المعجزة القرآنية حقائق علمية قاطعة

أحمد عمر أبو شوفة

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بسم الله الرّحمن الرّحيم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24]. اللهم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على طاعتك. الحمد لله الّذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأمي الأكرم معلم العلماء وقدوة الأتقياء والبلغاء. الحمد لله الذي فتح عليّ بادئ ذي بدء تعلّم القرآن الكريم، وأنار بصيرتي للتدبر والتبحر في حروفه وكلماته، في آياته وسوره، ترتيبا وتركيبا، وخصّني به شرفا في تدريسه وتدارسه، سائحا بمعانيه دون سواه من سائر العلوم المستحدثة التي اثقلت كاهل الأجيال بعدا عن القرآن الكريم وبعد! فشاء القدر أن سهل الله عز وجل عليّ بعد مضي أربعة عشر قرنا وأربعة عشر سنة على الهجرة النبوية الشريفة تحديدا من خلال القواعد الثابتة والأسس البنّاءة الموجودة في كتابه العزيز على إضاءة ما استفدته من أنوار فكانت الحروف النورانية المقطعة بفواتح السور القرآنية هي الهدف على ظهور هذه المعجزة الكبرى وفاء وإخلاصا لله العلي القدير. وكما شاءت الصدف أن أجزلت بخيراتها عليّ منذ الولادة على أن يكون مجموع حروف تسميتي ولقبي قد آخت هذه الحروف النورانية عددا. راجيا من الله أن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم وأن يثبتنا بالقول الثابت في الدارين.

1 - روى مسلم عن أبي موسى قال: قال رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجّة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر». 2 - وروى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه». 3 - وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ستكون فتن كقطع الليل المظلم»، قلت: يا رسول الله وما المخرج منها؟ قال: «كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعد كم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه». رواه الترمذي. 4 - القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى الخالدة: الشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعا وهو مثل صنع الله في كل شيء وصنع الناس ... إن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات. فإذا أخذ الناس هذه الذّرّات فقصارى ما يصوغونه منها لبنة، أو آجرة، أو آنية، أو أسطوانة، أو هيكلا، أو جهازا كائنا في دقته ما يكون، ولكن الله المبدع يجعل من تلك الذّرّات حياة، حياة نابضة خافقة تنطوي على ذلك السر الإلهي المعجز ... وهكذا القرآن ... حروف وكلمات يصوغ منها

البشر كلاما وأوزانا ويجعل منها الله قرآنا وفرقانا، والفرق بين صنع البشر وصنع الله من هذه الحروف والكلمات، هو: الفرق ما بين الجسد الخامد والروح النابض ... ، هو: الفرق ما بين صورة الحياة وحقيقة الحياة! (¬1) [اه] 5 - القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء ولهذا سأبيّن بعض وجوه إعجاز القرآن الكريم وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني للصواب ويبعدني عن الزلل والخطأ إنه نعم المولى ونعم البصير. وإني أشكر السيد الدكتور أحمد دللو صاحب كتاب معجزة الله الكبرى في التفسير الحسابي للقرآن الكريم على مقدمته ودراسته وتعليقه على هذا الكتاب مما زاده دقة وعلما حيث وضعه على معاييره الحسابية. كما وأني أشكر شيخنا الجليل محمود دللو على ما قام به من جهد كبير حتى ظهر هذا الكتاب في مكانه الصحيح. الشيخ أحمد أبو شوفة ¬

_ (¬1) في ظلال القرآن- الجزء الأول صفحة: (38 - 39).

مقدمة الدكتور أحمد دللو

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) مقدمة الدكتور أحمد دللو الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم رسول رب العالمين وخاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى أبد الآبدين. أما بعد! فإن الحديث عن القرآن يطيب سماعه، ويحلو مجلسه، ويأنس مريده، وتسمو بروح المؤمن قداسته، وترشد القلوب هدايته، وتقوم السلوك مواعظه، وترهف المشاعر معانيه وكلماته. فهو كتاب الله الحق، هو كتاب هداية، كتاب مواعظ، كتاب تعبدي، قراءة كل حرف منه تورث صاحبها حسنة من الله والحسنة بعشر أمثالها. وهو كتاب قصصي وعبر يضرب الأمثال للناس فهو بحق كتاب الله الكريم الذي لم يترك أمرا من أمور الدنيا والآخرة إلّا أتى عليه تصديقا لقوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 38]، وهذا الكتاب لا تنتهي عجائبه مهما طال الزمن وتعاقبت الدهور ومرّت العصور. وبعد! فقد طلب مني الشيخ الجليل الأستاذ أحمد عمر أبو شوفة أن أصوغ مقدمة لكتابه المعجزة الكبرى فلبيت طلبه مع اعترافي بقلة زادي، وعجزي أمام بلاغة هذا المؤلّف ودقة معانيه وغزارة علمه، راجيا من الله تعالى أن يجعله كتابا نافعا للأجيال الحالية والقادمة من المسلمين؛ ولقد قرأت هذا الكتاب بتأمل وتمعّن وتعليقي عليه بما يلي:

1 - الكتاب في غاية الدقة والإيجاز والعلم والفائدة حيث أفاض فيه عن معاني القرآن الكريم ومعجزاته، وقدم الشواهد الكثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة. 2 - أتى تعريفه للمعجزة القرآنية كافيا شافيا، وضرب الأمثلة عن المعجزات وأنواعها وشروطها، وبيّن وجوه إعجاز القرآن الكريم بشكل علمي جليّ واضح، وضرب الأمثلة الكثيرة على ذلك من القرآن الكريم ومن الحقائق العلمية الكونية اليقينية. 3 - تكلّم عن عبارات القرآن الكريم ومتانة تراكيبه، وفصاحته، ونظمه البديع، واتساق نظرياته، وأحكامه، والوفاء بكل ما وعد به فجاء حقا وصدقا كفلق الصبح، وتكلّم عن تأثير القرآن وفاعليته في النفوس والأفئدة، وتكلّم عن سموّ تشريعه وشموله ومرونة معاييره، وتكلّم عن الواقعية والمثالية في التشريع الإسلامي، وعن مبدأ العدل والإحسان، والوسطية والاعتدال، وتكلّم عن التصوير والتشخيص الحيّ في القرآن، وعن الإعجاز في رسم القرآن وأشكاله وأنواعه وموافقته للقرآن، وأنّ رسم القرآن هو توقيفي. وتكلّم عن الإعجاز العددي في القرآن وتكلّم عن الأعداد بشكل مفصل: - الأعداد المفردة من: 1 - 10. - الأعداد المركبة من: 11 - 19. - ألفاظ العقود من: 20 - 90، وتكلّم عن المئات والألوف. وتكلّم عن الكسور، وتكلّم عن بعض الأحكام المستنتجة من الأعداد وقدم الأمثلة الكثيرة على ذلك منها:

أ- مثال: عمر النّبي محمد صلّى الله عليه وسلّم ثلاث وستون سنة مستنبط من قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المنافقون: 11] فهذه السورة المنافقون هي رأس ثلاث وستين سورة، وآخر آية منها هي الآية 11. وفي كتابي معجزة الله الكبرى في التفسير الحسابي للقرآن الكريم، أثبتّ صحة هذه الآية بالحساب والتي تعني نبيّنا محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالذات، ومن النص القرآني التالي المأخوذ من الآية المشار إليها أعلاه. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ..... 8+ 1+ 1+ 11+ 6+ 5+ 4 36 0 أي: محمد صلّى الله عليه وسلّم وعبارة: جاءَ أَجَلُها 5+ 4 9 الموت. وذلك بعد إسقاط الرقم 12 ومضاعفته. اللهم الطريقة الحسابية التي حسبنا بموجبها: كلنا يعلم أن حروف الهجاء بلغتنا العربية هي ثمانية وعشرون حرفا، ومرتبة بحسب الترتيب الأبجدي على الشكل التالي: أ/ ب/ ج/ د/ هـ/ و/ ز/ ح/ ط/ ي 1/ 2/ 3/ 4/ 5/ 6/ 7/ 8/ 9/ 10 ك/ ل/ م/ ن/ س/ ع/ ف/ ص/ ق 20/ 30/ 40/ 50/ 60/ 70/ 80/ 90/ 100 8/ 6/ 4/ 2/ 0/ 10/ 8/ 6/ 4

ر/ ش/ ت/ ث/ خ/ ذ/ ض/ ظ/ غ 200/ 300/ 400/ 500/ 600/ 700/ 800/ 900/ 1000 8/ 0/ 4/ 8/ 0/ 4/ 8/ 0/ 4 نلاحظ أن كل حرف من حروف الهجاء له رقم حسابي، وهو ما كان يسير عليه أسلافنا من عهد سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا، وكل حرف تزيد قيمته الحسابية عن الرقم 12 له قيمتان حسابيتان: كبرى وصغرى حيث استوحينا القيمة الصغرى من القيمة الكبرى للحرف، كما هو مشار إليه خارج الجدول فمثلا: - الحرف: ك 20 إذا أسقطنا منه الرقم 12 يبقى 8. - والحرف: ل 30 إذا أسقطنا منه الرقم 24 يبقى 6 - والحرف: م 40 نسقط منه الرقم 36 وهو من مضاعفات الرقم 12 يبقى لدينا 4 وهكذا الحال مع كافة الحروف وأرقامها، مثلا لفظ الجلالة: الله أ 1، ل 6، اللام المشدد لّ ل ل، والمد أ 1، والحرف هـ 5 فيكون المجموع: 1+ 6+ 6+ 6+ 1+ 5 25 إذا أسقطنا منها الرقم 24 وهو من مضاعفات الرقم 12 يبقى لدينا 1. فهذا الواحد: هو الله جلّ جلاله. ب- مثال: استنبط بعض العلماء أن عدد أبواب الجنّة ثمانية من قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر: 73].

بينما قال جلّ جلاله في الآية التي قبلها: فُتِحَتْ أَبْوابُها بدون الواو، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزمر: 71]. لأنّ قريشا التي نزل القرآن بلغتها العربيّة الفصحة كانوا إذا عدّوا قالوا: واحد- اثنان- ثلاث- أربعة- خمسة- ستة- سبعة- وثمانية، فإذا وصلوا إلى رقم ثمانية أضافوا حرف الواو. نعود لحساب الآية الكريمة 73 من سورة الزمر ونتأكد بشكل علمي حسابي رياضي أنّ ما ذهب إليه العلماء هو الصحيح كما هو مقرر شرعا. نجزّئ الآية الكريمة إلى جزءين فنقول: 1 - وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً 8/ 5/ 8/ 9/ 8/ 7/ 8 53 5 المسلمون وذلك بعد إسقاط الرقم 12 ومضاعفاته من المجموع الحسابي 53، وأن الرقم المسقط هو 48 أي: 53 - 48 5. 2 - وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا 2/ 5/ 8/ 9/ 8/ 7/ 8/ 5/ 6 جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ 5/ 6/ 0/ 6/ 5/ 3/ 7/ 11/ 2 طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ

7/ 7/ 11 المجموع 128 8 وذلك بعد إسقاط الرقم 12 ومضاعفاته من المجموع أي: 128 - 120 8 وهو: عدد أبواب الجنّة الثمانية. يوجد حديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحته ثبتت لدينا بالحساب من حساب الآية الكريمة 73 من سورة الزمر. ثم تكلّم المؤلف عن السبع المثاني فقال: القرآن هو مثاني الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «أي: فاتحة الكتاب» هي مثاني، السور من البقرة إلى براءة هي مثاني، كل سور القرآن ما عدا الطّول وما دون الماءين وفوق المفصّل هي مثاني أيضا، وكذلك سورة الحج والنّمل والقصص والعنكبوت ... الخ هي مثاني، والحروف المقطعة في أوائل السور المفتتحة بأحرف مثل: الم- ص- حم ... هي مثاني. وقوله عن فاتحة الكتاب أنها مثاني لأنها تثنى في كل ركعة، وقال: ويسمّى جميع القرآن مثاني لاقتران آية الرحمة بآية العذاب، ومعنى ثنى الشيء: رد بعضه على بعض، إلى هنا انتهى كلام المؤلف. وهذه فكرة عن المثاني وموافقتها للمنهج الحسابي الذي أسير عليه فأقول: أ- سورة الحمد هي من المثاني كما قال عنها رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بأحاديثه الشريفة أهمها: 1 - «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرءان العظيم الذي أوتيته». بالحساب: الحمد لله ربّ العالمين 11/ 0/ 0/ 4 15 3

وذلك بعد إسقاط الرقم 12 منها. كلمة: هي 3 عبارة: السبع المثاني 7+ 8 15 3 عبارة: «هي السبع المثاني والقرءان العظيم الّذي أوتيته». 3+ 7+ 8+ 6+ 11+ 7+ 3+ 6 المجموع 51 3 وذلك بعد إسقاط الرقم 12 ومضاعفاته من المجموع. يلاحظ مما تقدم أنّ: الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني هي السبع المثاني والقرءان العظيم الذي أوتيته 3. أيّ إن كل فقرة من فقرات هذا الحديث الرقم الحسابي 3 السبع المثاني؛ فمعنى ذلك أن الحمد لله رب العالمين، أيّ إنّ الفاتحة، هي إحدى معاني السبع المثاني التي سترد في هذا الكتاب. ج- الحروف المقطعة في أوائل السور المفتتحة بأحرف نورانية عددها أربعة عشر حرفا، قال أيضا: إنها من السبع المثاني. حيث إن عبارة: سبعا من المثاني 1/ 10/ 8 19 7. وطالما المثنّى 2 أي إن مثنى الواحد 2، ومثنى العدد 5 10 أي 2* 5 10، ومثنى العدد 7 14، أي: 2* 7 14، أي: عدد 14 هي الحروف المقطعة التي افتتحت بها بعض سور القرآن الكريم. - ثمّ تكلّم عن نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف وقال: إن الأحرف السبعة هي غير القراءات السبعة، وأشار إلى أنها هي الحروف

الأربعة عشر التي هي في أوائل السور والتي قال عنها: هي من السبع المثاني. - كما أنه تكلّم عن فواتح السور القرآنية وحروف التهجي النورانية وفي ابتداءاتها وفي عددها وأنواعها ومعانيها. - وتكلّم عن علم المبهمات في القرآن الكريم وما هي الحكمة من الإبهام وأنواعه وفائدته وتعميمه وتعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم كقوله تعالى في سورة النور الآية 22: - وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي 6/ 7/ 9/ 8/ 5/ 6/ 4/ 3/ 4/ 11 - الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا 10/ 2/ 10/ 6/ 6/ 1/ 11 - وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. 3/ 8/ 0/ 3/ 6/ 1/ 6/ 7/ 2/ 2 المجموع 3 أبو بكر 9+ 6 3 وذلك بعد إسقاط الرقم 12 فقد نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف ألّا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا بعد ما قال في عائشة في حديث الإفك. - وتكلّم المؤلف عن معجزات متفرقة من القرآن الكريم منها سبب تصريحه باسم مريم من النساء وعدم ذكر غيرها من النساء، ولماذا ذكر اسم زيد بن حارثة من المسلمين ولم يذكر غيره. - وتحدث عن الكلمات غير العربية في القرآن هل هي عربية أم لا واختلاف الأئمة في ذلك وتوسع فيها وأجاد.

- وتحدث عن القرآن والشعر ومن هم الشعراء في القرآن، وتحدث عن حكم الشعر وإباحته ومكروهيته وتحريمه ورأي رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بالشعر حيث قال: «حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام» ثم تكلّم عن آراء علماء المسلمين بالنسبة للشعر. ثم قال المؤلف إنّ أوّل ما نزل من القرآن الكريم هو الألف لقوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وآخر ما نزل من القرآن هو الألف أيضا حيث قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3]. وقد قمت بحساب من أول ما نزل من القرآن الكريم وآخر ما نزل من القرآن الكريم فوجدت: أ- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) 2/ 7/ 8/ 3/ 10// 10/ 1/ 6/ 8/ 2/ 6/ 8/ 4 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5). 3/ 2/ 11/ 2/ 1/ 5/ 10/ 6 7 الاسلام. ب- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً 3/ 11/ 6/ 4/ 6/ 5/ 2/ 6/ 6/ 6/ 6/ 7/ 5 7 الإسلام بعد إسقاط الرقم 12

من النص: 1 - اليوم 3 يوم عرفة 8+ 7 3 بعد إسقاط الرقم 12 ويوم عرفة هذا يقولون بأنه يشبه يوم القيامة فهو يساويه بالحساب حيث يوم عرفة 3 يوم القيامة. وعلى هذا الأساس فإن أول ما نزل من القرآن يساوي بالحساب لكلمة: الإسلام، وآخر ما نزل من القرآن يساوي بالحساب لكلمة: الإسلام أيضا، وكلمة الإسلام 7، وكلمة الجنة 7، فمعنى ذلك أن المسلمين هم أهل الجنة والحمد لله رب العالمين. 2 - عبارة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 3/ 11/ 6/ 4/ 6/ 5/ 2/ 6 7 الإسلام. 3 - عبارة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً 3/ 11/ 6/ 4/ 6/ 5/ 2/ 6/ 6/ 6/ 6/ 7/ 5 1، هذا الواحد: هو الله جلّ جلاله. وكذلك قال المؤلف إن سورة الشورى افتتحت بالأحرف: حم (1) عسق (2) فإذا كتبناها بالأحرف الملفوظة وهي حا ميم 1، عين سين قاف، 2 نجد أنها تساوي حسابيا للرقم 3 وهو بدوره يساوي السبع المثاني؛ في حين فاتحة سورة مريم هي خمسة أحرف أيضا ولكنها لا تساوي بالحساب السبع المثاني لأن: «كاف، ها، ياء، عين، صاد» 5/ 7/ 0/ 10/ 11 9 أي: لا تساوي السبع المثاني.

وأخيرا تكلّم المؤلف عن متفرقات وإعجازات ومعجزات في القرآن الكريم ومواضع أخرى كثيرة يضيق المقام عن حصرها ويراها القارئ ضمن صفحات مؤلّفه الذي نحن بصدده. وخلاصة القول فإن المؤلف من السّبّاقين في مجال هذا العلم الذي يحتاجه المسلمون خاصة في هذا العصر، عصر الأعداد والحساب، أمدّ الله بعمر مؤلفه كي يتحفنا بكتب ومؤلفات غيره. وفقه الله ووفق أمثاله من العلماء المخلصين العاملين، إنه سميع الدعاء، وإنه على ما يشاء قدير، والحمد لله رب العالمين. كتبه وبكل تواضع صاحب كتاب معجزة الله الكبرى في التفسير الحسابي للقرآن الكريم الدكتور أحمد دللو

مقدمة الشيخ محمود دللو

بسم الله الرّحمن الرّحيم مقدمة الشيخ محمود دللو الحمد لله رب السماوات والأرض رب العالمين، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته. أحمده فقد أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء وما فرط فيه من شيء أرسل محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم الرسل. وجعل كتابه وهو القرآن الكريم آخر الكتب عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، فنحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. وقد خلقنا الله لعبادته وجعل الدنيا كماء أنزله من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح لعلنا نتعظ ونعمل للحياة الحقيقية بعد الموت. إن لله عبادا فطنا ... طلقوا الدنيا وعافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا فالوجود أكبر كثيرا من الظاهر المشهود، ولا مكان فيه للمصادفة العمياء، ولا صلاح ولا فلاح ولا نجاح ولا طمأنينة ولا رفعة للإنسان إلا بالرجوع إلى الله ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم ولذا فعلينا أن نعرف أسراره ونغوص في معانيه ونفهم كل حرف فيه فهو الكتاب الخالد والمعجزة الباقية. فمن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة

فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم. ورحم الله امرئ ترك بعد موته صدقة جارية أو علما ينتفع به أو ولدا صالحا يدعو له. وإني لأرجو من الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصا لوجهه الكريم فيزيل به فقرنا ويقوي به ضعفنا ويقضي به حاجتنا. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل الفقير إلى الله الشيخ محمود محمد عيد دللو مجاز شريعة 1964

المعجزة القرآنية تعريفها - شروطها - انواعها

المعجزة القرآنية تعريفها- شروطها- انواعها أ- تعريف المعجزة: الأمر الذي يفوق طاقات البشر ويخرق قوانين الطبيعة وخواص المادة سلاحا للنبي صلّى الله عليه وسلّم رغم أمّيته ليتحدى به قومه. ب- شروط المعجزة: من أهم هذه الشروط: 1 - أن تكون مما لا يقدر عليها إلا الله سبحانه، مثل: انشقاق القمر، وفلق البحر. 2 - أن تخرق العادة مثل: نبع الماء من بين الأصابع، وانشقاق الحجر لتخرج منه ناقة. 3 - أن يستشهد بها مدعي الرسالة على الله سبحانه وتعالى. 4 - أن تقع على وفق دعوى المتحدي بها، كأن يقول إذا تفلت بهذا الماء فار النبع وزاد، وقد قال ذلك مسيلمة الكذاب وتفل بالماء وهذا دليل كذبه. 5 - ألا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدي على وجه المعارضة. ولهذا جاء التحدي من الله في القرآن الكريم بقوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) [الطور: 34]. ج- أنواع المعجزات: تكون المعجزات من جنس ما برع به أهل العصر، ففي عهد موسى عليه السلام برع الناس بالسحر فكانت معجزته العصا: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) [الأعراف: 117 - 118]. وفي عهد عيسى عليه السلام برع الناس بالطب فكانت معجزته إحياء الموتى بإذن الله.

والمعجزات نوعان:

إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) [المائدة: 110]. وقال أيضا في آية أخرى: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) [آل عمران: 49]. والمعجزات نوعان: 1 - معجزات حسية: مؤقتة تزول بوفاة النبي عليه السلام الذي جاء بها مثل عصا موسى، وناقة صالح، وحنين الجذع للرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم، وانشقاق القمر له، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة. 2 - معجزات عقلية: باقية وهي القرآن الكريم دائمة إلى قيام الساعة، وقد تحدى الله سبحانه وتعالى به الثقلين فقال عز من قائل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) [الإسراء: 88].

توضيح المعجزات الحسية

توضيح المعجزات الحسية ما من رسول إلا جاء بمعجزة تدل على صدقه، وإن الأقوام الذين يريد الله أن يتحداهم يمكنهم من كل الأسباب ثم يعطل الله تعالى هذه الأسباب. ومن الأمثلة على ذلك: أ- النار لم تحرق إبراهيم عليه السلام: لقد حطم إبراهيم أصنام المشركين فأرادوا أن ينتقموا ويجعلوا إبراهيم عبرة لكل إنسان تسوّل له نفسه الاعتداء على الآلهة فجمعوا الحطب وأوقدوا نارا هائلة أمام الآلهة ليحرقوا بها إبراهيم. إنه منظر رهيب ... وجاءوا به ليلقوه في النار فلماذا لم يأمر الله إبراهيم بالاختفاء أو الفرار؟ لو فعل ذلك إبراهيم لظلت هيبة الأصنام ولقالوا لو قبضنا عليه لأحرقناه. ولكن التحدي في سلب قوة الإحراق من النار وتعطيل سنن ونواميس الكون والقوة في النار. قال تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) [الأنبياء: 69 - 70]. وفي هذا تحد لهم لأن نارهم لا تفعل شيئا إلا بأمر الله تعالى واستعملوا كلمة حرّقوه مشددة مبالغة في الحرق ولو لم يقل رب العالمين للنار وَسَلاماً لتجمد من شدة بردها عند ما قال لها كوني بردا ولهذا قال: بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ، وكان من الممكن أن تنطفئ النار بفعل المطر ولو حصل ذلك لقال الكفار آلهتنا أطفأت النار وعفت عنه وهي قادرة على حرقه. فمعجزة إبراهيم ليس أن ينجو من النار بالهرب أو غيره ولكن معجزته

أما موسى عليه السلام:

أن يجلس في وسط النار المتأججة متحديا من أرادوا إحراقه بالنار لتكون بردا وسلاما عليه. أما موسى عليه السلام: فيقول الله تعالى مخاطبا أمه بعد ولادته: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (8) [القصص: 7 - 8]. ونفذت أوامر ربها فوضعته في صندوق وأغلقت الصندوق وألقته في اليمّ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ هذا هو التحدي العظيم. وأخرجته امرأة فرعون، وعاش موسى في بيت فرعون ينفق عليه ويعطي أمه أجر الرضاع فهل بعد هذا التحدي من تحد. ولما بلغ أشده واستوى آتاه الله حكما وعلما وجعله رسولا وأيّده بتسع آيات معجزات منها العصا. قال تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (120) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (122) [الأعراف: 117 - 122]. فلماذا كان السحرة أول من آمن؟ لأنهم عرفوا الفرق بين قدرة الله وقدرة البشر فآمنوا بالله رب العالمين، فنسوا فرعون ووعوده وذهبه وما له ومناصبه وأذعنوا للحق وانقادوا إليه ولم يلتفتوا إلى التهديد والوعيد والتنكيل وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف

وهناك معجزات ليست للتحدي:

وقالوا: إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) [طه: 73 - 75] فالله قادر قاهر ليس لقدرته قيود ولا حدود. وقدرة الله تعالى تظهر في خلق البشر: 1 - فقد خلق الله آدم من غير أب ولا أم. 2 - وخلق حواء من أب بلا أم. 3 - وخلق الله البشر من أب وأم وهذه سنة الله في الكون لبقاء النوع الإنساني. 4 - وخلق عيسى من غير أب فهذه قضية الخلق من زواياها الأربع. وهذا الخلق بأشكاله الأربعة معجزة، لأنه لا يشترط من وجود الذكر والأنثى أن يوجد الخلق، لأن الله سبحانه يجعل من يشاء عقيما لا يولد له. لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) [الشورى: 49]. فالمسألة ليست وجود مسببات بل إن الله حينما يريد للأسباب أن تعمل فإنها تعمل وحين لا يريد لها ذلك فإنها لا تعمل وتتعطل. وهناك معجزات ليست للتحدي: ومنها خلق مريم ويحيى وعيسى عليهم السلام: فقد نذرت امرأة عمران إذا ولد لها ولد ذكر أن يكون خادما للمعبد. قال تعالى: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي

سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (37) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (41) [آل عمران: 35 - 41]. فلما وضعت امرأة عمران وليدها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى [آل عمران: 36] فقد فكرت بمنطق الدنيا. ولكن الله يفعل ما يشاء أما قوله تعالى في الآيات: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى [آل عمران: 36]، فهذه الأنثى أفضل من غيرها من الذكور وسيكون لها شأن في المستقبل، ولذا فقد كفلها زكريا وهو نبي رسول نشأ على الإيمان. وعبارة كفلها زكريا تشير إلى أن أباها كان قد مات. وكان زكريا إذا دخل معبدها وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء فيسألها أنى لك هذا فتقول هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فلكل شيء في الوجود سبب، ولكن هناك أشياء تحدث بلا أسباب إذا أراد الله ذلك ولهذا دعا زكريا ربه أن يهبه ذرية طيبة مع أن امرأته عجوز فرزقه الله يحيى كما رزق مريم الفاكهة في غير أوانها. يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9) [مريم: 7 - 9]. وهنا تتعطل الأسباب والقوانين المألوفة، فكما خلق الله زكريا من قبل ولم يك شيئا فهو قادر على أن يخلق يحيى من امرأة عاقر.

وأعود إلى قوله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى. فهذه الأنثى وهي مريم ستلد من غير أب عيسى عليه الصلاة والسلام. المعجزة الباقية والتي افتتن بعض الناس بخلقه من غير أب. فجعلوا الله أباه وعبدوه. وقالوا: إذا لم يكن الله أباه فمن أبوه فرد عليهم القرآن الكريم بقوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 59]. فخلق آدم أعظم من خلق عيسى فقد خلق من غير أب ولا أم وهذه قصة ولادة عيسى كما ساقها القرآن الكريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (19) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (21) * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (22) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (23) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (27) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذلِكَ

ب - فلق البحر لموسى عند ما ضربه بعصاه:

عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) [مريم: 16 - 36]. ب- فلق البحر لموسى عند ما ضربه بعصاه: فعند ما وصل موسى وقومه إلى مقربة من البحر وفرعون وجيشه يطاردونهم قال أصحاب موسى: إنا لمدركون وهذه مسألة طبيعية في قوانين البشر، وعندها قال موسى: كلا إن معي ربي سيهدين ولم يقل سنستقلّ سفينة أو سنهرب سباحة وقال له ربه: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) [الشعراء: 63]. وسار موسى ومن معه في البحر وتبعهم فرعون وجنوده. فنجا موسى وقومه، وغرق فرعون وجنوده بنفس الماء. هذه هي قدرة الله تعالى في تعطيل القوانين. وقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) [البقرة: 23 - 24]. د- وجوه إعجاز القرآن الكريم: القرآن الكريم منهج حياة ومعجزة باقية إلى يوم القيامة، ولكل معجزة قرآنية وقت لظهورها، فكما أن معجزات الله متجددة في هذا الكون المخلوق تظهر باستمرار ولا تنقطع، فكذلك آيات الله ومعجزاته تظهر في كلامه القديم المنزل على رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولذلك لا يمكن حصر وجوه الإعجاز في هذا الكتاب الخالد. قال الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي:

«ولو أن القرآن كان من الممكن أن يفسر لكان صلّى الله عليه وسلّم أولى الناس بتفسير هذا القرآن لأنه عليه نزل وبه انفعل ولكن رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بيّن للناس على قدر حاجتهم في البيان فبين لهم: الأحكام التكليفية التي يثاب المرء إن فعلها ويعاقب إن تركها. أما كل ما يتعلق بكونيات الوجود وأسرار القرآن حول ذلك الوجود فقد اكتفى رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم بما علم هو نفسه، واكتفى بأن علّم منها من وجد عنده استشراقا للفهم، ولكنه لم يشع ذلك ولم يعممه لأن العقول لا تقبله، والقرآن لم يأت ليعلمنا كيف نوجد أسرار الوجود وإنما جاء القرآن ليكنز أسرار الوجود حتى تجيء العقول ذوات الاستعداد لأن تفهم السر- لأنها حامت حوله بحركة الحياة- حينئذ يكون عطاء القرآن عطاء مجذوبا إليه، لأن الذي يبحث فيه له نشاط فكري حوله، ولذلك لا نجد أن صحابيا من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله عن شيء كما لم يسأله عن الم (1) [لقمان: 1] ولا عن حم (1) عسق (2) [الشورى: 1 - 2] مع أن الرسول استقبل أناسا كثيرين يؤمنون بكتاب الله، واستقبل أناسا كثيرين يكفرون بما أنزل الله وكانوا يريدون أن يقيموا الحجة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أنه أتى بشيء غراب «كلام مجانين». فهل سمعنا أن كافرا من الكفار العتاة قال للقوم وهم بلغاء فصحاء يجيدون العربية ملكة لا صناعة؟ هل سمعنا أن واحدا من الكفار قال: ماذا يعني حم وماذا تعني حم عسق؟ كيف يمر على المكابر المنكر مثل هذه الفواتح للسور ولا يجد فيها ما ينقض على رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أمره؟.

معنى إعجاز القرآن الكريم:

لا شك أنه انفعل لها وإن لم يؤمن بها، ولا يجد فيها أي شيء يمكن أن ينقض به على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليهدم قرآنه، إذا فلا المؤمنون به سألوه عنها ولا الكافرون به سألوه عنها إلى آخر الكلام الباقي عن العلامة. رحمه الله. معنى إعجاز القرآن الكريم: الإعجاز لغة: نسبة العجز للغير قال تعالى في قصة ابني آدم: قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) [المائدة: 31]. وسميت معجزة لعجز البشر عن الإتيان بمثلها. والمقصود بإعجاز القرآن عجز البشر عن الإتيان بمثله وبذلك يتبين أنه حق وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صادق. وليس القصد من الإعجاز التعجيز لذاته. وبهذا القرآن الكريم أحيا الله تعالى الأمة وجعلها خير أمة أخرجت للناس وهذا خطاب لرسولنا صلّى الله عليه وسلّم. أخوك عيسى دعا ميتا فقام له ... وأنت أحييت أجيالا من العدم فالقرآن الكريم معجزة محمد صلّى الله عليه وسلّم، الرجل الأمّي الذي لم يدرس في جامعة ولم يتعلم العلم عن عالم، ولم يتصل بأهل الكتاب يتحدى العرب خاصة والناس كافة على أن يأتوا بآية يعارضون بها هذا القرآن الكريم، ولما عجزوا فما عليهم إلا أن يذعنوا أنه من عند الله فيؤمنوا به ويستسلموا لله تعالى وينقادوا له. قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) [الشعراء: 192 - 195]. وقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (102) [النحل: 102].

والتحدي نوعان عام وخاص: فالعام: تحدّى به القرآن جميع الخلائق من إنس وجن وفلاسفة وعباقرة وعلماء وأدباء وعرب وعجم وبيض وسود على أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله. والتحدي الخاص: تحدّى القرآن الكريم العرب خاصة وعلى الأخص قريشا وهذا نوعان أيضا كلي وجزئي: فالكلي: تحداهم بأن يأتوا بقرآن مثله. والجزئي: تحداهم على أن يأتوا بسورة من مثله كسورة العصر مثلا. ودليل الكلي في قوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49) [القصص: 49]. والجزئي كقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) [هود: 13 - 14]. والقرآن الكريم معجز بذاته فإعجازه بفصاحة عباراته وروعة بيانه وأسلوبه الفريد الذي لا يشابه أي أسلوب فلا هو نثر ولا شعر ولا خطابة ولا كهانة ومسحته اللفظية تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوى وبراعته الفنية. فهو الشهادة على صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى، قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) [الأنعام: 19].

هـ - بعض وجوه إعجاز القرآن الكريم

وقال تعالى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (166) [النساء: 166]. فالعلم الإلهي يدل على أن القرآن من عند الله، وهو ظاهر في كل آية من آياته. هذا وإن التقدم العلمي في العصر الحديث يدل على مصداق ما جاء في القرآن الكريم. فكل آية منه تتحدى البشر بأن يأتوا بمثلها وكل إشارة علمية فيه سبقت العلم الحديث، ونحن الآن في عصر انفجار المعرفة نكتشف ذلك وهذا ما سنراه في بحث الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. هـ- بعض وجوه إعجاز القرآن الكريم : الإخبار عن المغيبات الماضية والمستقبلة وأهميتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم. 1 - الإخبار عن المغيبات الماضية : كقصص الأنبياء والأمم السابقة، مثل: قصة ثمود، وصالح، وإبراهيم، وموسى وغير هم. أ- قال تعالى: وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46) [الذاريات: 38 - 46]. ب- قال تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) [التوبة: 30].

2 - الإخبار عن المغيبات المستقبلة:

فمن هو عزيز؟ اليهود لم يعرفوا هذا الاسم إلا بعد دخولهم إلى مصر واختلاطهم بأهلها وأخذهم من وثنيتها. فعزيز هو (أوزيرس) كما يلفظه الفرنج أو (عوزر) كما يلفظه قدماء المصريين وهو ابن إله الشمس في الديانة المصرية القديمة، وقد أخذ اليهود عنهم ذلك وقالوا عزيز ابن الله وصاروا يعلمون أولادهم بذلك ولا يستطيع اليهود أن يدّعوا أو يثبتوا أنّ اسم عزيز كان معروفا عندهم قبل دخولهم مصر. 2 - الإخبار عن المغيبات المستقبلة: أ- إخباره أن الروم سينتصر على الفرس في بضع سنين، قال تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) [الروم: 1 - 5] وقد حدث هذا النصر فعلا في بضع سنين للروم على الفرس، وفي نفس اليوم انتصر المسلمون على المشركين يوم بدر، فتحقق وعد الله بنصر الروم، وفرح المؤمنون يومئذ بنصرهم. ب- إخبار القرآن الكريم أن الله عاصم رسوله وحافظه من الناس فلا يصلون إليه وهذا وعد أيضا بالإضافة إلى كونه إخبارا عن غيب في المستقبل، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67) [المائدة: 67]. فصرف النبي صلّى الله عليه وسلّم الحرس والصّحاب ثقة بوعد الله تعالى وإيمانا قاطعا بحماية الله تعالى له.

وقد ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين قال: كنا إذا أتينا في سفرنا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما كنا بذات الرقاع نزل نبي الله تحت شجرة وعلّق سيفه فيها، فجاء رجل من المشركين فأخذ السيف فاخترطه وقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أتخافني؟ قال: «لا» قال: من يمنعك مني؟ قال: «الله يمنعني منك» فرفع السيف ووضعه. وكان ذلك في الغزوة التي شرعت بها صلاة الخوف. وعن علي رضي الله عنه قال: كنا إذا حمي البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما يكون أحد منا أقرب إلى العدو منه. وفي غزوة حنين لما انهزم المسلمون بعد أن أعجبتهم كثرتهم ثبت النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمر عمه العباس أن ينادي بأعلى صوته يا معشر المهاجرين والأنصار يا أصحاب بيعة الرضوان إلى رسولكم. وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم راكبا على بغلته ولجامها بيد العباس رضي الله عنه والرسول يسرع بها نحو المشركين والعباس يمنعها من السرعة حتى غشاه المشركون وأحاطوا به فنزل عن بغلته كأنه يمكّنهم من نفسه ولم يفرّ ولم ينكص وهو يقول: «أنا النّبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب». ج- إخبار القرآن الكريم بهزيمة قريش قبل معركة بدر عند ما كان المسلمون بمكة بقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) [القمر: 44 - 46]. وقد تم ذلك فعلا، والآية مكية وغزوة بدر حدثت في السنة الثانية للهجرة كما هو معلوم. د- إخبار القرآن الكريم بمكة بما سيأتي على المشركين وماذا سيحل بهم: 1 - القحط والجوع حتى إذا نظر أحدهم إلى السماء رأى بينه وبينها كهيئة الدخان.

2 - أنهم سيتضرعون الله تعالى. 3 - أن الله سيكشف عنهم العذاب قليلا. 4 - أنهم سيعودون إلى كفرهم وعنادهم. 5 - أن الله سينتقم منهم يوم البطشة الكبرى في بدر. وقد تم ذلك فعلا وتحققت نبوءة القرآن الكريم. قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) [الدخان: 10 - 16]. وسبب نزول هذه الآيات: أنّ المشركين لما عتوا وطغوا وتمردوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم فقال: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» لعلهم يتوبون إلى الله ورسوله، فحل بهم القحط والعذاب. هـ- حتى إن القرآن الكريم تعرض لبعض الحوادث الجزئية تقع لشخص معين. فهذا الوليد بن المغيرة المخزومي الذي قال الله تعالى فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) [المدثر: 11 - 26]. والذي قال تعالى فيه أيضا: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ

بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) [القلم: 10 - 16]. وقد تحقق وعد القرآن الكريم به ففي غزوة بدر ضرب على أنفه بالسيف فبقيت سمة أو علامة على أنفه كما أخبر القرآن الكريم بذلك: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم: 16] والخرطوم هو الأنف وسماه بذلك لبلادته كبلادة الفيل ذي الخرطوم الطويل. ووثّقه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بنصر الله الذي وعده له في آيات كثيرة من القرآن وهو في أحلك الظروف والمدينة محاصرة من قبل المشركين في غزوة الأحزاب، واليهود خانوا الله ورسوله من داخل المدينة وهذا هو القرآن الكريم يصف حالة المؤمنين فيقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) [الأحزاب: 9 - 11]. في غمرة هذه الأحداث ليشارك النبي صلّى الله عليه وسلّم في حفر الخندق حول المدينة فتعترضهم صخرة ولننظر إلى موقف الرسول صلّى الله عليه وسلّم. روى النسائي بحديثه قال: لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً [الأنعام: 115] فنذر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم برقة، ثم ضرب الثانية وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً فنذر الثلث الأخير فبرقت برقة فرآها سلمان ثم ضرب الثالثة وقال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً

فنذر الثلث الباقي وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ رداءه وجلس. قال سلمان: يا رسول الله رأيتك حين ضربت، ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة؟ قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «رأيت ذلك يا سلمان؟» فقال: أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله، قال: «فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كبرى وما حولها، ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني»، قال له من حضره من أصحابه: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنّمنا ذراريهم ويخرّب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، «ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعينيّ»، قالوا: يا رسول الله، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، «ثم ضربت الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعينيّ»، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك: «دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم». وعن البراء قال: لما أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول فاشتكينا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: «بسم الله»، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال: «الله اكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر إلى قصور الحمراء الآن من مكاني هذا» قال ثم ضرب أخرى وقال: «بسم الله» فكسر ثلثا آخر ثم قال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض»، ثم ضرب الثالثة وقال: «بسم الله» فقطع الحجر وقال: «الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء». صححه أبو محمد عبد الحق. فهذا رجل مهاجر وكل الدنيا ضده ولا ملجأ له إلا الله سبحانه وتعالى يخبر الناس بهذه الفتوحات لأقوى الدول وقد تحقق ذلك فعلا بعد مدة

3 - بيان بعض الحقائق العلمية القاطعة

وجيزة وأصبحت هذه البلاد بلادا إسلامية تؤمن بالله وحده وبمحمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. 3 - بيان بعض الحقائق العلمية القاطعة : العلم: إما فرضيات أو علوم يقينية. أ- الفرضية قد تكون صحيحة أو خاطئة كقولهم: انفصلت الأرض عن الشمس فهذه تحتمل الخطأ والصواب ولا يمكن إثباتها بالتجربة، ولذلك فهي ليست حقيقة علمية فإن وافقت القرآن فهي صحيحة وإن خالفت القرآن فهي خاطئة، والقرآن هو الصواب لأنه تنزيل من خالق الكون وما فيه من أجرام سماوية، فنظرية بطليموس التي تقول: «إن الشمس تدور حول الأرض» هي خاطئة بعد أن أثبت العلم الحديث عكس ذلك حيث أن الأرض هي التي تدور حول الشمس. ب- أما العلم اليقيني فهو ما يمكن إثباته بالتجربة كقولنا : الشجر يوقد بالنار قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) [يس: 80]. وكقوله تعالى: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) [التكوير: 6]. أي: اشتعلت نارا، وقد أثبت العلم الحديث أن الماء يتألف من غازي الهيدروجين والأوكسجين يمكن فصلهما من الماء بالتحليل الكهربائي وهما غازان مشتعلان وهذا يدل على أنه يمكن أن يشتعل الماء وهي حقيقة علمية مثبتة في القرآن الكريم. ومن الحقائق العلمية قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) [فصلت: 53].

نشأة الكون:

وكقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) [الأنعام: 125]. والآية تشير إلى تناقص كمية الأوكسيجين كلما ارتفعنا في الغلاف الجوي للأعلى، حتى تنعدم فيضيق الصدر كلما ارتفعنا في السماء. نشأة الكون: قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) [فصلت: 11 - 12]. ويقول العلماء: إن مادة الكون بدأت غازا منتشرا في الفضاء بانتظام ثم تكونت منها المجموعات الفلكية من تكاثف هذا الغاز وهذه النظرية موافقة للآية الكريمة ولم يكن الكون غبارا كما ظن بعض العلماء قبل أن يعرفوا نظرية انقسام الذرة، قال تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61) [يونس: 61]. فكلمة أصغر في الآية تشير إلى تحطيم وتقسيم الذرة، وقد تمكن العلماء اليوم من تقسيم الذرة فاخترعوا القنبلة الذرية والهيدروجينية بعد أن كان الرأي السائد قبل هذا التاريخ أنه لا يمكن تقسيم الذرة. الجنين مغطى بثلاثة أغشية: لا ترى بالعين المجردة وقد اكتشفها الطب الحديث اليوم وذكرها القرآن

اختلاف بصمات الإنسان:

الكريم قبل ذلك بقرون خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) [الزمر: 6]. فالظلمات الثلاث هي الأغشية الثلاثة. اختلاف بصمات الإنسان: أثبت العلم الحديث اختلاف البصمات في أصابع البشر فلا تشبه بصمة الإنسان بصمة إنسان آخر. وتمكن العلماء بواسطة ذلك على التعرف على الأشخاص من بصماتهم لأن بشرة الأصابع مغطاة بخطوط دقيقة تدل عليهم، قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (3) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (5) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (6) [القيامة: 3 - 6]. المطر والبرد: قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) [الروم: 48 - 50]. فالمياه تتبخر على شكل سحاب طبقي فتمتد بشكل أفقي في السماء لكنها لا تتكاثف إلا بوجود الرياح. 1 - لأن الرياح تظهر السحاب فأصبح يرى بشكل غيوم. 2 - وكذلك تهيج هذا السحاب. ومعنى كلمة تثير: تظهر وتهيج وتحرك.

وهناك شرط آخر: هو أن تكون بشكل قطع كبيرة من الغيوم منفصلة عن بعضها وقد تمتد القطعة مئات الكيلومترات. هذه القطع الممطرة، مطرها هادئ يحمل البشرى للناس لا يصاحبه هواء ولا رعد ولا برق فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الروم: 48]. وهو من أنفع وأحسن وأهدأ أنواع المطر. فمن أين جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بهذا العلم؟ إنه تنزيل الحكيم العليم. السحاب الركامي وتكون البرق: قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) [النور: 43]. يساق بخار الماء بعضه إلى بعض في خط التجمع ثم يتآلف ثم يرتفع إلى الأعلى بسبب قوة الدفع من الأسفل لأن طبقات أخرى من الغيوم تحل تحت الطبقة العليا، فإذا أصبحت قوة الدفع ضعيفة بسبب الثقل العلوي تساقطت قطرات المطر إلى الأسفل. وهذا هو السحاب الركامي، ونظرا للبرودة يتكون الثلج المتجمع مع بعضه ضمن هذه الغيوم المتراكمة مكونا البرد، وهذا البرد يتساقط بعضه على الأرض ويرجع الآخر مرتفعا للأعلى ضمن الغيوم ويدور فيها بسرعة فيشكل أقطابا مختلفة بعضها موجب وبعضها سالب فتحدث الشرارات الكهربائية وهي اللمع التي يعقبها الرعد. والهاء في كلمة (سنا برقه) عائدة للبرد: أي برق البرد، فالبرق من البرد. وقوله تعالى: فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ [النور: 43] إذا سقط على منطقة فيسبب الضرر لأهلها، وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ [النور: 43] بإعادته ضمن الغيوم المتراكمة ليدور مشكلا البرق.

نقصان الأرض من أطرافها:

وقد أكد القرآن هذه الحقيقة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ولم يكتشفها العلم الحديث إلا قريبا. فمن أين جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بذلك؟ إنه الوحي الإلهي وكلام العليم الحكيم. نقصان الأرض من أطرافها: قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41) [الرعد: 41]. قررت هذه الآية بأن المسلمين ينتصرون على الكفار فيأخذون أراضيهم المتاخمة لأطراف بلاد الإسلام ويضمونها إليهم وبذلك تزداد دار الإسلام وتنقص أراضي دار الكفر. لكن بعض العلماء اليوم يقولون: أ- أطراف الأرض هي قمم الجبال وهي أطراف راسية. ب- وسواحل البحار وهي أطراف سفلية. فالخلجان التي تتشكل نتيجة لدخول البحر في البر وأطراف القارات واضحة وينتج نقص أطراف الأرض بسبب عوامل التعرية والحت والائتكال والرياح، وكلها عوامل هدم لقمم الجبال وأطراف السواحل. مادة داخل الأرض: قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ [تبارك: 16]. يشير القرآن الكريم أن ظاهر الأرض مؤلف من قشرة يقول العلماء سمكها من 33 - 74 كيلومترا ولم يستطع النّاس أن يحفروا داخل الأرض

قيادة الإنسان:

أكثر من 12 كيلومترا. أما داخل الأرض فهو مواد مائعة مصهورة. فالغازات بالنسبة إلى ما في جوف الأرض من موايع كالسفن التي تجري على ظهر البحر، هذه السفن تحتاج إلى مراسي، والأرض لها مراس كذلك وهي الجبال، وتحت كل جبل من الجبال جذر يمتد في باطن الأرض. والشكل الوتدي للجبل موجود في باطنها: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7) [النبأ: 6 - 7]. وقال تعالى: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) [الأنبياء: 31 - 32]. قيادة الإنسان: قال تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) [العلق: 15 - 16]. فلما الناصية؟ ولماذا كاذبة خاطئة؟ الناصية: مقدم الرأس من الإنسان فوق الجبهة، والجزء الجبهوي من المخ مسئول عن قيادة الإنسان ولذلك يقطعون هذا الجزء من المخ في أوروبا وأمريكا لدى عتاة المجرمين بحيث يتمكن الناس من قيادتهم حتى الأطفال يستطيعون توجيههم. والآية تقول عن الناصية: كاذبة خاطئة، فكيف تكون الناصية كذلك وهي لا تنطق. فالمقصود هو القسم من المخ المسمى بالعض الجبهوي، وكذلك كل الحيوانات التي لها مخ قيادتها في هذه الناحية وعلى هذا نفهم قوله تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56].

ج - ملاحظات حول موقف القرآن الكريم من العلوم الكونية:

وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم أنت ربي وأنا عبدك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل في قضاؤك ... ». ج- ملاحظات حول موقف القرآن الكريم من العلوم الكونية: 1 - القرآن الكريم لم يجعل العلوم الكونية موضوعه لأنها خاضعة لقوانين جادة في هذا الكون، ولأن العامة لا يفهمونها وأمرها هيّن بسيط بالنسبة إلى ما يقصده القرآن من إنقاذ الإنسان وهداية الثقلين إلى سعادة الدنيا والآخرة. فالقرآن كتاب هداية وليس كتاب رياضيات أو طب أو فلك، وعند ما يذكر شيئا من الكونيات فذلك في سياق قدرة الله تعالى لهداية الإنسان إلى الحمد ودلالة الخلق على الخالق. قال تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) [المائدة: 15 - 16]. 2 - دعا القرآن للانتفاع بما في الكون من نعم وعبر، قال تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس: 101]. وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) [إبراهيم: 33 - 34]. 3 - هذه الكونيات لها رب وهو الله تعالى ونفى الصفات التي خلعها الضالون عليها وذلك عند ما عبدوا بعض مظاهر الطبيعة. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) [فاطر: 41].

وهذه الكونيات الهالكة: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) [القصص: 88]. ويقول تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم: 48]. ويقول أيضا: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) [الزمر: 67]. 4 - لا توجد حادثة علمية كونية تحدّث عنها القرآن الكريم، إلا أتت صحيحة قطعا وقد أظهر العلم الحديث ذلك كما في الأمثلة السابقة. 5 - أسلوب القرآن أسلوب بياني معجز عند التحدث عن العلوم الكونية بعكس الأسلوب العلمي البشري، وكل جيل يفهم منه ما يوافق علوم عصره. وتبقى الحقيقة القرآنية في أعلى درجات الصدق والإعجاز. يقول تعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) [الذاريات: 49]. ويقول سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) [يس: 36]. فقد روي عن الحسن البصري: أنه فسر الزوجين بالليل والنهار والسماء والأرض والشمس والقمر والبر والبحر والحياة والموت ... وهكذا عدّد أشياء وقال كل اثنين منها زوج. أما المتأخرون ففهموا من ذلك أن الزوجين هما المتقابلان بالذكورة والأنوثة فما من شيء في هذا الوجود إلا منه ذكر وأنثى كالإنسان والحيوان والنبات والجماد. والذكورة والأنوثة بالجماد ضمن الذرات في البروتونات والإلكترونات، فالبروتون ذو شحنة موجبة والإلكترون ذو شحنة سالبة

معاكسة، وهكذا أو بكل دقة يقرر القرآن الكريم أن كل ما في الوجود ذكر وأنثى. 6 - وليست مهمة القرآن الكريم كسائر الكتب السماوية البحث في العلوم الكونية والمسائل الفنية على النحو المألوف في الكتب الخاصة الموضوعة فيها. 7 - كانت جزيرة العرب عند نزول القرآن الكريم مليئة بالعقائد الفاسدة والعلوم الكونية الخاطئة فجاء القرآن الكريم، فصحح كل ذلك فأبدل الشرك بالتوحيد، وصحح نظرة العرب إلى الملائكة إذ كانوا يعتقدون أنها بنات الله. قال تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) [الزخرف: 19 - 20]. وجاء القرآن الكريم يدعو إلى مكارم الأخلاق، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». 8 - وضع القرآن الكريم قواعد التفكير السليم: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) [البقرة: 170]. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (104) [المائدة: 104]. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) [فاطر: 27 - 28].

4 - فصاحة عباراته ومتانة تراكيبه:

وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) [الحج: 5 - 6 - 7]. 4 - فصاحة عباراته ومتانة تراكيبه: في كل آياته وكلماته كما في قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) [الكوثر: 1 - 3]. وأيضا بقوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) [المؤمنون: 101 - 104]. وإلى آخر ما هنا لك في كل آيات القرآن العظيم وكلماته. 5 - نظمه البديع: القرآن الكريم ليس نثرا ولا شعرا ولا يشبه أي كلام من كلام الخلق بل هو نسيج وحده لأنه من عند الله تعالى. بقوله متعجبين منه فنزلت الآيات الكريمة (¬1). ¬

_ (¬1) الكشاف ج 4 ص 649.

وفي صحيح مسلم أن (أنيسا الغفاري) أخا أبي ذرّ: قال لأبي ذرّ: لقيت رجلا بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس، قال يقولون: شاعر، ساحر، كاهن، وكان (أنيس) أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر (يريد أنواعه وبحوره) فلم يلتئم على لسان أحد منهم أنه شعر، والله إنهم لكاذبون وإنه لصادق (¬1). وأخرج ابن إسحاق في السيرة: أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: لقد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر، والكهانة، والسحر، فكلّمه ثمّ أتانا ببيان عن أمره؟ فقال (عتبة بن ربيعة) - وكان من أشراف القوم وسادتهم-: أنا أقوم إليه وأكلّمه! فأتاه فقال: يا محمد أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا وتضلّلنا؟ فإن كنت تريد الرئاسة، عقد لك اللواء فكنت رئيسنا، وإن كنت تريد النساء زوّجناك ما تشاء منهن، تختار من أي بنات قريش ما شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا وأكثرنا مالا، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ساكت لا يجيبه، فلمّا فرغ من عرضه، قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفرغت»؟، قال: نعم، قال: «فاسمع إذا»، فتلا عليه سورة فصّلت حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) [فصلت: 1 - 4] الخ. حتى بلغ قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: 13] فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم أن يكفّ. ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ! فانطلقوا إليه وقالوا: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت، فغضب ثم قال لهم: والله لقد كلمته فأجابني بشيء والله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بكهانة، وقد ناشدته بالرحم ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي ج 1 ص 73.

قال العلامة القرطبي رحمه الله:

أن يكفّ خشية أن ينزل بكم العذاب، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب (¬1). قال العلامة القرطبي رحمه الله: وإذا اعترف عتبة على موضعه من اللّسان، وموضعه من الفصاحة والبلاغة، بأنه ما سمع مثل القرآن قطّ، كان في هذا القول، مقرا بإعجاز القرآن له ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه. 6 - اتساق نظريات القرآن وأحكامه: في القرآن الكريم ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، وقد مضى على نزول هذا الكتاب الكريم أكثر من أربعة عشر قرنا ولم يوجد فيه حكم يخالف حكما أو أمر يخالف أمرا، وكذا يدل على أن منزله واحد بواسطة ملك واحد وهو جبريل عليه السلام على نبي واحد وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) [النساء: 82]. وكقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24) [محمد: 24]. لقد كانت أمم الأرض ترى أن الكون عدو للإنسان وأن آلهة متعددة تتحكم في هذا الوجود وتتصارع فهذا إله الموت، وذاك إله الحب وآخر إله الحرب .... فعلى سبيل المثال كانت آلهة الديانة المجوسية بفارس تؤمن بوجود إلهين: إله النور وإله الظلام، وقد تغلّب إله الظلام على إله النور فعمّت الشرور وانتشر الفساد ولذلك دعا كهنتهم إلى مساعدة إله النور ¬

_ (¬1) انظر الكشاف ج 4 ص 192.

ضد إله الظلام: عن طريق إشعال النيران فبنوا لذلك المعابد الضخمة التي خصصت لإشعال النيران وعبادتها ليل ونهار. كما اقترحوا أساليب كثيرة لهذه الغاية منها: قال بعضهم: سبب الشر في الكون هم الناس ولهذا دعا إلى القضاء على البشرية بعدم مساعدة الفقراء كي يموتوا جوعا، كما أنه دعا إلى العمل يوما واحدا في الأسبوع وتعطيل ستة أيام فيقل الغذاء ويموت الناس. وآخر منهم قال: سبب الشر الأموال والنساء فدعا إلى الإباحة بهما والمشاع فأباح زواج الأخوات والبنات والأمهات ... إلى آخر ما هنالك من فلسفات ضالة عن الحق ومعادية للأخلاق والضمير. لذا لا بد من استعراض سريع لنظرية الإسلام عن الكون والإنسان والحياة وبإيجاز شديد: أولا: هذا الكون من خلق الله وليس وليد الصدفة وكذلك الإنسان من مخلوقات الله تعالى. فهما مشتركان في هذه الظاهرة. ولهذا فالكون صديق للإنسان وليس عدو له. ثانيا: هذا الكون مسخر للإنسان يعمل به ويتصرف ليعيش. قال تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20) [لقمان: 20]. والإنسان مستخلف في هذا الوجود ليعمره بالعمل الصالح في الدنيا ليفوز بالآخرة. قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً (39) [فاطر: 39]

وقال تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) [الحديد: 7]. الإنسان أكرم المخلوقات في هذا الوجود قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70]. وقال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) [التين: 4]. وقال: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) [البقرة: 30]. وقال تعالى: الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) [الرحمن: 1 - 4]. هذا الكون خاضع لنظام محكم وكذلك الإنسان: قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54) [الأعراف: 54]. وقال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) [يس: 37 - 40]. والناس كلهم من أصل واحد: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) [النساء: 1].

أما نظرة الإسلام إلى الحياة فتتلخص فيما يلي:

يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) [الحجرات: 13]. والناس جميعا لهم عقول عليهم أن يفكروا بها: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179) [الأعراف: 179]. تركيب هذا الكون عجيب غريب يدعو إلى الدهشة وينفي فكرة المصادفة ويؤكد فكرة النظام والتدبير. قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) [البقرة: 164]. وكذلك حياة الإنسان تدعو للدهشة. قال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) [الطور: 35 - 36]. وقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) [الذاريات: 20 - 23]. والتجمع في الإسلام يقوم على أساس العقيدة وهي رابطة تتجاوز الحدود والأشكال والألوان والقرابات والنسب، وبها تبدو الإنسانية وحدة متماسكة بعكس غيرها من الروابط الزائفة الزائلة. أما نظرة الإسلام إلى الحياة فتتلخص فيما يلي: أ- استثمار ما أودعه الله في الكائنات من طاقة.

7 - تأثيره وفاعليته بأفئدة:

ب- عمارة الأرض كما أمر الله. ج- يجب أن تقوم الحياة على التصور الصحيح المستمد من الوحي، لا على مجرد مبادئ العقول التي تضل كثيرا. قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) [الشورى: 52 - 53]. د- كل شأن من شئون الحياة يجب أن يكون وفق شرع الله في الأسرة والمجتمع والحرب والسلم والصحة والمرض .... وبذلك يتحقق التوازن في حياة البشر فلا يطغى جانب على جانب كما نجد في هذه الأيام من انتشار موجة المادّية وخاصة في المجتمعات الغربية التي تدمر باسم العدل وتستعمر الأمم والشعوب باسم حماية حقوق الإنسان. ولهذا يقول تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) [المؤمنون: 71]. 7 - تأثيره وفاعليته بأفئدة: فقصة إسلام عمر وسعد بن معاذ رضي الله عنهما خير دليل على ذلك. كما أن المشركين الذين تعاهدوا على عدم سماع القرآن فجر الرسالة المحمدية كانوا يتسللون ليلا ليسمعوا تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم و. أصحابه، فقد قال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (27) [فصلت: 26 - 27]. قصة إسلام عمر: خرج عمر غاضبا متوشحا سيفه يريد قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان يكنه من

العداوة للرسول صلّى الله عليه وسلّم وللمسلمين، فالتقى به أحد الناس وقال: إلى أين يا عمر؟، قال: إلى محمد الذي عاب آلهتنا وسفّه أحلامنا وفرّق جماعتنا لأقتله. فقال له: عليك بأهل بيتك أولا، فقد أسلمت أختك فاطمة وزوجها، فرجع مغضبا إلى أخته وزوجها فسمعوا همهمته فاختبأ الزوج وكانا يقرءان في صحيفة من القرآن الكريم، فقال: ماذا كنت أسمع؟ فقالت: لم تسمع شيئا. فضربها، فقالت له: إني قد آمنت بالله وبرسوله. فقال: أعطني الصحيفة، قالت: إنك نجس على شركك، فاذهب فاغتسل أعطيكها، ففعل فأعطته الصحيفة وكان بها أول سورة طه فقرأ: طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (7) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (8) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (10) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (16) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25)

إسلام سعد بن معاذ:

وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (35) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) [طه: 1 - 26]. فقال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، فخرج زوج أخته وقال له: إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك عمرو بن هشام وعمر بن الخطاب». فقال: دلوني على محمد لأسلم، قالوا: هو في دار الأرقم. فذهب إليه فلما رآه المسلمون قالوا: هذا عمر جاء يريد شرا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ائذنوا له فإن كان يريد خيرا بذلناه له وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه»، ولما دخل أمسك النبي صلّى الله عليه وسلّم بعباءته وجذبه إليه جذبا شديدا وقال له: «ما جاء بك يا ابن الخطاب، لئن لم تنته لينزلن الله بك قارعة» فقال عمر: جئت لأسلم وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فكبر المسلمون حتى ضج المكان بالتكبير. فهذا أثر من آثار القرآن في هداية الناس وتحويل قلوبهم. إسلام سعد بن معاذ: وقريب من ذلك قصة إسلام سعد بن معاذ فلقد أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مصعبا بن عمير إلى المدينة يعلّم الناس الدين ويقرئهم القرآن. فأخذ الإسلام ينتشر في بيوت المدينة وذات يوم وبينما كان سعد بن معاذ ومعه جماعة من قوم من بني عبد الأشهل جالسين وعلى مقربة منهم مصعب بن عمير ومعه جماعة من المسلمين من عشيرة سعد بن معاذ. فقال سعد لأسيد بن خضير: اذهب إلى هؤلاء فأبعد مصعبا وقل له: لقد بلغت بكم

توبة الفضيل بن عياض:

الجرأة أن تغشونا في ديارنا فذهب غاضبا فقال له مصعب: إن شئت فاجلس حتى نحدثك، فإن أعجبك حديثنا فهذا ما نريد، وإن لم يعجبك تركناكم وانصرفنا. فجلس فحدثه مصعب عن الإسلام وقرأ عليه القرآن الكريم فأسلم وعاد إلى سعد ضاحكا. فقال له سعد لمن حوله: أقسم لكم إن أسيدا عاد بغير الوجه الذي ذهب به، ثم قال له: ما شأنك؟، فقال: وجدت أناسا يتهجمون على ابن خالتك أسعد بن زرارة فأردت ألا أزيد عليهم فرجعت. فقام سعد مغضبا وذهب إلى مصعب ففعل معه كما فعل مع أسيد ثم عاد إلى قومه يقول لهم: كلام رجالكم ونسائكم حرام عليّ حتى تؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فآمنوا عن بكرة أبيهم. هذا هو تأثير القرآن الكريم في نفوس الناس لأنه كلام رب العالمين. توبة الفضيل بن عياض: فسبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ:* أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [الحديد: 16]. فرجع القهقرى وهو يقول: بلى والله قد آن. فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة وبعضهم يقول لبعض إن فضيلا يقطع الطريق. فقال الفضيل: أوّاه أراني بالليل أسعى في معاصي الله وقوم من المسلمين يخافونني- اللهم إني قد ثبت إليك وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام. 8 - سمو تشريعه وشموله: تناولت أحكام القرآن جوانب الحياة جميعا في كل زمان ومكان وشملت كل الألوان والأجناس.

مزايا التشريع الإسلامي:

قال تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام: 38]. وعلى الرغم من ظهور هذا التشريع في عصر الجاهلية والضلالة والظلمة وعبادة الأصنام إلا أنه كان وسيبقى أبدا أسمى التشريعات حتى في القرن الحادي والعشرين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى:* إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) [النحل: 90]. مزايا التشريع الإسلامي: أ- مرونة المعايير الشرعية: المعايير الشرعية هي مصادر التشريع الأصلية من: قرآن، وسنة، وإجماع، وقياس؛ ومصادر التشريع الفرعية من: استحسان، واستصلاح، واستصحاب، وسد الذرائع، والعرف. وكل هذه المصادر المرنة التي توافق جميع متطلبات التطور الحضاري قد ساقها الله عز وجل في كتابه الكريم بكلمة لقوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38]. فهي شاملة لكل أنظمة الحكم واختيار الحكام معا في كل زمان ومكان. وإذا كانت النصوص من القرآن والسنة محدّدة والحوادث غير محدودة فالقياس يحلّ كل هذه المشكلات، لأنه قياس فرع لم ينص على حكمه لأصل، نص على حكمه لاشتراكهما في نفس العلة كقياس حوادث السيارات اليوم على حوادث الدّواب في السابق، وكقياس الأسماء الكثيرة من المشروبات المسكرة على الخمر لاتّحادها في علة الإسكار.

ب - الواقعية والمثالية في التشريع الإسلامي:

ب- الواقعية والمثالية في التشريع الإسلامي: الواقعية تتجلى في الاستجابة لما تتطلبه غرائز الإنسان والمثالية تتجلى في نوعية الاستجابة وطريقة ممارسة هذه القوى المودعة وربطها بالمثل العليا. ومثال ذلك: اعتراف التشريع الإسلامي بكل من حق الفرد وحق المجتمع، وعدم إهدار أيّ منها كتقديم حق الجماعة على حق الفرد عند التعارض، وهذه مثالية، ولكن يعوض الأفراد عن الضرر الذي ألحقه بهم المجتمع، وهذه واقعية، كما في حالة استملاك دار لفتح شارع للناس. ج- مبدأ العدل والإحسان: - العدل أن يتقاضى كل ذي حق حقّه كاملا. - أما الإحسان فهو أن يتنازل صاحب الحق عن حقه كلّا أو بعضا كما في الدين، قال تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) [البقرة: 280]. د- الوسطية والاعتدال: الإسلام ليس روحيا محضا، ولا ماديا صرفا، بل هو وسط بينهما. قال تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) [القصص: 77]. فالحسنة بين السيئتين، ففي مجال الإنفاق مثلا البخل مذموم والإسراف مذموم، والتوسط في الإنفاق محمود بينهما. قال تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) [الإسراء: 29].

9 - التصوير والتشخيص الحي:

وقال تعالى: يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) [الأعراف: 31]. 9 - التصوير والتشخيص الحي: الصور التي يعرضها القرآن يمنحها الحركة والحياة فتبدو لك وكأنها متحركة ناطقة معبرة، اقرأ قوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) [التكوير: 1 - 14]. فالشمس تلفّ وتكور كالعمامة ويرمى بها جانبا، والنجوم تغور ويذهب ضوؤها، والجبال تسيّر وتصبح كثيبا مهيلا وهباء منبثا، والنوق الحوامل في شهرها العاشر تهمل وتترك بلا راع يرعاها والوحوش تجمع كلها في مكان واحد على اختلاف أصنافها وأشكالها ... إلى آخره. فتأمل هذه المشاهد العظيمة والصور المتحركة المتغيرة، واقرأ أيضا قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) [يس: 20 - 21]. أما مشهد القيامة في القرآن الكريم في سورة إبراهيم فالظالمون عيونهم شاخصة مسرعين في مشيتهم رءوسهم مرفوعة ينظرون إلى الأعلى بذلة، قلوبهم طائرة من الفزع وهذا ما نجده في قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) [إبراهيم: 42 - 43].

10 - الأسلوب العجيب:

10 - الأسلوب العجيب: المخالف لجميع الأساليب العربية في شتّى العصور منذ نزوله إلى يومنا هذا وسيبقى ذلك إلى قيام الساعة بفضل خصائصه ومنها: أ- المسحة اللفظية في نظام الصوت وجمال اللغة. ب- إرضاؤه العامة والخاصة. ج- إرضاؤه العقل والعاطفة معا. د- جودة سبكه وإحكام سرده. هـ- البراعة في تصريف القول والتفنن في ضروب الكلام. وجمعه بين الإجمال والبيان. ز- الوفاء بالمعنى مع الاقتصاد باللفظ. ولنأخذ على ذلك بعض الأمثلة: القرآن الكريم يخاطب العقل بالإقناع والحجة والمنطق فيقول مثلا: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) [فصلت: 39]. ولقوله تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11) [ق: 9 - 11]. القرآن الكريم يسوق العظات للناس في ثنايا القصص، كقصة يوسف ليكون الإنسان عفيفا شريفا أمينا. قال تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ

11 - الإيجاز الرائع:

هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) [يوسف: 23]. 11 - الإيجاز الرائع: فهو يعبر بأقل التراكيب عن أوسع المعاني: يروى أن الأصمعي سمع أبياتا من الشعر من جارية فقال لها: ما أفصحك! فقالت له: هل يعد هذا فصاحة مع قوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) [القصص: 7]. فقد جمعت الآية بين أمرين مهمين وبشارتين. ويروى أن ابن المقفع الأديب المشهور حاول أن يعارض القرآن الكريم فسمع صبيا يقرأ: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) [هود: 44]. فكسر الأقلام ومزّق الصحف وقال: هذا والله مما لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله. اقرأ معي قوله تعالى تجد الجزالة والبيان في أوجز الكلمات: قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]. وقال: وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ [الزخرف: 71]. وقال: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (93) [الحجر: 92 - 93].

12 - الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم:

12 - الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم: القرآن كلام الله تعالى وهو يخاطب جميع الأجناس والأقوام في شتى حالاتهم النفسية التي يمرون بها فهو يخاطب الحزين والمغضب، والحاكم والمحكوم، والعربي والعجمي، والذكر والأنثى، والمتعصب والمعتدل .... وإذا دخلت إلى حلقة يتلى فيها القرآن بمسجد من المساجد وجدت فيها أكثر من مرّ ذكرهم وكلهم معجب بهذا القرآن وراض به، بينما لا يستطيع أي شخص أن يخاطب بكلامه فئات مختلفة من الناس وهم في ظروف نفسية متباينة بكلام واحد يعجبهم جميعا ويرضون عنه كلهم. فلا يستطيع أن يرضي المتعلمين والأميين والسعداء والمحزونين بكلام واحد في آن واحد. فالله سبحانه أعلم بمخلوقاته من علمهم بأنفسهم وقد كان أبو بكر الصديق إذا مدحه أحدهم قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون. ولهذا فإن السعيد يجد في القرآن ما يكمل سعادته، والحزين يجد فيه ما يخفف حزنه. والمصاب يجد فيه ما يهوّن عليه مصابه، والمتعلم يجد فيه ما يزداد به علما. وإذا سألت شخصا ما الذي أعجبك في القرآن؟ فإنه يجيب جوابا عاما مختلفا عن غيره لبيان تأثير القرآن في كل النفوس، فكل النفوس تتأثر بهذا القرآن الكريم. وقد عرف المشركون ذلك وخشوا الاستماع إليه لتأثيره في نفوس الأصدقاء والأعداء. وقد بين لهم القرآن الكريم أنه يتألف من حروف هي حروفهم فبضاعته نفس بضاعتهم، وكلماته نفس كلماتهم. فلماذا لم تأتوا بكتاب مثله؟

فقالوا: إن الله صرفنا عن ذلك، فاعترفوا بهزيمتهم أمامه، لكنهم نسبوا ذلك إلى الصرفة عنه. ثم قالوا: إن هذا القرآن من عند محمد صلّى الله عليه وسلّم لا من عند الله تعالى. ولو أنه أنزل على أحد رجلين عظيمين هما عمرو بن هشام (أبو جهل) وعروة بن مسعود الثقفي لآمنا به، لأن محمدا شخص فقير وليس من عظمائهم وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) [الزخرف: 31 - 32]. ثم أخذوا يطعنون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فيقولون عنه شاعر كاهن، ساحر، فقير، وهم يعلمون الفرق بين القرآن والشعر ولهذا رد عليهم بقوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ (41) [الحاقة: 41]. وهذا هو الكفر وستر الحقائق وإخفاؤها، ولأنه للشعر قواعد معروفة فلا تخفى على من يهتم بالشعر. وقالوا عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كاهن وهم يعلمون الفرق بين القرآن وكلام الكهان، ولذا رد عليهم بقوله: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (42) [الحاقة: 42]. ولأن الكاهن ينسى ما يقوله فاستعمل كلمة تذكرون. وقالوا عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه ساحر أتى به فلماذا لم يستعملوا السحر ويأتوا بمثله. وكذلك قالوا عنه مفتر أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) [هود: 13]، فافتروا كما افترى بزعمكم.

والانتقال من النثر إلى الشعر بأقوال البشر يعرف مباشرة، ولكن في القرآن آيات موزونة وفقا لموازين العروض ضمن سياق النصوص ولكن لا يشعر أي قارئ لكتاب الله أنه ينتقل من النثر إلى الشعر أو العكس كقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38) [الأنفال: 38]. فعبارة: (إن ينتهوا يغفر لكم ما قد سلف) وزنها: مستفعلن مستفعلن مستفعلن من بحر الرجز ولكن لا تحس بهذا الانتقال من الشعر إلى النثر لأن القرآن الكريم ليس شعرا ولا نثرا ولا خطابة ولا سحرا ولا كهانة، بل هو نسيج وحده لأنه كلام الله الواحد الأحد لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) [الشورى: 11]. وهذا مثال آخر عن الكلام الموزون في القرآن الكريم، ولكن عند ما يقرأ لا يحس القارئ بالانتقال من النثر إلى الشعر ومن الشعر إلى النثر. قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (47) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) [الحجر: 45 - 52]. فعبارة: (نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم) موزونة كوزن الشعر ولا نحس بالانتقال من النثر إلى الشعر ثم من الشعر إلى النثر. أما افتتاح السور بالحروف المقطّعة، فرجل أمي كمحمد صلّى الله عليه وسلّم يذكر لهم اسم الحرف (ألف- لام- ميم- كاف- ها- يا- عين- صاد) والإنسان الأمي قد ينطق الكلام، وقد ينطق الشعر والنثر ولكنه لا يستطيع أن يأتي بالحروف التي تتكون منها الكلمات. فإذا سألت أميا عن شيء فقلت له: ما

هذا؟، فقال: هذا كتاب. فقلت له: ما أحرف كلمة كتاب؟ لا يستطيع أن يجيبك. هذا هو التحدي بهذه الأحرف. وقد عجزوا سابقا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، والآن يتحداهم القرآن بهذه الأحرف فيقول: هذه الأحرف أمامكم فألّفوا منها قرآنا، فإن عجزتم فاعلموا أنه من عند الله تعالى. ولما كان لكل مقام مقال، فكلام القرآن الكريم موافق لكل المقامات ولكل الأجناس ولكل الحالات في كل زمان ومكان. وهذه بعض الأمثلة عن أعجاز القرآن الكريم في كلماته: قال تعالى في سياق غزوة بدر: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) [الأنفال: 11]. وقال تعالى في سورة آل عمران: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154) [آل عمران: 154]. فقد قال في الأنفال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وقال في آل عمران: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً حيث قدم القرآن الكريم النعاس في الأنفال وفي سياق غزوة بدر لأن المسلمين كانوا خائفين ويتوقعون هجوم المشركين عليهم في كل لحظة وهم في حال تعب شديد، فغشاهم النعاس ليأمنوا من الخوف ويناموا لأن الخائف لا ينام.

أما في آية آل عمران فقد كانت المعركة محتدمة في أحد والمسلمون يقاتلون فأمنهم أولا، وغشاهم النعاس ثانيا حتى كان سيف أحدهم يسقط من يده ولا يشعر. فهنا الخوف موجود فعلا وهنا لك ببدر توقع الهجوم، فالخوف متوقع فهو يداعب أفكارهم. ومنه قوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) [الإسراء: 88]. وقال: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (33) [الرحمن: 33]. ففي الأولى والتحدي بالقرآن قدم الإنس على الجن لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم من الإنس وجاء يتحداهم أولا والجن تبع لهم. أما في سورة الرحمن فقوة الجن أقوى من قوة الإنس وقدرة الجن على الحركة في الكون أقوى وأسرع ولذلك جاء ذكرهم أولا. ومنه قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]. وقال: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35) [محمد: 35]. ففي الآية الأولى أمران غير جائزين منهي عنهما باستمرار ولذلك سبق الأمران بلا الناهية لكل منهما. وأما في الآية الثانية: استعمل لا الناهية بقوله (فلا تهنوا) ولم يستعملها مع (وتدعوا) فلم يقل (ولا تدعوا) لأنه لو قال ذلك لفهم منه أن الدعوة إلى السلم لا تجوز بكل حال مع أن القرآن الكريم أجاز السلم أحيانا ومنعه

أحيانا حسب وضع المسلمين. وقد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) [البقرة: 208]. ومنه قوله تعالى في اليهود: وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 64]. فالعداوة تقع بين اليهود وتتأجج بشدة لأدنى الأسباب أما العداوة بين النصارى فهي ملصقة. فالغراء مادة لاصقة ولذلك العداوة لا تنفك عن النصارى. كما نجد ذلك بالواقع فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 14]. ومنه قوله تعالى: سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ [الأنفال: 12]. وهذا في سياق غزوة بدر لأن المشركين كانوا في العراء بأرض مكشوفة. وقال تعالى في يهود بني النضير وقد كانوا متحصنين في حصون منيعة ولذلك كانوا لا يتوقعون مهما حاصرها المسلمون، ولهذا لم يكونوا خائفين، فقال: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) [الحشر: 2]. لذا قال: وقذف في قلوبهم الرعب، فكأنها طلقات وقنابل تقذف من بعيد ولكنها قنابل خوف تدخل إلى قلوبهم، ولذا استعمل كلمة (قذف) بينما استعمل في بدر (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب). ومنه قوله تعالى في أموال السفهاء: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5) [النساء: 5].

وفي أموال القسمة: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8) [النساء: 8]. لأن (فارزقوهم فيها) أي تاجروا لهم فيها ونموها حتى لا يذهب أصلها. بينما في الآية الأخرى أعطوهم شيئا من الميراث صدقة ولذلك قال: (منه)، وقال في الأولى (وارزقوهم فيها) وهذا هو الفرق. ومن ذلك قوله تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ [هود: 36]. ويقول: فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [يوسف: 69]. فالفعل يكون مقصودا وغير مقصود بدليل قوله تعالى بعدها: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) [هود: 38]. أما كلمة (يعلمون): فالعمل لا يكون إلا مقصودا. فقد ألقوا يوسف في الجب وقالوا عن أخيه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ [يوسف: 77]. ومن ذلك قول الله تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) [النبإ: 4 - 5] فاستعمل حرف السين (سيعلمون) لأنهم في الدنيا فالعلم بذلك قريب. وأما قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) [التكاثر: 1 - 4] وسوف للزمن البعيد لذا استعملها لأن العلم بذلك سيكون بعد الموت لا قبله. الأمثلة السابقة نماذج للعلاقة بين الكلمة والكلمة، وهذا مثال مبسط للعلاقة بين السور.

فلنأخذ على سبيل المثال سورتي الضحى والشرح وهما سورتان متتابعتان بالقرآن الكريم. رقم الأولى (93) ورقم الثانية (94). قال تعالى: وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) [الضحى: 1 - 11]. فقد امتن الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم بثلاث. وثلاث منهن: 1 - الاستقرار النفسي: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) 2 - الاستقرار الفكري: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7). 3 - الاستقرار الاقتصادي: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى (8). وقال تعالى في سورة الشرح: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) [الشرح: 1 - 8]. فقد امتن عليه بثلاث منهن أيضا: 1 - شرح صدره أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1). 2 - وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2). 3 - وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4). وهي تقابل النعم الثلاث المذكورة في سورة الضحى. وهذه النعم الست ليس فوقها أي نعمة أخرى.

13 - الإعجاز البلاغي:

أولا يكفي النبي صلّى الله عليه وسلّم رفعة أن يقرن اسمه مع اسم الله تعالى في الشهادتين: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله). وأن يذكر اسمه مع اسمه في الأذان، وفي الصلاة الإبراهيمية بعد التشهد وهل هنا لك منزلة أعلى من منزلة رجل أمر الله بنص قرآنه بالصلاة عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) [الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 13 - الإعجاز البلاغي: البلاغة هي مطابقة الكلام المقتضى الحال، والكلام البليغ ما كان حسنا في مبناه وحسنا في معناه ومطابقا لمقتضى الحال. ولا يكون الكلام بليغا إلا إذا كان فصيحا ولا يكون الكلام فصيحا إلا إذا خلا: أ- من تنافر الحروف مثل كلمة مستشزرات (مرتفعن). ب- غرابة الكلمة مثل بعاق (سحابة). ج- مخالفة القياس النحوي والصرفي كقولهم: موددة بدلا من مودة. وإذا تتبعنا كلمات وآيات القرآن الكريم نجدها كلها فصيحة بليغة: فهو دقيق اللفظ دقيق المعنى والتعبير ... فلا نجد حرفا زائدا بلا معنى وهذه أمثلة توضح ذلك: 1 - المثال الأول: قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ [الأنعام: 11] ولم يقل على الأرض لأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض تابع لها فهو منها فعند ما نسير على الأرض فنحن ضمن الأرض لأننا داخل الغلاف الجوي بين سطح الأرض والغلاف الجوي.

2 - المثال الثاني:

2 - المثال الثاني: في وصية لقمان لابنه، قوله تعالى: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) ... وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) [لقمان: 17]. لماذا وردت عبارة وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لأن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يقف في وجهه المتسلطون والمتنفذون وهم أصحاب القوة فيؤذوه ويحاربوه. 3 - المثال الثالث: قال تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17]. وقال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) [الشورى: 43]. فالآية الأولى ليس فيها (لام) من كلمة (من) لأنه لا يوجد غريم لهذا الصابر فالأمر قضاء وقدر. بينما الآية الثانية فيها (لام) بقوله (لمن عزم) لوجود الغريم لهذا المصاب فأضيفت اللام لكلمة (من) ويدل على كلمة (وغفر) أي غفر للغريم الذي اعتدى عليه. 4 - المثال الرابع: قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الانعام: 151]. فالإملاق أو الفقر والعوز موجود هنا حقيقة، ولذلك قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فكما رزقناكم نرزقهم. وقال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء: 31]. فقد حرم الله وأد البنات خشية الفقر المتوقع وليس الموجود،

5 - المثال الخامس:

لذلك قال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ أي: بسبب هؤلاء الضعفاء نحن نرزقكم. ففي الآية الأولى: الفقر واقع موجود فعلا. وفي الآية الثانية: الفقر متوقع وغير موجود فعلا ولذلك اختلف التعبير نَرْزُقُكُمْ ونَرْزُقُهُمْ. 5 - المثال الخامس: قال تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) [الإسراء: 36]. وقال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 78]. وقال: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (8) [السجدة: 8]. وإذا تتبعنا آيات القرآن الكريم نجد أن السمع يقدم على البصر، فلماذا؟ لأن السمع يعمل في الليل والنهار في الظلمة والضياء. أما البصر فلا يعمل إلا في النهار أو الضوء. ولذا فالإنسان يسمع ليلا ونهارا ولكنه لا يبصر إلا نهارا، وهذا هو سبب التقديم. 14 - الإعجاز في رسم القرآن الكريم: سيأتي مفصلا في بحث مستقبل إن شاء الله تعالى. 15 - الإعجاز العددي في القرآن الكريم: سيأتي أيضا مفصلا إن شاء الله تعالى ص 91.

معجزة القرآن الكريم مستمرة

معجزة القرآن الكريم مستمرة ففي القرآن الكريم إعجاز لا ينته إليه العقل البشري إلا بعد أن ينشط ويكتشف المستور من حقائق الكون وقد يكون الإعجاز في كلمة منه أو حتى في حرف من حروفه. وللقرآن الكريم عطاء لكل جيل يختلف عن الأجيال المقبلة. فالقرآن متجدد ولا يجمد أبدا. فالعبادات كالصلاة مثلا محددة لا تتغير، فهي خمس مرات باليوم والليلة منذ أن فرضها الله على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم وحتى قيام الساعة فهذه الأحكام التكليفة لا تغيير فيها ولا تبديل. أما الحقائق المتعلقة بحقائق الوجود وقوانينه فهي متجددة حسب ما وصل إليه كل جيل من العلم، وما فهم من قوانين الكون، مثل كروية الأرض والغلاف الجوي وعلم الأجنة وغير ذلك. فالقرآن الكريم هنا يعطي لكل عقل قدر حجمه ويعطي لكل عقل ما يعجبه ويرضيه. فإذا ما كشف الله لنا عن سر جديد في الكون رجعنا إلى الآية الكريمة فنجدها تؤدي هذا المعنى الجديد. أمثلة توضح هذا التجديد في علوم الكون: أ- قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) [المزمل: 9]. ب- وقال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18) [الرحمن: 17 - 18].

وقد فسرها القدماء:

ج- وقال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40) [المعارج: 40]. وقد فسرها القدماء: 1 - رب المشرق والمغرب: أي حجة الشرق والغرب فهي تشرق من الشرق وتغرب من الغرب. 2 - رب المشرقين: مشرق الصيف والشتاء وكذلك المغربين مغرب الصيف والشتاء. 3 - رب المشارق والمغارب: أي كل يوم تشرق من مكان وكذلك كل يوم تغرب في مكان. وبعد تقدم العلم واكتشاف بعض الأسرار الكونية فقد فسرها العلماء على الشكل التالي مع بقاء تفسير العلماء القدماء معمولا به: 1 - رب المشرق والمغرب: في الوقت الذي تشرق فيه الشمس على مكان تغرب عن مكان آخر وبنفس اللحظة. فالجهتان ليستا متقابلتين إحداهما بالشرق والأخرى بالغرب. 2 - رب المشرقين ورب المغربين: الكرة الأرضية مقسّمة إلى نصفين، نصف كرة شمالي ونصف كرة جنوبي. أي نصف كرة مضيء ونصف كرة معتم. فالنصف المضيء له مشرق ومغرب في آن واحد وكذلك نصف الكرة المعتم له مشرق ومغرب في نفس الوقت فهما مشرقان ومغربان في آن واحد. 3 - رب المشارق والمغارب: فإذا نظرنا إلى الكرة الأرضية نجد في كل جزء من الثانية مشرقا تشرق فيه الشمس على مكان ومغربا تغرب فيه الشمس عن مكان آخر فهناك ملايين المشارق والمغارب. وهذه المشارق والمغارب تحدث من دوران الأرض حول نفسها أما من دوران الأرض حول الشمس فتحدث الفصول الأربعة. وهذا يؤكد كروية

تكفل الله بحفظ القرآن الكريم:

الأرض، إذ لو كانت الأرض منبسطة لما كان لها إلا مشرقا واحدا ومغربا واحدا، وحينئذ لا يكون لها مشارق متعددة ولا مغارب. فغطاء القرآن في الأولى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لم يلغ عطاء القرآن في الثانية: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ، ولم يلغ عطاء القرآن في الثالثة: بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ. والتقدم العلمي الذي غيّر كثيرا من المفاهيم عن الكون لم يغير شيئا من كتاب الله تعالى فقد بقي كما هو. ويفيد المعنى الجديد الذي جاء به العلم بل إن العلم ليؤكد هذه الحقائق التي جاء بها هذا الكتاب الكريم. تكفل الله بحفظ القرآن الكريم: ولذلك سخر جميع الناس لحفظه مسلمهم وكافر هم. فهذا القرآن الكريم يطبعه أحيانا من لا يؤمن به كما نجد ذلك في أوروبا وأمريكا واليابان وغيرها. والسر في هذا أن هؤلاء مسخرون بأمر الله للقيام بهذا العمل، حتى المسلم الذي لا يصلى ولا يصوم وحتى الملحد نجد القرآن في بيته أو مكتبه ليتحقق وعد الله بحفظه إذ يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9]. وقد حفظ الله هذا الكتاب الكريم لكل بني البشر بعد أن أصبحت الكرة الأرضية بأسرها كمكان واحد، بعد الانفجار المعرفي والتقدم في وسائل الاتصالات. فما يحدث في مكان بعيد يصل في طرفة عين إلى كل أنحاء الدنيا. والسبب في ذلك واضح وبسيط وهو أن هذا الكتاب دستور الوجود ولا ينقذ الإنسانية التائهة الحائرة الضالة مما هي فيه إلا هذا الكتاب الكريم: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (29) [ص: 29]. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) [الزخرف: 44] أي: عن تبليغه للبشرية جمعاء وعن العمل به.

الاعجاز في رسم القرآن الكريم تعريفه - أنواعه - أسراره

الاعجاز في رسم القرآن الكريم تعريفه- أنواعه- أسراره - تعريفه: الرسم القرآني توقيفي، فقد كتبه كتّاب الوحي بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في صحف، وهو يختلف عن الرسم الإملائي في أمور كثيرة لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى يظهر أثرها في التفسير وفي التلاوة وفي الإعجاز العددي وغير ذلك من الأمور المتجدّدة على مرّ العصور. ولا زال هذا الرسم باقيا في المصاحف حتى يومنا هذا، وحتى قيام الساعة، لأن الله تكفل بحفظ كتابه الكريم بقوله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9]. وفي عهد أبي بكر جمع زيد بن ثابت رضي الله عنه هذه الصحف المتفرقة في مصحف واحد؛ وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت هذه الصحف عند حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأخذها عثمان وكلّف زيد بن ثابت ومعه معاونيه لنسخ هذه الصحف، فكتبوا منها أربعة مصاحف أرسلت إلى: مكة، ودمشق، والعراق، وبقي مصحف عند الخليفة عثمان، وسمّي الرسم الذي كتبت به هذه المصاحف بالرسم العثماني، نسبة إلى الخليفة الراشديّ عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثم أمر الخليفة بحرق ما عداها من الصحف بوجود الصحابة رضوان الله عليهم من غير نكير فكان ذلك إجماعا، وذلك بعد اعادة الصحف المجموعة في عهد أبي بكر رضي الله عنه إلى أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها.

- أنواع الرسم القرآني:

وبعد ذلك وضعت النقط وعلامات الشكل من كسر وضم وفتح وسكون ثم وضعت الأعشار والأحزاب وعلامات الوقوف ... إلى آخره. لكن رسم الكلمة الأساسي الذي كتب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم بقي على حاله كما كان في عهده صلّى الله عليه وسلّم. - أنواع الرسم القرآني: أ- الرسم بالحذف. ب- الرسم بالزيادة. ج- الرسم بإبدال الألف واوا. د- رسم الكلمة بحرفين مختلفين كالتاء المبسوطة أو المربوطة. هـ- رسم نون التوكيد ألفا. أ- الرسم بالحذف: مثاله حرف الألف، حرف الواو، حرف الياء، وحرف النون. - حذف الألف: - أولا: كلمة (كتاب) بمعنى القرآن الكريم أو اللوح المحفوظ، تحذف ألفها لأن القرآن أقرب إلينا في الفهم وأظهر في التنزيل؛ وكل ما جاء في القرآن الكريم من كلمة كتاب أو الكتاب مكتوب بغير ألف إلّا في أربعة مواضع فيها ألف وهي: أ- لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ [الرعد: 38] بمعنى: الأجل والوقت. وفي الآية التي بعدها توجد كلمة كتاب أيضا بمعنى: اللوح المحفوظ، ولذلك كتبت الثانية بدون ألف، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا

رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (38) يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (39) [الرعد: 38 - 39]. ب- وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [الحجر: 4] أي: أجل للإهلاك. ج- وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف: 27]. فإن هذا أخص من الكتاب فهو معلوم لأنه مضاف إلى كلمة ربك فلم تحذف ألفه حيث إنه واضح الدلالة بمعنى القرآن. د- طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [النمل: 1]. فهنا الكتاب جاء تابعا للقرآن الكريم فهو واضح المعنى لأن معنى الكتاب هنا هو القرآن الكريم. - ثانيا: تحذف الألف من جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم إلا إذا جاء بعدها حرف مشدد أو همزة مع استثناء بعض الكلمات لأسباب تعرف في مواضعها من كل آية، مثال كلمة: الضالين في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) [الفاتحة: 6 - 7]. وأيضا: السائلين في قوله تعالى: ... وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ ... [البقرة: 177]. وأمثلة حذف الألف في قوله تعالى:

- حذف الواو:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب: 35]. كلمة الصائمين (¬1): جاءت على خلاف القاعدة لا تباع الكلمات التي قبلها والتي بعدها بالحذف. - ثالثا: كلمة (القرآن) مكتوبة في القرآن الكريم بالألف إلا في موضعين فقد حذفت منها الألف، والموضعان هما: أ- إنّا أنزلناه قرءنا عربيّا لّعلّكم تعقلون [يوسف: 2]. ب- إنّا جعلناه قرءنا عربيّا لّعلّكم تعقلون [الزخرف: 3]. والتعليل أنه مسبوق بالضمير وهو الهاء في: (أنزلناه) و (جعلناه) والضمير في الموضعين ضمير الكتاب وهو القرآن الكريم. - حذف الواو: مثالها الأفعال الأربعة التالية: أ- سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: 18]. لأن مجىء ملائكة العذاب وهم الزبانية بسرعة غير معهودة في الدنيا. ب- وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [الشورى: 24]. لأن هذا المحو غير معهود وهو سريع جدا. ج- وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء: 11]. ¬

_ (¬1) كما في رواية قالون على ما اختاره الحافظ أبو عمرو والدّاني.

لأنه يسارع إليه وهو دعاء معاكس لطبيعة البشر. د- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ [القمر: 6]. لسرعة الدعاء وسرعة الإجابة. كما حذفت ياء (الداع) أي: الداعي لأنه غير معروف وغير معهود وهو إسرافيل عليه السلام. إذن: فقد حذفت الواو من هذه الأفعال الأربعة لتبين سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود. - حذف الياء: كما في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً [الكهف: 24]. فهنا الهداية «يهدين» معنوية وهي بعكس قوله: وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ [القصص: 22]. والتي فيها الهداية محسوسة لأن موسى يطلبها عند توجهه إلى مدين. - حذف الياء أيضا من كلمة: (تسألني) في قوله تعالى: قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود: 46]. لأن علم هذا السؤال غيب بدليل قوله تعالى: ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وذلك بخلاف قوله عزّ وجلّ: قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف: 70]. فلم تحذف الياء من كلمة تَسْئَلْنِي لأنه سؤال عن حوادث تجري في الدنيا وهي ظاهرة غير خفية.

- حذف النون:

- حذف النون: تنبيها على صغر الشيء وحقارته وأنه ينشأ ويزيد إلى ما لا يعلم بذلك إلا الله. - قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (37) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (39) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40) [القيامة: 36 - 40]. - حذفت النون من كلمة «يكن» فأصبحت (يك) لأن الإنسان كان نطفة لا ترى بالعين المجردة فأصبح رجلا أو امرأة كامل الخلق والتكوين. - وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [سورة النساء: 40]. - وقال تعالى: قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر: 50]. فقد جاءت الرسل من أقرب شيء في البيان الذي هو الحس إلى العقل إلى الذكر، ورقوهم من رتبة الجهل إلى أرفع رتبة ودرجة في العلم. - وقال تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [غافر: 85]. انتفى عن إيمانهم مبدأ الانتفاع أقله وأكثره فانتفى أصله. ب- الرسم بالزيادة: 1 - زيادة الألف في كلمة (لأاذبحنّه) في قصة سليمان والهدهد، مع أن كلمة (لأعذّبنّه) قبلها مشابهة لها بالكتابة ولم توجد فيها الألف، قال تعالى: لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأاذبحنّه أو ليأتينّى بسلطان مّبين [النمل: 21].

فقد زيدت الألف لبيان أن الذبح أشد وأصعب على الطير من أيّ عذاب. 2 - كما زيدت الألف في كلمتي (تايئسوا) و (يايئس) في قوله تعالى: يا بنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من رّوح الله إنّه لا يايئس من رّوح الله إلّا القوم الكافرون [يوسف: 87]. لأن اليأس والإياس أشدّ من الصبر وانتظار الفرج. 3 - زيدت الألف بكلمة (وجاى) في قوله تعالى: وجاى يومئذ بجهنّم يومئذ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى [الفجر: 23]. وذلك لأنّ مجيء جهنّم غير معهود في الدّنيا وغير معروف عند النّاس، وفي الحديث الشريف عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يؤتى بجهنّم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»، رواه مسلم. 4 - زيدت الواو بكلمة (سأوريكم) في قوله تعالى: سأوريكم دار الفاسقين [الأعراف: 145]. لأن هذه الرؤية ظاهرة في الوجود، وآثار الأمم التي أهلكها الله بيّنة وفيها تهديد شديد لأولئك الذين كذّبوا موسى ولم يؤمنوا به. 5 - زيدت الياء بكلمة (بأييد) في قوله تعالى: والسّماء بنيناها بأييد وإنّا لموسعون (47) والأرض فرشنها فنعم المهدون (48) [الذاريات: 47 - 48]. للتفريق بين الأيدي التي هي من جوارح الإنسان، وبين اليد بمعنى: القوة القوية الامتناعية. 6 - زيدت الياء بكلمة (بأيّيكم) في قوله تعالى: ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربّك بمجنون (2) وإنّ لك لأجرا غير ممنون (3) وإنّك

ج - الرسم بإبدال الألف واوا:

لعلى خلق عظيم (4) فستبصر ويبصرون (5) بأيّيكم المفتون (6) [القلم: 1 - 6]. كتبت بزيادة ياء تخصيصا للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالصفة الكاملة لحصول ذلك فإنهم هم المفتونون وليس الرسول صلّى الله عليه وسلّم. ج- الرسم بإبدال الألف واوا: رسمه في ثماني كلمات في القرآن الكريم هي: الصلاة- الزكوة- الحيوة- الربوا- بالغدوة- كمشكوة- والنجوة- ومنوة. فالأربع كلمات الأولى هي أم الأصول في العبادات والمعاملات: - الصلاة: أصل العبادات البدنية. - الزكاة: أصل العبادات المالية. - الحياة: أصل الوجود. - الربا: أصل المعاملات المالية الباطلة. أما الأربع الثانية فهي القواعد والثوابت إن لم نقل الأركان المنتهجة لتلك الأصول: - فالغداة: قاعدة الأزمان. - والمشكاة: قاعدة الهداية والأنوار. - والنجاة: قاعدة الطاعات. - ومناة: قاعدة الضلال والأوثان. ولذلك عبدها المشركون فكانت عندهم مناة الأولى والثانية والثالثة لقوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) [النجم: 19 - 20].

د - رسم الكلمة بحرفين مختلفين:

وكتابة هذه الكلمات بهذا الشكل يدل على تعظيم هذه الأصول والقواعد وتفخيمها إيجابا، أو سلبا بتحقيرها. ملاحظة: يوجد كلمة «ربا» واحدة في القرآن الكريم لم تكتب بالواو وذلك في قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]. لأن الآية مكية ولم يكن قد نزل بعد تحريم الربا، والمقصود بالربا هنا: الهدية التي يهديها الإنسان لآخر وهو يرجو أن يكافئه عليها بأكثر منها. وأما كلمة «زكاة» فكتبت على الأصل بالواو مع أن الزكاة فرضت بعد الهجرة، لأن الزكاة هنا بمعنى: الصدقة، وهي تكون لله تعالى خالصة. قال ابن عباس: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً يريد هدية الرجل الشيء، يرجو أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه (¬1). [اه] د- رسم الكلمة بحرفين مختلفين: التاء المربوطة والمبسوطة، ومثال كتابة التاء في كلمة «امرأة» مرة بالتاء المربوطة هكذا: «امرأة»، وأخرى بالتاء المبسوطة هكذا: «امرأت» كقوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) [التحريم: 10 - 11]. ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي- الجزء (7) - صفحة 5118

هـ - رسم نون التوكيد ألفا:

فإذا كانت المرأة زوجة معينة لرجل معين معروف كتبت بالتاء المبسوطة كما في الآية السابقة. وإذا لم تكن زوجة له كتبت بالتاء المربوطة وذلك كما في قوله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [النساء: 128]. فهي امرأة أيّ رجل كان، وليست زوجة معينة لرجل معين. وكذلك كتبت كلمة «امرأت» بالتاء المبسوطة في قوله تعالى: ... قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحقّ أنا راودته عن نفسه وإنّه لمن الصادقين [يوسف: 51]. فزليخا هي زوجة عزيز مصر فكتبت تاء مبسوطة. هـ- رسم نون التوكيد ألفا: أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا في موضعين هما: - الأول: في قوله تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق: 15]- والثاني: في قوله تعالى: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32]. وذلك ليوقف على هاتين الكلمتين «لنسعفن- وليكونن» بالألف ليوافق ذلك القراءة المنقولة بالتواتر عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم. - الأسرار الخاصة بالقرآن الكريم دون سائر الكتب السماوية: أولا: الرسم القرآني موافق للتفسير: لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى كما في الأمثلة السابقة مثل: (بأييد- وجيء).

ثانيا: الرسم القرآني يوافق القراءة المنقولة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

ثانيا: الرسم القرآني يوافق القراءة المنقولة عن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: وذلك كما في رسم: (لنسفعا- وليكونا) للوقوف على هاتين الكلمتين بالألف. ثالثا: الرسم القرآني توقيفي: ومن المتحمسين لهذا الرأي ابن المبارك الذي نقل في كتابه «الإبريز» عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال له: «ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها، لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز! وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في «مائة» دون «فئة»؟ وإلى سر زيادة الياء في «بأييد» و «بأييكم»؟ أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الألف في «سعوا» بالحج، ونقصها من «سعو» بسبإ؟ وإلى سر زيادتها في «عتوا» حيث كان نقصها من «عتو» في الفرقان؟ وإلى سر زيادتها في «آمنوا» وإسقاطها من «باؤ- جاؤ- تبوؤ- فاؤ» بالبقرة؟ وإلى سر زيادتها في «يعفوا الذي»، ونقصانها من «يعفو عنهم» في النساء؟ أم كيف تبلغ العقول إلى وجه حذف بعض أحرف من كلمات متشابهة دون بعض، كحذف الألف من «قرءنا» بيوسف والزخرف، وإثباتها في سائر المواضع؟ وإثبات الألف بعد واو «سموات» في فصلت وحذفها من غيرها؟

وإثبات الألف في «الميعاد» مطلقا، وحذفها من المواضع الذي في الأنفال؟ وإثبات الألف في «سراجا» حيث وقع، وحذفه من موضع الفرقان؟ وكيف تتوصل إلى حذف بعض التاءات وربطها في بعض؟ فكل ذلك أسرار إلهية، وأغراض نبوية. وإنما خفيت على الناس لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني، بمنزلة الألفاظ والحروف المقطعة في أوائل السور، فإن لها أسرارا عظيمة، ومعاني كثيرة، وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها ولا يدركون شيئا من المعاني الإلهية التي أشير إليها!. فكذلك أمر الرسم الذي في القرآن حرفا بحرف (¬1). [اه] ¬

_ (¬1) مباحث في علوم القرآن- صبحي الصالح- (276 - 277)

كتابة القرآن الكريم بغير الرسم القرآني

كتابة القرآن الكريم بغير الرسم القرآني كما مرّ فإن رسم القرآن الكريم توقيفي كتب بين يديّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجمع في عهد أبي بكر وتم استنساخ المصاحف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما بوجود الصحابة رضوان الله عليهم من غير نكير فكان إجماعا. وقد أفتى الإمام أحمد رضي الله عنه بعدم جواز كتابة القرآن الكريم بالرسم الإملائي كما أفتى الإمام مالك بذلك، ولكنه أباح تعليمه للتلاميذ بالرسم الإملائي للتسهيل عليهم. ولقد ظهرت دعوات لكتابة القرآن بالرسم الإملائي بتغيير الرسم القرآني الذي يسمونه بالرسم الاصطلاحي بحجة أن الناس، وخاصة في أيامنا هذه، لا يستطيعون قراءة القرآن بهذا الرسم نظرا لفتور الهمم وإلغاء الكتاتيب ... حتى لقد تجرأ بعضهم فقال: إن الصحابة الذين كتبوا القرآن الكريم لم يكونوا يحسنون الإملاء، وإنهم لم يراعوا القواعد الإملائية والصوتية عند كتابته. - الرد على هؤلاء: - أولا: لقد تمكن دعاة فصل الدين عن الدولة من إبعاد تحكيم القرآن الكريم في المجتمعات الإسلامية تحت اسم: «العلمانية» والعلم، كما سموا الربا المحرم: «فائدة» لكي لا تطبق عليه آيات التحريم الواردة في القرآن الكريم فيفهمها الذين يقرءونها.

- ثانيا: هؤلاء يقولون: الناس اليوم لا يتمكّنون من قراءة القرآن الكريم بالرسم القرآني ويخطئون بذلك، ويردّ عليهم كيف تمكّن الناس قديما من قراءة القرآن بشكل صحيح مع أن الجهل كما يقولون كان منتشرا وكانت الأمية متفشية على نطاق واسع؟؟، لذا فإنهم يريدون القضاء على إعجاز القرآن كما عطلوا العمل بأحكامه بين الناس. - ثالثا: لقد حلّ العلماء هذه المشكلة بأساليب مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر: مصحف الشروق المفسر الميسر الصادر بالجماهيرية الليبية إذ كتبت الكلمات بالرسم الإملائي بالهامش أسفل الصفحة وبقي الرسم القرآني على حاله. كما أن علماء الرسم والضّبط وضعوا الاصطلاحات المناسبة للقراءة فمثلا كلمة الصلاة التي تكتب بالقرآن الكريم هكذا: (الصلاة) ومثلها كلمة كمشكوة وضع فوق الواو ألفا صغيرة، والقاعدة في ذلك أن تقرأ الحرف الصغير الأعلى ولا تلفظ الحرف الكبير الأسفل فتقرأ الألف ولا تلفظ الواو، في هاتين الكلمتين وأمثالهما. ومثل ذلك: إذا رسم سكون دائري (0) فوق أيّ حرف من أحرف العلة الثلاثة لا تقرأ هذه الأحرف مثل: «بأييد- وجايء- سأوريكم»، فتقرأ هكذا: «بأيد- وجيء- سأريكم». ومن المعلوم أن الكتابة في كل لغات العالم لها قواعد وأصول يتعلمها الناس بالتدريب والممارسة لأن العلم بالتعليم والحلم بالتحلم. لنأخذ مثلا كلمتي: «كاتبو- وكتبوا» فقد وضعوا للثانية ألفا بموجب قواعد الإملاء ولم تقرأ الألف، ولم نضع ألفا للأولى. - رابعا: لو أخذنا الآية الكريمة في سورة النمل بشأن قول سليمان بالنسبة لغياب الهدهد لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأأذبحنّه أو ليأتينّى بسلطان مّبين [النمل: 21].

فقد زيدت الألف بكلمة (لأأذبحنّه) ولم تزد بكلمة: («لأعذبنه») مع أنهما متماثلتان وكاتبهما قطعا نفس الكاتب، وأيّ منصف يقول إن الكاتب لا يخطئ هنا، ولكن هنا لك سر استنبطه العلماء بعد ذلك ويمكن أن يأتي آخرون فيستنبطوا ما لم يعرفه من سبقهم. - خامسا: ورد في أول سورة البقرة الم، وفي أول سورة الشرح أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وللتفريق بينهما بالقراءة السليمة: والسكتة بمقدار حركتين للألف الأولى والشكل بالثانية وهذا واضح. - سادسا: هذه الدعوة لكتابة القرآن الكريم بالرسم الإملائي- قد تجاهلت عظمته حيث إنه كان ولم يزل دستور الأمة الإسلامية والعربية لغة ومنهاجا إلى يوم الدين- لها هدف بعيد هو القضاء على العروبة والإسلام بنشرها للهجات العامية المحلية التي دعا إليها كثيرون من الذين لا يريدون الخير لهذه الأمة ففشلوا بدعوتهم بفضل الحفظ الإلهي للقرآن الكريم بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] وللرعاية الإلهية معا التي شخصت بعلماء الرسم والضبط والتفسير، والحفظة له غيبا وكذلك الذين يتلونه حق تلاوته ويتدارسونه لا يجمعهم ديوان لكثرتهم، وهم منتشرون في كل أنحاء العالم وعددهم بازدياد مستمر، ونور القرآن الكريم يزداد انتشارا في كل أصقاع المعمورة. وهكذا ظل القرآن محروسا بحفظ الله تعالى؛ وسيظل وعده عزّ وجلّ بهذا الحفظ تحديا قائما لكل جاحد. فجزى الله هؤلاء عن الأمة الإسلامية خير الجزاء.

الإعجاز العددي في القرآن الكريم

الإعجاز العددي في القرآن الكريم أولا: ورود الأعداد في القرآن الكريم: من المعلوم أن الأعداد إما أن تكون مفردة من 1 - 10، أو مركبة من 11 - 19. أو ألفاظ عقود: عشرون- ثلاثون .. إلى .. تسعون. أو مئات أو ألوفا، أو أن تكون كسورا مثل: نصف- ثلث- ربع- إلخ، وجميع ما ذكر أعلاه وارد في القرآن الكريم. أما ألفاظ المليون وما زاد عنه فلا توجد في القرآن الكريم لأنها ألفاظ غير عربية، ولم يكن يعرفها العرب، فإذا أرادوا أن يقولوا مليونا فيقولون: ألف ألف، وخمسة ملايين يقولون عنها: خمسة آلاف ألف ... وهكذا. أ- الأعداد المفردة من 1 - 10: وردت كل هذه الأعداد في كتاب الله تعالى مثل: قوله تعالى: وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل: 51]. - سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف: 22]. - وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل: 48]. - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ

ب - الأعداد المركبة من 11 - 19:

فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ... [المائدة: 89]. ب- الأعداد المركبة من 11 - 19: ورد منها ألفاظ الأعداد التالية كقوله تعالى: إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: 4]. - وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [البقرة: 60]. - وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30) [المدثر: 27 - 30]. ج- ألفاظ العقود من 20 - 90: وردت جميعها في كتاب الله سبحانه، ومن الأمثلة على ذلك: - لفظ (20) ورد في قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65]. - لفظ (30) و (40) ورد في قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف: 15]. - لفظ (50) ورد في قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ [العنكبوت: 14].

د - المئات والألوف:

- لفظ (60) ورد في قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ [المجادلة: 4]. - لفظ (70) ورد في قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [التوبة: 80]. - لفظ (80) ورد في قوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور: 4]. - لفظ (90) ورد في قوله تعالى: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: 23]. د- المئات والألوف: - لفظ (100) كما في قوله تعالى: .. فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ .. [البقرة: 259]. - لفظ (200) كما في قوله تعالى: ... إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ... [الأنفال: 65]. - لفظ (300) كما في قوله تعالى: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف: 25]. - ووردت ألفاظ المئات والألوف في آيات أخرى كسبع مائة وثلاثة آلاف وخمسة آلاف وخمسين ألفا كقوله تعالى: ... إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ... [الأنفال: 65].

هـ - الكسور:

وكقوله تعالى: ... وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 66]. وكقوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) [آل عمران: 124 - 125]. وكقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4]. وكقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة: 243]. هـ- الكسور: ورد منها: نصف، ثلث، ربع، خمس، سدس، ثمن، عشر، ثلثان، وأكثر هذه الكسور موجودة في آيات المواريث في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا

تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11 - 12]. أما الخمس: فورد في قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال: 41]. - ولفظ العشر: ورد في قوله تعالى تحت اسم المعشار: وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ [سبأ: 45]. ثانيا: بعض الأحكام المستنتجة من الأعداد: أهم ما نستنتجه من هذا الباب هو ليلة القدر التي أمرنا رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم أن نتحرّاها بالعشر الأواخر من رمضان بقوله: «ابتغوها في العشر الأواخر ... » وبروايته: «التمسوها في السّبع الأواخر ... » أخرجه الامام أحمد والنسائي 1 - قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) [القدر: 1 - 5]. أ- عدد كلمات هذه السورة ثلاثون كلمة بعدد أيام الشهر القمري الكامل. أشار القرآن بكلمة (هى) إلى ليلة القدر، ورقم الكلمة في السورة هو سبع وعشرون لذا قال بعض العلماء (¬1): إن ليلة القدر ليلة السابع والعشرين من رمضان. يلاحظ تكرار لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثلاث مرات في السورة وعبارة: لَيْلَةِ ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير ص 2054 مجلد واحد

الْقَدْرِ مؤلفة من تسعة أحرف، أيّ: سبعة وعشرين حرفا فليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين. ب- عدد الحروف بداية سورة الدخان تأكيد عدديّ على أن ليلة القدر هي في السابع والعشرين من رمضان خاصة أن القرآن يفسر بعضه بإجماع العلماء. قال تعالى: حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) [الدخان: 1 - 3] فحرف الياء من كلمة: (فى) هو السابع والعشرون عددا، و: لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ تفسيرية مؤكدة حسابيا. 2 - عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاث وستون سنة مستنبط من آخر آية في سورة «المنافقون» لأن الرقم التسلسلي لهذه السورة في القرآن كما وصل إلينا هو: ثلاث وستون وآخر آية فيها وذلك لهذه السورة من قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المنافقون: 11]. فإنها رأس ثلاث وستين وأن الأجل قد وقع سورة وآخر آية فيها، وبعدها سورة التغابن، فقد غبن الناس بفقده صلّى الله عليه وسلّم لانقطاع الوحي من السماء. 4 - استنبط بعض العلماء أن عدد أبواب الجنة ثمانية من قول الله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر: 73]. بينما قال في الآية التي قبلها «فتحت» أبوابها بدون واو: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزمر: 71].

لأن قريشا التي نزل القرآن الكريم بلغتها العربية الفصحة كانوا إذا عدّوا قالوا: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة وثمانية. فإذا وصلوا إلى رقم ثمانية أضافوا حرف الواو ومثلها قوله تعالى في سورة الكهف: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف: 22]. كما توجد «واو الثمانية» في قول الله سبحانه وتعالى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التحريم: 5]. وفي قوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112].

السبع المثاني

السبع المثاني ورد في القاموس المحيط- المثاني: القرآن أو ما ثني مرة بعد مرة، أو الحمد، أو البقرة إلى براءة، أو كل سورة دون الطّول ودون المائتين (¬1) وفوق المفصّل أو سورة الحج والنمل والقصص والعنكبوت ... إلى آخره. 1 - وتسمى فاتحة الكتاب مثاني لأنها تثنى في كل ركعة، ويسمّى جميع القرآن مثاني لاقتران آية الرحمة بآية العذاب. ومعنى ثنى الشيء: ردّ بعضه على بعض. 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. 2 - قال ابن عباس: هي السبع الطّول: البقرة، آل عمران، النساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال معا. وسميت مثاني لأن العبر والأحكام والحدود تثنى فيها. 3 - المثاني: القرآن كله كما جاء في قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر: 23]. ¬

_ (¬1) كذا في النسخ، والصواب: دون المئين. روي ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم عن ابن مسعود وعثمان وابن عباس رضي الله عنهم قال: والمفصّل يلي المثاني، والمثاني ما دون المئين. وقال ابن بري: كأن المئين جعلت مبادي والتي تليها مثاني. تاج العروس مارة «ث ن ى» دار الفكر- بيروت

فالأنباء والقصص ثنيت فيه. 4 - تسمية الفاتحة بالمثاني لا يمنع من تسمية غيرها بذلك (¬1): قال بعضهم: الواو مقحمة في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87] ويصبح المعنى سبعا من المثانى القرآن العظيم. 5 - أحسن الحديث هو القرآن الكريم: فعن سعد بن أبي وقاص قال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لو حدّثتنا فأنزل الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر: 23]. فقالوا: لو قصصت علينا، فنزل: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ [يوسف: 3]. فقالوا: لو ذكّرتنا فنزل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ [الحديد: 16]. 6 - السر في كلمة الْمَثانِي النورانية والأحرف المقطعة حسابيا: تكررت كلمة الْمَثانِي مرّتين في القرآن الكريم، ويرى البعض أن المثاني هي الأحرف المقطعة في بداية السور مثل: الم وحم وغيرها، وعددها أربعة عشر حرفا مجموعة في قولهم: «نص حكيم له سر قاطع». وعلى هذا تصبح الحروف الهجائية ثمانية وعشرين حرفا للتكرار المذكور وهي أحرف اللغة العربية التي يتألف منها هذا القرآن، ويتحدى الإنس والجن على أن يأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين. - وحسب الفهم السابق من أن المثاني هي كل القرآن العظيم أو بعضه ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي صفحة (1763)

فهي تمثل الحروف المقطعة في أوائل السور. 7 - ما تضمنته سورة الحجر من خصائص وأسرار: استخلصت سورة الحجر فيما بينها وبين السور القرآنية بتناسق الدرر ولما جاء فيها من المصابيح النورانية والشمولية وصلا مع ما قبلها في سورة إبراهيم، وما بعدها في سورة النحل بداية ونهاية ومضمونا، كما أنها حاضنة للمعجزة الكبرى قاطبة بسرها العددي وأسرارها الإلهية. قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]. أ- أما السر العددي في الإعجاز فهو الأربعة عشر حرفا: - الآية المعجزة «هي السبع المثاني» لأنها جاءت في فواتح السور بدون تكرار على عدد الحروف المقطعة في القرآن: أربعة عشر. - تناسق بدايتها مع بداية الجزء الرابع عشر في المصحف. - ترتيبها في نزول الوحي بين السور المعجزة الرابع عشر. - ترتيبها في المصحف أن ما جاء قبلها من السور أربع عشرة سورة قرآنية. ب- ما تضمنته هذه السورة من شموليات أيضا أربعة عشر: فالله سبحانه وتعالى عالم بالجزئيات وبالكليات، وعالم بالماضي والحاضر والمستقبل، وبالباطن والظاهر، أو السر المخفي والمعلن المجاهر به، وبالغائب عن مسامعنا وأبصارنا والشاهد الحاضر. - بدء الخلق- بيان حكمة خلق الموجودات- دلائل التوحيد

- إثبات صدق الوحي- وصف القرآن- الوعد بحفظ القرآن- بعض مظاهر قدرة الله تعالى- بعض من قصص الأنبياء- الحياة والموت- ما بعد الموت- القيامة- تسليته تعالى للرسول صلّى الله عليه وسلّم- أفضال الله على الرسول صلّى الله عليه وسلّم- إشارة على وجود الظلام في الفضاء الخارجي ج- الأسرار الإلهية الخاصة بالسورة: - خصت سورة الحجر بالتشريف دون باقي السور القرآنية أن عدد آياتها جاء بالإجماع بعدد أسماء وصفات الباري عزّ وجلّ تسع وتسعون آية. - كما خصت بالتعظيم أن عدد السور القرآنية التي جاءت بعدها في ترتيب المصحف الشريف أيضا تسع وتسعون سورة. أنظر إلى الآية الأربعة عشر: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ [الحجر: 14]، والسر في إعجاز القرآن جاءت أكبر عدد حروف في كلمة واحد إحدى عشر حرفا فَأَسْقَيْناكُمُوهُ [الحجر: 22].

نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف

نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف 1 - روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف». زاد مسلم قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي لا يكون إلا واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام. 2 - القراءات السبعة غير الأحرف السبعة: لأن الأحرف السبعة متقدمة على القراءات السبع فقد نزلت الحروف المقطعة على النبي الأمي بالوحي الجلي بالتلقين. أما القراءات فنقلت بالتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. والقرّاء السبعة وجدوا بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم سنة 11 هـ بفترة كبيرة، وهم حسب تاريخ الوفاة لكلّ منهم: (1) ابن عامر: عام 118 هـ (2) ابن كثير: عام 120 هـ (3) عاصم: عام 128 هـ (4) أبو عمرو البصري: عام 154 هـ (5) حمزة عام: 156 هـ (6) نافع: عام 169 هـ (7) الكسائي: عام 189 هـ 3 - الأحرف السبعة غير اللغات السبع: لأن أحدا لم يستطع أن يجزم

بمعنى الأحرف السبعة ولم يفسرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل بقيت غير معلومة كما خفيت ليلة القدر ليجتهد الناس بالعبادة، كذلك خفيت معاني هذه الأحرف ليجتهد الناس في دراسة هذا الكتاب الكريم على مرّ العصور، ففي كل جيل من الأجيال تظهر معجزات عديدة في هذا الكتاب لا يعرفها من سبقهم. هذا وقد جاء صاحب الإتقان ليوصلها إلى خمسة وثلاثين وجها ولكل وجه سبعة أقسام. 4 - مذهب العلماء في معنى نزول القرآن على سبعة أحرف: المذهب الذي يختاره أكثر العلماء هو مذهب الإمام الرازي، مع أن الإمام الرازي لم يجزم بمعاني هذه الحروف. معنى نزول القرآن على سبعة أحرف نقلا عن مذهب الإمام الرازي: أ- الاختلاف في وجوه الإعراب مثل: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة: 282]، وقرئت: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ حيث في الأولى: يضارّ لأن (لا) ناهية، وفي الثانية: يضارّ لأن (لا) نافية. ب- اختلاف الحروف مثل: «يعلمون» و «تعلمون» باختلاف النقط. ج- اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث مثل: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ [المؤمنون: 8] فقد قرئت بالإفراد والجمع «أمانتهم وأماناتهم». د- الاختلاف بإبدال كلمة بكلمة: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة: 29] فقد قرئت «وطلع منضود» بالعين ومخرج الحرفين واحد. ملاحظة: قراءة ابن مسعود والسّارق والسّارقة فاقطعوا- أيمانهما

بدلا من- أيديهما [المائدة: 83] هي: قراءة شاذة، وردت من طريق الآحاد فقط لا يعمل بها. هـ- الاختلاف بالتقديم والتأخير: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ... [التوبة: 111]. أما قراءة: «وجاءت سكرة الحق بالموت» فشاذة أيضا لأنها من طريق أحادي وذلك بدلا من قوله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19]. والاختلاف بشيء يسير من الزيادة أو النقصان جريا على عادة العرب في حذف أحرف الجر والعطف تارة وإثباتها أخرى كقوله تعالى: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100]. فقد قرئت: من تحتها وهما قراءتان متواترتان فزيادتها أي: «من» وافقت رسم المصحف المكي، أي: ابن كثير وأهل مكة، وحذفها وافق غيره، أيّ: الباقون وهي كذلك في مصاحفهم. - أما قراءة: والذكر والأنثى بدلا من قوله تعالى: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الليل: 3] فهي شاذة من طريق أحادي. ز- اختلاف اللهجات بالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل وحروف المضارعة وقلب بعض الحروف وإشباع ميم الذكور وإشمام بعض الحركات مثل: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى [الليل: 3] قرئت بإمالة: (أتاك وموسى) [طه: 9]. وقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: 1] قرئت بترك الهمزة ونقل

حركتها من أول الكلمة الثانية (أفلح) إلى آخر الكلمة الأولى «قد» لتصبح قَدْ أَفْلَحَ. وقوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح: 6]. 5 - القصد من نزول القرآن على سبعة أحرف: هو التيسير على الأمة المحمّدية. - ورد في كتاب مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح ما يلي: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم للبيان والإعجاز، والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف أو كيفيتها من تخفيف أو تثقيل أو غيرهما فإذا صح أنه عليه السلام وسع على المسلمين في أول الأمر وراعى التخفيف على العجوز والشيخ الكبير، وأذن لكل منهم أن يقرأ على حرفه- أي: طريقته في اللغة- لما يجده من المشقة في النطق بغير لغته فليس معنى هذا أنه كان يأذن لهم بإثبات هذه القراءات وكتابتها على أنها حروف نزل عليها القرآن؛ وإذن فما كانت توسعته عليه السلام في هذا من القراءة إلا تخفيفا على بعض الأفراد في حالات خاصة، وأما ما أذن فيه من هذه الحالات بإثباته، وأقرّ كتبة الوحي عليه فهو محفوظ بطريق التواتر في أحرف قليلة معدودة يرفض ما عداها ولو جاء من طريق صحيح أحادي لأن التواتر شرط في إثبات القرآنية. فتعميم هذه الحالات الفردية على جميع الأحرف السبعة كأنها ضرب من القراءة بالمعنى، لا يمكن أن يقتصر عليه في فهم الحديث اه. - يرى بعضهم أن الحروف السبعة هي السور المبدوءة بأحرف: حم وعددها سبع سور ولذلك عدت حم: آية، وعسق: آية ثانية في سورة الشورى وهذه خمسة أحرف، بينما عدت خمسة أحرف: كهيعص كلها آية واحدة في سورة مريم.

كما يرى هؤلاء أن الأحرف السبعة هي السبع المثاني التي شرحت في ثنايا هذا البحث سابقا. ومن هذه المثاني أحرف التهجي الأربعة عشر وهي مجموعة بقولنا: «نص حكيم له سر قاطع» فقد ثنّيت سبعة الأحرف مرتين وقد ذكر ذلك سابقا. - ولتمام الفائدة هذا بيان لأول من فسر على سبعة أحرف نذكر منهم: أولا: أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى 224 هـ في كتابه غريب الحديث حيث قال: المراد سبع من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه هذا لم نسمع به قط، ولكن نقول: هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه نزل بلغة قريش، وبعضه نزل بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة ثم قال: وما يبين ذلك قول ابن مسعود رضي الله عنه: «إني سمعت القرّاء فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علّمتم»، وقد وافق أبا عبيد في هذا القول كل من: - أحمد بن يحيى ثعلب توفي 291 هـ. - عبد الحق بن غالب المشهور بابن عطية المتوفى 546 هـ. - وتعقّب بعض العلماء هذا الرأي بأن لغات العرب أكثر من سبع لغات وأجيب على ذلك بأن المراد أفصحها. ثانيا: أبو شامة توفي 665 هـ: قال بعد أن نقل في كتابه (¬1) الآراء المتعددة التي وردت في هذه القضية الهامة: ¬

_ (¬1) المرشد الوجيز الى علوم تتلق بالكتاب العزيز

وهذه الطرق المذكورة في بيان وجوه السبعة الأحرف في هذه القراءات المشهورة كلها ضعيفة، إذ لا دليل على تعيين ما عينه كل واحد منهم، ومن الممكن تعيين ما لم يعينوا، ثم لم يحصل حصر جميع القراءات فيما ذكروه من الضوابط، فما الدليل على ما ذكروه مما دخل في ضابطهم من جملة الأحرف السبعة دون ما لم يدخل في ضابطهم؟ وكان أولى من جميع ذلك لو حملت على سبعة أوجه من الأصول المطردة مثل: 1 - صلة ميم الجمع، وهاء الضمير، وعدم ذلك. 2 - الإدغام، والإظهار. 3 - المدّ، والقصر. 4 - تحقيق الهمز، وتخفيفه. 5 - الإمالة، وتركها. 6 - الوقف بالسكون، وبالإشارة إلى الحركة. 7 - فتح الياءات، وإسكانها، وإثباتها، وحذفها (¬1) [اه]. تعقيب (¬2): هذا الرأي من الآراء المبتكرة حيث لم يسبقه أحد لرد القول به فيما أعلم، إلّا أنه لم يف بالغرض المطلوب. ثالثا: محمد بن الجزري ت 833 هـ: بعد أن نقل في كتابه- النشر في القراءات العشر- العديد من الآراء التي وردت في بيان المراد من الحديث ¬

_ (¬1) المرجع السابق (¬2) تعقيب د. محمد سالم محسن في كتابه القرارات وأثرها في علوم العربية ص 29 مكتبة الكليات الازهرية

الشريف قال: ولا زلت أستشكل هذا الحديث وأفكر فيه وأمعن النظر من نيّف وثلاثين سنة، حتى فتح الله عليّ بما يمكن أن يكون صوابا إن شاء الله، وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها، وشاذها، وضعيفها، ومنكرها، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة الأحرف من الاختلاف لا يخرج عنها: الأول: أن يكون الاختلاف في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو (يحسب) بفتح السين وكسرها. الثاني: أن يكون بتغيير في المعنى فقط دون تغيير في الصورة نحو فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة: 37]. الثالث: أن يكون في الحروف مع التغيير في المعنى لا الصورة نحو: (تبلوا- تتلوا). الرابع: أن يكون في الحروف مع التغيير في الصورة لا المعنى نحو: (الصّراط- السراط). الخامس: أن يكون في الحروف والصورة نحو: (يأتل- يتأل). السادس: أن يكون في التقديم والتأخير: نحو (وقاتلوا- وقتلوا). السابع: أن يكون في الزيادة والنقصان: نحو: (وأوصى- ووصى). فهذه الأوجه السبعة لا يخرج الخلاف عنها. [اه] تعقيب: مما لا شك فيه أن قول ابن الجزري هذا لا يعتبر قولا مبتكرا كما يفهم من كلامه حيث سبقه بعض العلماء بما هو قريب منه (¬1). ومما قاله: إن السبب في تعدد القراءات إرادة التخفيف والتيسير على الأمة لاختلاف لغاتها وتباين لهجاتها. ¬

_ (¬1) المرجع السابق.

إذا فكل تفسير لبيان المراد من الأحرف السبعة يعتبر معقولا ومقبولا إذا كان متمشيا مع ما سبق تقريره من بيان السبب في تعدد القراءات، وكل تفسير يخرج عن هذا الإطار العام ينبغي ردّه وعدم قبوله وإعادة النظر فيه (¬1). ومن قوله أيضا (1): ولست أدّعي أنّ ما أقوله هو كل هذه الأسباب بل هو بعضها والمجال لا يزال مفتوحا أمام كل مفكر وكل ذي عقل سليم (¬3). ومن قوله في فوائد تعدد القراءات: إن الوقوف على فوائد تعدد القراءات أمر اجتهادي ولست أدّعي أن ما سأذكر هو كل الفوائد، ولكن يكفي أنني فتحت الباب أمام كل باحث لعله يأتي بجديد (¬4). ونحن إذ نشكر د. محمد سالم بن محيسن الذي استفدنا منه، جزاه الله عنا خير الجزاء، حيث إنه أطلعنا على ما كتبه العلماء الذين سبقوه في مؤلفاتهم عن تفسير سبعة أحرف ورأيه في أولئك المؤلفين تحليلا وتعليقا، نقول وبتوفيق من الله: إن الجديد الذي فتح (ابن محيسن) عليه الباب في كتابه هو ظهور كتاب المعجزة الكبرى في القرآن للمؤلف؛ وهو من مدينة مصراتة- زاوية المحجوب- ليبيا، وهو يبحث عن الحروف المعجزة الكبرى في القرآن وهي السبع المثاني في القرآن بالدليل والبرهان، وذلك بعد أن خاض العلماء كثيرا في الحديث عن تفسير سبعة الأحرف التي نزل عليها هذا القرآن، وأخذ كل واحد منهم يدلي بدلوه في تفسير هذه الأحرف السبعة، فمنهم من فسرها على أنها سبع لهجات، ومنهم من فسرها على أنها سبع لغات حيث اختار لها سبع قبائل فقط من دون القبائل العربية الأخرى وما ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬3) المرجع السابق. (¬4) المرجع السابق.

أكثرها حتى لا يخرج عن الأحرف السبعة، ومنهم من فسرها على أنها سبع قراءات بعد القرن الثالث الهجري واختار لها سبعة قراء فقط ممن وجدوا في القرن الثاني الهجري وذلك حتى لا يخالف الأحرف السبعة، ومن هنا فنحن نسأل: ما علاقة هذه السبعة الأحرف الأولى المعجزات، التي نزل عليها القرآن من عند الرحمن من فوق سبع سماوات، بكل هذه التفسيرات والآراء من قريب أو بعيد؟؟ لذلك كان لا بدّ من رد واضح وصريح عن كل هذه التفسيرات والآراء، يقوم على الدليل القطعي والبرهان، وليس على الاجتهاد بكل أشكاله، لأنه لا اجتهاد مع النص، ومن هنا كان من الضروري أن يظهر هذا الكتاب المتواضع والقائم على الحجة والدليل والبرهان ومخاطبة عقل الإنسان في الوقت المناسب الذي يبين حقيقة الأحرف السبعة لئلا تبقى هذه الأمة رهينة الظن والاجتهاد، ورغم وجود الحقيقة بين أيديها من واقع كتاب الله الواحد وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم الواحدة، حيث قال الله سبحانه: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]. وكذلك فإن ما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحديثين الشريفين حيث قال عليه الصّلاة والسّلام: «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه». وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أقرأني جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف»، صدق رسول الله فيما قال. وقال الحق سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82]. وقال سبحانه وتعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].

فواتح السور القرآنية وحروف التهجي النورانية

فواتح السور القرآنية وحروف التهجّي النورانية أسباب فواتح مجموع السور في القرآن الكريم مدرجة كما يلي: - 14 سورة: افتتحت بالثناء على الله، منها خمس سور افتتحت ب: (الحمد لله)، وسورتان ب: (تبرك)، وسبع ب: (التسابيح) - 29 سورة: افتتحت بحروف التهجي، أو الحروف النورانية، أو الحروف المقطعة بعدد الأحرف الهجائية بعد إضافة الألف المدية للأحرف الثمانية والعشرين. - 10 سور: بالنداء- 23 سورة: بالجمل الخبرية- 15 سورة: بالقسم- 6 سور: بالشرط- 7 سور: بالأمر، خمس سور بكلمة: (قل)، وسورة بكلمة: اقْرَأْ. - 6 سور: بالاستفهام هَلْ أَتى - هَلْ أَتاكَ- عَمَّ- أَلَمْ نَشْرَحْ أَلَمْ تَرَ- أَرَأَيْتَ. - 3 سور: بالعذاب والتهديد وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. - 1 سورة واحدة بالتعليل لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.

فيصبح المجموع: [114] سورة وهي عدد سور القرآن الكريم. ملاحظة: إن كلمة (قل) (¬1) التي وردت في القرآن الكريم بهذا الكمّ العددي، أي: [332] مرة، لم ترد على أيّ من الانبياء والرسل منذ آدم الى عيسى عليهم السّلام فهي خصوصية بالنبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، ويسّر القرآن على لسانه هو كما جاء في سورة مريم: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم: 97]. ¬

_ (¬1) سنصدر إن شاء الله قريبا كتابا مفصلا بعنوان «من وحي اقرأ وقل» واشرطة مسجلة بالنطق السليم لهذه الحروف المقطعة.

المعجزة الكبرى حروف التهجي النورانية المقطعة

المعجزة الكبرى حروف التهجي النورانية المقطعة تعريفها- معانيها- أسرارها الإعجازية أ- تعريفها: في عددها وتوزيعها 1 - عدد أحرف المعجزة الكبرى هو أربعة عشر حرفا بعد حذف المكرر والمجموعة في الجملة «نص حكيم له سر قاطع»، مفصلة كما يلي: - الحرفان الأولان هما: «أ- ح» من التسعة احرف الأولى الهجائية: «ا- ب- ت- ث- ج- ح- خ- د- ذ-» - الخمسة الوسطية: «ر- س- ص- ط- ع» من العشرة أحرف الهجائية التي بعدها: «ر- ز- س- ش- ص- ض- ط- ظ- ع- غ-» - والسبعة الأخيرة: «ق- ك- ل- م- ن- هـ- ي-» وذلك من الأحرف التسعة المتبقية: «ف- ق- ك- ل- م- ن- هـ- وي-». 2 - عدد هذه الحروف النورانية المقطعة يساوي نصف عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين من غير الألف فهو من حروف المعجزة الكبرى. 3 - فيها نصف حروف الهمس العشرة المجموعة بقولنا: «فحثه شخص سكت» وهي: «ح- هـ- ص- س- ك» - وفيها نصف حروف الجهر، وحروف الجهر ما بقي بعد حروف الهمس لأنهما صفتان متضادتان وعددها ثمانية عشر حرفا ونصفها تسعة

أحرف موجودة في أوائل السور وهي: «أ- ط- ي- ل- م- ن- ع- ق-- ر». - فيها نصف حروف الشدة: «أجد قط بكت» ففيها أربعة منها هي: «أ- ك- ق- ط». - وفيها نصف حروف الرخاوة، وحروف الرخاوة ما بقي بعد حروف الشدة وعددها عشرون حرفا ففيها عشرة أحرف منها هي «ح- م- س- ع- ل- ي- ن- ص- ر- هـ». - حروف الإطباق أربعة هي: «ص- ض- ط- ظ» ونصفها من الحروف النورانية: «ص- ط». - عكس الإطباق: الانفتاح، أحرفه أربعة وعشرون حرفا بعد حذف حروف الإطباق، ونصفها اثنا عشر حرفا من الحروف النورانية وهي: «ح- ر- س- ع- ق- ك- ل- ن- هـ- ي- أ- م». - حروف الحلق ستة هي: «أ- هـ- ع- ح- غ- خ». ونصفها نورانية هي: «هـ- ح- ع». - والأحرف غير الحلقية اثنان وعشرون حرفا نصفها نورانية وهي: «ن- ق- ص- ل- م- ي- س- ك- ط- ر- أ». وبالاستقراء يمكننا استنتاج الكثير من أسرار هذه الحروف النورانية فهي من أسرار هذا القرآن الكريم. ب- معانيها: لم يستطع أحد من العلماء الجزم بمعاني هذه الحروف ولذلك قيل فيها الكثير، من ضمنها بعض المعاني الجديدة التي لم تكن معروفة قبل ذلك ومن هذه المعاني القديمة والحديثة ما يلي:

- أولا: هذه الحروف للتحدي والإعجاز فلقد خاطب القرآن الكريم العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة وتحداهم في نفيس بضاعتهم التي أقاموا لها الأسواق الأدبية كسوق عكاظ وغيره، وعلّقوا أشعارهم على جدار الكعبة تحت اسم المعلّقات، فكأنه يتحداهم بأن هذا القرآن يتألف من هذه الأحرف التي تتكلمون بها فإن كنتم لا تصدقون أنه من عند الله فأتوا بكتاب مثله، أو بحديث مثله، أو بسورة مثله، فإن عجزتم فاعلموا أنه من عند الله القوي القاهر، وليس من عند محمد النبي الأمي صلّى الله عليه وسلّم وهو بشر مثلكم، وكثير من الآيات في القرآن الكريم ما تشير إلى ذلك منها: - قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) [البقرة: 24]- قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]. - قال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [هود: 13]- قال تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور: 34]- ثانيا: قال بعض العلماء هي اسم من أسماء الله تعالى يفتتح بها السور، فكل حرف منها دلّ على اسم من أسمائه، وصفة من صفاته، فالألف مفتاح اسم: (الله)، واللام مفتاح اسمه: (اللطيف) والميم مفتاح اسمه: (المجيد). - ثالثا: هي سرّ الله في القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر، فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه، ولا يجوز أن نتكلم فيها ولكن نؤمن

بها ونقرأ كما جاءت (¬1). - رابعا: للتنبيه وجذب القلوب قال قطرب: - كان المشركون ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا: الم والمص استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له صلّى الله عليه وسلّم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم. - خامسا: قال بعضهم: «هي السبع المثاني» على اعتبار أن القرآن الكريم هو السبع المثاني كله، أو بعضه وهي من هذا البعض، فنصفها وهي أحرف «ك- م- ن- ق- ص- س- ل» تمدّ مدا زائدا لازما بمقدار ست حركات. والأحرف الباقية وهي سبعة أيضا «ا- ح- ي- ط- هـ- ر- ع» منها ستة تمد بمقدار حركتين فأما الألف بسكتة لطيفة بمقدار حركتين فهو سر المعجزة، كما قرأ أبو جعفر: الم وسائر حروف التهجي من أوائل السور بسكتة يسيرة يفصل بعضها عن بعض وسواء كانت على حرف واحد أو أكثر من ذلك، والباقون لا يسكتون في ذلك ولا يفصلون والله الموفق. ملاحظة: أ- افتتحت سورة الشورى بالأحرف حم (1) عسق (2) وعددها بالرسم القرآني خمسة أحرف، كما افتتحت سورة مريم بالأحرف كهيعص وعددها خمسة أحرف أيضا. وقد عدّت أحرف سورة الشورى آيتان بينما عدت أحرف مريم آية واحدة لحكمة لا يعلمها إلا الله، وإذا عددنا أحرف سورة الشورى نطقا ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي- صفحة (133).

وجدناها أربعة عشر حرفا، بينما نطق أحرف سورة مريم يساوي ثلاثة عشر حرفا، ولعل في سورة الشورى إشارة إلى السبع المثاني وهو ما طابق حسابنا أن الأحرف الأربعة عشر في فواتح السور: «هي السبع المثاني» وهذا هو السرّ العظيم. ب- هذا وإن الحروف المقطعة في فواتح السور هي حروف معاني خاصة وليست حروف مباني، والفرق بين الأمي والمتعلم هو أن الأمي ينطق مسمّى الحرف والمتعلم ينطق باسم الحرف وصوته، فكيف لنبي أمي ينطق باسم الحرف وصوته وهو لم يتعلم من البشر حرفا واحدا لا قراءة ولا كتابة؟. أقول وبالله التوفيق: هذا هو إعجاز القرآن الكريم المطلق، حيث إن هذه الحروف بالذّات مقطعة لها رسم خاص بها موصولة ونطق خاص بها مقطعة باسم الحرف. ج- كل القرآن الكريم مبني على الوصل في آخر كل آية وسورة، أما الحروف المقطعة فهي مبنيّة على الوقف بالسكون لكل حرف من هذه الحروف المقطعة. - سادسا: لم ترد كل هذه الأحرف المقطعة مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن (¬1)، منها ما جاء على حرف واحد مثل: ص، وحرفين مثل: حم، وثلاثة أحرف مثل: الم، وأربعة أحرف مثل: المص، وخمسة أحرف مثل: كهيعص لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف واحد، وعلى حرفين، وعلى ثلاثة، وعلى أربعة، وعلى خمسة، ولا أكثر من ذلك. ¬

_ (¬1) والتكرار في القرآن لا يسمّى تكرارا إنما هو تأسيس لمعنى جديد.

- سابعا: نقلا عن الإمام ابن كثير، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف المقطعة فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة: 1 - 2] الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [آل عمران: 1 - 2] المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف: 1 - 2] الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ [السجدة: 1 - 2] حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) [فصلت: 1 - 2]، وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر. [اه]- فواتح السور المبتدئة بالأحرف المقطعة التسعة والعشرين هي: 1 - الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) [البقرة: 1 - 2]. 2 - الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ [آل عمران: 1 - 4]. 3 - المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) [الأعراف: 1 - 2]. 4 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1] 5 - الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]. 6 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 1 - 2]. 7 - المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [الرعد: 1].

8 - الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم: 1]. 9 - الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر: 1]. 10 - طه (1) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) [طه: 1 - 2]. 11 - طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) [الشعراء: 1 - 2]. 12 - طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [النمل: 1]. 13 - طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) [القصص: 1 - 2]. 14 - الم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (2) [لقمان: 1 - 2]. 15 - الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) [السجدة: 1 - 2]. 16 - يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) [يس: 1 - 2]. 17 - ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص: 1] 18 - حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) [غافر: 1 - 2]. 19 - حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) [فصلت: 1 - 3]. 20 - حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ (3) [الشورى: 1 - 3]. 21 - حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً (3) [الزخرف: 1 - 3]. 22 - حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي (3) [الدخان: 1 - 3]. 23 - حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) [الجاثية: 1 - 2].

24 - حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) [الأحقاف: 1 - 2]. 25 - ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1]. 26 - كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) [مريم: 1 - 2]. 27 - الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا (2) [العنكبوت: 1 - 2]. 28 - الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) [الروم: 1 - 2]. 29 - ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [القلم: 1]. فالنصوص القرآنية السابقة: من «1 الى 19» ومن «21 - 25» تشير إلى القرآن الكريم صراحة. أما النصوص الخمسة الباقية: فتخبر بأشياء غيبيّة كما جاء في سورتي: - مريم: من ذكر قصة زكريا ويحيى عليهما السلام. - وسورة الروم: انتصار الروم وهم أهل كتاب على الفرس الوثنيين في بضع سنين. - وسورة العنكبوت فتطلب من الذين آمنوا بهذا القرآن وبالنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصبروا على الأذى. - أما سورة القلم فتبين أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان «خلقه القرآن». فهذه النصوص الخمسة فيها إشارة إلى القرآن الكريم بأسلوب خفيّ كما هو الإعجاز في سورة الشورى، رقم 20 من هذا التسلسل التي تحتوي على أربعة عشر حرفا عند النطق بها دون باقي السور المعجزة. - ثامنا: هذه الأحرف المقطعة سر من أسرار الله تعالى ولا يستطيع

الجزم بمعانيها أحد، وكذلك الأحرف السبعة الأولى والثانية التي نزل عليها القرآن كما جاء في الحديثين الصحيحين لم يستطع أحد أيضا أن يجزم بمعانيها ولذلك يمكن الربط بينها. - تاسعا: هذه الأحرف أزلية في رأي كثير من العلماء لأنها من كلام الله الأزلي القديم، وإن الاعتقاد بأزلية هذه قد أحاطها بجو من التورع عن تفسيرها والتخوف من إبداء رأي صريح فيها، فهي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله كما قال فيها الشعبي: «سرّ هذا القرآن». وفي هذا المعنى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: «إن لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي». وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «في كل كتاب سر، وسر القرآن في فواتح أوائل أوائل السور». ونقل أهل الأثر عن ابن مسعود والخلفاء الرّاشدين رضي الله عنهم: «أن هذه الحروف علم مستور وسر محجوب استأثر الله به». حتى الّذين خاضوا في معنى هذه الفواتح لم يدلوا فيها برأي قاطع، بل شرحوا وجهة نظرهم فيها مفوضين تأويلها الحقيقي إلى الله. وأزلية هذه الأحرف ما انفكت- على سائر الأقوال- تحيطها بالسرية، وسريتها تحيطها بالتفسيرات الباطنية، وتفسيراتها الباطنية تخلع عليها ثوبا من الغموض لا داعي له، ولا معول عليه، وأدخل تلك الآراء في معنى الغموض قول من عدّ هذه الحروف على كرامة شخص أو شيعة معينة. فها هو ذا السهيلي يقول: لعل عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر للإشارة إلى بقاء هذه الأمة.

وها هو ذا الحويبي يروي أن بعض الأئمة استخرج من قوله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) أن بيت المقدس يفتحه المسلمون في سنة ثلاث وثمانين وخمس مائة، ووقع كما قال. ويروي العز بن عبد السلام أن عليا رضي الله عنه استخرج واقعة معاوية من: حم (1) عسق (2). ورأي بعض الشيعة في مجموعة هذه الفواتح إذا حذف المكرر فيها ما يفيد أن «صراط علي حق نمسكه» فيرد عليهم بعض السنّيين الظرفاء بخطاب مستنبط من الفواتح نفسها بحروفها ذاتها غير المكررة «صح طريقك مع السنّة» (¬1) كما توجد تفسيرات كثيرة لمعاني الحروف النورانية ولم يستطع أحد الجزم بمعانيها فهي سر من أسرار الله تعالى. ج- أسرارها الإعجازية: إن سرّ حروف المعجزة لفواتح السور يكمن بالرسم العددي في المستفتح به وحيا بالنزول ليكون رمزا للإعجاز رغم تكرار البعض منها لأن رسمها شيء والنطق بها شيء آخر ليكون رمزا للإعجاز الذي فتح الله علينا بمعرفة حقيقته بالبراهين. - فرسم الحرف الواحد منها جاء في ثلاث صور هي: ق- ص- ن فالنطق بكل حرف منها يتكون من ثلاثة أحرف- أي: «قاف- صاد- نون» - رسم الحرفين جاء في عشر سور ولكن سورة طه انفردت بنطق خاص عن باقي السور لأن النطق بكل حرف منهما اثنان فيصير مجموعة أربعة أحرف لذا جاء انفرد خصوصيتها استفتاحا نور على نور بل إعجاز ما ¬

_ (¬1) مباحث في علوم القرآن- الدكتور صبحي الصالح صفحة 237.

بعده إعجاز، أمام أخواتها من السور المستفتحة من حرفين رسما لأنها تنطق بخمسة أحرف وهي: - «حم»، أي: حا- ميم. - «طس»، أي: طا- سين. - «يس»، أي: يا- سين. لذا نثبت أن حم فقط وردت في القرآن الكريم: ست مرات وطس: مرة واحدة ويس: مرة واحدة وعليه يصبح المجموع العددي لرسم الحرفين: ثمانية- رسم الثلاثة الأحرف: سبعة، الر: استفتح بها خمس سور قرآنية، وطسم: استفتح بها سورتين: - الأولى: تنطق بثمانية أحرف، أي: «الف- لام- را». - الثانية: أيضا تنطق بثمانية أحرف، أي: «طا- سين- ميم». - أما الم: في ست سور لأنها توافق الرسم الثلاثي بحروفها فهي الإعجاز الذي يحمل في طياته جلّ الأسرار العددية رسما كما وردت استفتاحا في ست سور ولأن الألف بسكتة واللام وردا ثلاث عشرة مرة في فواتح السور القرآنية معا. فرسمها: الم ونطق الألف بسكتة مستقلة بحركتين، واللام نمدها بست حركات، والميم أيضا «الف- لام- ميم»، أي من تسعة أحرف.

- رسم أربعة الأحرف: اثنان، توجد سورتان في القرآن الكريم يفتتح بهما المر و: المص. - فرسم الأولى: المر ونطقها بأحد عشر حرفا، أي: «الف- لام- ميم- را». - ورسم الثانية: المص فنطقها اثنا عشر حرفا، أي الألف بسكتة مقدار حركتين: «الف- لام- ميم- صاد». وهنا يمكن السر الأعظم في الإعجاز لورود كل منهما مرة واحدة. - رسم خمسة الأحرف: اثنان، الأولى: في سورة مريم: كهيعص آية واحدة، أما الثانية: في سورة الشورى حم (1) عسق (2) فنطق سورة مريم: «كاف- ها- يا- عين- صاد» هو ثلاثة عشر حرفا. ونطق سورة الشورى: «حا- ميم- عين- سين- قاف» هذا هو سر الإعجاز وهو بأربعة عشر حرفا. وبكل ما تقدم نرجو من الله أن نكون ممن وفينا حق الأسرار وحقيقة هذه الحروف المعجزة الكبرى بالأدلة القاطعة على أن عدد حروف اللغة العربية الفصحى هو تسعة وعشرون حرفا كما هو الرسم القرآني التوقيفي عن رب العزة، لا ثمانية وعشرون كما يتعلم بها دون إدراك سرها في الإعجاز معنى وتدريسا. وللتوضيح: فالسبعة أحرف الأولى في فواتح السور القرآنية التي استجمعتها كلمة: «سنقص لكم»، أي: «ك- م- س- ل- ن- ق- ص» قد أجمع العلماء على مدّها ست حركات هذه الأحرف السبعة الأولى.

- سبعة الأحرف الثانية التي استجمعتها كلمة: «حي عا طهر» أي: «ح- ي- ع- ا- ط- هـ- ر». فمنهم من عدّها خمسة؛ وهؤلاء أجمعوا عى مدّ الخمسة منها حركتين مدا طبيعيا بدون حرفي «أ- ع» للأسباب التالية: - حرف العين مختلف في مدّه، فمنهم من قال: يمدّ حركتان ومنهم من قال: يمدّ أربع حركات لأنها حسبت من مدّ حروف اللين والشاطبي (¬1) في نظمه قال: ومدّ له عند الفواتح مشبعا ... وفي عين الوجهان (¬2) والطّول فضّلا - أما حرف الألف فهو مقصور بلا خلاف، أي: ما كان على ثلاثة أحرف وليس فيه حرف مدّ ولين (¬3). فهو السر لهذا الحرف الألف بالذات لأنه له نطق خاص بسكتة لطيفة باسم الحرف. وعليه فإن سبعة الأحرف الأولى عند هؤلاء قد أصبحت ثمانية أحرف بإضافتهم لها حرف العين كما جاء في كتبهم نصا وروحا؛ بل متنا وشرحا لاستجماعها بقولهم: «عسل كم نقص» أي: «ع- س- ل- ك- م- ن- ق- ص» وسبعة الأحرف الثانية قد أصبحت عندهم خمسة أحرف بإسقاطهم حرفي الألف والعين كما تقدم والمجموعة بكلمة «حيّ طهر» أي: «ح- ي- ط- هـ- ر». فالصواب عندنا: حرف العين أولى سورتي مريم والشورى هو الإعجاز ¬

_ (¬1) متن الشاطبية ص 29. (¬2) اي: من حروف الفواتح في كهيعص إشارة الى اشباع المدّ وهو المراد بالطول، والى عدم الاشباع وهو التوسط، ثم قال: والطول فضّلا، يعني: الاشباع أفضل من التوسط، وهذا الوجهان بجميع القراء [اهـ الشاطبية ص 60]. (¬3) المرجع السابق.

الذي نحن بصدده، وكما بينّا في سبعة الأحرف الثانية أنه يمدّ حركتين فقط. وأما حرف الألف فهو أول حرف من حروف هذا الإعجاز كما جاء في أول سورة البقرة، لأن النطق به: سكتة ساكنة بمقدار حركتين بدون تنفس، وممن سبقنا في نطقه بهذه الصورة هو أحد القراء العشر، أبو جعفر يزيد بن القعقاع المتوفى عام 130 هـ (¬1)، الذي أخذ عن عبد الله بن عياش وأبي هريرة وعن أبي ابن كعب رضي الله عنهم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما وأن العلامة الشيخ محمد متولي شعراوي رحمه الله قد نطق به في تفسيره لفواتح السور القرآنية، والحجة عندنا بالدليل والبرهان عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا أقول لكم- الم- حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» صدق رسول الله فيما قال عليه الصلاة والسلام. فهذا هو النطق الصحيح لهذا الحرف بالذات لأنه من حروف المعجزة الكبرى. وعليه لا بدّ من أن نستمد حساباتنا من هذه الحروف المعجزة التي حدّدت المدّ لكل منها كما تقدم: - فحرف الألف الوارد بفواتح السور ثلاث عشرة مرة: ينطق بالسكون بسكتة لطيفة بمقدار حركتين باسم الحرف. - أما حرف العين في سورتي مريم والشورى: يمدّ حركتين فقط لأنه ليس من حروف السبعة معجزة التي تمد ست حركات فهي سبعة فقط. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في طبقات القراء ج 2/ 382، ومعرفة القراء جزء 1/ 58 وتقريب النشر صفحة 70.

معدودات كلمة سبع ومشتقاتها في القرآن الكريم

معدودات كلمة سبع ومشتقاتها في القرآن الكريم: ويلاحظ أن كلمة سبع معرفة ومنكّرة ومذكرة ومؤنثة، وردت أربعا وعشرين مرة هي: - ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة: 29]- كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة: 261]- وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ [يوسف: 43]- يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ [يوسف: 43]- وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ [يوسف: 43]- يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ [يوسف: 46]- يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ [يوسف: 46]- وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ [يوسف: 46]- قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً [يوسف: 47]- ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ [يوسف: 48]- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [الإسراء: 44] المقصود بالأرض سبع أرضين. - وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ [المؤمنون: 17]- قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [المؤمنون: 86]

- فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت: 12]- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: 12]. فهنا أيضا سبع أرضين. - الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً [الملك: 3]- سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة: 7]- أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً [نوح: 15]- وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]- وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً [النبأ: 12]- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196]- لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: 44]- وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22]- وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان: 27]- ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: 32]- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا [الأعراف: 7]- إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: 80] أما مشتقاتها فهي سبعون: مرة واحدة، وسبعين: مرتان، أيّ: 1 - قال تعالى: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة: 32] 2 - قال تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا [الأعراف: 155] 3 - قال تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: (80)] فأصبح مجموع سبع ومشتقاتها: سبعا وعشرين مرة.

والأرضين السبع: مرتين. فالمجموع الكامل هو تسع وعشرون مرة بعدد فواتح السور المبدوءة بالحروف المقطعة، وإثباتا في الإعجاز بعدد حروف اللغة العربية الفصحة والله أعلم. - لقد وردت سبع مرات آيات الاستواء على العرش في القرآن الكريم كله: 1 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى [الأعراف: 54] 2 - إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [يونس: 3] 3 - اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد: 2] 4 - تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (4) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) [طه: 4 - 5] 5 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الفرقان: 59] 6 - اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة: 4] 7 - هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: 4] كما وأن كثيرا من الآيات ما يستفاد بها تبحرا، ففي سورة المؤمنين مثلا جلّ المراحل التي نحن بصددها على أهمية الأطوار التي يتكون فيها الإنسان بالقدرة الإلهية وعظمتها.

قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (14) [المؤمنون: 12 - 14] لقد أجمع العلماء على تحديد مراحلها بالسبع مع ما هو متعارف عليه من مشتقات كلّ من: الطين- النطفة- القرار المكين- العلقة- المضغة- العظام واللحم- الروح. أسرار وحكمة كلمة (سبع): السر في هذا العدد أنه جاء في القرآن- وفي الجماد وفي النبات- وفي الحيوان وفي الطيور والحشرات لقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام: 38]- سبع: مراحل خلق وتكوين الإنسان- سبع: في السجود، أي: على سبعة أعضاء- سبع: في الطواف، في الزيارة والعمرة والحج- سبع: في السعي، في الزيارة والعمرة والحج والسر في الحديث النبوي الشريف: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» حكمته فيما توصل إليه الإنسان علميا: - سبع فقرات: موجودة بأصغر رقبة عند العصفور- سبع فقرات: موجودة بأطول رقبة عند الزرافة- سبع فقرات: موجودة في رقبة الإنسان كما جاءت حكمته تعالى بالطّيف منذ القدم «قوس قزح» أن ألوانه هي أيضا سبعة.

علم المبهمات في القرآن الكريم والحكمة منه

علم المبهمات في القرآن الكريم والحكمة منه 1 - فقد يبهم المعنى أو الاسم في موضع ليوضح في موضع آخر كقوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] وتوضيحه بقوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69]. 2 - وقد يبهم الاسم لاشتهاره كقوله تعالى لآدم: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة: 35]، والمقصود بزوجك: حواء، فلم تذكر لاشتهارها. 3 - وقد يبهم للسّتر عليه وهذا من أدب القرآن الكريم كقوله تعالى: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [البقرة: 108]، والمراد: رافع بن حريملة ووهب بن زيد. 4 - ألا يكون في تعيينه كبير فائدة كقوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة: 259] أي: في ذكر اسمه سواء أكان هو العزيز أم غيره. 5 - التنبيه على التعميم وهو غير خاص بخلاف ما لو عين (¬1) كقوله تعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء: 100]. قال عكرمة: أقمت أربع عشرة سنة أسأل عنه حتى عرفته، هو ضمرة بن العيص، وكان من المستضعفين ¬

_ (¬1) البرهان في علوم القرآن- الزركشي صفحة 159

بمكة، وكان مريضا فلما نزلت آية الهجرة خرج منها فمات بالتنعيم «موضع بمكة») [اه] 6 - تعظيمه بالوصف الكامل دون الاسم: قال تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]. فقد نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف ألا ينفع مسطح ابن أثاثه بنافعة أبدا بعد ما قال في عائشة ما قاله في حديث الإفك. 7 - تحقيره بالوصف الناقص: قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [الحجرات: 6]. والمراد: الوليد بن عقبة بن أبي معيط.

سبب التصريح باسم مريم وزيد بن حارثة رضي الله عنه في القرآن الكريم

سبب التصريح باسم مريم وزيد بن حارثة رضي الله عنه في القرآن الكريم لماذا ذكر اسم مريم صراحة في القرآن الكريم ولم يذكر اسم من النساء غيرها؟ ولماذا ذكر اسم زيد من المسلمين ولم يذكر اسم غيره صراحة؟ أ- إذا تتبعنا آيات القرآن الكريم فلا نجد فيه اسم أيّ امرأة بشكل صريح إلا امرأة واحدة هي مريم أم عيسى عليه السلام، فقد ورد ذكر اسمها صراحة أربعا وثلاثين مرة بزيادة مرة عن عمر عيسى عليه السلام قبل رفعه إلى السماء. والسبب في ذلك أن ملوك العرب والأمراء حسب لغتهم لم يكونوا يذكرون اسم الحرائر من النساء والزوجات صراحة بل كانوا يذكرون اسم الإماء من غير الحرائر، فجاء القرآن الكريم بلغتهم ليبيّن أن مريم هي أمة من عبيد الله وليست إلهة كما يزعم البعض، كما أنها ليست زوجة لله تعالى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة: 17]. ب- ذكر القرآن الكريم اسم زيد بن حارثة رضي الله عنه صراحة في قوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا

قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: 37]. لأن عادة التّبنّي كانت متأصّلة في نفوس العرب، وقد تبنّى النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا فكانوا يسمونه زيدا بن محمد صلّى الله عليه وسلّم. كما كانت العادة عندهم التبنّي بالادّعاء فيقول الرجل منهم أمام الناس: اشهدوا أن فلانا ابني يرثني وأرثه، وهو ليس من صلبه، فأبطل الإسلام هذه العادة بنص القرآن الكريم وبفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي تزوج زينب زوجة زيد، وذكر اسمه صراحة ليكون ذلك شاهدا على إبطال التبنّي على مرّ العصور والأزمان وفي كل الأمصار والأصقاع. قال تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: 4].

هل ورد في القرآن الكريم كلمات غير عربية

هل ورد في القرآن الكريم كلمات غير عربية؟ أ- نزل القرآن بلغة العرب فلا تجوز قراءته بغير العربية لقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]. - وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: 44]. ب- لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب وأن فيه أسماء أعلاما لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل، وجبريل، وعمران، ونوح، ولوط (¬1). ج- وللعلماء رأيان في ذلك: الرأي الأول: يقول بوجود كلمات غير عربية في القرآن الكريم ويوصلها بعضهم إلى مائة وخمس كلمات منها: الأبّ- الأرائك- الإستبرق- الإصر- ابلعي- الأسباط- الأسفار- الأكواب ... إلى آخره (¬2)، وهذه الكلمات برأيهم لا تخرج القرآن عن كونه عربيا صريحا. ويردّ عليهم بما يلي: من قال هذه الكلمات غير عربية لا دليل له على أن العربية أتت من لغة أخرى فلماذا لا يكون العكس؟ أيّ: إن تلك اللغات أتت من العربية فهي أم اللغات. ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي- الجزء الأول صفحة (59). (¬2) انظر الجدول المرفق

وهل يخاطب الله العرب بما لا يفهمون والقرآن الكريم نزل بلغتهم؟ - فإن قيل: ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه، قلنا: ومن سلّم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها (¬1) [اه] واللغة سبقت الأوزان لأن الأوزان والقواعد وضعت بعد اللغة لا قبلها. - الرأي الثاني: يقول إن كل ما ورد في القرآن من كلام فهو عربي إلا أسماء الأعلام فقد وردت بلغات أقوامهم وهذا عام في كل لغات العالم. د- مذهب أبي عبيد القاسم بن سلّام في وجود أو عدم وجود كلمات غير عربية في القرآن الكريم: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، إلا أنها سقطت إلى العرب فعرّبتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال إنها عربية فهو صادق، ومن قال أعجمية فصادق (¬2) [اه]. هـ- هذا جدول ببيان الكلمات غير العربية الواردة في القرآن الكريم حسب رأي الفريق الأول ومعانيها؛ ويلاحظ أن هذه الكلمات يمكن إرجاعها إلى أصولها وهذا يدل على أنها عربية فكلمة: «حكيم» من الحكمة، وكلمة: «كوّرت» تكويرا من الكور ... إلخ. ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي- الجزء الأول صفحة (60) (¬2) المرجع السابق

الكلمة/ معناها/ لغتها الكلمة/ معناها/ لغتها الأب/ الحشيش/ مغربية ابلعي/ ازدردي/ حبشية الأرائك/ السرر/ حبشية السباط/ القبائل/ حبشية الإستبرق/ الحرير/ فارسية الأسفار/ الكتب/ سريانية الإصر/ العهد/ نبطية الأكواب/ الأكواز/ نبطية أليم/ موجع/ زنجية إناه/ نضجه/ بربرية الأوّاه/ الموقن/ حبشية أوّبي/ سبّحي/ حبشية بطائنها/ ظواهرها/ قبطية البعير/ الجمل/ عبرانية البيع/ معابد اليهود/ سريانية التنور/ المخبر/ فارسية التتبير/ الهلاك/ نبطية من تحتها/ من بطنها/ نبطية الجبت/ الشيطان/ حبشية جهنم/ نار الله/ عبرانية حصب جهنم/ حطب جهنم/ زنجية وحرّم/ ومنع/ حبشية الحطة/ الصواب/ زنجية الحواريّون/ الغسالون/ نبطية الحوب/ الإثم/ حبشية درست/ قارأت/ بلغة اليهود الدري/ المضيء/ حبشية الدينار/ نوع من القيد/ فارسية

الربانيون/ العلماء/ سريانية الرحمن/ صفة الله/ عبرانية الرس/ البئر/ أعجمية الرقيم/ الوادي/ رومية الرمز/ تحريك الشفتين عبرانية/ رهوا/ ساكنا/ سريانية الروم/ جيل من الناس/ أعجمية الزنجبيل/ نوع من الشراب/ فارسية السجل/ الورق/ حبشية السجيل/ حجر وطين/ فارسية السرادق/ الدهليز/ فارسية السّري/ النهر/ سريانية سقر/ نار الله/ أعجمية خرّوا سجّدا/ مطأطئ الرءوس/ سريانية السّكر/ الخل/ حبشية السلسبيل/ العذب/ أعجمية السندس/ الديباج/ فارسية سيدها/ زوجها/ قبطية سينين/ الحسن/ حبشية سيناء/ الحسن/ نبطية شطره/ تلقاءه/ حبشية الشهر/ ثلاثون يوما/ رومية الصلوات/ كنائس اليهود/ عبرانية الطاغوت/ الشيطان/ حبشية طفقا/ قصدا/ رومية طوبى/ الجنة/ حبشية الطور/ الجبل/ سريانية طوى/ ليلا/ عبرانية عبّدت/ قتلت/ نبطية جنات عدن/ كروم/ سريانية

العرم/ المياه المتدفقة/ حبشية الغسّاق/ البارود المنتن/ تركية غيض/ غيّب/ حبشية الفردوس/ البستان/ رومية الفوم/ الحنطة/ عبرانية القرطاس/ الورق/ حبشية القسط/ العدل/ رومية القسطاس/ الميزان/ رومية القسورة/ الأسد/ حبشية قطّنا/ كتابنا/ نبطية الاقفال/ معروفة/ فارسية القمّل/ كبار القردان/ عبرانية القنطار/ مائة رطل/ رومية القيوم/ الذي لا ينام/ سريانية الكافور/ من الطيب/ فارسية كفر عنا/ امح عنا/ نبطية كفلين/ ضعفين/ حبشية الكتر/ مخبوء النقدين/ فارسية كورت/ غوّرت/ فارسية من لينة/ من شجرة/ لسان يهودي المتك/ الترنج/ حبشية المجوس/ أمة من الناس/ اعجمية مرقوم/ مسجل/ عبرانية المزجاة/ القليلة/ قبطية المسك/ من الطيب/ فارسية المشكاة/ الكوّة/ حبشية المقاليد/ المفاتيح/ فارسية الملكوت/ الملك/ نبطية المناص/ الفرار/ نبطية المنسأة/ العصا/ حبشية

المهل/ عكر الزيت/ بربرية ناشئة الليل/ قيامه/ حبشية هدنا/ تبنا/ عبرانية هود/ اليهود/ اعجميا هونا/ حكيما/ سريانية هيت/ تعالى/ عبرانية الوزر/ الملجأ/ نبطية ياقوت/ حجر كريم/ فارسية يحور/ يرجع/ حبشية يصدون/ يضجون/ حبشية اليم/ البحر/ سريانية

القرآن الكريم والشعر

القرآن الكريم والشعر قال تعالى في سورة الشعراء: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227) [الشعراء: 24 - 27]. أ- شعراء المشركين غاوون يتبعهم من هو على شاكلتهم من الإنس والجن وقال بعضهم عن هؤلاء الشعراء: الشاعر إن هزل أضحك، وإن جدّ كذب، فالشاعر بين كذب وإضحاك، ولذلك نزّه الله رسوله عن الشعر. ب- حكم الشعر: مباح، ومكروه، ومحرم. روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم يوما فقال: «هل معك من شعر أميّة بن أبي الصلت شيء»، قلت: نعم، قال «هيه» فأنشدته بيتا فقال «هيه» ثم أنشدته بيتا فقال: «هيه» حتى أنشدته مائة بيت. وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمّنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا. ج- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام». - والشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم فهو المتكلم

بالباطل فيفضل أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم الطائي، كشعر الأحوص وعمر بن أبي ربيعة ومن على شاكلتهما. د- بوّب البخاري في صحيحه- باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا». وهذا في شعر الهجاء والمدح الكاذب للتكسب وفي الغالب عليه الشعر وتركه ذكر الله. ومعنى «يريه»: من الوري: كالرمي وهو أن يدوي جوفه، وفي الصحاح ورّى القيح جوفه يريه وريا: إذا أكله. هـ- وفي الحديث عن الشعر الذي يردّ به حسّان على المشركين: «إنه لأسرع فيهم من رشق النبل». أخرجه مسلم- وعن أنس رضي الله عنه أن النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر: يا ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلّ عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل». رواه الترمذي وصححه. ومن الشعر المحمود قول محمد بن سابق حيث قال: إني رضيت عليا للهدى علما ... كما رضيت عتيقا صاحب الغار وقد رضيت أبا حفص وشيعته ... وما رضيت بقتل الشيخ بالدار كل الصحابة عندي قدوة علم ... فهل عليّ بهذا القول من عار إن كنت تعلم أني لا أحبهم ... إلا من اجلك فاعتقني من النار.

ز- ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم، ولا من أولي النهى، وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم، ولا من أولي النهى والقدوة إلا وقد قال الشعر أو تمثّل به، أو سمعه، فرضي منه ما كان حكمة أو مباحا، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله (¬1) [اه]. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر يقول: «أصدق كلمة- أو: أشعر كلمة- قالتها العرب قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل» - أخرجه مسلم. ح- قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام: 115]. أي: صدقا في الأخبار، وعدلا في الأحكام، فالقرآن كلّه حق، وصدق، وعدل، وهدى، ليس فيه مجازفة، ولا كذب، ولا افتراء كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها. كما قيل في الشعر: «إن أعذبه أكذبه». - وتجد في القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء، أو الخيل، أو الخمر، أو في مدح شخص معين، أو فرس، أو ناقه، أو حرب، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئا إلا قدرة المتكلم المعين على الشيء الخفي أو الدقيق، ثم تجد له فيه بيتا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيدة وسائرها هذر لا طائل تحته. ¬

_ (¬1) تفسير القرطبي (3684).

ملاحظة:

ملاحظة: القرآن الكريم نزل بلغة العرب وهو مسجل في أم الكتاب بهذه اللغة قبل وجود الثّقلين وحتى قيام الساعة، وللتأكيد والتوضيح والبيان: - قال تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) [الزخرف: 3 - 4]- قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]- قال تعالى: وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: 103]- قال تعالى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 195] واللغة العربية كما هو معروف بالأثر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنها لغة أهل الجنان. وكذلك المعلّقات السّبع كتبت بلغة العرب قبل الإسلام ولم تكتب بلهجاتهم ولا زالت معتمدة عند أهل اللغة إلى يومنا هذا.

الفوائد من القرآن الكريم

الفوائد من القرآن الكريم 1 - قال تعالى: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18]. فقد نادت: يا، وكنّت: أي، ونبّهت: ها، وسمّت: النمل، وأمرت: ادخلوا، وقضت: مساكنكم، ونهت: لا يحطمنكم، وخصّت: سليمان، وعمّمت: وجنوده، وعذرت: وهم لا يشعرون. 2 - وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]. في الآية أمران: أرضعيه، وألقيه. ونهيان: لا تخافي، ولا تحزني. وبشارتان: رادّوه إليك، وجاعلوه من المرسلين. 3 - سورة ليس فيها ذكر الجنة والنار وهي: سورة يوسف عليه الصلاة والسلام. 4 - سورة لا تخلو كل آية من آياتها من كلمة الله هي: سورة المجادلة. 5 - عدد أحرف أكبر كلمة في القرآن الكريم يوجد في الكلمات التالية: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ- أَنُلْزِمُكُمُوها- فَأَسْقَيْناكُمُوهُ 6 - هاء السكت هاء ساكنة زيدت في آخر الكلمة لبيان الحركة وتوجد في خمس كلمات بالقرآن الكريم:

- يَتَسَنَّهْ [البقرة: 259]. - اقْتَدِهْ [الأنعام: 90]. - ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29) [الحاقة: 28 - 29]. - وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة: 10]. 7 - ضم حفص هاء الضمير المكسورة التي قبلها ياء ساكنة أصلا في موضعين: - وَما أَنْسانِيهُ [الكهف: 63]- أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ [الفتح: 10] 8 - آية جمعت كل حروف الهجاء وهي قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154]. 9 - الآية التالية تحوي ستة عشر ميما: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ [هود: 48]. 10 - توجد في القرآن الكريم أربع آيات فقط مبدوءة بحرف الشين هي:

- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [البقرة: 185]. - شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18]. - شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل: 121]. - شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [الشورى: 13]. 11 - في القرآن الكريم آيتان فقط آخر هما حرف الشين هما: - قوله تعالى: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة: 5]. - قوله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قريش: 1]. 12 - توجد كلمتان متتابعتان لا فاصل بينهما: - الأولى قوله تعالى: «فيه فيه» في قوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108]. - الثانيةلفظ الجلالة «الله الله» في قوله تعالى: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام: 124]. 13 - موضعان في القرآن الكريم فيهما حرف الحاء متتابعان بدون فاصل بينهما أيضا:

- الأول في قوله تعالى: ... وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ... [البقرة: 235]. - الثاني في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً [الكهف: 60]. - أول ما نزل من القرآن الكريم هو حرف الألف: قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) [العلق: 1 - 5]. وآخر ما نزل من القرآن هو الألف أيضا: قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3] 14 - السر الإعجازي في نزوله وختامه: إن أول ما نزل من القرآن الكريم بالوحي الجلي بالتلقين للنبي الأمي صلى الله عليه وسلّم هو جلّ الإعجاز الحقيقي للروابط المتينة في حروفه وكلماته وآياته وسوره، مثال: - (اقرأ): عددها بعدد حروف لفظ الجلالة رسما «الله»، والدلالة فيها حسابيا هو ما صحّ في الحديث (¬1) أن كلمة اقرأ قد تكررت ثلاث مرات وحيا على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام وجاءت الرابعة أمرا بالقراءة القرآنية حتى قيام الساعة. وللتوضيح أنها افتتحت وختمت بالألف لأن الألف هو أول حرف من لفظ الجلالة الله، كما أن الله هو الأول ليس قبله شيء وهو الآخر ليس بعده شيء. ¬

_ (¬1) اخرجه البخاري: باب بدء الخلق

فسر الإعجاز هنا مجيء الألف التي احتضنت اقرأ بداية ونهاية للربط بين: (باسم ربك) نزولا لأنه المتولي تربية للإيجاد من عدم، وإمداده من عدم، وبين: (بسم الله) تلاوة. - (بسم الله): سبعة أحرف رسما. - (باسم ربك): سبعة أحرف رسما ونطقا. - أجمع علماء المسلمين على أن البسملة جزء من آية من سورة النمل لقوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: 30]. كما أجمعوا على رسمها في أول كل سورة من سور القرآن الكريم عدا سورة التوبة، فهو توقيف عن رب العالمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله هو أبتر» ولهذا أرى قراءتها في الصلاة وخارج الصلاة في أول كل سورة عدا براءة، والحسنات الكثيرة في قراءتها تعد بالآلاف لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها». فإذا كان هذا العدد من الحسنات في اليوم فما بالك في الشهر أو في السنة أو في العمر كله، فعجبا لمن يضيّع كل هذه الحسنات بدون دليل قطعي ولا برهان.

الإعجاز العددي في القرآن الكريم

14 - الإعجاز العددي في القرآن الكريم (¬1) : لقد أكرمنا بفضل الله ومنّه بخلاصة كافية عن الإعجاز العددي نثبتها كما وردتنا بالأرقام العجيبة، والتوافقات الغريبة التي تعتبر وجها من التوازن والتساوي، والتناسب في الإعجاز العددي في القرآن الكريم المشار إليه في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ [الشورى: 17]، فهي تدل على أن كل ما في القرآن الكريم يحكمه التوازن، وسيجد كل باحث ودارس في القرآن الكريم في موضوعاته، بل في حروفه وكلماته من أوجه الإعجاز ما يبهر العقول ويدل دلالة قاطعة على أنه من عند الله وعلى حقيقة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، والفتح ما زال مستمرا بكل باحث على الحقيقة بعلم. 1/ الموضوعات/ أعدادها/ الدنيا والآخرة/ 115// الحياة والموت/ 71// الشيطان والملائكة/ 68// البصر والبصيرة والقلب والفؤاد// بمشتقاتها/ 148// النفع والفساد/ 50// الصيف والحر/ 4// الشتاء والبرد/ 5// البعث والصراط/ 45// السيئات والصالحات كل منهما// بمشتقاتها/ 168// الحكم والعتاب/ 26// الفاحشة والغضب/ 13// الأصنام والخمر والخنزير/ 5// البغضاء والحطب والتنكيل/ 5// الحسد والرعب والخيبة/ 5// اللّعنة والكراهية/ 13// الرجس والرجز/ 10// الضّيق الطمأنينة/ 13// الطّهر والإخلاص/ 31// الموضوعات/ أعدادها/ العلم والمعرفة والإيمان بمشتقاتها/ 811/ متاع الانسان من رزق ومال وبنين/ 368/ الاسباط والحواريون والقسيسون/ 5// الفرقان وبني آدم/ 7/ الملكوت وروح القدس// ومحمد والسراج/ 4/ الركوع والحج والطمأنينة/ 13/ القرآن والملائكة والوحي/ 68/ الإسلام ويومئذ ويوم القيامة/ 70/ رسالة الله وسور القرآن/ 10/ الصلاة ومشتقاتها بعدد أسماء الله الحسنى/ 99/ إبليس والاستعاذة منه/ 11/ السحر والفتنة/ 60/ المصيبة والشكر ومشتقاته/ 75/ الإنفاق والرضى/ 73/ البخل والحسرة والطمع والجحود/ 12/ الإسراف والسّرعة/ 23/ السلطان والنفاق والابتلاء/ 37/ الجبر والقهر والعتو/ 10/ العجب والغرور/ 27 ¬

_ (¬1) انظر المصحف المعلم ط دار الفكر/ بيروت

/ الموضوعات/ أعدادها// الخيانة والخبث/ 16// الكافرون والنار/ 154// الضالون والموتى/ 17// المسلمون والجهاد/ 41// الدين والمساجد/ 92// التلاوة والصالحات/ 62// الصلاة والمناجاة/ 67// الزكاة والبركات/ 32// الصيام والصبر والدرجات والشفقة/ 14// العقل والنور/ 49// اللّسان والموعظة/ 25// السّلام والطّيبات/ 50// الحرب والأسرى/ 6// الهدى والرحمة/ 79// المحبة والطاعة/ 83// البر والثواب/ 20// القنوت والركوع/ 13// الرغبة والرهبة/ 8// الجهر والعلانية/ 16// الغواية والخطأ والخطيئة/ 22// الفحشاء والبغي والإثم/ 24// الموضوعات/ أعدادها/ القليل والشكور/ 75/ الحرث والزراعة والفاكهة والعطاء/ 14/ الشجر والنبات/ 26/ النطفة والطين والشقاء/ 12/ الألباب والأفئدة/ 16/ الشدة والصبر/ 102/ المصير والأبد واليقين/ 28/ الناس والملائكة والعالمين/ 241/ الضلالة والآيات/ 191/ الآيات والإحسان والخيرات/ 194/ الرسل والأنبياء وأسمائهم/ 368/ القرآن والنور والحكمة والتنزيل/ 68/ القرآن والبينات ومبينات// وموعظة وشفاء/ 68/ محمد والشريعة/ 4/ الشهر تكرر بعدد شهور السنة/ 12/ اليوم تكرر بعدد أيام السنة/ 365/ الحساب/ 29/ العدل والقسط/ 29/ الجزاء/ 117/ المغفرة ضعف الجزاء/ 234 آيات الوعد: 1000، آيات الوعيد: 1000. آيات الأمر: 1000، آيات النهي: 1000. آيات الأخبار والقصص: 1000، آيات الأمثال والعبر: 1000.

الفواصل في القرآن الكريم

الفواصل في القرآن الكريم تمهيد أ- الفاصلة: هي كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع. ب- وهي تختلف عن السجع لأن المعنى في السجع يتبع اللفظ، أما في الفاصلة فاللفظ تابع للمعنى لأن الكلام انتظم في نفسه بألفاظ تؤدي المعنى المقصود فيه. ج- وما قاله بعضهم في تقديم هارون على موسى تارة وتأخيره تارة لأجل السجع فمردود بل الفائدة فيه إعادة القصة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا ولهذا أعيدت قصص كثيرة بألفاظ مختلفة على ترتيبات متقاربة، تنبيها على عجز الناس أن يأتوا بمثله مبتدأ أو مكررا. د- والذي دعا العلماء إلى تسمية ما في القرآن فواصل ولم يسموه سجعا هو تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام وعن تنزيهه عن سجع الكهان. هـ- وقد ورد السجع في بعض القرآن وورد بعضه غير مسجوع وفقا لكلام العرب وعادتهم لأن كلامهم كان كذلك والقرآن عربي إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2].

إيقاع المناسبة في مقاطع الفواصل

إيقاع المناسبة في مقاطع الفواصل إذا اطردت الفواصل أثرت في النفس تأثيرا عظيما، ولذلك يخرج عن نظم الكلام لأجلها. أولا: بزيادة حرف أو أكثر. أ- فمن ذلك زيادة الألف بكلمة الظّنونا في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: 9 - 10]. لأن آخر الآيات تنوين نصب يوقف عليه بالألف فأضيفت الألف لكلمة الظنون مراعاة للفاصلة. ب- ومثلها كلمة الرّسولا في قوله تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [الأحزاب: 66]. ج- وكذلك زيادة هاء السكت في قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ [القارعة: 9 - 10]. د- ومثلها زيادة الواو والنون بقوله تعالى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: 40]. ثانيا: بحذف حرف أو همزة، كقوله تعالى: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الفجر: 1 - 4]، حذفت الياء من كلمة يسري.

تقسيم الفواصل إلى متماثل ومتقارب

ثالثا: الجمع بين المجرورات لتبقى الفاصلة في آخر الآية، كقوله تعالى: ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً [الإسراء: 69]. فهنا ثلاثة أحرف جر هي: (اللام، على والباء) ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر: 41]. فأخر الفاعل وهو النذر عن المفعول به وهو آل لأجل الفاصلة. رابعا: إفراد ما أصله أن يجمع، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر: 54]. فقد أفرد كلمة نهر للفاصلة. خامسا: جمع ما أصله أن يفرد لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ [إبراهيم: 31] والأصل ولا خلة بالإفراد. سادسا: تأنيث ما حقه أن يذكّر كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ [عبس: 11]. سابعا: صرف ما حقه أن لا ينصرف، كقوله تعالى: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً [الإنسان: 15 - 16]. فكلمة قوارير ممنوعة من الصرف لأنها على صفة منتهى الجموع ونونت عند بعضهم مراعاة للفاصلة وناسبت قوارير الثانية، الأولى فجاءت على لفظها. ثامنا: العدول عن الماضي إلى المضارع فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة: 87]، ولم يقل قتلتم وغير ذلك مما ورد في القرآن الكريم لمناسبة الفواصل. تقسيم الفواصل إلى متماثل ومتقارب 1 - ما تماثلت حروف المقاطع فهو المتماثل، كقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير: 16 - 18] وهذا يكون في السجع.

ملاحظة:

2 - المتقارب: وهو ما تقاربت حروف المقاطع ولم تتماثل كقوله تعالى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 3 - 4]. ملاحظة: قال الشافعي: «إن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من الفاتحة باعتبار الفواصل، فالفواصل عنده بها (الرحيم- العالمين- الرحيم- الدين- نستعين- المستقيم- الضالين) أما من لم يعد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من الفاتحة فقال: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7]. ووقف على كلمة عليهم وهي لا تناسب الفاصلة في سورة الفاتحة». تقسيم الفواصل إلى متوازن ومتواز ومطرف 1 - المتوازن: أن تتفق الكلمتان في الوزن وحرف السجع، كقوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية: 13 - 14]. مرفوعة وموضوعة آخرها عين وتاء مربوطة، وزنهما مفعولة. 2 - المتوازي: أن يراعى في مقاطع الكلام الوزنة فقط دون السجعة كما في قوله تعالى: وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية: 15 - 16]. فمصفوفة ومبثوثة على وزن مفعولة. 3 - المطرف: أن يتفقا بحروف السجع دون الوزن، كما في قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح: 13 - 14]. ملاحظة: 1 - أفضل السجع ما تساوت قرائنه ليكون شبيها بالشعر فإن أبياته متساوية، كقوله تعالى: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: 28 - 30]. 2 - ثم يأتي بعده السجع الذي طالت قرينته الثانية أو الثالثة كقوله:

اختلاف الفاصلتين والمحدث عنه واحد

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 1 - 3]. اختلاف الفاصلتين والمحدث عنه واحد أ- وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 18]. المعطي للنعم هو الله والآخذ هو الإنسان: فالإنسان له وصفان ظلوم كفار ويقابلها صفتان لله تعالى غفور رحيم أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي. لكن ما الحكمة بتخصيص آية النحل بذكر المنعم، وآية إبراهيم بذكر المنعم عليه؟ إذا تتبعنا سياق الآيات التي قبل هاتين الآيتين نجد أن الآيات التي قبل آية إبراهيم تتكلم عن صفات الإنسان، والآيات التي قبل آية النحل تتكلم عن صفات الله تعالى ولهذا اختلفت الفاصلتان والمتحدث عنه واحد. ب- المثال الثاني: قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [جاثية: 15]. مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46]. حكمة فاصلة الأولى أن قبلها: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية: 14]، فناسب الختام بفاصلة البعث ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [الجاثية: 15]. لأن قبله وصفهم بإنكار البعث، وأما الأخرى فالختام بها مناسب لأنه

اتفاق الفاصلتين والموضوع مختلف

لا يضيع عملا صالحا ولا يزيد على من عمل شيئا أية سيئات. ج- ونظيره قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، فقد ختم الآية مرة بقوله: فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً [النساء: 48]. ومرة بقوله: قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [النساء: 167]. لأن الأولى نزلت في اليهود وهم الذين افتروا على الله ما ليس في كتابه، والثانية نزلت في الكفار ولم يكن لهم كتاب وكان ضلالهم أشد وغير ذلك كثير في القرآن. اتفاق الفاصلتين والموضوع مختلف كقوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات: 50 - 51]. أي: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن وهي العبادة. أما الثانية: فتدعو إلى ترك الشرك واجتنابه، وهذا كقوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]. من فائدة الفاصلة تمكين المعنى كقوله تعالى: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129]. فبعث الرسول تولية والتولية لا تكون إلا من عزيز غالب وتعليم الرسول الحكمة لقومه يستند إلى حكمة مرسله لأن الرسول واسطة بين المرسل، والمرسل إليه فلا بد أن يكون حكيما. فلا جرم أن يكون اقترانهما مناسبا وكقوله تعالى على لسان عيسى بالنسبة لقومه: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]. ولم يقل الغفور الرحيم بالفاصلة.

من فائدة الفاصلة الإيغال في المعنى

فإنه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه وهذه هي العزة والعزيز هو الغالب، والحكيم من يضع الشيء في محله. والله كذلك إلا أنه قد يخفى وجه الحكمة فيتوهم الضعفاء أنه خارج عن الحكمة فكان الوصف بالحكيم احتراز حسن. أي: وإن تغفر لهم مع استحقاقهم للعذاب فلا يعترض عليك أحد في ذلك. - وقيل: لا يجوز الغفور الرحيم لأن الله تعالى قطع لهم بالعذاب في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 48]. - وقيل: لا يجوز الغفور الرحيم لأنه يكون على سبيل الدعاء، والدعاء لمن مات على الكفر لا يجوز وقد وردت هذه العبارة: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ/ 29/ مرة في القرآن الكريم، وعبارة: عَزِيزاً حَكِيماً فقد وردت/ 5/ مرات في القرآن الكريم، أما حَكِيمٌ عَلِيمٌ فعددها خمسة: ثلاثة في الأنعام، وفي الحجر واحدة، وفي النحل واحدة. من فائدة الفاصلة الإيغال في المعنى أ- الإيغال: تجاوز المعنى الذي يتكلم به المتكلم إلى أن يبلغ الزيادة عن الحد. يقال: أوغل في الأرض إذا بلغ منتهاها، وهكذا المتكلم يذع معناها ثم يتعداه بزيادة فيه فيكون قد أوغل. ب- أمثلة عن الإيغال: مثل قوله: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل: 80]. فقد تمّ المعنى عند قوله: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ [النمل: 80]، ثم زاد على ذلك بالفاصلة فقال: إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل: 80]. وزاد بكلمة مدبرين بعد ولوا لأن التولية قد تكون بجانب دون جانب، كقوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ [الإسراء: 83].

ضابط الفواصل

والأصم يفهم بالإشارة ما يفهم السميع بالعبارة والتولية يكون بجانب دون مُدْبِرِينَ فيدرك بالإشارة فجعل الفاصلة مُدْبِرِينَ ليعلم أن التولي كان بجميع الجوانب فلا يكلفهم شيئا البتة. ضابط الفواصل لمعرفة ذلك طريقان توقيفي وقياسي: أ- التوقيفي: سئلت أم سلمة عن قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: كان يقطع قراءته آية آية، أي: يقف على كل آية ليعلم رءوس الآيات فما وقف عليه صلّى الله عليه وسلّم دائما تحققتا أنه فاصلة وما وصله دائما تحققتا أنه غير فاصلة وما وقف عليه مرة ووصله أخرى فيحتمل أحد لوجهين السابقين. ب- القياسي: «وهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص المناسب ولا محذور في ذلك لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان وإنما غايته محل فصل ووصل والوقف على كل كلمة جائز ووصل القرآن كله جائز فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فأقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في النظم. وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف فليس بعيب في الفاصلة بالحركة والإشباع». البرهان في علوم القرآن صفحة: 98 - 99 والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة. أولا: ولهذا ترك عد وَيَأْتِ بِآخَرِينَ [النساء: 133]، وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء: 172]، كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الإسراء: 59]، لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ [مريم: 97] إلى آخر ما هنا لك. ثانيا: كما عدوا نظائرها كقوله تعالى: لِأُولِي الْأَلْبابِ [آل عمران: 190].

الوجوه والنظائر

عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الكهف: 15]، الْمَنَّ وَالسَّلْوى [طه: 80]. ثالثا: وقد يتوجه الأمران في كلمة فالبعض يعدها، والآخر لا يعدها فمنها فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة: 10]. ومثلها: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة: 11]. ووجه عده: مناسبة الروي، ووجه عدم عده تعلقه بما يليه، ومنها: إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ في قوله تعالى: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 49]. وغير ذلك مثل: (والطور) - (الرحمن) - (والفجر). (والضحى) - (القارعة) - (والعصر). للمناسبة ولكن تفاوتت في الكمية. الوجوه والنظائر الوجه: اللفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ الأمة والهدى. النظائر: كالألفاظ المتواطئة. أمثلة عن الوجوه: أ- الأسف معناه الحزن كقوله تعالى في قصة يعقوب: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف: 84]. إلا في قوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا [الزخرف: 55] فإن معناه أغضبونا. ومثلها في قصة موسى: غَضْبانَ أَسِفاً [الأعراف: 150] فقال ابن عباس مغتاظا.

ب- كل ما في القرآن من ذكر البروج فإنها الكواكب كقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج: 1]. إلا التي في سورة النساء وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78] فمعناه القصور الطوال. ج- كل ما في القرآن من كلمة بعل فهي بمعنى الزوج كقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور: 31]. إلا حرفا واحدا: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ [الصافات: 125] فإنه أراد صنما. د- كل ما في القرآن من كلمة حسبان فإنه يدل على العدد إلا حرفا في حُسْباناً مِنَ السَّماءِ [الكهف: 40] فإنه بمعنى العذاب. هـ- كل كلمة رجز في القرآن الكريم معناها العذاب إلا: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 5] فمعناها الأصنام. وكل ما في القرآن من «أصحاب النار» فهم أهل النار إلا قوله تعالى: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً [المدثر: 31] فإنهم خزنة جهنم. ز- كل صلاة في القرآن فهي عبادة ورحمة إلا قوله تعالى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ [الحج: 40] فمعناها بيوت عبادة اليهود. ح- كل كنز في القرآن يراد به المال إلا في قوله تعالى: وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما [الكهف: 82] فإنه أراد صحفا وعلما. ط- كل نكاح في القرآن معناه التزوج إلا قوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ [النساء: 6] فإن معناه الحلم.

غريب القرآن الكريم

ي- كل يأس في القرآن هو القنوط إلا: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا [الرعد: 31] أي: ألم يعلموا. ك- كل لعلّكم في القرآن بمعنى لكي إلا قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء: 129] فإنه للتشبيه ومعناه كأنكم تخلدون. ل- كل «ماء معين» معناه الجاري إلا في قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ [الملك: 30] فمعناه الطاهر الذي تناله الدلاء. م- كلمة صوم في القرآن معناه العبادة المعروفة إلا: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مريم: 26] يعني صمتا. ن- كل شيء في القرآن: وَما أَدْراكَ [الحاقة: 3] فقد أخبرنا به. وكل شيء في القرآن: وَما يُدْرِيكَ [الشورى: 17] فلم يخبرنا به. وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: 17]. غريب القرآن الكريم أ- وهو معرفة مدلوله، وهذا يحتاج إلى معرفة لغة العرب ومعرفة النحو والإعراب. قال الإمام مالك رضي الله عنه: «لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا». وقال مجاهد: «لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب». وقال ابن عباس: «إذا سألتموني عن غريب اللغة فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب».

الوقف والابتداء

ب- أمثلة عن غريب القرآن الكريم: 1 - وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ [الانشقاق: 17] معناه وما جمع. 2 - رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ [الأعراف: 89] افتح: اقض. مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [السجدة: 28] أي: القضاء. 3 - فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يوسف: 101] ومعنى فطرتها ابتدائها. 4 - فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ [هود: 71] وراء: ولد الولد. 5 - وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس: 31] الأب: ما ترعاه البهائم. التبن- كل ما نبت على وجه الأرض- ما سوى الفاكهة وهو للأنعام كالفاكهة للناس. الوقف والابتداء أ- جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنهم كانوا يعلّمون ما ينبغي أن يوقف عنده كما يتعلمون القرآن». ب- وللوقف علاقة شديدة بالمعنى: فقد يتغير المعنى عند الوقوف في غير محل الوقف كما في قوله تعالى: وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ [غافر: 6] فيوقف على كلمة النار ولا يجوز أن يصلها بما بعدها وهو قوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ [غافر: 7]. فتقف على كلمة حوله لأن حملة العرش هم الملائكة. وكذلك نقف على قوله: رَحْمَتِهِ من قوله تعالى: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي

رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان: 31]، ولا يجوز أن نقف على كلمة وَالظَّالِمِينَ بل نبدأ بها القراءة. ج- والوقف والابتداء: تحتاج معرفته إلى علوم كثيرة منها: النحو- القراءات- التفسير- القصص- الفقه واللغة. - لنقرأ قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 4 - 5]. فمن لم يقبل شهادة القاذف وقف على قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً [النور: 4] ومن قبلها لم يقف على ذلك فأعمل الاستثناء بإلا. - وكذلك الوقف على قوله: عِوَجاً ولا يجوز وصله بكلمة قَيِّماً لأن العوج لا يكون قيما. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً [الكهف: 1 - 2]. - وكذلك الوقف على هاء السكت بالهاء في القرآن الكريم مثل كلمات: كتبيه ماليه حسابيه سلطنيه ماهيه لم يتسنه اقتده، أما في اللغة وفي غير القرآن فهذه الهاء تثبت في الوقف وتسقط بالدرج فيوقف بالقرآن على هذه الهاء لأنه إذا أسقطناها ووصلنا خالفنا رسم المصحف. وإن أثبتناها بالوصل خالفنا اللغة العربية، والخروج من ذلك يكون بالوقف عليها ونطقها. - أما معرفة التفسير فيتضح من المثال التالي في تيه بني إسرائيل بقوله تعالى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [المائدة: 26].

الوقف على اسمي الموصول الذين - الذي

فإذا وقفنا على فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أي: أبدا وإذا وقفنا على سَنَةً كانت محرمة هذه المدة أربعين سنة فقط. - كذا يجب الوقف على قوله: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ [يونس: 65]، ثم يبتدئ: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء: 139]. - وكذلك الوقف على قوله: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ [التحريم: 4]. والابتداء بقوله: وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم: 4]. - هذه بعض الأمثلة عن الوقف والابتداء وعلاقتهما بمختلف العلوم لمن أراد المزيد ليستزيد ولم أشأ أن أتطرق لأقسام الوقف كالتام والكافي والحسن والقبيح والاضطراري والاختياري فهي مبسوطة مفصلة في علم التجويد. الوقف على اسمي الموصول الذين- الذي جميع ما في القرآن من الذين والذي يجوز فيه الوصل بما قبله على أنه نعت له، والقطع عما قبله على أنه خبر لمبتدإ إلا في سبعة مواضع يتعين فيها الابتداء، وهي: أ- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [البقرة: 121]. ب- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 20]. ج- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 146].

د- الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: 275]. هـ- الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 34]. والَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ [التوبة: 20]. ز- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7].

من علم الرسم القرآني أو علم مرسوم الخط التاء المبسوطة والمقبوضة

من علم الرسم القرآني أو علم مرسوم الخط التاء المبسوطة والمقبوضة تمهيد الخط ثلاثة أقسام: خط المصحف: يتبع به الاقتداء بالسلف. خط العروض: وقد جرى على ما أثبته اللفظ وإسقاط ما حذفه فيكتب التنوين نونا وتحذف همزة الوصل .. وهذان الخطان لا يقاس عليهما والخط الثالث: ما جرى على العادة المعروفة وهو الذي يتكلم عليه النحويون والقاعدة في الكتابة: «من عرف صواب اللفظ عرف صواب الخط». وقد تكلمت سابقا عن رسم الواو والألف والياء وغيرها زيادة أو حذفا. وسأتكلم الآن عن التاء المربوطة أو المقبوضة وعن التاء المفتوحة أو المبسوطة أو المجرورة كما يسميها البعض لأنها تجر بالقلم هكذا «ت». تاء التأنيث المربوطة والمفتوحة 1 - تعريف تاء التأنيث: هي التاء التي تدل على المؤنث وتلحق آخر الفعل إذا كان الفاعل مؤنثا: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم: 11]. أو تكون في آخر الاسم نحو: ورحمة ونعمة.

والملحقة بآخر الفعل ترسم تاء مفتوحة والملحقة بآخر الاسم ترسم غالبا تاء مربوطة أو مقبوضة أو «هاء». ولكن في المصاحف كلمات خرجت عن هذا الأصل ورسمت تاء مفتوحة. 2 - عدد الكلمات المرسومة بالتاء المفتوحة: وهي تاء التأنيث عشرون كلمة منها: «13» كلمة متفق على قراءتها بالإفراد، وسبع كلمات تقرأ بالإفراد والجمع والكلمات المتفق على قراءتها بالإفراد هي: رحمت نعمت امرأت سنّت لعنت معصيت كلمت بقيّت قرّت فطرت شجرت جنّت ابنت. والكلمات المختلف بقراءتها بالإفراد والجمع، هي: جملت وأزلفت الجنّة غيابت بينات ءايات الغرفات ثمرات. 3 - حكمها في الوصل والوقف. أ- حكمها في الوصل: أن تقرأ تاء إذا كانت مفتوحة أو مربوطة. ب- وحكمها بالوقف: أن تقرأ تاء إذا كانت مفتوحة وتقرأ هاء إذا كانت مربوطة حسب رسمها بالقرآن الكريم. 4 - وهذه الأسماء لما لازمت الفعل صار لها اعتباران أحدهما من حيث هي أسماء وصفات وهنا تقبض التاء فتكتب مربوطة بالهاء، والثاني من حيث أن يكون مقتضاها فعلا وأثرا ظاهرا في الوجود فهذا تمد فيه كما في حقت وقالت وجهة الفعل ظاهرة وجهة الاسم باطنة. انظر البرهان في علوم القرآن صفحة «411».

الكلمة الأولى: رحمت

الكلمة الأولى: رحمت كتبت مبسوطة في سبعة مواضع لأن المدقق في ذلك يرى أن مقتضاها فعلا ظاهرا وإن جاءت اسما وهذه المواضع، هي: 1 - يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ [البقرة: 218] فهم يفعلون ويعلمون. 2 - إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] فوصفها على التذكير لظهور الفعل. 3 - رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هود: 73]. 4 - ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم: 2]. 5 - فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [الروم: 50]. 6 - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزخرف: 32]. 7 - وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 32]. وما عدا هذه المواضع السبعة فمرسوم بالتاء المربوطة، كقوله تعالى: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53]. الكلمة الثانية: نعمت رسمت مفتوحة في أحد عشر موضعا: لظهورها بالفعل والمواضع هي: 1 - وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة: 231]. 2 - وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران: 103]. 3 - يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [المائدة: 11]، الموضع الثاني بينما الموضع الأول بالمربوطة وهو: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة: 7].

الكلمة الثالثة: امرأت

4 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا [إبراهيم: 28] الموضع الثاني بينا الموضع الأول بالمربوطة وهو: في قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [إبراهيم: 6]. 5 - وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: 34]. 6 - وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل: 73]. 7 - يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ [النحل: 83]. 8 - وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ [النحل: 114]. 9 - أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ [لقمان: 31]. 10 - يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [فاطر: 3]. 11 - فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور: 29]. وما عدا ذلك فمكتوب بالتاء المربوطة. الكلمة الثالثة: امرأت في سبعة مواضع هي: 1 - إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [آل عمران: 35]. 2 - امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ [يوسف: 30]. 3 - (قالت امرأت العزيز) [يوسف: 51]. 4 - وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ [القصص: 9]. 5 - امْرَأَتَ نُوحٍ [التحريم: 10]. 6 - وَامْرَأَتَ لُوطٍ [التحريم: 10]. 7 - امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ [التحريم: 11].

الكلمة الرابعة: سنت

يقول الإمام الزركشي في كتاب البرهان في علوم القرآن صفحة «416»، ومنه امرأة هي في سبعة مواضع وهي خمسة من النساء «امرأت عمران» و «امرأت فرعون» و «امرأت نوح» و «امرأت لوط» و «امرأت العزيز». كلها ممدودة تنبيها على التبعل والصحبة وشدة المواصلة والمخالطة والائتلاف في الوجود والمحسوس وأربع منهن منفصلات في بواطن أمرهن عن بعولتهن بأعمالهن. وواحدة خاصة واصلت بعلها باطنا وظاهرا وهي امرأت عمران فجعل الله لها ذرية طيبة، وأكرمها بذلك وفضلها على العالمين وواحدة من الأربع انفصلت بباطنها عن بعلها طاعة لله، وتوكلا عليه، وخوفا منه، فنجاها وأكرمها وهي امرأت فرعون، واثنتان منهن انفصلتا عن أزواجهما كفرا بالله فأهلكهما الله ودمرهما ولم ينتفعا بالوصلة الظاهرة مع أنها أقرب وصلة بأفضل أحباب الله. كما لم تضر امرأت فرعون وصلتها الظاهرة بأخبث عبيد الله. وواحدة انفصلت عن بعلها بالباطن اتباعا للهوى وشهوة نفسها فلم تبلغ من ذلك مرادها مع تملكتها من الدنيا واستيلائها على من مالت إليه بحبها وهو في بيتها وقبضتها فلم يغن ذلك عنها شيئا وقوتها وعزتها إنما كانا لها من بعلها العزيز ولم ينفعها ذلك في الوصول إلى إرادتها مع عظيم كيدها كما لم يضر يوسف ما امتحن به منها ونجاه الله من السجن ومكّن له في الأرض وذلك بطاعته لربه ولا سعادة إلا بطاعة الله ولا شقاوة إلا بمعصيته. فهذه كلها وقعت بالفعل في الوجود في شأن كل امرأة منهن فلذلك مدت تاءاتهن. الكلمة الرابعة: سنّت في خمسة مواضع هي: 1 - فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: 38].

الكلمة الخامسة: لعنت

2 - فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ [فاطر: 43]. 3 - فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [فاطر: 43]. 4 - وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43]. 5 - سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [غافر: 85]. وما عدا ذلك فمرسوم بالتاء المربوطة نحو: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: 62]. وآية الأنفال: في الانتقام لأن ما قبلها يدل عليها، وهو قوله: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]، وقوله بعدها: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال: 39]. وسنت في فاطر للانتقام لقوله تعالى قبلها: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]. - فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 85]. بكل هذه الآيات معناها العذاب أما إذا كان معناها الشريعة والطريقة فهي باطنة تقبض تاؤها كما في الأحزاب: أي: حكم الله وشرعه. الكلمة الخامسة: لعنت مدت تاؤها في موضعين هما: 1 - ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آل عمران: 61]. 2 - أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ [النور: 7].

الكلمة السادسة: ومعصيت

الموضع الأول: وما عدا الموضعين المذكورين فمرسوم بالهاء نحو: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [البقرة: 161] ولأن آية المباهلة واللعان بمعنى الفعل الظاهر. الكلمة السادسة: ومعصيت 1 - وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة: 8]. 2 - فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة: 9]. ولا ثالث لهما بالقرآن لأن معناها كما الفعل الظاهر فهو فعل معصية لوقوع النهي عنه. الكلمة السابعة: كلمت وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ [الأنعام: 115]. وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى [الأعراف: 137]. هو ما تمّ لهم بالوجود الأخروي بالفعل الظاهر دليله في الملك وتمامه ظهورها بالوجود بالفعل وما عدا ذلك فمكتوب بالتاء المربوطة، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم: 24]. الكلمة الثامنة: بقيّت في موضع واحد: 1 - بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [هود: 87]. وما عداها فمكتوب بالتاء المربوطة كقوله تعالى: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ.

الكلمة التاسعة: قرت

فمدت بقيت لأنها بمعنى ما يبقى لهم من الملك الظاهر في أموالهم من الربح المحسوس لأن الخطاب إنما هو فيها من الملك. الكلمة التاسعة: قرّت في موضع واحد: 1 - وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [القصص: 9]. وما عدا ذلك فمربوطة، مثل: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17]. فمدت التاء لأنه بمعنى الفعل إذ هو خبر عن موسى وهو موجود حاضر في ذلك. بعكس قرة أعين: إذ هو غير حاضر فهو في الآخرة. الكلمة العاشرة: فطرت 1 - فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [تاروم: 30] ولا ثاني له في القرآن الكريم. وقد وصفها بأنها فطر الناس عليها فهي فصل خطاب ظاهر في الوجود كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كل مولود يولد على الفطرة» الجامع الصغير. الكلمة الحادية عشرة: شجرت 1 - إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: 43 - 44]. وعدا هذه الموضع فمرسوم بالتاء المربوطة مثل: شَجَرَةِ الْخُلْدِ [طه: 120] لأنها بمعنى الفعل اللازم وهو تزقمها بالأكل بدليل قوله: فِي بُطُونِ [الأنعام: 139] فهذه صفة فعل كما في: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الواقعة: 52 - 53] وهذا بخلاف قوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ [الصافات: 62] فقد وصفها فتنة للظالمين وإِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات: 64] فهي صفة اسم فكتبت تاؤها مربوطة.

الكلمة الثانية عشرة: جنت

الكلمة الثانية عشرة: جنّت فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [الواقعة: 88 - 89] وما عداها فالتاء مربوطة كقوله تعالى: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ [المعارج: 38] مدت لأنها بمعنى فعل التنعيم بالنعيم بدليل اقترانها بالروح والريحان وتأخرها عنهما وهما في الجنة. وأما جنة نعيم فبمعنى الاسم الكلي فكتبت مربوطة. الكلمة الثالثة عشرة: ابنت وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم: 12]. وهذا الموضع لا ثاني له في القرآن الكريم فقد مدت التاء تنبيها على معنى الولادة والحدوث من النطفة المهينة. ولم يضف في القرآن ولد إلى والد ووصف به اسم الولد سوى عيسى عليه السلام وأمه فجاء باسم: عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [البقرة: 87] لما اعتقد النصارى أنهما إلهان فنبه سبحانه بولادتهما على جهة حدوثهما بعد عدمهما حتى أخبر تعالى بصفة الإضافة دون الموصوف فقال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: 50] لما غلوا في إلهيته أكثر من أمه كما نبه على حالتهما وتغيير أحوالهما في الوجود فخصهما ما يلحق البشر قال تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [المائدة: 75]. ويلاحظ: أن مجموع هذه الكلمات الثلاث عشرة: إحدى وأربعين كلمة كتبت بالتاء المبسوطة أو المفتوحة.

الكلمات المختلف بقراءتها بالإفراد والجمع

الكلمات المختلف بقراءتها بالإفراد والجمع سبعة هي: الكلمة/ العدد/ السورة/ رقم الآية بينات/ 1/ فاطر/ 40 ءايات/ 2/ يوسف/ 7/ العنكبوت/ 50 الغرفات/ 1/ سبأ/ 37 ثمرات/ 1/ فصلت/ 47/ الأنعام/ 115 كلمات/ 4/ يونس/ 33/ يونس/ 96/ غافر/ 6 جمالت/ 1/ المرسلات/ 33 غيابت/ 2/ يوسف/ 10/ يوسف/ 15 يلاحظ أن مجموع هذه الكلمات اثنتا عشرة كلمة.

والآيات، هي: الكلمة/ الآية بينات/ أم ءاتينهم كتبا فهم على بينت منه ءايات/ لّقد كان فى يوسف وإخوته ءايت للسّائلين/ وقالوا لولا أنزل عليه ءايت من رّبّه الغرفات/ وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ثمرات/ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها/ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ كلمات/ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ/ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ/ وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ جملت/ كأنّه جملت صفر غيبت/ لا تقتلوا يوسف وألقوه فى غيبت الجبّ/ فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيبت الجبّ

من علوم الرسم القرآني الموصول والمفصول

من علوم الرسم القرآني الموصول والمفصول 1 - كل كلمة مؤلفة من حرفين فأكثر تكتب مفصولة عن ما بعدها، أما في الرسم القرآني بالمصحف فقد تأتي مفصولة عما بعدها وقد تأتي موصولة. 2 - معنى المفصول والموصول. - المفصول: هو الكلمة التي تفصل عن التي تليها في رسم المصاحف مثل: (أم من) في قوله تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا [الصافات: 11]. - الموصول: هو الكلمة التي توصل في التي تليها برسم المصاحف العثمانية نحو: (ألا) في قوله تعالى: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [النجم: 38]. 3 - فائدة المفصول والموصول: المتفق على فصله فإنه يجوز الوقوف على الكلمة الأولى عند عذر أو اختبار مثل: (حيث ما) فيجوز الوقف على حيث. والمتفق على وصله يجوز الوقوف على الكلمة عند انقضائها عند عذر أو اختبار مثل: (أما) أما المختلف في وصله وفصله فيجوز الوقوف فيه على الكلمة الأولى أو الثانية.

جدول يبين أقسام المفصول والموصول وكلمات كل قسم وحكمه

جدول يبين أقسام المفصول والموصول وكلمات كل قسم وحكمه أقسام/ عدد الكلمات/ حكم الكلمات/ ملاحظات القسم الأول/ 3 كلمات عن من- حيث ما- أن لم/ الفصل فقط/ إذا وقع الحرف المذكور مفصلا وبعده أنواع عديدة يفصل عما بعده وإذا كانت نوعا واحدا يوصل بما بعده القسم الثاني/ 5 كلمات كالوهم- وزنوهم- أل التعريف مع ما بعدها- هاء التيه مع ما بعدها- ياء النداء مع ما بعدها الوصل فقط القسم الثالث/ 8 كلمات إن ما- عن ما- أم من- كي لا- يوم هم لام مال- إن لم- ابن أم/ الفصل في مواضع وما عداها فموصول إلا كلمة إن لم فالوصل في موضع وما عداها فمفصول

القسم الرابع/ 8 كلمات أن لا- أن ما- إن ما- من ما- بئس ما- في ما- كي ما- أن لو/ الفصل في مواضع والخلاف بين الفصل والوصل في مواضع وما عدا ذلك فحكمه الوصل/ موصولة إلا كلمة أن لو فليس لها مواضع القسم الخامس/ 3 كلمات أين ما- أن لن- لات حين/ الفصل في مواضع والخلاف بين الفصل والوصل في مواضع وما عدا ذلك فحكمه الفصل إلا ولات حين ففيه خلاف/ ولتمام الفائدة أترك الكلام للإمام الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن بدءا من الصفحة 417 وحتى الصفحة 429 حيث يقول:

فصل في الفصل والوصل

فصل في الفصل والوصل - اعلم أن الموصول في الوجود توصل في الخط، كما توصل حروف الكلمة الواحدة، والمفصول معنى في الوجود يفصل في الخط، كما تفصل كلمة عن كلمة. 1 - فمنه «إنما» بالكسر، كله موصول إلا واحدة: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام: 134] لأن حرف «ما» هنا وقع على مفصل، فمنه خير موعود به لأهل الخير، ومنه شر موعود به لأهل الشر، بمعنى «ما» مفصول في الوجود والعلم. 2 - ومنه «أنما» بالفتح كله موصول إلا حرفان: وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ [الحج: 62]، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ [لقمان: 30]. وقع الفصل عن حرف التوكيد، إذ ليس لدعوى غير الله وصل في الوجود، إنما وصلها في العدم والنفي، بدليل قوله تعالى عن المؤمن: أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ [غافر: 43]، فوصل «أنما» في النفي، وفصل في الإثبات، لانفصاله عن دعوة الحق. 3 - ومنه «كلما» موصول كله إلا ثلاثة: كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها [النساء: 91] فما ردوا إليه ليس شيئا واحدا في الوجود، بل أنواع مختلفة في الوجود، وصفة مردهم ليست واحدة بل متنوعة، فانفصل «ما» لأنه لعموم شيء مفصل في الوجود.

وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم: 34] فحرف «ما» واقع على أنواع مفصلة في الوجود. وفي قد أفلح كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44]، والأمم مختلفة في الوجود، فحرف «ما» وقع على تفاصيل موجودة لتفصل وهذا بخلاف قوله: كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ [المائدة: 70]، فإن هؤلاء هم بنو إسرائيل أمة واحدة، بدليل قوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [البقرة: 91] والمخاطبون على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقتلوا الأنبياء، إنما باشره آباؤهم، لكن مذهبهم في ذلك واحد، فحرف «ما» إنما يشمل تفاصيل الزمان، وهو تفصيل لا مفصل له في الوجود إلا بالفرض والتوهم، لا بالحس، فوصلت «كل» لاتصال الأزمنة في الوجود، وتلازم أفرادها المتوهمة. وكذلك: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً [البقرة: 25] هذا موصول، لأن حرف «ما» جاء لتعميم الأزمنة، فلا تفصيل فيها في الوجود، وما رزقوا هو غير مختلف، لقوله تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة: 25]. 4 - ومنه «أينما» موصول إذا كانت «ما» غير مختلفة الأقسام في الفعل الذي بعدها، مثل: أَيْنَما يُوَجِّهْهُ [النحل: 76]، فَأَيْنَما تُوَلُّوا [البقرة: 115] أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا [الأحزاب: 61]، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء: 78] فهذه كلها لم تخرج عن «الأين» الملكي، وهو متصل حسّا، ولم يختلف فيه الفعل الذي مع «ما». وتفصل «أين» حيث تكون «ما» مختلفة الأقسام في الوصف الذي بعدها، مثل: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء: 92] أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4]. 5 - ومنه «بئسما» موصول، إلا ثلاثة أحرف: اثنان في البقرة:

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ [البقرة: 90] بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ [البقرة: 93]. بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي [الأعراف: 150]. فحرف «ما» ليس فيه تفصيل، لأنه بمعنى واحد في الوجود من جهة كونه باطلا مذموما، على خلاف حال «ما» في المائدة: وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [المائدة: 62]، فحرف «ما» يشتمل على الأقسام الثلاثة التي ذكرت قبل. وكذلك: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ [المائدة: 80] حرف «ما» مفصول، لأنه يشمل ما بعده من الأقسام. 6 - ومنه: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: 13]، يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ [غافر: 16] حرفان، فصل الضمير منهما لأنه مبتدأ، وأضيف «اليوم» إلى الجملة المنفصلة عنه. يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ [الطور: 45] و: يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف: 83]، وصل الضمير لأنه مفرد، فهو جزء الكلمة المركبة من «اليوم» المضاف والضمير المضاف إليه. 7 - ومنه «في ما» مفصول أحد عشر حرفا: فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة: 240]، وذلك لأن «ما» يقع على فرد واحد «من» أنواع ينفصل بها المعروف في الوجود «وما» على البدلية أو الجمع، يدل على ذلك تنكيره «المعروف» ودخول حرف التبعيض عليه، فهو حسّي يقسم، وحرف «ما» وقع على كل واحد منهما على البدلية أو الجمع، وأما قوله: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234]، فهذا موصول لأن «ما» واقعة على شيء واحد غير مفصل، يدلك عليه وصفه بالمعروف.

وكذلك: فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ [الأنبياء: 102] وهو مفصل، لأن شهوات الأنفس مختلفة أو مفصلة في الوجود. وكذلك فتدبره في سائرها. 8 - ومنه: لِكَيْلا موصول في ثلاثة مواضع، وباقيها منفصل، وإنما يوصل حيث يكون حرف النفي دخل على معنى كلي فيوصل، لأن نفي الكلي نفي لجميع جزئياته، فعلة نفيه هي علة نفي أجزائه، وليس للكلي المنفي أفراد في الوجود، وإنما ذلك فيه بالتوهم، ويفصل حيث يكون حرف النفي دخل على جزئي، فإن نفي الجزئي لا يلزم منه نفي الكلي، فلا تكون علته علة لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً [الحج: 5]، لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب: 50]. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ [الحديد: 23]. فهذه هي الموصولة، وهي بخلاف لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً [النحل: 70] في النحل، لأن الظرف في هذا خاص الاعتبار، وهو في الأول عام الاعتبار لدخول «من» عليه، وهذا كقوله تعالى في أهل الجنة في: قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ [الطور: 26]، اختص المظروف بقبل في الدنيا، ففيها كانوا مشفقين خاصة. وقال تعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 26] فهذا الظرف عام لدعائهم بذلك في الدنيا والآخرة فلم يختص الظروف بقبل بالدنيا. وكذلك: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً [الأحزاب: 37] فهذا المنفي هو حرج مقيد بظرفين. وكذلك: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ [الحشر: 7] فهذا النفي هو كون: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الحشر: 7] دولة بين الأغنياء من المؤمنين، وهذه قيود كثيرة.

9 - ومن ذلك «هم» ونحوه من الضمائر تدل على جملة المسمى من غير تفصيل، والإضمار حال لا صفة وجود، فلا يلزمها التقسيم الوجودي إلا الوهمي والخطأ بما يرسم على العلم الحق. 10 - ومن ذلك «مال» أربعة أحرف مفصولة، وذلك أن اللام وصلة إضافية، فقطعت حيث تقطع الإضافة في الوجود: فأولها: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ [النساء: 78]، وهذه الإشارة للفريق الذين نافقوا من القوم الذين قيل: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء: 77] فقطعوا وصل السيئة بالحسنة في الإضافة إلى الله ففرقوا بينهما، كما أخبر سبحانه والله قد وصل ذلك وأمر به في قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فقطعوا في الوجود ما أمر الله به أن يوصل، فقطع لام وصلهم في الخط علامة لذلك. وفيه تنبيه على أن الله يقطع وصلهم بالمؤمنين، وذلك في يوم الفصل: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13] والثاني: وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف: 49]. وهؤلاء قطعوا بزعمهم وصل جعل الموعد لهم بوصل إحصاء الكتاب، وعدم مغادرته لشيء من أعمالهم في إضافتها إلى الله، فلذلك ينكرون على الكتاب في الآخرة، ودليل ذلك ظاهر من سياق خبرهم في تلك الآيات من الكهف. والثالث: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان: 7] فقطعوا وصل الرسالة لأكل الطعام فأنكروا فقطعوا قولهم هذا ليزول اعتقادهم أنه رسول. فقطع اللام علامة لذلك. والرابع: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ [المعارج: 36] هؤلاء الكفار تفرقوا جماعات مختلفة، كما يدل عليه: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [المعارج: 37]

قطعوا وصلهم في قلوبهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فقطع الله طمعهم في دخول الجنة، ولذلك قطعت اللام علامة عليه. 11 - ومن ذلك: ابْنَ أُمَّ في الأعراف مفصول، على الأصل: (يبنؤمّ) [طه: 94] موصول لسر لطيف، وهو أنه لما أخذ موسى برأس أخيه اعتذر إليه فناداه من قرب على الأصل الظاهر في الوجود، ولما تمادى ناداه بحرف النداء، ينبهه لبعده عنه في الحال، لا في المكان، مؤكدا لوصلة الرحم بينهما بالربط، فلذلك وصل في الخط، ويدل عليه نصب «الميم» ليجمعها الاسم بالتعميم. 12 - ومن ذلك ستة أحرف لا توصل بما بعدها، وهي: الألف، والواو، والدال، والذال، والراء، والزاي، لأنها علامات لانفصالات ونهايات، وسائر الحروف توصل في الكلمة الواحدة.

فصل في بعض حروف الإدغام

فصل في بعض حروف الإدغام 1 - فمنه: عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ [الأعراف: 166] فرد ظهر فيه النون وقطع عن الوصل، لأن معنى «ما» عموم كلي تحته أنواع مفصلة في الوجود غير متساوية في حكم النهي عنها، ومعنى «عن» المجاوزة، والمجاوزة للكلي مجاوزة لكل واحد من جزئياته، ففصل علامة لذلك. 2 - وكذلك: «من ما» ثلاثة أحرف مفصولة لا غير فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: 25]، هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [الروم: 28]، وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ [المنافقون: 10]. وحرف «ما» في هذه كلها مقسم في الوجود بأقسام منفصلة غير متساوية في الأحكام، وهي بخلاف قوله: مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة: 79]، فإنها وإن كان تحتها أقسام كثيرة فهي غير مختلفة في وصفها بكتب أيديهم، فهو نوع واحد يقال على معنى واحد من تلك الجهة هو في إفراده بالسوية. 3 - وكذلك: «أم من» بالفصل، أربعة أحرف لا غير: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء: 109]، أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ [التوبة: 109]، أَمْ مَنْ خَلَقْنا [الصافات: 11]، مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ [فصلت: 40] فهذه الأربعة الأحرف «من» فيها تقسم في الوجود أنواع مختلفة في الأحكام بخلاف غيرها مثل: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا [الملك: 22] فهذا موصول، لأنه من نوع واحد حيث يمشي على صراط مستقيم. وكذا: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً [النمل: 61]، لا تفاصل تحتها في الوجود.

4 - وكذلك: «عن من» مفصول: حرفان: عَنْ مَنْ يَشاءُ [النور: 43]، عَنْ مَنْ تَوَلَّى [النجم: 29] حرف «من» فيهما كلي وحرف «عن» للمجاوزة، والمجاوزة عن الكلي مجاوزة لجميع جزئياته دون العكس، فلا وصلة بين الجزءين في الوجود فلا يوصلان في الخط. 5 - وكذلك «ممن» موصول كله لأن «من» بفتح الميم جزئي بالنسبة إلى «ما» فمعناه «أزيد» من جهة المفهوم، ومعنى «ما» أزيد من جهة العموم، والزائد من جهة المفهوم منفصل وجودا بالحصص، والحصة منه لا تنفصل، والزائد من جهة المفهوم لا ينفصل وجودا. 6 - وكذلك: وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ [الرعد: 40] فرد مفصول، ظهر فيها حرف الشرط في الخط لوجهين: أحدهما: أن الجواب المرتب عليه بالفاء ظاهر في موطن الدنيا، وهو البلاغ، بخلاف قوله: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ [غافر: 77] فإنه أخفى فيه حرف الشرط في الخط لأن الجواب المرتب عليه بالفاء خفي عنها، وهو الرجع إلى الله. والثاني: أن القصة الأولى منفصلة من الشرط وجوابه، وانقسم الجواب إلى جزءين: أحدهما: الترتيب بالفاء وهو البلاغ، والثاني: المعطوف وهو الحساب. وأحدهما: في الدنيا، والآخر في الآخرة. والأول: ظاهر لنا، والثاني: خفي عنا. وهذا الانقسام صحيح في الوجود، فقد انقسمت هذه الشرطية إلى شرطين لانفصال جوابها إلى قسمين متغايرين، ففصل حرف الشرط علامة لذلك، وإذا انفصلت لزم كتبه على الوقف، والشرطية الأخرى لا تنفصل، بل هي واحدة لإيجاد جوابها، فانفصال حرف الشرط علامة لذلك. 7 - وكذلك: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا [القصص: 5] فرد في القصص ثابت

النون، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا [هود: 14] فرد بغير نون، أظهر حرف الشرط في الأول لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو: فَاعْلَمْ [القصص: 50] متعلق بشيء ملكوتي ظاهر، سفلي وهو اتباعهم أهواءهم، وأخفى في الثاني لأن جوابه المترتب عليه بالفاء هو علم متعلق بشيء ملكوتي خفي، علوي وهو إنزال القرآن بالعلم والتوحيد. 8 - ومن ذلك: «أن لن» كله مفصول إلا حرفان: أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً [الكهف: 48] أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [القيامة: 3] سقطت النون منهما في الخط تنبيها على أن ما زعموا وحسبوا هو باطل في الوجود وحكم ما ليس بمعلوم نسبوه إلى الحي القيوم، فأدغم حرف توكيدهم الكذب في حرف النفي السالب هو، بخلاف قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن: 7] فهؤلاء لم ينسبوا ذلك لفاعل، إذ ركب الفعل لما لم يسم فاعله، وأقيموا فيه مقام الفاعل، فعدم بعثهم تصوروه من أنفسهم، وحكموا به عليها توهما، فهو كاذب من حيث حكموا به على مستقبل الآخرة، ولكونه حقا بالنسبة إلى دار الدنيا الظاهرة ثبت التوكيد ظاهرا وأدغم في حرف النفي من حيث الفعل المستقبل الذي هو فيه كاذب. 9 - ومن ذلك كل ما في القرآن «أن لا» فهو موصول إلا عشرة مواضع فهي مفصولة تكتب النون فيها باتفاق، وذلك حيث ظهر في الوجود صحة توكيد القضية ولزومها: أولها: أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: 105]، أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [الأعراف: 169]. وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ [التوبة: 118] وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [هود: 14]، و: أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ [هود: 26] أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج: 26] أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ [يس: 60] وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ [الدخان: 19] أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً [الممتحنة: 12] أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا [القلم: 24]. وواحد فيه خلاف أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ [الأنبياء: 87].

فتأمل كيف صح في الوجود هذا التوكيد الأخير، فلم يدخلها عليهم مسكين على غير ما قصدوا وتخيلوا فيه. وكذلك لام التعريف المدغمة في اللفظ في مثلها أو غيرها، لما كانت للتعريف- وشأن المعرف أن يكون أبين وأظهر، لا أخفى وأستر- ظهرت في الخط، ووصلت بالكلمة، لأنها صارت جزءا منها من حيث هي معرفة بها، هذا هو الأصل، وقد حذف حيث يخفى معنى الكلمة مثل «الليل» فإنه بمعنى مظلم لا يوضّح الأشياء بل يسترها ويخفيها، وكونه واحدا إما للجزئي أو للجنس فأخفي حرف تعريفه في مثله، فإن تعين للجزئي بالتأنيث رجع إلى الأصل. ومثل «الذي» و «التي» وتثنيتهما وجمعهما، فإنه مبهم في المعنى والكم، لأن أول حده للجزئي وللجنس وكثيرة للثلاث أو غيرها، ففيه ظلمة الجهل كالليل، ومثل للجزئي في الإيجاب، فإن لام التعريف دخلت على «لا» النافية وفيها ظلمة العدم كالليل، ففي هذه الظلمات الثلاث يخفى حرف التعريف وكذلك «الأيكة» نقلت حركة همزتها على لام التعريف وسقطت همزة الوصل لتحريك اللام، وحذفت ألف عضد الهمزة ووصل اللام، فاجتمعت الكلمتان، فصارت «ليكة» علامة على اختصار وتلخيص وجمع في المعنى، وذلك في حرفين: أحدهما: في الشعراء جمع فيه قصتهم مختصرة وموجزة في غاية البيان، وجعلها جملة، فهي آخر قصة في السورة بدليل قوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً [الشعراء: 8] فأفردها، والثاني في ص، جمع الأمم فيها بألقابهم وجعلهم جهة واحدة، هم آخر أمة فيها، ووصف الجملة، قال تعالى: أُولئِكَ الْأَحْزابُ [ص: 13]، وليس الأحزاب وصفا لكل منهم، بل هو وصف جميعهم. وجاء بالانفصال على الأصل حرفان نظير هذين الحرفين: أحدهما: وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ [الحجر: 78]. أفردهم في الذكر والوصف. والثاني: وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ [ص: 13] جمعوا

فيه مع غيرهم، ثم حكم على كل منهم لا على الجملة، قال تعالى: كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ [ق: 14]، فحيث يعتبر فيهم التفضيل فصل لام التعريف، وحيث يعتبر فيهم التوصيل وصل للتخفيف. وكذلك لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف: 77] حذفت الألف ووصلت، لأن العمل في الجدار قد حصل في الوجود، فلزم عليه الأجر واتصل به حكما بخلاف: لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا [الإسراء: 73] ليس فيه وصلة اللزوم». انتهى كلام العلامة الزركشي

بيان بعدد حروف الهجاء في القرآن الكريم من كتاب نهايات البيان في علوم القرآن للشيخ ظفر علي

بيان بعدد حروف الهجاء في القرآن الكريم من كتاب نهايات البيان في علوم القرآن للشيخ ظفر علي الحرف/ العدد/ الحرف/ العدد/ الحرف/ العدد/ الحرف/ العدد الألف/ 38283/ الهمزة/ 28718/ الباء/ 11490/ التاء/ 12864 الثاء/ 1414/ الجيم/ 3317/ الحاء/ 4138/ الخاء/ 2492 الدال/ 5991/ الذال/ 4932/ الراء/ 12401/ الزاي/ 1599 السين/ 6010/ الشين/ 2421/ الصاد/ 2072/ الضاد/ 1687 الطاء/ 1276/ الظاء/ 850/ العين/ 9405/ الغين/ 1221 الفاء/ 8746/ القاف/ 7034/ الكاف/ 10497/ اللام/ 38098 الميم/ 26832/ النون/ 27269/ الهاء/ 14849/ الواو/ 24816 الياء/ 21964

عدد سور القرآن الكريم/ 114 سورة عدد كلمات القرآن الكريم/ 77439 كلمة عدد حروف القرآن الكريم/ 323015 حرفا عدد آيات القرآن الكريم/ 6236 آية/ 8 أنصاف/ نصفه بالحروف النون من كلمة نكرا بالكهف وقيل الفاء من يتلطف عدد أنصاف القرآن الكريم/ نصفه بالكلمات كلمة والجلود في سورة الحج/ نصفه بالآيات يأفكون بالشعراء/ ونصفه على عدد السور الحديد

استدل بعضهم على أن عمر المسيح/ 33/ سنة قبل أن يرفع إلى السماء بعدد الكلمات بقوله تعالى: قال/ إني/ عبد/ الله/ آتاني/ الكتاب/ وجعلني/ نبيا/ وجعلني/ مباركا/ أين 1/ 2/ 3/ 4/ 5/ 6/ 7/ 8/ 9/ 10/ 11 ما/ كنت/ وأوصاني/ بالصلاة/ والزكاة/ ما دمت/ حيا/ وبرا/ بوالدتي/ ولم/ يجعلني 12/ 13/ 14/ 15/ 16/ 17/ 18/ 19/ 20/ 21/ 22 جبارا/ شقيا/ والسلام/ علي/ يوم/ ولدت/ ويوم/ أموت/ ويوم/ أبعث/ حيا 23/ 24/ 25/ 26/ 27/ 28/ 29/ 30/ 31/ 32/ 33

تقسيم سور القرآن

تقسيم سور القرآن تقسيم إلى أربعة أقسام: طوال- مئين- مثاني ومفصل. 1 - الطوال عددها سبع، وهي: (البقرة- آل عمران- النساء- المائدة- الأنعام- الأعراف)، وقيل: السابعة الأنفال وبراءة معا وقيل يونس. 2 - المئون: وهي كل سورة تزيد آياتها على مائة أو تقاربها. 3 - المثانيك: وهي تليها في عدد الآيات وتقع بين المئين والمفصل وسميت بذلك لأنها تثنى أو تكرر بالقراءة أكثر من المئين والطوال. 4 - المفصل وسمي بذلك لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة أو لأنه فصل قاطع فلا يوجد فيه نسخ أوله/ ق/ أو الحجرات وآخره سورة الناس. ويقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا: - طويل: من أوله/ ق/ أو الحجرات إلى عم أو البروج. - وسط: من عم أو البروج إلى الضحى. - قصير: من الضحى إلى الناس. فائدة هذا التقسيم: لتيسير الحفظ على الناس وإعانتهم على القراءة.

فضل آية الكرسي

فضل آية الكرسي أ- في الصحيحين عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أي آية في كتاب الله أعظم؟»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبي أتدري أيّ آية في كتاب الله أعظم؟». قال قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255]. قال: فضرب في صدري، وقال: «ليهنك العلم أبا المنذر». ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سيد آي القرآن آية الكرسي» أخرجه الحاكم. ج- وفي الترمذي مرفوعا غريبا: «لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية الكرسي». د- قال ابن العربي: «إنما صارت آية الكرسي أعظم لعظم مقتضاها. فإن الشيء إنما يشرف بشرف ذاته ومقتضاه ومتعلقاته. وهي في آي القرآن ك: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] في سوره. وهذه آية فسورة الإخلاص اقتضت التوحيد في خمسة عشر حرفا «كلمة»، وآية الكرسي اقتضت التوحيد في خمسين حرفا فظهرت القدرة في الأعجاز بوضع معنى معبر عنه مكتوب مدده سبعة الأبحر لا ينفد عدد حروفه خمسون كلمة. ثم يعبر عن معنى الخمسين خمسة عشر كلمة وذلك كله بيان لعظم القدرة والانفراد بالوحدانية. البرهان في علوم القرآن الجزء الأول صفحة «442»

هـ- اشتملت آية الكرسي على «17» موضعا فيها اسم الله ظاهرا أو ملحوظا وهي: الله/ لا إله إلا هو/ الحي/ القيوم/ ضمير لا تأخذه/ ضمير له 1/ 2/ 3/ 4/ 5/ 6 ضمير عنده/ ضمير بإذنه/ ضمير يعلم/ ضمير علمه/ ضمير شاء/ ضمير كرسيه 7/ 8/ 9/ 10/ 11/ 12 ضمير يئوده/ وهو/ العلي/ العظيم/ ضمير حفظهما 13/ 14/ 15/ 16/ 17 17 - ضمير حفظهما عند فك المصدر فنقول ولا يئوده أن يحفظهما «هو» - وروى ابن عينية في جامعه عن أبي صالح عنه: فيها «بسورة البقرة» وهي سنام آي القرآن ولا تقرأ في دار فيها شيطان إلا خرج منها.

الأمثال في القرآن الكريم

الأمثال في القرآن الكريم 1 - روى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن القرآن أنزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكّم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال». 2 - وحقيقة المثل: إخراج الغامض إلى الظاهر: ولما للأمثال من فوائد امتن الله علينا بقوله: وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: 45]، وبقوله: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: 43]، وسمي مثلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدا أي: شاخص فيتأسى به ويتعظ. 3 - ويأتي المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النحل: 60] وقوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ [الرعد: 35]. 4 - والعرض من المثل: تشبيه الخفي بالحسي، والغائب بالشاهد كتشبيه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة. 5 - ويستعمل المثل لبيان الحال كقوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17]. 6 - ويستعمل للوصف: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النحل: 60] كما مر في الصفحة أعلاه، وكقوله تعالى ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ [الفتح: 29]، وكقوله تعالى: كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ [البقرة: 264].

7 - قال بعضهم المثل والمثل شيء واحد، وقال آخرون: لو كان المثل والمثل سيان للزم التنافي في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] وبين وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى [النحل: 60] فإن الأولى نافية والثانية مثبتة له. 8 - وقد ضرب الله أمثالا كثيرة في القرآن الكريم. فضرب للمنافقين مثلين: مثلا: بالنار، ومثلا: بالمطر فقال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ [البقرة: 17 - 19]. 9 - ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فجعل الجنادب والفراشات يقعن فيها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي». 9 - مثل من أمثال القرآن الكريم وتوضيحه: 1 - قال تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [الرعد: 17]. في هذه الآية مثلان: - الأول: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد: 17]. وتوضيح هذا المثل يأتي بعد قليل.

- الثاني: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ [الرعد: 17] ابتغاء حلية كالذهب والفضة والنحاس وغيرها من معادن الأرض فيعلوها الخبث والزبد. وإنما يوقدون عليه ليزول منه ما علق من تراب الأرض وغيره. والمثلان ضربهما الله للحق والباطل، فالباطل: وإن علا في كسبهن الأحباب يضمحل كالزبد. والحق: كالمعدن الذي يخلص نقيا بعد اختباره بالنار. واكتفي بهذا القدر الموجز عن المثل الثاني لأوضح المثل الأول. توضح المثل الأول: أ- هذه الصورة حسية تجري تحت سمع الناس وبصرهم ماء ينزل من السماء فتسيل منه الأودية ويعلوه الزبد. ويطفو على سطحه ويغيب في الأرض قسم منه. ب- فما المراد بهذه الصورة؟ ليس المقصود بهذه الصورة ظاهرها لأن الله تعالى يقول بالآية: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ويقول: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ. وأولى من نأخذ عنه تفسير القرآن الكريم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله: ونفعه ما بعثني الله به ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» متفق عليه.

- العنصر الأول:

فالرسول صلّى الله عليه وسلّم يشبه ما جاء به من الوحي والعلم بالمطر، وعلى ضوء هذا التفسير النبوي يمكن دراسة المثل في الآية الكريمة. د- هذا المثل في الآية مؤلف من أربعة عناصر هي: 1 - قد جاءنا من الله علم وهدى مثله كمثل الغيث المبارك. 2 - الذين جاءهم العلم كالأرض التي نزل عليها الغيث. 3 - هذا الهدى يجري في أعماق قلوبهم كما يجري الغيث في أعماق الأرض وقلوب الناس تقبل من الهدى حسب طبيعتها بالضيق والسعة كما يقبل كل واد من الغيث حسب ضيقه وسعته. 4 - لب العبرة في المثل: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد: 17] والزبد رغوة ذات فقاقيع تطفو على سطح الماء ثم لا تلبث أن تزول تاركة تحتها الماء النافع، فالباطل في تفاهته وسرعة زواله كالزبد والحق في أصالته وبقائه كالماء النافع الذي جعل منه الله تعالى كل شيء حي. هـ- التوسع في توضيح هذا المثل: - العنصر الأول: الإنسان مؤلف من جسم وروح فليس من المعقول والحكمة أن ينزل الله للأجسام ما تحتاجه وتتغذى به ويهمل الروح التي هي أهم شيء في هذا الكائن الحي وبذلك تتبدد شبهات الملاحدة الذين ينكرون النبوات ورسالة السماء. وهذا الذي أنزله الله للقلوب والأرواح مقابل الماء الذي أنزله الله للأجسام والأبدان وهو الوحي: روح القلوب وسر حياتها فإذا سرى الوحي في الأرواح عاشت كما يعيش الجسم إذا سرى فيه الماء، قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى: 52].

و - العنصر الثاني:

والعنصر الثاني: إن حياة النفوس بهدى الله تعالى ولا حياة لها بغيره كما أن حياة الأرض بالماء ولا حياة لها بدونه فلا حياة لها بذهب أو فضة أو مال ولا غير ذلك، فبالماء وبالماء فقط تحيا الأرض فالذين يظنون أن تحيا نفوسهم بغير ما أنزل الله من مدنيات أو علوم خالية من الروح، أو يظنونها تحيا بكثرة ما يجمعون من عرض الدنيا إذ لا موت إلا فيما يطلبون ولا حياة إلا فيما يعرضون عنه ويدعون. قال تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 122]. فهؤلاء: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل: 21]. ما داموا بعيدين عن مصدر الحق كما تموت الأرض إذا بعدت عن الماء والله ينادينا فيقول: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الحديد: 17]. وأرض القلوب والنفوس كهذه الأرض التي نعيش عليها. فقد قال قبل هذه الآية: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الحديد: 16 - 17]. - إن للماء الذي يسري في الأرض شاهدا ملموسا نراه في الزرع والزهر والشجر والثمر فهل بحياة النفوس والقلوب بالوحي من آثار؟ نعم. ومنها:

1 - الشعور بالرضا والغبطة فليس للكم القليل أو الكثير حساب في غبطته ورضاه وإنما هو سر نبع في وجدانه من عالم غير عالم الكميات التي يحيط بها العد ويقدرها الكيل والميزان. فهو سعيد بغير سبب من أسبابنا المنظورة. 2 - أن يشعر بيسر ما يلقى عليه من أعباء الحياة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4]. لأنه لا يعمل بطاقته الظاهرة فقط بل بمدد من الطاقة الروحية أيضا. 3 - يحل في نفسه حب الفضيلة وبغض الرذيلة وتتلاشى في نظره الفوارق الاجتماعية. 4 - يجعل حب الدنيا في يده فيضمها ويقبضها متى شاء ولا يجعلها بقلبه وبذلك يسيطر على الشهوات ولا تسيطر عليه الشهوات فيكون عبدا لها، فهو سيد على ماله لا عبدا له قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14]. 5 - ليست الحياة في نظر من يؤمن بالوحي صراعا على حطام الدنيا، وليست شهوة حسية بل هي عبودية مطلقة لله تعالى، من خلق كريم وتضحية وجهاد وإيثار وشجاعة وعند ذلك يكون هذا الكائن الحي هو الزرع المبارك الكريم، الذي ينبت في أرض بشريتنا كما نبت قديما برعاية الرسول صلّى الله عليه وسلّم في بشرية الصحابة رضوان الله عليهم، حين سقيت وهي ميتة بوحي الله العظيم. فأصبحوا كما قال الله فيهم: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ [الفتح: 29].

ز - العنصر الثالث:

ز- العنصر الثالث: إن الأودية تختلف سعة وضيقا، فأعظمها شأنا أكثرها ماء. وأبعدها عمقا واتساعا، وأصلحها لإمداد الأرض بالماء. وثمرة ذلك كثرة الثمار والأشجار على جانبيه وامتداد الحقول والبساتين من حوله. وكذلك الناس تتفاوت قلوبهم في تقبل أمر الله، فمنهم من يمتلئ ويتقبل الكثير، ومنهم من يقبل دون ذلك أو لا يتسع لما يتسع له الأول. وعلى هذا تتفاوت أقدار الناس. فأعلاهم قدرا أكثرهم إحاطة ووعيا لما أنزله الله، وأعظمهم إفاضة على العباد ونفعا لهم. وثمرة ذلك أن تينع شجرة التقوى في القلب وتستفيض دائرة الهدى والخير من حوله وتهوى أفئدة الناس إلى منهاجه والاقتداء به. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفرح بكثرة أتباعه ويفخر بهم ويحث على أن يتكاثروا، هذا ولكل واد طاقة يتقبل الماء بقدرها فإذا أمد بما فوق طاقته كان طغيانا وفيضانا وتخريبا وتدميرا وإتلافا. كذلك لكل نفس طاقة تقف عندها في تقبل هدى الله وعلمه فإذا أراد المرء أن يحمل فوق طاقته تمزق بالسأم والصد عن الله. «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى». فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أزاغها وإن شاء أقامها، مثل ذلك في قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56]، والوادي قبل أن يأتيه السيل يكون جافا ممتلئا بالقش وغير ذلك، فإذا أتاه السيل أخذ ذلك وأصبح الوادي طريا وطفا القش والأوراق على سطح الماء. وكذلك هدى الله إذا جرى في قلوب العباد طهرها وأزال ما فيها من أكدار الطبائع ودنسها فلا يبقى شيء منها في القلوب، بل تطفو متخذة سبيلها إلى الزوال السريع.

ح - العنصر الرابع:

ح- العنصر الرابع: الزبد رغوة ذات فقاقيع تظهر على وجه الماء حين يخضه الجريان أو حين يضطرب لسبب ما ولا تلبث أن تذهب رغوته إلى لا شيء وموقع الزبد في هذا المثل صورة دقيقة لموقع الباطل إلى جانب الحق في قوله: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ [الرعد: 17] فالزبد: هو الباطل، والأودية قلوب الناس والماء هو الوحي. ط- الزبد وعناصر تكوينه: ليس الزبد عنصرا من عناصر الماء وإن وجد على سطحه وهو ظاهرة عابرة عارضة. غازات وهباء وليونته وطراوته مستمدة من الماء، فهو لا شيء. وكذلك شأن الباطل إلى جانب الحق. فالحق جوهر الأصالة لكل شيء في الوجود. والباطل لا أصل له. ونسبته إلى الحق كنسبة فقاعة الزبد إلى الماء فهو غرور الأهواء يحاول أن يبدو للناس في أثواب الأصالة التي يبدو فيها الحق فينخدع بذلك أهل الغفلة وقصار النظر. والعقبى للحق الذي يتضمن عناصر البقاء. وإذا كانت فقاعة الزبد تستعير ليونة الماء لتستر لا شيء، وهكذا الباطل يدعم وجوده إنما يحاول دعم لا شيء. فهو هيّن كهوان الفقاعة المتطايرة الضائعة، وإذا أخذت حفنة كبيرة من هذا الزبد لا فقاعة واحدة. فانظر ماذا يبقى بكفك من هذا الهباء الذي يتألف من الزبد. ي- الباطل في نظر أهل الحق: ليس للباطل فائدة وليس له قوة فإزالته كزوال الزبد إذا أخذته بكفك من الماء. وإلى هذا يشير القرآن الكريم. لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 196 - 197] ..

ك - أهواء الباطل وغازات الزبد:

ك- أهواء الباطل وغازات الزبد: هذه الغازات تكونت من عفونة أجسام تحللت وفسدت ببعض عوامل التحليل والفساد. وبهذه الغازات كثر الزبد وكبرت فقاعاته. وهذه الغازات يقابلها أهواء المرء وشهواته، فإذا كانت الغازات هي العامل الأساسي في تكوين الزبد فالأهواء والشهوات هي العامل الأساسي لوجود كل باطل على ظهر هذه الأرض. فأي شيء في الإنسان ضربه العفن والفساد؟ لقد جاء العفن منذ أن خلقه الله من طين خسيس بالأصل المكنون بالحمإ المسنون والماء المتجدد يطهر العفن ويزيله كماء الوادي. وكذلك الوحي، يزيل العفن من نفوسنا ويطهرنا، ففطرنا على الإيمان بالله. ل- التقاء الزبد والباطل: 1 - كل منها ظاهرة عارضة ضائعة الأصل والنسبة. 2 - كل منها شيء لا نفع له ولا ثمرة ينتهي إليها. 3 - كل منها سريع التحول والزوال لا استقرار له ولا دوام. 10 - مثل من السنة وتوضيحه واختم هذا المثل بمثل من السنة المطهرة لبيان تقريب المعاني الذهنية إلى الفهم عن طريق الأمثال ولبيان بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلّم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله سبحانه وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وأنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى عليه السلام: إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها. فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم». فقال يحيى: أخشى إن سبقتني أن يخسف بي أو أعذب. فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف. فقال: إن الله تبارك

وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن: - أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك. - وإن الله يأمركم بالصلاة. فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. - وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك، فكلهم يعجب ويعجبه ريحه وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك. - وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل ولكثير ففدى نفسه منهم. - وآمركم أن تذكروا الله تعالى فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم. كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله». رواه أحمد والترمذي.

من قصص القرآن الكريم

من قصص القرآن الكريم أولا: تعريف القصص: القصص لغة تتبع الأثر والقصص يأتي بمعنى المصدر كما في سورة الكهف فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً [الكهف: 64]، أي: رجعا يقصان الأثر الذي جاءا به. وفي التنزيل على لسان أم موسى: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ [قصص: 11] أي تتبعي أثره. والقصص: الأخبار المتتبعة: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران: 62]. وقوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف: 111]. وقصص القرآن الكريم: إخباره عن الأنبياء والأمم الماضية والحوادث الواقعة. ثانيا: أنواع القصص القرآنية: 1 - الإخبار عن الأنبياء السابقين وما جرى لهم مع أممهم كقصة موسى وصالح وهود وشعيب وغيرهم. 2 - قصص غير الأنبياء كأصحاب الكهف وذي القرنين وقارون وأصحاب الأخدود. 3 - قصص تتعلق بالحوادث التي وقعت للرسول صلى الله عليه وسلّم كحديث الإفك، وغزوة بدر، وأحد، والخندق، وتبوك. وحادثتي الهجرة والإسراء والمعراج.

ثالثا:

ثالثا: القصص القرآني حقائق تاريخية قاطعة لا خيالات متصورة مسبوكة: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ [الكهف: 13]. إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران: 62]. نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ [القصص: 3]. رابعا: فوائد القصص القرآني: أ- تثبيت قلب الرسول صلى الله عليه وسلّم عند ما يحدثه القرآن الكريم عما لاقاه الرسل قبله من أذى، وكيف كانت لهم العاقبة. ب- إيضاح أسس الدعوة إلى الله. ج- تصديق الأنبياء السابقين. د- صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم. هـ- مقارعة أهل الكتاب بالحجة والبرهان، كقوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران: 93]. خامسا: تكرار القصص القرآني: القصة الواحدة يتعدد ذكرها في القرآن الكريم وتعرض في سور مختلفة تقديما وتأخيرا وإطنابا وإيجازا لبيان بلاغة القرآن الكريم وقوة إعجازه ولتتمكن القصة من النفوس. ولاختلاف الغاية التي تساق القصة من أجلها.

قصة من قصص القرآن الكريم

قصة من قصص القرآن الكريم وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (28) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها

أولا:

وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (37) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [النمل: 15 - 44]. لا أريد أن أسرد هذه القصة فهي مبسوطة وموضحة في كتب التفسير وبما أن في القصص عبرة فسأوضح بعض هذه العبر. أولا: في هذه القصة تقرير القواعد الأصلية المادية والروحية لقيام الدولة الفاضلة، وهي: أ- القوة. ب- العلم. ج- الرسالة. د- إيمان الرئيس الأعلى وعنايته بكل شيء. هـ- إيمان أفراد الشعب برسالة الدولة. أ- القوة: تجمع قوة الأبدان وكثافة الجنود المدربين ووفرة الأسلحة: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل: 17]

ب - العلم:

يدفعون حفظا لنظامهم والبقاء على تنظيم صفوفهم لكثرتهم فهم من كل الأجناس من الجن والإنس والطير، وهذا الجيش الذي لا مثيل له ولا نظير يبعث الرعب في النفوس حتى النمل تخاف منه: حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18]. ويعرف سليمان عليه السلام قوة جيشه فيقول للهدهد: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ [النمل: 37]. تصوير رائع في كلام موجز لم يترك ناحية من نواحي الجند إلا ألم بها. كثرة العدد والنظام والقوة بتعدد الأجناس- إلقاء الرعب في قلوب المخلوقات حتى التي لم يقصدها الجيش كالنمل فهو جمد مظفر بإذن رب العالمين. ب- العلم: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ [النمل: 15 - 16]. وهذه الوراثة وراثة علم لا وارثة مال وفي الحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»، والتفاهم مع الطير وتعلم منطقها علم لم تتوصل إليه البشرية إلى اليوم. وهو علم اللغات والعلم من كل شيء. ومنطق الطير نجده في حواره مع الهدهد. حتى كان يفهم ما تقوله الحشرات كالنملة التي تحدثت مثلا، فقالت: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ

ج - الرسالة:

(18) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل: 18 - 19]. - وأما ما عدا اللغات من العلوم فتجده في قوله تعالى: وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل: 16]. - وثمرة هذا العلم العملية: السيطرة على القوى المختلفة في هذا الكون وتسخرها لمنافع الدولة وسكانها. - وقد استعمل هذا العلم ليدهش ملكة سبأ وملأها ويلين قلوبهم للإيمان بأن جاء بعرشها إليه والمسافة بعيدة، وجاء به الذي عنده علم من الكتاب. قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 38 - 40]. ج- الرسالة: في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 10 - 13]. فلقد سخر الله لسليمان العلم وقوى الطبيعة.

د - إيمان الرئيس الأعلى وعنايته بكل شيء:

- ولهذا يرسل سليمان بهذا الكتاب الموجز لملكة سبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل: 30 - 31]، كتاب موجز جامع قاطع حازم الإصرار على إنزالهم على حكم الإسلام، فتقول بعد ذلك ملكة سبأ: قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [النمل: 44]. د- إيمان الرئيس الأعلى وعنايته بكل شيء: فقد كان سليمان عليه السلام يتفقد كل شيء حتى الهدهد بين هذه الملايين من المخلوقات: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ مالِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [النمل: 20 - 21]. وهنا نجد العناية بكل شيء مضافا إلى ذلك الحزم في محاسبة من يخالف النظام وهذه العناية سببها وباعثها إيمان سليمان بدولته ووضوح الأهداف أمامه ومعرفة ما يجب أن يعمل، وذلك ليكون هذا الرسول قدوة لمن يلي أمور الناس بعده: - وسليمان عليه السلام لم يأخذ اعتذار الهدهد قضية مسلمة بل وضعها موضع التحقيق والاختبار: قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ [النمل: 27]. - والوقوف عند المبدأ والغاية واضح فلا الأموال الضخمة ولا الكنوز والجواهر تبعد فيه قيد أنملة عن هدفه، ولذلك لم يقبل الهدايا التي أرسلتها بلقيس لإغرائه وقال متهكما: قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ [النمل: 36 - 37].

هـ - إيمان أفراد الشعب برسالة الدولة:

- وقد قصّ الله تبارك وتعالى عن ذي القرنين الملك العادل ذلك بقوله جل وعلا: قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً [الكهف: 94 - 95]. هـ- إيمان أفراد الشعب برسالة الدولة: ولذا نجد أن الهدهد يعتز بقيامه بواجبه وعصيان سليمان قائد الجن والإنس فيقول: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ [النمل: 22 - 23]. ثم يلمح له بوجوب قتالهم لردهم إلى عبادة الله وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ [النمل: 24]. فخطاب الهدهد لسليمان ليس خطاب المذنب المهمل بل هو خطاب الذي رضى عن عمله واطمأن إلى أداء واجبه فهو لا يعبأ أن يخاطب أعظم قائد بلغة الحق القوي. - ولهذا فإن الأمة التي لا يساوي رجالها هدهدا هي أمة غثاء وهباء، وإن الأمة التي هدهدها كهدهد سليمان تسود الأمم وتكون قدوة للأنام. - وإن فساد العقيدة والعمل يخلق رجالا من أمثال رجال بلقيس يقولون لها: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ [النمل: 33]. وهي لم تجمعهم إلا لتقول لهم: ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل: 32] فلم يسمعوها رأيا تستأنس به.

و - من لطائف هذه القصة:

ومن لطائف هذه القصة: 1 - بيان عاقبة الاستعمار، بقوله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34]. - فطنة بلقيس: أ- لم تحاول رشوة سليمان بالمال بل أرسلت الهدايا لاختبار حقيقته. فإذا كان من الملوك رضي بالمال وإن كان من أصحاب العقيدة لم يقبل الأموال: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 35]. ب- وحين نكروا عرشها وسألوها أهكذا عرشك قالت: كأنه هو. فلم تقل إنه هو فقد تركته وراءها فيدل ذلك على ضعفها، ولم تقل ليس هو لأنه غباوة وبلادة ذهن. وخرجت من ذلك بقولها: كَأَنَّهُ هُوَ [النمل: 42]. 3 - لقد كانت بلقيس عاقلة في إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس ولذلك قالت ونفذت: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 35]. 4 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه: «أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح» رواه مسلم، وفي طريق آخر فهلا نملة واحدة أي: لا يجوز معاقبة البريء بل يعاقب المذنب فالعقوبات الجماعية لا يقرها الإسلام عند ما تشمل المذنب والبريء معا. 5 - وفي قوله تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ [النمل: 20] لطيفة وهي أنه على الإمام أن يتفقد رعيته كما فعل عمر بن الخطاب والقصص مبسوطة في كتب السيرة. 6 - وصفت ملكة سبأ كتاب سليمان بأنه كريم لأنه بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وفي الحديث: «كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن

الرحيم فهو أجذم». 7 - الملأ في هذه الآيات هم أشراف القوم ولهم مزية خاصة على غيرهم وهم بمقام الرفعة والسيادة ولذلك عضدت همزة الملأ بالواو والألف فكتبت الْمَلَؤُا [النمل: 29] لتدل على ذلك وهذا من دقائق الرسم القرآني المتعلق بالتفسير وقد أفرد له بحث خاص بهذا الكتاب. 8 - كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقبل الهدية ويثيب عليها ولا يقبل الصدقة، وكذلك الأنبياء ومنهم سليمان، سليمان لم يقبلها لأنها في الواقع رشوة، وكذلك بلقيس أرادت بها معرفته نبيا أو ملكا فإذا قبلها فهو ملك لا نبي لأنه ورد في كتابه: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل: 31]، وهذا الموضع لا تقبل فيه هدية. وصفة الهدية المقبولة هي التي تولد الحب والتواصل بين الناس: هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الضمير هوىّ وودا ... وتكسبهم إذا حضروا الجمالا 9 - في قول النملة: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 18]. دليل على عدل سليمان وجنوده ورحمتهم فإذا كانوا لا يدوسون نملة، فهل يقتلون أحدا ظلما؟! ولذلك تبسم سليمان ضاحكا من قولها سرورا بما سمع وأكد التبسم بالضحك لأنه يدل على السرور. أما إذا قال تبسم مطلقة فقد يدل على السرور أو الغضب نقول: «تبسم تبسم الغضبان». 10 - الحيوانات تفهم ولها لغات تتفاهم بها. فالنمل حيوان فطن قوي شمام يدخر الحب ويشقه لئلا ينبت، ويتخذ القرى. ويشق الكزبرة أربعة أقسام لأنها تنبت إذا صارت قطعتين، ويأكل في عامه نصف ما جمع ويستبقي باقيه عدة. فتبارك الله أحسن الخالقين. قصة من الحديث النبوي وهي قصة «أم زرع».

العتاب في القرآن الكريم

العتاب في القرآن الكريم أ- وجه القرآن الكريم في بعض آياته عتابا عنيفا أو لطيفا للرسول صلى الله عليه وسلّم. وهذا يدل على أن القرآن هو كلام الله ولو كان كلام محمد صلى الله عليه وسلّم ما سجل على نفسه هذا العتاب. ب- الخطأ في الاجتهاد ليس معصية فلا يقدح في عصمة الرسول صلى الله عليه وسلّم بل يستحق صاحبه أجرا إذا كان أهلا لذلك وبذل جهده، والمجتهد يخطئ ويصيب والله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286]. فللمجتهد أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ. وفي الحديث: «إذا حكم أحدكم في شيء فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد». رواه الجماعة. ج- كان صلى الله عليه وسلّم يقول لأمراء السرايا والجيوش: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك على أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا». رواه مسلم وأحمد، والترمذي، وابن ماجة. د- الرسول قدوة ولذلك اجتهد ليقلده الناس من بعده، لأن الحياة لا تستقيم بدون اجتهاد. هـ- فإن لم يصب الحقيقة نزل عليه الوحي يبين له الحكم الصحيح، وبذلك فهو القدوة لأنه لم يصدر عنه إلا الحق والصواب.

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب: 21]. ووفي الاجتهاد دليل على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلّم وعبوديته. لا كما زعم النصارى في عيسى ابن مريم وفي الحديث: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله» رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلّم: «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأحسب أنه صادق. فأقضي له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليأخذها أو يتركها». الشيخان ومالك وأصحاب السنن. ز- أنواع العتاب: عنيف ولطيف.

أمثلة من القرآن الكريم عن العتاب

أمثلة من القرآن الكريم عن العتاب 1 - عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [التوبة: 43] فقد استأذن المنافقون رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك فقبل معذرتهم وأذن لهم فعاتبه الله على ذلك وطلب منه أن يتثبت من أمرهم ليعلم الصادق من الكاذب. 2 - ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النمل: 67 - 68]. فقد استشار النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه في شأن أسرى بدر من المشركين فأشار عمر رضي الله عنه بقتلهم، وأشار أبو بكر بأخذ الفداء منهم، فأخذ برأي أبي بكر وكان رأي عمر هو الصواب فنزل القرآن الكريم يؤيد رأي عمر رضي الله عنه. 3 - قصة عبد الله ابن أم مكتوم. عند ما كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يكلم وجهاء قريش طمعا في إسلامهم جاء عبد الله وطلب منه أن يعلمه مما علمه الله، فعبس في وجهه واعرض عنه. فنزل القرآن الكريم يعاتبه وذلك بقوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى [عبس: 1 - 10]. 4 - لما توفي زعيم المنافقين عبد الله بن أبي كفنه النبي صلى الله عليه وسلّم في قميصه

وأراد أن يستغفر له. فجذبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: أتستغفر له وتصلي عليه وقد نهاك ربك. فقال صلى الله عليه وسلّم: «إنما خيرني ربي» فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: 80]. وسأزيده على السبعين ثم صلى عليه فأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ [التوبة: 84]. فترك الصلاة على المنافقين.

المكي والمدني

المكي والمدني أ- أصلح ما قيل في تعريفه: المكي: ما نزل قبل الهجرة النبوية ولو نزل خارج مكة. المدني: ما نزل بعد الهجرة النبوية ولو نزل بمكة أو عرفات أو غيرها من الأماكن. وسأقتصر في هذا البحث على الضوابط التي يعرف بها المكي والمدني. ب- ظوابط المكي والمدني. 1 - المكي: أولا: كل سورة فيها لفظ «كلا» فهي مكية. وذكرت كلمة «كلا» في القرآن الكريم/ 33/ مرة في/ 15/ سورة من النصف الأخير من القرآن الكريم. وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن ... ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى وحكمة ذلك أن كلا نزلت بمكة وأكثر أهلها جبابرة فتكررت تهددهم وتزجرهم، بخلاف النصف الأول بالمدينة ففيها أهل كتاب. فلم يحتج لكلا بالنسبة لليهود لذلتهم وضعفهم. ثانيا: كل سورة فيها سجدة فهي مكية ثالثا: كل سورة في أولها الحروف النورانية أو التهجي فهي مكية سوى

رابعا:

البقرة وآل عمران إجماعا وفي سورة الرعد خلاف رابعا: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السابقة مكية سوى سورة البقرة. خامسا: أكثر سور المفصل مكية 2 - المدني: أولا: كل سورة فيها الحدود والفرائض فهي مدنية ثانيا: كل سورة فيها الإذن بالجهاد أو بيان أحكامه فهي مدنية ثالثا: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ما عدا العنكبوت فهي مكية إلا الآيات (1 - 11) منها فهي مدنية وهي التي ذكر فيها المنافقون.

أنواع السور المكية والمدنية

أنواع السور المكية والمدنية أربعة أنواع: أ- سور كلها مكية كالمدثر. ب- سور كلها مدنية آل عمران. ج- سور مكية ما عدا آية أو آيات منها فمدنية كالأعراف فكلها مكية إلا آية وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف: 163]. د- سور كلها مدنية إلا بعض آياتها كالحج فهي مدنية إلا أربع آيات منها: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [الحج: 52 - 55].

خواص القرآن المكي

خواص القرآن المكي 1 - حارب الشرك والوثنية بالأدلة القاطعة فالأصنام لا تخلق ذبابا يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]. 2 - تقديم الأدلة من الأنفس والكون: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ [الذاريات: 21 - 22]. 3 - الحديث عن عاداتهم القبيحة: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8 - 9]. 4 - شرح أصول الأخلاق وحقوق الاجتماع. 5 - قص نبأ الرسل وأخبار الأمم الماضية. 6 - الإيجاز في الخطاب.

خواص القرآن المدني

خواص القرآن المدني 1 - التحدث عن دقائق التشريع كآية الدين في سورة البقرة. 2 - دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى الإسلام. قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64]. 3 - الإطناب والتطويل في سوره وآياته.

تأثير القرآن الكريم في الأعداء والأصدقاء

تأثير القرآن الكريم في الأعداء والأصدقاء 1 - للكلام تأثيره في النفوس، ولا يوجد كتاب أحدث أثرا في نفوس الناس كالقرآن الكريم، لأنه كلام رب العالمين. وكلام الله روح وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]. وهو نور: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [المائدة: 15]. ومن آمن به فهو في حياة ونور: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 132]. مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97]. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال: 24]. 2 - تأثير القرآن الكريم في أعدائه: أ- كانوا يتسللون ليلا ليستمعوا التلاوة. ب- منعوا أبا بكر الصديق من الصلاة في فناء داره لأن نساء المشركين وأطفالهم كانوا يستمعون له ويتأثرون بذلك. ج- تعاهدوا أن لا يسمعوه وأن يلغوا فيه إذا سمعوه.

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26]. د- كان صناديدهم يحملهم طغيانهم وكفرهم إلى حمل السلاح لقتل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيذهبون وبعد سماعهم للقرآن يعودون مسلمين مدافعين عنه. وقصة إسلام عمر وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير دليل على ما أقول. 3 - تأثير القرآن في نفوس المؤمنين به: أ- تنافسهم في حفظه وقراءته في الصلاة وخارج الصلاة كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات: 17 - 18]. وكان التفاضل بينهم بما يحفظ أحدهم من القرآن. وكانت المرأة ترضى بأن يكون مهرها سورة يعلمها إياها زوجها من القرآن. ب- تطبيقهم له عمليا وتركهم كل حكم يخالف حكمه من مألوف عاداتهم الجاهلية. ج- جهادهم واستبسالهم في الدفاع عنه ونشر تعاليمه وكان صلى الله عليه وسلّم يرد بعضا ممن يتطوع للجهاد منهم لصغره. وكان عليه الصلاة والسلام يتخلف عن بعض المعارك جبرا لخواطر الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم. قال صلى الله عليه وسلّم: «والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل» رواه الشيخان ومالك. 4 - مصلحون كثيرون قبل محمد صلى الله عليه وسلّم لم يحدثوا ما أحدثه هذا القرآن

مقارنة بين تأثير محمد صلى الله عليه وسلم بأصحابه وتأثير موسى بأصحابه:

فقد تمكن من بسط مبادئه على العالم القديم. وأزاح أعظم الدول في فترة وجيزة كدولتي الفرس والروم. الأعاجيب أن يروع كسرى ... ويسير الرومان تحت السلاح وينال الملك العظيم بداة ... من جناة الأعراب غير الوشاح عدة الحرب مصحف وحسام ... والخلود الخلود للأرواح مقارنة بين تأثير محمد صلى الله عليه وسلّم بأصحابه وتأثير موسى بأصحابه: 1 - بعد خروج بني إسرائيل من البحر ونجاتهم من فرعون بعد غرقه قالوا لموسى: يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (139) قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الأعراف: 138 - 140]. 2 - لما ذهب موسى لمناجاة ربه واستخلف عليهم أخاه هارون نسوا الله، وعبدوا العجل. وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: 148 - 149]. 3 - لما طلب منهم موسى قتال الجبارين ودخول الأرض المقدسة قالوا كما أخبر تعالى: قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (22) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: 22 - 24].

أما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم:

أما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم: 1 - فقد قطعوا شجرة بيعة الرضوان عند ما أخذ الناس يتبركون بها. فخاف عمر بن الخطاب إن طال العهد بالناس أن يعودوا لوثنيتهم فيعبدوها. 2 - لما استشار صلى الله عليه وسلّم أصحابه في بدر لقتال المشركين قالوا له: «والله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد».

تفسير آية

تفسير آية وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: 71 - 72]. أولا: يفسر الورود: أ- بالدخول في النار. ب- بالمرور على الصراط. ج- بالإشراف عليها من بعد. د- برؤيتها في القبر. هـ- بأنها في حق الكفار فقط. ثانيا: وإن منكم إلا واردها. هذا قسم والواو تتضمنه، ويفسره الحديث الشريف، «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» وكأنه يريد هذه الآية: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم: 17]. ثالثا: والورود يأتي بمعنى الدخول. وفي الحديث، «الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: 72]. رابعا: والورود المرور على الصراط ويشهد لذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ

خامسا:

عَنْها مُبْعَدُونَ [الأنبياء: 101]. وفي صحيح مسلم: «ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون: اللهم سلم سلم». قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟. «دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها: السعدان. فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب. فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوش في نار جهنم». خامسا: ورود إشراف واطلاع وقرب بحضور هم موضع الحساب وهو بقرب جهنم فيرونها وينظرون إليها. ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه. قال تعالى في قصة موسى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص: 23]. أي: أشرف واطلع على ماء مدين ولم يدخل الماء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية» قالت حفصة فقلت: يا رسول الله، وأين قول الله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: 71] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «فمه». ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم: 72]. سادسا: وقال بعض المفسرين: الورود النظر إليها في القبر وفي الحديث عن ابن عمر: «إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي». سابعا: وقيل هذا خطاب للكفار لأن منكم تعود على ضمير الغيبة في الآيات قبلها وهي: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلا

ثامنا:

يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (67) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا. [مريم: 66 - 71]. وهذا كقوله تعالى: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الإنسان: 21 - 22]. فرجعت الكاف في لكم إلى الهاء في وسقاهم. ثامنا: أطفال المسلمين بالجنة لقوله صلى الله عليه وسلّم: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (الحلم) كانوا له حجابا من النار» أو دخل الجنة أي كان موتهم له حجابا من النار لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم. وأما أطفال الكفار فجمهور العلماء على أنهم في الجنة. تاسعا: كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم: 71]. والحتم: إيجاب القضاء، أي: كان ذلك حتما مقضيا، أي: قضاه الله عليكم. عاشرا: ثم ننجي الذين اتقوا نخلصهم ونذر نترك الظالمين فيها جثيا وقوله تعالى هذا يرجح أن الورود هو الدخول فيها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ويبقى الكافرون بها.

من علم مرسوم الخط رسم الهمزة

من علم مرسوم الخط رسم الهمزة تمهيد الهمزة لا صورة لها بالخط لأنها مبدأ الحروف وأنها متحركة وأول الحركات الفتح فهي من جهة الابتداء من الألف الذي هو أول الحروف الثلاثة التي هو للمد واللين ثم تعضد بأحد هذه الحروف الثلاثة حيث تثبت ولا يأتي سقوطها فإن أتى سقوطها خرجت من أصالتها فلم تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقوي ظهورها فتعضد. 1 - الهمزة في أول الكلمة: لا يأتي سقوطها لأنها متحركة وليس قبلها غيرها وهي من جهة المعنى مبدأ الحروف. فعضدت بأول الحروف وهو الألف بأي حركة تحركت الهمزة 2 - الهمزة في آخر الكلمة: أ- إذا وقعت الهمزة في آخر الكلمة أخرجت عن أصالتها بحسب وصفها آخر الكلمة محل الوقوف والسكون. إذا كان ما قبلها متحركا، لا يأتي سقوطها بإلقاء حركتها عليه لأنه متحرك مثل «يستهزئ» ويصبح النطق بالهمزة ساكنة مثل «إن يشأ» وكذلك في الوقف. فإذا تقوى معناها بالكلمة بحيث تكون له مرتبة ظاهرة أصلية: فتعضد بحرف حركتها مثل الملأ- ورآيء

ب- رسم الهمزة بآخر الكلمة بالقرآن الكريم: الهمزة المتطرفة تكتب على حرف يناسب حركة ما قبلها فإذا كان قبلها الفتح كتبت على ألف مثل «الملأ» وإذا كان قبله ضم كتبت على وأو مثل «لؤلؤ» وإذا كان قبلها كسر كتبت على ياء مثل «يستهزئ» وإذا كان قبلها سكون كتبت على السطر مثل «يشاء» هذه هي القواعد القياسية في كتابة الهمزة. لكن إذا كان للكلمة معنى زائد أو رتبة عالية أو أهمية خاصة. أو ظهور متميز كتبت على صورة لا تتفق مع هذه القاعدة القياسية أمثال الكلمات التالية: أولا: الملأ- نبؤا- يبدأ الخلق وهذه الكلمات قبل الهمزة حرف متحرك. ثانيا: ما قبل الهمزة ساكن. كالألف مثل كلمات علمؤا- جزاؤا- شركاؤا وغيرها وقد عضدت هذه الكلمات بالواو والألف- وهنالك كلمات تفصد همزتها بالياء: مثل: يلقائي- وإيتآي- ءاناي- ورآي. ثالثا: رسم الهمزة إذا كان الساكن قبلها غير الألف مثل: الخبء- بريء. أولا: إذا كان قبل الهمزة متحرك: 1 - كلمة «الملأ» مرسومة بالألف إلا في أربعة مواضع هي: موضع في سورة المؤمنين وثلاثة في سورة النحل.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ [المؤمنون: 23 - 24]. «فالملأ» هنا عليه القوم وزعماؤهم ورؤساءهم ولذلك كتبت بالواو وعضدت بالألف بعدها بينما في نفس السورة وبعد ثماني آيات وفي الآية «32» تحديدا كتبت «الملأ» هكذا على الألف لأن معنى «الملأ» عامة الشعب من الكافرين. قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: 29 - 30]. «فالملأ» هنا لهم رتبة خاصة وهم قادة الجيش وأعيان الدولة وزعماؤها ولذلك كتبت بالواو وعضدت بالألف لبيان مزيتهم. ومثلها في نفس السورة: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل: 32]. لنفس السبب لأنهم هم أنفسهم: قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل: 38]. والقائل هو سليمان وقد قال ذلك لمن لهم رتبة ظاهرة في الوجود فعفريت الجن تعهد بإحضار عرش الملكة قبل أن يقوم سليمان عليه السلام من مكانه والذي عنده علم من الكتاب تعهد لسليمان بإحضاره قبل أن يرتد إليه طرفه وهل فوق هذه المكانة من مكان وبلمحة بصر يحضر عرشا من اليمن إلى بيت المقدس.

ملاحظة:

ملاحظة: وردت كلمة «الملأ» 22 مرة بالقرآن الكريم. أربعة منها مكتوبة هكذا: الملأ و 18 مكتوبة هكذا الملأ. وهذا الرسم له فائدة عظيمة في علم التفسير: ف «الملأ» عامة الناس والملأ عظماء القوم وساداتهم. 2 - كلمة «نبأ» عضدت فيها الواو بالألف بثلاث كلمات هكذا نبؤا وهي: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [إبراهيم: 9]. وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [ص: 21]. قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ [ص: 67 - 68]. عضدت فيها الهمزة لظهور تلك الأنباء وعظمها في الوجود وهذه أنباء ليست كغيرها ترى من سياق الآيات وما عداها فقد كتبت بالألف كقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ وكقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [الحجرات: 6] وقوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التغابن: 5]. ملاحظة: وردت كلمة «النّبإ» 15 مرة في القرآن الكريم. 3 - كلمة «يبدأ الخلق» عضدت الهمزة فكتبت يبدأ الخلق حيثما وردت بالقرآن الكريم في المواضع التالية:

إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يونس: 4]. قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [يونس: 34]. أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [النمل: 64]. اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الروم: 11]. وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27]. وقد وردت هذه الكلمة «6» مرات في القرآن الكريم لأن ظهور الخلق أمر عظيم وإعادته أمر جسيم: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الأنبياء: 104]. د- إذا كان قبل الهمزة حرف ساكن. أ- فإن كان الحرف الساكن ألفا مثل «هباء» و «جفاء» فإنها لا تعضد إلا أن يكون في المعنى ما يقويها مثل: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [الشعراء: 197]. فقد عضدت الهمزة تنبيها على درجتهم في العلم وظهور هم في الوجود في أرفع صفة المرجوع إليهم في جزئيات العلم وكلياته ولذلك جعلهم الله آية «راجع التفسير». ومثلها كلمة «العلماؤا» في سورة فاطر برسم بعض المصاحف لأن هؤلاء هم العلماء الحقيقيون المطيعون لله والرسول صلى الله عليه وسلّم يقول: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته» قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: 28]. ولم ترد هذه الكلمة إلا في هذين الموضعين:

ب- وردت كلمة جزاء «32» مرة بالقرآن الكريم وهي لم تعضد فبقيت الهمزة مكتوبة على السطر هكذا جزاء كقوله تعالى: قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ [يوسف: 25]. وقد عضدت هذه الكلمة في أربعة مواضع فكتبت هكذا جزاؤا وهذه المواضع هي: 1 - إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 33]. 2 - إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة: 29]. 3 - وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى: 40]. 4 - فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر: 17]. والجزاء المذكور ظاهر في الوجود فهو دنيوي وأخروي لذلك عضدت الهمزة في هذه الأماكن الأربعة. وبقيت على الأصل في «28» موضعا آخر. ج- كلمة «شركاء» وردت «13» مرة في القرآن الكريم ورسمت همزتها معضودة في موضعين هما: أ- وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام: 94].

ب- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [الشورى: 21]. فقد عضدت الهمزة لأنهم زعموا ذلك وأظهروه وبالغوا في التشريك. وقد أظهروا ذلك بأن هؤلاء شركاء لله في الملك وهذا خطاب ظاهر في الدنيا يظهر للمؤمنين باطل الكافرين بالآخرة وما يتبقى فيكتب بالألف «شركاء» وفي آية سورة القلم روايتان: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [القلم: 41]. ج- أكتفي بهذه الكلمة على سبيل التمثيل لا الحصر وهنالك كلمات أخرى تكتب فيها الهمزة معضودة وغير معضودة أذكر منها الكلمات التالية المعضودة وليحاول قارئ القرآن الكريم معرفة سبب ذلك مقتفيا آثار الأمثلة السابقة أعلاه. وهذه الكلمات المعضودة هي: 1 - كلمة أَنْبؤُا [الأنعام: 5 والشعراء: 60]. 2 - ومنها (الضّعفؤا) [إبراهيم: 21، المؤمن: 47]. 3 - وكذلك (البلؤا) [الصافات: 106، الدخان: 33]. 4 - وكذلك (شفعؤا) [الروم: 13]. 5 - وكذلك كلمة (دعوا) [المؤمن: 50]. 6 - وكذلك (نشاؤا) [هود: 87]. 7 - وكذلك (أبناؤا) [المائدة: 18].

كلمات عضدت همزتها بالياء بآخر الكلمة

كلمات عضدت همزتها بالياء بآخر الكلمة وهي أربع كلمات: 1 - من تلقائ نفسى [يونس: 15]. لأنه التلقاء الخاص الذي يظهر من قبل النفس ورأيها هو سر لا يعلمه إلا الله تعالى. 2 - وإيتائ ذى القربى [النحل: 90]. بقوله تعالى: إنّ الله يأمر بالعدل والإحسن وإيتائ ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلّكم تذكّرون [النحل: 90]. لأنه إيتاء خاص ومختص بالأقرباء ويشمل الإيتاء المعنوي بالعدل والإحسان والإيتاء المادي بالأموال 3 - ومن آناء الليل [طه: 130] فهي آناء خاصة غير معنية بالحس. 4 - أو من ورآئ حجاب [الشورى: 51] هو الوراء الخاص بالملكوت الذي يظهر بالحجاب. والملكوت أمر باطن. ملاحظة: إذا كان الساكن قبل الهمزة المتطرفة غير الألف: مثل الخبء وبريء فإنها لا تعضد في هذه الحالة. ملاحظة: أما الهمزة في وسط الكلمة فأتركها للقارئ وأردت أن يكون بحث الهمزة المتطرفة تتويجا إلى هذا النوع من علوم القرآن الكريم.

أسلوب من أساليب الدعوة بالقرآن الكريم

أسلوب من أساليب الدعوة بالقرآن الكريم قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]. فالاهتمام بناحية الروح بالقرآن الكريم ينبغي أن يأخذ مكانه في قلوبنا وعقولنا وليس من المنطق أن نهتم بالروح في أجسام المخلوقات ولا نهتم بها في كلام الله تعالى فكلاهما من أمر الله عز وجل فالله يقول عن الروح في كتابه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا. ويقول عن الروح في الأجسام: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]. - وقد أشار القرآن الكريم إلى إعجاز الألفاظ وإعجاز الروح بالقرآن الكريم بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]. وبقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]. - فالقرآن الكريم روح وبه حياة القلوب والملكات فهي تنمو به وتقوى وتسمع وتبصر وتزيل العوائق التي تفصل بين القلب والقرآن الكريم، وآية واحدة كفيلة بتغيير حياة الإنسان بانتقاله من الضلال إلى الهدى.

ويروى عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال في سورة العصر: «لو ما أنزل الله حجة على عباده إلا هذه السورة لكفتهم». فالذي يلمس السلك الكهربائي من طرفه أو وسطه أو أي مكان منه تسري الكهرباء في جسمه وكذلك القرآن الكريم إذا خالطت آية منه القلب أحيت الإنسان ظاهرا وباطنا. فالقرآن حبل الله المتين فمن أي طرف أو مكان لمست هذا الحبل أثر بك، فطرفه بيد الله وطرفه الآخر بيد العباد فأي جزء أخذنا منه سرى سرّه في القلوب فارتجفت به وحييت. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [الزمر: 23]. - قد يقول قائل: فما فائدة القرآن كله إذا كانت آية واحدة كافية لحياة القلوب والجواب: إن مهمة القرآن الكريم ليست حياة القلوب فقط. إنما هي وضع مناهج العمل الذي تنتظم به الحياة حتى لا يضل المرء عملا واعتقادا أثناء سيره إلى الله. ويقول بعضهم «من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق». التصوف: حياة القلب والتفقه معرفة أحكام الله. ولذلك ورد في الحديث: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد». - وحياة القلوب تحدث بآية واحدة أو كلمة واحدة لأنها روح. أما الأحكام فإن الله عز وجل يعلم من طبيعة تكويننا أن عقولنا لا تفقهها إلا وهي مفصلة. ولو كانت طبيعة العقول كطبيعة القلوب في تقبلها الحقائق والأحكام جملة واحدة في لحظة واحدة كلمح البصر لساق لنا الأحكام في آية واحدة. فليس المعول عليه في حياة القلوب مقدار ما نقرأ من القرآن الكريم ولكن كيف نقرأ القرآن الكريم فعلينا:

أ- أن نتدبره ونقرأه في خلوات الليل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82]. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24]. ب- ترك الهوى: فكل هوى من الأهواء الدنيوية حجاب كثيف بين الإنسان وبين الله، وبين القلب وبين القرآن فحب المال حجاب وحب الأولاد حجاب وحب السلطة والرئاسة حجاب. وإعجاب المرء بعلمه وعمله حجاب. قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: 14]. وقال تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء: 45]. ج- أن نؤمن ونقر بعبوديتنا لله: ولذلك وصف الله رسوله بالعبودية في أعظم رحلة سماوية بالإسراء والمعراج: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1]. والعبودية تقتضي تنفيذ أمر الله بحب ورضا وطواعية وتحمل للصعاب. د- الكلام صفة المتكلم والله قد تكفل بكل صفات الكمال والجلال قال الإمام جعفر الصادق: «لقد تجلّى الله عز وجل لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون».

هـ- أن نقرأ القرآن الكريم وكأننا نسمعه من الله تعالى وابسط مقتضيات هذا أن نصغي إلى هذا المتكلم العظيم ونحسن الاستماع والإنصات إليه لقوله تعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الاعراف: 204]. فالقرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض. - من آيات الدعوة بالقرآن الكريم: أكتفي بنصين من نصوص القرآن الكريم. 1 - الأول قوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125]. 2 - الثاني قصة مؤمن آل فرعون: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ (29) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (31) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ [غافر: 28 - 34].

وقال في نفس السورة أيضا: وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (38) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (40) * وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (44) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ [غافر: 38 - 45].

علم المتشابه

علم المتشابه تمهيد [1 - إيراد القصة الواحدة في صور شتى] وهو إيراد القصة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة ويكثر في الأنباء والقصص. والحكمة منه التصرف بالكلام وإيراده على ضروب ليظهر للعرب وللناس عجزهم عن الإتيان بمثله. 2 - أنواعه: أولا: النوع الأول التشابه باعتبار الأفراد أ- أن يكون في موضع على نظم وفي آخر على عكسه وهو يشبه رد العجز على الصدر ومنه: - وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة: 173] وفي كل القرآن: لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [المائدة: 3، الأنعام: 145، النحل: 115]. - وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ [آل عمران: 126]، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ [الأنفال: 10]. - كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ [النساء: 135]. - كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ [المائدة: 8]. - نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام: 151]، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء: 31] والأمثلة كثيرة جدا في كتاب الله تعالى. - توضيح المثال الأخير: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام: 151] فالفقر هنا حقيقة واقعة فكما يرزقكم أيها الآباء يرزق أولادكم.

ثانيا:

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء: 31]. «فالإملاق أو الفقر هنا ليس موجودا بل هو متوقع يخشاه الوالد ولذا بين لهم القرآن الكريم أن رزق الآباء يصلهم بأمر الله تعالى بسبب الأبناء». والإملاق معناه: الفقر والجوع والفاقة. ثانيا: التشابه بالزيادة والنقصان: ومثاله: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها [الحج: 22]. مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السجدة: 20] بنقص: من غم. وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً [العنكبوت: 33]. وَلَمَّا جاءَتْ [هود: 77] بحذف أن. ثالثا: التشابه بالتقديم والتأخير: ومثاله: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد: 20]. وقدم اللعب عن اللهو لأن اللعب يكون في مرحلة الصبا، والله ويكون في مرحلة الشباب أي: لعب كلعب الصبيان ولهو كلهو الشباب ومرحلة الصبا سابقة على مرحلة الشباب، ولذلك قدم اللعب على اللهو بالآية أما تقديم اللهو على اللعب: وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 64]. فزمان الدنيا سريع الانقضاء قليل البقاء: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت: 64].

رابعا:

أي: الحياة التي لا بداية ولا نهاية لها فبدأ بذكر اللهو وهو في زمان الشباب وهو أكثر من زمن اللعب وهو زمن الصبا. رابعا: بالتعريف والتنكير: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ [البقرة: 126]. فلم تكن مكة موجودة فدعا إبراهيم أن تكون في هذا المكان. أما في إبراهيم: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً [إبراهيم: 35]. فقد كانت مكة قائمة. وكما ترى بلدا في البقرة بالتنكير وهي مفعول به ثان ءامنا صفة للبلد. أما في سورة إبراهيم فالبلد معرفة بآل البلد وإعرابها بدل من هذا وءامنا مفعول به ثان للفعل اجعل. خامسا: بالجمع والإفراد: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة: 80] مَعْدُوداتٍ [آل عمران: 24] لأن الجمع إذا كان واحده مذكر أن يقتصر في الوصف على التأنيث وهذا هو الأصل كقوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية: 13 - 16] فآية البقرة هي الأصل وآية آل عمران على الفرع. سادسا: إبدال حرف بحرف. اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً [البقرة: 35]. وفي الأعراف فَكُلا الأولى في الواو والثانية بالفاء وآية الأعراف خطاب لهما قبل الدخول. وآية البقرة خطاب لهما بعد الدخول. سابعا: إبدال كلمة بأخرى:

ثامنا:

فَانْفَجَرَتْ [البقرة: 60]، فَانْبَجَسَتْ [الأعراف: 60]. ثامنا: الإدغام وتركه. وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الأنفال: 13]. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الحشر: 4]. ثانيا: التشابه باعتبار الحروف «عدد ورود الكلمات» أولا: ما جاء على حرفين: أ- عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: 26، الزخرف: 65]. ب- فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ [يوسف: 96]، فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ [القصص: 19]. ج- وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ حرفان في آل عمران رقم «86» ورقم «105» وغيره كثير. ثانيا: ما جاء على ثلاثة أحرف: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ [البقرة: 54، المائدة: 20، الصف: 5]. ثالثا: ما جاء على أربعة أحرف: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ [الأعراف: 158]، [يونس: 104، 108، الحج: 49]. رابعا: ما جاء على خمسة أحرف:

خامسا:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59، المائدة: 92، النور: 54، محمد: 33، التغابن: 12]. خامسا: وهكذا ما نزل على ستة أحرف وسبعة أحرف وثمانية أحرف وتسعة أحرف وعشرة أحرف وأحد عشر وخمسة عشر وثمانية عشر وعشرين وثلاثة وعشرين. وكل هذه لها أمثلة يمكن الرجوع إليها في كتب علوم القرآن الكريم. راجع البرهان في علوم القرآن للزركشي من صفحة «145» إلى الصفحة «154».

المناسبات والربط بين السور وبين الآيات

المناسبات والربط بين السور وبين الآيات 1 - المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول والمناسبة المقاربة. ومنه النسيب وهو القريب الذي بينك وبينه رابطة. والمناسبة بين الآيات: وجود رابط بينها أو علاقة، والكلام المترابط كالبناء المحكم المتلائم. 2 - وإذا كان القرآن الكريم قد نزل في أكثر من/ 22/ سنة لكنه مرتب في اللوح المحفوظ على وفق ترتيبه بالمصحف. فهو مترابط محكم قال تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]. وهذا مبني على أن ترتيب سور المصحف توقيفي. أولا: الربط بين السور: من كان ذا بصيرة تبين له أن افتتاح السورة يتناسب مع خاتمة ما قبلها ومن الأمثلة على ذلك. أ- افتتحت سورة الأنعام بالحمد لله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1]. وهذا مناسب لختام سورة المائدة قبلها من فصل القضاء وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الزمر: 75]. ب- وكافتتاح سورة فاطر بالحمد مناسب لختام سورة سبأ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ [سبإ: 54].

ج- الارتباط بين سورة الفيل وقريش ولذلك قيل: إن اللام في قوله تعالى: لِإِيلافِ هي للتعليل فقد نجاهم من أصحاب الفيل وامتن عليهم برحلتي الشتاء والصيف. د- الترابط بين سورتي الماعون والكوثر، ففيهما مقابلة. ففي سورة الماعون أربع صفات للمنافق يقابلها ضدها بالكوثر: 1 - فالبخل بالماعون يقابلها بالكوثر الكثير. 2 - وترك الصلاة بالماعون يقابلها بالكوثر فصلّ. 3 - والرياء في الماعون يقابلها بالكوثر لربك (أي: خالصا لله). 4 - ومنع الزكاة في الماعون يقابلها بالكوثر وانحر (التصدق بلحم الأضاحي). هـ- افتتحت سورة الإسراء بالتسبيح: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: 1]. وافتتحت سورة الكهف بعدها بالتحميد: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف: 1] لأن التسبيح حيث جاء مقدم على التحميد. والعبارة المعلومة تقول سبحان الله والحمد لله وليس العكس. إذا كان هذا بالسور فكيف الترابط بين الكلمات!. ولذلك يظهر عند التأمل أن القرآن كالكلمة الواحدة.

أنواع الربط بين الآيات

أنواع الربط بين الآيات أ- إذا تعلق الكلام بعضه ببعض ولم يتم المعنى فالترابط واضح ولا حاجة لشرحه. ب- إذا لم يظهر الارتباط وظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى وهذا هو موضوع البحث وهو يقسم إلى قسمين. القسم الأول: أن تكون الجمل معطوفة ولا بدّ أن تكون بينهما جهة جامعة كقوله تعالى: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها [سبإ: 2] فهنا مقابلة وتضاد. وهذا مثال يوضح ذلك: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء: 1 - 3]. فما العلاقة بين الإسراء وموسى ونوح؟ وما الرابطة؟!. فقد اطلع سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلّم على الغيب عيانا وأخبره بوقائع من سلف بيانا، لتقوم أخباره على معجزاته برهانا. أي سبحان الذي أطلعك على بعض آياته لتقصها ذكرا، وأخبرك بما جرى لموسى وقومه

لتكون قصتهما آية أخرى؟ أو أنه أسرى بمحمد إلى ربه كما أسرى بموسى من مصر حين خرج منها خائفا يترقب. ثم ذكر ذرية من حملنا مع نوح ليتذكر بنو إسرائيل نعمة الله عليهم، قديما حيث نجاهم من الغرق إذ لو لم ينج أباهم من أبناء نوح لما وجدوا وأخبرهم أن نوحا كان عبدا شكورا وهم ذريته والولد سر أبيه فيجب أن يشكروا النعم كأبيهم لأن عليهم أن يسيروا على سيرته. فهاهنا ثلاث نعم. 1 - نعمة الله على محمد صلى الله عليه وسلّم بالإسراء. 2 - نعمة الله على موسى برحلته إلى مدين ونجاته من فرعون. 3 - نعمة الله على نوح وذريته بإنجائهم من الغرق. - والمثال الثاني: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17 - 20] فما العلاقة بين الإبل والسماء والجبال والأرض؟ الأول: من المعلوم أن البدوي يعتمد في معيشته على الإبل. والإبل بحاجة إلى غذاء ومرعى، وسبب نبات العشب هو المطر النازل من السماء. فإذا نزل المطر فلا بيت عنده يحميه، فيلجأ إلى الجبال يحتمي بها من المطر. فإذا انقطع هطل المطر خرج بإبله إلى الأرض الفسيحة ليرعى إبله. فسبحان الله العظيم والحمد لله رب العالمين على نعمه.

الثاني:

الثاني: أن تكون الجمل غير معطوفة فلا بد من دعامة تؤذن باتصال الكلام وهي قرائن معنوية مؤذنة بهذا الربط وأسبابه. 1 - التنظير: وهو إلحاق النظير بالنظير. كقوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ [الأنفال: 5]. عقب قوله: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 4]. فإن الله أمر رسوله أن يمضي إلى الغنائم كما خرج من بيته لطلب العير وهم كارهون. وذلك أنهم اختلفوا في قسم الأنفال والغنائم وحاجوا الرسول صلى الله عليه وسلّم في ذلك. أي أن كراهيتهم لما فعلته الغنائم ككراهيتهم في الخروج معك إلى العير. 2 - المضادة: ومثاله في أول سورة البقرة. فقد وصف الله المؤمنين بالقرآن الكريم فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 3 - 5]. ثم ذكر ضدهم وهم الكفار. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 6 - 7]. 3 - الاستطراد: كقوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 26].

فهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد بعد بدو وظهور السوءات وخصف الورق لإظهار نعمة الله في اللباس ولما في العري وكشف العورات من المهانة والفضيحة فالستر باب عظيم من أبواب التقوى. فقابلها بآيات قوله تعالى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22]. هذه خلاصة مبسطة للربط بين سور القرآن وللربط بين آيات القرآن الكريم.

النسخ

النسخ معنى النسخ: الإزالة. فينسخ الله ما يلقي الشّيطان. ومعناه أيضا التبديل. وإذا بدّلنا آية مكان آية. وأيضا التحويل كتناسخ المواريث أي تحويلها من واحد إلى واحد. وأيضا النقل من موضع إلى آخر مثل نسخت الكتاب إذا نقلته وفي الجاثية: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية: 29]. والنسخ بيان مدة الحكم وهو رفع الحكم الشرعي المتقدم بدليل شرعي متأخر. - أدلة النسخ السمعية: أ- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106]. ب- يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: 39]. ج- وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: 101]. د- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: 160]. هـ- أجمع السلف على وقوع النسخ بالشريعة الإسلامية. - حكمة وقوع النسخ: لقد نسخ الله بالإسلام كل دين سبقه ونسخ بعض أحكام هذا الدين

- فيم يقع فيه النسخ؟

ببعض مراعاة لظروف المجتمعات وتطورها، ومراعاة لحاجة الأمة الإسلامية حسب المراحل التي مرت بها كي لا تكون طفرة بل بالتدرج كمن يريد أن يصعد إلى السطح. ومثاله تحريم الخمر بالتدريج، ولو قال لهم من أول الأمر «لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا». - فيم يقع فيه النسخ؟ الجمهور على أنه يقع في الأمر والنهي ولا بد من تحقيق شروط أربعة. 1 - أن يكون المنسوخ حكما شرعيا. 2 - أن يكون دليل رفع الحكم دليلا شرعيا. 3 - أن يكون هذا الدليل متراخيا عن دليل الحكم الأول. 4 - أن يكون بين الدليلين تعارض حقيقي. - تقسيم سور القرآن بحسب ما دخله من النسخ وما لم يدخله: أ- ما ليس فيه ناسخ أو منسوخ/ 43/ سورة كالفاتحة ويوسف. ب- ما فيه ناسخ وليس فيه منسوخ مثل الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والأعلى، والطلاق. ج- ما فيه منسوخ وليس فيه ناسخ مثل الأنعام، والإسراء. د- ما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ مثل البقرة، وآل عمران، والنساء، فالنسخ لا يكون إلا في الأحكام كما تقدم وفي فروع العبادات والمعاملات، أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات ومدلولات الأخبار المحضة، فلا تصح على الرأي الراجح وهو رأي الجمهور.

- أنواع النسخ بالقرآن الكريم.

- أنواع النسخ بالقرآن الكريم. أ- نسخ الحكم والتلاوة معا. ب- نسخ الحكم دون التلاوة. ج- نسخ التلاوة دون الحكم. أولا: ما نسخ حكمه ورسمه معا: روي عن عائشة رضي الله عنها موقوفا «كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهن فيما يقرأ من القرآن» والحديث صحيح وله حكم المرفوع لأن مثله لا يقال عن رأي، وكما هو واضح حكم العشر رضعات منسوخ حكما ورسما. وثانيا: نسخ الحكم دون التلاوة فالآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [الحديد: 12]. منسوخة بقوله تعالى: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [المجادلة: 13]. ثالثا: نسخ الرسم وبقاء الحكم: ومثاله ما روي عن عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما أنهما قالا: «كان فيما أنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة». مع أن حكمهما باق على إحكامه لم ينسخ.

النسخ ببدل ولا بدل

النسخ ببدل ولا بدل أ- الحكم المنسوخ: إما أن يحل الله سبحانه محله حكما آخر فيكون النسخ ببدل ومثاله: أن الله نهى المسلمين أول الأمر عن قتال الكفار فقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 109]. ثم سمح لهم بالقتال فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39]. ب- النسخ بلا بدل كمثال الصدقة الذي مر قبل قليل ونسخها بترك تقديم الصدقة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم عند مناجاته، فعند ذلك يصير عدم الحكم خيرا من الحكم أو مثله مصدقا لقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106].

نسخ الحكم ببدل

نسخ الحكم ببدل - له ثلاث حالات: أ- ببدل أخف ب- ببدل يساويه. ج- ببدل أثقل. أ- النسخ ببدل أخف كنسخ تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليالي رمضان بإباحة ذلك. أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]. ب- نسخ الحكم إلى بدل مساو له كنسخ القبلة إلى بيت المقدس بالقبلة إلى البيت الحرام بمكة بقوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: 144].

دوران النسخ بين القرآن والسنة

والنوعان السابقان لا خلاف في جوازهما: ج- نسخ الحكم إلى حكم أثقل منه كتحريم الخمر بعد أن كانت مباحة بقوله: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 5]. فالجمهور على جوازه، ونسخ فرض صيام عاشوراء بصوم رمضان. دوران النسخ بين القرآن والسنة النسخ قد يرد في القرآن الكريم وقد يرد في السنة المطهرة والمنسوخ كذلك. ولذا فأمامنا أربع حالات هي: أ- نسخ القرآن بالقرآن. ب- نسخ القرآن بالسنة. ج- نسخ السنة بالقرآن. د- نسخ السنة بالسنة. أولا: نسخ القرآن بالقرآن وقد تقدم الكلام عليه في حالاته الثلاث. ثانيا: نسخ القرآن بالسنة. 1 - جواز نسخ القرآن بالسنة قال به المالكية والحنفية والأشاعرة والمعتزلة ولم يجزه الشافعية والحنابلة في أحد القولين وأهل الظاهر ولكل أدلته. 2 - هل وقع نسخ القرآن بالسنة؟ يقول البعض نعم وهذه أمثلة على ذلك. - رجم الزاني المحصن جاء بالسنة ناسخا حكم جلده الوارد بالآية الكريمة.

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: 24]. وردّ عليهم أن هذا تخصيص لا نسخ. - كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ [البقرة: 180] منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا وصية لوارث». وردّ على ذلك بأن الناسخ آيات المواريث وليس الحديث فإذا قرأناه كاملا تبين ذلك، والحديث بتمامه: «إن الله أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث». - قوله تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15]. منسوخ بقوله الرسول صلى الله عليه وسلّم: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم». وردّ عليهم بأن هذا تخصيص لا نسخ لأن حكم الآية إلى أمد وهو قوله تعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15]، وقيل على فرض النسخ فالناسخ هو الآية المنسوخة رسما والباقية حكما وهي «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة». - المثال الرابع: الآية الكريمة: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى

طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 145]، منسوخة بقوله صلى الله عليه وسلّم: «يحرم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير». الرد: الآية الكريمة لم تتعرض لإباحة ما عدا المذكور بها.

ثالثا: نسخ السنة بالقرآن الكريم

ثالثا: نسخ السنة بالقرآن الكريم - الجمهور على جوازه ووقوعه وقد خالف الشافعي وبعض أصحابه فمنعوا ذلك، ومن أدلة الجواز عند القائلين: أن السنة وحي ولا مانع من نسخ الوحي بالوحي، ومن أدلة وقوعه: أ- استقبال بيت المقدس عرف بالسنة وقد نسخه القرآن الكريم بقوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144]. ب- تحريم الأكل والشرب والجماع في رمضان بعد النوم وورد السنة ونسخ بقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]. ج- من شروط صلح الحديبية: أن الرسول صلى الله عليه وسلّم يرد من جاء مسلما من قريش وقد ردّ أبا جندل فنزل القرآن الكريم بنسخ هذا الحكم في حق النساء لما جاءت الرسول صلى الله عليه وسلّم امرأة أسلمت من قريش فهمّ صلى الله عليه وسلّم بردها فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا/ جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الممتحنة: 10].

رابعا: نسخ السنة بالسنة

رابعا: نسخ السنة بالسنة أمامنا أربع احتمالات: أ- نسخ سنة متواترة بسنة متواترة. ب- نسخ سنة أحادية بسنة متواترة. ج- نسخ سنة أحادية بسنة أحادية. د- نسخ سنة متواترة بسنة أحادية. والأنواع الثلاثة الأولى جائزة عقلا وشرعا والخلاف في النوع الرابع ففيه قولان: نفاه الجمهور وأثبته أهل الظاهر. هذا ملخص موجز بسيط عن النسخ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتب علوم القرآن الكريم.

التأكيد

التأكيد تمهيد القصد من الحمل على ما لم يقع ليصير واقعا، ولذا لا يؤكد الماضي ولا الحاضر لأنه تحصيل حاصل، ويؤكد المستقبل ويقسم التأكيد إلى صناعي ومعنوي. أدوات التأكيد 1 - مؤكدات الجمل الاسمية: أ- إنّ: كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: 1]. أمر الله الناس بالتقوى ثم علل ذلك مجيبا لسؤال مقدر يذكر الساعة واصفا لها بأهول وصف ليقرر عليه الجواب فهي تأتي في جواب سؤال في معظم الأحيان، كقوله تعالى أيضا: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [المؤمنون: 27]، وتأتي بعد النهي والدعاء كقوله تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود: 76]. وكقوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة: 103]. ب- كأنّ: في قصة بلقيس عن عرشها، كأنّه هو. ج- لام الابتداء: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ [إبراهيم: 39]، وهي لتأكيد مضمون الجملة ولهذا زحلقوها فسميت مزحلقة بعد «إنّ». د- ضمير الفصل كما في قوله تعالى: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً [الكهف: 39]، فضمير «أنا» للتأكيد.

مؤكدات الجملة الفعلية

وكقوله تعالى في سورة آل عمران: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ [آل عمران: 180]. مؤكدات الجملة الفعلية أ- «قد» كقوله تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران: 101]، وكقوله: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [الإسراء: 89]، وتدخل قد على الماضي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس: 9]، وعلى المضارع كما في سورة الأنعام: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: 33]. ب- السين وتسمى سين التنفيس: كقوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة: 137]. كقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: 5]. وفي هذه الآية حرفا تأكيد هما اللام والسين والسين حرف تأخير: فالجمع بينهما «اللام والسين» أن العطاء كائن لا محالة. ج- نون التوكيد: 1 - نون التوكيد المشددة وهي تفيد توكيد الفعل مرتين بمقابل «إن» و «اللام» في الاسم كقوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 169]. 1 - وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180].

2 - نون التوكيد الخفيفة:

2 - نون التوكيد الخفيفة: وهي بمنزلة ذكر الفعل مرتين ولم ترد إلا في موضعين الأول: في سورة العلق: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق: 15]، والثاني: وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف: 32]، وهي مكتوبة بتنوين. د- «لن» في تأكيد النفي مقابل «إنّ» في تأكيد الإثبات فإذا قلت: لا أَبْرَحُ [الكهف: 60] وأردت تأكيدها قلت «لن أبرح» قال تعالى عن اليهود: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة: 94 - 95]. ولن: تفيد الاستغراق في الدنيا بدليل قوله تعالى: في كل الكفار في سورة الحاقة: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [الحاقة: 27]، فهم يتمنون الموت بالآخرة. وقال بعضهم: «لا» تنفي ما بعدها و «لن» تنفي ما قبلها ولذلك قيل في قول موسى لربه: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143]. - إن عدم رؤيته لربه مقصورة على الحياة الدنيا لقربها. ملاحظة: قال تعالى في سورة الجمعة: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (6) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) [الجمعة]. فقد جاء ولا يتمنونه بعد الشرط وحرف الشرط يتم كل الأزمنة فقوبل

ملاحظة:

في (ولا يتمنونه) ليعلم ما هو جواب له، وأما ولن يتمنونه فجاء قبله: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 94]. ملاحظة: لا يتجاوز التأكيد ثلاثة مؤكدات في الأسماء ولا في الأفعال: كقوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق: 17]، فالمؤكدات بالآية ثلاثة: «مهل» و «أمهل» و «رويدا» وكلها بمعنى واحد.

التوكيد اللفظي والمعنوي

التوكيد اللفظي والمعنوي أولا: التوكيد اللفظي: - يكون بتكرار اللفظ أو مرادفه فالمرادف: كقوله تعالى: وَغَرابِيبُ سُودٌ [فاطر: 27]، وكقوله: فِجاجاً سُبُلًا [الأنبياء: 31]. - وتكرار اللفظ يكون: أ- بالنكرة: قَوارِيرَا* قَوارِيرَا [الإنسان: 15 - 16] ب- وفي اسم الفعل: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [المؤمنون: 36]. ج- وفي الجملة: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: 5 - 6]، والأكثر الفصل بين الجملتين بثم كقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار: 17 - 18]. ثانيا: التوكيد المعنوي: - ويكون بألفاظ مخصوصة مثل: «كل» «جميع»، «أجمع»، «ونفس»، «وعين» وغيرها كقوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: 30]. وكقوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر: 59]. ملاحظة 1: ومنه التأكيد بالمصدر كقوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: 164].

ملاحظة 2:

وقوله: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً [الطور: 9 - 10]. قالوا وهو عوض عن تكرار الفعل مرتين: تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً [الطور: 9]، معناه تمور مورا لذلك يلحقه البعض بالنوع الأول وهو التوكيد اللفظي. ملاحظة 2: فائدة هذا النوع من التوكيد: - قال بعضهم يرفع المجاز عن الفاعل فإذا قلت: «كرم الأمير العامل» لا يكون قد باشر التكريم بنفسه أما إذا قلت: «كرم الأمير العامل تكريما» فقد باشر ذلك بنفسه. وقال بعضهم يرفع الوهم عن الحديث لا عن المحدّث عنه ففي المثال السابق كرم الأمير العامل تكريما فمعناه قد حصل التكريم لا أن الأمير باشره بنفسه فإذا قلت كرم الأمير نفسه العامل تكريما فإنه قد باشر ذلك بنفسه دون نيابة عنه. ملاحظة 3: أيهما أولى التأكيد بالمصدر أم بالفعل. أ- قال البعض التأكيد بالمصدر أولى لأنه اسم وهو أخف من الفعل ولأن الفعل يتحمل الضمير فيصير جملة فيزداد ثقلا. ب- وقال بعضهم التأكيد بالفعل أولى لأن الفعل يفيد الاستمرار.

التأكيد بالصفة

التأكيد بالصفة تمهيد تفيد التخصيص إذا كان الموصوف نكرة وتفيد التوضيح إذا كان الموصوف معرفة. - والمقصود بالصفة هنا: ما يوصف به وإن لم يعرب صفة بل ما يفيده الكلام كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [المزمل: 15] وصف موسى عليه السلام بأنه رسول. أولا: أسباب مجيء الصفة: أ- المدح والثناء مثل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1]، وقوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة: 44]، فمدحهم بالإسلام تعريضا باليهود لأن الدين عند الله الإسلام، واليهود حرفوا وبدلوا التوراة. ب- زيادة البيان كقوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ [الأعراف: 158]. ج- لتعيين جنسه كقوله تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام: 38]، فدابة للجنسية لا للأفراد فقد وردت دابّة مفردة وكذلك قال يطير بجناحيه من جميع ما يطير لذا قال بجناحيه كي لا يحصرها البعض في الجن والملائكة فإنهم يطيرون، ولذا جمع كلما أمم لتشمل كل ما يدب على الأرض وكل ما يطير في السماء.

ثانيا - تكرار الصفات والمنعوت واحد

ثانيا- تكرار الصفات والمنعوت واحد .- إذا تكررت النعوت والمنعوت واحد فتارة تكون بالعطف، وتارة تكون بلا عاطف، مثل قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13) [القلم: 10 - 13]. - ومع العاطف كقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (4) [الأعلى: 1 - 4]. ويشترط في ذلك اختلاف معانيها فكل صفة مستقلة عن الأخرى. - وإذا تباعد معنى الصفات فالعطف أحسن كقوله تعالى في سورة الحديد: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [الحديد: 3]. ثالثا: فصل الجمل في مقام المدح والذم: إذا ذكرت صفات متعددة في مقام المدح والذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها رفعا أو نصبا أو جرا لأن المقام يقتضي الإطناب كقوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177]، ومثله: وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ [النساء: 162]. المقيمين: منصوب، والمؤتون: مرفوع. رابعا: وصف الجمع بالمفرد: كقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180].

ملاحظة:

وكقوله تعالى: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى [طه: 51]. فالأسماء والقرون جمع، وصفاتها مفردة: الحسنى: والأولى. وذلك لأن اللفظ المؤنث «الحسنى والأولى مثلا» يجوز إطلاقه على جماعة المؤنث «كالأسماء والقرون». ملاحظة: توجد مؤكدات أخرى، وإنما ذكرت بعضها لتكون نموذجا للتأكيد في القرآن الذي هو فرع من فروع أساليب القرآن الكريم.

دور علم النحو في فهم معاني القرآن الكريم

دور علم النحو في فهم معاني القرآن الكريم تمهيد القرآن الكريم هو كتاب اللغة العربية الخالد فقد حفظ هذه اللغة من الاندثار والانقراض ووصل ماضي هذه الأمة بحاضرها فيستطيع العربي أن يفهم ما كتبه أجداده قبل آلاف السنين وهذه مزية لهذه الأمة بفضل هذا الكتاب الكريم على غيرها من الأمم كما عمل على نشرها في مناطق واسعة من العالم فلا يوجد قطر في كافة أرجاء المعمورة إلا وفيه من يتكلم العربية لغة الدين والحضارة الإسلامية، كما أغناها بالعبارات والمصطلحات الجديدة كالصوم والصلاة وغيرها، والأهم من كل ذلك أنه وحدّ لهجاتها في لهجة واحدة فأصبحت لغة العالم والدين والتفاهم بين الناس. وهذه المزايا التي أعطاها القرآن لهذه اللغة جعلتها تساهم في فهم هذا الكتاب الكريم، وفي هذا المقام سأتطرق إلى موضوع «النحو في كتاب الله تعالى» وبإيجاز شديد موضحا ذلك بالأمثلة المبسطة. 2 - وضع علم النحو: سمع أعرابي قارئا يقرأ قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة: 3] بكسر اللام بكلمة رسوله فقال: كيف يبرأ الله من رسوله فرفع الأمر إلى ولي الأمر، فأمر بوضع قواعد اللغة العربية فكلمه ورسوله مرفوعة أي ورسوله برىء من المشركين كذلك. 3 - وهذه بعض المباحث النحوية التي تبين أثر النحو في فهم كتاب الله تعالى:

- المثال الأول:

- المثال الأول: قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6] فماذا تفيد الباء بكلمة برءوسكم لفهم ذلك هذه معاني الباء باللغة العربية عند علماء النحو: وهي حرف جر لأربعة عشر معنى: 1 - الإلصاق: وهو معنى لا يفارقها وهو حقيقي ومجازي. 2 - التعدية: كقوله تعالى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [البقرة: 17]، أي: أذهب الله نورهم. 3 - الاستعانة: مثل: «بسم الله الرّحمن الرحيم». 4 - السببية: كقوله تعالى: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ [البقرة: 54]. 5 - المصاحبة، كقوله تعالى: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ [هود: 48]. 6 - الظرفية: كقوله تعالى: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [القمر: 34]. 7 - المقابلة: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32]. 8 - الجارة: بمعنى عن: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان: 59]، أي: عنه. 9 - الاستعلاء كقوله تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان: 72]، أي: على اللغو. 10 - التبعيض كقوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً [الإنسان: 6]، أي يشرب بعضها. 11 - الغاية، كقوله تعالى: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف: 100].

12 - التوكيد

12 - التوكيد وهي الباء الزائدة: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [النساء: 79]، وكقوله: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25]. 13 - القسم والحلف وهو معروف ومشهور. 14 - البدل: وبعد هذا أعود لمعنى الباء في الآية الكريمة آية الوضوء. قال بعضهم: هي للتبعيض أي: «فامسحوا بعض رءوسكم» قال آخرون: هي للإلصاق أي امسحوا رءوسكم ملصقين بأيديكم بمقدار أصابع اليد وهو ربع الرأس وقال بعضهم: الباء للاستعانة وفي الكلام وقلب فمسح يتعدى إلى المزال عنه نفسه وإلى المزيل بالماء فالأصل امسحوا رءوسكم بالماء. وقيل: الباء زائدة بالمعنى امسحوا رءوسكم أي مسح جميع الرأس. 4 - المثال الثاني: قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121]. فما حكم أكل متروك التسمية: أ- إذا تركت التسمية نسيانا فالذبيحة تأكل لأنه: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ب- أما متروك التسمية عمدا: - فمن قال أن الواو بقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121] هي واو الحال فقال تؤكل الذبيحة والمعنى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ

المثال الثالث:

اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121] في حالة كونه فسقا أي ذبح لغير الله كقوله تعالى: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة: 173]. - ومن قال الواو استئنافية فقد وقف على كلمة «عليه» فلا يؤكل متروك التسمية عمدا لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام: 121]. وهذا عموم بالنسبة لمتروك التسمية عمدا ونسيانا وقد استثني النسيان بنص الحديث الشريف فبقي العمد على الأصل. 5 - المثال الثالث: - من معاني «كان». أ- إذا وقعت في صفات الله تعالى فهي مسلوبة الدلالة عن الزمان. وكقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً [النساء: 148]. وكقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً [النساء: 130]. وكقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء: 100]. وكقوله تعالى: وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ [الأنبياء: 81]. أي كان ولم يزل من الأزل إلى الأبد. ب- تنقضي الدوام والاستمرار كقوله تعالى: وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء: 27]، أي: لم يزل منذ أن وجد منطويا على الكفر. ج- إذا أخبر بكان عن صفات الآدميين فالمراد أنها غريزة فطرية طبيعية مركوزة في النفس كقوله تعالى: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] وكقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب: 72]. د- وإذا أخبر بها عن أفعال الآدميين دلت على اقتران مضمون الجملة

وقال أبو بكر الرازي وكان في القرآن على خمسة أوجه:

بالزمان كقوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ [الأنبياء: 90]. وقال أبو بكر الرازي وكان في القرآن على خمسة أوجه: 1 - بمعنى الأزل والأبد كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء: 17]. 2 - وبمعنى المضي المنقطع كقوله تعالى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ [النمل: 48]. وهو الأصل في معاني كان كما تقول كان زيد صالحا أو مريضا أو وفيا أو نحوه. 3 - وبمعنى الحال كقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] وقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء: 103]. 4 - وبمعنى الاستقبال كقوله تعالى: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان: 7]، وقوله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [البقرة: 34]. 5 - وبمعنى صار كقوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ [البقرة: 34]. فهذه أمثلة بسيطة تبين أهمية النحو في فهم كتاب الله تعالى وبيان معانيه.

أسباب النزول

أسباب النزول أولا: نزول القرآن الكريم: نزل القرآن الكريم بدون مناسبة أو بمناسبة أو بعد حادثة أو سؤال. أ- وأكثر القرآن الكريم نزل بدون مناسبة كقوله تعالى في سورة العاديات: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات: 1 - 6]. وكقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: 1]. ب- وهنالك آيات نزلت بعد حادثة استدعت ذلك: فلما قال المشركين: إن محمدا أبتر ليس له أولاد ذكور نزل قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 1 - 3]. ج- وبعض الآيات نزلت بعد سؤال وجّه للرسول صلى الله عليه وسلّم فلما اختلف المسلمون بعد غزوة بدر في قسمة الأنفال وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلّم نزل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال: 1]، فقسمها الرسول صلى الله عليه وسلّم للراجل سهم وللفارس سهمان فرضوا بذلك منقادين لحكم الله ورسوله.

ثانيا: فوائد أسباب النزول:

ثانيا: فوائد أسباب النزول: أ- فهم الآية القرآنية كقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 115]، فقد يفهم منها أنه حيثما توجه المصلي شرقا أم غربا فصلاته جائزة ولكن الحكم ليس كذلك فالتوجه للقبلة شرط من شروط الصلاة، ويستثنى من ذلك أن الإنسان إذا كان في سفر بعيدا عن الناس وتحرى القبلة فلم يعرفها فيجوز له أن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ولو أخطأ بذلك، أما قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق: 4]، فقد فهم الظاهرية من ذلك أن الكبيرة التي انقطع دم الحيض عنها لا عدة عليها إذا لم ترتب في ذلك أي في انقطاع الحيض عنها. ولكن الأمر ليس كذلك كما يوضح لنا أسباب النزول فقد قال الصحابة قد علمنا عدد النساء جميعا فما عدة الكبيرة التي يئست من المحيض وما عدة الصغيرة التي لا تحيض فنزلت الآية لبيان عدتهن ويصبح معنى إن ارتبتم إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن فهذا هو حكمهن. ب- معرفة من نزلت فيه الآية: كقوله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]. فلما تكلم مسطح بن أثاثة قريب أبي بكر رضي الله عنه وخاض في حديث الإفك بشأن عائشة رضي الله عنها، حلف أبو بكر أن لا يعطيه شيئا فنزلت الآية السابقة تشير إلى أبي بكر وتطلب منه أن لا يقطع صدقاته عن مسطح قريبه وأن يعفو عنه ويصفح.

ج - دفع توهم الحصر

ج- دفع توهم الحصر كقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 145]. فليس معنى الآية حصر المحرمات ولكن المعنى كما قال الشافعي رضي الله عنه «إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحادة»، فجاءت هذه الآية منافية لغرضهم فكأنه قال: «لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه فلم يقصد حل ما وراءه وإنما قصد إثبات التحريم لا إثبات الحل». ثالثا: أمثلة عن أسباب النزول: أ- ورد في الصحيحين «لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده أبو جهل وعبيد الله بن أبي أمية فقال: «أي عم، قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبيد الله: أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو: على ملة عبد المطلب. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك»، فنزلت: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: 113 - 114]. ب- قال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1]. وسبب النزول «جاءت خولة بنت ثعلبة زوج أوس بن الصامت إلى

أسباب النزول:

رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد قال لها زوجها (أنت عليّ كظهر أمي) فقالت: إن أوسا تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ فلما خلا سني ونثرت بطني (أي كثر ولدي) جعلني عليه كأمه وروي أنها قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا فقال صلى الله عليه وسلّم: «ما عندي من أمرك شيء» وروي أنه قال لها: «حرمت عليه»، فقالت: يا رسول الله ما ذكر طلاقا، وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إلي، فقال: «حرمت عليه»، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «حرمت عليه»، هتفت وشكت، فنزلت الآية السابقة. ج- قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: 1]. أسباب النزول: روي أن مولاة لأبي عمرو بن صيفي بن هاشم يقال لها سارّة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة وهو يتجهز لفتح مكة فقال لها: «أمسلمة جئت؟» قالت: لا، قال: «أفمهاجرة جئت؟» قالت: لا، قال: «فما جاء بك؟» قالت: احتجت حاجة شديدة فحث عليها بني المطلب فكسوها وحملوها وزودوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا واستحملها كتابا إلى أهل مكة، ونسخته من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة، اعلموا أن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم، خرجت سارة ونزل جبريل بالخبر، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا وعمارا وعمر وطلحة، والزبير، والمقداد، وأبا مرثد وكانوا فرسانا وقال: «انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ)، فإن بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة فخذوه منها، وخلوها

فإن أبت فاضربوا عنقها»، فأدركوها فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع، فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب، أو رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة هي أحدهم، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حاطبا وقال: «ما حملك عليه؟» فقال يا رسول الله: ما كفرت منذ أن أسلمت، ولا غششت منذ نصحت، ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكل من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهليهم وأموالهم غيري، فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل عليهم بأسه، وإن كتابي لا يغني عنهم شيئا، فصدقه وقبل عذره، فقال عمر رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلّم: «وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينا عمر». فنزلت قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [الممتحنة: 1].

حكم نزول القرآن مفرقا

حكم نزول القرآن مفرقا تمهيد المعلوم أن القرآن الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مدة اثنتين وعشرين سنة وثمانية أشهر واثنين وعشرين يوما على أرجح الأقوال. يقول تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106]، وقد احتج المشركون على ذلك فقالوا كما ورد في القرآن كما في سورة الفرقان: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32]. فما حكم نزول القرآن الكريم مفرقا: أولا: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلّم: لم يترك المشركون وسيلة من الوسائل إلا استعملوها للوقوف في وجه الدعوة الإسلامية من سخرية وتهكم وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلّم وتعذيب أصحابه ومقاطعة المسلمين وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في الكعبة، فأكل المسلمون ورق الشجر وجلود الحيوانات، فكان القرآن الكريم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم يبين له ما لاقاه الأنبياء قبله فصبروا وكان لهم النصر، قال تعالى: أ- وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: 120]. ب- وقال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ [غافر: 51].

ثانيا: التلطف بالنبي صلى الله عليه وسلم:

ج- وقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ [إبراهيم: 13 - 14]. د- وقال تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]. هـ- وقال تعالى: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: 24]. ووقال تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور: 48]. ز- وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [الصافات: 171 - 173]. ح- وقال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: 12]، فتجدد الوحي وتكرار نزول جبريل فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم وتثبيت له على طريق الدعوة إلى الله وتقوية عزيمته وثقته بنصر الله. ثانيا: التلطف بالنبي صلى الله عليه وسلّم: فالوحي قول ثقيل قال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: 5]. وقال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21]. ومن مظاهر هذا الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أ- كان يتصبب جبينه عرقا في الليلة الشديدة البرد. ب- كانت تبرك به راحلته عند ما يتنزل عليه الوحي لثقل ذلك عليه. ج- كان إذا وضع رجله على رجل أحد لا يستطيع ذلك الشخص أن يحركها أو يرفعها.

ثالثا: تقديم الحلول للمشاكل الطارئة أو مسايرة الحوادث والوقائع في حينها فإذا حدثت حادثة أو حصل خطأ نزل القرآن الكريم ليبين الحكم الشرعي الصحيح بشكل عملي ليكون أوقع في النفوس، وهذه أمثلة على ذلك:

د- كان عند ما ينزل عليه الوحي كأنه يغشى عليه. ثالثا: تقديم الحلول للمشاكل الطارئة أو مسايرة الحوادث والوقائع في حينها فإذا حدثت حادثة أو حصل خطأ نزل القرآن الكريم ليبين الحكم الشرعي الصحيح بشكل عملي ليكون أوقع في النفوس، وهذه أمثلة على ذلك: أ- في غزوة حنين اغتر المسلمون بكثرتهم وقال بعضهم: (لن نغلب اليوم من قلة)، فلما كانت المعركة انهزموا وثبت الرسول صلى الله عليه وسلّم فنزلت الآيات تبين لهم أن النصر لا يكون بكثرة العدد ولا بتوفر العدد بل هو من عند الله قال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 25 - 27]. ب- وفي غزوة بدر أسر المسلمون عددا من المشركين فشاور الرسول صلى الله عليه وسلّم أصحابه بهم، فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر بأخذ الفداء منهم، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم هم أهلك وعشيرتك وعسى الله أن يهديهم للإسلام. فدعا صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر بخير وأخذ برأي أبي بكر بأخذ الفداء من المشركين، فنزل القرآن الكريم يقول بقول عمر: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 67 - 68]. فحكم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية موافق لرأي عمر لأن الدولة الإسلامية ضعيفة آنذاك.

رابعا: تسهيل حفظ القرآن الكريم:

ج- كان اليهود والمشركون يسألون النبي صلى الله عليه وسلّم عن أشياء ولم يكن عنده جواب عليها فكان يتنزل القرآن الكريم للرد عليهم. - فقد سألوا الرسول صلى الله عليه وسلّم عن الروح فنزل قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]. - وسألوه عن الساعة فنزل: يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب: 63]. - وسألوه عن ذي القرنين فنزلت قصته: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف: 83]. والآيات التي بعدها، إلى غير ذلك من أسئلة كثيرة نجدها في القرآن الكريم. رابعا: تسهيل حفظ القرآن الكريم: فقد نزل القرآن الكريم على جماعة أميين لا يقرءون ولا يكتبون، والذين يعرفون القراءة والكتابة يعدون على الأصابع، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلّم مثلهم أميا قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2] ولقد ساعدهم نزول القرآن منجما على حفظه وعلى فهمه ومعرفة أحكامه فكان كثير منهم يعلمون متى نزلت كل آية وأين نزلت وفيم أنزلت، وبهذه الطريقة تعلموا العلم والعمل معا وحفظوا كتاب الله تعالى ونقلوه إلى الأجيال الآتية. خامسا: التدرج في تشريع الأحكام: من المعلوم أن أحكام الإسلام لم تنزل دفعة واحدة فقد كان الرسول

صلى الله عليه وسلّم بمكة يقول الناس: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» فكانت دعوته تتركز على توحيد الله ونفي الشرك والإيمان بالجنة والنار والحساب والبعث والنشور، أما الصلاة فقد فرضت في حادثة الإسراء والمعراج في السنة الثالثة عشرة من البعثة على أرجح الأقوال، وأما الصوم فقد فرض في السنة الثانية من الهجرة، وأما الزكاة ففي السنة السادسة من الهجرة، وأما الحج ففي السنة التاسعة من الهجرة وقل ذلك في غيرها من الأحكام كتحريم الخمر والإذن والقتال والجهاد في سبيل الله، فقد كان من أول ما نزل آيات فيها ذكر الجنة والنار ولو قال لهم من أول يوم لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا. - وهذا مثال عن التدرج في تحريم الخمر: أ- أول آية نزلت في الخمر: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً (67) الآية مكية من سورة النحل. ومعنى ذلك أن الله أنعم عليكم بالأعناب والنخيل فاتخذتم من ثمراتها الخمر وللسكر وذهاب العقل وكان الأولى بكم أن تستفيدوا منها رزقا حسنا بالأكل منها وعدم اتخاذ الخمر وفي هذا إشارة خفية للابتعاد عن الخمر والنفير منها. ب- ثم نزل قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة: 219] فبينت الآية إن إثم الخمر أكبر من نفعه وكذلك الميسر أو القمار، إشارة إلى تركهما لأن العاقل لا يؤثر الضرر على النفع، أما المنافع الموجودة بالخمر فهي مادية بحتة، يبيعونها ويربحون منها ولذلك قرن بين الخمر والميسر ومن المؤكد أن منافع الميسر مادية بحتة ولذلك جمع بينهما.

ج- المرحلة الثالثة: سكر بعض المسلمين ثم قاموا إلى الصلاة فقرأ إمامهم «قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون». فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النساء: 43]. فامتنعوا عن شرب الخمر أكثر ساعات النهار وبعض ساعات الليل وهذا هو التحريم الجزئي. د- ثم نزل التحريم الكلي بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة: 90 - 91]. وسبب نزول هذه الآية كما يذكره البعض: أن عددا من الصحابة شربوا الخمر بعد صلاة العشاء وثملوا وبينهم حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكانت تغنيهم جارية: ألا يا حمز للشرف النّواء ... وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها لأكل ... شهي من طبيخ أو شواء فقام حمزة إلى النوق وقطع أسنمتها وبقر خواصرها وأخرج أكبادها وكانت لعلي بن أبي طالب، فلما رآها اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فجاء إلى حمزة يعاتبه ويلومه على صنيعه فأخذ حمزة يصوب النظر بالرسول صلى الله عليه وسلّم ويصعده ثم قال له: «وهل أنتم إلا عبيد أبي»، فعلم النبي صلى الله عليه وسلّم أنه سكر فتركه. وهذا ما تفعله الخمر في العقول، في هذه الآية الكريمة تحريم الخمر من عدة وجوه هي:

- مثال آخر عن التدرج في تحريم الربا

1 - رجس ونجاسة. 2 - من عمل الشيطان، وعمله كله شرور وآثام. 3 - فاجتنبوه، ابتعدوا عن الخمر وشرورها ولا تقربوها وهذا أبلغ من عبارة حرمت عليكم. 4 - قرنها مع القمار (الميسر) والشرك وما ذبح لغير الله. 5 - ربط الفلاح بتركها واجتنابها، فالخاسر هو الذي يشربها. 6 - تؤدي إلى العداوة والخصام. 7 - تؤدي إلى البغضاء والأحقاد بين الناس. 8 - تصد عن ذكر الله تعالى والله يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: 152]. 9 - تصد عن الصلاة، «والصلاة عماد الدين». 10 - فهل أنتم منتهون؟ استفهام يفيد الأمر أي: فانتهوا عنها. 11 - ذكر تحريمها وتحريم الميسر والأنصاب والأزلام بصيغة الحصر والقصر باستعمال كلمة (إنما). - مثال آخر عن التدرج في تحريم الربا: أ- قال تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]. ب- قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً

وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 130 - 132]. ج- قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: 275]. وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة: 278 - 279]. - ففي الآية الأولى في سورة الروم- من ربا- كتبت الألف لأن المقصود بكلمة الربا هنا ليست الربا المعروف. بل كان الرجل يهدي الهدية وهو يأمل أن يثاب عليها بأكثر منها، فسميت ربا من هذا الوجه، أي وما أعطيتم من هدايا تأملون أن تثابوا عليها بأكثر منها من أموال الناس فلا تزيد عند الله تعالى لأن قصدكم ونيتكم المكافأة عليها بأكثر منها، فتأخذون ذلك ممن أهديتم له وأعطيتموه، وهذه الهدية جائزة ومباحة. - وفي النص الثاني من سورة آل عمران: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران: 130] فكلمة الربا مرسومة بواو ومعها ألف زائدة والمقصود بها الربا المحرم وهو تحريم للربا السائد عندهم، فكان المرابي يقول للمدين إذا انتهى الأجل إما أن تقضي أو تربي فيضاعف المبلغ وهكذا كل عام فهو يأخذ القليل ويدفع الكثير. - أما آية البقرة ففيها التحريم القاطع للربا وبيان أن من يأكله

سادسا:

ويتعامل به ليس مؤمنا وهو محارب لله ورسوله اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 278 - 279]. وقد ورد تحريمه تحريما جازما وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275]، وذلك لأن الربا ليس بيعا فالبيع فيه ربح وخسارة بعكس الربا ولكنهم قلبوا الأمور فقالوا: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا [البقرة: 275]. وهذا قلب للحقائق وتشويه للأمور، ومن تعامل بالربا بعد ورود هذا النص فهو من أصحاب النار الخالدين فيها. وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: 275]. سادسا: الإرشاد إلى مصدر القرآن الكريم وأنه تنزيل من رب العالمين وليس من كلام محمد صلى الله عليه وسلّم، لأن البشر يمرون في حياتهم بحالات وانفعالات وتتطور أمورهم وتتبدل مواقفهم، فيظهر التعارض في أقوالهم وأعمالهم. وهذا الكتاب الكريم نزل في ثلاث وعشرين سنة ولم نجد فيه شيئا من التناقض ولا التعارض فهو من قول العزيز الحكيم رب العالمين. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا أنزلت عليه آية أو آيات قال: «ضعوها في مكان كذا من سورة كذا»، وهو بشر لا يدري ما ستجيء به الأيام ولا يعلم ما سيكون في المستقبل فضلا عن معرفة ما سينزل من عند الله. ويمضي العمر الطويل والرسول صلى الله عليه وسلّم على هذا العهد يأتيه الوحي القرآني

ويضع كل شيء محله وتكتمل السور القرآنية نجما بعد نجم ويكتمل القرآن الكريم ويعجز الخلق جميعا على أن يأتوا بمثله. الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان: 6]. فهل بعد هذا الإعجاز من إعجاز، ولعل هذه أعظم حكمة من حكم نزول القرآن الكريم منجما مفرقا.

كيف تلقى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم

كيف تلقى النبي صلى الله عليه وسلّم القرآن الكريم سأترك الكلام في ذلك لصاحب التبيان في علوم القرآن الكريم حيث يقول «تلقى النبي صلى الله عليه وسلّم القرآن بواسطة أمين الوحي (جبريل) عليه السلام، وجبريل تلقاه عن رب العزة جل جلاله، وليس لجبريل الأمين سوى تبليغ كلام الله وإيحائه للرسول صلى الله عليه وسلّم فالله جلت حكمته قد أنزل كتابه المقدس على خاتم أنبيائه بواسطة أمين الوحي جبريل، وعلمه جبريل للرسول، وبلغه الرسول لأمته، وقد وصف الله جبريل عليه السلام بأنه أمين على الوحي يبلغه كما سمعه عن الله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 19 - 21]. وقال تعالى في وصفه أيضا: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: 193 - 194]. أما حقيقة الكلام، وحقيقة المنزل فإنما هو كلام الله، وتنزيل رب العالمين، كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ [النمل: 6]. وقد كان صلوات الله عليه يعاني عند نزول القرآن شدة، وكان يحاول أن يجهد نفسه من أجل حفظ القرآن، فيكرر القراءة مع جبريل حين يتلو عليه القرآن، خشية أن ينساه أو يضيع عليه شيء منه، فأمر الله تعالى بالإنصات والسكوت عند قراءة جبريل عليه، وطمأنه بأنه تعالى سيجعل هذا القرآن محفوظا في صدره، فلا يتعجل في أمره، ولا يجهد نفسه في تلقيه.

وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: 114]. وأما تكفل الله تعالى له بالحفظ فقد جاء في قوله سبحانه: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة: 16 - 19]. وقد كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلّم القرآن في رمضان، فينزل جبريل على رسول الله ويستمع له القرآن، فيقرأ الرسول بين يديه وجبريل يستمع، ويقرأ جبريل والنبي يستمع وهكذا يدارسه في كل رمضان ما نزل من القرآن مرة واحدة، وقبل وفاته صلى الله عليه وسلّم نزل عليه جبريل مرتين في رمضان فدارسه القرآن حتى لقد شعر عليه الصلاة والسلام- من نزول جبريل مرتين عليه- بدنو أجله، وقال لعائشة رضي الله عنها: «إن جبريل كان ينزل عليّ فيدارسني القرآن مرة واحدة في رمضان وقد نزل عليّ هذا العام مرتين، وما أراني إلا قد اقترب أجلي». وقد كان الأمر كذلك فقد انتقل في ذلك العام إلى جوار ربه صلوات الله وسلامه عليه وانقطع بوفاته نزول الوحي. أما كيف تلقى جبريل القرآن عن الله عز وجل، فقد تقدم معنا أنه كان سماعا حيث سمع من الله عز وجل هذه الآيات فنزل بها على رسول الله. قال البيهقي في معنى قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1]. يريد- والله أعلم- إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع .. انتهى. ومعنى هذا أن جبريل أخذ القرآن عن الله تعالى سماعا ويؤيده ما روي في الحديث الشريف: «إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من

خوف الله، فإذا سمع أهل السماء صعقوا، وخروا سجدا، فيكون أولهم يرفع رأسه (جبريل) فيكلمه الله بوحيه بما أراد، فينتهي به إلى الملائكة، فكلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا؟ قال: الحق، فينتهي به حيث أمر». رواه الطبراني. قال الزرقاني في كتابه مناهل العرفان: «وقد أسف بعض الناس فزعم أن جبريل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلّم بمعاني القرآن، والرسول يعبر عنها بلغة العرب .. وزعم آخرون أن اللفظ لجبريل وأن الله كان يوحي إليه المعنى فقط .. وكلاهما قول باطل أثيم، مصادم لصريح الكتاب والسنة والإجماع ولا يساوي قيمة المداد الذي يكتب به، وعقيدتي أنه مدسوس على المسلمين في كتبهم وإلا فكيف يكون القرآن حينئذ معجزا واللفظ لمحمد أو لجبريل؟ ثم كيف تصح نسبته إلى الله واللفظ ليس لله؟ مع أن الله يقول: حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6]. إلى غير ذلك مما يطول بنا تفصيله.

الحمد في القرآن الكريم

الحمد في القرآن الكريم وردت مشتقات هذه الكلمة في القرآن الكريم على النحو التالي: / التكرار/ الكلمة/ 28/ الحمد لله وله الحمد/ 6/ بحمد ربّك/ 4/ بحمد ربّهم/ 1/ بحمدك/ 4/ بحمده/ 1/ أن يحمدوا/ 5/ محمّد وأحمد/ 16/ الحميد وحميد/ 1/ حميدا/ 1/ الحامدون/ 1/ محمودا

أولا:

فالمجموع العام لهذه الكلمات/ 68/ مرة ومجموعها حتى بداية كلمة أن يحمدوا/ 43/ مرة وقد وردت بينها صفة الله (الحميد) بالتعريف والتنكير/ 17/ مرة كما هو واضح أعلاه، وكلمة (الحامدون) و (محمودا) كل منها مرة واحدة، وسوف أتطرق إلى التعليق عليها وهذا توضيح لكلمة الحمد ومشتقاتها وعددها/ 49/ كلمة كما هو ظاهر. أولا: خمس سور ابتدأت بالحمد لله: أ- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 2 - 4]. فالله يحمد على ربوبيته ورحمته العامة والخاصة وتفرده بالملك يوم الدين والجزاء. ب- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1]. فالله هو المحمود وحده لأنه خلق السموات والأرض والظلمات والنور. ج- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً [الكهف: 1 - 2]. فالله محمود على إنزاله القرآن الكريم الذي يبشر بالجنة وينذر من النار. د- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: 1]. فكل ما في السموات والأرض لله تعالى، وهو المحمود بالآخرة.

ملاحظة:

هـ- الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فاطر: 1]. فالحمد لله على خلق السموات والأرض وخلق الملائكة. ملاحظة: فأهم الأشياء التي نحمد الله عليها: أ- ربوبيته ورحمته. ب- خلق السماوات والأرض والظلمات والنور. ج- إنزال القرآن الكريم. د- تصرفه في ملكه كما يشاء. هـ- خلق الملائكة. . ثانيا: خمس سور أيضا اختتمت بحمد الله. أ- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء: 111] ب- وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [النمل: 93]. ج- سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الصافات: 180 - 182] د- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الزمر: 75]. هـ- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر: 1 - 3].

ملاحظة:

ملاحظة: مقارنات بين الحمد في أوائل السور وختامها: - فما يقابل ربوبية الله: أنه ليس له ولد. - وما يقابل خلق الله: أنه يرينا آياته. - وما يقابل إنزال القرآن الكريم: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، من كون القرآن كلام محمد صلى الله عليه وسلّم وبالتالي ينكرون صفات الله. - أما تفرده في ملكه فيقابله نصر الله للمؤمنين وإن كانوا ضعفاء. - وما يقابل خلق الملائكة: هو أنهم حافون حول العرش يسبحون بحمد ربهم. ثالثا: خمسة أسماء أربعة منها محمد صلى الله عليه وسلّم وواحد منها أحمد، وبعد الحمد لله في أول السور، والحمد لله في ختام السور، ذكر رب العالمين اسم محمد صلى الله عليه وسلّم أربع مرات واسم أحمد مرة واحدة أيضا. قال تعالى: أ- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]. ب- ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [الأحزاب: 40]. ج- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ [محمد: 2]. د- مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً

نلاحظ من هذه الآيات ما يلي:

سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح: 29]. هـ- وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف: 6]. نلاحظ من هذه الآيات ما يلي: أ- محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخاتم النبيين وليس أبا أحد من الرجال. ب- محمد صلى الله عليه وسلّم بشر يموت كغيره من البشر ولا يبقى إلا الله. ج- علينا أن نؤمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم وهو القرآن الكريم. د- من صفات الرسول صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين الشدة على الكفار والرحمة بالمؤمنين والركوع والسجود. هـ- بشر عيسى بأحمد (محمد صلى الله عليه وسلّم) بأنه رسول يأتي من بعده. رابعا: سبح بحمد ربك: في هذه الآيات أمر للنبي صلى الله عليه وسلّم أن يسبح بحمد ربه وأن يقول سبحان الله وبحمده وقد وردت هذه العبارة ست مرات في القرآن الكريم وهي: أ- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 98 - 99] واليقين: هو الموت فالمطلوب عبادته تعالى حتى الموت. ب- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى [طه: 130].

خامسا:

ج- فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ [غافر: 55]. د- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق: 39]. هـ- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ [الطور: 48 - 49]. وفَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [النصر: 3]. وكل الخطاب بهذه الآيات لمحمد صلى الله عليه وسلّم والأمر له أمر لأمته أيضا. خامسا: سبح ويسبحون بحمد ربهم. وردت هاتان العبارتان أربع مرات في القرآن الكريم، فما كان خاصا منها بالملائكة وردت بلفظ المضارع وهي ثلاث: أ- وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الزمر: 75]. ب- الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7]. ج- وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الشورى: 5]. وكل هذه الأفعال الثلاثة وردت بصيغة المضارع لبيان أن الملائكة ألهموا التسبيح باستمرار كما ألهمنا النفس. د- وما كان منها يتعلق بالمؤمنين وردت بصيغة الماضي على سبيل الجمع:

ملاحظة:

إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15]. فمن صفات المؤمنين أن يسجدون ويخضعون عند تذكيرهم بآيات الله تعالى. ملاحظة: مجموع آيات التسبيح بحمد الله تعالى تساوي عشر آيات وهي تساوي عدد السور المبتدئة بحمد الله مع عدد السور المنتهية والمختتمة بحمد الله تعالى فما هذا التوافق العجيب؟!. وكذلك الآيات التي بها (بحمدك) و (بحمده) معا عددها خمس أيضا لتتفق في العدد مع السور المبتدئة بالحمد أو المنتهية بالحمد، وهذه الآيات هي: أ- وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 30]. ب- وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ [الرعد: 13]. ج- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً [الإسراء: 44]. د- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 52]. هـ- وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً [الفرقان: 58].

التسبيح أكثر ما يكون في الصلاة وبهذا لما نزل قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 96]. قال صلى الله عليه وسلّم: «اجعلوها في ركوعكم» ولما نزل قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1]. قال صلى الله عليه وسلّم: «اجعلوها في سجودكم» فإني أرى العلاقة قائمة بين التسبيح والأمر به وبين الصلوات الخمس، وقد جاءت الأعداد متوافقة وكذلك الحمد لله وأعدادها الخمس في بداية السورة وختامها توافق أعداد الصلوات لأن أعلى درجات الحمد تكون في الصلاة وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ولذلك مدح الله الحامدين والراكعين الساجدين في قوله تعالى: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 112]. وهؤلاء عشر فئات بعدد آيات الحمد في بدء السور ونهايتها كما مر. هذه نقاط مضيئة في أول الطريق أذكرها لتكون بداية للانطلاق لدراسة القرآن الكريم من هذه الناحية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها كما سمعها فرب مبلّغ أوعى من سامع».

مقارنة بين آيات الحمد والتسبيح

مقارنة بين آيات الحمد والتسبيح / العدد/ الكلمة/ الكلمة/ العدد// 28/ الحمد لله وله الحمد/ سبحن/ 18// 10/ بحمد ربّك وبحمد ربّهم/ سبحانك/ 9// 5/ بحمده وبحمدك/ سبحانه/ 14// تسبيحهم وتسبيحه/ 2// 43/ المجموع/ المجموع/ 43/ فمجموع آيات الحمد يساوي مجموع آيات التسبيح وهذا توافق عجيب! وبفضل هذا التسبيح أنقذ الله يونس من بطن الحوت ومن أعماق البحر في ظلمة الليل. قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 87 - 88]. وقال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات: 143 - 144].

الدعاء في القرآن الكريم

الدعاء في القرآن الكريم أ- قال تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10]. ب- يتبين من الآية السابقة أن الدعاء ينفع الأحياء والأموات سواء دعا الإنسان لنفسه أو دعى لغيره. ج- قال تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]. ورد في سبب نزول هذه الآية: أ- قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام وغلظ كل سماء مثل ذلك فنزلت. ب- إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت وعبارة فإني قريب بالإجابة أو العلم أو قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام. د- ومن المعلوم أن أدوات النداء هي: أي- أللقريب- وأيا- هيا- آللمنادى البعيد و (يا) تستعمل للقريب أو البعيد. كما ورد في الآية السابقة لا نجد أي دعاء من أدعية القرآن الكريم مسبوقا بأداة نداء للقريب أو البعيد بل كل أدعية القرآن الكريم وردت بدون استعمال/ يا/ النداء.

هـ- سبقت أدعية القرآن الكريم بكلمة/ ربّنا/ أو/ ربّ/ أو اللهم. والدعاء بكلمة (ربنا) وردت كلمة ربنا بالنّصب وربّنا بالرفع وربنا بالجر (111) مرة بالقرآن الكريم، ومن المعلوم أن الدعاء لا يرد إلا بعد كلمة ربّنا بالنصب كما هي المواضيع التالية: 1 - رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127] 2 - رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة: 128] 3 - رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ [البقرة: 129] 4 - فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا [البقرة: 200] 5 - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [البقرة: 201] 6 - وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً [البقرة: 250] 7 - وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] 8 - رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [البقرة: 286] 9 - رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا [البقرة: 286] 10 - رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ [البقرة: 286] 11 - رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آل عمران: 8] 12 - رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ [آل عمران: 9] 13 - الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا [آل عمران: 16]

14 - رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 53] 15 - رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا [آل عمران: 147] 16 - رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [آل عمران: 191] 17 - رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ [آل عمران: 193] رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ [آل عمران: 194] 18 - رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا [آل عمران: 193] 19 - رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء: 75] 20 - وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [النساء: 77] 21 - يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة: 83] 22 - اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة: 114] 23 - قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: 23] 24 - رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف: 38] 25 - قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف: 47] 26 - رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ [الأعراف: 89] 27 - رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ [الأعراف: 126]

28 - رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يونس: 85] 29 - رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ [يونس: 88] 30 - رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ [إبراهيم: 37] 31 - رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ [إبراهيم: 41] 32 - رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ [إبراهيم: 44] 33 - رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف: 10] 34 - رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى [طه: 134] 35 - رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ [المؤمنون: 107] 36 - رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون: 109] 37 - رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الفرقان: 65] 38 - رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان: 74] 39 - رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص: 47] 40 - رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة: 12]

41 - رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب: 68] 42 - رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سبأ: 19] 43 - رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر: 37] 44 - وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ [ص: 16] 45 - قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص: 61] 46 - رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر: 7] 47 - رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر: 8] 48 - قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ [غافر: 11] 49 - رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ [فصلت: 29]. 50 - رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان: 12] 51 - رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] 52 - رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الممتحنة: 5] 53 - رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8]

2 - الدعاء بكلمة ربّ من المعلوم أن كلمة ربّ محذوفة ياء المتكلم ويجوز أن نقول ربي ولكن تأدبا مع الله تعالى بالدعاء لا تمد هذه الكلمة مدا طبيعيا في الحالة العادية أو مدا منفصلا إذا جاء بعدها همزة في أول الكلمة الثانية. وقد وردت كلمة (ربّ) بالقرآن الكريم (67) مرة منها/ 65/ مرة لم تسبق بياء النداء، وسبقت مرتين بياء النداء على سبيل الشكوى لا على سبيل الدعاء والمرتان هما: 1 - وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان: 30]. 2 - وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ [الزخرف: 88]. وما عدا ذلك فقد وردت صيغة الدعاء في الآيات التالية: 1 - رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة: 126] 2 - رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 260] 3 - رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران: 35] 4 - رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ [آل عمران: 38] 5 - قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا

رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ [آل عمران: 41] 6 - قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [المائدة: 25] 7 - قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: 143] 8 - قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأعراف: 151] 9 - قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ [الأعراف: 155] 10 - فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ [هود: 45] 11 - قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ [هود: 47] 12 - قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33] ج- الدعاء بكلمة (اللهم) نظرا لعدم استعمال ياء النداء بأدعية القرآن الكريم أضيفت الميم لآخر كلمة لفظ الجلالة الله فأصبحت اللهم وقد كان العرب يستعملون ذلك قبل الإسلام كما في التلبية بالحج «لبيك اللهم لبيك» وهذا من باب التأدب مع الله تعالى: وقد وردت كلمة اللهم خمس مرات بالقرآن الكريم في الآيات التالية:

- قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]- قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة: 114]- وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32]- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: 10]- قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46] ط- من أدعية السنة المطهرة: - «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد ونقي قلبي من الحظايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والنوم» رواه البخاري. «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».

ويلاحظ:

رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى إليّ وانصرني على من بغى عليّ. يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» رواه الترمذي، وأحمد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. - «يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار». أبو داود، والنسائي، والترمذي (انظر النسائي). ويلاحظ: أن أكثر أدعية الرسول صلى الله عليه وسلّم تبتدئ بكلمة اللهم وأحيانا تبدأ بكلمة رب وربنا. أما استعمال أدوات النداء فيها مثل: (يا) فإنها قليلة جدا كما هو موضح أعلاه.

ملحق يتضمن القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية

ملحق يتضمن القواعد الفقهية في الشريعة الإسلامية

القواعد الفقهية

القواعد الفقهية أولا: تمهيد: أ- تكونت هذه القواعد الفقهية خلال العصور ولا يعرف لها واضع إلا ما كان منها نص حديث نبوي شريف كقاعدة «لا ضرر ولا ضرار». ب- وكما وضع العلماء قواعد النحو والصرف المتعلقة بمعنى الكلمات وحركاتها كقولهم «الفاعل اسم مرفوع والمفعول به اسم منصوب» ويصاغ اسم الفاعل من الثلاثي على وزن فاعل. ج- كما وضعوا قواعد أصول الفقه وأغلب مباحثه تتعلق بقواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ كدلالة الأمر على الوجوب ودلالة النهي على التحريم. د- كذلك وضعوا القواعد الفقهية أو الضوابط الفقهية ومعنى القاعدة حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته كقوله: «الأمور بمقاصدها» وتسمى القاعدة عند بعض الفقهاء أصلا كقوله: «الأصل في الأمور العارضة العدم». هـ- وفائدة هذه القواعد: 1 - من أخذ بالقواعد الفقهية تناقصت عليه فروع وجزئيات الأحكام وأصبحت عنده ملكية فقهية يفهم بها الفقه. 2 - استغناء الفقيه عن حفظ النصوص الجزئية لاندراجها بالكليات كقواعد علم النحو تماما.

ثانيا: تصنيف القواعد الفقهية:

ثانيا: تصنيف القواعد الفقهية: 1 - القواعد الأساسية: فكل منها أصل مستقل ليس متفرعا من قاعدة أعم منه مثل «اليقين لا يزول الشك». 2 - القواعد الفرعية: المتفرعة عن تلك القواعد الأساسية كقاعدة «الأصل بقاء ما كان على ما كان» المتفرعة عن القاعدة السابقة. ثالثا: القواعد الخمس الكبرى: 1 - لا ضرر ولا ضرار. 2 - العادة محكمة. 3 - المشقة تجلب التيسير. 4 - اليقين لا يزول بالشك. 5 - الأمور بمقاصدها. وهي مجموعة بهذين البيتين من الشعر بالترتيب السابق: ضرر يزال وعادة قد حكمت ... وكذا المشقة تجلب التيسيرا والشك لا ترفع به متيقنا ... والقصد أخلص إن أردت أجورا

عرض عام للقواعد الفقهية

عرض عام للقواعد الفقهية أولا: القواعد الخمس الكبرى وما يتفرع عنها: أ- 1 - الأمور بمقاصدها. 2 - العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا في الألفاظ والمباني. ب- 3 - اليقين لا يزول بالشك. 4 - الأصل بقاء ما كان على ما كان. 5 - ما ثبت بزمان حكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه. 6 - الأصل في الأمور العارضة العدم. 7 - الأصل براءة الذمة. 8 - الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته. 9 - لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح. 10 - لا ينسب إلى ساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان. 11 - لا عبرة للتوهم 12 - لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل. 13 - لا عبرة بالظن البين خطؤه. 14 - الممتنع عادة كالممتنع حقيقة.

ج- 15 - لا ضرر ولا ضرار. 16 - الضرر يدفع بقدر الإمكان. 17 - الضرر يزال. 18 - الضرر لا يزال بمثله. 19 - الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف. 20 - يختار أهون الشرين. 21 - إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما. 22 - يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام. 23 - درء المفاسد أولى من جلب المنافع. 24 - إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع. 25 - القديم يترك على قدمه. 26 - الضرر لا يكون قديما. د- 27 - المشقة تجلب التيسير. 28 - الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق. 29 - الضرورات تبيح المحظورات. 30 - الضرورات تقدر بقدرها. 31 - الاضطرار لا يبطل حق الغير. 32 - الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. هـ- 33 - العادة محكمة.

ثانيا: القواعد الأخرى وما يتفرع منها:

34 - استعمال الناس حجة يجب العمل بها. 35 - إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت. 36 - العبرة للغالب الشائع لا للنادر. 37 - الحقيقة تترك بدلالة العادة. 38 - الكتاب كالخطاب. 39 - الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان. 40 - المعروف عرفا كالمشروط شرطا. 41 - التعيين بالعرف كالتعيين بالنص. 42 - المعروف بين التجار كالمشروط بينهم. 43 - لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان. ثانيا: القواعد الأخرى وما يتفرع منها: و44 - أعمال الكلام أولى من إهماله: 45 - الأصل في الكلام الحقيقة. 46 - إذا تعذرت الحقيقة يصار إلى المجاز. 47 - المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصا أو دلالة. 48 - ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله. 49 - الوصف في الحاضر لغو وفي الغائب معتبر. 50 - السؤال معاد في الجواب. 51 - إذا تعذر أعمال الكلام يهمل.

ز- 52 - لا مساغ للاجتهاد في مورد النص: ح- 53 - الاجتهاد لا ينقض بمثله. ط- 54 - ما ثبت على خلاف القياس لا يقاس عليه أو ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه. ي- 55 - إذا زال المانع عاد الممنوع. 56 - ما جاز بعذر بطل بزواله. ك- 57 - ما حرم أخذه حرم إعطاؤه. 58 - ما حرم فعله حرم طلبه. ل- 59 - من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. م- 60 - من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه. ن- 61 - البقاء أسهل من الابتداء كما أن الدفع أسهل من الرفع. 62 - يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء. س- 63 - التابع تابع. 64 - من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته. 65 - التابع لا يفرد بالحكم. 66 - يغتفر بالتوابع ما لا يغتفر في غيرها. 67 - إذا سقط الأصل سقط الفرع ولا عكس. 68 - قد يثبت الفرع دون الأصل أو قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل. 69 - إذا بطل الشيء بطل ما ضمنه.

ع- 70 - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل ف- 71 - الساقط لا يعود. ص- 72 - لا يتم التبرع إلا بالقبض. ق- 73 - تبدل سبب الملك كتبدل الذات. ر- 74 - المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط. 75 - المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة. ش- 76 - يلزم مراعاة الشروط بقدر الإمكان. ت- 77 - الجواز الشرعي ينافي الضمان. ث- 78 - الخراج بالضمان. خ- 79 - الغرم بالغنم. ذ- 80 - النعمة بقدر النقمة والنقمة بقدر النعمة. ض- 81 - الأجر والضمان لا يجتمعان. ظ- 82 - لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا إذن. 83 - الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل. 84 - لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بدون سبب شرعي. غ- 85 - يضاف الفعل إلى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبرا. أ- أ- 86 - المباشر ضامن وإن لم يتعد. أ- ب- 87 - المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد. أ- ج- 88 - إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر.

قواعد أخرى ملحقة بالقواعد السابقة

أ- د- 89 - جناية العجماء جبار/ العجماء جرحها جبار. أ- هـ- 90 - الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة. أ- و 91 - التصرف في الرعية منوط بالمصلحة. أ- ز- 92 - يقبل بقول المترجم مطلقا. أ- ح- 93 - دليل الشيء الأمور الباطنة يقوم مقامه. أ- ط- 94 - المرء مؤاخذ بإقراره. أ- ي- 95 - الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان. 96 - البينة حجة متعدية والإقرار حجة قاصرة. أ- ك- 97 - البينة لإثبات خلاف الظاهر واليمين لإثبات الأصل. 98 - البينة على المدعي واليمين على المنكر. أ- ل- 99 - لا حجة مع التناقض لكن لا يختل حكم الحاكم. قواعد أخرى ملحقة بالقواعد السابقة 100 - الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. 101 - الأصل في الأشياء مباحة. 102 - الأصل في العقد رضى المتعاقدين ونتيجته ما التزماه في التعاقد. 103 - الأمين مصدق باليمين. 104 - الاتفاق بأمر القاضي كالاتفاق بأمر الملك. 105 - إنما يقبل قول الأمين في براءة نفسه لا في إلزام غيره. 106 - الباطل لا يقبل الإجازة.

107 - التعليق على كائن تنجيز. 108 - الجهل في الإحكام في دار الإسلام ليس عذرا 109 - الحق لا يسقط بالتقادم. 110 - الحكم يدور مع علته. 111 - خطأ القاضي في بيت المال. 112 - الخيانة لا تتجزأ. 113 - شرط الواقف كنص الشارع. 114 - الظاهر يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق. 115 - على اليد ما أخذت حتى تؤديه. 116 - غرض الواقف مخصص لعموم كلامه. 117 - القول للقابض في مقدار المقبوض. 118 - كل شرط يخالف أصول الشريعة باطل. 119 - كل شهادة تضمنت جر مغنم للشاهد أو دفع مغرم عنه ترد. 120 - كل ما جاز بذله وتركه دون اشتراط فهو لازم بالشرط. 121 - كل مالك ملزم بنفقة مملوكه. 122 - كل من أدى حقا على الغير بلا أذن أو ولاية فهو متبرع ما لم يكن مضطرا. 123 - ليس لأحد تمليك غيره بلا رضاه. 124 - ليس لعرق ظلم حق. 125 - ما تشترط فيه عدة شرائط ينتفي بانتفاء إحداها.

126 - ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب. 127 - ما وجب أداؤه فبأي طريق حصل فهو وفاء. 128 - مقاطع الحقوق عند الشروط. 129 - الوكيل مع الأصيل كالشخص الواحد.

المراجع

المراجع القرآن الكريم تفسير القرطبي تفسير النسفي تفسير ابن كثير في ظلال القرآن التفسير المنير صحيح البخاري صحيح مسلم رياض الصالحين للنووي المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم القاموس المحيط تاج العروس مختار الصحاح البرهان في علوم القرآن مناهل العرفان في علوم القرآن

مباحث في علوم القرآن الدكتور صبحي الصالح تحبير التيسير العلامة ابن الجزري القراءات القرآنية عبد الوهاب التازي سعود القراءات وأثرها في علوم العربية الدكتور محمد سالم محيسن المرشد الوجيز الى علوم تعلق بالكتاب العزيز أبو شامة ضوابط لمهمات علوم القرآن مشرف عبد الكريم

§1/1