المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية
نصر الهوريني
الطبعة الأولى لمكتبة السنة - بالقاهرة 1426 هـ - 2005 م حقوق الطبع محفوظة للناشر مكتبة السنة بالقاهرة رقم الإيداع 9072/ 2005 مكتبة السنة الدار السلفية لنشر العلم القاهرة: 81 شارع البستان - ميدان عابدين "ناصية شارع الجمهورية" تليفون: 3900318 - 3913532 فاكس: 3913532 - تلكس: 21719 TLTHRB UN ص. ب: 1289 - الرمز البريدي: 11511
بسم الله الرحمن الرحيم "اطلعتُ على المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية فوجدتُها كتابًا جامعًا للفوائد، واسعًا في الفرائد، يحتاج إِليه العالمون، ويضطر إِليه المتعلمون؛ إِذ هو فريد في فنه الفائق، وحيدٌ في جمعه للدقائق .. فيا له من كتابٍ كبير النفع، عظيم الجمع، غزير التحقيق، كثير التدقيق". الشيخ إِبراهيم السقا خطيب الجامع الأزهر المتوفى 1298 هـ
لقد عَبثَتْ تلك المطالعُ بالأهلَةِ ... الغُرِّ لمَا أسفرتْ باللوامعِ وأَحَيَتْ رُسُومَ الرسْم بعد اندراسه ... بما أبرزَتْه من نصوصٍ سواطعِ وأبدتْ -لَعمرِى- من زوايا فُصُولها ... خباياه حتى أَزهرتْ للمراجع الشيخ عبد الهادى نجا الإِبيارى الأزهرى المتوفى سنة 1305 هـ
[مقدمة المحقق]
بسم الله الرحمن الرحيم إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إِله إِلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد: أهمية الكتاب فإِن كتاب "المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية" للشيخ أبى الوفا نصر الهورينى يُعدُّ كتابًا فريدًا في علم الخط والإِملاء، ليس له نظير حسب علمى، ولم ينسج أحد من المتقدمين على منواله. وهو جدير بأن يُعضَّ عليه بالنواجذ، ويطالعه كل من يريد التحرى والضبط، يستوى في ذلك العالم والمتعلم. أقول ذلك لأن هذا الكتاب -بحق- جمع أشتات المسائل ودقائقها، وحوى فنونًا كثيرة وفوائد عديدة لا تُوجد مجموعة في كتاب غيره. ويمكن أن يقال: إِنه حفظ لهذا العلم أصوله وقواعده، وأشتاته وفرائده. ومن مزايا الكتاب ومحاسنه كثرة التتبع والتدقيق، وغزارة التحقيق والتوثيق، وبراعة التأليف والتبويب، حيث كان مصنفه -رحمه الله تعالى- يتوخّى الدقة والاستقصاء لما يعرضه، مع البيان والوضوح، مستخدمًا أسلوبًا رصينًا وعبارة راقية، مع غوص في المسائل الدقيقة، وعَرْضها عَرْضَ من ملك ناصية القول، فانتظمت في تناسق بديع وأسلوب رفيع. ولا غَرْو في ذلك، فإِن مؤلفه - رحمه الله - أخذ من كل علم في زمنه بطرف على عادة العلماء المتقدمين، مثل علوم القرآن والفقه والحديث وعلوم اللغة، واشتهر بضلوعه في
الأدب واللغة، مما أعطاه القدرة على اغتراف ما يساعده على تبيين مراده ومراد غيره ممن نقل عنهم. وقد أثنى على الكتاب ثناءً حسنًا، عددٌ من كبار علماء الأزهر ممن عاصروا المؤلف، كالشيخ إِبراهيم السقا الأزهرى المتوفى سنة 1298 هـ، والشيخ مصطفى محمَّد العروسى الأزهرى الشافعى المتوفى سنة 1293 هـ، والشيخ عبد الهادى نجا الإِبيارى الأزهرى المتوفى سنة 1305 هـ، وغيرهم. وسيجد القارئ تقريظاتهم التي تُظهر قيمة هذا الكتاب وأهميته ملحقة في آخره. من أجل ذلك كانت عنايتى بهذا الكتاب القيم وإخراجه بصورة تليق بأهميته، ليستفيد منه الباحثون والدارسون. وإِليك أخي القارئ ترجمة للمؤلف، يعقبها تعريف بالكتاب نفسه، ثم عرضٌ لطريقة عملى فيه.
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف اسمه ونسبه: اقتصرت المراجع على تعريفه بأبى الوفا نصر الهورينى. إِلا أن الزركلى مؤلف كتاب (الأعلام) ظفر -بعد طول بحث كما قال- بنسخة من كتاب (خلاصة البيان في كيفية ثبوت رمضان) للشيخ محمَّد الجوهرى (1). وهذه النسخة كتبها الهورينى بخطه سنة 1242 هـ (2) وذيَّلها باسمه واسم أبيه وكنيته على النحو التالى: نصر (أبو الوفا) بن الشيخ نصر يونس الوفائى الهورينى الأحمدى الأزهرى الأشعرى الحفنى الشافعى. ينسب إِلى بلدة (هورين)، وهي قرية قديمة من أعمال جزيرة قويسنا يطلق عليها (هورين تطاية) كمجاورتها لناحية تطاية (أو تطاى)، ولتمييزها عن قرية أخرى تسمى (هورين بُهُرمسُ) وهذه القرية الأخيرة اندثرت، فأضيفت (هورين تطاية) إِلى ناحية المحلة الكبرى، وأصبح يقال لها (هُورين) من غير مميز، ووردت باسمها الحالى -أي (هورين) في تاريخ سنة 1228 هـ (3). حياته العلمية: وليس هناك معلومات كافية عن حياته العلمية ومراحل تلقيه للعلم، وغاية ما يمكن أن نعرفه عن الفترة الأولى من حياته العلمية أنه كان مجاورًا بالمقام الأحمدى بطتندا (طنطا) سنة 1227 هـ لتلقى العلم، وقد أشار إِلى ذلك في
كتابه (المطالع النصرية) (1). وبالرغم من أن المصادر لم تشر إِلى تاريخ مولده إِلا أنه بمعرفة تاريخ وفاته سنة 1291 هـ - يمكن التأكيد على أن مجاورته في طنطا لتحصيل العلم كانت في مقتبل شبابه؛ إِذ بين التاريخين -تاريخ مجاورته وتاريخ وفاته- أربع وأربعون سنة. وقد ذكر الهورينى في (المطالع النصرية) أيضًا أنه أقام فترة في مدينة باريس (2) (وهي المدينة الفرنسية الشهيرة) ولم يزد على ذلك. وتذكر المراجع أن الشيخ نصر الهورينى - رحمه الله - كان ضمن البعثة العلمية الخامسة التي أرسلها محمَّد علىّ إِلى فرنسا سنة 1260 هـ/ 1844 م بل كان إِمامًا لها، وهي أكبر البعثات التي أرسلت إِلى فرنسا وأعظمها شأنًا، وآخر بعثة كبرى في عصر محمَّد علىّ وقد استغرقت سنتين، وكان فيها أنجاله وأحفاده. ولذلك يسميها علىّ باشا مبارك -الذي كان أحد أعضائها- "بعثة الأنجال". وقد ذكر مؤلف كتاب (عصر محمَّد علىّ) قائمة بأسماء أعضاء هذه البعثة وكان عددهم (83) فردًا، من نوابغ طلبة المدارس المصرية العالية وبعض الموظفين والمعلمين، جاء اسم الشيخ الهورينى على رأس هذه القائمة. وتشير المراجع إِلى أنه في الفترة التي قضاها في فرنسا استطاع أن يتعلم اللغة الفرنسية وأن يجيد التحدث بها. ولما رجع إِلى القاهرة ولى رياسة التصحيح بالمطبعة الأميرية، فصحح كثيرًا من كتب العلم واللغة والتاريخ, لاسيما (القاموس المحيط) للفيروزآبادى حيث صدَّره بمقدمة في تعريف اللغة وبعض مبادئ هذا العلم كما سيأتى عند ذكر مؤلفاته. وكان دقيقًا يقظًا في شأن الضبط وتصحيح الكتب للغاية.
علمة وثقافته
وفي هذا الصدد أثنى الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - على أبى نصر في معرض حديثه عن صعوبة تصحيح الكتب وضخامة مسؤوليته، وجناية المصححين الأغرار على كتب العلم. ومن كلامه: "وفي غمرة هذا العبث (أي إِسناد كتب العلم لغير المختصين لتصحيحها) تضئ قلة من الكتب طبعت في مطبعة بولاق قديمًا عندما كان فيها أساطين المصححين، أمثال الشيخ محمَّد قِطَّة العدوى (1) والشيخ الهورينى .. " (2). ويذكر على مبارك في الخطط التوفيقية أن الشيخ نصر لما عاد من فرنسا سكن في درب الوراقة بشارع الكليباتى وسوق مرجوش الواقع بالحسينية عند باب النصر بالقاهرة. وأنه بقى به إِلى أن مات (3). هذا، ولا نستبعد أن الشيخ نصر - رحمه الله - تلقى جزءًا من تعليمه بالأزهر الشريف، ولعله في درَّس فيه أيضًا، ولكن لا نملك دليلًا قويًا على ذلك. وقد نعته الزركلى -في ترجمته له- "بالأزهرى". علمة وثقافته: ولاشك أن الشيخ الهورينى - رحمه الله - حصَّل علومًا مختلفة على عادة العلماء في البلدان الإِسلامية منذ القدم؛ من حديث وتفسير وفقه ولغة وأدب ويشهد لذلك مؤلفاته. كما يظهر ذلك واضحًا من قائمة المصادر التي رجع إِليها لاقتباس مادة كتابه (المطالع النصرية) وهي مصادر كثيرة ومتنوعة.
شيوخه
غير أن اهتمامه باللغة والأدب غلب عليه، حيث كان متبشرًا في هذا الفرع من العلوم، ومن يطلع على كتابه (المطالع) يظهر له براعته في اللغة، واطلاعه الواسع على مصادرها، وتدقيقه الشديد وتتبعه للمسائل، وقدرته على النقد والترجيح والاجتهاد. ويمكن القول بأن الهورينى يُعدُّ من أعلام اللغة والأدب في عصره. وقد وُصف في المراجع التي ترجمت له "بالأديب اللغوى" وأثنى عليه علماء عصره وأقروا له بالفضل والفهم وتمكنه في العلم (1). أما عن مذهبه الفقهى فقد تفقه على المذهب الشافعى كما ذُكر عنه فى ترجمته، وورد فى كتاب (المطالع) ما يشير إِلى ذلك (2). وإذا نظرنا إِلى عناوين الكتب الفقهية التي اقتبس منها في هذا الكتاب نجد أنها في الفقه الشافعى، باستثناء كتاب واحد في الفقه الحنفى (3). ولا نعرف له كتابًا في الفقه، حيث كان جل إهتمامه باللغة والأدب كما أسلفنا. شيوخه: والمعلومات التي بين يدي عن شيوخه قليلة. وقد ذكر هو نفسه في كتاب (المطالع النصرية) ثلاثة منهم، وهم: 1 - الشيخ سليمان الجمزُورى الشافعى الشهير بالأفندى صاحب منظومة "تحفة الأطفال في تجويد القرآن". وقد تعلم الهورينى على يديه في الجامع الأحمدى بطنطا، وذلك في بدايات طلبه للعلم. وسيأتى التعريف بالجمزورى في موضعه من الكتاب إِن شاء الله (4). 2 - الشيخ أبو النجار. ذكره الهورينى في (المطالع) وذكر أن له حاشية على كتاب "التصريح بمضمون التوضيح" في شرح أوضح المسالك إِلى ألفية
مؤلفاته
ابن مالك للشيخ خالد الأزهرى (1)، واقتبس منها. ولم أعثر على ترجمة هذا الشيخ. 3 - الشيخ البكرى. لقَّبه الهورينى "بالأستاذ" (2) وذكر أن له شرحًا على كتاب "الورد السحرى". ولم أصل إِلى مؤلف هذا الكتاب، ولم أعثر على ترجمة للبكرى. هذا، وقد أشار الهورينى إِلى الشيخ الشرقاوى وهو عبد الله بن حجازى بن إِبراهيم الشرقاوى الأزهرى شيخ الأزهر المتوفى سنة 1227 هـ (3)، وقال عنه إِنه "شيخ مشايخنا" (4) ولم يتلق الهورينى عنه، رغم إِدراكه له، فقد سبقت الإِشارة إِلى أن الشيخ الهورينى كان مقيمًا بالجامع الأحمدى بطنطا سنة 1227 هـ، أي فى السنة التي توفي فيها الشيخ الشرقاوى. وفاته: أجمعت المراجع على أنَّ أبا الوفا نصر الهورينى توفي سنة 1291 هـ، الموافق لسنة 1874م. رحمه الله تعالى وغفر له وأدخله فسيح جناته، آمين. مؤلفاته: أثرى الشيخ نصر المكتبة العربية بعدد من المؤلفات نذكرها على الترتيب الذي أورده الزركلى في (الأعلام) - فيما يلي: 1 - المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية. وهذا الكتاب جاء ذكره في جميع المصادر التي ترجمت للمؤلف.
2 - شرح ديباجة "القاموس المحيط" للفيروزآبادى. 3 - فوائد شريفة في معرفة اصطلاحات القاموس. قلت: وهذا الكتاب مطبوع مع الذي قبله. وقد أشار إليه الهورينى في كتابه (المطالع) ص 41 من طبعة بولاق، واقتبس منها (1). 4 - مختصر روض الرياحين في مناقب الصالحين لليافعى - مطبوع. 5 - تفسير سورة الملك - مخطوط. 6 - تسلية المصاب عند فراق الأحباب - مخطوط. 7 - التوصُّل لحل مشاكل التوسُّل- مخطوط. 8 - شرح التوصل- مخطوط بخطه في خزانة الرباط (رقم 434 - كتانى). 9 - المؤتلف والمختلف - مخطوط. 10 - رسالة في أسماء رواة الحديث. قلت: لعله الذي قبله. 11 - مرح العينين في شرح عين (في اللغة) - مخطوط. 12 - حاشية على (بسملة الأحراز في أنواع المجاز) - مخطوط (في البلاغة). 13 - التحريرات النصرية على شرح رسالة الزيدونية - مخطوط. وهو تعليق على شرح ابن نباتة لرسالة ابن زيدون. ويضاف إلى هذه القائمة مما لم يُذكر عند الزركلى: 14 - التوسل على نظم أسماء الله الحسنى للدردير - ذكره إِسماعيل البغدادى في هدية العارفين (جـ 2 ص 492). 15 - وله (ترجمة ابن خَلِّكان). جمعها من عدة كتب في آخر الجزء الثاني
مراجع الترجمة
من كتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان. ذكره يوسف إِلياس سركيس في كتابه "معجم المطبوعات العربية والمعربة جـ3 ص 1904". مراجع الترجمة: - البغدادى: هدية العارفين جـ 2 ص 492. - البغدادى: إِيضاح المكنون جـ1 ص 287. جـ2 ص 12، ص 498. - على مبارك: الخطط التوفيقية الجديدة جـ2 ص 85. جـ 9 ص 40. - خير الدين الزركلى: الأعلام (قاموس تراجم ....) جـ 8 ص 29. - رضا كحالة: معجم المؤلفين جـ4 ص 25. - سركيس (يوسف إِلياس): معجم المطبوعات العربية والمعربة جـ 3 ص 1904. - جورجى زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية جـ4 ص 261. - عبد الرحمن الرافعى بك: عصر إِسماعيل جـ1 ص 262. - عبد الرحمن الرافعى بك: عصر محمد على ص 489 - 490. - فهرس الأزهرية: جـ 6 ص 435.
التعريف بالكتاب
التعريف بالكتاب نسبة الكتاب إِلى مؤلفه وسبب تأليفه: اتفقت المصادر التي ترجمت لأبي الوفا نصر الهورينى على أن كتاب "المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية" من تأليفه، وأنه أشهر كتبه. كما أجمعت تلك المصادر على هذه التسمية المذكورة وهذا العنوان من وضعه هو كما أشار في مطلع هذا الكتاب. ويتضح من التسمية "المطالع النصرية .. " أن المؤلف نسب الكتاب إِلى نفسه، وأنه وضعه خصيصًا للمطابع المصرية، إِذ رأى أن المطبعة في حاجة إِلى رسالة جامعة لقواعد الخط والكتابة يستعان بها على تصحيح الكتب العلمية، التماسًا للدقة والإتقان في التصحيح. وفي ذلك يقول: (وسميتها "المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية" ملوحًا بأن للمطابع المذكورة فخرًا على ما سواها زادت به ابتهاجًا، وأنها لهذه المطالع أشد مما عداها احتياجًا) اهـ. وهذه المطبعة هى التي تعرف بمطبعة بولاق، وكانت تسمى أيضا "المطبعة الأميرية"، أنشاها محمَّد على باشا سنة 1821 م (1)، وقد عرفنا من ترجمة الهورينى أنه كان يتولى رياسة التصحيح في هذه المطابع بعد عودته من رحلته إِلى فرنسا سنة 1846 م.
والسبب الجوهرى الذي حدا بأبى الوفا الهورينى لتأليف هذا الكتاب أنه رأى أن المكتبة العربية شاغرة (1) من كتاب جامع يلم شتات قواعد وأصول هذا العلم (علم الخط والكتابة) ويجمع ما تفرق منها في كتب اللغة والنحو والصرف. وقد صرح المؤلف بذلك في مطلع كتابه؛ فبعد أن ذكر نبذة عن أهمية الكتابة لتحصيل العلوم واكتساب المنافع، وأن الخط علم من علوم الأدب له قواعده وأصوله: عَرَّج على ذكر عدد من المؤلفات في اللغة والنحو والصرف اعتنى مؤلفوها بإِيراد جملٍ من قواعد هذا الفن (2)، كابن قتيبة (ت 276 هـ) في "أدب الكاتب" وابن الحاجب (ت 646 هـ) في "الشافية" و "شرحها"، وابن مالك (ت 672 هـ) في "التسهيل"، والسيوطى (ت 911 هـ) في "جَمْع الجوامع" وغيرهم. ثم قال بعد ذكره لهذه المؤلفات: "فلصعوبة مراجعة كل شىء من بابه، بل ولقصور هِمَمِ الطلاب عن الاطلاع على تلك الكتب مع ندرة وجودها وتعسُّر وصول أيدى البعض إِليها، وجهل البعض الآخر بمؤلفات هذا العلم وتشتت مسائله في تضاعيف الكتب المتداولة: سئل الفقير نصر أبو الوفا الهورينى من جمعٍ راغبين في جمع ما تفرق من تلك الأصول في رسالة سهلة للطالبين، فقصدت من لا يخيب القاصد في الاهتداء لهذه المقاصد، وجمعت من قواعدها في هذه الرسالة ما يتوصل به من شمَّ رائحة المبادئ النحوية إِلى معرفة تأدية الكتابة على قانون الصحة في أقصر مدة" اهـ (3). مصادر الكتاب: تمثل مصادر إِنتاج أي مؤِّلف في عمومها مصادر ثقافته منذ بداية تلقيه للتعليم إِلى إِتمامه للتصنيف.
وقد تنوعت مصادر هذا الكتاب وتعددت، وكثرت كثرة واضحة، مما يدل على غزارة علم أبى الوفا الهورينى وسعة إِطلاعه وثقافته. ومن يطالع "المطالع النصرية" يجد أن المؤلف قد اعتمد على صنع ذلك الكتاب على ما يلي: 1 - المعاجم اللغوية المختلفة، مثل (القاموس المحيط) وشروحه وحواشيه، و (الصحاح) للجوهرى، و (الكليات) لأبي البقاء الكفوى، وغيرها من المعاجم. 2 - كُتُب فقه اللغة مثل (فقه اللغة) للثعالبى، و (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وشرحة (الاقتضاب) للبطْلَيوَسِى، و (نظام الغريب) للربعى، و (المزهر) للسيوطى. 3 - عدد كبير من كتب النحو والصرف، مثل (الشافية) لابن الحاجب وشرحها له، و (همع الهوامع) شرح (جمع الجوامع) كلاهما للسيوطى، وكتابَىْ (التسهيل) و (المغنى) لابن مالك، و (الألفية) له أيضًا وشروحها المختلفة، وحواشى كثيرة على كتب النحو والصرف. 4 - كتب التنقية والتصويب اللغوى، مثل (دُرَّة الغواص) للحريرى، وشرحها للخفاجى، (وإصلاح المنطق) لابن درستويه، (وشفاء الغليل فيما في لغة العرب من الدخيل) للشهابى الخفاجى. 5 - كُتُب التفاسير المختلفة، كتفسير الرازى والقرطبى وابن النحاس وأبى السعود والبيضاوى وتفسير الجلالين، وحواشى على بعض هذه التفاسير. 6 - كتب الحديث وشروحها، كصحيحى البخاري ومسلم وشروحهما مثل شرح النووى على صحيح مسلم و (إرشاد السارى لصحيح البخاري) للقسطلانى. وشرح الشرقاوى على مختصر البخاري للزبيدى. وشرح المناوى على (الجامع الصغير) للسيوطى. 7 - كتب السيرة، مثل (الشفا) للقاضى عياض، وشرحه (نسيم الرياض)
و (السيرة الحلبية) للحلبى، و (المواهب اللدنية) للقسطلانى. 8 - مجموعة من المنظومات العلمية وبعض شروحها في علوم مختلفة، كألفية غريب القرآن للعراقى، و (الجزرية) و (الشاطبية) في القراءات. 9 - كتب الشواهد الشعرية، مثل (خزانة الأدب) للبغدادى و (شرح شواهد شروح الألفية) للعينى، و (معاهد التنصيص) للعباسى. 10 - واعتمد أيضًا على عدد من دواوين الشعراء وكتب التاريخ والتراجم وكتب الأدب المختلفة والفقه وعلوم القرآن والمنطق، ومختلف الحواشى والشروح. وأغلب الظن أن هذا الكتاب استغرق من مؤلفه زمنًا طويلًا فهو حصيلة لخبراته الطويلة وقراءاته الواسعة، ويعكس صورة لأفكاره الفذة وثقافته المتنوعة.
وصف النسخة البولاقية المعتمد عليها فى التحقيق
وصف النسخة البولاقية المعتَمد عليها فى التحقيق طبع كتاب "المطالع النصرية فى الأصول الخطية" بمطابع بولاق سنة 1275 هـ، فى رمضان كما هو مثبت فى الصفحة الأخيرة منه فى تقريظ الشيخ عبد الهادى نجا الإبيارى المتوفى سنة 1305 هـ، وكان أحد الشيوخ المعاصرين للهورينى. وتعد هذه الطبعة ذات قيمة؛ إِذْ طُبعت فى حياة المؤلف وقبل موته بخمس عشرة سنة (1)، وقام هو نفسه بمراجعتها وتصحيحها، وأثبت بذلك خطه على يسار الصفحة الأخيرة، حيث كتب يقول: "اطلع عليها وأصلح بقلمه ما عثر عليه من التحريف فى الطبع أو التأليف كاتبه الفقير نصر أبو الوفا غفر له". وتقع هذه النسخة المطبوعة فى (223) صفحة، إلى جانب (16) صفحة أخرى فى مطلع الكتاب تتضمن تقريظات لبعض علماء الأزهر ممن عاصر المؤلف، ثم فهرست عام للكتاب. ومقاس الصفحة 18.7 سم × 12.5 سم، ومسطرتها (21) سطرًا. ويوجد على جانبى صفحات هذه الطبعة عناوين مختصرة مكتوبة بالقلم الرصاص وبخط رقعة جيد، ولا يتبين لى كاتبها. وهذه العناوين لم تكن وافية، ولكننى اعتمدت بعضها فى وضع عناوين مفصلة وكاشفة لمسائل الكتاب وأفكاره الجزئية. وأما الأخطاء التى قام المؤلف نفسه بإصلاحها -وأثبت بها قلمه- ففى موضعين كلاهما عبارة عن سقط فى صفحة (70) و (115) من الطبعة المذكورة. وأشار إلى هذا الإصلاح بالرمز (صح). وفى موضع آخر (ص 152)
صحح معلومة وردت في النص، وهي عبارة عن نقل من حاشية الجمل على تفسير الجلالين، وأثبت الصواب على يمين الصفحة المذكورة، وكتب تحته عبارة: "كتبه نصر أبو الوفا غفر له". هذا، وقد ورد في هذه المطبوعة أخطاء أخرى قمت بإصلاحها على النحو التالى: 1 - في ص (39) السطر (11) من طبعة بولاق قول المؤلف: "وكقوله عليه السلام لابن مسعود لما ضرب مملوكه: "لله أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنكَ عَلَيْه". والصواب: "وكقوله عليه السلام لأبي مسعود .. إِلخ" (1). 2 - في ص (51) استشهد المؤلف بقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] فذكرها خطأ هكذا: (وما تفعلوا من خير يوف إِليكم) (2). 3 - في ص (60) السطر (16) كتبت الآية: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: 2] كتبت (ألا يتخذوا) (3). 4 - وفي ص (62) السطر (18): الآية {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 17] كتبت (يكرمون) (4). 5 - ص (70) السطر الأخير جاءت عبارة (رِئِّيس -بكسر الراء وتشديد الهمزة- على وازن قِسِّيس). والصواب (على وزْن) (5). 6 - وفي ص (142) ورد ذكر اسم كتاب التوشيح (بالتاء المثناة) ورد خطأً
بالثاء المثلثة (1). 7 - وفي ص (207) السطر الخامس: جاءت كلمة (الغصن) في الشطر الثاني من البيت بغير الأداة (الـ) والصحيح ما أثبتناه من المراجع بالصورة التي جاء بها البيت ويتفق هذا مع الوزن (2). 8 - وفي السطر (13) من (ص 202) كُشِطتْ كلمةٌ ثم أُعيد كتابتها بخط اليد وباللون الأسود، وهي كلمة (السَّبْت) الواردة في عبارة (فكان خروجه عليه السلام يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر) (3).
عملى في الكتاب
عملى في الكتاب تمثَّل عملي في كتاب "المطالع النصرية" في: 1 - العناية بالنص. 2 - التعليق عليه. 3 - الفهارس الفنية. أولًا: العناية بنص الكتاب: (1) تنظيم النص وتنسيقه على النحو التالى: أ - تنظيمه إِلى فقار. ب - استيفاء علامات الترقيم (المتعارف عليها) بعناية، كالفواصل وعلامات التنصيص والأقواس .. إِلخ. جـ - وضع عناوين جانبية مفصلة وشاملة لكل فكرة متكاملة المعنى. وقد وجدت على جانبى صفحات النسخة التي اعتمدت عليها بعض العناوين المكتوبة بخط الرصاص، ولكن لم تكن في مجملها وافية، وقد أثبتُّ منها ما كان معبرًا عن الفكرة بوضوح. وهذا كله له منزلة كبيرة في تيسير فهم النص وتعيين معانيه. (2) ولمَّا كان أداء الضَّبْط جزءًا من أداء النص فقد كانت عنايتى به شديدة، وتوخيت الدقة في ذلك قدر استطاعتى، وكثيرًا ما رجعت إِلى معاجم اللغة لمجرد الشك في ضبط كلمةٍ ما. وقد أوليت عناية أكبر بالضبط الكامل لما يلي: أ - الكلمات اللغوية التي استشهد بها المؤلف على قواعد الخط والكتابة، وهى كثيرة جدًا لا تكاد تحصى. ب - الشواهد الشعرية والأمثال العربية. جـ - الآيات القرآنية.
د - الأحاديث النبوية. هـ - المشكل من الألفاظ الواردة في سياق النص. ثانيًا: التعليق على النص: (1) توثيق النصوص التي اقتبسها المؤلف من المصادر التي رجع إِليها، وذلك على النحو التالى: أ - الرجوع إِلى تلك المصادر -على تنوعها وكثرتها- والإشارة إِلى موضع الاقتباس منها. ب - العناية بنقل الاقتباس في الهامش في حالة ما إِذا اكتفى المؤلف بالإِشارة إِليها. جـ - التأكد من أن ما نقله المؤلف مطابق لما هو موجود في المصدر الذي اعتمد عليه، مع تصحيح ما قد أجده في الاقتباس من تحريف، وهذا (أي التحريف) نادر وقليل. د - العناية بوضع اقتباسات المصنف بين علامتى التنصيص " " تمييزًا لها عن غيرها. وقد كان المصنف يحدد نهاية الاقتباس بالعلامة (اهـ) (أي: انتهى) وهذا هو الغالب في كتابه. وفي المواضع التي أغفل فيها ذلك كنت أهتم بتحديد الاقتباس كما ذكرت. وهنا أجد من الأهمية أن أشير إِلى الملاحظتين التاليتين: الأولى: لقد اعتمد المؤلف على عدد كبير من المصادر المتنوعة كما سبق أن ذكرت، وأكثر هذه المصادر مطبوع، والقليل منها لا يزال مخطوطًا. وبالرغم من أنني رجعت إِلى كثير منها لتوثيق النصوص المقتبسة إِلا أن بعضها لم يكن في متناول اليد، ولم أستطع الحصول عليه. والملاحظة الثانية: هى أنني تركت بعض النصوص المقتبسة دون الإِشارة إِلى
مواضعها من المصادر المطبوعة (أو المخطوطة) التي رجعت أنا إِليها، وذلك لصعوبة الوصول إِلى مواضعها للأسباب التالية: أ- كان المصنف لا يشير -في الغالب- إلى موضع الاقتباس من الكتاب الذي يرجع إِليه، مما شكل لي صعوبة للوصول إِلى مواضع بعض هذه الاقتباسات. وكان البحث عن موضع الاقتباس يقتضى مني أحيانًا مراجعة الكتاب كله، وكانت صعوبة الوصول إِلى الاقتباس تزداد إِذا كان المصدر متعدد الأجزاء وخاليًا من الفهارس الفنية التي تخدم الباحث للحصول على مطلبه. ب - كانت عبارة المؤلف -أحيانًا- تتصف بالاختصار الشديد لبعض النصوص التي يستشهد بها دون أن ينقلها بنصها. جـ - وسببٌ آخر هو أننى كنت أبذل جهدًا كبيرًا للحصول على موضع الاقتباس فلا أجد له أثرًا في الكتاب الذي رجع إِليه المؤلف. ولعل تفسير ذلك يعود إِلى أن المؤلف قد رجع إِلى نسخة مخطوطة للكتاب لم يُعْتمد عليها فيما بعد وقت طباعته، وإنما يعتمد على نسخةٍ أخرى لا يوجد فيها ذلك النص المنقول. ولكن ذلك يقع نادرًا في كتاب "المطالع النصرية". والحاصل أن الشيخ الهورينى أكثر جدًا من ذكر النصوص المقتبسة، ورأيت أن من مظاهر العناية بالكتاب توثيق هذه النصوص بالرجوع إِلى مواضعها من المصادر المطبوعة (وأحيانًا المخطوطة) على النحو الذي ذكرته، وبذلت في سبيل ذلك جهدًا شاقًا، وتبقى بعض الاقتباسات دون توثيق للأسباب المذكورة آنفًا، ولكن هى قليلة جدًا إِذا ما قورنت بما تم توثيقه. (2) تخريج أكثر الأشعار؛ وذلك بذكر مراجعها من الدواوين وكتب اللغة والنحو والصرف، مع نسبتها إِلى قائليها إِذا أغفل المصنف ذلك، وإكمال الشاهد بالهامش إِذا جاء ناقصًا إِلى جانب الضبط الكامل لجميع الشواهد
والعناية بذكر البحور الشعرية، وتفسير ما غمض من الألفاظ في بعض المواضع وقد تعثر علىَّ الوصول إِلى مواضع بعض الشواهد الشعرية بعد بحث وتنقيب. (3) تخريج الآيات القرآنية بذكر رقم الآية وسورتها. (4) تخريج الأحاديث النبوية مع بيان درجتها. (5) الترجمة المختصرة لكل من ذكروا في الكتاب من أعلامٍ وهي كثيرة، مع العناية بضبطها. (6) التعريف بالأماكن والبلدان التي تحتاج إِلى تعريف. (7) ذكر معانى الكلمات الغامضة بالرجوع إِلى معاجم اللغة. (8) ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض. فقد كان المصنف يحيل كثيرًا على مواضع سابقة أو لاحقة في الكتاب، فكنت أعود بالقارئ إِلى مواضع الإِحالة بذكر أرقام صفحاتها، حتى تتم الاستفادة من مسائل الكتاب. (9) إِصلاح الأخطاء الواردة في النسخة البولاقية التي اعتمدت عليها، وهي قليلة نادرة، وسبقت الإِشارة إِليها عند حديثنا عن وصف النسخة المذكورة (1). ثالثًا: الفهارس الفنية: وهي فهارس كثيرة ومتنوعة جامعة وكاشفة لمحتويات الكتاب، وتشمل فهرسًا للأعلام، وآخر للأماكن والبلدان، والآيات والأحاديث والآثار والأشعار .. وغير ذلك من الفهارس التي هى بمثابة المرآة للكتاب والمفتاح له. وبعد .. فقد بذلت -والحمد لله- جهدًا وعناءً كبيريْن في سبيل إِخراج هذا الكتاب الفريد وإِظهاره للنور فما كان في عملي فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسى ومن الشيطان، وأسأل الله تعالى العفو
والمغفرة، وأسأله سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب أهل العلم وطلابه وأن يكون ذخرًا لمؤلفه في الآخرة. ولا يفوتنى أن أتقدم بالشكر الجزيل لمن أسدى إِلىّ فضل معاونة وإرشاد، وأخص بالذكر أخي الفاضل العالم الدكتور زكريا سعيد المدرس بكلية دار العلوم- قسم البلاغة، والدكتور جمال عبد العزيز بقسم النحو والصرف. وأنوه هنا بفضل العمل الرائد الذي قدمه للعربية عبد السلام هارون شيخ المحققين رحمه الله تعالى، وهو "معجم الشواهد الشعرية" حيث كان له الأثر في تيسير تخريج الكثير من الشواهد الشعرية الواردة في الكتاب. "رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدى وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلنى برحمتك في عبادك الصالحين" والحمد لله في الأولى والآخرة. وكتبه طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عُبيَّة دار السلام - القاهرة الثلاثاء الثاني عشر من ذى القعدة 1415 هـ الحادى عشر من إِبريل 1995 م
المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية تأليف الشيخ/ نصر الوفائي الهوريني رحمه الله تحقيق وتعليق الدكتور طه عبد المقصود كلية دار العلوم - جامعة القاهرة مكتبة السنة
[النص المحقّق]
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل أَصْلَ كلِّ مِلَةٍ مَنُوطًا بنبيّها وكِتَابِه، وإِصلاحَ كلِّ أُمةٍ مربوطًا بصلاح وَالِيهَا وكُتَّابِه، والصلاةُ والسلام على نبينا الأُمّىِّ الذي ما كَتَبَ قطّ، وعلى آله وصحابته وأنصارِه الكاتبين بِسَمُرِ الخَطّ (1): أما بعد: [أهمية الكتابة]: فإِنَ أولَ ما بهِ الإِنسان يتخلَّى ويتخلَّص من صفةِ الأُمِّيَّةِ، ومبدأَ ما بِه الكاملُ يتحلَّى بفضيلة المعارفِ العلمية: الكتابةُ التي بها يُتوصل لنَيْل العلوم الشرعية، والفنونِ العقلية، وبها يُتوَسَّلُ لاكتسابِ المنافعِ الأُخْروية والدنيوية، إذْ هى من أقوى الوسائطِ لتحصيل المكاسبِ المنحصرةِ أصولُها في الصناعةِ والتجارة والزراعة والإِمارة، فمن كان جاهلًا بها من أهل هذه الأربعِ كان فى مجلس أَرْبابها -إِن لم يكن من الدُّهاة- أَشْبهَ بذواتِ الأربع. ومع كونها مِفْتاح العلوم لكل قاصِد، ومتقدِّمةً عليها تَقُّدمَ الوسائِل على المقاصد، فلها في نفسها فَنٌّ شريف مستقل، وضعوا له أصولًا وقواعد، سموها: "علم الخط القياسى" أو "الاصطلاحى"، وأدرجوه في عِداد علومِ العربية الإِثنى عشر المسَّماة أيضًا علم الأدب (2)، المعرَّف بأنه (3): "عِلْمٌ يُحترز به عن الخطأ لفظًا وخَطًّا في كلام العرب".
وقد جمع علومَ الأدبِ العلامةُ ابن الطيِّب المغرِبِىّ (1) مُحِشّى (القاموس) (2) في قوله (3): خُذْ نَظْمَ آدابٍ تَضَوَّعَ نَشْرُها ... فَطَوى شَذَا المنثورِ حين يضوعُ لُغَةٌ وصَرْفٌ واشْتِقاقٌ ونَحْوُها ... عِلْمُ المعانى بالبيانِ بديعُ وعَروض قافية وإنشا نظمها ... وكتابةُ التاريخ ليس يضيع [عناية علماء اللغة والأدب بعلم الخط والكتابة]: ولما كان لقواعدها ارتباطٌ وتعلُّقٌ بكلِّ مِن علم النحو وعلم الصرف: ذكر بعضُ المتقدمين جُمُلًا منها تابعةً لعلم الصرف، كابن الحاجب (4) في (الشَّافية) (5). وبعضُهم ذيَّل علمَ النحو بجُمُلٍ منها، كابن
مالكٍ (1) في (التسهيل) (2) وابن بَابِشَاذ (3) في (مقدمته) النَّحْوية (4)، والجلالِ السُّيُوطِىّ (5) في خاتمة (جَمْع الجَوَامع) النَّحْوِى، واستوفى جُلَّ
المهمَّات في شَرْحه المسَّمى (هَمْع الهَوَامع) (1). ونَقَل هناك عن أبي حَيّان (2) أنه قال: "عِلْم الخط -ويُقال له: الهِجاء- ليس من علم النحو (يعني: بل هو مستقل) وإنما ذكره النَّحْويون في كتبهم لضرورة ما يحتاج إِليه المُبتدىء في لفظه وكَتْبِه، ولأن كثيرًا من الكتابة مَبْنىٌّ على أصول نَحْوية، ففى بيانها بيانٌ لتلك الأصول، ككتابة الهمزة على نحو ما تُسهَّل به، وهو باب من النحو كبير" (3). وقد ذكر الحريرى (4) في أواخر (دُرَّة الغَوَّاص) (5) نُبذةً من أوهام الخَوَّاص في
هذا الفن وكذلك الإِمامُ ابن قُتَيْبةَ (1) ذكر لها في (أَدب الكاتِب) (2) نحوًا من ثلاثين بابًا، إِلا أنه مع كثرتِها لم يحصرْ موضوعَ الفّنِ في شئٍ معينٍ يحتوى على روابطَ كليةٍ مشتركة. وكذا سيدي علىّ الأُجْهُورى (3) له (نَظْم) في هذا الفن يبلغ [83] بيتًا، وشَرَحَه في نحو كراسة (4). والطَّبَلاوى (5) نَظمَ الفصلَ
سبب تأليف الكتاب وتسميته
الأخير من (مقدمة) ابن بَابِشَاذ (1) في نحو مائتى بيت (2). [سبب تأليف الكتابِ وتسميتُه]: فلصعوبة مراجعةِ كلِّ شيءٍ من بابه، بل ولقصورِ هِمَمِ الطلابِ عن الاطلاعِ على تلك الكتب، مع نُدْرةِ وجودها، وتَعَسُّر وصولِ أيدى البعض منهم إليها، وجَهْلِ البعضِ الآخرِ بمؤلفاتِ هذا العلم، وتَشَتُّتِ مسائِلِه في تضاعيفِ الكتبِ المتداولةِ: سُئِلَ الفقيرُ نَصْرُ أبو الوفا الهُورِينى من جمعٍ راغبينَ في جَمْعٍ ما تَفرَّق من تلك الأُصولِ في رسالة سهلة للطالبين، فقصدتُ من لا يُخَيِّبُ القاصدَ في الاهتداء لهذه المقاصد، وجمعتُ من قواعدها في هذه الرسالة ما يتَوصَّلُ به مَن شَمَّ رائحةَ المبادئ النَّحْوية إلى معرفة تَأدية الكتابة على قانون الصحة في أقصر مدة. وسميتها: (المطالِعُ النَّصْرِية للمطابِع المِصْرية في الأُصولِ الخَطّيَّة) مُلوِّحًا بأن للمطابع المذكورة (3) فخرًا على ما سواها زادت به ابتهاجًا، وأنها لهذه المطالع أشدُّ مما عداها احتياجًا. ورتبتها على مقدمة ومقصد وخاتمة، مُؤمِّلًا ممن وفقنى لابتدائها حُسْنَ الخاتمة، ومتوسلًا إِليه بصاحب الجاه العريض (4) أن يكسوها حُلَلَ القَبُول،
ويحميها من كل ذى قلبٍ مريض، وحاسدٍ مُبْغض، وحاقدٍ بغيض.
الفائدة الأولى في معنى الكتابة لغة
فالمقدمة تتضمن أربع فوائد: الفائدة الأولى في معنى الكتابة لغة: حقيقةً ومجازًا وعُرفًا. واصطلاحًا، وشرعًا مع بيان بعض الألفاظ المرادفة لها [معنى الكتابة لغةً (حقيقة ومجازًا وعرفًا)]: الكِتابة والكتاب والكَتْب: مصادر "كَتَبَ"، إِذا خطَّ بالقلم، وضَمَّ وجَمَعَ وخَاط وخَرَز. يُقال: كَتَب قِرْطاسًا، أي: خَطَّ فيه حروفًا وضمها إِلى بعضها، وكتب الكَتائب أي: جمعها. و"الكَتائب" جَمْع كتيبة، سُمِّى بها الجيش العظيم لاجتماعه. ويُقال: كَتَبَ البَغْلة أو الناقة إِذا جمع بين شُفْرَيْها وخَاطَهما (1). ومنه قول الشاعر
يهجو بني فَزَارةَ بِوَطْءِ القَلُوص (1)؛ أي البَكْرة من النُّوق: لَا تَأمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلى قَلُوصِكِ واكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ (2) ويُقال: كتب السِّقَاء والمزَادة كَتْبًا إِذا خَرَزَهما فهو كاتب، أي خرَّاز. ومنه قول الحريرى في (المقامة) (3): وكَاتِبينَ وما خَطَّتْ أَنامِلُهُمْ ... حَرْفًا ولا قَرؤُا ما خُطَّ في الكُتُبِ ويُستعار الكَتْب من هذا المعنى، ومنه قول البُوصِيرى (4) في مدح الصحابة رضي الله عنهم: والكاتِبُونَ بِسُمْرِ الخَطّ مَا تَرَكَتْ ... أَقْلَامُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْر مُنْعَجِمِ (5) وشاع إِطلاق الكِتَابة عُرفًا على إِعمال القلم باليد في تصوير الحروف ونَقْشها، وعلى نفس الحروف المكتوبة:
[تعريف الكتابة اصطلاحا]
[تعريف الكتابة اصطلاحًا]: فعلى الإِطلاق الأول تُعرَّف بما عُرّف به الخط في (الشافية) (1) و (جَمْع الجوامع) (2) حيث قال: "الخطُّ تصويرُ اللفظ برسم حروف هجائِه بتقدير الابتداء به والوقف عليه". وعلى الإِطلاق الثاني تُعرَّف بأنها: "نقوش مخصوصة دالةٌ على الكلام دِلالة اللسان على ما في الجَنَان الدالّ على ما في خارج الأعيان". وقد اشتمل هذا التعريف على أقسام الوجود الأربعة المذكورة في قولهم: "لكل شىءٍ وجودات أربع: وجود في البَنَان بالكتابة، ووجود في اللسان بالعبارة، ووجود في الجنَان -أي العقل- بالتصُّور، ويُعبّر عن هذا أيضًا بوجود الأذهان، والرابع: هو الوجود في العيان؛ أي بالتحقق خارجًا عن الأذهان". وقد جمعها ناظم (جَمْع الجوامع) (3) أول الخاتمة في بيت فقال: مراتُب الوجودِ أَرْبَع فقطْ ... حقيقةٌ تصورٌ لَفْظٌ فَخَطْ [الكتابة في اصطلاح الأدباء]: وتطلق الكتابةُ في الاصطلاح الخاص بالأدباء على صناعة الإِنشاء التي ربما كان القلم فيها بيدِ الكاتب أَمْضَى من الحُسام بيدِ الضارب، فيقولون: فلان شاعر، وذاك كاتب أي مُنشىء ناثر. وهذا المعنى هو الذي عناه الشاعر النَّابِغى بقوله:
[معنى الكتابة عند الفقهاء]
وما كُلُّ مَن لاقَ اليَرَاع بكاتبٍ ... ولا كُلُّ مَن رَاشَ السِّهامَ بصَائِبِ (1) [معنى الكتابة عند الفقهاء]: وتُطلق الكتابةُ شَرْعًا -أي عند الفقهاء- على عَقْدٍ بين السَّيِّد وعَبْدِه على مالٍ يدفعه إِليه مُنَجَّمًا (2)، فَيُعْتَق بأَدَائِه. وهذا المعنى إِسلامى لم يكن معروفًا للعرب في الجاهلية كما قاله البِرْمَاوِى على (ابن قاسم) (3). والمناسبة بين هذا المعنى والمعنى اللُّغوى أن فيها -كما قاله صاحب (الدرر) من الحنفية (4) - جَمَعَ حُريةَ الرَّقَبة مآلًا مع حُرية اليد حالًا، فإِن المُكاتَب مالكٌ
[إطلاق لفظ "الكتاب" على الخط]
يدًا، ومملوكٌ رقبة. [إِطلاق لفظ "الكِتاب" على الخط]: ومثل الكِتابة في تلك المعانى لفظ "الكِتاب"- بدون هاء- فإِنه يطلق بمعنى الخط ومنه قوله تعالى لعيسى عليه السلام: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [المائدة: 110] (1). فإِن الكتاب فيها بمعنى الكِتابة، إِلا أنه شاع في العُرْف إِطلاقُه على الحروف والكلماتِ المجموعة خطًا، استعمالًا للمصدر بمعنى اسم المفعول على التوسُّع الشائع، كقولهم: "فِراش"، و"غِراس"، و"لِباس" بمعنى "مَفْروش" و"مغَرْوس" و"مَلَبُوس". ونظيرها: "بِساط" و"مِهاد" ثم أطلقوه على الصحيفة بما هو مكتوب فيها. [إِطلاق لفظ "الكتاب" على كتب مخصوصة]: وغلب إِطلاقُه في اصطلاح الأُصُوليين والفقهاء على الكِتاب العزيز الذى هو القرآن، وفي اصطلاح النحاة على (كِتَاب) سِيبَوَيْه (2)، وفي اصطلاح المؤلّفين على جملةٍ من الألفاظ تشتمل غالبًا على أبوابٍ وفصول، وقد تشتمل على
[الألفاظ المرادفة للكتابة]
كُتُبٍ، وقد لا يكون فيها شىء من ذلك أصلًا (1). وأما الكَتْب -بفتح الكاف- فهو المصدر المجرد الباقي على المصدرية بالمعانى المتقدم ذكرها. [الألفاظ المرادفة للكتابة]: وأما الألفاظ المرادفة للكِتابة في المعنى فمنها "الخَطّ" و"السَّطْر" و"السَّفْر (2) و"الزَّبْر" (3) (بالزاى، وكذا بالذال أيضًا، ومنه: الزَّبُور) ومنها "الرَّقْم" (4) و"الرَّسْم" (بالسين المهملة، وكذا بالشين المعجمة أيضًا) (5) وإن غلب الرسم في خط المصاحف ومنها "التحرير" وبه سُمِى قلم التحريرات بمصر الآن الذي كان في أيام الخلفاء يُعرف "بديوان الإِنشاء" (6) أي إِنشاء الرسائل في المخاطبات بأفصح العبارات.
الفائدة الثانية في أصول الكتابات كلها
الفائدة الثانية في أصول الكتابات كلها [اختلاف اللغات]: من المعلوم أن بني آدم، أمم كثيرة مختلفة اللغات، واختلافُها حَدثَ بعد وفاة نُوح عليه السلام بنحو ثلاثمائةٍ وعشرين سنة تقريبًا عند تَبَلبُل الأَلْسُنِ بأرض بَابِلَ في جزيرة "سورى" أو "سوريانة" (1) التىِ كان فيها نوح وقومه قبل الطُّوفان كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: 19] على قول بعض المفسرين. فلما تَبَلبَلَتْ الألْسُن، واختلفت اللغاتُ بالأرضِ المذكورة في إِقليم العراق: سميت بذلك الاسم، وقسمت الأراضى بين الشعوب -أحفاد نوح- قسمة ثانية بعد قسمتها أيام نوح بين أولاده الثلاثة: سام وحام ويافث، وكانوا إِذ ذاك اثنين وسبعين شَعْبًا، وصار لكل شَعْبٍ لغةٌ. لكن لا يلزم أن يكون لكل لغة كِتابةٌ خاصة بها، ألا ترى إِلى لغة العرب والعجم -والمراد بهم مُسلمو الفُرس والرُّوم والتُّرك- فإِن حروفَ الكُلِّ بصورة واحدة وإن وقع تَخَالُفٌ يسير في أربعة أحرف من حيث النَّقْط والمخارج، وهي: "الباء" و "الجيم" و "الزاى" و"الكاف" الفارسيات. [أصول الكتابات]: وإنما أصول الكتابات اثنا عشر على ما قاله ابْنُ خَلِّكان (2)، وتَبِعه كثير من
المؤلفّين، كالدَّمِيرىِ (1) في (حياة الحيوان) (2) والحَلَبى (3) في (السيرة) (4) وغيرهما. قال (5): "إِن جميعَ كتاباتِ الأممِ من سكان المشرق والمغرب اثنتا عشرة كتابة؛ خَمْسٌ منها ذَهَبَ مَن يعرفها، وبَطُل استعمالها، وهي: الحِمْيَرِيَّة والقِبْطِيَّة والبَرْبِريّة والأَندَلُسِيَّة واليُونانية. وثلاثٌ منها فُقدِ من يَعْرفِها في بلاد الإِسلام، ومُستعملة في بلادها، وهي: الهِندية والصِّينية والرّومية. وأَرْبعٌ منها باقية مُستعملة في بلاد الإِسلام، وهي: السّريانية والفارسية والعِبْرانية والعَربية انتهى كلامه باختصار (6) وفيه ما فيه مما لا يخفى على النبيه. قال: "والحِمْيَرِيَّة
هى خط أهل اليمن قومِ هود، وهم عَادٌ الأُولى، وهي عاد إِرَم، وكانت كتابتهم تسمى "الُمسْنَد الحِمْيَرِى" (1)، وكانت حروفُها كلُّها منفصلة، وكانوا يمنعون العامة من تَعلُّمها، فلا يتعاطاها أحد إِلا بإذْنهم، حتى جاءت دولة الإسلام وليس بجميع اليمن من يكتب ويقرأ" اهـ (2). وقال المقريزى (3) في (الخِطَط) آخر الصفحة [148]: "القلم المُسْنَد هو القلم الأول من أقلام حِمْيَر وملوك عَاد" اهـ (4). فتأمل قوله: "القلم الأول". هذا، وليس في غير الحروف العربية فقط إِلا ما نَدُر، بخلاف العربية، فإِن الأكثر منها منقوط، فلهذا سُمّيت "بحروف المعجم" أي المنقوط، تغليبًا للأكثر، هكذا قالوا.
ويُحتمل عندي أن المراد بالإعْجام في ذلك نَقْطُ أبى الأَسْود الدُّؤَلى (1) المذكور في قولهم: (أول من نَقَط المصحف هو الدُّؤَلى)، وهو الشَّكْل، فإِنه أَوَّل مَن وضعه على ما يأتى إِن شاء الله تعالى في الخاتمة (2) وربَّما يُومِئُى إِلى ذلك قولُ (القاموس): "وحروف المعْجَم -أي الإِعْجام- مصدر كالمُدخَل، أي ما من شأنه أن يُعجم" اهـ (3). وعلى كُلٍ لا يُقال حروف المعجم على غير العربية. وأما الاسم المشترك بين العربية وغيرها من الكتابات الاثْنَتَىْ عَشْرةَ فهو "حروف الهجاء"، أو "أَلفْ باء"، لأنها في كل اللغات مبدوءة بها، ما عدا الحَبَشيَّة على ما قيل. ولقد أحسن الإِشارةَ إِلى الحِكْمة في ذلك يحيى بن زَبادة (4) في معرضِ النصح حيث قال: أَلِفُ الكتابِة وَهْو بعضُ حُرُوفِها ... لمَّا اسْتَقَامَ على الجميع تقَدَّما (5)
ورأيت الشيخ الأكبر (1) في الباب [295] من (الفتوحات) أبدى لذلك سرًّا في صفحة [752] من ثانى جزء (2). وكذا أبو البقاء (3) في (الكليات) قال: "لكونهما من أقصى الحلق، وهو مبدأ الخارج"، فانظره في أول فصل الألف (4).
الفائدة الثالثة في أولية الكتابة العربية
الفائدة الثالثة في في أَوَّلية الكتابة العربية أي: مَن وضعها أولًا على الصورة الكُوفية؟ ومِن أين وَصَلتْ إِلى الأمة الأُمِّيَّة؛ وهم العرب القُرشية قبل بناء الكوفة؟ ومَن نقلها عن صورتها الأُولى إِلى الصورة التي هى عليها الآن؟ وفي بيان معنى كونه عليه السلام أُمِّيًّا، وحكاية أنه كتب اسمه واسم أبيه مرة على قول بعضهم. وفي بيان عِدّة كُتَّابه، وعدد المصاحف التي كُتِبتْ بأمر سيدنا عثمان وأرسلها إِلى الأَمْصار، وبيان أسماء كُتَّابها رضوان الله عليهم أجمعين. [اختلاف الروايات في تحديد أولية الكتابة (أول من كتب)]: أما أَوَّلِيَّةُ الكتابة من حيث هى فقد اختلفتْ الروايات فيهما كما قاله الحافظ السيوطي (1) في كتاب (الأوائل) (2)، وكذا في (المُزْهِر) في النوع [42]، فإِنه قال (3): "يُروى أن آدم عليه السلام أولُ مَن كَتَبَ الكتاب العربى والسِّريانى وسائر الكتب الإِثْنَىْ عَشَر وأن الكتابات كلَّها مِن وضعه كان قد كلتبها في طينٍ، وطبَخَه -يعني أحرقه- ودفنه قبل موته بثلاثمائة سنة. فبعد الطُّوفان وجد كلُّ قوم كتابًا فتعلموه بإِلهام إِلهى، ونقلوا صورته، واتخذوه أصل كتابتهم. وفي رواية أخرى: أن أول مَن خطَّ بالعربى إِسماعيل عليه السلام، وأن حروفه كلها كانت متصلة حتى الألف والراء بعكس الحِمْيرية، إِلى أن
فصلها من بعضها ولداه: قيدار (1) والهَمَيْسَع". وقال الحلبى في (السيرة): "الصحيح أن أول من كتب بالعربى من ولد إِسماعيل نِزَار بن مَعَدّ بن عَدْنان" (2)، قال: وأما ما ورد "أول مَن خَطَّ إِدريس عليه السلام فالمراد به خط الرَّمَل. وأما ما روى أن أول العرب كتب بالعربية حَرْب بن أُميَّة (3) فالمراد من العرب فيه قريش، فهي أَوَّلِيَّةٌ نِسْبِيَّة" اهـ (4). وفيه نظر، لأن الرواية: "أول من خط بالقلم إِدريس" كما في (الجلالين) (5). وقال السيوطي في (المُزْهِر) (6): "والمشهور عند أهل العلم ما رواه ابن
الكَلْبى (1) عن عَوَانة (2) قال: أول من كتب بخطنا هذا -وهو الجزْم (3) - مُرامِرُ ابن مُرَّة وأَسْلم بن سِدرة (4) أي: وكذا عامر بن جَدَرة كما في (القاموس) (5)، وهم من عرب طَىّ تعلموه من كاتب الوحى لسيدنا هود عليه السلام، ثم علَّموه أهلَ الأَنْبار (6)، ومنهم انتشرت الكتابة في العراق الحيرة (7) وغيرها،
فتعلمها بِشر بن عبد الملك أخو أُكَيْدِر بن عبد الملك صاحب دُومَةِ الجَنْدَل (1)، وكان له صُحْبة بحرب بن أُميَّة (2) لتجارته عندهم في بلاد العراق، فتعلم حَرْب منه الكتابة، ثم سافر معه بِشْر إِلى مكة، فتزوج الصَّهْباء بنت حرب أخت أبى سفيان (3)، فتعلم منه جماعة من أهل مكة. فبهذا كَثُر من يكتب بمكة من قريش قُبيْل الإِسلام، ولذلك قال رجل كِنْدِى من أهل دُومَة الجَنْدَل يَمُنُّ على قريش بذلك: لا تَجْحَدُوا نَعْماءَ بِشْرٍ عَلَيْكُمُو ... فَقَدْ كَانَ مَيْمُونَ النَّقِيبةِ أَزْهَرَا
أَتَاكُمْ بِخَطّ الجزمِ حَتَّى حفِظتُمُو ... مِنَ المالِ مَا قَدْ كَانَ شَتَّى مُبَعْثَرا وَأَتْقَنْتُمو مَا كَانَ بالمالٍ مُهْمَلا ... وطَامَنْتُموُ ما كان مِنْه مُبقَّرا فَأجْرَيْتُمُ الأَقْلامَ عَوْدًا وَبَدْأَةً ... وضَاهَيْتُمُ كِتَابَ كِسْرَى وَقَيْصَرا وأَغْنَيْتُمُ عَن مُسْنَدِ الحىّ حِمْيرا ... وَمَا زَبَرتْ في الصُّحفِ أَقْلامُ حِمْيَرَا (1) وإنما قال: "أتاكم بخط الجزم" (2) - كما قال عَوَانة: "بخطنا هذا، وهو الجَزْم" لأن الخط الكوفى كان أولًا يُسمَّى الجَزْم قبل وجود الكوفة لكونه جُزم، أي اقْتطِع ووُلِّد من المسْنَدِ الحِمْيَرىِ (3) كما في (الاقْتِضاب) شرح البَطليَوْسِى (4) على (أدب الكاتب) (5). وقد عَرفْتَ أن الذي اقتطعه "مُرامِر" وصاحباه على ما مَرَّ في (المزْهِر) (6). قال السيوطي: "وقد قيل للمهاجرين من قريش: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من الحِيرةِ. وقيل لأهل الحيرة: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من
الأَنْبار" اهـ (1). وكذلك النّوَوِى (2) في شرحه على (صحيح مسلم) (3) نقل عن الفَرَّاء (4) أنه قال: "إِنما كتبوا "الرِّبَا" في المصحف بالواو لأن أهل الحجاز تعلَّموا الخط من أهل الحيرة، ولغتهم "الرِّبَو"، فعلموهم صورة الخط على لغتهم" اهـ (5) ولذا قال ابن خلدون (6) في (المقدمة) صفحة [204]:
{المشهورون بالكتابة من الصحابة]
"فالقول بأن أهل الحجاز إِنما لُقِّنُوها -يعني الكتابة- من الحيرة، ولُقِّنُها أهل الحيرة من التَّبَابِعة وحِمْيَر: هو أليق الأقوال" اهـ (1). [المشهورون بالكتابة من الصحابة]: هذا، وقد جاء الإِسلام وعمر بن الخطاب ممن يكتب ويقرأ المكتوب كما يدل لذلك قصة إِسلامه المذكورة في (السيرة الحلبية) (2) و (شرح البخاري) في باب إِسلامه في صفحة [157] من سادس (القسطلانى) (3)، مع أنه كان قبل إِسلامه مُبَرْطِسًا؛ أي: دلّالًا أو ساعيًا بين البائع والمشترى على ما في (القاموس) (4).
[كتبة الوحى]
قال في (المزْهِر) (1): "وكان ممن اشْتُهر بالكتابة من عظماء الصحابة عمر وعثمان وعلى وطلحة وأبو عبيدة من المهاجرين. وأُبّى بن كعب وزيد بن ثابت من الأنصار وغيرهم" اهـ. ولكنَّ معرفةَ شِرْذمةٍ (2) قليلة من قريش للكتابة لا تنفى عن العرب الأُمّيَّة التي وصفهم الله بها في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] هذا ما يتعلق بوجود الكتابة بمكة. [كَتَبة الوحى]: وأما المدينة المنورة -على ساكنها وآله وأصحابه وأتباعهم أفضل التحايا- فلم تكثر الكتابة العربية فيها إلا بعد الهجرة بأكثر من سنة؛ وذلك أنه لما أَسرتِ الأنصارُ سبعين رجلًا من صَناديد قريش (3) وغيرهم في غزوة بدر السنة الثانية من الهجرة: جعلوا على كل واحد من الأَسْرى فِداءً من المال، وعلى كل مَن عَجَزَ عن الافتداء بالمال أن يُعلِّم الكتابةَ لعشرةٍ من صبيان المدينة، فلا يُطلقونه إِلا بعد تَعْليمهم. فبذلك كثرت فيها الكتابة، وصارت تنتشر في كل ناحية فتحها الإِسلام في حياته عليه السلام وبعده كما في (السيرة) (4) حتى بلغت عِدَّة كُتَّابه عليه السلام ثلاثة وأربعين رجلًا. وقد ألف بعضهم (رسالة) في أسمائهم، كذا في (الشهاب) على (الشِّفا) (5).
ولا ينافيه القُرطبى (1) في تفسير سورة العنكبوت على ستة وعشرين (2)، ولا اقتصار الشَّبْرامَلِّسِى (3) على أربعين، على ما نُقل عنه في كتاب القضاء من (حاشية المنهج) (4).
لكن لم يكونوا كلهم كُتَّابَ وَحْىٍ، وإنما كان أكثرهم مداومةً على ذلك بعد الهجرة زيد بن ثابت (1)، ثم معاوية بن أبي سفيان (2) رضي الله عنهم بعد فتح مكة (3). وأول من كتب الوحى بمكة من قريش: عبد الله بن سَعْد بن أبي سَرْح (4)، لكنه ارتدَّ وهرب من المدينة إِلى مكة، ثم عاد إِلى الإِسلام يوم الفتح. وأول من كتبه بالمدينة: أُبّى بن كَعْب رضي الله عنه (5).
[النبي الأمى - وتفصيل القول في أميته - صلى الله عليه وسلم -]
[النبي الأُّمِّى -وتفصيل القول في أُمِّيته - صلى الله عليه وسلم -]: وكان صلوات الله وسلامه عليه أُميًّا، لكن لا بالمعنى الشرعى، بل بمعناه اللغوى، وهو الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، كما في نص الآية الشريفة المتقدمة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: 2] وكما فى آية العنكبوت {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]، وكما في حديث البخاري (1) "نحن أُمَّة أُميَّةٌ لا نكْتب ولا نَحْسِب" (2). وكان ذلك له معجزة وكمالًا في حقه، وإن كان نقصًا في حق غيره كما قال الْبُوصيرى (3) رحمه الله في (البُرْدة) (4): كَفَاكَ بِالعِلم في الأُمِّىِّ مُعْجِزةً ... في الجاهِليِّةِ وَالتَأدِيبِ في اليُتُم
وأما ما رواه البخاري من أنه عليه السلام في عُمْرة القَضِيّة التي يقال لها "غَزْوة الحدُيْبِيَة" أخذ الكتاب ليكتب، فكتب: فقد أولوه بأن المراد أنه أمر كاتبه يومئذٍ -وهو سيدنا على- أن يَمْحُوَ ما كتبه أولًا في صحيفة المصالحة والمشارطة بينه وبين أهل مكة من قوله فيها: "هذا ما قَاضَى عليه محمدٌ رسول الله"، لأنهم لما سمعوا هذه الكلمة لم يَرتَضَوْها، وقالوا: لو علمنا أنك رسول الله ما منعناك من دخول مكة ولَتَابَعْنَاك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمَّد بن عبد الله. فقال لسيدنا على رضي الله عنه: "امْحُ رسولَ الله"، فقال على: والله لا أَمحوك أبدًا. وتعاصَتْ الصحابة -أنصارًا ومهاجرين- عن محوها، فقال - صلى الله عليه وسلم - لعلى: "فأرِنيهِ"، فأراه إِياه، فمحاه بيده الكريمة، ثم امتثل أمره سيدنا على، وكتب كما أمره (1). فالمراد يكون الرسول "كتب" في لفظ الحديث: أنه أمر كاتبه. ونظيره قوله تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران: 181] أي: نأمر الكَتَبَةَ على بعض التفاسير. وقد ورد في الأحاديث أنه عليه السلام كتب إِلى الملوك كِسرى وقَيْصر وغيرهم (2)، وكذا قولهم "نَسَخَ عثمان المصاحف وأرسلها إِلى البلاد"، فالمعنى أمر بذلك. وقد صمَّم الإِمام أبو الوليد الباجِى الأندلسى (3) على الأخذ بظاهر الحديث، وأن الله أطلق يده عليه السلام بالكتابة في تلك الساعة معجزة له، فقام عليه
علماء عصره بالأندلس، وشنَّعوا عليه، وطلبوه عند أميرهم، فجمعهم وإياه، واحتجوا عليه بأنه قد خالف نص الآية الكريمة، وهي: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48]، فاستظهر عليهم بأن هذا النفى مُقيَّد بما قبل ورود القرآن، وأما بعد أن تحققتْ أُميَّتُه وتقررتْ بذلك معجزتُه فلا مانع أن يعرف الكتاب من غير مُعلِّم، ويكَون ذلك معجزة أخرى له، ولا يخرج بذلك عن كونه أُمّيًا .. إِلى آخر ما قاله مما هو مذكور في (المواهب) (1). لكن الأصح خلافه؛ إِذْ لو كان كما قال لنُقل وتواتر، لأن هذا مما تتوفر الدواعى على نقله، وإن وافقه على ذلك شيخه أبو ذر الهَرَوِى (2) والنَّيْسَابُورى وجماعة من علماء إِفْرِيقيَّة (3)، محتجين بما ورد أنه "ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حتى كتب وقرأ" (1)، وقد روى عن جعفر الصادق (2) رضي الله عنه أنه قال: "كان يقرأ من الكتب وإن كان لا يكتب"، كذا رواه أبو البقاء الكَفَوِىّ في (الكليات) (3). أقول: لعله أخذه من قوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} [البينة: 2] فإِن كان مَأْخَذُه من هذا فقد أشار القاضى البَيْضَاوى (4) إِلى الجواب عنه بقوله: "والرسول وإن كان أميًّا -لكنه لما تلا مثل ما في الصحف كان كالتالى لها" (5). وذكر القاضى عياض (6) في الفصل [25]، من الباب [4] من القسم الأول
من كتاب (الشِّفا) (1) أنه وردت آثارٌ تدل على معرفته عليه السلام حروف الخط وحسن تصويرها، كقوله لمعاوية رضي الله عنه (2) أيام كتابته الوحى: "ألْقِ الدواةَ، وحَرِّفِ القَلَمَ، وفَرّق السّينَ، ولا تُعَوِّر الميم" (3) إِلى غير ذلك. كما في رواية أخرى أنه قال له: "إِذا كتبتَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فبيّنِ السّين"، يعني: أوضحها وأظهر سننها، فهذا هو المراد من تفريقها كما فى (الشهاب) على (الشفا) و (شرح المنَاوى الكبير) على (الجامع الصغير) (4).
[كتابة المصاحف بالخط الكوفى (خط الجزم)]
أقول، والشىء بالشىء يُذكر: نَقَل الشّهاب (1) في كتابه (شفاء الغليل فيما في لغة العرب من الدخيل) عن بعض حواشى (الكَشَّاف) (2): "أن سيدنا عمر رضي الله عنه ضرب كاتبًا كتب بين يديه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ولم يُبِّين السين يعني أنه كتبها من غير أسنان مثل كتابة بعض الأعاجم -فلما خرج الكاتب سُئِل عن سبب ضربه فقال: "في سين"، فصارت مثلًا يُضْرب في الأمر السهل يُعزَّر عليه الإِنسان" انتهى (3). [كتابة المصاحف بالخط الكوفى (خط الجزْم)] هذا، وقد كانت الكتابة في المصاحف العثمانية وغيرها وكُتُبِ الحديث على صورة حروف الجزْم (4) التي سُميت فيما بعد بالخط الكوفى، واستمرت على ذلك مدة تقرب من ثلاثة قرون، إِلى أن جاء ابن مُقْلة الوزير أبو على (5)
[الكتابة بمعنى صناعة الأنشاء]
أو أخوه (1) -على خلافٍ في ذلك- وحَوَّلها أواخر القرن الثالث كما في (ابن خلِّكان) (2)، قال: "فهو أول من نقل الكتابة من الخط الكوفى إِلى هذه الطريقة، وأبرزها في هذه الصورة، ونال بذلك فضيلة السَّبْق. ثم جاء بعده علي بن هلال البواب (3) الكاتب البغدادى، فهذَّب طريقته ونقَّحها، وكساها طلاوة وبهجة" (4). قال ابن خلدون: "وهكذا شأن الصناعات تكون في أولها غير حسنة، ثم تتحسن شيئًا فشيئًا". [الكتابة بمعنى صناعة الإِنشاء]: وأما الكتابة التي اشتهر بها عبد الحميد آخر كُتَّاب الدولة الأموية (5) فالمراد بها الكتابة الخاصة باصطلاح الأدباء، وهي صناعة الإِنشاء، لا صناعة الحروف
[كتابة القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -]
كما قالوا: بُدئَتْ الرسائل بعبد الحميد، وخُتمت بابن العميد (1). [كتابة القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -]: وكان الصحابة ومَن تبعهم قبل أن يكثر الكاغِد -أي الورق الذي كان يُجلب من الهند- يكتبون آيات القرآن وغيرها على عَسِيب السَّعَف (وهو الأصل العريض من جريد النخل) وعلى الألواح من أكتاف الغنم وغيرها من العظام الطاهرة والخِرق والأَدَم (أي الجلود مثل ورق الغزال)، فقد جُمع بعض آيات القرآن منها. وفي "البخاري" لما نزلت آية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] قال عليه السلام للبراء بن مَعْرور (2): "ادْعُ لي زيدًا, ولْيجىءَ باللَّوح والدَّواةِ والكَتِفِ .. إِلخ" (3). ورُوِىَ أن عثمان بَعَثَ إِلى أُبىّ بن
[جمع القرآن وترتيبه في المصحف على عهد عثمان رضي الله عنه]
كعب (1) بكتِف شاة مكتوب عليها بعض قرآن ليُصْلحَ بعض حروفه. وفي بعض روايات البخاري أن الرسول صلوات الله عليه قبل موته بأربعة أيام، وكان ذلك يوم الخميس، قال لهم: "ايتُونى بكَتِفٍ أكتبْ لكم كتابًا لا تضلوا بعدي" (2). ويُروى أن إِمامنا الأعظم الشافعى رضوان الله عليه كان كثيرًا ما يكتب المسائل على العظام، لقلة الورق حتى ملأ منها خَبَايا (3). ورأيت بعض مصاحف مكتوبة على رَقِّ غَزال (4). نَعَم، المصاحفُ التي أمر سيدنا عثمان بنسخها وإرسالها إِلى أجناد الأمصار كانت على الكاغِد، ما عدا المصحف الذي كان عنده بالمدينة فإِنه على رَقّ الغزال كما شُوهد بمصر. [جمع القرآن وترتيبه في المصحف على عهد عثمان رضي الله عنه]: وكان السبب في ذلك على ما قاله ابن الأَثير (5) في التاريخ
(الكامل) (1) أن في سنة ثلاثين من الهجرة "كان حذيفة بن اليمان (2) مأمورًا بغزو الرَّىِّ (3)، ثم صُرف عن ذلك إِلى غَزْو الباب (4) مددًا لعبد الرحمن بن ربيعة (5)، وخرج معه سعيد بن العاص (6)، فبلغ معه
أَذْرَبَيْجَان (1)، فأقام حتى عاد إِليه حذيفة، وقال له: لقد رأيت في سَفْرتى هذه أمرًا لئِن تُرك الناسُ عليه ليَخْتَلِفُنَّ في القرآن، ثم لا يقومون عليه أبدًا. قال: ولم ذاك؟ قال: رأيت ناسًا من أهل حِمْص (2) يزعمون أن قراءتَهم خيرٌ من قراءة غيرهم، وأنهم أخذوا القرآن عن المِقْداد (3)، ورأيت أهل دمشق يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك، وأنهم قرأوا على ابن مسعود (4)، وأهلُ البصرة يقولون مثله، وأنهم قرأوا
على أبى موسى (1)، ويسمون مصحفه "لُباب القلوب". فلما وصلوا إِلى الكوفة أخبر حذيفة (2) الناس بذلك، وحذرهم ما يخاف، فوافقه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكثير من التابعين، وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تُنكر؟، ألسنا نقرأ على قراءة ابن مسعود؟ فغضب حذيفة ومَن وافقه وقالوا: إِنما أنتم أعراب فاسكتوا فإِنكم على خطأ وقال حذيفة: واللهِ لئنِ عِشْتُ لآتينَّ أمير المؤمنين ولأُشِيرَنَّ عليه أن يَحُولَ بين الناس وبين ذلك فأغلظ له ابن مسعود، فغضب سعيد (3)، وقام، وتفرق الناس، وغضب حذيفة، وسار إِلى عثمان بالمدينة وأخبره بالذى رأى، وقال: أنا النذير العريان يا أمير المؤمنين، أَدْرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلافَ اليهود والنصارى في التوراة والإِنجيل ففزع لذلك عثمان، فجمع الصحابة وأخبرهم الخبر، فأعظموه ورأوا جميعًا ما رأى حذيفة فأرسل عثمان إِلى حفصة بنت (4) عمر
رضي الله عنهما أن أَرْسِلى إِلينا الصحف ننسخها ثم نردها إِليك. وكانت هذه الصحف هى التي كتبت أيام أبى بكر رضي الله عنه، فإِن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة (1) قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما: إِن القتل قد استَحَرَّ -أي اشتد وكثر- بِقُرّاء القرآن يوم اليمامة، وإنى أخشى أن يَستَحِرَّ القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن. فأمر أبو بكر زيد بن ثابت (2) فجمعه من الرقاع والعُسُب (3) وصدور الرجال. وكانت الصحف عند أبى بكر، ثم عند عمر، فلما توفي عمر أخذتها حفصة (4) فكانت عندها إِلى أن أرسل إِليها عثمان أخذها للنقل منها، وأحضر زيد بن ثابت وعبد الله ابن الزُّبيْر (5) وسعيد بن العاصى (6) وعبد الرحمن بن الحارث بن
هشام (1) وأمرهم أن ينسخوها في المصاحف، وجعل الرئيسَ عليهم زيدَ بن ثابت (2) من الأنصار، وهم من قريش، فلهذا قال لهم عثمان: إِذا اختلفتم أنتم وزيد في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإِن القرآن (يعني: معظمه) أُنزل بلسانهم ففعلوا. [ولم يختلفوا إِلا في رسم "التَّابُوت" (3) -كما في (المُزْهِر) - فالأنصار كتبوه بالهاء، وقريش بالتاء] (4) فلما نسخوا الصحف ردها عثمان إِلى حفصة (5) وأرسل إِلى كل أُفُق بمصحف مما نسخوا وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف الذى أَرسَل إِليهم به فذلك زمان حُرِّقت المصاحف بالنار، وكل الناس عرف فضل هذا الفعل إِلا ما كان من أهل الكوفة فإِن المصحف لما قدم عليهم من عند عثمان فرح به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أصحاب ابن مسعود (6) ومَن وافقهم، فإِنهم امتنعوا من ذلك، وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود وقال: ولا كل ذلك والله قد سُبِقْتُم سَبْقًا فاربَعُوا على ظَلعِكُمْ (7). ولمَّا قدم على رضي الله عنه الكوفة قام إِليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على مصحف فصاح به وقال: "اسكت، فَعَن ملأ مِنَّا فَعَل ذلك، فلو وُلّيتُ منه ما وَلِى عثمان لسلكتُ سبيله". انتهى ما نقلته من (الكامل) (8) مع
زيادة يسيرة من (المُزْهِر) (1). وهو مأخوذ من حديث البخاري في كتاب فضائل القرآن (2) قال شارحه القسطلانى (3) نقلًا عن محيى السنة (4): "في هذا الحديث البيان الواضح أن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدَّفتَيْن القرآن المنزَّلَ من غير أن يكونوا زادوا أو نقصوا منه شيئًا باتفاقٍ منهم، من غير أن يُقدّموا شيئًا أو يُؤخّرِوه، بل كتبوه في المصاحف على الترتيب المكتوب في اللوح المحفوظ بتوقيف جبريل عليه السلام على ذلك، وإعلامه عند نزول كُلِ آيةٍ بموضعها، وأين تكتب. وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمِى (5): كانت قراءةُ أبى بكر وعمر وعثمان وزيد ابن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدةً، وهي التي قرأها - صلى الله عليه وسلم - على جبريل مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان زيد قد شَهِد العَرْضَةَ الأخيرة وكان يُقرىء الناسَ بها حتى مات، ولذلك اعتمده الصِّدّيق في جَمْعه وولاه عثمانُ كَتَبةَ المصاحف. قال السَّفَاقُسِى (6): فكان جَمْعُ أبى بكر خَوْفَ ذَهَابِ شىء من القرآن بذَهَاب حَمَلَتِه، حيث إِنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، وجَمْعُ عثمان لما كَثر الاختلافُ في وجوه قراءته حين قرءوا بلغاتهم، حتى أَدّى ذلك
إِلى تَخْطِئَة بعضهم بعضًا، فنسخ تلك الصحفَ في مصحف واحد، مُقتصرًا من اللغات على لغة قريش، إِذْ هى أرجحها" اهـ (1). وفي كتاب (المصاحف) (2) أنه كان مع زيد في كتابة المصاحف اثنا عشر رجلًا من قريش والأنصار، منهم أُبَىّ بن كعب (3)، وسمَّى جماعةً ممن كَتَب أَوْ أَملى، منهم ابن عبّاس (4) وأنس بن مالك (5) وكثير ابن أفلح مولى أبى أيوب الأنصارى (6)، ومالك بن أبي عامر (7) جد الإِمام
[عدد مصاحف عثمان رضي الله عنه]
مالك بن أنس (1). فلا تتوهم من قولهم: * مُخْلِف طه سِبْحتان ومُصْحفُ* (2) أن القرآن كان مجموعًا في مصحف واحد على عهده - صلى الله عليه وسلم -، بل المراد به بعض آيات كما يُطلق اسم المصحف على ذلك. قال القَسْطلانى (3) أول باب جَمع القرآن في الصُّحف (4): "ثم جمع تلك الصحف في المصحف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - جَمْعَه في مصحف واحد لأن النَّسْخَ كان يرد على بعضه، فلو جمعه ثم رُفعت تلاوةُ بعضِه لأدَّى إِلى الاختلاف والاختلاط، فحفظه الله تعالى في القلوب إِلى انقضاء زمن النَّسْخ فكان التأليف في الزمن النبوى، والجمع في الصحف في زمن الصدِّيق، والنَّسْخُ في المصاحف في زمن عثمان. وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده - صلى الله عليه وسلم -، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مُرتَّب السور" اهـ. [عدد مصاحف عثمان رضي الله عنه]: وأكثر العلماء على أن المصاحف التي نسخت بأمر الإِمام عثمان كانت أربعة؛ أرسل واحدًا للكوفة، وآخر للبصرة، وآخر للشام، وترك واحدًا عنده بالمدينة.
وقال أبو حاتم (1): كَتَب سبعة مصاحف أُرْسِلَتْ إِلى مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة، وحَبَس بالمدينة واحدًا. ونقل مُحشِّى (الجَزَرِيّة) (2) عن السيوطي (3) "أن الخَمْس المتفق عليها: مصحف مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام. واختُلف في ثلاثة: مصر واليمن والبحرين. وكذلك اختُلف في المصحف الإِمام، هل هو ما أبقاه بالمدينة أو آخر أمسكه تحت يده" اهـ (4). والظاهر أن اسم الإِمام شامل لكل واحدٍ من المصاحف المذكورة، لا اسم لواحدٍ بخصوصه. ويقال: إِن الموجود بمصر الآن في قبة السلطان الغورى (5) هو الذي عليه دمه
على قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137] جَلبه مَن جلبه إِلى السلاطين. فسبحان من يرِثُ الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
الفائدة الرابعة في مبادئ الفن الذي وضعت له هذه الرسالة
الفائدة الرابعة في مبادئ الفن الذي وضعت له هذه الرسالة وفيها تقسيم الخطوط إِلى ثلاثة كما ستراه. اعلم أنه ينبغى لكل من أراد الشروع في أىّ فنٍّ كان أن يتصورَه أولًا بمعرفة خمسة من مبادئهِ العشرة التي هى: اسْمُه وحَدُّة وموضوعُه وواضعه وفائدته .. إِلخ، المجموعة في قول الفاضل الأديب السيد عبد الهادى الأَبْيارِى (1): إنَّ المبادِىءَ في عَشْرٍ قَد انحَصَرتْ ... حَدٌّ وحُكْمٌ وموضوعٌ وَمَن وَضَعَا وَمأْخَذٌ نِسْبةٌ فَضْلٌ وفَائِدةٌ ... مَسَائل، وكذا اسْمُ الفّنِ فاسْتَمِعا فإِنْ عَرَفها كلَّها كان أعظم. [مبادىء علم الخط والكتابة]: [1 - اسمه]: فأما اسمُ هذا الفن فهو "الكتابة" و"الخط" و "الهجاء" وبهذا الأخير تَرْجَم ابن مالك (2) في (التسهيل) (3) وبالثانى ترجم في (الشَّافية) (4) و (جَمْعَ
[2 - حده (تعريفه)]
الجَوَامِع) (1) وقد يُسمَّى أيضًا "علم الرسم" وإِنْ غلب هذا في المصاحف. [2 - حدُّه (تعريفه)]: وأما حدُّه (أي تعريفه) فهو: "عِلْمٌ بأصولٍ يُعْرف بها تأديةُ الكتابة على الصحة"، بناء على القول بأن عدمَ إِعطاءِ الكتابة حقَّها جهلٌ فتكون معرفةُ تأديتها على الوجه الصحيح علمًا، وإلا فنقول: "هو قانونٌ تَعْصِم مراعاته من الخطأ في الخط كما تَعْصِم مراعاةُ القوانين النَّحْوِية من الخطأ في اللفظ". [3 - موضوعه ومسائله]: وأما موضوعُه فهو الكلماتُ التي يجب انفصالُها من بعضها، والتي يجب اتصالها ببعضها، والحروف التي تُبْدَل، والحروف التي تُزَاد، والحروف التي تُنقَص. فهو مُنحصِرٌ في هذه الأربعة لا غير، على ما يُفْهَم من (شرح النُّقاية) (2) للجلال السيوطي (3). فلهذا جعلنا أبواب هذه الرسالة أربعةً منطويةً تحت المقْصِد كما ستراه قريبًا. ولنذكر لك من أمثلة كل باب بعضًا، تعجيلًا للفائدة: فمثال الفصل والوصل: ("كُلّ ما" و"كُلَّمَا") و ("إنْ هُمْ" و"إِنَّهُمْ") و ("يَوْمَ هُمْ" و"يَوْمَهُمْ") و ("إِنَّ مَا" و"إِنَّمَا").
[4 - فائدته وثمرته]
ومثال الإبدال: "سُؤَال" و "رِئَال". ومثال الزيادة: الألف في "مائة" والألف فى "كُلُوا" و"اشْربُوا"، والواو في "عمرو". ومثال النقص فقط: "ممَّا" و"عَمَّا" و "مِمَّ" و"عَمَّ". ومثال ما اجتمع فيه زيادة ونقص وإبدال: "أُولئِك"، على ما ستراه مُفصَّلًا في أبوابه إِن شاء الله. [4 - فائدته وثمرته]: وأما فائدتُه وثمرتُه فهي: حِفْظ الإِنسان من الخطأ واللَّحْن كما عُلِمَ من التعريف السابق. وزيادة على ذلك: معرفة الأفصح في الكتابة؛ وذلك لأنها نائبة عن التكَلُّم، فالخطأ فيها يُعدُّ لحنًا كالخطأ فيه، بدليل ما رواه السيوطي (1) في (المُزْهر) أن سيدنا عمر رضي الله عنه ورد إِليه كتابٌ من أبى موسى الأشعرى (2)، إِذْ كان عاملًا له على البصرة، فأرسل إِليه أَنِ اضربْ كاتِبَك سَوْطًا، فإِنه لحن في كتابة كلمة كذا (3). ونظير ذلك ما حكاه الإِمام ابن جِنّى (4) عن شيخه أبى على الفارسي (5)
إِمام النحاة في عصره أنه ذهب مع صاحب له ليزورَ عالمًا، فلما دخل عليه رأَى في يده جزءًا مكتوبًا فيه "قائل" -بنقطتين تحت الهمزة المصورة ياءً- فقال له: هذا خطُّ من؟ فقال: خَطِّى، فالتفت لصاحبه وقال: أَضَعْنا خُطواتنا في زيارة مثل هذا. وخرج لوقته" كما سيأتى نقله في الخاتمة (1) عن المُطِّرِزِى (2) والأُشْمُونِي (3) أيضًا. وكان الصديق رضي الله عنه يقول: لأن أقرأَ فأُسقط أَحَبّ إِلىَّ منْ أَنْ أقرأَ فأَلْحن. وكما أنهم عَدُّوا في الألفاظ فصيحًا وأفصح فكذلك عَدُّوا في الكتابة مثله؛ فقد قالوا: في كتابة المقصور كذا، والأفصح في كتابة المنقوص كذا قال في (الشافية) و (شرحها): "ومن ثَمَّ (أي ومن أجل أَنَّ مَبْنى الكتابة على الوقْف والابتداء) كُتِبَ باب "قاضٍ" مما حُذِف ياؤُه للتنوين رفعًا وجرًا
[5 - حكمه]
بغير ياء، وكُتِب باب "القاضى" بالياء على الأفصح فيهما للوقف عليهما بذلك" اهـ (1). [5 - حُكْمه]: وأما حُكْمه فهو الوجوب الكِفائى. لمَّا أن صَنْعَةَ الكتابة واجبة على الكِفاية كسائر الصناعات فَإِذنْ يكون علمها من قَبيل فرضِ الكفاية كسائر العلوم الوسائل. [6 - فضْلُه]: وأما فضلُه فهو احتياج كُلّ علمٍ إِليه، ولا غنى له عنه، لأن تدوين العلوم بأسرها وحفظها متوقف على الكتابة. [7، 8 - نِسْبته ومَأْخذُه]: وأما نسبته إِلى البَنَان فهى كنسبة النحو للسان، والمنطق للجنان. وأما مأْخَذُه واستمدادُه فهو من القواعد النَّحْوية والأصول الصرفية كما سبق الإِيماء إِلى ذلك عن أبي حَيَّان (2) ومن موافقة "الإِمام" الذي هو مصحف عثمان في بعض كلمات. [9 - واضعه وتاريخُ وضعه]: وأما واضعه فهم علماء المِصْرَيْن العِراقِيَّين؛ أي البصرة والكوفة، فإِنهم هم الذين دَوَّنوا هذا الفن كما دَوَّنوا غيره من علم اللغة والصرف والاشتقاق والنحو والعَرُوض، ولهم في جميع تلك العلوم مذاهب مختلفة، حتى هذا العلم لهم فيه اختلافاتٌ مَبْنيّةٌ على الاختلاف الواقع في لغات قبائل العرب بالوجوه التي عَقَدَ لها في (المُزْهِر) ترجمةً مستقلة (3)، وذكر منها تحقيق الهمزة
وتخفيفها بالتسهيل أو الإبدال بأحد حروف العِلّة فالتحقيق لغةُ تميمٍ وقَيْس، وهو الأصل. والتخفيف لغة قُرَيْش وأكثر الحجازيين على ما قاله شيخ الإِسلام في (شرح الشافية) قال: "ومعلومٌ أن لغة قريش أفصح اللغات، فلذا كان الكَتْب على لغتهم أَوْلى، لاسِيَّما وقد جَرَى عليها رَسْم المصحف" اهـ. (1) ومثله في (الهَمْع) عن أبي حَيّان (2) أي فيكون الكَتْبُ على لغة التخفيف أَوْلى لوجهين: كونها لغة قريش، واتِّباع المصحف. ولهذا كان أكثر الصحابة ومَن وافَقَهم من التابعين وأتباعهم يوافقون الرسم المُصْحفى في كل ما كتبوه ولو لم يكن قرآنًا ولا حديثًا، ويكرهون خلافَهُ، ويقولون: لا نخالف "الإِمام" يريدون بذلك المصحف الذي كُتِبَ بأمر الإِمام عثمان، فإِنهم كانوا يسمونه "الإِمام" من حيث اتباعه رَسْمًا وغيره. واستمر الأمر على ذلك إِلى أن ظهر علماء المِصْرَيْن (3) وأسسوا لهذا الفن ضوابطَ وروابط بَنَوْهَا على أَقْيِسَتِهم النحوية وأصولهم الصرفية، وسموها: "علم الخط القياسى" أو "الاصطلاحى" المخترع، وسمُّوا رسم المصحف "بالخط المتَّبع"، وقالوا: إِن رسمه سُنَّة مُتَّبعة مقصورة عليه، فلا يُقاس، ولا يُقَاس عليه. ومثله من حيث عدم القياس: خطُّ العَرُوضِيّين، ولذا قيل: خَطَّان لا يُقاسان. فتحصَّل أن الخطوط ثلاثة:
[أنواع الخطوط]
[أنواع الخطوط]: [خط المصحف]: أولها: خط المصحف، فيُكْتب على ما رُسِم في مصاحف الإِمام وإن خالف القياس فقد حكى السيوطي (1) في كتابه (الإِتقان في علوم القرآن) عن مذهب الإِمام أحمد أنه "تَحْرُمُ مخالفةُ مُصْحفِ عثمان في رَسْم "ياء" أو "ألف" أو "واو" أو غير ذلك (2) كالفَصْل والوَصْل، أي في نحو: {وَلَاتَحِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] (3) فإِن التاء التي من كلمة "لاتَ" موصولة فيه بـ "حِينَ" وكقوله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 78] {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} [الفرقان: 7] {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} [الملك: 8]، فالهاء مفصولة من اللام في الآيتين، و"ما" مقطوعة عن "كُل" في الثالثة على خلاف القياس. وكالوصل والإِبدال والحذف في قوله تعالى حكايته عن قول هارون لأخيه عليهما السلام: {يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} الآية [طه: 94] (3) وكذلك "الرّبَوا" رُسِم بواوٍ متصلة بالباء وألف بعدها (4). وكزيادة ياء أخرى بعد الياء في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}
[الذاريات: 47] قال مُحشّى الجلالين: "فهي زيادة ليس لها وجْه يُعرف" اهـ (1). أي: لكنها تُرسم فيه اتباعًا كما كَتَب السَّلَف. وكزيادة الياء فى: {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِى الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34] ونحوه. وكنقص الواو في رسم "الموْءُودَة" بواوٍ فقط، وهي المتصلة بالميم (2) كذلك {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9] (3) بواوٍ واحدة وحذف الهمزة وواو الضمير كما في أول (الكليات) (4). ففى ذلك كله تَحرُم المخالفة على مذهب الإِمام أحمد. وكذا نقل عن الإِمام مالك الحرمة أيضًا (5). ولهذا أَلَّف كثير من العلماء رسائل في رسمه، كالشَّاطبى (6) وابن الجَزَرِى (7) وغيرهما
[خط العروضيين]
كالسيوطي (1) فإِن له في ذلك رسالة سماها: (كَبْتُ الأَقْران في كَتْبِ القرآن) كما قاله في (شرح النُّقاية) (2). [خط العروضيين]: وثانيها: خط العَرُوضِيّين، وهو على حسب الملفوظ به. قال أبو حيان (3): "وذلك لأن العَرُوضيين يكتبون ما يُسمع خاصة، إذ الذي يُعتَدُّ به في صَنْعةِ العَرُوض إِنما هو ما يُلفظ به، لأنهم يريدون به عَدَّ الحروف التي يقوم بها الوزن، متحركًا كان أو ساكنًا، فيكتبون التنوين نونًا، ولا يراعون حذفَها في الوَقْف، ويكتبون المدْغَم -أي المشدَّد- حرفين، ويكتبون الحروف بحسب أجزاء التفاعيل، فقد تنقطع الكلمة بحسب ما يقع من تَبْيِين الأجزاء، كقوله: يَاْدَارَمَىْ يَتَبِلْ عَلْيَا افَسْ سَنْدِىْ ... أقوت وَطَاْ لَعَلَىْ هَاْسَاْ لَفَل أَمَدِىْ لأن تقطيعه: (مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ) أربع مرات. وكتابة هذا البيت في الخط الذي ليس في علم العَرُوض هكذا:
[الخط الاصطلاحى]
يا دَارَمَيَّةَ بالعَلياءِ فَالسَّنَدِ أَقْوَتْ ... وطَالَ عَلَيْها سَالِفُ الأَمد (1) اهـ، من (الهَمْع) (2). [الخط الاصطلاحى]: وثالثها: الخط الاصطلاحى في غير المصحف والعَرُوض، وهو الذي وضعنا له هذه الرسالة. قال شيخ الإسلام: "فإِنه ليس جاريًا على اللفظ كما يجرى العَرُوض لأنه قد يُحذفُ منه ما يَثْبُتُ في اللفظ، وقد يُزاد فيه ما لم يُتَلَفَّظ به، وقد يُكتب حرف بدلَ آخر؛ كأن يُكتب بالياء أو الواو ولفظُه بالألف "كالحُبْلَى" و"الصَّلوة" اهـ؛ أي: بناء على استحباب رسم "الصَّلاة" بالواو في غير المصحف اتباعًا لرسمه. وكأن يُكتب بالألف ولفظُه بالنون؛ مثل: {لَنَسْفَعًا} و {لِيَكُونَا} و"إِذًا". أو يُكتب بالنون ولفظه بالميم؛ مثل: "يَنبُوع" و"ما يَنبَغِى" و "عَنبَر" و "مِنبَر". أو يُكتب بالواو ولفظه في الدَّرَج بالهمز مثل: "اؤْتُمِنَ" المبنى للمجهول. أو يُكتب بالياء ولفظه في الدّرَج والوصل بالهمز؛ مثل: "اِئْتَمن" للمعلوم أو فعل أمر (3). أو يُكتب بالياء ولفظه في الدَّرج بالواو، كالأَمْر من "وَجَلَ" و "وَجَرَ" و"وَدَّ" وغير ذلك مما يأتى بيانه في أبوابه إِن شاء الله تعالى.
المقصد في موضوع الرسالة وتحته أربعة أبواب: الأول: في بيان ما يقطع وما يُوصل من الكلمتين فأكثر. الثاني: فيما يُكتب بغير ما يُلفظ به، نظرًا للتسهيل أو الإِبدال. الثالث: فيما يُزاد من الحروف غير ما يُلفظ به. الرابع: فيما يحذف من الحروف الملفوظة فلا يكتب فهذه الأربعة هى الموضوع كما أشرنا إِليه آنفًا
الباب الأول فيما يقطع وجوبا وما يوصل وجوبا من الكلمتين فأكثر
الباب الأول فيما يُقطع وجوبًا وما يوصل وجوبًا من الكلمتين فأكثر وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول في بيان ابتداء الكلمة على تقدير الابتداء والوقف مع بيان مقتضيات الوصل الذكر هو خلاف الأصل في الكلمات غير الحروف المفردات
الفصل الأول في بيان ابتداء الكلمة على تقدير الابتداء والوقف مع بيان مقتضيات الوصل الذي هو خلاف الأصل في الكلمات غير الحروف المفردات [تركيب الحروف]: لا يخفى أن الحروف الهجائية لها حالتان متضادتان: البساطة والتركيب؛ فالبسيطة هي الحروف المقطَّعة، أي: المتفرقة خطًّا مثل كتابة التمائم. والمركَّبة هي المجتمعة المتصلة ببعضها المستعملة في سائر الكُتُب. والتركيب مُمْكِن في جميع الحروف سوى ستة لا يمكن وصْلُها بعدها، جمعتُها في قولي: "زُرْ ذَا وُدٍّ". ولكن الأصل والقياس أنه لا يُوصل ويُجمع إِلا حروف كُلّ كلمة على انفرادها ما لم يُوجد مُقْتَضٍ لوصلِ كلمتين فأكثر من المقتضيات الأربعة الآتية عن (الهَمْع) (1). وأكثر ما يُوجد موصولًا ومجموعًا من حروف الكلمة الواحدة ستةُ أحرف أو سبعة، مثل: "مَنْجنِيق" و "عَلطَمِيس" (2) و"عَفَنْجَجِيَّة" (وهي الحماقة المفرطة (3) وهذا من النادر، لأن الغالب في الأسماء عدم زيادتها على ستة
[الكلمات التي يتصل بعضها ببعض وعدد حروفها]
أحرف قال في (الخلاصة): (1). ومنْتهى اسْمٍ خَمْسٌ إِن تَجرَّدَا ... وإن يُزَدْ فيه فما سَبْعًا عَدَا (2) وقال في الفِعْل: ومُنتهاهُ أَرْبَعٌ إِن جُرِّدا ... وإن يُزَدْ فِيه فِما سِتًّا عَدَا (3) [الكلمات التي يتصل بعضها ببعض وعدد حروفها]: وأَقَلُّ ما يُوجد موصولًا من كلمتين حرفان؛ مثل: "بِتُّ" و "مِتُّ" فإِن كل واحد من هذين اللفظين مُركَّب من فعل وفاعل، من البَيْتُوتة والمَوْت. ومثلهما "بِنَّ" مركَّب من فعل البينونة وفاعل هو النون ضمير النسوة. وأَقلُّ ما يُوجد مركّبًا موصولًا من ثلاث كلمات ثلاثة أحرف؛ نحو: "قُتُّهُ" من القُوت. و"فُتُّهُ"، من الفَوَات: بمعنى السَّبْق أو الترك. فكل واحد من هذين اللفظين مركب من فعل وفاعل ومفعول. فإِنْ أَدْخلتَ على أحد هذين الفعلين حرفًا مفردًا مثل فاء العطف أو لام الجواب صارت اللفظة أربع كلمات في أربعة أحرف. وأَقلُّ ما يُوجد موصولًا من خمس كلمات تسعة أحرف؛ نحو: "فَسَيَكْفِيكَهُم" فإِنه مركب من كلمتين في أوله، وهما: الفاء والسين، لأن
[مبنى الكتابة على الوقف والابتداء]
كلَّ واحدة منهما حرف جاء لمعنى، وهو كلمة من أقسام الكلام الثلاثة. ومن كلمتين (1) في آخره، وهما اسمان ضميران: "الكاف" ضمير المخاطب المفرد، و"هُم" ضمير الغائبين، والفعل متوسط بين الحرفين أولًا، والاسمين الضميرين آخرًا. ثم وجدنا عشرة أحرف متصلة من أربع كلمات في: "لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ". فإِن أَدْخلتَ على ذلك "فاء" الجواب كانت الحروف أحد عشر، والكلمات خمسًا. وقد وُجِد ست كلمات في تسعة أحرف موصولة، كأن تقول لمن سألك عن أمر: "فَلَنفْهِمنَّكَهُ". [مبنى الكتابة على الوقْف والابتداء]: واعلم أن ما ذكرناه أولًا من تركيب حروف الكلمة الواحدة ووصْلِها ببعضها ليس مما يُقصد للبحث عنه من موضوع هذا الفن، بل هو من الأمور التي تتقدم معرفتها في ابتداء التعليم، أوردناه تَشْحيذًا لذهن الطالب، وتمرينًا له، وتبيانًا للأساس. وإنما الذي من مقصدنا وَصْلُ الكلمتين فأكثر فنقول: الأصل والقياس في كل كلمتين اجتمعتا أن تُكتب كلُّ واحدة منهما مفصولة عن الأخرى، منظورًا في أول كلمة لحالة الابتداء بها، وملحوظًا في آخرها حالة الوَقْفِ عليها؛ لأن مَبْنى الكتابة على اعتبار الوقف والابتداء كما سبق في تعريفها أول المقدمة (2).
[ما يوصل من الكلمات]
[ما يوصل من الكلمات]: قال في (الهَمْع) (1): "الأصل فصل الكلمة من الكلمة، لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، فكما أن المعنيين متميزان فكذلك اللفظ المعبَّر به عنهما يكون. وكذلك الخط النائب عن اللفظ يكون متميزًا بفَصْلِهِ. وخرج عن ذلك الأصل ما كانا كشيءٍ واحدٍ فلا تُفصل الكلمة من أختها، وذلك أربعة أشياء: الأول: المركب تركيب مَزْج، "كبَعْلَبَّك"، بخلاف غيره من المركَّبات، "كغلام زيد" و"خَمْسَةَ عَشَر". الثاني: أن تكون إِحدى الكلمتين لا يُبتدأ بها، لأن الفصل في الخط يدل على الفصل في اللفظ. فإِذا كان لا يمكن فصلُه في اللفظ فكذلك ينبغي أن يكون في الخط؛ وذلك نحو الضمائر البارزة المتصلة، ونون التوكيد، وعلامتا التأنيث، والتثنية، والجمع، وغير ذلك مما لا يمكن أن يُبتدأ به. الثالث: أن يكون إِحدى الكلمتين لا يُوقف عليها؛ وذلك نحو "باء" الجر و"لامه" و"كافه"، "وفاء" العطف والجزاء، و"لام" التوكيد، فإِن هذه الحروف لا يُوقف عليها. وخرج عن ذلك "واو" العطف، فإِنها لا تُوصل لعدم قبولها الوصل. والرابع: "ما يذكر من الألفاظ" (2) اهـ. يعني الكلمات الثلاث الآتية في الفصول الثلاثة بعد هذا الفصل، وهي: "ما" و "من" و "لا"، على ما سيأتى بيانها في فصولها.
[الكلمة التي على حرف واحد وإلحاق هاء السكت]
ومعلوم من الأصول المقررة في لغة العرب أنه لا يُبدأ بساكن، ولا يُوقف على متحرك في غير الضرورة، ولا على التنوين بأقسامه الأربعة المعروفة دون البقية. قال في أول (الخَزْرَجِيَّة): *وأَوَّلُ نُطقِ المرءِ حَرْفٌ مُحَرَّكٌ (1) * وقال في (الجَزَرِية): وَحَاذِرِ الوَقْفَ بكُلّ الحَرَكَةْ ... إِلا إِذَا رُمْتَ فَبعْضُ حَركَهْ (2) فلا يُوقف على ما يُبدأ بها، لأنه لازمُ التحرك، والتحرك غير سائغٍ عند الوقف. [الكلمة التي على حرف واحد وِإلحاق هاء السكت]: ومِن ثمَّ لم يكن من أصولهم في الكلمة التي على حرف واحد -وضعًا أو عارضًا- أن تُكتب مقطوعةً عما يَتَّصل بها قَبْلُ أو بَعد. فإِن لم يُوجد ما يَتَّصل بها أُلْحِقَتْ بها هاءُ السَّكْت وجوبًا، كما إِذا قيل لك: كيف تنطق بفعل الأمر من اللفيف المفروق مثل: "وَفَى" أو "وَقَى" أو "وَعَى" أو "وَشَى" أو "وَنَى"؟، فتقول من الأول: "فِهْ"، بإِلحاق هاء السكت الساكنة لفظًا وخطًّا وجوبًا، وتركُها يُعَدُّ من الخطأ كما صَرَّح به شخ الإِسلام في مُبْطِلات الصلاة
[مسمى الحرف]
من (المنهج) (1). وكذا يُقال في نظيره من البقية. وأما إِذا اتَّصلتْ به كلمةٌ أخرى -كأن يُقال: "قِه زَيْدًا"- فيكتب بهاء السكت متصلة به، نظرًا لحالة الوقف عليه بها, ولكنها تَسْقُط في اللفظ كما سيأتى تمام ذلك في الفصل الثالث من باب الزيادات إِن شاء الله تعالى (2). [مُسمَّى الحرف]: وكذا إِذا قيل لك: ما مُسمَّى الجيم من "جَعْفَر"؟ "جَهْ". أو ما مُسمَّى العين من "عُمَر"؟ فنقول: "عُهْ" بضم العين وزيادة الهاء لبيان الحركة وعدم الوقوف على المتحرك. وقيل: ما مُسَمَّى الراء من هذين الاسمين؟ فتقول: "ارْ" بكسر الهمزة. قال سيدي علىّ الأُجْهُورِى (3) في (شرح منظومته): "واعلم أن مُسَمَّى الحرف إِن كان ساكنًا أدخل عليه همزة الوصل ونُطق به. وإن كان متحركًا زيد فيه هاء السَّكْت، مع الإِتيان به مُحرّكًا بحركته. قال المبّرد (4) في (المقْتَضَب):
[كيفية نطق الحروف المقطعة في كتب اللغة والصرف]
قال سِيبَوَيْه: (1) خرج الخليل (2) يومًا على أصحابه فقال: كيف تلفظون بالباء من "اضْرِبْ"، والدال من "قَدْ" وما أشبه ذلك من السواكن؟ فقالوا: باء، دال فقال: إنما لفظتم باسم الحرف ولم تلفظوا به. فرجعوا في ذلك إِليه، فقال: إِذا أردتُ التلفظ به أَزِيدُ ألفَ الوصل فأقول: "ابْ"، "ادْ"، لأن العرب إِذا أرادت الابتداء بالساكن زادت ألفَ وصلٍ. وقال: كيف تلفظون بالباء من "ضَرَبَ"، والضاد من "ضُحَى"؟ فأجابوا بنحو جوابهم السابق، فقال: أرى أنه إِذا لُفِظ بالتحرك يُزاد هاء لبيان الحركة، كما قالوا: "ارْ"، "مَهْ"، فأقول: "بَهْ"، "ضُهْ". وهذا ما لا يجوز في القياس غيره انتهى كلام الأُجْهُورِى (3). [كيفية نطق الحروف المقطعة في كتب اللغة والصرف]: أقول: وأما الحروف المقطَّعة في كتب اللغة والصرف كما يُقال مثلًا: أصل مادة "الاستعمار" (ع م ر) فكذلك لا يُنطق بأسمائها، بل بمسمَّياتها، لأنه يُشار بها إِلى المادة بقطع النظر عن كونها فعلًا أو اسمًا، وعن تعيين حركتها
[الكتابة على اعتبار الابتداء]
كما نَصَّ عليه الشَّنَوَانِي (1) في (تعليقه) على (الشافية وشرحها) لشيخ الإِسلام (2). فينطق في مثل الحروف المتقدمة بالعين مفتوحة، لأن الفتح أخف الحركات. وكذا بالميم والراء مفتوحتين من غير إِلحاق هاءٍ لتقوّى الحروف ببعضها. أو بسكون الراء، فلا تُنطق بالضم ولا بالكسر ولا بالسكون مسبوقًا بهمزة وصل مكسورة، لا في الأول ولا غيره؛ لأن ذلك إِنما يكون عند إِرادة بيان مَخْرج الحرف. [الكتابة على اعتبار الابتداء]: الواو المبدلة من همزة (اؤْتُمِن) المبنى للمجهول: وحيث تَقرَّر لك أن الكتابة مبنية على اعتبار الابتداء والوقْف فتُكتب "اؤْتُمِن" في المبنى للمجهول بالأف والواو كما في آية: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283]. وكما في حديث علامة المنافق: "إِذَا اؤتُمِنَ خَانَ" (3). وإنما نَبَّهتُ على هذا لأنه مما غَلط فيه كثيرون فكتبوه بالألف والياء المصوَّرة بدلًا في الابتداء عن الهمز في الوصل والدَّرَج، وهو إِنما يُكتب بذلك إِذا كان
[الياء المبدلة من همزة في (ايتونى) المبنى للمعلوم]
فعل أمرٍ أو ماضيًا مبنيًا للمعلوم؛ وذلك لأنك إِذا ابتدأتَ بالمجهول تنطِق بالهمزة مضمومةً وتمدُّها فيتولَّد من المِدّ واوٌ هى الُمْبدَلَة من الهمزة الساكنة؛ إِذْ أَصْلُه "أُوْتُمِن" بهمزتين، أُولاهما مضمومة، والثانية ساكنة. وتُرسم واوًا لأنها -أي الهمزة الساكنة- تُبْدل مَدًّا من جنس حركة ما قبلها، عملًا بقول (الخلاصة) (1): وَمَدًّا ابْدِلْ ثَانِيَ الهَمْزَيْن مِنْ ... كلمةٍ إِنْ يَسْكُنْ كآثِرْ وائْتُمِنْ (2) [الياء المبدلة من همزة في (ايتونى) المبنى للمعلوم]: وأما إِذا نطقت بالمعلوم وقلتَ: "قد ائْتَمنتُ زَيْدًا" فتكتبه بألف وياء كما في حديث: "إِيتُونىِ بكَتِفٍ أَكْتُبْ لكُم .. إِلخ" (3)، وذلك لأنك تبدأ بهمزة الوصل مكسورة، وتبدل الهمزة الثانية ياءً من جنس حركة ما قبلها، عملًا بقول (الخلاصة) المذكور. فهذه الواو المُبْدلَة من همزة في الأول، والياء المبدلة من همزة في الثاني يُنطق بكل واحدة منهما همزة ساكنة في حال الوصل والدَّرَج. وإذا أُريد الشكل فتُوضع القطعة والجزْمة عليها، لا على ألف الوصل التي قبلها، لأن الشكل تابعٌ للوصل، لا للابتداء والوقْف. ولذلك يُشكل المنوَّن بعلامة التنوين وإن كان يُوقف عليه بالسكون في غير المنصوب وبإِبدال التنوين في المنصوب ألفًا. [اُوبُر، اِيبر (فعل أمر)]: وتقول في فعل الأمر من تأبير النخل (بمعنى تلقيحه وإصلاحه): "أُوبُر النخل" بضم همزة الوصل على لغة من يضم الباء من مضارعه (4). وتقول:
[مجئ الفاء أو الواو قبل (الهمزة من المهموز) أو (الواو من المعتل)]: [فاتوا- وأتوا] [فأتزر]
"ايبر النخل" بكسرها، على لغة من يكسر الباء من مضارعه لأن حركة همزة الوصل تابعة لثالث حرف في غير الفتح، فلذا ضُمَّت الهمزة المذكورة على اللغة الأولى، وكُسِرتْ على اللغة الثانية للقاعدة التي ذكرها ابن الجَزَرِى (1) في قوله: وَابْدَأْ بَهْمزِ الوَصْلِ مِن فِعْل بِضَم ... إِن كَانَ ثَالِثٌ مِنَ الفِعْلِ يُضَمْ وَاكْسَرْهُ حَالَ الكَسْر وَالفَتْح وَفى ... الأَسْمَاءِ غَيْر اللامِ كَسْرُها، وَفِي (2) [اِيجِل، اُيجُل]، [اُيدُد]: وبما تقرر يتبين وَجْهُ قولِ العِزِّى (3) في فصل المعتل: "والأمر من وَجِل يَوْجِل: "ايجل" أصله: "اِوْجل"، قلبت الواو ياءً، لسكونها وانكسار ما قبلها فإِن انضم ما قبلها عادت الواو فتقول: "يا زيدُ اُيجُل"، تُلفظ بالواو وتُكتب بالياء" (4). ثم قال: "وحكم "وَدَّ يَوَدّ" كحكم "عَضَّ يَعَضّ". وتقول في الأمر: "اُيدُد" كاعْضُضْ" اهـ (5). أي أنك تقول في غير الابتداء: "يا صاحب اُيدُد" بالواو: وإن كنت تكتبه بالياء. [مجئ الفاء أو الواو قبل (الهمزة من المهموز) أو (الواو من المعتل)]: [فأْتُوا- وأْتُوا] [فأتَزر] هذا إِذا لم يسبق الهمزة من المهموز أو الواو من المعتل فاءٌ ولا واو. فإِن تقدم عليها أحدهما حُذفت ألف الوصل خطًا من المهموز دون المعتل، وصارت
الهمزة الساكنة متوسطة تنزيلًا، فحينئذ تُكتب ألفًا، لا ياءً ولا واوًا؛ نحو: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ} [القصص: 49] {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]. ومثله "فأتْزَر" (1) فتنطق بالهمزة ساكنةً في الفعل الماضي أو الأمر، وتكتبها الفًا مهموزةً بدون ياء، ولا تُدْغَم الهمزة في التاء كما نص عليه (القاموس) (2) و (الأشمونى) (3). [مجئ "ثمَّ- حتّى" قبل (الهمزة من المهموز) أو (الواو من المعتل)]: وأما إِذا تقدَّمها غير هذين الحرفين مما هو بمنزلة كلمةٍ مستقلة على حرفين فأكثر نحو: "ثُمّ" و "حَتّى": فكما لو لم يتقدمها شىء، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] و"حَتّى ائْتَزَر" و"ثمَّ اؤتُمِنَ"، فتكتب بحركةِ ما قبلها عند الابتداء. والفرق بينهما أن الفاء والواو كجزءِ من الكلمة من حيث إِنه لا يصح الوقف عليهما، ولهذا وُصلت الفاء بما بعدها خطًّا، ولولا المانع الطبيعى من وَصْل الواو بما بعدها لوُصِلت، ولذا يُستَقْبح وضعها في آخر السطر. ومن ثَمَّ وُصلت واو الضمير وألفه بما قبلهما في "رَضُوا" و"رَضِيَا".
[دخول الفاء على همزة الوصل]
[دخول الفاء على همزة الوصل]: وهذا في همزة غير الوصل. أما هى (1) فلا تُحذف عند دخول الفاء عليها نحو: "فاضْرِب"، "فاسْم الله" كما لم تُحذف مع الباء في "باسْمِ الله"، وإنما حُذفت معها في البسملة الشريفة فقط على خلاف القياس لكَثرة الاستعمال على ما يأتى في فصول الحذف إِن شاء الله تعالى (2). [الكتابة باعتبار الوقف]: وأما النظر لاعتبار الوقف ففى كل منقوص مُنَوَّن الأفصح كتابتُه بحذف يائِه، "كقَاضٍ" و"مَاضٍ" و"دَاعٍ" و "سَاعٍ"، لأن الأفصح حذفُها حالَ الوقْفِ لفظًا، وتسكين ما قبلها كما مر عن (الشافية) (3). وتُكتب "بَدْءُ العَيْش" و"رِدءُ (4) الجيْش" و "مِلءُ الخَيْش" (5) بحذف الهمزة خطًّا على المذهب الجارى على لغة التخفيف التي هى الفصحى، لأن الهمزة المتطرفة إِذا سُكّن ما قبلها تَسْقُط لفظًا، فكذا خطًّا ويُسَكِّن ما قبلها، أي يبقى على سكونه أو يُشدَّد، أو تُنقل إِليه حركتها الإِعرابية التي تكون في الوصل والدَّرَج إِن أمكن، كما سيأتى تمامه إِن شاء الله في الحذف (6). [اتصال الضمير بالمهموز الآخر]: فإِن اتصل بالكلمة المهموزة الآخر ما لا يُبدأ به -وهو الضمير المتصل-
[ألف (ابن) في حال الابتداء والوصل]
صارت الهمزة متوسطة، فتُبْدل بحرفٍ من جنس حركتها الإِعرابية؛ فتُكتب واوًا في الرفع، نحو: "هذا جُزْؤُه" و "ذاك رِدْؤُه". وياءً (1) في الجر، نحو: "خُذْه بمَلْئِه". وألفًا في النصب نحو: "عرفتُ بَدْأَه". [ألف (ابن) في حال الابتداء والوصل]: وتُكتب "أنا ابْنُ فلان" بإِثبات ألف "ابن" نظرًا للابتداء، وإن كانت تسقط لفظًا في الوصل والدَّرَج. وبإِبقاء ألف "أنا" المزيدة لإِشباع النون وبيان حركتها نظرًا للوقف مع أنها ساقطة في الوصل، كقول ابن الفارض (2): كل مَن في حِمَاكَ يَهْوَاكَ لَكِن ... أنا وَحْدِى بِكُلّ مَن في حِمَاكَا (3) [المنصوب المنون والتاء التي يوقف عليها]: ولأجل الوقف أيضًا كتبوا المنصوب المنوَّن بالألف، مثل: "رأيتُ زيدًا
[قاعدة جامعة في الفصل والوصل]
قاضيًا". وكتبوا التاء التي يُوقف عليها بالهاء هاءً، نحو "نِعْمة" و"رَحْمة" حتى لا يجوز نقطها إِذا وقعت في شعر أو سجع ولو كان ذلك في حديث كما قاله النووى (1) في (شرح مسلم) (2). ونَقْطُها في غير ذلك إِنما هو بالنظر للوصل. كما أن شكل المنصوب المنوّن بعلامة التنوين نظرًا لذلك (3)، وكتابةَ الألف بعده نظرًا للوقف. فمثال ما وقع في صورة الشعر ما تمثل به عليه الصلاة والسلام من قول شاعره ابن رَوَاحَة (4) رضي الله عنه كما في (البخاري): لا هُمَّ إِنّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِره ... فأَصْلح الأَنصَارَ والمهاجِرَهْ (5) [قاعدة جامعة في الفصل والوصل]: والحاصل أن كل كلمة لا يصح الوقْفُ عليها تُوصل بما بعدها، وكل كلمة
[وصل الكلمة التي على حرف واحد وضعا أو عروضا]
لا يصح الابتداء بها تُوصل بما قبلها. فمن فروع الكلمة الأولى: المركَّبات المزْجيَّة كما مرَّ وسيأتى أيضًا (1). [وصل الكلمة التي على حرف واحد وضعًا أو عَروضًا]: [1 - الكلمة التي على حرف واحد وضعًا]: ومنها كل كلمة كانت على حرفٍ واحد وَضْعًا أو عَرُوضًا، مثل "الباء" و"التاء" في القسم، أو الداخلة على المضارع، و "السين"، و"الفاء" و "الكاف" و "اللام" المكسورة أو المفتوحة للابتداء أو الاستغاثة أو التعجب أو المُوَطّئَة للقسم، نحو: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: 149] {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: 4] وكحديث: "لَلهُ أَرْحَمُ بِالمؤْمِنِ مِن هَذِهِ بِوَلَدِها" (2)، وكقوله عليه السلام لأبي مسعود (3) لما ضَرَب مملوكه: "لَلَهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنكَ عَلَيْه" (4) كما رواه صاحب (الهَمْع) في اسم التفضيل (5) وكقولهم: "يا للمهاجرين" و "يا للأنصار"، و"يا لَطىّ"، كما في (يائيّة)
[دخول اللام على ما أوله لام (لله- للهو)]
ابن الفارض (1). [دخول اللام على ما أوله لام (لِلّه- لِلَّهو)]: وفي كلمة "لِلَه" ونحوه من كل اسم أوله لام -"كاللَّهو"، و"اللَّعب" و "اللَّفظ"- إذا دخلت عليه اللام: تُوصل اللام باللام، وتُحذف ألف "أَل"، ويُحذف معها إِحدى اللامات كما يأتى في باب الحذف إِن شاء الله (2). وبه يُلغز فيقال: ما اسم رباعىُّ الحروف دخلتْ عليه لامٌ فُحذِف منه لأجلها حرفان، فإِذا أُسقطت اللام رجعا؟ وقد اتصل في نحو: "لِلَّهو" ثلاث كلمات. وقد تتصل خمس في لفظة كما سبق ذلك في {فَسَيَكْفِيكَهُمُ} (3). وهذا بخلاف "الباء" و"الفاء" و"الكاف" ونحوها إِذا دخلت على ما أوله "أن"، فلا تُحذف الألف، بل تُوصل بالحرف قبلها نحو: "فالأَرْضُ بِالبَدْرِ كَالسَّماء". هذا، وما سبق من الحروف أمثلة لما كان على حرفٍ واحد وَضْعًا. [2 - الكلمة التي على حرف واحد عرضًا]: [دخول (مِنْ) على ما أوله (أل) أو (أم) الحميرية]: ومثال ما صارت الكلمة فيه على حرف واحد عرضًا: كلمة "مِن" إِذا دخلت على ما أوله "أَل" أو "أَم" على لغة حِمْيَر، فإِن النون تُحذف تخفيضًا، وتُوصل الميم خَطًّا باللام أو الميم الحِمْيَرِيَّة، كقوله:
*وما أَبْقَت الأَيَّامُ مِلمَالِ عِنَدنَا (1) * أصله: "مِنَ المال". وكقوله: * أَشْهَدُ أَنَّ أُمَّكَ مِلْبَغَايا (2) * أي: مِن البغايا، وهن الزوانى. وكقول الزين العراقى (3) في (ألفية غريب القرآن) (4) في تفسير الأصيل: "مِلعَصْر لِلمغْرِب". وكقوله عليه السلام فيما كتبه للِحْميَرِييَن على لغتهم كما في (المواهب): "وَمَن زَنَى مِمْبِكْرِ فَاصْقَعوهُ مِائَةً، واسْتَوفضُوهُ عامًا. وَمَن زَنَى مِمْثَيّبِ فَضَرِّجُوهُ بالأضَامِيم" (5)، يعني: من البكر، ومن الثيب، فقد وَصَل الميم الجارة بعد حَذْفِ نونها بالميم التعريفية على لغتهم: ولهذا لم يُنوَّن مدخولها. وكقول الشاعر:
[دخول (من- عن) على (ما- من)]
* لأَنَّهما مِلآنِ لَمْ يَتغَيَّرا (1) * أي: "مِن الآن"، كما في رسالة (مُوقِد الأَذْهان) (2)، وكذلك (الهَمْع) (3)، ذكره في فصل التقاء الساكنين. [دخول (مِن- عَن) على (ما- مِن)]: وكذا إِذا دخلت "مِن" أو "عَن" على كلمة "ما" أو "مِن" فتكتب: "مِمَّا" و "عَمَّا"، و"مِمَّن" و"عَمَّن" متصلات، لحذف النون خطًّا ولفظًا بالإِدغام. فإِن كانت "ما" استفهامية حُذفت ألفها أيضًا، وصار كلٌّ من الكلمتين على حرفٍ واحدٍ عروضًا. دخول (على) على (أل): ومثلهما "عَلَى" إِذا دخلت على "الـ"، كقوله: *غدَاةَ طَغَتْ عَلمَاءِ بَكْرُ بُنُ وَائِلِ (4) * أي: على الماء.
[إِضافة (بنون) إِلى ما أوله (أل) بلْعنبر- بَلْحارث]: ومثلهما مِن الأسماء "بَنون" جمع "ابْن" إِذا أضيف إِلى ما أَوَّلُه "الـ"، كقولهم في بني العَنْبر وبنى الحارِث وبنى الجَعْراء وبنى القَيْن: "بَلْعَنْبَر" و"بَلحَرِث" و"بَلجَعْرا" و"بَلقَيْن" كما ذكرناه في (رسالتنا) التي وضعناها لمعرفة اصطلاحات (القاموس)، فقد اقتصروا على الباء المفتوحة من الكلمة الأولى من المتضايفين، وحذفوا ما بعدها شُذُوذًا، تخفيفًا لطول الكلام. وأما ما قاله السَّخَاوى (1) وقلَّده الأمير (2) في (حاشية الشُّذُور) (3) من قوله: حَقُّ "بَلْحَارِث" أن يُكتب بألف قبل اللام كما فَعَل مِثْلَ ذلك الزَّمَخْشَرِىّ (4) في قوله:
فصل الموصول ووصل المفصول للإلغاز والتعمية
*طَفَتْ عَلماء ِغرلة خالد (1) * أي: على الماء" اهـ. (2): فهو مردود بَخْوف الالتباس بالباء الجارّة إِذا دخلت على "الحارث"، فلهذا لا تراه ولا نظائره في خطّ أحدٍ من المؤلفين (كالقاموس) وشُرَّاح (الحماسة) ودواوين الأدب وغيرها- مكتوبًا بألف أصلًا، ولَوْ لاحَظَ الدَّاعِى لحذْفِ النونِ لم يَدَّعِ أَن حقَّه إِثباتُ الألف. فصل الموصول ووصل المفصول للإلغاز والتعمية: هذا، وقد تكون الأُولى على حرفٍ واحد وَضْعًا وتُكتب مفصولة لقصد الإِلغاز. كقوله: * جَاءَك سَلمانَ أبو هَاشِما* فإِن اللفظ "كسلمانَ" لكنه قُطع للتعمية كما في (موقِد الأذهان) (3). كما أن بعكس ذلك كلمة "بَلْ" إِذا دخلت على ما أَوَّلُه راء وقُصِد الإِلغاز
[الأمر من اللفيف المفروق (فه- قه- عه)]
تُحذف لامها، لإِدغامها في الراء، وتُوصل الباء بالراء، كما في قوله: عَافَتِ الماءَ فى الشِّتاءِ فقُلنا ... بَرّدِيِه تُصادِفِيهِ سَخِينًا (1) قال في (المزْهر) (2): "وهذا البيت من أبيات المعانى، والأصل: "بَلْ ردِيه"، فِعُل أمر من "الوُرود"، وليس من التَّبْرِيد". ومثله قول الشاعر: لَن - مارأَيْتُ أَبا يزيد مُقَاتِلا ... أَدَعَ القِتَالَ وأَشْهَدَ الهَيْجاءَ (3) فإِن الأصل والمعنى: لن أدعَ القتالَ وشهودَ الهيجاءِ مُدَّةَ رؤيتى أبا يزيد يقاتل. فإِنه عند قَصْد التعمية يُكتب: "لَمّا رأيت" بوصْلِ "ما" باللام، وحَذْفِ النون للإِدغام في الميم لتقاربهما مَخْرجًا. ويُقال: أين جواب "لَمَّا"؟ وبِمَ انتصب "أَدَعَ"؟ فالفصل في البيت الأول، والوصل في الآخرين على خلاف القياس في كل منهما. لكن سوَّغه قصد التعمية، فهذا مقصور على تلك الحالة، لا يجوز في غيرها. [الأمر من اللفيف المفروق (فِهْ- قِهْ- عِهْ)]: وقد تصير الكلمة الأولى على حرف، ولا يقتضى ذلك جواز وصل ما
بعدها بها إِذا لم يُوجد مُسَوّغ لوصله، وذلك في الأمر من اللفيف المفروق، مثل: "فِه" و"عِه" و"قِه" و"لِه" خطًّا بالمذكَّر، من: "الوَفَاء" و"الوَعْى" و"الوِقَاية" و"الوَلْى"، فلا يُوصل هذا الفعل بمفعول الظاهر، نحو "فِهْ الكوزَ شرابًا"، و"قِهْ نفسَك"، و"عِهْ الكِتابَ"، و"لِهْ الأَمْر". ولكن لمَّا لم يكن من أصولهم في الكلمة التي على حرفٍ واحد وَضْعًا أو عَروُضًا أن تُكتب مفصولة عما يَتَّصل بها: زادوا "هاء السكت" خطًّا، نظرًا لحالة الوقْف عليها، لأنه لا يُوقف على متحرك، مع أن تحريكه واجبٌ لكونه مبدوءًا به، ولا يُوقف على مثل ذلك فتُكتب الهاء لابتناء الكتابة على تقدير الوقف والابتداء، وإن كانت تَسْقُط وَصْلًا. ومن ذلك قوله كما في (الأشمونى) (1): فِهْ بالعقُودِ وَبِالأَيْمانِ لاسِيَمَا ... عَقْدٌ وَفَاءٌ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ القُرَبِ (2) "قال الدمامينى (3) والشُّمُنِّى (4): فهذه الهاء التي في قوله: "فِه" ينطق بها
[وصل أمر اللفيف بالضمير ونون التوكيد]
وقفًا، وتكتب ولا ينطق بها وصلًا (1). قال الصَّبَّان (2): وهلا جاز النطق بها وصلًا إِجراءً للوصل مجرى الوقف" (3). [وصل أمر اللفيف بالضمير ونون التوكيد]: فإِن كان هناك مُسّوغٌ لوصل ما بعد هذا الحرف به؛ بأن كانت الكلمة الثانية ضميرًا، أو نون توكيد: وُصِلَت بهذا الفعل الذي على حرفٍ كما تُوصل بالذي على أكثر، من حيث إِنه لا يصح الابتداء بالضمير المتصل، سواء كان على حرف، نحو: "قِهِ" و"عهِ" و"له" و"ضَرَبَه"، أو على أكثر، نحو قوله تعالى: {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7]، {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 9]. يقول الفقير: لعل النحاة لاحظوا ذلك عند تسميتهم له بالضمير المتصل وتعريفهم له بأنه: "ما لا يصح الابتداء به"، وتعريفهم للمنفصل بأنه: "ما يصح الابتداء به" ولذلك لا يُوصل المنفصل بفعله في الخط أصلًا، بل يجب فصله.
[ما يتصل بالفعل من الضمائر]
[ما يتصل بالفعل من الضمائر]: وقد يتصل بالفعل ضميران؛ أحدهما على حرف، والثاني كذلك، أو على أكثر مثل: "قُتُّه" و "قُتُّهم" (من القُوت) و"ضَرَبْتُه" و"ضَرَبْتُهم" فقد اتصل في المثال الأول ثلاث كلمات في ثلاثة أحرف كما سبق (1). وقد يتصل به ثلاث ضمائر، مثل "عَرَّفْتُكَها"، و "قد أَلْزَمْتُكَها"، فيكون المتصل في ذلك أربع كلمات. وقد يكون المتصل خطًّا خمس كلمات كما سبق في "فَسَيَكْفِيكَهم" (2). وقد يتصل سِتُّ كلماتٍ في تسعة أحرف أو عشرة، كأن تقول: "فَلَنُفْهِمَنَّكَهُ"، أوَ تقول لمستحق النار: "فَلَيُصْلِيَنَّكَهَا". [اتصال (أل) بما بعدها]: ويُلحق بما هو على حرف واحد "أل" أو بدلها "أَم"، سواء كانت "أل" مُعَرِّفة "كالرَّجُل". أو موصولة "كالأَعْلى". أو زائدة كالتي في قوله: * رَأَيْتُ الوَلِيْدَ بْنَ اليزِيدِ مُبَاركًا (3) * فتُوصل بما قبلها من الحروف المفردة كالباء والكاف واللام. ولكن لا تسقط ألفها إِلا مع اللام. [اتصال (أل) بالفعل]: ويُوصل بها ما بعدها، سواء كان اسمًا كالأمثلة المتقدمة، أو فعلًا وإن كان
قليلًا، كقول الفرزدق (1) للأعرابي الذي هجاه وهجا الأخطل (2)، وفضَّل جريرًا (3) عليهما في مجلس عبد الملك بن مروان (4) كما نُقل عن
(شواهد العيني) (1): مَا أَنتَ بِالحَكَم الْترْضَى حُكُومَتُهُ ... ولا الأَصِيلِ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالجَدَلِ (2) ومثله قول كُتّاب الحسابات بمصر آخر تفاصيل الحساب: "اليكون كذا وكذا"، بمعنى مجموع الأعداد وجملتها التي كانت تُسمَّي عند قدماء الكُتَّاب "بالفَذْلَكَة"، بمعنى جملة الأعداد أو الأشياء، كلمة مخترعة من قولهم عند تمام الحساب: "فذلك كذا وكذا" ثم صارت تُستعمل بمعنى نتيجة الشيء وجملته، وهي من المولدات وإن ذكرها
[اتصال (أل) بلا النافية]
في (القاموس) (1). [اتصال (أل) بلا النافية]: هذا، وقد أَدْخلوا كلمة "الـ" على "لا" التي هي حرف نفي، كقول المناطقة: الوقوع واللا وقوع، والمائي واللامائي. [اتصال (أل) بالحرف (أم) الحميرية]: ومن أمثلة "أَم" الحِمْيَرِيَّة غير ما سبق: ما اشتهر في حديث: "إِنْ مِنَ امْبِرِ امْصِيام في امْسَفَر" (2) فالصيام في الحديث غير مُنَوَّن لدخول أداة التعريف عليه كما مر في قوله: "ومَن زَنَى مِمْبِكْر ... ومَن زَنى مِمْثَيّب ... " (3). ومثله قولهم: "طَابَ امْهَوَاءُ"، أي: الهواء. فلا توصل الميم بالباء من الفعل. فما رأيته في بعض نسخ (الدُّرَّة) هكذا: "طَابَمْ هَوَاء" خَطَأٌ ولحن في قياس الكتابة (4) وإنما الوصل بالسابق خاصٌ بـ "مِن" و "عَن" إِذا خُذفت نونهما كما في حديث: "ومَن زَنَى مِمْبِكْر ... إِلخ". * ما يوصل بما قبله (الضمائر البارزة المتصلة): وقد عرفتَ مما تقدم أمثلة الكلمة الثانية التي لا يصح الابتداء بها، وهي
[انفصال الأسماء الظاهرة]
الضمائر البارزة المتصلة (1)، فتُوصل بما قبلها إِذا كانت مستعملة في موضوعها، سواء كانت على حرف أو أكثر ولو تعددت الضمائر كما في: "فَسَيَكْفِيكَهُم" و"أَرَانِيهم" و"أَفَنُلْزِمُكُموها" وسواء كان الضمير في محل رفع فاعلًا، أو في محل نصب مفعولًا، أو في محل جرٍ مضافًا أو مجرورًا بحرف، نحو: "لَعَنَهُمُ الله لِقُبِحِهم"، "فَلَعَلَّكُم بَعُدتُم عَنْهُم". [انفصال الأسماء الظاهرة]: وخرج بالضمائر الأسماء الظاهرة، فلا تُوصل بشيء من الأفعال أو الأسماء أو الحروف التي على أكثر من حرف، بل يجب فصلها على الأصل، فلا تكتب "عَن قَريب" متصلة كما في كتابة التُّرْك، ولا تُكتب "عَسَل نَحْل" متصلة كما يكتبها كَتَبةُ الدواوين وكذلك قولهم: "تَحْتَ يَد فُلان"، أو "عَلَى يَدِ" أو "عَن يَدِ فُلان" بخلاف نحو: "بَعْلَبَكّ" و"حَبْقُرّ" و "عَبْقُرّ" (2) و "حَبَّذَا"، لأن هذه مُركَّبات مَزْج صارت الكلمتان فيها بمنزلة كلمة واحدة، فلا تُفصل من بعضها. ومن الغلط أن يُكتب "إِن شَاءَ الله" بوصل الفعل بالحرف فيلتبس بالفعل الماضي من "الإِنشاء" (3)، أو بالمصدر المضاف للجلالة مثلًا (4). [فصل الضمائر المنفصلة ووصلها]: وخرج بالضمائر المتصلة الضمائر المنفصلة، وهي التي يصح الابتداء بها
[فصل الضمير عما قبله إذا قصد به لفظه]
كما مرَّ، فلا تُوصل بشيء غير "الفاء" و"لام" الابتداء مما لا يُوصل بالأسماء الظاهرة نحو: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (1) [الفرقان: 44] فالضمير فيهما منفصل فتقول: "هُمْ كالأنْعَامِ، وهُمْ أَضَلّ" بخلاف الضمير في نحو: "إِنَّهُم كَفَروا" فإِنه معمول لـ "أن" الناصبة للأسماء. وكذا يُقال في قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] و {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} [غافر: 16] بخلاف {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [المعارج: 42] و {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور: 45] كما في شيخ الإِسلام على (الجَزَرِيَّة) قال: "لأن "هُمْ" مجرور، فالمناسب الوصل" (2). وأما "الفاء" و "لام" الابتداء نحو: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات: 60] فيُوصل بها الضمير المنفصل. [فَصْل الضمير عما قبله إذا قُصِد به لفظُه]: وخرج (بالمستعملة ... إِلخ) ما إِذا قُصد بالضمير لفظه، فلا يُوصل بما قبله مما لا يُوصل بالأسماء الظاهرة، لأنه صار مثلها، كقول الحريري (3) في (الدُّرَّة) (4): "وإنما اختاروا "ها" في الضمير الراجع للعدد الكثير عن "هُنّ" واختاروا "هُنّ" عن "ها" في القليل أَخْذًا من آية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] إِلى أن قال: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثم قال: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]. كما أن الحروف إِذا قُصد لفظها تصير من قَبِيل الأسماء الظاهرة، فلا تُوصل
[وصل الكلمة الثانية التي على حرف واحد عارضا]
إِلا بما يُوصل به الاسم المذكور. فمن ذلك قول (الخلاصة) (1): *واللام -إن قدمت هَا- مُمْتَنِعة (2) * وكقولهم: تكتب "ها" موصولة بـ "ذَا" الإِشارية لحذف ألف "ها" ما لم يكن بعد "ذَا" كَافٌ، وإلا فُصلت "ذا" من "ها" بأن قيل: "ها ذاك". [وصل الكلمة الثانية التي على حرف واحد عارضًا]: [وصل (ما) الاستفهامية إِذا دخل عليها حرف جر]: ومثال ما إِذا صارت الكلمة الثانية على حرفٍ واحد عارضًا: كلمة "ما" الاستفهامية إِذا دخل عليها حرفُ جرٍ من السبعة التي هي: "مِن" و"إِلى" و "عَن" و"عَلَى" و "في" و"اللام" و"حَتّى"؛ نحو: "مِمَّ" و"عَمّ" و"فِيَم" و"لِمَ" و"إِلامَ" و"عَلامَ" و"حَتَّامَ" وفي الأولين صار كل من الكلمة الأولى والثانية على حرف، لحذف نون "مِن" و"عَن"، ولأجل الوصل في "إِلى" و "عَلَى" و"حَتّى" رجعت الياءُ ألفًا لتوسُّطها. كما تُكتب "حَتَّى" بالألف إِذا اتصل بها ضمير نحو: "حَتَّاكَ" و "حَتَّاهُ" و"حَتَّايَ". ومعنى الوصل في هذه الثلاثة صَيْرورة الكلمتين بمنزلة كلمةٍ واحدة في حَشْوها ألف مثل: "سَحَاب" و"خَلاق" و "عَلام". فإِن وُصلت الاستفهامية بهاء السَّكْت رجعت الياء كما تُرجع النون إِن أردتَ في: "مِن مَّهْ" و"عَن مَّهْ" كما قاله في (الشافية) (3). [ما يجب وصله من الكلمات لوجود مقتضييْن]: وقد يجتمع المقتضيان اللذان هما: أن لا يصح الوقف على الأُولى، ولا الابتداء بالثانية؛ بأن تكون كل واحدةٍ منهما على حرفٍ واحد وَضْعًا فيهما
[الوصل والفصل في المركبات المزجية (بعلبك- معد يكرب)]
مثل "به" و "له" أو عَروضًا فيهما، مثل: "مِمَّ" و"عَمَّ" أو وَضْعًا في الأُولى وعروضًا في الثانية نحو: "بِمَ" و "لِمَ". أو بالعكس نحو: "قِهِ" و"عِهْ" بضمير المفعول ساكنًا أو متحركًا باختلاس أو إِشباع. [الوصل والفصل في المركبات المزجية (بعلبّك -معد يكرب)]: أو بأن تكون اللفظة مركبة مَزْجيًّا "كبَعْلَبَّك"، فلا يجوز فيها الفصل لاختلاف المعنى بفصلها. فجعلوا الوصل في "بَعْلَبَّك" (1) (اسم البلدة بالشام) للتمييز بينه وبين "بعل" -اسم الصنم المضاف إِلى صاحب البلد المسمى "بك" ولهذا في (الكليات): (2) "كأَيِّن" التي بمعنى "كَمْ" من ذلك تُكتب بالنون للفصل بين المركَّبة وغير المركبة مثل: "رأيت رجلًا لا كَأَيِ رجلٍ يكون". وكما يُكتب "مَعْدِ يكَرِب" و"بَعْلَبَّك" موصولًا. وكما تُكتب "ثَمَّةَ" الظرفية بالهاء فَرْقًا بينها وبين "ثُمَّتْ" (3) العاطفة". لكن في (حواشي) الفَارِ سْكُورى (4) على (نظمه) لـ (جَمْع الجوامع (5)) وجهٌ لفصل "مَعْدِي كَرِب" عند قوله:
[الوصل في الظروف المضافة إلى (إذ) المنونة يومئذ وما يشبهها]
ويُوصَلُ الذِي بِمَزْحٍ رُكِّبا ... قُلْتُ: لُزُومًا لا كَمَعْدِي كَرِبا (1) وذلك لأنه تارة يُعرب إِعراب المزْجِي ممنوعًا من الصرف، وهو الأفصح، وتارة إِعراب المتضايفَين، فُيضاف الجزء الأول للثاني، ويكون الإِعراب مُقَدَّرًا على آخر الجزء الأول، وهو الياء في الأحوال الثلاثة، والجزء الثاني يُجر بالكسرة ويُنوَّن على المشهور. وأما ظهور الفتحة حالة النصب على الياء -نحو: "رأيتُ مَعْدِي كَربِ" فخلاف المشهور. وهذا هو ثاني الأوجه الثلاثة في إِعرابه التي ذكرها مُحشِّي (الأزهرية) عند الكلام على المركَّب المزْجِي. قال الفَارِسْكورِي (2): "فإِذا أُعرِب صدره فُصل خطًّا فيما يظهر، وإن لم أَرَهُ مُصَّرحًا به عن أحد، ولعلنا نُزَاد فيه عِلْمًا أو نجد فيه نَقْلًا" اهـ. [الوصل في الظروف المضافة إِلى (إِذٍ) المنوَّنة يومئذٍ وما يشبهها]: ومما يشبه المركَّبات المزْجية وإن كان تركيبها إِضافيًا: "يَوْمِئذٍ" و "حِينَئِذٍ" ونحوهما من الظروف المضافة إِلى "إِذٍ" المنونة تنوين عِوَض عن جملة مثل: "وَقْتَئِذٍ" و "لَيْلَتَئِذٍ" و "صَبِيحَتَئِذٍ" و "سَاعَتَئِذٍ" و "قَبْلَئِذٍ" ولذلك تكتب همزة "إِذٍ" بالياء لتوسطها مكسورة. فإِن لم تُنون "إِذ" -بأن ذُكرت الجملة المحذوفة المعَوَّض عنها بأن قيل: "حِينَ إِذْ كان كذا"- لم يصح الوصل، لزوال المقتضي، وإن لم أر من نَبَّه عليه. [وصل المركبات العددية مع (مائة)]: وأما المركَّبات العددية فهي -وإن عَدُّوها من المركَّب المزْجِي في بعض أبواب-
[أمثلة للمركب المزجي (المركبات الدخيلة)]
لكن لا يُوصل منها إلا ما رُكّب مع "مِائَة"، بأن قيل "ثَلَثمائة" و"سِتُّمِائة" وغيرهما من الآحاد المضافة إِلى "مائة"، وإن قَصَر في (الدُّرَّة) الوصْلَ على "ثلاث" و"ست"، قال: "لأنهم لما حذفوا الألف من "ثلاث" جبروها بالوصل. وكذلك "الست" فيها نَقْصٌ، إِذْ أصلها: "سدس" (1). وغير الحريري (2) يجعل الوصل عامًا فيما بعد "الثلاث" إِلى "التِّسْع". ويقول الفقير: لعل ذلك للتخفيف، وللتمييز بين إِضافة الآحاد إِلى "المِائة" فتُوصل بها، وبين إِضافة الكسور إِليها فتُفصل منها. مثلًا: "خَمْسُمِائة" و "سَبْعِمائة" و"ثَمنَمِائة" المفتوحة الأوائل تُوصل، بخلاف المضمومة الأوائل من "خُمْس مِائة" و"سُبْع مِائة" و"ثُمْن مائة"، وإن كانت نادرة الاستعمال. [أمثلة للمركب المزجي (المركبات الدخيلة)]: ثم أقول أيضًا: مثل بَعْلَبَّك من المركبات المزْجية في أسماء الناس أو البلاد أو مطلقًا "طُغْرُلْبَك" و"سُبُكْتِكِين" و"باَبِشَاد" و"قَاضِيخَان" و"سكباج" و "خُشْكَنَان" (3) و"كليكَرب" و"كيقباد" و"سكَنْجَبِين " و"ترنجبين" و "كسبند" و"دَسْتَبَنْد" (4) و"عَيْنَتَاب" و"دَارَ بْجِرْد" و"أَلبأَرْسلان" و " بُخْتَنَصَّر" و"شَهِنْشَاه"،، وأصله: "شاهان شاه"، بمعنى ملك الملوك، على قاعدة العَجَم من تقديم المضاف إِليه على المضاف كالصفة على الموصوف غالبًا.
وبالجملة، فالمركَّبات الدخيلة في اللغة العربية كثيرة. قال الشهاب الخفاجي (1) في مقدمة كتابه (شفاء الغَلِيل فيما في لغة العرب من الدَّخيل): "واعلم أن المعَرَّب إِذا كان مُركَّبًا أُبقي على حاله؛ لأنه سماعى، فلا يجوز استعمال أحد أجزائه "كشَهِنْشَاه"، ولذا خُطِىء من عَرَّب "شاه" وحده، كقول بعض المولَّدين: (رَبّما قَمَرَتْ بالبَيْدَقِ الشَّاهُ) بالهاء أو بالتاء" اهـ (2). والحاصل أن من الكلمات ما يجب وصلها لمقتضٍ، وأنه لا تجوز مخالفة القياس وصلًا أو فصلًا إِلا لداعٍ مقبول، كالإِلغاز بالوصل وضده. أو لمسوغ؛ بأن يكون في الكلمة وجهان، كما في "مَعْدِى كَرِب" وكما إِذا كانت مُحتملَة لمعنيين يلزم لأحدهما الفصل وللآخر الوصل بأن تكون مُحتملةً للزيادة وعدمها. وأما قولهم: "وَيْلُمِّه"- والأصل: "وَيْلٌ لأُمّه"- فالوصل فيه على حسب التلفظ به كما ورد في حديث (3). ولما كانت كلمة "ما" كثيرة التفاصيل أفردناها بفصل مستقل كما صنع في (أدب الكاتب) (4)، وهو هذا.
الفصل الثاني في ما يتعلق بـ "ما" وصلا وفصلا
الفصل الثاني في ما يتعلق بـ "ما" وصلًا وفصلًا [استعمالات (ما) (اسمية - حرفية)]: اعلم أن هذه الكلمة تستعمل على اثنى عشر وجهًا -أي: معنى- ذكرها في (قواعد الإِعراب) (1) نظم السُّنْدُوبي (2) عشرةً منها في قوله: محامل "ما" عَشْرٌ عَلَيْك بِحِفْظِها ... ودُونَكَهَا في ضِمْنِ بَيْتٍ تَقَرَّرا سَتَفْهَمُ شَرْطَ الوَصْلِ فَاعْجَبْ لنْكرِهِ ... بكَفٍّ ونَفْيٍ زِيَد هَيَّأْتَ مَصْدرا فيُعْزى إِلى الأسْماءِ شَطرُ أَوَائلٍ ... وآخِرُ شَطْرٍ مهُ حَرْفٌ كَما تَرَى يعني أنها تنقسم تقسيمًا أوليًا إِلى قسمين: اسمية وحرفية. ثم تنقسم الاسمية إِلى خمسة: استفهامية وشرطية وموصولة وتعجبية ونكرة. والحرفية إِلى خمسة أيضًا: كافة ونافية وزائدة ومُهيئة ومَصْدرية.
[أولا: أحوال (ما) الاسمية وصلا وفصلا]
[أولًا: أحوال (ما) الاسمية وصلًا وفصلًا]: [1] فالاستفهامية: توصل بحرف الجر كما سبق. وبالاسم المضاف إِليه كقول (الخلاصة) *"اقْتِضَاءَ مَ اقْتَضى" (1) * وكأن تقول: بِمُقْتَضا مَ فَعَلتَ كذا. [2] والشرطية: لها الصدارة، كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إليكُمْ} (2) فلا يتقدم عليها ما تُوصل بها. [3] وكذا التعجبية، نحو: "ما أَحْسَنَ هَذَا الكَلامَ". [4]، [5] وأما الموصولة والنكرة الموصوفة فلا يوصلان بغير "مِن" و"عَن" و"في". فالأُولى هى التي تكون بمعنى "الَّذى" والثانية بمعنى "شَىء"؛ مثالهما: "إِنَّ ما قُلْتُه مَليحٌ" و"كلُّ مَا صَنَعْتُ عَجَبٌ" و"رُبَّ مَا مُعْجب لك مَذْمُومٌ عند غيرك"، وقول الشاعر: رُبَّ مَا تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأمـ ... ـر لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلّ العِقَالِ. (3)
قال الصَّبَّان (1) في باب الموصول: "يجب فصل "رُبَّ" من "ما"؛ لأن الذي يُوصل برُبَّ "ما" الكافَّة، و"ما" هنا نكرة موصوفة بالجملة بعدها" (2)، ثم نقل عن (المغنى) تجويز كونها كافَّة (3). وعليه يجوز وصلها وكذلك قوله: رُبَّ ما الجَامِلُ المؤَبَّلُ فِيهِمْ ... وَعَنَاجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ (4) قال الصبان (5) في باب حروف الجر: "ما" هنا نكرة موصوفة فتُقطع عن "رُبَّ" (6). قال صاحب (الكليات) [صفحة 335] (7) نقلًا عن (الإِتقان للسيوطى):
"وقد تقع "ما" في الكلام مُحتملةً للموصولية والاستفهامية والمصدرية؛ بأن وقعت بين فعلين سابقهما عِلْم أو دِراية أو نَظَر (1). وحيث وقعت "ما" قبل "ليس" أو "لا" أو "لَمْ"، أو بعد "إلا" فهي موصولة (2). وحيث وقعت بعد "كاف" التشبيه فهي مصدرية. وحيث وقعت بعد "الباء" فإِنها تحتملهما (3). وكلُّ موضع وقعت فيه "ما" قبل "إِلا" فهي نافية إِلا في [13] موضعًا في القرآن فانظرها في (الإِتقان) (4) أو في
[ثانيا: أحوال (ما) الحرفية وصلا وفصلا]
(الجمل) (1) آخر المائدة. [ثانيًا: أحوال (ما) الحرفية وصلًا وفصلًا]: وأما الحرفية فمنها: [1] النافية: كقول مادحه عليه السلام: جِيمٌ جميعُ الخلْقِ تَشْهدُ أنَّ ما ... عمَّ الوَرَى إِلا نَوَالُ محمَّد (2) فـ "ما" هنا نافية لا تُوصل بما قبلها لِمَا علمتَه قريبًا مما نُقل عن (الإِتقان). ومنها: [2] الكافَّة: وهي على [3] أقسام: القسم الأول: الكافَّة عن عمل الرفع، وعن طلب الفعل فاعلا، وهي المتصلة بـ "طَالَ" و"قَلَّ" و"جَلّ" و"كَثُر"، كقوله: يا ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَما عَصَيْكَا ... وطَالَمَا عَنَيْتَنَا إِلَيْكَا (3) وقول الشاعر: صَدَدْتِ فَأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وَقلَّما ... وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصدود يدوم (4)
وقول الآخر: يا جَلَّ ما بَعُدَتْ عَلَيْكَ ديارُنا ... فَابْرقْ بأَرْضِكَ ما بدا لَك وارْعُدِ (1) قال في (الهَمْع) (2): "وجرى ابن دُرُسْتَوْيه (3) والزَّنْجانى (4) على عدم وَصْل "قَلَّما" والأصح الوصل" اهـ. وقال الكَافَيَجِى (5) في (شرح القواعد): "إِن جُعلتْ "ما" كافَّة وُصلت، وإن لم تكن كافة فُصلت، نحو: "قَلَّ ما يقوم زيد"؛ أي: قَلَّ قيامه" اهـ (6).
ويظهر لي أن فَصْل "جُلّ ما" أوْلى، لقلّة اشتهارها. والقسم الثاني: الكافّة عن عمل النصب والرفع؛ وذلك مع "إِنّ" وأخواتها، نحو: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [سورة النساء: 171] و {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6]، وقول امرئ القَيْس (1). * ولكِنّما أَسْعَى لمِجْدٍ مُؤَثَّلٍ (2) * وقول الآخر: أَعِدْ نَظرًا يا عَبْدَ قَيْسٍ لَعَلَّما ... أَضَاءَتْ لَكَ النَّارُ الحمَارَ المُقَيَّدَا (3) وقول الزَّرْقاء (4):
* ألا لَيْتَما هَذَا الحَمَامَ لَنَا (1) * بخلاف قوله: فَوَاللَّهِ مَا فَارَقْتُكُمْ قَاليًا لكُمْ ... وَلكن مَا يُقْضَى فَسَوفُ يَكُونُ (2) فهي هنا موصولة، ولذا فُصلت. وكذا في قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام: 134] بخلافها في: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات: 5]، فإِنها حَرْفية، لا اسمية على ما يأتى (3). والقسم الثالث: الكافّة عن عمل الجر، وهي المتصلة بحروفه؛ وهي: "الباء" و"رُبَّ" و"الكاف"؛ مثل قوله: * كما سَيْفُ عمرٍو لم تَخُنْهُ المضارب (4) * أو بالظروف (5)، نحو "بَيْن" و"قَبْل" و"بَعْد".
[وصل (ما) الزائدة بأدوات الشرط والنصب إذا وقعت بعدها]
ومن الحرفية أيضًا: [3] الزائدة: وهي التي تقع بين المجرور والجار، نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آل عمران: 159] {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} [النساء: 13] أو بين المتضافَيْن، كقول ابن قتادة (1) لسيدنا عُمر بن عبد العزيز (2) رضي الله عنهما كما في (المواهب) (3): أَنا ابْنُ الذِى سَالتْ (4) على الخَدّ عَيْنُه ... فَرُدَّتْ بكفّ المصطفى أَيَّما رَدِّ وعَادتْ كَما كَانتْ لأَوَّل أَمْرهَا ... فَيَا حُسْنَما عَيْنٍ وَيا حُسْنَما (5) خَدِّ [وصل (ما) الزائدة بأدوات الشَرط وَالنصب إِذا وقعت بعدها]: وكذا التي تقع بعد أدوات الشرط وبعد أدوات النصب فتوصل بها:
[(أ) أدوات الشرط (إن -أي -أين)]
[(أ) أدوات الشرط (إِنْ -أيْ -أين)]: فمن الأولى (1): (إِنْ)، كقوله تعالي: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف:200] الآية: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الأصل -والله أعلم-: "وإنْ تَخَافَنّ" و"إِن يِنْزَغَنَّك" زِيدت "ما" للتوكيد، فصارت: "وإن ما" ولذلك يُؤكد الفعل بعدها بنون التوكيد، ثم أُدغمت النون في الميم، وحُذفت خطًّا، ووُصلتْ الألف بالميم كما وُصلت "مِن" و"عَن" بـ "ما" وقيل: "مِمَّا" و"عَمَّا". فمعنى الوصل هنا حَذْف النون وصَيْرورة الحرفين مثل كلمة "إِمَّا" العاطفة في قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمَّد: 4] ومثل ذلك قوله: وَطَرْفُكَ إِمَّا جِئْتَنَا فَاحْبِسَنَّهُ كما ... يحسبوا أَنّ الهَوَى حَيْثُ تَنظُرُ (2) ومثله قولهم: "افْعَلْ هَذَا إِمَّا لا، أو قولهم: "إمَّا لا فافْعَلْ هذا"؛ أي: إِن كنتَ لا تفعل ذاك فافعل هذا. وإنما قلنا: زِيدت "ما" لأن كلمة "ما" الواقعة بعد "إِنْ" الشرطية زائدة كما ذكره في (القواعد) (3). إِلا أنهم تحاشَوْا أن يقولوا في القرآن زائد بإِطلاق تأدُّبًا، بل يُقال: صِلَة أو زائد للتوكيد. ومثل "إِنْ": "أَيّ" مطلقًا؛ شرطية كانت أو استفهامية.
مثال الأولى: قوله عليه السلام: "أَيُّما أمةٍ وَلَدَتْ من سيّدها فهي حُرَّةٌ عَن دُبُرٍ مِنْه" (1). ومثال الاستفهامية قوله: قال لي صِنْوُ الغَزَالِ أَيُّما أَفْتَنْ ... راحُ ريقي أَمْ بناتُ الدنِّ (2) ومثلها أيضًا: "أَيْن" الشرطية، نحو: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] بخلاف "أَيْن" الاستفهامية، نحو: "أَيْنَ ما وَعَدتَنَا به" فلا تُوصل، لأن "ما" اسم موصول، لا حرف زائد. قيل: وكذا "أَي" الاستفهامية لا توصل بها "ما" نحو: "أَي ما عِندك أَحْسن؟ " كما في (الأدب) (3) لما تقدم أن "ما" هنا اسمية، لا زائدة. نعم لا تُوصل بـ"أَيَّان" وإِن لم يُنبّهوا عليه في قوله: *أَيّانَ ما تَعْدِلْ بِه الرَّيحُ تنزِلِ (4) *
[(ب) أدوات النصب (أن- كي)]
وكذا لا تُوصل بـ "مَتَى" مع أنها لا تكون معها إِلا حرفًا زائدًا كما في (شرح الشافية) قال: "لما يلزم على الوَصْل من انقلاب يائها ألفًا، فإِن الألف التي تُرسم ياءً إِذا توسطت تُرسم ألفًا كما سبق في: "عَلام" و"إِلام" و"حتَّامَ" ورسمُ "مَتَى" بألف مُوهم" (1). [(ب) أدوات النصب (أن - كي)]: ومن الثانية (2) (أي الزائدة الواقعة بعد الأدوات الناصبة للأفعال): الواقعة بعد "أَنْ" و"كَيْ" فتوصل بـ"أَنَ" المصدرية فتحذف نونها خَطًّا؛ نحو: "أَمَّا أنت منطلقًا انطلقت" و: *أَمَّا أَنتَ برًّا فاقْترِب (3) * ومنه قوله: *أَبَا خُرَاشةَ أمَّا أنتَ ذا نفرٍ ... إِلخ (4) * وتُوصل بـ "كَيْ"، كقول البُوصيرى (5):
[فصل (لن) عن (ما) الزائدة إلا في الألغاز]
* كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ ... إِلخ (1) * قيل: ومنه قوله: *كَمَا يَحْسَبُوا أَنَّ الهَوَى* في البيت المتقدم قريبًا (2) وأن الأصل: "كيما يحسبوا" فحذفت الياء من "كَيْ" كما في (الصبان) (3) و (حاشية القَطْر) (4) ولو كانت بعدها "أنْ" كقوله: فَقَالتْ أَكُلَّ النَّاس أَصْبَحْتَ مَانِحًا ... لِسَانَكَ كَيْما أَن تَغُرَّ وتَخْدَعَا (5) [فصل (لن) عن (ما) الزائدة إِلا في الألغاز]: ولا تُوصل بـ"لَنْ"، بل ولا تقع بعد "لن" لأن الحرف لا يدخل على مثله، إِلا في حال الألغاز كما تقدم في قوله: *لَن - ما رأيْتُ أَبَا يَزِيدَ مُقَاتِلًا ... إِلخ (6) * ومن الحرفية: [4] المُهيِّئة: وهي التي تكون بعد "رُبَّ"، فتُهيئها للدخول علي الفعل، وحينئذٍ فتوصل بها، كقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحجر: 2].
[وصل (ما) الاسمية بالفعلين (نعم، بئس)]
ومن الحرفية: [5] ما المصدرية: كقوله تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات: 5] أي "إِن وعدكم" كما في (حواشي الجلالين) (1) فتُوصل لكونها حرفًا لا يسْتَقلّ ومثَّل لها في (الشافية) و (شرحها) بقوله: "كُلّما أتيتَني أَكْرمتُك" و"أَيْنما صنعت" قال شيخ الإِسلام: "بخلاف المصدرية المتصلة بما ليس فيه معنى شرط أو استفهام وإن كانت حرفًا عند كثير، نحو: "إِنَّ ما صنعتَ عَجَب" أي "صُنْعك" فلا تُوصل تَنبيهًا على كونها من تمام ما بعدها, لا ما قبلها" اهـ (2). وعليه فيكون الوصل في: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات: 5] في خصوص المصحف على خلاف القياس، بخلاف الفصل في {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام: 134] فإِنه على القياس. وقد فُهم من كلام شيخ الإِسلام أنّ المصدرية على قسمين: قسم يُوصل وقسم يُفصل، فافْهمه. [وصل (ما) الاسمية بالفعلين (نعم، بئس)]: وعرفت أن "ما" الاسمية لا توصل بشىء من الحروف سوى "مِن" و"عَن". وكذا لا تُوصل بشيء من الأفعال سوى "نِعِم" إذا كُسرت عينها كقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] فتوصل "ما" بـ"نِعم" لفائدة الاختصار والتخفيف بإِدغام الميم في الميم ومثله: "دقَّقْتُه دَقًّا نِعِمًا" و"غسَّلته غَسْلًا نِعِمًا" فإِن لم تُدغم لم تصل، مثل: نِعْمَ ما يقولُ الفاضِلُ.
[أحوال (ما) الواقعة بعد الظروف وصلا وفصلا]: [مع - كل]
وأما "بِئْس" فقد وَصِلت بها في المصحف قياسًا على ضدها (1) قال في (الأدب): "والأحسن في غيره الفصل" (2). [أحوال (ما) الواقعة بعد الظروف وصلًا وفصلًا]: [مع - كل]: وأما الواقعة بعد الظروف مثل: "حِين" و"مَع" و"بَيْنَ" و"كُلّ" و"مِثْل" فقال القُتَبي (3): توصل بـ"مَعَ" إِن كانت صلة، وتُفصل إِن كان اسمًا وتُوصل إِن كانت مصدرية أو زائدة بـ"حِين" نحو "نادانى حِينما رآنى" كما تُوصل في "حَيْثُما" و"كَيْفَما" وإن لم يجْزما ومثلهما "بَيْنَما". ولا توصل بـ"كُلّ" إِن كانت كلمة "كل" مرفوعة أو مجرورة أو منصوبة على المفعولية نحو: "كُلّ ما جَازَ بَيْعُه جاز رَهْنُه"، و"رَضِيتُ بِكلّ ما قَضَيْتَه" و"استحسنتُ كلَّ ما قُلتَه" ومن أمثلة المرفوعة قوله: * ما كُلُّ ما يتمنَّى المرءُ يُدِركُه (4) * فتفصل في الأحوال الثلاث، لأن "ما" فيها موصولة أو اسمية. وإنما تُوصل بها إِذا كانت منصوبة على الظرفية بمعنى "كُلَّ وقتٍ" أو "كُلَّ
حين" أو "كُلَّ مَرّة" فتحتاج إِلى الجواب والجزاء العامل فيها النصب، كقوله تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} [البقرة: 20] وقول الشاعر: كُلَّما قُلتُ يا فؤَادِي دَعْهُ .. لا يَميلُ الفُؤَادُ إِلا إِليه (1) [رَيْث - مِثْل - سِيّ]: وتُوصل بكلمة "رَيْث" بمعنى: مُدّة أو مِقْدار، كأن تقول: "ما وقفتُ عنده إِلا رَيْثَما كَتَب الجواب". ومنه قول الشَّنْفَرَى (2): ولكن نَفْسًا حُرّة لا تُقيم بي ... عَلَى الضَّيم إِلا ريثما أتحول (3) وكذا توصل المصدرية بمثل كقول بعض العجم للعرب: "أسلمنا مثلما أسلمتم، فأي فخر لكم حتى تجعلونا الموالي؟ يعني العتقاء. ومن ذلك قوله تعالى في سور الذاريات: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] وقال الجلال المحلي (4) "برفع مثل صفة وما مزيدة وبفتح اللام
[جواز وصل (ما) بـ (أم- كم)]
مركبة مع ما. والمعنى: مثل نطقكم اهـ. (1) قال المحشي "يعني أنها مركبة مع "ما" تركيب مزج مثل: "طالما"، و"قلما" و"كُلَّما" اهـ. (2) فانظر تمام الكلام الذي نقله عن بعض المحققين هناك (3). وتوصل بكلمة "سي" التي بمعنى "مثل" في قولهم: "ولاسيما" على التقديرات الثلاثة: كونها موصولة أو موصوفة أو زائدة. [جواز وصل (ما) بـ (أم- كم)]: وأما وصلها بـ "أم" و"كم" في نحو: أهذا أحسن أما اشتريته؟ وكما جئت به؟ بإِدغام إِحدي الميمين في الأخرى فقد جوز شيخ الإِسلام في (شرح الشافية) وقال: "لما كان متصلًا لفظه ناسبه الاتصال خطًّا" اهـ (4) لكن السيوطي (5) في (الهمع) قال (6): "ولا توصل "ما" بـ"أم" ولا بـ "كم". وما
[فصل (ما) عن غيرها إذا قصد لفظها]
وقع في المصحف من الوصل في: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] وبعض مواضع فهو على غير القياس. [فصل (ما) عن غيرها إِذا قصد لفظها]: (تنبيه): كلمة ما إِذا قصد بها لفظها لا توصل بشىء أصلًا، ولا بـ "عن" ولا بـ "من" كأن يقال: تحذف الألف من ما الاستفهامية المجرورة بالحرف، أو يقال: الألف من ما أصلية غير مبدلة من حرف آخر. أو يقال لك: أعرب "ما هذا؟ " فتقول: "ما مبتدأ وهذا خبر عن ما". والمانع من الوصل ما قدمناه عند الكلام على وصل الضمائر (1) أن الكلمة إِذا قصد بها لفظها ولو كانت ضميرًا أو حرفًا التحقت بالأسماء الظاهرة، وخرجت عن كونها حرفًا أو ضميرًا كما تقول: "من ماء" أو "من مال" فلا تصلها بـ "من".
الفصل الثالث في وصل "من" بما قبلها من الحروف
الفصل الثالث في وصل "مَن" بما قبلها من الحروف [وصل (من) بعد (من- عن)]: كلمة "من" المستعملة في موضوعها، سواء كانت استفهامية أو موصولة أو موصوفة أو شرطية توصل بـ "من" و"عن" لفائدة الاختصار، بحذف النون منها كما سبق (1). وإثبات النون مع الاتصال عمى عن سر الوصل، نحو: "مِمَّن أنت؟ "، و"قد أخذتُ مِمَّن أخذتَ" "وممن تأخذ آخذ منه" و"عمن تسأل" و"رَوَيْتُ عَمَّن رويتَ عنه" و"عَمَّن ترضى عنه أَرْضى" و"عَمَّن تَرضْ أَرْضَ". وقال ابن مالك (2): "الغالب الوصل، ويجوز الفصل" [أحوال (مَن) الاستفهامية مع (في - كل - أي - أم) وصلًا وفصلًا]: وتوصل "مَن" الاستفهامية بـ "في" قولًا واحدًا، نحو: "فيمن أنت متبول"
[(من) المقصود لفظها]
ولا توصل بـ "مَعَ" ولو في الاستفهام، نحو "مَع مَن كُنت؟ " كما تفصلها إِذا قلت: "كُن مَعَ مَن تُحبّ" ولا توصل بـ"كُلّ" كقول ابن الفارض (1) في (الكافية). *كُلُّ مَن في حماك يَهْوَاكَ (2) * وكذا قوله في (اليائية): لَستْ أَنَسي بالثَّنايا قَوْلَها ... كُلُّ مَن في الحَيّ أَسْرى في يَدَي (3). ولا توصل بـ"أىَ" ولا غيرها من الأدوات لقلة استعماله مثل قوله رضي الله عنه في (الفائية): أنت القَتَيلُ بأَىّ مَنْ أحبَبْتَةُ ... فاخْتَرْ لِنفْسِك في الهَوَى مَن تَصْطفِى (4) كما لا يوصل بها ما بعدها من ضمير أو اسم إِشارة، كقولها: * مَن ذَا الَّذِي في حَيِّنا نَراهُ مَن (5) * وما وقع في المصحف فلا يُقاس عليه. كما لا يُقاس على وصلها فيه بـ"أَمْ" في قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [النمل: 60]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ} [النمل: 62] وبعض آيات أخرى (6). [(مَن) المقصود لفظها]: وخرج بقولنا أولا: (المستعملة في موضوعها) ما إِذا قصد لفظها؛ كأن يقال: تكسر النون من "مَن" المفتوحة الميم إِذا لقيها ساكن ويرفع الاسم بعدها كما تفتح النون من "مِن" المكسورة الميم إِذا دخلت على "الـ" نحو: "من الرجل الذي تقول سمعت مِنَ الرجلِ"
الفصل الرابع في وصل "لا" بألف "أن" المصدرية و"إن" الشرطية
الفصل الرابع في وصل "لا" بألف "أنْ" المصدرية و"إنْ" الشرطية [أولًا: أحوال (لا) مع (أَن) المصدرية]: [وصل (لا) بـ (أَن) الناصبة]: توصل "لا" بـ "أن" الناصبة للفعل، سواء تقدمت عليها "اللام" التعليلية أو لا؛ وذلك نحو: "لِئَلَّا" والأصل: "لأَن لا" أي: لأَجْل أَن لا. وكان القياس كتبه هكذا: "لألَّا" بحذف النون لإِدَغامها في اللام لكنهم استبشعوا تلك الصورة، واستحسنوا اتباع رسم المصحف بكتب الهمزة ياءً لتوسطها بعد كسرة وتَركُّبها مع "لا" وحذف نونها. قال في (الأدب): "ويجوز نَقْطها من تحت فصارت مُركَّبَة من ثلاث كلمات" (1). ومثال ما إِذا لم تتقدم عليها اللام: "رَجَوْت ألَّا تَهْجر" و"خفْتُ ألا تَفْعل". [فصل (لا) عن (أَن) غير الناصبة]: فإِن لم تكن أن ناصبة، بل كان الفعل مرفوعًا بعدها (كانت المخففة من الثقيلة) فيجب القطع بإِثبات النون، نحو: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] (2). وكذا إِذا لم يكن بعدها فعل، بل اسمًا، نحو: "علمت أن لا خوف عليه"، {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة: 118] وأشهد أن لا إِله إِلا الله
[تفصيل القول في أحوال (أن) المفتوحة مع (لا)]
فتكتب النون، لأن تقدير الكلام: "أنه". وفعلوا ذلك للفرق بينهما (1). قال شيخ الإِسلام على (الشافية): "ولم يعكسوا لكثرة الأولى وقلة الثانية في الاستعمال، والكثير أولى بالتخفيف ولأن الثانية أصلها التشديد، فكرهوا أن يزيدوها إِخلالا بالحذف (2). [تفصيل القول في أحوال (أن) المفتوحة مع (لا)]: والحاصل أن لـ "أن" المفتوحة مع "لا" ثلاث أحوال: إثبات النون فقط، ويسمى فصلا وقطعًا. وحذفها فقط، ويسمى عندهم وصلًا. وجواز الأمرين. فإِن كان بعدها اسم لم تكن مصدرية، بل هي المخففة فيتعين كتب النون. وإن وقع بعدها فعل متعين النصب كانت مصدرية، فتحذف نونها وتوصل لا بالألف؛ سواء كانت "لا" نافية كقوله تعالى: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإِسراء: 2] (3) أو كانت صلة كما في {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] (4) فهي في هذه الآية مزيدة للتقوية، بدليل سقوطها من الآية الأخرى: {ما منعك أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]. وإن جاز فيه النصب والرفع كان فيها الوجهان: الوصل على النصب والفصل (أي: إِثبات النون) علي الرفع كما قرئ بهما في قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [المائدة: 71] (5) فمن رفع أثبت النون، ومن نصب وصل؛ أي حذف النون كما في "القَطْر" (6) (الدرة) (7).
وكذا إِن وقع بعدها فعل مُحْتَمل للنصب على أنها المصدرية، والجزم على أنها المفسرة، و"لا" ناهية نحو: {أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى} [النمل: 31] (1) و {أَن لا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [فصلت: 30] (2) فمن قال: إِنها المصدرية: وصل، ومن قال: إنها المفسرة أو المخففة من الثقيلة: فصل؛ أي أثبت النون. وأما قول الجلال السيوطي (3) في {أَن لا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإِسراء:2] (4) على قراءته بالفوقية تكون "لا" ناهية و"أن" زائدة (5) فقد تعقبه الكرخي (6) بأن الأولى أن يقال: "أن" مفسرة لأن هذا ليس من مواضع زيادة "أن" بل ذلك في نحو: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} [العنكبوت: 33] كما نقله المحشي (7). هذا حاصل التفصيل بين التي توصل والتي تقطع على مذهب الجمهور كما في (الشافية) (8) تبعًا لابن قتيبة (9) في (أدب الكاتب) (10) وكذا الحريري (11) في (الدرة) حيث قال: "ومن الغلط أنهم إِذا ألحقوا "لا" بـ"أن" حذفوا النون في كل موطن وليس ذلك على عمومه، بل الصواب أن تعتبر موقع "أن" ... " إلى آخر ما قاله (12).
[ثانيا: أحوال (لا) مع (إن) الشرطية]
وحكي في "الهمع" (1) أن فيها قولين. أحدهما: كتبها مفصولة مطلقًا قال أبو حيان: وهو الصحيح، لأنه الأصل. والثاني: قول ابن قتيبة (2) بالفرق بين الناصبة فتوصل، والمخففة فتفصل، واختاره ابن السيد البطليوسي (3) وعلله ابن الضائع (4) بأن الناصبة شديدة الاتصال بالفعل، بحيث لا يجوز أن يفصل بينها وبينه، والمخففة بالعكس، بحيث لا يجوز أن تتصل به، فحسن الوصل في تلك، والفصل في هذا خطأ" (5). يقول الفقير: وأكثر النساخ الآن على إِثبات النون كقول أبي حيان (6). [ثانيًا: أحوال (لا) مع (إِن) الشرطية]: وتوصل "لا" بـ "إِن" الشرطية، نحو: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 73]، {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة: 40] بخلاف المخففة فلا تُوصل بها، نحو: "إِن لا أَظنك من الكاذبين، لكثرة استعمال الشرطية وتأثيرها في الشرط، بخلاف المخففة، قاله شيخ الإِسلام (7). وقد عرفت أن معنى الوصل حذف النون كما حذفت من {إِمَّا تَخَافَنَّ} [الأنفال: 58] {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} (*) [الأعراف: 200] [فصلت: 36] فتُرسم على صورة
[فصل (لا) عن (كي) في غير المصحف]
أداة الاستثناء، حتى إِنهم يغالطون الغبيّ بها ويقولون له: هذا الاستثناء متصل أو منقطع ومن ذلك قول الفقهاء: "وإلا فلا" كقوله تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف: 33] حكايته عن قول يوسف الصديق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وستأتي إن شاء الله عودة لحذف النون من "إِنْ" و"أنْ" في الفصل السادس من باب الحذف (1). [فصل (لا) عن (كي) في غير المصحف]: ولا توصل "لا" بـ "كي" بخلاف "ما" فإِنها توصل بها للفرق بينهما كما في "الأدب" (2) و"الدرة" (3) ونقل في (الهمع) (4) قولًا بالفصل لغير ابن قتيبة (5) ففيها قولان. وقد وصلت بها في أربع مواضع من المصحف، ذكرها في (الجزرية) (6)
[فصل (لا) عن (هل- بل) - (هلا التحضيضية)]
منها: {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] مع أنها فُصِلت منها في السورة بعينها في {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] وكذا فصلت في قوله: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7]. [فصل (لا) عن (هل - بل) - (هلا التحضيضية)]: ولا توصل بها في الاستفهام ولا بـ"بل" نحو: {{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 17]، و"هل لا يجوز كذا وكذا؟ ". فإِن قيل: كيف هذا مع أنها وُصلت بها في أحاديث كثيرة، منها حديث: "هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك" (1)؟ قلنا: إِن "هلا" التي في هذا الحديث وأمثاله ليست مركبة من "هل" الاستفهامية و"لا" النافية بل هي كلمة بسيطة موضوعة للتحريض على الفعل (إِن كان ما بعدها مستقبلًا وتسمى تحضيضية) وللتوبيخ أو التنديم (2) (إِذا كان الفعل بعدها ماضيًا) كما في الحديث المذكور، ولا يليها إِلا الفعل لفظًا أو تقديرًا وقد صرح به في رواية أخرى: "هلا تزوجت بكرًا" (3) وهي في هذا الحديث للتنديم. ومثالها للتوبيخ قوله سبحانه: "فهلا نملة واحدة" (4) عتابًا للنبي الذي أمر
بقرية النمل -أي موضع اجتماعها- فأحرق بالنار. أي: (فهلا أحرقت النملة التي قرصتك دون غيرها) كما في صفحة [253] من خامس القسطلاني (1). وقد مشي الحريري (2) في (الدرة) على أنها مركبة فقال (3): "إِنما وصلت "لا" بـ "هل" دون "بل" لأن "لا" لم تغير معنى "بل" لما دخلت عليها وغيرت معنى "هل" بنقلها من أدوات الاستفهام إِلى حيز التحضيض، فلذا كتبت (4) معها وجعلت بمنزلة الكلمة الواحدة. وإلى هنا تم الباب فاعرفه، فقلما يوجد مجموعًا على هذا النسق في كتاب، والحمد لله الهادي إلى الصواب.
الباب الثاني في الحروف التي يختلف رسمها بما يعرض لها من الإبدال، أو لمراعاة أصلها
الباب الثاني في الحروف التي يختلف رسمها بما يعرض لها من الإِبدال، أو لمراعاة أصلها وهي الهمزة وحروف العلة الثلاثة: الألف وأختاها الواو والياء. والنونات الثلاث: نون التوكيد والتنوين ونون "إِذن" وهاء التأنيث. وقد رتبت هذا الباب على ستة فصول وتتمة الباب وفي آخر الفصل الأول ثلاث تنبيهات.
الفصل الأول في اليابسة المسماة (همزة)
الفصل الأول في اليابسة المسماة (همزة) [الألف اليابسة والألف اللينة]: اعلم من الألف من حيث هى على ضربين، وهما: الألف اليابسة، والألف اللينة. قالأولى: هى التي تقبل الحركات، ولا تسمى ألفًا إِذا كانت مصورة بالواو أو الياء أو لم يكن لها صورة بأن كانت محذوفة كالتى في: "جاء" و"شىء" وإنما تسمى بالألف إِذا كانت مرسومة بصورتها الأصلية المذكورة أول تعداد الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء أو الأبجدية التي أولها الألف وآخرها الغين على طريقة إِمام المشارقة الغزالي (1) ومن تبعه أو التي آخرها "الشين" على طريقة المغاربة للبونى (2) وأتباعه.
[الفرق بين الألف اللينة وهمزة الوصل]
وأما الثانية اللينة التي قال فيها الشاعر: لكن نَحِلْتُ لِبُعْده فكأنَّنى ... أَلفٌ وليس بِمُمْكنٍ تحريكُه (1) فهي التي عَدُّوها قبيل "الياء" في ضمن "اللام ألف" المركبة من حرفين (2)، ولهذا لا يمكن وجودها في أول الكلمة لتعذر الابتداء بها. [الفرق بين الألف اللينة وهمزة الوصل]: وأما الألف التي تجتلب للابتداء للساكن فهي همزة وصل، لا الألف اللينة، غاية الأمر أنها تسقط الدرج. وإنما توجد الألف اللينة في الحشو، كـ"قام"، و"باع" أو في الطرف مثل "دعا" و"سعى" كما يأتى في الفصل الثاني (3)، بخلاف الهمزة فإِنها تأتى أولًا وحشوًا وطرفًا، فهي إِذن على ثلاثة أقسام باعتبار موضعها من الكلمة التي هى فيها. [سبب كتابة همزة الوصل واوًا أو ياء أو حذف صورتها]: وأما باعتبار الرسم فالأصل فيها أن تكتب بصورة الألف الأولى في التعداد حيثما وقعت على مذهب التحقيق كما سيأتى عن الفراء (4) عند الكلام على
"مائة" (1) وإنما كتبت مرة "واوًا" ومرة "ياءً" وحذفت مرة بحيث لا يكون لها صورة أصلًا ولا بدلًا بناءٌ على مذهب التخفيف والتسهيل البخاري على لغة أهل الحجاز التي هى فصحى اللغات، وعليها جرى رسم المصحف، فلهذا كان الكَتْب عليها أولى من الكتب على التحقيق لوجهين كما تقدم عن شيخ الإِسلام (2): أولهما: ما ذكر من التسهيل والتخفيف، فإِن الهمز في حشو الكلام مستثقل ولذا لا يوجد في غير لغة العرب أصلًا في غير ابتداء كما قاله في (المزهر). ولكون الهمزة في الابتداء لا تسهل كتبت في أول الكلمة بصورتها التي وضعت لها، وهي صورة الألف بأى حركة كانت، على ما يأتى. وثانيهما: "أن التسهيل خط المصحف، فكان البناء عليه مع أن القياس قد يقتضيه قال أبو حيان (3): "بل إِننا نوافق المصحف في بعض كلمات كرسم "الصَّلوة" و"الزَّكوة"و"الحيوة" بالواو مع مخالفته للقياس" كذا نقله في (الهَمْع) (4). قال أبو البقاء (5) أول (الكليات) بعد أن ذكر جملة عن (الإِتقان): مِمَّا خالف فيه القياس: رسم المصحف والحق أن مثل ذلك يكتب في المصحف بالواو اقتداءً بنقله عن عثمان - رضي الله عنه - وفي غيره بالألف وقد اتفقت في خط المصحف أشياء خارجة عن القياسات التي بني عليها الهجاء، ولذا قال ابن دُرُسْتَوَيْه (6): خطان لا يقاسان. . . . إِلخ" (7).
[أحوال رسم الألف]
[أحوال رسم الألف]: إِذا علمت هذا فللألف -باعتبار الرسم- أربعة أحوال: [1] فتارة ترسم ألفًا، وذلك إِذا كانت في أول الكلمة مطلقًا أو في الحشو مفتوحة أو ساكنة بعد فتح نحو: "سأل" و"رأس". [2] وتارة ترسم ياء، وذلك إِذا كانت ساكنة أو مفتوحة بعد كسر فيهما أيضًا، نحو "ذئب" و"رئال". [3] وتارة تصور واوًا، وذلك فيما إِذا وقعت ساكنة أو مفتوحة بعد ضم مثل "يؤمن الدُّؤَلِى". و"يرخِى الذُّؤَابة". [4] والحالة الرابعة أن لا تصور بواحدة من الثلاث، بل تحذف ولا يوضع في محلها شىء كما كان المصحف أيام الخلفاء الأربعة قبل أن يخترع له الشكل أبو الأسود الدُّؤَلِى (1). [حذف الألف من الحشو والطرف]: وأما وضع القطعة في محلها إِذا حذفت أو فوق الياء أو الواو المصورتين بدل الهمزة فذلك حادث بعد حدوث الشكل مراعاة لتحقيق الهمز. فمثال حذفها من الحشو: تثاءب وتفاءل ورءوس وتوءم. ومثال حذفها من الطرف: "شَآء" و"سِىءَ" من الأفعال. و"جَزَآء" و"هَنِئ" و"وُضُوء" و"جُزْء" و"خِطْء" و"وَطْأ" و"شَئْ" و"ضَوْء".
[الهمزة في أول الكلمة] تفصيل الكلام على أحوال الهمزة التي في أول الكلمة
[الهمزة في أول الكلمة] تفصيل الكلام على أحوال الهمزة التي في أول الكلمة [أولًا: إِذا لم تسبق الهمزة بشىء من الحروف]: إِنها (1) في الأول ترسم ألفًا مطلقًا، سواء كانت مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، في الأسماء والأفعال، وكذا الحروف سوى المضمومة فلا توجد فيها. وسواء كانت قطعية أو وصلية، وإن كانت تسقط الوصل، أي في الدرج. بيان أمثلتها من كل أقسام الكلام: "أَبٌّ" (2) و"أَمٌّ" (3) و"أَدٌّ" (4) من الأسماء. و"أَبَّ" (5) و"أَمَّ" (6) و"أَدَّ" (7) من الأفعال. و"إِنَّ" (فعل أمر) (8) أو حَرْفًا (9) .. وكذا "أَنَّ" فعلًا (10) أو حرفًا (11).
[ثانيا: اتصال الهمزة (في أول الكلمة) بما قبلها من حروف]
و"اضْرِبْ" و"انصُر" و"اعْلَمْ" من الأفعال. و"اسْم" في همزات الوصل، ولا يأتى فيها السكون حال الابتداء لما هو معلوم أن العرب لا تبدأ بساكن. [ثانيًا: اتصال الهمزة (في أول الكلمة) بما قبلها من حروف]: [اتصال الفاء والواو بما أوله همزة]: فإِن سبقها حرف الفاء أو الواو، وأمكن سكونها وتبقى على رسمها ألفًا أو تُبدل فيكون لها حالتان أو ثلاث، وذلك في الأمر من الثلاثى المهموز الفاء نحو: "أَبَى" و"أَبَقَ" و"أَتَى" و"أَبَرَ النخل" و"أَمَرَ" و"أَذِن" و"أَبَتَ اليوم" (بمعنى اشتدَّ حَرُّه) (1). ففى ذلك إِذا تقدم عليها أحد الحرفَيْن المذكوريْن تَبْقى على صورة الألف؛ نحو: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [الأعراف: 70] {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132] {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]. [اتصال غير الفاء والواو بما أوله همزة]: بخلاف غير الحرفَيْن المذكورَيْن، نحو: {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] فتُكتب بصورة الياء، نظرًا للابتداء بهمزة الوصل مكسورة، وتُوضع القِطعة فوقها عند إِرادة الشَّكْل، نظرًا للوصل. [أُومر - أُوبُر - أُوبُت]: وتُكتب واوًا في "أُومُر" إِن لم تُحذف الهمزة، وكذا "أُوبُر النَّخْل" و"أُوبُت يا يوم" على لغة ضَمِّ الباء فيهما من مضارعه.
[ايبق- ايبر- ايبت]
[ايبق - ايبِر - ايبت]: وتكتب ياءً في نحو "ايبق يا غلام" أو "ايجأْه" بمعنى (اهرب) فيهما وكذا "ايبِر النَّخْل" على لغة كَسْر الباء من مضارعه كما سبق في أول فصل من الباب الأول (1). وكذا "ايبِت يايوم" على لغة كَسْر الباء أو فَتْحها من مضارعه. [الماضي والأمر من الافتعال المهموز الفاء] [فَأْتَمِر - وأْتَزِر]: وقد يكون لها ثلاث أحوال أو أربع، وذلك في الماضي أو الأمر من الافتعال المهموز الفاء، مثل: "ائْتَمَّ" و"ائْتَمَنَ" .. "ائْتَزَر" و"ائْتَمر" من "الائْتِمَام" و"الائْتِمَان" و"الائْتِزَار" و"الائْتِمَار". فتبقى مرسومة ألفًا إِن سبقها أحدُ الحرفيْن المذكورَيْن (2)، نحو: "فَأتَمِر"، "وأْتَزِر". [ايتَمَن]: فإِن لم يسبقها شىء أو سبقها غيرهما وغير همزة المتكلم في المضارع أُتى قبلها بهمزة الوصل، وكُتبت الهمزة التي هى فاء الكلمة ياءً في الأمر والماضى المبنى للمعلوم، نحو: "ايتَمن" - بكسر الميم أمرًا، أو فتحها ماضيًا. [اوتُمِن]: وكتبت في الماضي المبنى للمجهول واوًا، نحو: "قد اوتُمِنَ فَخَان". [لائتمانه - لائتِمامه]: ومن غير الحرفين المتقدمين "لام" الجر الداخلة على مصدر الافتعال أو أداة التعريف، نحو "لائتِمَانِه" و"لائِتَمامه بإِمام"، فتبقى الهمزة ياءً كما لو ابتدىء بها، ولا نظر لتوسُّطها بعد "لام" الجر أو "لام" التعريف أو بعدهما، نحو "الائْتِمَام". ولم أَرَ أَحَدًا تَعرَّض لذلك أصلًا.
[التسهيل] [آخذ- آمر] [آتزر]
[التسهيل] [آخُذُ - آمُرُ] [آتَزِر]: وأما إِذا كان السابق عليها همزة المتكلم نحو: "آخُذ" و"آذُن" و"آكُل" و"آمُر" فكان البعض يكتب الألف الثانية المسهَّلة عن الهمزة ألفًا ثانية، والبعض لا يكتبها. والذي عليه الجمهور أن المسهَّلة لا تُرسم ألفًا كراهة اجتماع المِثْلين صُورةً، بل وضعوا مَدَّةً فوق الهمزة المصوَّرة ألفًا. ومن ذلك قول أُمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "وكان يَأْمُرنى إِذا حِضْتُ أن "آتزر" (1) بِمَدّ الهمزة الأُولى بدلًا من الهمزة الثانية الساكنة، تسهيلًا لها، والأصل: "أَأْتَزِر" بهمزتين، قُلبت الثانية مَدًّا من جنس ما قبلها، ولا تُدْغَم في التاء على اللغة الفُصْحى كما في (القاموس) (2) و (الأشمونى) عند قول (الخلاصة): ومَدًّا ابْدِل ثَانِىَ الهمزينِ مِن كلمةٍ. . . إِلخ (3) وبعضهم روى الحديث بتشديد التاء إِدغامًا للهمزة فيها. لكن إِدغام الهمزة في التاء شَاذٌّ خارج عن القياس، إِلا إِن تحققت الرواية عنها ذلك، فيُسمع ولا يُقاس عليه، وتقدَّم في أول فصل من الباب الأول تبيان ذلك، فارجع إِليه إِن لم تكن حققته (4).
[الهمزة المتوسطة الأصلية]
[الهمزة المتوسطة الأصلية] [صورها]: وأما الهمزة التي في الحَشْو بالأصالة فلها [16]، صورة عقلية حاصلة من ضَرْب حركاتها الثلاث وسكونها في حركات ما قبلها أو سكونه، يسقط منها صورتان. الأولى: سكُونُها مع سكون ما قبلها، فهذا لا يُوجد في لغة أصلًا. والثانية: ضَمُّها مع كَسْرِ ما قبلها، فكذلك لأنه ليس لهم فعل ولا اسم مهموز الوسط مضمومه وما قبله مكسور، ثم رأيت السيوطي (1) في (هَمْع الهَوَامع) (2) صَوَّره بجمع "مِائَة" و"فِئَة" بالواو، بأن يقال "مِئُون" و"فِئُون". وعليه فيكون الصور الموجودة خمس عشرة صورة. بيانها تفصيلًا على ترتيب منتظم [تفصيل الكلام عن الهمزة المتوسطة بالأصالة]: [أولًا: المتوسطة الساكنة (ولها ثلاثة أحوال)]: إِذا كانت ساكنة تُرسم بصورة حرف من جنس حركة ما قبلها فَتْحًا أو كَسْرًا أو ضَمًّا، لأنه يجوز إِبدالها به لفظًا، قياسًا مُطَّردًا على قاعدة التخفيف والتسهيل ولو كان بعدها واوًا أو ياءً، نحو: "رَأْس" و"كَأْس" و"رأى" و"نَأْى" و"فَأو" (3) و"سَأْو" (4). و"بِئْر" و"مِئْرة" (5) و"رِئْى" (6).
[ثانيا: المتوسطة المكسورة (ولها أربعة أحوال)].
و"سُؤْر" (1) و"نُؤْى" (2) و"مُؤْد" و"مُؤْوٍ" (اسم فاعل من الرباعى على وزن "تُؤْوِى" مضارعًا). وربما تُحذف في صورة ما إِذا كان قبلها مكسورًا وبعدها ياءً لإِدغامها فيما بعدها، كما في قوله تعالى: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} (3) [مريم: 74]. فهذه ثلاثة أحوال الساكنة. [ثانيًا: المتوسطة المكسورة (ولها أربعة أحوال)]: [1] [المكسورة المفتوح ما قبلها]: وأما إِذا كانت مكسورة فتُرسم ياءً مطلقًا على حَسَب تخفيفها وتسهيلها أو إِبدالها بها، سواء كانت خفيفة أو مُشدَّدة ولو كان بعدها ياءً متحركة أو ساكنة، وسواء كان ما قبلها مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا أو ساكنًا صحيحًا أو مُعْتَلًا. بيان جملة من الأمثلة: "سَئِم المُطْمَئِنّ" و"المُكْتَئِنّ" و"المُكْوَئِنّ" و"الأَئمَّة" و"المُوَئِّل" (بوزن "مُحدِّثَ" وهو صاحب الماشية) على ما في (القاموس) (4). ونحو "رَئيس" و"لَئيم" و"زَئير" و"فَئِيد" (5) و"شَئِيت" (6) و"ضئِيل" (7) و"صَئِىّ" (8) و"به رِئِىّ (9) من الجِنّ".
[2] [المكسورة المضموم ما قبلها]
وبعضهم يحذفها إِذا كان بعدها ياء ساكنة، استثقالًا لجمع ياءين صُورةً، عملًا بقاعدة: (كل همزة بعدها حرف مَدّ كصورتها فإِنها تُحذف). والذي أراه أَنَّ حذفها في نحو "شَئيت" يُلبس بالماضى من "شَاء" مُسْنَدًا للتاء. وهذه الأمثلة للمكسورة المفتوح ما قبلها بتعميماتها. [2] [المكسورة المضموم ما قبلها]: ونحو "سُئِل" و"دُئِل" و"سُئِّل" (بالتشديد للمبالغة) و"رُئِىَ" (فعل ماض للمجهول من الرؤية) و"نُئِىّ" (جمع نُؤْى) (1) و"صُئِىّ" (2) (على لغة ضَمّ الصاد). وهذه الأمثلة للمضموم ما قبلها وهي مكسورة، فتكتب فيها بصورة الياء اعتبارًا بحركتها على مذهب سيبويه (3) في التسهيل. وأما على مذهب تلميذه أبى سعيد الأَخْفَش (4) فُتكتب واوًا في كل ما تقدم، حتى في "سُئِل" و"دُئِل" اعتبارًا عنده بحركة ما قبلها على طريقته في الإِبدال. يقول الفقير: وكأَنَّ الكُتَّاب اتبعوا مذهب سيبويه في التي ليس بعدها ياء، واتبعوا الأَخْفَش في التي بعدها ياء، مثل: "رُؤُى" و"نُؤُىّ" استثقالًا لجمع المِثْلَيْن، وعملًا في تبعيض الأحكام بالمذهبَيْن.
[3] [المكسورة المكسور ما قبلها]
[3] [المكسورة المكسور ما قبلها]: ونحو: "فِئِين" و"مِئِين" و"رِئِّيس" (بكسر الراء وتشديد الهمزة على وزن "قِسّيس"). وهذه أمثلة المكسور ما قبلها: [4] [الساكن ما قبلها]: ونحو: "أَفْئِدة" و"أَسْئِلة" و"مَتْئِم" و"سَائِل" و"مَسَائِل" و"مَوْئِل" و "مؤئِس"، فتُرسم في كل ذلك ياءً ولو يكون قبلها ياءً نحو "يَيْئِس": بكسر الهمزة على لغة تميم. [يَصْئى والمرئى]: أو كان بعدها ياء ساكنة أو متحركة نحو "يَصْئى" (1)، و"المرئى": (بضم أوله: اسم فاعل من المنقوص الرباعى فتكون الياء ساكنة) (2)، أو بفتح أوله (اسم مفعول) (3). أو منسوبًا إِلى "المَرْء" فتكون الياء متحركة (4). [يَيْئِس]: وبعضهم يحذفها إِذا كانت الياء ساكنة بعدها أو قبلها، استثقالًا لجمع صورتين متماثلتين، بل ثلاث صور في "يَيْئِس"، وعملًا في الأولى بقاعدة: (كل همزة بعدها حرف مَدّ. . إِلخ) (5). [أحوال نَقْط الياء التي عليها همزة "بائع - قائل"]: ولا تُنقط الياء المصوَّرة في ذلك بدلًا عن الهمز، لأنها لا تُبدل ياءً مَحْضة، كما يأتى في التنبيهات (6).
[مائة- فئة]
وقد عَدَّ في "المغنى" من اللحْن قول الفقهاء "بَايِع" بالياء غير مهموز كما يأتى بمشيئة الله في الخاتمة (1)، ويشهد لذلك قول أبى على الفارسي: "قد أضعنا خُطواتنا في زيارة مثلهِ" على الكاتب الذي نقط كلمة "قَائِل" بنقطتين تحت الياء (2). [مائة - فئة]: وأما ما يجوز إِبداله ياءً مَحْضة فيجوز نقطه، مثل: "مِائَة" و"فِئَة" و"رِئَة" و"الأَئمَّة". [آيب - آيس]، [آيبون]: نَعَم إِذا كان قبلها ألف مسبوقة بالهمزة نحو "آيِل" و"آيس" و"آيِب": تُبدل ياء حقيقية بمقتضى القياس الصرفى. نظيره ما قالوه في جمع "ذُؤَابة" على "ذَوَائِب" حيث لم يجمعوا على أصله "ذَآئِب" (3)، وقد ورد من حديث الصحيحين قوله - صلى الله عليه وسلم -: "آيِبُون، تَائِبُون، عَابِدُون" (4)، ولم يَرْوِهِ أحدٌ بالهمز.
[ثالثا: المتوسطة المضمومة "ولها أربعة أحوال"]
فقد استكملت المكسورة أحوالها الأربع. [ثالثا: المتوسطة المضمومة "ولها أربعة أحوال"]: وأما إِذا كانت مضمومة فتُكتب واوًا مطلقًا، مخُففَّة كانت أو مُشدَّدة، سواء كان ما قبلها مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا أو ساكنًا، صحيحًا أو معتلًا. ذكر أمثلة ذلك: [1] [المفتوح ما قبلها]: نحو "رَؤُف" و"أَؤُبّ" (جمع "أَبّ" للمرعى). و"لَؤُم فلان" و"صَؤُل البعير". ولو كان بعدها حرف مَدِّ كصورتها، نحو "رَءُوف" و"لَؤُوم". وبعضهم يحذفها إِذا كان بعدها حرف المدّ المذكور للقاعدة المتقدمة (1)، وذلك في نحو: "مَؤُنَة" و"بَؤُنَة". وقال في "الدُّرَّة": "الأحسن في "سَؤول" و"بَؤُوس" و"شؤُون" أن يُكْتَبن بَواوين" اهـ (2). قلت: وكذلك "نَؤُوم" و"قَؤُود" و"قَؤُول" و"صَؤول" فلا تحُذف فيها الهمزة، بل تُكتب بواوين مَخافَة اللَّبس بـ "نَوَم" و"قَوَد" و"قَوَل" و"صَؤُل" كما يأتى بعضه عن "الهَمْع" (3).
[2] [المضموم ما قبلها]
ومن المضمومة المشددة ما جاء على وزن "التَّعُّوذ" كـ "التَرَؤُّد" (1)، "التَفَؤُّد" (2) و"التَكَؤُّد" (3) و"التَرَؤُّس" و"التَذَؤُّب" مصادر: "تَرَأَّد" و"تَفَأَّد" و"تَكَأَّد" و"تَرَأَّس" و"تَذَأَّب" كلها على زنة "تَفَعَّل" بتشديد العين. كل هذا من أمثلة المفتوح ما قبلها. [2] [المضموم ما قبلها]: وأما أمثلة المضموم ما قبلها فنحو: "لُؤُمٌ" -بوزن "عُنُق"- جمع "لَؤُوم"، كـ"صُبُرٌ" جمع "صَبُور". وقد يكون بعدها حرف مَدّ مثل: "رُؤُس" و"فُؤُس" و"خُؤُولة" و"غُؤُور" (4). ففى المثالين الأولين تُحذف لكثرة استعمالهما بالتخفيف، وعملًا بقاعدة: (كل همزة بعدها حرف مَدّ. . .) (5) ولا تحذف في الأخيرين خَوْف اللَّبْس. وكذا تُحذف إِذا كان المضموم قبلها واوًا، نحو "وُءُول" مصدر "وَأَل إِليه" أي: التجأ، ومنه "المَوْئِل" بمعنى "المَلْجأ"، ففى هذا المصدر تُحذف، لئلا تجتمع الأمثال، وللقاعدة المذكورة. [3] [المكسورة ما قبلها]: وأما أمثلة المكسور ما قبلها فليس إِلا جمع ما حُذفت لامهُ وعُوِض عنها الهاء، نحو: "مِئُون" و"فِئون" و"رِئُون" جموع: "مِائَة" و"فِئَة" و"رِئَة".
[رأى للمؤلف في كتابة الهمزة المتوسطة المضمومة المكسور ماقبلها في نحو "مئون"]
ومذهب سيبويه (1) حذفها في مثل ذلك من نحو "يَسْتَهْزِؤُن" و"مُسْتَهْزِؤُن" مما فيه الهمزة متوسطة عارضًا. ومذهب الأخفش (2) أنها تكتب بياء اعتبارًا بحركة ما قبلها، وعليه عمل النُّسَّاخ. [رأى للمؤلف في كتابة الهمزة المتوسطة المضمومة المكسور ما قبلها في نحو "مِئُون"]: والذي أراه أن حذفها من نحو "مِئُون" فيه أمران: الأول: الإِجحاف بالكلمة، فلا تُزاد حَذْفًا على حذف على ما يأتي نظيره في "المَؤْءُودَة" عن أبي حيان (3). والثاني: الإِلباس بنحو "مُؤَنٌ" جمع "مُؤْنَة". [4] [الساكن ما قبلها]: وأما أمثلة الساكن ما قبلها سواء كان صحيحًا أو معتلًا فنحو: "أَبْؤُس" و"أَرْؤُس" و"أَدْؤر" جمع "دار" (4)، و"يَلؤُم" و"التَّفَاؤُل" و"مَسْئُول" و"مَشْئُوم"، إِلا أن الهمزة في مثل هذين الأخيرين تُحذف للقاعدة السابقة (5) نظرًا لنقل حركتها لفظًا إِلى ما قبلها. [المَوْءُودة]: وقد يكون بعد الهمزة حرف مَدّ كصورتها، وقبلها حرف كصورتها، نحو
[رابعا: التوسطة المفتوحة- "ولها أربعة أحوال"]
"المَوْءُودة"، فيجب حَذْفها لاجتماع الأمثال الموجِب لحذف أحدها، قال في "الهَمْع" (1): "ومنهم من يكتبها واوًا فيما إِذا كان بعدها حرف مَدّ للفرق بين المهموز وغيره، مثل "مَقُول" و"مَصُوغ"، لكن قال أبو حيان (2): إِذا كان مثل "رُؤُس" يكتب بواو واحدة مع أن تسهيله بين الهمزة والواو: فذا أَحْرى (يعني "المسْئُول" ونحوه) (3). قال: وقد كُتب في المصحف "المَؤْءُودَة" بواو واحدة، وهي المتصلة بالميم لا غير (4). وله وجه في القياس وهو أن الهمزة المضمومة لما حُذِفت بقى واوان، ومن عادتهم عند اجتماع صورتين في كلمة حَذْفُ إِحداهما، فلذا كتب بواو واحدة. إِلا أنه قد يُختار فيه في غير القرآن أن يُكتب بواوين، لأنه قد حُذِف من الكلمة في الخط حرف، فيُكره أن يُحذف غيره" انتهى. وقد استوفت المضمومة أحوالها الأربع. [رابعًا: المتوسطة المفتوحة - "ولها أربعة أحوال"]: [1] [إِذا كان ما قبلها مفتوحًا تكتب ألفًا]: وأما إِذا كانت الهمزة المتوسطة مفتوحة فيأتى فيها من الحذْف فتُكتب ألفًا إِذا كان ما قبلها مفتوحًا، سواء كانت هى مُخفَّفة أو مُشدَّدة أو ممدودة، نحو: "سَأَّل" و"تَذَأَّب" و"تَفَأَّد" بوزن "تكلَّم" و"الموأَّمة" (5): بوزن "المُعَظَّمة". والممدودة مثل "سَأَّل" و"سَأَّر" (6) و"لأَّل" (7) الثلاثة بوزن
[2] [إذا سبقها كسر ترسم ياء "رئاء- مئر- فئة- ناشئة"]
"جَبَّار" و"درَّاك" (1). ووجود الهمزة المشددة ممدودة في حَشْو الكلمة من النوادر. وتحذَف ألف المدّ التي بعد الألف المشدَّدة خطًّا كما تحذف من "مَآل" و "مَآب"، لا أنَّ الهمزة هى المحذوفة على ما هو مقتضى القاعدة السابقة (2). وقيل: لا تُحذف، بل تكتب ويجتمع ألفان كما في "الهَمْع" (3). وقد رأيتها مرسومة بألفين في بعض نسخ "الدُّرَّة" في هذا الشِّعْر يذم الخمر بقوله: سَأَّلةٌ للفَتَى ما لَيس في يَدِه ... ذَهَّابَةٌ بِعُقُولِ القَوم وَالمَالِ (4) وتُرسم ألفًا لا ياءً في وصف المكان بالمُطمَأنّ فيه. [2] [إِذا سبقها كسر ترسم ياء "رئاء - مئر - فئة - ناشئة"]: وترسم ياءً إِن سبقها كسْر، نحو: "رِئَاء" و"رِئَال" (جمع "رَأْل" ولد النعامة)، و"مِئَر" جمع "مِئْرَة" (وهي النميمة) (5)، و"فِئَة" و"مِائَة" و"رِئَة" و"نَاشِئَة" و"الخَاطِئَة" و"الوِئَام". [تَرْيِئة، تَرْوِئَة]: وقد يكون قبلها ياء، مثل: "سَيِّئَة" و"التَّرْيِئَة"، أو واوًا، مثل "رَوَّأَ في الأمر تَرْوِئَة وتَرْوِيئًا" (6).
[3] ["إذا سبقها ضم ترسم واوا"] [سؤال- مؤمن- دؤلى- رؤال- سؤال]
وفي كل ذلك يجوز إِبدالها ياء مَحْضة ونَقْطُها كما قُرِئ به في {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] و"الخَاطِئَة"، ومثله قول "الخلاصة": *أَحْرُفُ الإبْدالِ هَدْأتُ مُوِطيَا* (1) وكذا قول الزَّرْقَاء (2): * تَمَّ الحِمَامُ مِيَه* (3) تريد "مِائَة"، لأنه يجوز إِبدال الهمزة المفتوحة أو الساكنة بعد كسرة ياءً محضة ما لم يُوقِع الإِبدالُ في الإِلْباس، ولم يكن في الجِناس، فإِن أوقع لم يَجُزْ، كـ "المِئَر" وكـ"التَّسْوِئَة" (بمعنى التقبيح) إِذا كتبت همزتها ياءً يحصل الالتباس بجمع "المِيرَة" وهي الطعام، وتلْتبسُ "التَّسْوِئَة"، إِذا قُلبت الهمزة ياءً بـ "التَّسْوية": "أي المعادلة والمساواة بين الأمرين". [3] ["إِذا سبقها ضمٌّ تُرسم واوًا"] [سُؤَال - مُؤَمَّن - دُؤَلى - رُؤَال - سُؤَّال]: وترسم واوًا إِن ضُمَّ ما قبلها، نحو "سُؤَال" و"فُؤَاد" و"مُؤَمَّن" "كمُؤَجَّل"، و"دُؤَلى"، و"رجُلٌ سُؤَلة" كـ" هُمَزَة، لُمزَة"، و"رُؤَال" (كـ "لُعَاب" وَزْنًا ومَعْنىً)، و"سُؤَّال" كـ "طُلَّاب" وَزْنًا ومَعْنى، أي يُكثرون السُّؤَال والطلب والإِلحاح، ومنهم المعروفون "بالشَّحَّاثِين"، بالثاء المثلثة بدل
[مؤولع- مؤول- الدولى]
الذال المعجمة، والعوام تُبدلها بالمثناة. [مُؤَوْلعَ - مُؤَوَّل - الدُّوَلى]: وقد يكون بعدها واو ساكنة، مثل "مُؤَوْلَع"، أو مُشدَّدة مثل "مُؤَوَّل"، فتكتب واوًا كما صرح بذلك صاحب "إِصلاح المنطق" (1)، إِلا أن هذه لا تُقلب وإن نصَّ السيوطي (2) في "المزْهر" على أن الهمزة المفتوحة بعد الضَّمّ يجوز قلبها واوًا محضة، كما في "الدُّؤلى"، ونحوه (3)، كما نص على جواز قلبها ياءً بعد الكسر كما سبق. [4] [إِذا كان ما قبلها ساكنًا صحيحًا]: وإن كان ما قبلها ساكنًا: فإِن كان صحيحًا فالغالب كتبها ألفًا، نحو "يَسْأَل" و"يَسْأَم" و"مِسْأَب" (4)، و"مَرْأَة" (5)، و"كَمْأَة" (6)،
[إذا كان ما قبلها ساكنا (ألفا- أو واوا- أو ياء)]
و"رَجُلٌ هُزْأَة" (1). وقد يكون بعدها حرف مَدٍّ غير مُصَوَّر بصورة نحو: "مَلآن"، أو " مُصَوَّرًا ياءً نحو: "مَلأَى"، و"المَرْأَى"، و"يَنْأَى"، و"يَصْأَى" (2). [إِذا كان ما قبلها ساكنًا (ألفًا - أَوْ واوًا - أو ياءً)]: وإن لم يكن صحيحًا؛ بأن كان ألفًا نحو "تَضَاءَل" و"تَفَاءَل" و"تَثَاءَب" و"تَسَاءَلا" و"تَراءَى" و"مَسَاءَة" و"هَبَاءَة" و"عَبَاءَة" أو كان واوًا نحو: "تَوْءَم" و"يَوْءَم" و"السَّمَوْءَل". أو كان ياءً نحو: "جَيْئَل" (3) للضبع. و {عَذَاب بَيْئَس} (4) بمعنى شديد. و"هَيْئَة" و"فَيْئة" و"حُطَيْئَة" و"خَطِيئَة".
ولو كان قبلها ياءً أخرى نحو "يَيْئس" كـ"يَعْلَم" أو بعدها حرف مَدٍّ، كـ "السَّوْآء" (1) (ضد "الحَسْنآء") أو "السُّوأَى" (2) (ضد "الحُسْنَى"): فالغالب في ذلك حذفها لنقل حركتها للساكن قبلها، والإِدغام في غير الألف، وللتسهيل فيها، واستثقالًا لجمع مثلين. وقد لا تُحذف في مثل "السُّوأَى" خَوْف اللَّبْس كما يأتي في التنبيهات (3). قال في (الشافية): "ومنهم من يحذفها إِن كان تخفيفها بالنقل، نحو "مَسْئَلة" أو الإِدغام في نحو "هَيَّة" و"سُوَّة" و"خَطِيَّة"، إِذْ في كل منهما حَذْفٌ في اللفظ فحُذِف في الخَطّ أيضًا" اهـ (4). ولم يرتضى في (أدب الكاتب) (5) حَذْفَها من نحو "مَلأَى" و"يَنْأَى" و"المَرأَى". ومن العرب من يحذفها لفظًا في نحو "مَرْأة" و"كَمْأة"، فيقول: "مَرَة " و"كَمَة". وقد استعمل ابن مالك (6) هذه اللغة في (الخلاصة) حيث قال: *كَكَمْ رِجَالٍ أَوْمَرَهْ (7) *
[خلاصة الكلام عن الهمزة المتوسطة الأصلية بكل صورها]
قال البَطلْيُوسِى (1) في (الاقتضاب شرح أدب الكتاب): "والقاعدة الكلية أن كل همزة سُكّن ما قبلها سَوَاء كان حرفًا صحيحًا أو معتلًا أصليًا يجوز نَقْل حركتها إِلى ما قبلها على قياس التخفيف في "رَأْس" إِذا لم يَعْرِض ما يمنع من ذلك كما قيل في "كَمْاة" ثلاث لغات: تسكين الميم، وفتحها مع قلب الهمزة ألفًا على وزن "قَطاة" (2). ويجوز حذفها فتقول "كَمَة" مثل "مَرَة" (3). وسيأتى تتميم الكلام على ذلك مع ذكر قاعدة أخرى عند الكلام على الهمزة المتطرفة تقديرًا (4)، وهي المتصلة بها هاء التأنيث، نحو "خَطِيئَة" و"سَيّئَة" و"مَقْرُوءَة" و"سَوْءَة". وقد كَمَّلْتُ الأحوال الأربع في المفتوحة، وبها تمت الصور الخمس عشرة في المتوسطة. [خلاصة الكلام عن الهمزة المتوسطة الأصلية بكل صورها]: وحاصلها أنها تُكتب ياءً في ست صور وهي أحوال كَسْرها الأربع، وحالة واحدة من أحوال سكونها الثلاث، وحالة من أحوال فتحها الأربع. وتُكتب واوًا في ست صور أيضًا، وهي أحوال ضَمّها الأربع على مذهب سيبويه (5)، وحالة من أحوال سكونها، وحالة من أحوال فتحها.
وتُكتب ألفًا في ثلاث صور، ثنتين من أحوال فتحها، وحالة من أحوال سكونها. وتُحذف في حالة من أحوال فتحها، وهي ما سبقها أحد أحرف العلة الثلاثة أو كانت تُنقل حركتها لما قبلها وتَسْقط لفظًا. وإنَّ صورتين وقع فيهما الخلاف بين سيبوبه ممم والأخفش (1)، وهما: المضمومة بعد كَسْر، مثل "مِئُون" و"مُسُتَهْزِئُون". وعكسها المكسورة بعد ضم مثل: "سُئل" و"رُؤى". وكل من المذهبين له مُسْتَنَدٌ من القراءات كقوله تعالى: {لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة: 37]. قال القاضى: "قُرِىء" الخَاطِيون "بالياء"، وقُرِىء "الخاطُون" بحذف الهمزة والياء" اهـ (2).
[الهمزة المتوسطة تنزيلا أو عارضا]
[الهمزة المتوسطة تنزيلًا أو عارضًا] [تعريف الهمزة المتوسطة عارضًا]: وأما المتوسطة تنزيلًا أو عارضًا فقد يأتى فيها مثل المتوسطة أصالة. فالمتوسطة عارضًا هى المتطرفة التي عَرَض لها التوسُّط باتصال ضميرٍ أو غيره مما يأتى، تُسمَّى المتوسطة حُكْمًا، لأن حكمها حكم المتوسطة أصالة، ويأتى فيها جميع صورها كما سيأتى الكلام عليها بعد تمام الكلام على المتطرفة ظاهرًا (1). [تعريف الهمزة المتوسطة تنزيلًا وتفصيل الكلام عليها]: وأما المتوسطة تنزيلًا فهي التي تكون في أول الكلمة ودخل عليها ما صيرها حَشْوًا، فمنها التالية لحروف المضارعة التي هى بمنزلة جُزْء من الفعل، بل ادعى بعضهم أنها جزء منه لا بمنزلة الجزء كما في (حواشى الأشمونى)، ولا يأتى فيها جميع صور المتوسطة حقيقة. [كتابتها ألفًا إِذا وقعت ساكنة بعد فتحة]: بيان ذلك أنها: إذا وقعت ساكنة بعد فتحة كُتبت ألفًا، ومثاله: "لا نَأْمَنُ حتى تَأتُونا". [كتابتها واوًا إِن سكنت بعد ضمة]: وإن سكنت بعد ضمة كتبت واوًا، نحو "لا نُؤمن حتى تُؤْتُونى موثقًا"، ولو كان بعدها واو نحو {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ} [المعارج: 13] (2). [كتابتها يَاءً بعد حرف المضارعة المكسور] [تيذَنُوا - تِيمروا - تيثَم]
وإن كسر حرف المضارعة على لغة تميم وأسَد وغيرهم من العرب سوى قريش كُتبت ياءً، نحو "حتى تِئْذنوا أو تِئْمروا" ويجوز حينئذ إِبدالها ياءً، لأن إِبدال الهمزة الساكنة بحرف من جنس حركة ما قبلها سائغ قياسًا مطردًا كما سبق (1). وبهذه اللغة قُرِىء قوله تعالى: {فَكَيْفَ ايسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: 93] (2) قال ابن النَّحاس (3) في (تفسيره) (4): "وهي قراءة الأعمش (5) ويحيى (6) وطلحة (7) على لغة تميم الذين يقولون: "أَنا اِضْرِبُ" بكسر
الهمزة". وكذلك قوله تعالى: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 11] كقراءة {وَلَا تَرْكَنُوا (1) إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113] كما في (البيضاوى) (2). ومن ذلك قوله: لَوْ قُلتَ ما فى قومها لم تِيثَم ... يَفْضُلُها في حَسَبٍ ومِيسَمِ (3) ومعناه: لو قلتَ ما في قومها أَحَدٌ يزيد عنها في الحَسب والجمال لم تَأْثم. فلما وقعتْ الهمزة ساكنة بعد كسرة أبدلها ياءً على القياس. وروى على هذه اللغة بعض أحاديث في صحيح البخاري. وعليها أيضًا "تِيجَل" مضارع "وَجِل" قال شيخ الإِسلام على (الشافية): "واللغة العالية يعني الحجازية: "يَوْجَل"" اهـ (4). أي كما في التنزيل الكريم: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ} [الحجر: 53].
[كتابتها واوا إذا فتحت بعد ضم أو ضمت بعد فتح]
[كتابتها واوًا إِذا فُتحت بعد ضم أو ضُمَّت بعد فتح]: وإذا فتحت بعد ضمّ كُتبت واوًا، نحو "أُؤمّل" و"نُؤَمّل" كما إِذا سُكّنت بعد الضم فيما سبق ولو كان بعدها واو مُشدَّدة نحو "يؤوّل". وكذا تُكتب واوًا في عكس ذلك، وهو ما إِذا ضُمَّت بعد فَتْح، نحو "يَؤُمّ" و"يَؤُبّ" ولو كان بعدها حرف مَدٍ كصورتها نحو "يَؤول" و"يَؤُوب"، وإن كان القياس يقتضى أن تُحذف بقاعدة: (كل همزة بعدها حرف مدٍ كصورتها فإِنها تُحذف)؛ وذلك لما يلزم عليه من التباس صورة "يَؤُوب" و "يَؤُول" "الأَجْوَفَيْن -لو حُذف إِحدى الواوين- بصورة "يؤُبّ" و"يَؤُل" المضاعَفَيْن. وأيضًا تكون صورة الأجوفَيْن في غير الجزم كصورتهما في حالة الجزم، فالأحسن إِثبات الواوين رفعًا ونصبًا وحَذْفُ الثانية جَزْمًا، وإن لم أَرَ مَن تعرض لذلك فإِن الأصول لا تأباه. [كتابتها ياءً إِذا كُسرت]: وإن كسِرت كتبت ياءً، نحو "يَئِنّ" مضارع من "الأَنِين" ونحو "يَئِد" مضارع "وَأَد البنت" أي دفنها حيَّةً. وقد يكون بعدها ياءً نحو، "يَئِيد" مضارع "آد أَيْدًا" كـ"باع بَيْعًا" إذا قَوِى واشتد، وكان القياس يقتضى حَذْفها للقاعدة السابقة، لكن عارضه خَوْفُ الالتباس بمضارع "وَأَد". فالذي يظهر لي عدم العمل بالقياس الموقع في الإِلْباس كما سبق نظيره في "التَّسْوِئَة" ومن ذلك: "آمَتِ المرأةُ تَئيم" أي صارت أَيّمًا لا زَوْجَ لها. [دخول همزة الاستفهام على ما أوله همزة قطع]: وأما إِذا دخلت همزة الاستفهام على ما أَولُه همزة قطع مضمومة في المضارع نحو {أَؤُنَبِّئُكُمْ} [آل عمران: 15] أو على الماضي المبدوء بالهمزة نحو {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [ص: 8]. أو مفتوحة نحو {أَأَسْجُدُ} [الإسراء: 61]
{أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] أو مكسورة في الاسم نحو {أَئِفْكًا} (*) [الصافات: 86] أو في الحرف نحو "أَئنَّكَ": فلا تحُذف ألف القَطْع، بل تصَّور بمجانِس حركتها, لأنها حينئذٍ تُسهَّل على نحوه، فكُتب في الأول واوًا، وفي الثاني ألفًا، وفي الثالث ياءً من جنس حركتها في كلٍ. وجَوَّز الكِسَائى (1) وثعلب (2) الحذْفَ في المفتوحة فيكتب {أسْجُدُ} بألف واحدة، والمحذوفة همزة الاستفهام عند الكسائي، والثانية عند ثَعلب. وجوز ابن مالك (3) كتابة المضمومة والمكسورة بألف، نحو "أَأُنزل"، "أإِنك"، كذا في (الَهمْع) (4). وقد كُتبت {أَئِفْكًا} في مصحف البغداديين، وفي حديث البخاري عن عمر - رضي الله عنه - قال: "حُمِلتُ على فَرَسٍ في سَبِيلِ اللهِ فَرأَيتهُ يُباع،
[دخول همزة الاستفهام على همزة الوصل]
فسألتُ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم -: آشْتَرِيه" (1) ضبطه الشارح بهمزة ممدودة (2). [دخول همزة الاستفهام على همزة الوصل]: وأما إِذا دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل نحو {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153] فتُحذف همزة الوصل كما يأتى في باب الحذف. [دخول همزة الاستفهام على (إِنْ) الشرطية و (إِنَّ) الناسخة]: ومثل دخول همزة الاستفهام على الفعل والاسم فيما ذكرنا دخولها على "إِنْ" الشرطية و"إِنَّ" الناسخة الناصبة للأسماء، و"إِذَا"، كقوله تعالى: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19]، {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ} (*) [يوسف: 90]، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} (**) [الواقعة: 47]، فتُكتب الهمزة المكسورة ياءً اتباعًا للمصحف. وجَوَّز ابن مالك (3) في غيره كَتْبها ألفًا ثانية، بعد ألف الاستفهام، وهو القياس، مثل: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34]، ونحو {أَإِنَّكَ}. [دخول اللام الموطئة للقسم على "إِنْ" الشرطية -"لَئِن"]: وكذا إِذا دخلت اللام الموطئة للقسم على "إِنْ" الشرطية تُكتب همزتها ياءً. نحو قول أهل أَنْطاِكية (4) لرسل عيسى عليهم السلام {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا
[دخول اللام المكسورة على "أن" المفتوحة "لئلا"]
لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18]، وقول الشاعر: لَئِن جَاءَنى طَيْفُ الخيَال مُبَشِّرًا ... وَهَبْتُ له مالى وروحى ولا يَغْلُو (1) [دخول اللام المكسورة على "أَنْ" المفتوحة "لِئَلَّا"]: وأما إِذا دخلت اللام المكسورة على "أَنْ" المفتوحة فلا تُكتب إلا بالألف إِذا لم يكن بعدها "لا" النافية، وإلا كُتبت ياءً كما في المصحف "لِئَلا" على غير قياس (2)، وسهله إِدغام النون في اللام فصارت كالكلمة الواحدة كما مَرَّ (3). [دخول اللام المكسورة على ما أوله همزة مكسورة] [لِئِلَاف]: وأما إِذا دخلت اللام المذكورة على ما أوله همزة مكسورة نحو "إِيلَاد" و"إِيلَاف" (4) و"إِيلاء" (5) فتبقى الهمزة على صورتها ألفًا كما لو لم تدخل اللام، وكتب في المصحف {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} (*) [قريش:1]: بحذف الهمزة
[حينئذ- هؤلاء]
التي كانت تصور ياءً على غير قياس، لوجود حرف مدٍّ بعدها كصورتها على ما يجرى في الهمزة المتوسطة حقيقة. [حِينَئذٍ - هؤلاء] ومثل "إِذا" في كتابة همزتها ياءً بعد ألف الاستفهام: "إذ" المركَّبة مع "حِين" ونحوه، مِن الظروف الزمانية، فتُكتب في "حِينَئِذٍ" بالياء لِتوسُّطها تنزيلًا مكسورةً كما سبق في باب الوَصْل (1). وكذا "أولاءِ" إِذا دخل عليها حرفُ التنبيه فتُكتب همزتُها واوًا لِتوسُّطها تَنزيلًا مضمومةً وتَحذف واوُها التي كانت مزيدةً لمنع الاشتباه هكذا: "هَؤلاء" كما حُذفت "ها" التنبيه. مع ذلك قالوا: وكلُّ هذا على خِلاف القياس من أن الأصلَ في كل كلمة أن تُكتب على حسب انفرادها، وأن الهمزة تُكتب في أول كل كلمة ألفًا. قلت: فكأنه صار قياسًا ثانيًا اتبعوا فيه المصحف نظرًا للتسهيل.
[الهمزة المتطرفة ظاهرا في آخر الكلمة]
[الهمزة المتطرفة ظاهرًا في آخر الكلمة] [تعريفها ومجمل الحديث عن أحوالها الأربع]: وأما الهمزة المتطرفة ظاهرًا في آخر الكلمة -وهي التي لم يتصل بها ضمير تتغير معه حركاتها الإِعرابية، ولا ضمير رفع تُفتح معه دائمًا "وهو ألف الاثنين" أو تُضمَّ له دائمًا "وهو واو الجماعة في الفعل" ولا علامة تثنية أو جمع في الاسم، ولا ما تكسر لأجله أبدًا وهي الياآت "ياء المتكلم وياء النسب في الاسم وياء المؤنثة المخاطبة في الفعل" ولا هاء التأنيث التي يفتح ما قبلها دائمًا, ولم يُنَوَّن ما هى فيه نصبًا- فهذه الهمزة التي انتفى معها ذلك كله لها أربع أحوال باعتبار تَحرُّك ما قبلها بإِحدى الحركات الثلاث أو سكونه. ولا نَظر لحركتها نفسها التي تحدث لها إِعرابًا أو بناءً عند الوَصْل بما بعدها من الكلمات المنفصلة خَطًّا، لِمَا هو مشهور عند الجمهور، أن رسم الحرف المتطرف من الكلمة يُعتبر بتقدير الوقْف عليه. فإِن كان الحرف السابق عليها مفتوحًا كتبت ألفًا؛ لأنها تبدل بها عند الوَقْف قياسًا مطردًا. وإن كان مكسورًا صُوِّرت ياءً لِمَا ذُكر. وإن كان مضمومًا رُسمتْ واوًا لأنها تُسهَّل بها. وإن كان ساكنًا ولم تحدث له حركةُ إِتْباع لِمَا قبله ولا نَقْل مما بعده باعتبار تَحرُّك الآخر لو اتصل بما بعده: حُذفت الهمزة خَطًّا، فلا تُرسم بصورة حرف من أحرف العلة الثلاثة. [بيان جملة من أمثلتها باعتبار تحرك ما قبلها أو سكونه]: بيان جملة من أمثلتها على ترتيب ما سبق:
[1 - المسبوقة بفتحة]
[1 - المسبوقة بفتحة]: فمثال المسبوقة بفتحة من الأفعال: "بَدَأَ" و"بَرَأَ" و"نَتَأَ" (1) و"طَرَأَ" و"قَرَأَ" و"يَقرَأَ" و"يَطأ" و"يَتَوضَّأ" و"يَتَبَرَّأَ" و"يَتَجَزَّأَ". ومن الأسماء: "نَبَأٌ" و"خَطَأٌ" و"مَلْجَأٌ" و"مَبْدأٌ" و"مَنشَأٌ" و"مُبْتَدأٌ" و"مهَيَّأٌ". وجعلوا منها "امرأً" إِذا كان منصوبًا، كقوله عليه السلام: "رَحِمَ الله امرَأً. . . إِلخ" (2)، وقول الشاعر: إِنَّ امْرأً غَرَّهُ مِنكُنَّ وَاحِدَة ... بَعْدِى وَبَعْدَكِ في الدُّنيا لَمَغْرُورُ (3) ومثله قول امْرِئِ القيس (4) في المعَلَّقة: * عَقَرْتَ بَعِيرِى يا امْرَأَ القَيْسِ فَانزِلِ* (5) [2 - المسبوقة بكسرة]: ومثال المسبوقة بكسرة من الأفعال: "بَذِئَ" و"بَرِئَ" و"مَرِئَ فلان". (صار
[3 - المسبوقة بضمة]
كالمرأة هيئةً أو حديثًا)، و"لم يَجِى" و"لم يَفِئ" و"يُنشِئُ" و"يُقْرِئُ" و"يُهّيِئُ" و"يُبْرّئُ" و"يُبَوّئُ". ومن الأسماء: "ضِئْضِئ" (1) و"مُخْطِئ" و"مُلْجِئ" و"مُبْدِئ" و"مُنشِئ" و"مُبْتَدِئ" و"مُهَيِّئ" و"مُسْتَهْزِئ" و"مُقْرِئ" و"طارئ"، و"سَيِّئ" و"كُلَّ امْرِئٍ"، أعنى كلمة "امْرئٍ"، إِذا كانت راؤها مكسورة بأن كان اللفظ مجرورًا. [3 - المسبوقة بضمة]: ومثال المتقدم عليها ضمة من الأفعال: "بَذُؤَ الشئُ" و"رَدُؤَ" و"دَفُؤَ اليومُ" و"وَضُؤَ الغُلامُ" و"قَمُؤَ (2) العَدوُّ" و"وَطُؤَ المكانُ أو الفراشُ". ومن الأسماء: "ضُؤْضُؤٌ" (3) و"بُؤبؤٌ" (4) و"يُؤْيُؤ" (5) و"جُؤْجُؤٌ" (6) و"لُؤلُؤٌ" و"أَكْمُؤٌ" (7) و"هُزُؤٌ" (8)، وكذا "امْرُؤٌ" إِذا كان مضموم الراء بأن كان مرفوعًا ولو مضافًا إِلى "القَيْس"، كقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء:176]،
[4 - المسبوقة بساكن "ولها أربع صور"]
وكأن تقول: "قُتِل امْرُؤُ القَيْس (1) ما أَكفَرَه". ومن ذلك المصادر التي جاءت على التَفَعُّل أو التَفَاعُل ما لامُها همزة، مثل: "التَّباطُؤ" و"التّخَاجُؤ" (2) و"التَّلَكُّؤ" و"التَّفُيُّؤ" (3) و"التَّوَضُّؤ" و"التَّبَرُّؤ" و"التَّجَزُّؤ"، فكلها ترسم فيها الهمزة واوًا، إِلا ما كان قبلها واو مشددة كـ"التَّبَوُّء" فإِن كراهة اجتماع المثلين تقتضى عدم رسمها وإن لم يذكروا هذا المثال. [4 - المسبوقة بساكن "ولها أربع صور"]: وأما التي قبلها ساكن فتحتها أربع صور: الأولى: أن يكون الساكن صحيحًا مفتوح الأول أو مكسوره أو مضمومه، ولا يكون ذلك في الأفعال، بل في الأسماء فقط، نحو "وَطْءٌ" و"خِطْءٌ" و "بُطْءٌ" و"جُزْءٌ". والثانية: أن يكون معتلًا بألف، نحو "جَآء" و"شَآء" و"نَآء". من الأفعال أو من أسماء الفاعلين. و"جَزَاء" و"كِسَاء" و"رِوَاء" (4) و"رِدَاء". والثالثة: أن يكون معتلًا بياء، سواء كانت الياء حرف مَدٍ، بأن كان ما قبلها مكسورًا نحو: "يَجِئ" و"يَفِئ" و"يُضِئ" و"جِئ" و"سِئ" أفعالا، و"مِضِئٌ" و"هَنِئٌ" و"مَرِئٌ" و"مَلِئٌ" و"وَطِئٌ"، وكذا نِئٌ" (5) من الأسماء.
[الهمزة المتطرفة ظاهرا إذا سبقها ساكن حرك بالضم أو بالكسر]
أو كانت حرف لين، بأن فتح ما قبلها ولا يكون ذلك إِلا في الأسماء نحو "شَئٌ" و"فَئٌ" و"قَئٌ". والرابعة: أن يكون حرف العلة واوًا، سواء كانت حرف مَدٍ أيضًا بِأَن ضُمَّ ما قبلها، مثل: "يَبُوء" و"يَنوء" و"يَسُوء" من الأفعال، و"وُضُوءٌ" و"هُدُوءٌ" و"قُرُوءٌ" (1) من الأسماء. أو كانت حرفَ لِين، ولا يكون ذلك في غير الأسماء، نحو "ضَوْءٌ" و"نَوْءٌ" (2). أو لم تكن مَدًا ولا لِينًا، بل كانت مشددة، مثل: "التَّبَوُّء". ففى جميع ذلك لا يكون للهمزة صورة بحرف من أحرف العلة الثلاثة، لأنها في الأسماء تقلب من جنس ما قبلها، ويُدْغم فيها عند الوقْف إِن شُدِّد، أو تُحذف بالكلية ويُوقف على ما قبلها ساكنًا. إلا أن صاحب "الأدب" (3) قال في اسم الفاعل المنقوص ترسم همزته ياء في مثل "جائ" و"شَائِ" و"رَائِ" و"مرَائِ" و"مُرْئِ" و"مُنْئِ" (بوزن "مُكْرِم") أسماء فاعل نكرات، لئلا يكون في حَذف الهمزة إِجْحافٌ بحذفها وحَذْف ياء المنقوص التي تحُذف منه حَالَ التنكير، وتَثْبُت حال التعريف، فانظر ما ذكرناه في الفصل الرابع من فصول الحذف (4). [الهمزة المتطرفة ظاهرًا إِذا سبقها ساكن حُرِّك بالضم أو بالكسر]: هذا، وقولنا فيما سبق: "ولم تحدث له حركة إِتباع لما قبله ولا حركة نقل مما
[الهمزة المتطرفة تقديرا "تعريفها- إرجاء الحديث عنها"]
بعده" (1) للاحتراز عما إِذا حرك الساكن بالضم، نحو "جُزُؤٌ" و"كُفُؤٌ"، أو بالكسر نحو "رِدِئٌ" اتْباعًا لِمَا قبله المضموم أو المكسور، أو نُقلت إِليه حركة الهمزة الإِعرابية التي تُحرُّك بها عند الوصل والدَّرَج، فإِن بعض النحاة يُجوِّز ذلك لوروده في لغة تميم وكثير من العرب، كما في "الأشمونى" (2)، فيقولون: "أظهرتُ الخَبَأَ" يعني الخَبَء، و"هذا رِدُؤٌ" و"اجتمعت بِكُفِئٍ"، فيُصَّور الهمزة حينئذٍ بحسب الحركة العارضة للاتباع في المضموم، والمكسور دون المفتوح (نحو "الوَطْء") أو للنقل بالحركات الثلاث، حتى الفتحة. فإِن قلتَ: قد شرطوا في الحركة المنقولة أن لا تكون فتحة فلا يقال: "قَرأْتُ العِلم" بالنقل، بل يقال: "العِلِم" بالاتباع، أي بكسر اللام. قلتُ: قد استُثْنِي المهموز من هذا الشرط، فيقال: "رأيتُ الرّدَأَ" و"الخَبَأَ" في "الرِدْء" و"الخَبْء"، واغْتفِر فيه ذلك، كما اغْتفِر فيه الأَداء إلى عدم النظير في نحو: "هذا رِدُؤٌ"، كما في "الهَمْع" (3) و"الأشمونى" (4). هذا ما يتعلق بالهمزة المتطرفة ظاهرًا. [الهمزة المتطرفة تقديرًا "تعريفها - إِرجاء الحديث عنها"]: وأما المتطرفة تقديرًا (وهي التي تتصل بها هاء التأنيث العارضة التي لم تُبْنَ الكلمة عليها, ولا تكون الهمزة قبلها إِلا مفتوحة، نحو "عَبَاءَة" و"قِرَاءة" و"فُجَاءَة" و"هَنِيئَة" و"خَطِيئَة" و"فَيْئَة" و"حُطَيْئَة" -بالتصغير- و"مُرُوءَة" و"شُنُوءَة" و"سَوْءَة"). فسيأتى الكلام عليها بعد انتهاء الكلام على المتوسطة عارضًا (5).
[الهمزة المتوسطة عارضا]
[الهمزة المتوسطة عارضًا] [ما يتصل بالهمزة المتطرفة ظاهرًا فيجعلها متوسطة عارضًا]: فإِن اتصل بالهمزة المتطرفة ظاهرًا شىء مما لا يصح الابتداء به (مثل الضمائر، أو علامات الإِعراب الحرفية، أو إِحدى الياآت الثلاث المتقدمة)، سُمِّيت متوسطة عارضًا، أو متوسطة حكمًا، لما سبق من أن حُكْمَها حُكْمُها. [حالات كتابة الهمزة المتطرفة "عند الانفراد" همزة متوسطة عارضًا]: ولنتكلم عليها تفصيلًا، فنذكر على ترتيب ما قدمناه في بيان أحوالها الأربع وأمثلتها، فنذكر أولًا أحكام التي تُكتب ألفًا عند الانفراد إِذا اتصل بها ضمير تتغير معه حركتها الإِعرابية. فإِذا فرغنا منها ننتقل إِلى ما لا تتغير أحوالها معه، بك تُفتح دائمًا، وهو ألف الاثنين. ثم نشرع فيما تُضمُّ معه أبدًا، وهو الواو ضمير الجماعة، أو علامة الإِعراب. ثم نتكلم على ما تُكسر معه للمناسبة، وهو الياء علامة الإِعراب أو إِحدى الياآت الثلاث. ثم إِذا فرغنا من هذه الأحوال المتعلقة بما تكتب ألفًا عند الانفراد ننتقل إلى التي تكتب ياءً عند الانفراد، فنذكر حكمها إِذا اتصل بها شىء مما ذُكر على النسق المذكور في التي تُكتب ألفًا. ثم ننتقل إِلى ما تكتب واوًا عند الانفراد فنذكر ما يتعلق بها على النَّمَط المذكور فيما قبلها.
[أولا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة ألفا عند انفرادها]
ثم ننتقل إِلى الكلام على المحذوفة التي لا تُصوَّر بصورة عند الانفراد، فنقول: [أولًا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة ألفًا عند انفرادها]: [1 - اتصالها بضمير تتغير معه حركتها الإِعرابية]: إِذا اتصل الضمير بما تُكتب همزته المتطرفة ألفًا عند الانفراد فلهم في كتابة الهمزة حال الاتصال مذهبان: أولهما: وهو مَذْهب المتقدمين من الكُتَّاب: اعتبار حركة الهمزة نفسها لِتوسُّطها العارض، فتُرسم واوًا إِن ضُمَّتْ، وياءً إِن كُسِرتْ، نحو "أتانى نَبَؤُهُم" و"مَلَؤُهم" و"سمعت عظيمَ نَبَئهم لَمَّا مررتُ علىَ مَلَئهِم" و"سلَّمُته جِرابًا يملَؤُه" و"أعطيُته كِتابًا يَقْرَؤُه". وعلى هذا رسم المصحف في: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنبياء: 42] والحديث في "يا عَائِشُ هَذَا جِبْريلُ يُقْرؤُك السَّلامَ" على رواية (1). ثانيهما: وهو لغير المتقدمين: يبقيها ألفًا مطلقًا كما كانت حال الانفراد نظرًا لفتح ما قبلها وتطرفها، ففى نحو "مَن كان يَقْرَأهُ فَالله يَكلأُةُ ولا يَظهَر خَطَأُهُ عند مَلأه"، تُكتب الهمزة في الكلمات الأربع بالألف، ويدل على الحركة الإِعرابية بالشكل فيوقع شكل الضمة فوق الألف، والكسرة تحتها. وإنما اختار أصحاب هذا المذهب كتابتها ألفًا في الأحوال الثلاثة لأن اللفظ إِذا انفرد وأُريد الوقوف عليه تُبدل الهمزة ألفًا، فكذا يكون خَطًّا ولو اتصل الضمير بها، كما يُكتب بها مع اتصال الاسم الظاهر بها -كما أفاده في "الأدب" (2) - من غير تَفْرِقة بين الاسم والفعل.
[رأى للمؤلف]
والراجح المقدَّم المذهبُ الأول، لأن الضمير المتصل كالجزء من الأول، ولِمَا نقل أبو حيان (1) قولَ ابن مالك (2): "تُصَوَّر الهمزة بالحرف الذي تَؤُول إِليه في التخفيف إِبدالًا وتسهيلًا قال: (فعلى هذا يكتب "يَقْرَأُها" بالألف (3)، لأنها قد تُخفَّف بتسهيلها) بينها وبين الحرف الذي من حركتها، وتكتب: "ماءَنا" و"ماؤُك" و"بمائك" بالألف والواو والياء، لأنها تُخفَّف بجعْلها بين بين، لا بالإِبدال، وقال ثَعَلب: وربما أَقَرُّوا الألف وجاؤا بواوٍ في الرفع، وبياءٍ في الخفض، ولا يَجْمعون في النصب بين ألفين فيقولون: "كرهتُ خَطَأَه" و"ظهر خَطاؤُهُ" و"عَجبْتُ من خَطائِه"، والاختيار مع الواو والياء أن تسقط الألف، وهو القياس، فأما الألفان فإِن العَرَب لا تجمع بينهما" اهـ. كذا في "الهَمْع" (3). [رأىٌ للمؤلف]: ويقول الفقير: الجمع بين الألف والواو نحو: "ظهر خَطاؤُهُ"، أو الألف والياء في نحو: "من خَطَائِهِ" ليس مذهبًا ثالثًا جَمَع بين المذهبَيْن في كل كلمة، بل ذلك إِنما يَكون عند خَوْف الالتباس فقط؛ ففى "خَطَائِهِ" و"مَلَائه" و "ظَمَائِهِ" ونحوها زيادة الألف لمنع الاشتباه بـ"خِطْئه" و"مِلئه" و"ظِمْئه" المكسورة الأوائل حسبما ظهر لي، فتكون الألف هى المزيدة دلالة على فَتْح ما قبلها كما زِيدت في "مِائَة" لمنع اللبس. وكذا يقال في زيادتها في مثل: "مَبْدَائه" و"مَنشَائه" و"رواه مالك في مُوَطَائِه" (4)، لمنع الاشتباه بـ"مُبدِئه" و"مُنشِئه" و"مُوطِئه" أسماء فاعل. وفي مثل "مَبدَاؤُه" و"مَنشَاؤه"زيادتها لدفع المشابهة بينها وبين الجمع
[(2) اتصالها بضمير لا تتغير معه حركتها الإعرابية]
المضاف للضمير في نحو "مُبدءُوه" و"منشئوه" (اسمى فاعل) إِذا كانت الهمزة قبل الواو ولم تُصوَّر ياءً علىَ مذهب سِيْبَويْه دون مذهب الأَخفَش (1). [(2) اتصالها بضمير لا تتغير معه حركتها الإِعرابية]: [أ] [إِذا اتصل بها ما تُفتح معه دائمًا (ألف الاثنين)]: وإذا اتصل بنحو "قَرَأَ" و"يَقْرَأُ" و"يَطَأ" ما تُفتح الهمزة لأجله -وهي الألف الاسمية ضمير الاثنين- كُتبت معها، ويجتمع ألفان، وذلك لئلا يلتبس بالمُسْنَد للواحد في الماضي والمضارع المحذوف النون (نَصْبًا أو جَزْمًا) أو بالمسند للنسوة بالنسبة للمضارع المثْبَت النون رفعًا. وكانوا لا يحذفونها على القياس، ثم قدَّموا عليه خَوْفَ الإِلباس. وإذا ثُنَّى نحو "نَبَأٌ" و"مَلجَأٌ" و"خَطَأٌ" بالألف الحرفية التي هى علامة الرفع في التثنية -نحو: "هذان نَبَآن عظيمان" و"هذان مَلْجَآن" و"وقع منهما خَطَآن"- لم يُكتب بألف ثانية كراهةً لاجتماعهما مع أَمْن اللبس، ولجواز تسهيل الهمزة. [ب] [إِذا اتصل بها ما تُضمُّ معه دائمًا (واو الجماعة - الواو الحرفية)]: وإذا اتصل بنحو: "قَرَأ" و"يقْرأ" و"لَجَأَ" و"يَلْجَأ" و"يَكلأ" و"يَطَأ" و"تبوأ" ما تُضم الهمزة لمناسبته (وهي واو الضمير الاسمية في مثل "قَرَءُوا" و"يَقْرَءُون" و"تَبَوَّءُوا" و"يَطئُون" و"يَلجَئُون" و"يَكْلَئُون"): حُذِفتْ الهمزة بمقتضى القاعدة التي هى: (كل همزة بعدها حرف مَد كصورتها تحذف)، لأنها لو كُتبت كانت تُرسم بالواو التي هى من جنس حركتها، فيجتمع واوان، بل ثلاث واوات في مثل: "تَرَوَّأ" و"تَبَوَّأَ" إِذا أُسند كلُ منهما لضمير الجمع، كقوله تعالى في حق الأنصار -رضوان الله عليهم-: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} سورة [الحشر: 9]. وقد كُتب هذا الحرف بواو واحدة، وحُذفت الهمزة مع واو الضمير كما
[جـ] [إذا اتصل بها ما تكسر معه من الياءات]
فعل في "الموْءُوَدة"، وتقدم ما فيه عن أبي حيان (1). وإن كانت الواو الثانية هناك ليست ضميرًا، بل هى واو مفعول، كـ"مَسْئُول". وكذا تُحذف الهمزة إِذا اتصل بالاسم الواو الحرفية التي هى علامة إِعراب الجمع المذكر السالم بالرفع، نحو "مُلْجَؤن" و"مُرْجَؤن" و"مُقْرَءون" (بفتح الجيم والراء اسم مفعول) فتحذف نظرًا للتسهيل وعملًا بقاعدة: (كل همزة بعدها حرف مَدٍّ كصورتها ..) (2). أقول: ولو كُتبت ألفًا على لغة التحقيق جاز على ما حُكِى عن الفَرَّاء (3) فيما يأتى في فصل زيادة الألف في "مِائَة" أنه كان يقول: "يجوز أن تُكتب الهمزة ألفًا في أي موضعٍ وقعت" اهـ. إِلا أنهم رجَّحوا الكتابة على مذهب التخفيف للوجْهين اللذيْن ذكرناهما في المبادئ عن شيخ الإِسلام (4)، وكذا أول الباب عن (الهَمْع) (5). [جـ] [إِذا اتصل بها ما تُكسر معه من الياءات]: وإذا اتصل بالهمزة ما تُكْسر لأجله من الياآت (مثل الياء الاسمية التي هى ياء المخاطبة في الأفعال، أو ياء المتكلم في الأسماء، أو الياء الحرفية التي هى علامة إِعراب الجمع السالم، أو ياء النسب) ففيه تفصيل يأتى (6): مثال الياء الأولى: "لم تَقْرَئِى"، فيُكتب بياءيْن، خَوْفَ اللبس بـ"تقْرى" للمخاطب، أو "تقْرى" للغائبة، مضارع "قَرى"، كذا في (الشافية) و (شرحها) لشيخ الإِسلام (7). ويقال مثله في "تَشَآء" إِذا أسند للمخاطبة مجزومًا؛ بأن قيل: "لم تَشَائِى"، أو "إِن تَشَائِى" فيُكتب بياءيْن.
وأَرى أكثر النُّسَّاخ يحذف الهمزة بعد الألف كما كانت حال الإِسناد إِلى المذكر، ثم يكتب الياء بعدها مفردة. لكن القياس في الهمزة المتوسطة المكسورة كتبها ياء. وأما قول سلطان العُشَّاق - رضي الله عنه - (1) في (اليائية): إن تَشَىْ راضِيةً قَتْلىِ جَوىً ... في الهَوَى حَسْبى افْتخارًا أَن تَشَىْ (2) فلعله أجرى المهموز مجرى المعتل، مثل "رَعَى، يَرْعى" كما تقول للأنثى: "إن تَرْعَىْ"، ثم حَذَفَ الألف من "تَشَا" لالتقاء الساكنين، "وَوَصَل ياء المخاطبة الساكنة بالشين المفتوحة. ومثال ياء المتكلم في الأسماء: "مَلْجَاىَ" و"مَبْدَاىَ" و"مَنْشَاىَ"، فالقياس كَتْبُ الهمزة ياءً، اعتبارًا بحركتها على مذهب المتقدمين (3). لكنى لم أره في كثير من الكُتُب إِلا مكتوبًا بالألف على مذهب غير المتقدمين الذي سبق ذكره فيما إِذا اتصل بالاسم ضمير. وكذا إِذا اتصل به ياء النسب (نحو ابن مُلْجَم السَّبَأى" (4): نسبة إِلى سَبَأ. و"النَّسَأى" -على روايته بالقصر- و"الشَّنَأى": نسبة إِلى أَزْدَ شَنُوءَة): فحقُّه أن يُكتب بياءين، اعتبارًا بحركة الهمزة. لكن لم أره مكتوبًا إِلا بالألف فقط.
ثانيا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة ياء عند انفرادها
وقد يقال فيه "الشَّنَوِى". نَعَمْ، كُتب "الشَّنئِ" بالياء المصَّورة عن الهَمْز في بعض نسخ (صحيح مسلم). وكذا في بعض نسخ (صحيح البخاري): "الشَّنِّى" بحذف الهمزة بالكلية لفظًا وخَطًّا وإبدالها نونًا أدغم فيها ما قبلها. وأما إِذا اتصلت الياء الحرفية علامة الإِعراب في مثل "المقْرِئِين" فتُكتب الهمزة ياءً، اعتبارًا بحركتها، وكأنهم لم يُبالوا بالتباس اسم الفاعل باسم المفعول في نحوه، وفي ("مُرْجِئين" و"مُرْجَئِين") و ("مُلجِئِين" و"مُلجَئِين") اتِّكالًا على فَهْمه بالسياق. والسياق على مذهب سيبويه. وأما على مذهب الأَخفش (1) فاسم الفاعل بالياء كما لو كان مفردًا على ما سبق في "المسْتَهزِئِين" على مذهبه (2). ثانيًا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة ياءً عند انفرادها: (1) اتصالها بضمير تتغير معها حركتها الإِعرابية: وأما ما تُكتب همزته المتطرفة ياءً فلا تتغير عن ذلك إِذا اتصل بها ضمير تتغير معه حركة الهمزة الإِعرابية نحو: "يُبْدئُه" و"يُقْرِئُه"، و"هذا قَارئُنا" و"ذاك مُقْرِئُكم" و"هو يُكافئُه" و {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ} [الإِسراء: 38] و"سوْفَ يُنَبِّئُهُم"، "سَيِّئُهُم". هذا ما ذهب إِليه أبو سعيد الأَخفَش القائل باعتبار حركة ما قبلها إِذا كان مكسورًا وهي مضمومة، وهو الذي عليه النُّسَّاخ فيما أرى، دون مذهب سيبويه القائل بتصويرها واوًا إِذا كانت مضمومة اعتبارًا بحركتها نفسها. أقول: ولعلهم اختاروا ما عليه الأَخْفَش لكون صورة "يُقْرِئُه" الرباعى لا تلتبس بصورة "يَقْرَؤه" الثلاثى عليه بخلافه على مذهب سيبويه، ففيه اشتباه
(2) إذا اتصل بها ضمير لا تتغير معه حركتها الإعرابية
الصورتين. (2) إِذا اتصل بها ضمير لا تتغير معه حركتها الإِعرابية: (أ) إِذا اتصل بها ما تُفتح لأجله (ألف الاثنين): وإذا اتصل بنحو "بَرِئ" و"وَطِئ" و"يُهَيِّئ" و"يُقْرِئ" ضمير الاثنين، وهي الألف، نحو: "بَرِئَا" و"وَطِئَا" و"يُهيِّئَان"، أو اتصلت ألف التثنية بنحو "مُنشئ" و"مُسْتَهزِئ" و"طَارِئ" نحو: "أَتانى طَارِئانِ مُنشِئَانِ مُسْتَهْزِئَانِ": لم تتغير الياء (1)، بل إِنه يجوز إِبدالها ياءً حقيقةً، قياسًا مُطَّرِدًا. وكذا إِذا نُوِّن منصوبًا لم تتغير وتُكتب الألف بدل التنوين متصلةً بالياء مثل: "ضَحِكَ مُسْتهزِئًا". (ب) إِذا اتصل بها ما تُضم لأجله (واو الجماعة - الواو الحرفية): وإذا اتصل بالأفعال المذكورة واو الضمير مثل "وَطِئُوا أَرْضَهم" و"لكن لم يُبرئُوا مَدْيُونَهم" و {لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37] و"إِنَّهم يَسْتَهْزِئُون"، وفي حديث الصحيحين: "اسْتَقْرِئُوا القُرْآنَ مِن أَرْبعةٍ" (2): فلا تتغير صورةُ الهمزة بالاتصال عن كونها ياءً، ولا تحذف على مذهب الأَخْفَش دون مذهب سيبويه (3) القائل بحذفها لكون حقِّها عنده أن تُرسم واوًا اعتبارًا بحركتها واجتماع الواوين مُسْتَثْقَل خطًا كاستثقاله لَفْظًا، وإن جرى رَسْمُ المصحف كما عنده على حَذْفِها.
وكذا إذا اتصل بالاسم ما تُضَمُّ الهمزةُ لأجله كالواو علامة الإِعراب، نحو: هُمُ الُمسْتَهزِئُون"، فتُرسم الياء كما كانت في حال الانفراد. وهذا كالسابق في أنه على مذهب الأَخْفش، وعليه تتميز صورةُ اسم الفاعل من صورة اسم المفعول في نحو: "مُلْجِئُون" ونظائره مما يقع فيه الاشتباه، نحو "مُقْرِئُون" و"مُقْرَءُون" كما مَرَّ. و"اسْتَقْرءُوا" (بفتح الراء: ماضيًا) و"اسْتَقْرِئُوا" (بكسرها: فعل أمر). (جـ) إِذا اتصل بها ما تكسر لأجله (الياءات): وهذا بخلاف ما إِذا اتصلت به الياءُ الحرفية علامة الإِعراب، نحو من "القارِءِين" و"المستهزِءِين" و"المبْتَدِءِين"، فإِنَّ الأكثرين على حَذْف الهمزة خطًّا كرسم المصحف، وكما هو مُقتضى قاعدة (حَذْف كلّ همزة بعدها حرف مدٍ كصورتها). قال شيخ الإِسلام في (شرح الشافية): "وللفرق بينه وبين "مُسْتَهْزِئَيْن" في التثنية، فإِنه يُكتب بياءين، وكان الجمع أَوْلى بالتخفيف، لأنه أثقل، هذا هو الأكثر. وقد يُكتب الجمع أيضًا بياءَيْن، لأن اجتماعهما أَهْونُ من اجتماع الواوين" اهـ (1). يعني فلا يُقال: لِمَ جَوَّز "المسْتَهزِئِين" بياءيْن (2)، ولَمْ يُجوِّز أحدٌ كتابة "المستَهْزِؤُن" بواوين؟!. وأما إذا اتصلت ياءُ المخاطبة بنحو "تَسْتَهْزِئ" و"تَتَّكِئ" و"تُقْرِئ" و"تُطفِئ"، وكان مرفوعًا بثبوت النون (مثل: أَنتِ "تَتَّكين" و"تَسْتَهْزِين" و"تُقْرِين" و"تُطفِين")، فتُحذف الياء المصوَّرة بدلًا عن الهمزة في حال الانفراد مثل ما سبق في "المستهزِين" (3) بمقتضى القاعدة المتقدمة.
بخلاف ما إِذا حُذفت النون للجازم (نحو: "لم تقرئى")، أو كان فعل أمر (نحو: "أَطْفِى" و"اتَّكِى") فإِن الهمزة المصوَّرة ياءً إِذا خيف اللَّبْسُ لا تُحذف (1)، والأكثر حَذْفُها بمقتضى الكلية المتقدمة (2) كما في قوله: * أَبْطِئى أَوْ أَسْرِعى (3) * فرارًا من اجتماع صورتين، بل ثلاثة، كما في قول كُثيِّر عزَّة (4): *أَسئِى بِنَا أَوْ أَحْسنِى لا مَلُومَة* وقول الآخر: فقلتُ لها: فِئى إِليْكِ فإنَّنى ... حَرامٌ وإِنِّى بَعْدَ ذَاكِ لبيبُ (5) وكذا إِذا أُضيف نحو: "شَىء" أو "مجِىء" إِلى ياء المتكلم، كأن تقول "نَفَعَنى مَجِيّى إِليْك"، فيُحذف الهمزة، لاجتماع الأمثال الموجِب لحذف أحدها كما إِذا اتصلت به ياءُ النَّسب لذلك لا لقاعدة (كل همزة بعدها حرف مَدٍ ..) (6)؛ لأن ياء النسب مُشَدَّدة ليست حرفَ مَدٍ، وياء المتكلم
ثالثا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة واوا (عند الانفراد)
أصلها الفتح كما قاله في (شرح الشافية) (1). ثالثًا: في حالة كتابة الهمزة المتطرفة واوًا (عند الانفراد): وأما ما تُكتب همزته المتطرفة واوًا من نحو: قَمُؤَ" (2) و"رَدُؤَ" و"وضُؤَ" ولُؤْلُؤ" و"أكْمُؤٌ" (3) و"التَّخَاجؤ" (4) و"التَّبرُّؤ": فلا يتصل بها ضميرٌ تتغير حركة الهمزة معه، إِلا في الأسماء دون الأفعالِ الثلاثية المضمومةِ الوسط، فإِنها قاصرةٌ لا تتعدي إلى المفعول، فلا يتصل بها ضميره. وأما الأسماء فتُضاف إِلى الظاهر والمضمر، فإِذا أُضيفت للضمير وكانت مجرورة (كأن تقول: "طَبَخْنا صَيْدًا وأكَلْنا من جُؤْجُؤِه" (5) -أي: صَدْرِه- و"رأيتُ جَوْهرًا عَجِبتُ من تَلألُؤِه"، و"هَؤُلاءِ القومُ يُؤْمَنُ مِن تَوَاطُؤِهم على الكذِب، وذلك لتَكَاَفُؤِهم" و"عَجِبتُ من تَجَرُّؤهم على الشر مع تَبَرُّؤهِم") فمذهب سيبويه (6) كتابتها بالياء، اعتبارًا بحركتها كما سبق نظيره في "سُئِل" و"رُئِى" (7)؛ لأنه يسهلها بين الهمزة والياء. والأخفش (8) يعتبر حركة ما قبلها ويبدلها من جنسها. وقد اقتصر في (الأدب) على كتابتها بالواو حيث قال: "فتكتبها واوًا في "مررتُ بِأكْمؤِكَ" (9).
وكان بعضهم يعتبر حركة الهمز الإِعرابية ولو عند الانفراد، كما يدل له قول (الهَمْع): "وإن كان ما قبلها مضمومًا فالبواو، نحو: "هذه الأَكْمُؤ" و"رأيتُ الأَكْمُؤَ". إِلا أن تكون هى مكسورة فبالياء نحو: "مِنَ الأكمىء" إِن قلنا بتسهيلها بين الهمزة والياء، وبالواو إِن قلنا بإِبدالها واوًا" اهـ (1). والتسهيل مذهب سيبويه، والإِبدال مذهب الأخفش. هذا, ولم يتكلم في (الهَمْع) ولا في (الأدب) على المصادر التي على التفاعل، كـ"التَّخَاجُؤ" و"التَّبَاطؤ"، والتَّفَعُّل، كـ"التَّبَرؤ" و"التَّجَزُّؤ"، ورأيت في (القاموس) ما نصه: "ووَهِم الجْوهرىُّ في "التَّخَاجِئ"، وإنما هو "التَّخَاجِى" بالياء، إِذا ضُمَّ هُمِز، وإذا كُسِرَ تُرِكَ الهَمْزُ" اهـ (2). وكأنه يَرُدُّ على الحريرى (3) أيضًا حيث عد من أوهام الخَوَّاص قولَهم: "التَّباطِى" و"التَّوَضِى" و"التَّبَّرى" و"التَّجزّى"، وأن الصواب: التَّباطُؤ" و"التَّوضُّؤ" و"التَّبَرُّؤ" و"التَّجَزُّؤ" .. إِلى آخر ما قاله في (الدرة) (4). يقول الفقير: صحيح أن قَلبَ الضمة كسرة إِنما يكون في المعتل، لا المهموز ولا الصحيح، كما هو مشهور عند الجمهور من القواعد الصرفية، إِلا أنه كَثر في كلام الفضلاء المتقدمين والمتأخرين من الفحول والأساطين، وفشا في
كتبهم التعبير بـ"التَّجزّى" و"التَّبرِى" ونحوهما، فلعلهم أَجْرَوْا المهموز مجرى المعتل في هذا كما فعلوا في غيره من النظائر، فجعلوا "التَّجزّى" و"التَّبرى" و"التَّوَضّى" مثل "التَّحَرّى"، وأجروا "التَّبَاطِى" و"التَّخَاجِى" (1) مثل التَّجارى" و"التَّرامِى"، وكان أصل المصدر في التَّحرِى" على وزن التَّفَعُّل: "التَّحَرى" بضم الراء، فقلبوا الضمة كسرة لمناسبة الياء، كما انقلبت ضمة التفاعُل كسرة في "التَّجَارِى" فكذلك هنا لما رأوا في "التَّباطُؤ" و"التَّبرُّؤ" أن الهمزة بعد الضمة في الطَّرْف تُبدل واوًا (والحال أنه ليس لهم اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة) فقلبوا الواو ياءً، ثم قلبوا الضمة كسرةً لمناسبتها كما يُؤخذ مما ذكر في (شرح الشافية) (2) و (القاموس) (3) عند الكلام على "أَدْلٌ" و"قَلَنْسٌ" جمعى: "دَلْو" و"قَلَنْسُوَة"، وكان الأصل: "قَلَنْسُوٌ" و"أَدْلُوٌ" بوزن "أَفْعُلٌ". والحاصل أنه يجوز كَتْبها بالياء ويُلفظ بها ياءً إِذا كُسِر ما قبلها، فتُنقط حينئذٍ باثنتين من تحت، أو همزة فلا تُنقط. هذا على قياس سيبويه (4) في التسهيل بين بين.
وأما على قياس الأخفش (1) فتُكتب بالواو، لأنه يُبدِلها بها. على أن بعض العرب يقول: "توضَّيْت" و"تَبَرَّيْت"، كما أنه يقول في "بَدَأْتُ" و"قَرَأْتُ": "بَدَيْت" و"قَرَيْت" كما في "الصِّحاح" (2). ولعل الشاعر مَشى على هذه اللغة في قوله: يا بَدْرُ أَهْلُك جَارُوا ... وعلَّمُوك التَّجَرّى ويمكن إِجراء كلام المتقدمين على هذه اللغة وإن كانت ضعيفة، ويسقط عنهم توهين الحريرى إِياهم (3). وإذا اتصل بنحو "رَدُؤَ" و"قَمُؤَ" (4) و"وَطُؤَا" ما تُفتح الهمزةُ له -وهو ألف الاثنين (5) - لم تتغير الواو. وكذا إِذا ثُنِّى "بُؤْبؤٌ" (6) و"لُؤْلُؤٌ" ونحوهما (7). وكذا (8) إِذا أُسند الفعل إِلى واو الجماعة مثل "وَضُؤُوا".
وهل لا يُقال: تُحذف الهمزة المصوَّرة واوًا على قياس (كل همزة بعدها حرف مدّ .. إِلخ) (1)؟ والجواب: نعم لا تُحذف، لمعارضة القياس بخوف الالتباس بالمسنَد إِلى ألف الاثنين كما قالوا. نظيره في "قَرَأَ" إِذا أسند لاثنين. ويُحتمل أن يقال بالحذف، لأن اجتماع الواوين أثقل من اجتماع الياءين كما مَرَّ في "المُسْتَهْزِئُون" (2) إِن قلنا بالرجوع إِلى القرائن والاعتماد على السباق والسياق، فإِنى لم أَرَ أَحدًا تعرض لذكر ذلك. ولعله لقلة شهرته في الاستعمال. وكذا إِذا اتصل بنحو "لُؤْلُؤٌ" و"كُفْؤٌ" و"يُؤْيُؤٌ" (3) ياء المتكلم أو ياء النسب، كما في قوله: حَفِظَ المهَيمْنُ يُؤْيُؤِى وَرَعَاهُ ... ما فى اليآيِئى يُؤْيُؤٌ يسْواهُ (4) على مذهب الأَخْفَش دون مذهب سيبويه (5) رابعًا: في حالة الهمزة المتطرفة المحذوفة التي لا تصور بصورة عند الانفراد: وأما الهمزة المحذوفة من نحو "وَطْءٌ" و"خِطْءٌ" و"بُطْءٌ" كـ"خَبْءٌ" و"رِدْءٌ" و"قُرْءٌ" -إِذا اتصل بها ضمير- فتُكتب بحرف من جنس حركتها الإِعرابية، ففى نحو: "حرم عليه وَطْؤُها" تُكتب واوًا، وفي "خُذْهُ بِمِلْئِه"
تُكتب ياء، وفي "رأيت الجيشَ وردْأَه" تُكتب ألفًا. وإذا ثُنِّي نحو "جُزْءٌ" بالألف لم تُكتب الهمزة مع ألف التثنية، لقاعدة "كل همزة بعدها حرف مدٍ كصورتها". وإذا ثُنى بالياء كُتبت الهمزة ألفًا، ومثله "قُرْء" (1)، إِذا ثَنَّيْتَه تُكتب ألف التثنية وتُحذف الهمزة في حالة الرفع دون ما عداها. وإذا نظرتَ لتحقيق الهمزة وأردتَ الشَّكْل في نحو: "يُحسب لها من عدَّتها قُرْءَان" فلا تضعْ فوق ألف التثنية همزة، أي قِطْعة، بل تضعها قبلها، وَلا تضع فوقها أيضًا مَدّةً، لئلا تُحاكى صورة اسم التنزيل الكريم. وإذا نَوَّنتَ نحو "خِطْءٌ" و"جُزْءٌ" منصوبًا كُتبت الألف بدل التنوين، ولا تضع فوقها قِطعَة الهمَز، لأن الهمزة محذوفة بقاعدة "كل همزة بعدها حرف مَدٍ" (2) كما ذكره في "الشافية"، قال شيخ الإِسلام في "شرحها" (3): (وليست الألف في "رأيتُ خَبْئًا" صورة الهمز، وإنما هى الألف التي يُوقف عليها عِوَضًا عن التنوين، مثلها في "رأيت زيدًا"). وإذا اتصل بنحو "جُزْءٌ" ما تُكسر الهمزةُ لمناسبته في جميع أحوال الإِعراب، وهي ياء المتكلم، وكذا ياء النسب كُتبت الهمزة ياء، ويجتمع ياآن. إِن قلتَ: هَلَّا حذفوا الأولى بمقتضى الكلية المتقدمة؟ قلتُ: من المعلوم أن ياء النسب مُشدَّدة ليست حرفَ مَدٍ، وياء المتكلم أصلها الفتح، فكأَنَّ الهمزة لم تجتمع مع حرف مَدٍ اعتبارًا بالأصل كما قال شيخ الإِسلام في "شرح الشافية" في الكلام على "رِدآء" إِذا أُضيف لياء المتكلم، قال: "فإِنه يُكتب بياءين في الأكثر، وكذا نحو "الحِنَائى" -
كالكِسَائى (1) - مما اتصل به ياء النسب، وفي غير الأكثر تُحذف الهمزة المصوَّرةُ ياءً" اهـ (2). أي فيكتب مثل "النَّسَآءِى" الممدود على هذا الأقل بياء واحدة، وكذا مثل "وَرَآء" إِذا أضيف لياء المتكلم يُكتب بياء واحدة في غير الأكثر (3)، لأنك قد تَحْذف الهمزة وتجعله كالمقصور، وتفتح الياء (4)، ولكن الأكثر إِثباتها، حتى يجوز تسهيلها بياء في الجناس كما حكى الفخر الرَّازِى (5) في "التفسير الكبير" في المسئلة [17] من الكتاب الأول من المقدمة، حيث قال: "ويقال في المثل: "قال الجَدَارُ للوتد: لِمَ تَشُقُّنى؟، قال: سَلْ مَن يَدُقُّنى، فإِنَّ الذي ورايى ما خَلَّانى ورايى" (6). وإذا اتصل بنحو "جَآءَ" و"نَآءَ" و"شَآءَ" ضميرُ المفعول لا ترُسم الهمزة ألفًا، لكراهة اجتماع المثلين كما هو ظاهر، بخلاف ما إِذا أسند لضمير الاثنين، نحو: "إِنَّ الغُلامَيْن جآءَا"، فتَثْبُت ألفُ الضمير لمنع الالتباس بالمسنَد للواحد. وكذا تُحذف الهمزة من نحو "جَآءَ" إِذا أُسند لضمير الجمع، مثل "جآءَوا"
و"بآءُوا" بمقتضى الكلية السابقة. قالوا: والمرسومة هى واو الضمير، فلا ينبغى وضع قِطْعة الشَّكْل عليها الموهِم أنها هى الهمزة، وأن واو الضمير الفاعل محذوفة. وإذا أُضيف نحو "وَرَآء" و"رِدآء" و"رِوآء" (1) "مما قبل همزته المتطرفة ألف" إِلى ضمير: كُتبت بحرف من جنس حركتها الإِعرابية فتُرسم في الجرياء، مثل {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} [إِبراهيم: 16]. وفي الرفع واوًا، مثل "أعجبنى رِوَاؤُه". ولا تُكتب في النصب ألفًا، كَراهةَ اجتماع المِثليْن كما إِذا نَوَّنتَه منصوبًا، فلا تُكتب ألف التنوين نظرًا لوقف حمزة (2) على نحو "عَطَا" و"جَزَا" المنصوبَيْن، فإِنه يقف على الألف بغير همز ولا تنوين. وكان بعضهم يكتبها ولا ينظر للقراءة المذكورة، ثم هُجِرت كتابتها الآن كما سيأتى إِن شاء الله في فصل ألف التنوين من باب الزيادات (3). هذا، وقولنا أولًا: "إِلى ضمير"، أي مُطلقًا, ولو ضمير المتكلم الذى هو الياء، كما سبق قريبًا عن شيخ الإِسلام بحسب الأكثر (4).
ومثل ياء المتكلم ياء النسب في "نحو" الكِسَائى" و"النَّسَائى" و"الحِنَائى"، كما سبق أيضًا (1). وإذا اتصل ضمير المفعول بنحو "يجىء" و"يفىء" و"يسىء"، رباعيين مما قبل همزته المتطرفة ياءُ مَدٍ (نحو: "من المال الذي يفيئُهُ الله على المؤمنين" و"هذا يُسِيئُه"). لم تُرسم الهمزة، وإنما تُرفع نَبْرة لتُركز عليها قِطعةُ الشَّكْل، سواء كان الفعل مرفوعًا أو منصوبًا، نظرًا لتحقيق الهمز. وكذا لو اتصل بها ضمير الاثنين نحو "لم يَجِيئَا" و"لم يَفِيئَا"، أو ضمير الجماعة كقول ابن الفارض (2) في "اليائية": بَل أَسِيئُوا في الهَوَى أَوْ أَحْسِنُوا ... كُلُّ شَىءٍ حَسَنٌ منكُمْ لَدى (3) قال السيوطي (4) في "شرح اليائية": إِن هذا البيت مأخوذ من قول كُثيِّر عَزَّة: * أَسِيئى بِنَا أَوْ أَحْسِنى لا مَلُومة .. * (5) ففى جميع ذلك لا تُصوَّر الهمزة ألفًا ولا ياء ولا واوًا، وإنما إِذا نظرنا للتحقيق تُوضع الهمزة -أي القطعة من الشَّكْل- في مُتَّسع الياء بينها وبين الألف أو الياء أو الواو، أو على النَّبْرة، أو بدونها، ومثل "أَسِيئِى": "فيئِى" أَمْرًا للمخاطبة كما مَرَّ آنفًا (6). وكذا إِذا ثُنِّى "المجىء" و"الرَّدىء" أو "المَلِىء" فتَكتب "مَجيَّان" و"مَليَّان" بدون تصوير الهمزة ياءً، نظرًا لكونها تُقلب ياء، ويُدْغم فَيها ما قبلهاَ ويُكتفى بياءٍ واحدة.
وإذا أُضيف ما قبل آخره واو إِلى ضمير -ولو ياء المتكلم- ترسم فيه الهمزة ياء في الجر، نحو "وُضُوئِه" و"وُضُوئِى"، ولم يرسموها واوًا في الرفع ولا ألفًا في النصب. قلتُ: وكان الأنسب رسمها ألفًا في النصب، وأما حذفها في الرفع فله وجه ظاهر. وإذا أُضيف ما قبل همزته ياء نحو "شىءٌ" و"فَىءٌ" و"قَىءٌ" إِلى الضمير مطلقًا فلا تُصوَّر الهمزة بصورة حرفٍ أصلًا، بل تستمر محذوفة كما كانت قبل الإِضافة، نظرًا لجواز الإِدغام بعد القَلْب من جنس ما قبلها وإن لم يحصل ذلك بالفعل، كما في حديث الصحيحين: "العَائِدُ في هِبَتِه كالكَلْبِ يَقِىءُ ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ" (1)، وتقول: "هذا فَيْئُك" و"شَيْئُكَ" و"فَيْئهُ" و"شَيْئُهُ" رفعًا، وكذا نصبًا وجرًا، و"فَىِّ" و"شَىِّ"، فتحُذف الهمزة ولا تُصوَّر بواو رفعًا, ولا بياء جرًا، نظرًا لقلبها ياء، وإدغام ما قبلها فيها, ولذلك قال القسطلانى (2) في حديث: "وَلْيَتَجَاوزْ عَن مُسِيئِهِمْ" (3): "بتحقيق الهمزة ويجوز إِبداله ياء مشددة" اهـ (4).
[الهمزة المتطرفة تقديرا]
[الهمزة المتطرفة تقديرًا] [تعريفها]: بقى الكلام عن الهمزة المتطرفة تقديرًا (1): وهي التي تتصل بها هاء التأنيث في الاسم، صحيحًا كان أو معتلًا ولا يكون ما قبلها إِلا مفتوحًا. وإنما قلنا "تقديرًا" لأنهم قالوا: هاء التأنيث في تقدير الانفصال كما في "حواشى" الأشمونى، وذلك نحو: "مرأة " و"امْرَأَة" و"كَمْأَة" و"فَجْأَة" و"فُجَاَءَة" و"عَبَاءَة" و"مَقْرُوءَة" و"شَنُوءَة" و"خَطِيئَة" و"رَدِيئَة" و"سَبيئة" و"هنيئة" و"دنيئة" و"سَوْءَة" و"هَيْئَة" و"فَيْئَة" و"جَيْئَة" و"حُطيئَة" (تصغير "حَطأَة") بمعنى القصير. [طريقة كتابتها في الاسم الصحيح]: وحكمها أنها تكتب في الصحيح ألفًا، بخلاف المعتل فلا تُصوَّر فيه بصورةٍ ما، لا ياءً ولا ألفًا، غَيْرَ أَنَّ المتأخرين رفعوا لها نَبْرَةً كالسِّنَّة في مُتَّسع ما قبل الهاء لتُركَّزَ عليها القِطعةُ عند الشَّكل بالتحقيق، لتتميز الياءُ السابقة على الهمزة بكونها ياءً حقيقية عن الياء المصوَّرة بدلًا عن همزة، نظرًا للتحقيق. فإِسقاط الهمزة نظرًا للتسهيل، ووضْعُ القِطعةِ نظرًا للتحقيق كما فعلوا مثل ذلك في نحو: "مَسْئُول" و"مَشْئُوم"؛ رفعوا لها نَبْرةً لتُركَّز عليها القِطعةُ، لا أنها ياء بدلًا عن الهمزة التي تصوَّر ياءً في غير ما هنا، فلا يصح جعلُها ياءً منقوطة، فذلك خَطَأٌ كما نَبَّه عليه العلامة الأمير (2) أول "حاشيته"
[سبب كتابة الهمزة المتطرفة تقديرا ألفا في الاسم الصحيح]
على (المغنى) (1). وبعض الكُتَّاب يضع القِطعة في بحر السين من غير ارتفاع سِنَّة زائدة عن الثلاث. [سبب كتابة الهمزة المتطرفة تقديرًا ألفًا في الاسم الصحيح]: وإنما رُسمت الهمزة في الصحيح ألفًا ولم تُرسم فيما فيه حرف مَدٍّ أو حرف لِينٍ لقاعدتين: الأولى: ذَكَرها البَطَلْيَوْسى (2) في (الاقتضاب): "وهي أن كُلَّ همزة سُكِّن ما قبلها -سواء كان حرفًا صحيحًا أو معتلًا أصليًا- فإِلقاء حركتها على ما قبلها جائز إِذا لم يَعْرِض ما يمنع ذلك" اهـ (3). أي كما تقول في "مِسْأَب" (4) "بوزن: مِنْبَر": "مِسَاب" كـ "كِتَاب". وكما تقول في "كَمْأَة" (5) و"فَجْأَة": "كَمَاة" و"فَجاة" (بوزن: "قَطَاة وحَصَاة" بِنقْل حركة الهمزة إِلى ما قبلها وقَلْبها ألفًا لَيِّنة. ومما فيه المانع نحو: "هُزْأَة" (6) و"تُكْأَة" (7) (بسكون ثانيهما، بمعنى: مَهْزُوء به، وَمتَّكَأ عليه) فإِنك لو فَتحتَ الثاني منهما التبس بهما اسمى فاعل؛ بمعنى: أنه هو يَهْزَأُ بغيره، ويَتَّكِأُ على غيره.
وكذا مما فيه المانع نحو: "يَنْأَى" و"مَلأَى" و"المَرْأَى" و"السَّوْأى"، فإِن الألف إِذا حُذفت خَطًّا -نظرًا للنقل- يحصُل التباس بمضارع "وَنِىَ" وبـ"مَلِئ" و"المرِىء" و"السَّوِى". القاعدة الثانية: وذكرها في "الشافية" ونقلها في "الكليات" (1) فيما إِذا كان الساكن قبل الهمزة معتلًا غير أَصْلى، وهي أن كل ياءٍ ساكنة بعد كسرة أو واو ساكنة بعد ضمة -وهما زائدتان للمدِّ لا للإِلحاق، ولا هما من نفس الكلمة وبعدهما همزة- فإِنها تُقلب واوًا بعد الواو، وياءً بعد الياء، وتُدغم الأُولى في الثانية، سواء كانت الهمزة متطرفة حقيقًة أو تقديرًا. مثال المتطرفة حقيقة فيهما: "مَلِىء" و"رَدِىء" و"وُضُوء" و"هُدُوء". ومثال المتطرفة تقديرًا: "مَلِيئَة" و"رَدِيئَة" و"دَرِيئَة" (2) و"مُرُوءَة" و"مَقْرُوءَة". قال في القاموس: "و"شَنُوءَة"، وقد تشدد الواو" اهـ (3). أي فنقول: "شَنُوَّة" (4) كما تقول: "مَلِىّ" و"رَدِىّ" و"وُضوّ" و"هُدُوّ" و"مَلِيَّة" و"رَدِيَّة" و"دُرّيَّة" و"مُرُوَّة" و"مَقْرُوَّة". وكذا يقال في "شَىء" و"سَوْء" و"هَيْئَة" و"سَوْءَة" (5). وقُرِئ: {كَوْكَبٌ دُرِّيء} و {دُرِّيٌّ} (6)، وكذا {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]. بتشديد الياء.
ففى جميع ذلك يُدغم ما قبل الهمز من الياء أو الواو في مثله من الياء والواو المنقلبتين عن الهمز، فلهذا سَقَطتْ صورة الهمزة خطًّا وإنْ هَمَزَها القارئ، نظرًا للغة التحقيق. وبالنظر لتلك اللغة جعلوا في محل الهمز قطعةً من الشَّكْل ليكون المنظور له في رَسْم الحروف لغةَ التخفيف، وفي الشَّكْلَ لغةَ التحقيق كما مرت الإِشارة لمثل ذلك (1). وأما إِسقاط الهمزة خَطًّا من نحو: "مَسَاءَة" و"بَرَاءَة" فبالنظر لتسهيلها كما قاله في "الهَمْع" في نحو "عَبَاءَة" و"قِرَاءَة". قلت: وأما كتابة "عَبَايَة" بالياء فلأَنَّ فيها لغةً بالياء الحقيقية غير لغة الهَمْز بوجْهَيْهَا المحقَّقة والمخفَّفة كما يُعلم من "القاموس" (2). وإذا جمعتَ نحو "فَجْأَة" و"كَمْأَة" (3) بالجمع السالم فقلتَ: "فَجَآت" و "كَمَآت" (بتحريك ثانيها، على وزن "سَجْدَة" و"سَجَدَات") لا تكتب الألف الملازمة للتاء في جمع المؤنث، كراهة اجتماع المِثْلين. ومثله إِذا جمعت "وَطْأَة" (4) على "وَطَآت"، فلا تُرسم قبل الألف ياءً، وإنما تضع فوق الألف مَدَّةً، حتى إِذا لم تضعها ولم تضع همزًا فوقها أو قبلها لا يُتوهم أنها تلتبس بالفعل الماضي من "الوَطْء" المسنَد للضمير؛ لأن ذاك يكتب بالياء بعد الطاء المكسورة. وهذا بخلاف ما إِذا جمعتَ الممدود من نحو "مَسَاءَة" و"قِرَاءَة" و"فُجَاءَة" فإِنك تُثبت أَلف الجمع قبل التاء، لأنها لو حُذفتْ يكون فيه إِجحافٌ بحذف ألفيْن من ثلاثٍ في كلمة كما نص عليه في "الأدب" (5).
تنبيهات
تنبيهات الأول: في اجتماع الهمزة المفتوحة في الكلمة مع الأَلِفات، واجتماع الهمزة المكسورة مع الياءات، واجتماع الهمزة المضمومة مع الواوات. [اجتماع الهمزة المصورة ألفًا مع ألِفيْن]: قد عرفت مما سبق أنه قد يجتمع في الكلمة ثلاثُ ألفات، أُولاهن مهموزة: كأُخْراهنَّ، وهما مُصوَّرتان بالألف، نحو: "بُرآأ"، وكذا "آأ" -اسم شجر- وكذا قول ذى الرُّمَّة (1): فيا ظَبْيَةَ الوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلاجِل ... وبَيْنَ النَّقَا آأَنتِ أَمْ أُمُّ سَالمِ؟ (2) على لغة مَن يُدخل ألفًا بين همزة الاستفهام وهمزة الكلمة كما في "الأدب (3) " وكُتب التفسير والقراءات، يعني أنهَ يمُدُّ همزة الاستفهام. وقد تجتمع الثلاث، وأُولاهن مُصوَّرة ياءً، نحو {رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264]، فتُحذف الأخيرة، لا الأُولى التي يجوز نَقْطُها وإبدالها ياءً.
[اجتماع الهمزة المصورة واوا مع واوين]
وقد تجتمع الثلاث، والأُولى والأخيرة مُصوَّرتان بالألف، فتسقط الهمزة المتوسطة بينهما، بمعنى أنها لا ترسم ألفًا مثل "جَاءَا" مُسندًا للاثنين. وكذا "جَزَاءَان" و"رِدَاءَان" و"قِرَاءَات". وقد تُحذف الهمزة والألف بعدها، وذلك في نحو "عَطآءً" و"جَزآءً" "المنوَّنيْن" نَصْبًا، وكانوا أولًا يُثبتون الألف بدل التنوين، لِئَلَّا يكون في حذفها إِجحاف بحذف اثنتين، ثم تركوها نظرًا لقراءة حَمْزة في الوقف على مثله كما مَرَّ (1). [اجتماع الهمزة المصورة واوًا مع واويْن]: وقد تجتمع الهمزة المصوَّرة واوًا مع واوين، وتكون هى بينهما، فتُحذف، مثل: {الْمَوْءُودَةُ} [التكوير: 8]، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]، {لِيَسُوءُوا} [الإسراء:7]. وقد تكون سابقة عليهما نحو "يُؤْوُنَ"، فلا تُحذف هى، بل إِحدى الواوين كَراهة اجتماع الأمثال الموجب لحذف أحدها. [اجتماع الهمزة المصورة ياءً مع ياءَيْن]: وأما اجتماع الهمزة المصورة ياءً مع الياءين فقد تكون بينهما مثل "فِيئِى يا هند ولا تُسِيئِى" و"في هذا الكلام تَيْئِيسٌ من كذا". وقد تكون سابقة عليهما مثل قول سَواد بن قَارِب رضي الله عنه (2). أَتَانِي رِئِىّ (3) بَعْدَ هَدْءٍ وَرْقَدةٍ ... وَلَمْ أَكُ فِيما قَدْ بُليتُ بكاذِبِ
كما في "المواهب" (1)، وكما في صفحة [156] من [6] القسطلانى عند ذكر قصة إِسلامه في باب إِسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2). وقد تكون بعدهما مثل "يَيْئِس" -بكسر الهمزة- فمقتضى قولهم: "اجتماع الأمثال مُوجِبٌ لحذف أحدها" أنه يجب حذفها في غير محل الإِلبْاس. وفي "شرح" السَّعد (3) على "تصريف" العِزِّى (4) أنهم قد يَحذْفون الياء الثانية من "يَيْئِس"، يعني إِذا لم يحصُل التباسٌ في الخط بالفعل الماضي، فانظره (5). وقد تجتمع الثلاث والوُسْطى همزة والأولى ألف لينة كالأخيرة المرسومة ياءً، كقوله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} (6) [الشعراء: 61]، وكقول البخاري: "باب إِثم من رَاءَى على نسخة أبى ذَرّ، وفي غيرها "رَايى" بإِبدال الهمزة ياءً مفتوحة (7) ".
[حالات نقط الياء التي توضع عليها الهمزة والمانع من ذلك]
هذا، وذِكْرُ اجتماع الواويْن مع الهمزة المصوَّرة واوًا، واجتماع الياءيْن مع الهمزة المصوَّرة ياءً وإن كان حقُّهما أن يُذكرا في بابيْهما -لكن لما كان جَمْعُ النظائر أشوق للنفوس- تعجيلًا لفائدة الإِحاطة بدوائر الأشباه- دعاني ذلك إِلى الاستطراد للمناسبة. [حالات نقط الياء التي تُوضع عليها الهمزة والمانع من ذلك]: التنبيه الثاني: كل همزة صُوِّرت ياءً لا يجوز نَقْطُها إِلا إِذا جاز قلبها ياءً؛ بأَن وقعت ساكنة أو مفتوحة بعد كسرة، مثل "ذِئْب" و"خَاطِئَة". وكذا إِذا كسرت بعد فتحة كما في "أَئمَّة". ومثلها التي تقع بعد الكسرة مضمومة، نحو "مِئُون" و"يَسْتَهْزِئُون" على رأي الأخفش كما سلف (1). وأما التي في نحو "سَائِل" و"جَائِر" و"قَائِل" (سواء كان أصلها الهمز كما في الأولين من "السُّؤَال" و"الجُؤَار". أو عن واو كما في الأخيرين من "الجَوْر" و"القَوْل". أو عن ياء كما في الأول والأخير من "السَّيَلان" و"القَيْلُولة". أو كانت في الجمع بدلًا عن حرف مَدٍ زائدٍ في المفرد مثل "قَلَائِد" و"قَصَائِد". أو كانت عن همزة فيه مثل "مَسْأَلة" و"مَسَائِل": ففى ذلك كله لا يجوز نَقْطها, لأنها لا تُبدل ياءً محضة، وإنما كُتبت بصورتها؛ لأنها تسهل بينها وبين الهمزة. ولذلك جعل في (المغنى) من اللحْن قول الفقهاء "بايِع" بالياء الحقيقية كما يأتى ذلك بأتم مما هنا في الخاتمة إِن شاء الله تعالى (2).
[تسهيل الهمزة واوا أو ياء والمانع من ذلك]
[تسهيل الهمزة واوًا أوْ ياءً والمانع من ذلك]: التنبيه الثالث: قد عُرف مما سبق أن تسهيل الهمزة المصوِّرة واوًا أو ياءً أو إِبدالها بحرف من جنس حركتها مُقَيَّدٌ كما في (الاقتضاب) بما إِذا لم يمنع مانعٌ كما سبق (1)، وإلا لم يجز؛ بأنْ أَوْقَعَ في الالتباس، ولم تُقصد به المشاكلة أو الجناس، أو كان التسهيل مُخِلًّا بوزن البيت كما في قول ابن الجَزَرى (2): وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمهْ ... فيما عَلَى قارئه أَن يَعْلَمَهْ (3) فإِن المحشِّى قال هناك: "لا يجوز تسهيل همزة "قَارِئِهِ" لئلا يفسد الوزن (4). ومثال ما يُوقع في الالتباس: "سُؤْر"، فإِنَّ معناه مهموز غير معناه بالواو (5). وكذلك "يُؤْجر" مهموزًا غيره بالواو، من "الوُجُور" (6). وكذلك "يُؤَدِّى" المهموز غير معنى "يُودى" بالواو، فإِن الأول مضارع "آدَى" بمدّ الهمزة (مثل "آذَى") ومعناه قَوِىّ، يقال: آدَى يُؤْدِى إيداءً فهو مُؤْدٍ، أي: قوىّ، بوزن: آذَى يُؤْذى إيذاءً فهو مُؤْذٍ. وأما الثاني الذي بالواو فهو مضارع: أَوْدَى يُودِى، بمعنى: هَلَكَ. وكذلك "المِئْرَةُ" -مهموزة، بمعنى النميمة- غير "المِيرة" بالياء فإِنها الطعام المجلوب.
وكذا "التَّسْوِئَة" -مهموزة، بمعنى التقبيح- غير "التَّسْوِيَة" بين الشيئين. وكذا "المُضِىء" المهموز غير "المُضِىّ" المدغم. وقد قال فيه مُحشّى (القاموس) (1): "يجوز تسهيله وإدغامه عند قصد التجنيس". وقال القسطلانى (2) في حديث: "أرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا" (3): "هو بالهمز، من "آدَى" بمعنى قوىَ، ولا يجوز تسهيله، لئلا يصير من "أَوْدَى" التي معناها الهلاك"، فانظره في صفحة [98] من الجزء الخامس (4).
الفصل الثاني في الألف اللينة
الفصل الثاني في الألف اللينة * [الألف اللينة: تعريفها وصورها]: قالوا: إِن اسم الألف عند الإِطلاق لا ينصرف لغير الليِّنة، وهي التي تُسمَّى الهوائية والهاوى والجَوْفية، لكونها من جَوْف الفم وهوائه؛ أي خَلائه كما قاله في (شرح الجَزَرِية) (1). وتُسمَّى حَرْفَ مَدِّ. وكذا تُسمَّى حرف لِين عند النُّحاة، بخلاف القُرَّاء. ولا يكون ما قبلها إِلا مفتوحًا. ومِن ثَمَّ لا تتأتَّى فيها جميع الصور الخمس عشرة المتقدمة في الهمزة المتوسطة (2)، وإن كانت تقع حَشْوًا وطرفًا. ولا تكون في لغة العرب أصلية إِلا في الحروف وما أشبهها من الأسماء المبنية المتوغلة في شبه الحرف، نحو "أَنَّى" و"أُولِى" (اسم إِشارة) و"الأُلى"
(اسم الموصول بمعنى الذين أو اللاتى) دون الأسماء المعربة والأفعال، فلا تُوجد فيهما حَشْوًا إِلا مُبدلة من إِحدى أختيها الياء والواو، أو من الهمزة. وتُسمى حينئذٍ بالألف المحوّلة، كالتى في "باع" و"قام" و"آمن". وتارة تكون فيهما زائدة، وتُسمى عند الصرفيين بالمجهولة، وهي كل ألف لإِشباع الفتحة في الاسم أو الفعل. فالتى في الاسم كألف "فَاعِل" و"فَعَال" و"فَاعُول" و"فَعْلان" و"فَواعِل" و"فَعَائل" و"مَفَاعِل". والتي في الفعل مثل "فَاعَل" و"تَفَاعَل". وأما التي في الطرف فتارة تكون مُبدلة من إِحدى أُخْتَيْها، كالتى في "رَمَى الحَصَى بالعَصا" و"عَفا". وهذه المبدَلَة: منها ما يُكتب ياءً ولو كانت واوية الأصل. ومنها ما يكتب ألفًا ولو كانت في أصل المادة يائية على ما يأتى (1). وتارة تكون الألف الطرفية مبدلة من الهمز، مثل "قَرَأ" و"تَوَضَّأ" و"تَبَرَّأ" و"تَجَرَّأ"، فإِن إِبدال الهمزة ألفًا بعد الفتحة عند الوقف قياس مُطَّرِد. وهذه لا تكتب إِلا ألفًا مراعاةً لأصلها، إِلا عند إِجراء المهموز مجرى المعتل، كقولهم: "الجزء الذي لا يَتَجَزّى" فإِنهم قالوا في المصدر "التَّجزّى". وتارة تكون مبدلة من أحد طرفى التضعيف نحو "تَمطَّى" و"تَلَعَّى" و "تَظنَّى" و"تَقَضَّى" و"تَسَرَّى" و"لَبَّى" و"أَمَلَّى الكتاب" أصلها: " تمطَّط" و" تَلَعَّع " و"تَظَنَّن" و"تَقَضَّض" و"تَسَرَّر" و"لَبَّب" و"أَمْلَلْتُ الكتاب"، بدليل قوله تعالى: {فَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} (2) [البقرة: 282]. ويجوز أن تقول: "تَسَرَّرُتُ" على الأصل، و"تَسَرَّيْتُ " على الإِبدال. وكذا "تظنيت" و"تَظنَّنْتُ"، والبقية. منها قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]، فالأصل: "دسَّسَها".
وهذه المبدلة من التضعيف تُكتب ياءً لا غير. وتارة ما يكون بدلًا عن ياء المتكلم كالتى في "يا أَسَفَا" و"يا حَسْرَتَا" و"يَا وَيْلَتَا" و"يا أَبَتَا" ونحو ذلك. وهذه تكتب ألفًا، ويصح كتبها ياءً تبعًا لرسم المصحف (1). وتارة تكون بدلًا عن إحدى النونات الثلاث السواكن، وهي نون التوكيد الخفيفة ونون "إِذَنْ" والتنوين وهذه سيأتى لها فصل مستقل (2). وتارة تكون زائدة. إِما لمعنىً (كالتى للتأنيث في نحو "سَلْمى" كـ "سَكْرَى") أو للإِلحاق في نحو "كِيصَى" (3). أو للتكثير في نحو "قَبَعْثرى" (4) و"الشَّنْفَرَى" (5) (وهذه تكتب ياءً). وإما أن تكون زيادتها للإِشباع وبيان الحركة في المبنيات أو غيرها، نحو "بَيْنَا" و"أَنَا" على المذهب البصري الناظر لأفصح لغاتها دون الكوفى. ومن هذه ألف الإِطلاق، أي إِرسال الصوت بإِشباع الحركة، كقول الرَحْبِى (6):
* أَوَّلُ ما نَسْتَفْتح المَقَالا (1) * وكقول ابن الفارض رضي الله عنه (2): تِهْ دَلالًا فَأَنتَ أَهْلٌ لِذَاك ... وتَحكَّمْ فالحُسْنُ قَدْ أَعْطَاكَا (3) وقول غيره: * قَضَيْتُ نَحْبًا ولم أَقْضِ الَّذِى وَجَبَا (4) * وقول الأَخْضَرى (5): * فَهَاكَ مِن أُصُولِهِ قَوَاعِدَا (6) * فهذه لا شبهة في كَتْبها ألفًا، كما أَن ألف الإِعراب التي هى علامة رفع المثنى كذلك نحو: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] لكن هذه من حروف المعانى لا من حروف المبانى.
[أحوال رسم الألف اللينة (أربعة أحوال)]
وبالجملة فقد ذكر في (القاموس) من أنواعها ثمانية عشر نوعًا بعد ما حَصَرَ أُصولها في ثلاثة: أصلية ووصلية وقطعية (1). [أحوال رسم الألف اللينة (أربعة أحوال)]: وأما أحوالها من حيث الرسم فهي أربعة أحوال: الأولي: أن تُوجد لفظًا وخَطًّا في الحَشْو أو في الطرف، كألف "رِئَال" (2) و"رُؤَال" (3) و"قَام" و"دَعا" و"عَفَا". الثانية: أن تُوجد في الحَشْو لفظًا، لا خطًّا، كالتى في "هَذَا" و"هَذهِ" و "هَؤُلاءِ" و"لَكِن" و"الله" و"الرَّحمن". أو تُوجد في الطرف كذلك لفظًا لا خَطًّا، كالتى في نحو "عَطاءً" إِذا كان منونًا منصوبًا ووُقِف عليه، فإِن ألف التنوين لا تكتب فيه. الثالثة: تُوجد في الطرف دائمًا وتُكتب ياءً إِن لم يسبقها ياء، كالتى في "رَمَى الحَصَا" و"لا يَخْشَى الفَتَى" على تفصيلٍ يأتى (4). الرابعة: تُكتب ألفًا دائمًا، وتسقط لفظًا عند الوصْل، وهي أربعة أنواع: ألف الإِشباع في "أَنَا" على اللغة الفصحى، وألفات العِوَض من النونات الثلاث المتقدم ذكرها (5). لا يقال: (بقى عليك أن تذكر لها حالة خامسة، وهي التي تُزاد خطًا ولا يُلفظ بها أصلًا، وهي نوعان: المزيدة حَشْوًا في "مِائَة"، والمزيدة طَرْفًا للفصل في نحو "ضَرَبوا")، لأَنَّا نقول: هذه ليست من موضوع الكلام الذى هو الألف. وأما تسميتها ألفًا فإِنما هو باعتبار الصورة الخطية، ولا تُذكر هنا، وإنما تُذكر في باب الزيادات كما يأتى الكلام عليها في فصلها (6).
[تفصيل الكلام عن الألف اللينة من حيث الرسم]
[تفصيل الكلام عن الألف اللينة من حيث الرسم] [الألف المتوسطة (أصالةً أو عارضًا) والمتطرفة]: وتفصيل الكلام على الألف اللينة من حيث الرسم هو أن المتوسطة أصالةً أو عارضًا لا تُكتب إِلا ألفًا، فلا تُكتب ياءً ولا واوًا وإن أُمِيلَت، بل ولو كان أصلها الياء. ومنها المتطرفة تقديرًا، كالتى في "فَتَاة" و"قَنَاة". وقد كُتبت المتوسطة عارضًا بالياء في المصحف مثل: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [النحل: 28] نظرًا للإِمالة. وكذلك أهل الأندلس يكتبون في غير المصحف الألف الحشْوية الممالة بالياء كما يدل له قول (القاموس) "بُنيل جَدُّ محمَّد بن مسلم الشاعر الأندلسى (1): الأصح أنه ممال، ولكنهم يكتبونه بالياء اصطلاحًا" (2). وقد كُتبت المتطرفة تقديرًا بالواو في أربع كلمات من المصحف، وهي: "الصَّلَوة" و"الزَّكَوة" و"الحَيَوة" و"مِشْكَوة". ولكنها لا تُكتب في غيره كذلك كما نقله في (الكليات) (3) عن (الإِتقان) (4).
وتقدم عن أبي حيان وشيخ الإِسلام (1) أنها تُكتب في غيره كما تُكتب فيه استحبابًا، وإن خالف القياس (2). وسنذكر بقية أحكام المتوسطة عارضًا بعد تمام الكلام على المتطرفة (3).
[الألف المتطرفة في الأسماء والأفعال والحروف]
[الألف المتطرفة في الأسماء والأفعال والحروف] وأما الألف المتطرفة في الأسماء والأفعال والحروف: فمنها ما يجب كَتْبُها ألفًا ولا يجوز بالياء. ومنها ما يجب كَتْبُها ياءً. ومنها ما يجوز فيها الأمران. ولا يجوز كَتْبُها واوًا أصلًا ولو كانت واوية الأصل، سوى "الربا" في المصحف. [أولًا: الألف المتطرفة التي يجب كتبها ألفًا ولا يجوز بالياء]: [1] [في حروف المعانى (لولا - كلا - إِلا. . . .)]: فالتى يتعين كتبها ألفًا ولا يجوز بالياء هى ما كانت في حرف من حروف المعانى، مثل: "لَوْلا" و"كَلَّا " و"إِلّا" و"مَا" و"لَوْمَا" و"حَاشَا". ويُستثنى من الحروف أربع كلمات وهي: "إِلى" و"عَلَى" و"بَلَى" و"حَتَّى"، فهذه الأربع تُكتب بالياء وجوبًا، لوجود المقتضى لذلك، وهو انقلابها ياء مع الضمير في مثل: "إِلَيْهِ" و"عَلَيْه" و"إِلَيْك" و"عَلَيْك"، والإِمالة في "بلى". وأما "حَتَّى" فإِما أن يكون حَمْلًا على "إِلى"، لأنها بمعناها -كما هو قول شارح (الشافية) (1) - وإما فَرْقًا بين دخولها على الظاهر ودخولها على المضمر كما هو تعليل أبى حيان الذي نقله عنه في (شرح الهَمْع) (2). إِمَّا لا: وأما كلمة "لا" في قَولهم: "إمَّا لا فافعل هذا" فهي -وإن كانت تُمال-
لكن لا تكتب ياءً على المشهور كما قاله في (شرح مسلم) (1) وكذا القَسْطلانى على البخاري (2)، لأنها وردت في عدة أحاديث من (الصحيحين)، كقوله صلوات الله عليه للأنصار: "إِمَّا لا فاصْبرُوا حتى تَلْقَوْنِى" (3)، وقوله لهم رضوان الله عليهم: "فإِمَّا لا فلا تَتَبَايَعُوا حَتى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ" (4). وكقول ابن عباس: "إِمَّا لا فَسَلْ فُلانَة الأَنصارِيَّة" في حديث ذكره مسلم في باب "وجوب طواف الوداع وسقوطه على الحائض" (5). وإنما قالوا على المشهور ردًا على الصَّغَانى (6)، فإِنه كتبها في
[2] [أسماء حروف الهجاء حال قصرها]
"المشارق" (1) بالياء في الحديث نظرًا لإِمالتها. [2] [أسماء حروف الهجاء حالَ قصرها]: ومثل حروف المعانى في ذلك أسماء حروف الهجاء حَالَ قَصْرِها، فإِنها لا تكتب إِلا بالألف وإن جازت إِمالتها، حتى في القرآن أوائل السور، كما في البيضاوى (2) حتى لا تجد المعلِّمين لصغار المكاتب لا ينطقون بها إِلا ممالة، وذلك لكونها تُقلب ياءً في جمعها بالألف والتاء، فتقول: "كتبت بَيَات" و"تَيَات" وحيات و"خَيَات" كما في "المُزْهِر" و"الهَمْع" (3)، وكذا الشَّنَوانى (4) على "الآجُرُّومِيَّة" (5). [3] [في الأسماء المبنية ما عدا "أَنَّى - مَتَى - لَدَى - الألى - أُولِى"]: وكذلك الأسماء المبنية تكتب كلها بالألف وجوبًا، سوى خمس كلمات، وهي: "أَنّى" و"مَتَى" و"لَدَى" و"الأُلى" (اسم الموصول المرادف للذين في الجمع)، و"أُولِى" (المشار بها للجمع). فهذه الخمس تُكتب بالياء، وجوبًا
[تفصيل الكلام عن "لدى"]
للإِمالة في الأُوليين، ولقلبها ياءً مع الضمير في "لَدَيْه"، وللزيادة على ثلاثة أحرف في الأَخيريْن، ولو باعتبار الكتابة في "أُولِى" الإِشارية، وإن لم أَرَ مَن ذكر هذا التعليل للأَخيريْن. [تفصيل الكلام عن "لَدَى"]: هذا، وقد رأيت سنة 1227 أيام مجاورتى بالمقام الأحمدى بطنْتَدا (1) في "حاشية" شيخنا الجَمْزُورِى -الشهير بالأفنْدِى (2) - على "تُحفة الأطفال" و"شَرْحها" له تفصيلًا في "لَدَى"، وهو أنها تُكتب بالياء إِن كانت بمعنى "في"، وتُكتب بالألف إِن كانت بمعنى "عِند" (3) وقَرَّره كذلك في درسه،
ولم أَجِد هذا التفصيل لغيره فيما اطلعت عليه من كُتُب الفن، مع أنهم قالوا: إِن "لَدَى" متضمنة لمعنى "عِند"، ثم رأيت السُّجَاعِى (1) على "ابن عقيل" (2) في باب العدد عند قول "الخلاصة" (3). *وقُل لَدَى التأْنيث إِحْدى عَشْرَهْ* نقل عن أستاذه الملَوِىّ (4) التفصيل المذكور، وأنها في كلام ابن مالك (5) بمعنى"في" (6).
[الألف التي في آخر الأسماء المعربة والأفعال]
وقد عَدَّ في "القاموس" "لَدَى" فيما أَلِفُه عن ياءٍ (1). [مهما]: وزاد بعض النحاة -كابن مالك (2) - على الخمسة المتقدمة كلمة "مهما" فقال: إِنها تكتب بالياء. وهو مبنى على القول ببساطتها كما نقله الأمير (3) في (حاشية المغنى) عن التسهيل (4). ولهذا لا أراها في كثير من كتب المغاربة إِلا مكتوبة بالياء، لكن الذي عليه الجمهور أنها ليست بسيطة، بل مركبة من كلمتين، فتكتب بالألف مثل "لوما". [الألف التي في آخر الأسماء المعربة والأفعال]: وأما الألف التي في آخر الأسماء المعربة والأفعال: فإِن كان ما يقتضى كتبها بالياء كتبت بها ما لم يوجد مانع من ذلك أو مسوغ لكتبها بالألف، أو كان هناك مقتضٍ لكَتْبها بالألف كتبت بها كما هو الأصل، ولا يجوز كَتْبُها بالياء، حينئذ، اللهم إلا أن يعارضه مانع من الألف، أو يوجد مُسوّغ للياء. [مقتضيات كتابة الألف المتطرفة ياءً أو ألفًا "على الخيار باعتبار
[(أ) مقتضيات كتابة الألف المتطرفة ياء]
لغتين"]: وإذا وُجد المقتضى للألف باعتبار لغة، والمقتضى للياء باعتبار لغةٍ أخرى كنت بالخيارين: كتبها ألفًا وكَتْبها ياء، وتُرجح إِحداهما بكثرة الاستعمال. ونبين لك ذلك تفصيلًا على طريق السلف والنشر فنقول: [(أ) مقتضيات كتابة الألف المتطرفة ياءً]: أما الذي يقتضى كَتْبُها ياءً فهو ما ذكره ابن هشام (1) في باب الوقف أواخر "القطر" بقوله: "وترسم الألف ياءً إِن تجاوزتْ الثلاثة كـ "اشْتَرَى" و "المصطفى"، أو كان أصلها الياء .. إِلخ" (2)، يعني أن المقتضِى للياء شيئان إِجمالًا، وقد يبلغ -بالتفصيل- إِلى ثمانية كما قاله ابن بَابشَاذ (3) في "مقدمته" (4). المقتضى الأول: أن تزيد الكلمة -اسمًا كانت أو فعلًا- على ثلاثة أحرف ولو كانت الزيادة بحسبان الحرف المشدد أو الممدود بحرفين، وذلك. * وزن فعَّل (صلّى - حلّى - نمّى. . . إِلخ). بأن يضعَّف الفعل الثلاثى، أي يُشدَّد وسطه، مثل "جَلَّى" و"حَلَّى" و"خَلَّى" و"دَلَّى" و"زكَّى" و"سَمَّى" و"صَلَّى" و"عَدَّى" و"نَمَّى".
[زيادة الألف في الكلمة عن أصل المادة "أدنى- أزكى ... إلخ"]
فهذه الأفعال المضعفة العين تكتب كلها بالياء بخلاف ما كان منها مخففًا فيكتب بالألف، لأنها واوية، سوى "نَمَى" المخفف فإِنه بوجهين، وإن كان الأفصح فيه الياء، كما في (المزهر). [زيادة الألف في الكلمة عن أصل المادة "أَدْنَى - أَزْكى. . . إِلخ"]: أو بأن يكون في الكلمة من أولها ألف زائدة عن أصل المادة، نحو "أَدْنَى"، و"أَزْكَى" و"أَسْمَى" و"أَعْلَى" و"أَقْصَى" -أفعالًا كانت أو أسماء تفضيل- فإِن جميع أسماء التفضيل تكتب بالياء ولو كانت ألفاتها الأخيرة في أصل المادة عن واو كما في هذه الكلمات، فإِنها من "الدُنُوّ" و"السُّمُوّ" و"العُلُوّ". . . إِلخ. [وزن "أفعل" من الأفعال أو الصفات المشبهة "آتَى - آخَى. . . . . إِلخ"]: وكذا كل ما يأتى على وزن "أَفْعَل" من الأفعال أو من الصفات المشبهة، فيكتب بالياء، لأن الأسماء تُثَنَّى بها، والأفعال تُقلب ألفها ياءً إِذا قلت: "أَعْلَيْتُ" أو "أَدنيْتُ" مثلًا، ولو أنها واوية الأصل. ومن ذلك "آتَى" (كـ "أعْطَى" وَزْنًا وَمعْنىً) و"آخَى" و"آدَى" (بمعنى قَوِى) و"آذَى" و"آلَي" "أي: حَلَفَ" فتكتب بالياء، لأنها على وزن "أَفْعَل"، وتقلب ألفها ياءً عند الإِسناد إِلى الضمير، نحو "آلَيْتُ". [وزن "مَفْعَل" و"فُعْلى" -مثلثة الفاء"]: وكذا كل ما كان على وزن "مفعل" كـ: "مَغْزَى" و"مَلهَى" (من: الغزو، واللَّهْو). أو على وزن (فُعْلى) (مثلثة الفاء (1)، ساكنة العين) كـ "كِسْرَى"
[أوزان (فعالى- فعيلى- فعفلى)]
و"سَلمَى" و"حَرَّى" و"دَعْوَى" و"أَرْطَى". ونحو "شَتَّى" و"قَتْلَى" و"عَتْقَى" و"مَرْضَى" و"لَقْطى" (جموع: شَتِيت، وقَتيِل، وعَتِيق، ومَرِيض، ولَقِيط). وكذا: "حَمْقَى" (جمع أَحْمَق وحَمْقَاء. بخلاف "حَمْقَاء" صفة الواحدة الأنثى، أو صفة البَقْلةِ المعروفة في مصر بالرِّجْلَة، فإِنها ممدودة لا مقصورة). ونحو: "ذِكْرَى" و"إِحْدَى" و"ضِيزَى" (1). ونحو "أُنثَى" و"أُخْرَى" و"بُهْمَى" (2) و"صُغْرَى" و"كُبْرَى" و"بُشْرَى" و"حُبْلَى". وكذا "غُزَّى" (3) (جمع "غَازٍ"، كـ"عُذَّل" جمع "عَاذِل"، بخلاف "الغَزَّ" الذين هم صنف من الترك)، فإِذا قُلتَ: "رأيتُ غُزًّا غَيْرَ غُزَّى" -وأردتَ الصنفَ المذكورَ، وأنهم ليسوا غُزَاةً- كُتبتْ الألفُ بدل التنوين في الأول، وكُتبتْ ألف الثاني ياءً، لأنها ليست أَلِفَ البدلِ، بل هى ألفٌ منقلبةٌ عن واو، هى لام الكلمة، وليست ألفَ التأنيث المقصورةَ على وزن "فُعْلَى". [أوزان (فُعالى - فِعِّيلَى - فَعْفَلَى)]: وكذا كل ما كان على وزن "فُعَالَى" مضمومًا كان (مثل: "حُبَارَى" و"جُمَادَى" أو مفتوحًا "مثل: "عَذْارَى" و"صَحَارَى" و"يَتَامَى").
أو على وزن "فِعِّيلَى" بكسر الفاء والعين المشددة -كـ "حثِّيثى" (1) و"خِلِّيفَى" (2). أو على وزن "فَعْفَلَى" كـ" قَهْقَرَى" (3). فكل ذلك يكتب بالياء تنبيهًا على أن الاسم يُثَنَّى بها، فيقال: "أُنثَيَان" و"أُخْرَيَان" و"بُشْرَيَان" و"جُمَادِيان". نعم "قَهْقَرَى" لا يُثنَّى بها، بل تُحذف ألفه فيقال: "قَهْقَرَان" كما في القاموس (4) ومثله: "خَوْزَلَى" (5) و"جَدْوَى" (6) و"جَمْزَى" (7) و"وَثْبَى" (8)، فهذه الأربعة مثل "قَهْقَرَى" في التثنية. [تَتْرى - كِلْتا]: واختلف في ألف "تترى" و"كلتا"، والمشهور كَتْبُ الأولى بالياء ولو نُوّنتْ، وكَتْبُ الثانية بالألف لأنها علامة الرفع في الإِعراب، فليست من حروف المبانى، بل من المعانى.
[صعوبة تمييز اللفظ اليائى من الواوى]
والمقتضى الثاني: لكتابة الألف: أن يكون أصلها ياء انقلبت ألفًا لعلةٍ صرفية سواء كانت في اسم أو فعل. [صعوبة تمييز اللفظ اليائى من الواوى]: فإِن قيل: إِن تمييز اللفظ اليائى من الواوى فيه عُسْرٌ فإِنه يُعْيِى كثيرًا من المصنفين فضلًا عن غيرهم كما قاله الفيروزآبادى (1) في ديباجة "القاموس" (2) قلنا: إِن ذلك كان قبل بيانهما وتمييزهما في كُتُب اللغة، لا الآن. [الأمور التي يعرف بها تمييز اللفظ اليائى من الواوى]: على أنه يمكن معرفة ذلك في الاسم بأحد أمرين، وفي الفعل بأحد أمرين آخرين، وفيهما معًا بأحد أمورٍ خمسة. [1 - في الأسماء "التثنية - الإِمالة"]: فالأمران اللذان يُعرف بهما كون الاسم يائيًا: أولهما: انقلاب الألف ياءً في التثنية، نحو ("فَتَى" و"فَتَيَيْن") و ("رَحَى و"رَحَيَيْن")، بخلاف ("عَصَا" و"عَصَوَيْن") و ("رَجَا" و"رَجَوَيْن"). أو انقلابها ياءً في الجمع المؤنث السالم، نحو ("حَصَى" و"حَصَيَات")
[2 - في الأفعال "أحد أمرين"]
بخلاف "قَطَا" (جمع "قَطَاةٌ") و"مَهَا" (جمع "مَهَاةٌ") فإِنّ جمعهما: "قَطوَات" و"مَهَوَات". أو انقلابها ياء فى صفة المؤنث على "فَعْلاء"، نحو "اللَّمَى" (1) و"الظَّمَى" (2)، فإِنك تقول في وصف الأنثى من ذلك: "امْرأَةٌ لمْيَاء" (3) (مؤنثة "الأَلْمَى")، و"شَفَةٌ ظَمْيَاءٌ" (4)، بخلاف "العَشَا" (5)، فإِن صفة الأنثى منه: "عَشْوَاء" (مؤنثة "الأَعْشَى"). وثانيهما: الإِمالة، أي إِضجاع فتحة ما قبل الألف إِلى الكسرة فتكون حركته بين بين، أي بين الفتحة والكسرة، ولا تَقُل بين البَيْنين كما تقوله العوام. ولهذا قال في "أدب الكاتب": "إِذا أُشْكِلَ عليك من هذا الباب حرف، ولم تعلم أصله، ولا تثنيته فرأيَت الإِمالة فيه أَحْسَنَ فاكْتُبْه بالياء، وإن لم تُحسن فاكتبه بالألف حتى تعلم أصله" انتهى (6). [2 - في الأفعال "أحد أمرين"]: وأما اللذان يعرف بأحدهما كوْن الفعل يائيًا: فأولهما: انقلاب الألف ياءً في مصدره، نحو "سَعَى يَسْعَى"، فإِن مصدره "السَّعْى"، بخلاف "مَحَا" و"سَهَا" و"عَفَا"، فإِن مصدرَها "المحو" و"السَّهو" و"العفو".
أو انقلابها ياء في المرَّة من الفعل، نحو "الرَّمية" (من: رَمَى)، بخلاف "غَفَا" (أي: نام) فإِن المرة منه "غَفْوَة". أو انقلابها ياءً في اسم المفعول منه، كـ "المقْضِىّ" (من: قَضَى)، بخلاف "المعْفُوّ عَنْه" (من: عَفَا). أو انقلابها ياء عند اتصال الضمير المرفوع المتحرك، سواء كان للمتكلم أو للمخاطَب أو للغائبين، أو نون الإِناث، نحو "رَمَيْت" و"رَمَيْنا" و"رَمَيْتُنَّ" و"رَمَيْنَ" و"يَخْشَيْنَ" و"يَرْضَيْن"، بخلاف نحو: "عَفَا" و"سَهَا" و"بَدَا"، فإِنك تقول: "عَفَوْتُ" و"عَفَوْنَا" و"سَهَونا" و"النسوة بَدَوْنَ" (أي: بَرَزْنَ وظَهَرْن). وثانيهما: مضارعه المبنى للمعلوم، فإِن الفعل اليائى تُكسر عينُ مضارعة غالبًا، والواوى تُضمُّ عينه غالبًا، فالأول نحو: "عَصَى يَعْصِى" والثانى نحو: "سَهَا يَسْهُو" (كـ "يَزْكُو"). وإنما قلنا "غالبًا" لأن بعضها (مثل "سَعَى يَسْعَى") و"مَحَاهُ يَمْحَاه" على بعض اللغات لا يُعرف أصله من ذلك، بل يُرجع إِلى المصدر، وقد لا يُعرف من المصدر، فيُستدل بغيره من الخمسة الآتية (1). وإنما قيدنا المضارع بالمبنى للمعلوم لأن المبنى للمجهول يُكتب بالياء ولو كان واويًا، نظرًا لكون الواو قلبت ياءً في ماضيه لوقوعها بعد كسرة، مثل: "عَفَى" و"غَزَى" و"رَجَى" و"بَلَى" من "بَلَوْته": اختبرتُه، قال تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7] {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]: وقال الشاعر: * بُلِيتُ وَمِثْلِى في مَحَبَّتِكُمْ يَبْلَى* (2)
[(3) في الأسماء والأفعال معا]
فالمضارع: "يُعْفَى عنه" و"يُغْزَى" و"يُبْلَى" و"يُرْجَى" (1). [(3) في الأسماء والأفعال معًا]: وأما الخمسة التي يُستدل بها في الأسماء والأفعال جميعًا: فأولها: أن تكون فاء الكلمة واوًا، سواء كانت اسمًا أو فعلًا، نحو: "وَعَى نفسه في الوَغَى". وثانيها: أن تكون فاؤها همزة، مثل: "أَبَى فِعْل الأَذَى". ويُستثنى من ذلك "أَلا" بمعنى: قَصَّر، فإِنه واوي، لأن مضارعه " يَأْلو" (2). قال الحريرى (3) في المقامة [32] (الحربية): "ونَصَحْتَ، وما أَلَوْتَ" (4)، أي: قَصَّرْتَ. وثالثها: أن تكون عينها واوًا، نحو: "قَدْ طَوَى من شدِةِ الجَوَى" (5). ورابعها: أن تكون عينها همزة، مثل: "قَدْ رَأَى الَّلأَى" (6)، وهو الثور الوحشى، وتصغيره "لُؤَىّ"، وبه سُمِّى ثامن أجداده عليه السلام. ويستثنى من ذلك ست كلمات واوية مع كَوْن عينها همزة، لكنها تُرسم بالياء، وستأتى في الكلام على ما يمنع كتابة الواوى بالألف ويُوجب كتابته بالياء (7). وخامسها: الإِمالة كما تقدم قريبًا عن القُتَبِىّ في (الأدب) (8). ومن ذلك
[(ب) ما يمنع من كتابة الألف المتطرفة ياء. (أحد شيئين)]
كُتَبَتْ "بَلَى" بالياء، مع أنها حرف؛ لإِمالة ألفها (1). [(ب) ما يمنع من كتابة الألف المتطرفة ياء (2). (أحد شيئين)]: [(1) أن يقع قبل الألف ياء]: وأما الذي يمنع من كتابة الألف ياءً شيئان: أحدهما: أن يكون قبل الألف ياءً، نحو: "عَليَا" و"دُنْيا" و"أَحْيَا" و"أَعْيا" و"يَحْيَا" و"مَحْيا" و"اسْتَحْيَا" و"رَيَّا" و"زَوَايَا" و"عَطايا" و"الرِّمِّيّا" (بتشديد الميم المكسورة كالراء قبلها، وتشديد الياء بعدها، بوزن "فعّيلِى" كـ "حِثّيثِى") (3) و"تَأَيَّا" (4). و"تَزَيَّا" (فِعْلَيْن على وزن "تَفعَّل" مضَعَّفًا). ففى ذلك كله تُكتب بالألف، استثقالًا لجمع الياءين، مع كَوْن الأصل والقياس أن تُكتب بها على حسب التلفظ، وإن كانت تُقلب ياءً في الأفعال المسندة للضمير. وتُقلب ياءً في تثنية "عُليا: عُلْيَيَان"، كما تقول "سُفْلَيَان" و"أَولَيَان" و"أَعْلَيَان"، كما تقول "أَعْمَيَان" و"أنثَيَان" و"مَغْزَيَان" و"بُشْرَيَان"، فالمقتضى للياء موجود في جميع ذلك، بل إِن في بعضها مُقتضييْن للياء كـ "الدُّنيا" و"العُليا"، فإِن فيهما الزيادةَ على الثلاثة أحرف والإِمالة، ولكن عَارضَهُما المانع المقدَّم على المقتضى. ولقد تَظرَّف مَن قال: قَالوا: فُلانٌ عَالِمٌ فَاضِلٌ ... فَأكْرِمُوه مِثْلَمَا يَرْتضِي فُقْلتُ: لمَّا لَمْ يكُن ذَا تُقَى ... تَعَارَضَ المانِعُ والمُقْتَضِى (5)
[ما يستثنى من هذه القاعدة]
[ما يستثنى من هذه القاعدة]: نَعَمْ استثنوا من ذلك صورتين تُكتب فيهما الألف ياءً مع وجود الياء قبلها: أولاهما: الاسم العَلَم المنقول من فِعْل أو اسم تفضيل أو جَمْع، مثل "يَحْيىَ" و"أَعْيَى" (1). و"رَوَايَى" (2). والثانية: العَلَم المنقول عن صفةٍ غلبت عليها الاسمية أو لم تغلب، نحو "دنيى" و"ريى". فإِن العَلَم في هاتين الصورتين يُكتب بالياء لخفَّته. بكثرة استعماله، والفعل أو الصفة أو الجمع يُكتب بالألف لثَقلِه، والألف أخف من الياء. كذا في (شرح الشافية) (3). ومثال "رَيَّا" (الصفة) قول امرئ القيس (4). في معلقته): هَصَرْتُ بِفَوْدَيْ رأْسِهَا فَتَمايَلَتْ ... عَلَىَّ هَضِيم الكَشْحِ رِيَّ المُخَلْخَلِ (5)
[(2) أن يعرض للألف التوسط]
[(2) أن يعرض للألف التوسط]: والثانى: أن يَعْرِضَ لها التوسط، بأن يتصلَ بالفعل ضمير المفعول، أو يُضاف الاسم إِلى الضمير، مثل: "أَعْطاه إحْدَاهُما" فتكتب ألف "أَعْطَى" و "إحدَى" بصورة الألف، لا بصورة الياء التي كانت ترسم بها عند انفرادها. وإنما مَثَّلْتُ بـ "إحْدى" للرد على مَن استثناها من المتوسطة، وإن حكاه في (الهَمْع) (1). من غير ردّ فالحق عدم الاستثناء كما نص عليها الحريرى (2) في (الدُّرَّة) وجَعَلَ كتابتها بالياء من أوهام الخَوَّاص فقال: "وكتبوا "إِحْداها" بالياء، وكلُّ مقصور فحكْمُه -إِذا اتصل به المكنى أن يُكتب بالألف، نحو "ذِكْراها" و"بُشْراها". . . إِلخ" (3). وكذا إِذا أُضيف الاسم إِلى "مَا" الاستفهامية التي حُذفت ألفها ولم تتصل بها هاءُ السكت، كأن تقول: "بِمُقْتَضَامَ قُلت كيت وكيت"، حتى إِن التوسط أَثّر في غير الأسماء والأفعال، ألا ترى "إِلى" و"عَلَى" و"حَتَّى" "تُكتب بالألف إِذا جَرَرْتَ بها "ما" الاستفهامية المذكورة وَقُلتَ: "إِلامَ" و"عَلَامَ" و"حَتَّامَ"، أَوْ وَصَلتَ "حَتَّى" بضميرٍ فقلتَ "حَتَّاها" و"حَتَّاهُ" كما مَرَّ (4). [مسوغات كتابة الألف المتطرفة بالألف مع وجود المقتضى للياء]: وأما الْمُسَوْغ لكَتْبِها ألفًا مع وجود المقتضى للياء فسبعة:
أولها: المشاكَلَة الخَطيَّة (1). لكلمة محاذية لها مرسومة بألف في سَجْعٍ (2). أو قافية (3). أو تَجْنِيس (4). أو تَوْرِية (5). سواء كانت قبل أو بعدها، كقوله: يا سيِّدًا حازَ رِقِّى ... بما حَبَانى وَأَوْلَا أَحْسَنتَ بِرًّا فُقْل لي ... أَحسنتُ في الشكرِ أَوْلا (6) وقول الآخر: حَارَ فى سُقْمِىَ مَن بَعْدَهُمْ ... كلُّ مَن في الحى دَاوَى أَوْرَقا بَعْدهُم لا طلّ وَادِى المنْحنى ... وكذا بانُ الحِمَى لا أَوْرَقا (7)
وقول غيره: إِنَّ الذِى مَنزِلُهُ ... مِن سَحْبِ دَمْعى أَمْرعَا لم أَدْر مِن بَعْدِىَ هَلْ ... ضَيَّع عَهدِى أَمْ رَعَا (1) ومن ذلك ما مَثَّل به في (خزانة الأدب) للتورية المركَّبة من قول ابن حَجَر العَسْقَلَانى (2) في مدْح البدر الدَّمَامِينِي (3) [صفحة 30]: بِرُوحِىَ بَدْرًا في النَّدى ما أَطاع مَن ... نَهاهُ وقَدْ حَازَ المعالِى وزانَها يُسَاءَلُ أَن يَنْهى عن الجودِ نَفْسَه ... وهَا هُوَ قَدْ بَرَّ العُفَاةَ ومَانها (4). وثانيها: أن تكون الكلمة المقصورة وردت أيضًا ممدودة بدون اختلاف المعنى ولو بتغيير الحركة، كـ"كالقِرى" و"القَرَاء" (5)، و"البِلَى" و"البَلاء"،
و"الحَلْوَى" و"الحَلْوَاء" و"الشِّراء" و"الزِّنا" و"المعَا" (1). و"الصُّوَى" (2). و"الوَبَا" (3). و"الرِّضَا" و"أُولَى" الإشارية، و"الوَحَا" (4). (الوَحَا: بمعنى الاستعجال)، و"النُّعْمَى" و"النَّعْماء"، و"الرَّغْبَى" و"الرَّغْبَاء"، و"البَاقِلَّى" و"الباقِلاء" (مشددة في الأول، مخففة في الثاني). ففى مثل ذلك عند عدم الشَّكْل يجوز أن يُكتب بالألف، نظرًا لجواز المِدّ إِن لم يتعين أَحد الحرفين بوزن أو حرف، فإِن عيَّن الوزن المدّ كُتب بالألف، أو عين القَصْر كُتب بالياء، كقوله: لا تَعْجبُوا مِن بِلى (5). غِلالَتِهِ (6) ... قد زَرَّ أَزْرَارَهُ على القمرِ (7) ومثال تَعيُّن أحدِهما بحرف: "البُؤْسَى" و"البَأْساء"، فإِن الواو التي بعد الباء تعيّن القصر، وكتابة الألف مع الباء تعيُّن المدّ، بخلاف "النُّعْمى" (بالضم) و"النَّعْماء" (بالفتح) فليس فيهما مُميِّز إِلا الشَّكْل.
وبهذا تعلم أن "السِّيمَا" وإن كانت مما يجوز فيه القصر والمد -حتى في قولى تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]- فإِنه قُرِئ بالمدِّ كما في (البيضاوى) (1). لكن تعيَّن القصر في قول (البُرْدة): شَاكِى السِّلاحِ لَهُمْ سِيما تُمَيّزْهُمْ ... والوَرْدُ يَمْتَازُ بالسِّيمَا عَنِ السَّلَمِ (2) فكانت حقه أَن يُكتب بالياء. وثالثها: أن يكون الفعل جاء في لغة أخرى واويًا، أو يكون أصله مهموزًا وجاء في لغة أخرى معتلًّا، أو أُجْرِى مجرى المعتل، مثل "نَما" و"بَدا" و"قَرا" و"أَخْطا" "وهَدَا"، فإِن هناك لغة تقول "نَما ينمو"، و"بَدَيْتُ" و"قَرَيْتُ" و"أَخْطَيْتُ" و"هَدَيْتُ". وكذا "تَبَرَّا" و"تَوَضَّا" في لغة تقول "تَبَرَّيْتُ" و"تَوَضَّيْتُ"، وعليها جاء المصدر "التَّبِرّى" و"التَّوَضِّى" ونظائرهما كما سبق في فصل الهمزة (3). فعلى هذه اللغة يكون الفعل يائيًا، أو مُجرى كالمعتل على غيرها. وأما على التسهيل فيكون مهموزًا مُسهَّلًا يُكتب بالألف، نظرًا لأصلها الهمزة كما أشار إِليه الصبان (4). في الكلام على قوله: *كَأَن لم تَرَا قَبْلِى أَسِيرًا يَمَانيًا (5) *
وينبغى أن لا تُكتب بالياء اسم ناقته عليه السلام "العَضْبَا" و"القَصْوا" و"الجَدْعا" (1). لأن هذه الأسماء ممدودة مفتوحة الأول، وقَصْرُها في اللفظ تخفيف، فلو كتبت بالياء لَتُوُّهِّم أنه مقصور مضموم الأَوَّل وهو خَطَأٌ. ورابعها: أن يُنَوَّن المقصور نحو "فَتَى" و"مُصْطَفَى"، فإِن المنوَّن من ذلك يُكتب بالألف مُطلقًا على مذهب المازنى (2). دون مذهب سيبويه (3). المفِصّل بين المنصوب (فيكتب بالألف) وغير المنصوب (فيكتب بالياء). وإن كان المختار ما ذهب إِليه المبرِّد (4) من كتابته بالياء. ومثله "تَتْرَى". ولعل الإِمام النووى (5) رضي الله عنه بَنَى على ما ذُكر قَوْلَه في (شرح مسلم): "متى اسمُ البلدانِ صُرِفَ (يعني نُوّن) كان مذكرًا على قَصْدِ المكان، فيُكتب بالألف. وإن لم يُصرف كان مؤنثًا على إِرادة البقعة، ويُكتب
بالياء" (1) .. ومثله في (شرح) العلامة الشَّرْقُاوى (2). على (الزَّبِيدى) (3). فليتأمل (4). وخامسها: أن يُقصد المعاياة، أي الإِلغاز، كقوله: أَقُولُ لعبدِ الله لمَّا سِقَاؤُنا ... ونَحْنُ بِوَادِى عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِم (5)
فإِنَّ "وَهَى" فِعْلٌ يائىٌّ لما سبق (أن كل كلمة أولها واو -سواء كانت اسمًا أو فعلًا- تكون ألفها منقلبة عن ياء). وقوله (شِمْ) فعل أمر من "شَامَ البْرَقَ أو السّحَاب": إِذا نظره هل يمطر. وسادسها: أن يُجهل أصل الألف عند الصرفيين، سواء كانت عربية، مثل "الدَّدَا" (1). (وهو اللعب). و"خَسَا" و"زكَا" (اسمين للفرد والزوج من الأعداد). أو كانت أعجمية، مثل "بَغَا" (اسم رجل). وسواء كانت ثالثة -كما مُثّل- أو فوق الثلاثة، مثل "البَبْغَا" (من أسماء الطيور، وهي التي تُسمى الدرة). [كتابة الأسماء الأعجمية بالألف مطلقًا]: ويظهر لي أن الأسماء الأعجمية -سوى الذي عَرَّبَتْه العرب "كمُوسى" و"عيسى" و"كِسْرى" -تُكتب بالألف ولو تجاوزت الثلاثة: سواء كانت من أسماء الناس، مثل: "كَتْبُغا" و"أَقْبُغَا" و"زَلِيخَا". أو كانت من أسماء البلدان، مثل "أَنْصِنا": (بلد سحرة فرعون بالصعيد) (2). و"أَرِيحا" (مدينة الجبارين بالشام) (3). و"طَحَا" (4).
و"طَهْطَا" (1). و"طَنْدتَا" أو "طَنْتَدا" (2). و"طَنَبْذا" (3). و"طَنْبِشَا" (4). و"شُبْرا" (5). و"بِنْها" (6).: بكسر الباء كما في (القسطلانى) (7). ويُستثنى "بُخَارى" (8). أو كانت من المشروبات، مثل "الأقسما" (وهو نبيذ الزبيب). أو كانت من أسماء الفنون والصناعات، مثل "مُوسِيقَا" و"أرتماطِيقَا"، فإِنهما بفتح القاف في لغة اليونان الواضعين لهذين الاسمين، وقد رأيت الأول مكتوبًا بالألف بخط بعض الفضلاء من علماء الأندلس، وأرى أن كتابة مثل ذلك بالألف أَوْلى من كتابته بالياء الموهِمة كَسْر ما قبلها كما نَطقَ بالقاف مكسورة كثيرٌ من أهل عصرنا الذي جهل فيه ضبط كثير من الكلمات العربية فضلًا عن غيرها. وقد يُستأنس لقولى هذا بقولهم: (الكلمات المبنية تُكتب بالألف ولو
[مقتضيات كتابة الألف المتطرفة ألفا مع كونه الأصل]
تجاوزت الثلاثة إِلا ما كان فيه مقتضٍ للعدول عن رسم الألف الذى هو الأصل في الكتابة). ثم رأيت في مبحث الإِبدال من (شرح الشافية) ما يؤيد ما قلته، وسيأتي نقله قريبًا (1). وسابعها: اتباع جماعة من النحاة مَشَوْا على كتابة الباب كله بالألف حملًا للخط على اللفظ، سواء كانت الألف ثالثة أو فوقها, ولو منقلبة عن ياء في عَلَمٍ أو غيره، كما في (الشافية). ووجَّهه شيخ الإِسلام (2) "بأنه القياس، ولأنه أنْفَى للغَلَط" أهـ. ورأيت البَطليْوسى (3). في شرح (أدب الكاتب) قال: "إِنه هو الذي اختاره أبو على الفَسَوى -يعني أبا على الفارسي (4) - في "مسائله الحلبية" اهـ (5). [مقتضيات كتابة الألف المتطرفة ألفًا مع كونه الأصل]: وأما المقتضي لكَتْبها ألفًا مع كونه الأصل فشيئان: أحدهما: أن تكون الألف أصلها واو، سواء كانت الكلمة اسمًا أو فعلًا مبنيًا للفاعل، نحو "جَلا" و"حَلَا" و"خَلَا" و"دَعَا" و"ربَا" و"زَكَا" و"سَجَا" (6). و"سَمَا" و"شَجَا" (7). و"لَهَا" و"عَرَا" و"عَفَا" و"نَجَا"
من الأفعال. ونحو: "العَصَا" و"القَفَا" و"الضُّحَا" و"السُّهَا" و"الخُطَا" و"الذُّرَى" و"العُرا" و"الظِّبا" (جموع: "خُطوة" و"ذِرْوة" و"عروة" و"ظُبَة" (1)) و"البُكَا" و"العِدَا" من الأسماء. سواء كانت الأسماء مفتوحة الأول أو مضمومته أو مكسورته كما مثَّلنا. فكل ذلك لا يصح كَتْبُه بالياء على المذهب البصري، وهو مجمل قول (الكليات): وكَتْبُ ذَوَاتِ الياءِ بالأَلِفِ جَائزٌ ... وكَتْبُ ذَوَاتِ الواوِ بالياءِ باطِلُ (2) وذلك لِئَلَّا يُتوهَّم أن أصلها الياء فيُثَنَّى بها الاسم، أو أنها تُقلب ياءً في الفعل إِذا أُسند للضمير المرفوع المتحرك، أو ألف الاثنين. مع أنك إِذا أَسندتَ نحو "دَعَا" و"هَجَا" إلى ألف الاثنين تقول "دَعَوَا" و"هَجَوَا"، بفتح الواو كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف: 189]، فلا يُقال "هَجَيَا" ولا " دَعَيَا" في الأفصح. وقد عَرفتَ مما سبق (3). أن الأصل الواوى يُعرف في الاسم بانقلاب الألف واوًا في التثنية نحو "عَصَوْين" و"قَفَويْن" و"رَجَوَيْن" مُثَنَّى: "عَصَا" و"قَفَا" و"رَجَا" (بمعنى: ناحية) (4). أو في الجمع بالتاء في أسماء الأجناس نحو: "قَطوات" و"مَهَوَات"
جَمْعَى: "قَطَا" و"مَهَا" (أي بقر الوحش). أو بانقلابها واوًا في صفة المؤنث، نحو: "عَشْوَاء" (1) و"قَنْوَاء" (2) و"قَرْواء" (3)، من "العَشَا" و"القَنَا" و"القَرا" (أي الظَّهْر). ويعرف (4) في الفعل بأحد أمرين: إِما بانقلابها واوًا عند إسناد الفعل الماضي إِلى ضمير الفاعل المتحرك أو ألف الاثنين، نحو "عَفَوْتُ" و"عَفَوْنا" و"عَفَوْن" و"بَدَوْتُ" و"بَدَوْنَا" و"بَدَوْنَ" في: "عَفَا" و"بَدَا"، بمعنى ظهر أو برز إِلى البادية، أو مطلق بروز، ومنه قول ابن الفارض رضي الله عنه: (5). فالدَّارُ دارِى وحُبِىّ حَاضِرٌ ومَتَى ... بَدَا فمُنْعَرَجُ الجَرْعَاءِ مُنْعَرَجِى (6) وإما بوجودها واوًا في مصدر الفعل، نحو "العَفْو" و"السَّهْو" و"اللَّهْو" مصادر: "عَفَا" و"سَهَا" و"لَهَا". أو في المَّرة، نحو "الغَفْوة" (بالمعجمة: إِذا نام نومة خفيفة). أو في المضارع، مثل "يَرْغُو" (7) و"يَعْصُو" و"يَعْرُو" (8) (مضارع: "رَغَا البعير" و"عَصَا زيُدٌ عَمْرًا" إِذا ضربه بالعَصَا و"عَرَا": أي نزل ووجد كقوله:
وَإنّى لتَعْرُونِي لِذِكْراكَ هزَّةٌ ... كما انتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّله القَطْرُ (1) وذلك لأن الفعل الناقص الواوى تُضم عين مضارعه كما مَرَّ. هذا، وقد ضبط الشاطبى (2) أصل الأسماء والأفعال بقوله: وَتَثْنِيةُ الأَسْماءِ تَكْشِفُهَا وَإن ... رَدَدْتَ إِلَيْكَ الفِعْلَ صَادَفْتَ مَنْهَلا (3) واقتصر الحريرى (4) على ضابط الأصل في الفعل بقوله: فَإِن تَرَهُ بالياءِ يَوْمًا فكَتْبُهُ ... بياءٍ وإلَّا فَهْوَ يُكْتَبُ بالأَلفْ (5) والمقتضى الثاني لكتبها بصورة الألف: أن يجهل أصلها كما في (خَسَا) و "زكَا" و"دَدَا" كما مَرَّ (6). أو تكون في اسم أَعْجمى، سواء كان ثلاثيًا أو أكثر، مثل "بُغَا" و"كَتْبُغا" و"يَهُودا" و"زَلِيخَا" وغيرها من الأسماء العجمية. بل قال شيخ الإِسلام في الإِبدال من (الشافية) (7) "إِن الألف أصلية غير مُبدلة من شىء في الحروف والأسماء المبنية والأسماء الأعجمية، لأنها غير مشتقة ولا متصرفة، فلا يُعرف لها أصل غير هذا الظاهر، فلا يُعدل عنه من غير دليل، فلا يُقال ألفها زائدة،
[ما يمنع من كتابة الألف المتطرفة بالألف مع كون الأصل واوا]
لأنها غير مشتقة، ولا بدل، لأنه نوع من التصريف". ومثله في (شرح) السّعْد على (تصريف) العِزّى (1). [ما يمنع من كتابة الألف المتطرفة بالألف مع كون الأصل واوًا]: وأما الذي يمنع من كتبها ألفًا -مع كون الأصل واوًا- فهو أن يسبقها ألف يابسة. ولم أجد من ذلك في (القاموس) سوى ستة أفعال، وهى: "بَأَى" و"دَأَى" و"سَأَى" و"شَأَى" و"فَأَى رأْسَه" و"مَأَى الجِلْد" (2). فهذه الستة واوية تقول: "بأوْتُ علينا بَأوًا": إِذا افتخر. و"فَأَوْتُ رأسه فَأْوًا": إِذا شقها أو شجها. ولكن يمتنع كَتْبُها ألفًا كراهةَ اجتماع المِثْليْن، ولا يصح الاستغناء عن رسم الياء بمَدَّةٍ توضع فوق الألف، اللهم إِلا أن يتصل بها ضمير المفعول، نحو: "فَآه" مثل (رآه)، لأنها لما توسطت صارت مَدًّا، فيجوز حينئذٍ وضع المدَّة على الألف اليابسة للدلالة على حَذْف حرف العلة المتوسط.
[ثانيا: مسوغات كتابة الألف المتطرفة ياء مع كونها واوية (أحد شيئين)]
لكن سيأتى في (النَّظم) أن "بَأَى" و"فَأَى" بالوجهين (1). [ثانيًا: مسوغات كتابة الألف المتطرفة ياءً مع كونها واوية (أحد شيئين) (2)]: وأما المسوغ لكتبها بالياء -مع كونها واوية- فشيآن: أحدهما أتباع الكوفيين فيما إِذا كان أول الاسم مضمومًا (كـ "الخُطَى" و"الضُّحَى" و"الذُّرَى" و"العُلَى" و"السُّهى" و"اللهُى" و"الظُّبَى" (3)) أو مكسورًا (كـ "العِدىَ" و"الكِبَى" (4) و"الرّكَى": جمع "ركْوَة") (5): فإِنهم يكتبون ذلك بالياء، ويُثَنُّونه بها, ولا يُفَرّقِون بين الواوى واليائى، إلا إذا كان مفتوحًا كما في (الاقتضاب) (6) و (المزهر)، وكذا (المِصْباح) عند الكلام على "الكُدَى" (7). وذلك كـ "الرَّجَا" (بمعنى: الناحية)، فإِن تثنيته
"رَجَوَان". بخلاف "الرَّحَى"، فإِن تثنيته "رَحَيَان"، والجمع فيهما على "أَفْعَال". ولهذا قال ابن دُرَيْد (1) في "شرح مقصورته": "العِدَى" و"الضُّحَى" يُكتبان بالياء على مذهب أهل الكوفة، وبالألف على مذهب أهل البصرة (2). قلت: ومن ذلك "الدُّجَى"، فإِنه واوى، لأن فعل "دَجَا، يَدْجُو"، ويكتب بالياء على المذهب الكوفى، ثم رأيت البَطلْيَوسى (3) قال في "الاقتضاب" ما نصه: "الدُّجى" -وهي الظُّلَم- واحدتها "دُجْيَة"، وهذا مما خالف فيه التصريف القياس، لأن الفعل "دَجَا، يَدْجُو" فكان القياس"دُجْوَة"، ولهذا يجوز في "الدُّجَى" أن يكتب بالياء، حملًا على واحدتها، وأن تكتب بالألف حملًا على فعلها" (4). وتترجح إِحداهما على الأُخرى عند المشاكلة، كقول "السُّلَّم": ما قَطعَتْ شَمْسُ النَّهَار أَبْرُجا ... وطَلَعَ البدْرُ المنيرُ في الدُّجَا (5) المسوغ الثاني: لكتابة الألف ياءً: المشاكلة (6) في الخط، فقد قال في
[ثالثا: مقتضيات كتابة الألف المتطرفة بالألف أو الياء]
"المزهر" نقلًا عن "فقه اللغة" لابن فارس (1) ما نصه (2): "ويجوز عند المحاذاة (3) والمشاكلة أن يكتب الواوى بالياء، فقد ذكر بعض أهل العلم أن من هذا الباب كتابة المصحف، كتبوا {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 2] بالياء، لما قرن بغيره مما يكتب بالياء" اهـ. أي فإِن "الضُّحَى" لمَّا كتب بالياء على المذهب الكوفى -لكونه مضموم الأول- كتب بالياء "سَجَى" (4) مشاكلة له ولِمَا بعده أيضًا من "قَلَى" (5) وغيره. [ثالثا: مقتضيات كتابة الألف المتطرفة بالألف أو الياء (6)]: وأما المقتضيان للألف والياء جميعًا فهو: أن تكون الكلمة وردت على الأصلين باعتبار لغتين، أو في لغةٍ واحدة، كما ورد في حديث
الصحيحين "فَحَثَوْتُ حَثْيَة" (1) وقال شراح الحديث: "إِن هذا من قبيل تداخل اللغات" اهـ. فعلى ذلك يجوز لك كتابة "حَثَا" بالألف وكتابته بالياء. ولكن الأفصح -على ما في "الأدب" (2)، ومثله في "المزهر"- أن تنظر إِلى أغلب اللغتين، استعمالًا، فإِنَّ "رَحَيْتُ بالرَّحَى" هى اللغة العالية، وبعض العرب يقول: "رَحَوْت بالرَّحَا". وكذا "نَمَى يَنْمِى" أفصح من "نَما يَنْمُو" كما في "المزهر" و"شرح القاموس" (3). قال في "الأدب": "وكذلك الرِّضَا"، من العرب من يثنيه "رِضَوَان"، وكَتْبُه بالألف أَحبُّ إِلىَّ، لأن الواو فيه أكثر، وهو من "الرِّضْوَان" اهـ (4). وقد علمت أن الكوفى يكتبه بالياء، ويُثَنِّيه بها لكسر أوله. وينبنى على الأصلين أمران: الأول: حساب الحروف بالجمل في عمل التواريخ بالحروف على حسب ما يكتب. والثاني: قَلْبُها عند إِسناد الفعل إِلى الضمير، واوًا في الواوى، وياءً في اليائى، وكذلك في اسم المفعول منه، فتقول فيه من "حَثَاه": "يَحْثُوه"
[منظومة لابن مالك جمع فيها ما جاء من الأفعال بالياء والواو]
و"يَحْثِيه" فهو "مَحْثُوٌّ" و"مَحْثِىّ" ومن "عَزَاه": "يَعْزُوه" و"يَعْزيه" فهو "مَعْزُوٌّ" و"مَعْزِىّ" و"حَشَاه": "يَحْشُوه" و"يَحْشِيه" فهو "مَحْشُوٌّ" و"مَحْشِىّ". وأما اسم الفاعل فهو بالياء مطلقًا، كـ "الغَازِى" و"العَافِى"؛ وذلك لأن سبب انقلاب الواو ياء وقوعها إِثر كسرةٍ، إِذ ليس لهم واو ساكنة بعد كسرة في لغة العرب، ولذلك قلبوها ياءً في: "ميزان" و"مِيزَاب" و"مِيقات" و"مِيعاد" و"اسْتِيْلاد". ولهذا إِذا بُنى الواوى للمجهول تُقلب الواو ياءً، مثل "غُزِىَ" و"عُفِىَ عنه". وتُكتب الألف في مضارعه ياء نحو "يُغْزى" و"يُعْفَى عنه". وكذا "يُبْلَى" -مضارع "بُلِى" المبنى للمجهول- كقوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186] مع أنه من "بَلَاه، يَبْلُوه": إِذا اختبره وامتحنه، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ} [الأعراف: 168] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7 - سورة الملك: 2]. [منظومة لابن مالك جمع فيها ما جاء من الأفعال بالياء والواو]: هذا، وقد جمع الإِمام ابن مالك (1) ما جاء من الأفعال بالياء والواو في "منظومة" تبلغ 49 بيتًا، وهي هذه على ما نقلته من "المزهر" (2): قلْ إِن نَسَبْتَ عَزَوْتُه وعَزَيتُه ... وكَنَوْتُ أحمد كُنْيةً وكَنَيْتُهُ وطَغَوْتُ في معنى طَغَيْتُ، ومَن قَنَى ... شيئًا يقول: قَنَوْتُه وقَنَيْتُهُ ولَحَوْتُ عودًا قَاشِرًا كَلَحيْتُه ... وحَنَوتُهُ عوَّجْتُهُ كحنَيْتُه وقَلَوْتُه بالنَّارِ مِثْل قَلَيْتُه ... ورَثَوْتُ خِلًّا مات مثلُ رَثَيْتُه
وأَثَوْتُ مِثْلُ أَثَيْتُ قُلْهُ لمن وَشَى ... وشَأَوْتُهُ كسبقْتُه وشَأَيْتُه وصَغَوْتُ مِثْلُ صَغَيْتُ نحو مُحدِّثى ... وحَلَوْتُه بالحَلى مِثْلُ حَلَيْتُه وسَخَوْتُ نارِى مُوقِدًا كسَخَيْتُها ... وطَهَوْتُ لحمًا طابِخًا كطَهَيْتُه وجَبَوْتُ مَالَ جِهاتِنا كجَبَيْتُه ... وخَزَوْتُه -كَزجَرْتُه- وخزيْتُه وزَقَوْتُ مِثْلُ زَقَيْتُ قُله لِطائر ... ومَحَوْتُ خَطَّ الطِّرْسِ مثْلُ مَحَيْتُه أَحْثُو كحثْىِ الترب قلْ بهما معًا ... وسَحَوْتُ ذاك الطِّين مِثْلُ سَحَيْتُه وكذا طَلَوْتُ طلى الطَّلى كطَلَيْتُه ... ونَقَوْتُ مُخَّ عظامِهِ كنَقَيْتُه وهَذَوْتمو كهَذَيُتمو في قولكم ... وكذا السقاء مَأَوْتُه ومَأَيْتُه مالى نَمَى يَنْمِى ويَنْمو زاد لي ... وحَشَوْتُ عِدْلى يا فَتَى وحَشَيْتُه وأَتَوْتُ مثل أَتَيْتُ جئتُ فقُلهما ... وفي الاختبار مَنَوْتُه كَمَنَيْتُه ونَحوْتُه ونَحَيْتُه كقَصَدتُه ... فاعجب لبرد فضيلةٍ ووَشَيْتُه وأَسَوْتُ مثل أَسَيْتُ صُلحًا بينهم ... وأَسَوْتُ جَرْحِى والمريض أَسَيْتُه أَدَو وأَدى للحليب خُثورةً ... وأَدَوْتُ مثل حَلَبْتُه وأَدَيْتُه وبأوْتُ إِن تَفْخَر بأَيْتُ وإن يكن ... من ذاك أَبْهَى قُلْ: بهَوْتُ بَهَيْتُه والسيفُ أَجْلُوه وأَجلِيهِ معًا ... وغَطوْتُه غَطَيْتُه وغَطَّيْتُه وجَأَوْتُ بُرْمتنا كذاك جَأَيْتها ... وحَكَوْتُ فِعْلَ المرْءِ مثل حَكَيْتُه وجَنَوْتُ مثل جَنَيْتُ قلْ مُتَفَطِّنًا ... ودَأَوْته كخَتَلتُه ودَأَيْتُه وحَفَاوةٌ وحَفَايةٌ لُطفًا به ... وَحَبوْتُه أَعْطيتُه وحَبَيْتُه وحَزَوْتُ مثل حَزَيْتُ جئتُك مُسرِعًا ... ودَهَوْتُه بمصيبةٍ ودَهَيْتُه وخَفَا إِذا اعترض السحاب بروقُه ... ودَحَوْتُ مثل بسطتُه ودَحَيْتُه ودَنَوْتُ مثل دَنَيْتُ قد حُكِيا معًا ... وكذاك يُحكى في شَكَوْتُ وشَكَيْتُه
ودَعَوْتُ مثل دَعَيْتُ جاء كلاهما ... وذَرَوْتُ بالشئ الصّبا وذَرَيْتُه وكذا إِذا ذَرَّت الرياحُ تُرابَها ... ودَرَوْتُ شيئًا قُله مثل دَرَيْتُه ذَأْرًا وذَأْيا حين تُسرع عانةٌ ... وفتحتُ فِىَّ شَحَوْتُه وشَحَيْتُه ورَطَوْتُها ورَطَيْتُها: جامعتُها ... وإذا انتظرتُ بَقَوْتُه وبَقَيْتُه ورَبَوْتُ مثل رَبَيْتُ فيهم ناشئًا ... وبَغَوْتُ جُرْمًا جاء مثل بَغَيْتُه وسَأَوْتُ ثوبى قُل سَأَيْتُ مددتُه ... وشَرَوْتُ -أعنى الثوبَ- مثل شَرَيْتُه وكذا شَنَتْ تَشْنُو وتَشْنِي نُوقُنا ... وسحابنا ورَعَوْتُه ورَعَيْتُه والضَّحْو والضُّحَى البروز لشمسنا ... وعَشَوْتُه المأكولَ مثل عَشَيْتُه ضَبْىٌ وضَبْوٌ غيَّرتْه النارُ أو ... شمسٌ، كذا بهما مَضَوْتُ مَضَيْتُه وطَبَوْتُه عن رأيه وطَبَيْتُه ... وكذا طَبَوْتُ صبينا وطَبَيْتُه والله يطحُو الأرضَ يطحِيها معًا ... وطَحَوْتُه كدفعْتُه وطَحَيْتُه يطمُو ويطْمِى البحر عند عُلُوِّه ... وفَأَوْتُ رأْسَ الشئ مثل فَأَيْتُه عَنْوًا وعَنْيًا حين تُنبت أرضُنا ... وكذا الكتاب عَنَوْتُه وعَنَيْتُه عَجْوًا وعَجْيًا أرضعت في مُهلة ... وفَلَوْتُه من قَمْلِهِ وفَلَيْتُه غَمْوًا وغَمْيًا حين يُسْقَفُ بيتُه ... وعَظوتُه آلمته وعَظَيْتُه غَفْوًا إِذا ما نمتُ قُلْ هى غَفْيةٌ ... وقَفَوْتُ جئتُ وراءه وقَفَيْتُه وعَدَوْتُ للعدو الشديد عَدَيْتُ قُلْ ... بهما كَرَوْتُ النهر مثل كَرَيْتُه نَضْوًا ونَضْيًا جئته مُتسترًا ... ولَصَوْتُه كقَذَفْتُه ولَصَيْتُه وَمشَوْتُ ناقتنا كذاك مشيتها ... وإذا قصدتَ نَحَوْتُه ونَحَيْتُه ومَقَوْتُ طسْتى قُلْ مَقَيْتُ: جَلَيْتُه ... وإذا طَلَيت عَرَوْتُه وعَرَيْتُه ونَأَوْتُ مثل نَأَيْتُ حين بعدتُ عن ... وطنى، وعُودى قد بَرَوْتُ بَرَيْتُه
ونَثَوْتُ مثل نَثَيْتُ نَشْر حديثهم ... وكذا الصبى غَذَوْتُه وغَذَيْتُه لَغْوٌ ولَغْىٌ للكلام وهكذا ... مَقْوٌ ومَقْىٌ فادْرِ ما أَبْدَيْتُه عَيْنى هَمَتْ تَهْمُو ويَهْمِى دَمْعُها ... وحَمَوْتُه المأكول مثل حَمَيْتُه ومع ذلك فقد استدرك عليه أفعال أخرى غير ذلك جاءت بالوجهين، فمن ذلك ما زِدته بقولى: ومَتَوْتُ حَبْلًا أو مَتَيْتُ مَدَدْته ... وسَنَوْتُ بابًا أي فَتَحتُ سَنَيْتُهُ هذا ما يتعلق بالألف المتطرفة.
[الألف المتوسطة عاوضا]
[الألف المتوسطة عارضًا] [حالات كتابة الألف اللينة المتوسطة عارضًا]: وأما المتوسطهَ عارضًا فلها حالتان: فتارة تُكتب ألفًا، وهو الكثير. وتارة تبقى ياءً. فإِذا دخل أحد أحرف الجر الثلاثة: "إِلى" و"عَلى" و"حَتَّى" على "ما" الاستفهامية ولم تُلحق بها هاءُ السَّكْت كُتب ألفًا، وحُذفت ألف "ما" كما مَرَّ غير مرة (1) كقول الحريرى (2) في المقامة الأخيرة الوعظية: إِلامَ تَلْهُو وتَنِي ... ومُعْظمُ العُمْرِ فَنِي (3) وقول النابِغى: *عَلامَ تَجُوبُ الأَرْضَ مِن كُّلِ جَانِبٍ* (4) وقول الآخر: مَرَرْتُ عَلى المُروءَةِ وَهى تَبْكِى ... فقلتُ: عَلَام تَنْتَحِبُ الفَتَاةُ (5) وقول غيره: فَتِلْكَ وُلاةُ السُّوءِ قَدْ طَالَ مُكْثُهُمْ ... فَحَتَّامَ حَتَّامَ العَنَاءُ المُطوَّلُ (6)
وكذا إِذا جَرَّتْ "حَتَّى" ضميرًا، نحو "حَتَّاكَ" و"حَتَّاىَ" كما سبق (1). وهذا بخلاف ما إِذا دخلت هذه الحروف على "ما" الملحقة بهاء السَّكْت أو دخلت على "مَاذَا"، أو دخلت على استفهامٍ آخر غير "ما" (مثل "مَن" أو "كَمْ")، كقول الجَعْدِى (2) يخاطب ناقته ويدعو عليها لكثرة حنينها وتَعْويلها: أَرَارَ الله مُخَّكَ في السُّلامَى (3) ... عَلَى مَنِ بِالحَنِينِ تُعَوِّلينا على رواية (شرح مُثَلَّثة) (4) قُطْرب (5) ورواه
الرَّبْعِى (1) في (نظام الغريب) (2): *إِلى كَمْ بالحنينِ تُشَوّقِينا* ففى هذه الأحوال تبقى الحروف مكتوبة بالياء. ومثل هذه الحروف الاسم المضاف إِلى "ما" الاستفهامية، نحو "بمُقْتضَامَ حَكَيْتَ كيت وكيت". وإذا اتصل بالفعل ضميرُ المفعول أو أُضيف الاسم إِلى ضمير -ولم يكن قبلها همزة- كُتبت الياء التي كانت طرفًا ألفًا، مثل "عَصَاهُ فَتَاهَ" و"أُولاهُما كُبْرَاهُما" و"أُخراهُما صُغْرَاهُما". وقد ورد في الحديث: "مُوسى مثلُ مُوسَاكم، وعيسى مِثْلُ عِيساكُمْ". ومنه قول الشاعر: بِالله يا ظَبَيَاتِ القَاعِ قُلْنَ لَنَا ... لَيْلَاىَ مِنكُنَّ أَمْ لَيْلَى مِنَ البَشَرِ (3).
فإِن كان قبل الألف همزة -مثل "شَأى" (فِعْلًا بمعنى سبق) و"لأَى" (اسمًا للثور) وقلت "شآه" و"لآه" (أي سبقه ثورُه)، ومثله "رآه"- حذفتَ الألف خَطًّا، وتُعوّض بمدَّةٍ فوق الألف كما مَرَّ قريبًا (1). والفصل بين الفعل وضمير المفعول بِنون الوقاية لا يُخرجه عن الاتصال، نحو: "نَادَانِى" و"قَضَانِي" و"وَفَانِي" "بعدما رَمَانِى". بخلاف: "نَادَى لي" و"قَضَى لي" و"وَفَى لي" و"قد رَمَى لي"، فليس الفعل المتعدى للمفعول بواسطة حرف الجر كالفعل المتعدى إِلى المفعول بلا واسطة كما مَرَّ. وأما إِذا اتصل ضمير الجمع بالفعل، أو اتصلت الواو أو الياء (علامة إِعراب الجمع) بالاسم -نحو: "صَلَّوْا" و"عَفَوْا" و"اكْتَوَوْا" و"لَوَّوْا" و"أَوَوْا" و"آوَوْا"، و"أَتَوْا " و"آتَوْا" و"آذَوْا"، ونحو {لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: 40] (2)، و"النِّسْوةُ بَدَوْنَ" و"صَلَّيْنَ" و"ولا يَخْفَيْنَ" و"يَرْضَيْنَ"، و"جَاءَ المُصْطَفَيْن" و"رأيتُ المصْطفَيْنَ"- ففى الأمثلة الماضية حُذفت الألف لفظًا وخَطًّا في غير ما اتصلت به نون النسوة، وبقيت الفتحة دالةً عليها. وللفرق بين الماضي
والأمر، نحو ("آتَوْا" و"آتُوا")، و ("سَمَّوْا" و"سَمُّوا") و ("صَلَّوْا" و"صَلُّوا"). وأما ما اتصلت به نون النسوة فلم تُحذف الألف، بل قُلبت ياءً في نحو: "صَلَّيْنَ"، وقُلبت واوًا في نحو: "بَدَوْنَ".
الفصل الثالث في الألفات المبدلة من النونات الثلاث وفي ألف العوض عن ياء المتكلم
الفصل الثالث في الألفات المبدلة من النونات الثلاث وفي ألف العوض عن ياء المتكلم [مواضع مجىء الألف بدلًا عن النون الساكنة في الوقْف]: [(1) الفعل المؤكد بالنون الخفيفة بعد الفتحة]: [(أ) - الفعل الأمر]: تأتى الألف بدلًا عن النون الساكنة حال الوقْف في ثلاث كلمات: الأولى: الفعل المؤكَّد بالنون الخفيفة بعد الفتحة، سواء كان أمرًا كقوله: *ولا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَالله فَاعْبُدَا* (1) أصله "فَاعْبُدَنْ"، فلما وقف على آخر البيت الذى هو محل وقْفٍ أَبْدلَ النون ألفًا كما قال في (الخلاصة) في نون التوكيد: وأَبْدِلْنَها بَعْدَ فَتْحٍ ألِفَا ... وَقْفًا، كما تَقُولُ في قِفَنْ: قِفَا (2) ويُحتمل أن يكون من ذلك مطلع مُعلَّقة امرئ القَيْس (3): *قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرَى حبِيبٍ ومَنزِلِ* (4)
[(ب) الفعل المضارع الواقع بعد اللام الموطئة للقسم (مذهب البصريين والكوفيين)]
على طريقة إِجراء الوصل مجرى الوقف. وكذا قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24] على قول بعض المفسرين. [(ب) الفعل المضارع الواقع بعد اللام الموطّئة للقسم (مذهب البصريين والكوفيين)]: أو كان مضارعًا واقعًا بعد اللام الموَطِئَة للقسم، نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق: 15] {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32]. هذا مذهب البصريين، وهو الأكثر، وعليه جَرَى رسم المصحف. أما الكوفيون فيكتبونها في غير المصحف بالنون، نظرًا لوقوف بعض العرب عليها، بها لا بالألف. قال الفَاكِهِى (1). في (شرح القَطْر) (2): "ومَحَلُّ كتابة النون الخفيفة بالألف عند أَمْنِ اللَّبْس. أما إِذا حصل لَبْسٌ -نحو: "لا تَضْرِبَنْ زَيْدًا واضْرِبَنْ عَمْرًا"- فيُكتب بالنون على الأصح، ولم يُعتبر بحالة الوقف، لأنه لو كُتب بالألف لالتبس أَمْرُ الواحد أو نهيه بأمر الاثنين أو نهيهما في الخط" اهـ، ومثله في (الهَمْع) (3). [(2) (إِذن) الواقعة في المجازاة والجواب (المذهب البصري)]: الثانية: "إِذَنْ" الواقعة في المجازاة والجواب -كقولك: "إِذَنْ تُصيب" لمن قال: "أُرِيدُ أَنْ أَفعل كذا"- إِذا وقفتَ عليها تُبدلها ألفًا كالمنوَّن المنصوب، فلهذا تُكتب بالألف مطلقًا، سواء كانت ناصبة أَوْ لا في المذهب البصري، كما رُسمت كذلك في المصحف من قوله: {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ
[المذهب الكوفى]
خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 76] {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 16] وغير هذين من جميع مواضعها (1). [المذهب الكوفى]: والكوفى يكتبها بالنون مطلقًا، وإليه مال السيوطي (2) في (شرح الخلاصة) (3) واختاره في (الهمع) (4) وكذا شيخ الإِسلام على (الشافية) (5)، قالوا: للفرق بينها وبين "إِذَا" الظرفية والفُجائية، لِئَلّا يقع اللَّبْس. وأما رسم المصحف فسُنَّةٌ مُتَّبعة مقصورة عليه. وكان المبّرِد (6). يقول: "أَشتهى أَن أكْوِى يَدَ مَن يَكْتب "إِذَنْ" بالألف"، يعني في غير المصحف، قال: "لأنها مثل "أَنْ" و"لَنْ"، ولا يدخل التنوين في الحروف" (7) .. [مذهب الفرَّاء]: والمذهب الثالث للفرَّاء (8). يفصل بين كَوْنها عاملة النصب -فتُكتب
بالنون لقوتها وبين كونها مُلغاةً فتُكتب بالألف، كذا نقله في (الأدب) (1)، ثم قال: "وأَحَبُّ إِلىَّ أَن تكتبها بالألف في كل حال، لأن الوقوف عليها في كل حال بالألف" انتهى (2). ونقل (الأشمونى) (3) و (الهَمْع) (4) و (الكُلّيات) (5) مذهب الفراء كما في (الأدب) (6)، ونقله بعكس ذلك في (القَطْر) (7) و (جَمْع الجوامع) (8) و (نظمه) (9) فقالوا عن الفَرَّاء: إِنَّ الملغاة تُكتب بالنون، والناصبة بالألف. وقد نَبَّه الصبَّان (10) على هذه المخالفة من تلك الكتب في النقل عن الفراء (11).
[(3) التنوين في الاسم المنصوب غير المقصور]
[(3) التنوين في الاسم المنصوب غير المقصور]: الثالثة: التنوين في الاسم المنصوب غير المقصور إِذا وُقفِ عليه يُبدل التنوين ألفًا عند عامة العرب، سوى ربيعة فإِنها غالبًا تُسكِّن الحرف المنوَّن عند الوقف في أحواله الثلاث: مرفوعًا كان أو مجرورًا أو منصوبًا، فلهذا لا يكتبون بدله ألفًا في حال النصب. وقد جرى على لغتهم ابنُ الفارِض (1) في كثير من (اليائية)، كقوله في أولها: *سَائِقُ الأَظْعَانِ يَطوِى البَيْدَ طَى* (2) وقوله بعد: ومَتَى أَشْكُو جِرَاحًا بِالحَشَى ... زِيدَ بالشَّكْوى إِليها الجُرحُ كَىْ (3) قال في (القاموس): "وليس لهم تنوين يكتب نونًا إِلا في "وكَأَيِّن" (4). فالتنوين (وإن عرَّفوه بأنه نون ساكنة تثبت وصلًا، لا وقفًا. ومعلوم أن الكتابة تابعة للوقوف، فحيث كان لا يثبت في اللفظ عند الوقوف فلا يُكتب) فليس كالنون الحقيقية الساكنة التي يُوقف عليها لفظًا، بل يُحذف ويُوقف على الاسم بالسكون ما لم يكن منصوبًا. أما المنصوب المنوَّن فتُشبع فتحته، فيتولَّد منها ألف، فلِذَا يكتبون بدله ألفًا.
[متي يسقط تنوين الاسم المنصرف لفظا؟]
[متي يسقط تنوين الاسم المنصرف لفظًا؟]: ولا يسقط تنوين الاسم المنصرف لفظًا إِلا إِذا كان موصوفًا بـ "ابْن" متصلًا به على الشروط الآتية في حذف ألف "ابْن" (1)، فيُحذف التنوين حينئذٍ وجوبًا كما تُحذف ألف "ابْن" وجوبًا أيضًا مع ذلك. وفيما عدا ذلك لا يُحذف التنوين وجوبًا، بل جوازًا في ستة مواضع ذكرها الصَّبَّان، فانظره (2). [شروط زيادة الألف في آخر المنصوب المنوَّن]: ولكن لا تزاد الألف في آخر المنصوب المنوَّن إِلا بشروط وهي: - أن لا يكون في آخره هاء تأنيث، مثل "صَلاة" و"نِعْمَة". - ولا همزة مرسومة ألفًا، نحو "خَطَأ" و"نَبَأ". - ولا همزة ساقطة لوجود ألف ليِّنة قبلها، نحو "عَطَاء" و"جَزَاء". - ولا ياء بدلًا عن ألف في اسم مقصور، مثل "فَتَى" و"مَعْنَى" و"غُزًّى" (جمع "غَازٍ"). [الحديث عما إِذا انتفى أحد هذه الشروط]: فإِن كان آخره هاء تأنيث -مثل {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: 30]- وُقِف عليها ساكنةً عند أكثر العرب سوى طَىّ. أما طَىّ فأكثرهم يقف على التاء ساكنة، كالتاء في "قَامَتْ"، وقليل منهم يفتحها ويُبدِل من التنوين ألفًا كما يفعل بالاسم العارى عنها فيقول: "رأيتُ قائمتا" و"صليتُ صَلاتَا" على ما يأتى في الفصل
السادس آخر فصول هذا الباب (1). وإن كان آخره همزة مرسومة ألفًا (مثل: "نَبَأ" و"مَلأ") أو همزة قبلها ألف (نحو "سَمَاء" و"أَسْمَاء") فلا تُزاد ألف بعدها، وكانوا أَوَّلًا يزيدونها. وقد رأيت نسخة من (أدب الكاتب) منسوخة سنة 515 مرسومة فيها ألف التنوين بعد الهمزة وبعد الهمزات الساقطة التي قبلها ألف، ولكن المتأخرون تركوها استثقالًا لجمع ألفين ليست ثانيتهما ضميرًا. قال في (الأدب): "وكان القياس في نحو "كِسَاء" و"جَزَاء" مما لا صورة لهمزته خَطًّا أن يُكتب بألفين في حالة النصب، نظرًا للوقف عليه، لأن فيه ثلاث ألفات: الأولى، والهمزة، والثالثة، وهي التي تُبدل من التنوين في الوقف فتُحذف واحدة، ويبقى اثنتان، لكن الكُتَّاب رسموه بواحدة، وتركوا القياس بناءً على مذهب حَمْزة (2) في الوقف" اهـ (3). أي: فإِنه يقف على مثل "جَزآء" بالقصر من غير هَمْز. وإنما قلنا فيما سبق (همزة مرسومة ألفًا) للاحتراز عن: الهمزة المرسومة واوًا في نحو "لُؤلُؤٌ" و"هُزُؤٌ". أو المكتوبة ياءً في نحو "مُسْتَهْزِئٌ" و"خَاسِئٌ" وسَيّئٌ" و"طَارِئٌ". أو التي لا صورة لها وليس قبلها ألف في الصحيح -مثل "وَطْءٌ" و"جُزْءٌ" و"رِدْءٌ"- أو المعتل نحو "شَئٌ" و"فَئٌ" و"ضَوْءٌ" و"نَوْءٌ" و"سَوْءٌ" و"وُضوء". فإِن هذا الهمزات تُزاد بعدها ألف التنوين، نحو "اشتريتُ لُؤْلُؤًا" و"رأيتُ مُسْتَهْزِئًا، رجع خَاسِئًا، لكَوْنِه فَعلَ سَيِّئًا" و"اتخذتُ فلانًا رِدْءًا، فغَنِمْتُ فَيْئًا،
[ألف العوض عن ياء المتكلم (يا أسفا- يا ويلتا- يا حسرتا)]
وأخذ جُزْءًا" و"تَوَضَّأ وُضُوءًا" كما سبق ذلك كله في مواضعه (1). وأما إِذا كان آخره ياء بدلًا عن الألف -وهو الاسم المقصور مثل "رأيتُ فَتَى" و"زُرْتُ مُصْطَفَى"- فهذا مما اتفقوا على أنه يُوقف عليه بالألف كما ذكره الكَفَوِى في (الكليات) [صفحة 408] (2). واختلفوا في كتابته على ثلاثة مذاهب تَقدَّم بيانها عند الكلام على مسوغات كتابة المقصور اليائى بالألف. [ألف العوض عن ياء المتكلم (يا أسفا - يا وَيْلَتا - يا حَسْرَتا)]: وأما ألف العِوَض عن ياء المتكلم في مثل: {يَا حَسْرَتَا (3) عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] {يَا أَسَفَى (4) عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] {يَا وَيْلَتَا} [المائدة: 31] و"يا أَبَتَا": فهي اسم مضاف إِليه، ولها محل من الإِعراب، لأنها كلمة، فالغالب رسمها ألف تبعًا للتلفظ في غير رسم المصحف. ويجوز اتباع المصحف، فإِنها مرسومة فيه بالياء كما نُقل عن الشاطبى (5) في "يا أَسَفَا" و"يا حَسْرَتَا" (6). وكذا "يا وَيْلَتَا" في (حواشى الجلالين) (7).
الفصل الرابع في الواو التي تكون بدلا عن همزة لفظا في الوصل، وتلفظ في الابتدا واوا ساكنة
الفصل الرابع في الواو التي تكون بدلًا عن همزة لفظًا في الوصل، وتلفظ في الابتدا واوًا ساكنة قد سبق بيانُها أول فصل من الباب الأول في حديث علامة المنافق "إِذَا اوتُمِن خَانَ" (1) وما شابهه. وتقدم أيضًا ما له علاقة ممم بذلك في أول فصل من الباب الثاني (2). وأما الواو التي تُكتب بدلًا عن همزة حَشْوية نظرًا إِلى تسهيلها أو إِبدالها محضة -وإن لم يَجُزْ تسهيلها بالفعل في بعض مواضع للالتباس- فقد تقدمت أيضًا، وسبق في التنبيه الثالث آخر فصل الهمزة (3) التمثيل لما يلبس تسهيلها بنحو "سُؤْر"، فإِنه يلبس بـ"سُور المدينة". وأما التباسُه بـ "سور" بمعنى الضيافة فلا يُبالى به، لأن هذا اللفظ بهذا المعنى من اللغات الفارسية، ولا يعرفه إِلا خواص الخواص، لكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - -عليه أفضل التحايا- نطق به في حَفْر الخندق وقال: "إِنَّ جَابِرًا صَنَعَ لكُمْ سُورًا" اهـ (4). ولا همزة في الحشو لغير العرب. وسبق عن القَسْطلانى (5) في حديث: "أَرَأَيْتَ رَجُلًا مُؤْدِيًا" أنه لا يجوز
تسهيل الهمز خَوْف الالتباس (1). نعم يجوز التسهيل في حال الجِناس، وإن كان فيه الإِبهام والإجمال، لا الإِلباس. وسبق أيضًا في أول التنبيهات صُوَرُ اجتماع الهمزة المصوَّرة واوًا مع الواوات الحقيقية (2)، وكان حقَّه أن يُذكر في محله هنا، لكن المناسبة حملتنى هناك على الاستطراد لجمع النظائر.
الفصل الخامس في الياء التي تكتب ياءوتلفظ همزة وفي الياء التي تلفظ واوا
الفصل الخامس في الياء التي تكتب ياءً وتُلفظ همزة وفي الياء التي تلفظ واوًا [من مواضع كتابة الهمزة ياءً]: [1 - وقوعها بعد كسر (بِئْر - فِئَة) (مِئْرة - مِئَر - التَّسْوِئَة)]: تقدم أن الهمزة إِذا وقعت بعد كسرة -سواء كانت ساكنة أو مفتوحة نحو "بِئْر" و"فِئَة"- تُكتب ياءً، نظرًا لتسهيلها، أو إِبدالها ياءً، وإن لم يَجُزْ بالفعل في بعض المواضع التي يُخاف فيها الالتباس كـ "مِئْرَة" و"مِئَر"، وكذا "التَّسْوِئَة" (بمعنى التقبيح) فلا يجوز فيها ذلك، مَخافةَ الالتباس في غير الجِناس (1). [2 - في الفعل الماضي أو الأمر من المهموز الفاء الثلاثى (ايِتُونى - ايِتَمن)]: وأنها قد تكون بدلًا عن همزة في الماضي أو الأمر من الفعل المهموز الفاء الثلاثى، أو الذي من باب الافتعال، فتُكتب ياءً، نظرًا للابتداء، فإِنه يُنطق بها فيه ياءً حقيقية، فتقول "ايِتُونى بكذا"، "ايتَمَنَ زَيْدٌ عَمْرًا". ويلفظ بها حال الدَّرَج واتصال الكلمة التي هى فيها بما قبلها همزة ساكنة، وتَسْقُطُ ألفُ الوصل.
[كتابة الهمزة ياء مع نطقها واوا في الفعل الأمر من المثال]: [ايجل- ايدد]
[كتابة الهمزة ياءً مع نطقها واوًا في الفعل الأمر من المثال]: [ايجَل - ايدَد]: وإنما الذي نذكره هنا ما يُستغرب من كَوْنها تُكتب ياءً منقوطة نظرًا للابتداء بها ياءً حقيقية. ويُلفظ بها واوًا في وصل كلمتها بما قبلها، وذلك في الأمر من المثال ولو مُضاعفًا، وهو الفعل الذي أوله واو، بشرط أن لا يكون مضارعه مكسور العين، بل مفتوحها، مثل "يَوْجَل" و"يَوَدّ". فإِذا أَمرتَ من الأول ولم يسبقه فاء ولا واو كتبتَه: "ايجَلْ"، بالياء. فإِذا قلتَ: "يا مُؤْمنُ ايجَلْ من هَيْبَةِ الله" نطقت بالياء المذكورة واوًا (1). وكذا إِذا أمرتَ من الثاني بأن قُلتَ "يا صاحب ايدَدْ"، تكتبها ياءً وتلفظ بها واوًا كما سبق في الباب الأول (2). وسبق أيضًا أول التنبيهات صور اجتماع الهمزة المصورة ياءً مع الياآت الحقيقية (3)، وكان حقه الذكر هنا، لكن العذر ما قدمناه في الفصل المتقدم قُبيل هذا (4)، والله الهادي إِلى الصواب.
الفصل السادس في هاء التأنيث وتائه
الفصل السادس في هاء التأنيث وتائه [الفرق بين تاء التأنيث وهاء التأنيث من خمسة أوجه]: قال المحقق الصبان (1) نقلًا عن الشيخ خالد (2) في (التصريح): "الفرق بين تاء التأنيث وهاء التأنيث أن تاء التأنيث لا تُبدل في الوقف هاءً، وتُكتب مجرورة، وهاء التأنيث يُوقف عليها بالهاء، وتُكتب مربوطة" اهـ (3). يقول الفقير: وأيضًا هاء التأنيث هى التي تُمنع من الصرف، وهاء التأنيث يُفتح ما قبلها دائمًا ولو تقديرًا كـ "فَاطِمة" و"طَلْحة" و"فَتَاة" و"قَنَاة" و"حَصَاة" و"قُضَاة" و"تُقَاة"، فإِن الألف التي قبلها منقلبة عن واوٍ وياء مُحرَّكَتَيْن، بخلاف ما قبل تاء التأنيث فإِنه تارة وتارة، نحو تاء "بِنْت" و"أُخْت" من الأسماء. وأيضًا الهاء لا تكون إِلا في الأسماء بخلاف التاء، فإِنها تكون في الأسماء كما مُثِّل. وتتصل بالأفعال لتأنيث الفاعل، ولا تكون إِلا ساكنة كـ "قَالَت"
[التاء في "ابنة"، "بنت"]
و"نِعْمَت" و"بِئْسَت". وتتصل بالحرف لتأنيث الكلمة، وتكون ساكنة، وقد تُحَرَّك، وذلك في أربعة أحرف، وهي: "ثُمَّت" و"رُبَّت" (بضم أولهما)، و"لَعَلَّت" و"لاتَ"، ولا خامس لها. [التاء في "ابنة"، "بِنْت"]: فيكون الفرق بين الهاء والتاء المذكورتين من خمسة أوجه أو ستة عند التأمل. فقد عَرفْتَ الفرق بين "بِنْت" و"ابْنَة" من حيث إن التاء في "ابنة" تاء تأنيث، بخلاف التاء في "بنت"، وإن كانت في كل منهما عِوَضًا عن لام الكلمة، فقد قالوا: "بِنْت" و"أُخْت" أصلهما "بَنَوٌ" و"أَخَوٌ" (بالتحريك)، حُذفت الواو، وعُوّض عنها تاء التأنيث، لا هاؤه، بخلاف "ابْنَةٌ"، فالعِوَض فيها هاء التأنيث كالتى في "مِائَة" و"ذُرَة". [(العُنَّة - العَنَت)]: وأن من هاء التأنيث تاء "العُنَّة" (1)، بخلاف تاء "العَنَت" (2). [(التابوت - الفرات)]: وليس منها تاء "التَّابُوت" و"الفُرَات"، وإن كُتب "التَّابُوت" بالهاء في مصحف الأنصار. قال في "المُزْهر": "ولم تختلف قريشُ والأنصارُ في شىء من كتابة المصحف غير هذا" (3).
[مواضع تسمية هاء التأنيث]
وكان الإِمام عثمان أَوْصى كُتَّاب المصاحف الأربعة أن يكتبوها على لغة قريش، وأن يرجعوا إِليه عند الاختلاف. ونص الإِمام النَّوَوِى (1) في "شرح مسلم" على أن "الفُرات" و"التَّابُوت" يُكتب كل منهما بالتاء المجرورة (2). ورأيت في "حاشية القاموس" (3) نقلًا عن "التوشيح" (4) أن "الفُرات" بالتاء والهاء لغتان فصيحتان (5). [مواضع تسمية هاء التأنيث]: وقد عُرِف مما سبق من تسميتها هاء تأنيث كونها عِوَضًا عن فاء الكلمة إِذا كانت واوًا، نحو "عِدَة" و"ثِقَة" و"مِقَة" (6) و"هِبَة" و"صِلَة". أو عوضًا عن عينها كذلك؛ أي إِذا كانت واوًا كـ "إِقَامة" و"إجَازة"، أو كانت همزة مثل "لُمَة" في قول سيدنا عمر: "لِيَنكَح الرُّجُلُ لُمَتَه" (7) (بضم اللام، أي: شَكْلَه، ومِثْلَه في السِّن)، فالهاء في "لُمَه" عِوَض من الهمزة
الذاهبة قبل الميم كما في باب الميم من "القاموس" (1). أو كونها عوضًا عن لامها مطلقًا؛ ياءً أو واوًا كما في "لُغَة" و"ثِبَة" و"ابْنَة". أو عن ياء المتكلم في مثل "يا أَبَة" و"يا أُمَّة"، فإِن المختار كما في "المختار" الوقف عليها بالهاء، وكتابتها بهاء نظرًا للوقف وإن كانت لم تكتب في المصحف إِلا مجرورة، "وقد قُرِئ بالوجَهْين للسبعة" كما في "الأشمونى" (2). ولا كونها للفرق بين المفرد واسم الجنس كالتى في "شَجَرة" و"نَمْلَة". أو للمبالغة كـ "رَاوِيَة" (للرجل الكثير الرواية) و"دَاهية" (للرجل الداهى صاحب الدَّهَاء - بفتح الدال). أو لتأكيد التأنيث كالتى في "نَعْجَةٌ" و"لَبْوَة" (3). أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية كـ "الخَلِيفة" و"الذَّبيحة" و"الحقيقة" و"النَّطِيحة" و"السَّيِّئَة" و"الحَسَنَة". أو لغير ذلك من الوجوه التي ذُكرت في علامة التأنيث من "أقرب المسالك" (4) و"همع الهوامع" (5) وغيرهما.
[ترك نقط هاء التأنيث في سجع أو شعر في لغة طى]
[ترك نقط هاء التأنيث في سجع أو شعر في لغة طىّ]: ففى جميع ذلك تُسمَّى هاء التأنيث وتُكتب بالهاء، نظرًا للوقوف عليها بها عند جميع العرب سوى طَىّ، حتى إِنها إِذا وقعت في سَجْع أو شِعْر -ولو حديثًا تَمثَّل به الرسول عليه السلام- لا يجوز نَقْطُها. فمن الحديث قوله في حفر الخندق: لا هُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرهْ ... فَأَصْلِح الأَنصَارَ والمهاجِرهْ (1) على بعض الروايات. وكذا قوله عليه السلام في رُقْية الحَسَنَيْن (2): "أَعُوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّهْ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهَامَّهْ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّهْ" (3). وقال القَسْطَلانى (4) في صفحة [291] من الجزء الخامس: "إِن الرُّقْية المذكورة رُوِيتْ بالتاء وبالهاء" (5). ومن الشعر قول "السُّلَّم": حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المعْرِفَهْ ... رَأَوْا مُخَدّراتها مُنكَشِفَهْ (6) فلا يجوز نَقْطُ مثل هذه الهاء. وقد نص النووى (7) في "شرح مسلم" على أن الحديث إِذا كان مُسَجَّعًا
[الوقوف على هاء التأنيث بالتاء في لغة عرب طى وحمير]
يجب المحافظة على تَسْجيعه (1). [الوقوف على هاء التأنيث بالتاء في لغة عرب طىّ وحمير]: وأما عرب طىّ فإِنهم يقفون عليها بالتاء، فعلى لغتهم تكتب بالتاء المجرورة لِمَا عَلِمتَ أن الكتابة تابعةٌ للوقف، فمن ذلك ما حُكِى عن بعضهم أنه سمع من يقول: "يا أهل سُورتْ البقرتْ" فقال له: "والله ما أحفظ منها آيتْ". وقال بعض شعرائهم: واللهُ أَنْجَاكَ بِكَفَّىْ مَسْلَمَتْ ... مِن بَعْدِمَا وَبَعْدِمَا وبَعْدِ مَتْ كانت نُفُوسُ القومِ عند الغَلْصَمَتْ ... وكادتِ الحُرَّة أن تُدْعَى أَمَتْ (2) كما في "القَطْر" (3) و"الأشمونى" (4). وقال بعض ملوك حِمْيَر: "أليست عندنا عربيتْ"، ولهذا القول حكاية جرت بين الملك المذكور وبين رجل من عرب الحجاز، فانظرها في "المزْهر" (5).
[تاء "امرأة- ابنة" الواردتين في القرآن]
قال في "القَطْر": "وعلى هذه اللغة كتب في المصحف {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} [الدخان: 43] بالتاء ووقف عليها بالتاء بعض السبعة، كما وقف بها على {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (1). [تاء "امرأةَ - ابنة" الواردتين في القرآن]: (فائدة): قال الصبَّان (2): "كلّ امرأةٍ ذُكرت في القرآن مع زوجها كُتبت في المصحف بالتاء المجرورة، وهي: "امْرأَت نُوح"، و"امرأت لُوط"، و"امرأت فِرْعَون"، و"امرأت العَزِيز" (3) اهـ. ومثلها "ابْنَتُ عِمْران" كما في (حواشى الجلالين) (4). وقال في "الأدب": "إِنها رُسمت فيه بالتاء" (5) نظرًا للإِدراج والوصل، أي أنهم لم ينظروا فيه للوقف. [التاء في الجمع السالم وجمع التكسير واسم المصدر]: أَمَّا تاء الجمع السالم فهي تاء التأنيث، لا هاؤه كما سبق ذلك عن "التصريح" أول الفصل (6)، وأنها تُكتب بالتاء المبسوطة، لا المربوطة، ولو كان ذلك الجمع صفة لمذكر، مثل "ثِقَات" (بالمثلثة أوله، جمع "ثِقَة": صفة للشخص الموثوق به). وقد غَلَط بعض الناس في رسم هذا الجمع فكَتَبه بالهاء، كأنه توهم أنه مثل
[التاء في (هيهات- رحمة- النجاة)]
"تُقَاة" (بالمثناة أوله، وهو اسم مصدر من "التَّقْوَى"). أو أنه مثل "قُضَاة" و"كُمَاة" (بضم الكاف، جمع "كَمِىٌّ": وهو الشجاع المتكَمّى في سلاحه" (1). والفرق مثل الصبح ظاهرٌ بين الثلاثة: الجمع السالم، والجمع المكسَّر، واسم المصدر؛ فتاء الجمع السالم بالعكس من تاء المفرد والجمع المكسَّر، فتُرسم تاء السالم بالمجرورة تبعًا للوقف عليه بها في اللغة الفصحى، نحو "صَلَوَات" و"صِلَات". وأما عرب طَىّ فإِنهم يقفون عليها بالهاء -وعلى العكس من تاء المفرد عندهم- فتُكتب على لغتهم بالهاء، نظرًا لوقفهم. حكى في "القَطْر" وغيره أنه سمع من كلامهم "كيف الأُخْوه والأَخَوَاه؟ " و"دَفْنُ البَنَاه منَ المكْرُمَاه" (2). فتَحصَّل أن بين تاء المفرد وتاء الجمع معاكسة في اللغتين، فلا تَلتَبِسُ في اللغة الواحدة منهما تاء "الصَّلاة" بتاء "الصّلَات"، ولا تاء "الحَيَاة" بتاء "الحيات". "والقاعدة في ذلك" أن الرسم في كلتا اللغتين تابع للوقوف لما مرَّ أن الكتابة على تقدير الوقف والابتداء (3). [التاء في (هَيْهات - رحمة - النجاة)]: نَعَم، التاء في "هَيْهَاتَ" يصح الوقف عليها بالهاء كالتاء، لكنهم أجمعوا على كتابتها بالتاء كما أجمع الكتَّاب على رسم "رَحْمة الله" بالتاء في قولهم: "السَّلامُ عَلَيكُمْ ورَحْمَتُ الله" أول الكتاب وآخره في الرسائل خاصة،
كذا في "الأدب" (1). والذي أقوله هنا قياس ما تقدم من اعتبار المشاكلة الخَطِّيَّة: جواز رسم "النَّجَاة" بالتاء، لا الهاء، في قول الأَخْضَرى (2) آخر "السُّلَّم". وآلِهِ وصَحْبِهِ الثِّقَاتِ ... السَّالِكِينَ سُبُل النجَّاة (3) مُشاكَلةً لتاءِ الجمع، لِتَقَدُّمِهِ، لا العكس؛ لأن رسم المفرد بالهاء نظرًا للوقف، ولا يمَكن الوقوف في هذا البيت بالهاء، لا أولًا ولا آخرًا.
تتمة الباب في النون التي تلفظ ميما
تتمة الباب في النون التي تُلفظ ميمًا هى النون التي تقع ساكنة قبل الباء مطلقًا، مفتوحةً كانت أو مضمومة أو مكسورة، في الأسماء أو الأفعال، سواء كانت في القرآن أو الحديث أو غيرهما، حتى في غير لغتنا، كقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ} [الأنعام: 5] {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: 37]. وكقولهم في المثَل: "مُخْرَنْبِق ليَنباع" (1). و"يَنبُوع" و"عَنبَر" و"مِنبر". ولا فرق أن يجتمع الحرفان في كلمة أولًا كما يشير له التمثيل في قول "الخلاصة": وَقَبْلَ بَا اقْلِبْ مِيمًا النَّوَن إِذا ... كان مُسَكَّنًا كَمَن بَتَّ انْبِذَا (2)
الباب الثالث في الحروف التي تزاد خطا ولا ينطق بها أصلا إلا هاء السكت وقفا
الباب الثالث في الحروف التي تزاد خطًّا ولا ينطق بها أصلًا إِلا هاء السكت وقفًا [الحروف التي تكون بها الزيادة]: كما أن للعرب زيادة بعض الحروف لمعان في بعض كلمات كذلك للكُتَّاب زيادة بعض حروف في بعض كلمات، قَصْدًا للتمييز بين المتشابهات في الصورة الخَطِّيَّة. والزيادة تكون بحروف العلة خاصة، وهي الألف والواو والياء المجموعة في لفظ "واى". والهاء التي للسكت، بخلاف النقص الآتى في الباب الرابع، فإِنه يكون فيها وفي غيرها كما سيأتى هناك أول الباب عن "الأدب (1) "، فلذا جعلنا هذا الباب في ثلاثة فصول:
الفصل الأول في زيادة الألف أولاوحشوا وطرفا
الفصل الأول في زيادة الألف أَوَّلًا وحَشْوًا وطَرفًا [أولًا: زيادة الألف في الابتداء]: أما التي تُزاد في الأول ويُقال لها الف الوصل فتُزاد نظرًا للابتداء، وإن كانت تسقط في الإِدراج باتصال كلمتها بما قبلها لفظًا، وذلك يكون في ثلاثة أنواع: [مواضع زيادة ألف الوصل في الابتداء]: الأول: "أل" بأقسامها الثلاثة، وهي: الحرفية التي تُسمَّى أداة التعريف. ومثلها "أَمْ" في لغة حِمْيَر. والزائدة، كالتى في "اليزِيد" وكذا "الحَسَنُ" و"العَبَّاس" فإِنها زائدة فيهما لِلَمْح الوصفية. والاسمية التي هى اسم موصول من المعارف، كالتى في "الضَّارب" و"المضْرُوب". الثاني: المصادر التسعة وما تَصَرَّف منها من فعل الأمر والأفعال الماضية، وهي الثلاثة الخماسية، والستة السداسية. فالخماسية هى: "افْتِعَال" و"انْفِعَال" و"افْعِلال"، مثل: "اقْتِدَار" و"انْطِلاق" و"احِمْرَار" مصادر: "اقْتَدَرَ" و"انطلَقَ" و"احْمَرَّ". والسداسية هى: "اسْتفْعَال" و"افْعِنْلَال" و"افْعِيْعَال" و"افْعِوَّال" و"افْعِيْلال" و"افْعِلَّال" (بتشديد اللام الأُولى)، مثل: "اسْتِخْرَاج" و"اقْعِنْسَاس" و"اخْشَيْشَان" و"اجْلِوَّاذ" و"احْمِيْرَار" و"اقْشِعْرَار" مصادر: "اسْتَخْرجَ" و"اقْعَنْسَسَ" و"اخْشَوْشَنَ" و"اجْلَوَّذَ" و"احْمَارَّ" و"اقْشَعَرَّ". وكذا أمر الثلاثى مثل: "انصُرْ" و"اضْرِبْ" و"افْتَحْ" من الصحيح. و"اغْزُ"
[بقاء الهمزة أو حذفها خطا]
و"امْضِ" و"اخْشَ" من المعتل. الثالث: الأسماء التسعة المجموعة في قول (الخلاصة): وَفىِ اسْمٍ اسْتٍ ابْنٍ ابْنُمٍ سُمِعْ ... واثْنَيْنِ وَامْرِئٍ وَتَأنِيثٍ تَبِعْ (1) والتاسع "أَيْمُنُ" أو "أَيْمُ الله" (2). فكل واحد من هذه التسعة همزته وصل، تُكسَر في الابتداء، سوى التاسع فإِن همزته بالفتح، كهمزة "أَل". وإذا سقطت الهمزة في الإِدْراج تُنقل حركتها لما قبلها إِن كان ساكنًا ولو تنوينًا. ولو سُمِّى بما همزته وَصْل "كالاثنين" و"المنطَلَق" صارت همزة قطع كما نقله الصبان (3) في "النداء" (4). [بقاء الهمزة أو حذفها خطًّا]: فأما همزة "ألـ" فإِنها تَثْبت خَطًّا نظرًا للابتداء، وتُحذف خَطًّا في ثلاثة مواضع تأتى في باب الحذف (5). وأما همزات المصادر وما تَصَرَّف منها ماضيًا أو أمرًا فتَثْبُت خَطًّا ولا تُحذف
[ثانيا: زيادة الألف في الحشو (مائة ومضاعفاتها)]
ولو كانت حَشْوًا. وإن سقطت لفظًا وقعت بعد "ألـ" أو بعد حرفٍ مفرد كاللام في المصادر من نحو: "الائِتمَام" و"الائْتِلاف" و"لاِئْتِمَانِه" و"لاِئْتِلَافِه". أو وقعت بعد الفاء في الفعل نحو "فائْتَمَّ بِه" و"ائْتَلَفَ"، ونحو "فاضْرِبْ". فإِن قيل: إِثباتها في الخط إِنما هو نظرًا للابتداء بها. وقد ذَكَرت في الباب الأول وما بعده أنه إِذا دخلت الفاء أو الواو على نحو "ايتُونِي" و"ايتَزَرَ" تُحذف همزة الوصل والياء ويكتب "فأتُونِى"، "فأتَزَر"، فلِمَ ثَبَتَتْ مع دخول الفاء على "اضْرِبْ" إِذا قلتَ "فاضْرِبْ" أو قلتَ "فائْتَمَّ" و"ائْتَلَف"، وفي "الائْتِمَام" و"الائْتِلاف"، وفي "لاِئْتِمَانِه"؟. قلتُ: لو حُذفت من ذلك لالتبس المصدران بـ "الإِتْمَام" و"الإِتْلاف"، والتبصر فعل "الضَّرْب" مثلًا بالفعل الماضي. فَلِمَنْع الالتباس جُعلتْ الألف أو الهمزة لازمة خَطًّا. وسيأتى بيان المواضع التي تُحذف منها خَطًّا في الباب الرابع (1). وأما همزات الوصل التي في الأسماء التسعة فتثبت نظرًا للابتداء بها وإن دخلت عليها "ألـ"، ولا يحذف منها شىء خطًا وإن حذف لفظًا، إِلا في "اسْم" و"ابْن"، فإِن ألفهما تُحذف خَطًّا في مواضع بشروط تأتى في باب الحذف (2). [ثانيًا: زيادة الألف في الحشْو (مائة ومضاعفاتها)]: وأما زيادة الألف حَشْوًا ففى كلمة "مِائَة" قالوا في علة زيادتها: للفرق بينها وبين "مِنْه"، فإِن الهمزة في "مِائَة" تُكتب ياءً لوقوعها مفتوحة بعد كسرة حتى يجوز نَقْطُها والنطق بها ياءً حقيقية غير مُشدَّدة كما في قول
زَرْقَاء اليمامة: *تَمَّ الحَمَامُ مِيه* (1) فإِذا كتبتَ "أَخذتُ مِيه" -بلا زيادة ألف- اشتبهت بـ "أَخَذْتُ مِنْه"، لأنهم كانوا أولًا يتساهلون بترك النَّقْط كما كان المصحف أولًا في عصر الخلفاء الراشدين، فجعلوا زيادة الألف لمنع الالتباس، ولكنهم أبقوها معها عند التركيب مع الآحاد في نحو: "ثَلَثُمِائَة" و"سِتُمِائة" وأخواتهما. بل أبقاها بعضهم في "مِائَتَيْن" أيضًا، إِلحاقًا للمثنى بالمفرد، لعدم تَغيُّر الصورة، بخلاف الجمع نحو "مِئَات" و"مِئِين". قال أبو حيان (2): "وكثيرًا ما أكتب أنا "مِئَة" بلا ألف مثل كتابة "فِئَة"، لأن زيادة الألف خارج عن الأقيسة. فالذي اختاره كتابتها بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء دون الألف على وجه تسهيلها". قال: (3) "وقد رأيت بخط بعض النحاة "مِأَة" بألف عليها همزة دون ياء. وقد حُكِىَ كَتْبُ الهمزة المفتوحة ألفًا إِذا انكسَر ما قبلها عن حُذَّاق النحويين، منهم الفَرَّاء، رُوِىَ عنه أنه كان يقول: يجوز أن تُكتب الهمزة ألفًا في كل موضع" اهـ، كذا في "الهَمْع" (4). ونقل هناك (5) عن الكوفيين تعليلًا آخر لزيادة الألف في "مِائَة" يطول علينا إِيراده بما فيه من المناقشات والمناقضات. وإنما أقول هنا: سبق في الكلام على الهمزة المتطرفة المفتوح ما قبلها إِذا عَرَض لها التوسط (بأن اتصل بها ضمير نحو "مَلَائِه" و"خَطَائِه") أن إِمام الكوفيين -وهو ثَعْلب (6) - قال: "وربما
[ثالثا: زيادة الألف في الطرف وشروط ذلك]
أَقرُّوا الألف وجاءوا بعدها بواو في الرفع، وبياء في الخفض، فيقولون "ظَهَرَ خَطَاؤُه" و"عَجِبتُ من خَطائِه". والاختيار مع الواو والياء أن تسقط الألف، وهو القياس" اهـ (1). فعلى هذا تكون الألف قبل الواو أو الياء زائدة كزيادتها في "مِائَة"، ولكن لا تزاد إِلا عند خَوْف التباس المفتوح ما قبل الواو بساكن ما قبل الواو أو بمكسوره، كما بيناه فيما سبق فجُعِلت زيادة الألف للدلالة على أن ما قبلها مفتوح. ثم رأيت السيوطي (2) في الكلام على رسم المصحف من آخر (جَمْع الجوامع) جرى في مبحث الزيادات التي في المصحف على أن الزائد في "مَلائِهِ" هو الياء، لا الألف (3). ولعل وجهه أن "مَلأَ" يُكتب بالألف إِذا كان مجردًا عن الإِضافة، فكذا يُكتب معها كما قاله أصحاب المذهب الثاني من المذهبيْن اللذيْن ذكرناهما سابقًا للكِتاب عند الكلام على اتصال الهمزة المتطرفة بالضمير (4)، والله أعلم. [ثالثًا: زيادة الألف في الطرف وشروط ذلك]: وأما زيادة الألف آخِرًا فذلك بعد الواو بشروط ذكرها شيخنا أبو النجار (5) -رحمة الله عليه- في "حاشيته" على (شرح الشيخ خالد) (6):
[الواوات التي ليس بعدها ألف]
أولها: أن تكون الواوُ واوَ جَمْعٍ. ثانيها: أن تكون في الفعل. ثالثها: أن تكون متطرفة: قلت: ويغنى عن الأولين قولك أن تكون ضميرًا، بأن تكون في فعل ماض (نحو: ضَرَبُوا) أو أمر (نحو: اضْرِبُوا) أو مضارع محذوف النون لجازمٍ أو ناصبٍ أو بدونهما كقوله عليه السلام: "ولا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا" (1)، فقد قال مُحيى السنة النَّوَوِى (2) في (شرح مسلم): "إنَّ حذفَها بغير ناصب وجازم للتخفيف لغةٌ فصيحة أيضًا" (3). [الواوات التي ليس بعدها ألف]: فخرج باشتراط كونها ضميرًا ثلاث واوات: الأولى: الواو التي من بِنْية الفعل، كقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71]، وكما في حديث (الصحيحين): "أَلا نَغْزُو ونُجَاهِد" (4) -قال النووى (5): "هذه الواو يُكتب بعدها ألف على طريقة المتقدمين
من الكُتَّاب، والمختار عند المتأخرين عدم كتابتها" اهـ (1). ومن ذلك الواو في "نَصَبُو" من قول ابن الفارض (2) في (الفائية): كُلُّ البُدُورِ إِذَا تَبَدَّى مُقْبِلًا ... تَصْبُو إِليْهِ وكُلَّ قَدٍّ أَهْيَفِ (3) الثانية: الواو التي هى علامة الرفع في الأسماء الخمسة وجمع المذكر السالم وما ألحق به، كقولك (أَبُو الوَفَا ذُو مالٍ وأَخُو عِلْمٍ" و"مُتَقَدِّمُو العُلَماءِ هُمْ أُولو الفَضْلِ وذَوُو السَّبْقِ". الثالثة: الواو التي لإِشْباع ضَمّة الميم، وتُسمَّى واو الصلة، كقوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُو الْجَنَّةُ} [الأعراف: 43]. وكقول الإِمام كَرَّم الله وجهه: سَبَقْتكُمُو إِلى الإِسْلامِ طَرًا ... صَغِيرًا ما بَلَغْتُ أَوَانَ حِلْمِى (4) وكقول الشاعر: فأُقِسم أَن لَوِ التَقْينا وأَنتُمُو ... لَكَانَ لَكُمْ يَوْمٌ من الشَّرِّ مُظلِمُ (5) وكقول الآخر: *وهُمُ الَذِينَ هُمُو هُمُو* (6) وكقول الكِندِىّ المتقدم الذي يمنُّ على قريش ويفتخر ببشر الذي علمهم
[زيادة ألف بعد الواوات التي ليست ضميرا في الرسم المصحفى]
الكتابة: *لا تَجْحَدُوا نَعْمَاءَ بشْرٍ عَلَيْكُمُو .. إِلخ (1) * [زيادة ألف بعد الواوات التي ليست ضميرًا في الرسم المصحفى]: فهذه الواوات الثلاث ليست ضميرًا فلا تزاد بعدها ألف في الخط القياسى، بخلاف الرسم المصحفى، فإِنها تُزاد فيه بعدها كلها, ولا يجوز إِسقاط واحدة منها فيه، لأن أَلِفات القرآن معدودة [40300] والواوات [6000] والياآت [990]. وانظر بقية أعداد الحروف أول (حاشية الجمل) (2) عن النَّسَفِى (3)، أو في (الإِتْقان) (4). [مذهب بعض الكوفيين في زيادة الألف بعد الواو الطرفية] [(الكسائي - الفرَّاء)]: وكان بعض الكوفيين يتبع المصحف في زيادتها بعد كل واوٍ ساكنة
[طريقة متأخرى الكتاب]
متطرفة، وكان الكِسَائى (1) يزيدها بعد واو الفعل في نحو "يَزْهُو" و"يَبْدُو صَلَاحُه" ولو كان منصوبًا. وكذلك الفَرَّاء (2)، إِلا أنه قَيَّد الزيادة بما إِذا لم يُنصب الفعل فقال: تُزاد بعد الواو الساكنة للفرق بينها وبين المفتوحة، فلا تُزاد بعدها، كذا في (الهمع) (3). قلت: ولعل النَّوَوِى (4) في (شرح مسلم) بَنى على مذهب الفَرَّاء هذا دون مذهب الكِسَائى قوله في (باب النهى عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ الصلاح) ما نصه: "ومما ينبغى أن نُنبهَ عليه ما يقع في كثير من كُتُب المحدِّثين وغيرهم أن يكتبوا "حَتَّى يَبْدُوا صَلاحُه" بألف في الخط بعد الواو، وهو خَطَأٌ، والصواب في مثل هذا حذفُها للناصب. وإنما اختلفوا في إِثباتها إِذا لم يكن ناصب، مثل "زَيْد يَبْدُو" و"يَدْعُو"، والاختيار حذفها أيضًا، ويقع مثله في "حتى يَزْهُو"، والصواب حذف الألف كما ذكرنا" (5) اهـ. [طريقة متأخرى الكتَّاب]: هذا، وأما مُتأخِرُو الكُتَّاب فقد قالوا: إِنه على زيادتها بعد الواو التي من الفعل يلتبس نحو "يَدْعُو" للمفرد بالذى للجمع، فجعلوا الزيادة في خصوص الواو ضمير الجمع الطَّرْفية، وسموها ألف الفصل، والفارقة، لتفرق أيضًا بين واو الضمير المتطرفة في نحو ("وَزَنُوا" و"كَالُوا" و"عَلِمُوا" و"كَاتبُوا" و"كَانُوا") وبين المتوسطة في {كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ} [المطففين: 3]. و"عَلِمُوهُمْ"
[واو إشباع الضمير بين الحذف والإثبات (تخذتهمو)]
و"كاتَبُوهُمْ" و"كانُوها" في قول الشاعر: وإخْوانٌ تخذْ تُهموُ دُرُوعًا ... فكَانُوهَا ولكِن للأَعَادِى وخِلتُهُمُو سِهَامًا صَائِباتٍ ... فكانُوهَا ولكنْ في فُؤادِى (1) [واو إِشباع الضمير بين الحذف والإِثبات (تخَذْتُهُمو)]: وأما واو الصلة في قوله "تخَذْتُهُمُو" و"خِلتُهُمُو" فهي واو إِشباع الضمير كما علمت، وليست ضميرًا. إِلا أن منهم من يكتبها، ومنهم من يحذفها ويقتصر على الميم كما في (الهَمْع). [الواو المتطرفة بعد ضمير غير مفعول (كانوا هُم)]: ومن المتطرفة ما يكون بعدها ضمير غير مفعول، بأن يكون تأكيدًا للضمير الذى هو الواو، أو يكون ضمير فصل، أو ضميرًا منفصلًا، بدلًا أو مبتدأ، كقوله تعالى: {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [غافر: 21]. {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76]. {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} [النجم: 52]. وكقوله عليه الصلاة والسلام: "صِلِ الأَرْحَامَ وإن قَطَعُوا هُمْ" كما ذكروه في فضائل عاشُوراء. وجعل بعضُ المفسرين من ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]. لكن ناقشوه بما لا داعى هنا إِلى إِيراده. [كتابة الألف بعد الواو المتطرفة بعدها ضمير مقصود لفظُه]: وكذا إِذا كان بعد الواو ضميرٌ مقصودٌ به لفظه ليس مستعملًا في موضوعه، كقول الحريرى (2) الذي قدَّمناه في باب ما يوصل وما يفصل اختاروا "ها" عن "هُنّ" في الضمير الراجع للعدد الكثير، واختاروا "هُنّ" عن
"هَا" .. إِلخ" (1)، ففى ذلك يلزم كَتْب الألف بعد الواو، لأنها متطرفة، لا متوسطة. [رأىٌ للمؤلف]: وفي الحقيقة أن هذا الضمير في كلام الحريرى (2) ليس ضميرًا إِلا بالصورة، فتسميته ضميرًا مجاز كتسميتهم ضمير الفصل ضميرًا، لأنه كلمة مستعملة في غير ما وُضِعت له، فهذا الضمير في مقام الفصل والوصل بمنزلة الاسم الظاهر لما قدَّمناه غير مرة أن الكلمة إِذا أُرِيد بها لفظها ولو ضميرًا أو حرفًا خرجت عن الضميرية والحرفية، والتحقت بالاسم الظاهر.
الفصل الثاني في زيادة الواو حشوا وطرفا
الفصل الثاني في زيادة الواو حَشْوًا وطرفًا [أولًا زيادة الواو حشوًا]: [الكلمات التي تزاد فيها الواو حشوًا]: أما زيادتها حَشْوًا ففى ثلاث كلمات: الأولى: أُولَئِكَ. الثانية: أُولُو. الثالثة: أُولاتُ، بمعنى ذَوَات. [أولئك]: أما زيادتها في "أُولَئكَ" فللفرق بينه وبين "إِلَيْكَ" كما في شيخ الإِسلام على (الشافية) (1)، قال: "ولم يعكس؛ لأن الاسم أَوْلى بالتصرف فيه من الحرف، ولأن "أُولَئِكَ" قد حُذِف منه ألف فكانت الزيادة فيه أَوْلى، لتكون كالعِوضِ من المحذوف، وحمل "أُولاءِ" و"أُولَى" -بالقَصْر- على "أُولَئِكَ"، وإن لم يلبس" اهـ. وهذا في "أُولاءِ" و"أُولىِ" الإِشاريتين. أما "الأُلَى" التي هى اسم موصول بمعنى "الَّذِينَ" أو "الَّلاتِى": فلا تجوز زيادة الواو فيها خَوْف الالتباس بـ "الأُولَى" (ضد "الأُخْرى")، والزيادة إِنما جُعلت لدفع الإِلباس، لا للإِيقاع في اللبس. ومثلها "الأُلَاءِ" الممدودة على لغةٍ. فمثال "الأُلَى" المقصورة قوله:
[أولو، أولات]
وَتُبْلِى الأُلَى يَسْتَلْئِمُونَ عَلَى الأُلَى ... تَرَاهُنَّ يَوْمَ الرَّوْعِ كالحِدَإِ القُبْلِ (1) وقول الآخر كما في (شرح الشافية) (2): وهُمُ الأُلَى إِن فَاخَرُوا قَالَ العُلَا ... بِفى امرئٍ فاخَركُمْ عَفْرُ الثرى (3) ومثال "الأُلاءِ" الممدودة قوله: أَبَى الله للِشُّمِّ الأُلاءِ كَأَنَّهُمْ ... سُيُوفٌ أَجَادَ القَيْنُ يومًا صِقَالَها (4) [أولو، أولات]: وأما زيادتها في "أولُو" المرفوعة و"أُولِى" المجرورة، وفي "أَولاتُ" كقوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه: 128] {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] (أي ذَوَاتُ الأحمال، يعني الحبالى من النساء): فللفرق بين "أُولِى" (في حالتى النصب والجر) وبين "إلى" الجارة. ولم يعكس لِمَا مَرَّ. وحُملت حالة الرفع على غيرها.
[زيادة الواو حشوا في ألفاظ دخيلة]
وحُمِل التأنيث في "أُولاتُ" على التذكير كما في (الشافية) و (شرحها) (1). وأما قول السُّجَاعِى (2) في (حواشى القَطْر) نقلًا عن الشَّنَوانى (3): "إِنهم زادوا في "أُولاتُ" فَرْقًا بينها وبين "الَّلات" (اسم جمع "التي") فإِنه يُكتب بلام واحدة" اهـ (4) -فلا يظهر ولا يتمشى إِلا على رسم المصحف، وعلى قول من ذهب إِلى أن "الَّلات" في غيره يُكتب بلام واحدة كصاحب (الهَمْع) (5). [زيادة الواو حشوًا في ألفاظ دخيلة]: وقد تُزاد الواو حَشْوًا في ألفاظ دخيلة يونانية أو تركية، فمن الأولى "أوقيَانُوس" (اسم البحر المحيط بالكرة الأرضية) زادوا فيه واوًا عقب الهمزة للدلالة على ضم ما قبلها، وكذا الواو التي بعد النون. لذلك فإِني رأيت هذا الاسم محذوف الواوين في (مروج الذهب) (6). ونظيره "أُوقْلِيدِس" اسم لأول كِتاب مُؤَلّف في الهندسة، وهو مركّب من كلمتين، الأولى: "أُوقْلِى" بمعني مِفْتاح، والثانية: "دِس" بمعنى هندسة، ويُسمى مُؤَلِّفُه أيضًا بذلك كما في ترجمة (القاموس) (7) و (البرهان القاطع). ومن اللغة التركية "أورد" بمعنى المعسكر، زادوا فيه واوًا عقب الهمزة،
[زيادة الواو المتوسطة عارضا (ملاؤه- ملائه)]
دلالة على ضمها، والعوام تسميه العرضى. [زيادة الواو المتوسطة عارضًا (ملاؤه - ملائه)]: أقول: ومن زيادة الواو المتوسطة عارضًا ما سبق آنفًا في نحو (1): "هَلَكَ فِرْعونُ ومَلاؤُه" و"بانَ خَطؤُه" على ما تقدم من القول بأن الألف غير مزيدة، وأن الواو هى المزيدة لتبيين حركة الهمزة كما يقال بذلك في "مَلائِه": إِن الياء هى الزائدة لبيان حركة الهمزة، على ما جرى عليه في (الهَمْع) (2) من أن الياء هى الزائدة في رسم المصحف. قال في (الأدب): "وزاد بعضهم واوًا في "أُوخَىّ" -مصغرًا- فرقًا بينه وبين"أَخِى" المكَبَّر" اهـ (3). قال في (الهمع): "ولكن أكثر أهل الخط لا يزيدونها" (4). [ثانيًا: زيادة الواو طرفًا في (عَمْرو)]: وأما زيادة الواو في الطرف ففى اسم "عَمْرو"، فَرْقًا بينه وبين "عُمَر"، وذلك بشروط: أن يكون عَلَمًا لم يُضف لضمير، ولم يقع في قافية، ولم يُصغَّر، ولم يكن مُحلَّى بـ "أَل" ولا منصوبًا منونًا. قال شيخ الإِسلام (5): وذلك للفرق بينه وبين "عُمَر" مع كثرة استعمالها، ولم يعكس، لأن لفظ "عَمْرو" أخف من لفظ "عُمَر"، والزيادة بالأخف أَوْلى. فإِن لم يكن عَلَمًا كـ" عَمْرٌ" -الذى هو واحد "عمود الأسنان"، وهو ما
بينها من اللحم المستطيل (1) - لم تُزَد فيه الواو، لأن العَلَم لشهرته في أسمائهم وكثرة استعماله واستعمال ما خِيف أن يُلتبس به ليس كغيره. وكذا لا تُزاد إذا أُضيف بضمير أو صُغِّر، لأن المضاف إِلى الضمير لا يُفصل منه بحرف زائد، وتصغير "عَمْرو" و"عُمَر" بصورة واحدة. وكذا إِذا حُلِّى بـ "أَل" كقوله: باعَدَ أُمَّ العَمْرِ مِن أَسيرِها ... حُرَّاسُ أَبْوابٍ على قُصُورِها (2) وذلك لقلة استعماله. وكذا لا تُزاد إذا وقع قافية، لتنافى "عَمْرو" و"عُمَر" فيها، فلا يُفضى إِلى التباسٍ، كقول العَرْجِى الشاعر (3) حفيد عَمْرو بن سيدنا عثمان رضي الله عنه: كأَنّى لم أكن فيهم وَسيطًا ... ولم تَكُ نِسْبَتى في آلِ عَمْرِو (4) وكقول الآخر -كما في رسالة (مُوقِد الأَذْهان) وغيرها:
إِنَّما أَنتَ مِن سُلَيْمى كواوٍ ... أُلْحِقَتْ في الهِجَا ظُلمًا بِعَمْرِ (1) يقول الفقير: يظهر لي من التعليل أن المدار على عدم الالتباس ولو في غير القافية، بأن يختلف الوزن، أو تكون القرينة مُعَيَّنة ولو في حَشْو البيت، كقول ابن عُنَيْن الدِّمشْقى (2): كَأَنِّى في الزمانِ اسْمٌ صَحيح ... جَرَى فتحكمت فيه العَوَامِلُ مَزِيدٌ في بَنِيهِ كواوِ عَمْر ... ومُلغَى الحظِّ فيه كَرَاءِ وَاصِل (3) وكقولهم في ضابط العبادلة (4): أبناءُ عَبَّاسٍ وعَمروٍ وعُمَرْ ... ثم الزُّبيرُ هُمُ العَبادِلَةُ الغُرَرْ (5)
وكقول الآخر في البيت المشهور. والمُسْتَجِيرُ بِعَمْروٍ عند كُرْبَتِه ... كالمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بالنَّارِ (1) ولكنهم نظروا إِلى أنه ليس كلُّ أَحدٍ ممن يقرأ الكِتاب يعِرِف وزن الشعر وخلله، ولا كلُّ أحدٍ يعرف القرينة، فزادوها باطِّراد، حتى إِن كثيرًا من جهلة الكتَّاب يزيدها في "عَمْرو" المنصوب المنوَّن، مع أنها لا تُزاد في المنون المنصوب، لوجود الفارق بينهما، وهو الألف التي تكتب بعد "عَمْرو" المنصوب بدلًا عن التنوين، فإِن "عُمَر" ممنوع من الصرف والتنوين. نَعَمْ، إِذا أَجْرى الكاتب على لغة ربيعة -الذين لا يكتبون ألفًا بعد المنوِّن- يحتاج إلى زيادة الواو في المنصوب، لأنه لا فارق حينئذ بينه وبين "عُمَر" إِلا بالواو. فإِن كان منصوبًا غير مُنَوَّن -بأَنْ وُصِف بـ "ابْن" متصل به- كما إِذا قيل: "إِن عَمْرو بن العاص (2) هو الذي بني مصْرَ الفُسْطاط" أو قيل: "إِن عَمْرو ابنَ هِند (3) هو الذي أمر بقتل طَرْفَةَ بن العَبْد" (4) - وجب إِثباتُ الواو
وحَذْفُ أَلِف "ابن"، لا العكس. هذا ماظهر لى، وإن لم أره مُصرَّحًا به في شىء من كُتُب الفن. وقد رأيتُ مَن ارتكب العكس، بأَنْ حذف الواو، وأثبت الألف، جعلها ألف التنوين، ولم يدْرِ أن العَلَم الموصوف بـ "ابْن" يُحذف تنوينه ولو نصبًا، كما تُحذف ألف "ابْن" وجوبًا فيهما كما يأتى في الحذف (1). [واو الصلة]: وأما واو الصلة -مثل "عَلَيْكُمُو" و"تِلكُمُو"- فقد ذكرنا في الفصل قبل هذا عن (الهَمْع) أن منهم مَن يَزِيدها، ومنهم من لا يكتبها (2).
الفصل الثالث في زيادة هاء السكت خطا
الفصل الثالث في زيادة هاء السكت خطًّا مما يختص به الوقف زيادة هاء ساكنة فيُوقف بها وجوبًا في ثلاثة مواضع، وجوازًا في ستة. وبالنظر للوقف عليها تَثْبت خَطًّا وإن كانت تحذف لفظًا حالة الدَّرَج. وإنما تثبت وصلًا في قوله تعالى: {كِتَابِيَهْ} و {حِسَابِيَهْ} و {مَالِيَهْ} و {سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة الآيات: 29:25] اتباعًا للمصحف الإِمام والنقل، ومن القُرَّاء مَن حذفها وصلًا على طبق القاعدة مع النقل عنه - صلى الله عليه وسلم -. [أولًا: مواضع زيادة هاء السكت والوقوف عليها وجوبًا]: فالثلاثة الواجبة: أولها: في فِعْل الأمر الذي صار على حرف، وكذا مضارعه المجزوم. فإِذا كان الفعل محذوف الألف (مثل قِهْ نَفْسَك) و (لا تُفِهْ عَدُوَّكَ) أو محذوف العين "مثل: رِهْ حَبِيبَكَ، ولا تُرِهْ عَدُوَّكَ" ووُقِف عليه: وَجَبَ إِلحاق الهاء به لفظًا. وقد صرح شيخ الإِسلام في "شرح المنهج" بأن تَرْكَها خَطأٌ كما ذكرناه أول الباب الأول (1). قال في الخلاصة: وَقِفْ بِهَا السَّكْتِ عَلَى الفِعْلِ المُعَلْ ... بحِذْفِ آخِرٍ كَأَعْطِ مَن سَأَلْ
وَلَيْسَ حَتْمًا في سِوَى مَا كَعِ أَوْ ... كيَعِ مجزومًا فَراعِ مَا رَعَوْا (1) فلذا تثبت خَطًّا، وإن كانت تذهب في اللفظ وصلًا. وبالنظر للوصل في القرآن لم تُرسم في {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ} [الفرقان: 45] ونحوه. وقد تثبت في الوصل إجراءً مجرى الوقف كما مَرَّ عن الصَّبَّان في قول الشاعر: *فِهْ بالعقود وبالأَيَمان ... (البيت) (2) * قيل: إِنما وجب إِلحاقها في الوقف لتكون عِوَضًا عن المحذوف الذى هو الفاء أو العين من الفعل اللَّفِيف. -قال في "الأدب": فإِن سبق الأمر حرف الفاء- كأن قيل: "قُمْ فَلِ عَمَلك" لم يجب إِلحاقُها. ونص عبارته: "إِذا أَمرتَ من مثل "وَعَيْتُ الحديثَ" و"رَقَيْتُك بنفسى" و"وَشَيْتُ الثَّوْبَ": زِدتَ هاءً في اللفظ إِذا وقفتَ، وهاءً في الكتاب، فتقول: "عِهْ كلامى"، "قِهْ زَيْدًا بنفسك"، "شِهْ ثَوْبَك"، لأنه لا تكون كلمة على حرف، فإِن وصلتَ ذلك بفاءٍ أو واوٍ فإِن شئتَ أقررتَ الهاء، وإن شئت حذفتها، وهو أحبُّ إلىَّ، فتقول: "قُمْ فَقِ زَيْدًا"، "اذْهَبْ فَلِ عَمَلَكَ" و"شِ ثَوبكَ"، وإن وصلتَ ذلك بـ "ثُمَّ" ألحقتَ الهاء، لأن "ثُمَّ" حرف منفصل قائم بنفسه لا يتصل بما بعده اتصال "الفاء والواو" اهـ (3). أي لِمَا تَقدَّم من أنهما لا يُوقف عليهما. وإن أَكَّدتَ الأمرَ من اللفيف المذكور بالنون فقلتَ: "عِنَّ يا هند نفسك" -أمرًا من "وَعَى"- استغنيتَ عن زيادة الهاء.
ومثل "عِنَّ": "إِنَّ" (أمرًا من "وَأَى": بمعنى وَعَدَ) كما في اللغز المشهور المذكور في "موقد الأذْهان" (1) و"حواشى الأزهرية" وغيرهما، وهو: إنَّ هندُ المليحةُ الحسناءَ ... وَأىَ مَنْ أَضْمرتْ لخِلٍ وفَاءَ (2) وأما الفعل الناقص "وهو المحذوف اللام فقط، واوًا كانت أو ياءً" نحو "اْغُز" و"ارْمِ" و"لا تَغْزُ" و"لا تَرْمِ" -فيجوز تركُها, لأن الكلمة تَقَوَّتْ بكونها على أكثر من حرف، ولكن الأكثر إِلحاقها به، وهو المختار، لأن الكلمة لحقها الإِعلال بحذف آخرها، فكرهوا أن يجمعوا عليها حذف لامها وحذف الحركة. قال في "الهَمْع": "ما لم يكن الفعل متعديًا، وإلا كان المختار عدم الإِلحاق لئلا تلتبس هاء السكت بهاء الضمير" اهـ (3). وعليه، فيكون من القليل قوله عليه الصلاة والسلام: "اخْبِرْ تَقْلِهْ" (4)، وقوله: "ثُمَّ أْيَنَما أَدْركَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ" كما في رواية للبخارى (5)، في
صفحة [289] من خامس القسطلانى (1)، وفي رواية أخرى "فَصَلِّ" -بدون هاء- (2) كما في صفحة [329] منه (3)، وقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]. وقد يقال: إِن كلام "الهمع" (4) في الماضي لا المضارع. والثانى: من مواضع وجوب إِلحاق هاء السكت: "ما" الاستفهامية إِذا جُرَّتْ باسمٍ، نحو"مَجِىءُ مَ جِئْت"و "بِمُقْتَضَا مَ عَمِلْتَ". فإِن وقفتَ على اسم الاستفهام ألحقت الهاء وجوبًا، فتقول: "مَجِىء مَهْ" و"بِمُقْتَضَى مَهْ" (5). وأما إِذا جُرَّتْ بحرف نحو "مِم" و"عَم" فلا يجب إِلحاق الهاء بها، فيجوز أن تقول "لِمْ" و"عَمْ" بالإِسْكان، على ما في "الصَّبَّان" (6) و"الهَمْع" (7). وإن كان قول الكافِيَجِى (8) في "شرح قواعد الإِعراب" (9): "تحذف الألف
[ثانيا: مواضع جواز إلحاق هاء السكت والوقوف عليها]
وتبقى الفتحة دليلًا عليها" يقتضى وجوب فتحها، فيُستدرك به على قولهم: "لا يُوقف على متحرك، ولكن الأحسن إِلحاق الهاء، وعليه قراءة يعقوب (1) في {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]: "عَمَّهْ" بإِلحاق الهاء عند الوقْف (2). والفرق بين الجار الحرفى والاسم المضاف أن الحرفى كالجزء لشدة اتصاله بها لفظًا وخَطًّا، فصارت كأنها على حرفيْن، بخلاف الاسم (3). والموضع الثالث: من مواضع الوجوب: مُسمَّى أَىّ حرفٍ كان من حروف الهجاء عند السؤال عنه. مثلًا إِذا قيل لك: ما مُسمَّى الجيم من "جَعْفَر"؟ فتقول في الجواب: "جَهْ"، فتنطق بمسمى الحرف مفتوحًا ملحقًا به هاء السكت، ولا تقول "جِيم" ولا "اجْ"، بخلاف ما إِذا سُئِلْتَ عن أصل مادة الاستفتاح مثلًا فتقول "ف، ت، ح" حروفًا مقطعة مفتوحة من غير إِلحاق هاء بها، إِلا في الحرف الأخير فيجوز أن تحركه وتلحقه بها. [ثانيًا: مواضع جواز إِلحاق هاء السكت والوقوف عليها]: وأما مواضع الجواز الستة: فأولها: المضارع والأمر من الناقص، أي المحذوف اللام المتقدم.
[إلحاق كاف الخطاب والتاء بالألف والياء في لغة ربيعة]
وثانيها: الاسم الذي آخره حرف علة، مثل "هو" و"هى"، ومنه قوله تعالى: {{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [القارعة: 10] وكذا "يا وَيْلَتَاهْ يا أَبَتَاهْ" و"يا رَبَّاهْ يا غَوْثَاهْ". وثالثها: "ما" الاستفهامية المجرورة بالحرف، نحو "لِمَهْ" و"فِيمَهْ" و"كَيْمَهْ" وغيرها من باقى الحروف التي تدخل عليها فتُحذف ألفها وتُلحق بها هاء السكت كما قال في "الخلاصة". وَمَا في الاستِفْهامِ إِن جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وأَوْلِهَا الْهَا إِن تَقِفْ (1) ورابعها: ما آخره ياء المتكلم نحو "غلاميه". قال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29] ممم. وخامسها: ما عُوّضَتْ فيه ياء المتكلم بالتاء، نحو "يا أَبَة" "يا أُمّة"، فيجوز إِبدال التاء هاء، كذا قيل، وفيه ما فيه. وسادسها: بعد كاف الخطاب للمذكَّر، سواء كانت الكاف ضميرًا مفعولًا أو مضافًا، نحو "رَبُّك قَدْ أَكْرَمَكَهْ". [إِلحاق كاف الخطاب والتاء بالألف والياء في لغة ربيعة]: وفي لغة رَبِيعة يُلحِقون الكاف المذكورة بألف الصلة في خطاب المذكَّر وبياء الصلة في خطاب الأُنثى فيقولون للرجل "رَأَيْتُكَا" وللمرأة "رَأَيْتكى"، ويفعلون مثل ذلك في التاء أيضًا، يُلْحِقونها بألف الصلة للرجل، وبياء الصلة للأُنثى، فيقولون له "قُمْتَا"، ويقولون لها "قُمْتِى" كما ذكره الصَّبَّان عن قول "الخلاصة". *كالياءِ والكَافِ مِنِ "ابْنَى أَكْرَمَكْ"* في التمثيل للضمير المتصل (2).
وقَيَّد أبو علىّ الزيادة للياء بعد التاء بوجود الهاء بعدها، كما قال الشَّنَوَانى على "الآجُرُّومِيَّة" (1). قال الدَّمامينى (2) على "التسهيل": وقد اجتمعا -أي وصل الكاف والتاء المكسورتينْ بالياء خِطَابًا للأُنثى- في قوله: رَمَيْتِيهِ فَأَقْصَدتِ ... فما أَخْطأْت في الرَّمْيَه بِسَهْمَيْنِ مَلِيحَيْنِ ... أَعَارَتِكِيهما الظِّبْيه (3) أقول: وعلى هذه اللغة يتخرج حديث المولد الشريف من قول الهاتف لآمنة: "إذَا وَضَعْتِيهِ فَسَمِّيهِ مُحَمّدًا" (4)، وغير ذلك من أحاديث وردت في "الصحيحين" على هذه اللغة، كقوله في حديث حابسة الهرة -كما في باب فضل سَقْى الماء من "البخاري"- "لا أَنتِ أَطْعَمتِيهَا ولا سَقَيْتِيهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا, ولا أَنتِ أَرْسَلتِيهَا فَأَكَلَتْ مِن خِشَاشِ (5) الأَرْضِ" (6).
[لغة الكشكشة والكسكسة "من اللغات الرديئة"]
[لغة الكشكشة والكسكسة "من اللغات الرديئة"]: وهذه اللغة كثيرة الاستعمال بمصر، إِلا أنها لَمَّا لم تكن من لغة قريش جعلوها من اللغات الردية، كما عَدُّوا من اللغات المذمومة زيادة شين الكَشْكَشَة بعد الكاف المكسورة في خطاب الأنثى، فيقولون لها: "مَرَرْتُ بِكِشِ". وزيادة سين الكَسْكَسَة بعد الكاف المفتوحة للفرق بين خطاب الرجل وخطاب المرأة. ومنهم من يبدل الكاف المكسورة شينًا معجمة، قال الثعالبي (1) في "فقه اللغة": "وقد قرئ على هذه اللغة: (قدْ جَعَلَ رَبُّشِ تَحْتَشِ سَرِيًّا) (2) وقال شاعرهم يخاطب الغزالة جاعلًا عَيْنَيْها عَيْنَىْ محبوبته: فَعَيْنَاشِ عَيْنَاهَا وجِيدُشِ جِيدُها ... ولِكنَّ عِظم السَّاقِ مِنْشِ رَقِيقُ (3) ولعل الذين يقولون في الدِّيك: "الدِّيش" (4) -كما في (القاموس) - هم أهل هذه اللغة. والذي رأيته "دُرَّة الغَوَّاص" أن كَسْكَسَةَ بَكْر هى زيادة السين المهملة بعد
كاف المؤنث، قصدوا بها الفرق بين كاف المذكر وكاف الأنثى (1)، وقد ذكر هو (2) والثعالبى (3) جملة من الأمور الرديئة في لغات العرب التي لم تستعملها قريش (4)، فلذا عَدَّها في "المزهر" من مذموم اللغات، وعقد لها فيه ترجمة مستقلة (5) لسنا بصدد التعرض لذكرها، وإنما المناسبة استطردت بنا إِلى الإِشارة إِليها، والله الهادي للصواب.
الباب الرابع في الحذف وهو آخر الأبواب
الباب الرابع في الحذف وهو آخر الأبواب [سبب الحذف والزيادة]: في (أدب الكاتب) ما نصه (1): "قال أبو محمَّد بن قتيبة: الكُتَّاب يَزيدون في كتابة الحرف ما ليس في وزنه، ليفصلوا بالزيادة بينه وبين المشْبِهِ له. وينقصون (2) من الحرف ما هو في وزنه، استخفافًا واستغناء بما أُبْقِىَ عما أُلْقِىَ إِذا كان في الكلام دليل على ما يحذفون، كما أن العرب كذلك يفعلون، يحذفون من الكلمة نحو "لَمْ يَكُ" وهم يريدون "لم يَكُن" ويختزلون من الكلام ما لا يتم الكلام على الحقيقة إِلا به، استخفافًا وإِيجازًا إِذا عَرَف المخاطَبُ ما يعنون، كما قال النَّمِر بن تَوْلَب (3): فإِنَّ المنِيَّةَ مَن يَخْشَهَا ... فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا (4)
أراد: "أَيْنَمَا ذَهَبَ" أو "أَيْنَمَا كَان"، ومثل هذا كثير في القرآن، وربما لم يُمْكِن الكُتَّاب أن يفصلوا بين المتشابهين بزيادة أو نقص فتركوهما على حالهما، واكتفوا بما يدل مِن مُتَقَدِّم الكلام ومُتَأَخِّرِه، ونحو قولك في الكِتَاب للرجلين: "لَن يَغْزُوَا"، وللجميع "لَن يَغْزُوا"، وكذلك للواحد (1)، فلا يُفصل بين الاثنين والجميع والواحد، وإنما الذي يَزيده الكُتَّاب للفرق بين المتشابهيْن حروف المّدِ واللِّين، وهي الألف والواو، والياء، لا يَتَعدُّوْنها إِلى غيرها، ويُبدِلونها من الهمزة، أَلا ترى أنهم قد أجمعوا على ذلك في كتاب المصحف؟ وأما ما ينقصون لاستخفاف فحروف المّدِ واللِّين وغيرها، وسترى ذلك في موضعه إِن شاء الله تعالى" انتهى كلامه (2). وهو مبنى على ما كان عليه المتقدمون من الكُتَّاب، من زيادة الألف بعد واو الفعل في غير المصحف كما سبق عن النووى على "مسلم" (3)، وقد عرفت من الباب السابق ما استقر عليه رأى المتأخرين من تخصيص زيادة الألف بواو الضمير المتطرفة، أي التي لم يتصل بها ضمير المفعول على ما بيناه هناك (4). كما أن كلامه في زيادة الياء مبنى على زيادتها في المصحف التي ذَكَرَ في "جَمْع الجوامع" عِدَّةَ مواضع منها، زادوا فيها الياء فيه (5). ولم أجد موضعًا زادوها فيه في الخط القياسى إِلا على ما قيل في "خَطائِهِ"
و"مَلَائهِ" ونحوهما، لكن قول شارح "الشافية" في الكلام على "عَمْرو" المتقدم (1) أن المضاف للضمير لا يفصل منه بحرف زائد يقتضى أن الياء غير مزيدة. وقد جعلت في هذا الباب ستة فصول وتتمة الباب.
الفصل الأول في حذف الهمزة من الحشو وحذفها من الطرف
الفصل الأول في حذف الهمزة من الحشو وحذفها من الطرف قد عَرفتَ مما سبق في فصلها (1) أنها لا تُسَهَّل في أول الكلمة، وإنما التي يعتريها ذلك ما كانت حَشْوًا أصالةً، أو عَرَضَ لها التوسُّط، أو كانت طرفًا ظاهرًا أو تقديرًا. [مواضع حذف الهمزة الحشوية والمتوسطة عارضًا]: فأما التي في الحشو والمتوسطة عارضًا فتُحذف في حالتين: الأولى: وتحتها ثلاث صور: 1 - أن تكون مسبوقة بحرف مدٍ كصورتها، بأن تكون مفتوحة والسابق ألف نحو "تَثَاءَب" و"تَسَاءَلا" ونحو "جَاءَه" للمفرد، و"كِسَاءَه" و"جَزَاءَه" حال النصب، بخلاف ما إِذا كانت مضمومة، نحو "التَّثَاؤُب"، و"عَطاؤُه" و"جَزَاؤُه" حال الرفع، أو كانت مكسورة نحو "التَّنَائِف" (2) و"الشَّمائِل" و"البَائِع" و"قَضَائِهِ" و"كِسَائِهِ" حال الجر. 2 - أو أن تكون مسبوقة بواو ساكنة وهي غير مكسورة، نحو "السَّمَوْءَل" (3) و"تَوْءَم" و"ضَوْءَه" و"وُضُوءَه"، بخلاف ما إِذا كانت الهمزة مكسورة كـ "مَوْئِل" و"ضَوْئِهِ" و"وُضوئِهِ"، فإِنها تُرسم حينئذ
بحرف حركتها. 3 - أو أن تكون مسبوقة بياء ساكنة أيضًا، سواء كانت هى -أي الهمزة- مفتوحة (نحو "جَيْئَل") (1)، أو مكسورة مثل {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} (2) أو مطلقًا (نحو "شَيْئك" و"فَيْئك"، مضافَيْن للضمير بالحركات الثلاث) فتُحذف الهمزة في ذلك كله، للإِدغام في غير الألف، وللتسهيل فيها، وكراهة اجتماع المِثْلَيْن. والثانية: أن يكون بعد الهمزة حرف مَدٍ كصورتها لو صُوِّرتْ، ولم يكن ذلك المد ألف الضمير، ولا ياء المخاطبة، ولا ياء المتكلم، ولا ياء نِسْبة، وذلك نحو "قَرَءُوا" و"اقْرَءُوا" و"يَقْرَءُون" و"لم يَقْرَءُوا" و"رُءُوس". وفي "المسْتَهْزِءُون" الخلاف المتقدم في "سُئِلَ" و"يَسْتَهْزِءُون"، لكن العمل على مذهب الأخفش (3) في رسم الهمزة المضمومة بعد الكسرة ياء دون مذهب "س" (4) القائل بحذفها كما قدمناه في الباب الثاني. ولا تُحذف الهمزة من نحو "شَئَيْتُ" و"ضَئِيل"، لئلا يلتبس بفعل. وخرج بقولهم: (حرف مد) علامة التثنية في نحو "الرجلين المسْتَهْزِئَيْن". وبقولنا: (ولم يكن المد ألف الضمير. . . إِلخ) ما إِذا كان المدُّ ضميرًا أو غيره مما ذُكِر معه، نحو "إِنَّهما قَرَأَا" و"لم يَقْرَأَا" و"سَيَقْرَأَان" و"يا هِندُ لا تَقْرَئِى" و"أَنَت رِدْئِى" و"هَذَا جُزْئِى"، ففى ذلك لا تحذف لئلا يَلْتبس المسند للاثنين
[مواضع حذف الهمزة المتطرفة ظاهرا أو تقديرا]
بالمسند للواحد في المثال الأول، ولئلا يلتبس بالمسند للنسوة في الثاني، ولئلا يلتبس بفعل آخر في الثالث، ويلتبس بالنعت القبيح في الرابع. على أنه تقدم أن ياء المتكلم أصلها الفتح كما في "شرح الشافية" (1)، فلا تكون حرفَ مَدٍ، وكذلك ياء النسبة ليست حرفَ مَدٍ، لأنها مشدَّدة. [مواضع حذف الهمزة المتطرفة ظاهرًا أو تقديرًا]: وأما التي في الطرف ظاهرا أو تقديرا فكذلك تُحذف في حالتين: الأولى: أن تكون مسبوقة بألف، نحو "دُعَاء" و"نِدَاء" و"جَزَاء" و"فُجَاءَة" و"قِرَاءة" و"عَبَاءة". أو مسبوقة بواو مَدٍ أو لِين، نحو "وُضُوء" و"ضَوْء" و"سُوء" و"سَوْء" و"سَوْءَة" و"شَنُوءَه". أومسبوقة بياء كذلك، نحو "هَنِىء" و"شَىْء" و"هَيْئَة". ففى كل ذلك لا يكون للهمزة صورة، وإنما النبرة، أي السِّنَّة المرتفعة، لتُركَّز عليها قِطعة الهمزة، نظرًا للغة التحقيق كما سبق ذلك. والثانية (2): وقد تكون الهمزة مُكْتَنَفة بمَدَّيْن: سابق ولاحق، وهما ألفان، أو واوان أو ياآن، نحو "تَرَاآهُ" و"يَسُوءُون" و"ولا تُسِيئى يا هِندُ". أو الأول ألف والثانى ياء، كـ "إِسْرَائِيل". أو الثاني واو مثل "بَاءُوا" و"جَاءُوا". أو الأول واو مَدٍ، والثانى ألف مرسومة ياء، كـ"السُّوءَى". أو كانت الثانية ضمير تثنية مثل "لم يَبُوءَا".
أو كانت الأولى ياء مدّ، والثانية ألف الضمير مثل "لم يَجِيئَا" و"لم يَفِيئَا". أو كانت واقعة بين مدٍ ولين، كـ "المَوْءُودَة" و"هَذَا فَيْئِى": فمقتضى القياس أنها تُحذف لاجتماع الأمثال، والعمل الآن على عدم الحذف في المثال الأخير. وكذلك لا تُحذف في نحو "وَرَائِى" و"الكِسَائِى" على ما عليه الأكثرون كما سبق عن "الشافية". وعَمَلُ أكثرِ النُّسَّاخ الآن بمصر على الحذف. وله وَجْهٌ بالنسبة للمضاف إِلى ياء المتكلم، فإِنه يجوز بناؤه على قَصْر الممدود، فيقال "وَرَاىَ" "رِدَاىَ"، أي بفتح الياء، بخلاف المنسوب الممدود، كـ" الكِسَائِى". أما المنسوب الذي يصح بالوجهين: المد والقصر مهموزًا فيهما -كـ "النساى"- فيصح كَتْبُه بياءٍ واحدة بعد الألف، جَرْيًا على أحد الطريقين المتقدمين في رسم الهمزة المكسورة المتصلة بشئ آخَرَ ألفًا. ويصح كَتْبُه بياءيْن؛ إِمّا بألف على المد، أو بدونها على القصر، كما كتبوا "الشَّنَئىِ" بياء مهموزة. لكن لم تقع كتابة "النَّسَاى" بدون ألف في كتب المحدِّثين.
الفصل الثاني في ما يحذف من ألفات الوصل
الفصل الثاني في ما يحذف من ألفات الوصل قد سبق في باب الزيادات أن همزة الوصل تُزاد في ثلاثة أنواع (1)، ومعلوم أنها من الزيادات في أول الكلمة، فالآن نتكلم عليها من حيث الحذف. [حالات حذف ألف "أل" الحرفية أو الاسمية]: أما النوع الأول: وهو "أل" الحرفية أو الاسمية، فتُحذف ألفها في ثلاث حالات: الأولى: أن تدخل عليها همزة الاستفهام، كأن تقول: "آلرَّجُلُ خَيْرٌ أَم المرْأَةُ"، فتُحذف خَطًّا كَراهةَ اجتماع المِثْلَيْن، وموافقةً لحذفها لَفْظًا، بمعنى أنها تُبدل مَدًّا أو تُسَّهل كما في "الخلاصة" (2)، كقوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 143]. وقد يتعين التسهيل ولا يجوز المد، فتَثْبُت الألف، وذلك في الشِعْر، كقوله: أَاَلْحَقَّ إِن دَارُ الرَّبابِ تَباعَدت ... أَوِ انبَتَّ حَبْلٌ - أَنَّ قَلبَكَ طَائِرُ (3)
فإِن الوزن لا يستقيم إِلا بالتسهيل دون المد، إذْ لا يجتمع في الشعر ساكنان، وإن جاز المد عَربيةً، اهـ. قاله مُحشِّى "الجَزَريَّة" (1). وقال في "الشافية": "ويجوز إِثباتها خَطًّا فيما يلتبس فيه الخبر بالاستخبار، أي بأن لم يكن في الكلام معادل للهمزة إِلا في نحو: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس: 59] ونحو {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91]، فلا تكتب فيهما (2). والحالة الثانية: أن تدخل عليها اللام الحرفية، سواء كانت للجر أو لام القسم والتوكيد أو الاستغاثة أو التعجب، كقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]، {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: 149]، {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ} [الأنعام: 32]، {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى: 4]. وكقوله: * يا لَلْرِجال عَليكُم حملتى حَسبت* والثالثة: أن تدخل عليها "مِن" أو "عَلَى" أو "بَنُو"، ويقتصر على الحرف الأول من هذه الثلاثة، نحو "مِلْمَالِ" و"عَلْمَاءِ" و"بَلعَنْبَر" كما ذكرناه في الباب الأول (3). وقولنا: "اللام الحرفية" للاحتراز عن اللام الفعلية، نحو "اذْهَبْ فَلِ الأُمُورَ مُدْبِرًا"؛ فإِن هذه اللام فعل أَمْرٍ من اللفيف، لا تُوصل بالاسم الظاهر إِلا في حال المحاجاة والإِلغاز كما سبق (4).
[همزات الوصل في المصادر التسعة بين الحذف أو الاثبات]
وقولنا أولًا: "أَلـ الحرفية ... إِلخ" للاحتراز عن "أَل" التي هى جزء من الكلمة ولا تُدْغم في التاء من نحو "الْتِقَاء" و"الْتِقَاط" و"الْتمَاس" و"الْتِئَام"، فإِن الألف لا تُحذف منها عند دخول اللام عليها، كَقولك "قَصَدتُه لالتِماس مَعْرُوفِهِ"، وكقول النُّحاة: "وحُرّكِ بالكسر لاِلْتِقَاءِ الساكنين". ويقع من بعض جهلة النسَّاخ أنه يُوصِل اللام الجارة بلام الكلمة ويحذف الألف، وهذا من الاشتباه عليه، كما أن بعض الأغبياء بعكس المتقدم، يَزِيدُ ألفًا قبل لام الأمر الساكنة إِذا دخلت عليها الفاء، مثل "فَليُقَاتِل"، "فَلْيَتَوكَّل"، كأنه تَوَهَّم أنها مثل لام التعريف الواقعة بعد الفاء. [همزات الوصل في المصادر التسعة بين الحذف أو الإثبات]: وأما النوع الثاني: وهو المصادر التسعة وما تَصَرَّف منها من الماضي والأمر -فقد سبق أنه لا تحذف ألفها ولو وصلت بـ "أل" أو دخلت عليها اللام أو الفاء، بل تبقى الأسماء على ما كانت تكتب به قبل دخول "أل" أو اللام، نحو "الائْتِمَام"، و"لائْتمَامه"، لخَوْف الالتباس باسمٍ آخر (1). وأما الأفعال التي تدخل هى عليها: فمنها ما تتغير ألفها بعد دخول الفاء، نحو "فأتزر"، "فأْتَمَن". ومنها ما لا تتغير خَوْفَ اللبس، نحو "فَائْتَمَّ". هذا ما ظهر لي وتقدمت الإِشارة إِليه في فصل زيادة همزة الوصل (2). وإنما نقول هنا تحذف الألف من الأفعال الماضية ومن مصادرها في صورة واحدة، وهي ما إِذا دخلت عليها همزة الاستفهام أو همزة التسوية، كقوله تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153]، {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص: 75]، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون: 6]، {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ} [سبأ: 8] "قلت كيت وكيت أَمِ اجْتِراءً؟ "، "آتِمَارًا قُلت كذا
[همزات الوصل في الأسماء التسعة]
وكذا أمِ اخْتِبارًا؟ "، "آتِمَانًا فَعلتَ ذلك أم اخْتِيانًا؟ ". ففى هذه الصور تُحذف ألفُ الوصل من الأفعال الأربعة ومن الأسماء الثلاثة التي تلى همزة الاستفهام، وتُحذف الياء التي كانت تكتب بعد الألف في "ائْتِمَار" و"ائْتِمَان". وأما الألف الموجودة لفظًا لا خَطًّا بعد همز الاستفهام فهي همزة فاء الكلمة انقلبت مَدًّا، لوقوعها ساكنة بعد الهمزة السابقة. ومثل همزة الوصل همزة المتكلم في الفعل المضارع إِذا دخلت عليها همزة الاستفهام، كقول الفاروق رضي الله عنه للنبى - صلى الله عليه وسلم -: "آشْتَرِيهِ" -للفرس الذي أعطاه في سبيل الله ثم وجده يُباع- فإِن القسطلانى ضبطه بمد الهمزة، أي: "هل أَشْتَرِيه"، كما سبق عند التكلم على الهمزة المتوسطة تنزيلًا (1). [همزات الوصل في الأسماء التسعة]: وأما النوع الثالث -وهو همزات الوصل في الأسماء التسعة- فلا يُحذف منها شىء، إِلا ألف "اسْمٍ" و"ابْنٍ" بشروط تأتى (2). [مواضع حذف ألف (اسم)]: فأما همزة "اسْم" فتُحذف في موضعين: الأول: أن يسبقها همزة استفهام، كأن تقول: "أَسْمُك زَيد أَمْ عَمْرو؟ ". الثاني: في البسملة الكريمة، فتُحذف منها ألف "اسم" لكثرة الاستعمال، بشرط أن لا يُذكر مُتَعَلَّقُ الباء، لا متقدمًا ولا متأخرًا. فإِن ذُكِر متقدمًا (نحو: أَتَبَرَّكُ باسمِ الله)، أو مُؤخرًا (مثل: باسم الله الرحمن الرحيم أَسْتفتحُ أو أَستعينُ). مثلًا: لم تُحذف.
وكذا لا تُحذف إِذا اقتصر على الجلالة ولم يُذكر "الرحمن الرحيم" كما في قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} ممم [هود: 41] كما نص عليه في (الشافية) قال: "وهو الأصح، خلافًا للفَرَّاء (1) " (2). أقول: وصرح به الإِسْنَوِى (3) في (المهمات) عند قول (المنهاج): "ويقول داخل الخلاء: باسْم اللهِ، اللَّهمَّ إنى أَعوذ بِك من الخُبُثِ والخَبَائِث" (4). وقال في (الهمع): "جَوَّز الكِسائى (5) حذفها ولو أُضيف الاسم إِلى الجلالة
[مواضع حذف ألف (ابن) وتفصيل القول في ذلك]
كـ "الرحمن" و"القاهر" وردّه الفَرَّاء (1) وقال: هذا باطل ولا يجوز أن تُحذف إِلا مع "الله"، لأنها كَثُرت معه، فإِذا عدوتَ ذلك، أَثبتَّ الألف، وهو القياس" اهـ (2). [مواضع حذف ألف (ابن) وتفصيل القول في ذلك]: وأما ألف "ابْن" فتُحذف في ثلاثة مواضع: * الأول: إِذا دخلت عليها همزة الاستفهام، كأنْ تقول مُستفهمًا: "أَبْنُك هذا؟ ". * الثاني: إِذا دخلت عليها ياء النداء، نحو "يا بْن القَاسم"، "يا بْن آدَم"، فتُحذف ألف "ابن" كَراهةَ اجتماع ألفيْن. وقيل: إِن المحذوَف ألف النداء، لا ألف "ابن"، فإِنها اتصلت بالياء، كذا في (الهَمْع) (3). * الثالث: إِذا وقع "ابن" بين عَلَمْين متناسبيْن؛ بأن يكون ثانيهما أَبًا للسابق، ولو تنزيلًا، بشرط: - أن لا يُنَوَّن الأول. - ولم تُقطع همزة "ابن" لضرورة وَزْنٍ. - وأن يكون "ابن" متصلًا بالعَلَم الأول على أنه نَعْتٌ له غير مقطوع، ولا بدل منه، ولا خبر عنه، ولا مُسْتَفْهَمٌ عنه. - وأن لا يكون "ابن" أول سطر. فإِذا توفرت هذه الشروط وجب حذفها صناعةً، ووجب ترك تنوين العَلَم الأول لفظًا كما نص السيوطي (4) في النَّسَب من (جَمْع الجوامع) (5)، وكذا الدَّمامِينى (6) على (المغنى).
وإن فُقِد شرط منها وَجَبَ إِثباتها. قال الحريرى (1) في (الدُّرَّة): "وإِنما حُذِفت الألف من "ابن" ليُؤْذِنَ تَنزُّله مع الاسم قبله منزلة الشىء الواحد بشدَّةِ اتصال الصفة بالموصوف، وحلوله محلَّ الجزء منه، ولهذه العلة حُذِف التنوين من الاسم قبله ولو نَصْبًا، كأن تقول: "رأيتُ علىَّ بنَ محمَّدٍ"، كما يُحذف من الأسماء المركبة نحو "بَعْلَبَك" (2) ورامُهْرمُز" (3) " اهـ (4). قال الصَّبَّان (5) في باب النداء: "ولا فرق في العَلَم -في جميع ما ذُكِر- بين الاسم والكنية واللقب على ما صَرَّح به ابن خَرُوف (6). وجزم الراعى بوجوب تنوين المضاف إليه وكتابة ألف "ابن" إِذا كان الموصوف بـ "ابن" مضافًا كما في: "قام أَبو محمَّد ابنُ زَيْدٍ"، واختاره الصَّفَدِى (7) في (تاريخه) بعد نَقْل
الخلاف، واختاره أيضًا إِذا كان المضاف إِليه "ابن" مضافًا" انتهى كلام الصبان (1). ويَردُّة قولُ (الهَمْع): "ولا فرق في العَلَمْين بين أن يكونا اسمين أو كنيتين أو لقبين أو مختلفين، نحو "هذا زيد بن عمرو" و"هذا أبو بكر بن أبي عبد الله" و"هذا بَطَّةُ بن قُفَّةَ". ويُتَّصوَّر في المختلفين ستة أمثلة، وَحكَى ابن جِنّى (2) عن مُتأخرى الكُتَّاب أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية، تقدمت أو تأخرت، قال: وهو مردود عند العلماء على قياس مذهبهم، لأن حذف التنوين مع الكُنى كحذفه مع الأسماء، وإنما هو لجعل الاسمين اسمًا واحدًا، فحذف الألف لأنه توسط الكلمة" اهـ (3). وقال العلامة الأمير (4) على (المغنى): "وفي حكم العَلَم الشامل للكنية واللقب ما كُنى به عنه من فلان وفلانة" اهـ (5). وقال الأشمونى (6) يلتحق بالعَلَم: "يا فلان بن فلان"، و"يا ضُلَّ بن ضُلَّ" و"يا سَيِّدَ بن سَيَّد" اهـ (7). و"صَلْمَعه بن قَلْمَعة" و"هَيان بن بيان" و"هىّ بن بيّ".
كل هذه كناية عمن لا يعرف هو ولا أبوه، فهي عَلَم جِنس كما في (الصَّبَّان) (1). وقال ابن قُتَيْبة الدّينوَرِى (2) في (الأدب): "وإنْ نسبته إِلى لَقَبٍ قد غلب على اسم أبيه أو صناعة مشهورة قد عُرِف بها -كقولك "زيد بن القاضى" و" محمَّد بن الأمير"- لم تُلْحِق الألف، لأن ذلك يقوم مقام اسم الأب" اهـ (3)، ونقله صاحب (الكليات) (4) وناظم (جَمْع الجوامع) (5). هذا هو الصواب في النقل، لا ما نقله عنه العلامة الخُضَرِى (6) على (ابن عقيل) في باب النداء (7). قلت: ومن ذلك "الإِمام بن الخطيب" للفخر الرازى (8)، فإِن أباه كان
[حذف ألفه (ابنة)]
مشهورا بخطيب الرَّى (1). ومثله "الإِمام بن السُّبْكِى" و"البَدْر بن الدَّمامينى" (2) و"بَدْر الدين بن النَّاظم" (3) و"محمَّد بن الجَزَرِى" (4). وكَل ما حُذف منه ألف "ابن" يُحذف التنوين من الاسم قبله. [حذف ألف (ابنة)]: ومثل "ابن": "ابنة" في هذا الحكم كما في "الأشمونى" (5)، ورجحه الصَّبَّان (6)، خلافًا لما في "الأدب" (7)، وإن قلَّده صاحب "الكُلّيات" في موضع (8)، وقد خالفه في موضع آخر. بخلاف "بِنْت"، فليست مثل "ابْنَة". وقال في "الهمع": (وشرَطَ ابن عصفور (9) أن يكون "ابن" مُذكَّرًا)، يعني بخلاف "ابنة"، قال أبو حيان (10): وهو خلاف ما جَزَمَ به ابن مالك (11) من إِلحاق "فلانة بنة فلان" بـ "فلان بن فلان" اهـ (12).
[هل يشترط- لحذف ألف (ابن) أن تكون البنوة حقيقية؟]
ولهذا قال الصَّبَّان (1) في باب النداء: "وشرط بعضهم في العَلَمَيْن التذكير، وغَلَّطوه؛ فنحو: "يا زيد بن فاطمة" كـ "يا زيد بن عُمَر". وكذا في (الفارضى) (2). قال شيخنا: وينبغى أن يُزاد في الشروط كون لفظ "ابن" مفردًا لا مثنى ولا مجموعًا" (3) اهـ. و"يا هند بنة فاطمة" مثل "يا زيد بن فلانة" كما في (حواشى ابن عقيل) (4)، ويشير إِليه كلام الأمير المتقدم (5). [هل يُشترط - لحذف ألف (ابن) أن تكون البنوة حقيقية؟]: واشترط بعضهم أن تكون البُنُوَّة حقيقية ليخرج ابنُ التَّبَنِّى، أَخْذًا من قول الزَّرْكَشِى (6): لا تُحذف الألف من "المِقْداد ابن الأسود"، لأن "المِقداد ابن عمرو" [نُسب] (7) إِلى "الأَسْود" لأنه تبناه في الجاهلية (8).
[الخلاف حول حذف ألف (ابن) إذا نسب إلى الأب الأعلى أو الأم]
لكن رده الدَّمامِينى (1) وقال: "كَوْنُ الأُبُوَّة حقيقية لم أَرَهُم تعرضوا لاشتراطه، فمن أين أخذ الزرْكَشِى هذا الكلام؟! " انتهى (2). وقد صرح القَسْطلانى (3) -وكذا العلامة الشَّرْقاوى (4) في (شرحه) على (الزبيدى) (5) - أول كتاب المغازى بوجوب حَذْف ألف "ابن" خَطًّا من "المِقْداد بن الأَسْود" وقال: "لوقوعه بين عَلَمَيْن وإن لمَ يكن الثاني أَبًا للأول حقيقةً، خلافًا لمن وَهَمَ في ذلك" (6). [الخلاف حول حذف ألف (ابن) إِذا نسب إِلى الأب الأعلى أو الأم]: وقال الشِّهاب الخَفَاجِى (7) في (شرح الدُّرّة): "ومنهم من اشترط في الكنية اشتهاره بها، وأما إِذا وصُف باسم الأَب الأَعْلى فعند المصنف (يعني الحريرى) (8) كغيره لا تُحذف، وفي (شرح التسهيل) (9) أنها تُحذف على الصحيح. وأنشد سيبويه (10): *ومِثْلَ أَسِرَّةِ مَنظُورِ بْن سَيَّار (11) *
ومنهم من جَوَّز الحذف إذا نُسب إِلى الأُمّ. وعندى أنه إِذا اشتُهر بها أو لم يُنسب إِلى غيرها جاز" (1) اهـ. أي "كِعيسى بن مريم" و"يُونُس بن حَبِيب" (2) و"محمَّد بن حَبيب" (3) (و"عَمْرو بن الإِطنابة" (4) و"الرمّاح بن ميَّادة" (5) -الشاعرين- كما في (القاموس) (6). و"عوج بن عناق" -ويقال "ابن عنق- فإِن أمه "عنق" إِحدى بنات آدم لصلبه، ولا أب له، لأنه من زِنا، كما في تفسير سورة المائدة من (أبى السعود) (7)، وكذا الصفحة [263] من خامس
(القَسْطلانى) (1). وأما سيدنا "يُونُسُ بن مَتّى" فالمشهور أن "مَتَّى" أُمُّه، حتى قال الجلال (2) في أول (حُسْن المحاضرة) وكذا في (المزْهر): (لا يُعرف نبىٌّ باسم أُمِّه غير "عيسى بن مريم" و"يونُس بن مَتَّى" (3)). لكن صاحب (القاموس) في باب التاء قال: "إِن "مَتَّى" أَبُوه، ويُقال فيه "مَتَتى" بالفَكّ" (4) اهـ. وكذا في حديث البخاري (5) عن ابن عباس: "لا يَنبَغِى لأَحدٍ أن يقولَ أَنا خَيْرٌ من يُونس بن مَتَّى" (6)، ونسَبَه إِلى أبيه. قال القَسْطَلانى (7): "وبِه يُرَدُّ على مَن
قال: "مَتّى" أُمُّه" فانظره في الجزء الخامس بعد الصفحة [300] (1). أقول: وممن اشتُهر بأُمِّه: سيدنا محمَّد بن الحِنَفِيَّة رضي الله عنه (2). وعبد الله بن أُم مَكْتُوم مُؤَذِّن النبي - صلى الله عليه وسلم - (3). ومعاذ بن عَفْراء (من الأنصار) (4). وعبد الله بن سَلُول رَأْسُ المنافقين (5). وإسماعيل بن عُلَيَّة (6)، من رُواة (الصحيحين) وغيره ممن نراه في
(الصحيحين) من الرُّواة أو المحدِّثين، منسوبًا إِلى أُمِّه مرسومًا بغير ألف، كمُعاوية (1)، فإِنه يقال فيه تارة "مُعاوية بن هِند". وكذا "عَمْرو بن هِند" مَلِك الحِيرة (2). أو منسوبًا إِلى جَدِه لشهرته به، كعبد الله بن مسعود (3)، فإِن أَباهُ "عُتْبة". و"محمَّد بن شهاب الزُّهْرِى" (4)، فإِن أَبَاه "مُسْلم". و"يحيى بن كثير" (5)، أَبُوه عبد الله. ومثله "عبد العزيز بن الماجِشُون" (6) و"بُكَيْر بن الأَشَجّ" (7). وكذا "إِسحاق بن نَصْر المروزِى" (8)، أبوه "إِبراهيم". بل رأينا فيهما مَنْ هو منسوب إلى جَدِ الجد، مثل "يعقوب بن عبد
[حالات إثبات ألف (ابن)]
القارىّ" (1). ومن أسماء الحفاظ: "أحمد بن حَجَر العَسْقَلانى" (2)، فإِن أباه "علي بن حَجَر". وكذا "ابن مالك" (3). وبالجملة فالمدار على الاشتهار، وقد قال الصادق المصدوق: "أَنا النَّبِيُّ لا كَذبُ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطَّلِب" (4). فكل من نسب إِلى مَن اشتُهر به من أُمٍّ أَو جدٍّ يُحذف وجوبًا تنوينُه لفظًا وألف "ابن" خَطًّا. قال الأشمونى (5): "وَإنْ نُوِّنَ فللضرورة" (6). أي كقوله: * جَارِيةٌ مِن قَيْسٍ ابْنِ ثَعْلَبة (7) * أي فيجب عند التنوين إِثبات الألف. [حالات إِثبات ألف (ابن)]: وكذا يجب إِثبات الألف إِذا لم يُجعل "ابن" نعتًا أول، بل جُعل بدلًا أو منادى أو نعتًا مقطوعًا فَصَلَ بين "ابن" وموصوفِه فاصلٌ، نعتًا كان أو ضبطًا أو وزنًا أو ضمير فَصْل، كان قيل: "أحمد المرُجَّى ابن فلان".
ومن ذلك قول مسلم (1) في (صحيحه): ". . . . أَنَّ المِقْداد بن عَمْرو ابن الأسْود" (2). قال النووى (3) في (شرحه): "الصواب تنوين "عَمْرو" ونصبُ "ابن" وكتابتُه بألف، لأنه صفة للِمقْداد، وهو منصوب فنُصب، وليس "ابن" هنا واقعًا بين عَلَمَيْين متناسبيْن، فلهذا قلنا: يتعين كتابتُه بالألف، ولو قُرِئ "ابن الأَسْود" -بجرِّ "ابن"- لفَسَد المعنى، وصار "عَمْرو بن الأَسْود"، وذلك غَلَطٌ صريح، ولهذا الاسم نظائر، منها: "عبد الله بن عَمْرو ابن أُم مَكْتُوم" (4) وعبد الله بن أُبى ابن سَلُول" (5) و"عبد الله بن مالك ابن بُحَيْنَة" (6). و "محمَّد بن علي ابن الحَنَفِيَّة" (7) و"إِسماعيل بن إِبراهيم ابن عُلَيَّة" (8) و "إِسحاق بن إِبراهيم ابن رَاهَوَيْه" (9) و"محمَّد بن يزيد ابن مَاجَه" (10).
فكل هؤلاء ليس الأَبُ فيهم ابنًا لمن بعده، فيتعين أن يُكتب بالألف (1)، وأن يُعرب بإِعراب (الابن) المذكور أولًا. "فأُمُّ مكتوم": زوجة عَمْرو. و"سَلُول": زوجة أُبَىّ وأم عبد الله. و"بُحَيْنَة": زوجة مالك وأم عبد الله. وكذلك "الحَنَفِيَّة": زوجة علىّ. و"عُلَيّة": زوجة إِبراهيم. و"رَاهَوَيْه" هو إِبراهيم والد إِسحاق. وكذلك "مَاجَه": هو يزيد، وهما لقبان، ومُرادُهم في هذا كله تعريف الشخص بوصفيْن ليكمل تعريفه، فقد يكون الشخص عارفًا بأحد وصفيه دون الآخر فيجمعون بينهما، ليتمَّ التعريف لكل أحد". انتهى كلام النووى على (مسلم) بحروفه من باب تحريم قَتْل الكافر بعد قوله: لا إله إِلا الله محمَّد رسول الله (2). وكذا لا تُحذف الألف إِذا جُعل "ابن" مُستَفْهَمًا عنه، أو خبرًا ولو منسوخًا، كقولك: "هل تميمٌ ابن مُرّ" (3) و"كَعْب ابن لُؤَى" (4) وإِنَّ كَعْبًا ابن لُؤَى". قال في (الدرة): "وذلك لأن "ابنًا" في الاستفهام والخبر بمنزلة المنفصل عن الاسم الأول، إِذْ تقدير الكلام: "إِنَّ كعبًا هو ابن لُؤَى" و"وهل تميمٌ هو ابن مُرِّ"، فأثبتت الألف فيه كما أُثبِتت حالة الاستئناف" (5) اهـ.
أي إِذا لم يتقدمه عَلَمٌ كقولهم: "قال ابن قاسم"، "قال ابن مالك"، فإِن الألف حينئذٍ لا تُحذف، إِذْ لم تقع بين عَلَمَيْن، ومثله إِذا ما وقعت في أول السطر. واعلم أن الكُنْية المصدَّرة بالأُمّ كالمصدَّرة بالأَبِ دون غيرهما من أنواع الكُنى المصَّدرة بابن أو بنْت أو أُخْت أَوْ أَخ -كأن يُقال في ابن ناظم الألفية: "بدر الدين ابن ابن مالك" (1) فيجب إثبات الألف في "ابن" الأول والثانى. أو قيل: "عبد الرحمن ابن أَخِى الأَصْمَعِىّ" (2). أو "عَمْرو ابن أُخت جذيمة الأَبْرش" (3). أو "القاضى تقى الدين عبد الوهاب ابن بِنت الأعَزّ" (4). ففى ذلك كله تَثْبُتُ الألف وإن كان معدودًا عند النحاة من الكُنْية.
ولعل ذلك لقلة اشتهاره في الاستعمال، والحذف إِنما هو للتخفيف فيما يكثر استعماله ودورانه بينهم على الألسنة. ومثال المصدّرة بالأُمّ: "عبد الله بن أُمّ عَبْد" (في ابن مسعود) (1). و"عَمْرو بن أم مَكْتوم" (2) و"أَشْعَب بن أُم حمَيْدة" (المشهور بالطامع (3) و"قنعت بن أم صاحب" (4) (من الشعراء)، وكذا "ابن أم قاسم النّحوى"، وهو "المُرَادِى" شارح (الألفية) كما في (كَشْف الظُنون) (5). قالوا: ويُشترط في العَلَم المضاف إِلى "ابن" كونُه اسمًا ظاهرًا لأَبِيه،
لا ضميرًا ولا لفظ أَبِيه، فلا تُخذف الألف من: "هذا زَيْدُ ابنُه". وكذا من "زِياد ابن أَبِيه" (1)، وهو الذي استلحقه معاوية بنَسَبِه، وجعله من أولاد أبى سفيان، وكان أبوه قبل الاستلحاق "عُبيْدًا" كما ذَكَر قصتَه ابنُ خَلِّكان (2) في صفحة [441] في ترجمة "يزيد بن مُفَرِّغ الحِمْيَرَى" (3) فلهذا كانوا يسمونه تارة "زياد بن أبي سفيان" وتارةً بـ"زياِد بن أُمّية"، وتارة بـ "زياد ابن أَبيه". أقول: وهلَّا جعلوه مثل المكَنَّى عنه، فلا أَقَلَّ من أَن يكون مثل "هىّ بن بىّ" (للرجل المجهول ذَاتًا وأَبًا)، أو "فلان بن فلان"، أو "جابر بن حَبَّة" (للخُبْز)، أو "الحارث بن هَمَّام": الذي في (مقامات الحريرى) (4). إِلا أن يُقال: إِن الأول وما بعده أَعلامُ أجناسٍ كما يُؤخذ من كلام الصَّبَّان (5).
[منظومة في إثبات ألف (ابن، ابنة)]
[منظومة في إِثبات ألف (ابن، ابنة)]: هذا، وقد رأيت لبعضهم (نظمًا) جامعًا للأحوال التي تثبت فيها ألف "ابن" و"ابنة" خَطًّا، وإن مَشَى فيه على خلاف ما قدمناه عن (الصبَّان) و (الهَمْع) (1) وغيرهما، وهو هذا. وقد جاريته في إثبات الألفات على قوله: قَدْ أَثْبَتوا أَلِفَ "ابن" في مَوَاضِعَ مِن ... كَلَامِهِم كـ"ابنة" خُذْها بتصوير إذا أُضِيفَ لإِضمار "رضي ابنك" أو ... لجدِّه مثل "عَمَّار ابن منصورِ" أَوْ أُمّه نحو "عيسى ابن البَتُولِ" سَمَا ... أوكان في خَبَرٍ "يحيى ابنُ مَشْهُورِ" وكان مُسْتَفْهمًا عنه كقولك: هَلْ زيدُ ابْنُ عمروٍ أَمِ ابنُ القَاسِم الصُّورى ممم أَو كان تَثْنيةً كالمرْتَضَى وأَبُو ... خَدِيجةَ ابنا عَلىٍ مُشْرِقِ النُّورِ أَوْ عَكْس ذاك بِأن قَدَّمتَ تثنيةً ... كالخالدان ابنُ يُسْرٍ وابنُ مَيْسُورِ أَوْ جاء الابنُ بغير اسمٍ تَقَدَّمه ... نحو ابنُ مُوسى وزَيْدُ وابن مَذْكُورِ أَوْ كان أَوَّلَ سَطْرٍ أَوْ دَعا سَبَبٌ ... لِقَطْعِ همزتِه في نَظم مَنثُورِ كجاءنا خَالدُ ابن الوليدِ، وفي ... جَمْعٍ على ابْنِينَ في بعضِ المناكيرِ زيد وعَمْرو ويَحْيى ابْنُو أَبِى رجِب ... جاؤُا وقد حَفظُوا هذا بتذكير أَوْ جاءَ لَفْظُ أَبِيه بعده مَثَلًا ... كجعفرُ ابنُ أَبِيه صاحبُ الصُّورِ أَوْ أُخِّر اسمٌ عن ابن نحو قولك: قد ... جَاء ابنُ زَيْد علىٌّ خير مَشْكُورِ أَوْ حَالَ بينهما وَزْنٌ كجَاء لنا ... ردبى -كطربى- صاحبُ الطُّورِ أَوْ كان نَصْبًا بـ"أَعْنى" فيه مُضْمرةً ... كمِثْل: أكْرمَنى زَيْدُ ابنُ مَسْرُورِ أَوْ بعد "إِمَّا" لشكٍ جَآنى حَسَنٌ ... إمَّا ابنُ سَعْدٍ وِإمَّا ابنُ مَنظُورِ
أَوْ حَالَ بينهما وَصْفٌ كأكْرمَنَا ... يَحْيى الكريمُ ابنُ مَيْمون بنُ مَجْبُورِ أو كان بعد جَمْعٍ كالعَبَادِلة: ابـ ... نُ المرْتَضَى وابنُ عَمْروٍ وابنُ مَعْمُورِ أوْ كان "الابنُ" مُضافًا لابنٍ أَوْ لأَخٍ ... أو عَمِّهِ كالمعَلَّى ابنُ ابنِ عَصْفورِ أَوْ كان "الابنُ" مُنادَى نحو حَدَّثنا مُوسى ابنُ مَشْكُور، يعني يا ابنَ مَشْكُور أَوْ كان بينهما ضَبْط كقَالَ لنا سَحْبَانَ -بالفتح- ابنُ المرْتَضَى الدُّورِى.
الفصل الثالث في حذف الألفات اللينة الحشوية والطرفية والمتوسطة عاوضا
الفصل الثالث في حذف الألفات اللينة الحشوية والطرفية والمتوسطة عارضًا [أولًا: حذف الألف الحشوية]: [حذف الألف الواقعة بعد الهمزة المصورة ألفًا]: كما أن الهمزة المفتوحة بعد الألف في نحو "تَثَاءَب وتَسَاءَلوا" تُحذف: كذلك عكسها الألف بعد الهمزة المصوَّرة الفًا تُحذف من الأفعال والأسماء، لانقلابها مَدًّا عن همزةٍ أو واوٍ أو غيرهما، نحو "آثَر" و"آمَن" و"آتَى" و"آلِهة" و"آدمَ" و"آزَر" و"مَآب" و"مَآل" و"مَآرِب" و"تآلِيف" وغير ذلك، لكراهة تكرار الصُّورة. بخلاف ما إِذا كانت الهمزة مرسومةً واوًا (نحو "سُؤَال" و"رُؤَال") أو ياء (نحو "رِئَاء" و"رِئال") (1) فإِنها لا تُحذف، بل تُرسم الهمزة بحسب حركة ما قبلها، وتَثْبت الألف بعدها. وتُحذف الألف من "سَمآء" إِذا جُمعت بالتاء وقيل "سَمَوات". بخلاف ما إِذا نُسِب إِليها بِأَن قيل "سَمَاوىّ". [لَفظ الجلالة (الله)]: وكذا الألف التي قبل الهاء من لفظ الجلالة الذى هو "الله". وهذا الحذف بالنسبة للخط فقط. أما في اللفظ فيحرم إِسقاطها كما في
[حذف الألف من الكلمات (الإله، الرحمن، الحارث، السلام) المعرفة]
(المنُاوِى الكبير) (1)، حتى لا تصح العبادة مع ذلك، ولا يَنْعقِد به يمينٌ ولو كُسرت الهاء. [حذف الألف من الكلمات (الإِله، الرحمن، الحارث، السلام) المعرفَّة]: وكذا مِن "الإله" المعرَّف بـ"أن" أو الإِضافة ولم تكن فيه هاء التأنيث، بخلاف ما إِذا كان منكَّرًا كما يدل له كلام (المِصْباح) عند التكلُّم على "إلي" "الجارَّة" (2). وبخلاف "إِلاهَة"، سواء كانت بمعنى العبادة -كما في قوله تعالى حكاية عن قول القِبْط لِفرعوْن في حق موسى: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} ممم [الأعراف: 127] (3). على قراءة شاذَّة- أو كانت "الإِلاهَةُ" بمعنى الشمس؛ فإِن العرب كانت تُسميها "الإِلاهَة". وهذا بالنسبة للخط القياسى. أما المصحف فالألف فيه ساقطة من "إِلاه" (المنكَّر) و"آلِهَتَك". وأكثر النُّسَّاخ على اتباع رَسْم المصحف فيهما. وتُحذف ألف "الرَّحْمن" في البسملة وغيرها، مثل "عبد الرَّحمن" على ما قاله شيخ الإِسلام في (شرح الشافية) (4)، وإن كان (المنُاوِى الكبير) قَيَّد
الحذف بالبسملة (1)، ولعله تَبع (الدُّرَّة) (2). نَعَمْ يُشترط لجواز حَذْفها كونه مُعرَّفًا بخلاف المنكَّر ولو مُضافًا مثل "رَحْمَانُ اليمامة"، وقولهم: "يا رَحْمَان الدُّنْيا والآخرة"، فإِنه صفة مشبهة مثل "نَدْمان". وتُحذف ألف "الحرث" المعرَّف، كقول الحريرى (3): "حَكَى الحرث بنُ هَمَّام" (4)، وكما في قولهم "بلحرث" مِن "بني الحرث بن كَعْب". بخلاف "حَارِث" المنكَّر، فلا تُحذف ألفه مَخافةَ التَّصْحيف بـ "حَرْب" كما وَقَع في "الحارِث" -عَمّه الأكبر عليه السلام- والد أبِي سفيان بن الحرث، فإِنه تُصحَّف في (مَعَاهد التنْصِيص) (5) بأَبى سُفيان بن حَرْب الأُمَوى (6). وتحذف من "السَّلام" إِذا كان مُعرفًا أيضًا كـ "عبد السلم". وكذا "السلم عَليْكم" آخر المكتوب في الرسائل دون المكتوب في صدر المخاطبة، فإِنه يكون
[حذف الألف من الأعلام المشتهرة في الاستعمال]
منكَّرًا على ما اختاره حَسْبَما قاله في (الدُّرة) (1) وإن كان ابنُ قتيبة (2) جرى في تعريفه أَوَّلًا وآخِرًا (3). فتَحصَّل أنَّ التعريف شرطٌ حذف الألف من أربع كلمات: "الإِلهُ" و"الرحمن" و"الحرث" و"السلم". [حذف الألف من الأعلام المشتهرة في الاستعمال]: وكذا كثيرًا ما يَحذِفُونها من الأَعْلام المشْتَهرة في الاستعمال، مثل "إِبْراهِيم" و"إسحق" و"إسْمعيل" و"هرون" و"سليمن" و"عثمن" و"سفين" و"معوية" و"النعمن" و"القسم". [إِثبات الألف في الاسم الذي حذف منه شىء أو يخاف التباسه]: ولا يَحذفُونها من اسم حُذف منه شىء، ولا من اسمٍ يُخاف التباسه نحو "إِسْراءِيل" و"عَبَّاس"، فإن الثاني يُلتبس بالفِعْل إِذا حُذفت ألفه، والأول حُذفت منه الهمزة التي كانت تُرسم ياءً بقاعدة (كلُّ همزةٍ بعدها حرف مَدّ كصُورتها. . . .) (4)، فلا يجتمع عليه حذفان، كذا في (جَمْع الجوامع) (5)
[ألف (صالح، خالد) بين الحذف والإثبات]
و (نظمه) (1). [ألف (صالح، خالد) بين الحذف والإِثبات]: وكذلك يَحذِفُون الألف من نحو "صالح" و"خَالِد" إِذا كانت أَعْلامًا، بخلاف ما إِذا كانت صِفات. ولعله للتخفيف في الأَعْلام لكثرة الاستعمال. [حذف ألف الجمع (المذكر أو المؤنث)]: وكذلك كانوا يَحذِفُونها من الجمْع، مذكَّرًا كان أو مُؤنثًا، نحو "الصالحين" و"الصالحات" و"القانتين" و"القانتات" و"الظالمين" و"الخاسرين" و"الكافرين" و"الشاكرين"، تَبعًا لحذفها من المصحف. [الحذف في (طه، الثلاثاء)]: ويحذف من "طه" أَلفان. وقيل: إِنه يكتب في غير المصحف بالألفين هكذا "طاها" كأسماء الحَروف. [شروط حذف الألف من (ثلاث)]: وتُحذف من "الثُّلاثاء": اسم اليوم. ومثله "ثَلاثَ" إِذا لم يلتبس بـ "الثُّلثُ": أحد الكسور؛ وذلك بوجود أحد أربعة أشياء: بأن يُركَّب مع "مِائَة"، فيُقال: "ثَلثُمِائة"، فتحذف الألف من "ثلاث" دون المزيدة التي في "مِائة". أو يُذكَّر المعدود، كأن يُقال: "ثَلاثُ نِسْوة". أو يُؤنَّث بالهاء؛ بأَن يُقال "ثَلاثَة". أو يُعطف عليه "ثَلاثُون" بالواو؛ فيقال: "ثَلاثٌ وثَلاثُون"، فتُحذف الألف منهما، لانعدام اللَّبْس بأسماء الكُسور.
[ألف (ثمان) بين الإثبات والحذف]
[ألف (ثَمَان) بين الإِثبات والحذف]: ولا تُحذف من "ثَمَان" على الأَجْود، لئلَّا يجتمع عليه حذفُها وحذفُ الياء، فإِنَّ الأكثرين على أنه في حُكْم المنقوص الآتى في الفصل الرابع عَقِب هذا (1)، فيكون مثل "قاضٍ" و"يَمَان". نَعَمْ، يجوز حذف ألفه إِذا أُضيف إِلى "عَشْرة" أو "مِائة" كأن قيل "ثمنى عَشْرَة" أو "ثمنى مِائة" أو أضيف إِلى معدود مؤنث نحو "ثمنى ليالٍ" و"ثمنى نِسْوَة". ويجب حينئذٍ إِثبات الياء، ويجوز العكس؛ أي إِثبات الألف وحذف الياء، ويجعل الإِعراب ظاهرًا على النون كما في قول الشاعر: لها ثَنَايا أَرْبعٌ حِسَان ... وأَربعٌ فثَغْرُها ثَمَان (2) [حذف الألف من (لكن) مشددة ومخففة]: وتُحذف من "لَكِن"، مشدَّدةً كانت أو مخَفَّفة، بل قد يمتنع إِثباتها عند خَوْف اللَّبْس بنفى "الِكنّ" -أي السِّتر (3) - لو قيل "لا كِنَّ عنده"، وإن كان بعيد التَّوهُّم. [ثانيا: حذف الألف المتطرفة (ما الاستفهامية - أَمَا الحرفية)]: وأما الألف المتطرفة فتحذف من كلمتين: [حالات حذف ألف (ما) الاستفهامية غير المركبة مع (ذا)]: الأولى: "ما" الاستفهامية غير المركَّبة مع "ذَا"، تُحذف ألفها في حالتين:
الحاله الأولى: إِذا دخل عليها أحد حروف الجر المتقدمة، نحو قوله تعالى حكايةً عن موسى عليه السلام: {يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي} [الصف: 5]، {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: 54]، {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1]، وقول الطُغْرَائى (1) أول (لامية العَجَم): فِيمَ الإِقَامةُ في الزَّوْرَاء لا سَكَنِ ... بها ولا نَاقَتِى فيها ولا جَمَلِى (2) وقول الحريرى (3) في المقامة الأخيرة: "إلامَ تَلْهُو وتَنِي. . . إِلخ (4) " وقول الشاعر: * فقُلْتُ عَلَامَ تَنْتَحِبُ الفَتَاةُ (5) * وقول الآخر: * فَحَتَّامَ حَتَّامَ العَنَاءُ المُطَوَّلُ (6) * كما مَرَّ ذكرها في الكلام على الألف المتوسطة عارضًا. * والحالة الثانية مِن أحوال "مَا" الاستفهامية: أَن تُضاف إِلى اسم، نحو: "بِمُقْتَضَى مَ" أو "بِمُقْتَضَى مَهْ" أو "اقْتِضَاءَ مَه" (7).
[ماذا- ما الموصولة]
[ماذا- ما الموصولة]: وقولنا أولًا (غير المركبة) (1) للاحتراز عن "مَاذَا" نحو: "لِمَاذَا" أو "عَلَى مَاذَا"، فلا تُحذف ألفها، لأنها تَوَسطتْ بتركيبها مع "ذَا"، كما أنها لا تُحذف من "ما" الموصولة ولو دخل عليها الجار لتوسُّطها بالصلة، إِلا إِذا كان معها لفظ "شِئْت"، لورودها محذوفة معها في كثير من الكلام الخيرىّ حَمْلًا على "ما" الاستفهامية، يقولون: "اشْتَرِ بِمَ شِئْتَ". وقد ورد في الحديث: "سَلْ عَمَّ شِئْتَ" (2)، ومن كلام سُراقة (3) - كما في حديث الهجرة من (البخاري): يا رسول الله مُرْنىِ بِمَ شِئْتَ (4). [إِثبات ألف (ما) الاستفهامية]: كما أنَّ بعكسها الاستفهامية قد ثَبتتْ ألفها في كثير من الأحاديث وكلام العرب، حَمْلًا لها على "ما" الموصولة، كقوله عليه أفضل التَّحايا مُسْتَفْهِمًا من سيدنا عَلىّ في الحج: "بِما أَهْلَلتَ"،
وكذا قاله لأبي موسى الأَشْعرى رضي الله عنهما (1). وكذا قول سيدنا عمر له عليه السلام عند صُلْح الحدَيْبِية: "فَعَلَى مَا نُعْطِى الدَّنيَّةَ في دِيننا" (2) وقول مُجَاشِع (3) رضي الله عنه قبل الصُّلح: "يا رسول الله عَلَى مَا تُبايِعُنا" (4) وقول أُمِّ سَلَمة رضي الله عنها (5) له عليه السلام: "فِيما يُشْبِهُ الولَدُ
[حذف ألف (ما) الاستفهامية التي تلحق بها هاء السكت]
أَباهُ" (1). وقوله عليه السلام في غزوة خَيْبر: "عَلَى مَا توقَد هذه النِّيرانُ" (2) وغير هذه الأحاديث مما ورد في (الصحيحين). [حذف ألف (ما) الاستفهامية التي تُلحق بها هاء السكت]: وقد تُحذف ألف "ما" الاستفهامية في غير الحالتيْن المذكورتيْن مع إِلحاق هاء السَّكْت. قال في (المختار): "ويُقال: "ثُمَّ مَهْ"، يعني: "ثُمَّ ماذا"، وقد حُذفت ألفها ضرورةً في حالة الرفع من غير إِلحاق وبإِلحاقٍ في بيتٍ واحد، وهو قوله: أَلامَ تَقُولُ النَّاعِيَاتُ أَلامَهْ ... أَلا فَانْدُبا أَهْلَ النَّدَى والكَرَامَهْ (3) ذكره الأشمونى (4) في شرح قول (الخلاصة): وَمَا فِي الاسْتِفْهام إن جُرَّتْ حُذِف ... أَلِفْها وأَوْلِها الْهَا إن تَقفْ (5) [حذف ألف (أَمَا) الحرفية (بمعنى حقًّا)]: والكلمة الثانية: "أَمَا" الحرفية المخفَّفة الميم بمعنى "حَقًّا".
[ثالثا: مواضع حذف الألف المتوسطة عارضا]
قال في (الكليات): "وأكثر ما تُحذف ألفها إِذا وقع بعدها القَسَم، كقولهم: "أَم والله لأَفْعَلَنَّ" -أي كما ورد ذلك الحذف في أحاديث من (الصحيحين) - فتُحذف ألفها ليدل ذلك على شدة اتصال الثاني بالأول، لأن الكلمة إِذا بقيت على حرف لم تقم بنفسها، فيُعلم بحذف ألفها افتقارها إِلى الهمزة قبلها" انتهى كلامه (1) فليتأمل! [ثالثًا: مواضع حذف الألف المتوسطة عارضًا]: وأما الألف المتوسطة عارضًا فتُحذف من أربع كلمات وهي: "هاء" التنبيه، و"ذا" الإِشارية، و"أَنا" ضمير المتكلم، و"يا" في النداء. [(1) [ها] التي للتنبيه]: فأما "هاء" التنبيه فتحذف ألفها في ثلاث حالات: * الأولى: أن يأتى بعدها اسم إِشارة غير مبدوء بتاء ولا هاء، وليس بعده كاف، مثل: "هَذَا" و"هذهِ" و"هَذَانِ" و"هَؤلاء" و"هَكَذَا" و"أَيْهَذَا". بخلاف المبدوء بالتاء (مثل "هَاتَا" و"هَاتَان" و"هَاتَيْنِ") وبالهاء مثل: "هَاهُنا". وبخلاف ما بعده كاف، نحو "هَاذَاكَ": فلا تُحدف الألف منها: * الثانية: إِذا وقع بعدها اسم الجلالة في القَسَم؛ بأن قيل "هَا للهِ لأَفْعَلَنَّ كذا". قال في (الهمع): "فتُحذف الألف، لأن (ها) المستعملة من حروف القَسَم لا تُستعمل إِلا مع الاسم الكريم، فكأنه حرف واحد. قال في (التحرير) (وحواشيه): ومن حروف القسم الهمزة و (هَا) التنبيه لمن لم يُشْتَهروا، وتسميتُها في هذه الحالة (ها) التنبيه مجاز، لأنها حينئذٍ حرف جرٍ للقَسَم، ومثلها الهمزة نحو: (أَللهِ لأَفْعَلَنَّ) كأنها بدلها" اهـ. وقال في (الهمع) في مبحث التقاء الساكنين: "وشَذَّ إِثبات الألف في قولهم في القسم: "هَا اللهِ" و"إِى اللهِ" بإِثبات الألف والياء" (2).
[2] [إذا] الإشارية
* والحالة الثالثة: إِذا جاء بعدها ضمير مبدوء بالهمز نحو "هَأنا" و"هَأَنْتُم"، بخلاف "هَا هُو" و"هَا هِىَ" و"هَا نَحْنُ"، وخَصَّ بعضهم هذا الحذف بالخط المتَّبع، لا المختَرع. [2] [ذا] الإِشارية: وأما الكلمة الثانية التي هى اسم إِشارة، فتُحذف ألفها في حالين: الأولى: في الإِشارة إِلى اثنين كقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19]. الثانية: مع لام البُعْد المكسورة، مثل "ذَلِكَ" و"ذَلِكُما" و"ذَلِكُمْ" و"ذَلِكُنَّ". ومنه قوله تعالى حكايةً عن زَلِيخَا: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] كأنهم استكثروا حروف اللفظة بِتركُّبها من ثلث ممم كلمات. وتوسطت الألف بخلافها مع لام المِلْك المفتوحة، كأَن تقول "ذَا لَكَ" و"ذَا لَكُما" و"ذَا لَكُمْ" و"ذَا لكُنَّ"، لأن الألف لم تتوسط ولا تركيب. وأما الألف التي في "فَذَالِك" -الذى هو جمع "فَذْ لَكَة"- فليست من موضوع الكلام الذى هو "ذَا" الإِشارية؛ لأن الفاء فيه من بِنْية الكلمة، فلا يشتبه عليك، فَذَلك بفَذَالِك (1). [3] [ضمير المتكلم (أَنَا)]: والكلمة الثالثة: "أَنا" ضمير المتكلم، فتُحذف ألفها في صورةٍ وجدتها في (مقدمة) ابن بَابِشَاذ (2)، وهي ما إِذا وقع لفظ "أنَا" بين "ها" التنبيه و"ذا" الإشارية، وتَركَّبتْ اللفظة من ثلاث كلمات كما في قول الشاعر: إنَّ الفَتَى مَن يُقُول هَأَنَذَا ... لَيْسَ الفَتَى مَن يَقُولُ كَان أَبِى (3)
[4] [حرف النداء (يا)]
فقد حُذف من "هَأَنَذاَ" أَلِفان: ألف "هاء" التنبيه، والألف الأخيرة مِن "أنا". وما ألفها الأولى فقد وُصِلت بالهاء. قلت: ولعل وَجْهَ حذفها من "أنا" أنها وقعت حَشْوًا، وإنما تُكتب في "أنا" المنفردة نظرًا لحالة الوقْف عليها، والواقعةُ حَشْوًا لا يُوقف عليها. [4] [حرف النداء (يا)]: الكلمة الرابعة: "يا" في النداء، فتحُذف ألفها في حالتين: الأولى: إِذا كان بعدها "أَىْ" أو "أَهْل"، مثل "يأَيُّها النَّاسُ"، "يَأهْلَ الِكتَاب"، فإِن الألف من "أَىّ"ومن "أَهْل" اتصلت بالياء، فهي الهمزة، بدليل أنهم يكتبون الألف بالمِداد الأحمر بين الياء وبين الألف السوداء المهموزة المتصلة بالياء في المصحف نظير ما سبق في "هَأَنتُم" (1). وقد رأيتها محذوفة من "يا رسولَ الله"، وأكثر ما رأيتها هكذا: "يرسُولَ اللهِ" كثيرًا في نُسخة قديمةٍ من (تاريخ) الحافظ الذَّهَبىِ (2). الثانية: إِذا كان بعدها اسم مبدوء بالهمزة من الأَعْلام التي لم يُحذف منها حرف، مثل "إِبراهيم" و"إِسماعيل" و"إسحاق" و"أَيُّوب"، بوصْل ألف الاسم التي في أوله بياء النداء نظير ما سبق (3). بخلاف ما حذفت ألفه، نحو
"آزَر" و"آدمَ"، فلا تُحذف معه الألف من حرف النداء، لئلا يلتبس بالفعل، ولئلا يكون فيه إِحجافٌ بالاسم بحذف اثنتين من ثلاث، كذا في (جَمْع الجوامع) و (شرحه) (1) و (نظمه) (2). وكنت أظن أنها لا تُحذف من أول الأسماء التي حُذفت الألف الحشْوية منها، مثل "إِبْراهِيم" وإسمعيل" و"إِسَحق" بمقتضى التعليل الثاني.
الفصل الرابع في حذف الياء من آخر الاسم المنقوص
الفصل الرابع في حذف الياء من آخر الاسم المنقوص [تعريف المقصور والمنقوص]: اعلم أن الاسم إِما صحيح أو معتل. والمعتل ضربان: مَقْصور ومَنقُوص. فالمقصور: ما كان في آخره ألف، نحو "فَتَى" و"عَصَا". والمنقوص: ما كان آخره ياء حقيقية مكسور ما قبلها، سواء كانت ياؤه أصلية غير مُنقَلِبة كـ" الرَّامِى" و"القَاضِى"، أو منقلبة عن واو كـ "الغَازِى" و"العَافِى". [الوقوف على الألف في الاسم المقصور المنون]: وسبق في فصل الألف اللينة المبدلة من التنوين (1) أنهم اتفقوا على أن المقصور المنوَّن يُوقف عليه بالألف مُطلقًا، سواء كانت ألفه ياء كـ"فَتَى" أو عن واو كـ"قَفَا". وأنهم اختلفوا في كتابة اليائىّ منه على ثلاثة مذاهب. [المنقوص المنوَّن المنكَّر هل يوقف عليه؟]: وأما المنقوص المنوَّن -بِأَن كان منكَّرًا نحو "هذا قَاضٍ" و"فِعْلُهُ ماضٍ"- فقد اختلفوا في الوقف عليه. [حذف الياء من المنقوص المنوَّن]: وينبنى على ذلك اختلافهم في كتابته على مذهبين، أصحهما -وهو مذهب سيبوَبه (2) - حذف الياء خطًّا، لأن الأفصح الوقف على ما قبل الياء، لا عليها وهَو الشائع على ألسنة النحاة والمعْرِبين في قولهم: "هذا فِعْلٌ ماضٍ"، وكذا أكثر القُرَّاء يقف على قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]. بسُكُون اللام. ومثله {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]. وفي الحديث:
[حذف الياء من المنقوص المنادى المفرد]
"إنَّما البَيْعُ عَن تَراضٍ" (1). [الوقوف على ياء المنقوص (لفظًا وخطًا) على خلاف الأفصح]: وقد يُوقف على الياء فيُكتب بها، وإن كان خلافَ الأفصح، كما وقف بعضهم على {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالي} [الرعد:11] بالياء. وكقول امرئِ القَيْس (2): تَنَوَّرْتُها مِن أَذْرِعَات وَأَهْلُها ... بيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِها نَظَرٌ عَالِى (3) وكقول ابن مالك (4) "مُدْنِي" في قوله من (الخلاصة): والاسْمُ منْهُ مُعْرَبٌ ومَبْنِي ... لِشَبَهٍ مَن الحُرُوفِ مُدْنِي (5) [حذف الياءَ من المنقوص المنادى المفرد]: ومثل المنوَّن في ذلك المنادى المفرد، نحو "يا قَاضْ"، فتُحذف منه الياء لفَظًا وخَطًّا، لأنه يُوقف عليه بسكون الضاد على الراجح كما في (الأشمونى) (6). وهذا في المنكَّر الذي لم يكن منصوبًا, ولم يكن قبل آخره همزة. [المنقوص المهموز ما قبل الآخر]: أما المهموز ما قبل الآخر مثل "جَاىءٍ" و"رَاىءٍ" و"نَاىءٍ" و"مُنْىءٍ" و"مُرْىءٍ"، وكذا "مَرَاىءٍ" و"مَسَاىء" (7)، فيكتبً بياء واحدة هى بدل
[المنقوص المعرف والمضاف]
الهمزة على ما في (الأدب) (1). أي وتُحذف الياء الأخيرة التي تَثْبُت في المعرَّف، وتُحذف قبلها الياء المصوَّرة بدلًا عن الهمز. لكن في (الأشمونى) عند قول (الخلاصة): وَحَذْفُ يَا المنقُوصِ ذى التَّنْوِين -ما ... لَمْ يُنصَبْ- أَوْلَى مِن ثُبُوتٍ فاعْلَمَا وغيْرُ ذِى التَّنوِينَ بالعَكْسِ، وفي ... نَحْوِ مُرٍ لُزُومُ رَدِّ اليَا اقْتُفى ما نصه: "يعني إِذا كان المنقوص محذوفَ العين نحو "مُرى" -اسم فاعل من "أَرْأَى يُرْئِى"، أصله "مُرْئى" على وزن "مُفْعِل"- فأُعلَّ إِعْلال "قَاضٍ"، وحُذفت عينهُ، وهي الهمزة، بعد نقل حركتها، فإِذًا إِذا وقف عليه رد الياء، وإلَّا لَزِمَ بقاء الاسم على أصل واحد، وهو الراء، وذلك إِجحاف بالكلمة" انتهى (2). وأقول: إِن أكثر النُّسَّاخ الآنَ لا يكتبون الياء المصوَّرة بدل الهمز، لا في المنكَّر ولا في المعرَّف، وربما أثبتها البعض في المعرَّف، وهو خلاف القياس من حذف كل همزة بعدها حرف مَدٍّ كصورتها. وأما إِذا نصب المنكَّر فتُردُّ إليه الياء، تقول: "كُن راضيًا ولا تكن قاضيًا". [المنقوص المعرَّف والمضاف]: وأما المعرَّف أو المضاف نحو "العَالِى" و"المتعَالِى" و"قَاضِى العَسْكر" فتثبت فيه الياء، لأنها إِنما حُذفت من المنكَّر لأجل التنوين حَذَرًا من التقاء الساكنْين، وقد زال المحذور بالإِضافة أو التعريف. ويجوز -على خلاف الأفصح- حذفها من المعرَّف، بناءً على جواز الوقف على ما قبلها مسكنًا وقد حُذفت في المصحف من "الكَبير المتعال" وعلى ما قبلها مُسكَّنًا، و"الدَّاعِ" و"الوَادِ" و"يومَ التَّناد" (3).
[حذف الياء من الاسم المنقوص على أحد عشر مثالا]
أقول: ومقتضى القياس -الذى هو كتابة كل كلمة على انفرادها بتقدير الابتداء والوقف، بقطع النظر عما قبلها وما بعدها- أَنَّ حذفها في الخط من المضاف مثل "وَادِى مِصْر" و"قَاضِى الوِلاية" هو الموافق للقياس، نظرًا لحالة الوقف عليه مجردًا عن الإِضافة، وإليه ذهب بعضهم لكنْ قال الأشمونى: "إِنهم ضَعَّفوه" (1). [حذف الياء من الاسم المنقوص على أحد عشر مثالًا]: واعلم أن المنقوص يأتى على أَحَدَ عَشَرَ مثالًا مثل: "عَانٍ" و"مُعَانٍ" و"مُتَوانٍ" و"مُفْتٍ" و"مُسْتَفْتٍ" و"مُغْنٍ" و"مُهْتَدٍ" و"متعن" و"عم" و"تَمَنّ" و"تَوَانٍ". وهذان الأخيران من المصادر على وزن "التَّفَعُّل" و"التَّفَاعُل" كـ"التَّعَوُّذ" و"التَّعَاوُن"، قُلب حرف العلة الأخير، وكُسِر ما قبله لمناسبته، كـ"التَّرامِى" و"التَّجارِى" و"التَّحَرِى". [حذف الياء من الاسم المنقوص من الجموع الناقصة]: وقد يُلحق بها في حذف الياء خمسة من الجموع الناقصة مما كان على "فَوَاعِل" و"مَفَاعِل" و"أَفَاعِل" و"فَعَائِل" و"فَعَالِي"، نحو: "جَوَارٍ" و"مَعَانٍ" و"أَوَانٍ" و"تَرَاقٍ" و"صَحَارٍ"، فتجرى مجرى المنقوص تعريفًا وتنكيرًا. [ما يعامل معاملة المهموز]: وقولهم أَوَّلًا في تعريف المنقوص (ما آخره ياء حقيقية) (2) للاحتراز عما آخره همزة مرسومة ياءً لوقوعها طرفًا إِثر كسرة (نحو "طَارِى" و"مُبْتَدِى" و"مُسْتَهْزِى"). أو ياء منقلبة عن همزة كانت تُرسم واوًا، لوقوعها بعد الضمة، كـ"التَّبرِّى" و"التَّجزِى"، فإِنه يُعامل معاملة المهموز. وقد يَجْرِى مجرى المعتل فتُحذف ياؤه، تقول: "هذا طارٍ"، "مُبْتَدٍ"
[حذف الياء من الاسم المنقوص المجموع المعرف]
و "مُسْتَهْزٍ" كما قال في (المِصْباح) في "نَتَأَ" أنه يجوز إِبدال الهمزة ألفًا، وتُجعل في اسم الفاعل ياءً، وتحُذف فيُقال "نَاتٍ" (1). [حذف الياء من الاسم المنقوص الجموع المعرَّف]: وكل ما حُذف ياؤه في المفرد مُنكَّرًا تُحذف في الجمع ولو مُعرَّفًا، كـ"العَالِين" و"المُفْتِين" و"القَاضِين" و"المُعْتَدين". ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} [الأعراف: 64] ومثله "المُبْتَدِينَ" أو "المُبْتَدُونَ": من المهموز المجرى مجرى المعتل. وقولهم (مكسور ما قبلها) (2) احترازٌ عن الساكن صحيحًا كان (كـ"ظَبْى" و"رَمْى"). أو معتلًا (كـ"كَرَى" و"مَىّ": (اسم امراة) فلا يُسمى منقوصًا، بل هو كالصحيح. ومثله في ذلك ما كان على وزن "فعيل" مُكَبَّرًا (نحو "عَلِىّ" و"غَنِىّ") أو مُصغَّرًا، نحو"قُصَىّ" و"سُمَىّ". [ما يُحذف من الياءات في حالات الجزم والإِضافة]: وأما ما يُحذف من الياآت للجازم -نحو: "اتَّقِ اللَهَ" و"لا تَعْصِ مَوْلاكَ" و"اخْزِ الشَّيطانَ"، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]-فهذا مما يُحذف خَطًّا، تَبعًا لحذفه لفظًا، كما هو معلوم من المبادئ النحوية. وأما ما يُحذف من ياآت الإِضافة تخفيفًا في مثل {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6] والأصل "ولى دينى" و {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [الأعراف: 151] و [ص: 35] {وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم: 40]، {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] {يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ} [غافر: 38] فهذا كثير في رسم المصحف خاصة.
الفصل الخامس فيما يحذف من الواوات المتكررة لفظا فرارا من اجتماع المثلين صورة، وإن كانت إحداهما همزة لفظا، وما لا يحذف منها عند اللبس
الفصل الخامس فيما يُحذف من الواوات المتكررة لفظًا فرارًا من اجتماع المثلين صورة، وإِن كانت إِحداهما همزة لفظًا، وما لا يحذف منها عند اللبس المختار عند أهل العلم أن يكتب "دَاوُد" و"طَاوُس" و"رُؤُس" و"فُؤُس" بواو واحدة، استخفافًا، لكثرة الاستعمال. وأما "هَاوُن" (1) و"راوُق" (2) و"ناوُس" فمنهم من يكتبه بواوين. وأما "ذَوُو" -للجمع- فيُكتب بواوين خَوْفَ الاشتباه بالمفرد. كذا في (الدرة) قال: "وأما "سَؤُول" و"يَؤُوس" و"شُؤُون" و"مَوْءُودة" و"مَؤُونة" فالأحسن أن يُكتبن بواوين، ومنهم من اقتصر على واحدة" (3). قلت: وكثيرًا ما يكتب "مَؤُنَة" بواو واحدة، وكذا "بَؤُنَة" اسم شهرِ القبط. وأما "الرَّاوُون" و"الغَاوُون" فبواويْن بلا شُبْهة، لأنه إِذا كان بين الواوين فاصل -ولو في التقدير- لا تُحذف واحدة منهما، سواء في الأسماء -كما مُثِّل- أو في الأفعال، نحو "اجْتَوَوْا" و"اكْتَوَوْا" و"يَسْتَوُون" و"يَلُوون"، وكقول قُطْب دائرة الوجود -نفعنا الله به- في (الحزب): "نَوَوْا فَلَوَوْا عما
نَوَوْا". وأصل المفرد "نَوَى"، فلما اتصل ضمير الجمع بالفعل حُذفت الألف التي كانت تُقلب ياءً عند الإِسناد لضمير المتكلم، وبقيت الفتحة على الواو لتدل على الألف المحذوفة لالتقائها ساكنة مع واو الضمير الساكنة أَصالةً، وِإنْ تَحركت لعارضٍ في نحو "نَوَوُا السَّفَر". كما تُحرك من "آتَوُا الزَّكاةَ". ولا تَتَوهَّم من تحرُّك الواو العارض في "آتَوُا الزكاةَ" أو واو أُخرى بعد واو الضمير كما غَلَط فيه بعض الناس. وأما إِذا كان يُخاف اللَّبْس بحذف إِحدى الواويْن المتلاصقتين فلا تُحذف واحدة منهما نحو "قَؤُول" و"صَؤُول" (1)، فإِنه لو حُذفت واحدة التبس بقول "وُصُول". ولو كان على الواو قطعة الهمزة فإِنه يقال: "صَؤُل البعير" (2) كما سبق في الهمزة. أقول: وقد يجتمع ثلاث واوات فتُحذف واحدة كما في حديث توجهه عليه السلام إِلى الطائف رَجَاءَ أَن يُؤْوُه (3)، فالأُولى هى المصوَّرة بدل الهمزة، والثانية هى واو الكلمة، والثالثة واو الضمير، فالمحذوفة هى المتوسطة، واللهُ الموفِّق.
الفصل السادس في حروف أخرى تحذف للإدغام أو لاجتماع الأمثال وهي اللام والتاء والنون والميم والياء
الفصل السادس في حروف أخرى تحذف للإِدغام أو لاجتماع الأمثال وهي اللام والتاء والنون والميم والياء [1 - حذف اللام]: [الأسماء المبدوءة باللام والمعرفة بـ (أل)]: أما اللام فتُحذف من كل اسم أوله لام، وعُرِّف بـ"أل"، ودخلت عليه اللام المكسورة أو المفتوحة، كـ"اللَبَن" و"اللَحْم" و"اللفظ" و"اللَّهْو" و"اللَّعب" و"اللَّطِيف"، كقول بعض العقلاء: "إِنَّ الإِنسانَ لم يُخلق للَّعب ولا لِلَّهوِ". وكقوله عليه السلام: "لَلَّهُ أَرْحَمُ بالمؤْمِنِ مِن هَذِه بِوَلَدها" (1). وكقولهم: "لابُدَّ من مُطابقةِ المعنى لِلَّفْظ" فتُحذف واحدة من اللامات؛ لأن اجتماع الأمثال يُوجب حذف أحدها. واختُلف في أيهما المحذَوف، واختار شيخ الإِسلام في (شرح الشافية): "أنها لَام الكلمة، لا حرف التعريف، لأنه جِىء به لمعنى، فحَذْفُه يُخِلُّ بالمقصود" (2) اهـ. وفيه تَأَمَّلْ! [الأسماء الموصولة التي تكتب بلاميْن]: ومثل ما ذُكر الموصولات التي تُكتب بلاميْن، وهي "اللَّذ" (بسكون الذال)، "اللُّذَيّا" و"اللُّتَيَّا" (تصغير الَّذى والَّتِى)، و"اللَّذانِ" و"اللَّتَانِ" و"اللّذين" و"اللَّتينَ" و"اللَّذُون" و "الَّلأُونَ" (بالواو فيهما)، و"الَّلاى" و"الَّلائِى" و"الَّلاتى" و"اللَّوَاتى"، فتُحذف إِحدى اللامات إِذا دخلت على هذه الكلمات لامٌ كما سبق بيان ذلك إِجمالًا في الباب الأول (3).
[حذف اللام لفظا وخطا]
[حذف اللام لفظًا وخطًّا]: وسبق أَنَّ اللام تُحذف لفظًا وخَطًّا من كلمتين (1): الأولى: لام "عَلَى" الداخلة على ما أَوَّلُه "أَل"، نحو "عَلْمَاءِ" أي: "عَلَى الماءِ". الثانية: لام "بَلْ" إِذا وقع بعدها راء عند الإلغاز، كما في قوله: عَافَت الماءَ في الشَّتَاء فَقُلنَا ... بَرّديه تُصَادفيه سَخِينَا (2) [الألف واللام في (ذى النّون)]: ومن الغلط حذف "أَل" من اسم "ذِى النُّون" وكتابته "ذَنَّون" (بوزن "تَنُّور") كأنه كلمة واحدة، ففيه حذف ثلاثة أحرف خَطًّا جَهْلًا بأن الكتابة في غير العَروُض ليست على حسب ما يُتلفظ به. [اللام في (ويل لأمه)]: نَعَمْ، قولهم "وَيْلُمِّه" كتبوه كما يُنطق به شُذُوذًا كما في (شفاء الغليل) (3)، والأصل: "وَيْلٌ لأُمّه"؛ فحذفوا إِحدى اللاميْن، ووصلوا الكلمتيْن، وكذا قال السُّجَاعى (4) عَلى (الكافي) (5). [لام (هَلْ - هلَّا - بل)]: ولا تُحذف لام "هَلْ" إِذا وقع بعدها كلمة "لَا"، كقول المستَفْتى "هل لا يَجُوزُ كذا"، سواء كانت "هَلْ" للاستفهام حرفًا، أو كانت فِعلًا، كما يُقال: "هَل لا تقع"، فهي في هذا فِعْلُ أَمْرٍ من "وَهَل"، بمعنى خاف أَوْ فَزع. وأما "هَلَّا" التي في حديث "هَلَّا بِكْرًا تُلاعِبُها" فهي التَّحْرِيضيَّة المستعملة للتنْدِيم كما قدمناه في أول باب (6).
[2 - حذف التاء]
ولا تُحذف مِن "بَلْ" في: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 17]. [2 - حذف التاء]: وأما التاء فتُحذف من آخر الفعل المسنَد إِلى تاء الفاعل، سواء كان قبلها تاء أخرى (نحو "شَتَتَ" و"فَتَتَ") أو حرف غيرها صحيح (نحو "عَنَتَ" و"أَلَتَ" و"أَخْفَتَ) أو معتل (نحو "بَاتَ" و"فَاتَ"). فهذه التاء تُدغم في مثلها من ضمير فاعل متكلم أو مخاطَب أو مخاطَبة أو تاء خطاب قبل ميم الجمع أو نون النسوة، نحو "شَتَتُّ" و"أَمَتُّ" و"أَخْفَتُّ" و"عَنِتٌّ" و"بتُّ" و"أَلتُّه" -أي: نَقَصْتُه. ومن ذلك قوله جل وعلا في وصف رسوله الأكرم. {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] أي: عَنَتُكم ومشقَّتُكم، {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7]، أي: لَوَقَعْتُم في العَنَت والمشقة والتعب. [3 - حذف النون في خمس مواضع من آخر الفعل]: وأما النون فتُحذف في خمس مواضع: أولها: من آخر الفعل المسنَد إِلى النون ضمير المتكلم ومعه غيره، أو المعظِّم نفسه، أو نون الإِناث، أو إِلى غيرهما مع نون الوقاية، سواء كان قبلها نون أخرى (نحو: "جَنَّ" و"ظَنَّ") أو حرف صحيح (نحو: "ظَعَنَ" و"لَعَنَ" و"سَكَنَ") أو معتل (مثل: "بَانَ" و"زَانَ"). فهذه النون تُحذف خَطًّا للإِدغام إِذا لاقت مثلها؛ سواء كانت نون جمع مذكر، أو مؤنثًا، أو نون وقاية، نحو: "إنَّا آمنَّا" و"تَعَاونَّا" و"النِّسوةُ جُنِنَّ" و"بِنَّ" و"ظَعَنَّ"، ونحو: "آمنِّى" و"أَعِنِّى" (فعل أمر من الأَمانة أو الأَمْن، والإِعانة)، و"هذا الشىءُ لم يُمْكِنّى". وقد تُحذف من آخر الحروف مع نون الوقاية تخفيفًا، نحو "إِنّى" و"لَكِنّى". [عدم حذف الكاف والهاء]: وليس مثلَ التاء والنون في هذا الحذف الكافُ العارضُ لها السكون في آخر
الفعل إِذا التقتْ مع كاف الضمير المفعول، كقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]. ولا الهاء التي يَعْرِض لها السكون للجازم إذا التقت بهاء الضمير المفردة، أو هاء الغَيْبة التي مع نون النسوة أو ضمير الاثنين، نحو "لا تُكْرِههَّا"، وقول الأعرابى "اجْبههُ"، أي: "اصْكُكْ جَبْهَتَه"، وقوله سبحانه: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 23]، وقوله عليه السلام: (مَن يُرد الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ) (1)، وقول الشاعر: وملتثم بالشّعْرِ مِن فَوْق ثَغْرِه ... غَدًا قائِلًا شَبِّههُّما بحياتِى والفرق بين هذيْن وذَيْنِك من وجهيْن: أولهما: أن في الأوليْن شِدَّةُ اتصال الضمير الفاعل بالفعل، فكأنهما كلمة واحدة، بخلاف الأخيريْن، فإِن الضمير فيهما مفعول ليس شديد الاتصال بالفعل، إِذْ قد يستغنى الفعل عن ذكر مفعوله، بخلاف الفاعل، خصوصًا وهو ضمير. وثانيهما: أن الأوليْن يجب تسكين الحرف الذي قبلهما دائمًا. قال في (الكليات): "كل ماضٍ أُسند إِلى التاء أو النون فإِنه يُسكَّن آخره وجوبًا" (2)، بخلاف الأخيريْن، فإِن السكون قبلهما عارض، يزول عند زوال الجازم، بل قُرِئ شاذًا: {يُدْرِكْكُمُ} بالرفع، على ما قاله مُحشِّى (الأزهرية).
[حذف نون (من، عن)]
[حذف نون (مِن، عَن)]: والموضع الثاني: "مِنْ" و"عَنْ"، فتُحذف نونهما باطِّراد إِذا دخلتا على "مَا" أو "مَن". وبغير اطِّراد إِذا دخلت "مِنْ" على ما أَوَّلُه "أَل" التعريفية، نحو "مِلكَذِب" و"مِلْعَصْرِ" وغيرهما مما سبق في أول باب (1). [حذف نون (بنين، بنون)]: والثالث: نون "بَنِين" أو "بَنُون" إِذا أُضيف إِلى ما أَوَّلهُ "أَل" القمرية، فيقتصر على الباء، وتُحذف النون لشبهها باللام، فكأنهما مثلان، نحو "بَلْعَنْبر"، "بَلحرِث" كما سبق أيضًا (2). [حذف نون (إِنْ) الشرطية في حالتين (ما الزائدة - لا النافية)]: والرابع: نون "إِنْ" الشرطية، تُحذف في حالتين: الأُولى: إِذا وقع بعدها "مَا" الزائدة، كقوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} الآية [الإسراء: 23]، {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ} الآية [الإسراء: 28]. وقول الشاعر: أَيَا رَاكِبًا إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ... نَدَامَاىَ مِن نَجْرانَ أَن لا تَلاقِيا (3) وقول الحريرى (4) في المقامة [32] الحَرْبِيَّة: واقْرِى المسَامِعَ إِمِّا نَطقـ ... تُ بَيَانًا يَقُودُ الحَرُونَ الشَّمُوسا. (5)
ومن ذلك قولهم: "إِمَّا لا فَافْعَلْ هَذا". وإنما كانت "مَا" في هذه التراكيب زائدة لما قاله في (قواعد الإِعراب) أنه إِذا اجتمعت "إنْ" و"مَا": فإِن تَقدَّمتْ "إِن" على "مَا" فهي شرطية، و"مَا" زائدة. وإن تَقدَّمتْ "ما" كانت "ما" نافية، و"إِنْ" زائدة، نحو: "مَا إِنْ زَيْدٌ بِقائم" (1). والثانية: (2) إِذا وقع بعدها "لا" النافية كما في قوله عَزَّ نَصْرُه: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التوبة:40]. وكقول عُمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - (3) أيام ولايته المدينة خِطابًا للفرزدق (4): "تَلزم العفافَ وإلَّا فأاخرجْ من المدينة، فإِنها ليست بدارِ مَأْثَمة". وقول الأَحْوَص (5): فَطلِّقْها فَلَسْتَ لها بِكُفْو ... وَإِلَّا يَعْلُ مِفْرَقَك الحُسَامُ (6) وقول أبى الأسْوَدِ الدُّؤَلى (7): دعَ الخَمْرَ تَشْربُها الغُوَاةُ فَإِنَّنى ... رَأَيْتُ أَخَاهَا مَجْزِيًّا بِمكانها
[حذف نون (أن) المصدرية في حالتين]
فإِلَّا يَكُنْها أَوْ تَكُنْهُ فَإنهُ ... أخوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلبَانِها (1) ومن الأمثال: (إِلَّا حَظِيَّةً فَلا أَلِيَّةً) (2). وقول الفقهاء (وإلَّا فَلَا). ففى جميع تلك الكلمات تكتب بصورة "إلَّا" الاستثنائية، فيظنها الغِرُّ أنها هى، ولذا يغالط بها فيُقال له: هذا الاستثناء متصل أو منقطع، مع أن الاستثنائية لا يليها إِلا الاسم، ولو تأويلًا، والشرطية لا يليها إِلا الفعل ولو تقديرًا كما قالوه في: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 6]. [حَذف نون (أَنَّ) المصدرية في حالتين]: والموضع الخامس: (أَنَّ) المصدرية الناصبة، فتُحذف نونها في الحالتين اللتين تُحذف فيهما نون الشرطية. [إِذا وقع بعدها (ما)]: الأولى: إِذا وقع بعدها "ما" كما تقدم التمثيل له في باب الوصل بقول ابن مالك (3): *أمَّا أَنتَ بَرًّا فاقْتَرِبْ* (4) على مذهب الكوفيين في "أمَّا أنت مُنطلقًا انطلقتُ".
[إذا وقع بعدها (لا) نافية أو للصلة]
[إِذا وقع بعدها (لا) نافية أو للصلة]: الثانية: إِذا كان بعدها "لا"، سواء كانت: نافيةً، كقولك: "أَرْجُو ألا تَهْجُرنِى". أو صِلة: كقول موسى: {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 92، 93]. وكقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} الآية [الحديد: 29]. فإِن المراد -والله أعلم-: ليعلمَ أهل الكتاب. وكقول نبينا الأعظم -صلوات الله عليه وعليهم- لما استفهموه عن العَزْل فقال: "لا عَلَيْكُمْ أَلَّا تفعلوا" (1). وكقول الشاعر: وَمَا أَلُومُ البِيض أَلَّا تَسْخَرا ... إذا رَأَيْنَ الشَّمَطَ المنوَّرا (2) وتقدم أن من ذلك قوله سبحانه: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، أي: أَن تسجدَ؛ بدليل الآية الثانية. وكذلك: {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 93]. والأصل -والله أعلم-: "أَن تَتَّبِعَنِى". "أن تَفْعَلُوا"، "أَن تَسْخَرا". فإِن لم تكن "أَنَّ" ناصبة لم تُحذف كما في آية: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ} [الحديد: 29]، فالفعل مرفوع بثبوت النون. وهذا على ما اختاره ابن قتيبة (3) وموافقوه كالحريرى (4) في "الدرَّة" (5) وصاحب
[ثبوت نون (إن، أن) إذا وقع بعدهما (لن، لم)]
(الشافية) (1) وغيرهما من الجماهير. وأما أبو حَيَّان (2) فاختار إِثبات النون مطلقًا؛ أي من غير المصحف، وإلا فهي محذوفة منه. وأقول: أرى أكثر النُّسَّاخِ لا يُفرِّق بين الناصبة وغيرها، وسبق هذا بزيادةٍ عما هنا في باب الوصل والفصل (3)، ذكرناه هناك مُجاراةً لهم في تسميتهم حذف النون وَصْلًا، وإثباتها قَطْعًا، وذكرناه هنا لمناسبة باب الحذف. [ثبوت نون (إِنْ، أَنّ) إِذا وقع بعدهما (لن، لم)]: وأما غير "ما" و"لا" من الحروف -مثل "لَن" و"لَمْ"- فلا تُحذف معها نون "إِنْ" ولا "أَن"، كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]، {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ} الآية [الأنعام: 131]، {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} [الأعراف: 92]. وكما يُقال في تصوير المسئلة: "بِأَن لم يكن كذا وكذا". وذلك لأن نصب الفعل بعد "أَلَّا" يُعيّن أنها المصدرية الناصبة، وكذلك جزمه بعد "أَلَّا" يعين أنها الشرطية، بخلاف الجزم بعد "إِن لَمْ"، فإِنه منسوب إِلى "لَمْ"، لقربها من الفعل كما في (إِعراب الآجُرُّومِيَّة) للكفراوى (4) في "باب لا" (5).
[حذف نون (أن) مع (لن) في المصحف]
فلو حُذفت النون اشْتُبهت صورتها بصورة "أَلَمْ" الجازمة. [حذف نون (أن) مع (لن) في المصحف]: وأما حذفها في المصحف مع "لن" في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:3]. فلا يُقاس عليه كحذف نون "لَن" مع "ما" في قول الشاعر: * لَمَّا رَأَيْتُ أبا يزيد مُقاتِلَا. . . . (البيت) (1). فإِنه خاصُّ بالمعاياة كما مرَّ في باب الوصل (2). [4] [حذف الميم]: [حذف الميم من (نِعْم) المدغمة في (ما)]: وأما الميم فتُحذف من "نِعْمَ" لإِدغامها في "ما" من قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]، الأصل: "نِعْمَ ما هِىَ"؛ كُسرت العين وسُكِّنت الميم فأُدْغمت في "ما". [حذف الميم من (كم، ما)]: وقد تُحذف الميم من "كَمْ" الاستفهامية، ومن "أَمْ" إِذا وقع بعدهما "ما"، مثل: "كمَّا جِئْتَ به" و"هذا أحسن أَمَّا اشتريته" على ما قاله شيخ الإِسلام في (شرح الشافية) من جواز الوجهين: الوصل والفصل فيهما، قال: (كجوازهما في "مِن مَا" و"مِمَّا"، و"عَن مَا" و"عَمَّا") (3). قلت: ولم أَرَ من يُجرِى العمل على الوصل في "أَمْ" و"كَمْ"، بل رأيت الجلال (4) في (الهَمْع) مَنَعَ من ذلك وقال: "إِنَّ وصل "أَمْ" بـ "مَا" أو
[5] [حذف الياء]
بـ "مَنْ" وجعلهما ميمًا واحدة مُشدَّدة -في مثل قوله تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]، وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62]- خاصٌّ بالمصحف" اهـ (1). وقال شيخ الإِسلام على (الجزَرِيَّة): "كل ما في القرآن من ذكْر "أَمْ مَنْ" فهو بميم واحدة، إِلا أربعة مواضع فَبِمِيمَيْن، وهي: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109]. و {أَمْ مَنْ أَسَّسَ} [التوبة: 109].و {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصَّافَات: 11]. {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا} [فصلت: 40] " اهـ (2). [5] [حذف الياء]: [حذف ياء المنقوص المضاف إِلى ياء المتكلم]: وأما حذفُ الياء من المنقوص المفرد والجمع فقد سبق في فصله (3)، وأن محل ذلك إِذا لم يُضفْ، فإِنْ أُضيف لم تُحذف. وإنما الذي نذكره هنا حذفها منه إِذا كانت الإِضافة إِلى ياء المتكلم، لِمَا هو معلوم من القواعد الصرفية أنه إِذا التقى مِثْلان في كلمة -أو ما هو كالكلمة- وكان أولهما ساكنًا يجب إِدغام الساكن فيما بعده، ويصيرا في الخط حرفًا واحدًا مُشدَّدًا، مثل ياء المتكلم إِذا اجتمعت مع ياء المنقوص، مفردًا أو جمعًا سالمًا، نقول: "سهرت الليلة مع مُغَنِّىِّ هذا" و"مع مُغَنِّىِّ هؤلاء"، و"سافرت مع مُكارِىِّ هذا" و"مُكارِىّ هؤلاء"، و"هذه مَعَانِىِّ سرقها الشاعرُ الفلانى" و"هؤلاء مَوَالىِّ" و"بِعْتُ جَوَارىِّ": بتشديد الياء في جميع ما ذُكر. ويجوز تسكينها في "جَوَارِى" على لغة من يقول: "هؤلاء جوارٌ": بضم الراء مُنَوَّنة.
[المثنى والجمع المضافان إلى ياء المتكلم]
[المثنى والجمع المضافان إِلى ياء المتكلم]: وكذا إِذا أُضيف المثنَّى أو الجمع السالم -ولو غير منقوص- إِلى ياء المتكلم، سواء كان كل من المثنى والجمع مرفوعًا (كـ"مُسْلِمون" و"بَنُون" و"صَاحِبان")، أو منصوبًا أو مجرورًا (كـ"بَنِين" و"مُسْلِمين")، كأن تقول: "إِنَّ صاحبىَّ أَكْرَما والدَىَّ". وكقول إِسرائيل عليه السلام (1): {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ} [يوسف: 87]. وفي الحديث: "أَوَ مُخرِجىَّ هُمْ" (2) (والأصل: مُخْرجِونَ لي). ومثله: "هؤلاء مُسْلِمِىّ" و"رأيتُ مُسْلمِىّ" و"مررتُ بِمُسْلِمِىّ" -فيُكتفى في ذلك كله بياء واحدة، كما يُكتفىَ بها في "عَلَىّ" وإلىَّ" و"لَدَىَّ" و"فىَّ". ومثل ذلك قوله عليه السلام: "إنَّ لِكُلِّ نَبِىِّ حَوَارِىَّ، وحَوَارِىّ الزُّبَيْرُ" (3). قال القَسْطلانى (4) في صفحة [55] من (الخامس): ("حَوَارِىّ" بإِضافته إِلى ياء المتكلم، فحذف الياء، وضبطه جماعة بفتح الياء، وآخرون بالكسر، وهو القياس، لكنهم لما استثقلوا ثلاث ياآتٍ حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من
الكسرة فتحة) اهـ (1). وتقول: "هذا الكِتابُ هل أنتَ مُعْطِيُّهُ" و"هل أنتم مُعْطِيُّهُ"، فيُقال فيه ما قيل في "حَوَارِىّ" المضاف للياء، واللهُ الموفّق.
تكملة الباب في نوع آخر من الحذف
تكملة الباب في نوع آخر من الحذف كرموز المحدِّثين في (الصحيحين) و (الجامع الصغير) (1) وغير ذلك من الشراح والحواشى، التي بعضها يُشبه النحت. * [رموز الكتَّاب إِلى أسماء الشيوخ وألقابهم] لَمَّا كان الخط نائبًا عن اللفظ -وهو قد يُحذف منه بعض الكلمة، اتّكالًا على فهم السامع أو تفهيم الموقف أي: المعلم، وقد ينحتون من الكلمتين كلمة، كالحَسْبَلة والحَوْلقَة (لا الحَوْقَلة) والحَيْعَلَة والبَسْمَلَة ونحوها- فكذلك للكُتَّاب رموز تُشبه ذلك؛ كأن يُؤخذ من اسم الشيخ أول حرف، ومن لقبه أو بلده حرف آخر؛ كما يرمزون بالميم والراء للإِمام الشيخ محمَّد الرَّمْلى (2). و (ع ش) للشيخ على الشمَّبْرامَلِّسِى (3). (ح ل) الحَلَبِى (4). (ق ل) القَلْيُوبى (5). (سم) ابن
[رموز الصحيحين]
قاسم العَبَّادِى (1). (س) لِسيبَوَيْه (2). (ش) للشرح. (ص) للمصنَّف -بفتح النون- أي: المتن. وأما المصنِّف -بكسرها- فهكذا (المص). و (الشر) للشارح. (ض) ضعيف. (م) مُعْتَمد. وأما (ح) فإِن كانت في غير كُتُب الحديث وغير كتب الحنفية فهي بدل "حينئذٍ"، وعند الحنفية رمز للحَلَبِى. وإن كانت في (الصحيحين) -البخاري ومسلم- فهي في اصطلاح الحديث لتحويل السند. [رموز الصحيحين]: وأما رموز (الصحيحين) المشهورة فهي: "ثَنَا" و"ثَنِي" و"أَنا" و"نَا"، مُقْتَطعة من: "حَدَّثنا" و"حَدَّثنى" و"أَنبأَنا" و"أَخْبرنا". ولكل من علماء المذاهب الأربعة رموز معلومة عندهم. [بعض رموز العجم (غير العرب) في الكتب العربية]: كما أن للعجم في الكتب العربية رموزًا معروفة عندهم، مثل: (مم): ممنوع. (لايخ): لا يَخْفَى. (عـ م): عليه السلام. وكذا (صلعم) أو (ص م). لكن نَهَى العلماء عن تقليدهم في ترك كِتابة التَّصْلية (3)؛ لأن فيه إِعْراضًا عن اكتساب الثواب العظيم الوارد في حديث: "مَن صلَّى عَلَىَّ في كتابٍ لم تَزلِ الملائكةُ تَسْتَغْفِرُ له ما دام اسْمِى في ذلك الكتاب" (4).
[الرموز عن أسماء المشهور (التأريخ بالحروف والعبارة)]
بل قال العلماء: إِن جميع الحروف المفرَّقة لا يُنطق بتفريقها إِلا في الحروف المقطَّعة في كتب اللغة والصرف. وأما أسماء العلماء فلا يُنطق بأسماء حروف هجائها، بل يُنطق بالأسماء المتعارَفة. كما إِذا رأى اللام والخاء فلا يقول: "إِلخ"، بل يقول: "إِلى آخِرِه". وكنت أرى بعض العَجَم -كعبد الحكيم على (العقائد النسفية) (1) يكتب"اهـ" بدل "إِلخ"، مع أن "اهـ" عندنا علامةٌ على انتهاء الكلام، ولا مشاحة في الاصطلاح. [الرموز عن أسماء الشهور (التأريخ بالحروف والعبارة)]: وكذلك لكُتَّاب الدواوين اصطلاح في الرموز عن أسماء المشهور بحروف ثمانية مقتطعة من أسمائها، ثلاثة أشهر يأخذون الحروف من أواخرها، وهي: "الباء" لرجب، و"النون" لرمضان، و"اللام" لشوال. وما عداها يأخذون الحروف الأول من اسم الشهر، ويميزون الأول من الربِيعَيْن والجُمادَيْن والشهرين الأخيريْن بزيادة ألف على الراء والجيم والذال، للدلالة على أنه الأَوَّل. وكان العلماء أولًا يُؤرخِّون بالعبارة، لا بالأرقام الهندية، ويؤرخون في النصف الأول من الشهر بما مضى من لياليه، لأن أول الشهر عندهم من الليل، فيقولون: "لِعَشْرٍ خَلَوْنَ"، أو "لاثنتىْ عَشْرةَ خَلَتْ من كذا". وفي النصف الثاني بما بَقِىَ، فيقولون: "لِعَشْرٍ بَقَيْنَ"، أو "لخمسٍ بَقَيْنَ"، على اعتبار كمال الشهر، وإن كان في الواقع ناقصًا. كما قد أرَّخوا خروجه عليه السلام من المدينة لحَجَّة الوداع بخمسٍ بَقَيْن من ذِى القِعْدة، فكان خروجه عليه السلام
يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر، ثم تبين نقص الشهر، بدليل أن الوقوف بعرفة كان يوم جمعة (1). قال النووى (2) على (مسلم): "يُؤخذ من ذلك عدم التشاؤم بالسفر في آخر الشهر" اهـ (3). مع أنهم يقولون: الخامس والعشرون من الأيام السبعة المنحوسة من كل شهر المنقوطة من قول الشاعر: مُحِبُّكَ يَرْعَى هَواكَ فَهَلْ ... تَعُودُ ليالٍ بضدِّ الأَمَلْ (4). واستمر التأريخ بالعبارة في المحاكم الشرعية ووثائقها حتى يقولون خَطَأً: "لأحد وعشرون شهر جُمادَى". واعترض عليهم من قال: إِنّ حادى عِشْرينَ شَهْر جُمادَى ... في كلامِ الشُّهُوِد لَحْنٌ قَبيحُ أَثْبتُوا الشَّهْرَ وهو مع رمضا ... نَ والرَّبِيعَيْن غَيْر ذِى لم يُبِيُحُوا وتَعدَّوا بحذْفِ واوٍ إثبا ... تٍ لنُونٍ، وعَكْسُ هذا الصَّحيحُ (5) وكنت رأيت في تفسير (رُوح البيان) في آية سورة التوبة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]. تلحين التُّرْك في قولهم "شهر جَمادَىَ الأول" من أَوْجُهٍ عديدة: فتح الجيم والياء، وإعْجام الذال وكسرها، وِإضافة شهر إِلى اسم الشهر. ووُصِف جُمَادَى بالأَوَّل، مع أنه على وزن "حُبَارى" (مضموم الأول)،
وأَلِفُه تُكتب ياء، لانقلابها عند التثنية ياءً، فيقال: الجُمادِيَّان (1). وهذه البِنْية ألفها للتأنيث، فيجب مطابقة النعت لمنعوته تأنيثًا فيقال "الأُولى"، لا "الأَوَّل". نَعَمْ، إِذا جُعِل وصفًا للشهر صَحَّ وإن مَنَغُوا من ذِكْر الشهر، كما قال الأُجْهُورِى (2): ولا تُضِفْ شَهْرًا إلى اسْمِ شَهْر ... إلَّا لِمَا أَوَّلُهُ الرَّا فادْر واسْتَثْنِ مِن ذَا رَجَبَا فيمتنعْ ... لأَنه فيما رَوَوْهُ مَا سُمِعْ واستثناء "رَجَب" غير مُسلَّم، فقد سُمِعَ، إِلا أنه قليل جِدًا.
الخاتمة
الخاتمة في الشَّكْل والنَّقْط وبيان أول واضع للأول، وأول واضع للثاني في المصحف، وبيان ما يجب نقطه وما يمتنع من الياآت [تعريف الشكل لغةً واصطلاحًا]: يُطلق الشَّكْل في اللغة على مَعَانٍ ذكرها في (القاموس) (1): منها: صُورة الشىء وهيئتُه. ومنها: ما يُماثل الشىءَ صورةً أو طَبْعًا، ومنه قول البُسْتى (2): وما غُرْبَةُ الإِنسان في شُقَّةِ النَّوَى ... وَلَكِنَّها وَاللهِ في عَدَمِ الشَّكْلِ (3) وأما الشَّكْل في اصطلاح الخَطِّ فهو "ما يُوضع فوق الحروف أو تحتها من العلامات الدالة على الحركة المخصوصة، أو السكون، أو الهمز، أو المدّ، أو التنوين، أو الشَّدّ. وينقسم إِلى قسمين: عام وخاص، على ما يأتى بيانه (4).
[سبب التسمية]
[سبب التسمية]: وسُميت تلك العلامات بهذا الاسم قيل: لأن هيئة الكلمة وصورتها تختلف في التلفظ باختلافها. وقيل: شَكْلُ الكتاب مأخوذٌ من شكَال الدابة التي تُقَيَّد به (1)، فكأَنَّ شكل الكلمة يُقيدهَا عن الاختلاف فيها، ويُزيل عنها الإِبْهامَ؛ فإِن الخط إِذا لم يكن مَشْكُولًا يُقال له: خط غفل كما في فقه اللغة. ولذا يقال للحرف الذي لا يُنقَط "مُبْهَمٌ" و"مغفل". وقال أبو البقاء (2) في (الكُلّيات): "هو من: أَشْكَل الكِتابَ، أي أَعْجمه، كأنه أَزال عنه الإِشْكالَ والالتباس" اهـ (3). ولذا كانوا يُسمُّونه إِعجامًا ونَقْطًا. قلت: ولعله المراد من قول الجلال (4) في (المزْهر): "أول من نَقَط المصحف أبو الأسود الدُّؤلى، كما أنه أول من وضع علم العربية بالبصرة" فيكون المراد بالنَّقْط في كلامه: الإِعْجام؛ بمعنى الشَّكْل، لا النَّقْط، أَزواجًا وأَفرادًا المميّز بين الحرف المعْجَم والمهْمَل. بل أقول: يُحتمل أيضًا أنه المراد من قولهم: "حروف المعجم"، أي: الخط المعجم، بمعنى المشْكُول؛ أي الذي شَأْنُه أن يُشكل كما قد يُومئ إِلى ذلك قولُ (القاموس): "أي: ما من شأنه الإِعجام"، كما سبق أول المقدمة (5). وكما قد يُؤخذ من حكاية العَسْكرى الآتية قريبًا (6). [قصة اختراع النَّقْط وأول من اخترعه]: وتكون هذه التسمية حدثْت له بعد ما اخترَع له أبو الأسود (7) النَّقْط الذي
وضعه، "فإِنه لما أقام بالبصرة (1) مُستوطِنًا بعدما كان واليًا بها لابن عباس في خلافة سيدنا علىّ -رضوان الله عليهم- إِلى أن تولَّى زياد بن أبِيه (2) إِمارة العِراقَيْن أيام معاوية (3)، وكانت العرب قد خالطت الأعاجم وتغيّرت ألسنتهم، وكان الدُّؤلى (4) لا يُخرِج إِلى أَحدٍ شيئًا مما أخذه من علم العربية عن الإِمام - رضي الله عنه - وكَرَّم الله وجهه - حتى أمره زِياد بتعليم أولاده بالبصرة، ثم بعث إِليه أنِ اعمل شيئًا يكون إِمامًا تَنتفِع به الناس، وتعْرِب كتابَ الله. فاستعفاه من ذلك إِلى أن سمع قارئًا يقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3].بكسر اللام، فقال: ما ظننتُ أن أَمْر الناسِ صار إِلى هذا. فرجع إلى زِياد وقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير، فليَبْغنى الأميرُ كاتبًا لَقنًا لَبِقًا (5) يعقل ما أقول. فأتى بكاتب من عبد القَيْس، فلَم يَرْضَه، فأتى بآخر -قال أبو العباس: أحسبه منهم- فقال أبو الأسود: إِذا رأيتَنى قد فَتحتُ فَمِى بالحرف فانقط نُقطةً على أعلاه. وإن ضَمَمْتُ فمى فانقط نقطة بين يَدَى الحرف. وإنْ كسرتُ فمى فاجعل النقطة تحت الحرف. فإِن أَتبعتُ لك شيئًا من غنَّةٍ فاجعل مكان النقطة نقطتين. ففعل ذلك. فهذا نَقْط أبى الأسود" اهـ. هكذا نقلته من (شرح) المُطَّرِزِى (6) على المقامة الأخيرة من (مقامات) الحريرى (7) من عند قوله: "أنه أقام بالبصرة مُستوطنًا. . . إِلخ" (8). ورأيت مثله في ترجمته في حرف الظاء من (ابن خَلِّكَان) (9).
[أقسام الشكل]
قلت: فهذا النَّقْط الذي وضعه علامات أنواع الحركات الثلاث والتنوين. ولعلهم أخذوا من قوله: (فتحت فمى .. وكسرت .. وضممت) تسميتَها بالضمة والفتحة والكسرة في الحركات الحشْوية وحركات الآخِر البنائية. وأما الحركات الإِعرابية فلها أسماء أخرى. وقد جمع التسميتين بعضُهم في قوله: قَدْ فتحتْ بابَ الرِّضَى بَعْدَ هَجْرها ... شقيقةُ بَدْرُ التَّمِّ فانْجبرَ الكَسْرُ فأسْكَنتْ بَعْدَ الضَّمِّ ما قَدْ نَصَبتْهُ ... فقُلتُ ارْفَعِى جَزْمًا فَقَدْ طَابَ لِيَ الجرُّ (1) وأما بقية الشَّكْل غير التنوين فلا يُستفاد من ذلك أنه من وَضْعِه. ولم أَطَّلِع على ما يدل على تمام الوضع، فلعل الحجَّاجَ (2) وأتباعَه هم الذين كمَّلوا بقية الشَّكْل، كالشَّدَّة والمدَّة والقِطعة والصِلَة عندما نَقَطُوا الأزواجَ والأَفْرادَ في المصحف. [أقسام الشكل]: والحاصل أن الشَّكْل جميعه ينقسم إِلى عامٍ وخاص. 1 - فالعام هو دَوَال الحركات الثلاث والسكون والتشديد، فيجرى ذلك في جميع الحروف حتى الهمزة، سواء كان الحرف أَوَّلًا أو حَشْوًا أو طَرْفًا، إِلا أن الأخيريْن -أعنى السُّكون والشَّدَّة- لا يكونان في الابتداء، لِمَا هو معلوم أن الابتداء بالساكن مرفوض في العربية.
لكنَّ تشديد الهمز نادر الاستعمال، مثل "التَّذَؤُّب" و"رِئِّيس" (كـ (قِسِّيس") و"سَاَّل" (كـ"شَحَّات") وَزْنًا ومعنى. و"رأس" بوزن "جَبَّار". 2 - وأما الخاص فهو ما يختص بالحرف الأخير من الكلمة، وهو التنوين أو يختص بالهمزة والألف، وهو ثلاثة أشكال: أولها: القِطْعة، وهي صورة رأس عَيْن، تُوضع فوق همزة القطع التي شَبَّه الشاعر قلبه بها في قوله: قَلْبِى على قَدّك الممْشُوقِ بالهَيفِ ... طَيْرٌ على الغُصْنِ أَوْ هَمْزٌ على أَلِفِ كما في أول (الرَّيْحانة) للشهاب الخَفَاجى (1). أو تُوضع على الياء أو الواو المصوَّرتَيْن بدلًا عن الألف المهموزة، أو في موضع همزة محذوفة الصورة، مثل "جاء". والثانى: الصِّلة، وهي رأس صاد صغيرة توضع على رأس ألف الوصل، دلالة على أنها ليست ألف قَطع. والثالث: المدَّة، وهي كشيدة -أي سَحْبة في آخرها ارتفاع كالسنان المقوَّم- تُوضع على همزة ممدودة، للدلالة على أن بعد الهمزة ألفًا محذوفة خَطًّا، موجودة لفظًا، مثل "آبَ" (أي: رَجَعَ) و"آتَى" (كـ"أَعْطَى" وَزْنًا ومعنىً)، و"مَآلٌ" و"مَآبٌ". ولا تكون على الحرف الأخير، بل في الأول أو الحشْو، فلا تُوضع على الألف التي تليها همزة محذوفة مثل "ماء" و"جَاء". ولا على الألف التي تليها مَدَّة تُرسم ياءً مثل "مَلأْى" و"السُّوءَى".
[أحوال الشدة]
ولا على نحو "وُضُوء". والنُّسَّاخ يَضعُونها في ذلك جميعه على حَدِّ سواء، ولا يفرقون، بخلاف المطبعة؛ فإِن فيها فَرْقًا بين ذلك وتخصيص المدَّة بالهمزة التي يليها مَدٌّ دون الألف التي يليها الهمز، فافهم الفرق. [أحوال الشَّدَّة]: ثمَّ إِن الشَّدَّة تارة تكون بدلًا عن تكرار الحرف المضعَّف الذي يُرسم عند العَرُوضيين في التقطيع بحرفيْن. وتارةً تكون لإِدغام الحرف السابق فيما بعده الذي عليه الشَّدَّة من كلمة أُخرى، مثل الحروف الأربعة عشر الواقعة بعد اللام الشمسية، أو الراء الواقعة بعد اللام الساكنة في القرآن، مثل {كَلَّا بَلْ رَانَ} [المطففين: 14]. وقد يجتمع على الألف ثلاث شكلات: القِطعة والشَّدَّة والمدَّة؛ وذلك في نحو: "سأل" بوزن "شحَّات" وبمعناه، فيُستثقل ذلك، ويُقتصر على الشَّدَّة والمدَّة. وقد يجتمع اثنان، وذلك في نحو "رِئِّيس" (بوزن "قِسِّيس") و"التَّفَؤُّد" (بوزن "التَّعَوُّذ"). وهذا من النوادر كما سبقت الإِشارة لذلك في فصل الهمزة (1). (تنبيه): إِذا كان الحرف المشدَّد مكسورًا ذلك في وضع الخَفْضَة تحت الشَّدَّة طريقان: إِمَّا تضعها تحت الحرف، وهو أحسن، أَخْذًا من قول الدُّؤَلى المتقدم (2). وإمَّا تضعها فوق الحرف وتحت الشدَّة.
* [طريقة المغاربة في وضع الحركات مع الشدة]
* [طريقة المغاربة في وضع الحركات مع الشَّدَّة]: وهذه الطريقة الثانية للمشارقة فقط المكسور. وهي طريقة المغاربة في المفتوح والمضموم؛ يجعلون الفتحة والضمة فوق الحرف وتحت الشدة، فيكون شكل المفتوح عندهم على صورة شَكْل المكسور عندنا على الطريقة الثانية، فتنبَّهْ لهذا لئلَّا ترى مثل ذلك في كتابتهم وشَكْلهم فتظنه مكسورًا مع أنه مفتوح. كما أن شكل الشَّدَّة عند أكثرهم مُنكَّسة، وليست على صورة أسنان السين كما هى عندنا. * [الحركات المتولدة بين حركتين (الإِمالة)]: ومن المعلوم أن أشكال الحركات منحصرةٌ في ثلاث. وأما الحركات لفظًا فلا تنحصر في ذلك، فإِن لهم حركاتٍ أخرى متولدة بين حركتيْن، ويُقال لها: "بَيْنَ بَيْنَ"؛ أي: بين الفتحة والضمة، كما يُنطق بها في نحو "القول" و"الخُوخ" و"الجوخ". أو بين الفتحة والكسرة كما في "الصّيت"، مع أن الصواب كسر الصاد. وهذه الأخيرة هى التي عَقَدوا لها في النحو باب "الإِمالة". ولكن لم يضعوا لها شَكْلًا. غير أن بعض شُرَّاح (الصحيحين) قال في حديث: "إِمَّا لا فَاصْبروا" و"إِمَّا لا فَلَا تَتَبَايَعُوا" (1) أَنه بإِمالة اللام إِلى الكسرة. ولا تُكتب ياء، بل يُوضع فوق اللام شَكْلة منحرفة علامة الإِمالة. * [علامات الحركات عند غير العرب]: وأما غير العرب فلهم علامات لباقى الحركات السبع عندهم. ولهذا قال الفخر الرازى (2) في المسئلة [8] من الباب [6] من القِسْم الأول من مقدمة
(تفسيره الكبير) ما نصه: "لَمَّا كان المرجع بالحركة والسكون في هذا الباب إِلى أصوات مخصوصة لم يجب القطعُ بانحصار الحركات في العدد المذكور. قال ابن جِنّى (1): اسم المِفْتاح بالفارسية -وهو كليد- لا يُعرف أن أوله متحرك أو ساكن. قال: وحدثنى أبو على -يعني الفارسي (2) - قال: دخلت بلدةً فسمعت أهلها ينطقون بفتحة غريبة لم أسمعها قبل، فتعجبت منها، وأقمت بها أيامًا، فتكلمت بها، فلما فارقت تلك البلدة نسيتها" انتهى (3). وبمثله يقول الفقير: وقع لي نظير ذلك لما أقمت مُدّةً في مدينة باريس، ثم رجعت بحمد الله سالمًا (4). فإِن قيل: قد جعلوا في العربية رموزًا بحروف صغيرة وأشكال أخرى غير الحركات الثلاث ذكرها الأشمونى في (باب الوقف) (5).
[التفريق بين النقط والشكل بعد عصر الحجاج بن يوسف الثقفى]
قلت: نَعَمْ، إِلا أنها خاصة بالحرف الموقوف عليه لتدل على تشديده أو تخفيفه، أو حركة النقل أو الإِشْمام، ومع ذلك فهي مهجورة الاستعمال. ومثلها الرموز التي كانوا يضعونها في المصاحف علامات للتجويد والوقوف، فليست مما يُستعمل في كتب العلوم العامة. [التفريق بين النقط والشكل بعد عصر الحجاج بن يوسف الثقفى]: وذكر ابن خَلِّكان (1) في ترجمة الحجَّاج (2) ما حكاه أبو أحمد العسكري (3) في كتاب (التصحيف) أن الناس غبروا (4) يَقْرءُون في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه نَيِّفًا وأربعين سنة إِلىَ أيام عبد الملك بن (5)، ثم كَثُر التصحيف، وانتشر بالعراق، ففزع الحجاج بن يوسف (6) إِلى كُتَّابه، فسألهم أن يضعوا علاماتٍ لهذه الحروف المشْتَبَهة، فيُقال: إِن نصر بن عاصم (7) قام بذلك، فوضع النَّقْط أَفرادًا وأَزواجًا، وخالف بين أماكنها،
فغبر (1) الناس بذلك لا يكتبون إِلا منقوطًا، فكان مع استعمال النَّقْط يقع التصحيف، فأَحدثوا الإِعجام، فكانوا يتبعون النقط بالإِعجام، وإذا أُغفل الاستقصاء عن الكلمة ولم تُوفَّ حقوقها اعترى التصحيف، فالتمسوا حيلةً فلم يَقْدروا فيها إِلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتَّلْقين انتهى كلام ابن خَلِّكان (2). فانظر في التوفيق بينه وبين ما سبق عن المُطرِّزِى في حق الدُّؤَلى مما نقله عن ابن خَلِّكان أيضًا (3). هذا، ولما قال البيْضاوِى (4) في قوله تعالى {اهْبِطُوا مِصْرًا} [البقرة: 61]: "إِنه غير مُنَوَّن" (5): قال الشّهاب عليه: "معنى قوله (غير مُنَوَّن) أي غير مكتوب بعد الراء ألف، فلا يُرد أن الشَّكْل حدث بعد العصر الأول" (6) اهـ. ورأيت في الصفحة [22] من (خطط المقريزى) أن {مِصْرًا} بالتنوين في خط المصاحف، إِلا ما حُكِىَ عن بعض مصاحف عثمان. ثم قال: "وكذا في مصحف أُبّىّ بن كَعْب غير مُنَوَّنة" (7) اهـ.
* [التمييز بين المنقوط وغير المنقوط من حروف الهجاء]
قال ابن خَلِّكان (1) في ترجمة الخليل بن أحمد (2) مُخْترِع فن العَرُوض أنه أول من صنَّف كتابًا في الشَّكْل (3). فتَحصّل من هذا أن النَّقْط والإعجام يستعملان بمعنيين: أولهما: النقط المعروف الممّيز بين المعجَم والمهْمَل الذي يُسمَّى أيضًا بالمُغْفَل وبالمُبْهَم كما في (الدُّرَّة) (4) وغيرها. وثانيهما: الشَّكْل. * [التمييز بين المنقوط وغير المنقوط من حروف الهجاء]: ثُمَّ مِن البَيِّن أن المنقوط من حروف الهجاء خمسة عشر حرفًا، والباقى غير منقوط. وليس كل منقوط يُوصف بلفظ "المعجم"، ولا كل متروك النقط يوصف "بالمهْمَل" أو "المُغْفَل"، وإنما الوصف بأحد الوصفين يكون في الحرفين المشتركين في الصورة الخطية، كـ"الحاء" و"الخاء". و"الدال" و"الذال". و"السين" و"الشين". . . إِلخ فيُوصف المنقوط بالمعجم، والمتروك بالمهمل. وهذا تمييز لفظى. وكانوا يُميِّزون المهمل تمييزًا خَطِيَّا؛ بوضْع النُّقَّط تحته التي توضع فوق شريكه المعجم لِتَحقُّقِ إِهمالِه وتعيُّنِه، سوى "الحاء"، فلا ينقطونها أصلًا، لئلا تُلتبس بالجيم في مثل "الجاسُوس"، وكقوله تعالى حكاية: {فَتَحَسَّسُوا مِنْ
[رأى للمؤلف في نقط المهمل]
يُوسُفَ} [يوسف: 87]، فإِن "التَّجسُّس" لا يكون في الخير، بل في الشر، بخلاف "التحسُّس". وإن كان المعنى قد لايختلف في نحو {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ} [الإسراء: 5]: و {حَاسُوا} كما قُرِىء بهما (1). نَعَمْ، "الباء" وأمثالها لا تُوصف بالمعجم، بل بالموحَّدة، والمثناة الفوقية والتحتية، والمثلَّثة. وكذا "الظاء" يُقال فيها المُشَالة. و"الضاد" الساقطة. [رأى للمؤلف في نقط المهمل]: يقول الفقير: ظهر لي في نقط المهمل من أسفل منفعةٌ جليلة في الكلمات التي تَرِد في اللغة وفي بعض الأحاديث بوجْهَىِ الإِعجام والإِهمال، كـ"التَّشْميت، والتَّسْمِيت" (2) فتُنقط من فوق دليلًا على إِعجامها، ومن تحت للدلالة على الإِهمال، إِشارةً إِلى أن في الحرف وجهيْن. فاحفظ هذا ينفعْك في الكلمات التي عَقَدَ لها في (المزْهر) ترجمةً مستقلة فيما جاء بوجهين، كـ"الحَضَب، والحَصَب" (3)، و"المصْمصَة والمضْمضة" (4) و"هِمْيَع، وهمْيَغ" (5) (للموت السريع)، وغير ذلك مما
[أحوال نقط هاء التأنيث]
ذكره في النوع [37] منه (1). ونظير هذا ما يفعله فضلاء المتقدمين من شَكْل الحرف بشكلين مختلفين إِذا كان فيه وجهان أو أكثر، ويكتبون بين السطور (معًا). [أحوال نَقْط هاء التأنيث]: وأما النقط فتارة يجب عند خَوْف اللبس في مثل "هاء" التأنيث في نحو "مِائة"، فإِنها إذا لم تُنقط هاؤها ربما التبس في بعض التراكيب لفظها بـ"مَاء" مُضافًا للضمير. وتارة يجوز فيها الأمران إِذا لم يخف اللبس. وتارة يمتنع نقطها إِذا وقعت في سَجْع أو قافية على الهاء الساكنة، وإن كانوا لا يعدونها رَوِيًا، كما سبق ذلك مفصلًا في فصلها (2). فهي إِذَنْ على ثلاثة أقسام. ومع كونها تُنقط وجوبًا أو جوازًا فقد عَدَّها الحريرى (3) من المهمل في خطبة المقامة [28] السَّمَرْقَنْدِيَّة (4)، نظرًا لصورتها الخطية، تَبعًا للوقف عليها, لِمَا تقدَّم غير مرة أنَّ مَبْنى كتابة الحرف الأخير على تقدير الوقف (5)، حتى إِنهم حسبوها في العدد بخمسة في أبيات التواريخ المعمولة بحروف
[نقط الياء المتطرفة]
الجُمل. وجرى على هذا أستاذنا البَكْرِى (1) في (شرحه) لـ (الوَرْد السِّحْرِى) حيث قال: "إِن اسمه تعالى (قَوِىّ) عدده [116] يوافق عدد (القَهْوة) " وكذلك الخير الرملى (2) كتب في آخر (الفتاوى الخيرية) أنه سُئل عن الهاء المذكورة هل تُعُّد في عمل التاريخ المبنى على الجُمل "هاءً" بخمسة، أو "تاءً" بأربعمائة؟ فأجاب بمثل ما قلنا، وأطال القول فيها بجلب النصوص عن الحافظ السيوطي (3) وعن أئمة القراآت وغيرهم، ثم قال آخرًا: "إِن هذا بحسب الاصطلاح، فلا مانع من العمل بكّلٍ" (4). وقال في النُّقاية: "الهاء تُنقط إِلا عند الأدباء، ومنهم الحريرى" (5) اهـ. [نقط الياء المتطرفة]: وبعكسها "الياء" المتطرفة قد عَدَّها الحريرى (6) في المقامة [47] "الحَلبيَّة" من المنقوط، مع أنها لا تُنقط (7)، بل إِنه في المقامة [26] "الرَّقْطاء" عَدَّ
[أحوال الياء بين النقط وعدمه]
"الياء" المصَّورة في الخط بدلًا عن الهمزة في نحو "نائِل" و"يُلائِم" و"حبائه" من المنقوط (1)، مع أنه لا يجوز نقطها وإبدالها ياءً محضة إِلا في حالتين على ما يأتى (2). وكذا عَدَّ "الياء" المتطرفة أيضًا من المنقوط، مع أنهم عَدُّوها من الحروف التي لا تُنقط إِذا انفردت أو تطرفتْ، وهي أربعة: الفاء والقاف والنون والياء، يجمعها كلمة "يُنْفق". فالياء لا تُنقط، سواء كانت ياءً حقيقية، أو صُورة؛ بأن كانت بدلًا عن همزة (في نحو: "بَرِى" و"بارِى" و"يَسْتَهْزِى") أو بدلًا عن ألف مقصورة (في مثل: "رَمَى"، "الفتى"، و"لا يَخْشى" و"حَتَّى" و"عَلَى" و"إِلي" و"بَلَى"). وفي جميع ذلك تُعدُّ في الجُمل بعشرة، نظرًا لصورتها خَطًّا، وإن نطق بها همزة أو الفًا، سواء جاز نقطُها (كما في بعض صور المبْدَلة عن الهمز المتوسطة)، أو لم يجزْ (كما في البعض الآخر)، أو كانت ألفًا. ويدل لهذا قول شيخ مشايخنا العلامة الشَّرْقاوى (3) في (شرحه) لـ (الوَرد) المتقدم (4): "إِن اسمه تعالى "قَوِىّ" [116] يوافق من كان اسمُه "مُوسى" أو "مُوَيْس". وإنما جاز إِهمال الحروف المذكورة من النَّقْط لأن النقط جُعِل لمنع اشتباه المتشاركين في صورة واحدة. وهذه الحروف الأربعة (5) لا يشاركها غيرها إِذا انفردت أو تَطرَّفَتْ. [أحوال الياء بين النقط وعدمه]: وقد عُلِم من هذا ومما سبق في التنبيهات أن "الياء" عن حيث النقط وعدمه على ثلاثة أقسام كهاء التأنيث (6):
القسم الأول
ما يجب إِهمالها. وما يجب نقطها. وما يجوز فيها الأمران. فالقسم الأول: هى المتطرفة الواقعة بدلًا عن الألف، نحو "حَتَّى الفَتَى قَدْ وَفَى" وكذا "إِلى" و"عَلَى" و"مَتَى" و"بَلَى" و"عَسَى" و"لَدَى". وكذا المتوسطة المصوَّرة بدلًا عن همزة. ولا يجوز إِبدالها ياءً محضة، سواء كانت الهمزة: 1 - أصلية كـ"جَائِر" (اسم فاعل من جَأَر يَجْأَرُ جُؤَارًا، بمعنى: صَاح وتَضَرَّع) ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]. 2 - أو كانت منقلبة عن واو كـ "جَائِر" (اسم فاعل من جَار يَجُورُ جَوْرًا: إِذا مال عن طريق العدل والقَصْد) وكذا "قَائِل" (اسم فاعل من القَوْل) و"بَائِع" (من: مَدَّ الباعَ). 3 - أو كانت منقلبة عن ياء، كـ"قَائِل" (اسم فاعل من: قَالَ يَقيلُ قَيْلُولَة)، وكـ"بَائع" (من البَيْع). 4 - أو كانت الهمزة في جمع على "فَعَائِل" بدلًا عن مدٍّ زائدٍ في مفرده، ألفًا كانت أو ياءً، كـ"شَمَائِل" (جمع شِمال) وكـ"قلائِد" (جمع قِلادة) و"قَصَائِد" (جمع قَصِيدة) و"ظَعَائن" (جمع ظَعِيَنة). أو كانت (1) في جمع على "مَفَاعِل" وكانت العين همزة، كـ"مَسَائِل" (جمع مَسْئَلة)، بخلاف ما إِذا كانت العين ياءً مثل "مَسَايل" (جمع مَسيِل)، وكذا ما أَشْبَهَه من "مَعَايش" و"مَضَايق". ففى جميع ما تقدم لا تُنقط الياء المصوَّرة بدلًا عن الهمز كما صرح بذلك
الأشمونى (1) في باب الإِبدال، حيث قال: "التنبيه الثالث: يكتب نحو "قَائِل" و"بَائِع" بالياء على حُكْم التخفيف؛ لأن قياس الهمزة في ذلك أن تُسهَّل بين الهمزة والياء، فلذلك كُتبت ياءً. وأما إِبدال الهمزة في ذلك ياءً محضة فنصُّوا على أنه لَحْن .. ولو جاز تصحيح الياء في "بَائِع" لجاز تصحيح الواو في "قَائِل". ومن ثمَّ امتنع نقط الياء من "قَائِل" و"بائِع". قال المطرّزِى (2): نقط الياء من "قَائِل" و"بَائِع" عامىّ قال: ومرَّ بي في بعض تصانيف أبى الفتح بن جِنّى أن أبا على الفارسي (3) دخل على واحد من المتَسَمّين بالعِلْم، فإِذا بين يَدَيْه جزءٌ مكتوب فيه "قَائل" -بنُقْطتيْن من تحت- فقال أبو على لذلك الشيخ: هذا خَطُّ مَنْ؟! فقال: خَطِّى. فالتفت لصاحبه وقال: قد أضعنا خُطُواتِنا في زيارة مثله. وخرج من ساعته اهـ كلامه (4). وسبقت الإِشارة لذلك في الفائدة الرابعة (5). ومثله يُقال في كل جَمْع على "فَعَائِل"، نحو "شَعَائِر" و"عَشَائِر"، فنقْطُها خَطأ قبيح كما في (الأشمونى) أيضًا، فإِنه في شرح قول (الخلاصة): والمدُّ زِيَد ثَالثًا في الواحِدِ ... هَمْزًا يُرَى في مِثْل كَالقَلائِدِ قال: "وحُكْمُ هذه الهمزة في كتابتها ياءً وَمنْعُ النَّقْط كما سبق في "قَائِل" و"بائِع" (6) اهـ. أي: فلا تُنقط، وإنما تُوضع القِطْعة الدالة على الهمز فوق الياء كما هو الكثير، أو تحتها، كما في (الكُلّيات) (7).
القسم الثاني
إِلا أن الكفوى (1) سَهَا في أول صفحة [332] حيث قال: ("قَائِل" يُكتب بالهمز، و"بائِع" بالياء، فَرْقًا بين الواوِى واليائى) اهـ. وقد قال في (المغنى): "الفقهاء يلحنون في قولهم "بايع" بالياء" اهـ (2). وكذلك الفقراء الذين يذكرون ويقولون "يا دَايِم، يا دَايِم". نَعَمْ، إِذا كان اسم الفاعل من "فَعِلَ" صحت فيه الياء ولم تُعلّ يُكتب بالياء المحضة، مثل "عَيِن" -بكسر الياء- فهو "عَايِن" كما في (الأشمونى) (3). قلت: وكذا إِذا كان الاسم الذي على وزن "فَاعِل" غير عَربِىّ مثل "دَايِش" (من أعلام النصارى) كما في (القاموس) (4)، لأنه لا يُعرف أصله ولا اشتقاقه. القسم الثاني: ما يجب نقطها ولا يجوز همزها، وهي الواقعة في الجموع التي على وزن "مَفَاعِل" أو "أَفَاعِل" المعتلة العين، مثل "مَعَايِش" و"مَشَايِخ" و"مَخَايِل" و"مَضَايِق" و"مَنَايِر" و"مَسَايِل" (جمع مَسِيل) و"مَكَايِد" و"مَصَايِد" و"مصاير". إِلا "مَصَائِب"، فإِنه صح بالهمز سماعًا، وكان قياسه بالواو. ومما جاء على "أَفَاعِل": "أَطَايِب" و"أَخَايِر". فكل ما كان على هذين الوزنيْن يجب فيه التصريح بالياء ونقطها. ومثل ذلك الياآت التي في "المُفَاعَلة"، نحو (سَايَرَهُ مُسَايَرةً فهو مُسَايِر)، و (عَايَنَهُ يُعَايِنُه مُعَايَنةً، فهو مُعَايِن). وقد يُقال بمثله في (لأَمَه يُلائِمُه ملاءمة فهو مُلائِم، فقد نقل شارح
القسم الثالث
(القاموس) (1) في حديث أَبي ذَرٍّ (2): "مَن لا يَمَكُمْ -أي وافقكم- من مَمْلُوكِيكُمْ فَأطْعِمُوه مما تَأْكُلُون" (3)، هكذا يُروى بالياء منقلبة عن الهمزة، وهو جائز ثم نقل عن الَجْوهِرى (4) ما يُستفاد منه تصحيح قول الملوى (5) في (شرح السَّمْرقَنْدِيّة): "المُلَايمَة -بفتح الياء .. إِلخ" (6)، وإنْ توقَّف فيه بعضُهم. والقسم الثالث: ما يجوز فيها الأمران، وهي المهموزة الواقعة بعد كسرة، سواء كانت هى ساكنة كـ"بِئْرٌ" و"ذِئْبٌ" أو مفتوحة مثل "فِئَةٌ" و"رِئَةٌ" و"مِائَةٌ"، فأنت بالخيار بين همزها ونَقْطها, لجواز قَلْبها، ياءً مَحْضَة كما قلبها ابن مالك (7) في "الخلاصة" بقوله:
[كيفية كتابة الحروف الدخيلة في لغة العرب]
* أَحْرُف الإبْدَالِ هَدَأْتَ مَوطِيَا* (1) أقول: وقياس تجويزهم شكل الحرف المثلَّث بالحركات الثلاث أنه يجوز الجمع بين الهمز والنّقْط، نظرًا للوجهيْن: التحقيق والإِبدال. [كيفية كتابة الحروف الدخيلة في لغة العرب]: (فائدة): بين المشارقة والمغاربة مخالفة في نَقْط الفاء والقاف، فالمغاربة ينقطون "الفاء" بواحدة من تحت، و"القاف" واحدة من فوق. وبين العرب والعجم مخالفة في أربعة أحرف زادها العجم وهي: الباء والجيم والزاى والكاف. ينقطون "الباء" و"الجيم" بثلاث من تحتهما، لمخالفة مَخْرَجَيْهِمَا في لسان العجم لِمَخْرَجِيْهِمَا في لسان العرب، فالباء العربية يكون مخرجها بين "الباء" العربية و"الفاء" مثل "الشَّلَوْبِين" من علماء الأندلس (2)، و"البولاد"، فتارة يقال بالباء العربية، وتارة بالفاء، لأنها بين مخرجيهما، ومن ذلك "بَسَا" (3) التي منها أبو على الفارسي (4)، فإِنهم يقولون: "أبو على البَسَوِى" وتارة "الفَسَوِى". والاعتذار عنهم -أي الكُتَّاب- لم يصطلحوا على طريقة في تصوير الحروف الدخيلة في لغة العرب من غير لغتهم. وقد جعل لذلك ابن
خلدون (1). طريقةً في "مقدمة" تاريخه للأسماء التي أدخلها فيه مثل " بُلُكِّين" (2) بالكاف القريبة من القاف. والذي يستحسنه الفقير أن يُتّبع فيها ما يكتب عند أهلها بتعداد نَقْطها، تنبيهًا على أنها دخيلة، ويُلفظ بهَا كنطق أهلها. وأما "الزاى" فينطقونها بثلاث من فوق، لمغايرة مَخْرجها لمخرج العربية، فمن ذلك: "تَوّز" (3) -اسم بلدة بالعجم، منها الإِمام التَّوَّزى اللُّغَوِى (4) - تارة تجده في "المزْهِر" مكتوبًا بالزاى، وتارة بالجيم، فيقول: الإِمام التُّوَّجى لعدم وجود المخرج بين المخرجين في العربية (5). وكذلك "الكاف" العجمية تنطق مثل "جيم" العَوَامّ بمصر، وهي مستعملة في لغة اليمن، يقولون "الجَعْبَة" في "الكَعْبة" كما في "المزْهِر". كما يُنطق بالكاف الفارسية في "الكُلَّنَار" الذي عَّربته العرب "بالجُلَّنَار"، وكالكاف في كلمة "الإِنِكِليز" و"الفَرَنك" و"الكلستان" و"الكُلَّاج" "الذي يقال فيه: "الجُلَّاش".
وليست هى "القاف المعقودة وإن ادعى مُحشِّى"القاموس" أنها هى (1). -كما يؤُخذ من كلام ابن خلدون (2) - فإِن الذي يفهم من كلام الشيخ الأكبر (3) أن "القاف" المعقودة هى "القاف" الحقيقية، وأن التي بَيْنَ بَيْنَ هى
غير المعقودة التي ذكرها الفقهاء في قولهم في شروط الفاتحة: "لو نطق بالقاف مترددة بين القاف والكاف أو الجيم .. إِلخ" وعبارة "الفتوحات المكية" في الصفحة "752" من الباب "295" من الجزء الثاني: "وأما القاف التي هى غير معقودة ما هى كافٌ خالصة، ولا قافٌ خالصة، ولهذا ينكرها أهل اللسان، فأما شيوخنا في القراءة فإِنهم لا يعقدون القاف، ويزعمون أنهم هكذا أخذوها عن شيوخهم، وشيوخهم عن شيوخهم في الأداء، إِلى أن وصلوا إِلى العرب أهل ذلك اللسان، وهم الصحابة إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كل ذلك أداء، وأما العرب الذين لقيناهم ممن بَقِىَ على لسانه ما تغير -كبنى فَهْم- فإِنى رأيتهم يَعْقِدون القاف، وهكذا جميع العرب. فما أدرى من أين دخل على أصحابنا ببلاد المغرب تركُ عَقْدِها في القرآن؟ " انتهى كلام الشيخ الأكبر في الفتوحات (1).
تتمة الكتاب
تتمة الكتاب [ترتيب الحروف الهجائية على الطريقة الأبجدية]: قولهم (الحروف الهجائية التي أولها الألف وأخرها الياء) فيه إيماءٌ إِلى اختيارهم ترتيبها على هذا الوضع، وترجيحه عن ترتيبها على طريقة "أَبَجَدْ" -بفتح الباء- ويقال "أَباجَاد" كصيغة الكُنْية كما في "حاشية القاموس" (1). ومنه قول الشاطبى (2) جَعَلْتُ أَبا جَادٍ عَلَى كُلّ قَارِئٍ ... دَليلًا عَلَى المنظومِ أَوَّلَ أَوَّلا (3) لِمَا نقله المحشِّى (4) عن كتاب البَلَوِى الأندلسى (5) المسمِّى (أَلِف با) من أنه "يُكره لمعلم الصبيان أن يعلمهم أَباجاد". قال: لأنها أسماء شياطين
أَلْقَوها على ألسنة العرب في الجاهلية، وصرح به سَحْنُون (1) وغيره من أصحابنا المالكية، وروى عن ابن عباس (2) أنه سُئل عن قومٍ ينظرون في النجوم يكتبون "أَباجَاد" فقال: أولئك قومٌ لا خَلَاقَ لهم. . . إِلى أن قال: وعندى في ذلك نَظَرٌ، لأنه لم يَثْبُتْ عنه عليه السلام من طريق صحيح أو حسن -بل ولا ضعيف- يعتدُّ به، وإنما قال سَحْنُون (3): سمعت حَفْص بن غِيَاث (4) يحدث أن "أَباجَاد" أسماء شياطين، وقال محمَّد: سمعت بعض أهل العِلْم يقول: إِنها أسماء ولد "سَابُور" مَلِك فارس؛ أَمَرَ مَن كان في طاعته من العرب أن يكتبوها، قال: فلا أرى لأحدٍ أن يكتبها، فإِنها حرام" اهـ (5). قال المحشِّى: "وقد أورد بعض أحكامها شيخ شيوخنا العلامة البارع النحوى الجامع أبو بكر الشَّنَوانى (6) في رسالته المعروفة بـ "حِلْيةُ أهل الكَمال بأمثلة
الجَلَال" (1)، ثم ذكر المحشِّى الرواية الموافقة لما في "القاموس" (2) و"الخطط المقريزية" (3): "أنهم كانوا ملوك مَدْيَن، وأن رئيسهم "كَلَمُن" وأنهم هَلكَوا يوم الظلة (4)، وأنهم قوم شعيب عليه السلام" ثم قال: "وروى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص (5) وعروة بن الزبير (6) أنهما قالا: أول من وضع الكتاب العربى قوم من الأوائل، نزلوا في عَدْنان بن أد بن أدد" أسماؤهم: "أَبْجَدْ، هَوَّز، حَطّى، كَلَمُن، صَعْفَضْ، قَرَسَت" فوضعوا الكتاب العربى على أسمائهم، ووجدوا حروفًا ستة ليست من أسمائهم -وهي "ثَخَذْ، ظَغَشْ" فسموها الروادف- ويذكر أن عمر بن الخطاب لقى أعرابيًا فقال له: "هل تُحسن أن تقرأ القرآن؟، فقال: نعم. قال: فاقرأ أُمَّ القرآن، فقال: والله ما أُحْسِنُ البنات فكيف الأُمَّ؟. فضربه، ثم أسلمه إِلى الكُتَّاب، فمكث فيه
حينًا، ثم هرب، وأنشأ يقول: أَتَيْتُ مُهاجِرينَ فَعلَّمُونى ... ثلاثةَ أَسْطُرٍ مُتَتَابِعَات كِتَاب الله في رَقٍ صَحيحٍ ... وآياتِ القرآنِ مُفصَّلاتِ فَخَطُّوا لى أَبا جَادٍ وقَالُوا ... تَعَلَّمْ صَعْفَضًا وقرِيساتِ وما أنا والكتابةَ والتَّهَجِى ... وما خطُّ البنينَ مِنَ البَنَاتِ انتهى ما نقلته مختصرًا مما نقله المحشِّى من كتاب "أَلِف با" (1). وهو قد يدل على أنهم كانوا أولًا يُعلِّمون الهجاء على ترتيب أَبجد، وكنت قرأت في بعض الكتب أن الحروف الأبجدية فرع عن السُّريانية، لأنها على ترتيبها، فلعل عدولهم عن تعليمها الصغار -مع كَوْن الجُمل على ترتيبها، والحاجة داعية إِليه في أمور كثيرة، منها الزيج- ليس إِلا لِشُبّهة قامت عندهم، أو للأحاديث الواردة الدالة على أن هذا الترتيب الجاري عليه التعليم هو المتلَقَّى عن صاحب الشريعة المطهرة عليه الصلاة والسلام. ثم إِن ما ذكره المحشِّى في ترتيب الأبجدية من الشعر وغيره إِنما هو على طريقة المغاربة دون ما عليه إِمام المشارقة الغزالي (2) وغيره. وينبنى على اختلاف الطريقتين الاختلاف في أعدادها بالجُمل. والخلاف بينهما في أعداد ستة أحرف، وهي: السين والصاد (المهملتان)، والشين والضاد والظاء والغين (المعجمات). فالسين عندنا بستين، وعندهم بالثلاثمائة التي هى عدد الشين المعجمة
عندنا، وهي عندهم آخر الحروف بالأَلْف الذى هو عدد أَلْفَيْن عندنا، وهي عندهم بالتسعمائة التي هى عدد الظاء عندنا، وهي عندهم بالثمانمائة التي هى عدد الضاد عندنا، وهي عندهم بالتسعين الذى هو عدد الصاد عندنا، وهي عندهم بستين عدد السين التي أبتدأنا بها. ونسأل الله حسن الختام بجاه (1) سيد الكائنات عليه وعلى آله وصحابته وأتباعهم أتم الصلاة والسلام، آمين:
تقريطات للأفاضل الأزهرية على كتاب المطالع النصرية
تقريظات للأفاضل الأزهرية على كتاب المطالع النصرية [تقريظ محمَّد مصطفى العروسى الشافعى (1)] هذه صورة التقريظ الذي كتبه مولانا الأستاذ الملاذ، الذي أوتى من تليد المجد وطارفه ما جذب القلوب إِلى اقتباس أسرار معارفه وعوارفه، حضرة السلالة العروسية أرباب المشيخة الأزهرية: حمدًا لمن رصَّع جواهر الكلمات بنظم لآلى الأحرف العاليات، وزيَّنها بحلية الرَّسْم، فجاءت آياتٌ بينات، ووفَّق من اختاره لإِبداع منهج رسومها واختراع طرق فنونها في ألطف المؤلَّفات. وصلاةً وسلامًا على سر أسرار البلاغة ومبدأ براعة البراءة، وعلى آله وصحبه، الحائزين قَصَبَ السَّبْق في الفصاحة، ومن تبعهم فجمع ما تشتَّت خشية الإِضاعة. وبعد: فقد اطلعتُ على هذه الرسالة الفائقة، فأَلْفَيْتُها لما حَوَتْه من الفنون السابقة، حيث جاءت بحمد الله مما تحارُ فيه العقول، جامعةً لشمل كل معقول ومنقول، كيف لا وهي نتيجة بَنَاتِ أَفْكارِ مَن هو الإِنسانُ، أَوْحدُ أهل العرفان، الأستاذ الكامل والجَهْبذ الفاضل، علَّامة زمانه وفَهَّامة أوانه، الجامعُ لما تشتَّت من الفنون، والمحقق لمحبِّيه فيه الظنون؛ مَن تحلَّى بحلية العلوم والمعارف، وتزيَّن بزينة الغرائب واللطائف، مَن اشْتُقَّ له
اسم من نُصْرة الدين، وانتسب من المدن إِلى "هُوريِن"، زاده الله توفيقًا وكمالًا ورفعةً وإجلالًا، آمين. وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين. كتبه الفقير مصطفى محمَّد العروسى الشافعى (1) عُفي عنه.
[تقريظ للشيخ إبراهيم السقا الأزهرى]
[تقريظ للشيخ إبراهيم السقا الأزهرى (1)] وهذا ما كتبه الإِمام المحقق محلِّى الدروس بجواهر لفظه، ومُحْى النفوس بأسرار وعظه، حضرة قدوة العلماء بالأزهر: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أجرى قلمه بجميع الحظوظ على لَوحه المحفوظ، جلَّ شأنه علَّم بالقلم، علَّم الإِنسانَ ما لم يعلم. والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد الذي لم يذهب إِلى معلِّم ولا كُتّاب، وكان له لكتابة الكِتابِ المنزَّل عليه كُتَّاب، وعلى آله وصحبه الذين ضبطوا الوحى بالكتابة، وجميع التابعين والقرابة. أما بعد: فقد اطَّلعتُ على ("المطالع النَّصْرية" للمطابع المصرية في الأصول الخطية)، فوجدته كتابًا جامعًا للفوائد، واسعًا في الفرائد، يحتاج إِليه العالمون، ويضطّر له المتعلمون، إذْ هو فريد في فَنِّه الفائق، وحيدٌ في جَمْعه للدقائق، فإِنه نَظمٌ شمل المتفرقات بعد التفرق والشتات، تتعين مطالعتُه على مَن يريد التحرِّى والضبط، إذْ لم يقع نظيره في علم الخط، فيا له من كتابٍ قد أَينعتْ أثماره، وسطعت أنواره، فهو حِرْز الأمانى، ورَوْضُ التهانى. كبيرُ النفع، عظيم الجمع، غزير التحقيق، كثير التدقيق، لم يَنْسِجْ ناسجٌ من المتقدمين على منواله، ولم يسمح ولا يسمح الدهر بمثاله. لله دَرُّ مُؤَلفٍ ... ومُفرِّقٍ للمشْتَبَهِ وَرَدَ الموارِدَ كلَّها ... متلطِّفًا في مَشْرَبهِ
إِيَّاك يا هذا تحل ... مُتَجنِّبًا عن مَذْهَبِهِ فَتَمسَّكَنَّ بغَرْزِهِ ... لِتكونَ أنت المنتبه نفعنا الله به وبعلومه، وأعاد علينا من أنوار وأسرار منطوقه ومفهومه بجاه نبيه النبي الأعظم أبى القاسم - صلى الله عليه وسلم - (1) حقَّ قَدْرِه ومقدارِه، فهو الفاتح الخاتم. كتبه الفقير إِبراهيم السَّقَّا بالأزهر (2) عفا الله عنه.
[تقريظ الأديب الشاعر أحمد عبد الرحيم الطهطاوى]
[تقريظ الأديب الشاعر أحمد عبد الرحيم الطهطاوى] وهذه صورة ما كتبه الأديب الأريب السيد أحمد عبد الرحيم الطهطاوى (1). عمدة مدرسى المدرسة السعيدية بالقلعة العامرة، دامت بدوام سلطانها زاهية زاهرة. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله جاء نصره سبحانه بحمدِهْ، على رسم ما في الكتاب وحَدِّهْ. والصلاة والسلام على سر {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1 - 2]، وعلى آله وصحبه، ناصرى السنة بِخَطيَّةِ اليراع والأَسِنَّة، ما بان هلال الطوالع من بين خلال المطالع. أما بعد: فالوقوف على معنى هذا الكتاب للكُتَّاب أشهى من وقوف المُعَنِّى على العتاب للعُتَّاب، وترويحٌ بِعُلا حلاه أَبْهى من تسريح الطَّرْف في ظُرف مَن تهواه، ولَعَمْرَى إِن موصول حروفه لدى الفريد أبهج من الوصل، ومفصولها في العميد أَلْهج من كلمة الفصل. ألا ترى همزاته والسين والميم والنون واللام، جاءت لمعَانٍ في الحاجب والفم والطُّرَّة (2)
والعِذَار (1) والقوام، فإِذا حاولتْ الأَفكار منه الأبكار، وهاتيك الأسرار من وراء الأستار -لا كمحاولة عِنين هو على الغيب ظنين- ظهر لها دقيق معناه من خلف دقيق مبناه ظهور النّوْر في الربيع والأزهار، ونُور الشمس في رابعة النهار. ومُذ نزَّهتُ لُبّى فيه سفَّهْت قلبى إِذْ كان غير مُوافيه، فألفيته لا عَيْبَ فيه، سوى أنه تَطرُبُ من معانيه الطِّباع، وتشرب من سلاقة سلاسة مبانيه الأَسماع. طَرقَتْ بخيرٍ مَسْمَعَىَّ فقَرَّطَتْ ... أُذُنىَّ دُرًّا مِن حَباب الكأسِ وأنه مُغْرىً بشكوى الحسَّاد ... فقلتُ له إِنَّ ربَّك بالمِرْصاِد الله أكبر فمن المغتر {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، فيأيها الكتاب لا تخف ولا تحزن إِنك ازدريتَ كُلَّ مؤلف {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] وألَّف. إنْ عَابَهُ شانئُهُ فَمنْ حَسَدٍ ... كغادةٍ عابها ضَرائِرُها فما مِنَ البَدْرِ ذُمَّ ساطِعُه ... ولا من الشَّمسِ عِيبَ سافِرُها فالأديب من غاص لتمينه لا لاستسمانه فريسه، والأريب من يُذِلّ لإِنشاد ضالة العلم فيه نَفْسَه ونَفيسَه، وجَدَّ إِليه من كل جانب وإن زعموا أنهم على هذا الخير حاجب. وَيْحَ قوم جادوا ببذل نفوس ... ونفيس في المجد لا مُعْتَبِينا فتراهم من كل فجٍّ رجالًا ... وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينا إِذْ من المعلوم أن حفظ العلوم بحفظ قواعده وفرائده وشواهده
وشوارده، فما فُضِّلَ الخط قط كل من خَطَّ وقط، بل من العالم أَغْلى بين العالم وأعلى، فكم لله جلت أفعاله من نعمة لا يحصر شكْرَها بابُ الكلام في كَلِمه. ولا ريب أن هذا المؤلف من الآلآء على كل مصنف، فاض العَذَارَى الحسان، ولاسيما من مخدّرات اللسان، جامع أشتاته ومرجع رفاته، لا زال فينا وهو نصر لدولة فرائده الجوهرية، ذابّ جموع المعنتين عنها بأقلامه السّمْهرية، بجاه المصطفى وآله الكرام عليهم أكمل الصلاة والسلام (1).
[تقريظ الشيخ حسن البردى الشافعى]
[تقريظ الشيخ حسن البردى الشافعى] وهذا ما كتبه البديع اللوذعى والبارع الألمعى، الفاضل الفهَّامة الشيخ البردى: سبحانك يا مُبِدئَ الإِنسان من مظهر الإِمكان، على أبدع إِتقان، وحمدًا لك حيث زيَّنتَ عرائس الأذهان بفرائد درر البيان في منصات التبيان. وصلاةً وسلامًا على إِنسان عين الوجود ومرآة سر الشهود، وعلى آله وأصحابه وسائر أحبابه. أما بعد: فياذا الفضائل المعترف بها نبهاء العصر، ويا جامع أشتات الفواضل التي جلت عن الحصر، ويا من زَهَتْ به رتب الكمال، وحامت على بحر علمه العذْب طيور الآمال، ويا من ثبت الفضل لديه وارتسم، وعنه افتر الزمان وابتسم، واستقر أمر البلاغة لديه استقرار الطرس في يديه، ويا من أقام سوق المعارف على ساقها، وأبدع في انتظام مجالسها واتساقها، وأوضح رسمها، وأثبت في جبين عصره وسمها، ويا بديع الخطاب ورب الخُطب ويا زُهْرى الرواية وشقيق العرب، ويا سَليِقى الإِعراب وطرف الأدب، ويا غزير الفنون وذكى الغريزة وأجل مناظر بصحيح النظر، المصون بجوامع كلماته الوجيزة -أرسلت إِلىَّ كتابك الكريم فأقررتُ بمعجزه وألقيتُ له عصا التسليم. ولما سرَّحتُ نظرى في دقائق مبانيه، وفرحت فكرى بالتأمل في عرائس معانيه قلتُ: عسى أن أصف من لطائف نكاته أو أبدى من يانع نضير تحقيقاته، فلله أنت من فصيح اقتطفت من ثمر فرائده باكورة البديع بحسن الصنيع، وتصيدت من همزات غصونه حمائم التسجيع بألحان التوقيع، وماذا أقول في تصنيفٍ كأنما هو سمر بين زهير ولبيد، وحبيب والوليد، وتدقيقات
لو تساجل بها عبد الحميد وتلاه ابن العميد لحكم الفاضل بأن الفضل راجع لصاحبه، وأن سواه لا يقدر على صوغ هاتيك التحقيقات ولا يصل إِلى مشاربه. ثم إِنك أيها الفاضل والإِنسان الكامل ألزمتنى أن أقرض عليه، وأنتظم بذلك في سلك ما انتسب إِليه، وذا لَعْمرِى من حسن ظنك الجميل في قريحة الخليل، ومن أين للذهن الكليل انتقاد كلام الألمعى، وكيف تقبل دعوى شرف التأصُّل من الدَّعِىّ؟ وأين جفاء البادى رفيق الظربان واليربوع من لطف الحاضر قرين الترفَّه المطبوع، لاسيما والأدب في الحقيقة خلافه، والطامع فيه إِن لم يكن طبع فيه مُعرَّض للآفة، كيف وقد سطَّرت هفوات عزات الإِنشا ومناته، وذكرت عن سرواتهم في مضمار البراعة عثراته، ورُبّ بليغ خط منثوره فأخطأ، ووقع في شَرَك زلّته يتخبط ولا يتخطى، فكيف بعد هذا تظننى فارس الكتيبة أو راسم منثور الكتابة، أو رفيق العصابة؟. فيا قويم المنطق، ويا ثمين القيمة ان كان الباعث ظنك العلم بأمثالى فإِن صورتى فيه ومثالى قول المهذّب: فإِنّى منه تُبْتُ تَوْبةَ نادم ... مُقِرّ بأنّى اليومَ أَجْهلُ جَاهِل لكن، أنت حرسك الله قد نظرتَ بعين صفائك، فوجدتَ حسن وصفك وجميل وفائك، والمؤمن مرآة أخيه، والإِناء ينضح بما فيه، لكنى أعوذ بلطف أدبك البارع، وكلامك الجامع المانع، واستشفع بوجه تواريك، وحلاوة محاولاتك، وأتعلق بأفنان افتنانك وأذيال مزاولاتك، واستعطف وأناديك بحرمة أياديك، أجرير المجامع، يا فرزدق المعامع، يا لسان السعد، يا عصام الدقة والنقد، يا صحيح السند وطائل اليد. ذان وصفاك: لطفٌ وأدب. هذان لقباك: ربُّ شعر وخطب.
هؤلاء أجنادك من أنشد وكتب. كلهم يغبطك بلاغةً وبراعة، جُلُّهم يلحظك أدبًا وطاعة، أنفسهم تودّك العزة مزاياك، أعينهم تتمتع بمآثر سجاياك. أَملى بذلك المقال ورجاءى فيك أيها المفضال أن لا تخجل وجه خليلك، ولا ترهق لُبَّ دخيلك، حسنُ الظن جرَّانى، ومزيد وثوقى ساقنى، فاجعل جائزتى قبول كتابتى لتتم سعادتى. كتبه ببنانه وقاله بلسانه حسن البردى الشافعى الليثى الأحمدى عُفى عنه.
[تقريظ للشيخ عبد الهادي نجا الأبيارى]
[تقريظ للشيخ عبد الهادي نجا الأبيارى] وهذه صورة ما كتبه الأديب الأوحد واللوذعى المفرد السيد عبد الهادي نجا الأبيارى (1). تقريظًا على "المطالع". بسم الله الرحمن الرحيم {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)} [الطور: 1 - 3] إِنَّ حَمْدَ الله الأكرم الذي علَّم بالقلم لَمِن أعظم ما تستدرّ به غيوث الأجور. فسبحانه من إِله جعل العناية بتجديد رسوم ما اندرس من رُبوع المعارف دليلًا على عنايته بمن حلاه حلاها، وأنار مطالع المطابع المصرية بكواكب "المطالع النصرية" لمَّا تبلَّج بَدْرُها، وأشرق سَناها. والصلاة والسلام على أفضل رسله الذي بدأ به الوجود (2) وختم الرسالة، واستنقذ الأمة بأنوار هديه من ظلمات الغى والضلالة، وعلى آله وصحبه الذين عرفوا معانى جوامع كلمه، فغدوا أئمة يَقْتدى بهم من خطباء الكتابة من رقى منبرها متصرفًا بلسانه وقلمه. وبعد: فقد اطلعت على الرسالة النصرية في الفنون الرسمية فوجدتها روض خطوط تيْنَع به من الحظوظ أزهارٌ، وتجرى تحت أدواح سطور طروسه من غرائب المعارف أنهارٌ، يقرأ طيرُ الأذهان في أفانينه من فنونه صحفًا منشرة، ويصافح نسيمُ المعانى العجيبة أكُفَّ أوراق غصون فصوله النضرة. بل {كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين: 20 - 21]، وما يجحد بآيات فضله إِلا
الغافلون الذين هم في غمرتهم يعمهون. ورسالة رسوم تصبح بها رسوم الفضل رياضًا نضرة، أو سماء بالنجوم زاهرة إِن لم ترض أن تكون رياضًا في الأرض مزهرة. بها أَمِنتْ المطابع من الزَّلل، وأصبح الكُتّاب في جُنَّة من طوارق الخلل، وباهوا في مطارف معارف، وقالوا في ظل من التصحيح وارِف، مع ألفاظ رقَّت لطفًا فكانت على الحقيقة نسيم الشمال، ومعانٍ دقّت فكانت أَسَحَر من عيون الغزلان، وأَمْضَى من السيوف الصِّقال. فلو أن لفظًا تصوّر جوهرًا تتحلى به الأعناق، أو كوكبًا تستضئ به الآفاق، كانت تلك الألفاظ التي تفضى بسامعها إِلى السجود وتسرى سلافة وقتها في الأفئدة سَرَيانَ الماء في العود. فما أَعْجَبَه من مؤلف بَدْر إِشراقه في مطالع تمه، وزَهَر زَهْر فضله يَفْترُّ حسنًا في كمه. فلله ما تضمنه من بديع الاختراع الذى هو كأنه شكل صاحبه انطبع في مرآة الطروس بانعكاس الشعاع. ولله مؤلفه حيث أوضح فيه من خفايا خطوط الخطوط أفصح إِيضاح، وفتح به أبواب المعانى لكل معان بدون مفتاح، وحشد في بيوت أبوابه ما تسخر رقته بالشمال، والشمول، مطلعًا في بروجه من مطالع قلمه ما لا تدّعيه البدور الكوامل، مبدعًا من جوامع عباراته وبدائع براعاته ما حصر عنه لسان سحبان وائل (1). قائلًا لمن حوله من الفضلاء: ألا تستمعون؟ ولذوى المجاراة في هذا الفن العجيب: ألا تجتمعون؟ فقال القوم: هيهات هيهات، وأَنَّى لنا المطار في
هذا الأفق الذي لا تدَّعى قوادمُ السوابق من الطير فيه الثبات، وهذا أفق نَصْرىّ لا تستطيع مطاولته الأفهام، وتلك عصَا قومٍ متى ألقيت تَلْقَف ما يأفك عِصِىّ الأقلام. وكيف لا وهو الذي بلغ برقائق الفصاحة ودقائق البلاغة أرفع الدرج، ولم يزل صدره بحر الفضائل، فحدِّثْ عن البحر ولا حرج، نحا نحو "تهذيب التحرير" فقَرَّ به عينًا. وشرح صدرًا. وتشاجرت على لفظه الأمثلة، فلا بدع إِذا ضرب زيدٌ عمْرًا. كان روض هذا الفن الجليل قبله يَبَسًا فمن غُدْران (1). فضله ارتوى، وسرى في عوده روح اليُنُوع فاهتز بعد أن كان ذَوَى. فأبقى الله مؤلفَه أبا الوفا، وأدامه ممر الجديدين مجتنى ثمر الصفا, ولا برح متمكنًا من الآداب تمكُّنَ من حَسُن له فيها مبتدأ وخبر، وزاد بيانه سحرًا حتى يقال هذه ثغور الغوانى إِذا نَظم، وهذه نجوم الدرارى إِذا نَثَر، بجاه خير الأنام، خاتم رسل الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام (2). قاله بفَمِه ورَقَمه بقلمه عبد الهادي نجا الأبيارى، حفظه الله بلطفه السارى.
[خاتمة الطبع]
[خاتمة الطبع] بسم الله الرحمن الرحيم يقول مستمطرُ سحاب لُطف الله السارى عبد الهادي نجا الأَبْيارِى (1). بعد حمد الله الذي زيَّن المطالعَ بالطوالع، والصلاة والسلام على نبيه الذي أوضح رسوم الشريعة الشريفة بالحجج القواطع. لَمّا كانت العادة أن تَؤَرَّخ بتمام طبعها الكتبُ التي تُطبع في المطابع المصرية، المطلعة من أفلاكها كواكب أسفار الفنون العقلية والنقلية، المتبرجة عرائس فنونها تبرُّج الخُرَّد الأبكار، المتبلّجة أنوار أثمار معارفها تَبلُّج البدور في الأسحار بِلألاءِ أنوار شموس الدولة السعيدية (2)، وآلاء مكارم عواطف الحضرة الداورية، التي أخذت ببهجتها الأرضُ زخرفها وازَّينتْ، وأخرت ما تقدم من عوادى الأيام الخالية لما تقدمت، وعَنَتْ لها وُجُوهُ ملوكِ الدول، وغنيت بمناقبها الحميدة الممالكُ المصرية عن مآثر الملوك الأُول. وكان من جملة ما حَسُن طَبْعُه فيها وتبختر في صدار معاليها، رسالة وحيد دهره وعلامة عصره في مصره الأستاذ أبو الوفا الشيخ نصر الهورينى، الموسومة بـ (المطالع النصرية) الناظمة عقود فرائد فوائد القواعد الرسمية، العديمة المثال، الجديرة بأن يَعضَّ عليها بالنواجذ كلُّ ذى بال، ملحوظة بنظر ناظر أَجلّ ناظر، مشمولة بملاحظة حضرته الجامعة لِمَا تفرق من محاسن الأكابر، المشهور بجودة القريحة، المعروف باللهجة الفصيحة، بالتزام من لاح كوكب سناه
وسنائه، وفاح في أرجاء المكارم زَهْرُ عُلاه وثنائه: حضرة إِبراهيم أفندي أدهم، فريدة عقد كتاب التركية بالمعية الألمعية، مع حضرة مؤلفها مباشرًا لتصحيحها. فبتمام تلك الرسالة عام تأليفها بأجمل نمط وأحسن نسق قلت: مؤرخًا لهما -بقدر الإِمكان حسبما اتفق: لقد أَشرقَتْ مِن مِصْرَ أُفْقُ المطالِع ... مُذِ انبلَجَتْ بالرَّسْم خُود المطالعِ وأيَنعَ خُوط الخطّ بعد ذُبُولِهِ ... بما فى معانيها الحسانِ اليوانعِ أَرَتْنا نظامَ الدُّرِ كيف يكون في ... مَهارقَ أو حَشدَ النجوم الطوالعِ وأبدتْ مبانيها معانى حَسِبْتُها ... مَغَانِي غَوانٍ سافراتِ البَراقِع لَعَمْركُ ما سِحْرُ البيانِ وسِرُّةُ ... سِوى ما بها من مُحكماتِ البدائع فَمِن جُملٍ جاءتْ بزهر كواكبٍ ... ومِن كِلمٍ جاءتْ بجَمْع جَوَامِع ومِن أسطرٍ جاءتْ بُدرٍ منظَّم ... ومِن نُكت جاءتْ بسحرِ مُشرَّع سلافة تحرير تُدارُ على النُّهى ... فَيَثْمُل منها كلُّ قَارِ وسامع وآيةُ ترقيمٍ تَلُوحُ فيهْتَدِى ... بها كل فِكْرٍ تاهَ مِن كُلِّ أملْعى كذا فليَكُ التأليفُ مَن رَامَهُ فَقُلْ ... لحضرته: أَلِّفْ كذلك أَوْ دَعَ ومَن ظَنَّ أَن يأتي بمثل الذي أتى ... فهذا -وأَيْمُ الله- أكْذبُ مَدْع ففى كلِ مَبْنى مِن مبانى بيانه ... معان لها فى الفن أَحسنُ موقعِ لقد عبثتْ تلك المطالعُ بالأَهِلَّةِ ... الغُرّ لمَّا أَسْفرتْ باللوامعِ وأَحيتْ رسومَ الرَّسْم بعد اندراسِهِ ... بما أَبْرزتْهُ مِن نصوصٍ سواطع وأَبْدت -لَعَمْرى- من زوايا فصولها ... خباياه حتى أَزْهرتْ للمراجعِ تقول لها غُرُّ المعانى تسير فى ... بُرُوجِ المبانى مُشْرِقاتِ الطوالعِ سَرَيْنا ونَجمٌ قد أضاءَ فَمُذْ بَدا ... مَحْياكِ أَخْفى ضَوْءُه كلَّ طالعِ وَمُذْ حَسُنَ التأليف بالطبع أَرَّخوا ... مطالعَ جَلَتْ قدوةً للمطابع سنة 1275 في رمضان
[تنبيه]
[تنبيه] (1) وُجِد على يسار الصفحة "223" من نسخة المطالع النصرية هذه العبارة بخط المؤلف الشيخ أبى نصر الهورينى: اطلع عليها وأصلح بقلمه ما عثر عليه من التحريف في الطبع أو التأليف كاتبه الفقير نصر أبو الوفا غفر له