. الوعاء البلاستيكي: وهو عبارة عن كيس بلاستيكي، أو وعاء معدني يتصل به أنبوب يتم إدخاله إلى المهبل ليتم ضخ المادة المائية المطهرة (¬3). ¬

_ (¬1) وهو مشهور باسم الدش المهبلي. (¬2) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 802، وموقع صحة المراة، http://womenshealth.about.com/cs/azhealthtopics/a/vagdouching.htm. (¬3) انظر: النشرة الصحية العامة الامريكية AMERICAN JOUNRAL PUPLIC HEALTH، على شبكة الإنترنت http://ajph.aphapublications.org/، تاريخ التصفح 29/ 9/2010.ترجمة ماجاء في النشرة الطبية الأمريكية نقلاً عن د. أحمد محمد باذيب، أستاذ الباطنة والأورام المشارك بكلية الطب جامعة حضرموت، موقع الشفاء الإسلامي، http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=7699.

3:43 صورة تبين أنواع الغسول المهبلي الجانب الفقهي: سبق أنّ التكييف والتخريج الفقهي لهذه المسائل، هو ما تحدث عنه الفقهاء في مسألة ما يدخل إلى الفرج. حكم الغسول المهبلي في ضوء كلام الفقهاء: عند النظر في طبيعة الغسول المهبلي من الناحية الطبية نجد أنَّه ينطبق عليه ما ذكره الفقهاء من التقطير في الفرج، وقد تبين لنا موقف الفقهاء من هذه المسألة، فيكون حكم الغسول المهبلي مُفَطِّرًا على رأي جمهور العلماء؛ لأنَّه شيء يدخل إلى باطن الفرج. وأما على القول الثاني (بعض المالكية، وبعض الحنابلة) فإن استخدام الغسول المهبلي غير مفسد للصوم؛ لأنَّ المهبل له حكم الظاهر عندهم.

المسألة الرابعة: التحاميل والمراهم: الجانب الطبي: يتعرض الجهاز التناسلي للمرأة لبعض الأمراض كالأخماج والتهاب المهبل والحكة الفرجية، ومن أهم العلاجات التي يتم استخدامها في المهبل لهذه الأمراض تحاميل ومراهم يتم إدخالها إلى عمق المهبل، ويتم امتصاصها في جدار المهبل (¬1). الجانب الفقهي: سبق التكييف والتخريج الفقهي لهذه المسائل، وهو ماتحدث عنه الفقهاء في مسألة مايدخل إلى الفرج. حكم التحاميل والمراهم المهبلية في ضوء كلام الفقهاء المتقدمين: عند النظر في طبيعة التحاميل والمراهم المهبلية من الناحية الطبية نجد أنه ينطبق عليها ما ذكره الفقهاء من التقطير في الفرج، وقد تبين لنا موقف الفقهاء من هذه المسألة، فيكون حكم استخدام التحاميل والمراهم المهبلية مفسداً للصوم على رأي جمهور العلماء؛ لأنه شيء يدخل إلى باطن الفرج. وأما على القول الثاني (بعض المالكية، وبعض الحنابلة) فإنَّ استخدام ¬

_ (¬1) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 800 - 801، والبار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 242، وباشا، حسان شمسي، التداوي والمُفَطِّرات، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 257.

التحاميل والمراهم المهبلية غير مفسد للصوم؛ لأنَّ المهبل له حكم الظاهر عندهم. أقوال الفقهاء المعاصرين في حكم ما يدخل الجهاز التناسلي للأنثى: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم ما يدخل إلى الجهاز التناسلي للمرأة، سواء المناظير أو التحاميل والمراهم. القول الأول: أن مايدخل إلى باطن الفرج (المهبل) مفسد للصوم وهو قول الشيخ حسنين مخلوف (¬1)، والشيخ وهبة الزحيلي (¬2)، والشيخ محمد جبر الألفي (¬3). أدلتهم: 1. عموم حديث: «الفطر مِمَّا دَخَل» (¬4). 2. أن داخل الفرج له حكم الجوف، فما دخل فيه من جامد أو مائع مفسد للصوم (¬5). 3. أن الإدخال إليه مناف لمقتضى الإمساك المطلوب في الصوم (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: برنامج فتاوى الأزهر، على موقع الأزهر على الإنترنت: http://www.alazhr.com/adownload.htm، أحكام الصيام، رقم الموضوع 29. (¬2) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 90 - 91. (¬3) انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، ص 90. (¬4) سبق تخريجه ص (131). (¬5) انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 90. (¬6) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 91.

القول الثاني: أن ما يدخل إلى باطن الفرج (المهبل) غير مفسد للصوم وهو قول الشيخ محمود شلتوت (¬1)، والشيخ ابن باز مفتي السعودية السابق (¬2)، والشيخ العثيمين (¬3)، والشيخ يوسف القرضاوي (¬4)، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (¬5)، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته حول المُفَطِّرات (¬6)، وما قررته الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي (¬7). الترجيح: بعد الاستعراض الطبي لما يدخل إلى المهبل والرحم، وبيان الموقف الفقهي من ذلك يرى الباحث أنَّ ما يدخل إلى المهبل أو الرحم من أجهزة فحص وتنظير، ¬

_ (¬1) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬2) انظر: فتوى الشيخ على موقع دار الإفتاء السعودية http://www.alifta.net/Fatawa/FatawaChapters.aspx?View=Page&PageID=112&PageNo=1&BookID=16، تاريخ التصفح 1/ 10/2010 م. (¬3) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد العثيمين، مرجع سابق، ص 204. (¬4) انظر: القرضاوي، يوسف بن عبد الله، فتاوى معاصرة، (الكويت: دار القلم، الطبعةالعاشرة، 1424 هـ ـ 2003 م) ج 1، ص 305. (¬5) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مرجع سابق، ج 10، ص 174. (¬6) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 454. (¬7) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

أو أدوية ومراهم للعلاج والتنظيف. كل ذلك لا يُفَطِّر ولا يفسد الصوم، وذلك للأسباب الآتية: 1 - أنّ القائلين بفساد الصوم بما يدخل إلى الفرج اعتمدوا على دليل وتعليل. أ-أما الدليل وهو حديث «الفطر مما دخل» فقد سبق بيان ضعفه. وأنَّ أئمة الحديث قد نصوا على تضعيفه منهم الزيلعي في نصب الراية (¬1)، وقال الهيثمي: «رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه» (¬2)، وقال القاري: «ولجهالة المولاة-أحد رواة الحديث- لم يثبته بعض أهل العلم» (¬3). وعلى فرضية صحة الحديث فإن قصة الحديث وسياقه تبين لنا المراد من النص، وهو أن المقصود به هو الداخل المعتاد من الفم (¬4). ب- وأما التعليل بأنَّ ما يدخل إلى الفرج يصل إلى الجوف فقد بين الطب الحديث عدم وجود أي صلة بين المهبل والرحم وبين الجهاز الهضمي (¬5)؛ وعليه ¬

_ (¬1) الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 453. (¬2) الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مرجع سابق، ج 3، ص 167. (¬3) القاري، علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، (لبنان، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1422 هـ - 2001 م) ج 4، ص 437. (¬4) سبق تفصيل الرد في ذلك في في الفصل الأول، المطلب الخامس: مناقشة تقرير الفقهاء للجوف، فاكتفيت بالإجمال، واستغنيت عن التفصيل بالإحالة إليه. (¬5) تم بيان ذلك في الجانب الطبي لهذه المسألة.

فإنَّ القول بعدم فساد الصوم بذلك أسعد بالدليل والتعليل. 2 - القول بأن الفرج جوف مؤثر بذاته لا يعتمد على دليل صحيح صريح. 3 - سبق في ضابط المُفَطِّرات (¬1) أنّه لا يفسد الصوم إلا بما كان أكلاً أو شرباً أو في معناهما صورة أو حكماً، وليس ثمة شيء من ذلك في الداخل من الفرج. 4 - أنّه لا يمكن أن نفسد عبادة إلا بنص صريح أو تعليل صحيح، وليس شيء من ذلك في الداخل من الفرج. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: الفصل الثاني، المبحث الرابع، ضابط المفطرات ص (135).

المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي.

المطلب الثاني: ما يدخل عبر الجهاز البولي. يتعرض الجهاز التناسلي كغيره من أجهزة الجسم للأمراض والأعراض الطبية المختلفة، وغالبا ما يتم تشخيصها أو علاجها من خلال إدخال أجهزة فحص أو أدوية من خلال الإحليل إلى المثانة أو لمعالجة مشاكل الإحليل نفسه، وهذه الأجهزة والعلاجات هي: 1. منظار الجهاز البولي. 2. القسطرة البولية. 3. غسول المثانة. 4. إدخال الدواء للجهاز البولي. ولكي يُبنى الحكم الشرعي في هذه المسائل على تصور صحيح لابد من بيان الجانب التشريحي للجهاز البولي، ولكي نعرف مدى قرب ما بناه الفقهاء المتقدمون من أحكام من الحقيقة الطبية التي أصبحت قطعية بحكم التشريح التصويري الدقيق لداخل الجسم. الجانب الطبي: الجهاز البولي (Urinary System): هو مجموعة الأعضاء التي تقوم بصناعة وتخزين وإخراج البول. مكونات الجهاز البولي: يتكون الجهاز البولي من الكليتين والحالبين والمثانة والإحليل.

الكليتان: الكلية عضو شبيه بثمرة الفاصوليا لونها أحمر رمادي، يبلغ طولها مابين 10 - 12 سم، وتقع الكليتان على الجدار الخلفي للتجويف البطني على جانبي العمود الفقري تحت الحجاب الحاجز، ويقوم الضلعان الأخيران في القفص الصدري بحماية الوجه الخلفي لكل كلية. الحالبان: الحالب قناة عضلية تدفع البول، ويبلغ طوله من 25 سم إلى 35 سم، وهو القناة التي تحمل البول من الكلية إلى المثانة البولية، ويوجد بجسم الإنسان حالبان، لكل كلية حالب متصل بالمثانة. المثانة: هي عبارة عن كيس غشائي عضلي مجوف بيضاوي الشكل يقع أسفل المنطقة الأمامية من الحوض، ودوره تخزين البول القادم من الكلية. الإحليل: هو قناة تربط المثانة إلى خارج الجسم، ووظيفة الإحليل في الجنسين إخراج البول إلى الخارج، وله وظيفة جنسية عند الذكور حيث يتم مرور السائل المنوي من خلاله. وفي الذكور، يكون طول الإحليل حوالي 20 سم، وتكون فتحته في نهاية

القضيب، وفي الإناث، يكون طول الإحليل مابين 2.5 - 4 سم، وتكون فتحته في نهاية الفرج بين البظر وفتحة المهبل (¬1). ومن خلال هذا الوصف التشريحي يتبين عدم وجود أي منفذ بين الجهاز البولي والجهاز الهضمي، وهو ما قرره الطب الحديث، وأثبته التصوير التشريحي للجهاز البولي. 3:44 صورة تبين الجهاز البولي للرجل وللمرأة (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: د. الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 296 - 301، وموقع المعرفة على الإنترنت: http://www.marefa.org/index.php تاريخ التصفح، 3/ 10/2010 م. (¬2) لا يوجد فرق بينهما سوى أنَّ الإحليل عند الرجل يمر من خلال القضيب، وعند المرأة من أعلى الفرج فوق المهبل.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: المسائل المتعلقة بما يدخل عن طريق الجهاز البولي من أجهزة كشف أو علاجات تدخل في إطار ما تحدث عنه الفقهاء المتقدمون في حكم الإقطار في الإحليل، وما يدخل عن طريق الإحليل. التخريج الفقهي: عند النظر في كلام الفقهاء المتقدمين حول ما يدخل إلى الإحليل، وحكمه نجد أنّهم قد اختلفوا بناءً على ما ظنوه من تصور تشريحي، وهل الإحليل منفذ إلى الجوف أم لا؟ وهل المثانة منفذ إلى الجوف أم لا؟، فقد اختلفوا في هذه المسألة على قولين من حيث الجملة، واختلف أصحاب القول الواحد في بعض التفريعات، فقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن ما يدخل البدن عن طريق الإحليل لا يفسد الصوم. وذهب الشافعية وأبو يوسف من الحنفية إلى أنَّ ما يدخل البدن عن طريق الإحليل مفسد للصوم. ومن خلال أقوالهم وأدلتهم يتبين لنا موقفهم، وكيف يترتب الحكم في ضوء تقريرهم الفقهي. القول الأول: (ما يدخل عن طريق الإحليل لا يفطر) وهذا القول هو قول الحنفية والمالكية والحنابلة، حيث ذهبوا إلى أنَّ ما

يدخل الإحليل لا يفطر، ولو وصل إلى المثانة. أقوالهم: • الحنفية: قال السرخسي: «فأما الإقطار في الإحليل لا يفطره عند أبي حنيفة ومحمد» (¬1). وحصل عند الأحناف خلاف، فقد ذهب أبو يوسف صاحب أبي حنيفة إلى أنه يفسد الصوم بناءً على أنَّ بين المثانة والجوف منفذ، وقوله خلاف المعتمد في المذهب. قال الزيلعي: «إن أقطر في إحليله لا يفطر، سواء أقطر فيه الماء أو الدهن، وهذا عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف يُفَطِّره» (¬2). • المالكية: قال سحنون: «قلت لابن القاسم: «أرأيت من أقطر في إحليله دهناً وهو صائم أيكون عليه القضاء في قول مالك؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، وهو عندي أخف من الحقن ولا أرى فيه شيئاً» (¬3). ¬

_ (¬1) السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 67. (¬2) الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 1، ص 330. (¬3) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198.

وقال المغربي: «وإن قَطّر في إحليله دهناً، أو استدخل فتائل، أو داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا شيء عليه» (¬1). • الحنابلة: قال ابن قدامة: «فإن قطر في إحليله دهناً لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل» (¬2). وقال المرداوي: «وإن أقطر في إحليله شيئاً، أو أدخل ميلاً لم يبطل صومه؛ لأنَّ ما يصل المثانة لا يصل إلى الجوف، ولا منفذ بينهما، إنما يخرج البول رشحاً فهو بمنزلة ما لو ترك في فيه شيئاً» (¬3). أدلة القول الأول: 1. أنّه لا منفذ بين الإحليل والمثانة وبين الجوف (¬4). 2. أنَّ البول يخرج رشحاً من المعدة إلى المثانة، وما يخرج رشحاً لا يعود رشحاً (¬5). ¬

_ (¬1) العبدري، محمد بن يوسف، التاج والإكليل شرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 424. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 19. (¬3) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 308. (¬4) انظر: ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 400. (¬5) انظر: الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 1، ص 330.

القول الثاني: (ما يدخل عن طريق الإحليل مفسد للصوم) وهو قول الشافعية (¬1)، وقول أبي يوسف من الحنفية. أقوالهم: • الشافعية: قال الماوردي: «لو قَطَّر في إحليله دواء أفطر به، وسواء وصل إلى المعدة أم لا» (¬2). وهذا يبين أنَّ الشافعية يرون أن داخل الإحليل والمثانة جوف بنفسها (¬3). وقال النووي: «ولو قَطّر في إحليله شيئاً لم يصل إلى المثانة فأوجه: أصحها: يفطر، والثاني: لا، والثالث: إن جاوز الحشفة أفطر، وإلا فلا» (¬4). قول أبي يوسف حكاه الزيلعي: قال الزيلعي: «إن أقطر في إحليله لا يفطر، وقال أبو يوسف يفطره» (¬5). ¬

_ (¬1) ذهب بعض الشافعية إلى أن التقطير في الإحليل لا يفسد الصوم مالم يصل المثانة؛ لكنّ القول المعتمد في المذهب هو القول بفساد الصوم بمجرد الإقطار والإدخال في الأحليل. انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، 320. (¬2) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير، مرجع سابق، ج 3، ص 456. (¬3) وقد بين الباحث في ضابط الجوف عند المذاهب أنَّ الشافعية أوسع المذاهب في هذا الباب. (¬4) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 357. (¬5) الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 1، ص 330.

أدلتهم: 1. أنّ هناك منفذاً بين الإحليل والمثانة وبين الجوف. 2. أنّ الإحليل والمثانة يعتبران جوفاً (¬1). 3. أنّه إدخال شيء على الجوف باختياره فأشبه الأكل والشرب. 4. أنّ فساد الصوم يكون بما يخرج من الإحليل- أي المني - فكذلك ما يدخل من خلاله كالفم (¬2). ووجه القياس أنَّه كما يُفَطِّر القيء الذي يخرج عن طريق الفم الذي يفطر أصالة بالإدخال فيه، فكذا الإحليل الذي يفطر أصالة بخروج المني منه يفطر بما يدخل فيه. الترجيح: من خلال التأمل في أقوال الفريقين وأدلتهم يرى الباحث أنّ قول الجمهور هو الراجح، وذلك للأسباب التالية: 1. أنّ القائلين بفساد الصوم بما يدخل إلى الإحليل لم يعتمدوا على دليل. 2. أنّ القول بفساد الصوم بما يدخل إلى الإحليل مبني على تعليل تبين بالتشريح الطبي القطعي عدم صحته، وذلك أنّه ليس بين الجهاز البولي ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 357. (¬2) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322.

والجهاز الهضمي أي صلة. 3. أنّ اعتبار ما يصل إلى الإحليل والمثانة مفسد لكونهما جوفاً قول غير صحيح، فأن الله تعالى لم يمنع الصائم من إدخال شيء إلى جسمه، وإنما منعه من الأكل والشرب. 4. أنّ الجوف المعتبر هو الجهاز الهضمي، وقد سبق بيان ذلك مفصلًا في مبحث تحديد الجوف عند الفقهاء والأطباء (¬1). 5. أنّ القياس على القيء غير مطابق حيث يلزم عليه الفطر بكل ما يخرج من الإحليل من بول ومذي وودي ليطرد القياس، وهم لا يقولون بذلك، فينتقض قياسهم. 6. أنّ إفساد عبادة متيقنة لا يكون إلا بدليل صريح أو تعليل صحيح، وليس ثمة شيء في هذه المسألة فيبقى الأصل، وهو صحة العبادة. • المسألة الأولى: منظار المثانة والقناة البولية (Cystoscopy) : المنظار عبارة عن آلة دقيقة تستخدم لتصوير ومشاهدة المثانة وقناة مجرى البول من الداخل، ويتم إدخاله من خلال قناة مجرى البول ويساعد في تشخيص أمراض قناة مجرى البول والبروستاتا والمثانة، ويمكن أيضاً بواسطة المنظار إجراء عمليات جراحية لاستئصال غدة البروستاتا المتضخمة، أو أورام من المثانة وأخذ ¬

_ (¬1) انظر: مبحث تحديد الجوف عند الفقهاء والأطباء، ص (101، 115).

عينة من أنسجتها لتحليلها وفحصها (¬1). كيفية إجراء منظار المثانة والقناة البولية: يتم إجراء منظار المثانة والقناة البولية عادة في العيادة الخارجية، ويستخدم الطبيب التخدير الموضعي، وقد يحتاج أحيانا إلى التخدير التام. ويبدأ هذا الإجراء بأن يرقد الشخص المطلوب فحصه على ظهره، ويقوم الطبيب بإدخال منظار المثانة في إحليل هذا الشخص ثم مثانته. ويستطيع هذا الشخص أن يرى ما يراه الطبيب على شاشة مراقبة، وقد يقوم الطبيب بدفع الماء إلى المثانة لمعرفة مقدار ما تستطيع الاحتفاظ به من البول، أو يدخل أداة صغيرة لأخذ عينة دقيقة من النسيج لفحصها تحت المجهر (¬2). 3:45 صورة لمنظار المثانة والقناة البولية ¬

_ (¬1) انظر: الأمراض الجنسية ووالتناسلية، المجلة الطبية على موقع الإنترنت: http://www.tartoos.com/HomePage/Rtable/MedecinMag/Social/Social 60.htm، تاريخ التصفح، 5/ 10/2010 م. (¬2) Tsili, A. Ch., Tsampoulas, C., Chatziparaskevas, N., Silakos, A., Kalef-Ezra, J., Sofikitis, N. & Efremidis, S.C. 2004. Computed tomographic virtual cystoscopy for the detection of urinary bladder neoplasms. Eur Urol. 46(5):579 - 85.

الجانب الفقهي لمنظار المثانة والقناة البولية: التكييف الفقهي: تكييف هذه المسألة أنها نظير ما ذكره الفقهاء في مسألة مداواة الإحليل وإدخال شيء إلى المثانة. التخريج الفقهي: في ضوء ما تقدم من موقف الفقهاء من مسألة مداواة الإحليل أو إدخال شيء إلى المثانة، فإن استخدام منظار المثانة والقناة البولية سواء لمعاينة الإحليل، أو تصوير المثانة أو إيصال الدواء إليهما فإن موقف الفقهاء منها على قولين حسب ما تقدم من تقريرهم فيما يدخل الإحليل (¬1). القول الأول: غير مفسدة للصوم عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، فقد نصوا على عدم فساد الصوم بما يصل الإحليل أو المثانة من جامد أو مائع. القول الثاني: مفسد للصوم عند الشافعية وأبي يوسف من الحنفية، سواء صاحب إدخاله مواد دهنية أم لم يصاحبه. • ¬

_ (¬1) سبق بيان أقوال الفريقين وأدلتهم في التأصيل الفقهي لما يدخل في الإحليل والمثانة بداية هذا المطلب.

المسألة الثانية: القسطرة البولية (Urinary catheter): الجانب الطبي: القسطرة البولية: هي عبارة عن إدخال أنبوب من البلاستيك للمثانة البولية من خلال الإحليل لتفريغ المثانة من البول المتجمع فيها، وتستخدم القسطرة البولية عندما يكون الشخص غير قادر على تفريغ مثانته بنفسه، أو لا يستطيع التحكم في إخراج البول، أو عندما يكون هناك ضغط في المثانة، حيث أنّ ارتفاع الضغط في المثانة قد يؤدي إلى فشل في وظيفة الكلية. كما أنّ القسطرة البولية مهمة لمنع حدوث الالتهابات المتكررة في المسالك البولية، فبقاء البول في المثانة يساعد على نمو الجراثيم وتكاثرها، ويسبب التهابات مزمنة في الجهاز البولي، وهي عملية سهلة يمكن لأي شخص القيام بعملها بنفسه (¬1). 3:46 صورة تبين أنبوب القسطرة البولية ¬

_ (¬1) انظر: نشرة القسطرة البولية على موقع مستشفى الملك فيصل التخصصي، http://www.kfshrc.edu.sa/hep/Self_Cath%20 Male.pdf، تاريخ التصفح:5/ 10/2010 م.

الجانب الفقهي للقسطرة البولية: التكييف الفقهي: التكييف الفقهي لهذه المسألة أنها نظير ما ذكره الفقهاء في مسألة مداواة الإحليل وإدخال شيء إلى المثانة. التخريج الفقهي: في ضوء ما تقدم من موقف الفقهاء من مسألة مداواة الإحليل، أو إدخال شيء إلى المثانة، فإن حكم عملية القسطرة البولية يتخرج على قولين: القول الأول (الجمهور): القسطرة البولية غير مفسدة للصوم عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، فقد نصوا على عدم فساد الصوم بما يصل الإحليل أو المثانة من جامد أو مائع. القول الثاني (الشافعية، وأبو يوسف من الحنفية): القسطرة البولية مفسدة للصوم عند الشافعية وأبي يوسف من الحنفية، سواء صاحب ذلك إدخال أنبوب القسطرة مواد دهنية أم لم يصاحبه. • المسألة الثالثة: غسول المثانة: الجانب الطبي: تتعرض المثانة لالتهابات متعددة، إما لتواجد الجراثيم العالقة من البول، أو

لأسباب أخرى، أو توجد جلطات متخثرة بالمثانة، وعندها قد يحتاج المريض لعمل غسيل للمثانة، فيتم تصفيتها عن طريق غسل المثانة بمحلول ملحي من خلال قسطرة كبيرة (¬1). ولكي تتم عملية غسول المثانة لا بد من تركيب قسطرة بولية عن طريق فتحة مجرى البول الخارجية، سواء كان للذكر أو للأنثى، ويتم دفع السوائل المستخدمة في الغسول عن طريق هذه القسطرة وسحبها مرة أخرى، وغالباً ما تستخدم هذه العملية في حالات النزيف البولي بسحب البول المدمى، وجلطات الدم المصاحبة، كما تستخدم بعد العمليات الجراحية الخاصة بالمثانة والبروستاتا (¬2). الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: هذه المسألة نظير ما ذكره الفقهاء في مسألة إدخال شيء إلى المثانة. التخريج الفقهي: في ضوء ما تقدم من موقف الفقهاء من مسألة إدخال شيء إلى المثانة، فإن ¬

_ (¬1) Hadfield-aw, L. 2001.Male catheterization. Accident and Emergency Nursing. 9: 257–263. (¬2) من حوار مع الدكتور محمد الطنطاوي، أخصائي مسالك بولية بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، بتاريخ 9/ 2/2010 م.

حكم عملية القسطرة البولية يتخرج على قولين: القول الأول (الجمهور): غسول المثانة غير مفسد للصوم عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، فقد نصوا على عدم فساد الصوم بما يصل إلى المثانة من جامد أو مائع؛ حيث يرى الجمهور أنّ المثانة لا صلة لها بالجوف وأنّ البول يترشح إليها رشحا (¬1). القول الثاني (الشافعية): غسول المثانة مفسد للصوم؛ لأنهم يرون أنّ المثانة لها صلة بالجوف، أو أنها جوف بذاتها (¬2). • المسألة الرابعة: إدخال الدواء للجهاز البولي: الجانب الطبي: يتعرض الجهاز البولي لبعض المشاكل الصحية التي يتطلب علاجها الطبي إلى حقن مجرى البول أو المثانة بأدوية عن طريق التقطير، أو استخدام حبيبات موضعية عن طريق فتحة مجرى البول لتنشيط الدورة الدموية بالقضيب تحتوى على مادة البروستاجلاندين (¬3). ¬

_ (¬1) وهذا حسب الفهم التشريحي في زمنهم. (¬2) وقد سبق بيان ذلك في أقوالهم في تأصيل المسألة بداية المطلب. (¬3) انظر: أ. د. حسين غانم، أستاذ أمراض الذكورة بطب القاهرة، أبحاث المؤتمر الدولى لعلاج الضعف الجنسى، مستقبل علاج الضعف الجنسي، على موقع صحة الأسرة: http://www.family-clinics.com/feature_article_ghanem 2.htm، تاريخ التصفح، 7/ 10/2010 م، والبار، محمد، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 242.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: التكييف الفقهي لهذه المسألة أنها نظير ما ذكره الفقهاء في مسألة التقطير في الإحليل. التخريج الفقهي: في ضوء ما تقدم من موقف الفقهاء من مسألة التقطير في الإحليل، فإنَّ استخدام هذه الأدوية وإدخالها في مجرى البول أثناء الصيام يتخرج على قولين: القول الأول (الجمهور): أنّ إدخال الدواء للجهاز البولي غير مفسد للصوم عند الجمهور (الحنفية، والمالكية، والحنابلة)، فقد نصوا على عدم فساد الصوم بما يصل إلى الإحليل من جامد أو مائع؛ حيث يرى الجمهور أنّ الإحليل لا صلة له بالجوف. القول الثاني (الشافعية): أنّ إدخال الدواء للجهاز البولي مفسد للصوم عند الشافعية؛ لأنهم يرون أنّ هناك منفذاً متصلاً بين الإحليل والمثانة إلى الجوف، أو أنّ الإحليل جوف بذاته (¬1). ¬

_ (¬1) تم بيان ذلك في أقوالهم في تأصيل المسألة بداية المطلب.

الراجح في حكم ما يدخل عبر الجهاز البولي: بعد الاستعراض الطبي والفقهي يرى الباحث أنّ مايدخل الجهاز البولي سواء إلى الإحليل أو المثانة للتشخيص أو العلاج بالأجهزة أو الأدوية أو غسول المثانة كل ذلك لا يفطر الصائم، وذلك للآتي: 1. أنّ القول بالتفطير بُني على تعليل تبين بالدليل الطبي القاطع عدم صحته فانتفى الحكم لانتفاء العلة. 2. أنّ قولهم بالقياس على ما يدخل من الفم قياس مع الفارق حيث أن ما يدخل الفم يصل المعدة، وما يدخل الإحليل لا يصل إلى الجهاز الهضمي مطلقاً. 3. أنّه لا يمكن أن نفسد عبادة متيقنة إلا بيقين من دليل أو تعليل، وليس ثمة دليل صريح، أو تعليل صحيح للقول بالفساد. وهذا القول هو الذي قرره المجمع الفقهي بكافة علمائه (¬1)، وكذلك أقرته الندوة الفقهية الطبية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي حول المُفَطِّرات المعاصرة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، ج 2، ص 454. وقد جاء في قرار المجمع مايلي: «ما يدخل الإحليل - أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى - من قثطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة». (¬2) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 464.

وهذا الحكم للرجل والمرأة إذ الوصف التشريحي للجهاز البولي واحد، غير أنّ إحليل الرجل يمتد للخارج في القضيب، وإحليل المرأة فوق فتحة المهبل، ولا علاقة له بالمهبل (¬1). OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: البار، محمد علي، المُفَطِّرات في مجال التداوي، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، ج 10، ص 242.

المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج

المطلب الثالث: ما يدخل عن طريق الشرج: الجانب الطبي: الشرج هو القناة السفلى للجهاز الهضمي، وليتم التصور الطبي فلابد من بيان مكونات الجهاز الهضمي ووظيفتها بإيجاز؛ حيث لها تعلق بالموضوع. مكونات الجهاز الهضمي ووظيفتها: الفم: أول أعضاء الجهاز الهضمي، حيث يتناول الإنسان غذاءه عن طريقه، ويقوم الفم بمضغ الطعام بواسطة الأسنان، وتجزئته إلى أجزاء صغيرة، وفيه يقوم اللعاب بتحويل النشأ إلى سكر. البلعوم: تجويف يسمح ببلع الطعام ومروره، بعد مضغه من الفم إلى المريء. المريء: أنبوب يسمح بمرور الطعام من البلعوم إلى المعدة. المعدة: تختزن الطعام لفترة، حيث يتم هضمه جزئيًا بواسطة العصارات التي تفرزها المعدة. الأمعاء الدقيقة: أنبوبة طويلة ملتوية يكتمل فيها هضم الغذاء بواسطة العصارات التي يفرزها الكبد والبنكرياس، بالإضافة للعصارات التي تفرزها الأمعاء الدقيقة، وفيها تحدث عملية امتصاص الغذاء المهضوم، ونقله إلى الدم (¬1). الأمعاء الغليظة: الأمعاء الغليظة تتميز إلى قولون ومستقيم، وينقسم ¬

_ (¬1) انظر: موقع طبيب: http://www.6 abib.com/a-169.htm، تاريخ التصفح، 8/ 10/2010 م.

القولون إلى الصاعد والمستعرض والنازل تبعا لخط سير الغذاء فيه. ويفتح المستقيم إلى الخارج بفتحة الشرج. والوظيفة الرئيسية للأمعاء الغليظة هي تكوين البراز وطرده إلى الخارج، بالإضافة إلى هذا تمتص الأمعاء الغليظة كمية كبيرة من الماء الموجود في البراز، كما تقوم. بهضم مادة السليولوز (¬1). الشرج: قناة طولها حوالي 4 سم، تصل بين المستقيم والوسط الخارج، وهي تسير نحو الأسفل عبر حلقة من العضلات تُدعى المَصَرَّة الشرجية إلى الفوهة الشرجية التي من خلالها يتم طرح الغائط (¬2). العلاجات التي تتم من خلال الشرج: هناك ثلاثة أنواع من العلاجات التي تتم من خلال الشرج 1. الحقن الشرجية. 2. التحاميل والمراهم الشرجية. 3. مناظير وأصبع الفحص الطبي. ¬

_ (¬1) انظر: الشاعر، عبد المجيد، أساسيات علم وظائف الأعضاء، مرجع سابق، ص 220، وص 226. (¬2) انظر: عرموش، هاني، دليل الأسرة الطبي، مرجع سابق، ص 611.

3:47 صورة تبين الجهاز الهضمي ومكان الشرج فيه • المسألة الأولى: الحقن الشرجية (¬1): الجانب الطبي: هي عبارة عن محاليل مائية وزيتية ودوائية وغذائية تدخل عن طريق الشرج إلى الأمعاء الغليظة بهدف إخراج محتويات القولون وتنظيفه، أو تغذية المريض عند تعذر إدخال المحاليل بالطرق التقليدية (أوردة، أو فم) أو معالجة بعض ¬

_ (¬1) هذا توصيف للحقن الشرجية المعاصرة، أما ما نص عليه الفقهاء مما كان في زمانهم من الحقن الشرجية فهي عبارة عن وعاء جلدي يوضع به الدواء ويصب عن طريق قمع في الدبر. انظر: ابن منظور، لسان العرب، مرجع سابق، ج 13، 126، والنووي، يحيى بن شرف الدين، تحرير ألفاظ التنبيه، مرجع سابق، ج 1، ص 125.

حالات التهابات الأمعاء، وذلك بحقن مواد دوائية مع هذه المحاليل, والكميات قد تتراوح ما بين 50 سم 3 - 100 سم 3 (¬1)، ويتم امتصاص هذه المواد عن طريق الغشاء المخاطي المزود بشعيرات دموية. والحقن الشرجية نوعان: 1. علاجية للإمساك، وهذه يبقى جزء منها يمكن امتصاصه من الأوعية الدموية في القناة الشرجية. 2. حقن شرجية للتغذية المباشرة أو غير مباشرة (¬2). 3:48 صورة تبين الحقنة الشرجية ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتور رأفت جابر السعداوي استشاري الجراحة العامة بالمستشفى المركزي بمدينة القصيم، السعودية، في حوار أجريته معه في المستشفى المركزي بالقصيم في 7/ 2/2010 م. (¬2) المرجع السابق.

الجانب الفقهي: تمهيد: فَرّق الفقهاء المتقدمون –رحمهم الله- في تأثير ما يدخل عن طرق الشرج على صحة الصوم بين ما كان مائعاً، وما كان جامداً، ولهم في كل واحدة أقوال وأدلة وتعليلات، وسوف نذكر موقفهم تحت كل مسألة بما يناسبها، حسب ما تتكيف به المسألة فقهياً. التكييف الفقهي: تحدث الفقهاء المتقدمون عن الحقنة الشرجية التي كانت في زمانهم وهي نظير الحقنة الشرجية المعاصرة من حيث الصورة الأولية، وهي إدخال سوائل عن طرق الشرج، غير أنّ الحقنة الشرجية في عهدهم هي إدخال مواد طاردة لما في الأمعاء، ومذهبة للإمساك المرضي، بينما الحقن الشرجية المعاصرة تتوافق معها من حيث الصورة، إلا أنَّ لها استعمالات متعددة (¬1). التخريج الفقهي: ذهب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة إلى أن الحقنة الشرجية مفسدة للصوم، وهو مذهب الحنفية، وجمهور المالكية، والشافعية، والحنابلة، وذهب ¬

_ (¬1) تختلف الحقنة الشرجية المعاصرة عن الحقنة الشرجية عند المتقدمين في حالة النوع المغذي منها، والتي تُعطى عند تعذر التغذية من منافذ أخرى، كما سبق معنا في الجانب الطبي لها.

بعض المالكية إلى أنها غير مُفَطِّرة، وآزرهم في ذلك القاضي حسين من الشافعية، وابن تيمية من الحنابلة. القول الأول: إدخال المائع عن طريق الشرج مفسد للصوم: وهو مذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية، وفيما يلي بيان أقوالهم: • الحنفية: قال ابن نجيم: «وإذا احتقن- أي وضع الحقنة في الدبر - أو استعط أو أقطر في أذنه أو داوى جائفة أو آمة بدواء، ووصل إلى جوفه أو دماغه أفطر» (¬1). • المالكية: قال سحنون: قلت لابن القاسم: «أرأيت من احتقن في رمضان، أو في صيام واجب عليه أيكون عليه القضاء والكفارة في قول مالك. قال: قال مالك: عليه القضاء. قال ابن القاسم: ولا كفارة عليه» (¬2). • الشافعية: قال النووي: «وأما الحقنة فتُفَطِّر على المذهب ... ، سواء كانت الحقنة قليلة أو ¬

_ (¬1) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 299. (¬2) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 197.وكل امهات الكتب المالكية نقلت هذا النص عن المدونة عند حديثهم عن الحقنة في الدبر حسب ما وقفت عليه.

كثيرة، وسواء وصلت إلى المعدة أم لا فهي مُفَطِّرة بكل حال عندنا» (¬1). • الحنابلة: قال ابن قدامة عند حديثه عن المُفَطِّرات: «يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه، أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه .. أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة، ... ؛ لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل» (¬2). أدلتهم: 1. حديث: «إِنَّمَا الإفطار مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬3)، وأثر ابن عباس: «الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» (¬4). 2. أنَّه أدخل في جوفه شيئاً باختياره فأشبه الأكل والشرب (¬5). 3. أنَّ ما يدخل عن طريق الدبر يصل إلى الأمعاء فتحصل به الفائدة، فصار بمعنى الأكل، والشرب. 4. قياس المنفذ غير المعتاد على المنفذ المعتاد في الواصل إلى الجوف (¬6). ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 321. (¬2) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16. (¬3) سبق تخريجه. انظر: ص (131). (¬4) سبق تخريجه. انظر: ص (131). (¬5) انظر: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 16. (¬6) انظر: البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

القول الثاني: إدخال المائع عن طريق الشرج غير مفسد للصوم: وهو قول بعض المالكية أنها غير مُفَطِّرة، وآزرهم في ذلك القاضي حسين (أبو شجاع) من الشافعية، وابن تيمية من الحنابلة، وأقوالهم تجلي لنا المسألة. • بعض المالكية: قال المغربي: مشيراً لحصول الخلاف في المذهب في حكم الحقنة: «واختُلِف في الاحتقان بالمائعات هل يقع به فِطْر أو لا يقع به، وألّا يقع به أحسن؛ لأنَّ ذلك مما لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم بحال» (¬1). وقال الدسوقي: «فإن أوصل للمعدة حقنة من مائع وجب القضاء على المشهور، ومُقابِله ما لابن حبيب- أي القول الذي لابن حبيب- من استحباب القضاء بسبب الحقنة من المائع الواصلة للمعدة من الدبر أو فرج المرأة» (¬2). وقول ابن حبيب باستحباب القضاء مع جزمه أنّها لا تُفَطِّر إنما ذلك من باب التحوط، كما جرت عادة الفقهاء أن يقولوا باستحباب الشيء خروجاً من الخلاف. • بعض الشافعية: قال النووي مشيراً إلى قول القاضي حسين: «وأما الحقنة فتُفَطِّر على المذهب، ¬

_ (¬1) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 424. (¬2) الدسوقي، محمد عرفه، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مرجع سابق، ج 1، ص 524.

وبه قطع المصنف، والجمهور، وفيه وجه قاله القاضي حسين: لا تفطر» (¬1). • ابن تيمية: قال ابن تيمية: «وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم ... ، والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك» (¬2). أدلتهم: 1. أنّ الحقنة لا تصل إلى المعدة، ولا إلى موضع يتصرف منه ما يغذي الجسم (¬3). 2. أنّ الحقنة مما سكت عنها الشارع، مع وجودها في زمن الوحي، فلو كانت مفسدة للصوم لبينها النبي صلى الله عليه وسلم (¬4). 3. أن المنهي عنه الأكل والشرب، وما يدخل من الدبر ليس أكلاً ولا شرباً. • ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 321. (¬2) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 233. (¬3) انظر: المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 424. (¬4) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 233.

المسألة الثانية: التحاميل والمراهم الشرجية: الجانب الطبي: التحاميل الشرجية: هي عبارة عن أجسام شبه مخروطية لينه توضع عن طريق الشرج وأسفل المستقيم، ويختلف دواعي استعمالها فمنها: 1. ما يستعمل لعلاج الإمساك، وذلك عن طريق امتصاص السوائل من جدار الأمعاء والكتل البرازية، ويساعد على حركة الأمعاء. 2. مضادات حيوية لعلاج الالتهاب. 3. ما يؤثر مباشرة على الأوعية الدموية للبواسير والشرخ الشرجي. امتصاص التحاميل: يتم امتصاص المواد الفعالة عن طريق الغشاء المخاطي للأمعاء الغليظة، بنسب مختلفة ويستفيد منها الجسم (¬1). الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: بعد التصور الطبي لحقيقة التحاميل الشرجية فإنّ الصورة التي تماثلها مما تحدث عنه الفقهاء المتقدمون هي مسألة إدخال الجامد إلى الدبر، وهي مسألة ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بمدينة القصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية. في حوار أجريته معه في المستشفى المركزي بمدينة القصيم في 2/ 2/2010 م.

تستوعب عندهم الجوامد كالعود والحصاة والأصبع والفتائل، ولو كانت مبتلة بأدهان. التخريج الفقهي: من خلال تتبع أقوال الفقهاء المتقدمين في المذاهب الأربعة نجد أنّهم مختلفون في حكم إدخال الجامد إلى الدبر في نهار رمضان، وتأثيره على صحة الصوم، فذهب الحنفية إلى أنّ الجامد يفسد الصوم إذا غاب كله في الدبر أو كان مبلولاً، وذهب المالكية إلى عدم فساد الصوم بها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها مفسدة للصوم بكل حال. القول الأول: (مفسدة للصوم بشروط): وهو قول الحنفية حيث ذهبوا إلى أن الجامد (¬1) مفسد للصوم إذا غاب كله في الدبر، أو كان مبلولاً بماء، أو دهن، ونحو ذلك، أما الجاف إذا بقي جزء منه في الخارج فلا يفسد الصوم. قال ابن نجيم: «ولو أدخل خشبةً، أو نحوها وطرفاً منها بيده لم يفسد صومه ... ، وكذا لو أدخل إصبعه في أسته (¬2) ... إلا إذا كانت الإصبع مبتلة بالماء أو ¬

_ (¬1) ويعنون بالجامد ما يقابل المائعات السائلة، ولو كان الجامد مبتلاً بالماء أو الدهون. (¬2) المراد حلقة الدبر، وهذا معنى الاست في اللغة: مؤخرة الإنسان، أو حلقة الدبر، وله معاني أخرى، والشائع في العامية أنه فرج المرأة، وهذا الإطلاق تجوزاً. انظر: العراقي، زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسيني، تحقيق: عبد القادر محمد علي، طرح التثريب في شرح التقريب، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 200 م) ج 8، ص 159.

الدهن فحينئذٍ يفسد لوصول الماء أو الدهن» (¬1). القول الثاني: (غير مفسد للصوم): • وهو قول المالكية. قال سحنون: «وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة، فقال: أرى ذلك خفيفاً، ولا أرى عليه فيه شيئاً» (¬2) وقال المغربي في حديثه عمّا لا يفسد الصوم: «أو استدخل فتائل يعني في دبره، وسواء كان عليها دهن أم لا» (¬3). القول الثالث: (مفسد للصوم بكل حال): وهو قول الشافعية والحنابلة يرون أنّ ما يدخل الدبر من خشبة أو أصبع أو حصاة مفسد للصوم بكل حال. • الشافعية: قال النووي: «لو أدخل الرجل إصبعه، أو غيرها دبره، أو أدخلت المرأة إصبعها، أو غيرها دبرها، أو قُبلها وبقي البعض خارجاً، بطل الصوم باتفاق أصحابنا» (¬4). • ¬

_ (¬1) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 117. (¬2) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 197. (¬3) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 1، ص 135. (¬4) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322.

الحنابلة: قال البهوتي: «إذا أدخلت إصبعها، ... نحو الدماغ، والحلق، وباطن فرجها: كالدبر، مما ينفذ إلى معدته شيئاً من أي موضع كان ولو خيطاً ابتلعه كله، أو ابتلع بعضه، أو رأس سكين من فعله، أو فعل غيره بإذنه، فغاب في جوفه فسد صومه» (¬1). حكم التحاميل والمراهم في ضوء كلام الفقهاء المتقدمين: التحاميل والمراهم مُفَطِّرة عند الحنفية حيث اشترطوا في الداخل ألا يغيب كله، ولا يكون مبلولا، ومعلوم أنَّ التحاميل والأدهان تغيب كلها وتكون بحكم المبلول. أما على قول المالكية فهي غير مُفَطِّرة، وعلى رأي الشافعية والحنابلة مُفَطِّرة لكونها مما دخل الجوف ولكون داخل الدبر من الجوف. • المسألة الثالثة: المنظار وأصبع الفحص الطبي: الجانب الطبي: 1 - المنظار الشرجي (Flexible Sigmoidoscopy): هو ما يعرف بالمنظار السجمي المرن لفحص المستقيم والجزء الأخير من القولون (الأمعاء الغليظة)، وهو عبارة عن أنبوب رفيع مرن مزود بكاميرا صغيرة في نهايته، يوضع داخل فتحة الشرج ويُحرك ببطء داخل القولون، ¬

_ (¬1) البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، مرجع سابق، ج 2، ص 318.

ويساعد ضوء موجود في طرف المنظار على تمكين الطبيب من رؤية جدران القولون بشكل جيد باحثاً عن أي تغيير فيها بسبب الإصابة بمرض أو ورم أو أي حالة يمكن أن تتحول ورم سرطاني، كما يمكن للطبيب أن يعرف ما إذا كان هناك نزيف في جدار القولون، وأن يحاول معرفة الآلام التي يشتكي منها المريض ومصدر الدماء النازفة في حالة النزيف الشرجي (¬1). 3:49 صورة تبين المنظار الشرجي وكيفية إدخاله 2 - أصبع الفحص الطبي (Digital Rectal Examination): وهو الفحص الذي يقوم به الطبيب للكشف عن مشكلات البروستات، حيث يقوم بإدخال إصبعه -بعد أن يلبس القفازات- في فتحة الشرج لفحص ¬

_ (¬1) انظر: موقع طبيب، منظار القولون والمستقيم المرن، http://www.6 abib.com/a-1125.htm، تاريخ التصفح 11/ 10/2010 م.

السطح الخارجي الخلفي للبروستات ولفحص حجم وحالة البروستاتة، ويعتبر هذا الفحص من الفحوص المهمة ليس لتشخيص تضخم البروستات الحميد؛ بل للكشف المبكر أيضا عن سرطان البروستات. وغالباً ما يستخدم الطبيب مادة ملينة لتسهيل إدخال أصبعه في فتحة الشرج (¬1). 3:50 صورة تبين العلاقة بين فتحة الشرج والبروستات الجانب الفقهي: التكييف والتخريج الفقهي للمنظار وأصبع الفحص الطبي هو ما سبق من ذكر أقوال الفقهاء المتقدمين وحكمهم في مسألة دخول الجامد أو الأصبع إلى الدبر؛ إذ التأصيل لهما واحد. ¬

_ (¬1) انظر: شبكة البلسم للمعلومات الطبية والتثقيف الصحي، http://www.albalsem.info/htm/articles 004.htm، تاريخ التصفح 11/ 10/2010 م.

حكم استخدام منظار الشرج والمستقيم وأصبع الفحص للصائم: من خلال أقوال الفقهاء المتقدمين فإنَّ حكم منظار الشرج، وأصبع الفحص الطبي في الشرج كالتالي: 1. يفسد الصوم على رأي الحنفية إذا صاحب إدخال المنظار أو الأصبع دهون مساعدة لإدخالها (¬1). 2. لا يفسد مطلقاً عند المالكية سواء صاحبهما أدهان مسهلة أم لا (¬2). 3. يفسد بكل حال عند الشافعية والحنابلة سواء صاحبهما أدهان مسهلة أم لا (¬3). أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم ما يدخل عن طريق الشرج: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم ما يدخل عن طريق الشرج وأثره على الصوم، فذهبت طائفة منهم إلى أنها مفسدة للصوم، وذهبت طائفة أخرى بأنها غير مفسدة للصوم، وذهبت طائفة ثالثة إلى أنّ مايدخل الشرج من المائعات أو الجامدات لا يفطر، إلّا ما كان من الحقن الشرجية المغذية، وعزز كل فريق قوله بأدلة وتعليلات. ¬

_ (¬1) انظر: ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، مرجع سابق، ج 2، ص 117. (¬2) انظر: سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 197. (¬3) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 322.

القول الأول: ما يدخل عن طريق الشرج مفسد للصوم: وهو قول الشيخ حسنين مخلوف (¬1)، والشيخ حسن أيوب (¬2)، والشيخ وهبة الزحيلي (¬3)، والشيخ محمود عويضة (¬4). أدلتهم: 1. أنها تدخل من منفذ طبيعي، وتصل إلى الجوف (¬5). 2. أن الحقن الشرجية والتحاميل تصل إلى المستقيم، ومنه تنفذ إلى الأمعاء الغليظة، والأمعاء الغليظة تعتبر من الجهاز الهضمي. 3. أنّ الأمعاء الغليظة لها قدرة على الامتصاص كما أثبت الطب (¬6). القول الثاني: ما يدخل عن طريق الشرج غير مفسد للصوم وهو قول الشيخ شلتوت (¬7)، والشيخ عبد العزيز بن باز (¬8)، والشيخ ¬

_ (¬1) انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 86. (¬2) أيوب، حسن، فقه العبادات، (بيروت: دار الندوة، الطبعة السادسة، 1403 هـ -1983 م) ص 237. (¬3) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 375. (¬4) انظر: عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 250. (¬5) المرجع السابق، نفس الصفحة. (¬6) انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه، العدد 10، ج 2، ص 86. (¬7) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬8) انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم، مرجع سابق، ج 3، ص 122.

القرضاوي (¬1)، والشيخ عبد اللطيف فرفور (¬2). أدلتهم: أن حقيقة الأكل والشرب المنهي عنه هو ما يصل إلى المعدة، وما يدخل من الشرج لايصل إلى المعدة (¬3). القول الثالث: (القائلون بالتفصيل) ما يدخل عن طريق الشرج غير مفسد للصوم إلا ما كان من الحقن الشرجية المغذية (¬4). وهو قول رشيد رضا (¬5)، والشيخ ابن عثيمين (¬6)، والشيخ فضل حسن عباس (¬7)، والشيخ أحمد الخليل (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: القرضاوي، يوسف بن عبد الله، فتاوى معاصرة، مرجع سابق، ج 1، ص 305. (¬2) انظر: الفرفور، عبد اللطيف بن صالح، الصيام على المذاهب الأربعة، (د. ن، الطبعة الأولى، 1390 هـ -1970 م) ص 162. (¬3) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، مرجع سابق، ص 136. (¬4) سبق في الجانب الطبي لحقن للحقن الشرجية أن بعضها يكون لغرض التغذية عند تعذر التغذية من مكان آخر. (¬5) نقل ذلك عنه الشيخ جبر الألفي، انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 10، ج 2، ص 86. (¬6) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 149. (¬7) انظر: عباس، فضل حسن، التبيان والإتحاف في أحكام الصيام، (عَمَّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1416 هـ -1996 م) ص 112. (¬8) انظر: الخليل أحمد بن محمد، مُفَطِّرات الصيام المعاصرة، مرجع سابق، ص 81.

أدلتهم: 1. إذا حقنت الأمعاء بدواء ليس فيه غذاء، ولا ماء، فليس هناك ما يدل على التفطير. والأصل صحة الصيام. 2. إذا ثبت طبياً أن الأمعاء الغليظة تمتص الماء وغيره، فإنه إذا حقنت بمواد غذائية، أو ماء، يمكن أن يمتص، فإن الحقنة هنا تكون مُفَطِّرة؛ لأن هذا في الحقيقة بمعنى الأكل والشرب (¬1). الترجيح: بعد هذا الاستعراض الطبي والفقهي بأقواله وأدلته للفقهاء المتقدمين والمعاصرين فإنّ الذي ظهر للباحث أن كل ما يدخل عن طريق الشرج لا يفطر من حقنة وتحاميل ومنظار ومراهم باستثناء الحقن الشرجية المغذية، وذلك للأسباب الآتية: 1. أنّ القائلين بفساد الصوم لم يستندوا إلى دليل صريح يمكن أن تطمئن إليه النفس بإفساد عبادة صحيحة متيقنة. 2. الراجح في ضابط المُفَطِّرات أنَّه ما كان أكلاً أو شرباً أو في معناهما، وما يدخل عن طريق الشرج ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما. 3. أثبت الطب الحديث أنّ الامتصاص في الأمعاء الغليظة ضعيف جداً، وأنَّ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، ص 81.

ما يدخل في الحقنة الشرجية يخرج ولا يستقر في الداخل، إلا ما كان مغذياًً. 4. ما يحصل من امتصاص لبعض الماء أو الدواء لا يغني عن الأكل والشرب. 5. اختيار كون الحقن الشرجية المغذية مفسدة للصوم؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، وما كان بمعنى الأكل والشرب يأخذ حكمهما، حيث يستغني بها الجسم عن الطعام والشراب كما هو الحال في الحقن الوريدية المغذية.

المبحث الرابع الخارج من البدن

المبحث الرابع الخارج من البدن وفيه مطالب: - المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي. - المطلب الثاني: التبرع بالدم. - المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل. المطلب الرابع: شفط الدهون.

المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis)

المطلب الأول: الغسيل الكلوي الدموي (Hemo dialysis): الجانب الطبي: الغسيل الكلوي الدموي: هو عملية استخلاص المواد السامة، والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم باستخدام مُرشِح. وتعتمد هذه الطريقة على ضخ الدم من خلال الكلية الصناعية (جهاز الغسيل الكلوي) التي يتم من خلالها إزالة السموم، ومن ثم إعادة الدم إلى الجسم. والكلية الصناعية هي عبارة عن اسطوانة تحتوي على غشاء يفصل بين الدم وسائل التنقية. ويوجد في هذا الغشاء فتحات صغيرة جداً تسمح بمرور السموم والأملاح والماء إلى سائل التنقية عبر هذا الغشاء. وسائل التنقية عبارة عن ماء يضاف إليه بعض الأملاح وسكر ومعادن تعادل الكميات الموجودة في الدم (¬1). جهاز الغسيل الكلوي: هو عبارة عن جهاز مؤلف من أنابيب بلاستيكية وجزء فعّال يسمى الفلتر (المُرشِح أو المُصفِي) وهنالك سوائل حمضية تحتوي على الأملاح والسكريات ¬

_ (¬1) انظر: د. السويداء، عبد الكريم عمر، غسيل الكلى وأثره على الصيام، مرجع سابق، ص 8.

بنسبة محددة، وهناك سائل البيكربونات وهناك الماء المقطر الذي لا يحوي على أملاح أو سكريات، والذي يخرج من محطة تنقية المياه، وتختلط هذه السوائل جميعها داخل جهاز الغسيل الكلوي ويسمى الخليط سائل الإنقاذ (¬1). وتعْبُر الفضلات السامة والأملاح الزائدة من الدم إلى سائل التنقية، كما تَعْبُر بعض المعادن والسكر من سائل التنقية إلى الدم، ومن ثم يتم ضخ الدم إلى الجسم مرة أخرى، بينما يُطْرَد سائل التنقية المُحَمَّل بالفضلات السامة إلى الصرف الصحي، وتستلزم عملية التنقية الدموية إعطاء أدوية متعددة كمسيلات الدم والهرمونات والفتمينات. 3:51 صورة توضيحية لكيفية عملية الغسيل الكلوي ¬

_ (¬1) من حوار أجريته مع الدكتور ماهر بشير الخردة جي، استشاري أمراض الكلى بمستشفى بريدة المركزي، السعودية، بتاريخ 3/ 6/2010 م.

الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: بعد الاستعراض الطبي للغسيل الكلوي الدموي نجد أنه عبارة عن إخراج دم كثير من البدن، ثم إعادته مصفىً مضافاً إليه مواد حيوية كالسكر والماء والأملاح، فالتكييف الفقهي له من شقين: • الشق الأول فيه مطابق لمسألة الحجامة؛ حيث أنها إخراج دم كثير من البدن. • الشق الثاني هو إعادة الدم إلى البدن عبر الوريد. التخريج الفقهي: بما أن إخراج الدم الكثير من البدن هو شبيه وموافق لصورة الحجامة، فما هي الحجامة؟ وما هو حكمها؟ أولاً: توصيف الحجامة: الحجامة: من الحَجْم (بفتح الحاء وتسكين الجيم) أَي المصّ، وهي استخراج الدم المحتقن من الجسم عن طريق الامتصاص. والحجامة هي فعل الحاجم وحرفته. قال الأزهري: «يقال للحاجم .. حجّام لامتصاصه الدم من فم المِحْجَم»، والمِحْجَم: هو الآلة التي يجمع فيها الدم -أي

القارورة-، وهي مشرط الحجّام أيضا (¬1). تاريخ الحجامة: عُرِفت الحجامة منذ وقت مبكر في التاريخ البشري، فقد حكت لنا الآثار التاريخية أنّ الصينين عرفوا الحجامة قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، كما عرفها الفراعنة، والهنود القدماء، والإغريق، والرومان، وكانت معروفة عند العرب قبل الإسلام، وبرعوا فيها، ومن أشهرهم النضر بن الحارث بن كلدة (المتوفى سنة 13 هـ) أشهر أطباء العرب من بني ثقيف، فقد سأله كسرى عن الحجامة فقال «في نقص الهلال, في يوم صحو لا غيم فيه, والنفس طيبة , والعروق ساكنة, لسرور يفاجئك وهَمٌّ يباعدك» (¬2). موقف الإسلام من الحجامة: أقر الإسلام الحجامة وحث عليها، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) انظر: ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق ج 2، ص 141، والرازي، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، مختار الصحاح، تحقيق: محمود خاطر، مرجع سابق، ج 1، ص 53، وأحمد الزيات، وآخرون، المعجم الوسيط، مرجع سابق، ج 1، ص 158. والموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 2، ص 68. (¬2) انظر: محسن سليمان النادي، أخصائي علاج طبيعي وطب بديل، مقال الحجامة مفتاح العلاج في الطب البديل، على شبكة الإنترنت: http://www.khayma.com/cupping/ktabmoftah.htm تاريخ التصفح:15/ 9/2010 م. والفيتوري، عبد القادر، الطب البديل الحجامة، (دار ناشري للنشر الالكتروني، ابريل 2004 م).

قال: «الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: احْتَجَمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ ضَرِيبَتَهُ، وَقَالَ: «أَمْثَلُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، أو هو أمثل دوائكم» (¬2). وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم خيرٌ ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة نار، وما أحب أن أكتوي» (¬3). الحجامة في العصر الحديث: منذ بداية تدوين كتب الطب الحديثة لم تكن تصدر مجلة أو كتاب طبي إلا وذكرت فيه الحجامة وفصلت فيه فوائدها وطرق إجرائها، حيث كانت تستخدم لعلاج كثير من الأمراض منها ضغط الدم، والتهاب عضلة القلب، وتخفيف آلام الذبحة الصدرية. وفي النصف الأخير من القرن العشرين ظهرت أبحاث ودراسات موثقة ارتقت إلى درجة العالمية، ومن أبرزها مؤلفات البروفوسور الألماني يوهان آبله، ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، رقم: 5356. (¬2) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الحجامة من الداء، رقم: 5371. (¬3) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الحجم من الشقيقة والصداع، رقم: 5375.

ومنها كتابه القيم (الحجامة أسلوب علاجي مجرب) وأيضا دراسته القيمة (الفصد والحجامة) , التي كانت خلاصة لأكثر من عشرين سنة من البحث والتنقيب في الحجامة ونتائجها, وبهذا أزيل الجهل عن الحجامة وعادت هذه الطريقة للظهور من جديد ,وتطورت أدواتها من حيث التشخيص والعلاج, وأصبح التعقيم واستخدام الكؤوس يتم تحت إجراءات طبية ووقائية صارمة (¬1). كيفية إجراء هذا النوع من الحجامة: 1. تعقم المنطقة المراد حجامتها جيداً. 2. يوضع كأس الحجامة على الجلد ويفرغ من الهواء بالمقدار المطلوب (بوساطة الماصة)، ويترك من 3 - 5 دقائق حتى يحدث الاحتقان (يمكن أن تُكرر هذه العملية أكثر من مرة إذا كان الجلد قاسياً أو لم يحدث احتقان من المرة الأولى. 3. ينزع الكأس ويعقم مكان الحجامة مرة أخرى. 4. يشرط الموضع, بواسطة إبرة خاصة أو مشرط صغير خاص, على أن لا يزيد ذلك عن الحد المسموح به وهو خمسة خطوط طولية، في كل خط من 6 - 7 وخزات أو 2 - 3 شرطات طول كل منها 3 ملم، ويقلّ ذلك أو يكثر بحسب حالة المريض والمنطقة المراد حجامتها. 5. ¬

_ (¬1) انظر: محسن سليمان النادي، أخصائي علاج طبيعي وطب بديل، مقال الحجامة مفتاح العلاج في الطب البديل، مرجع سابق على شبكة الإنترنت.

يعاد الكأس مرة أخرى ويفرغ من الهواء مره أخرى, فينسحب الجلد ويخرج الدم إلى الكأس. 6. يترك الكأس لمدة 5 - 7 دقائق على أن لا تزيد هذه المدة خوفا من ظهور فقاعات مائية كما في الحروق. 7. ينزع الكأس ويمسح الدم منه بوساطة شاش معقم. 8. يدهن قليل من الزيت المعقّم على المكان المحجوم (¬1). 3:52 صورة تبين عملية الحجامة ثانياً: حكم الحجامة أثناء الصوم: بدأ الخلاف في مسألة الحجامة مبكراً، هل هي مفسدة للصوم، أم غير مفسدة؟ فقد اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - في الحجامة: ¬

_ (¬1) انظر: أبو الفداء، محمد عزت عارف، أسرار العلاج بالحجامة والفصد، (القاهرة: دار الفضيلة، د. ط، د. ت) ص 63.

فمنهم من قال أنها غير مُفَطِّرة، وهو قول: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وهو قول أكثر الصحابة، ومنهم من قال أنّها مُفَطِّرة، وهو قول: علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعائشة (¬1). وعلى اختلاف الصحابة اختلفت المذاهب على قولين، الجمهور (الحنفية، والمالكية، والشافعية) أنها لا تُفَطِّر، وذهب الحنابلة وبعض الشافعية إلى أنها تُفَطِّر (¬2). وسوف نستعرض أقوالهم وأدلتهم ومناقشتها، حيث أنّ هذه المسألة مما لازال الجدل فيها مستمراً، فلزم البسط لينجلي لنا حكم المسألة التي ينبني على القول فيها حكم عدد من المُفَطِّرات الطبية المعاصرة. القول الأول (الحجامة غير مُفَطِّرة): ذهب أصحاب هذا القول إلى أن الحجامة لا تُفَطِّر، وهم الجمهور (الحنفية، والمالكية، والشافعية) إلا أن المالكية والشافعية يرون كراهتها للصائم (¬3). وهذه أقوالهم تبين ذلك: • ¬

_ (¬1) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 364. (¬2) المرجع السابق، ج 6، ص 391. (¬3) انظر: السرخسي، محمد بن أحمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 57، انظر: سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198، الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، مرجع سابق، ج 1، ص 431.

الحنفية: قال السرخسي: «وإن احتجم الصائم لم يضره إلا على قول أصحاب الحديث» (¬1). • المالكية: قال سحنون في المدونة: «وقال مالك: إنما كُرهت الحجامة للصائم لموضع التغرير، ولو احتجم رجل مسلم لم يكن عليه شيء» (¬2). • الشافعية: قال الشافعي: «ولو ترك رجل الحجامة صائماًً للتوقي كان أحب إليَّ، ولو احتجم لم أره يُفَطِّره» (¬3). وقال النووي: «أما حكم المسألة: فقال الشافعي والأصحاب: تجوز للصائم - أي الحجامة - ولا تُفَطِّره، ولكن الأولى تركها، هذا هو المنصوص، وبه قطع الجمهور» (¬4). أدلة الجمهور: استدل الجمهور على قولهم بعدة أدلة: 1. ¬

_ (¬1) السرخسي، محمدبن احمد بن سهل، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 57 (¬2) سحنون، عبد السلام بن سعيد، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198. (¬3) الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله، الأم، مرجع سابق، ج 2، ص 97. (¬4) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 364.

حديث ابن عباس ب: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» (¬1). 2. حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» (¬2). 3. حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالقُبْلَةِ للصَّائِم وَالحِجَامَة» (¬3). 4. حديث أنس - رضي الله عنه -: «أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ , فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ: «أَفْطَرَ هَذَانِ» , ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» , وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ (¬4). ووجه استدلالهم بهذا الحديث أنّ قوله: «رَخّص» ترفع المنع وتنسخه. 5. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم، رقم: 1337. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصيام، باب الحجامة والقيء للصائم، رقم: 1338. (¬3) رواه الدارقطني، كتاب الصيام، باب القبلة للصائم، رقم: 15. ورجح الزيلعي وقفه على أبي سعيد، انظر: الزيلعي، عبدالله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق، ج 2، ص 453. (¬4) رواه الدارقطني، كتاب الصيام، باب القبلة للصائم، رقم: 7، وهو حديث ضعيف، وفي متنه وسند نكارة. انظر: الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 453، ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، ج 4، ص 178.

حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثٌ لاَ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالاِحْتِلاَمُ» (¬1). 6. القياس على الجراحة حيث لاتفسد الصوم، فكذلك الحجامة لأنها جراحة فلم يجب بها الفطر للصائم كالفصاد. المناقشة: اعتراضات القائلين بالتفطير على أدلة الجمهور: رد القائلون بالتفطير بالحجامة على أدلة الجمهور بالآتي: 1 - قالوا حديث: «احتجم وهو صائم» منسوخ بحديث شداد - رضي الله عنه -: «أفطر الحاجم والمحجوم» (¬2) لتأخره عنه، ويدل لذلك: أن ابن عباس وهو راوي حديث «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم» كان يُعِد الحجَّامَ والمحاجِم، فإذا غابت الشمس احتجم بالليل. وهذا يدل على أنه عَلِم نسخ الحديث الذي رواه (¬3). وأجاب الجمهور: بأنّ ابن عباس صَحِبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع في السنة العاشرة، وحديث شداد: «أفطر الحاجم والمحجوم» سنة ثمان، فدل على أنَّ ¬

_ (¬1) رواه الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء، رقم: 1978. قال الترمذي بعد روايته للحديث: حديث ابي سعيد غير محفوظ. وقال ابن الجوزي: «أجمعوا على تضعيفه»، انظر: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تحقيق: خليل الميس، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1403 هـ) ج 2، ص 542. (¬2) سيأتي ذكر الحديث وتخريجه عند أدلة الحنابلة. (¬3) انظر: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد، مرجع سابق، ج 3، ص 15.

الناسخ هو حديث ابن عباس. وأما أثر ابن عباس أنَّه كان يؤخر الحجامة فلا يثبت في شيء من كتب السنة؛ بل الثابت عن ابن عباس خلافه، فهو الذي روى: «الفطر مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» وهذا نص منه على أن الحجامة لا تُفَطِّر؛ لأنها مما خرج، وهذا توافق بين روايته وقوله. 2 - استدلالكم بحديث «ثلاث لا يُفَطِّرن» لا يستقيم؛ لأنّه حديث ضعيف جداً، فلا يصح الاستدلال به (¬1). 3 - استدلالكم بالقياس على الجراحة والفصد، ليس مطابقاً؛ بل الأقرب قياسه على ما يخرج من البدن مما يضعف البدن كالقيء والحيض أولى من قياسه على الجراحة ونحوها (¬2). القول الثاني (الحجامة مُفَطِّرة): وهو مذهب الحنابلة (¬3)، وقول بعض أئمة الشافعية: منهم أبو بكر بن المنذر، وأبو بكر بن خزيمة، وأبو الوليد النيسابوري، والحاكم أبو عبدالله (¬4). ¬

_ (¬1) سبق بيان ضعفه عند تخريجه في أدلة المجيزين للحجامة، الصفحة السابقة (حاشية). (¬2) انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1415 هـ ـ 1995 م) ج 6، ص 356. (¬3) انظر: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل، مرجع سابق، ج 3، ص 15. (¬4) انظر: النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 364.

أقوالهم: قال ابن مفلح: «وإن حَجَم أو احتجم أفطر، نص عليه، لقوله عليه الصلاة السلام: «أفطر الحاجم والمحجوم»» (¬1). وقال المرداوي: «أو حَجَم أو احتجم فسد صومه، هذا المذهب فيهما، وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه، وهو من المفردات، ولا نعلم أحداً من الأصحاب فرق في الفطر وعدمه بين الحاجم والمحجوم» (¬2). • بعض الشافعية: قال النووي: «وقال جماعة من أصحابنا الجامعين بين الفقه والحديث: يفطر بالحجامة. ممن قاله منهم أبو بكر بن المنذر وأبو بكر بن خزيمة وأبو الوليد النيسابوري والحاكم أبو عبد الله» (¬3). أدلتهم: استدل الحنابلة، ومن قال بقولهم بعدة أدلة منها: 1 - حديث ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (¬4). ¬

_ (¬1) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 3، ص 48. (¬2) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 302. (¬3) النووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 364. (¬4) رواه أبوداود، كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم، رقم: 2367، والترمذي، كتاب الصوم، باب كراية الحجامة للصائم، رقم 1680. قال النووي: «إسناد أبي داود على شرط مسلم» وقد اختلف في تصحيحه وتضعيفه الأئمة المتقدمون، وقد صححه الإمام أحمد وابن المديني والدارمي. انظر: الزيلعي، عبد الله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق ج 2، ص 472، وابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، مرجع سابق، ج 2، ص 201.

2 - حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ، وَهُوَ يَحْتَجِمُ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (¬1). المناقشة: اعتراضات القائلين بعدم التفطير على أدلة القائلين بالتفطير: ردَّ الجمهور على أدلة القائلين بالتفطير بالآتي: 1. قالوا إنّ أحاديث التفطير بالحجامة منسوخة، فقد قال الشافعي: «فإن كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ، وحديث «أفطر الحاجم والمحجوم» منسوخ» (¬2). 2. حديث: «أفطر الحاجم» فيه ضعف فقد روي من طرق كثيرة وبأسانيد ¬

_ (¬1) رواه أبوداود، كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم، رقم: 2369. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، باب الصائم يحتجم لا يبطل صومه، رقم: 8071. وصححه ابن المديني والبخاري، وقال النووي: «إسناد أبي داود على شرط مسلم». انظر: ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني، التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير، مرجع سابق، ج 2، ص 201، والنووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 350. (¬2) انظر: الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله، الأم، مرجع سابق، ج 8، ص 641.

مختلفة كثيرة الاضطراب، وهي إلى الضعف أقرب منه إلى الصحة، مع عدم سلامته من معارض أصح منه أو ناسخ له، والإمام أحمد الذي يذهب إليه ويقول به لم يلتزم صحته، والذي نُقل عنه أنه قال: «أحاديث «أفطر الحاجم والمحجوم» يشد بعضها بعضاً وأنا أذهب إليها» فلو كان عنده منها شيء صحيح لوقف عنده، وقوله: «أصح ما في هذا الباب حديث رافع» لا يقتضي صحته بل معناه أنه أقل ضعفا من غيره (¬1). 3. أننا لو سلمنا بتعارض الأدلة في باب الحجامة ولم يترجح ناسخ ومنسوخ، لكان الأخذ بأحاديث الرخصة أولى؛ لتأيدها بالقياس وشواهد أصول الشريعة لها، إذ الفطر إنما قياسه أن يكون بما يدخل الجوف لا بالخارج منه كالفصاد والتشريط، ونحوه (¬2). أجاب القائلون بالتفطير على ما أورده الجمهور 1. قولكم إنّ أحاديث التفطير ضعيفة باطل، فإن الأئمة العارفين بهذا الشأن قد تظاهرت أقوالهم بتصحيح بعضها، والباقي إما حسن يصلح للاحتجاج به وحده، وإما ضعيف يصلح للشواهد والمتابعات وليس ¬

_ (¬1) الزيلعي، عبدالله بن يوسف، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، مرجع سابق، ج 2، ص 481. (¬2) انظر: ابن تيمية، أحمد عبد الحليم الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج 25، ص 252 - 255.

العمدة عليه (¬1). 2. قولكم إنها منسوخة بحديث ابن عباس فغير مُسلَّم، ولا سبيل إلى إثباته؛ بل الثابت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وأما قوله: «وهو صائم» فإنّ الإمام أحمد قال: لا تصح هذه اللفظة، وبيَّن أنها وهم، ووافقه غيره على ذلك. وقالوا الصواب: «احتجم وهو محرم»، وقد رُوِي هذا الحديث على أربعة أوجه، أحدها: احتجم وهو محرم فقط، وهذا في الصحيحين (¬2). 3. قولكم: إذا تعارضت الأدلة فإن الأخذ بالرخصة هو الموافق لأصول الشريعة فغير مُسَلَّم على إطلاقه؛ لأنّ أحاديث الفطر بالحجامة ناقلة عن الأصل، وما كان ناقل عن الأصل يقدم على ما بقي على الأصل (¬3). الترجيح: بعد هذا العرض المفصَّل لأدلة الفريقين، والاعتراضات والردود عليها، فإن الباحث يرجح أنَّ الحجامة غير مُفَطِّرة، وعلى أكثر الأحوال تكون مكروهة، وأسباب اختيار هذا القول هو الآتي: 1. أحاديث القائلين بالتفطير لم تخلو من نقد من أئمة الحديث بما فيها عمدتهم ¬

_ (¬1) انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، 1415 هـ ـ 1995 م) ج 6، ص 359. (¬2) المرجع السابق، ج 6، ص 360. (¬3) انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، مرجع سابق، ج 6، ص 356.

في الاستدلال حديث: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» (¬1). 2. أحاديث القائلين بعدم التفطير أقوى من حيث الثبوت الحديثي، فهي في الصحيحين، وأحاديث الفريق الآخر لا تقوى على المعارضة من حيث الصحة، وهذا أحد المرجحات عند التعارض. 3. الروايات التي فيها لفظة «رَخَّص» تدل على رفع الحظر، إذ الرخصة لا تكون إلا بعد حظر. 4. أنه على افتراض تكافؤ أدلة الفريقين، وليس ثمة مرجح، فالقول بالبراءة الأصلية هو الموافق للشريعة ومقاصدها، ولا يمكن إفساد عبادة إلا بنص صريح، أو تعليل صحيح. 5. القول بالكراهة لا لكونها مُفَطِّرة ولكن لتفادي الضعف الشديد للصائم، وقد نص عليه حديث ثابت البناني أنَّه قال لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. إلا من أجل الضعف» (¬2). وهذا مقصد حرص عليه الشارع؛ ولذا حث على أكلة السَحَر للصائم، وحث على تأخيرها. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه، انظر: ص (411). (¬2) سبق تخريجه، انظر: ص (408).

حكم الغسيل الكلوي الدموي: في ضوء التكييف الفقهي على الحجامة: بعد أن تبين لنا موقف الأئمة من الحجامة أثناء الصوم، فإنّ حكمه عندهم تخريجاً على حكم الحجامة بعد تكييفها فقهياً عليها لكونه يماثلها في الصورة، فإنّ حكم الغسيل الكلوي في نهار رمضان غير مفسد للصوم على رأي جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية، وجمهور الشافعية)، ومفسد للصوم على قول الحنابلة ومن وافقهم من الشافعية. ثانياً: التخريج على الشق الثاني من التكييف الفقهي (مسألة حقن الدم): التخريج الفقهي فيها ما قلناه في مسألة حقن الدم في الحقن الوريدية، فأوجزت القول فيها دفعا للإطالة والتكرار (¬1). وخلاصة القول أن حقن الدم في الغسيل الكلوي الدموي أبلغ في الحكم من مسألة حقن الدم السابق ذكرها، حيث يضاف – كما تبين في الجانب الطبي - بعض المعادن والسكريات إلى الدم، ومن ثم يتم ضخ الدم إلى الجسم مرة أخرى. والراجح فيها أنّ ما يدخل إلى الجسم من دم بعد التصفية وإضافة المواد الأخرى مُفَطِّر ومفسد للصوم، للأسباب الآتية: 1. كل ما يتغذى به الجسم، ويستغني به عن الطعام والشراب يقع تحت دائرة المُفَطِّرات حيث ليس ثَمّة فرق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. 2. ¬

_ (¬1) انظر مسألة حقن الدم في الفصل الثالث، المبحث الثاني، المطلب الثاني.

القول بأنّها لا تُفَطِّر لعدم دخولها إلى الجوف، يجاب عليه بأن الجوف مصطلح حادث لم يعلق الشارع الحكيم فساد الصوم عليه، وإنما العبرة بالأكل والشرب، وما كان في معناهما يأخذ حكمهما، بغض النظر عن وصوله الجوف أو عدم وصوله. 3. الطب الحديث قرر أنّ حقن الدم أبلغ من حقن المحاليل، فإذا تقرر لدينا أنّ المحاليل المغذية (¬1) تفطر فحقن الدم من باب أولى. أقوال الفقهاء المعاصرين وأدلتهم في حكم الغسيل الكلوي الدموي للصائم: اختلف الفقهاء المعاصرون في الغسيل الكلوي الدموي وأثره على الصوم، فذهبت طائفة منهم إلى أنّه غير مفسد للصوم، وعززوا قولهم بأدلة وتعليلات، وذهبت طائفة أخرى بأنّه مفسد للصوم وعززوا قولهم بأدلة وتعليلات. القول الأول: الغسيل الكلوي الدموي مفسد للصوم: ذهب إلى هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز (¬2). واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (¬3)، والشيخ وهبة الزحيلي (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الترجيح في حكم الحقن الوريدية المغذية ص (286). (¬2) ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، 257 - 264. (¬3) مجموعة من العلماء، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، مرجع سابق، ج 10، ص 179 - 183. (¬4) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 378.

أدلة القائلين بالتفطير (المعاصرين): 1. أن غسيل الكلى يزوِّد الجسم بالدم النقي. 2. أنه يتم إضافة بعض المواد الكيمائية والغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم (¬1). 3. قياس الغسيل الكلوي على الحجامة (¬2) قياس جلي، وبما أن الحجامة مفسدة للصوم فالغسيل كذلك (¬3). القول الثاني: الغسيل الكلوي الدموي غير مفسد للصوم: ذهب إلى هذا القول الشيخ يوسف القرضاوي (¬4)، والشيخ هيثم خياط (¬5)، والشيخ محمود عويضة (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 275. (¬2) القائلون بذلك ممن يرون فساد الصوم بالحجامة. (¬3) انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، مرجع سابق، ج 3، ص 120. (¬4) انظر: فتوى الشيخ القرضاوي على موقع اسلام أون لاين، http://admin.islamonline.net/Arabic/news/2000 - 12/10/article 17.shtml تاريخ التصفح، 17/ 9/2010 م (¬5) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 290. (¬6) انظر: عويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 269.

أدلة القائلين بعدم التفطير: 1. القياس على الحجامة؛ لأنّ خروج الدم في الغسيل الكلوي كخروجه في الحِجامة، فإذا كانت الحجامة لا تُفَطِّر، فالغسيل الكلوي لا يُفَطِّر (¬1)، فما ينطبق على الحجامة ينطبق على هذه العملية تماماً (¬2). 2. أنّ المواد المضافة إلى الدم في عملية غسيل الكلى لا يقصد بها التغذية – من حيث الأصل- لبدن المريض المُعَالج، حتى ولو كان بهذه المواد ما يمكن وصفه بالتغذية؛ بل تحوَّلت إلى كونها مواد علاجية دوائية؛ لإعادة التوازن إلى مكوِّنات الدم في بدن المريض، فالأصلُ المقصودُ بها العلاجُ والدواء (¬3). 3. أنَّ الدم الداخل لا يصل إلى الجوف وإنما يدخل من خلال الشرايين. الترجيح: والذي يترجح للباحث بعد هذا العرض المفصل طبياً وفقهياً أنَّ الغسيل الكلوي الدموي مُفَطِّر وذلك للأسباب الآتية: 1. الدم العائد إلى البدن يعود محملاً بالسكريات والأملاح. 2. ¬

_ (¬1) وهذا رأي من يرى ن الحجامة لا تفسد الصوم سائراً على قول الجمهور. (¬2) انظر: عويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 269. (¬3) انظر: العثيمين، محمد بن صالح، مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 113 - 114.

أنّه يتم تزويد البدن بالدم النقي وقد سبق الراجح في حكم حقن البدن بالدم، وأنّه من المُفَطِّرات. 3. كل ما يتغذى به الجسم، ويستغني به عن الطعام والشراب يقع تحت دائرة المُفَطِّرات حيث لا فارق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. 4. القول بأنّ هذه المواد لا تُفَطِّر لأنها لم تدخل إلى الجوف، يجاب عليه بأن الجوف مصطلح حادث لم يعلق الشارع الحكيم فساد الصوم عليه، وإنما العبرة بالأكل والشرب، وما كان في معناهما يأخذ حكمهما، بغض النظر عن وصوله الجوف أو عدم وصوله. 5. الطب الحديث قرر أن حقن الدم أبلغ من حقن المحاليل (¬1)، فإذا تقرر أنَّ المحاليل المغذية تُفَطِّر فحقن الدم من باب أولى. 6. أنّ الدم المحقون في البدن لا يقال أنّه نفس الدم الذي تم استخراجه؛ لأنّه بمجرد خروجه أصبح له حكم المنفصل، نظيره مسألة خروج القي واسترجاعه عمداً. OOOOO ¬

_ (¬1) ذكر لي ذلك الدكتور محمد علي البار كبير خبراء المجامع الفقهية في الجانب الطبي في حواري معه في عيادته الخاصة بمدينة جدة، في تاريخ 27 - جمادى الثاني-1431 هـ الموافق 9/ 6/2010 م.

المطلب الثاني: التبرع بالدم

المطلب الثاني: التبرع بالدم: الجانب الطبي: مما هو معروف أنّ الحاجة للتبرع بالدم كبيرة جداً في أغلب الأحوال، وعاجلة جداً في أحوال كثيرة، وقد بينت إحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أنّه في كل عام تقريباً هناك حاجة إلى حوالي 38000 وحدة من خلايا الدم الحمراء. الأشخاص المحتاجون لتلقي أو استقبال الدم هم: - ضحايا الحوادث المرورية والحرائق. - المرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية كبرى كعمليات القلب المفتوح، ونقل الأعضاء، وغيرها من العمليات المصحوبة بنزف شديد. - الأشخاص الذين يعانون من سرطان الدم أو غيره من الأورام. - الأشخاص المصابون بفقر الدم المنجلي أو الثلاسيميا. الأشخاص الذين يمكنهم التبرع بالدم: للتبرع بالدم بعض الشروط لا بد من توافرها في المتبرع، وهي: 1. أن يكون ذا صحة جيدة. 2. أن يكون قد تجاوز السابعة عشر من عمره. 3. أن لا يقل وزنه عن خمسين كيلوغرام.

4. أن يخضع لفحص طبي يبين خلوه من بعض الأمراض. الأشخاص الذين لا يمكنهم التبرع بالدم: هناك بعض الأشخاص لا يمكنهم التبرع بالدم، إما بشكل مؤقت، أو بصفة دائمة، وذلك كما يلي: أولاً: الموانع المؤقتة للتبرع بالدم: 1. الأشخاص الذين سبقت لهم الإصابة بذبحة صدرية خلال سنة من التبرع بالدم. 2. الذين أصيبوا بمرض الملاريا خلال السنوات الثلاث الماضية. 3. الأشخاص الذين زاروا منطقة موبوءة بالملاريا خلال السنة الماضية. 4. من تم نقل دم إليه أو أخذ أحد مكونات الدم منه خلال السنة الماضية. 5. من أجريت له عملية وشم خلال السنة الماضية. 6. من تعرض لعملية جراحية في القلب خلال السنة الماضية. 7. من تعرض لإصابة بالتهاب الكبد خلال السنة الماضية. 8. الشخص المصاب بوعكة صحية أو ارتفاع في درجة الحرارة يوم التبرع. 9. من تناول مضاداً حيوياً قبل يوم إلى ثلاثة أيام من التبرع. ثانياً: الموانع الدائمة للتبرع بالدم: 1. الأشخاص الذين سبق لهم استخدام المخدرات عن طريق الوريد.

2. الأشخاص الذين يمارسون اللواط أو العلاقات الجنسية المحرمة. 3. الأشخاص الذين سبق لهم استقبال حقن مُركّزة لعوامل تخثر الدم. 4. الذين وُجد أثناء إجراء الاختبارات المعملية أنّ لديهم فحصاً إيجابياً لتحليل التهاب الكبد من النوعين (ب وج) وتحليل (H I V) أي الإيدز. الكمية التي يتم التبرع بها: يتم أخذ من 400 إلى 450 مليلترا، وهو ما يمثل حوالي 1/ 12 من حجم الدم الموجود داخل جسم كل إنسان، والذي يتراوح بين 5 إلى 6 لترات. كيف تتم عملية التبرع بالدم: - يخضع المتبرع لفحص سريري شامل، يتضمن قياس العلامات الحيوية كالنبض والحرارة وضغط الدم. - تُجرى بعض التحاليل المخبرية الضرورية كمستوى الخضاب (الهيموجلوبين)، وبعض التحاليل للتأكد من سلامة الدم. - يستمر التبرع حوالي 10 - 15 دقيقة يكون المتبرع مستلقياً فيها على سرير مريح (¬1). ¬

_ (¬1) انظر، مقال التبرع بالدم، موقع طبيب، http://www.6 abib.com/a-1040.htm ، تاريخ التصفح 16/ 10/2010 م.

3:53 صورة تبين طريقة التبرع بالدم الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: من خلال النظر في الحقيقة الطبية لكمية الدم التي يتم استخراجها في التبرع نجد أنّ الصورة المشابهة له عند الفقهاء المتقدمين هي الحجامة، فما هو النظر الفقهي للتبرع بالدم تنظيراً على الحجامة. التخريج الفقهي: كما سبق في المطلب الأول من هذا المبحث فقد اختلف الفقهاء المتقدمون في حكم الحجامة للصائم، وخلاصة القول فيها: 1 - قول الجمهور (الحنفية والمالكية والشافعية) أنَّ الحجامة لا تؤثر على الصوم (¬1). ¬

_ (¬1) انظر: السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 3، ص 57، وسحنون، عبد السلام، المدونة الكبرى، مرجع سابق، ج 1، ص 198، الشربيني، محمد أحمد، مغني المحتاج، مرجع سابق، ج 1،ص 431.

2 - قول الحنابلة، وبعض الشافعية أنها مفسدة للصوم (¬1). وقد سبق بسط أدلة الفريقين ومناقشتها والترجيح بينها. حكم التبرع بالدم في ضوء الموقف من الحجامة: التبرع بالدم جائز للصائم ولا يؤثر على صومه، وهذا موقف المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والشافعية، وعلى قول الحنابلة، وبعض الشافعية يكون التبرع بالدم في نهار رمضان مفسداً للصوم. أقوال الفقهاء المعاصرين في حكم التبرع بالدم للصائم: اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التبرع بالدم للصائم تبعاً لما حصل من اختلاف في مسألة الحجامة، حيث التكييف الفقهي مطابق لها، وقد تباينت أقوالهم على قولين. القول الأول: (التبرع بالدم غير مفسد للصوم) وذهب إلى هذا القول من المعاصرين الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني (¬2)، ¬

_ (¬1) انظر: ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، مرجع سابق، ج 3، ص 15، والنووي، يحيى بن شرف الدين، المجموع شرح المهذب، مرجع سابق، ج 6، ص 364. (¬2) انظر: باشا، حسان، الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان، مرجع سابق، ص 140 - 141.

والشيخ يوسف القرضاوي (¬1)، والشيخ وهبة الزحيلي (¬2)، والشيخ محمود عويضة (¬3)، والشيخ محمد جبر الألفي (¬4). أدلتهم: استند أصحاب هذا القول على قياس التبرع بالدم على الحجامة، فقالوا إذا كانت الحجامة غير مُفَطِّرة فكذلك التبرع بالدم. القول الثاني: (التبرع بالدم مفسد للصوم) ذهب إلى هذا القول من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي السعودية سابقاً (¬5)، والشيخ محمد العثيمين (¬6). دليلهم: استند أصحاب هذا القول إلى أن الحجامة مُفَطِّرة، فكذلك التبرع بالدم إذ هو نظير الحجامة. ¬

_ (¬1) انظر: القرضاوي، يوسف، فقه الصيام، مرجع سابق، ص 85. (¬2) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 378. (¬3) عويضة، محمود بن عبد اللطيف، الجامع لأحكام الصيام، مرجع سابق، ص 269. (¬4) انظر: الألفي، محمد جبر، مُفَطِّرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية، مجلة مجمع الفقه، العدد العاشر، ج 2، ص 100 - 101. (¬5) انظر: ابن باز، عبد العزيز، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مرجع سابق، ج 15، ص 272. (¬6) العثيمين، محمد، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين، مرجع سابق، ج 19، ص 249 - 250.

الترجيح: سبق بيان الترجيح في مسألة الحجامة أنها غير مفسدة للصوم (¬1)، وأن قول الجمهور هو الأسعد بالدليل والأقوى، لذا يرى الباحث أنّ التبرع بالدم أثناء الصوم لا يؤثر على صحة الصوم، وأبرز أسباب الترجيح: 1. أنّ أحاديث القائلين بالتفطير لم تخلو من نقد من أئمة الحديث بما فيها عمدتهم في الاستدلال حديث «أفطر الحاجم والمحجوم» (¬2). 2. الروايات التي فيها لفظة: «رخص» تدل على رفع الحظر، إذ الرخصة لا تكون إلا بعد حظر. 3. أنَّه على افتراض تكافؤ أدلة الفريقين، وليس ثمة مرجح، فالقول بالبراءة الأصلية هو الموافق للشريعة ومقاصدها، ولا يمكن إفساد عبادة إلا بنص صحيح، أو تعليل صريح. OOOOO ¬

_ (¬1) انظر: الجانب الفقهي للغسيل الكلوي الدموي، المطلب السابق. (¬2) سبق تخريجه، انظر: ص (411).

المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل

المطلب الثالث: أخذ الدم للتحليل: الجانب الطبي: من أبرز ما تميز به الطب المعاصر الكشف عن الأمراض عن طريق التحاليل المختبرية، وذلك بسحب كمية من الدم من جسم الإنسان، ثم تحليلها ودراستها للتوصل إلى التشخيص الصحيح لحالة الشخص. تحليل الدم: تجرى تحاليل الدم عادة على الدم المأخوذ من الأوردة أو من الشرايين بواسطة مثقب رفيع، ويستخدم الدم الوريدي في معظم التحاليل في الكيمياء الحيوية، ويقتصر استخدام الدم الشرياني على بعض التحاليل مثل غازات الدم. أدوات سحب الدم: تستخدم المحقنة (Syringe) في سحب الدم الوريدي ويوجد منها نوعان: النوع الأول وهو المستخدم لمرة واحدة فقط، والنوع الثاني محقنة زجاجية قابلة للتعقيم. أنواع سحب الدم: لسحب الدم من الجسم صور متعددة، فقد يكون من الطبقات الجلدية (الشعيري)، وقد يكون من الوريد أو الشريان. سحب الدم الشعيري: يتم سحب الدم الشعيري عن طريق تثقيب رأس الأصابع (البنان)، أو شحمة الأذن في البالغين، وفي الأطفال الرضع يتم ثقب أخمص القدم، أو إصبع

القدم الكبير، أو باطن القدم بواسطة مشرط رمحي (Puncture). ويتم سحب عينة الدم الشعيري بتنظيف منطقة السحب وذلك بمسحها بقطعة قطن مبلله بكحول إيثلي، أوكحول أيزوبروبانول 70%، ثم بوخز الإبهام بواسطة المشرط الرمحي بسرعة وخفة فيحدث جرح بعمق 1 - 2 مم، ويثنى الإبهام، فيندفع الدم، ثم تجمع قطرات الدم في أنبوبة اختبار سعتها 15 مم. سحب الدم الوريدي (Veni puncture): يسحب الدم الوريدي عادة من الأوردة الموجودة في الذراع أو المرفق بواسطة محقنة جافة ومعقمة جاهزة تستعمل مرة واحدة، حيث يُمسك المرفق باليد اليسرى ويوضع إبهامها على الوريد الذي سيوخز بعيداً عن مكان الوخز 2 سم ومن ثم تمسك المحقنة باليد اليمين للممرض، أو لفني المختبر بين الإبهام والأصابع الثلاثة، ومن ثم تدخل الإبرة في الوريد بوخزة واحدة على أن تكون نهاية الإبرة المشطوفة إلى الأعلى، فيندفع الدم إلى المحقنة نتيجة سحب مدك الإبرة وعندها يسحب من 5 – 10 مل من الدم، ثم يوضع الدم المسحوب في أنبوبة الاختبار. سحب الدم الشرياني (Arterial Puncture): نادراً ما تكون هناك حاجة لسحب الدم من الشريان مثل طلب فحص غازات الدم أو دراسة الاختلاف بين مستوى الجلوكوز في الدم الشرياني والدم

الوريدي (¬1). ومن هذا التوصيف يتضح لنا أنّ الدم المسحوب إما أنّ يُؤخذ من الجلد أو من الوريد أو الشريان. 3:54 صورة تبين طريقة أخذ الدم الشعيري والشرياني الجانب الفقهي: التكييف الفقهي: إذا تأملنا صور أخذ الدم للتحليل نجد أنّ الصورة المقاربة والمماثلة لها عند الفقهاء المتقدمين هي مسألة الفصد، وقد تحدث الفقهاء عنه وعن حكم تأثيره على الصوم، فما هو الفصد وما تخريج المسألة فقهياً في ضوء هذا التكييف. ¬

_ (¬1) انظر: موقع طبيب على الإنترنت: http://www.6 abib.com/lab/alb-20.htm، تاريخ التصفح 13/ 10/2010 م.

الفصد لغة: قطع العروق، وافتصد فلان قطع عرقه ففصد (¬1). واصطلاحاً: هو عند الفقهاء بنفس المعنى اللغوي. جاء في الموسوعة الفقهية: «الفصد: هو قطع العرق لاستخراج الدم الذي يؤذي الجسد» (¬2). وقال السرخسي: «هو جرح لا يجوز الإقدام عليه من غير حاجة وعند الحاجة يكون دواء» (¬3). والفرق بين الفصد والحجامة أنَّ الحجامة مص الدم بعد شق العرق، والفصد مجرد شق العرق (¬4). التخريج الفقهي: ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنّ الفصد لا يفسد الصوم، ويكاد أن يكون اتفاق بين المذاهب الأربعة لولا ما ذهب إليه بعض الحنابلة من أنَّ الفصد مفسد للصوم. القول الأول: (أنه غير مفسد للصوم) وهذا ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية (¬5)، والشافعية، وجمهور الحنابلة. • ¬

_ (¬1) انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري، لسان العرب، مرجع سابق، ج 3،ص 336. (¬2) مجموع من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق ج 32، ص 146. (¬3) السرخسي، شمس الدين محمد بن أحمد، المبسوط، مرجع سابق، ج 13، ص 131. (¬4) الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق، ج 32، ص 147. (¬5) ويرى الحنفية والمالكية والشافعية كراهة الفصد تنزيهاً إذا كان يضعف الصائم، وهو ما سيتبين من أقوالهم.

الحنفية: قال الحصفكي في حديثه عن فعل ما لا يُفَطِّر: «أي فعل ما لا يظن الفطر به كفصد» (¬1). وقال ابن عابدين: «وكره له فعل ما ظن أنه يضعفه عن الصوم كالفصد والحجامة» (¬2). • المالكية: قال المغربي في حديثه عن الذي لا يفسد الصوم: «وحجامة مريض، ومثلها الفِصادة ... وتكره الفِصادة والحجامة» (¬3). • الشافعية: قال النووي: «ولا يُفَطِّر الفصد والحجامة، لكن يكرهان للصائم» (¬4). • الحنابلة: قال ابن مفلح: «ومن جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يُفْطِرْ» (¬5). القول الثاني: (أن الفصد مفسد للصوم) وهو رواية في مذهب الحنابلة. ¬

_ (¬1) انظر: ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المختار على الدر المختار، مرجع سابق، ج 2، ص 411. (¬2) المرجع السابق، ج 2، ص 419. (¬3) المغربي، محمد بن عبد الرحمن، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، مرجع سابق، ج 2، ص 416. (¬4) النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا، روضة الطالبين وعمدة المفتين، مرجع سابق، ج 2، ص 357. (¬5) ابن مفلح، محمد المقدسي، الفروع وتصحيح الفروع، مرجع سابق، ج 1، ص 36.

قال المرداوي: «ظاهر كلام المصنف أنه لا يفطر بغير الحجامة، فلا يفطر بالفصد، وهو أحد الوجهين ... والوجه الثاني: يفطر به، جزم به ابن هبيرة عن الإمام أحمد» (¬1). حكم سحب الدم للتحليل في ضوء كلام الفقهاء المتقدمين: من خلال ما سبق من كلام الأئمة يتبين أنّ سحب الدم للفحص لا يُفَطِّر عند المذاهب الأربعة. أما الحنفية والمالكية والشافعية فلأنهم يرون الحجامة لا تُفَطِّر فما دونها من باب أولى. وأما الحنابلة فقد استبعدوا قياسه على الحجامة، لأنّ ما يخرج بالفصد يسير، وما يخرج بالحجامة كثير. وأما أصحاب القول الثاني (بعض الحنابلة) فيرون أنَّ الفصد مفسد للصوم لأنهم قاسوه على الحجامة. أقوال الفقهاء المعاصرين في حكم أخذ سحب الدم للتحليل: يكاد الفقهاء المعاصرون يطبقون على أنّ أخذ الدم لغرض التحليل لا يفسد الصوم، حتى الذين يرون فساد الصوم بالتبرع بالدم، وذلك أن التبرع عندهم كالحجامة، أما أخذ الدم لغرض التحليل فكميته يسيرة ولا يؤثر على الصوم ¬

_ (¬1) المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، مرجع سابق، ج 3، ص 303.

عندهم (¬1).وهو الذي قررته الندوة الطبية الفقهية التابعة لمجمع الفقه الإسلامي حول التداوي (¬2). الترجيح: يرى الباحث أنَّ سحب الدم للتحليل أيَّاً كان نوعه شعيري، أو وريدي، أو شرياني، لا يفسد الصوم وذلك للآتي: إذا تقرر عدم فساد الصوم بالتبرع بالدم الذي تصل كميته إلى نصف لتر، فسحب كمية تُقَدّر بخمسة مليلتر لا تفسد الصوم من باب أولى. أنّ القائلين من الحنابلة بفساد الصوم بالفصد لا يعتمدون على دليل، أو تعليل صحيح، وقياسهم على الحجامة لا يستقيم لوجود الفارق بينهما؛ لأنّ علة النهي عن الحجامة غير معلومة حتى يقاس عليها. وإن سلمنا أن العلة في الحجامة هي الضعف الذي يحصل للمحجوم فهي علة منتفية في سحب كمية التحليل. OOOOO ¬

_ (¬1) منهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين. انظر: العفاني، سيد بن حسين، نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان، مرجع سابق، ج 3، ص 117 - 118. (¬2) انظر: قرارات الندوة الطبية الفقهية المنعقدة بالدار البيضاء في 8 - 11 صفرهـ 14 - 17 يونيو 1997 م، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، مرجع سابق، العدد العاشر، ج 2، ص 465.

المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction)

المطلب الرابع: شفط الدهون (Liposuction): الجانب الطبي: شفط الدهون: هي عملية تندرج تحت العمليات الجراحية التجميلية، والتي تفيد في إصلاح الشكل العام للجسم، ومعالجة البروز في أي مكان بجسم الإنسان, ويتم شفط الدهون بموجب الضغط السلبي عن طريق جهاز شفط الدهون الذي يعمل بالكهرباء، وحديثاً تم توظيف الترددات الصوتية العالية في جهاز شفط الدهون لتساعد على إذابة الدهون بموجب الطاقة الناجمة عن هذه الترددات العالية, ويتم فقدان حوالي 10 سم 3 من الدم مع كل لتر دهن يتم شفطه. ويشعر المريض بعد شفط الدهون وكأنَّه بذل مجهود عضلي كبير مثل الجري لمسافة طويلة, وسرعان ما يتلاشى هذا الشعور خلال أيام قليلة (¬1). دواعي استخدام شفط الدهون: 1 - إصلاح البروز بالجسم سواء أكان شفطاً منفرداً أو مع استئصال جراحي. 2 - علاج مناطق العَرَق النشطة. ¬

_ (¬1) من حوار مع الدكتور مجدي كامل عبد الجليل، أخصائي جراحة التجميل بمستشفى بريدة المركزي، مدينة بريدة، السعودية. بتاريخ 6/ 2/2010 م.

3 - تقليل نسبة الإصابة بالذبحة الصدرية عند الرجال بشفط دهون البطن. 4 - استعمال الدهون المشفوطة في حقن الوجه واليدين لاستعادة الشباب (¬1). كيف تتم عملية شفط الدهون: تجرى عملية شفط الدهون، -والتي تستغرق من ساعة إلى ثلاث ساعات- في العيادات الخارجية عادة تحت مخدر موضعي، أو كلي إذا كانت منطقة العلاج كبيرة، أو كان الشخص أو الجراح يفضل ذلك. ويبدأ الجرَّاح بتخدير عام للمنطقة التي ستعالج فوق الجلد، ويصنع شق صغير ثم يغرس فيه أنبوب رفيع أجوف ذو طرف ثلم، وبه ثقوب صغيرة حول محيطه، ثم يتم تحريكه جيئة وذهاباً، وهذا يفكك خلايا الشحم من مواقعها حتى يمكن شفطها من خلال أداة الشفط، وترسيبها في قنينة تجميع. ويكرر الجراح هذه العملية إلى أن يزال مقدار من الدهون يختفي معه بروز المناطق الشحمية. وعندما تكتمل العملية، تصنع غرز لإغلاق الفتحة الجراحية ثم تضمد المنطقة بالرباط. وبسبب فَقْد بعض السوائل بجانب الشحوم أثناء تلك العملية، فقد تُعطى سوائل عن طريق الوريد أثناء العلاج؛ بل قد يصل الأمر إلى أن تحتاج إلى نقل ¬

_ (¬1) المرجع السابق.

دم (¬1). 3:55 صورة تبين كيفية عملية الشفط الجانب الفقهي: التكييف والتخريج الفقهي: من خلال التصور الطبي لعملية شفط الدهون نجد أنها عبارة عن غرز آلة طبية تقوم باستخراج الدهون المتراكمة من الجسم، فمن حيث الصورة الظاهرة في ¬

_ (¬1) انظر: عملية شفط الدهون، موقع طبيب على الإنترنت، http://www.6 abib.com/a-921.htm، تاريخ التصفح:14/ 10/2010 م

الإخراج فهي تشبه الحجامة إلا أن تكييفها على الحجامة يُشكل عليه أن الحقيقة مختلفة بينهما حيث أن الحجامة سحب للدم الذي هو عماد قوام الحياة والغذاء، بينما عملية شفط الدهون شفط لما هو فائض عن حاجة الجسم، كما أنّ الحجامة لم يرد فيها علة صريحة، فقياس كل شفط من البدن على الحجامة محل إشكال. ولم أجد أحداً من الفقهاء المعاصرين، أو المجامع أو الندوات الفقهية (¬1) من تحدث عن حكم عملية شفط الدهون أثناء الصوم رغم تتبعي الدقيق. الراجح في حكم شفط الدهون: من خلال التأصيل لضابط المُفَطِّرات، والتصور الطبي لطبيعة عملية شفط الدهون فإنه يظهر للباحث أنها لا تؤثر على صحة الصوم، ما لم تصاحبها عملية تزويد بالمغذيات، فحينئذ يكون فساد الصوم بسبب المغذي، لا بسبب شفط الدهون، وأسباب القول بعدم إفسادها للصوم الأسباب الآتية: 1. أنّ ضابط المُفَطِّرات ما كان أكلاً أو شرباً، أو في معناهما، وشفط الدهون ليس من ذلك في شيء. 2. أنّه إذا رجحنا في الحجامة عدم إفسادها للصوم مع أنه سحب لما يتقوى به البدن، فإن شفط الدهون لا يفسد الصوم من باب أولى. 3. ¬

_ (¬1) هذا من حيث الحكم على تأثير العملية على صحة الصوم، أما من حيث حكم شفط الدهون فقد تحدثوا عنه بأدلة مبسوطة في مظانها، ولكنه ليس محل هذا البحث.

أنّه لا يمكن أن نفسد عبادة متيقنة إلا بدليل صريح، أو تعليل صحيح، وليس ثمة شيء منهما في هذه المسألة. وبهذه المسألة يختم الباحث بحثه سائلاً الله الرشد والتوفيق والسداد فيما اجتهد فيه من مسائل هذا البحث والله تعالى أعلم وأحكم

الخاتمة

الخاتمة - النتائج. - التوصيات.

النتائج والتوصيات

النتائج والتوصيات الحمد لله في البدء والختام .. الحمد لله الذي وفق وأعان على هذا البحث بإكمال مسائله وتذليل مصاعبه، حمداً كثيراً طيباً كما ينبغي لجلال وجهك ربنا وعظيم سلطانك. أما بعد فإنني في خاتمة هذه الرحلة العلمية الماتعة النافعة حول موضوع المُفَطِّرات الطبية المعاصرة أوجز النتائج التي توصلت إليها خلال هذه الرحلة، وهي الآتي: 1. أنَّ دراسة النوازل والمستجدات المعاصرة المتعلقة بالعبادات والمعاملات من الواجبات الشرعية على الفقهاء المعاصرين. 2. أهمية توفر الشروط اللازمة للإفتاء في النوازل المعاصرة عند من يتصدى للنظر والإفتاء فيها؛ لتخرج الفتوى سليمة من الشطط. 3. ضرورة إشراك أصحاب التخصصات المتعلقة بالنازلة، وإلا لفقدت الفتوى شرعيتها وصوابها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا يمكن التصور الصحيح إلا من صاحب التخصص. 4. أنَّ الشريعة أعطت الطب اهتماماً كبيراً، وحثت على الطب التجريبي، وحررت الطب من الخرافة والشعوذة. 5. أنَّ جهود العلماء المسلمين في الطب سبقت الحضارات الأخرى في الطب التجريبي التشخيصي والتشريحي والعلاجي بنوعيه العلاجي

والوقائي، وتوصلوا إلى نتائج كبيرة لازال الطب المعاصر يعتمد عليها، مثل اكتشاف الدورة الدموية، ونظرية البصريات لابن الهيثم وغيرها. 6. عمق العلاقة بين الطب والفقه، واحترام الفقهاء المتقدمين تخصص الطب، وإحالتهم عدداً من مسائل الفقه لما يقرره الطبيب المختص، وبَنَوْا الحكم الشرعي على قوله، مثل تقدير الجروح في الديات وغيرها. 7. حث الشريعة على حفظ النفس، تتمثل أحد مظاهره في حثها على التداوي والترغيب فيه، سواء كان العلاجي، أو الوقائي. 8. أنّ المرض المبيح للفطر هو ما أحدث مشقة زائدة على المشقة المعتادة في الصوم، أما ما لا يحدث مشقة زائدة عن المعتاد كالجروح البسيطة والصداع الخفيف فليس محلاً للرخصة، ولا يجوز معه الفطر. 9. القول الصحيح في حكم التداوي أنّ الأصل مشروعيته من حيث الجملة، وتتخرج عليه الأحكام التكليفية الخمسة، فتارة واجب، وتارة مستحب، وتارة مكروه، وتارة محرم، وتارة مباح. 10. المُفَطِّرات المجمع عليها الثابتة بالنص القطعي الثبوت والدلالة هي الأكل والشرب والجماع، وما سواها فمحل خلاف واجتهاد. 11. الفقهاء المتقدمون لهم مسلكان في المُفَطِّرات، مسلك التوسع ومسلك التضييق، ومسلك التضييق هو الأسعد بالدليل والأقرب إلى مقاصد التشريع، , وأما مذهب التوسع فلا تسعفه حجة تطمئن إليها النفس بإفساد عبادة عينية صحيحة.

12. أنّ مصطلح «الجوف» الذي أحدث توسعاً في باب المُفَطِّرات لم يجعله الشارع الحكيم ضابطاً للمُفَطِّرات، ولم يرد في الشرع ربط أحكام المُفَطِّرات بمصطلح «الجوف» لا في الكتاب ولا في السنة، وإنما هو لفظ حادث بعد زمن النبوة، وزمن الصحابة - رضي الله عنهم -. 13. أنَّ استخدام ألفاظ ومصطلحات في مسائل الفقه يجب أن يشهد لها النص الصريح، وإلّا أحدثت إرباكا وتوسعاً وإشقاقاً على المكلفين لم تأتِ به الشريعة، كما هو الحال في لفظ الجوف في الصوم، ولفظ «المَخِيط» في محظورات الإحرام في الحج. 14. المذاهب الأربعة لم تتفق على تحديد مفهوم الجوف فيما بينها، ولا في المذهب الواحد، وهذا يعزز عدم جعله مرجعا للمُفَطِّرات، إذ لو كان مرجعاً لكان واضح المعالم في عبادة يحتاجها المتعلم والأمي والذكر والأنثى والحاضر والباد. 15. الطب المعاصر حدد الجوف المؤثر على صحة الصوم، والذي يفسد الصوم بما يصل إليه هو ما تجاوز الحلق (المريء) من الجهاز الهضمي وذهب إلى المعدة. 16. التجاويف الأخرى في الجسم لا علاقة لها بالجهاز الهضمي ولا يؤثر الواصل إليها على صحة الصوم، كالتجويف الدماغي والتجويف البطني، والتجويف الصدري، وغيرها، باستثناء التجويف الأنفي فإن له صلة بالجهاز الهضمي.

17. وجود التوسع الكبير في باب المُفَطِّرات حدث عند الفقهاء المتقدمين لتصورهم وجود اتصال بين التجاويف المختلفة في الجسم وبين المعدة، أو البطن، حسب ما وصل إليه الطب في زمنهم، وقد أثبت الطب التشريحي الحديث عدم صحة هذا التصور. 18. الأحكام التي بُنيت عند الفقهاء المتقدمين على تصور طبي تبين عدم صحته بالطب التشريحي الحديث، يجب تغير الحكم فيها لتغير التصور الذي بُني عليه الحكم. 19. الضابط الذي تدل عليه النصوص في الداخل إلى البدن، هو ما كان أكلاً أو شرباً أو كان في معناهما، مما يستغني به البدن عنهما، لأنَّ ما قام مقام الشيء يُعطى حكمه، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات. 20. ما يصل إلى الجهاز الهضمي مما هو دون المتبقي من المضمضة وبقايا السواك من المعفو عنه الذي لا يؤثر على صحة الصوم. 21. استخدام بخاخ الربو بنوعيه الغازي والبودرة لا يؤثر على صحة الصوم، حيث أنَّ الكمية التي يمكن وصولها إلى المعدة أقلّ بكثير من بقايا المضمضة والسواك، واستخدامه بواسطة القمع الهوائي يحدث اطمئناناً أكثر، حيث تصل كمية الدواء شبه كاملة إلى الرئتين عند استخدامه. 22. جهاز النبيوليزر مُفَطِّر لمفارقته البخاخ العادي في الكمية الداخلة، حيث أنّ الكمية الداخلة إلى المعدة كبيرة، وأكبر من القدر المعفو عنه.

23. زوال العقل (الإغماء) بسبب التخدير لا يفسد الصوم، سواء كان التخدير كل النهار أو بعضه، إذا حصلت النية قبل الفجر، ما لم يصاحب التخدير سوائل مغذية للبدن فيحصل الفطر بها لا بالإغماء. 24. استخدام معجون الأسنان وغسول الفم جائز إذا أمن الشخص وصوله إلى الحلق، وذلك أنَّ الفم له حكم الظاهر. 25. استخدام منظار المعدة مفسد للصوم بسبب ما يصاحب إدخاله من مادة دهنية مُزَلِجة ومُسهلة للإدخال، حيث تدخل من الفم وتصل المعدة ويتم امتصاص أكثرها هناك. كما يصاحب استخدام المنظار الماء أو مواد منظفة تزيل إفرازات المريء والمعدة لتتضح الرؤية، ويعلق جزء منها في المعدة. وهذا مما يدخل في عموم الأكل والشرب المنهي عنه للصائم. 26. الصائم الذي يحتاج لمنظار المعدة في نهار رمضان، ويشق عليه تأخيره إلى ما بعد الإفطار، فإنه يستخدمه ويقضي مكان ذلك اليوم، أما إذا لم يشق عليه تأخيره إلى الليل فيحرم عليه استخدامه أثناء النهار، لأنَّه مُفَطِّر. 27. قطرات الأنف، وبخاخ الحساسية عن طريق الأنف لا يُفَطِّران؛ وذلك أنَّ الكمية الواصلة إلى الحلق يسيرة جداً، وما يمكن افتراض وصوله إلى المعدة أقل من المتبقي من المضمضة والسواك. 28. قطرات العين غير مُفَطِّرة، وذلك أنه لا يصح حديث في النهي عن

اكتحال الصائم فليس ثمة أصل يقاس عليه، كما أنَّ الكمية الواصلة من القناة الدمعية ضئيلة جداً، ويستحيل وصولها إلى المعدة، لكونها تستهلك قبل وصولها الحلق. 29. لبس العدسات اللاصقة لا يفطر الصائم سواء كان لبسها مجرداً، أو صاحبه محاليل معقمة، لذات الأسباب المذكورة في قطرات العين. 30. قطرات الأذن غير مُفَطَّرة في حالتي كون الطبلة سليمة أو مثقوبة، أما في حالة كونها سليمة فلعدم وجود منفذ إلى الجهاز الهضمي، وفي حالة كونها مثقوبة فلأنَّ القطرات لاتصل إلى المعدة لكونها تستهلك أثناء مرورها إلى البلعوم، وعلى فرضية وصول شيء فهو يُقَدَّر بأقل مما يصل من بقايا المضمضة والسواك. 31. غسول الأذن غير مُفَطِّر إذا كانت الطبلة سليمة؛ لعدم وجود منفذ إلى الجهاز الهضمي، ومُفَطِّر في حال كانت الطبلة مثقوبة، لكون كمية الماء الداخلة كبيرة ويصل جزء منها إلى المعدة عبر قناة استاكيوس ثم إلى البلعوم ثم إلى المعدة. 32. أن استخدام الأقراص العلاجية تحت اللسان لا يؤثر على صحة الصوم، وذلك أنّ الفم له حكم الظاهر. 33. الحقن العضلية غير مفسد للصوم، ويكاد أن يكون إجماعاً للعلماء المعاصرين. 34. الحقن الجلدية بنوعيها العلاجية والتجميلية غير مُفَطِّرة، وذلك أنها

ليست أكلا ولا شرباً ولا تغني عنهما، ولاتصل إلى ما اعتبره الطب المعاصر جوفا مؤثراً في الصوم. 35. الحقن الوريدية المغذية مُفَطِّرة، لأنها تقوم مقام الأكل والشرب في منح الجسم بالطاقة والمواد الحيوية اللازمة ويستغني بها من يتناولها عن الطعام والشراب لفترات قد تطول أياماً أو شهوراً فهي بمعنى الأكل والشرب. 36. الحقن الوريدية العلاجية غير مُفَطِّرة، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ولا صورتهما، وكمية المحلول الملحي أو السكري الموجود فيها لا يغني الجسم عن الأكل والشرب، ولا يمد الجسم بالطاقة، وإنما هو مساعد لدخول الدواء إلى الدم. 37. حَقْن الدم للصائم يفسد الصوم لما يحتويه الدم من مواد حيوية، تغذي الجسم وتمده بالطاقه، فهو مما يقوم مقام الأكل والشرب، وهو نظير الحقن الوريدية المغذية. 38. الغسيل الكلوي البريتوني في نهار رمضان مفسد للصوم، وذلك أنه يتم فيه إدخال كمية كبيرة من الماء والأملاح والمعادن والسكر، وتتفاعل مع الدم وينتقل جزء كبير من هذه المواد إلى الدم، فيمد الجسم بالمواد الحيوية فهو بمعنى الأكل والشرب نظير الحقن المغذية. 39. منظار البطن غير مفسد للصوم، وذلك أنّه ليس أكلاً ولا شرباً، لا حقيقة ولا حكماً، وما كان هذا حاله فليس بمفسد للصوم.

40. القسطرة القلبية غير مُفَطِّرة، وذلك أنها عبارة عن مادة صلبة تدخل إلى الجسم عن طريق الجلد، فلا يصدق عليها أنها طعام أو شراب، وليس في معناهما، والدواء المصاحب للقسطرة مواد علاجية، لا تغني الصائم عن الطعام والشراب، ولا تقوم بتزويد الجسم بمواد يستطيع من خلالها القيام بالعمليات الحيوية أو توليد الطاقة. 41. الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية والتجميلية التي يتم امتصاصها عن طريق الجلد غير مُفَطِّرة، حيث أثبت الطب الحديث عدم وجود علاقة بين ما يدخل من مسام الجلد بالجهاز الهضمي. ويدخل في ذلك لصقة النيكوتين، ولا دليل يقوى التفريق بين لصقة النيكوتين، وبقية اللصقات. 42. لصقة إزالة الشعور بالجوع والعطش غير مُفَطِّرة، واستخدامها الدائم يقلل من الاستفادة من حِكَم الصيام وفوائده. 43. ما يدخل إلى المهبل أو الرحم من أجهزة فحص وتنظير، أو غسول، أو أدوية ومراهم للعلاج والتنظيف. كل ذلك لا يُفَطِّر ولا يفسد الصوم، لعدم وجود أي صلة بين المهبل والرحم وبين الجهاز الهضمي. 44. ما يدخل الجهاز التناسلي سواء إلى الإحليل أو المثانة للتشخيص أو العلاج بالأجهزة أو الأدوية أو غسول المثانة كل ذلك لا يُفَطِّر الصائم، حيث تبين بالتشريح الطبي القطعي عدم وجود اتصال بين الجهاز البولي والجهاز الهضمي، كما أنّ ما يدخل من تلك الأشياء لا

تغذي البدن، ولا تمده بالطاقة. 45. كل ما يدخل عن طريق الشرج من حقنة وتحاميل ومنظار ومراهم باستثناء الحقن الشرجية المغذية لا يفطر الصائم، وذلك أنّ ما يدخل عن طريق الشرج ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما، وأنّ ما يتم امتصاصه من بعضها ضئيل جدًّا لا يستغني به الجسم عن الأكل والشرب، ولا يمده بالطاقة والحيوية. 46. الحقن الشرجية المغذية مُفَطِّرة؛ لأنها بمعنى الأكل والشرب، وما كان بمعنى الأكل والشرب يأخذ حكمهما، حيث يستغني بها الجسم عن الطعام والشراب؛ لأنَّها تغني عن الطعام والشراب، وتمد الجسم بالطاقة الحيوية اللازمة. 47. الغسيل الكلوي الدموي مُفَطِّر، وذلك أنّ الدم العائد إلى البدن يعود محملاً بالسكريات والأملاح، ويتغذى بها الجسم، ولا فارق بين الأكل والشرب، وما يتغذى به البدن لتحقق المعنى في كل منهما. 48. التبرع بالدم أثناء الصوم لا يؤثر على صحة الصوم، لرجحان القول بأن الحجامة لا تفسد الصوم. 49. سحب الدم للتحليل غير مفطِّر، وذلك أنّه لا دليل على إفساد الصوم به، وإذا كان التبرع لا يُفطِّر، فسحب الدم اليسير للتحليل من باب أولى. 50. عملية شفط الدهون لا تفطر قياساً على عدم فساد الصوم بإخراج الدم

التوصيات

الذي هو أساس التغذية للجسم، فمن باب أولى عدم فساده بإخراج ما زاد عن حاجته. • التوصيات: 1. وفي الختام فإن من حسن التمام أن يوصي الباحث بما يعزز الجوانب المتعلقة بموضوع الرسالة لخدمة الأمة، لذا فإن الباحث من خلال الرسالة رأى الحاجة ماسة لأن يوصي بالآتي: 2. ضرورة تدريس فقه النوازل وجعله مادة مستقلة في الجامعات والمعاهد الشرعية نظير المواد الشرعية الأخرى. 3. ضرورة ربط الفقهاء المعاصرين وطلاب الدراسات الفقهية بالمستجدات المعاصرة. 4. ضرورة تأهيل المفتين في فقه النوازل، وشروطه وضوابط الإفتاء فيه، لتخرج الفتوى في النوازل سليمة وبعيدة عن الشطط. 5. إقامة جسور التعاون والتواصل بين الفقهاء وأصحاب التخصصات في العلوم التطبيقية، ليتمكن المفتون من دقة التصور الذي يُبنى عليه الحكم في النوازل. 6. فتح قنوات دائمة بين الفقهاء والأطباء والمراكز الطبية وكليات الطب لمتابعة المستجدات الطبية التي تحتاج إلى نظر شرعي، والتمكن من تصورها تصوراً علمياً سليماً. 7. إقامة المؤتمرات والندوات والملتقيات الدورية التي تجمع الفقهاء

وأصحاب التخصصات الأخرى للنظر في المستجدات ودراستها والإفتاء فيها. 8. إنشاء المجلات والدوريات والنشرات المتخصصة بفقه النوازل ومتابعتها وتقديم الرؤى والتصورات الشرعية حولها.

قائمة المصادر والمراجع • أولاً: المراجع العربية: القرآن الكريم. 1. ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد. (1409 هـ) المصنف في الأحاديث والآثار (ط 1). كمال يوسف الحوت (تحقيق). الرياض: مكتبة الرشد. 2. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد. (1415 هـ). التحقيق في أحاديث الخلاف (ط 1). مسعد عبد الحميد محمد السعدني (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 3. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي. (1403 هـ). العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (ط 1). خليل الميس (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 4. ابن حبان، بن أحمد التميمي البستي. (1414 هـ- 1993 م). صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (ط 2). شعيب الأرنؤوط (تحقيق). بيروت: مؤسسة الرسالة. 5. ابن الحاجب، الكردي المالكي. جامع الأمهات (د. ط). 6. ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي. (1407 هـ). أدب المفتي والمستفتي (ط 1). د. موفق عبد الله عبد القادر (تحقيق). بيروت: مكتبة العلوم والحكم. 7. ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي.

(1973 م). إعلام الموقعين عن رب العالمين (ط 1). طه عبد الرؤوف سعد (تحقيق). بيروت: دار الجيل. 8. ابن القيم، محمد بن أبي بكر الزرعي. (1415 هـ/1995 م). حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط 2). بيروت: دار الكتب العلمية. 9. ابن القيم، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي. الطب النبوي (د. ط). عبد الغني عبد الخالق (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 10. ابن المنذر، أبو بكر محمد بن إبراهيم النيسابوري. (1402 هـ). الإجماع (ط 3). د. فؤاد عبد المنعم أحمد الإسكندرية (تحقيق). دار الدعوة. 11. ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله. (1420 هـ). مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (ط 2). الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء. 12. ابن بدران، عبد القادر. (1401 هـ). المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (ط 2). بيروت: مؤسسة الرسالة. 13. ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني. (د. ت) مجموع الفتاوى (ط 2). عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي (تحقيق). القاهرة: مكتبة ابن تيمية. 14. ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني. (1384 هـ/1964 م). تلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير السيد عبدالله هاشم اليماني (تحقيق). المدينة المنورة: دار النشر. 15. ابن حجر، أحمد بن علي أبو الفضل العسقلاني. فتح الباري شرح صحيح البخاري (د. ط). محب الدين الخطيب (تحقيق). بيروت: دار المعرفة. 16. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن محمد، الهيتمي. (د. ط). المنهج القويم

(د. ن). 17. ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري. المحلى (د. ط). لجنة إحياء التراث العربي (تحقيق). بيروت: دار الآفاق الجديدة. 18. ابن حنبل، أحمد أبو عبد الله الشيباني. مسند الإمام أحمد بن حنبل. مصر: دار النشر: مؤسسة قرطبة. 19. ابن رجب، أبو الفرج عبد الرحمن البغدادي. (1417 هـ/1997 م). جامع العلوم والحكم (ط 7) شعيب الأرناؤوط، وإبراهيم باجس (تحقيق). بيروت: مؤسسة الرسالة. 20. ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي. بداية المجتهد ونهاية المقتصد (د. ط). بيروت: دار الفكر. 21. ابن سينا، أبو علي الحسين بن علي. القانون في الطب (د. ط). محمد أمين الضناوي (تحقيق). دار البشير. 22. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر. (1421 هـ/ 2000 م). حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار (د. ط). بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر. 23. ابن عاشور, محمد الطاهر. (1997 م). التحرير والتنوير تونس: دار سحنون للنشر والتوزيع. 24. ابن عاشور، محمد الطاهر. (1421 هـ/2001 م). مقاصد الشريعة الإسلامية (ط 2). الطاهر الميساوي (تحقيق). عمَّان-الأردن: دار النفائس. 25. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري. (1387 هـ). التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (د. ط). مصطفى بن أحمد العلوي,

محمد عبد الكبير البكري (تحقيق). المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية. 26. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري. (1398 هـ). جامع بيان العلم وفضله (د. ط). بيروت: دار الكتب العلمية. 27. ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله. (2000 م). الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (ط 1). سالم محمد عطا-محمد علي معوض (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 28. ابن عطية، عبد الحق بن غالب الأندلسي. (1413 هـ/1993 م). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (ط 1). عبد السلام عبد الشافي محمد (تحقيق). لبنان: دار الكتب العلمية. 29. ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. (1420 هـ/1999 م). معجم مقاييس اللغة (ط 2). عبد السلام هارون (تحقيق). بيروت: دار الجيل. 30. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي. (1405 هـ). المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (ط 1). بيروت: دار الفكر. 31. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد المقدسي. الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل (د. ط). بيروت: المكتب الإسلامي. 32. ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني (د. ت). سنن ابن ماجه (د. ط). محمد فؤاد عبد الباقي (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 33. ابن مفلح، محمد المقدسي. (1400 هـ-1980 م) المبدع في شرح المقنع (د. ط) بيروت: المكتب الإسلامي. 34. ابن مفلح، محمد المقدسي. (1418 هـ). الفروع وتصحيح الفروع

(ط 1). أبو الزهراء حازم القاضي (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 35. ابن منظور، محمد بن مكرم الأفريقي المصري. (د. ت). لسان العرب (ط 1). بيروت: دار صادر. 36. ابن نجيم، زين الدين. (د. ت). البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ط 2). بيروت: دار المعرفة. 37. أبو الفداء، محمد عزت عارف. (د. ت). أسرار العلاج بالحجامة والفصد (د. ط). القاهرة: دار الفضيلة. 38. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني. سنن أبي داود (د. ط). محمد محيي الدين عبد الحميد (تحقيق).دار الفكر. 39. أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني. سنن أبي داود (د. ط). محيي الدين عبد الحميد (تحقيق). دار الفكر. 40. أبو يعلى، أحمد بن علي بن المثنى الموصلي. (1404 هـ-1984 م) مسند أبي يعلى (ط 1). حسين سليم أسد (تحقيق). دمشق: دار المأمون للتراث. 41. أحمد الزيات، وآخرون. (1425 هـ -2004 م). المعجم الوسيط (ط 4). القاهرة: مكتبة الشروق. 42. أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي. (1404 هـ-1984 م). مسند أبي يعلى (ط 1). حسين سليم أسد (تحقيق). دمشق: دار المأمون للتراث. 43. الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد. (2001 م). تهذيب اللغة (ط 1). محمد عوض مرعب (تحقيق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 44. إسحاق أزيموف. (1969 م). الدماغ البشري طاقاته ووظائفه (د. ط). عبده سعيد (ترجمة). القاهرة: مكتبة الأنجلو مصرية. 45. الأشقر، محمد سليمان. (1422 هـ-2001 م) أبحاث اجتهادية في الفقه

الطبي (ط 1). بيروت: الرسالة ناشرون. 46. الألباني، محمد ناصر الدين. (405 هـ/1985 م). إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (ط 2). بيروت: المكتب الإسلامي. 47. الألفي، محمد جبر. (1418 هـ/الموافق 1997 م). بحث مفطرات الصائم في ضوء المستجدات الطبية (ط 1). مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة: مطبعة مجمع الفقه الإسلامي. 48. الأنصاري، زكريا بن محمد (د. ت). الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (د. ط). المطبعة الميمنية. 49. أيوب، حسن. (1403 هـ/1983 م). فقه العبادات (ط 6). الصلاة والزكاة والصيام، بيروت: دار الندوة الجديدة. 50. بابلي، ضحى محمود. (1426 هـ/2005 م). الموسوعة الصحية الشاملة (ط 2). الرياض: وزارة الصحة. 51. البار، محمد علي. (1409 هـ/1989 م). علم التشريح عند المسلمين (ط 1). جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع. 52. البار، محمد علي. (1418 هـ/الموافق 1997 م). المُفَطِرات في مجال التداوي (ط 1). مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة: مطبعة مجمع الفقه الإسلامي. 53. باشا، حسان شمسي. (1415 هـ). الدليل الطبي والفقهي للمريض في شهر رمضان (د. ط). جدة: مكتبة السوادي. 54. باشا، حسان شمسي. (1418 هـ/الموافق 1997 م). بحث المُفَطِرات والتداوي (ط 1). مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة: مطبعة مجمع الفقه الإسلامي.

55. البخاري, محمد بن إسماعيل الجعفي. (1407 هـ/1987 م). الجامع الصحيح (ط 3). د. مصطفى ديب البغا (تحقيق). بيروت: دار ابن كثير. 56. البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق. (1409 هـ) البحر الزخار (ط 1). د. محفوظ الرحمن زين الله (تحقيق). بيروت: مؤسسة علوم القرآن, مكتبة العلوم والحكم. 57. البسام، عبد الله بن عبد الرحمن. (1414 هـ/1994 م). توضيح الأحكام من بلوغ المرام (ط 2). مكة المكرمة: مكتبة النهضة الحديثة. 58. البستاني، بطرس (د. ت). دائرة المعارف (د. ط). بيروت-لبنان: دار المعرفة. 59. البعلبكي، منير. (1996 م). موسوعة المورد (ط 2). بيروت: دار العلم للملايين. 60. البغوي، الحسين بن مسعود. (1403 هـ/1983 م). شرح السنة (ط 2). شعيب الأرناؤوط-محمد زهير الشاويش دمشق (تحقيق). بيروت: المكتب الإسلامي. 61. بن حميد، صالح. (1426 هـ/2005 م). الجامع في فقه النوازل (ط 2). الرياض: مكتبة العبيكان. 62. بن قاسم، عبد الرشيد بن محمد أمين. (د. ت). أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية (بحث منشور في موقع المشكاة) http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=36059 63. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس. (1402 هـ). كشاف القناع عن متن الإقناع (د. ط). هلال مصيلحي (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 64. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس. (1996 م). شرح منتهى

الإرادات (ط 2). بيروت: عالم الكتب. 65. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى. (1414 هـ-1994 م). سنن البيهقي الكبرى (د. ط). محمد عبد القادر عطا (تحقيق). مكة المكرمة: مكتبة دار الباز للنشر. 66. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى. (1422 هـ-2001 م). السنن الصغرى للبيهقي (ط 1). محمد ضياء الرحمن الأعظمي (ترتيب وتحقيق). الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع. 67. البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى. (1423 هـ-2003 م). شعب الإيمان المؤلف (ط 1). د. عبد العلي عبد الحميد حامد (تحقيق). الرياض: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع. 68. الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي (د. ت). سنن الترمذي (د. ط). أحمد محمد شاكر وآخرون (تحقيق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 69. الجصاص، أبو بكر، أحمد بن علي الرازي. (1405 هـ). أحكام القرآن (د. ط). محمد الصادق قمحاوي (تحقيق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 70. الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف. (1417 هـ/1996 م). التلخيص في أصول الفقه (د. ط). عبد الله جولم النبالي، وبشير أحمد العمري (تحقيق). بيروت: دار البشائر الإسلامية. 71. الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي. (1418 هـ). البرهان في أصول الفقه (ط 4). د. عبد العظيم محمود الديب المنصورة (تحقيق). مصر: دار الوفاء.

72. الجيزاني، محمد حسين. (1227 هـ/2006 م). فقه النوازل (ط 2). الدمام: دار ابن الجوزي. 73. الحاكم، محمد بن عبد الله أبو عبد الله النيسابوري. (1411 هـ-1990 م) المستدرك على الصحيحين (ط 1). مصطفى عبد القادر عطا (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 74. الحسيني، إسماعيل. (2004 م). موسوعة طب المفاصل والعظام (ط 1). عَمان: دار أسامة. 75. الحموي، ياقوت بن عبد الله (1411 هـ/1991 م). معجم الأدباء (ط 1). بيروت: دار الكتب العلمية. 76. الخادمي، نور الدين بن مختار. (1419 هـ/1989 م). الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضوابطه، مجالاته (ط 1). قطر: كتاب الأمة، وزارة الشؤون الإسلامية. 77. الخرشي، محمد بن عبد الله. (د. ت). شرح مختصر خليل (د. ط). بيروت: دار الفكر. 78. الخطيب، عماد، وآخرون. دليل المصطلحات الطبية (د. ط). عَمان-الأردن: مكتبة اليازوري العلمية. 79. خلّاف، عبد الوهاب. (د. ت). علم أصول الفقه (ط 8). القاهرة: مكتبة الدعوة. 80. الخليل، أحمد بن محمد. (1427 هـ/2006 م). مُفَطِّرات الصيام المعاصرة (ط 2). الدمام: دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع. 81. الدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن البغدادي. (1386 هـ-1966 م). سنن الدارقطني السيد عبد الله هاشم يماني المدني (تحقيق). بيروت: دار

المعرفة. 82. الدردير، أحمد أبو البركات. (د. ت). الشرح الكبير (د. ط). محمد عليش (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 83. الدسوقي، محمد عرفه. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (د. ط). محمد عليش (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 84. الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان. (1413 هـ). سير أعلام النبلاء (ط 9). شعيب الأرناؤوط, محمد نعيم العرقسوسي (تحقيق). بيروت: مؤسسة الرسالة. 85. الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر. (1417 هـ). تحفة الملوك في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان (ط 1). د. عبد الله نذير أحمد (تحقيق). بيروت: دار البشائر الإسلامية. 86. الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر. (1415 هـ/1995 م). مختار الصحاح (د. ط). محمود خاطر (تحقيق). بيروت: دار لبنان ناشرون. 87. الرملي، شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الشهير بالشافعي الصغير. (1404 هـ/1984 م). نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (د. ط). بيروت: دار الفكر للطباعة. 88. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني (د. ت). تاج العروس من جواهر القاموس (د. ط). مجموعة من المحققين (تحقيق). دار الهداية. 89. الزحيلي، وهبة. (1425 هـ/2005 م). الفقه الإسلامي وأدلته (ط 8). دمشق: دار الفكر. 90. الزيلعي، عبدالله بن يوسف أبو محمد الحنفي. (1357 هـ). نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (د. ط). محمد يوسف البنوري (تحقيق).

مصر: دار الحديث. 91. الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي (1313 هـ). تبين الحقائق شرح كنز الدقائق (د. ط). القاهرة: دار الكتب الإسلامي. 92. السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي. (1419 هـ/1999 م). رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب (ط 1). علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود (تحقيق). بيروت: عالم الكتب. 93. السبكي، محمود محمد خطاب. (1406 هـ/1958 م). الدين الخالص للسبكي (ط 3). محمود أمين خطاب (تحقيق). 94. سحنون، عبد السلام بن سعيد. (د. ت). المدونة الكبرى (د. ط). بيروت: دار صادر. 95. السرخسي، شمس الدين محمد بن احمد. (1414 هـ/1993 م). أصول السرخسي (ط 1). بيروت: دار الكتاب العلمية. 96. السرخسي، شمس الدين محمد بن احمد. (د. ت) المبسوط (د. ط). بيروت: دار المعرفة. 97. السفياني، عابد بن محمد. (1430 هـ/2009 م). معنى النوازل والاجتهاد فيها (ط 1). العدد الأول. مجلة الأصول والنوازل، جدة-المملكة العربية السعودية: مركز المصادر. 98. السمرقندي، علاء الدين. (1405 هـ/1984 م). تحفة الفقهاء (ط 1). بيروت: دار الكتب العلمية. 99. سيد سابق، (د. ت). فقه السنة، (د. ط). القاهرة: الفتح للإعلام العربي.

100. الشاطبي، إبراهيم بن موسى. (1416 هـ/1996 م). الموافقات في أصول الفقه (ط 2). عبد الله دراز (تحقيق). بيروت: دار المعرفة. 101. الشاعر، عبد المجيد. (1413 هـ/1993 م). أساسيات علم وظائف الأعضاء (ط 3). عَمان: دار المستقبل للنشر والتوزيع. 102. الشافعي، محمد بن إدريس أبو عبد الله. (1393 هـ). الأم (ط 2). بيروت. 103. الشافعي، محمد بن أدريس. (1358 هـ/1939 م). الرسالة (د. ط). أحمد محمد شاكر (تحقيق). القاهرة: دار النشر. 104. الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب. (1415 هـ). الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (د. ط). مكتب البحوث والدراسات (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 105. الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب (د. ت). مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (د. ط). بيروت: دار الفكر. 106. شلتوت، محمود. (1424 هـ/2004 م). الفتاوى (ط 18). القاهرة: دار الشروق. 107. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد. (1973 م). نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (د. ط). بيروت: دار الجيل. 108. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (د. ت). فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (د. ط). بيروت: دار الفكر. 109. الشوكاني، محمد بن علي. (1412 هـ/1992 م). إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول (ط 1). أبي مصعب محمد سعيد البدري (تحقيق). بيروت: دار الفكر.

110. الشيباني، محمد بن الحسن. (1403 هـ). الحجة على أهل المدينة (ط 3). مهدي حسن الكيلاني القادري (تحقيق). بيروت: عالم الكتب. 111. الشيرازي، إبراهيم بن علي. المهذب في فقه الإمام الشافعي (د. ط). بيروت: دار الفكر. 112. الصاوي، أحمد. (1415 هـ/1995 م). بلغة السالك لأقرب المسالك (ط 1). محمد عبد السلام شاهين (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 113. الصاوي، أحمد. (1415 هـ/1995 م). بلغة السالك لأقرب المسالك (ط 1). محمد عبد السلام شاهين (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 114. الصنعاني، محمد بن إسماعيل. (1405 هـ). إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد (د. ط). صلاح الدين مقبول (تحقيق). الكويت: الدار السلفية. 115. الطحاوي، أحمد بن محمد. (1399 هـ). شرح معاني الآثار (ط 1). محمد زهري النجار (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 116. عباس، فضل حسن. (1416 هـ-1996 م) التبيان والإتحاف في أحكام الصيام (ط 2). عَمَّان: دار الفرقان للنشر والتوزيع. 117. عبد الله، محمد عبد الله. (1418 هـ/ 1997 م) بحث المُفَطِرات مجلة مجمع الفقه الإسلامي جدة: مطبعة مجمع الفقه الإسلامي. العدد العاشر. 118. عبد المحسن، عبد العزيز بن فهد. (1425 هـ/2004 م). جامع الفتاوى الطبية والأحكام المتعلقة بها (ط 1). الرياض: دار القاسم.

119. العبدري، محمد بن يوسف بن أبي القاسم. (1398 هـ). التاج والإكليل شرح مختصر خليل (ط 2). بيروت: دار الفكر. 120. العثيمين, محمد بن صالح. (1424 هـ). الممتع شرح زاد المستقنع (ط 1). الدمام: دار ابن الجوزي. 121. العثيمين، محمد بن صالح. (1423 هـ/2003 م). مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ط 1). جمع وترتيب: فهد بن ناصر السليمان (جمع ووترتيب). الرياض: دار الثريا للنشر. 122. عرموش، هاني. (1426 هـ/2005 م). دليل الأسرة الطبي (ط 3). دمشق: دار النفائس. 123. العز بن عبد السلام، عز الدين السلمي. قواعد الأحكام في مصالح الأنام، بيروت: دار الكتب العلمية. 124. عزام، طارق صالح يوسف. (1429 هـ/2009 م). أثر الطب الشرعي في إثبات الحقوق (ط 1). عَمّان: دار النفائس. 125. عطية، جميل عبد المجيد,. (1423 هـ/2002 م). تنظيم صنعة الطب خلال عصور الحضارة العربية والإسلامية (ط 1). الرياض: مكتبة العبيكان. 126. العظيم آبادي، محمد شمس الحق. (1995 م). عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط 2). بيروت: دار الكتب العلمية. 127. العفاني، سيد بن حسين. (1421 هـ /2000 م). نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان (ط 5). بني سويف، مكتبة معاذ بن جبل. 128. العقرب، عبد الحليم عبد الحافظ (1426 هـ/2005 م). أحكام الصيام المترتبة على تحديد الجوف. (رسالة ماجستير غير مطبوعة)

بجامعة اليرموك، عَمان-الأردن. 129. عويضة، أبو إياس محمود بن عبد اللطيف. (2005 م). الجامع لأحكام الصيام (ط 2). مؤسسة الرسالة. 130. الغرياني، الصادق عبد الرحمن. (1423 هـ/2002 م). مدونة الفقه المالكي وأدلته (ط 1). بيروت: مؤسسة الريان. 131. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. (1417 هـ). الوسيط في المذهب (ط 1). أحمد محمد إبراهيم، ومحمد تامر (تحقيق). القاهرة: دار السلام. 132. الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد. (1423 هـ). المستصفى في علم الأصول (ط 1). محمد عبد السلام عبد الشافي (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 133. الغمراوي، محمد الزهري. السراج الوهاج على متن المنهاج (د. ط). بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. 134. الفراهيدي، الخليل بن أحمد (د. ت). كتاب العين (د. ط). د. مهدي المخزومي, ود. إبراهيم السامرائي (تحقيق). 135. الفرفور، عبد اللطيف بن صالح. (1390 هـ/1970 م). الصيام على المذاهب الأربعة (د. د) (ط 1). 136. الفيتوري، عبد القادر. (2004 م). الطب البديل الحجامة، ناشري للنشر الالكتروني. http://www.nashiri.net ، تاريخ التحميل (15/ 9/2010 م) 137. القاري، علي بن سلطان محمد. (1422 هـ/2001 م). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (ط 1). جمال عيتاني (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية.

138. القحطاني، مسفر بن علي. (1412 هـ/2003 م). منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة (ط 1). جدة-السعودية: دار ابن حزم. 139. القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي. (1418 هـ/1998 م). الفروق (د. ط). خليل منصور (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 140. القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن الصنهاجي المصري. (1994 م). الذخيرة في فروع المالكية (د. ط). محمد حجي، (تحقيق). بيروت: دار الغرب. 141. القرضاوي، يوسف عبد الله. (1424 هـ /2003 م). فتاوى معاصرة (ط 10). الكويت: دار القلم. 142. القرضاوي، يوسف عبد الله. (1411 هـ/1991 م). فقه الصيام (ط 1). القاهرة: دار الصحوة، ودار الوفاء بالمنصورة. 143. القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري. (د. ت)، الجامع لأحكام القرآن (د. ط) القاهرة: دار الشعب. 144. قلعة جي، محمد رواس. (1421 هـ/2000 م). الموسوعة الفقهية الميسرة (ط 1). بيروت: دار النفائس. 145. القيرواني، خلف بن أبي القاسم. (د. ت) تهذيب المدونة (د. ط) (د. ن). 146. الكاساني، علاء الدين أبوبكر (1982 م). بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (ط 2). بيروت: دار الكتاب العربي. 147. الكِنْدي، عبد الرزاق عبد الله. (1424 هـ/2004 م). جمالك نظرة شرعية واقعية. القصيم: مؤسسة الإسلام اليوم.

148. كنعان، أحمد محمد. (1420 هـ/2000 م). الموسوعة الطبية الفقهية (ط 1). بيروت: دار النفائس. 149. اللويحق، عبد الرحمن بن معلا. (1412 هـ). الغلو في حياة المسلمين المعاصرة (ط 1). بيروت: مؤسسة الرسالة. 150. الماوردي، علي بن محمد بن حبيب. (1419 هـ/999 ام). الحاوي الكبير (ط 1). الشيخ علي محمد معوض - الشيخ عادل أحمد عبد الموجود (تحقيق). بيروت: دار الكتب العلمية. 151. مجمع اللغة العربية. (1425 هـ/2004 م). المعجم الوسيط (ط 4). القاهرة: مكتبة الشروق. 152. مجموعة من العلماء (1416 هـ). فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ط 1). الدويش، أحمد بن عبد الرزاق (جمع وترتيب). الرياض: دار العاصمة. 153. مجموعة من العلماء والباحثين. (418 هـ/1997 م). قرارات مجمع الفقه الإسلامي (ط 1). مجلة مجمع الفقه الإسلامي. جدة: مطبعة مجمع الفقه الإسلامي. 154. مجموعة من العلماء. (د. ت). الموسوعة الفقهية الكويتية (ط 1). الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 155. مجموعة من العلماء والباحثين. (1419 هـ/1999 م). الموسوعة العربية العالمية (ط 2). الرياض: مؤسسة أعمال المؤسسة العربية العالمية. 156. محمد، المختار السلامي. (1418 هـ/الموافق 1997 م). بحث المُفَطِّرات (ط 1). مجلة مجمع الفقه الإسلامي، جدة: مطبعة مجمع الفقه

الإسلامي. 157. ابن حبان، بن أحمد التميمي البستي. (1414 هـ- 1993 م). صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (ط 2). شعيب الأرنؤوط (تحقيق). بيروت: مؤسسة الرسالة. 158. محمد بن فراموز. (د. ت) درر الحكام شرح غرر الأحكام (د. ن) (د. ط). 159. المرداوي، أبو الحسن علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (د. ط). محمد حامد الفقي (تحقيق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 160. المرداوي، علي بن سليمان. (1421 هـ/2000 م). التحبير شرح التحرير في أصول الفقه (ط 1). د. عبد الرحمن الجبرين، د. عوض القرني، د. أحمد السراح (تحقيق). الرياض: مكتبة الرشد. 161. المرغيناني، علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني. (د. ت). الهداية شرح البداية (د. ط). المكتبة الإسلامية. 162. مسلم، بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم (د. ط). محمد فؤاد عبد الباقي (تحقيق). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 163. المغربي، محمد بن عبد الرحمن. (1398 هـ). مواهب الجليل شرح مختصر خليل (ط 2). بيروت: دار الفكر. 164. النتشه، محمد عبد الجواد حجازي. (1422 هـ/2001 م). المسائل الطبية المستجدة (ط 1). ليدز، بريطانيا: دار الحكمة. 165. النسائي، أحمد بن شعيب. (1406 هـ-1986 م). المجتبى من السنن (ط 2). عبد الفتاح أبو غدة (تحقيق). حلب: مكتب المطبوعات

الإسلامية. 166. النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم. (1415 هـ). الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (د. ط). بيروت: دار الفكر. 167. النووي، يحيى بن شرف بن مري. (1392 هـ). شرح صحيح مسلم (ط 2). بيروت: دار إحياء التراث العربي. 168. النووي، يحي بن شرف الدين. (1408 هـ). تحرير ألفاظ التنبيه (ط 1). عبد الغني الدقر (تحقيق). دمشق: دار القلم. 169. النووي، يحيى بن شرف الدين. (1405 هـ). روضة الطالبين وعمدة المفتين (ط 2). بيروت: المكتب الإسلامي. 170. النووي، يحيى بن شرف الدين. (1996 م). تهذيب الأسماء واللغات (ط 1). مكتب البحوث والدراسات (تحقيق). بيروت: دار الفكر. 171. النووي، يحيى بن شرف الدين. (1997 م). المجموع شرح المهذب (د. ط). بيروت: دار الفكر. 172. النووي، يحيى بن شرف أبو زكريا. (1408 هـ). آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ط 1). بسام عبد الوهاب الجابي (تحقيق). دمشق: دار الفكر. 173. النووي، يحيى بن شرف الدين. (د. ت). منهاج الطالبين وعمدة المفتين (د. ط). بيروت: دار المعرفة. 174. هونكة، زيغريد. (1413 هـ/1993 م). شمس العرب تسطع على الغرب (ط 8). فاروق بيضون، وكمال الدسوقي (ترجمة). بيروت: دار الجيل، ودار الآفاق الجديدة. 175. الهيثمي، علي بن أبي بكر. (1407 هـ). مجمع الزوائد ومنبع الفوائد

(د. ط). القاهرة: دار الريان للتراث، بيروت: دار الكتاب العربي. 176. الواعي، توفيق، وآخرون. (1410 هـ/1990 م). المرشد الإسلامي في الفقه الطبي (ط 4). المنصورة: دار الوفاء للطباعة والنشر. • ثانياً المراجع الإنجليزية: - Chisholm-Burns, M. Wells, B.G., Malone, P.M. ., Kolesar, J, M, Terry L, S., 2010. Pharmacotherapy Principles and Practice. 2 nd ed. 121 - 130. New York. McGraw-Hill. - Doughty, M.J. 2001. Ocular pharmacology and therapeutics: a primary care guide. 109. Woburn.Butterworth–Heinemann. - Hadfield-Law, L. 2001.Male catheterization. Accident and Emergency Nursing. 9: 257–263. - Herrick, C. & Mitchell, M .2009.100 Questions & Answers About How to Quit Smoking. PP: 157. Ontario. Jones and Bartlett Publishers. - Lyn, W, Julie, K. Silver, M.D. & Ted, A. Lennard, 2007.Eesy injections. Philadelphia. 1 - 20. Butterworth Heinemann Elsevier. -

McClelland B. (Editor) (2007) Handbook of Transfusion Medicine 4 th edition London: The Stationery Office. - Slade, G.D., Offenbacher, S. & Beck, J.D. 2000. Acute-phase inflammatory response to periodontal disease in the US population. J Dent Res. 79: 49 - 57 - Steinemann, T.L., Fletcher, M. & Bonny, A.E. 2005. Over-the-counter decorative contact lenses: Cosmetic or Medical Devices? A Case Series. Eye Contact Lens 31(5): 194 - 200. - Tsili, A. Ch., Tsampoulas, C., Chatziparaskevas, N., Silakos, A., Kalef-Ezra, J., Sofikitis, N. & Efremidis, S.C. 2004. Computed tomographic virtual cystoscopy for the detection of urinary bladder neoplasms. Eur Urol. 46(5):579 - 85. • ثالثاً: المجلات والجرائد: 1. جريدة الشرق الأوسط، (العدد 10757). مقال للدكتوره. سيليستا روب-نيكلسون، رئيسة تحرير «هارفارد ويمن هيلث ووتش»، خدمة هارفارد الطبية، كلية هارفارد. 2. مجلة مجمع الفقه الإسلامي. الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. (1418 هـ/الموافق 1997 م). جدة: مطابع مجمع

الفقه االإسلامي (العدد العاشر). • رابعاً: مواقع الأنترنت: -موقع طبيب، منظار القولون والمستقيم المرن. (تاريخ التصفح. 11/ 10/2010 م). http://www.6 abib.com/a-1125.htm - شبكة البلسم للمعلومات الطبية والتثقيف الصحي. (تاريخ التصفح. 11/ 10/2010 م). http://www.albalsem.info/htm/articles 004.htm - موقع اسلام أون لاين، فتوى القرضاي. (تاريخ التصفح. 17/ 9/2010 م). http://admin.islamonline.net/Arabic/news/2000 - 12/10/article 17.shtml - موقع دار الإفتاء المصرية. http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=2781&text= كلوي -موقع طبيب على الإنترنت. القاموس الطبي العربي. (تاريخ التصفح. 125/ 1/2010). www.altibbi.com - موقع الدكتور عبد الحميد المؤمن، استشاري أول جراحة السمنة والمناظير في مستشفى سعد التخصصي. (تاريخ التصفح. 7/ 1/2010 م). www.dralmomen.com/default.aspx?PageID=1 - موقع الموسوعةالطبية. (تاريخ التصفح. 21/ 5/2010 م). http://www.webmd.com/asthma/default.htm

-موقع صحة على شبكة الأنترنت. (تاريخ التصفح. 2/ 4/2010 م). http://www.sehha.com/world/index.php?showtopic=17485 - موقع الموسوعة الصحية الحديثة. (تاريخ التصفح. 4/ 6/2010 م). http://www.se 77 ah.com/art- - موقع الشام التخصصي لطب الأسنان. (تاريخ التصفح. 10/ 6/2010 م). www.alshamdc.com - موقع جمعية القلب السعودية. (تاريخ التصفح. 3/ 9/2010 م). http://www.sha.org.sa/arabic/default.htm موقع الموسوعة المعرفية الشاملة. (تاريخ التصفح. 4/ 7/2010 م). http://mousou 3 a.educdz.com - موقع وزارة الصحة التونسية. (تاريخ التصفح. 22/ 8/2010 م). http://www.dondusang.tn/def-ar.htm - موقع طبيب. (تاريخ التصفح. 23/ 8/2010 م). http://www.6 abib.com/hematology/hema-4.htm - موقع مكتبة مكتبة صيد الفوائد على الأنترنت. (تاريخ التصفح.12/ 8/2010 م). http://www.saaid.net/book/open.php?cat=97&book=989 - موقع الفقه الإسلامي. (تاريخ التصفح. 26/ 8/2010 م). http://www.islamfeqh.com/Nadawat/NadwaInfo.aspx?ID=1

-موقع طبيب. (تاريخ التصفح. 26/ 9/2010 م). http://www.6 abib.com/a-1088.htm ، - موقع عالم الصيادلة. (تاريخ التصفح.:21/ 9/2010 م). http://www.pharmacistsworld.com/forum/showthread.php?t=14306 - موقع العربية الإخباري: http://www.alarabiya.net/articles/2008/08/27/55584.html . - موقع أفضل صحة الطبي. (تاريخ التصفح.: 24/ 9/2010 م). http://www.allbesthealth.com/Smoking 1/QuitSmoking/SmokingReplacementTherapy-OralTablets.htm - موقع مجمع الأمل للصحة النفسية. (تاريخ التصفح.: 24/ 9/2010 م). http://www.alamal.med.sa/page_36_56.shtml - موقع اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية. (تاريخ التصفح. 21/ 7/2010 م). http://www.alifta.net - موقع طريق الإسلام. (تاريخ التصفح.، 17/ 7/ 2010 م). http://www.islamweb.net - موقع دائرة الإفتاء في الأردن. (تاريخ التصفح.، 24/ 9/ 2010 م). http://www.aliftaa.jo/index.php/ar/fatwa/show/id/897 - موقع طبيبك. (تاريخ التصفح. 28/ 9/2010 م). http://www.tbeebk.com/sexual-health-clinic/757 - female-

genital-sysytem.html موقع موسوعة ويكبيديا. تاريخ التصفخ: 29/ 9/2010 http://ar.wikipedia.org/wiki/ - موقع صحة المرأة. http://womenshealth.about.com/cs/azhealthtopics/a/vagdouching.htm - موقع النشرة الصحية الامريكية. (تاريخ التصفح. 29/ 9/2010 م). http://ajph.aphapublications.org/ - موقع الأزهر على الأنترنت http://www.alazhr.com/adownload.htm - موقع المجلة الطبية. الأمراض الجنسية والتناسلية. (تاريخ التصفح.، 5/ 10/2010 م). http://www.tartoos.com/HomePage/Rtable/MedecinMag/Social/Social 60.htm - موقع محيط الإخباري (تاريخ التصفح، 26/ 9/2010 م) http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=160441&pg=5 - موقع مستشفى الملك فيصل التخصصي. نشرة القسطرة البولية. (تاريخ التصفح.:5/ 10/2010 م). http://www.kfshrc.edu.sa/hep/Self_Cath%20 Male.pdf

-موقع صحة الأسرة. أ. د. حسين غانم، أستاذ أمراض الذكورة بطب القاهرة، أبحاث المؤتمر الدولى لعلاج الضعف الجنسى، مستقبل علاج الضعف الجنسي. (تاريخ التصفح. 7/ 10/2010 م). http://www.family-clinics.com/feature_article_ghanem 2.htm - موقع مستشفى القصر العيني بمصر. (تاريخ التصفح. 12/ 10/2010 م). http://www.newkasrelaini.org/Patients 6_ar.htm#5 - موقع طبيبك على شبكة الإنترنت. (تاريخ التصفح.، 4/ 7/2010 م). http://www.yourdoctor.net/Article.aspx?ParentCatId 27&Id=489 • خامساً: الحوارات والمقابلات: 1. حوار مع البروفسور محمد علي البار كبير خبراء المجامع الفقهية في الجانب الطبي. في عيادته الخاصة بمدينة جدة، في تاريخ 27 - جمادى الثاني-1431 هـ الموافق 9/ 6/2001 م. 2. حوار مع الدكتور خالد حميد، استشاري الجراحة العامة وجراحة المناظير بمستشفى الملك فهد التخصصي والمستشفى المركزي بالقصيم، المملكة العربية السعودية، وزميل كلية الجراحة الدولية، بالمستشفى المركزي بالقصيم في 2/ 2/2010 م. 3. حوار مع الدكتور عمر سعيد العمودي، استشاري الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي بمدينة جدة، وعضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز في مكتبه بالمستشفى الجامعي بتاريخ 12/ 6/2010 م.

4. حوار مع الدكتور ضرار خالد الزعتري استشاري التخدير والإنعاش بمستشفى الحبيب الطبي بالمملكة العربية السعودية، في مكتبه بمستشفى الحبيب بتاريخ 22/ 6/2010 م. 5. حوار مع الدكتور أيهاب علي الغزاوي، استشاري طب العيون وجراحتها بمستشفى الملك فهد التخصصي، بمستشفى الملك فهد التخصصي. بتاريخ 19/ 1/2010 م. 6. حوار مع الدكتور رأفت جابر السعداوي استشاري الجراحة العامة بالمستشفى المركزي بمدينة القصيم، السعودية. بتاريخ 7/ 2/2010 م. 7. حوار مع الدكتور تحسن توفيق رجب، أخصائي طب العيون بمستشفى الملك فهد التخصصي بمدينة بريدة. تم الحوار بمستشفى بعيادته بمستشفى الملك فهد التخصصي. بتاريخ 19/ 1/2010 م. 8. حوار مع الدكتور محمد الطنطاوي، اخصائي مسالك بولية بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، بتاريخ 9/ 2/2010 م. 9. حوار مع الدكتور محمد بن محمد صالح، أخصائي أنف وأذن وحنجرة بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية. بتاريخ 8/ 2/2010 م. 10. حوار مع الدكتور مجدي كامل عبد الجليل، أخصائي التجميل بمستشفى بريدة المركزي في السعودية بتاريخ 6/ 2/2010 م. 11. حوار مع الدكتوره زكية مرسي زكي، أخصائية تخدير. بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، السعودية، بالمستشفى المركزي، بتاريخ 9/ 2/2010 م 12. حوار مع الدكتور الاستشاري ماهر بشير الخردة جي، استشاري أمراض الكلى بمستشفى بريدة المركزي، السعودية، بتاريخ 6/ 3/2010 م. 13. حوار مع الدكتور مأمون توفيق رجب، أخصائي أمراض نساء وولادة،

بمستشفى النساء والولادة بمدينة بريدة. بتاريخ 11/ 3/2010 م. 14. حوار مع الدكتور خيري عبد الحميد رستم، أخصائي تخدير بالمستشفى المركزي بمدينة بريدة، بتاريخ 6/ 3/2010 م. 15. حوار مع الدكتور محمود محمد سالم، أخصائي طب العائلة والرعاية الأولية بمركز الحرس الوطني الطبي. 7/ 4/2010 م. حوار بمنزله في مدينة بريدة. 16. حوار مع الدكتور محمد علي الناشري، أخصائي الكيمياء السريرة، بقسم العلوم الطبية بجامعة التكنولوجيا مارا الماليزية UiTM . 17. حوار مع الدكتور هاني سعدي شكري، أخصائي العلوم الطبية الحيوية، الجامعة الوطنية الماليزية UKM. • سادساً: المراسلات 1. مراسلة عبر البريد الإلكتروني مع الدكتور حسان شمسي باشا، استشاري أمراض القلب، ورئيس قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد. 2. مراسلة يدوية مع الدكتور عزت محمود موسى، أخصائي طب العائلة والرعاية الأسرية وطب الأطفال بمركز الحرس الوطني الطبي بالقصيم.

§1/1