المعتصر من المختصر من مشكل الآثار

المَلَطي، جمال الدين

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... خطبة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت أحمد الله حمدا يليق بجلال ذاته وجمال صفاته، وأشكره شكرا علي توتر نعمه وبركاته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عدد كلمات الله وآياته وأشهد أن محمدا سيدنا وعبده أكرم مخلوقاته واشرف أولاد آدم وذرياته المبعوث بمشرات الحق وانذراته صلوات الله وسلامه عليه وعلي آله وصحبه تكميلا لصلاته وعلي التابعين من الأئمة والمجتهدين والحفظة المستحقين لصلاته. "وبعد" فقد قال أستاذي وشيخي متعني الله والمسلمين بحياته الشيخ الإمام العلامة المتقن المحقق جمال الدين مفتي المسلمين مفيد الطالبين أبو المحاسن يوسف بن العبد الفقير إلي الله الشيخ الإمام العلامة صلاح الدين أبي البركات موسي الحنفي عامله الله تعالي بلطفه الجلي والخفي لما طالعت كتاب "مشكل الآثار" للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي المعروف بالطحاوي سقي الله ثراه سجال الرجمة والرضوان وجدته مطولا ورأيت همتي قاصرة وهمومي كثيرة والكتاب يحتوي علي معان حسنة عزيزة وفوائد جمة غزيرة ويشتمل فلي فنون من الفقه وضروب العلم دعاه

إلي ذلك ما ذكر في خطبة كتابه حيث قال أني نظرت في الآثار المروية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بالأسانيد المقبولة التي تقلها ذوو التثبت فيها والأمانة عليها وحسن الأداء لها فوجدت فيها أشياء مما سقطت معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر الناس فمال قلبي إلي تأملها زتبيان ما قدرت عليه من مشكلها زمن استخراج الأحكام التي فيها ومن نفي الإحالات عنها وأن جعل ذلك أبوابا ذكر في كل باب منها ما يهب الله لي من ذلك فيها حتي أبين ما قدرت عليه منها كذلك ملتمسا ثواب الله عز وجل عليه. ولقد أثابه الله علي ذلك ثوابا جزيلا وكان كتابه بكثرة تطريقه الحديث وتدقيق الكلام فيه حرصا علي التناهي في البيان علي غير ترتيب نظام لم يتورخ فيه ضم باب إلي شكله ولا الحاق نوع بجنسه فتجد أحاديث الوضوء فيه متفرقة من أول الديون إلي آخره وكذلك أحاديث الصلاة والصيام وسائر الشرائع والأحكام تكاد أن لا تجد فيه حديثين متصلين من نوع واحد فصارت بذلك فوائد والطائفة منتشرة متشتتة فيه يعسر استخراجها منه إن أراد طالب أن يقف علي معني بعينه لم يجد ما يستدل به علي موضعه إلا بعد تصفح جميع الكتاب وإن ذهب ذاهب إلي تحصيل بعض أنواعه افتقر في ذلك إلي تحفظ جميع الأبواب فقصدت جميع فوائده والتقاط فرائده في مختصر وبقيت متردد في جمعه بين الإقدام الإحجام لصعوبة مدركه علي مثلي مع قلة بضاعتي وكثرة مخالطتي إلي أن ظفرت بمختصر "كتاب مشكل الآثار"اختصارا بديعا ضم كل نوع فيه إلي نوعه والحق كل شكل منه بشكله ورتبه ترتيبا حسنا حذف أسانيد الأحاديث وتطريقها واختصر كثير من ألفاظه من غير أن يخل بشئ من معانيه وفقهه يسهل علي الطالب تفظه ويتيسر عليه فهمه وتفحصه فشكرت الله علي ذلك وتحققت أن الله تعالي بإجابة دعائي ويسر علي ما عسر علي كثير من أمثالي فشمرت ساعد الإجتهاد وتيقنت بأن هذا الشئ يراد

وعزمت أن أنقي خلاصته وأخلص نقاوته غير ملتزم حكاية الفاظه بأعيانها ولا منظم لدرها كما هي وجمانها ذاكرا لمعانيه أجمع بنصف ألفاظه راجيا لمثابرة الطالب عليه وألفاظه مبتدئا بذكر الأحاديث المتضمنة لمعرفة النبي صلي الله عليه وسلم بأسمائه وصفاته ثم ومعجزاته وسنه ووفاته ثم الشرائع والأحكام كتابا كتابا ثم ما كان منها من تفسير القرآن وأسباب النزول علي ترتيب المختصر من غير عدول عن ذلك في شئ وفي أثناء الكلام أشير إلي إعتراضات القاضي واستدراكاته وغلي أجوبة بعضها مع إيراد جميع ما زاد فيه من الموطأ وتحصل في جميع الديوان تسع مائة حديث وثلاث وثلاثون حديثا سوي ما سبق فيه علي سبيل الإحتجاج للقول المختار والحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وسميته المعتصر من المختصر سائلا ربي الكريم أن ينفعني والطالبين بما منح لنا ويستعملني وإياهم بما عملنا وكفانا والمسلمين شر أنفسنا وسر كل ذي شر هو آخذ بناصيته إن ربي علي صراط مستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه ومعجزاته وسنه ووفاته

كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه ومعجزاته وسِنِّه ووفاته ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ... كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه ومعجزاته وسنة ووفاته وفيه أربعة عشر حديثا ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم روى عن محمد بن خبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لي خمسة أسماء أنا أحمد وأنا محمد وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب" وهو الذي ليس بعده أحد وروى عنه بزيادة خاتم وروى أبو موسى الأشعري قال: "أنا محمد وأحمد والمقفى والعاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة والمقفى" بمعنى العاقب ونبي التوبة لأن الله تعالى تاب به على من تاب من عباده ونبي الملحمة لأنه سبب

القتال فكل هذه الأسماء مشتقة من صفاته وسمى رؤفا رحيما انتزاعا من قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية فدل ذلك أنه يجوز أن يسمى بصفاته كلها سوى الحمد كما سمى بأحمد وأنه لا تقتصر أسماؤه على ما ذكرنا وهذا لأن الأسماء إنما هي أعلام لأشياء يراد بها التفريق بينها وإبانة بعضها من بعض وهي على نوعين نوع يسمى الشيء به لا لمعنى فيه كالحجر والجبل ونوع يسمى به لمعنى فيه من صفاته كمحمد من الحمد والماحي فإن الله محا به سيئات من اتبعه وخاتما لأنه خاتم النبيين فكل ما سمي به من أسماء مشعرة بصفات تعظيم وكمال فهو لا حق بهذه الأسماء المنصوصات من غير حجر ولا توقف على توقيف والاقتصار بذكر بعض أسمائه ليس بدليل على القصر بأن ليس له أسماء غيرها.

ما جاء في خصائصه صلى الله عليه وسلم

ما جاء في خصائصه صلى الله عليه وسلم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت: أي ربي قد كانت قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح" ثم ذكر سليمان ومنهم من كان يحيي الموتى ثم ذكر عيسى ومنهم يذكر ما أعطوا قال: "ألم أجدك يتيما فآويت؟ قلت: بلى أي رب قال: ألم أجدك ضالا فهديت؟ قلت: بلى, أي رب قال: ألم أجدك عائلا فأغنيت؟ قلت: بلى, أي رب, قال: ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت: بلى, أي رب" فيه ما يدل أنه سأل ربه ما يبين به من الأنبياء قبله من جنس ما أوتوا فلما أعلم أنه أوتي ما هو فوق ذلك مما ذكرنا ومن رفع ذكره معه في الأذان والتشهد وذ أنه لم يكن سأله إذ وقفه الله على ذلك. ثم روى عنه أنه ما نحيط به علما أنه لم يقله إلا بعد ذلك جوابا لمن سأل عنه: يا رسول الله ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟ فضحك, ثم قال: "فلعل لصاحبكم عند الله تعالى أفضل من ملك سليمان لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة فمنهم من اتخذها

دنيا فأعطيها ومنهم من دعا على قومه إذ عصوا فأهلكوا بها وإن الله تعالى أعطاني دعوة اختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة" فعلمنا أنه أعطي منزلة فوق منزلة من قبله من الأنبياء أجمعين ثم زاده الله تعالى بأن بعثه إلى الناس جميعا بخلاف غيره من الأنبياء وأنزل عليه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} وقال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وأرسلت إلى الأبيض والأحمر وأعطيت الشفاعة" وعن أبي هريرة مرفوعا: "فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم وختم بي النبييون" والأربعة المتقدمة ففي هذا ما دل على فضله على جميع الأنبياء وقوله فيما روى عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى" الحديث وفيما روى عنه عليه السلام: "لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى" رواه علي بن أبي طالب وزاد فيه قد سبح الله في الظلمات يحتمل أنه قال قبل علمه بتفضيل الله تعالى إياه على جميع خلقه وكذا جوابه لمن قال له: يا خير البرية فقال: "ذاك أبي إبراهيم" يحتمل أن يكون قبل أن يتخذه الله خليلا فلما جعله خليلا عاد بالخلة من الله بمنزلة إبراهيم في الخلة وهي المحبة التي لا محبة فوقها وزاد عليه بذكره فيما لا يذكر فيه إبراهيم في التأذين والإقامة وإعطائه في الآخرة المقام المحمود الذي لم يعطه غيره كما روى عن كعب أنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود وهو المقام الذي أشفع فيه لأمتي" وعن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وأن صاحبكم خليل الله" ثم قرأ َ {عسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} " الآية فالمقام المحمود ما اختصه الله تعالى به في الآخرة حتى يغبطه به الأولون والآخرون ففي هذا كله دليل على أن ما قاله في إبراهيم وموسى ويونس إنما كان ذلك قبل إعطائه إياه والذي يروى عن أبي سعيد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين أنبياء الله سبحانه" محمول على التفضيل بآرائنا من غير توقيف فأما ما بينه لنا فقد أطلقه لنا.

ما جاء في معجزاته صلى الله عليه وسلم

ما جاء في معجزاته صلى الله عليه وسلم روى عن علي وابن مسعود وحذيفة وابن عمر وابن عباس وأنس تحقيقهم انشقاق القمر رأي عين بروايات مختلفة منهم من قال انشق ونحن معه صلى الله عليه وسلم ومنهم من زاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا" ومنهم من قال: فقالت قريش: سحر سحركم به ابن أبي كبشة ومنهم من قال: انشق القمر فانقطعت فرقة منه خلف الجبل فقال: "اشهدوا" وهم القدوة والحجة لا يخرج عن قولهم إلا جاهل خاسر وزعم من ادعى التأويل وترك الاقتداء أنه لم ينشق وإنما ينشق يوم القيامة وأن قوله تعالى: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} صلته {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} وأنه لم يروه إلا ابن مسعود وخبر الواحد فيما سبيله الاشتهار فيه ما فيه وهذا من الزاعم جهل بمشاركة الخمسة الأعلام الذين روينا عنهم وكفى بالجهل عارا وكيف يجعل يوم يدع الداع صلة وظرفا لقوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} وقد انقطع الكلام عند قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم واستونف من يوم يدع الداع وهو ظرف لقوله تعالى بعده {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} كذا قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} دليل على انشقاقه في الدنيا لأن الآيات إنما تكون قبل يوم القيامة لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} نعوذ بالله من خلاف الصحابة والخروج عن مذاهبهم فإن ذلك كالاستكبار ومن يستكبر عن مذاهبهم كان حريا أن يمنعه الله فهم كتابه كما قال: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} الآية ثم في قول قريش سحر سحركم به ابن أبي كبشة نسبته صلى الله عليه وسلم إلى أبي كبشة جد النبي صلى الله عليه وسلم من قبل أمه واسمه وجز بن غالب من خزاعة أول من عبد الشعرى العبور وكانت العرب تظن أن أحدا لا يعلم شيئا إلا بعرق ينزعه شبهه فلما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم دين قريش قالت قريش: نزعه أبو كبشة لأنه خالف الناس في عبادة الشعرى فكانوا ينسبونه إليه لذلك وكان وجز سيدا في خزاعة لم ينسبوه

صلى الله عليه وسلم تعييرا له ولكن أرادوا أن يشبهوه به في الخلاف لما كان الناس عليه وقال صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين: "سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني الخالة عيسى ويحيى" فأخبر بشبابهما وهما طفلان أي سيكونان شابين ولا يكون ذلك ال باعلام الله تعالى وفيه انهما يخرجان من الدنيا شابين وكان كذلك وقال صلى الله عليه وسلم: "وضع منبري على ترعة من ترعات الجنة" أي بين أبوابها "وما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" وروى "ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة وأن توائم منبري رواسب في الجنة" فيها ما يدل على أن قبره ومنبره خارجان عن الروضة وأن منبره في موضع من الجنة غير الروضة ولكن المنبر لما كان ببركة جلوسه فيه وقيامه عليه بلغ هذه المنزلة فقبره وقد تضمن بدنه وصار له مثوى أولى بأن يكون في روضة أرفع منها وأحرى وفي الجنة روضات كثيرة فقد يكون قبره في روضة أرفع منها وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة لأن الله تعالى اختصه بأن أعلمه ما أخفي عمن سواه من الأرض التي يموت فيها حتى أعلم بذلك أمته ثم قوله: "ما بين قبري ومنبري روضة" اخبار عن أمر محقق مشاهد له لا عن أمر سيصير كذلك فاندفع بذلك ما يقال لا يلزم منه علم موضع قبره ولأنه قوله: "ما بين بيتي ومنبري" في رواية وفي رواية بين قبري ومنبري يدل على أن بيته قبره فافهم وفيما يروى عن ابن مسعود كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء فقال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا من معه فضل ماء" فأتى بماء فصبه في إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال: "حي على الطهور المبارك والبركة من الله" فشربنا منه قال عبد الله: وكنا نسمع تسبيح الطعام ونحن نأكل وكنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا يعني كنا نخاف بها فنزداد إيمانا وعملا فيكون ذلك بركة وأنتم تعدونها تخويفا ولا تعملون معها عملا يكون لكم بركة فمعنى قوله: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} أي تخويفا لكم لكي تزدادوا إيمانا وعملا فيصير ذلك لكم بركة.

وفيما يروى عن أبي بن كعب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذ كان المسجد على عريش وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال أنصاري يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك فصنع له ثلاث درجات وهن اللواتي على المنبر فلما صنع وضع في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يقوم على المنبر مر إليه فلما جاز الجذع حن الجذع أو خار حتى تصدع وانشق فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسه بيده حتى سكن ورجع إلى المنبر وكان إذا صلى صلى إليه فلما هدم المسجد وغير أخذ بي الجذع وكان عنده في بيته حتى بلى وأكلته الأرض وعاد رفاتا وذكر من رواية ابن عباس وأنس وجابر وجماعة بطرق بمعان متفقة وألفاظ متقاربة في بعضها أنه خار كخوار الثور حتى ارتج المسجد من خواره تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه وهو يخور فسكت ثم قال: "والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة" فأمر به نبي الله صلى الله عليه وسلم فدفن وفي بعضها انزعوها واجعلوها تحت المنبر فنزعوها ودفنوها تحت المنبر ولا تعارض فيما بين الأحاديث لأنه يحتمل أنه أخذه أبي بعدما دفن اكراما له فلم يمنع من ذلك وما أحدثه الله تعالى في الجذع مما لم يكن موهوما علم من اعلام النبوة وتنبيها للناس على فضيلة مكانه وعلو مكانته ومنه ما كان في حراء لما تحرك وهو عليه وأصحابه وقوله: "اسكن حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد" وفيما يروى عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليا في حاجته فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصر فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال: "اللهم إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه فرد عليه شرقها" قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي فتوضأ وصلى

العصر ثم غابت وذلك بالصهباء ولا يعارض هذا ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه لم تحبس الشمس على أحد إلا ليوشع لأن حبسها عند الغروب غير الرد بعد الغروب ولا ما روى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم ترد الشمس منذ ردت علي يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس" لأن معناه مذ ردت إلى يومئذ وليس في ذلك ما يدفع أن يكون ردت على علي رضي الله عنه بعد ذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم وهذا من أجل علامات النبوة وفيه ما يدل على التغليظ في فوت العصر فوقى الله عليا ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لطاعته وكرامته لديه وفيه لعلي المقدار الجليل والرتبة الرفيعة وفيه إباحة النوم بعد العصر وإن كان مكروها عند بعض بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام بعد العصر فاختلص عقله فلا يلومن إلا نفسه" لأن هذا منقطع وحديث أسماء متصل ويمكن التوفيق بأن نفس النوم بعد العصر مذموم وأما نوم النبي صلى الله عليه وسلم كان لأجل وحي يوحى إليه وليس غيره كمثله فيه والذي يؤيد الكراهة قول عمرو بن العاص النوم منه خرق أو منه خلق ومنه حمق يعني الضحى والقائلة وعند حضور الصلوات ولأن بعد العصر يكون انتشار الجن وفي الرقدة يكون الغفلة وعن عثمان الصبحة تمنع الرزق وعن ابن الزبير أن الأرض تعج إلى ربها من نومة العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم فندب اجتناب ما فيه الخوف والله أعلم.

ما جاء في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

ما جاء في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ... في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ميسرة قلت: يا نبي الله متى كتبت نبيا؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد" فيه استعمال بين لواحد ولا يكون بين في اللغة إلا لاثنين لكن الواحد لما وصف بوصفين دخل بذلك في معنى الاثنين كقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} وكان آدم جسدا مجردا ثم صار ذا روح فكان متصفا بوصفين مختلفين فجاز بذلك ادخال بين في وصفه والصحيح الذي علي

المعول أن الجسد غير الروح يوجد أحدهما بدون الآخر فاستعمال بين طابق محزه وكذا المرء وقلبه متغايران على كل حال سواء أريد بالقلب الجارحة المخصوصة أو غيرها وشرح حال القلب يطول. قال أبو جعفر رحمه الله وإن كان كتب حينئذ نبيا فقد كان كتبه الله نبيا قبل ذلك في اللوح المحفوظ ثم عاد اكتتابه إياه في الوقت المذكور كما قال: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} الآية. قلت إعادة اكتتابه إياه صلى الله عليه وسلم رفع لشأنه وتنويه لقدره بخلاف سائر الأنبياء.

ما جاء في سنه صلى الله عليه وسلم

ما جاء في سنه صلى الله عليه وسلم روى عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة في مرضه الذي مات فيه: مما سار هابه وأخبرت به عائشة بعد وفاته قالت أخبرتني أنه أخبرها أنه لم يكن نبي كان بعد نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله وأخبرني أن عيسى عاش عشرين ومائة ولا أراني إلا ذاهبا على ستين وعن زيد بن أرقم بمعناه وفي هذا ما يصحح قول من قال من الصحابة أنه توفي على رأس ستين خلافا لمن قال منهم ثلاثا وستين ولمن قال خمسا وستين والله أعلم.

كتاب الوضوء

كتاب الوضوء في فضل الوضوء ... كتاب الوضوء وفيه عشرون حديثا في فضل الوضوء فيما روى عن عثمان رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا ثم أتى المسجد فركع ركعتين غفر الله له ما تقدم من ذنبه" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تغتروا" يعني فتذنبوا على رجاء أن تفعلوا كذلك ليغفر لكم فإنه يجوزان لا توفقوا أو تخترموا.

في غسل اليد ابتداء

في غسل اليد ابتداء روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده أو فيم باتت يده" وفي رواية: "فليغسل يده مرتين أو ثلاث" وفي بعضها: "فليغسل يده ثلاثا" والمعنى أنهم كانوا يكتفون بالأحجار فكان يحتمل وقوع يدهم في النجاسة لا سيما أن عرقوا أو غرقوا في نومهم فأمروا بغسل اليد احتياطا ليتيقنوا بطهارتها وإن كانت الطهارة الثابتة باقية حتى يتحقق انتقالها إلى ضدها بدليل ما روى في الذي يخيل إليه وهو في الصلاة أنه يجد شيئا من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينصرف حتى يجد ريحا أو يسمع صوتا" فلهذا قلنا غسلها مندوب لا واجب ومعارضة قين الأشجعي لأبي هريرة لقوله إذا أتينا مهراسكم هذا بالليل كيف نصنع فقال: "أعوذ بالله من شرك يا قين" هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم لذهوله عن معنى الندب إلى الوجوب فإنه إذا لم يقدر كان معذورا في ادخال يده في المهراس وكان على يقينه الأول من طهارة يده حتى يعلم يقينا نجاسة يده فلا يدخل الإناء مطلقا وبهذا ينتفي التضاد عن هذه الآثار ونعوذ بالله من حملها على ما يوجب تنافيها وتضادها.

في اسباغ الوضوء

في اسباغ الوضوء روى عن لقيط بن صبرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "واسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع" يستدل به على وجوب تحريك الخاتم في الوضوء لسعة ما بين الأصابع وضيق ما بين الخاتم والاصبع ولقول عمر رضي الله عنه لمتختم كيف يتم وضوءك وهذا عليك فنزعه فألقاه وذهب بعض إلى عدم وجوبه منهم مالك رحمه الله وفيما روى عن لقيط قال صلى الله عليه وسلم له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" والأمر بالمبالغة في حال الإفطار دون الصيام يدل على عدم وجوبه إذ الصوم لا يدفع الوجوب ونهيه عنها في الصوم يدل على فساده بدخول الماء حلقه ولو كان خطأ ثم في قول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الآية وفي حديث لقيط الأمر بالتخلل والمبالغة في الاستنشاق قالت طائفة من أهل العلم إن ذلك إصابة الفضل في مباشرة الأفعال المأمور بها من الوضوء والتيمم فإن ولى ذلك غيره من نفسه أو انغمس في ماء حتى مر على جميع

أعضائه المأمور بغسلها أجزأه منهم أبو حنيفة وأصحابه وقالت طائفة منهم أن ذلك لا يجزيه حتى يمر المتولي ذلك بنفسه من نفسه منهم مالك والقول الأول أولى بتأويل الآية لأنهم لا يختلفون أن مقطوع اليد من مرفقيه عليه أن يولي غيره من نفسه ليكون بذلك كفاعله بيديه فدل ذلك على أن الفرض إنما هو في فعل ذلك في نفسه إما بنفسه أو بفعل غيره ولو كان الفرض في ذلك فعله إياه بيديه لكان قد سقط الفرض الذي كان عليه أن يفعله بهما ولم يكن عليه سواه من فعل غيره ذلك به إذ ليس في الآية ذلك ولا في السنة التي ذكرنا آنفا. قال القاضي: والمعلوم من مذهب مالك خلاف ما نقل عنه اولا غير أنه لا يجوز عنده أن يفعل به من غير علمه لعدم النية منه حينئذ وأما الانغماس في الماء دون إمرار اليد لا يجوز عند مالك في المشهور عنه ولو قيل أن من ولى ذلك من نفسه غيره من غير ضرورة لا يجزيه لأنه نوع استنكاف عن عبادة الله وتهاون بها لكان قولا حسنا.

في الوضوء من النوم

في الوضوء من النوم روى عن ابن عباس رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر ثم نام وهو ساجدا وجالس حتى غط أو نفخ ثم قام إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إنك قد نمت؟ فقال: "إنما يجب الوضوء على من نام مضطجعا فإنه إذا فعل ذلك استرخت مفاصله" وروى عنه أنه بات عند ميمونة خالته فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنة معلقة قال: فوصف وضوءه وجعل يقلله بيده ثم قام ابن عباس فصنع مثل ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جئت فقمت عن شماله فأخلفني فجعلني عن يمينه فصلى ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتى بلال فأذنه بالصبح فصلى ولم يتوضأ. لا تضاد بين القول والفعل لأن المقصود في الحديث الأول اعلام ابن عباس بما يحتاج إلى علمه من حكم النوم في نفسه وسائر الناس فجعل له ما به الحاجة إلى معرفته وأخر حكم نوم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث

الثاني وبينه بفعله بحضرته ليعلم أن حكمه في ذلك مبائن لحكم أمته فاجتمع له بقوله وفعله جواب ما سأله عنه من حكم النوم في نفسه وغيره وإنما افترق حكمه وحكم أمته فيه لقوله أن عيني تنامان ولا ينام قلبي والوضوء لا يجب إلا من نوم فيه استرخاء المفاصل وإذا لم ينم قلبه لم تسترخ مفاصله ولعل القول والفعل كانا في ليلة واحدة وروى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" فجعل يقظة العين مثل الوكاء للقربة فإذا نامت العين استرخى ذلك الوكاء فكان منه الحدث وروى أنما العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح وهذا من أحسن الكنايات وألطفها فعرفت أن الطهارة لا ينقضها منه إلا ما كان معه استرخاء المفاصل دل قوله عليه السلام: "إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" وكذا قوله صلى الله عليه وسلم عند رؤيته حبلا ممدودا بين ساريتين في المسجد ما هذا الحبل فقالوا فلانة تصلي فإذا خشيت أن تغلب أخذت به فقال: "فلتصل ما عقلت فإذا غلبت فلتنم" ففيهما صحة الصلاة مع مخالطة النوم لغير المسترخي وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام القوم ثم استيقظوا فجاء عمر فقال: يا رسول الله الصلاة الصلاة, قال: "فصلوا" ولم يذكر أنهم توضؤا وكان ابن عمر ينام قاعدا ولا يتوضأ وإذا نام مضطجعا توضأ وعلى هذا كان الصحابة في زمانه وبعده وعلى هذا يحتمل قول أبي هريرة من استحق نوما فقد وجب عليه الوضوء دفعا للتعارض والتنافي.

غسل الذكر من المذي

غسل الذكر من المذي روى أن عليا أمر عمارا ليسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال: "يغسل مذاكيره ويتوضأ", فالأمر بغسل الذكر ليتقلص المذي وينقطع كالأمر بنضح ضرع الهدى بالماء لئلا يسيل اللبن وليس بواجب دل عليه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترا من قوله فيه الوضوء فأخبر بالواجب وفيه ما ينفي أن يكون فيه واجب سواء.

في المسح على الخفين

في المسح على الخفين وروى عن ابن عباس قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم الخفين فسئل أقبل المائدة أو بعدها؟ فقال: والله ما مسح بعد المائدة ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح عليهما ولا تعلق لمانعه" فيه لأنه صح قبل نزول المائدة وليس فيه نهي عن ذلك بعد النزول ونفي ابن عباس محمول على عدم رؤيته بنفسه واختياره بترك المسح في خاصته لأنه من قوم قد اختصهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس بثلاث اسباغ الوضوء ومنع أكل الصدقة ومنع انزاء الحمار على الفرس فيكون المسح عنده لغيره من الناس باقيا على حكمه كما كان له أيضا غير أن لزوم ما اختصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به من غيره يدل على هذا ما روى عنه أنه سئل عن المسح على الخفين فقال: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة" والذي يصحح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه بعد نزول المائدة أن جرير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه فقالوا: بعد نزول المائدة فقال: إنما أسلمت بعد نزولها وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح إلا بعد ما نزلت. وما روى من إسلامه قبل وفاته بأربعين يوما لا يكاد يصح لأن بعثه صلى الله عليه وسلم إياه لتخريب ذي الخلصة وكان بيتا في خثعم يسمى الكعبة اليمانية معه مائة وخمسون فارسا من أحمس ودعاءه له بقوله: "اللهم اجعله هاديا مهديا" وضربه بيده على صدره ليثبت على الخيل ثم انطلاقه إليها وتحريقها وتركها كأنها جمل أجرب مشهور يدل على قدم إسلامه وكذا قوله صلى الله عليه وسلم له في حجة الوداع استنصت الناس ثم قال: "لا ترجعوا بعدي كفارا

يضرب بعضكم رقاب بعض" كان في ذي الحجة وهو مسلم ثم عاش إلى اثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول يدل عليه.

في التيمم

في التيمم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي أرسلت إلى الناس عامة وكان من قبلي إنما أرسل إلى قومه ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينه مسيرة شهر ملئ منا رعبا وأحلت لي الغنائم وكان من قبلي يعظمون أكلها كانوا يحرقونها وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أين ما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت وكان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم والخامسة هي مس ألتي قيل لي سل فإن من قبلك قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله". واستدل بهذا على أن ما كان من الأرض مسجدا منها طهورا وممن ذهب إليه أبو حنيفة وخولف فيه وحمل على الانقسام على أن المراد بعضها مسجدا وبعضها طهورا وممن خالفه أبو يوسف واحتج بحديث حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت لنا تربتها طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وأعطيت الآيات من آخر سورة البقرة من تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا يعطى منه أحد بعدي. وروى أن عمرو بن العاص حين أمر على جيش فيهم عمر بن الخطاب احتلم في ليلة باردة فتوضأ لما أشفق على نفسه الهلاك وأم أصحابه فلما قدموا شكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمنا جنبا فأعرض عنه وقال لعمرو: "أصليت جنبا؟ ", فقال: نعم أصابني احتلام في ليلة باردة لم يمر علي وجهي مثلها قط فخيرت نفسي أن أغتسل فأموت أو أقبل رخصة الله فقبلت رخصة الله وعلمت أن الله

أرحم بي فتوضأت ثم صليت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسنت ما أحب أنك تركت شيئا صنعت لو كنت في القوم لصنعت كما صنعت". ذهب بعض إلى جواز استعمال الوضوء مكان التيمم للجنب بل هو أولى له منهم أحمد بن صالح وهو فاسد لأن الله تعالى جعل التيمم بدلا من الغسل كما جعله بدلا من الوضوء فلا يجزئ في ذلك الوضوء ويحتمل أن قضية عمرو كانت قبل نزول آية التيمم حين كان الفرض على عادم الماء الصلاة بلا طهارة دل عليه عدم انكاره صلى الله عليه وسلم على أسيد بن حضير ومن معه لما صلوا بغير وضوء في مسيرهم طالبين لقلادة عائشة في منزل نزلوه فحضرت الصلاة وليس لهم ماء وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية التيمم.

في العرق

في العرق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل عند أم سليم وكان كثير العرق فاعتدت له نطعا يقيل عليه فتجعله في قارورة فقال: "ما هذا يا أم سليم؟ " فقالت: عرقك يا رسول الله اجعله في طيبي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان منها ولم ينكر عليها علم بذلك طهارة العرق لطهارة اللحم وكذا كل مأكول لحمه طاهر عرقه وما لا يؤكل لحمه لتحريم أو لكراهة لعرقه حكم لحمه.

الاناء إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الاولى بتراب" وروى في الهرة غسل مرة أو مرتين شك فيه قرة فهذا اخبار بنجاسة سور الكلب والهر ولا يضره توقيف ابن سيرين هذا الحديث على أبي هريرة لعلمه أن كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم اشتباه أمره على الناس ولا يعارض هذا بما روى عن عائشة "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من الاناء الواحد وقد أصابت الهر منه قبل ذلك" لأن رواية حارثة بن أبي الرجال وهو متكلم فيه ولا بما روى عن أم داود بن صالح بن دينار أن مولاة لعائشة ارسلتها بهريسة وهي تصلي فأصابت هرة منها فلما انصرفت عائشة قالت للنساء كلن فاتقين موضع فم الهرة فدورتها عائشة ثم أكلت من حيث أكلت الهرة ثم قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم" وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها لأن أم داود هذه ليست ممن يؤخذ عنها ولأن قوله ليست بنجس يحتمل أنه أراد في كونها في البيوت وفي مماستها الثياب لا في طهارة سورها وكان ابن عمر يجعل سور الهر كسور الكلب وعن أبي هريرة يغسل الاناء من الهر كما يغسل من الكلب أراد تمثيله في وجوب الغسل لا في العدد إذا التشبيه لا يعمم كقوله تعالى: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} ولأن لحمه حرام فالقياس حرمة سوره.

سور الدواب والسباع

سور الدواب والسباع روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال: "إذا بلغ الماء قلتين فليس يحمل الخبث" وفي رواية "وما ينوبه من السباع والدواب فيه ما يدل على أن ما دون القلتين يحمله ولا يعارضه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم لها ما في بطونها وما بقي فهو لنا طهور جوابا لمن قال: يا رسول الله تردها يعني الحياض التي بين مكة والمدينة السباع والكلاب والحمير لأن مداره على عبد الرحمن بن زيد وحديثه عند أهل الحديث في نهاية الضعف يؤيد ما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طهور

في الارواث

في الارواث قد استدل من رآى أرواث ما يؤكل لحمه طاهرا بالحديث المشهور الذي رواه ابن مسعود كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت فقال ملأ قريش: أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه فيضعه على ظهره إذا سجد؟ فانبعث أشقاها فأخذ فرث جزور نحر ووضعه على ظهره وهو ساجد فجاءت فاطمة تسعى فأخذته من ظهره فلما فرغ من صلاته دعا عليهم ثلاث مرات وسمى رجالا

قلبوا أكلهم في قليب بدر قتلى وعن ابن مسعود أنه صلى وعلى بطنه فرث ودم فلم يعد الصلاة منهم مالك والثوري وزفر والحسين بن صالح وخالفهم أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم بما روى زكرياء وشعبة عنه أن الذي ألقى على ظهره صلى الله عليه وسلم في صلاته سلا جزور وهو وعاء الولد مما لا فرث فيه ولا دم كسائر لحمها ورواية الاثنين أولى من رواية على بن صالح ولانه إذا تعارضا وجب الرجوع إلى النظر عند عدم دليل قوته والأصل المتفق عليه أن دماء الأنعام كدماء بني آدم غير راجعة إلى حكم لحومها فوجب أن يكون أرواثها كذلك لا يرجع فيها إلى حكم لحومها بل يكون كغائط بني آدم ويحتمل عدم إعادة ابن مسعود صلاته لقلة مقدار النجس ولا يقال فقد كان سلاها جزء ميتة لأن ذبائحهم غير مذكاة لأنهم وثنيون فيجوز صلاة حاملي نجاسة من ميتة وغيرها لأنه كان في أول الإسلام قبل تحريم ذبائحهم.

في الاستحاضة

في الاستحاضة روى عن حمنة ابنة جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني استحضت حيضة منكرة شديدة فقال لها: "احشي كرسفا" فقالت: إنه أشد من ذلك إني أثج ثجا قال: "تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسلي غسلا وصومي وصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين أو أخري الظهر وقدمي العصر واغتسلي لهما غسلا وأخري المغرب وقدمي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب الأمرين إلي" المعنى في هذا أنه أمرها أن تتحيض في علم الله ما أكثر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك لا أنه رد الخيار إليها من غير تحر منها كما أمر من دخل عليه شك في صلاته أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه فيعمل عليه وهذا إنما يكون عند نسيانها أيامها التي كانت تحيض فيها فأمرت بالتحري كمن شك في صلاته ولم يعلم كم صلي

ستة أيام أو سبعة أيام شك من الراوي وإنما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأحد العددين الذي أخبرت أنه كان عدد أيامها وذهب عنها موضعها من الشهر لا أنه خيرها في أحدهما. وقوله: "فأخري الظهر وقدمي العصر" فهو على الرخصة لها من الجمع بين الصلاتين لأنه لا يأتي عليها وقت صلاة إلا احتمل أن تكون فيه حائضا أو طاهرا يجب عليها الغسل أو مستحاضة يجب عليها الوضوء فكان عليها أن تغتسل لوقت كل صلاة حتى يخرج عن العهدة بيقين فلما عجزت عن ذلك جعل لها أن تجمع بين الصلاتين بغسل واحد بتأخير الأولى منهما إلى وقت الأخرى وتغتسل للصبح غسلا وهذا أحسن ما تقدر عليه في صلاتها وإنما أمرت أن تصليها في وقت الآخرة منهما دون الأولى منها لمعنيين. الأول لو صلتهما في وقت الاولى منهما لصلت الآخرة قبل وقتها والثاني أنها إذا صلت بالغسل عند دخول الآخرة فقد صلتهما بطهارة محققة إلى آخر الوقت ثم مجموع ما قيل في المسألة أربعة أقوال الغسل لكل صلاة وثلاث مرات في اليوم ومرة في كل يوم ومرة واحدة في كل شهر والأول أشق ثم وثم والأجر على قدر المشقة وروى عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي" فيه اعتبار دم الحيض بلونه وهو حديث لم يروه عن عروة عن عائشة إلا محمد بن المثنى وقد أنكر ذلك عليه لرواية من خالفه في ذلك وأن أوقفه على عروة بن الزبير وكل من روى هذه القصة أتى بها خالية عن لون الدم ويؤيده النظر الصحيح على سائر الأحداث فإن ألوانها غير معتبرة كالغائط والبول وإنما الأحكام لها في أنفسها لا لألوانها. وأهل العلم في دم العرق على مذهبين ليس بحدث عند أهل الالمدينة وحدث عند غيرهم وليس أحد منهم اعتبر لونه فكان مثل ذلك النظر

في دم الحيض بكون حكمه حكم نفسه لا حكم لونه وروى عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ثم لتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتستثفر1 بثوب ثم لتصل" في قوله صلى الله عليه وسلم: "لتنظر إلى عدد الليالي والأيام" ما يدل على أن الحيض ليال وأيام وهو ثلاثة أيام لا أقل منها وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه فإن عورض بفساد الإسناد بتوسط مجهول بين سليمان وأم سلمة فقد وجدنا من حديث ابن عمر وأبي هريرة مسند أما ما يدل على أقل الحيض وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة منهن ما لنا يا رسول الله قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين اغلب لذي لب منكن" قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: "أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا من نقصان العقل وتمكث ليالي ما تصلي وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين" واللفظ لابن عمر وفي حديث أبي هريرة: "تمكث إحداكن الثلاث والأربع لا تصلي" قال الطحاوي: ولا نعلم شيئا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدار قليل الحيض غير ما ذكرناه فوجب القول به وترك خلافه.

_ ن – ولتستذفر.1

في اتيان الحائض

في اتيان الحائض روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "ليتصدق بدينار أو بنصف دينار" هذا حديث مضطرب اوقفه بعضهم على ابن عباس ورفعه بعضهم وقال بعضهم: "فإن لم يجد فبنصف دينار" وقال بعضهم: "إن كان في الدم العبيط فدينار وإن كان في الصفرة فبنصف دينار"

وروى عن عمر وكانت له امرأة تكره الجماع فكان إذا أرادها اعتلت بالحيض فوقع عليها ظانا كذبها فإذا هي حائض فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يتصدق بخمسين دينارا ثم الصدقة التي أمر بها قيل أنها قربة إلى الله تعالى كالصدقة عند كسوف الشمس ويحتمل أنها كفارة والقربة أولى لأن الكفارات المأمور بها قد خلط فيها الصوم بغيره كجزاء الصيد وفدية الأذى أو جعل بدلا منها ككفارة اليمين والظهار والقتل والفطر في رمضان عامدا وهذه ليست كذلك.

في ترك الجمعة

في ترك الجمعة روى عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الجمعة في غير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار" فيه أن من تركها بعذر لا شيء عليه وأنها صدقة لا كفارة لأنها تجب بفعل ما يوجبها بعذر وبغير عذر لأن الفرق بينهما في الإثم لا في الكفارات قلت فعلى هذا يلزم أن تكون الصدقة في باب الحيض كفارة لأن عمر أمر بها مع كونه معذورا فافهم.

في وجوب غسل المرأة إذا احتلمت

في وجوب غسل المرأة إذا احتلمت روى أن حبرا من أحبار اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك عن الولد قال: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلى منى الرجل مني المرأة أذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنث بإذن الله" فقال اليهودي صدقت وأنت نبي ثم انصرف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد سألني عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به" وروى أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل على المرأة ترى زوجها في المنام يقع عليها غسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا رأت بللا" فقالت: وتفعل ذلك المرأة فقال: "ترب 1 جبينك وأنى يكون شبه الخؤولة إلا من ذلك أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت إلى الشبه" لا تعارض بين

_ 1 ن – تربت.

الحديثين لأن في الأول الأذكار والايناث بعلو أحد المائين الآخر وفي الثاني الشبه بسبق أحد المائين الآخر إلى الرحم فلكل حديث معنى وكذا لا يعارض الأول حديث حذيفة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم أربعين ليلة فيقول يا رب ماذا أشقي أم سعيد فيقول الله فيكتبان فيقول ذكر أم أنثى فيكتبان رزقه وعمله ومصيبته ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص" وروى عنه أيضا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله عز وجل إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها وعظمها" ثم قال: "يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك عز وجل ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقض ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يخرج بالصحيفة في يده فلا يزيد على أمر ولا ينقص" لأن الحديث الأول إنما هو على المني قبل أن يكون نطفة مما قدر الله فيه أن يكون ذكر أو أنثى مع علو أحد المائين ثم في حديث حذيفة شق السمع والبصر بعد تلك المدة وسؤال الملك مستعلما عما تقدم من الله فيه أذكر أم أنثى ليكتب في الصحيفة وقد تقدم علم الله قبل ذلك فلا تعارض ثم الحديث الثاني لحذيفة إذا مر بالنطفة اثنان وأربعون ليلة وقع كالتفسير لما أبهم في قوله في الأول بعد ما يستقر في الرحم أربعين فافهم.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة في تفضيل المساجد ... كتاب الصلاة وفيه ثمانية وتسعون حديثا في تفضيل المساجد روى عن أبي ذر أنه قال: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض قبل؟ قال: "المسجد الحرام" قال: قلت: ثم أي؟ قال: "ثم المسجد الأقصى" قال: قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد" لا يشك أن باني المسجد

الحرام إبراهيم كما لا يشك بأن باني المسجد الأقصى داود وابنه سليمان من بعده وكان بين إبراهيم وبينهما من المدد ما يتجاوز عن الأربعين بأمثالها ولكن الوضع غير البناء والسؤال عن مدة ما كان بين وضعهما لا عن مدة ما بين بنائهما فيحتما أن يكون واضع المسجد الأقصى بعض الأنبياء قبل داود وسليمان ثم بناه داود وابنه في الوقت الذي بنياه فيه وكذلك يجب أن يحمل تأويل مثله عليه قال علي رضي الله عنه إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فظنوا برسول الله اهناه وانقاه واهداه وبالله التوفيق.

في فضل المكتوبة في المساجد

في فضل المكتوبة في المساجد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لصلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام" وروى عن عمر: "صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الرسول فإنما فضله عليه مائة صلاة" وهذا مما لا يعرف رايا وعن ابن الزبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام" وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في هذا. وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه" كأنه يعني مسجده صلى الله عليه وسلم فعقلنا بهذا أن أفضل المساجد الثلاثة المسجد الحرام لأن الصلاة فيه كمائة ألف صلاة وفي مسجد المدينة كألف ثم طلبنا لنقف على فضل الصلاة في المسجد الأقصى فلم نجد ما يدل على فضل له على غيره من المساجد سوى الثلاثة المذكورة في هذه الآثار غير ما روى عن أبي ذر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في مسجدك أفضل أم الصلاة في بيت المقدس؟ فقال: "في مسجدي مثل أربع

صلوات في مسجد بيت المقدس ولنعم المصلى هو أرض المحشر" أو "أرض المنشر" فيه ما يدل على أن الصلاة فيه كمائتي صلاة وخمسين صلاة في غيره وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة" ففيه أن الصلاة في مسجد المدينة كصلاتين في مسجد القدس وروت ميمونة مولاته صلى الله عليه وسلم أنها قالت افتنا في بيت المقدس فقال: "أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره" ففيه أن فضله كفضل مسجد المدينة فوقفنا بذلك على أن الله تعالى من على عباده زيادة منه بتفضيل الصلاة في مسجد القدس درجة فدرجة إلى أن ساواه في الفضيلة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي أعمال المطي إليه وإعطاء الثواب عليه.

في فضل النافلة في البيت

في فضل النافلة في البيت روى زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة" ففيه أن صلاة النافلة في البيوت أفضل من صلاتها في المساجد الثلاثة فيكون التفضيل السابق للصلاة في المساجد الثلاثة في الفرائض لا غير ويعلم به فقه من قال: لو نذر أن يصلي لله صلاة في المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد الأقصى فصلاها في بيته أنها تجزئه لأنه صلاها في موضع صلاته إياها فيه أفضل من صلاته إياها في الموضع الذي عينه وأوجبه على نفسه وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد وقول أبي يوسف فيه مضطرب.

في مسجد قباء

في مسجد قباء روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء ماشيا وراكبا ة وروى عنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي شيئا من المساجد إلا مسجد قباء وكان ابن عمر يفعله ففيه أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه لم يقل أنه أتى وفيه تحضيض أصحابه على إتيانه وروى ذلك عنهم كما ذكر في حديث نافع عن ابن عمر قال كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين

الأولين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد ابن عامر وكان سالم أكثرهم قرآنا وفيه ما يخالف رواية المعرور بن سويد أنه كان مع عمر رضي الله عنه بطريق مكة فرأى ناسا يذهبون مذهبا فسأل عنهم قالوا: يأتون مسجدا صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بأشباه هذا يتبعون آثار نبيهم فاتخذوها كنائس وبيعا من أدركته الصلاة في شيء من المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصل فيها وإلا فلا يتعمدها" إلا أن يقال: محمل كلام عمر على موضع صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الصلاة أدركته فيه لا لفضيلة فيه والناس قصدوه لتعظيمه وتفضيله على غيره من المواضع فيؤول إلى اتباع من كان قبلهم من الأمم فيما فعلوه فلذلك نهاهم بخلاف مسجد قباء فإن له فضيلة كما سيجيء وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مسجد قباء فصلى فسمعت به الأنصار فجاءوا فسلموا عليه فأشار عليهم بيده ردا لسلامهم وعنه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء ليصلي فيه فسمعت الأنصار الحديث ولا يقال: أن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة فكيف كان يترك الأفضل ويتجثم المسافة إلى ما هو دونه لأنه يحتمل أن ذلك لما وجب عليه صلى الله عليه وسلم أن لا يجلس فيه حتى يصلي فيه قبل الجلوس كما أمر الناس بتحية المسجد لا لما سواه وأما التطوع في بيته فأفضل من الصدقة في قباء لأنه لما فضلها على الصلاة في مسجده وهو فوق مسجد قباء في الفضل كانت أحرى أن تكون في البيوت أفضل منها في قباء وإن كان لمسجد قباء أيضا فضيلة يؤتى من أجلها دل عليها ما ذكر الله تعالى في شأنه وشأن المسجد الذي زعم الذين بنوه أنهم بنوه ليكون كمثله وشتان ما بينهما ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه لمواصلة الأنصار والاجتماع لهم فيه لا لصلاة فريضة ولا نافلة لأن الفريضة في مسجده والنافلة في بيته أفضل وما روى أنه كان يأتي مسجد قباء ليصلي فيه فهو كلام قاله الراوي لعلمه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيه ليجلس فيه إلا صلى فيه قبل الجلوس قال القاضي ولو قيل

أن للصلاة فيه فضلا على ما سوى المساجد الثلاثة لمن لم يكن من أهل هذه الثلاثة ولمن كان منتابا لا بيت له لكان صوابا والله أعلم. وعن أبي سعيد الخدري أن رجلا من بني خدرة ورجلا من بني عوف امتريا في المسجد الذي أسس على التقوى فقال العوفي: هو مسجدنا بقباء وقال الخدري هو هذا المسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: "هو هذا المسجد مسجد رسول الله" وفي ذلك خير كثير وعن عروة هو مسجد قباء الذي أسس على التقوى لبنيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه روى عن عائشة أول من حمل حجر قبلة مسجد قباء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمل أبو بكر آخر ثم حمل عمر ثم حمل عثمان فقلت يا رسول الله ألا ترى هؤلاء يتبعونك فقال: "أما إنهم أمراء الخلافة بعدي" ويؤيد ما ذكر عن سعيد بن جبير أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجد قباء وصلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فحسدهم بنو غنم بن عوف وبنوا مسجد الضرار وقصدوا بذلك التفريق بين المؤمنين لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في قباء فيغتص بهم وأرصدوه لمن حرب الله ورسوله وهو أبو عامر الراهب الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم الفاسق وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيه كما صلى في مسجد بني عمهم فنزلت الآية فأمر جماعة فيهم وحشي قاتل حمزة بتخريبه وتحريقه وجعل مكانه كناسة يلقى فيه الجيف وما روى بحديث متصل من رواية جابر وأنس وغيرهما أنه لما نزلت {فِيهِ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم؟ " قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل للجنابة ونستنجي بالماء, قال: "هو ذاك فعليكموه" فدل أنه مسجد قباء دون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الرجال هم الأنصار دون من سواهم ولقائل أن يقول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان معمورا بالمهاجرين والأنصار ومن سواهم فالتخصيص بالأنصار تحكم وحديث سعيد بن جبير منقطع لا يقاوم حديث أبي سعيد الخدري والله أعلم.

في بناء المسجد

في بناء المسجد عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى مسجدا لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة" أو "بنى له مثله في الجنة" وروى "أو بنى له أوسع منه في الجنة" ومن روى "بنى له مسجدا في الجنة" يعود بالتأويل الصحيح إلى ما رواه الجماعة وذلك أن المساجد إنما تبنى بيوتا ثم تعود مساجد بالصلاة فيها وإذا أثاب الله الباني مثل ما بناه والذي بناه بيت حتى يصلي فيه فيصير مسجدا كذلك يبني له بيتا والجنة ليست بدار صلاة ولا عمل فيبقى ما بناه الله له فيها بمثل اسم المسجد الذي بناه قبل أن يصلي فيه وقوله كمفحص قطاة على التقليل لا على التحقيق كقوله في العقيقية ولو بعصفور وفي الزانية بيعوها ولو بضفير وفي السارق يسرق البيضة وقوله بنى له مثله المراد مماثلته في التسمية لا غير كقوله تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} .

في مسجد الدار

في مسجد الدار عن عائشة رضي الله عنها قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمساجد أن تبنى في الدور وأن تنظف وتتطيب لا حجة فيه لمن ذهب إلى جعل مسجد الدار الذي يغلق بابها ويحال بينه وبين الناس في حال ماوان كان إذن للناس بالصلاة فيه زائلا ملك مالكه عنه كسائر المساجد والحق أنه لا يصير مسجدا بذلك القدر وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأنه يحتمل أنها أرادت المواضع التي فيها الدور لا التي يغلق عليها الأبواب ويكون المسجد في خلال الدور وفي أفنيتها لا في داخل شيء منها فيما يغلق عليه أبوابها لأن ما جمع الدار من المواضع يسمى بجملته دارا لأن السكنى فيه لا تتهيأ إلا به قال تعالى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} فدل أن البلدة تسمى دارا وتسمى ديارا ومنه خير دور الأنصار دار بني النجار الحديث وإذا احتمل هذا التأويل سقط الاحتجاج به ووجب ألا يعطى له حكم المساجد في رفع الملك عنه ودخول غير أرباب الدور فيه إلا بإذن جديد وأن يجري التوارث فيه والله أعلم.

في الأذان

في الأذان روى معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة" معناه أن الناس تطاول أعناقهم إلى ثواب أعمالهم يوم الجزاء وبينهم تفاضل والمؤذنون لكثرة مرجوهم أطول أعناقا من سائرهم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا كما تخضع أعناق أهل المعاصي يومئذ فظلت أعناقهم لها خاضعين قال القاضي ويحتمل أن يكون مجازا عن زيادة أمنهم يوم الفزع الأكبر بحيث يشتهر أمرهم في الأمن فلا يخفى على أحد لاشتهار عملهم في الدنيا ومنه فلان يمشي بين الناس طويل العنق إذا لم يخف على نفسه في زمان يستريب الناس فيه بالخوف على أنفسهم من الظلمة قلت الأول لكونه أقرب إلى الحقيقة أحسن.

في الأجرة على الأذان

في الأجرة على الأذان روى عثمان بن أبي العاص قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتخذ مؤذنا لا ياخذ على أذانه أجرا" ليس فيه دلالة على جواز أخذ الأجرة على الأذان بالعقد بل فيه جواز أخذ أجر يكون كالمثوبة والتنويل على الأفعال التي يحمد فاعلوها ليدوموا عليها ويقوى باعثهم عليها منه قوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} وقال: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} مع أن من لا يقبل ذلك أفضل ممن يقبله لعلمه بالسبب الذي من أجله أعطى فأمر عثمان أن يتخذ أفضل المؤذنين وأعلاهم رتبة في ثواب الآخرة بترك التعوض من الدنيا الدنية على الأمور الدينية ثم القياس أيضا يمنع من استحقاق الأجر على الأذان بالعقد لأن مستأجره لا يملك بمقابلة الأجر الذي يبذله منافع الأجير ملكا خاصا يبين به

دونه وهو شرط في كل عقد إجارة قضية للمعاوضة فينبغي ألا تجوز الإجارة عليه قال القاضي شرط صحة الإجارة أن يكون المعقود عليه من الأفعال المباحة للأجير فإن الواجب والحرام لا يعقد عليه شرعا والأذان مباح أو مندوب وليس تملك المستأجر منفعة الأجير شرطا للاجماع على جواز الاستئجار على بناء المساجد. قلت: يملك المستأجر بناء المسجد أولا ثم يصير مسجدا على ملكه إذ وقف ما لا يملك غير صحيح كالاعتاق اتفاقا وكفاك فارقا تسمية المستأجر بانيا للمسجد ولا يسمى مؤذنا وإن وجد التسبب فيهما.

في الصلاة خير من النوم

في الصلاة خير من النوم روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح الصلاة خير من النوم وروى عنه كنت غلاما صبيا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: الصلاة خير من النوم" ففيه تحقيق للصلاة خير من النوم في الصبح وروى مثله عن أنس وعن ابن عمر وروى عن حفص أن جده سعد المؤذن كان يؤذن لأهل قباء في عهده صلى الله عليه وسلم حتى نقله عمر في خلافته فأذن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سمع من أهله أن بلالا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر بعدما أذن فقيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم فنادى بأعلى صوته الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر ثم لم يزل الأمر على ذلك فيحتمل أن ما كان من بلال متقدم لما في حديث أبي محذورة فصار من سنة الأذان ثم علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة الأذان واختلف الفقهاء فيه فمنهم على تركه واضطرب فيه قول الشافعي وحجته في تركه أنه لم يكن فيما علم أبا محذورة وقد ذكرنا ذلك عن أبي محذورة غير أنه لم يوجد في رواية الشافعي له عمن رواه عنه من أصحاب ابن جريج ولكن فقهاء الحجاز والعراق على ما رويناه أولا من الاستعمال في أذان الصبح.

في الصلاة في الرحال

في الصلاة في الرحال خطب ابن عباس في يوم الجمعة فلما أذن المؤذن فبلغ حي على الفلاح قال: ناد الصلاة في الرحال, فنظر بعضهم إلى بعض قال: فقد فعله من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني كرهت أن أحرجكم فعلم بهذا أن هذا مما يجب إدخاله في الأذان عند الحاجة إليه وروى نافع عن ابن عمر أنه وجد بردا شديدا في سفر فأمر المؤذن أن يؤذن معه بأن صلوا في رحالكم فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر مثل ذلك إذا كان مثل هذا.

في أمانة المؤذن

في أمانة المؤذن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم ثبت الأئمة واغفر للمؤذنين أو أرشد اللهم الأئمة واغفر للمؤذنين" على ما روى عنه من ذلك يعني مؤتمن على الأوقات الخمسة فيعتمده الناس في صلاتهم وفطرهم وفي أورادهم التي وظفوها والإمام ضامن لأن صلاة المقتدين مضمنة بصلاته صحة وفسادا وسهوا حتى لو صلى محدثا أو جنبا أو باديا عورته متعمدا وهم متطهرون مستترون تفسد صلاتهم بالاتفاق والقياس أنه إذا كان ذلك كذلك في العمد يكون في السهو مثله كما في حكم نفسه يستوي سهوه وعمده في فساد صلاته. قلت فعلى هذا الإمام ضامن يعني تضمن صلاته صلاة المقتدي والكلام سيق لبيان فضيلة الإمامة وفضيلة الأذان وتأويل القاضي يحتمل الإثم عنهم فيما إذا صلى على غير طهارة أو أخل بشيء من الفرائض حتى أفسدها وهم لا يعلمون فيكون مأخوذا به دونهم على حكم الضمان اخراج للكلام عن المدح إلى الذم وتقييد لا طلاقة بحالة نادرة من أحواله من غير حاجة مع أن المؤذن المؤتمن إذا قصد اضلال الناس عن الوقت وإفساد عباداتهم الموقتة عليهم يتحمل الإثم

عنهم أيضا فلا وجه لتخصيص الضمان بالإمام حينئذ ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبيت والارشاد للأئمة وبالمغفرة للمؤذنين مما يصحح التأويل الأول يؤيده ما روى عن عقبة بن عامر الجهني قال صلى الله عليه وسلم: "من أم الناس فأتم الصلاة وأصاب الوقت فله ولهم وان انتقص من ذلك شيء فعليه ولا عليهم" وما روى عن أبي شريح العدوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام جنة فإن أتم فلكم وإن نقص فعليه التقصير ولكم التمام" فإن تحمل الإمام إثم الجماعة إذا قصر يفهم منه صريحا فكان في حمل الإمام ضامن عليه أيضا تكرار والتأسيس أولى من التأكيد ثم في هذا الحديث أن الإقامة إلى الإمام دون المؤذن فكان عليه بالتقصير عن وقتها الاثم خاصة كما كان الإثم على المؤذن بالتقصير في طلب وقت الأذان وروى ذلك عن علي رضي الله عنه أنه قال المؤذن أملك بالاذان والإمام أملك بالإقامة.

في التنافس على الأذان

في التنافس على الأذان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فارشد اللهم الأئمة واغفر للمؤذنين" فقالوا يا رسول الله تركتنا نتنافس على الأذان قال: "كلا إن بعدكم زمانا يكون مؤذنوهم سفلتهم" ففيه أنه سيكون زمان يترك أشراف الناس فيه الأذان وينتدب إليه من دونهم في النسب فتعلو بذلك مراتبهم وهذا مثل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن: "أن الله يرفع به أقواما ويضع بتركه آخرين" وروى أن عمر لما استعمل نافع بن الحارث على مكة فتلقاه بعسفان فسأله عمن استخلفه فقال: استخلفت عليهم ابن أبزى مولى لنا فقال: استخلفت عليهم مولى قال: إنه قاري لكتاب الله عالم بالفرائض قاض فقال عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين", وإني لأرجو أن يكون ممن رفع بالقرآن" فكذا يحتمل أن يرفع بالأذان من لم يكن رفيع.

في حضور الجماعة

في حضور الجماعة روى عن عتبان بن مالك قلت: يا رسول الله إني ضرير وإن السيول تحول بيني وبين المسجد فهل لي من عذر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع النداء؟ " فقال نعم فقال: "ما أجد لك عذرا إذا سمعت النداء" رواه الشافعي عن ابن عيينة عن ابن شهاب عن محمود عن عتبان قال الشافعي وقدوهم فيه فيما نرى والدليل عليه أن مالكا أخبرنا عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي في مكان أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين تحب أن تصلي" فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف أهل العلم في وجوب حضور الجماعة على الضرير كوجوبها على الصحيح فطائفة جعلوه كمن لا يعرف الطريق فلم يعذر بجهله إياه عن التخلف وعذره طائفة والقولان مرويان عن أبي حنيفة والصحيح وجوب الحضور عنده وإلى ذلك كان يذهب محمد ولا يحكي فيه خلافا وقد خاطب ابن أم مكتوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تلا {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قبل} إنزال غير أولي الضرر بأن قال له: لو أستطيع الجهاد لجاهدت فلم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يقل له إنك أعمى ولا فرض على الأعمى فدل على أن ما يستطيعه الأعمى يكون فيه كالبصير وحكم وجوب الحج عليه إذا وجد إليه سبيلا وقائدا موصلا كذلك.

في التنفل قبل المغرب

في التنفل قبل المغرب روى عن عبد الله بن مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة لمن شاء" ليس فيه دلالة إذ أن المغرب وإقامتها صلاة لأن المذكور بين كل أذانين لا بين كل أذان وإقامة ولا شك أن بين أذان الفجر وأذان الظهر صلاة وهي ركعتا الفجر وما يتطوع به بعد طلوع الشمس بعد حلها وكذا بين أذان الظهر وبين أذان العصر

صلاة لمن شاء وبين أذان العصر وأذان المغرب صلاة قبل صلاة العصر وكذا بين المغرب والعشاء فهذا ظاهر الحديث ومن ادعى غيره فعليه بيانه وحديث عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين", ثم قال: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين" قد اختلف في إسناده ومتنه لأنه قال في الثالثة: "لمن شاء" كراهة أن يحسبها الناس سنة وروى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عند كل أذان ركعتين ما خلا صلاة المغرب" فإن كان الحديثان واحدا يكون التالي مبينا أنها ما سوى صلاة المغرب وإن كانا متغايرين يكون ناسخا لأن الأمر والنهي إذا اجتمعا كان النهي أولى وما روى عن أنس كنا نصلي الركعتين قبل المغرب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يرانا لا يأمرنا ولا ينهانا يحتما أنه كان ثم نسخ وكذا ما روى عن عمرو بن عامر عن أنس كان إذا نودي بالمغرب قام لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري يصلون الركعتين فإنه يحتمل أن هؤلاء لم يعلموا الذي علمه بريدة ولا يستبعد عدم العلم عن هؤلاء الجلة كما خفي على ابن مسعود رضي الله عنه مع جلالته نسخ التطبيق وكان يفعله إلى أن مات وخفى على علي رضي الله عنه إباحة لحوم الأضاحي بعد ثلاث على ما روى عنه أنه خطب به لما صلى بالناس وعثمان محصور نهاهم أن يأكلوا من الأضاحي فوق ثلاث ومثله كثير يجزي ما جئنا به عن بقيته وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب أن أبا سعيد الخدري كان يصلي الركعتين قبل المغرب قال كان ينهى عنهما ولم أدرك أحدا من الصحابة يصليهما غير سعد بن مالك ففيه أن من لم يكن يصليها هو أكثر الصحابة عددا وقد روى عن إبراهيم أنه قال الركعتان قبل المغرب بدعة لم يصلهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر روى ذلك محمد عن أبي حنيفة عن حماد عنه قال محمد وبه نأخذ وموضع إبراهيم من العلم موضعه وخبرته بالصحابة خبرته وكان العمل بعد ذلك في المساجد الثلاثة على تركها وفقهاء الأمصار على ذلك.

في وقت القيام إلى الصلاة

في وقت القيام إلى الصلاة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" فيه نهي للناس عن الدخول في الصلاة قبل إمامهم فكان قيامهم قبل حضوره فضلا لا حاجة بهم إليه فنهوا عن ذلك وقال أبو خالد الدالاني أتاني علي رضي الله عنه وقد أقيمت الصلاة ونحن قيام ننتظره فقال: ما لي أراكم سامدين والسمود اللهو فنهوا أن يكونوا لاهين.

في وقت تكبير الإمام

في وقت تكبير الإمام روى عن بالا قال: اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسبقني بآمين فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاته بعد دخوله فيها طائفة من الفاتحة قبل فراغ بلال من أذانه وفيه دليل على صحة ما ذهب إليه أبو حنيفة رضي الله عنه من شروع الإمام إذا بلغ المؤذن قد قامت الصلاة ومثله روى عن عمر ومثله عن قيس بن أبي حازم على كثرة من بقى من الصحابة وذهب اكثر العلماء إلى أنه لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من إقامته محتجين بحديث أنس أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أقيمت الصلاة فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا إني لأراكم من وراء ظهري" وبحديث البراء إذا أقيمت الصلاة مسح صدورنا وقال: "راصوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام فإن الله يحب في الصلاة ما يحب في القتال كأنهم بنيان مرصوص" غير أنه يحتمل أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم ليفعلوا ما أمرهم به والذي كان عليه قبل ذلك وبعده ما ذكرنا في حديث بلال والأحسن في هذا أن يكون الأمر واسعافيه.

في التوجيه

في التوجيه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا افتتح الصلاة قال: "وجهت وجهي" الآية {قُلْ إِنَّ صَلاتِي} إلى قوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} يعني أول المسلمين من القرن الذي بعث فيهم وكذا قول موسى: {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} . أي

مؤمني زمانه الذين آمنوا به إذا كان قبلها أنبياء ومؤمنون وروى عنه بعد ما ذكرنا أنه كان يقول: "اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحس الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت استغفرك وأتوب إليك" قوله: "الشر ليس إليك" أي أنه غير مقصود به إليك إنما يقصد الله تعالى بالخير وإن كان الكل من عند الله فييسر أهل السعادة للخير ليثبتهم وأهل الشقاوة للشر فيعاقبهم عليه إلا أن يعفو عنهم فيما عدا الشرك.

في رفع اليدين

في رفع اليدين روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى المكتوبة كبر ورفع يديه حذو منكبيه ويصنع مثل ذلك إذا أراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شيء من الصلاة وهو قاعد وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر قال الطحاوي: لا نعلم أحد روى هذا الحديث غير عبد الرحمن بن أبي الزناد فلا يخلو أن مجيئه بهذه الزيادة غلط أو عن حقيقة فإن كان الأول فلا حجة في الغلط وإن كان عن حقيقة فإنا قد وجدنا عليا فيما كان عليه يخالف ذلك روى عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا كان يرفع يديه في أول تكبيرة الصلاة ثم لا يرفع بعد ولا يفعل علي رضي اله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلافه إلا بعد قيام الحجة عنده على نسخ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وعن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع في أول تكبيرة ثم لا يعود وقيل لإبراهيم حديث وائل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع من الركوع فقال إن كان وائل رآه مرة يفعل ذلك فقد رآه عبد الله خمسين مرة لا يفعل ذلك واحتمل هذا عن إبراهيم وان كان لم يسم من بينه وبين عبد الله لقوله للأعمش إذا قلت لك: قال عبد الله لم أقل ذلك

حتى حدثني به عنه جماعة وإذا قلت حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني. وروى ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك وقال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" وكان لا يفعل ذلك في السجود رواه عنه مالك وسفيان وإليه ذهب الشافعي وروى ابن شهاب عن عبد الله1 بن عمر فزاد فيه الرفع عند القيام من الركعتين فمن حاج من لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى بحديثي مالك وسفيان عن الزهري فهو محجوج بما في حديث عبيد الله بن عمر عنه من الرفع بعد القيام من القعود إذ يلزمه في ترك ما رواه عبيد الله ما يلزم خصمه في ترك ما رواه مالك وسفيان إذ ليس عبيد الله بدون مالك ولا سفيان مع أنه وجد الحديث من رواية نافع ابن عمر موافقا لما رواه عبيد الله وزائدا عليه الرفع في غيرهما وهو ما رواه عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع وركوع وسجود وقيام وقعود بين السجدتين ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يقال فقد رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر فلم يذكر فيه الرفع إلا عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع لأن تقصير الراوي عن بعض ما رواه العدل لا يلتفت إليه وروى عن أيوب قال رأيت طاووسا ونافعا يرفعان أيديهما بين السجدتين وروى عن أيوب أنه كان يفعله ففعل نافع يدل على صحة الرواية عنه وتمسك أيوب بذلك دال على أن الأمر قد كان عنده فيه كذلك عن نافع فقصر عن ذكره فمن لا يرفع غير تكبيرة الافتتاح اعذر في ذلك إذ كان قد روى عن مجاهد أنه قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى فكان رد الأمر إلى ابن عمر أولى بهؤلاء المختلفين لأنه لم يكن يترك بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما قد كان يفعله إلا لما يوجب له من نسخ ولا يقال أن طاوسا روى عن ابن عمر خلافه لأن تصحيح الروايات هو الأولى فيكون طاوسا رأى ابن عمر يرفع ثم قامت الحجة عنده مما يوجب نسخ ذلك فتركه.

_ 1 كذا وفيهنظر – ج.

وصار إلى ما رآه مجاهد عليه فالأولى بنا حمل الآثار على هذا المعنى لا سيما وقد روى الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود ورأيت إبراهيم والشعبي يفعلان كذلك وعن أبي بكر بن عياش أنه قال ما رأيت فقيها قط يرفع يديه في غير التكبيرة الأولى وإذا كان عمر وعلي وابن مسعود وموضعهم من الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعهم على ذلك ثم ابن عمر بعدهم على مثله لم يكن شيء مما روى في القبول أولى مما رووه عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "ليتني منكم أولوا الأحلام والنهى" وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذلك وعن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ففي هذا ما قد شد ما رواه عبيد الله عن الزهري وعن نافع.

في قراءة الفاتحة

في قراءة الفاتحة روت عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" يقال لمن كان ناقصا في مدة حمله خداج ومخدج ثم وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى صلاة أخرى خداجا على ما روى المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة مثنى مثنى وتشهد في كل ركعتين وتبأس وتمسكن وتقنع بيديك وتقول: اللهم اللهم فمن لم يفعل ذلك فهي خداج" وعن الفضل بن عباس مثله "وتقنع بيديك" أي ترفعهما إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول: يا رب يا رب ففي الحديثين ذكر الخداج وهو النقص فذهب بعض إلى أن من صلى بغير فاتحة

الكتاب في كل ركعة أنها لم تجزئ وجعلوا النقص إبطالا وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم وذهبوا إلى أن الخداج لا يذهب به الشيء الذي تسمى به لأن النقص لا يوجب الاعدام ولكنها مع نقصانها موجودة إذ ليس كل من نقصت صلاته لمعنى تركه منها يجب به فسادها كترك اتمام ركوعها وسجودها فلا يستبعد أن تنقص الصلاة بترك الفاتحة ولا تفسد وقد وجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد دل على ذلك وهو ما روى ابن عباس لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض موته وهو في بيت عائشة قال: "ادع لي عليا" فقالت: ألا ندعو لك أبا بكر؟ قال: "ادعوه" قالت حفصة: ألا ندعو لك عمر؟ قال: "ادعوه" قالت أم الفضل: ألا ندعو لك العباس عمك؟ قال: "ادعوه" فلما حضروا رفع رأسه ثم قال: "ليصل بالناس أبو بكر" فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج يهادي بين رجلين فلما أحسه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم مكانك فاستتم رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يأتم به أبو بكر ويأتم الناس بأبي بكر ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل وقد قرأ أبو بكر الفاتحة أو بعضها ولم يعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة ولا شيئا منها فدل أن الفاتحة بتركها أو ترك بعضها لا تفسد به الصلاة فلا يكون قراءتها شرطا للجواز والحاصل من الحديثين أنه لا ينبغي ترك الفاتحة ولا تفسد الصلاة بتركها ثم الشارطون لا يفرقون بين الإمام والمأموم ومن دخل في صلاة الإمام وهو راكع فكبر لدخوله فيها ثم كبر لركوعه فركع ولم يقرأ الفاتحة خوفا لفوت الركعة يعتد بتلك الركعة وجازت الصلاة بدونها ولا يقال أنها سقطت للضرورة لان الضروره لا تسقط فرضا ألا ترى أنه لو ركع ولم يقم قبل الركوع قومه لم تجز صلاته وإن اضطر إلى ذلك لأن القومة قبل الركوع فرض وإن قلت لا يقال كيف يظن بالرسول صلى الله عليه وآله

وسلم ترك قراءة الفاتحة مع أنه موجب للنقص لأن قراءة أبي بكر في تلك الركعة منعت نقصها والله أعلم.

في مقدار القراءة فيها

في مقدار القراءة فيها عن قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة يطيل في الأولى ويسمعنا الآية وكان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وقال في حديث آخر وكان يطيل أول ركعة من الظهر والغداة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في الأولى من الظهر على القراءة في الثانية منها واختلف فيه فذهب بعضهم منهم محمد إلى ما في هذا الحديث وبعضهم إلى التسوية بين القراءة في الركعتين الأوليين في الصلاة كلها إلا في الصبح فإنها تطال على القراءة في الثانية اتفاقا وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه اجتمع ثلاثون من الصحابة وقاسوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يخافت فيه بقدر ثلاثين آية في الركعتين الأوليين من الظهر وفي أخرييهما على النصف من ذلك وفي العصر في الأوليين نصف أولي الظهر وفي أخرييهما قدر نصف أخرى الظهر وما اختلف منهم رجلان ففيه التسوية بين الأوليين ظهرا أو عصرا وهو الأولى عندنا لأن الرباعية تنقسم قسمين أوليين وأخريين فكما استوى القراءة في الأخريين فكذلك ينبغي أن تستوي في الأوليين يؤيد ذلك ما كان من سعد بن أبي وقاص وقد شكا عليه أهل الكوفة أمورا من جملتها أنه لا يحسن يصلي جوابا لعمر في قوله: فأما أنا فأمد في الأوليين واحذف في الأخريين وما آلو ما اقتديت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر ذلك الظن بك. فأخبر أنه كان يطيل في الأوليين ويحذف في الأخريين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعقول أن الأخريين إذا استوتا في الحذف تكون الأوليان استوتا في المد وفيما روينا بأن القراءة في أخريي العصر قدر نصف اخريي الظهر.

دليل على أن في الأخريين من العصر والظهر زيادة على فاتحة الكتاب التي هي سبع آيات لا غير لأن نصف الخمسة عشر سبع آيات ونصف يقرأ في كل من اخريي الظهر ونصف هذا النصف في كل من اخريي العصر مع الاختلاف الظاهر بين أهل العلم في الركعتين الأخريين من هاتين الصلاتين فبعضهم يقول إن شاء المصلي زاد فيهما على الفاتحة مما معناه دعاء وإن شاء سبح فيهما ولم يقرأ فيهما بشيء من القرآن منهم أبو حنيفة والثوري وأصحابهما ومنهم من يقول لا بد من قراءة الفاتحة فيهما من غير زيادة عليها وهم فقهاء الحجاز وروى عن علي رضي الله عنه أنه كان يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بالفاتحة وسورة ولا يقرأ في الأخريين بشيء وعن جابر أنه كان يقرأ في الأخريين بالفاتحة. وعن عائشة مثله وتقول إنما هو دعاء يعني كانت تقرأها على أنها دعاء لا قراءة قرآن كما في سواهما. وعن أبي عبد الله الصنابحي صليت المغرب خلف أبي بكر في خلافته فلما قام إلى الركعة الثاثلة دنوت منه حتى أن ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} الآية. وروى عن مكحول والله ما كانت قراءة لكنها كانت دعاء فدل على أن صحة ما قيل أن القراءة في الأخريين إنما هي دعاء وتسبيح لا كالقراءة في الأوليين ومثل هذا القول لا يقال استنباطا بالرأي بل توفيقا محضا فلا يصح خلافه وروى عن إبراهيم النخعي أنه قال التسبيح أحب إلي في الركعتين الأخريين وكذلك كان الثوري يقول وأما أبو حنيفة وأصحابه فيذهبون إلى أن القراءة فيهما أحب إليهم من التسبيح فيهما.

في تطويل الأركان

في تطويل الأركان روى المسعود عن الحكم قلت لابن أبي ليلى ما رأيت أطول قياما من أبي عبيدة في الصلاة فقال سمعت البراء بن عازب يقول كان ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه رأسه من الركوع وسجوده ورفعه رأسه من

السجود سواء احتج جعفر الهاشمي به على أن القيام في الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه والجلوس والرفع منه والجلوس بين السجدتين بمنزلة سواء في التطويل ولا حجة له فيه إذ قد يحتمل أن ركوعه ورفع رأسه منه وسجوده ورفع رأسه منه سواء على أن ما بعد الركوع من الرفع منه إلى آخر السجدتين يفي بالقيام والركوع ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من أم الناس فليخفف بهم الصلاة فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة". وقد روى الحديث عن الحكم من هو أثبت من المسعودي وهو شعبة بن الحجاج فقال كان أبو عبيدة يطيل الركوع وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول: اللهم ربنا لك الحمد ملأ السموات وملأ الأرض وملأ ما شئت من شيء بعد فذكرت ذلك لابن أبي ليلى فحدثني عن البراء أن ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه إذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين كان قريبا من السواء فعرفنا بذلك أن إطالة أبي عبيدة القيام إنما كان مقدار ما يقول فيه الكلام الذي ذكره وكان ما سواه من الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين هذا المقدار سوى جلوس التشهد فإنه مقدار التشهد الذي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وكانت الأئمة من الصحابة على التخفيف اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو رجاء العطاردي للزبير ما لي أراكم يا أصحاب محمد من أخف الناس صلاة قال نبادر الوسواس يعني وسوسة الشيطان حتى لا يدركهم فيها.

في معرفة المقبول من الصلاة

في معرفة المقبول من الصلاة روى عن عمار بن ياسر أنه صلى صلاة فخفف فيها فقيل له لقد صليت وخففت فيها قال هل انتقصت شيئا من حدودها قيل لا قال عمار بادرت وسواس الشيطان إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد لينصرف من صلاته وما كتبه منها إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها أو خمسها أو ربعها أو ثلثها أو نصفها" المعنى فيه أن المصلي إذا حافظ على أركان صلاته وسننها وآدابها وخشوعه فيها واقباله عليها بترك التشاغل عنها بسواها يؤتيه الله تعالى على ذلك خيرا كثيرا وعند الصباح يحمد القوم السرى وإذا قصر تقصيرا يوجب نقصانها لا إبطالها يوجب تنقيص أجره وانحطاط قدره عما كان لو كملها يؤيد ما ذكرنا لا صلاة إلا بحضور القلب.

في السجود

في السجود روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ولكن يضع يديه ثم ركبتيه". لا يقال أن ما نهى عنه في أوله قد أمر به في آخره إذ بروك البعير أيضا بيديه أولا ثم برجليه لان المنهي المعنى هو الخرور على الركبتين أولا وركبتا ابن آدم في رجليه لا غير بخلاف كل ذي أربع فإن في يديه ركبتين أيضا والمأمور به أن يخر على يديه أولا ثم ركبتيه لئلا يشابه البعير في وضع الركبتين أولا إذ البروك هو الخرور على الركب فبان بحمد الله أن لا احالة كما ظنه بعض ثم فيما روى عن حكيم بن حزام من قوله بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا أخر إلا قائما اختلاف. فمنهم من قال معناه أن يكون سجوده إلا خرورا من قيام خوفا من الله تعالى فإنه لا ينظر إلى صلاة من لا يقيم صلبه من الركوع. ومنهم من قال أنه اخبار بأنه بايع على أن لا يموت إلا وهو قائم على إيمانه وإسلامه بالعزم والثبات عليه من قوله: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} . ومنهم من قال أنه بايعه صلى الله عليه وسلم على الموت ولا يبايع على الموت غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يتوهم منه زوال الحالة التي لأجلها عقدت البيعة معه عليها بخلاف غيره.

في إقامة الصلب من الركوع

في إقامة الصلب من الركوع روى ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود" يريد به نفي الكمال لا نفي الجواز مع أن فيه تضييع حظ نفسه بتقصيره عن إتيانه بها على أعلى مراتبها وحرمان نفسه عن ثوابها كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له" وهو من باب التغليظ ومثله "لا وضوء لمن لم يسم" وما روى "لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود" يحتمل أنه لا تجزيه الاجزاء الذي هو أعلى مراتب الاجزاء وهو أولى ما حمل عليه توفيقا بين معاني الروايات وهو مذهب الإمام أبي حنيفة ومحمد فإنهما قالا أساء وتجزيه صلاته وقال أبو يوسف لا تجزيه وعليه إعادتها والقياس قولهما لأن السجود الذي هو أعلى أركانها فيه ذكر ولا قراءة فيه ومن رفع رأسه من السجود يرجع إلى جلوس ليس من صلب صلاته حتى أن من سها عنه لا تبطل صلاته اتفاقا بخلاف الجلوس بعد السجدتين فإنه مختلف في وجوبه فلما كان الجلوس الأول بين السجدتين من السنن لا من صلبها كان مثل ذلك القيام الذي يخرج من الركوع إليه من السنن لا من صلبها إذ الركوع أيضا ركن فيه ذكر وليس فيه قراءة.

فيما يقال في السجود

فيما يقال في السجود روى عن حذيفة أنه قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل تطوعا فقال: "الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة" ثم قرأ البقرة ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه فكان الذي يقول في ركوعه "سبحان ربي العظيم" ثم رفع رأسه فقام قدر ما ركع فكان الذي يقول: "لربي الحمد لربي الحمد" ثم سجد فكان نحوا من قيامه يقول: "سبحان ربي الأعلى" وبين السجدتين نحوا من سجوده "رب اغفر لي رب اغفر لي" فصلى أربع ركعات قرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام ففيه أنه كان يقول بين السجدتين "رب اغفر لي" مكررا في كل ركعة ولا يعلم عن أحد من الصحابة

فعل ذلك غير علي رضي الله عنه فإنه كان يفعله وكذا لا يعلم من التابعين ومن بعدهم من يذهب إلى ذلك غير بعض من ينتحل الحديث ولا شك في حسنه بل فيه إحياء سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤيده القياس فإن الصلاة مشتملة على أفعال كل فعل لا يخلو عن قراءة فيه أو ذكر كالتكبير في الدخول فيها ثم القيام وفيه الاستفتاح والقراءة ثم الركوع وفيه التسبيح ثم الرفع منه وفيه التسميع والتحميد ثم السجود وفيه التسبيح ثم الرفع منه وقد روينا فيه سؤال المغفرة مرتين ثم الجلوس وفيه التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء فكان القياس أن يكون حكم القعدة بين السجدتين كحكم غيرها من أفعال الصلاة ويكون فيها ذكر.

حصل الظن وروى عن أبي حنيفة قال ذكرت الجدود عند النبي صلى الله عليه وسلم فقيل جد فلان في الإبل وقيل في الخيل فسكت فلما قام يصلي ورفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا ولك الحمد ملأ السموات وملأ الأرض وملأ ما شئت لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وروى عنه انه كان يقول بين السجد تين رب اغفر لي رب اغفر لي فقد يكون يطيل ذلك في بعضها حتى يتجاوز ما جرت عليه عادته حتى يظن أنه قد أوهم والله أعلم.

فيما يقال في الركوع

فيما يقال في الركوع عن ثابت كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم قال الطحاوي والله أعلم أنه كان يقول إذا رفع من الركوع اللهم ربنا لك الحمد ملأ السموات وملأ الأرض وملأ ما شئت من شيء بعد على ما روى عن علي وابن أبي أوفى وغيرهما لا يقال أن قوله حتى نقول قد أوهم يوهم أن العادة جرت على خلافه لأنه يحتمل أنه كان يفعله مرة ويتركه مرة ويحتمل أنه كان يمد صوته كما كان يستعمله بعد سلامه من وتره سبحان الملك القدوس يطول صوته بالثالثة من ذلك فيختلف ما يمكنه ذلك فيها من الزمان حتى يظن أصحابه في ذلك ما كانوا يظنونه. وقد روى عن أبي سعيد الخدري ما روى عن علي وابن أبي أوفى وابن عباس آنفا وزاد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فيكون يقول هذا مرة يتركه مرات فلذلك

في الركوع دون الصف

في الركوع دون الصف في الركوع دون الصف ... في الركوع دون الصف عن أبي بكرة قال: جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع وقد حفزني النفس فركعت دون الصف ثم مشيت إلى الصف فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: "أيكم الذي ركع دون الصف" قال أبو بكرة أنا قال: "زادك الله حرصا ولا تعد" فالنهي محمول على السعي الى الصلاة وقد حفزه النفس وقيل مصروف إلى الركوع دون الصف حتى يأخذ مقامه منه يؤيده ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف" والمعنيان مما يجوز إرادتهما بالنهي. لا يقال: قد صح عن زيد بن ثابت أنه دخل المسجد والناس ركوع فكبر وركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف وروى عنه أنه كان يركع على عتبة المسجد ووجهه إلى القبلة ثم يمشي معترضا على شقه الأيمن ثم يعتد بها أن وصل إلى الصف أو لم يصل ولا يظن بمثله الاقدام على المنهي لأنا نقول المكروه فعل ذلك للواحد لا للجماعة لأن الواحد بذلك كالمصلي وحده في صف وهو فاسد عند بعض وجائز مكروه على الصحيح ويؤيد ما روى عن ابن مسعود ركوعه دون الصف مع غيره قال طارق كنا مع

ابن مسعود جلوسا فبلغه خبر الإقامة فقام وقمنا فدخلنا المسجد والناس في الركوع فكبر وركع ومشى وفعلنا مثل ما فعل فيحتمل أن زيد فعل ما فعل وقد كان معه غيره فكان بذلك جماعة ويجب الحمل على هذا رفعا للخلاف بين فعل زيد وبين ما روى من النهي بقوله لا تعد ولا يعارض قوله أيكم الذي ركع دون الصف ما روى عن أنس قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أقيمت الصلاة قبل أن يكبر فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا إني لأراكم من وراء ظهري" ولا ما روى عنه أنه جاء رجل بعد قيام الرسول صلى الله عليه وسلم فأسرع المشي فانتهى إلى الصف وقد حفزه النفس فقال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه منها: "من المتكلم؟ " أو من القائل المكلمات فسكت القوم فقال مثلها قال: "من هو فإنه لم يقل بأسا" أو قال إلا خيرا فقال الرجل جئت يا رسول الله فأسرعت المشي فانتهيت إلى الصف وقد حفزني النفس فقلت الذي قلت قال لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها ثم قال: "إذا جاء أحدكم الصلاة فليمش على هينته فليصل ما أدركه وليقض ما سبقه" وإن كان فيه استعلام من الغير ما كان خلفه لأن الرؤية قد تكون بالعلم كما تكون بالعين قال تعالى: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أي علمتموه لأن الموت لا يعاين بالعين وقوله تعالى: حكاية عن شعيب {إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي أعلمكم لأنه كان أعمى فمثله قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأراكم من وراء ظهري أعلم ما أنتم عليه في صلاتكم من خشوعكم فيها بما يلقيه الله تعالى في قلبه من ذلك ويعلمه به" فلا معارضة في شيء من ذلك والحمد لله. قلت وفيه نظر لأن التعارض لا يندفع حينئذ للزومه بين قوله: "أيكم الذي ركع" وبين قوله: "إني لأعلم من وراء ظهري" إذا استعلام المعلوم محال كاستعلام المرئي أيضا ولا يندفع بما يقال قد لا يعلم إذا لم يعلمه الله تعالى ويكون عاما مخصوصا أي أعلم من وراء ظهري إلا في حال عدم إعلام الله تعالى لي لحكمة أرادها لأن الكلام سيق لتنبيه المخاطبين على لزوم الأدب فلو لم يكن

إني لأراكم على عمومه لا يفيد فائدته وأيضا لا وجه الى للعدول إلى المجاز فإن تخصيص التعميم يرد فيه أيضا لو تم جوابا لأن الآراء أيضا تتعلق بإرادة الله تعالى فقد لا يريه لحكمة اقتضته والحق أن الاستفهام في قوله: "أيكم الذي ركع؟ " وفي قوله: "من القائل؟ " ليس على حقيقته بل هو انكار للفعل المستفهم عنه بدليل قوله: "لا تعدو" قوله: "فليمش على هينته" وبدليل سكوت القائل عن الجواب خوفا من محظور غضبه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "فإنه لم يقل بأسا" توطينا لقلوبهم وتثبيتا لجأشهم لعلمه بأنهم خافوه ولهذا بشره بقبول مقوله أيضا فلا تعارض حينئذ لأن رؤيته أو علمه بحالهم متحققة دائما وما استفهم ليعلم بل جرى على جميل عادته المستمرة في عدم خطاب الخاطي بما يكره مواجهة وإن كان يعلمه حقيقة وكان يخاطبهم على العموم لئلا يخجل صاحبه لا لأنه كان غير عالم بحاله والله أعلم.

في جلسة الاستراحة

في جلسة الاستراحة روى عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه كان يقول لأصحابه ألا أريكم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ذلك لفي غير صلاة فقام فأمكن القيام ثم ركع فأمكنه ثم رفع رأسه وانتصب قائما هنيهة ثم سجد ثم رفع رأسه فتمكن في الجلوس ثم انتظر هنيهة ثم سجد قال أبو قلابة ورأيت شيخنا عمرو بن سلمة يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة التي لا يقعد فيها استوى قاعدا ثم قام وفيما روى عنه أيضا قال أخبرني مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدا. هذه مسألة اختلف فيها فطائفة تأمر المصلي بهذه الجلسة منهم الشافعي ومن سواهم من الكوفيين وفقهاء الحجاز لا يعرفون هذه الجلسة ولا يأمرون بها وروى عن عباس بن سهل وكان في مجلس فيه أبوه وهو صحابي وأبو هرير

وأبو حميد وأبو أسيد الساعدي والأنصار تذاكروا فيه الصلاة فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعت ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: فأرنا فقام فصلى وهم ينظرون فكبر ورفع يديه أول التكبيرة ثم ذكر حديثا طويلا ذكر فيه أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى قام ولم يتورك. فكان في هذا الحديث ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم القعود بعد رفع رأسه من السجدة الآخرة من الركعة الأولى وقد روى هذا الحديث جماعة كثيرة وروى رفاعة بن رافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك قال: بينما رجل كالبدوي دخل في المسجد فصلى فأخف الصلاة ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل" ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الرجل: فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ, قال: "أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد ثم كبر فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله تعالى وكبره وهلله ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع فاعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم جلس فاطمئن جالسا ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك" فكان في هذا الحديث أيضا أمره صلى الله عليه وسلم الرجل بعد فراغه من هذه السجدة بالقيام بلا قعود أمره قبله به. وحديث مالك يحتمل أن يكون ما ذكر فيه مما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كان فعله لعلة كانت به صلى الله عليه وسلم حينئذ لا لأن ذلك من سنة صلاته يدل عليه قلة مقام مالك عنده فإنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في أناس ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما رفيقا فلما ظن أن قد اشتهينا أهلنا واشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال صلى الله عليه وسلم: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا عندهم وعلموهم ومروهم" والنظر أيضا يوجب عدم الجلوس لأن من شأن الصلاة التكبير والتحميد عند كل خفض

ورفع وانتقال من حال إلى حال فلو كان بينهما جلوس لاحتاج أن يكبر عند قيامه من ذلك كما يكبر عند قيامه من القعدة الأولى وإذا انتفى التكبير انتفى الجلوس هذا مع ما قد شهد له من الآثار التي لروايتها من العدد ما ليس لمن روى ما يخالف ذلك.

فيمن ركع أو سجد قبل إمامه

فيمن ركع أو سجد قبل إمامه روى محمد بن أبي سفيان عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال: "لا تبادروني إلى الركوع والسجود فإني قد بدنت وإني مهما اسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت فيه أن المأموم إذا سبقه الإمام بشيء من الركوع أنه يقضيه في حال قيامه خلف الإمام". ومثل ذلك ما روى عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم فتلك بتلك" وعن عمر رضي الله عنه: "إذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد فإذا رفع الإمام رأسه فليمكث قدر ما رفع" وعن ابن مسعود: "لا تبادروا أئمتكم بالركوع والسجود وإذا رفع أحدكم راسه قبل الإمام فليضع رأسه ثم يمكث بقدر ما رفع قبله" ويلزم المأموم إذا ترك من القيام شيئا أن يؤمر بقضائه على هذا مع أنه لا يؤمر فيما إذا ركع قبل الإمام فأدركه الإمام بالركوع أن يرفع رأسه ليقضي ما فاته من القيام مع الإمام وكذا إذا لم يدركه الإمام فرجع إلى القيام لا يؤمر أن يثبت بعد ركوع الإمام بمقدار ما فاته من القيام وكذا إن رفع رأسه قبل الإمام فرجع ثم رفع الإمام رأسه ومكث في الركوع لا يؤمر بقضاء ما فاته من القيام الذي بعد الركوع ولكن الفرق واضح بين القيام والركوع وإن كان كل منها ركنا ألا ترى من أدرك أمامه في الركوع يكبر ويركع معه وليس عليه قضاء ما شبقه الإمام من القيام ولو فاته الركوع مع الإمام لا يعتد بما بقي من تلك الركعة من السجود والقعود وعليه قضاء الركعة بكمالها فإذا كان

فوات القيام بتمامه لا يضر بباقي الركعة ويكتفي بالركوع الذي بعده عنه كذلك فوت بعض القيام مع الإمام إما بسبقه الإمام بالركوع أو بتشاغله بقضاء ما سبقه به الإمام من ركوعه لا يجب عليه قضاؤه ويجزيه ركوعه مع الإمام الذي ركعه معه أو بعده وكان ذلك بخلاف الركوع الذي لا يكون مدركا للركعة إلا بإدراكه إياه مع الإمام. قال القاضي هذا الفرق غير صحيح إذ ليس من فاته القيام بكماله يجزيه منه الركوع لأنه لا يكون مدركا لتلك الركعة حتى يدرك أن يقوم فيها ولو قدر ما يوقع فيه تكبير الاحرام ثم يدرك التمكن من الركوع مع الإمام بل الفرق هو أن الركوع شرع فيه التطويل وكذا السجود فأمر أن يقضي ما فاته منه مع الإمام والقيام بعد الركوع لم يشرع فيه التطويل فلم يؤمر بقضاء ما فاته وكذلك لا يؤمر بقضاء ما فاته من الجلوس بين السجدتين. قلت لا أثر لمشروعية التطويل في إيجاب القضاء إنما القضاء يبتني على الوجوب والقيام بعد الركوع واجب فيجب قضاؤه والجلسة بين السجدتين ليست بواجبة فلا يجب قضاؤها ويلزمه أيضا القيام قبل الركوع فإنه ركن شرع فيه التطويل ولا يلزمه قضاؤه فلا أثر للتطويل فيه وإنما هو تطويل من القاضي رحمه الله والفرق ما ذكره الطحاوي آنفا.

في إدراك ركعة منها

في إدراك ركعة منها روى أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها" الظاهر أن فضلها زائد لترك أكثر الرواة إياه ولأن معنى إدراكها إدراك فضلها إذ لو كان إدراكا لنفس الصلاة لم يجب عليه قضاء بقيتها وقد جعل كثير من العلماء المدرك لهذا القدر مدركا لها في وجوب قضاء ما فاته منها على مثل صلاة الإمام فيقضي في الجمعة إذا أدرك ركعة منها ركعة أخرى ومن أدركه من وقتها كالمغمى عليه يفيق

والحائض تطهر والكافر يسلم يكون به مدركا لوجوبها عليه بخلاف ما دون هذا المقدار وهم أهل الحجاز. وخالفهم العراقيون وأوجبوا بإدراك تكبيرة الاحرام فما فوقها من وقت الصلاة واستدلوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "العبد المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم عمد إلى المسجد لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب له بها حسنة ولم يضع رجله اليسرى إلا حط عنه بها خطيئة حتى يبلغ المسجد فليقرب أو ليبعد فإن أدرك الصلاة في الجماعة مع القوم غفر له ما تقدم من ذنبه وإن أدرك منها بعضا وسبق ببعض فقضى ما فاته فأحسن ركوعه وسجوده كان كذلك وإن جاء والقوم قعود كان كذلك". وممن قاله أبو حنيفة وأبو يوسف غير أن محمدا خالفهما في الجمعة ووافق الحجازيين فيها والمذكور هو وجه النصفة ولا يقال يحتمل أن يكون الحديث الذي احتج به العراقيون منسوخا لأنه إذا لم يعلم التاريخ فالأولى أن يجعل ناسخا للحديث الآخر لأن فيه زيادة فضل وإذا تفضل الله تعالى على عباده بثواب على عمل لم ينقصهم منه إلا بذنب محيط كما قال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} ولأنا إذا جعلنا هذا الحديث متأخرا يتأتى العمل بالحديثين وإذا جعلناه سابقا يلزم إهماله والعمل بالدليلين ولو بوجه أولى من الاهمال ثم لو خلينا والقياس لكان الواجب في الحائض وشبهها عدم الوجوب عليهم إلا بإدراك وقت مقدار صلاة كاملة كما يجب عليهم من الصيام إلا ما أدركوا وقته بكماله وهو قول زفر غير أن ما دل على خلافه من الحديث أولى عندنا.

في التشهد

في التشهد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد السلام على الله السلام على جبرئيل وميكائيل قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: "لا تقولوا هكذا فإن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات الطيبات" إلى آخره لم يقل أحد من رواته فلما فرض التشهد غير ابن عيينة والفرض يحتمل أن يكون المصطلح وهو الذي يكون جاحده كافر قال الله تعالى: بعد ذكره الزكاة {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} الآية وقد يكون بمعنى التقدير كقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} أي حددنا فيها الحلال والحرام وقد يكون فرض الاختيار كقول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر كالوجوب على الاختيار في قوله: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" وقد يكون الفرض بمعنى الاعطاء قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أي إن الذي أعطاك القرآن لرادك إلى مكة وعلى هذا يكون التشهد عطية من الله تعالى لهذه الأمة فيه شهادتهم له بالتوحيد ولرسوله بالرسالة ليثيبهم عليه بما شاء أن يثيبهم إياه عليه ولأن التشهد في الصلاة ذكر فيها كالاستفتاح وتسبيحات الركوع والسجود وهذه الاذكار وإن تفاضلت في أنفسها ليست بمفروضة فكان التشهد مثلها. وروى عن ابن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن "التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله" وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام على النبي. من قوله: بين ظهرانينا إلى على النبي منكر لا يصح لأنه يوجب أن يكون التشهد بعد موته عليه السلام على خلاف ما كان في حياته وذلك مخالف لما عليه العامة ولما في الآثار المروية الصحيحة وقد كان أبو بكر وعمر يعلمان الناس التشهد في خلافتهما على ما كان في حياته صلى الله عليه وسلم من قولهم السلام عليك أيها النبي وإنما جاء الغلط من مجاهد وأمثاله وقد قال أبو عبيد إن مما أجل الله به رسوله أن يسلم عليه بعد وفاته كما كان يسلم عليه في حياته وهذا من جملة

خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد استنبط جوازه مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج إلى المقبرة ويقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" فإنه إذا أجاز ذلك في أهل المقبرة كان في النبي صلى الله عليه وسلم أجوز وهذا حسن قال القاضي لكن قول أبي عبيد أحسن لأنه عليه السلام سلم على أهل القبور بحضرتهم وقد جاء أن الأرواح قد تكون بأفنية القبور.

في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس فقال له بشير بن سعد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد" والسلام كما قد علمتم. وروى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} الآية جاء رجل فقال يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة قال: "قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد" ثم روى عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبرهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". ولم يوجد في غير هذا الحديث وعلى أزواجه وذريته إلا ما روى عن طاوس عن أبي بكر رضي الله عنه بزيادة وعلى أهل بيته أيضا ومتمسك أهل المدينة حديث أبي مسعود وأهل الكوفة حديث كعب بن عجرة ولم يتعلقوا بما سواهما وسائر أهل العلم على هذين الأثرين باستعمالهم في صلاتهم وفيما سواها على الاختيار بحيث

لا تفسد الصلاة بترك ذلك غير الشافعي فإنه ذهب إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الفرائض بحيث لا تجزي صلاة إلا بها وإن موضعها من التشهد الذي يتلوه السلام وذهب في كيفيته إلى حديث أبي مسعود الأنصاري لكن كان يلزمه على أصله الأخذ بحديث أبي حميد للزيادة التي فيه على أزواجه وذريته وأهل بيته في الصلاة عليه كما ذهب إلى حديث ابن عباس في التشهد لزيادة والمباركات فيه على ما في غيره من الآثار المروية في التشهد في بعض الآثار على إبراهيم وفي بعضها على آل إبراهيم لا يوجب الاختلاف لأن ذكر الآل يدخل فيه من هم آله ومنه: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} لأن آله لما استحقوا العذاب باتباعه كان هو أشد استحقاقا لذلك بدعائه إياهم إليه وبإمامته إياهم فيه. وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا نقول خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصلاة إذا جلسنا السلام على الله وعلى عباده السلام على جبرئيل وميكائيل السلام على فلان وفلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله هو السلام فلا تقولوا هكذا ولكن قولوا التحيات لله والطيبات السلام عليك إلى عباد الله الصالحين" "فإنه إذا قالها نالت كل عبد صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليختر أطيب الكلام أو ما أحب". وروى عن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء". ففي حديثي ابن مسعود وفضالة ما ينفي قول من قال أنه لا بد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة بعد وقوفه على ترك الصلاة عليه بل فوض الأمر إلى مشيئة المصلي.

ولو كانت صلاته غير مجزية بدون الصلاة عليه لأمر بالإعادة كما أمر المصلي الصلاة الناقصة في حديث رفاعة بن رافع إذ قال له "ارجع فصل فإنك لم تصل" مرتين أو ثلاثا الحديث. ولا حجة لمن أوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الآخر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} لأن ذلك يدل على وجوب الصلاة قولا وغيرها مثل قوله واذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه الآية فلو ترك رجل في صلاته التسبيح لم تفسد صلاته بذلك وإن كان فيه ترك فضيلة فكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بتركها يكون المصلي تاركا لحظه في الفضيلة وكذا لا دليل فيه لمن أوجبها في التشهد الذي يتلوه السلام بقوله تعالى: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} لأنه يحتمل أن يكون المراد به التسليم له صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه في الصلاة وغيرها كما في قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} إلى قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} إذ لا خلاف من المخالف في تأويل هذه الآية والله أعلم.

في النهي عن الاقعاء

في النهي عن الاقعاء روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التورك والاقعاء في الصلاة اختلف في الاقعاء المنهي عنه فذهب أبو حنيفة وجماعة إلى أنه جلوس الرجل على عقبيه في صلاته لا على إليتيه محتجين بما روى عن علي رضي الله عنه إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لها لا تقع على عقبيك في الصلاة وبما روى عن أبي هريرة قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقعي في صلاتي اقعاء الذئب على العقبين يعني عقبي نفسه لأن الذئب ليس له عقبان وقال أهل الحديث هو أن يضع الرجل اليته في صلاته على الأرض ناصبا فخذيه لما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بينما راع يرعي

بالحرة انتهز الذئب شاة فحال الراعي بين الذئب والشاة فأقعى الذئب على ذنبه فقال للراعي: ألا تتقي الله وتحول بيني وبين رزق ساقه الله تعالى إلي فقال الراعي: لعجب من ذئب يقعى على ذنبه يكلمني كلام الإنس فقال الذئب للراعي: ألا أحدثك بأعجب مني رسول الله بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق, فساق الراعي غنمه حتى أتى المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بما قال الذئب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال للراعي: "أخبر الناس بما رأيت" فقام الراعي فحدث الناس بما قال الذئب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الراعي ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع الإنس والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الناس وتكلم الرجل شراك نعله وعذبه سوطه ويخبره فخذه بما أحدث بعده أهله". ولما روى عبد الرحمن بن شبل قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير وكل واحد من التفسيرين يجوز أن يكون محمل النهي فلا ينبغي للمصلي أن يفعل واحدا منهما ولا تضاد بين الحديثين ولا تدافع فإن قيل روى عن العبادلة أنهم يقعون في صلاتهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم يراهم ولا ينهاهم عن ذلك فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حجة الله على خلقه ويحتمل أن يكون هؤلاء العبادلة لم يبلغهم هذا النهي ولو بلغهم لما خالفوه ولا خرجوا عنه.

في العقص

في العقص روى عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أحب لك ما أحل لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تصل وأنت عاقص شعرك فإنه كفل الشيطان" هذا مما لا ينبغي أن يفعله المصلي في صلاته بل يرسل

شعره حتى يسجد بسجوده وكذلك يفعل في ثيابه. وأما ما روى عن سعيد المقبري أنه رأى أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحل ضفيرة الحسن بن علي المغروزة في قفاه وهو يصلي وقال له لا تغضب لما التفت إليه الحسن مغضبا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كفل الشيطان" أي مقعده فهو مدفوع لأن أبا رافع مات في زمن علي وكان علي وصيا له على ولده ووفاة المقبري في سنة خمس وعشرين ومائة وبينه وبين وفاة علي خمس وثمانون سنة وموت أبي رافع قبل ذلك بما شاء الله فهذا يدفع أن يكون رآه والله أعلم.

في مس الحصى

في مس الحصى روى أبو ذر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يحرك الحصى فإن الرحمة تواجهه" وروى عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصى فقال: "واحدة أو دع". فيه جواز المرة الواحدة عند الحاجة وقدور دإن كنت لابد فاعلا فمرة واحدة وجاء في حديث آخر: "لأن يمسك أحدكم يديه عن الحصى خير له من أن يكون له مائة ناقة كلها سود الحدق فإن غلب أحدكم الشيطان فمرة واحدة" وينبغي للمصلي أن يسوي الحصى قبل دخوله فيها حتى يستغني بذلك فلا يحتاج إليه في صلاته ولا يشتغل قلبه به وإن فاته حتى دخل في صلاته واحتاج إلى ذلك يمسح مرة حتى ينقطع شغل قلبه فإنه أيسر من تماديه على مغالبة شيطانه.

في التنحنح والتسبيح

في التنحنح والتسبيح عن علي بن أبي طالب قال كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان فكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح. قد روى هذا الحديث على خلاف هذا قال علي رضي الله عنه كانت لي

ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في صلاة سبح وهذا أولى لأن الآثار التي روتها العامة فيما ينوب الرجال في الصلاة مما يستعملونه فيه هو التسبيح ومالك سوى بين الرجل والنساء فيه ومن سبح في صلاته جوابا تفسد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف والحق أن التصفيق للنساء فيما ينوبهن اتباعا للأثر وأن لا فرق بين التسبيح ابتداء وجوابا في أنه لا يقطع الصلاة كما لا فرق في الكلام أنه قاطع ابتداء أو جوابا.

في وجوب الجواب على المصلي

في وجوب الجواب على المصلي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي فالتفت ولم يجبه وخفف صلاته ثم انصرف فقال: السلام عليك يا رسول الله, فقال: "ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ " قال: يا رسول الله كنت في الصلاة, قال: "أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} " قال: بلى, يا رسول الله ولا أعود إن شاء الله, ولا يستنكر أن تجب إجابة الأم إذا دعته وهو يصلي لأنه يستطيع ترك صلاته وإجابة أمه لما عليه أن يجيبها والعود إلى صلاته لأن الصلاة لها قضاء وبر الأم إذا فات لا يقدر قضاؤه اعتبارا بوجوب إجابة النبي صلى الله عليه وسلم واحراز الفضيلة بالخروج من الصلاة والعود إليها ودل على ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جريج الراهب حين نادته أمه وهو يصلي فقال: اللهم أمي وصلاتي وكان ذلك منهما ثلاث مرات فدعت عليه بأن لا يموت حتى ينظر في وجه المياميس وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم فولدت, فقيل لها ممن هذا فقالت: من جريج, الحديث فعوقب بترك إجابة أمه لما دعته وتمادى في صلاته ولا يعاقب إلا بترك الواجب.

في المرور بين يدي المصلي

في المرور بين يدي المصلي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المار بين يدي المصلي

ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه" المراد به أربعين سنة والله أعلم لأنه قد روى عنه من رواية أبي هريرة أنه قال: "لو يعلم الذي يمر معترضا بين يدي أخيه وهو يناجي ربه لكان أن يقف مكانه مائة عام خيرا له من الخطوة التي خطاها" وهذا متأخر لأن فيه زيادة في الوعيد وهو لطف بالعاصي ليمتنع عن اقتراب سببه والذي يروى عن المطلب بن أبي وداعة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه ليس بينه وبين القبلة شيء. ويروى عنه ليس بينه وبين الطواف سترة لا يعارض ما روى من النهي عن المرور ونهى المصلي عن الامتناع من الدفع لأن حديث المطلب إنما هو في الصلاة إلى الكعبة مع المعاينة والنهي عن المرور فيمن يتحرى الصلاة إلى الكعبة إذا غابت عنها ويحتمل في المعاينة ما لا يحتمل في المغايبة فإن الناس إذا تحلقوا الكعبة وصلوا جماعة لا بد أن تستقبل وجوه بعضهم بعضا ولا كراهة فيه بخلاف من غاب وصلى مستقبل وجوه الرجال فإنه يكره فكما اتسع لهم الصلاة مع استقبال الوجوه اتسع لهم بين يديه المرور تخصيصا للكعبة بهذا الحكم لأن الغالب استيلاء شرفها على القلوب بحيث يذهل عن الالتفات إلى غيرها فليس الخبر كالعيان.

في وقت العشاء

في وقت العشاء عن النعمان بن بشير قال: أنا أعلم بوقت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للعشاء الآخرة كان يصليها لسقوط القمر ليلة الثالثة فيه أنه كان يؤخر العشاء عن أول وقتها إلتماسا لوقت الفضل من وقتها كما كان يصلي غيرها في أفضل أوقاتها وكان يصلي الظهر في أيام الشتاء معجلا لها وفي الصيف مؤخرا والمغرب دائما معجلا وأما صلاة الصبح والعصر فكان يختلف في الساعتين اللتين كان يصليهما فيهما مثل الساعة التي كان يصلي فيها العشاء الآخرة لأنها

ساعة الفضل من وقتها وسقوط القمر لثلاث يكون بمضي ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من الليل.

في تسميتها العتمة

في تسميتها العتمة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إنما هي العشاء ولكنهم يعتمون عن إبلهم" فيه أن اسم هذه الصلاة العشاء وأن الذين يسمونها العتمة هم الأعراب وما روى معاذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم". ليس فيه تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم إياها بالعتمة وإنما فيه أمرهم بالاعتام بها أي بالتأخير لها كما يقال أمسيت بالعصر ليس المساء اسم لها ولكن اخبار منك أنك أمسيت بها واسمها غير مشتق من المساء بها وحديث أبي هريرة مرفوعا لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا قد رواه ابن مسعود بخلافه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما من الفضل لأتوهما ولو حبوا". وتصحيح الحديثين أن الذي تعرفه العرب في اسمها العتمة لا غير وتسميتها في حديث أبي هريرة بناء على ما عهدته العرب وألفته ثم سماها الله تعالى بالعشاء في قوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} فعلم أن ما حكاه ابن مسعود في اسمها متأخرا عما حكاه أبو هريرة وسبب تسميتها بالعشاء أنها تصلى بعد أن تعشى الأبصار بالظلام الطاري عليها كما سميت الصبح لأنها تصلى عند الاصباح والفجر لأنها تصلى بقرب الفجر والظهر لأنها تصلى في الظهيرة والعصر لأنها تصلى عند الاعصار وهو التأخير ومنه قولهم عصرني حقي إذا أخره عن وقت أدائه والمغرب لأنها تصلى عند الغروب وما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العصرين

دخل الجنة". وقوله عليه السلام لفضالة: "حافظ على العصرين" قلت: وما العصران؟ قال: "صلاة قبل غروب الشمس وصلاة قبل طلوعها" فالمراد بهما الفجر والعصر من باب التغليب فانتقلت أسماء الصلوات الخمس لأوقاتها التي تصلى فيها وارتفع التضاد والاختلاف بحمد الله ومنه.

في الوتر

في الوتر روى عن عمرو بن العاص قال أخبرني رجل من الصحابة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى قد زادكم صلاة فصلوها ما بين العشاء الآخرة إلى صلاة الصبح الوتر الوتر" ألا وإنه لو بصره الغفاري قال أبو ذر يا أبا بصرة أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر الوتر الوتر" فقال أبو بصرة: نعم, قال: أنت سمعته؟ قال: نعم قال: أنت سمعته؟ قال نعم. قوله: صلاة الصبح يحتمل نفس الصلاة فيجوز أداء الوتر بعد طلوع الفجر قبل صلاتها وقد روى عن علي الوتر ما بين الصلاتين ويحتمل أن يكون وقت صلاة الصبح الذي يعقب صلاة العشاء ويفسره الحديث الآخر الذي استفسره أبو ذر من أبي بصرة وقال خارجة بن أبي حذافة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قد أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الوتر الوتر" روى ابن عمر مرفوعا: "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر اوتروا قبل الفجر" وحديث أبي بكر وعمر مشهور قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "أخذت بالحزم" حين قال: أوتر من أول الليل وقال لعمر: "أخذت بالقوة" حين قال أوتر آخره.

وعن ابن مسعود الوتر ما بين صلاة العشاء إلى الفجر وروى عنه سئل هل بعد الأذان وتر فقال نعم وبعد الإقامة وفي هذا ما دل على أنه مطلق عنده في الزمان كله وأهل العلم في ذلك على قولين فأبو حنيفة وأصحابه على أنه يقضي مطلقا كسائر الفوائت. وقال مالك والشافعي إنه يصلى فيما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح ولا يصلى بعد ذلك والحق أنه إذا صلى بعد خروج الليل فيما قرب منه وجب أن يصلي فيما بعد منه لأن الصلوات منها لا تقضى بعد خروج وقتها في قرب ولا بعد كالجمعة ومنها ما تقضى بعد ذهاب وقتها في قرب وبعد وهي المكتوبات فينبغي أن يكون الوتر كذلك.

في القنوت

في القنوت روى عن عبد الله بن مسعود قال: بت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يقنت في وتره فقنت قبل الركوع ثم بعثت أم عبد فقلت لها بيتي مع نسائه فانظري كيف يقنت فأتتني فأخبرتني أنه يقنت قبل الركوع قد كان ابن مسعود على ذلك روى علقمة عنه وروى جماعة من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع. منهم أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث ركعات لا يسلم فيهن حتى ينصرف يقرأ فيها سورة الأعلى وقل يا أيها الكافرون والاخلاص ويقنت قبل الركوع وبعد الانصراف يقول: "سبحان الملك القدوس" مرتين يرفع صوته ويجهر بالثالثة ومنهم عبد الله بن عباس في حديثه عن مبيته عند خالته ميمونه والقياس يشهد لهذا القول لأن القنوت زائد فيه على غيرها من الصلاة كالتكبير الذي هو زائد في صلاة العيد على غيرها وأنه قبل الركوع وكان علي وابن مسعود يقنتان قبل الركوع ويكبران قبل القنوت ولا يعلم هذا إلا توقيفا وروى طارق قال صليت خلف عمر صلاة الصبح فلما فرغ من القراءة في الثانية كبر ثم قنت ثم كبر

فركع والذي روى من فعل هؤلاء الثلاثة الأعلام أولى بالأخذ مما روى عائشة: علمني الحسن بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من القراءة في الثالثة من الوتر قال قبل الركوع: "اللهم اهدني فيمن هديت" الحديث لأن من حفظ شيئا كان أولى ممن قصر عنه.

في سنة الفجر

في سنة الفجر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتركوا ركعتي الفجر وإن طردتكم الخيل" وعن عائشة قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الصبح وعنهما مرفوعا: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" وينبغي أن يصليهما في البيت لمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاهما في المسجد روى عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة وابن القشب يصلي فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكبه وقال: "يا ابن القشب تريد أن تصلي الصبح أربعا أو مرتين؟ " عن عائشة رضي الله عنها: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقيمت الصبح فرأى ناسا يصلون ركعتي الفجر فقال: "أصلاتان معا؟ ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وأوقفه بعضهم وفيما تقدم من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يصلوا ركعتي الفجر في المسجد ما يغني عنه لأنه إذا منع عن صلاتها في المسجد قبل أن تقام الصلاة فالمنع من ذلك بعد الإقامة أوكد فالواجب علينا امتثال ما أمرنا به من صلاة ركعتي الفجر في منازلنا قبل أن نأتي المسجد ما لم تدع إلى ذلك ضرورة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس صلى بعد أذان بلال لها ركعتي الفجر ثم صلى صلاة الفجر في موطن واحد. فدل على إباحة صلاتهما في الموطن الذي يصلى فيه الفرض عند مثل

هذه الضرورة وروى أن سعيد بن العاص طلب أبا موسى وحذيفة وابن مسعود قبل أن يصلي الغداة فسألهم كيف نصلي صلاة العيد فأجابه عبد الله بما أجابه ثم خرجوا من عنده وقد أقيمت الصلاة فجلس عبد الله إلى اسطوانة من المسجد فصلى الركعتين ثم دخل في الصلاة. وذلك والله أعلم أنه دعاهم من الليل وامتد بهم الأمر إلى وقت لم يكونوا يظنون به فدعته الضرورة إلى أن صلاهما في المسجد خشية الفوات وعن أبي الدرداء أنه قال إني لأجيء إلى القوم وهم في الصلاة فأصلي الركعتين ثم انضم إلى الصفوف. وذلك عندنا على ضرورة دعته إليه والآثار بمنها في المسجد ستجيء في باب التنفل بعد الجمعة وما روى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن فهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ولم يكن صلى ركعتي الفجر فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فركع ركعتي الفجر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فلم ينكر ذلك عليه فهو من الأحاديث التي لا يحتج بمثلها لعله في روايته ذكرت مفصلة في المطول. وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد أحسن من هذا أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته ركعتا الفجر صلاهما إذا طلعت الشمس وروى عن ابن عمر والقاسم بن محمد أنهما كانا يفعلان ذلك.

في صلاة القاعد

في صلاة القاعد روى عن عمر أن ابن حصين أنه قال كان به باسور فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما فإن لم تقدر فقاعدا فإن لم تقدر فعلى جنب" وفيما روى عنه أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم

ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد". لا اختلاف بين الحديثين لأن الأول في الفرائض والثاني في النوافل ثم المتطوع إذا صلى قاعدا مع قدرته على القيام له نصف أجر القائم ولو لم يكن له قدرة على القيام يكتب ثوابها وهو قاعد كما كان يصليها وهو قائم وقوله: "من صلى نائما" يعني يقدر على الصلاة قاعدا ولا يقدر على السجود لأن الذي يقدر على السجود فليس له أن يصلي نائما على جنبه فعقلنا بذلك أنه النائم القادر على أن يصلي قاعدا يومي بالركوع والسجود فصلى نائما يومي بهما اختيارا منه لذلك فاستحق بذلك نصف أجر القاعد وهو ربع أجر القائم

في هيئة القعود

في هيئة القعود روى عن مجاهد عن مولى السائب عن السائب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع" فيه ما يدل على نقص صلاة القاعد متربعا عن قاعد غير متربع ولا يحتج بمثله لأن مولى السائب مجهول والراوي له عن مجاهد إبراهيم بن مهاجر وليس بالقوى وكذا ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه لأنه أجلس على رضفين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة. لا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون المراد التربع في القعود للتشهد وهو منهي عنه وقد روى عن عائشة رضي الله عنها بإسناد صحيح قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى متربعا فكان هذا الحديث أولى من حديث مولى السائب وروى الحسن عن أمه أنها رأت أم سلمة تصلي متربعة من رمد كان بها. وعن إبراهيم بن أبي عبلة أنه رأى أم الدرداء تصلي متربعة ويؤيد النظر وهو تحصيل الفرق بين القعود الذي هو بدل من القيام وقعود التشهد كما فرق بين الإيماء للركوع وبين الإيماء للسجود وفيما ذكرنا صحة قول أبي حنيفة وصاحبيه في أمرهم العاجز عن القيام في الصلاة أن يتربع بدلا من قيامه خلاف ما يقول زفرا بالتسوية بينهما.

فيمن نام عن حزبه

فيمن نام عن حزبه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" لما تفضل الله تعالى بنسخ فرض قيام الليل تخفيفا محضا بقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} لم يحلهم من الحض على قيامه وأخذ الحظ منه بقوله: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ} ندبا فإنه قال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} . فإذا كان في حقه نافلة كان لأنته أحرى أن يكون نافلة ثم زاد في التفضل بأن وسع الأمر عليهم في نيل ثوابه واستنجاز وعده المحمود إذا قطعهم عن ذلك مرض أو سفر أو عائق وأقام طائفة من النهار مقام طائفة من الليل وجعل القراءة فيها كالقراءة فيها والقيام فيها كالقيام فيها رحمة منه لهم واشفاقا عليهم.

في الأوقات المكروهة

في الأوقات المكروهة روى زر عن عبد الله قال: كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعن غروبها ونصف النهار. وروى عن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيها موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تنصب الشمس للغروب حتى تغرب وخرج الآثار بذلك من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة ومعان متفقة في بعضها فإن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وهي ساعة صلاة الكفار فدع الصلاة حتى ترتفع ويذهب شعاعها.

وفي بعضها حتى ترتفع قدر رمح لا خلاف أن التطوع كله قد دخل في النهي المذكور في هذه الآثار غير أن مالكا رحمه الله ذهب إلى أن الصلاة غير منهي عنها عند قيام الشمس لأنها كما تقوم تميل من غير أن يتخللها زمان يتهيأ فيه صلاة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة ولم ينه إلا عن ممكن وقد وجدناها تقوم وتكون شبه المضطربة مدة ما ثم تزول وأبا يوسف والشافعي استثنيا يوم الجمعة عند قيام الظهيرة واحتجا في ذلك بآثار فيها استثناء يوم الجمعة من النهي لم نجد لها صحة ولا رويت عن ثبت ممن يؤخذ عنهم العلم وإنما هي آثار منقطعة لا أسانيد لها وما كان مثل هذا لم يجز الاحتجاج به وقد احتج لهما بعض بأنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابراد بصلاة الظهر في الحر ولم يأمر بذلك في يوم الجمعة علم أن يوم الجمعة مخصوص بمعنى لم يوجد في سائر الأيام ورد بأن الابراد بعد الزوال والوقت المنهي عن الصلاة فيه عند قيام الشمس وهما مختلفان لكل منهما حكم غير حكم صاحبه. واختلف أهل العلم في قضاء المكتوبات في هذه الساعات فقيل لا يجوز فيها شيء من المكتوبات إلا عصر اليوم الذي يصلى فيه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله لأن آخر وقت العصر غروب الشمس فأخرجوها من عموم النهي في ذلك الوقت والقياس أن يكون آخر وقتها تغير الشمس لأن كل وقت سوى ذلك الوقت يجوز أن تصلى فيه الفرائض يجوز أن تصلى فيه النوافل وما لا فلا وهذا قول أبي بكرة الصحابي روى عن ابنه يزيد أنه قال: واعدنا أبو بكرة إلى أرض له فسبقنا إليها فأتيناه ولم يصل العصر فوضع رأسه فنام ثم استيقظ وقد تغيرت الشمس فقال: أصليتم العصر؟ فقلنا: لا قال: ما كنت أنتظر غيركم فأمهل عن الصلاة حتى غابت الشمس ثم صلاها فهذا هو القياس في هذا الباب وذهب مالك والشافعي إلى أن المنهي عنه هو التطوع لا غير والقياس يرد ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أوقات كما نهى عن الصيام في أيام من العام

فكما لم يجز الصيام في الأيام الخمسة تطوعا وفرضا لا يجوز أن تقضى تلك الأوقات صلاة فريضة ولا يصلى فيها تطوع. فإن قيل ورد النهي بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس وبعد صلاة العصر إلى أن تغرب وخص بالتطوع اتفاقا وصح قضاء الفائتات فيهما فليكن النهي في هذه الأوقات كذلك لأن أحكام الصلاة بأحكام الصلاة أشبه من الصيام قلنا: النهي فيهما لمعنى في الصلاة بدليل أن من صلى العصر أو الصبح ليس له أن يصلي فيهما التطوع ومن لم يكن صلاهما له أن يصلي فيهما والوقت بالنسبة إليهما واحد في الأوقات الثلاثة النهي لمعنى في الوقت لاستواء جميع الناس فيه كالمانع من الصيام في الأيام الخمسة هو الوقت لا ما سواه فلذلك صح قياس الصلاة في تلك الأوقات على الصيام في تلك الأيام ولم يصح قياسها على الصلاة بعد الصبح وبعد العصر وما روى من قوله عليه السلام: "من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح أو فليصل إليها أخرى ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب فقد أدرك العصر" يحتمل أن يكون النهي في هذه الأوقات ناسخا لذلك ويحتمل أن يكون منسوخا بهذا وإذا احتملا ارتفعا ورجع الأمر فيه إلى ما يجب الرجوع إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة والاجماع وهو القياس الذي ذكرنا وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنه في الأوقات الثلاثة ما يدل على أنه لا تصلى فيها نافلة ولا فريضة وهو أنه منع الصلاة على الجنازة فيها وهي فرض كفاية وأجازها بعد صلاة الصبح والعصر إذا صليتا لوقتهما المختار بحيث يبقى من وقتها ما يصلى فيه على الجنائز كذلك روى نافع عنه.

فيمن نام عن صلاة

فيمن نام عن صلاة عن أبي قتادة رضي الله عنه سرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

غزوة وعرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس فجعل الرجل منا يثب جزعا دهشا فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فارتحلنا من مكاننا حتى ارتفعت الشمس ثم نزلنا فقضى القوم حوائجهم ثم أمر بلالا فأذن فصلى ركعتين فأقام فصلى الغداة الحديث مذكور بطرق كثيرة بمعان متفقة وزيادات في بعضها وفيه من تأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس ما يدل على أنه لا يصلى الفوائت عند الطلوع لأنه لا يظن به التأخير مع جواز فعله حينئذ وبه احتج أبو حنيفة رضي الله عنه وخالفه في ذلك الشافعي وغيره وقالوا سبب تأخيره حضور الشيطان إياهم في ذلك الوادي على ما ورد فيه من قوله عليه السلام: "تحولوا عن هذا المكان الذي أصابتكم فيه الغفلة" ومن قوله: "ليأخذ كل واحد منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وما أشبه ذلك ورد بأن حضور الشيطان لا يصلح مانعا إذ قد عرض للنبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فلم يخرج منها حتى أتمها وقال: "لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان المدينة". والحديث مشهور في الصحاح فاستحال أن يكون التأخير لذلك سيما وفي حديث أبي قتادة أنه أخر الصلاة إلى أن ارتفعت الشمس ثم صلاها ففيه أن تأخيره إنما كان ليحل وقت الصلاة لا لما سواه وما ورد من قولهم فما أيقظنا إلا حر الشمس لا دليل فيه على الارتفاع قبل الاستيقاظ إذ يحتمل أن يكون طلعت بحرارتها كما هو موجود بالحجاز في حرها إلى الآن ثم ممن روى هذا الحديث عمران بن الحصين قال عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ إلا بحر الشمس فاستيقظ منا ستة ثم استيقظ أبو بكر رضي الله عنه فجعل يمنعهم أن يوقظوه ويقول: لعل الله تعالى أن يكون احتبسه في حاجته فجعل أبو بكر يكبر حتى استيقظ. ففيه أنه صلى الله عليه وسلم نام نوما ذهب عنه به الفهم بقلبه وفي ذلك نوم قلبه إذ لو لم يكن كذلك لما خفي عليه استيقاظ الجماعة ولا احتاج أبو بكر

إلى متابعة التكبير حتى يوقظه وهو يخالف ما قال لعائشة رضي الله عنها: "يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" ظاهرا ولكن الذي أخبر به عن نفسه لعائشة هو الذي كان الأمر عليه وهو علم من أعلام النبوة أبانه الله تعالى به عمن سواه من خلقه, وكان نومه في الوادي كنوم من سواه لمعنى أراد الله سبحانه به أن يكون سببا لما يفعل من بعده في مثل تلك الحال لما روى أنه قال: "لو شاء الله لم تناموا ولكن أراد أن يكون سنة لمن بعدكم فيمن نام أو نسي" إذ يجوز أن يقال: كان ينبغي أن تسقط بعد خروج الوقت كالجمعة أو لا تجب الصلاة على النائم لأن وقتها لم يمر عليه إلا والقلم مرتفع عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق" فعلموا بذلك من فعله ومن قوله, ما لم يكونوا علموه قبل ذلك فبان بحمد الله أن لا تضاد في شيء من هذه الآثار.

في التنفل بعد صلاة العصر

في التنفل بعد صلاة العصر عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة" وذكره من طرق وليس هذا بخلاف لما روى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سبح بعد العصر ركعتين في طريق مكة فتغيظ عليه عمر رضي الله عنه وقال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عنها. لأنه يحتمل أن يكون علي رضي الله عنه صلى والشمس عنده مرتفعة الارتفاع الذي يبيح الصلاة وكان عند عمر رضي الله عنه على خلاف ذلك فالاختلاف بينهما حينئذ يكون في الارتفاع المبيح لا فيما علمناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كان النهي عن الصلاة بعد العصر وإن كانت مرتفعة حتى تغيب فوقف عمر رضي الله عنه عليه ولم يبلغ ذلك عليا وكان على ما روى وهب عنه وروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون وارضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع

الشمس وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب وسئلت عائشة رضي الله عنها كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الظهر والعصر قالت كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين فقيل لها: إن عمر يضرب رجلا يصلي بعد العصر ركعتين فقالت: لقد صلاهما عمر رضي الله عنه ولكن قومك أهل اليمن طغام فكانوا إذا صلوا الظهر صلوا بعدها إلى العصر وإذا صلوا العصر صلوا بعدها إلى المغرب فقد أحسن فيحتمل أن يكون الأمر عند عائشة رضي الله عنها كما كان عند علي رضي الله عنه وما وقفت على ما كان عند عمر رضي الله عنه من النهي بعد صلاة العصر حتى تغرب والأخذ بما عند عمر رضي الله عنه أولى مما كان عندهما لأنه قد دخل فيه ما كان عندهما وزاد عليه ما لم يكن عندهما والزيادة أولى ويكون النهي المتأخر ناسخا والله أعلم.

في الإشارة في الصلاة

في الإشارة في الصلاة روى أبو بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الصبح فأومى إليهم أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بهم ورواه أنس أيضا كذلك وعن غيرهما من الصحابة أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ قيامه قيام المصلي لا أنه دخل بتكبير قال: أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام مقامه ثم ذكر أنه لم يغتسل فقال: "مكانكم" فانصرف إلى منزله فاغتسل ثم خرج حتى قام مقامه ورأسه يقطر ماء ورواه أبو هريرة رضي الله عنه فهذا الاختلاف إنما هو من حكايات الصحابة ونحن نجيب عنهم بما يرفعه ويعود إلى الوفاق فنقول معنى دخل في الصلاة على معنى قرب دخوله فيها كما قال تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} الآية إذا لا مساك بعد انقضاء العدة لا يكون ومثله تسمية ابن إبراهيم ذبيحا لقربه من الذبح والله أعلم.

في إمامة أبي بكر رضي الله عنه

في إمامة أبي بكر رضي الله عنه ... في إمامة أبي بكر روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال يؤذنه الصلاة فقال: "ائتوا أبا بكر فليصل بالناس" قالت: فقلت: يا رسول الله لو أمرت عمر أن يصلي بهم فإن أبا بكر رجل أسيف ومتى يقوم مقامك لا يسمع الناس, قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فأمروا أبا بكر فصلى بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومى إليه أن "صل كما أنت" فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم والناس يقتدون بأبي بكر وعنهما رضي الله عنهما من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قالت ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فومى إليه أن لا تتأخر وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه" فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد قال عبيد الله" فدخلت على ابن عباس فعرضت حديثها عليه فما أنكرت من ذلك شيئا في الحديث الأول عود أبي بكر مأموما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إماما والناس كلهم مقتدون بصلاته صلى الله عليه وسلم وفي الحديث الثاني استمراره على إمامته التي كان قبل حضور النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد والحديثان عن عائشة والثاني عن ابن عباس أيضا وإذا تعارضا فما روى عن عائشة رضي الله عنها ارتفع وثبت ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد روى عنها قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه خلف أبي بكر قاعدا

وروى عنها أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالصف ففي هذين الحديثين أنه صلى الله عليه وسلم كان مصليا بصلاة أبي بكر مأموما فيها ثم نظرنا في قول ابن عباس وعائشة فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فوجدنا محتملا أن المراد كان يصلي بقدر طاقته صلى الله عليه وسلم عليها للمرض الذي كان فيه إذ طاقة المريض ليس كطاقة الصحيح وقد كانت السنة التي أمر الأئمة بها أن يصلوا بصلاة أضعفهم قال عثمان بن أبي العاص: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤم الناس وأن أقدرهم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والضعيف واذا الحاجة وكان هذا أولى مما حمل لأن الناس في تلك الصلاة لم يكن لهم إمامان ولما كان أبو بكر رضي الله عنه هو الإمام فيها بالناس وجب أن يكون هو الإمام فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم أيضا وحقق ذلك ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة خلف أبي بكر واستدلال بعض على أن الإمام كان النبي صلى الله عليه وسلم بما روى عنها وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا وأبو بكر يصلي بالناس والناس خلفه غير متضح إذ من أهل العلم من يجوز للمأموم أن يصلي بين يدي الإمام كما يصلي خلفه منهم مالك مع ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالف بين طرفيه فكانت آخر صلاة صلاها وكيف يجوز أن يكون احد إماما لغيره في صلاة قد دخل فيها ذلك الغير قبله ثم يلزم من كون أبي بكر إماما وجوب سجدة السهو عليه ووجوب القراءة عليه ومن كونه مأموما يلزم عدم وجوب السجود بسهوه وعدم وجوب القراءة فكيف يخرج من صلاة هذا حكمها إلى صلاة أخرى حكمه ضده بلا تكبير يستانفه لها وكيف يظن ذلك بأبي بكر وقد كان من السنة أن لا يسبقوا الأئمة بالركوع والسجود في الصلاة التي يصلونها

معهم وأن يكونوا مقتدين بهم لا مخالفين لهم فيه فإن قيل أليس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر بالناس في صلاة ثم تذكر أن عليه غسل فأومى إليهم أن يكونوا مكانهم حتى مضى واغتسل ثم رجع فصلى بهم ففيه دخول القوم في الصلاة قبل دخول إمامهم فيها. قلنا: قد ذكرنا أنه ما دخل فيها حقيقة بل قام مقام المصلي فلا يصح الاستدلال بذلك وما روى أن معاذا لما صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجع على عادته يؤم قومه فقرأ سورة البقرة فتنحى رجل من خلفه فقيل له أنافقت فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما كان من معاذ ومنه فقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "أفتان أنت؟ " مرتين لا دليل فيه على جواز خروج المأموم من صلاة نفسه بغير استئناف تكبير إذ يحتمل أنه صلى بتكبير استأنفه لها وكذا لا دليل فيما يحتج به من حديث يزيد بن رومان في صلاة الخوف بذات الرقاع أنه صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعة إذ كانت الطائفة الأولى قد خرجت من الائتمام إلى صلاة أنفسهم فأتموها قبله لأنه روى عن جابر قال أقيمت الصلاة هناك فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين وتأخروا وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائفة الأخرى ركعتين فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان وهذا خلاف ما في حديث يزيد بن رومان وإذا تكافأت الروايتان ارتفعتا ولم يكن في واحدة منهما حجة على من خالفه.

في إمامة الجالس

في إمامة الجالس لا يحتج على متابعة الإمام في الجلوس وإن كان للمأموم قدرة على القيام بما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاك فصلى جالسا فصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون" وفي رواية جابر قال بعد الانصراف: "كدتم

أن تفعلوا فعل فارس والروم بعظمائهم ائتموا بأئمتكم فإن صلوا قياما فصلوا قياما وإن صلوا جلوسا فصلوا جلوسا" وخرجه من رواية أنس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بزيادة ألفاظ في بعضها على بعض مع اتفاقها على أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع الإمام في الجلوس لأنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان حاله في مرضه الذي توفى فيه خلاف ما في هذه الآثار فكان ناسخا لها وروى أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة فقال: "ادعوا لي عليا" إلى أن قال: "ليصل بالناس أبو بكر" فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين فلما أحسه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه أن مكانك فاستتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة وأبو بكر قائم ورسول الله جالس فائتم أبو بكر برسول الله وائتم الناس بأبي بكر فما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حتى ثقل فخرج يهادي بين رجلين وإن رجلاه1 لتخاطان بالأرض فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص ففيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس جالسا وأبو بكر قائما والناس كذلك فدل ذلك على نسخ ما كان منه في تلك الآثار. فإن قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر صلاته كان مأموما لا إماما قالت عائشة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه خلف أبي بكر قاعدا وروى عن أنس مثله قلنا الأصل أن تحمل الآثار على الاتفاق ولا تحمل على التنافي مهما أمكن وكان أبو بكر يصلي بالناس أيام تخلفه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها لمرضه فما في حديث عبيد الله عن عائشة وابن عباس دل على أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام وما كان في حديث أنس وعائشة ففي صلاة أخرى صلاها خلف أبي بكر مأموما فعقلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان صلى بالناس جالسا ومن خلفه قيام وحقق ذلك ما في

_ 1 كذا.

حديث الأرقم من أخذه صلى الله عليه وسلم في القراءة من حيث انتهى أبو بكر ولا يكون ذلك إلا وهو الإمام ودل بما انتهى إليه أبو بكر في القراءة أنها صلاة يجهر فيها بالقراءة لأن المأموم لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه بالقراءة إلا ما قالت طائفة أنه يقرأ بالفاتحة خاصة وفي حديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن جلوسه كان عن يسار أبي بكر وذلك مقام الإمام لأن أبا بكر عاد بذلك عن يمينه وجلوسه عن يسار أبي بكر دليل على أنه أراد الإمامة لا الائتمام فيها بغيره إذ لو أراد الائتمام بأبي بكر لجلس خلفه كما فعل في يوم بني عمرو بن عوف لما ذهب ليصلح بينهم فجاء وأبو بكر يصلي بالناس وساق الحديث من طرق وكذلك فعل إذ ذهب لحاجته فجاء وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم وقد صلى بهم ركعة فصلى خلفه ركعة وقضى الركعة التي فاتته ومذهب الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر والشافعي تجويز إمامة القاعد الراكع والساجد القوام الذين يركعون اتباعا عالما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقة للقياس الصحيح لأن القعود لما كان بدلا من القيام كان فاعل البدل كفاعل والذي يروى من المبدل منه فجاز أن يكون القاعد إماما للقائم ومذهب مالك ومحمد عدم الجواز والذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا به وليس لأحد من أمته سواه قلنا الأصل عدم التخصيص عند عدم التوقيف.

فيمن هو أحق بالإمامة

فيمن هو أحق بالإمامة عن أبي مسعود الأنصاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" وروى مرفوعا: "يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا فإن كانوا في ذلك سواء فأقرؤهم وروى يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء

فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا". وروى "ليؤمكم أقرؤكم فإن كانت القراءة واحدة فأقدمكم هجرة فإن كانت الهجرة واحدة فأعلمكم بالسنة فإن كانت السنة واحدة فأقدمكم سنا ولا يؤم الرجل في بيته ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" والحديث الأول أولى لأن النظر يعضده لأن الإمامة مدارها على أربع مراتب وهي الأقرأ والأعلى والأقدم والأكبر لكن القراءة والسنة مضمنة بالصلاة لا بد لها منهما والهجرة والسن ليس كذلك وإنما يستعملان فيها أدبا لا فرضا بدليل جواز صلاة من أم مهاجريا ومن فوقه في السن وإن كان الأولى أن يؤتم بهما ولا يؤمهما ثم الهجرة على المرتبتين الثانيتين فكذا القراءة أعلى المرتبتين الأولين. قال القاضي: قدم السن إنما يعتبر إذا تساويا في الإسلام حتى لا يقدم الأقدم في السن على الأقدم في الإسلام لأن لقدم الإسلام زيادة فضيلة ليست لقدم السن مع عدم الإسلام وقد يقدم الأسن مطلقا في التكلم وما أشبهه من أمور الدنيا ويتوخى في تقديم من يكون أدعى إلى بلوغ الغرض المقصود من ذلك إذا الأسن قد يكون السن والحن بمعانيه انتهى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤم أمير في إمارته" فقد دخل تحت إطلاقه صلاة الجنازة أيضا كمذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لا يصلى على الجنازة إلا الأمير إذا حضر لما روى أن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال لسعيد بن العاص يوم مات الحسن بن علي رضي الله عنهما تقدم فلولا أنها سنة ما تقدمت وهو القياس لأنها من الفروض العامة التي تسقط عنهم بقيام الخاصة لأن على المسلمين الصلاة على جنائزهم كما عليهم غسلهم ومواراتهم فمن قام بذلك منهم سقط عن بقيتهم فوجب أن يكون الأمير أحق به إذا حضرها كالإمامة في المكتوبات في المساجد إذا حضرها لأن إقامة الجماعة في المساجد واجبة على المسلمين ومن قام بذلك منهم سقط عن بقيتهم وخالفهم الشافعي في صلاة الجنازة لأنها عنده من الفروض الخاصة.

في إمامة الصبي

في إمامة الصبي عن عمرو بن سلمة قال كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا جاؤا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون قال رسول الله وقال رسول الله وكنت غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا فوفد أبي في ناس من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم الإسلام وقال: "ليؤمكم أقرؤكم" فلم يكن في القوم أحد أقرأ مني فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان وعلي بردة لي فكنت إذا سجدت انكشفت فمرت بنا ذات يوم امرأة وأنا أصلي بهم فقالت: واروا عنا عورة قارئكم هذا, فاشتروا لي قميصا يمانيا فلم أفرح بشيء بعد الإسلام ما فرحت بذلك القميص, وله طرق كثيرة ذهب قوم منهم الشافعي إلى إجازة إمامة الصبيان الرجال إذا عقل الصلوات الخمس بهذا الحديث وخالفهم جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه فلم يجيزوا صلاة من عليه تلك الصلاة خلف من ليست عليه لأن تقديم عمرو لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان بتقديم قومه لقلة علمهم دل عليه ائتمامهم به مكشوف العورة ولا يقال كان في عهده صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقف عليه فلم يكن حجة ألا ترى أن رفاعة الأنصاري وهو من جلة الصحابة ومن نقباء الأنصار وممن شهد بدرا لما ذكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنهم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه يعني الاكسال ثم لا يغتسلون على ما كانوا يرون أن لا ماء إلا من الماء فقال عمر أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا فقال لئن أخبرت بأحد يفعله ثم لا يغتسل لأنهكنه عقوبة بعد أن اختلف عليه في ذلك الصحابة فأصفق أكثرهم على أن الماء لا يكون إلا من الماء فأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسئلهن عن ذلك فقالت عائشة: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فإذا لم يكن رفاعة بن رافع فعلمهم إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة إذ لم يعرف أنه صلى الله عليه وسلم وقف عليه فحمده منهم فأحرى أن لا يكون تقديم عمرو وهو صغير حجة.

في قصر الصلاة

في قصر الصلاة روى عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتمرت من المدينة إلى مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتمت وأفطرت وصمت قال: "أحسنت يا عائشة" وما عاب علي قد احتج بهذا من أباح الاتمام وهو حديث يبعد في القلوب مع أنه روى على خلاف هذا قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصمت وقصر وأتممت فلما قدمنا مكة قلت: يا رسول الله أفطرت وصمت وقصرت وأتممت. والمعروف عنها عمن هو فوق عبد الرحمن في الجلالة وهما عروة بن الزبير ومسروق أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيدت في الحضر قال الزهري فقلت لعروة فما بال عائشة كانت تتم في السفر قال إنها تأولت ما تأول عثمان رضي الله عنه. فعلى ما روينا عنها فرض السفر ركعتان كما فرضها في الحضر أربعا فكما كان من صلى ثمانيا في الحضر غير محسن لأنه خلط الفرض بالنفل كذلك من صلى بالسفر أربعا ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية من صلى مكتوبة أن يصلي بعدها حتى يتقدم أو يتكلم وإن كان سلم كان نهيه لمن فعل ذلك وهو لم يسلم أوكد وكان فاعله في خلاف ما أمره به أكثر ولا يظن بعائشة رضي الله عنها المخالفة وموضعها من الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يجب أن يكون عليه مثلها كيف وقد وافقها ابن عباس رضي الله عنه قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين فكما يتطوع في الحضر قبلها وبعدها فكذلك يصلي في السفر قبلها وبعدها فانتفى بما ذكرنا حديث عبد الرحمن عنها وثبت عنها حديثا مسروق وعروة. ولا يقال أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة" يدل على أنها كانت في السفر أربعا لأنه لا يضع إلا ما قد كان ثابتا.

لأن وضعه تعالى إنما هو تركه فرض ما وضعه عمن وضعه عنه وإن لم يكن مفروضا عليه نظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة" الحديث ولم يكن ما رفع عنهم كان مكتوبا قبل ذلك عليهم وإنما معناه لم يكتب عليهم فكذا وضع الشطر عن المسافر عدم الكتابة عليه لا أنه كان مكتوبا قبل وضعه.

في اتمام عثمان

في اتمام عثمان روى أن عثمان رضي الله عنه صلى بأهل منى أربع ركعات فلما سلم أقبل إليهم فقال: إني تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تأهل في بلدة فهو من أهلها فليصل أربعا" فلذلك صليت أربعا. وإنما قال ذلك لما أنكر الناس عليه الاتمام وفيه ما يدل على ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه والشافعي رضي الله عنهم أن الإمام إذا كان من أهل مكة وكذا غيره من الحاج لا يقصرون الصلاة بمنى لأنهم في سفر لا يقصر في مثله وإليه ذهب عطاء ومجاهد وهما إماما الناس في الحج والنظر أيضا يوجب ذلك لأن قصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما الصلاة بمنى في حجهم لا يخلو من ثلاثة معان لا رابع لها إما أن يكون للموطن الذي كانوا به وذلك منتف لاجماعهم أن من لم يكن حاجا ولا مسافرا يتم في ذلك الموطن وأما أن يكون للحجيج وهو منتف أيضا لاجماعهم أن الحاج من أهل منى يتمون الصلاة بمنى فلم يبق إلا أن يكون للسفر الذي يقصر في مثله وكان مالك رحمه الله يقول في الحاج من أهل منى أنهم يتمون بمنى ومن أهل مكة وأهل عرفة يقصرون بمنى وأهل منى يقصرون بعرفة وإذا انتفى أن يكون قصر الصلاة إلا للسفر انتفى قول من قال أن غير المسافر يقصر بمنى حاجا كان أو غير حاج نقل عن مالك وابن القاسم في أحد قوليهما أن الحاج يقصر بمنى وإن لم يكن مسافرا لأنه منزل سفر وغير الحاج لا يقصر إذا لم يكن مسافرا اجماعا.

في سبب إتمام عائشة

في سبب إتمام عائشة روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لنسائه: "هذه الحجة ثم عليكن بظهور الحصر" وكن يحججبن غير زينب وسودة تقولان لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي واقد الليثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع: "هذه حجة الإسلام ثم ظهور الحصر" فزعم زاعم أن عائشة كان سبب تركها للقصر في أسفارها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما كان من قوله لهن: "عليكن بظهور الحصر" وهو تأويل فاسد لأن عائشة رضي الله عنها كانت أعلم بالله وأحكامه من أن تخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وتترك القصر من أجل ذلك بل إنما تركته لأنها كانت لا تراه واجبا على أحد أو كانت تتأول كما تأول عثمان آنفا وكان تأويلها أنها أم المؤمنين فحيث ما حلت فهو دارها لأنها ما كانت تنزل إلا عند أولادها فكانت تعد نفسها مقيمة كما عد عثمان نفسه مقيما بمكة لما تأهل بها ثم الوجه في خروج بعضهن إلى الحج بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم لهن ما في هذين الحديثين وترك الخلفاء الانكار عليهن والله أعلم أنه قد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "جهادكن أو حسبكن الحج" وإنها قالت: يا رسول الله ألا نخرج نجاهد معكم فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل منه؟ قال: "لا إن لكن أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور". يعلم منه دوام الحج لهن كدوام الجهاد فاحتمل أن يكون ذلك بعد الحديثين الأولين فوقفت على ذلك هي ومن سواها فأطلق لها ولمن وقفت على ذلك الحج ولم تقف على ذلك سودة ولا زينب فلزمتا الحصر وكلهن رضوان الله عليهن على ما كن عليه محمودات وكذلك الخلفاء وسائر الصحابة رضي الله عنهم في تركهم الخلاف عليهن محمودون لعلمهم ما علموا

من ذلك ولا يجوز أن يحمل الأحاديث على ما قلنا لأن في ذلك السلامة وحسن الظن بخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه صلى الله عليه وعليهم ونعوذ بالله من إساءة الظن فيهم. قال القاضي: تحقيق القول فيه أن اختلافهن فيما سبيله الاجتهاد وهن من أهله وكانت كل واحدة منهن متعبدة بما أداها الاجتهاد إليه ولم يكن للخلفاء عليهن في ذلك حكم لأنه لا يلزمهن الرجوع إلى اجتهاد أحد من خليفة ولا غيره. قلت هن من أهل الاجتهاد ولكن المحل ليس بمحله لظهور النص فيه وهو قوله: "عليكن بظهور الحصر" ولا اعتبار للاجتهاد مع وجود النص بخلافه فالقول ما قالت حذام بأن سكوتهم عن الانكار على من حجت بعد ذلك لعلمهم بالنسخ كعلمهن به بالتوقيف كما ذكرنا آنفا.

في سجدة التلاوة

في سجدة التلاوة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "ص" وهو على المنبر فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تهيأ وا أو كلمة نحوها للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تهيأتم" أو "تشزنتم" أو كلمة نحوها "للسجود" فنزل وسجد. فيه أنها ليست من عزائم السجود وإنما هي لمعنى كان ذلك إلى النبي داود صلى الله عليه وسلم دونهم فعقلنا بذلك أنه إذا كان من الله تعالى إلى أحدهم ما هو من جنس ذلك كان مباحا له السجود عنده وفيه ما قد دل على إباحة سجدة الشكر كما يقوله محمد بن الحسن والشافعي رحمهما الله. وفيه أن السجود منه عزيمة لا بد منه وما ليس كذلك يؤيده ما روى عن علي رضي الله عنه قال: عزائم السجود "الم", "تنزيل", و"حم", و"النجم", و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} إذ لا يكون ذلك استنباطا منه فالعزيمة واجبة وما لم يكن عزيمة فتاليه وسامعه

مخير وعند أبي حنيفة وأصحابه سجود التلاوة أربع عشرة سجدة واجب منها ص وقد كان مالك يقول إنها إحدى عشرة سجدة فيها ص وإنها عزائم وكان أبو حنيفة ومالك وأصحابه لا يعدون في الحج إلا السجدة الأولى والشافعي يعدها ويخرج ص ويقول أنها أربع عشرة أيضا وما دل عليه الحديث وأيده قول علي رضي الله عنه أولى مما قالوه جميعا وما روى عن مجاهد أنه سئل ابن عباس عن سجدة ص فقال أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وكان داود عليه السلام ممن أمر نبيكم أن يقتدي به فوجهه أن يقتدي به في أن يسجد كما سجد داود عليه السلام شكرا وما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه سجد فيها يحتمل أن يكون قصد بذلك الشكر لله فيما كان منه إلى نبيه داود صلى الله عليه وسلم من توبته عليه فيكون مذهبة أن لا سجود فيها إلا لمن قصد هذا المعنى بخلاف حكم سائر سجود القرآن ويحتمل أن يكون سجدها عن تلاوته إياها كسائر سجود القرآن. وما روى عن سعيد بن جبير أن عمر رضي الله عنه قال له: أتسجد في ص؟ قلت: لا, قال: فاسجدها فيها فإن الله تعالى قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ظاهره أنه أمره بالسجود فيها اقتداء بداود عليه السلام لا أنها سجدة التلاوة خاصة وقد اختلفت الروايات فيها عن ابن عباس رضي الله عنه فعنه أنها من عزائم السجود وعنه أنها ليست منها وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها.

في السجدة في المفصل

في السجدة في المفصل فيما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} سجدتين وعن ابن عباس رضي الله عنه لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من المفصل فيجوز أن يكون ابن عباس لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بعد أن قدم المدينة فكان من رآه فعله أولى وروى عنه أنه قال

صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وأنه قال قدمت المدينة ورسول الله بخيبر ورجل من غفار يؤم الناس فسمعته يقرأ في الصبح في الركعة الأولى بمريم وفي الثانية بويل للمطففين الحديث واثبات الأشياء أولى من نفيها وما روى عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم "النجم" فلم يسجد فيها لا دلالة له فيه على نفي السجود من المفصل وإن كان ذلك أيضا بالمدينة لأنه يجوز أن يكون الترك لكونه على غير طهارة حالئذ أو كان في وقت النهي أو لأنه عنده كان ندبا كما روى عن غير واحد من الصحابة منهم سلمان أنه مر بقوم قد قرأ واسجد فقيل ألا تسجد إنا لم نقعد لها ومنهم عبد الله بن الزبير قرأ السجدة فلم يسجد فسجد الحارث ثم قال: يا أمير المؤمنين ما منعك أن تسجد إذ قرأت فقال إني إذا كنت في صلاة سجدت. وإذا احتمل حديث زيد هذه المعاني كما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه من اثبات سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر سجوده فيه بالمدينة أولى منه ومن حديث ابن عباس ولا حجة للشافعي فيما روى عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه لا سجود في شيء من المفصل استدلالا بأنه صلى الله عليه وسلم قال له: "أمرت أن أقرأ عليك القرآن" قال: قلت: سماني لك ربك؟ قال: نعم, فقرأ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} الآية. وفي رواية فقرأ عليه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} فيكون هو أعرف بحال ما فيه سجود وما لا سجود فيه قال ابن أبي عمران هذا كلام فاسد لأنه يعارض ما روى عن ابن مسعود حضر عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبرئيل في كل عام مرة وفي عام الوفاة مرتين فعلم ما نسخ منه وما تقرر عليه وأبي لم يقرأ عليه إلا سورة واحدة لا سجود فيها أو آية واحدة ويجوز اطلاق القرآن على آية أو سورة قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} وقال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} والمسموع بعض القرآن وكذا المقروء بلا خلاف.

في فضل الجمعة

في فضل الجمعة روى عن سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما يوم الجمعة؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم, قال: "أتدرون ما يوم الجمعة؟ " قلت: الله ورسوله أعلم, قال: قلت في الثانية أو الرابعة هو الذي جمع فيه أبوك وأبوكم قال: "لكني أخبرك بخير يوم الجمعة ما من مسلم يتطهر ثم يمشي إلى المسجد ثم ينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كفارة ما بينه وبين الجمعة التي قبلها ما اجتنبت المقتلة" فيه حض على الانصات بين الخطبة وبين الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة وجماعة وخالفه أكثر أهل العلم منهم أبو يوسف ومحمد فلم يروا بالكلام بين الخطبة وبين الصلاة بأسا لما روى عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما ينزل عن المنبر وقد أقيمت الصلاة فيعرض له الرجل فيحدثه طويلا ثم يتقدم إلى الصلاة. فيحتمل أن يكون الحديث الأول على الأفضلية وكثرة الثواب لا على وجوب السكوت كما في حال الخطبة فإنه فرض والكلام فيها لغو لكن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم تسهيلا على الناس وإن كان غيره أفضل منه كما توضأ مرة وإن كان مرتين مرتين أفضل منه وثلاثا ثلاثا أفضل منها فترك الأفضل إعلام منه صلى الله عليه وسلم لأمته أن ذلك مباح لهم غير حرام عليهم فيرتفع التضاد بين الحديثين. وما روى عن ثعلبة بن أبي مالك أن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام وقال إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر على المنبر فإذا قام عمر على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبته كلتيهما ثم إذا نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر وقضى خطبته تكلموا يحتمل أن يكون على التوسعة التي ذكرنا لا على ما سواها وإن كان غير ذلك أفضل منه وأعظم أجرا.

في الاحتباء يوم الجمعة

في الاحتباء يوم الجمعة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام

يخطب وروى عن جماعة أنهم كانوا يحتبون والإمام يخطب منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومثل هذا النهي يبعد أن يخفى على الجماعة فالتوفيق والله أعلم أن النهي محمول على استئناف الحبوة في حال الخطبة لأن في ذلك اشتغالا عن الخطبة بغيرها والصحابة كانوا يحتبون قبلها فيخطب الإمام وهم على ما كانوا عليه من الاحتباء ففعلهم غير الذي نهى عنه.

في التنفل بعد الجمعة

في التنفل بعد الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا أو من كان مصليا فليصل قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا". وروى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الجمعة صلى بعدها ركعتين ثم أربعا يحتمل أن يكون الأمر بالأربع لمن صلى في المسجد وصلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم أربعا في بيته بعد انصرافه من المسجد لما روى أن ابن عمر رأى رجلا يصلي ركعتين بعد الجمعة فدفعه وقال أتصلي الجمعة أربعا وكان ابن عمر يصليهما في بيته ويقول كذا السنة. وعن السائب بن يزيد قال: صليت الجمعة مع معاوية فلما فرغت قمت لأتطوع فأخذ بثوبي فقال لا تفعل حتى تتقدم أو تتكلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك ففيه إباحة التنفل بعد الجمعة في المسجد بخلاف حديث ابن عمر فالوجه إن الذي حظره ابن عمر هو التطوع بركعتين هما شكل للجمعة في عدتها فنهى عن فعلها في المكان الذي صلى فيه الجمعة كما أمر من يقصد المسجد لصلاة الصبح أن يصلي ركعتي الفجر في بيته ونهى عن أن يصليهما في المسجد والذي أمر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن يصلي أربعا لأنها من غير شكل الجمعة بعد أن يكون منه الكلام أو تقدم فالحاصل جواز التطوع في المسجد بعد الجمعة بما لا يشبه الجمعة في عددها بعد الكلام أو التقدم والمنع أن يصلي بعدها مثلها في العدد وأمر أن يكون ذلك بعد النصراف عن المسجد فيما سواه من المنازل

وما روى أن عليا رضي الله عنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين أو أربعا فمحمول على أنه كان يقدم الأربع لأنها ليست من شكل الجمعة ثم يصلي الركعتين توفيقا بين الأحاديث فإنه صح عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال قدم علينا عبد الله بن مسعود وكان يصلي بعد الجمعة أربعا والواو لا تفيد الترتيب فإن العرب قد تذكر الشيئين فتقدم بالذكر منهما ما كان مؤخرا في الفعل وفي التنزيل يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وكان من سننه صلى الله عليه وسلم فيمن صلى صلاة من الخمس ثم أراد أن يتطوع بعدها في المسجد الذي صلى فيه أن لا يفعل حتى يتقدم أو يتكلم.

في خطبة العيد

في خطبة العيد روى عن عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما صلى قال: "إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يرجع فليرجع". فيه اعلام بالفرق بين خطبة الجمعة والعيد فإن الأولى موعظة قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} فلما كان هو مأمورا بالموعظة كان الجماعة مأمورين بالاستماع إليها والانصات لها ولهذا جعلت الصلاة مضمنة بها لا تجوز إلا بعد تقدمها عليها وخطبة العيد ليست كذلك إنما هي تعليم لوجوب صدقة الفطر ووقت إخراجها وعلى من تجب ولمن تجب وممن تجب وكذا عيد الأضحى تعليم بما يجزي فيها وبوقتها وما أشبه ذلك مما يستغني عنه كثير من الناس إما لعلمهم به أو لعدم الوجوب عليهم فهذا وجه الفرق ألا ترى أن خطب الحج التي هي لتعليم أمر الحج لا اختلاف بين أهل العلم في سعة التخلف عنها وترك الاستماع إليها.

في تكبير الطريق إلى المصلى

في تكبير الطريق إلى المصلى عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن نلبس أحسن ما نجد وأن نضحي بأسمن ما نجد البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار. فيه الأمر بإظهار التكبير في العيد مطلقا وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتى يوم الأضحى ببغلته فركبها فلم يزل يكبر حتى الجبانة وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى فيكبر ويرفع بذلك صوته حتى يجيء المصلى ولا يخرج حتى تطلع الشمس وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه كان يكبر يوم العيد حتى يبلغ المصلى وعن ابن الزبير أنه خرج يوم العيد فلم يرهم يكبرون فقال ما لهم لا يكبرون أما والله لإن فعلوا ذلك لقد رايتنا في عسكر ما يرى طرفاه فيكبر فيكبر الذي يليه حتى يرتج العسكر وإن بينكم وبينهم كما بين الأرض السفلى إلى سماء الدنيا. ففي هذا الحديث عن ابن الزبير في التكبير في الطريق إلى المصلى كما في حديث علي وابن عمر وأبي قتادة رضي الله عنهم فدل ذلك على الحال التي يكون فيها التكبير المأمور بإظهاره في حديث الحسن المذكور وأما قول ابن عباس حين سمع الناس يكبرون ما شأن الناس أيكبر الإمام فقيل لا فقال أمجانين الناس يحتمل أن يكون إنكاره تكبير من قفي المصلى وليس لهم إلا أن يكبر الإمام فهذا من أحسن محامله. وما روى عن النخعي أنه سئل عن التكبير يوم الفطر فقال: إنما يفعله الحواكون فإسناده غير متصل به لأن علي بن حيي رواه عنه ولم يلقه ولا سمع منه وقد روى عن زيد بن أسلم في {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قال التكبير يوم الفطر - وروى عن عطاء أنه سنة فيجب التمسك به وترك خلافه.

في اجتماع عيدين

في اجتماع عيدين عن إياس بن رملة قال سمعت معاوية يسأل زيد بن أرقم هل شهدت

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ , فقال: نعم, قال: فكيف صنع؟ قال: صلى ثم رخص في الجمعة, فقال: "من شاء أن يصلي فليصل" وفي حديث آخر رخص في الجمعة "من شاء أن يجلس فليجلس" استعظم بعض رخصة ترك الجمعة وقد قال تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ولكن المرخصون أهل العوالي الذي منازلهم خارجة عن المدينة ممن ليست لهم جمعة لأنهم في غير مصر وعن علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ويتحقق أنه لم يقله رأيا بل توقيفا فلا استبعاد حينئذ ثم قيل أهل العوالي كان لهم التخلف عن الجمعة وعن الأعياد وكانوا إذا حضروا الأمصار لصلاة العيد كانوا بموضع على أهله حضور صلاة الجمعة فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس عليهم أن يقيموا به حتى يدخل وقت الجمعة فيجب عليهم الجمعة كما تجب على أهل ذلك الموضع وجعل لهم أن يقيموا به اختيارا حتى يصلوا فيه الجمعة أو ينصرفوا عنه إلى أماكنهم التي تجب عليهم الجمعة فيها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم في يوم فقال أيما شئتم أجزأكم فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم بذلك قبل يوم العيد ليفعلوا في يوم العيد وقد روى هذا الحديث بألفاظ أدل على هذا المعنى من الحديث وهو ما روى عن ذكوان قال: اجتمع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عيدان فقال: "إنكم قد أصبتم خيرا وذكروا أنا مجتمعون فمن شاء أن يجمع فليجمع ومن شاء أن يرجع فليرجع" ففيه ما يكشف عن المعنى الذي ذكرنا أولا وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان أمر أهل العوالي بمثل ذلك في يوم اجتمع فيه عيدان في خلافته. روى أن عبيد قال: شهدت العيد مع عثمان في يوم جمعة فصلى ثم انصرف فخطب فقال: إنه قد اجتمع لكم عيدان في يومكم هذا فمن أحب من أهل العاليه أن ينتظر الجمعة فلينتظر ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له وهذا يؤيد ما حملنا عليه.

في صلاة السكران

في صلاة السكران عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أقيمت الصلاة ينادي لا يقربن الصلاة سكران فيه أنهم نهوا وفيهم بقية عقل يعلمون به ما نهوا عنه فالسكران ليس هو الذي لا يعقل الأرض من السماء ولا المرأة من الرجل كما كان أبو حنيفة يقول ذلك ولكنه يخلط من أجل السكر الذي صار من أهله كما قاله أبو يوسف يدل عليه قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} نزلت فيمن خلط في صلاته وقد شرب الخمر قبل تحريمها وكذا ما روى من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ماعز لما اعترف بالزنا بقوله: "هل تنكرون من عقله شيئا؟ " فقالوا: ما نرى به بأسا ولا ننكر من عقله شيئا ولم يخص شيئا مما ينكر فيه من عقله من سكر ومن غيره دال أنه إذا أنكر من عقله شيء خرج بذلك من أحكام من يقبل إقراره إلى من سواهم ممن لا يقبل اقراره كالمجنون وروى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماعز أبه جنون فقال لا فسأله أشربت خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد فيه ريح خمر فقال صلى الله عليه وسلم: "أثيب أنت؟ " فقال: نعم فأمر به فرجم ففيه أن السكر يمنع اقراره بالزنا في وجوب الحد عليه وإن السكر الذي معه التخليط الذي لا يملكه من نفسه داخل في أحكام من معه التخليط بالجنون وروى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ليس للمجنون ولا للسكران طلاق وما روى عن معاوية أنه قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه, وعن على: من طلق أجزنا طلاقه إلا طلاق المعتوه ليس بخلاف لما روى عن عثمان رضي الله عنه: لأن العته قد يكون من الجنون وقد يكون من السكر كما يكون من الجنون ولا وجه لمن فرق بأن السكران أدخل على نفسه السكر بفعله بخلاف

المجنون لأنا رأينا أن أحكام الجنون لا تختلف باختلاف أسبابه فقد يكون سبب جنونه مباشرة فعل أداه إليه كتناول شيء يذهب عقله وقد يكون بسبب لا دخل له فيه ولا فرق في سقوط الفرض عنه وارتفاع العمد في جنايته حتى تكون الدية على عاقلته في الصورتين فكذلك المراعي في ذهاب عقول الأصحاء ذهب عقولهم لا الأسباب التي ذهبت من أجلها فالعلة فالسكر أن ذهاب عقله لا السبب الذي به ذهب عقله فيكون في حكم من لا عقل له بالجنون وغيره ومثله العاجز عن القيام يصلي جالسا سواء كان عجزه بفعله بأن كسرتا ساق نفسه أو بجناية غيره أو بآفة سماوية في أنه لا إعادة عليه وكذلك السكران كالمجنون الذي لم يدخل الجنون على نفسه في طلاقه وأقواله وأفعاله خلافا لأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وقال مالك: لو أعلم أنه لم يكن يعقل ما أجزت طلاقه لكنه يلزمه أن لا يطلق بالشك لأن ما علم يقينا لا يرتفع إلا بيقين مثله وكذلك فرائض الله تعالى في عباداتهم كلها وفيما سواها وهو القول عندنا الذي لا يجوز خلافه ولا يسع ذا فهم أن يتقلد غيره.

في ترك الصلوات

في ترك الصلوات روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ولم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة" فيه أن تارك الصلاة غير مرتد ولا مشرك لأن الله تعالى لا يغفر لمشرك ولا يدخله الجنة {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} وما روى: "بين العبد وبين الكفر أو قال الشرك ترك الصلاة" وأكثر الرواة "بين الكفر" ليس المراد الكفر بالله بل تغطية إيمان تارك الصلاة وستره قال لبيد: في ليلة كفر النجوم غمامها يعني غطى غمامها النجوم ومنه {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} يعني الزراع المغيبون بذرهم في الأرض ومنه "ورأيت أكثر أهلها النساء" قالوا: لم يا رسول الله؟ قال:

"بكفرهن" قالوا: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير ويكفرن الإحسان" ومنه "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" لم يكن ذلك على الكفر بالله ولكنه على ما غطى إيمانه بقبيح فعله وقد اختلف أهل العلم في تارك الصلاة فجعله بعضهم مرتد أو يستتاب فإن تاب وإلا قتل منهم الشافعي وبعضهم جعله من فاسقي المسلمين أهل الكبائر منهم أبو حنيفة وأصحابه والنظر الصحيح يؤيده لأن الصلاة فرض موقت كالصيام مفروض في وقت بعينه ثم تارك الصوم الفرض غير جاحد لفرضه عليه ليس بكافر ولا مرتد كان مثله مثل ترك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يخرج عن الإسلام ولهذا نأمره أن يصلي ولو كان كافرا لأمرناه بالإسلام إذ لا يؤمر كافر بالصلاة حتى يسلم كيف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المفطر عمدا في نهار رمضان بالكفارة وفيها الصيام والصوم لا يصح إلا من المسلم وأيضا لما كان الرجل بالإقرار مسلما قبل أن يأتي الصلاة الصيام كذلك يكون كافر بجحوده ذلك لا بتركه إياه بغير جحود منه له ولا يكون كافرا إلا بترك ما كان به مسلما لا يقال قوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يحافظ على الصلوات الخمس كان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي صاحب العظام" يدل على كفر تاركه كفر القوم الذين ذكره معهم لأن جهنم دار العذاب يجمع الكافرين والمنافقين والعاصين من المسلمين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} .

في الصلاة بغير طهارة

في الصلاة بغير طهارة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسئل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة فجلد جلدة واحدة فامتلأ عليه قبره نارا فلما ارتفع عنه أفاق قال: علام

جلدتموني؟ قال: إنك صليت بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره فيه" ما يدل على أنه لم يكن كافرا بترك الصلاة حتى خرج وقتها لأنه لو كان كافرا لكان دعاؤه داخلا في قوله: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} .

في ترك الجمعة

في ترك الجمعة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه" ففيه أنه بتركه لم يصر كافرا أول مرة ويدل عليه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو على أعواد المنبر: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات" أو "ليختمن الله على قلوبهم" أو "ليكونن من الغافلين" ثم التقييد بثلاث مرات على عادة لطف الله ورحمته في تأنيه به ثلاثا ليرجع إليها ويتوب فلا يطبع على قلبه أو يتمادى في تركها ثلاثا فيطبع على قلبه وإن كان قد استحق العقاب بتركه إياها وكذا المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم آمر برجال لا يشهدون الصلاة أن يشعل عليهم بيوتهم نارا" رواه عبد الله بن مسعود صلاة الجمعة بدليل ما روى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا: "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال بيوتهم يتخلفون عن الجمعة" ولأن الله تعالى بين فرض صلاة الجمعة بقوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ودل أن السعي إلى الصلاة بقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} فأطلق بعد الصلاة ما كان حظره عليهم قبلها من البيع ولأنه لا يسقط الفرض فيه عن أحد بفعل غيره بخلاف غسل الموتى والصلاة عليهم ودفنهم ولذا لحق الوعيد المتخلفين عنها ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عاقبهم على التخلف باحراق بيتهم نكالا لهم ويحتمل أن يكون ذلك في وقت كانت العقوبات على الذنوب في الأموال كما في أول الإسلام ثم نسخت من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في مانعي الزكاة: "فإنا آخذوها وشطر ماله

غرمة من غرمات ربنا" وقوله في حريسة الجبل: "أن فيها غرم مثليها وجلدات نكال والاجماع" على نسخ ذلك واشكاله وردت العقوبات على ترك ما يفعل من الواجبات وفعل المحرمات إلى الأبدان فقط.

في فوت العصر

في فوت العصر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله" معناه كأنما نقص ماله وأهله ومنه {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينقصكم وفيه أيضا ما يدل على أنه لم يكن بذلك كافرا لأن ما نقصه بذهاب إيمانه لو كان كافرا أكثر مما نقصه بذهاب أهله وماله فكان القصر إلى ذكر ذلك لكونه أكثر وعيدا أولى. ثم اعلم أن في مذهب المعتزلة يصير تارك الصلاة كافرا حقيقة لأن الإيمان في الشريعة فعل جميع فرائض الدين وترك جميع المحظورات فإن الإيمان قد نقل من مقتضى اللغة إلى ذلك وأما من سواهم من القائلين بقتله فليس نفس الترك عندهم كفرا حقيقة وإنما عومل به معاملة الكفار في القتل وعدم توريث ورثته المسلمين منه فهو كافر حكما لا حقيقة ومنهم من قال أنه يقتل حدا فيورث ورثته من المسلمين وهو المختار عندهم فيمن ترك عمدا دون عذر ولا علة ولا جحود فإن جحد فهو كافرا جماعا.

في التخلف عن الجماعة

في التخلف عن الجماعة روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن بها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو اومر ماتين حسنتين لشهد العشاء" وخرج من طرق الصلاة المسكوت عنها هي صلاة العشاء الآخرة والله أعلم بدليل ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله

عليه وسلم أنه أخر العشاء حتى كان ثلث الليل أو قربه ثم دار في الناس وقدرهم عشرون فغضب غضبا شديدا ثم قال: "لو أن رجلا ندب الناس إلى عرق اومر ماتين لأجابوا له وهم يتخلفون عن هذه الصلاة لهممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أتخلف على أهل هذه الدور الذين يتخلفون عن هذه الصلاة فأضرمها عليهم بالنيران". فإن قيل: كيف كان هذا الوعيد من الرسول صلى الله عليه وسلم في التخلف عن الجماعة وهي في سائر الصلوات فرض كفاية بقيام البعض يسقط عن الباقين؟ قلنا: كان هذا قبل سقوط الفرض عنهم فكلهم بعد مأمورون بالاجتماع مأخوذون به حتى تقام الصلاة ويؤدى كما ينبغي ومما يحققه ما روى عن ابن أم مكتوم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد فرأى في الناس رقة فقال: "إني لأهم أن أجعل للناس إماما ثم أخرج فلا أقدر على رجل يتخلف في بيته عن الصلاة إلا حرقت عليه" فقلت: يا رسول الله بيني وبين المسجد نخلا وشجر أوليس كل حين أقدر على قائد أفأصلي في بيتي فقال: "تسمع الإقامة؟ " قلت: نعم, قال: "فأتها". وفي رواية: "أليس تسمع النداء فإذا سمعت النداء فامش إليه؟ " فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما أجابه مع ما به من الضرر كالرجل الذي لا يعرف الطريق فلا يسقط عنه بذلك حضور الجماعات فعلم بذلك أنه واجب على المطيقين له وإن ذلك مما يخاطب به جميع أهله قبل سقوط فرضه بقيام البعض وكان الوعيد لما رأى في الناس رقة فلم تكن الجماعة التي حضرت لتلك الصلاة الجماعة المطلوبة لمثلها وروى عن أبي الزبير قال سألت جابرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا شيء لأمرت رجلا يصلي بالناس ثم لحرقت بيوتا على ما فيها" قال جابر إنما قال ذلك من أجل رجل بلغه عنه شيء, فقال: "لئن لم ينته لأحرقن بيته على ما فيه". ولا ينكر مجيء الوعيد عاما لأجل ما بلغه عن رجل واحد لأن دأبه

صلى الله عليه على ما جبل عليه من الخلق العظيم عدم مخاطبة من صدر منه هفوة وبلغته وكان إذا بلغه عن أحد شيء يقول ما بال أقوام يقولون كذا ويفعلون كذا ولا يقول ما بال فلان لئلا يلحقه في ذلك ما يبغضه عند غيره بل يحصل الانزجار عما كان منه بوقوفه ودخوله في العموم روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا رخص فيه فتركه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فقال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني أعلمهم بالله وأشهدهم له خشية" ولا يستبعد إضافة ما كان من الواحد إلى الجماعة لأنه جاء بمثله القرآن وهو قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} وإنما قاله عبد الله بن أبي فإن زيد بن أرقم شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه سمع عبد الله يقول في غزوة بني المصطلق لئن رجعنا إلى قوله الأذل فجاء عبد الله فاعتذر وحلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبت الأنصار زيد فأنزل الله تعالى: {يَقُولُونَ} الآية تصديقا لقول زيد فدعا زيد بن أرقم وهو في منزله فأخذ بيده وقال هذا الذي أوفى الله بإذنه يقول بما سمع فأضاف الله تعالى القول إلى الجماعة وإن كان المتكلم واحدا إذ كانوا لم يردوه عليه وكذا الذي تخلف في بيته قد وقف عليه بعض جيرانه فلم ينكروا عليه ماكان منه فكانوا مثله وإن كانوا لم يتخلفوا بأنفسهم فلذلك عمهم جميعا بالوعيد في الحديث الذي ذكرناه.

في فضيلة الجماعة

في فضيلة الجماعة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا أنه قال: "صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا" والمعنى أن الله تعالى جعل

لصلاة الجماعة من الفضل أولا على صلاة الفذ خمسا وعشرين ثم زاد اله في فضلها جزئين آخرين فضلا منه ورحمة وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرأيتم لو كان بفناء أحدكم نهر يجري فيغتسل منه كل يوم خمس مرار ما كان مبقيا من درنه؟ " قالوا: لا شيء قال: "فإن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن" تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم محو الذنوب بالصلوات بغسل الماء الدرن يدل على استعمال تشبيه الأشياء بغيرها من أمثالها ومن ذلك تضمين المتلفات بأمثالها إن كان لها مثل وبقيمتها إن لم يكن لها مثل واستعمال تشبيهها بأجناسها من الأشياء التي هي منها.

في صون المساجد

في صون المساجد عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والعذرة وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن" ولا يقال: أنه صح أنه اعتكف وضرب له خباء فيه وأخبية لمن اعتكف معه من نسائه وفي ذلك استعماله لغير ما ذكر لأن الاعتكاف سبب لذكر الله على الدوام فيكون داخلا فيما ذكر والمعتكف محتاج إلى ما يكنه من الحر والبرد والأخبية كانت تحجب أمهات المؤمنين عن الناس وتهيئ لهن ما يحتجن إليه مما لا بد منه من طعام وشراب ولم يكن ما فعل بقاطع للناس عن الصلاة في بقية المسجد وما روى من ضرب قبة في المسجد لسعد بن معاذ يحتمل أن يكون أراد بذلك صلى الله عليه وسلم زيادة فضل لسعد بأن لا ينقطع عن الصلاة في مسجده بما أصابه مع قربه من عيادته والوقوف على أحواله وفي ذلك أيضا موافقة الحديث الأول.

فيمن نام حتى أصبح

فيمن نام حتى أصبح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذي ينام من أول الليل إلى آخره قال: "ذلك الذي بال الشيطان في أذنه"

وروى عنه ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فقلت أن فلانا نام الليلة حتى أصبح ولم يصل فقال: "ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" أو أذنيه وسبب بول الشيطان في أذنه هو تضييع فرض العشاء وفعل مكروه النوم قبلها ومخالفة ربه وإطاعة شيطانه وهو كناية عن ما ألقى في أذنه من ثقل النوم والعرب تسمي ذلك ضربا على أنه ومنه قول الله تعالى {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} وأضيف الفعل هنا إلى الشيطان لأنه مما يرضاه كقوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نائم ثلاث عقد" الحديث لا يريد بذلك حقيقة العقد التي يعقدها بنو آدم وإنما هو على الاستعارة لأن العقد التي يعقدها بني آدم تمنع من يعقدونها من التصرف فيما يحاول التصرف فيه فكان مثله ما يفعل الشيطان بالنائم يمنع النائم من قيامه إلى ما ينبغي أن يقوم إليه من ذكر الله والصلاة ومعنى بال أي فعل به أقبح ما يفعل بالنوام.

في الإراحة بالصلاة

في الإراحة بالصلاة عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار فحضرت الصلاة فقال: يا جارية ائتيني بوضوء لعلي أتوضأ فأستريح فكأنه رآنا أنكرنا ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" لا يتوهم أن فيه طلب الاراحة من الصلاة وإنما فيه أن يراح بالصلاة من غيرها إذا الصلاة قرة عينه فأمر أن يراح بها مما ليس بمنزلتها إذ لا شيء عنده صلى الله عليه وسلم مثلها يشتغل به عنها.

في الصلاة الوسطى

في الصلاة الوسطى عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما كل واحدة منهما أمرت كاتب المصحف لها أن يزيد فيه وصلاة العصر عند قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وذكرت أنها سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فيه أنه نسخ من القرآن وأعيد إلى السنة والدليل عليه ما روى عن البراء ابن

عازب رضي الله عنه قال: نزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} وصلاة العصر فقرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم نسخ فأنزل {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وكذلك كل ما روى من القرآن ولا نجده في مصاحفنا فهو مما كان قرأنا ونسخ فأخرج من القرآن وأعيد إلى السنة فصار منها قال القاضي: فيحتمل أنهما أمرتا الكاتب لأنهما لم يتعلما نسخ ذلك أو أمرتا بالكتابة على أنه سنة لا على أنه قرآن والله أعلم.

في حمل المصلى صغيرة

في حمل المصلى صغيرة عن عمرو بن سليم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة ابنة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها وله طرق كثيرة في بعضها سمعت أبا قتادة يقول بين نحن جلوس في المسجد ننتظر الصلاة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه ابنة ابنته أمامة ابنة أبي العاص وأمها زينب فكبر وهي على عاتقه فلما ركع وضعها بالأرض فلما قام أعادها على عاتقه حتى قضى صلاته وهو يفعل ذلك. فيه جواز مثل هذا الحمل والوضع لأمته أيضا ولكن بإجماع الفقهاء لا يجوز فعله وأهل العلم لا يجتمعون على خلاف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت نسخ ذلك لأنهم مأمونون على ما فعلوا كما كانوا مأمونين على ما رووا وقد كانت أشياء فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته لا يصلح للناس فعلها في صلاتهم فمن ذلك مده يده لأخذ العنقود الذي رآه من الجنة وهو يصلي وما كان منه في إبليس وهو يصلي على ما روى أبو الدرداء أنه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعن الله عز وجل" ثلاثا ثم بسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ قالوا: يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك وبسطت يدك. فقال: "إن

عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي" الحديث ولا خلاف بين أهل العلم أنه لا ينبغي للمصلي أن يفعل مثل هذا في صلاته فعقلنا أن هذه الأشياء من الأقوال والأفعال كانت مباحة ثم نسخت يؤيده ما روى عن جابر رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى قوما يصلون وقد رفعوا أيديهم فقال: "ما لي أراكم ترفعون أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في صلاتكم" وأبين من ذلك ما روى عن زيد بن أرقم قال كنا نكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت والقنوت هو الخشوع والإقبال على ما فيه القانت غير متشاغل عنه بغيره من فعل أو قول وذلك جرى عليه عمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي قد أخبر أن الله تعالى لن يجمعهم على ضلالة وفيما ذكرنا من هذا كفاية.

في تشبيك الأصابع

في تشبيك الأصابع عن أبي ثمامة لقيت كعب بن عجرة وأنا أريد الجمعة وقد شبكت بين أصابعي ففرق بينهما وقال: أنا نهينا أن يشبك أحدنا أصابعه في الصلاة قلت إني لست في الصلاة قال ألست قد توضأت وأنت تريد الجمعة قال قلت بلى قال فأنت في صلاة وعن كعب بن عجرة قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتطهر رجل في بيته يريد الصلاة إلا كان في صلاة حتى يقضي صلاته فلا يخالف بين أصابع يديه في الصلاة" وروى عنه ايضا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضأ أحدكم وخرج يريد المسجد فهو في صلاة ما لم يشبك بين أصابعه" وروى عنه قال يا كعب بن عجرة إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى الصلاة فلا تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة وروى عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من شبك بين أصابعه في المسجد فليتوضأ".

ففي هذه الآثار النهي عن تشبيك الأصابع في طريقه إلى الصلاة ففهم بذلك أن مريد الصلاة في حكم من هو فيها إلا ما أباح الله تعالى له من النطق ومن المشي إليها دون أن يتجاوز ذلك إلى السعي يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" والأمر بالسكينة في الاتيان إلى الصلاة هو معنى ما في حديث كعب من النهي عن التشبيك في حال الإرادة لها كالنهي لمن قد دخل فيها.

في انتظار الإمام من يجيء بعد شروعه فيها

في انتظار الإمام من يجيء بعد شروعه فيها روى عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وفيمن تنحنح له وهو يصلي فانتظر المتنحنح أن صلاته فاسدة قال: وأخشى عليه أي بأن يكون قد عمل بعض صلاته لغير الله فيكون بذلك كافرا وقد وجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدفع هذا القول وهو ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه سمع صوت صبي وهو في الصلاة فخفف. فإن قيل لا حجة فيه لأنه من كلام أبي هريرة بناء على ظنه أن التخفيف كان من أجله يؤيده قول أنس سمع النبي صلى الله عليه وسلم بكاء صبي وهو في الصلاة فظننا أنه خفف رحمة لبكاء الصبي إذ علم أن أمه معه في الصلاة قلنا روى عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشى وهو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع الغلام عند قدمه اليمنى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي: فرفعت رأسي بين الناس فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وإذا الغلام راكب ظهره فعدت وسجدت فلما صلى قالوا: يا رسول الله إنك قد سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها أشيء أمرت به أم كان يوحى إليك؟ قال: "كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته مني" فلم يكن

انتظاره ابنه حتى يقضي حاجته منه مفسدة صلاته ولا مخرجا له عنها فدل أن مثل هذا لحاجة دعت أو لضرورة حلت غير مفسد ولا مكروه من المصلي وكيف يفسدها وهو أخف من قتل الحية والعقرب في الصلاة وقد أطلق ذلك للمصلي فمثل ذلك من انتظر غيره ليدخل فيها وليدرك من فضلها ما قد طلبه من إتيانها والحق أن عند أبي حنيفة يكره هذا الفعل ولا يفسد لأن غيره ممن سبقه إليها أولى بأن يفعل معه ما يتبع فيه إمامه ممن قصر من إتيانها وأبطأ فيه وهو مذهب مالك ومعنى قول الشافعي واستعمال ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وجهه على ما لا زيادة فيه من المتنحنح له تضر من خلفه في صلاته التي قد سبق إليها وتحرم بها ونقول لا بأس بفعل ذلك إذا كان لا ضرر فيه على المصلين معه ولا يكون بفعله يسمى متشاغلا بخلاف صلاته ويكون في إصلاحه إصلاح صلاة غيره كما يكون في إصلاحه إياها لنفسه من التقدم من صف إلى صف ليسد الخلل الذي فيه روى عن خيثمة بن عبد الرحمن أنه قال صليت إلى جنب ابن عمر فرأى في الصف خللا فجعل يغمزني أن أتقدم ويمنعني من التقدم الضن بمكاني إذا جلس أن أبعد منه فلما رأى ذلك تقدم هو فإذا كان هذا مباحا للمصلي في أمر نفسه كان مباحا منه لغيره مما يكون في فعله إصلاح لصلاته.

في البداءة بالعشاء قبل العشاء

في البداءة بالعشاء قبل العشاء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء" هذا مخصوص بالصائم دون من سواه روى ابن شهاب عن أنس سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم". دل هذا على أن المقصود من المخاطبين الصوام وقال الشافعي رحمه الله: هذا ترخيص عام في التخلف عن الجماعة لكل ذي حاجة كالحاقن يحتاج إلي

تجديد وضوء وقد أقيمت الصلاة فيرخص في ترك الجماعة وتجديد الوضوء لأن صلاة من يدافع الأخبثين منهي عنها وكذا حضور العشاء لمن له توقان إلى طعام يشغله عن الاقبال إليها ويحمله على العجلة عن الاكمال صائما كان أو غيره قال صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحدكم بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان الغائط والبول. قال القاضي: فالحق أن الأمر بالابتداء بالعشاء ليس على إطلاقه وإنما معناه عند حاجته إلى الطعام صائما كان أو غير صائم لكن طعامهم ما كان على مقدار طعامنا اليوم في الكثرة بل على القصد والقناعة بما فيه البلغة فيبتدئ المحتاج بقدر ما يدفع توقانه ويتفرغ قلبه للاقبال على صلاته وإتمامها.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز في توجيه المحتضر القبلة عن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سيدكم يا بني سلمة؟ " قالوا: سيدنا ناجد بن قيس قال: "بم سودتموه؟ " قال: بأنه أكثرنا مالا وأنا على ذلك لنداريه بالبخل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي داء أدوأ من البخل؟ ليس ذلك سيدكم" قالوا: فمن سيدنا يا رسول الله؟ قال: "سيدكم بشر بن البراء بن معرور" أول من استقبل القبلة حيا وعند حضور وفاته قبل أن يوجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يستقبل بيت المقدس وهو بمكة فأطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حضرته الوفاة فأمر أهله أن يوجهوه قبل المسجد الحرام ورسول الله يومئذ بمكة قال أبو حنيفة وأصحابه: يستقبل المحتضر القبلة على جنبه كما في لحده لأنه سبب من أسباب الموت فيعطى له حكمة ولا حجة لمن قال: يستقبل عند الموت كما يستقبل للصلاة استدلالا بفعل البراء فإنه أول من استقبل القبلة حيا وعند حضور وفاته وتناهى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره إذ ذكر استقباله القبلة للصلاة وعند الموت ذكرا واحدا فكان ذلك دليلا على استواء كيفيتهما لأنه يجوز أن يذكر في الحديث استقباله القبلة في الشيئين المذكورين لاستقباله فيهما القبلة وإن اختلف كيفيتهما في ذلك.

في التكفين

في التكفين عن خباب بن الأرت هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله عز وجل فوجب أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا وكان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة فكنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدأ رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غطوا رأسه واجعلوا على رجليه من الأذخر ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها". وعن ابن عباس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وقال: "ادفنوهم بدمائهم" فيه أن الكفن مقدم على الديون والوصايا والميراث وهو قول أهل العلم جميعا حاشا سعيد بن المسيب فإنه قال في أحد قوليه: أن الكفن من الثلث وهو محجوج بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن الموتى في ثيابهم التي هي جميع أموالهم التي تركوها من غير سؤال عن دينهم ووصيتهم وورثتهم.

في الصلاة على المنافق

في الصلاة على المنافق روى ابن عمر وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على عبد الله بن ابي ابن سلول وفيما روى عن جابر ما دل أنه لم يصل عليه وهو الأشبه بأفعاله لأنه كان لا يصلي على مديون لا وفاء له به ولا على من غل زجرا له فالمنافق بذلك كان أحرى لما أخبر الله تعالى به من كفرهم روى أن عمر بن الخطاب قال لما أتى ليصلى عليه: أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين؟ وهو أصح مما روى عنه أنه قال: أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة عليه؟ لأنه محال أن يصلي على ما نهاه عن الصلاة عليه والله أعلم.

في الصلاة على المرجومة

في الصلاة على المرجومة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الجهينية التي رجمها بإقرارها على نفسها بالزنا ولم يصل على ماعز المرجوم بإقراره أيضا والمعنى فيه أن من سنته الصلاة على المحمودين لا على المذمومين كالغال وقاتل نفسه وما أشبههما والجهنية حمدت لأنها جادت لله بنفسها لإقامة الحد عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت لله بنفسها" جوابا لعمر أو على حين قال له: أتصلي عليها يا رسول الله وقد زنت؟. وأما ماعز فلم يجد لله بنفسه وإنما جاءه وهو يرى أنه لا يفعل به ذلك دل عليه قوله لما وجد مس الحجارة صارخا يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي أخبروني أن رسول الله غير قاتلي فلم ينزع عنه حتى قتل فهروبه دل على رجوعه عن إقراره أو إعراضه عن إقامة الحد عليه وهو مذموم في الحالين وما روى في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هروبه قال له خير أولم يصل عليه فدل أنه كان محمودا عنده معارض بما روى أبو سعيد الخدري فسبقنا إلى الحرة فأتبعناه فقام لنا فرميناه حتى سكت فما استغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سبه ويحتمل أن الحمد له لم يكن إلا بعد أن فات وقت الصلاة لمعنى حدث في أمره من رحمة لحقته من الله وعلم بوحي أوحى إليه أو رؤيا رآها دل عليه ما روى عن بريدة أنهم لبثوا بعد رجم ماعز يومين أو ثلاثة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: "استغفروا لماعز" فقالوا: أغفر الله لماعز؟ فقال: "لقد تاب توبة لو قسمت بين مائة أو بين أمة لوسعتهم" وما روى أنه قال موصولا بانصرافهم من رجمه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحضر رجمه ثم كان هذا القول منه بعد وقوفه على حقيقة ما صار إليه من العفو عنه.

في الصلاة على قاتل نفسه

في الصلاة على قاتل نفسه عن جابر بن سمرة أن رجلا نحر نفسه بمشاقص فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه مسألة اختلف أهل العلم فيها فطائفة ذهبوا إلى جواز الصلاة عليه منهم إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وأصحابه وطائفة منعوها عليه محتجين بهذا الحديث فوجدنا ترك الصلاة عليه إنما كان من النبي صلى الله عليه وسلم لا من الناس جميعا فيحتمل أن ما كان منه من الامتناع من الصلاة لأن صلاته رحمة على من يصلي عليه وقد كان حيل بينه وبين الجنة بما كان من ذلك المقتول وصلى عليه غيره ممن ليست صلاته في هذا المعنى كصلاته صلى الله عليه وسلم كما فعل بالذي غل بخيبر وبالذي مات وعليه الدين إذ كان من شريعته أن لا يصلي على المذمومين من أمته قال القاضي إنما ترك الصلاة عليهم أدبا لهم وزجرا لمن سواهم عن مثل أحوالهم لا يأسا من قبول رحمة الله لهم.

في الصلاة على النجاشي

في الصلاة على النجاشي روى عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه" قال: ونحن نرى أن الجنازة قد أتت فصففنا فصلينا عليه وإنما مات بالحبشة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة فيه أنه حمل إلى المدينة بلطيف قدرة الله تعالى في اليوم الذي مات فيه بناء على ظن الصحابة في أمره فصلوا عليه كما يصلى على من مات بالمدينة عندهم فاندفع به احتجاج من أطلق الصلاة على الميت الغائب وكان هذا من لطيف القدرة كما كان لنبيه صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس إذ كذبته قريش حين أخبرهم أنه أسري به إليه روى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن أمري فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله تعالى إلي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به" لا يقال حديث عمران محال لأن

فيه إتيان الحنازة وصلاته عليه كان حين دخل المدينة والجنازة لا اتيان لها والنجاشي لا دخول له لأن هذا ونحوه قد يذكر به الأموات كما يذكر به الأحياء يقال حضرت الجنازة بمعنى احضرت وقال تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} الآية أضاف الإتيان إلى البأس وقال: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} الآية وإنما كان إتيان الرزق بإتيان من يأتي به إليها فلا استحالة في الحديث ولا حجة فيه لمن يرى الصلاة على الغائب وأبو حنيفة ومالك وأصحابه ممن لا يرونها على الميت الغائب.

في الصلاة على القبر

في الصلاة على القبر روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ثلاث من مات ولم يصل عليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يصلى على قبره إلى ثلاثة أيام ولا يتجاوز إلى ما هو أكثر منها لأن الميت بعدها يخرج من حال من يصلى عليه لكن الحديث يدفع ذلك1 مع أن قولهم توقيف والتوقيف لا يؤخذ إلا بالتوقيف وقد رأينا غير واحد يخرجون من قبورهم بعد مدة طويلة وهم على حال تجوز الصلاة عليهم وقد وجدنا الغرقى يخرجون بعد الأيام التي تجاوز هذا الوقت فيصلى عليهم فكذا غيرهم ما كانت أبدانهم موجودة غير مفقودة بفنائها أما ببلاء أو بغيره يصلى عليهم.

_ 1 فيه نظر لأن النبي صلي الله عليه وسلم علم بالوحي أنه لم يتغاير والذي قاله أبو حنيفة هو الغالب والحكم الغالب – والله أعلم – ح.

في الدعاء على الميت

في الدعاء على الميت روى من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على الميت: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا" سؤال الغفران للأصاغر لأجل ما يعملونه في حال الكبر فيغفر لهم ذنوبهم قبل أن يعملوها ومثله في المعنى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر في

قصة حاطب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وروى عبد الله بن الحارث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة: "اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا اللهم عبدك فلان بن فلان ولا نعلم إلا خيرا وأنت أعلم به منا فاغفر لنا وله" فقلت وأنا أصغر القوم: فإن لم نعلم خيرا؟ قال: "فلا تقل إلا ما تعلم", الحارث هذا هو أبو قتادة الأنصاري وقد كشف معنى هذا الحديث بسؤاله وبما أجابه إذ لا يشك أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول: "ولا نعلم إلا خيرا" فيمن يعلم منه غير الخير قال: ميمون بن مهران إذا صليت على من تتهمه فيكفي أن تقول: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً} الآية وإذا صليت على من تحب فاجتهد في الدعاء أي من تحب لخيره ولا تتهمه في اعتقاده وهذا إنما هو في أهل الأهواء الذين ما خرجوا بهواهم عن الإسلام وإن كانوا مذمومين وأما من كان على شيء من الأهواء مما يخرج به عن الإسلام فلا يصلى عليه.

في ثواب المصلى عليها

في ثواب المصلى عليها روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى الجنازة عند أهلها فمشى معها حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى يدفن فله قيراطان مثل أحد" وروى أيضا: "من جاء جنازة فتبعها من أهلها حتى يصلى عليها فله قيراط وإن مضى معها حتى تدفن فله قيراطان مثل أحد" مع ما روى عنه صلى الله عليه وسلم: "من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان". اختلف في سبب استحقاق القيراط هل هو المشي معها أو الصلاة عليها أو التشييع ولو راكبا ففي الحديث الأول ذكر المشي معها وفي الباقين اغفال من رواتها ومن حفظ شيئا كان حجة على من لم يحفظه ولا شك أن المشيع لها بالركوب معها حتى يصلى عليها ثوابه دون ثواب الماشي معها حتى يصلى عليها

لكن هذا في الراكب اختيارا وأما الراكب لعجزه عن المشي فكالماشي معها فإن قيل فهل جزء القيراط من الشيء الذي هو منه معلوم في شيء من الآثار قيل له ما وجد لذلك ذكر في شيء روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير شيء من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز" قالوا: يا رسول الله أما الدرهم والدينار فقد عرفناه فما القيراط؟ قال: "نصف درهم نصف درهم" قال الطحاوي: فكان ذلك مقدار القيراط من الشيء الذي هو منه وكان ذلك دليلا على أن الصرف الذي كانوا عليه مما هو عدل الدينار اثنى عشر درهما على مذهب من يجعل الدية اثنى عشر وأما من يجعل من الورق عشرة آلاف درهم فذلك على أن عدل الدينار من الدرهم كان عندهم عشرة دراهم وعلى أن القراريط التي جملتها الدينار كانت عندهم عشرون قيراطا القيراط منها نصف درهم والله أعلم فإن قيل فهل وجدتم للشيء الذي القيراط منه ذكر مقدار في شيء من الآثار قيل له ما وجدنا ذلك والله أعلم وقد يجوز أنه أخفى ذلك حتى يعلمه أهله إذا لقوه فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال القاضي أبو الوليد: فإذا علم مقدار القيراط مما هو منه وأنه جزء من عشرين أو من أربعة وعشرين وعلم مقدار القيراط بالنص أنه مثل أحد فقد علم مقدار الشيء الذي القيراط منه فيعلم قدر المثل به الخير في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} إذ مقدار الذرة ومقدار جبل أحد معلوم عيانا ولا نعلم قدر وزنهما من الثواب إلا يوم الجزاء والحساب هذا من تمثيل المعقول بالمحسوس ليفهم معناه لأن الثواب ليس بجسم يعير بالوزن فعقلنا به أن الله تعالى يتفضل على من شهد جنازة من عند أهلها وصلى عليها باضعاف ما يتفضل به على من عمل أدنى يسير1 من خير عدد ما في جبل أحد ومن مثاقيل الذر.

_ 1 هكذا في الصل ولعله شئ – ح.

في عدد من يشفع في الميت

في عدد من يشفع في الميت روى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يموت فيصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة فيشفعون له إلا شفعوا له" ومن رواية أبي هريرة أنه قال: "من صلى عليه مائة من المسلمين غفر له" مع ما روى عنه من حديث ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله عز وجل فيه" ليس هذا باختلاف وتعارض لأنه يحتمل أن الله تعالى قد جاد بالغفران لمن صلى عليه مائة من المسلمين بشفاعتهم له ثم جاد بالغفران بشفاعة أربعين فحديث ابن عباس متأخر عن حديث عائشة وأبي هريرة لأن الله تعالى لا يرجع فيما يجود به.

في الصلاة على الشهيد

في الصلاة على الشهيد عن عقبة بن عامر الجهني قال آخر ما خطب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهداء أحد ثم رقى على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: "إني لكم فرط وأنا عليكم شهيد" فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد مقتلهم بثمان سنين, فاحتمل أن يكون ذلك لأنه لم يكن سنة الشهداء قبل ذلك الصلاة عليهم ثم صار سنة فصلى عليهم لذلك وما روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم كان يوضع بين يديه يوم أحد عشرة فيصلي عليهم وحمزة موضوع ثم يوضع عشرة فيصلي عليهم وعلى حمزة معهم. وما روى عنه أيضا قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بالقتلى فجعل يصلي عليهم فيوضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات ثم يرفعون ويترك حمزة ثم يجاء بتسعة فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم قد خالفه جابر بن عبد الله وأنس فروى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفن

قتلى أحد بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وعن أنس أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم ويجوز أن يكون لم يصل عليهم وقد صلى عليهم غيره بأمره.

في الصلاة على حمزة رضي الله عنه

في الصلاة على حمزة رضي الله عنه ... في الصلاة على حمزة روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد مر بحمزة وقد جدع ومثل به فقال: "لولا أن تجزع صفية لتركته حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع" فكفنه في نمرة إذا خمر رأسه بدت رجلاه وإذا خمر رجليه بدا رأسه فخمر رأسه ولم يصل على أحد من الشهداء غيره وقال: "أنا شهيد عليكم اليوم" ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على أحد من الشهداء يوم أحد غير حمزة ويجوز أن يكون ما فعل من الصلاة على حمزة ومن تركه الصلاة على غيره بما شغله يومئذ مما نزل به في وجهه ومن هشم البيضة على رأسه قال سهل: كسرت البيضة على رأسه وكسرت رباعيته وجرح وجهه فكانت فاطمة تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه فاستمسك الدم وقال صلى الله عليه وسلم: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله" فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} فاحتمل أن يكون ترك الصلاة لما شغله عنهم غير حمزة فإنه اختصه بالصلاة عليه لمكانه منه ولا يقال لم يرو أنس الصلاة على حمزة لأن زيادة الثقة حجة ولا يدفع ما في حديث عقبة من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد ما ذكرنا قبل هذا أن الميت إذا فنى بلاء حتى صار معدوما لا يصلى على قبره لأن شهداء أحد قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لم يفنوا بما أنزل الله عليه فيهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} الآية فصلى عليهم بذلك وقد روى في بقائهم على حالهم بعد مدد جابر بن عبد الله قال: لما أراد معاوية أن يجري العين التي عند قبور الشهداء بالمدينة أمر مناديا فنادى من كان له ميت فليأته قال جابر فذهبت إلى أبي فأخرجناهم رطبا فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانقطرت دما فهكذا نقول من علم بقاء بدنه بعد مدة وإن طالت في قبره جاز أن يصلى على قبره إذ لم يكن صلى عليه قبل دفنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واتباعا له.

في اللحد والشق

في اللحد والشق روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللحد لنا والشق لغيرنا" أو لأهل الكتاب على ما روى عنه يحتمل تخصيص اللحد بنا كون العرب لا تعرف غيره والشق لأهل الكتاب لأنه الذي كانوا يستعملونه وكان أنبياؤهم على ذلك في أيامهم وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم بالاقتداء بهم إلا فيما ورد نسخه ولم يرد ناسخ للشق فبقي اللحد والشق جميعا من سنن المسلمين غير أن اللحد أولاهما لأنه للمختار للمختار صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومما يدل على إباحة الشق ما روى عن أنس لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد ورجل يضرح فقالوا: نستخير ربنا عز وجل ونرسل إليهما فأيهما سبق تركناه فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وما ورد من قوله: "الحدوا ولا تشقوا" ليس النهي للكراهة بل لترك الأفضل والأخذ بما دونه.

في إلحاد المرأة

في إلحاد المرأة روى عن أنس قال: ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة" فلم يدخل زوجها هي أم كلثوم توفيت في سنة تسع من الهجرة والمقارفة قد تكون من المقاولة المذمومة وقد تكون من غيرها من الإصابة واستحال الثاني لأن إصابة الرجل أهله غير مذمومة فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم علم ممن كان يصح له دخول قبرها من ذوي محارمها أنه جرى بينه وبين زوجته في تلك الليلة مقارفة من القول مذمومة فكره أن يتولى إدخال بنته في قبرها وما أراد أن يواجهه

بذلك إذ كان دأبه أن لا يواجه أحد إنما يكره بما كان يقول تعريضا جريا على مقتضى الاخلاق الكريمة التي جبل عليها وشرفه الله سبحانه بها وخصه بأعلى مراتبها كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى وما بال رجال يقول أحدهم قد طلقتك قد راجعتك" وهذا أحسن محامله وأما ما فيه من قول الراوي فلم يدخل زوجها يعني قبرها فإن ذلك حمله قوم على أنه يحتمل أنه كان بينه وبينها قبل وفاتها في تلك الليلة هذه المقارفة وهم الذين يذهبون إلى أن للزوج غسل زوجته بعد وفاتها وإدخالها قبرها ومذهبنا أنه لا يغسلها لانقطاع ما كان بينهما في حياتها بوفاتها. وروى أنس قال شهدنا بنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس على قبرها فرأيت عينيه تدمعان فقال: "هل منكم أحد لم يقارف أهله الليلة؟ " فقال أبو طلحة: أنا, قال: "فانزل في قبرها" وهذا مما يبعد لأن أبا طلحة لم يكن محارمها اللهم إلا أن يكون لم يحضر قبرها حينئذ من ذوي محارمها غير رسول الله صلى الله عليه وسلام فاحتاج إلى معونته فاتسع له ما يتسع للأجنبي من أن ييمم الميتة من وراء ثيابها مكان غسلها عند الضرورة وزوجها كان عثمان بن عفان.

إقبار زينب أم المؤمنين

إقبار زينب أم المؤمنين روى أن عمر بن الخطاب صلى على زينب رضي الله عنها بالمدينة فكبر عليها أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وعليهن وسلم من يأمرن أن يدخل في قبرها قال: وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك فأرسلن إليه انظر من كان يراها في حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر فقال عمر: صدقتن وإنما كان أعجبه ظنا منه أن ذلك جائز له إذ كانت اماله ثم استظهر بما عندهن إذ حكمهن حكمها وأشكل عليه إذ ليست أم نسب ولا أم رضاع ولهذا ألا تجوز رؤيتها ويجوز نكاح بنتها منه فأعلمنه في ذلك بخلاف ما كان الأمر عنده عليه فرجع إليه ورآه الصواب ومن جعل أم حبيبة مكان زينب فقد أخطأ لأن أم حبيبة بقيت بعد عمر دهرا طويلا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه أولكن لحوقا بي أطولكن يدا وكانت زينب امرأة قصيرة فلما توفيت أولهن علمن أنه إنما أراد طول يدها بالصدقة لأنها كانت تصنع بيدها ما تعين به في سبيل الله.

في فتنة القبر

في فتنة القبر روت عائشة وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للقبر لضغطة لو كان أحدا ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ" زاد في حديث ابن عمر ثم قال بأصابعه الثلاث يجمعها كأنه يقلله ثم قال: "لقد ضغط ثم عوفي" ولا يعارضه ما روى ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا برئ من فتنة القبر" لأنه منقطع الإسناد فإن ربيعة لم يلق عبد الله وبينهما رجلان أحدهما مجهول وعن علي رضي الله عنه قال كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فيه اثبات عذاب القبر ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار متواترة باستعاذته منه روى مصعب بن سعد أنه كان يحدث عن أبيه قال كان يأمرنا بهذا الدعاء مرفوعا: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر" وروى عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من خمس: "من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة القبر وعذاب القبر" وخرج في هذا المعنى آثار كثيرة من رواية أبي هريرة وأبي بن كعب وغيرهم وروى عن ابن عباس قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستتر من بوله وأما هذا فكان يمشي بالنميمة" ثم دعا بعسيب رطب فشقه بائنين فغرز على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا خص البول من النجاسات لتهاون الناس به إذ لا يظهر على الثياب منه أثر بخلاف الغائط

والقيح والدم فيتحاماها الناس لقذرهم إياها ومعنى لا يستتر من بوله أي لا يتوقى منه ومنه دعاء الناس سترك الله من النار أي وقاك منها ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "أكثر عذاب القبر بالبول" أي أكثر عذاب القبر من أجل البول بما شاء الله أن يعذب به من أصناف عذابه يؤيده ما روى عن ابن عباس مرفوعا: "أن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول" وقيل: أن الناس يعذبون في قبورهم بالبول كما يعذب به في الدنيا لأنه من غليظ عذاب الدنيا والله أعلم.

في عذاب القبر

في عذاب القبر روت عمرة عن عائشة أن يهودية جاءت تسألها, فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عائذا بالله من ذلك" ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبا خسفت الشمس فرجع ضحى فمر بين ظهراني الحجر فقام يصلي فذكرت صلاة الكسوف وكيف صلاها فقالت: ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول اليهودية كان قبل أن يوحى إليه بذلك وأمرنا بالتعوذ من عذاب القبر بعد الوحي إليه بذلك لا يقال: كيف دفع خبر اليهودية وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم" لأنه يحتمل أن يكون دفع قولها وردها قبل أن يؤمر بالالتفات إلى ما حدثه به أهل الكتاب ثم أمر بعد ذلك بالوقوف عنده وترك التصديق به والتكذيب له فكان له دفع ما حدثوه به كما للرجل أن يدفع ما لم يعلمه وإن كان في الحقيقة حقا فإن المدعي عليه إذا لم يعلم صحة دعوى المدعي كان في سعة من انكاره إياه ومن حلفه له عليه وإن كان يجوز أن يكون عليه حق فذهبت عنه معرفته فكان صلى الله عليه

وسلم لما سئل عن ما لا علم له به كان في سعة من نفيه وإن كان في الحقيقة حقا ثم أمر أن يقابل قولهم بالتوقف وإن كان الدفع واسعاله مع أنا تأملنا حديث عائشة فوجدنا رواته خالفوا عمرة فيه منهم مسروق عن عائشة أنها قالت أتتني عجوز يهودية فقالت يعذب أهل القبور فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "صدقت يعذب أهل القبور عذابا يسمعه البهائم" وروى عنها أنها دخلت عجوزان من عجائز يهود المدينة فقالتا لي: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم فكذبتهما فخرجتا ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن عجوزين دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم؟ فقال: "صدقتا إنهم ليعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها" قالت عائشة: فما رأيته بعد ذلك في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر وروى عن ذكوان عنها, قالت: استطعمت يهودية فقالت: اطعموني أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر, فقلت: يا رسول الله ما تقول هذه اليهودية؟ قال: "وما قالت؟ " فقلت: إنها قالت: أعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة عذاب القبر, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع يديه مدا يستعيذ بالله من فتنة الدجال وعذاب القبر وروى عروة عن عائشة أن يهودية دخلت عليها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أشعرت أنكم تفتنون في القبور فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تفتن يهود" قالت عائشة: فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟ ", ثم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر فوافقت رواية عروة رواية عمرة فالصواب أنه تقدم دفعه صلى الله عليه وسلم ثم اثباته إياه بعد ذلك والذي عند مسروق وذكوان هو الأمر الثاني والذي عند عروة وعمرة الأمر الأول والثاني فكان بذلك أولى إذ حفظا من ذلك ما قصر مسروق وذكوان عن حفظه.

في سماع عذاب القبر

في سماع عذاب القبر روى عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة شهباء فمر على حائط لبني النجار فإذا قبر يعذب صاحبه فحاصت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر" فيه إن البهائم تسمعه وابن آدم لا يسمعه وقد روى عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين غابت الشمس فقال: "هذه أصوات يهود تعذب في قبورها" ففيه أن ابن آدم قد سمعوا أصوات يهود الذين كانوا يعذبون في قبورهم فالوجه فيه أن ذلك كان بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمعهم إياها ويحتمل أن يكون المسموع أصوات اليهود ولم يسمعوا أصوات المسلمين المعذبين في قبورهم فلا تضاد بينهما وعن عبد الرحمن بن حسنة قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه درقة أو شبه الدرقة فجلس فاستتر بها قال: فقلت أنا وصاحبي: انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول كما تبول المرأة وهو جالس, فأتانا فقال: "أوما علمتم ما لقي صاحب بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم شيء من البول قرضه بالمقراض فنهاهم عن ذلك فعذب في قبره" يحتمل أنه كان من شريعة بني إسرائيل قرض الأبدان إذا أصابها بول بالمقراض فنهاهم ذلك الرجل عن ذلك آمرا لهم بترك شريعتهم فعوقب على ذلك في قبره لعظم عصيانه.

في زيارة القبور

في زيارة القبور روى عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور ويحتمل أن يكون أراد الجمع بين الزيارة واتخاذ اسقاط المساجد والسرج فيكون مجرد الزيارة مباحة بل هي الأولى لأنه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيه عبرة" وفي رواية وليزدكم زيارتها خيرا وكذلك روى مرفوعا في لعنة اليهود والنصارى لاتخاذهم ذلك على قبور أنبيائهم قالت عائشة وابن عباس لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصته على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه قال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا والتحذير باللعن الذي في الحديث الأول لمن هذا سبيله لا لما سواه من زائري القبور وهذا القول إنما كان عند وفاته ولا ناسخ له.

في عذاب الميت

في عذاب الميت روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كسر عظم المسلم ميتا مثل كسره حيا" لا يقال فليجب في كسر عظم الميت قصاص أو دية لأن عظم الميت له حرمة مثل حرمة عظم الحي ولكن لا حياة فيه فكان كاسره في انتهاك الحرمة ككاسر عظم الحي وعدم القصاص والارش لانعدام المعنى الذي يوجبه من الحياة كالصحيح يقطع اليد الشلاء لا قصاص عليه ولا دية وإنما فيه الحكومة بقدر ما نقص ولا قيمة لذلك من الميت يشير إليه قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} بطريق الإيماء فلا يجب القصاص إلا بإزالة الحياة.

في ثناء الناس على الميت

في ثناء الناس على الميت روى عن أنس قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنى عليها خير فقال صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت" ومر بجنازة فأثنى عليها شر فقال: "وجبت وجبت وجبت" فقال عمر: فداك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خير فقلت وجبت وجبت وجبت ومر بجنازة فأثى عليها شر فقلت وجبت وجبت وجبت فقال صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض" وعن عمر مثل ذلك فيمن أثنى عليه بخير وفيمن أثنى عليه بشر فقال له أبو الأسود: بما قلت وجبت؟ قال: قلت: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" فقلنا

أو ثلاثة فقال: "أو ثلاثة" فقلنا: أو اثنان, قال: "واثنان" ثم لم نسأله عن الواحد ووجه ذلك أن الشهادة بالخير لمن شهد له ستر من الله سبحانه عليه في الدنيا ومن ستر الله عليه في الدنيا لم يرفع عنه ستره في الآخرة ومن لم يرفع الله عنه ستره في الآخرة أدخله الله الجنة والشهادة بالشر في الدنيا هو رفع الستر عن المشهود عليه وهو في ذلك ضد من اثنى عليه خير في الدنيا فكذلك هو في الأخرى فيستحق النار وهذا من أدق استنباط وأحسنه.

في الاستغفار للمشرك

في الاستغفار للمشرك عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال: أولم يستغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} وفي رواية: فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} لم يبين في الحديث أن أبويه حيين كانا أو ميتين والظاهر أنهما كانا ميتين لجواز الاستغفار للمشرك ما دام حيا لرجاء الإيمان منه يدل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ولا يتبين ذلك إلا بموتهم وعن ابن عباس لم يزل إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات فتبين له أنه عدو لله فتبرأ منه وقيل في سبب نزول قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على عمه أبي طالب فقال له: "قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله" فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما كلمهم أنا على ملة عبد المطلب فقال: "أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية وأنزل في أبي طالب {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية وقيل سبب نزولها استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في الاستغفار لأمه آمنة فلم يأذن له والله

أعلم بالسبب غير أنه يحتمل من هذه الأشياء أن يكون سببا فتنزل الآية جوابا عن جميعها ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيا قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"

في الأطفال

في الأطفال روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" ثم يقول: "اقرؤوا {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآية وعن الأسود بن سريع أنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات فتناول أصحابه الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد ذلك عليه فقال: "ألا ما بال أقوام قتلوا المقاتلة ثم تناولوا الذرية؟ " فقال رجل: أليسوا أبناء المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم أبناء المشركين ألا إنه ليست تولد نسمة إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها". عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال: سألت محمد بن الحسن عن تفسير حديث أبي هريرة فقال: كان ذلك في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض ويؤذن بالجهاد يعني لو كان يولد على الفطرة ثم مات قبل أن يهوداه أبواه أو ينصراه ما ورثاه لأنه مسلم وهما كافران ولما جاز أن يسبى ولكن جرت السنة بخلاف ذلك فعلم أنه مولود على دين أبيه وسئل عبد الله بن المبارك عن تأويله فقال تأويله قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن أطفال المشركين: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يعني أنهم يولدون على ما يصيرون إليه من إسلام وكفر فمن كان في علم الله أنه سيسلم فقد ولد على الفطرة وكان في علم الله أنه يصير كافرا يولد كافرا. قال الطحاوي تفسير محمد يدفعه ما في حديث الأسود من قوله أنه كان في غزوة وهي جهاد لما اختلفوا في معناه جعلنا كله حديثا واحدا وأثبتنا فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "فما يزال عليها حتى يعبر عنه لسانه والفطرة

فطرتان فطرة يراد بها الخلقة التي لا تعبد معها وفطرة معها التعبد المستحق بفعله ثوابا وبتركه عقابا وكان قوله: "كل مولود يولد على الفطرة" يريد به الفطرة الثانية فكان أهلها الذين هم كذلك ما كانوا غير بالغين ممن خلق للعبادة كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وإن كانوا قبل بلوغهم مرفوعا عنهم الثواب والعقاب غير أنهم إذا عبرت عنهم السنتهم بشيء من إيمان وكفر كانوا من أهله كما قال صلى الله عليه وسلم: "فما يزال عليها حتى يعبر عنه لسانه" ولذلك قبل صلى الله عليه وسلم إسلام من لم يبلغ وفي ذلك ما يوجب خروج من كان من المسلمين بالردة في تلك الحال من الإسلام حتى يستحق المنع من ميراث أبويه المسلمين ثم قال: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه" أي بتهويدهما وتنصيرهما فيكون مسببا إن كان أبواه حربيين ومأخوذا بعد بلوغه عاقلا بالجزية إن كانا ذميين.

في إسلام الصغير

في إسلام الصغير روى أن عمر رضي الله عنه انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان وقد قارب الحلم فلم يشعر حتى ضرب صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال لابن صياد: "أتشهد أني رسول الله؟ " فنظر إليه ابن صياد فقال: "أتشهد أني رسول الله؟ " قال: فرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "آمنت بالله وبرسله" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا ترى؟ " قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك الأمر" ثم قال له رسول الله: "إني قد خبأت لك خبيئا" فقال ابن صياد: هو الدخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تعد وقدرك" فقال له عمر: ائذن لي فيه يا رسول الله أضرب عنقه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكنه فلم تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله" في كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن صياد ولم يبلغ الحلم عن شهادته له بالرسالة ما قد دل على أنه لو شهد بها لصار مؤمنا ولولا أن ذلك كذلك لما كشفه رسول الله صلى الله عليه وسلام عن ذلك وفي دليل على أن إسلام مثله من الصبيان يكون إسلاما.

فيمن رضي بإحراق نفسه

فيمن رضي بإحراق نفسه روى عن أبي بكر الصديق أنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر حديثا طويلا من حديث يوم القيامة ثم ذكر شفاعة الشهداء قال: "ثم يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط؟ فيجدون في النار رجلا فيقال له: هل عملت خيرا قط فيقول: لا غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في البحر فوالله لا يقدر على رب العالمين أبدا فيعاقبني إذا عاقبت نفسي في الدنيا عليه, قال الله له: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك, فيقول: انظروا أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله", يحتمل أن يكون الوصية بالاحراق من شريعة ذلك القرن الذي كان الموصي منه خوفا من الله ورجاء رحمته كما يوصي في أمتنا بوضع الخد على تراب اللحد رجاء للعفو والمغفرة وليس قوله: "لا يقدر على رب العالمين" على نفي القدرة إذ لو كان معتقدا لذلك كان كافرا ولما غفر له ولا أدخل الجنة وإنما هو على التضييق كقوله: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} أي ضيق عليه رزقه وقوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إذ لا يظن يونس غير ذلك يعني لا يضيق الله على أبدا فيعاقبني بما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه وذكر الحديث من طرق بألفاظ مختلفة في بعضها: "أن الله لا يقدر علي يعذبني" وفي بعضها: "فإن الله يقدر على لم يغفر لي" والمعنى في ذلك كله سواء وأما ما روى في بعض الآثار مكان "لا يقدر الله علي" "لعلي أضل الله" فإنه حديث لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رجل واحد وهو معاوية ابن حيدة جد بهز بن حكيم وخالفه في ذلك أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو مسعود وأبو سعيد الخدري وسلمان وأبو هريرة رضي الله عنهم وستة أولى بالحفظ من واحد وتأويل قوله: "أضل الله" على تقدير صحته أنه كان مؤمنا بالله خائفا من عقوبته لكنه كان جاهلا بلطيف قدرته فجعلوه بخشية عقوبته مؤمنا وبطمعه أن يضله جاهلا فالغفران لإيمانه لأنه لم يخرج بجهله من إيمانه إلى الكفر بالله ويحتمل أم معاوية فهم من لا يقدر الله على نفي القدرة فجاء به على المعنى والستة نقلوه بلفظه كما سمعوه والله أعلم.

في عجب الذنب

في عجب الذنب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب" هذا حديث صحيح رواه أهل الضبط المؤتمنون على الرواية ولا استحالة فيه كما قاله أهل الجهل والعناد بأنه يرده العيان لأن الميت قد يحرق وقد يكشف بعد مدة لحده فلا يوجد منه شيء لكنه لا ينكر في لطيف قدرة الله تعالى حفظ ذلك المقدار الذي أخبر من لا ينطق عن الهوى ببقائه فلا يأكله التراب ولا تحرقه النار وإن لم ندركه بحواسنا وقد وقى الله خليله من نار نمرود وأخبر عن لقمان قوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} فإن الله تعالى حافظ ذلك المقدار من الفناء حتى يعيده بشرا سويا ويركب فيه خلقا جديدا وبالله التوفيق.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة في محرم السؤال ... كتاب الزكاة فيه ثلاثة عشر حديثا في محرم السؤال روى عن سهل بن الحنظلية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم" قلت: يا رسول الله, وما ظهر غنى؟ قال: "أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم وما يعشيهم" وروى عطاء عن رجل من بني أسد أنه قال صلى الله عليه وسلم لرجل يسأله: "من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا والأوقية أربعون درهما" وفيما روى عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شينا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة" قلت: يا رسول الله وما غناه؟ قال: "خمسون درهما أو حسابها من الذهب" وروى أنه خطب صلى الله

عليه وسلم فقال: "من استغنى أغناه الله ومن استعفف أعفه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق سأل إلحافا". يحتمل أن أول هذه المقادير المحرمة للسؤال هو المذكور في حديث سهل ثم وثم وثم فالمقدار الذي تناهى تحريم المسألة عند وجوده هو المذكور في الخطبة فصار أولى بالاستعمال وإنما استعملت في هذا للأغلظ فالأغلظ الأخف فالأخف لأن النسخ على وجهين نسخ عقوبة به الأخف بالأثقل قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} ونسخ رحمة بنسخ به الغليظ بالخفيف قال تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} الآية ومنه قيام الليل ولما لم يكن من المسلمين ذنب يوجب عليهم العقوبة في التغليظ في المسألة بدأنا باستعمال الأغلظ فالأغلظ. قال القاضي: هذا معنى قوله دون لفظه قلت: نظرت في المطول فوجدت معنى قوله كون هذا من باب نسخ الأغلظ بالأخف لا غير فكان المناسب أن يقول بدأنا باستعمال الأغلظ فالأخف لأن التحريم بمقدار الغداء والعشاء أضيق من التحريم بمقدار الأوقية وهو أضيق من التحريم بمقدار خمسين درهما وهو أضيق من التحريم بخمس أواق فهذا نهاية التخفيف فالترقي من الأغلظ إلى الأخف فالأخف فالأخف وقد صرح الطحاوي بهذا بقوله فإن قال قائل: كيف استعملت في هذا أغلظ المقادير بدء ثم استعملت بعده ما هو أخف منه حتى استعملت كلها كذلك ولم يستعمل الآخر أولا ثم بعد ما هو أغلظ منه حتى يأتي عليها بكلها؟ فكان جوابنا: أن النسخ يكون بمعنيين إلى آخره فهذا صريح في مخالفة القاضي لما قصده الطحاوي فكيف قال هذا معنى لفظه ثم قال القاضي: وفيه نظر لأنه نسخ الخفيف بالثقيل كثير موجود في القرآن وعد الثواب الكثير من غير عقوبة قلت: خفف ثقل ما وجد من هذا النوع في القرآن وعد الثواب الكثير وهو نه قيل في قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} المراد الخيرية أما بالخفة أو بكثرة الثواب فافهمه.

في محرم الأخذ

في محرم الأخذ روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: "انفقه على نفسك" قال: عندي آخر قال: "أنفقه على زوجك" قال: فعندي آخر قال: "أنفقه على ولدك" قال: فعندي آخر قال: "أنفقه على خادمك" قال: عندي آخر, قال: "أنت أبصر" وفي حديث آخر "أنت أعلم" ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وغيره إلى أن من ملك أربعة دنانير فهو غني تحرم عليه الصدقة كما يقوله أهل المدينة فيمن ملك أربعين درهما قالوا لأنه لم يؤمر فيما وراء الأربعة بشيء ورد الأمر إليه فيه ولا حجة لهم في ذلك لأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم إنما أمره في كل دينار من دنانيره الأربعة بما هو أولى به في ذلك ورد الأمر في الخامس إليه لأنه لم يعلم له سببا يأمره بصرفه فيه فرد الأمر فيه إليه إذ هو أعلم بما يحتاج إليه من أمر نفسه لا لثبوت غناه عنده بالأربعة دنانير إذ لو كان كذلك لما أمر في الرابع بشيء ولصرف الأمر فيه إليه كما فعل بالخامس فثبت بذلك ما صححناه في حديث الخطبة من قوله: "ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق سأل إلحافا" يدل عليه أمره صلى الله عليه وسلم معاذا حين بعثه إلى اليمن على الصدقة أن يأخذها من أغنيائهم فيضعها في فقرائهم فالغني من يؤخذ منه والفقير من لا يؤخذ منه يعني جبرا كما لك الأربعين درهما ولا برد ما قلنا حديث أبي هريرة هذا إذ قد يحض على الصدقة الغني والفقير الذي له فضل على قوته لما روى عن أبي مسعود قال لما أمرنا بالصدقة كنا نحامل نتصدق حتى تصدق بعض الفقراء بصاع فاستهزأ به المنافقون وقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا فأنزل الله عز وجل: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية.

في من يحل له أخذها

في من يحل له أخذها روى عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: حدثني رجلان من قومي أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع البصر

وخفضه فرآهما جلدين فقال: "إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغني ولا قوي مكتسب" المعنى في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما لم يعلم حقيقة أمرهما في الغنى والفقر أعلمهما بأنه لا حق فيهما لغني ليعملا بما سمعا وقوله: "ولا القوي مكتسب" المراد به نفي الحق الذي هو في أعلى مراتبه لأن الصدقة قد تجل للفقير القوي كما يقال فلان عالم حقا إذا كان في أعلى مراتبه ولا يقال لمن هو دونه وإن كان عالما ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران عند سؤالهم رجلا أمينا يبعث إليهم: "لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين" يعني أبا عبيدة بن الجراح وإن كان من دونه من أهل الأمانة أيضا.

في إعطائها لمن لا تحل له

في إعطائها لمن لا تحل له روى عن معن بن يزيد قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي وخطب علي وأنكحني وكان أبي أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت بها فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت لأبي ولك يا معن ما أخذت" كان يزيد أخرج دنانير يتصدق بها ووكل الرجل ليصرفها مصارفها فأعطاها الوكيل لابنه إذ لم يعلم نيته في ذلك فجازت لابنه معن لأنه قبضها ممن له ذلك وليزيد ثواب صدقته على غير ابنه بما نواه لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنيات" واحتج به محمد فيمن تصدق بزكاته على رجل ظنه أجنبيا وهو ابنه أو أبوه فإنه يجزيه ولا حجة له فيه لأنها زكاة مال أبيه أو ابنه فلا تحل لقابضها وإذا لم تحل له كانت غير جائزة عن المعطى وكذلك لو أعطى إلى من ظنه فقيرا فكان غنيا لأنها حرام على الغني فلا تكون مجزية عن معطيها وهذا قول أبي يوسف وهو الأولى ومذهب أشهب من أصحاب مالك فيه الجواز بهذا الحديث.

في المعادن

في المعادن روى عن ابن عباس أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير فقال: والله

ما عندي شيء أقضيكه اليوم فقال: والله لا أفارقك حتى تعطيني أو تأتيني بحميل ليحمل عنك فقال: والله ما عندي قضاء وما أجد أحدا يتحمل عني قال: فجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا ألزمني واستنظرته شهرا واحدا فأبى حتى أقضيه أو آتيه بحميل فقلت: والله ما عندي حميل ولا أجد قضاء اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تستنظره إلا شهرا واحدا؟ " قال: لا ,قال: "أنا أتحمل بها عنه", فحمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فذهب الرجل فأتاه بقدر ما وعده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أين أصبت هذه الذهب" فقال: من معدن, قال: "لا حاجة لنا بها ليس فيها خير" فقضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أنكر بعض صحة هذا الحديث قال: وهل عند أحد ذهب إلا من المعادن ويحتج بما روى جابر قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب أصابها في بعض المعادن قال: خذها يا رسول الله والله ما أصبحت أملك غيرها فأعرض عنه ثم أتاه عن شماله فقال مثل ذلك فأعرض عنه ثم أتاه من بين يديه فقال مثل ذلك فقال: "هاتها" مغضبا فأخذها فحذفه بها حذفة لو أصابه بها لشجه أو عقره ثم قال: "يأتي أحدكم بماله كله فيتصدق به ثم يجلس يتكفف الناس إنه لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وبما روى ابن عباس في حديث مكاتبه سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع النخل التي كاتبه عليها أهلها في فقرها وسوى عليها التراب بيده حتى فرغ منها قال: "فلا والذي نفسي بيده ما بقيت منها واحدة" وبقيت دراهم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن فتصدق بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ادعوه لي؟ " فدعيت له فجئت فقال: "اذهب فأدها عنك مما عليك من المال" قلت: وأين يقع هذا مما علي يا رسول الله فقال: "إن الله سيؤديها عنك" والجواب عن ذلك أنه يحتمل أن يكون إنما قال ذلك القول قبل

أن تحل المعادن للناس لأنها عند قوم من أهل العلم منهم أبو حنيفة وأصحابه من الغنائم وفيها الخمس وقد كانت الغنائم محرمة على من قبلنا وعلى أوائل هذه الأمة أيضا حتى أحلها الله عز وجل رحمة وتخفيفا منه عليهم فكان لا خير فيها وعند قوم آخرين من أموال الصدقات وهم أهل الحجاز فاحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الزكاة على العباد في أموالهم فلم يكن ما وجد فيها ما لا لهم فيه خير ثم فرض الله الزكاة فعادت إلى خلاف ما كانت عليه وصارت مما فيه الخير ويحتمل وجها آخر وهو أن الذي كان على الأصل الذي تكفل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير مضروبة فلما جاء ذلك الرجل بما جاءه به مما وجده في المعدن وهو ذهب غير مضروبة وهو دون الحق الذي وجب كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضيها صاحب الحق وهو أدنى من حقه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء فلذلك قال: "لا حاجة لنا فيها لا خير فيها" وأدى دنانير لا نقص فيها وهذا تأويل حسن فانتفى بما تأولنا التضادين بين الآثار وروى عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبية في تربتها من اليمن فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة الأقرع بن حابس وعلقمة بن علاثة وعيينة بن بدر وزيد الخيل قال: فغضبت قريش والأنصار وقالوا: أيعطي صناديد نجد ويدعنا؟ فقال: "إني أتألفهم" قيل في صرف الذهب الموجودة في المعدن إلى المؤلفة دليل على أنه من أموال الزكاة التي يعطى منها للمؤلفة ولا حجة فيه إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم من غير الزكاة أيضا روى عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من غنائم حنين مائة من الإبل عيينة بن بدر والأقرع بن حابس مائة من الإبل فلا يبقى دليلا على ما توهم هذا القائل أن فيه دليلا.

في تحليف المزكى

في تحليف المزكى روى عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ

فَامْتَحِنُوهُنَّ} قال: كانت المرأة إذا أتت النبي صلى الله عليه وسلم لتسلم حلفها بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله فيه حجة لمن ذهب إلى استحلاف العاشر من يمر عليه إذا قال أديت زكاته إلى مستحقيها أو أديتها إلى عاشر آخر قبلك ان أتهم التاجر على ما قاله وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي خلافا لمالك والثوري فإنهما قالا يصدق من غير تحليف لأنها عبادة وهو مؤتمن عليها ولا يسوغ أن يظن بهم المعصية لكن استحلاف الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرات حياطة للإسلام نظير استحلاف من يتولى الصدقات المتهمين بمنعها فيحتاط فيه استيفاء لحقوق أهله عمن وجبت عليهم والله أعلم.

في السن المأخوذ في الصدقة

في السن المأخوذ في الصدقة روى ثمامة عن أنس أن الكتاب الذي كتبه أبو بكر الصديق في الصدقة أنها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي افترضها الله سبحانه على خلقه فمن سئل فوقها فلا يعطه أن لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق بالكسر قال أبو عبيد وأنا أراه بالفتح يعني رب المال وهو الصواب لأن التيس إن كان مجاوز للسن الواجبة على رب المال كان حراما على المصدق أخذه لما فيه من الزيادة وإن كان دونه كان حراما على المصدق أخذه من ربه لأنه أقل من حقه وإن كان مثله في القيمة فهو خلاف النوع الذي أمر بأخذه فحرام بغير طيب نفس ربه فدل ذلك أن المراد بما ذكر فيه رب المال لا المصدق فيكون الخيار إليه في أن يعطى فوق ما عليه أو مثل ما عليه من خلاف نوع ما هو عليه ويكون للمصدق قبول ذلك منه إن رأى ذلك حظا لما يتولاه من الصدقة - والله أعلم.

في ذكر العناق والعقال

في ذكر العناق والعقال روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت

أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" فلما كان زمن الردة حدثت بهذا الحديث أبا بكر فقال: لو منعوني عقالا لقاتلتهم عليه وفيما روى عنه أنه قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبو بكر وارتد من ارتد من العرب قال: فبعث أبو بكر لقتال من ارتد عن الإسلام فقال له عمر: يا أبا بكر ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" فقال: ألا أقاتل أقواما فرقوا بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها قال: فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتال القوم علمت أنه الحق وخرجه من طرق كثيرة في بعضها عقالا وفي بعضها عناقا وعلى أن الاختلاف في هاتين الكلمتين من رواة الحديث لا من أبي بكر والأكثر على عناقا واختلف في معنى العقال فقيل المراد به الحبل الذي يعقل به الفريضة المؤداة حكى ذلك أبو عبيد عن الواقدي وهو فاسد قياسا لأنه لو كان على مؤدى الفريضة من المواشي عقال يحفظ به لكان على المؤدى الدراهم كيس يحفظ فيه وعلى من وجبت عليه في نخلة الصدقة قواصر حتى يجعل فيها وذلك مما لا يقوله أحد وقيل العقال هو صدقة عام واحتج بما روى أن معاوية استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة على صدقات كليب فاعتدى عليهم فقال عمرو الكلبي. سعى عقالا فلم يترك لنا سيدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين لأصبح الحي أوبادا ولم يجدوا ... عند التفرق في الهيجا جمالين وهذا أيضا فاسد لأن أبا بكر إنما قال على أنهم لو منعوه قليلا مما كانوا يؤدونه من الصدقة لقاتلهم عليه كما يقاتلهم لو منعوها كلها الأشبه أن يكون المراد عين الواجب. عن ابن الأعرابي المصدق إذا أخذ من الصدقة عين ما فيها قبل

اخذ عقالا وإذا أخذ به ثمنا قيل أخذا نقد أو أنشد. أتانا أبو الخطاب يضرب طبله ... فرد ولم يأخذ عقالا ولا نقدا ثم الأولى بهذا الحديث العناق وفي ذلك باب من الفقه يجب الوقوف عليه وذلك أن السوائم إذا كانت لا مسنة فيها فطائفة تقول فيها واحد منها وطائفة تقوله فيها مسنة كما لو كانت مسان كلها وطائفة تقول لا شيء فيها والأقوال كلها عن أبي حنيفة رجع من بعضها إلى بعض رواها عنه أبو يوسف واختار القول الأول وهو الأولى لموافقة قول أبي بكر غليها: "لو منفوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها" فدل أنهم كانوا يؤدون العناق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة وذلك لا يكون إر فيما لا مسنة فيها وفي ثبوت ذلك ثبوت ما قاله واختاره وقال زفر بقوله الثاني ومحمد بالأخير.

في لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق

في لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق روى أن أب بكر لما استهلف وجه أنس بن مالك إلى البحرين فكتب له هذه فرضية الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله تعالى بها رسوله فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه. في كتابه ذلك لا يجمع بني مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشبة الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وخرجه من طرق. تنازع أهل العلم في المراد بهذا الحديث تنازعا شديدا. حكى المزني عن الشافعي أن الشريكين اللذين لم يقسما الماشية خليطان وقد يكونان خليطين بتخالط ماشيتهما من غير شركة لكن لا يكونان خليطين حتى يريحا ويسرحا ويحلبا ويسقيا معا ويكون فحولهما مختلطة فإذا كانا

هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال ولا يكونان خليطين حتى يحول الحول عليهما من يوم اختلطا ويكونان مسلمين وإن تفرقا في شيء مما ذكرنا قبل أن يحول الحول فليسا بخليطين ويصدقان صدقة الاثنين ومعنى قوله لا يفرق إلى آخره لا يفرق بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة وإنما عليهم شاة لأنها إذا فرقت كانت فيها ثلاث. ولا يجمع بين مفترق رجل له مائة وشاة ورجل له مائة شاة فإذا زكيتا مفترقين ففيها شاتان وإذا جمعتا ففيها ثلاث شياه فالخشية خشية الساعي أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة قال الشافعي ولم أعلم مخالفا فيما إذا كان ثلاثة خلطاء لو كانت لهم مائة وعشرون شاة أخذت منهم واحدة وصدقوا صدقة الواحد فنقصوا المساكين شاتين من مال الخلطاء الثلاثة الذين لو يفرق مالهم كان فيه ثلاث شياه لم يجز إلا أن يقولوا لو كانت أربعون بين ثلاثة كانت عليهم شاة لأنهم صدقوا الخلطاء صدقة الواحد وهكذا القول في الماشية كلها والزروع والحائط وأبو حنيفة وأصحابه يقولون في قوله لا يفرق بين مجتمع هو أن يكون للرجل مائة وعشرون شاة فيكون فيها شاة واحدة فإن فرقها المصدق فجعلها أربعين أربعين كان فيها ثلاث شياه ولا يجمع بين مفترق هو رجلان يكون بينهما أربعون شاة فإن جمعها كان فيها شاة وإن فرقها عشرين عشرين لم يكن فيها شيء. قلت فلو كانا متفاوضين لم يجمع بين أغنامها قال: نعم لا يجمع بينهما وهو قول سفيان الثوري فالذي ذكر عن أبي حنيفة والثوري دل على أنهما لم يراعيا الاختلاط ولكنهما يراعيان الأملاك فدل هذا على أن ما ذكره الشافعي من أنه لا يعلم مخالفا إذا كان ثلاثة خلطاء إلى آخره قد كان فيه من المخالفين لذلك القول من ذكرناه فاندفع ما احتج به لمذهبه ثم إن الله تعالى ذكر الزكاة مثل ما ذكر الصلاة والصيام والحج فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} و {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} وكل ما افترض من هذه

الأشياء يبين به كل مكلف عمن سواه من غير اختلاط فكذا الزكاة ودل على أن الحكم للملك قوله تعالى: خذ من أموالهم الآية فإن أحد الا يطهر من مال غيره بل من مال نفسه. فإن قيل فما معنى قوله عليه السلام: "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان؟ " قلنا: يكون رجلان لهما مائة وعشرون شاة لأحدهما ثلثاها وللآخر ثلثها فيحضر المصدق فيطالبهما بصدقتهما ولا يكون عليه انتظار قسمتها بينهما فيأخذ منها شاتين فيعلم أنه قد أخذ من حصة صاحب الثمانين شاة وثلث شاة والذي كان عليه شاة واحدة وأخذ من حصة صاحب الأربعين ثلثي شاة والذي كان عليه من الصدقة شاة واحدة فالباقي من حصة صاحب الثمانين ثمان وسبعون شاة وثلثا شاة والباقي من حصة صاحب الأربعين في غنمه تسع وثلاثون شاة وثلث شاة فيرجع صاحب الأربعين بثلث الشاة التي أخذت من غنمه عن الزكاة التي كانت على صاحبه حتى يرجع حصة صاحب الثمانين إلى تسع وسبعين وحصة صاحب الأربعين إلى تسع وثلاثين وهذا أولى من التأويل الذي ذكرناه قبل. أما مالك فمذهبه في ذلك أن تفسير قول عمر: لا يفرق بين مجتمع, أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما في ذلك ثلاث شياه فإذا أظلهما المصدق فرقا غنمهما فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهى عن ذلك قال مالك في الخليطين إذا كان الراعي واحدا والمراح واحدا والدلو واحدا فالرجلان خليطان ولا تجب الصدقة على الخليطين حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة وتفسير ذلك أنه إذا كان لأحد الخليطين أربعون شاة وللآخر أقل من أربعين شاة لم يكن على الذي له أقل من أربعين شاة صدقة وكانت الصدقة على الذي له أربعون وإن كان لكل واحد منهما من الغنم ما تجب فيه الصدقة جميعا فكان لأحدهما ألف شاة أو أكثر أو أقل مما تجب فيه الصدقة وللآخر أربعون شاة أو أكثر فهما خليطان يترادان بينهما بالسوية

على الألف بحصتها وعلى الأربعين بحصتها يعنى من الزكاة التي تجب فيها لو كانت لواحدة وهذا مما إشكال فيه لأنه لا يخلو من أحد وجهين إما أن تكون الخلطة لها معنى ويرجع الخليطان فيها إلى أن يكونا كالرجل الواحد فيكون القول في ذلك ما ذهب إليه الشافعي فيه أو تكون الخلطة لا معنى لها ويكون الخليطان بعدهما كما كانا قبلهما فيكون على كل واحد منهما في غنمه ما يكون عليه فيها لو لم يكن بينه وبين غيره فيها خلطة فيكون الأمر في ذلك كما قاله أبو حنيفة والثوري فيه ثم يرجع إلى ما قد ذكره الشافعي في الخليطين أنهما وإن عرف كل واحد منهما ماله بعينه أن تكون فحولهما واحدة ومسرحهما واحد وسقيهما واحد إنهما يكونان بذلك خليطين فكان هذا مما لا نعقله وكيف يكونان خليطين وكل واحد منهما بائن بماله من مال صاحبه فإن قيل في الخلطة في الفحول وفي المراح وفي الأشياء التي ذكرناها قيل له وهل الزكاة في تلك الأشياء إنما الزكاة في المواشي انفسها وليسا خليطين فيها وقد تقدمك وتقدمنا من أهل العلم من خالف ما ذهبت إليه فيه من ذلك ما روى عن طاووس قال: إذا كان الخليطان يعرفان أموالهما فلا يجمع بينهما في الصدقة فأخبر بذلك عطاء فقال: ما أراه إلا حقا فلم يراعيا في ذلك حلبا ولا فحلا ولا سقيا ولا مراحا ولا دلوا ولا يقال ينبغي إذا لم يعرفا مالهما أن يجمع بينهما في الصدقة لأنه يحتمل أن يجمع بينهما حتى يؤخذا أخذا واحدا ثم يتراجعا بينهما في المأخوذ منهما وبه نقول.

في صدقة الفطر

في صدقة الفطر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" وزاد بعضهم إلا صدقة الفطر في الرقيق وهي زيادة مقبولة تخصص عموم الحديث قال الطحاوي: وعندنا على الرقيق مسلمهم وكافرهم لاطلاق النص وتقدمنا في ذلك أبو هريرة ومن التابعين عطاء وعمر بن عبد العزيز وقوله من المسلمين في حديث ابن عمر "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين"

إنما يعود على من يخرجها عن ملكه زكاة له وتطهيرا وهم المسلمون القادرون عليها إلا العبيد العاجزون عنها قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} وقال بعض: هي واجبة على العبد يؤديها من كسبه متمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام: "من باع عبد أوله مال ويرده" بقية الحديث وهو قوله: "فماله للبائع" وإضافة المال إليه كإضافة التمر إلى النخل في قوله: "من باع نخلا له تمر قد أبره" وإضافة البيت إلى العنكبوت والمراد بقوله: "ليس على المسلم في فرسه صدقة" الخيل التي ليست للتجارة إذ في خيل التجارة تجب الزكاة اجماعا وأما زيادة بعض الرواة إلا أن في الرقيق زكاة الفطر هذا عند أبي حنيفة إذا لم يكن الرقيق للتجارة فإن كانوا للتجارة لم تجب فيهم صدقة الفطر ومالك والحجازيون يوجبون فيهم زكاة الفطر ولا نجد في كتاب ولا سنة اجتماع الزكاة والفطر والاجماع على أن الماشية لا تجتمع فيها زكاة السائمة وزكاة التجارة وإنما تجب فيها احداهما فكذلك عبيد التجارة.

في مقدارها

في مقدارها روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين" والعبد لا فرض عليه في نفسه إذ لا مال له فيرجع قوله: "من المسلمين" إلى الموالي لا إلى العبيد ولا حجة فيه لمن يقول أن المسلم لا تجب عليه صدقة فطر عبده الكافر وقد روى الوجوب عن جماعة من السلف منهم أبو هريرة قال كنا نخرج زكاة الفطر عن كل إنسان نعول من صغير أو كبير أو حر أو عبد وإن كان نصرانيا مدين من قمح أو صاعا من تمر ومنهم عطاء قال إذا كان لك عبيد نصارى لا يرادون للتجارة فزك عنهم يوم الفطر ومنهم عمر بن عبد العزيز قال يعطي الرجل عن مملوكه وإن كان نصرانيا زكاة الفطر ولأنه كما يجب على المسلم الزكاة في عبده الكافر للتجارة لإسلامه ولا يسقط عن لكفرهم وجب أن يؤدى عنهم زكاة الفطر لإسلامه ولا يمنع عن ذلك كفرهم وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.

في الاكتفاء بنصف صاع من الحنطة

في الاكتفاء بنصف صاع من الحنطة عن عبد الله بن عمر قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحر وعبد صاعا من شعير أو صاعا من تمر قال: فعدله الناس بمدين من الحنطة وخرجه من طرق كثيرة في بعضها قال ابن عمر: فجاء الناس بنصف صاع من بر أو قال: فعدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير فجاؤا به فقبل منهم وليس في بعضها ذكر التعديل فجعل من ذكره حجة على من سكت عنه وضعف رواية من زاد عنه أو صاعا من بر قال: ثم عدل الناس نصف صاع من بر بصاع مما سواه بمخالفة أكثر الرواة له وبما فيه من ذكر التعديل إذ لا يصح أن يعدل صنف مفروض ببعضه وإنما يجوز أن يعدل المفروض بما سواه وذكر في حديث أبي سعيد الخدري كنا نخرج زكاة الفطر من رمضان صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط وله طرق كثيرة في بعضها صاعا من طعام وليس ذلك في بعضها فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة قال فاحتمل قوله في بعض الآثار صاعا من طعام إن كان المراد به الحنطة أن يكون ذلك على الأداء بالتطوع منهم دون أن يكون ذلك مفروضا عليهم فلا يكون الحديث على هذا مخالفا لحديث ابن عمر وفي بعض الآثار أن رجلا قال لأبي سعيد لما قال: لا اخراج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من اقط فقال له: أو مدين من قمح فقال: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا آخذ بها ففيه أنه لم ينكر القيمة وإنما انكر المقوم ولمعاوية الصحبة ومعه الفقه وقوله حجة مع أنه روى عن أبي سعيد أنه يجزئ فيها نصف صاع من بر وروى مرفوعا من رواية عقيل بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت: كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

مدين من حنطة أو صاعا من تمر ومن رواية ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر" وقال: "وقمح عن كل إنسان صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى حر أو مملوك غني أو فقير" ومن روى ولم يذكر فيه القمح فقد قصر عما زاده عليه من هو أولى منه ففيه دليل على أن ما كانوا يخرجون صاعا من البر حينئذ كان على التبرع وقد أخبر سعيد بن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله بن عبد الله والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله كلهم من التابعين ان الفرض كان في عهد رسول الله صلى اله عليه وسلم في زكاة الفطر مدين من الحنطة فدل أن نصف الصاع منها أصل من الأصول يستغنى به عن التقويم وقد روى عن الصديق وعمر وعثمان وعبد الله أنهم قبلوا مدين من حنطة في صدقة الفطر وأمروا بذلك وروى كذلك عن عمر بن عبد العزيز ومجاهد وغيرهم.

كتاب الصيام

كتاب الصيام في رؤية الهلال ... كتاب الصيام فيه عشرون حديثا في رؤية الهلال في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" وفي حديثه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له" وقال الشافعي عن مالك: فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وأحسن ما قيل في "فاقدروا له" أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} فأخبر أنه قدره منازل يجري عليها فجعله يجري في كل ليلة حتى يسقط منزلة واحدة وهي ستة أسباع ساعة لأن منازل الليل أربع عشرة منزلة وساعاته اثنتى عشرة ساعة فحذاء كل منزلة ستة أسباع ساعة فيجري كذلك إلى تمام ثمان وعشرين ليلة ثم يستتر فإن كان الشهر ثلاثين استتر ليلتين وإن كان تسعا وعشرين استتر ليلة فكان المأمور به إذا غم علينا ثم طلع في الليلة التي بعدها نظرنا إلى سقوطه في تلك الليلة فإن كان

بمنزلة واحدة علمنا أنه لليلته تلك وإن كان بمنزلتين علمنا أنه لليلتين وعقلنا بذلك أن بينهما يوما وأن علينا قضاءذلك اليوم إن كان من رمضان وهذا الاعتبار مما يخفى على أكثر الناس لذلك رد الأمر إلى ما يتساوون فيه بما روى مما هو ناسخ لذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين" على ما روى عنه ابن عباس وأبو هريرة وجابر وحذيفة وعدي وقيس بن طلق عن أبيه.

في شهادة الواحد به

في شهادة الواحد به عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية قال فقدمت إلى الشام فقضيت حاجتها واستهل على شهر رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس قال: متى رأيت الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة, قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم, ورآه الناس فصاموا وصام معاوية قال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبصرت الهلال الليلة فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله؟ " قال: نعم, قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا" لا تضاد بين الحديثين فحديث عكرمة على قبول شهادة الواحد المسلم على رؤية الهلال وحديث كريب على إخباره ابن عباس في وقت قد فات الصيام بتلك الرؤية ولما فاته ذلك رجع إلى انتظار ما يكون آخر الشهر من الهلال مما يدل على أوله فكان جائزا أن يمضي ثلاثون يوما على ما حكاه له كريب ولا يرى فيظهر بطلان ما حكاه له فيصوم ثلاثين على رؤيته وكان جائز أن يراه بعد مضي تسعة وعشرين يوما فيقضى يوما لاستعماله ما في حديث عكرمة وهذا يوافق ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه من قبول شهادة الواحد على هلال رمضان دون هلال الفطر ويقولون أن صاموا بشهادة واحد فمضت ثلاثون ولم يروا الهلال أنهم يصوموا يوما آخر بخلاف ما لو شهدت بها بينة مقبولة يجوز الحكم بها في غير ذلك فأمرهم الإمام بالصوم فصاموا ثلاثين ثم لم يروا الهلال أنه يأمرهم بالافطار لأن الصوم بشهادة واحد احتياط وباثنين صوم بحجة تامة كأنهم رأوه جميعا.

في السحور

في السحور روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" كان الشرع في أول الإسلام أن الصائم إذا قام من الليل يحرم عليه ما يحرم على الصائم إلى خروجهم من صوم الغد كما كان شريعة أهل الكتاب ثم نسخ الله بما نسخه به من كتابه فجاز لنا أن نأكل في لياليه وذكر عن معاذ بن جبل في حديث طويل أن الصيام كان في أول الإسلام وبعد أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سنة عشر شهرا أو سبعة عشر من كل شهر ثلاثة أيام وصوم عاشوراء إلى أن أنزل الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فكانوا يمتنعون من الأكل والشرب بعد النوم إلى أن نسخه الله تعالى بقوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} .

في بيان وقته

في بيان وقته روى عن العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى السحور في شهر رمضان فقال: "هلموا إلى الغداء المبارك" وعن المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليك بهذا السحور فإنه الغداء المبارك" تسمية السحور غداء وإن كان خلافه لمجاورته إياه من تسمية الشيء باسم ما قرب منه ويحتمل أن يكون ذلك حين كان الصيام من طلوع الشمس إلى غروبها عن حذيفة قال: أكلت وشربت بعد الصبح مع الرسول صلى الله عليه وسلم غير أن الشمس لم تطلع فكان غداء على حقيقته وقال القاضي: الأشبه أنه إنما سمي غداء لأن للصائم مكان الغداء لغيره إذ كان عند العرب في حن الغداء أكلتان في اليوم قال الله تعالى في مخاطبته إياهم بما يعتادون: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} فتحولت أكلة الغداة للصائم إلى قرب السحر فسميت سحورا وسميت غداء لأنها بدل منها عند عدم القدرة عليها بتحريم الأكل والشرب في ذلك الوقت كما سمى التيمم طهارة لأنه بدل منها عند العجز.

في صوم الجنب

في صوم الجنب روى أبو هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم" وأنه كان يفتى به وحكت عائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا ويصوم ذلك اليوم لما علم استواء النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته بغضبه على السائل الذي سأله عن ذلك لما قال له: إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, وقوله: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى" لم يمكنا استعمال الأثرين ووجب أن نحملهما على كون أحدهما منسوخا بالآخر فجعلنا حديث عائشة وأم سلمة ناسخا للأول لأنه أخف مع أن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} يوجب ذلك لأنه إذا كان له أن يطأ حتى يطلع الفجر لم يكن الغسل إلا بعده وهذا بين ومع أنه روى عن أبي هريرة أنه رجع عن فتواه وقال: عائشة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني.

في تناول الصائم البرد

في تناول الصائم البرد روى عن أنس أنه قال: مطرت السماء بردا فقال لنا أبو طلحة: ناولوني من هذا البرد فجعل يأكل وهو صائم في رمضان فقلت: أتأكل البرد وأنت صائم؟ فقال: إنما هو برد نزل من السماء نطهر به بطوننا وإنه ليس بطعام ولا شراب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال: "خذها عن عمك" لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي رواه عن أنس مرفوعا ليس من أهل الثبت وإنما هو موقوف على أبي طلحة فيحتمل أن ذلك قبل نزول قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} إلى قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} ولعل ذلك من فعله لم يقف النبي عليه السلام عليه فلا يكون شيئا يتمسك به كفتوى زيد بعدم الغسل من الجنابة بايلاج وبلوغ خبره إلى عمر وإنكاره عليه فقال سمعت من أعمامي شيئا فقلت به فقال: من أي أعمامك فقال من أبي وأبي أيوب ورفاعة فالتفت إلى رفاعة فقال: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا نغتسل, قال أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: لا, ثم قال عمر: لئن أخبرت بأحد يفعله ثم لا يغتسل لأنهكنه عقوبة.

في قيئ الصائم

في قيئ الصائم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاء فأفطر معناه أنه قاء فضعف فافطر فسكت عن ذلك لعلم السامع به مثل قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه شيء ومن استقاء فليقض" ولا خلاف بين أهل العلم فيمن ذرعه القيء إنه لا قضاء عليه.

في الافطار متعمدا

في الافطار متعمدا عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إني وقعت على أهلي في رمضان قال: "اعتق رقبة" قال: ما أجدها يا رسول الله, قال: "فصم شهرين متتابعين" قال: "ما أستطيع" قال: "فأطعم ستين مسكينا" قال: ما أجده يا رسول الله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر قال: "خذ هذا فتصدق به" قال: على أحوج مني وأهل بيتي؟ قال: "فكله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه" لا يعارض هذا ما روى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه" لأنه مأمور بالقضاء وإن كان لا يدرك ما فاته من فضيلة اليوم الذي أفطر فيه بعينه وإن صام الدهر كما إذا ترك صلاة يجب عليه قضاؤها وإن كان لا يدرك فضيلة الأداء في وقته.

في الصيام عن الميت

في الصيام عن الميت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن الله عز وجل نجاها منه أن تصوم شهرا فماتت قبل أن تصوم فسألت خالتها أو بعض قرابتها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصام عنها وروى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه". وإنما لم نأخذ بهذين الحديثين لأن ابن عباس وعائشة تركا ما رويا من ذلك وقالا بخلافه وهما العدلان فيما قالا فعلمنا أنهما يتركا ما سمعا إلا إلى من هو أولى منه مما قد نسخه كما قال محمد بن سيرين في متعة الحج هم يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حضورها وهم نهوا عنها فما في مذهبهم ما يتهم ولا في رأيهم ما يستقصر والذي رجع إليه ابن عباس هو ما روى عنه لا يصلي أحد عن أحد ويفتدى الكبير إذا لم يطق الصيام وروى عن عائشة أنها سألت عن امرأة ماتت وعليها صوم شهر فقال: أطعموا عنها.

في الفدية

في الفدية روى عن عطاء ومجاهد أنهما سمعا ابن عباس يقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا وفي رواية مجاهد عنه: نصف صاع عن كل يوم وروى سعيد بن جبير عنه في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} قال الذين يتجشمونه ولا يطيقونه يعنى إلا بالجهد الحبلى والمريض والكبير وصاحب العطاش فاختلفت الروايات عنه في يطيقونه ويطوقونه

واتفقت على إعادة البدل من الصيام إلى الإطعام لا إلى الصيام وروى عن سلمة بن الأكوع أنها منسوخة نسخها قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} الآية وقد كان الناس يخيرون بين الصيام والاطعام قال الطحاوي فكأن الله رد البدل من الصوم إلى الفدية بالاطعام لا إلى ما سواه من صيام عمن وجب عليه ثم نسخ ذلك بما في الآية الثانية وبقي ما في الآية الأولى مما يفعله من عجز عن الصيام وهو الفدية بالطعام لا بصيام غيره عنه ويحتمل أن يكون ما في الآثار من الصيام عن الموتى كان قبل نزول الآية المذكورة في الحديث فلما نزلت استعمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاطعام في ذلك الصيام مكانه منهم أنس بن مالك وقيس بن السائب كانا قد كبرا فكانا يفطران ويطعمان

في صيامها بغير إذن زوجها

في صيامها بغير إذن زوجها عن أبي سعيد الخدري أنه قال: جاءت امرأة صفوان بن المعطل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن صفوان يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت, ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وصفوان عنده, فقال صفوان: يا رسول الله أما قولها يضربني إذا صليت, فإنها تقوم بسورتي التي أقرأ بها فتقرأ بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت سورة واحدة لكفت الناس" وأما قولها: يفطرني إذا صمت فإنها تنطلق تصوم وأنا رجل شاب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يومئذ لا تصومن امرأة إلأ بإذن زوجها" وأما قولها: لا يصلي حتى تطلع الشمس فأنا أهل بيت قد عرف لنا ذلك لا نستيقظ حتى تطلع الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا استيقظت فصل" كانت تقرأ في صلاتها السورة التي قرأها زوجها في صلاته فظن أنه لا يحصل لهما إلا ثواب واحد فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحصل لهما بها ثوابان ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم لمنعها نفسها من الزوج فإذا لم يكن به حاجة إليها إما لغيبته أو لاستغنائه عنها بغيرها فلا بأس بالصوم

وإن لم يأذن لها الزوج يؤيده حديث أبي هريرة مرفوعا لا تصوم امرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه وقوله: "إذا استيقظت فصل" لا حجة فيه لمن يقول بجواز الصلاة المكتوبة عند الطلوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نام وأصحابه حتى طلعت الشمس لم يصل الصبح عند ذلك حتى خرج وقتها إلى انتشار الشمس وبياضها فمعنى قوله: "فصل" أي كما يجب أن يصلى في الأوقات التي يصلى فيها ألا ترى أنه لم يطلق له أن يصلي كما يستيقظ من غير وضوء ولا ستر عورة وإنما أطلق له أن يصلي كما ينبغي أن يصلي متلبسا بشرائطها وآدابها محترزا عن مكروهاتها ومنقصاتها وإنما خاطب صلى الله عليه وسلم صفوان بذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم بمعرفته ما ينبغي إذ هو كان صحابيا فقيها وعساه قد كان معه في سفره ليلة التعريس فاكتفى به عن اعادته.

في ستة من شوال

في ستة من شوال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي أيوب الأنصاري أنه قال: "من صام رمضان وأتبعه بستة من شوال فكأنما صام السنة" وعن ثوبان مولى رسول الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الحسنة بعشر" فشهر بعشرة أشهر وستة أيام بعد الفطر تمام السنة ولا يقال فيه تسوية بين صوم رمضان وغيره ولا خلاف في فضله على غيره لأن الله تعالى كما كفى عن صائم رمضان ما يكون منه في بقية عشرة أشهر من سنته على ما روى: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وروى: "من قام رمضان" الحديث وروى: "من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا" الحديث لصيامه الفرض وقيامه المسنون كذلك تفضل بصوم ستة أيام من شوال فيكون الحسنة بعشر أمثالها فيكون ذلك مع ما جاد به لصائم رمضان كفارة للسنة كلها.

في عاشوراء

في عاشوراء روى عن قيس بن سعد أنه قال: كنا نعطي صدقة الفطر قبل أن تنزل

الزكاة ونصوم عاشوراء قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه وكنا نفعله وخرج من طرق وذكر مثله في يوم عاشوراء عن ابن مسعود وعائشة وجابر وروى عن ابن عباس أنه كان يصام بخلاف ذلك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود والنصارى يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون, فقال: "أنتم أولى بموسى منهم فصوموه". ففيه أنهم كانوا يصومون للشكر لا للفرض ويحتمل أنه كان للشكر ثم فرض عليهم فكانوا يصومونه للفرض ويدل عليه ما روى قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه قال: غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء وقد تغدينا فقال: "أصمتم هذا اليوم؟ " فقلنا: قد تغدينا قال: "فأتموا بقية يومكم". وما روى عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم عاشوراء فعظم فيه أمره ثم قال لمن حوله: "من كان لم يطعم منكم فليصم يومه هذا ومن كان قد طعم فليصم بقية يومه" فدل هذا أنه كان حينئذ كشهر رمضان وإنما أمر يومئذ بالإمساك عن الأكل بقية اليوم ولم يؤمر بقضائه لأن الفرض كان لحقهم في يوم عاشوراء بعد ما دخلوا فيه وكان دخولهم فيه وهو غير مفروض عليهم دل عليه ما في حديث أبي سعيد الذي ذكرناه من تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ومن أمره من كان حوله بصومه فكانوا كمن بلغ في رمضان أو أسلم فيه فيؤمر بصوم بقية يومه وإن كانوا قد أكلوا ولا يؤمرون بقضائه وأما ما في حديث قيس مما ذكرناه في زكاة الفطر فقد روى عن ابن عمر ما يخالفه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحر وعبد صاعا من شعير أو صاعا من تمر قال: فعدله الناس بمدين من حنطة وذكره من طرق في بعضها مكان أمر فرض بغير تعديل وفي بعضها ذكر التعديل وذلك لا يكون إلا مع بقاء فرضها فهو مخالف لما قاله قيس غير أنه يحتمل أنه كان فرضا واجبا كوجوب الصلوات الخمس وكوجوب زكاة المال في تكفير الجاحد فلما فرضت زكاة الأموال انتقل الفرض إليها وجعل الفرض في زكاة الفطر دونه حتى لو جحده لا يكفر كما كان قبل.

في صيام العشر

في صيام العشر عن عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط, وروى مرفوعا من رواية ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر واللفظ لابن عباس أنه قال: "ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم منزلة من خير عمل في العشر من الأضحى" قيل: يا رسول الله ولا من جاهد في سبيل الله بنفسه وماله؟ قال: "ولا من جاهد في سبيل الله بنفسه وماله إلا من لم يرجع بنفسه وماله" فيجوز أن يكون تخلفه صلى الله عليه وسلم عن صيام العشر مع ماله من الفضيلة لاشتغاله بما هو أعظم منزلة من الصوم كالصلاة وذكر الله وقراءة القرآن وكان الصوم يضعفه كما روى عن ابن مسعود أنه كان لا يكاد يصوم فإذا صام صام ثلاثة أيام من كل شهر ويقول إني إذا صمت ضعفت عن الصلاة والصلاة أحب إلي من الصوم ومن قدر على جمع الصوم مع غيره فقد يميل إليه إحرازا لفضيلته وللناس فيما يعشقون مذاهب.

في "الصوم لي"

في "الصوم لي" روى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم فهو له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به", كأنه يحكيه عن الله "والذي نفس محمد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" قيل: الصوم ليس بعمل لأنه ترك الأشياء ولكن الله تعالى يثيب على تركها كما يثيب على الأعمال الصالحة فيكون "إلا الصيام" بمعنى لكن كقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ} وعلامته أن يكون بعد إلا خبر تام وإذا لم يكن بعد إلا خبر تام فهو استثناء كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} قال القاضي: احتياج الصوم إلى النية دال على أنه عمل لكنه من أعمال القلوب. قلت: في الصوم اتعاب البدن وليس له نظير في أعمال القلوب

واحتياجه إلى النية ليصير عبادة لا ليصير عملا والوجه في تخصيص الصوم بأنه لله كون الصوم غير ظاهر فلا يعلمه من صاحبه غير الله تعالى فلا يمكن أن يراد به سواه وسائر العبادات صلاة وصدقة وحجا وغيرها تظهر من فاعلها فيمكن أن يراد بها غير الله تعالى فلما كان الصيام مما ينفرد الله بمعرفته ان أخفاه ولا يقصد به سوى الله أضيف إليه بخلاف سائر العبادات والله أعلم.

في أي الصيام أفضل

في أي الصيام أفضل عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الصيام إلى الله صوم داود كان يفطر يوما ويصوم يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" مع ما روى عن أبي هريرة أنه قال: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصلاة بعد المكتوبة أفضل؟ قال: "صلاة في جوف الليل" قال: وأي الصيام أفضل؟ قال: "شهر الله الذي يدعونه المحرم" لا تضاد في الأفضل من الصيامين لأن المعنى أن المحرم أفضل الأوقات لمن أراد أن يصوم صوما خاصا وصيام داود أفضل لمن أراد أن يصوم دائما ففي المحرم فضل الوقت وفي صوم داود فضل الدوام ومنه ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله مرني بصيام قال: "صم يوما ولك تسعة أيام" قال: قلت يا رسول الله إني أجد قوة فزدني قال: "صم يومين ولك ثمانية أيام" قال: قلت: يا رسول الله إني أجد قوة, قال: "صم ثلاثة أيام ولك سبعة أيام" فما زال يحط به حتى قال: "إن أفضل الصوم صوم أخي داود صوم يوم وافطار يوم" فقال عبد الله لما ضعف: ليتني قبلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيما روى عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صم يوما ولك عشرة أيام" قال: زدني يا رسول الله فإن لي قوة قال: "صم يومين ولك تسعة أيام" قال: زدني فإن لي قوة, قال: "صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام" قال ثابت

فحدثت بذلك مطرفا فقال: ما أراه إلا يزاد في العمل وينقص من الأجر ففيه أنه جعل لعبد الله بن عمرو في صوم اليوم الأول عشرة أيام يعني ثوابها ثم جعل له باليوم الثاني الذي زاده تسعة أيام يعني ثواب صيامها وباليوم الذي زاده بعد ذلك ثمانية أيام يعني ثواب صيامها فكل ما كثر عمله قل أجره1 ووجهه أن بصوم اليوم الأول قوته على قراءة القرآن والصلاة باقية من غير نقص فله الأجر كاملا بعشرة كاملة فأمره صلى الله عليه وسلم بالصيام الذي يبقي معه قوته ليصل إلى الأعمال التي نفعها أفضل من الصيام فلما قال له: زدني زاده يوما يكون ضعفه أكثر مما يكون عليه بصيام يوم فينقص بذلك حظه من هذه الأعمال التي نفعها أفضل فرد ثوابه على اليومين اللذين يصومهما مع تقصيره عن الأعمال إلى دون ثوابه على صوم اليوم الأول وكذلك رده في صيام الثلاثة الأيام من الثواب إلى ما دون ثوابه على صيام يومين لهذا المعنى2 ومنه ما روى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام

_ 1 بحاشية الأصل – قلت: في توجيهه نظر لأنه يلزم أن يكون صوم يوم وافطار يوم أقل درجة من صوم يوم عشرة وقوله: "أحب الصيام إلي الله صوم داود" ينافيه والحديث يحتمل أنه صلي الله عليه وسلم أجاب عن قوله: مرني بصيام, بقوله: "صم يوما في عشرة أيام واصرف السبع الباقية" إلي الحظوظ المباحة بدليل قوله صلي الله عليه وسلم: "إن لنفسك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا"، فلما استزاده قال: "يومين ولك ثمانية" وكذا "صم ثلاثة ولك سبعة" وكذا قال له: "صم أربعة ولك ستة" بدليل قوله: فما زال يحط به حتي قال "إن أفضل الصوم صوم أخي داود" هو أن يصوم خمسة أيام ويكون له خمسة وجعل هذا أفضل الصيام فكلما كثر الصوم كثر الثواب لا كلما كثر ما فهم. 2 بحاشية الصل – قال القاضي: تابع الطحاوي مطرفا علي خطأ في تأويله إذ يلزم منه أن الحسنات لا يهبن السيئات وهو خلاف النص والحامل لهما علي هذا التأويل البغيد ما روي بطريق آخر "صم يوما ولك أجر عشرة أيام" – "صم.. =

إلى الله عز وجل صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما". لا يقال فيه أن صيام داود أفضل وفيه الزيادة على الصيام المذكور في الحديث الذي قبل هذا فدل على أن صوم ثلاثة أيام أحب من صوم يومين وصوم يومين أحب من صوم يوم وهذا خلاف ما ذكرنا آنفا لأنا نقول لا مخالفة بينهما لأن هذا إخبار عن صوم داود عليه السلام وحال الأنبياء في صيامهم ليس كغيرهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الناس عن الوصال وواصل هو فقال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني فكذلك داود يكون صومه أحب إلى الله بخلاف غيره ومما يدل على أن قلة

_ = يومين ولك أجر تسعة أيام – وصم ثلاثة أيام ولك أجر ثمانية أيام" – ولكن إذا ثبت هذا فتأويله أنه أراد صم يوما من كل أحد عشر يوما ولك أجر التي تفطر منهن وثلاثة أيام منها ولك أجر فطر ثمانية أيام فاعلمه صلي الله عليه وسلم أن له في غطر ما يفطر بها أجرا لأنه يتقوي به علي العمال الصالحة فندبه من صوم يوم ويومين إلي يوم ويوم مترقيا من الدني إلي العلي وسكت عن أجر الصوم لأنه معلوم مققر بخلاف أجر الفطر ألا تري أن صوم يوم عرفة لغير الحاج أفضل وفطره للحاج أفضل ويؤجر علي ترك صومه لحاجته إلي التقوي علي الأعمال والدعاء انتهي بمعناه دون لفظه – قلت ماذهب إليه الطحاوي من اضمار ثوب صيامها أظهر من اضمار أجر فطرها لأن الكلام سبق لثواب الصيام لا لثواب الفطر وكل منهما محتمل والتأويل من المجتهد الذي يخطئ ويصيب والله أعلم بمراد قائله الذي لا ينطق عن الهوي صلي الله وسلم فإن الصوم كف عن الشهوات والفطر إقدام عليها فكيف يكون عبادة مع موافقة النفس لها والفطر كما يصلح سببا للأعمال الصالحة يصلح لضدها أيضا فنفس الفطر ليس بعبادة إنما العبادة ما يؤتي بعده فأذن الجر للأعمال الحسنة لا للفطر ما فهم.

الصيام مع الملابسة بالأعمال المتقرب بها إلى الله أفضل ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أنبأ أنك تصوم الدهر وتقوم الليل" قلت: إني أقوى, قال: "إنك إذا فعلت ذلك نفهت له النفس وهجمت له العين" إلى أن قال: "فصم صوم أخي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى" فأخبر أن داود مع صيامه هذا كان لا يفر إذا لاقى لبقاء قوته ولم يخرجه الصوم عما كان عليه من القوة بخلاف غيره لما يدخل على نفسه من الضعف في بدنه الذي يقطعه عن ذلك كما روى عن أنس قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا في يوم شديد الحر فمنا الصائم ومنا المفطر وأكثرنا ظلالا صاحب الكساء ومنا من يستتر من الشمس بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون بالأجر اليوم" وفي هذا كشف للمعاني الذي ذكرناها فيما تقدم.

في "شهرا عيد لا ينقصان"

في "شهرا عيد لا ينقصان" عن خلد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة" يعني العبادة فيهما كاملة تامة في الصوم والحج وإن كانا ناقصين في العدد كما لها فيهما لو كانا ثلاثين ثلاثين ولا يصح حمله على نقصان العدد لوجود النقصان فيهما عددا وفي أحدهما دون الآخر مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته" الحديث يحقق النقصان في بعض السنين وروى هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة على خلافه فقال فيه كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة وليس بشيء لأن عبد الرحمن ابن إسحاق لا يقاوم خالد الحذاء ولأن العيان يدفعه قال القاضي ولو صح لكان معناه في الأجر والثواب ويحتمل أن يكون شهرا عيد لا ينقصان كان في عام بعينه ويحتمل أن يكون على الأعم الأغلب لأنهما لا يجتمعان ناقصين في عام واحد إلا نادرا والله أعلم.

في صوم يوم عرفة

في صوم يوم عرفة روى عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أيام الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة عيدنا أهل الإسلام أيام أكل وشرب" هذه الأيام سوى يوم عرفة مخصوصات بمعنى يتقرب به إلى الله تعالى فيها من صلاة ونحر وتكبير عقيب المكتوبات فصارت بذلك أعيادا في جميع المواضع ووجدنا يوم عرفة مخصوصا بمعنى يتقرب به وهو الوقوف بعرفة لأهل الحج دون غيرهم من الناس فصار لهم بذلك عيدا فلم يصلح لهم صومه بخلاف غيرهم ممن ليس له بعيد يؤيده ما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة فصيام يوم عرفة فيما عدا عرفة جائز من حوله روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" لا يقال إن صام من عليه واجب يوم عرفة بعرفة عنه أجزأه بخلاف من صام يوما من تلك الأيام عن واجب عليه لا يجزيه فكيف افترقت أحكامها وهي مجموعة بمعنى واحد لأن الأشياء قد تجتمع في شيء واحد وأحكامها في أنفسها مختلفة من ذلك قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فجمع الله هذه الأشياء في نهي واحد وأحكامها مختلفة لأن الرفث هو الجماع يفسد الحج وما سواه لا يفسد الحج فكذلك ما جمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن صومه من الأيام المذكورة مع المخالفة بين أحكامها.

كتاب الاعتكاف

كتاب الاعتكاف في اعتكاف المرأة ... كتاب الاعتكاف فيه ثلاثة أحاديث في اعتكاف المرأة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد

أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل المكان الذي يريد أن يعتكف فيه فأراد أن يعتكف في العشر الأواخر فأمر فضرب له خباء وأمرت حفصة فضرب لها خباء فلما رأت زينب خباءهما أمرت بخباء فضرب لها فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البر تردن؟ " فلم يعتكف في رمضان واعتكف عشرا من شوال وفيما روى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الاعتكاف فاستأذنته عائشة لتعتكف معه فأذن لها فضربت خباءها فسألتها حفصة لتستأذنه لها لتعتكف معه فلما رأته زينب ضربت معهن وكانت امرأة غيورا فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبيتهن فقال: "ما هذا البر تردن؟ " فترك الاعتكاف حتى أفطر من رمضان ثم انه اعتكف في عشر من شوال فيه إذنه صلى الله عليه وسلم لنسائه في اعتكاف المسجد فذهب أهل الحجاز إلى تجويز اعتكاف النساء في المساجد كما يعتكف الرجال ولا حجة لهم في هذا الحديث إذ يحتمل أن يتسع لنسائه صلى الله عليه وسلم لكونه معهن بحق الزوجية ولحرمتهن على جميع المسلمين ما لم يتسع لغيرهن يؤيده قول عائشة: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل مع تفطنها وفهمها أن النساء كان لهن إتيان المساجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس لهن بعده وإذا كن كذلك في حياة عائشة كن بعد موتها أبعد فعل أنهن إن أردن الاعتكاف ففي غير مساجد الجماعات.

في الاعتكاف فيما سوى المساجد الثلاثة

في الاعتكاف فيما سوى المساجد الثلاثة روى عن حذيفة أنه قال لعبد الله بن مسعود: عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تغير وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبي ومسجد بيت المقدس" قال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا وأخطأت وأصابوا, لم ينكر ابن مسعود على حذيفة ما حققه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره بقوله: لعلك نسيت وحفظوا يعني لعلك نسيت نسخ ذلك وحفظوه وظاهر القرآن يدل

عليه {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} على العموم وعليه المسلمون في الاعتكاف في مساجد بلدانهم التي لها الأئمة والجماعة إلى يومنا هذا.

في الصوم للاعتكاف

في الصوم للاعتكاف عن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف في المسجد الحرام, فقال: "فأوف بنذرك" ليس فيه ذكر نذر عمر ما كان فروى عنه أنه كان نذر اعتكاف ليلة في المسجد الحرام فاحتج بذلك من ذهب إلى إجازة الاعتكاف بلا صيام وروى عنه أنه كان نذر اعتكاف يوم فتكافأت الروايتان فسقط الاحتجاج وروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم. وعن أبي سهيل قال: اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام فقال ابن شهاب لا يكون الاعتكاف إلا بصيام فقال عمر بن عبد العزيز أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا, قال: أفمن أبي بكر؟ قال: لا, قال: أفمن عثمان؟ قال: لا, قال أبو سهيل: فانصرفت فوجدت طاووسا وعطاء فسألتهما عن ذلك فقال طاووس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه قال عطاء ذلك رأيي فعلم بهذا أن مما تكافأت فيه الأقوال فوجب أن يرجع في مثله إلى النظر فهو الذي يقضي بين المختلفين فوجدنا من ذهب إلى تجويزه بغير صوم ومنهم الشافعي استدل بأن المعتكف يدخل عليه الليل وهو معتكف مع أنه لا صوم في الليل فليس الصوم لازما له ولكن لمانعيه وهم أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه والثوري وأصحابه أن يقولوا كما لا ينتقص الاعتكاف بعد صحته بالخروج من المسجد لحاجته فيصير في الطرقات والمنازل التي لا يصلح له الاعتكاف فيها لا ينتقص بدخول الليل عليه وإن لم يصلح للصوم فيه بجامع الضرورة وهو أنه لا بد له من قضاء الحاجة ودخول الليل عليه مع أن الخروج بفعله ودخول الليل لا بفعل.

قال القاضي: والأوجه أن يقول لو كان بقاء المعتكف على اعتكافه في الليل وليس بصائم فيه دليلا على جواز الاعتكاف بغير صوم لكان خروج المعتكف عن المسجد الذي هو موضع الاعتكاف إلى حاجة الإنسان وبقاؤه على اعتكافه في الطرقات والمنازل حتى يعود إلى المسجد دليلا على جواز الاعتكاف في غير المساجد ولكن ليس فليس انتهى بمعناه ولأن اللبث في الأماكن لا يوجد قربة إلا بتحرم من اللبث كعرفة والمزدلفة ومنى ولهذا لا يكون قربة في غير الحج لعدم التحرم فكذلك اللبث في المسجد إذا كان في حرمة بأن اللابث فيه عن اللابث فيما سواه من البيوت وليس لنا حرمة إلا حرمة الصيام فلا يكون اعتكافا إلا بصيام وما روى عن يعلى بن أمية أنه كان يجلس في المسجد ساعة ويعد ذلك اعتكافا لا يصح عنه لأن عطاء يرويه عنه وليس له سماع منه ولئن صح فإنه سمى نفسه معتكفا بالقعود والاقبال على الذكر فيه على معناه اللغوي قال تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} لم يكن على الاعتكاف المختلف فيه بل على تساوي الجلوس فيه وأنه ليس بعضهم أولى به من بعض.

كتاب ليلة القدر

كتاب ليلة القدر روى عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحروها لعشر يبقين من شهر رمضان" فيه ذكر الباقي من الشهر في طلب ليلة القدر في ليلة من ليالي الشهر المطلوبة فيه وكان قوم من أهل العلم لا يؤرخون بالباقي من الشهر وإن كان قد مضى أكثره لأنهم لا يعلمون مقدار الباقي منه ويحتجون بما روى أن ابن عمر سمع رجلا يقول اليوم نصف الشهر أو الليلة نصف الشهر فقال ويحك وما يدريك قال الرجل اليوم خمسة عشرا والليلة خمس عشرة فقال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا" وقبض في الثالثة واحدا كأنه يعقد تسعة وهو من عند عبد الله بن عمر استخراج حسن من حديث عائشة الذي بدأنا بذكره لأنه قد يحتمل أن

يكون الرسول أعلمه الله تعالى قبل ذلك الباقي من الشهر كم هو فقال ذلك القول على التماسها في شهر بعينه الباقي منه ذلك المقدار وقد دل على ذلك سؤال الصحابة عن ليلة القدر فقال صلى الله عليه وسلم: "التمسوها لمضى ثلاث وعشرون" فقال رجل: فهي أولى ثمان, فقال: "إنها ليست أولى ثمان ولكنها أولى سبع" ما تريد بشهر لا يتم فكان في هذا الحديث ما قد دل على أنه أراد شهرا بعينه كان منه فيه ذلك القول الذي دل على نقصانه فإن قيل فقد روى عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر تسعا يبقين وسبعا يبقين" فدل ذلك على أن تلك الليلة مطلوبة بذكر ما بقي من الشهر ذلك يدفع ما ذكرت قيل يحتمل أن يكون قصد به إلى شهر بعينه قد وقف على حقيقة عدده واحتمل أن يكون مطلوبه في سائر الدهر سواه فيما قد يحتمل أن يكون تسعا يبقين وسبعا يبقين وخمسا يبقين حتى يكون جميع من طلبها في ذلك مصيبا لحقيقتها في بعضها والله نسأله التوفيق.

كتاب الحج

كتاب الحج في رفع الصوت ... كتاب الحج فيه ثمانية وثلاثون حديثا في رفع الصوت روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاني جبرئيل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال" وخرج ذلك من طرق كثيرة وألفاظ متقاربة ومعان متفقة لا يعارضه ما روى عن أبي موسى الأشعري لما دنونا المدينة أقبل الناس يرفعون أصواتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق أكتافكم" ثم قال: "يا أبا موسى ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة" قلت: بلى قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" وفي حديث آخر فرفع الناس أصواتهم بالتكبير فقال: "يا أيها الناس اربعوا عن أنفسكم", الحديث لأن التلبية من شعار الحج فسبيله رفع الصوت بها, روى عن أبي بكر الصديق قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الحج أفضل؟ قال: "العج والثج" فالعج: رفع الصوت بالتلبية والثج: نحر البدن فشعار الحج رفع الصوت بالتلبية فبان الحج بذلك كما بان به في سوى التلبية من حلق الرأس عند الاحلال ومن اجتناب المحظورات ولم يكن رفع الصوت بالتكبير في حديث أبي موسى من شعار دخول المدينة فلم يكن له معنى فظهر الفرق واندفع التعارض.

في دخول الكعبة

في دخول الكعبة عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقلت: مالك يا رسول الله حزينا؟ فقال: "إني دخلت الكعبة وددت أن لا أكون دخلتها أخشى أن أكون أتعب أمتي" خاف النبي صلى الله عليه وسلم ظن الأمة بعدم تمام الحج إلا بالدخول فيها إذ هو قربة كسائر القرب التي فعلها صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها وهذا نحو قوله لبني عبد المطلب: "فلولا أن يغلبكم الناس على سقياكم لنزعت معكم" فناولوه دلوا فشرب فكان تركه لذلك خوف اقتداء الناس به فيحصل مشقة لأهلها على ما إليهم أمرها1 دون من سواهم ومثله في ترك التراويح قوله: "خشيت أن تكتب عليكم".

_ 1 كذا ولعله مالهم من أمرها – ح.

في ما يرخص للمحرم

في ما يرخص للمحرم روى عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص إذا اشتكى المحرم عينه أن يضمدها بالصبر الصبر ليس بطيب ولكن في التضميد تغطية بعض الوجه إذ لو لم يكن كذلك لقيل له زمام لا ضماد ولا يعارضه ما روى أن عثمان غطى وجهه وهو محرم لأنه يحتمل أنه فعله لضرورة دعته وكفر مع ذلك كما روى عن ابن عباس أنه قال لمولاه زر على طيلساني فقال له: كيف تنهى عن هذا؟ فقال: أريد أن أفتدي فلعل عثمان فعله ليفتدي وفيما ذكرنا ما علم به أن تغطية الوجه في الاحرام حرام على المحرم وعن ابن عمر ما فوق الذقن من الرأس لا يخمره المحرم وهو القياس لأن المرأة في الاحرام لا تغطي وجهها مع سعة الأمر عليها في احرامها في تغطية الرأس ولبس المخيط فالرجل بذلك أحرى وهو قول أبي حنيفة ومالك.

في الثوب المعصفر

في الثوب المعصفر روى عن أم عطية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا معصفرا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا نبذات من قسط اظفار" فيه أن المعصفر من الطيب لأنه إنما نهيت عنه لأجله ولو كان لأجل الزينة لنهيت عن العصب لأنه فوق المعصفر في الزينة وفي هذا ما يؤيد مذهب أبي حنيفة وأصحابه في العصفر أنه ممنوع في الاحرام.

في لبس الخفين

في لبس الخفين روى عن عامر قال: سمع عمر مع عبد الرحمن بن عوف الغناء فأتاه في بعض الليل فلما أصبح رأى عليه خفين قال: والخفان مع الغناء؟ قال: لقد لبستهما مع من هو خير منك يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لا حجة فيه إذ لم يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان وقف على ذلك منه فأمضاه له قلنا: روى عن عبد الرحمن ما يدل على وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك منه وتركه النكير عليه فيه وهو ما روى عن عامر قال: خرجت مع عمر إلى مكة ورجل معنا يرتجز فلما أن طلع الفجر قال له: هيه اذكر الله طلع الفجر ثم التفت فرأى على عبد الرحمن خفين وهو محرم فقال: وخف أيضا وأنت محرم؟ قال: فعلته مع من هو خير منك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعبه علي ففيه ما دل على جواز لباس الخف في الاحرام عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي الشعثاء قال: أخبرنا ابن عباس سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفة يقول من لم يجد إزار لبس سراويل ومن لم يجد نعلين لبس خفين قلت: ولم يقل يقطعهما قال: لا وخرجه من طرق عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وحدث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما نلبس من الثياب إذا حرمنا فقال: "لا تلبسوا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس خفين أسفل من الكعبين" فكان في هذه الآثار لمن لم يجد النعلين من المحرمين من الرجال أن يلبس الخفين بعد أن يقطعهما أسفل من الكعبين لا يقال هذه معان متضادة لاختلاف أوقاتها فإنه كان لباس الخفاف في الاحرام مباحا حالة الاختبار كما في حديث عبد الرحمن ثم نسخ ذلك بما في حديث ابن عباس وجابر بإباحة لبسها عند انعدام النعال من غير قطع ثم نسخ ذلك بما في حديث ابن عمر بالإباحة بعد أن يقطع أسفل من الكعبين وهذا باب من الفقه اختلف فيه أهله بعد الاجماع على نسخ الاباحة مطلقا فقال بعض بالإباحة عند العجز وهو مذهب الشافعي والثوري في قول وقال بعض بالإباحة بشرط القطع من أسفل الكعبين وهو أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه ووجه ذلك في النظر أن الأشياء المحظورات كلبس الثياب وحلق الشعر تدفع الضرورة إليها الإثم في استباحتها ولا تدفع الكفارة فكذلك إذا احتيج إلى لبس الخفين لعدم النعلين يرتفع الإثم دون الكفارة الواجبة عليه في ذلك مع وجود النعلين.

في صيد المحرم

في صيد المحرم روى عن عبد الرحمن بن أبي عمار أنه سأل جابر بن عبد الله عن الضبع فقال: آكلها؟ قال: نعم - أصيد هي؟ قال: نعم, قلت: وسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, قد أنكر يحيى بن سعيد القطان على عبد الرحمن بن أبي عمار فقال كان يحدث به عن جابر عن عمر ثم صيره عن جابر عن

النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالف إبراهيم الصائغ فيما روى عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال: هي من الصيد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا مسنا وتؤكل منصور بن زاذان وعبد الكريم بن مالك فرويا عن عطاء عن جابر أنه قال في الضبع إذا أصابها المحرم كبش واثنان أولى بالحفظ من واحد فوجب بما ذكرناه رد الحديث إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أكل كل ذي ناب من السباع حرام" وكانت هذه السنة قائمة ظاهرة في أيدي العلماء وكان أئمة الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى متمسكين بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع غير مختلفين فيه فوجب دخول الضبع في ذلك لأنها ذو ناب ولم يجز إخراجها منه. قال القاضي - وفيه نظر لأن مالكا لا يحرم أكل كل ذي ناب من السباع وإنما ذلك عنده مكروه قال الطحاوي وما روى عن ابن عباس أنه سئل عن أكل لحوم الحمر الأهلية فلم ينه عن ذلك وتلا قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية محمول على أنه ما كان عالما بالتحريم حتى وقف على تحريم الله تعالى على لسان رسوله الله صلى الله عليه وسلم ما حرمه من ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير ثم علم أنه مستثنى مما أمح بهذه الآية ولاحق بما حرم بها وهذا كما قال من دونه هو الزهري أنه لم يسمع بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع حتى دخل الشام أي فسمعه وأخذ به وقد كان معه علم ذلك بالمدينة فسقط عنه فاستثنى كل واحد من العلماء من الآية ما بلغ إليه تحريمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان في ذلك محمودا لتمسكه بكتاب الله تعالى ولماا أعلمه به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما استثناه من مجمل الكتاب.

في صيد البر

في صيد البر ذهب الشافعي إلى أن المحرم من صيد البر ما يحل له أكله في حال الإحلال وكان ابن عمر أن يحكي عن أصحابه الذي حرم منه ما كانوا يصيدونه ليأكلوه وليطعموا لجوارحهم مما يأكلونه كالذئاب وذوي الناب من السباع وذوي المخالب من الطيور وهذا القول أولى لأن الله تعالى عم الصيد المأكول منه وغيره بقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} لكن استدلاله بقوله لما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم قتل الخمس الدواب دل على أن سواها غير مباح له قتلها فاسد إذ لا يمتنع أن يكون غير الخمس لاحقة بالخمس لعدم النص بمنع الالحاق مثل ما روى أنه قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم الذي لا يعطي شيئا إلا منه والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الفاجر" فلم ينتف بذلك أن يكون غيرهم يلحق بهم إذ قد روى ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر وفي حديث آخر رجل على فضل ماء بالطريق يمنعه من ابن السبيل ورجل حلف على سلعته بعد العصر لقد أخذها بكذا وكذا فصدقه الذي باعه منه فأخذها وهو كاذب ورجل بايع إمامه لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه وفى وإن لم يعطه لم يف فإن قال كل من الثلاثة الحق بنصوص ولم يوجد نص في الحاق ما سوى الخمس بها قيل له فكيف ينفي بها غيرها مما لم يعلم أنها قد نفته فالحجة الصحيحة أن الله تعالى عم الصيد بقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} فلم يصح أن يخرج من ذلك شيء إلا بآية مسطورة أو سنة مأثورة أو اجماع وأخرجنا الخمس الدواب من ذلك بالسنة المأثورة ولا ما سواها والله أعلم.

في العمرة في أشهر الحج

في العمرة في أشهر الحج روى عن ابن عباس قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وكانوا يسمون المحرم صفر وكانوا يقولون: إذا برأ الدبر وعفى الأثر ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة وهم ملبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فيه أن أمره صلى الله عليه وسلم الناس بترك الحج بعد إحرامهم به وإقامة العمرة مكانه لنقض ما كانت العرب عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج وما روى عن ابن عباس قال: والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر الجاهلية فإن هذا الحي من قريش ومن دان بدينهم كانوا يقولون إذا عفا الوبر وبرأ الدبر ودخل صفر فقد حلت العمرة لمن اعتمر فكانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم فهو مستحيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أمر الناس أن يفتتحوا لإحرامهم1 بالحج ويحرموا مكانه بعمرة وفيهم عائشة روى عنها قالت: خرجنا مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ ", فقلت له: لوددت إني لم أحج العام أو لم أخرج العام, قال: "لعلك نفست" فقلت: نعم قال: "هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن تطوفي بالبيت", قالت: فلما جئنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "اجعلوها عمرة" فحل الناس إلا من كان معه هدي فكان الهدي معه ومع أبي بكر وعمر وذي اليسارة ثم أهلوا بالحج فلما كان يوم النحر طهرت فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضت فأتى بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر حتى إذا كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني خلفه فأنا لا أذكر أني كنت أنعس

_ 1 كذا ولعله "أن يفسخوا إحرامهم".

فيضرب وجهي مؤخرة الرحل حتى جئنا التنعيم فأهللت بعمرة حذاء عمرة الناس التي اعتمروها. ففي هذا الحديث أن عائشة كانت أحرمت بالحج كما أحرم الناس ثم عاد إحرامها إلى العمرة كعود إحرام الناس إلى مثلها فأمروا أن يجعلوها عمرة ثم أدركها الحيض فيها فأمرت برفضها والاحرام بالحج مكانها. وقد روى عن عائشة ما دل على ما قلنا من أنها كانت أحرمت بالحج ثم عادت إلى العمرة بسبب الحيض إلى الحج1 وروى عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهل بالحج ومن شاء فليهل بالعمرة قالت: فكنت ممن أهل بعمرة فحضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أنقض رأسي وأمتشطه وأدع عمرتي فبينت في هذا الحديث أنها إنما خرجت من عمرتها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياها بنقض راسها وامتشاطها وتركها إياها ففي هذا كله ما قد دل على أن نقض النبي صلى الله عليه وسلم لما كان عليه المشركون مما ذكرنا إنما كان بفسخهم الحج واحرامهم بالعمرة لا بعمرة عائشة التي كانت ليلة الحصبة لأنها كانت قضاء لعمرتها التي كانت فيها كسائر الناس فخرجت عنها بالحيض الطارئ قبل طوافها لعمرتها ومما يدل على ما ذكرناه ما روى أن سراقة بن جعثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه أن يحلوا من الحج ويجعلوها عمرة: يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال: فشبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى فقال: "دخلت العمرة هكذا في الحج" وقوله في حديث ابن عباس الثاني "أنهم كانوا يحرمون بالعمرة في المحرم" والمحرم ليس من شهور الحج وهم من رواية لأن المستفيض عند الناس من تحريم العرب العمرة إنما كان في شهور الحج لا فيما سواها وكذلك نص عليه في حديث ابن عباس الأول لأنه قال فيه أنهم كانوا يسمون المحرم صفرا فدل أنهم كانوا يريدون بقولهم ودخل صفر أي دخل محرم الذي كانوا يسمونه صفرا وقد روى هذا

_ 1 هكذا ولعله – ثم عادت إلي الحج – ح.

الحديث عن طاووس من أوقفه عليه ولم يرفعه إلى ابن عباس فقال فيه: قدموا بالحج خالصا لا يخالطه شيء يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وكان يعجبهم من أمر الإسلام ما كان في الجاهلية وكانوا يقولون إذا برأ الدبر وعفا الوبر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر وهو أيضا وهم وإنما هو ودخل صفر يريدون به المحرم الذي كانوا يسمونه صفرا إذ ليس المحرم ولا صفر من أشهر الحج وروايته من روى عن جابر بن عبد الله قال لما قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في حجة الوداع سأل الناس بماذا أحرمتم قال: أناس أهللنا بالحج وقال آخرون: قدمنا متمتعين وقال آخرون: أهللنا بإهلالك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان قدم ولم يسق هديا فليحلل فإني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم اسق الهي حتى أكون حلالا" فقال سراقة بن مالك بن جعثم: يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال: "لا بل لأبد الأبد" مستبعدة لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج فكيف يتمتعون التمتع الذي لا يكون إلا بعمرة وهو وهم من رواية ورواية من ذكر أنهم كانوا أحرموا بالحج هي الصواب والله أعلم وكذلك ما روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة فلما قدمنا مكة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج. مما يبعد كانوا لا يعرفون العمرة وكانوا يرونها في أشهر الحج من أفجر الفجور وكيف يجوز أن يؤمروا بالاحلال من الاحرام الذي كانوا فيه وفيه عمرة إلى عمرة وقد كان ابن عمر انكر على أنس بن مالك وأخبر أن احرامهم إنما كان بالحج لا عمرة معه وما روى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: "من شاء أن يهل بالحج فليهل ومن شاء أن يهل بالعمرة فليهل" هو عندنا والله أعلم على قول كان منه لهم بعد أن فسخوا الحج الذي كانوا احرموا به وقدموا مكة عليه فقال لهم: من شاء فليهل بالعمرة حتى يكون بها

متمتعا ومن شاء أن يهل بالحج بلا عمرة معه لأنه قد قامت الحجة بإحلالهم من الحج قبل ذلك فعقل عنهم أن ذلك لم يكن إلا بسبب أن يريد إباحة الإحرام لهم حينئذ لأنها كانت محرمة عليهم ولأنه لا يصلح إدخال العمرة على الحج ويصلح إدخال الحج على العمرة فأمرهم بالخروج من الحج لذلك ليتسع لهم الإحرام بالعمرة لمن شاء أن يحرم بها واستئناف حجة لمن شاء أن يحرم بها بلا عمرة معها. فيرجع بحجة ولا عمرة معها روى عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا رجعت إلى مكة فإن طوافك لحجك يكفيك لحجك وعمرتك" وقد روى عن عائشة هذا الحديث بخلاف هذه الألفاظ من ذلك ما روى عنها من رواية عطاء أيضا أنها قالت: قلت: يا رسول الله أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري قال: "انفري فإنه يكفيك" قال حجاج في حديثه عن عطاء فألظت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تخرج إلى التنعيم فتهل منه بعمرة وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلت منه بعمرة ثم قدمت وطافت وسعت وذبح عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله عن عطاء بقرة. ومنه ما روى عن جابر بن عبد الله أن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت فلما طهرت وأفاضت قالت: يا رسول الله أينطلقون بحجة وعمرة وانطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة ففي الحديث الأول ما يدل على أنها قد كانت بقيت في حرمة العمرة التي كانت أحرمت بها حتى حلت منها ومن الحجة التي كانت أحرمت بها في وقت واحد بطواف واحد كما يكون الطواف القارن في حجته وعمرته لهما غير أن قوله فيه: "طوافك لحجك يكفيك لحجك وعمرتك" يبعد في القلوب أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن الطواف إن كان للحج فهو له دون العمرة وإن كان الطواف لهما جميعا لم يجز أن يضاف إلى أحدهما دون الآخر وقولها في الحديث أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري

يدل أنها لم تكن حينئذ في عمرة وإنما كانت في حجة لا عمرة معها إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولها غذ لو كانت في عمرة وحج لكانت هي وغيرها سواء وما فضلوها بشيء ولتا احتاجت إلى عمرة بعد الحج وبعد العمرة اللذين كانا منها فاستحال أن يكون الطواف الذي كان منهال يجزئها لعمرة لم تكن فيها وحديث جابر عن عائشة يدل على ذلك أيضا ويخالف الحديث الأول وقد روى عن جابر أيضا ما شد الحديث الأول أن خروجها كان من حجها وعمرتها معا وهو ما روى أبو الزبير عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي فقال: "ما شأنك؟ " قالت: شأني أني حضت وقد حل الناس ولم أحل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن, قال: "فإن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج" ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعا" فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت, قال: "ما دمت بها يا عبد الرحمن فاعمرها من التنعيم" وذلك ليلة الحصبة. قال الطحاوي ولما اختلفت الرواة عن عطاء وجابر في حديث عائشة هذا الاختلاف نظرنا إلى رواية غيرهم عنها فوجدنا الأسود بن يزيد قد روى عنها قالت خرجنا ولا نرى إلا أنه الحج فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت ولم يحل وكان معه الهدي فحاضت هي قالت: فقضينا مناسكنا من حجنا فلما كانت ليلة الحصبة ليلة النفر قالت: يا رسول الله أيرجع أصحابك كلهم بحجة وعمرة وأرجع بالحج؟ قال: "أما كنت تطوفين 1 بالبيت ليالي قدمنا" قالت: لا, قال: "فانطلقي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا" قال: ففي سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عائشة طوافها دليل على أنها لو كانت طافت ليالي قدموا لكانت العمرة قد تمت لها فلما لم تطف لم تتم عمرتها وأمرها بالاعتمار من التنعيم ليكون لها عمرة مع الحجة

_ 1 هكذا وفي النسائي في رواية السود – أم كنت طفت.

التي صارت لها ويدل على أنها قد كانت خرجت من العمرة قبل ذلك أنه لا يجوز عند أهل العلم جميعا أن يدخل عمرة على عمرة ويختلفون فيما على من فعل ذلك فمنهم من يقول لا تلزمه وهو في حكم من لم يحرم بها وهو قول محمد بن الحسن والشافعي وروى ذلك عن عطاء ومنهم من يقول قد لزمته فإذا عمل في الأول صار رافضا لهذه التي أحرم بها وكان عليه لرفضها دم عمرة مكانها وهو قول أبي حنيفة ومنهم من يقول لما أحرم بها لزمته وكان حينئذ رافضا لها وعليه دم لرفضها وعمرة مكانها وهو قول ابي يوسف وروى مثله عن محمد بن الحسن أيضا فلما كان إدخال العمرة على العمرة غير محمود عند جميع العلماء استحال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بذلك ودل على أنه لم يأمرها بالعمرة وإلا وقد كانت خرجت من عمرتها التي لم تطف لها ليالي قدموا إما بتوجهها إلى عرفة مريدة للحج كما تقول طائفة من أهل العلم منهم أبو حنيفة في أحد قوليه أن من أحرم بعمرة وهو في حجة أو كان في عمرة وحجة فتوجه إلى عرفة ولم يطف لعمرته أنه بذلك رافض لعمرته وعليه لرفضها دم وعمرة مكانها وأما بوقوفها بعرفة لحجها كما تقول طائفة أنه لا يكون رافضا حتى يقف بعرفة بعد الزوال فيكون حينئذ رافضا لها ويكون عليه دم لرفضها وعمرة مكانها وهو قول أبي حنيفة الآخر والله أعلم بأي ذلك كان واستحال بذلك أن تكون قارنة وثبت أنها كانت مفردة بحجة لا عمرة إذ كانت قد خرجت من عمرتها قبل ذلك بما خرجت به منها. ولا حجة لمن استدل على أنها كانت قارنة بما في حديث جابر من أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر عنها بقرة لأنه يحتمل أن يكون نحر عنها لرفضها للعمرة وخروجها منها قبل تمامها كما يقول من ذكرنا عنه من أهل العلم ووجدنا عروة بن الزبير قد روى عنها ما يوجب أيضا خروجها من عمرتها تلك قبل توجهها إلى عرفة وقبل إحرامها بالحج وذلك رواية عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: "من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منها جميعا" قالت: فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة" ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن فاعتمرت فقال: "هذه مكان عمرتك" قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا. ووجدنا القاسم بن محمد قد روى عنها ما يوجب ذلك غير أنه خالف الأسود وعروة في شيء من حديثه إذا وقف عليه تبين معناه ثم وافقهما في بقية التي يوجب ما ذكرناه وذلك حديثه عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ " فقلت لوددت أني لم أحج العام قال: "لعلك نفست؟ " قلت: نعم قال: "فإن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " فلما جئنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "اجعلوها عمرة" فحل الناس إلا من كان معه الهدي فكان معه ومع أبي بكر وعمر وذي اليسارة ثم أهلوا بالحج فلما كان يوم النحر طهرت فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضت حتى إذا كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله أيرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني خلفه حتى جئنا التنعيم فأهللت بعمرة جزاء عمرة الناس التي اعتمروها ففي هذا الأثر أيضا ما قد حمل1 على خروجها من العمرة الأولى التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في حجتهم التي كانوا فيها وهي منهم أن يجعلوها عمرة فلم تكن في وقت طوافها في عمرة مع الحجة ووافقهم على روايتهم عنها ابن أبي مليكة فيما ذكرناه ما يدفع حديث عطاء الذي ذكرناه أولا لأن النبي

_ 1 كذا ولعله "دل".

صلى الله عليه وسلم لم يأمرها أن تنقض شعرها وهي في حرمة عمرة لأن في ذلك ما يسقط به شعرها ولا يأمرها أن تمتشط والأغلب في الامتشاط أنه يكون بالطيب أو بما يمنع منه الإحرام سواه وفيه ما هو أدل من هذا وهو قوله هذه مكان عمرتك أو هذه قضاء من عمرتك إذ لا يكون الشيء مكان الشيء ولا قضاء منه إلا وذلك الشيء مفقود قبله. قال الطحاوي: ثم رجعنا إلى طلب الحكم في ذلك من غير حديث عائشة أو في غير قصتها التي ذكرنا فوجدنا ما روى عن نافع أن عبد الله بن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف أن يصدوك فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظهر البيداء قال: ما شان العمرة والحج إلا واحد إني أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي, وأهدي هديا اشتراه بقديد فانطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم ينحر ولم يقصر ولم يحل من شيء حرم عليه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد في حديث آخر قال: وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على اتصاله لأن قوله في الحديث الأول: وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون من كلام نافع. فإن قيل: ففيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف لعمرته وحجه طوافا واحدا قلنا: أن سالما قد روى عن ابن عمر ما يخبر به أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجته تلك متمتعا لا قارنا روى عنه أنه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فهذا يخبر أن

طواف العمرة قد كان قبل طواف الحجة لأن المتمتع هكذا يفعل ولأن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجة إنما كان بعد ما طاف للحجة التي تحولت عمره كما في حديث جابر بن عبد الله روى جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر فسأله عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم اذن في الناس بالعاشرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا حتى إذا أتينا ذي الحليفة أهل بالتوحيد وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ولم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال: "إني لو أستقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة فمن كان ليس معه الهدي فليحلل وليجعلها عمرة" فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان أهدى. قال الطحاوي: ففيه ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف لها حينئذ وعقلنا بذلك أن الطواف الذي طافه بعد أن رجع إلى منى كان طوافا لحجته لا لعمرته لأن المتمتع يطوف لعمرته قبل خروجه إلى منى أو لعمرته ولحجته على ما يختلف في ذلك لا طواف لعمرته غير ذلك الطواف ثم يكون الطواف الذي يطوفه بعد أن يرجع من منى إلى مكة إنما هو لحجته لا لعمرته فاستحال أن يكون ابن عمر يريد بقوله وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طاف طوافا واحدا لعمرته ولحجته لأن ذلك الطواف الذي كان منه إنما كان منه لحجته لأن عمرته قد طاف لها مرة وإنما للعمرة طواف واحد والحج له طوافان طواف عند القدوم إلى مكة وطواف بعد الرجوع من منى فإن قيل فقد روى عن عائشة في الحديث المتقدم بطوله إلى قوله: "وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا" فهذه عائشة تخبر في هذا الحديث أن الذين جمعوا الحج والعمرة إنما طافوا طوافا واحدا – قلنا

قد روى عن عائشة من رواية عروة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع وتمتع الناس معه وإذا كان فيها متمتعا كان طوافه لعمرته إنما يكون عند قدومه وطوافه الذي يكون منه بعد أن يرجع من منى إنما يكون لحجته دون عمرته واحتمل بذلك أن يكون قول عائشة: فإنما طافوا لهما طوافا واحدا أي طوافا واحدا للإحرام الذي كانوا فيه فكان ذلك الطواف للحج لا للعمرة ومما حقق أن الطواف للقارن طوافان أن علي بن أبي طالب قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهبه في طواف القارن أنه طوافان وروى عن أبي نصر قال: أهللت بالحج فأدركت عليا فقلت له إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة قال لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضيف إليها الحج ضممته قال قلت كيف أصنع إذا أردت ذلك قال تصب عليك أداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعا وتطوف لكل واحدة منهما طوافا قال منصور بن إبراهيم راوي الحديث عن أبي نصر فذكرت ذلك لمجاهد فقال ما كنت أفتي الناس إلا بطواف واحد فأما الآن فلا. قال الطحاوي: فاستحال أن يكون علي رضي الله عنه يأمره بخلاف ما فعلوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك أيضا عن ابن مسعود أنه قال القارن يطوف طوافان ويسعى سعيين وهو ممن قد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم - في حجته وإذا كان لا طواف للعمرة إلا طواف القدوم وطواف القدوم للحجة ليس يغني عن الطواف لها بعد الرجوع من منى لأن الطواف لها بعد الرجوع من منى هو الفرض والطواف للعمرة الذي هو الفرض فيها هو الطوف عند القدوم فكان موضعهما مختلفا عقلنا بذلك أن أن من جمع الحج والعمرة فقد جمع إحرامين الطواف لكل واحد منهما في وقت غير الوقت الذي يكون فيه الطواف الاخر منهما فعقلنا بذلك أنهما طوافان لا طواف واحد وروى عن جابر بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج معنا النساء والولدان فلما قدمن مكة طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقال لنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يكن معه هدي فليحل" قلنا: أي الحل؟ قال: "الحل كله" فأتينا النساء ولبسنا الثياب ومسسنا الطيب فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة هذا مشكل لأن السعي بين الصفا والمروة. مما لا بد منه في الحج في قول أهل العلم جميعا فلا يجزي فيه الطواف بينهما قبل الدخول في الحج الذي كان منهم قبل أن يتحول ما كانوا فيه إلى العمرة وقد خالف ذلك ما في حديث عائشة الذي ذكرناه فيما تقدم من قولها فيه فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم هو على طواف كالطواف الأول الذي كانوا طافوه للعمرة وفيه الطواف بين الصفا والمروة وهو أولى من حديث جابر لما قد بيناه قبل هذا من وجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة وروى عنه أيضا خرجنا مع رسول الله صلى اله عليه وسلم في حجة الوداع لسنا ننوي إلا الحج حتى إذا كان آخر الطواف على المروة قال إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان ليس معه هدي فليحلل إنما افترق من ساق الهدي ممن لم يسقه في الاحلال بعد تمام العمرة التي رجعوا إليها بعد أن كان إحرامهم بالحج من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يسق الهدي أنه يحل بعد فراغه من عمرته كما يحل المعتمر الذي لا يريد التمتع وأنه ذا ساق هديا لتمتعه لم يحل بين عمرته وحجته حتى يكون إحلاله منهما معا على ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من رواية حفصة قالت: قلت يا رسول الله ما شان الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: "إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أحل من الحج" وعلى ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من رواية ابن عباس أنه قال: "هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله فقد دخلت العمرة في الحج". ومن رواية عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لو استقبلت من أمري

ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت مع الناس حين حلوا من العمرة", وهكذا كان أبو حنيفة وأصحابه والثوري يقولون في المتمتع بالعمرة إلى الحج أنه لا يحل بينهما إذا ساق الهدي حتى يحل منهما جميعا والحجازيون يخالفونهم في ذلك ولا يجعلون لسياقة الهدي في هذا المعنى ويقولون أن المتمتع بعد فراغه من عمرته يحل منهما سواء كان ساق هديا أو لم يسقه وليس لأحد أن يخرج عما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل بغير خصوصية في ذلك لأحد دون أحد وروى عنه أيضا أن عليا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن ومعه هدي فقال له: "ماذا قلت حين فرضت الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال: "فلا تحلل فإن معي هديا" وفيما روى عن أبي موسى قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وهو منيخ بالبطحاء فقال لي: "بما أهللت؟ " قلت: إهلالا كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أحسنت طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحل" إنما افترق أمرهما في الإحلال مع استوائهما في الإهلال لأن عليا كان معه هدي ولم يكن مع أبي موسى هدي والإهلال لا يوجب اللبث بين العمرة والحج حتى يكون الإحلال منهما معا إنما الذي يوجب ذلك الهدي الذي ساق لهما لا ما سواه وفي إهلال كل واحد منهما بمثل إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرم ولا بما به أحرم دليل على أن من أحرم كإحرام فلان دون أن يدري ما هو أنه يكون محرما كإحرامه ولا يضره جهله بذلك وأن من دخل في شيء قبل علمه بدخول وقته أو قبل علمه أن ما كان دخل فيه له قد كان أنه يرد إلى حقيقة ذلك الشيء فيجعل من دخل فيه على جهله كمن دخل فيه على علمه من ذلك من دخل في صلاة الظهر ولا يعلم أن الشمس قد زالت ثم علم أنها قد كانت زالت أن صلاته تجزئه كما تجزئه لو كان دخل فيها بعد علمه بدخول وقتها ومثل ذلك من دخل في صوم يوم على أنه يصومه من رمضان ولم يعلم أن الهلال قد رئى قبل ذلك أن الصوم يجزئه من رمضان كما كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون في ذلك وبخلاف ما كان يقول مخالفهم فيه من أنه لا يجزئه حتى يعلم وجوب فرضه عليه قبل دخوله فيها وبالله التوفيق.

في الطواف

في الطواف عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أحل لكم فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير" فيه دليل على أن الطائف ينبغي أن يكون حاله كحال من يصلي في الطهارة وستر العورة والخشوع والحضور وأن لا يخرج إلى ما يمنع من مثله المصلي إلا إلى ما أبيح له مما يكون به طائفا وهذا مثل ما قلنا في بيان النهي عن تشبيك الأصابع في التوجه إلى المسجد وروى عن طاوس عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الطواف صلاة فإذا طفتم فأقلوا الكلام" فقد يكون ذلك الرجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فلا تقوم به الحجة على مذاهب أصحاب الإسناد واختلف الفقهاء فيمن طاف الطواف الواجب جنبا فقال بعضهم أن عليه أن يعيده فإن لم يفعل حتى رجع إلى أهله عليه بدنة ويجزئه وإن كان طافه وهو على غير وضوء ولم يرجع إلى أهله ولم يعده كان عليه دم ويجزئه ذلك عن الطواف وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقال غيرهم من أهل الحجاز ومن سواهم: لا يجزئه وهو عندهم كمن لم يطف والأولى بنا إذا لم نجد فيه شيئا من كتاب ولا سنة أن نرجع إلى النظر الصحيح ونقول فيه بالجواز قياسا على الإهلال بالحج والعمرة لأنهم قد أمروا ألا يفعلوه إلا مع الطهارة كما أمروا ألا يطوفوا إلا وهم طاهرون فلما كان عدم الطهارة لا يمنع صحة الإحرام كان مثله الطواف.

في السعي

في السعي عن الزهري عن عروة قال: سألت عائشة فقلت: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية فقلت: والله ما على أحد جناح

ألا يطوف بين الصفا والمروة فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي, إن هذه الآية لو كانت على ما تأولتها عليه كانت "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" وإنها إنما أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما قال الزهري: فأخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن بالذي حدثني عروة عن عائشة فقال أبو بكر: إن هذا العلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يزعمون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهلل لمناة الطاغية كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله عز وجل الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بالصفا والمروة قالوا هل علينا يا رسول الله أن نطوف بالصفا والمروة فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قال أبو بكر فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما في الذين كانوا يتحرجون في الجاهلية أن يطوفوا بالصفا والمروة والذين كانوا يطوفون في الجاهلية بين الصفا والمروة ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام من أجل أن الله أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة مع الطواف بالبيت حين ذكره وقد روى عن عائشة أنها قالت: ما تمت حجة أحد ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة لا يقال رأيا فإن قيل فقد كان ابن عباس يقرؤها فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قلنا: يحمل لا على الصلة كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} بمعنى ليعلم وكقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} بمعنى أن تسجد فيكون معناه أن يطوف حينئذ على ما عليه القراءة الثابتة في الصحف التي قامت بها الحجة وقد روى عن أنس مثل حديث عائشة بزيادة قوله: وهما

تطوع" وذلك رأي منه إذ لم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد خالفته عائشة في ذلك وروت أنه سن الطواف بهما في الحج والعمرة جميعا وقالت هي ما تمت حجة أحد ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة فكان هذا عندنا أولى من قول أنس لاسيما وفقهاء الأمصار لا يختلفون فيه ولم يقولوا ذلك كابرا عن كابر إلا بما وجب أن يقولوه به فلا معنى لخلاف ذلك ولا يصلح القول به والله أعلم.

في عرفة والمزدلفة

في عرفة والمزدلفة عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرفة والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر وشعاب منى كلها منحر" يحتاج إلى الوقوف على سبب الارتفاع عن بطن عرفة لكون عرنة ليس من عرفة أم لغير ذلك فوجدنا ما روى عن علي بن أبي طالب قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: "هذه عرفة وهذا الموقف وعرفة كلها موقف وجمع كلها موقف". وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفة موقف وكل المزدلفة موقف" يدل على أنه من عرفة قطعا لكن ما روى عن شرحبيل قال: سمعت عمرو بن معد يكرب يقول: كنا عشية عرفة ببطن عرنة نتخوف أن يتخطفنا الجن فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجيزوا إليهم فإنهم أسلموا إخوانكم" كذا روى والأصح "فإنهم إذا أسلموا إخوانكم" أي إذا صاروا مسلمين فيه أنهم كانوا يقفون عشية عرفة ببطن عرنة خوفا منهم على أنفسهم أن يتخطفهم الجن وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجيزوا إليهم أي إلى ما سوى بطن عرنة من عرفة وهي المواضع التي كانت الجن فيها قبل ذلك وكانوا يخافون من غواتهم فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم انهم إخوانهم إذ قد اسلموا فكان هذا الأمر بعد إسلام الجن. فإن قيل فهل كان الجن يحجون قبل إسلامهم قلنا وما يمنع من ذلك

كما كان كفار بني آدم يحجون حتى نسخ بقوله تعالى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فأنذروا في الحجة التي حجها أبو بكر وأما أمره صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عن محسر وهو من المزدلفة فذلم بمعنى آخر يحتمل أن يكون لخروجه من مشاعر إبراهيم فأمر الناس بالرفع عنه وبالرجوع إلى مشاعر إبراهيم والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في الإفاضة من عرفات

في الإفاضة من عرفات روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الصبح يوم عرفة بمنى مكث قليلا حتى طلعت الشمس فركب وأمر بقبة من شعر فنصبت له بنمرة فسار ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس فيه أن قريشا كان موقفهم يوم عرفة خلاف الموقف الذي يقف فيه الناس اليوم وذلك لأن عرفة ليست من الحرام وقريش لا تجاوز الحرم ولا تقف لحجها في يوم عرفة إلا في موضع الحرم وكان ذلك هو المزدلفة وروى عن محمد بن جبير عن أبيه قال ذهبت اطلب بعير إلى يوم عرفة فخرجت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة مع الناس فقلت إن هذا من الحمس فما له خرج من الحرم وكانت قريش تقف بالمزدلفة. وروى عن عائشة كانت قريش تقف بالمزدلفة ويسمون الحمس وسائر العرب تقف بعرفة فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقف بعرفة ثم يدفع منها وأنزل عليه {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ففيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان في الجاهلية لتوفيق الله إياه يقف يوم عرفة حيث يقف الناس سوى قريش وفي الآية دليل على أن الإفاضة من ذلك المكان وقد كان منهم قبلها وقوف فيه وقد روى عن يزيد بن سنان

قال: أتانى ابن مربع الأنصاري بعرفة ونحن في مكان الموقف فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم هذه فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم عليه السلام فيه دليل على أن عرفة قد كان من مواقف إبراهيم في الحج حيث يقف الناس اليوم لحجهم.

في الإفاضة من جمع

في الإفاضة من جمع روى عن الشعبي عن عروة بن مضرس قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله احفيت وانقبت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك جمعا والإمام واقف ووقف مع الإمام ثم أفاض مع الناس فقد أدرك الحج ومن لم يدرك فلا حج له" فوت الحج بفوات الوقوف بجمع لم ينقله أحد عن الشعبي غير مطرف بن طريف فأما الجماعة من أصحابه فلا يذكرونه فيه وإنما يروون عنه عن عروة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت: يا رسول الله هل لي من حج وقد أنضيت راحلتي, فقال: "من صلى معنا هذه الصلاة وقد وقف معنا" قبل ذلك وأفاض من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه وزاد بعضهم من شهد معنا هذه الصلاة ووقف معنا حتى نفيض وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه وزاد بعضهم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برق الفجر ثم ذكر الحديث وقال بعضهم: جئت من جبلي طيء وقد أتعبت نفسي وانضيت راحلتي ولم يبق جبل من جبال عرفة إلا قد وقفت به فهل لي من حج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى معنا صلاتنا هذه" الحديث فتأملنا زيادة مطرف عن الشعبي على أصحابه بعد وقوفنا على اتفاق فقهاء الأمصار على أن من فاته الوقوف بجمع وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك لا يفوته الحج بل هو مدرك له ويجيز ما فاته منه بالدم غير شرذمة ذهبت إلى فوات حجه إن فاته الوقوف بجمع بعد طلوع الفجر كفوت الوقوف بعرفة حتى يطلع الفجر ولا نعلم أحدا ممن تقدم نقل هذا عنه غير علقمة بن قيس مع أنه يحتمل أنه أراد به التغليظ

في التخلف عن المزدلفة كمثل ما روى "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له" فكذلك قوله: "لا حج له" يريد كحج من أدرك الصلاة معنا بالمزدلفة ووقف بها ويؤيده النظر الصحيح وذلك أنا قد وجدنا الوقوف بعرفة من صلب الحج لا يجزئ الحج إلا به كان له عذر أو لم يكن وجمع ليس كذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لسودة أن تفيض منها قبل أن تقف قالت عائشة: كانت سودة ثبطة ثقيلة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع قبل أن تقف فأذن لها ولوددت أني كنت استأذنته فأذن لي. وكذا قدم ضعفه أهله من جمع بليل ويرتفع بعذر فليس من صلب الحج ألا ترى أن طواف الإفاضة فرض لا يرتفع بعذر وطواف الصدر بخلافه فإن الحائض عذرت في تركه.

في من أدرك جمعا

في من أدرك جمعا روى عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات فأقبل ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال: "الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج" أيام منى ثلاثة أيام أيام التشريق {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ثم أردف خلفه رجلا ينادي بذلك معنى قوله: "فقد أدرك الحج" أي لم يفته كما فات من لم يدرك الوقوف بعرفة لا أنه كمن أكمل حجه حتى لا يحتاج إلى عمل ما بقي منه عليه ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" ليس يعني أنه كمن صلاها ولكنه بمعنى أنه قد أدرك من ثوابها ما أدركه من دخل فيها من أولها ومعنى {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} أي في تركه الترخيص برخصة التعجيل في يومين غذ لا يقال لا إثم عليك إلا لمن قصر فيما رخص له فيه ومن لم يتعجل في يومين فلم يقصر في شيء فإنما رفع الحرج عنه في ترك الأخذ بالرخصة كما لا يقال لمن صلى في أول وقتها لا إثم عليك.

في الجمار

في الجمار عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعفة أهله ليلا من جمع وقال لهم: "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" وخرجه من طرق كثيرة في بعضها: "لا ترموا الجمرة إلا مصبحين" وتصحيح ذلك مع غيرها من الأحاديث على المنع من جمرة العقبة يوم النحر حتى تطلع الشمس وإذا كان هذا حكم المترخص بالتعجيل من هناك كان من لا رخصة الأحاديث على المنع من جمرة العقبة يوم النحر حتى تطلع الشمس وإذا كان هذا حكم المترخص بالتعجيل من هناك كان من لا رخصة له في ذلك بالنهي أولى وبهذا احتج الأوزاعي والثوري على إعادة الرمي إن رمى جمرة العقبة قبل طلوع الشمس وهو القول عندنا إذ لا خروج عما قاله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي مجلز سألت ابن عباس عن رمي الجمار فقال: والله ما أدري بكم رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع. وروي عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا أدري بكم رمى النبي عليه الصلاة والسلام وعن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منهن فدل ذلك على أنه إنما أخبر في الحديث الأول عن رؤية نفسه ثم أخبر في الحديث الثاني بحقيقة عدد ما رماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه سبع حصيات ومثل هذا يتأول على جابر بن عبد الله فيما روى عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة مثل حصى الحذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف. وقد تعلق قوم بما روى عن ابن عباس وجابر في هذا من قولهما فأباحوا بذلك للحاج أن يرمي الجمرة بما شاء من الحصى بغير عدد يقصد إليه قصر عن السبعة تجاوزها وذكروا في ذلك ما روى عن أبي حية الأنصاري أنه قال: لا بأس بما رمى به الإنسان الجمرة من الحصى يقول من عددها فبلغ قوله ذلك ابن عمر فقال: صدق أو حية رجل من أهل بدر وما روى عن سعد بن أبي وقاص قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم في حجته منا من رمى بسبع وأكثر وأقل فلم يعب

ذلك علينا. وما روى عنه أيضا قال رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول: رميت بسبع وبعضنا يقول: رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض ولكن قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رمى الجمرة بسبع سبع" من رواية عبد الله بن عمر وعائشة وسليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه فكان الرمي بعدد معلوم كما كان منه الطواف بالبيت والسعي بعدد معلوم أولى أن يؤخذ به مع أنه قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذ أمتي مناسكها فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا" ليتبع في أفعاله فكما وجب أن يتبع في عدد الأشواط ولا يخرج عنها بزيادة ولا نقصان فكذلك يجب أن يتبع في عدد الحصى ولا يخالف ولا يعصى. وروى عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافى الضحى معه بمكة يوم النحر1 لا حجة للشافعي فيه على تجوزيه رمي جمرة العقبة قبل الفجر ليلة النحر بعد مضي نصف الليل إذ لا يمكنها الموافاة بمكة ضحى إلا وقد دفعت من جمع قبل طلوع الفجر لبعد المسافة بينهما فلابد من رميها جمرة العقبة قبل طلوع الفجر لأن مداره على أبي معاوية محمد بن خازم الضرير واضطرب فيه فرواه مرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم سلمة ورواه مرة عنها بالسند أن رسول الله صى ل الله عليه وسلم أمرها يوم النحر أن توافى معه صلاة الصبح بمكة وهذا خلاف ما في الحديث الأول لأن فيه أمرها يوم النحر بهذا عن اليوم الذي بعده وذكر أحمد بن حنبل الحديث الأول وقال أنه خطأ ولم يسنده غير أبي معاوية وقال وروى عن عروة مرسلا أنه أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر بمكة وهو أيضا عجب وما يصنع النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمكة ينكر ذلك وسألت عن ذلك يحيى بن

_ 1 بهامش الصل – قال القاضي كذا وقع في الأم وأراه أن توافي الصبحفهو الذي يدل عليه ما بعده من الأحاديث ويستقيم التعلق به للشافعي رحمه الله تعالي.

سعيد فقال إنما الحديث أن توافي ليس أن توافيه. قال الطحاوي: وهذا كلام صحيح يجب به فساد الحديث وقد روى عن هشام بن عروة عن أبيه أن يوم أم سلمة دار إلى يوم النحر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تفيض فرمت جمرة العقبة وصلت الفجر بمكة ويحتمل أن يكون رميها كان بغير أمره إياها ويكون الذي أراده صلى الله عليه وسلم منها ما أراده من غيرها من ضعفة هلها أن يرموها بعد طلوع الشمس على ما قد ذكرناه وقد روى مسندا عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن توافيه يوم النفر بمكة زاد غيره من الرواة وكان يومها فأحب أن توافيه. وقد روى أن أفاضة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة إنما كان في آخر يوم النحر وروى عنه أنه أخر طواف الزيارة إلى الليل ففي هذا دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن به حاجة إلى موافاة أم سلمة إياه يوم النحر بمكة وفيه ما دل على فساد حديث أبي معاوية المبدي بذكره قال القاضي: ويحتمل أن يأول على أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها يوم النحر أن توافى معه الضحى بمكة على ما في الحديث الذي بعده فيستقيم معناه ولا يكون الإنكار من أنكره وجه ويسقط احتجاج الشافعي لمذهبه الذي قد شذ فيه وخرج به عن الجمهور.

في المبيت بمنى

في المبيت بمنى روى أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية فأذن له فيه أن من سوى العباس ممن لا سقاية له لا يرخص في المبيت عن منى ليالي منى وما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى لا يضاده لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم يزوره ويرجع قبل نصف الليل فيبيت في ليلته تلك بمنى بل فيه دليل على أنه لا يلزم أن لا يبرح الحاج عن منى لياليها وإنما عليه أن لا يبيت إلا بها ولهذا يجوز أن يأتوا

مكة بليل فيكوفوا طواف الزيارة ثم يرجعون إليها للمبيت ألا ترى أن من حلف أن لا يبيت في هذا المنزل الليلة فأقام فيه قبل نصفها لا يحنث ولو أقام أكثر من نصفها ثم خرج عنه إلى غيره فأقام فيه بقيتها يحنث لأنه بات فيه يحققه أنك إذا لقيت رجلا قبل نصف الليل حسن أن تسأله أين يبيت وإذا لقيته بعد نصف الليل حسن أن تسأله أين بات.

في الحلق والتقصير

في الحلق والتقصير روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحم المحلقين" قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصرين" سبب تكرار الدعاء للمحلقين هو ما روى أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال: "إنهم لم يشكوا" وذلك أن يوم الحديبية لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق معه كثير من الصحابة وأمسك آخرون فقالوا: والله ما طفنا بالبيت فقصروا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم المحلقين" الحديث فلما توقفوا وبادر المحلقون إلى الاقتداء به فضلوا عليهم لا لفضل في نفس الحلق لأن الله تعالى أباحهما فقال: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ} ولكن لأن السبق إلى المعرفة يوجب الفضيلة للسابقين إليها كما وجبت الفضيلة لأبي بكر بسبقه إلى التصدييق في إخباره صلى الله عليه وسلم بإتيان بيت المقدس من مكة ورجوعه منه إلى منزله في ليلته وكما وجبت الفضيلة لخزيمة بشهادته لرسول صلى الله عليه وسلم على الأعرابي حتى سمى ذا الشهادتين لما سبقعم إلى معرفة جواز أداء الشهادة بدعواه صلى الله عليه وسلم وإن لم يشاهد الحال فكذا المحلقون فضلوا على المقصرين بسبقهم إلى الطاعة وانتفاء الشك عن قلوبهم وعلمهم أن ما عاينوا منه أولى بهم مما قدمت معرفتهم به وروى أن المقصرين إنما كانوا رجلين أحدهما من قريش والآخر من الأنصار قال القاضي: ويمكن أن يقال الحلق أفضل لكونه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكونه أبلغ في قضاء التفث أشق والأجر على قدر التعب

والإجماع على أن فضيلة الحلق لا تختص بأهل الحديبية بل هي باقية إلى يوم القيامة فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.

في نفي الحرج عمن قدم أو أخر

في نفي الحرج عمن قدم أو أخر روى عن أسامة بن شريك قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حاجا فكان ناس يأتونه فمن قائل يقول له: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف: وأخرت شيئا, وقدمت شيئا فكان يقول: "لا حرج لا حرج إلا رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم له فذلك الذي حرج وهلك". أكثر الفقهاء على أن من سعى قبل الطواف لا يجزئه وهو كمن لم يسع ولا نعلم لأهل الحجاز والعراق مخالفا غير الأوزاعي فإنه قال: يجزئه ولا يعبده بعد لطواف وروى عن عطاء مثله ولكنهم اختلفوا في القارن إذا حلق قبل أن يذبح هديه قال أبو حنيفة ومالك وزفر: أن عليه الفدية لأنه حلق قبل أوانه وأكثرهم كأبي يوسف ومحمد والشافعي يقولون: لا شيء عليه في ذلك ويحتجون بما روى عن علي قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق, قال: "فاحلق ولا حرج" وجاءه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي قال: "ارم ولا حرج". وبما روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يحلق قال: "لا حرج لا حرج" قال القاضي: صوابه ذبح قبل أن يرمى لأن الذبح حقه أن يكون قبل الحلق وبما روى عن ابن عباس أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحق والرمي والتقديم والتأخير فقال: " لا حرج" وبما روى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس يسألونه فجاءه رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح, فقال: "اذبح ولا حرج" فجاءه آخر فقال: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال: "ارم ولا حرج" فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج".

ولا حجة لهم في هذه الآثار على عدم وجوب الفدية على القارن لأنه يحتمل أن يكون السائل غير قارن فيكون الذبح عليه غير واجب فيكون ما فعل من ذلك قد فعله ولا شيء يمنعه منه وإن كان قارنا فنفى الحرج والإثم عنه إذا لم يشعر لا يستلزم نفي الفدية كما لم يستلزم نفي الحرج في حديث أسامة نفي إعادة السعي الواقع قبل الطواف ويؤديه قول ابن عباس فيما روى مجاهد عنه من قدم شيئا من حجه أو أخر فليرق دما وهو أحد من روى ذلك فدل أنه لا منافاة بين وجوب الفدية ورفع الحرج.

في المحصر

في المحصر عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأسلمي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كسرا وعرج فقد حل وعليه حجة أخرى" قال فحدثت بذلك ابن عباس وأبا هريرة فقالا: صدق قوله: "فقد حل" أي له أن يحل بما يحل به مما هو فيه من الإحرام كما يقال للمطلقة بعد انقضاء عدتها حلت للأزواج أي بتزويج يستأنف عليهابطريقه حتى تصير حلالا وكذا قوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ} فإنها بنكاح الزوج الثاني لا تعود حلالا للأول ولكنها تعود إلى حال يحل استئناف النكاح عليها بطريقه فمن كسر أو عرج لم يخرج عن إحرامه ولكنه سبب حل له به أن يفعل فعلا يخرج به من إحرامه بأن يبعث هديا إلى مكة فإذا نحر الهدى حل على ما روى أن رجلا من النخع أهل بعمرة فلدغ فبينما هو صريع في الطريق إذ طلع عليهم ركب فيهم ابن مسعود فسألوه فقال: ابعثوا بالهدى واجعلوا بينكم وبينه إمارة فإذا كان ذلك فليحل فقد عاد بما ذكرنا هذا الحديث إلى أن لا استحالة فيه. وروى عن ابن عباس قال: جاءت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج فكيف تأمرني أن أهل؟ قال: "أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني" فأدركت الحج، وخرجه من طرق كثيرة قد ذكرنا فيما تقدم أن قوله: فقد حل له أن يحل من غير

دليل ويوجب هذا التأويل ويمنع غيره ثم ظهر لنا بحديث ضباعة أن المراد بالحل الخروج من الإحرام حقيقة للحادثة التي منعته من النفوذ في حجه ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديثين بهدى فعقلنا بذلك أن الحكم كان كذلك أو لا ثم جعل الهدى بعد ذلك لمن يصير محصرا لا يخرج عن إحرامه إلا بنحر الهدى بقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} وهي آية محكمة. ثم روى عن علقمة في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الآية قال: إذا احصر الرجل بعث بالهدى ولا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدى محله فمن كان به مرض أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع والنسك صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع والنسك شاة فإذا أمن مما كان فيه فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فإن مضى من وجهه ذلك فعليه حجة وإن أخر العمرة إلى قابل فعليه حجة وعمرة {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} آخرها يوم عرفة {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ} وذكر ذلك لسعيد بن جبير فقال هذا قول ابن عباس وعقد ثلاثين فعقلنا بمنع ابن عباس في رواية سعيد عنه من الإحلال مع الكسر والعرج حتى ينحر الهدى أنه قد رجع إلى ذلك عن تصديق الحجاج وحديث ضباعة عن مثل ما كان عليه حديث الحجاج وإن النسخ قد لحقهما جميعا بما في هذه الآية من منع المحصر أن يحل حتى ينحر عنه وقد كان ابن عمر ينكر الاشتراط في الحج ويقول حسبكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم حابس فإذا وصل إلى البيت طاف وسعى ثم يحلق أو يقصر ثم يحل وعليه الحج من قابل ومحال أن يكون ابن عمر أنكر ذلك إلا بعد أن بلغه ما روى في ذلك لأن علمه وورعه يمنعه أن يدفع شيئا روى له إلا بما يجب له دفعه من نسخ وغيره. لا يقال: إن كان ابن عمر دفعه فغيره عمل به روى أن عثمان كان واقفا بعرفة إذ جاء رجل فقال أما اشترطت وهلا اشترطت لأنه منقطع لا يحتج بمثله

وما روى عن عروة أن عائشة أمرته أن يشترط إذا حج ويقول: اللهم الحج أردت وإليه عمدت فإن تيسر لي فإنه الحج وإن حبست فإنها عمرة يدل على نسخ حديث ضباعة لأن الذي في حديثها اشترطاها إحلالا يخرج به من الحج لا إلى عمرة والذي أمرت به عائشة إنما هو على خروجه أن حبس من حج إلى عمرة وهي العمرة التي تجب على من يفوته الحج حتى يحل بها من ذلك الحج. وما روى عن إبراهيم أنه قال: كانوا يشترطون عند الإحرام يحتمل أن يكون كاشتراط ضباعة أو كاشتراط عروة وقد روى عنه قال: كانوا يقولون اللهم إني أردت الحج أن تيسر لي وإلا فعمرة أن تيسرت وإلا فلا حرج فعلم أنه كان على ما أمرت به عائشة عروة فيكون مؤكد النسخ حديث ضباعة ومعنى قوله فلا حرج أي على أن لم آت بما أحرمت به على ما يوجبه إحرامي علي لأن ذلك ليس باختياري واتفاق فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم على خلاف ما في حديث ضباعة دال على نسخه إذ لا تجتمع الأمة على خطأ.

في الهداية

في الهداية ورى عن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وإن أقسم جلودها وجلالها وأمرني أن لا أعطي الجاز ومنها شيئا وقال: "نحن نعطيه من عندنا" وخرج الحديث من طرق في بعضها "ولا نعطي في جزارتها منها شيئا" وفي بعضها: "أنه كانت مائة فيها جمل لأبي جهل مزموم ببرة فضة وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر منها بيده ستين وأعطى عليا أربعين" فيه فوائد من الفقه منها جواز تولية النحر لغيره وقيام نحر المأمور مع نيته مقام نحر الآمر ونيته ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بتصدق أجلة بدنه وخطمها كما يتصدق بلحمها وإجزائها إعطاء للجلال والخطام حكمها ومنها تجويز الاستئجار على نحرها بأجرة في ذمة الآمر أو المأمور من غير تعيين وجاز في ذلك ملك عمل بغير عينه على الجزار بأجرة بغير عينها يملكها على جزارته

مخالفا للعقود في البياعات على الأشياء التي ليست بأعيان بالإبدال التي ليست بأعيان لإفضائها إلى الكالي بالكالي المنهى عنه ومنها جواز الأكل من لحومها لمن نحر من ملاكها ومنها جواز الشركة في الهدايا لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أشرك عليا في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فكلا من لحمها وشربا من مرقها الحديث ومنها وجوب الأجرة على الوكيل فيما يستأجره لغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب عليا أن لا يعطيه عن أجرته من لحوم البدن شيئا ولو لم يكن لعلي ذلك لاستغنى عن النهي لأنه غير مطلوب به لأن الأجرة ليست عليه ومنها استعمال الفضة في البرة للهدايا بخلاف استعمالها في الأكل والشرب.

في البدنة عن سبعة

في البدنة عن سبعة وبوى عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدى وكان الهدى سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل فكان كل بدنة عن عشرة انفرد محمد بن إسحاق برواية هذا الحديث عن ابن شهاب وخالفه سواه عنه فيه فقالوا: إن عدد القوم الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ كانوا بضع عشرة مائة وهو الصواب لأن الجماعة أولى بالحفظ من الواحد ولأن جابرا والبراء شهدا القصة قالا إن عددهم كان ألفا وأربعمائة وروى عن جابر أيضا كانوا ألفا وخمسمائة والبدن يحتمل أن تكون سبعين أو غير ذلك إلا أنا وقفنا على أنه إنما نحرت كل بدنة منها عن سبعة كذا روى عن جبار من وجوه كثيرة ففيه أن السبعين لم تنحر إلا عن خاص من القوم الذين عددهم ألف وأربعمائة وما روى عن ابن عباس أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فضحينا البعير عن عشرة ففيه موافقة جابر في السبعة وزيادة عليها فصارت السبعة إجماعا والزيادة مقبولة إلا أنه قد عارضها ما روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجزور عن سبعة" فكان أولى لأن فيه من التوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على السبعة ما يمنع أن يجزئ عما هو أكثر من ذلك وقد احتج بعض الناس للسبعة بما روى ابن عباس قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: على ناقة وقد عذبت على؟ 1 فقال: "اشتر سبعا من الغنم" وهو حديث فاسد الإسناد لا يوبه به.

_ 1 كذا في الصل.

في الفرق بين البقر والبدنة

في الفرق بين البقر والبدنة وروى عن ابن عباس قال: قلت: البدن فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقر ليس فيه أنه أمر بالبقر لأنها بدن فيحتمل أنه أمر بها لأنها تجزئ مما تجزئ عنه البدن بدليل حديث المهجر إلى الجمعة أنه كالمهدى بدنه ثم الذي يليه كالمهدى بقرة ثم الذي يليه كالمهدى شاة الحديث ففرق بين البدن والبقر في الاسم والثواب والذي يروى عن جابر من إدخال البقر في البدن لا يعارض ما تقدم لأنه موقوف على جابر من قوله.

في نهبة لحم الهدايا

في نهبة لحم الهدايا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النهبة وأنه قال: "أن النهبة لا تحل" وأنه قال: "من انتهب فليس منا" المراد به انتهاب ما لم يؤذن في انتهابه بدليل ما روى عن عبد الله بن قرط أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القر" فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمسا أو ستا فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فلما وجبت جنوبها قال: كلمة خفية لم أفقهها فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قال: "من شاء اقتطع" وما روى أن صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انحرها ثم الق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها" لأنه صلى الله عليه وسلم أباح في هذين الحديثين للناس الذين يحل لهم ذلك الهدى أخذ ما يجوز لهم أخذه منه بغير قصد منه إلى ناس بأعيانهم وإلى مقدار من الهدى لمن يأخذه منهم فتبين بذلك ما قلنا.

في الحج عن الغير

في الحج عن الغير عن علي بن أبي طالب قال: استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية شابة من خثعم فقالت: إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله تعالى في الحج أفيجزيني أن أحج عنه؟ قال: "حجي عن أبيك" ولوي عنق الفضل, فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك, فقال: "إني رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" وروى عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله إن أمي عجوزة كبيرة إن أنا حملتها لم تستمسك وإن ربطتها خشيت أن أقتلها؟ قال: "أرأيت لو كان على أبيك أو علي أمك دين أكنت تقضيه؟ " قال: نعم, قال: "فاحجج عن أبيك أو عن أمك" وخرج الآثار بذلك من طرق بألفاظ مختلفة ومعان متفقة لا يقال فيه دليل على أن الحج يسلك به مسالك الديون حتى يكون ما يحج به عنه من المال دينا عليه في تركته وإن لم يوص بذلك لأنه لو كان دينا لما شبه بالدين إذ الشيء لا يشبه بنفسه وإنما هو حق في بدن من هو عليه حتى يخرج إلى الله تعالى منه عنه كالدين في ذمة من هو عليه حتى يخرج صاحبها منه أو يخرج إليه منه غيره عنه فلا دليل في هذه الآثار على وجوب قضائه من جميع المال ولا من ثلثه وفيه أن من قضى دين غيره بغير أمره لم يكن له به عليه رجوع وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي خلافا لمالك ومن يتابعه عليه.

في حج الصرورة

في حج الصرورة روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة, قال: "ومن شبرمة؟ " قال: أخ أو قريب لي قال: "هل حججت قط؟ " قال: لا, قال: "اجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة" استدل بعض بهذا أن من حج عن غيره قيل أن يحج عن نفسه فهو عن نفسه ثم قاسوا عليه أنه لو حج عن نفسه

تطوعا قبل حجة الإسلام أن حجه يكون عن الفرض ثم ناقضوا في صوم رمضان فقالوا من صام في رمضان تطوعا لا يجزيه من الفرض ولا من التطوع وكان الواجب عليهم على قياس الحج أن يجعلوه من رمضان لا من التطوع بالطريق الأولى لأن رمضان وقت للفرض ومعيار له لا يسعه غيره بخلاف وقت الحج ثم هذا الحديث معلول والصحيح أنه موقوف على ابن عباس غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى أنه قال: "فابدأ أنت فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" والذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى من رواية ابن عباس أنه سئل عن رجل لم يحج أيحج عن غيره قال: "دين الله أحق أن تقضيه" وليس فيه أنه لو أحرم عن غيره كان ذلك الإحرام عن نفسه والذي يدل على جواز الحج عن غيره وإن لم يحج عن نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله الذي عن غيره أطلق له ذلك ولم يسأله أحججت عن نفسك حجة الإسلام أم لا والذي يدل على أن حج التطوع ممن لم يحج حجة الإسلام جائز ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أكملها كتبت كاملة وإن لم يكن أكملها قال الله تعالى انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فاكملوا به ما ضيع من فريضته والزكاة مثل ذلك" ثم تؤخذ الأعمال على حساب ذلك فدلنا ما في هذا أن الرجل قد يكون منه حج تطوع وإن لم يكن له حج فرض وكما أن من لم يصل الفرض بعد دخول وقته وصلى تطوعا ثم صلى بعد ذلك الفرض كان كذلك من دخل عليه وقت الحج ووجب عليه فرضه له أن يحج تطوعا عن نفسه أو فرضا عن غيره ثم يحج الفرض لنفسه1.

_ 1 قال القاضي وهذا الاختلاف عند جار علي اختلافهم في الحج هل هو علي الفور او علي التراخي، قلت لو يجري علي ذلك الاحتلاف، لكان الحكم بالعكس لأن عند الشافعي وجوب الحج موسع لا مضيق وليس علي الفور وعنده فافهم. فوائد جمالية. هكذا وجد في هامش الأصل.

في حج الصغير

في حج الصغير روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بعضض صبي معها فقالت: ألهذا حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ولك أجر" اختلف أهل العلم فيما يفعله الصبي من المحظورات فقال بعضهم: لا شيء فيه عليه ولا على غيره وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وقال بعضهم الكفارة على من أدخله فيه وقال بعضهم: كفارته على الصبي ولا وجه للقولين الأخيرين لأن الإحرام المجنى عليه لم يكن للذي أدخل الصبي فيه حتى يجب عليه ما يجب فلا يكون عليه تخليص الصبي مما وجب عليه والإجماع منعقد على أن كفارة اليمين وسائر الكفارات لا تجب على الصبي لأنه رفع القلم عنه وكفارات الحج عقوبات ونكال قال تعالى في جزاء الصيد {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} والعقوبات مرتفعة عن الصبي فلم يبق إلا القول الأول وهو الأولى ودخوله في الإحرام لا يلزمه ما يلزم البالغين كدخوله في الصلاة لا يجب عليه فيها ما يجب على البالغين وأصله ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر" وضربه لأن يعتادها ليكون خلقا له بعد بلوغه.

في بعث أبي بكر ثم علي رضي الله عنهما بسورة براءة

في بعث أبي بكر ثم علي رضي الله عنهما بسورة براءة ... في بعث أبي بكر ثم على بسورة براءة ورى عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببراءة إلى مكة مع أبي بكر الصديق ثم أتبعه بعلي فقال: "له خذ الكتاب وامض به إلى أهل مكة" فلحقته فأخذت الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال: يا رسول الله أنزل في شيء قال: "لا إلا أني أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي". وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر في بعض الطريق

إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء فخرج أبو بكر وظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علي فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره على الموسم وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فقام على أيام التشريق فقال: "ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن" فكان علي ينادي بها فإذا بح قال1 أبو هريرة: فنادى بها وخرج الآثار في ذلك أكملها حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عيه وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح ثم استوى ليكبر فسمع الرغوة خلف ظهره فوقف علن التكبير فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد بداله في الحج فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي معه فإذا على عليها فقال له أبو بكر: أمير أو رسول قال لا بل رسول أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرأها على الناس في موقف الحج فقد منا مكة فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحمد الله وحدثهم عن مناسكهم حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم خرجنا معه حتى إذ كان يوم عرفة قام أوبكر فخطب حتى إذا فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان يوم النحر فأفضيا2 فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن أفاضتهم وعن نحرهم وعن مناسكهم فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس وحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون فعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ولا يعارض هذا قول أبي هريرة بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فإن الأمرة كانت لأبي بكر في تلك الحجة فكانت الطاعة في الأمر والنهي له فأبو هريرة من جملة المؤذنين الذين ندبهم أبو بكر ليمتثلوا ما يأمرهم به علي فيما بعثه رسول الله

_ 1 كذا والمحفوظ "قام" في الأصل. 2 كذا بل الصواب "فأقضنا" – ح.

صلى الله عليه وسلم فكان نداء أبي هريرة بما كان يلقيه عليه علي رضي الله عنه وكان مصيره إلى علي بأمر أبي بكر وفيما ذكرنا علو المرتبة لأبي بكر في إمرته وفيه علو مرتبة علي أيضا في اختصاصه بما اختصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التبليغ عنه وما روى أن أبا بكر لم يقرب الكعبة ولكنه انشمر إلى ذي المجاز يخبر الناس بمناسكهم ويبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة من قبل ذي المجاز وذلك لأنهم لم يكونوا تمتعوا بالعمرة إلى الحج لا استبعاد فيه لأن الذي فعله أبو بكر كان لمعنى وذلك لأن سوق ذي المجاز آخر الأسواق التي تجتمع العرب فيها للتبايع ومنهم من ينصرف إلى داره بلا حج فأراد رضي الله عنه بانشماره إلى ذي المجاز إسماع جميع من وافى الموسم ما يقرأ هناك مما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعسى أن يكون مأمورا بذلك من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى عرفة بالناس فوقف بها وهي الركن الأعظم الذي لابد منه ثم رجع إلى مكة بعد أن صار إلى المزدلفة بعد أن رمى وحلق حتى طاف طواف الزيارة التي لا يتم الحج إلا به ورمل في الأشواط الثلاثة وسعى بين الصفا والمروة لأنه لم يتقدم له طواف القدوم والسعي أو لا ولم يهمل رضي الله عنه الخطبة التي قبل يوم التروية بمكة لأن عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس مكانه بمكة في ذلك العام ثم وافى بهم أبا بكر بعرفة حتى قضى بهم بقية حجهم ولا يظن بأبي بكر أن ينقص شيئا مما يجب أن يفعله أمير الحاج في حجه بالناس وهي حجة لم يكن قبلها في الإسلام إلا حجة واحدة حجها بالناس عتاب بن أسيد في سنة ثمان وقيل أنها كانت في غير ذي الحجة لأن الزمان إنما استدار إلى ذي الحجة في الحجة التي حجها أبو بكر بالناس وأقر الحج فيه وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التي بعدها في ذي الحجة وجرى الأمر على ذلك إلى يوم القيامة.

في الحج الأكبر

في الحج الأكبر عن ابن عباس قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع

فقال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وإن السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة ولاء ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والآخر رجب الذي بين جمادي وشعبان". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: كانت العرب يجعلون عاما شهرا وعاما شهرين فلا يصيبون الحج في أيام الحج إلا في كل خمس وعشرين سنة وهو النسئ الذي ذكر في القرآن فلما حج أبو بكر بالناس وافق ذلك العالم الحج فسماه الله الحج الأكبر وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" ففيه ما دل على استدارة الزمان حتى صار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وفيه المعنى المراد بقوله تعالى: {يوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} أن الأكبر نعت للحج لا لما سواه مما قال بعضهم أنه يوم النحر متشبثا بما روى عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم خطب صلى الله عليه وسلم وفيها "أي يوم يومكم هذا؟ " قال: فسكتنا حتى رأينا أن يسميه بغير اسمه ثم قال: "أليس يوم النحر الأكبر؟ ". وبما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يومئذ قال: "إن يوم الحج الأكبر يوم النحر" لكن معنى الحديثين هو معنى حديث عبد الله ابن العاص ويوم الحج الأكبر نعت للحج لا لليوم حتى يتفق معا في هذه الآثار وقال بعضهم: يوم الحج الأكبر يوم عرفة متمسكا فيه بقول ابن أبي أوفى فإن قيل قد قال أبو هريرة: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج وإنما قيل الحج إلا كبر من أجل قول الناس الحج الأصغر وقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك. قلنا: أما قوله صلى الله عليه وسلم: "أن يوم الحج الأكبر يوم النحر" يحتمل أن يكون لا كبر فيه نعتا للحج لا لليوم ويكون موافقا لحديث ابن العاص وأما

قوله: قيل: الحج الأكبر من أجل قول الناس فلا يدري ما هو ولا عمن حكى ذلك ويحتمل أن يكون من كلام الزهري فإنه كان يخلط كلامه بالحديث ولذلك قال له موسى بن عقبة أفصل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامك. وإذا كان يحتمل ما ذكرنا كان ما رواه ابن العاص من حقيقة المعنى في ذلك أولى منه وهو المعقول إذ قد كان الحج بعد استدارة الزمان رجع إلى شهر بعينه يجري عليه حج الناس فكان ذلك أما ما لهم لأن الأكبر من الحج هو الذي يرجع إليه غيره من الحج الذي يكون بعده إلى يوم القيامة في قدوة أهله بما فيه.

في حرم مكة المشرفة

في حرم مكة المشرفة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل فيه القتال لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلي خلاه" فقال العباس: يا رسول الله إلا ذخر فإنه لقينهم ولقبورهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا الأذخر". وخرج من طرق كثيرة لا وجه لإنكار مثل هذا من العباس لأن علمه بحاجة أهل مكة إلى الأذخر دعاه إلى طلبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراجعة ربه في ذلك كما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف عن أمته في حديث المعراج مرة بعد أخرى حتى ردها إلى خمس صلوات وكما راجع أمر القراءة على حرف مرة بعد مرة حتى رد إلى سبعة أحرف واكتفى بقوله: "إلا الأذخر" إيجاز لعلمة بفهم النبي صلى الله عليه وسلم مراده من ذلك والإيجاز من محاسن كلام العرب من ذلك قولهم كفى بالسيف شا أي شاهدا وفي التنزيل: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ

أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ثم قطع بقية الكلام حتى قيل هو لكفروا به وقيل هو لكان هذا القرآن ومثله {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} الآية ومثله في القرآن كثير ثم جوابه صلى الله عليه وسلم على فوره لمجئ الوحي إليه على فوره وإن كنا لا نعقل ولا ينكر مثله من لطيف قدرة الله تعالى إلا زنديق ويحتمل ن يكون جبريل معه حينئذ فألقى ذلك إليه كما قال للذي سأله في حديث أبي قتادة أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي فقال: "نعم", فلما ولى قال له: "إلا أن يكون عليك دين كذلك قال لي جبريل" فدل ذلك على حضور جبريل جوابه الأول وإذا كان جبريل مع حسان بن ثابت على ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أهجهم وجبريل معك فكونه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته التي يخبر فيها عن الله شوائع دينهم أولى. قلت كان للطحاوي مندوحة عن التأويل الثاني وإن كان محتملا أيضا بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وبقوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . فإن طريق الوحي ليس بمنحصر في وساطة الملك قد يكون بإلهام خفي وينفث روعي وحضوره صلى الله لعيه وسلم مع الله تعالى على حد معرفته وعلمه بالله لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل فلا يستبعد الوحي إليه في كل لحظة ولمحة أراد الله سبحانه أن يوحى إليه ولا يحتاج إلى معية جبريل معه فإنها محتملة ومعية الله تعالى معه محققة دائما فاندفع بذلك ما اعترض عليه القاضي أبو الوليد وقال لا معنى لقوله يحتمل أن يكون جبريل معه لأن جبريل لا يلقي ذلك إليه إلا بأمر ربه ونزوله عليه من عند ربه في الحين نفسه أيسر عليه من صعوده إليه من عنده ثم رجوعه إليه في ذلك الحين وإن كان ذلك كله سواء في قدرة الله ثم قال وغير هذا التأويل أشبه عندي وهو أن الخلا لفظ عام أريد به الخصوص وكان المراد ما عدا الأذخر المحتاج إليه فلما كان ظاهره العموم قال له العباس: إلا الأذخر فوافق بذلك مراده صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يختلي خلاها" فقال له إلا

الإذخر اعلاما منه أنه هو الذي كان المراد ولا لا أنه رجع إلى رأي العباس باجتهاد أو وحي إذ لا يصح الرجوع عن الوحي باجتهاد ولا دلالة في الحديث على أنه كان بوحي1 وكذلك قوله في حديث أبي قتادة: "نعم" عام أريد به الخصوص فلما أدبر الرجل خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل قوله على العموم في جميع لخطايا فبين له أن الشهادة لا تكفر الدين لأنه من حقوق الناس وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل قال لي ذلك" يعني فيما تقدم لا أنه طرأ عليه العلم بذلك حينئذ ولأن قوله: "نعم" لو كان عاما لكان قوله بعد ذلك "إلا الدين" ناسخا له لكن الفضائل لا تنسخ فإن الكريم إذا تفضل على عباده بالتجاوز لا يقطعه عنهم ولا ينقص منه بل يزيدهم من فضله. قلت: ما ذكره القاضي أبو الوليد وولد خاطره في غاية الحسن ولكن قوله لا معنى له أي تأويل الطحاوي ليس بإنصاف منه والحق أن ما تأولاه في حيزا الجواز والله أعلم بالصواب.

_ 1 فيه نظر لأنه إذا حصر الأمربين اجتهاد ووحي وانتفي الاجتهاد تعين الوحي وقوله ولا دلالة في الحديث علي أنه لا يلزم من عدم دلالته فيه أن لا يكون علي الوحي دليل آخر وهو حاله صلي الله عليه وسلم فإن أقواله لا تخلو عن أحد الوجهين أما الاجتهاد أو الوحي لا ثالث لهما وانتفي الاجتهاد لأنه شرطه عند من جوزه مضي مدة انتظار الوحي يجتهد والكلام هنا علي الفور من غير لبث كما تقدم فتعين الوحي وهو غير منحصر بأنه يكون بواسطة الملك فإن له انواعا أخر كما عرف، انتهي. جمالبة.

في حشيش الحرم

في حشيش الحرم اختلف أهل العلم فيما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصده وإعلافه على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها لا ترعى ولا تحتش وهو قول أبي حنيفة والثاني: أباحتهما وهو قول ابن أبي ليلى.

والثالث: قول عطاء أنهاترعى ولا تحتش واختاره أبو يوسف والأول أولى لما روى أن عمر رأى رجلا يقطع من شجر الحرم ويعلف بعيرا له فقال على به فأتى به فقال: يا عبد الله أما علمت أن مكة حرام لا يعضد عضاهها ولا ينفر صيدها ولا يحل لقطتها إلا لمعرف فقال: والله ما حملني على ذلك إلا أن معي نضوا لي فخشيت أن لا يبلغني أهلي وما معي من زاد ولا نفقة فرق عليه عمر بعد ما هم به وأمر له ببعير من إبل الصدقة موقر طحينا فأعطاه إياه وقال لا تعد أن تقطع من شجر الحرم شيئا. وفي الحديث الذي تقدم منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختلاء خلا مكة فذهب قوم إلى أن الاختلاء ما أخذ باليد دون ما سواه من إعلافه الإبل على ما اختاره أبو يوسف وقد روى في حرم المدينة حديث في المنع من الاختلاء من خلاها إلا أن يعلف رجل بعيره فاستدلوا بذلك على مثلها من شجر مكة وخلاها وهو حديث منقطع الإسناد وبعد ثبوته لا يجوز قياس خلا مكة على خلا المدينة لأن أحكامهما في هذه قد تفترق كما افترقت في وجوب جزاء الصيد لحرم مكة دون المدينة وفي المنع من دخول مكة إلا بالإحرام بخلاف المدينة.

في حرم المدينة

في حرم المدينة روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ووضعها بين هذين الأخشبين لم تحل لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ولا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يرفع لقطتها إلا منشد" فقال العباس: ألا الإذخر فإنه لا غناء لأهل مكة عنه لبيوتهم وقبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذخر". وروى عن أبي شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن فيها شجرا فإن ترخص مترخص فقال: قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلها لي ساعة من نهار". وروى عن أبي هريرة قال: لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقتلت هذيل رجلا من بني بكر بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أن الله حبس عن أهل مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وأنها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى شوكها ولا يلتقط لقطتها إلا منشد" ففي هذه الآثار إن الله حرم مكة وأنها لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم وكان الواجب على من انتهك حرمة صيدها الواجب على قاتل الصيد في الإحرام كما ذكر تعالى في كتابه بقوله: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية إلا ما إختلف أهل العلم فيه من الصوم في ذلك فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجزي في ذلك صوم وذهب غيرهم إلى أن الصوم يجزي في ذلك كما يجزي في القتل في الإحرام وهو القول عندنا وما أنبأنا الله به من قول إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً} . ليس من التحريم الذي كان من الله في شيء كما لم يكن الربا1 الذي حرمه الله في كتابه في شيء لأن الربا الذي في كتابه في النسية والذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاضل فالذي دعا به إبراهيم لأهل مكة هو الأمان دل عليه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وكان ذلك استجابة لدعوة إبراهيم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إن إبراهيم حرم مكة ودعا لهم وأني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم" ففيه أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مثل الذي كان من إبراهيم في مكة في أمان

_ 1 يظهر أن هنا سقطا كما يدل علي السياق – ح.

أهلها بما يتميزون به عن سائر البلدان وما روى جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن إبراهيم حرم بيت الله وآمنه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يعضد عضاهه ولا يصاد صيدها". يحتمل أن يكون هذا زيادة زادها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته على ما كان من إبراهيم في مكة ببركة دعائه وإجابة الله تعالى إياه فيه ولكن حكم منتهك حرمة الصيد ولاعضاه بين اللابتين غير حكم المنتهك في حرم مكة على ما روى عن سعد بن أبي وقاص أنه أخذ عبدا صاد في حرم المدينة فسلبه ثيابه فجاء مواليه إلى سعد فكلموه فقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال: "من أخذ من يصيد فيه شيئا فلمن أخذه سلبه" فلم أكن لأرد عليكم طعمة أطعمينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه. والواجب في جزاء صيد مكة ما ذكر الله تعالى في كتابه ليس كذلك ووجدنا فقهاء الأمصار أجميعين مجمعين على ترك أخذ سلب منتهك حرمة الصيد والعضاه بالمدينة فعقلنا بذلك أن أجماعهم على ترك ما روى إنما كان لوقوفهم على نسخه لا يظن بهم خلاف السنة بلا خلاف لأنهم المأمونون على ما رووا وعلى ما قالوا سيما فيما أجمعوا فحاشا لله أن يتركوا ذلك إلا لما هو أولى منه وذلك مثل تركهم ما روى في مانعي الزكاة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا آخذوها منه وشطر ما له عزمة من عزمات ربنا". وما روى في حريسة الجبل "إن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال" وما روي فيمن وقع على جارية امرأته مستكرها لها أنها تعتق عليه ويكون عليه مثلها وإن كانت طائعة كانت له وعليه مثلها لزوجته فمن ذلك والله أعلم ما روى عن السلب فيما ذكرنا يحتمل أنه كان ثم نسخ بنسخ أشكاله التي ذكرناها.

في لا صرورة في الإسلام

في لا صرورة في الإسلام روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صرورة في الإسلام" قيل معناه نفى ما كان في الجاهلية على ما روى عن ابن عباس قال: كان الرجل في الجاهلية يلطم وجه الرجل ويقول أنه صرورة فاحتمل أن يكون المظلوم هو الصرورة لأنه لم يحج ولم يعتمر ويحتمل أن يكون اللاطم فيعذر لجهله وهذا أولى لأنه روى عن عكرمة أنه قال كان الرجل يلطم وجه الرجل في الجاهلية ويقول أنا صرورة فيقال دعوا الصرورة لجهله وإن رمى بحجره في رجله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صرورة في الإسلام" وقيل معناه لا يبقى أحد في الإسلام حتى يحج وهذا بعيد لأنه من عجز عن الحج لزمانة أو قلة يكون مذموما ولكن لا يلحق من كانت هذه صفته ذم في ترك الحج وقيل معناه النهي عن تسمية أحد في الإسلام بالصرورة وهو الأظهر لأنه روى عن عبد الله أنه قال: لا يقولن أحدكم أني صرورة فإن المسلم ليس بصرورة ولأن الصرورة في اللغة الصر على الشيء ومنه قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} فمن كان تخلفه عن الحج ليس لا صراره على تركه بل لعجزه أو نحوه مما يسقط به الفرض فليس صاحبه بمصر الإصرار المذموم فلا يكون صرورة وقد كان عطاء بن أبي رباح يقال له الصرورة فلا ينكره وما ذكره من كراهية هذا القول أولى لأنه وصفه بحال مذمومة.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد في فضل الجهاد ... كتاب الجهاد فيه تسعة وخمسون حديثا في فضل الجهاد روى أن رجلين من بلى وهو حي من قضاعة قتل أحدهما في سبيل الله وآخر الآخر بعده سنة ثم مات قال طلحة: فرأيت في المنام الجنة دخل الآخر فيها قبل الأول فتعجبت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد صام بعده رمضان وصلى بعده ستة آلاف

ركعة وكذا وكذا". وذكره من طرق بألفاظ مختلفة ومعان متفقة منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين من أصحابه فقتل أحدهما وعاش بعده الآخر ما شاء الله ثم مات فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون له وكان منتهى دعائهم له أن يلحقه الله بأخيه الذي قتل قبله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيهما تقولون أفضل؟ " قالوا: الذي قتل قبل يا رسول الله قال: "أما تجعلون لصلاة هذا ولصيامه بعده وصدقته وعمله فضلا؟ لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض" أشكل على بعض الناس معنى هذا الحديث وقال كيف يجوز أن يفضل من مات على فراشه من مات شهيدا قد روى "أن من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان له أجر صيام شهر وقيامه ومن مات مرابطا جرى له مثل ذلك من الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن الفتان وإن كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإن عمله لينمو له إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر". ففيه فضل المرابط الذي مات ومن قتل مرابطا كان فوق من مات مرابطا وليس ذلك لمن مات غير مرابط لأنه ينقطع عمله بموته إلا من ثلاثة أشياء على ما روى في ذلك ولكن المعنى بين لان الرجلين المتواخيين هاجرا إلى الله ورسوله معافا قاما معه مهاجرين باذلين أنفسهما في الجهاد وغيره فاستويا في ذلك وإن كان قد فضله صاحبه بالشهادة فقد بذل هو نفسه لها ولعله قد تمناها وسألها وقد روى مرفوعا: "من سأل الله عز وجل الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" وله من الفضل ما تفرد به من الأعمال الصالحة بعده فلا ينكر تجاوزه إياه في المنزلة واستحقاق سبقه إلى الجنة والله يؤتي فضله من يشاء. قال القاضي: ولا تضاد بين ما روى من نمو عمل المرابط إلى يوم القيامة وبين ما روى من انقطاع العمل بالموت إلا من ثلاث لأن عمل المرابط بعينه هو الذي ينمو له بمعنى أنه يتوفر ثوابه له وهو عمل سبق موته لا عمل سواه يلحق به لم يتقدم موته وإنما كان منه سببه.

في الشهيد

في الشهيد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: وأخرى تقولونها في مغازيكم هذه لمن قتل أوجرح قتل فلان شهيدا مات فلان شهيدا وعسى أن يكون قد أوقر ردف راحلته أو عجز راحلته ذهبا أو فضة يبتغي الدنيا فلا تقولوا ذلك ولكن قولوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات في سبيل الله أو قتل في سبيل الله فهو في الجنة" فيه أن من قتل أو مات في سبيل الله فهو الشهيد الذي يستحق ما يستحقه الشهيد لا من سواه ممن مراده غير سبيل الله لا يقال قد جعل من سوى المقتول في سبيل الله شهيدا كما روى أن الغريق شهيد والحريق شهيد وغيرهم جعلهم الله شهداء بما حل بهم. وروى جابر بن عتيك قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب, الحديث بطوله إلى أن قال: "والمرأة تموت بجمع شهيد" لأن المذكورين في الحديث شهداء إنما هو لأجل ثباتهم على الشهادة أو ثباتهم على الطاعة استحقوا مرتبة الشهداء يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور "أن الله قد أوقع أجره على قدر نيته" ولما كان كذلك في عبد الله بن ثابت كان فيمن سواه كذلك وقد روى عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد المقتول في سبيل الله شهيد والغريق في سبيل الله شهيد والمبطون في سبيل الله شهيد والمطعون في سبيل الله شهيد والنفساء في سبيل الله شهيد", وسبيل الله طاعاته فمن كان في شيء منها فأصابه شيء مما في في هذه الآثار كان من أهل الشهادة ومن لم يكن قصده المثابرة على الطاعات لم يكن منهم ولا ينال درجتهم يؤيده حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للغنيمة وللمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي

العليا فهو في سبيل الله". ففيه أن المقاتل لا يستحق الشهادة بقتاله حتى يكون معه من نيته أن تكون كلمة الله تعالى أعلى كما ذكر في الحديث وقد شد ذلك قوله: "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى" وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سأل الله عز وجل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" ففيه أن الشهادة تكون لمن يتمناها من قلبه وإن لم يصبه القتل فكذا ما ذكر من الشهداء بغير قتل إنما هو فيمن كان له نية الشهادة أو بذل الروح في الطاعة لا فيمن سواهم.

في الاشتغال بالحرث عن الجهاد

في الاشتغال بالحرث عن الجهاد روى عن أبي أمامة الباهلي أنه رأى سكة أو شيئا من آلة الحرث فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما دخلت هذه بيت قوم إلا أدخله الله الذل" يعني من اشتغل بالحرث عن الجهاد عاد مطلوبا بما كان به طالبا لأن ما يطلبه ولاة المسلمين من العشر والخراج فالمسلمون هم الطالبون فهذا وجه الذل الداخل على الحارث وقال عليه السلام: "جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالفني ومن تشبه بقوم فهو منهم".

في الجهاد في الأبوين

في الجهاد في الأبوين يروي عمرو بن العاص أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد الجهاد فقال: "أحي أبواك؟ " فقال: نعم, قال: "ففيهما فجاهد" إنما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك الجهاد ولزوم أبويه مع الوعيد على تركه بقوله: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} لأنه فرض كفاية بخلاف الحج فإنه فرض عين وبر الوالدين فرض عين فإذا بر والديه سقط الفرضان أحدهما بفعله والآخر بفعل غيره ومنه ما روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أبايعك حتى ترجع إليهما فتضحكهما كما أبكيتهما" ولا فرق بين الأبوين وبين أحدهما لما روى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جئتك أبايعك على الهجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألك أب أو أم؟ " قال: نعم, قال: "ففيهما فجاهد". وروى أن رجلا أتاه فقال: إني أردت أن أغزو وقد جئتك استشيرك فقال: "هل لك من أم؟ " فقال: نعم, فقال صلى الله عليه وسلم: "فالزمها فإن الجنة تحت رجليها".

في خير الأصحاب والسرايا والجيوش

في خير الأصحاب والسرايا والجيوش روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة". المعنى في ذلك أن الله تعالى كان فرض أن لا يفر واحد من عشرة ثم خفف بأن لا يفر واحد من اثنين والنسخ عام في قليل الأعداد وكثيرها ثم خص على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم من العموم الاثنا عشر ألفا بما ذكرها به من أنه لا يغلب من قلة وفرض عليهم أن لا يفروا ممن فوقهم وإن كثرت وهو قول محمد بن الحسن في سيره الكبير ولم يحك خلافا وعليه حمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جماعة من أهل العلم منهم ابن شبرمة إلا أنه جعل ذلك مطلقا في قليل الأعداد وكثيرها وعن مالك ما يدل على أن الإثنى عشر ألفا مخصوصة من ذلك فإنه روى أن عبد الله العمري العابد جاء إليه فقال قد ترى هذه الأحكام التي نزلت أفيسعنا التخلف عن مجاهدة من بدلها فقال له مالك إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك وإن لم يكن معك فأنت في سعة من التخلف وهذا جواب حسن أخذه من هذا الحديث والله أعلم.

في المسافر بالقرآن إلى العدو

في المسافر بالقرآن إلى العدو عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر

بالقرآن إلى أرض العدو "مخافة أن يناله العدو" وهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا من كلام الراوي فإنه روى "فأني أخاف أن يناله العدو". وقد اختلف أهل العلم في السفر به إلى أرض العدو فأبو حنيفة وصاحباه ذهبوا إلى ابا حتة وبعضهم إلى كراهته منهم مالك وعن محمد إن كان مأمونا عليه من العدو فلا باس وإن كان مخوفا عليه فلا ينبغي أن يسافر به إليهم وهذا أحسن الأقوال وعليه يحمل القول الأول منهم وما روى عن ابن عباس أنه قال أخبرني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في أن هرقل دعالهم بكتاب رسول الله صلى الله عيه بوسلم فقرأه فإذا فيه "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عيك إثم الأريسيين و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية" ليس بمعارض لنهيه صلى الله عيه وسلم من المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العد ولأن محمل النهي السفر بجملة القرآن وما في كتابه صلى الله عيه وسلم إنما هو بعضه فالجمع بينهما بإباحة السفر بالإجزاء التي فيها من القرآن بعضه وبالكراهة في السفر بكليته إليهم عند خوفهم عليه وقوله: "عليك إثم الأريسيين" أي مثل إثمهم لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} أي مثل نصف العذاب الذي يكون عليهن وإلا ريسيون هم الخدم والخولة. قال أبو عبيد في كتاب الأموال: وقيل عليه إثمهم لصده إياهم عن الإسلام بملكه لهم ورياسته عليهم كقوله تعالى: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} وكما قال سحرة فرعون لما قامت عليهم الحجة لموسى {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} أي استعملتنا فيه وأجبرتنا عليه وقيل منسوب إلى قرية يعرف بالأروسية أهلها يوحدون الله ويقرون برسالة عيسى وعبوديته ويجحدون بما يقوله النصارى سوى ذلك وقيل أريس اسم رئيس لهم فنسبوا إليه كما يقال يعقوبيون لقوم ينسبون إلى يعقوب.

في القتال في الأشهر الحرم

في القتال في الأشهر الحرم روى عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأمنك وتأمنا فأوثق لهم ولم يسلموا فبعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب وأمرنا أن نغير على حي من كنانة إلى جنب جهينة فأغرنا عليهم فكانوا كثيرا فلجأنا إلى جهينة فمنعونا وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقلنا: إنما نقاتل من أخرجنا من البلد الحرام في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ قالوا: نأتي نبي الله صلى الله عليه وسلم فنخبره, وقال قوم: لا بل نقيم ههنا, وقلت أنا في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش هذه فنقتطعها فانطلقنا إلى العير وكان الفئ إذ ذاك من أخذ شيئا فهو له فانطلق أصحابنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقام غضبانا محمر الوجه فقال: "ذهبتم جميعا وجئتم متفرقين إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش" فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي فكان أول أمير في الإسلام فيه ما دل أن الجيش لم يكن عليه أمير وذلك قبل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم" وكان منهم ما كان من الخلاف فكرهه الله تعالى وأجرى أمور نبيه صلى الله عليه وسلم في المستأنف على خلافه من التأمير ليرجع أمر الجماعة إلى واحد يجب عليهم طاعته وترك مخالفته يؤيده قوله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ومنه ما روى عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام أحشبه قال: إلا أن يغزى فإذا حضر أقام حتى ينسلخ ومنه ما روى عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "قفلة كغزوة" وهو تتمة كلام تقدمه لم يحضره عبد الله يحتمل أن يكون سئل عن قوم قفلوا لخوفهم من عدو أكثر منهم عدد اليزيد صلى الله عليه وسلم في عددهم وعددهم ما يقوون به على عدوهم فيكرون عليهم ومثله ما روى عن عائشة في سبب

قوله صلى الله عليه وسلم في الشوم وعن زيد بن ثابت في سبب النهي عن كراء المزارع كما تقدم والله أعلم1. وما روى عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة أو عبيدة بن الحارث فلما مضى لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: "لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير" فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال سمعا وطاعة لله ولرسوله قال فرجع منهم رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يروا أن ذلك اليوم من رحب أو من جمادى فقال المشركون: قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} الآية وقال المشركون: إن لم يكن وزر فليس لهم أجر فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية. ما فيه من تحريم القتال في الشهر الحرام منسوخ بما في سورة براءة عن ابن عباس قال لما نزلت براءة انتقضت العهود وقاتلوا المشركين حيث وجودهم وقعد والهم كل مرصد حتى دخلوا في الإسلام فدل هذا على االعهود كلها انقطعت وحل القتال في الزمان كله.

_ 1 هكذا في الأصل ولاتظهر مناسبته للباب وستجئ هذه العبارة بعينها في باب الفرار من الزحف.

في تولية الأمراء

في تولية الأمراء روى عن عبد الله بن جعفر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال: "إن أصيب زيد قتل أو استشهد فأميركم جعفر فإن قتل أو استشهد فأمبركم عبد الله بن رواحة" فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ثم أخذها جعفر فقاتل حتى قتل ثم أخذها عبد الله فقاتل ولم يذكر أنه قتل وأرى ذلك سقط عن بعض رواته ثم أخذها خالد ففتح الله عليه فأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن

إخوانكم لقوا العدو وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل أو استشهد ثم أخذ الراية بعده سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عز وجل عليه", ثم أمهل آل جعفر لم يأتهم ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادع لي بني أخي" فجئ بنا كأننا أفراخ فقال: "ادعوا لي الحلاق" فجئ بالحلاق فحلق رؤسنا ثم قال: "أما محمد فشبه عمى أبي طالب وأما عون 1 فشبه خلقى وخلقى" ثم قال: "اللهم أخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه" ثلاث مرات فجاءت أمنا فذكرت يتمنا فقال: "العيلة تخافين عليهم فأنا وليهم في الدنيا والأخرى" ففيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل بعض الأمراء واليا بعد قتل غيره فدل على جواز تعليق الإمارة بخطر فيجوز تعليق الوكالة أيضا لأنه مثله كما بقوله أو حنيفة وأصحابه خلافا لبعض وفيه جواز الأمارة بغير تولية إذا احتيج إليها كما كان من خالد فإنه لما وجد من نفسه قوة القيام على مصالجهم والذب عنهم وجب عليه ذلك ووجب على الناس الطاعة له وكذلك فعل علي رضي الله عنه لما حصر عثمان في صلاة العيد صلاها وخطب لما خاف أن لا يكون للناس يومئذ صلاة عبد ولذلك قال محمد إذا شغل السلطان عن إقامة الجمعة ولم يحضر أحد من قبله نائبا أن من قدر على القيام بها قام بها وعلى الناس اتباعه فيها كما لو أمره السلطان الذي إليه القيام خلا فالأبى حنيفة وابي يوسف رضي الله عنهما والمختار ما قال لا ما قالا ومما يدل عليه حديث أنس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ الراية جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب ثم أخذها خالد بن الوليد من غير أمرة ففتح الله عليه وإن عينيه لتذرفان قال: وما يسرني أنهم عندنا". أو قال: "ما يسرهم أنهم عندنا" شك الراوي

_ 1 في مسند أحمد "1/204" "وأما عبد الله".

في تخريب العامر

في تخريب العامر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني

النضير وطع وهي البويرة ولها يقول حسان. وهان علي سراة بني لوي ... حريق بالبويرة مستطير فأنزل الله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} الآية لا يقال: إنزال الله الآية لأن تتعبد بها الأمة معنى يستعملونه فيما تعبدهم به فأي فائدة في نزولها بعد القطع والتحريق لأن سبب نزولها على ما روى ابن عباس هو أنه لما ساتنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل قال المسلمون قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا فلنسئلن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما فطعنا من اجرو ما علينا فيما تركنا من وزر فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} الآية فعلم المسلمون أن الذي كان من قطعهم لما قطعوا من النخيل وتحريقها مباح لهم لا إثم عليهم فيه ولا في ترك ما تركوه منها فلم يقطعوه فبان موضع الفائدة في نزولها فإن قيل قد نهى أبو بكر الصديق أمراء الأجناد لما بعثهم إلى الشام عن القطع والتحريق بمحضر من الصحابة من غير نكير وهو مخالف لما ذكر عن ابن عمر وابن عباس قلنا: أن أبا بكر كان على علم من عود الشام إلى أيديهم ومن فتحهم لها وغلبتهم الروم عليها بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمهم إياه من ذلك ما روى عن سفيان بن أبي زهير1 قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ويفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" الحديث فكان النهي من أبي بكر لهذا ولما قد خصهم عليه من الصلاة بإيلياء ومن شد المطايا إليها ولما قد روى عنه من قوله: "ومنعت الشام مدها ودينارها" أي أنها ستمنع المد والدينار الواجبين في أراضيها وذلك لا يكون إلا بعد افتتاحهم وغلبتهم عليها وقد عرف ذلك في موضعه.

_ 1 كان في الصل عن سفيان مولي ابن أزهر والتصحيح من مشكاة المصابيح.

في قتل النساء والصغار

في قتل النساء والصغار روى عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: "أخرجوا بسم الله تقاتلون من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع". لا يعلم نهى قتل أصحاب الصوامع في غير هذا الحديث ومداره على إبراهيم بن إسمعيل بن أبي حبيبة إلا سلمى رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس وروى عن أبي بكر أنه أوصى به أمراء جيوشه إلى الشام لا تقاتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء. وعن حنظلة الكاتب قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بامرأة لها خلق وقد اجتمعوا عليها فلما جاء افرجوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كانت هذه تقاتل" ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا: "أن لا تقتل ذرية ولا عسيفا" ففي قوله: "ما كانت هذه تقاتل" أنه لا يقتل في دار الحرب إلا من يقاتل فمن كان مقاتلا حل قتله من رجل أو امرأة فالقتال هو علة القتل والله أعلم.

في الفرار من الزحف

في الفرار من الزحف عن صفوان بن عسال قال رجل من اليهود لآخر: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال له الآخر: لا تقل هذا النبي فإنه إن سمعها كانت له أربعة أعين فانطلقا إليه فسألاه عن تسع آيات فقال: "تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تفروا من الزحف ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا أو لا تمشوا ببرئ إلى سلطان وعليكم يهود ألا تعدو في السبت" فقالوا: نشهد أنك رسول الله وفي بعض الآثار فقبلوا يديه ورجليه وقالوا: انشهد أنك نبي؟ قال: "فما يمنعكم أن تتبعوني" قالوا: إن داود دعا أن لا يزال من ذريته نبي وإنا نخاف أن اتبعناكم أن تقتلنا يهود.

ففيه: أن التسع الآيات التي آتاها الله لموسى عبادات لا تخويفات وفيه أن الفرار من الزحف حرام تعبد الله به موسى ولم ينسخ في شريعة نبينا فظهر به فساد قول من قال أنه كان في يوم بدر خاصة لقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} الآية وكذا أعلم به ضعف ما روى عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال في تفسير تسع آيات هي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنين ونقص الثمرات إذ لا حجة لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه ما روى عن ابن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص النسا حيصة فكنت فيمن حاص فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا فيها ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال: "من القوم؟ " فقلنا: نحن الفرارون قال: "بل أنتم العكارون إن فئتكم أو إنا مئة المسلمين" فأتيناه حتى قبلنا يديه. العكارون: هم الكرارون يعني لما كروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجعوا إلى ما يأمرهم كان ذلك عودة إلى ما كانوا من بذل النفس في سبيل الله استحقوا بذلك الاسم وفيه رد القول بالتخصيص بأهل بدر لأن ابن عمر إنما لحق بالمقاتلة يوم الخندق بعد أن رده النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فدل على أن حكم الفرار من الزحف باق إلى يوم القيامة وداخل في الكبائر ونزول الآية في أهل بدر ليس بمانع ثبوت حكمها في غيرهم. ومنه ما روى عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "قفلة كغزوة" وهو تتمة كلام تقدمه لم يحضره عبد الله فيحتمل أن يكون سئل عن قوم قفلوا لخوفهم من عدو أكثر منهم عددا أو عدد اليزيد صلى الله عليه وسلم في عددهم وعددهم ما يقوون به على عدوهم فيكرون عليهم ومثله ما روى عن عائشة في الشؤم وعن زيد في كراء المزارع والله أعلم.

في حمل واحد على جيش

في حمل واحد على جيش روى عن أسلم أبي عمران قال كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة ابن عامر وعلى أهل الشام رجل فخرج من الروم صف عظيم فصففنا لهم فحمل مسلم منا على الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا فصحيح إليه سبحان الله القى بيديه إلى التهلكة فقال أبو أيوب الأنصاري رد عالهم أيها الناس إن الآية قد أنزلت فينا معشر الناس1 فإن الدين لما أعزه الله وكثرنا صروه قلنا: فيما بيننا سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أموالنا قد ضاعت فلو أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع فأنزل الله تعالى هذه الآية يرد علينا ما هممنا به {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة الإقامة التي أردناها فأمرنا بالغزو وفما زال أبو أيوب غازيا حتى قبضه الله تعالى فيه أن التهلكة في الآية التهلكة في الدين وهي والهلكة واحد قاله أبو عبيد يعني أن ترك الغزو والإنفاق في سبيل الله هلاك ومثله قوله صلى الله عيه وسلم: "إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم" يعني في الدين وقال البراء: ألا إنما التهلكة أن يذنب الرجل الذنب ثم يلقى بيديه ويقول: لا يغفر لي وعن ابن عباس في تفسيرها انفقوا ولا تمسكوا في سبيل الله فتهلكوا. وقال: ينفق في سبيل الله وإن لم يكن له إلا مشقص يريد التحذير من الإمساك في قليل المال وكثيره مخافة أن يدخل في الوعيد وعنه ولا يقولن أحدكم: إني هالك لا أجد شيئا إن لم يجد إلا مشقصا فليجا هدبه في سبيل الله. فعلم أن التهلكة في الآية ليست في لقاء العدو الذي يخشى عليه وانه في فعله ذلك غير مذموم وما روى أن في محاصرة دمشق أسرع رجل إلى العدو فعاب المسلمون عليه ورفعوه إلى عمرو بن العاص وهو على جند من الأجناد فأرسل إليه عمرو فرده وقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} لا يعارض ما قال أبو أيوب: لأنه أخبر بسبب نزولها توقيفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن تأويل عمرو

_ 1 المعروف "معشرالنصار".

لا يكافئ ذلك ويحتمل الخفاء عليه ولو وقف على ما وقف عليه أبو أيوب لردتا وتأويلها إليه وقد روى عن جعفر بن أبي طالب حين زاحمه القتال يوم موته اقتحم عن فرس شقراء له ثم عرقبها وقاتل حتى قتل فكان أول عاقر في سبيل الله. وكان ذلك بمحضر من أكابر الصحابة مثل عبد الله بن رواحة وخالد وغيرهما فلم ينكر وه عليه وبلغ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه ولم ينه عن مثله فدل على أنه من أجل الأفعال وأعظمها في الثواب وأن تأويلها ما روينا عن أبي أيوب لا غيره مما يخالفه.

في قتل الكافر بعد قول لا إله إلا الله

في قتل الكافر بعد قول لا إله إلا الله روى أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" يعني يعود بإسلامه مثلك مسلما وتصير أنت من أهل النار كما كان هو قبل أن يسلم من أهلها ومنه ما روى عن أسامة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش إلى الحرقات من جهينة فلما هز مناهم ابتدرت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم بالسيف فقال: لا إله إلا الله فكف عنه الأنصاري وظننت أنه يقوله تعوذا من القتل فقتلته فرجع الأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة قتلت رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله فكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ " فما زال يقول ذلك حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. إنما بقيت أحوال أسامة عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما وجد منه ما وجد على ما كانت لأنه اجتهد في إسلام الكافر بعد أن حاق به القتل جزاء على كفره فأدى اجتهاده إلى عدم صحته كإيمان فرعون لما أدركه الغرق وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} الآية وبين النبي صلى الله عليه وسلم

خطاءه في اجتهاده بالفرق بين مجئ الباس من الله ومجيئه من قبل عباده وعذره على ذلك قال عليه الصلاة والسلام في القاضي: "إذا اجتهد فأخطأ أن له أجرا". ثم فيما كان من أسامة دليل على جواز استعمال الرأي عند نزول الحوادث وردها إلى مثلها من الأحكام وإن وقع خطأ فمجتهده غير ملوم ومنه ما روى عن عبد الله بن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد إلى بني حذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا وجعل يقتل ويأسر ودفع إلى كل واحد منا أسيره حتى إذا كان ذات يوم أمر خالد كل رجل منا أن يقتل أسيره فقلت: لا والله لا أتقل أسيري ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرنا صنيع خالد فرفع يديه ثم قال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين. إنما لم يؤاخذ صلى الله عليه وسلم خالدا بما وجب لهم عليه بسبب قتله إياهم بعد إسلامهم لأن قولهم: صبأنا ما كان صريحا في إسلامهم لأنه قد يكون على الدخول في دين الصابئين لأنه زوال عن شيء إلى شيء وتعنيفه إذ لم يستثبت في أمرهم حتى يقف على قصدهم بقولهم: صبأنا ولذاتيبر إلى الله من عجلته ولم يأخذه لهم بما لم يعلم يقينا وجوبه عليه ومنه ما روى خالد قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وعمارا في سرية فأضفنا أهل بيت قد كانوا وحدوا فقال عمار: إن هؤلاء قد احتجزوا منا بتوحيدهم فسفهته ولم أحفل بقوله فلما رجعنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكاني إليه فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتصر له مني أدبر وعيناه تدمعان فقال صلى الله عليه وسلم: "يا خالد لا تسب عمارا فإنه من يسب عمارا يسبه الله عز وجل ومن تسفه عمارا تسفهه الله تعالى" قال: قلت: والله يا رسول الله ما من ذنوبي شيء أخوف على منهن فاستغفر لي قال: فاستغفر لي النبي صلى الله عليه وسلم. فعل خالد في أهل ذلك البيت كفعل أسامة في قتيله بعد توحيده

فأصاب عمار حقيقة حكم الله فثيهم وأخطأه خالد فحمد في اجتهاده كأسامة ولكن عمارا أصاب الحق الحقيقي ومنه ما روى عن خالد أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ناس من خثعم فاسعصموا بالسجود فقتلهم فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم بنصف الدية ثم قال: "أنا برئ من كل مسلم مع مشرك لا ترا" أي نارما السجود في احتماله الإسلام وغيره كقولهم: صبأنا وكان على خالد التثبت في أمرهم فقصر في ذلك ولأجله وداهم النبي صلى الله عليه وسلم بما وداهم به تطوعا منه وتفضلا وأما قوله: "لا ترا" أي نارا هما يعني لا يحل لمسلم أن يسكن بلاد المشركين فيكون معهم بقدر ما يرى كل واحد منهما نار صاحبه قال الكسائي العرب تقول داري تنظر إلى دار فلان ودورنا تتناظر وقيل المراد بذلك نار الحرب {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} وعلى هذا نارا هما مختلفان هذه تدعوا إلى الله وهذه تدعوا إلى الشيطان فكيف يتفق أهلهما في بلاد واحدة. ومنه ما روى عن عمر أن بن حصين قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فحمل رجل من ورائي على رجل من المشركين فلما غشيه بالرمح قال: إني مسلم فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أذنبت فاستغفر لي قال: "وما ذاك؟ ", فقال قصته وقال: ظننت أنه متعوذ فقتلته قال: "أفلا شققت عن قلبه حتى يستبين لك" وقال: ليتبين لي قال: "قد قال لك بلسانه فلم تصدقه على ما في قلبه" فلم يلبث الرجل إن مات فدفن فأصبح على وجه الأرض فقلنا: عد ونبشه فأمرنا عبيدنا وموالينا فحرسوه فأصبح على وجه الأرض فقلنا: فلعلهم غفلوا فحرسنا فأصبح على وجه الأرض فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: "إن الأرض لتقبل من هو شر منه ولكن الله أحب أن يخبركم بعظم الذنب" ثم قال: انهوا به إلى سفح هذا الجبل فاقصدوا عليه من الحجارة ففعلنا. فيه أن القاتل وهو الخزاعي علم حرمة قتل من قتله ولهذا قال: أذنبت فاستغفر لي وقوله: ظننت أنه متعوذ زيادة منه في الاعتذار في قتله لأن قتل المتعوذ أيسر من قتل من قاله صادقا من قلبه فلم يكن ظنه ذلك دافعا عنه عقوبة ذنبه فعاقبه الله تعالى من أجل ذلك بما عاقبه والله أعلم بحقيقة الأمر.

في الوصية بالقبط

في الوصية بالقبط روى أبو ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها فإن لهم ذمة ورحما فإذا رأيتم رجلان يقتتلان في موضع لبنة فأخرج منها" قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن ابني شرحبيل ابن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها ليس المراد قيراط الدرهم والمثقال المعروف في كلام الناس ولا الذي ورد في الحديث في أجر المصلي على الجنازة المشيع لها وفي وزر مقتنى الكلاب وإنما المراد به السب من قولهم أعطيت فلانا قرارا يطه إذا سمع منه ما يكره وأجابه بما يكرهه ويحذر بعضهم بعضا فيقول اذهب عني لا أعطيك قرار يطك يعني سبابك وأسماعك المكروه ولا يعرف هذا أهل مدينة سوى أهل مصر فكان الإخبار بهذا علما من أعلام النبوة والمراد بأهلها القبط يوضحه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فتحتم مصرفا ستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما" لأن هاجر أم اسمعيل كانت منهم فهذه الرحم وأما الذمة مع أنها كانوا أهل حرب وليس لهم ذمة فإن المراد بذلك الحق الذي لهم برحمهم فكان ذلك ذماما لهم يجب رعايته كقوله تعالى: {إِلّاً وَلا ذِمَّةً} فإنها هي التذمم.

في فتح مكة وقتل من أمر بقتله

في فتح مكة وقتل من أمر بقتله روى مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم الفتح فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة" عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأتى وهو متعلق باستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله.

وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغنى عنكم شيئا ههنا وقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجني في البر غيره اللهم أن لك علي عهدا أن أنجيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا اضع يدي في يده فلأجد له عفوا كريما فنجا فأسلم وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه اختبى عند عثمان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث مرات ثم أقبل على أصحابه فقال: "أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني قد كففت يدي عن مبايعته فيقتله" فقالوا: ما درينا يا رسول الله فهلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: "إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين" فيه أنه صلى الله عليه وسلم أمر في الأربعة بقتلهم مطلقا ثم خرج من ذلك عكرمة وعبد الله بإسلامهما فحقن دمهما وقتل الآخران بالكفر الذي ثبتا عليه وخروجهما بطريق الاستثناء الشرعي دون اللساني فكذلك تكون أمور الأئمة بالعقوبات مستثنى منها بما يدفع العقوبات بالشريعة وإن لم يستثنوا ذلك بألسنتهم. ومنه ما روى مطيع بن الأسود وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكه يقول: "لا تغزي مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش صبرا بعد اليوم" لم يذكر الراوي لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معربا وذلك مما يقع فيه الأشكال لأنه إن كان لا يقتل بالجزم كان ذلك على الأمر وفيه خلاف حكم الله لان حكم الله أن القرشي يقتل قودا ويرجم إذا زنى محصنا وحاشا أن يكون لفظ رسول الله صلى الله عيه وسلم مخرجا له عن هذه الأحكام فتأويله والله أعلم لا يقتل مرفوعا على الخبرية كقوله: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" وسيأتي بيانه.

فإن قيل: قد قتل كثير من قريش صبرا بعد الإسلام قلنا: إن المراد هو أنه لا يقتل قرشي بعد ذلك العام صبرا على ما أباحه صلى الله عليه وسلم من قتل الأربعة عامئذ فإنه كان قتلا على حراب الكفر ولم يكن بحمد الله عاد قرشي كافرا محاربا لله ورسوله في دار الكفر إلى يومنا هذا ولا يكون إلى يوم القيامة لأن الله تعالى لا يخلف وعد رسوله يؤيده ما روى عن الحارث ابن البرصاء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: "لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا" قال سفيان: يعنى أنهم لا يكفرون فلا يغزون على الكفر فكذلك معنى لا يقتل قرشي لا يعودون كفارا يغزون حتى يقتلوا على الكفر كما لا تعود مكة دار كفر أبدا تغزي عليه.

في قتل على أهل الأهواء

في قتل على أهل الأهواء روى عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما افتتح مكة وأتاه أناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك وإنه قد لحق بك أبناؤنا وأرقاؤنا وليس بهم رغبة في الإسلام إنما فروا من العمل فارددهم علينا فشاور أبا بكر في أمرهم فقال: صدقوا يا رسول الله فتغير وجهه, فقال: "يا عمر ما ترى؟ " فقال مثل قول أبي بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليبعثن الله عليكم 1 رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين" قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله قال: "لا ولكنه خاصف النعل في المسجد" قال: وكان قد ألقى إلى علي نعله يخصفها وقال على أما أني سمعته يقول: "لا تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار" الفتح المذكور هو فتح الحديبية السابق على فتح مكة وفيه نزلت {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} والصحابة يخالطون الحزن والكآبة لما حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا بالحديبية فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا" فقرأها فقال: رجل هنيئا مريئا يا نبي الله

_ 1 كذا في الصل وفي سنن الترمذي في هذه القصة "لتنتهن او ليبعثن الله عليكم".

قد بين ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فأنزل الله ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية وأضيف الفتح إلى مكة لأنه جعل سببا لفتحها والوعيد الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين جاؤه من قريش فسألوه أن لم ينتهوا لا يكون إلا وهم على الكفر وإلا ومكة دار حرب ثم كفاه الله ذلك منهم وفتح عليه مكة ودخلوا بذلك في الإسلام على ما دخلوا به فيه من طوع ومن كره ومنه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا من حجرة عائشة فانقطعت نعله فرمى بها إلى على ثم جلس فقال: "إن منكم لمن يقاتل على تأويل القرآن كما قتلت على تنزيله", فقال أبو بكر: أنا قال: "لا", قال عمر: أنا قال: "لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة" قال رجاء الزبيدي فأتى رجل عليا في الرحبة فقال" يا أمير المؤمنين هل كان في حديث النعل شيء قال: اللهم إنك لتشهد أنه مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسره إلي فيه وعد لعلي بن أبي طالب بأنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل هو صلى الله عليه وسلم على تنزيله ولابد من إنجازه بخلاف الحديث الأول فإنه وعيد لأهل مكة من أجل سؤالهم والوعيد قد ينجز وقد لا ينجز روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار" وسئل أبو عمرو بن العلاء أيجوز أن يعد الله على عمل ثوابا ثم لا ينجزه؟ فقال: لا فقيل وإذا أوعد على عمل عقابا فلا بد أن ينجزه فقال أبو عمرو لسائله: ومن قبل العجمة اتيت أن العرب كانت إذا وعدت فشرفها أن تفي وإذا أوعدت فشرفها أن لا تفي. ولا يرهب ابن العم والجار صولتي ... ولا اختشى من خشية المتهدد وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لأخلف إيعادي وأنجز موعدي وما في الحديثين من خصف النعل فيجوز أن يكون في يومين وذلك أولى ما حملت عليه لئلا ومما حقق الوعد ما كان من قتال على للخوارج

وقتله غياهم ووجودهم على الصفة التي وصفهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الخصائص التي اختص الخلفاء بها فاختص أبا بكر بقتال أهل الردة وعمر بقتال العجم حتى فتح الله على يديه وأظهر به الدين وعلى بن أبي طالب بقتال الخوارج المقاتلين على تأويل القرآن وعثمان بن عفان بجمع القرآن على حرف واحد فقامت به الحجة وأبان به أن من خالف حرفا منه كان كافرا وأعاذنا به أن نكون كأهل الكتابين قبلنا الذين اختلفوا في كتابهم حتى تهيأ منهم تبديله فرضوا الله على خلفاء رسوله جزاهم الله عنا أفضل ما جازى به أحدا من خلفاء أنبيائه على طاعتهم إياه ونحمد الله على ما عرفنا به من أماكنهم وفضائلهم وخصائصهم ولم يجعل في قلوبنا غلالا لأحد منهم ولا لمن سواهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنه أرحم الراحمين.

في الهجرة بعد الفتح

في الهجرة بعد الفتح روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" وفيما روى عن مجاشع بن مسعود أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح بأخي معبد ليبايعه فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي معبد لتبايعه على الهجرة, فقال: "ذهب أهل الهجرة بما فيها" فقلت: على أي شيء تبايعه؟ فقال: "على الإيمان أو على الإسلام والجهاد" زاد في حديث آخر: "فإنه لا هجرة بعد الفتح ويكون من التابعين بإحسان" وروى عن صفوان أنه قال: لما فتحت مكة جاء بابنه فقال: يا رسول الله اجعل لي نصيبا من الهجرة فقال: "لا هجرة اليوم" فدخل على العباس فخرج العباس في قميص ليس عليه رداء فقال: يا رسول الله قد عرفت فلانا والذي كان بيني وبنيه وأنه جاء بابنه فما يمنعه قال: "لا هجرة" فقال العباس: يا رسول الله أقسمت فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ومسح عليه وأدخل يديه وقال: "أبررت عمي ولا هجرة" وروي عن عائشة أنه قيل لها: يا أم المؤمنين هل من هجرة اليوم قالت: لا ولكن جهاد ونية إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة

يفر الرجل بدينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففيها أن الهجرة قد انقطعت بفتح مكة وفي حديث عائشة بيان السبب ودل على ذلك أيضا ما كان من الإطلاق لصفوان بالرجوع إلى مكة لما قدم عليه بالمدينة حين قيل له قبل ذلك لا دين لمن لم يهاجر إذ لو كان الحكم على ما كان عليه لما أباح له الرجوع إلى الدار التي هاجر منها كما لم يطلق ذلك للمهاجرين إليه قبل الفتح حتى جعل لهم إذا قدموها لحجهم إقامة ثلاثة أيام بعد الصدر لا زيادة عليها وكان المهاجرون يشفقون من إدراك الموت إياهم بها ويعظمون ذلك ويخشونه كما في حديث سعد بن أبي وقاص في مرضه عام الفتح بمكة وإشفاقه أن يموت بمكة وقوله اخلف عن هجرتي قال صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك إن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم" لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات بمكة فلا دليل أدل على انقطاع الهجرة بعد فتح مكة من الآثار التي ذكرنا. وروى عن ثلاثة من الصحابة ما يؤكده عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ثم قال: "أنا وأصحابي خير لا هجرة بعد الفتح" قال فحدثت بذلك مروان وكان على المدينة فما صدقني وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت فقلت أما هذين لو شاءا حدثاك ولكن زيد يخاف أن تعزله عن الصدقة ورافع يخالف أن تعزله عن عرافة قومه قال فنبذ على بدرته فلما رأيا ذلك قالا صدق ولا يخالف هذا ما روى عن جنادة إن رجلا حدثه إن رجالا من الصحابة قالوا: إن الهجرة انقطعت واختلفوا في ذلك قال فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت القصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة ما كان الجهاد". وما روى عن عبد الله بن السعدي قال وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من بني سعد فقلت: يا رسول الله أخبرني عن حاجتي فقال:

"وما حاجتك؟ " فقلت: انقطعت الهجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت خيرهم حاجة لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" إذ يحتمل أن يكون المراد به كفار مكة الذين يقاتلون على فتح مكة حتى فتحت بما فتح الله عز وجل عليهم به وكذلك لا يخالف ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة وحتى تطلع الشمس من مغربها" قال: ذلك ثلاث مرات لأن هذه الهجرة هجرة السوء التي يهجر بها ما كان قبلها مما قطعته التوبة ليست لامهاجرة من بلد إلى آخر يدل عليه ما روى عن صالح بن بشير بن فديك قال خرج فديك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنهم يزعمون أن من لم يهاجر هلك فقال: "يا فديك أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء وأسكن من أرض قومك حيث شئت تكن مهاجرا" فبين أن الهجرة بعد فتح مكة هي هجرة السوء وإنها لا تمنع السكنى بغير المدينة. وفيما ذكرنا من هذا بيان لما وصفنا وقد وجدنا ما هو أدل على ما ذكرنا من هذا قول الله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} الآية لأن السابقين من المهاجرين من هاجر من مكة وغيرها من بلاد الكفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة والذين اتبعوهم بإحسان هم الذين دخلوا في الإسلام بعد أن صارت مكة دار الإسلام يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لمجاشع لما أتاه بأخيه بعد الفتح ليبايعه على الهجرة: "لا بل نبايع على الإسلام فإنه لا هجرة بعد الفتح" ويكون من التابعين بإحسان.

في قدوم مسيلمة الكذاب

في قدوم مسيلمة الكذاب روى عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته وقدمها في خلق كثير من قومه فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس وفي يده صلى الله عيه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: "لو

سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لا أراك إلا الذي رأيت فيه ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني" ثم انصرف قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت فيه ما رأيت" فأخبرني أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فهمني شأنهما فأوحى الله إلى في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذا بين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنسى صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة". فإن قيل كيف لم يقتل مسيلمة بأبائه الدخول في الإسلام قلت يحتمل أنه جاء على جوار ليخاطبه بما يجيبه إليه أو يمتنع عليه قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} الآية فلم يقتله لذلك.

في تأمين رسل الكفار

في تأمين رسل الكفار روى سلمة بن نعيم عن أبيه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسل مسيلمة بكتابه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما: "وأنتما تقولان مثل ما يقول" فقالا: نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما". وروى عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله بن مسعود فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة وإني مررت بمسجد بني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجئ بهم فاستتابهم غير ابن النواحة فقال له ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أنك رسول لضربت عنقك" فاليوم أنت لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا بالسوق فلينظر. إنما لم يقتل الرسل وإن كان منهم مثل ما كان من ابن النواحة وصاحبه مما يوجب قتلهما لو لم يكونا رسولين لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} أي فيتبعه فيجب عليه المقام حيث يقيم المسلمون أو لا يتبعه فيبلغه

مأمنه إذ في تركه إتباعه بقاؤه على كفره الذي يوجب سفك دمه لو لم يأته طالبا لاستماع كلام الله تعالى فكما حرم سفك دمه حتى يخرج من ذلك الطلب فكذلك سفك دم الرسول حتى يخرج من تلك الرسالة بالرجوع إلى مرسله فيقبل ما جاء به فيؤمن أو لا فيبقى حربيا ويحل سفك دمه.

في قبول هدايا أهل الحرب

في قبول هدايا أهل الحرب روى عن عياش بن حمار كان حرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية أنه أهدى له هدية فردها وقال: "إنا لا نقبل زبد المشركين" والعرب تسمى الهدية زبد أو الحرمى يكون من أهل الحرم ويكون الصديق أيضا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية يعني بكتابه معه إليه فقبل كتابه وأكرم حاطبا وأحسن نزله ثم سرحه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحداهما أم إبراهيم والأخرى وهبها لجهم بن قيس هي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة لعمرو بن العاصي على مصر وروى أنه أعطاها حسان بن ثابت. رد هدية عياض وقبول هدية المقوقس مع أنهما كانا كافرين لافتراق كفرهما فإن عياض بن حمار من المشركين كالمجوس من العجم لا يؤمنون بالبعث لا تؤكل ذبائحهم ولا تنحح نساؤهم والمقوقس أهل كتاب يؤمن بالبعث وتقبل منهم الجزية وتؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم فكل مشرك كافر من غير عكس وقد أمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقبول هديتهم أحسن من ردها والمشركون في ذلك بخلافهم لأنا أمرنا بمنابذتهم وقتالهم حتى يكون الدين كله لله وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في خطبته روى عن أبي أمامة الباهلي قال: شهدت الخطبة يوما في حجة الوداع فقال صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا حسنا جميلا وفيها: "من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين

فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا" قال القاضي: هذا خاص بالنصارى على دين عيسى من غير تبديل كما سيجئ. ومنه عن علي بن أبي طالب قال: أهدى كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدت إليه الملوك فقبل منهم، وعن ابن عباس قال: أهدى المقوقس صاحب مصر إلى رسول الله صلى الله عيه وسلم قدحا من زجاج فكان يشرب فيه وعن أنس أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة بثلاثين قلوصا وبثلاثين بعيرا وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن صاحب الحشة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خفين ساذجين فلبسهما ومسح عليهما وعن عبد الرحمن القارئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطبا إلى المقوقس فأكرمه وأهدى معه بغلة بسرجها وجاريتين الحديث وكان عبد الرحمن حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ادخل حديثه في المسند وعن عبد الرحمن ابن يزيد عن أبيه قال: أهدى أمير القبط لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين قبطيتين وبغلة فأما البغلة فكان يركبها واحدى الجاريتين تسراها فولدت له إبراهيم وأما الأخرى فأعطاها حسان بن ثابت. إنما خالف أمر الأمة في الهدايا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعال اختصه في أموال أهل الحر بخاصة خالف بها غيره من أمته فقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} الآية. من ذلك أموال بني النضير كانت له خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ويجعل الباقي في الخيل والكراع في سبيل الله. ومن ذلك الهدايا لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب والذي يروي من رده هدايا المشركين بقوله: "إنا لا نقبل زبد المشكرين" كان قبل أن تنزل عليه هذه الآية فلما نزلت أباحت له من أموالهم ما صار إليه بغير إيجاف خيل عليه ولا ركاب.

في قسم ما أفاء الله عليه

في قسم ما أفاء الله عليه روى عن مسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية فبلغ ذل أباه مخرمة فقال: يا بني أنه قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا فوجدناه في منزله فقال: أي بني ادع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسور: فأعظمت ذلك وقلت: ادعو لك رسول الله؟ فقال: أي بني أنه ليس بجبار فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بذهب فقال: "يا مخرمة هذا خبأته لك فأعطاه إياه". وفي رواية أخرى" فكأني أنظر إليه يرى محاسن القباء ويقول: "خبأت هذا لك خبأت هذا لك" وفي حديث آخر: فقال: رضي مخرمة ولبعض رواته إنما فعل ذلك بمخرمة اتقاء من لسانه وكان ذلك قبل تحريم لبس الحرير ولذلك لبس الرسول صلى الله عليه وسلم القباء وكأن مما أوجف عليه بغير خيل ولا ركاب وكان خالصا له فلم يستأثر بالأقبية لنفسه وردها في إعزاز الإسلام وإصلاح قلب من يخاف فساده عليه طلبا للألفة بين الأمة ودفعا للمكروه الذي يخاف من بعضها على بقيتها وانطلق له لباسه لأنه غير مشترك بينه وبين أمته ولا وجب لمخرمة إلا بتسليمة إياه إليه ولو كانت الأقبية من الصنف الذي قال الله تعالى فيه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآية لما لبس صلى الله عليه وسلم منها شيئا.

في الاستعانة بالمشرك

في الاستعانة بالمشرك روى عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجده ففرح

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال: يا رسول الله جئت لأتبعك وأصيب معك, فقال له رسول اله صلى الله عليه وسلم: "أتؤمن بالله عز وجل؟ " قال: لا, قال: "فارجع فلن نستعين بمشرك" الحديث بطوله إلى قوله: "أتؤمن بالله ورسوله", فقال: نعم, فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق". وروى ابن شهاب أن صفوان بن أمية سار مع رسول الله صلى اله عليه وسلم فشهد حنينا والطائف وهو كافر وهو يسند من رواية جابر بن عبد الله قال: لما انهزم الناس يوم حنين جعل أبو سفيان بن حرب يقول: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر وصرخ كلدة بن الحنبل وهو مع أخيه لأمه صفوان ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان: أسكت فض الله فاك فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من يربني رجل من هوازن لا مخالفة بين حديث صفوان وبين قوله: "لا نستعين بمشرك", لأن صفوان قتاله كان باختياره دون أن يستعين به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك والإستعانة بالمشرك غير جائزة لكن تخليتهم للقتال جائة لقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} والاستعانة اتخاذ منه لهم بطانة فأما قتالهم معه دون استعانة فبخلاف ذلك وكذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اليهود لما بلغه جمع أبي سفيان ليخرج إليه يوم أحد فانطلق إلى اليهود الذين كانوا في النضير فوجد منهم نفرا عند منزلهم فرحبوا به فقال: "إنا جئناكم نخبر أنا أهل كتاب وأنتم أهل كتاب وإن لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر فإما قاتلتم معنا وإما أعرتمونا سلاحا" ليس بخلاف لأن الممتنع الاستعانة بالمشرك واليهود الذين دعاهم إلى قتال أبي سفيان معه أهل كتاب ليسوا من المشركين فلما أجتمع أهل الكتاب معنا في الإيمان بالكتب الذي أنزلها الله على من أنزل من أنبيائه وفي الإيمان بالبعث بعد الموت كانت أيدينا واحدة في قتال عبدة الأوثان والغلبة لنا لأننا الأعلون وهم اتباع لنافي ذلك وهكذا حكمهم إلى الآن عند أبي حنيفة وأصحابه إذا كان حكمنا هو الغالب بخلاف ما إذا لم يكن حكمنا غالبا نعوذ بالله وليس هذا بخلاف أيضا لما روى أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا هو بكتيبة حسناء فقال: "من هؤلاء؟ " قالوا: بنو قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام وقوم عبد الله ابن سلول فقال: "أسلموا" فأبوا قال: "قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين" ومعنى قوله: "وهم قوم عبد الله بن أبي" ليس المراد أن عبد الله منهم لأنه ليس من اليهود لأنه من الرهط الذين يرجع الأنصار إليهم بأنسباهم ولكنه خذل بنفاقه فأما نسبه فيهم فقائم وقيل لهم قومه بمحالفته لا بما سوى ذلك وإن كان فيه تسمية اليهود مشركين ومنعهم من القتال معه لأن بني قينقاع بمحالفتهم عبد الله صاروا كالمرتين عما كانوا عليه إلى ما هو عليه لأن المعالفة هي الموافقة بين المتحالفين فخر جوابه عن حكم أهل الكتاب فصاروا كمن ارتد عن الإسلام إلى اليهودية أو النصرانية لا يكون بذلك يهوديا ولا نصرانيا في أكل ذبائحهم وحل نسائهم فكذا هؤلاء لما حالفوا المنافق صاروا كالمشركين فكان لهم حكمهم فلذلك منعوا وسموا مشركين.

في إسهام من لم يشهد الحرب

في إسهام من لم يشهد الحرب روى عن أبي هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحنا وإن حزم خيلهم لليف فقال أبان: أقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة: لا تقسم لهم شيئا يا نبي الله فقال أبان: أنت بهذا يعني يا وبر نجد قال صلى الله عليه وسلم: "اجلس يا أبان فلم يقسم لهم شيئا". فيه أن السائل هو أبان وروى أن السائل كان أبا هريرة فإنه روى عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحوها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهم لي من الغنيمة فقال بعض بني سعيد ابن العاصي: لا تسهم لهم يا رسول الله فقلت: يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل فقال ابن سعيد: واعجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضان ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهنى على يديه.

قال سفيان: لا أدري أسهم أو لم يسهم له فالله أعلم من السائل منهما وروى أن أبا هريرة قدم المدينة هو ونفر من قومه وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة رجلا من بني غفار يقال له سباع بن عرفطة قال: فأتيناه فزودنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم. ففيه دليل على أن السائل في هذه القصة هو أبو هريرة وأبان بن سعيد وقد اختلف العلماء في هذا المعنى من الفقه فطائفة منهم توجب لمن كانت حاله حال أبي هريرة وأبان الدخول في الغنيمة المغنومة قبل قدومه لأن الإمام لا يأمن من العدو ما دام في بلدهم فحاجته إلى المدد قائمة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وطائفة منهم لا يشركونهم وهم الشافعي ومالك واختلف في ذلك عمار ابن ياسر وعمر بن الخطاب فلو أمن الإمام عود العدو إليه ثم لحقه المدد فلاحق لهم اتفاقا فيما غنموه قبل قدومهم ومنع رسول الله صلى الله عليه سلم أبان وأبا هريرة من تلك الغنيمة يحتمل أن خيبر قبل قدومهما عليه صارت دار إسلام استغنى عن المدد ويحتمل أن يكون لاختصاص خيبر بأهل الحديبية بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} يريد أهل الحديبية {فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} يعني خيبر وعن أبي هريرة ما شهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مغنما إلا قسم لي الأخير فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة وفي سؤال أبان أو أبي هريرة وهو فقيه صحابي وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك السؤال عليه دليل على أن ما سألاه ما كان محالا إذ لو كان لبينه وما روى أنه أشرك أبا هريرة في تلك الغنيمة فكان بعد مسامحة أهل الحديبية لأبي هريرة وإيثارهم له ذلك بإشارة الرسول صلى اله عليه وسلم كما روى عن أبي موسى أنه قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر بثلاث فقسم لنا وما قسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا وكان ذلك بمسامحتهم أيضا وسماحتهم بعد مشاورته صلى الله عليه وسلم معهم على ذلك.

في ما للعبيد من المغنم

في ما للعبيد من المغنم عن عمير مولى أبي اللحم قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فقمت فقلت: يا رسول الله سهمي, قال: "خذ هذا السيف فتقلده" قال: فتقلدته فخطت نعله في الأرض قال: فأمر لي من الخرنى وروى عنه في حديث آخر قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر وعنده الغنائم وأنا عبد مملوك فقلت: يا رسول الله أعطني, قال: "تقلد هذا السيف" فتقلدته فوقع بالأرض فإعطاني من خرثى المتاع فعلمنا بذلك على أنه كان عبد أو أمره صلى الله عليه وسلم بتقلد السيف ليعلم قدر غنائه في القتال ليعطى له ما يعطى مثله دون أن يضرب له بسهم كالإحرار الذين ساوى الله بين قويهم وضعيفهم في ذلك. روى أن نجدة بن عامر كتب إلى ابن عباس يسئله عن المرأة والعبد إذا حضرا البأس هل يسهم لهما فكتب إليه ابن عباس لم يكن يسهم لهما إلا أن يحذيا من غنائم القوم وإنما أعطى صلى الله عليه وسلم عميرا بقتاله وإنما الذي يجب له في ذلك لمن يملكه روى عنه قال: شهدت خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخروه أني مملوك فأمرني فتقلدت السيف فإذا أنا أجره فأمر لي بشيء من خرثى المتاع.

في الغنائم والأسرى

في الغنائم والأسرى روى عن ابن عباس قال: لما أسروا الأسارى في يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر ويا عمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " قال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ترى يا ابن الخطاب؟ " قال عمر: والله ما أرى الذي رأى أبو بكر يا نبي الله ولكن أرى إن تمكنا منهم فنضرب أعناقهم وتمكن عليا من عقيل

فيضرب عنقه وتمكنى من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفار وصناديدها وقادتها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله أبو بكر ولم يهو ما قلت: فلما كان الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وأبو بكر قاعدان يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك, فإن وجدت بكاء بكيت ببكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبكي لذي عرض على من الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {حَلالاً طَيِّباً} فأحل الله الغنيمة لهم. وروى عن أبي هريرة قال لما كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤس قبلكم" كان النبي إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم فتنزل نار من السماء فتأكلها فأنزل الله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} هذا أشبه بالآية من حديث ابن عباس لأنه أثبت فيها أخذا متقدما كان الوعيد عليه بقوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو أخذهم ما أخذوا من الغنائم قبل أن تحل لهم وليس في حديث ابن عباس أنهم أخذوا شيئا إنما فيه أن أبا بكر أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهم الفداء لا غير فيه معنى يجب الوقوف عليه والحذر من الله في التقدم لأمره لأن هذا الوعيد لما لحق أهل بدر وقيل فيهم "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" كان لمن سواهم ممن هو دون رتبتهم ألحق واختلف في المراد بالآية قال ابن عباس سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية وقال الحسن سبق أن الله مطعم هذه الأمة الغنيمة ففعلوا الذي فعلوا قبل أن تحل لهم الغنيمة وروى عنه قال: سبق من الله أنه كان مطعما هذه الأمة الغنائم وأنهم أخذوا الفداء من القوم يوم بدر قبل أن يؤمروا بذلك فتاب الله عليهم وعابه عليهم ثم أحله لهم وجعله غنيمة وروى عنه أنه قال: سبق من الله أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمه

ولم يكن تقدم إليهم فيها وروى عنه قال سبق من الله الغفران لأهل بدر وهذه التأويلات كلها محتملة للآية والله أعلم بمراده فيها. ومنه ما روى عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان مطعم بن عدي حيا فكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له" يعني أسارى بدر وكانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد إن الله تعالى خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يطلق منا منه ويأخذ الفداء ممن يفتدى به من القتل الواجب عليه بقوله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية فلا وجه لإنكار من أنكر ذلك وقد من على غير أسارى بدر وهم سبى هو أزن لما كلموه فيهم وخيرهم بين المال والسبي فاختاروا السبي فطلقهم لهم على ما روى أنه قال صلى الله عليه وسلم: "أما بعد فإن أخوانكم هؤلاء قد جاؤا تائبين وإني قد رأيت إن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فعل ومن أحب منكم أن يكون على حقه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله تعالى علينا فليفعل" فقال الناس قد طيبنالك يا رسول الله ولهم فقال: "إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم" فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا. إنما استأذن صلى الله عليه وسلم في سبى هوازن الناس وقال في أسارى بدر: "لو أن مطعم بن عي كلمني فيهم لتركتهم" لأن في أسارى بدر ما كانوا ليملكوا وكان السبيل فيهم أما القتل أو المن أو الفداء منهم فما كان حاجة إلى استئذان أحد بخلاف سبي هوازن فإنهن قسمن وملكن فلا يجوز إخراجهن عن ملك الغزاة بغير رضاهم يؤيده ما روى أن رسول الله صلى الله عله وسلم أعطى عمر بن الخطاب جارية من سبى هوازن فوهبها لعبد الله ابنه فبعث بها إلى أخواله من بني جمح ليصلحوا له منها حتى يطوف بالبيت وهو يريد أن يصيبها إذا ارجع إليها فخرج من المسجد حين فرغ فإذا الناس يشتدون فقال:

ما شأنكم فقالوا: أرد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا قال: قلت: تيكم صاحبتكم في نبي جمح فاذهبوا فخذوها فذهبوا فأخذوها. في إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم السبى إلى قومهم بمجرد نقل العرفاء أنهم أذنوا دليل لمن يقول يقبل إقرار الوكيل على موكله فيما وكله به عند الحاكم لأن العرفاء مقام الوكلاء وهو أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وهو احتجاج صحيح خلافا لمن يقول لا يقبل إقرار الوكيل على موكله وينعزل به وهو زفر وأبو يوسف وغيرهما وروى عن عطاء أنه كان يكره قتل الأسير صبرا ويتلو هذه الآية {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} وقال ابن خديج: فنسخها قوله تعالى: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} قال الطحاوي: دل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} على أن القتل فيهم أولى من الأسر وقوله: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} كان نزولها بعد إحلال الله تعالى لهم الغنائم ألا ترى إلى قوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي منافعها بالأسر الذي فعلتموه حتى تأخذوا الفداء ممن أسرتموه ثم أتبع ذلك بقوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} والأخذ هو الأسر الذي يكون سببا لذلك الأخذ ومما يدل على قتل الأسرى ما روى أن الضحاك بن قيس أراد أن يستعمل مسروقا فقال له عمارة بن عقبة أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود أن أباك لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله فقال: من للصبية يا محمد؟ قال: "النار فقد رضيت لك ما رضى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم". وما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة فربطوه بسارية المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكرو إن ترد المال فسل

تعط منه ما شئت الحديث فعدم رد الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: إن تقتل تقتل ذا دم, دل على أن قتله كان جائزا له وإن كان أسيرا وما روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه قيل له هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه" وابن خطل حينئذ كان في حكم الأسير وما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الناس يوم الفتح إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة" فقتل منهم عبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وركب عكرمة بن أبي جهل البحر فأصابتهم ريح عاصف فعاهد الله ليأتين رسول الله صلى الله أن نجا فنجا وأسلم وأما عبد الله بن أبي سرح فإنه اختبى عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى أن يبايعه فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: "أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين كففت يدي عن بيعته فيقتله" قالوا: ما درينا يا رسول الله ما في نفسك فهلا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: "إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة الأعين" أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك وعبد الله أسيره إذ ذاك ومثل ذلك حديث أنس في الذي كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي بنذره الذي كان نذر أن يقتله لما رأى شدته على المسلمين ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لابن النواحة وصاحبه الوافدين عليه من عند مسيلمة إذ قال لهما: "أتشهدان أني رسول الل هـ1" فقالا له: أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله؟ "لو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما" وكانا كالأسيرين ففيما ذكرنا ما دل على إباحة قتل الأسرى. وما روى عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابا من شحم يوم خيبر

_ 1 كذا لعله سقط.

فألتزمته فقلت: لا أعطي أحدا اليوم من هذا شيئا فألتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم. قد عارضه بعض بما روى عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت: يا رسول الله لمن المغنم؟ قال: "لله عز وجل سهم ولهؤلاء أربعة أسهم", قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: "لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه" وهذا جهل من معارضه لأنه حديث لا يحتج بمثله لأن روايته تعود لى مجهول ولأن عبد الله بن مغفل إنما أخذ من طعام كان محتاجا إليه وقد كانت الصحابة في المغازي يصيبون العنب والعسل والطعام وتينا ولونه من غير أن يرفعوا منه شيئا فإذا كان واسعا لهم أخذ ما تقدمت غنيمة المسلمين إياه حتى يستأثرون به لحاجتهم دون من ليس له حاجة به إليه كان ما كان منابن مغفل مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذه بيده وقوله بلسانه أوسع بخلاف حديث البلقيني فإنه لا حاجة بالمرمى إليه حتى لو احتاج أن يرمى به من رماه أو سواه من عدوه يحبسه لذلك فبان أن لا تضاد بينهما. ومنه ما روى عن عائشة قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء زوجها أبي العاصي بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها رقة شديدة حتى دمعت عيناه وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا" فقالوا: يا رسول الله بآبائنا أنت وأمهاتنا فأطلقوه وردوا عليها الذي لها. لا يقال: كان المن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إليهم حتى قال في مطعم "لو كلمني فيهم لأطلقتهم له" فأي حاجة كانت في مشاورتهم لأن قوله في مطعم كان في الوقت الذي كان له قتلهم فكان إليه المن عليهم وقوله: في القلادة كان بعد ان حقنن فداؤهم دماءهم وعاد الفداء في حكم الغنيمة المشتركة فلم يصلح منها أن يطلق إلا ما طابت به أنفسهم.

في الغلول

في الغلول روى أن مسلمة بن عبد الملك دخل أرض الروم فغل رجل فبعث مسلمة إلى سالم بن عبد الله فقال: حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذتموه قد غل فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" فكان في متاعه أراه قال: مصحفا فسأل سالما فقال: بيعوه وتصدقوا بثمنه. وفي رواية حدثني أبي عن عمر فاضربوه مكان فاضربوا عنقه والأولى أصح وأكثر ضرب عنق الغال وحرق رحله لم يسمع في غير هذا الحديث ولا قال به من الفقهاء غير مكحول فإنه قال يحرق متاعه وكتاب الله يخالف ذلك قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} فإذا لم يكن في سرقة مال ليس للسارق فيه شركة سوى قطع يد لا جزاء له غير ذلك فأجرى أن لا يجب عليه في غلول مال له فيه حظ إحراق رحله وأما انتفاء القتل فبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث ولم يثبت بالحجة أن الحكم في الغال كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعدما في هذا الحديث المقبول فيلحقه بها واحتمل أن يكون قبله فيكون هذا الأثر ناسخا له فوجب أن يكون الحظر على حاله حتى تقوم الحجة بإطلاق شيء مما في ذلك الحظر فيطلقه.

في السلب

في السلب روى عن سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينما نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع الناس وجعل ينظر إليه1 وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة فخرج مشتدا

_ 1 كذا في الأصل والظاهر ينظر إلينا.

فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره واشتد به الجمل وأتبعه رجل على ناقة ورقاء فرأس الناقة عند ورك الجمل قال سلمة: وخرجت أشتد حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر فجئت بالجمل أقوده وعليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال: "من قتل الرجل؟ " قالوا: ابن الأكوع قال: "له سلبه أجمع". وفي رواية أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس فتحدث عند أصحابه ثم انسل فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه فاقتلوه" فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلنيإياه فيه غشارة إلى أن من دخل من العدو في دار الإسلام بغير أمان فقتله أحد أو أسره يكون سلبه له دون الذين كانوا معه ولم يقتلوه ولم يأسروه وهو مذهب أبي يوسف ومحمد قالا مرة لا خمس فيه وقالا مرة فيه الخمس خلافا لأبي حنيفة فإن سلبه لجميع المسلمين لأنه مغنوم بقوة دار الإسلام والحجة لهما ما قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الموجود في أرض الأسلام أنه لواجده خاصة غير الخمس فيه فإنه لأهله وذلك لأن الواجد هو الغانم له فاستحقه على الخصوص بعد الخمس وقد يحتمل حديث سلمة أن يكون كذلك فيه الخمس لأهله ولكن تركه رسول اله صلى الله عليه وسلم لسلمة لانه من أهله كما قال عمر بن الخطاب لأبي طجلحة في سلب الرابء بم مالك لما قتل مرز بان إنا كنا لا نخمس الإسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيما ولا أرانا إلا خامسه قال: فخمسه. وقول سلمة في الحديث فنفلني إياه إخبار من سلمة لا يصح أن يكون معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم: "له سلبه أجمع" لأن ذلك يوجب أن يكون له باستحقاقه إياه بقتله دون أن ينفله إياه. ومنه ما روى عن أبي قتادة بن ربعى أنه قال: خرجنا مع رسول الله

صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة قطعت بها الدرع فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله ثم أن الناس رجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا له عليه وبينة فله سلبه" فقمت فقلت: من يشهد لي ثم جلست, ثم قال: ذلك الثانية ثم قال: ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالك يا أبا قتادة؟ " فاقتصصت عليه القصة فقال: رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه يا رسول الله فقال أبو بكر: لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق فأعطه إياه" قال أبو قتادة: فأعطانيه فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام قيل فيه أن القاتل يستحق السلب قال الإمام ذلك أو لم يقل لأن قوله صلى اله عليه وسلم يدل على قتل متقدم لذلك القول ولا دليل فيه إذ قد يجوز أن يكون قال صلى الله عليه وسلم يدل على قتل متقدم لذلك القول ولا دليل فيه إذ قد يجوز أن يكون قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" قبل ذلك القتل فكان ما قاله في هذا الحديث ليعلم من القاتلون فيدفع إليهم إسلاب قتلاهم وروى عن أنس ما يدل على ذلك قال لما كان يوم حنين جاءت هوازن تكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبل والغنم والنساء والصبيان فانهزم المسلمون يومئذ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا معشر المهاجرين أنا عبد الله ورسوله يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله فهزم الله المشركين من غير أن يطعن برمح أو يضرب بسيف وقال رسول الله صلى اله عليه وسلم يومئذ "من قتل مشركا فله سلبه" فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين فأخذ إسلابهم وقال أبو قتادة: يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبل العاتق فاجهضت عنه وعليه درع فانظر من أخذ الدرع فقام رجل فقال: يا رسول الله إني أخذتها فأعطينها وأرضه منها وكان رسول الله صلى الله

عليه وسلم لا يسئل إلا أعطاه أو يسكت فقام عمر بن الخطاب فقال ولا والله لا يفيئها الله عز وجل على أسد من أسد الله ثم يعطيكها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق عمر" فدل هذا الحديث إن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان منه عند انهزام الناس عنه وتفرقهم وعند حاجته إلى رجوعهم إليه فكان ذلك تحريضا لهم على القتال وعلى الرجوع غليه فدل ذلك إن قوله الثاني الذي كان في حديث أبي قتادة إنما كان لقوله الأول الذي كان في حديث نس وفي ذلك ما قد دل على أن من قتل قتيلا في الحرب لا يستحق سلبه إذا لم يكن قال الإمام قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه ومالك وأصحابه لا كما يقول من خالفهم فيه وفي قول لمالك لا يجوز أن ينفل الإمام القاتل بالسلب إلا من الخمس. ومنه ما روى عن جبير بن نفير عن عوف أن مدديا وافقهم في غزوة موته وإن روميا كان يشد على المسلمين فتلطف له المددى فقعد له تحت صخرة فلما مربه عرقب فرس وخر الرومي لقفاه وعلاه بالسيف فقتله فأقبل بفرسه بسرجه ولجامه وسيفه ومنطقته وسلاحه مذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد فأخذ خالد طائفة ونفله بقيته فقلت: يا خالد ما هذا أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب القاتل السلب كله؟ قال: بلى ولكني استكثرته فقلت: إيم الله لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته خبره فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددى بقية سلبه فولى خالد ليفعل فقلت: كيف رأيت يا خالد أو لم أوف لك بما وعدتك فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا خالد لا تعطه واقبل على فقال: "هل أنتم تاركون امرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره" عوف هذا هو عوف بن مالك بن أبي عوف الأجشعي أول مشاهده خيبر مات سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسامح القاتلين بالأسلاب من غير أن تجب لهم يدل عليه ما روى أن البراء بن مالك أخا أنس

ابن مالك بارز مرزبان الزأرة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت إليه فقتله فقوم سلبه ثلاثين ألفا فلما صلينا الغداة غدا علينا عمر فقال لأبي طلحة: إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن صلب البراء قد بلغ ما لا ولا أرانا إلا خامسيه فقومناه ثلاثين ألفا فدفعنا إليه ستة آلاف وهذا مع حضور عمرو أبي طلحة وأنس ابن مالك ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من قوله: "من قتل قتيلا فله سلبه". وفي ذلك ما ينفي أن يكون فيه خمس وقد طلب عمر الخمس من سلب البراء فدل أنهم كانوا يتركون أخماس الأسلاب مسامحة لا وجوبا عليهم تركها إذا كان كذلك في أخماس الأسلاب كان كذلك في بقيتها فإنما أمضى خالد ما كان له أن يسمح به ومنع ما كان له أن يمنعه وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قول عوف وبعده ما أمضى لما قد كان له أن يمضيه عليه وفي ما دل على أن إسلاب القتلى لا تستحق إلا بقول متقدم من الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فذلك الذي لا يجوز أن يمنع منه بحال. قال الطحاوي: وقال محمد بن الحسن لو أن عسكرا من المسلمين دخل أرض الحرب وعليهم أمير فقال الأمير من قتل قتيلا فله سلبه فضرب رجل من المسلمين رجلا من المشركين فصرعه واحتز آخر رأسه فالسلف للذي صرعه وإن كان لم يقتله وإن كان صرعه وضربه ضربا يقدر على التحامل معه فالسلب للذي احتز رأسه قال: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "من قتل قتيلا فله سلبه" فضرب ابن عفراء أبا جهل فأثخنه وقتله ابن مسعود فجعل النبي صلى الله عليه وسلم سلبه لابن مسعود وكذلك إن كان الذي صرعه ضربه ضربا لا يعاش من مثله ويعلم أن آخره إلى الموت إلا أنه ربما عاش اليوم واليومين والثلاثة أو أكثر إلا أن آخر احتز رأسه فالسلب للذي احتز رأسه وإن كان الأول ضربه فنثر ما في بطنه فألقاه أو قطع أو داجه إلا أن فيه شيئا من الروح ثم إن الآخر احتز رأسه فالسلف للذي صرعه لأن هذا إنما بقى منه مثل الذي

يكون من الحركة عند الموت فالفقه ما قاله محمد ولكنه وهم في أمر أبي جهل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم منه أنه قال من قتل قتيلا فله سلبه إلا يوم حنين فقط وإنما كانتالأمور تجري في الإسلاب على ما قد ذكرنا ولا يحتج لمحمد بن الحسن بما روى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نفله يوم بدر سيف أبي جهل لأن الحدة عليه لا له لأنه لو كان صلى الله عليه وسلم قد قال قولا يوجب السلب للقاتل لدفع سلب أبي جهل كله إلى قاتله. ة وقد روى عن عبد الرحمن بن عوف قال: إني لقائم يوم بر بين غلامين حد يثة سنانهما تمنيت لو أني بين اضلع منهما فغمزني أحدهما وقال: يا عم أتعرف أبا جهل؟ فقلت: وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الاعجل منا, فعجبت لذلك وغمزني الآخر فقال مثلها فلم انشب أن نظرت إلى أبي جهل يرفل في الناس فقلت: ألا تريان صاحبكما الذي تسألاه عنه فاتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: "أيكما قتله؟ " قال كل واحد منهما: أنا قتلته, فقال: "أمسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا فنظر في السفين فقال: "كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمر بن الجموح وماذبن عفراء ففي قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسلبه لأحد الرجلين اللذين أخبرا أنهما قتلاه جميعا بعد أن نفل منه بعضه لعبد الله بن مسعود دليل على أنه لم يتقدم منه القول بأن السلب للقاتل كما قال محمد مما وهم فيه وإن السلب إلى ما يراه الإمام وإن ذلك كان مما يسمح به للقاتل في الأغلب من غير وجوب والله أعلم.

في حكم من خرج إلينا من عبيدهم

في حكم من خرج إلينا من عبيدهم روى عن ابن عباس قال: كان من خرج من عبيد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف اعتقه فكان منهم أبو بكرة فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف فكان ممن أعتق يومئذ أبو بكرة

وغيره فكانوا موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى اعتقه بخروجه إليهم لا باستئناف إعتاقهم بعد خروجهم إليه وليس المراد بقوله: فهو مولى رسول الله, الولاء الذي موجبه الاعتاق بل المراد به الولاء الذي موجبه الولاية التي منها "من كنت مولاه فعلي مولاه" ألا ترى إلى اتباعه بقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" يؤيد ما ذكرنا ما روى العشبي عن رجل من ثقيف قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رد إلينا أبا بكرة فأبى وقال: "هو طليق الله وطليق رسوله" وكان أبو بكرة خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف. ولأن الأصل المتفق عليه أن من خرج من عبيدهم إلى المسلمين مسلما مراغما لمولاه كان حرا لخروجه غانما لنفسه لا ولاء لأحد عليه وقد كان خروج أبي بكرة مسلما بدليل ما روى عن أبي عثمان النهدي قال سمعت سعد بن مالك وأبا بكرة يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام" قال: فقلت له: لقد حدثك رجلان وأي رجلين فقال: وما يمنعهما من ذلك أما أحدهما فأول رجل رمى بسهم في سبيل الله وأما الآخر فأول رجل نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلولا أنه خرج مسلما لما كان محمودا على ذلك وإن من خرج إلينا من عبيدهم على كفره عاد غنيمة لكلنا باحر ازديارنا إياه كما قال أبو حنيفة أو لمن سبقت يده منا كما قالا من غير تخميس أو بعد إخراج الخمس في رواية عنهما وكان أبو بكرة لحقه الرق لما كان في الجاهلية من استرقاق أولاد إمائهم منهم ومن غيرهم.

في نقل راس الكافر

في نقل راس الكافر ورى عن علي بن أبي طالب قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس مرحب وروى عن البراء قال: قال لقيت خالي معه الراية فقلت: أين تذهب؟ فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة

أبيه من بعد أبيه أن آتيه برأسه. وعن عبد الله الديلمي عن أبيه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب فقلت: يا رسول الله قد عرفت من نحن فإلى من نحن, قال: "إلى الله عز وجل وإلى رسوله", وكان إتيانهم به من اليمن ليقف صلى الله عليه وسلم على نصر الله وعلى كفايته المسلمين شأنه. وفيه إجازة نقل الرؤوس نكالا من بلد إلى بلد ليقف الناس على النكال الذي نزل بهم ومن هذا الجنس قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله في آية المحاربين: {يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} ليشتهر في الناس أمرهم وإنكار أبي بكر على عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة حين بعثا رأسا إليه اجتهاد منه لما ظهر إليه من الاستغناء عنه ألا ترى أن أمراء الأجناد منهم يزيد بن أبي سفيان وعقبة بن عامر بحضرة من كان معهم لم ينكروا ذلك لما رأوا فيه من إعزاز دين الله وغلبة هله الكفار فالمرجع في مثله إلى أراء الأئمة يفعلون من ذلك ما يرونه صوابا مناسبا لوقتهم ويتركونه إذا استغنوا عنه وقد أتى عبد الله بن الزبير برأس المختار فلم ينكر ذلك روى أن البريد لما وضعه بين يديه قال: ما حدثني كعب بحديث إلا وجدته كما حدثني إلا هذا فإنه حدثني أنه يقتلني رجل من ثقيف وها هو قد قتلته قال الأعمش ولا يعلم أن أبا محمد يعني الحجاج مرصد له بالطريق.

في قتل كعب بن الأشرف

في قتل كعب بن الأشرف بعث رسول الله صل الله عليه وسلم محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف وأذن له أن يقول ما شاء وأنه لما ناداه فخرج إليه وريح الطيب تنضخ استأذنه أن يشم رأسه فأذن له فوضع يده على رأسه فشمه ثم استعاده ذلك فأذن له فأعاد فلما استمكن من رأسه قال دونكم لثلاثة نفرا وأربعة كانوا معه فضربوه حتى قتلوه.

لا يقال فيه ختر بالأمان وإنه منهى عنه على ما روى السدى عن رفاعة قال: دخلت على المختار فإذا وسادتان مطروحتان فقال: يا جارية هلمي لفلان وسادة فقلت: ما بال هاتين؟ فقال: قام عن أحداهما جبريل وعن الأخرى ميكائيل فما منعني أن أقتله إلا حديث عمرو بن الحمق قلت: وما حدثك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أمنه رجل على نفسه فقتله فأنا منه برئ وإن كان المقتول كافرا". وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أمنه رجل على نفسه فقتله أعطى لواء غدر يوم القيامة" لأنا نقول معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من آمن رجلا 1 على نفسه" إنما هو فيمن هو آمن أما بالإسلام وأما بدمه وأما بأمان بإعطاء المسلمين إياه ذلك حتى صار به آمنا على نفسه وصار دمه حراما وكان ما كان من ائتمان كعب محمد بن مسلمة على نفسه كلا ائتمان وأنه كان بعده في حل دمه كما كان قبله.

_ 1 كذا.

في كتابه صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة ببحرهم

في كتابه صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة ببحرهم روى عن أبي حميد قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام تبوك حتى إذا جئنا وادي القرى جاء ملك أيلة فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ببحرهم يحتمل أن يكون المراد ببحر إيلة هو السعة التي يدخل فيها عن الماء وما سواه كذلك يقول أهل اللغة: في البحر سميت بحرا لسعتها وانبساطها ومنه استبحر فلان في العلم إذا اتسع فيه واستبحر المكان إذا دخل فيه الماء وانبسط عليه وبحرت الناقة إذا اشققت أذنها طولا ومنه البحيرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم في فرس أبي طلحة: "إنه بحر وإنا وجدناه بحرا". وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى عن عروة

ابن الزبير: "بسم الله الرحمن الرحيم وهذه أمنة من الله عز وجل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم لمنجية بن روبة وأهل أيلة لسيارتهم ولبحرهم ولبرهم ذمة الله عز وجل وذمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم ولمن كان معهم من كل مار من الناس من أهل الشام واليمن وأهل البحر فمن أحدث حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وإنه طيب لمن أخذه من الناس ولا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونها مؤبدا" ونحو هذا كتاب جهيم بن الصلت والمعنى فيه هو أن أهل اليمن والشام على كفرهم كانوا وحكمهم أن يغنموا لدخولهم بلا أمان في بلادنا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كتب لهم آمنين على أنفسهم وأموالهم إذا دخلوا تلك المواضع وكان لم في ذلك أعظم المنافع لأنهم يميرونهم ويحملون إليهم الأطعمة التي يعيشون بها وغير ذلك مما ينتفع بها لا سيما وايلة لا زرع فيها فيحتمل أن يكونوا يعشرون كتجار أهل الحرب إذا دخلوا دارنا بأمان ويحتمل أن يكون ذلك مما رفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرغبوا بذلك في الحمل إلى ذلك المكان كما خفف عمر بن الخطاب عمن كان يقدم المدينة من ناحية الشام بالتجارات فردهم إلى نصف العشر وما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يوجب ذلك مذكور في موضعه.

في عطاء المحررين

في عطاء المحررين روى عن عبد الله بن عمر قال: لمعاوية أمسكت عطاء المحررين ولم أر رسول الله صلى اله عليه وسلم بدأ بشيء أول منهم حين وجد وقال له لما قدم المدينة عام حج: ابدأ بالمحررين فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم قسما فبدأ بهم فبدأ معاوية فأعطى المحررين قبل الناس وأحسن ما قيل فيه أن المحررين وهم المعتقون كانوا أعداء المسلمين يقاتلونهم وكان المسلمون في قتالهم إياهم مع عداوتهم محسنين إليهم إذ هو سبب لدخولهم الجنة وإليه

يشير قوله صلى الله عليه وسلم جوابا للذي سأله عن ضحكه الذي كان منه فقال: "رأيت قوما يجرون إلى الجنة في السلاسل بخلاف الكفار فإنهم يسيئون إلى من يأسرون من المسلمين" ثم للمسلمين إحسان آخر إليهم باعتقاهم بعد الإسلام وإلحاقهم بالأحرار ابتغاء مرضاة الله تعالى فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصل الإحسان إليهم فلا يفارقهم ما كانوا في الدنيا والله أعلم.

في كسرى وقيصر

في كسرى وقيصر روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله تعالى" حكى عن الشافعي أن قريشا كانت تتجر بالشام والعراق كثيرا فلما دخلت في الإسلام خافت من انقطاع معاشهم من الشام والعراق لمعاداة ملكيهما لأهل الإسلام فقال صلى الله لعيه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده وكذا لم يكن بأرض الشام قيصر عن الشام وثبت لقيصر ملك ببلاد الروم وقيل أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك" أي سيهلك ولا يكون بعده كسرى إلى يوم القيامة وكذا إذا هلك قيصر لكنه لم يهلك إلى الآن ولكنه هالك قبل يوم القيامة واختلاف هلاكيهما تعجيلا وتأخيرا لاختلاف ما كان منهما عند ورود كتاب رسول الله صلى اله عليه وسلم عليهما وذلك لأن كسرى مزقه فدعا صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق وقيصر لما قرأ كتابه وسأل أبا سفيان عما سأله عنه قال إن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت قدميه الحديث وهذا أشبه لان قيصر لم يهلك وإنما تحول من الشام إلى الروم يحققه قوله: "لتنفقن كنوزهما"

في سبيل الله" وقد أنفق كنز كسرى ولم ينفق كنز قيصر في مثله إلى الآن وسينفق على ما روى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستغزون جزيرة العرب وتفتح عليكم وتغزون فالرسا فتفتح عليكم وتغزون الروم فتفتح عليكم ثم الدجال" قال جابر: ولا يخرج الدجال حتى تفتح الروم فأخبر أن فتح الروم المقترن بفتح كسرى لم يكن وأنه كائن البتة وإذا يكون كفتح كسرى الذي قد كان وقد روى معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة وخروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب على فخذي أو فخذ الذي بجنبه أو منكبه ثم قال أما أنه لحق كما أنك هاهنا ففيه أن هلاك قيصر إذا هلك لا يكون بعده قيصر إلى يوم القيامة كما لا يكون بعد كسرى إلى يوم القيامة وتخلو الأرض من كل منهما وتصرف كنوزهما إلى ما أخبر صلى الله عليه وسلم أنها منفقة فيه. في المسابقة روى عن عائشة أنها قالت سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك" وفيما روى عنها أنها قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الآخرة حتى إذا كنا بالأثيل انصرفت لبعض حاجتي فنكبت عن الطريق فبينما أنا كذلك إذا راكب يضرب فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرغت من حاجتي ثم جئت فقال: "أسابقك فأرمي بدرعي خلف ظهري ثم أجعل طرفه في حجري ثم خططت خطا برجلي ثم قلت: تعال فقم على هذا الخط" فنظر في وجهي وكأنه عجب فقمنا على ذلك الخط قالت: فقلت: اذهب قال: اذهبي فخرجنا فسبقني وخرج بين يدي فقال: "هذه بيوم ذي المجاز" فتذكرت ما يوم ذي المجاز فذكرت أنه جاء وأنا جارية وكان في يدي شيء فسألنيه فمنعته فذهب يتعاطاه ففررت فخرج في أثري فسبقته ودخلنا البيت, وفيما روى عن سلمة بن الأكوع أنه قال: قدمنا من

الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأردفني راجعين إلى المدينة على ناقته العضباء فلما كان بيننا وبين المدينة وكرة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا فقال: هل من مسابق إلى المدينة؟ قالها مرارا وأنا سكات فقلت: ما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال: لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله ائذن لي فلأسابقنه فقال: "إن شئت فعلت" فقلت: اذهب إليك فخرج يشتد وانطفق1 عن الناقة ثم أعدو فربطت على شرفا أو شرفين فسألته ما ربطت قال استبقيت نفسي ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصك بين كتفيه وقل: ت سبقتك والله قال: فنظر إلي فضحك. ففي هذه الآثار إباحة السبق على الإقدام وبه كان يقول محمد بن الحسن خلافا لمن قال أنه لا مسابقة إلا في خف أو حافر احتجاجا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا سبق إلا في خف أو حافر" ذهب آخرون إلى خلاف ذلك أيضا فقالوا: "لا سبق إلا في نصل أو حافرا وخف". فهذه أقوال ثلاثة احتج قائلوها بروايات تدل على مدعاهم ولأهل المقالة الأولى عليهم أن ذلك إنما يكون كذلك لو وقفنا على أن ما في الآثار التي احتجوا بها مما ينفي السبق على الأقدام كان بعد ما روته عائشة في ذلك ولكن يحتمل أن مروى عائشة كان بعدها فيكون مبيحا للسبق على الأقدام ناسخا لحظره السابق ولا ينبغي رفع ما ثبت يقينا وهو إباحة السبق بالإقدام إلا بيقين مثله وليس فليس. وفيما روى عنه صلى الله عليه والله وسلم: "لا جلب ولا جنب" المراد بالنهي عن هذين المعنيين هو في السبق بما يجوز السبق بمثله سئل مالك هل سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب ولا جنب" وما تفسيرهما فقال: لم يبلغني ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره أن يجلب وراء الفرس حين يدبر ويحرك وراءه الشيء يستحث به فيسبق فذلك الجلب والجنب أن يجنب مع الفرس الذي يسابق به فرس آخر حتى إذا أدنى من الغاية تحول صاحبه على الفرس

_ 1 كذا لعله "وأطفره".

المجنوبة. وروى عن الليث قال في تفسير لا جلب أن يجلب وراء الفرس في السباق والجنب أن يكون إلى جنبه تخفيف به للسباق ولا يعلم في ذلك قول غير هذين القولين فالواجب في ذلك استعمال التأويلين حتى يحيط مستعملهما علما أنه لم يدخل فيما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة أنه قال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فلا بأس ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يؤمن أن يسبق فذلكم القمار" يعني أن الرجلين إذا سابقا بفرسين يدخلان بينهما دخيلا بجعل فالعرب تسمى الدخيل محللا فيضع الأولان رهنين ولا يضع المحلل شيئا ويرسلون الأفراس الثلاثة فإن سبق أحد الأولين أخذ رهن صاحبه فكان طيبا له مع رهنه وإن سبق المحلل ولم يسبق واحد من الأولين أخذ الرهنين وكانا له طيبين وإن سبق هو لم يكن عليه للاولين شيء ولا خلاف أن المراد بقوله: "وهو يؤمن أن يسبق أنه المبطئ من الخيل الذي يؤمن منه أن يسبق" قال الطحاوي وجعل الدخيل في هذا في حكم المتسابقين أنفسهما بلا دخيل بينهما برهن يجعله أحدهما أن سبق الذي هو من عنده سلم له ولم يكن له على المسبوق شيء وإن سبق الذي ليس هو له أخذ ذلك الرهن فكان طيبا حلالا له وإن كان الرهان وقع بينهما على أنه لمن سبق غرم شيئا لصاحبه سميا ذلك الشيء كان ذلك قمارا ولم يحل فيسلك بالمحلل الدخيل بينهما هذا المعنى إن سبق أخذ الرهنين جميعا وإن سبق لم يكن عليه شيء لصاحبيه ولا لواحد منهما. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد لا نعلمه روى عنه في الرهان غيره روى عن أبي لبيد أرسلت الخيل زمن الحجاج والحكم ابن أيوب أمير على البصرة قال: فلما انصرفنا من الرهان قلنا: لو ملنا إلى أنس ابن مالك فسألناه هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن على الخيل؟ قال: فسئل أنس عن ذلك فقال: نعم, والله لقد راهن على فرس يقال له: سبحة فسبقت الناس فبهش لذلك وأعجبه.

فأما السبق بغير ذكر رهان كان فيه فقد رويت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار صحاح منها حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسدد بني زريق وإن عبد الله ابن عمر فيمن سابق بها. وروى عن أنس أنه قال: كافت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حقيق على الله عز وجل أن لا يرتفع شيء من الدنيا الأوضعة".

في الجزية

في الجزية روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية". وفي رواية: "ولتذهبن الشحناء والتباغض وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد وليتركن القلائص فلا يسعى عليها" يعني يعود الناس كلهم أغنياء ولا يوجد للزكاة أهل توضع فيه فيسقط فرضها لعدم محلها وكذلك الجزية إذا لم يوجد ما تصرف فيه من قتال أو مما سواه سقط فرضها. وروى أن رجلا قام فقال: يا عجبا لعلي يأخذ الجزية من المحبوس وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال وأن لا يؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب فأخذه المستورد التميمي وذهب به إلى علي رضي الله عنه فقال: أن المجوس كانوا أهل كتاب فانطلق ملك منهم فوقع على أخته وهو نشوان فلما أفاق قالت له أخته: أي شيء صنعت وقعت علي وقد رأك الناس والآن يرجمونك قال: أفلا حجزتني؟ قالت: واستطعت جئت مثل الشيطان ولقدراك الناس وليرجمنك غدا إلا أن تطيعني, قال: وكيف أصنع؟ قالت: ترضى أهل الطمع

ثم تدعوا الناس فتقول: أن آدم كان يزوج ابنه أخته أو قالت: ابنته ابنه قال: وجاءه القراء فقالوا: قم يا عدو الله قال: هو هذا قد جاؤوا فقام إليهم أولئك فداسوهم حتى ماتوا فمن يومئذ كانت المجوسية وقد أخذ رسول الله صلى اله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر. يحتمل أن يكون المجوس أهل كتاب ونسخ كتابهم فلم يبق كتاب الله كما نسخ بعض القرآن فعاد غير قرآن كقوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة وقوله: لو كان لابن آدم واديان من مال لا بتغى إليهما ثالثا إلى غير ذلك مما نسخ وخرج من أن يكون قرآنا ويكونو كاليهود والنصارى من أهل الكتاب في أكل ذبائحهم واستحلال نسائهم وإنما أخذت الجزية منهم لأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها منهم على ما في حديث على وعبد الرحمن على ما روى أن عمر لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد له عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من مجوس أهل البحرين الجزية وأقرهم على مجويتهم وعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على البحرين العلاء بن الحضرمي وليس الأخذ منهم لأنهم أهل كتاب بل لما كانت الجزية تؤخذ من اهل الكتابين مع إنا نؤمن بكتابهما لا قرارانا إياهم في دار الإسلام آمنين وهم إلينا أقرب من المجوس الذين لا كتاب لهم فمن المجوس ولى لمشاركتهم في المعنى الموجب للأخذ وهو القرار في دارنا آمنين فلا يلزم به حل نسائهم وذبائحهم وكذلك امتثل فيهم الخلفاء الراشدون منهم عمرو على وعثمان على ما روى عنه أنه أخذها من بربر. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى عمه يعوده وعند رأسه مقعد رجل فقام أبو جهل فقعد فيه فقال: ما بال ابن أخيك يذكر آلهتنا؟ قال: ما بال قومك يشكونك؟ قال: "يا عماه أريدهم على كلمة تدين لهم العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية" قال: ما هي؟ قال: "لا إله إلا الله" فقال: اجعل الآلهة إلها واحدا؟ فأنزل الله

تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} إلى قوله: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فيه ما دل على دخول المجوس فيمن تؤخذ منهم الجزية. وقد روى محمد ابن الحنفية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل منه ومن أبى ضربت عليه الجزية ولا يؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وما روى عن حذيفة ابن اليمان أنه قال: لولا أني رأيت أصحابي أخذوا من المجوس يعني الجزية ما أخذت منهم. وتلا قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية فذلك لأنه لم يقف على ما وقف عليه الخلفاء من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فعله فاستدل بفعل الخلفاء لعلمه أنهم لم يفعلوا إلا ما ينبغي لهم أن يفعلوه.

في الجعائل

في الجعائل ورى شفى الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للغازي أجره وللجاعل أجره" وأجر الغازي وشفى بضم الشين من أصبح وأما الهيثم بن شفى فهو بالفتح وثمامة بن شفى بالفتح أيضا اختلف أهل العلم في الجعائل في الغزو فأعلى ما وجد فيه ما روى أن معاوية كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي في بعث ضربه أما بعد فقد رفعنا عنك وعن ولدك الجعل فكتب إليه جرير إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فاشترط على والنصح لكل مسلم فإن انشط في هذا البعث نخرج وغلا أعطينا من أموالنا ما ينطلق المنطلق قال المسعودي: هذا أحسن ما سمعنا في الجعائل ومذهب أبي حنيفة كراهة الجعل إذا كان للمسلمين فئ فإن لم يكن فئ فلا بأس أن يقوى بعضهم بعضا رواه محمد ولم يحك خلافا بينه وبين أبي يوسف فيكون ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ظاهره أباحة الجعائل مخصوصا بحالة الحاجة وما روى عن جرير مما لم ينكر معاوية عليه محمول على الحاجة لأن المسلمين إذا كان لهم فئ كان الأولى بهم التنزه عن الصدقة وعما

هو في حكمها أعنى الجعائل إذ الاستغناء بالفئ عما هو غسالة الذنوب أولى فإن لم يكن أباحت الحاجة قبول الجعل للضرورة إليه. ومنه ما روى أن أبا أيوب الأنصاري كتب إلى ابن أخيه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستفتح عليكم الأمصار وتضرب عليكم بعوث يكرهها الرجل منكم يريد أن يتخلص منها فيأتي القبائل يعرض نفسه عليهم ويقول من أكفيه بعث كذا وكذا ألا فذلكم الأجير إلى اقصى قطرة من دمه" في هذا ما يوجب أن الثواب في ذلك الغزو للجاعل وقد ذكرنا في حديث شفى الاصبحي أن للجاعل أجرا لجاعل وقد ذكرنا في حديث شفى الأصبحي أن للجاعل أجرا لجاعل وأجر الغازي وفي ذلك ما قد ينفي أن يكون للغازي على ذلك أجر إذ كان إنما غزا بمال قد أخذه عوضا على غزوه فإذا قتل في ذلك فقد قتل أجيرا فيما لا ثواب له فيه من ربه إذ كان ثوابه في الجعل الذي أخذه ممن يغزو عنه.

كتاب النذور والأيمان

كتاب النذور والأيمان ما جاء في الاستثناء باليمين ... كتاب النذور والإيمان فيه اثنا عشر حديثا ما جاء في الاستثناء باليمين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بيمين فقال إن شاء الله فقد استثنى" يعني إذا وصل الاستثناء باليمين كان يقول ابن عمر لا حنث في يمين موصول آخرها بأن شاء الله وعليه مدار هذا الحديث ولا يظن به مع كمال فضله وورعه تخصيص ما عمه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يجب له تخصيصه به وما روى عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إن شاء الله إذا ذكرت لا يخالف ما ذكرنا عن ابن عمر إنما هو في الأشياء التي يقول الرجل أنه يفعلها في المستقبل فعسى لا يتيسر له فعلها فيذم فإذا الحق بكلامه إن شاء الله يتخلص من الذم لا في الإيمان إذ لو استطاع أن يلحق الاستثناء بيمينه لما احتاج إلى الكفارة حالف إذن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت

الذي هو خير وليكفر عن يمينه أو ليكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خيره" فلو كان إلحاق الاستثناء منفصلا ممكنا لعاد بذلك إلى حكم من قالها موصولة فلم يحتج إلى الكفارة وما روى مسعر عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "والله لأغزون قريشا" قال: "إن شاء الله" ثم قال: "والله لأغزون قريشا" ثم قال: "إن شاء الله" ثم قال: "والله لا غزون قريشا" ثم قال: "إن شاء الله" وفي رواية شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس "والله لأغزون قريشا" ثلاث مرات ثم قال: في الثالثة "إن شاء الله" فإن كان الحديث كما روى مسعر فهو مفتوح المعنى ومكشوف المراد وإن كان كما روى شريك فيكون قوله: "إن شاء الله" راجعا على جميع الإيمان لا على الآخرة منها وحدها فالمعنى فيه إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إذ يجوز أن يقطعه قاطع عن فعله ثم فيه ترك الدخول منه عليه في غيبه وإن كان ذلك القول مما أجرى الله على لسانه فإن استعمال الإخلاص وترك الدخول منه عليه في ذلك أولى كما قال: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} وإن كان ذلك لابد من كونه فعلم أن وصل الشيئة فيما يقال في الأشياء المستقيلات سواء كان من الأمور الكائنة البتة أو المترددة من اللوازم إخلاصا لله وتسليما للأمور إليه وكذلك الإيمان كلها إذا كانت على الأشياء المستأنفات. لا يقال كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيلاء من نسائه بغير قول منه فيه إن شاء الله لأنه يحتمل أن يكون ذلك منه قبل نزول هذه الآية. قال الطحاوي: ذهب شريح إلى أنه إن قدم الطلاق على الاستثناء بأن قال امرأتي طالق إن دخلت الدار أن الطلاق لازم بخلاف ما إذا قدم الاستثناء فقال: إن دخلت الدار فامرأتي طالق فإنها لا تطلق حتى يدخل الدار وهو مخالف لما عليه جميع أهل العلم من عدم الفرق بين التقديم والتاخير في أعمال الاستثناء قال تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ} فبدأ بذكر وعده إياه بما وعده

به ثم استثنى منه من هو خارج من ذلك الوعد ومثل ذلك من السنة ما روته عائشة قالت لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إليها لا تلدوني فقلنا كراهة المريض للدواء فلما أفاق قال ألم أنهكم أن تلدوني الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى منكم أحد إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم" وما روى عن العباس قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة فاحتجبن مني إلا ميمونة فأخذن متكأ فدققنه ثم لددنه فقال: "لا يبقى في البيت أحد يشهد 1 لدي إلا لدالا أن يمين لم تصب عمى العباس" فجعل يلد بعضهن بعضا وفي رواية فقالت امرأة منا: والله إني لصائمة قالوا: بئس ما ظننت أن نبرك2 وقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدوها والله وإنها لصائمة ففي هذه الآثار عزيمة رسول صلى اله عليه وسلم بالالداد لمن في البيت ثم أخرج العباس أما لأنه لم يحضر وأما لا عظامه لعمه غير أنه قد كانت العزيمة وهو في البيت وأخرج منها بالاستثناء المؤخر عنها وفيه ما دل على فساد مقالة شريح. اللدود ما يسقى الإنسان من أحد شقى الفم وهو مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه وفي الحديث عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد من ذات الجنب فوقفنا بذلك على إباحة اللدود في العلاج من العلة التي هو علاجها ونهى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لدو ما كان علاجه وكان طبهم فيه خطأ وكان ما أخر به من الداد من حضر على وجه التأديب حتى لا يعدن إلى مثله وليس على سبيل القصاص لأنه لم يأمر أن يلدوا بمقدار مالدوه به لا بأكثر منه.

_ 1 هكذا والظاهر شهد -. 2 كذا.

في الإدام

في الإدام روى جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم الادام الخل" وروى عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة". كان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان الادام ما يصطبغ به كالزيت والخل وما أشبههما والشواء ليس بادام وكذا اللحم وقال محمد هذه الأشياء كلها ادامات وكل ما يؤكل به الخبز فهو ادام وروى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة فيكفئها الجبار بيده كما يكفئ أحد خبزته من السفر 1 نزلا لأهل الجنة" فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: تكون الأرض خبزة واحد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامها؟ قال: بلى, قال: "إدامها بالأم ونون" قالوا: وما هذه, قال: "ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا". ففيه أن الثور والنون إدام لأهل الجنة يأكلون به ما يأكلون من الخبزة المذكورة وروى عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة فقال: "هذه إدام هذه فأكلها". وفي الديثين ما يدل على أن ما لم يصطبغ به الخبز ادام كالذي يصطبغ به من غير فرق وكلام العرب يدل عليه يقال أدم الله بينهما يعني جعل بينهما المحبة والتفاق روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة لما أخبره أنه خطب امرأة: "هل نظرت إليها؟ " فقال: لا, فقال: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" فيكون ما يطيب به الطعام ليؤكل اداما له كما قاله محمد بن الحسن.

_ 1 كذا في الظاهر – السفرة.

في اليمين بغير الله تعالى

في اليمين بغير الله تعالى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "أفلح

وأبيه إن صدق" لما جاءه أعرابي يسأل عن الإسلام فأخبره بشرائع الإسلام وقال الأعرابي: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فإنه كان مباحا وانتسخ بالنهي ويؤيده ما روى أن حبرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون, فقال: "سبحان الله", قال: إنكم تقولون إذا حلفتم: والكعبة قال فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "إنه قد قال فمن حلف فليحلف برب الكعبة". ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "من حلف بغير الله فقد أشرك" يعني جعل ما حلف به محلوفا به كما أن الله تعالى محلوف به وذلك ذنب ولكن لا يريد به الشرك الذي يكون به خارجا عنالإسلام نظير ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" في أن المراد به أن شيئا تولى الله فعله قيل فيه إن سبب فعله كذا وكذا مما يتطير به فمثل ذلك الشرك المذكور في الحلف بغير الله إلا الشرك الذي يوجب الكفر. ومنه ما روى عن سعد بن أبي وقاص أنه قال حلفت باللات والعزى وكان العهد حديثا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني حلفت باللات والعزى وكان العهد حديثا قال: "قلت: هجرا أتفل عن يسارك ثلاثا وقل لا إله إلا الله وحده واستغفر الله ولا تعد". فيه ما يدل على أن سعدا لم يخلف الأعلى ما اعتاده لسانه ساهيا عن تحريم الله ذلك عليه بإسلامه وذلك من اللغو وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعد" معناه والله أعلم أن يتحفظ من نفسه والأخذ بالحزم لئلا يقع في مثله وأمره بالاستغفرا مخافة أن يكون قد قصر في التحفظ. ومنه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من حلف بملة سوى ملة الإسلام كاذبا فهو كما قال". فيه معنى لطيف من الفقه وهو أن من حلف فقال هو يهودي إن كان

كذا وكذا لما يعلم أنه قد كان فقد علق قوله: هو يهودي بما لا معنى له فكان بمنزلة قوله: هو يهودي من غير تعليق يصير به مرتدا فإن التعليق بالكائن تنجيز كالرجل يقول امرأته طالق إن كان كذا لما هو عالم أنه قد كان بخلاف التعليق بالمستقبل فإنه لا يصير مرتد أو لا يقع الطلاق لما لم يكن بعد فالحديث إنما هو في الحلف على الأشياء المستدبرة لأعلى المستقبلة.

في النذر

في النذر روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: "إنه لا يؤخر شيئا ولكن يستخرج به من البخيل" وزاد بعض وأمر بالوفاء به. ليس النذر بمعصية فينهى عنه وإنما المنهي اعتقادهم أنه يؤخر ما يحبون تأخيره أو يعجل ما يحبون تعجيله ولذلك أمر بالوفاء به ومدح من يوفيه في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً} الآية أي إن لم يوفوا به. ومنه ما روي عن أنس بن مالك قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رجل من الكفار أشد الناس على المسلمين فقال رجل من الصحابة لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه قال: فأظفر الله المسلمين بهم فكانوا يجيئون بهم أسارى فيبا عهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئ بذلك الرجل فكف صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي الرجل بنذره وكره الرجل أن يضرب عنقه قدام الرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآه لا يصنع شيئا بايعه فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أصنع يا رسول الله بنذري؟ قال: "قد كففت عنه لتفي بنذرك فلم تصنع شيئا" فقال: يا رسول الله لولا أومضت إلي؟ قال: "ما كان لنبي أن يومض" فيه إنه نذر بالقتل وإن الوفاء به فاته بإسلامه لأن المنع بالشريعة كالمنع بالعدم وعيه فارة لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" وزاد بعض في الحديث ويكفر يمينه لأن الشرع أعجزه عن الوفاء بالمعصية فيكون كالنذر.

الذي عجز عن الوفاء به فيجب فيه الكفارة وما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة اليمين بالله" وإن كان غير قائم الإسناد لكنه يستظهر به على صحة زيادة بعض الرواة في الحديث المذكور وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" ولو صح فمعناه في غضب الله فيعود إلى معنى النذر في المعصية ولو كان النذر مما يصح فعله شرعا فعجز عن ذلك لضعفه يجب عليه الكفارة كما يؤمر الحالف بالكفارة إذا حنث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين" على ما روى ابن عباس قال جاء رجل فقال يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتحج راكبة وتكفر يمينها" وروى زيادة تفسير فيه بيان الموجب للكفارة وهو ما روى عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية غير متخمرة فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام" وكان كشفها وجهها حراما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة لمنع الشريعة إياها منه وهو على ما زاده بعض الرواة من قوله: "ويكفر يمينه فيمن نذر أن يعصي الله" وعليها مع ذلك الهدى لركوبها فيما نذرت من المشي يبين ذلك أن الحديث قد روى من رواية ابن عباس عن عقبة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "مرها فلتركب وتخمر رأسها ولتهد هديا" فأوجب عليها الهدي لمكان المشي الذي نذرته وهو من الطاعات فعحزت عنه كما يؤمر به من قصر في شيء من حجه وسكت فيه عن الكفارة لما نذرته من المعصية في كشف رأسها وأوجب عليها في الحديث الأول الكفارة لما نذرته من المعصية في كشف رأسها وسكت عن وجوب الهي عليها لعجزها عن المشي فبان معنى الأحاديث وأنه لا تعارض في شيء منها. فإن قيل: روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

نظر إلى أبي إسرائيل فقال: "ما باله؟ " قالوا: إنه نذر أن يصوم ويقوم في الشمس ولا يتكلم قال: "مروه فليتم صومه وليجلس وليستظل ويتكلم" ولم يذكر في ذلك كفارة قيل له يحتمل أنه أمر بالكفارة فقصر الراوي عن نقله كما قصر الراوي في المفطر بجماع أهله عن نقل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قضاء يوم مكان ذلك اليوم ويحتمل أن تكون الكفارة لم تكن حينئذ واجبة ثم وجبت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في حال ما وجب التمسك بها1 حتى يعلم نسخها. ومنه ما روي أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام قال: "ف بنذرك". لا حجة لمن استدل في لزوم نذر حال الكفر بعد الإسلام به لأن لفظة ف لا تستعمل إلا فيما ليس بواتجب يقال ف لفلان بوعدك وفي الواجب يقال أوف قال تعالى: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} يقال أوفي يوفي إيفاء ووفى يفي وفاء فقوله صلى الله عليه وسلم لعمر "ف بنذرك" معناه فهو أحسن لا أنه واجب ولكنه وجد في بعض الآثار أوف بنذرك فتعارض اللفظان فسقط أن يكون حجة لبعض المختلفين على بعض مع أن الإيفاء قد يستعمل في غير الواجب وإن كان الأفصح ما قلنا ولما كان كذلك نظرنا هل نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على حقيقة الأمر فيه فوجدنا حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال قلت: يا رسول الله والله ما أتيتك حتى حلفت عددا وجمع بين أصابع يديه أن لا آتيك ولا آتي دينك وإني قد جئتك امرءا لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله ورسوله الحديث ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفارات عما كان من إيمانه التي قد حنث فيها فدل ذلك أنه لم يكن عليه فيها كفارات وإن حلفه بها في حال شركه كلا حلف وإذا كان في حلفه كذلك فنذره أحرى يؤيده ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما النذر فيما ابتغى به وجه الله عز وجل"

_ 1 كذا.

والمشرك لا يبتغي وجه الله فلا نذر له والذي أمر عمر بن الخطاب إنما هو أن يفي له بطاعة يطيعه بها في الإسلام مكان النذر الذي لم يكن منه طاعة حتى يستعمل حسنة مكان النذر الذي لو عمله في حال شركه لم يكن كذلك يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه".

كتاب الضحايا

كتاب الضحايا في من تجب عليه الأضحية ... كتاب الضحايا فيه أربعة أحاديث في من تجب عليه الأضحية روي عن البراء بن عازب قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه فقال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء" فقام خالي فقال يا رسول الل إني ذبحت وعند يجذعة هي خير من مسنة فقال: "اذبحها ولا تجزي أو توفي عن أحد بعدك" وفي حديث آخر: عندي عناق لبن هي خير من شأتي لحم؟ فقال: "هي خير نسيكتك لن تجزي جذعة عن أحد بعدك" الجذعة المذكورة هي الجذعة من المعز لا من الضان الأضحية واجبة عند بعض منهم أبو حنيفة وذهب الأكثر إلى أنها مندوبة والحدة للموجب قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ردة: "لن تجزي جذعة عن أحد بعدك" إذ الأجزاء لا يكون إلا عن واجب ولا يقال أنه كان أوجبها على نفسه وأتلفها بذبحها قبل أو أنه لأنه لو كان كذلك لضمنه قيمتها ولما لم ينظر النبي صلى اله عليه وسلم إلى ذلك علمنا أنه لزمه بإيجاب الله تعالى ولا معنى لإيجابه على نفسه ما أوجبه الله تعالى عليه ألا ترى من أوجب على نفسه صلاة من الخمس أو صيام شهر رمضان أو حج البيت وهو غير مستطيع إليه سبيلا كان كمن لم يوجب غير أن الأضحية لم يوجبها

معينا فإذا أوجبها الرجل في شيء بعينه وجبت فيه كما أوجبها فإن هلك قبل أن ينفذه لم يسقط ما أوجبه الله تعالى عليه إذ لم يوجبه في شيء بعينه وهذا بين فيما احتج به أبو حنيفة في إيجاب الضحايا من أحسن ما يحتج به.

فيما يؤمر به من وجبت عليه

فيما يؤمر به من وجبت عليه روى عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذ رأيتم هلال ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي" وخرجه من طرق في بعضها من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي قوله: "من كان له ذبح" هنا يبين أن المراد بقوله في الحدي الأول "فأراد أحدكم" أن ذلك على إرادة يكون معها الوجوب دفعا للاختلاف بين الحديثين فيه منع من معه ما يضحي به أن يأخذ من شعره أو ظفره حتى يضحي ولا يعارضه قول عائشة ربما فتلت القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعث به ثم يقيم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم لأن في بعض ما روى عنها زيادة تبين المراد وهي قولها كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بالهدي ويقيم عندنا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم من أهله حتى يرجع الناس فثبت أن المجتنب عنه هو ما يجتنبه المحرم من أهله لا ما سواه من حلق وقص وذلك لا يخالف ما في حديث أم سلمة لأن فيه اجتناب الحلق والقص لا ما سواء مما يجتنب المحرم من أهله فحديث أم سلمة منع من يضحي من الحلق والقص في أيام العشر حتى يضحي وحديث عائشة على إطلاق ما سوى الحلق والقص وأنه في ذلك بخلاف ما عليه المحرم في إحرامه يؤيد ما ذهبنا إليه في المنع من القص والحلق ما روى عن الصحابة أنهم كانوا عليه سئل سعيد بن المسيب عن فتوى يحيى بن يعمر بخراسان أن من اشترى أضحيته ودخل عشر ذي الحجة لا يأخذ من شعره وأظفاره فقال سعيد قد أحسن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون

ذلك أو يقولون ذلك وهذا بخلاف ما يقوله أبو حنيفة وأصحابه وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "وأمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله لهذه الأمة" قال الرجل: إن لم أجد إلا منيحة أنثى أضحي بها قال: "لا ولكن تأخذ من شعرك وتقلم أظفارك وتأخذ من شاربك وتحلق عانتك فإن ذلك تمام أضحيتك" فيه التحضيض على يوم الأضحى والأمر بالقص والحلق وغيره وفيه أنه لم يكن المأمور به مطلقا له قبل التضحية فوافق حديث أم سلمة وحققه.

في ما يجوز تضحيته

في ما يجوز تضحيته عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عتود فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح أنت به" العتود صغير ولد المعز وبالإجماع لا يضحى بمثله فتكون رخصة مختصة بعقبة كما خص أبو بردة بن نيار بتضحية جذع المعز على أن لا يجزى عن أحد بعده وروى حديث عقبة على خلافه قال ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع الضان ويحتمل أن يكون اراد ما كانت الجماعة ضحت به مما قسم عليهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختص هو بما رخص له فيه من تضحية العتود وهو فاسد الإسناد لا يتصل بعقبة والحديث الصحيح حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا مكانها جذعة من الضان" ففيه إباحة التضحية بالجذعة عند عدم المسنة وروى عن أم بلال الأسلمية عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجوز الجذع من الضان ضحية لمن كانت له غنم" فكان في ذلك إباحة الضحية بالجذعة مطلقا والحق أن الرخصة مختصة بعقبة كما رخص لأبي بردة.

كتاب الذبائح والصيد

كتاب الذبائح والصيد مدخل ... كتاب الذبائح والصيد روي عن أناس من الصحابة أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أعاريب يأتونا بلحمان مشروحة والجبن والسمن ما ندري ما كنه

إسلامهم قال: "انظروا ما حرم الله عليكم فأمسكوا عنه وما سكت عنه فإنه عفا لكم عنه وما كان ربك نسيا واذكروا اسم الله عز وجل" فيه توسعة من الله تعالى على عباده في الطعام الذي يأكلونه من الذبائح التي لا يعلم حال الذابح ولو شاء لضيق عليهم فلم يبح لهم أكلها حتى يعلموا أن ذابحها ممن تحل ذبيحته كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ} وهذا بخلاف الشرائع التي شرعها لهم في دينه وتعبدهم بها حيث أمرهم بطلب مشكلها من محكمها على ما يأتي في البيوع من قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات". وروى عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله تعالى نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ثم تلا {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية.

في ما قطع من الحي

في ما قطع من الحي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة والناس يجبون أسنمة الإبل ويقطعون آليات الغنم فقال: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت الضمير" عائد على ما ذكر من أسنام الإبل وآليات الغنم وعلى ما كان بمعناها ما يموت بموتها وتحدث بالموت فيه صفة لم تكن قبل بخلاف الوبر والشعر لأنه لا تحدث فيه بموتها صفة لم تكن قبل وقد جعل الله تعالى لنا الأوبار والأشعار أثاثا ومتاعا فكيف يجوز أن تكون ميتة وقد جعلها لنا متاعا بخلاف الجلد الذي يموت بموت البهيمة ألا ترى أن الموت يحدث فيه صفة لم تكن له قبل من فساده وتغير رائحته فأجاز رسول الله صلى الله عيه وسلم الانتفاع به وقال: "إنما حرم أكلها في الشاة التي مر بها وهي ميتة"

في الذكاة بغير الحديد

في الذكاة بغير الحديد عن ابن عمر أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما لهم فأرادت

شاة منها أن تموت فذبحتها بمروة فسأل كعب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره بأكلها فيه دليل أن ما ذبح بغير إذن مالكه فهو ذكاة بخلاف من قال لا تصير ذكاة محتجا بما روى عن ثعلبة قال: أصبنا يوم خيبر غنما فانتهبناها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدورهم تغلي فقالوا: لها نهبة, فقال: "اكفئوا القدور وما فيها فإن النهبة لا تحل" فعلم أن ما ذبح على مثل هذا الحال لا يكون ذكيا قلنا: أمره صلى الله لعيه وسلم بأكفاء القدور يحتمل أن تكون ذلك عقوبة للمنتهبين لا لكونه حرم بالنهبة ألا ترى أنه كان في وقت كانت العقوبات على الذنوب بالأموال كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة من أعطاها مؤتجر أكان له أجرها ومن لا فا نا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات وبنا ليس لآل محمد منها شيء.

في الذكاة بغير إذن المالك

في الذكاة بغير إذن المالك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلقيه رسول امرأة من قريش تدعوه إلى طعام فجلسنا مجلس الغلمان من آبائهم ففطن آباؤنا للنبي صلى الله عليه وسلم وفي يده أكلة فقال: "إن هذه الشاة تخبرني أنها أخذت بغير حلها" فقامت المرأة فقالت: يا رسول الله لم يزل يعجبني أن تأكل في بيتي وإني أرسلت إلى النقيع فلم توجد فيه شاة وكان أخي اشترى شاة بالأمس فأرسل بها أهله إلي بالثمن فقال: "أطعموها الأسارى" فيه الأمر بإطعام الأسارى وهم ممن تجوز الصدقة عليهم بمثلها ولم يأمر بحبسها للذي ذبحت وهي على ملكه ليأخذها مطبوخة لارتفاع ملكه عنها ووقوع ملك الذابح والطابخ عليها كما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه وفيه أيضا جواز ذكاة الذبح بغير إذن مالكه.

في الضفدع

في الضفدع روى عبد الرحمن بن عثمان قال: ذكر طبيب الدواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الضفدع يكون في الدواء فنهى النبي صلى الله عليه

وسلم عن قتله فيه دليل على أنه لا يؤكل وأنه بخلاف السمك لأنه يقتل ويؤكل وغير السمك مما في البحر ينبغي أن لا يقتل ولا يؤكل لا يقال إنما نهى عن قتله لأنه يسبح لأن السمك مسبح أيضا وإن من شيء إلا يسبح بحمده بل إنما نهى لأنه غير مأكول فيكون قتله عبثا وقيل إنما نهى عن قتله بصفة لا يجوز قتله بها مما فيه تعذيبه لا لأنه لا يؤكل كما ذهب إليه مالك في أكل دواب البحر كلها وفيه بعد.

في لحم الخيل وغيره

في لحم الخيل وغيره عن جابر بن عبد الله قال: "أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر" وفيما روى عنه أنه قال لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة فأخذوا الحمر الأهلية فذبحوها وملأوا القدور منها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فكفأنا يومئذ القدور وقال: "إن الله سيأتيكم برزق هو أحل من هذا وأطيب" فكفأنا يومئذ القدور وهي تغلي فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الإنسية ولحوم الخيل والبغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وحرم المجثمة والخلسة والنهبة والحديث الثاني يوريه عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن سلمة عن جابر ورواية عكرمة عن يحيى ضعيفة والحديث الأول رواه محمد بن علي بن الحسين وعطاء ابن أبي رباح وأبو الزبير عن جابر وثلاثة أولى بالحفظ من واحد وروى عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: انتحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه وفيما روى عن خالد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير والآثار صحيحة في إباحة أكل لحم الخيل ولكن النظر يوجب تحريم لحمها وذلك لأن الأنعام المباح أكلها ذوات أخفاف وإظلاف والحمر والبغال ذوات حوافر وهي محرم أكلها والخيل المختلف فيه أشبه بذوات الحوافر منها بذوات الأظلاف والأخفاف وأبو حنيفة ومالك ذهبا إلى التحريم واحتج مالك بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}

وقوله تعالى في الأنعام: {الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وأما أبو يوسف ومحمد ذهبا إلى إباحة لحومها ومنعا ما احتج به مالك بأن الله تعالى قال: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ولم يكن مانعا أن يكون خلقهم لغير الاختلاف أيضا غذ قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فكذلك قوله: {لِتَرْكَبُوهَا} لا يكون مانعا أن يكون مخلوقا للركوب ولما سواه مما قد أباحه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومثله في الحديث بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أؤمن بهذا وأبو بكر وعمر". ولم يكن ذلك مانعا من أكل لحومها لما أباح الله تعالى ذلك.

في جلد الميتة

في جلد الميتة عن عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بأرض جهينة وأنا غلام شاب "أن لا تنتفعو من الميتة بإهاب ولا عصب" فيه ما يدل على حضوره لذلك وسماعه إياه من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي غيره من الأحاديث جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن يكون لم يحضره ومعناه كتب إلى قومنا وهذا جائز في كلامهم وله نظائر في الحديث وقد حققه ما روى عنه أنه قال حدثني أشياخ بجهينة قالوا: أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فلم يتم حجة إذ لم يسم الأشياخ حتى يعرف أنهم ممن يجوز الأخذ عنهم أم لا وحديث ابن عباس عن ميمونة في أمره غيابهم بدباغ جلد الشاة التي ماتت لهم وقوله لهم عند ذلك: "إنما حرم أكلها" أولى منه لصحة مجيئه واستقامة طريقه وعدل رواته وروى عنه أن الشاة كانت لسودة وذكر فيه ما يدل أن ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بعد إنزال الله لهم تحريم الميتة وروى عنه أنه قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" وفي ذلك ما يوجب إباحة جلود الميتة إذا دبغت ويحتمل أن النهي عن الانتفاع بالإهاب والعصب قبل الدباغ يؤيده قول ابن عباس إذا دبغ الإهاب فقد طهر أي طهر للانتفاع به. وعن علي بن أبي طالب أنه أتى ببغلة عليها سرج خز فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخز عن ركوب عليه وعن جلوس عليه وعن جلود النمور وعن جلوس عليها وعن ركوب عليها. وعن عبد الله بن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الميثرة وهي جلود السباع وعن معاوية أنه دعا نفرا من الأنصار في الكعبة فقال: أنشدكم بالله ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفف النمور فقالوا: اللهم نعم, قال: وأنا أشهد وعن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الركوب على جلود السباع. لا خفاء أن عموم قوله صلى الله عليه "أيما إهاب دبغ" يتناول جلود السباع وغيرها لا يصح إخراجها منالعموم إلا بآية مسطورة أو سنة مأثورة أو إجماع معتبر علم إن النهي لم يكن لأنها غير طاهرة بالدباغ ولكن لمعنى سواه وهو ركوب العجم عليها يؤيده النهي عن الركوب على الخز والجلوس عليه دون لباسه لأنه قد لبس الخز من الصحابة والتابعين جماعة وجرى النسا على ذلك إلى يومنا وإذا كان اللبس مباحا والركوب عليه مكروها دل ذلك أنه للتشبه بالعجم لا للنجاسة ومثله نهيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرجل أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم أو يجعل على منكبه حريرا كالأعاجم مع إباحته أعلام الحرير في الثياب أكثر من مقدار الحرير في هذين المعنيين ومما يدل عليه ما روى أن عمر بن الخطاب رأى رجلا وعليه قلنسوة بطانتها من جلود الثعالب فألقاها عن رأسه وقال: ما يدريك لعله ليس بذكي وفيه أنه لو علم أنه ذكي لم يكرهه وروى عن جابر بن عبد الله أنه كان لا يرى بجلود السباع بأسا إذا دبغت.

وعن مطرف بن عبد الله أنه دخل على عمار وإذا خياط يخيط بردا له على قطيفة ثعالب وعن أبي أيوب الأنصاري أنه أتى بدابة بسرج نمور فنزع الصفة فقلت له الجدبتان نمور فقال إنما ينهى عن الصفة لاستعمال العجم إياها. ولا يعلم عن أحد من الصحابة في ذلك غير ما وفنا أنهم كانوا يكرهون التشبه بالعجم في استعمالها وقد وجدنا عن التابعين ما قد دل على إباحتها والكراهة لأجل التشبه وهو ما روى عن عروة بن الزبير أنه كان له سرج نمور وعن يحيى بن عتيق أنه قال رأيت الحسن البصري على سرج نمور ورأيت محمد بن سيرين على سرج منمر.

في أكل ما بات من الصيد

في أكل ما بات من الصيد روى أبو ثعلبة الخشنى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاثة وسهمك فيه فكله ما لم ينتن" ليس هذا بخلاف لما روى أنس قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق ثم يؤتون بملء كف من الشعير فيصنع لهم با هالة سنخة فيوضع بين يدي القوم الجياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منكر لان اللحم الذكي يعود بالنتن إلى حال الجيف فيصير من لخبائث فيصير حراما وأما الإهالة فليست من الأشياء التي حلت بالذكاة كالسمن واللبن فحدوث السنخ فيه يتغير طعمه لا فساد في ذاته كفساد اللحم فصار كتغير الدهن والزيت فلا يحرمها وكتغير الماء يشرب ويتطهر به لان ذلك عارض فيه لا انقلاب إلى نوع آخر كانقلاب اللحم إلى حد يصير كالأشياء المذمومة من الجيفة وغيرها.

في الطافي

في الطافي عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حسر عنه البحر فكل وما ألفى فكل وما وجدته ميتا طافيا فوق الماء فلا تأكل" وقد ذهب

قوم إلى كراهة أكل الطافي من السمك وجعلوا حكمه حكم اللحم المنتن وعن علي أنه قال كل ما قذف البحر وما طفا فلا تأكله لأن ما يطفو من السمك فإنما يطفو لفساده وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وأباحه قوم منهم مالك والشافعي محتجين بحديث أبي هريرة أنه قال صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه والحل ميتته" لكن الحديث مضطرب في إسناده اضطربا لا يصلح الاحتجاج بمثله ولو صححنا لم يكن فيه مخالفة لحديث جابر لأن المراد بالميتة في الحديثين واحد ويكون الحديثان صحيحين ولكن تحريم الطافي الذي في حديث جابر زيادة على ما في الحديث الآخر وزيادة العدل مقبولة ويرتفع التضاد حينئذ فإن قيل عن ابن عباس أنه قال أشهد على أبي بكر أنه قال السمكة الطفاية حلال أكلها لمن أراد أكلها وعن أبي بكر ليس في البحر شيء إلا قد ذبحه الله وروى أن أصحاب أبي طلحة وجدوا سمكة طافية فسألوا أبا طلحة عنها فقال أهدوها غلي وفيه ما يدل على إباحته قلنا خالفهما علي بن أبي طالب وجابر والأولى مما اختلف فيه الصحابة ما وفاق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو النهي لا الإباحة ولقد روي أن راعيا أتى ابن عباس فقال إني آتي البحر فأجده قد جعل سمكا ميتا فقال لا تأكل الميتة ومعناه الجعول الذي معه الطفاء على الماء لا ما سواه مما يقذفه ومما يجز عنه فقد عاد قول ابن عباس إلى كراهة أكل كل طاف من السمك.

في الفارة تقع في السمن

في الفارة تقع في السمن عن ابن زياد1 عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن فارة تقع في سمن قال: "إن كان جامدا فخذوها وما حولها فألفوه وإن كان ذابا أو مائعا فاستصبحوا به أو فاستنفعوا به" فيه إباحة الانتفاع بالسمن النجس فإن قيل هذا الحديث رواه عن معمر محمد بن

_ 1 هكذا في الأصل وهو عبد الواحد بن زياد كما سيأتي.

دينار فقال فيه إن كان مائعا اهريق وإن كان جامدا أخذت وما حولها وأكل الآخر فالجواب أن عبد الواحد بن زياد ممن لو انفرد يقبل منه فكذا إذا انفرد بزيادة تقبل منه فإن قيل فقد روى مالك وابن عيينة عن الزهري فخالفا معمرا في إسناده ومتنه قيل له فيحتمل أن يكون عند الزهري في هذا الباب عن سعيد ما رواه عنه معمر وعن غيره ما رواه عنه مالك وابن عيينة فلا تكون إحدى الروايتين دافعة للأخرى فيعمل بما فيهما ولا يعارض إباحة الاستصباح والانتفاع بالسمن النجس ما روي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح قام فقال: "إن الله عز وجل قد حرم بيع الخمر والأصنام والميتة والخنزير" فقال له بعض المسلمين: كيف ترى في شحوم الميتة يدهن به السفن والجلود ويستصبح به الناس؟ قال: "هو حارم قاتل الله اليهود لما حرمت عليهم الشحوم جملوها فباعوها فأكلوا ثمنها" لان حديث جابر في شحوم الميتة التي هي في نفسها حرام وشحومها كذلك فلا يحل الانتفاع بالحرام وحدث معمر إنما هو في السمن النجس والأشياء النجسة يحل الانتفاع بها كالثياب النجسة لا تمنع نجاستها من لبسها والنوم فيها إذا كانت يابسة فكذلك يجوز الانتفاع بالسمن النجس إذا كان ليس بميتة في نفسه وإن كان الذي نجسه هو الميتة فيصح الحديثان على المعنيين وقد روى جواز الاستصباح والانتفاع بالمويت النجس والسمن النجس عن جماعة من الصحابة منهم عليه بن أبي طالب وابن مسعود وابن عمر وعن ابن سيرين أنهم لتوا سويقا فوجدوا فيه زوغة ميتة فقال أبو موسى لا تأكلوه وبيعوه ولا تبيعوه من المسلمين وبينوا لمن تبيعونه منه وبجواز بيعه نقول لا هـ لما جاز الانتفاع به جاز بيعه كما جاز بيع الثوب النجس فإن قيل الثوب يغسل فيعود طاهرا قلنا قبل أن يغسل كالسمن في نجاسته وقد وجدنا الدور لا تخلو من المخارج النجسة مما لا يستطاع تطهيرها ولم يكن ذلك بمانع من بيعها فالسمن كهي فيما وصفنا وإلى جواز بيعه ذهب القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله إذا بين ذلك وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وبه نأخذ

في العتيرة

في العتيرة روي عن محمد بن الحسن في إملائه قال في الجاهلية كانوا يذبحون في رجب شاة وهي الرجية كان أهل البيت يذبحونها فيأكلون ويطبخون ويطعمون والعتيرة كان الرجل إذا ولدت الناقة والشاة ذبح أول ولد تلده فأكل وأطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل عن التعيرة فقال: "إن تدعه حتى يصير زخزبا خير له من أن تنحره فيملق لحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك" الزخزب الذي قد غلظ جسمه واشتد لحمه فوجه الحديث أنه كره ذبحه صغير الثلاثة أوجه أحدها أنه لا ينتفع بلحمه لأنه ساعة يولد كالغراء يختلط لحمه بوبره الثاني أنه تفجع بذلك أمه الثالث أنه ينقطع لبنها بفقدها إياه صغيرا وعن المزنى عن المشافعي العتيرة هي الرجبية وهي ذبيحة كانوا يتبررون بها يذبحونها في رجب ولما اختلفا في هذا أطلبنا حقيقة ذلك فوجدنا عن مخنف بن سليم قال ونحن وقوف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: "يا أيها الناس إن على أهل كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة هل تدرون مال اعتيرة؟ " قال: فلا أدري ما كان من ردهم عليه قال: "هي التي يقول الناس الرجبية" فعقلنا بهذا أن العتيرة هي الرجبية وأنها كانت واجبة كالأضحية وعن وكيع أنه سأل النبي عليه السلام فقال: إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنكعم من جاءنا فقال صلى الله عليه وسلم: "لا بأس" قال وكيع: لا أتركاها أبدا وكان محمد ابن سيرين يعتر وكان ابن عون يعتر وروى عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا فرعة ولا عتيرة" قال الزهري الفرعة ول النتاج والعتيرة شاة يذبحونها في رجب وروى لا عتيرة ولا فرع يحتمل نسخ ما كان واجبا وبقي جائزا وعن نبيشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فماذا تأمرنا فقال: "اذبحوا لله في شهر ما كان وبروا لله وأطعموا" وعن الحارث أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال: فقلت:

يا رسول الله الفرائع والعتائر؟ قال: "من شاء افرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم أضحيتها" فكشف هذه الآثار أن الوجوب قد انستخ وأنه برمن أخذ به فقد أحسن ومن تركه لم يخرج وعن الشافعي أن الفرع هو شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم وكان أحدهم يذبح بكزه فيه أو شاته ولا يعدوه رجاء البركة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "افرعوا إن شئتم" أي اذبحوا إن شئتم وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكره في الإسلام فأعلمهم أنه لا مكروه عليهم فيه وأنه مباح.

كتاب العقية

كتاب العقية فيه أربعة أحاديث وري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغلام مرتهن بعقيقته" أو قال: "بعقية تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى" فروى عن حبيب أن ابن سيرين أمره أن يسأل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة قال فسأتله فقال سمعته من سمرة فذهب قوم إلى ن هذا الحديث قد عاد كله إلى سمرة فتأملنا ذلك فوجدناه محتملا لغير ما قالوه لأن ابن سيرين إنما أمر حبيبا أن يسأله الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة فقط لا إلى ما سواها مما في الحديث وروى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم" وعنه قال: لما ولدت أم سليم عبد الله بن أبي طلحة قال لي أبو طلحة: يا أنس لا تطعمه شيئا حتى تغدو به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات يبكي فلما أصبحت غدوت به على رسول الله صلى الله لعيه وسلم فلما رآه رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: "أم سليم ولدت؟ " فقلت: أجل فقعد وجئت حتى وضعته في حجره فدعا بعجوة فلاكها في فمه حتى ذابت ثم لفظها في فيه وجعل الصبي يتلمظ فقال رسول صلى اله عليه وسلم: "انظروا إلى حب الأنصار التمر" ومسح وجهه وسماه عبد الله. ففي هذا تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وعبد الله ابن أبي طلحة بإسميهما هذين قبل يوم سابعهما خلاف لما في حديث سمرة فنظرنا

فيه ليعلم الأولى فوجدنا عن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه قال: كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بدمها ثم كنا في الإسلام إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسه بالزعفران فعلم أن فعلهم في اليوم السابع مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم وفي عبد الله من تسميته إياهما قبل سابعهما وقبل الذبح كان ناسخا له فكان أولى ومنه ما روي عن أنس قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين بكبشين وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا في الحديثين أن الذبح عن الذكر شاة كما يذبح عن الأنثى وروى من رواية أم كرز الخزاعية مرفوعا عق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة وروى عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام شاتين مكافئتين وعن الجارية شاة ففي روايتهما أن عقيقة الغلام خلاف عقيقة الجارية ولو خلينا وآراءنا لكان عدم الفرق بينهما أظهر كما في الأضحية وهدي التمتع والقرآن وفي الجناية على الإحرام ولكن الأخذ بالزيادة أولى لئلا يلزم نسخها بالشك وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى" المراد والله أعلم بإماطة الأذى عن رأس المذبوح عنه هو الدم الذي كان يلطخ به رأسه في الجاهلية على ما في حديث بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام ذبحنا عنه شاة ولطخنا رأسهبدمها ثم كنا في الإسلام نذبح عن الغلام ونلطخ رأسه بالزعفران فعلم أن الأذى الذي يماط هو الدم الذي كان يلطخ به رأسه في الجاهلية والله أعلم يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم" ويحتمل أن يكون الأذى هو الشعر الذي يحلق من رأسه لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} في المحصور عن البيت في العمرة عام الحديبية.

ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المولود مرتهن بعقيقته" وهذا يدل على وجوب الذبح عنه وروى عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة" ففيه ما دل على تأكد وجوبها وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق", وكأنه كره الاسم ثم قال: "من أحب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتين مكافئتين وعن الجارية شاة" قال زيد ابن أسلم المكافئتان المشابهتان تذبحان جميعا فهذا يدل على الندب لقوله: "من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فعلم أن الوجوب انتسخ بما كان طارئا عليه وناسخا لما كان في الجاهلية وقرر في الإسلام أيضا.

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة في الخمر وتخليلها ... كتاب الأشربة فيه ثلاثة أحاديث في الخمر وتخليلها روى عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حجره يتيم وكان عنده خمر حين حرمت الخمر فقال: يا رسول الله نصنعها خلا, قال: "لا" قال: فصبه في الوادي حتى سال وخرج الآثار بذلك. من عنده عصير فصار خمرا ليس له أن يعالجها ليجعلها خلا عند مالك والشافعي احتجا بهذا الأثر غير أن مالكا رخص في دردى الخمر أن يعالج حتى يصير خلا ويلزمه العلاج في لخمر إذ لا فرق ظاهرا ومما يحتج به من كره التخليل ما روي عن عثمان بن أبي العاص أن تاجرا اشترى خمرا فأمره أن يصبه في دجلة فقالوا له ألا تأمره أن يجعله خلا فنهاه عن ذلك. وقد يحتمل أن النهي لمكان أن ذلك الخمر لم يكن من عصير يملكه لأن شراء الخمر فاسد فلم يملك أصل الخمر وعن عمر لا تأكل من خمر أفسدت حتى يكون الله عز وجل قد أفسدها فعند ذلك ييب الخل ولا باس على من ابتاع خلا من كافر ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها بعد أن صارت خمرا

ومخالفوهم احتجوا لمذهبهم بما روى أن أبا الدرداء كان ياكل المرى الذي يجعل فيه الخمر ويقول ذبحته الشمس والملح وقالوا: إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل خمر الأيتام خلا لأنها لم تكن مالا لهم بعد ما حرمها الله تعالى كالبالغين سواء وروى عن عبيد الله بن عمر قال كنت عند رسول الله صلى الله عيه ولم في المسجد فبينما هو يحتبي حل حبوته ثم قال: "من كانت عنده من هذه الخمر شيء فليؤذني بها" فجعل الناس يأتونه فيقول أحدهم: عندي راوية ويقول الآخر: عندي زق أو ما شاء الله أن يكون عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا ثم آذنوني به" ففعلوا ثم آذنوه فقام وقمت معه فمشيت عن يمينه وهو متكئ على فلحقنا أبو بكر فأخذني رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلن عن يساره وجعل أبا بكر مكاني ثم لحقنا عمر بن الخطاب فأخذني وجعله عن يساره فمشى بينهما حتى إذا وقف على الخمر قال للناس: "أتعرفون هذه؟ " قالوا: نعم يا رسول الله هذه الخمر, فقال: "صدقتم" قال: "إن الله تعالى لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول إليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها" ثم دعا بسكين فقال: "اشحذوها" ففعلوا ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرق بها الزقاق فقال الناس: إن في هذه الزقاق منفعة قال: "أجل ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله عز وجل لما فيها من سخطه" فقال: عمر أنا أكفيك يا رسول الله, فقال: "لا" وبعض رواته يزيد على بعض ففيه عقوبتهم بشق زقاقهم غضبا لله إذ لم يسارعوا إلى إتلاف ما حرم الله وكان ذلك في وقت كانت العقوبات في الأموال كما تقدم في مانع الزكاة أنه يؤخذ شطر ماله وفي سارق الحريسة من الجبل عليه غرم مثليها وجليدات نكال وفي صيد المدينة من وجدتموه يصيد في شيء منها فخذوا سلبه ومذهب عمر وسعد بن أبي وقاص أن ذلك الحكم باق بعد روي عن عمر أنه كان يهريق اللبن في السوق إذا وجده مغشوشا بالماء ولم يهرق إلا خوفا من أن يغشوا به الناس فيحتمل أن يكون منع النبي صلى الله عليه وسلم من جعل الخمر خلا خوفا أن يحلوها فيؤدي إلى المفاسد يؤيده خرق الزقاق إلى

خرقها وعن ابن عباس في النهي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر الحديث إلى قوله: ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما فقد يكون منعه من تخليلها عقوبة على تغييبه إياها لا لانها لو خللت لم تحل له كما خرق الزقاق عقوبة لمن غيبها والنظر الصحيح فيه إن العصير الحلال إذا صار خمرا حرم للعلة التي حثت فيها من ذاتها أو من فعل أحد بها فكذلك إذا صارت خلا ينبغي أن تحل لوجود صفة الخل وانتفاء الخمر عنها كان ذلك من ذاتها أو من فعل أحد بها وكذلك جلد الميتة سواء دبغ أو ترك حتى أجفته الشمس وأسفت عليه الرياح حتى أذهبت وضر الميتة عنها.

في الأشربة المحرمة

في الأشربة المحرمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شراب أسكر فهو حرام" وعنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبتع فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال له أبو موسى أن شرابا يصنع في أرضنا من العسل يقال له البتع ومن الشعير يقال له المزر فقال صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر حرام" ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فجاوب بقوله: "كل شراب أسكر فهو حرام" احتمل أن يكون ذلك على الشراب المسكر كثيرة فيكون حراما إذا أسكر لا إذا لم يسكر واحتمل أن يكون قليله وكثيره حراما فنظرنا فوجدنا من رواية أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا إلى اليمن فقلت أنك بعثتنا إلى أرض كثير شراب أهلها فقال: "اشربا ولا تشربا مسكرا". وعنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلنا أن بها شرابا يصنع من الشعير والبر يسمى المزر ومن العسل يسمى البتع قال: "اشربوا ولا تشربوا مسكرا" أو قال: "لا تسكروا" ففيها إطلاق الشرب والنهي عن المسكر فعلقنا أن السكر المراد في الأحاديث السابقة هو ما يسكر من تلك الأشربة

لا مالا يسكر منها وعن أبي موسى قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أفتنا بشرابين كنا نصنعفهما باليمن البتع من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر من الشعير والذرة ينبذ حتى يشتد قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جوامع الكلم بخواتمه فقال: "حرام كل مسكرا سكر عن الصلاة" فعاد إلى أنه لا يمنع القليل من الشراب الذي يسكر كثيره فإن القليل لا يسكر عن لاصلاة وارتفع التضاد بين الآثار وامتنع شرب ما يسكر منها وحل شرب ما لاي سكر منها ومنه عن ابن عباس قال حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب وعنه حرمت الخمر لعينها القليل منها والكثير ولاسكر من كل شراب روى ذلك مسعر بن كدام وأبو حنيفة وابن شبرمة والثوري عن أي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ورواه شعبة عن مسعر بهذا الإسناد فقال فيه والمسكر من كل شراب بخلاف ما رواه عنه وكيع وأبو نعيم وجرير وثلاثة أولى بالحفظ من واحد مع أن شعبة كثيرا ما يحدث بالشيء على ما يظن أنه معناه وليس في الحقيقة معناه فيحول الحديث إلى ضده كما في حدث توريث الخال فقال فيه والخال وارث من لا وارث له يرث ما له ويعقل عنه وإنما هو يرث ما له ويفك عانيه كذلك رواه غيره من الرواة وسيأتي ومن ذلك حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل وحدث هوبه نهى عن التزعفر وهما مختلفان لان نهيه عن التزعفر يدخل فيه الرجال والنساء بخلاف قوله نهى أن يتزعفر الرجل.

كتاب النكاح

كتاب النكاح في نكاح اليتيمة ... كتاب النكاح فيه ستة وعشرون حديثا في نحاك اليتيمة عن ابن الزبير أنه سأل عائشة عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قالت: يا ابن أختي هي اليتيمة

في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا من النساء سواهن قال عروة: قالت عائشة: ثم أن الناس سواهن قال عروة قالت عائشة: ثم أن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إلى قوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليهم في الكتاب الآية الأولى التي فيها {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا فيهن إلا بالقسط من أجل رغبهم عنهن وعن عائشة {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} قالت هذا في اليتيمة تكون عند الرجل لعل أن تكون شريكته في المالوهو أولى بها فيرغب عنها لما لها أن ينكحها غيره1 كراهية أن يشكره في مالها وعن ابن عباس مثل ما عن عائشة ففيما روينا عنهما ما دل على إباحة تزويج اليتامى التي لا آباء لهن قبل بلوغهن للأولياء من أنفسهم وغيرهم لا يقال انهن قد بلغن وسمين يتامى لقربهن منه محتجا في ذلك بما روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن اليتيمة تستأمر في نفسها" والاستئمار لا يمكن إلا لمن قد بلغ فصح إطلاق اليتيم على من قد بلغ قبل ذلك لأن القرينة في الآيتين دالة على أن المراد به غير البالغات لأن فيهما أن أولياءهن نهوا أن ينكحوهن إلا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق ولو كن بالغات لكان أمرهن في صداقهن إليهن قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ} الآية وإذا كان لهن أن يطبن به نفسا لأزواجهن بعد وجوبها لهن عليهم كان طيب أنفسهن بما

_ 1 هكذا في الأصل وفي صحيح البخاري "فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشرك في ماله بما شركته".

يرضين به من الصداق في العقد أجوز فدل منح الله إياهم من ذلك إنهن غير بالغات ويؤيده ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد حلم". فإن قيل فما معنى الاستئذان المأمور به في حديث أبي هريرة إذا لم يكن بالغات قيل له يحتمل أن يكون المراد به المراهقات العارفات ما يصلحهن المائلات إلى الخير والنازعات عن السوء وعسى يكون من مثلها من حسن الاختيار ما لا يكون ممن بلغت وحينئذ ينبغي لا وليئهن أن يستأمروهن إذا أرادوا تزوجيهن قبل البلوغ وثبت بهذا جواز تزوجي الأولياء اليتامى اللاتي لم يبلغن كما قاله من ذهب إليه من أهل العلم ودل عليه ما روى عن يزيد الأزدي قال كنت عند علي بعد العصر إذ أتى برجل فقالوا وجدنا هذا في خربة بواد ومعه جارية مخضب قميصها بالدم فقال له ويحك ما هذا الذي صنعت قال أصلح الله أمير المؤمنين كانت بنت عمي ويتيمة في حجري وهي غنية في المال وأنا رجل قد بكرت وليس لي مال فخشيت أن هي أدركت ما تدرك النساء ترغب عني فتزوجتها وهي تبكي فقال أتزوجته فقائل من القوم عنده يقول لها قولي نعم وقائل يقول لها قولي لا فقالت نعم تزوجته فقال خذ بيد امرأتك فدل ما كان من علي رضي الله عنه على أن تأويل الآيتين كمثل ما تأولهما عليه عائشة وابن عباس وفيه جواز إنكاح الرجل نفسه موليته كما يقوله أبو حنيفة ومالك وأصحابهما بخلاف من يقول لا يجوز أن يكون مزوجا من نفسه كما لا يكون بائعا من نفسه وفيه أيضا أن القول قول من إليه عقد التزويج وهو قول أبي يوسف ومحمد خلافا لأبي حنيفة حيث قال لا يقبل إلا ببينة تقوم عليه

في إنكاح الأولياء

في إنكاح الأولياء عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" وروى عنه أنه قال: "ليس للأب مع الثيب أمر والبكر تستأمر وإذنها صماتها" قوله: "الأيم أحق بنفسها من

وليها" يعم الأب وغيره من الأولياء ولهذا صرح في الحديث الثاني بذلك وفيه أن البكر لا يزوجها الأب حتى يستأمرها كما في الثيب فإن زوج الأب بنته البكر قبل استئذانها كان تار كالما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون غير جائز عليها حتى ترضى وهو قول أبي حفيفة وسفيان وأصحابهما وعن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال: "نعم, تستأمر" قلت: أنها تستحيي فتسكت قال: "فذلك إذنها إذا هي سكتت" وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن" قالوا: وكيف إذنها يا رسول الله؟ قال: "الصمت" وعن عدي بن عدي الكندي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها". ففي هذه الآثار أن الأب بمنزلة غيره من الأولياء في تزويج البكر وتوقفه على رضاها وروي عن ابن عباس أن رجلا زوج ابنته البكر وهي كارهة فأنت النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها لا يقال أن سفيان روى هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وبين امرأته زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا فظهر به فساد متته وإسناده لأن حمل الأحاديث المتضادة ظاهرا على وجه يرفع التضاد أولى فيحمل على أنهما حديثان في حادثتين أحدهما في بكر والآخر ثيب فلا يتنافيان واحتج بعض من ذهب إلى ما اخترناه بما روى جابر بن عبد اله أن رجلا زوج ابنته وهي بكر بغير إذنها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ولا يصح الاحتجاج به لأنه موقوف على عطاء بن أبي رباح ثم النظر يوجب ارتفاع ولاية الأب عن البكر ببلوغها في بضعها كما يرتفع أمره في مالها ببلوغها دل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ} فكما لا اعتراض للأب عليها فيما تطيب به نفسا لزوجها من صداقها فكذلك لا اعتراض له عليها في بعضها بتزويجها من غير أذنها وقوله تعالى:

{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} الآية ففي جواز وصاياهن بعد الموت كالرجال ما قد دل على جوازه منهن قبله وفي جواز ذلك منهن وارتفاع الأيدي عنهن ما قد دل على ارتفاعها عنهن في إبضاعهن وما روى عن ابن عباس من قوله: "لا تنكح المرأة إلا بإذن ولي أو السلطان" ليس بمخالف لحديثه في البكر والثيب لان الذي للمرأة من الحق في عقد نكاحها أن تأذن فيه لوليها وتوليه ذلك فيكون العقد منه عليها بأمرها عقدا منها إياه على نفسها لأن عقود الوكلاء في هذا مضافة إلى آمريهم يقول الرجل أفعلت كذا لما فعل بأمره وحق الولي فيما قاله ابن عباس هو الذي جعلته المرأة إليه مما جعل لها أن تجعله إليه مما ليس له اعتراض فيه عليها وبعض الناس جعل قول ابن عباس هذا أناسخا إذ لا يخالف ما قد أخذه عن النبي إلا إلى ما هو أولى منه مما قد أخذه عنه وليس ذلك كما توهمه وما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حرام وجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه يحتمل إنكاح العباس إياها لأنه لم يكن أحد من أوليائها حاضرا فعادت ولايتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ذلك إلى العباس فعقد عليها ويحتمل أن تكون هي وكلت العباس فعقد العباس عليها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك تجويز العقود للأشياء التي كانت إلى غير من عقدها لإجازة من كانت إليه كما يقوله أبو حنيفة ومالك والثوري وأصحابهم وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسل إلى أم سلمة يخطبها فقالت أم سلمة مرحبا برسول الله أن في خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس هاهنا أحد من أوليأتي شاهد يزوجني فنضب عمر فأتاها فقال أنت تردين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا ابن الخطاب في كذا وكذا فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله أن يذهبها عنك وأما ما ذكرت من أنه ليس أحد من أوليائك شاهد فيزوجك فإنه ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكرهني" فقلت لابنها زوج

رسول الله فزوجه ليس في ترك الإنكار من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولها ليس من أوليائي أحد يزوجني ما يدل على اشتراط الولي للثيب مخالفا لما صححنا عن ابن عباس في نفي الولي عن الثيب وإنما فيه نفي عقد المرأة على نفسها وإن كانت ثيبا حتى توليه غيرها من الرجال وكان الذي كان من ابنها عمر وليس بولي لها لأنه كان طفلا على معنى ما كان من رسول الله صلى اله عليه وسلم من تزويج ميمونة لأنه عاد أمرها حينئذ إلى رسولالله صلى الله عليه وسلم فجعل لها أن تجعل إلى من رأت فجعتله إلى ابنها ويحتمل أن تكون هي فعلت ذلك ابتداء فكان في قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنها أمضاء منه له وهذا يدل على أن عقد الصبي بأمر البالغين جائز كما يقوله أبوحنيفة وأصحابه ودل على كونه صغيرا قولها ليس أحد من أوليائي شاهد لأن ابنها لو كان بالغا لكان وليا لها لكونه ابنها وابن ابن عمها لا يقال أن الصبي لا أمر له في نفسه فكيف يكون له أمر في غيره وهو مذهب الشافعي لأن أمور الصبيان ليس كلا أمر مطلقا ألا ترى أن الشافعي يخير الصبي السعي بين أبيه وأمه المطلقة على ما روى حديثا في ذلك ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار إلا ولاختياره حكم ثم لا خلاف في أن الصبي الغير العاقل إذا كان في يدمن يدعى أنه عبده ثم بلغ فدفع ذلك أنه لا يفيد دفعه وهو عبد ولو كان يعبد عن نفسه إلا أنه غير بالغ وادعى الحرية أن القول قوله: كما لو كان بالغا فقد جعل بقوله حكم وهو غير بالغ ولقد قال مالك في وصية اليفاع المراهق أنها جائزة وروى في ذلك ما رواه ولم يجعل كلا وصية لعدم البلوغ وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بعض ما يبيع الغلمان فقال: "بارك الله في صفقة يمينك" فيحتمل أنه كان بيعه بإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ودل أن له صفقة فدعا له بالبركة فيها وإن لم يبلغ أو بإذن من إليه ذلك فثبت بما ذكرنا جواز عقود الصبيان الذين يعقلون بأمر من إليه الولاية عليهم وجوازا طلاق من له العقد على نفسه إن يعقد عليه وإن القول قول من أجازه لا قول مخالفيه.

في نكاح المحرم

في نكاح المحرم روى عن أبان بن عثمان بن عفان قال: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" ذهب بعض العلماء إلى أن عدم الجواز لنفسه لا لغيره لإحرامه الذي هو فيه مما الجماع فيه عليه حرام وهو مذهب الشافعي وكثير من أهل الحجاز ومالك غير أنه قال عنه ابن وهب يفرق بينهما ويكون تطليقة وروى ابن القاسم عنه أنه يفرق بينهما ويكون فسخا ويلزمه إزالة الملك المحترم من مالك البضع بغير ما يزول به من طلاق باختيار وذلك لأن هذا العقد إما أن يوجب ملك البضع أو لا فإن كان فلا معنى لطلاق لا يريده مالكه وإن لم يكن ملك امتنع الطلاق لعدم محله وكذلك الفسخ لأنه يقتضي سابقه انعقاد معتبر وليس فليس وقال بعض محمل النهي هو الكراهة لأنه وسيلة إلى الرفث المحرم في إحرامه ويدل عليه ما روى عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم. وما روي عن يزيد بن الأصم أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهي خالته وهو حلال لا تعارض روايته رواية ابن عباس ولا تقاربه وقد روى عن عائشة موافقتها لابن عباس من غير اضطراب عنهما في ذلك وكذلك أبو هريرة وافقهما. فإن قيل: روى عن أبي رافع أن تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة كان وهو حلال قلنا: هذا الحديث رواه مطر الوراق عن ربيعة وقد رواه عن ربيعة من هو أحفظ منه وأثبت وهو مالك بن أنس حدث به عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عيه وسلم بعث أبا رافع ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث وهوبالمدينة قبل أن يخرج فعاد الحديث بذلك موقوفا على سليمان بن يسار بغير تجاوز عنه إلى أبي رافع فخرج من أن يكون حجة لمن يحتج به في هذا الباب.

فإن قيل: فقد روى عن يزيد عن ميمونة أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف ونحن حلالان بعد أن رجع من مكة فكان من الحجة عليه لمخالفيه فيه أن ابن عباس أخبر أن تزويجه صلى الله عليه وسلم إياها كان قبل ذلك وهو محرم وقد روى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان طلب أن يعرس بها بمكة فأبى عليه ذلك أهلها وقال فيما روى عطاء عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة ابنة الحارث وهو حرام" فأقام بمكة ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش في اليوم الثالث فقالوا: إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا, قال: "وما عليكم لو تركتموني فعرست بين أظهركم فصنعنا لكم طعاما فحضرتموه" فقالوا: لا حاجة لنا في طعامك فأخرج عنا فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم وخرج بميمونة حتى عرس بها بسرف ففيه أنه تزوجها في غير الوقت الذي ذكر مطر في حديثه أنه كان بالمدينة قبل أن يخرج فإن قيل أفيخفى عن ميمونة وقت تزويجها قيل له: نعم لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أمرها إلى العباس فزوجها إياه فيحتمل أنه ذهب عنها الوقت الذي عقد عليها عندما فوضت إلى العباس أمرها فلم تشعر إلا في الوقت الذي بنى بها فيه وعلمه ابن عباس لحضوره وغيبتها عنه فإن قيل ففي خبر عثمان النهي فكيف يجوز فيما علم منه صلى الله عليه وسلم الإباحة فيه. قيل أن عثمان لم يذكر في حديثه من أمر ميمونة شيئا وما ذكره فيه عنه يجوز أن يكون سمعه منه قبل ذلك أو بعده فكان مراده به غيره من أمته إذ هو بخلافهم إذ هو صلى الله عليه وسلم كان محفوظا مالكا لا ربه ولم يكن غيره من أمته كذلك فنهاهم عنه لخوفه عليهم ما يخاف عليهم من مثله وفعله صلى الله عليه وسلم إذ لم يخف على نفسه من ذلك ولي فيه أن عقد التزويج إذا وقع كان غير جائز ومما يؤكده البيع بعد النداء يوم الجمعة لم يبطل مع نهي الله عز وجل عنه فالنهي عن نكاح المحرم كذلك ونقول لمالك والشافعي

إن بيع الحاضر للبادي منهي عنه وهو جائز إن وجد بلا خلاف فلا يلزم من النهي الفساد فلا ينكر أن يكون النهي عن نكاح المحرم كذلك مع ما ذكرنا عن مالك من تفريقه بطلاق أو فسخ ولا يكون ذلك غلا في عقد قد ثبت لأنه لا يقع في تزويج باطل طلاق ولا فسخ والنظر الصحيح يقتضي تجويز التزويج لإناراينا أسبابا تمنع من الجماع منها الإحرام والصيام ومنها الاعتكاف ولا تمنع من التزويج فكذا الإحرام وإن كان مكروها. ولا يقال أن القبلة غير ممنوعة في الصيام وممنوعة في الإحرام لأن الحجة بالاعتكاف عليه قائمة فإن قيل روي عن ابن عمر الكراهة وعن عمر وزيد أنهما ردا نكاحي محرمين فإلى قول من خالفت ذلك قيل له ذلك إلى قول عبد الله بن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك فقد روى عن جميعهم إجازة ذلك.

في الصداق والوفاء بالشرط

في الصداق والوفاء بالشرط روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة انكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعصمه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته العصمة ههنا العقدة" ومنه {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} أي لا تحبسوهن زوجات لكم واطلقوهن فقوله بعد عصمة النكاح أي بعد عقده فهو لمن أعصمه أي لمن فعل له يقال أعصمت فلانا إذا جعلت له شيئا يعتصم به أي يلجأ إليه ويغني به عن طلب مثله ففيه أن ولي المرأة قد يعطى أو يوعد بشيء ليكون ادعى إلى إجابة التزويج الذي يلتمسه الخاطب فلا يطيب له شيء من ذلك إذ كان إنما قصد إليه بذلك للتزويج الملتمس منه فكانت المرة أولى بذلك منه لأنه الذي يملك بعضها1 فالعوض ينبغي أن لا تملكه إلا المرأة دون من سواها ومثل ذلك ما روي أنه قال صلى الله عليه وسلم لابن

_ 1 كذا.

اللتبية لما رجع من الولاية على الصدقة فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي "أفلا جلس في بيت أبيه أو في بيت أمه ينتظر هل تأتيه هديته" فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الهدية إليه إلى السبب الذي أهديت إليه من أجله وهي الولاية التي يتولاها وكذا رد الحباء والعدة إلى السبب الذي من أجله كانا وهو البضع فجعلهما للمرأة دون الولي إذ كان الذي يلتمس منه لغيره لأنه وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعصمه لأنه قد صار له سببا يجب أن يكرم عليه كما قيل في الحديث وأحق ما يكرم عليه الرجل أخته أو ابنته فلما استحق الإكرام كان له ما أكرم به لذلك بخلاف ما قبل النكاح فإنه ليس له سبب يستحق بها الإكرام فلم يطب له ما أكرم به بل يطيب لمن أكرم به لأجله. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج" المراد به والله علم من الصداق الواجب بقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً} الآية جعل أخذه من حيث لا ينبغي أخذه منهن بهتانا وإثما ثم قال: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} الإقضاء الجماع الذي كان بينهم والميثاق هو العقد الذي كان فيه إحلال الفروج ومن حسن المعاشرة بقوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} والنفقة والكسوة بالسنة قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع "وإن من حقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وما أشبه ذلك مما اشترطه الآدميون بعضهم على بعض كله واجب وفاؤه لا سيما في إباحة ما في انتهاكه حرمة الحدود التي في بعضها اتلاف الأنفس وما جعله مع الإباحة سببا للمودة والرحمة.

في مقدار الصداق

في مقدار الصداق روي عن عمر بن الخطاب قال: "ما ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى واحدة من أزواجه ولا بناته أكثر من اثنى عشرا وقية" وروي عنه أنه

قال: "لا تغلوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما زوج شيئا من بناته ولا تزوج امرأة من نسائه أفضل من اثنى عشر أوقية إلا وإن أحدكم ليغلى بصداق امرأته حتى يبقى لها عداوة في نفسه فيقول: لقد كلفت إليك علق القربة" أو قال عرق القربة أراد عمر بنهيه عن مغالاة الصداق فيمن يستحق من النساء صداق مثله من نسائه على الأزواج أن يكون وسطا لا شططا ومثله ما روي عن ابن أبي حد رد قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله في صداق فقال: "كم أصدقت" فلت مائتي درهم قال: "لو كنتم تغرفون من بطحان لمازدتم" وعن أبي هريرة قال رجل يا رسول الله تزوجت امرأة أو خطبت امرأة وذلك امرأة قال: "انظر إليها فإن في عيون الأنصار شيئا" قال: "كم أصدقتها" قال ثمان أواق قال: "لو كان أحدكم ينحت من الجبل ما زاد" وكانت أصدقة من لم ينكر عليه ما أصدق منها ما روى عن أبي هريرة قال كان صداقنا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا عشر أواق وطبق بين يديه وذلك أربعمائة وما روى أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على نواة من ذهب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أو لم ولو بشاة" والحق إن الإنكار على من زاد على المقدار الذي يناسب حاله وحالها لأنه من الإسراف المذموم لا عن مطلق الزيادة فإنها مباح وسئلت عائشة عن صداق النبي صلى الله عيه وسلم فقالت: ثنتا عشرة أوقية ونش قالت: والنش نصف أوقية وكان عمر على ما كان عليه مما ذكرناه عنه حتى احتج عليه في إباحة إغلاء إلا صدقة روي عنه أنه خطب الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال: لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه نبي الله صلى اله عيه وسلم أو سيق إليه إلا جعل فضل ذلك في بيت المال ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين كتاب الله أحق أن يتبع أو قولك قال: بل كتاب الله بم ذلك قالت: أنك نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ

شَيْئاً} فقال عمر: كل أحدا فقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر فقال إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء فليفعل رجل في ماله ما شاء ثم تزوج أم كلثوم بنت علي وأصدقها أربعين ألفا وقد روي عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبد الله بن جحش وكان رحل إلى النجاشي فمات وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة زوجها إياه النجاشي وأمهرها أربعة آلاف من عنده وبعث بها إلى النبي صلى الله عيه وسلم مع شرحبيل ابن حسنة وجهازها كله من عند النجاشي ولم يرسل إليها النبي صلى الله عيه وسلم بشيء وكان مهر أزواج النبي صلى الله عيه وسلم أربعمائة درهم وفي ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي دليل على إباحة كثير إلا صدقة وقليلها.

في المفوضة

في المفوضة روي أن عبد الله بن مسعود أتى إليه في امرأة توفي عنها زوجها ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها ترددوا إليه فلم يفتهم فلم يزالوا به حتى قال أني سأقول بريي لها صدقة نسئها لا وكس ولا شطط وعليها الدة ولها الميراث فقام معقل بن سان فشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بينت وأشق بمثل ما قضيت ففرح عبد الله وخرجه من طرق كثيرة في بعضها فقال الجراح وأبو سنان فشهدا أن رسول الله صلى الله عيه وسلم فضى به في بروع الأشجعية وكان زوجها هلال بن مروان وفي بعضها لها صداق مثلها وفي بعضها أنه رددهم شهرا وفيه أنه قال إن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني فيه جواز التزويج بغير تسمية مهر كما يقوله أبو حنيفة والثوري وأصحاب أبي حنيفة والشافعي خلافا لمالك فإنه يفسخ في حال حياتها وكتاب الله حجة لهم قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} ولا يقع الطلاق إلا في تمويج صحيح وكذا السنة وكذا دليل الإجماع فإنه لا خلاف

إن الميراث واجب للباقي منهما ولا ميراث إلا في تزويج صحيح وأجمعوا أنه إذا دخل بها لم يفسخ والدخول لا يصلح العقد الفاسد فعلم أن التزويج يقوم بنفسه لا بالصداق ثم وجدنا الصحابة قد أجمعوا على صحة العقد إذا وقع كذلك وعلى وجوب الميراث فيه واختلفوا في وجوب الصداق بعد الموت فقال بعضهم لها الصادق على الزوج إن كان حيا وفي تركته إن كان ميتا منهم ابن مسعود وقال بعضهم لا صداق لها منهم علي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت والقياس يوجب لها الصداق لأنه تابع للعدة فلا يجب لها كاملا إلا حيث تجب عليها العدة ألا ترى أنه يجب بعد الدخول سمى أو لم يسم في الموت والطلاق كما تجب العدة ولا يجب قبل الدخول في الطلاق إلا نصفه إن سمى فوجب أن يجب جميعه في الموت قبل الدخول سمى أو لم يسم كما تجب العدة فيه قيل والصحيح عن مالك أن نكاح التفويض جائز إنما خلافه في التزويج على أن لا صداق لها. ثم ما في الحديث من القضاء لها بصداق نسائها المعقول أنهن نساء عشيرتها ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} فكان أولائك النساء هن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء من دعى إلى المباهلة لا من سواهن فكذلك نساء المرأة المرجوع إلى صدقاتهن فيما يجب لها فيه صداق مثلها وهذا معنى قول أبي حنيفة وأصحابه والشافعي وقال ابن أبي ليلى هن اللائي من قبل أبيها عماتها من الأب والأم أو من الأب وأخواتها الأعيانية والعلانية توخالاتها وقال مالك أمثلاها في منصبها وحمالها والذي دل عليه الحديث أولى ما قيل في ذلك وإدخال الحالات في ذلك لا معنى له إذ قد تكون المرأة من قريش وخالاتها إماء وقول مالك هو الذي يقع في القلوب قبوله لولا ما روي عن رسول الله صلى الله عيه وسلم مما يخالفه واعتبرناه فوجدنا فيه مراعاة أحوال المرأة التي يرغب فيها من أجلها وهي جمالها وعقلها وكذا ما يرغب فيها لأجله من حسبها وبيتها التي هي منها وآباؤها الذين يرغب فيها من أجلهم وإذا اعتبر في الحيض نساؤها الذي قد تختلف فيه

المرأة وأمها وأختها كان اعتبار ذلك في الصداق أولى وأحرى قال القاضي واعتبار مالك بصداق أخواتها وعماتها إذا كن مثلها في العقل والجمال والمال فإن كان أبو حنيفة والشافعي يخالفانه في ذلك ويوجبان لها صداق مثل نسائها وإن كن على خلاف حالها في العقل والجمال والمال فهو بعيد خارج عن السنة.

في نكاح الموهوبة

في نكاح الموهوبة روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك, فقامت قياما طويلا فقام رجل, فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة الحديث إلى قوله: "قد زوجتكها بما معك من القرآن" في غير رواية مالك لهذا الحديث زيادة تقتضي التفويض إلى النبي علي الصلاة والسلام في أن يزوجها بمن رأى ولذلك زوجها من السائل دون أن يستأمرها في ذلك وهو ما روي أنها قالت: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله فر فيها رأيك وفيما خاطبت به هذه المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إطلاقها له وتزويجه إياها من غيره بذلك ما قد استعمله أهل العلم في المضارب الممنوع من دفع المال إلى غيره إلا أن يقول له أعمل فيه برأيك فيحل محله ويعمل فيه ما كان يعمل فيه رب المال ويكون له من ربحه ما يجعله له منه وعن هشام بن عروة عن أبيه قال كان يقال أن خولة ابنة حكيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت من المهاجرات الأول قالت عائشة كنت إذا ذكرت قلت: إني لأستحيي امرأة وهبت نفسها لرجل بغير مهر وكانت من غير النساء وفيها نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} قلت يا رسول الله إن ربك ليسارع في هواك وفيما روى عنه عن عائشة أنها كانت تقول: ما تستحيي امرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الآيات الثلاثة قلت: إن ربك ليسارع في هواك إذا وهبت المرأة نفسها لرجل وتملكه بضعها وقبل ذلك منها بمحضر من شهود بذلك كان تزويجا فإن سمى لها مهرا كان لها ما سمى وإلا فلها مهر مثلها وإن

طلقها قبل الدخول بها كانت المتعة لها عليه وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري وسائر أصحاب الإمام وعن بعضهم إذا وهب ابنته الصغيرة لرجل ليحضنها أو ليكفلها على وجه النظر لها كان جائزا وإن وهبها بصداق ذكره كان ذلك نكاحا إذا أراد بالهبة النكاح وممن قال بذلك عبد الرحمن بن القاسم على معاني قول مالك وعن بعض العلماء إن النكاح لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج وهو قول الشافعي فنظرنا فيما اختلفوا فيه فوجدنا قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الآية فجعل الله تعالى تلك الهبة للنبي عليه الصلاة والسلام نكاحا ثم أعقب ذلك بقوله: {خَالِصَةً لَكَ} فاحتمل أن يكون الخلوص بجعل الهبة نكاحا خاصة ويحتمل أن يكون الخلوص في جعل الهبة له نكاحا بلا صداق كمذهب أبي حنيفة والثوري وابن القاسم على معاني قول مالك والآية على عمومها له ولغيره إلا ما أجمع عليه من التخصيص منها وذلك كون الهبة انكاحا بال صداق وقول الشافعي بأن النكاح لا يكون إلا بما سماه الله تعالى به وهو النكاح والتزويج يقال له بأن الله تعالى ذكر في كتابه الطلاق والسراح والفراق وبالإجماع لا يتخصص الطلاق بهن دون ما سواهن مما هو في معناه كالخلع والبرية والخلية والبائن والبتة والحرام ثم هبة الزوج امرأته لنفسها إذا أراد بذلك الطلاق يقوم مقام الطلاق منه لها فكذا هبتها بضعها له يكون ذلك كالنكاح الذي تعقده له على بضعها فتكون الهبة في كل واحد منهما لصاحبه في حكم التمليك يكون نكاحا يملك به الرجل امرأته ويكون طلاقا تملك به المرأة نفسها وسئل سعيد بن المسيب عن رجل بشر بجارية فقال له رجل من القوم هبها لي فوهبها له فقال سعيد لم تحل الهبة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أصدقها سوطا لحلت له يعني لو سمى لها مهرا في تلك الهبة ولو سوطا حلت له فدل ذلك أن الهبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اختص بها كانت عنده على الهبة التي لا صداق عليه فيها وإن من سواه في الهبة يكون بها ناكحا بصداق كما يجب عليه في تزويج لو وقع بلا صداق ذكر فيه وفي حديث عائشة إني

لاستحيى امرأة تهب نفسها لرجل بغير مهر لم تقصد بذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عمت به الرجال إذ كان ذلك خرج مخرج النكرة ففيه ما دل على أن الخصوصية إنماكانت في كونها زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم بلا صداق وإن الهبة تكون تزويجا لغير النبي صلى الله عليه وسلم غير أنها تكون لغيره تزويجا بصداق يجب معها وما روى عن ابن عباس لم تكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له ليس فيها ما يعارض ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى بالجونية قال لها: "هبى لي نفسك" فقالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ فأهوى بيده إليها فقالت: أعوذ بالله منك فقال: "قد عذت بمعاذ" ثم خرج فقال: "يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن دخوله على تلك المرأة إلا وهي زوجة له قبل ذلك وعلى ذلك جاء أبو أسيد بها وكان قوله لها بعد ذلك "هبي لي نفسك" على معنى ملكيني نفسك لا على استئناف تزويج يعقده عليها وكيف يظن ذلك وفي شرعه حرمة الخلوة بالأجنبية يؤيده أنه صلى الله عليه وسلم خرج عنها على الطلاق منه لها والفراق منه إياها ولا يكون ذلك إلا عن تقدم تزويجه إياها.

في إجابة الدعوة

في إجابة الدعوة روي عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله" الأطعمة أصناف ومنها الوليمة ومنها الخرس وهو إطعام عند الولادة ومنها طعام الأعذار وهو ما يطعم عند الختان ومنها طعام الوكيرة من الوكر وهو ما يطعم إذا بنى دارا أو اشتراها ومنها طعام النقيعة عند القدوم من سفره ومنها طعام الهضيمة وهو طعام المأتم ومنها طعام المأدبة وهو طعام الدعوة والدعوة المرادة في الحديث هي الوليمة فقط بذكر ما وصفت به وإنما افترقت الوليمة من غيرها في وجوب الإتيان إليها لقول رسول الله

صلى الله عليه وسلم لابد للعرس من وليمة وقوله لعبد ارحمن أو لم ولو بشة ولقوله الوليمة حق والثاني معروف والثالث سمعة ورئاء ففي أول يوم محمود عليها أهلها وفي الثاني معروف لأنه قد يصل إليها من عسى أن يكون قد وصل إليها في اليوم الثاني ولم يصل إليها في اليوم الأول وفي الثالث رئاء وسمعة فمن دعى إلى الحق يجب عليه الإجابة ومن دعى إلى المعروف فله أن يجيب ومن دعى إلى الرئاء فعليه أن لا يجيب فعلم أن من الأطعمة التي يدعى إليها ما للمدعوا إليه أن لا يأتيه وما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم أخاه لحق فليأته لدعوة عرس أو نحوه" يحتمل أن يكون قوله: "لدعوة عرس ونحوه" ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم يؤيده إن مداره على ابن عمر وليس فيه هذه الزيادة وإنما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها" فاحتمل أن تبكون تلك الدعوة المرادة في هذه الآثار هي الوليمة المذكورة فتتفق الآثار كلها ويؤيد ذلك أيضا ما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها" وحديث جبار مرفوعا: "إذا دعى أحدكم فلجيب فإن شاء أطعم وإن شاء ترك" محتمل أيضا أن يراد به طعام الوليمة لا ما سواه وقد روى أن عثمان بن أبي العاصي دعى إلى ختان فأبى أن يجيب وقال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعي إليه فدل أن على الطعام الذي كانوا يأتونه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو طعام خاص ولما كان طعام الوليمة مأمورا به كان من دعى إليه مأمورا بإجابته وغيره غير مأمور به فكان من دعى إليه غير مأمور بإتيانه وأما ما روي عبد الرحمن بن زياد المعافري عن أبيه أنه ضمهم وأبا أيوب الأنصاري مرسي في البحر فلما حضر غداؤنا أرسلنا إلى أبي أيوب الأنصاري وإلى أهل مركبه فقال: دعوتموني وأنا صائم فكان من الحق على أن أجيبكم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول: "للمسلم على أخيه المسلم ست خصال إذا دعاه أن جيبه وإذا لقيه أن يسلم وإذا عطس شمته وإن عطش يسقيه وإذا مرض أن يعوده وإذا مات أن يحضره وإذا استنصح نصحه" فيحتمل أن يكون في ذلك كما ذكر ويكون إلا حسن بالمدعو أن لا يتخلف عنه ويكون حضور بعضهم مسقطا لما على غيرهم منه كحضور الجنازة ويحتمل أن يكون ذلك على ما يجب على الناس في أسفارهم مع إخوانهم من الزيادة في برهم والانبساط إليهم والجود عليهم أكثر مما في الحضر وما ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون أراد به إجابة دعو الوليمة لا غير فلم يبق لنا في شيء مما روينا وجوب إتيانه من الطعام المدعو إليه غير طعام الوليمة.

في ما يوجب ترك حضورها

في ما يوجب ترك حضورها روي عن عائشة رضي الله عنها أن جبريل احتبس عن النبي عليه السلام ثم أتاه فقال: "ما حبسك؟ " قال: "جرو في بيتك" فنظر فإذا جرو تحت السرير فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج وفي غير هذا الديث أن جبريل قد كان تقدم وعده للنبي عليه السلام أن يأتيه في ساعة فاحتبس عنه فيها ثم كان منه الكلام المذكور وروي "أنه صلى الله عليه وسلم لما ذهبت الساعة التي وعده جبريل أن يأتيه فيها خرج فإذا جبريل واقف على الباب فقال: "ما منعك أن تدخل البيت؟ " قال: "إن في البيت كلبا وإنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة" فأمر صلى الله عليه وسلم بالكلب فأخرج ثم أمر بالكلاب أن تقتل ووعد جبريل لا يمكن الخلف فيه وإنما منعت الشريعة إياه عن الدخول" فيه فكان ذلك بالشريعة مستثنى من وعده معنى فمثل ذلك من يعد الرجل بالجلوس عنده في منزله لأمر ويكون في ذلك الوقت في منزله ما تمنعه الشريعة من دخوله من شرب خمر أو ما سواه من المعاصي التي لا تبيح الشريعة حضورها فلا يدخل في تخلفه ذلك في حكم من وعد فأخلف وسئل النخعي عمن يعد رجلا أن ينتظره متى ينتظره

قال: إلى أن يحضر وقت صلاة فهذا مثل ما ذهبنا إليه ومثله من الفقه من يدعى إلى الوليمة فيأتيها فيجد فيها لهوا لو وجده في غيرها لم يصح له الجلوس فيها قال بعضهم: لا يضره الجلوس لأنه جلوس لما قد أمر به وإن كان علم قبل الحضور لا يمنتنع من الحضور إذ كانت مما أمر به وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وعن محمد خلاف ذلك وهو الأولى لأن المأمور به إتباع السنة والسنة تنهى عن مثل هذا فالنهي الذي فيها مستثنى من الأمر الذي أمر به فيها معنى واحتج لهما بما روي عن نافع قال: كنت مع ابن عمر فسمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه وعدل عن الطريق ثم قال هل تسمع شيئا فقلت ما أسمع شيئا ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا فكما امتنع صلى الله عليه وسلم أن يدخل إذنه شيء من الصوت المكروه وإن كان في طريق له الاختيار في سلوكها فكذلك القعود مباح طرأ عليه فيه أمر مكروه فلا يمنعه من القعود عند سماع ما نهى عن سماعه ولقائل أن يقول بينهما فرق لأن المرور بالطريق ليس بفرض عليه بل يفعله اختيارا والاختيار لا يخالطه نهي وهنا الحضور فرض عليه فاحتمل أن يكون الطارئ لا يدفع فرضه فكان الذي دل على رفض فرضه عنه هو ما في الحديث الذي ذكرناه اما في هذا الحديث.

في من لا يجوز الجمع بينهم

في من لا يجوز الجمع بينهم عن ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين العمة والخالة وبين الخالتين وبين العمتين" ما في هذا الحديث من النهي عن الجمع موافق لما روي عنه من نهيه عن الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لأن كل واحدة منهما لو كانت رجلا لم يحل له التزوج بالأخرى فلم يصلح أن يجمع بينهما بتزويج وذهب بعض إلى أن معنى الجمع بين العمتين وبين الخالتين إنما كان لأن إحداهما سميت باسم الأخرى بالمجاورة كما قيل العمران لأبي بكر وعمر ولا يحمل الكلام على هذا إلا عند الضرورة إليه ولا ضرورة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها ونهى أن تنكح على ابنة أخيها أو ابنة أختها نهي أن تنكح الكبرى على الصغرى أو الصغرى على الكبرى" ومعنى ذلك عندنا والله أعلم على الكبرى وعلى الصغرى في النسب كما قيل في الولاء الولاء للكبر يراد بذلك الكبر في النسب.

في القسم بين الزوجات

في القسم بين الزوجات روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله عند قسمه بين أزواجه بالعدل بينهن: "اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" هذا على جهة الإشفاق والرهبة مما يسبق إلى قلبه مما قد يستطيع رده عنه مع قربه من غلبته عليه من ميله إلى بعضهن أكثر من غيرهن كما علم حصينا الخزاعي أن يدعو به الله أن يغفر له ما أخطأ وما تعمد مع أن الخطأ غير مأخوذ به لما خاف عليه أن يكون لقربه مما تعمده وكفى مما يلزمه في العدل بين نسائه ما في تاب الله من وقله تعالى ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء الآية وروى مرفوعا من كانت له زوجتان فمال مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل أو قال: ساقط.

في ما أحل له من النساء

في ما أحل له من النساء روى عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أحل له من النساء ما شاء بقوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} إن الله تعالى قصره على أزواجه اللائي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة وحرم عليه أن يتزوج سواهن ثم أباح بقوله تعالى: {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} ليشكر له قصر نفسه عليهن اختيار إلى أن مات بعد أن كان واجبا عليه بقوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} الآية وبطل قول من قال أن المحرمات ذوات المحارم لذكرها عقيب المحللات له من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته وإن ل أن يتزوج سواهن من شاء لأنه يرده قول عائشة

وأم سلمة لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء إذ لا يصح أن يحل له ذوات المحارم وكذلك بطل قول من قال أن المحرمات عليه اليهوديات والنصرانيات استدلالا بنعت المحللات له بالهجرة والإيمان لأنه لو حل الكتابيات له لعدن أمهات المؤمنين وقيل المحرمات عليه بالآية المذكورة من ليس منهن من ذوات رحمه استدلالا بقوله: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} وهو فاسد لأنه لو كان كذلك لم يكن من أزواجه من يخرج عن هذه الصفة وقد خرج عنها زينب وجويرية وميمونة لأنهن غير قرشيات وليس لهن منه صلى الله عليه وسلم أرحام من قبل أمهاته وصفية لأنها ليست من قريش ولا من العرب وإنما هي من أهل الكتاب وعن عطاء قال: شهدت جنازة ميمونة مع ابن عباس فقال هذه زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وكان يقسم اسقاط لثمان ولا يقسم لواحدة والتي لا يقسم لها صفية الحق أن المرأة التي لم يقسم لها سودة لا صفية يدل عليه ما روي عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة يقسم لهن إلا سودة فإنها وهبت يومها وليلتها لعائشة وكان ذلك بطيب نفسها إذ كان من سنته العدل بين نسائه وتحذيره أمته خلاف ذلك.

في العزل

في العزل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهيته عزل الماء عن محله في العشرة الأشياء التي كان يكرهها على ما جاء في حديث ابن مسعود وفيما روت عائشة عن جذامة قالت: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم العزل فقال: "ذلك الوأد الخفي" حذامة بالذال لامعجمة وقيل بالمهملة وروي عن أبي سعيد الخدري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: يا رسول الله إن عندي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن نحمل وأشتهي ما يشتهي الرجال وأن اليهود يقولون: هي الموؤدة الصغرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كذبت يهود لو أن الله أراد أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه". وذكره من طرق في بعضها لما أصبنا سبى خيبر سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: "ليس من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله عز وجل أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء" يحتمل أن يكون المذكور في رواية جذامة على ما كان عليه من الاقتداء بشرائع من قبلنا ما لم يحدث لذلك ناسخ ولعله قد كاشفهم عن ذلك كشفا هو في كتابهم فكذبوا كما فعلوا في آية الرجم ثم أعلمه الله تعالى بكذبهم فأعلم بذلك أمته وأباح العزل على ما في حديث أبي سعيد ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء" يعني أن الله تعالى بلطيف قدرته إذا شاء خلق الولد يوصل إلى الرحم من النطفة مع العزل ما يكون منه ولد وإن لم يشأ لم يكن ولد وإن وصل الماء كله إلى الرحم فالولد مخلوق بالقدرة عزل أو لم يعزل وذهب قوم إلى أن في النطفة روحا فكان العزل إتلافا للروح فجعله وأدا ولكن الله تعالى قد أوضح الوقت الذي يكون فيه الحياة في المخلوق من النطفة بقوله: {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فقبل ذلك ما ثمة فيها روح لأنه ميت كسائر الأشياء التي لا حياة لها يؤيده أنه لما اختلف الصحابة فيه فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم فتناجى رجلان فقال ما هذه المناجاة فقال أن اليهود تزعم أنها المؤودة الصغرى فقال على أنها لا تكون مؤودة حتى تمر بالتارات السبع في {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الآية فعجب عمر من قوله وقال: جزاك الله خيرا وروى هذا عن ابن عباس أيضا.

في إتيان دبر النساء

في إتيان دبر النساء روى عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأة في دبرها فوجد من ذلك في نفسه وجدا شديدا فأنزل الله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} وعن ابي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه

فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية استدل قوم بهذا على الإباحة ولكن تأملنا ما روي عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج الولد أحول فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وعنه أن اليهود قالت إذا نكح الرجل امرأة مجبية خرج ولدها أحول فأنزلت إلى قوله: {أَنَّى شِئْتُمْ} إن شئت مجبية وإن شئت غير مجبية إذا كان ذلك في صمام واحد وروي عنه أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج فكان في هذه الآثار توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ما في هذه الآية مما أطلق للناس هو الفرج لا غير وصار الوطء في الدبر محظورا وقيل في سبب نزولها غير ما ذكر على ما روى عن ابن عباس أنه قال جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت قال: "وما أهلكك؟ " قال: حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إليه هذه الآية {أَنَّى شِئْتُمْ} "أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة". وعن ابن عباس أن ناسا من حمير أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن النساء فانزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيتها مقبلة ومدبرة إذا كان في الفرج" وعن ابن عباس أنه حمل الآية على خلاف ما ذكرنا على ما روى زائدة قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: قد أكثرتم فإن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا فهو كما قال وإن لم يكن قال فيه فأنا أقول: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا أي ذلك شئتم فعلتم فلا بأس. وقيل لنافع قد كثر القول عنك أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن فقال نافع كذبوا علي ولكن ابن عمر عرض المصحف وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية فقال: يا نافع هل تعلم منها شيئا قلت: لا قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء

الأنصار أردنا منهن مثل الذي كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية وما روى أن سعيد بن يسار سأل ابن عمر عن ذلك فقال: لا بأس لا يكاد يصح لأنه روى أن سعيدا قال لابن عم: ر ما تقل في الجواري أيحمض لهن قال: وما التحميض فذكر الدبر فقال: وهي يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وروي عن عبد الله بن حسن أنه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا بإيان النساء في أدبارهن فقال سالم كذب العبد أو أخطأ إنما قال لا بأس أن يؤتين فروجهن من أدبارهن وروي مرفوعا: "من أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد" وروى "لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطئ امرأة في دبرها" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هي اللواطة الصغرى" يعني وطء النساء في أدبارهن ثم رجعنا إلى تأويل قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فوجدنا الحرث يطلب به النسل ولا يكون ذلك إلا بالوطء في الفرج فالذي أبيح فيها هو ما يكون عنه النسل لا غير.

في تأديب الزوجة

في تأديب الزوجة روي عن عاصم بن لقيط بن صبرة قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فذكر صاحبي بذاءة امرأته وطول لسانها, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلقها" فقال: إنها ذات صحبة وولد, فقال: "قل لها فإن يكن فيها خير فستقبل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك" يحتمل أنه أراد به يضربها ضربا دون ذلك لأن الضرب مباح بالآية وعن ابن عباس أن رجالا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب نسائهم فأذن لهم, فسمع صوتا فقال: "ما هذا؟ " فقالوا: أذنت للرجال في النساء, فقال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وعن عمر أنه أراد أن يضرب امرأته في بعض الليالي فقام الأشعث وكان ضيفه فحجز بينهما فرجع ثم قال: يا أشعث احفظ عني شيئا سمعته من

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسأل رجلا فيما يضرب امرأته وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "اهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح" فعلم أن الضرب المنهي هو الضرب المبرح لا غير.

في وطء المسبية المشركة

في وطء المسبية المشركة روي عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فصلى بنا الغداة ثم أمر فشننا الغارة فوردنا الماء فقتلنا من قتلنا به ثم انصرف عنق من الناس فيهم النساء والذراري قد كادوا أن يسبقونا إلى الجبل فطردت بسهم بينهم وبين الجبل وعدوت فوقفوا حتى حلت بينهم وبين الجبل وجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها نسع من أدم معها بنت لها من أحسن العرب فسقتهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا سلمة هب لي المرأة" فقلت: يا نبي الله لقد أعجبتين وما كشفت لها ثوبا فسكت عني حتى كان من الغد لقيني فقال لي: "يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك" فقلت: والله ما كشفت لها ثوبا وهي لك يا رسول الله قال: فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين في قوله: لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا, ما يدل على أن وطأها كان حينئذ يحل له لأنه لم ينكر عليه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن منها إسلام بدليل رد النبي صلى الله عليه وسلم إياها للمشركين في المفاداة يؤيده أحاديث أبي سعيد في سبايا أوطاس لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة" وقيل كان في غزوة بني المصطلق قبل أوطاس بسنتين في ست من الهجرة وكان هذا قبل نزول تحريم المشركات بقوله: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وكن حلالا للمؤمنين مع ما هن عليه من عبادة الأوثان وإنما

حرمن عليهم عام الحديبية حين جاءت أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط مع نسوة مؤمنات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حتى بلغ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فطلق عمر امرأتين مشركتين كانتا له فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية فبقاء عمر على المشركين حتى أنزل التحريم دليل على حل نكاح الوثنيات يومئذ فكما كان تزويجهن حلالا كان وطؤهن بالملك أيضا حلالا إلى أن حرم وطء المسبيات منهن ثم أنزل الله تعالى ما أحل من الكافرات وهو قوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية وبقي ما عداهن على التحريم. ومنه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا يوم أوطاس سبيا ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فاستحللناهن اختلفت الصحابة في المراد بهذه المحصنات فروى عن علي أنه المشركات إذا سبين حللن به. وقال ابن مسعود المشركات والمسلمات فتأول علي رضي الله عنه في المستثنى من المحصنات أنهنن المسبيات المملوكات بالسبي وتأول ابن مسعود أنهن المملوكات بالسبي وبما سواه ومن أجله كان يقول بيع الأمة طلاقها تابعة جماعة من الصحابة وعن ابن عباس في تأويل هذه الآية قال: "لا يحل لمسلم أن يتزوج فوق أربع فإن فعل فهي عليه حرام مثل أخته وأمه" فالمحصنات على تأويله هذا هن الأربع اللائي يحللن للرجل دون من سواهن وعنه أنه قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} هن ذوات الأزواج. فاحتمل أن يكون موافقا لعلي وأن يكون موافقا لابن مسعود ومعنى الحديث أن النساء اللاتي نزلت فيهن هذه الآية هن اللاتي سبين دون أزواجهن فأما المبيات مع أزواجهن فإنهن عندنا لا يبن بالسبي كذلك كان يقول

أبو حنيفة وأصحابه وإنما التفريق بتباين الدار وتباين لا بالسبي لأنهم لو خرجوا إلينا بأمان لكانوا على نكاحهم ولوخرجوا بذمة مراغمين لأهلهم متمسكين بأديانهم كانوا على نكاحهم وإن ملكناهم بوقوع أيدينا عليهم بذلك ولو جاءنا أحدهما كذلك وخلف صاحبه في دار الحرب انقطع النكاح الذي بينهما بذلك فالسبي لهما أو لأحدهما في الحمكم كذلك ولا عدة عليهن إذا سبين دون أزواجهن فوقعت الفرقة بينهن وبين أزواجهن وإنما على مالكيهن استبراؤهن على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبايا من قوله: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض". وفيهن ذوات الأزواج وغيرهن وتلقته العلماء بالقبول اتفاقا وما روى في حديث أبي سعيد هذا من رواية أبي علقمة الهاشمي عنه أنه قال مكان فاستحللناهن أي هن لكم حلال إذا مضت عددهن يحتمل أن يكون من قول بعض رواته فكان ما أجمع عليه العلماء أولى من ذلك.

في نكاح العبد بغير إذن سيده

في نكاح العبد بغير إذن سيده روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر" سمي عاهرا بالتزويج لأنه سبب لدخول الذي به يصير زانيا وإن كان لا يحد للشبهة ولهذا تجب العدة ويثبت النسب وهذا كما روى أنه سمى الأشياء التي يوصل بها إلى الزنا بالزنا فقال العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يزني وفي بعض الآثار ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ونحوه ما روي أيما امرأة استعطرت ومرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية والله أعلم.

في كراهة التزوج على فاطمة

في كراهة التزوج على فاطمة عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن يكحوا إبنتهم علي بن أبي طالب

فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها" وروي عنه أن عليا خطب بنت أبي جهل فأتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وإن عليا خطب ابنة أبي جهل فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسؤها" وذكر أبا العاص ابن الربيع فأحسن عليه الثناء وقال: "لا يجمع بين بنت نبي الله وبين ابنة عدو الله". وفي حديث آخر ثم ذكر صهرا من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه قال: "حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا يجمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله مكان واحد أبدا" فاحتمل أن يكون علي رضي الله عنه ظن عدم تأثر خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك فلما تبين له كراهيته أضرب عنه وترك مرضاة نفسه لمرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم فحمد عليه أكثر من أبي العاصي لأنه ترك ما مالت إليه نفسه إيثارا وأبو العاصي ترك ذلك دون أن تميل إليه نفسه فكان حاله في ذلك دون حال علي وإنما لم يذكر عثمان مكان أبي العاصي لأنه كان نظير العلي لما لكل واحد منهما من السوابق التي ليست لأبي العاصي فذكره ليستوفي بذلك الحجة وهذا من أعلى مراتب الحكمة فيما خطب به مما أراد إسماع علي إياه ثم لما ترك علي ما هم به كان كأن لم يكن منه في ذلك شيء بل ازداد في رتبته وتمسكه برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إيثاره إياه على نفسه وكيف يظن به غير ذلك وقد تقدم وعد الله عز وجل فيه بما أنزله في كتابه {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} من إدخاله الجنة مع من ذكر معه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} الآية وهو مما لا يلحقه نسخ إذ هو لا يلحق الأخبار بل الأحكام التي تحول من تحليل إلى تحريم وضده ثم كان منه صلى الله عليه وسلم في غدير خم من قوله: "من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره" واخذل من خذله وذكر من فضائله كثيرا والله أعلم.

في الكحل للمتوفي في عنهاز وجها

في الكحل للمتوفي في عنهاز وجها روي عن أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها ورمدت وخشوا على عينيها فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في الكحل وذكروا أنهم يخشون على عينها فقال له قد كانت إحداكن تمكث في شربيتها في إخلاسها أو في إحلاسها في شربيتها فإذا كان حول مركلب فرمت ببعرة فلا أربعة أشهر وعشرة وفيما روى عنها أن ابنة النحام توفي عنها زوجها فأتت أمها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي تشتكي عينها أفأكحلها فإني أخشى أن تنفقئ عينها, قال: "وإن انفقأت قد كانت إحداكن تمكث بعد وفاة زوجها حولا ثم ترمي من خلفها ببعرة" ففيه منع المعتدة من التكحيل مع خوف التلف وقد أباحه جميع أهل العلم للضرورة وفي اتفاثهم دليل على نسخ هذا الحكم إذ لا خفاء في عدم الخفاء على جميعهم ولا شك في عدم مخالفتهم الحديث الثابت فدل على أنهم اطلعوا على ناسخ بسببه تركوه إلى ما هو أولى منه ووجدنا في الآثار ما يدل على شيء من ذلك وهو ما روي عن أم حكيم ابنة أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها فتكتحل بكحل الحلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الحلاء فقالت لا تكتحل إلا من أمر لابد منه فتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار ثم قالت عند ذلك أم سلمة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال: "ما هذا يا أم سلمة؟ " قلت: يا رسول الله إنما هو صبر ليس فيه طيب فقال: "إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب" قلت: بأي شيء امتشط يا رسول الله؟ قال: "بالسدر تغسلين به رأسك" 1 ففيه تجويز من أم سلمة تكحيلها عند الضرورة وهي قد سمعت ما يخالف ذلك فاستحال أن يكون إذنها إلا وقد علمت بنسخه من قبله صلى الله عليه وسلم لأنها مأمونة على ما قالت كما كانت مأمونة على ما روت.

_ 1 هكذا في الأصل وفي سنن النسائي وتغلفين به رأسك.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق في طلاق حفصة ... كتاب الطلاق فيه أحد عشر حديثا في طلاق حفصة روي عن عمر بن الخطاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها" وعن ابن عمر قال دخل عمر على حفصة أختي وهي تبكي فقال لما يبكيك لعل رسول اله صلى الله عليه وسلم طلقك أما أنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي وروى عن عقبة بن عامر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فأتاه جبريل فقال: "راجعها فإنها صوامة قوامة" وعن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة فآتاه جبريل فقال: "يا محمد طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الدنيا والآخرة" لا يقال: إنها زوجته في الدنيا والآخرة فكيف يظن أنه طلقها والحال أن الله تعالى لما خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي منهن واخترن الله ورسوله على الدنيا شكرهن على ذلك وحبسه عليهن وحبسهن عليه وجعل لهن أن يمن بعد موته كما كن يمن في حياته لأنهن محبوسات عليه لأنا نقول ما كان طلاقها طلاقا باتا قاطعا للوصلة ولهذا راجعها ولو لم يراجعها كان حكم الزوجية من الحرمة على الغير ووجوب نفقتها وكونها أم المؤمنين باقيا لا يخرجها الطلاق عن الزوجية كما لا يخرجها موتها عن ذلك.

في طلاق الحامل وحيضها

في طلاق الحامل وحيضها روي عن ابن عمر قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرته وهي حائض قال: "فليراجعها فإذا طهرت طلقها وهي طاهر أو حامل" استدل بهذا على أن الحامل لا تحيض لأن الإذن بالطلاق وهي طاهر أو حامل دل على أن الحامل لا تحيض قيل هذا فاسد لأنه لو كان كذلك لاستغنى بذكر

الطهر عنه فيكون قوله أو حامل فضلة لا فائدة فيه قلنا بل له فائدة وهو أن الطاهرة لا تطلق إلا أن تكون غير مجامعة في ذلك الطهر والحامل تطلق وإن جومعت في ذلك الحمل للأمن من الأعلاق بهذا الجماع حالة الحمل بخلاف ما إذا لم تكن حاملا فلما تباين حكم الطاهر الغير الحامل والتي لها حمل ذكرهما جميعا في الحديث فيكون معناه فإذا اطهرت طلقها وهي طاهر قبل أن يمسها أو حامل مسها فيه أو لم يسمها ومن الدليل على أن الحامل لا تحيض قوله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض" يعني فيعلم بالحيض أنها غير حامل فلو كانت الحامل تحيض لم يعلم بحيض الحامل أنها غير حامل ولاستوى في ذلك الحيض والطهر وما روي عن عائشة أن الحامل تحيض روي عنها خلافه بأنها لا تحيض وهو الصح من جهة النقل والأولى ما دل عليه من السنة والقياس وروى ذلك عن عطاء والحسن البصري وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه.

في قوله الحقي بأهلك

في قوله: "الحقي بأهلك" عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قالت أعوذ بالله منك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد عذت بمعاذ إلحقي بأهلك" قال الأوزاعي فنرى أن هذا القول تطليقة لأنها كرهت مكانه وطلبت فراقه فأراد به صلى الله عليه وسلم الطلاق وفي حديث كعب لما أمر باعتزال امرأته قال له: أطلقها؟ قال: لا ولكن اعتزلها فقال لها: إلحقي بأهلك, ولم تصربه طالقا لأنه ما أراده وروى: أن أبا أسيد أتاه بها وأنزلها في موضع فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي حتى انتهى إليها فأقعى وأهوى ليقبلها فقالت: أعوذ بالله منك فقال لها: "لقد عذت بمعاذ" وأمرني أن أردها إلى أهلها, وفي بعض الآثار فقال: "يا أبا أسيد اسكها رازقيتين وألحقها بأهلها" وإنما جاز لأبي أسيد حملها من عند أهلها ولي أهلها وليس من محارمها لأنه صلى الله عليه وسلم

لما تزوجها صارت أم المؤمنين وهو منهم فعادت بذلك محرما1 والرازقيتان يحتمل أن يكون تمتيعا منه لها فإن المطلقة قبل الدخول لها المتعة صمي لها صداق أم لا روى ذلك عن علي بن أبي طالب ويحتمل أن يكون تفضلا منه عليها لا تمتيعا. ومنه ما روي "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم ذكرت له امرأة من بني غفار فتزوجها فلما أدخلت عليه رأى ما بها وكان في كشحها بياض فكرهها ومتعها وقال: "الحقي بأهلك" فلحقت باهلها وروى "أنه أعطاها الصداق". فيه أن الخلوة الصحيحة كالدخول في إيجاب تكميل الصداق لأنه ترك مسيسها باختياره فقام مقام المماسة منه لها وإليه ذهب جماعة من وجوه الصحابة والخلفاء منهم عمر وعلي وقد روى عن زرارة بن أوفى أنه قال قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة ويروي عن زيد بن ثابت ما يدل أنه كان هذا مذهبه فإن قيل إنما قضى زيد لدعواها المسيس قلنا مجرد دعواها ليس بحجة لو لم تكن الخلوة موجبة ولا يعلم مخالف من الصحابة إلا ما روي عن ابن عباس من قوله إذا أنكح الرجل ففوض إليه فطلق قبل أن يمس فليس لها إلا نصف الصداق. وهو محتمل للتأويل وهو مذهب أكثر فقهاء الأمصار منهم أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث بن سعد والثوري ومتبعوهم فإن قيل هذا مخالف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} قيل الذين ذهبوا إلى تكميل الصداق أعلم بتأويل القرآن وفي خلافهم تجهيل لهم ونعوذ بالله من ذلك مع أن في اللغة يجوز تسمية من يمكنه إيقاع المسيس باسم المسيس وإن لم يمس كما سمي ابن إبراهيم أما إسحاق وإما إسمعيل ذبيحا وإن لم يذبح.

_ 1 كذا.

في متعة الطلاق

في متعة الطلاق روي عن أبي الزبير المكي أنه سأل عبد الحميد بن عبد لله بن أبي عمرو

ابن حفص عن طلاق جده أبي عمر وفاطمة بنت قيس فقال له عبد الحميد: طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن فوكل عياش بن أبي ربيعة فأرسل إليها عياش ببعض النفقة فسخطتها فقال لها عياش: مالك من نفقة ولا سكنى فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال فقال لها: "ليس لك نفقة ولا سكنى ولكن متاع بالمعروف اخرجي عنهم" فقالت: أخرج إلى بيت أم شريك؟ فقال لها: "إن بيتها يوطأ انقلي إلى بيت عبد الله بن أم مكتوم الأعمى" قوله: "ولكن متاع بالمعروف" يحتمل أن يكون على الإيجاب وعلى الندب وكذا ما في القرآن من متع الطلاق يحتمل الإيجاب والندب مدخولا بها أو غير مدخول بها كما روي عن علي وهذا مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية ويحتمل أن يكون على الإيجاب لبعضهن كما روي عن ابن عمر أنه كان يقول لكل مطلقة متعة إلاالتي تطلق ولم يدخل بها وقد فرض لها صداق فحسبها نصف ما فرض لها. والنظر يوجب عدم إيجاب المتعة للمدخول بها لأن الواجب بدلا من البضع يجب بالعقد لا بما سوى ذلك فإذا لم تجب المتعة بالعقد الذي لا طلاق بعده فأحرى أن لا تجب بالطلاق بعده واما المطلقات قبل الدخول فمن أهل العلم من رأى لهن المتاع واختلفوا في مقدارها فقال أبو حنيفة والثوري مقدارها نصف صداق مثلها من نسائها وهو قول حماد بن أبي سليمان ومنهم من لم يوجب لهن المتاع ولكن ندب لهن وهو قول مالك وإلا ولي إيجابها لأن التزويج لما وقع بلا تسمية صداق أوجب لها صداق مثلها كما أوجب ملك بضعها فلما طلق قبل الدخول سقط نصف الواجب عليه وبقي النصف كما كان عليه قبل ذلك من لزومه إياه وأخذه به كما إذا سمى لها صداقا ثم طلقها قبل دخوله بها زال عنه النصف وبقي النصف.

في ارتداد الزوجة

في ارتداد الزوجة روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة أخت الأشعث وقيل بنته فارتدت مع قومها ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها فبرأه الله منها بالارتداد فلم يضرب عليها الحجاب ولم يخيرها كما خير سائر نسائه" وروى أن عكرمة بن أبي جهل تزوجها بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها ولم يقسم لها ولم يدخل بها وارتدت مع أخيها عن الإسلام وبرئت من الله ورسوله فلم يزل به حتى تركه. فأخرجها عمر من الزوجية بردتها إذ كانت لا تصلح معها أن تكون للمسلمين أما وروي عن عمر أنه وإن أخرجها من أزواج النبي لكنه فرق بينها وبين زوجها وضربه فقالت له: اتق الله يا عمر في إن كنت منهن فاعطني مثل ما تعطيهن قال: أما هنالك فلا, قالت: فدعني أنكح قال: ولا نعمة عين ولا أطمع في ذلك أحدا. فأخرجها بارتدادها من الزوجات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها وما حجبها ولا خيرها فلم يخالف أبا بكر في أمر عكرمة إلا في القتل خاصة لا فيما سواه لأن في ذلك شبهة دخلت عليه فعذره بها ورفع عنه القتل من أجلها وفي هذا معنى من العلم لطيف وهو أن تلك المرأة كانت لها حقوق وعليها حقوق فبردتها أسقطت حقوقها من كونها محجوبة ومنفقا عليها فبطلت حقوقها فيما حاجت به عمر وبقيت الحقوق التي كانت عليها من ترك التزوج بغيره كالناشزة يبطل حقها من النفقة ولا يبطل عنها حق زوجها وإن كانت الناشزة بترك نشوزها يرجع حقها وهذا بالإسلام ما رجع حقها إليها لأنها لو لم تكن أسلمت ما طلبها عكرمة ومع هذا ما استحقت ما كان تستحق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من حجبهن والإنفاق عليهن وذلك لأنها لما ارتدت كانت ممن منعه الله دخول

الجنة ولم تصلح أما للمسلمين وحقوق الأمومة لا ترجع بعد زوالها فلا تستحق في أموالهم نفقة كما تستحقها سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأمومتهن والناشزة إذا عادت غير ناشزة استحقت النفقة بالعصمة والمعنى في منع الناس من تزويج أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إبقاؤهن زوجات له في الآخرة يؤيده أن أم أبي الدرداء قالت لأبي الدرداء عند الموت: إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحاك وإني أخطبك إلى نفسك في الآخرة قال: فلا تنكحي بعدي فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان, فقال: عليك بالصيام.

في الطلاق في الإغلاق

في الطلاق في الإغلاق روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق ولا عتاق الإغلاق" أحسن ما قيل فيه أن الإغلاق هو الإطباق على الشيء فاحتمل بذلك عندنا أن يكون المراد به الإجبار الذي يغلق على المعتق وعلى المطلق حتى يكون منه العتاق والطلاق عن غير اختيار منه لهما ولا يكون ف يالعتاق مثابا ولا في الطلاق آثما إن أوقعه على صفة البدعة. فإن قيل فينبغي أن لا يقع طلاق المكره قيل أوقعناه بحديث أحسن منه في الإسناد وأعرف رجالا وأكشف معنى وهو ما روي عن حذيفة أنه قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمد؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة, فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: "انصرفا نفي لهم بعهدهم ونسعتين بالله تعالى عليهم" فكان فيه اعتبار اليمين مع الإكراه كما في الطواعية.

في الحلف بطلاق من يتزوج

في الحلف بطلاق من يتزوج روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا عتقا إلا من بعد ملك" اختلف في تأويله قال ابن شهاب إنما هو أن يذكر

الرجل المرأة فيقال له: تزوجتها فيقول: هي طالق البتة فهذا ليس بشيء وأما من قال أن تزوجت فلانة فهي طالق البتة فإنما طلقها حين يتزوجها أو قال هي حرة إن اشتريتها فإنما أعتقها حين اشتراها وإليه ذهب مالك ومن قال بقوله وجعله الشافعي في حكم طلاقه لمن لم يتزوج أو عتقه لمن لم يملك وذكر الاختلاف في ذلك عن الصحابة والتابعين ولما اختلفوا تأملنا ما توجبه الأصول المتفق عليها فوجدنا الرجل يقول كل ولد تلده مملوكتي هذه فهو حر فتحمل بعد ذلك بأولاد ثم تلدهم فيعتقون عليه وقد كان وقت التعليق غير مالك لهم لأنهم غير مخلوقين فروعي فيهم وقت الوقوع إلى وقت القول فكان نظيره في القياس أن لا يراعي الوقت الذي علق فيه بقوله فلانة طالق أن تزوجتها ويراعى وقت وقوعه ولا معنى لمراعاة ملك أمها لأن المعتق الولد لا الأم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استشاره في صدقته مما حصل له من سهام خيبر: "احبس الأصل وسبل الثمرة" فكان فيه ما دل على جواز العقود في الأشياء الحوادث الي لا يملكها عاقدوها وقت كلامهم فمثله ما يعقده الرجل على ما يملكه في المستقبل من المماليك وعلى ما يتزوجه من النساء ومثله أيضا ما أجمعوا عليه من تجويز التوكيل ممن تجب عليه كفارة ظهارا ويمين بابتياع رقبة يعتقها عنه فيفعل الوكيل ما أمر به يجوز عنه من الرقبة التي كانت عليه وقد كان التوكيل منه قبل أن يملكها فلم يضره ذلك فروعي وقت العتاق لا وقت التوكيل ومثله ما أجمعوا عليه في تجويز الوصية بثلث ماله فيكون ذلك عاملا في ثلث ما كان مالكا وما سيملكه إلى وقت الموت ولم يقتصر على ما كان يملكه يوم الوصية وتأملنا في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" كما قال: "لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا عتق إلا من بعد ملك" ثم وجدنا قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} الآية فكان ما كان أن يفعلوا منهم بقولهم: لئن آتانا الله من فضله لنصدقن ما قد أوجبه عليهم إذا آتاهم ما وعدوه فيه إذا آتاهم إياه وكان ذلك بخلاف من قولهم فيما

الرجل إن تزوجت فلانة فهي طالق يكون حكمه خلاف ما إذا قال: هي طالق لا يملكون فمثل ذلك قول ولم يقل إن تزوجتها فيلزمه إذا علق ولا يلزمه إذا نجز.

في طلاق العبد

في طلاق العبد روي عن عمر بن معتب أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في رجل مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين فبانت منه ثم أنهما اعتقا بعد ذلك هل يصلح لرجل أن يخطبها فقال ابن عباس: نعم وقضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يصح الاحتجاج به لأن الراوي ممن لا يؤخذ مثل هذا عنه مع أن متنه مستحيل لان طلاق ذلك المملوك زوجته في رقهما لا يخلو إما إن يكون واقعا فقد حرمت عليه حرمة عليظة وإما أن يكون غير واقع لأن طلاق المملوك ليس بشيء عند ابن عباس الإباذن سيده محتجا بقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} لكن لا معنى لارتجاعه لأنها زوجته حينئذ فلا سبيل لقبول هذا الحديث عنه فلساده في إسناده ومتنه وقد روى عن الراوي أن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة وطلقها تطليقة فبانت ثم أنهما أعتقا بعد ذلك هي يصلح للرجل أن يخطبها فقال ابن عباس: صح أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قضى في ذلك ولم يزد على هذا شيئا وهذا مما يدل على اضطراب هذا الحديث بحيث لا يحتج به وأما قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} إنما هو فيما عدا الطلاق من الأموال المخولة للأحرار لا في الإبضاع لأن تزويج سيده إياه يبيح له فرج زوجته ويكون مالكا له قادرا عليه دون مولاه فلما كان البضع له كان تحريمه إليه دون مولاه واختلفت الصحابة سوى ابن عباس في طلاقه فجعله عمر وعلي بن أبي طالب على حكم النساء المطلقات كالعدة وجعله عثمان وزيد على حكم الرجال المطلقين وقال ابن عمر: أيهما رق نقص الطلاق برقه والعدة بعد ذلك على النساء ولم يتابعه أحد على قوله ثم قول عمرو على أولى لأن الحر أبيح له تزويج أربع

وجعل له اثنا عشر طلاقا فيهن والمملوك له ثنتين فطلاقه إباهما ست تطليقات ثم ولكن هذا التلعيل ينكسر في الحر يتزوج الأمة لأنه يلزمه على طرده أن يكون طلاقه ثلاثا وليس مذهب عمر وعلي هذا وإنما يأتي هذا قولا رابعا في المسألة سوى قول ابن عباس: أن أيهما كان حرا أكمل الطلاق عكس قول ابن عمر: أن أيهما كان رقيقا نقص الطلاق برقه. قال الطحاوي: ولقد كلمت أبا جعفر محمد بن العباس في هذا الباب وتقلدت عليه قول عثمان وزيد فيه فقلت له أليس الطلاق قد وجدته يكون من الرجل والعدة تكون من المرأة فمعقول في ذلك أن كل ما يكون من كل واحد منهما مرجوع منه إلى حكمه فقال لي كتاب الله يدفع ما قلت يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} فأعلمنا الله تعالى أن العدة للرجال لا للنساء وإذا كانت للرجال وكانت على حكم النساء لأنها تكون منهن كان الطلاق الذي يكون منهم في النساء لا على حكمهم فهذه علة صحيحة.

في مقدار مدة الحمل

في مقدار مدة الحمل روي عن أبي ذر أنه قال: لأن أحلف عشرا أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف يمينا واحدة أنه ليس هو وذلك لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى أم ابن صياد فقال: "سلها كم حملت به؟ " فسألتها فقال: "حملت به اثنى عشر شهرا" فأتيته فأخبرته ثم أرسلني إليها مرة ثانية فقال: "اسألها عن صياحه حين وقع؟ " فأتيتها فسألتها فقالت: صاح صياح الصبي ابن شهرين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني قد خبأت لك خبيئا" فقال: خبأت لي عظم شاة عفراء والدخان فأراد أن يقول: الدخان فلم يستطع فقال: الدخ الدخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخسأ فلن تسبق القدر" فيه أن الحمل يكون أكثر من تسعة أشهر إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به أبو ذر عن أم ابن صياد أنها حملت به اثنى عشر شهرا وفقهاء الأمصار

اختلفوا في أكثر مدته فقالت طائفة: أنه سنتان منهم أبو حنيفة والثوري وسائر أصحاب ابي حنيفة وبعضهم أنه أربع سنين: وهو مذهب كثير من فقهاء الحجاز وبه يقول الشافعي وعند طائفة منهم أنه يتجاوز إلى أكثر من أربع منهم مالك بن أنس وأولى الأقوال هو القول الأول: لأنه لم يخرج عن قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} والقولان الآخران خرجا عن الآية لأن الله تعالى أخبر عن الثلاثين شهرا مدة الحمل والرضاع فلا يجوز أن يخرجا عنها ولا أحدهما يبين ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: إذا وضعت لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرون شهرا وإذا وضعت لسبعة كفاه ثلاث وعشرون شهرا وإذا وضعت لستة كفاه حولان كاملان لأن الله تعالى قال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} . ولا يقال: فإذا كان الحمل عامين لا يكفي الرضاع ستة أشهر لأنه يحتمل أنه إذا لطف له الغذاء يستغنى به عن الرضاع ويحتمل أن الله تعالى قد أوجب بهذه الآية أن الفصال يرجع إلى ستة أشهر ثم زاد في مدته إلى تمام الحولين بقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} . وبقوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إن نقص من الحولين شيء يكون الحمل أكثر من ستة أشهر وإنما قلنا في حديث أبي ذر أن فيه حجة على من نفى أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر ولم نقل أن ابن صياد مخصوص ليكون للعالمين آية لما ذكر فيه أنه الدجال لأنه لم يحق أنه الدجال الذي حذر الأنبياء عليهم السلام منه أممهم لوجوده في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم والدجال لا يدخله1 ولقتله صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا واحد من بني آدم في خلقه وفي مدة حمله ولو كان الدجال لم ينكر أن يكون دجالا ويكون بعده دجالون وإن تفاضلوا فيما يكونون عليه في ذلك وتباينوا فيه ولكنه قيل أنه الدجال الذي أنذر كل نبي أمته منه وقد قامت الحجة بخلاف ذلك والله تعالى أعلم.

_ 1 كذا في الأصل فليتدبر.

في مقام المتوفى عنها زوجها

في مقام المتوفى عنها زوجها روي عن الفريعة ابنة مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنه أتاها نعي زوجها خرج في طلب اعلاج له فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه فقالت: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنه أتاني نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة عن دور أهلي وأنا أكره القعدة فيها وإنه لم يتركني في سكني ولا مال يملكه ولا نفقة تنفق علي فإن رأيت أن الحق بأختي فيكون أمرنا جميعا فإنه أجمع في شأني واجب إلى قال: "إن شئت فالحقي بأهلك" فخرجت مستبشرة بذلك حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أودعيت له فقال: "كيف زعمت؟ ", فردت عليه الحديث من أوله فقال: "امكثي في البيت الذي جاءك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فأرسل إليها عثمان فسألها فأخبرته فقضى به يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح النقلة لها من الدار التي نعى فيها زوجها لذكرها أنه لم يخلف مالا ولا سكنى ويحتمل أن يكون ذلك لأنه لا نفقة لها من مال خلفه ولا مسكن لها في منزله لأنه على تقدير أنه كان له مال أو مسكن فبموته خرج إلى ملك الورثة ويحتمل أن يكون أمره إياها بالمكث حتى يبلغ الكتاب أجله بعدما أباح النقلة لأن جبريل عليه السلام كان حاضرا جوابه فأعلمه بما أمرها ثانيا إذ كانت أعلمته أنها دار لم يزعجها منها أهل زوجها وإن كان لهم إزعاجها لأنها ملكهم دون ملك الميت ولكن كان من حقهم تحصينها احتياطا من أن يلحقه ولد منها وقال بهذا غير واحد منهم الشافعي مع أن مذاهبهم أن المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى في عدتها فقالوا لأولياء زوجها تحصينها في عدتها حيطة أن يلحق الزوج ولد تأتي به ليس منه فأمرهم صلى الله عليه وسلم إذا كانوا لم يخرجوها من المنزل ورضوه لها أن ترجع إليه حتى يبلغ الكتاب أجله كما أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من حقوقهم التي لهم أن يطلبوها وهذا نظير ما كان من جبريل في حديث أبي قتادة في رجل سأله أن قتلت في سبيل الله صارا محتسبا أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم", فلما أدبر ناداه, الحديث وما ذكره عن الشافعي من حقوق أولياء الميت في زوجته قول حسن وسيأتي في باب الرزق والأجل ذكر العلة في مقدار هذه العدة إن شاء الله تعالى.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع مدخل ... كتاب الرضاع روي عن الحجاج أنه قال: قلت: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ قال: "الغرة العبد أو الأمة" لما كانت المرضعة كالأم في وجوب الحق عليه وحق الأب وهو دون حق الأم لا يجزي إلا أن يجد مملوكا فيشتريه فيعتقه والمرضعة لما كانت حرة لا يقدر على عتقها أمر أن يعوضها من ذلك بمن يقدر على عتقه فيكون فداء لها من النار ولم تجعل تلك النسمة كغيرها من النسم وجعلت من غررها أي أرفعها فقد روى عن أبي عمرو أنه قال لا يقبل في الدية عبد أسود ولا أمة سوداء لقول رسول الله صلى الله وسلم في الجنين "غرة عبد أو أمة" فلولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد ذلك لقال في الجنين: عبد أو أمة فلولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد ذلك لقال في الجنين عبد أو أمة وفيما ذكرناه ما قد دل على أن المرضع أن قدر على عتاق من أرضعه من الرق كان جازيا له وذهب عنه مذمة الرضاع به.

في الرضاع المحرم

في الرضاع المحرم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم المصتان من الرضاع ولا المصتان مداره على عروة بن الزبير فمن رواته من رواه عنه عن عائشة ومنهم من رواه عنه عن عبد الله بن الزبير عن أبيه ولما كان الأمر على هذا ووجدنا عروة قد خالف ذلك فقال: مثل ما قال سعيد بن المسيب ما كان في لين وإن كان قطرة واحدة فهو يحرم وما كان بعد الحولين فهو طعام يأكله فعلم أنه مع شدة تمسكه بالحديث وكمال ورعه لم يترك ما روي عن عائشة

إلى خلافه إلا وقد ثبت نسخ ذلك عنده ويحتمل أن يكون نسخه عنده ما روى عن عائشة قالت: كان فيما أنزل من القرآن ثم سقط لا يرحم من الرضاع إلا عشر رضعات ثم نزل بعد أو خمس رضعات فثبت عنده سقوط ذلك من الأحكام بسقوطه من القرآن فإن قيل فقد روى عن غير عائشة وابن الزبير ما يوافق روايتهما وهو حديث أم الفضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم إلا ملاجة ولا إلا ملاجتان" قلنا: إن من علم شيئا أولى ممن قصر عنه فما وقف عليه عروة مما أوجب نسخ هذا الحديث حجة على رواته. فإن قيل: فقد روي عن عائشة أن الخمس رضعات توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن فالجواب أن هذا مما رواه عبد الله بن أبي بكر وقد خالفه في ذلك القاسم ويحيى وهما أولى بالحفظ منه لو استوى معهما فكيف وهما أعلى مرتبة في العلم والحفظ مع أنه محال لأنه يلزم أن يكون بقي من القرآن ما لم يجمعه الراشدون المهديون ولو جاز ذلك لاحتمل أن يكون ما أثبتوه فيه منسوخا وما قصروا عنه ناسخا فيرتفع فرض العمل به ونعوذ بالله من هذا القول وقائليه مع أن جلة الصحابة على التحريم بقليل الرضاع وكثيره منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وروى أن ابن عمر سئل عن المصة والمصتين فقال: لا تصلح فقيل له إن ابن الزبير لا يرى بها بأسا فقال يقول الله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} قضاء الله أحق من قضاء ابن الزبير ثم فقهاء الأمصار جميعا على هذا القول من أهل المدينة وأهل الكوفة إلا قليلا منهم وروى عن عقبة بن الحارث قال تزوجت بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فزعمت أنها أرضعتني وإياها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني ثم سألته فأعرض عني ثم سألته فأعرض عني ثم قال: "كيف بك وقد قيل ذلك" ونهاني عنها فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الكشف عن كمية إعداد الرضاع دليل على استواء القليل والكثير في الحرمة إذ لو كان المصة والمصتان لا تحرم لما نهاه حتى يعلم أن ذلك الرضاع يقع به التحريم أم لا.

في وطء المرضعة

في وطء المرضعة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه" حذر أمته إشفاقا على أولادهم من غير تحريم على ما كانت العرب تقوله وإن لم تنزل عليه في ذلك أمر ما يدل عليه ما روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشرا الصفرة وتغيير الشيب والتختم بالذهب وجر الإزار والتبرج بالزنية لغير محلها والضرب بالكعاب وعزل الماء عن محله وفساد الصبي غير محرمة وعقد التمائم والرقي إلا المعوذات فقوله: فساد الصبي يريد به الغيل وهو أن يجامع امرأته وهي ترضع وعن ابن عباس مرفوعا: نهى عن الاغتيال ثم قال: أنه لو ضر أحدا لضر فارس والروم فالنهي تنزيه كالشرب قائما لما خاف من ضرره على شاربه يؤيده ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة حتى ذكرت الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم" فأطلق لأمته ما كان حذرهم إياه لما وقف على أن ذلك لا يضر وقد كان بقيت بقية منه في قلوب العرب روي عن عطية بن جبير عن أبيه قال: مات ذو قرابة لي وترك له غبنا فأرضعته امرأتي فحلفت أن لا أقربها حتى يفطم الصبي فلما مضت لي أربعة أشهر قيل لي قد بانت امرأتك فسألت عليها فقال: إن كنت حلفت على تضرة فقد بانت منك وإلا فهي امرأتك وإليه ذهب مالك بن أنس سئل عمن ترك امرأته وهي ترضع حتى تفطم فأبت ذلك عليه وطلبت منه وطئه إياها فقال: لا أرى لها في ذلك حجة ولا يقضي عليه بالوطء كانت فيه يمين أولا وخالف ذلك جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه فجعلوا موليا إن حلف أن لا يقربها حتى تفطم إذا كان بينه وبين تمام الحولين أربعة أشهر فصاعدا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم الجماع في الرضاع وإنما كرهه إشفاقا ثم أطلقه وزعم الليث بن سعد أن قوما يقولون: الغيل هو جماع الحامل لا جماع المرضع والحق

خلافه لأن العرب قد ذكرته في اشعارها ففخرت به نساؤها والعرب تقول ما حملته أمه وضعا ولا أرضعته غيلا ولا وضعته تيما ولا أباتته ميقا. ومنهم من يقول: ماحملته أمه تضعا يعني ما حملته على حيض ولا أرضعت غيلا يعنون أن وطئت وهي ترضع ولا وضعته تينا يعني أن يخرج رجلاه قبل يديه في الولادة يقال منه مؤتن للمرأة التي ولدته كذلك وللولد موتن قوله: ولا أباتته ميقا يريدون شدة البكاء وقد روى في إباحة وطء المرضع أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعزل عن امرأتي, فقال: "لم؟ " قال: شفقا على الولد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان كذلك فلا ما كان ضارا فارس والروم" قوله: "أنه ليدرك الفارس فيدعثره" يقول: يهدمه ويطحطحه بعد ما صار رجلا قد ركب الخيل.

في الإيلاء

في الإيلاء روى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من استلجج بيمين على أهله فهو أعظم إثما" يعني أعظم إثما ممن سواه من الحالفين أو أعظم إثما من حنثه فاكتفى صلى الله عليه وسلم لعلمه أنهم قد فهموا ذلك عنه مما خطبهم به لأنهم قوم عرب خاطبهم بلسانهم كمثل ما جاء في القرآن ولولا فضل الله عليكم ورحمته {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} واكتفى بذلك عن الجواب لفهمه من فحوى الكلام لأن من حلف على زوجته أن لا يقر بها فقد منعها منحقها فهو في استلجاجه في ذلك وتماديه عليه آثم فيجب عليه الرجوع عن يمينه بالفئ عليها قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ذكر الرحمة والغفران لرجوع الفائي عن منعه الحق الذي هو عليه ولم يذكر ذلك في عزم الطلاق لأنه في عزمه متماد في استلجاجه في منع الحق الذي عليه ويقرب من هذا ما روي مرفوعا قال: "من حلف على قطيعة رحم أو معصية فحنث" فذلك كفارة يريد أن حنثه كفارة من الذنب وعليه كفارة اليمني وكذلك معنى الحديث أن الواجب عليه أن يكفر عن يمينه ولا يستلج في التمادي على الامتناع والله أعلم.

في الحضانة

في الحضانة عن علي بن أبي طالب قال: لما أصيب حمزة خرج زيد بن حارثة حتى أقدم ابنة حمزة وقال: أنا أحق بها تكون عندي تجشمت السفر وهي ابنة أخي وقال علي: أنا أحق بها فإنها ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جعفر بن أبي طالب: أنا أحق بها في مثل قرابتك وعندي خالتها والخالة والدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أقضي بينكم في ذلك وفي غيره" قال علي: فتخوفت أن يكون قد نزل فينا قرآن لرفعنا أصواتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنت يا زيد فمولاي ومولاها" فقال: رضيت رسول الله "وأما أنت يا علي فصفيي وأميني وأنت مني وأنا منك" "وأما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها وقد قضيت بالجارية تكون مع خالتها" قالوا: رضينا يا رسول الله. ظن بعض الناس أن أهل العلم تركوا هذا الحديث الصحيح في قولهم: أن الحاضنة إذا كان لها زوج غير ذي محرم من المحضون لم تكن لها حضانة وليس كذلك بل استعملوه من حيث لم يشعر لأن المحضون إذا لم تكن له من النساء مستحقة تعود الحضانة إلى العصبات فلما عادت حضانة ابنة حمزة إلى عصبتها وجعفر منهم كانت خالتها حق بها لان الحضانة إن لم تكن لها رجعت إلى زوجها فصارت الخالة في هذه الحالة بمنزلة من كان زوجها محرما من المضحون فكانت أحق بها منه. ومنه ما روي عن أبي هريرة أنه أتى في غلام بين أبوين فقال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أتى بغلام بين أبوين فقال: "يا غلام هذه أمك وهذا أبوك اختر" احتج به من قال بالتخيير وهو مذهب أهل الحجاز إلا أن في الحديث زيادة في غير هذه الرواية قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:

إن زوجي يريد أن يحول بيني وبين ابني وكان قد طلقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسهما عليه" فقال الرجل: من يحول بيني وبين ابني فخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام بين أبيه وأمه فاختار أمه فذهبت به ففيه أنه لم يخير ذلك الغلام حتى دعا أبويه إلى الإسهام عليه قبل ذلك فالتخيير بلا دعاء ترك لهذا الحديث كالقول بعدم التخيير أصلا ومن قال بعدم التخيير أكثرالكوفيين واحتجوا بحديث ابنة حمزة حيث لم تخير بين عصبتها لتختار أيهم شاءت وروى أن رجلا أسلم ولم تسلم امرأته فاختصما في ولدهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لهما إن شئتما خيرتماه" فأجلس الأب ناحية والأم ناحية ثم خير الغلام فانطلق نحو أمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهده فرجع الغلام إلى أبيه" ففيه أن تخيير النبي صلى اله عليه وسلم إنما كان بعد اختيار أبويه أن يخير بنيهما فوجب بتصحيح ما ذكرنا أن لا يخرج عن شيء منه ولا يتركه وأن يكون المستعمل في مثل هذا دعاء الأبوين إلى الاستهام فإن أجابا أسهم بينهما وإن أبيا ثم سألا أن يخير الصبي بينهما فيختار أحدهما فيكون أحق به من الآخر وإن لم يكن منهما اختيار وجب أن يرجع إلى ما في حديث ابنة حمزة فيستعلم فيه ويقضي لمن يراه الحاكم فيه أولى وروي عن أبي كر أنه قضى في مثله بين عمر بن الخطاب وبين أم عاصم التي كان طلقها في ولدها فجعله لها بغير تخيير بينهما فيه إلا أنه يحتمل أن يكون أريد به التخيير في الحال مستأنفه وهو ما روي أن عمر خاصم امرأته التي طلق إلى أبي بكر في ولدها فقال أبو بكر: هي أحق به ما لم تتزوج أو يشب الصبي وقال: هي أحنى وأعطف وألطف وأرأف وأرحم وقوله أو يشب الصبي لا يريد به حالا يخير فيها ولكن يريد به حالا يخرج بها من لحضانة ويتسغنى عنها فيكون لأبيه دون أمه وروي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليصيبن قوما سفع من النار عقوبة بذنوب عملوها" الحديث وسيجئ بتمامه في باب جواز نسبة الرجل إلى الموضع أنه من أهله باستيطانه إياه.

كتاب اللعان

كتاب اللعان فيه سبعة أحاديث روي عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "أرأيت لو وجدت مع أم رومان رجلا ما كنت صانعا به؟ " قال: كنت صانعا به شرا, قال: "فأنت يا عمر؟ ", قال: كنت قاتله قال: "فأنت يا سهيل بن بيضاء؟ ", قال: كنت أقول أو قائلا لعن الله إلا بعد ولعن البعدي ولعن أول الثلاثة أخبر بهذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تأولت القرآن يا ابن بيضاء {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} " الآية أما قول أبي بكر فإنه مكشوف المعنى وأما قول عمر: كنت قاتله وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه والزجر له والمنع منه يدل على إطلاقه إياه له ولم نعلم أحدا من أهل الفتوى قال به فينبغي أن يكون هذا منسوخا إذ لا يتهمون على تركه والعمل بضده إن ثبت جماعهم على خلافه وقد قال محمد بن سيرين في متعة الحج نهى عنها أبو بكر وعمر وعثمان وهم شهدوها وهم نهوا عنها فليس في رأيهم ما يرد ولا في نصيحتهم ما يتهم وإن لم يكن إجماعا وكان من أهل العلم من قال به يجب أخذه ولا يسع القول بغيره وفي قول سهيل موضعان من الفقه. أحدهما: إباحة لعن العصاة ويكون مخصوصا من عموم نهي الأمة عن اللعن والثاني سكوته عن إظهار ما اطلع عليه من زوجته وترك اللعان معها لئلا يكون قاذفا للمحصنة عند الناس وإن كان في الباطن بخلافها فإن الله تعبد عباده بالظواهر وأجرى الأحكام عليها وتولى السرائر ولأن المقصود من اللعان الفرقة وهو قادر عليها بطلاقه إياها من غير شيء يلحقه فحمده صلى الله عليه وسلم وأعلم بالموضع الذي أخذه منه. ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" ذهبت طائفة إلى أن الولد المولود على فراش الرجل إذا نفاه

لا ينتفي منه بلعان ولا بما سواه وروى عن الشعبي أنه قال: خالفني إبراهيم وابن معقل وموسى في ولد الملاعنة فقالوا: نلحقه به فقلت: ألحقه به بعد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين ثم دبر بالخامسة إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فكتبوا فيه إلى المدينة فكتبوا أن يلحق بأمه ولا حجة لمن ذهب إليه بما في هذا الحديث لأنه يحتمل أن يكون المراد به المدعين لأولاد إماء غيرهم كما كانوا يدعونهم في الجاهلية حتى دخل الإسلام عليهم وهم على ذلك كما كان من عتبة في ابن امة زمعة ما كان حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول المذكور في هذا الإثر فأما نفي أولاد الزوجات فليس من ذلك في شيء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى في ذلك بالملاعنة والإلحاق بأمه دون المولود على فراشه روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته وفرق بينهما وألحق الولد بالمرأة وإن كان مالك انفرد بزيادة هذا الحرف من بين أصحاب نافع فهو إمام حافظ ثبت في روايته يقبل ما زاد كما يقبل ما انفرد به وروى عن واثلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها والولد الذي لاعنت عليه وفيه توريثها إياه بعود نسبه إليها وانتفائه ممن لاعنته به فوق ما كانت ترث منه لو لم يلاعن به وفيه ما يدل على التوارث بالأرحام إذا لم تكن للميت عصبة وكانت أمه ذات سهم فورثت ما بقي من ميراثه بذلك. ومنه عن ابن مسعود قال: قام رجل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة فقال: أرأيتم إن وجد رجل مع امرأته رجلا فإن هو قتله قتلتموه وإن هو تكلم جلدتموه وإن سكت سكت على غيظ شديد اللهم احكم فأنزلت آية اللعان قال عبد الله: فابتلى به وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاعن امرأته فلما أخذت المرأة لتلعن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مه" فلما أدبرت قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلها إن تجئ به أسود جعدا" كان أهل العلم يختلفون في الرجل ينفي حمل امرأته فكان

بعضهم يقول: يلاعن بينه وبينها عليه كما يلاعن بينه وبينها عليه لو كان مولودا قبل ذلك فنفاه وهو قول مالك والشافعي وقال به أبو يوسف مرة وبعضهم يقول لا يلاعن بينهما عليه لأنه يحتمل أن لا يكون حملا ولا فرق بين أن يولد بعده بمدة ستة أشهر أو أقل وهو مذهب أبي حنيفة وقال محمد وهو قول أبي يوسف المشهور عنه إن ولدت لمدة أقل من ستة أشهر يلاعن محتجا بما روى عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل وهو حديث أصله حديث ابن مسعود المقدم وليس فيه ذكر الملاعنة بحمل وإنما فيه ذكر الملاعنة فقط ويجوز أن يكون ملاعنة بالقذف لا بل الحمل فإن قيل قوله "لعلها أن تجئ به أسود جعدا" يدل على أن الملاعنة بالحمل قلنا: لو كان اللعان بذلك الولد لما اختلف الحكم فيه جاء أسود أو خلافه إذ كان اللعان قد نفاه وليس بعد الشبه منه يحقق أنه ليس منه ولا قرب الشبه به يحقق أنه منه وفيه نظر إذ لا تأثير للشبه في لحوق النسب ولا في سقوطه كان اللعان بالقذف أو بالحمل ومنه ما روي عن ابن عباس أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالي عهد باهلي مذ عفرنا النخل فوجدت مع امرأتي أظنه حملا زوجها مصفر حمش سبط الشعر والذي رميت به إلى السواد جعد قطط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين" ثم لاعن بينهما فجاءت به شبه الذي رميت به لا دليل فيه أيضا على أن اللعان كان بذلك الولد أو بالقذف دونه وكذلك ما روي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وزوجته وكانت حبلى فقال زوجها: والله ما قربتها منذ عفرنا النخل والعفر أن تسقي بعد أن تترك من السقي بعد الابار شهيرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين" فزعموا أن زوج المرأة كان حمش الذراعين والساقين أصهب الشعر وكان الذي رميت به ابن السعماء فجاءت بغلام أسود رجل جعد قطط عبل الذراعين خدل الساقين قال القاسم قال ابن شداد بن الهادي: يا ابن عباس هي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت راجما امرأة بغير بينة لرجمتها"

فقال ابن عباس: لا ولكن تلك امرأة كانت قد أعلنت في الإسلام ليس فيه أيضا ذكر الملاعنة بحمل ولا غيره فهو كما قبله من الأحاديث ومنه عن ابن عباس ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فاتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع امرأته رجلا فقال عاصم ما ابتليت بهذا إلا بقولي فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله آدم كثير اللحم خدلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بين" فوضعت شبها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه"؟ فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام فيه ملاعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذينك الزوجين بعد وضع الحمل فانتفى بذلك أن تكون فيه حجة لمن يوجب اللعان بالحمل وكان القول في الحمل إذا نفى أن لا لعان به حتى يوضع لما يعلم أنه كان محمولا به حين نفى ثم يكون اللعان به بعد ذلك كما قال أبو يوسف ومحمد ومنه ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلا من الأنصار من بني زريق قذف امرأته فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد ذلك أربع مرات على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت آية الملاعنة فقال: "أين السائل إنه قد نزل من الله أمر عظيم؟ ", فأبى الرجل ألا أن يلاعنا وأبت هي إلا أن تدرأ عن نفسها العذاب فتلاعنا فقال رسول الله صلى الله غليه وسلم: "أما هي تجئ به أصفر أحيمش مسبول العظام" فهو للملاعن وأما تجئ به أسود كالجمل الأورق فهو لغيره فجاءت به أسود كالجمل الأورق فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله لعصبة أمه فقال: "لولا الإيمان التي مضت لكان لي فيه كذا وكذا" فهذا الحديث كالذي مضى قبله ليس فيه أنه كان اللعان بالقذف أو بالحمل وفيه جعل المولود

لعصبة أمه وهي قرينة اللعان بالولد فلهذا اختلف فيه عبد الله بن عمر وابن عباس فقال أحدهما كان قبل وضع أمه إياه وقال الآخر كان بعد وضعها إياه وهذا أولى القولين واحتج من أثبت اللعان بنفي الحمل قبل وضعه بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فكما تستحق المبانة النفقة لأن يغتذي به ولده في بطنها كذلك تستحق أن تلاعنه إياه قبل وضعها إذ أنفاه وجوابه أن وجوب النفقة للمبانة ليس لاعتذاء الولد بل للاعتداد ولهذا تجب عند بعض وإن لم تكن حاملا وكان ينبغي أن تسقط النفقة إذا كان الحمل موسر أبان ورث مالا من أخ له مات وأمه حامل به آذلا تجب نفقة على والد في ابن له موسر وإنما المراد بقوله: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} بيان نهاية الإنفاق لا غير ويدل عليه قوله: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} دون فانفقوا على ما هن به حوامل واحتج أيضا بالسنة الثابتة في قضائه صلى الله عليه وسلم في دية شبه العمد بالخلفات التي في بطونها أولادهافلو كان الحمل عير مدرك لما صح القضاء بذلك ولا حجة في ذلك لأن الحكم بناؤه على الظاهر ويحتمل أن لا يكون كذلك لكنه إذا كن حوامل كما ظهر منهن مضي ذلك وإن تبين خلافه يجب ردهن ولامطالبة بحوامل وكذلك بنات آدم لا يمكن تحقيق الأمر فيهن إلا بغلبة الظن وقد يخطئ يؤيده لو حلف إن كانت امراته حاملا فعبده حر وكان الظاهر حملها ثم مات أبو العبد قبل ن تضع لا يحكم له بيمراثه اتفاقا إذ قد لا يكون حمل فلا يعتق فلا يرث وفيما ذكرنا ما ينفي أن تبقى للمحتج حجة فيما ذكر ومخالفه لا يقول بوجوب النفقة للمبانة إلا بسبب العدة مطلقا ولا يقول بوجوب الخلفات في دية شبه العمد فقد ظلمه فيما احتج به عليه من ذلك فلا يلزمه ما ألزمه عليه والصحيح في مسألة نفي الحمل ما روي عن محمد مما وفاقه عليه أبو يوسف وقيل الفرق عند من لا يرى ملاعنة الحامل قبل وضعه ويوجب النفقة قبل وضعه بسبب الحمل أن اللعان إذا مضى لا يقدر على رده والإنفاق يقدر على استرجاعه وروي عن مالك أنه لا يحكم

للمبانة بالنفقة حتى تضع حملها ثم يحكم بنفقة ما مضى وهو على قياس الملاعنة في أنها لا تكون إلا بعد وضعه إلا أنه مخالف لظاهر قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} الآية. ومنه ما روي عن سهل الساعدي أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم ابن عدي فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه به سل يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء عاصم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها فقال عويمر: والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم فجاء وقد أنزل الله تعالى خلاف قول عاصم فقال صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله فيكم قرآنا" فدعاهما فتقدما فتلاعنا ثم قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقها وما أمر بفراقها فجرت سنة في المتلاعنين فقال رسول الله: "إن أمسكتها ففارقها" وما أمر بفراقها فجرت سنة في المتلاعنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا اليتين فلا أحسبه إلا قد صدق" عليها فجاءت به على الأمر المكروه قوله إن جاءت به كذا فكذا وإن جاءت به كذا فكذا يدل على أنه لم يكن منه صلى الله عليه وسلم تحقيق لإثبات نسب بشبهه ولا لنفيه بضده من الشبه وإن ذلك إنما كان على ما يقع في القلوب في مثل هذا المعنى وما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي ذكرناها "إن جاءت به كذا فهو لفلان وإن جاءت به كذا فهو لفلان" يعارضه حديث سهل هذا وهو أولى لأن فيه زيادة حفظها سهل وقصروا عنها وفي ذلك ما يدل على أنه لم يكن فيه إثبات نسب ولا نفيه. ومنه ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين أخوي بني العجلان ثم قال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها" فقال: مهرى الذي دفعته إليها فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كاذبا عليها فهو أبعد لك منه". قال الشافعي في قوله: "لا سبيل لك عليها" دليل على أنه لا يجوز له أن يتزوجها

أبدا وهي مختلف فيها فقال مثل قوله مالك وأبو يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد أنه لا يتزوجها ما كان مقيما على قوله ومتى رجع عنه وأكذب نفسه فحد لذلك جاز له أن يتزوجها ولا حجة في قوله: "لا سبيل لك عليها" لأنه إنما قاله جوابا له في طلبه منها المهر الذي دفعه إليها. قال الطحاوي: وكان سعيد بن جبير الذي عليه مدار الحديث يقول إذا لاعن الرجل امرأته وفرق بينهما ثم أكذب نفسه ردت إليه امرأته ما كانت في العدة ومذهب الشافعي أن تأويل الراوي هو المعتبر كما استدل في الفرقة بعد البيع على مراد النبي صلى الله عليه وسلم بتأويل ابن عمر بأنه كان يفعله وجعل قول ابن عمر فيما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد إن ذلك في الأموال حجة له في ذلك حتى لا يكون حجة عنده إلا في الأموال خاصة وفيه نظر لأن الشافعي قاله في الصحابة وقد احتج بعض من ذهب إلى أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدا بقول الزهري عقيب وسعيد بن جبير تابعي روايته عن سهل حضور ملاعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الزوجين فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا ولا حجة فيه إذ يجوز أنه أراد مادام الملاعن على قذفه ولم يكذب نفسه يدل عليه أنه قد روي عنه أن المتلاعنين لا يتراجعان أبدا إلا أن يذكب نفسه فيجلد الحد ويظهر براءتها فلا جناح عليهما أن يتراجعا وقاله قبله سعيد بن المسيب روى عنه أنه قال: أن الملاعن إذا أكذب نفسه ردت امرأته يريد بتزويج جديد وهو قول إبراهيم أن ضرب بعد ذلك يعني الملاعن فهو خاطب من الخطاب يتزوجها إن شاء وشاءت وما روي عن عمر وابن مسعود أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدا محمول على ما إذا كان باقيا على دعواه ولم يرجع وهذا القول أولى لأن العلة الموجبة لللعان الموجب للفرقة ثبوت الزوج على مقاله بدليل أنه لو رجع عنه قبل اللعان فحد لم تكن فرقة فلذلك إذا رجع بعد اللعان زال حكم اللعان الموجب للفرقة بزوال العلة ووسعهما الاجتماع.

كتاب البيوع

كتاب البيوع مدخل ... كتاب البيوع وفيه ثلاثة وثلاثون حديثا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات" في بعض الروايات "لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه إلا وإن لكل ملك حمى الا وإن حمى الله محارمه" لما جعل الله تعالى بعض الشرائع في كتابه وعلى لسان رسوله بينة لم يختلف أهل العلم فيها وبعضها متشابهة اختلف فيها كان الورع ترك المتشابه فمن المتشابه في الكتاب قوله: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وما أشبه ذلك مما اختلف أهل العلم فيه كالجمع بين الأختين بملك اليمين وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وافطر الحاجم والمحجوم ولا ينبغي للحكام فيما هذا سبيله من الإحكام التوقف عن الحكم فيه بل المفترض إمضاء ما رأوه بعد الاجتهاد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ويرجع المحكوم لهم فيها إلى المعنى الذي كانوا عليه قبل الحكم من التورع عن الدخول فيها والإقدام عليها مثال ذلك قول الرجل لامرأته أنت علي حرام فقالت طائفة: هي ثلاث تطليقات ومنهم من قال أنها يمين وهو مول وقيل أنه ظهار وقيل أنها تطليقة بائنة إلا إذا عنى ثلاثا وقيل أنها رجعية إلا إذا نوى ثلاثا فمن بلى بمثل هذا ممن يرى الحرمة بقول من هذه الأقوال ثم خوصم إلى حاكم لا يرى حرمتها عليه ويرى بقاءها عليه فقضى له بذلك ففيه اختلاف فمنهم من يقول له استعمال ذلك وترك رأيه وهو قول محمد ابن الحسن ومنهم من يقول يأخذ برأيه ويترك ذلك الحكم إذ كان الحكم له لا عليه وهو قول أبي يوسف أيضا وهو أولى القولين بالحق.

في التجار

في التجار روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن التجار هم الفجار" فقيل: يا رسول الله أليس الله قد أحل البيع وحرم الربا؟ قال: "بلى ولكنهم يحلفون ويأثمون ويحلفون فيكذبون" إطلاق القول بأنهم فجار لما كان الغالب عليهم ذلك فلم يكن العموم مرادا والعرب قد تطلق على الجماعة مدحا أو ذما والمراد به بعضهم قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} وقال: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} وخاطبهم صلى الله عليه وسلم على لغتهم يدل عليه ما روي عن قيس بن أبي غرزة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالسوق نبيع ونحن نسمى السماسرة فسمانا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم أحسن مما سمينا به أنفسنا فقال: "يا معشر التجار يخالط بيعكم حلف ولغو فشوبوه بصدقة أو بشيء من صدقة" وبين المقصود بالفجار من التجار في حديث رفاعة بن رافع قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النقيع فقال: "يا معشر التجار" حتى اشرأبوا له1 فقال: "أن التجار يحشرون يوم القيامة فجارا الا من اتقى الله وصدق وبر".

_ 1 في القاموس – اشرأب إليه – مد عنقه لينظر.

في المكيال والميزان

في المكيال والميزان روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة" ومكة أرض متجر ليس فيها زرع ولا ثمر تباع الأمتعة فيها بالأثمان ألا ترى إلى قول إبراهيم بواد غير ذي زرع بخلاف المدينة فإنها دار نخل وزرع فكانت جل تجارتهم في المكيل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمصار كلها إتباعا لهذين المصرين فيما يحتاجون إليه من الكيل والوزن ولما كانت السنة منعت من إسلام الموزون في الموزون والمكيل في المكيل وأجازت عكسهما ومنعت من بيع الموزون بالموزون إلا مثلا بمثل كان الأصل في الموزون ما كان يوزن حينئذ بمكة وفي المكيل ما كان يكال حينئذ بالمدينة لا يتغير عن ذلك بمغير ومن هذا أخذ أبو حنيفة أن ما لزمه اسم مختوم أو اسم قفيز أو مكوك أو مدا وصاع فهو كيلي تجري فيه أحكام الكيل في جميع ما وصفنا وما لزمه اسم الرطل والوقية فهو وزني كذلك.

في اقتضاء النقدين

في اقتضاء النقدين عن ابن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجرة حفصة فقلت: يا رسول الله رويدك اسئلك, أني أبيع الإبل بالنقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ذلك من صرف يومكما وافترقتما وليس بينكما شيء فلا بأس به" وقال بعض الرواة: "لا بأس إذا أخذت بسعر يومك" قوله: "بصرف يومكما أو بسعر يومكما" ليس بشرط في صحة البيع يعني المصارفة وإنما أمر بها لهضم صاحبه في ذلك إذ لا خلاف أن البيع يجوز بسعر يومهما وبأكثر وبأقل فالأمر ندب لا وجوب.

في ما يدخل فيه الربا

في ما يدخل فيه الربا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل تمر خيبر هكذا؟ " فقال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوه فلا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وقال في الميزان مثل ذلك ففيه رد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الميزان في دخول الربا في الأشياء الموزونة كدخولها في الأكيال ولم يقصد في ذلك إلى مأكول ومشروب دون ما سواهما مما لا يؤكل ولا يشرب فكان ظاهر ذلك يوجب صحة قول من قال لا يجوز بيع الحديد بالحديد إلا مثلا بمثل وزنا بوزن لأنها موزونة كالذهب والفضة في دخول الربا إياهما وكالمكيلات من التمر والحنطة والشعير في دخول الربا

إياهما كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه بخلاف من قال أن ذلك يقتصر على المطعوم وهم أهل المدينة محتجين بقول سعيد بن المسيب لا ربا إلا في ذهب أو فضة أو فيما يكال وبوزن مما يؤكل أو يشرب ومخالفه ترك قوله معتمدا على قول عمار بن ياسر لأن قوله أعلى من قول سعيد وهو قوله العبد خير من العبدين والأمة خير من الأمتين والبعير خير من البعيرين الثور خير من الثورين فما كان يدا بيد فلا بأس به إنما الربا في النسئ إلا فيما كيل أو وزن ولما كان أوكد الأشياء في دخول الربا عليها الذهب والفضة وليسا بمأكولين وليسا بمشروبين عقلنا بذلك أن العلة التي بها دخول الربا هي الوزن فيما يوزن والكيل فيما يكال مطعوما ما كان أو لم يكن ومنه ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فهو ربا إلا ما اختلف ألوانه" يعني أنواعه من الأجناس المختلفات لأنه لا خلاف أن الأسود من التمر وغيره منه جنس واحد لا يباع باللون لآخر منه إلا مماثلة دل عليه قول ابن عمر ما اختلفت ألوانه من الطعام فلا بأس به يدا بيد التمر بالبر والزبيب بالشعير وكرهه نسيئة وعلى ذلك كلام الناس جاء فلان بألوان من الطعام يعني بأنواع منه وكلمنا فلان بألوان من الكلام أي بأنواع منه.

في بيع الرطب بالتمر

في بيع الرطب بالتمر روي عن مالك بن أنس وأسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعدا عن السلت بالبيضاء فقال سعد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئل عن الرطب بالتمر فقال: "أينقص الرطب إذا جف؟ " فقالوا: نعم, قال: "فلا إذا" وكرهه لم يختلف على مالك في هذا الحديث إلا ما قاله أحد الرواة عنه في أبي عياش أنه مولى سعد بن أبي وقاص وأما أسامة بن زيد فاختلف عنه فروي عنه عن عبد الله بن يزيد عن أبي

سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه أسامة عن عبد الله بن يزيد عن أبي عياش الزرقي عن سعد وهذا محال لأن أبا عياش الزرقي من جلة الأصحاب لم يدركه عبد الله بن يزيد وإنما يروى عن أبي سلمة وأمثاله وقد روي أيضا عن عبد الله بن يزيد عن زيد مولى عياش عن سعد بن مالك وزيد مولى عياش هذا لا يعرف وقد روى أيضا عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وقد روى أيضا عن مولى لبني مخزوم أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب بالتمر إلى أجل فقال سعد: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فبان فساد هذا الحديث في إسناده ومتنه وأنه لا حجة على من خالفه من أبي حنيفة ومن تابعه على خلافه فيه وكان القياس أيضا يوجبه لأن السنة قد أجازت بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل ولم ينظر إلى حالة الجفاف فكذلك الرطب بالتمر لا ينظر إلى حالة الجفاف من النقصان عن التمر المبيع به وأجازت السنة بيع التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير مثلا بمثل وهذه الأشياء مما تتغير بالجفاف والنقصان أيضا فلم ينظر إلى ذلك وينظر إلى أحوالها التي تكون عليها يوم البيع فمثله الرطب بالتمر مع أن في فساد الأصل الذي تعلق به من ذهب إليه ما يقطع حجتهم به ولكنا وكدناه بما ذكرنا من القياس.

في بيع قلادة فيها ذهب

في بيع قلادة فيها ذهب عن فضالة بن عبيد قال اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز بإثنى عشر دينارا ففصلتها فإذا الذهب أكثر من إثنى عشر دينار أفذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تباع حتى تفصل" محمل النهي عدم العلم بمقدار الذهب التي فيها قبل التفصيل فلو كان معلوما قبل التفصيل ينبغي أن يجوز وفي الحديث ما يدل عليه وهو أن القلادة كانت من المغانم وهي إنما تقسم بين أهلها على ما يجوز عليه لأعلى ما لا يجوز والحديث مضطرب فيه فروى

عن فضالة قال: أصبت يوم خيبر قلادة فيها ذهب وخرز فأردت أن أبيعها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "افصل بعضها من بعض ثم بعها كيف شئت". وروي عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بسبع أو تسع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "لا حتى تميز ما بينهما" فقال: إنما أردت الحجارة فقال: "لا حتى تميز ما بينهما" فرده وروى عنه أنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" وهذا الحديث ليس مما قبله من الأحاديث في شيء لأن التي قبله في بعضها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تباع حتى تفصل وفي بعضها أنه رد البيع بعد وقوعه مع ما في جميعها من الدليل على جواز القسمة التي حكمها حكم البيع من غير تفصيل والذي في هذا الحديث تفصيل من غير بيع تقدم فيها وإعلام بأن الذهب وزنا بوزن وقد روي عن حنش أنه قال كنا مع فضالة في غزوة فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها فقام فضالة فقال: انزع ذهبها فاجعله في الكفة واجعل ذهبا في الكفة ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل فإني سمعت رسو الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل فذكر عن فضالة ما هو مذكور فيما قبله من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما وقع فيه اضطراب كان المعنى المقصود منه هو ما اختلف فيه العلماء من بيع الذهب وغيره في صفقة واحدة فقال طائفة منهم إن كان ذلك الذهب الثمن أكثر من الذهب الذي في القلادة صح البيع وكان الذهب بمثله والزائد بمقابلة الخرز والورق وإن كان الذهب الثمن مثل ما في القلادة أو أقل أو لا يدري ما وزنه فالبيع فاسد وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وطائفة منهم تقول لا يجوز ذلك

البيع أصلا لأن الذهب الثمن يكون مقسوما على الذهب والخرز اللذين في القلادة على قدر قيمتهما فيكون الذهب المبيع في تلك الصفقة مبيعا بما أصابه على قسمة الثمن من الذهب المبتاع به فلا يجوز وممن يقول به الشافعي وجعل أهل هذا القول الذهب والشيء المبيع معه كالعرضين اللذين من غير الذهب إذا بيعا بذهب صفقة واحدة أنه يكون كل واحد منهما مبيعا بما أصابه من القسمة على قيمته وعلى قيمة الشيء المبيع معه وكان الآخرون يذهبون إلى أن القسمة على القيم لا تستعمل في هذا وإنما تستعمل في غير الذهب المبيعة بالذهب وفي غير الفضة المبيعة بالفضة في غير الأشياء الميكلات المبيعات بأجناسها وفي غير الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها فيستعمولن في ذلك الأمثال المستعملة فيها ولا يستعملون في ذلك القيم التي ذكرنا محتجين في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما دلهم على ذلك من تحريم التفاضل في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر والملح بالملح وخرج الآثار بذلك بأسانيدها ففي هذه الآثار إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل وقد يكون الذهب بتفاضل فيكون دينار أن أحدهما أعلى من الآخر يباعان بدينارين مستويين فظاهر آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا تطلق ذلك لأن ذلك لو كان مما يختلف لاختلاف الدينارين ليس ذلك للناس حتى يعلموا أنه أراد بما أطلق غيرهما ولا سبيل لأحد أن يأتي إلى ما أجمله رسول الله صلى اله عليه وسلم بحكم واحد فيستعمل فيه تفريق الأحكام وضرب الأمثل وكذلك التمر فقد أباح بعضه ببعض مثلا بمثل يدا بيد ولم يخالف في ذلك بين تمرين متفاضلين بيعا بتمر مساو وقد وجدنا التمر في نفسه موجودا فيه ولا تمنع منه السنة لتباينه في اسقاط نفسه ولاختلافه في قيمته كان ذلك لا يراعى بقسمة الثمن عليه إذا يع بجنسه وكان البيع فيه جائزا دل ذلك

أنه قد خولف في ذلك بين الأشياء المكيلات وبين الأشياء الموزونات المبيعات بأمثالها فلم تستعمل فيها القيم واستعمل فيها التساوي فيما هي عليه من كيل أو وزن فأجيز مع ذلك وأبطل إذا كان خلاف ذلك وقد روي عن ابن عباس قال: بيع التمر في رؤس النخل إذا كان فيه غيره دراهم أو دنانير لا بأس به ووجه ذلك أنه جعل التمر المبيع في رؤس النخل مبيعا بمثله من التمر الذي بيع به ولو راعى في ذلك استعمال قسمة الثمن على القيم لما جوز هذا البيع وفي تجويزه إياه ما قد دل على أنه لم يستعمل قسمة الثمن على القيم كما يستعملها في بيع العرضين اللذين بخلاف ذلك وإذا كان كذلك فيما ذكرنا كان مثله في المذهبين المتفاضلين المبيعين بذهب مساو لا يراعي فيه قسمة الثمن على القيم ولكن يراعى فيه التساوي في الوزن لا ما سواه. لا يقال ما ذكر عن ابن عباس مستحيل لأنه يجيز الفاضل بين الفضتين يد أبيد محتجا بما روي عن أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة" لأنا نقول أن ابن عباس أرأيت الذي تقول الدينار أن بالدينار والد رهمان بالدرهم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نعم قال: أني لم اسمع هذا إنما أخبرنيه أسامة قال أبو سعيد نزع عنه ابن عباس. فإن قلت: كيف ساغ لابن عباس ترك ما حدثه أسامة وموضعه من الإسلام موضعه إلى ما حدثه غيره مما يجوز أن يكون ما حدثه أسامة ناسخا له؟ قلت: الربا الذي حرمه القرآن وجاء فيه الوعيد عليه هو الربا في النسيئة وهو ما كانوا يبتاعون من الآجال في الأموال بالأموال وكان ذلك ربا النسيئة في الميكلات والموزونات فوقف ابن عباس على أن الذي حدثه أبو سعيد كان في ربا غير ربا النسيئة بل في الربا الفضل فسار إليه وترك ما كان عليه قبل ذلك.

في الربا مع أهل الحرب

في الربا مع أهل الحرب روى عن أنس بن مالك أن الحجاج بن علاط السملي قال: يا رسول الله إن لي بمكة أهلا ومالا وقد أردت إتيانهم فإن أذنت لي أن أقول فيك فعلت فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء: فلما قدم مكة قال لامرأته: إن أصحاب محمد قد استبيحوا وإنما جئت لآخذ ما لي فأشتري من غنائهم وفشا ذلك في أهل مكة فبلغ ذلك العباس يعني ابن عبد المطلب بعرفة فاختفى من كان فيها من المسلمين وأظهر المشركون الفرح بذلك فكان العباس لا يمر بمجلس من مجالسهم إلا قالوا: أيا أبا الفضل لا يسؤك الله قال: فبعث غلاما له إلى الحجاج بن علاط فقال: ويلك وما الذي جئت به فالذي وعد الله ورسوله خير مما جئت به, فقال الحجاج لغلام: هـ اقرأ على أبي الفضل السلام وقل له ليخل بي في بعض بيوته فإن الخبر ما يسره فلما أتاه الغلام فأخبره به قام إليه فقبل ما بين عينيه وأعتقه ثم أتاه الحجاج وقال له: أن الله عزو جل قد فتح لرسوله خيبر وجرت فيها سهام المسلمين واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وإني استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فيه ما شئت وإن لي بمكة ما لا آخذه فاذن لي أن أقول فيه ما شئت فاكتم علي ثلاثا ثم قل ما بدالك ثم أتى الحجاج أهله فأخذ ماله ثم انشمر إلى المدينة قال: ثم أن العباس أتى منزل الحجاج إلى امرأته فكان العباس يمر بمجالس قريش فيقولون له يا أبا الفضل لا يسوءك الله فيقول لا يسؤني الله قد فتح الله على رسوله خيبر وجرت فيها سهام المسلمين واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه أخبرني الحجاج بذلك وسألني أن أكتم عليه ثلاثا حتى يأخذ ما له عند أهله قال ثم أتى امرأته فقال لها إن كان لك إلى زوجك حاجة فألحقي به وأخبرها بالذي أخبره به الحجاج بفتح خيبر فقالت امرأته أظنك صادقا قال فرجع ما كان بالمسلمين من كآبة على المشركين وظهر من كان اختفى من المسلمين من المواضع التي كانوا فيها ففيه أن العباس كان مسلما يومئذ لا قراره بالرسالة فيه للنبي صلى الله عليه

وسلم وكان الربا يومئذ حراما بدليل حديث فضالة الذي تقدم بخيبر مع بقاء العباس يمكة إلى الفتح يعمل بالربا دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة في حجة الوداع "وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب" فعلم إن الربا بين المسلمين والمشركين في دار الحرب جائز على ما يقوله أبو حنيفة والثوري وإبراهيم النخعي قبلهما لأن قوله صلى الله عليه وسلم "ربا الجاهلية موضوع" دليل على أنه كان قائما إلى أن ذهبت الجاهلية بفتح مكة وقوله: "وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب" قد دل على أن ربا كان قائما إلى ذلك الوقت أعني وقت فتح مكة لأنه لا يضع إلا ما كان قائما لا ما قد كان سقط وقد كان أسلم قبل ذلك على ما دل عليه حديث الحجاج أنه كان مسلما حين فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة وفتح مكة في السنة الثامنة منها وحجة الوداع في التاسعة منها وهذا استدلال صحيح لأن العباس أسلم قبل الفتح بمدة فلو كان الربا حراما عليه بمكة لأمر بالرد إلى أربابها قال تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} الآية ويؤيده ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قس في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام لأن فيه ما يوجب أن القسمة بمكة لميراث لو وقعت تمضي على حكم الجاهلية وإن كانت مخالفة لقسم الإسلام فكذلك حكم الربا الذي كان بين المشركين والمسلمين جائزا عندهم غير جائز عند المسلمين ومما يدل على أن حكم الربا لم يتعد إلى دار الحرب أنه لو تعدى إليها لوجب أن يكون موضوعا على كل حال كان أصله قبل تحريم الربا أو بعده كما يكون موضوعا في دار الإسلام كان أصله قبل تحريم الربا أو بعده لأنه وإن كان أصله قبل تحريم الربا بطل بتحريمه وإن كان بعده فهو أبطل فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضعه يوم الفتح دل على أنه لم يكن موضوعا قبل وإن التحريم لم يلحقه ولا تعدى إليه. فإن قيل قد أخذ الفداء من عباس يوم بدر فكيف كان مسلما قلنا

إن يوم بدر قبل يوم خيبر وإنما أسلم بعده ومما يدل عليه حديث أنس عن الحجاج بن علاط وحكى محمد بن إسحاق أن العباس اعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أمره أن يفدي نفسه بأنه كان مسلما وأنه إنما خرج لقتاله مكرها فقال صلى الله عليه وسلم: " أما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك" ففدى نفسه وبقي بعد ذلك بمكة فعلى هذا يكون مسلما قبل بدر وعلى حديث الحجاج تقدم إسلامه خيبر وكلا القولين يوجب إقامته بمكة وهي دار حرب مسلما وله بها ربا قائم وهو محرم بين المسلمين في دار الهجرة.

في الوضيعة على تعجيل الحق

في الوضيعة على تعجيل الحق روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير جاءه أناس منهم فقالوا: يا نبي الله أنك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضعوا وتجلوا" بنو النضير هم إشراف اليهود وكانوا ينزلون المدينة ونساء الأنصار في الجاهلية إذا أردن تهويد أبنائهم هودنهم فيهم كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قال: كانت المرأة تحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الانصار فقالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا فأنزل الله {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية يعني فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام وهم خلاف يهود خيبر الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملهم عليها بشطر ما يخرج نخلها وأرضها وأقاموا على ذلك حتى أجلاهم عمر. فاختلف أهل العلم في إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع بعض الديون الآجلة وتعجيل بعضها فعند ابن عباس وزفر وأحد قولي الشافعي جاز ذلك وكرهه بعضهم منهم عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأبي يوسف ومحمد لأنه يجوز أن يكون ذلك قبل تحريم الربا فلما حرم الربا حرمت أسبابه ثم الوضع إن كان بشرط التعجيل فواضح أنه كالربا المحرم إذ في الجاهلية كان من عليه الدين العاجل يدفع إلى رب الدين من ماله على أن يؤخره إلى أجل يذكرونه فمثل ذلك في المعنى وضع البعض لتعجيل الباقي وإن لم يكن التعجيل مشروطا ولكنه على وضع مرجوله التعجيل فهو مكروه غير محكوم بإبطاله كما يكره القرض الذي يجر منفعة ولا يحكم بإبطاله.

في النهي عن الثنيا وبيع الغرر والحصا

في النهي عن الثنيا وبيع الغرر والحصا وروى أبو الزبير وسعيد بنمينا عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة" قال أحدهما: والمعاومة وقال الآخر: عن السنين ونهى عن الثنيا قال: ورخص في العرايا معنى النهي عن بيع الثنيا يريد الثنيا المجهولة بدليل ما روي عن عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثنيا حتى يعلم وروي عن أبي هريرة قال نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة بيع الحصاة كان من بيوع الجاهلية التي يتعاقدونها فكان أحدهم إذا أراد يملك ثوب صاحبه بعوض ألقى عليه حصاة أو حجرا فاستحقه بذلك عليه ولم يستطع رب الثوب منعه من ذلك فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع إلى اختيار المتبايعين عند نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} فرد الأمر إلى رضا أصحابها في بيعها وإمساكها وإن خلافه أكل المال بالباطل.

في بيع الطعام قبل قبضه

في بيع الطعام قبل قبضه روي عن عبد الله بن عمر قال رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافا أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم ما حولوه إليه من الأماكن رحال للذين حولوه إليها يبين ذلك ما روي عنه أنه قال: كنا نتلقى الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشتري منهم الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوه حتى تستوفوه وتنقلوه" وما روي عنه أنه قال: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام جزافا فنهانا رسول الله

صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى نحوله من مكانه وننقله وماروي عنه أنه قال: كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى يبلغوه حيث يبيعون الطعام قد يحتمل أن يكون المواضع التي كانوا يحولونها إليها مواطن لبيع الطعام يبين ذلك ما روي عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث رجالا يمنعون أصحاب الطعام أن يبيعوه حيث يشترونه حتى ينقلوه إلى مكان آخر وما روي عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تشتري حتى يجوزها الذي اشتراها إلى رحله وإن كان ليبعث رجالا فيضربوننا على ذلك. وروي عن ابن عمر ما ظاهره خلاف هذا وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" أي حتى يستوفى كيله إن كان مكيلا أو وزنه إن كان موزونا أو عدده إن كان معدودا وهو في ذلك محول له من موضع إلى موضع مثل ما اشترى جزافا أريد فيه تحويله من موضع إلى موضع حتى يحل بيعه بعد ذلك فليس بخلاف لما تقدم وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ابتعت زيتا بالسوق فقام إلي رجل فأربحني حتى رضيت فلما أخذت بيده لأضرب عليها أخذ بذراعي رجل من خلفي وأمسك بيدي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حتى تحوزه إلى بيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبتاع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم وثبت بتصحيح هذه الآثار أن لا يباع ما ابتيع مجازفة حتى يحول من المكان الذي ابتيع فيه إلى مكان سواه وهكذا كان الشافعي يذهب إليه في هذا المعنى وفيما ذكرنا من ذلك ما قد دل على أن ما لا يحتمل النقل من مكان إلى مكان كالدور والأرضين يجوز بعيها بعد ابتياعها بغير قبض لها لأنها لا يتهيأ فيها المعنى الذي يتهيأ في غيرها من النقل الذي يقوم مقام الكيل فيما يكال وهكذا كان مذهب أبي حنيفة في الدور والأرضين المبتاعة قبل قبضها من باعتها

ويحتمل أن يكون ابن عمر إما أراد أن يبيع الزيت قبل ان يحوزه بالربح الذي أربح فيه لأنه تأول أن الزيت ليس من الطعام إذ حكمه حكم الائتدام به لا الأكل له وكان مذهبه إجازة بيع ما اشتري قبل قبضه من غير الطعام فلم ير ببيعه لذلك قبل قبضه إياه بأسا حتي حدثه زيد بن ثابت بما حدثه به فعلم أنه كالطعام المأكول المشترى لا كالأشياء المبيعة سوى ذلك فانتهى إلى ما حدثه زيد فيه. ومنه ما روي عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان لم نجد في هذا سوى أن من ابتاع طعاما كيلا لم يحل له ذلك البيع حتى يكتاله على بائعه منه وقد كان البائع له منه إذ اشتراه قد اكتاله على من باعه منه قبل بيعه إياه هذا البيع الثاني فيكون البيع لا يحل لهذا المبتاع الثاني فيما ابتاعه من البائع الذي كان قد ابتاعه أيضا كيلا إلا بعد أن يتقدمه الاكتيالان جميعا وذكر ذلك بالصاع الذي يكال به الطعام وخرج الحديث على من باع طعاما كيلا قد ابتاعه كيلا لأنهم كانوا تجارا يشترون ويبيعون فيكون للمبتاع الأول إذا كاله على المبتاع الثاني ما كان بين الكيلين من الزيادة والنقصان وفي ذلك ما يدل على أن ما يجر بين الناس مما يستعملون فيه الكيل قد يقع بينهم فيه الاختلاف فيزيد بعضهم فيه على بعض وينقص منه عما كان غيرهم يتجاوز فيه وإن كان ذلك لا يمنع من استعماله إذ كان رأيا كما يستعمل الآراء في الحوادث من أمور الدين مما لا توقيف فيها ولا يمنع من ذلك وقوع الاختلاف بين أهلها وما قيل تثنية الصاع في قوله حتى يجري فيه الصاعان من باب التأكيد والمراد به النهي عن بيع الطعام المشتري كيلا قبل أن يستوفى بالكيل الذي يدل عليه جرى الصاع فيه مثله في قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} وفي قول الحجاج يا حرسي أضربا عنقه تأويل فاسد لأنه روى مفسرا بصاع البائع وصاع المشتري قوله فيكون لصاحبه ازيادة وعله النقصان لأنه إذا ابتاع الطعام فكاله قبل أن يبيعه كان له زيادة الكيل ونقصانه أن باعه كيلا فاكتاله المبتاع عليه ولو اشترى

مكيلا كيلا فباعه قبل أن يكتاله لاستوفاه الذي ابتاعه منه من البائع الأول ولم تكن له في ذلك زيادة ولا عليه فيه نقصان وهو المعنى المنهي عنه في الحديث.

في البيع والشرط

في البيع والشرط عن جابر بن عبد الله قال: أتى علي نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بعير أعجف فأخذ بخطامه وبيده عود فنخسه ودعا أو قال: دعا ونخسه وقال: "اركبه" فركبته فكنت أحبسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسمع حديثه فأتى علي فقال: "أتبيعني جملك يا جابر؟ " قلت: نعم يا رسول الله ولي ظهره قال: "ولك ظهره" فاشتراه مني بخمس أواق فلما قدمت المدينة أتيته فأعطاني الأواقي وزادني وذكر في بعضها قال فبعته منه بأوقية واستثنيت حملانه حتى أقدم أهلي فلما قدمت أتيته بالبعير فأمر لي بالأوقية وقال انطلق ببعيرك وفي بعضها فبعته إياه بسبع أواق أو تسع أواق ولى ظهره حتى أقدم فلما قدمت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبير فدفعته إليه فنقدني فلما خرجت إذا رسوله قد دعاني من خلفي فقلت في نفسي أراد أن أقيله فلما دخلت عليه قال: "أظننت أني استقيلك" ثم قال: "لك البعير انطلق به" وفي بعضها كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا؟ " فقلت: جابر فقال: "مالك؟ " فقلت: إني على حمل ثقال فقال: "معك قضيب؟ " قلت: نعم يا رسول الله قال: "أعطنيه" فأعطيته فضربه ونخسه وزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال: "أتبيعنيه؟ " قلت: هو لك يا رسول الله, قال: "بل بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره حتى تأتي المدينة" احتج بعض بهذه الآثار على صحة البيع على مثل هذا الشرط وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: "يا جابر تبيعني ناضحك هذا إذا قدمنا المدينة بدينار والله يغفر لك" قلت: يا رسول الله إذا قدمنا المدينة فهو ناضحك, قال: "فبعنيه بدينارين والله يغفر لك" فمازال يزيدني ويقول مع كل دينار والله يغفر لك حتى بلغ عشرين دينارا فلما بلغنا المدينة جئت بالناضح أقوده إلى رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقلت هذا ناضحك يا رسول الله فقال يا بلال أعطه عشرين دينارا. وروي عنه أيضا قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث إلى قوله: "بعنى جملك هذا" قلت: لا بل هو لك قال: "بل بعنيه" قلت: لا بل هو لك يا رسول الله, قال: "بل بعنيه" قلت: فإن لرجل علي وقية من ذهب فهو لك بها قال: "قد أخذته" قال: "فتبلغ عليه إلى المدينة" فلما قدمت المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: "أعطه أوقية من ذهب وزده" فأعطاني أوقية من ذهب وزادني قيراطا قلت: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا قال: فكان في كيس لي فأخذه أهل الشام يوم الحرة ففي هذين الحديثين غير ما في الأحاديث الأول لأن في الأول منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر: "أتبيعني ناضحك هذا إذا قدمنا المدينة". وفي الثاني مهما ابتاعه منه بلا شرط وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له بعد البيع: "تبلغ عليه إلى المدينة" تفضلا منه عليه وليس رواتهما بدون رواة الحديث الأول في المقدار في العلم ولا في الضبط وإذا تكافأت الروايات في ذلك ارتفعت ولم يكن بعضها أولى من بعض وسقط في هذا الحديث الاحتجاج بجواز البيع بالشرط ووافق ما حكينا عن عمرو ابن مسعود وابن عمرو زينب امرأة ابن مسعود في النهي عن البيع بالشرط فيه ما ليس منه وقد وافق ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن بيع وسلف وعن شرطين في بيعة فدل ذلك على أن هذه الأشياء التي ليست من البياعات إذا كانت فيها أفسدتها.

في الصفقة تجمع حلالا وحراما

في الصفقة تجمع حلالا وحراما روي عن سليمان بن أبي مسلم الخولاني قال: سألت أبا المنهال عن الصرف فقال: اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد وشيئا بنسيئة فذكرنا ذلك للبراء بن عازب فقال: فعلته أنا وشريكي زيد بن أرقم فذكرنا ذلك لرسول الله

صلى الله عليه وسلم فقال: "ما كان يدا بيد فخذوه وما كان بنسيئة فردوه". هذا الحديث يحتج به في مسئلة فقهية مختلف فيها وهي أن الصفقة إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز بيعه هل يجوز من ذلك ما يجوز ويبطل ما لا يجوز أو يبطلان جميعا ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكشف سائليه المذكورين فيه عن ذينك الشيئين اللذين سألاه عنهما فأجاز البيع في أحدهما ولم يجزه في الآخر هل كان شراؤهما في صفقة واحدة أوفى صفقتين مختلفتين فعقلنا بذلك أن الحكم في ذلك سواء وإن الشراء يجوز فيما كان من ذلك يدا بيد ويبطل فيما كان نسيئة ولا يعطى لكل واحد حكم الشيء الآخر المضموم معه في الصفقة إذ لو افترق الحكم في ذلك لسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وقع البيع حتى يكون جوابه على ما يخبرانه به من ذلك وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وعبد الرحمن بن القاسم فيما أجاب أسد بن الفرات عن قول مالك خلافا للشافعي فإنه أبطلهما ببطلان أحدهما1 ولما نظرنا فيه رأينا البيع قد يقع على شقص من دار تجب فيه الشفعة للشريك فيها وعلى ما وساه من عرض وعبد ثم الشفعة تجب في الشقص بحصته من الثمن ولا تجب فيما سواه من العرض المضموم إليه ويعود ما سواه بيعا بالحصة مع أنه لا يجوز استئناف البيع عليه بذلك فعقلنا أن كل واحد من العرض والشقص اللذين جمعتهما الصفقة مضمن حكم نفسه لا حكم صاحبه وكذلك رأيناهم في العرضين إذا بيعا صفقة واحدة بثمن واحد فهلكا في يد البائع قبل القبض أن البيع ينتقض في ذلك كصبرتين أحدهما حنطة والأخرى شعير وقع البيع عليهما بكيل مشروط في كل واحدة منهما ولو ضاعت إحداهما في يد بائعها قبل القبض تضيع بحصتها من الثمن وتبقى الأخرى مبيعة بحصتها من الثمن وهذا مما لا يجوز استئناف البيع وحده كذلك عقلنا بذلك أن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفين أن لكل واحد منهما فيها حكمه لو كان مبيعا وحده دون صاحبه فدل هذا على صحة ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه.

_ 1 للشافعي قول آخر بالصحة في التصحيح والبطلان في الباطل وهو الراجح في مذهنبه – ح.

في الزيادة عند القضاء

في الزيادة عند القضاء روي عن طارق المحاربي قال: لما ظهر الإسلام خرجنا في ركب ومعنا ظعينة لنا حتى نزلنا قريبا من المدينة فبينا نحن قعود إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم ثم قال: من أين أتى القوم؟ قلنا: من الربذة ومعنا جمل أحمر فقال: أتبيعوني الجمل قلنا: نعم, قال: فبكم؟ قلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر فأخذه ولم يستنقصنا شيئا قال: قد أخذته فأخذ برأس الجمل حتى توارى بحيطان المدينة فتلاومنا فيما بيننا قلنا: أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه؟ فقالت الظعينة: لا تلاوموا لقد رأيت وجه رجل ما كان ليخفركم ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم أنا رسول الله إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا وأن تكتالوا حتى تستوفوا فأكلنا حتى شبعنا واكتلنا حتى استوفينا. وفيما روى أن زيد بن سعنة وكان من أحبار اليهود أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فحبذ ثوبه عن منكبه الأيمن ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل وإني بكم لعارف فانتهره عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك أن تأمرني بحسن القضاء وتأمره بحسن التقاضي انطلق يا عمر إلى حائط بني فلان فأنوفه حقه" أما أنه قد بقي من أجله ثلاثة أيام فزده ثلاثين صاعا لتداريك عليه قد قال قائل كيف يقبل هذا وقد روى عنه نهيه أن يؤكل بالأشياء منها أن يؤكل بالقرآن كما روي عن عبد الرحمن ابن سهل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" وما روي عن عبادة بن نسي عن عبادة بن الصامت قال: كنت أعلم ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلى

رجل منهم فرسا على أن أقلها في سبيل الله فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أردت أن يطوقك الله بها طوقا من نار فأقبلها" فإذا كان حراما أن يأكل بالقرآن كان حراما أن يأكل بما له لما فيه من شبهة الربا قيل له يحتمل أن يكون ذلك قبل تحريم الربا ثم حرم الربا ثم حرم الربا فحرمت أسبابه يدل عليه ما روي عن سعيد بن أبي بردة1 قال بعثني أبي إلى المدينة إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتعلم2 فقال مرحبا بابن أخي فقلت له: إنما مشيت معك لتعلمني شيئا فقال: ما أنا بمعلمك شيئا حتى تنطلق معي إلى البيت فانطلقت معه فقرب لي سويقا وتمرا فأكلت ثم قال: يا ابن أخي أنك بأرض الربا بها كثير غامض فإذا أسلفت رجلا من أهل الذمة ورقا إلى أجل فأتاك بها وأتاك معها بحملة من قت أو علف فلا تسمها فإن ذلك من أعظم أبواب الربا. وروي عن أبي بن كعب أنه استسلف من عمر عشرة آلاف فأهدى له من ثمرة أرضه فردها فأتاه أبي فقال أترد على ثمرتي وقد علمت أني من أطيب أهل المدينة ثمرة لا حاجة لنا فيما رد علينا هديتنا فأعطاه العشرة آلاف زاد بعض الرواة وقبل عمر الهدبة لما رد عليه أبي المال. وروي عن أبي بن كعب قال إذا أقرضت قرضا فجاءك صاحبك بقرضك يحمله ومعه هدية فخذ منه قرضك واردد عليه هديته وعن أنس قال: إذا أقرضت رجلا قرضا فلا تركب دابته ولا تقبل هديته إلا أن يكون قد جرت بينك وبينه مخالطة قبل ومهاداة أبي لعمر من هذا لأنه كان بينهما مخالطة وكان لعبد الله بن عمر صديق يسلفه وكان يهدي له لا لأجل القرض بل كان له به مخالطة من قبل وفيما ذكرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل

_ 1 سقط من هنا شئ فإن الحديث في صحيح البخاري وغيره من رواية سعيد بن أبي بردة عن أبيه. 2 سقط من هنا شئ أيضا وفي الصحيح أن أبا بردة لقي عبد الله بن سلام هو القائل "مرحبا ... ".

على أن الأشياء المأخوذة بأسباب غيرها ترجع إلى ما أخذت بأسبابه في كراهيتها حتى تكون كالمعقودة عليه وسيأتي بعد هذا إيضاحه.

في ما يهدي إلى العمال

في ما يهدي إلى العمال عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل ابن اللتبية على صدقات بني سليم وأنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما حاسبه قال: هذا لكم وهذه هدية أهديت إلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "ألا جلست في بيت أبيك أو أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا" ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله عز وجل يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تثغو" ثم رفع يديه حتى أني لأنظر إلى بياض ما تحت منكبيه ثم قال: "ألا هل بلغت؟ " مرتين. قال أبو حميد بصرت عيناي وسمعت إذ ناي سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم وخرجه من طرق كثيرة بمعنى واحد فيه ما قد دل على أن الكسب بالولاية من الهدايا وما أشبهها واجب على الوالي أن يرده إلى المال الذي ولى عليه وأهدى له ما أهدى له لولايته عليه وقد كان أبو يوسف ومحمد اختلفا فكان أبو يوسف يقول ما أهدى أهل الحرب إلى إمام المسلمين كان له خاصة وقال محمد يرده إلى فيء المسلمين ويخرج خمسه ويرد بقيته إلى المال الذي أهدي له من أجله وهذا أولى القولين نظرا إلى الحديث وعن علي أنه كان يفعل ذلك فيما أهدى إليه وهو متول من أمور المسلمين ما كان يتولاه وروي أن عظيما من عظمائه بعث إليه بأترج كثير فبعث إلى رجال فقوموه قالت أم كلثوم لقد رأيت بعض صبياننا أتاه فأخذا ترجة فذهب لينزعها منه فبكى فأراد أن يأخذها فأبى فانتزعها منه وتركه يبكى حتى قومها ثم أعطاه

إياها وذلك لأن مهديها قصد بها الوصول إلى حلفه رجاء أن يقره بمكانه بخلاف ما أهدى أبي بن كعب لعمر فقبله منه لما رد الدين ليه بعد أن كان رده عليه قبل ذلك للدين الذي كان عليه ما إذا قصد المهدي ترك المطالبة من المهدي إليه بالدين الذي له عليه كان داخلا في أبواب الربا التي يقع فيها فاعلوها من حيث لا يعلمون وقد روي عن خالد بن مسعود قال أهدي رأس الجالوت إلى أبي مسعود مائة ألف درهم فلما جاء أبو مسعود قالت امرأته: يا بردها على الكبد قال: وما ذاك؟ قالت: رأس الجالوت أهدي لبناتي فقال أبو مسعود: يا حرها على الكبد فذكر ذلك لعلي وأخبره بما قالت امرأته: فقال علي: فما قلت؟ قال: قلت: يا حرها على الكبد قال: أجل والله يا حرها على الكبد متى كان رأس الجالوت يهدي لبناتك أحملها فأجعلها في بيت مال المسلمين فهذا دليل على أن هدايا الأمراء مردودة إلى بيت مال المسلمين.

في الزيادة على الثمن وغيره

في الزيادة على الثمن وغيره روي أن جابر بن عبد الله باع من النبي صلى الله عليه وسلم جمله في بعض أسفاره فلما قدم المدينة أمر بلالا أن يدفع إليه ثمنه ويزيده قيراطا فقال: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبد فكانت في كيسي حتى أخذها أهل الشام يوم الحرة فيه دليل على أن الزيادة التحقت بأصل العقد وكان محالا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون ملك جابرا ما ملكه بمعنى لا يملكه به ويملكه بغيره كما يقول من يقول أن الزيادة في الثمن هبة من الذي يزيدها وهو زفر ومالك والشافعي لأن الأشياء إنما نملك من حيث ملكت لا مما سواها وقد روي سلمة بن الأكوع أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل شارط امرأة فعشرتهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتناقصا قصاوان أحبا أن يزدادا في الأجل زادا" قال سلمة: لا أدري كانت لنا رخصة أم للناس عامة هذا في وقت كانت المتعة فيه حلالا فكانت الزيادة في مدتها لاحقة بها وكان لها حكمها فمثل ذلك البيع أيضا إذا وقع على شيء بعينه بثمن مسمى ثم زاد أحد المتبايعين صاحبه فيما

ملكه إياه زيادة أن تلك الزيادة لاحقة به وداخلة في حكمه وقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في استعمالهم في الزيادات في البياعات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا المعنى وروي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: وددنا لو أن عثمان وعبد الرحمن تبايعا حتى ينظر أيهما أعظم جدا في التجارة فاشترى عبد الرحمن من عثمان فرسا بأرض له أخرى باربعين ألف درهم إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ثم أن عبد الرحمن زاد عثمان ستة آلاف على أنها أن تبقى حية حتى يقبضها رسوله فوجدها رسول عبد الرحمن قد ماتت فخرج منها بالشرط الآخر وكان موت الفرس من مال عثمان ولو أمضى البيع على العقد الأول لكان موت الفرس من مال عبد الرحمن فدل ذلك على إلحاق الزيادات بالعقود وكان ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تمنوا أن يتبايعا ليقفوا على أيهما أعظم جدا في التجارة فلم ينكروا ما كان منهما في ذلك فدل على جوازه ومثله ما روي ان عمار بن ياسر خرج من القصر فاشترى قتا بدرهم فاستزاد صاحب القت حبلا فنازعه حتى أخذ هذا قطعة منه وهذا قطعة ثم احتمله على عاتقه حتى دخل القصر. وكان عمار أميرا إذ لا يسكن القصر إلا وهو أمير والأمير لا يصلح له قبول الهدية فإنما استزاده لأن الزيادة تلحق بالمبيع فتكون بحصتها من الثمن كما لو وقع البيع عليه مع ما وقع عليه سواه وفي ذلك ما قد دل على ما اخترناه وهذه الزيادات عندنا إنما تلحق بالأصل بعد أن يكون الذي زيدت فيه في الحال التي لو استؤنف البيع فيه عليها جاز فأما لو وجد ماننع كموت المبيع أو عتق المشتري إياه إن كان عبدا أو أمة أو خروجه من ملكه إلى ملك سواه فإن الزيادات فيه لا تلحق بذلك العقد الذي زيدت فيه وروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلا حاه رجل في صدقته فأخذه فضربه فشجه أبو جهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله فقال

النبي صلى الله عليه وسلم: "لكم كذا وكذا" فلم يرضوا فقال: "لكم كذا وكذا" فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم", قال: "أرضيتم؟ " قالوا: لا, قال: فهم بهم المهاجرون فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فزادهم فقال: "أرضيتم؟ " قالوا: نعم قال: "فإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم", قالوا: نعم فخطب الناس فقال: "أرضيتم؟ " قالوا: نعم, فيه معنى لطيف من الفقه يجب أن يوقف عليه ويوقف به على أن الزيادة في هذا المعنى بحلاف الزيادة في المعنيين اللذين ذكرناهما في الحديث الذي قبل هذا وذلك إن الزيادة فيهما زيادة فيما يجوز نقصه واستئناف العقد فيه فجازت الزيادة في ذلك وكان الصلح على أبي جهم مما لا يجوز أن يتناقضه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين صالحهم عنه لأن رجلا لو شج رجلا شجة أو جنى عليه جناية فصالحه منها على شيء أو صولح منها عنه على شيء ثم أرادعا قدا ذلك الصلح أن يتناقضاه بينهما ليمكن لهما ذلك وما هذا سبيله فالزيادة فيه غير لاحقة بأصله ومختلف فيها فبعضهم قال: أنها باطلة وأنها راجعة إلى الذي زادها وهو أبو حنيفة وأبو يوسف وبعضهم قال: أنها هبة من الذي زادها فإن قبضها جاز وأن منعه منها لم يجبر على تسليمها إليه وهو زفر ومحمد وقول عن مالك ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أولئك القوم ما لا يحل لهم أخذه لان شريعته تحريم الربا وإطعامه فدل ذلك على طيبه وأنه صار هبة منه كما قال من قاله وفعله صلى الله عليه وسلم الحجة على الناس جميعا وقيل يجبر على التسليم عند مالك كما هو مذهبه في الهبة.

في اختلاف المتبايعين

في اختلاف المتبايعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان إذا اختلفا وليس بينهما شاهد فالقول ما قال البائع أو يترددان" قال الطحاوي: ذكرت هذا لأحمد بن شعيب وقلت: هل عندك فيه شيء يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم فذكر من رواية عبد الرحمن بن الأشعث عن أبيه عن جده قال: قال عبد الله: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلف المتبايعان وليست بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان" وقد ذكرت هذا الباب قبل هذا لأحمد ابن أبي عمران وقلت: له هل عندك فيه شيء يتصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال لي: أما إن أجده منصوصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ولكن الحجة قد قامت به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه" لأن المتبايعين إذا اختلفا في ثمن المبيع فقد ادعى كل واحد منهما بيعا بثمن غير البيع الذي ادعاه صاحبه بالثمن الذي ادعاه به فكانا بذلك متداعيين فوجب التحالف لينفي كل واحد منهما دعوى صاحبه ويكون المبيع بحاله بيد البائع بغير حجة قامت لأحدهما على صاحبه. فإن قيل قد اتفقا على أن المبيع ملك المبتاع وإنما الاختلاف في الثمن فوجب أن يكون المبيع له ويلزم المشتري ما أقربه ويحلف على ما ينكره كرجل ادعى على رجل مالا فصدقه في بعضه وأنكر البعض. قلنا: ليس الأمر كما ذكر لأن الاختلاف في الثمن موجب لاختلاف العقد الاترى إذا ادعى على آخر ألف درهم وخمسمائة فأنكر المدعى عليه فأقام شاهدا بألف وآخر بألف وخمسمائة يقضي بالألف التي اتفق الشاهد أن عليه ولو ادعى البيع بألف وخمسمائة فشهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمسمائة لا يقضي بشيء فعقلنا بذلك افتراق الحكم في المسئلتين كما ذكرنا فغنينا بهذا عن طلب الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدعيين في الثمن المختلفين فيه وهو قول محمد بن الحسن وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف يذهبان إلى ما قال هذا القائل الذي احتججنا عليه وكانا يقولان إذا اختلفا في ثمن المبيع تحالفا وترادا إذا كان قائما وإذا كان فائتا فالقول قول المشتري لأن الذي يوجبه القياس أن يكون القول قول المشترى ولكنه ترك في القائم لمكان الحديث المروي وفي الفائت لم يوجد نص فأجرى على القياس قال ابن أبي عمران ولو لم يكن نص كان القياس يوجب ما قد روى عنه صلى الله عليه وسلم وإذا كان ذلك كذلك

وجب استعماله في الباقي والفائت لأن الذي يوجب رده إذا كان باقيا هو الذي يوجب رد قيمته إذا كان فائتا وهذا استخراج لطيف ومعنى حسن والله أعلم.

في خيار المجلس

في خيار المجلس عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع خيارا" قال نافع: فكان عبد الله إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه. وفيما روي عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار". هذا الحديث الثاني غير مخالف للحديث الأول لأن معنى لا بيع بينهما حتى يتفرقا لا بيع بينهما لا خيرا فيه يعني أن بينهما بيعا فيه الخيار حتى يتفرقا كما في الحديث الأول فإذا اتفرقا قطع ذلك التفرق خيارهما إلا بيع الخيار يعني فإن بيع الخيار مبقى لصاحبه بعد ذلك إلى المدة المشترط له الخيار فيها وتنازع العلماء في تاويل التفرق فقالت طائفة: هو قول البائع للمبتاع قد بعتك وقول المبتاع قد قبلت ذلك منك فيكون للبائع الرجوع عما قال قبل قبول المبتاع ويكون للمتباع القبول ما لم يفراق البائع ببدنه فإن فارقه ببدنه لم يكن له القبول بعد ذلك قالوا: ولو كان له الخيار بعد المفارقة بالبدن لكان له الخيار بعد المدة الطويلة وممن يذهب إلى هذا أبو يوسف وعيسى بن أبان وقال محمد أن يقول البائع للمبتاع قد بعتك وقول المبتاع له قد قبلت منك يكونان متفرقين كقوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} . فإذا كان الزوجان متفرقين يقول الزوج طلقتك على كذا وقولها قبلت ذلك وإن لم يتفرقا بالبدن وجب مثله في البيع وقالت طائفة: الفرقة المقصودة هنا هي الفرقة بالأبدان لأنهما قبل تعاقدهما البيع متساومان وليسا بمتبايعين وإنما جعل لهما الخيار بعد كونهما متبايعين إلى أن يتفرقا وممن يذهب

إليه الشافعي ولا حجة له في ذلك لأن العرب قد تسمى الشيء باسم ما قرب منه كما حكى المزني عنه في تأويل قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الآية إن العرب تقول دخل فلان بلد كذا لقربه منها ولقصده إلى دخولها وإن لم يكن في الحقيقة دخلها وإذا كان ذلك كذلك احتمل الحديث مثله والله أعلم وقد روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ما أدركت الصفقة حيا فهو من المبتاع ولا يكون منه إلا ما قد وقع ملكه بالصفقة عليه فيحتمل أن يكون التفرق الذي حكى نافع عنه استعماله إياه إنما كان يستعمله احتياطا من قول غيره لاحتمال الحديث له مخافة أن يلحقه فيه من غيره خلاف ما يريده في بيعه كمثل الذي لحقه في البيع الذي باعه بالبراءة من عيوبه فحكم عليه عثمان بخلاف ما كان يراه في ذلك وروي أيضا نافع عن ابن عمر بغير هذه الألفاظ من ذلك قوله: "كل بيعين بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيرا" وقوله: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يكون خيارا". وقوله: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خير فقد وجب البيع وقوله: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما قال أو يكون بيع خيار. وذلك كله سواء معناه معنى الحديثين المذكورين أولا غير أن فيه أو يقول أحدهما لصاحبه اختر فإنه يحتمل أن يكون ذلك على قول يقوله بعد البيع فيكون قد أوجب به خيارا لم يكن له قبله ويحتمل أن يكون على خيار يشترطان في البيع لأحدهما وهذا أولى لأنه يرجع إلى إيجاب ما لم يكن للمقول له قبل ذلك ويؤيده رواية الليث عنه عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا" وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع فدل هذا على أن معنى قوله: أو يخير أحدهما الآخر إنما هو على تخيير يتعاقد متبايعان البيع عليه على ما في الحديث لأعلى ما سوى

ذلك مما قد حمله بعض الناس عليه وكيف يجوز أن يخير من له خيار بعقد البيع هذا يبعد في القلوب وإنما يكون التخيير لإيجاب ما لم يكن واجبا قبله على ما في رواية الليث من تعاقدهما البيع عليه وفي ذلك ما قد دل على أن البيع يجب بالتعاقد وإنه لا خيار لأحدهما فيه بعد عقده إلا أن يكون وقع على أن لأحدهما خيارا إلى مدة فيكون له الخيار إلى انقضاء تلك المدة وقد وجدنا الذي قال بالتفرق بالأبدان يقول إذا خير أحدهما صاحبه فالخيار الذي يجب له بذلك التخيير هو الذي كان واجبا له قبله فيكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا لا فائدة فيه وحاضا لله أن يكون كذلك ولكنه عندنا على ما بينه الليث من انعقاد البيع عليه وإذا كان الخيار المشروط في البيع لا يمنع من له الخيار أن يكون مالكا قبل انقطاع خياره بعد الافتراق بالبدن كانا قبل الافتراق بذلك كذلك أيضا وكان الخيار المذكور في الحديث وجوبه وإن لم يشترط على خلاف ذلك وهو الخيار بين العقد وبين القبول على ما ذكرناه عن قائليه والنظر يوجب أن يكون تمليك الأموال بالبياعات يلزم بتمام البيع قبل الافتراق قياسا على تمليك المنافع بالإجارات وتمليك الإبضاع بالتزويجات والمخالعات وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيرا فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". يعني لا يحل للذي عليه الخيار أن يغيب عن الذي له الخيار خشية أن يريد رده عليه بما وجب له من الخيار فلا يجده ويكون هذا التفرق خلاف التفرق الأول المختلف في تأويله ويجوز في اللغة أن يقول ما فارقت فلانا منذ كذا سنة وأن كان فراقه ببده في بعض المدة غير أنه لازمه الملامة المعقولة من مثله وهذا يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد من عدم جواز الفسخ بالخيار إلا بحضرة صاحبه وروي عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما

وإن كذبا وكتمامحقت بركة بيعهما" قوله: "فإن صدقا" إلى آخره يريد بعض الباعة لأكلهم إذ قد يتبايعان على العرض بالعرض فيكون على كل واحد منهما أن يبين ما في عرضه ولا يكتم شيئا من عيوبه وكذا يجب بيان ثمنه إن كان البيع مرابحة وقد يبيع أحدهما صاحبه عرضا بثمن إلى أجل فلا يكون على المبتاع أن يبين شيئا لأن الصمن في ذمته وإنما يكون ذلك على البائع قال القاضي وقد تكون ذمة خربة لا تفي بالثمن عند الأجل فعليه أن يبين حال ذمته فحمله على العموم أولى قلت أن مال الله غاد ورائح فمن أين يعلم عدم القدرة على الوفاء عند الأجل. قال الطحاوي: روي عن جميل بن مرة عن أبي الوضي قال: نزلنا منزلا فباع صاحب لنا من رجل فرسا فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه فقال له صاحبه: إنك قد بعتني فاختصما إلى أبي برزة فقال: إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البيعان بالخيرا ما لم يتفرقا وما أراكما تفرقتما" لا يصح الاحتجاج في إثبات الخيار بعد عقد البيع بهذا ولا بقول أبي برزة وما أراكما تفرقتما لأنهما قد أقاما بعد البيع مدة يتحقق تفرقهما بدن ولو إلي حاجة الإنسان أو إلى صلاة مما لو رقع مثله في صرف تصارفاه قبل القبض لفسد الصرف فكذلك لو كان الخيرا واجبا بعد عقد البيع لقطعه هذه الأشياء فدل أن التفرق عند أبي برزة لم يكن التفرق بالأبدان وروي أنهم اختصموا إلى أبي برزة في رجل باع جارية فنام معها البائع فلما أصبح قال لا أرضى فقال أبو برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وكانا في خباء شعر. فاختلف الحديث بالروايتين عن أبي برزة كما ذكرنا ولم تكن إحداهما أولى من الأخرى فلم يكن لأحد أن يحتج بأحدها إلا احتج عليه مخالفه بالآخر وليس في واحد منهما ما يوجب أن التفرق المذكور في الحديث هو التفرق بالأبدان وروي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان

بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع". قوله ويأخذ كل واحد منهما ما رضي من البيع يدل على أن الخيار الذي للمتبايعين إنما هو قبل إنعقاد البيع في الحال الذي يكون لكل واحد منهما أن يأخذ ما رضي من البيع ويترك بعضه وذل قبل عقد البيع فيكون البيع ينعقد بينه وبين صاحبه فيما يرضاه منه لا فيما سواه إذ لا خلاف بين القائلين في هذا الباب بأن الافتراق المذكور في الحديث هو بعد البيع بالأبدان أنه ليس للمبتاع أن يأخذ ما رضي به وإنما له أن يأخذ كله أو يدعه وروي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: اشترى النبي صلى الله عليه وسلم من أعرابي قال: حسبت إن أبا الزبير قال: من عاصم بن صعصعة حمل قرظ أو حمل خبط فلما وجب له قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر" قال الأعرابي: إن رأيت مثل اليوم قط بيعا خير بائعه ممن أنت قال من قريش. في قوله: "اختر" دليل على وجوب البيع قبل التخيير وقد يحتج به من قال بالخيار حتى يتفرقا بدنا وقد ذكرنا وجهه واستدللنا عليه بحديث الليث وإنما خير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي ليكون له ثواب من أقال نادما بيعته وروي أن ذلك كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقبل النبوة وروي عن ابن طاوس عن أبيه قال: ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة من أعرابي بعيرا أو غيره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد البيع "اختر" فنظر الأعرابي إليه فقال: لعمر الله ممن أنت فلما كان الإسلام جعل النبي صلى الله عليه وسلم بعد البيع الخيار. وهذا على الاختيار لا على الوجوب والله أعلم.

في بيع الثمار

في بيع الثمار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع النجم رفعت العاهة عن أهل كل بلد" المقصود رفع العاهة عن ثمار النخل والنجم هو الثريا وأراد بقوله: طلع طلوعه صباحا يكون الفجر معه يؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة قال: "ما طلع النجم صباحا قط ويقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت" وطلوعها في اليوم التاسع عشر من أيار.

في التجاوز في النقد

في التجاوز في النقد روي أن حذيفة وابن مسعود تذاكرا فقال أحدهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "حوسب رجل فلم يوجد له شيء من الخير فنظر في حسناته قيل: ما عملت خيرا؟ قال: لا إلا أني كنت أداين الناس فكنت آمر فتياني يسرون على الموسر وينظرون المعسر, فقال الله عز وجل: أنا أحق من ييسر قال: فادخل الجنة". وعن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: كنت تعمل من الخير شيئا؟ قال: لا قالوا: تذكر قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظر والمعسر ويتجاوزوا عهن الموسر قال الله تعالى: فتجاوزوا عنه" المراد بالتجاوز هو في النقد على ما روي حذيفة مرفوعا: "مات رجل فقيل له اذكر فأما ذكروا ما ذكر قال: كنت أبايع الناس فانظر المعسروا تجاوز في النقد والسكة فغفر له" ففيه تجويز إنفاق الزائف من الدراهم مع تبيان عيبه لا على ما سوى ذلك مما يستعمله بعض الناس مع تدليس عيبه.

في شراء الشيء بأقل من قيمته

في شراء الشيء بأقل من قيمته روي عن عمر بن الخطاب قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت إن ابتاعه منه وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" فيه ما يدل على أنه لو لم يكن صدقة منه لجاز له أن يشتريه بالدرهم الذي نهاه عنه وهذا قول فقهاء الأمصار من أهل الحجاز ومن أهل العراق

وغيرهم خلافا لبعض المتأخرين فإنه ذهب إلى أن ما وقع كذلك لم يكن بيعا وكان معقولا إن من كان له تمليك شيء بلا بدل كان له تمليكه بقليل البدل.

في ثمن الكلب

في ثمن الكلب روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن ثمن الكلب ومن قوله: "ثمن الكلب حرام" ومن قوله: "ثلاث من السحت ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن" ومن قوله: "ثمن الكلب خبيث" ومن نهيه عن ثمن الكلب والسنور ومن قوله: "لا يحل ثمن الكلب" يحتمل أن يكون التحريم كتحريم الأشياء المحرمة بالشرع ويحتمل أن يكون تحريمه لأجل الدناءة يدل عليه ما روي عن رفاعة بن رافع أو رافع بن رفاعة أنه جاء إلى مجلس الأنصار فقال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا وروي مثله محيصة مرفوعا: أنه قال: "أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك" فلو كان حراما لما أباح له ذلك لكنه نهاهم لما فيه من الدناءة وإن كان في بعض الآثار أنه سحت على ما روي من السحت كسب الحجام. ولذلك روي في كسب الحجام أنه خبيث ولما نهى عن ثمن الكلب والسنور ولا خلاف أن ثمن السنور ليس بحرام ولكنه دنى كان ثمن الكلب المقرون معه في الحديث مثله واحتمل أن يكون النهي عن ثمن الكلب إذ كان الأمر فيه بقتل الكلاب على اروي عن أبي رافع قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فخرجت أقتلها لا أرى كلبا إلا قتلته حتى آتى موضع كذا وسماه فإذا فيه كلب يدور ببيت فذهبت أقتله فناداني إنسان من جوف البيت يا عبد الله ما تريد أن تصنع قلت: إني أريد أن أقتل هذا الكلب قالت: إني امرأة بدار مضيعة وإن هذا يطرد عني السباع ويؤذنني بالجائي فأت النبي صلى الله عليه وسلم فاذكر ذلك له فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمرني بقتله ثم أباح صلى الله عليه وسلم أثمان بعضها روي أنه صلى الله عليه وسلم

"نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد". وقال: "من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا بالصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان" وقال: "من اقتنى كلبا لا يغني عنه في زرع ولا ضرع نقص من عمله كل يوم قيراطان" وروي: "قيراط" ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في ترك قتل ما أباح منها روي عنه أنه أمر بقتل الكلاب ثم قال "ما لي وللكلاب" ثم رخص في كلب الصيد وفي كلب آخر نسيه الراوي وروى عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته بأمر قتل الكلاب قال: فكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية. ولما وقفنا على اختلاف أحوال الكلاب في زمانه صلى الله عليه وسلم في حال لكها مقتولة وفي حال بعضها وجب أن يحمل ما روي من نهيه في أثمانها على الحالة التي أبيح قتل كلها فيها لا قتل بعضها مع أنه روي استثناء ثمن كلب الصيد وفي معناه الكلاب التي يباح اتخاذها وقد اختلف أهل العلم فيه فطائفه ذهبت إلى تحريم أثمان الكلاب كلها وممن ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وطائفة ذهبت إلى تحريم أثمان ما لا يحل الانتفاع به منها وإباحة أثمان غيرها وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وهو أولى القولين بالقياس لأن الكلب المأذون في الانتفاع به كالحمار الأهلي في جواز الانتفاع به وتحريم أكل لحمه فوجب أن يكون مثله في جواز بيعه.

في العهدة

في العهدة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من اكتتابه في العهدة التي اكتتبها للعداء بن خالد بن هوذة في بيعه إياه عبدا أو أمة بيع المسلم المسلم لا داء ولا غائلة ولا خبثة إلا دواء الأمراض والغوائل الأشياء التي يغتال بها المملوكون مالكيهم كالأياق والسرقة ومنه قتل الغيلة وقوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة" فسمي ما يطرأ على أولادهم من وطء أمهاتهم غيلا لأنه يأتيهم ذلك من

حيث لا يعلمون وأما الخبثة فقيل الشيء المذموم وهو سبي أهل العهد الذن لا يحل استرقاقهم وقيل هي الأشياء الخبيثة من قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} وقوله: {وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} وكل مذموم خبيث وعلى العكس والأول أظهر لكونها أكثر فائدة لأن كل غائلة خبيثة وليس كل خبيثة غائلة وروي عن عقبة قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدة الرقيق ثلاثة أيام وروي لا عهدة بعد أربع وليس بالقوى ثم العهدة مأخوذة من العهد وهي الأشياء المتقدم فيها المطلوب ممن تقدم إليه فيها الوفاء بها منه قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} فالأولى بما روينا الحمل على العقد المشروط في البياعات من الخيارات المشترطات فيها فتكون مدته ثلاثة أيام لا فوقها كما يقول أبو حنيفة وزفر والشافعي وأما قول أهل المدينة بأن العهدة موت المبيع وما ظهر في بدنه في ثلاثة أيام أوفى ستة فقد كان عطاء وطاؤس ينكران ذلك وقال شريح عهدة المسلم لأداء ولا غائلة ولا شين ولما لم نجد في الحديث غير ما ذكرنا التمسنا حكمها من طريق النظر فوجدنا الرجل إذا باع العبد أو الجارية وسلمها إليه فأراد أن يمنع البائع من ثمنها لم يكن له ذلك بإجماع فكان ذلك دليلا أنه لم يبق له شيء مما يوجبه البيع عليه إذ لو بقي شيء من خيار أو من غيره لكان له منعه إياه وفي إجماعهم على عدم المنع دليل على أنه لم يبق عليه حق بحكم البيع الذي تعاقداه من عهده ولا غيرها.

كتاب الإجارات

كتاب الإجارات وفيه ثلاثة أحاديث روي أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان" معنى النهي عن قفيز الطحان على ما كان يفعله أهل الجهل من دفع القمح إلى الطحان ليطحنه بقفيز من دقيقه الذي يطحنه

له فكان ذلك استئجارا بما ليس عند المستأجر لأن دقيق قمحه ليس عنده وقت العقد فدل أن الاستئجار لا يكون بما ليس عند المستأجر يوم يستأجر كبيع ما ليس عنده يوم بيع والابتياع بما ليس عند المشتري مما ليس معناها معنى الأثمان كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون الذي قد يكون دينا في الذمة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم يعطها أحد قبلكم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله عز وجل جنته كل يوم ويقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك وتصفد مردة الشياطين فلا يصلون فيه إلى ما يصلون في غيره ويغفر لهم في آخر ليلة" قيل: يا رسول الله في ليلة القدر قال: "لا ولكن العام إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله" وفيما روى أبو هريرة قال: "اعطوا الأجير أجره من قبل أن يجف عرقه" وروي عنه أنه قال: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" وروي عن علي أنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بجلالها وخطمها ولا يعطى الجزار منها شيئا ونحن نعطيه من عندنا" في هذه الآثار ما يوضح أن الأجير إنما يعطى أجره على عمله بعد فراغه منه وروى عن ابن مسعود قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا غلام هل من لبن؟ " فقلت: نعم ولكني مؤتمن, فقال: "هل من شاة لم ينز عليها الفحل" فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقي أبا بكر ثم قال للضرع: "أقلص" فقلص, ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمي من هذا القول فمسح برأسي ثم قال: "يرحمك الله فإنك غلام معلم" قال: فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعينها بشر يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن الغنم لابن مسعود بظاهر يده عليها

فسأله ليشتري منه اللبن فلما أخبره أنه مؤتمن عليها سأله شاة لم يصبها فحل ليريه في ذلك آية معجزة تقوم له بها الحجة عليه وعلى غيره وفي ذلك منفعة لصاحب الشاة بتلبين ضرعها فلم يكن له في اللبن حق لأن الله تعالى جعله في ضرعها حينئذ من غير ملك وقع عليه لمالكها فلذلك شربه صلى الله عليه وسلم وسقاه أبا بكر وقوله: إني مؤتمن صحيح اتفاقا لأنه أجير خاص والخلاف في الأجير المشترك فيجعله بعضهم أمينا وبعضهم ضمينا وقوله: ما نازعنيها بشر يريد ما شراكني فيها بشر لأن المنازعة قد تكون على المشاركة ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن ناسا قرأ وأخلفه في الصلاة "إني أقول مالي أنازع القرآن" أي أشارك في القرآن الذي أقرؤه في صلاتي وكانت تلك السبعون سورة لم يشاركه أحد في أخذه إياها عن النبي صلى الله عليه وسلم من شركه فيه وهذا معنى قوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بابن مسعود فيمن أمر أن يؤخذ القرآن عنهم وبالله التوفيق.

المجلد الثاني

المجلد الثاني كتاب الأقضية ما جاء في كراهية القضاء لمن ضعف عنه ... بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأقضية فيه سبعة وعشرون حديثا ما جاء في كراهية القضاء لمن ضعف عنه عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيتك فإذا أسأت فأحسن ولا تسألن أحدا وإن سقط سوطك ولا تؤتين أمانة ولا تولين يتيما ولا تقضين بين اثنين". محمل النهى فيه رؤيته صلى الله عليه وسلم إياه ضعيفا عن القيام بمواجب القضاء وولاية اليتيم والأمانة يبينه ما روى قوله صلى الله عليه وسلم له: "أني أراك ضعيفا فلا تأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم" وما روى أنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تستعملني فضرب بيده على منكبي ثم قال: "يا أبا ذر إنك ضعيف وأنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" وسؤاله ذلك مكروه له روى عن عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك أن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها.

في قضاء الغضبان

في قضاء الغضبان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان" ولا يعارضه ما روى عن

النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم في وقت غضبه بين الزبير وخصمه الأنصاري لما احفظه بقوله: أن كان ابن عمتك لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم محفوظ عليه أمره فخلقه العدل في الغضب والرضا بخلاف غيره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار على الزبير برأي فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظه الأنصاري استوعب للزبير حقه في صريح الحكم وقال للزبير: اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ إلى الجدر قال الزبير: ما احسب هذه الآية نزلت الا في ذلك {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية قال ابن وهب الجدر الأصل وليس هذا بخلاف لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مهزوروادى بني قريظة أن الماء إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل إذ قد يحتمل أن يكون هذا وما يبلغ إلى الكعبين من الماء مثل الذي يبلغ الجدر منه فلما استويا جميعا ذكره مرة بهذا ومرة بهذا وهذا أولى ما حمل عليه دفعا للتضاد والتنافي.

في عقوبة الامام بانتهاك ماله

في عقوبة الإمام بانتهاك ماله روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النفر الذين قتلوا الراعي واستاقوا اللقاح إلى أرض الشرك1: "عطش من عطش آل محمد في هذه الليلة" ثم بعث في طلبهم فأخذوا فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فيه دليل على أن اللقاح المستاقة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا من الصدقة لأن الصدقة كانت حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سائر بني هاشم وآله الذين دعا الله عز وجل أن يعطش من عطشهم بنابه2 وإقامة العقوبة على من جنى على مال الحاكم من خواصه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره من الأئمة والحكام لا يجوز لهم أن يقيموا عقوبة على من فعل في أموالهم ما يوجب تلك العقوبة بالبينات إذ ليس لهم أن يحكموا بتلك الأموال لأنفسهم ولهم أن يحكموا بالإقرار على منتهكي ذلك من أموالهم فيقوموا بها العقوبات ويتملكون بها الأموال لأنفسهم وذلك لأن ما كان يفعله صلى الله

_ 1 لعله سقط من هنا "اللهم". 2 كذا-.

عليه وسلم يفعله وحيا من الله تعالى فالحاكم هو الله والقائم به بأمره هو رسوله فإليه أن يفعل ذلك بالبينات والإقرارات جميعا ومثله ما كان من أبي بكر رضي الله عنه في الأطلس الذي كان منه في بيت أسماء زوجته ما كان فقطعه باعترافه إذ لو كان بالبينة لما قطعه كما لو كان المسروق له لأن متاعها كمتاعه دل عليه قول عمر رضي الله عنه لعبد الله بن عمر ولما جاءه بغلامه فقال: أن هذا سرق شيئا لامرأته لا قطع عليه خادمكم سرق متاعكم ولهذا لا تجوز شهادته لزوجته.

في حكمه صلى الله عليه وسلم في القصعة المكسورة

في حكمه صلى الله عليه وسلم في القصعة المكسورة عن أم سلمة أنها جاءت بطعام في صحفة لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة قال: "كلوا غارت أمكم" مرتين ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة. وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام فضربت يد الخادم فسقطت القصعة فانفلقت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فضم الكسرتين وجعل يجمع فيها الطعام ويقول "غارت أمكم" وقال للقوم: "كلوا" وحبس الرسول حتى جاءت الأخرى بقصعتها فدفع القصعة الصحيحة إلى رسول التي كسرت قصعتها وترك المنكسرة للتي كسرت. وروى أنه سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أما تقرأ القرآن قلنا: على ذلك حدثينا عن خلقه قالت: كان عنده أصحابه فصنعت له حفصة طعاما فسبقتني حفصة فأرسلت مع جاريتها

بقصعة فقلت لجاريتي: أن أدركتها قبل أن تهدي بها فأرمي بها فأدركتها وقد اهتدت بها فرمت بها على النطع فانكسرت القصعة وتبدد الطعام فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام فأكلوه ثم وضعت جاريتي القصعة بالطعام فقال لجارية حفصة: "خذي هذا الطعام فكلوا واقبضوا الجفنة مكان ظرفكم" قالت: ولم أروجهه ولم يعاقبني قال الطحاوي: قد عدنا بعض الناس راغبين عن هذه الأحاديث تاركين لها إلى ضدها في قولنا: أنه يقضي ما عدا المكيل والموزون بقيمته وليس ذلك كما توهم لأن الصحفتين جميعا كانتا له في بيته وزوجتاه من عياله فحول الصحفة الصحيحة إلى بيت التي كسرت صحفتها والمكسورة إلى بيت الكاسرة فلا تكون حجة علينا بل الحجة لنا بإجماع أهل العلم على أن من اعتق عبدا مشتركا وهو موسر عليه قيمة نصيب شريكه لا نصف عبد مثله وكذا إلا حجة علينا في إيجاب الإبل في قتل الخطأ والغرة في الجنين إذ ليس شيء من ذلك مثلا للمتلف وإنما ذلك تعبدي لزم الانقياد إليه وما روى من إجازة القرض في الحيوان كان قبل تحريم الربا فهو منسوخ ومن لم يره منسوخا يلزمه منع استقراض الإماء مع حملهم الحديث على عمومه بقياسهم على البعير المذكور في الحديث جميع الحيوان فيجوز حينئذ القرض في الإماء ويحل للمستقرض الوطء لأن الأمة تخرج بالاستقراض من ملك المقرض إلى ملك المبتاع فيجوز له الوطء فيها واستقالة بايعها منها فإن قيل: قد أجزتم النكاح على أمة وسط فيلزمكم جواز بيع الدار بأمة وسط قلنا لما جعلوا في جنين الحرة الذي ليس بمال غرة وفي جنين الأمة الذي هو مال قيمة وإن اختلفوا فيها فعند مالك والشافعي نصف عشر قيمة أمه وقال أبو يوسف: ما نقص أمه كجنين البهيمة إذا ضرب بطنها فالقته ميتا وقال أبو حنيفة ومحمد: إن كان أنثى ففيه عشر قيمته لو كان حيا وإن كان ذكرا فنصف عشر قيمته لو كان حيا عقلنا بذلك إن ما هو مال لا يجوز استعمال الحيوان فيه وما ليس بمال جاز استعماله فيه فلذلك جوزنا التزويج على الحيوان ومنعنا الابتياع به إذا كان في الذمة وإن قلنا: أن القصاع

كانت لأمهات المؤمنين بظاهر إضافتها إليهن فالأحاديث حجة لمالك فيما روى عنه من القضاء بالمثل فيما قل من العروض ولا حجة فيه لمن جوز حكم الحاكم لإحدى زوجتيه على الأخرى لأنه صلى الله عليه وسلم ليس كغيره ممن تلحقه التهم.

في الاجتعال على القضاء

في الاجتعال على القضاء عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن عمر قال: لا نأخذ على شيء من حكومة المسلمين أجرا وروى عن عمر ما يخالفه عن ابن الساعدي قال: استعملني عمر على الصدقة فلما أديتها إليه أعطاني عمالتي فقلت: أنما عملت لله وأجري على الله فقال: خذ ما أعطيتك فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني فقلت مثل قولك فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أعطيتك شيئا من غير أن تسأل فخذ وتصدق" وخرج في هذا المعنى آثار كثيرة والأولى إباحة الاجتعال استدلال بقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} لقيامهم بتحصيلها لأهلها وإن كانوا أغنياء ومثله الإجتعال على ولاية أثغار المسلمين لحفظها ودفع من حاول البغي عليهم فإنه أطلق للولاة عليها من بيت المال ومثله الجعل لجندهم التي لا تقوم ولاتهم لها إلا بهم وكذلك ولاة خراج المسلمين في جمعه وحفظه على الوجوه التي يجب صرفه فيها وإذا كان الأمر كذلك فيما ذكرنا كان من يتولى حكومات المسلمين وفصل خصوماتهم ويخلص حقوق بعضهم من بعضهم ويمنع الظالم من مظلومهم يجوز له الاجتعال على ذلك من أموال المسلمين أيضا.

في الرشوة

في الرشوة عن ثوبان قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش وروى عنه والرائش الذي يمشي بينهما أخذ ذلك الريش التي تتخذ للسهام التي لا تقوم إلا بها وذلك في الحكم يبينه حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي في الحكم ولا يدخل

في ذلك من رشى ليصل إلى حقه الممنوع عنه وأما المرتشي منه ليوصله إلى حقه داخل في اللعن ومما يدل عليه ما روى عن جابر بن زيد ما وجدنا في أيام ابن زياد وفي أيام زياد شيئا هو أنفع من الرشا أي أنهم كانوا يفعلون ذلك استدفاعا للشر عنهم.

في استحلاف المطلوب

في استحلاف المطلوب روى عن ابن عباس أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الطالب البينة فلم يكن له بينة فاستحلف المطلوب بالله الذي لا إله إلا هو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنك قد فعلت ادفع حقه وسيكفر عنك لا إله إلا الله ما صنعت" لا يعارضه حديث: "من اقتطع مال امرىء مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب عليه النار" لأن هذا فيمن حلف والأمر عنده على ما حلف عليه لأنه ذهب عنه ما كان تقدم منه فيه ثم أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد كان منه غير ما حلف عليه وأمره أن يدفع حق غريمه ثم أعلمه أن يكفر عنه ما كان منه من الحلف بتوحيد الله. لا يقال فعلى هذا فيه للكفارة موضع إذ لم يكن عاصيا لأن الكفارة قد تكون فيما لا إثم فيه كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" وفي حديث آخر: "لا كفارة لها إلا ذلك" وكما في قتل الخطأ قال القاضي: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يتوب ويستغفر الله ويدفع إلى الخصم حقه ويكفر عنه الذنب الاستغفار والتوبة الذي لا يصح إلا من مؤمن يقر بأن الله لا إله إلا هو وفيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "يمينك على ما صدقك عليه صاحبك أو يمينك على ما صدقك فيها صاحبك" وهذا في دعوى يسع المدعي دعواه إياها على من يسعه جحوده إياها كمثل رجل ينقلب على مال رجل في نومه فيتلفه غير عالم لذلك من معاينة صاحب المال ذلك منه في ماله فيكون في سعة من دعواه الواجب له في ذلك والمدعى

عليه النائم في سعة من دفعه عن نفسه لأنه لا يعلم وجوب ذلك عليه وفي سعة من حلفه على ذلك غير أن الفرض عليه في ذلك أن تكون يمينه في الظاهر كهي في الباطن لا تدريك فيها منه وكان ذلك بخلاف ما يدعى عليه مما يعلم في الحقيقة أنه مظلوم فيما يدعى عليه من ذلك ويكون في سعة من تدريك يمينه على ذلك إلى ما لا يكون عليه في حلفه على ذلك إثم كمثل ما روى عن سويد بن حنظلة مما كان منه في وائل ابن حجر في حلفه أنه أخوه لما طلبه عدوه ليقتله ومن تناهى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه سويدا على ذلك روى عنه أنه قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج الناس أن يحلفوا له وحلفت أنه أخي فخلا عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت المسلم أخو المسلم" وحمده على ذلك ووسع له أن يحلف على ما يدفع به عن وائل بن حجر فكان تصحيح الحديثين على هذا دفعا للتضاد.

في اقتطاع الحق باليمين

في اقتطاع الحق باليمين قال ابن أبي مليكة: كنت عاملا لابن الزبير على الطائف فكتبت إلى ابن عباس أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت حرير لهما فأصابت أحداهما يد صاحبتها بالأشفى فخرجت وهي تدمى وفي الحجرة إحداث فقالت: أصابتني فأنكرت ذلك الأخرى فكتب إلى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعي عليه ولو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء ناس وأموالهم فادعها فاقرأ عليها هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} فقرأت عليها الآية فاعترفت فبلغ ذلك ابن عباس فسره وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين يقتطع بها مال مسلم لقي الله وهو عليه غضبان قال الأشعث بن قيس: في نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآية كان بيني وبين رجل مداراة في أرض فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "بينتك" فقلت: ليس لي بينة قال: "فيحلف" قلت: إذن يذهب بها فنزلت هذه الآية.

وروى عن عدي أنه قال: أتى رجلان يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض فقال أحدهما: هي لي وقال الآخر: هي لي حزتها وقبضتها فقال: "فيها اليمين للذي بيده الأرض" فلما تفوه ليحلف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه من حلف على مال امرئ مسلم لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" قال: فمن تركها؟ قال: "كان له الجنة". وفي حديث مخاصمة الكندي والحضرمي في الأرض التي زعم الحضرمي أن أبا الكندي غصبها منه وقوله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "هل لك بينة"؟ قال: لا ولكن يحلف يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي اغتصبتها فتهيأ الكندي لليمين فقال صلى الله عليه وسلم: "أنه لا يقطع رجل مالا بيمينه إلا لقي الله عز وجل يوم يلقاه وهو أجذم" فردها الكندي وفي مخاصمة وائل بن حجر امرأ القيس بن عابس وربيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقوله للطالب منهما: "بينتك" وقوله لما قال في يمين المطلوب: "إذن يذهب بها ليس لك إلا ذلك" ففي هذا كله قيام الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب البينة على المدعي وبوجوب اليمين على المدعى عليه وروى عنه صلى الله عليه وسلم قال: "إيما رجل حلف على مال كاذبا فاقتطعه بيمينه فقد برئت منه الجنة ووجبت له النار" قيل: وإن كان قليلا قال: فقلب مسواكا بين أصابعه فقال: "وإن كان مسواكا من أراك وإن كان عودا من أراك" الاقتطاع هو أن يغصب شيئا وكان للمغصوب أن يطالب به غاصبه وكان على الحكم أن لا يحول بين المدعي والمدعى عليه حتى يعينه على الذي يدعى عليه ويحلف وإذا حلفه خلى بين المطلوب وبين ذلك الشيء حتى يتصرف فيه كيف يشاء ويكون بذلك مقتطعا وإن نكل يستحقه المقضي له على المقضي عليه بذلك وهو قول أبي حنيفة والثوري ومن تبعهما وقال بعض يحلف المدعى ثم يقضي به عليه وكان قبل النكول لا يستحقه وإنما استحقه بذلك بعد نكون الغاصب عن اليمين فقد أجمعوا على أن النكول عن اليمين حجة للمدعي على المدعى عليه إذ ثبت كونه حجة كان

المعقول أن لا يسأل معها حجة أخرى مع الإقرار والبينة فالحق أن يقضي بالنكول الذي هو حجة ولا يكلف إقامة أخرى سواها كما لا يكلف إقامة حجة مع الإقرار ومع البينة يؤيده قضاء عثمان في امرأة أمرت وليدة لها أن تضطجع عند زوجها فحسب أنها جاريته فوقع عليها وهو لا يشعر فقال عثمان: احلفوه لما شعر فإن أبى أن يحلف فارجموه وإن حلف فاجلدوه مائة جلدة واجلدوا امرأته مائة جلدة واجلدوا الوليدة الحد فحكم عثمان في هذا الحديث للنكول بحكم الإقرار ولا نعلم له مخالفا من الصحابة ولا منكرا عليه منهم إياه وفي ذلك ما قد شد ما وصفناه.

في التحلل من الدعاوى

في التحلل من الدعاوى روى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض قد هلك أهلها وذهب من يعملها فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر ولم ينزل على فيه شيء ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فمن أقطع له قطعة من مال أخيه ظلما جاء يوم القيامة اسطاما من نار في وجهه" فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما يا رسول الله: حقي له فقال صلى الله عليه وسلم: "اذهبا فأقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه" المراد من التحلل هنا هو التحلل في الانتفاع لا في تمليك رقبة الأرض ألا ترى أن رجلا لو قال: احللتك من دارى التي في يدك أو من عبدي لم يملك المحلل له بذلك شيئا من رقبة العبد والدار وكذا لا يمكن التحليل بطريق البيع لجهلهما بمقدار المبيع فلذلك أمرا بما يقدران عليه من التحلل بالانتفاع الذي ينتقلان به من حال التحريم إلى حال التحليل وروى عن أبي هريرة أن رجلين ادعيا دابة ولم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين. وروى عنه أنه اختصم قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن

يحلفوا فأسرع الفريقان في اليمين فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرع بينهم أيهم يحلف لما كان كل واحد من الخصمين عاد مدعيا على صاحبه دعوى توجب عليه اليمين استويا فلم يقدم واحد منهما في اليمين كراهية الميل إلى أحدهما لأن من سنته صلى الله عليه وسلم التعديل والتسوية بينهما فلذلك رد أمرهما إلى الإقراع ليقدم من خرج سهمه كما أقرع بين نسائه عند السفر وهكذا ينبغي للحكام أن يفعلوه إذا تشاح الخصوم في التقدم إليه.

في الحكم بالاجتهاد

في الحكم بالاجتهاد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يأمر به الرجل إذا ولاه على السرية: إن أنت حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله عز وجل فلا تنزلهم على حكم الله فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا ولكن أنزلهم على حكمك فيه أن الاجتهاد في محل لا يكون نص أو إجماع سائغ وإن كنا لا ندري حكم الله تعالى فيه في الواقع وأنه مفروض علينا العمل به لاحتمال الصواب إذ لا يكلفنا الله بما لا نطيق لذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإنزال على حكم الله إذ لا يدري أيصيبه أم لا وأمرنا أن ننزلهم على حكم الاجتهاد أصاب الحق أم أخطأ ومثله ما كان من أمر بني قريظة الذين نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل رجالهم وتسبى نساءهم وذراريهم وتقسم أموالهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم يحكم الله عز وجل ورسوله". فإن سعدا حكم فيهم باجتهاده قبل أن يعمل ما حكم الله فيهم فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه. وإذا كان واسعا في الدماء والفروج فهو في الأموال أوسع قيل: كل مجتهد مصيب لقوله صلى الله عليه وسلم جوابا بمعاذ لما قال: اجتهد رأيي: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله لما يرضى رسوله وما أرضى رسوله فقد أرضى الله

ويستحيل أن يرضى بالخطأ وهذه مسألة أصولية لا يصح الاحتجاج فيها بأخبار الآحاد ولا بالظواهر المحتملة.

القضاة ثلاثة

القضاة ثلاثة روى عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "القضاة ثلاثة فقاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فيقضي بين الناس على جهل فهو في النار" لا يقال القاضي بالحق هو الذي وقف على الحكم عند الله فلا يجوز استعمال اجتهاده لأنه قد يصيب الحق به وقد يخطئ لأنا نقول في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد فأخطأ فله أجر" دليل على أن له أن يجتهد فيما لا نص فيه ولا إجماع وأن اخطأ الحق فعلمنا به أن الحق الذي عناه بقوله عرف الحق فقضى به هو الحق الذي أدى إليه اجتهاده أصاب الحق في الواقع أم لا لأن الله تعالى لا يكلفنا مالا نطيق وقد كلفنا بالقضاء بالاجتهاد الذي فيه إصابة الحق عند الله وقد يكون معه التقصير عنه يؤيده قصة داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث وقوله تعالى: {وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} وكذا حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن مع ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان سأل ربه أن يؤتيه حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه إذ لو كان مصيبا له على كل حال لما سأل ربه وكذا روى عن عمر أنه كتب بقضية إلى عامل له فكتب هذا ما أرى الله عمر فقال: امحه واكتب هذا ما رأى عمر فإن يك صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر وروى عن ابن مسعود في رجل مات عن امرأة لم يسم لها صداقا ولم يدخل بها قال: أقول فيها برأيي فإن يك خطأ فمن قبلي وإن يك صوابا فمن الله وفيما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: اتهموا الرأى على الدين. وعن أبي وائل سمعت سهل بن حنيف يوم الجمل ويوم صفين يقول اتهموا رأيكم فقد رأيتني يوم أبي جندل ولو استطعت أن أرد أمر رسول الله

صلى الله عليه وسلم لرددته دليل على أن الرأي قد يصاب به الحق حقيقة وقد يكون فيه التقصير عنه وإن كان مجتهده محمودا في الاجتهاد لأنه استفرغ جهده في طلب الحق يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا حكم فأخطأ فله أجر" وهذا قول محققي الفقهاء فأما من دخل في الغلو حتى قال: إذا حكم بالاجتهاد ومعه الآلة التي بها تتم أهلية الاجتهاد فقد حكم بالحق الذي لو نزل القرآن ما نزل إلا به فنعوذ بالله من قائله وهو محجوج بما لا يستطيع دفعه منهم إبراهيم بن اسماعيل ابن علية قال أبو جعفر بن العباس: لما بلغني هذا القول عنه أتيته في يومي فذكرت ذلك لآخذ عليه أنه قد قاله فقال لي: قد قلته فقلت له: هل استعملت رأيك في مسألة من الفقه واجتهدت فيها غاية الاجتهاد الذي عليك فيها ثم تبين بعد ذلك أن الصواب في غير ما قلت فقال: نعم نحن في هذا أكثر نهارنا قال: فقلت له: فأي القولين الذي لو نزل القرآن ما نزل إلا به؟ في تلك الحادثة؟ الأولى أو الثانية قال فانقطع والله في يدي أقبح انقطاع وما رد على حرفا وقد أجاد أبو جعفر في ذلك وأقام لله حجة من حججه على من خرج عنها وغلا الغلو الذي كان فيه مذموما.

في التحكيم

في التحكيم عن عمر قال: إذا كان في سفر ثلاثة فليؤمروا أحدهم فذلك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما روى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان ثلاثة فليؤمروا أحدهم" قال نافع: فقلت لأبي سلمة: فأنت أميرنا في هذين الحديثين أن الأمير المؤمر من جهة الناس كالأمراء من جهة ولي الأمر في وجوب السمع منهم والطاعة لهم وإذا كان ذلك في الأمرة فالقضاء مثله كما إذا حكم المتنازعات حكما بينهما كان حكمه عليهما كحكم الحاكم الذي جعله الإمام حاكما وهذه مسألة متنازع فيها فمذهب فقهاء المدينة وابن أبي ليلى والشافعي في قول أنه ليس للحاكم المرفوع إليه

حكم الحكم أن يبطله إلا أن يكون خارجا من أقوال أهل العلم جميعا ويمضيه كما يمضي حكم من قبله من القضاة ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أن للقاضي المرفوع إليه حكم الحكم أن يرده إذا لم يوافق رأيه وإن وافق رأيه أمضاه والحق هو القول الأول لإجماعهم أن ليس لواحد من الخصمين الرجوع عما حكم به الحكم بينهما قبل أن يرتفعا إلى القاضي وإذا كان لزمهما قبل ارتفاعهما إلى القاضي أن يمضيه وينقضه إلا بما ينقض به أحكام القضاة إذ سبيل الحكام فيما تناهى إليهم مما قد لزم من الأحكام سد إبطاله.

في القضاء على الغائب

في القضاء على الغائب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا خاصم الرجل الآخر فدعا أحدهما صاحبه إلى الرسول ليقضي بينهما فأبى أن يجئ فلاحق له"، حكى عن هلال في معناه أن من حق الرجل إذا ادعى عليه وهو غائب أن يبعث إليه حتى يسمع منه إقراره أو حجته ثم يفعل فإن دعى ولم يجب ذهب ذلك الحق منه ووجب أن يقيم الحاكم له وكيلا مقامه ثم يسمع بينة المدعى ويقضي بها بعد التعديل كما يقضي بها في حضوره غير أنه يجعله على حجته وهذه مسئلة فقهية مختلف فيها فإقامة الوكيل في غيبته والحكم بطريقه مذهب أبي يوسف وأكثر البصريين وعدم الحكم حتى يحضر المدعى عليه مذهب الإمام أبي حنيفة ومحمد ومنهم من قال: يسمع البينة في كل شيء سوى العقار فلا يسمعها فيه حتى يحضر وهو مذهب مالك ومنهم من قال: يسمع البينة في كل شيء ويقضي عليه ويجعله على حجته وهو مذهب الشافعي ولما اختلفوا وجدناهم مجمعين أن لو كان حاضرا فامتنع من الجواب أن الحاكم لا يخلي بينه وبين ذلك ويلزمه بالجواب عما ادعى عليه خصمه ولا يسمع بينة عليه وإن أحضرها خصمه لتشهد له على دعواه عليه حتى يكون منه الجواب الذي يحتاج من بعده إلى بينة وإذا كان ذلك في حضوره وجب أن يكون كذلك في مغيبه

في وجوب طاعة الامام اذا امر باقامة الحد

في وجوب طاعة الإمام إذا أمر بإقامة الحد عن أبي برزة الأسلمي قال: كنا عند أبي بكر الصديق في عمله فغضب على رجل من المسلمين فاشتد غضبه عليه جدا قال: فلما رأيت ذلك قلت يا خليفة رسول الله أضرب عنقه فلما ذكرت القتل انصرف عن ذلك الحديث أجمع فلما تفرقنا ارسل إلي بعد ذلك فقال: يا أبا برزة وما قلت ونسيت الذي قلت قلت ذكرنيه قال: أما تذكر يوم قلت كذا وكذا أكنت فاعلا ذلك قلت نعم والله إن أمرتني فعلت قال: ويحك أن تلك والله ما هي لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم يعني ليس لأحد من الولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتمر له في أمره بالقتل حتى يعلم الأمور استحقاق المأمور بقتله ذلك وروى عنه أن رجلا سب أبا بكر فقلت ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله فقال: ليست هذه لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون المراد ليس لأحد أن يأمر بالقتل لسب سبه سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن من سبه يكفر ويحل دمه ومن سب من سواه من ولاة الأمور بعده فالذي يستحقه على ذلك الأدب لا يخرجه ذلك عن الإسلام إلى الكفر وقد اختلف العلماء في أمر الحاكم بالقتل هل يسع امتثاله إذا كان الحاكم عدلا أم لا فكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون أنه يسعه غير أن محمد رجع عنه وقال: لا يسعه حتى يشهد عنده ثلاثة عدول وهذا لا معنى له إذ ليس المأمور بحاكم فيشهد عنده فتعين القول الأول إذ ليس في الباب غير هذين القولين يؤيده ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل علقمة بن مجزز المدلجي على جيش فبعث سرية واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان رجلا فيه دعابة وبين أيديهم نار قد أججت فقال لأصحابه: أليست طاعتي عليكم واجبة فقالوا: بلى قال: فاقتحموا هذه النار فقام رجل فاحتجز حتى يدخلها فضحك وقال: إنما كنت ألعب فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "أو قد فعلوا هذا فلا تطيعوهم

في معصية الله عز وجل" فلما أخرج من ذلك طاعتهم في المعصية دل على أن طاعتهم فيما ليست بمعصية واجبة عليهم فدل ذلك على صحة القول الأول وعلى صحة ما تأولنا عليه قول أبي بكر لأبي برزة رضي الله عنهما ليس ذلك لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

في منع الجار من غرز الخشبة

في منع الجار من غرز الخشبة روى عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره" وروى عنه مرفوعا من ابتنى فليدعم جذوعه على حائط جاره وعن أبي هريرة مرفوعا لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره أو خشبه في جداره وروى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأله جاره أن يضع في جداره خشبة فلا يمنعه" وفيه ما يدل على أنه ليس له إلا بعد سؤاله إياه عند حاجته وإن الأمر في ذلك على الاختيار لا على الوجوب كقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} وكقوله عليه السلام: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها" ليس على الإيجاب ولكنه على الندب إذا رأى أزواجهن فيهن خيرا وفي رواحهن مصلحة وما روى عن أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع الرجل جاره أن يضع خشبته على جداره أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرئ مسلم أن يمنع جاره خشباته يضعها على جداره" ثم يقول أبو هريرة: لا ضر بن بها بين أعينكم وإن كرهتم غير مخالف لما قلنا أما الأول فعلى المنع مما لا يضر وأما الثاني فعلى وزان قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لذي مرة سوى" لم يعن بذلك أنها تكون عليه حرا ما عند حاجته إليها كحرمتها على الأغنياء ولكن لا تحل للعاجز عن الاكتساب إذ لا ضرر عليه في تركها والاكتساب بقوته ما يغنيه عنها فكذا هنا لأنه قد يستطيع أن يبيحه ذلك فيرجع بعد ذلك إلى الإضرار عليه فلا يكون فيما أباحه إياه كما لا ضرر عليه فيه لو لم يبحه إياه ومثله ما روى عن أنس قال

استشهد منا غلام يوم أحد فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه وتقول أبشر هنيئا بالجنة فقال صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره".

في حجر البالغين

في حجر البالغين روى عن ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا بايعت فقل لا خلابة" فكان الرجل إذا باع يقول لا خلابة قيل: فيه دليل على أن الحجر على البالغ غير المجنون لا يجوز إذ لم يحجر عليه صلى الله عليه وسلم وقد شكى إليه أنه يخدع في البيوع وهو مذهب أبي حنيفة وتقدمه فيه محمد بن سيرين وليس كذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يطلق له البيع إلا باشتراطه فيه عدم الخلابة بخلاف غيره ممن لا يخدع كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ففيه دليل على الحجر لأنه جعل بيعه إلى من يتولى أمره فإن كانت فيه خلابة أبطله وإن لم تكن فيه خلابة أمضاه ويؤيده ما روى عن ابن عمر أن حبان بن منقذ كان شج في رأسه ما مومة فثقل لسانه فكان يخدع في البيع فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ابتاع من شيء فهو فيه بالخيار ثلاثا وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل لا خلابة" قال ابن عمر: فسمعته يقول لا خدابة لا خدابة ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل له الخيار فيما يبتاعه ثلاثة أيام ليعتبر بيعه فيمضي أو يرد وذلك حجر عليه في ما له لا اطلاق له فيه وروى عن أنس أن رجلا كان في عقله ضعف وكان يبتاع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله احجر عليه فدعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم ونهاه فقال: يا نبي الله أنى لا أصبر عن البيع فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة" ففيه ما دل على الحجر إذ لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله ما سألوه من الحجر عليه وأمره بمثل ما في حديث ابن عمر في قصته وقد كان الخلفاء الراشدون ومن سواهم على إثبات الحجر فيمن يستحقه فمن ذلك ما روى أن عبد الله بن جعفر

أتى الزبير فقال: أني ابتعت بيعا وإن عليا يريد أن يحجر علي فقال الزبير: فأنا شريكك في البيع فأتى على عثمان فسأله أن يحجر على عبد الله بن جعفر فقال الزبير: أنا شريكك في هذا البيع فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شاركه الزبير في بيعه ففيه أنه لو لم يشاركه الزبير لحجر عليه وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكر ذلك أحد فدل على متابعتهم إياه عليه وروى عن ابن عباس أنه كتب إلى نجدة جوابا لسؤاله متى ينقضي يتم اليتيم لعمري أن الرجل لتنبت لحيته وأنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف الإعطاء منها فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد انقطع اليتم عنه وروى عن ابن شهاب عن عروة أن عائشة بلغها أن ابن الزبير بلغه أنها تبيع بعض عقاراتها فقال: لتنتهين أو لأحجرن عليها فقالت لله على ألا أكلمه أبدا ففي هذا من ابن الزبير وترك عائشة الإنكار بأن تقول وكيف يكون أحد محجورا عليه أن يفعل في ما له مثل الذي بلغ ابن الزبير أني أفعله دليل على جواز الحجر وقد احتج من ذهب إلى نفي الحجر بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} ثم قال: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً} فذكر المداينة أولا ثم ذكر آخرا أنه قد يكون سفيها أو ضعيفا فدل ذلك على جواز بيعه في حال سفهه والجواب أن السفه قد يكون في تضييع المال وقد يكون فيما لا تضييع معه للمال يقال: سفه فلان في دينه {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} قال أبو عبيد: سفه نفسه أهلكها وأوبقها وقد يكون حاز ما في ماله ضابطا له من غير صلاح في دينه قال الكسائي: السفيه الذي يعرف الحق وينحرف عنه عنادا قال تعالى: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} لأنهم عرفوا الحق وعندوا عنه فالسفه في الآية ليس على سفه الفساد في المال بل على ما سواه من وجوه السفه واحتج الشافعي في إثبات الحجر بهذه الآية أيضا استدلالا بقوله: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} وليس بصحيح لأن ما في أول الآية من مداينة من وصف في آخرها بالسفه يدفع ما قال والمراد

بالولي ولي الدين للذي عليه الدين بدليل قوله تعالى: {وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} لأن الذي يتولى عليه لا يجر إلى نفسه ببخسه شيئا غير أن المذهب في الحجر استعماله والحكم به حفظا للمال على من يملكه ولهذا قال أبو حنيفة: أني أمنعه بعد بلوغه من ماله إلى خمس وعشرين سنة ولا أرى دافعا له ثم من يستحق الحجر عليه أن تصرف فهو جائز عند أبي يوسف خلافا لمحمد لأن الحجر لمعنى من أجله يحجر الحاكم عليه تحقيقا لذلك الموجود قبل الحجر وروى عن مالك مثل قول أبي يوسف في نفاذ التصرف قبل الحكم بالحجر.

في نفقة البهائم

في نفقة البهائم عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه وأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما أستتر به لحاجته هدفا أو حائش نخل فدخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سرواته وذفراه فسكن فقال: "من رب هذا الجمل" فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله قال: "أفلا تتقي الله في البهيمة التي ملكك الله عز وجل إياها فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه" 1 ذفرا البعير هو ما بين أذنيه وسرو البعير أعلى ما فيه وأضاف إليه بقوله سرواته أي مسح بيده على ذفراه وعلى سرى ما فيه ليكون ذلك سببا سكونه وقال صلى الله عليه وسلم لصاحبه ما قاله ولم يحكم عليه بأعلافه جبرا كما يفعل بمالكي بني آدم إذا يجيعونهم وهذه مسألة اختلف فيها فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يؤمر بالأعلاف فتوى لا جبرا وطائفة تقول بالجبر ولا حبس فيه منهم أبو يوسف قياسا على جبر مالكي بني آدم إجماعا ولكن بنو آدم تجب عليهم الحقوق لجناياتهم فتجب لهم والبهائم لا تجب عليها لجنايتها فلا تجب لها على مالكيها ولكنهم ومن سواهم من الناس يؤمرون فيهم بتقوى الله وترك التضييع لها وإن كان ما على مالكيها في التجاوز ما على غير مالكيها فيه

_ 1 دأب في العمل- إذا جد وتعب- مجمع.

في الحكم على قائل قوله على ما بين كذا إلى كذا

في الحكم على قائل قوله على ما بين كذا إلى كذا روى عن أبي سعيد قال: قال عمر: يا رسول الله سمعت فلانا يثني عليك خيرا ويقول خيرا زعم أنك أعطيته دينارين قال: "لكن فلانا ما يقول ذلك لقد أصاب مني ما بين مائة إلى عشرة ثم قال: "أن أحدكم ليخرج من عندي بمسألته يتأبطها أو نحوه وما هي إلا له نارا" فقال عمر: يا رسول الله فلم تعطيه؟ قال: "فما أصنع تسألوني ويأبى الله لي البخل" فيه ما يدل على صحة ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد في مسألة له على ما بين درهم إلى عشرة فإن عند أبي حنيفة يلزمه تسعة وعند زفر ثمانية وعندهما عشرة وعند بعض لا شيء عليه لأنه لما أقر له بما بين الدرهم الواحد وبين العشرة كلها ولا شيء بينهما ولكن هذا الحديث يدفع هذا القول لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه قد كان أعطى ذلك الرجل عطية يستحق بها الشكر منه فلم يشكرها وهو أفصح الناس وكلام العرب موافق لما قلنا يقولون: لهذا عشرون ناقة فجملا يريدون ما بين ناقة وجمل والعدد عشرون وحكى الكسائي أنه سمع أعرابيا رأى الهلال فقال: الحمد لله ما أهلالك وجمل والعدد عشرون وحكى الكسائي أنه سمع أعرابيا رأى الهلال فقال: الحمد لله ما أهلالك إلى سرارك يريد ما بين أهلالك إلى سرارك فالإهلال والسرار داخلان فيما ذكر فمثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد أعطيته ما بين مائة إلى عشرة" تدخل المائة مع دخول العشرة التي هي منها فيها. فإن قيل: لا خلاف في قوله لفلان ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط أن له ما بينهما وليس له من الحائطين شيء قلنا الحائطان معينان أقر بما بينهما فدخل ما بينهما وفي إقراره بما بين الواحد والعشرة غير معين إنما هو إقرار بشيء لم يعتمد المقر فيه عند إقراره إلى شيء بعينه فيحمل إقراره على ما بين ذلك

الشيئين وإنما أقربين شيئين مرسلين وفي مثلهما ما قد رويناه مرفوعا ثم ذكرناه من كلام العرب والغايات للأشياء المذكورة مما ليست بأعيان قد وجدناها لا تدخل في الأشياء المذكورة نحو قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فالليل غير داخل وقد يدخل كآية المرافق والكعبين ففيه ما يدل على أن بعض الغايات يدخل فيما جعلوه غاية له وقد لا يدخل ولهذا قال أبو حنيفة: أن الدرهم العاشر لما احتمل الدخول وعدمه لا يدخل بالشكل وقال مع ذلك في رجل باع على أنه بالخيار إلى غد أنه بالخيار حتى يمضي غد لأنه قد يحتمل دخول غد وعدمه فلم يوجب البيع حتى يتحقق وجوبه فأما ما ذكرنا من القول في المسألة الأولى فالذي جاء به الحديث قد أغنانا عن الكلام في شيء من ذلك.

الحكم في ما افسدت الماشية

الحكم في ما أفسدت الماشية عن الزهري عن حرام بن محيصة أن البراء بن عازب أخبره أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى فيها أن حفظ الحوائط على أهلها بالنهار وحفظ المواشي على أهلها بالليل وأن على أهل الماشية ما أصابت بالليل كذا روى الإثبات لا دليل فيه على أخذ حرام عن البراء لأن إن على الانقطاع حتى يعلم ما سواه1 وقد روى عن الزهري عن حرام عن البراء أن ناقة لآل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الثمار على أهلها بالنهار وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل فدل ذلك على اتصاله لأن عن على الاتصال والسماع حتى يعلم غيره والرواية الأولى أصح ثم في تعميم ما أفسدت ماشيتهم دليل على أن عليهم ضمان كل ما تلف من الزرع ومن بني آدم غيرهم لأن ما كان عليه حفظه كان عليه ضمانه إذا ترك الحفظ واتفاق أهل العلم على عدم تضمين ما تلف من بني آدم مخالف لظاهر الحديث فعلمنا أنه منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام: "جرح العجماء جبار" أي هدر وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه خلافا للحجازيين في الزرع والحق أن قوله صلى الله عليه وسلم: "جرح العجماء جبار" مخصص لعموم الحديث ومبين لمعناه لا ناسخ.

_ 1 تأمل.

في حريم النخلة وسعة الطريق

في حريم النخلة وسعة الطريق عن أبي السعيد أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة أو لقط نخلة فقطع منها جريدة ثم ذرعها فإذا هي خمس أذرع قال أبو طوالة أحد رواة الحديث: أو سبع أذرع فجعلها حريمها المراد به النخلة التي تغرس في الموات فيتملكه بأمر الإمام كما هو مذهب الإمام أو يتملكه من غير إذن بمجرد الإحياء كما هو مذهب الشافعي ومالك وغيرهما فيستحق بذلك ما لا تقوم النخلة غلا به وهو الحريم الذي جعل لها في الحديث كما يكون للآبار من الحريم في الموات بقدر ما تقوم به فللعطن أربعون ذراعا من كل جانب ولبئر الناضح ستون ذراعا من كل جانب قال محمد: إلا أن يكون الحبل الذي يستقى به منها ويجره البعير يتجاوز به المقدار المذكور فيكون حريمها إلى ما يتناهى إليه حبلها ومثل ذلك حريم النخلة التي تحتاج إليه ليكون مشربا لها فيها ثمرتها وليبقى لها جريدها وروى عبادة بن الصامت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرايا النخل إذا كان نخلة أو نخلتان أو ثلاث بين النخل فيختلفون في حقوق ذلك فقضى أن لكل نخلة مبلغ جريدها حريمها وكانت تسمى العرايا وذلك إذا اختلف هو وصاحب النخل في حقوقها فيكون لصاحب العرايا ما لا يقوم نخله التي أعريها إلا به. وعن ابن عباس مرفوعا إذا اختلفتم في طريق فاجعلوها سبعة أذرع وعن أبي هريرة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اختلف الناس في طرقهم أنها سبعة أذرع الطرق المبتدأة إذا اختلف في مقدارها الذي يرفعونه لها من المواضع التي يحاولون اتخذاها فيها كالقوم يفتتحون مدينة من المدائن فيريد الإمام قسمتها ويريد مع ذلك أن يجعل فيها طريقا لمن يحتاج أن يسلكها من الناس إلى ما سواها من البلدان يجعل سبعة أذرع كل طريق منها على ما في هذه الآثار ومثله الأرض الموات يقطعها الإمام رجلا ويجعل

إليه إحياءها ووضع طريق منها لاجتياز الناس فيه منها إلى ما سواها فيكون ذ لك سبعة أذرع ولا محمل أحسن من هذا لهذا الحديث والله أعلم.

في الانتفاع بالطرقات

في الانتفاع بالطرقات روى عن عمر بن الخطاب قال: أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس على الطريق فقال: "إياكم والجلوس على هذه الطرقات فإنها مجالس الشيطان فإن كنتم فاعلين لا محالة فأدوا حق الطريق" فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدواحق الطريق" ولم أسأله ما هو فلحقته فقلت: يا رسول الله أنك قلت كذا وكذا فما حق الطريق؟ قال: "حق الطريق أن ترد السلام وتغض البصر وتكف الأذى وتهدي الضال وتغيث الملهوف" في ذلك آثار في بعضها: إفشاء السلام وطيب الكلام وفي بعضها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على الطريق ثم رخص فيه على الشرائط المذكورة ففيه دليل على إباحة الانتفاع من الطريق العامة بما لا يضر على أحد من أهلها وإذا كان الجلوس فيها مما يضيق على المارين فلا يباح على ما في حديث معاذ الجهنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا في بعض غزواته لما ضيق الناس في المنازل وقطعوا الطرقات أن من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له.

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات في تعارض البينتين عن أبي موسى قال: اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعير وليس لواحد منهما بينة فقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين وروى عنه أن رجلين اختصما في بعير فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسم النبي صلى الله عليه وسلم البعير بينهما وفي رواية: أن رجلين ادعيا دابة وجداها عند

رجل فأقام كل واحد منهما شاهدين أنها دابته فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين وهذا أولى لأن القضاء لا يكون إلا بالبينات ولا يكون بالأيدي المجردة وهذه مسألة مختلف فيها فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى هذا الحديث وذهبت طائفة منهم إلى الإقراع بين المتداعيين في ذلك محتجين بحديث منقطع عن سعيد بن المسيب قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فجاء كل واحد منهما بشاهدي عدل عدة واحدة فأسهم بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم أنت تقضي بينهما". وذهبت طائفة منهم إلى أنه يقضي به لصاحب أزكى البينتين وأظهرهما ورعا وهو قول مالك وأهل المدينة ويجيء على قياس قولهم: إذا تكافأت البينتان أن يقضي بينهما وطائفة تقول: يقضي بينهما على عدد شهود كل واحد منهما فإن استووا في العدد يقضي بينهما بنصفين ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه لنعلم الأولى مما قالوه فيه فوجدنا القرعة قد كانت في أول الإسلام فإن عليا أقرع بين النفر الثلاثة الذين وطئوا المرأة في طهر واحد فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه ثم أنه ترك العمل بها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في رجلين ادعيا ولدا فقضى به بينهما وأنه للباقي منهما ولا يظن بعلي ترك الإقراع الذي حكم به واستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا لما هو أولى بالعمل فانتهى القضاء بالقرعة وانتسخ وكذلك وجدنا القضاء بأزكى البينتين مدفوعا بقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} و {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} حيث سوى النص بين العدل ومن فوقه في العدالة فانتفى هذا القول أيضا وكذلك القول بالحكم بعدد الشهود لا معنى له لأن الشاهدين العدلين لما جاز الحكم بهما عقلنا أنهما كأكثر منهما من العدد ولما انتفت هذه إلا قوال الثلثة ثبت القول الرابع ولم يجز الخروج عنه إذ لم يوجد لأهل العلم في ذلك غير هذه الأقوال الأربعة كيف وقد روى عن أبي الدرداء أنه اختصم إليه رجلان في فرس فأقام كل واحد مهما البينة أنه فرسه انتجه لم يبعه ولم يهبه فقال أبو الدرداء: أن أحدكما

كاذب ثم قسمه بينهما نصفين ثم قال: ما أحوجنا إلى سلسلة بني إسرائيل فسئل ما هي قال: كانت تنزل فتأخذ بعنق الظالم فيه ما يدل على فضل علمه وهو قوله أحدكما كاذب ولم يقصد إلى واحدة من البينتين لأن العلم محيط بكذب أحد المدعيين إذ لا يكون مالكا لشيء غيره مالكه وليس البينتان كذلك إذ يحتمل أن يكون الفرس الأم لأحد المدعيين بعلم إحدى البينتين ثم انتقل عن ملكه بغير علمها إلى ملك المدعي الآخر بطريقه الشرعي فنتجت الفرس المدعى فيه عنده فوسع كل واحدة من ألبينتين تشهد أن ذلك النتاج كان في ملك الذي عرفت الفرس التي تنتجه في ملكه فانتفى الحرج عنهما ووجب القضاء بالبينات التي ثبت عدلها وترك استعمال الظنون بها.

في شهادة خزيمة

في شهادة خزيمة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم بالمشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: "أو ليس قد ابتعته منك"؟ فقال الأعرابي: لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلى قد ابتعته منك" فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني قد بايعتك فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي وهو يقول1: أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: "ثم تشهد" قال: بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول

_ 1 كذا ولعل هنا سقطا.

الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين في شهادة خزيمة على الأعرابي بقوله: أنا أشهد أنك قد بايعته واستحقاقه بها الشرف والكرامة التي خصه الله بهما دون أن يقول أن أشهد بشهادة الله على بيعه إياه دليل على أن الشهادة على الحقوق عند الحكام كذلك خلافا لسوار ويزيد بن أبي مسلم فإنهما يقولان: أشهد بشهادة الله وهو منهى عنه لأن الله تعالى يعلم حقائق الأشياء التي لا يعلمها خلقه فقد يشهد الرجل على وجوب حق لزيد ثم ببرأ إليه منه ويعلم الله ذلك منه ويخفى على المخلوقين فيسع لمن كان يعلم وجوب الحق في البدئ أن يشهد بوجوبه المدعيه والله يشهد فيه بخلاف ذلك مما قد أخفاه عن خلقه وفيما ذكرنا ما قد دل على ما وصفنا. واختلف أهل العلم في كيفية تأدية الشهادة في معرفة استصحاب حال الأصل الذي شهد الشاهد بمعرفته فمنهم من لا يجيز إلا على البت ويراها راجعة إلى العلم ومنهم من لا يجيزها على البت ويراها غموسا ومنهم من لا يراها على البت ويحكم بها إذا وقعت بما يعلمه الشاهد يقينا ويقول أشهد بشهادة الله وإن كان لا يعلمه إلا بغالب ظنه لا يجوز له أن يقول أشهد بعلم الله أو بشهادة الله سواء كان في معرفة استصحاب الحال أو في معرفة الأصل كالشهادة على الملك خلافا لأهل العراق.

في من لاتقبل شهادته

في من لا تقبل شهادته روى عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ومجلود ولا ذي غمر لأخيه ولا مجرب عليه شهادة زور ولا القانع مع أهل البيت لهم ولا الظنين في ولاء ولا قرابة" فيه أن المجلود حدا مطلقا لا تجوز شهادته ولهذا عم المجلود في الخمر أيضا عند الأوزاعي ولم يوافقه على ذلك غير الحسن بن صالح وخالفهما فقهاء الأمصار ولما قبل شهادة المقطوع في السرقة إذا تاب والزاني البكر المجلود إذا تاب فليكن غيرهما كذلك إلا

ما استثنى في كتاب الله وهو المحدود في القذف فألزمه الفسق الذي اتصف به بخلاف سائر أنواع الفسق ثم أعقب ذلك بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} الآية واختلف أهل العلم في قبول شهادتهم بعد التوبة فقبله بعضهم لزوال الفسق وهو مذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز ولم يقبله أبو حنيفة وأصحابه والثوري وإن زال الفسق بالتوبة احتج القابل بما روى عن ابن المسيب عن عمرانه قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك أو تب تقبل شهادتك وعنه أن عمر جلد الثلاثة لما نكل الرابع وهو زياد وكانوا شهدوا على المغيرة فاستتابهم فتاب إثنان وأبي أبو بكرة فكان تقبل شهادتهما ولا تقبل شهادة أبي بكرة لأنه أبي أن يتوب وكان مثل النضو من العبادة. وجوابه أن ابن المسيب لم يأخذه عن عمر إلا بلاغا لأنه لم يصح سماع عنه وروى عن ابن المسيب أنه كان يذهب إلى خلافه روى قتادة عنه وعن الحسن أنهما قالا القاذف إذا تاب فيما بينه وبين ربه لا تقبل شهادته ويستحيل أن يصح عنده عن عمر القبول ثم يتركه إلى خلافه وكذا روى عن شريح قبول التوبة وعدم قبول الشهادة. قال الطحاوي: ولما كانت شهادته بعد القذف قبل الحد مقبولة وبعد الحد الذي هو طهارة له إن كان كاذبا مردودة وكانت التوبة بعد ذلك أنما هي من القذف الذي لم ترد شهادته به وإنما ردت بغيره وهو الجلد. وجب أن تكون شهادته مردودة بعد الحد تاب أو لم يتب لأن التوبة لا تأثير لها في الحد الذي هو علة عدم القبول لأنه من فعل غيره لا من فعله والتوبة إنما تكون من أقواله وأفعاله واثر التوبة إنما هو في القذف الذي ليس بعلة ففي هذا دليل واضح على صحة قول من ذهب إلى رد الشهادة بعد التوبة والله أعلم.

في التحذير من الدين

في التحذير من الدين روى عن عقبة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "لا تخيفوا أنفسكم أو قال: "ألانفس" قيل: يا رسول الله بم نخيف أنفسنا؟ قال: "بالدين"

يعني الدين الغالب عليه منه فإنه المخيف والمذموم المترتب عليه سوء المطالبة في الدنيا وسوء العاقبة في الأخرى عن ابن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغفلة في ثلاث: الغفلة عن ذكر الله ومن لدن أن يصلي صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وأن يغفل الرجل عن نفسه في الدين حتى يركبه" وذم عمر أسفع بقوله: إلا أن اسيفع اسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال: سبق الحاج فأدان معرضا فأصبح قدرهن1 به فمن كان له عليه دين فليحضر بيع ما له أو قسمة ما له أن الدين أو له هم وآخره حرب يعني فاستدان من كل من أمكنه الاستدانة منه واعترضهم بذلك قوله وقد رهن أي"1" وقع فيما لا يمكنه الخروج منه ولا طاقة له به وأما الدين الذي يمكن الإنسان الخروج منه بالإيفاء فليس بمذموم بل يرجى له الثواب والعون من الله تعالى عليه فقد روى أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استدانت فقيل لها: تستدينين وليس عندك وفاء قالت: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أخذ دينار هو يريد أن يؤديه أعانه الله عز وجل" وعن عائشة مثل ذلك وأنها قالت: وإنما التمس ذلك العون وكان عمر إذا صلى الصبح يمر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فرأى يوما رجلا على باب عائشة جالسا فقال: مالي أراك فقال: دينا أطلب به أم المؤمنين فبعث إليها عمرا مالك في سبعة آلاف درهم أبعث بها إليك كل سنة كفاية؟ فقالت: بلى ولكن علينا فيها حقوق وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من أدان دينا ينوي قضاءه كان معه من الله عز وجل حارس فأنا أحب أن يكون معي حارس" والعون والحرسة لا تكون إلا لمن له حالة محمودة ومما يستدل به على إباحته مع نية الوفاء ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا تأتي علي ليلة وعندي منه دينار

_ 1 كذا والمعروف "أين" وذكر في النهاية هذا الأثر قال "أصبح قدرين به" أي أحاط الدين بماله يقال رين بالرجل رينا إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه"- ح.

إلا دينارا رصده لدين" فدل على جواز الاستدانة قطعا واستدانته من اليهودي ورهنه درعه عنده أشهر من أن يخفى.

في مطل الغني

في مطل الغنى روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لي الواحد يحل عرضه وعقوبته اللي المطل وهو مصدر لويته ليا كشويته شيا وروى مطل الغنى ظلم فيجوز تسميته ظالما ويخاطب بذلك بقوله يا ظالم أو أنت ظالم فهذا الذي يحل من عرضه وما قيل هو: التقاضي فليس بشيء لأن التقاضي سبب اللي فهو غير التقاضي والعقوبة المستحقة هي الحبس وقيل: هي الملازمة وهي حبس الملزوم عن تصرفه في أموره والأول أولى لأن في ملازمة رب الدين المديون تشاغل عن أسباب نفسه واكتسابه وبالإجماع أنه يحبسه الحاكم عند سؤال المستحق بطريقه فكانت العقوبة بالحبس أولى منها بالملازمة.

في انظار المعسر

في أنظار المعسر عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة" ثم سمعته يقول "بكل يوم مثله صدقة" قال: فقلت له: أني سمعتك تقول: "فله بكل يوم صدقة" ثم قلت الآن: " فله بكل يوم مثله صدقة" فقال: أنه متى لم يحل له الدين فله بكل يوم صدقة فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثله المسؤول هو الرسول صلى الله عليه وسلم لا الراوي وهذا في القروض لا ثمن البياعات وغيرها سوى القروض لأنها إبدال من أشياء سواها لأحمد فيها لأهلها يثابون عليها إلا إذا أخر بعد حلولها فيثاب عليه كالقرض قال الطحاوي: أموال القروض يتبرع مالكها بإقراضها المحتاجين ليتصرفوا بها في منافع أنفسهم فيثاب عليه في قرضه إياها إلى المدة ما يثيبه الله عز وجل على ذلك سواء قلنا بلزوم المدة كما قاله مالك أولا كما قاله أبو حنيفة وأصحابه والشافعي لأنه وإن لم يجب حكما يجب للوفاء بالوعد فإذا انقضت المدة وحل

الدين فأنظره كان ثوابه فوق ثواب الأول يكون له كل يوم مثله صدقة ثم الحديث يصلح حجة لأبي حنيفة وأصحابه والشافعي فيمن أسلف رجلا إلى أجل فله أن يأخذه منه قبل محل الأجل إن شاء فمعنى الحديث أن من أسلف فاحتاج إليه قبل الأجل فلم يأخذه منه وانظره به إلى الأجل فله بكل يوم صدقة وإذا انظره بعد الأجل فله بكل يوم مثله صدقة لأنه أعظم أجرا من الأول لأنه أنظار بما لا يكره له أخذه منه والأول أنظار بما يكره له أخذه منه لأجل خلف الوعد وروى أن الأسود كان يستقرض تاجرا فإذا خرج عطاؤه قضاه وأنه خرج عطاؤه فقال الأسود: إن شئت أخرت عنا فإنه قد كانت علينا حقوق في هذا العطاء فقال له التاجر: لست فاعلا فنقده الأسود خمسمائة حتى إذا قبضها قال له التاجر: دونك فخذها قال له الأسود: قد سألتك فأبيت قال له التاجر: إني سمعتك تحدث عن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من أقرض قرضين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به" ليس هذا بمخالف لحديث ابن بريدة لأن حديثه على ثواب الأنظار به بعد ما يجب للمقرض على المستقرض دينا له عليه وحديث ابن مسعود في الثواب على نفس القرض لكن لو كان التاجر علم حديث ابن بريدة لما كلفه الأداء ولطرح عنه مؤنته بالانظار لأن أجره بذلك لو فعله كان أكثر وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم "من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" يحتمل أن يكون الظل من الأشياء التي يتأذى بها بنو آدم كالشمس في الدنيا ويحتمل أن يكون بمعنى الكنف والستر ومن كان في كنف الله تعالى وقى من الأشياء المكروهة يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه فلا يصيبه نصب ولا تعب والمعسر المراد هنا هو الذي يجد ما يعطى ولكن يتضرر به فاستحق المنظر ثواب الإيثار على نفسه وأما المعسر العديم الذي لا شيء عنده فلا ثواب له في أنظاره إذ هو مغلوب على ذلك لا يقدر على سواه فالمعسر المقل هو المراد بالحديث لا المعدم والإعسار أعم من الإعدام

في بيع المديون

في بيع المديون عن زيد بن أسلم أنه قال: لقيت رجلا بالإسكندرية يقال له: سرق فقلت له ما هذا الاسم؟ فقال: سمانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت المدينة فأخبرتهم أنه يقدم لي مال فبايعوني واستهلكت أموالهم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أنه سرق" فباعني بأربعة أبعرة فقال له غرماؤه: ما تصنع به؟ قال: أعتقه قالوا: ما نحن بأزهد في الأجر منك فاعتقوني وفي رواية أن سرقا هذا قال: لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت له: انطلق معي حتى أعطيك فدخلت بيتي وخرجت من خلف لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد خرج فخرجت والأعرابي مقيم فأخذني فقدمني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ما صنعت" قلت: قضيت بثمنهما حاجتي يا رسول الله قال: "فأقضه" قلت: ليس عندي قال: "أنت سرق" اذهب يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك فجعل الناس يسومونه في ويلتفت إليهم فيقول ما تريدون فيقولون: نريد أن نبتاعه منك فنعتقه قال: فوالله إن منكم أحد أحوج إليه مني إذهب فقد اعتقتك. كان هذا الحكم في أول الإسلام عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان من شريعة من قبله كذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الخضر عليه السلام ملك نفسه لمن استرقها إذ كان ذلك من الشريعة المتقدمة روى أن سائلا سأله بوجه الله العظيم لما يصدق عليه فلم يكن عنده ما يعطيه فقال: لقد سألت بعظيم وما أجد إلا أن تأخذني فتبيعني فقدمه إلى السوق فباعه بأربع مائة درهم فعمل للمشتري من العمل ما استطاعه فأخرق به العادة فقال له: أسألك بوجه الله ما حسبك وما أمرك قال: سألتني بوجه الله ووجهه أوقعني في العبودية فأخبره قصته وقال: أخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة وليس لوجهه جلد ولا لحم ولا دم إلا عظم يتقعقع قال: آمنت بذلك

شققت عليك يا رسول الله أحكم في أهلي ومالي بما أراد الله عز وجل أو أخيرك فأخلى سبيلك قال: أحب أن تخلي سبيلي يا عبد الله خلى سبيله فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ونجاني منها في حديث طويل هذا معناه. قال الطحاوي: فلما كان من شريعة من قبلنا إرفاق النفوس تقربا إلى ربهم كان استرقاقهم بالديون التي عليهم أولى فلذلك عمل به النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا لشرائعهم ما لم يحدث الله عز وجل ناسخا لذلك وهو قوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فعاد الحكم إلى أخذ الديون ممن هي عليه إن كان موسرا وإمهاله إن كان معسرا معدما وبين الله أيضا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيام ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجرا أجيرا ولم يوفه أجره" وكذلك لا يؤجر المديون فيما عليه من الدين لما روى عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه" فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" وما أعلم أحد اذهب إلى إجارة المدين المعدم غير الزهري والله أعلم.

في قضاء جابر دين ابيه

في قضاء جابر دين أبيه روى عن جابر بن عبد الله أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبى فأبوا فلم يعطهم حائطي ولم يكسره لهم ولكنه قال: "سأغدو عليك" فغدا على حين أصبح فطاف في النخل ودعا في تمرها بالبركة فجذ ذناها وقضيتهم حقوقهم وبقي لنا من ثمرها بقية فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر وهو جالس: "اسمع يا عمر" فقال عمر: ألا يكون قد علمنا أنك رسول الله فوالله أنك لرسول الله،

وله طرق في بعضها أو في غريم أبيه اليهودي ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة وعشرون وسقا وفي بعضها أنه قضى الرجل حقه وفضل منه مثل تمر النخل في كل عام وفي بعضها فأعطينا الرجل كل شيء كان له وبقي لنا خرص نخلنا كما هو وفي بعضها أنه قال: أصيب أبي وله حديقتان وليهودي عليه تمر يستنفد ما في الحديقتين فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه أن يكلمه في أن يؤخر عنا بعضه فكلمه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلم إلى تمرك فخذه" فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل إلى إحدى الحديقتين وهي أصغرهما فقال لنا: "جذوا" فجعلنا نجذ ونأتيه بالمكتل فيدعو فيه فلما فرغنا قال لليهودي: "اكتل" فأوفاه حقه من أصغر الحديقتين وبقيت لنا الحديقة الأخرى، في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم غرماء عبد الله بن حرام أن يقبلوا تمر حائطه الذي لم يقفوا على مقدار كيله وأن يحللوه من البقية مع جهل مقدارها دليل على تجويز البراءة من الديون المجهولة عند المبرئ بها كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه ومالك خلافا للشافعي في شرطه العلم للمبرئ والمبرأ وقت البراءة منه وهو مبني على الاختلاف في جواز هبة المجهول وفيه دليل على جواز الصلح من الحقوق على مقدار ينقص عنها من جنسها مع جهل المتصالحين مقدارها فأجاز ذلك من أجاز البراءة من الديون المجهولة ومنع ذلك من لم يجزها وفيه معنى آخر يقضي بين المختلفين من أهل العلم في صلح الوارث غرماء أبيه المتوفى من دينهم الذي لهم عليه على بعضه فكل أهل العلم أجاز إلا الأوزاعي فإنه منع الوارث منه لأن غرماء أبيه أولى بمال أبيه منه حتى يستوفوا ديونهم، والحديث حجة على الأوزاعي وفي بعض الآثار إضافة الحائط إلى جابر وفي بعضها إضافتها إلى أبيه عبد الله وإنما إضافة إلى جابر كما يضيف الناس أسباب من هم منهم إليهم لا على الحقائق من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة لما قضى بينه وبين علي وجعفر في ابنة حمزة وأما أنت يا زيد فمولاي ومولاها وإنما كان ولاؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا لها.

في المديون اذا أفلس

في المديون إذا أفلس روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيما رجل أفلس فأدرك رجل ما له بعينه فهو أحق من غيره". يمكن دفعه بأن المراد به الودائع والعواري بخلاف المبيعات التي ليس لواجدها فيها ملك حينئذ وكذلك يمكن دفع حديث مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع إسوة الغرماء" لانقطاعه وكنا ندفع أيضا حديث اسماعيل بن عياش عن موسى ابن عقبة عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يقبض من ثمنها شيئا فهي له وإن كان قضاه من ثمنها شيئا فما بقي فهو إسوة الغرماء" ولا نرى فيه علينا حجة لفساد رواية اسماعيل عن غير الشاميين ولكن حديث مالك مسندا من رواية عبد الرزاق عنه عن ابن شهاب عن أبي بكر عن أبي هريرة وكذا حديث اسماعيل بن عياش عن الشاميين الذي لا كلام في حديثه عنهم لا يمكن دفعه والقول فيه ما قال مالك ولو اتصل عند من خالفه هذا الاتصال لما خالفه ولرجع إليه فالمخالف معذور في خلافه وأما الشافعي فقد كان يقول إذا أفلس بعد ما قضى بعض الثمن أنه يكون في حصة ما قضاه إسوة الغرماء ويكون أحق بالباقي منهم والحديث يدفع ذلك وهو الحجة وكذلك كان يسوي بين حكم إفلاسه وبين حكم موته فيجعل صاحب السلعة فيهما أحق من الغرماء والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بينهما في الحكم وكان يحتج بحديث أبي المغيرة ابن عمرو ابن نافع عن ابن خلدة الزرقي وكان قاضيا أنه قال: جئنا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس فقال: إيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه وأبو المغيرة مجهول مع أنه لو كان ثابتا لكان حديث الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة أولى منه لأنه قد روته

الأئمة الذين تقوم الحجة برواياتهم مع أن فيه أو التشكيك فيعود الحديث إلى أن لا يعلم ما فيه هل هو في التفليس أو في الموت وقال الطحاوي: وما وجدنا أحدا من أهل العلم أجد تكلما في هذا الحديث غير مالك بن أنس فأما من سواه فقد ذكرنا أقوالهم.

كتاب الحمالة والحوالة وما جاء في الحمالة بالمال

كتاب الحمالة والحوالة وما جاء في الحمالة بالمال مدخل ... كتاب الحمالة والحوالة وما جاء في الحمالة بالمال روى عن قبيصة بن المخارق أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "نحن نخرجها عنك من إبل الصدقة أو نعم الصدقة يا قبيصة أن المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل بحمالة فحلت له المسئلة حتى يؤديها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ما له فحلت له المسألة1 حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ورجل أصابته حاجة حتى يتكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن قد حلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك". في إباحة النبي صلى الله عليه وسلم المسألة لقبيصة دليل لزوم الحمالة للحميل ووجوبها عليه دينا وإن كان المتحمل بها عنه مقدورا على مطالبته كما هو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه والشافعي وكان عند مالك ثم رجع وقال: لا يطالبه المتحمل له إلا عند تعذر مطالبة المتحمل عنه وفي قوله حتى يتكلم ثلاثة دليل على اشتراط الثلاثة من الشهود كما في الأربعة في الزنا بخلاف الحقوق والحاجة مما يختلف أحوال الناس عندها بخلاف الحاجة التي لم يبق له معها شيء ولهذا رد إلى قول العدد واختلاف الحاجات باختلاف مؤمنهم في قليلها وكثيرها فكان مردودا إلى مقدار الحاجة في نفسها والسؤال أطلق لأهلها حتى يسدها الله بما شاء أن يسدها ولم يذكر مقدار ما يمنع من المسألة بعينه لذلك ولا تخالف

_ 1 كذا في الأصل ولعل هنا ترك جملة فحلت له المسألة وفي صحيح مسلم في هذه الرواية هكذا حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة.

المقادير المذكورة في حديث سهل في كتاب الزكاة لأن ذلك باعتبار الغاية في الحاجة وهذا قد يكون للمحتاج شيء من المال لكن لا يستطيع به سداد الحاجة فما أبيحت المسألة له حتى يسدها ولم يذكر مقدار الباقي الذي أبيحت له المسألة معه لاختلاف أحوال الناس فيه.

في الكفالة عن الميت

في الكفالة عن الميت روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالميت عليه الدين فيسأل ما ترك لدينه من قضاء فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإن قيل: لا قال: "صلوا على صاحبكم" فلما فتح الله عز وجل عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلى قضاؤه ومن ترك ما لا فلورثته" فيه تسوية من عليه دين وترك وفاء ومن لا دين عليه في جواز صلاته عليه وإن كانت الذمة لا تبرأ بمجرد ترك الوفاء حتى يوفى عنه، وكذلك الكفالة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعى إلى جنازة رجل من الأنصار فلما وضع السرير وتقدم ليصلي عليه التفت فقال: "أعلى صاحبكم دين؟ " فقالوا: نعم يا رسول الله قال: "صلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة الأنصاري: هو إلي يا نبي الله فصلى عليه ففي هذا جواز صلاته بالكفالة وإن كان الدين لا يسقط بها عنه وما روى عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه قال: توفي رجل منا فذهبوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقال: "هل ترك من شيء" قالوا: لا والله ما ترك شيئا قال: "فهل ترك عليه دينا" قالوا: نعم ثمانية عشر درهما قال: "فهل ترك لها وفاء"؟ قالوا: لا والله ما ترك لها قضاء من شيء قال: " فصلوا على صاحبكم" فقال أبو قتادة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أنا قضيت عنه أتصلي عليه قال: "نعم إن قضيت عنه صليت عليه" فذهب أبو قتادة فقضى عنه ثم جاء فقال: قد وفيت ما عليه فقال: نعم فدعا به فصلى عليه هو حديث فاسد الإسناد لا تقوم بمثله حجة لأنه قد روى أن عبد الله أنكر سماعه من أبيه وقال: إنما حدثني به من

أهلي من لا أتهم وفيه إلزام رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفيل الكفالة بغير أمر المكفول عنه وفيه إلزامه بغير قبول المكفول له كما قاله أبو يوسف ومحمد خلافا لأبي حنيفة وفيه إلزام الكفالة بالدين الذي على الميت المفلس كما قالا خلافا للإمام لأن بالموت خربت الذمة فسقط الدين ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المتبع والمقتدى روي عن جابر بن عبد الله أن رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو اليسر أو غيره هو إلي فصلى عليه فجاءه من الغد يتقاضاه فقال: إنما كان ذلك أمس ثم أتاه من بعد الغد فأعطاه فقال الآن بردت عليه جلدته ففيه إلزام الكفيل عن الميت المفلس وفيه أن الذي عليه لم يبرأ بوجوبه على الكفيل الأبعد القضاء وفيه دليل على صحة ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعيون يذهبون إليه في المال المكفول به أن للغريم مطالبة الكفيل والمكفول عنه أيهما شاء خلافا لما قاله مالك بأنه لا يطالب الكفيل إلا عند عجزه عن مطالبة الأصيل لأن الميت المكفول عنه ما ترك وفاء فلذلك لزم الكفيل ولأن المكفول عنه إذا كان حاضرا قادرا فإن أخذ من الكفيل يؤخذ في حينه من الأصيل فأخذه من الأصيل أقل عناء فهو أولى قال الطحاوي في قوله: الآن بردت عليه جلدته دليل على صحة ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه فيمن قضى دينا عن رجل بغير أمره ليس له أن يرجع عليه لأنه لو بقي على الميت لما بردت جلدته ولكن قول مالك في الحي وفي الميت الذي له وفاء والحديث في الميت المفلس ثم كيف يحتج لأبي حنيفة بالحديث وهو لا يقول بجواز الكفالة عن الميت المفلس اللهم إلا أن يقال: أن عنده يجوز ولكن يلزم وهو الأصح.

في الحمالة بالنفس

في الحمالة بالنفس روى عن عمران بن حصين قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

رجلا من بني عامر بن صعصعة فمر به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "على ما أحبس" قال: بجريرة حلفائك قال: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه أيضا فأقبل إليه فقال له الأسير: إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه أيضا فأقبل إليه فقال: إني جائع فأطعمني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذه حاجتك" ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما وفيما روى عنه قال: كانت العضباء لرجل من عقيل أسر فأخذت العضباء منه فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد على م تأخذونني وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آخذك بجريرة حلفائك" وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة فقال: يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه حاجتك" ثم أن الرجل فدى بالرجلين وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله في احتباس الراحلة لرحله دليل على أنه لم يكن بينه وبين قوم الأسير أمان ولا موادعة ولم يسقط الإسلام الحبس بجريرة حلفائه ولا أوجب له رده إليهم دون أن يردوا الرجلين الإسيرين لأن الإسلام لا يسقط عن الأسير إلا القتل لا ما سواه من الواجبات عليه كالاسترقاق لو كان كتابيا ولما كان مأخوذا بذلك وإن لم يوجبه على نفسه لا يجاب الشريعة إياه عليه كان لو أوجب على نفسه مثل ذلك من تخليص من أسر من المسلمين عليه أوجب وفي الحكم به ألزم فتكون الكفالات بالأنفس إذا وجبها بعض لبعض لازمة كما يقوله الكوفيون والمدنيون وكان الشافعي يذهب إلى هذا غير أنه ضعفها مرة ولم يبطلها وكيف يضعف ما قد دل عليه ما جئنا به من هذا ومثله تولية النقباء على الأنصار وهم الأمناء عليهم في رفع

حالهم روى أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "إني أولي عليكم نقباء يكونون عليكم كفلاء كنقباء بني إسرائيل كفلاء". وفي ذلك ما قد حقق الكفالة بالأنفس لا سيما عند من يحتج بالمغازي وقد جاء عن الصحابة ما يوجب ثبوتها مثل ما روى أن عمر بن الخطاب بعث حمزة بن عمر والأسلمي مصدقا على سعد هذيم فأتى بمال ليصدقه فإذا رجل يقول لامرأته: أدى صدقة مال مولاك وإذا المرأة تقول له: بل أنت فأد صدقة مال ابنك فسأل حمزة عن أمرهما وقولهما فأخبر أن ذلك الرجل وقع على جارية زوجته فولدت له ولدا فأعتقته امرأته قالوا: فهذا المال لابنه من جاريتها فقال حمزة: لأرجمنك بأحجارك فقيل له: أصلحك الله إن أمره رفع إلى عمر فجلده مائة ولم ير عليه الرجم فأخذ حمزة بالرجل كفيلا حتى قدم على عمر فسأله عما ذكر له عنه فصدق ذلك وقال: إنما درأ عنه الرجم أنه عذر بالجهالة. ومن ذلك ما روى عن حارثة بن مضرب قال: صليت الغداة مع ابن مسعود في المسجد فلما سلم قام رجل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فوالله لقد بت هذه الليلة وما في نفسي على أحد من الناس حنة وإني كنت استطرقت رجلا من بني حنيفة لفرسي فأمرني أن آتيه بغلس وأني أتيته فلما انتهيت إلى مسجد بني حنيفة مسجد عبد الله بن النواحة سمعت مؤذنهم يقول وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن مسيلمة رسول الله فاتهمت سمعي وكففت الفرس حتى سمعت أهل المسجد أنيطوا على ذلك فما كذبه عبد الله وقال: من ههنا فقام رجال فقال: على بعبد الله بن النواحة وأصحابه قال حارثة: فجيء بهم وأنا جالس قال عبد الله لابن النواحة: ويلك أين ما تقرأ من القرآن قال: كنت أتعبكم به قال له: تب فأبى فأمر به عبد الله بن مسعود قرظة بن كعب الأنصاري فأخرجه إلى السوق فجاءه برأسه قال حارثة: فسمعت عبد الله بن مسعود يقول من سره أن ينظر إلى عبد الله بن النواحة قتيلا بالسوق فليخرج فلينظر إليه قال حارثة: فكنت فيمن خرج ينظر إليه ثم أن عبد الله استشار أصحاب محمد صلى الله

عليه وسلم في بقية النفر فقام عدي بن حاتم الطائي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فثؤلول من الكفر اطلع رأسه فأحسمه فلا يكون بعده شيء وقام الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله فقالا: لا بل استتبهم وكفلهم عشائرهم فاستتابهم فتابوا وكفلهم عشائرهم ونفاهم إلى الشام ففي الحديثين استعمال عبد الله الكفالة بالأنفس بمشورة من اشار عليه بها وبحضور من حضرها فلم ينكر ذلك عليه ولم يخالفه فيه فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه وما جاء هذا المجيء كان بالقوة أولى وبنفي الضعف عنه أحرى.

في الحوالة

في الحوالة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مطل الغنى ظلم ومن أتبع على ملى فليتبع" أي: من أحيل على ملى فليتبع وكذلك رواه ابن عمرو أن أحلت على ملى فأتبع وقال زيد بن الهذيل والقاسم بن معن: الحوالة كالكفالة وللمحتال أن يطالب كل واحد من المحيل ومن المحال عليه وقوله: من أحيل على ملى فليتبع يدفع ذلك مع أنه يصح أن يقال لي: على فلان كذا وفلان كفيل به أو ضمين أو حميل وفيه ذكر بقاء الحق على الذي كان عليه كما كان قبل الضمان ولا يقال لي: على فلان كذا وفلان لي به حويل أو أحالني به على فلان لأن الحوالة معها تحويل المال عمن كان عليه إلى المحال عليه ثم ظاهر الحديث يدل على صحة الحوالة وإن لم يكن للمحيل على المحال عليه مثل المال كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والشافعي خلافا لمالك فلو أحيل على فقير على ظن أنه ملى فقال مالك: له أن يرجع بما له على المحيل وتبطل الحوالة وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يرجع وقال أبو يوسف ومحمد: إذا قضى القاضي بتفليسه عاد وإذا مات المحال عليه معد ما يرجع المحيل خلافا لمالك والشافعي وقول الإمام أولى لأن الحوالة في معنى بيع ذمة بذمة كمن أخذ بالدين عبدا فمات قبل قبضه يرجع بدينه كذا هذا وإن كان مالك لا يقوله في العبد فهو يقوله في الطعام المبيع كيلا ولا فرق بين هذا وما قبله.

كتاب الرهن

كتاب الرهن مدخل ... كتاب الرهن روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا" لم يذكر في هذا الحديث من المقصود بالركوب وشرب اللبن المذكورين فيه فقيل: أنه الراهن وهو مذهب الشافعي ومن سواه من أهل العلم حمله على خلافه وقد روى عن أبي هريرة مرفوعا "إذا كان الدابه مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يركب ويشرب نفقتها" فيه دليل على أن المقصود هو المرتهن وهذا عندنا منسوخ لأنهم مأمونون على ما عملوا كما هم مأمونون على ما رووا لأنه لو لم يكن كذلك لسقطت عدالتهم وسقطت روايتهم ومما يدل على أن النسخ قد طرأ على هذا الحديث أن الشعبي قد روى عنه أنه قال: لا ينتفع من الرهن بشيء وعليه مدار هذا الحديث فلم يقل ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه ولما كان الرهن موصوفا بأنه مقبوض بقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} دل ذلك أن يد الراهن زائلة فلا يجوز الانتفاع للراهن والمرتهن وإلى هذا ذهب فقهاء الحجاز والعراق.

في الرقبى

في الرقبى روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا او رقبه فهو للوارث إذا مات" وعن ابن عمر مرفوعا: "لاعمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته" وعنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقبى وقال: "من أرقب رقبى فهي له". فيه أن الرقبى تكون لمن أرقبها وإن الشرط باطل لا معنى له والمسألة مختلف فيها فقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: هي قول الرجل للرجل قد جعلت داري هذه رقبى لك إن مت قبلي فهي لي وإن مت قبلك فهي لك وهي كالعارية عندهما وذكر عبد الرحمن بن القاسم جوابا لأسد لما سأله عن قول مالك أن مالكا لم يعرفها ففسرها بالتفسير

المذكور فقال: لا خير فيها والذي ذكرناه عنهما وعن مالك ليس بصحيح عندنا لأنه كان ينبغي لهم أن يجروها مجرى الوصية للمرقب لأن الوصية كذلك تكون وقد حكى القاضي ابو الوليد أن مذهب مالك وأصحابه أنها معتبرة من الثلث وفي "المدونة" على خلاف هذا التفسير لذلك قال: لا خير فيها وقالت طائفة منهم الثوري وأبو يوسف والشافعي هي أن يقول قد ملكتك داري هذه على أن نتراقب فيها فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك سلمت لك فيكون التراقب حينئذ في الرجوع إلى صاحبها الذي أرقبها لا في نفس التمليك فتكون للمرقب غير راجعة إلى المرقب في حال وهذا أولى القولين عندنا.

في العمرى

في العمرى عن أبي الزبير قال: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعمر شيئا فهو له حياته ومماته" وعن جابر مرفوعا قال: "العمري لمن وهبت له" وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعمر عمري فهي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبة" فيها أن العمري لمن أعمرها في حياته وبعد وفاته واختلف في تفسيرها فقال أبو حنيفة والثوري وأصحابهما والشافعي: هي قوله: ملكتك داري هذه أيام حياتك فتكون له بذلك في حياته ولورثته بعد وفاته وقال آخرون: هي التي يقول قد أعمرتك وعقبك داري هذه فيكون له في حياته ولورثته بعد وفاته وإن لم يذكر فيها ولعقبك رجعت لى المعمر بعد موت المعمر منهم ابن شهاب ومالك وكثير من اهل المدينة والأصح أن عند مالك ذكر العقب ليس بشرط فإنه روى عن مالك عن القاسم بن محمد أنه قال: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا واحتج الآخرون بما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: إنما العمري التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها

وكان الزهري يفتي بذلك وهذا الحديث عند مخالفيهم من كلام الزهري فغلط فيه عبد الرزاق فجعله عن معمر عن الزهري واستدلوا على ذلك بأن من هو أحفظ من عبد الرزاق وهو ابن المبارك قد رواه عن معمر بخلاف ذلك فقال فيه عنه عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنه من أعمر رجلا عمري فهي للذي أعمرها ولورثته من بعده. فإن قيل: قد روى هذا الحديث غير معمر عن الزهري منهم ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعمر عمري له ولعقبه فهي له بتة لا يجوز للمعطى فيها شرط قال أبو سلمة: لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ومنهم مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا قال: إيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ومنهم الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعمر رجلا عمري له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمرها ولعقبه" قلنا في حديث ابن أبي ذئب: إضافة بعض الكلام إلى أبي سلمة وإخراجه إياه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ودل على ذلك قول قتادة: حدثني النضر عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمري جائزة" فقال الزهري: أنها لا تكون عمري حتى تجعل له ولعقبه فقال عطاء: حدثني جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمري جائزة" ففي سكوت الزهري عن الرد عليه دليل على أن العقب ليس في حديث جابر من حديث أبي سلمة كما ليس هو في حديث جابر من حديث عطاء وقد جاء مفسرا من رواية أبي الزبير المكي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: "من أعمر عمري حياته فهي له وبعد وفاته" فعلم أن العمري المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها لعقب المعمر ذكر وأنها تجري بخلاف ما اشترطه المعمر فيها وأن شرطه فيها كلا شرط وقد دل على ذلك حديث

ابن عمر أيضافي الرقبى والعمرى وإن ابن عمر أفتى بذلك لما سأله رجل وهب ناقة لرجل حياته فنتجت قال: هي له وأولادها قال: فسألته بعد ذلك فقال: هي له حيا وميتا ولأنهم أجمعوا أنه إذا جعلها له ولعقبه فمات المجعول له عن زوجة أنها ترث منها وتباع في دينه وتنفذ فيها وصاياه وكل ذلك دال على أن الشرط غير معتبر إذ لو اعتبر لم تخرج عنه إلى غيره وفي خروجها عنه إلى غيره عقبا كان أو غير عقب دليل على أنها تخرج عنه في الأحوال كلها وقد روى حديث العمري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة كمعاوية وزيد ابن ثابت وعن أبي هريرة مرفوعا قال: "لا عمري فمن أعمر شيئا فهو له" وعن سمرة مرفوعا العمري جائزة وعن جابر مرفوعا: "امسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فمن أعمر شيئا فهو له وروى أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها فمن أعمر عمري فهي له حيا وميتا" ولعقبه وعقبه كل من أعقبه في ما له بميراث له عنه أو بوصية منه فقد بأن صحة ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في العمري وانتفى به ما قال مخالفوهم فيها.

في استلحاق الولد

في استلحاق الولد عن عائشة قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد إن ابن وليدة زمعة منى فاقبضه إليك قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال ابن أخي قد كان عهد إلي فيه وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وقال لسودة: "احتجبي منه" لما رأى من شبهه بعتبة قالت: فما رآها حتى لقي الله عز وجل، وعنها من طريق آخر أنها قالت: قال عتبة بن أبي وقاص لأخيه سعد وكان عتبة كافرا وسعد مسلما: إني أعهد إليك أن تقبض ابن جارية زمعة إذا لقيته قالت عائشة: فلما كان يوم الفتح لقي سعد بن جارية زمعة فقال: ابن أخي واحتضنه فقال عبد بن زمعة بل هو أخي ولد على فراش أبي من جاريته فاختصما إلى رسول الله

صلى الله عليه وسلم فقال سعد: هذا ابن أخي انظر إلى شبهه بأخي عتبة وقال عبد بن زمعة: بل هو يا رسول الله أخي ولد على فراش أبي من جاريته قالت عائشة: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى شبها لم ير الناس شبها أبين منه بعتبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة" فلم يرها حتى ماتت ظن بعض الناس أن دعوى سعد لا معنى لها لأنه ادعاها لأخيه من أمة لغيره بغير تزويج بينه وبينها وحاشاه من ذلك ووجه دعواه أن أولاد البغايا في الجاهلية قد كانوا يلحقونهم في الإسلام بمن ادعاهم ويردونهم إليه وقد كان عمر بن الخطاب يحكم بذلك على بعد عهده بالجاهلية فكيف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع قربه بها فكان يحكم لأخيه الموصى بدعوى سعد لولا معارضة عبد بن زمعة بدعوى توجب عتاقة الولد لأنه كان يملك بعضه بكونه ابن أمة أبيه فلما ادعى أنه أخوة عتق عليه حظه فهذا أبطل دعوى سعد فيه لا لأنها كانت باطلة ولم يكن من سودة تصديق لأخيها عبد على ما ادعاه فالزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أقربه في نفسه وخاطبه بقوله: "الولد للفراش" ولم يجعل ذلك حجة عليها فأمرها بالحجاب منه ولو جعل أخاها لما أمرها بالاحتجاب منه مع الإنكار على عائشة احتجابها من عمها من الرضاعة هذا محمل الحديث والله أعلم ثم لا خلاف أن من مات وبيده عبد فادعى بعض الورثة أنه أخوه لا يثبت به النسب من الميت ويدخل مع المدعى في ميراثه أيضا عند أكثر أهل العلم ولا يدخل عند بعض منهم الشافعي وروى عن عبد الله بن الزبير قال: كانت لزمعة جارية يطأها وكانت تظن برجل يقع عليها فمات زمعة وهي حبلى فولدت غلاما كان يشبه المظنون به فذكرته سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما الميراث فله وأما أنت فاحتجبي منه فإنه ليس بأخ لك" ففيه نفي أخوته لسودة وقوله: "أما الميراث له" أراد به الميراث في حصة عبد بإقراره لا فيما سواه من تركة زمعة قال القاضي أبو الوليد: الحق أن الذي أبطل دعوى سعد علم النبي صلى الله عليه وسلم بالفراش الذي أدعاه عبد

ابن زمعة لأبيه إذ لا يخفى عليه بالصهورة التي كان بينه وبينه يحققه ما في حديث ابن الزبير كانت لزمعة جارية يطأها فحكم بذلك بقوله: "الولد للفراش" وقال: "هو لك يا عبد بن زمعة" أي: على ما تدعيه من أنه أخوك قوله: "هو لك" أي: بيدك عليه تمنع بذلك غيرك كقوله في اللقطة: "هو لك أو لأخيك أو للذئب" ليس على معنى التمليك وجعل الميراث له أي من جميع تركته ولو لم يثبت نسبه من زمعة لثبت نسبه من عتبة بادعاء أخيه سعد ذلك له بعهده إليه به على ما كان الحكم به من إلحاق أولاد البغايا بمن ادعاهم ولما بطل ذلك بالعتق الذي حصل له بادعاء عبد بن زمعة إذ لا تأثير للعتق في إبطال دعوى النسب وأمر النبي صلى الله عليه وسلم سودة بالاحتجاب من باب التورع لأن حكم الحاكم لا ينقل الأمر عما هو عليه في الباطن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض- الحديث" فاحتمل أن لا يكون الولد لزمعة لا سيما مع الشبه البين لعتبة إذا لفراش علامة ودليل قد يكون الأمر في الباطن بخلاف الدليل الظاهر فلا يحل لمن علم منه خلاف ما حكم له به ما لا يجوز له على ما علم من باطن الأمر والله أعلم.

في الحكم بالقافة

في الحكم بالقافة روى عن عائشة قالت: دخل مجزز المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا. قيل: لو لم يكن في القافة إلا هذا الحديث لكان دليلا أن مع أهلها علما قلنا: لا ننكر أن معهم علما ولكن ليس من العلوم القطعية فإنما هي كعلم التجار بالسلع أعني: في معرفة أجناسها وبلدانها يقول أحدهم: هي من عمل فلان فكما لا يجوز أن يحكم بالسلعة المدعاة بشهادة من يشهد أنها من عمل فلان أحد لمن يدعيها بغير حضور منه لوقوفه على عمله إياها فكذلك لا يحكم بقول القافة إنه

من نطفته ويجوز لمن يقع في قلبه مثل ذلك أن يسر به وإن لم يكن مع ذلك وجوب حكم ولا قضاء وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في طلب العرنيين جماعة وقائفا يقتص آثارهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وبالإجماع لا يحكم بقول القائف في قفوا الآثار فكذا في إلحاق النسب. فإن قيل: أن عمر بن الخطاب قضى بقول القائف بحضرة الصحابة من غير إنكار عليه على ما روى ابن عمر أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت فدعا عمر القافة فقالوا: أخذ الشبه منهما جميعا وجعله بينهما، وعن ابن المسيب أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت لهما فارتفعا إلى عمر بن الخطاب فدعا لهما ثلاثة من القافة فدعا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام ثم قال لأحدهم: انظر فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ثم قال: أسر أم أعلن فقال عمر: بل أسر فقال: لقد أخذ الشبه منهما فما أدرى لأيهما هو فأجلسه1 ثم أمر الثالث فنظر كذلك وقال مثل ذلك وكان عمر قائفا فجعله لهما يرثانه ويرثهما فقال سعيد: أتدري من عصبته قلت: لا قال: الباقي منهما. فالجواب أن عمر ما قضى بقول القافه لأنهم لم يعلموا لأيهما فجعل عمر الولد منهما مخالف لقول إلقافه ولكنه قضى به لمدعييه لكونه في يدهما ومع هذا فالمحتج بحديثي عمر لا يجعل الولد ابن رجلين كما جعله عمر فالحديث عليه لا له. فإن قيل: قد روى عبد الرحمن بن حاطب أنه أتى رجلان إلى عمر بن الخطاب في غلام من ولادة الجاهلية يدعى كل منهما أنه ابنه فدعا عمر لهما قائفا من بني المصطلق فسأله عن الغلام فنظر إليه وقال لعمر: والذي أكرمك أني لأجدهما قد اشتركا فية فقام إليه عمر يضربه بالدرة حتى أصبح ثم قال: والله لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب ثم دعا أم الغلام فسألها فقالت: أن هذا لأحد الرجلين ثم أن هذا الآخر وقع بي فوالله ما أدري من أيهما هو فقال عمر للغلام: اتبع أيهما شئت فاتبع أحدهما

_ 1 لعله ذكر الثاني سقط عن الكتابة فليحرر.

فالجواب أن ما في حديث ابن عمر وابن المسيب في صبى يعبر عن نفسه فرد الأمر في ذلك إلى ما يقوله الغلام المدعي فيه وهكذا نقول في الذي يعبر عن نفسه والذي لا يعبر عن نفسه فكنا نحن المتمسكين بما روى عن عمر في الأخبار كلها وعادت الحجة عليه لنا ولو كان الحكم عند عمر بقول القافة لكان أولى من إقرار الولد بأحد مدعييه كولدا دعاه رجلان فصدق الولد أحدهما وأقام الآخر البينة أنه ابنه كانت البينة أولى من إقرار الولد اتفاقا ومن الدليل على أن مذهب عمر رضي الله عنه عدم الحكم بقول القافة في نسب ولا غيره ما روى أنه أرسل إلى شيخ من بني زهرة فسأله عن ولاد الجاهلية قال: كانت المرأة إذا فارقها زوجها بموت أو طلاق نكحت بغير عدة فقال الرجل: أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان فقال عمر: صدقت ولكن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش فما التفت عمر إلى قول المسؤول ورد الحكم إلى ما يخالفه ومما يؤكده أن المسلمين لم يختلفوا فيمن نفى ولد زوجته وقالت: هو منه أنه يلاعن بينهما وينفي منه ولو جاءت أمه بجماعة القافة يصدقونها لا ينفعها والولد منفى على حاله وإنما كان اعتبار قول القافة في الجاهلية وألغي قولهم إلى ما عليه أهل الإسلام روى عن عائشة أن نكاح الجاهلية كان على أربعة أنحاء نكاح كمثل الأنكحة في شرعنا ونكاح كان يقول الزوج: إذا طهرت من الحيض أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتز لها زوجها حتى يتبين حملها منه رغبة في نجابة الولد ونكاح يجتمع الرهط دون العشرة على إصابتها فإذا حملت ووضعت أرسلت إليهم فلا يستطيع أحد يمتنع فيجتمعون عندها فتقول لهم: قد ولدت منك يا فلان فتعين من أجبت منهم فتلحق به ولدها البتة ونكاح يجتمع جماعة فيدخلون على المرأة فلا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا فإذا حملت ووضعت دعوا لها القافة فألحقوا ولدها بالذي يرون منه لا يمتنع من ذلك فلما ظهر الإسلام هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم فانتفى قول القافة ورد أحكام الأنساب إلى الفراش وأهل العلم مختلفون فيه فأما

أبو حنيفة والثوري وسائر أهل الكوفة لا يلتفتون إلى قول القافة في شيء وأما مالك يستعمله في الإماء دون الحرائر ولا فرق في الواقع وأما الشافعي فيستعمله في الحرائر والإماء جميعا وفيما ذكرناه ما وضح به نفيه في الأشياء كلها.

في الغصب في دار الحرب

في الغصب في دار الحرب عن وائل بن حجر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان في أرض فقال أحدهما: يا رسول الله إن هذا انتزى علي أرضي في الجاهلية وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عيدان فقال: "بينتك" قال: ليس لي بينة قال: "يمينه" قال: إذا يذهب بها قال: "ليس لك إلا ذلك" فلما قام ليحلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع أرضا ظالما لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" فيه أنه لو أقام بينة لحكم له بها وذلك دليل على أن الغاصب لم يملكه بغصبه في الجاهلية فمثل ذلك الحربى يغصب الحربى في دار الحرب أرضا ثم يسلمان فيحكم فيه كما كان يحكم في مثله بين المسلمين في دار الإسلام وهو قول محمد إلا أنه لو سبقت خصومتهم إلى ملكهم فجعله لغاصبه ثم خوصم إلى أمام المسلمين أمضى ذلك ولم يرده إلى المغصوب منه وإن لم تسبق لهم خصومة حكم بينهما بحكم الإسلام ويحتج له فيه بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وكل ميراث أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام" فإذا كان الحكم في الميراث ذلك يكون في الغصب كذلك.

في غصب الارض

في غصب الأرض روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين" يحتمل أن يكون الطوق جعله الله تعالى ذاروح ثم يطوقه ذلك الظالم عذابا له كما يفعل كذلك بمانعي الزكاة على ما روى عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل لا يؤدي زكاة

ماله إلا يجعل يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه ويتبعه حتى يطوق به عنقه" ثم قرأ علينا: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فيعيد الله ما ظلم من الأرض في الآخرة إلى مثل ما يعيد إليه المال الممنوع زكاته حتى يطوق ذلك من ظلمه وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ شبرا من الأرض خسف به إلى سبع أرضين" وعن يعلي مرفوعا: "من ظلم شبرا من الأرض جاء يحمله يوم القيامة" وعنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن ينقل ترابها إلى المحشر" ليس بين الأحاديث مضادة لأنها كلها عقوبات متنوعة لمن ظلم شبرا من الأرض والحق أن كل حديث منها ليس على ظاهره من العموم بل المراد به بعض الغصاب دون بعض.

في الاشهاد على اللقطة

في الإشهاد على اللقطة روى عن عياض بن حمار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من التقط لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ثم لا يكتم ولا يغير فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء"، الشك من بعض رواته لا على التخيير من الشارع وقد روى من غير شك فليشهد ذوي عدل وفائدة الإشهاد دفع التهمة عن نفسه لئلا يظن به التقاطها لنفسه لا للحفظ على صاحبه لأن اليد محمولة على الملك حتى يعرف خلافه فواجب على الملتقط إقامة الحجة على نفسه لئلا تصرف بعد وفاته في مصارف أمواله حتى كل من وقع في يده يمتثل الواجب فيها لتصل إلى يد صاحبها وقال بعضهم: أنه ليس بشك وإن الشارع أراد بذلك الحجة لما لك اللقطة إن دفعه عنها الملتقط وأطاع شيطانه يقيم الشاهدين بدون يمين أو الشاهد الواحد مع يمينه وعلى هذا يمكن أن يستدل به من رأى القضاء بشاهد ويمين وذلك فاسد لما فيه من نسبة التقصير إلى الشارع فيما قصده من وصول حق المستحق إليه فإن المالك قد يكون صغيرا أو مكاتبا فلا يمكنه الحلف فصح أن الحديث أشهد ذوي عدل لا غير واختلف فيمن ترك الإشهاد

حين الالتقاط فعند الإمام أنه ضامن أن تلفت وعندهما أنها أمانة أشهدا أولم يشهد وقولهما أزكى لأن ما يأخذه الملتقط لا يمكن معرفته إلا من قبله فيمكن أن يأخذها ليذهب بها ويشهد بخلاف ذلك مما يسقط عنه ضمانها فلا يكون لمراعاة الإشهاد معنى وقد ندب الشارع إلى الالتقاط حفظا على صاحبها فالملتقط محمود حتى يعلم خيانته يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "أعرف عقاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستمتع بها وليكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه" وكذا جوابه للسائل عن ضالة الغنم: احبس على أخيك ضالته فإذا كان مأذونا بالأخذ لا يكون ضامنا.

في حكم اللقطة بعد التعريف

في حكم اللقطة بعد التعريف روى أن سفيان بن عبد الله وجد عيبة فأتى بها عمر رضي الله عنه فقال: عرفها سنة فإن عرفت فذاك وإلا فهي لك فلم تعرف فلقيه من العام المقبل في الموسم فذكرها له فقال: هي لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك قال: لا حاجة لي بها فقبضها عمر فجعلها في بيت المال قوله: "فهي لك" ليس على جهة التمليك ولكن هي لك تصرفها فيها تحب صرفها فيه يؤيده ما روى عن علي رضي الله عنه أنه وجد دينارا فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله وجدت هذا قال: "عرفه" فذهب ما شاء الله ثم قال: قد عرفته فلم أجد أحدا يعرفه قال: "فشأنك" فرهنه في ثلاثة دراهم في طعام وودك فبينما هو كذلك إذا جاء صاحبه عنده فعرفه فجاء علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا صاحب الدينار قال: "أده إليه" فأداه علي إليه بعدما أكلوا منه لا يصلح هذا حجة للشافعي في تحليل اللقطة بعد الحول للغنى أيضا لأنها لو رجعت إلى الصدقة لما حلت لعلي لأن الصدقة عليه حرام لأنه حديث منقطع رواه شريط عن عطاء بن يسار وهو متكلم فيه والصحيح عن علي في اللقطة بعد الحول ما روى عاصم بن ضمرة قال: جاء رجل إلى علي فقال: إني وجدت صرة من دراهم فلم أجد أحدا يعرفها فقال: تصدق بها فإن جاء صاحبها ورضي كان له الأجر وإلا غرمتها له وكان لك الأجر.

ولا يقال: كان أبي من أيسر أهل المدينة وقد قال صلى الله عليه وسلم له في لقطة مائة دينار وقد عرفها ثلاثة أعوام: "أعلم عددها ووكاءها ثم استنفع بها" لأن يساره إنما كان بعده صلى الله عليه وسلم وكان قبل ذلك فقيرا يؤيده جعل أبي طلحة الأرض التي جعلها لله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم له: "اجعلها في فقراء قرابتك" فجعلها لحسان وأبي قال أنس راوي الحديث: وكانا أقرب إليه مني وروى عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة وابن عمر في اللقطة بعد الحول مثل ما ذكرناه عن عمر وعلي في الصدقة بها وتخيير صاحبها إن جاء بين الأجر والتغريم ولا يسع لأحد خلاف هؤلاء الأعلام ولكراهية الأكل بعد الحول للغنى مذهب أبي حنيفة وأصحابه أجمعين.

في لقطة الحاج

في لقطة الحاج عن عبد الرحمن بن عثمان1 نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج محمل النهى والله أعلم أن الحج يجمع أهل البلدان أن المتفرقة فأخذ اللقطة عسى لا يلتقي صاحبه وهو الغالب فيبقى في ضمانة حتى يلقى ربه تعالى بخلاف اللقطة التي يرجو لقاء صاحبها فيدفعها ويخلص من تبعتها.

_ 1 لعله عبد الرحمن بن عبيد الله بن عثمان أخو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة كما ذكره الذهبي في تجريد أسد الغابة.

في لقطة مكة

في لقطة مكة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مكة: "ولا يرفع لقطتها إلا منشدها" وروى: ولا يلتقط ضالتها إلا منشد قيل: معناهما مختلف فالأول معناه ينبغي للملتقط بمكة أن يرفعها ثم يقول لمن هذه منكم أيها الناس ومعنى الثاني الذي يرى لقطتها لا يأخذها إلى أن يسمع رجلا يقول من وجد كذا وكذا مما يوافق ما رآه فيرفعها ثم يقول أهي هذه وما قاله صحيح يؤيده ما روى من اجتناب لقطة الحاج بخلاف اللقطة التي يرجو لقاء ربها.

في الضوال

في الضوال روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يأوى الضالة الإضال" وروى ضالة المسلم حرق النار يعني إذا أخذها غير قاصد للتعريف يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "من أوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها"، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضالة الغنم فقال: "طعام مأكول لك أو لأخيك أوللذئب أحبس على أخيك ضالته"، وسئل عن ضالة الإبل فقال: "مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ولا يخاف عليها الذئب تأكل الكلأ وترد الماء حتى يأتي طالبها"، ففرق بين الضالتين بالأخذ في الغنم وماعدا الإبل وبالترك في الإبل لارتفاع الخوف عليها فإن خيف عليها الأيدي الخائنة يجوز أخذها ليردها على صاحبها على ما في حديث زيد بن خالد ولم يفرق بينها وبين غيرها روى أن ثابت بن الضحاك وجد بعيرا فذكره لعمر بن الخطاب فأمره أن يعرفه فقال: عرفته قال له: أرسله حيث أخذته وثابت من الصحابة أخذ البعير الضال وأعلم عمر على ذلك فلم ينكره فدل على ما قلنا وأحكام الضالة عندنا كأحكام اللقطة سواء وفرق قوم بينهما بأن الضال ما ضل بنفسه واللقطة بخلافه فأباح أخذ اللقطة ومنع من أخذ الضال وكتاب الله عز وجل يدفعه بقوله تعالى: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} فجعل فقدهم إياهم ضلالا لهم عنهم وما روى مرفوعا في فقد عائشة قلادتها إن أمكم ضلت قلادتها فابتغوها فدل أن الفقد لما له روح ولما ليس له روح قد يطلق عليه أنه ضال ودل على أنهما سواء وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.

كتاب القسمة

كتاب القسمة في المهايأة بالأزمان فيما روى جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:

جئت لأهب لك نفسي فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فقام رجل فقال أي رسول الله: إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: "هل عندك من شيء" قال: لا والله يا رسول الله قال: "انظر ولو خاتما من حديد" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل: ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك أن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء" فجلس الرجل حتى طال مجلسه قال: فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعى له فقال: "ما معك من القرآن" قال: سورة كذا وكذا عدها قال: "أتقرأ عن ظهر قلب" قال: نعم قال: "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن" فيه دليل على أن النكاح لو تم بينهما على نصف الإزار لكان لكل واحد منهما لبسه بكماله في حال ما لحق ملكه في نصفه ولولا ذلك لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول كما لم يقل أن لبسه سواك أو سواها لم يكن عليك ولا عليها فدل على جواز المهايأة في الثياب وفيما سواها مما ينقسم أولا ينقسم فيستعمله كل واحد منهما وقت معلوما حتى يعتدلا في منافعه وإن كان يمكن التجزية يجزي بينهما وهذا يوافق مذهب الذين يقولون في الدار بين الرجلين فيطلب أحدهما سكنى نصيبه منها ويأباه الآخر أن المهاياة تستعمل بينهما وممن ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه ولهم في ذلك مخالفون ممن يقول أنه ليس ذلك لواحد منهما إلا بإطلاق صاحبه والله أعلم.

في الوديعة وفي اقتطاع المرء حقه بنفسه

في الوديعة وفي اقتطاع المرء حقه بنفسه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وروى عن عائشة أنها قالت: قالت أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني إلا أن آخذ من ماله سرا فقال: "خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف"، حديث عائشة مفسر للحديث الأول لأن إباحة أخذ المرأة من مال زوجها كفايتها دليل على أن من كان له على رجل

دين فأودعه مالا أو قدر على أخذ حقه بطريق آخر له أخذه بالمعروف لأن معنى أد الأمانة إلى آخره خذ حقك بالمعروف ولا تأخذ أكثر فتكون خائنا فلا تعارض بينهما ومن هذا المعنى ما روى مرفوعا ليلة الضيف حق على كل مسلم أصبح بفنائه دين له عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه. وما روى عن عقبة قال: قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يأمرون لنا بحق الضيف قال: "إن نزلتم بقوم فلم يأمروا لكم بحق الضيف فخذوه من أموالهم" فجعل حق الضيف في الأول دينا وأباح في الحديث الثاني فوافق ذلك معنى الحديثين الأولين ولكن هذا في البادية وعند الحاجة إذا لم يكن لهم مال ولا وجدوا مندوحة عن قراهم لا مطلقا.

في حكم العارية

في حكم العارية استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدرعا من حديد يوم حنين فقال له: يا محمد مضمونة قال: "مضمونة" فضاع بعضها فقال له صلى الله عليه وسلم: "إن شئت غرمناها لك" قال: لا أنا أرغب في الإسلام في الحديث اضطراب الرواة فبعضهم عن امية بن صفوان وبعضهم عن أمية بن صفوان عن أبيه وبعضهم عن ناس من آل صفوان ولم يذكر بعضهم فيه الضمان ومعلوم أنه لو كانت العارية مضمونة لغنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذكر ضمانها لصفوان ولقال له: هل تكون العاريه إلا مضمونة وكان يومئذ حديث عهد بجاهلية لأن غزوة حنين بعد فتح مكة وكان صفوان قد عهد من الرسول صلى الله عليه وسلم التزامه من الشروط ما لا يلزم في الإسلام كما فعل يوم الحديبية فلذلك سأل ضمان العارية لأن من شريعته وجوب الضمان فيها فأحدث الاشتراط فيها حكما لم يكن قبله يؤيده ما روى مرفوعا إلا أن العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم ففي قوله: "مؤداة" دلالة كونها أمانة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وجاء في حديث

صفوان فقال له: أمؤداة يا رسول الله العارية فقال: "نعم". وقد اختلفت الصحابة في وجوب ضمانها فعن ابن عباس أنها تضمن وعن عمرو على أنها لا تضمن ولما اختلفوا رجعنا فيه إلى ما يوجبه النظر فوجدنا العارية مأخوذة بطيب نفسه من غير عوض على ما أباح ووجدنا المستأجرات مقبوضة بأعواض فلما كانت المستأجرات غير مضمونة مع وجوب الأعواض في استعمالها كانت العارية مع عدم العوض في استعمالها أحرى أن لا تكون مضمونة وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأصحابهما وعند أهل المدينة ما ضاع ظاهرا أضاع على الأمانة وما كان يخفي ضياعه تضيع مضمونة ولا فرق بينهما كما لا فرق في الغصوب المضمونات والودائع الغير المضمونة فيما يظهر وفيما يحفى وقال الليث: الذي أدركنا عليه شيوخنا أنه ليس في العارية ضمان إلا أن يتعدى المستعير فيها فيضمن قال ابن شهاب: على ذلك أدركنا الناس حتى اتهم الولاة الناس فضمنوهم ففيه أن المتقدمين على عدم التضمين ما لم يتعد فيها ولو كانت مضمونة لغرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يرد المشيئة إلى صفوان إذ الواجب أن من عليه دين يؤديه عند المطالبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك وأحسنهم قضاء وفي قول صفوان أن في قلبي من الإيمان ما لم يكن دليل على أن اشتراطه الضمان كان على غير حكم الإسلام وكان لقرب عهده بأمر الجاهلية.

في عارية المتاع

في عارية المتاع عن ابن مسعود كل معروف صدقة كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر والدلو والرشاء وأشباه ذلك وعن ابن عباس في تأويل الآية هو عارية المتاع وقالت أم شرحبيل: قالت لي أم عطية: اذهبي إلى فلانة فاقرئيها السلام وقولي: أم عطية توصيك بتقوى الله العظيم فلا تمنعي الماعون قالت: يا سيدتي ما الماعون قالت: اهبلت هي المهنة يتقاضاها الناس بينهم،

وروى عن علي في تأويلها يراؤون بصلاتهم ويمنعون زكاة أموالهم وعن ابن عمر أنه هو الزكاة فتأملنا الآية فوجدناهم توعدوا بالويل كما توعد في قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} فتحققنا أنهم أيضا من أهل النار المتواعدين في هذه الآيات يؤيده وصفهم بالسهو عن صلاتهم كالمنافق الداخل في الصلاة متساهيا عنها والمنافق في الدرك الأسفل من النار ومن كان كذلك لا يلتمس منه الزكاة لأنها مطهرة قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} والمنافق لا تطهره الزكاة وقال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه المؤمن بزكاته يصلي عليه كما قال: "اللهم صل على آل أبي أوفي" ولا تجوز الصلاة على المنافقين فثبت أن تأويل الآية ما قال له ابن مسعود وابن عباس وهو أولى مما سواه وعن أبي عبيدة الماعون في الجاهلية كل منفعة وعطية وفي الإسلام الطاعة والزكاة وعن الفراء الماعون هو الماء ولكن الحق ما ذكرناه أولا.

كتاب المزارعة

كتاب المزارعة مدخل ... كتاب المزارعة عن رافع بن خديج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وترد عليه نفقته"، لم يتعلق أحد من أهل العلم بهذا الحديث غير شريك بن عبد الله النخعي وهو قول حسن لأن لرب الأرض أن يقول لزارع: الذي بذرته في أرضي قد انقلب فيها فصار مستهلكا والذي نبت بسبب أرضي غير ما بذرت فيها ويقول الزارع: نفقتي قد صار إليك نفعها فهي لي عليك يؤيده ما روى عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعا في أرض ظهير فقال: "ما أحسن زرع ظهير" فقيل: أنه ليس لظهير فقال: "أليست أرض ظهير" قالوا: بلى ولكنه ازرع فلانا قال: "فردوا عليه نفقته وخذوا زرعكم" قال رافع: فرددنا عليه نفقته وأخذنا زرعنا

قال سعيد بن المسيب: أفقر أخاك أو أكرها بالدراهم. وما روي عن رافع أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال: زرعي ببذري وعملي لي الشطر ولفلان الشطر قال: أربيت فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك وذلك لأن المزارعة لما فسدت عاد إطلاق رب الأرض كلا إطلاق فكأنه زرعها بغير إذن وكذا الرجل يغرس في أرض رجل بغير إذنه أو بأمره بمعاملة فاسدة فسيلا فيصير نخلا أنه يكون لرب الأرض دون غارسه إذا أرضه سبب زيادته ويكون عليه لغارسه نفقته والله أعلم.

في المساقاة

في المساقاة عن ابن عمر لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على النصف مما خرج منها من التمر والزرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقركم فيها على ذلك ما شئنا" فكانوا فيها كذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وطائفة من إمارة عمر فكان التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس وذكر نحو ذلك في مساقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر من رواية جابر وابن عباس ففيه إطلاق المساقاة بجزء من أجزاء تمرها الذي يخرج منها والمعاملة في الأرض بجزء مما يخرج منها من الزرع الذي يزرعه العامل فيها وفي بقاء الحكم فيها على ذلك في زمن أبي بكر وبعض من خلافة عمر دليل على أنه لم ينسخ والنهي عن كراء الأرض بالثلث والربع وعن المزارعة بجزء مما يخرج منها لمعنى آخر كانوا يدخلونه في العقد فيفسد به العقد لا أن المزارعة في نفسها فاسدة إذا زال عنها ذلك الفساد وأخبر رافع ابن عمر أن عمومته قالوا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه

وسلم على أن له ما في ربيع الساقي الذي يفجر منه الماء وطائفة من التبن لا أدري ما هو فعلم أن فسادها بسبب هذا الشرط يؤيده ما روى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجالا يكرون مزارعهم بنصف ما يخرج منها وبثلثه وبالماذيانات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها فإن لم يفعل فليمسكها". وعن زيد بن ثابت أن النهي الوارد فيها لم يكن لتحريمها وكان لغير ذلك وكان يقول يغفر الله لرافع أنا أعلم والله بالحديث منه إنما أتى رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع" فسمع لا تكروا المزارع وعن ابن عباس لم ينه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة إنما قال: "لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما" فوقفنا على هذه المعاني وتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن مثل ما كان منه في معاملة خيبر ولكن لمعنى كان مما يفسد المعاملة. ولا يقال: المحاقلة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها وهي منهية لأن ألا نسلم ذلك بل المحاقلة بيع الزرع قائما على أصوله بالطعام وفي حديث أبي سعيد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة في الزرع والمزابنة في التمر فالمحاقلة أن يأتي الرجل الزرع وهو في كدسه فيقول اشتري منك هذا الكدس بكذا وكذا يعني من الحنطة وأما من أجاز المعاملة على ذلك في الأرض التي بين النخل التي لا يوصل إلى الانتفاع بها إلا مع العمل في النخل فالحجة عليه أن ابن عمر أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملة اليهود في نخل خيبر وأرضها وقد روى عنه أن المعاملة في الأرض وحدها دون النخل جائزة وعمل بذلك جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وسعد بن مالك وكذلك معاذ لما قدم اليمن رآهم على ذلك فأقرهم عليه والتابعون اختلفوا في ذلك كما اختلف من بعدهم فممن أجاز المساقاة والمعاملة أبو يوسف ومحمد وممن أبطلهما أبو حنيفة وزفر وممن أجاز المساقاة وأبطل المعاملة مالك ومن تبعه

وممن أجازهما إذا اجتمعتا الشافعي وقيل: مذهب مالك أجازتهما إذا اجتمعتا إذا كانت الأرض يسيرة والحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة فيما كان منه في خيبر ومن أجازهما إذا اجتمعتا يلزمه إجازة كل منهما على الانفراد.

كتاب الهبات

كتاب الهبات في الرجوع عن الصدقة روى عن ثمامة القشيري قال: شهدت الدار فأشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم هذين اللذين الباكم على فجىء بهما كأنهما جملان أو حماران فأشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بئر رومة فيكون دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من صلب مالي وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر قالوا: اللهم نعم قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون المسجد كان ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان بخير له منها في الجنة" فاشتريتها من مالي فرددتها في المسجد وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين قالوا: اللهم نعم قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة هو وأبو بكر وعمر وأنا فتحرك الجبل حتى سقطت حجارته بالحضيض فركضه برجله وقال: "اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" قالوا: اللهم نعم قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد قالها ثلاثا لا يقال قصد عثمان في كون دلوه مع دلائهم وصلاته مع صلاتهم يضاد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب عن اشتراء الفرس المتصدق بها بقوله لا تعد في صدقتك وكذا منع الزبير من

شراء فلو دابة كان تصدق بها لأن المنهي إعادة عين ما تصدق به إلى ملكه أو نتاج ما تصدق به إلى ملكه وذلك مكروه وممنوع منه فأما الانتفاع بذلك وصدقته قائمة على حالها مسلمة إلى جهتها بحيث يكون هو في الانتفاع بها كآحاد الناس فلا لأنه حينئذ لا يكون عائدا في صدقته ولا راجعا بها إلى ملكه ولهذا يحل شرب ماء ذلك البئر للغني مع كون الصدقة حراما على الأغنياء لأن ذلك عائد إلى المنافع وهي حينئذ لله لا لمن سواه من خلقه وفيه نظر لأن الصدقة المحرمة على الأغنياء إنما هي المفروضة كالزكاة وأيضا ما خص عثمان بالبئر الفقراء بل عم بها المسلمين وشربه كان بحقه الذي استثناه لنفسه فليس فيه إباحة انتفاع المتصدق بصدقته ولو خص بها الفقراء لما حل للأغنياء الشرب منها ولا له لو لم يشرط اللهم إلا إذا كان في الماء فضلة على الفقراء فيحل للأغنياء حينئذ إذ لا يمنع فضل الماء بخلاف غيره من الأشياء روى عن عمر قال: حملت على فرس في سبيل الله وكنا إذا حملنا في سبيل الله أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعه حيث أراه الله تعالى فجئت بها فحمل عليها رجلا فوافقته يبيعها فأردت أن أشتريها منه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "لا تشترها ولا تعد في صدقتك" وروى: لا تشتره ولا شيئا من نتاجه وعن الزبير أنه حمل على فرس في سبيل الله فوجد فرسا تباع من ضئضئها يعني: ولد ولدها فنهى أن يشتريها وعن أسامة أو زيد بن حارثة أنه حمل على فرس في سبيل الله فأراد أن يشتري ولدها أو فلوها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم. وعن ابن العاص أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أني أعطيت أمي حديقة وأنها ماتت ولم تترك وارثا غيري فقال: "وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك" ففيه إباحة عين الصدقة للمتصدق بالميراث الذي هو من قبل الله تعالى لا صنع للعبد فيه بخلاف الشراء وما في معناه ثم أعلم أن النهي فيه نهي كراهة لا تحريم لأنه روى في آخر حديث عمر بن الخطاب فإن العائد في

صدقته كالكلب يقيىء ثم يعود في قيئه والكلب غير متعبد بتحريم ولا تحليل كبني آدم فعوده فيه إنما هو عود في قذر لا عود في حرام فكذا المتصدق عائد في قذر لا في حرام تحقيقا للتشبيه وروى العائد في هبته كالعائد في قيئه من غير تعيين كلب أو غيره يؤيد ما قلنا ما روى عن عمر قال: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما اراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض عنها وروى عنه من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب منها بما يرضى وما روى عن علي بن أبي طالب أنه قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها وعن ابي الدرداء الواهب ثلاثة رجل وهب من غير أن يستوهب فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع فيها ورجل استوهب فوهب فله الثواب فإن قبل على هبته ثوابا فليس له إلا ذلك وله أن يرجع ما لم يثب ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد موته وروى عن عبد الله بن عامر قال: كنت عند فضالة بن عبيد فجاء رجلان يختصمان في بازى فقال أحدهما: وهبت له بازيا وأنا أرجو أن يثيبني منه وقال الآخر: نعم قد وهبني بازيا وما سألته وما تعرضت له فقال فضالة: أردد إليه هبته فإنما يرجع في الهبات النساء وشرار الأقوام قال الطحاوي: وفيما ذكرنا عن الصحابة ما قد دل على الواهب الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من هو وفي حكم رجوعه في هبته ما هو.

في الهبة للولد

في الهبة للولد عن طاوس عن ابن عمرو ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل أن يرجع في هبته إلا الوالد لولده" شك بعض الرواة في: لا يحل وأوقفه بعضهم على طاوس وزاد بعض الرواة: ومثل الذي يعطى عطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرجع أحد

في هبته إلا والد من ولده والعائد في هبته كالعائد في قيئه" فلو كان لفظ لا يحل ثابتا غير منكور لما وجب منع الواهب من الرجوع لأنه يحتمل أن يكون معناه لا يحل لرجل أن يقذر نفسه فيصير كالكلب يقئ ثم يأكل قيئه كما نهى عن كسب الحجام لا أنه حرام واستثنى الوالد على أنه في مال ولده بخلافه في مال غيره إذ قال للذي ذكر له أن أباه يريد أن يجتاح ماله: "أنت ومالك لأبيك" فجعل دخوله في مال ولده من هذه الجهة بخلاف دخوله بها في مال غيره ويحتمل أنه إنما أباح له من ذلك على حال من الأحوال التي يجوز بها الدخول في مال ولده فلا يكون لولده أن يمنعه من بسط يده في ماله فيكون الاستثناء على هذا منفصلا مع أن ابن عمر سمع من عمر قال فيمن وهب هبة: أنه أحق بها حتى يثاب منها بما يرضى فاستحال أن يكون ابن عمر مع جلالة قدره يسمع من أبيه شيئا قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فلا يذكر له ذلك ويحدث بذلك الناس بعده ليستعملوه فعاد الحديث بانتفائه عن ابن عمر منقطعا لا يحتج بمثله كرواية من أوقفه على طاوس.

في التسوية بين الأولاد

في التسوية بين الأولاد روي عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا" فقال: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارجعه". فيه أمر الوالد بأن يرجع فيما أعطي لابنه الصغير وكان أبوه قابضا له من نفسه ما تحله إياه فخرج من ملكه إلى ملك ولده ولكن الحق أنه لم يكن قبل العطية له وإنما أتاه مسترشدا له في ذلك يدل عليه رواية جابر قال: قالت امرأة بشير لبشير: انحل ابني غلامك وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان ابنة فلان سألتني أن انحل ابنها غلاما وقالت: أشهد رسول الله فقال: "أله أخوة" قال: نعم قال: "فكلهم أعطيتهم" قال: لا قال: "فإن هذا لا يصلح وإني لا أشهد إلا على حق"، وروايته أولى لموضعه من السبق

والعلم وجلالة القدر ونعمان كان يومئذ صغيرا ليس معه ضبط مع أنه روى عن النعمان قال: نحلني أبي غلاما ثم مشى بي حتى أدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما فإن أذنت لي أن أجيزه أجزته فدل أنه لم يكن نحلا بل منتظرا فيه ما يقوله صلى الله عليه وسلم وجاز اطلاق نحل لما لم يكن حقيقة ولكن لقرب كونها على عادة العرب وعليه قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} ومنه تسميتهم المأمور بالذبح ذبيحا كابن إبراهيم عليه السلام لقربه من ذلك وخرج حديث النعمان هذا من طرق في بعضها: "أكل ولدك نحلته مثل هذا" قال: لا قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء" قال: بلى قال: "فاشهد على هذا غيري" وهذا وعيد ظاهره أمر وباطنه زجر كقوله تعالى: {اعْمَلُوا} وفي بعضها قال: "لا أشهد إلا على حق" يعني: أن الداعي إلى التقصير في حق الأب ضد للحق الذي ينبغي أن يجري عليه الأمور وفي بعضها: "فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور" وهذا يدل على أن قوله: "أشهد على هذا غيري" ليس على الإباحة بل هو تقريع وأهل العلم مختلفون في العدل بين الأولاد فقال بعضهم: على التسوية بين الذكر والأنثى منهم أبو يوسف وبعضهم يجريه مجرى الإرث منهم محمد بن الحسن والأول أولى لأن البر المطلوب من الأولاد إلى الأب على التسوية بين الذكر والأنثى فكذا البر من الأب يكون بمقابلته على السوية قال الطحاوي: ولم يتفق في شيء من هذه الآثار أن للوالد إذا وهب هبة لولده تمت منه له أن يرجع فيها ولا أن يبطلها وإن كان قد خالف فيها ما أمر به من المساواة بين أولاده وبالله التوفيق.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا ما جاء في الأمر بالوصية روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما حق امرئ يبيت وعنده مال

يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة أو ما حق امرئ له مال يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده أو لا ينبغي لامرئ عنده مال يوصي فيه أن يأتي عليه ليلتان إلا وعنده وصيته قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي تكلموا في المراد بهذه الوصية المحضوض عليها فقال الشافعي: معناه ما الحزم لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة قال: ويحتمل ما المعروف في الإخلاص إلا هذا من جهة الفرض قال الطحاوي: والأولى في تأويلها أن الوصية كانت مفروضة قبل آية المواريث بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية فلما فرضت المواريث انسخت الوصية للوالدين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" وبقي غير الوارث تجوز الوصية له والله أعلم.

في وصية سعد

في وصية سعد عن سعد قال: مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا أفأتصدق بمالي كله؟ قال: "لا" فقلت: فبالشطر؟ قال: "لا" قلت: فبالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس إنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك" قلت: يا رسول الله اخلف عن هجرتي؟ قال: "إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم"، لكن البائس سعد بن خولة- يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات بمكة- الأصح أن ذلك كان عام الفتح لا عام حجة الوداع خلافا لمالك ومعنى قوله: "لعلك أن تخلف" هو ما روى عن بكير ابن الأشج قال: سألت عامر بن سعد عن معناه فقال عامر: أمر سعد على العراق فقتل أقواما على الردة فضربهم

واستتاب قوما كانوا يسجعون بسجع مسيلمة الكذاب فانتفعوا به ولا يقوله عامر لأنه لا يقال مثله بالرأي والاستنباط ولكنه قاله توقيفا سمعه من أبيه أو من غيره ممن سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ممن أخذه منه صلى الله عليه وسلم.

في الجار الذي يستحق الوصية

في الجار الذي يستحق الوصية روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا أو أقربهما جوار أو إذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق" وروى عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال: "أقربهما منك بابا" فيه دليل على أن الجيران يتفاوتون بالقرب والبعد وما روى عن أبي حنيفة جيران الرجل الذين يستحقون وصيته هم الذين حول داره ممن لو باع وكانوا مالكين لمساكنهم استحقوها بالشفعة يوجب تساويهم في الجوار والآثار أوجبت اختلافهم في القرب والبعد وما روى عن الشافعي أن أقرب جيران الرجل الموصي لجيرانه من كان بين داره وداره أربعون دارا من كل جانب، عاد إلى توقيت ما ليس له في الحديث ذكر والتوقيت لا يقبل إلا بالتوقيف ولما انتفى القولان ولم نجد عن أهل العلم في الجوار ما هو أبعد إلا ما روي عن أبي يوسف ومحمد أنهما قالا كل مدينة يتجاور أهلها بالقبائل فكل أهل قبيل جيران وكل مدينة يتجاور أهلها بالمساجد فكل أهل مسجد جيران كان هذا القول أولى الأقوال فيه.

في الوصية للاختان والاصهار

في الوصية للاختان والاصهار ... في االوصية للأختان والأصهار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك" فيه أن زوج بنت الرجل ختنه وعن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال الحفدة الأختان يعني: جعل الله تعالى لعباده بنين وبنات يزوجونهم بمن يكون من حفدتهم أي:

أعوانهم وممن يدخل في جملتهم وعن ابن عباس الحفدة ولد الولد ولا منافاة لأن الولد منهم البنات اللاتي صرن سببا للأختان وعن أبي ذر الحفدة الأعوان وقال الحسن: الحفدة الخدم قال أهل المدينة: أزواج البنات ولا مخالفة إذ يجوز أن يكون أزواج البنات يصيرون لهم أعوانا وخدما وقال محمد: أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته وكل ذات رحم محرم منه وأصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته ولم يحك فيه خلافا قال الأصمعي: الأختان كل من هو في قبل المرأة كأبيها وأخيها وعمها والأصهار يعم ذلك كله يقال: صاهر فلان آل بني فلان وأصهر إليهم وخالفه ابن الأعرابي فقال: الصهر زوج ابنة الرجل وأبوه وعمه ولا أختان أبو المرأة وأخوها وعمها. ثم ما قاله محمد في تخصيصه ذوي الأرحام المحرمة في المعنيين المذكورين دون غيرهم ممن مثلهم في القرابة من غير أن تكون أرحاما محرمة يخالف للمروي من الصحابة وأهل اللغة وهو ما روي عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج جويرية ابنة الحارث وخرج الخبر بذلك إلى الناس قالوا: أصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا نعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها ففيه جعل الناس قومها أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم من ليس بذي رحم محرم منها فدل أن قوم زوجة الرجل أصهاره كانوا ذوي رحم محرم منها أو لم يكونوا وهذا مثل ما قاله محمد في قرابات الرجل وأنسابه أنهم على كل ذي رحم محرم من الرجال والنساء على بني الأب الذين يسبون إليه إلى أقصى أب له في الإسلام ولا التفات إلى من كان من الآباء في الجاهلية وهو قول أبي يوسف أيضا ومعنى ما روى عن الفضل بن عباس وربيعة بن الحارث أنهما قالا لعلي بن أبي طالب لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك أي نلت إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صهرا لك بتزويجك ابنته فما يقال: نلت معروف فلان بمعنى أنك نلت المعروف الذي

كان من قبل فلان إليك لأن المعروف كان من قبلك إليه ومثله قول عثمان ثم هاجرت الهجرتين ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله هاجرت الهجرتين ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله تعالى فلا تكون حجة لمن ذهب إلى أن زوج البنت صهر ولما ثبت أن الأصهار أنسباء زوجات الرجال كانوا ذوي محرم منهم أو لم يكونوا مثل ذلك الأختان أزواج البنات والأخوات والعمات والخالات يستوي في ذلك من كانت رحمه من أزواج هؤلاء النساء محرمات أو غير محرمات ومنه ما روي عن ابن عباس حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع أي حرم على الرجل أن يتزوج من يكون له بتزويجه إياها أصهار سواه من أنسبائه ثم قيل: في هذا السبع لا يتزوج الرجل أم امرأته ولابنتها ولا عمتها ولا خالتها ولا أختها ولا ابنة أخيها ولا ابنة أختها وحاصل الاختلاف أن في الأختان ستة أقوال أحدها أختان الرجل أزواج ذوات رحمه المحرمات الثاني أزواج ذوات رحمه مطلقا كبنت العمة والثالث أزواج ذوات رحمه المحرمات وجميع ذوات أرحام أزواجهن الرابع أزواج ذوات رحمه المحرمات وجميع ذوات أرحام أزواجهن الخامس أزواج ذوات رحمه مطلقا وذوو المحارم من أزواجهن السادس كالخامس وجميع ذوي أرحام أزواجهن فعلى هذا يكون ابن عم زوج بنت العم وما أشبه ذلك ختنا وفي الأصهار ستة أقوال أيضا أحدها أصهار الرجل كل ذي رحم محرم من زوجته خاصة الثاني كل ذي رحم من زوجته خاصة الثالث كل ذي رحم محرم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم محرم منه الرابع كل ذي رحم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم محرم منه الخامس كل ذي رحم محرم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم منه السادس كل ذي رحم من زوجته ومن زوجة كل ذي رحم منه فعلى هذا يكون ابن عم زوجة ابن عمه وابن خال زوجة ابن خاله وما أشبه ذلك صهرا له وقيل في ذلك كله بالعكس أن الأختان القرابة من قبل الزوجات والأصهار الأزواج من قبل القرابات وقيل: الأصهار تجمع جميعهم وزوجة الابن بمثابة الأختان وأم الزوجة وبنتها وأختها بمثابة الأصهار والله أعلم.

كتاب العتق

كتاب العتق في فضيلة عتق الرقاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار"، يعني: رقبة مؤمنة على ما روى من أعتق رقبة مسلمة أو مؤمنة مع المكافي الذكورة إن كان المعتق ذكر فلا تنفك نفسه من النار إلا بعتق ذكر مسلم أو امرأتين مسلمتين على ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل مسلم اعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار يجزي بكل عظم من عظامه عظم من عظامه وإيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزي بكل عظمين منهما عظم من عظامه وإيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزي بكل عظم منها عظم من عظامها"، وخرج في هذا الباب آثارا كثيرة وفيما ذكرنا دليل على ما قلنا وعن واثلة بن الأسقع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم فقالوا: إن صاحبا لهم قد أوجب يعني: النار بالقتل قال: "فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضوا منه من النار" وفي رواية: مروه فليعتق. وفي رواية: أعتقوا عنه رقبة إلى آخره فيه أن إعتاقهم إياها عنه بغير أمره فكاك له من النار ولكن رواية: مروه فليعتق أكثر وأضبط يدل عليه قوله تعالى في جزاء الصيد: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} فكذلك كفارة كل ذنب إنما يراد بها ذوق المذنب وبالها وإن صح رواية: اعتقوا عنه ينبغي أن يؤول إلى رواية: فليعتق لأن القتل إذا وجد من واحد من القبيلة يصح إسناده إلى تلك القبيلة يقولون: أعتقته خزاعة لعتق رجلا من خزاعة إياه فكان يجوز أن يروي عما كان قاله مروة بقوله: اعتقوا عنه بأمركم إياه وحثكم له على إعتاق رقبة عن نفسه يضاف عتاقها إليكم وإليه جميعا فتعود معاني الروايات إلى معنى واحد وهو عتاق المذنب عن نفسه رقبة كفارة لذنبه وفكاكا له من النار.

في فك الرقبة

في فك الرقبة روى أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملا يدخلني الجنة قال: "لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة" قال: أو ليسا واحدا قال: "لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الركوب والقبض على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسق الظمآن ومر بالمعروف وأنه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير" وروى: والفئ على ذي الرحم الظالم، عتق الرقبة معروف في الكفارات والنذور والتطوع وفك الرقبة تخليصا مما هي به مأسورة وفيه محبوسة ومنه فكاك الرهن وهو تخليصه من مرتهنه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه "وفك رهاني" أي: خلصني مما أنا به مطلوب ومن ذلك فك العاني وهو الأسر روى مرفوعا أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني.

في عتق رقبة من ولد اسماعيل

في عتق رقبة من ولد اسماعيل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال إذا أصبح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب له عشر حسنات وكفر عنه عشر سيئات وكانت له عدل رقبة من ولد اسماعيل وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها إذا أمسى فمثل ذلك". وما روى مرفوعا قال: "من كانت عليه رقبة من ولد إسماعيل فلا يعتق من حمير أحدا" قيل لابن أبي خالد ما شأن حمير قال: هو أكبر من إسماعيل وورد آثار كثيرة توجب فضل عتق الرقاب من ولد إسماعيل فيه تثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوع الملك على العرب كما يقع على من سواهم وتصحيح ما قاله الجماعة إن ولد الأمة من زوجها العربي رقيق لسيدها خلافا للأوزاعي

في جعله حرابا لقيمة لمولاها والحق أن ولد العربي من الأمة لا يخلوا ما أن يكون مملوكا لمولاها فوجب أن لا يزول عنه ملكه إلا برضاه أو لا يكون مملوكا فيكون كسائر الأحرار لا تجب قيمته على أبيه فالقول بأنه حر وعلى أبيه القيمة خارج عن القياس والله أعلم.

في عتق ولد الزنا

في عتق ولد الزنا روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عتق ولد الزنا فقال: "لا خير فيه نعلان أجاهد فيهما أحب إلي من عتق ولد الزنا" هذا في المتحقق بالزنا حتى صار منسوبا إليه ومجعولا ولدا له ومثله ما روى عن أبي هريرة: لأن أحمل بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق فرخ زنا وكذا روى مرفوعا: فرخ الزنا شر الثلاثة وقيل لابن عمر: يقولون ولد الزنا شر الثلاثة فقال: بل هو خير الثلاثة وقد أعتق عمر عبيدا من أولاد الزنا فالحق أنه صلى الله عليه وسلم قصد بذلك إلى رجل معين لمعنى كان فيه لا لأنه ولد زنا لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وبين ذلك ما روى عن عائشة أنه بلغها حديث أبي هريرة: ولد الزنا شر الثلاثة فقالت: يرحم الله أبا هريرة أساء سمعا فأساء جابة إنما كان هذا في رجل يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنه مع به ولد زنا هو شر الثلاثة". روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة ولد زنية" يعني: من تحقق بالزنا وكثر منه حتى صار غالبا عليه فاستحق بذلك كونه منسوبا إليه كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها يقال لهم: بنو الدنيا لعملهم لها وتركهم لم سواها وكما قيل للمسافر: ابن سبيل وهو المسافر المنقطع به فاحتمل أن يكون معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولد الزنا شر الثلاثة" أي: من كثر منه الزنا وغلب عليه وروى مرفوعا قال: "لا تزال هذه الأمة على شريعة ما لم يظهر منهم ثلاث ما لم يقبض منهم العلم ويكثر فيهم ولد الخبث ويظهر فيهم الصقارون" قالوا: وما الصقارون يا رسول الله قال: "نشو يكونون في آخر الزمن تحيتهم بينهم إذا

التقوا التلاعن سمى الصقارون لما يكون منهم من القول القبيح وولد الخبث مراده صلى الله عليه وسلم فيه نسبته إياهم إلى الخبث وأنهم أولاد له للمعنى الذي ذكرنا من تسمية المتحقق بالشيء الذي يغلب عليه أنه ولد له كما يجوز أن يقال: أنه ابن له.

في عتق القريب

في عتق القريب روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه"، أي: عتق بمجرد شرائه من غير أن يستأنف عتقه كما يقوله جماهير أهل العلم ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فابواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه" ليس المراد استئناف التنصير والتهويد بل يحصل ذلك بلا سبب منهما يوجب ذلك فيه. قال الطحاوي: معنى فيعتقه أي فيعتقه بشرائه إياه الذي هو سبب لعتقه لا أنه يكون ملكا له بعد الشراء حتى يعتقه كما لا يجوز أن يملك الأب ابنه قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} إلى قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} يعني: لو كان له ولد لم يكن له عبدا لأن الولد لا يقع ملك أبيه عليه فبالطريق الأولى أن لا يقع ملك الابن على الأب يؤيده ما روى عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم عتق". وعن سمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر"، وروى: من ملك ذا رحم محرم فهو حر، ويمكن التوفيق بحيث يرجع معناهما إلى ملك ذا رحم محرم فهو حر وروى عن مستورد أن رجلا زوج ابن أخيه مملوكته فولدت له أولاد فأراد استرقاقهم فأتى ابن أخيه عبد الله بن مسعود فقال: إن عمي زوجني وليدته فولدت لي أولاد فأراد استرقاقهم فقال عبد الله: كذب ليس له ذلك ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة وهذا مذهب أبي حنيفة والثوري وأكثر أهل العراق وأما مالك يقول بعتق الأخ ولا يقول بعتق ابن الأخ على عمه وأما الشافعي فلا يوجب العتاق إلا في قرابة الولاد أعلى وأسفل خابصة.

في عتق المقر بالاسلام وان لم يصل

في عتق المقر بالإسلام وإن لم يصل عن أبي هريرة أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية عجماء لا تفصح فقال: أن على رقبة مؤمنة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله"؟ فأشارت إلى السماء فقال لها: "من أنا". فأشارت إلى السماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتقها"، وزاد بعضهم: فإنها مؤمنة، فيه جواز إعتاق من لم يصل ولم يصم ممن عليه رقبة مؤمنة وكذا من استحق الإيمان تبعا لأبويه خلافا للحسن في شرط الصوم والصلاة في الرقبة المؤمنة وفي غيرها أجزأ فيه الصغير وخلافا لإبراهيم في قوله: لا يجزئ في كفارة القتل إلا من صام وصلى ويجزئ في اليمين والظهار من لم يصل ولم يصم.

في عتق العبد المشترك

في عتق العبد المشترك روى عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان العبد بين إثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة" وروى: قيمة لاوكس ولا شطط، فيه بيان حكم المعتق الموسر لا غير وعن سالم عن ابن عمر مرفوعا من أعتق شركا له في عبدا قيم ما بقي من ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد قوله: إذا كان له مال من كلام الزهري فيه أيضا بيان حكمه إذا كان موسرا ولا خلاف فيه لأحد فأما إذا كان معسرا ففيه الاختلاف وفي هذا الحديث لا حجة لبعضهم على بعض وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركا في مملوك فقد عتق كله فإن كان للذي أعتق من المال ما يبلغ ثمنه فعليه عتقه كله". وفيما روى عنه أيضا مرفوعا قال: من كان له شرك في عبد فاعتقه فقد عتق كله فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل في ماله وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق فيه إن العبد قد عتق كله بعتق الذي أعتق ما يملك منه وضمان

قيمة شريكه في يساره زائد على ذلك منفصل منه وليس فيه إذا كان المعتق المالك معسرا كيف هو فذهب بعض إلى أنه كالموسر في ضمان قيمة شريكه لأنه لا فرق في ضمان الجنايات بين اليسار والإعسار إلا في الأنظار ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شقصاله في مملوك ضمن لشركائه حصصهم". وفيه نظر لأنه يحتمل أن يكون هذا في الموسر وأما ما روي عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه فإن لم يكن له مال قوم قيمة عدل على المعتق وعتق منه ما عتق"، فيحتمل أن يكون راوية قصر في حفظ باقية وقد روى نافع عن ابن عمر مرفوعا من أعتق نصيبا له في مملوك وشركا له في مملوك فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق قال نافع: وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب: ولا أدري أشيء قاله نافع أو في الحديث وأكثر ظني أنه قول نافع ففيه أن الضمان إنما يجب على المعتق إذا كان له مال لا مطلقا يؤيده ما روى عن ابن عمر مرفوعا من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق ففيه أيضا بيان الحكم إذا كان موسرا فقط فإن قيل: قوله: فقد عتق عليه ما عتق يدل أنه لا يعتق منه إذا كان معسر إلا مقدار ما أعتقه منه. فالجواب أنه يحتمل أن يكون الذي عتق عليه هو جميع العبد وكذلك قال في الحديث الأول: فقد عتق كله ثم أعقب ذلك بقوله: فإن كان للذي أعتق نصيبه من المال ما يبلغ ثمنه فعليه عتقه كله ففيه كون العبد عتيقا كله بالعتق من أحد مالكيه دون هذا الحكم المذكور بعد ذلك وقد أيد ما ذكرناه من أن المقصود إليه بالضمان هو الموسر لا غير حديث سالم عن ابن عمر المذكور قبل هذا فإن قيل: روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في العبد يكون بين الشريكين: "فيعتق أحدهما يقوم عليه في ماله قيمة عدل فيعتق عليه وإن لم يكن في ماله ما يخرج حرا يعتق منه ما عتق ويرق ما رق" وهذا يدل على أن

المعتق إذا كان معسرا يبقى حق الشريك على ما كان رقيقا. فالجواب أن هذه الزيادة لم نجدها فيه إلا عن اسماعيل بن مرزوق وليس ممن يقطع بروايته ثم وجدنا عن ابن عمر أن رجلين بينهما مملوك فأعتق أحدهما نصيبه قال: إن كان عنده مال عتق نصف1 العبد وكان الولاء له وإن لم يكن له مال سعى العبد في بقية القيمة وكانوا شركاء في الولاء وهذا الحديث لا خلاف في صحة إسناده فالمعول عليه عن ابن عمر هو عتاق العبد كله بعتق أحد مالكيه موسر أكان أو معسر أو ضمان نصيب الشريط إن كان موسر أو سعاية العبد إن كان معسرا ويؤيده ما روى عن أبي المليح يعني أسامة الهذلي عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم كله عليه وقال: ليس لله شريك ففيه أن العبد إذا صار بعضه لله بعتاق من أعتق نصيبه منه ينتفي الرق عن سائر الأنصباء ويكمل لله تعالى ثم الكلام في أهل العلم واختلافهم حال إعسار معتقه قال بعضهم صار كله حرا وعلى العبد السعاية منهم محمد بن ابي ليلى وسفيان الثوري وأبو يوسف ومحمد في جماعة من أهل الكوفة وبعضهم يقول: عتق ما عتق بإعتاق أحد مالكيه والآخر مخير إن شاء أعتقه فيكون ولاؤه بينهما وإن شاء استسعى العبد في قيمة نصيبه منه حتى يؤديه إليه وهو قول أبي حنيفة محتجا بما روى عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان لنا غلام قد شهد القادسية فأنكى فيها وكان بيني وبين أمي وأخي الأسود فأرادوا وأعتقه وكنت يومئذ صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر بن الخطاب فقال: اعتقوا أنتم فإذا بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم أعتق وإلا ضمنكم. وهو صحيح الإسناد مكشوف المعنى غير أن ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخالفه أولى منه وكان بعضهم يقول: قد عتق نصيب من أعتقه منه وبقي نصيب من لم يعتقه مملوكا له كما كان وهو قول مالك والشافعي

_ 1 كذا في الأصل والظاهر "عتق العبد" نصف زائد.

في كثير من أهل الحجاز والذي صححنا عليه حديث ابن عمر على ما ذكرناه أولى وأما ذكر الولاء في حديث ابن عمر للمعتق إذا كان موسر أو لمن يسعى له فإن جميع من ذكرنا يأبى ذلك ويجعله لمن أعتقه خاصة غير أبي حنيفة فإنه يجعله بينهما والدليل يساعد قول مخالفيه لأن العبد يعتق بإعتاق مالكه إياه لا بالسعاية لا سيما وحديث ابن عمر يدل على أنه حر بعتاق من أعتقه من مالكيه فانتفى عنه الرق ولم يقع عليه عتاق بعد ذلك ومن قال: أنه يبقى نصيب من لم يعتق رقيقا إذا كان المعتق معسرا يكون له ما يكتسبه في يوم من أيامه لنفسه بحق العتاق الذي ناله ويكون ما يكتسبه في يوم سواه لمن يملك بقيته وهذا غير معقول لأن العبد في اليوم الذي يعمل لنفسه إنما يعمل بكليته مما بعضه مملوك وبعضه ليس كذلك فوجب أن لا ينفرد شيء بكسبه دون من له فيه الرق ألا ترى أنه لو جنى عليه جناية في الأيام التي يعمل فيها لنفسه لم ينفرد بارش ذلك ولو كانت أمة فتزوجت في أيامها لم تنفرد بصداقها وقد كان ابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولان جميعا في العبد الذي يعتق نصيبه منه صاحبه وهو معسر: أنه يسعى في قيمة أنصباء الذين لم يعتقوه ويرجع بما يسعى على المعتق وفيما روينا ما يدفع ذلك إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الضمان على المعتق إذا كان له مال يبلغ قيمة أنصباء شركائه لا غير وليس لأحد أن يتعدى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء إلى ما لم يرو عنه وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعتق نصيبا أو شركا له في مملوك فعليه خلاصة كله في ما له فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه" وفيه إيجاب ما صححنا عليه حديث ابن عمر قبل هذا ومن روى هذا الحديث فلم يذكر فيه السعاية فقد قصر في الحفظ وكان من حفظ شيئا أولى ممن قصر عنه.

في العتق بالمثلة

في العتق بالمثلة عن ابن عباس قال: جاءت جارية إلى عمر بن الخطاب فقالت: أن سيدي

اتهمني فأقعدني على النار حتى احترق فرجى فقال عمر: علي به فلما رأى عمر الرجل قال له: تعذب بعذاب الله، قال: يا أمير المؤمنين اتهمتها في نفسها قال: رأيت ذلك عليها؟ قال الرجل: لا قال: فاعترفت لك به؟ قال: لا قال: والذي نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقاد مملوك من مالكه ولا والد من ولده1" لأقدتها منك فجرده وضربه مائة سوط وقال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى وأنت مولاة الله عز وجل ورسوله أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حرق مملوكه بالنار أو مثل به مثلة فهو حر وهو مولى الله عز وجل ورسوله". قال الليث: هذا أمر معمول به وروى أنه كان عبد لزنباع بن سلامة فعتب عليه فخصاه وجدعه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغلظ لزنباع القول واعتقه منه مذهب مالك والليث اعتاق المملوك على مولاه بتمثيله محتجين بالحديثين وبما روى عن أبي يزيد القداح قال: رأيت عمر بن الخطاب وجاءته أمة سوداء قد شويت بالنار فاسترجع عمر حين رآها وقال: من شواك قالت: فلان فأتى به فقال: عذبتها بعذاب الله والله لولا لأقدتها منك فأعتقها وأمر به فجلد غير أن مالكا يجعل ولاءه لمولاه قال الطحاوي: وجدت الحديث الأول يرجع إلى عمر بن عيسى القرشي الأموي رواية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وهو ليس بمعروف والحديث الثاني ليس مما يقطع به أيضا والحديث الثالث وإن كان طريقه حسنا ليس فيه حجة لأنه قد يجوز أن يكون عمر فعله عقوبة لفاعله إذ كان مذهبه العقوبات على الذنوب بالأموال كما فعل مع حاطب في عبيدة الذين كان يجيعهم حتى حملهم ذلك على سرقة ناقة لرجل من مزينة قيمتها أربعمائة فغرم حاطبا لذلك ثمانمائة درهم والمحتجون به لا يقولون بذلك وإذا اتسع لهم خلاف عمر في هذا فالذي كان عليه عمر من هذا كان الحكم في أول الإسلام من ذلك ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة من أعطاها مؤتجرا قبلناها منه وإلا فإنا آخذوها منه وشطر ما له

_ 1 كذا في الأصل- لعله ولا ولد من والده.

عزمة من عزمات ربنا ومن ذلك ما روى عنه في حريسة الجبل أن فيها غرامة مثلها. ومن ذلك ما روى فيمن وقع على جارية امرأته مستكرها لها أو غير مستكره لها كما ذكرنا في موضعه من هذا الكتاب وإذا أوجب نسخ ذلك كان مثله أيضا العقوبات في الأموال بالمثلات وغيرها ثم رجعنا إلى ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدخل في هذا الباب فوجدنا من ذلك ما روى عن عمر بن الحكم أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن لي جارية كانت ترعى غنما لي فجاء ذئب فعقر شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت: أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين الله"؟ فقالت: في السماء قال: "من أنا"؟ قالت: أنت رسول الله قال: "اعتقها". وفي حديث آخر مكان فلطمت وجهها فصككتها صكة ولا يخالف ذلك ما في الحديث الأول لأن اللطمة قد تسمى صكة ومنه قوله عز وجل: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} فلما كانت اللطمة قد يكون عنها الشين بالوجه الذي قد يكون تمثيلا بالملطوم وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الكشف عن ذلك عقلنا به أن تمثيله لا يوجب عتاقها عليه يقول ذلك من يقوله ممن ذكرناه وعن محمد بن المنكدر قال: حدثنا أبو شعبة قال: لطم رجل وجه خادم له عند سويد بن مقرن فقال له سويد: ألم تعلم أن الصورة محرمة لقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا إلا خادم واحد فلطم أحدنا وجهه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتقه وفي أمره صلى الله عليه وسلم إياه بالأعتاق دليل على أنه ما عتق باللطمة التي فيها أحداث المثلة في وجهه وفيه نظر لأن الغالب أن اللطمة لا تكون عنها مثلة ومما يدل على انتفاء العتق ما روى أن ابن عمر أعتق مملوكا له فأخذ عودا من الأرض وقال: مالي فيه من الأجر ما يساوي هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه حدا لم يأته فكفارته

أن يعتقه" ولا شك أن ضرب الخد من أمثل المثلات ومع هذا لم يصر سببا للعتق بدليل قوله: "فكفارته إن يعتقه" إذ هو عبد قبل الإعتاق فثبت نفي العتاق بالمثلة التي وصفنا والله أعلم.

في القرعة بين المعتقين

في القرعة بين المعتقين روى أن رجلا من الأنصار أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له غيرهم مال فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فغضب من ذلك وقال: "لقد هممت أن لا أصلي عليه" ثم دعا مماليكه فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة إنما غضب وهم أن لا يصلي لأن المريض لا يجوز أن يتصرف إلا في ثلث ماله فيجب على كل مريض أن لا ينبسط في ماله بسط الأصحاء لاحتمال موته منه فلا يحل له ذلك فيحتاط لنفسه ولورثته لئلا يكون مذموما فإن من سنته صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على المذمومين ثم القرعة في مثل هذا مختلف فيها فعند أهل الحجاز والشافعي يجوز استعمالها في مثله وعند أبي حنيفة وأصحابه هي منسوخة والواجب السعاية في ثلثي قيمتهم لورثة معتقهم استدلالا بالإجماع على ترك القرعة فيما هو في معنى العتق مثل هبة المريض ستمائة لستة رجال وتقبيضه إياها وكذا في دعوى النسب من ثلاثة نفرا دعوا ولد أمة وطئوها في طهر واحد روى أن عليا رضي الله عنه حكم في مثل هذه القضية بالقرعة ودفع الولد بها وبلغ صلى الله عليه وسلم حكمه فضحك حتى بدت نواجذه ففيه رضاه به منه ثم وجدنا عن علي أنه حكم في مثل هذه القضية بخلاف هذا الحكم فإنه أتاه رجلان وقعا على امرأة في طهر فقال: الولد بينكما. قال الطحاوي: فاستحال بأن يكون علي يقضي بخلاف ما كان قضى به في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكره إلا وقد اطلع على نسخ القرعة التي قضى بها أولا فما رجع إلا عن منسوخ قد كان عليه إلى ناسخ هذا فيما طريقه الأحكام وأما ما طريقه نفى الظنون وتطييب النفوس كإقراع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه في السفر وكإقراع القاسم على السهام بعد تعديلها فهي مستحسنة غير منسوخة وغير واجبة والله أعلم.

في أول عبدا وآخر عبدا ملكه فهو حر

في أول عبدا وآخر عبدا ملكه فهو حر روى عن عمر بن الخطاب سأل ابن عباس أرأيت قوله تعالى: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} هل كانت جاهلية غير واحدة فقال ابن عباس: ما سمعت أولى إلا ولها آخرة فقال عمر: هات من كتاب الله تعالى ما يصدق ذلك فقال ابن عباس أن الله تعالى يقول وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم أول مرة فقال عمر: من أمرنا الله أن نجاهده فقال ابن عباس: مخزوم وعبد شمس هذا المتلوكان من القرآن ثم أسقط فيما أسقط وروى أن عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا أن جاهدتم أول مرة فأنا لا نجدها قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن فقال عمر: أتخشى أن يرجع الناس كفارا قال: ما شاء الله قال: أن يرجع الناس كفارا ليكونن أمراؤهم بني فلان ووزارؤهم بني فلان. وفي حديث آخر فقال عمر: إن كان ذلك لا يكون إلا وبنو مخزوم من الأمر بسبيل وفي رواية ليكونن امراؤهم بنوا أمية ووزراؤهم بنوا المغيرة فلم يكن عمر ولا ابن عباس علما سقوط ذلك من كتاب الله حتى أعلمهما بذلك عبد الرحمن بن عوف فعلم أنه قد يكون أول لما لا يكون له آخر ومثله قول العلماء في رجل قال: أول عبدا ملكه فهو حر فملك عبدا يعتق عليه وإن لم يملك عبدا آخر بخلاف ما لو قال آخر: عبدا ملكه فهو حر فلك عبدا ولم يملك عبدا سواه حتى مات لا يعتق لأنه لا يكون آخرا إلا وقد كان أولا وروى في تأويلها عن ابن عباس {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} هي الجاهلية كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وعن الفراء كان ذلك في الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين وكانت تلبس الثياب من المال لا يواري جسدها فأمرن أن لا يفعلن ذلك

وقد احتج محتج على أنه يكون أولى وإن لم يكن أخرى بقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} فقد كانت نشأة أولى ولم تكن بعدها نشأة أخرى ولكن جوابه أن ذلك إنما أنزل بعد أن كانت نشأة ومنه {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} فكان ذلك مما تقدم نزول الآية التي ذكرنا أنها تدل على ما قال.

في قوله اعتق اي عبيدى شئت

في قوله: اعتق أي عبيدي شئت روى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فقال: "اللهم أنما أنا بشر فإيما رجل سببته أو آذيته فلا تعذبني به" وعنها تقول: جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فلم يعطهما شيئا ثم سألاه فلم يعطيهما شيئا ثم سألاه فلم يعطهما شيئا فسبهما ولعنهما فدخل ووجهه محمر يتبين فيه الغضب فقلت: لقد خاب الرجلان وهلكا لم يصبهما منك شيء ولعنتهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما علمت أني عهدت إلى ربي عهدا أفقلت يا رب إني بشر أغضب كما يغضب البشر فأي المؤمنين سببت أو لعنت فلا تعاقبه بها ولا تعذبه واجعلها له زكاة وأجرا". وفي رواية أنس أني اشترطت على ربي عز وجل فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فإيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه منك يوم القيامة وعن أبي السوار عن حمالة1 قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يتبعونه فأتبعته معهم فاتقى القوم بي فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني أما قال: بعسيب أو بقضيب أو سواك أو شيء كان معه فوالله ما أوجعني وبت ليلة وقلت: ما ضربني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لشيء علمه الله عز وجل في فحدثت نفسي أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحت فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك راع

_ 1 كذا في الأصل ولم يوجد في أسماء الصحابة لعله جمانة.

ولا تكسر قرون رعيتك فلما صلى الغداة أو قال: أصبحنا قال: "إن ناسا يبتعوني وإني لا يعجبني أن يتبعوني اللهم فمن ضربت أو سببت فاجعلها له كفارة وأجرا" أو قال: "مغفرة" قد كان أبو يوسف يستدل بهذه الآثار على تعميم العتق في قوله: أعتق أي عبيدي شئت لأن أي قد يكون على جميعهم كما في هذه الآثار وكان محمد يخالفه في ذلك ويقول: يعتقوا حدا من العبيد لا غير واحتج بقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} فكان ذلك على واحد من الطعام لا على كل الطعام ومن ذلك قوله تعالى: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} بمعنى أي الأجلين لأن ما صلة فكان ذلك على واحد من الأجلين لا عليهما جميعا وبما روى عن أنس بن مالك قال: لما قدم عبد الرحمن المدينة مهاجرا آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع فبات عنده فلما أصبح قال له سعد: إني من أحسن الأنصار امرأتين وأفضلهم حائطين فانظر إلى امرأتي فأيتهما كانت أحلى في عينيك فارقتها ثم تزوجتها فإن قومها لا يخالفوني الحديث فقال له: عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك إلى آخر الحديث فكان قول سعد أي زوجتي هويت نزلت لك عنه لم يكن عليهما جميعا وإنما كان على أحدهما فمثله قوله: أعتق أي عبيدي شئت يكون على واحد منهم لا على جميعهم والحق أن الآثار المتقدمة فيما لا يحصى عدده ولا يتهيأ استعمالها في جملته فكون أي على ما استعملت فيه على من قبلت له وفيما يحصي عدده ويوقف على مقداره تكون على واحد من الجنس المذكور فيه لا على أكثر من ذلك كما قال محمد ابن الحسن.

كتاب المكاتب

كتاب المكاتب في القادر على الوفاء عن نبهان مولى أم سلمة أنه بينا هو يسير مع أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في طريق مكة وقد بقي من كتابته ألفا درهم فقالت وهي

تسير ماذا بقي عليك من كتابتك يا نبهان قلت: ألفا درهم قالت: فهما عندك قلت: نعم قالت: ادفع ما بقي عليك إلى محمد بن المنكدر فإني قد أعنته بها في نكاحه وعليك السلام ثم ألقت الحجاب فبكيت وقلت: والله لا أعطيه أبدا قالت: إنك والله يا بني لن تراني أبدا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا إذا كان عند مكاتب أحداكن وفاء بما بقي من كتابته فأضربوا دونه الحجاب. وذلك إن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم فإذا كان عنده وفاء بها فلا يحل أن يمسكها ليسقط عن نفسه الحقوق كالزكاة من ماله وصلاتها بغير قناع وسفرها بغير محرم وعدتها نصف عدة الحرة وما أشبه ذلك من نظره إلى سيدته لأنه يمنع الواجب ليبقى له ما يحرم عليه فهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان لأحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤديه فلتحتجب منه".

في الوضع عن المكاتب وبيعة

في الوضع عن المكاتب وبيعه روى عن عائشة قالت: جاءت بريرة فقالت: يا عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فاعتقيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا يمنعك ذلك منها ابتعاعي واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" وقام في الناس خطيبا الحديث. في وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على عدم قضاء بريرة من كتابتها شيئا وفي قول عائشة: فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا وتركه صلى الله عليه وسلم الإنكار عليها دليل على عدم وجوب إسقاط بعض البدل عن المكاتب لأنه لو كان الوضع واجبا على المولى لبينه لعائشة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري وزفروا وأبي يوسف ومحمد خلافا لمن سواهم منهم الشافعي استدلالا بقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} .

فإنه للوجوب لا للندب وكذا روى عن عائشة لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية ابنة الحارث في سهم ثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب الحجرة فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت: يا رسول الله إني جويرية ابنة الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما لم يخف عليك فوقعت في سهم لثابت فكاتبته فجئت رسول الله أستعينه على كتابتي، فقال: "فهل لك في خير من ذلك"؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضي عنك كتابتك وأتزوجك"، قالت: نعم، قال: "قد فعلت" وخرج الخبر إلى الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية فقالوا: صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما في أيديهم فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا تعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها. في قوله صلى الله عليه وسلم: "أقضي عنك كتابتك" دليل على وجوب جميع الكتابة دون حطيطة تجب لها منها ومن الدليل على ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسلمان: "كاتب" فلم يزل بأهله حتى كاتبوه على أربعين أوقية من ورق وإن يحيى لهم ثلاثمائة نخلة فأعانه صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: "أعينوا أخاكم" فأعانوه بالنخل وفي تفقير فقرها وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا فقرت لها فلا تضعها حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي" فوضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تمت منها واحدة ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم مولى سلمان بحط شيء من كتابته فدل ذلك على وجوب جميع الكتابة واختلفت الصحابة في تأويل قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} روي عن علي أنه الربع ورفعه ابن جريج عن عطاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه عنه كان في حال الاختلاط لأنه كان خلط بآخره.

وروى أن عمر بن الخطاب كاتب غلاما له فلم يجد ما يعطيه فأرسل إلى حفصة فطلب منها دراهم فأرسلت إليه بمائتي درهم فقال: خذها بارك الله لك فيها قال: فبارك الله لي فيها قد اعتقت غير واحد منها فاستأذنته أن أخرج إلى العراق فقال: أما إذا كاتبتك فاذهب حيث شئت فأراد موال لبني عفان أن يصحبوني فقالوا: كلم أمير المؤمنين أن يكتب لنا كتابا نكرم به قال: وقد علمت أن سيكره ذلك فكلمته فانتهرني وما انتهرني قبلها فقال: أتريد أن تظلم الناس أنت أسوة المؤمنين فخرجت فلما قدمنا جئت معي بنمط وطنفسة فقلت: يا أمير المؤمنين هذا مني هدية فنظر إليهما فأعجبتاه ثم ردهما علي وقال: أنه قد بقيت من كتابتك بقية فاستعن بهما في كتابتك. فدل أن عمر لم يضع من كتابته شيئا وروى أن عثمان بن عفان كاتب غلاما له على مائة ألف وقال: والله لا أعطيك منها درهما فشفع له الزبير فقال: والله لا عطيه منها درهما فغضب الزبير وقال: طلبت إليك حاجة حلت دونها بيمين فأعطاه الزبير مائة ألف وقال: أطلب فيها من فضل الله فإن غلبك أمر فأد إلى عثمان ما له منها فطلب فيها من فضل الله فأدى إلى عثمان ما له وإلى الزبير ما له وفضلت في يديه ثمانون ألفا ففيه دليل على أن الآية لم تكن على وجوب الوضع من الكتاب عندهما وهو الحق ولا يقال كيف قيل لعائشة: ابتاعي وأعتقي وبيع المكاتب لا يجوز لأن المنع من بيع المكاتب لحقه فإذا أذن المكاتب جاز بيعه وصار تعجيز أو فسخا للكتابة كبيع العبد المرهون أو المستأجر بإذن من له الرهن والإجارة وقد أجاز أبو يوسف بيع المكاتب بإذنه قبل عجزه خلافا لمحمد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بيع بريرة لما ذكرنا.

في بيع الامة طلاقها

في بيع الأمة طلاقها روى عن عائشة أنها اشترت بريرة واشترط الذين باعوها الولاء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن اشترى" فأعتقها وخيرها وكان زوجها حرا فاختارت نفسها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما اختلفت الصحابة في بيع الأمة ذات الزوج فقال بعضهم: هو طلاق وبعضهم: ليس بطلاق لها منهم عمر بن الخطاب وعلي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف روى عنه أنه ابتاع جارية ولها زوج ولم يعلم به فلما علم به ردها. ممن روى عنه أنه طلاق عبد الله بن عباس وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وهذا كاختلافهم في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فعند بعضهم: هن المسبيات ذوات الأزواج في دار الحرب وعند بعضهم: هن كل مبيعة ذات زوج والقول الأول أولى لما روينا عن أبي سعيد الخدري في سبب نزول الآية وللذي كان من إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة على نكاحها بعد ابتياع عائشة أياها بدليل تخييرها في فراق زوجها وقد روى ابن عباس تخيير بريرة بعد عتقها في المقام مع زوجها ومذهبه أن بيع الأمة طلاقها فيحتمل أن يكون عدم الطلاق في بريرة لكون مشتريها ممن لا يحل لها التزويج بخلاف المشتري إذا كان رجلا يحل له. قال الطحاوي: ولما وقعت الفرقة بين المسبيات وبين أزواجهن بوقوع الرق عليهن بالسبي ولم يحللن لرجال بأعيانهم حتى يخمسن ويقسمن وكانت بريرة عند ابن عباس لم تحرم على زوجها بابتياع عائشة إياها دل على صحة تأويل مخالفيه لهذه الآية على أن المراد المسبيات دون المبيعات.

في الامة تحت الحر اذا اعتقت

في الأمة تحت الحر إذا أعتقت عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا وروي عنها أنه كان عبدا واحتج من رجح كونه عبد أنما روى عن عائشة أنه كان لها غلام وجارية زوجان فقالت: يا رسول الله أني أريد أن أعتقهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابدئي بالرجل قبل المرأة" ففيه أن الأمة لا خيار لها إذا أعتقت وزوجها حر

ولكن لا شك أن الزوجين كأنا غير بريرة وزوجها ومحال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه الحياطة لأحد الزوجين وإبطال حق الآخر وهو خيار العتق الثابت لها في شرعه فالمعنى في ذلك هو أن عائشة لما استشارته أمرها بعتق أعظمهما ثوابا وهو إعتاق الذكر وإرجاء أمر الجارية لترى فيها بين حبسها وبين الصلة بها لأرحامها كما في حديث مرة بن كعب وكما روى عن ميمونة أنها أعتقت وليدة علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" وعن ابن عباس أنه كان عبدا ولم يختلف عنه في ذلك كما اختلف عن عائشة والتوفيق أن الحرية تكون بعد العبودية غير عكس فجعل عبدا ثم جعل حرا بعد ذلك في الحال التي خيرت الزوجة بين المقام عنده وبين الفراق دفعا للتعارض وما روي عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كان زوج بريرة عبدا ولو كان حرا لما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد ما ذكرناه إذا لا نعلم من المتكلم من رواة هذا الحديث هل هو عائشة أو من دونها ولم لم نعلم فنجعله قول صحابي لا مخالف له قال القاضي: ويعارضه ما روي عنها أنه كان حرا. واحتمل أن يكون قول تابعي رواه عنها أو من دونه فيقابل قوله بقول طاوس أن لها الخيار وإن كان زوجها رجلا من قريش ثم نظرنا فوجدنا مولى الأمة له أن يزوجها حرا كان أو عبدا كالأب يزوج الصغيرة من شاء ثم لا يكون لها بعد البلوغ خيار سواء كان الزوج حرا أو عبدا ينبغي أن يستوي الحالان في الأمة ولا خلاف في أن لها الخيار إذا كان عبدا فكذا إذا كان حرا ومن فرق بينهما قال: إنما جعل لها الخيار إذا كان عبدا لأنه لا يستطيع تزويج بناتها ولا تحصينها والحق أن العلة هو ملكها نفسها بخلاف الصغيرة لأن بالبلوغ لا تملك نفسها وقيل: العلة إنما هي نقصان قرينة الزوج عن مرتبتها بالحرية الحاصلة لها والله أعلم.

في مسقط الخيار

في مسقط الخيار روي مرفوعا إذا عتقت الأمة وهي تحت العبد فأمرها بيدها فإن هو قرب حتى وطأها فهي امرأته لا تستطيع فراقه وعن عائشة إن بريرة عتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: "إن قربك فلا خيار لك" فيه أن الخيار لا يبطل بالقيام من مجلس العلم حتى يكون منها تمكين من نفسها بالوطء بعده خلافا للكوفيين بأنها إذا قامت أو أخذت في عمل آخر بطل خيارها ومثل الوطء التمكين من التقبيل والمس في أن ذلك دليل الرضا بالزوج وإبطال الخيار كالتصريح باللسان ومثل ذلك الطلاق المبهم لامرأتيه والعتاق المبهم لأمتيه فإنه إذا جامع إحداهما مختارا تعينت الأخرى للطلاق والعتاق كما لو صرح بلسانه ومثل ذلك الأمة المبيعة المعينة إذا صدر من المشتري إليها ما لا يحل له منها إلا بملكه لها يكون قاطعا للرد نازلا منزلة قوله رضيت صريحا ويؤيد عدم اشتراط المجلس ما روي عن ابن عباس أنها لما خيرت كان زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لها بعد إعلامها بثبوت الخيار لها: "هو زوجك وأبو ولدك" فقالت: أتامرني به يا رسول الله قال: "لا إنما أنا شافع" فقالت: أن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه فقد انتقلت عنه من مكان إلى مكان واختارت نفسها وعن حفصة قالت لبريرة: أن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك وهو قول ابن عمر وعطاء.

معاني حديث بريرة

معاني حديث بريرة عن عائشة أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: فكانت عتقت فخيرت في زوجها وقال صلى الله عليه وسلم: "الولاء فيمن اعتق" ودخل صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال صلى الله عليه وسلم: "ألم أر برمة فيها لحم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم: "هو صدقه عليها وهو

لنا منها هدية". ووجهه أن الصدقة خرجت من ملك المتصدق على بريرة فجاز خروجها من ملكها إلى من تحرم عليه الصدقة بالهدية وبهذا استدل قوم على إباحة الصدقة للهاشمي بطريق العمالة لأنه لا يأخذ منها ما يأخذه إلا بعمله عليها لا بصدقة أهلها به عليه وهو قول أبي يوسف قياسا على الغنى وكرهه غيره لأن الصدقة تخرج من ملك ربها إلى مستحقها وفيهم العاملون علها ولا يحل لهم أن يأخذوها جعلا على عملهم وأنا تركنا القيام في ذلك للسنة روى عن علي قال: قلت للعباس: سل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملك على الصدقة فسأله فقال: "ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس" فعلم بذلك إنما كره استعماله رفعا لرتبته أن يكون عاملا على الغسالة لا لحرمتها عليه كما روى ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: أصحبني كما تصيب منها فقال: حتى اسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "أن آل محمد لا تحل لهم الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم" وذلك على التنزه منه لبني هاشم ولمواليهم لا على أنهم لو عملوا لحرم عليهم ما يأخذونه منها كما لا يحرم على الغني العام إذ لم يرد أبو رافع أن يصيب من الصدقة إلا ما تكون عمالته منها وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" لا يجوز أن يبيح لعائشة أن تشترط خلاف ما في شريعته ولكن لم يوجد اشتراط الولاء في حديث عائشة إلا من رواية مالك عن هشام فأما من سواه وهو الليث ابن سعد وعمرو بن الحارث فقد رويا عن هشام أن السؤال لولاء بريرة إنما كان من عائشة لأهلها بأداء مكاتبتها إليهم فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" وهذا خلاف ما رواه مالك عن هشام خذيها واشترطي فإنما الولاء لمن أعتق مع أنه يحتمل أن يكون معنى اشترطي أظهري لأن الاشتراط في كلام العرب هو الإظهار ومنه قول أوس بن حجر.

فأشرط فيها نفسه وهو معصم ... فألقى باسياف له وتوكلا أي: أظهر نفسه أي أظهري الولاء الذي يوجبه عتاقك أنه لمن يكون ذلك العتاق منه دون من سواه وقال بعض أن معنى: اشترطي لهم أي: عليهم كقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} وقال محمد بن شجاع: هو على الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وكقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} الآية ألا تراه صلى الله عليه وسلم صعد المبر وخطب فقال: "ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل" إلى آخره، وإذا انفرد مالك عن هشام وخالفه عمرو بن الحارث والليث بن سعد كانا أولى بالحفظ من واحد وحديث عائشة ذكر من وجوه بألفاظ شديدة الاختلاف غير أنه لا شيء فيه من إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بريرة ما كان منهم من اشتراطهم الولاء لإطلاق عائشة ذلك لهم وممن روى عن عائشة ابن عمر والأسود بن يزيد والقاسم بن محمد وعمرة ابنة عبد الرحمن وعن ابن أيمن حدثني أبي قال: دخلت على عائشة فقالت: دخلت على بريرة فقالت: اشتريني وأعتقيني؟ فقلت: نعم فقالت: إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي فقلت لها: لا حاجة لنا بذلك فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اشتريها فاعتقيها" واشترط أهلها الولاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق وإن اشترط مائة شرط". وكان في حديث أيمن ودعيهم فليشترطوا ما شاؤوا على الوعيد ورواه ربيعة عن القاسم بمعنى الوعيد قال: كان في بريرة ثلاث سنن: أرادت عائشة أن تشتريها وتعتقها فقال أهلها: ولنا الولاء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لو شئت شرطته لهم فإنما الولاء لمن أعتق" ثم قام قبل الظهر أو بعدها فقال: "ما بال رجال يشترطون" الحديث، فقوله: "لو شئت شرطته" على الوعيد لا على إطلاق ذلك لها أن تشترطه لهم وعن الأسود عن عائشة أنها اشترت بريرة فأعتقتها واشترطت لأهلها الولاء فذكرت ذلك للنبي صلى الله

عليه وسلم فقال: "إنما الولاء لمن أعتق" وعن منصور أنها اشترت بريرة لتعتقها فاشترط أهلها الولاء فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني اشتريت بريرة لأعتقها واشترط أهلها ولاءها فقال: "الولاء لمن أعتق" فكان قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك كله ثم أعلم أن بعض الناس استدل بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "اشتريها واعتقيها" على أن ابتياع عائشة كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم على أن تعتقها يجوز ابتياع المماليك بشرط الإعتاق بخلاف باقي الشرائط ولا دليل له في ذلك لأن ذلك كان مشورة بذلك علها أن تفعله ابتداء وليس فيه اشتراط أهلها ذلك عليها في بيعهم إياها منها وفي بعض الآثار أن عائشة هي التي سألت أن تشتريها على أن يكون الولاء لها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة بعد إباء موالي بريرة ذلك: "ابتاعي فاعتقي فإنما الولاء لمن أعتق" فكان فيه الأمر بابتياعها وعتقها ابتداء وليس فيه اشتراط من أهلها أن تعتقها عائشة أنما فيه اشتراطهم ولائها عليه في إعتاق عائشة بعد ابتياعها إياها ومقول أنها إذا كانت تعتقها عن نفسها لم يكن باشتراط من بائع بريرة عليها وفي الحديث دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم موالي بريرة عن ذلك حيث أنكر عليهم وأعلمهم بوعيده إياهم أنه خارج من شريعته بقوله: "كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مائة شرط" ولو كان ما صدر منهم من الشرط جائزا لما أنكره عليهم ولا تواعدهم عليه ولا ذمهم وفيما ذكرنا دليل على أن الذي كان منهم اشتراط ولائها في عتاق عائشة لا اشتراط أن تعتقها عن نفسها عتاقا واجبا عليها شرطهم في بيعهم إياها منها وقال ابن عمر: لا يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه وهبه وإن شاء أمسكه لا شرط عليه فيه والمبيعة على أن يعتقها مشتريها ليس كذلك لأنه لزمه اعتاقها ولم يكن له إمساكها وفي ذلك نفى ما ظنه المتأولون من تجويز البيع بالشرط وقول عمر لابن مسعود في الجارية التي ابتاعها من أمرأته واشترطت عليه خدمتها لا تقريها ولا حد فيها مثنوية يؤكد ما قلنا أيضا.

المدبر

المدبر روى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل قد دبر غلاما له فاحتاج فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول". وروى عنه أن رجلا اعتق عبدا عن دبر منه فاحتاج مولاه فأمره ببيعه فباعه بثمانمائة درهم فقال: أنفقها على عيالك فإنما الصدقة عن ظهر غنى وأبدأ بمن تعول فيه الا طلاق في بيع المدبر وروى عن جابر أن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر منه فاحتاج فقال صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني" فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة فدفعها إليه وذكره من طرق بألفاظ متقاربة ففي هذه الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى بيع ذلك المدبر فاحتمل أن يكون ذلك لمعنى كان في الرجل الذي باعه عليه مما يقصر به يده عن التبسط في عبده بالتدبير وغيره كما روى عن جابر أن رجلا من الأنصار يقال له: أبو فاطمة أعتق غلاما له عن دبر منه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل له من مال غيره" فقالوا: لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني" فاشتراه نعيم بن النحام ختن عمر بن الخطاب بثمانمائة درهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنفقها على نفسك فإن كان فضل فعلى أهلك فإن كان فضل فعلى أقاربك فإن كان فضل فاقسم ها هنا وها هنا يمينا وشمالا"، ففيه من كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم من له ما يدل على أن تدبيره عبده إذا كان له مال غيره خلاف تدبيره وليس له مال غيره وقد روى عن عطاء أنه سئل عن رجل أعتق جاريته عن دبر أيطؤها؟ قال: نعم قيل: أيبيعها؟ قال: لا إلا أن يحتاج إلى ثمنها فمن يطلق بيعه من غير حاجة منه إلى ثمنه كان الحديث حجة عليه وقد روي عن جابر أن البيع من ذلك المدبر أنها هو خدمته لا رقبته روى عنه عطاء أن

النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببيع خدمة المدبر فقد يجوز أن يذكر البيع ويراد منه الإجارة ومثله ما روى عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وما روى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له فضل ماء أو فضل أرض فليزرعها أو يزرعها ولا تبيعوها" فقلت له: يعني الكراء؟ قال: "نعم". وقد كشفنا عن حديث جابر فوجدناه لم يأخذه إلا عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن لا يعلم له صحبة1 وفي ذلك ما يمنع الاحتجاج به روى شعبة عن عمر وقال: سمعت جابرا يقول عن رجل من قومه أنه أعتق مملوكا له عن دبر فباعه صلى الله عليه وسلم. وروى أن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم في مدبر قد كان مات مولاه روي عن أبي الزبير وغيره عن جابر أن رجلا دبر مملوكا له ثم مات وعليه دين فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دينه وهو مذهب جماعة من أهل المدينة منهم مالك أنه يباع بعد موت مولاه في دينه وهم يمنعون من بيعه في حياته وهذا اضطراب شديد قد وقع في هذا الحديث وقد رد من احتج به بعض الأحاديث بأقل من هذا الاضطراب قال: في حديث بروع قد اضطرب فيه لأن بعضهم يقول: معقل بن سنان وبعضهم يقول: معقل بن يسار فإذا وسعه الترك في حديث بروع فالأمر لنا أوسع في رد حديث جابر والمنع من إطلاق بيع المدبر في حياة سيده وقد كان من مذهب جابر أن لا يباع روى عن أبي الزبير نقول في أولاد المدبرة إذا مات مولاها لا نراهم إلا أحرار أو ولدها منها كأنه عضو منها فجعل للتدبير عملا في حياة مولاه ليس للوصية بالعتق ذلك العمل ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الصدقة عن ظهر غنى". وعن عثمان بن عفان أنه قضى أن ما ولدت المدبرة قبل التدبير عبيد وبعد التدبير يعتقون بعتقها وعن ابن عمر أنه قال: ولد المدبرة بمنزلتها وهذا منهما كمذهب جابر وهذا القول في المنع من بيع المدبر قال به من فقهاء الأمصار أبو حنيفة وابن أبي ليلى والثوري وأئمة الحجاز كمالك وذويه والله أعلم.

_ 1 تأمل.

كتاب الاستبراء

كتاب الاستبراء روى أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة عند فسطاط يريد حالما والله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل صاحب هذه أن يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له" فيه دليل على أن ولد الأمة الموطوءة وهي حامل لا يكون إبنا للواطئ خلافا لمن استدل به على لحوقه بالواطئ كما لحق بمن كان الحمل منه لأنه يلزم أن يورثه منهما للحوق نسبه بها مع أن في الحديث: كيف يورثه وهو لا يحل له وفي رواية: يورثه وليس منه أو يستعبده وقد عداه في سمعه وبصره. وقد كان مكحول يقول بعتاق الولد على واطئ أمه وهي حامل من غيره على ما روى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجارية اشتراها رجل وهي حبلى فقال: "أتطؤها وهي حبلى" قال: نعم قال: "إنك تعد وفي سمعه وبصره فإذا ولد فاعتقه فإنه لا يحل لك ملكه". قوله: فاعتقه يدل على أنه قبل أن يعتقه غير عتيق ويحتمل أن يكون هذا اشفاقا منه أن يكون ما ظهر من الحمل ليس بحمل في الحقيقة وبسبب وطئه حبلت منه فكره له استرقاقه فلذلك أمر بإعتاقه ولما لم يتيقن ذلك لم يلحق نسبه به وفيما روى عن أبي سعيد قال: أصبنا سبيا يوم أوطاس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توطأن حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة". فيه أن الاستبراء لا يجب على الصغيرة والآيسة لأن النهى عن وطء الحامل وذات الحيض لا غير وما روى عن ابن عباس نهى عن وطء السبايا وهن حبالى حتى يضعن ما في بطونهن أو يستبرأن لا يخالف ما ذكرنا لأن قوله: أو يستبرأن يعود على من ليس بحامل من ذوات الحيض تقديره يستبرأن أن

كن ذوات حيض نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} معناه إن حنثتم. روى عن عبد الله بن بريدة قال أخبرني أبي قال لم يكن أحد من الناس أبغض إلي من علي بن أبي طالب حتى أحببت رجلا من قريش لا أحبه الا على بغضاء علي قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته وما صحبته إلا على بغضاء على فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن يبعث من يخمس الغنيمة فبعث إلينا عليا وفي السبي وصيفة من أفضل السبي فلما خمسه صارت الوصيفة في الخمس ثم خمس فصارت في آل على فاتانا ورأسه يقطر ماء قلنا ما هذا فقال ألم تروا إلى الوصيفة صارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت في آل علي وقعت عليها فكتب وبعثني مصدقا لكتابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما قال على فجعلت أقول عليه ويقول صدق فأمسك بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "اتبغض عليا" فقلت: نعم فقال: "لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة" فما كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من علي. لا ينكر هذا بكونه مقاسما نفسه لنفسه ولغيره لأن من يقسم بالولاية كالإمام يقسم الغنائم بين أهلها وهو منهم ونائب الإمام كالإمام في ذلك ومعنى صيرورة الوصيفة إلى آله أنها صارت بالقسمة في نصيبه ولذلك جاز له الوقوع عليها لأن آل يستعمل صلة ومنه اللهم صل على آل أبي أوفى والمراد على أبي أوفي ومنه لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود أي من مزامير داود لأن المزامير كانت لداود لا لغيره من آله ومنه قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وهو داخل فيهم غير خارج عنهم ووطؤه إياها بلا استبراء لأنها كانت ممن لا يحيض ولا ممن يخشى منها الحمل.

كتاب المواريث

كتاب المواريث مدخل ... كتاب المواريث روي عن جابر بن عبد الله قال جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من

سعد فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا وإن عمهما أخذ ما لهما فاستوفاه فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال: "سيقضي الله في ذلك" فأنزل الله تعالى آية الميراث فبعث إلى عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأعط أمهما الثمن ولك ما بقي" آية الميراث هي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية والحديث نص على أن للابنتين الثلثين خلافا لما ذهب إليه ابن عباس من أن لهما النصف والثلثان لمن فوق الابنتين وكلمة فوق هنا صلة كما في قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} بدليل قوله: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} وهي الأعناق وفقهاء الأمصار على هذا يؤكده قوله تعالى في الأختين: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} والابنتان أولى بذلك.

في مجهول العصبة

في مجهول العصبة روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي ميراث رجل من الأزد وإني لم أجد أحدا أزديا أدفعه إليه قال: "انطلق ابتغ أزديا عاما" أو قال: "حولا" فانطلق ثم رجع في العام الثاني فقال: يار سول الله ما وجدت أزديا قال: "انطلق فانظر أول خزاعة فادفعه إليه" فلما قفى قال: "علي به" قال: فرجع قال: "انطلق فادفعه إلى أكبر خزاعة" يعني: أكبرها في النسب ومنه الولاء للكبر أمره بابتغاء الأزدي حولا نظير اللقطة إلى أن يلتقي صاحبها حولا ثم رد الميراث بعد ذلك إلى الأكبر من خزاعة كما رد اللقطة إلى ما يجب صرفه بعد الحول وإنما رده إلى خزاعة لأن خزاعة من الأزد وإنما تخزعوا منهم لما خرجوا من اليمن فصاروا إلى مكة وهم بنو مازن فحالفوا بمكة من حالفوه بها فصاروا بذلك حلفاء بني هاشم. لا يقال: كيف عدم الأزدي والأنصار من الأزد وهم أقرب إلى الميت من خزاعة لأنه يحتمل والله أعلم أنه كان بمكة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى المدينة وكان ذلك المتوفى ممن كان أسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى الأقعد به من خزاعة إذ لم يكن بمكة أنصار فكان

خزاعة أقعد الناس بالمتوفى وقد روي في هذا الحديث من غير هذا الطريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بميراث رجل من خزاعة فقال: "اطلبوا له وارثا" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "اطلبوا له ذا قرابة" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "اطلبوا له ذا رحم" فطلبوا فلم يجدوا فقال: "ادفعوا ما له إلى أكبر خزاعة". والحديث الأول اولى لأن رواته أكثر ولان العرب لا تورث بالأرحام التي ليست عصبات فاستحال بذلك ما في الحديث الثاني مما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طلب ذي الرحم ليدفع إليه ميراث الأزدي وإنما تورث بالأرحام العجم التي تنسب إلى قراها فالعرب ترجع إلى الشعوب وإلى القبائل وإلى الأفخاذ وبها يتوارثون والعجم لا ترجع إلى ذلك إنما تجمعهم بلدانها لا ما سواها فالشعوب النسب البعيد كتميم وبكر والقبائل دون ذلك والأفخاذ دون القبائل.

في ذوى الأرحام

في ذوي الأرحام روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك كلا أو وضيعة فإلي ومن ترك مالا فهو لورثته وأنا مولى من لا ولي له أرث ماله وأفك عانيه والخال وارث من لا وارث له يرث ماله ويفك عانيه" فيه حجة لمن يورث ذوي الأرحام والمقتدي فيه من الصحابة الكرام عمر وعلي وعبد الله بن مسعود ولا معنى لتأويل الخال بالعصبة من قبل أبائه استدلالا برواية من رواه والخال وارث من لا وارث له يرث ماله ويعقل عنه. لأن القصد إلى الخال الذي لا يرث مع من له ورثة وهو الخال الذي ليس من العصبة لأن الخال من العصبة يرث مع ذوي السهام الباقي عنهم ولأنه يستحيل أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخال الذي هو من العصبة بالميراث بالخؤولة ويترك ذكره بالميراث من جهة التعصيب وميراثه به أقوى لأن العاصب يرث مع ذوي السهام ولا يرث الخال معهن واستدلالهم بتلك الرواية لا يصح لأنها رواية شعبة وكان يحدث عن حفظه ولا يرجع إلى كتاب

وكان يحدث بمعاني ما سمع ولا يأتي بألفاظ ذلك وكان يعجز عن ذلك إذ لم يكن فقيها فيرد ذلك إلى الفقيه كما لك والثوري فحقيقة الحديث على ما ذكرناه.

في الجد

في الجد عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن ابن ابني مات فما لي من ميراثه قال: "لك السدس" فلما ولي دعاه قال: "لك سدس آخر" فلما ولى دعاه فقال: "أن السدس الآخر طعمة" كان هذا قبل أن تنزل آية المواريث وقد كانت الوصية للوالدين والأقربين فإن لم يكن أوصى الميت كان حكم المال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه فيما يرى وضعه فيه فكان بقية المال بعد السدس الذي أعطاه صلى الله عليه وسلم الجد لا مستحق له يرثه فرجع الحكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى منه الجد ما أعطى طعمة ولا وجه للحديث غير هذا إذ لو كان بعد نزول المواريث وله ورثة يستحقون بقية المال بعد السدس الواجب له لما أعطاه طعمة ما وجب لوارث معين ولو لم تكن له ورثة سواه لاستحق ميراثه كله وعليه يؤول ما روي عن معقل بن سنان أنه صلى الله عليه وسلم أعطى للجد ثلثا أو سدسا لأنه لما شك جعلناه السدس الذي حفظه عمران ولم يحفظه معقل لأن من حفظ شيئا أولى ممن قصر عنه.

في الكلالة

في الكلالة عن مرة بن شرحبيل عن عمر قال: ثلاثة لأن يكون رسول اله صلى الله عليه وسلم بينهن لنا قبل أن يموت أحب إلي مما على الأرض الخلافة والربا والكلالة فقلت الكلالة لا شك فيه هو ما دون الولد والأب فقال الأب يشكون فيه وقد روي أن عمر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قل إني والله ما أدع شيئا هو أهم إلي من أمر الكلالة وقد سألت نبي الله عنها فما أغلظ لي في شيء قط مما أغلط لي فيها حتى طعن بإصبعه في صدري

أو جنبي فقال: يا عمر أما يكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء وإني أن أعش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحد يقرأ القرآن وعن مسروق سألت عمر عن قرابة لي ورث كلالة فقال: الكلالة ثلاثا ثم أخذ بلحيته فقال: والله لأن أعلمها أحب إلي مما على الأرض من شيء سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألم تسمع إلي الآية التي أنزلت في آية الصيف مرتين". فترك عمر الجواب عنها تورعا عن القول في كتاب الله عز وجل مما لم يوقف على حقيقته من عند الله حتى مات على ذلك وعن ابن عباس سمعت عمر يقول: القول ما قلت قلت: وما قلت؟ قال: الكلالة من لا ولد له. وروى عن عمر من رواية سعيد بن المسيب لما حضرته الوفاة دعا بكتاب كتبه في الكلالة فمحاه وقال: ترون فيه رأيكم وعن الشعبي أن أبا بكر وعمر قالا الكلالة من لا ولد له ولا والد وحديث سعد بن أبي وقاص في مرضه وقد أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائدا فقال: يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس لي وارث إلا كلالة الحديث وقد كانت لسعد ابنة فعقلنا أن معنى قوله: ليس لي وارث مع ابنتي إلا الكلالة لأن الإبنة ليست كلالة عند أهل العلم جميعا وعن جابر أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ فصب الوضوء علي فعقلت فقلت كيف الميراث فإنما ترثني كلالة فنزلت آية الفرائض فدل ذلك أن الكلالة هي الوارث لا الموروث وقد كان لجابر أخوات مذكورات في غير هذا الحديث فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: إنهن كلالة وعلى صحة ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} وهي مصدر من تكلله النسب كلالة يعني: ما تكلل به النسب من الأعمام وهي العم والعصبة وقيل: الأخوة من الكلالة والقول الصحيح: إن الكلالة هم الوارثون لا الموروثون وعن البراء: أنها آخر آية نزلت. وعن الحسن بن محمد سألت ابن عباس عن الكلالة فقال: من لا ولد

له ولا والد فقلت: يقول الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} فغضب علي وانتهرني فيحتمل أن ترك الذكر للوالد في الآية لأن المخاطبين بذلك يعلمون أن الولد في هذا المعنى أوكد من الوالد فيكون ذكر الولد يغني عن ذكر الوالد كما قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وسكت عما سواهن من العمات والخالات لعلم المخاطبين بما أريد منهم ومثله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} ثم قال: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} فقيل: الجواب لكان هذا القرآن وقيل: هو لكفروا به ومنه {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} ولم يذكر ما كان يكون ووصل ذلك بقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} فكان معقولا أن الكلالة ما تكلل على الموروث في الميراث الذي يتركه من يستحقه بالنسب الذي يتكلل به عليه وكان الولد غير متكلل عليه لأنه منه ومثله الوالد لأنه منه فثبت بذلك أن الكلالة ما عدا الوالد والولد جميعا.

في النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث ولا يورث

في النبي صلى الله عليه وسلم لا يرث ولا يورث عن عائشة أن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم توفي فقال: هاهنا رجل من أهل قريته فأعطاه إياه وعنها أن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع من عذق نخلة فمات وترك شيئا فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل ترك من ولد أو حميم" قالوا: لا قال: "انظروا أهل قريته فادفعوه إليهم" وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث مولاه هذا إلا أن الله تعالى شرفه وجعله في أعلى مراتب الدنيا والآخرة وأخرجه من أخلاق من سواه وكان فيما أنزل عليه: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} فوصفهم بأخلاق لا يحمدها وجعلهم بذلك في منزلة سفلى وجعل حكمه فيما أخرجه إليه أعلى الأحكام فلم يجعله ممن يرث بنسب ولا ولاء ولا تزويج وخالف بينه وبين سائر أمته في ذلك زيادة في فضله وفي تشريفه إياه فأمر صلى الله عليه وسلم بميراث

مولاه لما لم يكن له ولد ولا حميم أن يدفع إلى أهل قريته كما للأئمة أن يدفعوا المال الذي لا مالك له إلى من يريدون من الناس وكذلك سائر الأنبياء لا يرثون ولا يورثون. لا يقال أن زكريا سأل ربه أن يهب له وليا يرثه فوهب له يحيى وأصلح له زوجته لأنه إنما ورث عنه النبوة كمثل ما ورث من آل يعقوب لأنه لم يكن له مال وكان زاهدا نجارا يعمل بيده وعن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقا يطلب علما سلك الله به طريق من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيء حتى الحيتان في جوف الماء وإن العلماء هم ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر". وزكريا منهم فلم يورث شيئا من المال وكذلك قوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} هو مما سوى الأموال. لا يقال: قد كان سليمان في حياة والده نبيا فما الذي ورث عنه لأنا نقول ورث عنه حكمته وما يورث عن مثله فكان ذلك مضافا إلى نبوته فإن قيل: فقد ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه منزله ومملوكته أم أيمن وشقران اللذين أعتقهما قلنا: ذلك كان قبل أن يؤتيه الله تعالى النبوة فلما أؤتيها عاد حكمه إلى منعه من ميراث غيره ومنع غيره من ميراثه وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقتسم ورثتي دينار أما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة المراد بالأهل أزواجه وإنما كانت لهن النفقة لكونهن محبوسات عليه ليكن أزواجه في الجنة محرمات على غيره قوله: لا يقتسم ورثتي يعني من كان يرثني لو كنت موروثا على سبيل الاستعارة ما تركت فهو صدقة لأن من لا يورث فلا وارث له في الحقيقة والله أعلم.

في رباع النبي صلى الله عليه وسلم

في رباع النبي صلى الله عليه وسلم روى أسامة بن زيد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتنزل في دارك بمكة فقال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور" وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا علي لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين وكان عمر يقول: لا يرث المؤمن الكافر قوله: وكان عقيل إلى آخره ليس من الحديث أنما هو من كلام الزهري ولهذا قال له موسى بن عقبة: أفصل كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم احتج المحتج بهذا على أن أراضي مكة مملوكة ولا حجة فيه لأن إضافة الدار من أسامة إليه وإضافته إياها إلى نفسه قد تكون بسكناها لا على أنها ملك له كإضافته تعالى بيت العنكبوت إلى العنكبوت ومساكن النمل إلى النمل وكما يقال باب الدار وجل الفرس يؤيده إن ارث أبي طالب لا يرجع إلا إلى أولاده وكذا مال عبد المطلب لا يرجع إليه صلى الله عليه وسلم لأن أباه عبد الله مات قبل عبد المطلب.

في التولي

في التولي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ومن تولى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" فيه جواز التولي بإذن مواليه الذين كانوا مواليه قبل ذلك بخلاف العتاق فإنه لا يكون مولى لأحد سوى معتقه أذن له في ذلك أو لم يأذن وفي رواية ومن تولى مولى بغير إذنه فعليه لعنة الله ففيه جواز التولي بإذنه وبقبول الذين يتولى ذلك منه وفيه إطلاق وجوب الولاء بغير العتاق كما يقوله العراقيون خلافا للحجازيين مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الولاء لمن أعتق" ولا حجة فيه لأن القصد به إلى الولاء بالعتاق لا غير لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية فكان ذلك نفيا منه أن تكون الزكوات لغير المسلمين في الآية ولم يمنع أن تكون صدقات سوى الزكاة لقوم آخرين فكذا قوله صلى الله عيه وسلم: "إنما

الولاء لمن أعتق" هو على الولاء بالعتاق أي: لا يكون الولاء بالعتاق إلا لمن أعتق ولا يمنع أن يكون ولاء سواه وهو المذكور في الأحاديث بالموالاة فالولاء يكون بالموالاة ويكون للمولى بها أن ينتقل بولائه عمن كان مولى له إلى من سواه من الناس بإذن من ينتقل عنه وبإذن من ينتقل إليه به لا يكون مولى لمن ينتقل إليه إلا بهذه الأشياء الثلاثة وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يذهبون إلى وجوب الولاء بالموالاة ويذهبون إلى أن للمولى أن ينتقل رضى مولاه بذلك أو لم يرض ما لم يكن عقل عنه جناية جناها فإن عقل فلا يمكن الانتقال ولكن الحديث مطلق عن قيد العقل فلا يصح العدول عنه إلى غيره تحقيقا للأتباع.

في من اسلم على يد رجل ووالاة

في من أسلم على يد رجل ووالاه عن تميم الداري قلت: يا رسول الله الرجل من المشركين يسلم على يدي الرجل من المسلمين فقال: "هو أولى الناس بمحياه ومماته" تعلق به قوم منهم عمر بن عبد العزيز وربيعة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب فأثبتوا به ولاء الذي أسلم للذي أسلم على يده وورثوه منه وأكثر العلماء على أنه لا يكفي مجرد الإسلام على يده حتى يواليه بعده كما لو والاه ولم يكن أسلم على يديه وهو مذهب الكوفيين وقد أجاز ذلك عمر بن الخطاب على ما رواه ابن شهاب ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم: "هو أولى الناس بمحياه ومماته" أن يكون المراد أحق الناس أن يقصد لموالاته إذ كان الإرشاد والهداية على يديه وهو كلام عربي يفهمه المخاطبون كما فهم المراد بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} أي: فحنثتم وذلك أن الناس يحتاجون إلى التعارف إذ كان الله جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا فاحتاج من أسلم أن يكون في شعب وقبيلة حتى ينسب إليها ويعرف بها فقد روى عن ابن أبي عبد الرحمن المقبري أنه قال: أتيت أبا حنيفة فقال لي: ممن الرجل فقلت: رجل من الله على بالإسلام فقال لي: لا تقل هكذا ولكن وال بعض هذه الأحياء ثم أنتم إليهم فإني كنت أنا كذلك.

في ميراث المرأة

في ميراث المرأة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحرز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي تلاعن عليه" يحتمل أن يكون للمرأة ولاء من التقطته ويحتمل أن يكون معناه أن من التقط فالأولى به أن يوالي من التقطه إذ هو أحق الناس به حيث التقطه وكفله وتسبب لحياته إذ لا ولاء لأحد عليه ولا نسب له أحد يمنعه ذلك من المولاة وما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي جميلة في لقيطه الذي التقطه: اذهب فهو حر ولك ولاء وعلينا نفقته يسعه من التاويل ما وسع الحديث وقد كان محمد بن الحسن يذهب إلى أن معناه أن ولاءه لك لأن للإمام أن يجعل ولاء صبي لا ولاء عليه لمن شاء من المسلمين فيكون بذلك مولاه كما لو والاه وهو بالغ صحيح العقل وكذلك أبو حنيفة وأصحابه يقولون في اللقيط: أنه حر ويوالي من شاء إذا كبر وقول عمر في اللقيط هو حر ليس على حقيقة بل هو على ظاهره لأنه قد يكون عبدا وعن على أنه قال في المنبوذ: هو حر فإن أحب أن يوالي ملتقطه وإلاه وأن أحب أن يوالي غيره وإلاه يؤكد ما قلنا والله أعلم.

في المولى الاسفل

في المولى الأسفل عن ابن عباس أن رجلا مات ولم يدع وارثا إلا غلاما له كان أعتقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل له أحد" قالوا: لا إلا غلام له كان أعتقه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام، وفي رواية: أن رجلا مات فقال عليه السلام: "ابتغوا له وارثا" فلم يجدوا له وارثا فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه إلى الذي أعتقه من أسفل، وفي رواية: أن رجلا مات ولم يترك وارثا إلا عبدا قد أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه كان القياس توريث المولى الأسفل من العلى كعكسه لأن من ورث بمعنى وجب أن يورث به كذوي التزويجات وذوي الأنساب بالتزويج والنسب ولكن

العلماء ما اتفقوا على ترك استعمال هذا الحديث والقياس إلا لمعنى وهو إعتاق الأعلى الأسفل وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم: "ابتغوا له وارثا" فدل أن الأسفل لم يكن وارثا له وإنما دفع إليه ماإليه صرفه فيما يراه والذي جاء في رواية أخرى ولم يدع وارثا إلا غلاما له يحتمل أن يكون وارثه بنسب كان بينهما كما قالوا أو ولاء إذ قد يحتمل أن يكون الغلام قد أعتق بعد أن أعتق أبا المعتق للرجل1 فيكون بذلك كل واحد منهما مولى لصاحبه وإذا احتمل الحديث هذا كان من عدل به عنها إلى خلاف ما قالته العلماء بغير دليل قد قال قولا شاذا لا يقبل منه لأن أقوال العلماء لأنهم الخلف الذين أخذوا عن السلف هي الحجة قال عليه الصلاة والسلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".

_ 1 كذا في الأصل فليتدبر.

في مولى ابنة حمزة

في مولى ابنة حمزة روى عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة أعتقت مولى لها فمات المولى وتركها وترك ابنته فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم النصف وأعطى ابنة حمزة النصف ثم قال يعني: عبد الله بن شداد: هل تدرون ما بيني وبينها هي أختي من أمي كانت أمنا أسماء بنت عميس الحثعمية وقد كان مصعب بن الزبير وموضعه من الأنساب موضعه منها يقول عبد الله بن شداد مولى بني ليث وأمه سلمى بنت عميس وكان أخا ابنة حمزة لأمها فدل أن عبد الله بن شداد إنما كان ابن سلمى ابنة الحارث وهي امرأة حمزة لا أسماء بنت عميس فإنها كانت زوجة جعفر بن أبي طالب ثم صارت إلى أبي بكر ثم صارت إلى علي بن أبي طالب.

في هبة الولاء

في هبة الولاء روى عن عمرو بن دينار أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن

يسار لا بن عباس فيه إجازة هبة الولاء عن ميمونة وابن عباس لكنه صح عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته ولم يرو ما يخالفه فوجب القول به وفقهاء الأمصار على موافقته وعلى مخالفة ما روى عن ابن عباس وميمونة في ذلك ولو علما به لرجعا عما قالاه إليه ولأن الولاء في ذلك ولو علما به لرجعا عما قالاه إليه ولأن الولاة في ثبوته له شبه بالعتاق الذي يشبه النسب فكما لا يصح هبة الرجل نسب ولده لا يصلح هبة ولاء مولاه لغيره.

كتاب الديات

كتاب الديات في دية الخطأ عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دية الخطأ عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون ابن لبون" وروى عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون ابن مخاض ذكر مكان ابن لبون وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وذهب مالك في جماعة من أهل العلم إلى أن الدية أخماس والخمس الزائد بنو لبون ذكور ورووا ذلك عن سليمان بن يسار والأول أولى لأن بني المخاض دون بني اللبون والأولى أن لا نوجب في ذلك شيئا إلا ما أحطنا علما بوجوبه لأن الأموال محظورة حتى تعلم الوجوبات فيها ولم نحط علما بوجوب السن الأعلى فيها والدية الواجبة في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل خلفات كلها وهو قول محمد وقال أبو حنيفة وأبو يوسف أنها أرباع خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون ابنة لبون وخمس وعشرون ابنة مخاض.

في دية شبه العمد

في دية شبه العمد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فقال

في خطبته: "ألا أن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها " فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل فيه قودا كما ذهب إليه الحجازيون فإنهم يقولون: القتل أما خطأ وأما عمد لا ثالث لهما والحق أنه عمد وفيه القود وخطأ وفيه الدية على العاقلة وشبه عمد وفيه الدية المذكورة في هذا الحديث غير أن الكوفيين اختلفوا في الحجر الثقيل الذي مثله يقتل فعند أبي حنيفة فيه الدية مغلظة وقال طائفة: فيه القود بالسيف وقال: الحجر المذكور في الحديث الذي لا يقتل مثله من جنس السوط والعصا وكذلك السوط والعصا أن كرر الضرب به حتى يكون الضرب في جملته موهوما منه القتل كان عمدا وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن والقياس معهما فإن القاتل بالحجر الثقيل مأثوم كالقاتل بالسيف فكذا عليه القود بخلاف القاتل بالعصا والحجر الذي لا يقتل مثلهما فإنه لا يأثم ذلك الإثم فلا يجب عليه القود ففيه الدية مغلظة، واختلف في الدية المغلظة ما هي فكان أبو حنيفة وأبو يوسف يقولان هي مائة من الإبل خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنات لبون ومثلها حقاق ومثلها جذعة وقال محمد: ثلاثون جذعة ومثلها حقة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وهذا أولى لموافقة قائلية ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه فأما ما دون النفس فلا اختلاف بين أهل العلم فيه أنه وجهان: خطأ وعمد لا شبه عمد وقد روى مرفوعا ما يدل على مذهب الكوفيين وهو ما روي عن أنس بن مالك أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا والأرش فأبوا الا القصاص فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنس كتاب الله القصاص" فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن من عباد الله من لو أقسم على الله لا بره" واللطمة لو كانت في النفس لم يكن فيها قود فالحديثان يدلان على أن في النفس شبه عمد لا قود فيه وما دون النفس ليس فيه شبه عمدا إنما هو عمدا وخطأ لا ثالث لهما.

في العاقلة

في العاقلة روى عن جابر قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله وقال: "لا يتولى مولى قوما إلا بإذنهم" فيه دليل على ما كان فقهاء الكوفة والمدينة عليه من تحميلهم الاروش على عواقل الجاني الذين يجمعهم البطن الذي هو منه إلا أن يعجزوا عن ذلك فيضم إليهم أقرب البطون إليهم فيه حتى يعقلوا عنهم الواجب لأن في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جنايات كل بطن على ذلك البطن من غير اعتبار الأقرب فالأقرب بالجاني بخلاف ما قال غيرهم منهم الشافعي أن معرفة العاقلة أن ينظر إلى أخوة الجاني لأبيه فيحملون ارش جنايته فإن لم يحملوها رفعت إلى بني جده لأبيه ثم هكذا لا ترتفع إلى بني أب حتى يعجز من هو أقرب منه عما يحمل عن الجاني من ذلك لأن هؤلاء جميعا وإن تباينوا في القرابة من الجاني بالقرب والبعد فهم من أهل البطن الذي هو منه وإنما كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عقل كل بطن على ذلك البطن ولم يكتبه على اقرب ذلك البطن إلى الجاني دون من سواهم من أهل ذلك البطن ممن هو أبعد منهم عن الجاني وقد روى عن سلمة بن نعيم قال: شهدت مع خالد ابن الوليد بوم اليمامة فلما شددنا على القوم جرحنا رجلا منهم فلما وقع قال: اللهم على ملتك وملة رسولك وإني برئ مما عليه مسيلمة فعقدت في رجله خيطا ومضيت مع القوم فلما رجعت ناديت من يعرف هذا الرجل فمر بي أناس من أهل اليمن فقالوا: رجل من المسلمين فرجعت إلى المدينة زمن عمر بن الخطاب فحدثته الحديث فقال: قد أحسنت فإن عليك وعلى قومك الدية وعليك تحرير رقبة فجعلها على سلمة وعلى قومه ولم يجعلها عليه وعلى أقرب قومه إليه من عصبته وفيها روى عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: "لا حلف في الإسلام وإيما حلف كان في الجاهلية فإن الإسلام لا يزيده الا شدة" وعن قيس بن عاصم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف فقال: "لا حلف في الإسلام ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية" والمراد بهذا التمسك إجراؤه في الإسلام على ما كانوا يجرونه في الجاهلية بأن تكون الحلفاء كالبطن الواحد فيما يحمله بعضهم عن بعض من عقل الجنايات وهذه مسئلة اختلف فيها قال أبو حنيفة وأصحابه هذا القول وبعضهم لا يجعل الحلف بهذه المنزلة وهو محجوج بما ذكرنا من الأمر بالتمسك به في الإسلام يحققه ما روى عن عمران بن حصين قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر الصحابة رجلا من بني عامر بن صعصعة فمر به على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: على ما أحبس قال: "بجريرة حلفائك" ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه فأقبل إليه فقال له الأسير: أني مسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح". وروى أنه كانت العضباء لرجل من عقيل أسر فأخذت العضباء منه فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد علام تأخذونني وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخذت بجريرة حلفائك" وكانت ثقيف أسرت رجلين من الصحابة وإذا كان المحالفون يؤخذون بجرائر حلفائهم كما يؤخذون بحرائر عمومتهم فيما ذكر كانوا بالأخذ بعقول جناياتهم وكان المحالفون بأخذها منهم أولى وفيما ذكرنا دليل على أن الحلفاء يعقلون عمن حالفوهم ويعقل من حالفوه عنهم كما يعقل أهل الفخذ بعضهم عن بعض.

في دية المعاهد

في دية المعاهد عن ابن عباس لما نزلت: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ

وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} الآية قال كان إذا قتل بنوا النضير من بني قريظة قتيلا ادوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير قتيلا أدوا إليهم الدية قال فسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية وفيما روى عنه أن الآية في المائدة: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} . إنما نزلت في الدية من بني النضير وبني قريظة وذلك لأن بني النضير لهم شرف فكانت ديتهم كاملة وقريظة على نصفهم فتحاكوا فأنزل الله عز وجل ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق فجعل الدية سواء، والله أعلم أي ذلك كان يعني من رد من كانت ديته كاملة إلى النصف أو رد من كان ديته النصف إلى جميع الدية وروى خلاف هذا عن ابن عباس قال: كانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به وإذا قتل رجل من النضير رجلا من بني قريظة أدوا مائة وسوق من التمر فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} وهو النفس بالنفس ثم نزلت: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} فيحتمل أن يكون القوم اختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذين المعنيين فأنزل الله تعالى هذه الآية في السببين جميعا فسوى بينهم في الديات وفي القصاص وقيل: أن دية المعاهد أربعة آلاف درهم مما روى عن عثمان أنه قضى في دية المعاهد باربعة آلاف درهم ولكن يعارضه ما روى أن مسلما قتل كافرا معاهدا فقضى عليه عثمان بدية المسلم. وهذا أولى لأن الحديث الأول رواه سعيد بن المسيب عنه وهو يقول: دية المعاهد ألف دينار وهو قول علقمة والشعبي ومجاهد وعطاء ويدل على ضعفه حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حملهم على الحق فجعل الدية سواء فذلك صريح على أنه رد الدية لهم جميعا إلى الدية الكاملة أو إلى نصف الدية وفي ذلك نفى الأربعة آلاف أن تكون دية المعاهد ثم تأملنا فوجدنا

قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ثم ابتع ذلك بقوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فلما ساوى الله تعالى بينهما في الكفارة وجب أن يستويان في الدية إذ كان الخطاب فيهما سواء ولم نجد أحسن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عقل أهل الكتاب على النصف من عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى"، فإن كان هذا ثابتا فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للدية في ذي الميثاق ما هي وإن كان بخلاف ذلك فظاهر القرآن يدل على تساوي المسلمين وذوي العهود في الديات وممن يقول بالتنصيف: مالك وأصحابه وممن يقول: أربعة آلاف فيهم الشافعي غير أنه روى عن ابن عباس قال: كان عمر وأبو بكر وعثمان يجعلون دية اليهود والنصارى المعاهدين مثل دية المسلم وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه.

في دية الجنين

في دية الجنين عن حمل بن مالك بن النابغة قال: كانت لي امرأتان مليكة وابنة عفيف فرحمت أحداهما الأخرى بحجر فأصاب قلبها وهي حامل فألقت صبيا وماتت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بالدية على عاقلة القاتلة وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة أو مائة من الشاء أو عشر من الإبل فقام أبوها أو رجل من عصبتها فقال: يا رسول الله ما شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لسنا من أساجيع الجاهلية في شيء". أجمع أهل العلم أن مقدار الغرة الواجبة في الجنين من الدية أنها نصف عشرها لأن في الحديث ذكر الغرة أنها عبد أو أمة وهو أعلام للناس بماهية الغرة ثم أتبع ذلك بقوله: أو مائة من الشاء وليست بغرة ولكنه الجزء الذي هو مقدار الغرة من الدية من الشاء لأن في قول من يجعل الشاء صنفا من

أصناف الدية الفا شاة فالمائة نصف عشرها وهو قول أبي يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة ومالك فلم يجعلا الدية إلا في الإبل والدنانير والدراهم والشافعي لم يجعلها إلا في الإبل خاصة وليس قصر النبي صلى الله عليه وسلم بالدية لقتيل الأنصار إلى مائة من الإبل ولا قوله في خطأ العمد مائة من الإبل ما يدفع أن تكون للدية أصناف غير الإبل ثم قوله أو عشر من الإبل وهم في النقل لخروجه عن أقوال العلماء جميعا فالعشرة آلاف قد تيقنا وجوبها ولم نتيقن وجوب ما جاوزها فكان الأولى أن لا يقضي في الدية من الدراهم إلا بعشرة آلاف درهم.

في شريك قاتل نفسه

في شريك قاتل نفسه عن علي بن أبي طالب قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فوجدت حيا من أحياء العرب حفروا أو قال: زبوا زبية لأسد فصادوه فبينا هم يتطلعون فيها إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم هوى الآخر فتعلق بآخر ثم تعلق بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد كلهم فتناوله رجل فقتله وماتوا من جراحهم كلهم فقام أولياء الآخر إلى أولياء الأول وأخذوا السلاح ليقتلوه1 فأتاهم على تئفة ذلك فقال: تريدون أن تقتتلوا ورسول الله حي وأنا إلى جنبكم فلو أقتتلتم قتلتم أكثر مما تختلفون فيه وأنا أقضي بينكم بقضاء فإن رضيتم وإلا أحجز بعضكم عن بعض حتى تأتوا رسول الله فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدل بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من القبائل ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة والذي يليه ثلث الدية لأنه هلك من فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك من فوقه واحد وللرابع الدية كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه عند مقام إبراهيم عليه السلام فقصوا عليه القصة فقال: "أنا أقضي بينكم" فاحتبى ببردة فقال رجل من القوم: أن عليا قد قضى بيننا فلما قصوا عليه القصة أجازه.

_ 1 كذا في الأصل والظاهر ليقاتلوهم.

وفي رواية حفرت زبية الأسد باليمن فوقع فيها الأسد فأصبح الناس يتدافعون على رأسها فهوى فيها رجل فتعلق بآخر الحديث ووجهه والله أعلم أن أهل الزبية جانون على الساقطين فيها بالتدافع أو بسقوط بعضهم على بعض فكان الأول منهم بسقوطه جار الآخرين الذي يلونه لتشابكهم فكان موته من دفع من كان على رأس الزبية ومن سقوط من ثلاثة من الرجال الساقطين عليه بجره إياهم على نفسه فوجب له ربع دية نفسه وسقط من ديته ثلاثة أرباعها إذ كان هو سبب سقوط الثلاثة الرجال عليه وكان الثاني سقوطا ميتا من الدفعة المجهول فاعلها ومن جره رجلين على نفسه فكان له ثلث الدية بالدفعة واجبا على أهلها وكان ما بقي من ديته هدرا إذ كان هو سببها وكان الثالث ميتا من الدفعة ومن وقوع الذي جر عليه فوجب له نصف الدية وكان نصفها هدرا لأنه جناية منه على نفسه وكان الرابع تالفا من الدفعة خاصة فوجب له جميع ديته وإنما تؤخذ الديات من القبائل وإن لم يعلم المتدافعون لأنهم في حكم نفر اجتمعوا فاقتتلوا فأجلوا عن قتيل منهم لم يدر من قتله فديته عليهم جميعا كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الأنصاري الذي قتل بخيبر على يهود خيبر إذ لم يدر قاتله قال الطحاوي وجرح الأسد إياهم لا يراعى وهو هدر كمن دفع رجلا في بئر فوقع على سكين فيها أو حجر فمات وفي هذا الحديث رد لقول الأوزاعي فيمن قتل نفسه خطأ أن ديته على عاقلته ولم يقل ذلك غيره من العلماء.

في العفو عن الدم

في العفو عن الدم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة" وفي بعض الآثار الأول فالأول قال الأوزاعي: ليس للنساء عفو وسئل الأوزاعي عن تأيله "فقال" ما أدري ما هو قال محمد بن عبد الحكم: إذا كان الراوي لا يدري ما تأويله فنحن أولى إن لا ندري. وأما المزنى فقال: تأويله عندي والله أعلم في المقتتلين من أهل القبلة على

التأويل بأن البصائر ربما أدركت بعضهم فيحتاج من أدركته منهم إلى الإنصراف من مقامه المذموم إلى المقام المحمود فإذا لم يجد طريقا يمر إليه ففي مكانه الأول وعساه يقتل فيه فأمروا بما في هذا الحديث لهذا المعنى وقيل الإنحجاز هو العفو عن الدم وفيه ما دل على جواز عفو النساء عن الدم العمد كما يجوز عفو الرجال عنه هذا من كلام أبي عبيد وهذا وهم منه وقيل يدخل في هذا المقتتلون من المسلمين مع أهل الحرب حيث يجوز لهم الإنصراف إلى فئة من المسلمين ليتقووا بها على عدوهم فيقاتلونهم معهم وليس هذا ببعيد وعن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في عنقه نسعة فقال: يا رسول الله إن هذا وأخي كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى ثم قال: يا رسول الله وأعاد له الكلام فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالعفو ثم الثالثة فأعاد عليه قوله أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعف عنه" فأبى قال: "اذهب به أن قتلته كنت مثله" فخرج به حتى جاوز فناديناه ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: يا رسول الله إن قتلته كنت مثله؟ قال: "نعم" فعفا عنه فخرج يجر نسعته حتى خفى عنا. وعن أنس بن مالك قال: أتى رجل بقاتل وليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "اعف" فأبى قال: "خذ الأرش" فأبى قال: "أتقتله فإنك مثله" قال: فخلى سبيله فرئى يجر نسعته ذاهبا إلى أهله فيه أن القتل كان عمدا ولولا ثبت ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم لزجر خصمه عن النسعة التي أسره بها حتى جاءه به ولما قال له: "اعف عنه" ولما قال له: خذ أرشا حين أبي وفيه دليل على أن العفو من ولي المقتول لا يوجب على قاتله أرشا كما يقوله أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وزفر ومحمد خلافا للأوزاعي والشافعي وأما قوله: "إن قتلته كنت مثله" فيبين معناه ما روى عن أبي هريرة في الحديث من قول القاتل: لا والله يا رسول الله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم للولي: "أما أنه إن كان صادقا ثم قتلته دخلت النار

قال فخلى سبيله وكا مكتوفا بنسعته وذلك لأن البينة قامت على قتل أخيه بفعل ظاهره العمد والمدعى عليه كان أعلم بنفسه أنه غير عامد فقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت مثله" يعني أنه في الظاهر من أهل النار فإن كان صادقا في عدم القصد فقتلته كنت أيضا من أهل النار وروى بزيادة أما أنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمك وإثم صاحبك وقيل تأويله إن قتلته فأنت مثله في أنه لا إثم ولا حرج على واحد منكما لأنك فعلت في القصاص مالك إن تفعله والقاتل إن أراد القتل كفارة له فيرتفع عنه الإثم والحرج أيضا وقال ابن قتيبة: أنك إن قتلته كنت مثله أي في أنك قاتل كما أنه قاتل لا في أنك آثم كما أنه آثم والوجه في ذلك أنه أراد منه العفو فعرض له بهذا القول ليعفو إذا سمعه وقيل إذا قتله ذهب أجره باستيفاء حقه وذهب الوزر عن المقتص منه بالقصاص على ما ورد أن الحدود كفارة لأهلها فتماثلا بأن لا أجر لهما ولا وزر عليهما والله أعلم وأما ما روي أنه لما أدبر به ليقتله قال صلى الله عليه وسلم: "القاتل والمقتول في النار" فلا وجه له يصح به لأن القاتل إن كان عامدا فالقصاص واجب لوليه فكيف يكون في النار وإن كان القاتل غير عامد فكيف يكون من أهل النار وهو لم يتعمد وإنما جاء الغلط من فهم أحد رواته لأنه ظن أن قوله: "إن قتله كان مثله" في أنه من أهل النار فجاء بالحديث على المعني ولهذا لم يجز أكثر العلماء سياقة الحديث بالمعنى.

في ما يجب لولى المقتول

في ما يجب لولي المقتول عن طاوس عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل في عمياء أو رمياء تكون بينهم بحجر أو سوط أو بعصا فعقله عقل خطاء ومن قتل عمدا فقود يده ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" وقد طعن فيه من أجل أن سفيان بن عيينة أوقفه على طاوس ولم يذكر ابن عباس ولا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من زاد أولى ممن قصر لا سيما وقد رواه سفيان بن عيينة مسندا كما ذكرناه

وقوله فقود يده يعني الواجب للولي القود لا سواه ولا يخالف هذا حديث أبي هريرة قال لما فتح الله مكة على رسوله صلى الله عليه وسلم قتلت هذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم في خطبته: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين أما أن يقتل وأما أن يؤدي" لأن الذي في حديث ابن عباس من إيجاب القود مثله في حديث أبي هريرة وما زاد فيه من قوله: وأما أن يؤدي هو عندنا على أداء القاتل من غير جبر بطريق الصلح وكذلك رواية من روى وأهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا يعني أن القاتل أن بذل لهم الدية كانوا مخيرين بين أن يأخذوها وبين أن يقتلوا فعلى هذا ينتفي التضاد بين الآثار والمسألة مختلف فيها فطائفة يقولون بهذا القول الذي صححنا وهو مذهب أهل الحجاز والعراق وطائفة يقولون: أن لولى القتيل أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى وممن يقوله الشافعي والأوزاعي وقالوا: وعلى القاتل استحياء نفسه فإذا لم يفعل أخذ به. قلنا: عليه ذلك ديانة إلا أنه لا يجبر عليه بدليل إجماعهم أن ولي المقتول لو طلب دار القاتل أو عبده لا يجبر على ذلك وإن كان واجبا عليه أن يفعله ويدفع القود عن نفسه ولأن الشريعة كانت في بني إسرائيل في العمد القود خاصة فخفف الله تعالى وأباح الصلح على دفع القود كذا فسر ابن عباس قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} قال: العفو أن يقبل الدية في العمد {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فمن أجله خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بما خطب به وما عاد إلى التخفيف والرخصة لم يكن مأخوذ إلا بطيب نفسه لا جبرا خلافا لمن قال: رأيت الله عز وجل أوجب في الخط الدية وأوجب في العمد ما هو أغلظ منها وهو القود فإذا اختار الولي ترك الأغلظ وأخذ الأيسر كان قد نزل عن الواجب له إلى ما دونه وهو الدية فله أن يأخذه شاء أو أبى وقيل العفو من الولي يوجب الدية على الذي عليه القصاص والقولان فاسدان لأن الله تعالى أوجب في العمد

غير الذي أوجب في الخطأ فليس مما وجب في الخطأ جزء مما وجب في العمد فمن ترك الواجب له في العمد على القاتل فليس له أن يأخذ غير ما شرع له مما لم يوجبه الله تعالى إلا برضاه ولو كان بنزوله عن القصاص تجب له الدية الواجبة في الخطأ لوحبت له على العاقلة وهو خلاف الإجماع ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذي النسعة: "اعف عنه" يعني: عن القاتل فأبى فقال: "فخذوا أرشا" ولو كان العفو موجبا لما قال له لما أباه فخذ أرشا وكذا قول من قال: إن لولي الدم أن يأخذ الدية من القاتل شاء أو أبى فاسد أيضا لأن الله تعالى أوجب في قتلانا القصاص لا غير بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ثم عقبه بقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} فلم يكن له أن يتحول عن الحق الذي جعله الله له إلى ما سواه إلا برضا من يتحول عليه بذلك فلما فسدت هذه الأقوال لم يبق غير الذي قلناه عن الطائفة الأولي وهو القصاص لا غير ولا يتحول إلى الدية إلا برضا القاتل وولي القتيل جميعا.

في القود من اللطمة

في القود من اللطمة عن ابن عباس أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية فلطمه العباس فجاء قومه فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فقال: "يا أيها الناس أي أهل الأرض أكرم على الله"؟ قالوا: أنت قال: "فإن العباس مني وأنا منه فلا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا" فجاء القوم فقالوا: يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك فاستغفر لنا، احتج بهذا أهل المدينة منهم مالك في وجوب القصاص في اللطمة وقالوا: بسكوته صلى الله عليه وسلم في ترك الإنكار عليهم دليل وجوبه. قلنا: لو كان القصاص واجبا لما منعهم من الحكم به جلالة منزلة العباس فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لو أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت لقطعت يدها" ولأنه لما كان هدرا في الخطأ لا يكون فيها قصاص في العمد

بخلاف المال والنفس فإن في خطائهما شيء فكذا في عمدهما وكذا لا يحتج بما روى مرفوعا يقول الله تعالى يوم القيامة: "لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأهل النار عنده مظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأهل الجنة عنده مظلمة حتى أقصه منها حتى اللطمة"، ففيه ما يدل على وجوب القصاص فيها في الدنيا ولهذا يؤاخذه بها. لأن رفع القصاص في الدنيا لعدم وقوف العباد على استيفاء مثلها لكون حدها غير معلوم والله تعالى عالم بحدها قادر على استيفاء مثلها منه في الآخرة ولا حجة بماروى أن أبا بكر الصديق لطم رجلا فقالوا: ما رضى أن يمنعه حتى لطمه فقال أبو بكر للرجل: اقتص مني فعفا عنه لأنه يحتمل أنه فعل ذلك تواضعا منه وكراهية لما كان منه من الاستعلاء على غيره بلطمه إياه كما كان من خالد بن الوليد مع ابن أخيه اللاطم لرجل فقد حكم بالقود منه فعفا عنه فإنه كان تأديبا لابن أخيه وزجرا عن معاودته وكذلك ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أقاد من نفسه فإنه كان من تواضعه لا بواجب عليه.

في القود من الجبذة

في القود من الجبذة عن أبي هريرة كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى إذا قام فقمنا فقام يوما فقمنا معه حتى لما بلغ وسط المسجد أدركه أعرابي فجبذ بردائه من ورائه وكان رداءه خشنا فحمر رقبته فقال: يا محمد أحمل لي على بعيري هذين فإنك لا تحمل من مالك ولا من مال أبيك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أحمل لك حتى تقيدني مما جبذت برقبتي" فقال الأعرابي: والله لا أقيدك فلما سمعنا قول الأعرابي أقبلنا إليه سراعا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "عزمت على من سمع كلامي أن لا يبرح مقامه حتى آذن له" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من القوم: "أحمل على بعير شعير أو على بعير تمرا" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصرفوا"، يحتمل أن المراد من ذلك أن يتخلق الأعرابي بخلق الإسلام من التواضع والرفق كما فعل أبو بكر وعمر لا أن

المراد به القود حقيقة بل هو استعارة للكلمة للمعنى الذي فيها مما استعاروها منه قال الله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} والجدار لا إرادة له ولكن كان منه ميل كما كان لأولي الإرادة عند إرادتهم إلقاء أنفسهم إلى الأرض فمثل ذلك ما أراد من الأعرابي أن يبذل له من نفسه مثل الذي يبذل بالقود والله أعلم.

في انتظار البرء بالقصاص

في انتظار البرء بالقصاص ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: طعن رجل آخر بقرن في رجله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال: "انتظر" ثم أتاه فقال: أقدني فأقاده فبرأ الآخر وشلت رجل الأول فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني مرة أخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس لك شيء قد قلت لك انتظر فأبيت" وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله للرجل: "انتظر" ثلاث مرات ومن أخذه له القود لما سأله إياه في المرة الرابعة هو حديث منقطع وقد رواه ابن أبي شيبة فذكره عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله وقد ذكر فيه بعض الرواة فقال: أقدني فقال: حتى تبرأ من الجناية ثلاث مرات فأقاد فعرج المستقيد فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبعد الله عرجك لا شيء لك". معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه القود إلا وهو غير واجب له وأنه لم يقده إلا والقود واجب له، اختلف أهل العلم في أنه هل يجب الانتظار في الجناية على الجاني حتى يتحقق منتهى الجناية في نفس أو عضو فمنهم من يقول: لا يجب حتى ينتظر ما تؤول إليه الجناية وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ومنهم من يقول: يجب القصاص من الجاني حين كان جنايته عليه مثل ما جناه عليه وهو قول الشافعي ولما منع صلى الله عليه وسلم القود حين كانت الجناية علمنا أنه منعه مما لم يكن وجب له ولما أقاده في حال أخرى عقلنا أنها حال سوى الحال الأولى وعلمنا أنه إنما أمر بالإنتظار ليعلم ما يؤول إليه حال الجناية من برئه منها

أو تلاف نفسه أو عضوه فيها وفيما ذكرنا وجوب رفع القود عن الجاني حتى يوقف على ما تتناهى جنايته وهو القياس إذ لا يختلفون أن الجناية لو كانت خطأ فمات منها لامجني عليه أن الدية تجب في ذلك لا دية ما سواها من العضو فكذلك إذا كانت الجناية عمدا تجب مراعاة ما تتناهى إليه من ذهاب النفس فيكون الحكم للنفس لا لما سواها ويجب القود فيها لا في الأعضاء الذاهبة قبلها بالجناية وإذا كان منها البرء كان الحكم للأعضاء الذاهبة بتلك الجناية ووجب فيها القود.

في العقود بين العبيد

في العقود بين العبيد ... في القود بين العبيد عن عمران بن حصين أن عبد لقوم أغنياء قطع أذن عبد القوم فقراء فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما قصاصا وروى عنه أن عبد القوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء الحديث فيه من الفقه معنى يجب أن يوقف عليه وهو أن جنايات العبد في الأطراف لا يوجب القود عند أبي حنيفة وأصحابه وتوجب القود في النفس خلافا لمن يوجب القود فيهما عليهم كما في الأحرار وحديث عمران دال على عدم جريان القصاص في الأطراف بينهم وما روى عن قيس بن عباد قال: انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس قال: لا إلا ما في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولاذو عهد في عهده ومن أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين دال على وجوب القصاص بينهم في الأنفس لأن تكافؤ دماء المسلمين في العبيد والأحرار على العموم فدل على أن العبيد بينهم قصاص في الأنفس من غير اعتبار قيمة وفيما دون الأنفس إلى القيمة وهي تختلف باختلاف المقومين فرفع القصاص بين العبيد فيها وبين الأحرار والعبيد كذلك وعند مالك كذلك إلا أن يقتل الحر العبد فيقتل وقد روى مثل مذهب أبي حنيفة أنه لا قود بين العبيد فيما دون النفس عن عبد الله بن مسعود.

كتاب القسامة

كتاب القسامة في وجوب القسامة ... كتاب القسامة فيه أربعة أحاديث، في وجوب القسامة روي أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في فقيرا أو عين فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه فقالوا: والله ما قتلناه فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويضة وهو أكبر منه وعبد الرحمن فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: "كبر كبر" يريد السن فتكلم حويصة قبل ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: "أما أن يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب" فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتبوا أنا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: "أتحلفون وتستحقون دية صاحبكم" قالوا: لا قال: "فيحلف لكم يهود" قالوا: ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار فيه إيجاب الدية قبل أن يحلف الأولياء على ما ادعوا بمجرد وجود القتيل بين ظهرانيهم وهذا باب متنازع فيه فطائفة أوجبوا الدية وإن لم يقسم أولياء القتيل على ذلك القوم منهم أبو حنيفة وابن أبي ليلى والثوري، وطائفة تقول: أن القسامة الواجب بها العقل بأحد أمرين: أما أن يقول الرجل دمي عند فلان ثم يموت أو يدعي أولياء الرجل على رجل أنه قتل رجلا ويأتون بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة منهم مالك بن أنس وطائفة تقول: أن القسامة لا تجب ولا يجب بها عقل قتيل بوجوده بين قوم حتى يكون مثل السبب الذي قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة فيه وهو أن خيبر دار يهود لا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بينهم وبين الأنصار ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل

الليل فغالب الظن أن اليهود قتلته وكذلك القوم بينهم الحرب فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو يأتي ببينة من المشركين من نواح لم يجتمعوا فيها فيثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض وإن لم يكونوا ممن يعدل أو يشهد عدل أنه قتله لأن كل سبب من هؤلاء يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى الولي فللولي أن يقسم على الواحد أو الجماعة ممن أمكن أن يكون في جملتهم ولا تكون القسامة عنده ولا وجوب الدية إلا بما ذكرنا وممن كان يذهب إلى ذلك الشافعي ولما اختلفوا وجب الكشف عما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثله فوجدنا في ذلك ما روي عن الأنصار أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عيه في الجاهلية. وروي عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود- بدأبهم "يحلف منكم خمسون" فأبوا فقال للأنصار: فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته على يهود لأنه وجد بين أظهرهم فوقفنا بذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية القتيل الموجود بين ظهراني يهود قبل أن يقسم أولياؤه على اليهود أنهم قتلوه وكذلك الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا ديات القتلى الموجودين بين قوم على القوم الذي وجد القتلى بين ظهراينهم وإن لم تكن في ذلك قسامة كما روي أن رجلا أصيب عند البيت فسأل عمر عليا فقال له: ده من بيت المال. وهذا مما ليس فيه قسامة على عمر ولا رآها فيه عمر وكان ذلك بحضرة الصحابة من غير نكير ومثله ما روي أن شيخا زحم في المسجد على عهد علي بن أبي طالب فمات فرفع ذلك إليه فواده من بيت المال وكذا حكم عمر على أهل الذمة أن قتل رجل من المسلمين بأرضكم فعليكم الدية وقد كان وجد قتيل بين وداعة وحي آخر والقتيل إلى وداعة أقرب فقال عمر لوداعة: يحلف منكم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا نعلم قاتلا ثم تغرمون فقال له الحارث:

أنحلف ونغرم؟ قال نعم. وأما القتيل الموجود في موضع لا أهل له ولا يعلم من قتله فيه الدية لا غير وهكذا كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون فيه وقد شد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار في اليهود: "أما أن يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب من الله" قبل أن يكون من الأنصار في ذلك قسامة إذ لا يكون إيذانهم بحرب إلا في منع واجب عليهم وما في حديث أبي سلمة وسليمان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحقوا" فقالوا: أنحلف على الغيب يحتمل أن يكون أراد به استحقوا ببينة تقيمونها على قتل صاحبكم بعينه فنقتله لكم به وما في حديث أبي ليلى من قر له صلى الله عليه وسلم للأنصار: "أتحلفون" لا يدل على أنهم لا يستحقون ما ادعوه إلا بعد إيمانهم إذ قدم ما دل على وجوب الدية لهم بمجرد وجود القتيل بينهم وقد أنكر عبد الرحمن ابن بجيد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه صلى الله عليه وسلم من عنده وهذا هو الأولى من أن يأمر أحدا بالحلف على ما لا علم له به ولأن ابن بجيد من قوم المقتول فهو أعنى بالأمر ممن ليس منهم والحق أن قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم" ليس بأمر لهم بالحلف على مالا يعلمون بل قال ذلك على التقرير لهم أن ذلك لا يصح كما قال الله تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ويحتمل أنه صرف الأمر إليهم ليحلفوا على ذلك أن تيقنوه وعلموه بما قد يقع لهم به العلم من الأسباب الموجبة له من غير المشاهدة أو يترفعوا عنه إن لم يتحققوا فترفعوا عن الإيمان إذ لم يكن عندهم علم بدعواهم إلا غالب ظنهم وعن سهل بن أبي حثمة قال: وجد عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وعماه حويصة ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب محيصة ليتكلم فقال صلى الله عليه وسلم: "الكبر الكبر" فتكلم أحد عميه الكبير منهما قال: يا رسول الله

إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر وذكر عداوة يهود لهم قال: "أفتبرئك يهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه" قال: كيف نرضى بإيمانهم وهم مشركون قال: "فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه" قالوا: كيف نقسم على ما لم نره فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. فيه تبدئة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود في الإيمان وهذا خلاف ما في حديث مالك وهو أن يبدأ فيها أولياء الدم وهذا أولى لجلالة رواته وأكد ذلك ما رويناه من قضاء عمر على الحارث بن الأزمع وقومه مما لا يسع خلافه وقد وهم أبو يوسف في احتجاجه بهذا الحديث على أبي حنيفة في أن القسامة والدية إنما تكون على مالكي الموضع الذي وجد القتيل فيه لا على سكانه فقال بهذا الحديث أقول: إذا كانت دار لها سكان لا يملكونها ولها ما لكون بعداء عنها فالقسامة والدية على سكانها لأن خيبر كانت للمسلمين وكان اليهود عمالهم فيها لأنها كانت يومئذ صلحا وقد شد ذلك ما في حديث سهل أما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب من الله وروى بعض الرواة في حديث سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار: "أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قتيلكم أو صاحبكم" فيه أن الدم يستحق بالقسامة ولكن لمخالفيه أن هذا الحديث روي بالشك بأن ما يستحقونه هو الدية والقود والله أعلم غير أن في حديث مالك عن أبي ليلى عن سهل قال: "أما أن يدوا صاحبكم وأما أن يأذنوا بحرب" فالواجب أن يرد الحديث الذي وقع فيه الشك إلى الحديث الذي لا يشك فيه وفيما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية الأنصاري الذي قتل بخيبر على اليهود لأنه وجد بين ظهرهم وفيما روي عنه أنه أداها من عنده. وروي أنه ودى القتيل من ابل الصدقة يحتمل أن يكون قول من قال: أنه وداه من عنده أي مما يده عليه وإن لم يكن ملكا له دفعا للتضاد ويحتمل أن يكون غرمها من عنده وقد جعلها على غيره فغرمها من حيث لا يجب

عليه غرمها ولم يدفع أن يكون قد تقدم قضاؤه بها على من قضى بها عليه ويحتمل أن يكون أداؤه لذلك من إبل الصدقة لا غرما عن اليهود لأنهم ليسوا من أهل الصدقة وفي ذلك ما قد دل على أن من غرم عن رجل دينا كان عليه لمن هو له لم يملك الذي كان عليه الدين شيئا مما غرمه عنه وهكذا كان يقول محمد فيمن تزوج إمرأة على مائة فأدى إليها رجل عنه تلك المائة ثم طلقها قبل الدخول فالنصف مردود إلى المؤدي لا إلى الزوج وهو الحق لأن الدراهم خرجت من ملك المؤدي إلى الزوجة لا إلى ملك الزوج خلافا لما قاله مالك فيمن أدى عن رجل دينا بغير أمره إلى من هو له أنه يرجع بذلك على المديون لأنه ملكه بأدائه إياه عنه وقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفع من إبل الصدقة ما دفع ليرجع إليه مثله وما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي على من ترك دينا لم يترك له وفاء وإن ابا قتادة لما ضمن عن المتوفى الدين صلى عليه دليل على ما قلنا وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقم شاهدين على قتله ادفعه إليك برمته" فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال: "فتحلف خمسين يمينا" قال: يا رسول الله وكيف أحلف على ما لا أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتستحلف منهم خمسين" فقال: يا رسول الله وكيف تستحلفهم وهم كفار وهم مشركون فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ديته على اليهود بغير حلف كان في الدعوى عليهم وفي ذلك ما قد دل على أن الدية لزمتهم بوجود القتيل بين أظهرهم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاونهم بنصف الدية وذلك عندما كان منه عونا للأنصار لا عن اليهود لأن الذي غرمه في ذلك إنما كان من الأموال التي تحل لليهود1.

_ 1 كذا.

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات في قتل المؤمن بالكافر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولاذو عهد في عهده فيه التسوية بين دماء المسلمين في القصاص والدية شريغا كان أو وضيعا رجلا كان أو امرأة حتى الرجل بالمرأة كعكسه والمراد بالذمة الأمان حتى لو آمن رجل من المسلمين العدو أمانا نفذ ذلك على جميع المسلمين وحرم أخفاره كما روي في أمان زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بن الربيع وقوله: أدناهم يحتمل أن تكون المرأة أو العبد وإذا كان أمان العبد جائزا فالمسلمة أحرى وفي قتل المؤمن بالكافر قولان لأهل العلم: أحدهما إن ذلك على التقديم والتأخير تقديره لا يقتل مؤمن ولاذو عهد في عهده بكافر أي كافر غير ذي عهد فيقتل المؤمن بالكافر الذمى وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والثاني أن قوله: ولاذو عهد كلام مستأنف فلا يقتل المؤمن بالكافر المعاهد وهو تأويل الشافعي وكان مذهب مالك كذلك ولكن يلزم أن لا يقتل ذو عهد بحال لو كان مستأنفا ولا خلاف أن ذا العهد يقتل قصاصا عن قتيله من المسلمين أو المعاهدين فعقلنا بذلك أن المراد بمن لا يقتل في عهده إنما هو بمعنى خاص ولا خاص في هذا غير الكافر الحربي لأنه انعطف عليه فصار المراد بمن لا يقتل به المؤمن المذكور أيضا الحربي ووجب أن يقتل المؤمن بالمعاهد وقياس على السرقة فإن المسلم يقطع بسرقة مال المعاهد فكذلك يقتل إذا قتله لأن حرمة النفس كحرمة المال بل أكد لأن العبد يسرق مال سيده فلا يقطع ويقتله فيقتل به.

في من اشار بحديدة على رجل

في من أشار بحديدة على رجل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أشار بحديدة إلى

أحد من المسلمين يريد بها قتله فقد وجب دمه" أي: حل دمه من قولهم وجب دمي على فلان أي حل دمي عليه وحل دمه لكل من يقدر على الدفاع عنه أن يحجز عن الدافع عن نفسه وذلك لأنه لو تم له ما قصده من القتل لوجب له قبل إمضائه ما قصد إليه حتى لو كان لا يجب دمه بالإمضاء لم يجب قبل الإمضاء كالمجنون إذ أشهر سلاحا على رجل فإنه لو قتله كان عليه دينه وقد روى عن أبي حنيفة في رجل شهر على رجل سيفه فقطع يده ثم قتله المشهور عليه قال عليه القود ولم يحك فيه خلاف وليس هذا خلافا للحديث ولكنه على أن الشاهر لما قطع يه كف عن إشهاره عليه فحرم بذلك قتله فأما إذا بقي بعد قطعه يده على ما كان عليه مما شهر به سيفه عليه فهو بذلك في حكمه قبل قطع يده.

في نزع ثنية العاض

في نزع ثنية العاض روي أن رجلا عض آخر على ذراعه فجذبها فانتزعت ثنيتاه فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أردت أن تأكل أو تقضم- شك المحدث- لحم أخيك كما يأكل أو يقضم الفحل فأبطلها ذكر من طرق بألفاظ متقاربة أوجب بعض العلماء أرش ثنيتي العاض على المعضوض منهم ابن أبي ليلى والحق بطلان الأرش لأنه لو تم قصد العاض لوجب عليه القصاص كما تقدم في المشير بالحديد ليقتله. لا يقال أن العض لا قود فيه لأنه كسر عظم لأن العض بأطراف الأسنان لا يكسر العظم وإنما يأتي على جلدة الذراع أو يجاوزها إلى العظم فيجب فيه القصاص كموضحة الرأس بإجماع وإنما يمكن كسر العظم بالقضم الذي هو بجميع الأسنان ثم لو كان العاض مجنونا يجب له ارش الثنية على ما أصلناه فيوافق معنى الحديثين.

في حذف من اطلع عليه

في حذف من اطلع عليه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو طلع علينا1

_ 1 كذا والظاهر عليك.

رجل فحذفته ففقأت عينه ما كان عليك جناح" وروي أن رجلا اطلع في جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحط رأسه بالمدرى فقال: "لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الأذن من قبل الإبصار". وروي: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه، وروي: أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقم عينه خصاصة الباب فبصر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ سهما أو عودا محددا وجاء به ليفقأ عين الأعرابي فانقمع الأعرابي فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنك لو ثبت لفقأت عينك". وفي رواية قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه لما كان حق صاحب الدار أن لا يطلع عليه كان له قطع الاطلاع وإن كان فيه انقلاع عين المطلع لأنه فعل ما له أن يفعل فلا ضمان عليه وروي مرفوعا "من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية ولا قصاص" ولما جاءت الأخبار مجيء التواتر ولم يستعملها الفقهاء لأن قطع الاطلاع قد يحصل بالزجر باللسان فإذا فقأ يجب عليه الضمان نظرنا فيه فوجدنا جهاد العدو لا يقاتل فيه إلا بعد الدعوة فإن قاتلوهم قبل الدعوة لعلمهم بما يدعون إليه لم يكن فيه لوم ولا ضمان نفس ولا مال والمرتد إن قتل قبل الاستتابة جاز وإن كان أحسن الاستتابة قبل القتل فكذلك المطلع إن أعلمه قبل الفقء كان حسنا وإن لم يفعل كان جائزا وليس عليه دية ولا قصاص وهذا مما لا يتسع خلافه لما روينا.

كتاب الرجم

كتاب الرجم مدخل ... كتاب الرجم عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب وهو جالس على المنبر يقول: أن الله عز وجل بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد

الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. في قول عمر دلالة على وقوفه إن الرجم ثابت بالكتاب وغيره مثل أبي بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لم يكتبوها في القرآن لعلمهم أن النسخ لحقها وكان أبو بكر عند جمعه للقرآن سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب ففعل فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي ثم كانت عند حفصة فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها فبعثت بها فنسخها عثمان في هذه المصاحف ثم ردها إليها فلم تزل عندها حتى أرسل مروان بن الحكم فأخذها فحرقها فكان أبو بكر قد وقف على نسخها من القرآن وردت إلى السنة وعثمان أيضا قد وقف على ذلك وقال علي بن أبي طالب لما جلد شراحة ثم رجمها: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعه على ذلك زيد بن ثابت وهو الذي كان يكتب القرآن لأبي بكر فكان علمهم بنسخها أولى من ذهاب ذلك على عمر لأن من علم شيئا حجة على من لم يعلمه وترك عمر كتابتها في المصحف دليل على أنه قد رأى من ذلك ما رأوه فبان بما ذكرنا أن الرجم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا آية ثابتة الآن من كتاب الله تعالى.

في حد المقر بالزنا

في حد المقر بالزنا روي عن سهل بن سعد أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها، وروى أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: زنى بي فلان فبعث إلى فلان فسأله فأنكر فرجم المرأة، فيه إقامة حد الزنا على المقر دون المنكر منهما وهو مذهب أبي يوسف وقال بعضهم: لا يحد المقر منهما

أيضا إذ كان للمنكر منهما مطالبة المقر بحد القذف لأننا نحيط علما أنه لا يجتمع على المقر الحدان جميعا لأنه إن كان صادقا كان زانيا لا قاذفا وإن كان كاذبا يكون قاذفا لا زانيا وهو قول أبي حنيفة وقد احتج عليه بما روينا ولا حجة عليه بما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: "أحق ما بلغني عنك" قال: وما بلغك عني قال: "إنك أتيت جارية آل فلان" فأقر على نفسه أربع مرات فأمر به فرجم. وبما روي عن يزيد بن نعيم بن هزال وكان هزال استرجم لماعز قال: كانت لأهله جارية ترعى غنما وإن ماعزا وقع عليها وإن هزالا خدعه فقال: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخبره بالذي صنعت أن ينزل فيك قرآن فأمر به نبي لله فرجم فلما عضه مس الحجارة انطلق يسعى فاستقبله رجل بلحى جمل فضربه فصرعه فقال صلى الله عليه وسلم: "يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا لك" فعلم أن المقر بالزنا على نفسه هذا الرجل لا المرأة وعلم أنه هو ماعز بن مالك وعلم أن المرأة التي زنى بها أمة لا حد عليه في رميه إياها بخلاف ما إذا أقر بالزنا بحرة فإنه يجب لها عليه برميه إياها حد القذف فبان بحمد الله أنه لا حجة فيه لمن ادعاها على أبي حنيفة.

في الستر

في الستر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم" أمر الله تعالى عباده بالستر وإن لا يكشفوا عنهم ستر الذي سترهم به فيما يصيبونه مما قد نهاهم عنه لمن سواهم من الناس فكان الأمير إذا تتبع ما أمر الله تعالى بترك تتبعه امتثل الناس ذلك منه فكان في ذلك إفسادهم ولا يقال أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنيسا أن يأتي امرأة الرجل الذي ذكر له عنها أنها زنت فيسألها وإن يرجمها إن اعترفت لأن تلك امرأة ذكر أبو الزاني أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل فإن اعترفت حدت

وإن أنكرت جلد قاذفها وقد كان الشافعي يقول ليس للإمام إذا رمى رجل بالزنا أن يبعث إليه فيسأله عن ذلك لأنه تعالى قال: {وَلا تَجَسَّسُوا} قال الطحاوي: أن ابن هذا الخصم المذكور في الحديث كان يقر بزناه بامرأة الآخر وهو في إقراره بزناه بها قاذف لها إن أنكرت فلما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على وجوب أحد الحدين عليه أما حد الزنا أن أقرت وأما د القذف أن أنكرت دعته الضرورة إلى استعلام ما تقوله المرأة منه بالزنا.

كتاب الحدود

كتاب الحدود مدخل ... كتاب الحدود قال سعد بن عبادة يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال: "نعم" إنما أطلق صلى الله عليه وسلم إمهاله له وإن كان تغيير المنكرات على الفور لتقوم الحجة عليهما فيقام عليهما الحد كما يحل النظر عمد للشهود ولا يقدح ذلك في عدالتهم لقصدهم إقامة حد الله على من يستحقه وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه ثم في إطلاق أربعة شهداء سوى الزوج دليل على عدم جواز شهادة زوجها عليها خلافا لمالك والشافعي لأنه لو كانت شهادته في ذلك جائزة لقال صلى الله عليه وسلم جوابا لسؤاله وما حاجتك إلى أربعة يشهدون على ذلك أطلب ثلاثة سواك حتى تكون أنت وهم شهداء على ذلك إذ كان وجود الثلاثة أيسر عليه وأقصر مدة.

في وطء امة الابن

في وطء أمة الابن عن جابر أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا وإنه يريد أن يأخذ مالي إلى ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" فيه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الابن وماله فجعلهما لأبيه ولم يكن جعله لأبيه على معنى تمليكه إياه ولكن على أن لا يخرج عن قول أبيه فكذلك ماله لا ينبغي له أن يخرج عن قول

أبيه فيه وهذا كقول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم إنما أنا ومالي لك يا رسول الله يعني أن أقوالك وأفعالك نافذة في وفي مالي ويؤكده قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فلما لم يحل وطء أمة الابن للأب بالإجماع وحل للابن وطء أمة نفسه بالإجماع دل على أن ملك الابن فيها ملك تام صحيح بخلاف ملك الأب وقال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} ومحال أن يجب للأم بوفاة ابنها شيء من مال أبيه أو يقضي ديونه من مال أبيه أو تنفذ وصاياه فيه.

في الحدود كفارة

في الحدود كفارة عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله عز وجل أكرم من أن يثنى عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا يستره الله عز وجل عليه وعفا عنه"، فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه يعني: الله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه في الدنيا فيعاقب عليه في الأخرى إذ من الذنوب ما لها عقوبة في الدنيا وعقوبة في الأخرى قال تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وليس المراد بالعفو العفو المطلق لأنه لا يجوز أن يعاقب عليها حينئذ فلا يكون ترك العقوبة كرما لأن الكرم ترك ما له فعله وفعل ما له تركه فإذا ستر الله تعالى على عبده في الدنيا كان الأمر إليه في الآخرة إن شاء عفا وإن شاء عاقب على ما روي عبادة بن الصامت قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا- وقرأ عليهم الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه"، والمرجو من الله الكريم الغفران في الآخرة كما فعل في الدنيا وعن عائشة: لا يستر الله عز وجل على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة فعلى العباد أن يرجوا مغفرة ما عدا الشرك

فإنه أهل التقوى والمغرفة وقوله: "فعوقب به فهو كفارة" معناه فيما عد الشرك وهذا جائز في اللغة على ما تقدم في غير هذا المقام وفي حديث عبادة قال: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كما أخذ على النساء "لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا يعضه بعضكم بعضا ولا تعصوني في معروف أمرتكم به فمن أصاب منكم منهن واحدة فعجلت عقوبته فهو كفارته ومن أخرت عقوبته فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"، العضة الكذب قال الشافعي: من كذب على أخيه فقد عضهه وقيل: هو السحر، وعن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلا أنبئكم ما العضة هي النميمة القالة بين الناس" وروى- الفارقة بين الناس وعنه قال: كنا نقول في الجاهلية أن العضة السحر والعضة فيكم اليوم القالة، حسب الرجل من الكذب أن يحدث بكل ما سمع، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: "أتدرون ما العضة"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "هو نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم"، وقال الخليل: العضة الإفك والبهتان وقول الزور والعضة شجر الشوك والمذكور في حديث أنس وابن مسعود إنما هو العضة لا العضة والعضة هو القطع.

في قطع يد المخزومية

في قطع يد المخزومية روى أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أسامة ألا أراك تكلمني في حد من حدود الله" ثم قام النبي صلى الله عيه وسلم خطيبا فقال: "إنما هلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، فقطع يد المخزومية، إنما قطع يدها لأنها سرقت ولم يذكر في الحديث سرقتها بل ذكرها بما عرفت به مما كان خلقها وعادتها وقد ذكر ذلك في غير هذا الحديث من ذلك ما روي أن قريشا

أهمهم شأن المخزومية التي سرقت الحديث ومن ذلك ما روي أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فأتى بها فكلمه فيها أسامة الحديث.

في الصدق على السارق

في الصدق على السارق ... في الصدقة على السارق قيل لصفوان بن أمية: من لم يهاجر هلك فقدم صفوان بن أمية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاءه سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال صفوان: أني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا قبل أن تاتيني به" هذا حديث صحيح من جهة اشتهاره وإن لم يكن قائم الإسناد كحديث: لا وصية لوارث وإذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا وترادا وما أشبه ذلك من الأحاديث التي استغنى عن طلب الإسناد فيها لصحتها عند العلماء فيه دليل على أنه لو تصدق به قبل أن يأتيه به إلى الإمام لما وجب عليه قطع وهو قول أبي يوسف وذهب مالك إلى أنه يقطع أيضا وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يقطع إذا تصدق به عليه قبل أن يصار به إلى الإمام وبعده ولا خلاف أن السارق إذا أقر بسرقة عند الإمام لغائب قطع وكذلك إذا قامت بينة على سرقتها من صاحبها أو ممن يقوم مقامه واختلفوا إذا أقام البينة رجل أجنبي فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقطع لأنه لا يجوز أن يقضى بالسرقة للغائب وإذا لم يقض له بها كانت في الحكم لمن هي في يديه فإذا وجب القطع على السارق بإقراره أو ببينة يقيمها المسروق منه على السرقة أنها ما له كانت هبته إياها لسارقها وصدقته بها عليه لا ترفع القطع عنه فيها كما قال أبو يوسف.

في اقالة الكرام عثراتهم

في إقالة الكرام عثراتهم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قيلوا ذوي الهيئات عثراتهم"

الحدود مستثناة عن ذلك والمراد بذوي الهيئات أهل المروة والصلاح يبينه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تجافوا عن عقوبة ذوي المروة والصلاح"، والمأمورون بالتجافي عن زلات ذوي الهيئات هم الأئمة الذين إليهم إقامة العقوبات على ذوي الجنايات روي عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه قضى بذلك في رجل من آل عمر بن الخطاب شج رجلا وضربه فأرسله وقال: أنت من ذوي الهيئات وعن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم". ويحتمل أن يكون المأمور هو المجني عليه أو أولياؤه لأن الجنابة لما لم تكن خلقا لهم ولا عادة وإنما كانت منهم هفوة فكان الأحسن بهم الصفح وترك حقوقهم فيها كما في سائر الحقوق الواجبة لهم لا الأئمة فإن الحقوق ليست لهم وكما أن الحقوق المالية لأربابها العفو وفي الدماء المحرمة لأوليائها كذلك في الإعراض العفو لأصحابها لا للأئمة الذين يقيمونها لهم قال صلى الله عليه وسلم: "أن دماءكم وأموالكم وإعراضكم حرام عليكم"، والزلات التي أمرنا بالتجافي عنها هي ما لم يخرج فاعلها من دائرة ذوي المروات فأما من أتى حراما قذفا أو ما سواه مما يوجب الحد فلا يجب التجافي عنه لأنه خرج بذلك عن ذوي الهيئات والصلاح وصار من أهل الفسق فيحد ردعا له ولغيره.

في التعزيز والتاديب

في التعزيز والتاديب ... في التعزير والتأديب روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله" قال به الليث مرة وتركه أخرى وقال: العشر على قدر الجرم فإن كان غليظا غلظ في العشر وإن كان خفيفا خفف فيها وخالفه الفقهاء فقالوا: للإمام أن يتجاوز العشر في التعزير واختلفوا في الحد الذي لا يتجاوزه فيه فمنهم من قال: لا يتجاوز به خمسة وسبعين سوطا وهو قول ابن أبي ليلى وقيل: لا يتجاوز تسعة وسبعين سوطا وهو قول أبي يوسف مرة ومنهم من قال: له أن يتجاوز به أكثر الحدود على قدر الجرم وهو قول مالك بن أنس وأبي يوسف مرة وقال

مرة ثالثة بقول أبي حنيفة وإنما وسع لهم خلاف هذا الحديث لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر أربعين ولم يكن ذلك حدا منه في الخمر أربعين وإنما قصده إلى جلد لا توقيت فيه بدليل ما روي عن علي أنه قال: من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه لأنه شيء صنعناه وأنه قال: ما حددت حدا فمات فيه فوجدت في نفسي إلا الخمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين فيها وقد جلد أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين وجلد عمر فيه باستشارة الصحابة ثمانين ولو كانت الأربعون فيها حدا لما تجاوزه عمر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم ثم حثا عليه التراب ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى إلى معهوده فضربه أربعين ثم أتى عمر بسكران فضربه أربعين. وكان ضرب أبي بكر وعمر على التحري لضرب النبي صلى الله عليه وسلم لا لأن ذلك الضرب كان مقصودا به إلى عدد معلوم وإذا كان الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حدا كان فيه تجاوز العشرة الأسواط في التعزيز فعارض ذلك ما روي فيها فلما تعارضا ولم يعلم الناسخ من المنسوخ وسع النظر للمخالفين في ذلك ووجب طلب الأولى فكان ما ثبت في عقوبة شارب الخمر أولى مما روي عنه في العشر جلدات لعمل الصحابة من بعده وروي أن علي بن أبي طالب أتى بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين ثم قال: إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله عز وجل. وروي عن عمر بن الخطاب قال: كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فاطلع الله عز وجل نبيه فبعث عليا والزبير في إثر الكتاب فأدركا امرأة فاستخرجاه من قرن من قرونها فأتيا به النبي صلى الله عليه وسلم فقرىء عليه فأرسل إلى حاطب فقال: "يا حاطب أنت كتبت هذا الكتاب" قال: نعم

يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك" قال: يا رسول الله أما والله إني لناصح لله ولرسوله ولكني كنت غريبا في أهل مكة وكان أهلي بين أظهرهم فخشيت عليهم فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله وعسى أن تكون فيه منفعة لأهلي قال عمر: فاخترطت سيفي ثم قلت: يا رسول الله مكني من حاطب فإنه قد كفر فاضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب ما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم". وفيما روي عن ابن عباس من أن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدا نتوخى نحوا مما كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتى برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله فقال عمر: وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك قال: أن الله يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق والمشاهد فقال عمر: ألا تردون عليه قوله فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذرا للماضين وحجة على الباقين فعذر الماضون بأنهم لقوا الله عز وجل قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ} ثم قرأ حتى أتم الآية الأخرى فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا فإن الله تعالى قد نهى أن يشرب الخمر قال عمر: صدقت قال عمر: فماذا ترون؟ قال على: نرى إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى

وعلى المفترى ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلد ثمانين والمعني فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفعه العقوبة عن حاطب لأنه كان من أهل بدر وعدم رفع عمر العقوبة عن قدامة وهو من أهل بدر هو أن من السنة إقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد من حدود الله وكان الذي من حاطب لا يوجب حدا فتجافى له رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لأنه من ذوي الهيئات لشهوده بدرا ولما كان عليه من الأمور المحمودة وكان الذي من قدامة فيه حد فلم يرفعه عمر عنه ولا الصحابة فارتفع التضاد عن هذه الروايات بحمد الله.

في من افترى على جماعة

في من افترى على جماعة. روي أن هلال بن أمية قذف امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة أو حد في ظهرك" فقال: إذا وجد أحدنا رجلا مع امرأته التمس البينة قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "البينة وإلا حد في ظهرك" فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت آية اللعان. في قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة وإلا حد في ظهرك" دليل على أن الذي وجب عليه حد واحد وهو بقذفه إياها بشريك قاذف لهما جميعا كما يقول أبو حنيفة ومالك وأصحابهما خلافا لغيرهما ممن يرى عليه لكل واحد منهما حدا وهو موافق لما كان في قذف عائشة رضي الله عنها قالت: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فجلس على المنبر فتلا على الناس ما أنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ} الآية قالت: ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر برجلين وامرأة فضربوا أحدهم ثمانين ثمانين وهم الذين تولوا كبر ذلك حسان ومسطح وحمنة قال الطحاوي: ولا نعلم عن أحد من الصحابة ولا عن التابعين خلاف هذا.

في زنا الأمة

في زنا الأمة روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال:

"إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير" قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أم الرابعة والضفير الحبل قيل: في قوله: ولم تحصن دليل على أنها إذا زنت وقد أحصنت فحكمها بخلاف ذلك وإلا لم يبق لذكر الإحصان فائدة، وما روى عثمان بن الأسود أنه قال: ليس على العبيد حدود يعارض قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} قرأ بعضهم بالفتح وهو قرأة عبد الله بن مسعود روي أن معقل بن مقرن سأله فقال: أمتي زنت قال: أجلدها خمسين قال: إنها لم تحصن قال: أليست مسلمة؟ قال: بلى قال: فإسلامها إحصانها وقرأ بعضهم بالضم وهو قرأة ابن عباس يعني إذا أحصن بالأزواج وفيه إنها إذا زنت قبل التزويج لا يجب عليها حد وما ورد في جلد الأمة إذا زنت ولم تحصن يكون على الأدب لأعلى الحد ولهذا لم يذكر فيه حدا بل ذكر جلدا لكن ذكر التوقيت يدل على أنه حدا إن الأدب لا توقيت فيه وإنما هو على مقادير الإجرام روي أبو هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: "جاريتي زنت فتبين زناها" قال: إجلدها خمسين ثم أتاه فقال: عادت فتبين زناها قال: بعها ولو بحبل شعر أسود. وروى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فيجلدها الحد ولا يثرب عليها" قال ثلاث مرات ثم قال في الثالثة أو الرابعة ثم يبيعها ولو بضفير قال سفيان: التثريب التعيير فعلمنا أنه الحد لا الأدب يؤكده ما روى عن علي بن أبي طالب قال: زنت جارية للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أقيم عليها الحد فإذا هي لم تجف من دمها ولم تطهر فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنها لم تجف من دمها ولم تطهر قال: "فإذا طهرت فأقم عليها الحد" وقال: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من غير شرط إحصان" ويحتمل أن الله تعالى كان أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بحد الإماء إذا زنين قبل الإحصان أنه خمسون فاعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الناس وكان المنتظر فيهن بعد التزويج ما هو أغلظ من ذلك إذ كان هو المعهود في الحرائر ثم أبان الله أن حكمهن بعد الإحصان

كحكمهن قبله تخفيفا ورحمة بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} وكان إسقاط الاشتراط من قوله: ولم تحصن تخفيفا كإسقاط الاشتراط في قصر الصلاة من قوله: {إِنْ خِفْتُمْ} فإن القصر رفع الله تعالى الجناح فيه مع الخوف ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم رفعه مع الأمن بقوله: "صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته" وساوى بين الخوف والأمن لا يقال لما ردهن إلى نصف ما على المحصنات وهو الرجم الذي لا ينقسم كان عليهن بكليته قياسا على القطع في السرقة لأن الإجماع منع من ذلك إذ لا خلاف أنها إذا زنت لا رجم عليها ففي إجماعهم دليل على أن المراد به نصف الجلدالذي على المحصنات بالحرية لا نصف الرجم الذي على المحصنات بالتزويج.

في اقامة الحد في الحرم

في إقامة الحد في الحرم روي عن عبد الله بن عمرو قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلوا بقبر أبي رغال فقال: "هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان امرأ من ثمود وكان منزله بالحرم فلما أهلك الله عز وجل قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم وأنه خرج حتى إذا بلغ ههنا إصابته النقمة بهذا المكان ودفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن"، فيه إن الحرم يمنع في الجاهلية من العقوبات ألتي معها إتلاف الأنفس فكان في الإسلام مثل ذلك أمنع ويؤكده ما روي عن ابن عباس من اصاب حدا في الحرم أقيم عليه وإن أصابه خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد وعن ابن عمر: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته، وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} لا يجوز تخصيصه بالصيد فإنه جهل باللغة لأن من لا يكون إلا لبني آدم ويكون لمن سواهم ما قال تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ

إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ونظائره كثيرة وقد تستعمل ما بمعنى من كما في قوله تعالى: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} وأما من فلا تستعمل مكان ما في حال وما روي عن ابن عباس وابن عمر قال به أبو حنيفة وأصحابه ولا نعلم لأحد من الصحابة خلافا لهما والقرآن نزل بلغتهم وهم العالمون بما خوطبوا به فيه والله أعلم.

في وطء البهيمة

في وطء البهيمة روي عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه". فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ فقال: ما سمعت في ذلك شيئا ولكني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل لحمها أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوها"، قال الطحاوي: الحديثان مردودان إلى ابن عباس وقد وجدنا من وجوه صحاح ما يدفع ذلك روي عنه بطريق صحيح أنه قال: ليس على من أتى بهيمة حد فإن كان الحديثان غير صحيحين كفينا مؤنتهما وإن كانا صحيحين فابن عباس لم يقل بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالفه إلا بعد ثبوت نسخه عنده وفي ذلك ما دل على سقوط الحديثين ووجوب تركهما ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس" وفيه ما يدفع القتل بما سواها إلا ان تقوم الحجة بإلحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بها غيرها ولم نجد ذلك.

في وطء المحارم

في وطء المحارم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" ومداره على إبراهيم بن اسماعيل وهو متروك الحديث

وقوله: "لا يحل دم امرئ مسلم" - الحديث، يوجب رد من أتى ذات محرم منه إلى الحد الذي ذكره الله في كتابه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا.

في اللواطة

في اللواطة روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل ارجموهما جميعا". وعن ابن عباس مرفوعا قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". والمراد بالقتل: هو الرجم إذا القتل بما سوى الثلاثة الأشياء المذكورة لا يجوز ثم الحديث مطلق عن قيد الإحصاء فيحتمل أن يكون هذا الفعل خص بذلك سماعا واحتمل أن يكون قاله رأيا وعن الحسن وعطاء حد اللوطي حد الزاني وعطاء من أصحاب ابن عباس قال الطحاوي: إذا وجب أن يرد حد المحصن في ذلك إلى حد الزاني وجب أن يرد حد البكر فيه إلى حد الزاني وقد وجدناهم لا يختلفون في وجوب الغسل منه وإن لم ينزل كما في الفرج فيجب الفرق بين المحصن وغيره كما في الفرج أيضا فإن قيل إذا وطئها بشبهة في دبرها لا يجب مهر بخلاف قبلها فليكن في الحد كذلك قلنا: قياس الحد على الغسل وهما حق الله أولى من قياسه على المهر الذي هو حق الآدمي وهذا قول أبي يوسف ومحمد جميعا.

في زنا اهل الذمة وشهادتهم

في زنا أهل الذمة وشهادتهم روى جابر قال: زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن يسألوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فحدوه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه فسألوه عن ذلك فقال: "أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم" فجاؤه برجل أعور يقال له: ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتما أعلم من قبلكما" فقالا: قد نحلنا ذلك قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس عندكما التوراة فيها حكم الله"؟ فقال: بلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نشدتكما بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى وأنزل المن والسلوى وظلل عليكم الغمام

وأنجاكم من آل فرعون ما تجدون في التوارة في شأن الرجم"؟ فقال أحدهما للآخر: ما نشدت بمثله قط ثم قالا: نجد أن النظر زنية والاعتناق زنية والقبلة زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئى ويعيد كما يدخل الميل في المكحله فقد وجب الرجم فقال صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك" فأمر به فرجم ونزلت {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآية، قيل: أنها محكمة غير منسوخة والنبي صلى الله عليه وسلم إنما رجم اليهودي باختياره أن يرجمه وكان له أن لا يرجمه لقوله: {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي: فلا تحكم عليهم وخالفهم آخرون فقالوا: هي منسوخة لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} . روي عن ابن عباس قال: نسخت من المائدة آيتان: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فردهم إلى أحكامهم فنزلت: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم على كتبانا وحكم من بعده صلى الله عليه وسلم في ذلك كحكم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلنا: بأنها منسوخة فالحكم بينهم مفترض واجب وإن لم نقل بذلك فالحكم بينهم هو الأولى من الإعراض عنهم لأنه إذا حكم بينهم فقد سلم على القولين لأنه فعل الواجب أو الجائز وإن لم يحكم بينهم فقد ترك فرضا واجبا عليه في أحد القولين فالأولى به أن يفعل وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} يحتمل معناه أن تحاكموا إليك ويحتمل إن وقفت على ما يوجب لك الحكم عليهم وإن لم يتحاكموا إليك وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بيهودي قد حمم وجهه وقد ضرب يطاف به فقال صلى الله عليه وسلم: "ما شأن هذا"؟ فقالوا: زنى قال: "فما تجدون في كتابكم"؟ قال: يحمم وجهه ويعزر ويطاف به فقال: "أنشدكم بالله ما تجدون حده في كتابكم"؟ فأشاروا إلى رجل منهم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرجل نجد في التوراة الرجم ولكنه كثر في إشرافنا فكرهنا أن نقيم الحد على سفلتنا وندع أشرافنا فصطلحنا على شيء فوضعنا هذا فرجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أنا أولى بإحياء ما أماتوا من أمر الله

عز وجل"، ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ذلك اليهودي من غير أن يتحاكم إليه اليهود في ذلك فكان أولى الاحتمالين ما وافق الحديث ومن ذهب إلى ترك الرجم في أهل الذمة وهم أبو حنيفة والثورى وزفر وأبو يوسف ومحمد قال: إن الحكم في التوراة الرجم احصن أو لم يحصن على ما يدل عليه ظاهر الاثار من غير اشتراط الاحصان وكان ذلك قبل ان ينزل الله تعالى في كتابه في حد الزنا ما انزل من الإمساك في البيوت والإيذاء ثم نسخه بما في سورة النور وبقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر تجلد وتنفى والثيب تجلد وترجم" فبين حد كل صنف وقال عبد الله بن عمر: من أشرك بالله فليس بمحصن بعدان علم برجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان رجمه من اليهود وإذا لم يكونوا محصنين لم يكونوا مرجومين وذكر عن مالك أن النصراني إذا اسلم ثم زنى وهو متزوج في النصرانية لا يكون محصنا حتى يطأ زوجته بعد الإسلام وإذا لم كان كذلك دل على ان من أسباب الإحصان التي يجب بها الرجم في الزنا الإسلام وفي حديث ابن عمر ان اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فذكر وله ان رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شان الرجم"؟، الحديث، مجيء اليهود بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أنهما لم يأتياه باختيارهما وعدم طلب الشهود الأربعة من المسلمين يدل قبول شهادة اليهود عليهما وقد جاء في حديث جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: "ما يمنعكم أن تقيموا عليها الحد"؟ فقالوا: كنا نفعل إذ كان الملك لنا وفينا فأما إذ ذهب ملكنا فلا نجترئ على القتل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بأعلم رجلين منكم" فأتوه بابن صوريا وآخر فقال لهما: "أتتما علما من وراء كما" قالا: كذلك يقولون فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنشدكما بالذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدون حدهما في التوراة"؟ فقالا: نجد أن الرجل

يقبل المرأة زنية وفيه عقوبة والرجل يوجد على بطن المرأة زنية وفيه عقوبة فإذا شهد أربعة نفر أنهم رأوه يدخله في فرجها كما يدخل الميل في المكحلة رجما فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بشهود" فشهد أربعة منهم على ذلك فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى ذلك وجدنا المتقدمين من أئمة الأمصار في الفقه يجيزون شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم ففيه خلاف منهم شريح وهو قاضي الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي والشعبي كان يجيز شهادة بعضهم على بعض ومنهم عمر بن عبد العزيز كان يجيز شهادة أهل الملل بعضهم على بعض ومنهم ابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة والليث إذا اتفقت مللهم كالنصراني على النصراني واليهودي على اليهودي قال ابن وهب: خلف مالك معلميه كابن شهاب ويحيى بن سعيد وربيعة في رده شهادة النصاري بعضهم على بعض وعن يحيى بن أكثم جمعت قوم مائة فقيه من المتقدمين في قبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض إلا عن ربيعة فإنه وجدت عنه قبولها وردها وإنما جاز شهادتهم دون الفساق منا لأن الكفر لم يخرجهم عن ولاية بعضهم على بعض في تزويج بناتهم والبيع على صغارهم كما أخرج أهل الفسق فسقهم عن ذلك ولأنه يجوز تقرير الكافر على كفره ولا يجوز تقرير الفاسق على فسقه وهو قول أبي حنيفة وأبي ليلى والوري وسائر الكوفيين إلا أن أبا ليلى يعتبر اتفاق الملة للقبول وعن ابن عمر أن اليهود ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا وامرأة منهم زنيا فقال: "ما تجدون في التوراة"؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فنشروا التوراة فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع فإذا فيها آية الرجم فقالوا: صدق محمد فأمر بهما فرجما إنما أمرهم بالرجوع إلى التوراة التي أعلمه الله أن أعلها بدلوها لإعلام الله عز وجل إياه أن الرجم في التوراة وإنما أخفاه اليهود

فأمرهم بالإتيان بها لإقامة الحجة عليهم دل عليه ما روي عن ابن عباس من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} الآية.

كتاب الحراب

كتاب الحراب مدخل ... كتاب الحراب عن ابن عباس: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل وليست تحرر هذه الآية المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار ثم تاب قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك عن إقامة الحد الذي أصابه وروي عن أنس أنها نزلت في العرنيين الذين قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فعلى هذا تكون الآية في المرتدين والحق أنها تعم كل محارب ساع بالفساد مسلما كان أو مرتدا أو معاهدا أو غيره لأن سبب العقوبة قد يكون من المسلم وغيره وهي المحاربة التي هي العداوة لله عز وجل بالأفعال التي لا يرضى يدل عليه ما روى عن معاذ بن جبل وهو يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر عمر وقال: ما يبكيك؟ فقال: شيء سمعته من صاحب هذا القبر قال: وما هو؟ قال: سمعته يقول: "أن يسيرا من الرياء شرك ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة" الحديث ومما يدل عليه ما روي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل قتل امرء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد حصانه أو رجل قتل فقتل به أو رجل خرج محاربا لله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض". وروي عنها: لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: زان محصن يرجم أو رجل قتل متعمدا فيقتل أو رجل خرج من الإسلام فحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض والرواية الأولى أولى لأنه لما قال:

"لا يحل دم امرء مسلم" دل أن هذه الخصال لا تكون إلا مع الإسلام ويحتمل أنه أراد بقوله: خرج من الإسلام أي خرج عن جملة أهل الإسلام إلى الخروج عليهم بسيفه فيكون ذلك موافقا للرواية الأولى وإنما تركنا ما فيه من تخيير الإمام في عقوبات المحارب لقول ابن عباس إذا خرج الرجل محاربا فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف وإن هو قتل ولم يأخذ المال قتل وإن هو أخاف السبيل ولم يأخذ المال نفى وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد فأما أبو حنيفة يقول: إذا أخذ المال وقتل كان الإمام بالخيار إن شاء قطع يده ورجله من خلاف ثم قتله وإن شاء قتله فقط وحكى التخيير عن جماعة من السلف وهو مذهب مالك وفيه نظر لأنه يستعمل التخيير ما لم يقتل أو يطل مكثه في المحاربة فإذا كان كذلك كان حكمه أن يقتله فقد عاد قوله بذلك إلى قول من يجعل الآية على المراتب لا على التخيير وإنما لم يجز أن يقتل بالمحاربة إذا لم يوجد منهم قتل لما روي عن عثمان قال وهو محصور في الدار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد احصانه أو قتل نفسا بغير نفس، فوالله ما زينب في جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت بديني بدلا منذ هداني الله عز وجل ولا قتلت نفسا فبم تقتلونني"؟ فثبت بهذا أنه لا يحل دم من خرج من المسلمين بخروجه حتى يكون في ذلك القتل وعن أنس في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قال: هم قوم من عكل قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم. وروى عنه أيضا قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حي من أحياء العرب فأسلموا وبايعوه فوقع الموم وهو البرسام فقالوا: يا رسول الله هذا الوجع قد وقع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فكنا فيها قال: "نعم أخرجوا فكونوا فيها" فخرجوا فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل قال: وجاء الآخر وقد جرح فقال:

قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالإبل وعنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسل إليهم وبعث معهم قائفا يقص آثارهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم زاد بعض الرواة ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا وروي أن الحجاج سأله عن أعظم عقوبة عاقب بها النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذين قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وألقاهم بالحرة ولم يسقهم حتى ماتوا، استدل بعض الناس بذلك لما ذهب إليه أبو حنيفة في المحاربين إذا أخذوا المال وقتلوا أن الإمام فيه بالخيار إن شاء جمع بين القطع والقتل وإن شاء اقتصر على القتل خلافا لأبي يوسف فإنه قال: لا يجوز إلا القتل المجرد وقوله: أولى لأنه لما جاز ترك قطع الأيدي والأرجل والاكتفاء بالقتل علمنا أن القطع ليس بحد إذا لو كان حدا لما جاز تركه والقطع الذي أقيم على أولئك القوم كان قبل النهي عن المثلة فكان له حيئذ أن يقتل من حل قتله بقطع الأيدي والأرجل وترك حسمها ومنع أهلها من الطعام والشراب حتى يموتوا بذلك لا لأنه كان حدا عليهم قطع الأيدي والأرجل ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم سمل أعينهم أراد منه به قتلهم لا ما سوى ذلك من حد عليهم ثم منع من ذلك بنهيه صلى الله عليه وسلم عن المثلة لأنه لا خلاف فيما لو قطعوا الآذان والأرجل والأيدي أنه لا يفعل بهم مثلة وأنه يقتصر على المنزل في آية المحاربة وقيل أنما سمل أعينهم لأنهم سملوا عين الراعي وهو ممنوع وفيما روي عن ابن مسعود مرفوعا: أن اعف للناس قتلة أهل الإيمان وعنه أنه قال: يقال: اعف الناس قتلة أهل الإيمان ولم يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن إبراهيم النخعي أنه كان مع علقمة في المسجد فرأى الناس يعدون نحو باب القصر فقال: ما لهم فقيل: أن زيادا مثل بابن لكعة قال: كان يقال أحسن الناس قتلة المسلم.

لا يقال هذا يدفع ما رويتموه فيما فعل بالعرنيين ويدفعه أيضا ما روي عن شداد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليعد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" فإذا أبيح قتل ابن آدم صار كسائر الحيوانات بل أولى لأن الذي كان من الرسول صلى الله عليه وسلم في العرنيين هو الحكم يومئذ قبل نزول آية المحاربة ثم نسخ ألا ترى أن رجم في ذلك المدة حتى يموت بذلك وإن هرب اتبع حتى يؤتى على نفسه قد يتسع الزاني المحصن بالنسبة إلى القتل بالسيف ومع هذا مشروع اليوم فالحاصل أنه لا يخرج عن عقوبات الله تعالى إلى ما سواها مما هو أكثر منها.

في المرتد

في المرتد روي أن علي بن أبي طالب أتى بقوم زنادقة ارتدوا عن الإسلام ووجدوا معهم كتب فأمر بنار فأججت فألقاهم فيها وكتبهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو أني كنت لقتلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" ولم أحرقهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله" ذهب بعض إلى أن المرتد عن الإسلام يجب قتله تاب أو لم يتب وجعل الارتداد موجبا للقتل جزاء لما كان منه كالسارق والزاني لا يسقط الحد عنهما بتوبتهما والحجة لمن خالفهم أن اسم الزنا والسرقة لا يفارقهما وإن تاب بخلاف المرتد إذا عاد إلى الإسلام لم يجز أن يسمى كافرا لأنه مسلم فاستحال أن يسمى كافرا مسلما في حال واحد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا} فأثبت منهم الإيمان بعد كفرهم فعقلنا أن من لزمه اسم معنى ولم يزل ذلك الاسم عنه فهو من أهله تقام عيه عقوبته وإن زال ذلك الاسم عنه زالت العقوبة عنه وروي أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بمكة ثم ندم فأرسل إلى قومه سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟ فأنزل الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فكتبوا بها إليه

فرجع وأسلم. ولا يعارض بقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} لأن المراد به الشرك حتى يموت عليه كما قال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} الآية روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} قال: كانت الأنصارية لا يعيش لها ولد فتحلف إن عاش لها ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار فقالوا: يا رسول الله أبناءنا وأخواننا فيهم فنزل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} يعني: من شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام لا خلاف فيمن أسلم وله ولد صغير أنه يصير مسلما بإسلام أبيه وإن اختلف في إسلام الأم فيجعله أبو حنيفة وأصحابه والشافعي كإسلام الأب خلافا لمالك وهذه مسألة مختلف فيها فقال طائفة: من انتحل دين اليهودية من العرب صار منهم وله حكمهم في حل الذبيحة والنكاح عن ابن عباس: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ولا فرق بين دخولهم في الجاهلية أو في الإسلام وخالفهم طائفة فقالوا: لا تحل ذبائحهم ونساؤهم وهو قول ابن مسعود وعلي بن أبي طالب روي عن عبد الله كان ينهى عن ذبائح اليهود ونصارى العرب وإن ذكروا اسم الله عز وجل وعن عكرمة سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب قال: لا تحل ذبائحهم فإنهم لم يتعلقوا من دينهم إلا بشرب الخمر. وفيه أنهم لو تعلقوا بشرائع دينهم كلها لكانوا مثلهم وقال آخرون منهم الشافعي: إن كان ذلك منهم قبل نزول الفرقان خلى بينهم وبين ذلك وإن كان بعده منعوا وليس هذا بشيء لأنه لو كان يفترق لكشف صلى الله عليه وسلم من خلى بينه وبين اليهودية من أبناء الأنصار هل كان ذلك بعد نزول القرآن أو قبله لأن الفرقان كان أنزل عليه بمكة والمدينة بعد أن قدمها مهاجرا تسع سنين إلى أن أجلى بني النضير حتى يعلم حقيقة الأمر في ذلك وكيف يؤخذ كافر دخل في الكفر برجوع إلى كفر آخر إنما يؤخذ الناس بالرجوع الإسلام لا غيره.

في الداخل بيت غيره بغير اذنه

في الداخل بيت غيره بغير إذنه روي عن علي بن أبي طالب قال: كان الناس قد كثروا على مارية في قبطى كان يختلف إليها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلق فإن وجدته عندها فاقتله" فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك كالسكة المحماة وأمضي لما أمرتني لا يثنيني شيء أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب قال الشاهد: يرى ما لا يرى الغائب فتوشحت سيفي ثم انطلقت فوجدته خارجا من عندها على عنقه جرة فلما رأيته اخترطت سيفي فلما رأني إياه أريد ألقي الجرة وانطلق هاربا فرقى نخلة فلما كان في نصفها وقع مستلقيا على قفاه وانكشف ثوبه عنه فإذا أنا به أجب أمسح ليس له شيء مما خلق الله للرجال فأغمدت سيفي وقلت: هه قال: حه أنا رجل من القبط وهي امرأة من القبط زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم احتطب لها واستعذب لها فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت"، فيه حل قتل من دخل بيت غيره بغير إذنه كما حل فقء عين من اطلع في بيت غيره على ما روينا من غير قصاص ولا دية ويكون هذا مضافا إلى قوله: "لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث" لأن الأحكام لم تبق على ما كانت عليه يوم قال صلى الله عليه وسلم ذلك القول ألا ترى أن من شهر سيفه على رجل ليقتله فقد حل له قتله ومن أريد ماله فكذلك فكما لحقت هذه الأشياء بالثلاث فكذلك يلحق هذا، وقال القاضي: فيه نظر لأنه إنما يصح هذا لو ثبت تقدم قوله: "لا يحل دم امرء مسلم" على هذا الحديث فأما إذا لم يثبت واحتمل أن يكون بعده يكون قوله: "لا يحل دم امرء مسلم" ناسخا له حينئذ ويجب أن لا يستباح مه إلا بإجماع الذي تقوم به الحجة كما قامت في الشاهر سيفه ليقتل أو يأخذ مالا على سبيل الحرابة قلت ولولا ثبت عنده التقدم لما قال بحله فإنه أعلى كعبا من أن يقول ما لم يحط به علما سيما في حل الدم فأفهم والله أعلم.

كتاب اسباب النزول

كتاب أسباب النزول في سبب نزول: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} روي انه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة في الصبح قال: "اللهم ألعن فلانا" على ناس من المنافقين فنزل قوله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وروي أنه كان يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى نزل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} . وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله عز وجل" فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية يبعد أن يكون النزول الواحد لسببين لأن غزوة أحد كانت في سنة ثلاث وفتح مكة في سنة ثمان ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة ويبعد النزول مرتين إذ لو كان كذلك لوجدت في موضعين فالأولى أنها نزلت قرآنا لواحد من السببن والله أعلم أيهما هو ثم أنزلت بعد ذلك للسبب الآخر لأعلى أنها قرآن لاحق بما قبله من القرآن ولكن على أعلام الله أنه ليس له من الأمر شيء وإن الأمر إلى الله وحده يتوب على من يشاء ويعذب من يشاء وهذا أقرب الاحتمالات وأولاها.

في سبب نزول: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}

في سبب نزول: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} روي أن رافع بن خديج وزيد بن ثابت كانا عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقال مروان لرافع: في أي شيء أنزلت هذه الآية؟ قال رافع: أنزلت في ناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى

سفر تخلفوا عنه فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتذروا إليهم وقالوا: ما حبسنا عنكم إلا السقم والشغل ولوددنا أنا كنا معكم فأنزل الله تعالى هذه الآية فيهم فكأن مروان أنكر ذلك وقال: ما هذا فجزع رافع من ذلك وقال لزيد: أنشدك بالله هل تعلم ما أقول؟ فقال زيد: نعم فلما خرجا من عند مروان قال له زيد: وهو يمزح معه أما تحمدني بما شهدت لك فقال رافع: وأين هذا من هذا؟ أنشدك أن تشهد بالحق، قال زيد: نعم قد حمد الله على الحق أهله. مع ما روي أن مروان قال لرافع: اذهب إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد على ما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية إنما نزلت في أهل الكتاب ثم تلا: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية ثم تلا: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أنهم قد أخبروه بما سألهم فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه ليس في هذا تضاد لاحتمال الأمرين جميعا على ما ذكره رافع وعلى ما ذكره ابن عباس فأنزل الله عز وجل الآية مما كان في المنافقين ومما كان من أهل الكتاب ولم يعلم واحد الفريقين ما علم الآخر فحدث كل فريق بما علم مما كانت الآية نزلت فيه من السببن اللذين كان نزولها فيهما لا في أحدهما فلا تضاد فيما بين الروايات.

في نزول {إن في خلق السماوات والأرض}

في نزول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية عن ابن عباس قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فإن أصبح ذهبا أتبعناك فدعا ربه فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت أصبح لكم ذهبا ومن كفر عذبته عذابا أليما لم أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت لكم باب التوبة والرحمة، فقال: "بلى يا رب

باب التوبة والرحمة". وروى عنه قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم قالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية فيلتفكروا فيها- وعن عطاء قال: دخلت مع عبد الله بن عمرو وعبيد الله بن عمر على عائشة وهي في خدرها فقالت: من هؤلاء؟ قلنا: فلان وفلان قال ابن عمر: حدثينا أعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت بكاء شديدا ثم قالت: كل أمره كان عجبا أتاني ذات ليلة وقد دخلت فراشي فدخل معي حتى لصق جلده بجلدي ثم قال: "يا عائشة ائذني لي أتعبد لربي عز وجل" قالت: فقلت: يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك، قالت: فقام إلى قربة في البيت فتوضأ منها ثم قرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت حقوته ثم جلس فدعا وبكى حتى رأيت أن دموعه بلغت حجزته ثم اضطجع على يمينه وجعل يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم بكى حتى رأيت أن دموعه قد بلغت الأرض ثم جاءه بلال بعدما أذن فسلم فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر قال: "ومالي لا أبكي وقد أنزلت علي الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ويحك يا بلال ألا أكون عبدا شكورا" - لا يقال- إن هذا مخالف لما روى ابن عباس- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا ربه فيما سألته قريش فخيره الله فاختار ما هو أحمد لهم في العاقبة وما فيه السبب الموصل إلى الجنة والمؤمن من العذاب وأنزل عليه الآية التي أقام بها الحجة عليهم في الليلة التي أنزلها فيه وهو في بيت عائشة فعلم ابن عباس السبب ولم تعلم ذلك عائشة فعادت الآثار إلى انتفاء التضاد عنها.

في سبب نزول {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء}

في سبب نزول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} الآية عن أبي هريرة لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال رجل: يا رسول الله كل عام فسكت ثم أعاد الرجل عليه ثلاث مرات كل ذلك يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو قلت كل عام لو تركتموها لكفرتم إنما أهلك الذين من قبلكم الحرج والله لو أني أحللت لكم ما في الأرض من شيء وحرمت عليكم موضع خف بعير لوقعتم فيه"، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا} الآية. وقد روي في سبب نزولها غير ذلك عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان قد أحمر وجهه فجلس على المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا حدثتكم به" قام إليه رجل فقال: أين أنا؟ قال: "في النار" وقام آخر وكان يدعى إلى غير أبيه فقال: من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبمحمد نبيا يا رسول الله كنا حديثي عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا، قال: فسكن غضبه ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} ، يحتمل أن تكون السؤالات المذكورة قبل نزول الآية ثم أنزل الله بعد ذلك هذه الآية نهيا لهم عن السؤالات وإعلاما أنه لا حاجة بهم إلى الجوابات عنها بحقائق أمورها التي أريد منها لأنه لا منفعة لهم ولو جهلوه لم يضرهم إذ لو كانت الآية واردة على السببين لكانت موجودة في موضوعين مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} وإنما المنفعة في السؤال عما افترض عليهم في دينهم وعما يتقربون به إلى ربهم لا عما يسوءهم أو لا منفعة فيه روي عن معاذ قال: يا رسول الله إني أريد أن أسألك عن أمر ويمنعني مكان هذه الآية قال: "ما هو"؟ قال: العمل الذي يدخلني الجنة وينجيني من النار قال: "قد سألت عظيما وأنه ليسير شهادة أن لا إله

إلا الله وإني رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان" فأجابه عن سؤله ولم يكره ذلك وروى أن سبب نزولها ما روي عن عكرمة أنها نزلت في الرجل الذي سأل من أبي، وعن سعيد بن جبير أنه في السؤال عن البحيرة والسائبة، وعن مقسم أنها نزلت فيما سألت الأمم أنبياءهم من الآيات.

في سبب نزول قوله تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك}

في سبب نزول قوله تعالى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ} الآية عن ابن عباس قال: تشاورت قريش ليلة بمكة: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أصبح ورأوا عليا رد الله عز وجل مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل ههنا لم ينسج عنكبوت فمكث ثلاثا.

في سبب نزول قوله تعالى {هذان خصمان اختصموا في ربهم}

في سبب نزول قوله تعالى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} عن قيس بن عباد عن أبي ذر أنه قال: تبارز حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فنزلت فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} وعنه عن أبي ذر قال: سمعته يقسم بالله على ذلك وهذان خصمان على التثنية واختصموا على الجمع كما تقول: التقى العسكر فقتل بعضهم بعضا فالذين كفروا المتوعدون في الآية بما توعدوا والذين

آمنوا المرادون بالآية حمزة وعلى وعبيدة بن الحارث بالوعد لهم من الله بما في الآية كائن لا محالة إذ لا يلحقه نسخ بخلاف الشرائع التي تنسخ وقد اتبع الله وعده لهم بقوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} وهو أخبار عن حالهم في الدنيا ومن كانت حاله في الدنيا محمودة كان بذلك من أهل المنازل العليا في الآخرة.

في سبب نزول قوله تعالى: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى}

في سبب نزول قوله تعالى: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} عن أبي هريرة في هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يكاد أن يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه وقالوا: ما يتستر إلا من عيب بجلده أما برص وأما أدرة فأراد الله أن يبرئه مما قالوا" فخلا يوما واحدا فوضع ثوبه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ من غسله أقبل إلى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر- الحديث، وعن علي قال: صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون فقال: بنوا إسرائيل أنت قتلته كان الين لنا منك وأشد حبا فآذوه فأمر الله الملائكة فحملته وتكلمت بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه مات فدفنوه فلم يعرفوا موضع قبره إلا الرخم فإن الله جعله أصم أبكم، ولا تضاد بين الحديثين لأنه يجوز أن يكون بنو إسرائيل آذوا موسى بما ذكر في كل واحد من الحديثين حتى برأه الله من ذلك.

في سبب نزول قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}

في سبب نزول قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} عن البراء أما نحن فنسمي التي يسمون فتح مكة يوم الحديبية بيعة الرضوان وعن أنس كذلك وعنه أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه

وسلم مرجعه من الحديبية وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة قد حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا هداياهم بالحديبية فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي من الدنيا جميعا فقرأها" فقال رجل: يا رسول الله هنيا مريا قد بين الله لنا ما يفعل بك فما يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الآية، فيه أعلام أن الفتح المذكور هو ما كان في الحديبية من الصلح الذي كان بينه وبين أهل مكة الذي هو سبب لفتحها وهذا من باب قولهم: قد دخلنا مدينة كذا عند قربهم من دخولها وكذا إطلاق الذبيح على أحد ابني إبراهيم وإن لم يذبح لقربه من الذبح.

في سبب نزول قوله تعالى {وهو الذي كف أيديهم عنكم}

في سبب نزول قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} الآية وعن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التنعيم عند صلاة الصبح ليقتلوهم فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية وروي أن سببها كان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رد أبا جندل وأبا بصير إلى المشركين على ما كان قاضى عليه المشركين بالحديبية لحقوا سيف البحر فقطعوا الطريق على قريش فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشد بالله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فأرسل إليهم فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} الآية حتى بلغ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وحميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت ولا تضاد بين السببين لكن في الآية {بِبَطْنِ مَكَّةَ} والتنعيم من بطنها وسيف البحر ليس من بطنها وكذا في حديث أنس الظفر بهم ولا ظفر في الحديث الآخر.

في سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم}

في سبب نزول قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية روي أن الأقرع قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله فتكلما في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي فقال عمر: ما أردت خلافك قال فنزلت: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية قال: فكان عمر إذا تكلم لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه هذا أشبه مما روي أنها أنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ورواية من روي في الحديث ما أردت إلى خلاف أولى وأشبه بهما لأن ذلك استفهام من أبي بكر لعمر ما الذي أراد بخلافه والرواية الأخرى على سبيل الإنكار والخصومة التي توجب الاختلاف والشحناء وقد برأهما الله من ذلك وطهر قلوبهما وجعل كل واحد منهما وليا لصاحبه والأولى في سبب نزول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ما روي أن رجلا صام يوم الشك فقالت عائشة: لا تفعل فإنهم كانوا يرون أن هذه الآية نزلت فيه وروى عنها أنها قالت: كان قوم يتقدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم وغيره فنهوا عن ذلك وقال مجاهد: لا تقتالوا عليه حتى يقضي الله، وقال الحسن: لا تذبحوا حتى يذبح وقال الكلبي: لا تقدموا بين يديه بقول ولا عمل.

في سبب نزل قوله تعالى {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم}

في سبب نزل قوله تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} الآية عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بهذه الآية إلا أربع سنين، سببه هو ما روي عن سعد بن أبي وقاص في قوله: {نَحْنُ

نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} . الآية قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا قالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فتلاه عليهم فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} كل ذلك يؤمرون بالقرآن فقالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فكان سؤالهم القصص لتلين قلوبهم فأعلمهم الله أنه لا حاجة بهم إلى القصص مع القرآن لأنه لا يقص عليهم أنفع لهم منه ثم سألوه أن يحدثهم فأنزل في ذلك ما أنزل عليه من أجله وكل ذلك يردهم إلى القرآن لأنهم لا يرجعون إلى شيء يجدون فيه ما يجدون في القرآن.

تفسير القرآن

تفسير القرآن فاتحة الكتاب عن أبي سعيد بن المعلي أنه كان يصلي قائما في المسجد فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فلما صلى أتاه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منعك أن تجيبني؟ أما سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} " الآية ثم قال: "ألا أعلمك سورة أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" فمشيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد يبلغ باب المسجد فذكرته قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاتحة الكتاب هي السبع المثانى والقرآن العظيم الذي أوتيته"، وروى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن في كتاب الله عز وجل سورة ما أنزل مثلها" فسأله أبي عنها فقال: "كيف تقرأ إذا قمت في صلاتك"؟ قلت: أم الكتاب قال: "والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة والإنجيل والقرآن -أو قال: الفرقان- مثلها إنها السبع المثانى والقرآن العظيم الذي أعطيته"، وللحديث طرق ففيه أن الفاتحة هي السبع المثانى والقرآن العظيم، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي

وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} على سعيد بن جبير. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الآية السابعة وقال سعيد قال ابن عباس قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم. ففيه أن فاتحة الكتاب هي السبع المثانى والقرآن العظيم وعن سعيد عن ابن عباس أيضا {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} قال فاتحة الكتاب ثم قرأ ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم وقال هي الآية السابعة وقرأ بها سعيد بن جبير كما قرأ عليه ابن عباس. ففيه خلاف ما في الحديث الذي قبله عنه لأن في الذي قبله أنها السبع المثانى ولم يذكر غير ذلك فاحتمل أن يكون معنى قول ابن عباس: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي} أن فاتحة الكتاب المرادة بأنها السبع المثانى وإن معنى {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} أي وآتيناك القرآن العظيم دليله مجيئه بالنصب لا بالجر مع أنه روي عنه مجاهد في السبع المثانى أنها السبع الطوال وعن سعيد عنه أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا من المثاني الطوال، وهو أولى وعن علي أنها فاتحة الكتاب، ومعنى حديث أبي سعيد بن المعلي وحديث أبي هريرة يحتمل أنها القرآن كله في الثواب كما روي أن قل هو الله أحد ثلث القرآن أي في الثواب، روي عن ابن مسعود قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة"؟ قالوا: ومن يطيق يا رسول الله؟ قال: "قل هو الله أحد"، وعن أبي هريرة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أقرا عليكم ثلث القرآن" فقرأ قل هو الله أحدا حتى ختمها، وعن أنس مرفوعا "جزأ الله القرآن ثلاثة أجزاء فقال: قل هو الله أحد جزء منه"، ففي هذه الأحاديث أن قل هو الله أحد ثلث القرآن يعني في الثواب وروي أنها تعدل ثلث القرآن، وإذا جاز أن يكون قل هو الله أحد ثلث القرآن جاز أن تكون الفاتحة أيضا في الآثار التي رويت فيها أنها القرآن يعني ثوابها كثواب كل القرآن، وروي عن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع ثم صلى ووعد الناس يخرجون يوما قالت: عائشة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فحمد الله ثم قال: أنكم شكوتم إلي جدب

جنابكم واستئخار المطر عن ابان زمانه عنكم وقد وعدكم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم قال: الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد الحديث فيه قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ملك لا مالك وعن أم سلمة مثل ذلك تعدها بأصابع أحدى يديها سبع آيات بسم الله الرحمن الرحيم. وما روي عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قرآته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين فلا حجة لأنها نعتت قراءة مفسرة حرفا حرفا فاحتمل أن تكون نعتت قراءته بالحمد لله رب العالمين فيما سمعته بقراءته غير الحمد لله وعن أم حصين أنها صلت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك يوم الدين حتى بلغ ولا الضالين قال: آمين. وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ملك يوم الدين فلما نظرنا فيه وجدنا حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين إلى قوله: يقول العبد: ملك يوم الدين يقول الله: مجدني عبدي"، وروي عنه فقال: مالك مكان ملك وعن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤن ملك والصحيح عنه رواية من رواه عن الزهري عن أبي بكر وعمر ولم يذكر فيه أنسا وعن أبي هريرة من رواية ذكوان وأبي صالح أنه كان يقرأ مالك. وعن عمر كذلك مالك وعن الأعمش كذلك وقراءته ترجع إلى عبد الله بن مسعود وهي قراءة عاصم وترجع قراءته إلى علي بن أبي طالب ووجدنا عن حمزة قراءة ملك وقراءته ترجع إلى علي وابن مسعود وكذلك يقرأها نافع واختار أبو عبيدة قراءة ملك على مالك لأن في ملك ما ليس في مالك لأنه لا يكون ملكا إلا مالكا وقد يكون مالكا غير ملك

واحتج عاصم على من قرأ مالك فقال: يلزمه أن يقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مالك الناس} فقال أبو بكر: نعم لموافقته عاصما أولا يقرؤن {فَتَعَالَى اللَّهُ المالك الحق} واحتج بقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} والأولى أن يرد هذا الحزب المختلف في قراءته إلى ما سمى به نفسه في كتابه {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ} {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ} .

سورة البقرة قوله تعالى: {ما ننسخ من آية}

سورة البقرة قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} النسخ على وجهين نسخ العمل مع بقاء التلاوة ونسخهما والأول كثير والثاني قد يخرج من قلوب المؤمنين كافة مثل ما حدث أبو أمامة بن سهل لابن شهاب في مجلس سعيد بن المسيب أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل ليقرأها فلم يقدر عليها وقام الآخر فقرأها فلم يقدر وقام آخر كذلك فأصبحوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم قمت البارحة أقرأ سورة كذا وكذا فلم أقدر عليها وقال الآخر: ما جئت إلا لذلك وقال الآخر: وأنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنها نسخت البارحة". وهذا حديث مسند لأن أبا أمامة ولد في حياته صلى الله عليه وسلم وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد وقد يخرج من القرآن ويبقى في الصدور مثل ما روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: نزلت سورة فرفعت وحفظ منها لو أن لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وعنه كنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيناها غير أني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في اعناقكم فلتسئلن عنها يوم القيامة وعنه أنه قال: نزلت سورة براءة ثم رفعت فحفظ منها أن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين، الحديث. وعن أبي هريرة لما نزلت: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الآية جثوا على الركب فقالوا: لا نطيق لا نستطيع كلفنا من العمل ما لا نطيق

ولا نستطيع فأنزل الله عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} ، {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فأنزل الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} الآية فيه أن الصحابة فهموا مؤاخذتهم بالخواطر التي لا يقدر الإنسان على دفعها من نفسه فبين الله تعالى بقوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} أي لا يكلف الله ما لا يملكه أن المراد بالإبداء والإخفاء المحاسب عليهما هو الإبداء الذي يقدر صاحبه على إخفائه والإخفاء الذي يقدر صاحبه على إظهاره لا الخواطر التي لا يملكونها ولا يستطيعون فيها إبداء ولا إخفاء وعن ابن عباس: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} من الشهادة وفيه نظر لأن كتمان الشهادة غير مغفور لأنه حق المشهود له ويرده قوله: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} ومعنى {إِنْ نَسِينَا} أن تركنا من قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} لا النسيان الذي هو ضد الذكر لأنه غير مؤاخذ به وكذا قوله: {أَوْ أَخْطَأْنَا} ليس من الخطأ الذي هو ضد العمد لأنه غير مأخوذ به قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} بل هو من الخطاء الذي عمله قصدا في الخطيئة وله اختيار فيه ومنه قيل خطئت في كذا مهموز فبان أنهم سألوا في موضعه وأنه تعالى غفر لهم فيما كان له أخذهم بهما وعقوبتهم عليهما وهو المحمود على فضله ورحمته.

سورة آل عمران

سورة آل عمران عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموهم فاحذروهم" ثم قرأ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} إلى قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} ثم قال الراسخون في العلم هم الذين آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه، وعنها قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت الذين يجادلون فهم الذين عني الله عز وجل". المحكمات هي المتفق على تأويلها والمعقول معناها والمتشابهات هي المختلف في تأويلها والزيغ الجور عن الاستقامة والعدل والفتنة التي يتبعها أهل الزيغ هي فساد ذات البين التي يكون عنها القتل والشحناء.

والتفرق المنهي قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} ومن كان كذلك خرج من الإسلام واستحق النار يدل عليه ما روي أن أبا أمامة خرج من المسجد بدمشق فإذا رؤس منصوبة على القناة قريب من سبعين رأسا فلما نظر إليها أبو أمامة وقف، ثم قال: يا سبحان الله يا سبحان الله يا سبحان الله ثلاث مرات ما يعمل الشيطان لهؤلاء ثلاثا قال: شر قتيل تحت ظل السماء ثلاث مرات وخير قتيل من قتل هؤلاء، وبكى فقيل: يا أبا أمامة تقول لهم القول فمم تبكي؟ قال: رحمة لهم أنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ثم تلا هذه الآية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ} حتى ختمها ثم قال: هم هؤلاء ثم تلا {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ} حتى ختمها ثم قال: هم هؤلاء قال: فقلت: يا أبا أمامة هذا شيء تحدث به من رأيك أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: يا سبحان الله ثلاث مرات إني إذا لجرى قال ذلك ثلاث مرات لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى بلغ سبعا ما حدثتكموه ثم قال: من أنتم؟ قال: قلت: من أهل العراق قال: أما أنهم عندكم كثير. فأهل الحق يردون المتشابه إلى عالمه ثم يلتمسون تأويله من المحكم الذي هو أم الكتاب فإن وجدوه فيه عملوا به كما عملوا بالمحكم فإن لم يجدوا لقصورهم هم لم يتجاوزوا في ذلك الإيمان به ولا استعملوا فيه الظنون المحرم استعمالها في غيره فكيف به قال عليه السلام: "المراء في القرآن كفر" عن ابن عباس فقدوا قطيفة حمراء مما أصيب من المشركين يوم بدر فقالوا: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} الآية قال: خصيف فقلت لعكرمة: أن سعيدا يقرأ القرآن قال: بلى ويغل ويقرأ عاصم وأبو عمرو وابن كثير يغل والباقون يغل والأولى أولى لأن العرب إنما تقول للرجل في الشيء الذي لا يجوز له إتيانه ما كان له أن يفعل وإذا أتى إليه ما لا ينبغي أن يؤتى ما كان لهم أن يغفلوا ذلك به ولا يخالف هذا ما ذكرنا أن قومه كانوا لا يتهمونه ويسمونه الأمين لأن هذا كان بالمدينة من المنافقين الذين لا ينكر منهم مثل

هذا وشبهه. عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة فجعل يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران لم يبين. أولى العشر الآيات وقد اختلف فيها فذهب قراء المدينة والكوفة إلى أن أولها الذين يذكرون الله وأهل الشام أولها إن في خلق السموات والأرض وهو الأصح لأنه في هذا الحديث من غير هذا الطريق قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقد روي أنه قرأ الخمس الآيات من آل عمران والاختلاف من قبل رواته لا من الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه إنما قرأ الخمس الآيات أو لهن {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لأن فيهن التماس الدعاء والتفكر في الآيات وما بعد الخمس إنما هو في ذكر استجابة الله للمذكورين فيها إلى غير ذلك من المعاني والحكم.

سورة النساء

سورة النساء عن عائشة في قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} لا تجوروا، ومثله عن ابن عباس لا تميلوا، ومثل هذا ألا يقال بالرأي بل بالتوقيف ولا نعلم أحدا من الصحابة ولا من التابعين ذهب إلى خلاف هذا التأويل غير زيد ابن أسلم فإنه قال أن لا تكثر عيالكم وهو فاسد لأن المناسب حينئذ ذلك أدنى أن لا تعيلوا. عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملي عليه {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها فقال يا رسول الله لو استطعت الجهاد لجاهدت وكان رجلا أعمى فأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفحذه على فخذي فثقلت حتى خفت أن ترض فخذي ثم سرى عنه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} . ولا يعارضه ما روي عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} الآية فقال أقوام: حبسم أوجاع وأمراض فكانوا أولائك أولى الضرر، فإن ظاهره يقتضي نزولها

كلها معا لذكرها نسقا لأن حديث زيد أخبار عن سبب نزولها وحديث ابن عباس أخبار بتأويلها المستقر عليه أمرها وكان ذلك منه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد الله بقوله أولا لا يستوي القاعدون الأصحاء وأولي الضرر جميعا لأن فيه تكليف ما ليس في الوسع وليس على أعمى حرج وإنما المراد بذلك الأصحاء لا غير وإنما ذهب عن ابن أم مكتوم ذلك وظن أنه مراد فكان منه هذا القول فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} بيانا لما أراد أولا وليس هذا ببعيد فإنه ذهب على كثير من الصحابة معنى قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} حتى كان منهم من ربط الخيط الأبيض والأسود في رجله ولا يزال يأكل حتى يتبين أحدهما من الآخر فبين الله تعالى ذلك بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} وبعضهم جعل تحت وسادته حتى قال صلى الله عليه وسلم: "أن وسادك لعريض إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل". قال الطحاوي: قراءة غير بالرفع أصح لأن نزولها في وقت آخر بيانا لما كان أنزل قبل ذلك في تفضيل المجاهد على القاعد ولو كان النزول معا لجاز أن يكون منصوبا على الاستثناء كقراءة المدنيين فإنه روى من الصحابة غير واحد أن نزولها كان على الاستثناء ولكن لم يرو عن أحد منهم أنها نزلت استثناء. لا يقال: أن ابن أم مكتوم يوم القادسية حمل الرأية للمسلمين وكان أعمى على حاله التي اعتذر بها فكيف لم يبذل ذلك من نفسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يحتمل أنه ما كان يحسن ذلك القدر يوم الاعتذار ثم أحسنه بعد ذلك فتكلفة حسبة وعن ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي السهم يرمي به فيصيب أحدهم فيقتله فانزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الآية، وعنه كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم فقال المسلمون: قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفر لهم فنزلت.

فإن قيل: ما معنى قوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} ولم يكن لهم ذنوب فيعفى لهم عنها قلنا: العفو المراد هو رفع العبادة عنهم منه قوله صلى الله عليه وسلم: "عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق" ومنه قول ابن عباس: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويدعون أشياء تقذرا فلما بعث الله نبيه أحل حلاله وحرم حرامه فما حرم من شيء فهو حرام وما أحل من شيء فهو حلال وما سكت عنه عفو يريد أنه تركه بلا عبادة عليهم فكذا معنى عسى الله هو على إيجابه العفو منه لهم فلم يتعبدهم فيه بما تعبد به سواهم من قوله على لسان رسوله: "أنا برئ من كل مسلم مع مشرك" لا تراءى نارهما فقد رفع الله هذا الوعيد عنهم في إقامتهم في تلك الأمكنة لعدم استطاعتهم الهروب عنها والتحول إلى الأمكنة المحمودة ورفع التعبد عنهم في ذلك وعن زيد بن ثابت ذكر المنافقون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فريق: نقتلهم وقال فريق: لا نقتلهم فأنزل الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} هذا حديث لم يضبطه رواته لأن المنافقين بالمدينة غير متعرضين بقتل ولا غيره لأنه كان يحملهم على علانيتهم وإن كان قد وقف من باطنهم على خلافه قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} وقال تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} الآية وأخبر بمصيرهم إلى النار إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولم يذكر في الحديث المعني الذي من أجله كانت الصحابة فيهم فئتين وروي عن زيد أن قوما خرجوا إلى أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم1 فاختلفوا فيهم فقالت فرقة: نقتلهم وقالت فرقة: لا نقتلهم فنزلت: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} إلى قوله: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} فدل هذا على أن ذلك الاختلاف في أمرهم إنما كان لتركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجهم معه إلى قتال أعدائه بأحد ورجوعهم إلى ما سواها فحل بذلك قتلهم ورجعوا إلى غير المدينة قال زيد: رجع ناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال بعض: نقتلهم وقال بعض: لا نقتلهم فأنزل الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنها لتنقي الرجل كما تنقي النار الفضة" يعني المدينة ودل

_ 1 سقط من هنا شيء- ح.

على ذلك قوله تعالى: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا} والمهاجر إنما كان إلى المدينة لا من المدينة إلى ما سواها ولم نحد ما يدل على الموضع الذي رجعوا إليه غير ما روى عن مجاهد قال قوم: خرجوا من مكة حتى جاؤا إلى المدينة يزعمون أنهم مهاجرون ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا إلى مكة ليأخذوا بضائع لهم فيتجرون بها فاختلف فيهم الصحابة فقيل هم منافقون وقيل هم مؤمنون فبين الله نفاقهم وأمر بقتالهم.

سورة المائدة

سورة المائدة عن جبير بن نفير أنه قال: دخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير هل تقرأ المائدة فقلت نعم فقالت: إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه. وعن البراء آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وآخر سورة نزلت: براءة، المروى عن عائشة أشبه بالحق والله أعلم لأن رسوله بعث عليا بسوره براءة في الحجة التي حجها أبو بكر قبل حجة الوداع فقرأها على الناس حتى ختمها وسورة المائدة نزلت بعد ذلك في حجة الوداع {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية على ما روي أن اليهود قالوا: لو نزلت علينا هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال ابن عباس: أنها نزلت في عيدين اثنين يوم عرفة والجمعة وعن عمر أنها نزلت ليلة جمعة ونحن واقفون معه بعرفة. وعن علي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة وعن أبي بكر قال: تقرؤن هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله بعقاب". هذا خطاب فيه نقصان من بعض رواته لا من أبي بكر والأولى به

ما روي عنه أنه قال يا أيها الناس إنكم تقرؤن هذه الآية من كتاب الله وتضعونها على غير ما وضعها الله عليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي أو بغير الحق يوشك أن يعمهم الله بعقاب". وعن أبي ثعلبة الخشني سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك بنفسك إياك من1 العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن كقبض على الجمر للعامل يومئذ منهم كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله فعلمنا أن قول أبي بكر تضعونها غير موضعها أراد به تستعملونها في غير زمنها وإن زمنها الذي تستعمل فيه" هو الزمن الذي وصفه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ثعلبة الخشنى لما وصفه به ونعوذ بالله منه وإن ما قبله من الأزمنة فرض الله فيه على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله لا يهلك العامة بعمل الخاصة ولكن إذا رأوا المنكر بين أظهرهم فلم يغيروه عذب الله العامة والخاصة"، ففي هذا تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون الزمان الذي ينقطع فيه ذلك وهو الزمان الموصوف في حديث أبي ثعلبة الذي لا منفعة فيه بأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر ولا قوة مع من ينكره على القيام بالواجب في ذلك فسقط الفرض عنه ويرجع أمره إلى خاصة نفسه ولا يضره مع ذلك من ضل هكذا يقول أهل الآثار أما من يتعلق بالتأويل فيقول: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُم} ليس على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنهم لا يكونون مهتدين إذا لم يفعلوا ذلك وإنما يهتدون إذا فعلوا إلا إذا قصروا عنه ويقول نظيره ليس عليك هداهم ومع هذا يفترض

_ 1 في مشكل الآثار 2/65 "وإياك أمر".

عليه الجهاد والقتال إلى أن يردهم إلى دينه الذي بعثه الله به وأمره1 أن يقاتل الناس عليه كافة والأول أبين معنى وهذا صحيح أيضا عن ابن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيف بكم وبزمان -أو قال- يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة ويبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا" وشبك بين أصابعه قالوا: وكيف بنا يا رسول الله؟ قال: "تأخذون بما تعرفون وتذرون ما تنكرون وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم". وعن العرباض قال: وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ورغبهم وحذرهم وقال: "ما شاء الله أن يقول" ثم قال: "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأطيعوا من ولاه الله أمركم ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبد أسود وعليكم ما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين وعضوا على نواجذكم بالحق"، وفي حديث آخر: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" ففي هذه الآثار تسديد ما في الآثار التي قبلها وتصديقه وأعلام بأن الأزمنة تختلف وتتباين وإن كل زمان منها له حكمه الذي قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأعلمهم إياه وعلمهم ما يعملون به فيه فعلى الناس التمسك بذلك ووضع كل أمر موضعه الذي أمر أن يضعه فيه وإن لا يخرجوا عن ذلك إلى ما سواه. وعن ابن عباس كان تميم الداري وعدي بن بداء يختلفان إلى مكة للتجارة فخرج رجل من بني سهم فتوفي في أرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما ودفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوص بذهب فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الجام بمكة فقالوا: اشتريناه من عدي وتميم فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله إن هذا لجام السهمي ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين وأخذا الجام وفيهم

_ 1 في مشكل الآثار 2/67 "عن عبد الله بن عمرو بن العاص".

نزلت هذه الآية وعنه في قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال: من غير أهل الإسلام من الكفار إذا لم تجدوا المسلمين. وعن أبي زائدة عن عامر قال: خرج رجل من خثعم فتوفي بدقوقاء فلم يشهد وصيته إلا رجلان نصرانيان من أهله فأشهدهما على وصيته فقدما الكوفة فاحلفهما أبو موسى الأشعري في دبر صلاة العصر في مسجد الكوفة بالله الذي لا إله إلا هو ما خانا ولابد ولا كتما وإنها لوصيته ثم أحاز شهادتهما هذا يدل على أن الآية محكمة غير منسوخة عند ابن عباس وأبي موسى ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة والتابعين وعن شريح أنه قال: لا تجوز شهادة المشرك على المسلم إلا في وصيته تكون في سفر. وعن ابن المسيب وابن جبير وابن سيرين {مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير دينكم. وعن مجاهد إذا حضر موته مسلمان أو كافران ولا يحضر غير اثنين منهم فإن رضي ورثته بما غابا عليه من تركته بذلك1 ويحلفان أنهما صادقان فإن عثر بلطخ وجد أو لبس أو شبهه حلف الإثنان2 للأولين من الورثة فاستحقا وابطلا إيمان الشاهدين وهو قول فقهاء الأمصار ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري وقال الحسن {مِنْ غَيْرِكُمْ} أي: من غير أهل قبلتكم3 كلهم من أهل الصلاة ألا تراه يقول: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} وإليه ذهب أبو حنيفة في أصحابه ومالك في

_ 1 في تفسير ابن جرير 7/72 "فذاك" وهو الظاهر- ح. 2 في التفسير "الأوليان". 3 كذا والظاهر "قبيلتكم" كما يدل عليه السياق وقوله عقبة، كلهم مبتدأ بريد الأولان والآخران ومذهب الحسن مشهور في ذلك راجع تفسير ابن جرير 7/64 ولفظه في رواية "كان الحسن يقول اثنان ذوا عدل منكم أي من عشيرته أو آخران من غيركم قال من غير عشيرته" وفي أخرى عن الحسن، أو آخران من غيركم قال من غير عشيرتك وعن غير قومك كلهم من المسلمين- ح.

أصحابه والشافعي في أصحابه ومن قال أنها منسوخة بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وهذا ليس بشيء لأن ما أنزل الله في كتابه وعمل به رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة فحصل بذلك إجماع لا يجوز أن ينسخ إلا بما تقوم به الحجة وقوله: {بَعْدِ الصَّلاةِ} لا دليل فيه للحسن لاحتمال أن يكون القصد بذلك إلى الوقت المعظم عند أهل الأديان جميعا ويخافون نزول العقوبة بهم عند المعصية فيه وهو ما بعد صلاة العصر وقيل أنها كانت في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار والوصية فريضة فلما نسخت الوصية لم يبق هذا مشروعا وفيه نظر.

سورة الانعام

سورة الأنعام عن خباب بن الأرت أن الأقرع وعيينة جاؤوا فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع بلال وعمار وصهيب وخباب في ضعفاء المؤمنين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به فقالوا له: نحب أن تجعل لنا منك مجلسا يعرف به العرب فضلنا وإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا قعودا مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال: "نعم" قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا فدعا بالصحيفة ليكتب لهم ودعا عليا ليكتب فلما أراد ذلك ونحن قعود في ناحية نزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} الآية ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} إلى قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} فدعا رسول الله بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول: "سلام عليكم" فدنونا منه فوضعنا ركبنا على ركبته فكان إذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} إلى قوله: {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يقول: مجالس الأشراف {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} فهو عيينة والأقرع والفرط الهلاك ثم ضرب لهم مثلا رجلين ومثل الحيوة الدنيا فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم

والا صبرنا أبدا حتى يقوم1 الآيتان عامتان فيمن كان على صفة النفر المذكور وليستا بخاصتين فيهم بما دل عليه ما روي عن ابن عمر أنه قال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} قال: هم الذين يشهدون الصلوات المكتوبات.

_ 1 هكذا ولعله- وإلا صبر لنا أبدا حتى نقوم- ح.

سورة الاعراف

سورة الأعراف روي أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} إلى قوله: {غَافِلِينَ} فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية" فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون" فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار"، فيه أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أيانا أن الله استخرج من ظهر آدم ذريته وفي الآية بنو آدم لا آدم نفسه وعقلنا بما ذكر فيه أن علم الله متقدم بأهل السعادة بما يستعملهم به في الدنيا من أعمال الخير حتى يدخلهم الجنة ثوابا على عملهم وكذلك بأهل الشقاء حتى يدخلهم النار عقوبة لهم على عملهم. وعن ابن عباس مرفوعا: "أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بعرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إلى {فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} " ففيه زيادة على ما في الحديث الأول كلام الله إياهم وذلك غير مستنكر في لطيف قدرة الله عز وجل وقد أول هذه الآية من لم يقف على المروى بأن الله عز وجل ألهم ذرية آدم في خلقه إياهم المعرفة به التي هي موجودة في جميعهم من أن لهم خالقا

سواهم بخلافهم لأنه قدر على خلقهم وهم عاجزون عن مثل ذلك حتى لا يستطيع أحد أن يقول خلافه فكان ذلك شهادة منهم على أنفسهم أنه ربهم وحجة عليهم أن قال: الأشقياء منهم يوم القيامة عند أخذهم بأعمالهم {إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أي: عن عقوبتك لنا على عملنا أو على أن نقر لك بالربوبية إذ كان الله عز وجل قد بعث إليهم في الدنيا رسله مبشرين ومنذرين وأنزل عليهم كتبه بما جعلهم به متعبدين وهذا تأويل حسن لو لم نكن سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الحديثين لاحتمال الآية له ولكن لما بين صلى الله عليه وسلم مراد الله بها لم يجز القول بخلافه ولا تأويل سواه والمعنى في مسح ظهر آدم والتلاوة إنما هي في بني آدم أنه لما كان أصل بنيه نسب ما استخرجه منه إليهم كما قال: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} والمخلوق من ذلك آدم لا ذريته.

سورة هود

سورة هود في قول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} إلى قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} أهل اللغة مهم الفراء وقطرب يذهبون إلى أن معنى إلا ما شاء ربك خرج مخرج الزيادة على ما يقيمونه في النار مثل دوام السماوات والأرض مما هو أكثر من ذلك المقدار كقول الرجل لي عليك ألف إلا العشرة الآلاف الدرهم التي لي عليك أي والعشرة الآلاف التي لي عليك ليس على الاستثناء لأن الكثير لا يستثنى من القليل فعلى هذا يكون معنى الأسوى وقيل بل على الاستثناء كقولك والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزيمتك على ضربه فكذلك إلا ما شاء ربك ولا يشاؤه وقيل معنى إلا ما شاء ربك الوقف في الحساب قبل أن يدخل أهل النار النار والأولى رد المعنى إلى ما روي مرفوعا فيمن يخرج من النار بالشفاعة من ذلك ما روي عن قتادة عن أنس {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} يخرج قوم من النار ولا نكذب بها كما كذب بها أهل حروراء. ومنه ما روي عن طليق بن حبيب قال: لقيت جابر بن عبد الله وكنت أشد الناس تكذيبا بالشفاعة فقرأت عليه كل آية في القرآن وعد الله أهلها

بالخلود في النار فقال لي: يا طليق أتراك أعلم بكتاب الله وبسنة نبيه مني؟ قال: لا قال: فصمتا وأشار إلى أذنيه إن لم أكن سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرجون من النار" قلت: ومن هؤلاء القوم؟ قال: "قوم أصابوا ذنوبا كثيرة". ويؤيده قوله تعالى أخبارا عن أهل النار: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} ففيه أن غيرهم تنفعه الشفاعة وقوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} وقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ.. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} .

سورة يوسف

سورة يوسف عن ابن عباس: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} قال: كانت رؤيا الأنبياء وحيا لا لشك أنه ما قاله رايا وإنما قاله سماعا والأحسن في تأويله أن رؤيا الأنبياء في مناماتهم ما شاء أن يوحيه إليهم فيها وكل ذلك وحي منه فجعل ما شاء منه في مناماتهم وجعل منه ما شاء في يقاظاتهم.

سورة سبحان

سورة سبحان عن ابن مسعود في حديث ركوب النبي صلى الله عليه وسلم البراق لما أسرى به إلى بيت المقدس قال: "ثم مشينا إلى بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي ربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد وتشوف بي الأنبياء من سمى الله في كتابه ومن لم يسم فصليت بهم إلا هؤلاء النفر عيسى وموسى وإبراهيم"، ففيه أنه أم الأنبياء إلا المستثنين، وعن أنس امامته بهم جميعا. وعنه أنه قال: أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه فلم نزايل ظهره وهو وجبريل حتى أتيا بيت المقدس ففتحت أبواب السماء فرأى الجنة والنار قال حذيفة: ولم يصل في بيت المقدس؟ قلت: بل صلى قال حذيفة: ما اسمك يا أصلع فإني أعرف وجهك ولا أعرف اسمك؟ قلت: أنا زر بن حبيش قال: وما يدريك أنه قد صلى فيه؟ قلت: يقول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى

الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} قال: أنه لو كان صلى فيه لصليتم فيه كما تصلون في المسجد الحرام قال: فقيل له: أنه ربط الدابة بالحلقة التي ربط بها الأنبياء قال حذيفة: أو كان يخاف أن تذهب وقد أتاه الله بها ولكن ما روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وأنس في إثبات الصلاة هناك أولى من نفي حذيفة وقوله: لو كان صلى لوجب على أمته أن يصلوا هناك لا حجة فيه إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يأتي مواضع ويصلي فيها لم يكتب علينا إتيانها ولا الصلاة فيها بل قد نهى عمر أن يتتبع تلك المواضع فيصلي فيها وعن معرور وافيت الموسم مع أمير المؤمنين وانصرفت إلى المدينة معه ثم رأى ناسا يذهبون مذهبا فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون مسجد أصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصل فيها وإلا فلا يتعمدها. وأبين من هذا أنه لا مسجد أجل مقدارا ولا أكثر ثوابا بعد المسجد الحرام من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتب على الناس إتيانه والصلاة فيه كما كتب عليهم ما كتب في المسجد الحرام وأما ربط البراق ليلتئذ فإثباته أولى من نفي حذيفة أيضا إذ ليس كل مسخر لمعنى يطاع1 لذلك المعنى ألا ترى أنه سخر الله لنا الدواب ونحن نعاني في ركوبها ما نعاني فكذا رباط البراق غير مستنكر مع تسخير الله تعالى إياه له. وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} قال: لقي الرسل ليلة أسرى به. فيه ما قد دل أن نزول الآية كان بغير مكة وبغير المدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى به إلى حيث لا يعلم حتى علم بوروده إياه وباجتماعه فيها هناك مع الأنبياء حتى أمهم وهم الذين أمر بسؤالهم عنه لأنه لم يلقهم في غير ذلك الموضع وعن أبي زميل قال رجل لابن عباس: أنه ليقع في نفسي ما أن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به فقال

_ 1 كذا.

ابن عباس من الشك تعني؟ قال: نعم قال: فقال: وهل يسلم من ذلك أحد وقد قال تعالى لنبيه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} لا نعلمه روى عن أحد من الصحابة في المراد بهذه الآية غير هذا الحديث عن ابن عباس وأما التابعون فروى عن سعيد بن جبير والحسن أنهما قالا: لم يشك ولم يسأل. وأما أهل اللغة فقد رويت عنهم أقوال منها قال الكسائي والفراء: ليس قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} خبرا عن أنه في شك إنما هو كقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فافعل كذا وأحسن منه أن المراد بذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم وهم الشاكون بمعنى فإن كنت في شك من غيرك فيما أنزلنا إليك وهو قول أبي عبيدة كما قال: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} جاء بالخطاب للنبي وأمته والمراد به نوح وأمته بقرينة قوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وكان المرادون على هذا بقوله: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} هم الذين آمنوا به قبل ذلك كعبد الله بن سلام. قال الطحاوي: ويحتمل أن يكون هو المراد بالمذكورين في تلك الآية وأن يكون هم الذين لقيهم صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس من الأنبياء الذين كانوا أنزل عليهم قبله من الكتب ما أنزل عليهم منها مما فيها ذكره وذكر أمته مثل ما قاله ابن عباس في حديث أبي زميل ووجهه عندنا عن ابن عباس على أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره فإن العرب قد تخاطب من تريد غيره وقد روي عن عمر بن الخطاب من قوله في حديث المتظاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله أنت نبي الله وصفيه وخيرته من خلقه على ما أرى من خصفة مضطجعا عليها ومن وسادة محشوة ليفا تحت رأسه وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير فجلس فقال: يا عمر لعلك شككت قلت لا والذي بعثك بالحق إني لعلى يقين من الله فيك إنك لنبيه وصفيه ولكني عجبت لما زوى عنك من الدنيا وبسط على هؤلاء فقال: هم قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وأنا أخرت لنا في آخرتنا وإذا كان عمر

قد نفي عن نفسه الشك كان عند أمثاله من الصحابة منتفيا كانتفائه عنه وكان من النبي صلى الله عليه وسلم أشد انتفاء فتحققنا أن المرادين بالشك في ذلك هم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير عمر وغير من سواه من الصحابة وأنهم من سواهم من أهل الشك فيه ممن ليس إسلامه كإسلام الصحابة أو ممن لم يؤمن به ولم يدخل في شريعته وفيه نظر لأن سؤاله الأنبياء لا تأثير له في نفي الشك عمن شك ممن يجوز عليه الشك. وعن ابن مسعود كان نفر من الأنس يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون وثبت الأنسيون على عبادتهم وهم لا يشعرون فهم الذين قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} والمنكر ذهب إلى ما روي عن مجاهد أنه قال: يبتغون إلى ربهم الوسيلة عيسى وعزير والملائكة لأن هؤلاء عبدوا من دون الله ولا يعلم غيرهم وقول ابن مسعود أولى لموضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده قوله: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} ولم نجد من الصحابة خلاف قوله. وعنه نزلت على نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن وهذا دليل صحة حديثه.

سورة الكهف

سورة الكهف عن ابن عباس قال: حدثني أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن قصة موسى والخضر أنهما بينما هما يمشيان على الساحل إذا بصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} الآية ثم ساق الحديث حتى انتهى إلى سؤال الخضر موسى عما كان فيه مما أنكره عليه وإلى قول الخضر له وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين. وعن ابن عباس عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا والزكية التي

لم تذنب قط فهي أولى من الزاكية التي أذنبت ثم غفر لها" لأن الغلام قتل صغيرا لم يبلغ الحنث وقيل: هما لغتان بمعنى واحد وهذا أصح لأنه قد يجوز أن يسمى غلاما وهو بالغ وقوله: لو أدرك أرهقهما طغيانا قد يراد بالإدراك الاحتلام أو يكون معرفته بالأشياء المذمومة وفي الآية ما دل على بلوغه وهو {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي: أنها لم تقتل نفسا ولو قتلت لكانت مستحقة لقتلها بها وطهرت بهذا القتل والصبي عمده لا يوجب قودا فهو بالغ يؤيده قوله في قصة مريم: {لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} أي: طاهر أو صفة فإنه زكي بغير ذنب كان منه قبل ذلك فالحق إن لا فرق بين الزكية والزاكية وأنهما بمعنى واحد مثل القاصي والقصي واختلاف الآثار في زاكية وزكية ليس حكاية عن القرآن ولكنه حكاية من النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه العربي لقول موسى الذي قاله للخضر بلسانه المخالف للسانه والحكايات للأشياء بغير تلك الألسن قد تحكى بألفاظ مختلفة ومثله قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} وفي موضع {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} لأنه حكى بالعربي ما قيل لزكريا بلسانه مرة بالأيام التي تدخل فيها الليالي ومرة بالليالي التي تدخل فيها الأيام لما كان المعنى في ذلك سواء فكذلك وصف الغلام بما وصفه به بلسانه مرة بزكية ومرة بزاكية لما كانا سواء. وعن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه فقال ذات يوم: "رحمة الله علينا وعلى آل موسى لو سكت مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} ". ولم يختلف القراء في نون الجماعة في لدن أنها تقرأ مثقلة حيث وقع {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} وفي إجماعهم دليل على أن أولى القراءة وفي لدنى التثقيل. عن أبي ذر أنه قال: دخلت المسجد فإذا النبي صلى الله عليه وسلم جالس

فلما غابت الشمس قال: "يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: "فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها ويوشك أن يقال لها: اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ذلك مستقر لها"، فيه أن الشمس تغرب في السماء وقد روي مرفوعا: "في عين حمئة من الحمأة" رواه ابن عباس وقال: اقرأني ذلك أبي كما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس كنت عند معاوية وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال معاوية لعبد الله: كيف تقرأ {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} فقال: في عين حامية يريد حارة فقال ابن عباس: فقال معاوية كيف تقرأها يا ابن عباس؟ فقلت: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وأنشد تبع في ذي القرنين. بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب علم من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد فالخلب الطين والثأط الحمأة والحر مد الأسود. قيل: حديث ابن عباس عن أبي يخالف حديث أبي ذر لأن في حديث أبي ذر غروبها في السماء وفي هذا غروبها في طينة سوداء والطين في الأرض لا في السماء وشعر تبع يدل على أنها في الأرض لا في السماء أيضا قلنا: قد يكون الطين في السماء يدل عليه قوله: {حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} وشعر تبع يحتمل أن تكون الرؤية رؤية يقين وعلم بالقلب لا رؤية عين مع أن الحجة في اللغة وغيره قول الرسول صلى الله عليه وسلم فحصل الالتئام بغير تضاد فيه ولا اختلاف ثم لا يعلم عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى ابن عباس على حمئة والأكثر منهم على حامية وروي في العين التي تغرب فيها الشمس الحرارة والحمأة جميعا فكانا من صفاتها فمن قرأ حامية وصفها بإحدى صفاتها ومن قرأ حمئة وصفها بصفتها الأخرى وذلك واسع غير ضيق.

سورة الانبياء

سورة الأنبياء عن ابن عباس لما نزلت {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية شق

ذلك على أهل مكة وقالوا: شتم محمد آلهتنا فجاءهم ابن الزبعري وقال: ادعوه لي فدعى محمد قال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله قال: بل لكل من عبد من دون الله؟ فقال: خصمناه ورب الكعبة يا محمد ألست تزعم أن عيسى عبد صالح؟ وعزيرا كذلك والملائكة صالحون؟ قال: بلى قال: فهذه النصارى تعبد عيسى واليهود تعبد عزيرا وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة قال: فضج أهل مكة فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ونزلت: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} وهو الضجيج. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش: "يا معشر قريش لا خير مع أحد يعبد من دون الله" فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وكان عبدا صالحا؟ فأنزل: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ- وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة هكذا قال لعلم بالفتح وضجيج المشركين عند نزولها وهم أهل فصاحة يدل على أن ما قد تستعمل في بني آدم وإن كان من أكثر استعمالا ومن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} يعني: آدم وما ولد وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وعلم أن الأولى قراءة {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} بكسر الصاد وهو الضجيج وبالضم من الصدود ولو كانت منه لكانت إذا قومك عنه يصدون {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} وهو كثير في القرآن. وعن ابن عباس إنكار هذه القراءة وقال: إنما هي لحن وإنما هي يصدون يضجون وعن علي {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الآية نزلت في عثمان وأصحابه أو قال عثمان منهم يعني أن عثمان ممن سبقت له الحسنى المذكورة لأنها نزلت فيمن سبقت لهم الحسنى من الله وعثمان وأصحابه منهم قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} الآية الذكر المراد هنا هو المكتوب قبل خلق السماوات

وإن الأشياء المذكورة بعده هي ما سواه من التوراة والإنجيل والقرآن. وعن سعيد بن جبير أنه قال: الزبور والتوراة والإنجيل والذكر الذي في السماء أصل هذه الكتب والأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون. وعنه الزبور القرآن والذكر التوراة والأرض الجنة. وعن عامر كتبنا في الزبور قال: زبور داود من بعد الذكر وهو ذكر موسى التوراة وعن مجاهد الزبور الكتاب عند الله والأرض أرض الجنة. يؤيد ما قلنا أولا عن عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: قبلنا فأعطنا قال: "أقبلوا البشرى يا أهل اليمن" قلنا: قد قبلنا فأخبرنا عن أول الأمر كيف كان؟ قال: "كان الله قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح ذكر كل شيء" - الحديث وله طرق في بعضها ثم كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض. وأهل اللغة يقولون: الذكر القرآن ويحتجون بقوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} وبقوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ} ويقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} وعلى هذا معنى من بعد الذكر أي من قبل الذكر لأن حروف الخفض تعاقب بعضها بعضا وذلك موجود في كلام العرب إلا أن الذي ذكرنا أولا دل عليه حديث صحيح أولى بتأويل الآية مما قالوا: إذ لا ضرورة توجب حمل الأمر عليه.

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون ... المؤمنون عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عنده دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: "اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارضنا وارض عنا" ثم قال: لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} الآيات. يحتمل أن يكون

هذا قبل فرض رمضان وفرض الحج على من فرضه الله عليه فكان من جاء بغيرهما مستحقا للوعد المذكور فلما فرضا عاد الوعد إلى من أدى جميع الفرائض التي منها صوم رمضان والحج.

النور

النور عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح الزاني إلا مجلودا مثله" وهذا في مجلود في الزنا مقيم عليه لا على النازع عنه لأن وصفه إياه بالجلد وصف له بحال هو فيها مذموم لأن الجلد كفارة فذمه بذلك بعد الجلد يدفع أن يكون كفارة له إذ كان مقيما على ما يوجب مثله وروي مرفوعا الزاني لا ينكح إلا زانية مثله والمجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله فيه زيادة على الأول وهو لا يتزوج الزاني إلا زانية ومعناه أيضا على الزانيين المقيمين على الأحوال المذمومة لا على زانيين جلد كل واحد منهما في زناه جلدا يكون كفارة له بنزوعه عنه وتوبته منه والمعقول من قصده إلى ذمه بالجلد ذمه بالزنا الذي كان جلد فيه وروي أن مرثدا لما أراد نكاح عناق استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وكانت بغيا فسكت حتى نزلت: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} الآية فنهاه عن ذلك. وعن ابن عمر كن نساء بغايا كان الرجل يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه منهن أم مهزول1 فاحتمل أن يكون ما في آثار الأول هو على الرجل ينكح لهذا المعنى الذي يطلق لها الزنا لما يصل إليه بذلك من النفع فسمى زانيا لما كان سببا كنحو ما روي مرفوعا أيما امرأة استعطرت ومرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية.

_ 1 هكذا في سنن البيهقي 7/153 وغيره ووقع في الأصل "أم مهرور" كذا- ح.

الفرقان

الفرقان روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف أيها

قرأت أصبت أو قال: اقرأوا ولا حرج غير أن لا تجمعوا بين ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة وقال فلا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر وقال: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} " ذهب قوم إلى أن السبعة الأحرف هي سبعة أنحاء كل نحو منها جزء من القرآن كقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} فإنه صنف من الأصناف التي يعبد الله عليها فمنها ما هو محمود ومنها ما هو على خلافه فمن ذلك الأحرف حرف زاجر وأمرو وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال قيل هذا فاسد لأنه روي عن أبي بن كعب أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: اقرأ على حرف واحد فاستزاده فقال: اقرأ على حرفين، فقد علمنا أن الحرف الذي أمره أن يقرأ عليه محال أن يكون حراما لا سواه أو يكون حلالا لا سواه. وعن ابن مسعود كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا وقيل: سبعة أحرف سبع لغات لأن منه المعرب مثل طور سيناء. قال الطحاوي: تأملنا فوجدنا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} وهم قريش وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ: ما ينزل عليه على أهل ذلك اللسان وعلى غيرهم من أهل الألسن كالفارسي وغيره وكان يشق عليهم حفظ ما يقرأه عليهم بحروفه التي يقرأها بها عليهم ولا يتهيأ لهم كتابة ذلك وتحفظهم إياه لما عليهم من المشقة في ذلك مع أنهم أهل لسانه وكانوا محتاجين إلى حفظ ما قد تلى عليهم ليقرؤه في صلاتهم وليتعلموا به شرائع دينهم فوسع عليهم ذلك أن يتلوه بمعانيه وإن خالفت ألفاظهم التي يتلونه بها ألفاظ نبيهم دل عليه اختلاف عمر مع هشام بن حكيم وهما قرشيان لسانهما واحد في قراءة آية من سورة الفرقان فقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هكذا أنزلت

هكذا أنزلت أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} . واختلافها إنما كان في ألفاظه لا في الحلال والحرام والأمر والنهي كقول الرجل أقبل وتعال وأدن وشبهه يؤكده ما روي أن أبي بن كعب قال: ماحك في نفسي منذ أسلمت شيء إلا أني قرأت آية وقرأها غيري فقال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فقلت: يا رسول الله اقرأتني آية كذا كذا قال: "نعم" وقال صاحبي: اقرأتنيها كذا قال: "نعم أتاني جبريل وميكائيل فجلس جبريل عن يميني وجلس ميكائيل عن يساري فقال: اقرأ القرآن على حرف وقال: ميكائيل استزده فقال: اقرأ القرآن على حرفين حتى بلغ سبعة أحرف كل كاف شاف". وفي رواية ليس منها إلا شاف كاف قلت غفورا رحيما أو قلت سميعا حليما أو عليما حكيما أوعزيزا حكيما أي ذلك قلت فإنه كذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب فبان أن ذلك توسعة من الله لضرورتهم إلى ذلك وحاجتهم إليه حتى كثر من يكتب وعادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظوا القرآن بألفاظه التي نزل بها فلم يسعهم حينئذ أن يقرؤه بخلافها إذ كانت التوسعة في السبعة الأحرف في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف بارتفاع تلك الضرورة وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد ومما يدل على عود التلاوة إلى حرف واحد بعد ما كانت على الأحرف السبعة ما كان من أبي بكر في جمعه القرآن واكتتابه بمشورة عمر ومن حضر من الصحابة ومن متابعة عثمان إياهما على ذلك ثم تابعهم على ذلك زيد بن ثابت كاتب الوحي وجميع الصحابة فصارا إجماعا والنقل بالإجماع هو الحجة التي بمثلها نقل الإسلام إلينا حتى علمنا شرائعه وعاد ذلك إلى أن من كفر بحرف منه كان كافرا حلال الدم إلى أن يرجع إلى ما عليه الجماعة بخلاف حكم الأخبار التي يرويها الآحاد مما يخالف شيئا مما في المصحف الذي ذكرنا في أنه لا يكون كافرا من كفر بما جاءت به. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف لكل

آية منها ظهر وبطن. ظهر الآية ما يظهر من معناها وبطنها هو ما يبطن من معناها فعلى الناس طلب باطنها كما عليهم طلب ظاهرها ليقفوا بذلك على ما تعبدهم الله تعالى من حلال أو حرام. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على ثلاثة أحرف" قيل: هو قول: يقال ويقين يوقن به وعمل يعمل به والأولى أن يقال: لما قال له جبريل: اقرأ علي حرف وقال له ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين فاستزاده حتى بلغ ثلاثة أحرف أعلم الناس بذلك فسمعه من حدث عنه ولم يسمع الزيادة وسمع ذلك غيره إلى سبعة أحرف فحدث به فكان من سمع حجة على من لم يسمع. عن أبي ظبيان قال لي ابن عباس: على أي القراءتين تقرأ؟ قلت: على القراءة الأولى قراءة ابن مسعود قال: بل قراءة ابن مسعود هي الآخرة أن جبريل كان يعرض على نبي الله القرآن في كل رمضان فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه مرتين فشهد عبد الله ما نسخ منه وما بدل والقراءة التي لا يختلف خطها باختلافها مثل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فتثبتوا {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} {كَيْفَ نُنْشِزُهَا} {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} ولنثوبنهم وما أشبه ذلك مما في القرآن كثير فإنه قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم على الناس كما أنزل ثم نزل عند عرض القرآن على جبريل فقرأه أيضا على ما أنزل فحضر الثانية من غاب عن القراءة الأولى وغاب عن الثانية من حضر الأولى فلزم كل فريق منهم قراءته التي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكان محمودا على ذلك إذ هي كلها من عند الله إذ ليس في المصحف شكل ولا نقط لأنهم تركوا ذلك مخافة أن يخلطوا بكتاب الله غيره حتى كره كثير منهم كتابة فواتح السور والتعشير والتخميس واروهم1 حجة وهذا كمثل ما كان في الأحكام مما نسخه الله تعالى على لسان نبيه بعد ذلك بما نسخه فوقف بعض الصحابة على الحكم الأول وغاب عن الثاني ووقف بعضهم عن الثاني وغاب عن الأول فكان فرض كل فريق منهم الذي تعبد به ما وقف عليه لما لم يسمع خلافه.

_ 1 كذا.

عن أنس أن رجلا كان يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليه غفورا رحيما فكتب عليما حكيما فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أكتب كذا وكذا؟ فيقول: "نعم اكتب كيف شئت" ويملي عليه عليما حكيما فيقول: سميعا بصيرا فيقول له النبي: "اكتب كيف شئت" فهو كذلك فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين وقال: أنا أعلمكم بمحمد إن كان ليكل الأمر إلي حتى اكتب ما شئت فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أن الأرض لن تقبله" فأخبرني أبو طلحة: أنه رأى الأرض التي مات بها فوجده منبوذا قال أبو طلحة: ما شأن هذا؟ قالوا: إنا دفناه مرارا فلم تقبله الأرض. ليس في الحديث خلاف لما قلنا من أن السبعة الأحرف إنما أطلقت للناس للضرورة إلى ذلك والعجز منهم عن حفظ الحروف بعينها وأنه لا يسع لنا أن نقرأ شيئا من القرآن بخلاف الألفاظ التي فيها وإن كان معناها معنى ما فيها لأنه يحتمل أن يكون ذلك الكتاب الذي أمره بالكتابة إنما هو كتابه إلى الناس في دعائهم إلى التوحيد وتعليم الشرائع ولم يكن الرجل من قريش ولا من الأنصار وإنما كان نصرانيا أسلم وكان يقول ما يقرأ محمد إلا ما كتبت له وليس في قوله ما يقرأ دليل على أنه قرآن وليس كل مقروء {قرآنا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ، فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} الآية وكذا لا يلزم أنه كان يقرأ بنفسه ولكن كان يأمر به فيقرأ عليه ليعلم الناس فيعلموا ما فيه قبل أن ينفذه إلى من يريد إنفاذه إليه. عن عطية العوفي قال: قرأت على عبد الله بن عمر {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} فرد على {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً} ثم قال قرأت على رسول الله صلى الله عيه وسلم كما قرأت علي فرد علي كما رددت عليك

والأولى قراءة الرسول وإن كان القراء قد اختلفوا في قراءته على الوجهين المذكورين وكان ذلك واسعا ويحمل أن يكون سبب الاختلاف ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على الناس فيأخذونه عنه كما يقرأه عليهم ثم يعرض القرآن على جبريل فيبدل من ذلك ما يبدل فيكون أحد المعنيين قد لحقه التبديل فاتسعت القراءة بالوجهين جميعا لأنهم لم يقرؤها إلا من حيث جاز لهم قراءتها وإن كان الأولى منهما هو المأثور.

العنكبوت

العنكبوت عن أبي هريرة قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق فقال: "سينهاه ما يقول" أو قال: "ستمنعه صلاته" قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} أي: أنها تنهى عن أضدادها أن يأتيها على الوجه المأمور به لأن الله تعالى سيتفضل على هذا المصلي بالتوبة عن السرقة ورد ما سرق إلى أهله حتى يلقاه يوم يلقاه ولا تبعة قبله تمنعه من دخول جنته.

الروم

الروم عن ابن عباس كان المشركون يحبون أن يظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أنهم سيهزمون" فذكر أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهروا كان لك كذا وكذا وإن ظهر فارس كان لنا كذا وكذا فجعل بينهم أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا جعلته دون العشرة لأن البضع ما دون العشرة" قال: فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله تعالى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} الآية قال: فغلبت الروم ثم غلبت بعد ذلك فقال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر.

وروي لما أنزل {غُلِبَتِ الرُّومُ} لقي أبو بكر رجالا من المشركين فقال: إن أهل الكتاب سيغلبون على فارس قالوا: في كم؟ قال: في بضع سنين قال ثم خاطر بينهم خطرا فجاء أبو بكر فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن ما دون العشرة من البضع" وكان ظهور فارس على الروم لسبع سنين ثم أظهر الله الروم على فارس زمن الحديبية ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب وظهور المسلمين بعد الحديبية. في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ما دون العشرة من البضع" يفهم منه أن نهاية البضع دون العشرة يعني: ما بينه وبين ثلاث لأن أقل البضع ثلاث فإنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر لما أخبره بذلك: "ألا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع" ويدل عليه أن أبا بكر لما أخبرهم بما أنزل الله قالوا له: نبايعك على أن الروم لا تغلب فأرسا وكانت فارس قد غلبت الروم فقال لهم أبو بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع فقالوا: الوسط من ذلك ست لا أقل ولا أكثر فوضعوا الرهان وذلك قبل تحريم القمار فانقلب أبو بكر إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقالوا: بئس ما صنعت ألا أقررت بها على ما قال الله لو شاء الله أن يقول ستا لقال فلما كانت سنة ست لم يظهر الروم على فارس فأخذوا الرهان فلما كانت سنة سبع ظهر الروم على فارس فذلك قوله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} فليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن ما دون العشرة من البضع" بخلاف لقوله في الحديث الثاني: "فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع" ولا لقول أبي بكر الذي ذكرنا وقد روي عن أبي عبيدة أن البضع: ما بين الواحد إلى الأربعة والصحيح أن أقل البضع ثلاثة لا أقل منها إلى تسعة لا أكثر منها وقال الخليل: البضع من العدد ما بين الثلاث إلى العشر. قال الطحاوي: اتفق أهل اللغة على أن البضع يذكر ويؤنث

فيقال: بضع كما قال: في بضع سنين ويقال: بضعة أيام فعلم أن البضع عدد يختلف فيه التذكير والتأنيث ولا يكون ذلك من العدد في أقل من ثلاثة.

الاحزاب

الأحزاب عن ابن عباس {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي يوما فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وعن مجاهد نزلت في رجل قال: في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، وكذب، وقيل: نزلت في رجل كان يقال له: ذو قلبين في الجاهلية وعن الحسن كان الرجل يقول: أمرتني نفسي بكذا فأنزل الله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} وأول التأويلات أولى بها لا سيما وقد دخل في المسند برد رواته إياه إلى ابن عباس.

سبأ

سبأ عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو رجل ولد له عشر قبائل فسكن اليمن ستة والشام أربعة فأما اليمانون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير والشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان". وعن فروة بن مسيك قلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ قال: "بلى" ثم بدا لي فقلت: يا رسول الله لا بل أهل سبأ فهم أعز وأشد فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن لي في قتال سبأ فلما خرجت من عنده أنزل الله في سبأ ما أنزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل الغطفاني" 1 فأرسل إلى منزلي فوجدني قد سرت فردني فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: "ادع القوم فمن أجابك منهم فأقبل ومن لم يجب فلا تعجل عليه حتى تحدث إلي" فقال رجل: يا رسول الله من القوم

_ 1 والصواب "القطيفي" ح.

وما سبأ أرض هي أم امرأة. فقال: "ليست بأرض ولا بامرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العربة فأما ستة فتيامنوا وأما أربعة فتشاءموا فأما الذين تشاءموا لخم وجذام وغسان وعاملة وأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة وحمير والأشعريون وأنمار ومذحج" فقال: يا رسول الله وما أنمار؟ قال: "هم الذين منهم خثعم". في قوله: لا بل أهل سبأ علم به أن سبأ أرض فيها المنتسبون إليها يؤكده قوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} واحتمل ان يكون سميت سبأ كما سميت القبائل في البلدان فقيل: همدان للقبيلة التي نزلتها همدان ومراد للقبيلة التي نزلتها مراد وكذا حمير وغيره فيحتمل أن يكون قيل: سبأ للقبيلة التي نزلتها من يرجع نسبته إلى سبأ فإن كان أرضا وجب أن لا ينصرف وإن كان لسكانها فكذلك لأنهم قبيلة فيقرأ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ} لا سبأ وقيل: أن من نون جعله أبا للقبيلة ومن لم ينون جعلها أرضا.

حم فصلت

حم فصلت عن ابن مسعود اني لمستند بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر ثقفي وقرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم: أترى الله يسمع ما قلنا؟ فقال أحدهم: أراه يسمع إذا رفعنا ولا يسمع إذا خفضنا وقال الآخر: إن كان يسمع منه شيئا إنه ليسمعه كله فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} إلى {الْمُعْتَبِينَ} . قيل سياق الآية {وهو وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ} إلى قوله: {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ثم قال توبيخا: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ} الآية ينافي صحة ما في الحديث لأن ذلك كله في الآخرة. قلنا: يحتمل أن الله تعالى أنزل على رسوله في الحين الذي ذكر ابن مسعود ما ذكره له أولائك الجهال {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} الآية توبيخا لهم

وإعلاما من الله إياهم بذلك ثم أنزل {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ} الآية فجعل صلى الله عليه وسلم ذلك في المكان الذي يعلمه فيه مما هو شكل له ووصله به إذ كان ذلك كله مما يخاطب به أهل النار.

الاحقاف

الأحقاف عن عامر بن سعد عن أبيه ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة: إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} لا حجة فيه على من نفى كون الآية فيه كالشعبي وابن جبير لأن السورة مكية وإسلام عبد الله متأخر قبل وفاة النبي بعامين كما نفى كون {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} مؤولا فيه إذ ليس ذكر النزول فيه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا من كلام سعد بن أبي وقاص والحق أن الآية قد تنزل بالمدينة فتوضع في سورة مكية ألا ترى أن المصريين قالوا لعبد الله بن سلام لما حذرهم من قتل عثمان: كذب اليهودي كذب اليهودي فقال كذبتم: والله وأثمتم ما أنا بيهودي، وإني لأحد المؤمنين يعلم الله ذلك ورسوله والمؤمنون وقد أنزل الله في: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} الآية والآية الأخرى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ} وأخبار عبد الله بذلك أولى إذ كان أعلم بما أنزل فيه.

القتال

القتال عن ابن عمر قال: كنا معاشر الصحابة نرى أنه ليس من حسناتنا مقبول1 حتى نزلت: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} فقلنا: ما هذا المبطل فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزلت {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فلما نزلت كففنا عن القول وكنا نخاف

_ 1 هكذا في الأصل ولعله غير مقبول- ح.

على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها. فيه أن معتقد الصحابة كان قبل نزول الآية أن صاحب الكبيرة لا تقبل منه الحسنات بعد ذلك واعتقدوا بعد النزول أنه قد يغفر لأهل الكبائر إذ كانوا لا يشركون به شيئا. عن أبي هريرة لما نزلت {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} الآية قالوا: من هم يا رسول الله وسلمان إلى جنبه؟ فقال: "هم الفرس هذا وقومه". وفي رواية: "والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لنا له رجال من فارس" - الخطاب وإن كان للصحابة لكن المقصود غيرهم لأنهم لم يتولوا بحمد الله وهو مثل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقد علم الله أن ذلك لا يكون منه لأنه المعصوم على الإطلاق فكان المراد بالوعيد غيره وفيه أنه إذا كان الوعيد يلحقه مع منزلته العظيمة لو كان منه شرك فلحوقه بغيره أولى وهو به أحرى ومثله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} الآية الوتين نياط القلب وقد علم أن ذلك لا يكون منه ولو كان لحل به الوعيد فإذا كان منهم يكون الحلول والوقوع بهم أولى.

الطور

الطور عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في جنته وإن لم يبلغها ليقربهم عينه" ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أوقفه بعضهم على ابن عباس ولا يعلم مثل هذا إلا توقيفا وإذا دخل غير النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين في عموم الآية فالنبي صلى الله عليه وسلم أدخل فيها منهم وهو في إلحاق الله ذريته المتبعة له بالإيمان لتقر بهم عينه أولى من سائر المؤمنين.

سورة الواقعة

سورة الواقعة عن أبي هريرة لما نزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} شق

ذلك على المسلمين فنزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة شطر أهل الجنة" وقال مرة: نصف أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الباقي. لما تأملنا وجدنا الآية الأولى في السابقين المقربين بما تقدمها وهم أعلى رتبة من أصحاب اليمين وهم أول لأنهم بعض أصحاب اليمين فأخبر في كتابه أن المقربين ثلة من الأولين يعني ممن تقدمهم من أمم الأنبياء وقليل من الآخرين يعني من أمة نبينا وإن أصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين يؤكده قوله في آخر السورة {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} فهما غير أن وهما من أهل الجنة إلا أن المقربين أعلى من في الجنة وارفع رتبة فيها وإنما فرح الصحابة لما علموا بالآية الثانية أن من الجنة سوى المقربين وهم أصحاب اليمين دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" ثم قال: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} ثم تفضل الله بأن جعلهم ثلثي أهل الجنة على ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة مائة وعشرون صفا هذه الأمة منها ثمانون صفا" - قال أبو الوليد: ويحتمل أن يكونوا ثلاثة أرباع أهل الجنة على ما في هذا الحديث من قوله وقال مرة: نصف أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الآخر فثلاثة أرباع أهل الجنة أمة نبينا وربعهم أمم سائر الأنبياء وهم في الكافرين كالشعرة السوداء في الثور الأبيض على ما ورد مرفوعا عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال: "ما شأنكم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا". وكان قولهم كفرا فأنزل الله وتجعلون شكركم على ما أنزلت عليكم من الرزق والغيث إنكم تكذبون تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا.

وعن ابن عباس وتجعلون شكركم مكان رزقكم1 كما تقول العرب: زرتك لتكرمني فجعلت زيارتي إياك أنك استخففت بي أي جعلت ثوابها الاستخفاف فمثله جعلهم الشكر لما كان منه إليهم التكذيب. وعن الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو حبس الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله لأصبح قوم كافرين يقولون: مطرنا بنوء المجدح" أي: كافرين بنعمة الله وهذا مثل قوله: "واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء بكفرهن قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "لا. يكفرن الإحسان ويكفرن العشير لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط".

_ 1 أي أنه قرأ "تجعلون شكركم" لم يقرأ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} هذا منقول في كتب التفسير والقراءة- ح.

فنزلت آية التخيير {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} إلى قوله: {ظَهِيرٍ} ونزلت في {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ} إلى قوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأنزل الله التخيير فيه. أخبار عمر بأنه المستنبط لما ذكره في الحديث وإن المستنبطين في الآية هم أولوا الخير والعلم الذين تؤخذ عنهم أمور الدين. وعن جابر وأولوا الأمر، قال: أولوا الخير، وعن جماعة من السلف أنهم قالوا: أولوا الفقه والخير، وليس بخلاف لما روي عن ابن عباس في، وأولي الأمر منكم ما أنها نزلت في عبد الله بن حذافة إذ بعثه صلى الله عليه وسلم في السرية إذ كان من أهل الخير والصحبة ومن أهل الفقه ولولا أنه كذلك لما ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولاه إياه لله فيه أحكام لا يدركها إلا أهل الفقه الذين يعلمون أمثالها يدل عليه ما روي عن ابن عباس أولوا الأمر أهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أوجب الله طاعتهم على العباد- وعن أبي هريرة أمراء السرايا فدل أن أولى الأمر المأمور بطاعتهم من هذه صفتهم أمراء كانوا أو غير أمراء.

التغابن

التغابن عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} قال: هؤلاء قوم من أهل مكة أسلموا فأبى زواجهم وأولادهم أن يدعوهم فهاجروا فلما قدموا المدينة فرأوا الناس قد تفقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فنزلت هذه الآية {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا} الآية فيه أنه لا يحل طاعة زوجة ولا ولد في صد عن طاعة الله ومن حاول ذلك منهم عدو لهم وأمرهم بالعفو إذ كانت عقوباتهم لا يستدركون بها شيئا قد فات.

التحريم

التحريم عن عمر بن الخطاب حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه أن لا يدخل عليهن شهرا قال: قلت: يا رسول الله: "إن كنت طلقتهن فإن الله وملائكته وجبريل وميكائيل معك وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله تعالى يصدق قولي".

الجن

الجن روي مرفوعا أن الشهب التي أرسلت على مستمعي السمع عند المبعث لم تكن قبل ذلك. عن ابن عباس كان الجن يصعدون السماء فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعا باطلا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمي بها فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من حدث فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي بين جبلي قال: أراه بمكة فأتوه فأخبروه فقال: هذا الذي حدث في الأرض. وعن ابن عباس عن رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله رمى بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله

عليه وسلم: "ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى بمثل هذا"؟ قالوا: كنا نقول ولد الليلة عظيم أو مات عظيم قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: "فإنها لا ترمي بموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ما قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل السماوات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر هذا السماء فتخطف الجن فيلقونه إلى أوليائهم ويروون فما جاؤابه على وجهه فهو حق ولكنهم يكذبون فيه ويزيدون". يحتمل أنه كان في الجاهلية الرمي في وقت خاص وبعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عم الأوقات كلها يدل عليه قوله تعالى في إخباره عن الجن بقولهم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} الآية أي: أنه لا نستطيع مثل ما كان نستطيعه قبل ذلك من الاستماع مع الشهب التي حدثت ومن ذلك قوله: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} إلى قوله: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أي: أنهم مدحورون ممنوعون من ذلك الواصب الدائم أي أنه غير منقطع وكله بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم والحق أن ما كان قبل المبعث لم يكن لقطع المعاودة وكان بعد مبعثه كان يمنعهم بالكلية لا يقال: روت عائشة سأل ناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: "ليسوا بشيء" قالوا: فإنهم يخبروننا بالشيء أحيانا يكون حقا فقال: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجن فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيزيدون فيها أكثر من مائة كذبة" وهو مخالف لما قلتم لأن هذا منسوخ1 بما كان بعده من حديث ابن عباس عن رجال من الأنصار.

_ 1 في دعوى نسخه إشكال قوي لأن المقرر عند الأصوليين أن الأخبار لا يجوز عليها النسخ وإنما ينسخ الأمر والنهي وما في معناهما من الإنشاءات- ح.

وقال القاضي: وفيه نظر إذ لا تعارض بين حديث ابن عباس بأن الشهب كان يرمي بها في الجاهلية وبين حديث عائشة أن الجن قد تخطف الكلمة من الحق بعد المبعث مع شدة الحرص وكثرة الشهب المرصدة دل عليه قوله: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} إلا بأن يؤل أن الجن لا تصل إلى شيء من خبر السماء بعد المبعث بخلاف ما كانت تصل إليه من قبل والحق أن الشهب قد كان يرمي بها قبل البعث إلا أن ذلك كان في وقت خاص وكان للجن مقاعد معه يسترقون السمع منها فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم عم الأوقات كلها وملأ السماء حرسا وجعل لكل من يسترق السمع من الجن شهابا رصدا فحال ذلك بينهم وبين ما كانوا يصلون إليه من خبر السماء إلا أن يخطف أحدهم الخطفة فيتبعه شهاب ثاقب كما أخبر الله في كتابه وكما في حديث عائشة المذكور.

المدثر

المدثر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى سمعه وحتى جبهته ينتظر متى يؤمر بنفخ فينفخ قالوا: يا رسول الله كيف نقول؟ قال: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله نتوكل". وعن ابن عباس {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن". فيه أن الصور ينفخ فيه وعن ابن عمر أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه". فوافق ذلك ما في الآثار قبله قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} فدل ذلك على أن النفخ في الصور أعاد إليهم أرواحهم حتى عادوا ينسلون بعدما كانوا موتى لا أرواح لهم ويكون النفخ سببا لعود أرواحهم إليهم وأما أهل اللغة منهم أبو عبيدة يقول: الصور جمع صورة مثل سورة وسور وقال جرير.

لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع قال الفراء: يقال أن الصور قرن ويقال جمع الصورة والله أعلم قوله تعالى: {يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ} يدل على أن النفخ كان وهم أحياء فماتوا بذلك وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة" الحديث، وأما قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} يحتمل أن يكون جمع صورة لأن المنفوخ فيهم حينئذ كانوا موتى فنفخ فيهم الروح والله أعلم.

سورة التكوير

سورة التكوير في قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} يقرأ بالضاد والظاء واختلف عن ابن عباس الروايات فروى عطاء عنه قراءة ظنين ومجاهد عنه ضنين والأولى قراءة الضاد لأن نجله بالغيب كان منفيا وكان قومه يظنونه أني كتم عنهم من الوحي ما هو أرفق لهم فنزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} و {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية قالت عائشة أعظم الفرية على الله ثلاثة من قال أن محمد رأى ربه وأن محمدا كتم شيئا من الوحي وأن محمدا يعلم ما في غد. وقيل: أن كل عالم لا يجب أن يعلم كل علمه غيره فأخبر الله تعالى أنه صلى الله عليه وسلم فيما أعلمه بخلاف ذلك وأن معه من الفضل ما يتجاوز به علم كل العلماء ومن قرأ بالظاء نفي عنه أن يكون متهما في ذلك وقد كان صلى الله عليه وسلم غير متهم حتى سمته قومه الأمين لصدق لهجته ألا ترى لما تشاجر قريش في بناء الكعبة فيمن يضع الحجر فقالوا: أول رجل يدخل من باب المسجد يضعه فدخل صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا أمين وكذا في سؤال هرقل لقومه هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فقالوا: لا وفي تسميتهم إياه أمينا في الجاهلية آثار كثيرة عرفها أهلها في مواضعها وإذا لم يكن عند قومه الأعداء متهما لم يكن لنفي ذلك وجه والمصاحف كلها كتبت بالضاد والله أعلم.

سورة التكاثر

سورة التكاثر عن الزبير أنه قال لما نزلت: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قلنا: يا رسول الله وأي نعيم وإنما هو الأسودان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون فيه أن الذي يسأل عنه هو الفاضل عما به قوام أنفسهم وأما مقدار ما يقوم أنفسهم به فهم غير مسؤولين عنه" يدل عليه ما روي أنه خرج ليلا فمر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه1 ثم انطلق حتى دخل بعض حوائط الأنصار فقال: "أطعمنا بسرا" فأتاهم بعذق فأكلوا منه وأتاهم بماء فشربوا فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسئلون عنه" فقال عمر: أنا لمسؤولون عن هذا؟ قال: "نعم، إلا من ثلاث كسرة يسد بها جوعه وخرقة يواري بها عورته وحجرة يدخل فيها من الحر والبرد" فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر وقال: إنا لمسؤولون عن هذا.

_ 1 من مشكل الآثار 1/195.

المعوذتان

المعوذتان عن زر أنه سأل أبي بن كعب عن المعوذتين وقال: إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف فقال أبي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي قل فقلت: فنحن نقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ففي هذا الجواب لا دلالة على كونهما من القرآن ولا نفيهما عنه ولكن حديث عقبة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت على آيات لم تنزل علي مثلهن المعوذات" ثم قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1 يدل على كونهما من القرآن ولم يكن في حديث أبي ما يخالف ذلك فاتفق جميع ما روي أنهما من القرآن ولا حجة لأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم.

_ 1 كذا وفي مشكل الآثار 1/43- في رواية المعوذات ثم قرأ هي وفي أخرى يعني المعوذتين وفي أخرى عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى لهم الصبح فقرأ لهم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وفي أخرى فقال لي: نا عقبة ألا أعلمك من خير سورتين قرأ بهما الناس ... قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} .

كتاب جامع مما يتعلق بالموطأ

كتاب جامع مما يتعلق بالموطأ في دعائه لأهل مكة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاؤه لأهل مكة: أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم يعني: في المكيل بصاعهم ومدهم مثل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .

في البيعة والهجرة

في البيعة والهجرة عن عقبة الجهني بلغني قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا في غنيمة لي فربضتها ثم أتيته فقلت: جئت أبايعك قال: "بيعة أعرابية تريد أو بيعة هجرة" قال: قلت: بيعة هجرة قال: فبايعته فأقمت فقال صلى الله عليه وسلم يوما: "من كان ههنا من معد فليقم" فقام رجال وقمت معهم فقال لي: "اجلس" مرتين أو ثلاثا فقلت: يا رسول الله ألسنا من معد؟ قال: "لا" قلت: فممن نحن؟ قال: "من قضاعة". فيه أن البيعة من المهاجر توجب الإقامة عنده صلى الله عليه وسلم ليتصرف فيما يصرفه فيه من أمور الإسلام بخلاف البيعة الإعرابية فإنها لا توجب الإقامة عنده يؤكده حديث مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ناس ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا واشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال: "ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم ومروهم" وذكر أشياء أحفظها أولا أحفظها "وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" وكان واجبا على المبايعين على الهجرة الإقامة بدار الهجرة في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته حتى يصرفهم هو في حياته ثم خلفاؤه بعده فيما يصرفونهم من غزو من بقي على الكفر

ومن حفظ من أسلم وكان رجوعهم إلى دار أعرابيتهم حراما ويكونون مرتدين عن الهجرة إلى الأعرابية ملعونين. عن ابن مسعود آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده إذا علموا به والواشمه والمستوشمة للحسن والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. ومنه حديث الأعرابي المستقيل بيعته مرارا حتى خرج من غير إذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما المدينة كالكبر تنفي خبثها وينصع طيبها". ثم أعلم أن خروج من اسلم من دار الهجرة إلى الدار الأعرابية إنما يصير مذموما إذا ارتد ارتدادا يخرج به من الهجرة التي توجب عليه الطاعة إلى الأعرابية التي لا طاعة معها وأسلم لم يكونوا كذلك على ما روي جابر مرفوعا: "إبدوا يا اسلم" فقالوا: يا رسول الله إنا نخاف أن نرتد عن هجرتنا فقال: "ابدوا فأنتم مهاجرون حيث كنتم" وفي رواية: "ابدوا انتسموا الرياح واسكنوا الشعاب" فدل أن التبدي1 المذموم هو التبدي الذي لا يجيب أهله إذا دعوا فأما التبدي الذي هو بخلاف ذلك فهو كالمقام بالحضرة ألا ترى أن الأعراب ذموا في قوله: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} ومدحوا في قوله: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} فالمذمومون هم الذين يغيبون حتى لا يعلموا الأحكام من الحلال والحرام والمحمودون من كان على خلاف ذلك كالأسلميين. وفيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت بقرية تأكل القرى بالهجرة إلى قرية يغلب أهلها القرى لأن الأكل فيه معنى القدرة على الشيء والغلبة عليه كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً} ليس بمعنى الأكل بالفم وكذا قوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا} .

_ 1 هكذا في المشكل 2/301 ووقع في الأصل "الثوى" في المواضع كلها- ح.

فيقيمون الحجة عليكم فيها فينزعونها منكم لأنفسهم وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "تأكل القرى" أي: يغلبونهم على قراهم فيفتحونها وقد كان ذلك منهم عليه حتى أظهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الدين كله وذلك علم من جليل من أعلام نبوته.

في اليهود والنصارى

في اليهود والنصارى عن عمر يقول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا يبقى بها إلا مسلم". وعن أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: "أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب"، فجزيرة العرب التي لا يترك اليهود والنصارى يقيمون بها إلا مقدار ما يقضون حوائجهم مكة والمدينة والطائف والوبزة1 ووادي القرى على ما قال محمد بن الحسن وقال أبو عبيدة: ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول فأما العرض فما بين يبرين إلى منقطع السماوة وقيل: الطول من أقصى عدن إلى ريف العراق والعرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام فيرون أن عمر إنما استخار إخراج أهل نجران من اليمن وكانوا نصارى إلى العراق وأهل خيبر إلى الشام لهذا الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بني النضير وفي شأنهم نزلت: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} . وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى أجلاهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا للصحابة غلمان يقومون عليها وكادوا لا يفرغون للقيام عليها فأعطاهم

_ 1 هكذا في الأصل- ولعله الربذة- ح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين ورموا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يده فقال عمر: من كان له سهم من خيبر فليحضر حتى نقسمها فقال رئيسهم: لا تغير ما قرره الرسول فقال عمر لرئيسهم: أتراه سقط عني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بك إذا وقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما" وقسمها عمر بين من كان شهد الحديبية. وما روي عن ابن عباس أنه قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث فقال: "اخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، الحديث ففيه غلط عن ابن عيينة لأنه كان يحدث من حفظه فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود والنصارى المشركين إذ لم يكن معه من الفقه ما يميز به بين ذلك1 وما حفظه الجماعة أولى وخالفهم فيه الواحد. يؤيده ما روي عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلح قبلتان بأرض وليس على مسلم جزية" فذكر القبلة دل على أنه أراد من يدين بدين وهم اليهود والنصارى لأنهم ذوو قبلة لا المشركون ولأنه صلى الله عليه وسلم إنما أوصى بذلك في مرضه الذي مات فيه وقد كان أفنى الله الشرك وأهله قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} 2 فكيف يوصى بإخراج المعدومين بل أوصى بإخراج الموجودين وهم اليهود والنصارى.

_ 1 كذا قال وابن عيينة قال الإمام الشافغي ما رأيت أحدا فيه من جزالة العلم ما في ابن عيينة، وابن وهب أحد الأئمة الفقهاء صحب مالكا والليث بن سعد وغيرهما والله المستعان- ح. 2 تأمل- ح.

في القدر والتفاؤل والتطير

في القدر والتفاؤل والتطير سئلت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في القدر؟

فقالت: كان يقول: "كل شيء بقدر" وكان يعجبه الفال الحسن. وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطير يجري بقدر" وكان يعجبه الفال الحسن. وعنه صلى الله عليه وسلم: "لا طيرة وخيرها الفال" قيل: ما الفال؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم"، ففيها أنه لا معنى للطيرة والأشياء كلها تجري بقدرة الله ولا تأثير للكلام المسموع مكروها كان أو محبوبا وإعجابه الفال الحسن من أجل أنه لا طيرة معه وسامعوه يعدونه بشارة من الله تعالى لهم بما يحبون فيحمدون عليه. عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع يا راشد يا نجيح ومثله ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بأرض تسمى عزرة فتطير بها. وعنه صلى الله عليه وسلم لا طيرة والطيرة على من تطير أي عليه إثم تطيره لأنها نوع شرك وما روي مرفوعا من قوله: "أقروا الطير على مكانتها" 1 معناه ما قاله الشافعي أن أحدهم كان إذا غدا من منزله يريد إمرار طير أول طائر يراه فإن سنح عن يساره فاحتال على يمينه قال: هذه طير الأيامن فمضى لحاجته وإن سنح عن يمينه فمر على يساره قال: هذه طير الأشائم فرجع وإذا لم ير طائرا سانحا ورأى طائرا في وكره حركه من وكره فيطيره ليعلم حاله فقال صلى الله عليه وسلم: "أقروا الطير على مكانتها ولا تحركوها" لأنه لا يصنع شيئا إنما يصنع فيما يتوجهون به قضاء الله عز وجل. وعن جابر أراد صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يسمى بعلاء وبركة وأفلح ونحو ذلك وروي: "لئن عشت إلى قابل لأنهى أن يسمى نافعا ويسارا وبركة" فقبض صلى الله عليه وسلم ولم ينه عنه. وفيه أنه ليس بحرام إذ لو كان حراما لم يؤخر ذلك إلى قابل فالإباحة

_ 1 هكذا في الأصل والظاهر- وكناتها أو مكناتها- خ.

بالتسمية بها قائمة إذ لم ينه عنها وما روي سمرة بن جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسم غلامك رباحا ولا أفلح ولا بشير أو يسارا" فيه دليل على أنه إنما نهى عن تسمية بها خوف التطير بها كما نهى أن يورد ممرض على مصح فيصيبه ما أصاب الممرض فيقال: أصابه لأنه أورده عليه ثم نهى عن الطيرة بقوله: "لا عدوى ولا طيرة". وعن ابن مسعود الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهب بالتوكل يؤكد ما قلنا أنه صلى الله عليه وسلم كان له غلاما يسمى رباحا وإن علاء بن الحضرمي كان عاملا على البحرين وبقيا على اسميهما وما روي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التسمية ببرة وقال: "لا تزكوا أنفسكم الله اعلم بأهل البر منكم" كان قبل النهي عن الطيرة وعاد بذلك الحكم في الأسماء إلى استعمالها كلها ما لم يكن منها نهى متأخر عن الطيرة لأنها إشارات ليبين به ما يشار إليه بها عما سواه من جنسه.

في التشأؤم

في التشاؤم روي مرفوعا "الشؤم في المرأة والدار والفرس" وفي رواية "إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدار والفرس" الحديث الأول يقتضي تحقق الشؤم في الثلاثة والثاني لا يقتضيه وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إخبارا عن أهل الجاهلية أنهم كانوا يقولونه غير أنها ذكرته عنه صلى الله عليه وسلم في الطيرة لا في الشؤم والمعنى فيهما واحد وكان ما روي عنها في إضافة الكلام إلى الجاهلية أولى لحفظها عنه في ذلك ما قصر غيرها عن حفظه عنه فيه لا سيما وقد روي اليمن في هذه الأشياء روي معاوية بن حكيم عن عمه محمد بن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والفرس والدابة" ويجوز أن يكون مكان الدابة الدار والذي ذكرنا عن عائشة في الطيرة ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن الطيرة في

المرأة والدار والفرس" 1 فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض وقالت والذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ما قالها رسول الله قط إنما قال: "أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك".

_ 1 قيل ذلك لعائشة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- ح.

في الخلق الحسن

في الخلق الحسن عن النواس بن سمعان سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس". وعن وابصة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من الإثم والبر إلا سألته عنه فانتهيت إليه فلما قعدت بين يديه فقال: "تسئل أو أخبرك"؟ قلت: لا بل أخبرني قال: "جئت تسأل عن البر والإثم"؟ قلت: نعم يا رسول الله فجعل ينكث بهن في صدري ويقول: "يا وابصة استفت قلبك- قالها ثلاثا البر- ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في نفسك وتردد في الصدر وإن أفتاك أو أفتوك". الحديثان راجعان إلى معنى واحد لأن النفس إذا اطمأنت كان منها حسن الخلق والإثم ضد ذلك من انتفاء الطمأنينة ومع ذلك يكون سوء الخلق وما يتردد في الصدر مثله ولا يخرجه فتيا الناس عن صاحبه ومثله ما روى الصدق طمأنينة والكذب ريبة والطمانينة معها حسن الخلق والريبة معها سوء الخلق وما يتردد في الصدر ولا تخرجه فتيا الناس. وعن أسامة بن شريك قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم والأعراب يسألونه ما خير ما أعطى العبد؟ قال: "حسن الخلق". لا يقال: العبد يعطي الإيمان فكيف يكون حسن الخلق خيرا منه لأن حسن الخلق مشترك بين لين العريكة وبين السجية المحمودة وبين الدين ومنه {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قاله مجاهد والفراء وهو المراد في هذا الحديث

تقديره خير ما أعطى العبد هو الدين الحسن ومنه ما روي مرفوعا "اللهم حسنت خلقي فحسن خلقي ومثله أن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" يعني وإن لم يقم بالليل ولم يصم بالنهار تطوعا ومنه أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق وقوله: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" المراد هنا السجية التي توجد في بعض المؤمنين دون بعض تفضلا منه ورحمة زائدة وقوله إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق يعني إنما بعث صلى الله عليه وسلم ليكمل للناس دينهم وقد وفي بالقصد إذ نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} والإكمال هو الإتمام يعني بعثت لأكمل مصالح الأديان التي قد كان تعبد من تقدم من أنبيائه بما تعبده به منها ثم أكملها بهذه الآية والدين هو الإسلام. وسئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولكنه كان يعفو ويغفر هذه أحسن الصفات من الأخلاق التي هي السجية التي يكون عليها من تحمد سجيته وعنها أنها قالت: كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه وهذا أيضا من أحسنها لأنه لا شيء أحسن من آداب القرآن التي دعانا الله إليها وكان صلى الله عله وسلم غير خارج عنها إلى ما سواه في شيء. وعن سعد بن هشام قلت لعائشة أخبريني عن خلق الرسول؟ فقالت: كان خلقه القرآن أما تقرأ {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قلت: فإني أريد أن أتبتل قالت: لا أما تقرأ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} قد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وولد له ومعنى خلقه القرآن أنه ممتثل لأوامره منته عن نواهيه وهذا يؤيد ما أولنا عليه قوله: "خير ما أعطي العبد قال خلق حسن".

في الحياء

في الحياء روي مرفوعا: "الحياء من الإيمان" لما كان الإيمان الذي هو مكتسب يمنع صاحبه عن اقتراف المعاصي قولا وفعلا والحياء وإن كان غريزة في الإنسان يمنع عن مثل ذلك كان عملهما واحدا وكانا كشيء واحد فكان كل واحد من

صاحبه والعرب تقيم الشيء مقام الشيء الذي هو مثله أو شبهه ويعمل عمله فجاز أن يسمى باسمه كما سمي الدعاء صلاة إذ كان مفعولا فيها وعليه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} وقوله عليه السلام: "وإن كان صائما فليصل".

في البذاذة

في البذاذة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "البذاذة من الإيمان" يعني التقشف من سيما أهل الإيمان لأن معهم الزهد والتواضع وكان الأنبياء يلبسون الصوف ويركبون الحمير ويحلبون الشاء. عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدركنا من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"، وأوقفه بعضهم فيه أعلام بأنه من لم يكن من أهل الحياء صنع ما شاء لا أنه أمر بصنع ما شاء كقوله: "من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار"، ليس بأمر بتبوئه مقعده بل على معنى أنه إذا كذب عليه تبوأ مقعده من النار وقد يكون ذلك على الوعيد أو التهديد كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ - وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ} الآية.

في الغضب

في الغضب عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الصرعة فيكم"؟ قلنا: الذي لا يصرعه الرجال قال: "ليس ذلك ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب"، وروي: ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من غلب نفسه فيه أن المستحق لهذا الاسم هو الذي يملك نفسه فيصرعها عما تدعوه إليه من هواها ولا يمنع إطلاقه على الذي يغلب الناس أيضا لكن الذي يغلب نفسه على هواها أحق بأن يسمى بهذا ومثله قول صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان"، قالوا: فما المسكين يا رسول الله قال: "الذي لا يسأل الناس ولا يعرف فيتصدق عليه"، ليس بإخراج للسائل عن كونه مسكينا ولكنه ليس في أعلى رتبة المسكنة.

في التجمل

في التجمل عن النبي صلى الله عليه وسلم: "البذاذة من الإيمان". وعن أبي رجاء خرج علينا عمران بن حصين عليه مطرف خز لم أره عليه قبل ولا بعد فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه" الحديثان غير مختلفين لأن المراد بالبذاذة هي التي لا تبلغ بصاحبها نهاية البذاذة التي لا يعرف بها ذو النعمة من غيره والمراد بالحديث الذي بعده على النعمة التي ترى على صاحبها ليس مما فيه الخيلاء ولا السرف ولا الذي يذم لألبسه فاللباس المحمود هو البذاذة التي لا بذاذة أقل منها واللباس الذي لا يدخل به صاحبه في أعلى اللباس فيكون فاعل ذلك داخلا في معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} قال الثوري: البس من الثياب ما لا يشهرك عند الفقهاء ولا يزرأك به السفهاء. وعن الأحوص عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشب فقال: "هل لك من مال"؟ قلت: نعم قال: "من أي المال"؟ قلت: من كل المال من الإبل والخيل والرقيق والغنم قال: "فإذا أتاك الله عز وجل مالا فلير عليك"، ثم قال: هل ينتج إبل أهلك صحاحا آذانها فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها فتقول: هذه صريم فتحرمها عليك؟ قال: نعم قال: "فإن ما أتاك الله حل وساعد الله عز وجل أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك"، فيه أنه كان مشركا ولم يكن أسلم يومئذ وفي قوله: "إذا آتاك الله مالا فلير عليك" مع أنه مشرك ليعلم أولياء الله أن لا مقدار للدنيا عند الله وليعلموا أنها ليست بدار جزاء إذ لو كانت كان المؤمنون بذلك أولى وإنما جزاء الموحدين في الآخرة يؤيده قوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} الآية وليكون المخاطب يعلم ما آتاه الله مما قد منع مثله غيره ممن هو على دينه فيكون ذلك سببا للشكر على ذلك بما يحمده منه من دخوله في الدين الذي دعاه إليه ومن تمسكه بما خلقه لأجله

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فإذا شكر كان حريا أن يزيده الله من تلك النعمة في الدنيا ويدخر له في العقبى وإن لم يفعل ذلك استحق العقوبة العظمى لكفره بالله ولكفران نعمه بخلاف من لم يؤت نعمة في في الدنيا من الكفار فإن عذابه أخف منه.

في لبس الحرير

في لبس الحرير عن ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله إني مررت بعطارد أو بلبيد وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة وللوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة"، وحج معاوية فدعا نفرا من الأنصار في الكعبة فقال: أنشدكم بالله ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثياب الحرير قالوا: اللهم نعم قال: وأنا أشهد فيه النهي عن الحرير مطلقا فاحتمل عموم الرجال والنساء وهو مذهب ابن الزبير، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: "إن كنتن تحببن حلية الجنة وحريرها فلا تلبسنها في الدنيا"، ويؤيده القياس على استعمال آنية الذهب والفضة فإن الحرمة تعم الجنسين لأنهما آنية الجنة فكذا الحرير لباس أهل الجنة قال تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} ولكن أكثر الآثار يخالف ذلك. وعن أنس أنه رأى أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم عليها برد حرير سيراء فإن كان في زمانه صلى الله عليه وسلم ففيه ما يعارض ما ذكرنا وإن كان بعده1 كان دليلا على نسخه. وعن ابن الزبير وهو يخطب أيها الناس: لا تلبسوا نساءكم الحرير قال عليه السلام: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، وقال ابن الزبير وأنا أقول: من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة، وفيه نظر لأنه روى عن أبي سعيد

_ 1 هذا عجيب فإن أم كلثوم توفيت في حياة أبيها صلى الله عليه وسلم بلا خلاف- ح.

مرفوعا: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولو دخل الجنة يلبسه أهل الجنة ولا يلبسه هو".

في الحلى

في الحلى عن عائشة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها مسكتين من ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بأحسن من هذا لو نزعت هذين وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتهما بزعفران كانتا حسنتين". وعن ربعى عن أخت لحذيفة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ويلكن يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تتحلين به حتى تتحلين الذهب إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا إلا عذبت به يوم القيامة"، أما حديث عائشة فقد جاء عنها ما دل على نسخه لأنها كانت تلبس بنات أخيها الذهب إذ لا يمكن مخالفتها لما سمعت إلا بعد وقوفها على ناسخ، وأما ربعى فلم يسمع من أخت حذيفة وإنما حدث به عن امرأة عنها وهي مجهولة لا يحتج بمثلها. وقد روي عن ثوبان جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب فجعل يضرب يدها فأتت فاطمة فشكت إليها ما صنع بها أبوها قال ثوبان: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذه أهداها إلي أبو حسن فقال: "يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة ابنة محمد وفي يدك سلسلة من نار" فاشترت بها غلاما فأعتقته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار"، وهذا أحسن ما روي في تحريم الذهب على النساء. وعن أبي هريرة أتت امرأة فقالت: يا رسول الله طوق من ذهب قال: "طوق من نار" قالت: سوار من ذهب قال: "سوار من نار" قالت: قرطان من ذهب قال: "قرطان من نار" فرمت بسواريها وقالت: إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده قال: "فما يمنع أحداكن أن تصنع قرطين من فضة ثم تصفرهما".

بالزعفران وهذا حديث لا يحتج به لأنه إنما روي عن أبي هريرة أبو زيد وهو مجهول وكذا ما روي عن أسماء بنت يزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة تحلت قلادة من ذهب جعل في عنقها مثلها من النار يوم القيامة" الحديث لا يحتج به لأنه رواه عنها محمود بن عمرو هو مجهول. واحتج بعض من جوز التحلي بالذهب للنساء بما روي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا في يمينه وأخذ ذهبا في شماله ثم قال: "هذان حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها"،وهو فاسد الإسناد، وروي بطرق أن الحرير والذهب حرام على ذكور أمته حل لإناثهم، رواه جماعة من الصحابة كزيد بن أرقم وابن العاص وعقبة وأبي موسى، وروي إباحة الحرير للنساء عن علي بن أبي طالب قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة حرير فبعث بها إلي فلبستها فرأيت الكراهية في وجهه فأمرني فأطرتها خمرا بين النساء. وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وإلى أسامة بحلة وأعطي عليا حلة فأمره أن يشقها خمرا بين نسائه قال: فراح أسامة بحلته فنظر إليها نظرا عرف أنه كره ما صنع فقال: "أني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين نسائك"، وقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت في حلة عطارد ما قلت وتكسوني هذه الحلة؟ قال: "إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء" فلا يعارض ما تواتر من هذه الآثار بما يخالفه ولم يتواتر.

في الخاتم

في الخاتم روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الخاتم إلا لذى سلطان وهذا لأن الخواتم لم تكن مما تستعمله العرب يؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر فقيل: أنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم فاتخذ

خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله لحاجته إليه وفيه أن من احتاج إلى مكاتبة الناس جاز له ذلك وكذا من احتاج إليه للختم على أمواله إتباعا له صلى الله عليه وسلم يؤكده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه فاتخذه الناس فرمى به واتخذ خاتما من ورق أو فضة.

في المشي بنعل واحد

في المشي بنعل واحد روي مرفوعا: النهي عن المشي في النعل الواحد والخف الواحد وذلك لأن من يلبس كذلك يستهزئ به الناس لأنه ليس بمستحسن عندهم فلو لم يرد فيه نهي لوجب أن ينتهي عنه ولا يعارض بما روي عن عائشة ربما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في نعل واحد لأنه من حديث مندل وليس بثبت في الرواية لا سيما وهو إنما رواه عن ليث بن أبي سليم وهو وإن كان من أهل الفضل ليست روايته عند أهل العلم بالأسانيد قوية.

في الدجال

في الدجال روي أن امرأة يهودية بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه طافية ناتئة فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم جاء فأخرج إليه فخرج من القطيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لها قاتلها الله لو تركته لبين" ثم قال: "يا ابن صياد ما ترى"؟ قال: أرى حقا وأرى باطلا وأرى عرشا على الماء فقال: "أتشهد أني رسول الله"؟ فقال هو: أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنت بالله ورسله" فلبس عليه ثم خرج وتركه ثم جاء في الثالثة والرابعة ومعه أبو بكر في نفر من المهاجرين والأنصار فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يسمع من كلامه شيئا فسبقته أمه إليه فقالت: يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لها قاتلها الله لو تركته لبين" فقال: "يا ابن صياد ما ترى"؟ فقال: أرى حقا وباطلا وأرى عرشا

على الماء فقال رسول الله: "آمنت بالله عز وجل ورسله" فلبس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن صياد أنا قد خبأنا لك خبيئا فما هو"؟ قال: الدخ فقال رسول الله: "أخس أخس" فقال عمر: ائذن لي فأقتله يا رسول الله فقال: "أن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد"، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أن يكون هو الدجال. لما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى من عينه وسمع من همهمته ما سمع ووقف على ما في الحديث من الشواهد قال فيه ما قال بغير تحقيق منه أنه هو إذ لم يأته وحي ولم يجزم ما يقوله فيه. وما روي عن جابر أنه حلف بالله أن ابن صياد هو الدجال وما استثنى فقيل له: تحلف ولا تستثنى فقال: سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه. لا دليل فيه إذ كان محتملا أن يكون هو وفيه نظر إذ لا يصح الحلف إلا على ما يستيقنه المرء ولكنه إنما حلف على غالب ظنه لما رأى به من العلامات واستثنى متصلا بها في غالب ظني أو نوى ذلك وإن لم يحرك به لسانه على القول بجواز الإستثناء بالنية وهو من قبيل ما يكون الاستثناء بغير أداته على ما عرف وقيل يجوز الحلف فيما لا يستيقنه الحالف وهو فاسد لا يلتفت إليه يؤيده قول الأنصار في قتيلهم الذي قتل بخيبر كيف نحلف ولم نشهد ولم نحضر فوداه صلى الله عليه وسلم من عنده ولم يقل لهم أن الحلف سائغ لهم وكذا ما روى عن ابن مسعود والله لأن أحلف تسعا أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه ليس هو وما روي عن أبي ذر لأن أحلف أن ابن صياد هو الدجال عشرا أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به هو على ما بينا في حلف عمر.

ثم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما حدثه به تميم الداري أن قوما من بني عم له ركبوا سفينة في البحر فانتهت بهم سفينتهم إلى جزيرة لا يعرفونها فخرجوا ينظرون فإذا هم بإنسان لا يدرون ذكر هو أو أنثى من كثرة الشعر فقالوا: من أنت؟ قالت: أنا الجساسة قالوا: فحدثينا قال: أئتوا الدير فإن فيه رجلا بالأشواق إلى أن تحدثوه فدخلوا الدير فإذا هم برجل موثق بالحديد يتأوه شديدا فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: من أهل فلسطين من جزيرة العرب قال: فخرج نبيهم بعد؟ فقالوا: نعم قال: فما صنع؟ قالوا: اتبعه قوم وفارقه قوم فقاتل بمن تبعه من فارقه حتى أعطوه أهل الحجر قال: فما فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: هي مملوءة تدفق قال: فما فعلت عين الزغر؟ قالوا: تدفق حافتها قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: قد أطعم قال: لو أفلت من وثاقي لوطئت البلدان كلها إلا طيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إلى هذا انتهى فرح نبيكم" ثم قال: "هي طيبة هي طيبة المدينة ما فيها طريق ولا موضع عرق ضيق ولا واسع ولا ضعيف إلا عليه ملك شاهر سيفه لو أراد أن يدخله ضرب وجهه بالسيف". وعن محرر بن أبي هريرة عن أبيه أنه حدثه بهذا وزاد فيه ثم قال: نحو الشام ما هو نحو العراق ما هو ثم أهوى بيده نحو المشرق عن زمره قال: فلقيت عبد الرحمن ابن أبي بكر فحدثته يقال: هل زاد فيه شيئا؟ قال: لا قال: صدق أشهد على عائشة أن عائشة حدثتني بهذا غير أنها زادت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومكة مثلها". سرور النبي صلى الله عليه وسلم بما في هذا الحديث دليل على أنه تحقق الأمر عنده بطريقه ولولا ذلك ما قام في المسلمين خطيبا به فرحانا وابن صياد يومئذ بالمدينة وبقاء ابن مسعود وأبي ذر وجابر على ما كانوا عليه يحتمل أنهم لم يعلموا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيما حدثه به تميم الداري ولأجله كان يدفع عن نفسه ابن الصياد أن يكون دجالا.

عن أبي سعيد الخدري قال: لحقني ابن صياد صادرين من مكة فقال: أن الناس يزعمون أني أنا الدجال وهو لا يولد له وقد ولد لي وهو لا يدخل الحرمين وقد دخلتهما والله إني لأعلم مكانه فما ارتبت أنه هو إلا حينئذ. وعن أبي بكرة قال: أكثر الناس في شأن مسيلمة الكذاب قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا ثم قام رسول الله في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد في شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم في شأنه فإنه كذاب من ثلاثين كذابا يخرجون قبل الدجال وأنه ليس بلد إلا يدخله رعب الدجال إلا المدينة على كل نقب من أنقابها يومئذ ملكان يذبان عنها رعب المسيح". وعن سمرة يرفعه: "لن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كذابا كلهم يكذبون على الله ورسوله آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليمنى كأنها عين ابن أبي تحيا1" يحتمل أن يكون الكذابون في الحديثين صنفا واحدا ويحتمل أن يكونوا غيرهم فيكونون كذابين ليسوا بدجالين قبل أنما سمى الكذاب دجالا لأنه في كذبه معروف كالدجال وفيه نظر لأن الكذابين في المستأنف لا يحصرون بعدد ثلاثين فالحق أنهم دجالون خلاف الدجال الأعور وأنه غير مشتق لأنه لو اشتق من الدجل وهو السرعة في السير كما ذكره بعض لوجب أن يكون كل مسرع في مشيه دجالا فوجب أن يكون من الأسماء التي ليست مشتقة من شيء فكان العدد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفا له وكان يحتمل لما قد ذكرنا احتماله إياه. وعن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأنا أعلم بما مع الدجال منه معه نار تحرق ونهر بارد فمن أدركه منكم فلا يهلكن ليغمض عينيه وليقع في

_ 1 كان في الأصل عين ابن أبي يحي وهو خطأ وفي المشكل 4/105 عين بن أبي تحيا والمشهور في كتب الحديث عين أبي تحيا ولأبي تحيا ترجمة في الإصابة ذكر فيها هذا الحديث- ح.

التي يراها نارا فإنها ماء بارد". وعن جنادة بن أبي أمية عن رجل من الصحابة قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنذركم المسيح قالها ثلاثا ألا وأنه لم يكن نبي قبل إلا قد أنذره أمته وخافه عليها إلا فإنه فيكم أيتها الأمة ألا وأنه آدم جعد ممسوح عين اليسار ألا أن معه جنة ونار ألا وأن جنته نار وناره جنة وأن معه جبلا من خبز ونهرا من ماء الا وأنه يمطر ولا ينبت الأرض ألا وأنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها ولا يسلط على غيرها ألا وأنه يمكث فيكم أربعين صباحا يبلغ سلطانه كل منهل لا يأتي أربعة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد الطور ومسجد الرسول". وهذا كمثل ما وقع عن سحرة فرعون قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} يؤيده ما روي عن المغيرة قال: ما سأل أحد عن الدجال أكثر مما سألته عنه فقال: ما يصيبك منه أنه لا يضرك قلت أنهم يزعمون أن معه الطعام والماء قال: هو أهون على الله من ذلك. وعن جابر يخرج الدجال في خفقة من الدين وأدبار من العلم وله أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامهم هذه وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس: أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابها ومعه جبال من خبز وخضرة يسيل1 بها في الناس والناس في جهد إلا من أتبعه وله نهران أنا أعلم بهما معه نهر يقول: الجنة ونهر يقول: النار من أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة وتبعث معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفسا فيحييها فيما يرى الناس فيقول للناس: هل يفعل هذا إلا الرب؟ فيفر المسلمون

_ 1 هكذا ولعله يسير- ح.

إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم يحاصرون فيشتد حصارهم وجهدهم جهدا شديدا ثم ينزل عيسى صلى الله عليه وسلم فينادى من السحر فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث فيقولون: هذا رجل جنى فيطلعون فإذا هم بعيسى ابن مريم فتقام الصلاة فيقال: تقدم يا روح الله فيقول: ليتقدم أمامكم فيصلي بكم فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله ومن كان معه على اليهودية حتى أن الشجرة والحجر تنادي ثم قطع الحديث. قيل هذا الحديث يحقق كون هذه الأشياء مع الدجال والحديث الأول يدل على خلاف ما ظنه وذلك أن فيه أمر السماء بالمطر وإحياء النفس فيما يراه الناس على جهة السحر وفي هذا الباب آثار اختصرتها كما اختصر هو أيضا كراهة التطويل والله أعلم.

في الفطرة

في الفطرة روي مرفوعا الفطرة قص الإظفار وأخذ الشارب وحلق العانة وروي مرفوعا "الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط" وعنه مرفوعا "من الفطرة المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظفار وغسل البراجم ونتف الأباط والاستحداد والانتضاح والختان" وروي "عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الأباط وحلق العانة وانتقاص الماء" ونسي العاشرة إلا أن تكون المضمضة ولا تضاد لأنه يجوز أن تكون الفطرة ولا ثلاثا ثم زاد الله تعالى السنتين ثم زاد الأشياء في الحديث الثالث وفي الرابع التي ليست في الحديثين الأولين فجعلها الله عز وجل عبادة له على خلقه في أبدانهم.

في معا الكافر

في معا الكافر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يأكل في معا واحد والكافر

يأكل في سبعة أمعاء" المؤمن يسمى على طعامه فيكون فيه البركة بخلاف الكافر فلا يكون فيه بركة وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر بأخرى إلى سبع شياه ثم أنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها فقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يشرب في معا واحد والكافر في سبعة أمعاء" فعلم أنه كان في رجل معين في حال كفره وإسلامه ويكون الحديث خرج مخرج المعرفة لم يتعد من قصد به إليه إلى من سواه ومنه قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فقيل: لا يغلب عسر يسرين لأن العسر معرفة فهي لواحد واليسر نكرة فهما غيران وكذا كل ما يجيء مجيء المعرفة إلا أن يكون فيه دلالة على الصد إلى ما هو أكثر كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} فإن المراد به الجنس لا الإنسان الواحد وسمعت من ابن أبي عمران يقول: حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما يقال: فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها فالمؤمن لزهادته يأكل في معا واحد وهو قدر البلغة والكفار يزيد فيها لرغبته قالوا: لأن المؤمن قد يأكل الطعام أكثر من الكافر وهو ظاهر.

في الشرب قائما

في الشرب قائما روي مرفوعا النهي عن الشرب قائما من رواية الجارود وأنس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهم وما روي أنه كان يشرب قائما من رواية علي وابن عباس وأنس وأم سليم لا يعارض هذا لأنه كان يشرب قائما إلى أن وقف على المعنى الذي يوجب كراهية فنهى عنه وهو ما روى أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الذي يشرب قائما ما في جوفه لاستقاء"، فبلغ ذلك علي بن أبي طالب فقام فشرب قائما، فالنهي إشفاق منه على أمته ولكن الأشياء على الإباحة حتى يأتي نهي عنها وروي عن أبي هريرة أنه رأى رجلا

يشرب قائما فقال له: قئ قال: لم؟ قال: أتحب أن تشرب معك الهوام؟ قال: لا قال: قد شرب معك شر من الهوام الشيطان.

في الخيل

في الخيل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها فامسحوا نواصيها وادعوا لها بالبركة وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار"، الأوتار ههنا الذحول أي لا تطلبوا عليها الذحول التي وترتم بها في الجاهلية وعن محمد بن الحسن أوتار القسي كانوا يقلدونها إياها فتختنق بها قال: ومما يصدق ذلك حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الأوتار من أعناق الخيل وكانوا يفعلونه مخافة العين عليها فأمروا بقطعها لأنها لا ترد من قدر الله شيئا وهذا كالتمائم وقوله: "وقلدوها" دليل على أنه لم يرد بذلك الندب.

في العين

في العين روى مرفوعا: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا" وعن عائشة أنها قالت: كانوا يأمرون العائن أن يتوضأ فيغتسل به المعين والمحفوظ من أهل اللغة عائن ومعيون وروي أن عامر ابن ربيعة رأى سهلا وهو يغتسل فقال: لم أر كاليوم ولا مخبأة فما لبث أن لبط به فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعا فقال: "من تتهمون به"؟ قالوا: عامرا قال: "علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى ما يعجبه فيدعو بالبركة" وأمر عامرا أن يتوضأ ويغسل وجهه ويديه وركبتيه وداخلة إزاره أو يصب عليه ويكفأ الإناء من خلفه زاد بعض الرواة فراح سهل مع الناس ليس به بأس وداخلة الأزار التي تحت الإزار مما يلي الجسد. قال محمد بن مسلم: والغسل الذي أدركنا عليه علماءنا يصفونه أن يؤتى بالرجل الذي يعين صاحبه بالقدح فيه الماء فيمسك له مرفوعا من الأرض فيدخل

الذي يعين صاحبه يده اليمنى في الماء فيصب على وجهه صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى في الماء فيغسل في القدح ثم يدخل يديه جميعا في الماء فيغسل بيديه صدره صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيمضمض ثم يمجه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيغرف من الماء فيصبه على كفه اليمنى صبة واحدة في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح وهو ثان يده إلى عنقه ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى ثم يفعل مثل ذلك في ظاهر قدمه اليمنى من عند أصول الأصابع واليسرى كذلك ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ظهر ركبته اليمنى ثم يفعل باليسرى مثل ذلك ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى في الماء ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح حتى يصبه على رأس المعيون من ورائه ثم يكفأ القدح على وجه الأرض وراءه. وروى في الاغتسال غير ما ذكرناه وروي في حديث سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فضرب صدره وقال: "بسم الله اللهم اذهب حرها وبردها ووصبها قم بإذن الله" فقام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئا يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق". فيمكن أنه جمع له الدعاء مع الغسل ويحتمل أنه كان ذلك في مرتين وقد يحتمل أنه كان الاغتسال ثم نسخ بغيره. وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان وعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك فظاهر الحديث أنه تركه لما أنزلت عليه المعوذتان وعن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن استرقي من العين.

في الرقبة

في الرقبة روي مرفوعا عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول للحسن والحسين: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة هكذا كان إبراهيم يعوذ إبنيه اسماعيل وإسحاق" الهامة بتشديد الميم هوام

الأرض التي تخاف غوائلها. وعن أبي هريرة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لدغت البارحة لم أنم حتى أصبحت فقال له: "أما أنك لو قلت: حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك لدغة عقرب حتى تصبح". وخرج ذلك من طرق بألفاظ متقاربة ومعان متفقة وعن خولة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه"، أي: يبقى محفوظا بها حتى يرتحل، ولا تعارض إذ الحديث الأول في المقيم والثاني في المسافر وشأن المسافر التخفيف عنه.

في سنة الاكل

في سنة الأكل عن عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "قل بسم الله وكل بيمينك مما يليك"، وعنه صلى الله عليه وسلم: "أن البركة في وسط الصحفة فكلوا من جوانبها"، من رواية ابن عباس. وعن أنس أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فقرب إليه خبز من شعير وقديد فيه دباء فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ ولا تعارض إذ الأول في الأكل مع غيره والثاني يحتمل أن يكون في الأكل وحده ويحتمل أن يكون في اكل كل واحد منهم مما يليه من نواحيها والثالث في الأكل وحده ليس عليه في أكله من حيث شاء من الصحفة إلا من وسطها. وعن حذيفة قال: أتى بجفنة فكف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نضع أيدينا حتى يضع يده فجاء أعرابي كأنه يطرد حتى أهوى إلى الجفنه يأكل منها فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأجلسه ثم جاءت جارية فأهوت بيدها فأجلسها ثم قال: "أن الشيطان يستحل طعام القوم إذا لم يذكروا اسم الله عليه وأنه لما رآكم كففتم عنها جاء بالأعرابي ليستحل به ثم

جاء بالجارية ليستحل فوالذي لا إله غيره أن يده مع أيديهما". استحلال الشيطان إطلاقه لنفسه واستباحته له لأن الحلال هو المطلق ومنه قولهم: استحل فلان دمي واستحل مالي والتسمية التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم على الطعام عند تخميره وإيعائه بقوله: "أوكوا قربكم وإذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا الله ولو أن تعرضوا عليه بعود"، لأن يحفظ من الشيطان حتى يحاول أكله فيحتاج حينئذ إلى تسمية أخرى ومن نسي التسمية عند أول طعامه فليقل إذا ذكر بسم الله أولا وآخرا فإنه يمنع الشيطان من البقية ويقئ ما أكل منه فلا ينتفع به روي أن رجلا كان يأكل والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر فلم يسم حتى آخر لقمة فقال: بسم الله أو له وآخره فقال صلى الله عليه وسلم: "مازال الشيطان يأكل معك حتى سميت" فما بقي في جوفه شيء إلا قاء.

في الحمى

في الحمى روى مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء"، المراد ماء زمزم لا غير يؤيده ما روي عن ابن عباس فأبردوها بماء زمزم وما روي أبو ذر مرفوعا قال في ماء زمزم: "أنه طعام طعم وشفاء سقم" ففهم أن المراد بما ذكر ماء زمزم للشفاء الذي فيه.

في الشعر

في الشعر روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق صلى الله عليه وسلم رأسه وروى أن شعره صلى الله عليه وسلم كان دون الجمة فوق الوفرة وروى من كان له شعر فليكرمه قيل لأنس: كيف كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان شعرا رجلا ليس بالجعد ولا بالسبط بين إذنه وعاتقه وعنه أن شعره صلى الله عليه وسلم كان يضرب منكبيه وعن البراء كان شعر

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شحمة أذنيه. لا يقال: أمر بإكرام الشعر واتخاذه فكيف تجوز المبالغة في قصه والعدول إلى ضده من احفاء الشعر لأن وائل ابن حجر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال: "ذناب" فظننت أنه يعنيني فذهبت فجززته ثم أتيته صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عنيتك ولكن هذا أحسن"، وما جعله أحسن لا شك أنه صار إليه وترك ما كان عليه من قبل إذ هو أولى بالمحاسن كلها من جميع الناس. فإن قيل: كيف يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقة أهل الكتاب وهم المحرفون المبدلون المشترون به ثمنا قليلا وقال صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم وإذا لم يقبل أخبارهم فكذلك أفعالهم"؟ قلنا: الأشياء التي كان يجب موافقتهم فيها هي التي لم يؤمر فيها بشيء مثل سدل شعره وتفريقه وكان واسعا له فعله وتركه فكان يحب موافقة أهل الكتاب لاحتمال أن يكون ذلك مما أمروا به في كتابهم وأما قوله: "لا تصدقوهم" إلى آخره إنما هو في شيء معين وهو إخبارهم بتكلم الجنازة فيحتمل صدقهم وكذبهم فالطريق في مثله عدم التصديق والتكذيب لاحتمال كل منهما.

في تغيير الشيب

في تغيير الشيب عن ابن مسعود عشرة أشياء كان يكرهها النبي صلى الله عليه وسلم منها: تغيير الشيب وروى مرفوعا: "أن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" فعقلنا أنه كان الكراهة ابتداء وأحب موافقتهم فيها ثم لما أحدث الله تعالى في شريعته الخضاب خالفهم وأمر به على ما روت عائشة مرفوعا: "غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود"، وروى أبو ذر أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم، وروي جابر أتى بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كثغامة بياضا فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد"، وسأل أنس عن خضابه صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن شاب إلا يسيرا ولكن أبا بكر وعمر بعده كانا يخضبان بالحناء والكتم وعن أبي رمثة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد علاه الشيب وقد غيره بالحناء والمثبت أولى من النافي مع أن في حديث أنس تقليل الشيب لا نفيه وروى: أنه توفي صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم خضب شيبه وأنس لم يقف عليه لما أنه كان يصفره وذلك مما يخفي لا سيما عمن كان في قلبه من الإعظام والإجلال ما لا يتأمله معه فمثله يخفى عليه مثل هذا منه. وعن أبي عامر الأنصاري رأيت أبا بكر يغير بالحناء والكتم ورأيت عمر لا يغير شيبه بشيء وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شاب شيبة في الإسلام فهي له نور يوم القيامة فلا أحب أن أغير شيبتي"، والحق أن ذلك كان من عمر في البدء ثم وقف على الأمر بالخضاب فخضب وقيل لعبد الله بن عمر: تصبغ بالصفرة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها، وروي عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران فاستعمل صلى الله عليه وسلم الصفرة وفضلها على غيرها واستحسنها فقد مر رجل عليه صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالحناء فقال: "ما أحسن هذا"؟ ثم مر عليه رجل آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال: "هذا أحسن من الأول ثم مر آخر قد خضب بالصفرة فقال: هذا أحسن منهما". والأشياء التي يغيرها الشيب من حمرة وصفرة فقد جاءت الآثار بإباحتها إلا السواد فقد روى ابن عباس مرفوعا يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة فعلم أن الكراهة فيه إنما كان لأنه من أفعال قوم مذمومين لا أنه في نفسه حرام وقد خضب بالسواد

عقبة بن عامر الصحابي ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها ... ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل قال الشعبي: دخلت على الحسن بن علي وعليه وجبة خز وهو يحتجم في رمضان وقد اختضب بالسواد فعلم أن الحرام هو التشبه بالمذمومين لا نفس السواد.

في الحب في الله

في الحب في الله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحب الله عز وجل العبد قال لجبريل: قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء الدنيا أن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض" قال مالك: ولا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك- فيه أن المحبة والبغضة اللتين تقعان في القلوب لا اكتساب لهم فيها ولا اختيار وإنهما تحصلان في القلوب بما لا يستطيعون دفعه عنها كحديث النفس فلا يحمدون ولا يذمون وفي حديث أبي هريرة1 قال له: أين تريد؟ قال: أزور أخالي في هذه القرية قال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحببته في الله قال: فإني رسول الله إليك إن الله قد أحبك كما أحببته. فهذا قد حمد ولا يكون ذلك إلا باكتسابه إياه فهذان متضادان. قلت: لا تضاد لأن في الأول أن محبة الله عبده إنما تكون بعد أن كان منه ما أحبه عليه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فإذا أتبعوه صاروا

_ 1 هكذا في الأصل وفي مشكوة المصابيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله قال: فإنى رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه، رواه مسلم.

أولياء فألقى في قلوب عباده محبتهم فيحبونهم باختيارهم فيثيبهم كمثل إلقائه في قلوبهم الإيمان {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ} الآية وكذلك من أبغضه بترك الأتباع وفعل الابتداع صار عدو الله فيوقع في قلوب من يشاء من عباده بغضه فيبغضونه باكتسابهم فيؤجرون على بغضهم إياه. وعن أبي إدريس الخولاني دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا والناس معه يصدرون عن رأيه ويستندون إليه فقيل: هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد سبقني بالتهجير فوجدته يصلي فلما قضى صلاته جئته من قبل وجهه فسلمت عليه قلت: والله إني لأحبك لله عز وجل فقال: الله؟ فقلت: والله فأخذ بحقوة ردائي فجبذني إليه وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في" , وروى أنه قال: جوابه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المتحابون يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" قال: فبينما نحن كذلك إذ مر رجل ممن كان في الحلقة فقمت إليه فقلت: أن هذا حدثني بحديث فهل سمعته منه؟ قال: ما كان يحدثك إلا حقا فأخبرته فقال: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هو أفضل منه سمعته يقول يأثر عن الله: "حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتباذلين في" قلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عبادة بن الصامت قلت: فمن الفتى؟ قال: معاذ بن جبل. في قوله: حقت زيادة ليست في قوله: وجبت يقول: فلان عالم فوجب له العلم وقد يكون في العلماء من هو أعلى منه مرتبة فإذا قلت: عالم حقا فقد رفعته إلى أعلى مراتب العلم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران لما سألوه أمينا "لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين" فبعث إليهم أبا عبيدة بن الجراح. وفيه نظر لأن وجبت وحقت وردتا في صنف واحد وهم المتحابون

فالأظهر أنهما بمعنى واحد كقولهم: وجب حقي عليه وحق حقي عليه وقول عبادة: سمعت ما هو أفضل منه يعني: أفضل من قوله: المتحابون يظلهم الله في ظل عرشه وإن سلمنا أن قوله: حقت ارفع من وجبت فمعناه أن الله كان تفضل على المتحابين فيه بأن أوجب لهم من محبته أو بأن يظلهم في ظل عرشه ثم تفضل عليهم بعد ذلك بأن زادهم في محبته ورفعهم فيها إلى أقصى مراتبها بقوله: حقت. وروي مرفوعا: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا وتفرقا على ذلك ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". روي في تفسير قوله تعالى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} عن أبي هريرة مرفوعا "أن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها اقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} " وهذا خلاف الظل في الحديث الأول وقيل ظل ممدود لا تنسخه الشمس يقال عيش ممدود إذا كان لا ينقطع قال الفراء: ظل ممدود لا شمس فيه كمثل ما بين طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس.

في تعبير الرؤيا

في تعبير الرؤيا روي أبو رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت سقطت ولا تقصها إلا على حبيب أو لبيب أو ذي مودة"، يعني: أن الرؤيا قبل أن تعبر معلقة في الهواء غير ساقطة وغير عاملة شيئا فإذا عبرت عملت حينئذ وكونها على رجل طائر أي: أنها غير مستقرة ومثله قوله: أنا على جناح طائر إذا كان على سفر أي: غير مستقر حتى أخرج إلى سفري فأستقر في مقامي وإنما يكون عملها في الرؤيا إذا كانت العبارة صوابا أو محتملا لوجهين فتكون معلقة قبل التعبير الذي يردها إلى أحدهما فتسقط بذلك وأما التبعير الخطأ فغير عامل يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم

لأبي بكر: "أخطأت بعضا وأصبت بعضا". عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا: "أنها جزء من سبعين جزءا" وعنه أنه جزء من ستة واربعين جزءا وعن ابن عباس أنها جزء من خمسين جزءا وذلك لا يكون إلا توقيفا لا رأيا أعلم أن الله تعالى جعل الرؤيا جزء من أجزاء النبوة بشارات لأمته كما روى مرفوعا في تفسير قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وفي الآخرة بالجنة واحتمل أن يكون الله جعلها في البدء جزءا من سبعين فيعطى من يراها وترى له الجزء من النبوة فضلا من الله وعطية ثم زاده بأن أعطاه جزءا من ستة وأربعين جزءا من النبوة ولا يجوز أن يجعل القليل ناسخا للكثير لأن الله تعالى لا ينزع من عباده فضلا إلا لحادثة يحدثونها كما قال: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} الآية ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولم يوجد ما يستحقون به حرمان ذلك والرد إلى قليله. قال الطحاوي: المعني أنها الذين كان يراها ذو النبوة لأن الأجزاء هي النبوة فلم يكن غير الأنبياء مستحقين لحصة من النبوة وهو كلام عربي يعقله المخاطبون به يؤيده أنه خاتم النبيين فاستحال أن يكون قد بقي بعده من النبوة شيء وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنه لم يبق بعدي من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له". فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الباقي بعده من مبشرات النبوة هي الرؤيا التي ذكرها فدل ذلك أن الرؤيا إنما هي من مبشرات البنوة أي: مما يبشره ذو النبوة من أتبعهم على ما هي عليه لا أنها في نفسها نبوة والله أعلم.

في التحاسد

في التحاسد روي عن النبي صلى الله عيه وسلم أنه نهى عن التحاسد مطلقا بقوله: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا" مع قوله: "لا حسد إلا في

اثنتين رجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ورجل آتاه الله ما لا فسلطه على هلكته في الحق"، أعلم أن التحاسد على قسمين مذموم وهو تمنى نقل المحسود عليه عمن آتاه الله إلى حاسده وغير مذموم وهو تمنى إيتاء الله تعالى إياه من فضله مثله من غير نقل منه إليه قال تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وقال تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} أي: حتى يؤتيكم مثله فعلى هذا الاستثناء منفصل1 بمعنى لكن.

_ 1 المشهور في اصطلاح النحاة منقطع- ح.

في السلام

في السلام روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس فإذا قام فليسلم فإن الأولى ليست بأحق من الآخرة"، وروي: "إذا قعد أحدكم فليسلم فإذا قام فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة، ولا تضاد إذا المراد بقعد أراد القعود وله نظائر جمة ولغة العرب تسعها. عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيانهم يدورون حوله فيدعو لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم فأتى إلى باب سعد بن عبادة فسلم عليهم فقال: "السلام عليكم ورحمة الله" فرد سعد فلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وكان لا يزيد فوق ثلاث تسليمات فإن أذن له وإلا انصرف فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سعد مبادرا فقال: يا رسول الله ما سلمت تسليمة إلا سمعتها ورددتها ولكن أردت أن تكثر علينا من السلام والرحمة فادخل يا رسول الله فدخل فجلس فقرب إليه سعد طعاما فأصاب منه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن ينصرف قال: "أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة"، فيه أن لا يزاد التسليم عند وقوفهم على الباب على ثلاث لأن بذلك يحصل العلم بمن في البيت من الرجال فينظره أو النساء فينصرف وهذه سنة قائمة لا ينبغي إهمالها ولا تعديها والله أعلم.

في الاستئذان

في الاستئذان عن أبي سعيد الخدري كنا في مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فأدخل وإلا فارجع قال: أبي وماذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت عليه ثلاثا وانصرفت فقال: سمعتك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فقال: والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأيني بمن يشهد لك على هذا فقال أبي بن كعب: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا الذي بجنبك قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا. فيه أن أبا موسى بدأ بالسلام على عمر قبل الاستئذان وإنما ترك فعله للعلم عندهم بأنها السنة وقد قال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} ولكن هذا على التقديم والتأخير مثل قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} و {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} فالتقدير حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا والاستئناس هو الاستئذان بلغة اليمن وعن ابن عباس أخطأ الكاتب إنما هي حتى تستأذنوا وتسلموا. وعن كلدة أنه قال: بعثني صفوان بن أمية عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجداية وضغابيس وهو بأعلى الوادي فدخلت ولم استأذن ولم اسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرج وارجع وقل السلام عليكم ادخل". لما كان دخوله بغير سلام ولا استئذان كان مكروها فجلوسه يصير مذموما مكروها فأمر بقطع أسباب المذمة والرجوع ثم السلام

والاستئذان حتى يكون دخوله محمودا فيكون جلوسه محمودا. وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: "إذنك على أن ترفع الحجاب وإن تستمع لسوادي حتى أنهاك". فاطلاقه رفع الحجاب ليكون إذنا له يغنيه عن الاستئذان عند الدخول لا ينافي أن يكون قبل ذلك يسلم كما يسلم من يستأذن. وعنه صلى الله عليه وسلم: رسول الرجل إلى الرجل إذنه وإذا دعى أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له وعن أبي هريرة بعثني صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة فدعوتهم فجاؤوا فاستأذنوا فأذن لهم لا يعارض ما روينا لأن في الحديث الأول المرسل إليه أي مع الرسول فأغناه سلام الرسول واستئذانه وأهل الصفة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم دون أبي هريرة فلم يكن لهم بد من السلام والاستئذان لأنه قال: فجاؤوا ولم يقل: فجئنا. عن علقمة أنه كان مع مسروق وابن مسعود بينهما فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا ابن أم عبد فضحك ابن مسعود فقال: مم تضحك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن من أشراط الساعة السلام بالمعرفة وأن يمر الرجل بالمسجد ثم لا يصلي فيه". وفي رواية: ما بين يدي الساعة تسليم الخاصة، ولا يعارض هذا ما روى في حديث إسلام أبي ذر فانتهيت إليه يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه يعني: أبا بكر فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال: "وعليك ورحمة الله" إذ يحتمل أن يكون أبو ذر مع أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم متشاغل بصلاة أو طواف فلم يحتج إلى السلام على أبي بكر وكانت الحاجة إلى السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصد بسلامه إليه فلم ينكر عليه واختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر بالرد عليه وحده دون غيره من الناس دليل على أن الرد بخلاف السلام لأن السلام على الواحد من الجماعة ظلم لبقيتهم إذ من

حق المسلم على المسلم السلام عليه إذا لقيه والرد من المسلم عليه عن نفسه وحده وعن جماعة هو منهم على اختلاف من أهل العلم في ذلك إنما هو على من سلم عليه عن نفسه وعن جماعة هو منهم فجاز أن يخص به دون من سواه من الناس. وروي مرفوعا: لا غرار في صلاة ولا تسليم الغرار هو النقصان ففي الصلاة من ركوعها وسجودها وطهورها وفي السلام أن يقول: السلام عليك وفي الرد وعليك ولا يقول: وعليكم وقيل في السلام: القصد إلى الواحد من الجماعة بخلاف الرد على ما روينا آنفا. وروى أبو هريرة مرفوعا: "من لقي أخاه فليسلم عليه وإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه يسلم عليه". وهذا أحسن ما يكون من الأدب وأوصل لما يكون بين الناس والصحابة كذلك كانوا يفعلون عن أنس كانت الصحابة يتماشون فإذا لقيتهم شجرة أو أكمه تفرقوا بمينا وشمالا فإذا التقوا من ورائها سلم بعضهم على بعض، عن جابر استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من هذا"؟ فقلت: أنا فقال: "أنا أنا" وكأنه كره ذلك، إنما كرهه لأنه جواب لا يفيده معرفة.

في التشميت

في التشميت روي مرفوعا: "حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس" - يعني: إذا حمد الله وهذا مثل قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} يعني: فحنثتم وعن أنس عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر1 فقال: "أن هذا حمد الله وهذا لم يحمد الله".

_ 1 هكذا في الأصل وفي رواية أن الشيخين فقال الرجل يا رسول الله شمتت هذا ولم تشمتني؟ قال: "إن هذا حمدالله". الحديث- ح.

وعن ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين فإذا قال ذلك فليقل من عنده: يرحمكم الله وإذا قال له ذلك فليقل: يغفر الله لي ولكم". وعن سالم بن عبيد بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك وعلى أمك إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين- أو على كل حال- وليردوا عليه يرحمكم الله وليرد عليهم يغفر الله لكم"، وهذا مذهب الكوفيين. وخالفهم الحجازيون منهم مالك فذهبوا إلى ما روى أبو هريرة إذا عطس أحدكم فليحمد الله وليقل له صاحبه أو أخوه يرحمكم الله وليقل هو يهديكم الله ويصلح بالكم وهذا لا مساغ للاجتهاد فيه غير أن المقصود هو الدعاء للعاطس بالرحمة التي هي فوق الغفران فالرد عليه بالهداية أولى من الرد بالغفران لأن فيها ما ليس في الغفران لا سيما وقد ضم إليها ويصلح بالكم أي شؤونكم لأن الهداية قد تكون الدلالة على الأشياء المحمودة منه اهدنا الصراط المستقيم وقد تكون الثبوت على الأمر المحمود منه والذين اهتدوا زادهم هدى ولأن في الثاني رعاية وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها لا يقال أن الدعاء بالهداية إنما كان لليهود على ما روي أنهم كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله فكان يقول: "يهديكم الله ويصلح بالكم" لأنه لا خلاف فيما يقال للعاطس إنما الخلاف في الرد على المشمت وما روي عن إبراهيم أنه قال للعاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم موقوف عليه لم يتصل به المروي إذ لو اتصل به لما خالفه لما عليه من الدين والعلم ولكنه بشر يذهب عنه ما يذهب عن البشر كما روي عن ابن عباس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقام عن يساره فأقامه عن يمينه وعن الأعمش إذا صلى رجل برجل يقيمه عن يساره فقيل له فقد روى ابن عباس خلافه فقال: ما سمعت بهذا وهو أولى من الذي قلت وهكذا يجب أن يظن فيه وفي أمثاله من أهل العلم والعمل.

في المصور

في المصور روي مرفوعا أنه قال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي وأمام ضلالة وممثل من الممثلين"، فيه أنه لا مثل لهذه الأصناف في شدة العذاب غير أن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه ثم قال: "أن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله"، وهو معارض للأول إلا أن الصحيح فيه رواية من روى فيه: من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله فينتفي التعارض إذ كان المشبه بخلق الله هو المثل بخلق الله أحد الأصناف المذكورة وروى عن عائشة: أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها وهذا معارض للأول أيضا إلا أنه غير صحيح والله أعلم والصحيح رواية من روي عنها: أن أعظم الناس فرية يوم القيامة عند الله الرجل يهجو القبيلة بأسرها أو رجل انتفى من أبيه وفيه نظر لأنه وإن اندفع التعارض بما ذكر فما يصنع بقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وأيضا جعل الأصناف المذكورة متساوين في شدة العذاب لا يصح في الاعتبار لأن من قتل نبيا لا يكون إلا كافرا وكذا من قتله نبي إذ قتله وهو مسلم على حد يجعل القتل كفارة ولا استواء بين عذاب الكافر والمؤمن. فالصواب أن لا تعارض بين الأحاديث الثلاثة والآية في الحقيقة بل بعضها مخصص للبعض لأن التعارض إنما يكون في النصوص التي لا يمكن الجمع بينها ولو جاءت هذه الأحاديث في نسق واحد لما تناقض الكلام ويكون معنى الحديث الأول: أشد الناس عذابا من الكفار من قتل نبيا أو قتله نبي أو آل فرعون وأشد الناس عذابا من المسلمين إمام ضلالة أو مشبه بخلق الله أو الرجل يهجو الرجل فيهجو القبيلة والأظهر في الأصناف المذكورين من الكفار التساوي في شدة العذاب ويحتمل عدمه إذ ليس في الكلام ما ينفي

ذلك من المسلمين يحتمل التساوي في العذاب وعدم التساوي ألا ترى أنك تقول: أعلم أهل البلدة فلان وفلان وفلان وإن كان بعضهم أعلم من بعض أيضا.

في المسخ

في المسخ عن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ؟ فقال: "إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير خلقوا قبل ذلك" لا يقال أن في كتاب الله ما يدفعه وهو قوله: {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} بلفظ المعرفة أي: المعهودة منها ولو كانت سواها لقال، فجعل منهم قردة وخنازير، لأنا نقول يحتمل أن كون القردة والخنازير مخلوقة قبل المسخ تتوالد كسائر الحيوان فمسخ الله من عباده قردة وخنازير غير متوالدات وبقيت في الدنيا مدة ثم أفناهم الله تعالى بلا أعقاب فلذلك جاء بلفظ المعرفة ليفهم بذلك أنهم جنس غير الجنس المخلوق قبلها بكونها لا تتوالد ولا تتناسل. وعن أبي هريرة مرفوعا أن أمة من بني إسرائيل فقدت فلا يدري ما صنعت فأخشى أن تكون الفارة وذلك أنها إذا وجدت ألبان لغنم تشربها وإذا وجدت ألبان الإبل لم تشربها روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى فارة فقال: "حنة" ولا أعلم شيئا حنة إلا من اليهود يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلمه الله ما أعلمه من أنه لا يجعل لمن أهلكه نسلا فذهب بذلك ما كان يخشاه ومن لم يعلم ذلك حدث بما كان علم منه. وعن عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثير الضباب فأصابتنا مجاعة فطبخنا منها وإن القدر ليلغى إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا"؟ فقلنا: ضباب أصبناها فقال: "أن أمة بني إسرائيل مسخت دواب الأرض وإني أخشى أن تكون هذه فاكفؤها". وعن ثابت أصاب الناس ضبابا فاشتووها وأكلوها فأصبت منها ضبا فشويته ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ جريدة فجعل يعد بها

أصابعه ثم قال: "إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني لا أدري لعلها هي" فقلت: إن الناس قد اشتووها وأكلوها فلم يأكل ولم ينه. خشيته في الضب قبل أن يعلمه الله أن الممسوخ لا نسل له وما روي من إباحة أكل الضب متأخر روي خالد فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: "لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" فاجتررته وأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر. وعن يزيد بن الأصم دعتنا الفرس بالمدينة فقرب إلينا طعام فأكلناه ثم قرب إلينا ثلاثة عشر ضبا فمن آكل وتارك فلما أصبحنا أتيت ابن عباس فأخبرته بذلك فقال بعض قال صلى الله عليه وسلم: "لا آكله ولا آمر به ولا أنهي عنه" قال ابن عباس: ما بعث إلا محللا أو محرما قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم فمد يده ليأكل فقالت ميمونة: أنه لحم ضب فكف يده ثم قال: "هذا لحم لم آكله قط" فأكل الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة كانت معهم وقالت ميمونة: لا آكل طعاما لم يأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في الحية

في الحية كان ابن مسعود يخطب فإذا هو بحية تمشي على الجدار فقطع خطبته وضربها بقبضته1 حتى قتلها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل حية فكأنما قتل رجلا مشركا قد حل دمه" ومن رواية أبي هريرة: اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر2 ويسقطان الحبل فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر فلم يقتلهما فليس منا وعنه مرفوعا قال: للحيات ما سالمناهن منذ حاربناهن فمن تركهن خشية منها فليس منا- فيها الأمر بقتل الحيات كلها وترك الرخصة.

_ 1 هكذا في الأصل والظاهر- بقضيبه يعني عصاه- ح. 2 يلتمسان أي يخطفان ويطمسان- مجمع البحار.

وروى مرفوعا النهي عن قتل ذوات البيوت عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت وعن ابن عمر مرفوعا: "اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان البصر ويسقطان الحبل. وكان ابن عمر يقتل كل حية يراها فرآه أبو لبابة وزيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقالا: أنه نهى عن قتل عوامر البيوت. وروي أن أبا لبابة مر بعبد الله بن عمر وهو عند الأطم الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية فقال أبو لبابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتل عوامر البيوت فانتهى عبد الله بن عمر بعد ذلك ثم وجد في بيته حية فأمر فطرحت ببطحان قال نافع: فرأيتها بعد ذلك في بيته. وهذا ليس بنسخ إنما هو تخصيص العموم وبيان المراد به لأن النسخ وإنما يكون فيما يتعارض من القولين ولا يمكن الجمع بينهما وما روي أن بالمدينة جنا قد أسلموا فصاروا أعمارا لبيوتها فنهى عن قتلها لذلك حتى يناشد فإن ظهرت بعد ذلك كانت خارجة عن المعنى الذي من أجله نهى عن قتلها وعادت حلال القتل، وحديث أبي سعيد في الموطأ في شأن الفتى الذي كان حديث عهد بعرس فأتى فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح فقالت: كما أنت لا تجعل أدخل البيت فدخل البيت فإذا حية منطوية على فراشه فوكزها برمحه فأخرجها إلى الدار فوضعها فانتفضت الحية وانتفض الرجل فماتت الحية ومات الرجل فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أنه قد نزل حي من الجن مسلمون بالمدينة فإذا رأيتم منها شيئا تتعوذوا بالله منها ثم أن عاد فاقتلوها". وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون كلها"، يبين أن من الحيات ما هو جان.

السير في السفر

السير في السفر عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم فأعطوه حقه من الكلأ وإذا أجدبت الأرض فامضوا عليها بنقيها وعليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل، المشقة على الظهر في الليل دونها في غير الليل فالمعنى القصد إلى السير عليها في الليل يؤيده ما روي وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا السير فإذا أردتم التعريس فنكبوا عن الطريق التعريس إنما يكون بالليل.

في الاكفار

في الإكفار عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد وجب الكفر على أحدهما" معنى الكافر هنا: أن الذي هو عليه الكفر فإذا كان الذي هو عليه إيمانا كان جعله كافرا جعل الإيمان كفرا فكان بذلك كافر الآن من كفر بالإيمان فقد كفر بالله عز وجل {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} الآية.

في النجوى

في النجوى عن أبي سعيد الخدري كنا ننتاب النبي صلى الله عليه وسلم تكون له الحاجة أو يرسلنا لبعض الأمر فكثر المحتسبون من أصحاب النوب فخرج علينا رسول الله صلى الله عيه وسلم ونحن نتذاكر الدجال فقال: ما هذا النجوى ألم أنهكم عن النجوى؟ قال: فقلنا: يا رسول الله كنا في ذكر المسيح فرقا منه فقال: "غير ذلك أخوف عليكم شرك خفى أن يعمل الرجل لمكان الرجل"، فيه أن النجوى المنهي عنها هو في الإثم والعدوان ومعصية الرسول لا كل نجوى والمروي عن ابن عمر مرفوعا "إذا كان ثلاثة فلا يتناجى إثنان دون واحد"، وفي رواية قلت: يا رسول الله فإن كنا أربعة قال: "لا يضر ولا يضير" يحتمل أن يكون النهي فيه لسوء الأدب فإذا كانوا أربعة ارتفعت العلة لقدرة

الباقين على التناجي أيضا وعن ابن مسعود في سبب الكراهة أنه يحزنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ثلاثة في سفر أن يتناجى إثنان دون واحد حتى يختلط بالناس من أجل أنه يحزنه لأنه قد يخاف على نفسه ولا يجد معينا أن احتاج إليه ففيه إجازة ذلك في غير سفر لكن الأحسن فية ترك المناجاة لحسن المعاشرة.

في الكذب

في الكذب عن أسماء بنت يزيد ترفعه لا يصلح الكذب إلا في إحدى ثلاث إصلاح بين الناس وكذب الرجل لامرأته ليرضيها وكذب في الحرب مداره على رجل مطعون فإن صح فمعناه لا يصلح الكذب الذي هو عند الناس كذب وليس بكذب يعني معاريض الكلام إلا في ثلاث يؤيده حديث أم كلثوم بنت عقبة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا"، ولم يرخص في شيء مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها فنفى صلى الله عليه وسلم الكذب في هذه الثلاثة الأشياء ولم يكن ذلك إلا لأنه لم يأت في ذلك إلا بمعاريض الكلام مما ليس قائله به كاذبا وإن قال الناس فيه: أنه كاذب وهو حديث صحيح لا علة فيه ومن روى أنه صلى الله عيه وسلم رخص في الكذب في ثلاث لا يصح وإن ثبت فهو قول الراوي لا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا بأس بالكذب في ثلاث" فيحتمل أن يكون تأويله بظنه حيث عد ما ليس بكذب كذبا فالمباح معاريض القول الذي يقع بالقلب خلاف الحقيقة فيها لا التصريح بالكذب مثل قوله تعالى: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} وهو لم ينس، ومنه "الحرب خدعة" لأنه كلام ظاهره مخيف أهل الحرب وباطنه بخلافه وهذا لأن الله تعالى قال: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وهم رسول الله ومن تقدمه من الأنبياء

ولم يخص بذلك حالا من حال ولا وقتا من وقت وكذلك {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} على العموم.

في اضاعة المال

في إضاعة المال روي مرفوعا النهى عن إضاعة المال يعني بالمال الحيوان أن لا يضيع وإن يحسن إليه يؤيده ما روي عن ابن مسعود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم آت وأنا عنده فقال: يا رسول الله إني مطاع في قومي فبم آمرهم؟ قال: "مرهم بإفشاء السلام وقلة الكلام إلا فيما يعنيهم" قال: فعم أنهاهم؟ قال: "إنههم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"، يعني بالمال الحيوان وهذا تأويل حسن لأن القيام بهم فيما لا تقوم أنفسهم إلا به من الطعام والشراب والكسوة في بني آدم واجب على مالكيهم يأثمون بتركه وفي وصيته صلى الله عليه وسلم الصلاة وما ملكت إيمانكم يغرغرها في صدره وما يفيض بها لسانه وقيل: النهي عن إضاعة مطلق المال الذي جعله الله قياما للناس في معايشهم يؤكده ما قال عمرو بن العاص في خطبته: يا معشر الناس إياكم وخلال أربع فإنهم يدعون إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العزة إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال والتضييع للمال والقيل والقال في غير درك ولا نوال وعن قيس قال لبنيه: عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم ويتسغنى به عن اللئيم وعن ابن جبير إضاعة المال هو أن يرزقك الله مالا رزقا فتنفقه فيما حرم عليك.

في الاستجابة

في الاستجابة روي مرفوعا يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: دعوت فلم يستجيب لي معنى الاستجابة هو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الأرض من رجل مسلم يدعوا لله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل: إذن نكثر يا رسول الله

قال: "الله أكثر"، فبان بأن الاستجابة لمن يدعو بما يجوز له أن يدعو به يعطاها لا محالة مال لم يعجل أما عين ما سأل أو صرف عنه سوء فتكون الاستجابة حاصلة من الله عز وجل وإن لم يعلمها.

كتاب جامع مما ليس في المؤطا

كتاب جامع مما ليس في المؤطا في النهي عن اتخاذ الدواب كراسي ... كتاب جامع مما ليس في الموطأ في النهي عن اتخاذ الدواب كراسي عن أبي هريرة مرفوعا "إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله إنما سخرها لكم ليبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حوائجكم" وعن سهل عن أبيه مرفوعا أنه قال: "اركبوا هذه الدواب سالمة وابتدعوها ولا تتخذوها كراسي" وليس النهى مخالفا لجلوسه صلى الله عليه وسلم على ظهر ناقته للخطبة عليها بعرفة يوم عرفة ويوم النحر بمنى لأن النهى إنما هو للحديث الذي لا حاجة به فيه إلى ذلك وجلوسه على ظهر ناقته للحاجة إلى استماع أمره ونهيه وتبليغ دينه وشرعه والأرض ليس كالظهر في هذا فافترقا.

في مفاصل الانسان

في مفاصل الإنسان روي مرفوعا أن ابن آدم خلق على ثلاث مائة وستين مفصلا فإذا كبر الله وهلله وحمده واستغفره وسبحه وعزل العظم والحجر والشوك عن الطريق وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر عدد ذلك ثلاث مائة قال الطحاوي: وأراه سقط من الحديث وستين أمسى يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار، قال: وهذا من معنى ما روى أنه قال صلى الله عليه وسلم: "كتب الله على كل عضو حظه من الزنا فالعين تزنى وزناها النظر واللسان يزنى وزناه الكلام واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والسمع يزني وزناه الاستماع ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه"، فكما كانت الأعضاء كلها معمومة بالأمر المذموم فكذلك هي معمومة بالأمر المحمود وعن بريدة سمعت النبي صلى الله

عليه وسلم يقول: "في الإنسان ستين وثلاث مائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه صدقة" قالوا: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: "النخاعة في المسجد تدفنها والشيء تنحيه عن الطريق فإن لم تقدر على ذلك فركعتا الضحى تجزيك"، فعلم أن بالحديث الأول هو الصدقة على كل مفصل من تلك المفاصل بما ذكر في هذا الحديث ويؤيده حديث الزنا.

في جرى الشيطان مجرى الدم

في جري الشيطان مجرى الدم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به رجل وهو مع إحدى نسائه فدعاه فقال: "يا فلان إنها زوجتي فلانة" فقال: يا رسول الله بمن كنت أظن فإني لم أكن أظن بك فقال صلى الله عليه وسلم: "أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، يحتمل دخوله صلى الله عليه وسلم في عموم ابن آدم ويحتمل خروجه منه لكن ارتفع الاحتمال بما روى ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن فقيل: وإياك قال: وإياي ولكن الله عز وجل أعاني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير وما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه يقول: "بسم الله وضعت جنبي اللهم أغفر ذنبي واخسأ شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندى الأعلى"، كان قبل أن يسلم شيطانه.

في التحدث عن بنى اسرائيل

في التحدث عن بني إسرائيل عن عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، أي لا حرج في ترك الحديث عنهم فأباح الحديث ليعلم ما كان فيهم من العجائب لأن الأنبياء كانت تسوسهم كلما مات نبي قام نبي ليتعظوا ورفع الحرج عنهم في تركه بخلاف التحدث عنه صلى الله عليه وسلم لأنهم مأمورون بالتبليغ عنه فلهذا قال: "بلغوا عني ولو آية".

في فضل بناته صلى الله عليه وسلم

في فضل بناته صلى الله عليه وسلم عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته من مكة مع بني كنانة فخرجوا في أثرها فأدركها هبار بن الأسود فلم يزل يطعن بعيرها حتى صرعها فألقت ما في بطنها وأهريقت دما فانطلق بها واشتجر فيها بنو هاشم وبنوا أمية فقالت: بنوا أمية نحن أحق بها وكانت تحت ابن عمهم أبي العاص بن ربيعة فكانت تقول هند هذا في سبب أبيك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: "ألا تنطلق فتجئ بزينب" قال: بلى يا رسول الله قال: "فخذ خاتمي هذا فأعطها إياه" قال: فانطلق زيد فلم يزل يلطف ويبرك بعيره حتى لقى راعيا فقال: لمن ترعى؟ قال: لأبي العاص بن ربيعة قال: فلمن هذه الغنم؟ قال: لزينب بنت محمد فساق معه شيئا ثم قال: هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل قالت: وأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه فقال لها: أركبي بين يدي قالت: لا ولكن اركب أنت فركب وركبت وراءه حتى أتت النبي صلى الله عليه وسلم فكان النبي عليه السلام يقول: "هي أفضل بناتي أصيبت بي" فبلغ ذلك علي بن حسين فانطلق إلى عروة فقال: ما حديث بلغني عنك تنقص فيه حق فاطمة فقال عروة بن الزبير: ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب وأنتقص فاطمة في حق هو لها وأما بعد فلك علي أن لا أحدث به أحدا. وإنما بعث زيد بن حارثة إلى زينب وهو ليس بمحرم لها لأنه كان حينئذ في تبنيه قبل أن ينسخ حكمه بقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وأما تفضيل زينب على سائر بناته فإن ذلك كان ولا ابنة له يومئذ تستحق الفضيلة غيرها لما كانت عليه من الإيمان والاتباع ولما نزل في بدنها من أجله ثم بعد ما أقر الله تعالى عينه بفاطمة من توفيقه إياها للأعمال الزاكية وما وهب لها من

الولد الذي صاروا له ولدا وغير ذلك مما لم يشركها فيه أحد من بناته سواها وكانت في وقت استحقاق زينب الفضيلة صغيرة ممن لا يجري لها ثواب بطاعاتها ولا عقاب بخلافها ثم بلغت بعد وسادت بما فضلها الله أفضل الله أفضل من زينب وغيرها وفي تفضيلها آثار كثيرة. منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يعودها فقال: "أي بنية كيف تجدك"؟ قالت: والله يا رسول الله إني لوجعة وأنه ليزيدني وجعا إلى وجعي أنه ليس عندي ما آكل فبكى صلى الله عليه وسلم وبكت فاطمة وبكى معهما عمران بن حصين فقال لها: "أي بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين" قالت: يا ليتها كانت وأين مريم بنت عمران فقال لها: "أي بنية إنها سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي نفسي بيده لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة ولا يبغضه إلا منافق". ومنها عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط أربعة خطوط ثم قال: "أتدرون ما هذا"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" فإن قيل: روى كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام قيل: يحتمل أن يكون هذا قبل بلوغ فاطمة الرتبة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم فلا تضاد.

في اسم الله الاعظم

في اسم الله الأعظم روى ابن بريدة عن أبيه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أسألك بأنك أحد صمد لم تتخذ صاحبة ولا ولدا" فقال: لقد سأل الله باسمه الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى. وعن أنس مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يصلي وهو يقول: اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت يا منان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام فقال لنفر من أصحابه: "أتدرون ما دعا به الرجل" قالوا: الله ورسوله

أعلم قال: "دعا ربه باسمه الأعظم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سأل به أعطى"، فهذه الآثار توافقت على أن اسم الله الأعظم هو الله وهو مذهب أبي حنيفة وهو غير مشتق لا يقال: قدر روي أبو أمامة يرفعه أن اسم الله الأعظم في سور ثلاث البقرة وآل عمران وطه فنظروا فوجدوا فيها آية الكرسي وفي آل عمران {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وفي طه {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} لأن هذه الآيات فيها اسم الله فلم يكن مخالفا لما رويناه بحمد الله والذي في طه قد يجوز أن يكون الحي القيوم هو الاسم الأعظم ويحتمل أن يكون اسم الله فيها في قوله: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فيرجع ما في طه إلى ما في البقرة وآل عمران أنه الله عز وجل. وعن أسماء سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: "أن في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} و {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} " فكان في هذا الحديث بيان موضع اسم الله من سورة البقرة ومن سورة آل عمران فليس في إحداهما ذكر الحي القيوم وفيهما جميعا الله عز وجل فكان في ذلك ما يجب أن يقل أن الذي في سورة طه هو ذلك أيضا وكان فيه موافقة لمذهب أبي حنيفة لأن قولهم: اللهم أصله يا الله فحذفت ياء وزيدت الميم.

في قو ضعفي

في قو ضعفي روي مرفوعا قال في الدعاء الذي علمه بريدة الأسلمى: "اللهم إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي" أي: قوما ضعف مني لان الضعف لا يقوم بنفسه ولا يرجع قوة أبدا.

في تكوير الشمس والقمر

في تكوير الشمس والقمر روي مرفوعا أن الشمس والقمر نوران1 يكوران في النار يوم

_ 1 هكذا في الأصل بالنون وفي مجمع بحار الأنوار يجاء بالشمس والقمر ثورين يكوران في النار أي يلفان ويجمعان ويلقيان فيها ويروى بنون وهو تصحيف- ح.

القيامة أي أنهما يكونان في النار ليعذب أهل النار بهما لا ليعذبا بالنار بغير ذنب وروى أنهما عقيران وليس العقر عقوبة لهما وإنما هي استعارة وذلك أنهما كانا يسبحان في الفلك الذي كانا فيه ثم أعادهما الله موكلين بالنار يوم القيامة فقطعهما عما كانا فيه من السباحة فصارا كالرميين بالعقر لا على معنى عقرهما.

في التحلل من المظالم

في التحلل من المظالم روي أبو هريرة مرفوعا "من كانت له مظلمة من أخيه من عرضه وماله فليتحلله من قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه" هذا في عقوبة المال أما ما يجب به عقوبة البدن فالقصاص على بدنه لأنه قائم فيؤخذ بما يجب عليه فيه من جزاء أو أدب يؤيده ما روى مرفوعا من قذف مملوكه بزنا بريئا مما قاله له أقام عليه يوم القيامة حدا إلا أن يكون كما قال.

في قوله زعموا

في قوله زعموا روى مرفوعا بئس مطية الرجل زعموا لم تجئ هذه الكلمة في القرآن إلا في الأخبار عن قوم مذمومين بأشياء مذمومة فكره للناس لزوم أخلاق المذمومين في أخلاقهم الكافرين في أديانهم الكاذبين في أقوالهم لأن الأولى بهم لزوم أخلاق المؤمنين الذين سبقوهم بالإيمان.

في من قتل نفسه

في من قتل نفسه روي مرفوعا "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يجأبها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها". وروي أن رجلا هاجر إلى المدينة مع الطفيل بن عمرو فمرض فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل في منامه في هيئة حسنة ورآه يغطي يديه فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه فقال له: أراك تغطي يديك فقال: قيل لي:

لن تصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر" لا تضاد فيه لأنه يحتمل أن يكون الرجل فعل بنفسه ما فعل على أنه عنده علاج تبقى له بقية يديه وتسلم نفسه فلم يكن بذلك مذموما كمن خاف أن تذهب نفسه إن لم يقطعهما فمات فلا إثم عليه وإن لم يقطعهما حتى مات فلا إثم عليه أيضا ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ليديه بالغفران إشفاق منه وأعمال الخوف كدعاء عمران بن الحصين اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت وما علمت والخطأ ليس بمؤاخذ به والتخليد المذكور ليس على ظاهره بل خالدا حتى يخرج بالشفاعة مع سائر المؤمنين المذنبين لأن القتل لا يحبط إيمانه ولا يبطل أعماله فلابد من مجازاته لقوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} وجماعة من السلف بإنفاذ الوعيد على قاتل نفسه عمدا ومنهم من رآه على المشيئة.

في طول اليد بالصدقة

في طول اليد بالصدقة روى عن عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "تتبعني أطولكن يدا" فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلا نزال نعمل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا يدا فعرفنا أنه إنما أراد الصدقة وكانت زينب صناعة اليد تدبغ وتحرز وتتصدق به في سبيل الله لا يحتاج مع ما عرفته أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من معنى الحديث إلى تفسيره والله أعلم.

في انزاء الحمير على الخيل

في إنزاء الحمير على الخيل روى عن علي بن أبي طالب قال: أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل كان لنا مثل هذه فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون"، وعنه نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمل الحمير على البراذين مع ما روى عن ابن عباس ما اختصنا صلى الله عليه

وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاث أسباغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننري الحمير على الخيل لا تضاد فيه لأنه نهى الناس جميعا عن ذلك بقوله: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون" أي: قدر الثواب في ربط الخيل في سبيل الله فيزهدون في ذلك لأن الحمار والبغل لا ثواب في ارتباطه ولا سهمان لمن غزا عليه وإنما اختص بنو هاشم بالنهي لأن الخيل كانت فيهم قليلة فأحب أن تكثر فيهم وترغيبا لهم زيادة على سائر الناس والنهي ندب وإرشاد.

في ما شاء الله وشاء فلان

في ما شاء الله وشاء فلان روى مرفوعا النهى من قول الأمة ما شاء محمد وأمره إياهم أن يقولوا: ما شاء الله ثم ما شاء محمد، وفيه آثار كثيرة مع ما في كتاب الله {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ولم يقل: ثم لوالديك فعلم أن هذا منسوخ بالسنة وكان مباحا قبل النسخ يعني المتواتر من السنة.

في من سن سنة حسنة أو سيئة

في من سن سنة حسنة أو سيئة قوله تعالى: {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم قرأها بالنصب لأنه قرأها على الناس إذ حضهم على صلة أرحامهم بالصدقة بمعنى اتقوا الأرحام أن تقطعوها ومن قرأ بالجر حملها على تساؤلهم بينهم بالله والرحم ولم تكن التلاوة على التساؤل بل على الحض على التواصل. عن جرير كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار متقلدي السيوف عامتهم من مضر فرأيت وجه النبي صلى الله عليه وسلم قد تغير لما رأى بهم من إضافة ثم دخل بيته ثم خرج فأمر بلال فأذن وأقام فصلى الظهر ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآية {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال: من شق التمرة"، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت ثم تتابع الناس.

حتى رأيت كومين من طعام وثياب ورأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة ثم قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده لا ينقص من أزوارهم شيئا"، وفي رواية: "كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها وذلك سواء". وفيه أن لمن سن سنة حسنة من الأجر مثل ما لمن عمل بها وقد ضعفه بعض وقال: كيف يكون له مثل أجر من عمل بها من بعده ومع العامل من معاناة العمل ما ليس مع الذي سنها فالمعقول أن يكون في الأجر فوقه واحتج بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سن خيرا فاستن به فله أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن سن شرا فاستن به بعده فعليه وزره ومن أوزار من أتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا". واحتج أيضا بما روي عن ابن مسعود يرفعه: لا تقتل نفس ظلما إلا كان علي ابن آدم الأول كفل منها وهذا كله لا حجة فيه لأن قوله: "من أجور" ومثل أجر بمعنى واحد ومن صلة كقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} وحديث ابن مسعود حجة لنا لأن الكفل المثل قال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أي: مثل منها وقال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} يؤيد ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "الدال على الخير كفاعله"، فإذا كان الدال يستحق كالفاعل لمجرد دلالته كان الذي عمل أولى بذلك ولأن الذي سن دل الناس بعمله عليها ولأن الثواب فضل من الله تعالى لا يأتي على قياس.

في عمل لاينقطع بالموت

في عمل لا ينقطع بالموت روى مرفوعا من رواية أبي هريرة: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له" لا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده"

لأن السنة المستنة هي من العلم الذي ينتفع به بعد موته وكذا لا يعارضه ما روى أن العبد يبعث على ما مات عليه لأن حديث أبي هريرة عمل لم يمت عليه وهذا كان في عمل قطعه عنه الموت فبعث على نيته كما في المحرم الذي وقع عن بعيره فرض فمات أنه يبعث محرما وكما روى مرفوعا "ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة".

في لو

في لو روي مرفوعا من رواية أبي هريرة: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك ولا تعجز فإن فاتك شيء فقل قدر الله وماشاء فعل وإياك ولو فإنها تفتح عمل الشيطان" أعلم أن لو ليست بمكروهة مطلقا هي مباحة في مواضع منها قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} ومنها: ما روى مرفوعا: "مثل الدنيا مثل أربعة رجل آتاه الله مالا وآتاه علما فهو يعمل بعلمه في ماله ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول: لو أن الله آتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت فيه مثل الذي يفعل فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يمنعه من حقه وينفقه في الباطل ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول: لو أن الله أتاني مثل ما آتى فلانا لفعلت مثل ما يفعل" فهما في الوزر سواء فهي في الأولى مباحة وفي الثاني مكروهة وكذا في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} ثم رد ذلك بقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ} الآية وهي ههنا مباحة وكذا قوله تعالى: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا} فهي مكروهة لأن الله تعالى حذر المؤمنين فقال: {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا} الآية وكذا في قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} لأنه رد عليهم بقوله: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ} فعلم أن فيها مذمومة وغير مذمومة وكانت العرب تذم لو وتقول احذر لو تريد به قول

الناس لو علمت أن هذا يلحقني لعملت خيرا وعن سلمان الإيمان بالقدر أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا تقولن لشيء أصابك لو فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا أو لم يكن كذا وكذا والله أعلم.

في الحجاب-ستر العورة

في الحجاب ستر العورة عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ميمونة قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال صلى الله عليه وسلم: "احتجبا منه" فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أعمياوان أنتما ألستما تبصرانه". وعن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربية الحديثة السن لا تضاد بينهما لأن حديث ميمونة كان بعد نزول الحجاب وهما بالغتان وحديث عائشة يحتمل أن يكون قبل نزوله أن تكون صغيرة غير مكلفة وكما يجب حجب الناس عنهن يجب حجبهن عن الناس قيل هذا من خصائص أزواجه صلى الله عليه وسلم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "اعتدى عند ابن أم مكتوم فإنه أعمى لا يبصر تضعين ثيابك"، ولا يعارض حديث عائشة هذا ما روي عن أنس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: "إن الله قد أبد لكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر"، لأن اللهو في حديثها من جنس ما يحتاج إليه في الحروب فهو لهو محمود في المسجد وفي غيره والذي في حديث أنس من اللهو الذي لا يقابل بمثله عدو ولا منفعة فيه للإسلام فهو لهو مذموم، وروى مرفوعا: "لا يحل من اللهو إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ومن ترك الرمي بعد ما تعلمه كانت نعمة فكفرها". روت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه، وروى أنس أنه كان في حائط بعض الأنصار مدليا رجليه في بئرها وبعض

فخذه مكشوف فدخل أبو بكر وعمر وهو على حاله تلك لم ينتقل عنها حتى دخل عثمان فغطى فخذه وقال: "ألا استحي ممن استحيت منه ملائكة السماء"، ورواية عائشة من طريق آخر أن أبا بكر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله لابس مرط أم المؤمنين فأذن له فقضى حاجته ثم خرج ثم استأذن عليه عمر فقضى حاجته ثم خرج فاستأذن عليه عثمان فاستوى جالسا وقال لعائشة: "اجمعي عليك ثيابك" فلما خرج قالت له عائشة: مالك لم تفزع لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟ فقال: "إن عثمان كثير الحياء ولو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يبلغ في حاجته". قال الطحاوي: الحديثان صحيحان جميعا وكانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتين مختلفتين أو في مرتين مختلفتين قال في كل واحد من القولين وفيه اجتماع الفضيلتين لعثمان باستحياء الملائكة منه وبحيائه في نفسه وفي الحديثين أن الفخذ ليس بعورة وقد روى أن الفخذ عورة جماعة منهم علي بن أبي طالب وابن عباس ومحمد بن جحش وابن جرهد وأبوه ولما اختلف في حكم الفخذ نظرنا فوجدنا الفخذ من المرأة عورة لا يحل لذي رحمها المحرم منها ولا لغيره من الناس سوى زوجها النظر إليه منها كما لا يحل لهم النظر منهم إلى فرجها وبطنها بخلاف صدرها ورأسها وساقها فإن ذا الرحم المحرم ينظر إليها وإنما الممنوع الأجانب منها فعقلنا بذلك أن فخذها عورة كفرجها وبطنها لا كرأسها وساقها وإذا كان كذلك في المرأة كان في الرجل أيضا كذلك فكان فخذه من عورته ثم نظرنا في الركبة فوجدنا الآثار تدل على أنها ليست بعورة. عن أبي الدرداء قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا من طرف ثوبه حتى ابدى عن ركبته فقال: "أما صاحبكم فقد غامر" فسلم فقال: أنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، الحديث وعن علي في حديث شار فيه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته ثم

صعد النظر فنظر إلى سرته ثم صعد فنظر إلى وجهه ثم قال: هل أنتم إلا عبيد لأبي- الحديث، وما روى عن أبي موسى الأشعري أنه قال: لا أعرفن أحدا نظر من جارية إلا إلى ما فوق سرتها وأسفل من ركبتها لا أعرفن أحدا فعل ذلك إلا عاقبته، ولا يقوله رأيا لأن الوعيد لا مدخل للرأي فيه يضاد ما روينا آنفا ثم تأملنا فوجدنا الفخذ والساق عضوين موصولين أحدهما مركب على الآخر وكانا إذا بسطا بدا منهما كالفلكة وهما عظمان أحدهما في الفخذ والآخر في الساق وتلك الفلكة هي الركبة فكان ما كان منها في الفخذ له حكمه في كونه عورة وما كان منها في الساق له حكمه في عدم كونه عورة ولكنه غير مقدور على تفصيله من العظم الذي في الساق ولا على معرفة مقداره فالأولى أن يحكم له بحكم العورة لا غيرها. وأما السرة ففي حديث على ما قد دل أنها ليست من العورة وكذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه من بين ثدييه ثم على كبده ثم بلغت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرة أبي محذورة وهذا أولى مما قاله أبو موسى مع أنه خالفه الحسن بن علي وابن عمر وأبو هريرة روى أنا أبا هريرة قال للحسن: أدن مني حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله منك فرفع ثوبه فقبل سرته ولأن السرة أشبه بالصدر منها بالعورة. والأقرب إلى الصواب أن ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفخذ هل هو عورة أو ليس بعورة معناه أنه ليس بعورة يجب سترها كالقبل والدبر وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها ولا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند من يستحي من ذوي الأقدار والهيئات فعلى هذا تستعمل الآثار كلها واستعمالها أولى من طرح بعضها والله أعلم. وروى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت

يمينك" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال: "فإن استطعت أن لا يراها أحد" قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال: "فالله أحق أن يستحيا منه من الناس"، مع ما روي عن عائشة أنها قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط لا معارضة بينهما لأنه وإن كان غير محظور إلا أن رتبته العلية الفائقة لجميع رتب المخلوقات منعته وما روي عن عائشة أنه لما قدم زيد بن حارثة المدينة فقرع الباب قام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا والله ما رأيته عريانا قبله معناه أن أكثره عريان غير مكشوف العورة لأنه قام يتلقى رجلا فلا يلقاه وهو مكشوف العورة وإنما رأت عائشة منه ما يجوز أن يراه ذلك الرجل منه فلا منافاة.

في رفع العلم

في رفع العلم روى جبير عن عوف بن مالك الأشجعي نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى السماء فقال: "هذا أوان يرفع العلم" فقال أنصاري يقال له لبيد: يا رسول الله يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة" ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله تعالى قال: فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف فقال: صدق عوف ألا أخبرك بأول ذلك؟ يرفع الخشوع حتى لا ترى خاشعا، وبعض رواة الحديث يقول فيه: وفينا كتاب الله وقد علمناه أبناءنا ونساءنا وبعضهم يقول فيه: وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرءه أبناءهم إلى يوم القيامة وبعضهم يزيد فيه ثم قال: وذهابه بذهاب أوعيته. قيل: كيف يرفع العلم في زمنه صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي قائم فيه ليبلغه الناس بعضهم بعضا كما أمروا به فلو رفع العلم في زمنه صلى الله عليه وسلم ينقطع الإبلاغ لكن الحديث صحيح وإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقت

يرفع العلم فيه بعد ذلك الوقت مثل قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} ليوم لم يجئ بعد يدل عليه احتجاجه صلى الله عليه وسلم لضلالة أهل الكتابين وعندهم التوراة والإنجيل وإنما كان ذلك بعد ذهاب أنبيائهم فكذلك ما تواعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في هذا الحديث إنما يكون بعد إيابه وبعد ذهاب من تبعه وخلفه بالرشد والهداية من أصحابه، وقول شداد أول ما يرفع من ذلك الخشوع يدل عليه لأن الخشوع من صفات الصحابة قال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} الآية فلا يكون إلا بعد انقراضهم والمراد بأوعية العلم العلماء فإن الله تعالى يقبض العلم بقبض العلماء يؤيده ما روى مرفوعا أنه لا تزال الأمة على شريعة ما لم يظهر فيهم ثلاث يقبض منهم العلم ويكثر فيهم ولد الخبث ويكثر فيهم الصقارون وهم قوم تحية بينهم التلاعن عند التلاقي.

في عائشة

في عائشة روي مرفوعا قال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فوالله ما منكن امرأة ينزل إلي الوحي وأنا في لحافها ليس عائشة" قالت: فقلت: لا جرم والله لا أوذيك فيها أبدا، لا تضاد بينه وبين حديث توبة كعب أنها نزلت وهو صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة لأنه يحتمل أن يكون أنزل عليه ذلك من توبتهم في ليلتها وبينها وهو في غير لحافها.

في نفي شك ابراهيم عليه السلام

في نفي شك إبراهيم عليه السلام روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي"، يعني: إذا كنا لا نشك فإبراهيم أحق أن لا يشك فالمراد به نفي الشك عنه. قوله: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بإجابة طلبتي، وقوله: "ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد" لقوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} أي: كقوة أهل الدنيا التي يتناصف بها

بعضهم من بعض {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} من أركان الدنيا ومنعة قومه ولهذا ما بعث نبي بعده إلا في ثروة من قومه وقد كان له من الله الركن الشديد ولكنه ربما أخر عقوبات بعض المذنبين إذ كان لا يخاف الفوت إلى أن يجئ وقت نزوله في مشيئته كما فعل بآل فرعون وغيرهم ممن عصى وعاند الرسل وقوله: "ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي" للاستراحة من السجن ولكنه قال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ} الآية والحق أن ذلك منه كان على التواضع لله أو قبل أن يعلمه الله تعالى بفضله على جميع الأنبياء والمرسلين.

في النهي عن قوله خبثت نفسى

في النهي عن قوله: خبثت نفسي روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام"، الحديث إلى قوله: "وإلا أصبح خبيث النفس كسلان"، وروي عنه أنه قال: "لا يقل أحدكم خبثت نفسي وليقل لقست نفسي"، وذلك لأن الخبث هو الفسق منه قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} فيكره أن يصف الإنسان نفسه بذلك من غير موجب كترك الصلاة واختيار النوم عليها وروي وإلا أصبح لقس النفس كسلان واللفظان سواء في اللغة وهي الشراسة وسوء الخلق، الصحيح الفرق بينهما على ما في الحديث والله أعلم.

في وعد النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة هدية النجاشي

في وعد النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة هدية النجاشي لما تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: "إني قد أهديت للنجاشي أواقي من مسك وحلة وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية التى أهديت إليها إلا سترد إلي فإذا أردت فهي لك"، فكان كما قال فلما ردت الهدية أعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك وأعطي الباقي أم سلمة وأعطاها الحلة، قال منكر هذا الحديث: قد تحقق النبي صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي حتى نعاه

للناس يوم مات فيه وصلى عليه فكيف يقول: "لا أراه إلا قد مات"، وفيه الوعد بالكل لأم سلمة فكيف يعطيها بعضها وفيه خلف بعض الوعد وحاشاه من ذلك والجواب أنه يحتمل أن يكون الموعد قبل موته فلما مات أعلمه الله تعالى بموته فنعاه وصلى عليه ويحتمل أن يكون أنفذ عدته لأم سلمة فلم تقبلها إلا بإشراك بقية نسائه معها كراهية الاستئثار بها لجلالة رتبتها وحسن عشرتها كما فعل الأنصار لما أقطع لهم من البحرين قالوا: لا تفعل حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين.

النهي عن قوله تعس الشيطان

النهي عن قوله: تعس الشيطان عن أبي المليح عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثر بعيري فقلت: تعس الشيطان فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تقل تعس الشيطان فإنه يعظم حتى يصير ملء البيت ويقول بقوتي صرفته ولكن قل: بسم الله فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة". وعن عثمان بن أبي العاص قلت: يا رسول الله إن الشيطان يأتيني فيلبس علي قراءتي فقال: "ذلك يقال له: خنزب فإذا أتاك فأخسئه"، ففعلت فذهب عني، الناس إنما أمروا بالاستعاذة من الشيطان فيما جعل له سلطان عليهم وهي الوسوسة لتحبيب الشر وتكريه الخير وانساء ما يذكرون وتذكير ما ينسون وأما إعثار دوابهم وإهلاك أموالهم فلا سبب له فيها فنهوا عن الدعاء عليه وعند ذلك لأنه يوهم أن الفعل كان منه ببعيره حتى سقط والواقع بخلافه والتعس السقوط.

في قوله: لا تكون مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف

في قوله: لا تكون مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف جاء عقبة بن مسعود1 إلى علي بن أبي طالب فقال له: يا فريح2

_ 1 كذا والذي في مشكل الاثار 1/61 أبو مسعود عقبة بن عمرو وهو الصواب- ح. 2 في المشكل- يا فريح.

أما أنك تعي الناس فقال: أما أني أخبرهم أن الآخر فالآخر شر قال: فحدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المائة قال: سمعته يقول: "لا تكونن مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف" قال: اخطأت واخطأت في أول فتواك1 إنما قال ذلك لمن هو يومئذ وهل الرجاء والفرح2 إلا بعد المائة، تأول علي ابن أبي طالب بأن المراد فناء ذلك القرن بغير نفي منه أن يخلفهم قرون إلى يوم القيامة لأن العيان يدفع فناء الناس جميعا لأن فيه انقراض الدنيا فإن قيل كان في التابعين مخضرمون ممن كان في الجاهلية وبقي في الإسلام حتى جاوزوا هذه المدة منهم أبو عثمان النهدي قال: أتت علي ثلاثون ومائة سنة ما من شيء إلا نقص سوى أملي ومنهم سويد بن غفلة توفي وهو ابن تسع وعشرين ومائة سنة ومنهم زر بن حبيش توفي وهو ابن اثنتين وعشرين ومائة سنة قد قيل: أن أبا عثمان النهدي توفي وهو ابن أربعين ومائة فالجواب أن ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون أراد به ممن كان أتبعه لا ممن سواهم ويحتمل أن يكون وفاة هؤلاء المعمرين في المائة السنة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجها وهو أولى ما حمل عليه3.

_ 1 في المشكل قولك. 2 في المشكل الرخاء والفرج. 3 بل هو الصواب المنصوص في الروايات المبينة.

في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم روي مرفوعا: "من كذب علي متعمدا، وجاء من كذب علي مطلقا، وجاء من قال علي كذبا، وجاء من حدث عني كذبا فليتبوأ مقعده من النار"، ذكر التعمد إنما هو على التوكيد كما يقال: فعلت كذا بيدي ونظرت إلى كذا بعين وسمعت بأذني لأن الكذب لا يكون إلا بالتعمد1 وهذا كقوله تعالى:

_ 1 المنصور عند أهل المعاني أن الكذب هو الإخبار بما لا يطابق الواقع وإن كان المخبر بظنه واقعا وقد جاء استعماله في الأحاديث والآثار في الأخبار بما خالف الواقع خطا فالصواب أن قوله متعمدا قيد يخرج المخطئ ثم يحمل المطلق على المقيد- ح.

{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} و {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية في أنها لا تكون إلا على التعمد فلا يكون كاذبا ولا زانيا ولا سارقا ولا محاربا إلا بقصده ذلك وإنما يختلف العمد وغيره في مثل القتل، وروي: من كذب علي متعمدا ليضل الناس به، وهو منكر غير صحيح ولو صح فالمراد به التأكيد أيضا مثل قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وذكر في سائر المواضع في القرآن بغير ذكره معه هذه الزيادة والله أعلم والمشيئة في ذكره وتركه1 وروى من حدث علي2 حديثا يرى أنه كاذب فهو أحد الكاذبين، قال الله تعالى: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} والقول عن الرسل قول على الله والحق هنا كهو في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} فكل من شهد بظن شهد بغير حق إذا لظن لا يغني من الحق شيئا فكذا من حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالظن حدث عنه بغير حق فكان باطلا والباطل كذب فهو أحد الكاذبين عليه الداخلين في قوله: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار" ونعوذ بالله من ذلك.

_ 1 عبارة مشكل الآثار 1/175 وذلك عندنا على توكيده حيث شاء أن يؤكد وتركه ذلك حيث شاء تركه. 2 في مشكل الآثار ج1 ص175- من حدث عني وهو الظاهر- ح.

في السنين الجوادع

في السنين الجوادع روي مرفوعا أن أمام الدجال سنون جوادع يكثر فيها الظن ويقل فيها التثبت يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق يؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق الرويبضة قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال:

"الفوسق يتكلم أمر العامة"، يحتمل أن يكون لا يؤبه له لحموله لفسقه فلا يمكنه الكلام في أمر العامة ثم يمكنه ذلك في الدهر المذموم.

في الساعة

في الساعة عن أنس سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: "ما أعددت لها؟ " قال: أحب الله ورسوله قال: "أنت مع من أحببت"، وعن عائشة كان الأعراب يجيئون ويسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة متى الساعة؟ فنظر إلى أحدهم فقال: "أن بقي هذا لم يقبله الهرم حتى تقوم عليه ساعته"، لما سألوا عما قد أخفى الله عنه حقيقته أجابهم بما أجابهم انتهاء لما أمره به ربه من الانتهاء إليه بقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} الآية.

في من أحسن في الإسلام

في من أحسن في الإسلام روى مرفوعا "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" أي من أسلم في زمن الإسلام ومن كفر في زمن الإسلام المراد بالحسنة والسيئة هنا الإسلام والكفر كقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} فلا يضاد ما روي أن الإسلام يجب ما قبله والهجرة تجب ما قبلها.

في صدق ابي ذر

في صدق أبي ذر روي مرفوعا "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر" أي أنه في أعلى مراتب الصدق فلا ينتفي بذلك أن يكون في الصحابة من هو في الصدق مثله وإنما ينتفي به أن يكون غيره في مرتبة الصدق أعلى منها.

في الامر والنهي

في الأمر والنهي روي مرفوعا "إذا نهيتكم عن الشيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا

منه ما استطعتم"، المنهيات يمكن تركها لكل أحد والمأمورات قد يمكن فعلها وقد لا تستطاع فلم يكلفوا إلا بما يطيقونه منها إذا التكليف بحسب الوسع والطاعة بقدر الطاعة قال عبد الله بن عمر: كنا إذا بايعنا على السمع والطاعة كان صلى الله عليه وسلم يقول لنا: فيما استطعتم فهذا هو الفرق بين أمره ونهيه وذلك لأن الأمر بالشيء استدعاء لفعله وفعل الشيء بعينه قد يعجز عنه فأمر أن يأتي بما استطاع منه والنهي استدعاء لتركه وتركه بفعل ضده أو أضداده من غير تعيين فلا يتصور العجز عنه.

في كسب الاماء

في كسب الإماء روي مرفوعا النهي عن كسب الإماء يعني: الكسب المذموم بدليل قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} قيل: هو الصلاح وقيل: اكتساب المال، وروى أنه نهى كسب الأمة إلا أن يكون لها عمل واصب أو كسب يعرف، فالمنهي الكسب المذموم لا المحمود فإن قيل: هل يجوز أن يضاف إلى كل الإكساب ويراد به الخصوص؟ قلنا: إن الأشياء إذا كثرت اعدادها واتسعت جاز أن يضاف إلى كلها ويراد به بعضها كقوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} والمراد بعض القوم لا المصدق منهم وكذا قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} والمرد المصدقين منهم لا المكذبين.

في ان الله لا يمل

في أن الله لا يمل روي مرفوعا "خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله مادام منها وإن قل". يعني: أن الله لا يمل إذا مللتم لأن الملل ليس من صفاته سبحانه وهذا كما يوصف الرجل بالبراعة والفصاحة فيقال: أنه لا ينقطع عن خصومه حتى ينقطعوا ليس المراد وصفه بالانقطاع بعد انقطاع خصومه فكذا هذا يعني: أنكم تملون وتنقطعون والله تعالى بعد مللكم وانقطاعكم على الحال التي كان عليها قبل ذلك من انتفاء الملل والانقطاع.

في تعبير الظلة في المنام

في تعبير الظلة في المنام عن ابن عباس أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أرى الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثر والمستقل وأرى سببا واصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم أنه وصل له فعلا قال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت لتدعني فلأعبرنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعبر" قال أبوبكر: أما الظلة فظلة الإسلام وأما الذي تنطف السمن والعسل فحلاوته ولينه وأما ما يكتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه فأخذته فيعليك الله ثم أخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع ثم يوصل له فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضا وأخطأت بعضا" قال: فوالله يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت فقال: "لا تقسم". الخطأ في تعبيره هو أن جعل السمن والعسل شيئا واحدا وهما عند أهل العبارة شيئان مختلفان من أصلين مختلفين يؤيده ما روي أن عبد الله بن عمرو بن العاص رأى في المنام كان في إحدى أصبعيه عسلا وفي الأخرى سمنا فكأنه يلعقهما فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تقرأ الكتابين التوراة والفرقان" قال: فكان يقرؤهما وقوله: "لا تقسم" ليس لكراهة القسم لأنه مباح في كتاب الله وعلى لسان رسوله بل لأنه أقسم عليه وليخبره بحقيقة الخطأ من حقيقة الصواب وذلك غير موكول إليه لأن العبارة إنما هي بالظن والتحري لا بما سواهما قال تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} يعني: قال يوسف للذي ظن أنه ناج منهما فكان تعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس أيضا فهذا هو المعنى في

نهيه إياه عن القسم، يؤيده أن أبا بكر الصديق قد أقسم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب إذ عزم على الخروج للشام فقال له الناس: اتدع عمر يخرج إلى الشام وهو ههنا يكفيك الشام؟ فقال: أقسمت عليك لما خرجت فلو كان نهي النبي صلى الله عليه وسلم إياه عن القسم كراهية اليمين لما أقسم على عمر وكان القسم من الصحابة مشهورا لا ينكر على من أقسم. قال القاضي أبو الوليد: سمعت شيخي أن أبا بكر أصاب في تعبيره جميعا وأن خطأه كان في تقدمه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعبارة لها وسؤاله أن يبيح له ذلك وهو تأويل حسن.

في الغرباء

في الغرباء روي مرفوعا "أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء" فقيل: من هم يا رسول الله؟ فقال: "النزاع من القبائل"، وفي رواية نزاع الناس، وفي بعض الآثار الذين يصلحون حين يفسد الناس الإسلام طرأ على أشياء ليست من أشكاله فكان بذلك معها غريبا كما يقال لمن نزل على قوم لا يعرفونه: أنه غريب بينهم ثم أنه يعود كذلك فيكون من نزع عما عليه الجملة المذمومة إلى ما كانت الجملة المحمودة غريبا بينهم ومن ذلك ما روي عن ابن العاص أنه قال: ليأتين على الناس زمان يجتمعون في المساجد وليس فيهم مؤمن.

في اهل البيت

في أهل البيت روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: "اللهم هؤلاء أهلي"، وروي أنه جمع فاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى: رب هؤلاء أهلي قالت أم سلمة: يا رسول الله فتدخلني معهم قال: "أنت من أهلي" يعني: من أزواجه كما في حديث الإفك: من يعذرني من رجل بلغني إذاه في أهلى لا أنها أهل

الآية المتلوة في هذا الباب. يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: "أنت على خير إنك من أزواج النبي وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين". وما روي أيضا عن واثلة بن الأسقع أنه قال: أتيت عليا فلم أجده فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريده قال: فجاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين وأقعد كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وأنا منتبذ ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} ثم قال: "اللهم هؤلاء أهلي اللهم هؤلاء أهلي إنهم أهل حق" فقلت: يا رسول الله وأنا من أهلك؟ قال: "وأنت من أهلي" - قال واثلة: فإنها من أرجى ما نرجو وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش وأم سلمة موضعها من قريش موضعها فكان قوله صلى الله عليه وسلم لو اثلة: "أنت من أهلي" لاتباعك إياي وإيمانك بي وأهل الأنبياء متبعوهم يؤيده قوله تعالى لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} فكما حرج ابنه بالخلاف من أهله فكذلك يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته والكلام لخطاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تم عند قوله: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} وقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} استئناف تشريعا لأهل البيت وترفيعا لمقدارهم ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال: عنكم ولم يقل: عنكن فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية، يدل عليه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: "السلام عليكم أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .

في الغول روي عن أبي أيوب أنه كان في سهوة له فكانت الغول تجئ فتأخذ فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "إذا رأيتها فقل: بسم الله أجيبي رسول الله" فأخذها فحلفت أن لا تعود فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما فعل أسيرك"؟ قال: حلف أن لا يعود قال: "كذبت وهي عائدة" ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كلما أخذها حلفت أن لا تعود وتكذب فأخذها فقالت له: إني أعلمك شيئا إذا فعلته لم يقربك شيء آية الكرسي تقرأها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما فعل أسيرك"؟ فقال: قالت: آية الكرسي اقرأها فإنه لا يقربك شيء فقال صلى الله عليه وسلم: "صدقت وهي كذوب"، فيه إثبات الغول وقد روى جابر مرفوعا "لا غول ولا صفر ولا شؤم" ليس بينهما تضاد لأنه يحتمل أنه كان ثم رفعه الله عن عباده وهذا أولى ما حملت عليه الآثار المروية في هذا وفيما أشبهه ما وجدنا السبيل إلى ذلك.

في اهل فارس

في أهل فارس روي مرفوعا لو كان الإيمان بالثريا أو لو كان الدين بالثريا لنا له أبناء فارس أولنا له رجال من فارس أو رجال من الفرس، وبعض الرواة قال: رجال من الأعاجم أو رجال من الفرس على الشك، وروي مثل ذلك في العلم، روي أبو هريرة ويل للعرب من شر قد اقترب أفلح من كف يده تفرقوا1 يا بني فروخ إلى الذكر فإن العرب قد أعرضت عنه والله والله إن منكم لرجالا لو أن العلم بالثريا لنالو هذا على طريق المثل كما يقول الرجل لصاحبه: أنت مني كالثريا يريد في البعد وأنت نصب عيني يريد في القرب لأن الثريا لا دين ولا إيمان ولا علم بها ويحتمل أنه لو كان لابد من الوصول إليه بسبب يجعله الله بلطيف حكمته لمن خلقه للإيمان لأن أهل فارس من أشد الناس طلبا له.

_ 1 هكذا في الأصل والظاهر- تفرغوا- ح.

في اهل اليمن

في أهل اليمن روي مرفوعا "أتاكم أهل اليمن هم الين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية" قيل المراد بهم أهل تهامة وهو قول سفيان بن عيينة ولا يصح لأن أكثرهم من مضر وروي أنه صلى الله عيه وسلم أشار بيده نحو اليمن فقال: "الإيمان ههنا ألا وأن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين أصحاب الإبل حيث يطلع قرن الشيطان في ربيعة ومضر"، فدل أن المضاف إليهم الإيمان والحكمة والفقه أضدادهم الذين ليسوا من ربيعة ولا من مضر. وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعيينة بن بدر: "أنا أفرس بالخيل منك" فقال عيينة: إن تكن أفرس بالخيل فأنا أفرس بالرجال منك قال: وكيف؟ قال: أن خير رجال لبسوا البرود ووضعوا سيوفهم على عواتقهم وعرضوا الرماح على مناسج خيولهم رجال نجد فقال صلى الله عليه وسلم: "كذبت بل هم أهل اليمن الإيمان يمان آل لخم وجذام وعاملة ومأكول حمير"، الحديث. وروي أيضا أنه قال: "ليأتين أقوام تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" قلنا: من هم يا رسول الله أقريش؟ قال: "لا أهل اليمن هم أرق أفئدة والين قلوبا" فقلنا: هم خير منا يا رسول الله؟ فقال: "لو كان لأحد هم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه وإن فصل ما بيننا وبين الناس هذه الآية {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} " الآية وفي هذا ما يدل على خلاف ما ذهب إليه ابن عيينة وقال صلى الله عليه وسلم: "يقدم قوم هم أرق منكم أفئدة" فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى فجعلوا يرتجزون ويقولون: غدا نلقي الأحبة ... محمدا وحزبه فدل على أن أهل اليمن المرادون هم الأشعريون وأمثالهم القادمون من حقيقة اليمن دون من سواهم. وروى أن أبا عبيدة بن الجراح قال: يا رسول الله أجد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني"،

وعن أبي سعيد الخدري خرجنا مع رسول الله صلى الله عيه وسلم عام الحديبية فقال: "ليأتين أقوام تحقرون أعمالكم" الحديث إلى قوله: {أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ} الآية- وروى أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أمتك خير؟ قال: "أنا واقراني" قال: قلنا: ثم ماذا؟ قال: "ثم القرن الثاني" قال: قلنا: ثم ماذا؟ قال: "القرن الثالث" قال: قلنا؟ ثم ماذا؟ قال: "ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويؤتمنون ولا يؤدون"، يحتمل أن يكون المراد بالحديث الأول قوم تقدم إيمانهم وحال بينهم وبين الإتيان إليه صلى الله عليه وسلم مانع من العدو وغيره ثم أتوه بعد ذلك فلحقوا بمن تقدمهم في الإتيان إليه وفي القتال معه وكان ذلك قبل الفتح المذكور في الآية فتساووا جميعا عند التصديق له بظهر الغيب فإنهم فضلوا بذلك من آمن به وكان معه يرى إقامة الله عز وجل الحجج التي لا يتهيأ لذي فهم إنكارها والخروج عنها فلا معارضة بينه وبين الحديث الآخرولا خارجا عن الآية المذكورة والله أعلم غير أن هذا أما بلغه فهمنا منه؟

في أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ ابن جبل

في أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ ابن جبل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: اقرأهم- يعني من أمته- لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ليس في هذا الحديث ما يوجب كونهم فوق الخلفاء الراشدين وفوق إجلاء الصحابة فيما ذكروا به وإنما المعنى إن من جلت رتبته في معنى من المعاني جاز أن يقال: أنه أفضل الناس في ذلك العنى وإن كان فيهم مثله أو من هو فوقه من ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "يقتلك أشقاها" يعني: البرية فقتله عبد الرحمن بن ملجم وكان من أهل التوحيد وأشقى منه المشرك ولكن لعظيم جرمه وفتكه في الإسلام ما فتكه أطلق عليه الأشقى ومنه ما روي في وصف الخوارج بالصلاة والصوم ثم قال: "إنهم يمرقون من

الدين مروق السهم من الرمية هم شرار الخلق والخليقة" مع علمنا أن المشرك وقاتل الأنبياء والقائل بأن له ولدا وصاحبة شر من هؤلاء وكذلك يجوز إطلاق القول فيمن برع في العلم أنه أعلم الناس وإن كان لا يعرف جميعا ولا مقدار علومهم.

في سباب المسلم وقتالة

في سباب المسلم وقتاله روى مرفوعا "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" الفسوق الخروج عن الأمر المحمود إلى الأمر المذموم منه قوله تعالى: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} وأما قتاله ليس بكفر بالله حتى يكون مرتدا ولكنه على تغطية إيمانه واستهلاكه إياه لأنه بقتله أخاه لا يصير كافرا فبقتاله أولى ومنه قوله: "يكفرن العشير ويكفرن الإحسان" أي: يغطينه فيسترنه ومنه {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} ومنه {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} نزلت في شيء وقع بين الأوس والخزرج إنما كان على معنى تغطيتهم ما كانوا عليه من الأخوة والائتلاف.

في النملة والنحلة والهدهد والصرد

في النملة والنحلة والهدهد والصرد روى مرفوعا "أربع من الدواب لا يقتلن النملة والنحلة والهدهد والصرد" وروى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع النملة الحديث، وذلك لأن الهدهد لا يؤكل ولا مضرة منه على الناس فكان قتله عبثا، روى من قتل عصفورة فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي بها"، وروي ما قتل عصفور قط عبثا فما فوقه إلا عج إلى الله عز وجل يوم القيامة فلان قتلني فلا هو انتفع بي ولا هو تركني فأعيش في حشاراتها. وكذلك قاتل الصرد لا يقدر أن يجمع من أشكاله ما يتهيأ له ينبسط في أكل لحومها فيعود إلى العبث الموعود عليه وأما النحلة فقتلها قطع لمنافعها وعدم الانتفاع بها فزاد جرم

قاتلها على جرم قاتل الهدهد والصرد وأما النملة فلا منفعة معها ولا مضرة وورد أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح. وروى مرفوعا خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون الله تعالى فإذا هم بنملة رافعة بعض قوائمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجعوا فقد استجيب لكم من أجل هذه النملة". فمن قتل ما هذا سبيله فقد قطع المعنى المحمود منه ودخل تحت الوعيد المذكور، وروي في النملة إباحة قتلها إذا آذت لما روي نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فخرج من تحتها فأوحى هلا1 أخذت نملة واحدة، وفي قوله: "أربع لا يقتلن" دليل على أن غيرهن ليس في معناهن للحصر في العدد وقوله: نهى عن قتل أربع وإن لم يكن فيه حصر لكن المقصود بالنهي قتلهن فقط حيث لم يعطف عليهن غيرهن.

_ 1 في المشكل ج- 1-373 من تحتها ثم أمر بها فاحرقت في النار فأوحى الله تعالى إليه فهلا- ح.

في الكبائر

في الكبائر قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية من فضل الله ونهاية كرمه تكفير السيئات باجتناب الكبائر والوعد بإدخالهم مدخلا كريما بلا عمل كان منهم فوجب ذلك لهم بوعده وجوده فمن الكبائر ما روي عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أكبر؟ قال: "أن تجعل لخالقك ندا وقد خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك"، ثم نزل القرآن تصديقا له صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} فظهر أن الثلاثة من الكبائر وأكبرها الشرك ثم قتل الولد ثم المزاناة بحليلة الجار. وروي عن عبد الله بن عمرو قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه

وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله" قال: ثم ماذا؟ قال: "عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس"، فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص أن الشرك أكبر الكبائر ثم العقوق ثم الغموس فاحتمل أن يكون قتل الولد وعقوق الوالدين في درجة والغموس ومزاناة حليلة الجار في درجة تتلوها توفيقا بين الحديثين ويكون أجاب النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود بأحدهما واجبا عبد الله بن عمرو بن العاص بالآخر منهما ومثل هذا من صحيح الكلام يقال: فلان من أشجع الناس فيقال: ثم من؟ فيقول: فلان لآخر ثم هناك آخر مثله قد سكت عنه فلم يذكره فلا تضاد. وروى عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟ قالوا: بلى قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين قال: وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور" - شك الجريري أحد رواة الحديث- فما زال يقولها حتى قلنا ليته سكت، فكان الذي في هذا الحديث في الدرجة الأولى من الكبائر كالذي فيها في الحديثين كما يقال: من أشجع الناس؟ فيقول: فلان وفلان وأحدهما في الشجاعة فوق الآخر. وروى أبو أمامة عن عبيد الله بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فادخل فيها مثل جناح بعوضة إلا كانت نكتة في قلبه يوم القيامة". وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله والسحر وقتل النفس المحرمة إلا بالحق وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف الغافلات المؤمنات"، ولم يذكر غير هذه الستة وسقط فيه السابع وليس في حديث أبي هريرة تغليظ بعضها على بعض فهي مرتبة على حديث ابن مسعود وابن عمر

وروى أبو أيوب الأنصاري أنه قال: من مات يعبد الله ولا يشرك به شيئا ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر فله الجنة فسأله رجل ما الكبائر؟ فقال: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله والفرار يوم الزحف. وسأل رجل من الصحابة يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "تسع أعظمهن الإشراك بالله وقتل المؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين واستحلال بيت الله الحرام قبلتكم أمواتا وأحياء" ثم قال: "لا يموت رجل لم يعمل هذه الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا وافق محمدا صلى الله عليه وسلم في دار محبوبة مصاريعها من ذهب". وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه"، وموضعه موضع العقوق فيما تقدم. وقد روى أن الكبائر من أول سورة النساء إلى قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} الآية وفي هذا زيادة على ما ذكرنا ويحتمل أن لا تكون كبائر سواها ويحتمل أن تكون سواها لم يطلع الله تعالى عباده عليها ليكونوا على حذر من الوقع فيها بالاحتراز عن السيئات كلها خوفا من الوقوع في الكبائر وذلك من نحو ما روى مرفوعا الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فلم يبينها ليجتنب الشبهات كلها ومن هذا المعنى إبهام ليلة القدر ليجتهدوا في العمل رجاء موافقتها. وعن ابن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أكبر الذنب- وفي رواية أن أكبر الكبائر- أن يسب الرجل والديه" قيل: يا رسول الله وكيف يسب والديه؟ قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه"، وهذا يبعد أن يكون من أكبر الكبائر لأن الشرك أكبر من ذلك.

وعنه جاء أعرابي فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله" قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: ثم "اليمين الغموس"، وكلا الحديثين بإسناد لا طعن فيه ولا استرابة بأحد من رواته. فعاد بذلك أكبر الكبائر الإشراك بالله ثم عقوق الوالدين تاليا للشرك ولكن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق أكبر من العقوق لا سيما الإبن الذي جعل الله له من الحق عليه رزقه وكسوته وإن الزنا أكبر من ذلك أيضا لا سيما الزنا بحليلة الجار فعاد الأمر إلى أن أكبر الذنوب الشرك ثم يتلوه قتل النفس وإن تفاضلت أحوال المقتولين ثم يتلو ذلك الزنا وإن كان بعضه أشد من بعض ثم يتلوه عقوق الوالدين ثم شهادة الزور واليمين الغموس والله أعلم.

في ثناء الله على العبد

في ثناء الله على العبد روي مرفوعا " إذا رضي الله عن العبد بالأعمال الصالحة أثنى عليه سبعة أضعاف من الخير لم يعملها" وقال في السخط مثله يعني إذا رضى الله تعالى عن العبد بأعماله الصالحة يثني عليه سبعة أضعاف من الخير لم يعملها مما قد علم الله أنه سيعملها في المستقبل وإن كان قد يعمل من الخير في المستأنف أكثر منها لأنه لم يستوجب الثناء بما لم يعمل بعد فتفضل الله تعالى عليه لمحبته إياه بأن يثنى عليه من ذلك بالعدد المذكور في الحديث والسخط مثل ذلك.

في القرآن

في القرآن عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقى في النار ما احترق"، يحتمل أن يراد بالإهاب قارئه الذي وعاه ويحتمل الورق الذي يكتب فيه لو ألقى في النار لانتزع الله تعالى منه القرآن تنزيها له حتى يحترق الإهاب خاليا من القرآن والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في الريح والرياح

في الريح والرياح عن القاسم بن سلام ما كان فيها من الرحمة فإنه جماع وما كان من

العذاب فإنه على واحدة والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا هاجت الريح اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا" حكاه أبو عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصل له وكان اللائق بجلالة قدره أن لا يضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يعرفه أهل العلم بالحديث عنه وقد ذكر الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} فكانت الريح الطيبة رحمة والعاصف عذابا فدل على انتفاء ما رواه أبو عبيد والله يغفر له. ومن رواية أبي بن كعب مرفوعا "لا تسبوا الريح إذا رأيتم منها ما تكرهون" وقولوا: "اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به". وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به" وإذا تجلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت سرى عنه فسألته فقال: لعله كما قال قوم عاد {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} الآية وعن أنس مرفوعا أنه كان إذا هاجت ريح شديدة قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به وأعوذ بك من شر ما أمرت به". فدل جميع ما روينا أن الريح قد تأتي بالرحمة وقد تأتي بالعذاب وأنه لا فرق بينهما إلا في الرحمة والعذاب وأنها ريح واحدة لا رياح- وعن وعن ابن عباس مرفوعا نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور، والصبا ريح واحدة والدبور كذلك وروى أن رجلا قرأ: وأرسلنا الريح لواقح فقال عاصم: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} لو كانت الريح لكانت ملقحة فذكر ذلك للأعمش

فقال: أنه لا تلقح من الرياح إلا الجنوب فإذا تفرقت صارت رياحا وفيما روينا دليل على أن المختار عند اختلاف القراء في الريح والرياح الريح لا الرياح.

في الغرف والقباب

في الغرف والقباب ... في الغرق والقباب روى أن العباس ابتنى غرفة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ألقها" فقال: أنا أنفق مثل ثمنها في سبيل الله فرد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ورد العباس عليه ثلاث مرات محمل الكراهة اتخاذ الغرفة التي يستعلى منها على منازل الناس لقصر منازلهم ويحتمل أن يكون ذلك لكراهية البنيان الذي لا يحتاج إليه علوا كان أو سفلا. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: "ما هذه"؟ فقال له أصحابه: هذه لرجل من الأنصار فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها في الناس أعرض عنه صنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب والإعراض عنه شكا ذلك إلى أصحابه فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما حدث بي وما صنعت قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبتك فقال: "لمن هي"؟ فأخبرناه فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم يرها فقال: "ما فعلت القبة التي كانت هنا"؟ فقالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال: "أما أن كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما- إلا ما". ليس المذموم كل بناء وإنما المراد منه ما بني في ظلم واعتداء يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من بنى بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس في غير ظلم ولا اعتداء كان أجره جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن"، وهو المستثنى وما روي في حديث اعتزاله لنسائه صلى الله عليه وسلم أن عمر استأذن

عليه وهو في مشربه له وهي الغرفة الحديث بطوله إلى قوله ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت اتشبث في الجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ومن رواية أبي سريحة أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة. فقال: "ما تذكرون وما تقولون"؟ قال: قلنا: يا رسول الله الساعة قال: "أنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب وخسفا بجزيرة العرب ويأجوج ومأجوج والدابة والدخان والدجال ونزول عيسى ابن مريم وطلوع الشمس من مغربها ونارا تخرج من قعر عدن تقيل إذا قالوا وتروح معهم إذ راحوا"، وخرجه من طرق لا يضاد ما روينا في أن اتخاذ الغرف والأسافل مباح في غير ظلم ولا اعتداء.

في الدخان

في الدخان روي مرفوعا في تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ذكر في ذلك ما روي ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشا استعصت وكفرت فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} فأخذتهم سنة حصت عليهم كل شيء حتى العظام والميتة وحتى كان الرجل يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد فقالوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} الآية ثم قرأ {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فكشف عنهم فعادوا في كفرهم ثم قرأ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} فعادوا في كفرهم فأخذهم الله عز وجل يوم بدر ولو كان يوم القيامة لم يكشف عنهم فكان فيه أن الدخان من الآيات التي مضت في عهده صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن مسعود أنه قال: خمس قد مضين الدخان والقمر والروم واللزام والبطشة الكبرى. وما روي عن أبي هريرة مرفوعا بادروا بالأعمال فتنا قبل طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة والقيامة مع ما روينا عن أبي سريحة في

إباحة الغرف تأويله على أنه دخان آخر لأن الله قال: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ} ثم أتبع ذلك بقوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} أي: عقوبة لهم لما هم عليه من الشك واللعب ومحال أن تكون هاتان العقوبتان لغيرهم أو يؤتى بها بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان وإنما سماه دخانا مبينا مجازا وليس بدخان حقيقة وإنما كان سمته قريش دخانا بالتوهم كما روي في قصة الدجال أنه يامر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت وليس ذلك بمطر ولا نبات على الحقيقة وإنما يتخيل للناس أنه مطر ونبات ووجه قوله: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ} إن الأشياء التي تحل بالناس من الله تعالى تضاف إلى السماء من ذلك قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} فأخبر أن الأمور التي تكون في الأرض مدبرة من السماء إليها وما ذكر في حديث حذيفة وأبي هريرة من الدخان فهو دخان حقيقي مما يكون بقرب القيامة نسأل الله خير عواقبه في الدنيا والآخرة.

في الاقتداء بابي بكر وعمر

في الاقتداء بأبي بكر وعمر روى حذيفة بن اليمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد"، الاقتداء بهما هو امتثال ما هما عليه وأن يحذى حذوهما في الدين ولا يخرجوا منه إلى غيره. والاهتداء بهدي عمار يعني في الأعمال التي يتقرب بها إلى الله لأن الاهتداء هو التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة وعمار من أهلها وليس ذلك بمخرج لغيره من الصحابة عن تلك المنزلة لأن القصد بمثل هذا إلى الواحد من أهله لا ينفي بقية أهله أن يكونوا فيه مثله كما يقال موضع فلان من العبادة الموضع الذي ينبغي أن يتمسك به وليس في ذلك ما ينفي أن يكون هناك آخرون في العبادة مثله أو فوقه ممن يجب أن يكونوا في الاهتداء بهم كالاهتداء به فيه ومما يدل على ان الهدى العمل الصالح قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى رجلا

يصلي يكثر الركوع والسجود عليكم هديا قاصدا قالها ثلاثا فإنه لن يشاد هذا الدين أحدا إلا غلبه فكان الهدى القاصد في هذا ما يقدر على مداومته من الأعمال الصالحة المتقرب بها إلى الله. وقوله: "وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" مأخوذ من قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وكان ابن أم عبد منهم روي أنه كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته قال حذيفة: المحفوظ من الصحابة1 أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله وسيلة فلما كان بهذه المنزلة من الهدى والدل في الدنيا وقرب الوسيلة في الآخرة كان حريا أن يتمسك بعهده الذي عاهد الله عليه ودام إلى أن توفى ولا يمنع أن يكون في الصحابة من هذه منزلته في الدنيا والأخرى غيره.

_ 1 كذا وفي المشكل 2/87 لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهو الصواب- ح.

في شرة العابد وفترته

في شرة العابد وفترته روى مرفوعا "أن لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فأما إلى سنة وأما إلى بدعة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك شرة العابد حدته" فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العبادة ما دون الحدة التي لا بد لهم من التقصير عنها والخروج منها إلى غيرها وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما يدومون عليه إلى أن يلقوا ربهم فقد كان أحب الأعمال إليه صلى الله عليه وسلم ما يدوم عليه صاحبه. وذكر عند طاوس الاجتهاد فقال: تلك حدة الإسلام وشرته ولكل شرة فترة.

في استحقاق المجلس

في استحقاق المجلس روي مرفوعا "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" معناه إذا قام لأمر عرض له على أن يعود إليه وأما إذا قام معرضا ثم بدا له فرجع إليه فلا يكون أحق به.

المجازاة

المجازاة روى مرفوعا أن الرجل ليكون من أهل الصلاة والزكاة والحج والعمرة حتى ذكر سهام الحير وما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله المصلي إذا وفى بما يلزمه من الخشوع والإقبال التام فهو عاقل لصلاته غير غافل عنها وكذلك المزكي إذا اجتهد في المستحقين والصائم إذا ترك الرفث والحنا والغيبة والحاج والمعتمر إذا أقبلا على ما ينبغي وتركا المحظورات فقد عقل ما أتى به ووفى حقه من نفسه وكذلك سائر أعمال البر فكان جزاؤه على قدر تعقله وتوجهه بخلاف من جهله حتى أغفله ولم يوفه ما أمر به من حقه وقيل على قدر عقله أي على قدر معرفته بالله عز وجل أن أهل الإيمان يتفاضلون في ذلك على قدر معرفته بالله عز وجل لأن أهل الإيمان يتفاضلون في ذلك على قدر عقولهم مع هداية اله تعالى لهم وشرحه لصدورهم قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} فمعرفة الرجل بالله على قدر عقله الذي به يميز الأدبة التي نصبها لمعرفته ويفهم معانيها بتوفيق الله تعالى حتى ثبت الإيمان في قلبه ثبوت الجبال الرواسي وكفى في هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} و {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} .

في التغني بالقرآن

في التغني بالقرآن روى مرفوعا ما يأذن الله لشيء ما يأذن الله لنبي يتغنى بالقرآن الأذن هنا الاستماع منه {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أي ما يستمع لشيء ما يستمع لنبي يتغنى بالقرآن من تحسينه به صوتا طلبا لرقة قلبه لما يرجو فيه من ثواب ربه إياه عليه وروي مرفوعا ليس منا من لم يتغن بالقرآن قيل أريد به الاستغناء عن الأشياء كلها فكل الصيد في جوف الفرى ولا يتوجه إلى عاجل خيره في الدنيا وقيل أريد به تحسين الصوت ليرق قلبه فقيل لابن أبي مليكة من لم يكن له خلق حسن قال يحسنه ما استطاع والحمل على الاستغناء أولى لأنه سيق لذم تاركه ومن قرأ القرآن بغير تحسين صوته مريدا بقراءته

وجه الله متدبرا فيه فهو مثاب غير مذموم اتفاقا. وما روي أن في زمان الطاعون قال عبس الغفاري يا طاعون خذني إليك ثلاثا فقيل له ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله لا يرد فيستعتب؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بادروا بالموت ست أمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدماء وقطيعة الرحم ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقها"، لا يضاد ما روينا لأن النشو المذكور اتخذوا أئمة في الصلوات لصوتهم فقط وليسوا أهلالها إذ السنة تقديم الأعلم ثم الأقدم هجرة ثم الأسن وإن لم يكن لهم حسن الصوت ورغبوا عن ذلك إلى حسن الصوت راغبين عن السنة فذموا فلذا بادر الموت وليس من ذلك من يحسن صوته ليرق قلبه أو قلوب سامعيه في شيء حتى لو اجتمع مستحقان للإمامة وأحدهما حسن الصوت يقدم على الذي ليس معه حسن الصوت فلا تعارض كيف وقد وصفه الله تعالى بأنه لا ينطق عن الهوى وعن عمر بن الخطاب أنه كان إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده وكان حسن الصوت.

في قوله ليس منا من فعل كذا

في قوله: ليس منا من فعل كذا روى مرفوعا "من حمل السلاح فليس منا ومن رمانا بالليل فليس منا وليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه وليس منا من غشنا وليس منا من حلق وسلق" يعني تكلم بما لا يحل له من الكلام من، {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} وليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وقال في الحيات ما سالمناهن منذ حاربناهن فمن تركهن خيفتهن فليس منا وقال: "من رغب عن سنتي فليس منا ومن حلف بالأمانة فليس منا ومن خبب امرأة امرئ مسلم فليس منا والوتر حق فمن لم يوتر فليس مني" قالها ثلاثا وقال: سيكون أمراء بعدي فمن دخل عليهم وصدقهم على كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني

ولست منه ولن يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض وقوله: من وطئ حبلى فليس منا لما اختار الله تعالى لنبيه الأمر المحمود ونفى عنه المذموم كان من عمل الأمور المحمودة منه ومن عمل المذمومة ليس منه كما قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال: {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} فدل ذلك على أن كل من يعمل على شريعة نبيه الذي عليه اتباعه فإنه منه ومن عمل عملا تمنع منه شريعته فليس منه لخروجه عما دعاه إليه وعما هو عليه إلى ضد ذلك. عن ابن سمعود أنزل الله تعالى على رسوله المفصل بمكة فكنا حججا نقرؤه لا ينزل غيره فيه أن الحجرات ليست منه وأنها مدنية لأن فيها النهى عن رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم وإنما كان في الحين الذي ظن ثابت ابن قيس أنها نزلت فيه فأعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من سبب رجوعه إلى مجلسه ولأن فيها {لا تُقَدِّمُوا} الآية وسبب نزوله اختلاف أبي بكر وعمر في إشارتهما بتولية الأقرع والقعقاع ولأن فيها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} وسبب نزوله الذي بعثه مصدقا على ما روي من شأنه ولم يبعث مصدقا بمكة ولأن فيها {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} وسبب نزولها ما وقع بين الأوس والخزرج وإذا انتفى أن تكون الحجرات من المفصل كان أوله "ق" ومما يدل عليه سؤال أوس بن حذيفة من الصحابة كيف كنتم تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة وحزب المفصل فنظرنا فيه فإذا ثلاث سور من أول القرآن البقرة وآل عمران والنساء والخمس المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة والسبع يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل والتسع بنو إسرائيل والكهف ومريم وطه

والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان والإحدى عشرة الطواسين والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس والثلاثة عشر الصافات وصاد والزمر وحم يعني آل حم وسورة محمد صلى الله عليه وسلم والفتح والحجرات وحزب المفصل فتحقق أن المفصل ما بعد الحجرات إلى آخر القرآن- وما روي عن زرارة أنه قال: كان أول المفصل عند ابن مسعود الرحمن وذلك لاختلاف تأليف السور من الصحابة الذين تولوا كتابة القرآن في عهد عثمان وهو الحجة ويحتمل أن في تأليف ابن مسعود بعد سورة الرحمن ق والذاريات وما سواهما من السور التي بينهما وتكون الحجرات خارجة من ذلك راجعة إلى مثل ما بقي عليه في تخريب الصحابة1 كما بينا في حديث أوس بن حذيفة.

_ 1 راجع لترتيب ابن مسعود وغيره النوع الثامن عشر من الإتقان- ح.

في ترك بسملة براءة

في ترك بسملة براءة عن ابن عباس قلت لعثمان: ما حملكم على الإقران بين الأنفال وهي من المثانى وبين براءة وهي من المئين ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء ودخل عليه بعض من يكتب فيقول: "ضعوا هذا في السورة التي ذكر فيها كذا وكذا"، وإذا أنزلت عليه الآيات قال: "ضعوا هذه الآيات في سورة كذا وكذا"، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها وظننت أنها منها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها من أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول.

ففيه ظن عثمان أنهما سورة واحدة وتحقيق ابن عباس أنهما سورتان وأيده حديث أوس بن حذيفة فوجب أن تكونا سورتين وتباينهما في الوقتين نزولا يدل أيضا على أنهما سورتان لا سورة واحدة لأن الأنفال نزلت في بدر في سنة أربع وبراءة آخر سورة نزلت- روي عن البراء آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} وآخر سورة نزلت براءة وفيه أن براءة سورة كاملة بائنة من الأنفال لأن مثل هذا لا يقوله البراء رأيا. وعن ابن عباس كان جبريل إذا أنزل بسم الله الرحمن الرحيم علم صلى الله عليه وسلم أن السورة قد انقضت. وعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت مكان التوراة السبع الطول وأعطيت مكان الإنجيل المثانى وأعطيت مكان الزبور المئين وفضلت بالمفصل"، ففيه أن كل واحدة منها غير صاحبتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى مكان كل واحدة منها شيئا آخر غير الأول وقيل: أنما ترك البسملة بين الأنفال وبراءة لأنها رحمة وسورة براءة نقض عهود وبراءات ووعيد وأبانة نفاق فاستحق بذلك ما استحق من العذاب وهو مردود لثبوت البسملة في أول ويل لكل همزة وتبت فعلم أنها تكتب قبل سورة العذاب وسورة الرحمة، وقيل: نزلت لأنها من خطاب المشركين ورد بقصة سليمان في كتابه إلى المشركين وأنه بسم الله الرحمن الرحيم وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من أتبع الهدى.

في بر الوالدين

في بر الوالدين عن أبي عبد الرحمن السلمى قال: أن رجلا منا أمرته أمه أن يتزوج فلما تزوج أمرته أن يفارقها فارتحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك فقال:

ما أنا آمرك أن تطلق وما أنا بالذي آمرك أن تمسك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الوالدة أوسط باب الجنة فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه" -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- لم يقطع بالجواب والحق أن يطيعها. عن ابن عمر كانت عندي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عبد الله طلق امرأتك"، فطلقها فإذا كان بر الوالد ذلك ففي الوالدة وحقها أكثر وأوجب. وعن أبي هريرة جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أولى الناس بحسن الصحبة مني قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أبوك"، قيل للأم ثلثا البر، وروى مرفوعا في جواب أي الناس أحق مني بحسن الصحبة؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" ثلاث مرات قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك"، فعلى هذا للأم ثلاثة أمثال ما للأب وهو أصح من الأول لأن راوية شجاع وهو أحفظ من سفيان بن عيينة1.

_ 1 شجاع هو ابن الوليد كما في المشكل وقد تكلموا فيه حتى قال له ابن معين مرة يا كذاب راحع ترجمته في التهذيب 4/313 وابن عيينة احفظ من مائة مثل الشجاع وعبارة الطحاوي قد يحتمل أن يكون ابن عيينة ذهب عنه في ذلك ما حفظه شجاع لأن ابن عيينة إنما كان يحدث من حفظه وشجاع كان يحدث من كتابه وهذه عبارة لا بأس بها- ح.

في استعمال الفضة والذهب

في استعمال الفضة والذهب عن أنس كان نصل سيف رسول الله صلى الله ليه وسلم وقبيعته فضة وما بين ذلك حلق فضة فيه جواز استعمالها كما في الخاتم وإنما يكره فيما يستعملها العجم من الأكل والشرب فيها واتخاذها آنية كما تتخذ من الصفر والحديد لا غير. عن عمر وأبي بكر والزبير أن سيوفهم كانت محلاة بالفضة ويؤيده

إهداء رسول الله صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل وهو بمكة عام الحديبية وكان في رأسه برة من فضة جمل بها وأن عرفجة أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب ففعل وكان بعد تحريم الذهب على الذكران لأنه ما شكا النتن إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليبيح له ما أباح إذ لو كان حلالا لما احتاج إلى التشكي. واختلف في شد الأسنان بالذهب إذا تحركت فعن أبي حنيفة قولان الكراهة والإباحة وفي إباحته بالفضة قول واحد وعن جماعة من السلف أنهم ضببوا أسنانهم بالذهب منهم المغيرة أمير الكوفة والحسن وموسى بن طلحة وعبيد الله بن الحسن قاضي البصرة وأبو حمزة وأبو نوفل ويزيد الرشك وغيرهم ولا نعلم فيه خلافا إلا ما ذكرناه عن أبي حنيفة وقوله في الإباحة أولى لما روينا في قصة عرفجة. وروي شريك عن حميد قال رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم فيه فضة أو قد شد بفضة يحتمل أنه كان فعله صلى الله عليه وسلم فكان من أعظم الحجة على إباحته وإن كان من أنس فقد دل على إباحة الشرب في مثله كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه لأنه صار إليه رجل جليل فقيه من الصحابة وهو أنس بن مالك خلافا للشافعي في كراهته وخلاف ما روي عن ابن عمر وابنه سالم والأولى قول أنس لاحتمال ما كان في القدح فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقياسا على إباحة علم الحرير في ثوب الكتان والقطن وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضة ولم ينه عن الآنية المفضضة كما نهى عن لباس الحرير ولم ينه عما كان فيه شيء من الحرير. وعن ابن عمر أنه اشترى جبة فيها خيط أحمر فردها فسمعت ذلك أسماء فقالت بؤس لابن عمر يا جارية ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي جبة مكفوفة الجيب والكمين والفرج بالديباج فكرة ابن عمر الجبة

لما كان خيط الحرير كما كره الآنية وخالفته أسماء واحتجت عليه بجبته صلى الله عليه وسلم ولم تكن تحاجه إلا وقد وقفت على استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها بعد نهيه عن لباس الحرير. وعن ابن عباس إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت يعني من الحرير فأما السدى أو المعلم فلا وقد أباح الشرب من الآنية المفضضة جماعة من التابعين إلا أنهم قالوا لا يضع فاه على الفضة.

في النصيحة

في النصيحة روي مرفوعا "الدين النصيحة" ثلاثا قيل لمن يا رسول الله قال "لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" لا يخالف هذا قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} لأن النصيحة من الإسلام ويجوز إطلاق الإسلام عليه لمكانها منه كما يقال الناس العرب وفيهم غير العرب لجلالة العرب وامتيازهم عن سائر الناس بالخواص التي فيهم فجاز أن يقال هم الناس ومن ذلك المال النخل لجلالة النخل في الأموال فمثله الدين النصيحة وإن كان في الدين سواها ومعنى النصح لكتابه أي لمن تعلمونه إياه في تعليمهم ما يحتاجون إلى علمه من محكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه وفي التعليم على هذا الوجه من المشقة ما فيه فأمروا بذلك قال ابن عمر لقد عشنا برهة من دهر وأحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وآخرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم اليوم القرآن ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتي أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ولا يدري ما آخره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل.

في المؤمن لا يلدغ مرتين

في المؤمن لا يلدغ مرتين روي مرفوعا "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" ولا يلدغ بالجزم في

أكثر الروايات معناه لا تثنى على مؤمن عقوبة في ذنب أتاه وقيل لا يلدغ بالرفع لأن تخصيص المؤمن يبطل تأويل الجزم لأن الكافر لا تثنى عليه عقوبة ذنبه وكذلك المنافق أيضا وإنما المقصود أن المؤمن إذا كان منه ذنب أحزنه ذلك وخاف منه فكان سببا لترك عوده فيه أبدا فمعنى الحديث لا يذنب ذنبا يخاف عقوبته ثم يعود فيه بعد ذلك أبدا ومعنى لا يلدغ أي لن يلدغ وكذلك في قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقوله تعالى: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} وهذا أشبه الوجهين. وسئل ابن وهب عن تفسيره فقال الرجل يقع في الشيء يكرهه فلا يعود فيه فهذا يتمشى على الرفع دون الجزم ويدل عليه قوله تعالى: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} والتوبة النصوح أن يجتنب الرجل العمل السوء يتوب إلى الله منه ثم لا يعود فيه أبدا ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة"، لأن الندم مما يمنع العود إلى مثله.

في مائة ابل لا تجد فيها راحلة

في مائة إبل لا تجد فيها راحلة روي مرفوعا الناس كإبل مائة لا نجد فيها راحلة هذا عام أريد به الخصوص كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} لأن في الناس من يحمل الكل عن غيره كمثل الراحلة التي تبين بما تحمل عمن سواها من الإبل التي ليست من الرواحل فهي كالذين لا غناء معهم ولا منفعة عندهم لمن سواهم من الناس والحمد لله في الناس من هو في هداية الناس وإرشادهم وتعليمهم إياهم أمر دينهم وفي تسديدهم ونفعهم والقيام لقضاء حوائجهم وحمل أثقالهم كثير وروى الناس كالإبل المائة هل ترى فيهم راحلة ومتى ترى فيها راحلة فيحتمل أن يكون استفهام نفي كمعنى الأول ويحتمل أن يكون على وجود ذلك في الوقت البعيد والله أعلم بمراد رسوله من ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: "لا نعلم شيئا خيرا من مائة من مثله إلا المؤمن" ومعناه كمعنى الأول.

في النهي عن تسمية العنب بالكرم

في النهي عن تسمية العنب بالكرم روى مرفوعا "لا تقولوا للعنب الكرم فإنما الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا حدائق الأعناب" مع تسمية العنب كرما في قوله لأصدقة في شيء من الزرع أو النخل أو الكرم حتى يكون خمسة أوسق فيحتمل أن يكون هذا قبل النهى والأشياء قبل ورود النهي على الباحة قولا كان أو فعلا فإذا نهى عنها حظر من فعلها وقولها.

في اللعب في العيد

في اللعب في العيد عن عامر بن قيس ما كان على عهد رسول اله صلى الله عليه وسلم شيء الأوقد رأيته يعمل بعده إلا شيئا واحدا فإنه كان يقلس "له" يوم الفطر يعني يلعب لا خلاف بين أهل اللغة أنه اللعب واللهو اللذان ليسا بمكروهين كمثل ما أطلق في الأعراس منها وذلك ليعلم أهل الكتابين أن في دين الإسلام سماحة وما روى عن أنس أنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: "أن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى"، لا يخالف ما روينا لأنه يحتمل أن يكون أراد بذلك منهم أن يجعلوا فيهما من اللعب مما كانوا يفعلونه في ذينك اليومين في الجاهلية وذلك عندنا والله أعلم على اللعب المباح مثله كما أبيح في أعراسهم اللعب المباح فقط. روى جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما خطبتين فكان الجواري إذا نكحوا يمرون يضربون بالكبر والمزامير فيبثوا1 الناس ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فعاتبهم الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} فما نهاهم عن اللهو المباح فيما كان ذلك منهم فيه فكذلك اللعب الذي أباح في الأعياد غير داخل في اللهو المنهي في غير الأعياد فلا تضاد فيما روينا.

_ 1 كذا ولعله فيثور- ح.

في شيء مباح حرم بمسئلته

في شيء مباح حرم بمسئلته ... في شيء مباح حرم بمسألته عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا "أن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن حراما فحرم من أجل مسألته" وذلك لأن الله تعالى قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي: ما نفرط لأن القرآن كان ينزل بعد ذلك كما كان ينزل قبله فكانوا ممنوعين عن الاستعجال بالسؤال عما أخبر الله تعالى أنه لا يفرط فيه كما نهى صلى الله عليه وسلم عن استعجال الوحي بقوله تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} وأمر بالانتظار فيه ومما يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب لما أنزل الله تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} الآية فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . أي: عن السؤال عن مثل هذا حتى يكون الله نزله على رسوله ابتداء لأن الكتاب لا يفرط فيه فلما كان السؤال ممنوعا عنه كان السائل ظالما لنفسه لأنه تقدم بسؤاله أمر الله الذي لا ينبغي له أن يتقدمه وكان فيما عاقب به اليهود بظلمهم قوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} فكان السائل غير مأمون أن يحرم عليه بظلمه ذلك ما قد كان حلالا له لأن الأشياء كلها على طيبها وعلى حلها حتى يحدث الله فيها التحريم وإذا عاد المسؤول حراما بمسألته عليه عاد حراما على جميع الناس فكان أعظم الجرم فيهم. وليس سؤال عمر أن يبين لهم في الخمر من هذا المعنى المذكور في حديث سعد لأنه كان فيمن سأل عما كان حلالا فحرم من أجل مسألته وعمر إنما سأل عن شيء تقدم تحريمه ألا تره يقول لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين فسؤاله إنما كان لأن يبين الله في الخمر ما تسكن إليه نفوس القوم الذين عظم في قلوبهم تحريمها فبين الله تعالى أنه إنما حرمها لمصلحتهم لأنها رجس وفيها الإثم الكبير وتمنع من الصلاة وتوقع العداوة بينهم إذ كانت سببا لما نزل بسعد عند

شربه هو ونفر من الأنصار إياها وتفاخرهم عن ذلك حتى قال بعضهم: المهاجرون أفضل وقال بعضهم: الأنصار أفضل فأخذ رجل لحي جمل ففزر به أنف سعد فكان أنفه مفزورا، ففي سؤال عمر إعلام الله أن في تحريم الخمر خيرا لهم لا عقوبة وذلك نعمة من الله عليهم سببها سؤال عمر فافترق المعنيان.

في النهي عن قوله عبدى وامتي

في النهي عن قوله عبدي وأمتي روي مرفوعا "لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي فكلكم عبيد الله وكلكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي" لا يقال: قد قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً} لأن المنهي إنما هو إضافة ملاكهم إلى أنفسهم بأنهم عبيدهم لأن فيه استكبارهم عليهم وما في القرآن فإنما هو بإضافة غيرهم إليهم. وروى أبو هريرة أراه مرفوعا لا يقولن أحدكم ربي لمالكه وليقل سيدي لا يخالف هذا قوله تعالى: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} يعني مليكه الذي هو رئيس عليه لأن يوسف عليه السلام إنما خاطبه على ما عند المخاطب لأنه كان يسميه ربالا أنه عند يوسف كذلك مثل قول موسى عليه السلام للسامري {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ} فخاطبه على ما كان عنده لا على ما هو عند موسى وليس للمملوك أن يجعل مالكه ربا وجاز ذلك في البهائم والأمتعة كما ورد في حديث ضالة الإبل دعها حتى يلقاها ربها وقيل: إنما نهى المملوك من بني آدم عن هذا القول لأنهم دخلوا في عموم {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} إلى قوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} فكان المملوك ممن أخذ عليه الميثاق في ذلك بخلاف البهائم.

في حمله الفقة

في حملة الفقه روي مرفوعا رب حامل فقه إلى من هو افقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه الفقه هو الفهم ومنه قوله تعالى: {يَفْقَهُوا قَوْلِي} يؤيده قوله عليه

الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، ولا يقال لكل فهيم فقيه لأن الفقه لما جل مقداره وتجاوز عن مقادير الأشياء من العلو خص أهله بأن قيل لهم فقهاء رفعا لهم عمن سواهم فلا يطلق لغيرهم يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الفقه يمان"، فسمى ذلك فقها وأبانه عن سائر الأشياء المفهومة سواه فثبت أن كل فقيه فهيم وليس كل فهيم فقيها.

في رحى الاسلام

في رحى الإسلام روي مرفوعا "تدور أو تزول رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو لست وثلاثين أو لسبع وثلاثين فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن بقوا يبقى لهم دينهم سبعين سنة" روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن ناجية وعبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عبد الله بن مسعود وروي مسروق عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين سنة فإن اصطلحوا بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عاما رغدا وإن يقتتلوا يركبوا سنن من قبلهم"، قوله: تدور أو تزول يريد به الأمور التي عليها يدور الإسلام وشبه ذلك بالرحى فسماه باسمها وكان قوله صلى الله عليه وسلم: "بعد خمس أو ست أو سبع" ليس على الشك ولكن على أن يكون ذلك فيما يشاؤه الله عز وجل من تلك السنين فشاء عز وجل إن كان ذلك في سنة خمس وثلاثين فتهيأ فيها على المسلمين حصرا ما مهم وقبض يده عما يتولاه عليهم مع جلالة مقداره لأنه من الخلفاء الراشدين المهديين حتى كان ذلك سببا لسفك دمه وحتى كان ذلك سببا لوقوع الاختلاف وتفرق الكلمة واختلاف الآراء فكان ذلك مما لو هلكوا عليه لكان سبيل من هلك لعظمه ولما حل بالإسلام منه ولكن ستر الله وتلافى وخلف نبيه في أمته من يحفظ دينهم عليهم. ثم تأملنا ما بقي من هذه الآثار فوجد في حديث مسروق فإن يصطلحوا فيما بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عاما رغدا ووجدنا مكان

ذلك في حديثي عبد الرحمن والبراء بن ناجية عن ابن مسعود فإن بقوا يبقى لهم دينهم سبعين عاما فكان ذلك قد جاء مختلفا وكان ما في حديث مسروق أشبههما بما حدث عليه أمور الناس مما في حديثي الآخرين لأن في حديث مسروق فإن يصطلحوا على غير قتال فتكون المدة التي يأكلون الدنيا فيها سبعين عاما ثم ينقطع ولكن لم ينقطع مع القتال فكان رحمة من الله لهم وسترا منه عليهم فجرى على ذلك أن يأكلوا الدنيا بلا توقيت عليهم فيه وكان ما في حديثي عبد الرحمن والبراء يوجب خلاف ذلك ويوجب انقطاع أكلهم الدنيا بعد سبعين عاما وقد وجدناهم بحمد الله أكلوها بعد ذلك سبعين عاما وزيادة كما رواه مسروق فيه لا كما رواه صاحباه لأنه لا خلف لما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في الحلف في الجاهلية

في الحلف في الجاهلية روي مرفوعا "لا حلف في الإسلام وإيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا قوة" لا يعارض هذا ما روي عن أنس بن مالك قال: حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا فقيل له: أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: "لا حلف في الإسلام"؟ قال: فقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا لأن سفيان بن عيينة فسر ذلك بالمؤاخاة بينهم فلم يجعل ذلك حلفا وأيضا فإن مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار إنما كان حين قدومه المدينة وقوله: "لا حلف في الإسلام" إنما قال ذلك: يوم الفتح على ما روي عمرو بن العاص فكان ذلك ناسخا لفعله فلم يكن منه بعد قوله: "لا حلف في الإسلام" حلف إلى أن قبضه الله عز وجل. وعن ابن عباس في قوله: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية قال: كان المهاجرون حين فدموا المدينة يوارثون الأنصار دون ذوي الأرحام

للأخوة التي أخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم إلى أن نسخها غيرها يعني قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: من النصر والنصيحة والرفادة فأخبر ابن عباس أن الذي بقي للأحلاف هو النصر والنصيحة والوصية وإن الميراث قد ذهب وعن ابن المسيب خلافه قال إنما نزلت هذه الآية في الذين يتبنون رجالا غير أبنائهم يرثونهم فأنزل الله عز وجل أن لهم نصيبا في الوصية وجعل الميراث للرحم والعصبة وأبى أن يجعل لهم ميراثا وأن تعاقدوا عليه وما روي عن ابن عباس أولى لأن فيها {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} وكان في التحالف إيمان ولم يكن في التبني والتدعي إيمان.

في الدعابة

في الدعابة روي أن أبا بكر الصديق خرج تاجرا إلى بصرى ومعه نعيمان1 رجلا مضحاكا مزاحا فقال: لأغيظنك فذهب إلى ناس جلبوا ظهرا فقال: ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها هو ذو لسان ولعله يقول: أنا حر فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوا علي غلامي فقالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها ثم قال لهم: دونكم هذا فجاء القوم فقالوا: قد اشتريناك قال سويبط: هو كاذب أنا رجل حر قالوا: قد أخبرنا خبرك فطرحوا الحبل في عنقه فذهبوا به، فجاء أبو بكر فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل علقمة بن مجزز المدلجي على جيش فبعث سرية واستعمل عليها عبد الله بن حذافة السهمي وكان

_ 1 هنا حذف في القصة لا يتم فهمها إلا به ولفظه كما في رواية لأحمد وسويبط بن حرملة وكلاهما بدري وكان سويبط على الزاد فقال له نعيمان أطعني قال حتى يجيء أبو بكر وكان نعيمان ح.

رجلا فيه دعابة وبين أيديهم نار قد أججت فقال لأصحابه: أليس طاعتي عليكم واجبة قالوا: بلى قال: فقوموا واقتحموا هذه النار فقام رجل حتى يدخلها فضحك وقال: إنما كنت ألعب فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك وقال: "أما إذ قد فعلوا هذا فلا تطيعوهم في معصية الله". ليس في شيء من الحديثين دليل على إباحة المذكور فيهما وضحك النبي صلى الله عليه وسلم حولا هو وأصحابه كمثل ما كانت الصحابة يتحدثون بأمور الجاهلية ويضحكون بمحضره صلى الله عليه وسلم من غير نهي منه إياهم عن ذلك مع أن تلك الأفعال ما كانت مباحا لهم فعلها في الإسلام، عن جابر جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من أمور الجاهلية فربما يتبسم معهم- ثم قد روي مرفوعا "لأ يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا فإذا أخذ أحدكم عصا صاحبه فليردها إليه"، قال الطحاوي: ولو صار مباحا لنسخه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج غازيا فأخذ بعض أصحابه كنانة آخر فغيبوها ليمزحوا معه فطلبها الرجل فغيبوها فراعه ذلك فجعلوا يضحكون منه فخرج صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أضحككم"؟ فقالوا: والله إنا أخذنا كنانة فلان لنمزح معه فراعه ذلك فذلك الذي أضحكنا فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما".

في حديث النفس

في حديث النفس روي مرفوعا "تجاوز الله لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو أن تعمل به يد" وذكر من طرق وأنفسها بالنصب على معنى حدثتها به من غير اختيارها إياه ولا اجتلابها له منها قالوا أو مما يدل عليه أيضا ما روي أن الصحابة قالوا: يا رسول الله أن أحدنا يحدث نفسه بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال: "الحمد لله الذي لم يقدره منكم إلا على الوسوسة والحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة"، قالوا: وإن كان قد قيل فيه أن أحدنا يحدث نفسه أو أنا نحدث أنفسنا فإن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم هو المعتمد عليه

وإليه قصدنا وهو ما ذكره عنه ابن مسعود ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان يعني التوقي من أن يقول ذلك باللسان ومنع نفسه منه إيمان وما ذكره ابن عباس الحمد لله الذي لم يقدره منكم إلا على الوسوسة يعني التي لا تؤاخذون بها وتثابون على توقيكم من النطق بها وفي الحديث دليل على صحة النصب وهو قوله تجاوز الله والتجاوز لا يكون إلا عما لو لم يتجاوز عنه لعوقبوا عليه وذلك مما يعقل أنه لا يكون من الخواطر المعفو عنها بل أنه من الأشياء المجتلبة بالهم بها فالوجه أنه على ما يهم به العبد من المعاصي ليعملها فتجاوز الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ذلك فلم يؤاخذهم به ولم يعاقبهم عليه ومن ذلك ما روي مرفوعا "قال الله عز وجل: إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا وإذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن هو تركها فاكتبوها حسنة" وزاد بعض الرواة في الحسنة "فاكتبوها إلى سبع مائة ضعف وزاد في السيئة فإن تركها من خشيتي" فانتفى ما قال أهل اللغة أنفسها بالرفع.

في صدق الله وعتقة

في صدق الله وعتقة ... في صدقة الله وعتقه عن أبي وائل أنه كره للرجل أن يدعو فيقول: اللهم تصدق علي بالجنة وقال: إنما يتصدق من يريد الثواب ومن أباح ذلك فهو محتج بقوله تعالى: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} وقوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} وإذا جازت الهبة من الله جاز دعاؤه بها والهبة من الآدميين قد يطلب فيها الثواب عليها فكانت الصدقة التي لا يصلح للآدميين الثواب عليها منه أجوز وكذا قوله صلى الله عليه وسلم لعمر في قصر الصلاة: "هذه صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته"، سمى التخفيف صدقة وفيه دليل على الإباحة، وروي عن أبي وائل أنه كان يكره أن يقال: اللهم اعتقني من النار قال: إنما يعتق من يرجو الثواب، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار"، ففيه إضافة العتاق إلى الله فيجوز الدعاء للمسلمين بذلك.

في المحدثين من الاولياء

في المحدثين من الأولياء روي مرفوعا قد كان في الأمم قبلكم قوم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب المحدث الملهم بالنطق بالحكمة كما كان لسان عمر ينطق بما كان ينطق به منها وقد قال عمر: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} وقلت: يدخل عليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين فنزلت آية الحجاب وبلغني شيء من المعاتبة من أمهات المؤمنين فاستقريتهم أقول: لتكففن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} الآية. وعن ابن عباس أنه كان يقرأ وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث ولا يقال على هذا فالمحدث مرسل لأن المعنى وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا ألهمنا من محدث إلا إذا تمنى وهو من باب. يا ليت زوجك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا والرمح لا يتقلد بل يحمل فكأنه قال متقلد سيفا وحاملا رمحا والله أعلم.

في مال الوارث احب اليه من ماله

في مال الوارث أحب إليه من ماله عن ابن مسعود يرفعه "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله" قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ما له أحب إليه من مال وارثه قال: "فإن ما له ما قدم ومال وارثه ما أخر"، وفي رواية قال: اعلموا ما تقولون؟ قالوا: وما نعلم إلا ذلك يا رسول الله قال: "ما منكم من رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله" قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر"، فيه أن ما ترك الرجل فلم يقدمه فيما يكون ثوابا له عند ربه وزلفى لديه ليس من ماله أي ليس من ماله الذي هو أعلى أمواله في نفعها له إذ منفعته فيما قدمه لآخرته لا فيما أخره

فكأنه ليس من ماله وجاز أن يضاف إلى وارثه الذي عسى يقدمه لآخرته فينتفع به الوارث في معاده وفي هذا المعنى ما روي مطرف بن عبد الله عن أبيه أنه انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فقال: "يقول ابن آدم ما لي مالي ومالك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت". فعلم أن ماله إذا لم ينتفع به صار كمال غيره إذ لا منفعة له فيه حينئذ كما لا منفعة له في مال غيره.

في حفظ ابي هريرة

في حفظ أبي هريرة عن أبي هريرة أنه قال: يقولون: أن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون بمثل أحاديثه وسأخبركم عن ذلك إن أخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم وأما أخواني من المهاجرين فكان يشغلهم صفقهم بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: "إيكم بسط ثوبه فأخذ من حديثي هذا ثم جمعه إلى صدره فإنه لا ينسى شيئا سمعه"، فبسطت بردة علي حتى فرغ من حديثه ثم جمعتا إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به ولولا آيتان أنزلهما الله تعالى في كتابه ما حدثت بشيء أبدا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى آخر الآيتين، فيه أنه لم ينس شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل ما روي أنه حدث بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"، ثم سكت عنه فلما وقف عليه أنكره وما روي أنه لما حدث بالخمسة التي أعطيها دون سائر الأنبياء ومنها أنه أعطي دعوة فادخرها شفاعة لأمته فقال له صاحبه: قد نسيت أفضلها أو خيرها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أرجو أن تنال من أمتي من لا يشرك بالله شيئا"، الدالان على نسيانه كان ذلك مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أني كون منه في أمره ما ذكره آنفا. وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما: "أن بسط أحدكم ثوبه

حتى أقضى مقالتي هذه ثم يجمع ثوبه إلى صدره فما ينسى من مقالتي شيئا أبدا"، قال أبو هريرة: فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ثم جمعته إلى صدري فوالذي بعث محمد أبالحق ما نسيت من مقالته تلك كلمة إلى يومي هذا، وعن أبي هريرة قال: ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني أو ما كان أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإني كنت أعي بقلبي وكان يعيه بقلبه ويكتب بيده استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له فيه، فدل هذا على أنه لو كان لا ينسى شيئا مما يعيه بقلبه لما فضله عبد الله بن عمر وبكثرة الحديث من أجل كتابته بل كان هو الفاضل لاستغنائه عن الاشتغال بالكتاب فكان الذي مع أبي هريرة مما انتفى عنه النسيان فيه هو ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الموطن الواحد لا فيما كان منه قبله ولا فيما كان منه بعده.

في الابار

في الآبار روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم في رؤوس النخل فقال: "ما يصنع هؤلاء"؟ فقيل له: يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فقال: "ما أظن هذا يغني شيئا"، أو لو تركوه لصلح، أو لا لقاح، أو ما أرى اللقاح شيئا- على ما روي عنه من ذلك كله فتركوه فشيص فأخبر به صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أنا بزارع ولا صاحب نخل لقحوا"، أو قال: "إن كان ينفعهم فليفعلوه فإني إنما ظننت ظنا والظن يخطئ ويصيب، أو لا تأخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوه فإني لن أكذب على الله"، لا اختلاف بين الروايات ولا تعارض فإنه قال من ذلك لقوم بعد قوم يحكى كل واحد منهم ما سمع وما كان صلى الله عليه وسلم من بلد فيه نخل ولا كان يعاني ذلك فاتسع له أن ينفي بالظن ما توهم استحالته من أن الإناث من غير الحيوان تنفعل من الذكر أن شيئا ولم يكن ذلك أخبارا منه عن وحي.

في مناقب على رضي الله عنه

في مناقب علي رضي الله عنه روى أبو الطفيل واثلة بن الأسقع قال: جمع الناس علي بن أبي طالب في الرحبة فقال: أنشد بالله عز وجل كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول ما سمع فقام أناس من الناس فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم: "ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو قائم"؟ ثم أخذ بيد علي فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، قال أبو الطفيل: فخرجت وفي نفسي منه شيء فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته فقال: وما تتهم أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إلى من أنكر خروج علي إلى الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ومروره في طريقه بغدير خم وقال: قدم علي من اليمن بالبدن لأنه وإن لم يكن معه في خروجه إلى الحج فكان معه في رجوعه على طريقه الذي كان مروره به بغدير خم يحتمل أنه كان هذا الكلام في الرجعة يؤيده الحديث الصحيح أنه كان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه إلى المدينة من حجه. عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل بغدير خم أمر بدوحاته فقممن وذكر الحديث بطوله ثم أخذ بيد علي فقال: "من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه والمولى بمعنى الولي وقد فسره الحديث الآخر من كنت وليه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . وعن علي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية"، قيل: أراد قرني الجنة يعني: طرفيها وقيل: أراد قرني الأمة فأضمرها وإن لم

يتقدم لها ذكر كقوله تعالى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} يريد الأرض و {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} يريد الشمس فمعناه أن عليا في هذه الأمة كذى القرنين في أمته في دعائه إياها إلى الله عز وجل. يؤيده ما روي عن علي أنه قال: سلوني قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي فقام إليه ابن الكواء فقال: ما كان ذو القرنين أملك كان أم نبي؟ فقال: لم يكن ملكا ولا نبيا ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله وأحبه الله وناصح فنصحه ضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه الله عز وجل وضرب على قرنه الأيسر فمات وفيكم مثله وإليه ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وقوله: فيكم مثله يعني في دعائه إلى الله عز وجل وقيامه بالحق إلى يوم القيامة كما كان ذو القرنين والشيء يشبه بالشيء في معنى وإن كان لا يشبهه في غيره منه قوله تعالى: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} يعني في العدد وأما قوله: فلا تتبع النظرة بالنظرة يريد أن الأولى تفجأه فلا اختيار له فيها فهي له والآخرة باختياره فهو مأخوذ بها مكتوبة عليه فليست له.

في الاستعاذة من القمر

في الاستعاذة من القمر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا القمر يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا هل تدرين ما هذا هذا الغاسق إذا وقب"، استعظمه بعض فقال: أي شر للقمر وهو خلق مطيع لله تعالى حتى يستعاذ منه والجواب أنه مطيع لا شر له ولكن الله تعالى جعل الليل والنهار آيتين فمحا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة وكانت آية الليل هي القمر وآية النهار هي الشمس ويكون القمر للمحو الذي محاه الله فيه سببا للظلمة وأهل المعاصي ينبئون بالليل لما يخافون من إظهار المعاصي بالنهار فيظهرون المعاصي من أنفسهم بالليل لأنهم عليها فيه ولله تعالى خلق وهم الشياطين ينبثون في الليل دون النهار كما روي في الآثار المسندة بطرقها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة

بالاستعاذة من شر القمر مريدا استعاذتها من شر الأشياء التي تحدث في الليل من شياطين الإنس والجن مما القمر سبب لها مثل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهلها {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي: أهل العير ومثله قوله صلى الله عليه وسلم عند نزول قرية: "اللهم إني أسألك من خير هذه القرية ومن خير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها"، والقرية نفسها لا خير لها ولا شر لها فأضافهما إليها لكونهما فيها فكذا الإضافة إلى القمر هنا.

في الشباب

في الشباب روى أنس مرفوعا قال صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا بقصر من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لشاب من قريش فظننت أني هو فقلت: من هو؟ فقالوا: عمر بن الخطاب فيا أبا حفص لولا ما أعلم من غيرتك لدختله"، فقال عمر: من كنت أغار عليه يا رسول الله لم أكن أغار عليك، فيه ما يدل على فساد قول من ذهب إلى أن الشاب من كانت سنه أربعين سنة فما دونها بعد بلوغه والنظر الصحيح في قوله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} يفيد أن نهاية الطفولية مبينة في قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} فما بعد الحلم ضد لما قبله وهو مبدأ الشباب أذلا ثاني للطفولية غيره فعلم أن من احتلم شاب ثم ينتهي الشباب بقوله: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} وبين بلوغ الأشد في آية أخرى بقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} فهذه نهاية الشباب بدليل قوله تعالى بعده: {ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً} ولكن يحتمل أن تكون بين بلوغهم الأشد وبين ن يكونوا شيوخا مدة والله أعلم بمقدارها كما في قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} يعني: آدم {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني: أولاده وبين الخلقين زمان ما شاء الله فتكون السن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يوم رأى الرؤيا فوق الأربعين ودون الحال التي يكونون فيها شيوخا والله أعلم، واسنان الكهولة داخلة في سن الشباب لأنه يقال: شاب كهل فيجعل كهلا وهو شاب ولا يقال: شيخ كهل إنما يكون شيخا بعد الخروج

من التكهل وهو آخر مدة الشباب ومنه قولهم: اكتهل الزرع إذا بلغ الحال التي يحصد مثله عليها ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين"، رواه أنس وعلي بن أبي طالب والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تخبرهما بذلك يا علي"، قال: فما حدث بها حتى ماتا.

في من له الأجر مرتين

في من له الأجر مرتين روي مرفوعا "ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين رجل آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به وعبد أدى حق الله عز وجل وحق مولاه ورجل أدب جارية فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها" المراد بالنبي الذي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعقبه هو عيسى فمن كان آمن به ثم آمن بالنبي استحق الأجر مرتين وإلا فيستحق أجرا واحدا بدخوله في الإسلام وما كان قبل عيسى من دين موسى وغيره فلا يستحق ذلك لأن عيسى قد كان طرأ على موسى فإذا لم يكن أتبعه خرج بذلك من دين موسى وخرج من طاعة الله تعالى فإنه كان متعبدا بدين عيسى وعصى ذلك فعلم أنه إنما يتسحق الأجر مرتين إذا كان متعبدا على الدين الذي كان تعبده الله من دين النبي الذي كان قبله وهو عيسى حتى دخل منه في دين النبي صلى الله عليه وسلم يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم في خطبته: "أن الله تبارك وتعالى اطلع على عباده فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا أهل الكتاب"، وهم عندنا والله أعلم الذين بقوا على ما بعث به عيسى ممن لم يبد له ولم يدخل فيه ما ليس منه وبقي على ما تبعده الله عليه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ هذا القول.

في تعلم كتاب السريانية

في تعلم كتاب السريانية روي عن زيد بن ثابت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتحسن السريانية أنه يأتيني كتب" قال: قلت: لا قال: "فتعلمها" قال: فتعلمتها في سبع

عشر يوما، وفي رواية أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت وقال صلى الله عليه وسلم: "والله إني ما آمن يهود على كتابة فلما تعلمت كنت أكتب إلى يهود إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابتهم"، إنما أمره بتعلم السريانية لعدم أمنه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم وخيانتهم وليكون كتابه إذا ورد على اليهود بقراءة عامتهم فيأمن من كتمان ما فيه وتحريفه لا سيما إن كان الذي يقرأه لهم من عبدة الأوثان الذين في قلوبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا خفاء به ولأهل الكتاب في قلوبهم ما فيها.

في لولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار

في لولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار ... في لولا الهجرة لكنت امرء من الأنصار روي مرفوعا "لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار" سموا أنصارا من النصرة لاستحقاقهم إياها بنصرهم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وكانت الهجرة قبل ذلك استحقها أهلها بمثل ذلك وبهجرهم دارهم التي كانوا من أهلها لله عز وجل ولرسوله إلى الدار التي اختارها الله لرسوله ولهم فجعلها لهم موطنا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الفريقين بالشيئين جميعا وأعلاهم فيهما منزلة، وعن حذيفة بن اليمان خيرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة وكان صلى الله عليه وسلم لو اختار النصرة لنفسه وترك الهجرة صار الناس جميعا أنصارا ولم يبق أحد منهم مهاجرا فلم يجعل نفسه من الأنصار لتبقى الهجرة والنصرة جميعا.

في كراهية طلب العقوبة في الدنيا

في كراهية طلب العقوبة في الدنيا روي أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا قد صار مثل الفرخ فقال: "هل كنت تدعو الله بشيء أو قال تسأله إياه"؟ قال: يا رسول الله كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال: "سبحان الله لا تستطيعه أولا تطيقه فهلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". لا يعارض هذا ما روي مرفوعا "إذا أراد الله

بعبد خيرا عجل الله له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبد شرا امسك عنه ذنبه حتى يوفيه يوم القيامة" لان رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار لأمته إشفاقا عليهم ورأفة بهم أن يدعوا الله بالمعافاة في الدنيا وإن يؤتهم في الآخرة ما يؤمنهم من العذاب وهذا على الأحوال كلها فلا تضاد بين الحديثين.

في لكع ابن لكع والكريم ابن الكريم

في لكع ابن لكع والكريم ابن الكريم روي مرفوعا يوشك أن يغلب على الدنيا لكع ابن لكع ابن لكع وأفضل الناس مؤمن بين كريمين اللكع العبدأ واللئيم والكرم التقوى، وروى مرفوعا أن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق صلى الله عليهم قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} رد الكرم إلى التقوى وإلى المنازل الرفيعة من الله لا إلى ما سوى ذلك ومعنى قوله: بين كريمين مؤمن بين أب مؤمن تقي هو أصله وابن مؤمن تقي هو فرعه فيكون له من الإيمان موضعه إيمان نفسه وموضعه بإيمان أبيه وإن كان دونه يرفعه الله إلى منزلته لتقربه عينه على ما روي أن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن إلى منزلته وإن كانوا دونه في العمل وقرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ويكون له موضعه أيضا بإيمان ابنه على ما روي أن الرجل إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاثة ولد صالح يدعو له أو علم منه أو صدقة جارية ومن جمع هذه الثلاثة فقد جمع خير الدنيا والآخرة.

في الأكل متكئا

في الأكل متكئا روي أنه ما رئى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبه رجلان وقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فلا آكل متكئا"، وسبب منع إيطاء عقبه هو ما روي جابر في حديثه الطويل الذي ذكر فيه دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أصحابه فخرجوا بين يديه وكان يقول: "خلوا ظهري للملائكة"، وفي هذا ما قد دل على

إن غيره في ذلك بخلافه وإنه لا بأس به وعن خالد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأناس يتبعونه فاتبعته معهم فاتقى القوم بي فأتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني أما قال: بعسيب أو قضيب أو سواك أو شيء كان معه فوالله ما أوجعني وبت بليلة وقلت: والله ما ضربني رسول الله إلا لشيء علمه الله في فحدثتني نفسي أن آتي رسول الله إذا أصبحت فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك راع فلا تكسر قرون رعيتك فلما صلى الغداة أو قال: أصبحنا قال صلى الله عليه وسلم: "أن ناسا يتبعوني وأنه لا يعجبني أن يتبعوني اللهم فمن ضربت أو سببت فاجعله له كفارة وأجرا- أو قال مغفرة". وسبب ترك الأكل متكئا هو ما روي أن الله تعالى أرسل إليه ملكا ومعه جبريل فقال الملك: أن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بل أكون عبدا نبيا"، فما أكل بعد ذلك طعاما متكئا ويحتمل أن يكون تركه الأكل متكئا لأنه لم تجر به عادة العرب وإنما هو من زي العجم، وعن عمر رضي الله عنه اخشوشنو واخلولقوا وتمعددوا فإنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم أما إذا كان في حال إعياء وتعب بدن أو علة تدعوه إلى الاتكاء فلا بأس به، التمعدد هو العيش الخشن وكان عادة الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما كان العجم عليه.

في البطانة

في البطانة روي مرفوعا "ما بعث الله عز وجل من نبي ولا استخلف من خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة لا تألوه خبالا فمن وقى شر بطانة السوء فقد وقى" وهو من التي تغلب عليه منهما، وفي بعض الآثار بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا والمعصوم من عصمه الله الأنبياء صلوات الله عليهم لما لزمهم الشرائع افتقروا إلى مخالطة الناس

فمن أظهر إليهم منهم خيرا استبطنوه ووالوه فمن كان باطنه منهم كظاهره فهي البطانه المحمودة التي تأمره بالخير كما وصف الله تعالى في كتابه {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ومن لم يكن باطنه كظاهره فهي البطانة المذمومة التي لا تألوه خبالا إلى أن يطلعهم الله تعالى من أمرهم ما يوجب مباعدتهم كما في قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} وقوله: وهو من التي تغلب عليه منهما المراد به غير الأنبياء من الخلفاء لأن الانبياء معصومون لا يكونون إلا مع من تحمد خلائقه وهذا شائع في اللغة أن يخاطب الجماعة والمراد به بعضهم نحو قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} وقوله عليه السلام: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا" وقرأ آية المحنة ثم قال: "فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له"، ونحن نعلم أن من عوقب بالشرك فليس ذلك كفارة له وإنما المراد بعض الأشياء التي في الآية لا كلها فكذا قوله: وهو من التي تغلب عليه منهما.

في واعظ الله

في واعظ الله روي مرفوعا ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبي الصراط سور فيه أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد- كأنهم يعنون1 رجلا فتح شيء من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط الإسلام والستور حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق كأنه يعني الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم المراد بالواعظ حجج الله التي تنهاه عن الدخول في المحرمات باستقرارها في نفسه وبصائره التي يجعلها في قلبه وعلومه التي أودعها إياه لأن

_ 1 هكذا في الأصل والظاهر كأنه يعني.

ذلك كله ينهاه عما لا يسوغ له ولأن الواعظ من الناس هو الناهي عن المنكرات فكذا هذا.

في ابتلاء الانبياء والاولياء

في ابتلاء الأنبياء والأولياء روى عن سعد قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه أو على حسب دينه فإن كان صلب الدين اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر ذلك فما يبرح البلاء بالعبد حتى يمسي وليست عليه خطيئة"، وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدين بالصلابة والرقة راجع إلى غير الأنبياء وفيه أن من سواهم يحط عنهم ببلائهم خطاياهم إذا صبروا واحتسبوا والأنبياء لا خطايا لهم في الصحيح من الأقوال، وعن عبد الله قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا أن لك أجرين؟ قال: "أجل ما من مسلم يصيبه أذى إلا تحاتت عنه خطاياه كما يتحات ورق الشجر"، لما لم ينكر صلى الله عليه وسلم على عبد الله وقال: "أجل" دل على أن ذلك الأجر يكتب له لما لم تكن له خطايا تحط عنه بما كان يصيبه من الوعك في بدنه. وعن أبي سعيد الخدري أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو موعوك عليه قطيفة فوضع يده عليها فوجد حرارتها فوق القطيفة فقال أبو سعيد: ما أشد حرارتك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا كذلك يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر"، فدل على أنه وسائر الأنبياء يضاعف لهم الأجر إذ لا ذنوب لهم ولا خطايا فتحط عنهم، وروي مرفوعا لا تصيب المؤمن نكبة ولا وجع إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها سيئة، فيه إثبات الأجر لمن أصابه نكبة أو وجع مع حط الخطايا عنه. لا معنى لمن أنكر هذا بأنه لا فعل له ولا نية فكيف يؤجر فإن المسلمين

لم يزالوا يعزون بعضهم بعضا على مصائبهم بأوليائهم بأن يعظم الله أجورهم وليس لهم فيها فعل سوى الصبر والاحتساب فكذا الأمراض والأوجاع وكذلك أنكروا ما روي مرفوعا ما من مسلم يبتلى في جسده إلا كتب له في مرضه كل عمل صالح كان يعمله في صحته وقالوا: كيف يكتب الأجر لرجل من غير عمل يستحق به؟ قلنا: الأجر إنما يكتب له بحسن النية مع الصبر والرضا بالقضاء. ولا يعارض ما ذكرنا قول ابن مسعود أن الوجع لا يكتب به أجر ولكن الله يكفر به الخطايا لأنه يحتمل أنه أراد اختلاف أحكام الناس فيه فمنهم من له خطايا تستغرق أجره عليها فيكون ثوابه حط خطاياه لا غير ومن لا خطايا له كالأنبياء أو كمن سواهم ممن يتجاوز أجره على مرضه حطيطة خطاياه فيكتب له من الأجر ما يتجاوز قدر خطايها التي حطت عنه وزاد بعض الرواة على نص ابن مسعود من قوله الأجر بالعمل يعني العمل لا يحط الخطايا ولكن يكتب به الأجر كان لعامله خطايا أو لم تكن بخلاف الأمراض والأوجاع فإنها تحط بها الخطايا إن كانت ويكتب بها الأجران لم تكن هناك خطايا ولكن الآثار متظاهرة بخلاف ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقوله: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له في اليوم مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر"، وقوله: "من خرج إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة وأنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة"، ودل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من تكفير الخطايا بما يصيب الإنسان قوله: "لا يصيب المؤمن وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى إلا كفر عنه به"، وقوله: "ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا كانت له كفارة"، وعن أبي سعيد الخدري أن رجلا قال: يا رسول الله أرأيت هذه الأمراض التي تصيب أبداننا وأجسامنا ما لنا بها قال: "الكفارات" قال أبي بن كعب: وإن قل

ذلك يا رسول الله قال: "وإن شوكة فما وراءها"، فدعا أبي بن كعب على جسده أن لا تزال حمى مصارعة بجسده ما أبقى في الدنيا لا تحول بينه وبين حج ولا عمرة ولا جهاد ولا شهود صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان كذلك إلى إن مات، وما روي مرفوعا "ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها سيئة"، فلا يخالف ما روينا بل يؤكده لأنه يحط الخطايا إن كانت أو يرفع بها في الدرجات ويكتب الأجر لمن لا خطايا له ولا ذنوب عليه فلا منافاة.

في التفريق بين الأمة

في التفريق بين الأمة روي عن علاقة بن عرفجة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "تكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق بين أمة محمد وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان"، الهنة كناية عن شيء مكروه وجمعها هنات فأخبر أنه سيكون بعده أمور مكروهة وبين بعضها بقوله: "فمن فرق بين أمة محمد" الحديث، فكشف لهم بذلك هنة منها وأمرهم بما يفعلونه عند ذلك وسكت عن الباقيات ليرجعوا فيها إلى ما قد شرعه في التفريق أو يشرع له في المستقبل.

في اعجب الناس ايمانا

في أعجب الناس إيمانا عن ابن عباس أصبح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هل من ماء هل من ماء هل من شن" فأتى بالشن فوضع بين يديه صلى الله عليه وسلم ففرق أصابعه فنبع الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عصا موسى فأمر بلالا فهتف بالناس الوضوء فلما فرغ وصلى بهم الصبح ثم قعد قال: "يا أيها الناس من أعجب الخلق إيمانا" قالوا: الملائكة قال: "وكيف لا تؤمن الملائكة وهم يعاينون الأمر" قالوا: النبيون يا رسول الله قال: "وكيف لا يؤمن النبيون والوحي ينزل عليهم من السماء" قالوا: فأصحابك قال: "وكيف لا يؤمن أصحابي وهم يرون ما يرون ولكن أعجب الناس إيمانا قوم يخرجون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني يصدقوني ولم يروني

أولائك أخواني"، وروى عنه أنه قال: "أن خيار أمتي أولها وآخرها وبين ذلك ثبج أعوج ليسوا مني ولست منهم"، فيه أنه سيأتي بعد المذمومين قوم ممدوحون إذ بقى من أمته المهدي والعصابة التي تقاتل الدجال وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان ومنهم من يقتله الدجال على ذلك لتكذيبه به وثباته على الحق.

في اسلام حصين

في إسلام حصين روي أن حصينا الخزاعي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد كان عبد المطلب خيرا القومه منك كان يطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماشاء الله أن يقول" ثم أن حصينا قال: يا محمد ماذا تأمرني أن أقول قال: "تقول اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وأسألك أن تعزم لي على رشد أمري" قال: ثم أن حصينا أسلم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سألتك المرة الأولى وإني الآن أقول: ما تأمرني أن أقول قال: قل: "اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما جهلت وما علمت"، المراد بالخطأ هو الذي يخطئ به المرء جهة الصواب من قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} ليس المراد ضد العمد فإنه لا يؤاخذ به قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وكذا المراد بقوله تعالى: {أَوْ أَخْطَأْنَا} فإنه المكسوب بقصدهم إليها وتعمدهم إياها وقوله: "وما جهلت" أي: ما عملته جاهلا بقصدي إليه مع معرفتي به وجنايتي على نفسي بدخولي فيه وعملي إياه.

في استعمال مافيمن يعقل

في استعمال ما فيمن يعقل روي مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى قرية يريد نزولها قال: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الرياح وما ذرين ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن أسألك من خير هذه القرية ومن خير أهلها وأعوذ بك من شرها ومن شر أهلها وشر ما فيها"، إنما قال: "رب الشياطين وما أضللن" لأن ما قد تستعمل في بني آدم نحو قوله تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}

يريد آدم ومن ولد وقوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} .

في ثلاثة لايستجاب لهم

في ثلاثة لا يستجاب لهم عن أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم رجل أعطى ما له سفيها وقد قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} ورجل داين بدين ولم يشهد ورجل له امرأة سيئة الخلق فلا يطلقها"، لما أمرنا بالإشهاد عند التبايع ونهينا عن إيتاء السفهاء أموالنا حفظا عليها وعلمنا الطلاق عند الحاجة. كان من ترك ما أرشده الله إليه هو المفرط المقصر فلا يلومن إلا نفسه وكان من سواهم ممن ليس يعارض للإرشاد مرجوا له الإجابة فيما يدعو ربه فيه وداخلا تحت قوله عز وجل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ما لم يستعجل الإجابة.

في فعل الله بمن اراد له خيرا

في فعل الله بمن أراد له خيرا روي مرفوعا أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا عسله قالوا: وكيف يعسله؟ قال: يهديه إلى عمل صالح حتى يقبضه عليه، عسله: أي أماله إلى ما يحب من الأعمال الصالحة حتى يكون ذلك سببا لإدخاله الجنة من قول العرب: رمح فيه عسل أي: اضطراب وميل.

في التحذير من السر

في التحذير من السر عن ابن عمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرك بالله شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتسمع وتطيع وعليك بالعلانية وإياك والسر أن تحكم بين الناس بما ظهر منهم من الخير ولا تطلب سرائرهم" لأن الله قد نهاه عن ذلك {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} . وروى أن عمر بن الخطاب خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذا النبي صلى الله عليه وسلم بين

أظهرنا وإذ ينبئنا الله من أخباركم فقد انقطع الوحي وذهب النبي صلى الله عليه وسلم فأنا أعرفكم بما أقول من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم بينكم وبين ربكم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لقاتل قائل لا إله إلا الله بعد اعتذاره إليه أنه إنما قالها تعوذا: "ألا شققت عن قلبه"، أي: أنك غير واصل منه إلى غير ما نطق به لسانه وسمعته منه.

في النجباء والوزراء والرفقاء من الصحابة

في النجباء والوزراء والرفقاء من الصحابة روي عن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه لم يكن نبي إلا أعطى سبعة نجباء ووزراء ورفقاء وإني أعطيت أربعة عشر حمزة وجعفر وأبا بكر وعمر وعليا والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمارا وحذيفة وأبا ذر والمقداد وبلالا". وعن عمر أنه كتب إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله بن مسعود وزيرا وهما من النجباء من الصحابة فاسمعوا لهما واقتدوا بهما وإني قد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي أثرة النجباء هم الرفعاء بما رفعهم الله به من الأعمال الصالحة وذكرهم في الحديث بالنجابة لا ينافي كون غيرهم كذلك كقول الرجل لي من المال ألف دينار وألف درهم لا ينفى أن يكون له من المال آلاف دينار ودراهم.

في ما يسعد به المرء

في ما يسعد به المرء روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنئ لما كان الجار مأمورا بإكرام جاره محرما إيذاؤه عليه بالنصوص القاطعة فإذا وجد جار صالح يحسن إليه ويكف عنه أذاه فهو نعمة عظيمة يجب عليه شكر الله على ذلك وأما سعة المنزل بعد الجار الصالح بحيث لا يضيق عما يحتاج إليه نعمة واسعة لا يخفي وأما المركب الهنئ إذا لم يشغل قلب راكبه بما يتأذى منه في حركاته ومشيه عن ذكر الله عز وجل فكذلك.

في الصبر على سوء جاره

في الصبر على سوء جاره روى أبو ذر مرفوعا ثلاثة يحبهم الله عز وجل وثلاثة يشنأهم فأما الذين يحبهم فرجل لقي فئة أو سرية فانكشف أصحابه فلقيهم بنفسه ونحره حتى قتل أو فتح الله عليه ورجل كان مع قوم فأطالوا السرى حتى أعجبهم أن يمسوا الأرض فنزلوها فتنحى فصلي حتى أيقظ أصحابه للرحيل ورجل كان له جار سوء فصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن قال: قلت: هؤلاء الذين يحبهم الله فمن الذين يشنأهم الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "التاجر الحلاف أو البائع الحلاف- شك الجريري- والبخيل المنان والفقير المختال"، لما كان حق الجار على جاره إكرامه فإذا منعه وخلطه بأذاه وصبر على ذلك واحتسبه كان من أهل طاعة الله المتمسك بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فلذلك أحبه الله تعالى.

التوصية بالجار

التوصية بالجار روي مرفوعا "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" كان ذلك والله أعلم في أول الإسلام حين كان الميراث بالتبني وبالحلف فلما وصاه جبريل بالجار وأكد حقه لم يأمن أن يورثه ثم لما نسخ ذلك بقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} و {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} نسخ هذا الظن أيضا.

في خير الجيران والاصحاب

في خير الجيران والأصحاب روي مرفوعا "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" لأن الجار لما كان مأمور بالإحسان إلى جاره كان المتمسك به مستوجبا للثواب فمن كان أكثرهم حظا من ذلك كان أعظمهم ثوابا عليه فكان عند الله خيرهم.

في الضيافة

في الضيافة عن المقداد بن الأسود قال: جئت أنا وصاحب لي قد كادت تذهب

أسماعنا وأبصارنا من الجوع فجعلنا نتعرض فلم يضفنا أحد فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أصابنا جوع شديد فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتيناك فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز فقال: "يا مقداد أحلبهن وجزئ اللبن لكل اثنين جزءا". وعن المقدام أبي كريمة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه". وعن عقبة قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر بقوم فلا يأمرون لنا بحق الضيف قال: "إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فخذوا منهم حق الضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا الذي ينبغي". وعن أبي هريرة يرفعه أيما ضيف نزل بقوم فأصبح محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه. ظاهر الحديث الأول أن الضيافة غير واجبة إذ لم ينكر صلى الله عليه وسلم على من تخلف عنها وباقي الأحاديث يدل على وجوبها فيحتمل أن يكون الأول على ضيف قد يستطيع أن يدفع حاجته أما بسؤال أو تصرف في نفسه والباقي فيمن يمر على قوم في بادية لا يجد من يبتاع منه ولا يجد من الضيافة بدا فيرتفع التضاد يؤكده قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه"، وقوله: "ولا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتي مشربته فتكسر خزانته"، وقوله: "لا يحل لامرىء مسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه"، قال: وذلك يشده ما حرم الله على المسلم من مال المسلم وكل ما جاء من الأحاديث الدالة على جواز التناول من غير رضا صاحبه أو حضور فذلك عند الضرورة يؤيده ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال لمولاه عبد الرحمن في سفر نزلا في قرية دهقان: إن كنت تريد أن تكون مسلما حقا فلا تأكل منها شيئا فباتا جائعين، وكان ذلك القول منه على أحكام القرى لا البوادي.

في قطع السدر

في قطع السدر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الذين يقطعون كأنه يعني: السدر يصبون في النار على رؤوسهم صبا". وعن عمرو بن أوس قال: أدركت شيخا من ثقيف قد أفسد السدر زرعه فقلت: ألا تقطعه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا من زرع" قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قطع سدرا إلا من زرع صب الله عز وجل عليه العذاب صبا"، فأنا أكره أن أقطعه من الزرع ومن غيره، اضطرب رواة الحديثين في الإسناد وأوقفه بعضهم على عروة بن الزبير لم يتجاوز به إياه إلى عائشة وإلى من سواها وقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقطع السدر يجعله أبوابا فإن صحا فقد لحقهما نسخ لأن عروة مع جلالة قدره لا يدع شيئا قد ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضده إلا لما يوجب ذلك وقد كان سفيان ينكره ويأمر بالعمل بضده مع أن سائر الفقهاء على إباحة قطعه.

في البلة

في البله روي أنس مرفوعا أن أكثر أهل الجنة البله، البله المرادون فيه هم البله عن محارم الله تعالى لا من سواهم ممن نقص عقله بالبله يؤيده ما روي مرفوعا الحياء والعي شعبتان من الإيمان والبذاء والبيان شعبتان من النفاق وقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} أي: لا يفقهون بقلوبهم الخير ولا يسمعونه بآذانهم لما قد غلب على قلوبهم وعلى أسماعهم مما يمنعهم من ذلك وقيل المراد بالبله عن محارم الله هو الذي لا يخطر المحارم على قلبه لاشتغالهم بعبادة الله. قال الطحاوي: ومن ذلك الحديث في أشراط الساعة وإذا رأيت الحفاة العراة البكم الصم ملوك الأرض فذلك من أشراطها لأن المراد غير

بالبكم والصم بل المراد البكم عن القول المحمود والصمم عنه ومنه الحديث المروي المتعارف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة"، لأن معناه أن إفهامهم التي يعلمون بها مقادير هذه الأزمان مشغولة بما غلب عليها مما لا يعلمون معه مقاديرها فيرون أنها قد نقصت عما كانت عليه وهي بحالها لم تنقص عما كانت عليه في الحقيقة وقد روي عن رجل من أهل العلم أنه قال: هذا على التشاغل باللذات وهو تأويل حسن موافق لما تأولناه عليه.

في الرزق والاجل والسعادة والشقاء

في الرزق والأجل والسعادة والشقاء روي مرفوعا "لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر ومن سره النسأ في أجله ويوسع عليه في رزقه فليصل رحمه"، مع ما روى أن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق نسمة أمر الملك بأربع كلمات رزقها وعملها وأجلها وشقى أو سعيد فلا يزاد على ذلك ولا ينقص منه- لا تضاد فيما ذكرنا إذ يحتمل أن الله تعالى إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا وإن لم تبر كذا وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا وإن لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا وإن عملت كذا حرمت كذا وإن لم تعمله رزقت كذا ويكون ذلك مما قد ثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا ينقص منه وكذلك ما روي أبان بن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم حين يمسي لم يفجأه فاجئة حتى يصبح وإن قالها حين يصبح لم يفجأه فاجئة حتى يمسي" - وكان أصابه فالج فقيل له: أين ما كنت حدثتنا قال: والله ما كذبت ولكني حين أراد الله ما أراد بي أنساني ذلك الدعاء.

في حين نفخ الروح

في حين نفخ الروح عن عبد الله بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو

الصادق المصدوق "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة دما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر أن يكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد فوالله إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيغلب عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيغلب عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة" وفي رواية فيسبق عليه الكتاب الذي سبق في الموضعين جميعا وزاد بعضهم عقب قوله: شقي أو سعيد فوالذي نفس ابن مسعود بيده الحديث فأضافه إلى ابن مسعودوأخرجه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال بعضهم: فوالذي نفس محمد بيده الحديث فدل ذلك أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم لا من كلام ابن مسعود إذ لا يجوز أن يكون من عبد الله كما هو ورسول الله ميت لأنه إنما يحلف بأنفس الإحياء لا بأنفس الأموات وعلى كل تقدير فالكلام حق ولا يقوله ابن مسعود رأيا بل توقيفا وقول بعض الرواة فيه ثم ينفخ فيه الروح يبين معنى ما حده الله عز وجل في مدة الوفاة روي أن أبا العالية سئل لأي شيء ضمت هذه العشرة إلى الأربعة الأشهر في قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} قال: أنه ينفخ فيه الروح في هذه العشرة وقد استدل محمد بن الحسن في الجارية المشتراة إذا تأخر حيضها لا يحل له حتى يمضي أربعة أشهر وعشرا بأن الروح ينفخ في تلك المدة إن كانت حاملا فيقف عن وطئها حتى يتبين حملها فإن لم يظهر وسعه وطئها لأن أمرها بذلك يغلب الظن على فراغ رحمها.

في المؤمن والفاجر

في المؤمن والفاجر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن "غر كريم والفاجر خب لئيم" الغر هو الذي لا غائلة معه ولا باطنة خلاف ظاهره ومن كانت هذه سبيله أمن المسلمون من لسانه ويده والفاجر على عكسه لأنه يبطن ما يكره ويظهر خلافه

كالمنافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر فكان مثله الخب الذي يظهر ما يحمده عليه المسلمون ويبطن ما يذمه عليه المسلمون والفاجر الذي خالف بينه وبين المؤمن.

في صفة قريش

في صفة قريش روي مرفوعا أن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش ما يراد بذلك إلا تنبيل الرأي فيكون المراد به قرشي صاحب رأي لا غير لأن الشيء إذا وصف به رجل من قوم ذوي عدد جاز أن تضاف الصفة إلى أولئك القوم جميعا وإن كان الموصوف بها خاصا منهم منه قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي: المؤمنين منهم ومنه قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} أي: من لم يؤمن به لا جميعهم وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "واشدد وطأتك على مضر"، أي: على من لم يؤمن منهم ومنه قوله تعالى: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} بالإضافة واختاره أبو عبيد لإجماعهم على {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} بالإضافة ولم يقل أحد فيه بالتنوين فاحتج عليه بأن هنا لو كان بالإضافة يلزم النفي عمن سواهم فأجاب أبو عبيد بأن الشيء إذا كثر جاز أن يضاف إلى إلى كله ما كان من بعضه فيجوز أن يقال لبعض الناصرين ناصروا الله اتفاقا، وفيما روي عنه صلى الله عليه وسلم "انظروا إلى قريش واسمعوا قولهم وذروا فعلهم"، ليس على عمومه أي: اسمعوا من ذوي القول منهم الذي يجب سماعه لا من سواهم ممن ليس بذي القول المسموع شرعا وكذلك وذروا فعلهم أي: من كان من ذوي الفعل المذموم لا من سواهم من ذوي الفعل المحمود.

في عزاء الجاهلية

في عزاء الجاهلية روي أن رجلا تعزى بعزاء الجاهلية عند أبي بن كعب فأعضه أبي ولم يكنه فنظر إليه أصحابه فقال: كأنكم أنكرتموه فقال أبي: أني لا أهاب أحدا في هذا أبدا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعزى بعزاء

الجاهلية فأعضوه ولا تكنوه"، وفي حديث آخر فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا، لا يعارض هذا ما روي مرفوعا: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار، يريد أهله لأن البذاء المأمور به هو على من يستحقه عقوبة كمن يدعو بدعوى الجاهلية لأنه يدعو برجل من أهل النار كانوا يقولون: يا آل بكر يا آل تميم فجعل صلى الله عليه وسلم عقوبة من دعا كذلك أن يقابل بما ذكر في الحديث استخفافا بالداعي والمدعو إليه لينتهي الناس عن ذلك في المستأنف والبذاء المنهي عنه هو البذاء على من لا يستحق. فإن قيل: روى أن مهاجرا كسع أنصاريا فقال المكسوع: يا آل الأنصار وقال الكاسع: يا آل المهاجرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال دعوى الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"، يدل على دفع هذا المعنى إذ لو كان الأمر على ما في الحديث الأول لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من ترك ذلك قيل له: أن هذا دعاء بأهل الهجرة وأهل النصرة فلم يكن كالدعاء إلى رجل جاهل من أهل النار كافر بالله ورسوله وإنما قال: "ما بال دعوى الجاهلية" لمشابهتها بدعواهم يا آل فلان فكره صلى الله عليه وسلم ذلك القول ممن قاله إذ كان الله تعالى أوجب لأهل الإسلام على أهل الإسلام النصرة ودفع الظلم والأذى عنهم وأوعد من مر بمظلوم فلم ينصره.

في الخصال المنهي عنها

في الخصال المنهي عنها عن أبي ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشرا الوشر والوشم والنتف ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار والحرير أن تصنعوه من أسفل ثيابكم كما يصنع العجم والنمر والنهبة والخاتم إلا لذي سلطان، وروي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن معاكمة الرجل الرجل إلى آخره عن أبي عبيد المعاكمة هو أن يضاجع الرجل

صاحبه في ثوب واحد أخذ من العكيم وهو الضجيع ومنه قيل لزوج المرأة: عكيمها1 وروى نهى عن المكاعمة وهو أن يكعم الرجل صاحبه أخذ من كعام البعير وهو أن يشد فمه إذا هاج يقال: كعمه كعما فهو مكعوم وكذلك كل مشدود الفم فهو مكعوم وأما المعاكمة فهو مأخوذ من ضم الشيء إلى الشيء ومنه قيل: عكمت الثياب إذا شددت بعضها إلى بعض ومنه ما روي أبو هريرة لا تباشر المرأة المرأة ولا الرجل الرجل والوشر هي التي تشر أسنانها حتى تصلحها وتجددها والوشم ففي اليد تغرز الأبرة بظهر كفها ومعصمها حتى يؤثر فيه ثم تحشوه بالكحل فيخضر بذلك.

_ 1 كذا والمنقول عن أبي عبيد إنما هو في المكامعة وأنه أخذ من الكميع وزوج المرأة كميعها كما في النهاية وغيرها والظاهر أن هذا تحريف من النساخ بدليل أنه سيأتي تفسير المعاكمة ولو كان هذا تفسيرا لها أيضا لكان الفصل خاليا عن تفسير المكامعة مع ثبوتها في الرواية كما تقدم وهي أثبت الروايات، وفي النهاية نسبة رواية المعاكمة وتفسيرها بما يأتي إلى الطحاوي فقط- ح.

في الذباب والشراب

في الذباب والشراب روي مرفوعا: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم يطرحه فإن في أحد جناحيه سما وفي الآخر شفاء وأنه يقدم السم ويؤخر الشفاء"، وفي رواية: فليمقله ثم يلقيه أنكره جاهل وقال: لا اختيار للذباب في تقديم جناح وتأخير آخر ولكن الله تعالى يلهمه لما شاء أن يكون سببا لفعل وكيف ينكره وقد قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} الآية أي: ألهمها وقال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي: للأرض و {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} الآية فألهمت ما كان فيه نجاتها ونجاة ما سواها من سليمان وجنوده وقصة هدهد مع سليمان أكبر شاهد بإلهام الله عز وجل إياه ذلك.

في القمار

في القمار روى مرفوعا: "من قال لأخيه تعال أقامرك فليتصدق" أي: فليتصدق بالقمار وذلك أن القمار حرام وسبيل المتقامرين إخراج كل من ماله ما يقامر به فأمر أن يصرف ما أخرجه للمعصية في الطاعة التي هي قربة إلى الله تعالى ووسيلة لديه ليكون ذلك كفارة لما حاول أن يصرف فيه مما هو حرام لا أن يتصدق من الحاصل بالقمار فإنه حرام غير مقبول له حكم الغلول وتسميته بالقمار تسمية الشيء باسم ما قرب منه كتسميتهم ابن إبراهيم ذبيحا ومثله كثير وحكم ما قامر به الرد إلى صاحبه وإلى ورثته فإن لم يقدر يتصدق به عنه لا عن نفسه والله أعلم.

في كراهة الوقف قبل تمام الكلام

في كراهة الوقف قبل تمام الكلام عن عدي بن حاتم جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت قم" - الإنكار راجع إلى معنى التقديم والتأخير فيكون التقدير من يطع الله ورسوله ومن يعصهما فقد رشد وذلك كفر وكان ينبغي الوقف على فقد رشد ثم يبتدئ ومن يعصهما فقد غوى مثل قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} وإذا كان هذا مكروها في كلام الناس ففي كتاب الله أشد كراهة والمنع أوكد.

في التمثل بالشعر والرجز

في التمثل بالشعر والرجز عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويأتيك بالأخبار ما لم تزود وروى مرفوعا: أنه نزل يوم حنين فاستنصر فقال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وروى أنه صلى الله عليه وسلم خرج في غداة باردة والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق بأيديهم فقال:

اللهم لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة فأجابوه نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا وعن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى وارى التراب شعر صدره وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فانزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام ان لاقينا ان الأولى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا يمد بها صوته. وعن أبي هريرة مرفوعا: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد. ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد ابن أبي الصلت يسلم، وعن جندب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فشكت أصبعه فقال: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت قد أنكر منكر هذه الآثار كلها متمسكا بقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وليس في الآية ما يدفعها لأنها نزلت ردا على المشركين قولهم: {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} يعني: أن المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها من نبوته وكرامته تجل عن أحوال الشعراء من المدح والهجاء والغلو وإن يقولوا ما لا يفعلون وفي كل واد يهيمون ونفي النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه الشعر في قوله: "اللهم إن فلان بن فلان هجاني وهو يعلم أني لست بشاعر فأهجوه فألعنه عدد ما هجاني"، ثم لما كان في الشعر حكما وما ذكرنا في الآثار كلها من حكم الشعر أجرى الله تعالى الحكمة على لسانه لا أنه شعر إرادة وقصدا إليه دل عليه أنه لم يأت منه إلا بما فيه حاجة من هذا الجنس وقد يتكلم الرجل بكلام موزون

مما لو شاء أن يبني عليه ما يكون شعرا فعل وليس بشعر ولا قائله شاعر وقد يحكى عن الفقيه من ليس بفقيه ولا يصير بذلك فقيها ولقد زعم الخليل وموضعه من العربية موضعه إن الأراجيز ليست بشعر فبان جهل المنكر الذي نفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منفيا عنه إذ ما تكلم به مما في الآثار كلها حكمة علق بلسانه من الشعر فنطق به ولم يكن به شاعرا. قيل في قوله صلى الله عليه وسلم: "وهو يعلم إني لست بشاعر فأهجوه" إنه لو كان شاعر لهجا الهاجي وهذا لا يناسب خلقه العظيم فإنه صح أنه قال لأبي جرى الهجيمي: "يا أبا جرى لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تصب من دلوك في دلو المستقى وإن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة والله لا يحب الخيلاء" قال: يا رسول الله الرجل يسبني بما في أسبه بما فيه قال: "لا فإن أجر ذلك لك وإثمه ووباله عليه". قلت: لا دليل فيه على ما توهمه لأن المقصود أعلام الناس بذلك لأنه ليس بشاعر مثله كقوله: فيهجوه إذا التهاجي إنما يكون من الأكفاء ولا كفء له من الناس وكانوا يرفعون أنفسهم عن أن يهاجوا من ليس لهم بكفء أو في ذلك يقول حسان بن ثابت مخاطبا لأبي سفيان بن حرب1: هجوت محمدا أفأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخير كما الفداء

_ 1 هذا سهو وإنما هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب- ح.

في زمان لا معنى فيه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

في زمان لا معنى فيه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أنس قيل: يا رسول الله متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل" قيل: وما ذاك؟ قال: "إذا ظهر الإدهان في خياركم والفاحشة في شراركم ويحول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم". وعن ابن مسعود وأبي موسى مرفوعا: أن بني إسرائيل كان أحدهم يرى من صاحبه الخطيئة فينهاه تعذيرا فإذا كان من الغد جالسه وواكله

وشاربه كأنه لم يره على خطيئته بالأمس فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر ولتأخذون على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على رقاب بعض1 ويلعنكم كما لعنهم. فالزمان الذي يكون أهله ملعونين لا معنى لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والإدهان التليين ممن لا ينبغي التليين له قاله الفراء ومنه قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي: تلين فيلينوا لك وإدهان الخيار للشرار هو التليين لهم لأن المفروض عليهم خلاف ذلك وتحول الملك في الصغار تولي أمور الإسلام من إقامة الجمعة وجهاد العدو وسائر الأشياء التي إلى الأئمة إقامتها وعلى العامة الاقتداء بهم فيها والفقه في أراذلكم أي: ممن ليس له نسب معروف قال عليه السلام: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"، والخيار في الجاهلية بالشرف في الأنساب فإذا فقهوا كانوا خيار أهله2 وفقه من ليس له نسب ليس كذلك.

_ 1 هكذا في الأصل والظاهر على قلوب بعض- ح. 2 كذا وعبارة المشكل 4/316 فإذا فقهوا كانوا خيار أهل الإسلام.

في حفظ سر الرسول صلى الله عليه وسلم

في حفظ سر الرسول صلى الله عليه وسلم ... في حفظ سر الرسول الله صلى الله عليه وسلم روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى ابنته فاطمة فبكت ثم أسر إليها فضحكت فسألتها عائشة عن ذلك فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله لما توفي عزمت عليها عائشة أن تخبرها بذلك فقالت: أما الآن فنعم أنه لما سارني في المرة الأولى قال: "إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة وأنه عارضني العام مرتين وإني لا أظن إلا أجلي قد حضر فاتقى الله فنعم السلف أنا لك"، فبكيت بكائي الذي رأيت ثم سارني في الثانية فقال: "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء

المؤمنين"، فضحكت. وعن أنس كنت في غلمان فأتى علينا النبي صلى الله عليه وسلم فسلم علينا ثم أخذ بيدي فبعثني في حاجة له وقعد في الجدار أو في ظل الجدار حتى رجعت إليه فلما أتيت أم سليم فقالت: ما حبسك؟ فقلت: أرسلني رسول الله صلى الله عيه وسلم برسالة قالت: ما هي؟ قلت: أنها سر قالت: احفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخبرت بها أحدا بعد. وعن عبد الله بن جعفر أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ثم أسر إلي حديثا أن لا أحدث به أحدا من الناس. وعن عمر بن الخطاب حين بانت حفصة من زوجها وكان قد شهد بدرا توفي قال عمر: فلقيت عثمان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في ذلك فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: بدا لى أن لا أتزوج يومي هذا فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فصمت أبو بكر ولم يرجع إلي شيئا فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قلت: نعم قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلا أني علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها. إنما جاز لفاطمة الإخبار بما أسر إليها لأن ذلك السر ظهر بموته فخرج من خبر السر إلى ضده فأطلق لها الأخبار وكذلك اعتذار أبي بكر لعمر لم يكن من إفشاء ما اؤتمن عليه من السر وأما الذي أسر إلى أنس وعبد الله بن جعفر مما لم يظهر فكتما لأنه أمانة اؤتمنا عليها فلم يحل لهما الخبر بها وعن جابر مرفوعا: "إذا حدث الرجل حديثا فالتفت فهي أمانة".

في ترك الافتخار بالنسب

في ترك الإفتخار بالنسب روي أن أبا الدرداء توفي له أخ من أبيه وترك أخا له لأمه فنكح

امرأته فغضب أبو الدرداء فأقبل إليها فقال: أنكحت ابن الأمة فرد ذلك عليها فقالت: أصلحك الله إنه كان أخا زوجي وكان أحق بي فضمني وولده فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه حتى وقف ثم ضرب على منكبه فقال: "يا أبا الدرداء يا ابن ماء السماء طف الصاع طف الصاع طف الصاع"، كناية عن تقصيره عن الإملاء ومنه المطفف وقيل: هو أن يقرب إلى الامتلاء ولما يمتلئ انتقاص أبي الدرداء أخا أخيه لأمه بأنه ابن أمة يتضمن وصف نفسه بكمال النسب والإسلام أمر بترك الافتخار بالنسب قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجلا فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن". فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بتساويه معه ومع الناس جميعا في النقصان بقوله: "طف الصاع" وإن تباينوا في النقصان بقدر أعمالهم المحمودة وأن لا يدرك أحد بنسبه درجة الكمال وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"، ففيه إعلاء مرتبة الفقه وجلالة مقادير أهله وعلوهم على من سواهم من المتخلفين عنه وإن كانوا ذوي نسب يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "إن سبابكم هذه ليست بمساب على أحد إنما أنتم بنو آدم طف الصاع لم تملؤه ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح بحسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا".

في الستة الملعونين

في الستة الملعونين روي أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال: "ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله عز وجل، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله عز وجل، والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل"، الجبروت

اشتقاقه من الجبر كالملكوت من الملك ومعنى استحلال الحرم جعله كسائر البلاد من اصطياد صيده والدخول فيه بغير إحرام وعدم جعل من دخله آمنا وعدم الامتناع من القتال فيه وغير ذلك وقد أعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مكة لا تغزى بعد العام الذي غزاها وأنه لا يقتل قرشي بعد عامه هذا صبرا لأنه لا يكفر أهلها فيغزون ولا يكفر قرشي بعد ذلك العام الذي أباح دماء أهلها القرشيين فمن أنزل الحرم هذه المنازل كان به ملعونا، والعترة: هم أهل البيت الذين على دينه والتمسك بهديه، روي أنه خطب بماء يدعى خم بين مكة والمدينة فحمدالله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس إنما انتظر أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به" ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله عز وجل في أهل بيتي" فمن أخرج عترته من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيه فجعلهم كسواهم ممن ليس من أهل عترته كان ملعونا والباقي ظاهر.

في قتال العجم على الدين عودا كما قوتلوا عليه بدءا

في قتال العجم على الدين عودا كما قوتلوا عليه بدءا عن عباد خطبنا علي على منبر من آجر وصعصة بن صولجان حاضر فجاء رجل يتخطى رقاب الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على وجهك فضرب صعصعة في ظهري وقال: ليبدين من أمر العرب أمرا قد كان يكتمه ثم قال: من يعذرني من هذه الضياطرة يتقلب أحدهم على حشاياه ويجهر قوم بذكر الله عز وجل يأمرني أن أطردهم فأكون من الظالمين والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا- الحمراء الموالي" ومنه أرسلت إلى الأحمر والأبيض والضياطرة الذين يحضرون الأسواق بلا مال معهم فحضورهم كعدم الحضور وأحدها ضيطار والمعنى: هو أن

العرب قاتلوا العجم حتى أدخلوهم في الإسلام كما روي أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى استغرب فقال: "ألا تسألوني مم ضحكت" فقالوا: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: "عجبت من قوم يقادون إلى الجنة في سلاسل وهم يتقاعسون عنها فما يكرهها لهم" قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: "قوم من العجم يسبيهم المهاجرون ليدخلوهم في الإسلام وهم كارهون"، فالعرب أدخلوا العجم بدءا في الإسلام حتى صار فيهم من عقل عن الله تعالى وعن رسوله شرائع دينه حتى صارت إليه مطالبة من خرج عما عليه إلى ضده بالرجوع إلى ما خرج منه فكان قتالهم إياه عود ليعودوا إلى ما تركوا منه كمثل ما كان العرب قاتلوهم على الدخول في الدين بدءا، ويحتمل أن يكون المراد من العجم من قد وصفه بقوله: "لو كان الدين أو العلم بالثريا لناله رجال من أبناء فارس"، يدل عليه ما روي عن سهل بن سعد قال: كنت يوم الخندق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الكرزن فصادف حجرا فضحك فسأل ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "ناس يؤتي بهم من قبل المشرق في كبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون"، ففهم إنما أراد به من العجم الذي قاله في الحديث وهم أبناء فارس بناحية المشرق الذين وصفهم بما وصفهم به من الدين والعلم الذين دخلوا في قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} أي: بالمذكورين في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} الآية.

في اللاعنة ناقتها

في اللاعنة ناقتها عن عمران بن حصين قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعنت امرأة ناقتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا متاعكم عنها فإنها ملعونة"، قال عمران: فكأني انظر إليها اللعن الطرد والأبعاد فلما قالت: لعنها الله طردها وأبعدها عن رحمة الله وافقت دعاؤها وقت الإجابة فصارت مطرودة عنها فحرمت بذلك الانتفاع بها وعادت العقوبة بذلك عليها لا على ناقتها إذ لا ذنب

لها بل عادت تخفيفا عنها بترك الحمل عليها والركوب لها وقال صلى الله عليه وسلم في غزوة بواط لما قال الأنصاري لناضحه: لعنك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من هذا اللاعن بعيره"؟ قال: أنا يا رسول الله قال: "أنزل عنه لا يصحبنا ملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم فتوافقوا من الله ساعة يمتد فيها عطاؤه فيستجيب لكم".

في ما اختص به ابو بكر وعلى

في ما اختص به أبو بكر وعلي روي أنه قال صلى الله عليه وسلم في مرضه: "سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحابة من أبي بكر وإني لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام أفضل أو إني رأيت على كل باب منها ظلمة" - وروي أن الباب المستثنى منها باب علي بن أبي طالب. عن عمر بن الخطاب لقد أعطي علي بن أبي طالب خصالا لأن تكون في خصلة منها أحب إلي من أن أعطي حمر النعم قالوا: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجه فاطمة وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل لرسول الله والراية يوم خيبر. وعن سعد أنه قال: شهدت لعلي أربعة مناقب لأن تكون في إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها سد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب المسجد وترك باب علي فسأل عن ذلك فقال: "ما أنا سددتها وما أنا تركتها" - وفي حديث آخر فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال قائلكم فيه والله ما سددت ولا فتحت ولكني أمرت بشيء فأتبعته". وعن ابن عباس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي كان يدخل المسجد وهو جنب وهو طريقه ليس له

طريق غيره. وعن عبد الله بن عمر أنه سئل عن عثمان وعلي فقال: أما علي فلا تسألنا عنه ولكن إلى منزلته1 من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سد أبوابنا في المسجد غير بابه وأما عثمان فإنه أذنب ذنبا يوم التقى الجمعان عظيما عفا الله عنه وأذنب ذنبا صغيرا فقتلتموه. لا تضاد ولا اضطراب فيما روينا إذ يحتمل أن يكون الأمر بالسد في قولين مختلفين فكان الأول منهما أمره بسد تلك الأبواب إلا الباب الذي استثناه أما باب أبي بكر وأما باب علي ثم أمر بعد ذلك بسد الأبواب التي أمر بسدها بقوله الاول ولم يكن منها الباب الذي استثناه بقوله الأول واستثنى بقوله الثاني الباب الثاني أما باب أبي بكر إن كان المستثنى الأول باب علي أو باب علي إن كان المستثنى الأول باب أبي بكر فعاد البابان مستثنيين بالاستثنائين جميعا ولم يكن ما أمر به آخرا رجوعا عما كان أمر به أولا وكان ما اختص به أبو بكر وعلي كما اختص غيرهما من الصحابة كاختصاص عمر بأنه من المحدثين واختصاص عثمان باستحياء الملائكة منه واختصاص طلحة بأخباره عنه أنه ممن قضى نحبه واختصاص الزبير بقوله: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير"، والحواري الناصر واختصاص سعد بن مالك بجمعه له أبويه جميعا بقوله يوم أحدا: إرم فداك أبي وأمي، وفي أبي عبيدة بن الجراح بأنه أمين الأمة فهذه خصائص اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من اختصه بها ممن اختصه الله منهم بقوله: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} الآية فبانت به فضيلتهم وارتفعت به درجاتهم ثم قال: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فدخل في ذلك جميع الصحابة فثبت بذلك أن للصحابة فضلا على الناس جميعا وأنهم يتفاضلون بما كان منهم مما قد ذكره الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

_ 1 هكذا ولعله ولكن انظر إلى منزله- ح.

في كراهة التبرج بالزينة

في كراهة التبرج بالزينة روي مرفوعا كراهية التبرج بالزينة قبل محلها في العشرة الأشياء التي كرهها في حديث ابن مسعود وذلك أن الله تعالى قال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} الآية فكان محل التبرج وهو التبدي بمحضر من في هذه الآية وكان التبدي بمحضر غيرهم منهيا عنه وهو المكروه والمنهي عنه.

في لعن من لا يستحقه

في لعن من لا يستحقه عن عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن اللعنة إذا وجهت إلى أحد توجهت فإن وجدت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا دخلت عليه وإلا رجعت إلى ربها عز وجل فقالت: أي رب أن فلانا وجهني إلى فلان وإني لم أجد عليه سبيلا ولم أجد فيه مسلكا فما تأمرني؟ قال: ارجعي من حيث جئت". وروي أن ابن مسعود أتى أبا عبيد وكان صديقا له فاستأذن أهله فدخل عليهم فسلم عليهم واستسقاهم من الشراب فبعثت المرأة الخادم إلى الجيران في طلب الشراب فاستبطأتها فلعنتها فخرج عبد الله فجلس في جانب الدار فجاء أبو عبيد فقال: رحمك الله وهل يغار على مثلك ألا دخلت على ابنة أخيك فسلمت عليها وأصبت من الشراب قال: قد فعلت ولكن لعنت المرأة الخادم فخفت أن تكون الخادم معذورة فترجع اللعنة فأكون بسبيلها فذلك الذي أخرجني. لا منافاة بين ما روينا في المرأة اللاعنة بعيرها وفي الرجل الذي لعن بعيره حيث لم ترجع اللعنة على لاعنيهما مع أنه لا ذنب للبعيرين يستوجبان به اللعن وبين هذا الحديث لأن اللعن للأشياء التي لا ذنوب لها وليس بمكلف يرجع إلى معنى الدعاء عليها فيعود ذلك على لاعنه عقوبة عليه يمنع الانتفاع بما لعنه ويتضرر اللاعن به وأما اللعن للإنسان قد يكون منه الأخلاق المذمومة التي يكون بها ملعونا فيكون لاعنه غير معنف في لعنه إياه لأن الله عز وجل لعن الظالمين وقال:

{وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته من لعن من القبائل وكان ذلك سببا لقتلهم حتى لم يبق منهم أحد وإن كان الملعون بخلاف ذلك كان لاعنه ممن قد سبه فاستحق العقوبة على سبه إياه وهي بعود اللعنة إليه.

في من سرته حسنته وساءته سيئته

في من سرته حسنته وساءته سيئته ... في من سرته حسنته وساءته سيئة روي مرفوعا: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن" يعني: فيرجو ثوابه من الله ويخاف عقابه فهو مؤمن لأن الرجاء والخوف من الأحوال المحمودة في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} . وعن أبي هريرة مرفوعا أن رجلا أذنب ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا أو عملت ذنبا فاغفره فقال عز وجل: عبدي عمل ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخرا وقال: أذنبت ذنبا آخر فقال: أي رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخر أو أذنب ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال: عبدي علم أن له ربا يغفر الذين ويأخذ به أشهدكم إني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء. وذلك لأن علم العبد بذنبه وعقابه عليه إن شاء وبمغفرته له إن شاء إيمان منه به وسبب لرجائه وخوفه فلذلك يسره حسناته ويسوءه سيئاته بخلاف من ظن أن الله يخفي عليه خافية فإنه كافر قال تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} الآية فاستحق النار مع الأشرار.

في الدخول على اهل الحجر

في الدخول على أهل الحجر عن محمد بن أبي كبشة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

في غزوة تبوك فتسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فنودي في الناس الصلاة جامعة، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره فقال: "علام تدخلون على قوم غضب الله عليهم" فناداه رجل تعجبا منهم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأعجب رجل من أنفسكم يخبركم بما كان قبلكم وبما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددو فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا ثم يأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا". لما كشف صلى الله عليه وسلم المعنى الذي لأجله منعهم من الدخول دل على أنه لو دخلوا عليهم لغير ذلك جاز لهم، يؤيده ما روي عن عبد الله بن عمر قال: مررنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الحجر فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم ما أصابهم" ثم زجر فأسرع حتى خلفها، فقوله: "باكين حذرا" أي: من أن يخالفوا أمر الله فينزل بهم عند ذلك ما نزل بهم ففي ذلك الاعتبار منهم. وعن أبي ذر أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إنكم بواد ملعون فأسرعوا" فركب فرسه يدفع ودفع الناس ثم قال: "من كان اعتجن عجينه فليطعمها بعيره ومن كان طبخ قدرا فليكفأها" - لما غضب الله على أهل ذلك الوادي جعل ماءهم ماء يضرهم ويضر أمثالهم من المكلفين فأمروا فيما عجنوا بذلك الماء أن لا يأكلوه وأباح لهم أن يطعموه إبلهم التي لا تعبد عليها ولا ذنوب لها وكان إسراعه صلى الله عليه وسلم ليقتدي الناس به خوفا منه عليهم أن يؤاخذوا بذنوبهم هناك كما أخذ من تقدمهم من أهل الوادي هناك والمراد بلعن الوادي لعن أهله المغضوب عليهم كقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} والمراد: أهلها بدليل قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} وقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .

في المؤمن في ظل صدقته

في المؤمن في ظل صدقته روي مرفوعا: "ظل المؤمن يوم القيامة صدقته" أي ثواب صدقته لأن الثواب يدفع عنه ما يؤذيه يوم القيامة كما يدفع الظل عن الرجل في الدنيا ما يؤذيه من حر الشمس فهي استعارة.

في عبادة الحنفاء

في عبادة الحنفاء عن عياض بن حمار سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "أن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم من دينكم هذا وإن كل مال نحلته عبدي فهو له حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم ينزل به عليهم سلطانا"، ومن وجه آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما: "إلا أحدثكم بما حدثني الله عز وجل في الكتاب أن الله عز وجل خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين فأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه فمن شاء أفنى ومن شاء أحدث فجعلوا مما أعطاهم الله عز وجل حلالا وحراما وعبدوا الطاغوت فأمرني الله عز وجل أن آتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه فقلت لربي عز وجل أخاطبه: إني أن آتهم به تثلغ رأسي قريش كما تثلغ الخبزة فقال لي: أمضه أمضك وانفق انفق عليك وقاتل بمن أطاعك من عصاك فإني سأجعل مع كل جيش عشرة أمثالهم من الملائكة ونافخ في صدر عدوك الرعب ومعطيك كتابا لا يمحوه الماء أذكركه نائما ويقظانا فأبصروني وقريشا هذه فإنهم قد رموا وجهي وسلبوني أهلي وأنا أناديهم فإن أغلبهم يأتوني ما دعوتهم إليه طائعين أو كارهين وإن يغلبوني فاعلموا إني لست على شيء ولا أدعوهم إلى شيء". الحنف الميل في اللغة وجمع الحنيف حنفاء يعين خلقوا ميلاء إلى ما خلقوا له وهو المذكور في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} فكانوا بذلك حنفاء وكان في خلقهم كتب بعضهم سعيد أو بعضهم شقيا فالشقي من أطاع

الشياطين فيما دعته إليه والسعيد من خالفهم وتمسك بما خلق له من العبادة وترك الميل إلى ما سواه وعن ابن عباس في تأويل: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} قال علي: ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي فالخلق من الله لعبادته هو ما كتب فيهم من طاعة معصية لا يخرجون عن ذلك إلى غيره وإن كان أعمالهم السعيدة كانت باختيارهم لها وإن كان أعمالهم الشقية كانت باختيارهم لها أيضا وكل ذلك مما قد سبق من الله فيهم أنهم سيعملونها فيسعدون بها أو يشقون بها.

في بيع التالد

في بيع التالد روي مرفوعا: "من باع تالدا سلط الله عليه تالفا" وما من عبد يبيع تالدا إلا سلط الله عليه تالفا التالد عند العرب هو القديم والمعنى والله أعلم أن من متعه الله بشيء طال مكثه عنده فقد أنعم عليه بذلك فإذا أباعه فقد استبدل به ضد ما أنعم الله عليه به فيسلط الله عز وجل عليه عقوبة له متلفا لما استبدل به لأن معنى تالف متلف قال العجاج: ومنزل هالك من تعرجا أي مهلك ومثله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع دارا أو عقارا ثم لم يجعل ثمنه في مثله وفي رواية من ثمنه في مثله لم يبارك له فيه وفي رواية فمن أن لا يبارك له فيه" قال ابن عيينة في قوله تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يعني: الأرض فكان من باع عقارا باع ما بارك الله عز وجل فيه فعاقبه إذا استبدل بغيره وإن يجعله غير مبارك له فيه.

في لمن خاف مقام ربه جنتان

في لمن خاف مقام ربه جنتان عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق فقال رسول اله صلى الله عيه وسلم الثانية {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق فقال الثالثة {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله

قال: "وإن رغم أنف أبي الدرداء"، وعن مجاهد: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقام الله فيدعها ومعنى الحديث وإن زنى وإن سرق ثم زال عن تلك الحال إلى حال الخوف لله فرد السرقة على صاحبها لأن الخوف من الله يمنع من صغير معاصي الله وكبيرها فهما حالان متضادان فلا يجتمعان فلابد من الانتقال إلى الحال المحمودة التي يرجو فيها وعده ويخاف وعيده فيجتنب معاصيه ومصداقه {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} أي: مكان سيئاتهم على الخوف كقوله واسأل القرية كالإيمان مع الكفر والطاعة مكان المعصية. ومن هذا المعنى ما روي مرفوعا من رواية أبي الدرداء: "من شهد أن لا إله إلا الله أو مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ولم يدخل النار" قال: قلت: وإن زنى وإن سرق قال: "وإن زنى وإن سرق وإن رغم أنف أبي الدرداء"، ورواه أبو ذر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: أن من قال لا إله إلا الله عارفا بما يجب على أهلها فقد قالها وهو عارف لمقام الله عز وجل وبما يرجوه أهلها ويخافونه عند خلافهم أمره والخروج عن طاعته وذلك لا يكون إلا والزنى والسرقة فيه قد زال عنهما وانتقل منهما إلى ضدهما يؤيده ما في حديث أبي موسى من قال: لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة أي موفيا لها حقها.

في محقرات الذنوب

في محقرات الذنوب قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا"، فيه أن الإيمان لا يرفع عقوبة صغائر الذنوب فكيف بكبارها يدل عليه قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} الآية.

في عالم المدينة

في عالم المدينة روي مرفوعا: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة" قال سفيان: إن كان في زماننا أحد فذلك العمري العابد

العالم الذي يخشى الله واسمه عبد الله بن عبد العزيز1 قال الطحاوي: اسم العالم يستحق بشيئين بعلم الكتاب والسنة وشرائع الدين فهو العالم الفقيه والآخر بخشية الله تعالى قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فالمراد بالعالم في الحديث هو العالم الفقيه لأن آباط الإبل لا تضرب إلا في طلب العلم الذي هو الفقه لا في طلب العلم الذي هو الخشية فمن كان معه من الفقهاء من خشية الله تعالى ما ليس مع غيره منهم فهو في أرفع مراتب العلماء ولا يعلم أنه كان بالمدينة بعد الصحابة وبعد التابعين من اجتمع فيه المعنيان غير هذا الرجل لأنه كان فقيها زاهدا ورعالا تأخذه في الله لومة لائم وكان يخرج إلى البادية فيعلم من لا يحضر البلد أمر دينه ويفقهه ويرغبه في القربات ويحذره من المعاصي فرضوان الله عليه وعلى سفيان أيضا بتنبيهه على هذا الموضع ومعرفته بأهله وأجمع العلماء أن الرجل إذا كان أعلم فهو أولى بالإمامة من الأفضل لزيادة فضل العلم على فضل العمل وروي فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.

_ 1 سفيان هو ابن عيينة فيما يظهر وقد قال مرة أخرى هو مالك ووافقه عبد الرزاق وغيره، قال الشافعي: مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين ولا ريب أن مالكا أعلم من العمرى وألى مالك ضربت أكباد الإبل من أقطار العالم لا إلى العمرى والعمرى نفع بعض أهل البادية بالتعليم كما سيذكره ومالك نفع الأمة إلى يوم القيامة بحفظ الحديث وضبطه وغير ذلك ولا تكاد تروى للعمرى إلا أربعة أحاديث وليس له في الأمهات الست شيء وقد كان لمالك رحمه الله من العبادة والخشية نصيب وافر رحم الله الجميع- ح.

في مدة مقام ابي بكر في الغار

في مدة مقام أبي بكر في الغار روي عن طلحة بن عمرو البصري قال: كان الرجل منا إذا هاجر إلى المدينة إن كان له عريف نزل على عريفه وإن لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة وإني قدمت المدينة ولم يكن لي بها عريف فنزلت مع أصحاب الصفة

فوافقت رجلا فكان يخرج لنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مد تمر بين الرجلين1 فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض صلاته فلما سلم ناداه الرجل من أصحاب الصفة يا رسول الله أحرق التمر بطوننا وتحرقت الجنب2 فمال إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه من البلاء والشدة ثم قال: "لقد كنت أنا وصاحبي بضع عشرة ليلة وما لنا طعام إلا البرير حتى قدمنا على إخواننا من الأنصار فواسونا في طعامهم وطعامهم هذا التمر وإني والله الذي لا إله إلا هو لو أجد لكم التمر والخبز لأطعمتكموه فإنه علة3 إن تدركوا زمانا ومن أدركه منكم يلبسون فيه مثل إستار الكعبة ويغدي ويراح عليهم بالجفان". ثمر الأراك مرد ثم برير ثم كباث كثمر النخل بلح ثم بسر ثم رطب ينتقل من بعضها إلى بعض ففيه أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إقامته وإقامة صاحبه في الغار4 الذي تواريا فيه بضع عشرة ليلة وكان طعامهم فيها الطعام المذكور فيه وفيه دلالة على شدة الجهد الذي كانا لقيا في تلك المدة. وروي أن عائشة قالت في حديث طويل: لم أعقل أبواي إلا وهما يدينان الدين قالت: فلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له: ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيدلج من عندهما في سحر فيصبح في قريش بمكة كبائت معهم

_ 1 زاد في المستدرك 2/15 ويكسونا الخنف قال في النهاية هي جمع خنيف وهو نوع غليظ من أردأ الكتان. 2 لفظ المستدرك وتخرقت عنا الخنف ومثله في مسند أحمد 3/487 ووقع هنا في الأصل وتحرقت الجنب وهو خطأ- ح. 3 كذا ويمكن أن تكون عله أي لعله ولفظ المستدرك عسى. 4 لم يتقدم في الحديث ذكر الغار ولا هو في رواية المستدرك ولا في رواية أحمد في مسنده ولكن كأنه وقع في بعض الروايات على ما يظهر من فتح الباري باب الهجرة فراجعه- ح.

فلا يسمع أمرا يكيدون به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غنمه ويريحها عليهما فيبيتان في رسل منحتهما الحديث فلقائل أن يقول: بين الحديثين اضطراب شديد ولكن الجواب أن هذه الآثار كلها صحيحة لعدل رواتها فيجوز أن يكون كل من طلحة وعائشة أخبر عن غار غير الغار الذي أخبر عنه الفريق الآخر كانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في كل واحد منهما غير إقامته في الآخر منهما وقد شد إقامته مع صاحبه في أحدهما قول الله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، ثم ما روي عن أبي بكر فيما كان يخافه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم على نفسه في أحد الغارين اللذين كانا فيه حين قام المشركون وهم على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت يا رسول الله: لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدمه أبصرنا تحت قدمه فقال: "يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما". وعن عمرو بن ميموم قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط فسألوه عن علي فقال: كان أول من أسلم من الناس بعد خديجة ولبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فجعل المشركون يرمون كما كانوا يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يحسبون أنه نبي الله فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله فقال علي: أن نبي الله قد ذهب نحو بئر ميمون فأتبعه فدخل معه الغار وكان المشركون يرمون عليا حتى أصبح. كان ذلك من فعل علي لأمر كان من النبي صلى الله عليه وسلم إياه بذلك ليكون سببا لبعد النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وليقصر المشركون عن إدراكهم إياه بدليل ما روي عن ابن عباس قال: قال علي: لما انطلق صلى الله عليه وسلم ليلة الغار فأقامه في مكانه وألبسه برده فجاءت قريش تريد أن تقتل النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يرمون عليا وهم يرون أنه النبي صلى الله عليه وسلم

فجعل يتضور فنظروا فإذا هو علي فقالوا: لو كان صاحبك لم يتضور ولقد استنكرنا ذلك. وأعلام علي أبا بكر حين أتى فظن أنه النبي صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي قصد إليه لا يكون إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياه بذلك ليلحق به وانفرد أبو بكر بالصحبة له صلى الله عليه وسلم والدخول في الخوف معه فكان الذي كان من على بعض ليلة وكان الذي كان من أبي بكر ثلاث ليال أو بضع عشرة ليلة والبضع ما بين الثلاث إلى العشر فكان جملة ذلك ستة عشر يوما أو أكثر انفرد بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقايته بنفسه مع الخوف والجهد حتى قدما دار الهجرة فاختص أبو بكر بالذكر في كتاب الله تعال وكونه عز وجل معهما في تلك المدة صلى الله عليه وسلم ورضي عن أبي بكر مؤنسه في الغار وصاحبه.

في نهى ابي بكرة الاحنف من نصرة على

في نهي أبي بكرة الأحنف من نصرة علي عن الأحنف بن قيس أخذت سلاحي وأنا أريد أن أنصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أنصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفلا أحدثنك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فهما في النار" فقيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه قد أراد أن يقتل صاحبه". لما كان علي رضي الله عنه أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل هو على تنزيله علم به أنه خليفة رسول الله فيه فطلب المنزلة التي يلحق بها قتال من وعده صلى الله عليه وسلم أنه يقاتله وإن طلحة والزبير لم يكونا علما ذلك كعلي ولم يكن عندهما على أولى منهما مع علمهما أنه لابد للناس ممن يتولى أمرهم ليقاتل عدوهم ويقيم جمعتهم ويأخذ زكاتهم ويصرفها في مصرفها ويحج بهم ويقسم فيئهم إلى غير ذلك مما لا يقوم به إلا الأئمة فقاتلاه لذلك

ولكن من كان معه توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أولى ممن ليس معه ذلك فكل فريق منهم قاتل بالتحري والاجتهاد والذي كان من أبي بكرة إلى الأحنف لم يكن نهيا بل تنبيها له لئلا يقع فيما لا يجوز له إذ من قاتل بالتحري دون من قاتل بالنص فعسى تدركه الحمية بما دخل فيه من القتال فيتمادى عليه فيدخل بذلك في الجنس الذي حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بما حدثه عنه من ذلك قول أحد ابني آدم {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} الآية وكان له مديده ليدفع عن نفسه ولكنه خاف أن يرجع صاحبه عما كان هم به ويتمادى هو في الدفع حتى يكون في ذلك تلف صاحبه فخاف الله من أجل ذلك ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، مع علمه أن لا مؤاخذة فيما لأي ملك ولكن على التوقي من الزيادة فيما لا يملك فكان الذي من أبي بكرة للأحنف تنبيها على ما هو مخوف عليه وكان انصراف الأحنف على الإشفاق منه لعلمه بنفسه وبأخلاقه التي هو عليها.

في اهتزاز العرش

في اهتزاز العرش عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ"، وروي أن أمه بكت وصاحت لما أخرجت جنازته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا يرقأ دمعك ويذهب حزنك فإن ولدك أول من ضحك الله له واهتز له العرش"، واهتزاز العرش لم يبين أي العرش هو؟ فقيل: أنه السرير الذي حمل عليه عن ابن عمر اهتز العرش لحب لقاء الله عز وجل سعدا فقالوا: وما العرش؟ قال: سبحان الله لقد تفسخت أعواده أو عوارضه وأنه على رقابنا فكان آخر من خرج من قبره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أن سعدا ضغط في قبره ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه وقرأ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} " قال: السرير، ومنه ما روي أن أسيد بن حضير لما أخبر بموت امرأته بكى فقيل له: أتبكي؟ قال: ومالي لا أبكي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إن العرش اهتزت أعواده لموت سعد بن معاذ" وعلى هذا فيحتمل أن الله تعالى ألهمه بعد أن حمل عليه سعد بمكانته ومنزلته فصار بذلك أهلا للمعرفة فاهتز له كالخشبه التي كان يخطب إليها صلى الله عليه وسلم إشفاقا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: أنه عرش الرحمن، وروي أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش؟ قال: فخرج إلى سعد فإذا سعد قد مات. وروت رميثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات سعد قال: لقد اهتز له عرش الرحمن وكذلك افتخار الأوس على الخزرج بقولهم: منا غسيل الملائكة حنظلة ومنا من اهتز له عرش الرحمن ومنا من حمته الدبر ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين مشهور لا يخفى ويحتمل أن يكون العرشان جميعا اهتزا وقيل: الاهتزاز هو السرور والارتياح فيكون الله تعالى ألهم العرشين موضع سعد منه فكان منهما ما كان وقيل: الاهتزاز كان من الملائكة الذين يحملون العرش ويحفون به وأضيف إلى العرش كقوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وهذا جبل نحبه ويحبنا أي: يحبنا أهله وهم الأنصار ونحبهم والله أعلم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.

في المستشار

في المستشار روي مرفوعا: "المستشار مؤتمن". الرجل إذا استشار أخاه ملتمسا فضل رأيه مقلدا له في ذلك ليمضيه على نفسه فإن أشار عليه بخلاف الصواب فقد غشه وخانه والخيانة ضد الأمانة، وروي أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه، ففيه أنه لو أشار برشد لوفي أمانته.

في النساء والمال

في النساء والمال روي مرفوعا: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء"

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال"، ففيه أنه ترك في أمته فتنة غير النساء منها فتنة المال وهي تعم الرجال والنساء وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة السناء وفتنة الدنيا بقوله: "أن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل من النساء". وفتنة الدنيا أعم من الجميع إذا المال والنساء وغيرهما داخلة فيها.

في الاعمى البصير

في الأعمى البصير روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذهبوا بنا إلى بني واقف نعود ذلك البصير وكان محجوب البصر"، إنما وصف صلى الله عليه وسلم الأعمى بالبصير ولم يذكره بالعمى كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} و {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} لأن البصر يكون بالقلب وبالعين فذكره النبي صلى الله عليه وسلم بأحسن حاليه وهو البصر الذي بقلبه وإن كان جائزا ذكره بالعمى.

في خير الكافر

في خير الكافر عن عائشة قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابن جدعان في الجاهلية كان يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا يا عائشة أنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"، وعن عدي ابن حاتم قلت: يا رسول الله إن أبي كان يفعل كذا وكذا ويصل الرحم قال: "إن أباك أراد أمرا فأدركه"، يعني: كان ذلك لقصد منه قد بلغه، وعن سلمان بن عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أن أبي كان يقري الضيف ويفعل ويفعل وأنه مات قبل الإسلام قال: "لن ينفعه ذلك"، فلما ولي قال: "على الشيخ" فلما جاء قال: "إن ذلك لن ينفعه ولكن في عقبه إنهم لن يفتقروا ولن يذلوا ولن يخزوا"، يحتمل إنما رده لأن الملك نزل في أمر أبي سلمان كما في حديث أبي قتادة هل

يكفر الله خطاياه بالقتل في سبيل الله؟ قال: "نعم" ثم قال له: "أردده إلا الدين" كذلك قال جبريل وما روي عن حكيم بن حزام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم هل لي فيها من أجر؟ قال: "أسلمت على ما سلف لك من خير"، أراد بالخير ما يحمد عليه مثله على ما كان منه وإن كان لا أجر له فيه فلا يخالف ما تقدم من الآثار وجملة الأمر فيه الرجوع إلى مراد العامل بعمله لقوله عليه السلام: "إنما الأعمال بالنية" الحديث، وإذا كانت الأعمال في الإسلام لغير الله لا يكون لعاملها إلا ما قصد بها فأحرى أن تكون الأعمال في الجاهلية لا يثاب فاعلوها ولا يحصل لهم إلا ما قصدوا بها من أسباب دنياهم.

في الاكل بغيره

في الأكل بغيره عن المستورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله عز وجل يطعمه مثلها من جهنم ومن اكتسى برجل مسلم ثوبا فإن الله عز وجل يكسوه مثله من جهنم ومن قام برجل مسلم مقام سمعة فإن الله عز وجل يقوم به مقام سمعة يوم القيامة"، وذلك على الرجل يأكل بارجل أموال الناس كالذي ياخذ أموالهم ليسد بها فقره ويأخذ لنفسه وهو مثل ما يقال فلان يأكل بدينه وفلان يأكل بعمله ومثله من اكتسى برجل مسلم ومعنى من قام برجل مسلم أي من قام من أجله مقام سمعة لا لمعنى استحق به ذلك ولكن ليفضحه به ويسمع به فيه كان من أهل الوعيد المذكور.

في الخيلاء المحمودة

في الخيلاء المحمودة عن جابر بن عتيك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن من الخيلاء ما يحب الله تعالى ومنها ما يكره فأما الخيلاء التي يحب الله عز وجل اختيال المرء بنفسه عند الصدقة وعند القتال والخيلاء التي يكره الله عز وجل فالبغي والفخر"، الاختيال عند القتال هو: احتقار قرنه واقتداره عليه وقلة اكتراثه

به فيلقي بذلك الرعب في قلب عدوه ومثله الخيلاء عند الصدقة فإن الشيطان يعارضه فيها كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الآية فيري باختياله شيطانه قلة اكتراثه بوسوسته لقوة يقينه وثقته بالجزاء عند ربه فيقهره ويخالف هواه.

في قصة ايوب عليه السلام

في قصة أيوب عليه السلام روي أنس مرفوعا أن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من أخوانه كانا من أخص أخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه وما ذاك قال منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إليه فلم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب لا أدري ما يقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة أن يذكر الله عز وجل إلا في خير وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عنها وأوحى إلى أيوب في مكانه اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته فتلقته تنظر وأقبل عليها قد أذهب الله عز وجل ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان فلما رأته قالت أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى والله ما رأيت أحدا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال فإني أنا هو وكان له أندران أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله عز وجل سحابتين فلما كانت إحداهما على اندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى منهما في أندر الشعير الورق حتى فاض. قوله: فاكفر عنهما لا يجوز أن يكون كفارة يمين لأنه لا يجوز أن يكفر أحد عن يمينه قبل الحنث ولا بعده وهو حي ولكن هذا على الكفارة عن الكلام الذي ذكر الله عز وجل فيه بما لم يكن يصلح أن يذكر فيه والكفارة مغطية لما كفرت به عنه ولكن التغطية قد تكون بفناء المغطى كالبذر في الأرض

يغطي بالطين ولا ينبت إلا بعد فناء البذر ولأجله سمى الزارع كافرا وقد تكون ببقاء المغطى وظهوره بعد ذلك قال الشاعر: في ليلة كفر النجوم غمامها تأويل كفارة أيوب ما كان من ذكر الله من الرجلين بما لا يصلح أن يذكر كان خطيئة قد ظهرت وما ظهر من الخطايا إن لم يغير يعذب الله الخاصة والعامة عليها كما روي مرفوعا "أن الله لا يهلك العامة بعمل الخاصة ولكن إذا رأوا المنكر بين ظهرانيهم فلم يغيروه عذب الله العامة والخاصة" فلذلك تلاقاه أيوب بما يدفع به عذاب الله من الصدقة التي تكفر الذنوب وتدفع العقوبات من غير أن يكون للرجلين في ذلك كفارة تغطي معصيتهما أو تفنيها ومثله قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} والاستغفار ما كان من الجميع ولكنه كان من بعضهم ودفع به العقوبة عمن كانت منه المعاصي وعمن لم تكن منه وهذا أحسن ما تؤول كفارة أيوب عن الرجلين به والله أعلم.

في الأخوة والصحبة

في الأخوة والصحبة روي عن طلحة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما اشرفنا على حرة وأقم إذا نحن بقبور قلنا: يا رسول الله هذه قبور إخواننا قال: "هذه قبور أصحابنا" فلما جاء قبور الشهداء قال: "هذه قبور أخواننا"، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا"، قالوا: يا رسول الله لسنا بإخوانك قال: "بل أنتم أصحابي وأخواني الذين يأتون من بعدي وأنا فرطهم على الحوض". الأخوة هي المصافاة التي لا غش فيها ولا باطن لها يخالف ظاهرها قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ} ومنه: لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا والصحبة قد تكون بظاهر يخالفه الباطن الذي كان مع أصحابها بخلاف الأخوة.

في الجدل

في الجدل عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقة وفاطمة ابنة رسول الله فقال: "ألا تصلون"؟ قال: فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك ولم يرجع إلى شيئا ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم كراهة لقول علي ولا إنكارا منه عليه بل أعجل بالسرعة جوابه الصائب. ومنه قول بلال وقد وكله بصلاة الصبح ليلة التعريس أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فلم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيما تلاه ما يدل على أن الإنسان قد يكون معه من الجدل ما يحسن من الجواب بما هو محمود منه.

في حلاوة المال وخضرته

في حلاوة المال وخضرته عن سعيد المقبري عن خولة قال: جئناها لنسألها عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب فحلف عليها بعده رجل من بني زريق فجاء زوجها ونحن عندها فقال: ما جاء بكم؟ قلنا: جئنا لنسألها عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: انظري ما تحدثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كذبا على رسول الله ليس كالكذب قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل على عمه يعوده يقول: "أن هذا المال حلوة خضرة فمن أخذه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما اشتهت نفسه من مال الله ورسوله له النار يوم القيامة" لم يقل خاضرا حلوا وهو مذكر لأنه رده إلى الدنيا إذ كان المال لا يكون إلا فيها.

في استخلاف عمر من بعده من الصحابة

في استخلاف عمر من بعده من الصحابة روي أن عمر خطب يوما فقال: إني رأيت فيما يرى النائم ديكا أحمر

نقر في معقد ازاري ثلاث نقرات وإني استعبرت أسماء بنت عميس فقالت: يقتلك رجل من العجم وإني أخشى أن يكون موتي فجأة وإني أشهدكم إني أن أهلك ولم أعهد فالأمر إلى هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وروي مثله بمعناه عمرو بن ميمون ومعدان بن أبي طلحة وهم أئمة العلم عدول فيه مأمونون عليه مقبولة روايتهم فلا يجوز لذي عقل أن يتعلق برواية أبي مخرمة الذي لا يعرف ولا يعد من أهل العلم ولا يعرف له لقاء عمر فيما قد خلفه فيه وبالله التوفيق.

في تعليم القرآن وتعلمه

في تعليم القرآن وتعلمه روي مرفوعا: "خياركم من تعلم القرآن وعلمه أو خيركم من تعلم القرآن وعلمه" فيه أعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير القرن الذي هم منه من تعلم القرآن وعلمه ويجوز أن يكونوا متفاضلين بمعنى زائد على المعنى المذكور من العلم بالأحكام التي في كتابه والتي أجراها على لسان رسوله ممن ليس بقيتهم فيها كذلك فيكون بذلك أفضل ممن سواه من أهل قرنه ثم كذلك كلما تعالوا بمعنى من المعاني المحمودة يفضلون من سواهم ممن هو في طبقته حتى يتناهى إلى من هو أعلاهم في تلك المعاني فيكون خيرهم وكذلك الحكم في كل قرن لأن الله تعالى فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم وفضل القرن الذي بعث فيها على بقيتها ثم الذي يليه وهلم جرا إلى أخر الزمان.

في طول العمر

في طول العمر عن أبي بكرة سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل؟ أو قال: خير- قال: "من طال عمره وحسن عمله" قيل: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله"، ظاهره العموم والمراد به الخصوص لأنه معلوم أنه ليس أفضل من الأنبياء ولا من الصحابة والمراد من خير الناس مثله قوله

تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} والمراد بهما بعض الأشياء ومثله ما روي عن درة قالت: كنت عند عائشة فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيتوني بوضوء" فابتدرت أنا الكوز فتوضأ ثم رفع طرفة أو عينه إلى فقال: "أنت مني وأنا منك" فأتاه رجل وكان سأله على المنبر من خير الناس؟ قال: "أفقههم في دين الله عز وجل"، فيه جلالة درة بنت أبي لهب لأنها كانت من المهاجرات فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى نفسها لا إلى أبيها لأن الله تعالى قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فكان الذي من أبي لهب لا يتعداه إلى ولده ولا إلى غيره والذي اكتسبته ابنته من الخير لا يتعداها إلى من سواها من أب ولأعبره.

في ما اجتمع لأبي بكر وابنه وابن ابنه من المبايعة

في ما اجتمع لأبي بكر وابنه وابن ابنه من المبايعة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه روحه مر به ابن لعبد الله أو عبد الرحمن بن أبي بكر1 ومعه إراكة خضراء فلحظ إليه فدعوته فأخذتها منه فناولتها إياه فوضعها على فيه وكان رأسه بين سحري ونحرى فبينما نحن كذلك إذ رفع رأسه فظننت إنه بعض ما يريد من أهله وكانت ريحا باردة فقبض الله عز وجل روحه وما أشعر.

_ 1 الثابت في صحيح البخاري وغيره من رواية جماعة عن عائشة دخل عبد الرخمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب وفي رواية ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة ولم يذكر الحافظ في فتح الباري ما يخالف ذلك والله أعلم، نعم ذكروا أن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال موسى بن عقبة له رؤية وقال ابن شاهين كان أسن من عمه يعني محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر ولد في طريق المدينة إلى مكة في حجة الوداع- ح.

علمنا بهذا الحديث أنه قد كان لعبد الله ولعبد الرحمن ابن ومحال أن يكون حينئذ في حال من يسعى إلا وسنه متقدمة لفتح مكة وكان الناس بمكة جاؤوا بأبنائهم الصغار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبايعوا مع آبائهم كما بايع من لم يبلغ قبل ذلك كالزبير وعلي فكان ابن عبد الله وابن عبد الرحمن كذلك وكان الناس يأتونه بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم فيكون ابن ابن أبي بكر من أولائك ويحتمل أنه كان عقل البيعة فبايعه ويكون أبو بكر ممن تفرد بالبيعة من نفسه يومئذ وبالبيعة من ابنه وبالبيعة من ابن ابنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعلم اجتماع ذلك لأحد من الناس سواه.

في فضل اهل بدر

في فضل أهل بدر عن رافع بن خديج أتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أو قال: ملك عظيم فقال: كيف أهل بدر فيكم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم عندنا أفضل الناس" قال: الملك كذلك عندنا من شهد بدرا من الملائكة لا يعارض هذا قوله: جميعا وهم في أنفسهم متفاضلون بأسباب تختص ببعضهم كالأنبياء أفضل الناس وفيما بينهم متفاضلون فأهل بدر يفضلون أهل قرنهم بشهودهم بدرا واختصاصهم بهذا.

في احب الناس الى الرسول صلى الله عليه وسلم

في أحب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسامة بن زيد قال: مررت فإذا علي والعباس قاعدان فقالا: يا أسامة استأذن لنا فقلت: يا رسول الله إن عليا والعباس بالباب يستأذنان فقال: أتدري ما جاء بهما قلت: لا قال: لكني أدري ائذن لهما فدخلا فقال: علي يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: "فاطمة" ابنة محمد قال: إني لست أسألك عن النساء إنما أسألك عن الرجال قال: "من أنعم الله عليه وأنعمت عليه؟ أسامة بن زيد" قال علي: ثم من؟ قال: "ثم أنت"؟ وفي رواية فدخلا فقالا: يا رسول الله

نسألك عن أحب أهل بيتك إليك فقال: "فاطمة" قالا: لسنا نسألك عن النساء إنما نسألك عن الرجال قال: "أسامة" فقال العباس شبه المغضب ثم من يا رسول الله؟ قال: "ثم علي" فقال: جعلت عمك آخر القوم فقال: يا عباس إن عليا سبقك بالهجرة، وما روى ابن عمر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمرته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل وإيم الله أنه كان خليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعد"، لا يعارض ما ذكرنا لأنه لما سأله علي عن أحب الناس إليه وعن أحب أهل بيته إليه فقال: "فاطمة" دل أنها في المحبة فوق أسامة وقوله: في أسامة من أحب الناس يريد من أحب الرجال. وما روي عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشه على ذات السلاسل قال: فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال "عائشة": قلت: فمن الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من قال "عمر": فعد رجالا يحتمل أن يكون عمرو علم مزية أهل البيت في المحبة على جميع الناس فكان سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس من سوى أهل البيت وعلم صلى الله عليه وسلم مراده فأجابه عليه وأجاب عليا بما أجابه من أحب الناس من أهل بيته وأسامة كان حينئذ من أهل بيته لأن أباه كان يدعي زيد بن محمد ثم نسخ بقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} الآية ولكن محبة أسامة بعد أهل البيت مقدم على غيرهم. وما روي عن عائشة أنها سألت أي أصحاب رسول الله كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر قيل: ثم من؟ قالت: عمر قيل: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح قيل: ثم من؟ فسكتت يحتمل أنها أخبرت على ما وقع في قلبها وفي ظنها فقد روي عن عائشة أنه ذكر لها علي فقالت: ما رأيت رجلا كان أحب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ولا امرأة أحب إليه صلى الله عليه وسلم من امرأته

فالتوفيق أنها كانت علمت أن أحدا لا يذهب عنه تقدم أهل البيت في محبته صلى الله عليه وسلم فأجابت أولا بما أجابت ولما سألت عن علي أجابت بما أجابت به فيه يحققه ما روي عن النعمان بن بشير أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة تقول والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي مرتين أو ثلاثا فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها وقال يا بنت فلان ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة ما قالته من ذلك فخرج بحمد الله معانى الآثار خروجا لا تضاد فيه ولم يكن تقدم علي في المحبة على أبي بكر بأفضل من تقدم أبي بكر في الفضل عنده صلى الله عليه وسلم فلكل واحد منهما موضعه من محبته ومن فضله رضوان الله عليهم أجمعين.

في عثمان وخلافته

في عثمان وخلافته عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد يوما ألما فأرسل إلى عثمان أن الله عز وجل سيقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه فقيل لها فأين كنت لم تذكري هذا قالت نسيته فيه ما يدل على أن أوصافه التي بها استحق الخلافة وأجمع الناس على استحقاقه من أجلها لم تتغير عما كانت عليه لأنه لو أحدث ما لا يصح معه بقاؤه على الخلافة على زعم بعض لما أمره صلى الله عليه وسلم بالتمسك بها.

في اما بعد

في أما بعد روى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في ابتداء خطبته أما بعد في حديث المسور بن مخرمة خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما بعد فإن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب" الحديث والمعنى فيه أن العرب من عادتها ألا يجازوا الاختصار في الكلام بالإيماء إلى ما يفهم به من مخاطبة مراده وكانت عادتهم استفتاح الكلام

باسم الله وحمده والثناء عليه فكان معنى قولهم أما بعد أما بعد ذي كان منهم من التسمية والحمد والثناء كان كذا وكذا فيذكرون حاجتهم مع حدفهم ذكر ما أرادوه من ذلك ولهذا يرفعون بعد إذ كان المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد ولو جاؤا بالكلام لنصبوا بعد فقالوا أما بعد كذا وكذا لأنها صفة فلو حذفوا رفعوا بعد وهو الذي يسمى غاية ومنه قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ومنه أعطيتك درهما لا غير ولو ذكروا لنصبوا غير فقالوا أعطيتك درهما لا غيره.

في شفاعة الاولياء

في شفاعة الأولياء عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل أهل الجنة صفوفا وأهل النار صفوفا فينظر الرجل من صفوف أهل النار إلى الرجل من صفوف أهل الجنة فيقول يا فلان ألا تذكر يوم اصطنعت إليك معروفا فيقول: اللهم إن هذا اصطنع إلي في الدنيا معروفا فيقال له: خذ بيده وأدخله الجنة برحمة الله عز وجل"، فيه إن الشفاعة قد تكون من ذوي المنازل العليا وإن لم يكونوا أنبياء لكن في أهل التوحيد من المذنبين فضلا من الله على عباده الصالحين فيشفعون على قدر منازلهم كما أن الأنبياء يشفعون فيما يشفعون فيه لعلو منازلهم.

في موضع سوط من الجنة

في موضع سوط من الجنة روي مرفوعا: "موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها" أي موضع سوط مما أوتي من أدخل الجنة خير من الدنيا وما فيها إذ لا منفعة في ذلك المقدار من الجنة كما يقول الرجل شبر من داري أحب إلي من كذا وكذا ليس على أنه ليس له الإشبر منها وإنما يعني ذلك المقدار من الدار التي هي له فقد روي أن أدنى أهل الجنة منزلة يعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها.

في العزلة

في العزلة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير

الناس منزلا"؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: "رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله حتى يقتل أو يموت وأخبركم بالذي يليه"؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: "رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس وأخبركم بشر الناس منزلا"؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال: "الذي يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به"، لا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، لأن قوله: "خير الناس" عام أريد به الخصوص يعني من خير الناس كقوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس من طال عمره وحسن عمله وخياركم من تعلم القرآن وعلمه"، وقال تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ولم تؤت مما اختص الله تعالى به سليمان وكذا قوله: "أخبركم بالذي يليه" يحتمل أن المراد به من خير أهلها ويحتمل أن يكون بين المنزلتين منزلة فيكون من يخالط ويصبر أفضل ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم باعتزاله شرورهم وانقطاعه عنهم ولعلها فوق المنزلة التي هي قبلها وتكون هذه تليها على حاله يؤيده حديث أبي ذر فيما تقدم في الثلاثة الذين يحبهم الله ذكر فيهم رجل له جار يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يفرج الله له منه أما بموت وأما بغيره فإذا نال هذه الدرجة بصبره على أذى رجل واحد فالذي بذل نفسه للناس ويصبر على أذاهم ويخالطهم بذلك أولى. ويحتمل أن يكون المخالطة في وقت أفضل والاعتزال عن الناس في وقت آخر أفضل من المخالطة يؤيده حديث أبي ثعلبة الخشني سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه رأيت أمرا لابد منه فعليك نفسك إياك أمر العوام"، الحديث، فيكون اعتزال الناس أفضل من المخالطة فلا تضاد. ومما يدل على صحة هذا التأويل ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: "أنها ستكون فتن تكون فتنة المضطجع فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من

القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فإذا وقعت فمن كانت له أرض فليلحق بأرضه ومن كانت له إبل فليلحق بابله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه" فقال رجل: يا رسول الله فمن لم يكن له أرض ولا إبل ولا غنم قال: فليغمد سيفه ثم ينج إن استطاع النجاة ثم قال: اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت فاشهد فقال رجل: يا رسول الله فإن أكرهت حتى يذهب بي فأصير بين الصفين فيجئ الرجل فيقتلني قال: يبوء بإثمك ويكون من أصحاب النار، فاعتزال الناس في هذا الحال مرتبة عالية فيحتمل أن تكون هي المرادة في الحديث الأول.

في المرأة تقبل في صورة شيطان

في المرأة تقبل في صورة شيطان روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: "أن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"، لم يرد الصورة التي هي الخلقة لأن الله تعالى شبه رؤوس الشياطين بالشجرة التي تخرج في أصل الجحيم لقبح ما هي عليه وفظاعته وشبهت المرأة بالشيطان لأنه يخالط قلوب الناس من الفتنة المؤدية إلى العقوبة في الدنيا والخزي في الآخرة كما تخالط قلوب الناس بإلقاء الشياطين ما يغويهم ويزين لهم الآثام والقبائح قال تعالى: {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} الآية فكان مثل ذلك ما يكون رؤيتهم المرأة مما يوقع في قلوبهم ما لا خفاء به مما يكون مثل ما يوقعه الشيطان بقلوبهم.

في مثقال حبة من الكبر او الايمان

في مثقال حبة من الكبر أو الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قبله مثقال حبة من كبر ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان"، وخرجه من طرق يعني لا يدخل النار دخول تخليد كالكافر لأن الآثار تظاهرت بدخول المؤمنين المذنبين وخروجهم منها بالشفاعة يؤيده حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من قال: لا إله إلا الله وكان

في قلبه من خير ما يزن ذرة". "ولكل نبي دعوة دعا بها لأمته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" وعن عبد الله بن مسعود مرفوعا "أني لأعلم آخر أهل النار خروجا من النار وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقال له: ادخل الجنة فيدخل وقد أخذ الناس مساكنهم فيخرج فيقول: أي رب لم أجد فيها مسكنا فيدخل ثم يخرج فيقول: رب لم أجد فيها مسكنا فيقول الله عز وجل له: فإن لك مثل الدنيا وعشرة أضعافها أو قال: هل ترضى أن يجعل لك مثل الدنيا وعشرة أضعافها، فيقول: أي رب أتسخر بي وأنت الملك قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك حتى بدت نواجذه ولا يخرج من النار إلا من كان دخلها". فإن قيل: أفيجوز أن يقال: لا يدخل النار من يدخلها فقلت: جاء القرآن بمثله قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} فلم يكن ذلك على كل من أشرك بل على من بقي على شركه حتى خرج من الدنيا أما من تاب من شركه حتى خرج من الدنيا وهو مؤمن فلا يتناوله لقوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} الآية إلى قوله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فكذا حديث ابن مسعود فيه نفي دخول معه تخليد وإثبات دخول بغير تخليد. والمراد بالكبر هو الترفع عن الناس ووضع الرجل نفسه في موضع لم يضعه الله فيه وغمصه الناس بإنزالهم دون المواضع التي جعلهم الله فيها وفي ذلك خلاف لحكم الله تعالى فيهم وفيه الوعيد من الله غير مستنكر في ذلك يبين ما قلنا ما روي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل النار مثقال ذرة من إيمان ولا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال: "الكبر بطر الحق وغمص الناس".

وعن ثابت بن قيس قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر فشدد فيه وقال: "إن الله عز وجل لا يحب من كان مختالا فخورا" فقال رجل من القوم: والله يا رسول الله إن ثيابي لتغسل فيعجبني بياضها ويعجبني شراك نعلي وعلاقة سوطي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذلك من الكبر إنما الكبر أن تسفه الحق وتغمص الناس". والمعنى فيما روينا أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر أنه لا يدخل الجنة قبل دخول النار إلا أن يغفر الله له لأنه دون الشرك ويحتمل أن الحديث عام يراد به الخصوص وهو من سبق في علم الله تعالى أنه لا يغفر له فيكون معناه أنهم لا يدخلون الجنة قبل أن يدخلوا النار وإنما يدخولنها بعد أن يخرجوا من النار لأنه لا يمكن إجراؤه على ظاهره إنهم لا يدخلون أبدا إذ لا يخلد في النار إلا الكفار وكذا قوله: "لا يدخل النار من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان"، عام أريد به خاص وهو من سبق في علم الله تعالى أنه يغفر له من الموحدين المذنبين.

في الأمر بأخذ القرآن عن أربعة

في الأمر بأخذ القرآن عن أربعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة"، سبب اختصاص الأمر بالأخذ منهم دون غيرهم مع مشاركتهم لهم في حفظ جميع القرآن كزيد بن ثابت وأبي زيد هو أن من يجمع القرآن قد يصلح لأن يؤخذ عنه لضبطه إياه ولحسن أخذه على من يقرأه عليه وقد يجمعه من لا يكون كذلك فاحتمل أن يكون الأربعة يصلحون لذلك ويقدرون عليه من أنفسهم ويقدر الناس عليه منهم ومن سواهم يقصر عن ذلك فأمر الناس أن يأخذوه عن الذين لا تقصير معهم فيما يحتاج إليه في أخذه عنهم دون من يقصر عن ذلك.

في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي

في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي عن أبي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقرأ القرآن عليك" قال: قلت: سماني لك ربك عز وجل قال: نعم فقرأ علي {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} ، بالتاء جميعا أي: بعض القرآن لا كله يؤيده رواية قتادة عن أنس أنه لما قال: الله سماني لك قال: "الله سماك لي" فجعل أبي يبكي قال قتادة: نبئت أنه قرأ عليه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهذا كما يقال: سمعت القرآن أي: بعضه وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ومن قرأ شيئا منه مأمور بالاستعاذة ولا وجه لإنكار منكر بأن القارئ يقرأ على من فوق رتبته ليأخذ عنه لحاجته إليه لأن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ليوقفه على ما يقرأ عليه حتى يكون آخذا له من فيه كقراءة الشيخ الحديث على من سمعه منه وعن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن اقرئك" قال أبي: وقد ذكرت عنده قال: نعم، فاغرورقت عيناه وجعل يبكي، وفي رواية عبد الرحمن بن ابزي عن أبي أن الله أمره أن يقرئه سورة من القرآن لا أن يقرأ عليه القرآن. فإن قيل: فهل لأحد من الصحابة من الرتبة في القرآن مثل ما لأبي منها؟ قلنا: لعبد الله بن مسعود زيادة على ما وجدناه لأبي وذلك ما روي عن أبي ظبيان قال: قال عبد الله بن عباس: أي القراءتين تقرأ؟ قلت: القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد قال: بل هي الآخرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن على جبريل في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين فحضر ذلك عبد الله بن مسعود فعلم ما نسخ وما بدل فكان فيه حضوره لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل ونحن نحيط علما أن تلك المرتبة لم يبلغها ابن مسعود إلا بأمر الله عز وجل إياه أن يبلغه إياها.

وعن علقمة جاء رجل إلى عمر بعرفات فقال: جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلب فغضب عمر وانتفخ قال: ويحك من هذا؟ قال عبد الله بن مسعود: قال: فوالله مازال يطفأ ويذهب عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ثم قال: والله ما أعلم أحدا من الناس هو أحق بذلك منه وسأحدث عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر في أمر المسلمين وأنا معه ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فلما دخلنا المسجد إذا رجل قائم يصلي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمع قراءته فلما كدنا أن نعرف الرجل قال: "من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"، ثم جلس الرجل يدعو فقال صلى الله عليه وسلم: مثل قوله فقلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه فغدوت إليه فوجدت أبا بكر سبقني إليه فبشره ولا والله ما سابقته إلى خير إلا سبقني إليه ففيه حلف عمر أنه لا يعلم أحدا من الناس أحق بما ذكر له من ابن مسعود وأبي وغيره حي خلا سالم فإنه كان مات وخلا أبي زيد فإنه قد يجوز أن يكون مات قبل ذلك لأن موته كان في أيام عمر وعن أبي وائل قال: خطبنا عبد الله على المنبر فقال: والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل وما أحدا علم بكتاب الله مني وما أنا بخيركم ولو إني أعلم أحدا يبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته قال أبو وائل: فلما نزل من المنبر جلست في الحلق فلم ينكر أحد ما قال وفي سكوت الصحابة من الإنكار عليه دليل على متابعتهم له فيه.

في الاعلام بحال عائشة

في الأعلام بحال عائشة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل إلا دبب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت"، قيل فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقف على أي

أزواجه يكون ذلك منها وليس كذلك فإنه صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنه سيكون بينك وبين عائشة أمر"؟ قال: نعم قال: أنا من بين أصحابي؟ قال: نعم قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: "لا فإذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها"، ولا تضاد بينهما إذ يجوز أن يكون أعلم الله تعالى نبيه إحدى زوجاته إجمالا ثم بينها له بيانا شافيا فخاطب عليا بما خاطبه بعد ذلك.

في التفدية

في التفدية روي أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله جعلنا الله فداك ما يصلح لنا من الأشربة فقال: "لا تشربوا في النقير" قالوا: يا نبي الله أتدري ما النقير؟ قال: "نعم الجذع ينقر وسطه ولا في الدباء ولا في الحنتم". وعن أبي عبد الرحمن الفهري قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الرواح يا رسول الله فقال: "أجل ثم قال: يا بلال فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال: أسرج لي فرسي"، الحديث. قيل: كيف يقبل هذا وقائله غير قادر عليه وغير مجاب إليه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة لما قالت: اللهم متعني بزوجي رسول الله وبابي أبي سفيان وبأخي معاوية سألت لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة وآثار معلومة لا يعجل منها شيء قبل حله ولا يؤخر بعد حله. والجواب أن السائل والمسؤول له يعلمان أنه غير مجاب إليه ومعناه لو وصل إلى ذلك وقدر عليه لفعله فلم يكره ذلك من قائله لما فيه مما يوجب المودة من بعضهم لبعض ويؤكد الأخوة وذلك كدعاء بعضهم لبعض بطول البقاء وزيادة العمر والنسئ في الأجل وهو معروف عرفا غير مستنكر نصا.

وعن محمد بن سيرين قد علم المسلمون أن لا دعوة لهم في الأجل وعن علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد يوم أحد: "إرم فداك أبي وأمي"، وعن سعد بن أبي وقاص لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه وقال صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين: "بابي أنتما وأمي من أحبني فليحب هذين"، يعني: لو كنت أقدر على أن أجعل أبي وأمي لمن جعلتهما فداء له لفعلت لما قد بلغ مني نهاية مبلغه.

في نسبة الرجل الى موضع استيطانه

في نسبة الرجل إلى موضع استيطانه عن أنس مرفوعا: قال: ليصيبن قوما سفع من النار عقوبة بذنوب عملوها ثم ليدخلنهم الله الجنة بفضل رحمته وشفاعة الشافعين يقال لهم: الجهنميون سموا جهنميون وإن لم يولدوا بجهنم لأنهم حلوها وأقاموا بها وهو مذهب أبي يوسف أن من حل بموضع فاوطنه جاز أن يقال أنه من أهله خلافا لأبي حنيفة من أنه أهل من موضع ميلاده لا غيره من المواضع التي تحول إليها لأنه صلى الله عليه وسلم تحول إلى المدينة ولم يخرجه من أن يكون من أهل مكة ولكن لأبي يوسف أنه يقال له: مدني لاستيطانه المدينة وإن لم يكن ولد بها وفيه ما دل على جواز القول بعد انتقاله من الموضع الذي قد صار من أهله باستيطانه إياه أنه من أهل الموضع الأول يقال لمن سكن مصر من أهل الكوفة كوفى كما سمي الجهنميون بعد انتقالهم إلى الجنة ولمن انتصر للإمام أن يقول: إنما سموا الجهنميون لأن بني آدم لا يولدون في الآخرة ولكن جهنم أول موضع لمن دخلها كمولد الشخص أول موضع وجد فيها لا لإقامته فيها.

في العجوة والكمأة

في العجوة والكمأة عن ابن عباس مرفوعا: "العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم والكمأة من المن وفيها أو ماؤها شفاء للعين والكبش العربي الأسود شفاء من عرق النساء يؤكل من لحمه ويحسى من مرقه" ولا يضاده حديث صلاته صلى الله عليه

وسلم عند المقام مع الجماعة فلما فرغ من صلاته أهوى بيده بينه وبين الكعبة كأنه يريد أن يأخذ شيئا بيده فقال: "هل رأيتموني حين قضيت الصلاة أهويت بيدي قبل الكعبة كأني أريد أن آخذ شيئا" قالوا: نعم يا نبي الله قال: "أن الجنة عرضت علي فرأيت فيها الأعاجيب والحسن والجمال فمرت بي خصلة من عنب فأعجبتني فأهويت إليها لآخذها فسبقتني ولو أخذتها لغرستها بين أظهركم حتى تأكلوا من فاكهة الجنة واعلموا أن العجوة من فاكهة الجنة". فإن لو امتناع فدل على أنهم لم يأكلوا من فاكهة الجنة لأنه يحتمل أن مراده بأن العجوة من فاكهة الجنة عن الله تعالى أتحف بعض أوليائه بشيء من عجوة الجنة فأكل من ذلك وغرس نواة في الدنيا فكان عنه النخيل الذي منه العجوة وإن انتقلت عما كانت عليه ألا ترى أن النواة من الحجاز إذا غرس في غير الحجاز أعادتها الأرض المغروس فيها إلى ثمار كلها ويقال: أنها من الحجاز ويؤيده قوله: "لو أخذته لغرسته" أي لغرست نواة لأن العنقود لا يغرس حتى تأكلوا من ثمار الجنة ويحتمل أن يكون حتى تأكلوا من ثمار الجنة يريد العنب الذي في العنقود لا ما سواه وقوله: "العجوة من فاكهة الجنة" يقضي بصحة قول أبي يوسف ومحمد في أن الرطب من الفاكهة وكذا قوله صلى الله عليه وسلم جوابا لليهود يا محمد في الجنة فاكهة قال: "فيها فاكهة ونخل ورمان" لاستحالة إجابة من سأله عن الفاكهة بذكر ما سواها ولا وجه لمن حمل الآية على التأكيد من باب قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} لأن الحجة قامت في ذلك وفي {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح} ولم تقم الحجة بمثل ذلك في الرطب أنه من الفاكهة. وروى من تصبح كل يوم سبعا من عجوة العالية لم يضره ذلك اليوم سحر ولا سم وروي من ابتكر سبع تمرات ما بين لأبتي المدينة لم يضره ذلك اليوم سم حتى يمسي فيه أن المراد بالعجوة في الحديث عجوة في المدينة لا ما سواها من جنس

وعن جابر كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض أصحابه: أن الكمأة من جدري الأرض فامتنعوا من أكلها فبلغ ذلك النبي صلى الله عيه وسلم فخرج فصعد المنبر فخطب فقال: "ألا ما بال أقوام يزعمون أن الكمأة من جدري الأرض ألا وأنها ليست من جدري الأرض إلا أن الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين إلا أن العجوة من الجنة وفيه شفاء من السم"، فيه بيان سبب أعلام الرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الكمأة ما علمهم فيها.

في اول نبي بعث

في أول نبي بعث عن أنس مرفوعا: "أول نبي بعث نوح عليه السلام" يعني أول نبي بعث إلى من في الأرض جميعا في زمنه دل عليه تغريق الأرض كلها عقوبة لهم إذ عتوا ولا يكون ذلك إلا باستحقاق الجميع عقوبة المخالفة لأن إلياس من المرسلين وهو إدريس وهو جد نوح1 لأن نوحا هو ابن لأمك بن متوشلح بن

_ 1 لم تقم حجة على أن إلياس هو إدريس ولا أن إدريس هو جد نوح ومع ذلك ففي كون نوح بعث إلى أهل الأرض نظر ففي الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي الحديث، عد فيهن وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ويؤيده في نوح أن في القرآن مواضع في إرساله إلى قومه منها في سورته قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ} وأحسن الأجوبة ما نقله الحافظ في كتاب التيمم من فتح الباري عن ابن عطية وحاصله بإيضاح وزيادة أن معنى بعث الرسول إلى قومه خاصة أن يؤمر بالتجرد لتبليغهم وتكلف المشاق في الذهاب إليهم والتردد عليهم وتجشم الأخطار في ذلك بحسب ما يستطيعه ولا يؤمر بمثل ذلك في غير قومه بل يكفيه ما تيسر له، وعلى غير قومه إذا بلغتهم دعوته ولم يكن فيهم ما يغنيهم عنها أن يأتوه ويؤمنوا به ويتبعوه، مثلا هود عليه السلام بعث إلى قومه خاصة فعليه التجرد لتبليغهم وبذل وسعه في ذلك فأما بقية الأقوام في عصره على أقسام، الأول من يبلغهم دعوته=

اخنوح وهو إدريس إلا أنه كان مبعوثا إلى قومه خاصة بدليل قوله تعالى: {إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا} الآية فلا مخالفة بين الحديث وبين الكتاب كما توهم بعض لأنه لم ينطق عن هوى بل عن وحي كالقرآن يصدق بعضه بعضا قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}

_ = أصلا فهؤلاء لا كلام فيهم، الثاني من بلغتهم دعوته ولكن لهم نبي آخر حي بين أظهرهم أو قد مات ولكن شريعته محفوظة عندهم حفظا يوثق به فهؤلاء يكفيهم ما عندهم ولا يلزمهم أن يأتوا هودا، الثالث من بلغتهم وليس لهم نبي حي ولا شريعة محفوظة فهؤلاء يلزمهم أن يأتوا هودا ويتبعوه إذ لا يعقل أن يعلموا أنهم على غير هدى وأن هناك نبيا لله يمكنهم الوصول إلأيه ثم لا يلزمهم ذلك ولا يخفى أنهم إذا جاؤه وتيسر له إرشادهم لزمه ذلك إذ لا يعقل أن يقول لهم ابقوا على كفركم وجهلكم ولا شأن لي بكم إنما بعثت إلى غيركم، هذا محال إذا تقرر هذا فنوح عليه السلام بعث إلى قومه خاصة كما دل عليه القرآن وحديث أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي.. ولكن إن كان بقية الأقوام في عصره كلهم من الفسم الثالث لم يكن في قوم منهم نبي حي=

في النهي عن المبالغة في الحلب

في النهي عن المبالغة في الحلب عن ضرار بن الأزور قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقوح من أهلي فقال: "أحلبها" فذهبت لأجهدها فقال: "لا تجدها دع دواعي اللبن". فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أخلاق العرب فيما لم يؤمر بخلافها وكان عادتهم في حلب الناقة تبقية شيء من اللبن في ضرعها فإذا احتاجوا لضيف نزل بهم أو لحاجة احتلبوا مما كانوا قد أبقوه في الضرع وإن قل ثم خلطوه بماء بارد ثم ضربوا به ضرعها وأدنوا منه حوارها أو جلده محشوا إن كانوا نحروه فتلحسه فتدر عليه من اللبن ملء ضرعها فيصرفون فيما يحتاجون إلى صرفه من أضيافهم ومن أنفسهم فأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك لهذا المعنى والله أعلم.

في لا وحي الا القرآن

في لا وحي إلا القرآن عن ابن عباس لا وحي إلا القرآن ما قاله رأيا بل توقيفا وليس فيه ما يدفع أن يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأشياء كثيرة ليست في القرآن ويكون معنى قوله: لا وحي إلا القرآن أي: القرآن نفسه وما أمر به القرآن مما لم يقله إلا بالقرآن لأن الله عز وجل قال لنا فيه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية ويكون هذا مراد ابن عباس كما كان مراد علي بن أبي طالب في جواب سؤال أبي جحيفة عنه هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن إلا أن يؤتي الله فهما في القرآن وما في الصحيفة قال: قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر فحلف بما حلف ومعه من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي يوحي إليه مما ليس هو بقرآن لأن ما كان معه من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم داخل في القرآن إذ كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه وسلم بأمر القرآن إياهم به يحتمل أن يكون قوله: لا وحي سوى القرآن من باب لا عالم سوى فلان يعني هو في أعلى مراتب العلم وكل عالم سواه

_ = ولا شريعة محفوظة وبلغتهم كلهم دعوة نوح لطول عمره وقلة أهل الأرض في زمانه وتقارب بلدانهم فلزمهم كلهم اتباعه أن يبذلوا وسعهم في تعرف دعوته وتعلم شريعته فلما اتفق هذا أن يقال أنه بعث إلى أهل الأرض جميعا ولكن هذا المعنى غير المعنى في بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل الأرض جميعا ولزمهم جميعا اتباعه حتى لو كان في عهده أنبياء لزمهم اتباعه كما في الحديث لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي وكذلك من كان من الأقوام عندهم شريعة يرونها محفوظة لم يغنهم ذلك بل عليهم اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشريعته وقد قام صلى الله عليه وآله وسلم بما أمكنه من التبليغ بنفسه وبرسله وبكتبه ثم أمر أمته بتبليغهم ذلك والله الموفق. اليماني.

دون رتبته لا أن لا عالم أصلا سواه ومثله لا زاهد إلا عمر بن عبد العزيز وفي الدنيا زهاد كثير إلا أنهم لم يقدروا من الدنيا على مثل ما قدر هو فرسه فيها.

في ان عثمان داخل في بيعة الرضوان

في أن عثمان داخل في بيعة الرضوان عن المسور ومروان بن الحكم في حديث الحديبية وقد كان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خداش ابن أمية إلى مكة وحمله على جمل له يقال له: الثعلب فلما دخل عثرت به قريش فأرادته ومنعته الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى أهل مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بها من عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت بحرب وأنه إنما جاء زائر لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان حتى أتى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابته وحمله بين يديه ورد فيه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى اتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: واحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نبرح حتى نناجز القوم"، فكانت بيعة الرضوان وكانت بيعتهم على أن لا يفروا ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل. فكان عثمان هو السبب في البيعة الرضوان وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها على ما لم يبايع من قبل على مثله وقول من قال: أن عثمان كان غائبا فلم ينل فضيلتها قول جاهل بالآثار وبمناقب الصحابة بل كان له أجل ما كان لأحد ممن كان حاضرا تلك البيعة يؤيده قول ابن عمر أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم قال يوم بدر: إن عثمان انطلق في حاجة الله عز وجل وحاجة رسوله فضرب بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان يوم بيعة الرضوان وهو يريد أن يدخل مكة فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله عز وجل وحاجة رسوله وإني أبايع الله له فصفق إحدى يديه على الأخرى فبان بحمد الله أنه كان لعثمان في تلك البيعة مع غيبته عنها ما لم يكن لأحد شهدها سواه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع له وصفق يده على يده فأي فضيلة كهذه الفضيلة.

في عشرة من الصحابة فيهم سمرة آخركم موتا في النار

في عشرة من الصحابة فيهم سمرة آخركم موتا في النار عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم لعشرة من أصحابه فيهم سمرة: "آخركم موتا في النار"، وعنه كنت أنا وابن عمر وسمرة انطلقنا نطلب النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: توجه نحو مسجد التقوى فأتيناه فإذا هو قد أقبل واضعا يده على منكب أبي بكر والأخرى على كاهل عمر فلما رأيناه جلسنا فقال: "من هؤلاء"؟ فقال أبو بكر: هذا أبو هريرة وعبد الله بن عمر وسمرة فقال: "أما ان آخرهم موتا في النار"، فمات أبو هريرة وابن عمر ثم مات سمرة وعنه أنه قال لي ولحذيفة ولسمرة: آخركم موتا في النار وكان يسأل بعضهم عن موت بعضهم وكان آخرهم موتا سمرة. يحتمل أنه أراد به نار الآخرة ولكن لما كان موحدا يؤول أمره إلى الخير ويحتمل نارالدنيا وأنه موته في النار لا أنه من أهل النار كما أجاب محمد بن سيرين لما سأل عن أمره قال أصابه كزاز شديد فكان لا يكاد يدفأ فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ هو فوقها مجلسا فكان يصعد إليه فيجد حرارتها فتدفئه فبينا هو كذلك إذ خسف به فظن أن ذلك هو لذلك فعلم أن النار المذكورة في أره كانت من نيران الدنيا فعاد إلى الأعلام بفضيلة سمرة وأنه من جملة الشهداء الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم شهداء بالحريق

فكان هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم لنسوانه: "أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا" فلما توفيت زينب ابنة جحش وكانت قصيرة صناعا تصنع بيدها ما تخرجه في سبيل الله علمن أنها كانت أطولهن يدا بالخير وبان لهن بعد موته صلى الله عليه وسلم كما بان للناس أمر سمرة بعد موته رضي الله عنه.

في الدعاء للانصار وابنائهم

في الدعاء للأنصار وأبنائهم عن زيد بن أرقم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للأنصار"، وعنه أنه كتب إلى أنس بن مالك يعزيه بمن أصيب من ولده وقومه يوم الحرة وأبشر وابشرك ببشرى من الله عز وجل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ولنساء أبناء الأنصار ولنساء أبناء أبناء الأنصار"، وكان أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم يقول: أنا آخر من بقي من أهل هذه الدعوة ما بقي أحد غيري قيل فيه ما دل على أن أبناء الأنصار لم يدخلوا في الأنصار ولهذا ذكرهم ثانيا وقيل بل هذا من باب قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} بعد دخولهم في النبيين ولا يقال: كيف يدخلون في الأنصار ولم يكن منهم نصرة لأنه صلى الله عليه وسلم حين تلمظ عبد الله بن أبي طلحة قال: حب الأنصار التمر ففيه أنه من الأنصار ولم يكن منه نصرة وكان صلى الله عليه وسلم أخذ من تمرات العجوة ومضغه بريقه فأوجره إياه فتلمظ الصبي وقيل له سمه يا رسول الله قال: هو عبد الله. فإن قيل فلم لا يسم ابن المهاجر مهاجرا قلنا لأن المهاجرين أسلموا في دارهم فمن هاجر بنفسه كان مهاجرا والأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فبايعوه على أن يمنعوه فيما يمنعون منه أنفسهم وأبنائهم فعقدوا له النصرة على أنفسهم فدخل في تلك البيعة أبناؤهم كدخولهم فيها كما يدخل أبناء أهل الحرب فيما يصالح الإمام إياهم عليه مما يجري عليه أمورهم في المستقبل ومثله صلح عمر نصارى بني تغلب على ما كان صالحهم عليه من تضعيف الصدقة حتى دخل فيه

من حضر صلحة منهم ومن لم يحضر منهم ودخل فيه من يولد منهم بعد ذلك إلى يوم القيامة فمثل ذلك الأنصار الصالحون على النصرة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه عليهم ذلك فدخل فيه من حضر منهم ومن كان غائبا منهم ومن سواهم ممن يولد إلى يوم القيامة.

في لاينجي احد إلا عمله

في لا ينجى أحد إلا عمله عن أبي هريرة مرفوعا: "لن ينجي أحدا منكم عمله" فقال رجل: ولا إياك يا رسول الله؟ فقال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ولكن سددوا"، هذا قبل نزول قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} الآية بالحديبية فعلم حاله التي لم يكن عالما بها قبل نزوله وكذا أنزل عليه في أصحابه {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} الآية ذكر لهم الجنة ولم يذكر فيما أنزل عليه في نفسه وذلك على عادة الفصاحة في الاقتصار على ما يفهم به المخاطب المراد لأن الصحابة إنما استحقوا الجنة بصحبتهم له صلى الله عليه وسلم وأجابتهم له إلى ما دعاهم إليه من الطاعة التي كان يفعلها وزيادة من جنسها وإذا كانوا بتقصيرهم عما هو عليه يستحقون الجنة كان صلى الله عليه وسلم لمجاوزته إياهم وزيادته عليهم بالجنة أولى وبدخوله إياها أحرى.

في سحر اليهود

في سحر اليهود سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: أن رجلا من اليهود سحرك في بئر بني فلان فأرسل عليا فجاء به فأمر أن يحل العقد ويقرأ آيته فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال فما ذكر لذلك اليهودي شيئا مما صنع به ولا رآه في وجهه فيه ما دل عليه بقاء السحر إلى ذلك الوقت فجاز بقاء عمله بعد ذلك أيضا.

في قراءة الرواي على المروي كقراءة المروي على الراوي

في قراءة الرواي على المروي كقراءة المروي على الراوي ... في قراءة الراوي على المروي كقراءة المروي على الراوي عن أنس بينا نحن جلوس في المسجد دخل رجل على جمل وأناخه في المسجد وعقله ثم قال: إياكم رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ بين أظهرنا قلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب فقال له رسول الله: "قد أجبتك" فقال: إني يا محمد سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجدن على في نفسك فقال: "سل ما بدا لك" فقال الرجل: أنشدك بربك وبرب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم" قال: فأنشدك الله آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة قال: "اللهم نعم" قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم" قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم" فقال الرجل: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أحد بني سعد بن بكر. ففي ما روينا أن الجواب بنعم ككلام المجيب بتلك الأشياء بلسانه وقد وجدنا في هذا الباب ما هو فوق هذا وهو ما في كتاب الله من قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} فقولهم: نعم كقولهم وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وفيه ما دل أن المقروء عليه الحديث كخطاب القارئ له إياه وقوله: أسمعت فلانا أخبرك فلان حدثك فلان بكذا إذا قال: نعم إنه يكون بذلك كقوله تلك الأشياء بلسانه حتى سمعت منه ومن ذلك إجماع أهل العلم أن الرجل إذا قيل له أشهد عليك بكذا كذا؟ فيقول: نعم أنه يسعه بذلك أن يشهد عليه به وإن يقول أشهد عليه أنه أقر عندي بكذا وأنه أشهدني بكذا.

في التوديع

في التوديع عن قزعة قال: كنت عند عبد الله بن عمر فأردت الانصراف فقال: كما أنت حتى أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فصافحني ثم قال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك. وعن موسى بن وردان قال: أتيت أبا هريرة أودعه لسفر أردته فقال أبو هريرة: ألا أعلمك يا ابن أخي شيئا علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوله عند الوداع فقلت: بلى فقال: قل استودعك الله الذي لا يضيع ودائعه. في الحديث تقصير عما في الحديث الأول والمكمل أولى وعن يزيد الخطمي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شيع جيشا بلغ ثنية الوداع فقال: "استودع الله عز وجل دينكم وأمانتكم وخواتم أعمالكم"، فيه أن موضع الأمانة لموضع الإيمان الذي هو الدين فإنه روي مرفوعا لا إيمان لمن لا أمانة له فعقلنا بذلك أن كل واحدة منهما مضمنة بصاحبتها فاستودعتا جميعا.

في مرحبا وسهلا

في مرحبا وسهلا عن أبي جحيفة أن نفرا من بني عامر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "مرحبا"، وروي أن عليا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "مرحبا وأهلا"، وقال لفاطمة: "مرحبا"، وقال للأنصار: "مرحبا"، والرحب المكان الواسع قال تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} وأما الأهل فالمراد أنك نزلت منزلة الرجل في أهله في الإكرام والراحة عندهم وعن بريدة قال: قال نفر من الأنصار لعلي عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما حاجة ابن أبي طالب" فقال: يا رسول الله ذكرت فاطمة ابنة رسول الله فقال: "مرحبا وأهلا"، لم يزده عليهما فخرج على أولائك الرهط وهم ينتظرونه فقالوا: وما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: "مرحبا وأهلا" فقالوا: يكفيك

من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاك الأهل وأعطاك الرحب فلما كان بعد ما زوجه قال: "يا علي لابد للعرس من وليمة" فقال سعد: عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة فلما كان ليلة البناء قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي فقال: "اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما"، قال ابن غسان: النسل من النساء وما في هذا من قوله صلى الله عليه وسلم لعلي دليل على ما تأولنا عليه هاتين الكلمتين.

في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف المطيبين

في شهوده صلى الله عليه وسلم حلف المطيبين عن عبد الرحمن بن عوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهدت مع عمومتي حلف المطيبين وما أحب أن لي حمر النعم" وإني أنكثه حلف المطيبين عند أهل الأنساب كان قبل عام الفيل بمدة طويلة وكان ذلك الحلف في ثمانية أبطن من قريش وهم هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل وعبد مناف وتيم بن مرة وأسد بن عبد العزى وزهرة بن كلاب والحارث بن فهر لما حاول بنو عبد مناف إخراج السقاية واللواء من بني عبد الدار فتحالفت هذه الأبطن على ذلك وبعثت إليهم أم حكيم ابنة عبد المطلب بجفنة فيها طيب فغمسوا فيها أيديهم ثم ضربوا بها الكعبة توكيدا لحلفهم فسموا بذلك مطيبين ثم تركوا ما بأيدي عبد الدار على حاله لما خافوا وقوع القتال بينهم وكان مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عام الفيل. عن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه ولدت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل فجرى الأمر على ما ذكرنا حتى قدم مكة رجل من زبيد بتجارة له فباعها من العاص بن وائل السهمي فمطله بها وغلبه عليها فحمله ذلك على أن أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها ثم أنشأ يقول.

يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... بطن مكة نائى الأهل والنفر ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... أمسى يناشد حول الحجر والحجر هل مخفر من بني سهم يقول لهم ... هل كان فينا حلالا مال معتمر إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر فلما سمعت ذلك قريش تحالفوا عند ذلك حلف الفضول وكان تعاقدوه قبائل اجتمعوا في دار عبد الله ابن جدعان بنو هاشم وبنو المطلب وأسد بن عبد العزي وزهرة بن كلاب وتيم بن مرة فتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها ومن غيرهم ممن دخلها إلا قاموا معه وكانوا على الظالم حتى يردوا عليه مظلمته فسمت قريش ذلك حلف الفضول وكان أهله المذكورون مطيبين جميعا لأنهم من المطيبين الذين كان الحلف الأول الذي ذكرناه فيهم وهو المراد به بقوله صلى الله عليه وسلم: "شهدت مع عمومتي حلف المطيبين" هو حلف الفضول الذي تحالفه المطيبون الذي لم يشهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا فبان بحمد الله جهل من قال أنه صلى الله عليه وسلم ولد بعد فكيف شهده قال صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلفا في دار ابن جدعان بنو هاشم زهرة وتيم وأنا فيهم ولو دعيت به لأجبت وما أحب أن أخيس به وإن لي حمر النعم"، قال: وكانت محالفتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن لا يدعو الأحد عند أحد فضلا إلا أخذوه وبذلك سمي حلف الفضول وكان ذلك الحلف أشرف حلف في الجاهلية ولذا شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمي أيضا حلف المطيبين إذ كان أهله مطيبون جميعا.

لايقال للمنافق سيد

لا يقال للمنافق سيد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقولن للمنافق سيد فإنه إن يكن سيدكم فقد اسخطتم ربكم"، السيد هو المستحق للسؤدد وهو الأسباب العالية التي يستحق بها ذلك كسعد بن معاذ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه: "قوموا إلى سيدكم"، وقال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة: "من سيدكم"؟

قالوا: جد بن قيس ثم ذكروه بالبخل فقال: "ليس ذلك سيدكم ولكن سيدكم البراء بن معرور". قال جابر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا والمنافق لما كان موصوفا بالنقائص لا يستحق هذا الاسم فتسميته بذلك وضع له بخلاف المكان الذي وضعه الله فيه فاستحق السخط بذلك وقيل: معنى قوله: "أن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم" يعني لا يكون سيدهم وهو منافق إلا أن يكونوا بمنزلته في النفاق الذي يستوجب به سخط الله لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

في العبادة في الهرج

في العبادة في الهرج عن معقل بن يسار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهرج كهجرة إلي الهرج" لما شغل أهله عن غيره مما هو أولى بهم من عبادة ربهم فمن تشاغل بالعبادة في تلك الحال كان متشاغلا بما أمر بالتشاغل به تاركا لما قد تشاغل به غيره من الهرج المنهي عن الدخول فيه والكون من أهله فاستحق بذلك الثواب العظيم.

في ثواب البر وعقوبة البغي

في ثواب البر وعقوبة البغي عن عائشة مرفوعا: "أن أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم"، وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ذنب هو أجدر أن يعجل الله عز وجل العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم"، المراد مه من كان منه البغي وقطيعة الرحم من أهل التوحيد الذي لم يخرج منه بذلك لأنه علم أن الكفر أغلظ من ذلك والعقوبة عليه أشد.

في الجوامع من الدعاء

في الجوامع من الدعاء عن عائشة قالت: دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي الصبح فكلمه بكلام كأنه كره أن أسمعه فقال: عليك بالجوامع

الكوامل فقالت عائشة فأتيته فقلت ما قولك الجوامع الكوامل فذكر هذا الكلام اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذبك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل وأسألك من الخير الذي سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأعوذ بك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وأسألك ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته رشدا وله طرق كثيرة صحيحة. والمراد بالجوامع من الدعاء التقديم لها على ما سواها من الدعاء على أن مراده التعجيل لعمل الخير خوف ما يقطع عنه مما لا يؤمن على الناس فأمر بالجوامع من الدعاء لذلك كمثل ما أمر به الناس في الحج أن يتعجلوا إليه خوف ما يقطعهم عن ذلك من مرض أو حاجة عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له"، فأمر بالجامع من الكلام خوفا من أن يقطعه عن ذلك ما يقطع عن مثله. ومنه ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جويرية وهي في مصلاها تسبح وتذكر الله فانطلق لحاجته ثم جاء بعد ما ارتفع النهار فقال لها: "يا جويرية ما زلت في مقعدك"؟ قالت: يا رسول الله مازلت في مقعدي هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت أربع كلمات أعيدهن ثلاث مرات هو أفضل من كل شيء قلتيه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله زنة عرشه والحمد لله رب العالمين"، وخرجه من طرق فدل هذا على أن جميع ما يحتاج الناس إلى استعماله من الكلام الذي يتقرب به إلى خالقهم ينبغي أن يمتثل فيه هذا المعنى وإذا كان ذلك في الكلام كان في الأفعال التي يفعلونها للقربة إليه أيضا كذلك.

في استحلاف على الرواة

في استحلاف على الرواة عن علي بن أبي طالب قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني غيره استحلفته فإذا حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر أنه ليس من رجل يذنب ذنبا فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين ويستغفر الله عز وجل إلا غفر له وفي رواية وقرأ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً- وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية قرأ الآيتين أو أحداهما وفي رواية ثم قرأ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية قيل: لا يخلو إن كان الراوي من أهل القبول فلا معنى لاستحلافه وإن لم يكن فلا وجه للاشتغال باستحلافه وجوابه إن مذهب علي كان في الشهود العدول على حق أنه لا يحكم بها إلا بعد حلف المشهود له على صدقها فيما شهدت به ففعل في الحديث الذي يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ولم يكتف بعدالة الراوي ولا يقال فكيف ترك استحلاف أبي بكر؟ لأنه إنما ترك استحلافه لما قرأ عليه من كتاب الله عز وجل ما قامت له به الحجة على صدقه بما صدقه مما لم يكن سمعه فأغناه ذلك عن طلب يمينه1.

_ 1 في صحة هذا الأثر عن علي عليه السلام كلام للبخاري وغيره راجع ترجمة أسماء بن الحكم الفزاري من تهذيب التهذيب 1/267 وعلى فرض صحته فهو محمول أنه عليه السلام إنما كان يحلف لاإذا عرضت له ريبة ولذلك لم يحلف أبا بكر، بل قد روى عن عمر وعن المقداد وعن عمار وغيرهم ولم ينقل أنه حلف واحد منهم وعلى فرض أنه كان يحلف فالذي أغناه عن تحليف أبي بكر الصديق هو أن الله تبارك وتعالى سماه الصديق فأما الآيات التي ذكرها فهي وإن دلت على الاستغفار والصلاة فإنها لا تدل على مشروعية ركعتين كما في الحديث وما ذكره من مذهب علي في تحليف المدعي مع شاهديه لا أدري ما صحته ولو صح لم يلزم منه تحليف الراوي فإن الراوي لا يدعى شيئا لنفسه والله أعلم.

في حبس عمر مكثر الحديث

في حبس عمر مكثر الحديث عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر حبس1 أبا مسعود وأبا الدرداء وأبا ذر حتى أصيب وقال: ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيما روى عنه أن عمر قال لأبي مسعود وأبي ذر ما هذا الحديث قال: واحسبه حبسهم حتى أصيب إنما فعل عمر هذا لأن مذهبه كان حياطة ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الرواة عدولا إذ كان على الأئمة تأمل ما يشهد به العدول عندهم وكذلك فعل بأبي موسى الأشعري مع عدله عنده في الاستئذان ووقف على ذلك منه أبي بن كعب ومن سواه من الصحابة فلم ينكروا ذلك عليه ولم يخالفوه فيه فكان حبسهم لذلك لا لأن يقطعهم عن التبليغ إلى الناس ما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم وكذلك كان أبو بكر قبله يفعل الاحتياط في قبول الروايات. عن قبيصة جاءت الجدة إلى أبي بكر تسأله ميراثها فقال أبو بكر: مالك في كتاب الله شيء فارجعي حتى أسأل الناس فسألهم فقال المغيرة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر: هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل قول المغيرة فأنفذه لها أبو بكر ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها فقال: مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئا ولكن هو السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما وأيتكما حلت به فهو لها. فلم يكتف أبو بكر بشهادة المغيرة مع عدله عنده حتى انضم إليه غيره طلبا للاحتياط وإشفاقا أن يدخل فيه ما ليس منه إن لم يفعل ذلك ويحتمل أن يكون ما كان منه في حبس من حبسهم لتجاوزهم الحد حتى خاف أن يقطعوا الناس بذلك ويشغلوهم به عن كتاب الله تعالى وعن تأمله والاستنباط

_ 1 يريد منعهم عن كثرة الرواية فأما السجن فلم يثبت.

للأشياء منه مما فيه لعلو مرتبة المستنبطين منه على غيرهم ممن يقرؤه وبقوله عز وجل: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وقوله تعالى في غيرهم: {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} أي: إلا تلاوة فلم يحمدوا كما حمد المستنبطون. يؤيده ما روي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى جدار فتوضأ فقال: أتدرون لم مشيت معكم قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم امضوا وأنا شريككم فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا قال: نهانا عمر وخرجه من طرق وفي رواية قال قرظة: لا أحدث حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا فدل هذا على أن قصد عمر أن لا ينقطع الناس عن كتاب الله بالحديث فإنما كره منهم هذا المعنى لا ما سواه.

في الغنى والفقر

في الغنى والفقر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كان سعد في ابل له وغنم فأتاه ابنه عمر فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب فلما انتهى إليه قال: يا أبت رضيت أن تكون في إبلك وغنمك والناس بالمدينة يتنازعون في الملك فضرب سعد صدر عمر بيده ثم قال: اسكت يا بني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن الله يحب العبد التقي الخفي الغني"، وعن ابن مسعود قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفة والغنى" قيل فيه تفضيل الغنى على الفقر وليس كذلك لأن الغنى المذكور لبس الغنى بالمال ولا يجوز ظنه بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه أنه قال: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا يأتي على ليلة وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين أو أقول به في عباد الله هكذا وهكذا"، بل المراد غنى النفس القاطع عن المال الذي يقطع عن الطاعات ويشغل القلب به عن الله تعالى فالغنى المحمود هو الغنى الذي

يتفرغ به القلوب عن الدنيا وعن الاهتمام بها وعن أبي هريرة مرفوعا ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس والذي ظن بالمذكور غنى المال فهو ضد المنزلة التي اختارها اله تعالى له من الأحوال التي كان عليها فكيف يجوز أن يظن به ذلك.

في من نزلت به فاقة

في من نزلت به فاقة روي ابن مسعود مرفوعا "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم يسد الله فاقته وإن أنزلها بالله عز وجل أوشك الله له بالغنى" أما أجل عاجل أو غنى عاجل جعل الأجل العاجل غنى بمعنى غنى عن المال وقوله أو غنى عاجل يريد به الغنى الذي لا يلهي عن ذكر الله عز وجل وعن أداء الفرائض ويكون مع ذلك قواما للذي يؤتاه في دنياه حتى يكون نازعا لتلك الأشياء الأخر.

في المال الصالح

في المال الصالح عن عمرو بن العاص قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فقال: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني"، ففعلت فأتيته وهو يتوضأ فصعد البصر في ثم طأطأه ثم قال لي: "أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله عز وجل ويغنمك وازعب لك زعبة من المال صالحة" قلت: يا رسول الله ما للمال هاجرت ولكن هاجرت رغبة في الإسلام وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو نعما بالمال الصالح للرجل الصالح" لا مخالفة بينه وبين ما ذكرنا قبله لأن قوله أو غنى عاجل هو على المال الذي يكون قواما للذي يؤتاه وكذا المراد بالمال الصالح لأن المال لا يكون صالحا إلا وهو مفعول فيه ما أمر الله بفعله فيه ومن يفعل ذلك فيه بحق ملكه إياه فهو صالح أيضا فلا تضاد ولا اختلاف.

في ما يستدل به على صدق الحديث

في ما يستدل به على صدق الحديث عن أبي حميد وأبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم".

قريب فإنا أولاكم به وإذا سمعتم بحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر عنه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكر فأنا أبعدكم منه وكان أبي بن كعب في مجلس فجعلوا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمرخص والمشدد وأبي بن كعب ساكت فلما فرغوا قال: أي: هؤلاء ما حديث بلغكم عن رسول الله يعرفه القلب ويلين له الجلد وترجون عنده فصدقوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول: إلا الخير. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} الآية {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ} الآية فأخبر الله تعالى عن أهل الإيمان بما هم عليه من هذه الأحوال عند سماعهم ما أنزل الله والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحي منزل من عند الله ففي حصول الحالة التي تحدث عند سماع القرآن إذا حصل في سماع الحديث دليل على صدق الحديث عنه وإن كانوا بخلاف ذلك يجب ترك قبوله والمخالفة بينه وبين ما سواه مما تقدم ذكرنا له. وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به" قلته أو لم أقله فإني أقول ما يعرف ولا ينكر "وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف"، يحتمل أن تكون المعرفة منهم بطباعهم كما يعرفون بقلوبهم الأشياء التي تضرهم أو تنفعهم ويعلمون بقلوبهم تواترها علم طباع لا علم اكتساب وكانوا علموا أن الله تعالى قد جعل شريعته أجل الشرائع وأحسنها فالأشياء الحسنة اللائقة الملائمة لأخلاقه ولشرائعه يدخل فيها ما حدثوا به من ذلك فيجب عليهم قبوله وإن لم يقله بلسانه لهم لأنه من جملة ما قد قامت الحجة على صدقه وإذا سمعوا عنه الحديث فأنكروه من تلك الجهة وجب عليهم الوقوف عليه والتحامي لقبوله والحاصل أن الحديث المروي إذا وافق الشرع وصدقه

القرآن وما تظاهرت به الآثار لوجود معناه في ذلك وجب تصديقه لأنه إن لم يثبت القول بذلك اللفظ فقد ثبت أنه قال معناه بلفظ آخر ألا ترى أنه يجوز أن يعبر عن كلامه صلى الله عليه وسلم بغير العربية لمن لا يفهمها يقال له أمرك النبي صلى الله عليه وسلم بكذا ونهاك عن كذا وقائله صادق وإن كان الحديث المروي مخالفا للشرع يكذبه القرآن والأخبار المشهورة وجب أن يدفع ويعلم أنه لم يقله وهذا ظاهر.

الترغيب في تعلم العلم

الترغيب في تعلم العلم عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أغد عالما أو متعلما أو محبا أو مستمعا ولا تكن الخامس فتهلك" قال عطاء قال مسعر بن كدام هذه خامسة زادنا الله عز وجل لم تكن في أيدينا إنما كان في أيدينا أغد عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابعة فتهلك بإعطاء ويل لمن لم تكن فيه واحدة من هذه وكان ابن مسعود يقول أغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة فيما بين ذلك ولم يقله إلا توقيفا والأمعة هي الخامسة لأن الأربعة محمودة والأمعة مذمومة وعن ابن مسعود كنا ندعو الأمعة في الجاهلية الذي يدعي إلى الطعام فيذهب معه بآخر وهو فيكم المحقب1 دينه الرجال الذي يبيح دينه غيره ينتفع به ذلك الغير في دنياه ويبقى إثمه عليه كالرجل الذي ينتفع بطعام الغير ويعود عاره على من جاء به وقال أبو عبيد الإمعة الذي يقول أنا مع الناس يعني يتابع كل أحد على رأيه ولا يثبت على شيء.

_ 1المحقب الذي يجعل دينه تبعا لدين غيره بلا حجة ولا رواية وهو من الأرداف على الحقيبة المجمع.

في منتهى الاسلام

في منتهى الإسلام روي عن كرز بن علقمة أن رجلا قال: يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال: "نعم يكون أهل البيت من العرب أو العجم إذا أراد الله

عز وجل بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام" قال ثم ماذا؟ قال: "ثم تقع الفتن كأنها الظلل" فقال رجل: كلا إن شاء الله فقال: "لتعودن فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض". قال الزهري: الأسود الحية السوداء إذا أرادت أن تنهش ارتفعت ثم أنصبت ولا يخالفه ما روي عن تميم الداري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل ولا يترك الله عز وجل بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز يعزبه الإسلام وذل ذليل يذل الله عز وجل به الكفر". قال: فهذا على أنه لا ينقطع حتى يعم الأرض كلها به حتى لا يبقى بيت إلا دخله أما بالعز الذي ذكره ثم تأتي الفتن فيشغل من شاء الله أن يشغله عما كان عليه من التمسك بالإسلام فيكون حديث تميم على عمومه بالمسافات وما في حديث كرز على انقطاعه عن بعض الناس بالتشاغل بالفتنة بعد دخوله فيمن عمه لأنه قد كان في الأرض التي تبلغها الليل فهذا وجه التئام معنييهما فلا تضاد بينهما والله أعلم.

في مضر

في مضر عن عمرو بن حنظلة قال حذيفه: لا يدع مضر عبد الله مؤمنا إلا فتنوه أو قتلوه ويضربهم الله والملائكة والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة فقال له رجل: يا أبا عبد الله تقول هذا وأنت رجل من مضر فقال: الا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المراد من مضر المذكور المذموم منهم دون من سواهم فمنهم ظالم ومنهم صالح والعرب في الأشياء الواسعة تقصد بذكر ما كان من بعض أهلها إلى جملة أهلها والمراد بعضه ممن اتصف بالصفة المذمومة ومنه قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في قنوته: "وأشدد وطأتك اللهم على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف"، وهو كثير من الصحابة من مضر والمراد من كان منهم على خلاف الطريقة المستقيمة.

في الخلة

في الخلة روي مرفوعا: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وإن صاحبكم خليل الله" وعن ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه عاصبا رأسه بخرقة فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أنه ليس أحد من الناس أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن خلة الإسلام أفضل سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر"، فيه أنه لم يكن له خليل عن عاصم قال: قلت للشعبي: أن حفصة كانت تحدثنا عن أم عطية فتقول: حدثني خليلي يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا من عقول النساء أو لم يقل صلى الله عليه وسلم قبل موته: من كانت بيني وبينه خلة فقد رددتها عليه ولو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة لاتخذت أبا بكر خليلا. أعلم أن الخليل في كلام العرب قد يكون من الخلة التي هي الصداقة وقد يكون من اختلال الأحوال والمقصود هنا الأول فإنه روي ابن أبي المعلى لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا ولكن ود إيمان مرتين ولكن صاحبكم خليل الله ومعنى إضافة الخليل إلى الله قيل فقير الله الذي لم يجعل فاقته إلا إليه وقيل أنه محب الله الذي لا خلل في محبته وقيل هو المختص بالمحبة دون غيره وقيل أنها الموالاة بأن جعله الله وليا ولاية لا ولاية فوقها ولا مثلها يؤيده ما روي عن مسروق عن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي ولاية من النبيين وإن ولي منهم أبي وخليل ربي ثم قرأ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} إلى قوله: {وَهَذَا النَّبِيُّ} الآية ولما كان الله له خليلا لم يجز إلا أن يكون من الخلة التي هي نهاية المحبة فكذا إذا كان هو خليلا لله يكون بهذا المعنى وكذا الولاية منسوبة لمن يتولاه من خلقه ويتولى الله خلقه قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية و

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فإن قيل: لم يتخذ أبا بكر خليلا قلنا: كان بينهما خلة الإسلام وهو أفضل وكذا ود الإيمان أفضل من مودة تكون بغير إسلام فرد صلى الله عليه وسلم مكان أبي بكر منه إلى ذلك المعنى وجعله به فوق الخليل.

في اخنع الاسماء

في أخنع الأسماء عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى باسم ملك الأملاك أخنع الأسماء إذ لها لأن الخنع الذل يقال: خنع الرجل خنوعا إذا خضع والخضوع والذل إنما وقعت في هذا على ذي الاسم لأعلى الاسم نفسه لأن الاسم لا يلحقه مدح ولا ذم وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} بمعنى: سبح ربك وقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} أي: أهلها وملك الأملاك هو الله تعالى فمن تسمى به تكبر فرده الله إلى الذلة والخضوع.

في قيام الناس بعضهم لبعض

في قيام الناس بعضهم لبعض عن عبد الله بن كعب سمعت كعب بن مالك يحدث بحديث توبته قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة ويقولون: لتهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس فقام إلي طلحة يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام رجل من المهاجرين إلي غيره قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة وعن الحدري لما طلع سعد ابن معاذ بعد أن نزلت بنو قريظة على حكمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قوموا إلى سيدكم أو إلى خيركم". وعن أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل بيته قمنا وعنه قال: كنا نقعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد بالغدوات فإذا قام إلى بيته لم نزل قياما حتى يدخل بيته ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يستتم له الرجال قياما وجبت له النار" لأن

فيما روينا إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم القيام باختيارهم لا بمحبة الذين قاموا لهم إياه منهم وفي هذا الحديث ذكر المحبة من الذي يقام له بذلك من القائمين فالتوفيق أن القيام مباح إذا لم يكن ممن يقام له محبة في ذلك ومكروه إذا كان له محبة فيه وقد روي أنس قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. ففيه أنهم لو لم يعلموا كراهته لقاموا إليه وكراهته كان على سبيل التواضع منه لا لأنه حرام عليهم فعله ألا ترى أنه أمرهم بالقيام لسعد وقام بمحضره طلحة بن عبيد الله إلى كعب فلم ينهه وقيام الصحابة بعضهم لبعضهم مشهور لا ينكر فالمكروه هو محبة القيام بعضهم من بعض لا القيام المجرد وزعم بعض من ينتحل الحديث أن قوله: "من أحب أن يستتم له الرجال قياما"، إنما هو في القيام الذي يفعله الأعاجم لعظمائهم من قيامهم على رؤوسهم وإطالتهم ذلك حتى يسنخوا معه أي تتغير لذلك روائحهم لا طالتهم وليس كذلك لأن معاوية أنكر علي ابن عامر مجرد القيام بغير إطالة منه وقال: اجلس يا ابن عامر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يستتم"، الحديث، وقد كان قام لمعاوية فدل على بطلان تأويل المنتحل وفي انتفائه ثبوت التأويل الأول.

في صلة الشعر

في صلة الشعر عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة. وعن أسماء ابنة أبي بكر مرفوعا لعن الواصلة والمستوصلة وخرجه من طرق وأهل العلم يبيحون صلة الشعر بغير الشعر من الصوف وما أشبهه ويروون عن ابن عباس قال: لأباس أن تصل المرأة شعرها بالصوف وعن الليث عن بكير عن أمه أنها دخلت على عائشة وهي عروس ومعها ماشطتها فقالت عائشة: أشعرها هذا فقالت: الماشطة شعرها وغيره وصلته

بصوف فما أنكرت ذلك وعائشة إحدى الرواة في لعن الواصلة والمستوصلة فلم تنكرلعلمها أنها غير مرادة باللعن ولا يظن بأهل العلم المأمونين على نقله يخرجون من حديث رووه مجملا ما ظاهره دخوله فيه إلا بعد علمهم بخروجه منه ولولا ذلك لسقت عدالتهم وروايتهم وحاشى لله أن يكونوا كذلك1.

_ 1 هذه مسألة تخصيص العام بمذهب راويه من الصحابة وفيها خلاف فمن القائلين بالتخصيص من يشنع على مخالفيه بما ذكره المؤلف ومن مخالفيهم من يشنع عليهم بأن الحديث من كلام المعصوم وهو النبي صلى الله عليه وسلم فتخصيصه بمذهب الصحابي إما ذهاب إلى عصمة الصحابي أو رد الكلام المعصوم بكلام من ليس بمعصوم، ولا يخفى أن التشنيع من الجانبين في غير محله والمسألة مبنية على أمر آخر يعلم من موضعه- ح.

في اطيط السماء

في أطيط السماء عن حكيم بن حزام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع"؟ قالوا: ما نسمع من شيء يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك أما ساجد وإما قائم"، وعن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن السماء أطت وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله"، العرب تطلق أن يقال: فلان جالس على كذا لما يفضل عنه يقولون: فلان جالس على الحصير وهي مقصرة عنه وجلوسه في الحقيقة عليها وعلى غيرها من الأرض وفلان جالس على الحصير الفاضلة عنه وفي الحقيقة جلوسه على بعضها لا كلها فمن فهمه يقف على المراد في الحديث من قوله موضع قدم أو أربع أصابع.

في الرسالة والنبوة

في الرسالة والنبوة عن البراء بن عازب قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا براء ما تقول إذا أويت إلى فراشك"؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: "إذا أويت إلى فراشك

طاهرا فتوسد يمينك وقل: اللهم أسلمت1 وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبه إليك لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت"، وقال: "ونبيك الذي أرسلت" فقلت: كما قال: غير أني قلت: ورسولك الذي أرسلت قال: فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعه في صدري وقال: "ونبيك الذي أرسلت" ففعلته وذلك لأن الذي قاله رسالة فقط والذي أمره أن يقول: وهو ونبيك الذي أرسلت بجمع الرسالة والنبوة جميعا فكان أولى مما قاله.

_ 1 سقط من هنا نفسي إليك ووجهت وهي ثابتة في الصحيح- ح.

في مزمار ابي موسى

في مزمار أبي موسى عن عائشة وأبي هريرة وسلمة بن قيس وابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة أبي موسى الأشعري فقال: "لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود"، وفيما روي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمع أبا موسى يقرأ القرآن فقال: "لكأن أصوات هذا من أصوات آل داود". معنى إضافة صوته إلى صوت آل داود هو أن الله تعالى قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} الآية أي: سبحي وقيل ارجعي معه من لا يأب ولما كانت تلك الأشياء مأمورة بالتسبيح معه كأن كل مسبح معه إلا له لأتباعهم كقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} فسماهم آلا له لاتباعهم فرعون بعمله وبكفره ومنه قيل آل إبراهيم وآل محمد وإذا كان الآل استحقوا لمتابعتهم إياه كان هو أولى بالاستحقاق فمثله أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود وهي تسبيحهم الذي كان داود سببه وإن ما أضيف من المزامير إليهم مضافة إليه فكأنه قال صلى الله عليه وسلم: "لقد أوتي مزمارا من مزامير داود" والله أعلم.

في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن أبي موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان من قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل منهم بالخطيئة نهاه الناهي تعذيرا فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعض على بعض ثم لعنهم على لسان نبينهم داود وعيسى بن مريم صلى الله عليهما وسلم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم". حكي عن الخيل أنه قال: أطرت الشيء إذا ثنيته وعطفته وأطر كل شيء عطفه كالمحجن والمنخل والصولجان، وعن الأصمعي أنه قال: يقال: أطرت الشيء وأطرته إذا أملته إليك ورددته إلى حاجتك فكان ما في هذا الحديث من قوله: "لتأطرنه على الحق إطرا" أي: تؤدونه إليه تعطفونه إليه وتميلونه إليه حتى يكون فيما يفعلونه به من ذلك كالمحجن والمنخل والصولجان الذي لا يستطيع أن يخرج مما عطف عليه وثنى إليه ورد إليه إلى خلاف ذلك أبدا والله نسأله التوفيق.

في مراتب الخلفاء

في مراتب الخلفاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أرى الليلة رجل صالح" أن أبا بكر نيط برسول الله ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: أما الرجل الصالح

فهو رسول الله وأما ما ذكر من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله عز وجل به نبيه- وفيما روى مرفوعا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا ويسأل عنها فقال ذات يوم: "أيكم رأى رؤيا" فقال رجل: أنا يا رسول الله رأيت كأن ميزانا دلي من السماء فوزنت فيه أنت وأبو بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن فيه أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم وزن فيه عمر وعثمان فرجح عمر بعثمان ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول الله فقال: "خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء". في هذين الحديثين ما يدل على أن الخلافة في الثلاثة وليس فيه ما ينفى عن غيرهم بل روى مرفوعا الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون الملك منها سنتان لأبي بكر وعشر سنين لعمر واثنتا عشرة سنة لعثمان وست سنين لعلي رضي الله عنهم فالحق أن مدة علي داخلة في خلافة النبوة وإنما لم يذكر في الحديثين لأن ما فيهما كان في أبي بكر وعمر وعثمان خاصة وكل واحد منهم قد خص بفضائل دون صاحبه وهم بأجمعهم أهل السوابق والفضائل وينتابون في فضائلهم كأنبياء الله الذين جمعتهم النبوة وبعضهم أفضل من بعض قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} .

خاتمة الطبع

خاتمة الطبع قد تم بحمد الله تبارك وتعالى طبع كتاب المعتصر مرة ثانية يوم الخميس الثالث عشر من شهر شعبان المعظم سنة 1363 هـ. وذلك في العهد الميمون والأيام الذهبية لجلالة الملك مظفر الممالك نظام الملك سلطان العلوم أمير المسلمين النواب عثمان علي خان بها در آصف جاه السابع ملك الدولة الإسلامية الآصفية بحيدر آباد الدكن أدام الله أيامه وخلد سلطنته وأطال الله عمره وعمر ولي عهده الأعظم النواب الدكتور أعظم جاه بهادر وابنه المعظم النواب الدكتور معظم جاه بهادر وحفظ الله حفيده المكرم النواب مكرم جاه بهادر. وفي وزارة النواب صاحب المعالي الحافظ السير أحمد سعيد خان المعروف بالنواب جهتاري. وهذه الجمعية تحت رياسة الأديب الجليل النواب الدكتور السير مهدي يارجنك بهادر وزير المعارف ونائب أمير الجامعة العثمانية وتحت اعتماد الحسيب النسيب النواب علي ياورجنك بهادر عميد الجمعية وعميد المعارف وذي المجد والكرم النواب ناظر يارجنك بهادر شريك العميد ومولانا المدقق السيد هاشم الندوي مدير الدائرة ومعين العميد أبقاهم الله تعالى لخدمة العلم والدين آمين. واعتنى بتصحيح هذا الكتاب من علماء الدائرة مولانا الشيخ محمد طه الندوي ومولانا السيد أحمد الله الندوي ومولانا الشيخ محمد عادل القدوسي ومولانا السيد حسن جمال الليل المدني ومولانا الشيخ أحمد ابن محمد اليماني وأمعن النظر فيه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني مصحح دائرة المعارف وفقنا الله تعالى لخدمة العلم والدين آمين.

§1/1