المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي

ابن حَدِيدة

الجزء 1

ـ[المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي]ـ المؤلف: محمد (أو عبد الله) بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري، أبو عبد الله، جمال الدين ابن حديدة (المتوفى: 783هـ) المحقق: محمد عظيم الدين الناشر: عالم الكتب - بيروت سنة النشر: عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

خطْبَة الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الْحَمد لله الْملك الديَّان ذِي الْعِزَّة وَالسُّلْطَان قاهر الْجَبَابِرَة ذَوي التيجان كقيصر وكسرى أنوشروان باعث سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّد بأشرف الْأَدْيَان إِلَى الْأَحْمَر وَالْأسود من إنس وجان فَأَجَابَهُ وَاتبعهُ قبل مولده بِأَلف عَام تبع الأول ملك الأَرْض من ولد قحطان وطغى وتجبر أبرويز صَاحب الإيوان فَدَعَا عَلَيْهِ فمزق ملكه وَذَهَبت عبَادَة

النيرَان صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه ذَوي النجدة الشجعان الَّذين شدّ بهم أزره وَأَعْلَى بهم ذكره فشاد الدّين وَارْتَفَعت لَهُ الْأَركان وَرَضي الله عَنْهُم وَعَن التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان أما بعد نور الله قُلُوبنَا بِنور مَعْرفَته وأبهج بصائرنا بلوامع رحموتيته فَإِنِّي نظرت فِيمَا وَقع لي من مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مُلُوك الأَرْض حِين أمره الله تَعَالَى بتبليغ رسَالَته فَرَأَيْت فِيمَا رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَزَّار رَحمَه الله تَعَالَى فِي مُسْنده من إرْسَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَيْصر وَرَوَاهَا عَنهُ فاستحسنتها لكَونهَا مروية عَن الْمُرْسل بِخِلَاف مَا وَقع فِي الصَّحِيحَيْنِ للإمامين الحافظين أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَمُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي رحمهمَا الله تَعَالَى فَإِنَّهُمَا رويا قصَّة الْكتاب عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب فألقي فِي روعي أَن أثْبته وأضيف إِلَيْهِ مَا وَقع فِي مصنفات الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم من مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كتب لَهُ من الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَمَا يتَعَلَّق بذلك من فَوَائِد كوفيات بعض من وَقع ذكره من الصَّحَابَة وَابْتِدَاء إِسْلَامه وَمَا يحْتَاج إِلَى بَيَانه من غَرِيب لُغَة أَو نادرة تتَعَلَّق بِبَعْض مراسلاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مُلُوك الأَرْض وَغَيره مِمَّن آمن بِهِ وَمن لم يُؤمن واستخرجته من دواوين كَثِيرَة بطرق مُتعَدِّدَة

إِذْ فِي كل طَرِيق مِنْهَا فَائِدَة لم تتضمنها الْأُخْرَى فَجمعت الطّرق وأوردتها لفائدتها وَمَا ظهر من خضوع مُلُوك الأَرْض لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ عَظِيم سلطانهم وَكَثْرَة عساكرهم وأتباعهم وإقرارهم لَهُ بالرسالة وتواضعهم لَهُ وَهُوَ إِذْ ذَاك وَأَصْحَابه قَلِيل عَددهمْ يسير مددهم لَا يخطرون لأحد من الْمُلُوك ببال لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْفقر وَقلة ذَات الْيَد وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده وَإِذا ذهب قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده ولتنفقن كنوزهما فِي سَبِيل الله عز وَجل كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا فِي موَاضعه من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وعزيت كل مَا أوردته إِلَى من ذكره من الْعلمَاء أَصْحَاب المصنفات الْمَشْهُورَة بَين عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن وحذفت أسانيدها خشيَة الإطالة إِلَّا مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من ذكر الصَّحَابِيّ وَبَعض التَّابِعين مِمَّن رُوِيَ عَنهُ وسميته ب الْمِصْبَاح الْمُضِيّ فِي كتاب النَّبِي الْأُمِّي وَرُسُله إِلَى مُلُوك الأَرْض من عَرَبِيّ وعجمي وَجَعَلته قسمَيْنِ الْقسم الأول فِي كِتَابه وَالْقسم الثَّانِي فِي رسله ومكاتباته إِلَى الْمُلُوك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورتبت أَسمَاء الصَّحَابَة على حُرُوف المعجم بعد ذكر الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم وابتدأت فِي صدر الْقسم الأول فِي التَّعْرِيف بنسبه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْكَلَام عَلَيْهِ تبركا بِهِ إِذْ هُوَ سيد الْكل وَقَائِدهمْ وإيانا إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَى جنَّات النَّعيم وَالَّذِي حداني على البدأة بنسبه الشريف هُوَ

مَا وجدته لِابْنِ مُنِير الْحلَبِي رَحمَه الله تَعَالَى فِي شَرحه لمختصر السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي الجماعيلي قَرْيَة بَين الْقُدس ونابلس قَالَ ذكر لي جمَاعَة من الْعلمَاء أَن سَبَب تأليف عبد الْغَنِيّ لمختصر السِّيرَة أَنه خرج وَمَعَهُ بعض أَصْحَابه إِلَى أَن قربا من دير فَقعدَ الْمُؤلف على جنب نهر وَقصد صَاحبه الدَّيْر فطرقه فَخرج إِلَيْهِ رَاهِب فَقَالَ مَا دينك فَقَالَ مُسلم فَقَالَ من تتبع فَقَالَ مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اذكر لي نسبه وحاله فَلم يكن عِنْده علم فَقَالَ مَا أقريك شَيْئا فَرجع صَاحب الْمُؤلف إِلَيْهِ وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ الراهب فَقَالَ لَهُ الْمُؤلف شَيْئا من نسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأحواله فَرجع إِلَى الراهب وَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ الراهب هَذَا مَا هُوَ مِنْك هَذَا من ذَلِك الشَّيْخ الْجَالِس على النَّهر وَكَانَ الراهب رأى الشَّيْخ فأعجبه حَاله فجَاء إِلَيْهِ فَذكر لَهُ شَيْئا كثيرا من أَحْوَال سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعجزاته فَأسلم الراهب وَحسن إِسْلَامه فأملى الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ رَحمَه الله مُخْتَصر السِّيرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة فتأملت هَذِه الْوَاقِعَة وَمَا فِيهَا من الْفَوَائِد من هِدَايَة الراهب وَتَعْلِيم صَاحب الشَّيْخ وتأليفه لسيره وأحواله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالِانْتِفَاع بِهِ فِي حَيَاته وَبعد وَفَاته رَحمَه الله فَبَدَأت بنسبه الشريف

لذَلِك وَمن الله تَعَالَى أسأَل التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى أقوم طَرِيق وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم وَأَنا أقدم إِلَيْك أَيهَا النَّاظر فِي كتابي هَذَا من الِاعْتِذَار مَا ختم بِهِ الشاطبي رَحمَه الله قصيدته الموسومة بحرز الْأَمَانِي إِذْ يَقُول (وَلكنهَا تبغي من النَّاس كفأها ... أَخا ثِقَة يعْفُو ويغضي تجملا) (وَلَيْسَ لَهَا إِلَّا ذنُوب وَليهَا ... فيا طيب الأنفاس أحسن تأولا) (وَقل رحم الرَّحْمَن حَيا وَمَيتًا ... فَتى كَانَ للانصاف والحلم معقلا) (عَسى الله يدني سَعْيه بِجَوَازِهِ ... وَإِن كَانَ زيفا غير خَافَ مزللا) (فيا خير غفار وَيَا خير رَاحِم ... وَيَا خير مأمول جدي وتفضلا) (أقل عثرتي وانفع بهَا وبقصدها ... حنانيك يَا الله يَا رَافع الْعلَا) وَهَذَا حِين ابْتَدَأَ بحول الله وقوته وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل

بَاب فِي التَّعْرِيف بنسبه الشريف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْكَلَام عَلَيْهِ روينَا فِي كتاب السِّيرَة عَن ابْن هِشَام أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد بن عبد الله فمحمد اسْم علم مَنْقُول من صفة من قَوْلهم رجل مُحَمَّد أَي كثير الْخِصَال المحمودة والمحمد فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي يحمد حمدا بعد حمد مرّة بعد مرّة فِيهِ معنى الْمُبَالغَة والتكرار وَهُوَ فِي معنى مَحْمُود فاسمه مُطَابق لمعناه وَالله تَعَالَى سَمَّاهُ بِهِ قبل أَن يُسمى فَهَذَا علم من أَعْلَام نبوته إِذْ كَانَ اسْمه صَادِقا عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَام مَحْمُود فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فِي الدُّنْيَا بِمَا نفع بِهِ من الْعلم وَالْحكمَة وَفِي الْآخِرَة بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد تكَرر معنى الْحَمد ثمَّ إِنَّه لم يكن مُحَمَّدًا حَتَّى كَانَ أَحْمد حمد ربه فنبأه وشرفه فَلذَلِك تقدم اسْم أَحْمد على مُحَمَّد فَذكره عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله {وَمُبشرا برَسُول يَأْتِي من بعدِي اسْمه أَحْمد} فبأحمد ذكر قبل أَن يذكر بِمُحَمد لِأَن حَمده

لرَبه كَانَ قبل حمد النَّاس لَهُ فَلَمَّا وجد وَبعث كَانَ مُحَمَّدًا بِالْفِعْلِ وَكَذَلِكَ فِي الشَّفَاعَة يحمد ربه بالمحامد الَّتِي يفتحها عَلَيْهِ فَيكون أَحْمد النَّاس لرَبه ثمَّ يشفع فيحمد على شَفَاعَته فَانْظُر كَيفَ ترَتّب هَذَا الِاسْم الآخر فِي الذّكر والوجود فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وروى ابْن عبد الْبر أَن جده سَمَّاهُ مُحَمَّدًا يَوْم سابعه وروى أَن آمِنَة أمرت وَهِي حَامِل بِهِ أَن تسميه أَحْمد وروى أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجلا من ذريتي نَبِي من الْأَنْبِيَاء يُقَال لَهُ مُحَمَّد فضل عَليّ بِاثْنَتَيْنِ زَوجته أعانته فَكَانَت لَهُ عونا يَعْنِي خَدِيجَة وَالله أعلم وَكَانَت زَوْجَتي عَليّ عونا وَالله أَعَانَهُ على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني رَوَاهُ الدولابي عَن يُونُس ثمَّ من عجائب هَذَا الِاسْم أَنه لم يتسم بِهِ أحد قبله يَعْنِي أَحْمد وكنيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو الْقَاسِم قيل كني بِهِ لِأَنَّهُ يقسم الْجنَّة بَين الْخلق يَوْم الْقِيَامَة وَقيل كني ببكر وَلَده من خَدِيجَة وَهُوَ الْقَاسِم وَلما ولد لَهُ إِبْرَاهِيم من مَارِيَة كناه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِأبي إِبْرَاهِيم وَقيل كنيته فِي التَّوْرَاة أَبُو الأرامل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عبد الله معنى عبد الله الخاضع لله وكنيته أَبُو قثم وَقيل أَبُو مُحَمَّد وَقيل أَبُو أَحْمد وَلَا عقب لعبد الله أصلا وَلم يُولد لَهُ غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ذكر وَلَا أُنْثَى

وَكَذَلِكَ آمِنَة قَالَه ابْن مُنِير الْحلَبِي فِي المورد العذب الهني فِي الْكَلَام على السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ ابْن عبد الْمطلب وَاسم عبد الْمطلب شيبَة سمى بذلك لِأَنَّهُ ولد وَفِي رَأسه شيبَة عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة ذكرت خَبره مَعَ سيف بن ذِي يزن وبشراه لَهُ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يَأْتِي من هَذَا الْكتاب ابْن هَاشم وَاسم هَاشم عَمْرو ذكر السُّهيْلي فِي اشتقاقه أقوالا مِنْهَا أَنه مَنْقُول من الْعُمر وَهُوَ اسْم لنخل يُقَال لَهُ السكر ذكره العسكري فِي أَجنَاس التَّمْر وَبِذَلِك سمى الرجل عمرا وَقَالَ كَانَ ابْن أبي ليلى يستاك بعسيب الْعُمر ابْن عبد منَاف واسْمه الْمُغيرَة لِأَنَّهُ كَانَ يُغير على الْأَعْدَاء وَكَانَ يلقب قمر الْبَطْحَاء ابْن قصي واسْمه زيد وَهُوَ تَصْغِير قصي أَي بعيد لِأَنَّهُ بعد عَن عشيرته فِي بِلَاد قضاعة ابْن كلاب مَنْقُول من الْمصدر فِي معنى المكالبة أَو من الْكلاب جمع كلب قيل لبَعض الْعَرَب لم تسمون أبناءكم بشر الْأَسْمَاء وعبيدكم بِأَحْسَن الْأَسْمَاء فَقَالَ نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا ابْن مرّة مَنْقُول من وصف الحنظلة والعلقمة وَكَثِيرًا مَا يسمون بهما فَيكون مَنْقُولًا

من وصف الرجل بالمرارة ابْن كَعْب كَعْب مَنْقُول من كَعْب الْقدَم لثُبُوته وَهُوَ أول من جمع يَوْم الْعرُوبَة وسماها الْجُمُعَة وَقيل غير ذَلِك وَكَانَت قُرَيْش تَجْتَمِع إِلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْم فيخطبهم وَيذكرهُمْ بمبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُعلمهُم أَنه من وَلَده وَيَأْمُرهُمْ باتباعه وَالْإِيمَان بِهِ وينشد أبياتا مِنْهَا (يَا لَيْتَني شَاهد فحواء دَعوته ... إِذا قُرَيْش تبغي الْحق خذلانا) ابْن لؤَي تَصْغِير اللأي وَهُوَ الثور وَقيل الْبَقَرَة وَفِي الحَدِيث من قَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أحب إِلَيّ من شَاءَ وَلَاء وَهُوَ الثور قَالَ أَبُو ذَر فِي شرح السِّيرَة لِابْنِ هِشَام هُوَ الثور الوحشي ابْن غَالب بن فهر واسْمه قُرَيْش وفهر لقب وَقيل عَكسه والفهر من الْحِجَارَة الطَّوِيل قَالَ أَبُو ذَر هُوَ على مِقْدَار ملْء الْكَفّ وَقيل غير ذَلِك ابْن مَالك بن النَّضر قَالَ أَبُو ذَر هُوَ الذَّهَب الْأَحْمَر ابْن كنَانَة بن خُزَيْمَة تَصْغِير خزمة والخزم مثل الدوم يتَّخذ من سعفه

الحبال وَله ثَمَر تَأْكُله الْغرْبَان ابْن مدركة واسْمه عَامر ابْن الياس وَقيل إلْيَاس بِكَسْر الْهمزَة مُوَافقا لاسم إلْيَاس النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقيل سمي بضد الرَّجَاء وَاللَّام فِيهِ للتعريف والهمزة همزَة وصل يذكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تسبوا الياس فَإِنَّهُ كَانَ مُؤمنا وَهُوَ أول من أهْدى الْبدن إِلَى الْبَيْت وَكَانَ يسمع فِي صلبه تَلْبِيَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن مُضر وَمُضر الْأَبْيَض مُشْتَقّ من اللَّبن الماضر والمضيرة شَيْء يصنع من اللَّبن قيل هُوَ أول من سنّ للْعَرَب حداءا لإبل وَكَانَ أحسن النَّاس صَوتا وَفِي الحَدِيث لَا تسبوا مُضر وَلَا ربيعَة فَإِنَّهُمَا كَانَا مُؤمنين وَرَبِيعَة أَخُوهُ ابْن نزار النزر الْقَلِيل كَانَ أَبوهُ حِين ولد لَهُ وَنظر إِلَى النُّور بَين عَيْنَيْهِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ ينْتَقل فِي الأصلاب إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرح فَرحا شَدِيدا وَنحر وَأطْعم وَقَالَ إِن هَذَا كُله نزر لحق هَذَا الْمَوْلُود فَسُمي نزارا ابْن معد من تمعدد إِذا اشْتَدَّ وتمعدد أبعد فِي الذّهاب قَالَه أَبُو ذَر وَقيل هُوَ من الْمعد بِسُكُون الْعين وَهُوَ الْقُوَّة وَمِنْه اشتقاق الْمعدة ابْن عدنان وَهُوَ مَأْخُوذ من عدن فِي الْمَكَان إِذا أَقَامَ فِيهِ وَمِنْه {جنَّات عدن} أَي جنَّات إِقَامَة وخلود قَالَ السُّهيْلي وَمَا بعد عدنان من الْأَسْمَاء

مُضْطَرب فِيهِ وَالَّذِي صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لما بلغ عدنان قَالَ كذب النسابون وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِنَّمَا ننتسب إِلَى عدنان وَمَا فَوق ذَلِك لَا نَدْرِي مَا هُوَ وَأَصَح شَيْء رُوِيَ فِيمَا بعد مَا ذكره الدولابي عَن أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ معد ابْن عدنان بن أدد بن زند بن اليرى ابْن اعراق الثرى قَالَت أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا فزند هُوَ الهميسع واليرى هُوَ نبت واعراق الثرى هُوَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لِأَنَّهُ ابْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَإِبْرَاهِيم لم تَأْكُله النَّار كَمَا أَن النَّار لَا تَأْكُل الثرى قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا نَعْرِف زندا يَعْنِي بالنُّون إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وزند بن الجون وَهُوَ أَبُو دلامة الشَّاعِر قَالَ السُّهيْلي وَهَذَا الحَدِيث عِنْدِي لَيْسَ بمعارض لما تقدم من قَوْله كذب النسابون وَلَا لقَوْل عمر رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ حَدِيث متأول يحْتَمل أَن يكون قَوْله ابْن اليرى بن اعراق الثرى كَمَا قَالَ كلكُمْ بَنو آدم وآدَم من تُرَاب لَا يُرِيد أَن الهميسع وَمن دونه ابْن لإسماعيل لصلبه وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل أَو غَيره لِأَن أَصْحَاب الْأَخْبَار لَا يَخْتَلِفُونَ فِي بعد الْمدَّة مَا بَين عدنان وَإِبْرَاهِيم ويستحيل فِي

الْعَادة أَن يكون بَينهمَا أَرْبَعَة آبَاء أَو سَبْعَة كَمَا ذكر ابْن إِسْحَاق أَو عشرَة أَو عشرُون فَإِن الْمدَّة أطول من ذَلِك كُله وَذَلِكَ أَن معد بن عدنان كَانَ فِي مُدَّة بخت نصر ابْن ثِنْتَيْ عشرَة سنة قَالَه الطَّبَرِيّ وَذكر أَن الله أوحى فِي ذَلِك الزَّمَان إِلَى إرميا بن حلقيا أَن اذْهَبْ إِلَى بخت نصر فَأعلمهُ أَنِّي قد سلطته على الْعَرَب واحمل معدا على الْبراق كي لَا تصيبه النقمَة فيهم فانى مستخرج من صلبه نَبيا كَرِيمًا أختم بِهِ الرُّسُل فَاحْتمل معدا على الْبراق إِلَى أَرض الشَّام فَنَشَأَ مَعَ بني إِسْرَائِيل وَتزَوج هُنَاكَ امْرَأَة اسْمهَا معانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم وَمن ثمَّ وَقع فِي كتب الإسرائيليين نسب معد ثبته فِي كتبه رخيا وَهُوَ بورخ كَاتب إرميا وَبَينه وَبَين إِبْرَاهِيم فِي ذَلِك النّسَب نَحْو من أَرْبَعِينَ جدا وَقد ذكرهم المَسْعُودِيّ على اضْطِرَاب فِي الْأَسْمَاء وتغيير فِي الْأَلْفَاظ وَلذَلِك وَالله أعلم أعرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رفع نسب عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل لما فِيهِ من التَّغْيِير وعواصة تِلْكَ الْأَسْمَاء وَذكر الطَّبَرِيّ نسب عدنان إِلَى إِسْمَاعِيل من وُجُوه ذكر فِي أَكْثَرهَا نَحوا من أَرْبَعِينَ أَبَا باخْتلَاف فِي الْأَلْفَاظ لِأَنَّهَا

نقلت من كتب عبرانية وَذكر من وَجه قوي أَن نسب عدنان يرجع إِلَى قيذر بن إِسْمَاعِيل وَكَانَ رُجُوع معد إِلَى أَرض الْحجاز بعد مَا رفع الله بأسه عَن الْعَرَب وَرجعت بقاياهم الَّتِي كَانَت فِي الشواهق إِلَى محالهم ومياههم بعد أَن دوخ بِلَادهمْ بخت نصر وَخرب الْمَعْمُور واستأصل أهل حُضُور وهم الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى فِي قَوْله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} الْآيَة وَذَلِكَ لقتلهم شُعَيْب بن ذِي مهدم نَبيا أرسل إِلَيْهِم وقبره بصنين جبل بِالْيمن وَلَيْسَ بشعيب الأول صَاحب مَدين ذَلِك شُعَيْب بن عيفي وَيُقَال فِيهِ ابْن صيفون وَكَذَلِكَ أهل عدن قتلوا نَبيا لَهُم اسْمه حَنْظَلَة بن صَفْوَان فَكَانَت سطوة الله بالعرب لذَلِك نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وأليم عِقَابه عدنا إِلَى تَمام النّسَب الشريف قَالَ ابْن إِسْحَاق بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح ابْن يعرب بن يشجب بن نابت بن

إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن تارح وَهُوَ آزر بن ناحور بن ساروح بن راعو ابْن فالخ بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِي فِيمَا يَزْعمُونَ وَالله أعلم وَكَانَ أول نَبِي أعطي النُّبُوَّة والخط بالقلم ابْن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا سَاقه ابْن إِسْحَاق وَرُوِيَ فِيهِ غير ذَلِك قَالَ السُّهيْلي إِبْرَاهِيم مَعْنَاهُ أَب رَاحِم قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ولد بالغوطة بقرية لَهَا يُقَال لَهَا بَرزَة قَالَ وَالصَّحِيح أَنه ولد بكوثا من إقليم بابل من الْعرَاق كوثى بِضَم أَوله وبالثاء الْمُثَلَّثَة مَقْصُور على وزن فعلى قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا

استعجم ولد على رَأس ألفي سنة من خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ بَين نوح وآدَم عشرَة قُرُون وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم عشرَة قُرُون وآزر قيل مَعْنَاهُ يَا أَعْوَج وَقيل هُوَ اسْم صنم وَقيل هُوَ اسْم لِأَبِيهِ كَانَ يُسمى تارح وآزر وَأمه نونا وَيُقَال اسْمهَا ليوثي وَمَا بعد إِبْرَاهِيم أَسمَاء سريانية فسر أَكْثَرهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ابْن هِشَام وَذكر أَن فالغ مَعْنَاهُ القسام وشالخ مَعْنَاهُ الرَّسُول أَو الْوَكِيل وَذكر أَن إِسْمَاعِيل تَفْسِيره مُطِيع الله وَذكر الطَّبَرِيّ أَن بَين فالغ وعابر أَبَا اسْمه قينن أسقط اسْمه فِي التَّوْرَاة لِأَنَّهُ كَانَ ساحرا وأرفخشد قَالَ النَّوَوِيّ بالراء الساكنة ثمَّ فَاء مَفْتُوحَة ثمَّ خاء مُعْجمَة سَاكِنة ثمَّ شين مُعْجمَة وَذكرهَا الْمصْرِيّ بِالْفَتْح وذال مُعْجمَة أمه من بَنَات الْمُلُوك عَاشَ أرفخشد أَرْبَعمِائَة عَام وَثَلَاثَة أَعْوَام وَهُوَ وَصِيّ أَبِيه تَفْسِيره مِصْبَاح مضيء وشاد مخفف بالسُّرْيَانيَّة الضياء وَمِنْه جم شاد وَهُوَ رَابِع الْمُلُوك بعد جيومرث وَقد سميت بِهِ كتابي هَذَا تبركا بِهِ قَالَ ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر إِن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يرزقه الْإِجَابَة فِي وَلَده وَذريته فوعده ذَلِك فَنَادَى وَلَده وهم نيام عِنْد السحر فَنَادَى ساما فَأَجَابَهُ يسْعَى وَصَاح سَام فِي وَلَده فَلم يجبهُ إِلَّا أرفخشد فَانْطَلق بِهِ مَعَه حَتَّى أَتَيَاهُ فوصع نوح يَمِينه على سَام وشماله على أرفخشد بن سَام

وَسَأَلَ الله تَعَالَى عز وَجل أَن يُبَارك فِي سَام وَأَن يَجْعَل الْملك والنبوة فِي ولد أرفخشد ثمَّ نَادَى حاما فَلم يجبهُ وَلم يقم إِلَيْهِ هُوَ وَلَا أحد من وَلَده فَدَعَا الله تَعَالَى نوح أَن يَجْعَل وَلَده أذلاء وَأَن يجعلهم عبيدا لولد سَام فَعَاشَ سَام مُبَارَكًا حَتَّى مَاتَ وعاش ابْنه أرفخشد بن سَام مُبَارَكًا حَتَّى مَاتَ وَكَانَ الْملك الَّذِي يُحِبهُ الله والنبوة وَالْبركَة فِي ولد أرفخشد بن سَام وَقَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يُوسُف بن الْعَطَّار فِي تأليفه نظم الدُّرَر فِي نسب سيد الْبشر (لما بدا نور النَّبِي المرشد ... حَيا ببهجته فَحَيَّا أرفخشد) (أهْدى لَهُ سَام الْبَهَاء وَإِنَّمَا ... أهْدى الْبَهَاء ممجد لممجد) (وكساه من حلل السِّيَادَة حلَّة ... موشية بسنا النَّبِي مُحَمَّد) (بالمجد من بَين البرايا خصّه ... وحباه أَحْمد بالثناء الأحمد) وَآخر الأبيات (منا السَّلَام عَلَيْهِ يحمل طيبه ... ريح الصِّبَا هبت على روض شدي)

وَاسم نوح عَلَيْهِ السَّلَام عبد الْغفار سمي نوحًا لنوحه وَأَخُوهُ صابيء وَإِلَيْهِ ينْسب دين الصابئين ولامك وَقيل لمك وَهُوَ أول من اتخذ الْعود للغناء لسَبَب يطول ذكره وَاتخذ مصانع المَاء ومتوشلخ وَقيل متوشلخ بِضَم الْمِيم وَفتح التَّاء وَالْوَاو سَاكِنة قَالَه السُّهيْلي تَفْسِيره مَاتَ الرَّسُول لِأَن أَبَاهُ كَانَ رَسُولا وَهُوَ خنوخ وَهُوَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام وَإِدْرِيس بن يزدْ وَتَفْسِيره الضَّابِط ابْن مهلائيل يَعْنِي الممدوح وَفِي زَمَنه كَانَ بَدْء عبَادَة الْأَصْنَام ابْن قينان وَتَفْسِيره المستوي ابْن أنوش وَتَفْسِيره الصَّادِق وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ آنش وَهُوَ أول من غرس النَّخْلَة وَبَوَّبَ الْكَعْبَة وبذر الْحبَّة وشيث وَهُوَ بالسُّرْيَانيَّة شاث وَتَفْسِيره عَطِيَّة الله وآدَم عَلَيْهِ السَّلَام قيل هُوَ سرياني وَقيل أفعل من الأدمة وَقيل أَخذ من لفظ الْأَدِيم لِأَنَّهُ خلق من أَدِيم الأَرْض رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ النَّضر بن شُمَيْل سمي آدم لبياضه من قَوْلهم ظَبْي آدم إِذا كَانَ نَاصح بَيَاض الْبَطن مسكي الظّهْر وَذكر ثَعْلَبَة بن سَلامَة نسابة الأندلس أَنه كَانَ طول آدم عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خلقه الله مِائَتي ذِرَاع بذراعه فَلَمَّا خلقت مِنْهُ حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام أنقص مِنْهُ مائَة ذِرَاع

وَكَانَ إِذا قعد فِي الأَرْض لم يخف عَلَيْهِ من أَرْكَانهَا شَيْء كَمَا لَا يخفى على أحدكُم أَرْكَان بَيته إِذا جلس فِي وَسطه وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه كَانَ طول آدم سِتِّينَ ذِرَاعا وَعرضه سَبْعَة أَذْرع وَكَانَ لَهُ لحية سَوْدَاء عرض شبر فِي شبر وَقَالَ عبد الله بن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ أَمْرَد وَإِنَّمَا نَبتَت اللحى لوَلَده بعده وَلما احْتضرَ اشْتهى قطفا من قطف الْجنَّة فَانْطَلق بنوه ليطلبوه لَهُ فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا ارْجعُوا فقد كفيتموه فَانْتَهوا إِلَيْهِ فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة خلف جِبْرِيل وَبَنوهُ خلف الْمَلَائِكَة ودفنوه وَقَالُوا هَكَذَا سنتكم فِي مَوْتَاكُم يَا بني آدم قَالَ وهب وحفر لَهُ فِي مَوضِع من أبي قبيس يُقَال لَهُ غَار الْكَنْز فَلم يزل آدم فِي ذَلِك الْغَار حَتَّى كَانَ زمَان الْغَرق استخرجه نوح وَحمله فِي تَابُوت مَعَه فِي السَّفِينَة فَلَمَّا نضب المَاء

ذكر أسمائه صلى الله عليه وسلم

وبدت الأَرْض لأهل السَّفِينَة رده نوح إِلَى مَكَانَهُ قَالَ وَوجدت فِي التَّوْرَاة أَنه عَاشَ تِسْعمائَة سنة وَثَلَاثِينَ سنة وَقَالَ وهب ألف سنة قَالَ السُّهيْلي وَإِنَّمَا رفعنَا هَذِه الْأَنْسَاب وتكلمنا عَلَيْهَا على مَذْهَب من رأى ذَلِك وَلم يكرههُ كَابْن إِسْحَاق والطبري وَالْبُخَارِيّ والزبيريين وَغَيرهم من الْعلمَاء وَأمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب بن مرّة وَلم يكن لَهَا أَخ فَيكون خالا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن بَنو زهرَة يَقُولُونَ نَحن أَخْوَاله لِأَن آمِنَة مِنْهُم ولد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الأثنين فِي شهر ربيع الأول من عَام الْفِيل قيل فِي ثَانِي عشر وَقيل غير ذَلِك وَكَانَ قدوم الْفِيل فِي نصف الْمحرم وَهلك أَصْحَابه يَوْم الْأَحَد وَبَين الْفِيل وَبَين مولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَخَمْسُونَ يَوْمًا حملت بِهِ أمه فِي أَيَّام التَّشْرِيق عِنْد الْجَمْرَة الْوُسْطَى وَلَيْلَة ميلاده انْشَقَّ إيوَان كسْرَى حَتَّى سمع صَوته وَسَقَطت مِنْهُ أَربع عشرَة شرافة وخمدت نَار فَارس وَلم تخمد قبل ذَلِك بِأَلف عَام توفّي أَبوهُ وَهُوَ حمل قيل وَله شَهْرَان وَمَاتَتْ أمه وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وكفله جده عبد الْمطلب ذكر أَسْمَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنا مُحَمَّد وَأَنا أَحْمد والحاشر والمقتفي وَنَبِي الرَّحْمَة والماحي والخاتم وَالْعَاقِب وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الْمَلَاحِم وَالشَّاهِد

والمبشر والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والمصطفى وَالرَّسُول وَالنَّبِيّ والأمي والقثم والمقفى والضحوك صفته فِي التَّوْرَاة وَذَلِكَ أَنه كَانَ طيب النَّفس فكها وَكَانَ أَجود الْخلق وَله عدَّة أَسمَاء نطق بهَا الْكتاب الْعَزِيز فصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور وَأغْرب مَا رَأَيْت فِيمَا قَالَه ابْن عَطاء قَالَ الْفجْر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الْإِيمَان تفجر مِنْهُ فَلَمَّا بلغ ثَمَان سِنِين وشهرين وَعشرَة أَيَّام توفّي عبد الْمطلب فَوَلِيه عَمه أَبُو طَالب وَلما بلغ اثْنَتَيْ عشرَة سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام خرج مَعَ عَمه أبي طَالب إِلَى الشَّام فَرَآهُ بحيرا فَعرفهُ بِصفتِهِ فَأخذ بِيَدِهِ وَقَالَ هَذَا رَسُول رب الْعَالمين وَتزَوج خَدِيجَة وعمره خمس وَعِشْرُونَ سنة وشهران وَعشرَة أَيَّام وَلما بلغ خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة وَوضع الْحجر الْأسود بِيَدِهِ قبل موت رَسُول الله بِثمَانِيَة وَعشْرين سنة فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما بَعثه الله بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرِيل بِغَار حراء فَنزل عَلَيْهِ

{اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} وَكَانَ مبدأ النُّبُوَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن شهر ربيع الأول فصدع بِأَمْر الله وَبلغ الرسَالَة ونصح الْأمة ثمَّ حاصره أهل مَكَّة فِي الشّعب فَأَقَامَ محصورا دون الثَّلَاث سِنِين هُوَ وَأهل بَيته وَخرج من الْحصار وَله تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَأحد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَمَاتَتْ خَدِيجَة بعده بِثَلَاثَة أَيَّام وَلما بلغ خمسين سنة وَثَلَاثَة أشهر قدم عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا وَلما بلغ خمسين سنة وَتِسْعَة أشهر أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء قبل مَوته باثنتي عشرَة سنة وشهرين وَلما بلغ ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول وَدخل الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ فَأَقَامَ بهَا عشر سِنِين وَتُوفِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَفِي بعض هَذِه التواريخ خلاف بَين أهل النَّقْل مَعْرُوف لم نذكرهُ خشيَة الإطالة

بَاب فِي ذكر من كتب لَهُ من الصَّحَابَة وَالْكَلَام على كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلح الْحُدَيْبِيَة روينَا عَن الإِمَام أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْخَثْعَمِي ثمَّ السُّهيْلي رَحمَه الله فِي الرَّوْض الْأنف وَقد تكلم على كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلح الْحُدَيْبِيَة وَأَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محا اسْمه وَهُوَ رَسُول الله حِين قَالَ لَهُ سُهَيْل بن عمر وَلَو شهِدت أَنَّك رَسُول الله لم أقاتلك وَلَكِن اكْتُبْ اسْمك وَاسم أَبِيك فَكتب هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله لِأَنَّهُ قَول حق كُله فَظن بعض النَّاس أَنه كتب بِيَدِهِ وَفِي البُخَارِيّ كتب وَهُوَ لَا يحسن الْكِتَابَة فَتوهم أَن الله تَعَالَى أطلق يَده بِالْكِتَابَةِ فِي تِلْكَ السَّاعَة خَاصَّة وَقَالَ هِيَ آيَة فَيُقَال لَهُ كَانَت تكون آيَة لَا تنكر لَوْلَا أَنَّهَا مناقضة لآيَة أُخْرَى وَهُوَ كَونه أُمِّيا لَا يكْتب وبكونه أُمِّيا فِي أمة أُميَّة قَامَت الْحجَّة وأفحم الجاحد وانحسمت الشُّبْهَة فَكيف يُطلق الله عز وَجل يَده فَيكْتب لتَكون آيَة وَإِنَّمَا الْآيَة أَن لَا

يكْتب والمعجزات يَسْتَحِيل أَن يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا معنى كتب أَمر أَن يكْتب وَكَانَ الْكَاتِب فِي ذَلِك الْيَوْم عَليّ ابْن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ وَقد كتب لَهُ عدَّة من أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَعبد الله بن الأرقم ومعيقيب بن أبي فَاطِمَة وخَالِد بن سعيد وَأَخُوهُ أبان وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن أبي بن سلول وَأبي بن كَعْب الْقَارئ وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان بعد عَام الْفَتْح وَكتب لَهُ أَيْضا الزبير بن الْعَوام والمغيرة بن شُعْبَة وشرحبيل ابْن حَسَنَة وخَالِد بن الْوَلِيد وَعَمْرو بن العَاصِي وجهيم بن الصَّلْت وَعبد الله بن رَوَاحَة وَمُحَمّد ابْن مسلمة وَعبد الله بن سعد بن أبي سرح وحَنْظَلَة بن الرّبيع الأسيدي والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ ذكرهم عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ فَجَمِيعهمْ ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَقد تتبعت مَا أغفله ابْن شبة رَحمَه الله فبلغت بهم نَحوا من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين كَاتبا مَعَ الَّذين ذكرهم خرجتهم من مصنفات عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن تراهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى مرتبَة أَسمَاؤُهُم على الْحُرُوف بعد الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم

فصل في سبب إسلامه رضي الله عنه

1 - أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة عبد الْكَعْبَة فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله ابْن أبي قُحَافَة واسْمه عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة قرشي تيمي وَأمه أم الْخَيْر بنت صَخْر بن عَامر بن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة وَاسْمهَا سلمى هَاجر مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ مؤنسه فِي الْغَار وَهُوَ أول من أسلم من الرِّجَال قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ غَيره ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصل فِي سَبَب إِسْلَامه رَضِي الله عَنهُ روى ابْن الْأَثِير فِي مُعْجم الصَّحَابَة والماليني فِي مُعْجم

شُيُوخه من طَرِيق زيد بن وهب الْجُهَنِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ قَالَ أَبُو بكر إِنَّه خرج إِلَى الْيمن قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَنزلت على شيخ من الأزد عَالم قد قَرَأَ الْكتب وَعلم من علم النَّاس علما كثيرا وأتى عَلَيْهِ أَرْبَعمِائَة سنة إِلَّا عشر سِنِين فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أحسبك حرميا قلت نعم قَالَ وأحسبك قرشيا قلت نعم قَالَ وأحسبك تيميا قلت أَنا من تيم بن مرّة أَنا عبد الله بن عُثْمَان من ولد كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة قَالَ بقيت لي فِيك وَاحِدَة قلت وَمَا هِيَ قَالَ تكشف عَن بَطْنك قلت لَا أفعل أَو تُخبرنِي لم ذَاك قَالَ أجد فِي الْعلم أَن نَبيا يبْعَث فِي الْحرم يعاون على أمره فَتى وكهل فَأَما الْفَتى فخواض غَمَرَات ودافع معضلات وَأما الكهل فأبيض نحيف على بَطْنه شامة وعَلى فَخذه الْيُسْرَى عَلامَة قَالَ أَبُو بكر فَكشفت عَن بَطْني فَرَأى شامة سَوْدَاء فَوق سرتي فَقَالَ أَنْت هُوَ وَرب الْكَعْبَة ثمَّ قَالَ إياك والميل عَن الْهدى وَتمسك بالطريقة الْوُسْطَى ثمَّ قَالَ احْمِلْ عني أبياتا من الشّعْر قلتهَا فِيهِ فَلَمَّا قدمت مَكَّة جَاءَنِي صَنَادِيد قُرَيْش فَقلت نابتكم نائبة أَو ظهر فِيكُم أَمر قَالُوا يَتِيم أبي طَالب يزْعم أَنه نَبِي مُرْسل وَلَوْلَا أَنْت مَا انتظرنا بِهِ قَالَ أَبُو بكر فَسَأَلت عَنهُ فَقيل هُوَ فِي بَيت خَدِيجَة فَجئْت فقرعت الْبَاب فَخرج فَقلت يَا مُحَمَّد فقدت من منَازِل أهلك وَتركت دين آبَائِك وأجدادك قَالَ

تفسير

يَا أَبَا بكر إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَإِلَى النَّاس كلهم فَآمن بِاللَّه فَقلت وَمَا دليلك على ذَلِك قَالَ الشَّيْخ الَّذِي لَقيته بِالْيمن قلت وَكم من شيخ لقِيت بِالْيمن قَالَ الشَّيْخ الَّذِي قَالَ لَك وأعطاك الأبيات قلت وَمن خبرك بِهَذَا يَا حَبِيبِي قَالَ الْملك الْعَظِيم الَّذِي يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبلي قلت مد يدك فَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فَانْصَرَفت وَمَا بَين لابتيها أَشد سُرُورًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِي وروى ابْن إِسْحَاق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا دَعَوْت أحدا إِلَى الْإِسْلَام إِلَّا كَانَت فِيهِ كبوة وَتردد وَنظر إِلَّا أَبَا بكر مَا تردد فِيهِ تَفْسِير قَوْله صَنَادِيد قُرَيْش قَالَ الْجَوْهَرِي الصنديد السَّيِّد الشجاع وغيث صنديد عَظِيم الْقطر والصناديد الدَّوَاهِي وَمِنْه قَول الْحسن نَعُوذ بِاللَّه من صَنَادِيد الْقدر فصل فِي إِسْلَام أَبِيه وَأمه قَالَ ابْن إِسْحَاق لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح مَكَّة وَدخل

الْمَسْجِد أَتَى أَبُو بكر بِأَبِيهِ يَقُودهُ وَكَانَ قد كف بَصَره فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هلا تركت الشَّيْخ فِي بَيته حَتَّى أكون أَنا آتيه فِيهِ قَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله هُوَ أَحَق أَن يمشي إِلَيْك من أَن تمشي إِلَيْهِ أَنْت فأجلسه بَين يَدَيْهِ ثمَّ مسح صَدره ثمَّ قَالَ لَهُ أسلم فَأسلم قَالَ عبد الْكَرِيم وَأمه يَعْنِي أَبَا بكر أم الْخَيْر سلمى قَالَ مُحَمَّد بن سَلام الجُمَحِي قلت لِابْنِ دَاب من أم أبي بكر فَقَالَ أم الْخَيْر هَذَا اسْمهَا وَهِي ابْنة عَم أبي بكر وَأمّهَا من خُزَاعَة وَعَن عَائِشَة أَن أَبَا بكر قَالَ يَا رَسُول الله هَذِه أُمِّي وَأَنت مبارك فَادع الله لَهَا وادعها إِلَى الْإِسْلَام فَدَعَا لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت وَكَانَ إسْلَامهَا قَدِيما مَعَ ابْنهَا أبي بكر وَتوفيت بعد أبي بكر وَقبل أبي قُحَافَة زَوجهَا وَكِلَاهُمَا ورثا أَبَا بكر وَمَاتَا بعده وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ أسلمت أم أبي بكر وَأم عُثْمَان وَأم طَلْحَة وَأم الزبير وَأم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَدِيما مَعَ إِسْلَام أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم ولي أَبُو بكر الْخلَافَة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنتَيْن وَنصف على خلاف فِي ذَلِك عَاشَ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ عبد الْكَرِيم ذكر ابْن شهَاب أَن أَبَا بكر والْحَارث بن كلدة كَانَا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فَقَالَت الْحَارِث وَكَانَ طَبِيبا ارْفَعْ يدك يَا خَليفَة رَسُول الله وَالله إِن فِيهَا لسم سنة وَأَنا وَأَنت نموت فِي يَوْم وَاحِد فَرفع يَده فَلم يَزَالَا عليلين حَتَّى مَاتَا فِي يَوْم وَاحِد عِنْد انْقِضَاء سنة وَهُوَ أول خَليفَة وَرثهُ أَبَوَاهُ رَضِي الله عَنهُ وَذكر مُحَمَّد بن ظفر فِي كتاب خير الْبشر خبر الشَّيْخ الْأَزْدِيّ بِزِيَادَة فِيهِ فَقَالَ روى عبد الله بن مَسْعُود عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ خرجت إِلَى الْيمن فِي تِجَارَة قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت على شيخ من الأزد عَالم قد قَرَأَ الْكتب وحوى علما كثيرا وأتى عَلَيْهِ من السن ثَلَاثمِائَة وَتسْعُونَ سنة قَالَ فتأملني وَقَالَ أحسبك حرميا فَقلت نعم أَنا من أهل الْحرم قَالَ أحسبك تيميا قلت نعم أَنا من تيم بن مرّة أَنا عبد الله بن عُثْمَان بن عَامر بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تيم قَالَ بقيت لي فِيك وَاحِدَة قلت مَا هِيَ قَالَ اكشف لي عَن بَطْنك قلت لَا أفعل أَو تُخبرنِي

لم ذَاك قَالَ إِنِّي أجد فِي الْعلم الصَّحِيح الصَّادِق أَن نَبيا يبْعَث من الْحرم يعاونه على أمره فَتى وكهل أما الْفَتى فخواض غَمَرَات وكشاف معضلات وَأما الكهل فأبيض نحيف على بَطْنه شامة وعَلى فَخذه الْيُسْرَى عَلامَة فَلَا عَلَيْك أَن تريني مَا خَفِي عَليّ قَالَ فَكشفت لَهُ عَن بَطْني فَرَأى شامة سَوْدَاء فَوق سرتي فَقَالَ هُوَ أَنْت وَرب الْكَعْبَة وَإِنِّي مُتَقَدم إِلَيْك فِي أَمر فاحذره فَقلت وَمَا هُوَ فَقَالَ إياك والميل عَن الْهدى وَتمسك بالطريقة المثلى وخف الله فِيمَا أَعْطَاك وخولك قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقضيت بِالْيمن أربي ثمَّ أتيت الشَّيْخ لأودعه فَقَالَ أحامل أَنْت مني أبياتا إِلَى ذَلِك النَّبِي فَقلت نعم فَأَنْشَأَ يَقُول (ألم تَرَ أَنِّي قد سميت معاشري ... وَنَفْسِي وَقد أَصبَحت فِي الْحَيّ راهنا) (حييت وَفِي الْأَيَّام للمرء عِبْرَة ... ثَلَاث مئين ثمَّ تسعين آمنا) (وصاحبت أحبارا أناروا بعلمهم ... غياهب جهل مَا ترى فِيهِ طابنا) (وَكم عفشليل رَاهِب فَوق قَائِم ... لقِيت وَمَا غادرت فِي الْبَحْث كَاهِنًا) (فكلهمو لما تعطمست قَالَ لي ... بِأَن نَبيا سَوف تَلقاهُ دائنا)

(بِمَكَّة والأوثان فِيهَا عزيزة ... فيركسها حَتَّى ترَاهَا كوامنا) (فَمَا زلت أَدْعُو الله فِي كل حَاضر ... حللت بِهِ سرا وجهرا معالنا) (وَقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شَيخا لَا أُطِيق الشواجنا) (وَأَنت وَرب الْبَيْت تلقى مُحَمَّدًا ... بعامك هَذَا قد أَقَامَ البراهنا) (فيا لَيْتَني أَدْرَكته فِي شبيبتي ... فَكنت لَهُ عبدا وَإِلَّا العجاهنا) (عَلَيْهِ سَلام الله مَا ذَر شارق ... فألق هفافا من النُّور هافنا) (فحي رَسُول الله عني فانني ... على دينه أحيى وَإِن كنت واهنا) (وَمَا نسجت بالجلهتين وشيحة ... وَمَا خلد الطود المتالع عادنا) قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَحفِظت وَصيته وشعره وقدمت مَكَّة فَجَاءَنِي شيبَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأَبُو البخْترِي وَعقبَة بن أبي معيط وَرِجَال من قُرَيْش يسلمُونَ عَليّ فَقلت هَل حدث أَمر قَالُوا

شرح غريب ما في الشعر

حدث أعظم الخطوب هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله يزْعم أَنه نَبِي أرْسلهُ الله إِلَى النَّاس وَلَوْلَا أَنْت مَا انتظرنا بِهِ فاذ جِئْت فَأَنت البغية النهية قَالَ فأظهرت تَعَجبا وصرفتهم فِي حس مس وَذَهَبت أسأَل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لي هُوَ فِي منزل خَدِيجَة فقرعت الْبَاب عَلَيْهِ فَخرج إِلَيّ عر فَقلت يَا مُحَمَّد فقدت فِي نَادِي قَوْمك واتهموك بالغيبة وَتركت دين آبَائِك قَالَ يَا أَبَا بكر إِنِّي رَسُول الله إِلَيْك وَإِلَى النَّاس كلهم فَآمن بِاللَّه قلت وَمَا آيتك قَالَ الشَّيْخ الَّذِي لَقيته بِالْيمن فَقلت وَكم من شيخ لقِيت وبعت مِنْهُ وشريت وَأخذت وَأعْطيت قَالَ الشَّيْخ الَّذِي أخْبرك عني وأفادك الأبيات قلت وَمن أخْبرك بِهَذَا يَا حَبِيبِي قَالَ الْملك الْعَظِيم الَّذِي كَانَ يَأْتِي الْأَنْبِيَاء قبلي قلت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ أَبُو بكر وانصرفت وَمَا أجد أَشد سُرُورًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِي قَالَ ابْن ظفر فَهَذَا أيدك الله نمط عُجاب زاخر الْعباب وَقد أتحفتكم مِنْهُ بلباب هَذَا الْبَاب وَالله المسدد للصَّوَاب شرح غَرِيب مَا فِي الشّعْر قَوْله راهنا الرَّاهِن الْمُقِيم قَوْله طابنا الطابن

الْعَارِف الفطن قَوْله عفشليل هُوَ الرجل الجافي الثقيل قَوْله تعطمست خَاتم خلقي قَوْله دائنا يَعْنِي طَائِعا قَوْله فاركسها الركس رد الشَّيْء مقلوبا وَكَانَ ذَلِك يَوْم فتح مَكَّة قَوْله كوامنا أَي مختفية وَمِنْه الكمين فِي الْحَرْب قَوْله الشواجنا الشواجن الطّرق الْمُخْتَلفَة وَيَعْنِي بهَا السّير فِيهَا أَرَادَ أَنه لَا يُطيق السّير فِي الأَرْض وَالرحم شجنة وتشاجن الأغصان وَالْعُرُوق تداخلها والوهن الضعْف قَوْله عجاهنا هُوَ الَّذِي يتلهى بحَديثه ويضحك مِنْهُ وَكَانَ من عَادَة الْعَرَب أَن يحضر عرس الْجَارِيَة الْبكر رجل يتلهى مِنْهُ فَإِذا خلا بهَا زَوجهَا شدّ ذَلِك الرجل وَضرب ضربا خَفِيفا وينال مِنْهُ فيستغيث بالجارية وَيذكر كلَاما يضْحك مِنْهُ فيتمكن مِنْهَا بَعْلهَا بذلك فيفتضها فيسمونه العجاهن قَوْله فألق أَي لمع والهفاف الرَّقِيق والهافن الضَّعِيف قَوْله الجلهتين جانبا الْوَادي قَوْله الوشيحة عروق الشّجر الملتفة المتداخلة قَوْله الطود المتالع بِرَفْع الْمِيم وَكسر اللَّام اسْم جبل قَالَه الْبكْرِيّ والجوهري وَقيل المتالع المتعالي وَمِنْه التلع وَهُوَ طول

الْعُنُق قَوْله عادنا أَي مُقيما وَمِنْه جنت عدن أَي جنَّات إِقَامَة ذكر ابْن إِسْحَاق من حَدِيث سراقَة بن مَالك لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُهَاجرا وتبعهم سراقَة فساخت قَوَائِم فرسه ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ انظروني أكلمكم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَهُ مَا تبغي فَقَالَ أَبُو بكر لَهُ فَقَالَ تكْتب لي كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك فَكتب لَهُ أَبُو بكر كتابا فِي عظم أَو فِي رقْعَة أَو فِي خرقَة قَالَ ابْن عبد الْبر ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب وأذكر حَدِيث سراقَة بأتم من هَذَا فِيمَا بعد من هَذَا الْكتاب وروى مُحَمَّد بن ظفر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وعيشك يَا رَسُول الله مَا سجدت لصنم قطّ فَغَضب عمر بن الْخطاب وَقَالَ تَقول وعيشك يَا رَسُول الله إِنِّي لم أَسجد لصنم قطّ وَقد كنت فِي الْجَاهِلِيَّة كَذَا وَكَذَا سنة فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي لما ناهزت الْحلم أَخَذَنِي وَالِدي أَبُو قُحَافَة وَانْطَلق بِي إِلَى مخدع فِيهِ الْأَصْنَام فَقَالَ لي هَذِه آلهتك الشم العلى فاسجد لَهَا وخلاني وَذهب فدنوت من الصَّنَم فَقلت أَنا جَائِع فأطعمني فَلم يجبني فَقلت إِنِّي عطشان فاسقني فَلم يجبني فَقلت إِنِّي عَار فاكسني فَلم يجبني

فألقيت عَلَيْهِ صَخْرَة فَقلت إِنِّي ملق عَلَيْك هَذِه الصَّخْرَة فَإِن كنت إِلَهًا فامنع نَفسك فَلم يجبني فألقيت عَلَيْهِ الصَّخْرَة فَخر لوجهه فَأقبل وَالِدي وَقَالَ مَا هَذَا فَقلت هَذَا الَّذِي ترى فأنطلق أبي إِلَى أُمِّي فَأَخْبرهَا فَقَالَت هَذَا الَّذِي ناجاني الله بِهِ فَقلت يَا أُمَّاهُ وَمَا الَّذِي ناجاك بِهِ فَقَالَت لَيْلَة أصابني الْمَخَاض لم يكن عِنْدِي أحد فَسمِعت هاتفا يَهْتِف أسمع الصَّوْت وَلَا أرى الشَّخْص وَهُوَ يَقُول (يَا أمة الله على التَّحْقِيق ... أَبْشِرِي بِالْوَلَدِ الْعَتِيق) (اسْمه فِي السَّمَاء صديق ... لمُحَمد صَاحب ورفيق) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا انْقَضى كَلَامه نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ صدق أَبُو بكر فَصدقهُ ثَلَاث مَرَّات بُويِعَ لَهُ بالخلافة فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة روى ابْن دحْيَة عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ كَانَ رُجُوع الْأَنْصَار يَوْم السَّقِيفَة بِكَلَام قَالَه عمر بن الْخطاب نشدتكم الله هَل تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا بكر أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالُوا اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَأَيكُمْ تطيب نَفسه أَن يُزِيلهُ عَن مقَام أَقَامَهُ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا كلنا لَا تطيب نَفسه ونستغفر الله وَمكث فِي الْخلَافَة سنتَيْن إِلَّا خمس لَيَال وَقيل غير ذَلِك توفّي يَوْم الْجُمُعَة لسبع لَيَال بَقينَ من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث عشرَة وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة على خلاف فِي ذَلِك

روى ابْن إِسْحَاق فِي غَزْوَة ذَات السلَاسِل وَكَانَ أميرها عَمْرو بن الْعَاصِ وأمده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين فيهم أَبُو بكر وَعمر قَالَ وَكَانَ من الحَدِيث فِي هَذِه الْغُزَاة أَن رَافع بن أبي رَافع الطَّائِي وَهُوَ رَافع بن عميرَة الَّذِي كَلمه الذِّئْب كَانَ يحدث قَالَ كنت امْرَءًا نَصْرَانِيّا وَسميت سرجس فَكنت أدل النَّاس وأهداه بِهَذَا الرمل كنت أدفن المَاء فِي بيض النعام بنواحي الرمل فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أغير على إبل النَّاس فَإِذا أدخلتها الرمل غلبت عَلَيْهَا فَلم يسْتَطع أحد أَن يطلبني فِيهِ حَتَّى أَمر بذلك المَاء الَّذِي خبأت فِي بيض النعام فأستخرجه فأشرب مِنْهُ قَالَ ابْن عبد الْبر يُقَال إِنَّه قطع مَا بَين الْكُوفَة ودمشق فِي خمس لَيَال لمعرفته بالمفاوز قَالَ فَلَمَّا أسلمت خرجت فِي تِلْكَ الْغَزْوَة الَّتِي بعث فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى ذَات السلَاسِل فَقلت وَالله لأختارن لنَفْسي صاحبا قَالَ فصحبت أَبَا بكر فَكنت مَعَه فِي رحْلَة قَالَ فَكَانَت عَلَيْهِ عَبَايَة لَهُ فَدَكِيَّة فَكَانَت إِذا نزلنَا بسطها وَإِذا ركبنَا لبسهَا ثمَّ شكها عَلَيْهِ بخلال لَهُ قَالَ وَذَلِكَ الَّذِي يَقُول لَهُ أهل نجد حِين ارْتَدُّوا كفَّارًا نَحن نُبَايِع ذَا العباية قَالَ فَلَمَّا دنونا من الْمَدِينَة قافلين قَالَ قلت يَا أَبَا بكر إِنَّمَا صحبتك لينفعني الله بك فانصحني وَعَلمنِي قَالَ لَو لم تَسْأَلنِي ذَلِك لفَعَلت قَالَ آمُرك أَن توَحد الله و

لَا تشرك بِهِ شَيْئا وَأَن تقيم الصَّلَاة وَأَن تؤتي الزَّكَاة وَأَن تَصُوم رَمَضَان وتحج هَذَا الْبَيْت وتغتسل من الْجَنَابَة وَلَا تتأمر على رجلَيْنِ من الْمُسلمين أبدا قَالَ قلت يَا أَبَا بكر أما أَنا وَالله فَإِنِّي أَرْجُو أَن لَا أشرك بِاللَّه شَيْئا أبدا وَأما الصَّلَاة فَلَنْ أتركها أبدا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الزَّكَاة فَإِن يَك لي مَال أؤدها إِن شَاءَ الله وَأما رَمَضَان فَلَنْ أتركه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْحَج فَإِن أستطع أحج إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْجَنَابَة فأغتسل مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْإِمَارَة فَإِنِّي رَأَيْت النَّاس يَا أَبَا بكر لَا يشرفون عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعند النَّاس إِلَّا بهَا فَلم تنهاني عَنْهَا قَالَ إِنَّمَا استجهدتني لأجهد لَك وسأخبرك عَن ذَلِك إِن شَاءَ الله تعلم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا الدّين فَجَاهد عَلَيْهِ حَتَّى دخل النَّاس فِيهِ طَوْعًا وَكرها فَلَمَّا دخلُوا فِيهِ كَانُوا عواذا لله وجيرانه وَفِي ذمَّته فإياك لَا تخفر الله فِي جِيرَانه فيتبعك الله فِي خفرته فَإِن أحدكُم يخفر فِي جَاره فيظل ناتئا عضله غَضبا لجاره إِن أُصِيبَت لَهُ شَاة أَو بعير فَالله أَشد غَضبا لجاره قَالَ ففارقته على ذَلِك فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر أَبُو بكر على النَّاس قَالَ قدمت عَلَيْهِ فَقلت لَهُ يَا

تفسير غريب

أَبَا بكر ألم تَكُ نهيتني أَن أتأمر على رجلَيْنِ من الْمُسلمين قَالَ بلَى وَأَنا الْآن أَنهَاك عَن ذَلِك قَالَ فَقلت فَمَا حملك على أَن تلِي أَمر النَّاس قَالَ لَا أجد من ذَلِك بدا خشيت على أمة مُحَمَّد الْفرْقَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِير غَرِيب قَوْله عواذا يَعْنِي ملتجئين إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عائذين بِهِ قَالَه القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله لَا تخفر الله بِضَم التَّاء أخفرت الرجل لم تف بِذِمَّتِهِ وغدرته وخفرته ثلاثي وخفرته أجرته والخفير المجير والخفارة بِالضَّمِّ الذِّمَّة والخفرة والخفر الذِّمَّة والعهد قَوْله فيتبعك الله يُقَال تبِعت الرجل بحقي أتبعه تباعة إِذا طلبته بِهِ فَأَنا لَهُ تبيع قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعا} أَي مطالبا تَابعا قَالَ الْخطابِيّ والمحدثون يَرْوُونَهُ بالتثقيل وَهُوَ خطأ قَوْله ناتئا عضله غَضبا قَالَ

الْجَوْهَرِي العضل جمع عضلة السَّاق وكل لحْمَة مجتمعة مكتثرة فِي عصبَة فَهِيَ عضلة وَقد عضل الرجل فَهُوَ عضل بَين العضل إِذا كَانَ كثير العضل كَأَنَّهُ أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ أَن الرجل إِذا غضب انتفخ عضله وَقَالَ ابْن فَارس فِي مجمله نتأ الشَّيْء إِذا خرج عَن مَوْضِعه من غير أَن يبين ونتأت القرحة ورمت ونتأ بِالشَّرِّ أَي استعد لَهُ 2 - عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ هُوَ أَبُو حَفْص عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن ريَاح بِالْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا ابْن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كَعْب يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كَعْب قَالَ ابْن عبد الْبر أمه حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وَقَالَت طَائِفَة حنتمة بنت هِشَام بن الْمُغيرَة من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ وَلَو كَانَت كَذَلِك لكَانَتْ أُخْت أبي جهل ابْن هِشَام وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا هِيَ بنت عَمه لِأَن هاشما وهشاما ابْني الْمُغيرَة أَخَوان فهاشم وَالِد حنتمة أم عمر وَهِشَام وَالِد أبي جهل وهَاشِم جد عمر لأمه كَانَ يُقَال لَهُ ذُو الرمحين

فصل في إسلامه

روى ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ قَالَ أول من كناني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي حَفْص قَالَ الْجَوْهَرِي الحفص زبيل من جُلُود وَولد الْأسد أَيْضا وَأم حَفْصَة الدَّجَاجَة ولد بعد الْفِيل بِثَلَاث عشرَة سنة وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش أسلم بعد تِسْعَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَإِلَيْهِ كَانَت السفارة فِي الْجَاهِلِيَّة وَذَلِكَ أَن قُريْشًا كَانَت إِذا وَقعت بَينهم حَرْب أَو بَينهم وَبَين غَيرهم بعثوه سفيرا وَإِن نافرهم منافر أَو فاخرهم بعثوه منافرا ومفاخرا وَرَضوا بِهِ فصل فِي إِسْلَامه روى ابْن إِسْحَاق عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أمه أم عبد الله بنت أبي حثْمَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِنَّا وَالله لنترحل إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَقد ذهب عَامر فِي بعض حاجاتنا إِذْ أقبل عمر بن الْخطاب حَتَّى وقف عَليّ وَهُوَ على شركه قَالَت وَكُنَّا نلقى مِنْهُ الْبلَاء أَذَى لنا وَشدَّة علينا فَقَالَ إِنَّه للانطلاق يَا أم عبد الله قَالَت فَقلت نعم وَالله لَنخْرجَنَّ فِي أَرض الله آذيتمونا

وقهرتمونا حَتَّى يَجْعَل الله لنا مخرجا قَالَت فَقَالَ صحبكم الله وَرَأَيْت لَهُ رقة لم أكن أَرَاهَا ثمَّ انْصَرف وَقد أحزنه فِيمَا أرى خروجنا قَالَت فجَاء عَامر بحاجته تِلْكَ فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله لَو رَأَيْت عمر آنِفا ورقته وحزنه علينا قَالَ أطمعت فِي إِسْلَامه قَالَت قلت نعم قَالَ لَا يسلم الَّذِي رَأَيْت حَتَّى يسلم حمَار الْخطاب قَالَت يأسا مِنْهُ لما كَانَ يرى من غلظته وقسوته عَن الْإِسْلَام قلت وَقد جَاءَ إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنهُ من طرق رَوَاهَا الْعلمَاء من الْمُحدثين وَأَصْحَاب السّير وَأَنا أورد من ذَلِك طرقا مِمَّا وَقع فِي مروياتي وَغير ذَلِك روى ابْن عبد الْبر عَن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عمر وَأبي جهل وهما يتناجيان فَقَالَ اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بأحبهما إِلَيْك قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ إِسْلَامه أَن أُخْته فَاطِمَة زَوْجَة سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أسلمت هِيَ وَزوجهَا سعيد وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر وَكَانَ نعيم بن عبد الله النحام رجل من قومه من بني عدي ابْن كَعْب قد أسلم وَكَانَ مستخفيا بِإِسْلَامِهِ فرقا من قومه وَكَانَ خباب بن الْأَرَت يخْتَلف إِلَى فَاطِمَة بنت الْخطاب يقرئها الْقُرْآن فَخرج عمر يَوْمًا متوشحا بِسَيْفِهِ يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورهطا من

أَصْحَابه ذكرُوا لَهُ أَنهم قد اجْتَمعُوا فِي بَيت عِنْد الصَّفَا وهم قريب من أَرْبَعِينَ من بَين رجال وَنسَاء وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبُو بكر وَعلي فِي رجال من الْمُسلمين رَضِي الله عَنْهُم مِمَّن كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَلم يُهَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ حَمْزَة أسلم قبل عمر بِثَلَاثَة أَيَّام فَلَقِيَهُ نعيم بن عبد الله النحام فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ يَا عمر قَالَ أُرِيد مُحَمَّدًا هَذَا الصابيء الَّذِي فرق أَمر قُرَيْش وسفه أحلامها وَعَابَ دينهَا وَسَب آلهتها فَأَقْتُلهُ قَالَ ابْن عبد الْبر فَقَالَ لَهُ بئس الممشى مشيت وَأَرَادَ أَن يصرفهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ عمر لَو أعلم أَنَّك صَبَأت لبدأت بك قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ لَهُ نعيم وَالله لقد غرتك نَفسك من نَفسك يَا عمر أَتَرَى بني عبد منَاف تاركيك تمشي على الأَرْض وَقد قتلت مُحَمَّدًا أَفلا ترجع إِلَى أهل بَيْتك فتقيم أَمرهم قَالَ وَأي أهل بَيْتِي قَالَ ختنك وَابْن عمك سعيد بن زيد وأختك فَاطِمَة بنت الْخطاب فقد وَالله أسلما وتابعا مُحَمَّدًا على دينه فَعَلَيْك بهما قَالَ فَرجع عمر عَامِدًا إِلَى أُخْته وَخَتنه وَعِنْدَهُمَا خباب بن الْأَرَت مَعَه صحيفَة فِيهَا طه يقرئهما إِيَّاهَا فَلَمَّا سمعُوا حس عمر تغيب خباب فِي مخدع لَهُم وَأخذت فَاطِمَة الصَّحِيفَة فجعلتها تَحت فَخذهَا وَقد سمع عمر حِين دنا إِلَى الْبَيْت قِرَاءَة خباب عَلَيْهِمَا فَلَمَّا دخل قَالَ مَا هَذِه الهينمة الَّتِي سَمِعت قَالَا لَهُ مَا سَمِعت شَيْئا قَالَ بلَى وَالله وَقد أخْبرت أنكما تابعتما مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فَقَامَتْ إِلَيْهِ أُخْته فَاطِمَة لتكفه عَن زَوجهَا فضربها فشجها فَلَمَّا فعل ذَلِك قَالَت لَهُ

أُخْته وَخَتنه نعم قد أسلمنَا وآمنا بِاللَّه وَرَسُوله فَاصْنَعْ مَا بدا لَك وَلما رأى عمر مَا بأخته من الدَّم نَدم على مَا صنع فارعوى وَقَالَ لأخته أعطيني هَذِه الصَّحِيفَة الَّتِي سمعتكم تقرؤون آنِفا أنظر مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد وَكَانَ عمر كَاتبا فَلَمَّا قَالَ ذَلِك قَالَت لَهُ أُخْته إِنَّا نخشاك عَلَيْهَا قَالَ لَا تخافي وَحلف لَهَا بآلهته ليردنها إِلَيْهَا إِذا قَرَأَهَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِك لَهَا طمعت فِي إِسْلَامه فَقَالَت لَهُ يَا أخي إِنَّك نجس على شركك فَإِنَّهُ لَا يَمَسهَا إِلَّا طَاهِر فَقَامَ عمر فاغتسل فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَة وفيهَا طه فقرأها فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدرا قَالَ مَا أحسن هَذَا الْكَلَام وأكرمه فَلَمَّا سمع خباب ذَلِك خرج إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا عمر وَالله إِنِّي لأرجو أَن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فَإِنِّي سمعته أمس يَقُول اللَّهُمَّ أيد الْإِسْلَام بِأبي الحكم بن هِشَام أَو بعمر بن الْخطاب فَالله الله يَا عمر فَقَالَ لَهُ عمر عِنْد ذَلِك فدلني على مُحَمَّد حَتَّى آتيه فَأسلم فَقَالَ لَهُ خباب هُوَ فِي بَيت عِنْد الصَّفَا مَعَه فِيهِ نفر من أَصْحَابه فَأخذ عمر سَيْفه فتوشحه ثمَّ عمد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَضرب عَلَيْهِم الْبَاب فَلَمَّا سمعُوا صَوته قَامَ رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر من خلل الْبَاب فَرَآهُ متوشحا السَّيْف فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فزع فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا عمر بن الْخطاب متوشحا السَّيْف فَقَالَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب فَأذن لَهُ فَإِن جَاءَ يُرِيد خيرا بذلناه لَهُ وَإِن كَانَ يُرِيد شرا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ائْذَنْ لَهُ فَأذن لَهُ الرجل ونهض إِلَيْهِ رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لقِيه فِي الْحُجْرَة فَأَخذه بحجزته أَو بمجمع رِدَائه ثمَّ جبذه بِهِ جبذة شَدِيدَة وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب فوَاللَّه مَا أرى أَن تَنْتَهِي حَتَّى ينزل الله بك قَارِعَة وَفِي رِوَايَة مَا أَرَاك منتهيا حَتَّى يصنع الله بك مَا صنع بالوليد وَفُلَان وَفُلَان فَضَحِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ أهده قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله جئْتُك لأؤمن بِاللَّه وبرسوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكْبِيرَة علم أهل الْبَيْت من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عمر قد أسلم وَفِي رِوَايَة كبر أهل الدَّار تَكْبِيرَة سَمعهَا من وَرَاء الدَّار فَتفرق أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مكانهم وَقد عزوا فِي أنفسهم حِين أسلم عمر مَعَ إِسْلَام حَمْزَة وَعرفُوا أَنَّهُمَا سيمنعان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينتصفون بهما من عدوهم وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حِين أسلم (الْحَمد الله ذِي الْمَنّ الَّذِي وَجَبت ... لَهُ علينا أياد مَا لَهَا غير) (وَقد بدأنا فكذبنا فَقَالَ لنا ... صدق الحَدِيث نَبِي عِنْده الْخَبَر) (وَقد ظلمت ابْنة الْخطاب ثمَّ هدى ... رَبِّي عَشِيَّة قَالُوا قد صبا عمر) (وَقد نَدِمت على مَا كَانَ من زلل ... بظلمها حِين تتلى عِنْدهَا السُّور) (لما دعت رَبهَا ذَا الْعَرْش جاهدة ... والدمع من عينهَا عجلَان يبتدر) (أيقنت أَن الَّذِي تَدعُوهُ خَالِقهَا ... فكاد تسبقني من عِبْرَة دُرَر) (فَقلت أشهد أَن الله خالقنا ... وَأَن أَحْمد فِينَا الْيَوْم مشتهر) (نَبِي صدق أَتَى بِالْحَقِّ من ثِقَة ... وافي الْأَمَانَة مَا فِي عوده خور)

ثمَّ قَالَ عمر فلنظهرن بِمَكَّة دين الله فَإِن أَرَادَ قَومنَا بغيا علينا ناجزناهم وَإِن قَومنَا أنصفونا قبلنَا مِنْهُم فَخرج عمر وَالصَّحَابَة فجلسوا فِي الْمَسْجِد فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش إِسْلَام حَمْزَة وَعمر سقط فِي أَيْديهم وروى ابْن إِسْحَاق أَيْضا بِسَنَدِهِ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كنت لِلْإِسْلَامِ مباعدا وَكنت صَاحب خمر فِي الْجَاهِلِيَّة أحبها وأشربها وَكَانَ لنا مجْلِس يجْتَمع فِيهِ رجال من قُرَيْش بالحزورة قَالَ فَخرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد جلسائي أُولَئِكَ فجئتهم فَلم أجد فِيهِ مِنْهُم أحدا قَالَ فَقلت لَو أَنِّي جِئْت فلَانا الْخمار وَكَانَ بِمَكَّة يَبِيع الْخمر لعَلي أجد عِنْده خمرًا فأشرب مِنْهَا قَالَ فَجئْت فَلم أَجِدهُ قَالَ فَقلت فَلَو أَنِّي جِئْت الْكَعْبَة فطفت بهَا سبعا أَو سبعين قَالَ فَجئْت الْمَسْجِد أُرِيد أَن أَطُوف بِالْكَعْبَةِ فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي وَكَانَ إِذا صلى اسْتقْبل الشَّام وَجعل الْكَعْبَة بَينه وَبَين الشَّام وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَين الرُّكْن الْأسود والركن الْيَمَانِيّ قَالَ فَقلت حِين رَأَيْته وَالله لَو أَنِّي استمعت الْآن لمُحَمد اللَّيْلَة حَتَّى أسمع مَا يَقُول فَقلت لَئِن دَنَوْت مِنْهُ لأروعنه فَجئْت من قبل الْحجر وَدخلت تَحت ثِيَابهَا فَجعلت أَمْشِي رويدا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم يُصَلِّي يقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قُمْت فِي قبلته مستقبله مَا بيني وَبَينه إِلَّا ثِيَاب الْكَعْبَة

قَالَ فَلَمَّا سَمِعت الْقُرْآن رق لَهُ قلبِي وبكيت ودخلني الْإِسْلَام فَلم أزل قَائِما فِي مَكَاني ذَلِك حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته ثمَّ انْصَرف وَكَانَ مَسْكَنه فِي الدَّار الرقطاء الَّتِي كَانَت بيَدي مُعَاوِيَة قَالَ فتبعته حَتَّى إِذا دخل الْمَسْعَى بَين دَار الْعَبَّاس وَدَار ابْن أَزْهَر أَدْرَكته فَلَمَّا سمع حسي عرفني فَظن إِنَّمَا اتبعته لأؤذيه فنهمنى وَقَالَ مَا جَاءَ بك يَا ابْن الْخطاب هَذِه السَّاعَة قَالَ قلت جِئْت لأؤمن بِاللَّه وَرَسُوله وَبِمَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَحَمدَ الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ قد هداك الله يَا عمر ثمَّ مسح صَدْرِي ودعا لي بالثبات ثمَّ انصرفنا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل بَيته قَالَ ابْن إِسْحَاق فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ وَذكر ابْن ظفر فِي بشائر الْجِنّ بمبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمن ذَلِك مَا تضمنه حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي سَبَب إِسْلَام عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَأَنه توجه لما ضمنه لقريش من قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بِقوم من خُزَاعَة وَقد اعتمدوا صنما لَهُم يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَيْهِ فَقَالُوا لعمر ادخل مَعنا لتشهد الحكم فَدخل مَعَهم فَلَمَّا مثلُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا مِنْهُ هاتفا يَقُول شعرًا (يَا أَيهَا النَّاس ذَوي الْأَجْسَام ... مَا أَنْتُم وطائش الأحلام) (ومسندي الحكم إِلَى الْأَصْنَام ... أَصْبَحْتُم كراتع الْأَنْعَام)

(أما ترَوْنَ مَا أرى أَمَامِي ... من سَاطِع يجلو دجى الظلام) (قد لَاحَ للنَّاظِر من تهام ... وَقد بدا للنَّاظِر الشآم) (مُحَمَّد ذُو الْبر وَالْإِكْرَام ... أكْرمه الرَّحْمَن من إِمَام) (قد جَاءَ بعد الشّرك بِالْإِسْلَامِ ... يَأْمر بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَام) (وَالْبر والصلات للأرحام ... ويزجر النَّاس عَن الآثام) (فبادروا سبقا إِلَى الْإِسْلَام ... بِلَا فتور وَبلا إحجام) قَالَ فَتفرق الْقَوْم عَن الصَّنَم وَلم يحضرهُ يَوْمئِذٍ أحد إِلَّا أسلم ثمَّ أَتَى عمر إِلَى بَيت أُخْته فَبَاتَ فِيهِ ثمَّ أصبح فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ إِنَّه فِي منزل عَمه حَمْزَة فَخرج وَاضِعا سَيْفه على عَاتِقه فَلَقِيَهُ رجال من سليم قد سافروا إِلَى صنم لَهُم ليحكم بَينهم وَكَانَ اسْم الصَّنَم ضمار فدعوا عمر إِلَى الدُّخُول ليحضر الحكم فَفعل فَلَمَّا وقفُوا بَين يَدي الصَّنَم سمعُوا هاتفا يَقُول (أودي الضمار وَكَانَ يعبد مرّة ... قبل الْكتاب وَقبل بعث مُحَمَّد) (إِن الَّذِي ورث النُّبُوَّة وَالْهدى ... بعد ابْن مَرْيَم من قُرَيْش مهتدي) (سَيَقُولُ من عبد الضمار وَمثله ... لَيْت الضمار وَمثله لم يعبد) (أبشر أَبَا حَفْص بدين صَادِق ... تهدي إِلَيْهِ وبالكتاب المرشد) (واصبر أَبَا حَفْص قَلِيلا إِنَّه ... يَأْتِيك عز فَوق عز بني عدي) (لَا تعجلن فَأَنت نَاصِر دينه ... حَقًا يَقِينا بِاللِّسَانِ وباليد)

قَالَ فتعجب الْقَوْم وَتَفَرَّقُوا وأذهب الله مَا كَانَ فِي نفس عمر من الْعَدَاوَة ثمَّ ذهب فَأسلم قَالَ ابْن إِسْحَاق وحَدثني نَافِع مولى عبد الله بن عمر عَن عبد الله قَالَ لما أسلم أبي عمر قَالَ أَي قُرَيْش أنقل للْحَدِيث قَالَ قيل لَهُ جميل ابْن عمر الجُمَحِي قَالَ فغدا عَلَيْهِ قَالَ عبد الله فَغَدَوْت أتبع أَثَره وَأنْظر مَا يفعل وَأَنا غُلَام أَعقل كل مَا رَأَيْت حَتَّى جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أعلمت يَا جميل أَنِّي قد أسلمت وَدخلت فِي دين مُحَمَّد قَالَ فوَاللَّه مَا رَاجعه حَتَّى قَامَ يجر رِدَاءَهُ وَاتبعهُ عمر وَاتَّبَعت أبي حَتَّى إِذا قَامَ على بَاب الْمَسْجِد صرخَ بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش وهم فِي أَنْدِيَتهمْ حول الْكَعْبَة أَلا إِن ابْن الْخطاب قد صَبأ قَالَ يَقُول عمر من خَلفه كذب وَلَكِنِّي أسلمت لله وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وثاروا إِلَيْهِ فَمَا برح يقاتلهم ويقاتلونه حَتَّى قَامَت الشَّمْس على رؤوسهم قَالَ وطلح فَقعدَ قَالَ الْجَوْهَرِي طلح الْبَعِير أعيا وطلحت الْإِبِل بِالْكَسْرِ اشتكت بطونها قَالَ وَقَامُوا على رَأسه وَهُوَ يَقُول افعلوا مَا بدا لكم فأحلف بِاللَّه أَن لَو كُنَّا ثَلَاثمِائَة رجل لقد تركناها لكم أَو تَرَكْتُمُوهَا لنا قَالَ فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ أقبل شيخ من قُرَيْش عَلَيْهِ

حلَّة حبرَة وقميص موشى حَتَّى وقف عَلَيْهِم فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ قَالُوا صَبأ عمر قَالَ فَمه رجل اخْتَار لنَفسِهِ أمرا فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَتَرَوْنَ بني عدي بن كَعْب يسلمُونَ لكم صَاحبهمْ هَكَذَا خلوا عَن الرجل قَالَ فوَاللَّه لكَأَنَّمَا كَانُوا ثوبا كشط عَنهُ قَالَ فَقلت لأبي بعد أَن هَاجر إِلَى الْمَدِينَة يَا أَبَت من الرجل الَّذِي زجر عَنْك الْقَوْم بِمَكَّة يَوْم أسلمت وهم يقاتلونك جزاه الله خيرا قَالَ ذَاك الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي لَا جزاه الله خيرا قَالَ وَعَن بعض آل عمر قَالَ قَالَ عمر لما أسلمت تِلْكَ اللَّيْلَة تذكرت أَي أهل مَكَّة أَشد عَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى آتيه فَأخْبرهُ أَنِّي أسلمت قَالَ قلت أَبُو جهل بن هِشَام وَكَانَ عمر لحنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة قَالَ فَأَقْبَلت حِين أَصبَحت حَتَّى ضربت عَلَيْهِ بَابه قَالَ فَخرج إِلَيّ أَبُو جهل فَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا بِابْن أُخْتِي مَا جَاءَ بك قَالَ جِئْت لأخبرك أَنِّي قد آمَنت بِاللَّه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصدقت بِمَا جَاءَ بِهِ قَالَ فَضرب الْبَاب فِي وَجْهي وَقَالَ قبحك الله وقبح مَا جِئْت بِهِ وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ إِسْلَام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمامته رَحْمَة وَلَقَد رَأَيْتنَا وَلم نستطع أَن نصلي فِي

الْبَيْت حَتَّى أسلم عمر فَلَمَّا أسلم قَاتلهم حَتَّى تركونا نصلي وَذكر أَن عمر لما أسلم نزل جِبْرِيل فَقَالَ استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر وَكَانَ إِسْلَامه فِي السّنة الْخَامِسَة من الْبعْثَة وَقيل فِي السَّادِسَة وَاتَّفَقُوا على تَسْمِيَته بالفاروق قيل سَمَّاهُ الله بذلك وَقيل سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أحد أَصْهَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتابه قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره هَاجر إِلَى الْمَدِينَة جَهرا فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جمَاعَة وَشهد مَعَه الْمشَاهد كلهَا وَكَانَ شَدِيدا على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَكَانَ زاهدا فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا سيق إِلَيْهِ من خَزَائِن مُلُوك الأَرْض فِي خِلَافَته روقنا فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر وروى الأقليشي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لم يبْعَث الله نَبيا قطّ إِلَّا كَانَ فِي أمته مُحدث فَإِن يكن أحد فِي أمتِي فَهُوَ عمر قيل يَا رَسُول الله وَكَيف يحدث قَالَ تكلم الْمَلَائِكَة على لِسَانه وَلِهَذَا رُوِيَ أَن عمر كَانَ يخْطب يَوْم جُمُعَة بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ فِي خطبَته يَا سَارِيَة بن

زنيم الْجَبَل الْجَبَل فَالْتَفت النَّاس بَعضهم لبَعض فَلم يفهموا مُرَاده فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا هَذَا الَّذِي قلته قَالَ أَو سمعته قَالَ نعم وكل أهل الْمَسْجِد قَالَ وَقع فِي خلدي أَن الْمُشْركين هزموا إِخْوَاننَا وركبوا أَكْنَافهم يَمرونَ بجبل فَإِن عدلوا إِلَيْهِ قَاتلُوا من وجدوا وظفروا وَإِن جاوزوه هَلَكُوا فَخرج مني هَذَا الْكَلَام فجَاء البشير بعد شهر فَذكر أَنهم سمعُوا فِي ذَلِك الْيَوْم وَتلك السَّاعَة حِين جاوزوا الْجَبَل صَوتا يشبه صَوت عمر فعدلنا إِلَيْهِ فَفتح الله رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر بِسَنَد رِجَاله كلهم ثِقَات قَالَ قَالَ السمنطاري وَقد عبرت فِي أَرض وطئة بَين جبال بِقرب نهاوند فَأرَانِي بعض أهل تِلْكَ النَّاحِيَة مَوضِع الْقِتَال وأخبروني أَن الْمُشْركين يَوْمئِذٍ أوقدوا نَارا فِي خَنْدَق هُنَاكَ أشاروا إِلَيّ بموضعه ليكيدوا الْمُسلمين بالإنهزام إِلَيْهِ كي يقعوا فِي تِلْكَ النَّار فأنجى الله سَارِيَة وَأَصْحَابه بِصَوْت عمر رَضِي الله عَنهُ وأدال لَهُم على الْمُشْركين فوقعوا فِي تِلْكَ النَّار الَّتِي وقدوها بِأَيْدِيهِم واحترقوا فِيهَا وَفتح الله على الْمُسلمين بنهاوند هَذَا نَحْو مَا أخبروني بِهِ هُنَاكَ على مَا توارثوه فيهم وَذكر ابْن ظفر فِي كتاب خير الْبشر عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه

قَالَ لكعب يَا كَعْب أدْركْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد علمت أَن مُوسَى بن عمرَان تمنى أَن يكون فِي أَيَّامه فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أدْركْت أَبَا بكر وَهُوَ خير مني فَلم تسلم على يَدَيْهِ ثمَّ أسلمت فِي أيامي قَالَ لَا تعجل عَليّ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي كنت أتلبث حَتَّى أنظر الْأَمر كَيفَ هُوَ فَوَجَدته كَالَّذي هُوَ فِي التَّوْرَاة فَقَالَ عمر وَكَيف هُوَ قَالَ رَأَيْت فِي التَّوْرَاة أَن سيد الْخلق والصفوة من ولد آدم وَخَاتم النَّبِيين يظْهر من جبال فاران من منبت الْفَرْض من الْوَادي الْمُقَدّس فَيظْهر التَّوْحِيد وَالْحق ثمَّ ينْتَقل إِلَى الطّيبَة فَتكون حروبه وأيامه فِيهَا ثمَّ يقبض فِيهَا ويدفن بهَا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي من بعده الشَّيْخ الصَّالح قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت مُتبعا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي الْقرن الْحَدِيد فَقَالَ عمر وادفراه ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل شَهِيدا قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب الْحيَاء وَالْكَرم قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يقتل مَظْلُوما قَالَ عمر ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَلِي صَاحب المحجة الْبَيْضَاء وَالْعدْل والسواء صَاحب الشّرف التَّام وَالْعلم الْجَام قَالَ عمر هُوَ أَبُو الْحسن ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ يَمُوت شَهِيدا سعيدا قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ كَعْب ثمَّ ينْتَقل الْأَمر إِلَى الشَّام فَقَالَ عمر حَسبك يَا كَعْب

تفسير

تَفْسِير الدفر بِالدَّال الْمُهْملَة النتن وَالْحَدِيد دفر وَقصد التَّوَاضُع فَذكر رَائِحَة الْحَدِيد وَأعْرض عَن أَوْصَافه الْحَسَنَة من الْقُوَّة وَالْقطع وَمِنْه تسمى الدُّنْيَا أم دفر وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ شَدِيد التخشع رُوِيَ أَنه كَانَ فِي وَجهه خطان أسودان من الْبكاء قَالَ ابْنه عبد الله صليت وَرَاءه فَسمِعت حنينه من وَرَاء ثَلَاثَة صُفُوف ختم الله لَهُ بِالشَّهَادَةِ وَكَانَ سَببهَا طعنه أَبُو لؤلؤة فَيْرُوز غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي الصُّبْح بسكين مَسْمُومَة ذَات طرفين وَذَلِكَ لثلاث بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاث وَعشْرين وَكَانَ يَوْم الْأَرْبَعَاء وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين وَسِتَّة أشهر على خلاف فِي ذَلِك توفّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة وَهُوَ الصَّحِيح وَفتح بَاب الْفِتْنَة بعد على مَا ورد فِي الصَّحِيح روى مُحَمَّد بن الْحسن الشعري فِي كِتَابه الملامح والمعاريض عَن أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة} قَالَ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ إِن عمر رَضِي الله عَنهُ أَخذ بِيَدِهِ يَوْمًا فغمزها فَقَالَ خل يَدي يَا قفل الْفِتْنَة فَقَالَ عمر مَا قَوْلك قفل الْفِتْنَة فَقَالَ إِنَّك جِئْت

ذَات يَوْم فَجَلَست فِي آخر الْقَوْم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تصيبكم فتْنَة مَا دَامَ هَذَا فِيكُم وروى الشعري أَيْضا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ أَنا وَعُثْمَان فتْنَة لهَذِهِ الْأمة وَشَرحه فِيمَا روى معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال بَاب الْفِتْنَة مغلقا عَن أمتِي مَا عَاشَ فيهم عمر بن الْخطاب فَإِذا هلك تَتَابَعَت عَلَيْهِم الْفِتَن 3 - عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن عبد الْبر عُثْمَان بن عَفَّان بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف يلتقي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عبد منَاف وَأمه أورى بنت كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس وَأمّهَا أم حَكِيم الْبَيْضَاء بنت عبد الْمطلب وكنيته أَبُو عَمْرو وَقيل أَبُو عبد الله وَقيل أَبُو ليلى كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قبل دُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم دَعَاهُ أَبُو بكر إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَهَاجَر الهجرتين إِلَى الْحَبَشَة وَالْمَدينَة وَتزَوج ابْنَتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ من كِتَابه ذكره عمر بن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مُحَمَّد بن سعد وَكتب رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنهشل بن مَالك الوائلي من باهلة كتابا كتبه عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يَأْتِي ذكره فِيمَا بعد من كتابي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ الأقليشي قيل للمهلب بن أبي صفرَة لم قيل لعُثْمَان ذُو النورين قَالَ لِأَنَّهُ لَا نعلم أحدا أرسل سترا على ابْنَتي نَبِي غَيره قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي فِي الشَّرْح ثَبت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سَأَلت رَبِّي عز وَجل أَن لَا يدْخل النَّار أحدا صاهر إِلَيّ أَو صاهرت إِلَيْهِ وَسِيَاق سَنَده إِلَى سهل بن سعد قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل فِي الْجنَّة برق قَالَ نعم إِن عُثْمَان يتَحَوَّل من منزل إِلَى منزل فتبرق الْجنَّة رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَزَاد غَيره برقين فَلذَلِك سمي ذَا النورين قَالَ الأقليشي روينَا عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صعد أحدا وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم فَرَجَفَ بهم فَضَربهُ بِرجلِهِ وَقَالَ اسكن أحد فَإِن عَلَيْك نَبيا وصديقا وشهيدين وَعَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعُثْمَان يَا عُثْمَان أَنْت وليي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَعَن أم كُلْثُوم بنت ثُمَامَة قَالَت سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَت لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاضِعا رَأسه على فَخذي وَعُثْمَان عَن يَمِينه وَجِبْرِيل يوحي إِلَيْهِ قَالَت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اكْتُبْ عُثْمَان فَمَا كَانَ الله ينزل تِلْكَ الْمنزلَة إِلَّا كَرِيمًا على الله تَعَالَى وعَلى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن

أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة رَافعا يَدَيْهِ من أول اللَّيْل إِلَى أَن طلع الْفجْر يَدْعُو لعُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول اللَّهُمَّ عُثْمَان رضيت عَنهُ فارض عَنهُ بذل فِي طَاعَة الله تَعَالَى الْأَمْوَال فنال من الثَّوَاب مَا نَالَ وَعَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ جَاءَ عُثْمَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَلف دِينَار حِين جهز جَيش الْعسرَة فنثرها فِي حجره قَالَ فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقلبها فِي حجره وَيَقُول مَا ضرّ عُثْمَان مَا عمل بعد الْيَوْم مرَّتَيْنِ وَعَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ حمل عُثْمَان بن عَفَّان فِي غَزْوَة تَبُوك على تِسْعمائَة بعير وَأَرْبَعين بَعِيرًا ثمَّ جَاءَ بستين فرسا فَأَتمَّ بهَا الْألف وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قحط الْمَطَر على عهد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَاجْتمع النَّاس إِلَى أبي بكر فَقَالُوا السَّمَاء لم تمطر وَالْأَرْض لم تنْبت وَالنَّاس فِي شدَّة شَدِيدَة فَقَالَ أَبُو بكر انصرفوا واصبروا فانكم لَا تمشون حَتَّى يفرج الله الْكَرِيم عَنْكُم فَمَا لبثنا إِلَّا قَلِيلا إِذْ جَاءَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ من الشَّام مائَة رَاحِلَة برا أَو قَالَ طَعَاما فَاجْتمع النَّاس إِلَى بَابه وقرعوا عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيْهِم عُثْمَان فِي مَلأ من النَّاس فَقَالَ مَا تشاؤون فَقَالُوا الزَّمَان قحط وَالسَّمَاء لم تمطر وَالْأَرْض لم تنْبت وَالنَّاس فِي شدَّة شَدِيدَة وَقد بلغنَا أَن عنْدك طَعَاما فبعنا حَتَّى نوسع على فُقَرَاء الْمُسلمين قَالَ عُثْمَان حبا وكرامة ادخُلُوا فاشروا فَدخل التُّجَّار فَإِذا الطَّعَام

مَوْضُوع فِي دَار عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ معشر التُّجَّار كم تربحونني على شرائي من الشَّام قَالُوا للعشرة اثْنَا عشر قَالَ عُثْمَان قد زادوني قَالُوا للعشرة أَرْبَعَة عشر قَالَ عُثْمَان زادوني قَالُوا للعشرة خَمْسَة عشر قَالَ عُثْمَان قد زادوني قَالَ التُّجَّار يَا أَبَا عَمْرو مَا بَقِي فِي الْمَدِينَة تجار غَيرنَا فَمن ذَا الَّذِي زادك قَالَ زادني الله عز وَجل بِكُل دِرْهَم عشرا أعندكم زِيَادَة قَالُوا اللَّهُمَّ لَا قَالَ فَإِنِّي أشهد الله أَنِّي قد جعلت هَذَا الطَّعَام صَدَقَة على فُقَرَاء الْمُسلمين قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَرَأَيْت فِي لَيْلَتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي فِي الْمَنَام وَهُوَ على برذون أبلق عَلَيْهِ حلَّة من نور فِي رجلَيْهِ نَعْلَانِ من نور وَبِيَدِهِ قضيب من نور وَهُوَ مستعجل قلت يَا رَسُول الله قد اشْتَدَّ شوقي إِلَيْك وَإِلَى كلامك فَأَيْنَ تبادر قَالَ يَا ابْن عَبَّاس إِن عُثْمَان بن عَفَّان تصدق بِصَدقَة وَإِن الله تَعَالَى قد قبلهَا مِنْهُ وزوجه بهَا عروسا فِي الْجنَّة وَقد دعينا إِلَى عرسه فَأكْرم بِمَال يُوصل صَاحبه هَذِه الرُّتْبَة وينيله هَذِه الخصوصية والقربة وَلَقَد رُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يطعم النَّاس طَعَام الْإِمَارَة وَيدخل بَيته فيأكل الْخلّ وَالزَّيْت وَعَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ رَأَيْت عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجُمُعَة على الْمِنْبَر وَعَلِيهِ إِزَار عدني غليظ يُسَاوِي أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو خَمْسَة وريطة كوفية ممشقة الريطة الملاءة إِذا كَانَت قِطْعَة وَاحِدَة وَلم تكن لفقتين قَالَه

الْجَوْهَرِي والممشق اللبيس وَقيل الْمَصْبُوغ وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَائِط فَاسْتَفْتَحَ رجل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ فَإِذا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ واستفتح آخر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ ففتحت لَهُ وبشرته بِالْجنَّةِ فَإِذا عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ استفتح آخر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَحْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ على بلوى تصيبه ففتحت لَهُ وبشرته بِالْجنَّةِ وَإِذا هُوَ عُثْمَان بن عَفَّان فَأَخْبَرته بِالَّذِي قَالَ فَقَالَ الله الْمُسْتَعَان وَعَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة رجل يُصَلِّي عَلَيْهِ فَلم يصل عَلَيْهِ فَقيل يَا رَسُول الله مَا رَأَيْنَاك تركت الصَّلَاة على أحد قبل هَذَا قَالَ إِنَّه كَانَ يبغض عُثْمَان فَأَبْغضهُ الله وَعَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ مَا كنت لأقاتل بعد رُؤْيا رَأَيْتهَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَعَلقا بالعرش وَرَأَيْت أَبَا بكر وَاضِعا يَده على منْكب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت عمر وَاضِعا يَده على منْكب أبي بكر وَرَأَيْت عُثْمَان وَاضِعا يَده على منْكب عمر وَرَأَيْت دونهم دَمًا فَقلت مَا هَذَا فَقيل هَذَا دم عُثْمَان الله يطْلب بِهِ وَقَالَ الأقليشي رَحمَه الله فِي عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ يمدحه وضمنها من قَول حسان رَضِي الله عَنهُ

(حوى الْفَضَائِل ذُو النورين عُثْمَان ... إِذْ حل فِي قلبه نور وإيقان) (صهر الرَّسُول على بنتيه قدستا ... وَلم يحز مثل هَذَا قبل إِنْسَان) (ولي أَحْمد فِي الدُّنْيَا وآخرة ... لَهُ صَلَاح وإيمان وإحسان) (أما الْحيَاء فَفِي خديه مؤتلق ... وَفِي الْفُؤَاد لَهُ نور وبرهان) (أما السخاء فوصف كَانَ يَصْحَبهُ ... فوجهه بضياء الْجُود يَزْدَان) (كم سد من خلل بِمَا لَهُ جلل ... وَصد من علل وَالله منان) (كَانَت ولَايَته بِالْعَدْلِ قَائِمَة ... حَتَّى استطار من الْفُسَّاق طغيان) (فَقَتَلُوهُ اعتداء وسط منزله ... كَأَنَّمَا هُوَ للفجار قرْبَان) (ضحوا بأشمط عنوان السُّجُود بِهِ ... فليله الدَّهْر تَسْبِيح وَقُرْآن) (قد رَاح روح شَهِيد الدَّار مؤتلقا ... وَعَمه فِي العلى روح وَرَيْحَان) قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ربعَة لَيْسَ بالقصير

وَلَا بالطويل حسن الْوَجْه رَقِيق الْبشرَة كَبِير اللِّحْيَة عظيمها أسمر اللَّوْن كثير الشّعْر ضخم الكراديس بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم السبت غرَّة الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين بعد دفن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ بِثَلَاثَة أَيَّام باجتماع النَّاس عَلَيْهِ وَقتل بِالْمَدِينَةِ يَوْم الْجُمُعَة لثمان عشرَة خلت من ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَدفن بِالبَقِيعِ وَقيل غير ذَلِك ولي الْخلَافَة اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَّا عشرَة أَيَّام وَفِي هَذِه التواريخ خلاف ذكرهَا ابْن عبد الْبر فِي استيعابه وَغَيره 4 - عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو طَالب أَخُو عبد الله وَالِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قرشي هاشمي يكنى أَبَا الْحسن وَأَبا تُرَاب وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ كنية ثَالِثَة وَهُوَ أَبُو قَصم قَالَ ابْن دحْيَة فِي تأليفه مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين وَيُقَال لعَلي أَبُو القصم قَالَ ذَلِك يَوْم أحد فِي مبارزته لأبي سعيد بن أبي طَلْحَة والقصم جمع قصمة وَهِي العضلة الْمهْلكَة وَيجوز أَن يكون جمع قصماء وَهِي الداهية الَّتِي تقصم قَالَ الْجَوْهَرِي وقصم مثل قثم يحطم مَا لَقِي

قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد حَدثنِي بعض أهل الْعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سمى عليا أَبَا تُرَاب إِنَّه كَانَ إِذا عتب على فَاطِمَة فِي شَيْء لم يكملها وَلم يقل لَهَا شَيْئا تكرههُ إِلَّا أَنه يَأْخُذ تُرَابا فيضعه على رَأسه قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى عَلَيْهِ التُّرَاب يعرف أَنه عَاتب على فَاطِمَة فَيَقُول مَالك يَا أَبَا تُرَاب وَسَماهُ وَالِده عليا روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك إِن اسْم عَليّ أَسد وَذَلِكَ أَن أمه لما وَلدته سمته أسدا باسم أَبِيهَا وأبى أَبُو طَالب وَقَالَ سميه عليا فَهُوَ حَيْثُ يَقُول يَوْم خَيْبَر (أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره ... ) وَلم يقل سماني أبي والحيدرة الْأسد وَفِي سنه حِين أسلم أَقْوَال مِنْهَا أَنه أسلم وَهُوَ ابْن خمس عشرَة سنة وَقيل عشرَة قَالَه ابْن إِسْحَاق وروينا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأسلم عَليّ يَوْم الثُّلَاثَاء

قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ إِن عليا جَاءَ بعد ذَلِك الْيَوْم يَعْنِي بعد إِسْلَام خَدِيجَة وصلاتها مَعَه فوجدهما يصليان فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين الله الَّذِي اصْطفى لنَفسِهِ وَبعث بِهِ رسله أَدْعُوك إِلَى الله وَإِلَى عِبَادَته وَكفر بِاللات والعزى فَقَالَ حَتَّى أحدث أَبَا طَالب فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يفشى سره فَقَالَ لعَلي إِن لم تسلم فاكتم ثمَّ أوقع الله الْإِسْلَام فِي قلبه فَأصْبح حَتَّى جَاءَهُ فَأسلم وَكَانَ مِمَّا أنعم الله بِهِ على عَليّ أَن كَانَ فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ صَغِير قَالَ القَاضِي عِيَاض خرج الطَّحَاوِيّ فِي مُشكل الحَدِيث عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوحى إِلَيْهِ وَرَأسه فِي حجر عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَلم يصل الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصليت يَا عَليّ قَالَ لَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنَّه كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك فاردد عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَت أَسمَاء فرأيتها غربت ثمَّ رَأَيْتهَا طلعت بَعْدَمَا غربت ووقفت على الْجبَال وَالْأَرْض وَذَلِكَ بالصهباء فِي خَيْبَر قَالَ وَهَذَا الحَدِيث ثَابت وَرُوَاته ثِقَات وَحكى الطَّحَاوِيّ أَن أَحْمد بن صَالح كَانَ يَقُول لَا يَنْبَغِي لمن سَبيله الْعلم التَّخَلُّف عَن حفظ حَدِيث أَسمَاء لِأَنَّهُ من عَلَامَات النُّبُوَّة وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات وَعين

وَاضعه وَقَالَ ثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِن الشَّمْس لم تحبس لأحد إِلَّا ليوشع وَذكر الشَّيْخ ضِيَاء الدّين أَبُو النجيب السهرودي فِي كتاب آدَاب المريدين لخدمة رب الْعَالمين زواج عَليّ لفاطمة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هم بتزويج فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا من عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ تكلم لنَفسك خَطِيبًا وَقد اجْتمع الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار فَقَالَ الْحَمد لله حمدا يبلغهُ ويرضيه وَصلى الله على مُحَمَّد صَلَاة تزلفه وتحظيه وَالنِّكَاح مِمَّا أَمر الله بِهِ ورضيه واجتماعنا فِيمَا أذن الله فِيهِ وَقدره وَهَذَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوجنِي ابْنَته فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا على صدَاق مبلغه خَمْسمِائَة دِرْهَم وَقد رضيت فَاسْأَلُوهُ واشهدوا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَا كَانَ لنا إِلَّا إهَاب كَبْش نبيت عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ونعلف عَلَيْهِ الناضح بِالنَّهَارِ وروى مُحَمَّد بن ظفر فِي كتاب أنباء نجباء الْأَبْنَاء أَن أَبَا طَالب ابْن عبد الْمطلب قَالَ لفاطمة بنت أَسد وَهِي زَوجته أم أَوْلَاده يَا فَاطِمَة مَا لي لَا أرى عليا يحضر طعامنا فَقَالَت إِن خَدِيجَة بنت خويلد قد تألفته فَقَالَ أَبُو طَالب لَا أحضر طَعَاما غَابَ عَنهُ عَليّ

تفسير ما في هذا الخبر من الغريب

فَأرْسلت إِلَيْهِ وَلَدهَا جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَت جئني بِهِ وحدثها مَا قَالَ أَبوهُ فَانْطَلق جَعْفَر إِلَى خَدِيجَة فأعلمها وَأخذ عليا وَانْطَلق بِهِ إِلَى أَهله وَأَبُو طَالب على غذائه فَلَمَّا رَآهُ بشر بِهِ وَأَجْلسهُ على فَخذه وَوضع كَفه على رَأسه وَجعل لقْمَة فِي فِيهِ فلاكها ثمَّ لَفظهَا وَبكى فَقَالَ أَبُو طَالب يَا فَاطِمَة خذي إِلَيْك هَذَا الطِّفْل فانظري مَا شَأْنه فَأَخَذته أمه ولاطفته وسكتته وَسَأَلته فَقَالَ أتكتمين عَليّ فَقَالَت نعم فَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي أجد لكف مُحَمَّد بردا ولطعامه قداوة وَإِنِّي وجدت لكف أبي حرا ولطعامه وخاصة وتفلا فَقَالَت لَهُ لَا تفه بِهَذَا وَإِن سَأَلَك أَبوك فَقل إِنِّي مغست وَلما فرغ أَبُو طَالب من غذائه قَالَ يَا فَاطِمَة مَا بَال ابْني فَقَالَت إِنَّه كَانَ مغس فَقَالَ كلا وهبل مَا بِهِ إِلَّا إِيثَار مُحَمَّد علينا فالحقيه بِهِ وَلَا تعرضي لَهُ بعد فيوشك أَن يهصر بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصلاب قُرَيْش تَفْسِير مَا فِي هَذَا الْخَبَر من الْغَرِيب اللوك المضغ وَاللَّفْظ إِلْقَاء الشَّيْء من الْفَم قداوة أَي طيب ريحة قدي اللَّحْم يقدى قديا وتفلا التفل تغير الرَّائِحَة وفسادها ومغس أَي أَصَابَهُ المغس وَهُوَ دَاء مَعْرُوف قَوْله فيوشك

مَعْنَاهُ يسْرع والوشيك السَّرِيع وَقَوله يهصر أَي يعْطف ويثنى ليكسر وَقَوله كلا وهبل صنم كَانُوا يعظمونه أقسم بِهِ وَكَانَ دَاخل الْكَعْبَة وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو سُفْيَان فِي غَزْوَة أحد فِي قَوْله اعْل هُبل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تجيبوه قَالُوا مَا نقُول فَقَالَ قُولُوا الله أَعلَى وَأجل قلت وَأَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا المكيين أَنه مَوْجُود بِمَكَّة مَعْرُوف عِنْدهم يَبُولُونَ عِنْده وَأَنه ألقِي هُوَ وَغَيره من الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة وَكَانَت نَحْو الثلاثمائة وَسِتِّينَ صنما قد شدها إِبْلِيس لَهُم بالرصاص ذكره الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة وَقَالَ وَهُوَ مَا روينَاهُ عَنهُ بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح وحول الْكَعْبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنما فَجعل يطعنها وَيَقُول {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضيب وَهُوَ يطوف على رَاحِلَته بِالْكَعْبَةِ وَيُشِير إِلَيْهَا فَمَا مِنْهَا صنم أَشَارَ إِلَى وَجهه إِلَّا وَقع على دبره وَلَا أَشَارَ إِلَى دبره إِلَّا وَقع على وَجهه حَتَّى وَقعت كلهَا وَأمر بهَا فَجمعت ثمَّ حرقت بالنَّار وَكسرت فَفِي ذَلِك يَقُول فضَالة بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ فِي ذكر يَوْم الْفَتْح (لَو مَا رَأَيْت مُحَمَّدًا وَجُنُوده ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام)

(لرأيت نور الله أصبح بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الأظلام) قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم} الْآيَة قَالَ الْبَغَوِيّ قَرَأَهَا عَليّ حطب جَهَنَّم عود وانعطاف لما نَحن بصدده وَأمه رَضِي الله عَنهُ فَاطِمَة بنت أَسد بن هَاشم بن عبد منَاف وَهِي أول هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وَهَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة وَمَاتَتْ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي أم عَليّ وَعقيل وجعفر وطالب أَوْلَاد أبي طَالب قَالَ صَاحب المورد العذب رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألبسها قَمِيصه وَصلى عَلَيْهَا وَكبر عَلَيْهَا سبعين واضطجع فِي قبرها وجزاها خيرا فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَت أُمِّي بعد أُمِّي وَلم يكن بعد أبي طَالب أبر بِي مِنْهَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ هُوَ الْكَاتِب لعهوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عهد وصلحه إِذا صَالح بُويِعَ لَهُ بالخلافة يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي قتل فِيهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَت خِلَافَته أَربع سِنِين وَسَبْعَة أشهر وَقتل وَله من الْعُمر ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة وَقيل غير ذَلِك قَتله أَشْقَى النَّاس عبد الرَّحْمَن بن ملجم بِسيف مَسْمُوم وَذَلِكَ لَيْلَة الْجُمُعَة ثمَّ توفّي بِالْكُوفَةِ لَيْلَة الْأَحَد

التَّاسِع عشر من شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ قيل دفن برحبة الْكُوفَة وَقيل بطرِيق الْحيرَة وَقيل حمل إِلَى الْمَدِينَة فَدفن عِنْد فَاطِمَة وَقيل حمل فِي تَابُوت على جمل وَإِن الْجمل تاه وَوَقع فِي بِلَاد طَيئ وَقيل جهل مَوضِع قَبره رَضِي الله عَنهُ 5 - أبي بن كَعْب ابْن قيس بن عبيد بن زيد بن مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مَالك بن النجار والنجار هُوَ تيم اللات بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو ابْن الْخَزْرَج الْأَكْبَر المعاوي وَبَنُو مُعَاوِيَة بن عَمْرو يعْرفُونَ ببني جديلة وَهِي أمّهم قيل سمي النجار لِأَنَّهُ نجر وَجه رجل بالقدوم وَقيل غير ذَلِك كناه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي الْمُنْذر وكناه عمر بِأبي الطُّفَيْل قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة مَعَك فِي كتاب الله أعظم فَقلت {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ ليهنئك الْعلم يَا أَبَا الْمُنْذر شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَبَايع فِيهَا ثمَّ شهد بَدْرًا وَكَانَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة وأقرأهم لكتاب الله عز وَجل وَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة {لم يكن} وَقَالَ إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ

عَلَيْك قَالَ آللَّهُ سماني لَك قَالَ نعم فَجعل أبي يبكي قَالَه ابْن عبد الْبر وَرُوِيَ عَن أبي محجن الثَّقَفِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر وَأَقْوَاهُمْ فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقضاهم عَليّ وأقرؤهم أبي وأفرضهم زيد بن ثَابت وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وَمَا أظلت الخضراء وَلَا أقلت الغبراء على ذِي لهجة أصدق من أبي ذَر وَلكُل أمة أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَكَانَ أبي مِمَّن كتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل زيد بن ثَابت وَمَعَهُ أَيْضا قَالَ ابْن عبد الْبر وروى الْوَاقِدِيّ عَن أشياخه قَالَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه الْمَدِينَة أبي بن كَعْب وَهُوَ أول من كتب فِي آخر الْكتاب وَكتب فلَان قَالَ وَكَانَ أبي إِذا لم يحضر دَعَا رَسُول الله زيد بن ثَابت فَكَانَ زيد وَأبي يكتبان الْوَحْي بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويكتبان كتبه إِلَى النَّاس وَمَا يقطع وَغير ذَلِك مَاتَ أبي فِي خلَافَة عمر سنة تسع عشرَة وَقيل فِي صدر خلَافَة عُثْمَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ عَليّ ابْن الْمَدِينِيّ مَاتَ الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَأبي بن كَعْب قَرِيبا بَعضهم من بعض وَقيل غير ذَلِك وَالْأَكْثَر على أَنه مَاتَ فِي خلَافَة عمر

يعد فِي أهل الْمَدِينَة روى عَنهُ عبَادَة بن الصَّامِت وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن خباب وَابْنه الطُّفَيْل بن أبي وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ 6 - أبان بن سعيد ابْن الْعَاصِ بن أُميَّة ابْن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي قَالَه ابْن عبد الْبر قَالَ وَتَأَخر إِسْلَامه بعد إِسْلَام أَخَوَيْهِ خَالِد وَعَمْرو ثمَّ أسلم وَحسن إِسْلَامه وَقَالَ ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أَيْضا وَهُوَ الَّذِي أَجَارَ عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قُرَيْش عَام الْحُدَيْبِيَة وَحمله على فرس حَتَّى دخل مَكَّة وَقَالَ لَهُ شعر (أقبل وَأدبر وَلَا تخف أحدا ... بَنو سعيد أعزة الْحرم) وَكَانَ إِسْلَامه بَين الْحُدَيْبِيَة وخيبر قَالَ ويروى عَن الْحسن أَنه قَالَ قدم أبان بن سعيد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أبان كَيفَ تركت أهل مَكَّة قَالَ تَركتهم وَقد جيدوا يَعْنِي الْمَطَر وَتركت الْإِذْخر وَقد

أعذق وتكرت الثمام وَقد خَاص قَالَ فاغرورقت عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَنا أفصحكم ثمَّ أبان بعدِي وَاسْتَعْملهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبَحْرين إِذْ عزل الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ عَنْهَا فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ هُوَ الَّذِي تولى إملاء مصحف عُثْمَان على زيد بن ثَابت أَمرهمَا بذلك عُثْمَان قَالَ ذكر ذَلِك ابْن شهَاب عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه وَاخْتلف فِي وَقت وَفَاة أبان بن سعيد قَالَ ابْن إِسْحَاق قتل أبان وَعَمْرو ابْنا سعيد بن الْعَاصِ يَوْم اليرموك وَلم يُتَابع عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ لخمس مضين من رَجَب سنة خمس عشرَة فِي خلَافَة عمر وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة قتل يَوْم أجنادين وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم وَقيل يَوْم مرج الصفر وَكَانَت وقْعَة أجنادين فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث عشرَة فِي خلَافَة أبي بكر قبل وَفَاته بِدُونِ شهر ووقعة مرج الصفر فِي صدر خلَافَة عمر سنة أَربع عشرَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ 7 - الأرقم بن أبي الأرقم قَالَ ابْن عبد الْبر اسْم أبي الأرقم عبد منَاف بن أَسد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي وَأمه من بني سهم بن

عَمْرو بن هصيص اسْمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْحَارِث وَيُقَال تماضر بنت حذيم من بني سهم يكنى أَبَا عبد الله كَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين قديم الْإِسْلَام كَانَ سَابِع سَبْعَة وَقيل أسلم بعد عشرَة أنفس يعد فِي أهل بدر وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخفيا من قُرَيْش بِمَكَّة فِي دَاره على الصَّفَا قلت وَهِي الَّتِي تسمى فِي زمننا دَار الخيزران كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو النَّاس فِيهَا إِلَى الْإِسْلَام حَتَّى تكاملوا أَرْبَعِينَ رجلا وَكَانَ آخِرهم إسلاما عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم أسلم فِي دَاره كبار الصَّحَابَة فَلَمَّا تكاملوا أَرْبَعِينَ خَرجُوا توفّي الأرقم بن أبي الأرقم سنة خمس وَخمسين بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن بضع وَثَمَانِينَ سنة وَأوصى أَن يصلى عَلَيْهِ سعيد بن أبي وَقاص وَكَانَ غَائِبا فِي العقيق فانتظره بِهِ ابْنه عبيد الله حَتَّى جَاءَ فصلى عَلَيْهِ وَمَات أَبوهُ أَبُو الأرقم يَوْم مَاتَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا ذكره ابْن سعد فِيمَن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي ذكر من ذَلِك فِي كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك قَالَ صَاحب المورد العذب الهنيء فِي شَرحه للسيرة لعبد الْغَنِيّ

إِن ابْن ابْن عَسَاكِر وَابْن عبد الْبر وَابْن عبد ربه ذَكرُوهُ فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 8 - بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر هُوَ بُرَيْدَة بن الْحصيب بن عبد الله بن الْحَارِث بن الْأَعْرَج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم بن مَازِن بن الْحَارِث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر يكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا سهل وَقيل أَبَا الْحصيب وَقيل أَبَا ساسان أسلم قبل بدر وَلم يشهدها وَشهد الْحُدَيْبِيَة وَبَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة وَلما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة فَانْتهى إِلَى الغميم أَتَاهُ بُرَيْدَة بن الْحصيب فَأسلم هُوَ وَمن مَعَه وَكَانُوا زهاء

ثَمَانِينَ بَيْتا وَرُوِيَ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتطير وَلَكِن يتفاءل فَركب بُرَيْدَة فِي سبعين رَاكِبًا من أهل بَيته من بني سهم فَتَلقاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ نَبِي الله من أَنْت قَالَ أَنا بُرَيْدَة فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ برد أمرنَا يَا أَبَا بكر وَصلح قَالَ ثمَّ قَالَ لي مِمَّن أَنْت قلت من أسلم قَالَ لأبي بكر سلمنَا ثمَّ قَالَ من بني من قلت من بني سهم قَالَ خرج سهمك وَرُوِيَ عَن وَلَده عبد الله قَالَ مَاتَ وَالِدي بمرو وقبره بالحصن وَهُوَ قَائِد أهل الْمشرق ونورهم لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل مَاتَ من أَصْحَابِي ببلدة فَهُوَ قائدهم ونورهم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي روى هِلَال بن سراج بن مجاعَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطَاهُ أَرضًا بِالْيمن فَكتب لَهُ عَنهُ بُرَيْدَة من مُحَمَّد رَسُول الله لمجاعة بن مرَارَة من بني سليم إِنِّي أَعطيتك الغورة فَمن حاجه فِيهَا فَليَأْتِنِي وَكتب بُرَيْدَة قَالَ ابْن عبد الْبر مجاعَة بن مرَارَة الْحَنَفِيّ اليمامي كَانَ من رُؤَسَاء بني حنيفَة وَله خبر فِي الرِّدَّة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد وَهُوَ الَّذِي صَالح خَالِد بن الْوَلِيد يَوْم الْيَمَامَة فِي قصَّة يطول ذكرهَا مِنْهَا أَنه كَانَ موثوقا مَعَ خَالِد فَرَأى خَالِد أَصْحَاب

مُسَيْلمَة وَقد انتضوا سيوفهم فَقَالَ يَا مجاعَة فشل قَوْمك قَالَ لَا وَلكنهَا اليمانية رَوَاهُ سيف الهندوانية لَا تلين متونها حَتَّى تشرق الشَّمْس عَلَيْهَا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أقطع مجاعَة أَرضًا بِالْيَمَامَةِ وَكتب لَهُ كتابا فَقَالَ قَائِلهمْ شعر (ومجاع الْيَمَامَة قد أَتَانَا ... يخبرنا بِمَا قَالَ الرَّسُول) (فأعطينا المقادة واستقمنا ... وَكَانَ الْمَرْء يسمع مَا يَقُول) روى عَنهُ ابْنه سراج وَلم يرو عَنهُ غَيره وَالله أعلم 9 - ثَابت بن قيس بن شماس ابْن ظهير بن مَالك ابْن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج وَأمه امْرَأَة من طَيئ يكنى أَبَا مُحَمَّد بِابْنِهِ وَقيل أَبُو عبد الرَّحْمَن قتل بنوه مُحَمَّد وَيحيى وَعبد الله يَوْم الْحرَّة كَانَ ثَابت خطيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطيب الْأَنْصَار كَمَا أَن حسانا شَاعِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد أحدا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد قتل

يَوْم الْيَمَامَة فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ أنس لما انْكَشَفَ النَّاس يَوْم الْيَمَامَة قلت لِثَابِت أَلا ترى يَا عَم وَوَجَدته حسر عَن فَخذيهِ يتحنط فَقَالَ مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بئس مل عودتم أَقْرَانكُم وَبئسَ مَا عودتم أَنفسكُم اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا يصنع هَؤُلَاءِ ثمَّ قَاتل حَتَّى قتل وَقَالَ إِنَّه كَانَ بِهِ مس من الْجِنّ وَلما أنزل الله تَعَالَى {إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} فأغلق عَلَيْهِ بَابه وطفق يبكي فَفَقدهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ فَأخْبرهُ وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أحب الْجمال وَأحب أَن أسود قومِي فَقَالَ لست مِنْهُم بل تعيش حميدا وَتقتل شَهِيدا وَتدْخل الْجنَّة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْيَمَامَة خرج مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب فَلَمَّا الْتَقَوْا انكشفوا فَقَالَ ثَابت وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة مَا هَكَذَا كُنَّا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حفر كل وَاحِد مِنْهُمَا حُفْرَة فثبتا وقاتلا حَتَّى قتلا وعَلى ثَابت يَوْمئِذٍ درع نفيسة فَمر بِهِ رجل من الْمُسلمين فَأَخذهَا فَبينا رجل من الْمُسلمين نَائِم أَتَاهُ ثَابت فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِنِّي أوصيك بِوَصِيَّة فإياك أَن تَقول هَذَا حلم فتضيعه إِنِّي لما قتلت أمس مر بِي رجل من الْمُسلمين فَأخذ دِرْعِي ومنزله فِي أقْصَى النَّاس وَعند خبائه فرس يستن فِي طوله وَقد كفى على الدرْع

برمة وَفَوق البرمة رجل فأت خَالِدا فمره أَن يبْعَث إِلَى دِرْعِي فيأخذها وَإِذا قدمت الْمَدِينَة على خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقل لَهُ إِن عَليّ من الدّين كَذَا وَكَذَا وَفُلَان رقيقي عَتيق وَفُلَان فَأتى الرجل خَالِدا فَأخْبرهُ فَبعث إِلَى الدرْع فَأتى بهَا وَحدث أَبَا بكر برؤياه فَأجَاز وَصيته قَالَ وَلَا نعلم أحدا أجيزت وَصيته بعد مَوته غير ثَابت بن قيس رَحمَه الله ذكره ابْن سعد فِي الْكتاب وَأَنه كتب لوفد ثمالة والحدان كتابا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 10 - جهيم بن الصَّلْت بن مخرمَة ابْن الْمطلب بن عبد منَاف الْقرشِي المطلبي أسلم عَام خَيْبَر وَأَعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ وسْقا من خَيْبَر ذكره ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب وَهُوَ الَّذِي رأى الرُّؤْيَا بِالْجُحْفَةِ حِين نفرت قُرَيْش لتمنع عيرها ونزلوا بِالْجُحْفَةِ ليتزودوا من المَاء لَيْلًا فَغلبَتْ جهيما عينه فَرَأى فَارِسًا وقف عَلَيْهِ فنعى إِلَيْهِ أشرافا من

أَشْرَاف قُرَيْش 11 - جهم بن سعد قَالَ عبد الْكَرِيم فِي المورد العذب الهني شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ جهم بن سعد ذكره أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي بكر الْقُرْطُبِيّ فِي كتاب الْأَعْلَام فِي مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عبد الْكَرِيم ونقلته من خطه وَقَالَ وَذكر الْقُضَاعِي وَكَانَ الزبير بن الْعَوام وجهم بن سعد يكتبان أَمْوَال الصَّدَقَة قلت وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه فِي أَسمَاء الصَّحَابَة 12 - حَنْظَلَة بن الرّبيع بن صَيْفِي الْكَاتِب الأسيدي التَّمِيمِي يكنى أَبَا ربعي وَمن بني أسيد بن عَمْرو بن تَمِيم من بطن يُقَال لَهُم بَنو شرِيف وَبَنُو أسيد ابْن عَمْرو بن تَمِيم من أَشْرَاف بني تَمِيم أسيد بِكَسْر الْيَاء وتشديدها قَالَ نَافِع بن الْأسود

التَّمِيمِي يفخر بقَوْمه شعر (قومِي أسيد إِن سَأَلت ومنصبي ... وَلَقَد علمت معادن الأحساب) وَهُوَ ابْن أخي أَكْثَم بن صَيْفِي حَكِيم الْعَرَب أدْرك مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن مائَة وَتِسْعين سنة وَلم يسلم وَكَانَ قد كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجاوبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسر بجوابه وَجمع إِلَيْهِ قومه وندبهم إِلَى إتْيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْإِيمَان بِهِ وَخَبره فِي ذَلِك عَجِيب فاعترضه مَالك بن نُوَيْرَة الْيَرْبُوعي وَفرق جمع الْقَوْم فَبعث أَكْثَم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنه فِيمَن أطاعه من قومه فَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيق فَلم يصلوا وحَنْظَلَة أحد الَّذين كتبُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعرف بالكاتب شهد الْقَادِسِيَّة وتخلف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَوْم الْجمل وَلما توفّي جزعت عَلَيْهِ امْرَأَته فنهتها جاراتها وقلن إِن هَذَا يحبط أجرك فَقَالَت (تعجب الدَّهْر لمحزونة ... تبْكي على ذِي شيبَة شاحب) (إِن تسأليني الْيَوْم مَا شقني ... أخْبرك قولا لَيْسَ بالكاذب)

(إِن سَواد الْعين أودي بِهِ ... حزن على حَنْظَلَة الْكَاتِب) تَفْسِير الشاحب الْهَالِك وأودي هلك أَيْضا قَالَه الْجَوْهَرِي مَاتَ فِي إِمَارَة مُعَاوِيَة وَلَا عقب لَهُ قَالَه ابْن عبد الْبر فِي استيعابه 13 - حويطب بن عبد الْعُزَّى ابْن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل الحسل فرخ الضَّب حِين يخرج من بيضته قَالَه الْجَوْهَرِي بِكَسْر أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه ابْن عَامر ابْن لؤَي الْقرشِي العامري كَانَ من مسلمة الْفَتْح من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم أدْرك الْإِسْلَام وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة وَأعْطِي من غَنَائِم حنين مائَة بعير وَأمره عمر بتجديد الْحرم وَكَانَ مِمَّن دفن عُثْمَان وَبَاعَ من مُعَاوِيَة دَارا بِالْمَدِينَةِ بِأَرْبَعِينَ ألف دِينَار فاستشرف النَّاس لذَلِك فَقَالَ مُعَاوِيَة وَمَا أَرْبَعُونَ ألف دِينَار لرجل لَهُ خَمْسَة من الْعِيَال يكنى أَبَا مُحَمَّد وَقيل أَبَا الْأصْبع وَقَالَ مَرْوَان بن الحكم بن الْعَاصِ يَوْمًا لحويطب تَأَخّر إسلامك أَيهَا الشَّيْخ حَتَّى سَبَقَك الْأَحْدَاث فَقَالَ حويطب الله الْمُسْتَعَان وَالله

لقد هَمَمْت بِالْإِسْلَامِ غير مَا مرّة وكل ذَلِك يعوقني أَبوك عَنهُ وينهاني وَيَقُول تضع شرفك وَتَدَع دينك وَدين آبَائِك لدين مُحدث وَتصير تَابعا قَالَ فأسكت وَالله مَرْوَان وَنَدم على مَا كَانَ قَالَ لَهُ ثمَّ قَالَ حويطب أما كَانَ أخْبرك عُثْمَان بِمَا لَقِي من أَبِيك حِين أسلم فازداد مَرْوَان غما ثمَّ قَالَ حويطب مَا كَانَ فِي قُرَيْش أحد من كبرائها الَّذين بقوا على دين قَومهمْ إِلَى أَن فتحت مَكَّة أكره لما هُوَ عَلَيْهِ مني وَلَكِن الْمَقَادِير ويروى عَنهُ أَنه قَالَ شهِدت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فَرَأَيْت عبرا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تقتل وتأسر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَلم أذكر ذَلِك لأحد وَشهد مَعَ سُهَيْل بن عَمْرو صلح الْحُدَيْبِيَة وقصة الْكتاب وهما من جِهَة الْمُشْركين وآمنه أَبُو ذَر يَوْم الْفَتْح وَمَشى مَعَه وَجمع بَينه وَبَين عِيَاله حَتَّى نُودي بالأمان ثمَّ أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا والطائف مُسلما واستقرضه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم فأقرضه إِيَّاهَا مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخر إِمَارَة مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ وَقيل سنة أَربع وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن مسكويه رَضِي الله عَنهُ

14 - الْحصين بن نمير لم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه وَذكره عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكره الْقُضَاعِي وَلم يرفع لَهُ نسبا قَالَ الْحلَبِي ذكره أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ فِي كِتَابه عَلَيْهِ السَّلَام ونقلته من خطه وَقَالَ وَكَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَالْحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات وَالظَّاهِر أَنه نَقله من كتاب الْقُضَاعِي وَنَحْو ذَلِك وَذكره أَبُو الْحسن بن عبد الْبر وَأَبُو عَليّ بن مسكويه قلت وَوَجَدته أَنا فِي كتاب عُيُون المعارف وفنون أَخْبَار الخلائف للقضاعي كَمَا أوردهُ عَنهُ فَللَّه الْحَمد والْمنَّة 15 - حَاطِب بن عَمْرو ابْن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي أَخُو سُهَيْل بن عَمْرو شهد بَدْرًا وَأسلم قبل دُخُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة الهجرتين جَمِيعًا وَأول من قدم أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة

الأولى قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره ابْن مسكويه هُوَ وَأَبُو سُفْيَان ابْن حَرْب فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 16 - حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ ابْن عبد الْبر اسْم الْيَمَان حسيل حسيل بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه قَالَ الْجَوْهَرِي الحسيل ولد الْبَقَرَة لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه واليمان لقب لقب بِهِ لِأَنَّهُ أصَاب فِي قومه دَمًا فهرب إِلَى الْمَدِينَة فحالف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار فَسَماهُ قومه الْيَمَان لِأَنَّهُ حَالف اليمانية ابْن جَابر بن عَمْرو بن ربيعَة بن جروة بن الْحَارِث بن مَازِن بن قطيعة بن عبس الْعَبْسِي الْقطيعِي من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان وَأمه امْرَأَة من الْأَنْصَار من الْأَوْس من بني عبد الْأَشْهَل اسْمهَا الربَاب بنت كَعْب ابْن عدي بن عبد الْأَشْهَل شهد حُذَيْفَة وَأَبوهُ حسيل وَأَخُوهُ صَفْوَان أحدا وَقتل أَبَاهُ يَوْمئِذٍ بعض الْمُسلمين وَهُوَ يحسبه من الْمُشْركين فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَدَيْهِ فَتصدق حُذَيْفَة بديته على الْمُسلمين فزاده عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا

روى السُّهيْلي عَن ابْن عَبَّاس أَن الَّذِي قتل حسيلا خطأ عتبَة بن مَسْعُود أَخُو عبد الله بن مَسْعُود وَهُوَ أول من سمى الْمُصحف مُصحفا كَانَ حُذَيْفَة من كبار أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي بَعثه يَوْم الخَنْدَق ينظر إِلَى قُرَيْش فجَاء بِخَبَر رحيلهم وَكَانَ أسر إِلَيْهِ أَسمَاء الْمُنَافِقين فَكَانَ عمر يسْأَله عَنْهُم وَهُوَ مَعْرُوف فِي الصَّحَابَة بِصَاحِب السِّرّ وَكَانَ عمر فِي خِلَافَته ينظر إِلَيْهِ عِنْد موت من يَمُوت فَإِن لم يشْهد جنَازَته حُذَيْفَة لم يشهدها عمر وَكَانَ يَقُول خيرني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْهِجْرَة والنصرة فاخترت النُّصْرَة وَشهد نهاوند فَلَمَّا قتل النُّعْمَان بن مقرن أَخذ الرَّايَة وَكَانَ فتح همذان والري والدينور على يَدَيْهِ وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمَات بعد قتل عُثْمَان فِي أول خلَافَة عَليّ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَلم يدْرك الْجمل وَقتل سعيد وَصَفوَان ابْنا حُذَيْفَة بصفين وَكَانَا قد بايعا عليا بِوَصِيَّة أَبِيهِمَا إيَّاهُمَا بذلك سُئِلَ حُذَيْفَة أَي الْفِتَن أَشد قَالَ أَن يعرض عَلَيْك الْخَيْر وَالشَّر فَلَا تَدْرِي بِأَيِّهِمَا تَأْخُذ وَقَالَ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يسود كل أمة منافقوها

قَالَ صَاحب المورد العذب الهني حُذَيْفَة بن الْيَمَان ذكره فِي كِتَابه عَلَيْهِ السَّلَام أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْبر وَأَبُو مَنْصُور عبد الْملك الثعالبي فِي لطائف المعارف وَأَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ ونقلته من خطه كَانَ يكْتب خرص النّخل 17 - أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ واسْمه خَالِد بن زيد بن كُلَيْب بن ثَعْلَبَة بن عبد عَوْف من بني غنم بن مَالك بن النجار غلبت كنيته اسْمه أمه هِنْد بنت سعد بن عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس بن مَالك بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج ابْن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأَكْبَر شهد الْعقبَة وبدرا وَسَائِر الْمشَاهد وَعَلِيهِ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجه حِين قدم الْمَدِينَة مُهَاجرا فَلم يزل عِنْده حَتَّى بنى مَسْجده وَبنى مساكنه ثمَّ انْتقل وَعنهُ قَالَ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بيتنا الْأَسْفَل وَكنت فِيمَن فِي الغرفة فاهريق مَاء الغرفة فَقُمْت أَنا وَأم أَيُّوب بقطيفة

نتتبع المَاء شَفَقَة أَن يخلص إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزلت إِلَيْهِ وَقلت يَا رَسُول الله إِنَّه لَيْسَ يَنْبَغِي أَن نَكُون فَوْقك انْتقل إِلَى الغرفة فانتقل مَاتَ رَحمَه الله فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة من بِلَاد الرّوم فِي زمَان مُعَاوِيَة وَكَانَت غزاته تَحت راية يزِيد هُوَ كَانَ أَمِيرهمْ وَذَلِكَ سنة خمسين أَو إِحْدَى وَخمسين قَالَ وَلما ثقل فِي مَرضه قَالَ لأَصْحَابه إِذا أَنا مت فاحملوني فَإِذا صاففتم الْعَدو فادفنوني تَحت أقدامكم وَقيل إِن يزِيد أَمر بِالْخَيْلِ تقبل وتدبر على قَبره فَقَالَت الرّوم للْمُسلمين فِي صَبِيحَة دفنهم لأبي أَيُّوب لقد كَانَ لكم اللَّيْلَة شَأْن عَظِيم فَقَالُوا هَذَا رجل من كبار أَصْحَاب نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقدمهم إسلاما وَقد دفناه حَيْثُ رَأَيْتُمْ وَالله لَئِن نبش لَا ضرب لكم بناقوس أبدا فِي بِلَاد الْعَرَب مَا كَانَت لنا مملكة قَالَ فَكَانُوا إِذا أمحلوا كشفوا عَن قَبره فَمُطِرُوا وَرُوِيَ أَنه لما مرض فِي غزوته تِلْكَ فَدخل عَلَيْهِ يزِيد يعودهُ وَقَالَ لَهُ أوصني قَالَ إِذا مت فكفنوني ثمَّ مر النَّاس فليركبوا ثمَّ يَسِيرُوا فِي أَرض الْعَدو حَتَّى إِذا لم تَجدوا مساغا فادفنوني فَفَعَلُوا ذَلِك قَالَ وَكَانَ يَقُول قَالَ الله تَعَالَى {انفروا خفافا وثقالا} فَلَا

أجدني إِلَّا خَفِيفا أَو ثقيلا قَالَه ابْن عبر الْبر وَقَالَ عبد الْكَرِيم ذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو الْخطاب بن دحْيَة فِي كِتَابه المفاضلة بَين أهل صفّين 18 - خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي يكنى أَبَا سعيد أسلم بعد أبي بكر وَكَانَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل أول من كتب {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} وَكَانَ ثَالِث الْإِسْلَام وَقيل رَابِعا وَقيل خَامِسًا هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَولد لَهُ بهَا ابْنه سعيد ثمَّ قدم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر وَشهد مَعَه عمْرَة الْقَضَاء وَمَا بعْدهَا وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على صدقَات الْيمن فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بهَا وَكَانَ سَبَب إِسْلَامه أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنه وقف على شَفير جَهَنَّم وَكَانَ أَبَاهُ يَدْفَعهُ فِيهَا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخذ بحقويه لَا يَقع فِيهَا فَفَزعَ وَقَالَ أَحْلف بِاللَّه أَنَّهَا لرؤيا حق فلقي أَبَا بكر فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر أُرِيد بك الْخَيْر فلقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأجياد فَأسلم فَعلم

وَالِده بذلك فَضَربهُ بمقرعة كَانَت فِي يَده حَتَّى كسرهَا على رَأسه ثمَّ قَالَ اتبعت مُحَمَّدًا وَأَنت ترى خِلَافه قومه وَمَا جَاءَ بِهِ فَغَضب أَبُو أحيحة ونال مِنْهُ وَشَتمه وَقَالَ اذْهَبْ يَا لكع حَيْثُ شِئْت وَالله لأمنعنك الْقُوت فَقَالَ خَالِد إِن منعتني فَالله يَرْزُقنِي فَأخْرجهُ وَقَالَ لِبَنِيهِ لَا يكلمهُ أحد مِنْكُم إِلَّا صنعت بِهِ مَا صنعت بِهِ فَانْصَرف خَالِد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يلْزمه ويعيش مَعَه ويتغيب عَن أَبِيه فِي نواحي مَكَّة حَتَّى خرج أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض الْحَبَشَة مُهَاجِرين فَكَانَ أول من خرج وَمرض أَبوهُ فَقَالَ لَئِن رفعني الله من مرضِي هَذَا لَا يعبد إِلَه ابْن أبي كَبْشَة بِمَكَّة أبدا فَقَالَ ابْنه خَالِد اللَّهُمَّ لَا ترفعه فَتوفي فِي مَرضه ذَلِك قتل خَالِد بأجنادين يَوْم السبت سنة ثَلَاث عشرَة قبل وَفَاة أبي بكر بِأَرْبَع وَعشْرين لَيْلَة وَقيل بمرج الصفر سنة أَربع عشرَة فِي صدر خلَافَة عمر وَأهْدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمه الَّذِي نقش عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله وَوَقع فِي بِئْر أريس من يَد عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَلم يُوجد وَكتب خَالِد بن سعيد كتابا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني عَمْرو ذِي حمير يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام قَالَه ابْن عبد الْبر وَالله أعلم

19 - خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي أَبُو سُلَيْمَان وَقيل أَبُو الْوَلِيد أمه لبَابَة الصُّغْرَى بنت الْحَارِث بن حزن الْهِلَالِيَّة أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ خَالِد أحد أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَإِلَيْهِ كَانَت الْقبَّة والأعنة فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَما الْقبَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يضربونها ثمَّ يجمعُونَ إِلَيْهَا مَا يجهزون بِهِ الْجَيْش وَأما الأعنة فَإِنَّهُ كَانَ يكون على خُيُول قُرَيْش فِي الحروب وَيَأْتِي خبر إِسْلَامه وهجرته عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلم يزل من حِين أسلم يَجعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَعِنَّة الْخَيل وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة تسع إِلَى أكيدر دومة فَهُوَ كَاتب وَرَسُول وَيَأْتِي ذكره مَعَ الرَّسُول وَمَعَ أكيدر صَاحب دومة الجندل فِيمَا بعد أَيْضا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر خَالِد بن الْوَلِيد فَقَالَ نعم عبد الله وأخو الْعَشِيرَة وَسيف من سيوف الله سَله الله على الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ أمره أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ على الجيوش فِي قتال أهل الرِّدَّة وَوَجهه إِلَى الْعرَاق ثمَّ وَجهه إِلَى الشَّام فَفتح دمشق ومواقفه مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فِي فتوح الشَّام وَغَيره وَقَالَ ابْن عبد الْبر لما حضرت خَالِدا الْوَفَاة قَالَ لقد شهِدت مائَة زحف أَو زهاءها وَمَا فِي جَسَدِي من شبر إِلَّا وَفِيه ضَرْبَة أَو طعنة أَو رمية ثمَّ هَا أَنا أَمُوت على

فِرَاشِي كَمَا يَمُوت العير وَهُوَ الْحمار الوحشي فَلَا نَامَتْ أعين الْجُبَنَاء توفّي بحمص سنة إِحْدَى وَعشْرين وَدفن بقرية على ميل مِنْهَا فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَأوصى إِلَيْهِ فَكَانَ وَصِيّه قَالَ وَبلغ عمر أَن نسْوَة من نسَاء بني الْمُغيرَة يبْكين عَلَيْهِ فَقَالَ وَمَا عَلَيْهِنَّ أَن يبْكين أَبَا سُلَيْمَان مَا لم يكن نقع أَو لقلقَة أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ بالنقع حثي التُّرَاب على رؤوسهن عِنْد المصائب وَاللَّقْلَقَة أَرَادَ بِهِ النِّيَاحَة قَالَ وَلم تبْق امْرَأَة من بني الْمُغيرَة إِلَّا وضعت لمتها على قبر خَالِد يَقُول حلقت شعرهَا ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنْهُم 20 - زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ النجاري بن الضَّحَّاك بن زيد بن لوذان بن عَمْرو بن عبد عَوْف بن غنم بن مَالك بن النجار وَأمه النوار بنت مَالك بن مُعَاوِيَة بن عدي بن عَامر بن غنم يكنى أَبَا سعيد وَقيل أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا خَارِجَة بِابْنِهِ خَارِجَة

كَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره وَكَانَت ترد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب بالسُّرْيَانيَّة فَأمر زيدا فتعلمها وَأمره أَن يتَعَلَّم كتاب الْيَهُود وَقَالَ لَا آمن أَن يتعلموا كتابي وَكتب لأبي بكر وَعمر واستخلفه عمر على الْمَدِينَة ثَلَاث مَرَّات فِي حجه وَفِي خُرُوجه إِلَى الشَّام وَكتب لَهُ من الشَّام إِلَى زيد بن ثَابت من عمر بن الْخطاب وَكَانَ عُثْمَان يستخلفه إِذا حج وَكَانَ أحد فُقَهَاء الصَّحَابَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرض أمتِي زيد بن ثَابت قَالَ زيد أول هَدِيَّة دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة دخلت بهَا أَنا قَصْعَة مثرود فِيهَا خبز وَسمن وَلبن فَقلت أرْسلت بهَا أُمِّي فَقَالَ بَارك الله فِيك ودعا أَصْحَابه فَأَكَلُوا فَلم أرم الْبَاب حَتَّى دخلت قَصْعَة سعد بن عبَادَة ثريد وعراق قَالَ القَاضِي عِيَاض قَالَ الْخَلِيل الْعرَاق الْعظم بِلَا لحم فَإِذا كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق الأول بِرَفْع الْعين وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ زيد وَمَا كَانَ من لَيْلَة إِلَّا وعَلى بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة يحملون الطَّعَام حَتَّى تحول من منزل أبي أَيُّوب وَكَانَ مقَامه بِهِ سَبْعَة أشهر قَالَ ابْن قدامَة إِنَّه نزل الْمَدِينَة عَشِيَّة الْجُمُعَة سنة ثَلَاث وَخمسين من عَام الْفِيل

وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قد أَمر زيدا بِجمع الْقُرْآن فِي الصُّحُف فَكَتبهُ فِيهَا فَلَمَّا اخْتلف النَّاس فِي الْقِرَاءَة زمَان عُثْمَان وَاتفقَ رَأْيه وَرَأى الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على أَن يرد الْقُرْآن إِلَى حرف وَاحِد وَقع اخْتِيَاره على حرف زيد فَأمره أَن يمليه على قوم من قُرَيْش جمعهم إِلَيْهِ فكتبوه على مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْم بأيدي النَّاس وَالْأَخْبَار بذلك متواترة الْمَعْنى وَإِن اخْتلفت ألفاظها توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سِتّ وَخمسين سنة على خلاف فِي ذَلِك وَصلى عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم رَضِي الله عَنهُ 21 - الزبير بن الْعَوام ابْن خويلد بن أَسد ابْن عبد الْعُزَّى بن قصي الْقرشِي الْأَسدي يكنى أَبَا عبد الله أمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب ابْن هَاشم عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسلم هُوَ وَعلي بن أبي طَالب وهما ابْنا ثَمَانِي سِنِين وَقيل غير ذَلِك وَرُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الزبير بن الْعَوام ابْن عَمَّتي وَحَوَارِيي من أمتِي وروى ابْن عبد الْبر أَن الزبير أول رجل سل سَيْفا فِي

سَبِيل الله عز وَجل وَذَلِكَ أَنه نفخت نفخة من الشَّيْطَان أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل الزبير يشق النَّاس بِسَيْفِهِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى مَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك يَا زبير قَالَ أخْبرت أَنَّك أخذت قَالَ فصلى عَلَيْهِ ودعا لَهُ ولسيفه قَالَ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي سَأَلت مَجْلِسا فِيهِ أَكثر من عشْرين رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أكْرم النَّاس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا الزبير وَعلي وَكَانَ تَاجِرًا وَله ألف مَمْلُوك يؤدون إِلَيْهِ الْخراج فَمَا يدْخل بَيته مِنْهَا درهما وَاحِدًا يتَصَدَّق بذلك كُله وَقَالَ فِيهِ حسان يمدحه ويفضله (أَقَامَ على عهد النَّبِي وهديه ... حواريه وَالْقَوْل بِالْفِعْلِ يعدل) (أَقَامَ على منهاجه وَطَرِيقه ... يوالي ولي الْحق وَالْحق أعدل) (هُوَ الْفَارِس الْمَشْهُور والبطل الَّذِي ... يصول إِذا مَا كَانَ يَوْم محجل) (وَإِن امْرَءًا كَانَت صَفِيَّة أمه ... وَمن أَسد فِي بَيته لمرفل)

تفسير

(لَهُ من رَسُول الله قربى قريبَة ... وَمن نصْرَة الْإِسْلَام مجد مؤثل) (فكم كربَة ذب الزبير بِسَيْفِهِ ... عَن الْمُصْطَفى وَالله يُعْطي ويجزل) (إِذا كشفت عَن سَاقهَا الْحَرْب حشها ... بأبيض سباق إِلَى الْمَوْت يرفل) (فَمَا مثله فيهم وَلَا كَانَ قبله ... وَلَيْسَ يكون الدَّهْر مَا دَامَ يذبل) تَفْسِير المرفل الْمُعظم قَالَه الْجَوْهَرِي والمحشة حَدِيدَة تحرّك بهَا النَّار وَمِنْه قيل للرجل الشجاع نعم محش الكتيبة الْأَبْيَض السَّيْف يرفل يخْطر فِي مَشْيه قَالَه أَيْضا ويذبل بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيَة بعده بَاء مُعْجمَة بِوَاحِدَة ثَانِي الْحُرُوف جبل طرف مِنْهُ لبني عَمْرو بن كلاب وبقيته لباهلة يُقَال لَهُ يذبل الْجُوع لِأَنَّهُ أبدا مجدب قَالَه الْبكْرِيّ فِي المعجم شهد الزبير الْجمل فقاتل فِيهِ سَاعَة فناداه عَليّ وَانْفَرَدَ بِهِ فَذكره أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ وَقد وجدهما يضحكان بعضهما لبَعض أما إِنَّك ستقاتل عليا وَأَنت

لَهُ ظَالِم فَذكر ذَلِك الزبير فَانْصَرف عَن الْقِتَال نَادِما مفارقا للْجَمَاعَة الَّتِي خرج فِيهَا منصرفا إِلَى الْمَدِينَة فَرَآهُ ابْن جرموز واسْمه عميرَة فَقَالَ أَتَى يورش بَين النَّاس ثمَّ تَركهم وَالله لَا تركته فَتَبِعَهُ هُوَ وفضالة بن حَابِس ونفيع فِي غواة بني تَمِيم وركبوا فِي طلبه فَلحقه عميرَة بن جرموز وَهُوَ على فرس لَهُ ضَعِيفَة فطعنه طعنة خَفِيفَة وَحمل عَلَيْهِ الزبير وَهُوَ على فرس لَهُ يُقَال لَهُ ذُو الْخمار حَتَّى إِذا ظن أَنه قَاتله نَادَى صَاحِبيهِ فحملوا عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ وَذَلِكَ يَوْم الْخَمِيس لعشر خلون من جُمَادَى الأول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَفِي ذَلِك الْيَوْم كَانَت وقْعَة الْجمل وَكَانَ عمره سبعا وَسِتِّينَ سنة وَقيل غير ذَلِك وَدفن بوادي السبَاع قَالَ وَلما أُتِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِسيف الزبير فَقَالَ طَال مَا جلا بِهِ عَن وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبكى وَقَالَ أَشْكُو إِلَى الله عجري وبجري قَالَ الْجَوْهَرِي العجرة بِالضَّمِّ الْعقْدَة فِي عروق الْجَسَد والبجر بِالتَّحْرِيكِ خُرُوج السُّرَّة وغلظها أَرَادَ رَضِي الله عَنهُ أَشْكُو إِلَى الله عيوبي وأمري كُله وَقَالَ بشروا قَاتل ابْن صَفِيَّة بالنَّار يَعْنِي الزبير رَضِي الله عَنهُ وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه فَقَالَ يَا بني إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما وَإِن من أكبر همي لديني أفترى ديننَا يبقي من مالنا شَيْئا ثمَّ قَالَ يَا بني بِعْ مالنا واقض ديني وأوص بِالثُّلثِ وَثلثه لِبَنِيهِ يَعْنِي لبني عبد الله قَالَ فَإِن فضل من مالنا بعد قَضَاء

الدّين شَيْء فثلثه لولدك قَالَ عبد الله بن الزبير فَجعل يوصيني بِدِينِهِ وَيَقُول يَا بني إِن عجزت عَن شَيْء مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمولاي قَالَ فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت يَا أَبَت من مَوْلَاك قَالَ الله قَالَ فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربَة من دينه إِلَّا قلت يَا مولى الزبير اقْضِ عَنهُ دينه فيقضيه قَالَ فَقتل الزبير وَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما إِلَّا أَرضين مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ ودارين بِالْبَصْرَةِ ودارا بِالْكُوفَةِ ودارا بِمصْر قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه فَيَقُول الزبير لَا وَلكنه سلف إِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة وَمَا ولي إِمَارَة قطّ وَلَا جباية وَلَا خراجا وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان قَالَ عبد الله بن الزبير فحسبت مَا كَانَ عَلَيْهِ من الدّين فَوَجَدته ألفي ألف ومائتي ألف قَالَ فلقي حَكِيم بن حزَام عبد الله بن الزبير فَقَالَ يَا ابْن أخي كم على أخي من الدّين قَالَ فكتمته وَقلت مائَة ألف فَقَالَ حَكِيم وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع هَذِه قَالَ فَقَالَ عبد الله أرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف فَقَالَ مَا

أَرَاكُم تطيقون هَذَا فَإِن عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي قَالَ وَكَانَ الزبير قد اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف ثمَّ قَامَ فَقَالَ من كَانَ لَهُ عِنْد الزبير شَيْء فليوافنا بِالْغَابَةِ قَالَ فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر وَكَانَ لَهُ على الزبير أَرْبَعمِائَة ألف فَقَالَ لعبد الله إِن شِئْتُم تركتهَا لكم فَقَالَ عبد الله لَا قَالَ فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخرتم فَقَالَ عبد الله لَا قَالَ فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة قَالَ فَقَالَ عبد الله لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا قَالَ فَبَاعَ عبد الله مِنْهَا فَقضى دينه وأوفاه وَبَقِي مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف قَالَ فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان وَالْمُنْذر بن الزبير وَابْن زَمعَة قَالَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة كم قومت الغابة قَالَ كل سهم مائَة ألف قَالَ كم بَقِي مِنْهَا قَالَ أَرْبَعَة أسْهم وَنصف فَقَالَ الْمُنْذر بن الزبير قد أخذت مِنْهَا سَهْما بِمِائَة ألف وَقَالَ عَمْرو بن عُثْمَان قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف وَقَالَ ابْن زَمعَة قد أخذت سَهْما بِمِائَة ألف قَالَ فَقَالَ مُعَاوِيَة كم بَقِي قَالَ سهم وَنصف فَقَالَ قد أَخَذته بِخَمْسِينَ وَمِائَة ألف قَالَ وَبَاعَ عبد الله بن جَعْفَر نصِيبه من مُعَاوِيَة بستمائة ألف قَالَ فَلَمَّا فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه قَالَ بَنو الزبير اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا قَالَ وَالله لَا أقسم بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين أَلا من كَانَ لَهُ عِنْد الزبير دين فليأتنا فلنقضه قَالَ فَجعل كل سنة يُنَادي فِي الْمَوْسِم فَلَمَّا مضى أَربع سِنِين قسم بَينهم وَرفع الثُّلُث قَالَ وَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف ومائتي ألف قَالَ فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف وروينا فِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قلت

تفسير

للزبير مَالِي لَا أسمعك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث فلَان وَفُلَان قَالَ أما إِنِّي لم أفارقه مُنْذُ أسلمت وَلَكِن سمعته يَقُول من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار 22 - سعيد ابْن سعيد بن الْعَاصِ أَخُو خَالِد وَأَبَان وَقد ذكرناهما فِيمَا تقدم اسْتشْهد سعيد بن سعيد ابْن الْعَاصِ يَوْم الطَّائِف وَكَانَ إِسْلَامه قبل فتح مَكَّة بِيَسِير وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح على سوق مَكَّة وَكَانَ لِأَبِيهِ سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة ثَمَانِيَة بَنِينَ ذُكُور مِنْهُم ثَلَاثَة مَاتُوا على الْكفْر أحيحة وَبِه كَانَ يكنى أَبوهُ سعيد بن الْعَاصِ قتل يَوْم الْفجار وَالْعَاص وَعبيدَة قتلا جَمِيعًا ببدر كَافِرين قتل الْعَاصِ عَليّ وَقتل عُبَيْدَة الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ قَالَ لقِيت يَوْم بدر عُبَيْدَة بن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ مدجج فِي الْحَدِيد لَا يرى مِنْهُ إِلَّا عَيناهُ وَكَانَ يكنى أَبَا ذَات الكرش فطعنته بالعنزة فِي عينه فَمَاتَ فَلَقَد وضعت رجْلي عَلَيْهِ ثمَّ تمطيت فَكَانَ الْجهد أَن نزعتها وَلَقَد انثنى طرفاها تَفْسِير قَالَ الْجَوْهَرِي مدجج شَاك فِي السِّلَاح يَقُول تدجج

فِي شكته أَي دخل فِي سلاحه كَأَنَّهُ تغطى بهَا ودججت السَّمَاء تغيمت وَأما أَخُوهُ الْعَاصِ ابْن سعيد بن الْعَاصِ فروى ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة ابْنه سعيد بن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ ابْن أُميَّة عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْته يَوْم بدر يبْحَث التُّرَاب عَنهُ كالأسد فصمد لَهُ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقتله وَقَالَ عمر يَوْمًا لِابْنِهِ سعيد لم أقتل أَبَاك إِنَّمَا قتلت خَالِي الْعَاصِ بن هِشَام وَمَا لي أَن أكون أعْتَذر من قتل مُشْرك فَقَالَ لَهُ سعيد ابْن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ لَو قتلته كنت على الْحق وَكَانَ على الْبَاطِل فتعجب عمر من قَوْله وَقَالَ قُرَيْش أفضل النَّاس أحلاما وَكَانَ سعيد بن الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ هَذَا أحد أَشْرَاف قُرَيْش مِمَّن جمع الفصاحة والسخاء وَهُوَ أحد الَّذين كتبُوا مصحف عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ اسْتَعْملهُ عُثْمَان على الْكُوفَة وغزا بِالنَّاسِ طبرستان وافتتح جرجان فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله عَن سنة تسع وَعشْرين وَكَانَ أبدا يُقَال إِنَّه ضرب رجلا على حَبل عَاتِقه فَأخْرج السَّيْف من مرفقه فَلَمَّا ولي مُعَاوِيَة واستقام لَهُ الْأَمر ولاه الْمَدِينَة ثمَّ عَزله وَولى مَرْوَان وَكَانَ يُعَاقب بَينهمَا فِي أَعمال الْمَدِينَة وَله يَقُول الفرزدق

تفسير

(ترى الغر الجحاجح من قُرَيْش ... إِذا مَا الْأَمر فِي الْحدثَان غالا) (قيَاما ينظرُونَ إِلَى سعيد ... كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ بِهِ هلالا) تَفْسِير الجحجاح السَّيِّد وغال الْأَمر أهلك وَأخذ من حَيْثُ لَا يدْرِي بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي وَكَانَ يُقَال لَهُ عكة الْعَسَل لكرمه وَكَانَ إِذا سَأَلَهُ سَائل فَلم يكن عِنْده مَا يُعْطِيهِ كتب لَهُ بِمَا يُرِيد أَن يُعْطِيهِ إِلَى أَيَّام يسره قَالَ وَلما عزل عَن الْمَدِينَة انْصَرف من الْمَسْجِد وَحده فَرَأى رجلا يتبعهُ فَقَالَ لَهُ أَلَك حَاجَة قَالَ لَا وَلَكِنِّي رَأَيْتُك وَحدك فوصلت جناحك فَقَالَ لَهُ وصلك الله يَا أخي اطلب لي دَوَاة وجلدا وناد مولَايَ فلَانا فَأتي بذلك فَكتب بِعشْرين ألف دِرْهَم دينا عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِذا جَاءَت غلتنا دفعنَا ذَلِك إِلَيْك فَمَاتَ فِي تِلْكَ السّنة فَأتى بِالْكتاب إِلَى ابْنه عَمْرو بن سعيد الْأَشْدَق فَدفع إِلَيْهِ عشْرين ألف دِرْهَم

توفّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة تسع وَخمسين قَالَه ابْن عبد الْبر وَهُوَ ابْن أخي سعيد ابْن الْعَاصِ بن أُميَّة صَاحب التَّرْجَمَة وَأحد كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذكرته اسْتِطْرَادًا للفائدة قَالَ عبد الْكَرِيم فِي المورد العذب الهني ذكر سعيد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي جملَة كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 23 - السّجل روى عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شَرحه للسيرة لعبد الْغَنِيّ قَالَ السّجل كَاتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكره ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَقَالَ ابْن الْأَثِير هُوَ مَجْهُول قَالَ وَرُوِيَ عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ كَاتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ السّجل فَأنْزل الله تَعَالَى {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب} وَقَالَ هَذَا غَرِيب تفرد بِهِ حمدَان بن سعيد عَن ابْن نمير عَن عبيد الله عَن نَافِع قَالَ السُّهيْلي فِي

التَّعْرِيف والإعلام فِيمَا أبهم فِي الْقُرْآن من الْأَسْمَاء والأعلام وَقد تكلم على هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فَقَالَ السّجل فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ عَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين قَالَ ملك فِي السَّمَاء الثَّالِثَة ترفع إِلَيْهِ أَعمال الْعباد ترفعها إِلَيْهِ الْحفظَة الموكلون بالخلق فِي كل خَمِيس واثنين وَكَانَ من أعوانه فِيمَا ذكرُوا هاروت وماروت وَفِي السّنَن لأبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا السّجل كَاتب كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا لَا يعرف فِي كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِي أَصْحَابه من اسْمه السّجل وَلَا وجد إِلَّا فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكر ابْن دحْيَة أَن رجلا من بني النجار كَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تنصر فأظهر الله فِيهِ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معْجزَة وَهُوَ أَنه لما دفن لم تقبله الأَرْض وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ من بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَ رجل نَصْرَانِيّا فَأسلم وَقَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَكَانَ يكْتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَاد نَصْرَانِيّا فَكَانَ يَقُول مَا يدْرِي مُحَمَّد إِلَّا مَا كتبت لَهُ فأماته الله فدفنوه فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه لما هرب مِنْهُم نبشوا عَن صاحبنا فألقوه فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا لَهُ

فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَقَالُوا هَذَا فعل مُحَمَّد وَأَصْحَابه نبشوا عَن صاحبنا فألقوه فَحَفَرُوا لَهُ وأعمقوا لَهُ فِي الأَرْض مَا اسْتَطَاعُوا فَأصْبح وَقد لفظته الأَرْض فَعَلمُوا أَنه لَيْسَ من النَّاس فألقوه 24 - شُرَحْبِيل ابْن حَسَنَة وَهِي أمه وَأَبوهُ عبد الله بن المطاع بن عبد الله من كِنْدَة حَلِيف لبني زهرَة يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن نسب إِلَى أمه حَسَنَة وَقيل تبنته وَلَيْسَت بِأُمِّهِ وَهُوَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة مَعْدُود فِي وُجُوه قُرَيْش وَكَانَ أَمِيرا على ربع من أَربَاع الشَّام ومواقفه فِي فتوح الشَّام مَعْرُوفَة مَشْهُورَة مِنْهَا لقاءه هُوَ وَعَمْرو بن الْعَاصِ لقسطنطين بن هِرقل خرج إِلَيْهِم من قيسارية الشَّام فِي ثَمَانِينَ ألف لابس من بطارقة الرّوم وأبطالهم وملوكهم مِمَّن انحاز مِنْهُم إِلَيْهِ بساحل الشَّام ومبارزته رَضِي الله عَنهُ لقيدمون ابْن أُخْت الْملك هِرقل وَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي خَمْسَة آلَاف فَخرج إِلَيْهِ والراية بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ اركز الرَّايَة لِئَلَّا تشغلك فركزها

شُرَحْبِيل فوقفت كالنخلة وغاصت فِي حجر كَأَنَّهَا قد سمرت فِيهِ فتفاءل بالنصر وَخرج للقاء قيدمون والمسلمون يسْأَلُون الله وَيدعونَ لَهُ بالنصر على عدوه فَلَمَّا رَآهُ البطريق وتأمله ضحك من زيه وَترْجم بلغته وَكَانَ لَهُ صَوت كالرعد وَكَانَ ضخما من الرِّجَال يرى على سَرْجه كَأَنَّهُ البرج والتاج على رَأسه وَكَانَ شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ نحيف الْجِسْم من كَثْرَة صِيَامه وقيامه فَالْتَقَيَا فسبقه شُرَحْبِيل فَضَربهُ بِالسَّيْفِ لم يعْمل فِيهِ شَيْئا ونبا السَّيْف وضربه قيدمون فَشَجَّهُ وتواخزا على الْخَيل ثمَّ سقطا على الأَرْض وَجعلا يتصارعان وسط الطين ويتخبطان فِيهِ وَكَانَ الْمَطَر كأفواه الْقرب وَمَال عَدو الله على شُرَحْبِيل وَضرب بِيَدِهِ على مراق بَطْنه فقلعه من الأَرْض وَرمى بِهِ على ظَهره ثمَّ اسْتَوَى على صَدره وهم بنحره فَنَادَى شُرَحْبِيل ربه يَا غياث المستغيثين فَخرج إِلَيْهِ من صُفُوف الرّوم طليحة بن خويلد الْأَسدي وَكَانَ ادّعى النُّبُوَّة بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ظن قيدمون أَنه إِنَّمَا خرج ليعطيه جَوَاده فَلَمَّا قرب مِنْهُمَا ترجل وَمَال على البطريق وسحبه بِرجلِهِ عَن صدر شُرَحْبِيل وَقَالَ قُم يَا عبد الله فقد جَاءَك الْغَوْث من غياث المستغيثين فَوَثَبَ شُرَحْبِيل ينظر إِلَيْهِ مُتَعَجِّبا من قَوْله وَفعله وَإِذا بِالرجلِ متلثما وَقد جرد سَيْفه وَضرب البطريق ضَرْبَة قطع رَأسه وَقَالَ يَا عبد الله خُذ سلبه فَقَالَ شُرَحْبِيل وَالله مَا رَأَيْت أعجب من أَمرك لِأَنِّي رَأَيْتُك قد جِئْت من

نَحْو جَيش الْمُشْركين فَمن أَنْت قَالَ أَنا الشقي طليحة الَّذِي كذبت على الله وَزَعَمت أَن الْوَحْي كَانَ ينزل عَليّ من السَّمَاء ثمَّ أسلم وَله قصَّة مَعْرُوفَة ذكرهَا الْوَاقِدِيّ رَحمَه الله قَالَ ابْن عبد الْبر توفّي شُرَحْبِيل رَضِي الله عَنهُ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة وَهُوَ ابْن سبع وَسِتِّينَ سنة 25 - أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب ابْن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي غلبت عَلَيْهِ كنيته وَأمه صَفِيَّة بنت حزن الْهِلَالِيَّة عمَّة مَيْمُونَة هُوَ أَبُو مُعَاوِيَة وَيزِيد وَعتبَة وإخوتهم ولد قبل الْفِيل بِعشر سِنِين وَكَانَ من أَشْرَاف قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ تَاجِرًا يُجهز التُّجَّار بأمواله وأموال قُرَيْش إِلَى الشَّام وَغَيرهَا من أَرض الْعَجم وَكَانَ يخرج أَحْيَانًا بِنَفسِهِ وَكَانَت إِلَيْهِ راية الرؤساء الْمَعْرُوفَة بالعقاب وَكَانَت لَا يحبسها إِلَّا رَئِيس فَإِذا حميت الْحَرْب وَضَعتهَا فِي يَد الرئيس وَيُقَال كَانَ أفضل قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة رَأيا ثَلَاثَة عتبَة وَأَبُو جهل وَأَبُو سُفْيَان فَلَمَّا أَتَى الله بِالْإِسْلَامِ أدبروا فِي الرَّأْي أسلم أَبُو سُفْيَان يَوْم الْفَتْح وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنينا وَأَعْطَاهُ من غنائمها مائَة بعير وَأَرْبَعين أُوقِيَّة فدينها لَهُ بِلَال وَأعْطى ابنيه يزِيد وَمُعَاوِيَة وَكَانَ يكنى بِأبي حَنْظَلَة بِابْنِهِ حَنْظَلَة الْمَقْتُول يَوْم

فصل فيه خبر إسلامه وإسلام هند بنت عتبة زوجه

بدر كَافِرًا قَتله عَليّ وفقئت عينه يَوْم الطَّائِف فَلم يزل أَعور حَتَّى فقئت عينه الْأُخْرَى يَوْم اليرموك أَصَابَهُ حجر فشدخها فَعميَ مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ فِي خلَافَة عُثْمَان وَصلى عَلَيْهِ ابْنه مُعَاوِيَة وَقيل عُثْمَان وَدفن بِالبَقِيعِ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَمَانِينَ سنة وَكَانَ ربعَة دحداحا ذَا هَامة عَظِيمَة قَالَه ابْن عبد الْبر فصل فِيهِ خبر إِسْلَامه وَإِسْلَام هِنْد بنت عتبَة زوجه روينَا عَن ابْن هِشَام وَوجدت عَن غَيره أَنه قَالَ لَيْلَة فتح مَكَّة نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر الظهْرَان فَأمر أَصْحَابه فأوقدوا عشرَة آلَاف نَار وَجعل على الحرس عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ ورقت نفس الْعَبَّاس لأهل مَكَّة قَالَ فَقلت وَا صباح قُرَيْش وَالله لَئِن دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عنْوَة قبل أَن يأتوه فيستأمنوه إِنَّه لهلاك قُرَيْش إِلَى آخر الدَّهْر قَالَ فَجَلَست على بغلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء

فَخرجت عَلَيْهَا حَتَّى جِئْت الْأَرَاك فَقلت لعَلي أجد بعض الحطابة أَو صَاحب لبن أَو ذَا حَاجَة يَأْتِي مَكَّة فيخبرهم بمَكَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيخْرجُوا إِلَيْهِ فيستأمنوه قبل أَن يدخلهَا عَلَيْهِم عنْوَة قَالَ فوَاللَّه إِنِّي لأسير عَلَيْهَا وَالْتمس مَا خرجت لَهُ إِذْ سَمِعت كَلَام أبي سُفْيَان وَبُدَيْل ابْن وَرْقَاء وَحَكِيم بن حزَام وهم يتراجعون وَأَبُو سُفْيَان يَقُول مَا رَأَيْت كالليلة نيرانا قطّ وَلَا عسكرا قَالَ يَقُول بديل هَذِه وَالله خُزَاعَة حمشتها الْحَرْب قَالَ يَقُول أَبُو سُفْيَان خُزَاعَة أذلّ وَأَقل من أَن تكون هَذِه نيرانها وعسكرها قَالَ فَعرفت صَوته فَقلت يَا أَبَا حَنْظَلَة فَعرف صوتي فَقَالَ أَبُو الْفضل قَالَ قلت نعم قَالَ مَا لَك فدَاك أبي وَأمي قَالَ قلت وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس وَا صباح قُرَيْش وَالله قَالَ فَمَا الْحِيلَة فدَاك أبي وَأمي قَالَ قلت فَأسلم ثكلتك أمك وَالله لَئِن ظفر بك ليضربن عُنُقك إِن لم تسلم اركب فِي عجز هَذِه البغلة حَتَّى أُتِي بك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأستأمنه لَك فَركب خَلْفي وَرجع صَاحِبَاه قَالَ وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنه جَاءَ بهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا قَالَ الْعَبَّاس

فَجئْت بِهِ فَكلما مَرَرْت بِنَار من نيران الْمُسلمين قَالُوا عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بغلته حَتَّى مَرَرْت بِنَار عمر فَقَالَ من هَذَا وَقَامَ إِلَيّ فَلَمَّا رأى أَبَا سُفْيَان على عجز الدَّابَّة قَالَ أَبُو سُفْيَان عَدو الله الْحَمد لله الَّذِي أمكن مِنْك بِغَيْر عقد وَلَا عهد ثمَّ خرج يشْتَد نَحْو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وركضت البغلة فسبقته بِمَا تسبق الدَّابَّة البطيئة الرجل البطيء فَاقْتَحَمت عَن البغلة فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل عَلَيْهِ عمر فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا أَبُو سُفْيَان قد أمكن الله مِنْهُ بِغَيْر عقد وَلَا عهد فَدَعْنِي فلأضرب عُنُقه قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي قد أجرته ثمَّ جَلَست إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذت بِرَأْسِهِ فَقلت وَالله لَا يناجيه اللَّيْلَة دوني رجل قَالَ فَلَمَّا أَكثر عمر فِي شَأْنه قلت مهلا يَا عمر فوَاللَّه أَن لَو كَانَ من رجال عدي بن كَعْب مَا قلت هَذَا وَلَكِنَّك قد عرفت أَنه من رجال بني عبد منَاف فَقَالَ مهلا يَا عَبَّاس فوَاللَّه لإسلامك يَوْم أسلمت كَانَ أحب إِلَيّ من إِسْلَام الْخطاب لَو أسلم وَمَا بِي إِلَّا أَنِّي قد عرفت أَن إسلامك كَانَ أحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِسْلَام الْخطاب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ بِهِ إِلَى رحلك يَا عَبَّاس فَإِذا أَصبَحت فأتني بِهِ قَالَ فَذَهَبت إِلَى رحلي فَبَاتَ عِنْدِي

وروينا عَن السُّهيْلي عَن عبد بن حميد قَالَ لما احتمله الْعَبَّاس مَعَه إِلَى قُبَّته فَأصْبح عِنْده رأى النَّاس وَقد ثَارُوا إِلَى ظُهُورهمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَا أَبَا الْفضل مَا للنَّاس أأمروا فِي بِشَيْء قَالَ لَا وَلَكنهُمْ قَامُوا إِلَى الصَّلَاة فَأمره الْعَبَّاس فَتَوَضَّأ ثمَّ انْطلق بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة كبر فَكبر النَّاس بتكبيره ثمَّ ركع فركعوا ثمَّ رفع فَرفعُوا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَة قوم جمعهم من هَهُنَا وَهَهُنَا وَلَا فَارس الأكارم وَلَا الرّوم ذَات الْقُرُون بأطوع مِنْهُم لَهُ قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن ذِي النسبين دحْيَة وَالْحُسَيْن فِي كتاب مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين الرّوم ذَات الْقُرُون فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا الشُّعُور لأَنهم أَصْحَاب الجمم الطَّوِيلَة الثَّانِي أَنَّهَا الْحُصُون الثَّالِث وَهُوَ الصَّحِيح أَنه كلما هلك قرن خلف مَكَانَهُ قرن وَذكر فِي امتداد قامة الْعَبَّاس وَطوله أَنه كَانَ يقبل الظعن وَهِي الْمَرْأَة تكون فِي الهودج على ظهر الْبَعِير وَكَانَ يقل من الأَرْض فِيمَا زَعَمُوا الْجمل إِذا برك بِحمْلِهِ قَالَ ابْن هِشَام فَلَمَّا أصبح غَدَوْت بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا

رَآهُ قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وأكرمك وأوصلك وَالله لقد ظَنَنْت أَن لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه غَيره لقد أغْنى شَيْئا بعد قَالَ وَيحك يَا أَبَا سُفْيَان ألم يَأن لَك أَن تعلم أَنِّي رَسُول الله قَالَ بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحلمك وأوصلك أما وَالله هَذِه فَفِي النَّفس مِنْهَا حَتَّى الْآن شَيْء قَالَ السُّهيْلي عَن عبد بن حميد إِن أَبَا سُفْيَان قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أصنع بالعزى يَعْنِي الصَّنَم الَّذِي كَانَ يعبده فَسَمعهُ عمر من وَرَاء الْقبَّة فَقَالَ تخرأ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان وَيحك يَا عمر إِنَّك رجل فَاحش دَعْنِي مَعَ ابْن عمي فإياه أكلم وَرُوِيَ عَن يزِيد الرقاشِي قَالَ لما أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي سُفْيَان عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان على أَن تحملنِي على بغلتك وتكسوني بردتك وتتخذ مُعَاوِيَة كَاتبا وَأرَاهُ قَالَ وتتزوج أم حَبِيبَة وَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن كل ذَلِك يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم قَالَ ابْن هِشَام فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس وَيحك أسلم وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله

وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قبل أَن يضْرب عُنُقك فَشهد شَهَادَة الْحق وَأسلم قَالَ الْعَبَّاس يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب هَذَا الْفَخر فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئا قَالَ نعم من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وَمن أغلق بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَبَّاس أَن يحبس أَبَا سُفْيَان بمضيق الْوَادي عِنْد خطم الْجَبَل حَتَّى تمر بِهِ جنود الله فيراها فَفعل قَالَ القَاضِي عِيَاض خطم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والجبل بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء بِوَاحِدَة بعْدهَا لَام هُوَ طرفه وَأَنْفه السَّائِل وَهُوَ الكراع وَقيل غَيره وَهَذَا أشهر قَالَ ابْن هِشَام فمرت الْقَبَائِل على راياتها كلما مرت قَبيلَة قَالَ يَا عَبَّاس من هَذِه فَأَقُول هَذِه سليم فَيَقُول مَا لي ولسليم ثمَّ تمر قَبيلَة فَيَقُول يَا عَبَّاس من هَؤُلَاءِ فَأَقُول مزينة فَيَقُول مَا لي ولمزينة حَتَّى نفذت الْقَبَائِل لَا تمر قَبيلَة إِلَّا سَأَلَني عَنْهَا حَتَّى مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتيبته الخضراء فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار لَا يرى مِنْهُم إِلَّا الحدق من الْحَدِيد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته الْقَصْوَاء بَين أبي بكر وَأسيد بن حضير وكتيبة الْأَنْصَار مَعَ سعد بن عبَادَة وَمَعَهُ الرَّايَة وَرَايَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الزبير فَقَالَ أَبُو سُفْيَان سُبْحَانَ الله يَا عَبَّاس من هَؤُلَاءِ قَالَ قلت هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُهَاجِرين

وَالْأَنْصَار قَالَ مَا لأحد بهؤلاء قبل وَلَا طَاقَة وَالله يَا أَبَا الْفضل لقد أصبح ملك ابْن أَخِيك الْغَدَاة عَظِيما قَالَ قلت يَا أَبَا سُفْيَان إِنَّهَا النُّبُوَّة قَالَ فَنعم إِذا وَفِي رِوَايَة قَالَ وَكَانَت راية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ سعد بن عبَادَة فَلَمَّا مر بهَا على أبي سُفْيَان وَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة الْيَوْم أذلّ الله قُريْشًا فَلَمَّا حَاذَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان ناداه يَا رَسُول الله أمرت بقتل قَوْمك فانه زعم سعد وَمن مَعَه حِين مر بِنَا أَنه قاتلنا وَقَالَ الْيَوْم يَوْم الملحمة الْيَوْم تستحل الْحُرْمَة الْيَوْم أذلّ الله قُريْشًا وَإِنِّي أنْشدك الله فِي قَوْمك وَأَنت أبر النَّاس وأرحمهم وأوصلهم وَقَالَ عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَا رَسُول الله مَا نَأْمَن سَعْدا أَن تكون مِنْهُ فِي قُرَيْش صولة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا سُفْيَان الْيَوْم يَوْم المرحمة الْيَوْم أعز الله قُريْشًا قَالَ وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْدا أَن يُعْطي الرَّايَة لوَلَده قيس بن سعد حَتَّى لَا تخرج عَنهُ قَالَ ابْن هِشَام قَالَ الْعَبَّاس فَقلت لأبي سُفْيَان النَّجَاء إِلَى قَوْمك حَتَّى إِذا جَاءَهُم صرخَ بِأَعْلَى صَوته يَا معشر قُرَيْش هَذَا مُحَمَّد قد جَاءَكُم فِيمَا لَا قبل لكم بِهِ فَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن فَقَامَتْ إِلَيْهِ هِنْد بنت عتبَة قد أخذت بشاربه فَقَالَت اقْتُلُوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طَلِيعَة قوم

قَالَ السُّهيْلي الحميت الزق نسبته إِلَى الضخم وَالسمن والأحمس الَّذِي لَا خير عِنْده من قَوْلهم أعام أحمس إِذا لم يكن فِيهِ مطر وَزَاد عبد بن حميد إِنَّهَا قَالَت يَا آل غَالب اقْتُلُوا الأحمق فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَان وَالله لتسلمن أَو لَأَضرِبَن عُنُقك قَالَ ابْن هِشَام قَالَ أَبُو سُفْيَان وَيْلكُمْ لَا تغرنكم هَذِه من أَنفسكُم فَإِنَّهُ قد جَاءَكُم مَا لَا قبل لكم بِهِ من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن قَالُوا قَاتلك الله فَمَا تغني عَنَّا دَارك قَالَ وَمن أغلق عَلَيْهِ بَابه فَهُوَ آمن وَمن دخل الْمَسْجِد فَهُوَ آمن قَالَ فَتفرق النَّاس إِلَى دُورهمْ وَإِلَى الْمَسْجِد قَالَ فَلَمَّا انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي طوى وقف على رَاحِلَته معتجرا بشق برد حبرَة حَمْرَاء وَإنَّهُ ليضع رَأسه تواضعا لله حِين رأى مَا أكْرمه الله بِهِ من الْفَتْح حَتَّى إِن عثنونه ليكاد يمس وَاسِطَة الرحل قَالَ الْجَوْهَرِي الإعتجار لف الْعِمَامَة على الرَّأْس والعثنون شعيرات طوال تَحت الحنك وروينا عَن الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة حماها الله وشرفها الله وعظمها قَالَ أصعد عمر بن الْخطاب المعلاة فِي بعض حَاجته

يَعْنِي إِذْ كَانَ خَليفَة فَمر بِأبي سُفْيَان بن حَرْب يهنئ جملا لَهُ فَنظر إِلَى أَحْجَار قد بناها أَبُو سُفْيَان شبه الدّكان فِي وَجه دَاره يجلس عَلَيْهِ فِي فَيْء الْغَدَاة فَقَالَ عمر لَا أرجع من وَجْهي هَذَا حَتَّى تقلعه وترفعه فَبلغ عمر رَضِي الله عَنهُ الرّوم فجَاء والدكان على حَاله فَقَالَ لَهُ عمر ألم أقل لَك لَا أرجع حَتَّى تقلعه قَالَ أَبُو سُفْيَان انتظرت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ يأتينا بعض أهل مهنتنا فيقلعه وَيَرْفَعهُ فَقَالَ عمر عزمت عَلَيْك لتقلعنه بِيَدِك ولتنقلنه على عُنُقك فَلم يُرَاجِعهُ أَبُو سُفْيَان حَتَّى قلعه بِيَدِهِ وَنقل الْحِجَارَة على عُنُقه وَجعل يَطْرَحهَا فِي الدَّار فَخرجت إِلَيْهِ هِنْد ابْنة عتبَة فَقَالَت يَا عمر أمثل أبي سُفْيَان تكلفه هَذَا كُله وتعجله عَن أَن يَأْتِيهِ بعض أهل مهنته فطعن عمر بمخصرة كَانَت فِي يَده فِي خمارها فَقَالَت هِنْد ونفحتها بِيَدِهَا إِلَيْك عني يَا ابْن الْخطاب فَلَو فِي غير هَذَا الْيَوْم تفعل هَذَا لاضطمت عَلَيْك الأخاشب قَالَ فَلَمَّا قلع أَبُو سُفْيَان الْأَحْجَار ونقلها اسْتقْبل عمر الْقبْلَة وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي أعز الْإِسْلَام وَأَهله عمر بن الْخطاب رجل من بني عدى بن كَعْب يَأْمر أَبَا سُفْيَان بن حَرْب سيد بني عبد منَاف بِمَكَّة فيطيعه ثمَّ ولى

تفسير

تَفْسِير قَالَ الْجَوْهَرِي هنأت الْبَعِير إِذا طليته بالهناء وَهُوَ القطران والمهنة بِفَتْح الْمِيم الْخدمَة وَحكى فِيهِ الْكسر والماهن الْخَادِم والمخصرة كالسوط وكل مَا اختصر الْإِنْسَان بِيَدِهِ فأمسكه من عَصا وَنَحْوهَا ونفحتها أَي ضربتها ونحتها والأخاشب جمع أخشب وَهُوَ الْجَبَل الخشن الْعَظِيم والأخشبان جبلان بِمَكَّة قلت وَدَار أبي سُفْيَان الْيَوْم مجزرة يذبح فِيهَا الجزارون بِمَكَّة مَعْرُوفَة على يسرة المصعد إِلَى الْمُعَلَّى من الْمَسْجِد فسبحان الْخَافِض الرافع الْمعز المذل يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي وَذكر شَيخنَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي جملَة كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب ذكره ابْن مسكويه وَذكره ابْن سعد فِيمَن شهد فِي كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنجران ولبني جعيل من بلي فصل فِي إِسْلَام هِنْد ومبايعتها لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن عبد الله الْبر هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس

ابْن عبد منَاف أسلمت عَام الْفَتْح بعد إِسْلَام زَوجهَا فأقرهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نِكَاحهمَا وَكَانَت امْرَأَة فِيهَا ذكرة لَهَا نفس وأنفة شهِدت أحدا كَافِرَة مَعَ زَوجهَا أبي سُفْيَان وَكَانَت تَقول يَوْم أحد وَهِي تحرض الْمُشْركين على الْقِتَال (نَحن بَنَات طَارق ... نمشي على النمارق) والمسك فِي المفارق ... والدر فِي المخانق) (إِن تقبلُوا نعانق ... ونفرش النمارق) (أَو تدبروا نفارق ... فِرَاق غير وامق) وروى السُّهيْلي فِيهِ بعد قَوْلهَا نمشي على النمارق فَقَالَ مَشى القطا النوازق النزق الخفة فَلَمَّا قتل حَمْزَة وَثَبت عَلَيْهِ فمثلت بِهِ وَشقت بَطْنه واستخرجت كبده فشوت مِنْهُ وأكلت لِأَنَّهُ كَانَ قد قتل أَبَاهَا يَوْم بدر وَقيل فعل ذَلِك غَيرهَا ثمَّ ختم الله لَهَا بِالْإِسْلَامِ وروينا عَن ابْن هِشَام قَالَ قتل عتبَة بن ربيعَة أَبُو هِنْد وَكَانَ

رَأس الْكفْر وَمن أَصْحَاب القليب ببدر وَأَخُوهُ شيبَة والوليد بن عتبَة وحَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان وَكَانُوا أَعدَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعا عَلَيْهِم وَأخْبر بمصارعهم يَوْم بدر قبل الْوَقْعَة فَلم يعد أحد مِنْهُم مصرعه اشْترك فِي قَتلهمْ عَليّ وَحَمْزَة وَزيد بن حَارِثَة فَلَمَّا كَانَت وقْعَة أحد وَجمع أَبُو سُفْيَان نَحوا من ثَلَاثَة آلَاف وأتى بهم إِلَى أحد قتل حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ قَتله وَحشِي غُلَام جُبَير بن مطعم وَمثل النِّسَاء بالقتلى من جدع الآذان والأنوف حَتَّى اتَّخذت هِنْد من آذان الرِّجَال خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا وبقرت عَن كبد حَمْزَة فلاكتها فَلم تستطع أَن تسيغها فلفظتها ثمَّ علت على صَخْرَة مشرفة على الْمُسلمين وَقَالَت (نَحن جزيناكم بِيَوْم بدر ... وَالْحَرب بعد الْحَرْب ذَات سعر) (مَا كَانَ لي عَن عتبَة من صَبر ... وَلَا أخي وَعَمه وبكري) (شفيت نَفسِي وقضيت نذري ... شفيت وَحشِي غليل صَدْرِي) (فَشكر وَحشِي عَليّ عمري ... حَتَّى ترم أعظمي فِي قَبْرِي) فأجابتها هِنْد بنت أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب فَقَالَت

تفسير غريبه

(خزيت فِي بدر وَبعد بدر ... يَا بنت وقاع عَظِيم الْكفْر) (صبحك الله غَدَاة الْفجْر ... م الهاشميين الطوَال الغر) (بِكُل قطاع حسام يفري ... حَمْزَة ليثي وَعلي صقري) (إِذا رام شيب وَأَبُوك غدري ... فخضبا مِنْهُ ضواحي النَّحْر) (ونذرك السوء فشر نذر ... ) وَقَالَت هِنْد بنت عتبَة أَيْضا (شفيت من حَمْزَة نَفسِي بِأحد ... حَتَّى بقرت بَطْنه عَن الكبد) (أذهب عني ذَاك مَا كنت أجد ... من لذعة الْحزن الشَّديد الْمُعْتَمد) (وَالْحَرب تعلوكم بشؤبوب برد ... نقدم أقداما عَلَيْكُم كالأسد) تَفْسِير غَرِيبه قَوْلهَا ذَات سعر أَي ذَات هيجان والمسعر الْخشب الَّذِي

يسعر بِهِ النَّار وَمِنْه قيل للرجل مسعر حَرْب يوقدها وَعتبَة أَبوهَا وأخوها الْوَلِيد وعمها شيبَة وبكرها حَنْظَلَة قتلوا ببدر قَوْلهَا حَتَّى ترم تَقول رم الْعظم يرم بِالْكَسْرِ رمه أَي بلي فَهُوَ رَمِيم والوقاع الَّذِي يغتاب النَّاس وَيَقَع فيهم قَوْلهَا م الهاشميين بِحَذْف النُّون من حرف من لالتقاء الساكنين وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِي من وَحدهَا لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا قَالَه السُّهيْلي والشؤبوب شدَّة الدّفع من الْمَطَر وَقَوْلها برد تعنى كثير الْبرد وَهُوَ حب الْغَمَام قَالَ الشَّاعِر والمرهفات البوارد أَي السيوف القواتل كَأَنَّهَا شبهت الْحَرْب بِدفع الْمَطَر إِذا كَانَ كثير الْبرد قَالَه الْجَوْهَرِي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة أهْدر دَمهَا وَأمر بقتلها فاختفت ثمَّ أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتسترت بِالْإِسْلَامِ وَكَانَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا فِي الْإِسْلَام لَيْلَة وَاحِدَة ذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى يأيها النَّبِي إِذا جَاءَك المؤمنت يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا الْآيَة وَذَلِكَ يَوْم فتح مَكَّة قَالَ لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بيعَة الرِّجَال وَهُوَ على الصَّفَا وَعمر بن الْخطاب أَسْفَل مِنْهُ وَهُوَ يُبَايع النِّسَاء بِأَمْر رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويبلغهن عَنهُ وَهِنْد ابْنة عتبَة متنقبة مُتَنَكِّرَة مَعَ النِّسَاء خوفًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعرفهَا وَذَلِكَ لما فعلت فِي حَمْزَة عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغير ذَلِك من هجائها وتأليبها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ وَأَبُو سُفْيَان زَوجهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبايعهن على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا فَرفعت رَأسهَا وَقَالَت وَالله إِنَّك لتأْخذ علينا أمرا مَا رَأَيْنَاك أَخَذته على الرِّجَال وَبَايع الرِّجَال يَوْمئِذٍ على الْإِسْلَام وَالْجهَاد فَقَط فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَسْرِقن فَقَالَت هِنْد إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَإِنِّي أصبت من مَاله هَنَات تَعْنِي أَشْيَاء والهن الشَّيْء قَالَه الْجَوْهَرِي فَلَا أَدْرِي أتحل لي أم لَا فَقَالَ أَبُو سُفْيَان مَا أصبت من شَيْء فِيمَا مضى وَفِيمَا غبر فَهُوَ لَك حَلَال غبر يَعْنِي بَقِي وَيُرَاد بِهِ الْمَاضِي أَيْضا وَهُوَ من الأضداد قَالَه الْجَوْهَرِي أَيْضا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرفهَا فَقَالَ لَهَا وَإنَّك لهِنْد بنت عتبَة قَالَت نعم فَاعْفُ عَمَّا سلف عَفا الله عَنْك فَقَالَ وَلَا يَزْنِين فَقَالَت هِنْد أَو تَزني الْحرَّة فَقَالَ وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ فَقَالَت هِنْد رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا فَأنْتم وهم أعلم وَكَانَ ابْنهَا حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان قد قتل يَوْم بدر فَضَحِك عمر حَتَّى اسْتلْقى وَتَبَسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ

وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَهُوَ أَن تقذف ولدا على زَوجهَا لَيْسَ مِنْهُ قَالَت هِنْد وَالله إِن الْبُهْتَان لقبيح وَمَا تَأْمُرنَا إِلَّا بِالرشد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق قَالَ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف قَالَت هِنْد مَا جلسنا مَجْلِسنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسنَا أَن نَعْصِيك فَأقر النسْوَة بِمَا أَخذ عَلَيْهِنَّ روينَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت جَاءَت هِنْد بنت عتبَة قَالَت يَا رَسُول الله مَا كَانَ على ظهر الأَرْض من أهل خباء أحب إِلَيّ أَن يذلوا من أهل خبائك ثمَّ مَا أصبح الْيَوْم على ظهر الأَرْض أهل خباء أحب إِلَيّ أَن يعزوا من أهل خبائك رَوَاهُ فِي الْفَضَائِل قَالَ القَاضِي عِيَاض خباء أَو أخباء على الشَّك كَذَا فِي كتاب مُسلم فِي كتاب الْإِيمَان وَهُوَ من خبأت الأَرْض لِأَنَّهُ يستر فِيهِ والأخباء جمع خباء وَهُوَ من بيُوت الْأَعْرَاب من وبر أَو صوف وَلَا يكون من شعر ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيرهَا من مَنَازِلهمْ ومساكنهم قَالَ الْوَاقِدِيّ وَذكر يَوْم السلَاسِل من أَيَّام اليرموك وقتال النِّسَاء

ومجاوبتهن بالأشعار قَالَ وَخرجت هِنْد بنت عتبَة رَضِي الله عَنْهَا وبيدها مزهر والمزهر عود يضْرب بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي وَمن خلفهَا النِّسَاء من الْمُهَاجِرَات وَهِي تَقول الشّعْر الَّذِي قالته يَوْم أحد تحرض بِهِ الْمُشْركين نَحن بَنَات طَارق الأبيات تَعْنِي بقولِهَا بَنَات طَارق النَّجْم زهل ثمَّ اسْتقْبلت خيل ميمنة الْمُسلمين فرأتهم منهزمين فصاحت إِلَى أَيْن تفرون من الله وَمن جنته وَهُوَ مطلع عَلَيْكُم وَنظرت إِلَى أبي سُفْيَان مُنْهَزِمًا فَضربت وَجه حصانه بعمودها وَقَالَت إِلَى أَيْن يَا ابْن حَرْب ارْجع إِلَى الْقِتَال وابذل مهجتك حَتَّى تمحص عَنْك مَا قد سلف مِنْك من تحريضك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزبير بن الْعَوام لما سَمِعت كَلَام هِنْد لأبي سُفْيَان ذكرت يَوْم أحد وَنحن بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تحرض الْمُشْركين بِهَذَا الشّعْر على قتال الْمُسلمين فتعجبت من ذَلِك وَقلت لَك الْحَمد يَا رباه تفعل مَا تشَاء سبق عدلك فِي

خلقك وَلَا يعلم الْغَيْب غَيْرك قَالَ فعطف أَبُو سُفْيَان عِنْدَمَا سمع كَلَامهَا وَعطف الْمُسلمُونَ مَعَه وَنظرت إِلَى النِّسَاء وَقد حملن مَعَهم وَهن يسابقن الْمُسلمين وَهن بَين أرجل الْخَيل وَرَأَيْت الْمَرْأَة مِنْهُنَّ تقبل إِلَى العلج الْعَظِيم وَهُوَ على فرسه فتتعلق بِهِ فَلَا تُفَارِقهُ حَتَّى تنكسه عَن الْجواد ثمَّ تقتله وَتقول هَذَا بَيَان نصر الله توفيت هِنْد وَهِي وَأَبُو قُحَافَة وَالِد أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم فِي يَوْم وَاحِد فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَه ابْن عبد الْبر وَغَيره قَالَ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْآجُرِيّ رَحمَه الله فِي كتاب الشَّرِيعَة لَهُ بَاب تَزْوِيج أبي سُفْيَان بهند أم مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم قَالَ أَنا أَبُو عبيد عَليّ بن الْحُسَيْن بن حَرْب القَاضِي أَنا أَبُو السكين زَكَرِيَّا بن يحيى بن عمر ابْن حصن ابْن حميد بن منْهب بن حَارِثَة بن خريم بن أَوْس بن حَارِثَة بن لَام الْكُوفِي قَالَ حَدثنِي عَم أبي زحر بن حصن عَن جده حميد بن منْهب قَالَ كَانَت

هِنْد بنت عتبَة عِنْد الْفَاكِه بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَكَانَ الْفَاكِه من فتيَان قُرَيْش وَكَانَ لَهُ بَيت الضِّيَافَة يَغْشَاهُ النَّاس على غير إِذن فخلي ذَلِك الْبَيْت يَوْمًا فاضطجع الْفَاكِه وَهِنْد فِيهِ فِي وَقت القائلة ثمَّ خرج الْفَاكِه لبَعض حَاجته وَأَقْبل رجل كَانَ يَغْشَاهُ فولج الْبَيْت فَلَمَّا رأى الْمَرْأَة يَعْنِي هندا ولى هَارِبا وأبصره الْفَاكِه وَهُوَ خَارج من الْبَيْت فَأقبل إِلَى هِنْد فضربها بِرجلِهِ وَقَالَ لَهَا من هَذَا الَّذِي كَانَ عنْدك قَالَت مَا رَأَيْت أحدا وَلَا انْتَبَهت حَتَّى أنبهتني قَالَ لَهَا الحقي بأبيك وَتكلم فِيهَا النَّاس فَقَالَ لَهَا أَبوهَا يَا بنية إِن النَّاس قد أَكْثرُوا فِيك فأنبئيني نبأك فَإِن يكن الرجل عَلَيْك صَادِقا دسست إِلَيْهِ من يقْتله فَيَنْقَطِع عَنْك القالة وَإِن يَك كَاذِبًا حاكمته إِلَى بعض كهان الْيمن فَحَلَفت لَهُ بِمَا كَانُوا يحلفُونَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَنه لَكَاذِب عَلَيْهَا فَقَالَ عتبَة للفاكه يَا هَذَا إِنَّك قد رميت ابْنَتي بِأَمْر عَظِيم فحاكمني إِلَى بعض كهان الْيمن فَخرج الْفَاكِه فِي جمَاعَة من بني مَخْزُوم وَخرج عتبَة فِي جمَاعَة من بني عبد منَاف وَخَرجُوا مَعَهم بهند ونسوة مَعهَا فَلَمَّا شارفوا الْبِلَاد وَقَالُوا غَدا نرد على الكاهن تنكر حَال هِنْد وَتغَير وَجههَا فَقَالَ لَهَا أَبوهَا إِنِّي قد أرى مَا بك من تنكر الْحَال وَمَا ذَاك إِلَّا لمكروه عنْدك أَفلا كَانَ هَذَا قبل أَن يشْهد النَّاس مسيرنا قَالَت لَا وَالله يَا أبتاه مَا ذَاك لمكروه وَلَكِنِّي أعرف أَنكُمْ تأتون بشرا يُخطئ ويصيب وَلَا آمنهُ أَن يسمني بسمة تكون عَليّ سبة فِي

الْعَرَب قَالَ إِنِّي سَوف أختبره من قبل أَن ينظر فِي أَمرك فصفر بفرس حَتَّى أدلي ثمَّ أَخذ حَبَّة من حِنْطَة فَأدْخلهَا فِي إحليلة وأوكأ عَلَيْهَا بسير فَلَمَّا وردوا على الكاهن أكْرمهم وَنحر لَهُم فَلَمَّا تغدوا قَالَ لَهُ عتبَة إِنَّا قد جئْنَاك فِي أَمر وَإِنِّي قد خبأت لَك خبيئا أختبرك بِهِ فَانْظُر مَا هُوَ قَالَ تَمْرَة فِي كمرة قَالَ أُرِيد أبين من هَذَا قَالَ حَبَّة من بر فِي إحليل مهر قَالَ صدقت انْظُر فِي أَمر هَؤُلَاءِ النسْوَة فَجعل يدنو من إِحْدَاهُنَّ فَيضْرب كتفها وَيَقُول انهضي حَتَّى دنا من هِنْد فَضرب كتفها وَقَالَ انهضي غير وسخاء وَلَا زَانِيَة ولتلدن ملكا يُقَال لَهُ مُعَاوِيَة فَوَثَبَ إِلَيْهَا الْفَاكِه فَأخذ بِيَدِهَا فَنثرَتْ يَدهَا من يَده وَقَالَت إِلَيْك فوَاللَّه لأحرصن على أَن يكون ذَلِك من غَيْرك فَتَزَوجهَا أَبُو سُفْيَان فَجَاءَت بِمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم وَأَنا أَبُو مُحَمَّد بن نَاجِية نَا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالك بن إِسْمَاعِيل النَّهْدِيّ نَا عمر بن زِيَاد الْهِلَالِي عَن عبد الْملك بن نَوْفَل بن مساحق الْمدنِي من بني عَامر بن لؤَي قَالَ قَالَت هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة لأَبِيهَا يَا أَبَت إِنِّي قد ملكت أَمْرِي قَالَ وَذَاكَ حِين فَارقهَا الْفَاكِه بن الْمُغيرَة فَلَا تزَوجنِي رجلا حَتَّى تعرضه عَليّ قَالَ ذَلِك لَك قَالَ فَقَالَ لَهَا ذَات يَوْم يَا بنية قد

خَطبك رجلَانِ من قَوْمك وَلست بمسم لَك وَاحِدًا مِنْهُمَا حَتَّى أصفه لَك أما الأول فَفِي الشّرف الصميم والحسب الْكَرِيم تخالين بِهِ هوجا من غفلته وَذَلِكَ إسجاح من شيمته حسن الصَّحَابَة سريع الْإِجَابَة إِن تابعتيه تابعك وَإِن ملت بِهِ كَانَ مَعَك تقضين عَلَيْهِ فِي مَاله وتكتفين بِرَأْيِك عَن رَأْيه وَأما الآخر فَفِي الْحسب الحسيب والرأي الأريب بدر أرومته وَعز عشيرته يُؤَدب أَهله وَلَا يؤدبونه إِن اتَّبعُوهُ أسهل بهم وَإِن جانبوه توعربهم شَدِيد الْغيرَة سريع الطَّيرَة صَعب حجاب الْقبَّة إِن حَاج فَغير منزور وَإِن نوزع فَغير مَقْصُور قد بيّنت لَك أَمرهمَا كليهمَا قَالَت أما الأول فسيد مُطَاع لكريمته مؤات لَهَا فِيمَا عَسى إِن لم تعصم أَن تبين بعد إبائها وتضيع تَحت جنائها وَإِن جَاءَت لَهُ بِولد أحمقت وَإِن أنجبت فَعَن خطأ أنجبت اطو ذكر هَذَا عني فَلَا تسمه لي وَأما الآخر فبعل الْحرَّة الْكَرِيمَة وَإِنِّي لأخلاق هَذَا لوامقه وَإِنِّي لَهُ لموافقة وَإِنِّي لآخذ بأدب البعل مَعَ لزومي لقبتي وَقلة تلفتي وَإِن السَّلِيل بيني وَبَينه لحري أَن يكون المدافع عَن حَرِيم عشيرته الزَّائِد عَن كتيبتها المحامي عَن حفيظتها الزائن لأرومتها غير مواكل وَلَا زميل عِنْد صعصعة الْحَوَادِث فَمن قَالَ ذَاك أَبُو سُفْيَان بن حَرْب بن أُميَّة قَالَت

تفسير غريبه

زَوجنِي مِنْهُ وَلَا تلقني إِلَيْهِ إِلْقَاء المستسلس السلس وَلَا تسمه بِي سوم المعاطس الضرس واستخر الله فِي السَّمَاء يخر لَك بِعِلْمِهِ فِي الْقَضَاء وَرُوِيَ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة مَا زلت فِي طمع من الْخلَافَة مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا مُعَاوِيَة إِن ملكت فَأحْسن وَرُوِيَ عَن خَالِد بن يزِيد بن صبيح عَن أَبِيه عَن مُعَاوِيَة قَالَ كنت أوضئ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم أفرغ عَلَيْهِ من إِنَاء فِي يَدي فَنظر إِلَيّ نظرة شَدِيدَة فَفَزِعت وَسقط الْإِنَاء من يَدي فَقَالَ يَا مُعَاوِيَة إِن وليت شَيْئا من أُمُور أمتِي فَاتق الله واعدل قَالَ فَمَا زلت أطمع فِيهَا مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم فأسأل الله أَن يَرْزُقنِي الْعدْل فِيكُم وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن جده قَالَ كَانَت أداوة يحملهَا أَبُو هُرَيْرَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوضوئه فاشتكى أَبُو هُرَيْرَة فحملها مُعَاوِيَة فَبَيْنَمَا هُوَ يوضئ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فَقَالَ يَا مُعَاوِيَة إِن وليت من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فَاتق الله واعدل فَمَا زلت أَظن أَنِّي مبتلى بذلك لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وليت تَفْسِير غَرِيبه قَوْله كتاب الشَّرِيعَة قَالَ الْجَوْهَرِي الشَّرِيعَة مَا شرع الله لِعِبَادِهِ

من الدّين أَي سنّ والشارع الطَّرِيق والشرعة بِالْكَسْرِ الشَّرِيعَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجا} قَوْله فِي الشّرف الصميم صميم الشَّيْء خالصه يُقَال هُوَ فِي صميم قومه قَوْله تخالين بِهِ هوجا يُقَال خلت الشَّيْء خيلا وخيلة ومخيلة وخيلولة أَي ظننته وَهُوَ من بَاب ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا الَّتِي تدخل على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر فَإِن ابتدأت بهَا أعملت وَإِن وسطتها أَو أخرتها فَأَنت بِالْخِيَارِ بَين الإعمال والإلغاء وَتقول فِي مستقبله إخال بِكَسْر الْألف وَهُوَ الْأَفْصَح وَبَنُو أَسد بِفَتْح الْألف وَهُوَ الْقيَاس قَوْله هوجا هُوَ الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِيهِ تسرع وحمق والهوجاء النَّاقة السريعة والهوجاء الرّيح الَّتِي تقلع الْبيُوت فَلذَلِك قَالَت هِنْد إِن جَاءَت لَهُ بِولد أحمقت قَوْله وَذَلِكَ إسجاح من شيمته الإسجاح حسن الْعَفو يُقَال ملكت فَأَسْجِحْ وَإِذا سَأَلت فَأَسْجِحْ أَي سهل ألفاظك وارفق قَوْله من شيمته الشيمة الْخلق قَوْله حسن الصَّحَابَة سريع الْإِجَابَة وَصفه بِحسن الْعشْرَة ولين الْجَانِب مَعَ الهوج وَالْحق الَّذِي ذكر فِيهِ قَوْله والرأي الأريب هُوَ الرجل الْعَاقِل الداهية قَوْله بدر أرومته وَعز عشيرته الأروم بِفَتْح الْهمزَة أصل الشَّجَرَة والقرن اسْتِعَارَة هُنَا لأصالته لِأَنَّهُ من بني عبد منَاف قَوْله يُؤَدب أَهله وَلَا يؤدبونه وَصفه بالشدة والغيرة إِذا كَانَ فيهم كَمَا قَالَت فِي حَدِيث أم زرع إِن دخل فَهد وَإِن خرج أَسد قَوْله إِن حَاج فَغير منزور مَعْنَاهُ لَا يُرَاجع بِمَا يكره لشدَّة وقاره وهيبته قَوْله وَإِن نوزع فَغير مَقْصُور يُقَال أقصر عَنهُ إِذا تركته عَن قدره وَقصر عَنهُ ضعف وكل شَيْء حَبسته فقد

قصرته قَوْلهَا فِيمَا عَسى إِن لم تعصم فضل الْعِصْمَة الْحِفْظ يُقَال اعتصمت بِاللَّه إِذا امْتنعت بِلُطْفِهِ من الْمعْصِيَة والعصمة الْمَنْع أَيْضا يُقَال عصمه الطَّعَام أَي مَنعه من الْجُوع وَأَبُو عَاصِم كنية السويق قَوْلهَا إِنِّي لأخلاق هَذَا لوامقة المقة الْمحبَّة وَالْهَاء عوض من الْوَاو وَقد ومقه يمقه بِالْكَسْرِ فيهمَا أَي أحبه فَهُوَ وامق قَوْلهَا وَإِن السَّلِيل بيني وَبَينه تَعْنِي الْوَلَد قَوْلهَا المحامي عَن حفيظتها الحفيظة الْغَضَب وَالْحمية وَقَوْلهمْ وَإِن الحفائظ تنقض الأحقاد أَي إِذا رَأَيْت حميمك يظلم حميت لَهُ وَإِن كَانَ فِي قَلْبك عَلَيْهِ حقد قَوْلهَا غير مواكل وَلَا زميل عِنْد صعصعة الْحَوَادِث المواكل الْعَاجِز يكل أمره إِلَى غَيره ويتكل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الدَّابَّة تتكل على صَاحبهَا فِي الْعَدو حَتَّى يضْربهَا والزميل الجبان الضَّعِيف والصعصعة التَّفَرُّق يُقَال ذهبت الْإِبِل صعاصع أَي مُتَفَرِّقَة قَوْلهَا المستسلس السلس هُوَ اللين المنقاد قَوْلهَا وَلَا تسمه بِي سوم المعاطس الضرس وَيُقَال ظَبْي عاطس وَهُوَ الَّذِي يستقبلك من أمامك والضرس أكمة خشنة وناقة ضروس سَيِّئَة الْخلق وَكَأَنَّهَا أَرَادَت بالسوم فِي حَال الْخطْبَة أَن لَا تلين لَهُ وَلَا تشدد عَلَيْهِ فِيمَا يَقع بَيْنكُمَا الِاتِّفَاق عَلَيْهِ من أَمر الصَدَاق وَغَيره مِمَّا كَانُوا يتفقون عَلَيْهِ عِنْد التَّزْوِيج فِي جاهليتهم 26 - طَلْحَة بن عبيد الله ابْن عُثْمَان بن عَمْرو ابْن كَعْب بن سعد بن تيم بن مرّة بن

كَعْب بن لؤَي الْقرشِي التَّيْمِيّ وَأمه الحضرمية اسْمهَا الصعبة بنت عبد الله بن عماد أُخْت الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ يَأْتِي بِشَيْء من ذكرهَا فِي تَرْجَمَة أَخِيهَا يكنى طَلْحَة أَبَا مُحَمَّد وَيعرف بطلحة الْخَيْر وَطَلْحَة الْفَيَّاض وَذَلِكَ أَنه اشْترى مَالا بِموضع يُقَال لَهُ بيسان قَالَ أَبُو عبيد عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْبكْرِيّ فِي كتاب مُعْجم مَا استعجم من حرف الْبَاء بيسان بِفَتْح أَوله وسين مُهْملَة موضعان أَحدهمَا بِالشَّام وَالثَّانِي بالحجاز وَهُوَ المُرَاد فِي الحَدِيث قَالَ وَذكر الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِمَاء يُقَال لَهُ بيسان فِي غَزْوَة ذِي قرد فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل اسْمه بيسان وَهُوَ ملح فَقَالَ بل هُوَ نعْمَان وَهُوَ طيب فَغير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمه وَغير الله المَاء فَاشْتَرَاهُ طَلْحَة ثمَّ تصدق بِهِ فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا أَنْت يَا طَلْحَة إِلَّا فياض فَسُمي بذلك وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَأحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وَأحد الثَّمَانِية السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام وَأحد الْخَمْسَة الَّذين أَسْلمُوا على يَد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَأحد السِّتَّة الَّذين جعل عمر فيهم الشورى وَأخْبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ عَنْهُم رَاض وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يخرج من الْمَدِينَة إِلَى بدر هُوَ

وَسَعِيد بن زيد إِلَى طَرِيق الشَّام يتجسسان الْأَخْبَار يَعْنِي خبر عير أهل مَكَّة الَّتِي قدم بهَا أَبُو سُفْيَان ثمَّ رجعا إِلَى الْمَدِينَة فقدماها يَوْم وقْعَة بدر فَضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهمه فَلَمَّا قدم قَالَ وَأجْرِي يَا رَسُول الله قَالَ وأجرك وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا وأبلى يَوْم أحد بلَاء حسنا وَوقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاتَّقَى عَنهُ النبل بِيَدِهِ حَتَّى شلت إصبعه وَضرب ضَرْبَة فِي رَأسه وَحمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ظَهره حَتَّى اسْتَقل على الصَّخْرَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم أوجب طَلْحَة يَا أَبَا بكر فَقَالَ أَبُو بكر يَوْم أحد كُله لطلْحَة ويروى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَضَ يَوْم أحد ليصعد على صَخْرَة وَكَانَ ظَاهر بَين درعين فَلم يسْتَطع النهوض فاحتمله طَلْحَة بن عبيد الله فأنهضه حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا وَرُوِيَ أَنه نظر إِلَيْهِ فَقَالَ من أحب أَن ينظر إِلَى شَهِيد يمشي على وَجه الأَرْض فَلْينْظر إِلَى طَلْحَة ثمَّ شهد الْجمل مُحَاربًا لعَلي رَضِي الله عَنهُ فَدَعَاهُ وَذكره أَشْيَاء من سوابقه وفضله فَرجع طَلْحَة عَن قِتَاله على نَحْو مَا صنع الزبير بن الْعَوام وَاعْتَزل فِي بعض الصُّفُوف فَرمي بِسَهْم فَقطع من رجله عرق النسا فَلم يزل دَمه ينزف حَتَّى مَاتَ وَيُقَال أصَاب ثغرة نَحره فدفناه على شاطئ الكلا فَرَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام فَقَالَ أَلا تريحوني من هَذَا المَاء فَإِنِّي قد غرقت ثَلَاث مَرَّات يَقُولهَا قَالَ فنبشوه فَإِذا هُوَ أَخْضَر كَأَنَّهُ السلق فنزفوا عَنهُ المَاء ثمَّ استخرجوه فَإِذا مَا يَلِي الأَرْض من لحيته وَوَجهه قد أَكلته الأَرْض فاشتروا لَهُ دَارا فدفنوه فِيهَا قتل وَهُوَ ابْن سِتِّينَ سنة يَوْم الْجمل لعشر

خلون من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَقيل غير ذَلِك وَسمع عَليّ رَضِي الله عَن رجلا ينشد (فَتى كَانَ يدينه الْغنى من صديقه ... إِذا مَا هُوَ اسْتغنى ويبعده الْفقر) (كَأَن الثريا علقت فِي جَبينه ... وَفِي خَدّه الشعرى وفى الآخر الْبَدْر) هَذَا الْبَيْت ذكره المَسْعُودِيّ فِي المروج فَقَالَ ذَاك أَبُو مُحَمَّد طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ وَرُوِيَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي خطْبَة خطبهَا حِين نهوضه إِلَى الْجمل إِنِّي بليت بأَرْبعَة أدهى النَّاس وأسخاهم طَلْحَة وَأَشْجَع النَّاس الزبير وأطوع النَّاس فِي النَّاس عَائِشَة وأسرع النَّاس إِلَى فتْنَة يعلى بن أُميَّة وَرُوِيَ عَنهُ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِنِّي وَالله لأرجو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر مِمَّن قَالَ الله تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرد متقبلين قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول طَلْحَة وَالزُّبَيْر جاراي

فِي الْجنَّة قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد ذكره عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَقَالَ وَأما مَا وَقع لي مِمَّن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطلحة ذكره عَليّ بن مُحَمَّد بن مسكويه فِي كتاب تجارب الْأُمَم 27 - عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُمَا كنيته أَبُو عمر وَكَانَ مولدا من مولدِي الأزد أسود اللَّوْن مَمْلُوكا للطفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة أخي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا لأمها أسلم وَهُوَ مَمْلُوك فَاشْتَرَاهُ أَبُو بكر من الطُّفَيْل وَأعْتقهُ وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام أسلم قبل أَن يدْخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وعذب فِي الله كَانَ يرْعَى الْغنم فِي ثَوْر ثمَّ يروح بهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وهما فِي الْغَار شهد بَدْرًا وَاحِدًا وَقتل يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع من الْهِجْرَة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة قَتله عَامر بن الطُّفَيْل ويروى عَن عَامر لما أسلم قَالَ رَأَيْت أول طعنة طعنتها عَامر بن فهَيْرَة نورا خرج مِنْهَا وَلما قدم عَامر بن الطُّفَيْل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ من الرجل الَّذِي رَأَيْته لما قتل رفع بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى رَأَيْت

السَّمَاء دونه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك عَامر بن فهَيْرَة قَالَه ابْن عبد الْبر وَذكره البُخَارِيّ فِي غَزْوَة الرجيع وَطلب فِي الْقَتْلَى فَلم يُوجد فيرون أَن الْمَلَائِكَة رفعته قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شَرحه للسيرة الشَّرِيفَة عَامر بن فهَيْرَة ذكره أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَغَيره وَذكره ابْن إِسْحَاق فِي حَدِيث الْهِجْرَة فَقَالَ كَانَ مخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد بيعَة الْعقبَة بِليَال وَهِي بيعَة الْأَنْصَار خرج هُوَ وَأَبُو بكر لَيْلًا فمضيا وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خوخة فِي طرف دَار أبي بكر الَّتِي فِي بني جمح ونهضا إِلَى غَار ثَوْر وَضرب العنكبوت على بَابه وَطلبت قُرَيْش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهوا إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم إِن عَلَيْهِ العنكبوت قبل مِيلَاد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة أَمر الله شَجَرَة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش حَتَّى كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَرَأَوْا الحمامتين فعرفوا أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد وَكَانَ لأبي بكر منحة غنم يرعاها عَامر بن فهَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يَأْتِيهم بهَا لَيْلًا فيحتلبون فَإِذا كَانَ سحر سرح مَعَ النَّاس قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لَهما سفرة من جراب فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر قِطْعَة من نطاقها فأوكت بِهِ الجراب فبذلك سميت ذَات النطاقين وَمكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَأَبُو بكر فِي الْغَار ثَلَاث لَيَال وَكَانَ يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر يتسمع الْأَخْبَار بِالنَّهَارِ واستأجر أَبُو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بِالطَّرِيقِ يُقَال

لَهُ عبد الله بن أريقط وَهُوَ على دين الْكفْر ولكنهما أمناه ودفعا إِلَيْهِ راحلتيهما وواعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال فأتاهما براحلتيهما صبح ثَلَاث لَيَال فارتحلا ومعهما عَامر بن فهَيْرَة فَأخذ بهم ابْن أريقط على طَرِيق السَّاحِل فَلَمَّا رحلوا من قديد عرض لَهما سراقَة بن مَالك بن جعْشم وَهُوَ على فرس لَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسخت قَوَائِم فرسه فَقَالَ يَا مُحَمَّد ادْع الله أَن يُطلق فرسي وأرجع عَنْك وأرد من ورائي فَفعل فَأطلق وَرجع فَوجدَ النَّاس يَلْتَمِسُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ارْجعُوا فقد استبرأت لكم مَا هَهُنَا وَقد عَرَفْتُمْ بَصرِي بالأثر فَرَجَعُوا عَنهُ وَفِي رِوَايَة فَعرض سراقَة عَلَيْهِم الزَّاد وَالْمَتَاع والحملان فَقَالَا أكفنا نَفسك وأخف عَنَّا وَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكْتب لَهُ كتاب أَمن فَأمر ابْن فهَيْرَة فَكتب فِي رقْعَة من أَدَم ثمَّ مضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر تَمام الحَدِيث 28 - عبد الله بن الأرقم قَالَ ابْن عبد الْبر عبد الله بن الأرقم بن عبد يَغُوث بن وهب

ابْن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب الْقرشِي الزُّهْرِيّ أسلم عَام الْفَتْح كَانَ من المواظبين على كتاب الرسائل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب لأبي بكر واستكتبه عمر وَاسْتَعْملهُ على بَيت المَال وَعُثْمَان بعده وَلم يزل على بَيت المَال خلَافَة عمر كلهَا وسنتين من خلَافَة عُثْمَان حَتَّى استعفاه من ذَلِك فأعفاه وَكَانَ يُجيب الْمُلُوك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبلغ من أَمَانَته عِنْده أَنه كَانَ يَأْمُرهُ أَن يكْتب إِلَى بعض الْمُلُوك فَيكْتب ويأمره أَن يطينه ويختمه وَمَا يقرأه لأمانته عِنْده قَالَ الْجَوْهَرِي طان فلَان الْكتاب يطينه إِذا خَتمه قَالَ وَكَانَ إِذا غَابَ عبد الله أَمر من حضر أَن يكْتب لَهُ قَالَ وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك قَالَ بَلغنِي أَنه ورد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب فَقَالَ من يُجيب عني فَقَالَ عبد الله بن الأرقم أَنا فَأجَاب عَنهُ وأتى بِهِ إِلَيْهِ فأعجبه وأنفذه وَكَانَ عمر حَاضرا فأعجبه ذَلِك من عبد الله بن الأرقم وَلم يزل فِي نَفسه يَقُول أصَاب مَا أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ولي عمر اسْتَعْملهُ على بَيت المَال قَالَ وروى ابْن وهب عَن مَالك أَن عُثْمَان أجَازه وَكَانَ لَهُ على بَيت المَال ثَلَاثُونَ ألفا فَأبى أَن يقبلهَا وروى سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن

عَمْرو بن دِينَار أَن عُثْمَان اسْتَعْملهُ على بَيت المَال وَأَعْطَاهُ ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فَأبى عبد الله أَن يَأْخُذهَا وَقَالَ إِنَّمَا عملت لله وَإِنَّمَا أجري على الله وروى أَشهب عَن مَالك أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول مَا رَأَيْت أحدا أخْشَى لله من عبد الله بن الأرقم قَالَ وَقَالَ لَهُ لَو كَانَ لَك سَابِقَة مَا قدمت عَلَيْك أحدا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم 29 - عبد الله بن عبد الله بن أبي ابْن سلول وسلول امْرَأَة عرف بهَا وَهِي من خُزَاعَة أم أبي وَأبي بن مَالك بن سَالم بن غنم بن عَوْف بن الْخَزْرَج وَسَالم يعرف بالحبلى لعظم بَطْنه ولبني الحبلى شرف فِي الْأَنْصَار كَانَ اسْمه الْحباب فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله وَكَانَ أَبوهُ عبد الله رَأس الْمُنَافِقين وَمِمَّنْ تولى

الْإِفْك فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَابْنه عبد الله من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم شهد بَدْرًا وَاحِدًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَبوهُ من أَشْرَاف الْخَزْرَج وَكَانُوا اجْتَمعُوا على أَن يُتَوِّجُوهُ ويسندوا إِلَيْهِ أَمرهم قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ نفس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النُّبُوَّة وأخذته الْعِزَّة فَلم يخلص الْإِسْلَام وأضمر النِّفَاق حسدا وبغيا وَقَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل هَكَذَا ذكر ابْن عبد الْبر وسَاق الحَدِيث وَالَّذِي ذكره الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة وروينا عَن ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة أَن قصَّة ابْن أبي ونزول هَذِه الْآيَة كَانَ فِي غَزْوَة بني المصطلق على مَاء من مِيَاههمْ يُقَال لَهُ الْمُريْسِيع من نَاحيَة قديد إِلَى السَّاحِل روى الْبَغَوِيّ وَاللَّفْظ لِابْنِ إِسْحَاق قَالَ فَهزمَ الله بني المصطلق فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك المَاء وَردت وَارِدَة النَّاس وَمَعَ عمر بن الْخطاب أجِير لَهُ من بني غفار يُقَال لَهُ جَهْجَاه بن سعيد يَقُود فرسه فازدحم جَهْجَاه وَسنَان بن وبر الْجُهَنِيّ حَلِيف بني عَوْف بن الْخَزْرَج على المَاء فاقتتلا فَصَرَخَ الْجُهَنِيّ يَا معشر الْأَنْصَار وصرخ جَهْجَاه يَا معشر الْمُهَاجِرين وأعان جهجاها الْغِفَارِيّ رجل من

الْمُهَاجِرين يُقَال لَهُ جِعَال وَكَانَ فَقِيرا قَالَ السُّهيْلي مَاتَ جَهْجَاه بعد قتل عُثْمَان بالأكلة فِي ركبته الَّتِي كسر عَلَيْهَا عَصا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَ يخْطب بهَا وَكَانَ أَخذهَا من يَد عُثْمَان وَكسرهَا قَالَ ابْن إِسْحَاق فَغَضب عبد الله بن أبي ابْن سلول وَعِنْده رَهْط من قومه فيهم زيد ابْن أَرقم غُلَام حدث فَقَالَ افعلوها قد نافرونا وكاثرونا فِي بِلَادنَا وَالله مَا مثلنَا وَمثلهمْ إِلَّا كَانَ قَالَ الْقَائِل سمن كلبك يَأْكُلك أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل يَعْنِي بالأعز نَفسه وَبِالْأَذَلِّ من يجله عَن الْوَصْف بِهَذِهِ الصّفة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أقبل على من حَضَره من قومه وَقَالَ هَذَا مَا فَعلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُم بِلَادكُمْ وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالكُم أما وَالله لَو أَمْسَكْتُم عَن جِعَال وَذَوِيهِ فضل الطَّعَام لم يركبُوا رِقَابكُمْ ولتحولوا إِلَى غير بِلَادكُمْ فَلَا تنفقوا عَلَيْهِم حَتَّى يَنْفضوا من حول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ زيد بن أَرقم أَنْت وَالله الذَّلِيل الْقَلِيل الْمُبْغض فِي قَوْمك وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عز من الرَّحْمَن ومودة من الْمُسلمين فَقَالَ عبد الله بن أبي اسْكُتْ إِنَّمَا كنت أَلعَب فَمشى زيد بن أَرقم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ بعد فَرَاغه من الْغَزْو فَأخْبرهُ الْخَبَر وَعِنْده عمر بن الْخطاب فَقَالَ دَعْنِي أضْرب عُنُقه يَا رَسُول الله قَالَ فَكيف يَا عمر إِذا تحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه وَلَكِن أذن بالرحيل فارتحل النَّاس وَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عبد الله بن أبي فَأَتَاهُ فَقَالَ أَنْت صَاحب هَذَا الْكَلَام الَّذِي بَلغنِي فَقَالَ عبد الله وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مَا قلت شَيْئا

من ذَلِك وَإِن زيدا لَكَاذِب وَكَانَ عبد الله فِي قومه شريفا عَظِيما فَقَالَ من حضر من الْأَنْصَار من أَصْحَابه يَا رَسُول الله عَسى أَن يكون الْغُلَام أوهم فِي حَدِيثه وَلم يحفظ مَا قَالَه فعذره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفشت الْمَلَامَة فِي الْأَنْصَار لزيد وكذبوه وَقَالَ لَهُ عَمه وَكَانَ زيد مَعَه مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس مقتوك وَكَانَ زيد يُسَايِر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستحيي بعد ذَلِك أَن يدنو من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا اسْتَقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَار لقِيه أسيد بن حضير فحياه بِتَحِيَّة النُّبُوَّة وَسلم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله لقد رحت فِي سَاعَة مُنكرَة مَا كنت تروح فِيهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَا بلغك مَا قَالَ صَاحبكُم عبد الله بن أبي قَالَ وَمَا قَالَ قَالَ زعم أَنه إِن رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة أخرج الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَقَالَ أسيد فَأَنت وَالله تخرجه إِن شِئْت هُوَ وَالله الذَّلِيل وَأَنت الْعَزِيز ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله ارْفُقْ بِهِ فوَاللَّه لقد جَاءَ الله بك وَإِن قومه لينظمون لَهُ الخرز ليتوجوه فَإِنَّهُ ليرى أَنَّك قد استلبته ملكا وَبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي مَا كَانَ من أَمر أَبِيه فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عَنهُ فَإِن كنت فَاعِلا فمرني بِهِ فَأَنا أحمل إِلَيْك رَأسه فوَاللَّه لقد علمت الْخَزْرَج مَا كَانَ بهَا رجل أبر بِوَالِديهِ مني وَإِنِّي

فصل

أخْشَى أَن تَأمر بِهِ غَيْرِي فيقتله فَلَا تدعني نَفسِي أَن أنظر إِلَى قَاتل عبد الله بن أبي يمشي فِي النَّاس فأقتل مُؤمنا بِكَافِر فَأدْخل النَّار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (بل ترفق بِهِ وتحسن صحبته مَا بَقِي مَعنا) وَجعل بعد ذَلِك إِذا أحدث الْحَدث كَانَ قومه هم الَّذين يعاتبونه ويعنفونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر بن الْخطاب حِين بلغه ذَلِك من شَأْنهمْ (كَيفَ ترى يَا عمر لَو قتلته يَوْم قلت لي أَقتلهُ لأرعدت لَهُ أنف لَو أَمَرتهَا الْيَوْم بقتْله لقتلته) قَالَ قَالَ عمر قد وَالله علمت لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم بركَة من أَمْرِي فصل قَالَ السُّهيْلي وروى الدَّارَقُطْنِيّ مُسْندًا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على جمَاعَة فيهم عبد الله بن أبي فَسلم عَلَيْهِم ثمَّ ولى فَقَالَ عبد الله لقد عتا ابْن أبي كَبْشَة فِي هَذِه الْبِلَاد فَسَمعَهَا ابْنه عبد الله فَاسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن يَأْتِيهِ برأَ س أَبِيه قَالَ (لَا وَلَكِن بر

أَبَاك) قَالَ السُّهيْلي فِي هَذَا علم عَظِيم وبرهان نير من أَعْلَام نبوته فَإِن الْعَرَب كَانَت أَشد خلق الله حمية وتعصبا فَبلغ الْإِيمَان مِنْهُم وَنور الْيَقِين من قُلُوبهم إِلَى أَن يرغب الرجل مِنْهُم فِي قتل أَبِيه وَولده تقربا إِلَى الله تَعَالَى وتزلفا إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبعد النَّاس نسبا مِنْهُم وَمَا تَأَخّر إِسْلَام قومه وَبني عَمه وَسبق إِلَى الْإِيمَان بِهِ الأباعد إِلَّا لحكمة عَظِيمَة إِذْ لَو بَادر أَهله وأقربوه إِلَى الْإِيمَان بِهِ لقيل قوم أَرَادوا الْفَخر بِرَجُل مِنْهُم وتعصبوا لَهُ فَلَمَّا بَادر إِلَيْهِ الأباعد وقاتلوا على حبه من كَانَ مِنْهُم أَو من غَيرهم علم أَن ذَلِك على بَصِيرَة صَادِقَة ويقين قد تغلغل فِي قُلُوبهم وَرَهْبَة من الله عز وَجل أزالت صفة قد كَانَت سدكت يَعْنِي لَزِمت فِي نُفُوسهم من أَخْلَاق الْجَاهِلِيَّة لَا يَسْتَطِيع إِزَالَتهَا إِلَّا الَّذِي خلقهمْ فَلذَلِك كَانَ أحدهم يقتل أَبَاهُ وأخاه وأقرباءه فِي حبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبَغَوِيّ وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومهم ذَلِك حَتَّى أَمْسَى وليلتهم حَتَّى أصبح وَصدر يومهم حَتَّى آذتهم الشَّمْس ثمَّ نزل

بِالنَّاسِ فَلم يكن إِلَّا أَن وجدوا مس الأَرْض فوقعوا نياما وَإِنَّمَا فعل ذَلِك ليشغل النَّاس عَن الحَدِيث الَّذِي كَانَ بالْأَمْس من حَدِيث عبد الله بن أبي فَلَمَّا وافى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة قَالَ زيد بن أَرقم جَلَست فِي الْبَيْت لما بِي من الْهم وَالْحيَاء فَأنْزل الله تَعَالَى سُورَة الْمُنَافِقين فِي تَصْدِيق زيد وَتَكْذيب عبد الله فَلَمَّا نزلت أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذن زيد وَقَالَ يَا زيد إِن الله صدقك وأوفى بأذنك وَكَانَ عبد الله بن أبي بِقرب الْمَدِينَة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يدخلهَا جَاءَهُ ابْنه عبد الله بن عبد الله بن أبي حَتَّى أَنَاخَ على مجامع طَرِيق الْمَدِينَة فَلَمَّا جَاءَ عبد الله بن أبي قَالَ وَرَاءَك قَالَ مَا لَك وَيلك قَالَ لَا وَالله لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا بِإِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولتعلمن الْيَوْم من الْأَعَز من الْأَذَل فَشكى عبد الله إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صنع ابْنه فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خل عَنهُ حَتَّى يدْخل فَقَالَ أما إِذْ جَاءَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنعم فَدخل فَلم يلبث إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى اشْتَكَى وَمَات قَالَ فَلَمَّا نزلت الْآيَة وَبَان كذب عبد الله بن أبي قيل لَهُ يَا أَبَا حباب إِنَّه قد نزل فِيك آي شَدَّاد فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك فَلوى رَأسه ثمَّ قَالَ أَمرْتُمُونِي أَن أُؤْمِن فآمنت وَأَمَرْتُمُونِي أَن

أعطي زَكَاة مَالِي لمُحَمد فقد أَعْطَيْت فَمَا بَقِي إِلَّا أَن أَسجد لَهُ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم} الْآيَات قَالَ ابْن عبد الْبر فَلَمَّا مَاتَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَجَذَبَهُ عمر وَقَالَ أَلَيْسَ قد نهى الله عز وَجل أَن تصلي على الْمُنَافِقين فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنا بَين خيرتين) {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} فصلى عَلَيْهِ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثني على وَلَده عبد الله وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة سنة اثْنَتَيْ عشرَة عده السُّهيْلي فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا ذكره عَن ابْن شبة وَقَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي ذكره ابْن عبد الْبر وَابْن الْأَثِير وَأَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي فِي كِتَابه أَيْضا

30 - عبد الله بن رَوَاحَة ابْن ثَعْلَبَة بن امْرِئ الْقَيْس بن عَمْرو بن امْرِئ الْقَيْس الْأَكْبَر ابْن مَالك الْأَغَر بن ثَعْلَبَة بن كَعْب بن الْخَزْرَج بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ قَالَ السُّهيْلي الْخَزْرَج الرّيح الْبَارِدَة يكنى أَبَا مُحَمَّد أحد النُّقَبَاء شهد الْعقبَة وبدرا وأحدا وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة وَعمرَة الْقَضَاء والمشاهد كلهَا إِلَّا الْفَتْح وَمَا بعده لِأَنَّهُ قتل يَوْم مُؤْتَة شَهِيدا وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء فِيهَا وَأحد الشُّعَرَاء الْمُحْسِنِينَ الَّذين كَانُوا يردون الْأَذَى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه وَفِي صَاحِبيهِ حسان وَكَعب بن مَالك نزلت {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَذكروا الله كثيرا} الْآيَة وَكَانَت غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي من أَعمال الكرك الَّتِي اسْتشْهد فِيهَا عبد الله ابْن رَوَاحَة فِي جُمَادَى سنة ثَمَان بِأَرْض الشَّام وروى عَنهُ من الصَّحَابَة ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَكَانَ أول خَارج إِلَى الْغَزْو ودعا لَهُ الْمُسلمُونَ أَن يردهُ الله سالما فَقَالَ (لكنني أسأَل الرَّحْمَن مغْفرَة ... وضربة ذَات فرغ تقذف الزبدا)

(أَو طعنة بيَدي حران مجهزة ... بِحَرْبَة تنفذ الأحشاء والكبدا) (حَتَّى يُقَال إِذا مروا على جدثي ... يَا أرشد الله من غاز وَقد رشدا) الطعنة الفرغاء الواسعة قَالَ الْجَوْهَرِي والحران العطشان وَهُوَ هُنَا المحزون على قتلاه فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقِتَال قَالَ (يَا نفس إِن لم تقتلي تموتي ... هَذَا حمام الْمَوْت قد صليت) (وَمَا تمنيت فقد أَعْطَيْت ... إِن تفعلي فعلهمَا هديت) يَعْنِي صَاحِبيهِ زيدا وجعفرا ثمَّ قَاتل حينا ثمَّ نزل فَأَتَاهُ ابْن عَم لَهُ بعرق من لحم فَقَالَ شدّ بِهَذَا ظهرك فانك قد لقِيت فِي أيامك هَذِه مَا لقِيت فَأَخذه من يَده فانتهش مِنْهُ نهشة ثمَّ سمع الحطمة فِي النَّاس فَقَالَ وَأَنت فِي الدُّنْيَا فَأَلْقَاهُ من يَده ثمَّ أَخذ سَيْفه فقاتل حَتَّى قتل رَحمَه الله وَرُوِيَ هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ مَا سَمِعت أحدا أجرأ وَلَا أسْرع شعرًا من عبد الله بن رَوَاحَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ يَوْمًا (قل شعرًا تَقْتَضِيه السَّاعَة وَأَنا أنظر إِلَيْك) فانبعث مَكَانَهُ فَقَالَ

(إِنِّي تفرست فِيك الْخَيْر أعرفهُ ... وَالله يعلم أَن مَا خانني الْبَصَر) (أَنْت النَّبِي وَمن يحرم شَفَاعَته ... يَوْم الْحساب لقد أزرى بِهِ الْقدر) (فَثَبت الله مَا آتاك من حسن ... تثبيت مُوسَى ونصرا كَالَّذي نصروا) فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَأَنت فثبتك الله يَا ابْن رَوَاحَة) قَالَ هِشَام بن عُرْوَة فثبته الله أحسن الثَّبَات قتل شَهِيدا وَفتحت لَهُ الْجنَّة فَدَخلَهَا وَفِي رِوَايَة ابْن هِشَام (إِنِّي تفرست فِيك الْخَيْر نَافِلَة ... فراسة خَالَفت فِيك الَّذِي نظرُوا) (أَنْت النَّبِي وَمن يحرم نوافله ... وَالْوَجْه مِنْهُ فقد أزرى بِهِ الْقدر) وقصته مَعَ زَوجته حِين وَقع على أمته مَشْهُورَة رويناها من وُجُوه صِحَاح وَذَلِكَ أَنه مَشى لَيْلَة إِلَى أمة لَهُ فنال مِنْهَا وفطنت لَهُ امْرَأَته فَلَامَتْهُ فجحدها وَكَانَت قد رَأَتْ جمَاعَة لَهَا فَقَالَت لَهُ إِن كنت صَادِقا فاقرأ الْقُرْآن فَقَالَ

(شهِدت بِأَن وعد الله حق ... وَأَن النَّار مثوى الكافرينا) (وَأَن الْعَرْش فَوق المَاء حق ... وَفَوق الْعَرْش رب الْعَالمين) (وتحمله مَلَائِكَة غِلَاظ ... مَلَائِكَة الْإِلَه مسومينا) فَقَالَت امْرَأَته صدقت وَالله وكذبت عينهَا وَكَانَت لَا تحفظ الْقُرْآن وَلَا تَقْرَأهُ قَالَ ابْن عبد الْبر وروينا من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء قَالَ لقد رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فِي الْيَوْم الْحَار الشَّديد الْحر حَتَّى أَن الرجل ليضع من شدَّة الحريده على رَأسه وَمَا فِي الْقَوْم صَائِم إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله بن رَوَاحَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ السُّهيْلي وَذكره عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكره ابْن عبد الْبر وَابْن الْأَثِير 31 - عبد الله بن سعد بن أبي سرح ابْن الْحَارِث بن حبيب بن جذيمة بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي العامري يكنى أَبَا يحيى قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ قَالَ مُحَمَّد بن حبيب فِي نسبه حبيب بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ حبيب بن جذيمة بِالتَّخْفِيفِ أسلم قبل الْفَتْح وَهَاجَر وَكَانَ يكْتب الْوَحْي قَالَ غَيره وَهُوَ أول من كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قُرَيْش قَالَ ثمَّ ارْتَدَّ وَرجع إِلَى مَكَّة وَقَالَ

إِنِّي كنت أصرف مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ أُرِيد كَانَ يملي عَليّ عَزِيز حَكِيم فَأَقُول أَو عليم حَكِيم فَيَقُول (كل صَوَاب) قَالَ وَفِيه نزل قَوْله تَعَالَى وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله وَلَو وجد تَحت أَسْتَار الْكَعْبَة ففر إِلَى عُثْمَان وَكَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة أَرْضَعَتْه أم عُثْمَان فغيبه حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا اطْمَأَن أهل مَكَّة فاستأمنه لَهُ فَصمت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا ثمَّ قَالَ (نعم) فَلَمَّا انْصَرف عُثْمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن حوله (مَا صمت إِلَّا ليقوم إِلَيْهِ بَعْضكُم فَيضْرب عُنُقه) فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار فَهَلا أَوْمَأت إِلَيّ فَقَالَ إِن النَّبِي لَا يَنْبَغِي أَن يكون لَهُ خَائِنَة الْأَعْين وَأسلم عبد الله فَحسن إِسْلَامه وَلم يظْهر مِنْهُ شَيْء يُنكر عَلَيْهِ بعد ذَلِك وَهُوَ أحد النجباء الْعُقَلَاء الكرماء من قُرَيْش ثمَّ ولاه عُثْمَان مصر فِي خِلَافَته وَفتح على يَدَيْهِ إفريقية وَكَانَ فَارس بني عَامر بن لؤَي الْمَعْدُود فيهم وَكَانَ صَاحب ميمنة عَمْرو بن الْعَاصِ فِي افتتاحه مصر وَفِي حروبه كلهَا وَلما ولاه عُثْمَان مصر وعزل عَمْرو بن الْعَاصِ غزا أَرض النّوبَة وهادنهم الْهُدْنَة الْبَاقِيَة إِلَى الْيَوْم وغزا الصواري من أَرض الرّوم سنة أَربع وَثَلَاثِينَ ثمَّ قدم على عُثْمَان واستخلف على مصر السَّائِب بن هِشَام العامري فانتزى مُحَمَّد ابْن أبي حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة فَخلع السَّائِب وتأمر على مصر وَرجع ابْن أبي سرح من الْمَدِينَة فَمَنعه مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة من

دُخُول مصر فَمضى إِلَى عسقلان فَأَقَامَ بهَا حَتَّى قتل عُثْمَان وَقيل بل أَقَامَ بالرملة حَتَّى مَاتَ فَارًّا من الْفِتْنَة ودعا ربه أَن يَجْعَل خَاتِمَة عمله صَلَاة الصُّبْح فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى فَلَمَّا سلم عَن يَمِينه ذهب يسلم عَن يسَاره فَقبض الله روحه ذكر ذَلِك كُله يزِيد بن أبي حبيب قَالَه ابْن عبد الْبر وَذَلِكَ سنة سِتّ أَو سبع وَثَلَاثِينَ وَلم يُبَايع لعَلي بن أبي طَالب وَلَا لمعاوية وَكَانَت وَفَاته قبل اجْتِمَاع النَّاس على مُعَاوِيَة وَقيل توفّي بافريقية وَالْأول أصح قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 32 - أَبُو سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد ابْن هِلَال بن عبد الله ابْن عمر بن مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي الْقرشِي زوج أم سَلمَة أمه برة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم أسلم بعد عشرَة أنفس وَهَاجَر مَعَ زَوجته أم سَلمَة إِلَى الْحَبَشَة وَهُوَ أول من هَاجر إِلَيْهَا ثمَّ شهد بَدْرًا وَكَانَ أَخا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة وأخا حَمْزَة أَرْضَعَتْه ثويبة مولاة أبي لَهب أرضعت حَمْزَة ثمَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَبَا سَلمَة واستخلفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة حِين خرج إِلَى غَزْوَة الْعَشِيرَة ذكر القَاضِي عِيَاض فِي الْعَشِيرَة أقوالا للرواة وَالَّذِي رَجحه أَنَّهَا بِضَم الْعين وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ مَوضِع من أَرض بني مُدْلِج وَهَكَذَا ذكره الْبكْرِيّ

فصل في هجرته إلى المدينة

وَضَبطه فِي المعجم وَكَانَت غَزْوَة الْعَشِيرَة فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة قَالَ ابْن عبد الْبر هَاجر أَبُو سَلمَة الهجرتين وجرح يَوْم أحد جرحا اندمل ثمَّ انتفض فَمَاتَ مِنْهُ وَذَلِكَ لثلاث مضين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة وَهُوَ مِمَّن غلبت عَلَيْهِ كنيته وَكَانَ قَالَ عِنْد وَفَاته اللَّهُمَّ اخلفني فِي أَهلِي بِخَير فخلفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على زَوجته فَصَارَت أما للْمُؤْمِنين وَصَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربيب بنيه عمر وَسَلَمَة وَزَيْنَب قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكر أَبُو مُحَمَّد الدمياطي فِي كِتَابه أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَفِي الأَصْل عبد الْأَشْهَل ذكره ابْن مسكويه فصل فِي هجرته إِلَى الْمَدِينَة قَالَ ابْن إِسْحَاق فَحَدثني أبي إِسْحَاق بن يسَار عَن سَلمَة بن عبد الله بن عمر بن أبي سَلمَة عَن جدته أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لما أجمع أَبُو سَلمَة على الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة رَحل لي بعيره ثمَّ حَملَنِي عَلَيْهِ وَحمل معي ابْني سَلمَة بن أبي سَلمَة فِي حجري ثمَّ خرج بِي يَقُود بعيره فَلَمَّا رَأَتْهُ رجال بني

الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم قَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا هَذِه نَفسك غلبتنا عَلَيْهَا رَأَيْت صاحبتنا هَذِه علام نَتْرُكك تسير بهَا فِي الْبِلَاد قَالَت فنزعوا خطام الْبَعِير من يَده فأخذوني مِنْهُ قَالَت وَغَضب عِنْد ذَلِك بَنو عبد الْأسد رَهْط أبي سَلمَة فَقَالُوا لَا وَالله لَا نَتْرُك ابننا عِنْدهَا إِذْ نزعتموها من صاحبنا قَالَت فتجاذبوا ببني سَلمَة بَينهم حَتَّى خلعوا يَده وَانْطَلق بِهِ بَنو عبد الْأسد وحبسني بَنو الْمُغيرَة عِنْدهم وَانْطَلق زَوجي أَبُو سَلمَة إِلَى الْمَدِينَة قَالَت فَفرق بيني وَبَين زَوجي وَبَين ابْني قَالَت فَكنت أخرج كل غَدَاة فأجلس بِالْأَبْطح فَلَا أَزَال أبْكِي حَتَّى أَمْسَى سنة أَو قَرِيبا مِنْهَا حَتَّى مر بِي رجل من بني عمي أحد بني الْمُغيرَة فَرَأى مَا بِي فرحمني فَقَالَ لبني الْمُغيرَة أَلا تحرجون من هَذِه المسكينة فرقتم بَينهَا وَبَين زَوجهَا وَبَين وَلَدهَا قَالَت فَقَالُوا لي الحقي بزوجك إِن شِئْت قَالَت ورد بَنو عبد الْأسد عِنْد ذَلِك ابْني قَالَت فارتحلت بَعِيري ثمَّ أخذت ابْني فَوَضَعته فِي حجري ثمَّ خرجت أُرِيد زَوجي بِالْمَدِينَةِ قَالَت وَمَا معي أحد من خلق الله قَالَت قلت أتبلغ بِمن لقِيت حَتَّى أقدم على زَوجي حَتَّى إِذا كنت بِالتَّنْعِيمِ لقِيت عُثْمَان بن طَلْحَة بن أبي طَلْحَة أَخا بني عبد الدَّار فَقَالَ أَيْن يَا ابْنة أبي أُميَّة وَقَالَت قلت أُرِيد زَوجي بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَو مَا مَعَك أحد قَالَت قلت لَا وَالله إِلَّا الله وَبني هَذَا قَالَ وَالله مَا لَك من مترك فَأخذ بِخِطَام الْبَعِير وَانْطَلق معي يهوي

بِي فوَاللَّه مَا صَحِبت رجلا من الْعَرَب قطّ أرى أَنه أكْرم مِنْهُ كَانَ إِذا بلغ الْمنزل أَنَاخَ بِي ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني حَتَّى إِذا نزلت اسْتَأْخَرَ ببعيري فحط عَنهُ ثمَّ قَيده فِي الشَّجَرَة ثمَّ تنحى إِلَى شَجَرَة فاضطجع تحتهَا فَإِذا دنا الرواح قَامَ إِلَى بَعِيري فقدمه فرحله ثمَّ اسْتَأْخَرَ عني وَقَالَ ارْكَبِي فَإِذا ركبت فاستويت على بَعِيري أَتَى فَأخذ بخطامه فقادني حَتَّى ينزل بِي فَلم يزل يصنع ذَلِك بِي حَتَّى أقدمني الْمَدِينَة فَلَمَّا نظر إِلَى قَرْيَة بني عَمْرو بن عَوْف بقباء قَالَ زَوجك فِي هَذِه الْقرْيَة وَكَانَ أَبُو سَلمَة بهَا نازلا فادخليها على بركَة الله ثمَّ انْصَرف رَاجعا إِلَى مَكَّة قَالَ فَكَانَت تَقول مَا أعلم أهل بَيت فِي الْإِسْلَام أَصَابَهُم مَا أصَاب آل أبي سَلمَة وَمَا رَأَيْت صاحبا قطّ كَانَ أكْرم من عُثْمَان بن طَلْحَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَالله سُبْحَانَهُ أعلم 33 - عبد الله بن زيد ابْن عبد ربه بن زيد من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْحَارِثِيّ من بلحارث بن الْخَزْرَج هَذَا هُوَ الصَّحِيح من

نسبه وَقيل غير ذَلِك قَالَه ابْن عبر الْبر شهد الْعقبَة وبدرا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الَّذِي أرِي الْأَذَان فِي النّوم فَأمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا على مَا رَوَاهُ عبد الله بن زيد هَذَا وَكَانَت رُؤْيَاهُ فِي سنة إِحْدَى بعد بِنَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجده يكنى أَبَا مُحَمَّد وَكَانَت مَعَه راية بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج يَوْم الْفَتْح توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن أَربع وَسِتِّينَ وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَه ابْن عبد الْبر أَيْضا قَالَ عبد الْكَرِيم بن مُنِير الْحلَبِي وَذكر ابْن عَسَاكِر وَمُحَمّد بن سعد فِي طبقاته أَنه كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا إِلَى من أسلم من حدس من لخم 34 - عَمْرو بن العَاصِي يجوز فِي العَاصِي إِثْبَات الْيَاء وحذفها قَالَه القَاضِي عِيَاض بن وَائِل بن هَاشم بن سعيد بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب الْقرشِي السَّهْمِي يكنى أَبَا عبد الله وَيُقَال أَبُو مُحَمَّد وَأمه النَّابِغَة قَالَه ابْن عبد الْبر

قَالَ وَذكر أَنه جعل لرجل ألف دِرْهَم على أَن يسْأَل عَمْرو بن العَاصِي عَن أمه وَهُوَ على الْمِنْبَر فَسَأَلَهُ فَقَالَ أُمِّي سلمى بنت حَرْمَلَة تلقب النَّابِغَة من بني عنزة أصابتها رماح الْعَرَب فبيعت بعكاظ فاشتراها الْفَاكِه بن الْمُغيرَة ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عبد الله بن جدعَان ثمَّ صَارَت إِلَى الْعَاصِ بن وَائِل فَولدت فأنجبت فَإِن كَانَ جعل لَك شَيْء فَخذه يَأْتِي خبر إِسْلَامه ووفاته وسنه عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر ولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمان وَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل لعمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة وَبَعثه عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي جَيش إِلَى مصر فَفَتحهَا وولاه عَلَيْهَا وَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن مَاتَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ السَّبَب فِي دُخُول عَمْرو بن الْعَاصِ مصر على مَا ذكره ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر أَن عمرا قدم إِلَى بَيت الْمُقَدّس فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الْبعْثَة لتِجَارَة فِي نفر من قُرَيْش فَإِذا هم بشماس من شمامسة الرّوم من أهل الْإسْكَنْدَريَّة قدم للصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس فَخرج فِي بعض جبالها يسيح وَكَانَ عَمْرو يرْعَى إبِله وإبل أَصْحَابه وَكَانَت رعية الْإِبِل نوبا بَينهم فَبَيْنَمَا عَمْرو يرْعَى إبِله إِذْ مر

بِهِ ذَلِك الشماس وَقد أَصَابَهُ عَطش شَدِيد فِي يَوْم شَدِيد الْحر فَوقف على عَمْرو واستسقاه فَسَقَاهُ عَمْرو من قربَة لَهُ فَشرب حَتَّى رُوِيَ ونام الشماس مَكَانَهُ وَكَانَت إِلَى جنب الشماس حَيْثُ نَام حُفْرَة فَخرجت مِنْهَا حَيَّة عَظِيمَة فَبَصر بهَا عَمْرو فَنزع لَهَا بِسَهْم فَقَتلهَا فَاسْتَيْقَظَ الشماس وَنظر إِلَى الْحَيَّة فَقَالَ مَا هَذِه فَأخْبرهُ عَمْرو خَبَرهَا فَأقبل إِلَى عَمْرو وَقبل رَأسه وَقَالَ قد أحياني الله بك مرَّتَيْنِ فَمَا أقدمك هَذِه الْبِلَاد فَقَالَ قدمت فِي تِجَارَة قَالَ وَكم تراك ترجو أَن تصيب قَالَ رجائي أَن أُصِيب مَا أَشْتَرِي بِهِ بَعِيرًا فَقَالَ لَهُ الشماس كم الدِّيَة عنْدكُمْ قَالَ مائَة من الْإِبِل قَالَ الشماس لسنا أَصْحَاب إبل نَحن أَصْحَاب دَنَانِير قَالَ يكون ألف دِينَار قَالَ فَهَل لَك أَن تتبعني إِلَى بلادي وَلَك عهد الله وميثاقه أَن أُعْطِيك ديتين قَالَ فَانْطَلق عَمْرو مَعَه إِلَى مصر حَتَّى انْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فرآها عَمْرو فَأَعْجَبتهُ وَوَافَقَ ذَلِك عيدا لَهُم يجْتَمع فِيهِ أَشْرَافهم وملوكهم وَلَهُم أكرة من ذهب مكللة

تفسير

يترامون بهَا ويتلقونها بأكمامهم فَمن وَقعت فِي كمه واستقرت فَلم يمت حَتَّى يملكهم فَلَمَّا قدم عَمْرو أكْرمه الشماس وكساه ثوب ديباج وَجلسَ عَمْرو والشماس مَعَ النَّاس فِي ذَلِك الْمجْلس حَيْثُ يترامون بالأكرة ويتلقونها بأكمامهم فَرمي بهَا رجل مِنْهُم فَأَقْبَلت تهوي حَتَّى وَقعت فِي كم عَمْرو فعجبو من ذَلِك وَقَالُوا مَا كذبتنا هَذِه الأكرة قطّ إِلَّا هَذِه الْمرة أَتَرَى هَذَا الْأَعرَابِي يملكنا هَذَا مَا لَا يكون أبدا وَدفع الشماس المَال إِلَى عَمْرو ووفى لَهُ فبذلك عرف عَمْرو مدْخل مصر ومخرجها وَرغب عمر بن الْخطاب فِي فتحهَا فَفَتحهَا وَصَارَ ملكهَا وروى ابْن ظفر فِي انباء نجباء الْأَبْنَاء أَن الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي قَالَ وَهُوَ يرقص وَلَده عمرا (ظَنِّي بِعَمْرو أَن يفوق حلما ... وينشق الْخصم الألد رغما) (وَأَن يسود جمحا وَسَهْما ... وَأَن يَقُود الْجَيْش مجرا دهما) (يلهم أحشاد الأعادي لَهما ... ) تَفْسِير قَوْله ينشق الْخصم النشق أَن يصب الدَّوَاء وَغَيره فِي الْأنف

وَذَلِكَ المصوب فِيهِ هُوَ النشوق بِفَتْح النُّون فَإِن صب الدَّوَاء وَغَيره فِي الْحلق فَهُوَ الوجور فَإِن صب فِي أحد جَانِبي الْفَم فَهُوَ اللدود قَوْله مجرا دهما المجر هُوَ الْعَظِيم والدهم هُوَ الْكثير وَهُوَ أَيْضا الَّذِي يبغت وَمَا بغتك من شَيْء فقد دهمك وَيُقَال جَيش دهم وَعدد دهم أَي كثير وَقَوله يلهم أَي يبتلع فالالتهام الابتلاع بِكَثْرَة وَقَوله أحشاد جمع حشد وهم المحشودون تَقول حشدت الْقَوْم أحشدهم حشدا وهم حشد بِفَتْح الشين قَالَ وَبَلغنِي أَن أم عَمْرو وَهِي النَّابِغَة ضربت يَوْمًا وَلَدهَا عمرا وَهُوَ صَغِير جدا عِنْدَمَا دب فَقَالَ لَهَا ستعلمين ثمَّ ذهب إِلَى أَبِيه وَهُوَ فِي نَادِي قومه فَجَلَسَ فِي حجره وبال عَلَيْهِ وَكَانَ أَبوهُ قاذورة متقززا فِي خلقه عسر فتأفف مِنْهُ وَأَرَادَ ضربه فَمَنعه قومه وَقَالُوا هَذَا طِفْل لَا يعقل فَنَهَضَ مغضبا فَدخل على النَّابِغَة فأوجعها ضربا وَأقسم لَهَا بِمَا يعظمه لَئِن بعثت إِلَيْهِ بِهِ وَهُوَ فِي نَادِي قومه ليعودن لَهَا بأشد مِمَّا بَدَأَ وَلما خرج من عِنْدهَا قَالَ لَهَا عَمْرو ألم أقل لَك فصكت وَجههَا وَنَادَتْ بِالْوَيْلِ فَرجع الْعَاصِ إِلَيْهَا وَتَنَاول السَّوْط فَقَالَت مهلا حَتَّى أخْبرك وحدثته فَقَالَ والكعبة إِنَّه لذُو دهاء فاحذريه فَكَانَت

تفسير

تحذره مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ نقمت عَلَيْهِ أمرا فضربته ورصدته فَلم يجد محيصا عَنْهَا سَحَابَة يَوْمه ذَلِك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد املس مِنْهَا فَذهب إِلَى أَبِيه وَهُوَ فِي الْحجر مَعَ سادة قُرَيْش فَلَمَّا رَآهُ انتهره فَقَالَ عَمْرو إِن أُمِّي تدعوك فَقَالَ كذبت وجهجه با فَذهب ثمَّ عَاد وَفِي يَده نقبة خلق وضرة كَانَت أمه تمهن فِيهَا وَقصد وَالِده من قبل ظَهره فَلم يشْعر بِهِ حَتَّى قَامَ على الْقَوْم فنشر النقبة وَقَالَ لِأَبِيهِ قَالَت لَك أُمِّي تعال وَهَذِه النقبة أَمارَة فَرمى الْقَوْم النقبة بِأَبْصَارِهِمْ وَكَانَ الْعَاصِ بن وَائِل يتَمَيَّز غَضبا فَتَنَاول من وَلَده النقبة واحتضنه فَأتى بِهِ منزله وأنحى على الْمَرْأَة ضربا وَجعلت تسترفقه وتستنصته وَقد أَخذ الْغَضَب ببصره وسَمعه حَتَّى إِذا أثخنها ضربا وَسكن غَضَبه جلس وَقد خامره النَّدَم على مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهَا فَقَالَت وَالله مَالِي من ذَنْب إِلَيْك وَمَا أحسبني دهيت إِلَّا من قبل ولدك فَإِنِّي ضَربته أمس قَالَ وَيحك ألم تنفذيه إِلَى بالنقبة أَمارَة قَالَت مَا فعلت فَقَالَ لِابْنِهِ ألم تقل ذَاك قَالَ إِنَّهَا ضربتني فَقَالَ أشهد أَنَّك أدهى الْعَرَب ثمَّ قَالَ لأمه لَا تعرضي لَهُ بعد تَفْسِير قَوْله نَادِي قومه النادي اسْم للمجلس مَا دَامَ المتجالسون بِهِ وَقَوله قاذورة هُوَ المتقزز وَقَوله فتأفف أَي قَالَ أُفٍّ أُفٍّ

وَقَوله سَحَابَة يَوْمه أَي جَمِيع يَوْمه هَذَا كَلَام الْعَرَب وَقَوله جهجه بِهِ أَي نفره وشرده وَمنعه الِاسْتِقْرَار والجهجهة فِي الأَصْل حِكَايَة قَول الْقَائِل جه جه وَقَوله املس مِنْهَا أَي ذهب وَلم تشعر بِهِ وَقَوله النقبة هِيَ المئزر يخاط طرفاه فيؤتزر بِهِ فَهُوَ كالسراويل بِغَيْر نيفق وَلَا ساقين محجوزين وَقَوله وضرة الوضر وسخ الدّهن وَمَا ضاهاه وَقَوله تمهن أَي تخْدم والمهنة الْخدمَة وَمِنْه فِيمَا ذكر من حسن خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه إِنَّه كَانَ فِي الْبَيْت يخْدم فِي مهنة أَهله وَيقطع مَعَهم اللَّحْم وَقَوله تميز غَضبا تميز تقطع قَالَه الْجَوْهَرِي وأنحى يَعْنِي مَال وَاعْتمد يضْربهَا قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات 35 - الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَاسم الْحَضْرَمِيّ عبد الله بن عماد وَيُقَال ابْن ضمار بن أكبر بن ربيعَة بن مَالك بن أكبر بن عويف بن مَالك بن الْخَزْرَج بن أبي الصدف من حَضرمَوْت حَلِيف بني أُميَّة ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَحْرين وَكَانَ بَعثه إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى ملك الْبَحْرين فَفَتحهَا فولاه عَلَيْهَا قَالَه ابْن عبد الْبر وَيَأْتِي ذكره مَعَ رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يَأْتِي من كتَابنَا هَذَا

قَالَ وَأقرهُ أَبُو بكر على ولَايَته ثمَّ عمر ثمَّ ولاه عمر الْبَصْرَة فَمَاتَ قبل أَن يصل إِلَيْهَا بِمَاء من مياه بني تَمِيم سنة أَربع عشرَة وَهُوَ أول من بنى مَسْجِدا فِي أَرض الْكفْر وَأول من ضرب الْجِزْيَة على الْكفَّار وَأول من نقش خَاتم الْخلَافَة وَأَخُوهُ عَامر قتل يَوْم بدر كَافِرًا وأخوهما عَمْرو أول قَتِيل من الْمُشْركين قَتله مُسلم وَكَانَ مَاله أول مَال خمس قتل يَوْم نَخْلَة وأختهم الصعبة كَانَت تَحت أبي سُفْيَان بن حَرْب فَطلقهَا فخلف عَلَيْهَا عبيد الله بن عُثْمَان التَّيْمِيّ فَولدت لَهُ طَلْحَة بن عبيد الله وَكَانَ الْعَلَاء رَضِي الله عَنهُ مجاب الدعْوَة وَأَخُوهُ مَيْمُون حفر بِئْرا فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَعْلَى مَكَّة مَعْرُوفَة وَالله سُبْحَانَهُ أعلم 36 - الْعَلَاء ابْن عقبَة قَالَ ابْن عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكر أَبُو الْحسن بن الْأَثِير فِي تَرْجَمَة الْعَلَاء بن عقبَة إِنَّه كتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أورد ذكره فِي حَدِيث عَمْرو بن حزم وَقَالَ ذكره جَعْفَر أخرجه أَبُو مُوسَى وَلم يذكرهُ ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه الَّذين أوردهم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب وعددهم وَذكره ابْن عَسَاكِر قلت وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي أَسمَاء الصَّحَابَة فِي بَابه وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

37 - عبد الْعُزَّى بن خطل وَقيل اسْمه هِلَال أسلم وَبَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى لَهُ يَخْدمه مُسلما فَنزل منزلا وَأمر الْمولى أَن يذبح لَهُ تَيْسًا فيصنع لَهُ طَعَاما فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ ابْن خطل وَلم يصنع لَهُ شَيْئا فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا وَكَانَ يكْتب قُدَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إِذا نزل {غَفُور رَحِيم} كتب رَحِيم غَفُور وَإِذا نزل {سميع عليم} كتب عليم سميع فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات (يَوْم اعْرِض عَليّ مَا كنت أملي عَلَيْك) فَلَمَّا عرضه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَذَا أمليت عَلَيْك غَفُور رَحِيم وَرَحِيم غَفُور وَاحِد وَسميع عليم وَعَلِيم سميع وَاحِد قَالَ فَقَالَ ابْن خطل إِن كَانَ مُحَمَّد مَا كنت أكتب لَهُ إِلَّا مَا أُرِيد ثمَّ كفر وَلحق بِمَكَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من قتل ابْن خطل فَهُوَ فِي الْجنَّة) فَقتل يَوْم فتح مَكَّة وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة قَالَه عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرتني وَقَرِيبَة فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَتْلِهِمَا مَعَه قَالَ الْحَاكِم قتلت إِحْدَاهمَا وكتمت الْأُخْرَى حَتَّى استؤمن لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَقيل قَتله سعد بن حُرَيْث المَخْزُومِي وَأَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ آخذ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَقيل بَين الْمقَام وزمزم 38 - عقبَة قَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات قَالُوا وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعوسجة بن حَرْمَلَة الْجُهَنِيّ وَيَأْتِي ذكر الْكتاب فِي تراجم الْمُلُوك وَقَالَ فِي آخِره وَكتب عقبَة وَشهد هَكَذَا ذكر ابْن سعد وَلم يرفع لَهُ نسبا وَذكر ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة من اسْمه عقبَة نَحْو الثَّمَانِية عشر وَلم يذكر فيهم كَاتبا وَلَا مَا يدل على ذَلِك وَلَا أَدْرِي أَيهمْ هُوَ وَالله أعلم وَقد نبهت عَلَيْهِ عِنْد ذكر شُجَاع بن وهب الرَّسُول وأخيه عقبَة بن وهب فَلَعَلَّهُ أَن يكون هُوَ وَالله أعلم 39 - مُحَمَّد بن مسلمة ابْن سَلمَة بن خَالِد بن عدي بن مجدعة بن حَارِثَة بن

الْحَارِث بن الْخَزْرَج بن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس حَلِيف لبني الْأَشْهَل الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا عبد الله شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا وَكَانَت وَفَاته فِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَقيل سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة كَانَ أسمر شَدِيد السمرَة طَويلا أصلع ذَا جثة وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَهُوَ أحد الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُودِيّ بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَخْلَفَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَدِينَة فِي بعض غَزَوَاته وَلم يشْهد الْجمل وَلَا صفّين وَاعْتَزل الْفِتْنَة وَاتخذ سَيْفا من خشب وَجعله فِي جفن وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره بذلك قَالَه ابْن عبد الْبر وَذكره فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَرْجَمَة أبي بن كَعْب قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي وَذكره أَيْضا فِي كِتَابه ابْن عَسَاكِر وَابْن الْأَثِير 40 - مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَخْر رفعنَا نسبه عِنْد ذكر أَبِيه يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ هُوَ وَأَبوهُ وَأَخُوهُ من مسلمة الْفَتْح وَقد رُوِيَ عَن مُعَاوِيَة أَنه قَالَ أسلمت يَوْم الْقَضِيَّة وَلَقِيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلما وَهُوَ أحد الَّذين كتبُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ عبد الْكَرِيم وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لما قتل ابْن خطل يَوْم الْفَتْح وَكَانَ كتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ارْتَدَّ فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يسْتَكْتب مُعَاوِيَة فكره أَن يَأْتِي مَا أَتَى ابْن خطل فَاسْتَشَارَ جِبْرِيل عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اسْتَكْتَبَهُ فَإِنَّهُ أَمِين ذكر ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الموضوعات هُوَ وَحَدِيث ابْن خطل الْمَذْكُور فِي تَرْجَمته من حرف الْعين وَقَالَ فِيهِ أَصْرَم بن حَوْشَب عَن أبي سِنَان قَالَ ابْن عبد الْبر قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لما دخل الشَّام وَرَأى مُعَاوِيَة هَذَا كسْرَى الْعَرَب وَكَانَ عمر ولاه الشَّام بعد موت أَخِيه يزِيد فَلَمَّا تَلقاهُ فِي موكب عَظِيم قَالَ لَهُ أَنْت صَاحب الموكب الْعَظِيم قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مَعَ مَا يبلغنِي من وقُوف ذَوي الْحَاجَات ببابك قَالَ مَعَ مَا يبلغك من ذَلِك قَالَ وَلم تفعل هَذَا قَالَ نَحن بِأَرْض جواسيس الْعَدو بهَا كَثِيرَة فَنحب أَن نظهر من عز السُّلْطَان مَا نرهبهم بِهِ فان أَمرتنِي فعلت وَإِن نهيتني انْتَهَيْت فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَئِن كَانَ مَا قلت حَقًا إِنَّه لرأي أريب وَإِن كَانَ بَاطِلا إِنَّه لخدعة أديب قَالَ فمرني يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لَا آمُرك وَلَا أَنهَاك فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا

أحسن مَا صدر هَذَا الْفَتى عَمَّا أوردته فِيهِ قَالَ لحسن موارده جشمناه مَا جشمناه مَعْنَاهُ كلفناه قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ وَكَانَ مُعَاوِيَة أَمِيرا بِالشَّام نَحْو عشْرين سنة وَخَلِيفَة نَحْو عشْرين سنة روى أَبُو بكر الْآجُرِيّ فِي كتاب الشَّرِيعَة لَهُ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ قَالَ مُعَاوِيَة مَا زلت فِي طمع من الْخلَافَة مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يَا مُعَاوِيَة إِن ملكت فَأحْسن) وَرُوِيَ عَن خَالِد بن يزِيد بن صبيح عَن أَبِيه عَن مُعَاوِيَة قَالَ كنت أوضئ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم أفرغ عَلَيْهِ من إِنَاء فِي يَدي فَنظر إِلَيّ نظرة شَدِيدَة فَفَزِعت وَسقط الْإِنَاء من يَدي فَقَالَ (يَا مُعَاوِيَة إِن وليت شَيْئا من أُمُور أمتِي فَاتق الله واعدل) قَالَ فَمَا زلت أطمع فِيهَا مُنْذُ ذَلِك الْيَوْم فأسأل الله أَن يَرْزُقنِي الْعدْل فِيكُم وَرُوِيَ عَن عَمْرو بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي عَن جده قَالَ كَانَت إداوة يحملهَا أَبُو هُرَيْرَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوضوئه فاشتكى أَبُو هُرَيْرَة فحملها مُعَاوِيَة فَبينا هُوَ يوضيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا رفع

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فَقَالَ (يَا مُعَاوِيَة إِن وليت من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فَاتق الله واعدل) فَمَا زلت أَظن أَنِّي مبتلى بذلك لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى وليت وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر قَالَ مَا رَأَيْت أحدا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسود من مُعَاوِيَة قيل لَهُ فَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي فَقَالَ كَانُوا وَالله خيرا من مُعَاوِيَة وَأفضل وَكَانَ مُعَاوِيَة أسود مِنْهُم قَالَ ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} من سُورَة آل عمرَان قَالَ سيدا فِي الْحلم وَالْعِبَادَة والورع وَقَالَ ابْن جُبَير سيدا حَلِيمًا وَقَالَ الضَّحَّاك تقيا حَلِيمًا وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَقُول تقيا حَلِيمًا وَقَالَ عِكْرِمَة السَّيِّد الَّذِي لَا يغلبه الْغَضَب قَالَ القَاضِي هُوَ ابْن عَطِيَّة كل من فسر من هَؤُلَاءِ الْعلمَاء السودد بالحلم فقد أحرز أَكثر معنى السودد وَمن جرد تَفْسِيره بِالْعلمِ والتقى وَنَحْوه فَلم لفسر بِحَسب كَلَام الْعَرَب وَقد تحصل الْعلم ليحيى عَلَيْهِ السَّلَام بقوله عز وَجل {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} وَتحصل التقى بباقي لآيَة وَخَصه الله بِذكر السودد الَّذِي هُوَ الِاعْتِمَاد فِي رضى النَّاس

على أشرف الْوُجُوه دون أَن يُوقع فِي بَاطِل هَذَا لفظ يعم السودد وتفصيله أَن يُقَال بذل الندى وكف الْأَذَى وَهنا هِيَ الْعِفَّة بالفرج وَالْيَد وَاللِّسَان وَاحْتِمَال العظائم وَهنا هُوَ الْحلم وَغَيره من تحمل الغرامات وجبر الْكسر والإفضال عَن المسترفد والإنقاذ من المهلكات وَانْظُر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر) وَذكر حَدِيث شَفَاعَته وَذَلِكَ مِنْهُ اعتمال فِي رضى ولد آدم فَهُوَ سيدهم بذلك وَقد يُوجد من الثِّقَات الْعلمَاء من لَا يبرز فِي هَذَا الْخِصَال وَقد يُوجد من يبرز فيسمى سيدا وَإِن قصر فِي كثير من الْوَاجِبَات أَعنِي وَاجِبَات النّدب والمكافحة فِي الْحق وَقلة المبالاة بالأئمة وَقد قَالَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَا رَأَيْت أحدا أسود من مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قيل لَهُ وَأَبُو بكر وَعمر قَالَ هما خير مِنْهُ وَهُوَ أسود مِنْهُمَا فَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى أَن مُعَاوِيَة برز فِي هَذِه الْخِصَال مَا لم يواقع محذورا وَأَن أَبَا بكر وَعمر كَانَا من الاستضلاع بالواجبات وتتبع ذَلِك من أَنفسهمَا وَإِقَامَة الْحَقَائِق على النَّاس بِحَيْثُ كَانَا خيرا من مُعَاوِيَة وَمَعَ تتبع الْحَقَائِق وَحمل النَّاس على الجادة وَقلة المبالاة برضاهم وَالْوَزْن بقسطاس الشَّرِيعَة تحريرا يتحزم كثير من هَذِه الْخِصَال الَّتِي هِيَ السودد ويشتغل الذِّهْن عَنْهَا والتقى وَالْعلم وَالْأَخْذ بالأشد أوكد وَأَعْلَى من السودد إِمَّا أَنه يحسن بالتقي الْعَالم أَن يَأْخُذ من السودد بِكُل مَا لَا يخل بِعِلْمِهِ وتقاه وَهَكَذَا كَانَ يحيى عَلَيْهِ السَّلَام

تفسير

وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي يحسن بِوَاجِب وَلَا بُد كَمَا لَيْسَ التتبع والتحرير فِي الشدَّة بِوَاجِب وَلَا بُد وهما طرفا خير قد حفتهما الشَّرِيعَة فَمن صاير إِلَى هَذَا وَمن صاير إِلَى هَذَا وَمِثَال ذَلِك حَاكم صَلِيب معبس فظ على من عِنْد أدنى عوج لَا يعتني فِي حوائج النَّاس وَآخر بسط الْوَجْه بسام يعتني فِيمَا يجوز وَلَا يتبع مَا لم يدْفع إِلَيْهِ وَينفذ الحكم مَعَ رفق بالمحكوم عَلَيْهِ فهما طَرِيقَانِ حسنان قَالَ ابْن ظفر بَلغنِي أَن هندا بنت عتبَة أم مُعَاوِيَة خرجت من مَكَّة تُرِيدُ الطَّائِف وَمَعَهَا ابْنهَا مُعَاوِيَة قد جعلته بَين يَديهَا فِي مركب لَهَا فَرَآهُ شيخ من الْأَعْرَاب فَقَالَ يَا ظَعِينَة شدي يَديك بِهَذَا الْغُلَام وأكرميه فَإِنَّهُ سيد كرام وُصُول أَرْحَام فَقَالَ هِنْد بل ملك همام كبار عِظَام ضروب هام ومفيض إنعام تَفْسِير قَوْلهَا كرام وَعِظَام وكبار أَي كريم عَظِيم كَبِير مِمَّا جَاءَ على فعال بِمَعْنى فعيل قَالَ وَبَلغنِي أَنَّهَا خرجت وَهُوَ طِفْل وَيَده فِي يَدهَا فعثر فَقَالَت قُم فَلَا انتعشت وسمعها أَعْرَابِي فَقَالَ مهلا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سيسود قومه فَقَالَت ثكلته إِن كَانَ لَا يسود إِلَّا قومه

وَأورد ابْن ظفر خبر المعاوية يتَضَمَّن فَوَائِد فَاه بهَا على صغر سنه وَشرح غَرِيبه وَمَا يتَعَلَّق بذلك من قبائل قُرَيْش وَبني هَاشم فأوردته لتكمل الْفَائِدَة كَمَا شرطنا فِي صدر هَذَا الْكتاب قَالَ بَلغنِي أَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة نديما لأبي سُفْيَان بن حَرْب فَجَلَسَا على شراب لَهما فِي دَار أبي سُفْيَان وَمُعَاوِيَة مَعَهُمَا يسقيهما وَهُوَ إِذْ ذَاك صَغِير فَلَمَّا أخذت الْخمر مِنْهُمَا أنْشد الْعَبَّاس شعر مطرود بن كَعْب الْخُزَاعِيّ وَكَانَ جاور فِي بني سهم فِي سنة شَدِيدَة وَله بَنَات فتبرموا بِهِ تبرما أظهروه لَهُ فَخرج هُوَ وَبنَاته يحملون أثاثهم متحولين عَنْهُم فَقَالَ فِي ذَلِك شعرًا (يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا نزلت بآل عبد منَاف) (هبلتك أمك لَو نزلت إِلَيْهِم ... ضمنوك من جوع وَمن إقراف)

(الآخذون الْعَهْد من آفاقها ... والظاعنون لرحلة الإيلاف) (والملحقون فقيرهم بغنيهم ... حَتَّى يعود فقيرهم كالكافي) (والرائشون وَلَيْسَ يُوجد رائش ... والقائلون هَلُمَّ للأضياف) (والضاربون الْجَيْش تبرق بيضه ... والمانعين الْبيض بالأسياف) (ويقابلون الرّيح كل عَشِيَّة ... حَتَّى تغيب الشَّمْس فِي الرجاف) (لم تَرَ عَيْني مثلهم وهم الأولى ... كسبوا فعال التلد والأطراف)

(عَمْرو الْعلَا هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ ... وَرِجَال مَكَّة مسنتون عجاف) (وَإِذا معد حصلت أنسابها ... فهم لعمرك جَوْهَر الأصداف) بَقِي مِنْهَا بَيت لَعَلَّه أغفله وَلَعَلَّه أَن يكون بعد الْبَيْت التَّاسِع وَهُوَ (سنت إِلَيْهِ الرحلتان كِلَاهُمَا ... سفر الشتَاء ورحلة الأصياف) فحمي أَبُو سُفْيَان لما سمع الشّعْر وَجعل يعدد مآثر حَرْب بن أُميَّة ومآثر نَفسه وتناقلا فِي الْمُفَاخَرَة إِلَى أَن قَالَ الْعَبَّاس لأبي سُفْيَان نافرني إِلَى فتاك هَذَا يَعْنِي مُعَاوِيَة فَإِنَّهُ نجيب فَقَالَ أَبُو سُفْيَان قد فعلت وَكَانَ ذَلِك مِنْهُمَا وَهِنْد تسمع فاهتبلت الفرصة وَقَالَت مُخَاطبَة لابنها مُعَاوِيَة (اقْضِ فدتك نَفسِي ... لآل عبد شمس) (فهم سراة الحمس ... على قديم الحرس)

تفسير كلمات مشكلات من هذا الخبر

فَقطع عَلَيْهَا مُعَاوِيَة قَوْلهَا فَقَالَ (صه يَا ابْنة الأكارم ... فعبد شمس هَاشم) (هما برغم الراغم ... كَانَا كغربى صارم) فَلَمَّا سمع الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان مقَالَة مُعَاوِيَة ابتدراه أَيهمَا يتَنَاوَلهُ قبل صَاحبه فتعاوراه ضما وتقبيلا وتفدية وافترقا راضيين تَفْسِير كَلِمَات مشكلات من هَذَا الْخَبَر أما قَول الشَّاعِر هبلتك أمك فالهبل الْهَلَاك والتلف وَمِنْه قيل للمثقل سمنا إِنَّه لمهبل وَكَذَلِكَ يُقَال لفاسد الْعقل مهبل وَالْعرب تطلق هَذِه الْكَلِمَة ونظائرها من الدُّعَاء بالمكروه وَلَا تُرِيدُ بهَا شرا تجريها مجْرى اللَّغْو الَّذِي لَا يعْتد بِهِ وَقد تجريها مجْرى الْمَدْح عِنْد استعظام الشَّيْء وَقد تجريها مجْرى الحض وَالنَّدْب إِلَى الْفِعْل وَالْقَوْل وَمن نظائرها قَوْلهم إِذا استحسنوا فعل إِنْسَان أَو قَوْله قَاتله الله وَمَا لَهُ هوت أمه قَالَ الشَّاعِر (هوت أمه مَا يبْعَث الصُّبْح غاديا ... وماذا يُؤَدِّي اللَّيْل حِين يؤوب)

فَهَذَا فِي الْمَدْح والتعظيم وَمِنْهَا قَول عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله ويل أم الْإِمَارَة لَوْلَا قَول الله عز وَجل وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظلمون فَهَذِهِ لَفْظَة أَرَادَ بهَا الْمَدْح وَحملهَا على الذَّم جهل بمواقع الْكَلم وَمِنْهَا قَول امريء الْقَيْس يصف رجلا بجودة الرماية (فَهُوَ لَا تنمي رميته ... مَا لَهُ لاعد من نفره) فَظَاهر هَذَا أَنه دَعَا عَلَيْهِ بِأَن يهْلك حَتَّى لَا يعد مَعَ قومه إِذا عدوا وَهُوَ لَا يُرِيد ذَلِك بل تعجب من رمايته ومدحه وَمِنْهَا قَوْلهم لَا أَب لفُلَان فِي استعظام مَا يكون مِنْهُ قَالَ الشَّاعِر (فَمَا راعني إِلَّا زهاء معانقي ... فَأَي عنيق بَات لي لَا أَبَا ليا) وَقد نطق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نظائرها لقَوْله لصفية عقرى حلقى أَي عقرهَا الله وحلقها وَقَوله عَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك وَهُوَ دُعَاء بالفقر

وَأما قَول الشَّاعِر من إقراف فالإقراف هُنَا تغير الْجِسْم وضؤلته وَقَوله الآخذون الْعَهْد من آفاقها مَعْنَاهُ أَن هَاشم بن عبد منَاف انْطلق إِلَى الشَّام فَأخذ من قَيْصر ملك الرّوم وَمن مُلُوك غَسَّان عهدا وَذمَّة لقريش أَن يَأْتُوا الشَّام ويتجروا بِهِ وَانْطَلق أَخُوهُ عبد الشَّمْس ابْن عبد منَاف إِلَى بِلَاد الْحَبَشَة فَأخذ لتجار قُرَيْش عهدا من النَّجَاشِيّ الْأَكْبَر وَذهب أخوهما الْمطلب بن عبد منَاف إِلَى الْيمن فَأخذ عهدا من مُلُوكهَا لتجار قُرَيْش وَذهب أخوهم نَوْفَل ابْن عبد منَاف إِلَى الْعرَاق فَأخذ عهودا من مُلُوك آل ساسان وَمن سادة من بالعراق من الْعَرَب فتوجهت قُرَيْش للتِّجَارَة إِلَى هَذِه الْأَرْبَعَة الْوُجُوه على حَال آمِنَة بِمَا عقد لَهُم بَنو عبد منَاف من الذمم فمسي بَنو عبد منَاف لذَلِك المجبرين لِأَن الله تَعَالَى جبر بهم قُرَيْش وأغناها بِالتِّجَارَة وَكَانَ الأَصْل أَن يُقَال الجابرون وَلَكِن هَكَذَا جَاءَ فَيدل على أَن جبرت وأجبرت بِمَعْنى وَاحِد وَالْمعْنَى الْمَشْهُور الْكثير جبرت الكسير وَالْفَقِير فَأَنا جَابر وأجبرت فلَانا على الْأَمر أَي أكرهته فَأَنا مجبر وَقد أدخلُوا أفعل فِي بَاب التَّمْكِين من الْفِعْل فَقَالُوا سقيت الرجل بيَدي

وَقَالُوا أسقيته أَي مكنته من الْورْد وقته أَي أَعْطيته قوتا وأقته إِذا مكنته من شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْقُوت وقبرت الْمَيِّت بيَدي وأقبرته إِذا أَعْطيته مَا يقبر فِيهِ من الأَرْض وَلَعَلَّ تسميتهم المجبرين من هَذَا لأَنهم لم يجبروا قُرَيْش بِأَمْوَالِهِمْ بل مكنوهم من فعل مَا يتجبرون بِهِ فَالَّذِي ذكرنَا هُوَ مَقْصُود الشَّاعِر وَقَوله ويقابلون الرّيح يَقُول يجاودونها فيهبون بالجود كهبوبها ويروى والمطعمون إِذا الرِّيَاح تناوحت أَي تقابلت فِي الهبوب وَقَوله تغيب الشَّمْس فِي الرجاف الرجاف هُوَ الْبَحْر سمي بذلك لاضطرابه وَقَوله فعال التلد والأطراف يُرِيد قديم الفعال وحديثها يَعْنِي المكارم التالدة أَي الْقَدِيمَة والطارفة أَي الحديثة هَذَا مجَاز اللَّفْظَيْنِ قَالَ الْجَوْهَرِي الفعال بِالْفَتْح مصدر مثل ذهب ذَهَابًا وَكَانَت مِنْهُ فعلة حَسَنَة أَو قبيحة وَقَوله عَمْرو الْعلَا هشم الثَّرِيد لِقَوْمِهِ فَهُوَ أَن قُرَيْش أَصَابَتْهُم سنة فنالت مِنْهُم فارتحل هَاشم بن عبد منَاف وَكَانَ اسْمه

عمرا إِلَى الشَّام فأوقر عيرًا لَهُ من الكعك والفتيت فَقدم بهَا مَكَّة وَنحر الْإِبِل فأطبخ لحومها ثمَّ هشم ذَلِك الكعك والفتيت فَاتخذ مِنْهُ الثَّرِيد فأطعمه النَّاس حَتَّى أحيوا فَسُمي بذلك هاشما وَقَوله مسنتون أَي أَصَابَتْهُم السّنة وَهِي المجاعة وَقَوله تناقلا فِي الْمُفَاخَرَة المناقلة فِي الْكَلَام أَن يَقُول هَذَا مرّة وَيَقُول هَذَا مرّة فيتداولا القَوْل بَينهمَا وَأما قَوْله نافرني إِلَى ولدك فَإِن المنافرة هِيَ المحاكمة وَاخْتلف فِي اشتقاقها فَقيل كَانُوا يتحاكمون فِي الْمُفَاخَرَة فَيَقُولُونَ للْحَاكِم بَينهم أَيّنَا أعز نَفرا وَقيل بل هُوَ من النفير لأَنهم كَانُوا ينفرون إِلَى الْحُكَّام وَتقول نافرت فلَانا فنفرني عَلَيْهِ الْحَاكِم وَكَانُوا يُعْطون الْحَاكِم شَيْئا من أَمْوَالهم فيسمونه النفارة وَقَوله اهتبلت الفرصة أَي انتهزتها فبادرت إِلَيْهَا وَقَول هِنْد سراة الحمس السراة جمع السّري وسراة كل شَيْء خِيَاره بِفَتْح السِّين والحمس قُرَيْش وخزاعة وكل من قَارب بَلْدَة مَكَّة من قبائل الْعَرَب فقد تحمس لمجاورته لَهُم وأصل اللَّفْظَة الشدَّة وَهِي الحماسة فسموا حمسا لأَنهم كَانُوا ذَوي تشدد فِي نحل جاهليتهم وَفِي بعض الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنع أمرا فَصنعَ مثله

رجل من الْأَنْصَار فَأنْكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا فعل الْأنْصَارِيّ وَقَالَ لَهُ إِنِّي أحمس يُرِيد أَن هَذَا الَّذِي فعلته أَنا مِمَّا تَفْعَلهُ الحمس دون غَيرهَا فَقَالَ الْأنْصَارِيّ وَأَنا أحمس يُرِيد أَنِّي على دينك ومتبع لَك وسنعقب هَذَا التَّفْسِير بِذكر قبائل قُرَيْش إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوْلها على قديم الحرس الحرس هُوَ الدَّهْر اسْم لَهُ قَالَه الْجَوْهَرِي أَيْضا وَقَالَ قَالَ الراجز (فِي نعْمَة عِشْنَا بِذَاكَ حرسا ... ) وَيجمع على أحرس وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (لمن طلل داثر آيَة ... تقادم فِي سالف الأحرس) وَيُقَال أحرس فلَان بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ حرسا يَعْنِي بذلك كُله الدَّهْر قَالَ ابْن ظفر وَقَوله صه يَا ابْنة الأكارم هِيَ لَفْظَة مَعْنَاهَا الْأَمر بِالسُّكُوتِ وَقَوله فعبد شمس هَاشم يُرِيد أَنَّهُمَا كالشيء الْوَاحِد وَذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَوان لأَب وَأم توأمان وَقيل إِن أَحدهمَا خرج من بطن أمه وإصبعه ملتصقة بجبهة أَخِيه فنحيت الْأصْبع فقطرت من الْموضع قطرات من دم فتعيفوا ذَلِك وكرهوه وَقَالَ من تكهن مِنْهُم سَيكون بَينهمَا دم فَكَانَت الْمَلَاحِم الْمَشْهُورَة بَين بني أُميَّة وَبني هَاشم

وَقَوله كغربي صارم الْغرْبَان هما الحدان والصارم السَّيْف الْقَاطِع وَالْمعْنَى هما كحدي السَّيْف لَا فضل لأَحَدهمَا على الآخر وَهَذَا حسن من القَوْل جدا وَمِمَّا لم يسْبق إِلَيْهِ فِيمَا علمت أَلا ترى أَنه لَو قَالَ هما كالعينين فِي الرَّأْس أَو كاليدين فِي الْجَسَد لأمكن أَن يُقَال أَيَّتهمَا الْيُمْنَى وَلَقَد اجْتهد هرم بن قُطْبَة الْفَزارِيّ فِي التَّسْوِيَة بَين عَامر بن الطُّفَيْل وعلقمة بن علاثة حِين تنافرا إِلَيْهِ فَقَالَ هما كركبتي الْبَعِير الأورق أَو قَالَ الآدم تقعان إِلَى الأَرْض مَعًا فَقيل لَهُ أَيَّتهمَا الْيُمْنَى فَلم يحر جَوَابا وَقد شجر قَول مُعَاوِيَة هَذَا أَعنِي فعبد شمس هَاشم بعض بني أُميَّة هُوَ آدم بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ هَذِه الثَّلَاثَة الأبيات فِي قصيدة لَهُ قَالَهَا للمهدي ذكره مُحَمَّد بن مَرْوَان الْقرشِي السعيدي من ولد سعيد بن الْعَاصِ فِي أَخْبَار مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَزَاد فِيهِ فَبلغ بِهِ غَايَة الْحسن وَالْأَدب وَذَلِكَ أَنه عرض للرشيد رَحمَه الله فِي طَرِيقه فَأعْطَاهُ رقْعَة فَأصَاب فِيهَا (يَا أَمِين الله إِنِّي قَائِل ... قَول ذِي صدق ولب وَحسب)

وأما قبائل قريش

(لكم الْفضل علينا وَلنَا ... بكم الْفضل على كل الْعَرَب) (عبد شمس كَانَ يَتْلُو هاشما ... وهما بعد لأم ولأب) (فضل الْأَرْحَام منا إِنَّمَا ... عبد شمس عَم عبد الْمطلب) فَأمر لَهُ الرشيد بأَرْبعَة آلَاف دِينَار لكل بَيت مِنْهَا ألف وَقَالَ لَو زِدْت لزدناك فسلك أسلوب التَّسْوِيَة سلوكا ظريفا وتأدب بتفضيل هَاشم وَأما قبائل قُرَيْش فَمِنْهَا بَنو هَاشم بن عبد منَاف ابْن قصي مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب رضوَان الله عَلَيْهِ وَمِنْهَا بَنو أُميَّة ابْن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَمِنْهَا بَنو عبد الدَّار بن قصي مِنْهُم بَنو شيبَة حجبة الْكَعْبَة شرفها الله وَمِنْهَا بَنو الْمطلب بن قصي مِنْهُم الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم خَدِيجَة بنت خويلد زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا بَنو زهرَة بن كلاب بن مرّة أَخُو قصي بن كلاب مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف

وَسعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنْهُمَا وَمِنْهُم آمِنَة أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا بَنو تيم بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم طَلْحَة بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا بَنو عدي بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم عمر الْفَارُوق رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهُم سعيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا بَنو مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب وَمِنْهَا بَنو سهم وَبَنُو أَخِيه جمح ابْني عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب فَمن بني سهم عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ وَمِنْهَا بَنو حسل بن عَامر بن لؤَي بن غَالب مِنْهُم سُهَيْل بن عَمْرو وَمِنْهَا بَنو هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر بن مَالك بن النَّضر مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ فَهَؤُلَاءِ قُرَيْش البطاح سموا بذلك لأَنهم دخلُوا بطحاء مَكَّة مَعَ قصي فأقاموا بهَا مَعَ من وَلَده قصي وَلم يكن قبلهم أحد يجترئ على أَن يسكن بمجاورة الْكَعْبَة حَتَّى افْتتح ذَلِك قصي وَكَانَت قُرَيْش تهيبت أَن تُطِيعهُ فِي ذَلِك وخافت أَن تنكر الْعَرَب عَلَيْهَا سكناهَا عِنْد الْكَعْبَة فَلَمَّا كَانَ وَقت الْحَج نحر قصي على طرقات الحجيج الْإِبِل وَنحر أَيْضا بِمَكَّة وصنع الثَّرِيد فأوسع الحجيج إطعاما وسقيا وَهُوَ أول من أطْعم الْحَاج وسقاهم فَقَالَ راجزهم فِي ذَلِك (آب الحجيج طاعمين دسما ... بَحر الحسا مستحقبين الشحما) (أوسعهم زيد قصي لَحْمًا ... ولبنا مَحْضا وخبزا هشما)

وَمن قُرَيْش أَيْضا قُرَيْش الظَّوَاهِر وهم الَّذين لزموا ظَاهر الْحرم فأقاموا ببادية مَكَّة وَلم يدخلُوا بطحاءها مَعَ قصي فَمنهمْ بَنو معيص بن عَامر بن لؤَي بن غَالب وَمِنْهُم بَنو الأدرم بن غَالب والأدرم لقب فهم بَنو تيم عَن غَالب أخي لؤَي بن غَالب وَمِنْهُم بَنو محَارب والْحَارث وَلَدي فهر بن مَالك بن النَّضر سوى بني هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث الَّذين ذكرنَا أَنهم دخلُوا الْبَطْحَاء فأوطنوها فَهَؤُلَاءِ قُرَيْش الظَّوَاهِر وَمن قُرَيْش أَيْضا قبائل لَيست بأبطحية وَلَا ظاهرية فَمنهمْ بَنو سامة بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا بعمان وَمِنْهُم بَنو خُزَيْمَة ابْن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا ببني شَيبَان وَمِنْهُم بَنو سعد بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا ببني شَيبَان أَيْضا وَمِنْهُم بَنو عَوْف بن لؤَي بن غَالب لَحِقُوا بغطفان فهولاء لَيْسُوا بحمس وَكَانَت للحمس أُمُور جَاهِلِيَّة شرعوها لأَنْفُسِهِمْ واختصوا بهَا دون غَيرهم على معنى التدين لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكرهَا وَبعد فقد آن رجوعنا إِلَى مَقْصُود الْكتاب قَالَ ابْن عبد الْبر توفّي مُعَاوِيَة رَحمَه الله بِدِمَشْق يَوْم الْخَمِيس لثمان بَقينَ من رَجَب سنة تسع وَخمسين وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَذكر غير ذَلِك

41 - معيقيب بن أبي فَاطِمَة مولى سعيد بن الْعَاصِ ويزعمون أَنه دوسي حَلِيف لآل سعيد ابْن الْعَاصِ أسلم قَدِيما بِمَكَّة وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة وَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فِي السفينتين وَكَانَ على خَاتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر وَعمر على بَيت المَال وَنزل بِهِ دَاء الجذام فعولج مِنْهُ بِأَمْر عمر بالحنظل فتوقف أمره وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر قلت روينَا عَنهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ فيهمَا غَيره عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن معيقيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة قَالَ ابْن عبد الْبر عَن أبي رَاشد مولى معيقيب قَالَ قلت لمعيقيب مَالِي لَا أسمعك تحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث غَيْرك فَقَالَ أما وَالله إِنِّي لمن أقدمهم صُحْبَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن كَثْرَة الصمت خير من كَثْرَة الْكَلَام توفّي فِي آخر خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ وَقيل بل توفّي سنة أَرْبَعِينَ فِي آخر خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ السُّهيْلي ذكره عمر بن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي معيقيب بن أبي فَاطِمَة الدوسي ذكره ابْن عَسَاكِر وَابْن الْأَثِير وَشَيخنَا الدمياطي وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

42 - الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ ابْن أبي عَامر بن مَسْعُود بن معتب بن مَالك بن كَعْب ابْن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن قسي وَهُوَ ثَقِيف يكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا عِيسَى وَأمه امْرَأَة من نصر بن مُعَاوِيَة أسلم عَام الخَنْدَق وَقدم مُهَاجرا وَقيل أول مشاهده الْحُدَيْبِيَة كَانَ رجلا طوَالًا ذَا هَيْبَة أَعور أُصِيبَت عينه يَوْم اليرموك قَالَ ابْن عبد الْبر وَقَالَ روى مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ دهاة الْعَرَب أَرْبَعَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعَمْرو بن الْعَاصِ والمغيرة بن شُعْبَة وَزِيَاد فَأَما مُعَاوِيَة فللأناة والحلم وَأما عَمْرو فللمعضلات وَأما الْمُغيرَة فللمبادهة وَأما زِيَاد فللصغير وَالْكَبِير وَيَقُولُونَ إِن قيس بن سعد بن عبَادَة لم يكن فِي الدهاء بِدُونِ هَؤُلَاءِ مَعَ كرم كَانَ فِيهِ وَفضل وَعَن نَافِع قَالَ أحصن الْمُغيرَة بن شُعْبَة ثَلَاثمِائَة امْرَأَة فِي الْإِسْلَام قَالَ ابْن وضاح وَقيل ألف

وولاه عمر الْكُوفَة فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن عَزله عُثْمَان وَاعْتَزل صفّين فَلَمَّا كَانَ حِين الْحكمَيْنِ لحق بِمُعَاوِيَة فَلَمَّا قتل عَليّ وَصَالح مُعَاوِيَة الْحسن وَدخل الْكُوفَة ولاه عَلَيْهَا وَلما قتل عُثْمَان وَبَايع النَّاس عليا رَضِي الله عَنْهُمَا دخل عَلَيْهِ الْمُغيرَة فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لَك عِنْدِي نصيحة قَالَ وَمَا هِيَ قَالَ إِن أردْت أَن يَسْتَقِيم لَك الْأَمر فَاسْتعْمل طَلْحَة بن عبيد الله على الْكُوفَة وَالزُّبَيْر بن الْعَوام على الْبَصْرَة وَابعث إِلَى مُعَاوِيَة بعهده إِلَى الشَّام حَتَّى تلْزمهُ طَاعَتك فَإِذا اسْتَقَرَّتْ لَك الْخلَافَة فأدرها كَيفَ شِئْت بِرَأْيِك فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أما طَلْحَة وَالزُّبَيْر فسأرى رَأْيِي فيهمَا وَأما مُعَاوِيَة فَلَا وَالله لَا أَرَانِي الله مُسْتَعْملا وَلَا مستعينا بِهِ مَا دَامَ على حَاله وَلَكِنِّي أَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُول فِيمَا دخل فِيهِ الْمُسلمُونَ فَإِن أَبى حاكمته إِلَى الله تَعَالَى فَانْصَرف عَنهُ الْمُغيرَة مغضبا لما لم يقبل مِنْهُ نصيحته فَلَمَّا كَانَ الْغَد أَتَى فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نظرت فِيمَا قلت لَك بالْأَمْس وَمَا جاوبتني بِهِ فَرَأَيْت أَنَّك قد وفقت للخير وَطلب الْحق ثمَّ خرج عَنهُ فَلَقِيَهُ الْحسن رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ خَارج فَقَالَ لِأَبِيهِ مَا قَالَ لَك هَذَا الْأَعْوَر فَقَالَ أَتَانِي أمس

بِكَذَا وأتاني الْيَوْم بِكَذَا فَقَالَ نصح لَك وَالله أمس وخدعك الْيَوْم وَقَالَ الْمُغيرَة فِي ذَلِك (نصحت عليا فِي ابْن هِنْد نصيحة ... فَرد فَلَا يسمع لَهَا الدَّهْر ثَانِيَة) (وَقلت لَهُ أرسل إِلَيْهِ بعهده ... على الشَّام حَتَّى يسْتَقرّ مُعَاوِيَة) (وَيعلم أهل الشَّام أَن قد ملكته ... فَأم ابْن هِنْد عِنْد ذَلِك هاويه) (وتحكم فِيهِ مَا تُرِيدُ فَإِنَّهُ ... لداهية فارفق بِهِ وَابْن داهية) (فَلم يقبل النصح الَّذِي جِئْته بِهِ ... وَكَانَت لَهُ تِلْكَ النَّصِيحَة كَافِيَة) توفّي الْمُغيرَة سنة خمسين من الْهِجْرَة بِالْكُوفَةِ وَهُوَ وَال عَلَيْهَا لمعاوية واستخلف عَلَيْهَا ابْنه عُرْوَة ووقف على قَبره مصقلة بن هُبَيْرَة الشَّيْبَانِيّ فَقَالَ (إِن تَحت الْأَحْجَار حزما وجودا ... وخصيما ألدذا معلاق)

حَيَّة فِي الوجار أَرْبَد لَا ينفع مِنْهُ السَّلِيم نفث الراقي ثمَّ قَالَ أما وَالله لقد كنت شَدِيد الْعَدَاوَة لمن عاديت شَدِيد الْأُخوة لمن آخيت قَالَ السُّهيْلي ذكره ابْن شبة فِي كتاب الْكتاب لَهُ وَذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَغَيره فِي الْكتاب أَيْضا 43 - يزِيد بن أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب رفعنَا نسبه عِنْد ذكر أَبِيه كَانَ أفضل بني أبي سُفْيَان كَانَ يُقَال لَهُ يزِيد الْخَيْر أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنينا وَأَعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مائَة بعير وَأَرْبَعين أُوقِيَّة وَزنهَا لَهُ بِلَال وَاسْتَعْملهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وأوصاه وَخرج متبعه رَاجِلا وَلما اسْتخْلف عمر رَضِي الله عَنهُ ولاه على فلسطين وناحيتها فَلَمَّا

مَاتَ فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة اسْتخْلف أَخَاهُ مُعَاوِيَة فأقره عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي صَاحب شرح السِّيرَة ذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كِتَابه السِّيرَة فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَابْن عبد الْبر وَابْن عبد ربه وَذكره ابْن سعد 44 - رجل من بني النجار قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكره ابْن دحْيَة وَأَنه تنصر وَأظْهر الله فِيهِ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معْجزَة حِين دفن وألقته الأَرْض وَذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد تقدم خَبره فِي تَرْجَمَة السّجل من حرف السِّين يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا مَا بلغ إِلَيْهِ علمي مِمَّن كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْبَحْث والتتبع لما أوردهُ عُلَمَاء هَذَا الشَّأْن رَحِمهم الله نَحوا من أَربع سِنِين وجملتهم أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ كَاتبا رَضِي الله عَنْهُم ونفعنا بمحبتهم وحشرنا فِي زمرتهم وَجَعَلنَا من التَّابِعين لسنتهم وَسنَن متبوعهم نَبِي الرَّحْمَة وشفيع الْأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا أَوَان البدأة برسله والملوك الْمُرْسل إِلَيْهِم على تَرْتِيب مَا تقدم

وَكتبه إِلَى من أسلم وَمن لم يسلم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب

القسم الثاني في ذكر رسله صلى الله عليه وسلم والمرسل إليهم من الملوك وغيرهم يدعوهم إلى الإسلام

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل الْقسم الثَّانِي فِي ذكر رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرسل إِلَيْهِم من الْمُلُوك وَغَيرهم يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام روى مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَجَعَ من الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ أرسل الرُّسُل إِلَى الْمُلُوك يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام وَكتب إِلَيْهِم كتبا فَقيل يَا رَسُول الله إِن الْمُلُوك لَا يقرؤون كتابا إِلَّا مَخْتُومًا فَاتخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ خَاتمًا من فضَّة

فصه مِنْهُ ونقشه ثَلَاثَة أسطر مُحَمَّد رَسُول الله وَختم بِهِ الْكتب فَخرج سِتَّة نفر فِي يَوْم وَاحِد وَذَلِكَ فِي الْمحرم سنة سبع وَأصْبح كل رجل مِنْهُم يتَكَلَّم بِلِسَان الْقَوْم الَّذين بعث إِلَيْهِم وَكَانَ أَوَّلهمْ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي رَضِي الله عَنْهُم ذكرهم حسان فِي شعر لَهُ يَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ أرسل غَيرهم كَمَا ستراه مُبينًا على الْحُرُوف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبِه الْحول وَالْقُوَّة وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم 1 - الْأَقْرَع بن عبد الله الْحِمْيَرِي قَالَ ابْن عبد الْبر بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي مران وَطَائِفَة من الْيمن وَقَالَ سيف بن عمر التَّمِيمِي فِي كتاب الرِّدَّة لَهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة وَالْأسود وطليحة بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من الوجع عَن أَمر الله تَعَالَى فَبعث الْأَقْرَع بن عبد الله إِلَى ذِي زود سعيد بن العاقب وعامر بن شهر وَذي

يناق شهر وعد آخَرين نذكرهم فِي بابهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى 2 - و 3 أبي وعنبسة قَالَ مُحَمَّد بن سعد فَذكر أسانيده إِلَى ابْن عَبَّاس والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَعَمْرو بن أُميَّة الضمرِي دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد هذيم من قضاعة وَإِلَى جذام كتابا وَاحِدًا يعلمهُمْ فِيهِ فَرَائض الصَّدَقَة وَيَأْمُرهُمْ أَن يدفعوا الصَّدَقَة إِلَى رسوليه أبي وعنبسة أَو من أَرْسلَاهُ قَالَ وَلم ينسبا لنا هَكَذَا قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات فَلَا أَدْرِي أبي هَذَا هُوَ أبي بن كَعْب أَو غَيره وَذكر ابْن عبد الْبر فِي بَاب أبي ثَلَاثَة نفر غير أبي بن كَعْب وَالله أعلم أَيهمْ هُوَ فَإِنَّهُ لم يذكر فِي ترجمتهم شَيْئا يدل على أَنهم أرْسلُوا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم 4 - جرير بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر جرير بن عبد الله بن جَابر هُوَ الشليل بن

مَالك بن نضر بن ثَعْلَبَة بن جشم بن عَوْف بن خُزَيْمَة بن حَرْب بن عَليّ بن مَالك بن سعد ابْن نَذِير بن قسر بن عبقر بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث البَجلِيّ يكنى أَبَا عَمْرو وَقيل أَبَا عبد الله وبجيلة أمّهم نسبوا إِلَيْهَا وَهِي بجيلة بنت صَعب بن عَليّ بن سعد الْعَشِيرَة كَانَ سيد قبيلته وَكَانَ إِسْلَامه فِي الْعَام الَّذِي توفّي فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مَوته بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ مَا حجبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي قطّ إِلَّا تَبَسم وَضحك وَقَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أقبل وافدا (عَلَيْهِ يطلع عَلَيْكُم خير ذِي يمن كَأَن على وَجهه مسحة ملك) فطلع جرير قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف كَانَ جرير يقل فِي ذرْوَة الْبَعِير من طوله وَكَانَت نَعله ذِرَاعا وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي كلاع وَذي رعين بِالْيمن وَقَالَ فِيهِ إِذا أَتَاكُم كريم قوم فأكرموه وَفِيه قَالَ الشَّاعِر (لَوْلَا جرير هَلَكت بجيلة ... نعم الْفَتى وبئست الْقَبِيلَة)

فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَا مدح من هجا قومه وَكَانَ عمر يَقُول جرير بن عبد الله يُوسُف هَذِه الْأمة يَعْنِي فِي حسنه وَهُوَ الَّذِي قَالَ لعمر حِين وجد فِي مَجْلِسه رَائِحَة من بعض جُلَسَائِهِ فَقَالَ عمر عزمت على صَاحب هَذِه الرَّائِحَة إِلَّا قَامَ فَتَوَضَّأ فَقَالَ جرير علينا كلنا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فاعزم قَالَ عَلَيْكُم كلكُمْ عزمت ثمَّ قَالَ يَا جرير مَا زلت سيدا فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَرُوِيَ بِسَنَدِهِ عَن جرير قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَلا تكفيني ذَا الخلصة) فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي رجل لَا أثبت على الْخَيل فصك فِي صَدْرِي فَقَالَ اللَّهُمَّ ثبته واجعله هاديا مهديا) فَخرجت فِي خمسين من قومِي فأتيناها وأحرقناها وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ رَحمَه الله عَن جرير بن عبد الله قَالَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة بَيت يُقَال لَهُ ذُو الخلصة وَكَانَ يُقَال لَهُ الْكَعْبَة اليمانية والكعبة الشامية فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل أَنْت مريحي من ذِي الخلصة) قَالَ فنفرت إِلَيْهِ فِي خمسين وَمِائَة فَارس من أحمس قَالَ فكسرنا وقتلنا من وجدنَا عِنْده فأتيناه فَأَخْبَرنَاهُ فَدَعَا لنا ولأحمس قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى فِي مشارقه الحمس بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْمِيم وَآخره سين مُهْملَة فسره فِي مُسلم قُرَيْش وَمَا ولدت من غَيرهَا وَقيل

قُرَيْش وَمن ولدت وأحلافها وَقَالَ الْحَرْبِيّ سموا بذلك من أجل الْكَعْبَة لِأَنَّهَا حمساء فِي لَوْنهَا وَهُوَ بَيَاض يضْرب إِلَى سَواد وهم أَهلهَا وَقيل سموا بذلك فِي الْجَاهِلِيَّة لتحمسهم فِي دينهم أَي تشددهم والحماسة والتحمس الشدَّة وَقيل لشجاعتهم وَقَالَ الْجَوْهَرِي الأحمس الْمَكَان الصلب قَالَ العجاج (وَكم قَطعنَا من قفاف حميس ... ) والأحمس أَيْضا الشَّديد الصلب فِي الدّين والقتال وَقد حمس بِالْكَسْرِ فَهُوَ حمس وأحمس بَين الحمس والحماسة الشجَاعَة والأحمس الشجاع وَإِنَّمَا سميت قُرَيْش وكنانة حمسا لتشددهم فِي دينهم لأَنهم كَانُوا لَا يَسْتَظِلُّونَ أَيَّام منى وَلَا يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَلَا يسلأون السّمن وَلَا يلقطون الجلة وعام أحمس شَدِيد وأرضون أحامس جدبة والتحمس التشدد يُقَال تحمس الرجل إِذا تعاصى وحماس اسْم رجل وَقد تقدم الْكَلَام على هَذِه اللَّفْظَة فِي الْكتاب أَيْضا وروينا فِي البُخَارِيّ أَيْضا عَن جرير رَضِي الله عَنهُ قَالَ مَا حجبني

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي إِلَّا ضحك وَلمُسلم وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسم فِي وَجْهي قَالَ ابْن عبد الْبر وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذِي كلاع وَذي ظليم بِالْيمن وَمِمَّا ذكر من فَصَاحَته وبلاغته قَالَ قدم جرير على عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من عِنْد سعد بن أبي وَقاص فَقَالَ لَهُ كَيفَ تركت سَعْدا فِي ولَايَته فَقَالَ تركته أكْرم النَّاس مقدرَة وَأَحْسَنهمْ معذرة هُوَ لَهُم كالأم الْبرة يجمع لَهُم كَمَا تجمع الذّرة مَعَ أَنه مَيْمُون الْأَثر مَرْزُوق الظفر أَشد النَّاس عِنْد الْبَأْس وَأحب قُرَيْش إِلَى النَّاس قَالَ فَأَخْبرنِي عَن النَّاس قَالَ هم كسهام الجعبة مِنْهَا الْقَائِم الرائش وَمِنْهَا العصل الطائش وَابْن أبي وَقاص ثقافها يغمز عصلها وَيُقِيم ميلها وَالله أعلم بالسرائر يَا عمر قَالَ أَخْبرنِي عَن إسْلَامهمْ قَالَ يُقِيمُونَ الصَّلَاة لأوقاتها وَيُؤْتونَ الطَّاعَة ولاتها فَقَالَ

تفسير غريبه

عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الْحَمد لله إِذا كَانَت الصَّلَاة أُوتيت الزَّكَاة وَإِذا كَانَت الطَّاعَة كَانَت الْجَمَاعَة وَجَرِير الْقَائِل الخرس خير من الخلابة والبكم خير من الْبذاء الخلابة الخديعة وَالْبذَاء يُقَال بذيء اللِّسَان كثير الْعَيْب قَالَه ابْن فَارس وَكَانَ جرير رَسُول عَليّ إِلَى مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم فحبسه مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ رده برق مطبوع غير مَكْتُوب وَبعث مَعَه من يُخبرهُ بمنابذته لَهُ فِي خبر طَوِيل روى عَنهُ بنوه عبيد الله وَالْمُنْذر وَإِبْرَاهِيم نزل جرير الْكُوفَة وسكنها ثمَّ تحول إِلَى قرقيسياء وَمَات بهَا سنة أَربع وَخمسين وَقيل غير ذَلِك تَفْسِير غَرِيبه قَالَ الْجَوْهَرِي فِي قَوْله مِنْهَا العصل الطائش يُقَال للرجل المعوج السَّاق أعصل وشجرة عصلة عوجاء وسهام عصل معوجة والمعصل بِالتَّشْدِيدِ السهْم الَّذِي يلتوي إِذا رمي بِهِ وَهُوَ المُرَاد هُنَا

قَوْله ثقافها بالثاء الْمُثَلَّثَة رُوِيَ بِكَسْر الثَّاء وَفتحهَا مَعَ تَشْدِيد الْقَاف والمثاقفة والثقاف مَا تسوى بِهِ الرماح وَمِنْه قَول عَمْرو بن كُلْثُوم (إِذا عض الثقاف بهَا اشمأزت ... تشح قفا المثقف والجبينا) وتثقيفها تسويتها وَهَذَا مثل ضربه يثنى بذلك على سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ فِي إحكامه وَحسن سيرته مَعَ رَعيته إِذْ هُوَ من عُمَّال عمر وَقَوله الخرس خير من الخلابة الخلابة الخديعة بِاللِّسَانِ تَقول مِنْهُ خلبه يخلبه بِالضَّمِّ وَفِي الْمثل إِذا لم تغلب فاخلب أَي فاخدع وَرجل خلاب وخلبوب أَي خداع كَذَّاب قَالَ الشَّاعِر (وَشر الرِّجَال الغادر الخلبوب ... ) فالبرق الخلب الَّذِي لَا غيث فِيهِ كَأَنَّهُ خَادع وَكَذَلِكَ السَّحَاب الَّذِي لَا مطر فِيهِ قَوْله والبكم خير من الْبذاء قَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل

عِيَاض رَحمَه الله هُوَ الْفُحْش فِي القَوْل بذو يبذو بِضَم ثَانِيهمَا مثل كرم يكرم والمصدر بذاء بفتحهما مَمْدُود كَذَا قَيده القيني وَقيل بذاء بِالْكَسْرِ ومباذأة وبذاءة وَكله مَهْمُوز وَرجل بذيء مَهْمُوز فَاحش القَوْل وَيَقُول فِيهِ بِذِي أَيْضا مشدد غير مَهْمُوز وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي الرث الْهَيْئَة وَهِي البذاذة أَيْضا 5 - جبر مولى أبي رهم قَالَ ابْن عبد الْبر جبر بن عبد الله القبطي مولى أبي بصرة الْغِفَارِيّ هُوَ الَّذِي أَتَى من عِنْد الْمُقَوْقس بمارية الْقبْطِيَّة مَعَ حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السُّهيْلي مولى أبي رهم 6 - حَاطِب بن أبي بلتعة اللَّخْمِيّ قَالَ الْجَوْهَرِي المتبلتع الَّذِي يتظرف ويتكيس وَقَالَ أَبُو الدقيش الْأَعرَابِي هُوَ الَّذِي يتبلتع فِي كَلَامه أَي يتحذلق ويتظرف وَلَيْسَ عِنْده شَيْء قَالَ هدبة بن الخشرم

(وَلَا تنكحي إِن فرق الدَّهْر بَيْننَا ... أغم الْقَفَا وَالْوَجْه لَيْسَ بأنزعا) (ولاقرزلا وسط الرِّجَال جنادفا ... إِذا مَا مَشى أَو قَالَ قولا تبلتعا) والقرزل اللَّئِيم من الرِّجَال والجنادف بِالضَّمِّ الْقصير الغليظ الْخلقَة قَالَ ابْن عبد الْبر حَاطِب بن أبي بلتعة من ولد لخم بن عدي يكنى أَبَا عبد الله وَقيل أَبَا مُحَمَّد وَاسم أبي بلتعة عَمْرو بن رَاشد بن معَاذ اللَّخْمِيّ حَلِيف قُرَيْش وَيُقَال إِنَّه من مذْحج وَقيل هُوَ حَلِيف الزبير بن الْعَوام وَقيل بل كَانَ عبدا لِعبيد الله بن حميد بن زُهَيْر بن الْحَارِث بن أَسد بن عبد الْعزي بن قصي فكاتبه يَوْم الْفَتْح وَهُوَ من أهل الْيمن وَالْأَكْثَر أَنه حَلِيف لبني أَسد بن عبد الْعُزَّى شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة وَمَات سنة ثَلَاثِينَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ابْن خمس

وَسِتِّينَ سنة وَصلى عَلَيْهِ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَقد شهد الله لحاطب بِالْإِيمَان فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} الْآيَة وَذَلِكَ أَن حَاطِبًا كتب إِلَى أهل مَكَّة قبل حَرَكَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا عَام الْفَتْح يُخْبِرهُمْ بِبَعْض مَا يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم من الْغَزْو إِلَيْهِم وَبعث كِتَابه مَعَ امْرَأَة فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بذلك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طلب الْمَرْأَة إِلَى رَوْضَة خَاخ فَأخذ الْكتاب مِنْهَا وأتى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاعْتَذر حَاطِب وَقَالَ مَا فعلته رَغْبَة عَن ديني فَنزلت فِيهِ آيَات من صدر سُورَة الممتحنة فَأَرَادَ عمر قَتله فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّه قد شهد بَدْرًا) الحَدِيث قَالَه ابْن عبد الْبر ورويناه فِي صَحِيح البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ قَالَ السُّهيْلي الْمَرْأَة الَّتِي بعث مَعهَا الْكتاب اسْمهَا سارة مولاة لقريش قَالَ وَقيل إِنَّه كَانَ فِي كتاب حَاطِب إِلَى أهل مَكَّة إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد توجه إِلَيْكُم بِجَيْش كالليل يسير كالسيل وَأقسم بِاللَّه لَو

سَار إِلَيْكُم وَحده لنصره الله عَلَيْكُم فَإِنَّهُ منجز لَهُ مَا وعده فِيكُم فَإِن الله وليه وناصره قَالَ وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على قتل الجاسوس الْمُسلم فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ أَرَادَ قَتله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّه شهد بَدْرًا) فعلق حكم الْمَنْع من قَتله بِشُهُود بدر فَدلَّ على أَن من فعل مثل فعله وَلَيْسَ ببدري أَنه يقتل وروى ابْن عبد الْبر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ غُلَام لحاطب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا يدْخل حَاطِب الْجنَّة وَكَانَ شَدِيدا على الرَّقِيق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كذبت لَا يدْخل النَّار أحد شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة) وأرسله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مصر وَهُوَ أحد السِّتَّة الَّذين ذكرهم حسان فِي شعره وأرسله أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته أَيْضا وَيَأْتِي ذكر من ذَلِك فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى 7 - حَيَّان بن مِلَّة قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي تَرْجَمَة دحْيَة وَذكر ابْن الْأَثِير عَن ابْن إِسْحَاق ان حَيَّان بن مِلَّة أَخُو أنيف الْيَمَانِيّ من أهل فلسطين لَهُ صُحْبَة وَصَحب دحْيَة بن خَليفَة إِلَى قَيْصر لما بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ

لم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم 8 - الْحَارِث بن عُمَيْر الْأَزْدِيّ أحد بني لَهب بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكتابه إِلَى الشَّام إِلَى ملك الرّوم وَقيل إِلَى صَاحب بصرى فَعرض لَهُ شُرَحْبِيل بن عَمْرو الغساني فأوثقه رِبَاطًا ثمَّ قدم فَضربت عُنُقه صبرا وَلم يقتل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول غَيره فَلَمَّا اتَّصل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَبره بعث إِلَى مُؤْتَة زيد ابْن حَارِثَة فِي نَحْو ثَلَاثَة آلَاف فلقيتهم الرّوم فِي نَحْو من مائَة ألف قَالَه ابْن عبد الْبر وَذكره ابْن سيد النَّاس فتح الدّين فِي عُيُون الْأَثر وَزَاد فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ حِين بلغه الْخَبَر وَكَانَ ذَلِك سَبَب غَزْوَة مُؤْتَة وَهِي بِأَدْنَى البلقاء من أَرض الشَّام فِي جُمَادَى الأول سنة ثَمَان وَيَأْتِي ذكر مِنْهَا فِي حرف الْخَاء من الرُّسُل 9 - حُرَيْث بن زيد الْخَيل ذكره ابْن سعد فِي رسله إِلَى يحنة بن رؤبة الإيلي يَأْتِي

ذكره فِي تَرْجَمته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن عبد الْبر اسْمه حُرَيْث زيد بن الْخَيل وسمى أَبَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أسلم زيد الْخَيْر بن مهلهل بن زيد بن منْهب الطَّائِي أسلم هُوَ وَأَبوهُ وَأَخُوهُ مكنف وَشهد قتال الرِّدَّة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ 10 - حَرْمَلَة ذكره ابْن سعد أَيْضا مَعَ حُرَيْث رَسُولا إِلَى يحنة الإيلي وَلم ينْسبهُ وَذكر ابْن عبد الْبر جمَاعَة اسمهم حَرْمَلَة فَلم أعلم أَيهمْ هُوَ 11 - خَالِد بن الْوَلِيد ذكرنَا طرفا من خَبره ورفعنا نسبه عِنْد ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي خبر إِسْلَامه مَعَ عَمْرو بن العَاصِي فِي تَرْجَمَة النَّجَاشِيّ رَضِي الله عَنْهُم شهد غَزْوَة مُؤْتَة بِنَاحِيَة كرك الشوبك من بِلَاد الشَّام وَكَانَ لَهُ فِيهَا

آثَار جميلَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ بهَا من الرّوم ونصارى الْعَرَب مائَة ألف وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة آلَاف وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى الرَّايَة زيد ابْن حَارِثَة فَقتل ثمَّ أَخذهَا جَعْفَر فَقتل ثمَّ أَخذهَا عبد الله بن رَوَاحَة فَقتل قَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل فَأخذ الرَّايَة ثَابت بن أقرم أَخُو بني العجلان وَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين اصْطَلحُوا على رجل مِنْكُم قَالُوا أَنْت قَالَ لَا وَرفع الرَّايَة فَاصْطَلَحُوا على خَالِد بن الْوَلِيد فَدفع الرَّايَة لَهُ وَقَالَ أَنْت أعلم بِالْقِتَالِ مني فَلَمَّا أصبح خَالِد جعل مُقَدّمَة الْجَيْش ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرته وميسرته ميمنته فَأنْكر الْمُشْركُونَ مَا كَانُوا يعْرفُونَ من راياتهم وهيأتهم وَقَالُوا قد جَاءَهُم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين وَقتلُوا مقتلة لم يَقْتُلهَا قوم وَأُصِيب نَاس من الْمُسلمين وغنموا بعض أَمْتعَة الْمُشْركين فَكَانَ مِمَّا غنموا خَاتمًا جَاءَ بِهِ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قتلت صَاحبه فنفله لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ كَانَ لي رَفِيق من أهل الْيمن فلقينا جموع الرّوم بمؤتة وَفِيهِمْ رجل على فرس لَهُ أشقر عَلَيْهِ سرج مَذْهَب وَسلَاح مَذْهَب فَجعل الرُّومِي يغري بِالْمُسْلِمين وَقعد لَهُ الْيَمَانِيّ خلف صَخْرَة فَمر بِهِ الرُّومِي فعرقب فرسه فَخر وعلاه

فَقتله وَحَازَ سلبه وسلاحه فَلَمَّا فتح الله للْمُسلمين بعث إِلَيْهِ خَالِد فَأخذ مِنْهُ السَّلب قَالَ عَوْف فَأَتَيْته فَقلت يَا خَالِد أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالسلب للْقَاتِل قَالَ بلَى وَلَكِنِّي استكثرته فَقلت لتردنه إِلَيْهِ أَو لأعرفنكها عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أَن يرد عَلَيْهِ قَالَ عَوْف واجتمعنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقصصت عَلَيْهِ قصَّة الْيَمَانِيّ وَمَا فعل خَالِد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا خَالِد مَا حملك على مَا صنعت) فَقَالَ يَا رَسُول الله استكثرته فَقَالَ (رد عَلَيْهِ مَا أخذت مِنْهُ) قَالَ عَوْف فَقلت دُونك يَا خَالِد ألم أُفٍّ لَك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَمَا ذَاك) قَالَ فَأَخْبَرته قَالَ فَغَضب وَقَالَ (يَا خَالِد لَا ترد عَلَيْهِ هَل أَنْتُم تاركون لي امرائي لكم لكم صفوة أَمرهم وَعَلَيْهِم كدره) وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ نظر كَأَنَّهُ وَالله أعلم مَنْسُوخ بِمَا وَقع لأبي قَتَادَة فِي غَزْوَة حنين فَإِنَّهَا مُتَأَخِّرَة عَن مُؤْتَة قَالَ ابْن عَائِذ ثمَّ إِن خَالِدا لما أَخذ الرَّايَة قَاتلهم قتالا شَدِيدا ثمَّ انحاز الْفَرِيقَانِ عَن غير هزيمَة وَرفعت الأَرْض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نظر إِلَى معترك الْقَوْم وَلما أَخذ خَالِد اللِّوَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ بِالْمَدِينَةِ (الْآن حمي الْوَطِيس) وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (ثمَّ أَخذ الرَّايَة خَالِد بن الْوَلِيد نعم عبد الله وأخو الْعَشِيرَة وَسيف من سيوف الله)

وَعَن خَالِد قَالَ لقد انْقَطع فِي يَدي يَوْمئِذٍ تِسْعَة أسياف حَتَّى وَقعت فِي يَدي صفيحة يَمَانِية فَصَبَرت وَصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر ذَلِك الْيَوْم وَأخْبر الْمُسلمين بخبرهم ووفد يعلى بن مُنَبّه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَبَر أهل مُؤْتَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن شِئْت أَخْبَرتك بخبرهم) قَالَ أَخْبرنِي فَأخْبرهُ خبرهم كُله فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا تركت من حَدِيثهمْ حرفا وَاحِدًا فَقَالَ (إِن الله رفع لي الأَرْض حَتَّى رَأَيْت معتركهم وهم بِالشَّام ورأيتهم فِي الْجنَّة على سرر من ذهب وَإِن الله تَعَالَى أبدل جعفرا بيدَيْهِ جناحين يطير بهما فِي الْجنَّة) وَكَانَ رَضِي الله عَنهُ أَخذ اللِّوَاء وَنزل عَن فرس لَهُ شقراء فعرقبها فَكَانَت أول فرس عرقبت فِي الْإِسْلَام فقاتل حَتَّى قطعت يَمِينه فَأخذ اللِّوَاء بيساره فَقطعت فاحتضن اللِّوَاء فَقتل وَهُوَ كَذَلِك ضربه رجل من الرّوم فَقَطعه نِصْفَيْنِ فَوجدَ فِي أحد نصفيه بضعَة وَثَمَانُونَ جرحا ووجدوا فِيمَا أقبل من بدنه اثْنَتَيْنِ وَسبعين ضَرْبَة بِسيف وطعنه بِرُمْح قَالَ الْبَغَوِيّ أنزل الله تَعَالَى فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيدا وَجعلت لَهُ مَالا ممدودا وبنين شُهُودًا}

وَكَانُوا سَبْعَة وهم الْوَلِيد بن الْوَلِيد وخَالِد وَعمارَة وَهِشَام وَالْعَاص وَقيس وَعبد شمس أسلم مِنْهُم ثَلَاثَة خَالِد وَهِشَام والوليد وَكَانَ الْوَلِيد شَدِيد الْعَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَات على كفره 12 - دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر دحْيَة بن خَليفَة بن فَرْوَة بن فضَالة بن زيد بن امْرِئ الْقَيْس بن الْخَزْرَج والخزرج الْعَظِيم هُوَ زيد مَنَاة بن عَامر بن بكر ابْن عَامر الْأَكْبَر بن عَوْف بن بكر بن عَوْف بن عذرة ابْن زيد اللات بن رفيدة بن ثَوْر بن كلب كَانَ من كبار الصَّحَابَة أسلم قَدِيما لم يشْهد بَدْرًا وَشهد أحدا وَمَا بعْدهَا وَسكن دمشق بقرية المزة وَبَقِي إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر فِي الْهُدْنَة سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَهُوَ أحد الرُّسُل السِّتَّة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشبههُ بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام

قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي دحْيَة فِي لُغَة أهل الْيمن الرئيس قَالَ المطرزي الدحو الْبسط لِأَن الرئيس يبسط أَصْحَابه قَالَ يَعْقُوب بِكَسْر الدَّال لَا غير وَقَالَ أَبُو حَاتِم بِالْفَتْح لَا غير ابْن امْرِئ الْقَيْس بن الْخَزْرَج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الزَّاي وَفتح الرَّاء وَكسرهَا بَعضهم وَهُوَ فِي اللُّغَة الْعَظِيم وصحفه ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ الْخَزْرَج كَانَ جِبْرِيل ينزل على صُورَة دحْيَة وَكَانَ من أجمل النَّاس رُوِيَ أَنه كَانَ إِذا قدم من الشَّام لم تبْق معصر إِلَّا خرجت تنظر إِلَيْهِ قَالَ الْجَوْهَرِي المعصر الْجَارِيَة أول من أدْركْت وحاضت قَالَ دحْيَة لما قدمت من الشَّام أهديت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاكِهَة يابسة فستق ولوز وكعك وجبة صوف وخفين ساذجين فلبسهما حَتَّى

تخرقا وَأَعْطَانِي قبطية وَقَالَ (أعْط صَاحبَتك مِنْهَا تَجْعَلهُ خمارا ومرها تجْعَل تَحْتَهُ شَيْئا لِئَلَّا يصف) قَالَ الْجَوْهَرِي الْقبْطِيَّة ثِيَاب بيض رقاق من كتَّان تتَّخذ بِمصْر قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن دحْيَة ذُو النسبين توفّي دحْيَة بقرية تيم على مَقْبرَة من ناصرة فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وقبره فِي أَعلَى الْجَبَل بعد أَن دَعَا على نَفسه أَن يقبضهُ الله لما رأى من رَغْبَة النَّاس عَن هدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهدي أَصْحَابه قَالَ وَلَا خلاف بَين أهل النّسَب أَن دحْيَة أعقب وَولده مدفون على مقربة من قرافة مصر مستجاب فِيهِ الدُّعَاء وَهُوَ الْأَمِير أَبُو النَّجْم بدر بن خَليفَة رَضِي الله عَنهُ 13 - رِفَاعَة بن زيد الجذامي قَالَ ابْن عبد الْبر رِفَاعَة بن زيد بن وهب الضبيبي من بني الضبيب هَذَا قَول أهل الحَدِيث وَقَالَ أهل النّسَب الضبيني بالنُّون قبل الْيَاء الْأَخِيرَة من بني ضبينة من جذام قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فِي جمَاعَة من قومه فأسلموا وَعقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَاء وَأهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما وَكتب لَهُ كتابا إِلَى قومه فأسلموا يُقَال إِنَّه أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغُلَام الْأسود الْمُسَمّى مدعما الْمَقْتُول بِخَيْبَر وَذكره ابْن إِسْحَاق أَيْضا فِي السِّيرَة بِنَحْوِ من هَذَا

14 - زِيَاد بن حَنْظَلَة التَّمِيمِي ثمَّ الْعمريّ قَالَ ابْن عبد الْبر لَهُ صُحْبَة وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قيس بن عَاصِم والزبرقان بن بدر ليتعاونوا على مُسَيْلمَة وطليحة وَالْأسود وَقد عمل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَشهد مَعَه مشاهده كلهَا وَذكره سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة 15 - سليط بن عَمْرو ابْن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل بن عَامر بن لؤَي الْقرشِي العامري أَخُو السَّكْرَان وَسُهيْل ابْني عَمْرو وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين هَاجر الهجرتين وَشهد بَدْرًا وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَوْذَة وَإِلَى ثُمَامَة بن أَثَال الْحَنَفِيّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمَة الْمُلُوك إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ الطَّبَرِيّ قتل بِالْيَمَامَةِ سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَقيل سنة أَربع عشرَة وَهُوَ أحد السِّتَّة أَيْضا

16 - السَّائِب بن الْعَوام ابْن خويلد بن أَسد الْقرشِي الْأَسدي أَخُو الزبير أمهما صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب شهد أحدا وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا قَالَه ابْن عبد الْبر قَالَ عبد الْكَرِيم وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مُسَيْلمَة بِكِتَاب آخر بعد عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي 17 - شُجَاع بن أبي وهب وَيُقَال ابْن وهبان بن ربيعَة بن أَسد ابْن صُهَيْب بن مَالك بن كثير بن غنم بن دودان بن أَسد بن خُزَيْمَة الْأَسدي حَلِيف لبني عبد شمس يكنى أَبَا وهب أسلم قَدِيما وَشهد هُوَ وَأَخُوهُ عقبَة بن أبي وهب بَدْرًا والمشاهد كلهَا وَهُوَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة وَقدم مِنْهَا حِين بَلغهُمْ إِسْلَام أهل مَكَّة وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني وَإِلَى جبلة بن الْأَيْهَم وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة وَهُوَ ابْن بضع وَأَرْبَعين سنة قَالَه ابْن عبد الْبر

يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَلَعَلَّ عقبَة الَّذِي ذكره ابْن سعد فِي الْكتاب وَلم يذكر لَهُ نسبا أَن يكون هُوَ عقبَة بن وهب أَخُو شُجَاع هَذَا فَالله أعلم وَقَالَ ابْن عَسَاكِر إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث شجاعا إِلَى هِرقل مَعَ دحْيَة بن خَليفَة وَذكر عبد الْكَرِيم الْحلَبِي أَنه هَاجر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة وَعَاد إِلَى مَكَّة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَبَعثه سَرِيَّة فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَهُوَ أحد السِّتَّة الَّذين بعثوا 18 - شُرَحْبِيل ذكر ابْن سعد فِي رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يحنة بن رؤبة صَاحب أَيْلَة شُرَحْبِيل كَمَا سَيَأْتِي فِي حرف الْيَاء عِنْد ذكر الْمُلُوك وَلم يرفع لَهُ نسبا وَلَا ذكر لَهُ أَبَا يعرف بِهِ وَذكر ابْن عبد الْبر فِي بَاب شُرَحْبِيل سِتَّة نفر وَذكر مِنْهُم شُرَحْبِيل بن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ قَالَ وَكَانَ أحد الْخَمْسَة الَّذِي بعثتهم ثَقِيف بِإِسْلَامِهِمْ مَعَ عبد ياليل فَلَا أعلم هُوَ هَذَا أَو شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْكَاتِب أَو غَيرهمَا وَالله أعلم

19 - صلصل بن شُرَحْبِيل قَالَ ابْن عبد الْبر لَا أَقف عَن نسبه لَهُ صُحْبَة وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة وَخَبره مَشْهُور فِي إرْسَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَفْوَان بن أُميَّة وسبرة الْعَنْبَري ووكيع الدَّارمِيّ وَعَمْرو بن المحجوب العامري وَعَمْرو بن الخفاجي من بني عَامر وَهُوَ أحد رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكره سيف فِي كتاب الرِّدَّة 20 - ضرار بن الْأَزْوَر الْأَسدي قَالَ ابْن عبد الْبر ضرار بن الْأَزْوَر بن مرداس بن حبيب بن عَمْرو بن كثير بن عَمْرو بن شَيبَان الْأَسدي يكنى أَبَا الْأَزْوَر وَيُقَال أَبُو بِلَال كَانَ فَارِسًا شجاعا شَاعِرًا مطبوعا اسْتشْهد يَوْم الْيَمَامَة وَلما قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ (تركت الْخُمُور وَضرب القداح ... وَاللَّهْو تعللة وانتهالا) (فيا رب لَا تغبن صفقتي ... فقد بِعْت أَهلِي وَمَالِي بدالا)

قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا غبنت صفقتك يَا ضرار وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى بني الصيداء وَبَعض بني الدئل وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قتل ضرار بن الْأَزْوَر يَوْم أجنادين فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ غَيره توفّي ضرار بن الْأَزْوَر فِي خلَافَة عمر بِالْكُوفَةِ وَذكر الْوَاقِدِيّ قَالَ قَاتل ضرار بن الْأَزْوَر يَوْم الْيَمَامَة قتالا شَدِيدا حَتَّى قطعت ساقاه جَمِيعًا فَجعل يحبو على رُكْبَتَيْهِ وَيُقَاتل وتطؤه الْخَيل حَتَّى غَلبه الْمَوْت وَقد قيل مكث ضرار بن الْأَزْوَر بِالْيَمَامَةِ مجروحا ثمَّ مَاتَ قبل أَن يرتحل خَالِد بِيَوْم قَالَ وَهَذَا أثبت عِنْدِي من غَيره انْتهى مَا قَالَه ابْن عبد الْبر مُخْتَصرا وَذكره سيف بن عمر التَّمِيمِي فَقَالَ فِي محاربة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الرِّدَّة قَالَ حاربهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرسل والكتب قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأسود ومسيلمة وطليحة وأشياعهم بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من وجع عَن أَمر الله عز وَجل والذب عَن دينه فَبعث وبر بن يحنس إِلَى فَيْرُوز وجشيش الديلمي فِي جمَاعَة ذكرته وَذكرت كلا مِنْهُم فِي بَابه من حُرُوف المعجم فِي الرُّسُل ثمَّ قَالَ يَعْنِي سيف بن عمر وَبعث ضرار بن الْأَزْوَر الْأَسدي إِلَى عَوْف الزّرْقَانِيّ من بني الصيداء وَسنَان الْأَسدي ثمَّ الغنمي وقضاعي الديلمي يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَقد ذكره الْوَاقِدِيّ فِي

فتوح الشَّام وَذكر مواقفه فِي حروب كَثِيرَة مِنْهَا بَيت لهيا وهم على حِصَار دمشق وأمير الْجَيْش خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَأَنه برز لِلْقِتَالِ وَهُوَ عَار بسراويله على فرس عَرَبِيّ وَذكر أسره وخلاصه على يَدي رَافع بن عميرَة الطَّائِي وَذكر أَيْضا أَن أَبَا عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ بَعثه على جَيش بعد فتح حلب وَأَن جبلة بن الْأَيْهَم أسره أَيْضا وَمَعَهُ مِائَتَيْنِ من الصَّحَابَة وَأَنه دخل بِهِ إِلَى أنطاكية إِلَى الْملك هِرقل وَأَنه أَرَادَ قَتله فَمَنعه من ذَلِك يوقنا صَاحب حلب وَكَانَ يوقنا إِذْ ذَاك مُسلما يكتم إِسْلَامه من الرّوم لينصب عَلَيْهِم وَأنْشد ضرار أبياتا يُخَاطب فِيهَا يوقنا وَابْن عَمه مِنْهَا (أَلا أَيهَا الشخصان بِاللَّه بلغا ... سلامي إِلَى أطلال مَكَّة وَالْحجر) (فلقيتما مَا عشتما ألف نعْمَة ... بعز وإقبال يَدُوم مَعَ النَّصْر) وَهِي نَحْو الثَّلَاثِينَ بَيْتا يتشوق فِيهَا إِلَى أَهله وَأُخْته خَوْلَة وَكَانَت من المترجلات البازلات ذكر مواقفها مَعَ أَخِيهَا ضرار أَيْضا فِي فتوح الشَّام وَذكره أَيْضا فِي فتوح مصر وَأَن القبط أسروه هُوَ وَأُخْته من

سَاحل الشَّام وَأتوا بهما إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فِي مراكب الْبَحْر وَأَن خَالِدا خلصهما عِنْد توجههما مَعَ جَيش من القبط إِلَى دير الزّجاج وَالْمَشْهُور فِي زَمَاننَا هَذَا أَن قَبره بِظَاهِر دمشق فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ 21 - ظبْيَان بن مرْثَد السدُوسِي أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بكر ابْن وَائِل ذكره ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه 22 - عبد الله بن حذافة السَّهْمِي قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي رَحمَه الله وَهَذَا أحد السِّتَّة الَّذين بَعثهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك الَّذين ذكرهم ابْن سعد وَهُوَ عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عَمْرو بن هصيص بن كَعْب بن لؤَي الْقرشِي أَبُو حذافة أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة مَعَ أَخِيه خُنَيْس زوج حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر ابْن يُونُس فِي تَارِيخه أَنه شهد بَدْرًا وَأَنه من أهل مصر وَرَوَاهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يذكر ذَلِك غَيره وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهُوَ الْقَائِل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ سلوني عَمَّا شِئْتُم قَالَ من أبي يَا رَسُول الله قَالَ أَبوك حذافة بن قيس فَقَالَت لَهُ أمه مَا سَمِعت بِابْن أعق مِنْك

أمنت أَن تكون أمك قارفت مَا تقارف نسَاء الْجَاهِلِيَّة فتفضحها على أعين النَّاس فَقَالَ وَالله لَو ألحقني بِعَبْد أسود للحقت بِهِ وَكَانَت فِيهِ دعابة مَعْرُوفَة وَعَن اللَّيْث بن سعد قَالَ بَلغنِي أَنه حل حزَام رَاحِلَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره حَتَّى كَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقع قَالَ ابْن وهب فَقلت لليث ليضحكه قَالَ نعم كَانَت فِيهِ دعابة قَالَ عبد الْكَرِيم وأسرته الرّوم فَقَالَ لَهُ الطاغية تنصر وَإِلَّا ألقيتك فِي بقرة نُحَاس فَقَالَ لَا أفعل فَدَعَا بالبقرة فملئت زيتا وأغليت ودعا بِرَجُل من أُسَارَى الْمُسلمين فَعرض عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّة فَأبى فَأَلْقَاهُ فِي الْبَقَرَة فَإِذا عِظَامه تلوح فَقَالَ لعبد الله تنصر وَإِلَّا ألقيتك فِيهَا قَالَ لَا أفعل فَقرب إِلَيْهَا فَبكى فَقَالُوا جزع فَقَالَ مَا بَكَيْت جزعا مِمَّا يصنع بِي وَلَكِنِّي بَكَيْت حَيْثُ مَا لي إِلَّا نفس وَاحِدَة يفعل بهَا هَذَا فِي الله كنت أحب أَن يكون لي من الْأَنْفس عدد كل شَعْرَة فِي ثمَّ يفعل بِي هَذَا فأعجب بِهِ وَأحب أَن يُطلقهُ فَقَالَ تنصر وأزوجك ابْنَتي وأقاسمك ملكي قَالَ مَا أفعل قَالَ قبل رَأْسِي

وأطلقك وَأطلق مَعَك ثَمَانِينَ أَسِيرًا من الْمُسلمين قَالَ أما هَذِه فَنعم فَقبل رَأسه وَأطْلقهُ وَأطلق مَعَه ثَمَانِينَ أَسِيرًا فَلَمَّا قدمُوا على عمر قَامَ إِلَيْهِ عمر فَقبل رَأسه فَكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمازحون عبد الله وَيَقُولُونَ قبلت رَأس العلج فَيَقُول أطلق الله بِتِلْكَ التقبيلة ثَمَانِينَ رجلا من الْمُسلمين وَمن دعابته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره على سَرِيَّة فَأَمرهمْ أَن يجمعوا حطبا ويوقدوا نَارا فَلَمَّا أوقدوها أَمرهم بالتقحم فِيهَا فَأَبَوا فَقَالَ لَهُم ألم يَأْمُركُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطاعتي وَقَالَ من أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي فَقَالُوا مَا آمنا بِاللَّه وأطعنا رَسُوله إِلَّا لننجو من النَّار فصوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلهم وَقَالَ (لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق وَهُوَ // حَدِيث صَحِيح // روى البُخَارِيّ مَعْنَاهُ توفّي عبد الله فِي خلَافَة عُثْمَان بِمصْر وَشهد فتحهَا وَدفن بمقبرتها وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن عبد الله بن حذافة صلى فَجهز بِصَلَاتِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاجٍ رَبك بِقِرَاءَتِك يَا ابْن حذافة وَلَا تسمعني وأسمع رَبك قَالَ عبد الْكَرِيم وَقيل إِنَّمَا سيره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهِم كثيرا

23 - أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حَرْب بن عَامر ابْن عُمَيْر وَقيل هنزة وَقيل عنزة بن بكر بن عَامر بن عذر بن وَائِل بن نَاجِية بن الْجمَاهِر ابْن الْأَشْعر وَهُوَ نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابْن قحطان وَفِي نسبه بعض الِاخْتِلَاف وَأمه طيبَة وهب بن عك كَانَت قد أسلمت وَمَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ ذكر الْوَاقِدِيّ أَنه قدم مَكَّة مَعَ إخْوَته فِي جمَاعَة من الْأَشْعَرِيين فحالف سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة أَبَا أحيحة ثمَّ أسلم وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَقيل إِنَّه رَجَعَ بعد قدومه مَكَّة ومحالفته من حَالف من بني عبد شمس إِلَى بِلَاد قومه حَتَّى قدم مَعَ الْأَشْعَرِيين نَحْو خمسين رجلا فِي سفينة فألقتهم الرّيح إِلَى النَّجَاشِيّ بِأَرْض الْحَبَشَة فَوَافَقُوا خُرُوج جَعْفَر وَأَصْحَابه مِنْهَا فَأتوا مَعَهم وقدمت السفينتان مَعًا سفينة

تفسير

الْأَشْعَرِيين وسفينة جَعْفَر وَأَصْحَابه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين فتح خَيْبَر فَلهَذَا ذكره ابْن إِسْحَاق فِيمَن هَاجر إِلَى الْحَبَشَة ولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مخاليف الْيمن زبيد وذواتها إِلَى السَّاحِل وولاه عمر الْبَصْرَة فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى صدر من خلَافَة عُثْمَان ثمَّ كَانَ من أمره يَوْم الْحكمَيْنِ مَا كَانَ وَمَات بِالْكُوفَةِ وَقيل بِمَكَّة سنة أَربع وَأَرْبَعين وَقيل سنة خمسين وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ وَقيل غير ذَلِك وَكَانَ من أحسن النَّاس صَوتا بِالْقُرْآنِ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لقد أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد) قَالَ عبد الْكَرِيم قَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ لقد أدْركْت الْجَاهِلِيَّة فَمَا سَمِعت صَوت صنج وَلَا بربط وَلَا مزمار أحسن من صَوت أبي مُوسَى تَفْسِير المخلاف لأهل الْيمن وَاحِد المخاليف وَهِي كورها وَلكُل مخلاف مِنْهَا اسْم يعرف بِهِ قَالَه الْجَوْهَرِي قَوْله مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد قَالَ القَاضِي عِيَاض أَصله الصَّوْت الْحسن وَالزمر الْغناء وَمِنْه لقد أُوتى مِزْمَارًا الحَدِيث أَي صَوتا

فصل

حسنا قَوْله صَوت صنج قَالَ الْجَوْهَرِي الصنج الَّذِي تعرفه الْعَرَب هُوَ الَّذِي يتَّخذ من صفر يضْرب بِالْآخرِ وَأما الصنج ذُو الأوتار فتختص بِهِ الْعَجم وهما معربان وَقَالَ (قل لسوار إِذا مَا ... جِئْته وَابْن علاثة) (زَاد فِي الصنج عبيد ... الله أوتارا ثَلَاثَة) فصل ولنذكر طرفا من أَخْبَار أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ إِمَام أهل السّنة فِي الِاعْتِقَاد رَحمَه الله وَهُوَ من ذُرِّيَّة أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ الْعَالم الْكَبِير قامع أهل الْبدع قَالَ أَبُو بكر بن ثَابت خطيب بَغْدَاد رَحمَه الله هُوَ عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن أبي بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل ا 4 بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ الْمُتَكَلّم صَاحب الْكتب والتصانيف فِي الرَّد على الملحدة وَغَيرهم من الْمُعْتَزلَة والرافضة والجهمية والخوارج وَسَائِر أَصْنَاف المبتدعة وَهُوَ بَصرِي سكن بَغْدَاد وَتُوفِّي بهَا ولد أَبُو الْحسن سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَله

خَمْسَة وَخَمْسُونَ تصنيفا وَكَانَ يَأْكُل من غلَّة ضَيْعَة وَقفهَا جده بِلَال بن أبي بردة على عقبه وَكَانَت نَفَقَته فِي كل سنة سَبْعَة عشر درهما قَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رُؤْسهمْ حَتَّى أظهر الله أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ فجحرهم فِي أقماع السمسم قَالَ مُحَمَّد الشهرستاني فِي الْملَل والنحل وَذكر أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ قَالَ وَمن عَجِيب الاتفاقات أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يَعْنِي جده كَانَ يُقرر مَا قَرَّرَهُ أَبُو الْحسن بِعَيْنِه فِي مذْهبه وَقد جرى مناظرة بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَبَينه فَقَالَ عَمْرو إِن أجد أحدا أخاصم إِلَيْهِ رَبِّي عز وَجل فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَنا ذَلِك المتحاكم إِلَيْهِ قَالَ عَمْرو أيقدر عَليّ شَيْئا ثمَّ يُعَذِّبنِي عَلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ عَمْرو لم قَالَ لِأَنَّهُ لَا يظلمك فَسكت عَمْرو وَلم يحر جَوَابا ثمَّ بَين لَهُ فِي كَلَام يطول ذكره وَمِمَّا ذكر من مدحه وَهِي لأبي الْقَاسِم الْجَزرِي

(خُذ مَا بدا لَك أَو فدع ... كثرت مقالات الْبدع) (إِن النَّبِي الْمُصْطَفى ... دينا حَنِيفا قد شرع) (وَرَضي بِهِ لِعِبَادِهِ ... رب تَعَالَى فارتفع) (قد كَانَ دينا وَاحِدًا ... حَتَّى تصرم مَا اجْتمع) (قوم أضلهم الْهوى ... وَالْآخرُونَ لَهُم تبع) (الله أيد شَيخنَا ... وَبِه الْبَريَّة قد شفع) (الْأَشْعَرِيّ إمامنا ... شيخ الدّيانَة والورع) (بسط الْمقَالة بِالْهدى ... وقطيع حجَّته انْقَطع) (حَتَّى استضيء بنوره ... وَالله أتقن مَا صنع) (من قَالَ غير مقاله ... أخطى الطَّرِيقَة وابتدع) (لَا ينكرن كَلَامه ... إِلَّا أَخُو جهل لكع) (أهل الْعُقُول تيقظوا ... فالفجر فِي الْأُفق انصدع) (نسبوا إِلَى رب العلى ... مَا قَوْله مِنْهُ منع) (زَعَمُوا بِأَن كَلَامه ... مثل الْكَلَام المستمع) (فبرئت مِنْهُم إِنَّهُم ... ركبُوا قبيحات الشنع) قَالَ ابْن سعد فِي الْوُفُود قدم الأشعريون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم خَمْسُونَ رجلا فيهم أَبُو مُوسَى فِي سفن وَخَرجُوا بجدة فَلَمَّا دنوا من الْمَدِينَة جعلُوا يَقُولُونَ غَدا نلقى الْأَحِبَّة مُحَمَّدًا وَحزبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم ثمَّ قدمُوا فوجدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره بِخَيْبَر

فأسلموا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الأشعريون فِي النَّاس كصرة فِيهَا مسك 24 - عبد الله بن عَوْسَجَة العرني ذكره ابْن سعد وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه بِكِتَاب إِلَى سمْعَان الراقع يَأْتِي ذكره فِي حرف السِّين من المكاتبات إِلَى الْمُلُوك وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه 25 - عبد الله ابْن بديل ابْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ يَأْتِي ذكره مَعَ أخيع عبد الرَّحْمَن 26 - عبيد الله بن عبد الْخَالِق قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكره أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن يحيى ابْن الْأمين الطليطلي فِي كتاب

الِاسْتِدْرَاك على أبي عمر ابْن عبد الْبر فِي أَسمَاء الصَّحَابَة من حَدِيث أَيُّوب بن نهيك عَن عَطاء قَالَ سَمِعت ابْن عمر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَقُول من يذهب بكتابي هَذَا إِلَى طاغية الرّوم) فَعرض ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ عِنْد ذَلِك (من يذهب بِهِ فَلهُ الْجنَّة) فَقَامَ رجل من الْأَنْصَار يدعى عبيد الله بن عبد الْخَالِق فَقَالَ أَنا أذهب بِهِ ولي الْجنَّة وَإِن هَلَكت دون ذَلِك فَقَالَ (لَك الْجنَّة إِن بلغت وَإِن قتلت وَإِن هَلَكت فقد أوجب الله لَك الْجنَّة) فَانْطَلق بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ بَاب الطاغي فَقَالَ أَنا رَسُول رَسُول رب الْعَالمين فَأذن لَهُ فَدخل عَلَيْهِ فَعرف طاغية الرّوم أَنه جَاءَ بِالْحَقِّ من عِنْد نَبِي مُرْسل ثمَّ عرض كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجمع الرّوم عِنْده ثمَّ عرض عَلَيْهِم فكرهوا مَا جَاءَ بِهِ فَآمن بِهِ رجل مِنْهُم فَقتل عِنْد إيمَانه ثمَّ إِن الرجل رَجَعَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْهُ وَمَا كَانَ من قتل الرجل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك الرجل يبْعَث أمة وَحده لذَلِك الْمَقْتُول

27 - الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ رفعنَا نسبه فِي ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَاتب وَرَسُول وَنَذْكُر الْآن شَيْئا من كراماته ووفاته قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي ذكر الْخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَحْرين رَأَيْت مِنْهُ ثَلَاث خِصَال إنتهينا إِلَى شاطئ الْبَحْر فَقَالَ سموا الله تَعَالَى واقتحموا فسمينا واقتحمنا فعبرنا فَمَا بل المَاء أَسْفَل أخفافنا وضربنا بفلاة من الأَرْض وَلَيْسَ مَعنا مَاء فشكونا إِلَيْهِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا الله تَعَالَى فَإِذا سَحَابَة مثل الترس فسقتنا وَاسْتَقَيْنَا وَمَات فدفناه فِي الرمل فَلَمَّا سرنا غير بعيد قُلْنَا يَجِيء سبع يَأْكُلهُ فرجعنا لم نره وَكَانَ عبوره فِي الْبَحْر إِلَى أهل دارين وَله فِي قتال الرِّدَّة أثر عَظِيم توفّي سنة أَربع عشرَة وَقيل سنة إِحْدَى وَعشْرين قبل أَن يصل إِلَى الْبَصْرَة بِمَاء لبني تَمِيم يُقَال لَهُ يماس

بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى ملك الْبَحْرين كَمَا يَأْتِي مُبينًا فِي مَوْضِعه من كتَابنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى 28 - عَمْرو بن الْعَاصِ بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ملكي عمان جَيْفَر وَعبد ابْني جلندى الأزديين كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه وَهُوَ كَاتب وَرَسُول وَيَأْتِي أَيْضا خبر إِسْلَامه ووفاته عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ 29 - عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي ابْن خويلد بن عبد الله ابْن إِيَاس بن عبيد بن نَاشِرَة بن كَعْب بن جدي بِضَم الْجِيم وَفتح الدَّال بن ضَمرَة بن بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن كنَانَة يكنى أَبَا أُميَّة قَالَه ابْن عبد الْبر قَالَ وَشهد بَدْرًا وأحدا مَعَ الْمُشْركين وَأسلم حِين انْصَرف الْمُشْركُونَ من أحد وَقَالَ ابْن سعد أسلم قَدِيما وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ هَاجر إِلَى

الْمَدِينَة وَأول مُشَاهدَة بِئْر مَعُونَة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْعَثهُ فِي أُمُوره لنجدته وجرأته أسرته بَنو عَامر فَقَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل إِنَّه كَانَ على أُمِّي نسمَة فَاذْهَبْ فَأَنت حر عَنْهَا وجز ناصيته وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ وَإِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب وَهُوَ مَعْدُود فِي أهل الْحجاز وَأول رسله السِّتَّة الَّذين ذكرهم حسان كَمَا سَيَأْتِي قَالَ ابْن عبد الْبر روى عَنهُ ابناه جَعْفَر وَعبد الله وَابْن أَخِيه الزبْرِقَان بن عبد الله بن أُميَّة مَاتَ بِالْمَدِينَةِ فِي خلَافَة مُعَاوِيَة قَالَ الْحَافِظ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة وَذكر سَرِيَّة عَمْرو بن أُميَّة وَسَلَمَة بن أسلم بن حريش إِلَى أبي سُفْيَان بِمَكَّة وَذَلِكَ أَن أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب قَالَ لنفر من قُرَيْش أَلا أحد يغر مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ يمشي فِي الْأَسْوَاق فَأَتَاهُ رجل من الْأَعْرَاب فَقَالَ قد وجدت أجمع الرِّجَال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم شدا فَإِن أَنْت قويتني خرجت إِلَيْهِ حَتَّى أغتاله وَمَعِي خنجر مثل خافية النسْر فأشوره ثمَّ أَخذ فِي عير فأسبق الْقَوْم

عدوا فَإِنِّي هاد بِالطَّرِيقِ خريت قَالَ أَنْت صاحبنا فَأعْطَاهُ بَعِيرًا وَنَفَقَة وَقَالَ اطو أَمرك فَخرج لَيْلًا فَسَار على رَاحِلَته خمْسا وصبح ظهراء الْحرَّة صبح سادسة ثمَّ أقبل يسْأَل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دلّ عَلَيْهِ فعقل رَاحِلَته ثمَّ أقبل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل فَلَمَّا رَآهُ قَالَ إِن هَذَا ليريد غدرا فَذهب ليجني على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَذَبَهُ أسيد ابْن الْحضير بداخلة إزَاره فَإِذا بالخنجر فأسقط فِي يَده وَقَالَ دمي دمي وَأخذ أسيد بلبته فدغته فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصدقني مَا أَنْت قَالَ وَأَنا آمن قَالَ نعم فَأخْبرهُ بِخَبَرِهِ وَمَا جعل بِهِ أَبُو سُفْيَان فخلى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعث عَمْرو بن أُميَّة وَسَلَمَة بن أسلم إِلَى أبي سُفْيَان وَقَالَ إِن أصبْتُمَا مِنْهُ غرَّة فاقتلاه فدخلا مَكَّة وَمضى عَمْرو يطوف بِالْبَيْتِ لَيْلًا فَرَآهُ مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان فَعرفهُ فَأخْبر قُريْشًا بمكانه فخافوه وطلبوه وَكَانَ فاتكا فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالُوا لم يَأْتِ عَمْرو لخير فحشد لَهُ أهل مَكَّة وتجمعوا فهرب عَمْرو وَسَلَمَة فلقي عَمْرو عبيد الله بن مَالك التَّيْمِيّ فَقتله وَقتل آخر من بني الدئل سَمعه يتغني وَيَقُول (وَلست بِمُسلم مَا دمت حَيا ... وَلست أدين دين المسلمينا) وَلَقي رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الْخَبَر فَقتل أَحدهمَا وَأسر الآخر فَقدم بِهِ الْمَدِينَة فَجعل عَمْرو يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك وَله رَضِي الله عَنهُ أَخْبَار عَجِيبَة فِي تجسسه وتبليغه المراسلات ودخوله فِي عَسْكَر الْعَدو وَالْخُرُوج مِنْهُ وَلَا يعلم بِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي فتوح الشَّام وفتوح مصر وَغير ذَلِك وَكَانَ يُسمى ساعي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي الله عَنهُ قَالَه الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ 30 - عَمْرو بن حزم قَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن عهدا يُعلمهُ فِيهِ شرائع الْإِسْلَام وفرائضه وحدوده وَكتب أبي قَالَ ابْن عبد الْبر عَمْرو ابْن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي من بني مَالك بن النجار وَذكر فِي نسبه خلافًا يكنى أَبَا الضَّحَّاك وَلم يشْهد بَدْرًا وَأول مُشَاهدَة الخَنْدَق وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَجْرَان وهم بلحارث بن كَعْب وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة ليفقههم فِي الدّين وَيُعلمهُم الْقُرْآن وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ وَذَلِكَ سنة عشر بعد أَن بعث إِلَيْهِم خَالِد بن الْوَلِيد فأسلموا وَكتب لَهُ كتابا فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن

وَالصَّدقَات والديات وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين وَقيل إِن عَمْرو بن حزم توفّي فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَفِي ذَلِك خلاف ذكره ابْن عبد الْبر وَقَالَ روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد وَالنضْر بن عبد الله السّلمِيّ وَزِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ 31 - عقبَة بن نمر قَالَ ابْن عبد الْبر وَفد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد هَمدَان وَلم يرفع لَهُ نسبا وَذكر ابْن إِسْحَاق فِي الْوُفُود فَقَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أما بعد فَإِن رَسُول الله مُحَمَّدًا النَّبِي أرسل إِلَى زرْعَة ذِي يزن أَن إِذا أَتَاكُم رُسُلِي فأوصيكم بهم خيرا معَاذ بن جبل وَعبد الله بن زيد وَمَالك بن عبَادَة وَعقبَة بن نمر وَمَالك بن مرّة وأصحابهم وَأَن اجْمَعُوا مَا عنْدكُمْ من الصَّدَقَة والجزية وأبلغوها رُسُلِي وَأَن أَمِيرهمْ معَاذ بن جبل فَلَا يَنْقَلِبْنَ إِلَّا رَاضِيا

32 - أَبُو هُرَيْرَة عبد الرَّحْمَن الدوسي وَكَانَ من حَقه أَن يقدم تلو العبادلة قَالَ ابْن عبد الْبر أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صَعب ابْن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس ذكر ابْن عبد الْبر فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا حَاصله أَنه كَانَ اسْمه فِي الْجَاهِلِيَّة عبد شمس وَفِي الْإِسْلَام عبد الله أَو عبد الرَّحْمَن وغلبت عَلَيْهِ كنيته فَعرف بهَا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ كنت أحمل هرة فِي كمي فرآني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي مَا هَذَا فَقلت هرة فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة أسلم رَضِي الله عَنهُ عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار وَكَانَ من أحفظ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَشهد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُ حَرِيص على الْعلم والْحَدِيث وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي سَمِعت مِنْك حَدِيثا كثيرا وَإِنِّي أخْشَى أَن أنسى فَقَالَ ابْسُطْ رداءك قَالَ فبسطته فغرف بِيَدِهِ فِيهِ ثمَّ

قَالَ ضمه فَمَا نسيت شَيْئا بعد قَالَ البُخَارِيّ روى عَنهُ أَكثر من ثَمَانمِائَة مَا بَين صَاحب وتابع اسْتَعْملهُ عمر على الْبَحْرين ثمَّ عَزله ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل فَأبى وَلم يزل بِالْمَدِينَةِ حَتَّى توفّي بهَا سنة سبع وَخمسين وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين سنة وَقيل مَاتَ بالعقيق وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة ومروان مَعْزُول قَالَ ابْن سعد كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مجوس هجر يعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَإِن أَبَوا أخذت مِنْهُم الْجِزْيَة وَبعث أَبَا هُرَيْرَة مَعَ الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وأوصاه بِهِ خيرا قَالَ صَاحب زبد الفكرة روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة آلَاف حَدِيث وثلاثمائة وَأَرْبَعَة وَسبعين حَدِيثا وَإِنَّمَا صَحبه أَربع سِنِين وَكَانَ مَرْوَان يستخلفه على الْمَدِينَة إِذا حج وَإِذا غَابَ فَكَانَ يركب الْحمار ورسنه من لِيف ويحتطب عَلَيْهِ ويعبر فِي السُّوق وَهُوَ أَمِير الْمَدِينَة وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه بِلَال روى عَن أَبِيه وَشهد صفّين مَعَ مُعَاوِيَة وعاش إِلَى زمن سُلَيْمَان بن عبد الْملك

رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يُصَلِّي خلف عَليّ وَيَأْكُل على سماط مُعَاوِيَة فَإِذا وَقع الْقِتَال قعد على الكوم فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ الصَّلَاة خلف عَليّ أتم وسماط مُعَاوِيَة أدسم والقعاد على الكوم أسلم روى الْحميدِي فِي إِفْرَاد البُخَارِيّ رَحمَه الله عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِن كنت لأعتمد بكبدي على الأَرْض من الْجُوع وَإِن كنت لأشد الْحجر على بَطْني من الْجُوع وَلَقَد قعدت يَوْمًا على طريقهم الَّذِي يخرجُون مِنْهُ فَمر أَبُو بكر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله مَا سَأَلته إِلَّا ليشبعني فَمر فَلم يفعل ثمَّ مر بِي عمر فَسَأَلته عَن آيَة من كتاب الله مَا سَأَلته إِلَّا ليشبعني فَمر فَلم يفعل ثمَّ مر بِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ حِين رَآنِي وَعرف مَا فِي نَفسِي وَمَا فِي وَجْهي ثمَّ قَالَ أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ الْحق وَمضى فاتبعته فَدخل فَاسْتَأْذن فَأذن لي فَدخل فَوجدَ لَبَنًا فِي قدح فَقَالَ من أَيْن هَذَا اللَّبن قَالُوا أهداه لَك فلَان أَو فُلَانَة قَالَ أباهر

قلت لبيْك رَسُول الله قَالَ الْحق إِلَى أهل الصّفة فادعهم لي قَالَ وَأهل الصّفة أضياف الْإِسْلَام لَا يأوون على أهل وَلَا مَال وَلَا على أحد إِذا أَتَتْهُ صَدَقَة بعث بهَا إِلَيْهِم وَلم يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا وَإِذا أَتَتْهُ هَدِيَّة أرسل إِلَيْهِم وَأصَاب مِنْهَا وأشركهم فِيهَا فساءني ذَلِك فَقلت وَمَا هَذَا اللَّبن فِي أهل الصّفة كنت أَحَق أَن أُصِيب من هَذَا اللَّبن شربة أتقوى بهَا فَإِذا جاؤوا أَمرنِي فَكنت أَنا أعطيهم وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا اللَّبن وَلم يكن من طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله بُد فأتيتهم فدعوتهم فَأَقْبَلُوا وَاسْتَأْذَنُوا فَأذن لَهُم وَأخذُوا مجَالِسهمْ من الْبَيْت قَالَ يَا أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ خُذ فأعطهم قَالَ فَأخذت الْقدح فَجعلت أعْطِيه الرجل فيشرب حَتَّى يروي ثمَّ يرد عَليّ الْقدح فَأعْطِيه الآخر فيشرب حَتَّى يروي ثمَّ يرد عَليّ الْقدح حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد روى الْقَوْم كلهم فَأخذ الْقدح فَوَضعه على يَده فَنظر إِلَيّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ أَبَا هر قلت لبيْك يَا رَسُول الله قَالَ بقيت أَنْت وَأَنا قلت صدقت يَا رَسُول الله قَالَ اقعد فَاشْرَبْ فَقَعَدت فَشَرِبت فَقَالَ اشرب فَشَرِبت فَمَا زَالَ يَقُول اشرب حَتَّى قلت لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أجد لَهُ مسلكا قَالَ فأرني فأعطيته الْقدح فَحَمدَ الله وسمى وَشرب الفضلة ورويناه فِي كتاب الرقَاق فِي البُخَارِيّ ورويناه فِي صَحِيح مُسلم فِي

حَدِيث أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ الطَّوِيل وَزَاد فِيهِ فَقلت لَا أشْرب حَتَّى تشرب يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ساقي الْقَوْم آخِرهم وَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه آخِرهم شربا وروينا فِي جَامع التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن رَافع قَالَ قلت لأبي هُرَيْرَة لم كنيت أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أما تفرق مني قلت بلَى وَالله إِنِّي لأهابك قَالَ كنت راعي غنم أَهلِي وَكَانَت لي هُرَيْرَة صَغِيرَة فَكنت أضعها بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَة فَإِذا كَانَ النَّهَار ذهبت بهَا معي فلعبت بهَا فكنوني أَبَا هُرَيْرَة قَالَ التِّرْمِذِيّ // حَدِيث غَرِيب // وروينا فِيهِ عَنهُ قَالَ لَيْسَ أحد أَكثر حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني إِلَّا عبد الله بن عَمْرو فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب وَكنت لَا أكتب 33 - عبد الرَّحْمَن ابْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر عبد الرَّحْمَن بن بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ قَالَ الْكَلْبِيّ هُوَ وَأَخُوهُ عبد الله رَسُولا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وشهدا

صفّين جَمِيعًا وَقتل عبد الله بصفين وَكَانَ سيد خُزَاعَة أسلم مَعَ أَبِيه قبل الْفَتْح وَشهد حنينا والطائف وتبوك وَكَانَ لَهُ قدر وجلالة وَكَانَ عَلَيْهِ فِي صفّين دِرْعَانِ وسيفان وَكَانَ لَهُ بهَا موقف عَظِيم وَقتل هُوَ وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن بهَا 34 - عَيَّاش بن أبي ربيعَة وَاسم أبي ربيعَة عَمْرو بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن وَقيل أَبَا عبد الله هُوَ أَخُو أبي جهل بن هِشَام لأمه أمهما أم الْجلاس وَاسْمهَا أَسمَاء بنت مخربة ابْن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم وَهُوَ أَخُو عبد الله بن أبي ربيعَة لِأَبِيهِ وَأمه كَانَ إِسْلَامه قَدِيما قبل أَن يدْخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَعَ امْرَأَته

أَسمَاء ابْنة سَلمَة بن مخربة ولدت لَهُ بهَا ابْنه عبد الله ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَجمع الهجرتين قَالَ ابْن إِسْحَاق فِي حَدِيث الْهِجْرَة ثمَّ خرج عمر بن الْخطاب وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي حَتَّى قدما الْمَدِينَة قَالَ عمر اتَّعَدْت لما أردنَا الْهِجْرَة أَنا وَعَيَّاش وَهِشَام ابْن الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي التَّنَاضِب من أضاة بني غفار وَقُلْنَا أَيّنَا لم يصبح عِنْدهَا فقد حبس فليمض صَاحِبَاه قَالَ فَأَصْبَحت أَنا وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة عِنْد التَّنَاضِب وَحبس عَنَّا هِشَام قَالَ السُّهيْلي التَّنَاضِب بِكَسْر الضَّاد كَأَنَّهُ جمع تنضب وَهُوَ ضرب من الشّجر تألفه الحرباء تتَّخذ مِنْهُ القسي ودخانه أَبيض قَالَ وأضاة بني غفار على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة والأضاة الغدير كَأَنَّهَا مقلوب من وضأة على وزن فعلة واشتقاقه من الْوَضَاءَة بِالْمدِّ وَهِي النَّظَافَة لِأَن المَاء ينظف وَجمعه إضاء قَالَ النَّابِغَة

(وَهن إضاء صافيات الغلائل ... ) قَالَ عمر فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة نزلنَا فِي بني عَمْرو ابْن عَوْف بقباء وَخرج أَبُو جهل بن هِشَام والْحَارث أَخُوهُ إِلَى عَيَّاش وَكَانَ ابْن عَمهمَا وأخاهما لِأُمِّهِمَا حَتَّى قدما علينا الْمَدِينَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَكَلمَاهُ فَقَالَا لَهُ إِن أمك قد نذرت أَن لَا يمس رَأسهَا مشط حَتَّى تراك وَلَا تستظل من شمس حَتَّى تراك فرق لَهَا فَقلت لَهُ يَا عَيَّاش إِنَّه وَالله إِن يُرِيدُكَ الْقَوْم إِلَّا ليفتنوك عَن دينك فَاحْذَرْهُمْ فوَاللَّه لَو قد آذَى أمك الْقمل لامتشطت وَلَو قد اشْتَدَّ عَلَيْهَا حر مَكَّة لاستظلت قَالَ فَقَالَ أبر قسم أُمِّي ولي هُنَاكَ مَال فَآخذهُ قَالَ فَقلت وَالله إِنَّك لتعلم أَنِّي لمن أَكثر قُرَيْش مَالا فلك نصف مَالِي وَلَا تذْهب مَعَهُمَا قَالَ فَأبى عَليّ إِلَّا أَن يخرج مَعَهُمَا فَلَمَّا أَبى إِلَّا ذَلِك قَالَ قلت أما إِذْ قد فعلت مَا فعلت فَخذ نَاقَتي هَذِه فَإِنَّهَا نَاقَة نجيبة ذَلُول فَالْزَمْ ظهرهَا فَإِن رَابَك من الْقَوْم ريب فَانْجُ عَلَيْهَا فَخرج عَلَيْهَا مَعَهُمَا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ لَهُ أَبُو جهل يَا أخي وَالله لقد استغلظت بَعِيري هَذَا أَفلا تعقبني على نَاقَتك هَذِه قَالَ

بلَى قَالَ فَأَنَاخَ وأناخا لِيَتَحَوَّل عَلَيْهَا فَلَمَّا اسْتَووا بِالْأَرْضِ عدوا عَلَيْهِ فَأَوْثَقَاهُ رِبَاطًا ثمَّ دخلا بِهِ مَكَّة وفتناه فَافْتتنَ ودخلا بِهِ نَهَارا موثقًا ثمَّ قَالَا يَا أهل مَكَّة هَكَذَا فافعلوا بسفهائكم كَمَا فعلنَا بسفيهنا هَذَا قَالَ عمر فَكُنَّا نقُول مَا الله بقابل مِمَّن افْتتن صرفا وَلَا عدلا وَلَا تَوْبَة قوم عرفُوا الله ثمَّ رجعُوا إِلَى الْكفْر لبلاء أَصَابَهُم قَالَ وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك لأَنْفُسِهِمْ فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أنزل الله عز وَجل فيهم وَفِي قَوْلنَا وَقَوْلهمْ لأَنْفُسِهِمْ يعبادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله إِن الله يغْفر الذُّنُوب جَمِيعًا إِلَى قَوْله وَأَنْتُم لَا تشعرون قَالَ عمر فكتبتها بيَدي فِي صحيفَة وَبعث بهَا إِلَى هِشَام بن الْعَاصِ فَقَالَ هِشَام لما أَتَتْنِي جعلت أقرأها بِذِي طوى أصعد بهَا فِيهِ وأصوب وَلَا أفهمها حَتَّى قلت اللَّهُمَّ فهمنيها قَالَ فَألْقى الله فِي قلبِي أَنَّهَا إِنَّمَا أنزلت فِينَا وَفِيمَا كُنَّا نقُول فِي أَنْفُسنَا وَيُقَال فِينَا قَالَ فَرَجَعت إِلَى بَعِيري فَجَلَست عَلَيْهِ فلحقت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وَأما عَيَّاش بن أبي ربيعَة فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لي بعياش وَهِشَام فَقَالَ الْوَلِيد

ابْن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَنا لَك بهما يَا رَسُول الله فَخرج إِلَى مَكَّة فَقَدمهَا مستخفيا فلقي امْرَأَة تحمل طَعَاما فَقَالَ لَهَا أَيْن تريدين يَا أمة الله قَالَت أُرِيد هذَيْن المحبوسين تعنيهما فتبعها حَتَّى عرف موضعهما وَكَانَا محبوسين فِي بَيت لَا سقف لَهُ فَلَمَّا أَمْسَى تسور عَلَيْهِمَا ثمَّ أَخذ مروة فوضعها تَحت قيديهما ثمَّ ضربهما بِسَيْفِهِ فقطعهما فَكَانَ يُقَال لسيفه ذُو الْمَرْوَة لذَلِك ثمَّ حملهما على بعير وسَاق بهما فعثر فدميت أُصْبُعه فَقَالَ (هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت) ثمَّ قدم بهما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَكَانَ ذَلِك فِي الْمحرم من أول سني الْهِجْرَة قَالَ ابْن عبد الْبر قنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا يَدْعُو للمستضعفين بِمَكَّة ويسمي مِنْهُم الْوَلِيد ابْن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْخَبَر بذلك من أصح أَخْبَار الْآحَاد قتل يَوْم اليرموك وَقيل مَاتَ بِمَكَّة وَالله أعلم ذكر ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَيَّاش بن أبي ربيعَة فِي رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا عِنْد ذكر الْمُلُوك إِن شَاءَ الله تَعَالَى 35 - فرات بن حَيَّان ابْن ثَعْلَبَة الْعجلِيّ من بني عجل من بكر بن وَائِل ابْن قاسط حَلِيف لبني سهم هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُوِيَ عَنهُ حَارِثَة بن مضرب وحَنْظَلَة بن الرّبيع قَالَه ابْن عبد الْبر وَرُوِيَ عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى ثُمَامَة بن أَثَال فِي قتل مُسَيْلمَة وقتاله وَذكر سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة قَالَ خرج فرات والرحال وَأَبُو هُرَيْرَة من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لضرس أحدهم فِي النَّار أعظم من أحد وَأَن مَعَه لِوَاء غادر قَالَ فرات فَبَلغنَا ذَلِك فَمَا أمنا حَتَّى صنع الرّحال مَا صنع ثمَّ قتل يَعْنِي مَعَ الْمُرْتَدين فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ فَخر أَبُو هُرَيْرَة وفرات ساجدين لله عز وَجل 36 - قدامَة بن مَظْعُون قَالَ ابْن عبد الْبر قدامَة بن مَظْعُون بن حبيب بن وهب بن

حذافة بن جمح الْقرشِي الجُمَحِي يكنى أَبَا عمر وَقيل أَبَا عَمْرو وَالْأول أشهر أمه امْرَأَة من بني جمح وَهُوَ خَال عبد الله وَحَفْصَة ابْني عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ تَحْتَهُ صَفِيَّة بنت الْخطاب أُخْت عمر هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَعَ أَخَوَيْهِ عُثْمَان وَعبد الله وَشهد بَدْرًا وَسَائِر الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْملهُ عمر على الْبَحْرين ثمَّ عَزله وَجلده على الْخمر لسَبَب يطول ذكره ابْن عبد الْبر وغاضب عمر ثمَّ صَالحه لرؤيا رَآهَا عمر لما قفل من الْحَج وَنزل بالسقيا نَام فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ عجلوا عَليّ بِقُدَامَةَ فوَاللَّه لقد أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ سَالم قدامَة فَإِنَّهُ أَخُوك فعجلوا عَليّ بِهِ فَلَمَّا أَتَوْهُ أَبى أَن يَأْتِي ثمَّ جَاءَ فَكَلمهُ عمر واستغفر لَهُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَلم يحد فِي الْخمر أحد من أهل بدر إِلَّا قدامَة بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ توفّي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسِتِّينَ سنة ذكره ابْن سعد فِي رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُنْذر بن سَاوَى هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى 37 - قيس بن نمط الأرحبي قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي أرحب بطن من هَمدَان باسكان الْمِيم

وَالدَّال الْمُهْملَة وَهِي الْقَبِيلَة قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ (وَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة ... لَقلت لهمدان ادخلي بِسَلام) قَالَ عبد الْكَرِيم فِي الْوُفُود وَذكر الرشاطي أَن قيس ابْن نمط بن قيس بن مَالك وَقيل قيس بن مَالك بن نمط الأرحبي خرج حَاجا فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَافَقَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم فَقَالَ هَل عِنْد قَوْمك من مَنْعَة قَالَ نَحن أمنع الْعَرَب وَقد خلفت فِي الْحَيّ فَارِسًا مُطَاعًا يكنى أَبَا زيد قيس بن عَمْرو وَقيل أَبُو زيد عَمْرو بن مَالك فَاكْتُبْ إِلَيْهِ حَتَّى أوافيك بِهِ فَكتب إِلَيْهِ فَأتى قيس بن نمط أَبَا زيد بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم وَأسلم بعض أرحب وأقبلا فِي جمَاعَة إِلَى مَكَّة ليقبلا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَذَلِكَ بعد عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة وَأَقْبَلت الْأَنْصَار فِي تِلْكَ الْمدَّة فعاقدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج إِلَيْهِم فَمضى قيس بن نمط وَخلف أَصْحَابه بِمَكَّة فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَفِي الرجل وَأخْبر بقَوْمه) فَقَالَ (سأكتب لَك كتابا وأجعلك على قَوْمك) فَكتب لَهُ فِي قِطْعَة أَدِيم وَأسلم جَمِيع هَمدَان وَقدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه من تَبُوك وَهُوَ مائَة وَعِشْرُونَ رَاكِبًا وَقَالَ ابْن سعد قدم وَفد هَمدَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم مقطعات الْحبرَة مكففة بالديباج فَقَالَ رَسُول

الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نعم الْحَيّ هَمدَان مَا أسرعها إِلَى النَّصْر وأصبرها على الْجهد وَمِنْهُم أبدال وَفِيهِمْ أوتاد الْإِسْلَام) وَلم يذكر ابْن عبد الْبر قيسا فِي بَابه يَعْنِي قيس بن نمط 38 - معَاذ بن جبل ابْن عَمْرو بن أَوْس قَالَ الْجَوْهَرِي الْأَوْس الْعَطاء والأوس الذِّئْب وَبِه سمي الرجل وَأَوْس أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَهُوَ أَوْس بن قيلة أَخُو الْخَزْرَج مِنْهُم الْأَنْصَار وقيلة أمهما نسبا إِلَيْهَا وهما ابْنا حَارِثَة ابْن ثَعْلَبَة من الْيمن والخزرج الرّيح الْجنُوب غير مجراة بن عَائِذ ابْن عدي ابْن كَعْب بن عَمْرو بن أُدي بن سعد بن عَليّ بن أَسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْجُشَمِي يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن وَنسبه بَعضهم فِي بني سَلمَة بن سعد بن عَليّ قَالَ ابْن إِسْحَاق هُوَ من بني جشم بن الْخَزْرَج وَإِنَّمَا ادَّعَتْهُ بَنو سَلمَة لِأَنَّهُ كَانَ أَخا سهل بن مُحَمَّد بن الْجد بن قيس لأمه وَذكر الزبير عَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ رَهْط معَاذ بَنو أدّى بن سعد بن الْخَزْرَج قَالَ وَلم يبْق من بني أُدي أحد

وعدادهم فِي بني سَلمَة وَكَانَ آخر من بَقِي مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن معَاذ بن جبل مَاتَ بِالشَّام فِي الطَّاعُون فانقرضوا شهد الْعقبَة وبدرا والمشاهد كلهَا وَكَانَ عمره لما أسلم ثَمَانِي عشرَة سنة بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جملَة الْيمن دَاعيا إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم عَامَّة أهل الْيمن مُلُوكهمْ وعامتهم طَوْعًا من غير قتال وَذكر ابْن الْحذاء فِي التَّعْرِيف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فِي شهر ربيع الأول سنة عشر وَقدم فِي خلَافَة أبي بكر فِي الْحجَّة الَّتِي حج فِيهَا عمر قَالَ الْحَاكِم فِي الإكليل بَعثه وَأَبا مُوسَى إِلَى الْيمن عِنْد انْصِرَافه من تَبُوك سنة تسع وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ بَاب بعث أبي مُوسَى ومعاذ إِلَى الْيمن قبل حجَّة الْوَدَاع قَالَ ابْن عبد الْبر وَقَالَ ابْن إِسْحَاق إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْجند من الْيمن يعلم النَّاس الْقُرْآن وَشَرَائِع الْإِسْلَام وَيَقْضِي بَينهم وَجعل إِلَيْهِ قبض الصَّدقَات من الْعمَّال الَّذين بِالْيمن وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قسم الْيمن على خَمْسَة رجال خَالِد بن سعيد على صنعاء وَالْمُهَاجِر بن أبي أُميَّة على كِنْدَة وَزِيَاد بن لبيد على

حَضرمَوْت ومعاذ بن جبل على الْجند وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ على زبيد وَزَمعَة وعدن والساحل وَقَالَ لِمعَاذ بن جبل حِين وَجهه بِمَا تقضي قَالَ بِمَا فِي كتاب الله تَعَالَى قَالَ فَإِن لم تَجِد قَالَ بِمَا فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَإِن لم تَجِد قَالَ أجتهد رَأْيِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله لما يحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم الْجند مَفْتُوح الْحُرُوف مَوضِع بِالْيمن قَالَ الراجز (تنقلا من بلد إِلَى بلد ... يَوْمًا بِصَنْعَاء وَيَوْما بالجند) وجند بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وبالدال الْمُهْملَة جبل بِالْيمن أَيْضا قَالَ وَزَمعَة بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وَعين مُهْملَة من منَازِل حمير بِالْيمن وَذكره قَالَ الْحَاكِم وَرُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شيع معَاذًا فِي جمَاعَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى أَن ركب معَاذ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي ويوصيه وَكَانَ أحد الْأَنْصَار الثَّلَاثَة الَّذين كَانُوا يفتون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وهم أبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَزيد بن ثَابت وَثَلَاثَة من الْمُهَاجِرين عَمْرو عُثْمَان وَعلي رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة أَمَام الْعلمَاء برتوة أَو رتوتين بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي برمية سهم وَقيل بميل وَقيل بمدى الْبَصَر قَالَ ابْن عبد الْبر وَكَانَ شَابًّا جميلا من أفضل شباب قومه سَمحا لَا يمسك قَالَ الْمَدَائِنِي مَاتَ معَاذ بِنَاحِيَة الْأُرْدُن فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة وَهُوَ ابْن ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة قَالَ وَلم يُولد لَهُ قطّ كَمَا قَالَ الْوَاقِدِيّ وَذكر أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أَنه مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَعشْرين سنة وَعند سعيد بن الْمسيب قَالَ قبض معَاذ وَهُوَ ابْن ثَلَاث أَو أَربع وَثَلَاثِينَ سنة قَالَ زرْعَة قَالَ لي أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة وَفِيه مَاتَ معَاذ وَأَبُو عُبَيْدَة قَالَ وَكَانَ الطَّاعُون سنة سبع عشرَة وثمان عشرَة وَفِي سنة سبع عشرَة رَجَعَ عمر من سرغ بِجَيْش الْمُسلمين لِئَلَّا يقدمهم على الطَّاعُون عمواس قَرْيَة بَين الرملة وَبَيت الْمُقَدّس بِفَتْح أَوله وثانية وَبعده وَاو

وَألف وسين مُهْملَة قَالَ وَذكر الْأَصْمَعِي أَنه إِنَّمَا سمي الطَّاعُون بذلك لقَولهم عَم وآسى وَمَات فِيهِ نَحْو خَمْسَة وَعشْرين ألفا قَالَه الْبكْرِيّ وَقَالَ سرغ بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده غين مُعْجمَة مَدِينَة بِالشَّام افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَذكر ابْن عبد الْبر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أصَاب النَّاس طاعون بالجابية فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ تفَرقُوا عَنهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة النَّار فَقَامَ معَاذ بن جبل فَقَالَ لقد كنت فِينَا ولأنت أضلّ من حمَار أهلك سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هُوَ رَحْمَة لهَذِهِ الْأمة اللَّهُمَّ فاذكرمعاذا وَآل معَاذ فِيمَن تذكره بِهَذِهِ الرَّحْمَة روى عَنهُ من الصَّحَابَة عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن أبي أوفى وَأنس بن مَالك وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ فِي جمَاعَة رَضِي الله عَنْهُم كَانَ عبد الله بن عمر يَقُول حَدثنَا عَن العاقلين الْعَالمين قيل من هما قَالَ معَاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن فَرْوَة الْأَشْجَعِيّ قَالَ كنت جَالِسا مَعَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله

عَنهُ فَقَالَ إِن معادا كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين فَقلت يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّمَا قَالَ الله إِن إِبْرَهِيمُ كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا فَأَعَادَ قَوْله إِن معَاذًا فَلَمَّا رَأَيْته أعَاد عرفت أَنه تعمد الْأَمر فَسكت فَقَالَ أَتَدْرِي مَا الْأمة وَمَا القانت قلت الله أعلم قَالَ الْأمة الَّذِي يعلم الْخَيْر ويؤتم بِهِ ويقتدى وَالْقَانِت الْمُطِيع لله وَكَذَلِكَ كَانَ معَاذ بن جبل معلما للخير مُطيعًا لله وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مُؤَلفه أَبُو عبد الله مُحَمَّد عَفا الله عَنهُ زرت قبر معَاذ رَضِي الله عَنهُ وقبر وَلَده عبد الرَّحْمَن إِلَى جَانِبه بِنَاحِيَة بيسان الْغَوْر على شاطئ الشَّرِيعَة وَهِي نهر الْأُرْدُن على يمنة الطَّرِيق المصعد فِي ذيل عقبَة الْقصير قصير الْغَوْر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وزرت أَيْضا قبر أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ أَسْفَل مِنْهُ وَأَنت منحدر مَعَ نهر الشَّرِيعَة من شرقيها أَيْضا إِلَى جَانب قَرْيَة تسمى عمتا تصعد مِنْهَا إِلَى مَدِينَة عجلون ونهر اليرموك مَنْصُوب إِلَى الشَّرِيعَة من أَرض اليرموك بَين قبريهما والمدى بَينهمَا غير بعيد رَضِي الله عَنْهُمَا

39 - مَالك بن مرَارَة قَالَ ابْن عبد الْبر وَيُقَال مَالك بن فَزَارَة وَالصَّحِيح ابْن مرَارَة وَقَالَ بَعضهم الرهاوي وروى عَطاء بن ميسرَة عَن الثِّقَة عِنْده عَن مَالك بن مرَارَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من كبر) وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل الْيمن كتابا يُخْبِرهُمْ فِيهِ بشرائع الْإِسْلَام وفرائض الصَّدَقَة فِي الْمَوَاشِي وَالْأَمْوَال ويوصيهم بِأَصْحَابِهِ وَرُسُله خيرا وَكَانَ رَسُوله إِلَيْهِم معَاذ بن جبل وَمَالك بن مرَارَة ويخبرهم بوصول رسولهم إِلَيْهِ وَمَا بلغ عَنْهُم قَالَ ابْن عبد الْبر وَلَيْسَ مَالك بن مرَارَة مَشْهُورا فِي الصَّحَابَة قَالَ ابْن سعد وَكَانَ مَالك بن مرَارَة رَسُول أهل الْيمن إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِمْ وطاعتهم وَكتب إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَالك بن مرَارَة قد بلغ الْخَبَر وَحفظ الْغَيْب

40 - مَالك بن عقبَة قَالَ ابْن عبد الْبر مَالك بن عقبَة أَو عقبَة بن مَالك هَكَذَا جرى ذكره على الشَّك هُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة روى عَنهُ بشر بن عَاصِم ذكره ابْن عبد الْبر وَلم يرفع لَهُ نسبا وَذكره ابْن إِسْحَاق فِي الْوُفُود مَعَ معَاذ بن جبل وَعبد الله بن زيد وَمَالك ابْن عبَادَة وَعقبَة بن نمر وَقد ذكرت إرسالهم فِي تَرْجَمته فِي حرف الْعين 41 - مَالك بن عبَادَة قَالَ ابْن عبد الْبر مَالك بن عبَادَة الغافقي وغافق هُوَ ابْن الْعَاصِ بن عَمْرو بن مَازِن بن الأزد بن الْغَوْث أَبُو مُوسَى مصري وَيُقَال شَامي لَهُ صُحْبَة مَاتَ سنة ثَمَان وَخمسين وَذكره ابْن إِسْحَاق مَعَ رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْوُفُود أَيْضا كَمَا تقدم 42 - المُهَاجر بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَاسم أبي أُميَّة حُذَيْفَة وَقيل سهل وَقيل هَاشم وَالْمَشْهُور حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر ابْن مَخْزُوم الْقرشِي هُوَ أَخُو أم

سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقيقها كَانَ اسْمه الْوَلِيد فَلَمَّا قدم قَالَت أخي الْوَلِيد قدم مُهَاجرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ المُهَاجر فَعرفت أم سَلمَة مَا أَرَادَ من تَحْويل اسْمه وَأَنه كره فَقَالَت هُوَ المُهَاجر يَا رَسُول الله فِي خبر فِيهِ طول وَفِيه عيب اسْم الْوَلِيد وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث بن عبد كلال الْحِمْيَرِي أحد مقاولة الْيمن وَاسْتَعْملهُ على صدقَات كِنْدَة والصدف فَتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسر إِلَيْهَا قَالَه ابْن عبد الْبر وَقَالَ عبد الْكَرِيم فَبَعثه أَبُو بكر إِلَى قتال أهل الرِّدَّة بِالْيمن وَله فِيهَا أثر كَبِير وافتتح حصن النُّجَيْر بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم ثمَّ يَاء مثناة من تَحت وَرَاء حصن لَجأ إِلَيْهِ أهل الرِّدَّة فِي أَيَّام أبي بكر وَهُوَ بحضرموت وَكَانَ مَعَه زِيَاد بن لبيد الْأنْصَارِيّ فبعثا بالأشعث بن قيس أَسِيرًا فَمن عَلَيْهِ أَبُو بكر وحقن دَمه 43 - نمير بن خَرشَة قَالَ ابْن عبد الْبر نمير بن خَرشَة بن ربيعَة الثَّقَفِيّ حَلِيف لَهُم من بني الْحَارِث بن كَعْب كَانَ أحد الَّذين قدمُوا مَعَ عبد يَا ليل بِإِسْلَام ثَقِيف

قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لثقيف كتابا أَن لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا كتب لَهُم وَكتب خَالِد بن سعيد وَشهد الْحسن وَالْحُسَيْن وَدفع الْكتاب إِلَى نمير بن خَرشَة 44 - نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر جده عَامر هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الخَنْدَق وَهُوَ الَّذِي خذل الْمُشْركين وَبني قُرَيْظَة حَتَّى صرف الله الْمُشْركين بعد أَن أرسل الله عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم يروها وَخَبره فِي تخذيل بني قُرَيْظَة وَالْمُشْرِكين فِي السّير خبر عَجِيب وَنزلت فِيهِ {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} كني عَنهُ وَحده بِالنَّاسِ سكن نعيم الْمَدِينَة وَمَات فِي خلَافَة عُثْمَان وَقيل قتل فِي الْجمل قبل قدوم عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَذكر سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة أَنه كَانَ رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ابْن ذِي اللِّحْيَة وَابْن مشيمصة الجبيري

45 - وَاثِلَة بن الْأَسْقَع ابْن عبد الْعُزَّى بن عبد يَا ليل بن ناشب بن غيرَة بن سعد ابْن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن عَليّ بن كنَانَة اللَّيْثِيّ أسلم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتجهز إِلَى تَبُوك وَيُقَال إِنَّه خدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث سِنِين وَكَانَ من أهل الصّفة نزل الْبَصْرَة ثمَّ سكن الشَّام وَشهد الْمَغَازِي بِدِمَشْق وحمص ثمَّ تحول إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَمَات بهَا وَقيل بِدِمَشْق فِي آخر خلَافَة عبد الْملك سنة خمس أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَتِسْعين سنة وَقيل مائَة سنة يكنى أَبَا الْأَسْقَع وَقيل أَبَا مُحَمَّد وَقَالَ ابْن معِين أَبَا قرصافة روى عَنهُ من الشاميين مَكْحُول وَغَيره قَالَه ابْن عبد الْبر قَالَ عبد الْكَرِيم الْحلَبِي فِي الْوُفُود وَفد وَاثِلَة بن الْأَسْقَع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يتجهز إِلَى تَبُوك فَأسلم وَبَايع وَرجع إِلَى أَهله فَأخْبرهُم فَقَالَ لَهُ أَبوهُ لَا أُكَلِّمك كلمة أبدا وَسمعت أُخْته كَلَامه فَأسْلمت وجهزته فَرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدَهُ قد سَار إِلَى تَبُوك فَقَالَ من يحملني عقبه وَله سهمي فَحَمله كَعْب بن عجْرَة حَتَّى لحق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشهد مَعَه تَبُوك وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى أكيدر فغنم فجَاء بسهمه إِلَى كَعْب بن عجْرَة فَأبى أَن يقبله وَقَالَ إِنَّمَا حَملتك لله

46 - الْوَلِيد بن بَحر الجرهمي بَعثه إِلَى الْأَقْيَال من أهل حَضرمَوْت قَالَه القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سَلامَة الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف وفنون أَخْبَار الخلائف وَلم يذكرهُ ابْن عبد الْبر فِي بَابه 47 - وبرة وَقيل وبر بن يحنس قَالَ ابْن عبد الْبر وَيُقَال ابْن مُحصن الْخُزَاعِيّ لَهُ صُحْبَة وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى داذويه وفيروز الديلمي وجشيش الديلمي بِالْيمن ليقتلوا الْأسود الْكذَّاب الْعَنسِي الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة روى سيف بن عمر فِي كتاب الرِّدَّة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَاتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة وَالْأسود وطليحة بالرسل وَلم يشْغلهُ مَا كَانَ فِيهِ من الوجع عَن أَمر الله تَعَالَى فَبعث وبر بن يحنس الْأَزْدِيّ إِلَى فَيْرُوز وجشيش الديلميين وداذويه الْإِصْطَخْرِي وَكَانَت هَذِه الْحِكَايَة فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

48 - يزِيد بن شهَاب يَعْفُور وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول عَجِيب ذكرته لما فِيهِ من المعجزة الغريبة وَهُوَ يزِيد بن شهَاب يَعْفُور حِمَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَذكر أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي تَارِيخه يسْندهُ إِلَى أبي مَنْظُور قَالَ لما فتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر أصَاب حمارا أسود قَالَ فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحمار فَكَلمهُ الْحمار فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا اسْمك) قَالَ اسْمِي يزِيد بن شهَاب قَالَ السُّهيْلي زِيَاد أخرج الله من نسل جدي سِتِّينَ حمارا كلهم لم يركبهم إِلَّا نَبِي قد كنت أتوقعك لتركبني لم يبْق من نسل جدي غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك قد كنت قبلك لرجل يَهُودِيّ وَكنت أتعثر بِهِ عمدا وَكَانَ يجيع بَطْني وَيضْرب ظَهْري فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَأَنت يَعْفُور يَا يَعْفُور تشْتَهي الْإِنَاث) قَالَ لَا فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركبه فِي حَاجته فَإِذا نزل عَنهُ بعث بِهِ إِلَى بَاب الرجل فَيَأْتِي الْبَاب فيقرعه بِرَأْسِهِ فَإِذا خرج إِلَيْهِ صَاحب الدَّار أَوْمَأ إِلَيْهِ فَيعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسلهُ إِلَيْهِ فَيَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى بِئْر كَانَت لأبي الْهَيْثَم بن التيهَان فتردى فِيهَا جزعا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَت قَبره وَقَالَ هَذَا // حَدِيث غَرِيب // وَفِي إِسْنَاده غير وَاحِد من المجهولين وَذكر السُّهيْلي أَن ابْن فورك ذكر فِي كتاب الْفُصُول أَنه كَانَ من غَنَائِم خَيْبَر وَأَنه طرح نَفسه فِي بِئْر يَوْم مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا // حَدِيث مَوْضُوع // وَقَالَ قَالَ ابْن حبَان لَا أصل لَهُ وَإِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء وَذكر من وَضعه وَقَالَ الْوَاقِدِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ نفق يَعْفُور منصرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حجَّة الْوَدَاع وَقَالَ ابْن عَبدُوس يَعْفُور كَانَ أَخْضَر مَأْخُوذ من العفرة وَهُوَ لون التُّرَاب وَقيل سمي بِهِ تَشْبِيها فِي عدوه باليعفور وَهُوَ الظبي وَقيل الخشف وَقيل ولد الْبَقَرَة الوحشية والعفر من الظباء الَّتِي تعلو بياضها حمرَة يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا علم من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليتني كنت شَعْرَة فِي جلد هَذَا الْحمار الْمُبَارك الَّذِي كَانَ فِي كل وَقت يلامس جلده جلد سيد الْبشر وَيسمع لَهُ ويطيعه ويخاطبه وَيفهم عَنهُ وناهيك بِهِ معْجزَة من بعض معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُؤال مَا الْحِكْمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا يَعْفُور تشْتَهي الْإِنَاث قَالَ لَا وترديه فِي الْبِئْر يَوْم قبض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَوَاب غَيره لم يفعل ذَلِك وَاحِد مِنْهُم بل الدلْدل وَهِي بغلته الْبَيْضَاء بقيت إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة وركبها عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي صفّين

فَالْجَوَاب عَن ذَلِك وَالْحكمَة فِيهِ وَالله أعلم أَن يَعْفُور قَالَ أخرج الله من نسل جدي سِتِّينَ حمارا لم يركبهم إِلَّا نَبِي ثمَّ قَالَ وَلم يبْق من نسل جدي غَيْرِي وَلَا من الْأَنْبِيَاء غَيْرك وتردى فِي الْبِئْر وَلم يشته الْإِنَاث حَتَّى لَا يبْقى لَهُ نسل فَإِنَّهُ آخِرهم كَمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخر الْأَنْبِيَاء كَمَا قَالَ لِئَلَّا يركبه أحد بعده إِذْ هُوَ مركوب الْأَنْبِيَاء وَأَيْضًا جزعا عَلَيْهِ وتحزنا ويحق لَهُ أَن يجزع ويحزن عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا مَا بلغ إِلَيْهِ علمي من رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولنختم بوفود السبَاع إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإرسالهم إِلَيْهِ ورده عَلَيْهِم فصل قَالَ عبد الْكَرِيم فِي شرح السِّيرَة إِن السبَاع وفدت عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله أَن يفْرض لَهَا مَا تَأْكُله قَالَ ابْن سعد عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابه أقبل ذِئْب فَوقف بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعوى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَافد السبَاع إِلَيْكُم فَإِن أَحْبَبْتُم أَن تفرضوا لَهُ شَيْئا لَا يعدوه

إِلَى غَيره وَإِن أَحْبَبْتُم تَرَكْتُمُوهُ وتحرزتم مِنْهُ فَمَا أَخذ فَهُوَ رزقه فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا تطيب أَنْفُسنَا لَهُ بِشَيْء فَأَوْمأ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأصابعه أَي خالسهم فولى وَله عسلان قَالَ الْجَوْهَرِي العسلان الخبب يُقَال عسل الذِّئْب عسلانا إِذا أعنق وأسرع قَالَ النَّابِغَة الْجَعْدِي (عسلان الذِّئْب أَمْسَى قاربا ... برد اللَّيْل عَلَيْهِ فنسل) وروى الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ذِئْب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جعل يبصبص بِذَنبِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وَافد الذئاب جَاءَ يسألكم أَن تجْعَلُوا لَهُ شَيْئا من أَمْوَالكُم فَقَالُوا

الجزء 2

(إِذا الْمَرْء لم يتْرك طَعَاما يُحِبهُ ... وَلم ينْه قلبا غاويا حَيْثُ يمما) (قضى وطرا مِنْهُ وغادر سبة ... إِذا كرت أَمْثَالهَا تملا الفما) قَالَ السُّهيْلي وَزَاد فِي هَذَا الْخَبَر قَالَ وَإِن عمَارَة بن الْوَلِيد هُوَ الَّذِي قَالَت قُرَيْش لأبي طَالب هَذَا عمَارَة أنهد فَتى فِي قُرَيْش وأجمله فَخذه مَكَان ابْن أَخِيك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبدلا مِنْهُ وادفعه إِلَيْنَا حَتَّى نَقْتُلهُ فَإِنَّهُ سفه آلِهَتنَا وَبدل ديننَا فَقَالَ لَهُم أَبُو طَالب أَرَأَيْتُم نَاقَة تحن إِلَى غير فصيلها وترأمه قَالَ الْجَوْهَرِي رئمت النَّاقة وَلَدهَا إِذا أحبته والرؤوم من الشَّاء الَّتِي تلحس ثِيَاب من مر بهَا وكل من أحب شَيْئا وألفه فقد رئمه لَا أُعْطِيكُم ابْني تَقْتُلُونَهُ أبدا وآخذ ابنكم أكفله وأغذوه قلت وَعمارَة هُوَ أَخُو خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَقد كَانَ عمَارَة اخبر عمرا أَن زَوْجَة النَّجَاشِيّ علقته وأدخلته بَيتهَا فَلَمَّا أيس عَمْرو من أَمر الْمُهَاجِرين عِنْد النَّجَاشِيّ نكل بعمارة عِنْده وَأخْبرهُ خَبره وَخبر زوجه فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيّ ائْتِنِي

الْمِصْبَاح المضيء 2

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم بَاب فِي مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومراسلاته إِلَى مُلُوك الأَرْض من الْعَرَب والعجم وَغَيرهم دَاعيا لَهُم إِلَى الْإِسْلَام وأجوبتهم لَهُ وَمن أسلم مِنْهُم أَو أقرّ بالرسالة وَلم يسلم وَمن أسلم ثمَّ ارْتَدَّ وَمن أقرّ بنبوته قبل مولده وآمن بِهِ وَلم يُدْرِكهُ أَو بشر بِهِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك من نادرة تقع أَو غَرِيب لُغَة وَغير ذَلِك من الْفَوَائِد ولنبدأ بِأول كتاب كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَالْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّ نذْكر الْمُلُوك على مَرَاتِبهمْ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وموادعة الْيَهُود حِين

هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَأول خطْبَة خطبهَا وَهُوَ أول كتاب كتبه لما قدم الْمَدِينَة فِيمَا علمت قَالَ ابْن إِسْحَاق أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ إِذْ قدمهَا شهر ربيع الأول إِلَى صفر من السّنة الدَّاخِلَة حَتَّى بنى لَهُ فِيهَا مَسْجده ومساكنه فَاسْتَجْمَعَ لَهُ إِسْلَام هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار فَلم يبْق دَار من دور الْأَنْصَار إِلَّا أسلم أَهلهَا إِلَّا قَلِيل من الْأَوْس وَكَانَت أول خطْبَة خطبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَامَ فيهم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ أما بعد أَيهَا النَّاس فقدموا لأنفسكم تعلمن وَالله ليصعقن أحدكُم ثمَّ لَيَدَعَن غنمه لَيْسَ لَهَا رَاع ثمَّ ليَقُولن لَهُ ربه لَيْسَ لَهُ ترجمان وَلَا حَاجِب يَحْجُبهُ دونه ألم يأتك رَسُولي فبلغك وآتيتك مَالا وأفضلت عَلَيْك فَمَا قدمت لنَفسك فلينظرن يَمِينا وَشمَالًا فَلَا يرى شَيْئا ثمَّ لينظرن قدامه فَلَا يرى شَيْئا غير جَهَنَّم فَمن اسْتَطَاعَ أَن يقي وَجهه من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل وَمن لم يجد فبكلمة طيبَة فَإِن بهَا تجزى

ذكر الكتاب

الْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف وَالسَّلَام على رَسُول الله ذكر الْكتاب قَالَ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وادع فِيهِ يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وَأَمْوَالهمْ وَاشْترط عَلَيْهِم وَشرط لَهُم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين من قُرَيْش ويثرب وَمن تَبِعَهُمْ فلحق بهم وجاهد مَعَهم أَنهم أمة وَاحِدَة من دون النَّاس الْمُهَاجِرُونَ من قُرَيْش على ربعتهم يتعاقلون بَينهم وهم يفدون عانيهم بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو عَوْف عل

ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو سَاعِدَة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو سَاعِدَة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدى عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة مِنْهُم تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة مِنْهُم تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو عَمْرو بن عَوْف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَبَنُو الْأَوْس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طَائِفَة تفدي عانيها بِالْمَعْرُوفِ والقسط بَين الْمُؤمنِينَ وَأَن الْمُؤمنِينَ لَا يتركون مفرحا بَينهم أَن يعطوه بِالْمَعْرُوفِ فِي فدَاء أَو عقل وَلَا يحالف مُؤمن مولى مُؤمن دونه وَأَن الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ على من بغي مِنْهُم أَو ابْتغى دسيعة ظلم أَو إِثْم أَو عدوان أَو فَسَاد بَين الْمُؤمنِينَ وَأَن أَيْديهم عَلَيْهِ جَمِيعًا وَلَو كَانَ ولد أحدهم وَلَا يقتل مُؤمن مُؤمنا فِي كَافِر وَلَا ينصر كَافِر

على مُؤمن وَأَن ذمَّة الله عز وَجل وَاحِدَة يجير عَلَيْهِم أَدْنَاهُم وَأَن الْمُؤمنِينَ بَعضهم موَالِي بعض دون النَّاس وَأَنه من تبعنا من يهود فَإِن لَهُ النَّصْر والأسوة غير مظلومين وَلَا متناصر عَلَيْهِم وَأَن سلم الْمُؤمنِينَ وَاحِدَة لَا يسالم مُؤمن من دون مُؤمن فِي قتال فِي سَبِيل الله إِلَّا عَن سَوَاء وَعدل بَينهم وَأَن كل غَازِيَة غزت مَعنا يعقب بَعْضهَا بَعْضًا وَأَن الْمُؤمنِينَ يبئ بَعضهم عَن بعض بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيل الله وَأَن الْمُؤمنِينَ الْمُتَّقِينَ على أحسن هدى وأقومه وَأَنه لَا يجير مُشْرك مَالا لقريش وَلَا نفسا وَلَا يحول دونه على مُؤمن وَأَنه من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود بِهِ إِلَّا أَن يرضى ولي الْمَقْتُول وَأَن الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ كَافَّة وَلَا يحل لَهُم إِلَّا قيام عَلَيْهِ وَأَنه لَا يحل لمُؤْمِن أقرّ بِمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة وآمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن ينصر مُحدثا وَلَا يؤويه وَأَنه من نَصره أَو آواه فَإِن عَلَيْهِ لعنة الله وغضبه يَوْم الْقيمَة وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ صرف وَلَا عدل وأنكم مهما اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَإِن مرده إِلَى الله وَإِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَأَن الْيَهُود يُنْفقُونَ مَعَ الْمُؤمنِينَ مَا داموا محاربين وَأَن يهود بني عَوْف أمة مَعَ الْمُؤمنِينَ للْيَهُود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إِلَّا من ظلم وأثم فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه وَأهل بَيته وَأَن ليهود بني النجار مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني الْحَارِث مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني سَاعِدَة مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني جشم مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني الْأَوْس مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن ليهود بني ثَعْلَبَة مثل مَا ليهود بني عَوْف إِلَّا من ظلم وأثم فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه وَأهل بَيته وَأَن جَفْنَة بطن من ثَعْلَبَة كأنفسهم وَأَن لبني الشطبة مثل مَا ليهود بني عَوْف وَأَن الْبر دون الْإِثْم وَأَن موَالِي ثَعْلَبَة كأنفسهم وَأَن بطانة يهود كأنفسهم وَأَنه لَا يخرج مِنْهُم أحد إِلَّا بِإِذن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه لَا ينحجز على ثأر جرح وَأَنه من فتك فبنفسه إِلَّا من ظلم وَأَن الله على أبر هَذَا وَأَن على الْيَهُود نَفَقَتهم وعَلى الْمُسلمين نَفَقَتهم وَأَن بَينهم النَّصْر على من حَارب أهل هَذِه الصَّحِيفَة وَأَن بَينهم النصح والنصيحة وَالْبر دون الْإِثْم وَأَنه لم يَأْثَم امْرُؤ بحليفه وَأَن النَّصْر للمظلوم وَأَن الْيَهُود

يُنْفقُونَ مَعَ الْمُؤمنِينَ مَا داموا محاربين وَأَن يثرب حرَام جوفها لأهل هَذِه الصَّحِيفَة وَأَن الْجَار كالنفس غير مضار وَلَا آثم وَأَنه لَا تجار حرمه إِلَّا بِإِذن أَهلهَا وَأَنه مَا كَانَ بَين أهل هَذِه الصَّحِيفَة من حدث أَو اشتجار يخَاف فَسَاده فَإِن مرده إِلَى الله عز وَجل وَإِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن الله على أتقى مَا فِي هَذَا الصَّحِيفَة وأبره وَأَنه لَا تجار قُرَيْش وَلَا من نصرها وَأَن بَينهم النَّصْر على من دهم يثرب وَإِذا دعوا إِلَى صلح يصالحونه ويلبسونه فَإِنَّهُم يصالحونه ويلبسونه وَأَنَّهُمْ إِذا دعوا إِلَى مثل ذَلِك فَإِنَّهُ لَهُم على الْمُؤمنِينَ إِلَّا من حَارب فِي الدّين على كل أنَاس حصتهم من جانبهم الَّذِي قبلهم وَأَن يهود الْأَوْس مواليهم وأنفسهم على مثل مَا لأهل هَذِه الصَّحِيفَة من الْبر الْمَحْض من أهل هَذِه الصَّحِيفَة قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال مَعَ الْبر المحسن من أهل هَذِه الصَّحِيفَة قَالَ ابْن إِسْحَاق وَأَن الْبر دون الْإِثْم لَا يكْسب كاسب إِلَّا على نَفسه وَأَن الله عز وَجل على أصدق مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة وأبره وَأَنه لَا يحول هَذَا الْكتاب دون ظَالِم أَو آثم وَأَنه

تفسير غريب ما في هذا الكتاب

من خرج آمن وَمن قعد آمن بِالْمَدِينَةِ إِلَّا من ظلم أَو أَثم وَأَن الله جَار لمن بر وَاتَّقَى وَمُحَمّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِير غَرِيب مَا فِي هَذَا الْكتاب قَالَ السُّهيْلي قَوْله على ربعتهم الربعة والرباعة الْحَال الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَام وهم عَلَيْهَا يُقَال فلَان على رباعة قومه إِذا كَانَ قيمهم ووافدهم قَالَ وَكسر الرَّاء فِيهِ هُوَ الْقيَاس على هَذَا الْمَعْنى لِأَنَّهَا ولَايَة وَإِن جعلت الرباعة مصدرا فَالْقِيَاس فتح الرَّاء على شَأْنهمْ وعادتهم من أَحْكَام الدِّيات والدماء يتعاقلون معاقلهم الأولى جمع معقلة ومعقلة من الْعقل وَهُوَ الدِّيَة وَقَوله مفرح قَالَ ابْن هِشَام المفرح المخذول المثقل من الدّين والعيال قَالَ الشَّاعِر

(إِذا أَنْت لم تَبْرَح تُؤدِّي أَمَانَة ... وَتحمل أُخْرَى أفرحتك الودائع) وَقَالَ السُّهيْلي يجوز أَن يكون من أَفعَال السَّلب أَي سلبتك الْفَرح كَمَا قيل أقسط الرجل إِذا عدل أَي أَزَال الْقسْط وَهُوَ الأعوجاج وَيجوز أَن تكون الْفَاء مبدلة من بَاء فَيكون من البرح وَهُوَ الشدَّة يُقَال لقِيت من فلَان برحا أَي شدَّة وَذكر رِوَايَة أُخْرَى مفرج بِالْجِيم وَذكر فِي مَعْنَاهُ أقوالا مِنْهَا أَنه الَّذِي لَا ديوَان لَهُ وَمِنْهَا أَنه الْقَتِيل بَين القريتين لَا يدْرِي من قَتله وَمِنْهَا أَنه فِي معنى المفرح بِالْحَاء وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْء لَهُ وَقد أثقله الدّين فَيقْضى عَنهُ من بَيت المَال وَقَوله العاني وَهُوَ الْأَسير والمخذول الَّذِي تَركه قومه وَلم يؤاسوه وَقَوله الدسيعة وَهِي الْعَطِيَّة وَهُوَ مَا يخرج من حلق الْبَعِير إِذا رغا فاستعاره هُنَا للعطية وَأَرَادَ بِهِ هَهُنَا مَا ينَال مِنْهُم من ظلم وَقَوله يبئ بَعضهم على بعض يمْنَع ويكف قَالَه أَبُو ذَر قَالَ السُّهيْلي هُوَ من البواء أَي الْمُسَاوَاة وَمِنْه قَول مهلهل حِين قتل

ابْنا لِلْحَارِثِ بن عباد بؤبشسع نعل كُلَيْب قَوْله وَمن اعتبط مُؤمنا اعتبطه إِذا قَتله عَن غير شَيْء يُوجب قَتله قَالَه أَبُو ذَر قَوْله فَإِنَّهُ لَا يوتغ إِلَّا نَفسه أَي لَا يوبق وَلَا يهْلك يُقَال وتغ الرجل وأوتغه غَيره أهلكه قَالَه السُّهيْلي قَوْله وَأَن بطانة يهود بطانة الرجل خاصته وَأهل سره قَالَه أَبُو ذَر وَقَالَ الفتك الْقَتْل والاشتجار الِاخْتِلَاف يُقَال اشتجر الْقَوْم إِذا اخْتلفُوا وَقَوله من دهم يُرِيد من فاجأهم يُقَال دهمتهم الْخَيل تدهمهم قَالَ السُّهيْلي وَقَوله أَن الْبر دون الْإِثْم أَي أَن الْبر وَالْوَفَاء يَنْبَغِي أَن يكون حاجزا عَن الْإِثْم وَقَوله أَن الله على أتقى مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة وأبره أَي أَن الله

وَحزبه الْمُؤمنِينَ على الرضى بِهِ ثمَّ قَالَ يَعْنِي السُّهيْلي هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَينه وَبَين الْيَهُود حِين قدم الْمَدِينَة شَرط لَهُم فِيهِ وَشرط عَلَيْهِم وأمنهم فِيهِ على أنفسهم وأهليهم وَأَمْوَالهمْ وَكَانَت أَرض يثرب لَهُم قبل نزُول الْأَنْصَار فَلَمَّا كَانَ سيل العرم وَتَفَرَّقَتْ سبا نزلت الْأَوْس والخزرج بِأَمْر طريفة الكاهنة وَأمر عمرَان بن عَامر فَإِنَّهُ كَانَ كَاهِنًا وَبِمَا سجعت بِهِ لكل قَبيلَة من سبا فسجعت لبني حَارِثَة بن ثَعْلَبَة وهم الْأَوْس والخزرج أَن ينزلُوا يثرب ذَات النّخل فنزلوها على يهود وحالفوهم وَأَقَامُوا مَعَهم وَكَانَت الدَّار وَاحِدَة وَالسَّبَب فِي كَون الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ وَهِي وسط أَرض الْعَرَب مَعَ أَن الْيَهُود أصلهم من أَرض كنعان أَن بني إِسْرَائِيل كَانَت تغير عَلَيْهِم العماليق من أَرض الْحجاز وَكَانَت مَنَازِلهمْ يثرب والجحفة إِلَى مَكَّة فشكت بَنو إِسْرَائِيل ذَلِك إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَوجه إِلَيْهِم جَيْشًا وَأمرهمْ أَن يقتلوهم وَلَا يبقوا مِنْهُم أحدا فَفَعَلُوا وَتركُوا مِنْهُم ابْن ملك لَهُم كَانَ غُلَاما حسنا فرقوا لَهُ وَيُقَال للْملك الأرقم بن الأرقم فِيمَا ذكر الزبير

ثمَّ رجعُوا إِلَى الشَّام ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قد مَاتَ فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل لَهُم قد عصيتم وخالفتم فَلَا نؤويكم فَقَالُوا نرْجِع إِلَى الْبِلَاد الَّتِي غلبنا عَلَيْهَا فنكون بهَا فَرَجَعُوا إِلَى يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بهَا إِلَى أَن نزلت عَلَيْهِم الْأَوْس والخزرج بعد سيل العرم وَقيل إِن طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل لحقت بِأَرْض الْحجاز حِين دوخ بخت نصر البابلي بِلَادهمْ وجاس خلال دِيَارهمْ لحق من لحق مِنْهُم بالحجاز كقريظة وَالنضير وَسَكنُوا خَيْبَر وَالْمَدينَة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وَأما يثرب فاسم رجل من العماليق نزل بهَا فَعرفت باسمه وَهُوَ يثرب بن قاين بن عبيل وَبَنُو عبيل هم الَّذين سكنوا الْجحْفَة فأحجفت بهم السُّيُول وَبِذَلِك سميت الْجحْفَة فَلَمَّا احتلها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره لَهَا هَذَا الِاسْم لما فِيهِ من لفظ التثريب وسماها طيبَة وطابة وَالْمَدينَة

وروى عَن كَعْب وَغَيره أَن لَهَا فِي التَّوْرَاة أحد عشر اسْما ذكرهَا السُّهيْلي قَالَ وروى فِي معنى قَوْله تَعَالَى {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق} أَنَّهَا الْمَدِينَة {وأخرجني مخرج صدق} أَنَّهَا أَنَّهَا مَكَّة و {سُلْطَانا نَصِيرًا} الْأَنْصَار رَضِي الله عَنْهُم قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام إِنَّمَا كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا الْكتاب قبل أَن تفرض الْجِزْيَة وَإِذا كَانَ الْإِسْلَام ضَعِيفا وَكَانَ للْيَهُود إِذْ ذَاك نصيب من الْمغنم إِذا قَاتلُوا مَعَ الْمُسلمين كَمَا شَرط عَلَيْهِم فِي هَذَا الْكتاب النَّفَقَة مَعَهم فِي الحروب قَالَ السُّهيْلي ثمَّ آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصْحَابه حِين نزلُوا الْمَدِينَة ليذْهب عَنْهُم وَحْشَة الغربة ويؤنسهم من مُفَارقَة الْأَهْل وَالْعشيرَة ويشد أزر بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا عز الْإِسْلَام وَاجْتمعَ الشمل وَذَهَبت الوحشة أنزل الله سُبْحَانَهُ وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتب الله يَعْنِي الْمِيرَاث ثمَّ جعل الْمُؤمنِينَ كلهم إخْوَة فَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة} يَعْنِي فِي التواد وشمول الدعْوَة

بَاب فِي ذكر النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة وَخبر إِسْلَامه ومكاتباته لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يتَعَلَّق بذلك روينَا عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَإِلَى النَّجَاشِيّ وَإِلَى كل جَبَّار يَدعُوهُم إِلَى الله تَعَالَى فَدلَّ على أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين عينهم أكبر مُلُوك الأَرْض وَبَقِيَّة الْمُلُوك تبع لَهُم فِي زَمَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلذَلِك كَانُوا يدعونَ كسْرَى شاهان شاه يَعْنِي ملك الْمُلُوك وَقد كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتسمى الرجل بِهَذَا الِاسْم وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ

فَبَدَأت بالنجاشي رَحمَه الله لسرعة إجَابَته لدَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإسلامه وتواضعه وَعدم توقفه عِنْد سَماع التَّنْزِيل واتباعه الْحق وَلم يَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم ولكونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَظُهُور المعجزة فِي ذَلِك وتتبعت جَمِيع مَا رُوِيَ فِي ذَلِك حسب الِاسْتِطَاعَة فَأَقُول قَالَ ابْن دحْيَة فِي فضل الْأَيَّام والشهور النَّجَاشِيّ بِفَتْح النُّون وَكسرهَا واسْمه أَصْحَمَة قَالَ ابْن زبر فِي وفياته وروى مصحمة بِالْمِيم بدل الْهمزَة بن أبجر وَمن كتاب نَوَادِر التَّفْسِير لمقاتل بن سُلَيْمَان الْبَلْخِي قَالَ اسْم النَّجَاشِيّ مَكْحُول بن صصه وكل من ملك الْحَبَشَة يُقَال لَهُ النَّجَاشِيّ وَهُوَ من النجش وَهُوَ كشفك عَن الشَّيْء وبحثك عَنهُ قَالَ الرشاطي الْحَبَشَة من ولد حبش بن كوش ابْن حام وَهُوَ أكبر مُلُوك السودَان وَجَمِيع ممالك السودَان يُعْطون الطَّاعَة للحبشة أسلم النَّجَاشِيّ وَحسن إِسْلَامه روينَا عَن عبد الْملك بن هِشَام

عَن زِيَاد البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى مَا يُصِيب أَصْحَابه من الْبلَاء من أهل مَكَّة وتعذيبهم عِنْد مَا أظهرُوا الْإِسْلَام قَالَ لَهُم لَو خَرجْتُمْ إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن بهَا ملكا عَظِيما لَا يظلم عِنْده أحد وَهِي أَرض صدق حَتَّى يَجْعَل الله لكم فرجا مِمَّا أَنْتُم فِيهِ فَخرج قوم وَستر الْبَاقُونَ إسْلَامهمْ وَكَانَت أَرض الْحَبَشَة متجرا لقريش فَخرج عِنْد ذَلِك أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَخَافَة الْفِتْنَة وفرارا إِلَى الله بدينهم فَكَانَت أول هِجْرَة فِي الْإِسْلَام وَكَانُوا أحد عشر نَفرا وَأَرْبع نسْوَة متسللين سرا فصادف وصولهم إِلَى الْبَحْر سفينتين للتجار فحملوهم فيهمَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ مخرجهم فِي رَجَب من السّنة الْخَامِسَة من النُّبُوَّة وَخرجت قُرَيْش فِي آثَارهم فقاتلوهم وَكَانَ أول من خرج عُثْمَان بن عَفَّان مَعَه امْرَأَته رقية بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وجعفر بن أبي طَالب وَأَبُو سَلمَة وَامْرَأَته أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة وَعبد الله بن مَسْعُود فِيمَن خرج مَعَهم رَضِي الله عَنْهُم فأقاموا عِنْد النَّجَاشِيّ شعْبَان ورمضان وَقدمُوا فِي شَوَّال وَلم يدْخل أحدهم مَكَّة فآذوهم عَشَائِرهمْ فَأذن لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخُرُوج مرّة أُخْرَى فَخَرجُوا فِي جمَاعَة من رجال وَنسَاء وَكَانَ جَمِيع من لحق بِأَرْض

الْحَبَشَة سوى من ولد بهَا وَأَبْنَائِهِمْ الَّذين خَرجُوا بهم صغَارًا نيفا وَثَمَانِينَ رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة وَلما سمعُوا بمهاجرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ مِنْهُم ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا وثمان نسْوَة فَمَاتَ مِنْهُم رجل بِمَكَّة وَحبس سَبْعَة وَشهد بَدْرًا مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لما نزلنَا أَرض الْحَبَشَة جاورنا بهَا خير جَار النَّجَاشِيّ أمنا أمنا على ديننَا وعبدنا الله لَا نؤذى وَلَا نسْمع شَيْئا نكرهه فَلَمَّا بلغ ذَلِك قُريْشًا ائْتَمرُوا بَينهم أَن يبعثوا إِلَى النَّجَاشِيّ فِينَا رجلَيْنِ جلدين وَأَن يهدوا لَهُ هَدَايَا مِمَّا يستطرف من مَتَاع مَكَّة وَكَانَ من أعجب مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأدم فَجمعُوا لَهُ أدما كثيرا وَلم يتْركُوا من بطارقته بطريقا إِلَّا أهدوا لَهُ هَدِيَّة ثمَّ بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ وأمروهما بأمرهم وَقَالُوا لَهما ادفعا إِلَى كل بطرِيق هديته قبل أَن تكلما النَّجَاشِيّ فيهم ثمَّ قدما إِلَى النَّجَاشِيّ هداياه ثمَّ سلاه أَن يسلمهم إلَيْكُمَا قبل أَن يكلمهم قَالَت أم سَلمَة فَخَرَجَا حَتَّى قدما على النَّجَاشِيّ وَنحن عِنْدهم بِخَير دَار عِنْد خير جَار فَلم يبْق من بطارقته بطرِيق إِلَّا دفعا إِلَيْهِ هديته

قبل أَن يكلما النَّجَاشِيّ وَقَالا لكل بطرِيق مِنْهُم إِنَّه قد ضوى إِلَى بِلَاد الْملك يَعْنِي أَوَى وانضم إِلَيْهِ قَالَه الْجَوْهَرِي منا غلْمَان سُفَهَاء فارقوا دين قَومهمْ وَلم يدخلُوا فِي دينكُمْ وَجَاءُوا بدين مُبْتَدع لَا نعرفه نَحن وَلَا أَنْتُم وَقد بعثنَا إِلَى الْملك فيهم أَشْرَاف قَومهمْ ليردهم إِلَيْهِم فَإِذا كلمنا الْملك فيهم فأشيروا عَلَيْهِ بِأَن يسلمهم إِلَيْنَا وَلَا يكلمهم فَإِن قَومهمْ أَعلَى بهم عينا وَأعلم بِمَا كَانُوا عابوا عَلَيْهِم فَقَالُوا لَهما نعم ثمَّ إنَّهُمَا قربا هداياهما إِلَى النَّجَاشِيّ قبلهَا مِنْهُمَا ثمَّ كلماه فَقَالَا لَهُ أَيهَا الْملك إِنَّه قد ضوى إِلَى بلدك منا غلْمَان سُفَهَاء فارقوا دين قَومهمْ وَلم يدخلُوا فِي دينك وَجَاءُوا بدين ابتدعوه لَا نعرفه نَحن وَلَا أَنْت وَقد بعثنَا إِلَيْك فيهم أَشْرَاف قَومهمْ من آبَائِهِم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عَلَيْهِم فهم أَعلَى بهم عينا وَأعلم بِمَا عابوا عَلَيْهِم وعاتبوهم فِيهِ قَالَت وَلم يكن شَيْء أبْغض إِلَى عبد الله بن أبي ربيعَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ من أَن يسمع كَلَامهم النَّجَاشِيّ قَالَت فَقَالَت بطارقته حوله صدقا أَيهَا الْملك قَومهمْ أَعلَى بهم عينا وَأعلم بِمَا

عابوا عَلَيْهِم فأسلمهم إِلَيْهِمَا فليرداهم إِلَى بِلَادهمْ وقومهم قَالَت فَغَضب النَّجَاشِيّ ثمَّ قَالَ لَا هَا الله إِذا لَا أسلمهم إِلَيْهِمَا وَلَا يكَاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حَتَّى أدعوهم فأسألهم عَمَّا يَقُول هَذَانِ فِي أَمرهم فَإِن كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أسلمتهم إِلَيْهِمَا ورددتهم إِلَى قَومهمْ وَإِن كَانُوا على غير ذَلِك منعتهم مِنْهُم وأحسنت جوارهم مَا جاوروني قَالَت ثمَّ أرسل إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُم رَسُوله اجْتَمعُوا ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض مَا تَقولُونَ للرجل إِذا جئتموه قَالُوا نقُول وَالله مَا علمنَا وَمَا أمرنَا بِهِ نَبينَا كَائِنا فِي ذَلِك مَا هُوَ كَائِن فَلَمَّا جَاءُوا وَقد دَعَا النَّجَاشِيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُم مَا هَذَا الَّذين الَّذِي فارقتم فِيهِ قومكم وَلم تدْخلُوا فِي ديني وَلَا فِي دين أحد من هَذِه الْملَل قَالَت فَكَانَ الَّذِي كَلمه جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْملك كُنَّا قوما أهل جَاهِلِيَّة نعْبد الْأَصْنَام وَنَأْكُل الْميتَة ونأتي الْفَوَاحِش ونقطع الْأَرْحَام ونسيء الْجوَار وَيَأْكُل الْقوي الضَّعِيف فَكُنَّا على ذَلِك حَتَّى

بعث الله سُبْحَانَهُ إِلَيْنَا رَسُولا منا نَعْرِف نسبه وَصدقه وأمانته وعفافه فَدَعَانَا إِلَى الله لنوحده ونعبده ونخلع مَا كُنَّا نعْبد نَحن وآباؤنا من دونه من الْحِجَارَة والأوثان وأمرنا بِصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وصلَة الرَّحِم وَحسن الْجوَار والكف عَن الْمَحَارِم والدماء ونهانا عَن الْفَوَاحِش وَقَول الزُّور وَأكل مَال الْيَتِيم وَقذف الْمُحْصنَات وأمرنا أَن نعْبد الله لَا نشْرك بِهِ شَيْئا وأمرنا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالصِّيَام قَالَت فعدد عَلَيْهِ أُمُور الْإِسْلَام فصدقنا وآمنا بِهِ واتبعناه على مَا جَاءَ بِهِ من الله فعبدنا الله وَحده وَلم نشْرك بِهِ شَيْئا وحرمنا مَا حرم علينا وأحللنا مَا أحل لنا فَعدا علينا قَومنَا فعذبونا وفتنونا عَن ديننَا ليردونا إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان من عبَادَة الله وَأَن نستحل مَا كُنَّا نستحل من الْخَبَائِث فَلَمَّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بَيْننَا وَبَين ديننَا خرجنَا إِلَى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا فِي جوارك ورجونا أَن لَا نظلم عنْدك أَيهَا الْملك قَالَت فَقَالَ النَّجَاشِيّ هَل مَعَك مِمَّا جَاءَ بِهِ عَن الله من شَيْء قَالَت فَقَالَ لَهُ جَعْفَر نعم فَقَالَ النَّجَاشِيّ فاقرأه عَليّ قَالَت فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدرا من {كهيعص} قَالَت فَبكى وَالله النَّجَاشِيّ حَتَّى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حَتَّى أخضلوا مصاحفهم

حِين سمعُوا مَا تَلا عَلَيْهِم قَالَ الْجَوْهَرِي اخضل مَعْنَاهُ بل ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ إِن هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ليخرج من مشكاة وَاحِدَة قَالَ الواحدي الْمشكاة كوَّة غير نَافِذَة انْطَلقَا فوَاللَّه لَا أسلمهم إلَيْكُمَا وَلَا نكاد قَالَت فَلَمَّا خرجا من عِنْده قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالله لَآتِيَنه غَدا عَنْهُم بِمَا أستأصل بِهِ خضراءهم قَالَ الْجَوْهَرِي خضراءهم يَعْنِي سوادهم ومعظمهم وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي وَقَالَ إِنَّمَا يُقَال غضراءهم أَي خَيرهمْ وغضارتهم قَالَت فَقَالَ عبد الله بن أبي ربيعَة وَكَانَ أبقى الرجلَيْن فِينَا لَا تفعل فَإِن لَهُم أرحاما وَإِن كَانُوا قد خالفونا قَالَ وَالله لأخبرنه أَنهم يَزْعمُونَ أَن عِيسَى بن مَرْيَم عبد قَالَت ثمَّ غَدا عَلَيْهِ من الْغَد فَقَالَ أَيهَا الْملك إِنَّهُم يَقُولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قولا عَظِيما فَأرْسل إِلَيْهِم فسلهم عَمَّا

يَقُولُونَ فِيهِ قَالَت فَأرْسل إِلَيْهِم ليسألهم عَنهُ قَالَت وَلم ينزل بِنَا مثلهَا قطّ فَاجْتمع الْقَوْم ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض مَاذَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قَالَت فَقَالَ جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ نقُول فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبينَا كَائِنا فِي ذَلِك مَا هُوَ كَائِن قَالَت فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُم مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى بن مَرْيَم قَالَت فَقَالَ جَعْفَر بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ نقُول فِيهِ الَّذِي جَاءَنَا بِهِ نَبينَا نقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله وروحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم الْعَذْرَاء البتول قَالَ الْجَوْهَرِي الْعَذْرَاء الْبكر والبتول المنقطعة من الزواج وَقيل المنقطعة إِلَى الله تَعَالَى عَن الدُّنْيَا قَالَت فَضرب النَّجَاشِيّ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض فَأخذ مِنْهَا عودا ثمَّ قَالَ مَا عدا عِيسَى بن مَرْيَم مِمَّا قلت هَذَا الْعود قَالَت فتناخرت بطارقته حوله حِين قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِن نخرتم وَالله اذْهَبُوا فَأنْتم شيوم بأرضي والشيوم الآمنون من سبكم غرم ثمَّ

قَالَ من سبكم غرم مَا أحب أَن لي دبرا من ذهب قَالَ ابْن هِشَام وَيُقَال ديرا وَيُقَال فَأنْتم سيوم وَأَنِّي آذيت رجلا مِنْكُم والدبر بِلِسَان الْحَبَشَة الْجَبَل ردوا عَلَيْهِمَا هداياهما فَلَا حَاجَة لي بهَا فوَاللَّه مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة حِين رد عَليّ ملكي فآخذ الرِّشْوَة فِيهِ وَمَا أطَاع النَّاس فِي فأطيعهم فِيهِ قَالَت فَخَرَجَا من عِنْده مقبوحين مردودا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وأقمنا عِنْده بِخَير دَار مَعَ خير جَار قَالَت فوَاللَّه إِنَّا لعلى ذَلِك إِذْ نزل بِهِ رجل من الْحَبَشَة ينازعه فِي ملكه قَالَت فوَاللَّه مَا علمتنا حزنا قطّ كَانَ أَشد من حزن حزناه عِنْد ذَلِك تخوفا أَن يظْهر ذَلِك الرجل على النَّجَاشِيّ فَيَأْتِي رجل لَا يعرف من حَقنا مَا كَانَ النَّجَاشِيّ يعرف مِنْهُ قَالَت وَسَار إِلَيْهِ النَّجَاشِيّ وَبَينهمَا عرض النّيل قَالَت فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رجل يخرج حَتَّى يحضر وقيعة الْقَوْم ثمَّ يأتينا بالْخبر قَالَت فَقَالَ الزبير بن الْعَوام أَنا قَالُوا فَأَنت وَكَانَ من أحدث الْقَوْم سنا قَالَت فنفخوا لَهُ قربَة فَجَعلهَا فِي صَدره ثمَّ سبح عَلَيْهَا حَتَّى خرج إِلَى نَاحيَة النّيل الَّتِي بهَا ملتقى الْقَوْم ثمَّ انْطلق حَتَّى حضرهم قَالَت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه

والتمكين لَهُ فِي بِلَاده قَالَت فوَاللَّه إِنَّا لعلى ذَلِك متوقعون لَهُ مَا هُوَ كَائِن إِذْ طلع الزبير بن الْعَوام يسْعَى فلمع بِثَوْبِهِ أَلا فأبشروا فقد ظفر النَّجَاشِيّ وَأهْلك الله عدوه قَالَت فوَاللَّه مَا علمتنا فرحنا فرحة قطّ مثلهَا قَالَت وَرجع النَّجَاشِيّ وَقد أهلك الله عدوه وَمكن لَهُ فِي بِلَاده واستوسق عَلَيْهِ أَمر الْحَبَشَة فَكُنَّا عِنْده فِي خير منزل حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قَالَ وَأما قَول النَّجَاشِيّ مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة حِين رد عَليّ ملكي فآخذ الرِّشْوَة فِيهِ فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِن أَبَاهُ ملك قومه وَلم يكن لَهُ ولد إِلَّا النَّجَاشِيّ وَكَانَ للنجاشي عَم لَهُ من صلبه اثْنَا عشر ولدا وَكَانُوا أهل بَيت مملكة الْحَبَشَة فَقَالَت الْحَبَشَة بَينهَا لَو أَنا قتلنَا أَبَا النَّجَاشِيّ وملكنا أَخَاهُ فَإِنَّهُ لَا ولد لَهُ غير هَذَا الْغُلَام وَإِن لِأَخِيهِ من صلبه اثْنَي عشر رجلا فتوارثوا الْملك من بعده بقيت الْحَبَشَة بعده دهرا فعدوا على أبي النَّجَاشِيّ فَقَتَلُوهُ وملكوا أَخَاهُ فَمَكَثُوا على ذَلِك حينا وَنَشَأ النَّجَاشِيّ مَعَ عَمه وَكَانَ لبيبا حازما فغلب على أَمر عَمه وَنزل مِنْهُ كل منزلَة فَلَمَّا رَأَتْ الْحَبَشَة مَكَانَهُ مِنْهُ قَالَت بَينهَا وَالله لقد غلب هَذَا الْفَتى على أَمر عَمه وَإِنَّا لنتخوف أَن يملكهُ علينا فَإِن ملكه علينا ليقتلنا أَجْمَعِينَ وَلَقَد عرف أَنا نَحن

قتلنَا أَبَاهُ فَمَشَوْا إِلَى عَمه فَقَالُوا إِمَّا أَن تقتل هَذَا الْفَتى وَإِمَّا أَن نخرجهُ من بَين أظهرنَا فَإنَّا قد خفناه على أَنْفُسنَا قَالَ وَيْلكُمْ قتلت أَبَاهُ بالْأَمْس وأقتله الْيَوْم بل أخرجه عَنْكُم قَالَت فَخَرجُوا بِهِ إِلَى السُّوق فباعوه من رجل من التُّجَّار بستمائة دِرْهَم فقذفه فِي سفينته فَانْطَلق بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ الْعشي من ذَلِك الْيَوْم هَاجَتْ سَحَابَة من سحائب الخريف فَخرج عَمه يستمطر تحتهَا فأصابته صَاعِقَة فَقتلته قَالَت فَفَزِعت الْحَبَشَة إِلَى وَلَده فَإِذا هُوَ محمق لَيْسَ فِي وَلَده خير فمرج على الْحَبَشَة أَمرهم يَعْنِي اخْتَلَط واضطرب قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء وَبِفَتْحِهَا عَكسه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {مرج الْبَحْرين} أَي خلاهما لَا يلتبسان قَالَت فَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِم مَا هم فِيهِ من ذَلِك قَالَ بَعضهم لبَعض تعلمُوا وَالله إِن ملككم الَّذِي لَا يُقيم أَمركُم غَيره للَّذي بعتموه غدْوَة فَإِن كَانَ لكم بِأَمْر الْحَبَشَة حَاجَة فأدركوه قَالَت فَخَرجُوا فِي طلبه وَطلب الرجل الَّذِي باعوه مِنْهُ حَتَّى أدركوه فَأَخَذُوهُ مِنْهُ ثمَّ جَاءُوا بِهِ فعقدوا عَلَيْهِ التَّاج وأقعدوه على سَرِير الْملك فملكوه فَجَاءَهُمْ التَّاجِر الَّذِي كَانُوا باعوه مِنْهُ فَقَالَ إِمَّا أَن تعطوني مَالِي وَإِمَّا أَن ُأكَلِّمهُ فِي ذَلِك فَقَالُوا لَا نعطيك شَيْئا

قَالَ إِذا وَالله ُأكَلِّمهُ قَالُوا فدونك قَالَ فجَاء فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ وَقَالَ أَيهَا الْملك ابتعت غُلَاما من قوم بِالسوقِ بستمائة دِرْهَم فأسلموا إِلَيّ غلامي وَأخذُوا دراهمي حَتَّى إِذا سرت بغلامي أدركوني فَأخذُوا غلامي ومنعوني دراهمي قَالَت فَقَالَ لَهُم النَّجَاشِيّ لتعطنه دَرَاهِمه أَو ليضعن يَد غُلَامه فِي يَده فليذهبن بِهِ حَيْثُ شَاءَ قَالُوا بل نُعْطِيه دَرَاهِمه قَالَت فَلذَلِك قَالَ مَا أَخذ الله مني الرِّشْوَة حِين رد عَليّ ملكي فآخذ الرِّشْوَة فِيهِ قَالَت وَكَانَ ذَلِك أول مَا خبر من صلابته فِي دينه وعدله فِي حكمه قَالَ السُّهيْلي وَظَاهر الحَدِيث يدل على أَنهم أَخَذُوهُ مِنْهُ قبل أَن يَأْتِي بِهِ بِلَاده لقَوْله خَرجُوا فِي طلبه فأدركوه وَقد بَين فِي حَدِيث آخر أَن سَيّده كَانَ من الْعَرَب وَأَنه استعبده طَويلا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْله فَلَمَّا مرج على الْحَبَشَة أَمرهم وضاق عَلَيْهِم مَا هم فِيهِ وَهَذَا يدل على طول الْمدَّة فِي مغيبه عَنْهُم وَقد رُوِيَ أَن وقْعَة بدر حِين انْتهى خَبَرهَا إِلَى النَّجَاشِيّ رَحمَه الله علم بهَا قبل من عِنْده من الْمُسلمين فَأرْسل إِلَيْهِم فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ إِذا هُوَ قد

لبس مسحا وَقعد على التُّرَاب والرماد فَقَالُوا لَهُ مَا هَذَا أَيهَا الْملك فَقَالَ إِنَّا نجد فِي الْإِنْجِيل أَن الله سُبْحَانَهُ إِذا أحدث بِعَبْدِهِ نعْمَة وَجب على العَبْد أَن يحدث لله تواضعا وَأَن الله قد أحدث إِلَيْنَا وإليكم نعْمَة عَظِيمَة وَهِي أَن النَّبِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَلغنِي أَنه التقى هُوَ وأعداؤه بواد يُقَال لَهُ بدر كثير الْأَرَاك كنت أرعى فِيهِ الْغنم على سَيِّدي وَهُوَ من بني ضَمرَة وَأَن الله تَعَالَى قد هزم أعداءه فِيهِ وَنصر دينه فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على طول مكثه فِي بِلَاد الْعَرَب فَمن هُنَا وَالله أعلم تعلم من لِسَان الْعَرَب مَا فهم بِهِ سُورَة مَرْيَم حِين تليت عَلَيْهِ حَتَّى بَكَى واخضلت لحيته وَذكر أَن جعفرا رَضِي الله عَنهُ ولد لَهُ بِأَرْض الْحَبَشَة ثَلَاثَة أَوْلَاد مُحَمَّد وَعون وَعبد الله وَكَانَ النَّجَاشِيّ قد ولد لَهُ مَوْلُود يَوْم ولد عبد الله فَأرْسل إِلَى جَعْفَر يسْأَله كَيفَ أسميت ابْنك فَقَالَ عبد الله فَسمى النَّجَاشِيّ ابْنه عبد الله وأرضعته أَسمَاء بنت عُمَيْس امْرَأَة جَعْفَر مَعَ ابْنهَا عبد الله فَكَانَا يتواصلان بِتِلْكَ الْأُخوة قَالَ السُّهيْلي وَمن رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا نيزر مولى عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ابْنا للنجاشي نَفسه

وَأَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام وجده عِنْد تَاجر بِمَكَّة فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأعْتقهُ مُكَافَأَة لما صنع أَبوهُ مَعَ الْمُسلمين وَذكر أَن الْحَبَشَة مرج عَلَيْهَا أمرهَا بعد موت النَّجَاشِيّ رَحمَه الله وَأَنَّهُمْ أرْسلُوا وَفْدًا مِنْهُم إِلَى أبي نيزر وَهُوَ مَعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ليملكوه ويتوجوه وَلم يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَأبى وَقَالَ مَا كنت لأطلب الْملك بعد أَن من الله عَليّ بِالْإِسْلَامِ قَالَ وَكَانَ أَبُو نيزر من أطول النَّاس قامة وَأَحْسَنهمْ وَجها قَالَ وَلم يكن لَونه كلون الْحَبَشَة وَلَكِن إِذا رَأَيْته قلت رجل من الْعَرَب وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ اجْتمعت الْحَبَشَة فَقَالُوا للنجاشي إِنَّك فَارَقت ديننَا وَخَرجُوا عَلَيْهِ قَالَ فَأرْسل إِلَى جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه فَهَيَّأَ لَهُم سفنا وَقَالَ اركبوا فِيهَا وَكُونُوا كَمَا أَنْتُم فَإِن هزمت فامضوا حَتَّى تلحقوا بِحَيْثُ شِئْتُم وَإِن ظَفرت فاثبتوا ثمَّ عمد إِلَى كتاب فِيهِ هُوَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَيشْهد أَن عِيسَى بن مَرْيَم عبد الله وَرَسُوله وروحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم ثمَّ جعله فِي قبائه عِنْد الْمنْكب الْأَيْمن وَخرج إِلَى الْحَبَشَة وَقد صفوا لَهُ فَقَالَ يَا معشر الْحَبَشَة أَلَسْت

أَحَق النَّاس بكم قَالُوا بلَى قَالَ فَكيف رَأَيْتُمْ سيرتي فِيكُم قَالُوا خير سيرة قَالَ فمالكم قَالُوا فَارَقت ديننَا وَزَعَمت أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عبد قَالَ فَمَا تَقولُونَ أَنْتُم فِي عِيسَى قَالُوا نقُول ابْن الله فَقَالَ النَّجَاشِيّ وَوضع يَده على قبائه وَهُوَ يشْهد أَن عِيسَى بن مَرْيَم لم يزدْ على هَذَا شَيْئا وَإِنَّمَا يَعْنِي مَا كتب فرضوا وَانْصَرفُوا فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ صلى عَلَيْهِ واستغفر لَهُ وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ نعى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخرج إِلَى الْمصلى فَصف أَصْحَابه خَلفه فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي رَجَب سنة تسع من الْهِجْرَة وَفِي رِوَايَة صلى عَلَيْهِ بِالبَقِيعِ رفع إِلَيْهِ سَرِيره بِالْحَبَشَةِ حَتَّى رَآهُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فصلى عَلَيْهِ وَتكلم المُنَافِقُونَ فَقَالُوا يُصَلِّي على هَذَا العلج فَأنْزل الله تَعَالَى وَإِن من أهل الْكتب لمن يُؤمن بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْكُم وَمَا أنزل إِلَيْهِم خشعين لله لَا يشْتَرونَ بايت الله ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُم أجرهم عِنْد رَبهم قلت وَهُوَ من الَّذين يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ كَمَا ورد فِي الصَّحِيح رجل من أهل الْكتاب آمن بِمَا جِئْت بِهِ وَصدق الْمُرْسلين قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَ يتحدث أَنه

فصل في ذكر كتابيه صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي

لَا يزَال يرى على قَبره نور يَعْنِي النَّجَاشِيّ رَحمَه الله روينَاهُ عَن ابْن إِسْحَاق فصل فِي ذكر كِتَابيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ قَالَ ابْن إِسْحَاق بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكَانَ أول رَسُول وَكتب إِلَيْهِ كتابين يَدعُوهُ فِي أَحدهمَا إِلَى الْإِسْلَام وَفِي الآخر يَأْمُرهُ أَن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة رَملَة بنت أبي سُفْيَان فَأخذ الْكتاب فَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَنزل عَن سَرِيره تواضعا ثمَّ أسلم وَشهد شَهَادَة الْحق ودعا بِحَق عاج فَجعل فِيهِ كتابي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لن تزَال الْحَبَشَة بِخَير مَا كَانَ هَذَانِ الكتابان بَين أظهرها ذكره عبد الْكَرِيم قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكتب مَعَ عَمْرو بن أُميَّة فِي شَأْن جَعْفَر وَأَصْحَابه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى

فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة إِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن وَأشْهد أَن عِيسَى بن مَرْيَم روح الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم البتول الطّيبَة الحصينة فَحملت بِعِيسَى خلقه من روحه ونفخه كَمَا خلق آدم بِيَدِهِ وَقد بلغت وَنَصَحْت فاقبلوا نصحي وَإِنِّي أَدْعُوك إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ والموالاة على طَاعَته وَأَن تتبعني وتؤمن بِالَّذِي جَاءَنِي فَإِنِّي رَسُول الله وَإِنِّي أَدْعُوك وجنودك إِلَى الله عز وَجل وَقد بعثت إِلَيْكُم ابْن عمي جعفرا وَمَعَهُ نفر من الْمُسلمين وَالسَّلَام على من اتبع الْهدى فَكتب النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِلَى مُحَمَّد رَسُول الله من النَّجَاشِيّ

أَصْحَمَة سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته من الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الَّذِي هَدَانِي إِلَى الْإِسْلَام أما بعد فقد بَلغنِي كتابك يَا رَسُول الله فِيمَا ذكرت من أَمر عِيسَى فو رب السَّمَاء وَالْأَرْض أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا يزِيد على مَا ذكرت ثفروقا الثفروق بِالْمُثَلثَةِ علاقَة بَين القمع وَالتَّمْرَة وَقيل هُوَ القمع قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره إِنَّه لَكمَا قلت وَقد عرفنَا مَا بعثت بِهِ إِلَيْنَا وَقدم ابْن عمك وَفِي رِوَايَة وَقد قربنا ابْن عمك وَأسْلمت على يَدَيْهِ لله رب الْعَالمين وَقد بعثت إِلَيْك بِابْني وَإِن شِئْت آتِيك بنفسي فعلت يَا رَسُول الله فَإِنِّي أشهد أَن مَا تَقول حق وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

ثمَّ بعث ابْنه كَمَا سَنذكرُهُ بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم إِن النَّجَاشِيّ أسلم وَبعث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكسوة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتْرُكُوا الْحَبَشَة مَا تركوكم قَالَ وَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة وَيبْعَث إِلَيْهِ بِمن قبله من أَصْحَابه ويحملهم فَفعل وروى عبد الْكَرِيم الْحلَبِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أهْدى النَّجَاشِيّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغلة وَكَانَ يركبهَا وَقَالَ قَالَ شَيخنَا الدمياطي فَهِيَ خمس بغال وَعَن أبي قَتَادَة قَالَ لما قدم وَفد النَّجَاشِيّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يخدمهم بِنَفسِهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه نَحن نكفيك فَقَالَ إِنَّهُم كَانُوا يكرمون أَصْحَابِي وَأحب أَن أكافيهم وَرُوِيَ أَن النَّجَاشِيّ الَّذِي كتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلى عَلَيْهِ رَوَاهُ مُسلم وروى أنس مثله قَالَ السُّهيْلي فِي مُخَاطبَة عَمْرو بن أُميَّة للنجاشي قَالَ لَهُ يَا أَصْحَمَة إِن عَليّ القَوْل وَعَلَيْك الِاسْتِمَاع إِنَّك كَأَنَّك فِي الرقة علينا

فصل في زواج أم حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض الحبشة

منا وكأنا بالثقة بك مِنْك لأَنا لم نظن بك خيرا قطّ إِلَّا نلناه وَلم نخفك على شَيْء قطّ إِلَّا أمناه وَقد أَخذنَا بِالْحجَّةِ عَلَيْهِ من قبل الْإِنْجِيل بَيْننَا وَبَيْنك شَاهد لَا يرد وقاض لَا يجور وَفِي ذَلِك موقع الْخَيْر وإصابة الْفَصْل وَإِلَّا فَأَنت فِي هَذَا النَّبِي الْأُمِّي كاليهود فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَقد فرق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رسله إِلَى النَّاس فرجاك لما لم يرجهم لَهُ وأمنك على مَا خافهم عَلَيْهِ لخير سالف وَأجر ينْتَظر فَقَالَ النَّجَاشِيّ أشهد بِاللَّه أَنه النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي ينتظره أهل الْكتاب وَأَن بِشَارَة مُوسَى بِرَاكِب الْحمار كبشارة عِيسَى بِرَاكِب الْجمل وَأَن العيان لَيْسَ بأشفى من الْخَبَر عَنهُ وَلَكِن أعواني من الْحَبَش قَلِيل فأنظرني حَتَّى أَكثر الأعوان وألين الْقُلُوب فصل فِي زواج أم حَبِيبَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْض الْحَبَشَة وَكَانَت هَاجَرت مَعَ زَوجهَا عبيد الله بن جحش الْأَسدي إِلَى

أَرض الْحَبَشَة فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ وَمَات قَالَت أم حَبِيبَة رَضِي الله عَنْهَا رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن عبيد الله بن جحش زَوجي بِأَسْوَأ صُورَة وأشوهه فَفَزِعت فَقلت تَغَيَّرت وَالله حَاله فَإِذا هُوَ يَقُول حِين أصبح يَا أم حَبِيبَة إِنِّي نظرت فِي الدّين فَلم أر دينا خيرا من النَّصْرَانِيَّة وَكنت قد دنت بهَا ثمَّ دخلت فِي دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رجعت إِلَى النَّصْرَانِيَّة فَقلت وَالله مَا هُوَ خير لَك وأخبرته بالرؤيا الَّتِي رَأَيْت فَلم يحفل بهَا وأكب على الْخمر حَتَّى مَاتَ فَرَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول يَا أم الْمُؤمنِينَ فَفَزِعت فَأَوَّلتهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَزَوَّجنِي قَالَت فَمَا هُوَ إِلَّا أَن انْقَضتْ عدتي فَمَا شَعرت إِلَّا برَسُول النَّجَاشِيّ على بِأبي يسْتَأْذن فَإِذا جَارِيَة لَهُ يُقَال لَهَا أَبْرَهَة كَانَت تقوم على ثِيَابه ودهنه فَدخلت عَليّ فَقَالَت إِن الْملك يَقُول لَك إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيّ أَن أزوجكه فَقلت بشرك الله بِخَير قَالَت يَقُول لَك الْملك وكلي من يزوجك فَأرْسلت إِلَى خَالِد بن سعيد فَوَكَّلَتْهُ وَأعْطيت أَبْرَهَة سِوَارَيْنِ من فضَّة وخدمتين كَانَتَا فِي رجْلي وخواتيم من فضَّة فِي أَصَابِع رجْلي سُرُورًا بِمَا بشرت وَفِي رِوَايَة فأعطيتها أَوْضَاحًا لي قَالَ الْجَوْهَرِي الأوضاح

حلى من الدَّرَاهِم كَانَ الْعشي أَمر النَّجَاشِيّ جَعْفَر بن أبي طَالب وَمن هُنَاكَ من الْمُسلمين فَحَضَرُوا وخطب فَقَالَ الْحَمد لله الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَنه الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيّ أَن أزَوجهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فأجبت إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أَصدقتهَا أَرْبَعمِائَة دِينَار وسكب الدَّنَانِير بَين يَدي الْقَوْم فَتكلم خَالِد بن سعيد فَقَالَ الْحَمد لله أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ وأستغفره وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ أما بعد فقد أجبْت إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَوجته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَبَارك الله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دفع الدَّنَانِير إِلَى خَالِد بن سعيد فقبضها ثمَّ أَرَادوا أَن يقومُوا فَقَالَ اجلسوا فَإِن سنة الْأَنْبِيَاء إِذا تزوجوا أَن يُؤْكَل طَعَام على التَّزْوِيج فَدَعَا بِطَعَام فَأَكَلُوا ثمَّ تفَرقُوا قَالَت أم حَبِيبَة فَلَمَّا وصل إِلَيّ المَال أرْسلت إِلَى أَبْرَهَة الَّتِي بشرتني فَقلت لَهَا إِنِّي كنت أَعطيتك مَا أَعطيتك يَوْمئِذٍ وَلَا مَال بيَدي فَهَذِهِ خَمْسُونَ مِثْقَالا فخذيها فاستعيني بهَا فَأَبت فأخرجت حَقًا فِيهِ كل مَا أعطيتهَا فَردته عَليّ وَقَالَت عزم عَليّ الْملك أَن لَا أرزأك شَيْئا قَالَ عِيَاض رَحمَه الله لَا أرزأ مَعْنَاهُ النَّقْص

رزأته ورزئته إِذا نقصته وَفِي الحَدِيث لَا أرزأ بعْدك أحدا أَي آخذ مِنْهُ وَأَنا الَّتِي أقوم على ثِيَابه ودهنه وَقد اتبعت دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسْلمت لله وَقد أَمر الْملك نِسَاءَهُ أَن يبْعَثْنَ إِلَيْك بِكُل مَا عِنْدهن من الْعطر قَالَت فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَتْنِي بِعُود وَوَرس وَعَنْبَر وَزَباد كثير فَقدمت بذلك كُله على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يرَاهُ عَليّ وَعِنْدِي فَلَا يُنكره ثمَّ قَالَت أَبْرَهَة حَاجَتي إِلَيْك أَن تقرئي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام وتعلميه أَنِّي قد اتبعت دينه قَالَت فَكَانَت الَّتِي جَهَّزْتنِي وَكَانَت كلما دخلت عَليّ تَقول لَا تنسى حَاجَتي إِلَيْك فَلَمَّا قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته كَيفَ كَانَت الْخطْبَة وَمَا فعلت أَبْرَهَة فَتَبَسَّمَ وَأَقْرَأْته مِنْهَا السَّلَام فَقَالَ وَعَلَيْهَا السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سبع قَالَ الزُّهْرِيّ وجهزها النَّجَاشِيّ مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كتاب تنوير الغبش فِي مدح السودَان والحبش

تفسير

وَفِي رِوَايَة قَالَت فخرجنا إِلَى الْمَدِينَة وَرَسُول الله بِخَيْبَر فَخرج من خرج إِلَيْهِ وأقمت بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قدم فَدخلت عَلَيْهِ وَكَانَ يسألني عَن النَّجَاشِيّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَلما بلغ أَبَا سُفْيَان تَزْوِيج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم حَبِيبَة قَالَ ذَلِك الْفَحْل لَا يقرع أَنفه تَفْسِير وناهيك بِهَذَا القَوْل من أبي سُفْيَان وَوَصفه لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسؤدد وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء فَإِنَّهُ كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت من أكبر الْأَعْدَاء لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ هَذِه الْمقَالة قَالَ الْجَوْهَرِي القريع الْفَحْل لِأَنَّهُ مقترع من الْإِبِل أَي مُخْتَار أَو أَنه يقرع النَّاقة قَالَ ذُو الرمة (وَقد لَاحَ للساري سُهَيْل كَأَنَّهُ ... قريع هجان عَارض الشول جافر) قَالَ والقريع السَّيِّد يُقَال فلَان قريع دهره والقراع الضراب وقرع الْفَحْل النَّاقة يقرعها قرعا وقراعا واستقرعني فلَان فحلي فأقرعته أَي أَعْطيته ليقرع إبِله أَي يضْربهَا واستقرعت الْبَقَرَة أَي أَرَادَت الْفَحْل والمقروع الْمُخْتَار للفحلة والمقروع

السَّيِّد والقراع الصلب الشَّديد فَهَذَا مثل ضربه أَبُو سُفْيَان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كالفحل بَين الْإِبِل إِذا كَانَ عَزِيزًا كَرِيمًا على أَهله لَا يقرع أَنفه أَي لَا يضْرب أَنفه يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ الَّذِي يظْهر أَن يقرع بالراء تَصْحِيف وَصَوَابه يُقْدَع بِالدَّال الْمُهْملَة قَالَ الْجَوْهَرِي قدعت فرسي أقدعه قدعا كبحته وكففته ليكف بعض جريه وَهَذَا فَحل لَا يُقْدَع أَي لَا يضْرب أَنفه وَذَلِكَ إِذا كَانَ كَرِيمًا وقدعت الرجل عَنْك أَي كففته قَالَ وَلما قدم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب الْمَدِينَة جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَلمهُ أَن يزِيد فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فَلم يقبل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ فَدخل على ابْنَته أم حَبِيبَة فَلَمَّا ذهب ليجلس على فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طوته دونه فَقَالَ أرغبت بِهَذَا الْفراش عني أم بِي عَنهُ فَقَالَت بل هُوَ فرَاش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت امْرُؤ نجس مُشْرك فَقَالَ يَا بنية لقد أَصَابَك بعدِي شَرّ قَالَ غَيره وَأنزل الله عز وَجل {عَسى الله أَن يَجْعَل بَيْنكُم وَبَين الَّذين عاديتم مِنْهُم} يَعْنِي أَبَا سُفْيَان {مَوَدَّة} يَعْنِي بتزويج أم حَبِيبَة

فصل في إرسال النجاشي ولده أرها وغرقه

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا دعتني أم حَبِيبَة عِنْد مَوتهَا فَقَالَت قد كَانَ يكون بَيْننَا مَا يكون بَين الضرائر فغفر الله لي وَلَك فَقلت غفر الله لَك ذَلِك كُله وَتجَاوز وحللك من ذَلِك فَقَالَت سررتني سرك الله وَأرْسلت إِلَى أم سَلمَة فَقَالَت لَهَا مثل ذَلِك وَتوفيت سنة أَربع وَأَرْبَعين فِي خلَافَة مُعَاوِيَة قَالَ ابْن عبد الْبر أمهَا صَفِيَّة بنت أبي الْعَاصِ عمَّة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنْهُم فصل فِي إرْسَال النَّجَاشِيّ وَلَده أرها وغرقه قَالَ السُّهيْلي وَبعث النَّجَاشِيّ بعد قدوم جَعْفَر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرها بن أَصْحَمَة بن أبحر وَفِي رِوَايَة بِالْجِيم فِي سِتِّينَ رجلا من الْحَبَشَة وَكتب إِلَيْهِ يَا رَسُول الله أشهد أَنَّك رَسُول الله صلى الله عَلَيْك وَسلم صَادِقا مُصدقا فَرَكبُوا سفينة فِي أثر جَعْفَر وَأَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا فِي وسط الْبَحْر غرقوا ووافى جَعْفَر وَأَصْحَابه رَسُول الله

فصل في فضل الحبشة

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سبعين رجلا عَلَيْهِم ثِيَاب الصُّوف مِنْهُم اثْنَان وَسِتُّونَ من الْحَبَشَة وَثَمَانِية من أهل الشَّام فَقَرَأَ عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة يس إِلَى آخرهَا فبكوا حِين سمعُوا الْقُرْآن وآمنوا وَقَالُوا مَا أشبه هَذَا بِمَا كَانَ ينزل على عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَأنْزل الله تَعَالَى ولتجدن أقربهم مَوَدَّة للَّذين آمنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا نصرى يَعْنِي وَفد النَّجَاشِيّ الَّذين قدمُوا مَعَ جَعْفَر وَكَانُوا أَصْحَاب الصوامع رَضِي الله عَنْهُم فصل فِي فضل الْحَبَشَة روى ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّنْوِير عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة لعبت الْحَبَشَة لقدومه بِحِرَابِهِمْ فَرحا بذلك وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت كَانَ عِنْدِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم لعب السودَان بالدرق والحراب فَأَما سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِمَّا قَالَ لي تشتهين تنظرين فَقلت نعم فأقامني وَرَاءه خدي عَليّ خَدّه

ومما جاء في القرآن موافقا للغة الحبشة

وَهُوَ يَقُول دونكم يَا بني أرفدة حَتَّى إِذا مللت قَالَ حَسبك قلت نعم قَالَ فاذهبي وعنها قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فسمعنا لَغطا وَصَوت صبيان فَقَامَ فَإِذا حبشية تزفن وَفِي رِوَايَة فِي الْمَسْجِد وَالصبيان حولهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة تعالي فانظري فَجئْت فَوضعت ذقني على منْكب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت أنظر إِلَيْهَا مَا بَين مَنْكِبَيْه إِلَى رَأسه فَقَالَ لي أما شبعت فَقلت لَا لأنظر منزلتي عِنْده وروى عَن أبي بشر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر مرا بِالْحَبَشَةِ وهم يَلْعَبُونَ وَيَقُولُونَ (يَا أَيهَا الضَّيْف المعرج طَارِقًا ... لَوْلَا مَرَرْت بآل عبد الدَّار) (لَوْلَا مَرَرْت بهم تُرِيدُ قراهم ... منعوك من جهد وَمن إقتار) وَمِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآن مُوَافقا للغة الْحَبَشَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ {يُؤْتكُم كِفْلَيْنِ من رَحمته} قَالَ ضعفين وَهُوَ بِلِسَان الْحَبَشَة والمشكاة الكوة بلسانهم وَقد تقدم وَقَوله

ومما سمعه صلى الله عليه وسلم من كلامهم فأعجبه ونطق به

تَعَالَى {طه} بِلِسَان الْحَبَشَة يَا رجل وَقيل {إِن ناشئة اللَّيْل} بِلِسَان الْحَبَشَة إِذا نَشأ قَامَ قَالَ ابْن مَسْعُود هِيَ قيام اللَّيْل بِلِسَان الْحَبَشَة {إِن إِبْرَاهِيم لأواه حَلِيم} الأواه الْمُؤمن وَهِي بِالْحَبَشَةِ وَمِمَّا سَمعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَلَامهم فأعجبه ونطق بِهِ قَوْله سناه والسناه الْحسن بِلِسَان الْحَبَشَة روينَاهُ فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَفَسرهُ وروى ابْن الْجَوْزِيّ فِي تنوير الغبش عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما رجعت مهاجرة الْحَبَشَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا تحدثوني بِأَعْجَب شَيْء رَأَيْتُمْ بِأَرْض الْحَبَشَة قَالَ فتية مِنْهُم يَا رَسُول الله بَيْنَمَا نَحن جُلُوس إِذْ مرت علينا عَجُوز من عجائزهم تحمل على رَأسهَا قلَّة من مَاء فمرت بفتى مِنْهُم فَجعل إِحْدَى يَدَيْهِ بَين كتفيها

فصل في إرسال قريش إلى النجاشي عمرو بن العاصي وعمارة بن الوليد المرة الثانية بعد وقعة بدر

ثمَّ دَفعهَا على ركبتيها فَانْكَسَرت قلتهَا فَلَمَّا ارْتَفَعت التفتت إِلَيْهِ فَقَالَت سَوف تعلم يَا غدر إِذا وضع الله الْكُرْسِيّ وَجمع الْأَوَّلين والآخرين وتكلمت الْأَيْدِي والأرجل بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ تعلم أَمْرِي وأمرك عِنْده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقت كَيفَ يقدس الله قوما لايؤخذ لضعيفهم من قويهم فصل فِي إرْسَال قُرَيْش إِلَى النَّجَاشِيّ عَمْرو بن العَاصِي وَعمارَة بن الْوَلِيد الْمرة الثَّانِيَة بعد وقْعَة بدر ذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي} الْآيَة قَالَ لما هَاجر جَعْفَر بن أبي طَالب وَالصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِلَى الْحَبَشَة واستقرت بهم الدَّار وَهَاجَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ من أَمر بدر مَا كَانَ اجْتمعت قُرَيْش فِي دَار الندوة وَقَالُوا إِن لنا فِي الَّذِي عِنْد النَّجَاشِيّ من أَصْحَاب مُحَمَّد ثأرا مِمَّن قتل مِنْكُم ببدر فاجمعوا مَالا واهدوه إِلَى النَّجَاشِيّ لَعَلَّه يدْفع

إِلَيْكُم من عِنْده من قومكم ولينتدب لذَلِك رجلَانِ من ذَوي رَأْيكُمْ فبعثوا عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد مَعَ الْهَدَايَا الْأدم وَغَيره فركبا الْبَحْر وَأَتيا الْحَبَشَة فَلَمَّا دخلا على النَّجَاشِيّ سجدا لَهُ وسلما عَلَيْهِ وَقَالا لَهُ إِن قَومنَا لَك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبون وَإِنَّهُم بعثونا إِلَيْك لنحذرك هَؤُلَاءِ الَّذين قدمُوا عَلَيْك لأَنهم قوم أَتَاهُم رجل كَذَّاب خرج فِينَا يزْعم أَنه رَسُول الله وَلم يُتَابِعه أحد منا إِلَّا السُّفَهَاء وَإِنَّا كُنَّا قد ضيقنا عَلَيْهِم الْأَمر وألجأناهم إِلَى شعب بأرضنا لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد وَلَا يخرج مِنْهُم أحد قد قَتلهمْ الْجُوع والعطش فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَمر بعث إِلَيْك ابْن عَمه ليفسد عَلَيْك دينك وملكك ورعيتك فَاحْذَرْهُمْ وادفعهم إِلَيْنَا لنكفيكهم قَالَا وَآيَة ذَلِك أَنهم إِذا دخلُوا عَلَيْك لَا يَسْجُدُونَ لَك وَلَا يحيونك بالتحية الَّتِي يُحْيِيك بهَا النَّاس رَغْبَة عَن دينك وسنتك قَالَ فَدَعَاهُمْ النَّجَاشِيّ فَلَمَّا حَضَرُوا صَاح جَعْفَر بِالْبَابِ يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله فَقَالَ النَّجَاشِيّ مروا هَذَا الصائح فليعد كَلَامه فَفعل جَعْفَر فَقَالَ النَّجَاشِيّ نعم فليدخلوا بِأَمَان الله وذمته فَنظر عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى صَاحبه فَقَالَ أَلا تسمع كَيفَ يرطنون بحزب الله وَمَا أجابهم بِهِ

النَّجَاشِيّ فساءهما ذَلِك ثمَّ دخلُوا عَلَيْهِ فَلم يسجدوا لَهُ فَقَالَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ ألم تَرَ أَنهم يَسْتَكْبِرُونَ أَن يسجدوا لَك فَقَالَ لَهُم النَّجَاشِيّ مَا منعكم أَن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية الَّتِي يحييني بهَا من أَتَى من الْآفَاق قَالُوا نسجد لله الَّذِي خلقك وملكك وَإِنَّمَا كَانَت تِلْكَ التَّحِيَّة لنا وَنحن نعْبد الْأَوْثَان فَبعث الله فِينَا نَبيا صَادِقا وأمرنا بالتحية الَّتِي رضيها الله وَهِي السَّلَام تَحِيَّة أهل الْجنَّة فَعرف النَّجَاشِيّ أَن ذَلِك حق وَأَنه فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل قَالَ أَيّكُم الْهَاتِف يسْتَأْذن عَلَيْك حزب الله قَالَ جَعْفَر أَنا قَالَ فَتكلم قَالَ إِنَّك ملك من مُلُوك أهل الأَرْض وَمن أهل الْكتاب وَلَا يصلح عنْدك كَثْرَة الْكَلَام وَلَا الظُّلم وَأَنا أحب أَن أُجِيب عَن أَصْحَابِي فَمر هذَيْن الرجلَيْن فَلْيَتَكَلَّمْ أَحدهمَا ولينصت الآخر فَتسمع محاورتنا قَالَ الْجَوْهَرِي المحاورة المجاوبة فَقَالَ عَمْرو لجَعْفَر تكلم فَقَالَ جَعْفَر للنجاشي سل هذَيْن الرجلَيْن أعبيد نَحن أم أَحْرَار فَأن كُنَّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إِلَيْهِم فَقَالَ النَّجَاشِيّ أعبيد هم أم أَحْرَار فَقَالَ بل أَحْرَار كرام فَقَالَ النَّجَاشِيّ نَجوا من الْعُبُودِيَّة ثمَّ قَالَ جَعْفَر سلهما هَل أهرقنا دَمًا بِغَيْر حق فيقتص منا فَقَالَ عَمْرو لَا

وَلَا قَطْرَة قَالَ جَعْفَر سلهما هَل أَخذنَا أَمْوَال النَّاس بِغَيْر حق فعلينا قضاءها قَالَ النَّجَاشِيّ إِن كَانَ قِنْطَارًا فعلي قَضَاءَهُ فَقَالَ عَمْرو لَا وَلَا قيراطا قَالَ النَّجَاشِيّ فَمَا تطلبون مِنْهُم قَالَ عَمْرو كُنَّا وهم على دين وَاحِد على دين آبَائِنَا فتركوا ذَلِك وَاتبعُوا غَيره فَبَعَثنَا إِلَيْك قَومنَا لتدفعهم إِلَيْنَا فَقَالَ النَّجَاشِيّ مَا هَذَا الَّذِي كُنْتُم عَلَيْهِ وَالدّين الَّذِي اتبعتموه اصدقني قَالَ جَعْفَر أما الَّذِي كُنَّا عَلَيْهِ فتركناه فَهُوَ دين الشَّيْطَان كُنَّا نكفر بِاللَّه ونعبد الْحِجَارَة وَأما الَّذِي تَحَوَّلْنَا إِلَيْهِ فدين الله الْإِسْلَام جَاءَنَا بِهِ من الله رَسُول وَكتاب مثل كتاب ابْن مَرْيَم مُوَافقا لَهُ فَقَالَ النَّجَاشِيّ يَا جَعْفَر تَكَلَّمت بِأَمْر عَظِيم فعلى رسلك ثمَّ أَمر النَّجَاشِيّ فَضرب بالناقوس فَاجْتمع إِلَيْهِ كل قسيس وراهب فَلَمَّا اجْتَمعُوا عِنْده قَالَ النَّجَاشِيّ أنْشدكُمْ الله الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى هَل تَجِدُونَ بَين عِيسَى وَبَين يَوْم الْقِيَامَة نَبيا مُرْسلا فَقَالُوا اللَّهُمَّ نعم قد بشرنا بِهِ عِيسَى وَقَالَ من آمن بِهِ فقد آمن بِي وَمن كفر بِهِ فقد كفر بِي فَقَالَ النَّجَاشِيّ لجَعْفَر مَاذَا يَقُول لكم هَذَا الرجل وَمَا يَأْمُركُمْ بِهِ وَمَا يَنْهَاكُم عَنهُ فَقَالَ يقْرَأ علينا كتاب الله وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر ويأمرنا بِحسن

الْجوَار وصلَة الرَّحِم وبر الْيَتِيم ويأمرنا بِأَن نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ فَقَالَ اقْرَأ عَليّ مِمَّا يقْرَأ عَلَيْكُم فَقَرَأَ عَلَيْهِ سُورَة العنكبوت وَالروم فَفَاضَتْ عينا النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه بالدمع فَقَالُوا زِدْنَا يَا جَعْفَر من هَذَا الحَدِيث الطّيب فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة الْكَهْف فَأَرَادَ عَمْرو أَن يغْضب النَّجَاشِيّ فَقَالَ إِنَّهُم يشتمون عِيسَى وَأمه فَقَالَ النَّجَاشِيّ مَا تَقولُونَ فِي عِيسَى وَأمه فَقَرَأَ عَلَيْهِم جَعْفَر سُورَة مَرْيَم فَلَمَّا أَتَى على ذكر مَرْيَم وَعِيسَى رفع النَّجَاشِيّ نفثة من سواكه قدر مَا يقذى الْعين قَالَ وَالله مَا زَاد الْمَسِيح على مَا تَقولُونَ هَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي النفاثة مَا بَقِي فِي فِيك من السِّوَاك فنفثته مضموم الأول ثمَّ أقبل على جَعْفَر وَأَصْحَابه فَقَالَ اذْهَبُوا فَأنْتم شيوم بأرضي يَقُول آمنون من سبكم أَو إِذا كم غرم ثمَّ قَالَ أَبْشِرُوا وَلَا تخافوا فَلَا دهورة الْيَوْم على حزب إِبْرَاهِيم قَالَ عَمْرو يَا نجاشي وَمن حزب إِبْرَاهِيم قَالَ هَؤُلَاءِ الرَّهْط وصاحبهم الَّذِي جَاءُوا من عِنْده وَمن تَبِعَهُمْ فَأنْكر ذَلِك الْمُشْركُونَ وَادعوا دين إِبْرَاهِيم ثمَّ رد النَّجَاشِيّ على عَمْرو وَصَاحبه المَال الَّذِي حملوه وَقَالَ إِنَّمَا هديتكم إِلَيّ رشوة فاقبضوها فَإِن الله ملكني وَلم يَأْخُذ مني رشوة قَالَ الْجَوْهَرِي رشوة بِضَم الرَّاء وَكسرهَا يُقَال ترشيت الرجل إِذا لاينته واسترشى فِي حكمه طلب الرِّشْوَة عَلَيْهِ قَالَ جَعْفَر فانصرفنا فَكُنَّا فِي خير دَار

فصل في خبر عمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص وسحره حتى مات مع الوحش في البرية

وَأكْرم جوَار وَأنزل الله ذَلِك الْيَوْم على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خصومتهم فِي إِبْرَاهِيم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ قَوْله عز وَجل إِن أولى النَّاس بإبرهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي الْمُؤمنِينَ فصل فِي خبر عمَارَة بن الْوَلِيد مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ وسحره حَتَّى مَاتَ مَعَ الْوَحْش فِي الْبَريَّة روى ابْن الْجَوْزِيّ بِسَنَدِهِ فِي تنوير الغبش عَن مُصعب بن عبد الله قَالَ لما أرسلهما قومهما إِلَى النَّجَاشِيّ يَعْنِي عمرا وَعمارَة راسل عمَارَة جَارِيَة لعَمْرو كَانَت مَعَه حَتَّى صغت إِلَيْهِ فَاطلع على ذَلِك عَمْرو بن الْعَاصِ فَقَالَ (تعلم عمار أَن من شَرّ شِيمَة ... لمثلك أَن يدعى ابْن عَم لَهُ ابْن مَا) (أإن كنت ذَا بردين أحوى مرجلا ... فلست تراني لِابْنِ عمك محرما)

بعلامة أستدل بهَا على مَا ذكرت فَعَاد عمَارَة وَأخْبر عمرا بأَمْره وَأمر زَوْجَة النَّجَاشِيّ فَقَالَ لَهُ عَمْرو لَا أقبل هَذَا مِنْك إِلَّا بِأَن لَا ترْضى مِنْهَا إِلَّا بِأَن تعطيك من دهن الْملك الَّذِي لَا يدهن بِهِ غَيره فكلمها عمَارَة فِي الدّهن فَقَالَت أَخَاف من الْملك فَأبى أَن يرضى عَنْهَا حَتَّى تعطيه من ذَلِك الدّهن فَأَعْطَتْهُ مِنْهُ فَأعْطَاهُ عمرا فجَاء بِهِ إِلَى النَّجَاشِيّ فَدَعَا بسحرة فسحروه ونفخوا فِي إحليله فَذهب مَعَ الْوَحْش وَلزِمَ الْبَريَّة وَفَارق الْإِنْس وهام فَلم يزل متوحشا يرد مَاء فِي جَزِيرَة بِأَرْض الْحَبَشَة حَتَّى خرج إِلَيْهِ عبد الله بن أبي ربيعَة فِي جمَاعَة من أَصْحَابه فرصده على المَاء فَأَخذه فَجعل يَصِيح أَرْسلنِي فَإِنِّي أَمُوت إِن أمسكتني فأمسكه فَمَاتَ فِي يَده أوردهُ السُّهيْلي وَزَاد فِيهِ أَيْضا قَالَ وَمِمَّنْ ذكر قصَّة عمَارَة بِطُولِهَا أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ وَذكر أَن عَمْرو بن الْعَاصِ سَافر بامرأته فَلَمَّا ركبُوا الْبَحْر وَكَانَ عمَارَة قد هوى امْرَأَة عَمْرو وهويته فعزم على دفع عَمْرو فِي الْبَحْر أَو كَانَ ذَلِك من عمَارَة عَن غير قصد

فَسقط فِي الْبَحْر فسبح عَمْرو ونادى أَصْحَاب السَّفِينَة فَأَخَذُوهُ ورفعوه إِلَى السَّفِينَة فأضمرها عَمْرو فِي نَفسه وَلم يبدها لعمارة بل قَالَ لامْرَأَته قبلي ابْن عمك عمَارَة لتطيب بذلك نَفسه فَلَمَّا أَتَيَا أَرض الْحَبَشَة مكر بِهِ عَمْرو وَقَالَ لَهُ إِنِّي قد كتبت إِلَى بني سهم ليبرؤا من دمي لَك فَاكْتُبْ أَنْت لبني مَخْزُوم ليبرؤا من دمك لي حَتَّى تعلم قُرَيْش أَنا قد تصافينا فَلَمَّا كتب عمَارَة إِلَى بني مَخْزُوم وتبرؤا من دَمه لبني سهم قَالَ شيخ من قُرَيْش قتل عمَارَة وَالله وَعلم أَنه مكر من عَمْرو ثمَّ أَخذ عَمْرو يحرض عمَارَة على التَّعَرُّض لامْرَأَة النَّجَاشِيّ وَقَالَ لَهُ أَنْت امْرُؤ جميل وَهن النِّسَاء يحببن الْجمال من الرِّجَال فلعلها أَن تشفع لنا عِنْد الْملك فِي قَضَاء حاجتنا فَفعل عمَارَة فَلَمَّا رأى عَمْرو ذَلِك وتكرر عمَارَة على امْرَأَة الْملك وَرَأى بانابتها إِلَيْهِ أَتَى الْملك متنصحا وجاءه بأمارة عرفهَا الْملك قد كَانَ عمَارَة أطلع عمرا عَلَيْهَا فَأَدْرَكته غيرَة الْملك وَقَالَ لَوْلَا أَنه جاري لقتلته وَلَكِن سأفعل بِهِ مَا هُوَ شَرّ من الْقَتْل فَدَعَا بالسواحر فأمرهن أَن يسحرنه فنفخن فِي إحليله نفخة طَار مِنْهَا هائما على وَجهه حَتَّى لحق بالوحش فِي الْجبَال وَكَانَ يرى آدَمِيًّا فيفر مِنْهُ وَكَانَ ذَلِك آخر الْعَهْد بِهِ إِلَى زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فجَاء ابْن عَمه عبد الله بن

فصل في ذكر توجه عمرو بن العاص في المرة الثانية إلى النجاشي وإسلامه عنده ورجوعه إلى المدينة ولقائه خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة الحجبي وإسلامهم

أبي ربيعَة إِلَى عمر واستأذنه فِي الْمسير إِلَيْهِ لَعَلَّه يجده فَأذن لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ فَسَار عبد الله إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَأكْثر النِّشْدَة عَنهُ والفحص عَن أمره حَتَّى أخبر أَنه فِي جبل يرد مَعَ الْوَحْش إِذا وَردت ويصدر مَعهَا إِذا صدرت فَسَار إِلَيْهِ حَتَّى كمن لَهُ فِي طَرِيقه إِلَى المَاء فَإِذا هُوَ قد غطاه شعره وطالت أَظْفَاره وتمزقت عَلَيْهِ ثِيَابه كَأَنَّهُ شَيْطَان فَقبض عَلَيْهِ عبد الله وَجعل يذكرهُ بالرحم ويستعطفه وَهُوَ ينتفض مِنْهُ وَيَقُول أَرْسلنِي يَا بحير وَكَانَ اسْم عبد الله فِي الْجَاهِلِيَّة بحيرا فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله قَالَ وَأبي عبد الله أَن يُرْسِلهُ حَتَّى مَاتَ بَين يَدَيْهِ فصل فِي ذكر توجه عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْمرة الثَّانِيَة إِلَى النَّجَاشِيّ وإسلامه عِنْده ورجوعه إِلَى الْمَدِينَة ولقائه خَالِد بن الْوَلِيد وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي وإسلامهم قَالَ الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ كنت لِلْإِسْلَامِ

مجانبا معاندا فَحَضَرت بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين فنجوت ثمَّ حضرت أحدا فنجوت ثمَّ حضرت الخَنْدَق فَقلت فِي نَفسِي كم أوضع وَالله لَيظْهرَن مُحَمَّد على قُرَيْش فلحقت بِمَالي بالوهط قَالَ الْبكْرِيّ فِي المعجم الوهط بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده طاء مُهْملَة هُوَ الْمَكَان المطمئن وَبِذَلِك سمي مَال عَمْرو بن الْعَاصِ بِالطَّائِف وَحدث سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن مولى لعَمْرو بن الْعَاصِ أَن عمرا أَدخل فِي تعريش الوهط ألف ألف عود قَامَ كل عود بدرهم فَقَالَ مُعَاوِيَة لعَمْرو من يَأْخُذ مَال مصرين يَجعله فِي وهطين وَيُصلي سعير نارين قَالَ عَمْرو وأفلت يَعْنِي من النَّاس فَلم أحضر الْحُدَيْبِيَة وَلَا صلحها وَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصُّلْحِ وَرجعت قُرَيْش إِلَى مَكَّة فَجعلت أَقُول يدْخل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَابلا مَكَّة بِأَصْحَابِهِ مَا مَكَّة بمنزل وَلَا الطَّائِف وَمَا شَيْء خير من الْخُرُوج وَأَنا بعد ناء عَن الْإِسْلَام أرى لَو أسلمت قُرَيْش كلهَا لم أسلم فَقدمت مَكَّة فَجمعت رجَالًا من قومِي كَانُوا يرَوْنَ رَأْيِي ويسمعون مني ويقدموني فِيمَا نابهم فَقلت لَهُم كَيفَ أَنا فِيكُم قَالُوا ذُو رَأينَا ومدرهنا المدره لِسَان الْقَوْم والمتكلم عَنهُ قَالَه ابْن فَارس مَعَ يمن نفس وبركة

أَمر فَقلت تعلمن وَالله إِنِّي لأرى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرا يَعْلُو الْأُمُور علوا مُنْكرا وَإِنِّي قد رَأَيْت رَأيا قَالُوا مَا هُوَ قلت نلحق بالنجاشي فنكون عِنْده فَإِن كَانَ يظْهر مُحَمَّد كُنَّا عِنْد النَّجَاشِيّ فنكون تَحت يَده أحب إِلَيْنَا من أَن نَكُون تَحت يَد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن تظهر قُرَيْش فَنحْن من قد عرفُوا قَالُوا هَذَا الرَّأْي قَالَ فاجمعوا مَا تهدونه لَهُ وَكَانَ أحب مَا يهدي إِلَيْهِ من أَرْضنَا الْأدم قَالَ فجمعنا أدما كثيرا ثمَّ خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّجَاشِيّ فوَاللَّه إِنَّا لعنده إِذْ جَاءَهُ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَيْهِ بِكِتَاب كتبه إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج من عِنْده فَقلت لِأَصْحَابِي هَذَا عَمْرو بن أُميَّة وَلَو قد دخلت على النَّجَاشِيّ فأعطانيه فَضربت عُنُقه فَإِذا فعلت ذَلِك سررت قُريْشًا وَكنت قد أَجْزَأت عَنْهَا حِين قتلت رَسُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَدخلت على النَّجَاشِيّ فسجدت لَهُ كَمَا كنت أصنع فَقَالَ مرْحَبًا بصديقي أهديت لي من بلادك شَيْئا فَقلت نعم أهديت لَك أدما

كثيرا فقربته إِلَيْهِ فأعجبه وَفرق مِنْهُ أَشْيَاء بَين بطارقته وَأمر بسائره فَأدْخل فِي مَوضِع وَأمر أَن يكْتب وَأَن يحْتَفظ بِهِ قَالَ فَلَمَّا رَأَيْت طيب نَفسه قلت أَيهَا الْملك إِنِّي قد رَأَيْت رجلا خرج من عنْدك وَهُوَ رَسُول رجل عَدو لنا قد وترنا وَقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فَأَقْتُلهُ فَرفع يَده فَضرب بهَا أنفي ضَرْبَة ظَنَنْت أَنه كَسره وابتدر الدَّم من منخري فَجعلت أتلقى الدَّم بثيابي وأصابني من الذل مَا لَو انشقت الأَرْض دخلت فِيهَا فرقا مِنْهُ ثمَّ قلت لَهُ أَيهَا الْملك لَو ظَنَنْت أَنَّك تكره مَا قلت مَا سَأَلتك قَالَ واستحيى وَقَالَ يَا عَمْرو تَسْأَلنِي أُعْطِيك رَسُول رَسُول الله من يَأْتِيهِ الناموس الْأَكْبَر الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى وَعِيسَى بن مَرْيَم لتقتله الناموس عِنْد أهل الْكتاب جِبْرِيل قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ عَمْرو وَغير الله قلبِي عَمَّا كنت عَلَيْهِ وَقلت فِي نَفسِي عرف هَذَا الْحق الْعَرَب والعجم وتخالف أَنْت ثمَّ قلت وَتشهد أَيهَا الْملك بِهَذَا قَالَ نعم أشهد بِهِ عِنْد الله يَا عَمْرو فأطعني وَاتبعهُ وَالله إِنَّه لعلى الْحق وليظهرن على كل من خَالفه كَمَا ظهر مُوسَى على فِرْعَوْن وَجُنُوده قلت أفتبايعني

على الْإِسْلَام قَالَ نعم فَبسط يَده فَبَايَعته على الْإِسْلَام ودعا لي بطست فَغسل عني الدَّم وكساني ثيابًا وَكَانَت ثِيَابِي قد امْتَلَأت من الدَّم فألقيتها ثمَّ خرجت إِلَى أَصْحَابِي فَلَمَّا رَأَوْا كسْوَة الْملك سروا بذلك وَقَالُوا هَل أدْركْت من صَاحبك مَا أردْت فَقلت لَهُم كرهت أَن ُأكَلِّمهُ فِي أول مرّة وَقلت أَعُود إِلَيْهِ قَالُوا الرَّأْي مَا رَأَيْت وفارقتهم كَأَنِّي أعمد لحَاجَة فعمدت إِلَى مَوضِع السفن فأجد سفينة قد شحنت تدفع فركبت مَعَهم ودفعوها حَتَّى انْتَهوا إِلَى الشعيبة وَخرجت من السَّفِينَة وَمَعِي نَفَقَة فابتعت بَعِيرًا وَخرجت أُرِيد الْمَدِينَة حَتَّى خرجت على مر الظهْرَان ثمَّ مضيت حَتَّى إِذا كنت بالهدأة إِذا رجلَانِ قد سبقاني بِغَيْر كثير يُريدَان منزلا وَأَحَدهمَا دَاخل فِي خيمة وَالْآخر قَائِم يمسك الراحلتين فَنَظَرت فَإِذا خَالِد بن الْوَلِيد فَقلت أَبَا سُلَيْمَان قَالَ نعم قلت أَيْن تُرِيدُ قَالَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل النَّاس فِي الْإِسْلَام فَلم يبْق أحد بِهِ طمع وَالله لَو أَقَمْنَا لأخذ برقابنا كَمَا يُؤْخَذ بِرَقَبَة الضبع فِي مغارتها قلت وَأَنا وَالله قد أردْت مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَأَرَدْت الْإِسْلَام وَخرج عُثْمَان بن طَلْحَة فَرَحَّبَ بِي فنزلنا جَمِيعًا فِي الْمنزل ثمَّ ترافقنا حَتَّى قدمنَا الْمَدِينَة وَفِي رِوَايَة فَلَقِيت خَالِدا قبيل الْفَتْح وَهُوَ مقبل من مَكَّة فَقلت إِلَى أَيْن يَا أَبَا سُلَيْمَان قَالَ لقد استقام المنسم وَإِن الرجل لنَبِيّ اذْهَبْ وَالله وَأسلم فحتى مَتى المنسم بِفَتْح الْمِيم وبالنون وَكسر السِّين مقدم خف الْبَعِير وَفِي النعامة أَيْضا كنى بِهِ عَن الطَّرِيق المتوجه بِهِ فِيهِ يُقَال من أَيْن منسمك أَي من أَيْن وجهتك وبكسر الْمِيم وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْعَلامَة قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَكَانَ أسلم قبل أَخِيه خَالِد وَشهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمْرَة الْقَضِيَّة وَكتب إِلَى أَخِيه خَالِد وَكَانَ خَالِد خرج من مَكَّة فَارًّا لِئَلَّا يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِمَكَّة كَرَاهَة الْإِسْلَام فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد عَنهُ وَقَالَ لَو أَتَانَا لأكرمناه وَمَا مثله سقط عَلَيْهِ الْإِسْلَام فِي عقله فَكتب بذلك الْوَلِيد إِلَى أَخِيه خَالِد فَوَقع الْإِسْلَام فِي قلبه وَكَانَ سَبَب هجرته

قَالَ الْوَاقِدِيّ قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة مَا أنسى قَول رجل لَقينَا ببئر أبي عنبة يَصِيح يَا رَبَاح يَا رَبَاح فتفاءلنا بقوله وسررنا ثمَّ نظر إِلَيْنَا فأسمعه يَقُول قد أَعْطَتْ مَكَّة المقادة بعد هذَيْن فَظَنَنْت أَنه يعنيني وَيَعْنِي خَالِد بن الْوَلِيد ثمَّ ولى مُدبرا إِلَى الْمَسْجِد سَرِيعا فَظَنَنْت أَنه يبشر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدومنا فَكَانَ كَمَا ظَنَنْت وأنخنا بِالْحرَّةِ فلبسنا من صَالح ثيابنا وَنُودِيَ بالعصر فَانْطَلَقْنَا جَمِيعًا حَتَّى طلعنا عَلَيْهِ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه وَإِن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ قد رمتكم مَكَّة بأفلاذ كَبِدهَا قَالَ الْجَوْهَرِي الفلد كبد الْبَعِير وَالْجمع أفلاذ والفلذة الْقطعَة من الكبد وَاللَّحم وَالْمَال وَغَيرهَا وَتقدم خَالِد بن الْوَلِيد فَبَايع ثمَّ تقدم عُثْمَان بن طَلْحَة فَبَايع ثمَّ تقدّمت فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن جَلَست بَين يَدَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا اسْتَطَعْت أَن أرفع طرفِي إِلَيْهِ حَيَاء مِنْهُ فَبَايَعته على أَن يغْفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَلم يحضرني مَا تَأَخّر

وَفِي رِوَايَة عَن أبي بكر الْخَطِيب بِإِسْنَاد يرفعهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يقدم عَلَيْكُم اللَّيْلَة رجل حَكِيم فَقدم عَمْرو ابْن العَاصِي مُهَاجرا قَالَ عَمْرو فِي قدومه مَعَ خَالِد وَعُثْمَان بن طَلْحَة قَالَ وَكنت أسن مِنْهُمَا فَأَرَدْت أَن أكيدهما فقدمتهما قبلي لِلْبيعَةِ فبايعا واشترطا أَن يغْفر مَا تقدم من ذنبهما فأضمرت فِي نَفسِي أَن أبايع على مَا تقدم وَمَا تَأَخّر فَلَمَّا بَايَعت ذكرت مَا تقدم وأنسيت أَن أَقُول وَمَا تَأَخّر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَمْرو بَايع فَإِن الْإِسْلَام يجب وَفِي رِوَايَة يحت مَا كَانَ قبله وَإِن الْهِجْرَة تجب مَا كَانَ قبلهَا قَالَ فَبَايَعته ثمَّ انصرفت وَكَانَ ذَلِك فِي صفر سنة ثَمَان من الْهِجْرَة قبل الْفَتْح بِسِتَّة أشهر وَتُوفِّي عَمْرو رَحمَه الله يَوْم الْفطر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وعمره تسعون سنة وَدفن بالمقطم وَصلى عَلَيْهِ ابْنه عبد الله وَكَانَ من الدهاة الْمُتَقَدِّمين فِي الرَّأْي وَالْمَكْر وَكَانَ عمر ابْن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِذا استضعف رجلا فِي عقله ورأيه

فصل في ذكر ألفاظ وقعت بين عمرو بن العاص وبين عبد بن الجلندي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وإلى أخيه وكانا ملكي عمان مما يتعلق بالنجاشي

قَالَ أشهد أَن خالقك وخالق عَمْرو وَاحِد يُرِيد خَالق الأضداد فصل فِي ذكر أَلْفَاظ وَقعت بَين عَمْرو بن الْعَاصِ وَبَين عبد بن الجلندي حِين بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ وَإِلَى أَخِيه وَكَانَا ملكي عمان مِمَّا يتَعَلَّق بالنجاشي قَالَ عبد فِي سُؤال لعَمْرو يَا عَمْرو إِنَّك ابْن سيد قَوْمك فَكيف صنع أَبوك فَإِن لنا فِيهِ قدوة قَالَ عَمْرو قلت مَاتَ وَلم يُؤمن بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووددت أَنه كَانَ أسلم وَصدق بِهِ وَقد كنت أَنا على مثل رَأْيه حَتَّى هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ قَالَ فَمَتَى تَبعته قَالَ قلت قَرِيبا فَسَأَلَنِي أَيْن كَانَ إسلامك فَقلت عِنْد النَّجَاشِيّ وأخبرته أَن النَّجَاشِيّ قد أسلم قَالَ فَكيف صنع قومه بِملكه قلت أَقروهُ واتبعوه قَالَ والأساقفة والرهبان تبعوه قلت نعم قَالَ انْظُر يَا عَمْرو مَا تَقول إِنَّه لَيْسَ من خصْلَة فِي رجل أفضح لَهُ من كذب قلت

مَا كذبت وَمَا نستحله فِي ديننَا ثمَّ قَالَ مَا أرى هِرقل علم بِإِسْلَام النَّجَاشِيّ قلت بلَى قَالَ بِأَيّ شَيْء علمت ذَلِك قلت كَانَ النَّجَاشِيّ خرج لَهُ خرجا فَلَمَّا أسلم وَصدق بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا وَالله لَو سَأَلَني درهما وَاحِدًا مَا أَعْطيته فَبلغ هِرقل قَوْله فَقَالَ نياق أَخُوهُ أتدع عَبدك لَا يخرج لَك خرجا ويدين دينا مُحدثا قَالَ هِرقل رجل رغب فِي دين وَاخْتَارَهُ لنَفسِهِ مَا أصنع بِهِ وَالله لَوْلَا الضن بملكي لصنعت كَمَا صنع قَالَ انْظُر مَا تَقول يَا عَمْرو قلت وَالله صدقتك ثمَّ قَالَ عبد أَخْبرنِي مَا الَّذِي يَأْمر بِهِ وَسَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعه من كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى

بَاب فِي ذكر مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر ملك الرّوم وإرساله دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك واسْمه هِرقل قَالَ ابْن دحْيَة فِي تأليفه مرج الْبَحْرين وَمعنى قَيْصر البقير وَذَلِكَ أَن أمه لما أَتَاهَا الطلق بِهِ مَاتَت فبقر بَطنهَا عَنهُ فَخرج حَيا وَكَانَ يفتخر بذلك لِأَنَّهُ لم يخرج من فرج قَالَ وَاسم قَيْصر مُشْتَقّ فِي لغتهم من الْقطع لِأَن أحشاء أمه قطعت حَتَّى خرج مِنْهَا وَكَانَ

شجاعا جبارا مقداما فِي الْحَرْب روينَا فِي كتاب الرَّوْض الْأنف للْإِمَام الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن الْخَثْعَمِي ثمَّ السُّهيْلي رَحمَه الله قَالَ وَمن رِوَايَة الْحَارِث فِي مُسْنده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ينْطَلق بكتابي هَذَا إِلَى قَيْصر وَله الْجنَّة فَقَالُوا وَإِن لم يقتل يَا رَسُول الله قَالَ وَإِن لم يقتل فَانْطَلق بِهِ رجل يَعْنِي دحْيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار فِي مُسْنده وَوَجَدته بِخَط موثق بِهِ وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الَّذِي صدرت بِهِ فِي خطْبَة هَذَا التَّأْلِيف وَأَنه الَّذِي حَملَنِي على جمعه قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن يحيى بن سَلمَة بن كهيل قَالَ حَدثنِي أبي عَن عَمه مُحَمَّد بن سَلمَة بن كهيل عَن عبد الله ابْن شَدَّاد بن الْهَاد عَن دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب إِلَى قَيْصر فَقدمت عَلَيْهِ فأعطيته الْكتاب وَعِنْده ابْن أَخ لَهُ أَحْمَر أَزْرَق سبط الرَّأْس فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب كَانَ فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى قَيْصر صَاحب الرّوم قَالَ

فنخر ابْن أَخِيه نخرة وَقَالَ لَا يقْرَأ الْيَوْم فَقَالَ لَهُ قَيْصر لم قَالَ إِنَّه بَدَأَ بِنَفسِهِ وَكتب صَاحب الرّوم وَلم يكْتب ملك الرّوم فَقَالَ قَيْصر لنقرأنه فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب وَخَرجُوا من عِنْده أدخلني عَلَيْهِ وَأرْسل إِلَى الأسقف وَهُوَ صَاحب أَمرهم فَأخْبرهُ وأقرأه الْكتاب فَقَالَ الأسقف وَهُوَ صَاحب أَمرهم هَذَا الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِر وَبشر بِهِ عِيسَى قَالَ قَيْصر فَكيف تَأْمُرنِي فَقَالَ لَهُ الأسقف أما أَنا فمصدقة ومتبعه فَقَالَ لَهُ قَيْصر أما أَنا إِن فعلت ذهب ملكي ثمَّ خرجنَا من عِنْده فَأرْسل قَيْصر إِلَى أبي سُفْيَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ عِنْده فَقَالَ حَدثنِي عَن هَذَا الرجل الَّذِي خرج بأرضكم مَا هُوَ قَالَ شَاب قَالَ فَكيف حَسبه قَالَ هُوَ فِي حسب منا لَا يفضل عَلَيْهِ أحد قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ كَيفَ صدقه قَالَ مَا كذب قطّ قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ فَمن يتبعهُ قَالَ الشَّبَاب والسفلة قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ أَرَأَيْت من خرج إِلَيْهِ مِنْكُم هَل يرجع إِلَيْكُم قَالَ لَا قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ أَرَأَيْت من خرج إِلَيْكُم من أَصْحَابه يرجعُونَ إِلَيْهِ قَالَ نعم قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ هَل ينْكث أَحْيَانًا إِذا

قَاتل هُوَ وَأَصْحَابه قَالَ قد قَاتله قوم فَهَزَمَهُمْ وهزموه قَالَ هَذِه آيَة النُّبُوَّة قَالَ ثمَّ دَعَاني فَقَالَ أبلغ صَاحبك أَنِّي أعلم أَنه نَبِي وَلَكِنِّي لَا أترك ملكي قَالَ وَأما الأسقف فَإِنَّهُم كَانُوا يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ فِي كل أحد فَيخرج إِلَيْهِم فيحدثهم وَيذكرهُمْ فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد لم يخرج إِلَيْهِم وَقعد إِلَى يَوْم الْأَحَد الآخر فَكنت أَدخل عَلَيْهِ فيكلمني ويسألني فَلَمَّا جَاءَ الْأَحَد الآخر انتظروه يخرج إِلَيْهِم فَلم يخرج إِلَيْهِم واعتل عَلَيْهِم بِالْمرضِ فَفعل ذَلِك مرَارًا فَحَضَرُوا وبعثوا إِلَيْهِ لتخْرجن إِلَيْنَا أَو لندخلن عَلَيْك فنقتلك فَإنَّا قد أنكرناك مُنْذُ قدم هَذَا الْعَرَبِيّ فَقَالَ الأسقف خُذ هَذَا الْكتاب واذهب إِلَى صَاحبك واقرأ عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ أَنِّي أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَنِّي قد آمَنت بِهِ وصدقته واتبعته وَإِنَّهُم قد أَنْكَرُوا عَليّ ذَلِك فَبَلغهُ مَا ترى ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَقَتَلُوهُ ثمَّ رَجَعَ دحْيَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده رسل عُمَّال كسْرَى على صنعاء بَعثهمْ إِلَيْهِ وَكتب إِلَى صَاحب صنعاء يتوعده يَقُول لتكفيني رجلا خرج بأرضك يدعوني إِلَى دينه أَو أؤدي الْجِزْيَة أَو لأَقْتُلَنك أَو قَالَ لَأَفْعَلَنَّ بك فَبعث صَاحب صنعاء إِلَى

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر رجلا فَوَجَدَهُمْ دحْيَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَرَأَ كتاب صَاحبهمْ تَركهم خمس عشرَة لَيْلَة فَلَمَّا مَضَت خمس عشرَة لَيْلَة تعرضوا لَهُ فَلَمَّا رَآهُمْ دعاهم فَقَالَ اذْهَبُوا إِلَى صَاحبكُم فَقولُوا لَهُ إِن رَبِّي قتل ربه اللَّيْلَة فَانْطَلقُوا فأخبروه بِالَّذِي صنع فَقَالَ لَهُم أحصوا هَذِه اللَّيْلَة فأحصوها قَالَ أخبروني كَيفَ رَأَيْتُمُوهُ قَالُوا مَا رَأينَا ملكا أهيأ مِنْهُ يمشي فيهم لَا يخَاف شَيْئا متبذلا لَا يحرس وَلَا يرفعون أَصْوَاتهم عِنْده قَالَ دحْيَة ثمَّ جَاءَ الْخَبَر أَن كسْرَى قتل تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ الْبَزَّار لم يحدث دحْيَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَذكر ابْن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة دحْيَة أَنه بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر فَآمن بِهِ قَيْصر وأبت بطارقته أَن تؤمن فَأخْبر بذلك دحْيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ثَبت ملكه فِي حَدِيث طَوِيل ذكره وروينا فِي صَحِيح مُسلم عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن أَبَا سُفْيَان بن حَرْب أخبرهُ من فِيهِ إِلَى فِيهِ قَالَ انْطَلَقت فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَت بيني وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَبينا أَنا بِالشَّام

إِذْ جِيءَ بِكِتَاب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرقل قَالَ وَكَانَ دحْيَة الْكَلْبِيّ جَاءَ بِهِ فَدفعهُ إِلَى عَظِيم بصرى فَدفعهُ عَظِيم بصرى إِلَى هِرقل فَقَالَ هِرقل هَل هَهُنَا أحد من قوم هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي قَالُوا نعم قَالَ فَدُعِيت فِي نفر من قُرَيْش فَدَخَلْنَا على هِرقل فأجلسنا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ أَيّكُم أقرب نسبا من هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَان فَقلت أَنا فأجلسوني بَين يَدَيْهِ وأجلسوا أَصْحَابِي خَلْفي ثمَّ دَعَا بترجمانه فَقَالَ قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا عَن هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي فَإِن كَذبَنِي فَكَذبُوهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان وأيم الله لَوْلَا مَخَافَة أَن يُؤثر عَليّ الْكَذِب لكذبت ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ سَله كَيفَ حَسبه فِيكُم قلت هُوَ فِينَا ذُو حسب قَالَ فَهَل كَانَ من آبَائِهِ ملك قلت لَا قَالَ هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ قلت لَا قَالَ وَمن يتبعهُ أَشْرَاف النَّاس أم ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ قلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ أيزيدون أم ينقصُونَ قَالَ قلت لَا بل يزِيدُونَ قَالَ فَهَل يرْتَد أحد عَن دينه بعد أَن يدْخل فِيهِ سخطَة لَهُ قَالَ قلت لَا قَالَ فَهَل قاتلتموه قلت نعم قَالَ فَكيف كَانَ قتالكم إِيَّاه قَالَ قلت يكون الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سجالا

يُصِيب منا وَنصِيب مِنْهُ قَالَ فَهَل يغدر قلت لَا وَنحن مِنْهُ فِي مُدَّة لَا نَدْرِي مَا هُوَ صانع فِيهَا قَالَ فوَاللَّه مَا أمكنني من كلمة أَدخل فِيهَا شَيْئا غير هَذِه قَالَ فَهَل قَالَ هَذَا القَوْل أحد قبله قَالَ قلت لَا قَالَ لِترْجُمَانِهِ قل لَهُ إِنِّي سَأَلتك عَن حَسبه فَزَعَمت أَنه فِيكُم ذُو حسب وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبْعَث فِي أَحْسَاب قَومهَا وَسَأَلْتُك هَل كَانَ فِي آبَائِهِ ملك فَزَعَمت أَن لَا فَقلت لَو كَانَ من آبَائِهِ ملك قلت رجل يطْلب ملك آبَائِهِ وَسَأَلْتُك عَن أَتْبَاعه أضعفاؤهم أم أَشْرَافهم فَقلت بل ضُعَفَاؤُهُمْ وهم أَتبَاع الرُّسُل وَسَأَلْتُك هَل كُنْتُم تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَن يَقُول مَا قَالَ فَزَعَمت أَن لَا فقد عرفت أَنه لم يكن ليَدع الْكَذِب على النَّاس ثمَّ يذهب فيكذب على الله وَسَأَلْتُك هَل يرْتَد أحد مِنْهُم عَن دينه بعد أَن يدْخلهُ سخطَة لَهُ فَزَعَمت أَن لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَان إِذا خالط بشاشة الْقُلُوب وَسَأَلْتُك هَل يزِيدُونَ أم ينقصُونَ فَزَعَمت أَنهم يزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَان حَتَّى يتم وَسَأَلْتُك هَل قاتلتموه فَزَعَمت أَنكُمْ قاتلتموه فَتكون الْحَرْب بَيْنكُم وَبَينه سجالا ينَال مِنْكُم وتنالون مِنْهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلى ثمَّ تكون لَهَا الْعَاقِبَة وَسَأَلْتُك هَل يغدر فَزَعَمت أَنه لَا يغدر وَكَذَلِكَ الرُّسُل لَا تغدر وَسَأَلْتُك هَل قَالَ هَذَا القَوْل أحد قبله فَزَعَمت أَن لَا فَقلت لَو قَالَ

هَذَا القَوْل أحد قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله ثمَّ قَالَ بِمَا يَأْمُركُمْ قَالَ قلت يَأْمُرنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة والصلة والعفاف قَالَ أَن يكن مَا تَقول حَقًا فَإِنَّهُ نَبِي وَقد كنت أعلم أَنه خَارج وَلم أكن أَظُنهُ مِنْكُم وَلَو أَنِّي أعلم أَن أخْلص إِلَيْهِ لأحببت لقاءه وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ وليبلغن ملكه مَا تَحت قدمي ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقرأه فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله وَفِي رِوَايَة عبد الله وَرَسُوله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الإريسيين و {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا} إِلَى قَوْله {فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} فَلَمَّا فرغ من قِرَاءَة الْكتاب ارْتَفَعت الْأَصْوَات عِنْده وَكثر اللَّغط وَأمر بِنَا فأخرجنا قَالَ فَقلت لِأَصْحَابِي حِين خرجنَا لقد أَمر أَمر

تفسير

ابْن أبي كَبْشَة إِنَّه لَيَخَافهُ ملك بني الْأَصْفَر قَالَ فَمَا زلت موقنا بِأَمْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سَيظْهر حَتَّى أَدخل الله عَليّ الْإِسْلَام وَفِي رِوَايَة وَأَنا كَارِه تَفْسِير قَوْله سخطَة قَالَ القَاضِي عِيَاض رَحمَه الله السخط والسخط لُغَتَانِ كالسقم والسقم وَقَوله سجالا مرّة على هَؤُلَاءِ وَمرَّة على هَؤُلَاءِ من مساجلة المستقين على الْبِئْر بالدلاء وَلَا تسمى الدَّلْو سجلا إِلَّا إِذا كَانَت ملأى وَقَوله الإريسيين قَالَ القَاضِي كَذَا رَوَاهُ مُسلم وَجل رُوَاة البُخَارِيّ بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء مُخَفّفَة وَتَشْديد الْيَاء بعد السِّين وَرَوَاهُ الْمروزِي اليريسيين وَرَوَاهُ الْجِرْجَانِيّ مرّة الأريسيين بِسُكُون الرَّاء وَفتح الْيَاء الأولى وَرُوِيَ فِي غير الصَّحِيحَيْنِ

الأريسين مخفف الياءين مَعًا قَالَ أَبُو عبيد هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ فَمن قَالَ الأريسيين فَقَالُوا فِي تَفْسِيره هم أَتبَاع عبد الله بن أريس رجل فِي الزَّمن الأول بعث الله نَبيا فخالفه هُوَ وَأَتْبَاعه وَأنكر ابْن الْقَزاز هَذَا التَّفْسِير وَرِوَايَة من قَالَ الأريسيين بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الرَّاء وَقيل هم الأروسيون وهم نَصَارَى أَتبَاع عبد الله بن أروس وهم الأروسية متمسكون بدين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُولُونَ إِنَّه ابْن قَالَ أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ عَن ثَعْلَب أرس يأرس أريسا وَالْجمع أريسون بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف وأرس يؤرس مثله وَصَارَ إريسا بِالْكَسْرِ وَالْجمع أريسون بِضَم الْهمزَة وهم الأكرة وَقيل الْمُلُوك الَّذين يخالفون أنبياءهم وَقيل الْخدمَة والأعوان وَقيل المتبخترون وَفِي مُصَنف ابْن السكن يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فسره فِي الحَدِيث وَقَالَ إِن عَلَيْك إِثْم رعاياك وأتباعك مِمَّن صددته عَن

الْإِسْلَام واتبعك على كفرك كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَقُول الَّذين استضعفوا للَّذين استكبروا لَوْلَا أَنْتُم لَكنا مُؤمنين} وكما جَاءَ فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث وَإِلَّا فَلَا تحل بَين الفلاحين وَبَين الْإِسْلَام قَالَ أَبُو عبيد لَيْسَ الفلاحون هُنَا الزارعون خَاصَّة وَلَكِن جَمِيع أهل المملكة لِأَن كل من زرع هُوَ عِنْد الْعَرَب فلاح تولى ذَلِك بِنَفسِهِ أَو تولى لَهُ وَيدل على مَا قُلْنَاهُ قَوْله أَيْضا فِي حَدِيث آخر فَإِن أَبيت فانا نهدم الكفور ونقتل الإريسيين وَإِنِّي أجعَل إِثْم ذَلِك فِي رقبتك الكفور الْقرى وَاحِدهَا كفر فَهَذَا الْمَعْنى الَّذِي تفسره الْأَحَادِيث ويعضده الْقُرْآن أولى مَا قيل فِيهِ قَوْله ابْن أبي كَبْشَة قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن الشعري فِي كِتَابه الملامح والمعاريض أَبُو كَبْشَة رجل من خُزَاعَة خَالف قُريْشًا فِي عبَادَة الْأَوْثَان وَعبد الشعرى العبور لِأَنَّهَا أحسن كَوْكَب فِي السَّمَاء تطلع خلف الجوزاء تتبعها يُقَال لَهَا مرزم الجوزاء فَلَمَّا خالفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْحِيد شبهوه بِهِ وَقيل هُوَ جد جده لأمه قَالَ القَاضِي عِيَاض وَقيل بل كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُخْت تسمى كَبْشَة فكنوا أَبَاهُ بهَا

وَقيل بل فِي أجداده من يكنى بِأبي كَبْشَة فنسبوه إِلَيْهِ وَقد ذكر مُحَمَّد بن حبيب فِي كِتَابه المحبر جمَاعَة من آبَائِهِ من جِهَة الْأَب وَالأُم يكنون بِأبي كَبْشَة فَالله أعلم قَوْله بني الْأَصْفَر قَالَ القَاضِي بَنو الْأَصْفَر هم الرّوم قيل سموا بذلك باسم جدهم الْأَصْفَر بن روم بن عيصو بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَه الْحَرْبِيّ وَقيل بل لِأَن جَيْشًا من الْحَبَشَة غلب عَلَيْهِم فوطئ نِسَاءَهُمْ فولد لَهُم أَوْلَاد صفر فنسبوا إِلَيْهِم قَالَه الْأَنْبَارِي وَالْأول أشبه وروينا فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش كَانُوا تجارًا إِذا كسرت التَّاء خففت الْجِيم وَإِذا ضممت التَّاء شددتها قَالَه الْجَوْهَرِي بِالشَّام فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماد فِيهَا أَبَا سُفْيَان وكفار قُرَيْش فَأتوهُ وهم بايلياء فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسه وَحَوله عُظَمَاء الرّوم ثمَّ دعاهم ودعا بترجمانه وسَاق الحَدِيث إِلَى قَوْله حَتَّى أَدخل الله عَليّ

الْإِسْلَام ثمَّ زَاد فِيهِ وَكَانَ ابْن الناطور صَاحب إيلياء وهرقل سقف على نَصَارَى أهل الشَّام يحدث أَن هِرقل حِين قدم إيلياء أصبح يَوْمًا خَبِيث النَّفس فَقَالَ بعض بطارقته قد استنكرنا هيأتك قَالَ ابْن الناطور وَكَانَ هِرقل حزاء ينظر فِي النُّجُوم فَقَالَ لَهُم حِين سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة حِين نظرت فِي النُّجُوم أَن ملك الْخِتَان قد ظهر فَمن يختتن من هَذِه الْأمة فَقَالُوا لَيْسَ يختتن إِلَّا الْيَهُود فَلَا يهمنك شَأْنهمْ واكتب إِلَى مَدَائِن ملكك فليقتلوا من فيهم من الْيَهُود فَبينا هم على أَمرهم أَتَى هِرقل بِرَجُل أرسل بِهِ ملك غَسَّان يُخبرهُ عَن خبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا استخبره هِرقل قَالَ اذْهَبُوا فانظروا أمختتن هُوَ أم لَا فنظروا إِلَيْهِ فحدثوه أَنه مختتن وَسَأَلَهُ عَن الْعَرَب فَقَالَ هم يختتنون فَقَالَ هِرقل هَذَا ملك هَذِه الْأمة قد ظهر ثمَّ كتب هِرقل إِلَى صَاحب لَهُ برومية وَكَانَ نَظِيره فِي الْعلم وَصَارَ هِرقل إِلَى حمص فَلم يرم حمص حَتَّى أَتَاهُ كتاب من صَاحبه يُوَافق رَأْي هِرقل على خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي

تفسير

فَأذن هِرقل لعظماء الرّوم فِي دسكرة لَهُ بحمص هُوَ بِنَاء كالقصر حوله بيُوت قَالَه عِيَاض ثمَّ أَمر بأبوابها فغلقت ثمَّ اطلع فَقَالَ يَا معشر الرّوم هَل لكم فِي الْفَلاح والرشد وَأَن يثبت ملككم فتبايعوا هَذَا النَّبِي فحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش إِلَى الْأَبْوَاب فوجدوها قد غلقت فَلَمَّا رأى هِرقل نفرتهم وأيس من الْإِيمَان قَالَ ردوهم عَليّ وَقَالَ إِنِّي قلت مَقَالَتي آنِفا أختبر بهَا شدتكم على دينكُمْ فقد رَأَيْت فسجدوا لَهُ وَرَضوا عَنهُ فَكَانَ ذَلِك آخر شَأْن هِرقل تَفْسِير قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي قَوْله فَأتوهُ وهم بإيلياء بِكَسْر أَوله مَمْدُود بَيت الْمُقَدّس قيل مَعْنَاهُ بَيت الله وَحكى الْبكْرِيّ أَنه يُقَال بِالْقصرِ أَيْضا ولغة ثَالِثَة إليا بِحَذْف الْيَاء الأولى وَسُكُون اللَّام وَهُوَ الْأَقْصَى أَيْضا قَالَ الله تَعَالَى {إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} وَجَاء فِي الحَدِيث مَسْجِد الْأَقْصَى على الْإِضَافَة قَالَ الْبكْرِيّ واسْمه أَيْضا صهيون بِكَسْر الصَّاد واسْمه أَيْضا أورشلم قَوْله سقف قَالَ القَاضِي هُوَ بِضَم السِّين وَكسر الْقَاف

مُشَدّدَة وَفتح الْفَاء على مَا لم يسم فَاعله وَفِي رِوَايَة سقفا بِضَم السِّين وَالْقَاف وتنوين الْفَاء وَعند الْقَابِسِيّ أسقفا بِضَم الْهمزَة وَسُكُون السِّين وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي هَذَا الْحَرْف بِالْهَمْزَةِ مشدد الْفَاء وَحكى بَعضهم أَسْقُف وسقف مَعًا وَهُوَ لِلنَّصَارَى الرئيس قَالَه صَاحب الْعين وسقف قوم لذَلِك قَالَ غَيره يحْتَمل إِنَّمَا سمي لانحنائه وخضوعه لتدينه عِنْدهم وَأَنه قيم شريعتهم وَهُوَ دون القَاضِي والأسقف الطَّوِيل فِي انحناء فِي الْعَرَبيَّة وَالِاسْم مِنْهُ السّقف والسقيفي وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ الْعَالم قَوْله ابْن الناطور قَالَ عِيَاض هُوَ بطاء مُهْملَة عِنْد الْجَمَاعَة وَعند الْحَمَوِيّ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ أهل اللُّغَة يُقَال فلَان ناطورة بني فلَان وناظورهم بِالْمُعْجَمَةِ إِذا كَانَ المنظور إِلَيْهِ مِنْهُم والناطور حَافظ النّخل أعجمي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ من النّظر والنبط يجْعَلُونَ الظَّاء طاء وَمِمَّا رَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الوفا قَالَ أصبح قَيْصر يَوْمًا مهموما لظُهُور ملك الْخِتَان فَأَتَاهُ رَسُول صَاحب بصرى بِرَجُل من

الْعَرَب يَقُودهُ فَقَالَ إِن هَذَا من الْعَرَب يحدث عَن أَمر ظهر فِي بِلَاده عجب فَسَأَلَهُ قَيْصر فَقَالَ خرج بَين أظهرنَا رجل يزْعم أَنه نَبِي فَاتبعهُ نَاس وَخَالفهُ آخَرُونَ وَكَانَ بَينهم ملاحم فتركتهم على ذَلِك فَقَالَ جردوه فجردوه فَإِذا هُوَ مختون فَقَالَ هِرقل هَذَا وَالله الَّذِي رَأَيْت أَعْطوهُ ثَوْبه ثمَّ دَعَا صَاحب شرطته فَقَالَ قلب لي الشَّام ظهرا وبطنا حَتَّى تَأتِينِي بِرَجُل من قوم هَذَا الرجل قَالَ أَبُو سُفْيَان وَكنت قد خرجت فِي تِجَارَة فهجم علينا صَاحب شرطته فَقَالَ أَنْتُم من قوم هَذَا الرجل قُلْنَا نعم فَانْطَلق بِي وبأصحابي حَتَّى قدمنَا إيليا فأدخلنا عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ جَالس فِي مجْلِس ملكه عَلَيْهِ التَّاج وَحَوله عُظَمَاء الرّوم فَقَالَ لِترْجُمَانِهِ سلهم أَيهمْ أقرب نسبا من هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي قَالَ أَبُو سُفْيَان قلت أَنا قَالَ وَمَا قرابتك قلت هُوَ ابْن عمي قَالَ أَبُو سُفْيَان وَلَيْسَ فِي الركب يَوْمئِذٍ رجل من بني عبد منَاف غَيْرِي فَقَالَ قَيْصر ادنه وَجعلُوا أَصْحَابِي خلف ظَهْري وسَاق الحَدِيث وَفِيه وَكَانَ قَيْصر لما كشف الله عَنهُ جنود فَارس مَشى من حمص على الزرابي تبسط لَهُ إِلَى إيليا شكرا لما أبلاه الله تَعَالَى وَرُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي أَسْقُف من النَّصَارَى إِن هِرقل قدم عَلَيْهِ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعله بَين فَخذيهِ وخاصرته ثمَّ كتب إِلَى رجل برومية وَكَانَ يقْرَأ من العبرانية مَا يقْرَأ وَأَنه يُخبرهُ بِمَا جَاءَ فَكتب إِلَيْهِ صَاحب رُومِية إِنَّه النَّبِي الَّذِي ينْتَظر لَا شكّ فِيهِ فَاتبعهُ وَصدقه فَجمع بطارقته وَقَالَ يَا معشر الرّوم إِنَّه أَتَانِي كتاب هَذَا الرجل يدعوني إِلَى دينه وَإنَّهُ وَالله النَّبِي الَّذِي كُنَّا ننتظره ونجده فِي

فصل في ذكر مخاطبة دحية لقيصر

كتبنَا فَهَلُمَّ فلنتبعه فتسلم لنا دُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا فنخروا نخرة رجل وَاحِد وَأَرَادُوا قَتله فردهم بِمَا ذكر فصل فِي ذكر مُخَاطبَة دحْيَة لقيصر رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ وجهني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ملك الرّوم بكتابه وَكَانَ بتبوك وَهُوَ بِدِمَشْق زَاد السُّهيْلي فَقلت لَهُ يَا قَيْصر أَرْسلنِي إِلَيْك من هُوَ خير مِنْك وَالَّذِي أرْسلهُ خير مِنْهُ ومنك فاسمع بذل ثمَّ أجب بنصح فَإنَّك إِن لم تذلل لم تفهم وَإِن لم تنصح لم تنصف قَالَ هَات قَالَ قلت هَل تعلم أَن الْمَسِيح كَانَ يُصَلِّي قَالَ نعم قَالَ فَإِنِّي أَدْعُوك إِلَى من كَانَ الْمَسِيح يُصَلِّي لَهُ وأدعوك إِلَى من دبر خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض والمسيح فِي بطن أمه وأدعوك إِلَى هَذَا النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي بشر بِهِ مُوسَى وَبشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم بعده وعندك من ذَلِك أَثَرَة من علم تَكْفِي من العيان وتشفي من الْخَبَر فَإِن أجبْت كَانَت لَك الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِلَّا ذهبت عَنْك الْآخِرَة وشوركت فِي الدُّنْيَا وَاعْلَم أَن لَك رَبًّا يقصم الْجَبَابِرَة ويغير

النعم فَأخذ قَيْصر الْكتاب فَوَضعه على عَيْنَيْهِ وَرَأسه وَقَبله ثمَّ قَالَ أما وَالله مَا تركت كتابا إِلَّا قرأته وَلَا عَالما إِلَّا سَأَلته فَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا فأمهلني حَتَّى أنظر من كَانَ الْمَسِيح يُصَلِّي لَهُ فَإِنِّي أكره أَن أجيبك الْيَوْم بِأَمْر أرى غَدا مَا هُوَ أحسن مِنْهُ فأرجع عَنهُ فيضرني ذَلِك وَلَا يَنْفَعنِي أقِم حَتَّى أنظر فَلم يلبث أَن أَتَاهُ وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ فَأمر هِرقل مناديا يُنَادي أَلا إِن هِرقل قد آمن بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاتبعهُ فَدخلت الأجناد فِي سلاحها وأطافوا بقصره يُرِيدُونَ قَتله فردهم فرضوا عَنهُ ثمَّ كتب كتابا وأرسله مَعَ دحْيَة يَقُول فِيهِ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مُسلم وَلَكِنِّي مغلوب على أَمْرِي وَأرْسل إِلَيْهِ بهدية فَلَمَّا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه قَالَ كذب عَدو الله لَيْسَ بِمُسلم بل هُوَ على نصرانيته وَقبل هديته وَقسمهَا بَين الْمُسلمين وَكَانَ لَا يقبل هَدِيَّة مُشْرك محَارب وَإِنَّمَا قبل هَذِه لِأَنَّهَا فَيْء للْمُسلمين وَلذَلِك قسمهَا عَلَيْهِم وَلَو أَتَتْهُ فِي بَيته لكَانَتْ لَهُ خَالِصَة كَمَا كَانَت هَدِيَّة الْمُقَوْقس خَالِصَة لَهُ وَقبلهَا من الْمُقَوْقس لِأَنَّهُ لم يكن مُحَاربًا بل أظهر الْميل إِلَى الدُّخُول فِي الدّين

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قَالَ دحْيَة فناولته كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبل خَاتمه وَوَضعه تَحت شَيْء كَانَ عَلَيْهِ قَاعِدا ثمَّ نَادَى فَاجْتمع البطارقة وَقَومه فَقَامَ على وسائد ثنيت لَهُ وَكَذَلِكَ كَانَت فَارس وَالروم لم يكن لَهُم مَنَابِر ثمَّ خطب أَصْحَابه فَقَالَ هَذَا كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بشرنا بِهِ الْمَسِيح من ولد إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم فنخروا نخرة فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن اسْكُتُوا ثمَّ قَالَ إِنَّمَا جربتكم كَيفَ نصرتكم للنصرانية قَالَ وَبعث إِلَيّ من الْغَد سرا فادخلني بَيْتا عَظِيما فِيهِ ثَلَاثمِائَة وَثَلَاث عشرَة صُورَة فَإِذا هِيَ صور الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ قَالَ انْظُر أَيْن صَاحبك من هَؤُلَاءِ قَالَ فَرَأَيْت صُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ ينظر قلت هَذَا قَالَ صدقت فَقَالَ صُورَة من هَذَا عَن يَمِينه قلت رجل من قومه يُقَال لَهُ أَبُو بكر الصّديق قَالَ فَمن ذَا عَن يسَاره قلت رجل من قومه يُقَال لَهُ عمر بن الْخطاب قَالَ أما إِنَّا نجد فِي الْكتاب أَن بصاحبيه هذَيْن يتم الله هَذَا الدّين فَلَمَّا قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صدق بِأبي بكر وَعمر يتم الله هَذَا الدّين وَيفتح وَرُوِيَ أَنه قَالَ لدحية وَالله إِنِّي لأعْلم أَن صَاحبك نَبِي مُرْسل وَأَنه الَّذِي كُنَّا ننتظره وَلَكِنِّي أَخَاف الرّوم على نَفسِي وَلَوْلَا ذَلِك لاتبعته

فصل في ذكر المسيح عليه السلام والحواريين

فصل فِي ذكر الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام والحواريين قَالَ السُّهيْلي وَأَصَح مَا قيل فِي معنى الْمَسِيح على كَثْرَة الْأَقْوَال فِي ذَلِك أَنه الصّديق بلغتهم ثمَّ عربته الْعَرَب وَكَانَ إرْسَال الْمَسِيح للحواريين بعد مَا رفع وصلب الَّذِي شبه بِهِ فَجَاءَت مَرْيَم الصديقة عَلَيْهَا السَّلَام وَالْمَرْأَة الَّتِي كَانَت مَجْنُونَة فابرأها الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام وقعدتا عِنْد الْجذع تبكيان وَقد أصَاب أمه من الْحزن عَلَيْهِ مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فأهبط إِلَيْهِمَا وَقَالَ علام تبكيان فَقَالَتَا عَلَيْك فَقَالَ إِنِّي لم أقتل وَلم أَصْلَب وَلَكِن الله رفعني وكرمني وَشبه عَلَيْهِم فِي أَمْرِي أبلغا عني الحواريين أَمْرِي أَن يلقوني فِي مَوضِع كَذَا لَيْلًا فجَاء الحواريون ذَلِك الْموضع فَإِذا الْجَبَل قد اشتعل نورا لنزوله بِهِ ثمَّ أَمرهم أَن يَدْعُو النَّاس إِلَى دينه وَعبادَة ربه فوجههم إِلَى الْأُمَم الَّتِي ذكر ابْن إِسْحَاق وَغَيره ثمَّ كسى كسْوَة الْمَلَائِكَة فعرج مَعَهم فَصَارَ ملكيا إنسيا سمائيا أرضيا

قَالَ القَاضِي عِيَاض قيل فِي أَصْحَاب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام هم القصارون لأَنهم يبيضون الثِّيَاب والحور الْبيَاض وَكَانُوا أَولا قصارين وَقيل الصيادون قَالَ السُّهيْلي وَأَصَح مَا قيل فِي معنى الحواريين أَن الْحوَاري هُوَ الخلصان أَي الْخَالِص الصافي من كل شَيْء وَقَول الْمُفَسّرين هُوَ الخلصان كلمة فصيحة أنْشد أَبُو حنيفَة (خليلي خلصاني لم يبْق حبها ... من الْقلب إِلَّا عوذا سينالها) قَالَ والعوذ مَا لم تُدْرِكهُ الْمَاشِيَة لارتفاعه فَكَأَنَّهُ قد عاذ مِنْهَا وَذكر الْقُضَاعِي فِي عُيُون المعارف أَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ولد فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْخَامِس وَالْعِشْرين من كانون الأول بعد قيام الْإِسْكَنْدَر بثلاثمائة وَثَلَاث سِنِين وحملت بِهِ مَرْيَم وَلها ثَلَاث عشرَة سنة قَالَ

الْحسن حملت بِهِ تسع سَاعَات وَوَضَعته من يَوْمهَا وَكَانَت وِلَادَته فِي بَيت لحم وَلما تمت لَهُ ثَمَانِيَة أَيَّام ختن على سنة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وسموه اليسوع وهربت بِهِ أمه إِلَى مصر وَأقَام بهَا اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ رجعت بِهِ إِلَى ناصرة من جبل الْجَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا بلغ ثَلَاثِينَ سنة جَاءَهُ الْوَحْي وَكَانَت نبوته ثَلَاث سِنِين وَتكلم فِي المهد ثَلَاث مَرَّات ثمَّ لم يتَكَلَّم حَتَّى بلغ حد الْكَلَام وَبشر بنبينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فِي إنجيل يوحنا احْفَظُوا وصيتي فسيأتيكم الفارقليط وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال إِنَّه رفع إِلَى السَّمَاء فِي لَيْلَة الْقدر من جبل بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا كَانَ بعد سبع ظهر لأمه فَقَالَ لَهَا لم يُصِبْنِي إِلَّا خير وأمرها بِأَن تَأتيه بالحواريين فجاؤا إِلَيْهِ وأوصاهم وبثهم فِي الأَرْض وَقَالَ وهب توفى الله عِيسَى ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار ثمَّ رَفعه وَعَاشَتْ مَرْيَم بعده سِتّ سِنِين يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ والجبل الَّذِي ذكره الْقُضَاعِي بِبَيْت الْمُقَدّس يعرف الْآن بجبل الطّور وَهُوَ مشرف على الْمَسْجِد الْأَقْصَى وعَلى قلته بُنيان قديم من زمن الرّوم هَيئته هَيْئَة حصن وَفِي ذروته من دَاخل صُورَة معبد لطيف مربع الْبناء وبأعاليه قبَّة مُقَوَّرَة الرَّأْس لَيْسَ بَين ذَلِك المعبد وَبَين السَّمَاء حَائِل يزار وَيَقُول أهل الطّور إِنَّه

تفسير

مصعد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام على مَا توارثوه بَينهم من زمَان السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فاتح بَيت الْمُقَدّس ومنقذه من أَيدي الإفرنج فَالله أعلم قَالَ الْقُضَاعِي وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ليهبطن الله الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم حكما عدلا وإماما مقسطا يكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة وَيفِيض المَال حَتَّى لَا يجد من يَأْخُذهُ وليسلكن الروحاء حَاجا أَو مُعْتَمِرًا قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف إِن بَين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّمائَة عَام وَعشْرين عَام وَفِي هَذِه التواريخ خلاف بَين أهل النَّقْل تَفْسِير الروحاء بِفَتْح أَوله وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَمْدُود قَرْيَة جَامِعَة لمزينة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد وَأَرْبَعُونَ ميلًا قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليهلن ابْن مَرْيَم بفج الروحاء حَاجا أَو مُعْتَمِرًا

عود وانعطاف إلى ما نحن بصدده

أَو ليثنينهما قَالَ وروى غير وَاحِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد صلى فِي الْمَسْجِد الَّذِي بِبَطن الروحاء عِنْد عرق الظبية هَذَا وَاد من أَوديَة الْجنَّة قد صلى فِي هَذَا الْمَسْجِد قبلي سَبْعُونَ نَبيا وَقد مر بِهِ مُوسَى بن عمرَان حَاجا أَو مُعْتَمِرًا فِي سبعين ألفا من بني إِسْرَائِيل على نَاقَة لَهُ وَرْقَاء عَلَيْهَا عباءتان قطويتان يُلَبِّي وصفاح الروحاء تجاوبه الصفاح النواحي قَالَه الْجَوْهَرِي قَالَ وَسميت الروحاء لِكَثْرَة أرواحها وبالروحاء بِنَاء يَزْعمُونَ أَنه قبر مُضر بن نزار عود وانعطاف إِلَى مَا نَحن بصدده وَحكى ابْن إِسْحَاق عَن خَالِد بن سِنَان عَن رجل من قدماء أهل الرّوم قَالَ لما أَرَادَ هِرقل الْخُرُوج من أَرض الشَّام إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة لما بلغه من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع الرّوم وَقَالَ إِنِّي عَارض عَلَيْكُم أمورا فانظروا قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ تعلمُونَ وَالله أَن هَذَا الرجل لنَبِيّ مُرْسل نجده فِي كتبنَا ونعرفه بِصفتِهِ فَهَلُمَّ نتبعه فَقَالُوا نَكُون تَحت أَيدي الْعَرَب قَالَ فَأعْطِيه الْجِزْيَة كل سنة أكسر عني شوكته

وأستريح من حربه قَالُوا نعطي الْعَرَب الذل وَالصغَار لَا وَالله قَالَ فَأعْطِيه أَرض سورية وَهِي فلسطين والأردن ودمشق وحمص وَمَا دون الدَّرْب قَالُوا لَا نَفْعل قَالَ أما وَالله لترون أَنكُمْ قد ظفرتم إِذا امتنعتم مِنْهُ فِي مدينتكم ثمَّ جلس على بغل لَهُ فَانْطَلق حَتَّى إِذا أشرف على الدَّرْب اسْتقْبل أَرض الشَّام فَقَالَ السَّلَام عَلَيْك أَرض سورية سَلام الْوَدَاع ثمَّ ركض حَتَّى دخل الْقُسْطَنْطِينِيَّة يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده الحَدِيث وَكَانَ كَمَا قَالَ فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أخذت كنوزهما وأنفقت فِي سَبِيل الله عز وَجل وَمَا ينْطق عَن الْهوى وَقد أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد عذرة حِين قدمُوا عَلَيْهِم فِي صفر سنة تسع وَفِيهِمْ حَمْزَة بن النُّعْمَان فأسلموا وبشرهم بِفَتْح الشَّام وهروب هِرقل إِلَى مُمْتَنع من بِلَاده وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا فيهم حَمْزَة الْمَذْكُور فَفِي هَذِه الْأَحَادِيث من الْبَيَان الشافي وَالتَّصْرِيح الْكَافِي بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورسالته مَا يُغني عَن النّظر الْعَظِيم وَيَقْضِي لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالترجيح والتقديم وَذَلِكَ لما صدر عَن قَول هِرقل وَهُوَ أحد عُلَمَاء أهل الْكتاب بعد فحصه ولبثه وَكَثْرَة تقصيه عَن أَحْوَال

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبحثه مَعَ سداد نظره وجودة فكره وَقَوله لأبي سُفْيَان إِن يكن مَا تَقول حَقًا فَإِنَّهُ نَبِي وَقَوله وَقد كنت أعلم أَنه خَارج وَلم أكن أَظُنهُ مِنْكُم وَقَوله وَلَو أَنِّي أعلم أَن أخْلص إِلَيْهِ لأحببت لقاءه وَقَوله وَلَو كنت عِنْده لغسلت عَن قَدَمَيْهِ فَفِي مَجْمُوع مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ غَايَة الْمُبَالغَة فِي التَّعْظِيم وَنِهَايَة الإجلال والتكريم أَن هِرقل من أوفر أهل الْكتاب عقلا وأرجحهم علما وفضلا فلولا مَا علمه من تحقق نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وظهوره واطلع عَلَيْهِ من خَفِي علمه ومستوره لما أرشد إِلَى أَتْبَاعه وَلَا سارع إِلَى قبُول كِتَابه واستماعه ولفعل كَمَا فعل كسْرَى لما ورد عَلَيْهِ كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُ إِلَى الْإِيمَان وَالْإِسْلَام فَأَعْرض عَن قبُوله ومزقه وَمَا أقبل عَلَيْهِ وَلَا صدقه لجهله وَعدم مَعْرفَته بِمَا أنزل الله تَعَالَى فِي كتبه من الْإِعْلَام بنبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلِأَن قومه مجوس يعْبدُونَ النَّار وَلم يكن لَهُم علم بِأُمُور الْأَنْبِيَاء صلوَات الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ ثمَّ إِن هَذَا الِاعْتِرَاف من هِرقل والخضوع لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَثْرَة أَتْبَاعه وَجُنُوده وبسطته فِي الأَرْض واقتداره وتمكنه من الرِّجَال وَالْمَال القاضيين لَهُ ببلوغ الأوطار والآمال وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه إِذْ ذَاك قَلِيل عَددهمْ يسير مددهم لَا يخطرون لأحد من الْمُلُوك ببال وَلَا يَمرونَ لَهُ على خيال لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْفقر الْغَالِب والقل

تفسير

المصاحب فانقياد هِرقل إِلَيْهِ مَعَ هَذِه الْحَال واعترافه بنبوته وإيثاره للغاية ومبالغته فِي كرامته دَلِيل على اطِّلَاعه على مَا صرح بِهِ وأظهره بعد إخفائه وَنشر من نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم وَبِذَلِك وَقع التَّعْرِيف فِي كتاب الله الْمجِيد الَّذِي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حَكِيم حميد} قَالَ الله تَعَالَى وَهُوَ أصدق الْقَائِلين ورحمتي وسعت كل شَيْء فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزكوة وَالَّذين هم بآيتنا يُؤمنُونَ الَّذين يتبعُون الرَّسُول النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ وينههم عَن الْمُنكر وَيحل لَهُم الطيبت وَيحرم عَلَيْهِم الخبئث وَيَضَع عَنْهُم اصرهم والأغلل الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم فَالَّذِينَ آمنُوا بِهِ وعزروه ونصروه وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه أُولَئِكَ هم المفلحون تَفْسِير قَوْله تَعَالَى اصرهم وقرىء آصارهم بِالْجمعِ قَالَ ابْن عَبَّاس يَعْنِي الْعَهْد الثقيل كَانَ أَخذ على بني إِسْرَائِيل بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة وَقَالَ قَتَادَة يَعْنِي التَّشْدِيد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِم فِي الدّين والأغلال يَعْنِي الأثقال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم وَذَلِكَ مثل قتل النَّفس

فصل

فِي التَّوْبَة وَقطع الْأَعْضَاء الْخَاطِئَة وقرض النَّجَاسَة عَن الثَّوْب بالمقراض وَتَعْيِين الْقصاص فِي الْقَتْل وَتَحْرِيم أَخذ الدِّيَة وَترك الْعَمَل فِي السبت وَإِن صلَاتهم لَا تجوز إِلَّا فِي الْكَنَائِس وَغير ذَلِك من الشدائد شبهت بالأغلال الَّتِي تجمع الْيَد إِلَى الْعُنُق قَالَه الْبَغَوِيّ فصل فِيمَا قَالَه دحْيَة فِي قدومه على قَيْصر وَفِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه إِلَى هِرقل وَأَنه مَوْجُود عِنْدهم إِلَى زَمَاننَا هَذَا وَمَا رويته فِي ذَلِك قَالَ السُّهيْلي قَالَ دحْيَة (أَلا هَل أَتَاهَا على نأيها ... بأنى قدمت على قَيْصر) (فقدرته بِصَلَاة الْمَسِيح ... وَكَانَت من الْجَوْهَر الْأَحْمَر) (وتدبير رَبك أَمر السَّمَاء ... وَالْأَرْض فاغضى وَلم يُنكر) (وَقلت تقر ببشرى الْمَسِيح ... فَقَالَ سَأَنْظُرُ قلت انْظُر) (فكاد يقر بِأَمْر الرَّسُول ... فَمَال إِلَى الْبَدَل الْأَعْوَر)

(فَشك وجاشت لَهُ نَفسه ... وجاشت نفوس بني الْأَصْفَر) (على وَضعه بيدَيْهِ الْكتاب ... على الرَّأْس وَالْعين والمنخر) (فَأصْبح قَيْصر من أمره ... بِمَنْزِلَة الْفرس الْأَشْقَر) أَرَادَ بالفرس الْأَشْقَر مثلا للْعَرَب يَقُولُونَ أشقر إِن تتأخر تعقر وَأَن تتقدم تنحر وَرُوِيَ أَن هِرقل وضع كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَصَبَة من ذهب تَعْظِيمًا لَهُ وَأَنَّهُمْ لم يزَالُوا يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فِي أرفع صوان وأعز مَكَان قَالَ الْجَوْهَرِي جعلت الثَّوْب فِي صوانه وصوانه بِالضَّمِّ وَالْكَسْر هُوَ مَا يصان فِيهِ قَالَ السُّهيْلي حَتَّى كَانَ يَعْنِي الْكتاب عِنْد اذفونش الَّذِي تغلب على طليطلة من بِلَاد الأندلس ثمَّ كَانَ عِنْد ابْن بنته الْمَعْرُوف بالسليطين قَالَ حَدثنِي بعض أَصْحَابنَا أَنه حَدثهُ من سَأَلَهُ رُؤْيَته من قواد أجناد الْمُسلمين كَانَ يعرف بِعَبْد الْملك بن سعيد قَالَ فَأخْرجهُ إِلَيّ فاستعبرت وَأَرَدْت تقبيله وَأَخذه من يَدي وَمَنَعَنِي من ذَلِك صِيَانة لَهُ وضنا بِهِ عَليّ وَيُقَال هِرقل وهرقل

يَقُول أَبُو عبد الله مُحَمَّد مؤلف هَذَا الْكتاب عَفا الله عَنهُ أَخْبرنِي أَبُو طَالب بن أبي مَدين نزيل بَيت الْمُقَدّس والمتوفي بِهِ رَحمَه الله وَنحن إِذْ ذَاك بِالْمَدْرَسَةِ الشرابيشية من الْقَاهِرَة المعزية فِي شهر سنة بضع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَأَنه أخبرهُ قَاضِي الْجَمَاعَة بِمَدِينَة فاس دَار الْملك بِبِلَاد الْمغرب ذهب عني اسْمه لما بَعثه السُّلْطَان أَبُو الْحسن المريني إِلَى اذفونش ملك الإفرنج بِمَدِينَة قرطبة من جَزِيرَة الأندلس قَالَ لي وَيَزْعُم أَنه من ذُرِّيَّة هِرقل سَأَلَهُ أَن يُرْسل إِلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بلغه أَنه بَاقٍ بِأَيْدِيهِم يتبرك بِهِ ويعيده إِلَيْهِم وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ ألف دِينَار شكرانا لزيارته والتبرك بِهِ فَلَمَّا وصل القَاضِي إِلَى اذفونش وَأدّى الرسَالَة قَالَ فَجمع القسيسين وعلماء دينهم واستشارهم بِحُضُور القَاضِي فَأَبَوا ذَلِك على الْملك وَقَالُوا نَخَاف عَلَيْهِ الضَّيْعَة فِي الطَّرِيق عِنْد ذَهَابه ورجوعه لبعد الْمسَافَة والتعدية فِي الْبَحْر إِلَى بر الْمُسلمين قَالَ أَبُو طَالب قَالَ القَاضِي فَسَأَلت

فصل في بعث أبي بكر رضي الله عنه إلى هرقل

وتشفعت عِنْد الْملك أَن أرَاهُ أَنا وأزوره فأنعم لي بذلك قَالَ فسرت وَمَعِي رَسُول من الْملك إِلَى إشبيلية وَكَانَ الْكتاب الْكَرِيم فِي كَنِيسَة بهَا قَالَ القَاضِي فَلَمَّا وصلنا دَعَا الرَّسُول بالبترك والمطران وَمَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مِفْتَاح من ذهب وَإِذا هُوَ فِي خزانَة عالية عَن الأَرْض فكشفا رؤوسهما وَأَخْرَجَاهُ من صندوق من ذهب وَهُوَ مطوى فِي حَرِير أَبيض مبطن بالمسك قَالَ القَاضِي فحسرت عَن رَأْسِي وَفتحت الْكتاب وقبلته وقرأته وتبركت بِهِ وأعيد إِلَى مَكَانَهُ وَرجعت إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن فَلَمَّا رَآنِي بَكَى وَكَانَ قد بلغه الْخَبَر وَقبل عَيْني قَالَ أَبُو طَالب وَبَقِي على وَجه القَاضِي وضاءة لم تكن عَلَيْهِ قبل ذَلِك فصل فِي بعث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى هِرقل قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ قلت وَقد بعث أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر ثَانِيًا حَدثنَا سعد الْخَيْر بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة أَن هِشَام بن الْعَاصِ ونعيم بن عبد الله ورجلا آخر قد

سَمَّاهُ بعثوا إِلَى ملك الرّوم فِي زمن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فَدَخَلْنَا على جبلة بن الْأَيْهَم وَهُوَ بالغوطة وَإِذا عَلَيْهِ ثِيَاب سود وَإِذا كل شَيْء حوله أسود فَقَالَ لبست هَذِه نذرا فَلَا أَنْزعهَا حَتَّى أخرجكم من الشَّام كلهَا قُلْنَا فاتئد حَتَّى تمنع مجلسك وَالله لنأخذنه مِنْك وَملك الْملك الْأَعْظَم إِن شَاءَ الله أخبرنَا بذلك نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِيَاض قَالَ صَاحب الْعين التؤدة التأني والرزانة يُقَال اتئد وتوأد التَّاء مبدلة من الْوَاو والتوأد من التؤدة قَالَ يَعْنِي جبلة فَأنْتم إِذا السمراء قُلْنَا نَحن السمراء قَالَ الْجَوْهَرِي الأسمران المَاء وَالْبر وَيُقَال المَاء وَالرِّيح والسمراء الْحِنْطَة والسمار بِالْفَتْح اللَّبن الرَّقِيق وتسمير اللَّبن ترقيقه بِالْمَاءِ والسمر المسامرة وَهُوَ الحَدِيث بِاللَّيْلِ فنسبة جبلة لَهُم من هَذِه الْمَادَّة وتسميتهم بِهِ وَالله أعلم ثمَّ قَالَ يَعْنِي جبلة لَسْتُم بهم قُلْنَا وَمن هم قَالَ هم الَّذين يَصُومُونَ النَّهَار

ويقومون اللَّيْل قُلْنَا نَحن وَالله هم قَالَ فَكيف صومكم فوصفنا لَهُ صومنا قَالَ فَكيف صَلَاتكُمْ فوصفنا لَهُ صَلَاتنَا قَالَ فَالله يعلم لقد غشيه سَواد حَتَّى صَار وَجهه كَأَنَّهُ قِطْعَة طابق قَالَ الْجَوْهَرِي هُوَ الْآجر الْكَبِير فَارسي مُعرب وَقَالَ يَعْنِي جبلة قومُوا فَأمر بِنَا إِلَى الْملك فَانْطَلَقْنَا فلقينا الرَّسُول بِبَاب الْمَدِينَة فَقَالَ إِن شِئْتُم أتيتم ببغال وَإِن شِئْتُم أتيتم ببراذين فَقُلْنَا لَا وَالله لَا ندخل عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا نَحن قَالَ فَأرْسل إِلَيْهِ أَنهم يأبون قَالَ فَأرْسل أَن خل سبيلهم فَدَخَلْنَا معتمين متقلدين السيوف على الرَّوَاحِل فَلَمَّا كُنَّا بِبَاب الْملك إِذا هُوَ فِي غرفَة لَهُ عالية فَنظر إِلَيْنَا فرفعنا رؤوسنا وَقُلْنَا لَا إِلَه إِلَّا الله فَالله يعلم لنفضت الغرفة كلهَا حَتَّى كَأَنَّهَا عذق نفضته الرّيح قَالَ الْجَوْهَرِي العذق بِالْفَتْح النَّخْلَة بحملها وَمِنْه قَول الْحباب بن الْمُنْذر فِي يَوْم السَّقِيفَة أَنا عذيقها المرجب والنفض بِالْفَاءِ التحريك يُقَال نفضت الشّجر إِذا حركته لينتفض ويشدد للْمُبَالَغَة والإنقاض بِالْقَافِ صويت مثل النقر وأنقض الْحمل ظَهره أَي أثقله وَأَصله الصَّوْت والنقيض صَوت المحامل والرحال قَالَ فَأرْسل إِلَيْنَا الْملك أَن هَذَا لَيْسَ لكم أَن تَجْهَرُوا بدينكم

عَليّ وَأرْسل أَن ادخُلُوا فَدَخَلْنَا فاذا هُوَ على فرَاش إِلَى السّقف وَإِذا عَلَيْهِ ثِيَاب حمر وَإِذا كل شَيْء عِنْده أَحْمَر وَإِذا عِنْده بطارقة الرّوم وَإِذا هُوَ يُرِيد يُكَلِّمنَا برَسُول فَقُلْنَا لَا وَالله لَا نكلمه برَسُول وَإِنَّمَا بعثنَا إِلَى الْملك فان كنت تحب أَن نكلمك فَأذن لنا نكلمك فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ ضحك وَإِذا هُوَ رجل فصيح يحسن الْعَرَبيَّة فَقُلْنَا لَا إِلَه إِلَّا الله فَالله يعلم لقد نقض السّقف حَتَّى رفع رَأسه هُوَ وَأَصْحَابه فَقَالَ مَا أعظم كلامكم عنْدكُمْ قُلْنَا هَذِه الْكَلِمَة قَالَ الَّتِي قُلْتُمُوهَا قبل قُلْنَا نعم قَالَ فاذا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَاد عَدوكُمْ نقضت سقوفهم قُلْنَا لَا قَالَ فاذا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادكُمْ نقضت سقوفكم قُلْنَا لَا وَمَا رأيناها فعلت هَذَا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء عبرت بِهِ فَقَالَ مَا أحسن الصدْق فَمَا تَقولُونَ إِذا افتتحتم الْمَدَائِن قُلْنَا نقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر قَالَ تَقولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَيْسَ مَعَه شَيْء وَالله أكبر أكبر من كل شَيْء قُلْنَا نعم قَالَ فَمَا منعكم أَن تحيوني بِتَحِيَّة نَبِيكُم قُلْنَا إِن تَحِيَّة نَبينَا لَا تحل لَك وتحيتك لَا تحل لنا فنحييك بهَا قَالَ وَمَا تحيتكم قُلْنَا تَحِيَّة أهل الْجنَّة قَالَ وَبهَا كُنْتُم تحيون نَبِيكُم قُلْنَا نعم قَالَ وَبهَا يُحْيِيكُمْ قُلْنَا نعم فَمن كَانَ يُورث مِنْكُم قُلْنَا من كَانَ أقرب قرَابَة قَالَ وَكَذَلِكَ ملوككم قُلْنَا نعم قَالَ فَأمر لنا بِنزل كثير ومنزل حسن فَمَكثْنَا ثَلَاثًا ثمَّ أرسل إِلَيْنَا لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْده أحد فاستعادنا كلامنا فأعدنا عَلَيْهِ فاذا عِنْده شبه الربعة الْعَظِيمَة مذهبَة قَالَ الْجَوْهَرِي الربعة جونة الْعَطَّار

فاذا فِيهَا أَبْوَاب صغَار فَفتح مِنْهَا بَابا فاستخرج مِنْهُ خرقَة حَرِير سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا رجل طوال أَكثر النَّاس شعرًا فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا آدم ثمَّ أَعَادَهَا وَفتح بَابا آخر فاستخرج حريرة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة فاذا رجل ضخم الرَّأْس عَظِيم لَهُ شعر كشعر القبط أعظم النَّاس أليتين أَحْمَر الْعَينَيْنِ فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا نوح ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فَقُلْنَا هَذَا النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله هَذَا مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ فَالله يعلم أَنه قَامَ ثمَّ قعد قَالَ آللَّهُ بدينكم أَنه نَبِيكُم قُلْنَا الله بديننا أَنه نَبينَا كَأَنَّمَا نَنْظُر إِلَيْهِ حَيا ثمَّ قَالَ أما إِنَّه كَانَ آخر الْأَبْوَاب وَلَكِنِّي عجلته لأنظر مَا عنْدكُمْ ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا رجل مقلص الشفتين غائر الْعَينَيْنِ متراكم الْأَسْنَان كثيف اللِّحْيَة عَابس فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا مُوسَى وَإِلَى جنبه رجل يُشبههُ غير أَن فِي عَيْنَيْهِ ميلًا وَفِي رَأسه استدارة فَقَالَ هَذَا هَارُون ثمَّ رفعهما وَفتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ خرقَة سَوْدَاء فِيهَا صُورَة بَيْضَاء أَو حَمْرَاء فاذا هُوَ رجل مَرْبُوع فَقَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا دَاوُد ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر واستخرج مِنْهُ حريرة أَو خرقَة سَوْدَاء

فاذا فِيهَا صُورَة بَيْضَاء ووإذا رجل رَاكب على فرس طَوِيل الرجلَيْن كل شَيْء مِنْهُ جنَاح تحفه الرّيح قَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا دانيال ثمَّ أَعَادَهُ وَفتح بَابا آخر فاستخرج مِنْهُ حريرة أَو خرقَة سَوْدَاء وفيهَا صُورَة بَيْضَاء فاذا صُورَة شَاب تعلوه صفرَة حسن اللِّحْيَة قَالَ أتعرفون هَذَا قُلْنَا لَا قَالَ هَذَا عِيسَى بن مَرْيَم ثمَّ أَعَادَهُ وَأمر بالربعة فَرفعت فَقُلْنَا هَذِه صُورَة نَبينَا قد عرفناها فانا قد رَأَيْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّورَة الَّتِي لم نرها كَيفَ نَعْرِف أَنَّهَا هِيَ فَقَالَ إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه أَن يرِيه صُورَة نَبِي نَبِي فَأخْرج إِلَيْهِ صورهم فِي خرق الْحَرِير من الْجنَّة فأصابها ذُو القرنين فِي خزانَة آدم فِي مغرب الشَّمْس فَلَمَّا كَانَ دانيال صور هَذِه الصُّور وَهِي بِأَعْيَانِهَا فوَاللَّه لَو تطيب نَفسِي فِي الْخُرُوج عَن ملكي مَا باليت أَن أكون عبدا لأميركم ملكه وَلَكِن عَسى أَن تطيب نَفسِي قَالَ فَأحْسن جائزتنا وأخرجنا وَفِي رِوَايَة وَذكر فِي الْأَنْبِيَاء لوطا وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل ويوسف فَلَمَّا قدمنَا على أبي بكر حدّثنَاهُ فَبكى أَبُو بكر وَقَالَ مِسْكين لَو أَرَادَ الله بِهِ خيرا لفعل ثمَّ قَالَ أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم وَالْيَهُود يَجدونَ نعت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله

فصل في روايات مختلفة جاءت في كتبه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر

تَعَالَى {يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} فصل فِي رِوَايَات مُخْتَلفَة جَاءَت فِي كتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَيْصر ذكر أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرقل من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى صَاحب الرّوم إِنِّي أَدْعُوك إِلَى الْإِسْلَام فان أسلمت فلك مَا للْمُسلمين وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم وَإِن لم تدخل فِي الْإِسْلَام فأعط الْجِزْيَة فان الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين اوتوا الْكتب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون وَإِلَّا فَلَا تحل بَين الفلاحين وَبَين الْإِسْلَام أَن يدخلُوا فِيهِ أَو يُعْطوا الْجِزْيَة وَقَالَ قَوْله الفلاحين لم يرد الفلاحين خَاصَّة وَلكنه أَرَادَ أهل مَمْلَكَته جَمِيعًا وَذَلِكَ أَن الْعَجم عِنْد الْعَرَب فلاحون لأَنهم أهل زرع وحرث

وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر قَالَ وَأما قَيْصر فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب طواه ثمَّ وَضعه فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أما هَؤُلَاءِ فستكون لَهُم بَقِيَّة وَفِي رِوَايَة عَنهُ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي كتابا وَاحِدًا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي أما بعد تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم إِلَى قَوْله بانا مُسلمُونَ فَأَما كسْرَى فمزق كِتَابه وَلم ينظر فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مزق ومزقت أمته وَأما قَيْصر فَقَالَ إِن هَذَا الْكتاب لم أره بعد سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَأرْسل إِلَى أبي سُفْيَان وَإِلَى الْمُغيرَة وَكَانَا تاجرين بِالشَّام فَسَأَلَهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بِأبي لَو كنت عِنْده لغسلت قَدَمَيْهِ ليملكن مَا تَحت قدمي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ مُدَّة يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَهَذَا القَوْل مِنْهُ وَمَا أشبهه

مِمَّا تقدم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ مُدَّة وَإِن لَهُم بَقِيَّة وَقَوله فِي تَرْجَمَة دحْيَة ثَبت وَثَبت ملكه من إِعْلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمغيبات وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِأَن ملك النَّصَارَى قَائِم ثَابت فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا من زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهلم جرا إِلَى زمننا هَذَا نَحوا من سَبْعمِائة وَسبعين سنة كل ذَلِك ببركة إقرارهم لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آمن مِنْهُم وَمن لم يُؤمن وَيبقى ملكهم إِلَى نزُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاءَت بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ذكرهَا الْعلمَاء الثِّقَات فِي تواليفهم رَضِي الله عَنْهُم وَفِي قصَّة أهل نَجْرَان وَحَدِيث المباهلة مَا يدلك على أَنهم لَو لَاعِنُوا لمسخوا قردة وَخَنَازِير ولاضطرم عَلَيْهِم الْوَادي نَارا وَلما حَال الْحول على النَّصَارَى كلهم حَتَّى هَلَكُوا كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَأْتِي فِي كتَابنَا هَذَا عِنْد ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل نَجْرَان فَتَأَمّله هُنَاكَ ترى عجبا انْتهى وَذكر ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر والإسكندرية أَن هِرقل أَرَادَ التَّوَجُّه بجيوشه فِي الْبَحْر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ليمنعها من عَمْرو بن الْعَاصِ وَالصَّحَابَة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إعظاما لَهَا وَأمر أَن لَا يتَخَلَّف عَنهُ أحد من الرّوم وَقَالَ مَا بَقَاء الرّوم بعد الْإسْكَنْدَريَّة فرصعه الله وَمَات فِي سنة تسع عشرَة وَقيل فِي سنة عشْرين

بَاب فِي مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس ملك مصر والإسكندرية وإرساله إِلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الْفَوَائِد روينَا فِي كتاب فتوح مصر وَالْمغْرب وأخبار أَهلهَا لأبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم الْقرشِي الْمصْرِيّ صَاحب الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ لما كَانَت سنة سِتّ من مهَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع من الْحُدَيْبِيَة بعث إِلَى الْمُلُوك فَقَامَ ذَات يَوْم على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَتشهد ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أُرِيد أَن

أبْعث بَعْضكُم إِلَى مُلُوك الْعَجم فَلَا تختلفوا عَليّ كَمَا اخْتلفت بَنو إِسْرَائِيل على عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى عِيسَى أَن ابْعَثْ إِلَى مُلُوك الأَرْض فَبعث الحواريين فَأَما الْقَرِيب مَكَانا فَرضِي وَأما الْبعيد مَكَانا فكره وَقَالَ لَا أحسن كَلَام من تبعثني إِلَيْهِ فَقَالَ عِيسَى اللَّهُمَّ أمرت الحواريين بالذين أَمرتنِي فَاخْتَلَفُوا عَليّ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي سأكفيك فَأصْبح كل إِنْسَان يتَكَلَّم بِلِسَان الَّذِي وَجه إِلَيْهِم فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُول الله وَالله لَا نَخْتَلِف عَلَيْك أبدا فِي شَيْء فمرنا وابعثنا فَبعث حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة فَمضى حَاطِب بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وجد الْمُقَوْقس فِي مجْلِس مشرف على الْبَحْر فَركب الْبَحْر فَلَمَّا حَاذَى مَجْلِسه أَشَارَ بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين إصبعيه فَلَمَّا رَآهُ أَمر بِالْكتاب فَقبض وَأمر بِهِ فاوصل إِلَيْهِ فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب قَالَ مَا مَنعه إِن كَانَ نَبيا أَن يَدْعُو عَليّ فيسلط عَليّ فَقَالَ لَهُ حَاطِب مَا منع عِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يَدْعُو على من أَبى عَلَيْهِ أَن يفعل بِهِ وَيفْعل فَوَجَمَ سَاعَة

ثمَّ استعادها فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ حَاطِب فَسكت فَقَالَ لَهُ حَاطِب إِنَّه كَانَ قبلك رجل يزْعم أَنه الرب الْأَعْلَى زَاد غَيره فَأَخذه الله نكال الْآخِرَة وَالْأولَى فانتقم الله بِهِ ثمَّ انتقم مِنْهُ فأعتبر بغيرك وَلَا يعْتَبر غَيْرك بك فَقَالَ إِن لنا دينا لن ندعه إِلَّا لما هُوَ خير مِنْهُ فَقَالَ حَاطِب ندعوك إِلَى دين الله وَهُوَ الْإِسْلَام الْكَافِي بِهِ الله فقد مَا سواهُ إِن هَذَا النَّبِي دَعَا النَّاس فَكَانَ أَشَّدهم عَلَيْهِ قُرَيْش وأعداهم لَهُ يهود وأقربهم مِنْهُ النَّصَارَى ولعمري مَا بِشَارَة مُوسَى بِعِيسَى إِلَّا كبشارة عِيسَى بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا دعاءنا إياك إِلَى الْقُرْآن إِلَّا كدعائك أهل التَّوْرَاة إِلَى الْإِنْجِيل وكل نَبِي أدْرك قوما فهم من أمته فَالْحق عَلَيْهِم أَن يطيعوه فَأَنت مِمَّن أدْركهُ هَذَا النَّبِي ولسنا ننهاك عَن دين الْمَسِيح وَلَكنَّا نأمرك بِهِ فَقَالَ الْمُقَوْقس

إِنِّي قد نظرت فِي أَمر هَذَا النَّبِي فَوَجَدته لَا يَأْمر بمزهود فِيهِ وَلَا يُنْهِي إِلَّا عَن مَرْغُوب عَنهُ وَلم أَجِدهُ بالساحر الضال وَلَا الكاهن الْكَاذِب وَوجدت مَعَه آلَة النُّبُوَّة باخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر زَاد السُّهيْلي وَأهْدى لَهُ مَارِيَة بنت شَمْعُون وَأُخْتهَا سِيرِين أم عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت وَغُلَامًا اسْمه مابور وَالْبَغْلَة وَكِسْوَة وَقَدحًا من قَوَارِير كَانَ يشرب فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكاتبه قَالَ ابْن عبد الحكم ثمَّ قَرَأَ الْكتاب فاذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة عبد الله وَرَسُوله إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام فَأسلم تسلم وَأسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَة فان توليت فَعَلَيْك إِثْم القبط يآهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فان توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ ثمَّ أَخذه وَجعله فِي حق من عاج وَختم عَلَيْهِ وَدفعه إِلَى جَارِيَة لَهُ

وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ أرسل الْمُقَوْقس إِلَى حَاطِب لَيْلَة وَلَيْسَ عِنْده أحد إِلَّا ترجمان لَهُ فَقَالَ أَلا تُخبرنِي عَن أُمُور أَسأَلك عَنْهَا فَإِنِّي أعلم أَن صَاحبك قد تخيرك حِين بَعثك قَالَ لَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء إِلَّا صدقتك قَالَ إِلَى مَا يَدْعُو مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِلَى أَن نعْبد الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا ونخلع مَا سواهُ ويأمرنا بِالصَّلَاةِ قَالَ فكم تصلونَ قَالَ خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَصِيَام شهر رَمَضَان وَحج الْبَيْت وَالْوَفَاء بالعهد وَينْهى عَن أكل الْميتَة وَالدَّم قَالَ من أَتْبَاعه قَالَ الفتيان من قومه وَغَيرهم قَالَ فَهَل يُقَاتل قومه قَالَ نعم قَالَ صفه لي قَالَ فوصفته بِصفة من صفته لم آتٍ عَلَيْهَا قَالَ قد بقيت أَشْيَاء لم أرك ذكرتها فِي عَيْنَيْهِ حمرَة قل مَا تُفَارِقهُ وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة يركب الْحمار ويلبس الشملة ويجتزئ بالتمرات وَالْكَسْر لَا يُبَالِي من لَاقَى من عَم وَلَا ابْن عَم قلت هَذِه صفته قَالَ قد كنت أعلم أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَن مخرجه الشَّام وَهُنَاكَ كَانَت تخرج الْأَنْبِيَاء من قبله فَأرَاهُ قد

خرج فِي الْعَرَب فِي أَرض جهد وبؤس والقبط لَا تطاوعني فِي اتِّبَاعه وَلَا أحب أَن يعلم بمحاورتي إياك وسيظهر على الْبِلَاد وَينزل أَصْحَابه من بعده بساحتنا هَذِه حَتَّى يظهروا على مَا هَهُنَا وَأَنا لَا أذكر للقبط من هَذَا حرفا فَارْجِع إِلَى صَاحبك ثمَّ دَعَا كَاتبا يكْتب بِالْعَرَبِيَّةِ فَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمُحَمد بن عبد الله وَزَاد غَيره بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من الْمُقَوْقس عَظِيم القبط سَلام عَلَيْك أما بعد فقد قَرَأت كتابك وفهمت مَا ذكرت فِيهِ وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَقد علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَقد كنت أَظن أَنه يخرج بِالشَّام وَقد أكرمت رَسُولك وَبعثت إِلَيْك بجاريتين لَهما مَكَان فِي القبظ الْعَظِيم وبكسوة وَأهْديت إِلَيْك بغلة لتركبها وَالسَّلَام عَلَيْك وَلم يزدْ على هَذَا وَلم يسلم والجاريتان مَارِيَة وَسِيرِين وَالْبَغْلَة دُلْدُل بقيت إِلَى زمن مُعَاوِيَة وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ إِن الْمُقَوْقس لما أَتَاهُ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضمه

إِلَى صَدره وَقَالَ هَذَا زمَان يخرج فِيهِ النَّبِي الَّذِي نجد نَعته وَصفته فِي كتاب الله وَإِنَّا لنجد صفته أَنه لَا يجمع بَين أُخْتَيْنِ فِي ملك يَمِين وَلَا نِكَاح وَأَنه يقبل الْهَدِيَّة وَلَا يقبل الصَّدَقَة وَأَن جلساءه الْمَسَاكِين وَأَن خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ ثمَّ دَعَا رجلا عَاقِلا ثمَّ لم يدع بِمصْر أحسن وَلَا أجمل من مَارِيَة وَأُخْتهَا وهما من أهل حفن من كورة أنصنا فَبعث بهما إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ بغلة شهباء وَحِمَارًا أَشهب وثيابا من قَبَاطِي مصر وَعَسَلًا من عسل بنها وَبعث إِلَيْهِ بِمَال صَدَقَة وَأمر رَسُوله أَن ينظر من جُلَسَاؤُهُ وَينظر إِلَى ظَهره هَل يرى شامة كَبِيرَة ذَات شعر فَفعل ذَلِك الرَّسُول فَلَمَّا قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم إِلَيْهِ الْأُخْتَيْنِ والدابتين وَالْعَسَل وَالثيَاب وأعلمه أَن ذَلِك كُله هَدِيَّة فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَدِيَّة وَكَانَ لَا يردهَا من أحد من النَّاس قَالَ فَلَمَّا نظر إِلَى مَارِيَة وَأُخْتهَا أعجبتاه وَكره أَن يجمع بَينهمَا وَكَانَت إِحْدَاهمَا تشبه الْأُخْرَى فَقَالَ اللَّهُمَّ اختر لنبيك فَاخْتَارَ الله لَهُ مَارِيَة وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَهما قولا نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فبدرت مَارِيَة فتشهدت وَآمَنت

قبل أُخْتهَا وَمَكَثت أُخْتهَا سَاعَة ثمَّ تشهدت وَآمَنت فوهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُخْتهَا لمُحَمد بن مسلمة الْأنْصَارِيّ وَقَالَ بَعضهم بل وَهبهَا لدحية بن خَليفَة الْكَلْبِيّ وَرُوِيَ يَعْنِي ابْن عبد الحكم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أم إِبْرَاهِيم أم وَلَده الْقبْطِيَّة فَوجدَ عِنْدهَا نسيبا كَانَ لَهَا قدم مَعهَا من مصر وَكَانَ كثيرا مَا يدْخل عَلَيْهَا فَوَقع فِي نَفسه شَيْء فَرجع فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَعرف ذَلِك فِي وَجهه فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ فَأخذ عمر السَّيْف ثمَّ دخل على مَارِيَة وقريبها عِنْدهَا فَأَهوى عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَلَمَّا رأى ذَلِك كشف عَن نَفسه وَكَانَ مجبوبا لَيْسَ بَين رجلَيْهِ شَيْء فَلَمَّا رَآهُ عمر رَجَعَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَأَخْبرنِي أَن الله تَعَالَى قد برأها وقريبها وَأَن فِي بَطنهَا غُلَاما مني وانه أشبه الْخلق بِي وَأَمرَنِي أَن أُسَمِّيهِ إِبْرَاهِيم وَكَنَّانِي بِأبي إِبْرَاهِيم وَيُقَال إِن الْمُقَوْقس بعث مَعهَا بخصى فَكَانَ يأوى إِلَيْهَا وَرُوِيَ أَيْضا عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب عَن أَبِيه عَن جده حَاطِب قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس فأنزلني فِي منزل فأقمت عِنْده ليَالِي ثمَّ بعث إِلَيّ وَقد جمع بطارقته فَقَالَ إِنِّي

أُكَلِّمك بِكَلَام وَأحب أَن تفهمه عني قَالَ قلت هَلُمَّ قَالَ أَخْبرنِي عَن صَاحبك أَلَيْسَ هُوَ نَبِي قَالَ قلت بلَى هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لم يدع على قومه حَيْثُ أَخْرجُوهُ من بَلَده إِلَى غَيرهَا قَالَ قلت لَهُ فعيسى ابْن مَرْيَم تشهد أَنه رَسُول الله فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخذه قومه فأرادوا أَن يصلبوه أَلا يكون دَعَا عَلَيْهِم بِأَن يُهْلِكهُمْ الله حَتَّى رَفعه الله إِلَيْهِ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَقَالَ أَنْت حَكِيم جَاءَ من عِنْد حَكِيم هَذِه هَدَايَا أبْعث بهَا مَعَك إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرْسل مَعَك مبذرقة يبذرقونك إِلَى مأمنك قَالَ فأهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جوَار مِنْهُنَّ أم إِبْرَاهِيم وَوَاحِدَة وَهبهَا رَسُول الله لأبي جهم ابْن حُذَيْفَة الْعَبدَرِي وَوَاحِدَة وَهبهَا لحسان بن ثَابت وَأرْسل إِلَيْهِ بِثِيَاب مَعَ طرف من طرفهم فَولدت مَارِيَة إِبْرَاهِيم فَكَانَ من أحب النَّاس إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَوجدَ بِهِ وَرُوِيَ عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ وَكَانَت البغلة وَالْحمار أحب دوابه إِلَيْهِ وَأَعْجَبهُ الْعَسَل فَدَعَا فِي عسل بنها بِالْبركَةِ وَبقيت تِلْكَ الثِّيَاب حَتَّى كفن فِي بَعْضهَا

وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على ابْنه إِبْرَاهِيم ورش المَاء على قَبره وَعَن جَابر قَالَ أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَانْطَلق بِهِ إِلَى النّخل الَّذِي فِيهِ ابْنه إِبْرَاهِيم فَوَجَدَهُ يجود بِنَفسِهِ فَأَخذه فَوَضعه فِي حجره ثمَّ بَكَى فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنْت أَحَق من علم لله عز وَجل حَقه قَالَ تَدْمَع الْعين وَقَالَ عبد الرَّحْمَن تبْكي أولم تكن نهيت عَن الْبكاء قَالَ لَا وَلَكِنِّي نهيت عَن صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فاجرين صَوت عِنْد مُصِيبَة خَمش وُجُوه وشق جُيُوب وَرَنَّة شَيْطَان وَصَوت عِنْد نَغمَة لَهو وَمَزَامِير شَيْطَان وَهَذِه رَحْمَة وَمن لَا يرحم لَا يرحم وَلَوْلَا أَنه أَمر حق ووعد صدق وَأَنَّهَا سَبِيل مأتية لحزنا عَلَيْك حزنا هُوَ أَشد من هَذَا وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ يحزن الْقلب وتدمع الْعين وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما ولدت مَارِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتقهَا وَلَدهَا وَكَانَ سنه يَوْم مَاتَ سِتَّة عشر شهرا

فصل

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَهُ ظِئْرًا فِي الْجنَّة يتم رضاعه وَكَانَ اسْم أُخْت مَارِيَة قيصرا وَقيل سِيرِين وروى ابْن عبد الحكم أَيْضا أَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا كلم مُعَاوِيَة فِي أَن يضع الْخراج عَن جَمِيع قَرْيَة أم إِبْرَاهِيم فَفعل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو بَقِي إِبْرَاهِيم مَا تركت قبطيا إِلَّا وضعت عَنهُ الْجِزْيَة وَكَانَ أهل الْقرْيَة من أَهلهَا وأقربائها فانقطعوا إِلَّا بَيْتا وَاحِدًا قد بَقِي مِنْهُم أنَاس وَاسم الْقرْيَة حفن من كورة أنصنا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء قَالَه السُّهيْلي وَكَانَت وفاتها فِي الْمحرم سنة خمس عشرَة ودفنت بِالبَقِيعِ وَصلى عَلَيْهَا عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فصل قَالَ ابْن عبد الحكم ثمَّ إِن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ

بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث حَاطِب بن أبي بلتعة أَيْضا إِلَى الْمُقَوْقس فَصَالحهُمْ فَمر على نَاحيَة قرى الشرقية فهادنهم وَأَعْطوهُ فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى دَخلهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فقاتلوه فَانْتقضَ ذَلِك الْعَهْد وَالصُّلْح قَالَ وَهِي أول هدنة كَانَت بِمصْر وَذَلِكَ سنة عشْرين فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَاسم أبي بلتعة عَمْرو ابْن حَاطِب لخمي وَفِي ذَلِك يَقُول حسان بن ثَابت فِي أَبْيَات ذكر فِيهَا رسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُلُوك (قل لرسل النَّبِي صَاح إِلَى النَّاس ... شُجَاع ودحية بن خليفه) (ولعمرو وحاطب وسليط ... ولعمرو وَذَاكَ رَأس الصحيفه) الأول عَمْرو بن الْعَاصِ وَالثَّانِي عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي لِأَنَّهُ كَانَ أول رسله كَمَا تقدم عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ فَلذَلِك وَالله أعلم قَالَ حسان وَذَاكَ رَأس الصَّحِيفَة وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الوفا أَنه لما وصل كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس مَعَ حَاطِب وَكتب فِي جَوَابه قد كنت علمت أَن نَبيا قد بَقِي وَقد أكرمت رَسُولك وَأهْدى أليه أَربع جوَار مِنْهَا مَارِيَة وَحِمَارًا يُقَال لَهُ عفير وَبغلة يُقَال لَهُ الدلْدل وَلم يسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضن الْخَبيث بِملكه وَلَا بَقَاء لملك فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هديته وَاصْطفى مَارِيَة لنَفسِهِ فَأَتَت بإبراهيم ونفق الْحمار مُنْصَرفه من

حجَّة الْوَدَاع وَبقيت البغلة إِلَى زمَان مُعَاوِيَة وَكَانَت بَيْضَاء وَلم يكن يَوْمئِذٍ فِي الْعَرَب غَيرهَا يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ تَأمل رَحِمك الله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَقَاء لملك بِخِلَاف مَا قَالَ لهرقل ثَبت ملكه وَإِن لَهُ مُدَّة فَلذَلِك لم يقم للقبط ملك بعد الْمُقَوْقس وَإِلَى زَمَاننَا هَذَا إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لَهُم وَأوصى عَلَيْهِم كَمَا يَأْتِي ذكره فِي هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمن غَرِيب مَا أرويه فِي هَذَا الْمَعْنى وشاهدته عيَانًا أَنه توزر فِي أَيَّام السُّلْطَان حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون إِنْسَان من القبط يُسمى بِابْن زنبور وَكَانَ قد تمكن تمَكنا عَظِيما فِي مملكة مصر فرأيته يَوْمًا وَقد ركب فِي الْمحمل وَهُوَ فِي هَيْئَة ضخمة على هَيْئَة ركُوب الْمُلُوك ومناد يُنَادي بَين يَدَيْهِ شاباش يَا ملك الْعَصْر وَالزَّمَان فَمَا مر إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى أَخذ وَنكل بِهِ أعظم النكال إِلَى أَن مَاتَ فَعمِلت أَن ذَلِك من معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بَقَاء لملك يَعْنِي فِي القبط كَمَا أَن الْفرس لَا يكون فيهم ملك كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} قَوْله شاباش هَذِه لَفْظَة تقال أَمَام مُلُوك مصر فِي زمننا عِنْد

فصل في خبر المغيرة بن شعبة مع المقوقس وسبب إسلامه

ركوبهم وَلها اشتقاق من اللُّغَة قَالَ الْجَوْهَرِي أشبيت الرجل رفعته وأكرمته وأشبت الشَّجَرَة ارْتَفَعت وأشبى الرجل أَي ولد لَهُ ولد ذكي وأشبى فلَانا وَلَده أَي أشبهوه فَكَأَن الْقَائِل أَرَادَ رفْعَة الْملك وإكرامه فصل فِي خبر الْمُغيرَة بن شُعْبَة مَعَ الْمُقَوْقس وَسبب إِسْلَامه روى ابْن الْجَوْزِيّ أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة خرج إِلَى الْمُقَوْقس قبل إِسْلَامه مَعَ بني مَالك وَأَنَّهُمْ لما دخلُوا على الْمُقَوْقس قَالَ لَهُم كَيفَ خلصتم إِلَيّ وَمُحَمّد وَأَصْحَابه بيني وَبَيْنكُم قَالُوا لصقنا بالبحر قَالَ فَكيف صَنَعْتُم فِيمَا دعَاكُمْ إِلَيْهِ قَالُوا مَا تبعه منا رجل وَاحِد قَالَ وَلم قَالُوا جَاءَ بدين مُجَدد لَا يدين بِهِ الْآبَاء وَلَا يدين بِهِ الْملك وَنحن على مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا قَالَ فَكيف صنع قومه قَالُوا تبعه أحداثهم وَقد لاقاه من خَالفه من قومه وَغَيرهم من الْعَرَب فِي مَوَاطِن كَثِيرَة تكون عَلَيْهِم الدائرة وَمرَّة تكون لَهُم قَالَ أَلا

تخبروني وتصدقوني إِلَى مَاذَا يَدْعُو قَالُوا يَدْعُو إِلَى أَن نعْبد الله وَحده لَا شريك لَهُ ونخلع مَا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاة وَالزَّكَاة قَالَ وَمَا الصَّلَاة وَالزَّكَاة ألهما وَقت يعرف وَعدد يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَالَ يصلونَ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خمس صلوَات كلهَا لمواقيت وَعدد قد سموهُ ويؤدون من كل مَا بلغ عشْرين مِثْقَالا ثمَّ أخبرهُ بِصَدقَة الْأَمْوَال قَالَ فَإِذا أَخذهَا أَيْن يَضَعهَا قَالُوا يردهَا إِلَى فقرائهم وَيَأْمُر بصلَة الرَّحِم ووفاء الْعَهْد وَتَحْرِيم الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخمر وَلَا يَأْكُل مَا ذبح لغير الله قَالَ هُوَ نَبِي مُرْسل إِلَى النَّاس كَافَّة وَلَو أصَاب القبط وَالروم تبعوه وَقد أَمرهم بذلك عِيسَى ابْن مَرْيَم وَهَذَا الَّذِي تصفون مِنْهُ بعثت لَهُ الْأَنْبِيَاء من قبله وستكون لَهُ الْعَاقِبَة حَتَّى لَا ينازعه أحد وَيظْهر دينه إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر ومنقطع الْبَحْر ويوشك قومه أَن يدافعوا بِهِ الرِّيَاح فَقُلْنَا لَو دخل النَّاس كلهم مَعَه مَا دَخَلنَا فأنغض رَأسه وَقَالَ أَنْتُم فِي اللّعب ثمَّ قَالَ كَيفَ نسبه فِي قومه قُلْنَا هُوَ وَسطهمْ نسبا قَالَ كَذَلِك الْمَسِيح والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام تبْعَث فِي نسب من قَومهَا قَالَ فَكيف صدق حَدِيثه قَالَ قُلْنَا مَا يُسمى إِلَّا الْأمين من صدقه قَالَ انْظُرُوا فِي

أَمركُم أترونه يصدق فِيمَا بَيْنكُم وَبَينه ويكذب على الله قَالَ فَمن اتبعهُ قُلْنَا الْأَحْدَاث قَالَ هم والمسيح أَتبَاع الْأَنْبِيَاء قبله قَالَ فَمَا فعلت يهود يثرب فهم أهل التَّوْرَاة قُلْنَا خالفوه فأوقع بهم فَقَتلهُمْ وسباهم وَتَفَرَّقُوا فِي كل وَجه قَالَ هم قوم حسد حسدوه أما إِنَّهُم يعْرفُونَ من أمره مثل مَا نَعْرِف قَالَ الْمُغيرَة فقمنا من عِنْده وَقد سمعنَا كلَاما ذللنا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخضعنا وَقُلْنَا مُلُوك الْعَجم يصدقونه ويخافونه فِي بعد أرحامهم مِنْهُ وَنحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل مَعَه وَقد جَاءَنَا دَاعيا إِلَى مَنَازلنَا وَذكر صَاحب الْهدى إِن الْمُغيرَة بن شُعْبَة لما كَانَ فِي صلح الْحُدَيْبِيَة قَائِما على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن أسلم وَمَعَهُ السَّيْف وَجعل عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ يهوي بِيَدِهِ إِلَى لحية رَسُول الله فَضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ أخر يدك عَن لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع عُرْوَة رَأسه وَقَالَ من ذَا فَقَالُوا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غدر أَو لست أسعى فِي غدرتك

فصل

فَلَمَّا قدم وَفد ثَقِيف على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ عُرْوَة بن مَسْعُود مُسلمين قَالَ الْمُغيرَة يَا رَسُول الله أنزل قومِي عَليّ فأكرمهم فَإِنِّي حَدِيث الْجرْح فيهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أمنعك أَن تكرم قَوْمك وَكَانَ من جرح الْمُغيرَة فِي قومه أَنه كَانَ أَجِيرا لثقيف وَأَنَّهُمْ أَقبلُوا من مصر حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق عدا عَلَيْهِم وهم نيام فَقَتلهُمْ ثمَّ أقبل بِأَمْوَالِهِمْ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم فَقَالَ أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء وأبى أَن يُخَمّس مَا مَعَه فَكَانَ ذَلِك سَبَب إِسْلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ فصل وروى الْوَاقِدِيّ بِسَنَدِهِ عَن حميد الطَّوِيل يرفعهُ إِلَى ابْن إِسْحَاق قَالَ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة كتب إِلَى مُلُوك الأَرْض وَفِي جملَة من كتب إِلَى الْمُقَوْقس ملك مصر والإسكندرية وَكَانَ الَّذِي كتبه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ونسخته

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى صَاحب مصر أما بعد فَإِن الله أَرْسلنِي رَسُولا وَأنزل عَليّ قُرْآنًا وَأَمرَنِي بالإعذار والإنذار ومقاتلة الْكفَّار حَتَّى يدينوا بديني وَيدخل النَّاس فِي ملتي وَقد دعوتك إِلَى الْإِقْرَار بوحدانيته فَإِن فعلت سعدت وَإِن أَنْت أَبيت شقيت وَالسَّلَام ثمَّ طوى الْكتاب وختمه بِخَاتمِهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس أَيّكُم ينْطَلق بكتابي هَذَا إِلَى صَاحب مصر وأجره على الله قَالَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ حَاطِب بن أبي بلتعة الْقرشِي وَقَالَ أَنا يَا رَسُول الله قَالَ بَارك الله فِيك يَا حَاطِب قَالَ فَأخذت الْكتاب وودعته وسرت إِلَى منزلي وشددت على رَاحِلَتي وودعت أَهلِي واستقمت على طَرِيق جادة مصر

فَلَمَّا بَعدت عَن الْمَدِينَة بِثَلَاثَة أَيَّام أشرفت على مَاء لبني بدر فَأَرَدْت أَن أورد نَاقَتي المَاء وَإِذا أَنا برجلَيْن راكبين على ناقتين ومعهما رجل على جواد أدهم فَلَمَّا رَأَيْتهمْ وقفت وَإِذا بالفارس قد لَحِقَنِي وَقَالَ لي من أَيْن أَقبلت وَإِلَى أَيْن تُرِيدُ فَقلت يَا هَذَا لَا تسْأَل عَمَّا لَا يَعْنِيك فَتَقَع فِيمَا يخزيك ويرديك أَنا عَابِر سَبِيل وسالك طَرِيق قَالَ مَا إياك أردنَا وَلَا نَحْوك قصدنا نَحن قوم لنا دم وثأر عِنْد مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد جِئْت أَنا وَهَذَانِ الرّجلَانِ وَقد تحالفنا أَن لَا نَبْرَح حَتَّى نأتيه على غَفلَة فَلَعَلَّنَا نجد مِنْهُ غرَّة فنقتله قَالَ حَاطِب فِي نَفسه وَالله لَئِن مكنني الله مِنْهُم لأجعلن جهادي فيهم وَلَيْسَ لي إِلَّا الخديعة وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْحَرْب خدعة فَبَيْنَمَا

أَنا أخاطبه وَإِذا بالراكبين على الناقتين قد قصداني وَقَالا لي بفظاظة وغلاظة لَعَلَّك من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهما لقد كَادَت تضل بكما الطَّرِيق عَن سَبِيل التَّحْقِيق وَإِنِّي رجل مثلكما أطلب مَا تطلبان وَإِنِّي قَاصد يثرب وَقد عولت على صحبتكم لأَكُون مَعكُمْ وَلَكِن قد سَمِعت فِي طريقي هَذِه مِمَّن أَثِق بِهِ أَن مُحَمَّدًا وَجه رجلا من أَصْحَابه إِلَى مصر بِكِتَاب وَلَعَلَّه فِي هَذَا الْوَادي مكمنا أَشرت إِلَى وَاد بالبعد مني يُقَال لَهُ وَادي الْأَرَاك وَكَثِيرًا مَا كنت فِيهِ وَلَكِن أرْسلُوا معي أثبتكم جنَانًا وأحدكم سِنَانًا حَتَّى نكشف هَذَا الْوَادي فَإِن وقعنا بِهِ قَتَلْنَاهُ قَالَ لي صَاحب الْفرس أَنا أَسِير مَعَك ثمَّ تقدم أَمَامِي وَترك صَاحِبيهِ واقفين قَالَ حَاطِب فَلَمَّا بَعدت بِهِ عَن صَاحِبيهِ وغبنا عَنْهُمَا الْتفت إِلَيْهِ وَقلت لَهُ مَا اسْمك قَالَ اسْمِي سلاب بن عَاصِم

الْهَمدَانِي فَقلت لَهُ يَا سلاب أعلم أَنه لَا يقدر يدْخل يثرب إِلَّا من لَهُ حَال وَعزة وقلب لِأَن بهَا سَادَات الأَرْض من أبطال الْعَرَب مثل عمر وعَلى وَفُلَان وَفُلَان وَلَكِن كَيفَ سَيْفك قَالَ سيف مَاض قلت أَرِنِي إِيَّاه قَالَ فاستله من غمده وَسلمهُ إِلَى فَأخذت السَّيْف من يَده وهززته وَقلت لَهُ هَذَا سيف مَاض وَلَكِن (سيوف حداد يَا لؤَي بن غَالب ... مَوَاطِن وَلَكِن أَيْن بِالسَّيْفِ ضَارب) قَالَ مَا معنى هَذَا الْكَلَام فَقلت لَهُ يَا بن عَاصِم إِن سَيْفك هَذَا من ضرب قوم عَاد من ولد شَدَّاد وَمَا ملكت الْعَرَب مثله وَلَكِن وَجب عَليّ إكرامك وَأُرِيد التَّقَرُّب إِلَيْك بحيلة أعلمك إِيَّاهَا فَتقْتل

بهَا عَدوك قَالَ بِذِمَّة الْعَرَب أَلا فعلت قَالَ حَاطِب إِذا كنت فِي مقَام الْحَرْب والقتال وخصمك بَين يَديك وتريد قَتله اهزز هَذَا السَّيْف حَتَّى يَهْتَز وتنتبه مضاربه وَاضْرِبْ بِهِ عَدوك على حرف فَإِنَّهُ أسْرع للْقطع ثمَّ ملت بِالسَّيْفِ على عُنُقه وَإِذا بِرَأْسِهِ طَائِر فَنزلت إِلَيْهِ وَأَمْسَكت جَوَاده لِئَلَّا ينفر فينذر عَليّ فتركته مربوطا إِلَى شَجَرَة ثمَّ أسرعت إِلَى صَاحِبيهِ وَإِذا هما ينتظراني فَلَمَّا رأياني أقبل أَحدهمَا وَقَالَ وَمَا وَرَاءَك وَأَيْنَ سلاب فَقلت أبشر بِأخذ الثار وكشف الْعَار من أَعْدَائِنَا وجدنَا رجلَيْنِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهما نائمان وَقد وجهني صاحبكما إلَيْكُمَا ليسير معي أَحَدكُمَا حَتَّى نتمكن مِنْهُمَا وَيبقى أَحَدكُمَا

ديدبانا فَإِن هَذَا الْوَادي لَا يَخْلُو سَاعَة من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا نعم الرَّأْي وَسَار معي الثَّانِي فَلَمَّا غيبته عَن صَاحبه قلت لَهُ مَا أسمك قَالَ اسْمِي عبد اللات بن غويلم قلت لَهُ كن رجلا وَإِيَّاك وَالْخَوْف وَإِذا رَأَيْتنَا قد هجمنا على هذَيْن الرجلَيْن فأيقظ خاطرك وَنبهَ سَيْفك ثمَّ نظرت يَمِينا وَشمَالًا فَقَالَ مَا بك فَقلت إِنِّي أرى غبرة وَلَا شكّ أَن تحتهَا قوما من الصباة إِلَى دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حَاطِب فَجعل يتَأَمَّل كالواله الحيران فعاجلته بضربة على غَفلَة فألقيت بِرَأْسِهِ إِلَى الأَرْض ثمَّ عدت إِلَى الثَّالِث فَلَمَّا رَآنِي وحيدا أَيقَن بِالشَّرِّ فقارعني وقارعته وصادمني وصادمته إِلَّا أَن الله تَعَالَى أعانني عَلَيْهِ فَقتلته وَأخذت الراحلتين وَالْفرس وَتركت الْكل عِنْد رجل من آل عبد شمس كَانَ خدنا لي من زمَان الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَوَجَّهت أُرِيد مصر وَلم أزل حَتَّى أتيت مصر فَلَمَّا رَآنِي

القبط قَالُوا من أَيْن جِئْت فَقلت أَنا رَسُول لصاحبكم قَالُوا مِمَّن قلت من عِنْد رَسُول الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك مني أحاطوا بِي من كل مَكَان وَأتوا بِي إِلَى قصر الشمع ووقفوني على بَاب قصر الْملك وَاسْتَأْذَنُوا على الْمُقَوْقس فَأمر بإحضاري بَين يَدَيْهِ قَالَ فَنزلت عَن الرَّاحِلَة وسارت الْحجاب بَين يَدي إِلَى أَن وجدت الْملك فِي قبَّة قد ترجرج الْجَوْهَر فِي حافاتها ولمع الْيَاقُوت من أَرْكَانهَا والحجاب بَين يَدَيْهِ فأومأت بِتَحِيَّة الْإِسْلَام وَجَلَست حَيْثُ أَخَذَنِي الْمَكَان فَقَالَ صَاحبه يَا أَخا الْعَرَب أَيْن كتاب صَاحبك قَالَ فَسلمت الْكتاب إِلَى الْملك من يَدي إِلَى يَده فَأَخذه مني بِقبُول وباسه وَمر بِهِ على عَيْنَيْهِ وَقَالَ مرْحَبًا بِكِتَاب النَّبِي الْعَرَبِيّ ثمَّ سلمه إِلَى وزيره الياحيش وَقَالَ اقرأه

عَليّ فَإِنَّهُ من عِنْد رجل كريم فقرأه عَلَيْهِ الْوَزير إِلَى أَن أَتَى على آخِره فَقَالَ الْملك لِخَادِمِهِ الْكَبِير هَات السفط الَّذِي سلمته إِلَيْك فَأتى بِهِ الْخَادِم فَأَخذه الْملك وفتحه بَين يَدَيْهِ فَإِذا فِي النمط صفة آدم والأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام وَفِي آخِرهم صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْملك لوزيره قل لهَذَا البدوي يصف لنا صَاحبه حَتَّى كَأَنِّي أرَاهُ فَقَالَ الْوَزير إِن الْملك يَقُول كَذَا وَكَذَا قَالَ حَاطِب من يقدر يصف عضوا من أَعْضَائِهِ فَقَالَ لَا بُد لَك أَن تجيب سُؤال الْملك قَالَ حَاطِب فَقُمْت قَائِما على قدمي وَقلت إِن صَاحِبي وسيم قسيم صَادِق اللهجة وَاضح الْجَبْهَة معتدل الْقَامَة بعيد من الذمامة بَين مَنْكِبَيْه شامة هِيَ لَهُ عَلامَة كَالْقَمَرِ إِذا بدر صَاحب خشوع وديانة وعفة وصيانة أَشمّ الْعرنِين وَاضح الجبين

سهل الْخَدين رَقِيق الشفتين براق الثنايا بِعَيْنيهِ دعجٌ وبحاجبيه زجج وبأسنانه فلج وأنف غير ذِي عوج وَصدر يترجرج وبطن كطي الثَّوْب المدبج ولسن فصيح وَخلق مليح فَلَمَّا سمع الْملك ذَلِك قَالَ صدقت وَالله يَا عَرَبِيّ هَكَذَا صفته فَبينا هُوَ يخاطبني إِذْ نصبت الموائد وَجِيء بِالطَّعَامِ فَأمرنِي الْملك أَن أتقدم فامتنعت من ذَلِك فَتَبَسَّمَ وَقَالَ قد علمت مَا أحل لكم وَمَا حرم عَلَيْكُم وَلم أقدم لَك إِلَّا من لحم الطير فَقلت إِنِّي لَا آكل فِي هَذِه الصحاف الذَّهَب وَالْفِضَّة فَإِن الله قد وعدنا أَن نَأْكُل فِيهَا فِي الْجنَّة قَالَ فبدل طَعَامي بِطَعَام فِي صحاف الفخار فَأَقْبَلت آكل فَقَالَ أَي الطَّعَام أحب إِلَى صَاحبك فَقلت الدُّبَّاء أَعنِي القرع فَإِذا كَانَ عندنَا مِنْهُ شَيْء آثرناه بِهِ قَالَ الْملك يَا عَرَبِيّ فِي أَي شَيْء كَانَ يشرب المَاء قلت فِي قَعْب من خشب قَالَ أَيُحِبُّ الْهَدِيَّة قلت نعم وَقد قَالَ لَو دعيت إِلَى كرَاع لَأَجَبْت وَلَو أهدي

إِلَى ذِرَاع لقبلت قَالَ أفيأكل الصَّدَقَة قلت لَا فَقَالَ الْمُقَوْقس أيكتحل قلت نعم كَانَ كحله بالإثمد وَينظر فِي الْمرْآة ويرجل شعره وَلَا يُفَارق خمْسا فِي سفر كَانَ أَو حضر وَهِي الْمرْآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي مشارقه وَقَوله مدري يحك بهَا رَأسه ويروي يرجل هِيَ مثل الْمشْط وَقَالَ الْجَوْهَرِي المدري الْقرن وَكَذَلِكَ المدراة وَرُبمَا تصلح بهَا الماشطة قُرُون النِّسَاء وَهِي شَيْء كالمسلة يكون مَعهَا يُقَال تدرت الْمَرْأَة أَي سرحت شعرهَا قَالَ حَاطِب وَلَقَد رَأَيْته يتجمل لأَصْحَابه فضلا عَن تجمله لأَهله وَلَقَد قَالَ ذَات يَوْم لعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَقد نظرت إِلَيْهِ وَهُوَ ينظر فِي ركوة فِيهَا مَاء وَهُوَ يُسَوِّي شعره فَقَالَت بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله تنظر فِي الركوة وتسوي شعرك وَأَنت رَسُول الله وَخير خلقه فَقَالَ يَا عَائِشَة إِن الله تَعَالَى يحب من عَبده إِذا خرج لإخوانه أَن يتزين لَهُم ويتجمل فَقَالَ الْمُقَوْقس إِذا ركب فِي جَيش الْعَرَب مَا الَّذِي يحمل على رَأسه قَالَ راية سَوْدَاء ولواء أَبيض على اللِّوَاء مَكْتُوب

لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله وزادت عَائِشَة أَن الرَّايَة الَّتِي كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مِرْطًا مرجلا تسمى الْعقَاب وَفِي رِوَايَة سماك بن حَرْب كَانَت راية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسمى الْعقَاب وَهِي مرط لعَائِشَة فَقَالَ الْمُقَوْقس أَله عرش يجلس عَلَيْهِ قلت نعم رَأَيْت لَهُ كرسيا خيل إِلَيّ أَن قوائمه من حَدِيد وقبة من أَدَم تسع نَحوا من أَرْبَعِينَ رجلا قَالَ مَا الَّذِي يحب من الْخَيل قلت الْأَشْقَر الأرثم الأقرح المحجل فِي السَّبق وَقد تركت عِنْده فرسا يُقَال لَهُ المرتجز قَالَ فَلَمَّا سمع قَوْله انتخب لَهُ فرسا من خيل مصر الموصوفة وَأمر بِهِ فأسرج وألجم وأعده هَدِيَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فرسه الميمون وَحِمَارًا يُقَال لَهُ يَعْفُور وَبغلة يُقَال لَهَا

الدلْدل وَجَارِيَة سَوْدَاء اسْمهَا بَرِيرَة وَجَارِيَة بَيْضَاء من أجمل بَنَات القبط اسْمهَا مَارِيَة وَغُلَامًا اسْمه مَحْبُوب وطيبا وعودا وندى ومسكا وعمائم وقباطي وَأمر وزيره أَن يكْتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ من الْمُقَوْقس إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد فقد بَلغنِي كتابك وفهمته وَأَنت تَقول إِن الله أرسلك رَسُولا وفضلك تَفْضِيلًا وَأنزل عَلَيْك قُرْآنًا مُبينًا فشكفنا عَن خبرك فوجدناك أقرب دَاع دَعَا إِلَى الْحق وأصدق من تكلم بِالصّدقِ وَلَوْلَا أَنِّي ملكت ملكا عَظِيما لَكُنْت أول من آمن بك لعلمي أَنَّك خَاتم النَّبِيين وَإِمَام الْمُرْسلين وَالسَّلَام عَلَيْك مني إِلَى يَوْم الدّين

قَالَ حَاطِب وَسلم إِلَيّ الْكتاب والهدية وَقبل بَين عَيْني وَقَالَ يَا هَذَا بِاللَّه قبل بَين عَيْني مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عني وَبعث معي جَيْشًا وَلم تزل تسير إِلَى أَن دخلت إِلَى جَزِيرَة الْعَرَب وَوجدنَا قافلة من الشَّام تُرِيدُ الْمَدِينَة فَرددت أَصْحَاب الْملك وأتيت الْمَدِينَة قَالَ الْجَوْهَرِي وَأما جَزِيرَة الْعَرَب فَإِن أَبَا عُبَيْدَة يَقُول مَا بَين حفر أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى أقْصَى الْيمن فِي الطول وَفِي الْعرض مَا بَين رمل يبرين إِلَى مُنْقَطع السماوة قَالَ الْبكْرِيّ يبرين وَيُقَال يبرون رمل مَعْرُوف فِي ديار بني سعد بن تَمِيم قَالَ وحفر أبي مُوسَى بَين فلج وفليج على خمس مراحل من الْبَصْرَة وفلج بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده جِيم وفليج تَصْغِير فلج مَوضِع دَان مِنْهُ قَالَ حَاطِب وقصدت الْمَسْجِد وأنخت النَّاقة وَدخلت وسلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانشأت أَقُول

(أنعم صباحا يَا وَسِيلَة أمة ... ترجو النجَاة غَدَاة يَوْم الْموقف) (إِنِّي مضيت إِلَى الَّذِي أرسلتني ... أطوى المهامه كالمجد المعنف) (حَتَّى أتيت بِمصْر صَاحب ملكهم ... فَبَدَا إِلَيّ بِمثل قَول الْمنصف) (فَقَرَأَ كتابك حِين فك ختامه ... فاهتز مِنْهُ كاهتزاز المرهف) (قَالَ البطارقة الَّذين تجمعُوا ... مَاذَا أراعك من كتاب المشرف) (قَالَ اسْكُتُوا يَا وَيْلكُمْ وتثبتوا ... هَذَا كتاب نَبِي دين الْمُصحف)

(قَالُوا وهمت فَقَالَ لست بواهم ... بل قد قَرَأت بَيَان خطّ الأحرف) (فِي كل سطر من كتاب مُحَمَّد ... نور يلوح لناظر مُتَوَقف) (هَذَا الْكتاب كِتَابه لَك خاضعا ... يَا خير مَوْلُود بحقك نكتفي) قَالَ حَاطِب وسلمت الْكتاب إِلَيْهِ فَقَالَ لعَلي اقرأه علينا فَلَمَّا قَرَأَهُ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَارك الله للقبط فِي دنياهم فقد عرفُوا الصَّوَاب وأوضحوا الْخطاب ثمَّ قَالَ كل ذِي روح خَاصَّة فَهُوَ لي فاختص بمارية وَجعل مهرهَا عتق رقبَتهَا فأولدها إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام عَاشَ سنتَيْن أَو أقل فَلَمَّا مَاتَ كسفت الشَّمْس فَقَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا كسفت الشَّمْس لمَوْت ولدك

إِبْرَاهِيم فَقَالَ إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله لَا يكسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فافزعوا إِلَى الصَّلَاة ثمَّ أَخذ الْغُلَام وَالْجَارِيَة وَالْفرس وَالْحمار ثمَّ قسم بَاقِي الْهَدِيَّة على أَصْحَابه بِالسَّوِيَّةِ قَالَ ابْن عبد الْبر وَقد ذكر الْمُقَوْقس ثمَّ أَمر بِالضَّرْبِ عَلَيْهِ وَقَالَ الْأَغْلَب عِنْدِي أَنه لم يسلم بل هُوَ الصَّحِيح إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ قَالَ وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن فِي سنة سبع من الْهِجْرَة كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُقَوْقس عَظِيم القبط يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الْمُقَوْقس الَّذِي كَانَ على خراج مصر وحربها حَتَّى افتتحها الْمُسلمُونَ اسْمه جريج بن ميناء وروى الْوَاقِدِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ أَن الْمُقَوْقس كَانَ إِذا قدم شهر رَمَضَان لَا يخرج إِلَى رَعيته وَلَا يظْهر لأحد من أَرْبَاب دولته وَلَا يدْرِي مَا كَانَ يصنع وَأَن ابْنه أرسطوليس خشِي أَن يسلم أَبوهُ الْملك إِلَى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما توجهوا لقتاله بِمصْر مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَيسلم فضمن للساقي مَالا وَأمره بقتل أَبِيه فَجعل

سما فِي شراب الْملك وسقاه فَمَاتَ فَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ وَكَانَ للمقوقس أَخ من أَبِيه اسْمه أرجانوس إِذا غَابَ أَخُوهُ فِي شهر رَمَضَان يسير هُوَ إِلَى منف والعزيزية يُقيم هُنَاكَ حَتَّى يخرج أَخُوهُ من خلوته فَلَمَّا انْقَضى رَمَضَان رَجَعَ إِلَى أَخِيه وَعلم أَن ابْنه قَتله أَتَى إِلَى قصر أَخِيه وَمنع ابْن أَخِيه من الدُّخُول إِلَى الْقصر إِلَى أَن جَاءَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَالحهُمْ على مَا فِي قصر أَخِيه وَأسلم وَأسلم مَعَه جمَاعَة من قبط مصر وروينا عَن السُّهيْلي أَن جبرا مولى أبي رهم الْغِفَارِيّ كَانَ رَسُولا مَعَ حَاطِب إِلَى الْمُقَوْقس وَأَنه قَارب الْإِسْلَام وَأهْدى مَعَهُمَا بغلة يُقَال لَهَا الدلْدل والدلدل فِي اللُّغَة الْقُنْفُذ الْعَظِيم ومارية بنت شَمْعُون والمارية بتَخْفِيف الْيَاء الْبَقَرَة الْفتية ذكره الْمُطَرز وَأما المارية بتَشْديد الْيَاء القطاة الملساء يُقَال قطاة مَارِيَة أَي ملساء قَالَه أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب وَيُقَال إِن هِرقل عزل الْمُقَوْقس لما رأى ميله إِلَى الْإِسْلَام وَمعنى الْمُقَوْقس المطول للْبِنَاء والقوس الصومعة الْعَالِيَة قَالَ الْجَوْهَرِي صومعة الراهب قَالَ السُّهيْلي يُقَال

فصل في فضل مصر وأهلها وما خصها الله سبحانه وتعالى به

فِي الْمثل أَنا بِالْقَوْسِ وَأَنت بالقرقوس فَمَتَى نَجْتَمِع قَالَ ابْن فَارس القرقوس قاع أملس فصل فِي فضل مصر وَأَهْلهَا وَمَا خصها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ روينَا فِي صَحِيح مُسلم من كتاب الْفَضَائِل قَالَ بَاب فِي ذكر مصر وَأَهْلهَا عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّكُم ستفتحون مصر وَهِي أَرض يُسمى فِيهَا القيراط فَإِذا فتحتموها فَأحْسنُوا إِلَى أَهلهَا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما أَو قَالَ ذمَّة وصهرا فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِيهَا فِي مَوضِع لبنة فَاخْرُج مِنْهَا قَالَ فَرَأَيْت عبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة وأخاه ربيعَة يختصمان فِي مَوضِع لبنة فَخرجت مِنْهَا هَذَا لفظ مُسلم قَالَ شرَّاح مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة أَعْلَام من أَعْلَام نبوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد وجدت جَمِيعهَا أَحدهَا فتح مصر وَالثَّانِي إِعْطَاء أَهلهَا الْعَهْد ودخولهم فِي الذِّمَّة فَإِنَّهَا فتحت

صلحا فِي أَيَّام عمر رَضِي الله عَنهُ وَالثَّالِث قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِي مَوضِع لبنة فَاخْرُج مِنْهَا فَكَانَ ذَلِك وَأما الصهر فَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد ذكر مَارِيَة رَضِي الله عَنْهَا وَأما الرَّحِم فروينا فِي السِّيرَة النَّبَوِيَّة عَن ابْن هِشَام بِسَنَدِهِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا افتتحتم مصر فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خيرا فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما قَالَ ابْن إِسْحَاق فَقلت لمُحَمد بن مُسلم الزُّهْرِيّ مَا الرَّحِم الَّتِي ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم قَالَ كَانَت هَاجر أم إِسْمَاعِيل مِنْهُم قَالَ ابْن هِشَام فالعرب كلهَا من ولد إِسْمَاعِيل وقحطان وَتقول الْعَرَب هَاجر وآجر كَمَا قَالُوا هراق المَاء وأراقه وَهَاجَر من أهل مصر من أم الْعَرَب قَرْيَة أَمَام الفرما وروينا فِي فتوح مصر لِابْنِ عبد الحكم ان قَرْيَة هَاجر ياق الَّتِي عِنْد أم دنين ودفنت هَاجر فِي الْحجر يَعْنِي حجر إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ وصاهر إِلَى القبط من الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ثَلَاثَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام تسرر هَاجر ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام تزوج بنت صَاحب عين شمس

الَّتِي تسمى فِي وقتنا هَذَا المطرية وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسرر مَارِيَة قَالَ وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرض فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثمَّ أَفَاق فَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأدمِ الْجَعْد ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ الثَّانِيَة ثمَّ أَفَاق فَقَالَ مثل ذَلِك قَالَ ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ الثَّالِثَة فَقَالَ مثل ذَلِك فَقَالَ الْقَوْم لَو سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأدم الْجَعْد فأفاق فَسَأَلُوهُ فَقَالَ قبط مصر فَإِنَّهُم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عَدوكُمْ وأعوانكم على دينكُمْ قَالُوا كَيفَ يكونُونَ أعواننا على ديننَا يَا رَسُول الله قَالَ يكفونكم أَعمال الدُّنْيَا وتتفرغون لِلْعِبَادَةِ فالراضي بِمَا يُؤْتى إِلَيْهِم كالفاعل والكاره بِمَا يُؤْتى إِلَيْهِم من الظُّلم كالمتنزه عَنْهُم وَعنهُ قَالَ قبط مصر أكْرم الْأَعَاجِم كلهَا وأسمحهم يدا وأفضلهم عنصرا وأقربهم رحما بالعرب عَامَّة وبقريش خَاصَّة وَمن أَرَادَ أَن ينظر الفردوس أَن ينظر إِلَى مثلهَا فِي الدُّنْيَا فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر حِين تخضر زروعها وتنور ثمارها قَالَ وَعَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى شبه الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى أَرض مصر إِذا

أخرفت أَو إِذا أزهرت قَالَ وَكَانَ مِنْهُم السَّحَرَة آمنُوا جَمِيعًا فِي سَاعَة وَاحِدَة وَلَا نعلم جمَاعَة أَسْلمُوا فِي سَاعَة وَاحِدَة أَكثر من جمَاعَة القبط قَالَ وَكَانُوا اثْنَي عشر ساحرا رُؤَسَاء وَتَحْت يَدي كل سَاحر مِنْهُم عشرُون عريفا تَحت يَدي كل عريف ألف من السَّحَرَة فَكَانَ جَمِيع السَّحَرَة مِائَتي ألف وَأَرْبَعين ألفا وَمِائَتَيْنِ واثنين وَخمسين إنْسَانا بالرؤساء والعرفاء فَلَمَّا عاينوا مَا عاينوا أيقنوا أَن ذَلِك من السَّمَاء وَأَن السحر لَا يقوم لأمر الله فَخر الرؤساء الاثْنَي عشر عِنْد ذَلِك سجدا فاتبعهم العرفاء وَاتبع العرفاء من بَقِي وَقَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون وَلم يفتتن مِنْهُم أحد مَعَ من افْتتن من بني إِسْرَائِيل فِي عبَادَة الْعجل قَالَ وَمَا آمن جمَاعَة قطّ فِي سَاعَة وَاحِدَة مثل جمَاعَة القبط قَالَ يَعْنِي ابْن عبد الحكم وَعَن كَعْب الْأَحْبَار مثل قبط مصر كَمثل الغيضة كلما قطعت نَبتَت حَتَّى يخرب الله بهم وبصناعتهم جزائر الرّوم قَالَ وَكَانَ المَاء يجْرِي تَحت منَازِل مصر وأقنيتها فيحبسونه كَيفَ شاؤا ويرسلونه كَيفَ شاؤا فَذَلِك قَوْله تَعَالَى فِيمَا حكى من قَول فِرْعَوْن {أَلَيْسَ لي ملك مصر وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي أَفلا تبصرون} وَلم يكن فِي

الأَرْض يَوْمئِذٍ ملك أعظم من ملك مصر وَكَانَت الجنات بحافتي النّيل من أَوله إِلَى آخِره مَا بَين أسوان إِلَى رشيد وَكَانَ بهَا ألف مِنْبَر قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن ذِي النسبين فِي كتاب مرج الْبَحْرين إِن فِرْعَوْن بالقبطية هُوَ التمساح وَهُوَ فِي اللُّغَة الْكثير الْأكل والكذاب والمسرف والمرتاب فَجمعت هَذِه المثالب فِي فِرْعَوْن وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ مَا كَانَ طول فِرْعَوْن إِلَّا ذِرَاعا وَكَانَت لحيته أطول من قامته وروى ابْن عبد الحكم قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد البلوي قَالَ لما فتح عَمْرو بن الْعَاصِ الْإسْكَنْدَريَّة كتب إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أما بعد فَإِنِّي فتحت مَدِينَة لَا أصف مَا فِيهَا غير أَنِّي أصبت فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف منية بأَرْبعَة آلَاف حمام وَأَرْبَعين ألف يَهُودِيّ عَلَيْهِم الْجِزْيَة واثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الْأَخْضَر ومائتي ألف من الرّوم سوى النِّسَاء وَالصبيان وَعدد

المأسورين من الرِّجَال سِتّمائَة ألف سوى النِّسَاء وَالصبيان فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ قسمتهم فَبعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى عمر يُعلمهُ بِمَا أَرَادَ الْمُسلمُونَ فَكتب إِلَيْهِ لَا تقسمهم وذرهم يكون خراجهم فَيْئا للْمُسلمين وَقُوَّة لَهُم على جِهَاد عدوهم فأقرها عَمْرو وأحصى أَهلهَا يَعْنِي الْإسْكَنْدَريَّة وَفرض عَلَيْهِم الْخراج والجزية فَكَانَت مصر كلهَا صلحا إِلَّا الْإسْكَنْدَريَّة فَإِنَّهُم كَانُوا يؤدون الْخراج والجزية لِأَنَّهَا فتحت عنْوَة وَذكر الْحَافِظ السلَفِي فِي كتاب فَضَائِل مصر قَالَ فضل الله مصر على سَائِر الْبلدَانِ وَأَبَان فَضلهَا بآي من الْقُرْآن شهد لَهُ بذلك وَمَا خصها بِهِ من الْفضل وَالْخصب وَمَا أنزل فِيهَا من البركات وَمَا أخرج مِنْهَا من الْأَنْبِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالْخُلَفَاء والحكماء والخواص والملوك والعجائب مِمَّا لم يخص بِهِ بَلَدا غَيرهَا وَلَا أَرضًا سواهَا قَالَ فَإِن اعْترض معترض بالحرمين الشريفين ففضلهما لَا

يدْفع وَمَا خصهما الله بِهِ مِمَّا لَا يُنكر وَلَيْسَ مَا فضلهما الله بِهِ بباخس فضل مصر وَأَن مَنَافِعهَا فِي الْحَرَمَيْنِ لبينة لِأَنَّهَا تميرهما بطعامها وكسوتها وَسَائِر مرافقها فلهَا بذلك فضل كَبِير وَمَعَ ذَلِك أَنَّهَا تطعم أهل الدُّنْيَا مِمَّن يرد إِلَيْهَا من الْحَاج طول مقامهم يَأْكُلُون ويتزودون من طعامها من أقْصَى جنوب الأَرْض وشمالها فِيمَا بَين بِلَاد الْهِنْد والأندلس لَا يُنكر هَذَا مُنكر وَلَا يَدْفَعهُ مدافع وَكفى بذلك فضلا وبركة فِي دين وَدُنْيا فَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه أَن تبوآ لقومكما بِمصْر بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} {وَقَالَ ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله آمِنين} قَالَ وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة وآوينهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين قَالَ بعض الْمُفَسّرين هِيَ مصر وَقيل دمشق وَقَالَ بعض عُلَمَاء مصر هِيَ البهنسا وقبط مصر مجمعون على أَن الْمَسِيح وَأمه عَلَيْهِمَا السَّلَام كَانَا بالبهنسا وانتقلا عَنْهَا إِلَى الْقُدس وافتخر فِرْعَوْن بقوله {أَلَيْسَ لي ملك مصر} على سَائِر الْمُلُوك وَقَوله عز وَجل فاخرجنهم من جنت وعيون الْآيَة فَهَل يعلم أَن بَلَدا من الْبِلَاد أثنى عَلَيْهِ الْكتاب الْعَزِيز بِمثل هَذَا الثَّنَاء أَو وَصفه بِمثل هَذَا الْوَصْف أَو شهد

بِالْكَرمِ غير مصر وَقد تقدم مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَضلهَا ودعائه لَهُم وروى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ دَعَا نوح ربه لولد وَلَده مصر بن بيصر بن حام وَبِه سميت مصر وَهُوَ أَبُو القبط فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك فِيهِ وَفِي ذُريَّته وَأَسْكَنَهُ الأَرْض الْمُبَارَكَة الَّتِي هِيَ أم الْبِلَاد وغوث الْعباد الَّتِي نهرها أفضل أَنهَار الدُّنْيَا وَاجعَل فِيهَا أفضل البركات وسخر لَهُ ولولده الأَرْض وذللها لَهُم وَرُوِيَ أَن الْبَيْت الْحَرَام هدم فِي الْجَاهِلِيَّة فَوَلَّتْ قُرَيْش بناءه رجلا من القبط يُقَال لَهُ ياقوم وأدركه الْإِسْلَام وَهُوَ على ذَلِك الْبناء وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مصر أطيب الْأَرْضين تُرَابا وعجمها أكْرم الْعَجم أنسابا وَقَالَ بعض أهل الْعلم لم يبْق من الْعَجم أمة إِلَّا وَقد اخْتلطت بغَيْرهَا إِلَّا قبط مصر وَأما مَا اخْتصّت بِهِ وأوثرت على غَيرهَا فروى أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ مصر خزانَة الأَرْض كلهَا قَالَ الله تَعَالَى {اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم} وَلم تكن تِلْكَ الخزائن بِغَيْر مصر فَذكرهَا سُبْحَانَهُ بخزائن الأَرْض فأغاث الله بِمصْر وخزائنها كل حَاضر وباد فِي جَمِيع الْأَرْضين وَجعلهَا وسط الدُّنْيَا وَهِي فِي الإقليم الثَّالِث وَالرَّابِع

فَسلمت من حر الإقليم الأول وَالثَّانِي وَمن برد الإقليم السَّادِس وَالْخَامِس فطاب هَواهَا وَضعف حرهَا وخف بردهَا فَسلم أَهلهَا من مشاتي الْجبَال ومصائف عمان وصواعق تهَامَة ودماميل الجزيرة وجرب الْيمن وطواعين الشَّام وَغَلَاء الْعرَاق وطحلب الْبَحْرين وأمنوا من غارات التّرْك وجيوش الرّوم وقحط الأمطار قَالَ سعيد بن أبي هِلَال وَذكر أَن مصر مصورة فِي كتب الْأَوَائِل وَسَائِر المدن مَادَّة أيديها إِلَيْهَا تستطعمها وَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ ولَايَة مصر جَامِعَة تعدل الْخلَافَة وَأجْمع أهل الْعلم والمعرفة أَن أهل الدُّنْيَا مضطرون إِلَى مصر يسافرون إِلَيْهَا وَيطْلبُونَ الرزق مِنْهَا وَذكر أهل الْعلم أَنه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة بلد مصر خزانَة الله فَمن أرادها قصمه الله قَالَ وَمِمَّا ذكر من عجائب مصر أَن مَدِينَة الفرما كَانَ مِنْهَا طَرِيق إِلَى جَزِيرَة قبرص فِي الْبر فغلب عَلَيْهِ الْبَحْر وَكَانَ فِيمَا غلب عَلَيْهِ الْبَحْر مقطع الرخام الْأَبْيَض والأبلق وَكَانَ بَينهَا وَبَين الْبَحْر قريب من يَوْم فعلا الْبَحْر إِلَى أَن قرب مِنْهَا وَوجه بعض الْعمَّال أَن يقْلع من بَابهَا الشَّرْقِي حِجَارَة يعْمل مِنْهَا جيرا فَخرج أهل الفرما فمنعوه من ذَلِك وَقَالُوا هَذِه الْأَبْوَاب الَّتِي قَالَ الله عز وَجل على لِسَان يَعْقُوب {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد وادخلوا من أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة}

وَبهَا النّخل العجيب الَّذِي يُثمر حِين يَنْقَطِع الْبُسْر وَالرّطب من سَائِر الأَرْض وَيكون طول البسرة مِنْهُ قريب فتر وَفِي هَذَا كِفَايَة لِئَلَّا يخرجنا عَن مَقْصُود الْكتاب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

بَاب فِي كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى أبرويز ملك الْفرس وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْفَوَائِد روينَا فِي السِّيرَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بن قيس إِلَى كسْرَى ابْن هُرْمُز ملك فَارس وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الوفا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بكتابه إِلَى عَظِيم الْبَحْرين يَدْفَعهُ إِلَى كسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ خرقه فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمزقوا كل ممزق قَالَ السُّهيْلي أما كسْرَى فاسمه أبرويز بن هُرْمُز بن أنوشروان وَمعنى أبرويز المظفر وَهُوَ الَّذِي كَانَ غلب الرّوم فَأنْزل الله تَعَالَى

فِي قصتهم {الم غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض} وَأدنى الأَرْض هِيَ بصرى وفلسطين وَأَذْرعَات من أَرض الشَّام قَالَ فَلَمَّا قدم عبد الله على كسْرَى قَالَ يَا معشر الْفرس إِنَّكُم عشتم بأحلامكم لعدة أيامكم بِغَيْر نَبِي وَلَا كتاب ثمَّ قَالَ مُخَاطبا للْملك وَلَا تملك من الأَرْض إِلَّا مَا فِي يَديك وَمَا لَا تملك مِنْهَا أَكثر وَقد ملك الأَرْض قبلك مُلُوك أهل دنيا وَأهل آخِرَة فَأخذ أهل الْآخِرَة بحظهم من الدُّنْيَا وضيع أهل الدُّنْيَا حظهم من الْآخِرَة فَاخْتَلَفُوا فِي سعي الدُّنْيَا واستووا فِي عدل الْآخِرَة وَقد صغر هَذَا الْأَمر عنْدك إِنَّا أَتَيْنَاك بِهِ وَقد وَالله جَاءَك من حَيْثُ خفت وَمَا تصغيرك إِيَّاه بِالَّذِي يَدْفَعهُ عَنْك وَلَا تكذيبك بِهِ بِالَّذِي يخْرجك مِنْهُ وَفِي وقْعَة ذِي قار على ذَلِك دَلِيل فَأخذ الْكتاب فمزقه ثمَّ قَالَ لي ملك هنيء لَا أخْشَى أَن أغلب عَلَيْهِ وَلَا أشارك فِيهِ وَقد ملك فِرْعَوْن بني إِسْرَائِيل ولستم بِخَير مِنْهُم فَمَا يَمْنعنِي أَن أملككم وَأَنا خير مِنْهُ فَأَما هَذَا الْملك فقد علمنَا أَنه يصير إِلَى الْكلاب وَأَنْتُم أُولَئِكَ تشبع بطونكم وتأبى عيونكم فَأَما وقْعَة ذِي قار فَهِيَ بوقعة الشَّام فَانْصَرف عَنهُ عبد الله قَوْله ذِي قار قَالَ الْجَوْهَرِي القارة الْقَبِيلَة سموا قارة لِاجْتِمَاعِهِمْ والتفافهم والقار الْإِبِل إِذا اجْتمعت وَكَانَ ذَلِك يَوْم ذِي قار يَوْم لبني شَيبَان وَكَانَ أبرويز أغزاهم جَيْشًا فظفرت بَنو

شَيبَان وَهُوَ أول يَوْم انتصرت فِيهِ الْعَرَب من الْعَجم قَالَ الطَّبَرِيّ كَانَ شعارهم يَا مُحَمَّد فنصروا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبِي نصروا قَالَ وَإِنَّمَا خص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذافة بارساله إِلَى كسْرَى لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد عَلَيْهِم كثيرا وَيخْتَلف إِلَى بِلَادهمْ وَمن شعر عبد الله بن حذافة فِي رسَالَته إِلَى كسْرَى وقدومه عَلَيْهِ (أَبى الله إِلَّا أَن كسْرَى فريسة ... لأوّل دَاع بالعراق مُحَمَّدًا) (تقاذف فِي فحش الْجَواب مُصَغرًا ... لأمر العريب الخائضين لَهُ الردى) (فَقلت لَهُ أرود فَإنَّك دَاخل ... من الْيَوْم فِي الْبلوى ومنتهب غَدا) (فَأقبل وَأدبر حَيْثُ شِئْت فإننا ... لنا الْملك فابسط للمسالمة اليدا) (وَإِلَّا فَأمْسك قارعا نادم ... أقرّ بذلك الخرج أَو مت موحدا) (سفهت بتمزيق الْكتاب وَهَذِه ... بتمزيق ملك الْفرس يَكْفِي مبددا) قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَكَانَ الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى كسْرَى

عَظِيم فَارس سَلام على من اتبع الْهدى وآمن بِاللَّه وَرَسُوله وأدعوك بِدِعَايَةِ الله عز وَجل فَإِنِّي رَسُول الله إِلَى النَّاس كَافَّة لأنذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين وَأسلم تسلم فَإِن أَبيت فَإِن إِثْم الْمَجُوس عَلَيْك فَلَمَّا قَرَأَ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شققه وَقَالَ يكْتب إِلَيّ بِهَذَا الْكتاب وَهُوَ عَبدِي فبلغني أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مزق ملكه ثمَّ كتب كسْرَى إِلَى باذان وَهُوَ على الْيمن أَن ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي بالحجاز رجلَيْنِ جدرين فليأتياني بِهِ فَبعث باذان قهرمانه وَهُوَ بابويه وَكَانَ كَاتبا حاسبا وَبعث مَعَه بِرَجُل من الْفرس وَكتب مَعَهُمَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرهُ أَن ينْصَرف مَعَهُمَا إِلَى كسْرَى وَقَالَ لبابويه وَيلك انْظُر مَا الرجل وَكَلمه وائتني بِخَبَرِهِ فَخَرَجَا حَتَّى قدما الطَّائِف فسألا عَنهُ فَقيل لَهما هُوَ بِالْمَدِينَةِ واستبشر الْمُشْركُونَ وَقَالُوا لقد نصب لَهُ كسْرَى وكفاكم الرجل

فَتوجه الرسولان إِلَى الْمَدِينَة وَلما قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلمه بابويه وَقَالَ إِن شاهان شاه ملك الْمُلُوك كسْرَى كتب إِلَى الْملك باذان يَأْمُرهُ أَن يبْعَث إِلَيْك من يَأْتِيهِ بك وَقد بَعَثَنِي إِلَيْك لتنطلق معي فَإِن فعلت كتب فِيك إِلَى ملك الْمُلُوك كتابا ينفعك ويكف عَنْك وَإِن أَبيت فَهُوَ من قد علمت وَهُوَ مهلكك ومهلك قَوْمك وَيخرب بلادك وَكَانَا قد دخلا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النّظر إِلَيْهِمَا وَقَالَ ويلكما من أمركما بِهَذَا قَالَا رَبنَا أمرنَا بِهَذَا يعنيان كسْرَى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن رَبِّي أَمرنِي باعفاء لحيتي وقص شاربي ثمَّ قَالَ لَهما ارْجِعَا حَتَّى تأتياني غَدا وأتى جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبره أَن الله سلط على كسْرَى ابْنه شيرويه فَقتله فِي شهر كَذَا وَكَذَا لكذا وَكَذَا من اللَّيْل فَلَمَّا أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهما إِن رَبِّي قتل رَبكُمَا لَيْلَة كَذَا وَكَذَا من شهر كَذَا وَكَذَا بعد مَا مضى من اللَّيْل سلط عَلَيْهِ شيرويه فَقتله فَقَالَا هَل تَدْرِي مَا تَقول إِنَّا قد نقمنا مِنْك مَا هُوَ أيسر من هَذَا

أفنكتب بهَا عَنْك ونخبر الْملك قَالَ نعم أخبراه ذَلِك عني وقولا لَهُ إِن ديني وسلطاني سيبلغ مَا بلغ ملك كسْرَى وَيَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر وقولا لَهُ إِنَّك إِن أسلمت أَعطيتك مَا تَحت يَديك وملكتك على قَوْمك من الْأَبْنَاء ثمَّ أعطاهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْطقَة فِيهَا ذهب وَفِضة كَانَ أهداها لَهُ بعض الْمُلُوك فَخَرَجَا من عِنْده حَتَّى قدما على باذان وأخبراه الْخَبَر فَقَالَ وَالله مَا هَذَا بِكَلَام ملك وَإِنِّي لأرى الرجل نَبيا كَمَا يَقُول ولننظرن مَا قد قَالَ فَإِن كَانَ حَقًا فَإِنَّهُ لنَبِيّ مُرْسل وَإِن لم يكن فسنرى فِيهِ رَأينَا فَلم يلبث باذان أَن قدم عَلَيْهِ كتاب شيرويه أما بعد فَإِنِّي قد قتلت أبي كسْرَى وَلم أَقتلهُ إِلَّا غَضبا لفارس لما كَانَ اسْتحلَّ من قتل أَشْرَافهم وتجهيزهم فِي بعوثهم فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَخذ لي الطَّاعَة مِمَّن قبلك وَانْظُر الرجل الَّذِي كَانَ كسْرَى كتب إِلَيْك فِيهِ فَلَا تهجه حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي فِيهِ فَلَمَّا انْتهى كتاب شيرويه إِلَى باذان قَالَ إِن هَذَا الرجل لرَسُول الله فَأسلم وَأسْلمت الْأَبْنَاء من فَارس مِمَّن كَانَ مِنْهُم بِالْيمن قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله كَانَ قتل كسْرَى لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر من جُمَادَى الأولى سنة سبع من الْهِجْرَة وَأسلم باذان سنة عشر

وَعَن المَقْبُري قَالَ جَاءَ فَيْرُوز الديلمي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن كسْرَى كتب إِلَى باذان بَلغنِي أَن فِي أَرْضك رجلا تنبأ فاربطه وَابعث بِهِ إِلَيّ فَقَالَ إِن رَبِّي غضب على رَبك فَقتله فدمه سخن السَّاعَة فَخرج من عِنْده فَسمع الْخَبَر فَأسلم وَحسن إِسْلَامه قَالَ ابْن عبد الْبر فَيْرُوز الديلمي يكنى بِأبي عبد الله وَيُقَال لَهُ الْحِمْيَرِي لنزوله بحمير وهم من أَبنَاء فَارس من فرس صنعاء الْيمن وَقيل إِن الْأَبْنَاء ينسبون فِي بني ضبة وفيروز قَاتل الْأسود الْعَنسِي الْكذَّاب الَّذِي ادّعى النُّبُوَّة قَتله بِصَنْعَاء فَأتى الْخَبَر من السَّمَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ فَخرج يبشر النَّاس فَقَالَ قتل الْأسود البارحة قَتله رجل مبارك من أهل بَيت مباركين قيل من هم يَا رَسُول الله قَالَ فَيْرُوز الديلمي وَذَلِكَ سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة وَتُوفِّي فَيْرُوز رَضِي الله عَنهُ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وروى الثعالبي فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أهْدى كسْرَى بغلة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فركبها بِحَبل من شعر

فصل في ذكر سراقة بن مالك بن جعشم في الهجرة وإعلامه صلى الله عليه وسلم له بأنه يلبس سواري كسرى وتاجه وما فيه من عجائب معجزاته صلى الله عليه وسلم

وأردفه خَلفه قَالَ عبد الْكَرِيم قَالَ الدمياطي وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ مزق الْكتاب يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ وَأَن صَحَّ هَذَا لِأَن الْبَغَوِيّ ذكره أَيْضا فِي سُورَة الْأَنْعَام فَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي أرسل البغلة شيرويه وَلَده أَو ابْن عَمه كسْرَى بن قباذ بن هُرْمُز أَو أزدشير بن شيرويه أَو جرهان هَؤُلَاءِ كلهم ملكوا بعد قتل أبرويز ثمَّ ملك بعدهمْ بوران بنت كسْرَى وَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا فَقَالَ لن يفلح قوم أسندوا أَمرهم إِلَى امْرَأَة قَالَه ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف وَالله أعلم أَي ذَلِك كَانَ فصل فِي ذكر سراقَة بن مَالك بن جعْشم فِي الْهِجْرَة وإعلامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بِأَنَّهُ يلبس سواري كسْرَى وتاجه وَمَا فِيهِ من عجائب معجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم روينَا عَن ابْن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن مَالك بن جعْشم

المدلجي الْكِنَانِي حدث عَن أَبِيه عَن عَمه سراقَة قَالَ لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة جعلت قُرَيْش فِيهِ مائَة نَاقَة لمن رده عَلَيْهِم قَالَ فَبينا أَنا جَالس فِي نَادِي قومِي أقبل رجل منا حَتَّى وقف علينا وَقَالَ وَالله لقد رَأَيْت ركبة ثَلَاثَة مروا عَليّ آنِفا إِنِّي لأراهم مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قَالَ فأومأت إِلَيْهِ بعيني أَن اسْكُتْ ثمَّ قلت إِنَّمَا هم بَنو فلَان يَبْغُونَ ضَالَّة لَهُم قَالَ لَعَلَّه ثمَّ سكت فَمَكثت قَلِيلا ثمَّ قُمْت فَدخلت بَيْتِي ثمَّ أمرت بفرسي فقيد إِلَى بطن الْوَادي وَأمرت بسلاحي فَأخْرج من دبر حُجْرَتي ثمَّ أخذت قداحي الَّتِي أستسقم بهَا ثمَّ انْطَلَقت فَلبِست لأمتي ثمَّ أخرجت قداحي فاستسقمت بهَا فَخرج السهْم الَّذِي أكره لَا يضرّهُ قَالَ وَكنت أَرْجُو أَن أرده على قُرَيْش فآخذ الْمِائَة النَّاقة قَالَ فركبت على أَثَره فَبينا فرسي يشْتَد بِي عثر بِي فَسَقَطت عَنهُ قَالَ فَقلت مَا هَذَا قَالَ ثمَّ أخرجت قداحي

فاستسقمت بهَا فَخرج السهْم الَّذِي أكره لَا يضرّهُ فأبيت إِلَّا أَن أتبعه فركبت فِي أَثَره كل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات قَالَ فَلَمَّا بدا لي الْقَوْم فرأيتهم عثر بِي فرسي فَذَهَبت يَدَاهُ فِي الأَرْض وَسَقَطت عَنهُ قَالَ ثمَّ انتزع يَده من الأَرْض وتبعها دُخان كالأعصار قَالَ الْجَوْهَرِي الإعصار ريح تثير الْغُبَار ويرتفع إِلَى السَّمَاء كَأَنَّهُ عَمُود وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فأصابها إعصار فِيهِ نَار فاحترقت} قَالَ سراقَة فَعرفت حِين رَأَيْت ذَلِك أَنه قد منع مني وَأَنه ظَاهر قَالَ فناديت الْقَوْم أَنا سراقَة بن جعْشم انظروني أكلمكم فوَاللَّه لَا أريبكم وَلَا يأتيكم مني شَيْء تكرهونه قَالَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر قل لَهُ مَا تبغي منا قَالَ فَقَالَ لي ذَلِك أَبُو بكر قَالَ قلت تكْتب لي كتابا يكون آيَة بيني وَبَيْنك قَالَ اكْتُبْ لَهُ يَا أَبَا بكر قَالَ فَكتب لي كتابا فِي عظم أَو فِي رقْعَة أَو فِي خزفة ثمَّ أَلْقَاهُ إِلَيّ فَأَخَذته فَجَعَلته فِي كِنَانَتِي ثمَّ رجعت فَسكت فَلم أذكر شَيْئا مِمَّا كَانَ حَتَّى إِذا كَانَ فتح مَكَّة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرغ من حنين والطائف خرجت وَمَعِي الْكتاب لألقاه فَلَقِيته بالجعرانة قَالَ

فَدخلت فِي كَتِيبَة من خيل الْأَنْصَار فَجعلُوا يقرعوني بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ إِلَيْك إِلَيْك مَاذَا تُرِيدُ قَالَ فدنوت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على نَاقَته وَالله لكَأَنِّي أنظر إِلَى سَاقه فِي غرزه كَأَنَّهَا جمارة قَالَ فَرفعت يَدي بِالْكتاب ثمَّ قلت يَا رَسُول الله هَذَا كتابك لي أَنا سراقَة بن جعْشم قَالَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم وَفَاء وبر ادنه قَالَ فدنوت مِنْهُ فَأسْلمت ثمَّ تذكرت شَيْئا أسأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ فَمَا أذكرهُ إِلَّا أَنِّي قلت يَا رَسُول الله الضَّالة من الْإِبِل تغشى حياضي وَقد ملأتها لإبلي هَل لي من أجر فِي أَن أسقيها قَالَ نعم فِي كل ذَات كبد حرى أجر قَالَ ثمَّ رجعت إِلَى قومِي فسقت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدقتي قَالَ السُّهيْلي وَذكر غير ابْن إِسْحَاق أَن أَبَا جهل لامه حِين رَجَعَ بِلَا شَيْء فَقَالَ وَكَانَ شَاعِرًا (أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا ... لأمر جوادي إِذْ تسوح قوائمه)

(علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا ... رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه) (عَلَيْك بكف الْقَوْم عَنهُ فانني ... أرى أمره يَوْمًا ستبدو معالمه) (بِأَمْر يود النَّاس فِيهِ بأسرهم ... بِأَن جَمِيع النَّاس طرا يسالمه) وروى الْوَاقِدِيّ أَنه لما كَانَ فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وافتتح سعد بن أبي وَقاص مَدَائِن كسْرَى وَكَانَ بهَا خزائنه وذخائره فَلَمَّا غلب عَلَيْهَا فر إِلَى إصطخر هَارِبا وَأخذت أَمْوَاله ونفائس عدده وتاجه وسواراه ومنطقته وبساطه وَكَانَ سِتُّونَ ذِرَاعا فِي سِتِّينَ ذِرَاعا منظوما بِاللُّؤْلُؤِ والجواهر الملونة على ألوان زهر الرّبيع كَانَ يبسط لَهُ فِي إيوانه وَيشْرب عَلَيْهِ إِذا عدمت الزهور وَأما تاجه فَكَانَ مكللا بالجواهر النفيسة الَّتِي لَا نَظِير لَهَا وَكَانَ يعلق فِي صدر الإيوان وَيجْلس تَحْتَهُ من ثقله فَبعث بِجَمِيعِ ذَلِك سعد بن أبي وَقاص إِلَى عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ مَعَ الْخمس وَابْنَة الْملك فِي زينتها وجمالها فَأمر بِالْمَالِ فسكب فِي صحن الْمَسْجِد وأظهروا زِيّ كسْرَى

ولباسه فَلَمَّا نظر عمر إِلَى تِلْكَ الْأَمْوَال والجواهر والبساط قَالَ إِن الَّذِي أدّى إِلَيْنَا هَذَا لأمين قَالَ السُّهيْلي ودعا عمر بسراقة وَكَانَ أزب الذراعين فحلاه حلية كسْرَى وَقَالَ لَهُ ارْفَعْ يَديك وَقل الْحَمد لله الَّذِي سلب هَذَا كسْرَى الْملك الَّذِي كَانَ يزْعم أَنه رب النَّاس وَكَسَاهَا أَعْرَابِيًا من بني مُدْلِج فَقَالَ ذَلِك سراقَة وَإِنَّمَا فعل ذَلِك عمر لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد بشر بهَا سراقَة حِين أسلم وَأخْبرهُ أَن الله سيفتح عَلَيْهِ بِلَاد فَارس ويغنمه ملك كسْرَى فاستبعد ذَلِك سراقَة فِي نَفسه وَقَالَ أكسرى ملك الْمُلُوك إِن حليته ستجعل عَلَيْهِ فَأخْبرهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حليته ستجعل عَلَيْهِ تَحْقِيقا للوعد وَإِن كَانَ أَعْرَابِيًا بوالا على عقبية وَلَكِن الله عز وَجل يعز بِالْإِسْلَامِ أَهله ويسبغ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته نعْمَته وفضله وروى ابْن عبد الْبر أَن سراقَة رَضِي الله عَنهُ يكنى أَبَا سُفْيَان وَرُوِيَ عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لسراقة ابْن مَالك كَيفَ بك إِذا لبست سواري كسْرَى قَالَ فَلَمَّا أَتَى عمر بِسوَارِي كسْرَى ومنطقته وتاجه دَعَا سراقَة فألبسه إِيَّاهَا وَكَانَ أزب كثير شعر

الساعدين وَقَالَ لَهُ ارْفَعْ يَديك فَقَالَ الله أكبر الْحَمد لله الَّذِي سلبهما كسْرَى بن هُرْمُز الَّذِي كَانَ يَقُول أَنا رب النَّاس وألبسهما سراقَة الْأَعرَابِي من بني مُدْلِج وَرفع بهَا عمر صَوته وَكَانَ سراقَة شَاعِرًا مجيدا توفّي سنة أَربع وَعشْرين فِي صدر خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُم وروى الْوَاقِدِيّ أَن عمر دَعَا بجميل بن رَوَاحَة وَكَانَ أجسم عَرَبِيّ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فألبسه زيا آخر وزيا آخر لكسرى حَتَّى أَتَى عَلَيْهَا كلهَا ثمَّ ألبسهُ سلاحه وقلده سَيْفه فَنظر النَّاس إِلَيْهِ كَأَنَّهُ كسْرَى فِي ملكه وَقسم الْبسَاط بَين الْمُسلمين فَأصَاب عليا مِنْهَا قِطْعَة بَاعهَا بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَمَا هِيَ بأجود تِلْكَ الْقطع وَأمر بابنة الْملك يزدجرد فأوقفت بَين يَدَيْهِ وَعَلَيْهَا من الْحلِيّ والزينة والجواهر الْكَثِيرَة مَا أَن اللِّسَان يقصر عَن وَصفه فَأمر الْمُنَادِي أَن يُنَادي عَلَيْهَا وَقَالَ أظهر عز الْإِسْلَام وأزل نقابها ليزِيد الْمُسلمُونَ فِي ثمنهَا فامتنعت ووكزت المنادى فِي صَدره فَغَضب عمر وهم أَن يعلوها بدرته وَهِي تبْكي فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ مهلا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ارحموا عَزِيز قوم ذل وغنى قوم افْتقر فسكن غَضَبه ثمَّ أَعْطَاهَا للحسين بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ

السُّهيْلي وَأخذ لكسرى خَمْسَة أسياف لم ير مثلهَا أَحدهَا سيف كسْرَى أبرويز وَسيف كسْرَى أنوشروان وَسيف النُّعْمَان بن الْمُنْذر استلبه مِنْهُ حِين غضب عَلَيْهِ وألقاه إِلَى الفيلة فخبطته بأيديها حَتَّى مَاتَ وَسيف خاقَان ملك التّرْك وَسيف هِرقل صَار إِلَيْهِ أَيَّام غلبته على الرّوم فِي الْمدَّة الَّتِي ذكرهَا الله تَعَالَى فِي قَوْله {الم غلبت الرّوم} فَهَذَا كَانَ سَبَب تصيير سيف النُّعْمَان إِلَى كسْرَى أبرويز ثمَّ إِلَى كسْرَى يزدجرد ثمَّ إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ الَّذِي قتل النُّعْمَان أبرويز وَكَانَ لأبرويز فِيمَا ذكر ألف فيل وَخَمْسُونَ ألف فرس وَثَلَاثَة آلَاف امْرَأَة وَتَفْسِير أنوشروان مُجَدد الْملك قَالَ الْوَاقِدِيّ وَلما قسم سعد بن أبي وَقاص الْغَنَائِم على الْمُسلمين بِالْمَدَائِنِ بعد أَن أخرج الْخمس ولباس كسْرَى وتاجه وبساطه وَكَانَ عدَّة الْجَيْش ثَلَاثِينَ ألف فَارس وَلم يكن فيهم راجل أصَاب كل فَارس اثْنَا عشر ألف دِينَار وَأورد السُّهيْلي طرفا من أَخْبَار مُلُوك الْفرس وَذكر مِنْهُم سَابُور

ذُو الأكتاف الَّذِي وطئ أَرض الْعَرَب وَكَانَ يخلع أكتافهم حَتَّى مر بِأَرْض بني تَمِيم فَفرُّوا مِنْهُ وَتركُوا عَمْرو بن تَمِيم وَهُوَ ابْن ثَلَاثمِائَة سنة لم يقدر على الْفِرَار وَكَانَ فِي قفة مُعَلّقا فِي عَمُود الْخَيْمَة من الْكبر فَأخذ وجئ بِهِ الْملك فاستنطقه سَابُور فَوجدَ عِنْده رَأيا ودهاء فَقَالَ لَهُ أَيهَا الْملك لم تفعل هَذَا بالعرب فَقَالَ يَزْعمُونَ أَن ملكنا يصير إِلَيْهِم على يَد نَبِي يبْعَث فِي آخر الزَّمَان فَقَالَ لَهُ عَمْرو فَأَيْنَ حلم الْمُلُوك وعقلهم إِن يكن هَذَا الْأَمر بَاطِلا فَلَا يَضرك وَإِن يكن حَقًا ألفاك وَقد اتَّخذت عِنْدهم يدا يكافئونك عَلَيْهَا ويحفظونك بهَا فِي ذويك فَيُقَال إِن سَابُور انْصَرف عَنْهُم واستبقى بَقِيَّتهمْ وَأحسن إِلَيْهِم بعد ذَلِك وَأما أبرويز بن هُرْمُز وَهُوَ الَّذِي كتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الَّذِي عرض على الله فِي الْمَنَام فَقيل لَهُ سلم مَا فِي يَديك إِلَى صَاحب الهراوة فَلم يزل مذعورا من ذَلِك حَتَّى كتب إِلَيْهِ النُّعْمَان بِظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتهامة فَعلم أَن الْأَمر سيصير إِلَيْهِ حَتَّى كَانَ من أمره مَا كَانَ وَهُوَ الَّذِي سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماحجة الله على كسْرَى فَقَالَ إِن الله تَعَالَى أرسل إِلَيْهِ ملكا فسلك يَده فِي جِدَار مَجْلِسه حَتَّى أخرجهَا إِلَيْهِ تلألأ نورا فارتاع كسْرَى فَقَالَ لَهُ الْملك لم ترع يَا كسْرَى إِن

الله عز وَجل قد بعث رَسُوله فَأسلم تسلم فَقَالَ سَأَنْظُرُ ذكره الطَّبَرِيّ فِي أَعْلَام كَثِيرَة من النُّبُوَّة عرضت على أبرويز أضربنا عَن الإطالة بهَا وَيُسمى أَيْضا سَابُور بعد هَذَا سَابُور بن أبرويز أَخُو شيرويه وَقد ملك نَحوا من شَهْرَيْن فِي مُدَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَملك أَخُوهُ شيرويه نَحوا من سِتَّة أشهر ثمَّ ملك بوران أختهما فملكت سنة وَهَلَكت وتشتت أَمرهم كل الشتات ثمَّ اجْتَمعُوا على يزدجرد بن شهريار بن أبرويز وَهُوَ آخر مُلُوك الْفرس وَكَانَ الْمُسلمُونَ قد غلبوا على أَطْرَاف أَرضهم ثمَّ كَانَت حروب الْقَادِسِيَّة مَعَهم إِلَى أَن قهرهم الْإِسْلَام وأستؤصل أَمرهم وَالْحَمْد لله وسابور تنْسب إِلَيْهِ الثِّيَاب السابرية قَالَه الْخطابِيّ وَقتل يزدجرد فِي أول خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وجد مستخفيا فِي رحى فَقتل وَطرح فِي قناة الرَّحَى وَذَلِكَ بمرو من أَرض فَارس وروى أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام عَن أبي البخْترِي قَالَ حاصر سلمَان رَضِي الله عَنهُ حصنا من حصون فَارس فَقَالَ حَتَّى أفعل بهم مَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُم فَقَالَ إِنِّي رجل

فصل في ذكر إبتداء ملك الفرس في بلاد اليمن وإسلامهم وذكر تاج كسرى وإيوانه ورؤيا الموبذان وهو القاضي بلغتهم

مِنْكُم أسلمت فقد ترَوْنَ إكرام الْعَرَب إيَّايَ وَإِنَّكُمْ إِن أسلمتم كَانَ لكم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْكُم مَا عَلَيْهِم فَإِن أَبَيْتُم فَعَلَيْكُم الْجِزْيَة وخاك بر سر يَعْنِي التُّرَاب على رؤوسكم بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِن أَبَيْتُم قاتلناكم قَالَ لَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ كَانَ يفعل ذَلِك ثَلَاثًا فَإِن أَبَوا قَاتلهم فصل فِي ذكر إبتداء ملك الْفرس فِي بِلَاد الْيمن وإسلامهم وَذكر تَاج كسْرَى وإيوانه ورؤيا الموبذان وَهُوَ القَاضِي بلغتهم قَالَ ابْن إِسْحَاق لما هلك أَبْرَهَة ملك الْحَبَشَة وَهُوَ صَاحب الْفِيل الَّذِي أنزل الله فِيهِ الْقُرْآن وقصته مَعْرُوفَة ملك بعده ابْنه يكسوم فَلَمَّا هلك ملك أَخُوهُ مَسْرُوق فَلَمَّا طَال الْبلَاء على أهل الْيمن من مُلُوك الْحَبَشَة خرج سيف بن ذِي يزن الْحِمْيَرِي وَهُوَ الَّذِي بشر عبد الْمطلب بِظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسأذكر خَبره فِيمَا بعد لتَعَلُّقه بِهَذَا الحَدِيث وَكَانَ يكنى بِأبي مرّة حَتَّى قدم على قَيْصر ملك الرّوم فَشكى إِلَيْهِ مَا

هُوَ فِيهِ وَسَأَلَهُ أَن يخرج الْحَبَشَة وَيبْعَث إِلَيْهِم من شَاءَ من الرّوم فَيكون لَهُ ملك الْيمن فَلم يشكه وَخرج حَتَّى أَتَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهُوَ عَامل كسْرَى على الْحيرَة وَمَا يَليهَا من أَرض الْعرَاق فَشَكا إِلَيْهِ أَمر الْحَبَشَة فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان إِن لي وفادة على كسْرَى فِي كل عَام فأقم حَتَّى يكون ذَلِك فَفعل ثمَّ خرج مَعَه فَأدْخلهُ على كسْرَى وَكَانَ كسْرَى يجلس فِي إيوانه الَّذِي فِيهِ تاجه وَكَانَ تاجه مثل القنقل الْعَظِيم فِيمَا يَزْعمُونَ قَالَ الْجَوْهَرِي القنقل الْمِكْيَال الْعَظِيم الضخم يضْرب بِهِ الْيَاقُوت والزبرجد واللؤلؤ بِالذَّهَب وَالْفِضَّة مُعَلّقا بسلسلة من ذهب فِي رَأس طاق فِي إيوانه وَكَانَت عُنُقه لَا تحمل تاجه إِنَّمَا يستر بالثياب حَتَّى يجلس فِي مَجْلِسه ذَلِك ثمَّ يدْخل رَأسه فِي تاجه فاذا اسْتَوَى فِي مَجْلِسه كشفت عَنهُ الثِّيَاب فَلَا يرَاهُ رجل لم يره قبل ذَلِك إِلَّا برك هَيْبَة لَهُ فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ سيف ابْن ذِي يزن برك وَقيل إِن سَيْفا لما دخل عَلَيْهِ طأطأ رَأسه فَقَالَ الْملك إِن هَذَا الأحمق يدْخل عَليّ من هَذَا الْبَاب الطَّوِيل

ثمَّ يُطَأْطِئ رَأسه فَقيل ذَلِك لسيف فَقَالَ إِنَّمَا فعلت ذَلِك لهمي لِأَنَّهُ يضيق عَنهُ كل شَيْء ثمَّ قَالَ لَهُ أَيهَا الْملك غلبنا على بِلَادنَا الأغربة قَالَ كسْرَى أَي الأغربة الْحَبَشَة أم السَّنَد فَقَالَ بل الْحَبَشَة فجئتك لتنصرني وَيكون ملك بلادي لَك قَالَ بَعدت بلادك مَعَ قلَّة خَيرهَا فَلم أكن لأورط جَيْشًا من فَارس بِأَرْض الْعَرَب لَا حَاجَة لي بذلك ثمَّ أجَازه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم واف وكساه كسْوَة حَسَنَة فَلَمَّا قبض ذَلِك سيف خرج فَجعل ينثر الدَّرَاهِم للنَّاس فَبلغ ذَلِك الْملك فَقَالَ إِن لهَذَا لشأنا ثمَّ بعث إِلَيْهِ فَقَالَ عَمَدت إِلَى حباء الْملك تنثره للنَّاس فَقَالَ وَمَا أصنع بِهَذَا مَا جبال أرضي الَّتِي جِئْت مِنْهَا إِلَّا ذهب وَفِضة يرغبه فِيهَا فَجمع كسْرَى مرازبته فَقَالَ مَاذَا ترَوْنَ فِي أَمر هَذَا الرجل وَمَا جَاءَ لَهُ فَقَالَ قَائِل أَيهَا الْملك إِن فِي سجونك رجَالًا قد حبستهم للْقَتْل فَلَو أَنَّك بعثتهم مَعَه فان يهْلكُوا كَانَ ذَلِك الَّذِي أردْت بهم وَإِن ظفروا كَانَ ملكا ازددته فَبعث مَعَه كسْرَى من كَانَ فِي سجونه وَكَانُوا ثَمَانمِائَة رجل وَاسْتعْمل عَلَيْهِم وهرز وَكَانَ ذَا سنّ فيهم وأفضلهم حسبا ونسبا

فَخَرجُوا فِي ثَمَانِي سفائن فغرقت سفينتان وَوصل إِلَى سَاحل عدن سِتّ سفائن فَجمع سيف إِلَى وهرز من اسْتَطَاعَ من قومه وَقَالَ لَهُ رجْلي مَعَ رجلك حَتَّى نموت جَمِيعًا أَو نظفر جَمِيعًا قَالَ وهرز أنصفت وَخرج إِلَيْهِ مَسْرُوق بن أَبْرَهَة الحبشي ملك الْيمن وَجمع إِلَيْهِ جنده فَأرْسل إِلَيْهِم وهرز ابْنا لَهُ ليقاتلهم فَقتل ابْن وهرز فزاده ذَلِك حنقا عَلَيْهِم فَلَمَّا تواقف النَّاس على مَصَافهمْ قَالَ وهرز أروني ملكهم فَقَالُوا لَهُ أَتَرَى رجلا على الْفِيل عاقدا تاجه على رَأسه بَين عَيْنَيْهِ ياقوتة حَمْرَاء قَالَ نعم قَالُوا ذَاك ملكهم فَقَالَ اتركوه قَالَ فوقفوا طَويلا ثمَّ قَالَ على مَا هُوَ قَالُوا قد تحول على فرس قَالَ اتركوه فوقفوا طَويلا ثمَّ قَالَ على مَا هُوَ قَالُوا على البغلة قَالَ وهرز بنت الْحمار ذل وذل ملكه إِنِّي سأرميه فان رَأَيْتُمْ أَصْحَابه لم يتحركوا فاثبتوا حَتَّى أوذنكم فَانِي قد أَخْطَأت الرجل وَإِن رَأَيْتُمْ الْقَوْم قد استداروا حوله ولاثوا بِهِ فقد أصبت الرجل فاحملوا عَلَيْهِم ثمَّ أوتر قوسه وَكَانَت لَا يوترها غَيره من شدتها وَأمر بحاجبيه فعصبا لَهُ ثمَّ رَمَاه فصك الياقوتة الَّتِي بَين عَيْنَيْهِ

فتغلغلت النشابة فِي رَأسه حَتَّى خرجت من قَفاهُ ونكس عَن دَابَّته واستدارت الْحَبَشَة ولاثت بِهِ وحملت عَلَيْهِم الْفرس وانهزموا فَقتلُوا وهربوا فِي كل وَجه وَأَقْبل وهرز ليدْخل صنعاء حَتَّى إِذا أَتَى بَابهَا قَالَ لَا تدخل رايتي منكوسة أبدا أهدموا الْبَاب فهدم ثمَّ دَخلهَا ناصبا رايته وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو الصَّلْت من قصيدة لَهُ فِي أَبْيَات (لله دِرْهَم من عصبَة خَرجُوا ... مَا أَن أرى لَهُم فِي النَّاس أَمْثَالًا) (بيضًا مرازبة غلبا أساورة ... أسدا تربب فِي الغيضات أشبالا) (يرْمونَ عَن عتل كَأَنَّهَا غبط ... بزمخر يعجل المرمى إعجالا) (أرْسلت أسدا على سود الْكلاب فقد ... أضحى شريدهم فِي الأَرْض فلالا) (فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْك التَّاج مرتفعا ... فِي رَأس غمدان دَارا مِنْك محلالا)

تفسير ما فيه من الغريب

(واشرب هَنِيئًا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل الْيَوْم فِي برديك إسبالا) (تِلْكَ المكارم لَا قعبان من لبن ... شيبا بِمَاء فصارا بعد أبوالا) تَفْسِير مَا فِيهِ من الْغَرِيب قَالَ الْجَوْهَرِي الْمَرْزُبَان عِنْد الْفرس هُوَ الدهْقَان وَهُوَ الْآمِر على مَا تَحت يَده وَقَوله غلبا أساورة الرجل الْأَغْلَب الغليظ الرَّقَبَة وَقَوله أساورة قَالَ أَبُو عبيد هم الفرسان وَقيل قوم من الْعَجم بِالْبَصْرَةِ نزلوها قَدِيما كالأحامرة بِالْكُوفَةِ وَقَوله فِي الغيضات الغيضة الأجمة وَهُوَ مغيض مَاء يجْتَمع فينبت فِيهِ الشّجر وغيض الْأسد ألف الغيضة وَقَوله يرْمونَ عَن عتل وَاحِدَة عتلة وَهِي القسي الفارسية وَقَوله كَأَنَّهَا غبط الغبيط الرحل وَهُوَ للنِّسَاء يشد عَلَيْهِ الهودج فَشبه القسي الفارسية بخشبها وَقَوله بزمخر الزمخر النشاب قَالَه ابْن فَارس وَقَوله فِي رَأس غمدان قَالَ الْبكْرِيّ غمدان بِضَم أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه وبالدال الْمُهْملَة قلعة صنعاء وَكَانَت عشْرين سقفا طباقا بَين كل سقفين عشرَة أَذْرع فَكَانَ ارْتِفَاع بنائها مِائَتي ذِرَاع وعمدان بِالْعينِ الْمُهْملَة فِي مأرب من

فصل في وفود العرب على سيف بن ذي يزن ومن جملتهم عبد المطلب وبشراه له بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم

بِلَاد الْيمن أَيْضا وَقَوله شالت نعامتهم قَالَ الْجَوْهَرِي النعامة الْخَشَبَة المعترضة على الزرنوقين يُقَال للْقَوْم إِذا ارتحلوا عَن منهلهم أَو تفَرقُوا شالت نعامتهم والزرنوقان منارتان تبنيان على رَأس الْبِئْر فتوضع عَلَيْهِمَا النعامة وَهِي الْخَشَبَة المعترضة عَلَيْهَا ثمَّ تعلق الْقَامَة وَهِي البكرة فِي النعامة وَإِن كَانَ الزرنوقان من خشب فهما دعامتان وَسيف بن ذِي يزن فَهُوَ الَّذِي عَنى سطيح بقوله إرم ذِي يزن يخرج عَلَيْهِم من عدن فَلَا يتْرك أحدا مِنْهُم بِالْيمن وَالَّذِي عني شقّ بقوله غُلَام لَيْسَ بدني وَلَا مدن يخرج عَلَيْهِم من بَيت ذِي يزن فصل فِي وُفُود الْعَرَب على سيف بن ذِي يزن وَمن جُمْلَتهمْ عبد الْمطلب وبشراه لَهُ بِظُهُور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم روى ابْن ظفر فِي كتاب أنباء نجباء الْأَبْنَاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله

عَنْهُمَا قَالَ لما ظهر سيف بن ذِي يزن على الْحَبَشَة وَفد عَلَيْهِ أَشْرَاف الْعَرَب وشعراؤهم وخطباؤهم ليشكروه على عنائه وَأَخذه بثأر قومه ويهنؤه بِمَا صَار إِلَيْهِ من الْملك وَقدم عَلَيْهِ وَفد قُرَيْش وَفِيهِمْ عبد الْمطلب بن هَاشم وَأُميَّة بن عبد شمس وَغَيرهمَا فَاسْتَأْذنُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي رَأس غمدان وَهُوَ قصر بِصَنْعَاء فَأذن لَهُم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ مضمخ بالمسك وَعَلِيهِ بردَان والتاج على رَأسه وسيفه بَين يَدَيْهِ وملوك حمير عَن يَمِينه وشماله فاستأذنه عبد الْمطلب فِي الْكَلَام فَقَالَ لَهُ إِن كنت مِمَّن يتَكَلَّم بَين يَدي الْمُلُوك أذنا لَك فَقَالَ عبد الْمطلب إِن الله قد أحلك أَيهَا الْملك محلا صعبا باذخا منيفا شامخا وأنبتك نباتا طابت أرومته وعزت جرثومته وَثَبت أَصله وبسق فَرعه بأكرم مَعْدن وَأطيب موطن فَأَنت أَبيت اللَّعْن ملك الْعَرَب الَّذِي إِلَيْهِ تنقاد وعمودها الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِمَاد وسائسها الَّذِي إِلَيْهِ القياد سلفك خير سلف وَأَنت لنا مِنْهُم خير خلف وَلنْ يجهل من هم سلفه وَلنْ يهْلك من أَنْت خَلفه نَحن أَيهَا الْملك أهل حرم الله وسدنة بَيته أشخصنا إِلَيْك الَّذِي أبهجنا من

كشفك الكرب الَّذِي فدحنا فَقَالَ لَهُ الْملك من أَنْت أَيهَا الْمُتَكَلّم قَالَ أَنا عبد الْمطلب بن هَاشم قَالَ ابْن أُخْتنَا قَالَ نعم فَأقبل عَلَيْهِ من بَين الْقَوْم فَقَالَ مرْحَبًا وَأهلا وناقة ورحلا ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يُعْطي عَطاء جزلا قد سمع الْملك مَقَالَتَكُمْ وَعرف قرابتكم أَنْتُم أهل اللَّيْل وَالنَّهَار لكم الْكَرَامَة مَا أقمتم والحباء إِذا ظعنتم ثمَّ أَمر بهم إِلَى دَار الضِّيَافَة وأجرى عَلَيْهِم الأنزال وَأَقَامُوا شهرا لَا يُؤذن لَهُم وَلَا يصلونَ إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّه انتبه لَهُم انتباهة فَأرْسل إِلَى عبد الْمطلب خَاصَّة فَأَتَاهُ فأخلاه ثمَّ قَالَ لَهُ إِنِّي مفض إِلَيْك من سري وَعلمِي بِشَيْء لَو غَيْرك كَانَ لم أبح لَهُ بِهِ وَلَكِنِّي رَأَيْتُك أَهله وموضعه فَلْيَكُن عنْدك مطويا حَتَّى يَأْذَن الله فِيهِ بأَمْره إِنِّي أجد فِي الْكتاب النَّاطِق وَالْعلم الصَّادِق الَّذِي اخترناه لأنفسنا واحتجبناه دون غَيرنَا خَبرا عَظِيما وخطرا جسيما فِيهِ شرف الْحَيَاة وفضيلة الْوَفَاة للنَّاس كَافَّة ولقومك عَامَّة وَلَك خَاصَّة فَقَالَ عبد الْمطلب أَبيت اللَّعْن أَيهَا الْملك لقد أَبَت بِخَير مَا آب بِهِ وَافد وَلَوْلَا هَيْبَة الْملك وإجلاله لسألته من كشف بشارته إيَّايَ مَا أزداد بِهِ سُرُورًا فَقَالَ الْملك نَبِي هَذَا حِينه الَّذِي يُولد فِيهِ اسْمه مُحَمَّد خَدلج السَّاقَيْن أنجل الْعَينَيْنِ فِي عَيْنَيْهِ عَلامَة وَبَين كَتفيهِ شامة أَبيض كَأَن وَجهه فلقَة قمر يَمُوت أَبوهُ وَأمه ويكفله جده

وَعَمه قد ولدناه مرَارًا وَالله باعثه جهارا وجاعل لَهُ منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ويضربون دونه النَّاس عَن عرض ويستبيح بهم كرائم الأَرْض يكسر الْأَوْثَان ويعبد الرَّحْمَن ويخمد النيرَان ويدحر الشَّيْطَان قَوْله فصل وَحكمه عدل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ ويفعله وَينْهى عَن الْمُنكر ويبطله فَقَالَ عبد الْمطلب عز جدك وَعلا كعبك وَطَالَ عمرك هَل الْملك ساري بافصاح فقد أوضح لي بعض الْإِيضَاح فَقَالَ لَهُ الْملك وَالْبَيْت ذِي الْحجب والعلامات على النصب إِنَّك يَا عبد الْمطلب لجده غير الْكَذِب فَخر عبد الْمطلب سَاجِدا ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ لَهُ الْملك ثلج صدرك وَعلا أَمرك وَبلغ أملك فِي عقبك هَل أحسست بِشَيْء مِمَّا ذكرت لَك قَالَ نعم أَبيت اللَّعْن كَانَ لي ابْن كنت عَلَيْهِ شفيقا وَبِه رَفِيقًا فزوجته كَرِيمَة من كرائم قومِي آمِنَة بنت وهب ابْن عبد منَاف بن زهرَة فَجَاءَت بِغُلَام سميته مُحَمَّدًا خَدلج السَّاقَيْن أنجل الْعَينَيْنِ بَين كَتفيهِ شامة وَفِيه كل مَا ذكر الْملك من عَلامَة مَاتَ أَبوهُ وَأمه وكفلته أَنا وَعَمه فَقَالَ لَهُ الْملك إِن

الَّذِي قلت لَك كَمَا قلت فاحتفظ بابنك وَاحْذَرْ عَلَيْهِ من الْيَهُود فَإِنَّهُم لَهُ أَعدَاء وَلنْ يَجْعَل الله لَهُم عَلَيْهِ سَبِيلا وَالله مظهر دَعوته وناصر شَرِيعَته فأغض على مَا ذكرت لَك واستره دون هَذَا الرَّهْط الَّذين مَعَك فلست آمن أَن تدخلهم النفاسة فِي أَن تكون لَك الرِّئَاسَة فينصبوا لَك الحبائل ويطلبوا لَهُ الغوائل وهم فاعلون ذَلِك أَو أبناؤهم وَإِن عزه لباهر وَإِن حظهم بِهِ لوافر وَلَوْلَا علمي على أَن الْمَوْت مجتاحي قبل مخرجه لسرت إِلَيْهِ بخيلي ورجلي وصيرت يثرب دَار ملكي حَيْثُ يكون مهاجره فَأَكُون وزيره وأخاه وَصَاحبه وظهيره على من كاده وأراده فَإِنِّي أجد فِي الْكتاب الْمكنون وَالْعلم المخزون أَن بِيَثْرِب استحكام أمره وَأهل نَصره وارتفاع ذكره وَمَوْضِع قَبره وَلَوْلَا الدمامة بعد الزعامة وَصغر السن لأظهرت أمره وأوطأت الْعَرَب كَعبه على صغر سنه وَلَكِنِّي صَارف ذَلِك إِلَيْك من غير تَقْصِير بك وبمن مَعَك ثمَّ أَمر لكل رجل من الْقَوْم بِعشْرَة أعبد وبعشرة إِمَاء سود وحلتين من حلل البرود وَعشرَة

أَرْطَال من الْفضة وَخَمْسَة أَرْطَال من الذَّهَب وكرش مَمْلُوءَة عنبرا وَأمر لعبد الْمطلب بِعشْرَة أَمْثَال ذَلِك وَقَالَ يَا عبد الْمطلب إِذا كَانَ رَأس الْحول فأتني بِخَبَرِهِ وَمَا يكون من أمره فَمَاتَ الْملك قبل أَن يحول الْحول فَكَانَ عبد الْمطلب يَقُول لأَصْحَابه لَا يغبطني أحد مِنْكُم بعطية الْملك وَلَكِن يغبطني بِمَا أسره إِلَيّ فَيُقَال مَا هُوَ فيسكت قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي المعارف أَقَامَ سيف بن ذِي يزن ملكا من قبل كسْرَى يكاتبه ويصدر فِي الْأُمُور عَنهُ إِلَى أَن قتل وَكَانَ سَبَب قَتله أَنه اتخذ من أُولَئِكَ الْحَبَش خدما فَخلوا بِهِ يَوْمًا وَهُوَ فِي متصيد لَهُ فزرقوه بِحِرَابِهِمْ فَقَتَلُوهُ وهربوا فِي رُؤُوس الْجبَال فطلبهم أَصْحَابه فَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا وانتشر الْأَمر بِالْيمن وَلم يملكُوا أحدا غير أَن أهل كل نَاحيَة ملكوا عَلَيْهِم رجلا من حمير فَكَانُوا كملوك الطوائف حَتَّى أَتَى الله بِالْإِسْلَامِ وَيُقَال أَنَّهَا لم تزل فِي يَد مُلُوك فَارس وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث وباذان عَامل أبرويز عَلَيْهَا وَمَعَهُ قائدان من قواد أبرويز يُقَال لَهما فَيْرُوز ودادويه فأسلموا

تفسير غريب لغة هذا الخبر

تَفْسِير غَرِيب لُغَة هَذَا الْخَبَر قَالَ مُحَمَّد بن ظفر عَفا الله عَنهُ قد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على أَلْفَاظ لغوية مشكلة وَهَذَا إيضاحها قَوْله شامخا وباذخا جَمِيعًا للمرتفع طابت أرومته الأرومة هِيَ الأَصْل وَكَذَلِكَ قَوْله جرثومته فالجرثومة يكنى بهَا عَن الأَصْل وَهِي فِي الْحَقِيقَة التُّرَاب الْمُجْتَمع الْمُرْتَفع يكون فِي أصُول الشّجر وَنَحْوهَا وَقَوله بسق مَعْنَاهُ علا وارتفع وَقَوله أَبيت اللَّعْن هَذِه كلمة كَانَت الْعَرَب تحيي بهَا مُلُوكهَا فِي الْجَاهِلِيَّة واللعن هُوَ الإبعاد فَقيل الْمَعْنى أَنَّك أَبيت أَن تَأتي أمرا تلعن من أَجله وَهَذَا عِنْدِي بعيد وأظن الْمَعْنى أَنَّك أَبيت أَن تلعن وافدك وقاصدك أَي أَبيت أَن تبعده وَقَوله سدنة بَيته أَي خدمته وحجبته وسدنة الْبَيْت هم بَنو شيبَة وَقَوله فدحنا مَعْنَاهُ أثقلنا وتحملنا مِنْهُ مَا لَا نطيقه يَعْنِي غَلَبَة الْحَبَشَة على بِلَاد الْعَرَب وَقَوله ملكا ربحلا الربحل هُوَ الضخم الطَّوِيل وأنما كنى بِهِ عَن عَظِيم الْقدر وَقَوله عَطاء جزلا الجزل هُوَ الغليظ وَالْكثير من كل شَيْء وَقَوله أخلاه يَعْنِي خلا بِهِ وَقَوله احتجبناه أَي ضمناه لأنفسنا وصناه عَن غَيرنَا وَقَوله خَدلج السَّاقَيْن أَي ممتلئهما

وَقَوله أنجل الْعَينَيْنِ أَي واسعهما وَفِي قَوْله وَفِي عَيْنَيْهِ عَلامَة يَعْنِي الشكلة وَهِي حمرَة تمازج الْبيَاض وَكَانَت فِي عَيْني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكْلَة وَقَوله يضْربُونَ النَّاس عَن عرض أَي يضْربُونَ من عرض لَهُم دونه لَا يبالون من لقوا وَلَا يخَافُونَ أحدا فِيهِ وَعرض الشَّيْء نَاحيَة مِنْهُ وَقَوله يخمد النيرَان يَعْنِي نيران فَارس الَّتِي يعبدونها أخمدها الله بِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَام فَأذْهب ملكهم وَقَوله يدحر الشَّيْطَان مَعْنَاهُ يبعده وَقَوله على النصب هِيَ أَعْلَام حِجَارَة مَنْصُوبَة كَانَت النسائك فِي الْجَاهِلِيَّة تذبح عِنْدهَا ويلطخونها بالدماء وَقَوله فأغض على مَا ذكرت لَك أَي أخفه واستره وأصل الإغضاء مقاربة مَا بَين الجفون وَقَوله ثلج صدرك أَي برد وَهِي كلمة يكنى بهَا عَن حُصُول الْيَقِين وَقَوله النفاسة هِيَ الْحَسَد على الشَّيْء النفيس الْقيمَة وَقَوله الغوائل هِيَ المهلكات وَقَوله مجتاحي أَي مستأصلي بالهلكة وَقَوله الدمامة هِيَ الصغر وكل ضئيل الْجِسْم فَهُوَ دميم بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة وَقَوله السِّيَادَة

وَقَوله هِيَ السياسة والرئاسة وَقَوله يغبطني أَي يحسدني والغبط والنفاسة وَإِن كَانَا من الْحَسَد فقد يكون لَهما وَجه يبيحهما الشَّرْع لَيْسَ هَذَا مَوضِع ذكره قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ شيبَة الْحَمد وَهُوَ عبد الْمطلب إِلَى مَكَّة كَانَ يبسط لَهُ فرَاش إِلَى جِدَار الْكَعْبَة فيجلس عَلَيْهِ فِي ظلها ويحدق بفراشه بنوه وَغَيرهم من سَادَات أسرته قبل مَجِيئه فَيَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ طِفْل يدب فَلَا يثنيه عَن الْفراش شَيْء حَتَّى يجلس عَلَيْهِ فيزيله عَنهُ أَعْمَامه فيبكي حَتَّى يردوه إِلَيْهِ فطلع عَلَيْهِ عبد الْمطلب يَوْمًا وَقد أزالوه فَقَالَ ردوا ابْني إِلَى مجلسي فَإِنَّهُ يحدث نَفسه بِملك عَظِيم وسيكون لَهُ شَأْن فَأقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَهُوَ صَغِير يدرج فَقَالَ عبد الْمطلب افرجوا لِابْني ورماه ببصره حَتَّى اسْتَقر على الْفراش ثمَّ أنْشد (أُعِيذهُ بِالْوَاحِدِ ... من شَرّ كل حَاسِد) ثمَّ قَالَ أَنا أَبُو الْحَارِث مَا رميت غَرضا إِلَّا أصبته يُرِيد مَا تخطئ فراستي وَأَن الَّذِي كَانَ يتفرس فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويظنه بِهِ قد صَحَّ عِنْده بِمَا أخبرهُ بِهِ الْملك فَقَالَ لَهُ ابْنه الْحَارِث يَا سيد الْبَطْحَاء إِنَّك لتقول قولا مصمتا فَلَو أوضحت فَقَالَ لَهُ ستعلم يَا أَبَا سُفْيَان

رجعنا إلى حديث وهرز

رَجعْنَا إِلَى حَدِيث وهرز قَالَ ابْن هِشَام ثمَّ مَاتَ وهرز وَأمر كسْرَى ابْنه الْمَرْزُبَان ابْن وهرز على الْيمن ثمَّ مَاتَ الْمَرْزُبَان فَأمر كسْرَى ابْنه التينجان ابْن الْمَرْزُبَان ثمَّ مَاتَ ثمَّ أَمر كسْرَى ابْنه ثمَّ عَزله وَأمر باذان فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَذْكُر فِي تَرْجَمته طرفا من خَبره وإسلامه فِيمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل فِي ذكر سطيح ورؤيا كسْرَى والموبذان قَالَ السُّهيْلي وَعمر سطيح زَمَانا طَويلا حَتَّى أدْرك مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت الْعَرَب تسميه سطيح الذئبي لِأَنَّهُ سطيح ابْن ربيعَة بن مَسْعُود بن مَازِن بن ذِئْب فَرَأى كسْرَى أنوشروان بن قباذ بن فَيْرُوز مَا رأى من ارتجاس الإيوان وخمود النيرَان وَلم تكن خمدت قبل ذَلِك بِأَلف عَام وَسَقَطت من قصره أَربع عشرَة شرفه وَأخْبرهُ الموبذان وَمَعْنَاهُ القَاضِي أَو الْمُفْتِي بلغتهم أَنه رأى إبِلا صعابا تقود خيلا

عرابا فانتشرت فِي بِلَادهمْ وَغَارَتْ بحيرة ساوة فَأرْسل كسْرَى عبد الْمَسِيح بن عَمْرو بن حَيَّان بن نفيلة الغساني إِلَى سطيح وَكَانَ سطيح من أخوال عبد الْمَسِيح وَلذَلِك أرْسلهُ كسْرَى يستخبره علم ذَلِك ويستعبره رُؤْيا الموبذان فَقدم عَلَيْهِ وَقد أشفى على الْمَوْت فَسلم عَلَيْهِ فَلم يحر إِلَيْهِ سطيح جَوَابا فَأَنْشَأَ عبد الْمَسِيح يَقُول (أَصمّ أم يسمع غطريف الْيمن ... أم فاد فازلم بِهِ شأو العنن) (يَا فاصل الخطة أعيت من وَمن ... أَتَاك شيخ الْحَيّ من آل شنن) (وَأمه من آل ذِئْب بن حجن ... أَبيض فضفاض الرِّدَاء وَالْبدن) (رَسُول قيل الْعَجم يسرى للوسن ... لَا يرهب الرَّعْد وَلَا ريب الزَّمن) (تجوب بِي الأَرْض علنداة شرن ... ترفعني وجن وتهوي بِي وجن)

تفسير غريب لغته

(حَتَّى أَتَى عاري الجآجئ والقطن ... تلفه فِي الرّيح بوغاء الدمن) (كَأَنَّمَا حثحث من حضني ثكن ... ) فَلَمَّا سمع سطيح شعره رفع رَأسه فَقَالَ لَهُ عبد الْمَسِيح جَاءَ إِلَى سطيح حِين أوفى على الضريح بَعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيرَان ورؤيا الموبذان رأى إبِلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فِي بلادها عبد الْمَسِيح إِذا كثرت التِّلَاوَة وَظهر صَاحب الهراوة وخمدت نَار فَارس وَغَارَتْ بحيرة ساوة وفاض وَادي السماوة فَلَيْسَتْ الشَّام لسطيح شاما يملك مِنْهُم مُلُوك وملكات على عدد الشرفات وكل مَا هُوَ آتٍ آتٍ ثمَّ قضى سطيح مَكَانَهُ تَفْسِير غَرِيب لغته قَوْله غطريف الْيمن قَالَ ابْن فَارس الغطريف السَّيِّد والغطرفة الْكبر وَقَوله أم فاد قَالَ السُّهيْلي فاد مَاتَ يُقَال فاد يفود وَقَوله فازلم مَعْنَاهُ قبض قَالَه ثَعْلَب

وَقَوله شأو العنن يُرِيد الْمَوْت وَمَا عَن مِنْهُ قَالَه الْخطابِيّ وَقَوله يَا فاصل الْفَاصِل الْحَاكِم قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَوله الخطة بِالضَّمِّ الْأَمر والقصة يُقَال جَاءَ وَفِي رَأسه خطة إِذا جَاءَ وَفِي نَفسه حَاجَة قد عزم عَلَيْهَا وَفِي حَدِيث قيلة ايلام ابْن هَذِه أَن يفصل الخطة أَي أَنه إِذا نزل بِهِ أَمر مُشكل لَا يَهْتَدِي لَهُ إِنَّه لَا يعبا بِهِ وَلكنه يفصله حَتَّى يبرمه وَيخرج مِنْهُ وَقَوله من آل شنن بالشين الْمُعْجَمَة هُوَ حَيّ من عبد الْقَيْس وَهُوَ شن بن أفصى وَمِنْه وَافق شن طبقَة قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَوله أَبيض فضفاض الرِّدَاء وَالْبدن الفضفضة سَعَة الثَّوْب والدرع والعيش يُقَال ثوب فضفاض وعيش فضفاض وَدرع فضفاضة أَي وَاسِعَة قَالَه الْجَوْهَرِي قَوْله رَسُول قيل الْعَجم القيل الْملك من مُلُوك حمير وَجمعه أقيال وَمن جمع على الْأَقْوَال فالواحد القيل بتَشْديد الْيَاء وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ قَالَه ابْن فَارس وَقَالَ الْجَوْهَرِي قيل اسْم رجل من قوم عَاد وقيلة أم

الْأَوْس والخزرج وَقَوله تجوب بِي الأَرْض جبت الْبِلَاد أجوبها إِذا قطعتها يُقَال هَل جَاءَكُم جائبة خبر أَي خبر يجوب الأَرْض من بلد إِلَى بلد قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَوله علنداة شزن قَالَ السُّهيْلي نَاقَة علنداة وجمل علنداة بِالْهَاءِ وَيجمع على العلاند والعلنديات والعلنداة الصلب والشزن المعيي من الحفا وَقَوله وجن جمع وجين قَالَ الْجَوْهَرِي الوجين الْعَارِض من الأَرْض ينقاد ويرتفع قَلِيلا وَهُوَ غليظ وَمِنْه الوجناء وَهِي النَّاقة الشَّدِيدَة شبهت بِهِ فِي صلابتها وَقَوله الجآجئ والقطن قَالَ السُّهيْلي الجآجئ عظم الصَّدْر والقطن مَا بَين الْوَرِكَيْنِ يَقُول إِن السّير قد هزلها فَأذْهب لَحمهَا وبدت عظامها وَقَوله بوغاء الدمن قَالَ الْجَوْهَرِي البوغاء التربة الرخوة الَّتِي كَأَنَّهَا ذريرة عَن أبي عبيده قَالَ والدمن البعر والدمنة آثَار النَّاس وَمَا سودوا وَالْجمع الدمن تَقول مِنْهُ دمن الْقَوْم الدَّار ودمن الشَّاء المَاء هَذَا من البعر قَالَ ذُو الرمة (مولعة خنساء لَيست بنعجة ... يدمن أَجْوَاف الْمِيَاه وقيرها)

والوقير الْغنم وَقَوله كَأَنَّمَا حثحث من حضني ثكن حثحث مَعْنَاهُ أسْرع وحضني الحضن النَّاحِيَة قَالَه ابْن فَارس وثكن اسْم جبل بِفَتْح أَوله قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَأما قَول سطيح بَعثك ملك بني ساسان فهم مُلُوك الْفرس نسبوا إِلَى جدهم وَهُوَ أزدشير بن بابك بن ساسان وَقَوله إِذا كثرت التِّلَاوَة هِيَ تِلَاوَة الْقُرْآن وَصَاحب الهراوة هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الهراوة العصاة الضخمة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بالهراوة أَنه صَاحب السَّيْف كَمَا جَاءَ فِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غير هَذَا الْموضع وَإنَّهُ صَاحب الْقَضِيب وَأَرَادَ بالقضيب السَّيْف قَوْله وفاض وَادي السماوة السماوة مفازة بَين الْكُوفَة وَالشَّام وَقيل بَين الْموصل وَالشَّام وَهِي من أَرض كلب قَليلَة الْعرض طَوِيلَة قَالَ الْخَلِيل السماوة مَاء بالبادية وَكَانَت أم النُّعْمَان سميت بهَا فَكَانَ اسْمهَا مَاء السماوة قَالَه ابْن فَارس قَالَ السُّهيْلي وَكَانَ سطيح جسدا ملقى لَا جوارح لَهُ وَلَا يقدر على الْجُلُوس إِلَّا إِذا غضب انتفخ فَجَلَسَ وَكَانَ شقّ شقّ إِنْسَان إِنَّمَا لَهُ يَد وَاحِدَة وَرجل وَاحِدَة وَعين وَاحِدَة وَيذكر عَن وهب بن مُنَبّه أَنه قَالَ قيل لسطيح أَنى لَك هَذَا الْعلم فَقَالَ لي صَاحب من الْجِنّ اسْتمع أَخْبَار السَّمَاء من طور سيناء حِين كلم الله مِنْهُ مُوسَى فَهُوَ

يُؤَدِّي إِلَى من ذَلِك مَا يُؤَدِّيه وَولد سطيح وشق فِي الْيَوْم الَّذِي مَاتَت فِيهِ طريفة الكاهنة امْرَأَة عَمْرو بن عَامر الحميرية ودعت بسطيح قبل أَن تَمُوت فَأتيت بِهِ فتفلت فِي فِيهِ وأخبرت أَنه سيخلفها فِي علمهَا وكهانتها وَكَانَ وَجهه فِي صَدره وَلم يكن لَهُ رَأس وَلَا عنق ودعت بشق فَفعلت بِهِ مَا فعلت بسطيح ثمَّ مَاتَت وقبرها بِالْجُحْفَةِ وَقد انْتهى كلامنا على الْأَرْبَعَة الْمُلُوك الَّذين كَانُوا أعظم مُلُوك الأَرْض فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونورد الْآن أَخْبَار بَقِيَّتهمْ على مَا شرطناه فِي صدر الْكتاب من ترتيبهم على حُرُوف المعجم وَالله الْمعِين

ومن الذين كاتبهم صلى الله عليه وسلم وأرسل إليهم أسقف نجران وهو كان كبير وادي نجران والمشار إليه بينهم

حرف الْألف وَمن الَّذين كاتبهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرْسل إِلَيْهِم أَسْقُف نَجْرَان وَهُوَ كَانَ كَبِير وَادي نَجْرَان والمشار إِلَيْهِ بَينهم روى صَاحب الْهدى المحمدي بِسَنَدِهِ عَن يُونُس بن بكير عَن سَلمَة بن عبد يسوع عَن أَبِيه عَن جده قَالَ يُونُس وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَأسلم إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل نَجْرَان بِسم إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى عبَادَة الله من عبَادَة الْعباد وأدعوكم إِلَى ولَايَة الله من ولَايَة الْعباد فَإِن أَبَيْتُم فالجزية فَإِن أَبَيْتُم فقد آذنتكم بِحَرب وَالسَّلَام

فَلَمَّا أَتَى الأسقف الْكتاب فقره قطع بِهِ وذعره ذعرا شَدِيدا فَبعث إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ شُرَحْبِيل بن ودَاعَة وَكَانَ من هَمدَان وَلم يكن أحد يدعى إِذا نزل معضلة قبله لَا الْأَيْهَم وَلَا السَّيِّد وَلَا العاقب فَدفع الأسقف كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فقرأه فَقَالَ الأسقف يَا أَبَا مَرْيَم مَا رَأْيك فَقَالَ شُرَحْبِيل قد علمت مَا وعد الله إِبْرَاهِيم فِي ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل من النُّبُوَّة فَمَا يُؤمن أَن يكون هَذَا هُوَ ذَلِك الرجل لَيْسَ لي فِي النُّبُوَّة رَأْي لَو كَانَ من أَمر الدُّنْيَا أَشرت عَلَيْك فِيهِ برأيي وجهدت لَك فِيهِ فَقَالَ الأسقف تَنَح فاجلس فَتنحّى شُرَحْبِيل فَجَلَسَ نَاحيَة فَبعث الأسقف إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ عبد الله بن شُرَحْبِيل وَهُوَ من ذِي أصبح من حمير فَأَقْرَأهُ الْكتاب وَسَأَلَهُ عَن الرَّأْي فِيهِ فَقَالَ لَهُ مثل قَوْله شُرَحْبِيل فَقَالَ لَهُ الأسقف تَنَح فاجلس فَجَلَسَ نَاحيَة فَبعث الأسقف إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ جَبَّار ابْن قيص من بني الْحَارِث بن كَعْب فَأَقْرَأهُ الْكتاب وَسَأَلَهُ عَن الرَّأْي فِيهِ فَقَالَ لَهُ مثل قَول شُرَحْبِيل وَعبد الله فَأمره الأسقف فَتنحّى فَلَمَّا اجْتمع الرَّأْي مِنْهُم على تِلْكَ الْمقَالة جَمِيعًا أَمر الأسقف بالناقوس فَضرب وَرفعت المسوح فِي الصوامع وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ إِذا فزعوا بِالنَّهَارِ

وَإِذا كَانَ فزعهم بِاللَّيْلِ ضربوا بالناقوس وَرفعت النيرَان فِي الصوامع فَاجْتمع حِين ضرب بالناقوس وَرفعت المسوح أهل الْوَادي أَعْلَاهُ وأسفله وَطول الْوَادي مسيرَة يَوْم للراكب السَّرِيع وَفِيه ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ قَرْيَة وَعِشْرُونَ وَمِائَة ألف مقَاتل فَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسألهم عَن الرَّأْي فِيهِ وَاجْتمعَ رَأْي أهل الْوَادي مِنْهُم على أَن يبعثوا شُرَحْبِيل بن ودَاعَة الْهَمدَانِي وَعبد الله بن شُرَحْبِيل وجبار بن قيص الْحَارِثِيّ فيأتونهم بِخَبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق الْوَفْد حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وضعُوا ثِيَاب السّفر عَنْهُم ولبسوا حللا لَهُم يجرونها من الْحبرَة وخواتيم الذَّهَب ثمَّ انْطَلقُوا حَتَّى أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَلم يرد عَلَيْهِم السَّلَام وتصدوا لكَلَامه نَهَارا طَويلا فَلم يكلمهم وَعَلَيْهِم تِلْكَ الْحلَل وَالْخَوَاتِيم الذَّهَب فَانْطَلقُوا يتبعُون عُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَكَانَا معرفَة لَهُم كَانَا يخرجَانِ العير فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَى نَجْرَان ويشترون لَهما من برهَا وَثَمَرهَا وذرتها فوجدوهما فِي

نَاس من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار من مجْلِس فَقَالُوا يَا عُثْمَان وَيَا عبد الرَّحْمَن إِن نَبِيكُم قد كتب إِلَيْنَا بِكِتَاب فأقبلنا مجيبين لَهُ فأتيناه فسلمنا عَلَيْهِ فَلم يرد سلامنا وتصدينا لكَلَامه نَهَارا طَويلا فأعيانا أَن يُكَلِّمنَا فَمَا الرَّأْي مِنْكُمَا أنعود فَقَالَا لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ فِي الْقَوْم مَا ترى يَا أَبَا الْحسن رَضِي الله عَنْك فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَقَالَ عَليّ لعُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن أرى أَن يضعوا حللهم وخواتيمهم فَفَعَلُوا ثمَّ عَادوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد سلامهم ثمَّ سَأَلَهُمْ وسألوه فَلم تزل بِهِ وبهم الْمَسْأَلَة حَتَّى قَالُوا لَهُ مَا تَقول فِي عِيسَى فانا نرْجِع إِلَى قَومنَا وَنحن نَصَارَى فيسرنا إِن كنت نَبيا أَن نعلم مَا تَقول فِيهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْء يومي هَذَا فاقيموا حَتَّى أخْبركُم بِمَا يُقَال لي فِي عِيسَى فَأصْبح الْغَد وَقد أنزل الله تَعَالَى {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين فَمن حاجك فِيهِ} إِلَى قَوْله عز وَجل على الكذبين فَأَبَوا أَن يقرُّوا بذلك فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَد بعد مَا أخْبرهُم الْخَبَر أقبل مُشْتَمِلًا على الْحسن وَالْحُسَيْن فِي خميل لَهُ قَالَ عِيَاض

الخميلة كسَاء ذَات خمل وَفَاطِمَة تمشي عِنْد ظَهره للمباهلة وَله يَوْمئِذٍ عدَّة نسْوَة فَقَالَ شُرَحْبِيل لصاحبيه يَا عبد الله بن شُرَحْبِيل وَيَا جَبَّار بن قيص قد علمتما أَن الْوَادي إِذا اجْتمع أَعْلَاهُ وأسفله لم يردوا وَلم يصدروا إِلَّا عَن رَأْيِي وَإِنِّي وَالله أرى أمرا مُقبلا وَأرى وَالله إِن كَانَ هَذَا الرجل ملكا مَبْعُوثًا فَكُنَّا أول الْعَرَب طَعنا فِي عينه وردا عَلَيْهِ أمره وَلَا يذهب لنا من صَدره وَلَا من صُدُور قومه حَتَّى يصيبونا بجائحة وَإِنِّي لأرى الْقرب مِنْهُم جوارا وَإِن كَانَ هَذَا الرجل نَبيا مُرْسلا فلاعناه فَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض منا شَعْرَة وَلَا ظفر إِلَّا هلك فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاه فَمَا الرَّأْي فقد وضعتك الْأُمُور على ذِرَاع فهات رَأْيك فَقَالَ رَأْيِي أَن أحكمه فَإِنِّي أرى الرجل لَا يحكم شططا أبدا فَقَالَا لَهُ أَنْت وَذَاكَ فلقي شُرَحْبِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنِّي قد رَأَيْت خيرا من ملاعنتك فَقَالَ وَمَا هُوَ قَالَ شُرَحْبِيل حكمك الْيَوْم إِلَى اللَّيْل وَلَيْلَته إِلَى الصَّباح فمهما حكمت فِينَا فَهُوَ جَائِز فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّ وَرَاءَك أحدا يثرب

عَلَيْك فَقَالَ شُرَحْبِيل سل صَاحِبي فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا مَا يرد الْوَادي وَلَا يصدر إِلَّا عَن رَأْي شُرَحْبِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَافِر أَو قَالَ جَاحد موفق فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلاعنهم حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد أَتَوْهُ فَكتب لَهُ هَذَا الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا كتب مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنجران إِذْ كَانَ عَلَيْهِم حكمه فِي كل ثَمَرَة وَفِي كل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فأفضل عَلَيْهِم وَترك ذَلِك كُله على ألفي حلَّة فِي كل رَجَب ألف حلَّة وَفِي كل صفر ألف حلَّة أَو قيمَة كل حلَّة من الأواقي مَا زَادَت على الْخراج أَو نقصت عَن الأواقي فبحساب وَمَا قضوا من دروع أَو خيل أَو ركاب أَو عرض أَخذ مِنْهُم بِحِسَاب وعَلى نَجْرَان مثواة

رُسُلِي ومتعتهم بهَا عشْرين فدونه وَلَا يحبس رَسُول فَوق شهر وَعَلَيْهِم عَارِية ثَلَاثِينَ درعا وَثَلَاثِينَ فرسا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إِذا كَانَ كيد بِالْيمن ذُو معذرة وَمَا هلك مِمَّا أعاروا رُسُلِي من دروع أَو خيل أَو ركاب فَهُوَ ضَمَان على رَسُولي حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَيْهِم ولنجران وحاشيتها جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وَأَن لَا يُغيرُوا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغير حق من حُقُوقهم وَلَا ملتهم وَلَا يُغير أَسْقُف من أسقفيته وَلَا رَاهِب من رهبانيته وَلَا وقهة من وقهيته الوقه الطَّاعَة قَالَه الْجَوْهَرِي وكل مَا تَحت أَيْديهم من قَلِيل أَو كثير وَلَيْسَ عَلَيْهِم دِيَة وَلَا دم جَاهِلِيَّة وَلَا يحشرون وَلَا يعشرُونَ وَلَا يطَأ أَرضهم جَيش وَمن سَأَلَ مِنْهُم حَقًا فبينهم النّصْف غير ظالمين وَلَا مظلومين وَمن أكل رَبًّا من ذِي قبل فذمتي مِنْهُ بريئة وَلَا يُؤْخَذ

مِنْهُم رجل بظُلْم آخر وعَلى مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله حَتَّى يَأْتِي الله بأَمْره مَا نصحوا وَأَصْلحُوا فِيمَا عَلَيْهِم غير مبتلين بظُلْم شهد أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وغيلان ابْن عَمْرو وَمَالك بن عَوْف والأقرع بن حَابِس الْحَنْظَلِي والمغيرة بن شُعْبَة وَكتب فَلَمَّا قبضوا كِتَابهمْ وَانْصَرفُوا إِلَى نَجْرَان تلقاهم الأسقف ووجوه نَجْرَان على مسيرَة لَيْلَة وَمَعَ الأسقف أَخ لَهُ من أمه وَهُوَ ابْن عَمه من النّسَب يُقَال لَهُ بشر بن مُعَاوِيَة وكنيته أَبُو عَلْقَمَة فَدفع الْوَفْد كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الأسقف فَبينا هُوَ يَقْرَؤُهُ وَأَبُو عَلْقَمَة مَعَه وهما يسيران إِذْ كبت ببشر نَاقَته فتعس بشر غير أَنه لَا يكنى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ الأسقف عِنْد ذَلِك قد وَالله تعست نَبيا مُرْسلا فَقَالَ بشر لَا جرم وَالله لَا أحل عَنْهَا عقدا حَتَّى آتيه فَضرب وَجه نَاقَته نَحْو الْمَدِينَة وثنى الأسقف نَاقَته عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إفهم عني إِنَّمَا قلت هَذَا ليبلغ الْعَرَب عني مَخَافَة أَن يَقُولُوا إِنَّا أَخذنَا حمقة أَو نجعنا لهَذَا

الرجل بِمَا لم تنجع بِهِ الْعَرَب وَنحن أعزهم وأجمعهم دَارا فَقَالَ لَهُ بشر لَا وَالله لَا أقيلك مَا خرج من رَأسك أبدا فَضرب بشر وَهُوَ مول ظَهره للأسقف وَهُوَ يَقُول (إِلَيْك تعدو قلقا وضينها ... مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا) (مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا) قَالَ الْجَوْهَرِي الْوَضِين للهودج بِمَنْزِلَة البطان للقتب والحزام للسرج وَجمعه وضن وَهُوَ النسع من سيور منسوج بعضه على بعض والوضن النسج حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يزل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى اسْتشْهد بعد ذَلِك وَدخل الْوَفْد نَجْرَان فَأتى الراهب ابْن أبيشمر الزبيدِيّ وَهُوَ فِي رَأس صومعة لَهُ فَقيل لَهُ إِن نَبيا قد بعث بتهامة وَإنَّهُ كتب إِلَى الأسقف فأجمع أهل الْوَادي أَن يَسِيرُوا إِلَيْهِ شُرَحْبِيل وَعبد الله وجبارا فيأتونهم بِخَبَرِهِ فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى المباهلة فكرهوا ملاعنته وَحكمه شُرَحْبِيل فَحكم عَلَيْهِم حكما وَكتب لَهُم كتابا ثمَّ أقبل الْوَفْد بِالْكتاب حَتَّى دفعوه إِلَى الأسقف فَبينا الأسقف يَقْرَؤُهُ وَبشر مَعَه إِذْ كبت ببشر نَاقَته فتعسه فَشهد

الأسقف أَنه نَبِي مُرْسل فَانْصَرف أَبُو عَلْقَمَة نَحوه يُرِيد الْإِسْلَام فَقَالَ الراهب أنزلوني وَإِلَّا رميت نَفسِي من هَذِه الصومعة فأنزلوه فَانْطَلق الراهب بهدية إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا هَذَا الْبرد الَّذِي يلْبسهُ الْخُلَفَاء والقعب والعصا وَأقَام الراهب بعد ذَلِك يستمع كَيفَ ينزل الْوَحْي وَالسّنَن والفرائض وَالْحُدُود وأبى الله للراهب الْإِسْلَام فَلم يسلم وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرّجْعَة إِلَى قومه وَقَالَ إِن لي حَاجَة ومعادا إِن شَاءَ الله فَرجع إِلَى قومه فَلم يعد حَتَّى قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات ان وَفد نَجْرَان كَانُوا أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم نَصَارَى فيهم العاقب وَهُوَ عبد الْمَسِيح رجل من كنده وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة رجل من ربيعَة وَأَخُوهُ كرز وَالسَّيِّد وَأَوْس ابْنا الْحَارِث وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وخَالِد وَعَمْرو وَعبيد الله وَفِيهِمْ ثَلَاثَة نفر يتولون أُمُورهم وَالْعَاقِب وَهُوَ أَمِيرهمْ وَصَاحب مشورتهم وَالَّذِي يصدرون عَن رَأْيه وَأَبُو الْحَارِث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وَصَاحب مدارسهم وَالسَّيِّد وَهُوَ صَاحب رحلتهم فتقدمهم كرز أَخُو أبي الْحَارِث وَهُوَ يَقُول (إِلَيْك تَغْدُو قلقا وضينها ... مُعْتَرضًا فِي بَطنهَا جَنِينهَا)

(مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا) فَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قدم الْوَفْد بعده فَدَخَلُوا الْمَسْجِد عَلَيْهِم ثِيَاب الْحبرَة وأردية مَكْفُوفَة بالحرير فَقَامُوا يصلونَ فِي الْمَسْجِد نَحْو الْمشرق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوهم ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْرض عَنْهُم وَلم يكلمهم فَقَالَ لَهُم عُثْمَان ذَلِك من أجل زيكم هَذَا فانصرفوا من يومهم ذَلِك ثمَّ غدوا عَلَيْهِ بزِي الرهبان فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا وَكثر الْكَلَام وَالْحجاج بَينهم وتلا عَلَيْهِم الْقُرْآن وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أنكرتم مَا أَقُول لكم فَهَلُمَّ أُبَاهِلكُم فانصرفوا على ذَلِك وَغدا عبد الْمَسِيح ورجلان من ذَوي رَأْيهمْ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا قد بدا لنا أَن لَا نباهلك فاحكم علينا بِمَا أَحْبَبْت نعطك ونصالحك فَصَالحهُمْ على ألفي حلَّة ألف فِي رَجَب وَألف فِي صفر أَو قيمَة كل حلَّة من الأواقي وعَلى عَارِية ثَلَاثِينَ درعا وَثَلَاثِينَ رمحا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ فرسا إِن كَانَ بِالْيمن كيد ولنجران وحاشيتهم جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ وغائبهم وشاهدهم

وبيعهم وَلَا يُغير أَسْقُف من سقيفاه وَلَا رَاهِب من رهبانيته وَلَا وَاقِف من وقفانيته وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا مِنْهُم أَبُو سُفْيَان بن حَرْب والأقرع بن حَابِس والمغيرة بن شُعْبَة فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فَلم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إِلَّا يَسِيرا حَتَّى رجعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا وأنزلهما دَار أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَأقَام أهل نَجْرَان على مَا كتب لَهُم بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى قَبضه الله تَعَالَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَرَحمته ورضوانه ثمَّ ولي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَكتب بالوصاة بهم عِنْد وَفَاته ثمَّ أَصَابُوا رَبًّا فَأخْرجهُمْ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من أَرضهم وَكتب لَهُم وَهَذَا مَا كتب عمر أَمِير الْمُؤمنِينَ لنجران من سَار مِنْهُم أَنه آمن بِأَمَان الله لَا يضرهم أحد من الْمُسلمين وَفَاء لَهُم بِمَا كتب لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَوَقع نَاس مِنْهُم بالعراق فنزلوا النجرانية الَّتِي بِنَاحِيَة الْكُوفَة

وروى الْبَيْهَقِيّ باسناد صَحِيح إِلَى ابْن مَسْعُود أَن السَّيِّد وَالْعَاقِب أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَرَادَ أَن يلاعنهما فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه لَا تلاعنه فوَاللَّه لَئِن كَانَ نَبيا فلاعنته لَا نفلح نَحن وَلَا عقبنا من بَعدنَا قَالُوا لَهُ نعطيك مَا سَأَلت فَابْعَثْ مَعنا رجلا أَمينا وَلَا تبْعَث مَعنا إِلَّا أَمينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَأَبْعَثَن مَعكُمْ رجلا أَمينا حق أَمِين فاستشرف لَهَا أَصْحَابه فَقَالَ قُم يَا أَبَا عُبَيْدَة فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَذَا أَمِين هَذِه الْأمة وَذكر الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِير قَوْله عز وَجل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن} الْآيَات نزلت فِي وَفد نَجْرَان قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَك تَشْتُم صاحبنا فَقَالَ وَمَا أَقُول قَالُوا تَقول إِنَّه عبد قَالَ أجل هُوَ عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاء البتول فغضبوا وَقَالُوا هَل رَأَيْت إنْسَانا قطّ من غير أَب فَأنْزل الله عز وَجل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} فِي كَونه خلقا من غير أَب {كَمثل آدم} لِأَنَّهُ خلق من غير أَب وَأم {خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ} يَعْنِي لعيسى {كن فَيكون} يَعْنِي فَكَانَ فَإِن قيل مَا معنى قَوْله {خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن} فَيكون

خلقا وَلَا تكوين بعد الْخلق قيل مَعْنَاهُ خلقه ثمَّ أخْبركُم أَنِّي قلت لَهُ كن فَكَانَ من غير تَرْتِيب فِي الْخلق كَمَا يكون فِي الْولادَة وَهُوَ مثل قَول الرجل أَعطيتك الْيَوْم درهما ثمَّ أَعطيتك أمس درهما أَي ثمَّ أخْبرك أَنِّي أَعطيتك أمس درهما وَفِيمَا سبق من التَّمْثِيل على جَوَاز الْقيَاس دَلِيل لِأَن الْقيَاس هُوَ رد فرع إِلَى أصل بِنَوْع شبه وَقد رد الله تَعَالَى خلق عِيسَى إِلَى آدم بِنَوْع شبه قَوْله {الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين} الْخطاب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمرَاد أمته ثمَّ قَالَ تَعَالَى {فَمن حاجك فِيهِ} أَي جادلك فِي عِيسَى {من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} بِأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل فَنَجْعَل لعنت الله على الكذبين أَرَادَ الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة وعليا عَلَيْهِم السَّلَام وَالْعرب تسمي ابْن عَم الرجل نَفسه قيل فِي قَوْله نبتهل نَتَضَرَّع وَقيل نجتهد ونبالغ فِي الدُّعَاء وَقيل نلتعن والابتهال الالتعان فَنَجْعَل لعنت الله على الكذبين منا ومنكم فِي أَمر عِيسَى فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِم قَالُوا حَتَّى نرْجِع وَنَنْظُر فِي أمرنَا ثمَّ نَأْتِيك غَدا فَخَلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا للعاقب وَكَانَ ذَا رَأْيهمْ يَا عبد الْمَسِيح مَا ترى قَالَ وَالله لقد عَرَفْتُمْ يَا معشر النَّصَارَى أَن مُحَمَّدًا نَبِي مُرْسل وَوَاللَّه مَا لَاعن قوم

نَبِي قطّ فَعَاشَ كَبِيرهمْ وَلَا نبت صَغِيرهمْ وَلَئِن فَعلْتُمْ ذَلِك لتهلكن فَإِن أَبَيْتُم إِلَّا الْإِقَامَة على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من القَوْل فِي صَاحبكُم فَوَادعُوا الرجل وَانْصَرفُوا إِلَى بِلَادكُمْ فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد غَدا مُحْتَضِنًا الْحُسَيْن آخِذا بيد الْحسن وَفَاطِمَة تمشي خَلفه وَعلي خلفهَا وَهُوَ يَقُول إِذا أَنا دَعَوْت فَأمنُوا فَقَالَ أَسْقُف نَجْرَان يَا معشر النَّصَارَى إِنِّي لأرى وُجُوهًا لَو سَأَلُوا الله أَن يزِيل جبلا من مَكَانَهُ لَأَزَالَهُ فَلَا تبتهلوا فَتَهْلكُوا وَلَا يبْقى على وَجه الأَرْض نَصْرَانِيّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِم قد رَأينَا أَن لَا نُلَاعِنك وَأَن نَتْرُكك على دينك ونلبث على ديننَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن أَبَيْتُم المباهلة فأسلموا يكن لكم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْكُم مَا عَلَيْهِم فَأَبَوا فَقَالَ فَإِنِّي أنابذكم فَقَالُوا مَا لنا بِحَرب الْعَرَب طَاقَة وَلَكِن نُصَالِحُكَ على أَن لَا تَغْزُونَا وَلَا تخيفنا وَلَا تردنَا عَن ديننَا على أَن نُؤَدِّي لَك كل عَام ألفي حلَّة ألفا فِي صفر وألفا فِي رَجَب فَصَالحهُمْ على ذَلِك وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الْعَذَاب قد تدلى على أهل نَجْرَان وَلَو تلاعنوا لمسخوا قردة وَخَنَازِير ولاضطرم عَلَيْهِم الْوَادي نَارا ولاستأصل الله نَجْرَان وَأَهله حَتَّى الطير على الشّجر وَلما حَال الْحول على النَّصَارَى كلهم حَتَّى هَلَكُوا قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كتاب الْأَمْوَال أهل نَجْرَان عرب من بني الْحَارِث بن كَعْب وهم أول من أعْطى الْجِزْيَة من النَّصَارَى

فصل في خبر سطيح وشق وذكر نجران وابتداء النصرانية بأرض العرب من بلاد اليمن

قلت وَأَخْبرنِي الشَّيْخ أَحْمد بن حسن بن عَليّ الْحرَازِي أَن نَجْرَان بادية فِي مَشَارِق أَرض الْيمن بَينهَا وَبَين صعدة مِمَّا يَلِي الشرق مسيرَة أَرْبَعَة أَيَّام وَهُوَ وَاد كثير النّخل ينْسب إِلَيْهِ أهل الْيمن الْقصب النجراني أَكْثَرهم مُسلمُونَ وَبِه نَصَارَى من بَقِيَّة أُولَئِكَ وهم أهل بادية يصنعون أَكثر مَوَاشِيهمْ الْمعز وَالْحَاكِم عَلَيْهِم فِي وقتنا وَهِي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة إِمَام الزيدية عَليّ بن مُحَمَّد الإِمَام ثمَّ توفّي وَخَلفه وَلَده مُحَمَّد يعرف بالسيد صَلَاح فصل فِي خبر سطيح وشق وَذكر نَجْرَان وَابْتِدَاء النَّصْرَانِيَّة بِأَرْض الْعَرَب من بِلَاد الْيمن روى ابْن هِشَام فِي أَوَائِل السِّيرَة الشَّرِيفَة أَن ربيعَة بن نصر ملك

الْيمن وَقد ذكرت طرفا من حَدِيثه فِيمَا سبق عِنْد ذكر كسْرَى وَسيف بن ذِي يزن والنعمان بن الْمُنْذر وَأَنه من ولد ربيعَة هَذَا قَالَ فَرَأى رُؤْيا هالته وفظع بهَا فَدَعَا بسطيح وشق وَبَدَأَ بسطيح فَأعلمهُ بهَا وبتأويلها وَقَالَ ليهبطن أَرْضكُم الْحَبَش فليملكن مَا بَين أبين إِلَى جرش ثمَّ ذكرهَا شقّ وأولها وَقَالَ لينزلن بأرضكم السودَان وليملكن مَا بَين أبين إِلَى نَجْرَان وذكرا ظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر تَأْوِيل الرُّؤْيَا فِي حَدِيث طَوِيل وَهُوَ فِي أول السِّيرَة بِتَمَامِهِ إِلَى أَن ذكر خبر زرْعَة ذِي نواس بن تبان أسعد أخي حسان وَقَتله لخنيعة الْملك وَملك مَكَانَهُ وَاجْتمعت عَلَيْهِ حمير وقبائل الْيمن فَكَانَ آخر مُلُوك حمير وَتسَمى يُوسُف فَأَقَامَ فِي ملكه زَمَانا وبنجران بقايا من أهل دين عِيسَى على الْإِنْجِيل أهل فضل واستقامة من أهل دينهم لَهُم رَأس يُقَال لَهُ عبد الله بن الثَّامِر وَكَانَ موقع أصل ذَلِك الدّين بِنَجْرَان وَهِي بأوسط أَرض الْعَرَب فِي ذَلِك الزَّمَان وَسَائِر الْعَرَب كلهَا أهل أوثان يعبدونها وَذَلِكَ أَن رجلا من بقايا أهل ذَلِك الدّين يُقَال لَهُ فيميون وَقع بَين أظهرهم فحملهم عَلَيْهِ

فدانوا بِهِ وَكَانَ فيميون رجلا صَالحا زاهدا فِي الدُّنْيَا مجاب الدعْوَة وَكَانَ سائحا لَا يعرف بقرية إِلَّا خرج مِنْهَا وَكَانَ يَأْكُل من كسب يَده وَكَانَ بِنَاء وَكَانَ يعظم الْأَحَد وَلَا يعْمل فِيهِ شغلا وَيخرج إِلَى فلاة من الأَرْض يُصَلِّي بهَا حَتَّى يمسى وَذَلِكَ فِي قَرْيَة من قرى الشَّام يعْمل عمله ذَلِك مستخفيا فَفطن لشأنه رجل من أهل الْقرْيَة يُقَال لَهُ صَالح فَأَحبهُ صَالح حبا شَدِيدا فَكَانَ يتبعهُ حَيْثُ ذهب وَلَا يفْطن لَهُ فيميون حَتَّى خرج مرّة فِي يَوْم الْأَحَد وَجعل يُصَلِّي كَمَا كَانَ يصنع وَقد اتبعهُ صَالح وفيميون لَا يدْرِي فَبَيْنَمَا فيميون يُصَلِّي أقبل نَحوه تنين وَهُوَ الْحَيَّة ذَات الرؤس السَّبْعَة فَلَمَّا رَآهَا فيميون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ وَرَآهَا صَالح وَلم يدر مَا أَصَابَهَا فخافها عَلَيْهِ فَصَرَخَ يَا فيميون التنين قد أقبل نَحْوك فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَأَقْبل على صلَاته حَتَّى فرغ مِنْهَا فَانْصَرف وَعرف أَنه قد عرف وَعرف صَالح أَنه قد رأى مَكَانَهُ فَقَالَ لَهُ يَا فيميون تعلم وَالله أَنى مَا أَحْبَبْت شَيْئا قطّ حبك وَقد أردْت صحبتك والكينونة مَعَك حَيْثُ كنت قَالَ مَا شِئْت أَمْرِي كَمَا ترى فَإِن علمت أَنَّك تقوى عَلَيْهِ فَنعم فَلَزِمَهُ صَالح وَقد كَاد أهل الْقرْيَة يَفْطنُون لشأنه وَكَانَ إِذا فاجأه أحد بِهِ ضرّ دَعَا الله لَهُ فشفى وَإِذا دعِي إِلَى أحد بِهِ ضرّ لم يَأْته وَصَالح مَعَ ذَلِك

مَعَه فَبَيْنَمَا هُوَ يمشي فِي بعض بساتين الشَّام إِذْ مر بشجرة عَظِيمَة فناداه مِنْهَا رجل يَا فيميون مَا زلت أنتظرك وَأَقُول مَتى هُوَ جَاءَ حَتَّى سَمِعت صَوْتك فعرفتك لَا تَبْرَح حَتَّى تقوم عَليّ فَإِنِّي ميت الْآن قَالَ فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتَّى واراه ثمَّ انْصَرف وَتَبعهُ صَالح حَتَّى وطئا بعض أَرض الْعَرَب فعدوا عَلَيْهِمَا وباعوهما بِنَجْرَان وَأهل نَجْرَان يَوْمئِذٍ على دين الْعَرَب يعْبدُونَ نَخْلَة طَوِيلَة بَين أظهرهم لَهَا عيد فِي كل سنة إِذا كَانَ ذَلِك الْعِيد عَلقُوا عَلَيْهَا كل ثوب حسن وجدوه وحلى النِّسَاء ثمَّ خَرجُوا إِلَيْهَا فعكفوا عَلَيْهَا يَوْمًا مَا فَابْتَاعَ فيميون رجل من أَشْرَافهم وابتاع صَالحا آخر فَكَانَ فيميون إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد فِي بَيت لَهُ أسْكنهُ فِيهِ سَيّده استسرج لَهُ الْبَيْت نورا حَتَّى يصبح من غير مِصْبَاح فَرَأى ذَلِك سَيّده فأعجبه فَسَأَلَهُ

عَن دينه فَأخْبرهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ فيميون إِنَّمَا أَنْتُم فِي بَاطِل إِن هَذِه النَّخْلَة لَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلَو دَعَوْت عَلَيْهَا إلهي الَّذِي أعبده لأهلكها وَهُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ قَالَ لَهُ سَيّده فافعل فَإنَّك إِن فعلت ذَلِك دَخَلنَا فِي دينك وَتَركنَا مَا نَحن عَلَيْهِ قَالَ فَقَامَ فيميون فَتطهر وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دَعَا الله تَعَالَى عَلَيْهَا فَأرْسل الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا ريحًا فجعفتها من أَصْلهَا فألقتها فَأتبعهُ عِنْد ذَلِك أهل نَجْرَان على دينه فحملهم على الشَّرِيعَة من دين عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ دخلت عَلَيْهِم الْأَحْدَاث الَّتِي دخلت على أهل دينهم بِكُل أَرض فَمن هُنَالك كَانَت النَّصْرَانِيَّة بِنَجْرَان فِي أَرض الْعَرَب وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِيهِ غير ذَلِك وسَاق فِيهِ حَدِيث عبد الله بن الثَّامِر مَعَ السَّاحر إِلَى أَن قتل الْملك عبد الله بن الثَّامِر رَحمَه الله وَكَانَ على مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى ابْن مَرْيَم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْإِنْجِيل وَحكمه ثمَّ أَصَابَهُم مَا أصَاب أهل دينهم من الْأَحْدَاث وَكَانَ ذَلِك أصل النَّصْرَانِيَّة بِنَجْرَان ثمَّ سَار إِلَيْهِم ذُو نواس بجُنُوده فَدَعَاهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّة وَخَيرهمْ بَين ذَلِك وَالْقَتْل فَاخْتَارُوا الْقَتْل فَخدَّ لَهُم الْأُخْدُود فَحرق بالنَّار وَقتل بِالسَّيْفِ وَمثل بهم حَتَّى قتل مِنْهُم قَرِيبا من عشْرين ألفا وَفِي ذَلِك أنزل الله على نبيه فِي ذِي نواس وجنده قتل أصحب الْأُخْدُود وَالْأُخْدُود الْحفر المستطيل فِي الأَرْض كالخندق

وَيُقَال كَانَ فِيمَن قتل الْملك ذُو نواس عبد الله بن الثَّامِر رَأْسهمْ وإمامهم روى الْبَغَوِيّ أَن خربة احتفرت بِنَجْرَان فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فوجدوا عبد الله بن الثَّامِر رَحمَه الله وَاضِعا يَده على ضَرْبَة فِي رَأسه إِذا أميطت يَده عَنْهَا انبعثت دَمًا وَإِذا تركت يَده ردهَا عَلَيْهَا فَأمْسك دَمهَا وَفِي يَده خَاتم مَكْتُوب فِيهِ رَبِّي الله فَبلغ ذَلِك عمر فَكتب إِلَيْهِم أَن أَقروهُ على حَاله وردوا عَلَيْهِ الدّفن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ قَالَ وَكَانَ اسْم الْملك يُوسُف ذونواس ابْن شراحبيل من مُلُوك حمير وَكَانَ فِي الفترة قبل مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبعين سنة وَقَالَ أَبُو الطُّفَيْل عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَانَ أَصْحَاب الْأُخْدُود نَبِيّهم حبشِي بعث إِلَى قومه ثمَّ قَرَأَ عَليّ {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك مِنْهُم من قَصَصنَا عَلَيْك وَمِنْهُم من لم نَقْصُصْ عَلَيْك} وَقَالَ مقَاتل كَانَت الْأُخْدُود ثَلَاثَة وَاحِدَة بِنَجْرَان بِالْيمن وَأُخْرَى بِالشَّام وَأُخْرَى بِفَارِس حرقوا بالنَّار أما الَّتِي بِالشَّام فَهُوَ أبطاموس

الرُّومِي وَأما الَّتِي بِفَارِس فبخت نصر وَأما الَّتِي بِأَرْض الْعَرَب فَهُوَ يُوسُف ذُو نواس فَأَما الَّتِي بِفَارِس وَالشَّام فَلم ينزل فيهمَا قُرْآن وَأنزل فِي الَّتِي كَانَت بِنَجْرَان وروى الْبَغَوِيّ عَن وهب بن مُنَبّه أَن الَّذِي أحرق ذُو نواس اثْنَي عشر ألفا ثمَّ غلب أرياط على الْيمن وَخرج ذُو نواس هَارِبا فاقتحم الْبَحْر بفرسه فغرق قَالَ ابْن إِسْحَاق قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة عشرُون رجلا من النَّصَارَى حِين بَلغهُمْ خَبره من الْحَبَشَة وَقيل من أهل نَجْرَان فوجدوه فِي الْمَسْجِد فجلسوا إِلَيْهِ وكلموه وسألوه وَرِجَال من قُرَيْش فيهم أَبُو جهل حول الْكَعْبَة فَلَمَّا فرغوا من مسألتهم دعاهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِسْلَام وتلا عَلَيْهِم الْقُرْآن فَلَمَّا سَمِعُوهُ فاضت أَعينهم بالدمع ثمَّ اسْتَجَابُوا لَهُ وآمنوا بِهِ وَصَدقُوهُ وَعرفُوا مِنْهُ مَا كَانَ يُوصف لَهُم فِي كتبهمْ من أمره فَلَمَّا قَامُوا عَنهُ اعْتَرَضَهُمْ أَبُو جهل فِي نفر من قُرَيْش فَقَالُوا لَهُم خيبكم الله بعثكم قومكم لتتعرفوا لَهُم خبر الرجل فَلم تطمئِن مجالسكم عِنْده حَتَّى فارقتم دينكُمْ وصدقتموه مَا نعلم ركبا أَحمَق مِنْكُم فَقَالُوا لَهُم سَلام عَلَيْكُم لَا

فصل في إرساله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران ومكاتباته

نجاهلكم لنا مَا نَحن عَلَيْهِ وَلكم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ لم نأل أَنْفُسنَا خيرا فَنزل فيهم قَوْله تَعَالَى الَّذين آتينهم الْكتب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ وَإِذا يُتْلَى عَلَيْهِم قَالُوا آمنا بِهِ إِنَّه الْحق من رَبنَا إِنَّا كُنَّا من قبله مُسلمين أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا إِلَى قَوْله لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم سلم عَلَيْكُم لَا نبتغي الْجَاهِلين فصل فِي إرْسَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني الْحَارِث بن كَعْب بِنَجْرَان ومكاتباته قَالَ ابْن إِسْحَاق بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد فِي شهر ربيع الأول أَو جُمَادَى الأولى سنة عشر إِلَى بني الْحَارِث بن كَعْب بِنَجْرَان وَأمره أَن يَدعُوهُم إِلَى الْإِسْلَام فأسلموا ودخلوا فِيمَا دعوا إِلَيْهِ فَأَقَامَ فيهم خَالِد يعلمهُمْ الْإِسْلَام وَكتاب الله وَسنة نبيه وَبِذَلِك أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هم أَسْلمُوا ثمَّ كتب خَالِد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم لمُحَمد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَالِد بن الْوَلِيد السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْك فَإنَّك بعثتني إِلَى بني الْحَارِث بن كَعْب وأمرتني إِذا أتيتهم أَن لَا أقاتلهم ثَلَاثَة أَيَّام وَأَن أدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أَسْلمُوا قبلت مِنْهُم وعلمتهم معالم الْإِسْلَام وَكتاب الله وَسنة نبيه وَإِن لم يسلمُوا قاتلتهم وَإِنِّي قدمت عَلَيْهِم فدعوتهم إِلَى الْإِسْلَام ثَلَاثَة أَيَّام كَمَا أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعثت فيهم ركبانا يَا بني الْحَارِث أَسْلمُوا تسلموا فأسلموا وَلم يقاتلوا وَأَنا مُقيم بَين أظهرهم وَآمرهُمْ بِمَا أَمرهم الله بِهِ وأنهاهم عَمَّا نَهَاهُم الله عَنهُ وأعلمهم معالم الْإِسْلَام وَسنة النَّبِي حَتَّى يكْتب إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَكتب إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا

هُوَ أما بعد فَإِن كتابك جَاءَنِي مَعَ رَسُولك يُخْبِرنِي أَن بني الْحَارِث بن كَعْب قد أَسْلمُوا قبل أَن تقَاتلهمْ وَأَجَابُوا إِلَى مَا دعوتهم إِلَيْهِ من الْإِسْلَام وشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عبد الله وَرَسُوله وَأَن قد هدَاهُم الله تَعَالَى بهداه فبشرهم وَأَنْذرهُمْ وَأَقْبل وليقبل مَعَك وفدهم وَالسَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَأقبل خَالِد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَقْبل مَعَه وَفد بني الْحَارِث بن كَعْب مِنْهُم قيس بن الْحصين ذِي الغصة وَيزِيد ابْن عبد المدان وَيزِيد بن المحجل وَعبد الله بن قراد الزيَادي وَشَدَّاد بن عبد الله القناني وَعَمْرو بن عبد الله الضبابِي فَلَمَّا قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَآهُمْ قَالَ من هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين كَأَنَّهُمْ رجال الْهِنْد قيل يَا رَسُول الله هَؤُلَاءِ رجال بني الْحَارِث بن كَعْب فَلَمَّا وقفُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا نشْهد أَنَّك رَسُول الله وَأَنه لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْتُم الَّذين إِذا زجروا استقدموا فَسَكَتُوا فَلم يُرَاجِعهُ مِنْهُم أحد ثمَّ أَعَادَهَا الثَّانِيَة فَلم يُرَاجِعهُ مِنْهُم أحد ثمَّ أَعَادَهَا الثَّالِثَة فَلم يُرَاجِعهُ مِنْهُم أحد ثمَّ أَعَادَهَا الرَّابِعَة فَقَالَ يزِيد بن

عبد المدان نعم يَا رَسُول الله نَحن الَّذين إِذا زجروا استقدموا قَالَهَا أَربع مرار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا أَن خَالِدا كتب إِلَيّ بأنكم أسلمتم وَلم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تَحت أقدامكم فَقَالَ يزِيد بن عبد المدان أما وَالله مَا حمدناك وَلَا حمدنا خَالِدا قَالَ فَمن حمدتم قَالُوا حمدنا الله الَّذِي هدَانَا بك قَالَ صَدقْتُمْ ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ كُنْتُم تغلبون من قاتلكم فِي الْجَاهِلِيَّة قَالُوا لم نَكُنْ نغلب أحدا قَالَ بلَى قد كُنْتُم تغلبون من قاتلكم قَالُوا كُنَّا نغلب من قاتلنا يَا رَسُول الله أَنا كُنَّا نَجْتَمِع وَلَا نتفرق وَلَا نبدأ أحدا بظُلْم قَالَ صَدقْتُمْ وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بني الْحَارِث بن كَعْب قيس بن الْحصين فَرجع وَفد بني الْحَارِث إِلَى قَومهمْ فِي بَقِيَّة شَوَّال أَو فِي صدر ذِي الْقعدَة فَلم يمكثوا بعد أَن رجعُوا إِلَى قَومهمْ إِلَّا أَرْبَعَة أشهر حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد كَانَ بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن ولى وفدهم عَمْرو بن حزم ليفقههم فِي الدّين وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ وَكتب لَهُ كتابا عهد إِلَيْهِ فِيهِ عَهده وَأمره فِيهِ بأَمْره قَالَ ابْن عبد الْبر عَمْرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي النجاري وَذكر فِي نسبه اخْتِلَافا يكنى أَبَا الضَّحَّاك أمه من بني

ذكر الكتاب

سَاعِدَة لم يشْهد بَدْرًا وَأول مشاهده الخَنْدَق وَاسْتَعْملهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَجْرَان وهم بَنو الْحَارِث بن كَعْب وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة ليفقههم فِي الدّين وَيُعلمهُم الْقُرْآن وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ وَذَلِكَ سنة عشر بعد أَن بعث إِلَيْهِم خَالِد بن الْوَلِيد فأسلموا وَكتب لَهُ كتابا فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن وَالصَّدقَات والديات وَمَات بِالْمَدِينَةِ سنة إِحْدَى وَخمسين وَقيل غير ذَلِك روى عَنهُ ابْنه مُحَمَّد ذكر الْكتاب قَالَ ابْن إِسْحَاق بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا بَيَان من الله وَرَسُوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} عهد من مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن أمره بتقوى الله فِي أمره كُله ف {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} وَأمره أَن يَأْخُذ بِالْحَقِّ كَمَا أمره الله وَأَن يبشر النَّاس بِالْخَيرِ وَيَأْمُرهُمْ بِهِ وَيعلم النَّاس الْقُرْآن ويفقههم فِيهِ وَينْهى النَّاس فَلَا يمس الْقُرْآن إِنْسَان إِلَّا وَهُوَ طَاهِر ويخبر النَّاس بِالَّذِي لَهُم وَالَّذِي عَلَيْهِم ويلين للنَّاس فِي الْحق ويشتد عَلَيْهِم فِي الظُّلم فَإِن الله كره الظُّلم وَنهى عَنهُ فَقَالَ أَلا لعنة الله على الظلمين ويبشر

النَّاس بِالْجنَّةِ ويعملها وينذر النَّاس النَّار وعملها ويستألف النَّاس حَتَّى يفقهوا فِي الدّين وَيعلم النَّاس معالم الْحَج وسنته وفريضته وَمَا أَمر الله بِهِ وَالْحج الْأَكْبَر الْحَج وَالْحج الْأَصْغَر هُوَ الْعمرَة وَينْهى النَّاس أَن يُصَلِّي أحد فِي ثوب وَاحِد صَغِير إِلَّا أَن يكون ثوبا يثنى طَرفَيْهِ على عَاتِقيهِ وَينْهى أَن يحتبي أحد فِي ثوب وَاحِد يُفْضِي بفرجه إِلَى السَّمَاء وَينْهى أَن لَا يعقص أحد شعر رَأسه فِي قَفاهُ وَيُنْهِي إِذا كَانَ بَين النَّاس هيج عَن الدُّعَاء إِلَى الْقَبَائِل والعشائر وَليكن دَعوَاهُم إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ فَمن لم يدع إِلَى الله ودعا إِلَى الْقَبَائِل والعشائر فليقطعوا بِالسَّيْفِ حَتَّى تكون دَعوَاهُم إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ وَيَأْمُر النَّاس باسباغ الْوضُوء وُجُوههم وأيديهم إِلَى الْمرَافِق وأرجلهم إِلَى الْكَعْبَيْنِ ويمسحون برؤوسهم كَمَا أَمرهم الله وَأمر بِالصَّلَاةِ لوَقْتهَا وإتمام الرُّكُوع والخشوع يغلس بالصبح ويهجر بالهاجرة حِين تميل الشَّمْس وَصَلَاة الْعَصْر وَالشَّمْس فِي الأَرْض مُدبرَة وَالْمغْرب حِين يقبل اللَّيْل لَا يُؤَخر حَتَّى تبدو النُّجُوم فِي السَّمَاء وَالْعشَاء أول اللَّيْل

وَأمر بالسعي إِلَى الْجُمُعَة إِذا نُودي لَهَا وَالْغسْل عِنْد الرواح إِلَيْهَا وَأمره أَن يَأْخُذ من الْغَنَائِم خمس الله وَمَا كتب على الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدَقَة من الْعقار عشر مَا سقت الْعين وسقت السَّمَاء وعَلى مَا سقى الغرب نصف الْعشْر وَفِي كل عشر من الْإِبِل شَاتَان وَفِي كل عشْرين أَربع شِيَاه وَفِي كل أَرْبَعِينَ من الْبَقر بقرة وَفِي كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيع جَذَعَة أَو جذع وَفِي كل أَرْبَعِينَ من الْغنم سَائِمَة وَحدهَا شَاة فَإِنَّهَا فَرِيضَة الله الَّتِي افْترض على الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدَقَة فَمن زَاد خيرا فَهُوَ خير لَهُ وَإنَّهُ من أسلم من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ إسلاما خَالِصا من نَفسه ودان بدين الْإِسْلَام فَإِنَّهُ من الْمُؤمنِينَ لَهُ مثل مَا لَهُم وَعَلِيهِ مثل مَا عَلَيْهِم وَمن كَانَ على نصرانيته أَو يَهُودِيَّته فَإِنَّهُ لَا يرد عَنْهَا وعَلى كل حالم ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد دِينَار واف أَو عرضه ثيابًا فَمن أدّى ذَلِك فَإِن لَهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَمن منع ذَلِك فَإِنَّهُ عَدو الله وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ جَمِيعًا صلوَات الله على مُحَمَّد وَالسَّلَام عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر دومة الجندل

ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أكيدر دومة الجندل قَالَ السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف وَذكر أَنه كتب لأكيدر دومة كتابا فِيهِ عهد وأمان قَالَ أَبُو عبيد أَنا قرأته فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأكيدر حِين أجَاب إِلَى الْإِسْلَام وخلع الأنداد والأصنام مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد سيف الله فِي دومة الجندل وأكنافها إِن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأَرْض وَالْحَلقَة وَالسِّلَاح والحافر والحصن وَلكم الضامنة من النّخل والمعين من الْمَعْمُور لَا تعدل سارحتكم وَلَا تعد فاردتكم وَلَا يحظر عَلَيْكُم النَّبَات تقيمون الصَّلَاة لوَقْتهَا وتؤتون الزَّكَاة بِحَقِّهَا عَلَيْكُم

تفسير غريبه

بذلك عهد الله والميثاق وَلكم بذلك الصدْق وَالْوَفَاء شهد الله وَمن حضر من الْمُسلمين تَفْسِير غَرِيبه قَالَ السُّهيْلي الضاحية أَطْرَاف الأَرْض والضحل المَاء الْقَلِيل وَهُوَ الضحضاح قَالَه الْجَوْهَرِي المعامي مجهولها أغفال الأَرْض مَا لَا أثر لَهُم فِيهِ من عمَارَة أَو نَحْوهَا الضامنة من النّخل مَا كَانَ دَاخل بلدهم وَلَا يحظر عَلَيْكُم النَّبَات أَي لَا تمْنَعُونَ من الرَّعْي حَيْثُ شِئْتُم وَلَا تعدل سارحتكم أَي لَا تحْشر إِلَى الْمُصدق وَإِنَّمَا أَخذ مِنْهُم بعض هَذِه الْأَرْضين وَالْحَلقَة بِسُكُون اللَّام الدروع وَالسِّلَاح مَا يمْتَنع بِهِ من الْعَدو وَأورد مُحَمَّد بن سعد هَذَا الْكتاب فِي الطَّبَقَات وَزَاد فِيهِ فَأَنا أذكرهُ وَمَا زَاد فِيهِ قَالَ أَنا مُحَمَّد بن عمر الْأَسْلَمِيّ قَالَ حَدثنِي رجل من أهل دومة إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب لأكيدر هَذَا الْكتاب فَقَرَأته وَأخذت

تفسير غريبه

مِنْهُ نسخته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لأكيدر حِين أجَاب إِلَى الْإِسْلَام وخلع الأنداد والأصنام مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد سيف الله فِي دومة الجندل وأكنافها إِن لَهُ الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأَرْض وَالْحَلقَة وَالسِّلَاح والحافر والحصن وَلكم الضامنة من النّخل والمعين من الْمَعْمُور وَبعد الْخمس لَا تعدل سارحتكم وَلَا تعد فاردتكم وَلَا يحظر عَلَيْكُم النَّبَات وَلَا يُؤْخَذ مِنْكُم إِلَّا عشر الثَّبَات تقيمون الصَّلَاة لوَقْتهَا وتؤتون الزَّكَاة بِحَقِّهَا وَعَلَيْكُم بذلك الْعَهْد والميثاق وَلكم بذلك الصدْق وَالْوَفَاء شهد الله وَمن حضر من الْمُسلمين تَفْسِير غَرِيبه قَالَ مُحَمَّد بن عمر الضحل المَاء الْقَلِيل والمعامي الْأَعْلَام من الأَرْض مَا لَا حد لَهُ والضامنة مَا حمل من النّخل وَقَوله لَا تعدل سارحتكم يَقُول لَا تنحى عَن الرَّعْي والفاردة مَا لَا تجب فِيهِ الصَّدَقَة والأغفال مَا لَا يُقَام على حَده من الأَرْض والمعين المَاء الْجَارِي والثبات النّخل الْقَدِيم الَّذِي قد ضرب عروقه فِي الأَرْض وَثَبت

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أسيبخت صاحب هجر

قَالَ وَكَانَت دومة وأيلة وتيماء قد خَافُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَأَوْا الْعَرَب قد أسلمت قَالَ السُّهيْلي قَالَ أَبُو عبيد وَلم يفعل ذَلِك مَعَ أهل الطَّائِف حِين جاؤا تَائِبين لِأَن هَؤُلَاءِ ظهر عَلَيْهِم وَأخذ ملكهم أَسِيرًا وَلكنه أُبْقِي لَهُم من أَمْوَالهم مَا تضمنه الْكتاب لِأَنَّهُ لم يقاتلهم حَتَّى يَأْخُذهُمْ عنْوَة كَمَا أَخذ خَيْبَر فَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لكَانَتْ أَمْوَالهم كلهَا للْمُسلمين وَكَانَ لَهُ الْخِيَار فِي رقابهم كَمَا تقدم وَلَو جاؤا إِلَيْهِ تَائِبين أَيْضا قبل الْخُرُوج إِلَيْهِم كَمَا فعلت ثَقِيف مَا أَخذ من أَمْوَالهم شَيْئا قَالَ الْبكْرِيّ دومة الجندل بِضَم الدَّال وَهِي مَا بَين برك الغماد وَمَكَّة وَقيل مَا بَين الْحجاز وَالشَّام وَالْمعْنَى وَاحِد وَهِي على عشر مراحل من الْمَدِينَة وَعشر من الْكُوفَة وثمان من دمشق واثنتي عشرَة من مصر وَسميت بدومان بن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينزلها ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أسيبخت صَاحب هجر قَالَ مُحَمَّد بن سعد قَالُوا وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أسيبخت

ومن الملوك الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصبغ بن عمرو

ابْن عبد الله صَاحب هجر إِنَّه قد جَاءَنِي الْأَقْرَع بكتابك وشفاعتك لقَوْمك وَإِنِّي قد شفعتك وصدقت رَسُولك الْأَقْرَع فِي قَوْمك فأبشر فِيمَا سَأَلتنِي وطلبتني بِالَّذِي تحب وَلَكِنِّي نظرت أَن أعلمهُ وتلقاني فَإِن تجئنا أكرمك وَإِن تقعد أكرمك أما بعد فَإِنِّي لَا أستهدي أحدا وَإِن تهد إِلَيّ أقبل هديتك وَقد حمد عمالي مَكَانك وأوصيك بِأَحْسَن الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وقراية الْمُؤمنِينَ وَإِنِّي قد سميت قَوْمك بني عبد الله فمرهم بِالصَّلَاةِ وبأحسن الْعَمَل وأبشر وَالسَّلَام عَلَيْك وعَلى قَوْمك الْمُؤمنِينَ وَمن الْمُلُوك الَّذين بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَصْبَغ بن عَمْرو قَالَ الْبكْرِيّ فِي حرف الدَّال وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيْشًا إِلَى دومة وَأمر عَلَيْهِم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وعممه بِيَدِهِ وَقَالَ أغد بِسم الله فَجَاهد فِي سَبِيل الله تقَاتل من كفر بِاللَّه وَأكْثر من ذكرى

عَسى الله أَن يفتح على يَديك فَإِن فتح فَتزَوج بنت ملكهم وَكَانَ الْأَصْبَغ بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن حصن بن ضَمْضَم ملكهم فَفَتحهَا وَتزَوج ابْنَته تماضر بنت الْأَصْبَغ فَهِيَ أول كلبية تزَوجهَا قرشي فَولدت لَهُ أَبَا سَلمَة الْفَقِيه وَهِي أُخْت النُّعْمَان بن الْمُنْذر لأمه وَكَانَ افْتِتَاح دومة صلحا وَهِي من بِلَاد الصُّلْح الَّتِي أدَّت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِزْيَة وَكَذَلِكَ أذرح وهجر والبحران وأيلة

وممن كاتبه صلى الله عليه وسلم باذان صاحب صنعاء من الفرس

حرف الْبَاء وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باذان صَاحب صنعاء من الْفرس قَالَ ابْن هِشَام عَن ابْن إِسْحَاق إِن كسْرَى أَمر باذان على الْيمن فَلم يزل عَلَيْهَا حَتَّى بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تقدم فِي كتَابنَا هَذَا سِيَاق ولَايَته على الْيمن فِي تَرْجَمَة كسْرَى أبرويز ملك الْفرس بِالْمَدَائِنِ وَلما بعث لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه مَعَ عبد الله بن حذافة السَّهْمِي رَضِي الله عَنهُ فمزقه وَبعث إِلَى باذان أَنه بَلغنِي أَن رجلا من قُرَيْش خرج بِمَكَّة يزْعم أَنه نَبِي فسر إِلَيْهِ فاستتبه فَإِن تَابَ وَإِلَّا فَابْعَثْ إِلَيّ بِرَأْسِهِ فَبعث باذان بِكِتَاب كسْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب إِلَيْهِ إِن الله قد وَعَدَني أَن يقتل كسْرَى فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي شهر كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا أَتَى

باذان الْكتاب توقف لينْظر وَقَالَ إِن كَانَ نَبيا فسيكون مَا قَالَ فَقتل الله كسْرَى فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَتله ابْنه شيرويه فَلَمَّا بلغ ذَلِك باذان بعث بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام من مَعَه من الْفرس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت الرُّسُل من الْفرس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من نَحن يَا رَسُول الله قَالَ أَنْتُم منا وإلينا أهل الْبَيْت فَمن ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلمَان منا أهل الْبَيْت قَالَ وَكَانَ على حجر بِالْيمن مَكْتُوب من الزَّمَان الأول لمن ملك دمار لحمير الأخيار لمن ملك ذمار للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار لفارس الْأَحْرَار لمن ملك ذمار لقريش التُّجَّار وذمار وَصَنْعَاء وصعدة بِلَاد مُتَقَارِبَة بِالْيمن

وممن كاتبه صلى الله عليه وسلم قبل مولده بألف عام تبع

حرف التَّاء وَمِمَّنْ كَاتبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مولده بِأَلف عَام تبع وَفِيه ذكر التبابعة وبنيان الْكَعْبَة وَخبر مفتحها قَالَ صَاحب الهناء الدَّائِم لمولد أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِمَّنْ آمن بِهِ قبل رسَالَته تبع الأول وَهُوَ أحد الْخَمْسَة الَّذين ملكوا الدُّنْيَا حِين مر بِيَثْرِب وَهِي منزله فِيهَا عين مَاء فَأخْبرهُ أَرْبَعمِائَة عَالم من عُلَمَاء أهل الْكتاب وَلَهُم عَالم يرجعُونَ إِلَيْهِ أَن هَذَا مَوضِع قبر نَبِي آخر الزَّمَان الَّذِي يخرج من مَكَّة اسْمه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ إِمَام الْحق صَاحب الْقَضِيب والناقة والتاج وَصَاحب الْقُرْآن والقبلة واللواء صَاحب قَول لَا إِلَه إِلَّا الله

مولده بِمَكَّة وهجرته بِالْمَدِينَةِ فطوبى لمن أدْركهُ وآمن بِهِ وبينوا لَهُ مَا بَينه لَهُم من قبلهم فَآمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبنى لَهُم الْمَدِينَة من مَاله وَأعْطى كلا مِنْهُم مَالا كِفَايَته وكفاية عِيَاله وَكتب كتابا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وختمه بِالذَّهَب وَدفعه إِلَى كَبِيرهمْ مضمونه أما بعد يَا مُحَمَّد فَإِنِّي آمَنت بك وبكتابك الَّذِي ينزله الله عَلَيْك وَأَنا على دينك وسنتك آمَنت بِرَبِّك وَرب كل شَيْء وَبِكُل مَا جَاءَ من رَبك من شرائع الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَإِنِّي قبلت ذَلِك فَإِن أَدْرَكتك فبها ونعمت وَإِن لم أدركك فاشفع لي يَوْم الْقِيَامَة وَلَا تنسى فَإِنِّي من أمتك الْأَوَّلين وتابعيك قبل مجيئك وَقبل أَن يرسلك الله وَأَنا على ملتك وملة أَبِيك إِبْرَاهِيم وَختم الْكتاب وَنقش عَلَيْهِ لله الْأَمر من قبل وَمن بعد ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله وَكتب عنوان الْكتاب إِلَى مُحَمَّد بن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتم النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وَرَسُول رب الْعَالمين من تبع الأول حمير أَمَانَة الله فِي يَد من وَقع إِلَى أَن يَدْفَعهُ إِلَى صَاحبه

وَدفعه إِلَى رَئِيس الْعلمَاء الْمَذْكُورين ثمَّ وصل الْكتاب الْمَذْكُور إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَد بعض ولد الْعَالم الْمَذْكُور الَّذِي سلم إِلَيْهِ حِين هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة ثمَّ مَاتَ تبع مُؤمنا وَبَين يَوْم مَوته ومولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف سنة لَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان وَمن شعره فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَيَأْتِي بعد هم رجل عَظِيم ... نَبِي لَا يرخص فِي الْحَرَام) (يُسمى أحمدا يَا لَيْت أَنِّي ... أعمر بعد مبعثه بعام) قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله معنى تبع فِي لُغَة الْيمن الْملك الْمَتْبُوع وَقَالَ المَسْعُودِيّ لَا يُقَال للْملك تبع حَتَّى يملك الْيمن والشحر وحضرموت وَأول التبابعة الْحَارِث الرائش بن همال بن ذِي شدد وَسمي الرائش لِأَنَّهُ راش النَّاس بِمَا أوسعهم من الْعَطاء وَقسم فيهم من الْغَنَائِم وَكَانَ أول من غنم وَكَانَ مُؤمنا وَقَالَ شعرًا يُنبئ فِيهِ بمبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر الْبَيْتَيْنِ لَهُ وَزَاد عَلَيْهِمَا أبياتا أخر على غير الروى (منع الْبَقَاء تصرف الشَّمْس ... وطلوعها من حَيْثُ لَا تمسى) (وطلوعها بَيْضَاء مشرقة ... وغروبها صفراء كالورس)

(تجْرِي على كبد السَّمَاء كَمَا ... يجْرِي حمام الْمَوْت فِي النَّفس) (فاليوم أعلم مَا يجِئ بِهِ ... وَمضى بفصل قَضَائِهِ أمس) وَقد قيل إِن هَذَا الشّعْر لتبع الآخر وَالله أعلم الورس نبت أصفر يكون بِالْيمن يصْبغ بِهِ قَالَ وَأما العرنجج الَّذِي ذكر أَنه حمير بن سبأ فَمَعْنَاه بالحميرية الْعَتِيق وَفِي زمن تبع الْأَوْسَط وَهُوَ حسان بن تبان أسعد هما اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا كمعديكرب وتبان من التبانة وَهِي الذكاء والفطنة فِي زَمَانه كَانَ خُرُوج عَمْرو بن عَامر من الْيمن من أجل سيل العرم وَهُوَ عَمْرو مزيقيا كَانَ يمزق كل يَوْم حلَّة ابْن عَامر وَهُوَ مَاء السَّمَاء بن حَارِثَة الغطريف بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة كَانَ يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة العنقاء وكلهذم مُلُوك متوجون وعامر مَاء السَّمَاء وَهُوَ وَالِد الْأَوْس والخزرج قَالَ السُّهيْلي الْأَوْس الْعَطِيَّة والخزرج الرّيح الْبَارِدَة وَمَات عَامر مَاء السَّمَاء بِالْمَدِينَةِ بعد حربهم للروم

وظهورهم على كل من حَارَبُوهُ وَبعد مَوته كَانَ من أَمر الْيَهُود مَا كَانَ وانتكاث الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَينهم وَبَين الْأَوْس والخزرج وَكَانُوا نزلوها مَعَهم حِين خَرجُوا من الْيمن على شُرُوط وعهود كَانَت بَينهم فَلم يَفِ لَهُم بذلك يهود واستضاموهم فاستغاثوا بتبع فَقَدمهَا وَذكر القتبي أَنه لم يقْصد غزوها وأنما قصد قتل الْيَهُود الَّذين كَانُوا فِيهَا وَقد قيل بل كَانَ هَذَا الْخَبَر لأبي جبيلة الغساني وَأَنه الَّذِي استصرخته الْأَوْس والخزرج على يهود وَالله أعلم وَالَّذِي رَجحه السُّهيْلي وَصَوَّبَهُ خبر أبي جبيلة الغساني فَإِن تبعا حَدِيثه أقدم من ذَلِك يُقَال كَانَ قبل الْإِسْلَام بسبعمائة عَام وَالصَّحِيح فِي اسْم أبي جبيلة جبيلة غير مكنى ابْن عَمْرو بن جبلة بن جَفْنَة وجفنة هُوَ غَلَبَة بن عَمْرو بن عَامر مَاء السَّمَاء وجبيلة هُوَ جد جبلة ابْن الْأَيْهَم آخر مُلُوك بني جَفْنَة وَمَات جبيلة الغساني من علقَة شربهَا فِي مَاء وَهُوَ منصرف عَن الْمَدِينَة وَذكر أَن تبعا أَرَادَ تخريب الْمَدِينَة واستئصال الْيَهُود فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم لَهُ مِائَتَان وَخَمْسُونَ سنة الْملك أجل من أَن يطير بِهِ نزق أَو يستخفه غضب وَأمره أعظم من أَن يضيق عَنَّا حلمه ونحرم صفحه

مَعَ أَن هَذِه الْبَلدة مهَاجر نَبِي يبْعَث بدين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ السُّهيْلي وَهَذَا الْيَهُودِيّ أحد الحبرين اللَّذين ذكر ابْن إِسْحَاق وَاسم أحد الحبرين سحيت وَالْآخر مُنَبّه ذكره قَاسم بن ثَابت فِي الدَّلَائِل وَفِي رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ وَاسم الحبر الَّذِي كلم الْملك بنيامن أَو بليامن بلام وَذكر أَن امْرَأَة اسْمهَا فكيهة من بني زُرَيْق كَانَت تحمل المَاء من بِئْر رومة بعد مَا قَالَ لَهُ الحبران مَا قَالَا وكف عَن قتال أهل الْمَدِينَة ودخلوا عسكره فَأعْطى فكيهة حَتَّى أغناها فَلم تزل هِيَ وعشيرتها من أغْنى الْأَنْصَار حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام وَلما آمن الْملك بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعلم بِخَبَرِهِ قَالَ (شهِدت على أَحْمد أَنه ... نَبِي من الله باري النسم) (فَلَو مد عمري إِلَى عمره ... لَكُنْت وزيرا لَهُ وَابْن عَم) (وجاهدت بِالسَّيْفِ أعداءه ... وفرجت عَن صَدره كل غم) قَالَ السُّهيْلي وَذكر أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي كتاب الْمعَانِي لَهُ أَن قبرا حفر بِصَنْعَاء فَوجدَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا لوح من فضَّة مَكْتُوب

بِالذَّهَب وَفِيه هَذَا قبر لميس وحبي ابْنَتي تبع ماتتا وهما تشهدان أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وعَلى ذَلِك مَاتَ الصالحون قبلهمَا وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أَدْرِي تبع لعين أم لَا وروى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تسبو تبعا فَإِنَّهُ كَانَ مُؤمنا فَإِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث الْأَخير فَإِنَّمَا هُوَ بعد مَا أعلم بِحَالهِ وَلَا نَدْرِي أَي التبابعة أَرَادَ غير أَن فِي حَدِيث معمر عَن همام بن مُنَبّه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تسبو أسعد الْحِمْيَرِي فَإِنَّهُ أول من كسا الْكَعْبَة فَهَذَا أصح من حَدِيث الأول وَأبين حَيْثُ ذكر فِيهِ أسعد وَهُوَ تبان أسعد الَّذِي تقدم ذكره وَقَالَ فِي بني النجار النجار هُوَ تيم الله بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج سمي النجار لِأَنَّهُ نجر وَجه رجل بقدوم قَالَ وَرُوِيَ نقلة الْأَخْبَار أَن تبعا لما عمد إِلَى الْبَيْت يُرِيد إخرابه رمي بداء تمخض مِنْهُ رَأسه قَيْحا وصديدا يثج ثَجًّا وأنتن حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يدنو مِنْهُ قيد الرمْح فَدَعَا بالحزاة والأطباء فَسَأَلَهُمْ عَن دائه فهالهم مَا رَأَوْا مِنْهُ وَلم يجد عِنْدهم فرجا فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ لَهُ الحبران لَعَلَّك هَمَمْت بِشَيْء فِي أَمر هَذَا الْبَيْت فَقَالَ نعم أردْت هَدمه فَقَالَا لَهُ تب إِلَى الله مِمَّا نَوَيْت فَإِنَّهُ بَيت الله وَحرمه

وأمراه بتعظيم حرمته فَفعل فبرئ من دائه وَصَحَّ من وَجَعه وأخلق بِهَذَا الْخَبَر أَن يكون صَحِيحا فَإِن الله سُبْحَانَهُ يَقُول {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} أَي وَمن يهم فِيهِ بظُلْم وَالْبَاء فِي قَوْله {بظُلْم} تدل على صِحَة الْمَعْنى وَأَن من هم فِيهِ بالظلم وَإِن لم يفعل عذب تشديدا فِي حَقه وتعظيما لِحُرْمَتِهِ وكما فعل الله بأصحاب الْفِيل أهلكهم قبل الْوُصُول إِلَى بَيته فكسا الْبَيْت الخصف جمع خصفه ينسج من الخوص والليف وَقيل ثِيَاب غِلَاظ وَقيل الْجلَال النجرانية وَقَالَ فِي كتاب الْعين الخصف لُغَة فِي الخزف والخصف بِضَم الْخَاء وَسُكُون الصَّاد هُوَ الْجَوْز قَالَه أَبُو حنيفَة ويروى أَن تبعا لما كسا الْبَيْت المسوح والأنطاع انتفض الْبَيْت فَزَالَ ذَلِك عَنهُ وَفعل ذَلِك حِين كَسَاه الخصف فَلَمَّا كَسَاه الملاء والوصائل قبلهَا الوصائل ثِيَاب يمنية وَيُقَال إِنَّهَا برود حمر فِيهَا خطوط خضر واحدتها وصيلة وَمن قَوْله حِين كسا الْبَيْت (وكسونا الْبَيْت الَّذِي حرم الله ... ملاء معضدا وبرودا) (فَأَقَمْنَا بِهِ من الشَّهْر عشرا ... وَجَعَلنَا لبابه إقليدا) (ونخرنا بِالشعبِ سِتَّة ألف ... فترى النَّاس نحوهن ورودا) (ثمَّ سرنا عَنهُ نَؤُم سهيلا ... فرفعنا لواءنا معقودا)

وَقَالَ القتبي كَانَ قصَّة تبع قبل الْإِسْلَام بسبعمائة عَام قَالَ السُّهيْلي رَحمَه الله وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي غير هَذَا الْموضع أول من كسا الْكَعْبَة الديباج الْحجَّاج وَذكر جمَاعَة سواهُ مِنْهُم الدَّارَقُطْنِيّ أَن نتيلة بنت جناب أم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَت قد أضلت الْعَبَّاس صَغِيرا فنذرت إِن وجدته أَن تكسو الْكَعْبَة الديباج فَفعلت ذَلِك حِين وجدته وَكَانَت من بَيت مملكة وَقَالَ الزبير النسابة بل أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير قَالَ السُّهيْلي الْأَقْيَال الْمُلُوك الَّذين دون التبابعة واحدهم قيل وَقد صرفُوا من القيل فعلا فَقَالُوا قَالَ علينا فلَان أَي ملك والقيالة الْإِمَارَة وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تسبيحه الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ التِّرْمِذِيّ سُبْحَانَ الَّذِي لبس الْعِزّ وَقَالَ بِهِ أَي ملك بِهِ وقهر هَكَذَا فسر الْهَرَوِيّ فِي الغريبين قَالَ وَكَانَ بِنَاء الْكَعْبَة فِي الدَّهْر خمس مَرَّات الأولى حِين بناها شِيث بن آدم وَالثَّانيَِة حِين بناها إِبْرَاهِيم على الْقَوَاعِد الأولى وَالثَّالِثَة حِين بنتهَا قُرَيْش قبل الْإِسْلَام بِخَمْسَة أَعْوَام وَالرَّابِعَة حِين احترقت فِي عهد ابْن الزبير بشرارة طارت من أبي قبيس فَوَقَعت فِي أستارها وَقيل

إِن امْرَأَة أَرَادَت أَن تجمرها فطارت شرارة من المجمر فِي الأستار فاحترقت فَهَدمهَا وبناها وَالْخَامِسَة فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان لما قتل الْحجَّاج عبد الله بن الزبير هدمها وردهَا على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغه حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حِين قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم ترى قَوْمك حِين بنوا الْكَعْبَة اقتصروا على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم حِين عجزت بهم النَّفَقَة ثمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لَوْلَا حدثان عهد قَوْمك بالجاهلية لهدمتها ولجعلت لَهَا خلفا وألصقت بَابهَا بِالْأَرْضِ وأدخلت فِيهَا الْحجر فعلى مُقْتَضى حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا بناها عبد الله بن الزبير على مَا ذكرت عَائِشَة فَقَالَ عبد الْملك وددت أَنِّي تركت ابْن الزبير وَمَا تحمل من ذَلِك فَلَمَّا ولي أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور الْخلَافَة أَرَادَ أَن يبنيها على مَا بناها ابْن الزبير فَقَالَ لَهُ مَالك بن أنس أنْشدك الله أَن تجْعَل هَذَا الْبَيْت ملعبة للملوك بعْدك لَا يَشَاء أحد أَن يُغَيِّرهُ إِلَّا غَيره فتذهب هيبته من قُلُوب النَّاس فَصَرفهُ عَن ذَلِك وَقيل إِنَّه بني فِي أَيَّام جرهم مرّة أَو مرَّتَيْنِ لِأَن السَّيْل كَانَ قد صدع حَائِطه وَلم يكن ذَلِك بنيانا على نَحْو مَا قدمْنَاهُ إِنَّمَا كَانَ إصلاحا

فصل في خبر مفتاح الكعبة

لما وَهِي مِنْهُ وجدارا بني بَينه وَبَين السَّيْل قَالَ وَكَانَت الْكَعْبَة قبل أَن يبنيها شِيث عَلَيْهِ السَّلَام خيمة من ياقوتة حَمْرَاء يطوف بهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام ويأنس بهَا لِأَنَّهَا أنزلت إِلَيْهِ من الْجنَّة فصل فِي خبر مِفْتَاح الْكَعْبَة وَإِن لم يكن من مَقْصُود الْكتاب وَإِنَّمَا أوردته لما فِيهِ من إِظْهَار معجزته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السُّهيْلي ذكر ابْن سعد فِي الطَّبَقَات عَن عُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي قَالَ كُنَّا نفتح الْكَعْبَة فِي الْجَاهِلِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَأقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا يُرِيد أَن يدْخل الْكَعْبَة مَعَ النَّاس فأغلظت لَهُ ونلت مِنْهُ فحلم عني ثمَّ قَالَ يَا عُثْمَان لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح يَوْمًا بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت فَقلت لَهُ هَلَكت قُرَيْش يَوْمئِذٍ وذلت قَالَ بل عمرت وعزت يَوْمئِذٍ وَدخل الْكَعْبَة فَوَقَعت كَلمته مني موقعا ظَنَنْت يَوْمئِذٍ أَن الْأَمر سيصير إِلَى مَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْم فتح مَكَّة وركزت رايته بالحجون عِنْد مَسْجِد الْفَتْح ونهض صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمهاجرون وَالْأَنْصَار حوله وَبَين

يَدَيْهِ وَخَلفه حَتَّى دخل الْمَسْجِد فَأقبل إِلَى الْحجر الْأسود فاستلمه ثمَّ طَاف بِالْبَيْتِ وَبِيَدِهِ قَوس وَكَانَ طَوَافه على رَاحِلَته وَلم يكن محرما يَوْمئِذٍ فاقتصر على الطّواف حول الْبَيْت وَعَلِيهِ ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ صنما فَجعل يطعنها بِالْقَوْسِ وَيَقُول {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقا} {جَاءَ الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد} والأصنام تتساقط على وجوهها وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَت مثبتة أرجلها بالرصاص وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة فَكسرت كلهَا مِنْهَا اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى ونادى مناديه بِمَكَّة من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدع فِي بَيته صنما إِلَّا كَسره قَالَ وهم فضَالة بن عُمَيْر بن الملوح أَن يقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ فَلَمَّا دنا مِنْهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضالة قَالَ فضَالة نعم يَا رَسُول الله قَالَ مَاذَا كنت تحدث بِهِ نَفسك قَالَ لَا شَيْء كنت أذكر الله فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ اسْتغْفر الله ثمَّ وضع يَده على صَدره فسكن قلبه وَكَانَ فضَالة يَقُول وَالله مَا رفع يَده عَن صَدْرِي حَتَّى مَا خلق الله شَيْئا أحب إِلَيّ مِنْهُ قَالَ فضَالة فَرَجَعت إِلَى أَهلِي فمررت بِامْرَأَة كنت أتحدث إِلَيْهَا فَقَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا وانبعث فضَالة يَقُول

(قَالَت هَلُمَّ إِلَى الحَدِيث فَقلت لَا ... يَأْبَى عَلَيْك الله وَالْإِسْلَام) (لَو قد رَأَيْت مُحَمَّدًا وقبيله ... بِالْفَتْح يَوْم تكسر الْأَصْنَام) (لرأيت دين الله أضحى بَيْننَا ... والشرك يغشى وَجهه الأظلام) ثمَّ دَعَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن طَلْحَة فَأخذ مِنْهُ مِفْتَاح الْكَعْبَة فَأمر بهَا ففتحت فَدَخلَهَا فَرَأى الصُّور فَأمر بهَا فمحيت ثمَّ صلى وَدَار فِي الْبَيْت وَكبر فِي نواحيه ووحد الله ثمَّ فتح الْبَاب وقريش قد مَلَأت الْمَسْجِد صُفُوفا ينظرُونَ مَاذَا يصنع فَأخذ بِعضَادَتَيْ الْبَاب وهم تَحْتَهُ فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ صدق وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده أَلا كل مأثرة أَو دم أَو مَال فَهُوَ تَحت قدمي هَاتين إِلَّا سدانة الْبَيْت وسقاية الْحَاج ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش إِن الله قد أذهب عَنْكُم نخوة الْجَاهِلِيَّة وتعظيمها بِالْآبَاءِ النَّاس من آدم وآدَم من تُرَاب ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة يأيها النَّاس إِنَّا خلقنكم من ذكر وَأُنْثَى الْآيَة ثمَّ قَالَ يَا معشر قُرَيْش مَا ترَوْنَ أَنِّي فَاعل بكم قَالُوا بل خيرا أَخ كريم وَابْن أَخ كريم قَالَ فَإِنِّي أَقُول لكم كَمَا قَالَ يُوسُف لإخوته {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} اذْهَبُوا فَأنْتم

الطُّلَقَاء ثمَّ قَامَ إِلَيْهِ عَليّ وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس فِي رجال من بني هَاشم ومفتاح الْكَعْبَة فِي يَده فَقَالَ يَا رَسُول الله اجْمَعْ لنا الحجابة مَعَ السِّقَايَة صلى الله عَلَيْك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن عُثْمَان بن طَلْحَة فدعى لَهُ فَقَالَ هاك مفتاحك يَا عُثْمَان الْيَوْم يَوْم بر ووفاء خذوها خالدة تالدة لَا يَنْزِعهَا مِنْكُم إِلَّا ظَالِم يَا عُثْمَان إِن الله استأمنكم على بَيته فَكُلُوا مِمَّا يصل إِلَيْكُم من هَذَا الْبَيْت بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فَلَمَّا وليت ناداني فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَ ألم يكن الَّذِي قلت لَك قَالَ فَذكرت قَوْله فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الْهِجْرَة لَعَلَّك سترى هَذَا الْمِفْتَاح بيَدي أَضَعهُ حَيْثُ شِئْت فَقلت بلَى أشهد أَنَّك رَسُول الله

ذكر إرساله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة بن الأيهم الغساني

حرف الْجِيم ذكر إرْسَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم الغساني قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم ملك غَسَّان بِالشَّام يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَكتب بِإِسْلَامِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ لم يزل مُسلما حَتَّى كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ فوطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فَلَطَمَهُ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر فَقَالَ لَهُ عمر إِمَّا أَن ترْضى الرجل وَإِمَّا أَن أقيده مِنْك قَالَ وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِيهِ قيل أسلم وَأهْدى هَدِيَّة كَمَا ذكرنَا وَقيل أَقَامَ على دينه إِلَى أَيَّام عمر ثمَّ أوقع الله الْإِسْلَام فِي قلبه فَأسلم وَقدم على عمر ثمَّ ارْتَدَّ

قَالَ السُّهيْلي قدم شُجَاع بن وهب على جبلة بن الْأَيْهَم بن الْحَارِث بن أبي شمر وَكَانَ طوله اثْنَي عشر شبْرًا وَكَانَ يمسح برجليه الأَرْض وَهُوَ رَاكب فَقَالَ لَهُ يَا جبلة إِن قَوْمك نقلوا هَذَا النَّبِي الْأُمِّي من دَاره إِلَى دَارهم يَعْنِي الْأَنْصَار فآووه ومنعوه وَأَن هَذَا الدّين الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ لَيْسَ بدين آبَائِك وَلَكِنَّك ملكت الشَّام وجاورت بهَا الرّوم وَلَو جَاوَرت كسْرَى دنت بدين الْفرس لملك الْعرَاق وَقد أقرّ بِهَذَا النَّبِي من أهل دينك من أَن فضلناه عَلَيْك لم يغضبك وَإِن فضلناك عَلَيْهِ لم يرضك فَإِن أسلمت أَطَاعَتك الشَّام وهابتك الرّوم وَإِن لم يَفْعَلُوا كَانَت لَهُم الدُّنْيَا وَلَك الْآخِرَة وَكنت قد استبدلت الْمَسَاجِد بِالْبيعِ وَالْأَذَان بالناقوس وَالْجمع بالسعانين والقبلة بالصليب وَكَانَ مَا عِنْد الله خير وَأبقى فَقَالَ لَهُ جبلة إِنِّي وَالله لَوَدِدْت أَن النَّاس اجْتَمعُوا على هَذَا النَّبِي اجْتِمَاعهم على خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَقَد سرني اجْتِمَاع قومِي لَهُ وأعجبني قَتله أهل الْأَوْثَان وَالْيَهُود واستبقاءه النَّصَارَى وَلَقَد دَعَاني قَيْصر إِلَى قتال أَصْحَابه يَوْم مُؤْتَة فأبيت عَلَيْهِ فَانْتدبَ مَالك بن نَافِلَة من سعد الْعَشِيرَة فَقتله الله وَلَكِنِّي لست أرى حَقًا يَنْفَعهُ وَلَا بَاطِلا يضرّهُ وَالَّذِي يمدني إِلَيْهِ أقوى من الَّذِي يختلجني عَنهُ وسأنظر

قَالَ صَاحب زبدة الفكرة وَلما أسلم فِي أَيَّام عمر كتب إِلَيْهِ يُخبرهُ بِإِسْلَامِهِ ويستأذنه فِي الْقدوم عَلَيْهِ فسر عمر بذلك وَأذن لَهُ فَخرج من خمسين وَمِائَتَيْنِ من أهل بَيته حَتَّى إِذا قَارب الْمَدِينَة عمد إِلَى أَصْحَابه فحملهم على الْخَيل وقلدها قلائد الْفضة وَالذَّهَب وألبسها الديباج الْحَرِير وَوضع على رَأسه تاجه وَكَانَ فِيهِ قرطا مَارِيَة جدته فَلم يبْق بكر وَلَا عانس إِلَّا خرجت تنظر إِلَيْهِ وَإِلَى زيه فَلَمَّا دخل على عمر رَضِي الله عَنهُ رحب بِهِ وَأدنى مَجْلِسه وَأقَام بِالْمَدِينَةِ مكرما فجَاء أَوَان الْحَج فَخرج عمر حَاجا وَخرج مَعَه فَبَيْنَمَا هُوَ يطوف بِالْبَيْتِ وَهُوَ محرم وطئ إزَاره رجل من بني فَزَارَة فانحل فَرفع جبلة يَده فلطم الْفَزارِيّ فهشم أَنفه فاستعدى عَلَيْهِ عمر رَضِي الله عَنهُ فَبعث إِلَى جبلة فَأَتَاهُ فَقَالَ لم هشمت أَنفه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّه تعمد حل إزَارِي وَلَوْلَا حُرْمَة الْكَعْبَة لضَرَبْت وَجهه بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ أما أَنْت فقد أَقرَرت إِمَّا أَن ترضيه وَإِلَّا أقدته مِنْك قَالَ جبلة فيصنع بِي مَاذَا قَالَ يهشم أَنْفك كَمَا فعلت بِهِ قَالَ وَكَيف ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وهوسوقة وَأَنا ملك قَالَ إِن الْإِسْلَام جمعك وإياه فلست تفضله إِلَّا بالتقى والعافية قَالَ جبلة قد ظَنَنْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنِّي أكون فِي الْإِسْلَام أعز مني فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ عمر دع عَنْك هَذَا فَإنَّك إِن لم

ترض الرجل أقدته مِنْك قَالَ إِذا أتنصر قَالَ إِن تنصرت ضربت عُنُقك لِأَنَّك قد أسلمت فَإِن ارتددت قتلتك فَلَمَّا رأى جبلة الصدْق من عمر قَالَ أمهلني اللَّيْلَة حَتَّى أنظر فَلَمَّا أَمْسوا أذن لَهُ عمر فِي الإنصراف فَلَمَّا كَانَ من اللَّيْل تحمل هُوَ وَأَصْحَابه بخيله وَرِجَاله إِلَى الشَّام فَأَصْبَحت مَكَّة مِنْهُم بَلَاقِع وَسَار على طَرِيق السَّاحِل فَلَمَّا انْتهى إِلَى الشَّام تحمل فِي خَمْسمِائَة من قومه حَتَّى أَتَوا الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَدخل على هِرقل فَتَنَصَّرَ هُوَ وَقَومه فسر بذلك هِرقل وَظن أَنه فتح من الْفتُوح عَظِيم وأقطعه مَا شَاءَ وزوجه ابْنَته وقاسمه ملكه وَجعله من سماره وَأقَام مَدِينَة قلت هِيَ جبلة مَدِينَة فِي سَاحل الشَّام بَين طرابلس واللاذقية يذكر أَن فِيهَا قبر إِبْرَاهِيم بن أدهم دَخَلتهَا فِي عَام تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ إِن عمر رَضِي الله عَنهُ كتب كتابا إِلَى هِرقل فِي أَمر يخص الْمُسلمين وَبعث بِهِ مَعَ رَسُول إِلَيْهِ قيل إِن اسْمه جثامة بن مساحق الْكِنَانِي فَلَمَّا قدم الرَّسُول على هِرقل أجَاب بِمَا أَرَادَ عمر فَلَمَّا عزم الرَّسُول على الرُّجُوع قَالَ لَهُ هِرقل هَل لقِيت ابْن عمك جبلة قَالَ

لَا قَالَ فالقه قَالَ فَأتيت بَاب جبلة فَرَأَيْت عَلَيْهِ من الْبَهْجَة والخدم مَا لم أره على بَاب الْملك فاستأذنت عَلَيْهِ فَأذن لي فَلَمَّا دخلت قَامَ فاعتنقني وعاتبني فِي ترك النُّزُول عَلَيْهِ وَإِذا هُوَ فِي بهو عَظِيم قَالَ الْجَوْهَرِي البهو الْبَيْت الْمُقدم أَمَام الْبيُوت على سَرِير من ذهب وَحَوله من التماثيل مَا لَا أحسن أصفه وَإِذا هُوَ أصهب ذُو سبال وَقد ذَر الذَّهَب فِي لحيته ثمَّ أَمرنِي أَن أَجْلِس على كرْسِي من ذهب فأبيت وَقلت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا أَن نجلس على مثل هَذَا ثمَّ سَأَلَني عَن عمر رَضِي الله عَنهُ وَعَن الْمُسلمين والطف فِي الْمَسْأَلَة وألحف فِي السُّؤَال وَظهر على وَجهه آثَار الْحزن قلت فَمَا يمنعك من الرُّجُوع إِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ هَيْهَات هَيْهَات بعد الَّذِي كَانَ قلت نعم ارْتَدَّ الْأَشْعَث بن قيس وجالدهم بِالسُّيُوفِ وَمنع الزَّكَاة ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام وزوجه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أُخْته فَقَالَ دع عَنْك هَذَا وَأَوْمَأَ إِلَى وصيف على رَأسه فولى وَحضر فَمَا شعرنَا إِلَّا بالصناديق تحملهَا الرِّجَال وَوضعت أمامنا مائدة من ذهب فَقلت لَا آكل عَلَيْهَا فَوضعت أَمَامِي مائدة من خلنج ومالوا علينا بالحار والبارد فِي صحاف الذَّهَب وَالْفِضَّة ودارت الْخمر فاستعففت وَغسل يَده فِي طست من ذهب ثمَّ أَشَارَ إِلَى وصيف آخر فولي فَمَا كَانَ بأسرع من أَن أقبل عشر جوَار فَقعدَ خمس عَن يَمِينه وَخمْس عَن يسَاره على كراسي الذَّهَب

وَأَقْبَلت جَارِيَة وَفِي يَدهَا الْيُمْنَى جَام من ذهب فِيهِ طَائِر أَبيض وَفِي الْجَام مسك وَعَنْبَر سحيقان وَفِي يَدهَا الْأُخْرَى جَام آخر لم أر مثله فتقرب الطَّائِر فتقلب فِي الْجَام ثن انْتقل إِلَى الْجَام الآخر ثمَّ طَار فَسقط على صَلِيب فِي تَاج جبلة ثمَّ حرك جناحيه فنثر ذَلِك الْمسك على رَأس جبلة ولحيته ثمَّ شرب أقداحا واستهل واستبشر ثمَّ قَالَ للجواري أطربنني فحفقن بعيدانهن واندفعن يغنين هَذِه الأبيات (لله در عِصَابَة نادمتهم ... يَوْمًا بجلق فِي الزَّمَان الأول) (أَوْلَاد جَفْنَة حول قبر أَبِيهِم ... قبر ابْن مَارِيَة الْكَرِيم الْمفضل) (يسقون من ورد البريض عَلَيْهِم ... بردي يصفق بالرحق السلسل) (بيض الْوُجُوه كَرِيمَة أحسابهم ... شم الأنوف من الطّراز الأول) (يغشون حَتَّى مَا تهر كلابهم ... لَا يسْأَلُون عَن السوَاد الْمقبل) فطرب ثمَّ قَالَ أتعرف هَذَا الشّعْر لمن هُوَ قلت لَا قَالَ لحسان بن ثَابت قَالَه فِينَا وَفِي ملكنا قلت نعم إِنَّه لشيخ كَبِير ضَرِير ثمَّ قَالَ أطربنني فغنين (لمن الدَّار أقفرت بمعان ... بَين فرع اليرموك فالخمان)

(ذَاك مغنى لآل جَفْنَة فِي الدَّهْر محاه تعاقب الْأَزْمَان ... ) قَالَ الْبكْرِيّ خمان نَاحيَة بالبثنية من أَرض الشَّام ثمَّ قَالَ للجواري أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن (تنصرت الْأَشْرَاف من عَار لطمة ... وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صبرت لَهَا ضَرَر) (تكنفني فِيهَا لجاج ونخوة ... وبعت بهَا الْعين الصَّحِيحَة بالعور) (فيا لَيْت أُمِّي لم تلدني وليتني ... رجعت إِلَى القَوْل الَّذِي قَالَه عمر) (وَيَا لَيْتَني أرعى الْمَخَاض بقفرة ... وَكنت أَسِيرًا فِي ربيعَة أَو مُضر) (وَيَا لَيْت لي بِالشَّام أدنى معيشة ... أجالس قومِي ذَاهِب السّمع وَالْبَصَر) (أديني بِمَا دانوا بِهِ من شَرِيعَة ... وَقد يصبر الْعود الْكَبِير على الدبر) وَانْصَرف الْجَوَارِي وَوضع كمه على وَجهه وَبكى حَتَّى نظرت إِلَى دُمُوعه تجول على خديه كَأَنَّهَا اللُّؤْلُؤ الرطب وبكيت مَعَه حَتَّى رَحمته قَالَ يَا جَارِيَة هَاتِي خَمْسمِائَة دِينَار هِرَقْلِيَّة فَجَاءَت بهَا فَقَالَ خُذْهَا لَك صلَة فَقلت لَا وَالله لَا لأقبل صلَة رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام

تفسير ما في الشعر من الغريب

فَقَالَ اقْرَأ على عمر مني السَّلَام قَالَ فَلَمَّا قفلت على عمر رَضِي الله عَنهُ ذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ قَاتله الله بَاعَ بَاقِيا بفان تَفْسِير مَا فِي الشّعْر من الْغَرِيب قَوْله عِصَابَة قَالَ الْجَوْهَرِي الْعِصَابَة الْجَمَاعَة من الْخَيل وَالنَّاس وَالطير والعصبة من الرِّجَال مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين وَقَوله بجلق قَالَ الْبكْرِيّ جلق بِكَسْر أَوله وثانيه وتشديده مَوضِع بِالشَّام مَعْرُوف وَرُوِيَ بِفَتْح اللَّام ومارية تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ عِنْد ذكر الْمُقَوْقس قَوْله البريض قَالَ الْجَوْهَرِي التبرض التبلغ بالعيش وتبرضت الشَّيْء إِذا أَخَذته قَلِيلا والبرض الْقَلِيل يُقَال مَاء برض أَي قَلِيل قَوْله يصفق قَالَ ابْن فَارس صفق الشَّرَاب حوله من إِنَاء إِلَى إِنَاء وصفق الْإِبِل إِذا حولهَا من مرعى إِلَى مرعى قَوْله بالرحيق قَالَ الْجَوْهَرِي الرَّحِيق صفوة الْخمر قَوْله السلسل قَالَ الْجَوْهَرِي تسلسل المَاء فِي الْحَوْض جرى وَمَاء سلسل وسلسال سهل الدُّخُول فِي الْحلق لعذوبته وصفائه قَوْله شم الأنوف قَالَ الْجَوْهَرِي الشمم

ارْتِفَاع فِي قَصَبَة الْأنف مَعَ اسْتِوَاء أَعْلَاهُ فَإِن كَانَ فِيهَا احديداب فَهُوَ القنا وَرجل أَشمّ الْأنف وجبل أَشمّ أَي طَوِيل الرَّأْس بَين الشمم فيهمَا أَبُو عَمْرو أَشمّ الرجل يشم إشماما وَهُوَ أَن يمر رَافعا رَأسه قَوْله من الطّراز الأول قَالَ الْجَوْهَرِي الطّراز الْهَيْئَة وَاسْتشْهدَ بِبَيْت حسان قَوْله اليرموك قَالَ الْبكْرِيّ اليرموك حَيْثُ التقى جمع الرّوم الْأَعْظَم والمسلمون وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ مَعْرُوف بِالشَّام قَوْله فالصمان قَالَ الْبكْرِيّ الصمان بِفَتْح أَوله وَتَشْديد ثَانِيه على وزن فعلان هُوَ جبل على طَرِيق الْبَصْرَة لمن أَرَادَ مَكَّة لَيْسَ لَهُ ارْتِفَاع سمي الصمان لصلابته قَوْله وَقد يصبر الْعود قَالَ الْجَوْهَرِي الْعود المسن من الْإِبِل وَهُوَ الَّذِي جَاوز فِي سنه البازل والمخلف وَجمعه عودة وَفِي الْمثل إِن جرجر الْعود فزده ثقلا وَيُقَال زاحم بِعُود أَو دع أَي اسْتَعِنْ على حربك بِأَهْل السن والمعرفة فَإِن رأى الشَّيْخ خير من مشْهد الْغُلَام وَالْعود أَيْضا الطَّرِيق الْقَدِيم وَقَالَ (عود على عود لأقوام أول ... ) أَي بعير مسن على طَرِيق قديم

وَعَن عبد الله بن مسْعدَة الْفَزارِيّ قَالَ بَعَثَنِي مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان إِلَى ملك الرّوم فَدخلت عَلَيْهِ فَإِذا عِنْده رجل على سَرِير من ذهب فكلمني فَقلت من أَنْت فَقَالَ رجل غلب عَلَيْهِ الشَّقَاء أَنا جبلة بن الْأَيْهَم الغساني إِذا صرت إِلَى منزلي فالحقني قَالَ فَأَتَيْته قَالَ أَتَرَى صَاحبك يبْقى لي إِن رجعت إِلَيْهِ قَالَ قلت اشْترط مَا شِئْت قَالَ يعطيني البثنية فَإِنَّهَا كَانَت مَنَازلنَا وَعشْرين قَرْيَة من قرى الغوطة وَيحسن جوارنا وجوائزنا ويفرض لجماعتنا قَالَ الْبكْرِيّ البثنية مَعْرُوفَة بَين كور دمشق والبثنة والبثنة الأَرْض السهلة وَبِذَلِك سميت الْمَرْأَة بثينة قَالَ عبد الله فَلَمَّا قدمت على مُعَاوِيَة أخْبرته فَكتب إِلَيْهِ يجِيبه إِلَى مَا سَأَلَ فأدركه الرَّسُول قد مَاتَ وَقيل إِن الرَّسُول الَّذِي بَعثه مُعَاوِيَة إِلَى ملك الرّوم تَمِيم ابْن بشر بن الْبَراء بن معْرور الْأنْصَارِيّ وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه قَالَ حاصر الْمُسلمُونَ مَدِينَة من مَدَائِن الرّوم وَكَانَ جبلة فِيهَا فَاطلع عَلَيْهِم وَقَالَ أفيكم أحد من أهل الْمَدِينَة

من الْأَنْصَار قَالَ رجل نعم قَالَ فَمَا فعل بِحسان بن ثَابت قَالَ تركته وَقد كف بَصَره فَرمى بصرة فِيهَا ألف دِينَار وَقَالَ احملها إِلَيْهِ فَإِن وجدته حَيا فأقرئه مني السَّلَام وادفعها إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قد مَاتَ فانثرها على قَبره فَقدم الرجل الْمَدِينَة فَأتى حسانا فَقَالَ لَهُ إِنِّي لأجد مِنْك ريح آل جَفْنَة فَأخْبرهُ الْخَبَر فَقَالَ حسان وددت أَنَّك وجدتني مَيتا فنثرتها على قَبْرِي وَأَعْطَاهُ نصفهَا وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي كتاب الطَّبَقَات الْكَبِير وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جبلة بن الْأَيْهَم ملك غَسَّان يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَكتب بِإِسْلَامِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ هَدِيَّة ثمَّ لم يزل مُسلما حَتَّى كَانَ فِي زمن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي سوق دمشق إِذْ وطئ رجلا من مزينة فَوَثَبَ الْمُزنِيّ فَلَطَمَهُ وَأخذ فَانْطَلق بِهِ إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح فَقَالُوا هَذَا لطم جبلة قَالَ فليلطمه قَالُوا وَمَا يقتل قَالَ لَا يقتل فَقَالُوا فَمَا تقطع يَده قَالَ

تفسير ما في هذا الخبر

لَا إِنَّمَا أَمر الله تَعَالَى بالقود قَالَ جبلة أَتَرَوْنَ أَنِّي جَاعل وَجْهي ندا لوجه جدي جَاءَ من عمق بئس الدّين هَذَا ثمَّ ارْتَدَّ نَصْرَانِيّا وترحل بقَوْمه حَتَّى دخل أَرض الرّوم فَبلغ ذَلِك عمر رَضِي الله عَنهُ فشق عَلَيْهِ وَقَالَ لحسان بن ثَابت أَبَا الْوَلِيد أما علمت أَن صديقك جبلة بن الْأَيْهَم ارْتَدَّ نَصْرَانِيّا قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون وَلم قَالَ لطمه رجل من مزينة قَالَ وَحقّ لَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر بِالدرةِ فَضَربهُ بهَا تَفْسِير مَا فِي هَذَا الْخَبَر قَوْله ندا قَالَ الْجَوْهَرِي الند بِالْكَسْرِ الْمثل والنظير وَكَذَلِكَ النديد قَوْله لوجه جدي قَالَ الْجَوْهَرِي الجدي من ولد الْمعز والجادي السَّائِل الْعَافِي وأجداه أعطَاهُ الجدوي وَقَوله جَاءَ من عمق قَالَ العمق الفخ والوادي والعمق والعمق أَيْضا مَا بعد من أَطْرَاف المفاوز والعمق بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم منزل بطرِيق مَكَّة وَلَعَلَّه الَّذِي أَرَادَ جبلة قَالَ الْبكْرِيّ عمق بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه مَاء بِبِلَاد مزينة من أَرض الْحجاز وَكَانَ بِهِ بعض حروب بكر وتغلب وَذكر شواهده من شعر الْعَرَب قَالَ والعمق بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه منزل بطرِيق مَكَّة والعمق بِالْألف وَاللَّام عمق

ذكر مكاتباته صلى الله عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان

أنطاكية وَهُوَ مَوضِع تصب إِلَيْهِ مياه كَثِيرَة لَا يجِف إِلَّا فِي الصَّيف ذكر مكاتباته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَيْفَر وَعبد ابْني الجلندي ملكي عمان قَالَ صَاحب كتاب الْهدى المحمدي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكتب إِلَى ملكي عمان وَبَعثه مَعَ عَمْرو بن العَاصِي بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى جَيْفَر وَعبد ابْني الجلندي سَلام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِنِّي أدعوكما بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام أسلما تسلما فَإِنِّي رَسُول الله إِلَى النَّاس كَافَّة لأنذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين وإنكما إِن أقررتما بِالْإِسْلَامِ وليتكما وَإِن أبيتما أَن تقرا بِالْإِسْلَامِ فَإِن ملككما زائل

عنكما وخيلي تحل بساحتكما وَتظهر نبوتي فِي ملككما وَكتب أبي بن كَعْب وَختم الْكتاب قَالَ عَمْرو فَخرجت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى عمان فَلَمَّا قدمتها عَمَدت إِلَى عبد وَكَانَ أحلم الرجلَيْن وأسهلهما خلقا فَقلت إِنِّي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْك وَإِلَى أَخِيك فَقَالَ أخي الْمُقدم عَليّ بِالسِّنِّ وَالْملك وَأَنا أوصلك إِلَيْهِ حَتَّى يقْرَأ كتابك ثمَّ قَالَ وَمَا تدعوا إِلَيْهِ قلت أَدْعُوك إِلَى الله وَحده لَا شريك لَهُ وتخلع مَا عبد من دونه وَتشهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قَالَ يَا عَمْرو إِنَّك ابْن سيد قَوْمك وَقد تقدم كَلَامه مَعَه عِنْد ذكر النَّجَاشِيّ إِلَى قَوْله فَأَخْبرنِي مَا الَّذِي يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ قلت يَأْمر بِطَاعَة الله عز وَجل وَينْهى عَن مَعْصِيَته وَيَأْمُر بِالْبرِّ وصلَة الرَّحِم وَينْهى عَن الظُّلم والعدوان وَعَن الزِّنَا وَشرب الْخمر وَعَن عبَادَة الْحجر والوثن والصليب قَالَ مَا أحسن هَذَا الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ لَو كَانَ أخي يتابعني لركبنا حَتَّى نؤمن بِمُحَمد ونصدق بِهِ وَلَكِن أخي أضن بِملكه من أَن يَدعه وَيصير ذَنبا قلت إِنَّه إِن أسلم ملكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قومه فَأخذ

الصَّدَقَة من غنيهم فَردهَا على فقيرهم قَالَ إِن هَذَا لخلق حسن وَمَا الصَّدَقَة فَأَخْبَرته بِمَا فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصَّدقَات فِي الْأَمْوَال حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى الْإِبِل قَالَ يَا عَمْرو وَتُؤْخَذ من سوائم مواشينا الَّتِي ترعى الشّجر وَترد الْمِيَاه فَقلت نعم فَقَالَ وَالله مَا أرى قومِي فِي بعد دَارهم وَكَثْرَة عَددهمْ يطيعون بِهَذَا قَالَ فَمَكثت بِبَابِهِ أَيَّامًا وَهُوَ يصل إِلَى أَخِيه فيخبره كل خبري ثمَّ إِنَّه دَعَاني يَوْمًا فَدخلت عَلَيْهِ فَأخذ أعوانه بضبعي فَقَالَ دَعوه فَأرْسلت فَذَهَبت لأجلس فَأَبَوا أَن يدعوني أَجْلِس فَنَظَرت إِلَيْهِ فَقَالَ تكلم بحاجتك فَدفعت إِلَيْهِ الْكتاب مَخْتُومًا ففض خَاتمه وقرأه حَتَّى انْتهى إِلَى آخِره ثمَّ دَفعه إِلَى أَخِيه فقرأه مثل قِرَاءَته إِلَّا أَنِّي رَأَيْت أَخَاهُ أرق مِنْهُ قَالَ أَلا تُخبرنِي عَن قُرَيْش كَيفَ صنعت فَقلت تبعوه إِمَّا رَاغِب فِي الدّين وَإِمَّا مقهور بِالسَّيْفِ قَالَ وَمن مَعَه قلت النَّاس قد رَغِبُوا فِي الْإِسْلَام واختاروه على غَيره وَعرفُوا بعقولهم مَعَ هدى الله إيَّاهُم أَنهم كَانُوا فِي ضلال فَمَا أعلم أحدا بَقِي غَيْرك فِي هَذِه الخرجة وَأَنت إِن لم تسلم الْيَوْم وتتبعه يوطئك الْخَيل ويبيد خضرأك فَأسلم تسلم ويستعملك على قوم

وَلَا تدخل عَلَيْك الْخَيل وَالرِّجَال قَالَ دَعْنِي يومي هَذَا وارجع إِلَيّ غَدا فَرَجَعت إِلَى أَخِيه فَقَالَ يَا عَمْرو إِنِّي لأرجو أَن يسلم إِن لم يضن بِملكه حَتَّى إِذا كَانَ الْغَد أتيت إِلَيْهِ فَأبى أَن يَأْذَن لي فَانْصَرَفت إِلَى أَخِيه فَأَخْبَرته أَنِّي لم أصل إِلَيْهِ فأوصلني إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي فَكرت فِيمَا دعوتني إِلَيْهِ فَإِذا أَنا أَضْعَف الْعَرَب إِن ملكت رجلا مَا فِي يَدي وَهُوَ لَا تبلغ خيله هَهُنَا وَإِن بلغت خيله ألفت قتالا لَيْسَ كقتال من لَاقَى قلت وَأَنا خَارج غَدا فَلَمَّا أَيقَن بمخرجي خلا بِهِ أَخُوهُ فَقَالَ مَا نَحن فِيمَا ظهر عَلَيْهِ وكل من أرسل إِلَيْهِ قد أَجَابَهُ فَأصْبح فَأرْسل إِلَيّ فَأجَاب إِلَى الْإِسْلَام هُوَ وَأَخُوهُ جَمِيعًا وصدقا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخليا بيني وَبَين الصَّدَقَة وَبَين الحكم فِيمَا بَينهم وَكَانَا لي عونا على من خالفني ذكر ابْن سعد هَذَا الْخَبَر وَزَاد فِيهِ فَأخذت الصَّدَقَة من أغنيائهم فرددتها فِي فقرائهم وَلم أزل مُقيما بَينهم حَتَّى بلغنَا وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن سعد فِي أَوله بعث عَمْرو بن الْعَاصِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وروى أَبُو عبيد فِي كتاب الْأَمْوَال قَالَ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُحَمَّد النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعباد الله

الأسبذيين مُلُوك عمان وآسد عمان من كَانَ مِنْهُم بِالْبَحْرَيْنِ إِنَّهُم إِن آمنُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وأطاعوا الله وَرَسُوله وأعطوا حق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسكوا نسك الْمُسلمين فَإِنَّهُم آمنون وَإِن لَهُم مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ غير أَن مَال بَيت النَّار ثنيا لله وَرَسُوله وَإِن عشور التَّمْر صَدَقَة وَنصف عشور الْحبّ وَإِن للْمُسلمين نَصرهم ونصحهم وَإِن لَهُم على الْمُسلمين مثل ذَلِك وَإِن لَهُم أرحاءهم يطحنون بهَا مَا شاؤا قَالَ أَبُو عبيد بَعضهم يرويهِ لعباد الله الأسديين أَرَادَ إسما أعجميا نسبهم إِلَيْهِ قَالَ وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم نسبوا إِلَى عبَادَة فرس وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أسب فنسبوا إِلَيْهِ وَهُوَ قوم من الْفرس وَفِي رِوَايَة من الْعَرَب وَذَلِكَ أَنه قد كَانَ بهَا عرب وَيجوز أَن يكون الْكتاب لهَؤُلَاء وَهَؤُلَاء قَالَ السُّهيْلي فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن الْعَاصِ يَا جلندي إِنَّك وَإِن كنت منا بَعيدا فَإنَّك من الله غير بعيد إِن الَّذِي تفرد بخلقك أهل أَن

ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم لجنادة الأزدي وقومه

تفرده بعبادتك وَأَن لَا تشرك بِهِ من لم يشركهُ فِيك وَاعْلَم أَنه يُمِيتك الَّذِي أحياك ويعيدك الَّذِي بدأك فَانْظُر فِي هَذَا النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي جَاءَ بالدنيا وَالْآخِرَة فَإِن كَانَ يُرِيد بِهِ أجرا فامنعه أَو يمِيل بِهِ هوى فَدَعْهُ ثمَّ انْظُر مَا يجِئ بِهِ هَل يشبه مَا يجِئ بِهِ النَّاس فَإِن كَانَ يُشبههُ فسله العيان وتخبر عَلَيْهِ فِي الْخَبَر وَإِن كَانَ لَا يُشبههُ فاقبل مَا قَالَ وخف مَا وعد قَالَ الجلندي إِنَّه وَالله لقد دلَّنِي على هَذَا النَّبِي الْأُمِّي أَنه لَا يَأْمر بِخَير إِلَّا كَانَ أول من أَخذ بِهِ وَلَا ينْهَى عَن شَرّ إِلَّا كَانَ أول تَارِك لَهُ وَأَنه يغلب فَلَا يبطر ويغلب فَلَا يضجر وَأَنه يَفِي بالعهد وينجز الْمَوْعُود وَأَنه لَا يزَال سر قد اطلع عَلَيْهِ يُسَاوِي فِيهِ أَهله وَأشْهد أَنه نَبِي ذكر كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجنادة الْأَزْدِيّ وَقَومه قَالَ ابْن سعد وَكتب كتابا لجنادة الْأَزْدِيّ وَقَومه وَمن تبعه مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وأطاعوا الله وَرَسُوله وأعطوا من الْمَغَانِم خمس الله وَسَهْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفارقوا الْمُشْركين فَإِن لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة مُحَمَّد بن عبد الله وَكتب أبي

ومنهم جفينة النهدي

وَمِنْهُم جفينة النَّهْدِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر كتب إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرقع بكتابه الدَّلْو ثمَّ أَتَى بعد مُسلما وَمِنْهُم جُزْء بن عمر العذري قَالَ ابْن عبد الْبر يُقَال جرو قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب لَهُ كتابا

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم من الملوك الحارث بن أبي شمر الغساني

حرف الْحَاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُلُوك الْحَارِث بن أبي شمر الغساني وَكَانَ بِدِمَشْق فَكتب إِلَيْهِ كتابا مَعَ شُجَاع بن وهب مرجعه من الْمَدِينَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر سَلام على من اتبع الْهدى وآمن بِهِ وَصدق وَإِنِّي أَدْعُوك إِلَى أَن تؤمن بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ يبْقى لَك ملكك قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ روى الْوَاقِدِيّ عَن أشياخه قَالُوا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُجَاع بن وهب الْأَسدي إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام وَكتب مَعَه كتابا قَالَ شُجَاع فانتهيت إِلَيْهِ وَهُوَ بغوطة دمشق مَشْغُول بتهيئة الْإِنْزَال والإلطاف لقيصر وَهُوَ جَاءَ من حمص إِلَى

إيلياء فأقمت على بَابه يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَقلت لحاجبه إِنِّي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تصل إِلَيْهِ حَتَّى يخرج فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وَجعل حَاجِبه وَكَانَ روميا يسألني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكنت أحدثه عَن صفته وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فيرق حَتَّى يغلبه الْبكاء وَيَقُول إِنِّي قَرَأت الْإِنْجِيل فأجد صفة هَذَا النَّبِي ونعته وَأَنا أومن بِهِ وأصدقه وأخاف من الْحَارِث أَن يقتلني وَكَانَ يكرمني وَيحسن ضيافتي وَخرج الْحَارِث يَوْمًا فَجَلَسَ وَوضع التَّاج على رَأسه فَأذن لي عَلَيْهِ فَدفعت إِلَيْهِ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقرأه ثمَّ رمى بِهِ فَقَالَ من ينْزع مني ملكي أَنا سَائِر إِلَيْهِ زَاد ابْن سعد وَلَو كَانَ بِالْيمن جِئْته عَليّ بِالنَّاسِ فَلم يزل يعرض حَتَّى قَامَ وَأمر بالخيول تنعل ثمَّ قَالَ أخبر صَاحبك بِمَا ترى وَكتب إِلَى قَيْصر يُخبرهُ خبري وَمَا عزم عَلَيْهِ فَكتب إِلَيْهِ قَيْصر أَن لَا تسر إِلَيْهِ واله عَنهُ وائتنى بايلياء فَلَمَّا جَاءَ جَوَاب كِتَابه دَعَاني فَقَالَ مَتى تُرِيدُ أَن تخرج إِلَى صَاحبك فَقلت غَدا فَأمرنِي بِمِائَة مِثْقَال ذَهَبا ووصلني حَاجِبه بِنَفَقَة وَكِسْوَة وَقَالَ اقْرَأ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام فَقدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ باد ملكه زَاد ابْن سعد وَأَقْرَأْته من مرى السَّلَام وَهُوَ الْحَاجِب وأخبرته بِمَا قَالَ فَقَالَ

وممن كتب إليه من الملوك الحارث بن عبد كلال

رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدق وَمَات الْحَارِث بن أبي شمر عَام الْفَتْح وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ من الْمُلُوك الْحَارِث بن عبد كلال قَالَ مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَات عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَارِث ومسروح ونعيم بن عبد كلال من حمير سلم أَنْتُم مَا آمنتم بِاللَّه وَرَسُوله وَإِن الله وَحده لَا شريك لَهُ بعث مُوسَى بآياته وَخلق عِيسَى بكلماته قَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النصاري الله ثَالِث ثَلَاثَة عِيسَى ابْن الله قَالَ وَبعث بِالْكتاب مَعَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي وَقَالَ إِذا جِئْت أَرضهم فَلَا تدخلن لَيْلًا حَتَّى تصبح ثمَّ تطهر فَأحْسن طهورك وصل رَكْعَتَيْنِ وسل الله النجاح وَالْقَبُول واستعذ بِاللَّه وَخذ كتابي بيمينك وادفعه بيمينك فِي أَيْمَانهم فانهم قابلون واقرأ عَلَيْهِم {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} فَإِذا فرغت مِنْهَا فَقل آمن بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ فَلَنْ تَأْتِيك حجَّة

إِلَّا دحضت وَلَا كتاب زخرف إِلَّا ذهب نوره وهم قارئون عَلَيْك فَإِذا رطنوا فَقل ترجمو وَقل حسبي الله آمَنت بِمَا أنزل الله من كتب وَأمرت لأعدل بَيْنكُم الله رَبنَا وربكم لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم الله يجمع بَيْننَا وَإِلَيْهِ الْمصير فاذا أَسْلمُوا فسلهم قضبهم الثَّلَاثَة الَّتِي إِذا حَضَرُوا بهَا سجدوا وَهِي من الأثل قضيب ملمع ببياض وصفرة وقضيب ذُو عجر كَأَنَّهُ خيزران والأسد البهيم كَأَنَّهُ من ساسم ثمَّ أخرجهَا فحرقها بسوقهم قَالَ عَيَّاش فَخرجت أفعل مَا أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا دخلت إِذا النَّاس قد لبسوا زينتهم قَالَ فمررت لأنظر إِلَيْهِم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى ستور عِظَام على أَبْوَاب دور ثَلَاث فَكشفت الستور وَدخلت الْبَاب الْأَوْسَط فانتهيت إِلَى قوم فِي قاعة الدَّار فَقلت أَنا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفعلت مَا أَمرنِي فقبلوا وَكَانَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السُّهيْلي وَأما الْمُهَاجِرين أبي أُميَّة فَقدم على

الْحَارِث ابْن عبد كلال فَقَالَ لَهُ يَا حَارِث إِنَّك كنت أول من عرض عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه فخطئت عَنهُ وَأَنت أعظم الْمُلُوك قدرا فَإِذا نظرت فِي غَلَبَة الْمُلُوك فَانْظُر فِي غَالب الْمُلُوك فَإِذا سرك يَوْمك فخف غدك وَقد كَانَ قبلك مُلُوك ذهبت آثارها وَبقيت أَخْبَارهَا عاشوا طَويلا وأملوا بَعيدا وتزودوا قَلِيلا مِنْهُم من أدْركهُ الْمَوْت وَمِنْهُم من أَكلته النقم وَإِنِّي أَدْعُوك إِلَى الرب الَّذِي إِن أردْت الْهدى لم يمنعك وَإِن أرادك لم يمنعهُ مِنْك أحد وأدعوك إِلَى النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْء أحسن مِمَّا يَأْمر بِهِ وَلَا أقبح مِمَّا يُنْهِي عَنهُ وَأعلم أَن لَك رَبًّا يُمِيت الْحَيّ ويحيي الْمَيِّت وَيعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور فَقَالَ الْحَارِث قد كَانَ هَذَا النَّبِي عرض نَفسه عَليّ فخطئت عَنهُ وَكَانَ ذخْرا لمن صَار إِلَيْهِ وَكَانَ أمره أمرا بسق فحضره الْيَأْس وَغَابَ عَنهُ الطمع وَلم يكن لي قرَابَة أحتمله عَلَيْهَا وَلَا لي فِيهِ هوى أتبعه لَهُ غير أَنِّي أرى أمرا لم يوسوسه الْكَذِب وَلم يسْندهُ الْبَاطِل لَهُ بَدْء سَار وعاقبة نافعة وسأنظر قَوْله أمرا بسق أَي علا يُقَال بسق فلَان على أَصْحَابه أَي علاهم الوسواس حَدِيث النَّفس قَالَه الْجَوْهَرِي

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم خالد بن ضماد الأزدي

حرف الْخَاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن ضماد الْأَزْدِيّ قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخَالِد بن ضماد الْأَزْدِيّ إِن لَهُ مَا أسلم عَلَيْهِ من أرضه على أَن يُؤمن بِاللَّه لَا شريك لَهُ وَيشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وعَلى أَن يُقيم الصَّلَاة وَيُؤْتى الزَّكَاة ويصوم شهر رَمَضَان ويحج الْبَيْت وَلَا يؤوي مُحدثا وَلَا يرتاب وعَلى أَن ينصح لله وَلِرَسُولِهِ وعَلى أَن يحب أحباء الله وَيبغض أَعدَاء الله وعَلى مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمنعهُ مِمَّا يمْنَع مِنْهُ نَفسه وَمَاله وَأَهله وَأَن لخَالِد الْأَزْدِيّ ذمَّة الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن وفى بِهَذَا وَكتب أبي

وممن كتب إليه ربيعة الحضرمي

حرف الرَّاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ ربيعَة الْحَضْرَمِيّ قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِرَبِيعَة بن ذِي مرحب الْحَضْرَمِيّ وَإِخْوَته وأعمامه ان لَهُم أَمْوَالهم ونحلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشراجهم بحضرموت الشرج مسيل مَاء من الْحرَّة إِلَى السهل وَالْجمع شراج وشروج وشرج الْوَادي منفسحه وَالْجمع أشراج قَالَه الْجَوْهَرِي وكل مَال لآل ذِي مرحب وَإِن كل رهن بأرضهم يحْسب ثمره وسدره وقضبه من رَهنه الَّذِي هُوَ فِيهِ القضب الرّطبَة من القت وَهُوَ نوع من الْعلف للدواب يقطع والقضب الْقطع وَإِن كل مَا كَانَ فِي ثمارهم من خير فَإِنَّهُ لَا يسْأَله أحد عَنهُ وَأَن الله وَرَسُوله بُرَآء مِنْهُ وان نصر آل ذِي

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيبي

مرحب على جمَاعَة الْمُسلمين وان أَرضهم بريئة من الْجور وان أَمْوَالهم وأنفسهم زَافِر حَائِط الْملك الَّذِي كَانَ يسيل إِلَى آل قيس وان الله وَرَسُوله جَار على ذَلِك وَكتب مُعَاوِيَة وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رِفَاعَة بن زيد الجذامي ثمَّ الضبيبي قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحُدَيْبِيَة هدنة قبل خَيْبَر رِفَاعَة بن زيد الجذامي ثمَّ الضبيبي فأهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما قَالَ ابْن الْبر غُلَاما أسود الْمُسَمّى بمدعم الْمَقْتُول بِخَيْبَر وَأسلم رِفَاعَة وَحسن أسلامه وَكتب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا إِلَى قومه وَفِي كِتَابه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لِرفَاعَة بن زيد اني بعثته إِلَى قومه عَامَّة وَمن دخل فيهم يَدعُوهُم إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله فَمن أقبل مِنْهُم فَفِي حزب الله وحزب رَسُوله وَمن أدبر فَلهُ أَمَان شَهْرَيْن

فَلَمَّا قدم رِفَاعَة على قومه أجابوا وَأَسْلمُوا ثمَّ سَار إِلَى الْحرَّة حرَّة الرجلاء فنزلها حرَّة الرجلاء بِفَتْح أَوله مَمْدُود فِي ديار جذام قَالَه الْبكْرِيّ قَالَ ابْن عبد الْبر أهل النّسَب يَقُولُونَ الضيني من بني ضين بالنُّون من جذام

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم زرعة من أقيال حضرموت

حرف الزَّاي وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زرْعَة من أقيال حَضرمَوْت قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أقيال حَضرمَوْت وعظمائهم كتب إِلَى زرْعَة وقهد والبسي والبحيري وَعبد كلال وَرَبِيعَة وَحجر وَقد مدح الشَّاعِر بعض أقيالهم فَقَالَ (أَلا إِن خير النَّاس كلهم قهد ... وَعبد كلال خير سَائِرهمْ بعد) وَقَالَ آخر يمدح زرْعَة (أَلا إِن خير النَّاس بعد مُحَمَّد ... لزرعة إِن كَانَ الْبُحَيْرِي أسلما)

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم ذو الكلاع الحميري سميفع

حرف السِّين وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذُو الكلاع الْحِمْيَرِي سميفع قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ ذُو الكلاع من مُلُوك الطَّائِف واسْمه سميفع بن حَوْشَب وَكَانَ قد استعلى على ربه وَادّعى الربوبية فكاتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَد جرير بن عبد الله البَجلِيّ وَمَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل عود جرير وَأقَام ذُو الكلاع على مَا هُوَ عَلَيْهِ إِلَى أَيَّام عمر ثمَّ رغب فِي الْإِسْلَام فوفد على عمر رَضِي الله عَنهُ وَمَعَهُ ثَمَانِيَة آلَاف عبد فَأسلم على يَده وعبيده كلهم وَقَالَ لعمر لي ذَنْب مَا أَظن أَن الله يغفره قَالَ مَا هُوَ قَالَ تواريت مرّة عَمَّن يتعبد لي ثمَّ أشرفت عَلَيْهِم فَسجدَ لي زهاء مائَة ألف فَقَالَ عمر التَّوْبَة بالإخلاص يُرْجَى بهَا الغفران وَرُوِيَ عَن دَاوُد عَن رجل من قومه قَالَ بَعَثَنِي قومِي بهدية إِلَى

ذِي الكلاع فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَكثت سنة لَا أصل إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّه أشرف بعد ذَلِك من الْقصر فَلم يره أحد إِلَّا خر لَهُ سَاجِدا ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فِي الْإِسْلَام قد اشْترى لَحْمًا بدرهم فسمطه على فرسه ثمَّ أنشأ يَقُول (أُفٍّ للدنيا إِذا كَانَت كَذَا ... أَنا مِنْهَا كل يَوْم فِي أَذَى) (وَلَقَد كنت إِذا مَا قيل من ... أنعم النَّاس معاشا قيل ذَا) (ثمَّ بدلت بعيشي شقوة ... حبذا هَذَا شقاء حبذا) قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرير بن عبد الله البَجلِيّ إِلَى ذِي الكلاع بن ناكور بن حبيب بن مَالك بن حسان بن تبع وَإِلَى ذِي عَمْرو يدعوهما إِلَى الْإِسْلَام فَأَسْلمَا وَأسْلمت ضريبة بنت أَبْرَهَة بن الصَّباح امْرَأَة ذِي الكلاع وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَرِير عِنْدهم فَأخْبرهُ ذُو عَمْرو بوفاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع جرير إِلَى الْمَدِينَة وروى الْوَاقِدِيّ فِي فتوح مصر أَن ذَا الكلاع حضر مَعَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فتح مربوط بَلْدَة بِقرب الْإسْكَنْدَريَّة وَمَات وهم نزُول بهَا قَالَ وَكَانَ ملك حمير وَكَانَ قبل دُخُوله فِي الْإِسْلَام يركب

لَهُ اثْنَا عشر ألف مَمْلُوك من السودَان شري قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ لقد رَأَيْته بعد تِلْكَ الحشمة يمشي فِي سوق الْمَدِينَة وَجلد شَاة على كتفه حِين قدم من الْيمن للْجِهَاد فِي أَيَّام أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا مَاتَ رثاه وَلَده فرج بِمَا رثى بِهِ حمير لِأَبِيهِ سبأ بن يشجب حَيْثُ يَقُول (عجبت ليومك مَاذَا فعل ... وسلطان عزك كَيفَ انْتقل) (فَأسْلمت ملكك لَا طَائِعا ... وسلمت لِلْأَمْرِ لما نزل) (فَلَا تبعدن فَكل امْرِئ ... سيدركه بالمنون الْأَجَل) (بلغت من الْملك أقْصَى المنى ... نقلت وعزك لم ينْتَقل) (صَحِبت الدهور فأفنيتها ... وَمَا شَاءَ سعيك فِيهَا فعل) (بنيت الْقُصُور كَمثل الْجبَال ... ذهبت فَلم يبْق إِلَّا الطلل) (نعمنا بأيامك الصَّالِحَات ... شربنا بسيحك وَبلا وطل)

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم سعيد بن سفيان الرعلي

(نؤمل فِي الدَّهْر أقْصَى المنى ... وَلم ندر بِالْأَمر حَتَّى نزل) (فَزَالَتْ لعمرك شم الْجبَال ... وَلم يَك حزنك فِيهَا هُبل) قَالَ وَحمله ابْن عَمه عجلَان بن مضاض الْحِمْيَرِي إِلَى مصر بعد أَن صبره وعول أَن يسير بِهِ إِلَى الْيمن قَوْله بسيحك السيح المَاء الْجَارِي والوابل الْمَطَر الشَّديد وَقد وبلت السَّمَاء تبل وَالْأَرْض موبولة والطل أَضْعَف من الْمَطَر وَالْجمع الطلال تَقول طلت الأَرْض وطلها الندى فَهِيَ مطلولة قَالَه الْجَوْهَرِي وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعيد بن سُفْيَان الرعلي قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسَعِيد بن سُفْيَان الرعلي هَذَا مَا أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعيد بن سُفْيَان الرعلي أعطَاهُ نَخْلَة السوارقية وقصرها لَا يحاقه فِيهَا أحد وَمن حاقه

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم سمعان الراقع

فَلَا حق لَهُ وَحقه حق وَكتب خَالِد ابْن سعيد وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمْعَان الراقع قَالَ ابْن سعد كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سمْعَان ابْن عَمْرو بن قريط بن عبيد بن أبي بكر بن كلاب مَعَ عبد الله بن عَوْسَجَة العرني فرقع بكتابه دلوه فَقيل لَهُم بَنو الراقع ثمَّ أسلم سمْعَان وَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ (أَقلنِي كَمَا أمنت وردا وَلم أكن ... بِأَسْوَأ ذَنبا إِذْ أَتَيْتُك من ورد) وروى ابْن سعد بِسَنَدِهِ عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي أَن العرني أَتَاهُ بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرقع بِهِ دلوه فَقَالَت لَهُ ابْنَته مَا أَرَاك إِلَّا ستصيبك قَارِعَة أَتَاك كتاب سيد الْعَرَب فرقعت بِهِ دلوك فَمر بِهِ جَيش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستباحوا كل شَيْء لَهُ فَأسلم وأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أصبت من مَال قبل أَن تقسمه الْمُسلمُونَ فَأَنت أَحَق بِهِ

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم عبد يغوث بن وعلة الحارثي

قَالَ ابْن عبد الْبر سمْعَان بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ إِسْنَاد حَدِيثه لَيْسَ بالقائم فَلَا أَدْرِي هُوَ الَّذِي ذكره ابْن سعد أَو غَيره فَالله أعلم حرف الْعين وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد يَغُوث بن وَعلة الْحَارِثِيّ قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد يَغُوث بن وَعلة الْحَارِثِيّ إِن لَهُ مَا أسلم عَلَيْهِ من أرْضهَا وأشائها يعْنى نخلها مَا أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَأعْطى خمس الْمَغَانِم فِي الْغَزْو وَلَا عشر وَلَا حشر وَمن تبعه من قومه وَكتب الأرقم ابْن أبي الأرقم المَخْزُومِي

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم عامر بن الأسود الطائي

وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامر بن الْأسود الطَّائِي قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعامر بن الْأسود بن عَامر بن جُوَيْن الطَّائِي إِن لَهُ ولقومه طىء مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ من بِلَادهمْ ومياههم مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وفارقوا الْمُشْركين وَكتب الْمُغيرَة

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم فروة الجذامي

حرف الْفَاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرْوَة الجذامي روى ابْن الْجَوْزِيّ عَن زامل بن عَمْرو الجذامي قَالَ كَانَ فَرْوَة بن عَمْرو بن النافرة الجذامي ثمَّ النفاثي عَاملا فِي الرّوم فَأسلم وَكتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ وَبعث بِهِ مَعَ رجل من قومه وَبعث إِلَيْهِ ببغلة بَيْضَاء وَفرس وحمار وأثواب وقباء سندس مخوص بِالذَّهَب فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى فَرْوَة بن عَمْرو أما بعد فقد قدم علينا رَسُولك وَبلغ مَا أرْسلت بِهِ وَخبر عَمَّا قبلكُمْ وأتانا بِإِسْلَامِك وَإِن الله هداك بهداه

وَأمر بِلَالًا فَأعْطى رَسُوله اثْنَتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونشا قَالَ الْجَوْهَرِي النش عشرُون درهما وَهُوَ نصف أُوقِيَّة وَبلغ ملك الرّوم إِسْلَام فَرْوَة فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ ارْجع من دينك قَالَ لَا أُفَارِق دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّك تعلم أَن عِيسَى قد بشر بِهِ وَلَكِنَّك تضن بملكك فحبسه ثمَّ أخرجه فَقتله وصلبه قَالَ ابْن إِسْحَاق وَكَانَ فَرْوَة عَاملا للروم على من يليهم من الْعَرَب وَكَانَ منزله معَان بِضَم أَوله وَمَا حولهَا من أَرض الشَّام فَلَمَّا بلغ الرّوم إِسْلَامه أَجمعُوا على قَتله وصلبه فصلبوه على مَاء يُقَال لَهُ عفري بفلسطين بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام فَقَالَ (أَلا هَل أَتَى سلمى بِأَن حَلِيلهَا ... على مَاء عفري فَوق إِحْدَى الرَّوَاحِل) (على نَاقَة لم يضْرب الْفَحْل أمهَا ... مشذبة أطرافها بالمناجل) فَلَمَّا قدموه ليقتلوه قَالَ (بلغ سراة الْمُسلمين بأنني ... سلم لرَبي أعظمي ومقامي) ثمَّ ضربوا عُنُقه وصلبوه على ذَلِك المَاء

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم المنذر بن ساوي ملك البحرين

حرف الْمِيم وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن ساوي ملك الْبَحْرين روى صَاحب الْهدى المحمدي عَن عِكْرِمَة قَالَ وجدت هَذَا الْكتاب فِي كتب ابْن عَبَّاس بعد مَوته ففتحته فَإِذا فِيهِ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذر بن ساوي وَكتب إِلَيْهِ كتابا يَدعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَام فَكتب الْمُنْذر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد يَا رَسُول الله فَإِنِّي قَرَأت كتابك على أهل الْبَحْرين فَمنهمْ من أحب الْإِسْلَام وَأَعْجَبهُ وَدخل فِيهِ وَمِنْهُم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث إِلَيّ فِي ذَلِك أَمرك فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مخاطبة العلاء للمنذر

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى الْمُنْذر بن ساوي سَلام عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أما بعد فَإِنِّي أذكرك الله عز وَجل فَإِنَّهُ من ينصح فَإِنَّمَا ينصح لنَفسِهِ وَإنَّهُ من يطع رُسُلِي وَيتبع أَمرهم فقد أَطَاعَنِي وَمن نصح لَهُم فقد نصح لي وَإِن رُسُلِي قد أثنوا عَلَيْك خيرا وَإِنِّي قد شفعتك فِي قَوْمك فاترك للْمُسلمين مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ وعفوت عَن أهل الذُّنُوب فَأقبل مِنْهُم وَإنَّك مهما تصلح فَلَنْ نعزلك عَن عَمَلك وَمن أَقَامَ على يَهُودِيَّة أَو مَجُوسِيَّة فَعَلَيهِ الْجِزْيَة مُخَاطبَة الْعَلَاء للمنذر قَالَ السُّهيْلي فَقَالَ الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ يَا مُنْذر إِنَّك عَظِيم الْعقل فِي الدُّنْيَا فَلَا تصغرن عَن الْآخِرَة إِن هَذِه الْمَجُوسِيَّة شَرّ دين لَيْسَ فِيهَا تكرم الْعَرَب وَلَا علم أهل الْكتاب ينْكحُونَ مَا يستحيا من نِكَاحه ويأكلون مَا يتكرم عَن أكله ويعبدون فِي الدُّنْيَا نَارا تأكلهم يَوْم الْقِيَامَة وَلست بعديم عقل وَلَا رَأْي فَانْظُر هَل يَنْبَغِي لمن

.. أَعْلَاهُ صُورَة كِتَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُنْذر بن ساوي من مَجْمُوعَة الوثائق السياسية للدكتور مُحَمَّد حميد الله

لَا يكذب أَن لَا تصدقه وَلمن لَا يخون أَن لَا تأمنه وَلمن لَا يخلف أَن لَا تثق بِهِ فَإِن كَانَ هَذَا هَكَذَا فَهُوَ هَذَا النَّبِي الْأُمِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي وَالله لَا يَسْتَطِيع ذُو عقل أَن يَقُول لَيْت مَا أَمر بِهِ نهى عَنهُ أَو مَا نهى عَنهُ أَمر بِهِ أَو ليته زَاد فِي عَفوه أَو نقص من عِقَابه إِن كل ذَلِك مِنْهُ على أُمْنِية أهل الْعقل وفكر أهل الْبَصَر فَقَالَ الْمُنْذر قد نظرت فِي هَذَا الَّذِي فِي يَدي فَوَجَدته للدنيا دون الْآخِرَة وَنظرت فِي دينكُمْ فَوَجَدته للآخرة وَالدُّنْيَا فَمَا يَمْنعنِي من قبُول دين فِيهِ أُمْنِية الْحَيَاة وراحة الْمَوْت وَلَقَد عجبت أمس مِمَّن يقبله وَعَجِبت الْيَوْم مِمَّن يردهُ وَإِن من إعظام مَا جَاءَ بِهِ أَن يعظم رَسُوله وسأنظر قَالَ ابْن سعد وَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْصَرفه من الْجِعِرَّانَة الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْمُنْذر بن ساوي الْعَبْدي وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ يَدعُوهُ إِلَى الْإِسْلَام وَكتب إِلَيْهِ كتابا فَكتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ وتصديقه وَإِنِّي قد قَرَأت كتابك على أهل هجر فَمنهمْ من أحب الْإِسْلَام وَأَعْجَبهُ وَدخل فِيهِ وَمِنْهُم من كرهه وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مجوس هجر يعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام فَإِن أَبَوا أخذت مِنْهُم الْجِزْيَة

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم مطرف بن الكاهن الباهلي

وَبِأَن لَا تنْكح نِسَاؤُهُم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَكتب فَرَائض الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالثِّمَار وَالْأَمْوَال فَقَرَأَ الْعَلَاء كِتَابه على النَّاس فَأخذ صَدَقَاتهمْ وَكتب إِلَى الْمُنْذر بن ساوي كتابا آخر أما بعد فَإِنِّي قد بعثت إِلَيْك قدامَة وَأَبا هُرَيْرَة فادفع إِلَيْهِمَا مَا اجْتمع عنْدك من جِزْيَة أَرْضك وَالسَّلَام وَكتب أبي وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطرف بن الكاهن الْبَاهِلِيّ هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لمطرف بن الكاهن وَلمن سكن بيشه من باهلة إِن من أَحْيَا أَرضًا مواتا بَيْضَاء فِيهَا مناخ الْأَنْعَام مراح فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِم فِي كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر فارض وَفِي كل أَرْبَعِينَ من الْغنم عتود وَفِي كل خمس من الْإِبِل ثاغية مُسِنَّة وَلَيْسَ للمصدق أَن يصدقها إِلَّا فِي مراعيها وهم آمنون بِأَمَان الله

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم مالك بن نمط في وفد همدان وأقيال اليمن

الفارض المسن من الْبَقر والثاغية الشَّاة والثغاء صَوتهَا إِذا صاحت قَالَه الْجَوْهَرِي وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن نمط فِي وَفد هَمدَان وأقيال الْيمن قَالَ ابْن هِشَام وَقدم وَفد هَمدَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم مَالك بن نمط وَأَبُو ثَوْر وَهُوَ ذُو المشعار وَمَالك بن أَيفع وضمام بن مَالك السَّلمَانِي بِسُكُون اللَّام وعميرة بن مَالك الخارفي فَلَقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية برحال الميس على المهرية والأرحبية وَمَالك ابْن نمط وَرجل آخر يرتجزان بالقوم يَقُول أَحدهمَا (هَمدَان خير سوقة وأقيال ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالمين أَمْثَال) (محلهَا الهضب وَمِنْهَا الْأَبْطَال ... لَهَا أطابات بهَا وآكال) وَيَقُول آخر

(إِلَيْك جاوزن سَواد الرِّيف ... فِي هبوات الصَّيف والخريف) (مخطمات بحبال الليف ... ) فَقَامَ مَالك بن نمط بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله نصية من هَمدَان من كل حَاضر وباد أتوك على قلص نواج مُتَّصِلَة بحبائل الْإِسْلَام لَا تأخذهم فِي الله لومة لائم من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود أجابوا دَعْوَة الرَّسُول وفارقوا آلهات الأنصاب عَهدهم لَا ينْقض مَا أَقَامَت لعلع وَمَا جرى اليعفور بصلع فَكتب لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمخلاف خارف وَأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مَعَ وافدها ذِي المشعار لمَالِك بن نمط وَلمن أسلم من قومه على أَن لَهُم فراعها ووهاطها مَا أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة يَأْكُلُون علافها ويرعون عافيها لَهُم بذلك عهد الله وذمام رَسُوله وشاهدهم الْمُهَاجِرُونَ

تفسير غريبه

وَالْأَنْصَار فَقَالَ فِي ذَلِك مَالك بن نمط (ذكرت رَسُول الله فِي فَحْمَة الدجا ... وَنحن بِأَعْلَى رحرحان وصلدد) (وَهن بناخوص طلائح تغتلي ... بركبانها فِي لاحب متمدد) (على كل فتلاء الذراعين جسرة ... تمر بِنَا مر الهجيف الخفيدد) (حَلَفت بِرَبّ الراقصات إِلَى منى ... صوادر بالركبان من هضب قردد) (بَان رَسُول الله فِينَا مُصدق ... رَسُول أَتَى من عِنْد ذِي الْعَرْش مهتدي) (فَمَا حملت من نَاقَة فَوق رَحلهَا ... أبر وأوفى ذمَّة من مُحَمَّد) (وَأعْطى إِذا مَا طَالب الْعرف جَاءَهُ ... وأمضى بِحَدّ المشرفي المهند) تَفْسِير غَرِيبه المقطعات ثِيَاب وشى تصنع بِالْيمن والحبرات برود تصنع بِالْيمن أَيْضا والمهرية إبل تنْسب إِلَى مهرَة قَبيلَة بِالْيمن والأرحبية تنْسب إِلَى أرحب قَبيلَة من الْيمن أَيْضا قَوْله فِي الرجز خير سوقة وأقيال الْأَقْيَال الْمُلُوك والسوقة دونهم من النَّاس والهضب الكدية المرتفعة وَقَوله

أطابات أَي أَمْوَال طيبَة وَقَوله وآكال هُوَ مَا يَأْخُذهُ الْملك من رَعيته وَظِيفَة عَلَيْهِم لَهُ وَقَوله فِي الرجز الآخر سَواد الرِّيف السوَاد هُنَا الْقرى الْكَثِيرَة الشّجر وَالنَّخْل والريف الأَرْض الَّتِي تقرب من الْأَنْهَار والمياه الغزيرة والهبوات جمع هبوة وَهِي الغبرة وَقَوله نصية من هَمدَان النصية خِيَار الْقَوْم والقلص الْإِبِل الْفتية ونواج مسرعة والمخلاف الْمَدِينَة لُغَة الْيمن وخارف ويام وشاكر قبائل من الْيمن وَقَالَ الْبكْرِيّ إِن شاكرا اسْم مَوضِع من مخاليف الْيمن لهمدان وَقَوله أهل السود والقود السود هُنَا الْإِبِل والقود الْخَيل وآلهات جمع آلِهَة والأنصاب حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا وَلَعَلَّه اسْم مَوضِع وَقيل هُوَ جبل واليعفور ولد الظبية وصلع بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة اسْم مَوضِع وَمن رَوَاهُ بضلع فَمَعْنَاه بِقُوَّة من قَوْلك رجل ضليع أَي قوي وَالرِّوَايَة الأولى هِيَ الْمَشْهُورَة وَقَوله وَأهل جناب الهضب الْجَانِب والجناب وَاحِد والهضب الكدى وَاحِدهَا هضبة والحقاف مَوضِع حقف وَهُوَ الرمل المستدير وَيجمع على أحقاف قَالَ الله تَعَالَى {إِذْ أنذر قومه بالأحقاف} وَقَوله فراعها ووهاطها الفراع

تفسير غريب أبيات ابن نمط

عالي الأَرْض والوهاط المنخفض المطمئن من الأَرْض وَقَوله علافها العلاف والعلف ثَمَر الطلح وَهُوَ شجر وَقَوله عافيها أَي نباتها يُقَال عَفا النَّبَات وَغَيره إِذا كثر تَفْسِير غَرِيب أَبْيَات ابْن نمط قَوْله فَحْمَة الدجا الفحمة سَواد اللَّيْل فِي أَوله والدجا الظلمَة ورحرحان جبل بَينه وَبَين الربذَة بريدان وَهُوَ على طَرِيق الْمَدِينَة وَأقرب الْمِيَاه إِلَيْهِ الكديد وصلدد بِفَتْح أَوله وَإِسْكَان ثَانِيه بعده دالان مهملتان الأولى مَفْتُوحَة مَوضِع تِلْقَاء رحرحان قَالَه الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه وَاسْتشْهدَ بِبَيْت ابْن نمط وخوص غائرة الْعُيُون وطلائح مَعِيبَة قَوْله تغتلي أَي تشتد فِي سَيرهَا وهوبالغين الْمُعْجَمَة واللاحب الطَّرِيق الْبَين الْوَاضِح بِالْحَاء الْمُهْملَة قَالَه الْجَوْهَرِي والجسرة النَّاقة القوية على السّير والهجف الذّكر من النعام والخفيدد بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْخَفِيف مِنْهُم الراقصات الْإِبِل والرقصان ضرب من الْمَشْي وصوادر رواجع والقردد مَا ارْتَفع من الأَرْض

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم مسيلمة الكذاب لعنه الله

وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة الْكذَّاب لَعنه الله قَالَ ابْن إِسْحَاق وَقد كَانَ تكلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَيْلمَة بن حبيب بِالْيَمَامَةِ فِي بني حنيفَة وَالْأسود بن كَعْب الْعَنسِي بِصَنْعَاء وَكَانَ مُسَيْلمَة كتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُسَيْلمَة رَسُول الله إِلَى مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلام عَلَيْك أما بعد فَإِنِّي قد أشركت فِي الْأَمر مَعَك وَإِن لنا نصف الأَرْض ولقريش نصف الأَرْض وَلَكِن قُريْشًا قوم يعتدون فَقدم عَلَيْهِ رسولان بِهَذَا الْكتاب وهما ثُمَامَة بن أَثَال وَعبد الله بن النواحة فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَرَأَ كِتَابه فَمَا تقولان أَنْتُمَا قَالَا نقُول كَمَا قَالَ فَقَالَ أما وَالله لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لضَرَبْت أعناقكما ثمَّ كتب إِلَى مُسَيْلمَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب السَّلَام على من اتبع الْهدى أما بعد فَإِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين

وَذَلِكَ فِي آخر سنة عشر قَالَ ابْن سعد وَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ العنوه لَعنه الله وَكتب إِلَيْهِ بَلغنِي كتابك الْكَذِب والإفك والافتراء على الله وَبعث بِهِ مَعَ السَّائِب بن الْعَوام أخي الزبير وإياه عَنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خطب فَقَالَ رَأَيْت فِي يَدي سِوَارَيْنِ من الذَّهَب فكرهتمهما فنفخت فيهمَا فطَارَا فَأَوَّلْتهمَا كَذَّاب الْيَمَامَة والعنسي صَاحب صنعاء فَأَما مُسَيْلمَة فَقتله وحشى قَاتل حَمْزَة وَكَانَ على الْجَيْش خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ أفنى قومه قتلا وسبيا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ وَأما الْأسود الْعَنسِي كَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْحمار ويلقب عبهلة فَقتله فَيْرُوز الديلمي وَقيس بن مكشوح ودادوديه رجل من الْأَبْنَاء رَضِي الله عَنْهُم دخلُوا عَلَيْهِ من سرب صنعت لَهُم امْرَأَة كَانَ غلب عَلَيْهَا من الْأَبْنَاء واغتصبها لِأَنَّهَا كَانَت من أجمل النِّسَاء وَكَانَت مسلمة صَالِحَة اسْمهَا المرزبانة رَضِي الله عَنْهَا وسقته البنج فخبطوه بِأَسْيَافِهِمْ وهم يَقُولُونَ ضل نَبِي مَاتَ وَهُوَ سَكرَان وَأما عبد الله بن النواحة أحد رَسُولي مُسَيْلمَة فَضرب عُنُقه قرظة بن كَعْب بِأَمْر عبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ لَهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَوْلَا أَنَّك رَسُول لضَرَبْت عُنُقك وَأَنت السَّاعَة لَيْسَ برَسُول وَكَانَت آيَاته ومعجزاته لَعنه الله كلهَا منكوسة يَعْنِي مُسَيْلمَة تفل بِئْر قوم سَأَلُوهُ

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم معدي كرب بن أبرهة

ذَلِك تبركا فملح مَاؤُهَا وَمسح رَأس صبي فقرع قرعا فَاحِشا ودعا لرجل فِي بَنِينَ لَهُ بِالْبركَةِ فَرجع إِلَى منزله فَوجدَ أَحدهمَا سقط فِي بِئْر وَالْآخر أكله الذِّئْب وَمسح على عَيْني رجل ليستشفى بمسحه فابيضت عَيناهُ وَقتل وَهُوَ ابْن مائَة وَخمسين سنة قَالَه ابْن دحْيَة وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معدي كرب بن أَبْرَهَة قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمعدي كرب ابْن أَبْرَهَة إِن لَهُ مَا أسلم عَلَيْهِ من أَرض خولان

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم نهشل

حرف النُّون وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهشل قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنهشل بن مَالك الوائلي من باهلة بِاسْمِك اللَّهُمَّ هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنهشل بن مَالك وَمن مَعَه من بني وَائِل لمن أسلم وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وأطاع الله وَرَسُوله وَأعْطى من الْمغنم خمس الله وَسَهْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأشْهد على إِسْلَامه وَفَارق الْمُشْركين فَإِنَّهُ آمن بِأَمَان الله وبريء إِلَيْهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الظُّلم كُله وَإِن لَهُم أَن لَا يحْشرُوا وَلَا يعشرُوا وعاملهم من أنفسهم وَكتب عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم نعيم بن أوس الداري

وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعيم بن أَوْس الدَّارِيّ قَالَ ابْن مُنِير الْحلَبِي فِي شرح مُخْتَصر السِّيرَة لعبد الْغَنِيّ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنعيم بن أَوْس أخي تَمِيم الدَّارِيّ إِن لَهُ جبرى وعينون بِالشَّام سهلها وجبلها وماءها وحرثها ولعقبه من بعده لَا يحاقه فِيهَا أحد وَمن ظلمهم وَأخذ شَيْئا فَإِن عَلَيْهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَكتب عَليّ زَاد ابْن سعد بعد حبري وعينون بِالشَّام قريتها كلهَا وَبعد ماءها وحرثها وانباطها وبقرها وَبعد لَا يحاقه فِيهَا أحد وَلَا يلجه عَلَيْهِم بظُلْم وَمن ظلمهم وَأخذ مِنْهُم شَيْئا وَذكره وَقَالَ ابْن سعد فِي الْوُفُود قدم وَفد الداريين على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْصَرفه من تَبُوك وهم عشرَة نفر مِنْهُم تَمِيم ونعيم ابْنا أَوْس بن

خَارِجَة وَالطّيب بن ذَر وهانىء بن حبيب وعزيز بن مَالك وَأَسْلمُوا وسمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّيب عبد الله وسمى عَزِيزًا عبد الرَّحْمَن وَأهْدى هانىء بن حبيب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم راوية خمر وأفراسا وقباء مخوصا بِالذَّهَب فَقبل الأفراس والقباء وَأَعْطَاهُ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَ مَا أصنع بِهِ قَالَ انتزع الذَّهَب فتحليه نِسَاءَك أَو تستنفقه ثمَّ تبيع الديباج فتأخذ ثمنه فَبَاعَهُ الْعَبَّاس من رجل يَهُودِيّ بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ تَمِيم لنا جيرة من الرّوم لَهُم قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حبرى وَالْأُخْرَى بَيت عينون فَإِن فتح الله عَلَيْك الشَّام فهبهما لي قَالَ فهما لَك قَالَ فَلَمَّا قَامَ أَبُو بكر أعطَاهُ ذَلِك وَكتب لَهُ بِهِ كتابا وَأقَام وَفد الداريين حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأوصى لَهُم بجاد مائَة وسق قَالَ ابْن ظفر روى الْوَاقِدِيّ عَن خَالِد بن سعيد عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه قَالَ سرت إِلَى الشَّام فأدركني اللَّيْل فَأتيت وَاديا فَقلت إِنِّي فِي جوَار عَظِيم هَذَا الْوَادي اللَّيْلَة فَلَمَّا أخذت مضجعي إِذا قَائِل يَقُول عذ بالأحد فَإِن الْجِنّ لَا تجير على الله أحد وَإنَّهُ قد

خرج نَبِي الْأُمِّيين وصلينا خَلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه وآمنا بِهِ وصدقناه فَأسلم تسلم قَالَ تَمِيم فَلَمَّا أَصبَحت ذهبت إِلَى دير أَيُّوب فَسَأَلت راهبة عَمَّا سَمِعت من الْهَاتِف قَالَ صدق يخرج خير الْأَنْبِيَاء من الْحرم ويهاجر إِلَى الْحرم فَلَا تسبق إِلَيْهِ فسرت إِلَى مَكَّة فَلَقِيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مستخفيا فآمنت بِهِ هَكَذَا الرِّوَايَة وَهِي غلط وَتَمِيم الدَّارِيّ مُتَأَخّر الْإِسْلَام فَوَقع الْغَلَط فِي الإسم قَالَ ابْن عبد الْبر كَانَ نَصْرَانِيّا أسلم فِي سنة تسع من الْهِجْرَة قَالَ وَذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال وَقَالَ حَدثنِي تَمِيم الدَّارِيّ وَذكر خبر الْجَسَّاسَة وقصة الدَّجَّال وَهَذَا أولى مِمَّا يُخرجهُ المحدثون فِي رِوَايَة الْكِبَار عَن الصغار

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم هوذة بن علي صاحب اليمامة

حرف الْهَاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَوْذَة بن عَليّ صَاحب الْيَمَامَة كتب لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرْسل بِهِ مَعَ سليط بن عَمْرو العامري بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هَوْذَة بن عَليّ سَلام على من اتبع الْهدى وَاعْلَم أَن ديني سينتهي إِلَى مُنْتَهى الْخُف والحافر فَأسلم تسلم وَأَجْعَل لَك مَا تَحت يَديك فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ سليط بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَخْتُومًا أنزلهُ وحياه واقترأ عَلَيْهِ الْكتاب فَرد ردا دون رد وَكتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحسن مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وأجمله وَالْعرب تهاب مَكَاني فَاجْعَلْ لي بعض الْأَمر أتبعك وَأَجَازَ سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فَقدم بذلك كُله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ وَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِتَابه وَقَالَ

لَو سَأَلَني سبابة من الأَرْض يَعْنِي قِطْعَة مَا فعلت باد وباد مَا فِي يَدَيْهِ فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفَتْح جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِأَن هَوْذَة مَاتَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِن الْيَمَامَة سيخرج بهَا كَذَّاب يتنبأ يقتل بعدِي فَقَالَ قَائِل يَا رَسُول الله من يقْتله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْت وَأَصْحَابك فَكَانَ كَذَلِك وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن أركون دمشق عَظِيم من عُظَمَاء النَّصَارَى كَانَ عِنْد هَوْذَة فَسَأَلَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ جَاءَنِي كِتَابه يدعوني إِلَى الْإِسْلَام فَلم أجبه فَقَالَ الأركون لم لم تجيبه قَالَ ضننت بديني وَأَنا ملك قومِي وَإِن تَبعته لم أملك قَالَ بلَى وَالله إِن اتبعته ليملكنك وَإِن الْخيرَة لَك فِي اتِّبَاعه وَإنَّهُ للنَّبِي الْعَرَبِيّ الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم وَإنَّهُ لمكتوب عندنَا فِي الْإِنْجِيل مُحَمَّد رَسُول الله وَذكر السُّهيْلي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا بعث سليطا إِلَى هَوْذَة لِأَنَّهُ كَانَ يتَرَدَّد عَلَيْهِم كثيرا وَيخْتَلف إِلَى بِلَادهمْ قَالَ فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ وَكَانَ كسْرَى قد توجه قَالَ يَا هَوْذَة إِنَّه قد سودت أعظم

حائلة وأرواح فِي النَّار وَإِنَّمَا السَّيِّد من منع بِالْإِيمَان ثمَّ زود التَّقْوَى إِن قوما سعدوا بِرَأْيِك فَلَا تشقين بِهِ وَإِنِّي آمُرك بِخَير مَأْمُور بِهِ وأنهاك عَن شَرّ منهى عَنهُ آمُرك بِعبَادة الله وأنهاك عَن عبَادَة الشَّيْطَان فَإِن فِي عبَادَة الله الْجنَّة وَفِي عبَادَة الشَّيْطَان النَّار فَإِن قبلت نلْت مَا رَجَوْت وَأمنت مَا خفت وَإِن أَبيت فبيننا وَبَيْنك كشف الغطاء وهول المطلع فَقَالَ هَوْذَة يَا سليط سودني من لَو سودك شرفت بِهِ وَقد كَانَ لي رَأْي أختبر بِهِ الْأُمُور فَفَقَدته فموضعه من قلبِي هَوَاء فَاجْعَلْ لي فسحة يرجع إِلَيّ رَأْيِي فأجيبك بِهِ إِن شَاءَ الله وَذكر ابْن عبد الْبر إرْسَاله إِلَى هَوْذَة وَقد تقدم فِي حرف السِّين قَالَ السُّهيْلي وَقَالَ هَوْذَة فِي شَأْن سليط (أَتَانِي سليط والحوادث جمة ... فَقلت لَهُ مَاذَا يَقُول سليط) (فَقَالَ الَّتِي فِيهَا عَليّ غَضَاضَة ... وفيهَا رَجَاء مطمع وقنوط) (فَقلت لَهُ غَابَ الَّذِي كنت أجتلي ... بِهِ الْأَمر عني فالصعود هبوط) (فقد كَانَ لي وَالله بَالغ أمره ... أَبَا النَّضر جأش فِي الْأُمُور ربيط)

تفسير غريبه

(فأذهبه خوف النَّبِي مُحَمَّد ... فهوذة فه فِي الرِّجَال سقيط) (فأجمع أَمْرِي من يَمِين وشمال ... كَأَنِّي ردود للنبال لَقِيط) (فَأذْهب ذَاك الرَّأْي إِذْ قَالَ قَائِل ... أَتَاك رَسُول للنَّبِي خبيط) (رَسُول رَسُول الله رَاكب نَاضِح ... عَلَيْهِ من أوبار الْحجاز غبيط) (سكرت ودبت فِي المفارق وَسنة ... لَهَا نفس عَال الْفُؤَاد غطيط) (أحاذر مِنْهُ سُورَة هاشمية ... فوارسها وسط الرِّجَال عبيط) (فَلَا تعجلني يَا سليط فإننا ... نبادر أمرا وَالْقَضَاء مُحِيط) تَفْسِير غَرِيبه قَوْله لَو سَأَلَني سبابة من الأَرْض قَالَ الْجَوْهَرِي السبابَة النَّاحِيَة قَوْله فِي الشّعْر فهوذة فه قَالَ الْجَوْهَرِي الفه العي

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم الهلال

وَقَوله سقيط قَالَ السقيط اللَّئِيم السَّاقِط فِي حَسبه وَقَوله خبيط قَالَ الْجَوْهَرِي خبط الْبَعِير بِيَدِهِ الأَرْض وخبط الرجل إِذا طرح نَفسه حَيْثُ كَانَ لينام وَقَوله رَاكب نَاضِح قَالَ الناضح الْبَعِير الَّذِي يستقى عَلَيْهِ وَقَوله غبيط الغبيط الرحل وَقَوله غطيط قَالَ غط الْبَعِير يغط غطيطا أَي هدر فِي الشقشقة والناقة تهدر وَلَا تغط وغطيط النَّائِم نخيره وَقَوله عبيط بِالْعينِ الْمُهْملَة قَالَ الْجَوْهَرِي عبط فلَان إِذا ألْقى نَفسه فِي الْحَرْب غير مكره قلت هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم واشتهر ذَلِك من فعالهم حَتَّى عرفُوا بِهِ وَقَوله سُورَة قَالَ السُّورَة السطوة يُقَال إِن لغضبه لسورة وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهلَال قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْهلَال صَاحب الْبَحْرين سلم أَنْت فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَا شريك لَهُ وأدعوك إِلَى الله وَحده تؤمن بِهِ وتطيع وَتدْخل فِي الْجَمَاعَة فَإِنَّهُ خير لَك وَالسَّلَام على من اتبع الْهدى

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم وائل بن حجر وهمدان

حرف الْوَاو وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَائِل بن حجر وهمدان قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَائِل بن حجر لما أَرَادَ الشخوص إِلَى بِلَاده قَالَ يَا رَسُول الله اكْتُبْ إِلَى قومِي كتابا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اكْتُبْ لَهُ يَا مُعَاوِيَة إِلَى الْأَقْيَال العباهلة ليقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة على التيعة السَّائِمَة لصَاحِبهَا التيمة لَا خلاط وَلَا وراط وَلَا شغار وَلَا جلب وَلَا جنب وَلَا شناق وَعَلَيْهِم العون لسرايا الْمُسلمين وعَلى كل عشرَة مَا تحمل العراب من أجبا فقد أربى

وَقَالَ وَائِل يَا رَسُول الله اكْتُبْ لي بأرضي الَّتِي كَانَت لي فِي الْجَاهِلِيَّة وَشهد لَهُ أقيال حمير وأقيال حَضرمَوْت وَكتب لَهُ هَذَا كتاب من مُحَمَّد رَسُول الله لِوَائِل بن حجر قيل حَضرمَوْت وَذَلِكَ أَنَّك أسلمت وَجعلت لَك مَا فِي يَديك من الْأَرْضين والحصون وَإنَّهُ يُؤْخَذ مِنْك من كل عشرَة وَاحِد ينظر فِي ذَلِك ذَوا عدل وَجعلت لَك أَن لَا تظلم فِيهَا مَا قَامَ الدّين وَالنَّبِيّ والمؤمنون عَلَيْهِ أنصار قَالَ وَكَانَ الْأَشْعَث وَغَيره من كِنْدَة نازعوا وَائِل بن حجر فِي وَاد بحضرموت فَادعوهُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَائِل بن حجر قَالَ ابْن عبد الْبر وَائِل بن حجر بن ربيعَة بن وَائِل بن يعمر الْحَضْرَمِيّ يكني أَبَا هنيدة كَانَ قيلا من أقيال حَضرمَوْت وَكَانَ أَبوهُ من مُلُوكهمْ وَفد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأسلم وَبشر بِهِ رَسُول الله

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه قبل قدومه وَقَالَ يأتيكم وَائِل بن حجر من أَرض بعيدَة من حَضرمَوْت طَائِعا رَاغِبًا فِي الله عز وَجل وَفِي رَسُوله وَهُوَ بَقِيَّة أَبنَاء الْمُلُوك فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ رحب بِهِ وَأَدْنَاهُ من نَفسه وَقرب مَجْلِسه وَبسط رِدَاءَهُ فأجلسه عَلَيْهِ مَعَ نَفسه على مَقْعَده وَقَالَ اللَّهُمَّ بَارك فِي وَائِل وَولده وَولد وَلَده وَاسْتَعْملهُ على الْأَقْيَال من حَضرمَوْت وَكتب مَعَه ثَلَاثَة كتب مِنْهَا كتاب لِلْمُهَاجِرِ بن أبي أُميَّة وَكتاب إِلَى الْأَقْيَال والعباهلة وأقطعه أَرضًا فَأرْسل مَعَه مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان فَخرج مُعَاوِيَة رَاجِلا مَعَه وَوَائِل بن حجر على نَاقَته رَاكِبًا فَشَكا إِلَيْهِ مُعَاوِيَة حر الرمضاء فَقَالَ لَهُ انتعل ظلّ النَّاقة فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة وَمَا يُغني ذَلِك عني لَو جَعَلتني ردفا فَقَالَ لَهُ وَائِل اسْكُتْ فلست من أرداف الْمُلُوك ثمَّ عَاشَ وَائِل بن حجر حَتَّى ولي مُعَاوِيَة الْخلَافَة فَدخل عَلَيْهِ وَائِل فَعرفهُ مُعَاوِيَة وأذكره بذلك ورحب بِهِ وَأَجَازَهُ لوفوده عَلَيْهِ فَأبى من قبُول جائزته وحبائه وَأَرَادَ أَن يرزقه فَأبى من ذَلِك وَقَالَ يَأْخُذهُ من هُوَ أولى بِهِ مني وَأَنا فِي غنى عَنهُ وَكَانَ وَائِل بن حجر زاجرا حسن الزّجر خرج يَوْمًا من عِنْد زِيَاد

فصل في سبب إسلامه

بِالْكُوفَةِ وأميرها الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَرَأى غرابا ينعق فَرجع إِلَى زِيَاد وَقَالَ يَا أَبَا الْمُغيرَة هَذَا غراب يرحلك من هَهُنَا إِلَى خير فَقدم رَسُول مُعَاوِيَة إِلَى زِيَاد من يَوْمه أَن سر إِلَى الْبَصْرَة واليا فصل فِي سَبَب إِسْلَامه قَالَ ابْن ظفر فِي كتاب خير الْبشر رُوِيَ أَن وَائِل بن حجر وَكَانَ ملكا مُطَاعًا كَانَ لَهُ صنم من العقيق يعبده وَيُحِبهُ وَلم يكن يكلمهُ إِلَّا أَنه كَانَ يَرْجُو كَلَامه وَكَانَ يكثر السُّجُود لَهُ وَيعْتَبر لَهُ العتائر وَهِي ذَبَائِح كَانَ الْمُشْركُونَ يَتَقَرَّبُون بهَا إِلَى الْأَصْنَام فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِم فِي الظهيرة أيقضه صَوت مُنكر من المخدع الَّذِي فِيهِ الصَّنَم فَقَامَ وَسجد بَين يَدَيْهِ وَإِذا قَائِل يَقُول (وَاعجَبا من وَائِل بن حجر ... يخال يدْرِي وَهُوَ لَيْسَ يدْرِي)

(مَاذَا يُرْجَى من نحيت صَخْر ... لَيْسَ بِذِي عرف وَلَا ذِي نكر) (وَلَا بِذِي نفع وَلَا ذِي ضرّ ... لَو كَانَ ذَا حجر أطَاع أَمْرِي) قَالَ فَرفعت رَأْسِي ثمَّ استويت جَالِسا ثمَّ قلت لقد أسمعت أَيهَا الْهَاتِف فَمَاذَا تَأْمُرنِي بِهِ فَقَالَ (ارحل إِلَى يثرب ذَات النّخل ... وسر إِلَيْهَا سير مشمعل) (قبل تقصي الْعُمر الْمولى ... تدن بدين الصَّائِم الْمُصَلِّي) (مُحَمَّد الرَّسُول خير الرُّسُل ... ) ثمَّ خر الصَّنَم لوجهه فاندقت عُنُقه فَقُمْت إِلَيْهِ فَجَعَلته رفاتا ثمَّ سرت مسرعا حَتَّى أتيت الْمَدِينَة فَأتيت الْمَسْجِد فَلَمَّا رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدناني وَبسط لي رِدَاءَهُ فَجَلَست عَلَيْهِ ثمَّ صعد الْمِنْبَر وأقامني بَين يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس هَذَا وَائِل بن حجر أَتَاكُم من أَرض بعيدَة من حَضرمَوْت رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام فَقلت يَا رَسُول الله بَلغنِي ظهورك وَأَنا فِي ملك عَظِيم فَمن الله عَليّ أَن رفضت ذَلِك كُله وآثرت دين الله قَالَ صدقت اللَّهُمَّ بَارك فِي وَائِل بن حجر وَولده وَولد وَلَده قَالَ وَائِل فَمَا لَقِيَنِي أحد من أَصْحَابه إِلَّا

تفسير

قَالَ لي بشرنا بك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل قدومك بِثَلَاث تَفْسِير العتيرة والعتر بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة ثَالِث الْحُرُوف شَاة كَانُوا يذبحونها فِي رَجَب لآلهتهم يُقَال هَذِه أَيَّام ترجيب وتعتار والمخدع بِضَم الْمِيم وَكسرهَا الخزانة مثل الْمُصحف والمصحف حَكَاهُ يَعْقُوب عَن الْفراء قَالَ وَأَصله الضَّم إِلَّا أَنهم كسروه استثقالا وَقَوله فِي الشّعْر لَو كَانَ ذَا حجر الْحجر بِكَسْر الْحَاء الْعقل قَالَ الله تَعَالَى {هَل فِي ذَلِك قسم لذِي حجر} والمشمعل المبادر المسرع يُقَال نَاقَة مشمعل أَي سريعة والرفات الحطام وَمِنْه ءاذا كُنَّا عظاما ورفاتا وَذكره ابْن سعد فِي الْوُفُود أَيْضا فَقَالَ قدم وَائِل بن حجر وافدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ جِئْت رَاغِبًا فِي الْإِسْلَام وَالْهجْرَة فَدَعَا لَهُ وَمسح رَأسه وَنُودِيَ ليجتمع النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة سُرُورًا بقدوم

وَائِل بن حجر وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعَاوِيَة أَن ينزله فَمشى مَعَه وَوَائِل رَاكب فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة ألق إِلَيّ نعلك قَالَ لَا إِنِّي لم أكن لألبسها وَقد لبستها قَالَ فأردفني قَالَ لست من أرداف الْمُلُوك قَالَ إِن الرمضاء قد أحرقت قدمي قَالَ امش فِي ظلّ نَاقَتي كَفاك بِهِ شرفا وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض وَهُوَ مَا رويته فِي الشفا قَالَ وَلَيْسَ كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قُرَيْش وَالْأَنْصَار ككلامه مَعَ ذِي المشعار الْهَمدَانِي وطهفة النَّهْدِيّ وقطن بن حَارِثَة العليمي والأشعث بن قيس وَوَائِل بن حجر الْكِنْدِيّ وَغَيرهم من أقيال حَضرمَوْت وملوك الْيمن وَانْظُر كِتَابه إِلَى هَمدَان إِن لكم فراعها ووهاطها وعزازها تَأْكُلُونَ علافها وترعون عفاءها لنا من دفئهم وصرامهم مَا سلمُوا بالميثاق وَالْأَمَانَة وَلَهُم من الصَّدَقَة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وَعَلَيْهِم فِيهَا الصالغ والقارح وَقَوله لنهد اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي محضها ومخضها ومذقها وَابعث راعيها فِي الدثر وافجر لَهُ الثمد وَبَارك لَهُ فِي المَال

وَالْولد من أَقَامَ الصَّلَاة كَانَ مُسلما وَمن آتى الزَّكَاة كَانَ محسنا وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله كَانَ مخلصا لكم يَا بني نهد ودائع الشّرك ووضائع الْملك لَا تلطط فِي الزَّكَاة وَلَا تلحد فِي الْحَيَاة وَلَا تتثاقل عَن الصَّلَوَات وَكتب لكم فِي الْوَظِيفَة الْفَرِيضَة وَلكم الفارض والفريش وَذُو الْعَنَان الرّكُوب والفلو الضبيس لَا يمْنَع سرحكم وَلَا يعضد طلحكم وَلَا يحبس دركم مَا لم تضمروا الرماق وتأكلوا الرباق من أقرّ فَلهُ الْوَفَاء بالعهد والذمة وَمن أَبى فَعَلَيهِ الربوة وَمن كِتَابه لِوَائِل بن حجر إِلَى الْأَقْيَال العباهلة والأرواع المشابيب وَفِيه فِي التيعة شَاة لَا مُقَوَّرَة الألياط وَلَا ضناك وأنطوا الثبجة وَفِي السُّيُوب الْخمس وَمن زنى مِم بكر فاصقعوه مائَة

تفسير غريبه

واستوفضوه عَاما وَمن زنى مِم ثيب فَضَرِّجُوهُ بِالْأَضَامِيمِ وَلَا توصيم فِي الدّين وَلَا غمه فِي فَرَائض الله وكل مُسكر حرَام وَوَائِل بن حجر يترفل على الْأَقْيَال تَفْسِير غَرِيبه قَالَ الشَّيْخ الإِمَام اللّغَوِيّ النَّحْوِيّ الْوَزير تَاج الدّين عبد الْبَاقِي ابْن عبد الْمجِيد بن عبد الله الْقرشِي الْيَمَانِيّ نزيل حرم الله تَعَالَى وَحرم رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتاب الإكتفاء فِي شرح أَلْفَاظ الشفا بتعريف حُقُوق الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجدته بِخَطِّهِ ونقلت مِنْهُ قَالَ ذكر كِتَابه إِلَى هَمدَان ونهد هَمدَان باسكان الْمِيم الْقَبِيلَة مَعَ الدَّال الْمُهْملَة وَبِفَتْحِهَا مَعَ الذَّال الْمُعْجَمَة بِلَاد بالعجم وهمدان قَبيلَة كَبِيرَة بِالْيمن منسوبة إِلَى هَمدَان واسْمه أوسلة بِفَتْح السِّين وَكسرهَا بن مَالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعَة بن الْخِيَار بن مَالك بن زيد فِي كهلان بن سبأ وَكَانَ يعوق معبودهم قَوْله إِن لكم فراعها ووهاطها وعزازها تَأْكُلُونَ علافها وترعون عفاءها لنا من دفئهم وصرامهم مَا سلمُوا

بالميثاق وَالْأَمَانَة وَلَهُم من الصَّدَقَة الثلب والناب والفصيل والفارض والداجن والكبش الحوري وَعَلَيْهِم فِيهَا الصالغ والقارح الفراع مَا علا من الأَرْض والوهاط مَا اطْمَأَن مِنْهَا والعزاز بزايين الأَرْض الصلبة وَقد أعززنا أَي وقعنا فِيهَا وعلافها مَا يعتلف مِنْهَا والعلف ثَمَر الطلح وَهُوَ مثل الباقلاء الغض يخرج فترعاه الْإِبِل الْوَاحِدَة علفة متال قبر وقبرة والعفاء مَا لَا يملك وَالْعَفو الأَرْض العفل لم تُوطأ والعفاء بِالْمدِّ وَكسر الْعين ريش النعام ووبر الْبَعِير ودئهم وصرامهم إبلهم وغنمهم قَالَ ابْن فَارس الْإِبِل المدفأة الْكَثِيرَة الأوبار والشحوم والمدفأة الْكَثِيرَة لِأَن بَعْضهَا تدفئ بَعْضًا بأنفاسها والدفء عِنْد الْعَرَب نتاج الْإِبِل والبانها والإنتفاع بهَا قَالَ الله تَعَالَى {لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع} وصرامهم جمع صرمة وَهِي الْقطعَة من الْإِبِل نَحْو الثَّلَاثِينَ والثلب بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة الْجمل الَّذِي انْكَسَرت أَسْنَانه بالهرم والناب المسنة من النوق وَالْجمع النيب وَفِي الْمثل لَا أفعل ذَلِك مَا حنت الشيب والفصيل ولد النَّاقة إِذا فصل عَن أمه وَالْجمع فصلان والفصيل

حَائِط قصير بَين سور الْمَدِينَة والحصن وفصيلة الرجل رهطه الأدنون تَقول جاؤا بفصيلتهم أَي بأجمعهم كَمَا تَقول جاؤا على بكرَة أَبِيهِم والفارض المسن من الْبَقر قَالَ الله تَعَالَى {لَا فارض وَلَا بكر} والداجن الشَّاة الَّتِي تألف الْبيُوت وتستأنس بهَا تَقول شَاة دَاجِن وراجن قَالَ الْجَوْهَرِي وَمن الْعَرَب من يَقُولهَا بِالْهَاءِ وَكَذَلِكَ غير الشَّاة والحورى الْأَبْيَض الْجيد قَالَ الْجَوْهَرِي الْحور جُلُود حمر يغشى بهَا السلال الْوَاحِدَة حورة والأحوري الْأَبْيَض الناعم وَقيل للنِّسَاء الحواريات لبياضهن والحور أَيْضا شدَّة بَيَاض الْعين فِي شدَّة سوادها امْرَأَة حوراء بَيِّنَة الْحور واحور الشَّيْء ابيض قَالَ الْأَصْمَعِي مَا أَدْرِي مَا الْحور فِي الْعين والصالغ بِالْعينِ الْمُعْجَمَة المسن من الشياه وَالْبَقر والمحض اللَّبن الْخَالِص وبالخاء الْمُعْجَمَة مَا مخض والمذق بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة مَا مزج بِالْمَاءِ وَرُبمَا اعترته غبرة فشبهوا بِهِ لون الذِّئْب قَالَ الراجز (جَاءُوا بمذق هَل رَأَيْت الذِّئْب قطّ ... ) وَالتَّقْدِير مقول فِيهِ لِأَن الْجمل الإنسائية لَا تقع صِفَات لكَونهَا غير مَحْكُوم عَلَيْهَا بِصدق وَلَا كذب والدثر بالثاء الْمُثَلَّثَة المَال والثمد المَاء الْقَلِيل ووضائع الْملك وظائفه والودائع العهود لَا

تلطط فِي الزَّكَاة أَي لَا تعط فِي الزَّكَاة النَّاقة المسنة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ للناقة المسنة لطلط وَقيل لَا تمنع والفارض المسنة والفريش صغَار الْإِبِل والفرش مثله قَالَ الله تَعَالَى {حمولة وفرشا} والفلو الضبيس الفلو بتَشْديد الْوَاو الْمهْر لِأَنَّهُ يفتلى أَي يفطم وَقَالُوا للْأُنْثَى فلوة كَمَا قَالُوا عَدو وعدوة وَالْجمع أفلاء وفلاوي قَالَ أَبُو زيد إِذا فتحت الْفَاء شددت الْوَاو وَإِذا كسرت خففت فَقلت فَلَو مثل جرو والضبيس الْخَبيث وَذُو الْعَنَان الرّكُوب أَي الْفرس المركوب السَّرْح المَال السائم قَالَ الْجَوْهَرِي السوام والسائم بِمَعْنى وَهُوَ المَال الرَّاعِي يُقَال سامت الْمَاشِيَة تسوم سوما أَي رعت فَهِيَ سَائِمَة وَجمع السَّائِمَة والسائم سوائم وأسمتها أَنا إِذا أخرجتها إِلَى الرعى قَالَ الله تَعَالَى {فِيهِ تسيمون} الْخَيل المسومة المرعية والمسومة المعلمة قَالَ الْأَخْفَش يكون معلمين وَيكون مرسلين من قَوْلك سوم فِيهَا الْخَيل أَي أرسلها وَمِنْهَا السَّائِمَة وَإِنَّمَا جَاءَ بِالْيَاءِ وَالنُّون لِأَن الْخَيل سومت وَعَلَيْهَا ركبانها وَقَوله تَعَالَى {حِجَارَة من طين مسومة} أَي عَلَيْهَا أَمْثَال الخواتيم

قَالَ أَبُو زيد سومت الرجل إِذا خليته وَمَا يُرِيد وسومت على الْقَوْم إِذا أغرت عَلَيْهِم فعثت فيهم والطلح شجر عِظَام من شجر العضاه والدر الْمَطَر تضمروا الرماق أَي تخفوا القطيع من الْغنم والرمق القطيع من الْغنم فَارسي مُعرب وتأكلون الرباق الربق بِكَسْر الرَّاء حَبل فِيهِ عدَّة عرى يشد بهَا البهم والواحدة من العروة ربقة وَالْجمع ربق وأرباق ورباق فَأطلق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْغنم رباقا مجَازًا وَهُوَ من مجَاز الْمُجَاورَة كَقَوْلِهِم جرى الْمِيزَاب والربوة الزِّيَادَة على مَا فرض الله تَعَالَى بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا وَفتحهَا وَيُقَال فِيهَا رباوة وَهِي أَيْضا مَا على من الأَرْض وَمن كِتَابه إِلَى وَائِل بن حجر إِلَى الْأَقْيَال العباهلة الْأَقْيَال الْمُلُوك الصغار لحمير وَقيل الَّذين يخلفون الْمُلُوك إِذا غَابُوا واشتقاقه من نَفاذ القَوْل وَأَصله قيل بِالتَّشْدِيدِ وَجمعه أقيال وأقوال فَمن جمعه على أقيال جعل الْوَاحِد غير مشدد وَالْمَرْأَة الملكة قيلة وَيُقَال للقيل مقول فَيجمع على مقاول والعباهلة بِالْبَاء الْمُوَحدَة هم مُلُوك الْيمن الَّذين أقرُّوا على ملكهم لَا يزالون عَنهُ والأرواع السَّادة واحدهم أروع وَقيل هُوَ الَّذِي يُعْجِبك حسنه وَامْرَأَة روعاء والمشابيب الرِّجَال الَّذين ألوانهم بيض وشعورهم سود وَقيل الأذكياء وَقيل الرؤساء والسادة وَفِيه فِي التيعة يَعْنِي بهَا النّصاب وَهِي أَرْبَعُونَ شَاة والمقورة المقطوعة تَقول قوره واقتوره

واقتاره كُله بِمَعْنى قطعه وَقيل المسترخية اللَّحْم من الهزال والألياط جمع ليط والليط جمع ليطة وَهِي قشرة القصبة يُرِيد أَنَّهَا غير مَقْطُوعَة الْجلد والضناك بالضاد الْمُعْجَمَة السمينة يُرِيد أَن هَذِه الشَّاة لَا سَمِينَة وَلَا هزيلة بل متوسطة الْحَال وأنطوا بِمَعْنى أعْطوا وقرىء فِي الشاذ انا انطيناك الْكَوْثَر والثبجة من الْغنم الْوُسْطَى لَا من الْخِيَار وَلَا من الرذال والسيوب الرِّكَاز وَهُوَ دَفِين أَمْوَال الْجَاهِلِيَّة فاصقفوه بقاف أَي فَاضْرِبُوهُ على صوقعته أَي فِي وسط رَأسه واستوفضوه عَاما أَي غربوه وَمن زنى من امبكر هَذِه لُغَة أهل الْيمن فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ من أَدَاة التَّعْرِيف أم وَبِه جَاءَ الحَدِيث لَيْسَ من امبر امصيام فِي امسفر فَضَرِّجُوهُ أَي ادموه والأضاميم مَا ضم وَجمع من الْحِجَارَة والتوصيم بالصَّاد الْمُهْملَة التكسير يَقُول لَا تعتمدون تكسيره بِالْحِجَارَةِ والترفل بِالْفَاءِ الترأس قَالَ الْجَوْهَرِي الترفيل التَّعْظِيم يَقُول مُؤَلفه عَفا الله عَنهُ كل مَا كَانَ فِيهِ قَالَ الْجَوْهَرِي فقد ألحقته من الصِّحَاح

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم يحنة بن رؤبة من أيلة ويهود مقنا وهم بقرب أيلة

حرف الْيَاء وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحنة بن رؤبة من أَيْلَة ويهود مقنا وهم بِقرب أَيْلَة قَالَ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يحنة بن رؤبة وسروات أهل أَيْلَة سلم أَنْتُم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فَإِنِّي لم أكن لأقاتلكم حَتَّى أكتب إِلَيْكُم فَأسلم أَو أعْط الْجِزْيَة وأطع الله وَرَسُوله ورسل رَسُوله وَأكْرمهمْ واكسهم كسْوَة حَسَنَة غير كسْوَة الغزاء واكس زيدا كسْوَة حَسَنَة فمهما رضيت رُسُلِي فَإِنِّي قد رضيت وَقد علم الْجِزْيَة فَإِن أردتم أَن يَأْمَن الْبَحْر وَالْبر فأطع الله وَرَسُوله وَيمْنَع عَنْكُم كل حق كَانَ للْعَرَب والعجم إِلَّا حق الله وَحقّ رَسُوله وَإنَّك إِن رددتم وَلم ترضهم لَا آخذ مِنْكُم شَيْئا

حَتَّى أقاتلكم فأسبى الصَّغِير وأقتل الْكَبِير فَإِنِّي رَسُول الله بِالْحَقِّ أُؤْمِن بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله وبالمسيح ابْن مَرْيَم أَنه كلمة الله وَإِنِّي أُؤْمِن بِهِ أَنه رَسُول الله وائت قبل أَن يمسكم الشَّرّ فَإِنِّي قد أوصيت رُسُلِي بكم وَأعْطِ حَرْمَلَة ثَلَاثَة أوسق شعير وَإِن حَرْمَلَة شفع لكم وَإِنِّي لَوْلَا الله وَذَلِكَ لم أراسلكم شَيْئا حَتَّى ترى الْجَيْش وَإِنَّكُمْ إِن أطعتم رُسُلِي فَإِن الله لكم جَار وَمُحَمّد وَمن يكون مِنْهُ وَإِن رُسُلِي شُرَحْبِيل وَأبي وحرملة وحريث بن زيد الطَّائِي فَإِنَّهُم مهما قاضوك عَلَيْهِ فقد رضيته وَإِن لكم ذمَّة الله وَذمَّة مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسَّلَام عَلَيْكُم إِن أطعتم وجهزوا أهل مقنا إِلَى أَرضهم قَالَ وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني جنبة وهم يهود بمقنا وَإِلَى أهل مقنا ومقنا قريب من أَيْلَة أما بعد فقد نزل عَليّ آيتكم رَاجِعين إِلَى قريتكم فَإِذا جَاءَكُم كتابي هَذَا فَإِنَّكُم آمنون

تفسير

لكم ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَافِر لكم سَيِّئَاتكُمْ وكل ذنوبكم وَإِن لكم ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله لَا ظلم عَلَيْكُم وَلَا عدى وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاركم مِمَّا منع مِنْهُ نَفسه فَإِن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزكم وكل رَقِيق فِيكُم والكراع وَالْحَلقَة إِلَّا مَا عَفا عَنهُ رَسُول الله أَو رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن عَلَيْكُم بعد ذَلِك ربع مَا أخرجت نخلكم وَربع مَا صادت عروككم وَربع مَا اغتزل نِسَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ برئتم بعد من كل جِزْيَة أَو سخرة فَإِن سَمِعْتُمْ وأطعتم فَإِن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكرم كريمكم وَيَعْفُو عَن مسيئكم أما بعد فَإلَى الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين من أطلع أهل مقنا بِخَير فَهُوَ خير لَهُ وَمن أطلعهم بشر فَهُوَ شَرّ لَهُ وَأَن لَيْسَ عَلَيْكُم أَمِير إِلَّا من أَنفسكُم أَو من أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِير أما قَوْله آيتكم يَعْنِي رسلهم ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بزكم يَعْنِي

بزهم الَّذِي يصالحون عَلَيْهَا فِي صلحهم قَالَ الْجَوْهَرِي بزه يبزه بزا سلبه وَفِي الْمثل من عزبز أَي من غلب أَخذ السَّلب وابتززت الشَّيْء أَي استلبته والبز من الثِّيَاب أَمْتعَة الْبَزَّاز والبز السِّلَاح أَيْضا وَالْبزَّة ورقيقهم قَالَ الْجَوْهَرِي الرّقّ بِالْكَسْرِ من الْملك والعبودية وَالشَّيْء الرَّقِيق أَيْضا وَيُقَال للْأَرْض اللينة رق وَالْحَلقَة مَا جمعت الدَّار من سلَاح أَو مَال وَأما عروككم فالعروك خشب يلقى فِي الْبَحْر يركبون عَلَيْهَا فيلقون شباكهم يصيدون السّمك قَالَ الْجَوْهَرِي والعرك الصيادون وروى ابْن سعد بِسَنَدِهِ عَن عبد الله بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ رَأَيْت على يحنة بن رؤبة يَوْم أَتَى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صليبا من ذهب وَهُوَ مقعود الناصية فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر وَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ فَأَوْمأ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ارْفَعْ رَأسك وَصَالَحَهُ يَوْمئِذٍ وكساه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برد يمنة وَأمر بانزاله عِنْد بِلَال قَالَ وَرَأَيْت أكيدر حِين قدم بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد وَعَلِيهِ صَلِيب من ذهب وَعَلِيهِ الديباج ظَاهرا قَالَ مُحَمَّد بن عمر وَنسخت كتاب أهل أذرح فَإِذا فِيهِ بِسم

تفسير

الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من مُحَمَّد النَّبِي لأهل أذرح إِنَّهُم آمنون بِأَمَان الله وأمان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن عَلَيْهِم مائَة دِينَار فِي كل رَجَب وافية طيبَة وَالله كَفِيل عَلَيْهِم بالنصح وَالْإِحْسَان للْمُسلمين وَمن لَجأ إِلَيْهِم من الْمُسلمين من المخافة والتعزيز إِذا خَشوا على الْمُسلمين وهم آمنون حَتَّى يحدث إِلَيْهِم مُحَمَّد قبل خُرُوجه يَعْنِي إِذا أَرَادَ الْخُرُوج قَالَ وَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجِزْيَة على أهل أَيْلَة ثَلَاثمِائَة دِينَار كل سنة وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل وَكتب لأهل جربا أَيْضا وَكتب لأهل مقنا إِن عَلَيْهِم ربع غزولهم وَربع مثمارهم قَالَ وَأهل مقنا وجربا وأذرح يهود على سَاحل الْبَحْر تَفْسِير قَالَ الْبكْرِيّ أَيْلَة على وزن فعلة مَدِينَة على شاطئ الْبَحْر فِي منصف مَا بَين مَكَّة ومصر وَسميت أَيْلَة ببنت مَدين بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَرُوِيَ أَنَّهَا الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر وأذرح بذال مُعْجمَة وحاء مُهْملَة مَدِينَة تِلْقَاء السراة من أدانى الشَّام قَالَ ابْن

وممن كتب إليه صلى الله عليه وسلم يزيد بن الطفيل الحارثي

وضاح أذرح بفلسطين وَبهَا بَايع الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنْهُم وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَة مائَة ألف دِينَار وافتتحت أذرح صلحا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت تُؤدِّي إِلَيْهِ الْجِزْيَة وَكَذَلِكَ دومة الجندل والنجران وهجر روى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمامكم حوضى كَمَا بَين جرباء وأذرح قَالَ عبيد الله فَسَأَلت ابْن عمر فَقَالَ هما قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَينهمَا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام جرباء وَقع فِي البُخَارِيّ ممدودا وَالْمَشْهُور فِيهِ الْقصر قَالَه عِيَاض وَغَيره وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد بن الطُّفَيْل الْحَارِثِيّ قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليزِيد ابْن الطُّفَيْل الْحَارِثِيّ إِن لَهُ المضة كلهَا لَا يحاقه فِيهَا أحد مَا أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَحَارب الْمُشْركين وَكتب جهيم بن الصَّلْت وَمِمَّنْ كتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزِيد بن المحجل الْحَارِثِيّ قَالَ ابْن سعد وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليزِيد ابْن المحجل

الْحَارِثِيّ إِن لَهُم نمرة ومساقيها ووادي الرَّحْمَن من بَين غابتها وَإنَّهُ على قومه بني مَالك وعقبه لَا يغزون وَلَا يحشرون وَكتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ ابْن عبد الْبر يزِيد بن المحجل وَيزِيد بن عبد المدان الحارثيان من بلحارث بن كَعْب قدما على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَفد بلحارث مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُم فأسلموا وَذَلِكَ فِي سنة عشر وَقد أنهيت بِحَمْد الله تَعَالَى ومعونته على مَا شرطته فِي أَوله حسب الطَّاقَة وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم وَأَن لَا يخيب لنا فِيهِ سعينا وَأَن ينفعنا بِهِ وقارئه وكاتبه ومستمعيه وَأَن يُصَلِّي على من هَذِه صبَابَة من بعض معجزاته مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة وشفيع الْأمة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا أبدا وَقد سنح لي أَن أختمه بِبَاب أذكر فِيهِ أسانيدي فِيمَا ذكرته فِيهِ

مِمَّا رويته عَن مشايخي رَحِمهم الله إِذْ علم الْإِسْنَاد من خُصُوصِيَّة هَذِه الْأمة المحمدية وَبِه قَامَت الْأَدِلَّة واتضح السَّبِيل فأبدأ أَولا بِسَنَد البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى

ذكر سند البخاري رحمه الله

بَاب فِي الْأَسَانِيد ذكر سَنَد البُخَارِيّ رَحمَه الله وَهُوَ مَا أَخْبرنِي بِهِ الْمَشَايِخ الأجلاء مِنْهُم الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ عَلَاء الدّين عَليّ بن نجم الدّين أَيُّوب الْمَقْدِسِي سَمَاعا عَلَيْهِ فِي شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِبَيْت الْمُقَدّس وَمن خطه نقلت بِحَق سَمَاعه بِجَمِيعِهِ من شَيْخه الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَاج الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الشَّافِعِي الْفَزارِيّ يَعْنِي الفركاح رَحمَه الله تَعَالَى وَالْإِمَام الْحَافِظ الْعَلامَة شرف الدّين أبي الْحُسَيْن عَليّ بن الشَّيْخ الْفَقِيه الرباني مُحَمَّد اليونيني الْحَنْبَلِيّ رَحمَه الله تَعَالَى بقرَاءَته عَلَيْهِمَا منفردين قَالَا

أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن أبي بكر الْمُبَارك بن مُحَمَّد بن يحيى بن الزبيدِيّ الْبَغْدَادِيّ قَالَ أَنا أَبُو الْوَقْت عبد الأول بن عِيسَى بن شُعَيْب السجْزِي الصُّوفِي قَالَ أَنا أَبُو الْحسن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن المظفر الدَّاودِيّ قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن حمويه السَّرخسِيّ قَالَ أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر بن الْفربرِي قَالَ أَنا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ عَن شُيُوخه ح فَأَخْبرنِي بِهِ إجَازَة عَالِيا الشَّيْخ الْمسند شهَاب الدّين أَحْمد بن أبي طَالب ابْن أبي النعم نعْمَة بن حسن بن عَليّ بن بَيَان الحجار الصَّالِحِي الْمَعْرُوف بِابْن الشّحْنَة خلا من الثلاثيات فَإِنَّهَا سَمَاعا عَلَيْهِ بمنزله بسفح قاسيون بِدِمَشْق حماها الله تَعَالَى فِي شهور سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة قَالَ أخبرنَا الزبيدِيّ ح وَأَخْبرنِي بِهِ أَيْضا فِي هَذِه الدرجَة إجَازَة

مُكَاتبَة وإذنا بعث بذلك إِلَيّ من دمشق فِي شهور سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة الشَّيْخ الْجَلِيل الْأَصِيل الْمسند المكثر المعمر بَقِيَّة الْمَشَايِخ شمس الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد بن هبة الله بن مميل الشِّيرَازِيّ عَن جده أبي نصر قَاضِي الْقُضَاة مُحَمَّد عَن أبي الْوَقْت عبد الأول ح وَأَخْبرنِي بِهِ من طَرِيق كَرِيمَة الشَّيْخَانِ الصَّدْر الرئيس جمال الدّين عبد الرَّحِيم بن أبي المكارم عبد الله بن يُوسُف بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ عرف بِشَاهِد الجيوش بِمصْر المحروسة قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بمنزله بحارة زويلة من الْقَاهِرَة المعزية فِي شهور سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَالشَّيْخ الْجَلِيل الْمسند نجم الدّين أَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر التفليسي بمنزله تجاه مصبغة الأزوق بِقرب جَامع الْأَزْهَر من الْقَاهِرَة فِي شهور سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة أَيْضا قَالَا أخبرنَا الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن قَاضِي الْقُضَاة أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي وَأَبُو عَمْرو عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن بن رَشِيق الربعِي وَأَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن عبد الْقوي بن أبي الْعِزّ عزون الْأنْصَارِيّ قَالَ

الأول وَهُوَ شَاهد الجيوش قِرَاءَة عَلَيْهِم وَأَنا أسمع خلا فواتات ثَلَاثَة الأول من بَاب الْمُسَافِر إِذا جد بِهِ السّير تعجل إِلَى أَهله فِي آخر كتاب الْحَج إِلَى أول كتاب الصّيام وَالثَّانِي من بَاب مَا يجوز من الشُّرُوط فِي الْمكَاتب إِلَى بَاب الشُّرُوط فِي الْجِهَاد وَالثَّالِث من بَاب عزو الْمَرْأَة فِي الْبَحْر إِلَى بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِسْلَام وَقَالَ أَيْضا أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن عَليّ بن عبد الله الْقرشِي إجَازَة كتبهَا إِلَيّ بِخَطِّهِ وَقَالَ الثَّانِي وَهُوَ التفليسي قِرَاءَة عَلَيْهِم يَعْنِي الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة وَأَنا أسمع للقطعتين الْأَوليين من فواتات شَاهد الجيوش قَالَ الْمَشَايِخ الْأَرْبَعَة الدِّمَشْقِي وَابْن رَشِيق وَابْن عزون وَيحيى الْقرشِي أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن عَليّ بن مَسْعُود بن ثَابت الْأنْصَارِيّ الأبوصيري وَأَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حمد بن حَامِد الأرتاحي الْأنْصَارِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِمَا وَنحن نسْمع وَقَالَ الأبوصيري أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن بَرَكَات بن هِلَال السَّعْدِيّ النَّحْوِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع وَقَالَ الأرتاحي أَنا أَبُو الْحسن

عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْفراء الْموصِلِي إِذْنا قَالَا أخبرتنا أم الْكِرَام كَرِيمَة بنت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم المروزية قَالَ ابْن بَرَكَات بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة بِمَكَّة حماها الله تَعَالَى وَقَالَ الْفراء قِرَاءَة عَلَيْهَا وَأَنا أسمع ح وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن أَيْضا أخبرنَا أَبُو الْفَتْح نَاصِر بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الشَّافِعِي الْمصْرِيّ الْعَطَّار قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بِمَكَّة قَالَ أَنا أَبُو الْحسن عَليّ بن حميد بن عمار الطرابلسي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ أَنا أَبُو مَكْتُوم عِيسَى بن الْحَافِظ أبي ذَر عبد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ قَالَ أَنا أبي قَالَا أخبرنَا أَبُو الْهَيْثَم مُحَمَّد بن مكي بن زراع الكشميهي سَمَاعا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو ذَر فَقَط وَأَخْبرنِي أَيْضا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد ابْن حمويه الْحَمَوِيّ السَّرخسِيّ بهراة وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم ابْن دَاوُد الْمُسْتَمْلِي الْبَلْخِي ببلخ قَالُوا ثَلَاثَتهمْ أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْفربرِي قَالَ أَنا البُخَارِيّ ولي فِيهِ أَسَانِيد غير هَذِه أضربت عَنْهَا خشيَة الإطالة

سند صحيح مسلم

سَنَد صَحِيح مُسلم وَأَخْبرنِي بِجَمِيعِ الْجَامِع الْمسند الصَّحِيح للْإِمَام الْحَافِظ مُسلم ابْن الْحجَّاج الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي رَحمَه الله الشَّيْخ الإِمَام الْمسند زين الدّين أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن الإِمَام الْحَافِظ أبي عَمْرو مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سيد النَّاس الْيَعْمرِي رَحمَه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي سِتَّة وَعشْرين مَجْلِسا آخرهَا يَوْم الْأَحَد الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان الْمُعظم سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بمجسد الجيشي بحكر الخازن من الْقَاهِرَة المعزية قلت لَهُ أخْبرك الشَّيْخ الْمسند زين الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْمَعِيل بن عبد الله بن عبد المحسن الْأنمَاطِي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنت تسمع من كتاب الْجَنَائِز إِلَى بَاب ذكر الحرورية وَمن يتحلى بدين الْإِسْلَام وإجازة لما بَقِي إِن لم يكن سَمَاعا فِي شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بالحسينية من الْقَاهِرَة بِسَمَاعِهِ من أول الْكتاب إِلَى قَوْله كتاب الْإِيمَان وَمن أثْنَاء كتاب الصَّلَاة إِلَى آخر الْكتاب أَعنِي

كتاب مُسلم حضورا من القَاضِي أبي الْقَاسِم عبد الصَّمد بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل الْأنْصَارِيّ الحرستاني وبإجازته للقدر الْمعِين مِنْهُ إِن لم يكن سَمَاعا قَالَ أَنا الشَّيْخَانِ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان بن أَحْمد الْمرَادِي وَأَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر الشَّافِعِي قِرَاءَة عَلَيْهِمَا خلا الْجُزْء الرَّابِع وَالتَّاسِع عشر وَالْعِشْرين وَالْحَادِي وَالْعِشْرين وَالنّصف الأول من الثَّانِي وَالْعِشْرين وَالنّصف الآخر من الْجُزْء التَّاسِع وَالْعِشْرين فَإِنَّهُ لم يسمع ذَلِك من ابْن عَسَاكِر وبإجازة زين الدّين الْأنمَاطِي من أبي الْحسن الْمُؤَيد بن مُحَمَّد بن عَليّ الطوسي قَالُوا أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي ح قَالَ الحرستاني وَأَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي وَأَبُو مُحَمَّد إِسْمَعِيل بن أبي بكر بن أبي الْقَاسِم الْقَارِي وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن أَحْمد الخواري وَفَاطِمَة بنت أبي الْحسن عَليّ ابْن المظفر بن زعبل البغدادية إِذْنا قَالُوا أَنا أَبُو الْحُسَيْن عبد

سند جامع الترمذي

الغافر بن مُحَمَّد بن عبد الغافر بن أَحْمد الْفَارِسِي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ أخبرنَا أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عمرويه ابْن مَنْصُور الجلودي قَالَ حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان النَّيْسَابُورِي قَالَ حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي بِسَنَدِهِ إِلَى شُيُوخه سَنَد جَامع التِّرْمِذِيّ وَأَخْبرنِي بِجَمِيعِ الْجَامِع الْمسند وَكتاب الْعِلَل آخِره للْإِمَام الْحَافِظ أبي عِيسَى مُحَمَّد بن عِيسَى بن سُورَة التِّرْمِذِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْمسند المكثر نجم الدّين أَبُو الْكَرم عبد الْعَزِيز بن عبد الْقَادِر بن أبي الْكَرم بن أبي الذَّر الربعِي الْبَغْدَادِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع فِي اثْنَي عشر مَجْلِسا آخرهَا فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر جُمَادَى الأولى سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَأَخْبرنِي بِالْمَجْلِسِ الْأَخير فَقَط وأوله من مَنَاقِب عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ إِلَى آخر كتاب الْعِلَل الْمَشَايِخ الثَّلَاثَة الْعَلامَة بهاء الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن القَاضِي ركن الدّين

مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم بن أَحْمد بن أبي سعد عبد الصَّمد بن حمويه الشَّافِعِي وَالْإِمَام الْعَالم فتح الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن القلانسي الْحَنْبَلِيّ والمسند الْأَصِيل محب الدّين أَبُو عبد الله أَحْمد بن الْحَافِظ شرف الدّين عبد الْمُؤمن بن خلف الدمياطي مَعَ المسمع الأول سَمَاعا عَلَيْهِم لهَذَا الْقدر وإجازة لما بَقِي من الْكتاب بِالْقِرَاءَةِ والتأريخ الْمَذْكُور بِصفة الْمَشَايِخ من خانقاه سعيد السُّعَدَاء من الْقَاهِرَة المعزية قَالَ الأول وَهُوَ ابْن أبي الذَّر أَخْبرنِي الْمَشَايِخ الْأَرْبَعَة أَبُو مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْقَاسِم ابْن ورخز الْبَغْدَادِيّ وَأَبُو المظفر شمس الدّين يُوسُف بن أبي الْقَاسِم بن مسرور الْوَكِيل وَأَبُو البركات عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن أبي الْحسن عَليّ بن أَحْمد بن الطبال وَأَبُو الْحسن فَخر الدّين عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي ابْن البُخَارِيّ قَالَ ابْن ورخز أَنا الْمَشَايِخ الْأَرْبَعَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن مَحْمُود بن الْمُبَارك بن الْأَخْضَر الْبَزَّار وَأَبُو الْفَتْح أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الغزنوي وَأَبُو أَحْمد الْأَكْمَل بن أَحْمد بن مطر العباسي وَأَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن صَالح بن شَافِع الجيلي وَقَالَ الثَّانِي وَهُوَ ابْن مسرور الْوَكِيل أَنا أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن الْأَخْضَر وَقَالَ الثَّالِث وَهُوَ

وَهُوَ ابْن الطبال أَنا أَبُو حَفْص عمر بن كرم الدينَوَرِي وَقَالَ الرَّابِع وَهُوَ ابْن البُخَارِيّ أَنا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن معمر بن طبرزد الدارقزي قَالَ الْأَرْبَعَة الْأُخَر وَهُوَ ابْن الْأَخْضَر والغزنوي وَابْن مطر العباسي وَابْن شَافِع الجيلي وَأَبُو حَفْص الدينَوَرِي أَنا أَبُو الْفَتْح عبد الْملك بن أبي الْقَاسِم عبد الله بن أبي سهل الكروخي الْبَزَّار وَقَالَ ابْن شَافِع أَيْضا أَنا ابْن طبرزد وَأَبُو الْفرج عبد الْمُنعم بن عبد الْوَهَّاب بن سعد بن صَدَقَة ابْن كُلَيْب الْحَرَّانِي قَالَ أَنا أَبُو الْعَلَاء صاعد بن سيار الإسحاقي قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو عَامر مَحْمُود بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ وَقَالَ الكروخي الْبَزَّار أَنا الْمَشَايِخ الْأَرْبَعَة القَاضِي أَبُو عَامر الْأَزْدِيّ الْمَذْكُور وَأَبُو بكر أَحْمد ابْن عبد الصَّمد الغورجي وَأَبُو نصر عبد

الْعَزِيز بن مُحَمَّد الترياقي وَأَبُو مُحَمَّد عبد الله بن عَطاء بن ياسين الدهان البغاورداني قَالُوا أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْجَبَّار بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي الْجراح الجراحي قَالَ أَنا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْبُوب المحبوبي قَالَ حَدثنَا الْحَافِظ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ بِسَنَدِهِ عَن شُيُوخه سوى الْأَبْوَاب والتراجم فَإِنَّهَا من رِوَايَة عبد الله بن عَطاء الدهان عَن الجراحي وَقَالَ ابْن حموية أحد الثَّلَاثَة المسمعين الأول أَنا شهَاب الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد عبد الْمُنعم الشَّافِعِي عرف بِابْن الخيمي وَقَالَ الثَّانِي وَالثَّالِث وهما ابْن القلانسي وَابْن الدمياطي أَنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن ترْجم قَالَ ابْن ترْجم وَابْن الخيمي أَنا أَبُو الْحسن على ابْن أبي الْكَرم نصر بن الْمُبَارك ابْن الْبَنَّا وَقَالَ ابْن الخيمي وأنبأنا أَبُو شُجَاع زَاهِر بن رستم بن أبي البرحاء الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ ابْن الْبَنَّا وَابْن رستم أَنا أَبُو الْفَتْح عبد الْملك الكروخي بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور إِلَى التِّرْمِذِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى

سند السيرة الشريفة لإبن هشام عن البكائي عن ابن إسحاق

سَنَد السِّيرَة الشَّرِيفَة لإبن هِشَام عَن البكائي عَن ابْن إِسْحَاق وَأَخْبرنِي بِجَمِيعِ كتاب السِّيرَة للْإِمَام الْعَالم أبي مَرْوَان عبد الْملك ابْن هِشَام بن أَيُّوب الذهلي الْبَصْرِيّ الشَّيْخ الإِمَام الصَّالح الصَّدْر الْكَبِير المجاور بحرم الله وَحرم نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والقدس الشريف قطب الدّين أَبُو بكر بن الإِمَام الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الْعِزّ المكرم الْأنْصَارِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بقبة الشَّرَاب تجاه الْكَعْبَة المشرفة المعظمة فِي مجَالِس آخرهَا فِي يَوْم السبت الثَّالِث من شهر ربيع الأول سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بِحَق سَمَاعه من وَالِده الْمَذْكُور قَالَ أَنا الشَّيْخ المعمر أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي عبد الله الْحُسَيْن بن عَليّ بن مَنْصُور ابْن المقير النجار الْبَغْدَادِيّ أَنا وَأَبُو الْفضل مُحَمَّد بن نَاصِر بن مُحَمَّد بن عَليّ السلَامِي أَنا القَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ بن

سند الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للقاضي عياض رحمه الله تعالى

الْحسن الخلعي وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن سعيد بن عبد الله الحبال قَالَا أَنا أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد النّحاس وبسماع ابْن الحبال أَيْضا من الزَّعْفَرَانِي قَالَا حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن جَعْفَر بن الْورْد بن زَنْجوَيْه الْبَغْدَادِيّ حَدثنَا أَبُو سعيد عبد الرَّحِيم بن عبد الله ابْن عبد الرَّحِيم ابْن البرقي ثَنَا ابْن هِشَام النَّحْوِيّ سَنَد الشفا بتعريف حُقُوق الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْقَاضِي عِيَاض رَحمَه الله تَعَالَى وَأَخْبرنِي بِجَمِيعِ كتاب الشفا بتعريف حُقُوق الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْإِمَام الأوحد الْعَلامَة القَاضِي أبي الْفضل عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض الْيحصبِي السبتي رَحمَه الله تَعَالَى الشَّيْخَانِ الإِمَام الْعَالم مجاور حرم الله تَعَالَى سراج الدّين أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عَليّ الدمنهوري

الشَّافِعِي رَحمَه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ تجاه الْكَعْبَة المعظمة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فِي شهور سنة ثَمَان واربعين وَسَبْعمائة والمسند الْأَصِيل نجم الدّين يُوسُف ابْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي الْفَتْح الْقرشِي الْمُؤَذّن بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ بالفسطاط عرف بالدلاصي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع فِي شهور سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قَالَ الدمنهوري أَخْبرنِي الْأَشْيَاخ السَّبْعَة أقضى الْقُضَاة بهاء الدّين أَحْمد بن أَحْمد بن الإِمَام الْقدْوَة صفي الدّين أبي عبد الله الْحُسَيْن بن أبي الْمَنْصُور الْأَزْدِيّ الْأنْصَارِيّ الْمَالِكِي والمحدث كَمَال الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أسعد بن كريم الثَّقَفِيّ وَالْإِمَام الْمُقْرِئ شرف الدّين أَبُو عبد الله الزبير بن عَليّ بن سيد الْكل المهلبي الأسواني والمحدث شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي بكر بن حَاتِم بن جَيش الزبيرِي وَالْعدْل شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن الجزائري الرصدي والعلامة برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن تَاج الدّين عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن سِبَاع الْفَزارِيّ الدِّمَشْقِي عرف بِابْن الفركاح والمعمر أَبُو النُّون يُونُس بن إِبْرَاهِيم بن عبد الْقوي الْعَسْقَلَانِي

رَحِمهم الله قِرَاءَة على السَّابِع وسماعا على البَاقِينَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر ودمشق فِي تواريخ مُخْتَلفَة بِسَمَاع الْأَرْبَعَة الأول من ابْن تامتيت باجازته من الْحَافِظ أبي الْحُسَيْن يحيى بن مُحَمَّد بن عَليّ الْأنْصَارِيّ عرف بِابْن الصَّائِغ باجازته من الْمُؤلف وبسماع الثَّقَفِيّ والرصدي أَيْضا من الْإِمَامَيْنِ الْمُحدثين علم الدّين مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَتيق بن رَشِيق الْمَالِكِي ونظام الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الخليلي الدَّارِيّ وبسماع الزبيرِي أَيْضا من الْأَعَز أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن طرخان وَمن ابْن رَشِيق الْمَالِكِي خلا من أوراق يسيرَة فَاتَتْهُ على ابْن رَشِيق فباجازته مِنْهُمَا وبسماع الرصدي من أبي عبد الله مُحَمَّد بن برطلة الْأَزْدِيّ وبسماع الْفَزارِيّ من أبي مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن الخليلي وباجازة الْعَسْقَلَانِي من أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْقَيْسِي بِسَمَاع ابْن رَشِيق والخليلي وَابْن طرخان والداري من ابْن جُبَير الْكِنَانِي باجازته من أبي عبد الله مُحَمَّد التَّمِيمِي باجازته من ابْن تامتيت وباجازة ابْن برطلة من أبي الْحُسَيْن

سند الروض الأنف للسهيلي رحمه الله تعالى

عَليّ الشقوري وبسماع ابْن محَارب من الْخَطِيب أبي جَعْفَر أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الْقَيْسِي قَالَ التَّمِيمِي والقيسي أَنا القَاضِي عِيَاض سَمَاعا عَلَيْهِ وَقَالَ الشقوري إجَازَة وَقَالَ شَيخنَا الدلاصي أَخْبرنِي بِهِ ابْن تامتيت قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع بفسطاط مصر فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من ذِي حجَّة عَام خمس وَسبعين وسِتمِائَة قَالَ أَنبأَنَا ابْن الصَّائِغ قَالَ أَنبأَنَا القَاضِي أَبُو الْفضل عِيَاض رَحمَه الله سَنَد الرَّوْض الْأنف لِلسُّهَيْلِي رَحمَه الله تَعَالَى وناولني جَمِيع كتاب الرَّوْض الْأنف والمشرع الروي للْإِمَام الْحَافِظ أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد الْخَثْعَمِي السُّهيْلي الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْمُحدث الرّحال شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي سُلْطَان جَابر بن مُحَمَّد بن حسان الْقَيْسِي آشى رَحمَه الله وَأذن لي أَن أرويه عَنهُ بِسَنَدِهِ بطرِيق المناولة وَالْإِجَازَة قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج الْمعَافِرِي قَالَ أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن السراج الإشبيلي نزيل بجاية قَالَ أخبرنَا السُّهيْلي وَذَلِكَ

سند أخبار مكة شرفها الله تعالى للأزرقي

فِي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي عشر جمادي الأول سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بالخانقاه الشرابيشية من الْقَاهِرَة المعزية سَنَد أَخْبَار مَكَّة شرفها الله تَعَالَى للأزرقي وَأَخْبرنِي بِجَمِيعِ كتاب أَخْبَار مَكَّة المشرفة وَمَا جرى فِيهَا للْإِمَام أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد ابْن عقبَة بن الْأَزْرَق بن أبي شمر الغساني الْأَزْرَقِيّ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم شهَاب الدّين أَحْمد بن الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْمُحدث المكثر رَضِي الدّين أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي بكر بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ إِمَام أهل الْآفَاق بمقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ تجاه الْكَعْبَة المعظمة فِي مجَالِس آخرهَا فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء وَفَاء شهر صفر سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَمن قَوْله افتخار الْحَرَمَيْنِ الشريفين مَكَّة وَالْمَدينَة إِلَى آخر الْكتاب على الْمَشَايِخ السَّبْعَة الإِمَام الْعَالم ضِيَاء الدّين أبي الْفضل مُحَمَّد ويدعى خَلِيل بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عمر الْقُسْطَلَانِيّ إِمَام الْمَالِكِيَّة بحرم الله تَعَالَى والصالح فَخر الدّين عُثْمَان بن أَحْمد ابْن

عَم المسمع الأول وَولده زين الدّين عبد الرَّحْمَن وَالسَّيِّد نور الدّين عَليّ بن الإِمَام الْعَالم السَّيِّد أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الحسني الفاسي بروايته حضورا فِي الْخَامِسَة من عمره والعالم ضِيَاء الدّين بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي المكارم الْحَمَوِيّ والفقيه جمال الدّين يُوسُف بن حسن بن عَليّ الْحَنَفِيّ والصالح شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْبُرْهَان الطَّبَرِيّ بسماعهم أَجْمَعِينَ على الشَّيْخ رَضِي الدّين وَالِد المسمع الأول فِي تواريخ مُخْتَلفَة وبسماع شَيخنَا شهَاب الدّين على قَاضِي الْقُضَاة بِمَكَّة المحروسة نجم الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن الإِمَام الْعَالم جمال الدّين مُحَمَّد بن الإِمَام الْعَلامَة محب الدّين أَحْمد بن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الطَّبَرِيّ وباجازته من الشَّيْخ عماد الدّين أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ قَالَ الشَّيْخ رَضِي الدّين أخبرنَا الشَّيْخ جمال الدّين يُوسُف بن الإِمَام نجيب الدّين أبي بكر بن أبي الْفَتْح الْحَنَفِيّ إجَازَة مُكَاتبَة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ أَنا وَالِدي نجيب الدّين أَنا الشَّيْخ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُبَارك بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن الطباخ الْحَنْبَلِيّ الْبَغْدَادِيّ أَنا أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن أَحْمد بن عمر

الْمُقْرِئ الحريري ح وَقَالَ الشَّيْخ رَضِي الدّين أَنا بِهِ الشَّيْخ نجم الدّين أَبُو النُّعْمَان بشير بن أبي بكر حَامِد بن سُلَيْمَان الْجَعْفَرِي التبريزي شيخ الْحرم الشريف إجَازَة بِحَق سَمَاعه على الشَّيْخ ضِيَاء الدّين أبي أَحْمد عبد الْوَهَّاب بن عَليّ بن عبد الله بن سكينَة بِحَق سَمَاعه من الشَّيْخ صَلَاح الدّين أبي بكر أَحْمد بن المقرب بن الْحُسَيْن بن حسن الصُّوفِي الْكَرْخِي بِسَمَاعِهِ من أبي الْحُسَيْن الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن الْقَاسِم الصَّيْرَفِي عرف بِابْن الطيوري ح قَالَ وَأخْبرنَا بِهِ أَيْضا إجَازَة الشَّيْخ نجم الدّين أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن خَلِيل الْعَسْقَلَانِي الشَّافِعِي بِسَمَاعِهِ من أبي بكر بن أبي الْفَتْح بن عمر السجسْتانِي إِمَام مقَام الْحَنَفِيَّة بِالْحرم الشريف بِسَمَاعِهِ من ابْن الطباخ الْبَغْدَادِيّ ح وَقَالَ الشَّيْخ رَضِي الدّين وَأخْبرنَا بِهِ عَالِيا شَيخنَا ركن الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حرمي إجَازَة أَنا الشَّيْخَانِ ابْن الطباخ سَمَاعا عَلَيْهِ بِسَنَدِهِ وَالشَّيْخ صدر الدّين أَبُو حَفْص عمر بن عبد الْمجِيد بن عمر الْقرشِي الميانشي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَنحن نسْمع فِي التَّاسِع من شهر شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة تجاه الْكَعْبَة المعظمة قَالَ أَنا القَاضِي أَبُو المظفر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الشَّيْبَانِيّ الطَّبَرِيّ عَن جده الشَّيْخ الإِمَام الْحُسَيْن وَعَن أبي الْحسن

عَليّ بن خلف الشَّامي قَالَا أَنا أَبُو الْقَاسِم خلف بن هبة الله بن قَاسم الشَّامي قَالَ ابْنه أَبُو الْحسن عَليّ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة قَالَ أَنا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد بن فراس من لَفظه فِي الْمَسْجِد الْحَرَام سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة ثَنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن أَحْمد بن نَافِع الْخُزَاعِيّ وَأَبُو بكر أَحْمد بن عبد الله بن عبد الْمُؤمن قَالَا حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد إِسْحَاق بن أَحْمد بن إِسْحَاق الْخُزَاعِيّ وَهُوَ عَم أبي مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ قَالَ ثَنَا أَبُو الْوَلِيد الْأَزْرَقِيّ وَقَالَ قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين الطَّبَرِيّ أَخْبرنِي بِهِ سَمَاعا الشَّيْخ عماد الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن الطَّبَرِيّ الْمُجِيز للسمع الأول بِسَمَاعِهِ من جده لأمه الشَّيْخ نجم الدّين أبي دَاوُد الْعَسْقَلَانِي بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور وباجازته من الشَّيْخَيْنِ نجم الدّين أبي النُّعْمَان بشير التبريزي الْمَذْكُور بِسَنَدِهِ وَأبي الْحسن عَليّ بن أبي عبد الله ابْن المقير باجازته من ابْن المقرب الْكَرْخِي بِسَمَاعِهِ من الْمُبَارك

ابْن الطيوري قَالَ أَنا أَبُو طَالب مُحَمَّد بن عَليّ بن الْفَتْح الْحَرْبِيّ العشاري سَمَاعا وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن الْمقري الحريري الْمُقدم ذكره إجَازَة بِسَمَاعِهِ من القَاضِي الشريف أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي مُوسَى الْهَاشِمِي بِسَمَاعِهِ من أبي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الصَّمد بن مُوسَى الْهَاشِمِي بِسَمَاعِهِ من الْأَزْرَقِيّ رَحمَه الله بِسَنَدِهِ عَن شُيُوخه رَحْمَة الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَهَذَا مَا تيَسّر مِمَّا وَقع لي إِسْنَاده من الْكتب الَّتِي استخرجت مِنْهَا مَا جمعته فِي كتابي هَذَا وَمَا تحققت إِسْنَاده وَكَانَ مثبتا عِنْدِي وأضربت عَمَّا لم أتحققه من ذَلِك وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَصلى الله على سيدنَا وَنَبِينَا وحبيبنا مُحَمَّد نَبِي الرَّحْمَة وشفيع الْأمة وعَلى آله وَصَحبه وَسلم الَّذين جاهدوا فِي الله حق جهاده وَأَن ينفعنا بمحبتهم أَجْمَعِينَ وَأَن يميتنا على الْكتاب وَالسّنة لَا مغيرين وَلَا مبدلين وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

يَقُول مُؤَلفه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل شيخ الْمُحدثين الْقدْوَة فسح الله فِي مدَّته وأعانه على مرضاته وَختم بالصالحات أَعماله بن سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْكَامِل عَلَاء الدّين عَليّ بن سيدنَا الشَّيْخ الإِمَام المرحوم شهَاب الدّين أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن سيدنَا الإِمَام زين الدّين عبد الرَّحْمَن الْمَعْرُوف بِابْن حَدِيدَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْمَقْدِسِي ثمَّ الْمصْرِيّ لطف الله بِهِ وأعانه على مرضاته فرغت من تأليفه ضحى يَوْم الْجُمُعَة رَابِع شهر ذِي الْقعدَة الْمُبَارك سنة تسع وَسبعين وَسَبْعمائة بالخانقاه الصلاحية سعيد السُّعَدَاء رحم الله واقفها (تمّ الْكتاب وربنا الْمَحْمُود ... وَله المكارم والعلى والجود) (صلى الْإِلَه على النَّبِي مُحَمَّد ... مَا اخضر ريحَان وأورق عود) فرغ من كِتَابَة هَذَا الْكتاب الْمُبَارك الْمُسَمّى الْمِصْبَاح الْمُضِيّ العَبْد

الْفَقِير الْمُعْتَرف بالْخَطَأ وَالتَّقْصِير الراجي عَفْو ربه اللَّطِيف الْخَبِير الحقير بِنَفسِهِ الشريف باسمه أَحْمد بن العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى مُحَمَّد بن المرحوم عَطاء الله السفطي الْمَالِكِي عَفا الله تَعَالَى عَن خطائه وعمده وتداركه برحمة من عِنْده يَوْم الْحَادِي وَالْعِشْرين من شهر جُمَادَى الأولى عَام أحد وَعشْرين وَتِسْعمِائَة حامدا لله ومصليا على نبيه مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَكتبه لسيدنا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الْمُحَقق المدقق الشَّيْخ شمس الدّين الدمياطي الشَّافِعِي خَليفَة الْحَكِيم الْعَزِيز بالديار المصرية وأمينها بهَا أَحْمد الْمَذْكُور عَامله الله بخفي لطفه وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَجَمِيع الْمُسلمين آمين يَا رب الْعَالمين

§1/1