المغني في تصريف الأفعال

محمد عبد الخالق عُضيمة

المقدمات

المقدمات مقدمة الطبعة الثالثة ... مقدمة الطبعة الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وخاتم النبيين. وبعد: فقد كانت الطبعة الثانية للمغني سنة 1955م، ثم تمت بعد ذلك طباعة كتب نحوية وصرفية كانت مخطوطة كالخصائص، والمنصف شرح تصريف المازني لأبي الفتح، وإيضاح علل النحو للزجاجي. كذلك استطعت في هذه الفترة قراءة هذه الكتب: المخصص لابن سيده, إصلاح المنطق لابن السكيت، وتهذيبه للتبريزي, مجالس ثعلب, الاقتضاب شرح أدب الكتاب لابن السيد, وشرح الجواليقي لأدب الكاتب, أسرار العربية للأنباري, الروض الأنف للسهيلي, بدائع الفوائد لابن القيم, البرهان للزركشي, نفح الطيب للمقري, ألف با للبلوي, شرح أفعال ابن القوطية للسرقسطي, سفر السعادة وسفير الإفادة للسخاوي "وهما من مخطوطات دار الكتب". وقد رأيت أن يكون لقراءاتي في هذه الكتب أثرها في هذه النشرة، وسيلمح القارئ ذلك مبثوثا منثورا في تضاعيف الكتاب.

هذا وقد اتصل تدريسي لكتابي منذ تأليفه إلى اليوم، وقد أحدثت تغييرا في أسلوب عرض بعض الأبواب، على ضوء ما هدتني إليه التجربة، ودلني عليه ترداد النظر في الكتاب. لقد كتبت في الإلحاق بحثا ضافيا أرسيت فيه قواعده، وجلوت غامضه، ولعله أوسع ما كتب عن هذا الموضوع، فحديثه في كتب الصرف لا يعدو أن يكون غمغمة لا تبين، وهمهمة لا تتضح، وبمتابعة القراءة عثرت على ما يكشف الغموض في ناحية، كما عثرت على ما استعصى على فهمه، وقد سجلت كل ذلك لعل غيري يستطيع أن يجد له حلا. ويذكر النحويون أن توكيد أفعال الطلب كثير وقد رجعت إلى أسلوب القرآن الكريم, فوجدت أن توكيد الطلب فيه قليل، فأفعال الأمر تجاوزت مواضعها 1840 موضعا في القرآن، وخلت كلها من التوكيد بالنون في القراءات السبعية والعشرية، وقد عرضت لذلك بتفصيل. وقد ألزمت نفسي أن أعرض عند كل قاعدة في كتابي لأسلوب القرآن في قراءاته المختلفة حتى يكون القارئ على بينة في ذلك. وفي رأيي أنه لا يجمل بالمتخصص في مادته العاكف على دراستها أن تكون طبعات كتابه صورة واحدة، لا أثر فيها لتهذيب أو قراءات جديدة. فإن القعود عن تجديد القراءة سمة من سمات الهمود، ولون من ألون الجمود. أسأل الله العون والتوفيق، محمد عبد الخالق عضيمة 19 من صفر سنة 1382هـ 21 من يوليو سنة 1962م

مقدمة الطبعة الأولى

مقدمة الطبعة الأولى مدخل ... مقدمة الطبعة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله, أما بعد: فهذه البحوث ثمرة دراسة مستوعبة، نفضت لها ما وصل إلي من كتب النحو والصرف, أرجو أن يكون فيها غناء في دراسة تصريف الفعل، وقد حرصت غاية الحرص على أن أذكر مراجع كل مسألة في كتابي، إذ أرى أنه يجمل بنا في تناول البحوث العلمية أن نكشف عن منابعها، ونشير إلى مصادرها. كما نهجت نهجًا جديدًا هو: الإكثار من الاستشهاد بالقرآن الكريم, وقراءاته المختلفة؛ فإن نحاتنا السابقين قد استبد بجهدهم الاستشهاد بالشعر، بل جاوز كثير منهم حده فتطاول على القراء، ونسب إليهم اللحن في قراءاتهم1. وما من شك في أن الاستشهاد بقراءات القرآن الكريم فيه عضد وتأييد لقواعد النحو ودعم لشواهدها, وفيه رد على هذه الصيحات المنكرة التي تنبعث بين الحين والحين، تنادي بالإعراض عن دراسة النحو والصرف،

_ 1 كتبت عن هذا الموضوع بإفاضة في رسالتي عن أبي العباس المبرد وأثره في علوم العربية.

زاعمة أن لغة العرب في غنى عما شرع النحويون من قوانين، ورسموا من قواعد، واصطنعوا من شواهد. وعلم الله, ما واتاني جمع هذه القراءات عفوا صفوا، ولا وافاني رهوا سهوا, وإنما كان ثمرة جهود متصلة في سنوات طوال، جاورت فيها بيت الله الحرام، فعكفت على دراسة ما يتصل بأسلوب القرآن الكريم، وجدت المصنفين الذين عرضوا لفهرسة ألفاظه قد وقفت جهودهم عند حصر ألفاظ الأفعال والأسماء وإحصاء آياتها، وتركوا جمع الحروف وإحصاء آياتها مع ما لها من عظم الأثر وجليل الخطر في الدراسات النحوية، كما تركوا هذا الإحصاء في الضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة وبعض الظروف، فكمَّلت هذا النقص، ثم أحصيت ما وصل إلينا من قراءاته المختلفة، وما ذكره اللغويون والنحويون فيما يتعلق بأسلوبه، ثم نثرت ذلك كله على أبواب النحو والصرف. وفي النية -إن كان في العمر بقية- أن أخرج كتابا يتناول دراسة أسلوب القرآن الكريم دراسة تعتمد على الاستقراء. أرجو الله أن يوفقني في إتمامه، ويعينني على إخراجه, إنه نعم المولى ونعم النصير. 22 من ربيع الأول سنة 1375هـ 7 من نوفمبر سنة 1955م

التفكير في وضع قواعد النحو والصرف وسببه

التفكير في وضع قواعد النحو والصرف وسببه: شيوع اللحن في المفردات والأساليب: كانت العرب تنطق على سجيتها، وبما توحي إليها سليقتها، لا تتعثر ألسنتها في خطأ، ولا يشوب صفو كلامها لحن. ولما انتشر الإسلام وخالط العرب العجم فسدت السليقة العربية، وبدأ اللحن يدبّ إلى الألسنة, وشمل هذا اللحن المفردات والأساليب. سمع أبو عمرو بن العلاء رجلا ينشد قول المرقش الأصغر: ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره ... ومن يغوَ لا يعدم على الغيّ لائما فقال: أقوّمك أم أتركك تتسكّع في طُمّتك؟ فقال: بل قوِّمني، فقال: قل: ومن يغوِ "بكسر الواو" ألا ترى إلى قول الله -عز وجل: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} 1، وروي أن نبطيا سئل: لِمَ اشتريت هذه الأتان؟ فقال: أركبها وتلَد لي, بفتح اللام2.

_ 1 طبقات الزبيدي 29، وشرح فصيح ثعلب 4، وفي شرح القاموس قال أبو عبيد: بعضهم يقول: غوي يغوى كرضي يرضى، وليست بالمعروفة، وانظر أفعال ابن القطاع 2/ 443، وعبث الوليد 28. 2 عيون الأخبار 2/ 159، البيان والتبيين 1/ 74، وقد عقد الجاحظ بابا للحن في كتابه 2/ 10.

أقدم كتاب وصلنا اسمه كان في موضوع صرفي

أقدم كتاب وصلنا اسمه كان في موضوع صرفي: عصفت حوادث الأيام بالكتب التي سبقت تأليف كتاب سيبويه, فلم يصل إلينا منها سوى أسمائها. وأقدمها كان في موضوع صرفي، وهو كتاب الهمز1 لعبد الله2 بن أبي إسحاق الحضرمي "المتوفى سنة 117هـ"، ويعتبره الزبيدي في الطبقة الثالثة البصرية، ويعتبر سيبويه في الطبقة السادسة منها. ثم وافانا كتاب سيبويه مستوعبا أبواب النحو والصرف، حتى مسائل التمارين، وما استطاع أحد ممن جاء بعده أن يزيد عليه بابًا جديدًا. عاجلت المنية سيبويه وهو في رونق الشباب وربيع العمر، فلم يتمكن من قراءة كتابه لغيره3. ترك سيبويه للعلماء كتابه, فأقبلوا على دراسته وروايته وشرحه واستظهاره إقبالا منقطع النظير4، وبلغ الأمر بمن كان يحفظه أنه كان يختمه مرة كل خمسة عشر يومًا.

_ 1 المزهر 2/ 247. 2 النحوي المقرئ، قال ابن سلام: أول من بعج النحو ومد القياس وشرح العلل، أخذ عنه أبو عمرو بن العلاء, وعيسى بن عمر الثقفي، ويونس بن حبيب، وأبو الخطاب الأخفش الأكبر. 3 بغية الوعاة 366، وقال في 181 في ترجمة إبراهيم بن سفيان الزيادي المتوفى سنة 249: إنه قرأ كتاب سيبويه على سيبويه، ولم يتمه، ومثله في معجم الأدباء 1/ 158. 4 من مظاهر العناية بكتاب سيبويه أن بلغ عدد النحويين الذين عرف عنهم أنهم فقهوا هذا الكتاب ودرسوه 150 نحويا، شرحه منهم خمسون نحويا، وشرح شواهده سبعة عشر نحويا، وكان يحفظه ويستظهره عشرة، وهذا فيما أحصيت، ولولا خوف الإطالة لذكرت أسماء هؤلاء.

اتصلت العناية بكتاب سيبويه جيلا بعد جيل وطبقة بعد طبقة، فشرّق وغرّب حتى قال أبو حيان: من لا يقرئ في كتاب سيبويه لا يعرف شيئا عند الأندلسيين. وبهرهم الكتاب حتى قال المازني: من أراد أن يؤلف كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحِ. وقد ألف المبرد كتابه المقتضب1 على نظام كتاب سيبويه جامعًا للنحو والصرف. وما زال كتاب سيبويه على كثرة ما ألف بعده من كتب النحو هو المنبع الصافي لمن جاء بعده، فلم تتغير بهجته، ولم تخلق جدته، وما ذهب بهاؤه, وما خمد سناؤه، فهو كالدوحة الباسقة وغيره أغصان لها وفروع, وكالنهر المتدفق يغذي فروعه وجداوله، ولو ألزم المؤلفون أنفسهم أن يصرحوا بما أخذوه من كتاب سيبويه لتردد اسمه في كل مسألة عرضوا لها. ونرى فيما بين أيدينا من كتب النحو ما ينسب الرأي إلى من تأخر عن سيبويه كالسيرافي والجزولي على حين أنه مذكور في كتاب سيبويه، وبعض المؤلفين ينسب إليه خلاف ما في كتابه2.

_ 1 كتاب في أربعة أجزاء، بدار الكتب المصرية، بالتصوير الشمسي، عن نسخة بالأستانة، وقد نسخت لنفسي منه نسخة. 2 ينظر توكيد الفعل وبناؤه للمفعول في كتابنا.

قيمة كتاب سيبويه وأثره

قيمة كتاب سيبويه وأثره: ساير الصرف النحو ولم يتخلف عنه، يقول أبو الفتح في مقدمة المنصف: لا تجد كتابا في النحو إلا والتصريف في آخره. وكان لبعض النحويين هوى خاص بعلم الصرف فاشتهر به، وذلك كشهرة معاذ بن مسلم الهراء1 الكوفي "المتوفى سنة 190" في صياغة الأبنية ومسائل التمرين، كما كانت هناك ظروف خاصة جعلت بعض النحويين يقبلون على الصرف، ويتفرغون له. فقد روي أن أبا علي الفارسي اجتاز بالموصل، فمر بالجامع وأبو الفتح بن جني في حلقة يقرئ النحو وهو شاب، فسأله أبو علي عن مسألة في التصريف، فقصّر فيها، فقال له أبو علي: تزبّبت وأنت حِصْرِم، فأقبل على التصريف فلم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف، ولم يتكلم أحد في التصريف أدق كلامًا منه.

_ 1 من أعيان النحاة, أخذ عنه الكسائي، وروى الحديث عن جعفر الصادق، وكان يبيع الثياب الهروية، فقيل له: الهراء، وعمر طويلا.

المؤلفون الذين أفردوا الصرف بتأليف مستقل

المؤلفون الذين أفردوا الصرف بتأليف مستقل: وكان الأندلسيون قبل محمد بن يحيى الرباحي "المتوفى سنة 358" لا ينظرون في إمالة ولا إدغام ولا تصريف ولا أبنية، ولا يجيبون في شيء منها، فلما عاد محمد بن يحيى الرباحي من رحلته إلى المشرق نهج لهم سبيل النظر، وأعلمهم بما عليه أهل هذا الشأن في المشرق من استقصاء الفن بوجوهه، واستيفائه على حدوده1. لم آل جهدًا ولم أدخر وسعًا في سبيل البحث عن النحويين الذين أفردوا الصرف بتأليف مستقل. استقريت لذلك: طبقات اللغويين والنحويين للزبيدي، ومعجم الأدباء

_ 1 طبقات الزبيدي 237.

لياقوت، وبغية الوعاة للسيوطي، وكشف الظنون وذيله، وانتهى بي هذا الاستقراء إلى ما سأذكره من أصحاب هذه الأسماء مرتبًا لها ترتيب وفياتهم. 1- علي بن المبارك الأحمر1 الكوفي "المتوفى سنة 194" صنف التصريف. 2- يحيى بن زياد المعروف بالفراء2 "المتوفى سنة 207" صنف التصريف، ذكره أبو علي الفارسي, خزانة الأدب 2/ 259. 3- بكر بن محمد أبو عثمان المازني "المتوفى سنة 249" صنف التصريف، شرحه ابن جني في المنصف.

_ 1 من أصحاب الكسائي، وخلفه في تأديب أولاد الرشيد، كان يحفظ أربعين ألف شاهد في النحو. 2 أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي, أخذ عن يونس وأهل الكوفة.

الحديث عن تصريف المازني

الحديث عن تصريف المازني: التعريف بتصريف المازني: بدأ المازني كتابه بالحديث عن أبنية المجرد، وكان حديثا موجزا ليس فيه ما في كتاب سيبويه من تفصيل، وقد بسط القول في الإلحاق في غير موضع من كتابه: 1/ 36, 38, 40, 41, 44, 46, 47, 49, 83, 84, 85, 176, 178, 180. ثم تحدث عن همزة الوصل ومواضعها، ثم انتقل إلى الحديث عن صيغ الزوائد في الأفعال وحروف الزيادة ومواضعها، ثم تكلم عن أقسام الفعل المعتل ومضارعها واسم فاعلها ومفعولها، وما يعرض لها من إعلال، وفي

ثنايا حديثه عن الأجوف، تكلم عن اسم الفاعل من الأجوف المهموز نحو جاءٍ وما فيه من خلاف، وتبع ذلك أن تكلم عن بعض أمثلة القلب المكاني، وقد عرض للمضاعف، وبعض مسائل الإدغام، أما مسائل الإعلال والإبدال فهي كثيرة منثورة في أضعاف الكتاب، وكذلك مسائل التمارين. وقد تكلم عن بعض مسائل في التصغير, كتصغير نحو قبائل وخطايا علمين، وتصغير آدم أئمة, ثم قال في 2-88: وإنما كتبت لك شيئا من التصغير هنا؛ لأن هذا التصغير يجري مجرى الجمع. فتصريف المازني كما ترى: لم يستوعب أبواب الصرف ولا مسائله، كما استوعب ذلك سيبويه، لهذا لا أقر الأستاذ إبراهيم مصطفى وزميله على قولهما في 3-276: وبعد سيبويه جاء أبو عثمان المازني فجمع في كتابه المسمى التصريف -وهو متن هذا الكتاب- كل مباحث علم التصريف. وقولهما في 3-288: تصريف "المازني" على صغره أجمع كتاب لعلم التصريف. وقولهما في 3-316: وهو من علم التصريف ككتاب سيبويه من علم النحو، في أن كلا منهما أصل في علمه هذا في النحو، وذاك في التصريف، وما في تصريف المازني إنما هو صدى لما في كتاب سيبويه، فإذا قال سيبويه في 2-398: ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيء من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضربِّب, قال المازني في تصريفه 1-175: ولم أسمع من كلام العرب شيئًا من الثلاثة بلغ به الخمسة من موضع اللام. وإذا وقفنا في كتاب سيبويه على نصوص متعارضة متضاربة في زيادة الهمزة المتصدرة أربعة أصول وجدنا صدى ذلك في تصريف المازني، وسيأتي بيان ذلك في موضعه، وقد يعرض المازني في تصريفه لخلاف سيبويه مع غيره، فيعلق على الخلاف المشهور بين سيبويه والأخفش في المحذوف من اسم المفعول من

الأجوف الثلاثي بقوله ج1 ص288: وكلا القولين حسن جميل، وقول الأخفش أقيس ويعلق على خلاف الخليل في نحو جاءٍ بقوله ج2 ص53: وكلا القولين حسن جميل. وللمازني آراء انفرد بها، وخالف الجمهور فيها نذكر طرفا منها: 1- يرى المازني أن واو الحيوان أصلية، وليست مبدلة من الياء، كما يراه الخليل ج2 ص284- 285. 2- يرى الجمهور في صياغة أفعل التفضيل من نحو: أمّ قلب الهمزة الثانية واوا، فيقول: أوَمّ ويقلب المازني الهمزة الثانية ياء فيقول: أيَمّ ج2 ص315, 316, 318. 3- تصغير أيمة عند الجمهور أويمة، وعند المازني أييمة ج2 ص 318. وقد ضعف أبو الفتح هذه الآراء في المنصف. ويقول أبو الفتح عن تصريف المازني ج1 ص5: ولما كان هذا الكتاب الذي قد شرعت في تفسيره وبسطه من أنفس كتب الصرف وأسدها، عريقا في الإيجاز والاختصار، عاريا من الحشو والإكثار، متخلصا من كزازة ألفاظ المتقدمين، مرتفعا عن تخليط كثير من المتأخرين، قليل الألفاظ، كثير المعاني. ويقول عنه في ج1 ص172: هذا الكتاب هو للمبتدئ كما هو للمنتهي، وفي موضع آخر ج1ص135 يقول: فهذا تفضيل ما أجمله أبو عثمان وقد تعجرف فيه، ولكنه كان يخاطب من يثق بفهمه ومعرفته، ويثني أبو الفتح على أبي عثمان المازني فيقول ج2 ص310:

إن أبا عثمان قدوة وحجة، وقد أخذ عن جملة أهل العلم كأبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي وأبي عمر الجرمي وأبي الحسن الأخفش وغيرهم، ممن هو في هذه الطبقة، مع ما كان عليه من التوقف والتحري والعفاف. وكم كنا نود للمازني أن يتحرج عن الطعن في القراء، فلا يضمن كتابه شيئا منه، حتى يتلاءم مع ما كان عليه من التوقف والتحري والعفاف، ولكنه أسهم في هذه الحملة الآثمة، قال في كتابه ج1 ص 107: فأما قراءة من قرأ من أهل المدينة "معائش" بالهمز فهي خطأ فلا يلتفت إليها، وإنما أخذت عن نافع بن أبي نعيم ولم يكن يدري ما العربية، وله أحرف يقرؤها لحنا نحوا من هذا "ونافع قارئ المدينة ومن القراء السبعة". ولم يقنع المازني بهذا القدر، وإنما سولت له نفسه أن يختم كتابه بالطعن على القراء، في أنهم يتعلقون بالألفاظ ويجهلون المعاني، قال في ج3 ص340, 341: قال أبو عثمان: والتصريف إنما ينبغي أن ينظر فيه من قد نقب في العربية، فإن فيه إشكالًا وصعوبة على من ركبه، غير ناظر في غيره من النحو، وإنما هو والإدغام والإمالة فضل من فضول العربية، وأكثر من يسأل عن الإدغام والإمالة القراء للقرآن، فيصعب عليهم لأنهم لم يعملوا أنفسهم فيما هو دونه من العربية، فربما سأل الرجل منهم عن المسألة قد سأل عنها بعض العلماء فكتب لفظه، فإن أجابه غير ذلك العالم بمعناه وخالف لفظه كان عنده مخطئًا، فلا يلتفت إلى قوله أخطأت، فإنما يحمله على ذلك جهله بالمعاني وتعلقه بالألفاظ.

والمازني أستاذ المبرد، وقد تأثر المبرد بأستاذه فحاكاه، في الطعن على القراء، قال في المقتضب 1/ 46: فأما قراءة من قرأ "معائش" فهمز فإنه غلط، وإنما هذه القراءة منسوبة إلى نافع بن أبي نعيم، ولم يكن له علم بالعربية، وله في القرآن حروف قد وقف عليها, كما كان لذلك تأثيره عند ابن جني في كتبه. في النسخة المطبوعة 2-35: وسألت الخليل، والمازني لم يدرك الخليل، ويظهر أن في الكلام سقطا، ففي 2-128: قال -أبو عثمان: قال -يعني سيبويه: وسألت الخليل.

الحديث عن المنصف لابن جني

الحديث عن المنصف لابن جني ... الحديث عنم المنصف لابن الجني: التعريف بالمنصف شرح تصريف المازني: بسط أبو الفتح على عادته القول في شرح تصريف المازني، فجاء كتابه في ثلاثة أجزاء: الأول والثاني في شرح التصريف، والثالث في شرح الغريب وبعض مسائل التمارين. ويمتاز أسلوب ابن جني بالوضوح والعبارة المبسوطة، وقد تحدث عن المنصف في كتابه الخصائص، فقال في 2/ 288: وقد ذكرنا هذا الموضع في كتابنا في شرح تصريف المازني، وبين الكتابين مسائل مشتركة كثيرة. وهذه بعض ملاحظات على المنصف: 1- يظهر لي أن أبا الفتح لم يقف على نصوص كتاب سيبويه في الهمزة المتصدرة وبعدها أربعة أصول، فهو يحكي عن سيبويه أنه يرى أصالة

الهمزة في نحو إبراهيم وإسماعيل، وذكر ذلك في كتابه التصريف الملوكي 3، وفي المنصف 1-144. وفي كتاب سيبويه نص صريح يفيد زيادة هذه الهمزة. قال في 2-343: فالهمزة إذا لحقت أولا رابعة فصاعدًا فهي مزيدة أبدًا عندهم، وتصغير سيبويه لإبراهيم وإسماعيل على بريهيم وسميعيل، كما ذكر في كتابه 2-120، يشهد لزيادة الهمزة، وإلا كان صغرهما على أبيريه وأسيميع كما يقول المبرد، والسيوطي في الهمع 2-192 يقول: الهمزة زائدة فيهما عند سيبويه. وأبو الفتح في المنصف 1-148 يقول عن تصغير سيبويه: تخليط في الكلمة؛ لأنها أعجمية خارجة عن أصول كلامهم "ينظر كتابنا في زيادة الهمزة, ففيه نصوص كثيرة". 2- كذلك يظهر لي أن أبا الفتح لم يرجع إلى كتاب المقتضب للمبرد، فقد نسب إليه القول بجواز تصحيح عين اسم المفعول من الأجوف الواوي الثلاثي مطلقًا، ونقل رد أبي علي على المبرد في موضعين من المنصف "1-278-285" وتخطئته له، وجعله مما خالف القياس والسماع، وأن سبيله سبيل من قال: قام زيدًا، وضربت زيد. وبالرجوع إلى المقتضب نرى أن المبرد يجيز ذلك في الضرورة فقط، قال في 36: فأما الواو فإن ذلك لا يجوز فيها كراهة للضمة بين الواوين، وذلك أنه كان يلزمه أن يقول مقوُول؛ فلهذا لم يجز في الواو ما جاز في الياء هذا قول البصريين أجمعين، ولست أراه ممتنعا عند الضرورة إذ كان قد جاء في الكلام مثله، فإذا اضطر الشاعر أجرى هذا على ذاك.

ولو رجعنا إلى كتاب سيبويه 2-366 لوجدنا فيه مثل ما قال المبرد، وإن كان المبرد نفسه يقول: إن رأي البصريين أجمعين عدم جواز ذلك، وهذا هو نص كتاب سيبويه 2-366 وقد جاء مفعول على الأصل فهذا أجدر أن يلزمه الأصل, قالوا: مخيوط، ولا يستنكر أن تجيء الواو على الأصل. وممن نسب إلى المبرد الجواز مطلقا ابن يعيش في شرح المفصل 10-80, والأشموني 3-358. ومما يتصل بهذا أن أبا الفتح في كتابه: سر الصناعة قد نسب إلى المبرد أنه أخرج الهاء من حروف الزيادة, ثم تابعه على ذلك من جاء بعده والمبرد في غير موضع من المقتضب يصرح بأن الهاء حرف من حروف الزيادة "تراجع زيادة الهاء من الكتاب". 4- محمد بن يزيد أبو العباس المبرد "المتوفى سنة 286" ألف التصريف1. 5- محمد بن أحمد بن كيسان "المتوفى سنة 299" صنف التصريف2. 6- أحمد بن سهل أبو زيد البلخي "المتوفى سنة 322" ألف كتاب النحو والتصريف3.

_ 1 أخذ عن المازني وأبي حاتم السجستاني، وكان فصيحا، صاحب نوادر وظرافة ولباقة. 2 كان يحفظ في النحو المذهبين البصري والكوفي؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب. 3 كان يجمع إلى العلوم القديمة العلوم الحديثة، يسلك في مصنفاته طريق الفلاسفة، وذكرته هنا لأنه جعل التصريف جزءا من اسم كتابه.

7- أحمد بن محمد أبو جعفر الطبري, كان ببغداد "المتوفى سنة 304"، له كتاب التصريف1. 8- ولأحمد بن محمد بن يزداد بن رستم 304 كتاب في التصريف. 9- أبو علي الفارسي "المتوفى سنة 377" صنف التكملة في التصريف2. 10- علي بن عيسى الرماني "المتوفى سنة 384" صنف كتاب التصريف3. 11- أبو الفتح عثمان بن جني4 "المتوفى سنة 392" له التصريف الملوكي، وشروحه كثيرة، والخصائص، وسر الصناعة، وغيرها.

_ 1 سكن بغداد، وحدث بها عن نصير بن يوسف, وهاشم بن عبد العزيز صاحبي الكسائي. 2 أخذ عن الزجاج وابن السراج، وهو شيخ ابن جني والربعي, وله مصنفات كثيرة. 3 أخذ عن الزجاج وابن السراج وابن دريد, وكان يمزج كلامه في النحو بالمنطق حتى قال فيه أبو علي: إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معنا منه شيء, وإن كان النحو ما نقوله نحن فليس معه منه شيء. 4 أديب نحوي قال عنه المتنبي: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس, وتتجلى براعة ابن جني الأدبية في كتابه الخصائص وإذا كان عبد القاهر قد ألف في البلاغة -وصلتها بالأدب وثيقة- بأسلوب أدبي، فقد تناول أبو الفتح مسائل صرفية بأسلوب أدبي رائع لا يقل عن أسلوب عبد القاهر إن لم يفقه أحيانًا، ومن شاء فليرجع إلى هذه الصفحات من الخصائص 14-114-197-223-316-317-518-554 على أنه قد يؤثر جزالة اللفظ فيأتي بالغريب من الألفاظ أحيانًا.

12- محمد بن علي الهراشي1 "المتوفى سنة 425" له كتاب في التصريف. 13- الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء2 "المتوفى سنة 477" ألف غيث التصريف. 14- محمد بن أحمد البيهقي "المتوفى سنة 485" له كتاب في التصريف مجدول3. 15- أحمد بن محمد الميداني "المتوفى سنة 518" له كتاب نزهة الطرف في علم الصرف4. 16- محمد بن علي الحلي, المعروف بابن حميدة "المتوفى سنة 550" من كتبه كتاب في التصريف5. 17- إبراهيم بن محمد الخوارزمي "ولد سنة 559" له كتاب تعريف شواهد التصريف6.

_ 1 أديب نحوي، شرح ديوان المتنبي. 2 المقرئ الحافظ اللغوي، صنف 500 مصنف. 3 أديب فيلسوف رياضي, ألف كتابًا في المخروطات الهندسية. 4 عالم أديب نحوي لغوي, صاحب كتاب الأمثال, وكتابه نزهة الطرف مطبوع بمطبعة الجوائب سنة 1299هـ في مجموع مع كتاب الأنموذج للزمخشري, وقواعد الإعراب لابن هشام. 5 قرأ على ابن الخشاب، وله معرفة جيدة بالنحو واللغة. 6 له شرح كليلة ودمنة بالفارسية, وكتب أخرى.

18- الحسن بن صافي الملقب بملك النحاة "المتوفى سنة 558" له كتاب المقتصد في التصريف1. 19- عبد الرحمن بن محمد أبو البركات كمال الدين الأنباري "المتوفى سنة 577" من مؤلفاته الوجيز في التصريف, وميزان العربية2. 20- الحسن بن محمد الصاغاني "المتوفى سنة 577" له كتاب في التصريف3. 21- عبد الله بن الحسين أبو البقاء العكبري "المتوفى سنة 616" من مؤلفاته نزهة الطرف في إيضاح قانون الصرف، والترصيف في علم التصريف4. 22- عثمان بن عمرو جمال الدين بن الحاجب "المتوفى سنة 646" صنف الشافية5.

_ 1 برع في النحو، وكان ذكيا فصيحا، وكان عنده عجب بنفسه وتيه بعلمه، لقب نفسه ملك النحاة، وكان يسخط على من يخاطبه بغير ذلك. 2 قرأ على ابن الشجري وأبي منصور الجواليقي، وله مؤلفات كثيرة منها كتاب الإنصاف المعروف، وأسرار العربية. 3 ولد بلاهور ودخل بغداد, وذهب إلى الهند والحجاز واليمن، كان إليه المنتهى في اللغة. 4 أديب نحوي فقيه, له شرح ديوان المتنبي وإعراب القرآن الكريم, مطبوعان. 5 ولد بإسنا، وكان مشهورا بالذكاء وبالنحو والأصول والفقه، ورُزقت مصنفاته قبولا حسنا، ومن أشهر شراح الشافية شرح الرضي، فهو يغني عن غيره ولا يغني غيره عنه.

23- محمد بن عبد الله بن مالك1 "المتوفى سنة 672" نظم لامية الأفعال، وهي قصيدة على روي واحد، تكلم فيها على تصريف الأفعال وأبنية المصادر والمشتقات: اسم الفاعل والمفعول واسمي الزمان والمكان والآلة, وله ضروري التصريف وشرحه كما شرحه ابن إياز والسيوطي. 24- ولأبي الذبيح إسماعيل بن محمد الحضرمي التميمي "المتوفى سنة 676" أساس التصريف. 25- علي بن مؤمن أبو الحسن بن عصفور "المتوفى سنة 696" صنف الممتع في التصريف، وهو مخطوط، والمقرب شرحه لم يتم2. ولأبي حيان كتاب اسمه "المبدع الملخص من الممتع" وهو مخطوط بدار الكتب المصرية، ولمحمد بن يحيى بن هشام الخضراوي "المتوفى سنة 646" النقض على الممتع. ولأحمد بن يوسف اللبلي "المتوفى سنة 691" كتاب في التصريف, ضاهى به الممتع. 26- عبد الوهاب بن إبراهيم الخزرجي الزنجاني مؤلف "شرح الهادي" أكثر الجاربردي من النقل عنه.

_ 1 ولد بجيان الأندلس سنة 600 ثم رحل إلى الشام وأقام بدمشق, وسمع من السخاوي وغيره, وكان إمامًا في القراءات واللغة والنحو, وصادفت مؤلفاته قبولًا حسنًا في كل عصورها. 2 حامل لواء العربية في زمانه، انقطع للنحو, أخذ عن الدباج والشلوبين.

ومؤلف تصريف العزي المشهور، كان ببغداد "المتوفى سنة 654" وشرحه سعد الدين التفتازاني وغيره. 27- وللشيخ أحمد بن محمود الجندي "المتوفى سنة 700" عقود الجواهر في علم التصريف. 28- ولحسام الدين حسين بن علي "المتوفى سنة 710" النجاح في التصريف. 29- محمد بن يوسف الإمام أثير الدين أبو حيان "المتوفى سنة 745" صنف المبدع من الممتع، ونهاية الإعراب في التصريف, والإعراب1 لم يكمله. 30- ولابن هشام "المتوفى سنة 761" كفاية التعريف في علم التصريف. ثم تتابعت المؤلفات بعد ذلك في الصرف, فألف: 31- أحمد بن علي بن مسعود كتابه "المراح في التصريف"، ويقول السيوطي في بغية الوعاة: لم أقف له على ترجمة 151. ولعبد الجليل بن فيروز الغزنوي لباب التصريف.

_ 1 نحوي عصره ولغويه ومفسره، ومحدثه ومقرئه ومؤرخه وأديبه، ولد بالأندلس سنة 654، ورحل إلى مصر.

§1/1