المشترك اللفظي في الحقل القرآني

عبد العال سالم مكرم

تقديم

تقديم اللغة العربية تميزّت عن لغات العالم بكثرة ألفاظها، وغزارة معانيها. وما ورد منها قليل من كثير، وغيض من فيض، وغرفة من بحر. وما أصدق قول الإمام الشافعيّ: «لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبيّ» وقد سجّل ذلك ابن فارس في كتابه «الصاحبي» في معرض الفخر باللغة العربيّة التي اختصّها الله تعالى بالفضل، وميّزها بالبيان حيث قال جل شأنه: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ قال الصاحبي: ومعلوم أن العجم لا تعرف للأسد اسما غير واحد، فأما نحن فنخرج له خمسين ومائة اسم. ولما بزغت شمس الإسلام من سماء القرآن اكتسبت اللغة العربية قوّة في البيان، وجزالة في اللفظ، وفخامة في المعنى، بما تشتمل عليه من ألفاظ موحية، وكلمات مشرقة، وتراكيب بديعة. ومعاني القرآن الكريم لا تنتهي عند حد، ولا تقف عند نهاية، فكلما ظهرت معان تجدّدت معان أخرى، وهكذا. فمعاني القرآن الكريم مع المتدبّرين والدارسين ولادة بعد ولادة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. ولله درّ الإمام الغزالي حينما عبّر عن هذه المعاني بقوله: «إلى

كم تطوف على ساحل البحر مغمضا عينيك عن غرائبها. أو ما كان لك أن تركب لجّتها لتبصر عجائبها، وتسافر إلى جزائرها لاجتناء أطايبها، وتغوص في أعماقها، فتستغني بنيل جواهرها؟ أو ما بلغك من أن القرآن الكريم هو البحر المحيط، ومنه يتشعّب علم الأولين والآخرين كما يتشعّب من سواحل البحر المحيط أنهارها وجداولها» ومن المعاني الغزيرة التي ضمّها القرآن الكريم من خلال كلماته المشرقة وألفاظة البديعة ما يسمى بالمشترك اللفظيّ. عشت في رحاب القرآن الكريم دارسا هذه الظاهرة، باحثا عن مصادرها، عارضا المؤلفات التي ألفت في ميدانها وأرجو الله أن يوفقنا لخدمة كتابه، وعرض درره وجواهره، إنه نعم المولى، ونعم النصير. عبد العال سالم مكرم ¬

_ من كتاب: جواره القرآن الكريم ودرره للإمام الغزالي- طبع بيروت.

الفصل الأول المشترك اللفظي في الحقل اللغوي

الفصل الأول المشترك اللفظي في الحقل اللغوي

1 - معنى المشترك اللفظي:

1 - معنى المشترك اللفظي: حدّد معناه السّيوطي ناقلا عن ابن فارس في «فقه اللغة» فقال: «وقد حدّه أهل الأصول بأنه اللفظ الواحد الدالّ على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السّواء عند أهل تلك اللغة» (¬1) ومن هذا التعريف يتبين أن عمود المشترك اللفظي هو الدلالة، لأن اللفظ الواحد يدلّ على معنى أو اثنين أو أكثر. ومن البدهيّ أن اللّفظ في أول وضعه كان يدل على معنى واحد، ثم تولّد من هذا المعنى الواحد عدّة معان، وهذا التّوالد هو ما نسميه: تطور المعنى. وهذا التّطور «يسير ببطء وتدرّج، فتغيّر مدلول الكلمة مثلا لا يتمّ بشكل فجائي سريع، بل يستغرق وقتا طويلا، ويحدث عادة في صورة تدريجية فينتقل إلى معنى آخر قريب منه. وهذا إلى ثالث متصل به ... وهكذا دواليك حتى تصل الكلمة أحيانا إلى معنى بعيد كل البعد عن معناها الأول» (¬2) والتطور مرتبط بعلاقتين يحكمانه، وهما: علاقة المجاورة والمشابهة. ¬

_ (¬1) المزهر: 1/ 369. (¬2) علم اللغة للدكتور على عبد الواحد وافي: 314.

أما علاقة المجاورة قد تكون مكانيّة «كتحوّل» معنى «ظعينة» وهي في الأصل: المرأة في الهودج إلى معنى الهودج نفسه وإلى معنى البعير» وقد تكون علاقة المجاورة زمنية «كتحوّل معنى «العقيقة» وهي الأصل: الشعر الذي يخرج على الولد من بطن أمّه إلي معنى الذبيحة التي تنحر عند حلق الشعر» وأما علاقة المشابهة كتحول معنى «الأفن»، وهو في الأصل: قلّة لبن الناقة إلى معنى قلّة العقل والسّفه. وتحوّل معنى المجدّ» وهو في الأصل: امتلاء بطن الدابّة من العلف إلي معنى الامتلاء بالكرم» (¬1) ومن التّطوّر الدّلالي وله علاقة بالمشترك اللّفظي: أن تكون اللفظة تدل على معنى معيّن عامّ، فيتقادم الزمن بتناسى المعنى العام، لتستعمل الكلمة في معنى خاص. «فمن ذلك جميع المفردات التي كانت عامّة المدلول، ثم شاع استعمالها في الإسلام في معان خاصة تتعلق بالعقائد أو الشعائر، أو النظم الدينيّة كالصلاة والحجّ، والصوم والمؤمن والكافر، والمنافق، والرّكوع والسجود .. فالصلاة مثلا معناها في الأصل: «الدعاء» ثم شاع استعمالها في الإسلام في العبادة المعروفة لاشتمالها على مظهر من مظاهر الدعاء حتى أصبحت لا تنصرف عند إطلاقها إلى غير هذا المعنى. ¬

_ (¬1) علم اللغة للدكتور على عبد الواحد وافي: 316، 317.

والحجّ، معناه في الأصل: قصد الشيء والاتّجاه، ثم شاع استعماله في قصد البيت الحرام، حتى أصبح مدلوله الحقيقي مقصورا على هذه الشعيرة (¬1) وقد يحدث العكس بأن تكون الكلمة دالة على معنى خاص في أصل وضعها ثم تتطور إلى معنى عام بتقادم العهد «فالبأس في الأصل: الحرب، ثم كثر استخدامه في كل شدّة، فاكتسب من هذا الاستخدام عموم معناه .. والرائد في الأصل: طالب الكلاأ، ثم صار طالب كل حاجة رائدا. (¬2). وهذا التطوّر أحسّ بها علماء اللغة القدماء قبل أن توجه إليه عناية اللغويين المحدثين. قالأصمعيّ كان يقول: أصل «الورد»: إتيان الماء، ثم صار إتيان كل شيء وردا. و «القرب» طلب الماء، ثم صار يقال ذلك لكل طلب، فيقال: هو يقرب كذا، أي يطلبه، ولا تقرب كذا» ويقولون: «رفع عقيرته» أي صوته، وأصل ذلك أن رجلا عقرت رجله، فرفعها، وجعل يصيح بأعلى صوته فقيل بعد لكل من رفع صوته: رفع عقيرته. ويقولون: بينهما مسافة «وأصله من السّوف» وهو الشّمّ ومثل هذا كثير» (¬3) ¬

_ (¬1) علم اللغة: 319، 320. (¬2) السابق: 220. (¬3) الصاحبي لابن فارس: 112.

2 - اختلاف العلماء في مجال المشترك اللفظي:

2 - اختلاف العلماء في مجال المشترك اللّفظيّ: لم يتفق علماء اللغة على رأي في وقوع هذه الظاهرة في ساحة اللّغة العربيّة، ففريق ينكر، وفريق يجوّز، ولكل فريق رأي واتّجاه. وعلى رأس المنكرين للمشترك اللّفظيّ في اللغة من القدماء ابن درستويه وسنلخص رأيه في إيجاز فيما يلي: 1 - رأي ابن درستويه: يرى ابن درستويه أن المشترك اللفظيّ لا يقع في كلام العرب للأمور التالية: أ- ليس من الحكمة والصواب أن يقع المشترك اللفظيّ في كلام العرب لأنه يلبس، وواضع اللغة وهو الله عز وجل حكيم عليم، فقد وضع الله تعالى اللغة للإبانة عن المعاني. ب- لو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على المعنيين المختلفين لما كان ذلك إبانة، بل تعميم وتغطية. ج- الذين جوزوا وقوع المشترك اللفظيّ متوهمون مخطئون، والمثل على ذلك مجىء فعل وأفعل لمعنيين مختلفين في نظر المجوزين فمن لا يعرف العلل، ويتعمق في دراسة الكلمات يحكم هذا الحكم مع أنهما في الحقيقة لمعنى واحد، وإذا وقع في كلام العرب أنهما لمعنيين مختلفين، فإنما يرجع ذلك إلى لغتين متباينتين، أو لحذف واختصار وقع في الكلام. د- ويضرب مثلا على توهم المجوزين بلزوم الفعل وتعديته وذلك أن الفعل لا يتعدّى فاعله إذا احتيج إلي تعديته لم تجز تعديته على لفظه الذي هو عليه حتى يتغيّر إلى لفظ آخر بأن يزاد في أوله الهمزة، أو

يوصل به حرف جر ليستدل السّامع على اختلاف المعنيين. هـ- ويرى ابن درستويه أن بعض هذا الباب، ربما كثر استعماله في كلام العرب حتى يحاولوا تخفيفه، فيحذفوا حرف الجرّ منه، فيعرف بطول المادة، وكثرة الاستعمال، وثبوت النّقول، وإعرابه فيه خاليا عن الجار المحذوف» (¬1) وفي موطن آخر نرى ابن درستويه يسوق مثالا يدلل في ضوئه على أن المشترك اللفظيّ شيء ثابت فقط في أذهان من لم يتعمقوا في اللغة، ويعيشوا في محرابها بعقول متفتحة ونظرات نافذة، وذلك، لأن اللغة في رأيه لا تعترف بهذه الظاهرة، وأنه إذا وجد اختلاف في المعنى فإنما يرجع إلى تصاريف الكلمة، فهي المفتاح الوحيد للتفرقة بين المعاني، يقول: وأما قوله: أقسط الرجل: إذا عدل، فهو مقسط، وقسط: إذا جار فهو قاسط، قال الله عز وجل: وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (¬2)، فهو كما قال، ولكن الأصل فيهما من القسط، وهو العدل في الحكم، والتّسوية بين الخصوم، وفي الأنصباء، ولذلك سمّي المكيال: قسطا، والنصيب قسطا والميزان قسطاسا. وإذا استعمل ذلك في الظلم، قيل: قسط بغير ألف، وهو يقسط فهو قاسط على وزن: ظلم يظلم فهو ظالم، أي لم يوف بالمكيال والميزان أو في النصيب. ¬

_ (¬1) المزهر: 1/ 385 بتصرّف. (¬2) الجن: 15.

وإذا استعمل في باب التسوية والإنصاف قبل: أقسط بالألف، فهو مقسط على وزن أنصف فهو منصف، أي صار ذا نصفة، وذا تسوية بالقسط، لأنهما بمعنى واحد» (¬1) فاختلاف المعنى في هذه الكلمة راجع إلى تصريف هذه الكلمة أو بعبارة أدق إلى الألف الزائدة في أقسط، وعدم وجودها في قسط، ومهما تغيرت المعاني، فإنها ترجع إلى معنى واحد. ويؤكد ابن درستويه (¬2) هذا المعنى في كتابه: «شرح الفصيح» فيقول في لفظة: «وجد» واختلاف معانيها ما نصّه: هذه اللفظة من أقوى حجج من يزعم أن من كلام العرب ما يتفق لفظه، ويختلف معناه، لأن سيبويه ذكره في أول كتابه، وجعله من الأصول المتقدّمة، فظنّ من لم يتأمّل المعاني، ولم يتحقّق الحقائق أنّ هذا لفظ واحد، جاء لمعان مختلفة، وإنما هذه المعاني كلّها شيء واحد، وهو إصابة الشىء خيرا كان أو شرّا ولكن فرّقوا بين المصادر، لأن المفعولات كانت مختلفة، فجعل الفرق في المصادر بأنّها أيضا مفعولة، والمصادر كثيرة التصاريف جدا، وامثلتها كثيرة مختلفة، وقياسها غامض، وعللها خفيّة، والمفتشون عنها قليل، والصّير عليها معدوم، فلذلك توهّم أهل اللّغة أنها تأتي على غير قياس، لأنهم لم يضبطوا قياسها ولم يقفوا على غورها» (¬3) ومن المؤيدين لرأي ابن درستويه الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس، فما رأيه؟ ¬

_ (¬1) تصحيح الفصيح لابن درستويه: 273، 274. (¬2) بعض العلماء ضبطه بضم الدال والراء، والبعض الآخر بضم الدال وفتح الراء. (¬3) المزهر 1/ 384

2 - رأي الدكتور إبراهيم أنيس:

2 - رأي الدكتور إبراهيم أنيس: يرى أستاذنا الفاضل أنّ المشترك اللفظيّ لا يقع إلا في لفظه تؤدّي إلى معنيين مختلفين كلّ الاختلاف، لبس بينهما أدنى ملابسة أو أيّة علاقة، أو أيّ نوع من أنواع الارتباط. يقول ما نصه: «إذا ثبت لنا من نصوص أنّ اللفظ الواحد قد يعبّر عن معنيين متباينين كلّ التبّاين سمّينا هذا بالمشترك اللّفظيّ. أما إذا اتضح أنّ أحد المعنيين هو الأصل، وأن الآخر مجاز له فلا يصح أن يعدّ مثل هذا من المشترك اللفظيّ في حقيقة أمره (¬1) ويضرب أستاذنا مثلا لذلك الذي يجعله العلماء الأسبقون بأنّه من المشترك اللّفظيّ مع أنه في الحقيقة ليس كذلك. يضرب مثلا بكلمة: «الهلال» فهي حين تعبّر عن هلال السماء، وعن حديدة الصّيد التي تشبه في شكلها الهلال، وعن هلال النّعل الذي يشبه في شكله الهلال، لا يصح إذا أن تعدّ من المشترك اللفظيّ، لأنّ المعنى واحد في كلّ هذا، وقد لعب المجاز دوره في كل هذه الاستعمالات» وإلى جانب هذا المثال يقدّم مثالا آخر تتضح فيه ظاهرة المشترك اللفظيّ الذي يرى أنه يوجد حينما تفقد الصلة بين المعنيين في اللفظ المشترك، وهذا المثال هو كلمة: «الأرض»، «إن الأرض: هي الكرة الأرضيّة، وهي أيضا الزّكام، وكأن يقال لنا: إن الخال هو أخو الأم، وهو الشامة في الوجه، وهو الأكمة الصغيرة» ¬

_ (¬1) دلالة الألفاظ: 213.

مناقشة هذا الرأي:

ويؤيد الدكتور إبراهيم أنيس رأيه بأن القرآن الكريم لم يقع فيه المشترك اللفظيّ إلّا قليلا جدا، ونادرا، فيقول: ويندر أن تصادفنا كلمة مثل «أمة» التي استعملت في القرآن الكريم بمعنى: «جماعة من الناس»، وبمعنى «الحين في قوله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (¬1)، وبمعنى «الدين» في قوله تعالى: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ. (¬2) مناقشة هذا الرأي: إن ما ذكره أستاذنا يختلف كل الاختلاف عما ذكره الأقدمون والمتأخرون في أنّ المشترك اللفظيّ وقع في القرآن الكريم بكثرة سواء كانت المعاني الدلاليّة للفظة الواحدة متقاربة أو متباعدة. وهناك من الآثار والأخبار ما لا يتّفق مع ما ذكره أستاذنا الفاضل، فقد قال مقاتل بن سليمان في صدر كتابه، المصنّف في هذا المعنى حديثا مرفوعا، وهو: «لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة» (¬3) وقد فسّر بعضهم هذا الحديث المرفوع بأن المراد أن يرى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعدّدة، فيحمله عليها إذا كانت غير متضادّة ولا يقتصر به على معنى واحد. وقصة علي كرم الله وجهه- معروفة في التاريخ الإسلامي، فحينما ¬

_ (¬1) يوسف: 45. (¬2) الزخرف: 23. (¬3) معترك القرآن: 1/ 514، 515.

أرسل عليّ كرّم الله وجهه- ابن عبّاس إلى الخوارج، قال: اذهب إليهم، وخاصمهم، ولا تخاصمهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسّنّة» وفي رواية أخرى قال له: «يا أمير المؤمنين، فأنا أعلم بكتاب الله، وفي بيوتنا نزل، قال: صدقت، ولكن القرآن حمّال على وجوه، تقول، ويقولون، ولكن حاجّهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا، فاخرج إليهم، فحاجّهم بالسنة، فلم يبق بأيديهم حجّة». (¬1) ومالي أذهب بعيدا وقد قرّر بعض علماء اللغة المحدثين أن ظاهرة المشترك اللفظي تقع في كثير من اللغات، وهذا هو: «استيفن أولمان» يقرّر بما لا يدع مجالا للشك أن: «اللغة في استطاعتها أن تعبر عن الفكر المتعدّدة بواسطة تلك الطريقة الحصيفة القادرة التي تتمثل في تطويع الكلمات، وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة، وبفضل هذه الوسيلة تكتسب الكلمات نفسها نوعا من المرونة والطواعية» فتظل قابلة للاستعمالات الجديدة. (¬2) على أن زميلنا الأستاذ الدكتور أحمد مختار لم يرتض رأي الأستاذ الدكتور أنيس، ووجه إليه ردا يضاف إلى ردّنا السابق. فماذا قال الدكتور مختار؟ قال: «وإذا كان لنا من تعليق على رأي الدكتور أنيس فإنه يتلخص فيما يأتي: 1 - «أنه رغم تضييقه الشديد لمفهوم المشترك اللفظيّ في كتابه: «دلالة الألفاظ»، وقصره المشترك الحقيقي على كلمات لا تتجاوز أصابع اليد ... نجده في كتابه «في اللهجات العربيّة» يصرّح بإن المعاجم العربيّة قد امتلأت به. ¬

_ (¬1) معترك الأقران: 1/ 514، 515. (¬2) انظر: «دور الكلمة في اللغة» ترجمة الدكتور كمال بشر: 115.

3 - رأي المجوزين لوقوع المشترك اللفظي:

2 - أنه لم يستقرّ على وضع واحد بالنسبة لكلمات المشترك التي نشأت عن تطور صوتي، فمرّة اعتبرها من المشترك، ومرّة عدّ من الإسراف والمغالاة مجاراة المعاجم العربيّة في اعتبارها من المشترك، وذكر أن الأقرب إلى الصواب أنها من قبيل التطور الصوتي. 3 - أنه مزج بين المنهجين الوصفي والتاريخيّ في علاج هذه الظاهرة وكان الأولى أن يقتصر على أحدهما» (¬1) 3 - رأي المجوزين لوقوع المشترك اللفظيّ: أدلة هؤلاء تنحصر فيما يلي: 1 - الوضع اللغويّ: وذلك لجواز أن يقع إمّا من واضعين، بأن يضع أحدهما لفظا لمعنى، ثم يضعه الآخر لمعنى آخر، واشتهر ذلك اللفظ بين الطائفتين في إفادته المعنيين، وهذا بناء على أن اللغات غير توقيفية» (¬2) 2 - نقل أهل اللغة كثيرا من الألفاظ المشتركة قال السّيوطي: والأكثرون على أنه واقع لنقل أهل اللغة ذلك في كثير من الألفاظ» (¬3) 3 - الاشتراك من الناحية العقلية واجب الوقوع، لأن الألفاظ محدودة، ولها نهاية تقف عندها، أما المعاني، فتتوالد، وتتكاثر وتتنقل من حالة إلى حالة، كفروع الشجرة تنمو وتزدهر وتتشابك كلما دبت فيها الحياة، وسرى في عروقها الماء. يقول السيّوطي: «ومن الناس من أوجب وقوعه- قال: لأن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهيّة، ¬

_ (¬1) علم الدلالة: 179. (¬2) المزهر: 1/ 369. (¬3) السابق.

والألفاظ متناهيّة، فإذا وزّع لزم الاشتراك» (¬1) ومعنى العبارة الأخيرة: أن المعاني إذا قسمت على الألفاظ استوعبتها وبقى من المعاني الكثير الذي لم تستوعبه الألفاظ، فتنقسم هذه المعاني على الألفاظ المحدودة، فربّما يكون لكلّ لفظ معنيان أو أكثر تبعا للظروف والأهوال، والمتّغيّرات التي تمّ فيها التقسيم. 4 - الاشتراك من طبيعة اللغة، ففي مجال الحروف نجد أن النّحاة جعلوا لكل حرف معاني عدّة، وألّفوا في ذلك كتبا متعددّة ومستقلّة مثل: «الجني الدّاني في حروف المعاني لابن أم قاسم، ومثل الأزهية في علم الحروف للهرويّ، ومثل: «رصف المباني في حروف المعاني للمالقىّ. وفي كل كتب النحاة تعرّض النحويون في باب حروف الجرّ لظاهرة المشترك اللفظيّ وبيّنوا أن لكل حرف عدة معان. وفي حقل الأفعال نجد أن هناك اشتراكا بين الخبر، والدّعاء في الأفعال الماضية، وكذلك في الأفعال المضارعة. يقول السيّوطيّ: وذهب بعضهم إلى أن الاشتراك أغلب لأن الحروف بأسرها مشتركة بشهادة النّحاة. والأفعال الماضية مشتركة بين الخير والدعاء، والمضارع كذلك، وهو أيضا مشترك بين الحال والاستقبال، ¬

_ (¬1) المزهر: 369.

4 - اختلاف الحركات والمشترك اللفظي

ثم قال السّيوطي: «والأسماء كثير فيها الاشتراك» (¬1) ومعنى ذلك أنه إذا كان الاشتراك في الحروف والأفعال، قضية مسلما بها، فكذلك القسم الثالث من أقسام الكلمة، وهي الأسماء، قضيّة مسلم بها. 4 - اختلاف الحركات والمشترك اللفظيّ: لم يتعرض القدماء والمحدثون إلى أنّ اختلاف الحركات في الكلمة ذات الحركات المختلفة، والتي تعطى معاني متعدّدة بإختلاف حركاتها قد يجعل هذه الكلمة من قبيل المشترك اللّفظي. ويظهر أن «قطرب» المتوفي سنة 206 هـ أول من تنبّه إلى هذه الظاهرة وهي التي تتمثل في «المثلثات» في كتاب ألفّه بعنوان: «المثلث» أو «المثلثات» وقد حقّق هذه المثلثات الدكتور رضا السويسي (¬2) وبيّن في مقدمة تحقيقه أن المقصود «من عبارة المثلّث أو المثلّثات هو مجموعة تضمّ ثلاثة مفردات، لها نفس الصيغة الصّرفيّة ومركّبة من نفس الحروف، فما يتغيّر فيها إلّا حركة فاء الكلمة أو عينها فيحصل بتغيير الحركة تغيير في المعنى، ومنه انتقال من مجال دلاليّ معيّن إلى مجال ثان» (¬3) وقد ألف في هذه الظاهرة بعد قطرب: 1 - أبو محمد عبد الله بن محمد البطليوسي النّحوي المتوفي 520 هـ 2 - أبو حفص عمر بن محمد القضاعي البلنسيّ المتوفي 570 هـ. ¬

_ (¬1) السابق: 310. (¬2) المثلّثات طبع بالدار العربيّة للكتاب، ليبيا- تونس. (¬3) مقدمة التحقيق: 11.

3 - جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي المتوفي سنة 672 هـ. 4 - أبو بكر الوراق البهنسيّ المتوفي 685 هـ. 5 - مجد الدين أبو طاهر محمد يعقوب الفيروز ابادي المتوفي 817 هـ. 6 - حسن قويدر الخليلي المغربيّ المتوفي 1262 هـ. (¬1) ومن الأمثلة التي نقدمها من كتاب مثلثات قطرب كنماذج تدل على الظّاهرة، وتوضّح أنّها ظاهرة علاقتها بالمشترك اللّفظيّ علاقة وطيدة هي ما يلي: أمثلة من مثلّثات قطرب: 1 - من المثلثات ما فتح أوّله، وكسر ثانيه، وضم ثالثه كلمة: الغمر- الغمر- الغمر. أمّا الغمر: فالماء الكثير، وأما الغمر: فالحقد في الصدر ومنه الحديث: «لا تجوز شهادة ذي الغمر على أخيه» (¬2) ... وأمّا الغمر، فهو الرّجل الذي لم يجرّب الأمور، الضعيف في حالاته 2 - ومنه: السّلام، والسّلام، والسّلام. فأمّا السّلام: فهو التّحية بين النّاس، قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (¬3) ¬

_ (¬1) انظر مقدمة التحقيق: 13. (¬2) ورد في سنن أبي داود في كتاب «الأقضية وسنن الترمذي: كتاب: الشهادات ومسند ابن حنبل: 2/ 204، 208، 225، وانظر المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي: 4/ 560 (¬3) يونس: 10.

وأمّا السّلام: فالحجارة:: جمع سلمة .. (¬1) وأمّا السّلام: فعروق ظاهر الكفّ والقدم، وجمعها: سلاميات» 3 - ومنه: الكلام، والكلام، والكلام. فأمّا الكلام فمن المنطق، وهو كلام النّاس، قال المؤمل: منّي علينا بالكلام فإنّما* كلامك ياقوت ودر منظّم وأمّا الكلام فالجراحات، واحدها: كلم، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «أجدك ما لعينيك لا تنام؟ كأن جفونها فيها فيها كلام» وأمّا الكلام، فهي الأرض الصلبة فيها الحصى والحجارة. قال بشر بن أبي حازم: نطوف بسبسب لا نبت فيها* كأن كلامها زبر الحديد (¬2) ونكتفي بهذا القدر من الأمثلة التي ساقها قطرب، وقد عرفنا من خلالها أنها لون من ألوان المشترك اللفظي. وقد قام المحقق بدراسته متّصلة حول هذه المثلثات ووضع جداول لها في حقول الدّلالات، وقدّم لهذه الجداول بما نصه: «إن توزيع المثلّثات إلى مجالات دلاليّة قد يساعدنا على حصر هذه المجالات، كما يساهم في تحديد نوعيّة العلاقات الدّلالية الرابطة بين كلّ مثلّث من حيث هي علاقة تنافر أو تقارب أو تناسق أو تشابه، كما يساهم البحث في مستوى الحركات على إبراز علاقات قد تكون من نوع مغاير كالانتقال من المادّيّات إلى المعنويّات والمجرّدات» (¬3) ¬

_ (¬1) كفرحة. (¬2) انظر مثلثات قطرب: 31 - 33. (¬3) المثلثات: 90.

5 - السياق محور المشترك اللفظي:

5 - السياق محور المشترك اللفظي: السياق هو علاقة الكلمة التي وقع فيها المشترك اللّفظي مع ما قبلها وما بعدها من كلمات الجملة، وذلك لأن الكلمات ليست أجساما بلا أرواح، ولكنها حيّة متحرّكة تعطي إشعات معينة للكلمات التي وقع فيها الاشتراك، وهي المفتاح الذي يفتح المغلق منها أو المصباح الذي يهتدي بضوئه على تحديد معاني الكلمة المشتركة. «ولهذا يصرّح» فيرث بأن المعنى لا ينكشف إلّا من خلال «تسييق» الوحدة اللّغوية، أي وضعها في سياقات مختلفة. ومعظم الوحدات الدّلالية تقع في مجاورة وحدات أخر، وأنّ معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلّا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها» (¬1) ومن الأمثلة الحيّة على قيمة السيّاق في تحديد المعنى ما يلي: 1 - قال أبو الطيب في رواية مسلسلة بدأها بأخبار محمد بن يحيي، وانتهى بها إلى الجرمازيّ، قال للخليل ثلاثة أبيات على قافية واحدة، يستوي لفظها ويختلف معناها: يا ويح قلبي من دواعي الهوى* إذ رجل الجيران عند الغروب أتبعتهم طرفي وقد أزمعوا* ودمع عيني كفيض الغروب كانوا وفيهم طفلة حرّة* تفترّ عن مثل أقاحي الغروب فالغروب الأوّل: غروب الشمس، والثاني: جمع غرب، وهو الدّلو العظيمة المملوءة، والثّالث: جمع غرب، وهي الوهاد المنخفضة. (¬2) 2 - في كتاب: «مراتب النّحويين» لأبي الطيب اللّغوي: ¬

_ (¬1) نقلا من «علم الدلالة» للدكتور أحمد مختار: 68. (¬2) المزهر: 3761.

قال: أنشدنا ثعلب: أتعرف أطلالا شجونك بالخال وعيش زمان كان في العصر الخالي ليالي ريعان الشباب مسلّط على بعصيان الإمارة والخال وإذا أنا خدن للغويّ أخي الصبا وللغزال المريح ذي اللهو والخال وللخود تصطاد الرّجال بفاحم وخدّ أسيل كالوذيلة ذي خال إذا رئمت ربعا رئمت (¬1) رباعها كما رئم الميثاء (¬2) ذو الرّيبة الخالي وفسر ذلك بقوله: قوله: شجونك بالخال: يريد موضعا بعينه وقوله: في العصر الخالي: الماضي. وقوله: الإمارة والخال: يريد الراية. وقوله: ذي اللهو والخال: يريد الخيلاء والكير. وقوله: كالوذيلة ذي خال، يريد واحد خيلان الوجه. وقوله: ذي الرّيبة الخال، يعني العزب. (¬3) 3 - وفي المجمل يقدم لنا ابن فارس مثالا للفظة مشتركة وهي العين، فيقول: «العين: عين الإنسان، وكلّ ذي بصر، وهي مؤنثة، والجمع: أعين وعيون، وعنت الرجل: أصبته بعيني، وهو معين ومعيون، والفاعل: عائن، ورأيت هذا الشيء عيانا وعينة، ولقيته عين عنّة أي عيانا، وفعل ذلك عمد عين: إذا تعّمدّه، وهذا عبد عين، أي يخدمك ما دامت تراه فإذا غبت، فلا: والعين: المتجسّس للخير ... ، وبلد قليل العين، أي: قليل الناس .. والعين للماء، والعين: سحابة تقبل من ناحية القبلة، ¬

_ (¬1) رئمت: احبت. (¬2) الميثاء: الأرض السهلة وموضع يعتيق المدينة والميث: اللين (¬3) مراتب النحويين: 33 - 35.

6 - أهم المؤلفات اللغوية في حقل المشترك اللفظي:

والعين: مطر يدوم خمسا أو ستا لا يقلع، والعين: الشّمس والعين: الثّقب في المزادة ... الخ (¬1) 6 - أهم المؤلفات اللغوية في حقل المشترك اللفظيّ: يعتبر كتاب «المنجد في اللغة» لأبي الحسن علي بن الحسن الهنائي المشهور بكراع أشمل كتاب في الحقل اللغوي، وهو وإن كان مسبوقا بمؤلفين اخرين أمثال: 1 - الأصمعيّ المتوفي سنة 215 هـ. 2 - أبو عبيد المتوفي 224 هـ. 3 - واليزيديّ المتوفي 225 هـ. 4 - والمبرّد المتوفي سنة 285 هـ. (¬2) إلّا أن كتاب «المنجدّ لكراع يعتبر أهم هذه المؤلفات على الإطلاق، وأهميته ترجع إلى ما يلي: 1 - احتواؤه على قرابة تسعمائة كلمة في حين يحتوى كتاب أبي عبيد على حوالي 150 كلمة، وكتاب أبي العميثل على حوالي 300 كلمة. 2 - أنه أول كتاب من نوعه تبدو فيه روح النظام. 3 - أنه من أوائل كتب اللغة التي طبّقت نظام الترتيب الهجائي في عرض الكلمات، ولذا فتحت مجالا أمام أصحاب المعاجم، ليتركوا نظام الخليل الصوتي» (¬3) ¬

_ (¬1) انظر المجمل لابن فارس تحقيق زهير عبد المحسن سلطان: 3/ 640، 641 بتصرّف. (¬2) مقدّمة المنجدّ: 12. (¬3) من مقدمة المنجد: 17.

نماذج من منجد كراع:

نماذج من منجّد كراع: 1 - العمر: اللحم بين الأسنان، وجمعه: عمور. والعمر والعمر: واحد الأعمار والعمر أيضا: الشّنف (¬1) والفقر يكنى أبا عمرة. (¬2) 2 - اليد: يقال: «هم يد على على من سواهم»، إذا كان أمرهم واحدا. وأعطيت مالا عن ظهر يد، يعني تفضّلا ليس من بيع ولا قرض ولا مكافأة. (¬3) 3 - تروّح: يقال: تروّح الرجل: الرّوح والرّواح. وتروّح الشجر: طال، ويقال: تروّح، اخضرّ من غير (¬4) مطر. 4 - الخجل: الخجل: الاستحياء والدّهش. والخجل: التّواني والكسل عن طلب الرزق. والخجل: الفساد. ويقال: واد خجل، ومخجل: إذا أفرط في كثرة نباته. والخجل: البطر والأشر عند الغني. (¬5) 5 - الخرص: الخرص: الحلقة في الأذن. ¬

_ (¬1) الشنف: القرط. (¬2) المنجد: 270. (¬3) المنجد: 46. (¬4) المنجد: 150. (¬5) المنجد: 187.

والخرص: الدّرع، سميت بذلك لأنها حلق. والخرص: الرّمح. والخرص: شفرة السّنان. والخرص: الجريدة. والخرص: قضيب من شجرة. والجمع من ذلك كله: الخرصان. والخرص: الدّنّ، والخرّاص: صاحب الدّنان. والخرص: عود يخرج به العسل، وجمعه: أخراص (¬1). وإلى هنا نتوقف عن الحديث في المشترك اللفظي في المجال اللغوي لننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن المشترك اللفظي في الحقل القرآني. ¬

_ (¬1) المنجد: 190.

الفصل الثاني المشترك اللفظي في الحقل القرآني

الفصل الثاني المشترك اللفظي في الحقل القرآني

أولا: المؤلفات في المشترك اللفظي:

1 - المؤلفات: المؤلّفات في المشترك اللفظيّ في الميدان القرآني كثيرة والمشترك اللفظي بالنسبة للقرآن لم يرد بهذا المصطلح في أي مؤلف من المؤلفات التي تناولت هذه الظاهرة، ولعل السبب في ذلك أنّ كلمة «اللفظ» لا تقال في رحاب القرآن الكريم والبديل عنها هو «الكلمة» ففي الإبانة لأبي حسن الأشعريّ: فإن قال قائل: حدّثونا عن اللّفظ بالقرآن كيف تقولون فيه؟ قيل له القرآن يقرأ في الحقيقة ويتلى، ولا يجوز أن يقال: يلفظ به، لأن القائل لا يجوز له أن يقول: إن كلام الله ملفوظ به، لأن العرب إذا قال قائلهم: لفظت باللّقمة من فمي فمعناه: رميت بها، وكلام الله تعالى لا يقال: يلفظ به، وإنما يقال: يقرأ، ويتلى، ويكتب، ويحفظ» لهذا السبب وضعت عناوين أخرى تحمل معنى المشترك اللّفظي ولكنها لا تحمل اسمه. (¬1) ويجمل بنا قبل أن نعرض نماذج مختلفة من الكلمات القرآنية المشتركة أن نشير إلى المؤلفات التي وضعت في هذا الفن، والأسباب الداعية للتأليف في مجاله: أولا: المؤلفات في المشترك اللفظيّ: أشار إلى هذه المؤلفات على سبيل الإجمال ابن الجوزيّ في كتابه: نزهة الأعين النّواظر في علم الوجوه والنظائر حيث يقول في مقدمة ¬

_ (¬1) الإبانة عن أصول الديانة: 101.

كتابه: لما نظرت في كتب الوجوه وانظائر التي ألفها أرباب الاشتغال بعلوم القرآن، رأيت كل متأخّر عن متقدّم يحذو حذوه، وينقل قوله، مقلدا، له من غير فكرة فيما نقله، ولا بحث عمّا حصّله» وبدأ ابن الجوزيّ بعد هذه المقدمة في سرد من نسبت إليهم كتب في هذا الحقل وفي سرد من ألف في ميدانه. أما الذين نسبت إليهم كتب في عهد مبكّر فقد ذكر أنه نسب إلى عكرمة (¬1) عن ابن عباس (¬2) رضي الله عنهما كتاب، وكتاب آخر نسب إلى علي بن أبي طلحة (¬3) عن ابن عباس» (¬4) وأمّا الذين ألفوا في هذا الميدان فقال: ابن الجوزيّ: وممّن ألف كتب الوجوه والنظائر الكلبي (¬5) ومقاتل بن سليمان (¬6)، وأبو الفضل العباس بن الفضل، الأنصاريّ. (¬7) وروى مطروح بن محمد شاكر (¬8) عن عبد الله بن هارون (¬9) الحجازيّ عن أبيه كتابا في الوجوه والنظائر وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش. (¬10) ¬

_ (¬1) عكرمة بن عبد الله المدنيّ مولى ابن عباس توفي 105 هـ انظر هامش التحقيق. (¬2) ابن عباس: هو عبد الله بن عبد المطلب توفي 68 هـ انظر هامش التحقيق. (¬3) علي بن أبي طلحة: سالم بن مخارق الهاشمي توفي 147 هـ انظر هامش التحقيق. (¬4) انظر المقدّمة: 82. (¬5) الكلبي: محمد بن السائب، توفي سنة 146. انظر هامش التحقيق. (¬6) مقاتل بن سليمان: توفي سنة 150. انظر هامش التحقيق. (¬7) هو العباس ابن الفضل الأنصاري قاضي الموصل توفي 186 هـ. انظر هامش التحقيق (¬8) مطروح بن محمد بن شاكر أبو نصر القضاعي توفي 271 هـ. انظر هامش التحقيق. (¬9) عبد الله بن هارون الحجازيّ شيخ حجازي في عصر الثورى انظر هامش التحقيق. (¬10) أبو بكر حسن النقاش توفي سنة 351 هـ انظر هامش التحقيق.

أولا: الكتب التي وصلت إلينا مطبوعة أو مخطوطة:

وأبو عبد الله الحسين بن محمد الدّامغاني، (¬1) وأبو علي البناء (¬2) من أصحابنا، وشيخنا أبو الحسن علي بن عبد الله الزاغوني (¬3)» وختم ابن الجوزيّ حديثه عن المؤلفين بقوله: «ولا أعلم أحدا جمع الوجوه والنظائر سوى هؤلاء» (¬4) ويذكر السيّوطي في «الإتقان» أن الذي صنف في معرفة الوجوه والنظائر قديما مقاتل بن سليمان. وذكر أن من المتأخرين الذين صنفوا في هذا الفنّ ابن الجوزيّ وابن الدامغاني، وأبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري، وابن فارس وآخرون. ولم ينس السيّوطي أن يذكّرنا بأنه أسهم في هذا الحقل أيضا حيث قال: «وقد أفردت في هذا الفن كتابا سمّيته» معترك الأقران في مشترك القرآن الكريم» (¬5) هذا وقد تناول الأستاذ محمد عبد الكريم كاظم الرضى في مقدمة تحقيقه لكتاب «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزيّ المؤلفات التي وضعت في حقل الوجوه والنظائر، وبيان المطبوع منها والمخطوط مع الإشارة إلى المكتبات التي تضم هذه المخطوطات، وأرقام هذه المخطوطات، ونلخص ما سجله على النحو التالي: أولا: الكتب التي وصلت إلينا مطبوعة أو مخطوطة: 1 - كتاب مقاتل بن سليمان المتوفي 150 هـ بتحقيق الدكتور عبد الله ¬

_ (¬1) أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني توفي سنة 478 هـ. انظر هامش التحقيق. (¬2) أبو عليّ البناء توفي سنة 471 هـ. انظر هامش التحقيق. (¬3) الزاغوني توفي سنة 527 هـ. انظر هامش التحقيق. (¬4) انظر هامش التحقيق: 82، 83. (¬5) الإتقان: 1/ 141.

محمود شحاتة طبع عام 1975 م. 2 - كتاب برواية مطروح بن محمد بن شاكر المتوفي 271 هـ عن عبد الله بن هارون الحجازي، وعنوانه: «الوجوه والنظائر» ويذكر الباحث أنه ما زال مخطوطا. واستدراكا على ما ذكره الباحث المحقق فإن هذا الكتاب طبع ونشر محققا في بغداد بتحقيق الدكتور حاتم صالح الضاعن، 1988، وصدر بعد نشر «نزهة الأعين النواظر» 3 - كتاب الحكيم الترمذي المتوفي نحو 320 هـ، وعنوانه: «تحصيل نظائر القرآن، والكتاب طبع 1970 في القاهرة بتحقيق: حسني نصر زيدان. 4 - كتاب الثعالبيّ المتوفي 429 هـ المسمّى: «الأشباه والنظائر» ونسخته المخطوطة موجودة في معهد المخطوطات العربيّة تحت رقم 10 تفسير وبين الباحث أن نسبته هذا الكتاب للثعالبيّ مشكوك فيها فما هذا الكتاب إلا نسخة مختصرة من كتاب: «نزهة الأعين النواظر لابن الجوزي ويستدل الباحث بدليين هما: أ- في الكتاب نقولات قليلة رويت عن الخطيب التبريزي المتوفي 503 هـ إذ ليس من الممكن أن ينقل متقدم عن متأخر إذا علمنا أن الثعالبي توفي 429 هـ. ب- في الكتاب إشارة واحدة واضحة في باب «النور» نقول: قال شيخنا علي بن عبد الله، وعلي بن عبد الله الزاغوني هو من شيوخ ابن الجوزيّ وابن الجوزيّ توفي 597 هـ.

واستدراكا على ما ذكره الباحث، فإن هذا الكتاب نشر محققا منسوبا إلى الثعالبي بتحقيق محمد المصري، نشر مكتبة سعد الدين القاهرة سنة 1984. 5 - كتاب أبي عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الضرير المتوفي 430 هـ وعنوانه: «وجوه القرآن»، وتوجد منه نسخة مصوّرة في معهد المخطوطات عن مخطوطة جامعة «كيمبردج» في انجلترا: وتعدّ هذه النسخة فريدة، ورقمها في معهد المخطوطات: «288» تفسير، وجاء خطأ في فهرس المخطوطات المصورة باسم وجوه القراءات» 6 - كتاب أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني المتوفي 478 هـ، وعنوانه: «الوجوه والنظائر في القرآن الكريم»، والكتاب طبع عام 1970 بتحقيق عبد العزيز سيد الأهل. وأورد المحقق تعليقات ونقد بالنسبة لتصرّف محقق هذا الكتاب حيث قدّم وأخّر، وهذا يخالف ما جرى عليه المحقّقون في عدم المساس بنص الكتاب المحقّق، وأثبت الباحث أن المصادر تؤكد أن الكتاب منسوب إلى قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الدامغاني المتوفي 447 هـ. 7 - كتاب أبي الفرج عبد الرحمن الجوزي المتوفي 597 هـ باسم: «نزهة الأعين النّواظر في علم الوجوه والنّظائر». 8 - كتاب أبي العباس أحمد بن علي المقرىء المتوفي 658 هـ

ثانيا: كتب لم تصل إلينا، ووصلت إلينا مقتطفات منها:

وعنوانة: «وجوه القرآن» والكتاب ما زال مخطوطا وتوجد نسخة منه في المتحف البريطاني رقم 1229. 9 - كتاب أبي محمد علي بن القاسم البامياني (ت؟) وعنوانه: «المنتخب من كتاب» تحفة الولد للأمام أحمد بن محمد الحدادّي والكتاب ما زال مخطوطا في دار الكتب المصرية رقم 20792 ب و (4896). 10 - كتاب شمس الدين بن محمد بن علي العماد المتوفي 887 هـ. وعنوانه: كشف السرائر عن معنى الوجوه والنظائر، والكتاب طبع عام 1977 م في الأسكندرية، وعني بتحقيقه الدكتور فؤاد عبد المنعم عن نسخة كتبت بخط المؤلف. 11 - كتاب العلامة مصطفى بن عبد الرحمن بن محمد الأزيري المتوفي 1155، والكتاب ما زال مخطوطا، وتوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية تحت رقم 35733 ب. 12 - كتاب لمجهول عنوانه: «بيان معاني وجه الألفاظ القرآنية» ما زال مخطوطا، ونسخته المخطوطة موجودة في كتبة (جسترببتي) تحت رقم 5096. ثانيا: كتب لم تصل إلينا، ووصلت إلينا مقتطفات منها: 1 - كتاب عكرمة مولى ابن عباس المتوفي 105 هـ لم يصل إلينا، ذكر في الفهرست/ 34، وذكره ابن الجوزي في مقدمة كتابه.

2 - كتاب علي بن أبي طلحة الهاشمي النتوفي 143 هـ عن ابن عباس لم يصل إلينا، وقد استخرج الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ألفاظا من صحيح البخاري نسبت إلى ابن عباس عن طريق علي بن أبي طلحة في كتاب: «سماه غريب القرآن» 3 - كتاب محمد بن السائب الكلبيّ المتوفي 146 هـ لم يصل إلينا، وذكره ابن الجوزيّ في مقدمة كتابه «نزهة الأعين». 4 - كتاب أبي الفضل العباس بن الفضل الأنصاري المتوفي 186 هـ لم يصل إلينا، ذكره ابن الجوزي في كتاب: «نزهة الأعين». 5 - كتاب أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المتوفي 351 هـ لم يصل إلينا، وأشار ابن النديم في «الفهرست/ 33» إلى كتبه منها: أ- الإشارة في غريب القرآن، ب- كتاب «الموضح في القرآن ومعانيه» 6 - كتاب أحمد بن فارس اللغوي المتوفي 395 هـ لم يصل إلينا وقد أشار إليه الزركشي في «البرهان»، والسيّوطي في «الإتقان» باسم كتابه: «الإفراد» وقد نقلا منه. 7 - كتاب أبي علي الحسن بن أحمد بن البناء المتوفي 471 هـ لم يصل إلينا ذكره ابن الجوزي في مقدمة كتابه: «نزهة الأعين» 8 - كتاب أبي الحسن عبيد الله بن الزاغوني التوفي 527 هـ

وهو شيخ ابن الجوزي، ذكره ابن الجوزيّ في مقدمة كتابه «نزهة الأعين»، وقد نقل عنه كتابه هذا. 9 - كتاب أبي الحسن محمد بن عبد الصمد المصري (ت؟) لم يصل إلينا، ذكره الزركشي في «البرهان»، والسيّوطي في: «الإتقان» و «معترك الأقران في إعجاز القرآن». 10 - كتاب ابن أبي المعافي (ت 2) لم يصل إلينا، ذكره الزركشيّ في علوم القرآن، والسيّوطيّ في: «الإتقان» 1/ 141. 11 - كتاب جلال الدين السيّوطي المتوفي 911 هـ، ذكره في الإتقان وقال: «وقد أفردت في هذا الفن كتابا سمّيته معترك الأقران في مشترك القرآن» ووصل إلينا الكثير منه في كتاب السيّوطيّ: «معترك الأقران في إعجاز القرآن» (¬1) هذه جملة المؤلفات في علوم غريب القرآن الكريم، وهي تدلّ دلالة واضحة على اهتمام علمائنا بهذا اللون من الدراسة وتقديم كل جهد في سبيل الوقوف على أسرار القرآن الكريم وغريبه. وقد حرصت على تسجيل هذه المؤلفات في هذا الفصل، ليكون القارىء على بيّنة من هذه الدراسات سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة. على أن المحقق في مقدمته أغفل كتابا للغوي متقدّم، له شهرته ومكانته في عالم اللغة والأدب، وهو المبرّد المتوفي سنة 285 هـ فله كتاب في هذا الفنّ، وهو كتاب: «ما اتفق لفظه واختلف معناه ¬

_ (¬1) انظر مقدمة الأستاذ محمد عبد الكريم لكتاب «نزهة الأعين النواظر» فقد نقلت عنه جملة هذه المؤلفات بتصرف.

ثالثا: الأسباب التي أدت لظهور هذه المؤلفات:

من القرآن المجيد للمبرد، وقد حققه زميلنا الدكتور أحمد محمد سليمان أبو رعد، طبع ونشر وزاراة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت سنة 1988 م. هذا، ولم ينس ابن الجوزيّ في مقدمة كتابه أن يشير إلى المؤلفات في مضمار الوجوه والنظائر على سبيل الإجمال الذي تولى تفصيله وإضافة الجديد إليه محقق الكتاب. ولا أدري، لماذا أسقط ابن الجوزي كتاب المبرّد الذي أشرت إليه سابقا؟ فكتابه لم يكن عنوانه: الوجوه والنظائر حيث اتخذ له اسما آخر وهو: «ما اتفق لفظه، واختلف معناه، فإنه في الحقيقة لا يخرج عن هذا الإطار، فعند التحليل نجد أن اختلاف المعنى بعينه يحمل معنى الوجوه واتفاق اللّفظ يحمل معنى النّظائر. ولا تنسى أيضا أن هناك كتابا مشهورا في هذا المجال، وهو كتاب: التصاريف تفسير القرآن بما اشتبهت أسماؤه، واختلفت معانيه ليحيى بن سلام المتوفي 200 هـ وقد حققته الأستاذه هند شلبي نشر الشركة التونسية للتوزيع سنة 1979. هذا ولم يشر محقق «نزهة الأعين» إلى كتاب التصاريف ل «يحيى بن سلام» مع أنه نشر وطبع 1980 م بتونس. ثالثا: الأسباب التي أدّت لظهور هذه المؤلفات: إنّ أول مصنّف في الوجوه والنظائر هو «الأشباه والنظائر» لمقاتل بن سليمان المتوفي سنة 150 هـ.

1 - التأليف في الحديث الشريف:

ولا شك أنّ عصر مقاتل كان عصرا مزدهرا في التأليف والتّصنيف ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية: 1 - التأليف في الحديث الشريف: ففي أواخر العصر الأمويّ قد اختلفت آراء التّابعين حول تدوين الحديث الذي منع الرّسول صلى الله عليه وسلم من تدوينه في عصره بنصوص صريحة حتى لا يختلط حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم، فتضيع معالم القرآن، وهو معجزة الإسلام الخالدة التي تتحدّى أرباب البيان، وفرسان الفصاحة في كل العصور والأزمان. يدلّ على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدريّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكتبوا عنّي شيئا سوى القرآن، فمن كتب عنّي شيئا سوى القرآن فليمحه» (¬1) وقد ناقشت هذه القضية في كتابي «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: لأن هناك بعض أحاديث أخرى لا تتفق مع هذا النهيّ. (¬2) وفي عهد عمر بن عبد العزيز حدث خلاف بين التّابعين في مشروعية جمع الحديث الشّريف، والتّصنيف فيه، وتمحّض الاختلاف عن الاتّفاق على كتابة الحديث الشريف، وجمعه، وتصنيفه حتى لا يضيع في زحمة الحياة الفكريّة المتأججة في أواخر العصر الأموي الذي بدأت فيه المذاهب والأفكار الوافدة تعلن عن نفسها. ولذلك كان عمر بن عبد العزيز جريئا في إقدامه على هذه الخطوة ¬

_ (¬1) تقييد العلم للخطيب البغدادي: 29. (¬2) انظر القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية للمؤلف: 2 - 4.

لإنقاذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضياعه أو ضياع بعضه ففي الموطأ «أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سننه فاكتبه، فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء وإوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم ابن محمد بن أبي بكر» وفي رواية أبي نعيم في «تاريخ أصبهان» عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل الآفاق: انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه» (¬1) وفي العصر العبّاسي في منتصف القرن الثاني بدأ التأليف في العلوم المختلفة، فرأى العلماء بالحديث الشريف أن يتجاوزوا المرحلة الأولى التي بدأت على يد عمر بن عبد العزيز إلى التأليف فيه «ففي مكة جمع الحديث ابن جريج المتوفي (150 هـ) وفي المدينة محمد ابن اسحاق المتوفي (150 هـ)، ومالك بن أنس المتوفي (179 هـ) وبالبصرة الربيع بن صبيح المتوفي (160 هـ) وسعيد بن أبي عروبة المتوفي (156)، وحماد بن سلمة المتوفي (176 هـ) وبالكوفة سفيان الثوري المتوفي (161 هـ) وبالشام الأوزاعي المتوفي (156 هـ) وباليمن معمر المتوفي (153 هـ) وبخراسان ابن المبارك المتوفي (181) وبمصر اللّيث بن سعد المتوفي (175) (¬2) ¬

_ (¬1) انظر ضحى الإسلام: 2/ 106. (¬2) ضحى الإسلام: 2/ 107.

2 - تدوين التفسير والتأليف فيه:

وفي ضوء ما ذكره المرحوم الأستاذ أحمد أمين في هذا النص نستطيع أن نقول إن حركة التأليف في الحديث شملت أوطان العالم الإسلاميّ، وهذا يدل بدون شك على الحرص الكامل، والعناية البالغة بالتأليف في الحديث الشريف وتوثيقه. على أن الهدف من جمع هذه الأحاديث كما يقول هو: «خدمة التشريع بتسهيل استنباط الأحكام منها، فالموطأ مرتب ترتيبا فقهيا وقد ذكروا أن الكتب الأخرى كالموطأ قد جمعت أيضا أقوال الصّحابة وفتاوي التابعين» (¬1) 2 - تدوين التفسير والتأليف فيه: وفي هذا العصر أيضا بدأ التأليف في التفسير يأخذ طريقه إلى التبويب والتنظيم بعد أن كان التفسير يدور حول بعض الآيات القرآنية أو ذكر أسباب نزولها، بدون مراعاة لترتيب المصحف. وأول تفسير منظم وفق المصحف هو كتاب معاني القرآن للفراء (ت 270 هـ) فقد ذكر ابن النديم في كتابه «الفهرست» أن عمر ابن بكير كان من أصحابه، وكان متقطفا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفرّاء: أن الأمير الحسن بن سهل ربّما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن، فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع إليه فعلت. فقال الفرّاء لأصحابه: اجتمعوا حتى أمل عليكم كتابا في القرآن وجعل لهم يوما، فلما حضروا خرج إليهم، وكان في المسجد رجل ¬

_ (¬1) السابق: 108.

3 - التفسير اللغوي:

يؤذّن، ويقرأ بالناس في الصّلاة، فالتفت إليه الفرّاء، فقال له: اقرأ بفاتحة الكتاب نفسّرها، ثم نوفّي الكتاب كله، فقرأ الرجل، ويفسّر الفرّاء، فقال أبو العبّاس: لم يعمل أحد قبله مثله، ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه» (¬1) وقد علق الأستاذ أحمد أمين على هذه الرواية بقوله: «فهل نستطيع أن نفهم من هذا النّص أنّ الفراء أول من نعرّض لآية آية حسب ترتيب المصحف، وفسّرها على التتابع ... هذا هو الذي أميل إليه، وإن كانت عبارة ابن النديم ليست قاطعة في هذا» (¬2) 3 - التفسير اللغوي: وإلى جانب التفسير في مجال الأحكام الشرعية، والرّوايات حول القصص القرآني كانت هناك حركة لغوية لتفسير القرآن وإعرابه. فكما دوّنت علوم اللغة والنحو أثيرت مشكلات لغوية ونحوية في رحاب القرآن الكريم «فالنّحويون أخذوا القرآن الكريم مادة من موادهم لاشتقاق قواعدهم وتطبيقها فأعربوا القرآن إعرابا أعان على تفسيره. واللغويون وضعوا الكتب في غريب القرآن كما فعل أبو عبيدة (ت 210 هـ) وكان لذلك دخل في إيضاح بعض الآيات ... والتعرّض للآيات التي ظاهرها التعارض كما فعل قطرب (ت 206 هـ) مثل قوله تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (¬3) مع قوله تعالى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (¬4) ¬

_ (¬1) الفهرست: 66. (¬2) ضحى الإسلام: 2/ 140، 141. (¬3) المؤمنون: 101. (¬4) الصافات: 27.

4 - العلاقة بين المعاني اللغوية والوجوه والنظائر:

ومن اللّغويون من عنى ببيان مجازات القرآن مثل قوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (¬1) ومنهم من تعرض للمشكلات النحوية مثل قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ (¬2)، وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ (¬3) إلى آخر ما سلكوا من مناهج مختلفة» (¬4) 4 - العلاقة بين المعاني اللغوية والوجوه والنظائر: ومما لا شك فيه أن التأليف في المعاني اللغوية يقتضي كشف العلاقة بين معاني الكلمات من حيث وضعها الدّلالي، ومن حيث وضعها السّياقي، فالسّياق له دخل كبير في وضوح المعنى، والوجوه لا ينكشف معناها، ولا يتضّح مفهومها إلّا في ضوء السّياق القرآني. ولهذا كان السرّ وراء تتبع الوجوه القرآنية ونظائرها لإيضاح معناها، وكشف مستورها، ومعرفة إشارتها: وذلك كان من أعظم الأسباب في تأليف كتب الوجوه والنظائر، فضلا عن الأسباب الأخرى التي أشرت إليها، وهي وجود نهضة تأليفية، وحركة علمية في شتى العلوم الإسلامية، فأراد مؤلّفو هذه الكتب أن يسيروا في الطريق الذي سار فيه غيرهم، وأن يدلوا بدلوهم بين الدّلاء في حركة التسابق في التأليف والتصنيف. 5 - ومن الأسباب التي لا تغفل تيسير القرآن الكريم وفهمه: وذلك بجمع الكلمات المشتركة في اللفظة، المختلفة في ¬

_ (¬1) محمد: 4. (¬2) طه: 63. (¬3) النساء: 162. (¬4) ضحى الإسلام: 2/ 45، 146 بتصرّف.

المعنى في إطار واحد بحيث يسهل على القارىء أن يستوعب معاني الكلمة المشتركة في القرآن الكريم كله في موضع واحد. 6 - الاهتمام بالقرآن وحفظه، والوقوف على أسراره، ونشره بكثرة المؤلفات في ميدانه حتى تروج معانيه، ويسهل تناولها ومن هنا كان الاهتمام بهذه الوجوه التي قد تخفي على كثير من الناس بسبب جهلهم بأسرار القرآن الكريم ومعانيه. 7 - بيان إعجاز القرآن الكريم فقد جعل بعضهم هذه الوجوه من «أنواع معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرّف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر» (¬1) 8 - الحث على معرفة الوجوه والنظائر، فقد قال مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا: «لا يكون الرّجل فقيها كلّ الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة» وقد علق السيّوطيّ على هذا الحديث المرفوع بقوله: «قلت هذا أخرجه ابن سعد وغيره عن أبي الدرّاء موقوفا ... وقد فسّره بعضهم بأن المراد أن يرى اللّفظ الواحد يحتمل معاني متعدّدة، فيحمله عليها إذا كانت غير متضادّة، ولا يقتصر به على معنى واحد. وأشار آخرون إلى أن المراد به استعمال الإشارات الباطنة وعدم الاقتصار على التفسير الظاهر» (¬2) لهذه الأسباب جميعا كثرت المؤلفات في هذا الفن على امتداد العصور وأول من فتح الباب على مصراعيه هو مقاتل بن سليمان الذي سار على نهجه وسلك دربه المؤلفون الآخرون الذين أتوا بعده. ¬

_ (¬1) الإتقان: 1/ 141. (¬2) الإتقان: 1/ 141.

الفصل الثالث دراسة موجزة لمؤلفات المشترك اللفظي

الفصل الثالث دراسة موجزة لمؤلفات المشترك اللفظي

1 - الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان البلخي:

1 - الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان البلخي: أ- ترجمة موجزة لمقاتل بن سليمان: نسبه: هو مقاتل بن سليمان بن بشير الأزديّ الخراسانيّ يكنى أبا الحسن البلخيّ. (¬1) موطنه: قال المؤرخون: أصله من بلخ، قدم «مرو» فتزوج بأم أبي عصمة نوح بن أبي مريم» (¬2) وفاته: بعد أن نشأ ب «بلخ» انتقل إلى البصرة، فمات بها في سنة خمسين ومائة» (¬3) مقاتل في ميزان الرواة والعلماء: ما اختلف الرواة في شخصية علمية كاختلافهم في مقاتل بن سليمان فمنهم من أشاد به، ورفع من قدره، وأعلى من منزلته، ووضعوه في مراتب العلماء والنّبغاء والصّالحين. ومنهم من صوّب إليه سهام النّقد، فقللّ من قيمته، ونقص من قدره، وحطّ من منزلته، ونظموه في سللك الكافرين، واتهموه بالافتراء والاختلاق. والقارىء لآراء المادحين، والناقدين يعجب كل العجب، لأن الذين مدحوه رجال لهم وزنهم العلميّ، ومكانتهم العلميّة والدينية في عصرهم. وكذلك الذين وجّهوا إليه أصابع الاتهام ورموه بالضعف في الرّواية، ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب: 10/ 279. (¬2) السابق: 280. (¬3) السابق: 284.

واختلاق الأحاديث، والتفسير بلا سند هم رجال لا يقلّون مكانة عن أولئك المادحين. ونحن لا ندري أي الفريقين أصحّ قولا، وأصدق خبرا، وأثبت رواية. ومن عبارات المدح التي ساقها الرّواة، وأشادوا بسليمان فيها ما يلي: قال بقيّة: كنت كثيرا أسمع شعبة، وهو يسأل عن مقاتل، فما سمعته ذكره قطّ إلّا بخير» وقال علي بن الحسين بن واقد عن عبد المجيد من أهل «مرو» «وسألت مقاتل بن حيّان عنه، فقال: ما وجدت علم مقاتل بن سليمان في علم الناس إلّا كالبحر الأخضر في سائر البحور» وقال عنه الشافعيّ: الناس عيال على مقاتل في التفسير» وقال مكّي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل، قال عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل، قلت إن أهل بلدنا كرهوه، فقال: لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالى منه» وقال القاسم بن أحمد الصّفّار، قلت لإبراهيم الحربي: ما بال الناس يطعنون على مقاتل؟ قال: حسدا منهم له» وقال خالد بن صبح: قيل لحماد بن أبي حنيفة: إن مقاتلا أخذ التفسير عن الكلبي، قال: كيف يكون هذا، وهو أعلم من الكلبي؟ (¬1) ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب: 10/ 281 - 283

هذه هي معظم الآراء التي قيلت في مجال الإشارة بمقائل بقي أن نذكر بعض العبارات التي صدرت من الفريق الآخر، وهي عبارات تحطّ من قدره، وتتهمه في دينه، وترميه بالاختلاق والكذب: ومن هذه الآراء: رأي أبي حنيفة فماذا قال؟ قال أبو حنيفة عنه: أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطّل، ومقاتل مشبه. والمراد أن جهم بن صفوان الذي قتل سنة 128 هـ (¬1) ينفي الصفات عن الله تعالى، ويعطّلها. (¬2) وكرّر أبو حنيفة مرة أخرى ذمّه لجهم ومقاتل حينما قال: «أفرط جهّم في النّفي حتى قال: إنه ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعل الله تعالى مثل خلقه. وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ: «أخرجت خرسان ثلاثة لم يكن لهم في الدّنيا نظير في البدعة والكذب: جهم، ومقاتل، وعمر بن صبح. وقال خارجة: لم استحلّ دم يهودي ولا ذمّي، ولو قدرت على مقاتل ابن سليمان في موضع لا يرانا فيه أحد لقتلته!! وقال عليّ بن خشرم عن وكيع أردنا أن نرحل إلى مقاتل، فقدم علينا، فأتيناه فوجدناه كذابا فلم نكتب عنه» (¬3) ¬

_ (¬1) الكامل لابن الأثير 5/ 127. (¬2) انظر جهم بن صفوان، ومكانته في الفكر الإسلامي: 71. (¬3) انظر هذه الأقوال في تهذيب التهذيب: 10/ 281 - 282 - 283.

وبالمقارنة بين هذه الآراء نجد أن الاختلاف بين المادحين والناقدين يرجع إلى طريقة التفكير السائدة في هذه الفترة من التاريخ. فقد كان التّقيّد بالرواية، والاعتماد على السّند، والمحاظة على القيم العلميّة السائدة سمة من سمات هذا العصر، فلا قول إلا بسند، ولا خبر إلا برواية، ولا رأي إلّا بنصّ. ويبدو أن «مقاتل» لم يلتزم بهذا المنهج، ولم يفرض على نفسه الالتزام بما هو سائد في عصره. فقد تحدّث مالك بن أنس فقال: بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنسانا جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف، فلم أدر ما أقول له، فقال له سليمان: ألا قلت: أبقع؟ فلو قلته لم تجد أحدا يردّ عليك» (¬1) فهذه القصة تدل في وضوح على تحرّر مقاتل من الالتزام بالرّواية، وفي الوقت نفسه تدلّ على الجرأة في الإجابة عن الأسئلة التي توجّه إليه، وبخاصة في الموضوعات التي لم يرد فيها نصّ من رواية أو خبر ومما يؤكد هذا الرأي أن إبراهيم بن يعقوب قال عنه: «كان كذابا جسورا، سمعت أبا اليمان يقول: قدم ها هنا، فقال: سلوني عمّا دون العرش ... فقال له الرجل: أخبرني عن النملة: أين أمعاؤها؟ فسكت:» وفي رواية أخرى: قال له يوسف السمتي: «من حلق رأس ادم أول ما حجّ، فقال: لا أدري» (¬2) ومن أجل هذه الجرأة توقف بعض العلماء عن الأخذ من تفسيره، فقد قال ابن المبارك لمّا نظر إلى شيء من تفسيره: «يا له من علم لو كان ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب: 10/ 282. (¬2) السابق 283.

شيوخه:

له إسناد» وفي رواية أخرى: «ما أحسن تفسيره لو كان ثقة». (¬1) شيوخه: قال ابن حجر: «روى عن نافع مولى ابن عمر، وأبي إسحاق السبيعيّ، وأبي الزبير، والزّهري، والضّحاك، ومجاهد، وابن سيرين وثابت البناني، وزيد بن أسلم، وعطاء بن أبي رباح، وعطية بن سعد وعمرو بن شعيب وجماعة (¬2) تلاميذه: ومن الذيين أخذوا عنه، وتتلمذوا عليه: بقية بن الوليد، وسعد ابن الصلت، وإسماعيل بن عباس، وحربيّ بن عمارة، وحماد ابن قيراط ويحي بن شبل، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وشيابة بن سوار وآخرون، أخرهم علي بن الجعد (¬3) مكانة مقاتل في التفسير: ومن أهم ما برّز فيه مقاتل هو علم التفسير، فقد كان درة عصره في هذا المجال مما حدا بالشافعي أن يقول: «الناس كلهم عيال على ثلاثة: على مقاتل في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلي أبي حنيفة في الكلام (¬4) وقال ابن واقد: ذهب رجل بجزء من أجزاء تفسير مقاتل إلى عبد الله، قال: فأخذه عبد الله منه، وقال: دعه، قال: فلما ذهب يستردّه، قال: يا أبا عبد الرحمن: كيف رأيت؟ قال: يا له من علم لو كان له إستاذ (¬5) ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) السابق 279. (¬3) السابق. (¬4) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 13/ 161. (¬5) السابق.

جراءته على الخلفاء:

جراءته على الخلفاء: ويبدو أن الجرأة في مقاتل طبيعة من طبائعه، وغريزة من غرائزه وكما لمسناها في مجال التفسير نلمسها أيضا في مجال جرأته على الخلفاء والحكام، فقد تحدّث الرواة: «أن أبا جعفر المنصور كان جالسا، فألحّ عليه ذياب يقع على وجهه، وألحّ في الوقوع مرارا حتى أضجره. فقال: انظروا من الباب؟ فقيل: مقاتل بن سليمان، فقال: علىّ به، فلما دخل عليه قال له: هل تعلم لماذا خلق الله الذّباب؟ قال نعم، ليذل به الجبّارين، فسكت المنصور (¬1) هذا وأول مؤلف في المكتبة الإسلامية عن الوجوه وانظائر أو الأشباه والنظائر في القرآن الكريم هو كتاب مقاتل بن سليمان الذي سنخصه بمزيد من البحث في الفصل التالي. ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 13/ 160.

ب - الأشباه والنظائر في القرآن الكريم لمقاتل بن سليمان البلخي

ب- الأشباه والنّظائر في القرآن الكريم لمقاتل بن سليمان البلخيّ ومن أهم مؤلفات مقاتل: الأشباه والنظائر في القرآن الكريم. (¬1) ولنا أن نتساءل ما معنى الأشباه؟ وما معنى النظائر؟ في اللسان «شبه» الشّبه والشّه، والشّبيه: المثل، والجمع «أشباه» وأشبه الشّىء الشىء: ماثله وفي المثل: «من شابه أباه فما ظلم (¬2) والنّظائر في اللسان: «نظر»: النّظير: المثل، وقيل: المثل في كل شيء يقال: فلان نظيرك، أي مثلك، لأنه إذا نظر إليهما الناظر رأهما سواء، ويجمع على نظائر، والنّظائر في الكلام والأشياء كلّها، وفي حديث ابن مسعود: «لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بها عشرين سورة من المفصّل يعنى سور المفصّل سميت نظائر لاشتباه بعضها ببعض في الطول» هذا وأول من تناول هذه التسمية بالشرح والتحليل ابن الجوزي حيث حلل في كتابه معنى الوجوه والنظائر. فذكر في مفتتح مقدّمة كتابه: «نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر»، فقال: «واعلم أنّ معنى الوجوه والنظائر: أن تكون الكلمة واحدة، ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة واحدة، وأريد بكل مكان معنى غير الآخر، فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر. وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه. فإذا النظائر: اسم للألفاظ، والوجوه: اسم للمعاني. فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر» (¬3) ¬

_ (¬1) حققه الدكتور عبد الله محمود شحاته، نشر وزارة الثقافة، المكتبة العربية. (¬2) انظر كتاب الأمثال لأبي عبيد برواية: من أشبه الخ: 260. (¬3) انظر مقدّمة نزهة الأعين النواظر: 83.

منهج الأشباه والنظائر لمقاتل:

منهج الأشباه والنظائر لمقاتل: 1 - لم يحاول أن يسرد معاني الكلمة القرآنية المتعدّدة سردا وإنما التزم سمة معيّنة في منهجه ألا تفارقه، ولا تبتعد عنه في كل ما تناوله من كلمات، وهي أن يفسر الكلمة في وضوح وبيان بأسلوب مشوق سهل. وفي الوقت نفسه يتتبع المعنى للكلمة القرآنية، ليقف على مواطنه في معظم الكلمات القرآنية: ليوضح للقارىء أنه وجد بهذا المعنى في آية كذا، من سورة كذا، فإذا فرغ من هذا المعنى يتتبع المعنى الآخر بالطّريقة نفسها، وفي ضوء المنهج ذاته، ومن الأمثلة على ذلك: كلمة الهدى: يقول: تفسير «الهدى على سبعة عشر وجها: فوجه منها: الهدى يعني «البيان» فذلك قوله عز وجلّ: في البقرة: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (¬1) يعني: «على بيان من ربّهم» وكقوله في لقمان: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (¬2)، يعني «بيان» ومن أجل أن يؤكد هذا التّفسير، ويوضّح هذا الغريب، ويفسّر هذا المبهم بعرض آيات أخرى دلالة الهدى فيها بأنه البيان، واضحة تكاد تلمس فيقول: تصديق ذلك في «حم السجدة»: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (¬3) يعني بيّنا لهم. وقال في: «هل أتى على الإنسان إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ (¬4) يعني بيّنا له. كقوله في طه: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ يعني: أفلم يبيّن لهم: ¬

_ (¬1) البقرة: 5. (¬2) لقمان 5. (¬3) فصلت: 17. (¬4) الإنسان: 3.

كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (¬1) نظيرها في تنزيل السجّدة حيث يقول: «أو لم يهد لهم» يعني: أو لم يبيّن لهم: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (¬2) ونحوه كثير. ففي هذا الوجه الأول يفسّر الهدى بمعنى البيان، ويستدلّ على هذا المعنى في مواطن أخرى من كتاب الله حيث نجد تفسير الهدى بمعنى البيان لا يكتنفه غموض، لأن تكملة الآية من بعده تلقى الضوء كاشفا على أنه بمعنى البيان. وفي الوقت نفسه نجد التنويع في العبارة، مما يدل على أنه يملك ناصية اللغة، وقدرة التعبير بها، فمرّة يقول: «تصديق ذلك» ومرة يقول: ونظيرها، وثالثة يقول: كقوله. ولم يدّع أنه أحاط بكل ما وردت فيه كلمة «هدى» بمعنى البيان، وإنما يختم ذلك بقوله: ونحوه كثير. والوجه الثاني: «الهدى» يعني دين الإسلام. فذلك قوله في الحج: إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (¬3)، وهو الإسلام نظيرها في البقرة: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى (¬4) يعني دين الإسلام هو الدّين، ¬

_ (¬1) طه: 128. (¬2) السّجدة: 26. (¬3) الحج: 67. (¬4) البقرة: 120.

وكقوله في الأنعام: إِنَّ هُدَى اللَّهِ (¬1) هُوَ الْهُدى والوجه الثالث: «هدى» يعني الإيمان، فذلك في قوله في مريم: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً (¬2)، يعني يزيدهم إيمانا كقوله في «الكهف» وَزِدْناهُمْ هُدىً، (¬3) يعني إيمانا، وكقوله في: «سبأ» أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ (¬4) يعني عن الإيمان، وكقوله في «الزخرف» ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (¬5) يعني «المؤمنون» ونحوه كثير. والوجه الرابع: «هدى» يعني: داعيا، فذلك قوله في «الرعد» إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ يعني النّبي: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (¬6) يعني داعيا يدعوهم وكقوله في «عسّق»: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬7) وكقوله في «الأعراف» وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ (¬8) أي يدعون وكقوله في: «تنزيل»: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (¬9) أي يدعون، ¬

_ (¬1) الأنعام: 71. (¬2) مريم 76. (¬3) الكهف: 13. (¬4) سبأ: 32. (¬5) الزخرف: 49. (¬6) الرعد: 7. (¬7) الشورى: 52. (¬8) الأعراف: 159. (¬9) السجدة: 24.

وكقوله في بني إسرائيل»: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (¬1) يعني يدعو، كقوله في «الأحقاف»: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ (¬2) يعني يدعو إلى الحقّ، وكقوله في: قل وحي يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ (¬3) وكقوله في: «الصافّات» فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (¬4) يعني: ادعوهم، ونحوه كثير. والوجه الخامس: هدى يعني: «معرفة»، فذلك قوله تعالى في النحل: وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (¬5) يعني: يعرفون الطرق نظيرها في «الأنبياء» وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (¬6) يعني: يعرفون الطّرق، وكقوله في «طه»: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (¬7) يعني: عرف الهدى الذي ذكر ثوابا، وكقوله في «النحل»: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ (¬8) الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ يعني: أتعرف السرّ أم تكون من الذين لا يعرفون، ونحوه كثير. ¬

_ (¬1) الإسراء: 9. (¬2) الأحقاف: 30. (¬3) الجن: 2. (¬4) الصّافات: 23. (¬5) النحل: 16. (¬6) الأنبياء: 31. (¬7) طه: 82. (¬8) النمل 41.

الفرح:

الوجه السادس: «هدى»، يعني كتبا ورسلا،، فذلك قوله في البقرة: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً (¬1) يعني رسلا وكتبا، نظيرها في طه» حيث يقول: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً (¬2) يعني رسلا وكتبا الخ. (¬3) 2 - ومن منهجه في تناول الكلمات الغريبة ذات المعاني المتعدّدة أن يشير أحيانا إلى المعنى الحقيقي الوضعي للكلمة بعد أن يعرض معانيها الأخرى التي يحدّدها السّياق. من ذلك: الفرح: قال: تفسير الفرح على ثلاثة وجوه: فوجه منها: الفرح يعني: البطر، فذلك قوله في: «طسم القصص»: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (¬4)، يعني لا تبطر، ولا تمرح إن الله لا يحب البطرين المرحين، كقوله في «هود»: إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (¬5) يعني لمرح بطر، وكقوله في «حم المؤمن» ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (¬6) يقول: بما كنتم فرحين بطرين بالخيلاء والكبرياء. والوجه الثاني: «الفرح» يعني: به الرّضا، فذلك قوله في: «الرعد» وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا يقول: ورضوا بالحياة الدنيا ¬

_ (¬1) البقرة: 38. (¬2) طه: 123. (¬3) انظر: الأشباه والنظائر: 89 - 95. (¬4) القصص: 76. (¬5) هود: 10. (¬6) غافر: 75.

الأرض:

وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (¬1) كقوله في «الروم» كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (¬2)، يعني: راضين، وكذلك أيضا في «غافر»: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، (¬3)، يعني: رضوا والوجه الثالث: الفرح بعينه، فذلك قوله في يونس: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها (¬4) يعني: الفرح بعينه» (¬5) ومثال ذلك أيضا: الأرض: حينما تناول غريب هذه الكلمة، ومعانيها المختلفة التي حدّدتها سياقات الآيات التي وجدت فيها، قال: «الأرض على سبعة وجوه: فوجه منها الأرض: يعني أرض الجنّة، فذلك قوله في «الزّمر» وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ (¬6) يعني أرض الجنّة: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ كقوله في الأنبياء: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (¬7) يعني أرض الجنّة خاصّة. والوجه الثاني: «الأرض»، يعني الأرض المقدّسة بالشام خاصّة فذلك قوله في «الأعراف» ¬

_ (¬1) الرّعد: 26. (¬2) الرّوم: 32. (¬3) غافر: 83. (¬4) يونس: 22. (¬5) الأشباه والنظائر: 200. (¬6) الزمر: 74. (¬7) الأنبياء: 105.

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ (¬1) يعني الأردن وفلسطين، وكقوله: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها، (¬2) يعني الأرض المقدسة. والوجه الثالث: الأرض يعني أرض المدينة خاصّة، فذلك قوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ، يعني أرض المدينة خاصّة: فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ بها (¬3)، يأمرهم بالهجرة إليها كقوله في «النساء»: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (¬4) يعني: أرض المدينة. وقال في «النساء»: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (¬5) والوجه الرابع: «أرض» يعني أرض مكة خاصّة، فذلك قوله في الرعد: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها (¬6) يعني أرض مكة خاصّة، كقوله في «النساء»: قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ (¬7)، يعني أرض مكة، وكقوله في «الأنبياء»: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها، يعني أرض مكة خاصّة أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (¬8) الخ ¬

_ (¬1) الأعراف: 137. (¬2) الأنبياء: 71. (¬3) العنكبوت: 56. (¬4) النساء: 97. (¬5) النساء: 100. (¬6) الرعد: 41. (¬7) النساء: 97. (¬8) الأنبياء: 44.

ويعني به الأرض بعينها فقال: الوجه السابع: «الأرض» يعني جميع الأرضين فذلك قوله في الأنعام»: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ يعني جميع الأرض. وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ (¬1). وقال في لقمان: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (¬2) يعني الأرضين، ونحوه كثير (¬3). 3 - ومن منهجه أن يوضح أسباب النّزول ليكشف الغطاء عن معنى الكلمة القرآنية ذات المعنى المتعدّد، ومثال ذلك تفسيره لقوله تعالى يوزعون» قال: «يوزعون» على وجهين: فوجه منهما: يوزعون، يعني: يساقون، فذلك قوله في «النمل» وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ يعني (¬4): يساقون، نظيرها فيها حيث يقول: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (¬5) يعني يساقون. والوجه الثاني: «أوزعني» يعني ألهمني الشكر، فذلك قول سليمان في «النمل»: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ (¬6) كقول أبي بكر بن قحافة: ¬

_ (¬1) الأنعام: 38. (¬2) لقمان: 27. (¬3) الأشباه والنظائر: 201 - 204. (¬4) النمل: 17. (¬5) النمل: 83. (¬6) النمل: 19.

حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ (¬1) فهذه الآية الأخيرة أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أنّه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثماني عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلا فيه سدرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدّين، فقال له: من الرّجل الذي في ظلّ السّدرة؟ فقال: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: هذا والله نبيّ، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلّا محمد نبيّ الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتّصديق، فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره. نبّىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة- أسلم وصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ .. الآية (¬2) وبعد، فمن خلال هذا المنهج تبين لنا أن الرجل كان متبحّرا في تفسير القرآن، واستيعاب معانيه، ومعرفة أسباب نزوله. ولقد عرف له هذه المكانة رجال العلم في عصره، وما بعد عصره فالشافعيّ يقول: «من أراد أن يتبحر في تفسير القرآن فهو عيال على مقاتل ابن سليمان. وقال عبد الله بن كثير: «ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من مقاتل» وقال حمّاد بن أبي حنيفة: مقاتل أعلم بالتفسير من الكلبيّ. (¬3) ¬

_ (¬1) الأحقاف: 15، وانظر الأشباه والنظائر: 183 - 184. (¬2) انظر أسباب نزول القرآن للواحدي: 402. (¬3) انظر ما سبق.

نماذج من كتاب: «مقاتل»

نماذج من كتاب: «مقاتل» أولا: في مجال الأسماء 1 - الحميم تفسير الحميم على وجهين: فوجه منهما يعني القريب، ذا الرحم، فذلك قوله في «سأل سائل»: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (¬1) يعني قريبا قرابته الكافر. وقال في الشعراء: وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (¬2) يعني قريب، وقال، في «حم السجدة»: كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ يعني (¬3) القرابة. والوجه الثاني: حميم: الحارّ، فذلك قوله في المفصّل: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً يعني حارا، فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (¬4). وقال في الحج: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ، (¬5) يعني الحارّ من الماء، نظيرها في الدخان (¬6) وقال أيضا في الصّافات: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (¬7) يعني الحارّ، وقال في الرحمن: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (¬8) يعني حارا قد انتهى حرّه (¬9). ¬

_ (¬1) المعارج: 10. (¬2) الشعراء: 101. (¬3) فصلت: 34. (¬4) محمد: 15. (¬5) الحج: 19. (¬6) يشير إلى قوله تعالى: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ الدخان: 48. (¬7) الصافات: 67. (¬8) الرحمن: 44. (¬9) الأشباه والنظائر: 320.

2 - اليد

2 - اليد تفسير اليد على ثلاثة وجوه: فوجه منها: اليد بعينها:، فذلك في «ص» لإبليس: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (¬1) يعني بيدي الرّحمن تبارك وتعالى- خلق آدم بيده، وقال: إن الله خلق آدم بيده التي بها قبض السموات والأرض، يعني اليد بعينها. وقال في المائدة: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ (¬2) يعني اليد بعينها. وقال لموسى عليه السلام: وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (¬3) يعني اليد بعينها. والوجه الثاني: يد، فهو مثل ضربه لليد في أمر النّفقة فذلك في قوله في بني إسرائيل للنبي- صلى الله عليه وسلم وعلى آله-: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ (¬4) يقول لا تمسك يدك من النفقة بمنزلة المغلولة يده إلى عنقه، فلا يستطيع بسطها، وكقوله في المائدة: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ (¬5) قالوا: أمسك الله يده عن النفقة علينا، فلا يوسع في الرّزق كما فعل لهم في زمان بني إسرائيل فهذا مثل ضربه الله تبارك وتعالى. ¬

_ (¬1) ص: 75. (¬2) المائدة: 64، هذا وقد علق المحقق على قوله: يعني اليد بعينها بقوله: وهذا ممّا يوهم التشبيه والتجسيم، وقد اتّهم مقاتل بأنه مشبّه مجسّم، وعند التحقيق نجد أن كلامه لا يخرج عن كلام السلف كالإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وابن قيم الجوزيّ. (¬3) الأعراف: 108. (¬4) الإسراء: 29. (¬5) المائدة 64.

والوجه الثالث: يد: يعني فعل: فذلك قوله في «يس»: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً (¬1) وقال في الفتح: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (¬2) يعني فعل الله بهم بالخير أفضل من فعلهم في أمر البيعة يوم الحديبية، وقال في يس: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (¬3) يعني لم يكن ذلك من فعلهم، وقال في «الحج»: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ، (¬4) يعني بفعلك. (¬5) ¬

_ (¬1) يس: 71. (¬2) الفتح: 10. (¬3) يس: 35. (¬4) الحج: 10. (¬5) انظر الأشباه والنظائر: 323.

3 - آية

3 - آية تفسير أية على وجهين: فوجه منهما آية يعني عبرة: فذلك في المؤمنين: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً، (¬1) يعني عبرة. وقال في العنكبوت: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً يعني عبرة للعالمين (¬2)، نظيرها في «اقتربت الساعة»، (¬3) وقال في النحل: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، (¬4) يعني لعبرة. والوجه الثاني: آية: يعني علامة، فذلك قوله في «يس»: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ (¬5) يعني وعلامة لهم. وقال في الروم: ومن آياته» يعني ومن علامات الرب أنه واحد أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ. (¬6) ومن آياته يعني من علامات الرّب: أنه واحد فاعرفوا توحيده بصنعه: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ (¬7) يعني بعمله. «ومن آياته» يعني ومن علامات الرب أنه واحد، فاعرفوا توحيده بصنعه: أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً .. (¬8) ونحوه كثير. (¬9) ¬

_ (¬1) المؤمنون: 50 (¬2) العنكبوت: 15 (¬3) وهي قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر: 15 (¬4) النحل 79. (¬5) يس: 41 (¬6) الروم: 20. (¬7) الروم: 25. (¬8) الروم: 21. (¬9) الأشباه والنظائر: 300

4 - وازرة

4 - وازرة تفسير «وازرة» على ثلاثة وجوه: فوجه منها: وازرة: يعني حاملة، فذلك قوله في الأنعام: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (¬1) يعني: لا تحمل حاملة ذنب نفس أخرى، مثلها في «النجم إذا هوى» (¬2) وفي الملائكة، (¬3) وقال في الأنعام: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (¬4) يعني ما يحملون، نظيرها في النّحل. (¬5) والوجه الثاني: وازر: يعني عون، فذلك قوله في الفتح: فَآزَرَهُ (¬6) يعني أعانه، كقوله في طه: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (¬7) يعني عونا من أهلي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (¬8) يعني أشدّ به عوني. والوجه الثالث: وزر: يعني «إثم»، فذلك قوله في النحل: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ يعني آثامهم كاملة يوم القيامة وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ (¬9) ¬

_ (¬1) الأنعام: 164. (¬2) «ألا تزر وازرة وزر أخرى» (النجم: 38). (¬3) «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (فاطر: 18 (¬4) الأنعام: 31. (¬5) أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ، النحل: 25. (¬6) الفتح: 29. (¬7) طه: 29. (¬8) طه: 31. (¬9) النحل: 25. وانظر الأشباه والنظائر: 284.

5 - يوم

5 - يوم تفسير يوم على أربعة وجوه: فوجه منها: يوم: يعني الأيام الستة التي خلق الله- عز وجلّ- فيهن الدنيا، فذلك قوله: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ (¬1) وقال: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (¬2)، ثم قال: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ (¬3) فذلك ستة أيام، وكقوله في تنزيل السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (¬4) وهو عند الله ليس كأيام الدّنيا، فذلك قوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (¬5) والوجه الثاني: يوم: يعني أيّام الدنيا، فذلك قوله في تنزيل السّجدة: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ من أيام الدنيا (كان مقداره) يعني مقدار نزول جبريل: أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (¬6) والوجه الثالث: يوم القيامة، فذلك قوله في «يس»: فَالْيَوْمَ يعني في الآخرة ¬

_ (¬1) فصلت: 9. (¬2) فصلت: 10. (¬3) فصلت: 12. (¬4) السّجدة: 4. (¬5) الحج: 47. (¬6) السّجدة: 5.

لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، (¬1)، وقال: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ (¬2) يعني في الآخرة. وقال في «حم المؤمن»: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ (¬3) يعني في الآخرة، ونحوه كثير، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ. (¬4) والوجه الرابع: يوم: يعني، حين، قال تعالى: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (¬5) يعني، وحين يبعث حيّا، وكدلك قول عيسى عن نفسه: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا يعني (¬6)، وحين أموت، وحين أبعث. وقال في النحل: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ يعني حين ظعنكم، وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ (¬7) يعني حين إقامتكم، وقال في الأنعام: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ (¬8) يعني حين كيله. (¬9) ¬

_ (¬1) يس: 54. (¬2) يس: 55. (¬3) غافر: 17. (¬4) يس: 65. (¬5) مريم: 15. (¬6) مريم 33. (¬7) النحل 80. (¬8) الأنعام: 141. (¬9) الأشباه والنظائر: 300. 301.

6 - الأزواج

6 - الأزواج تفسير الأزواج على ثلاثة وجوه: فوجه منها: الأزواج: يعني الحلائل، الرجل أو امرأته، فذلك في البقرة: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ (¬1) يعني الحلائل، وكذلك في آل عمران، (¬2) وفي النساء، (¬3) وقال في الزّخرف: أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (¬4) يعني الحلائل. وقال في النساء: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ (¬5) يعني امرأة الرجل. والوجه الثاني: الأزواج يعني الأصناف، فذلك قوله في الشّعراء: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ من كل صنف من النّبت الحسن وقال في «يس» الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ (¬6) يعني الأصناف كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ. (¬7) وقال في «الأنعام»: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (¬8) يعني ثمانية أصناف. وقال في «هود»: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (¬9) يعني من كل صنفين، وقال في «الرعد»: جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ (¬10) يعني صنفين اثنين، ونحوه كثير. ¬

_ (¬1) البقرة: 25. (¬2) وهي قوله تعالى «وأزواج مطهّرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد آل عمران: 15 (¬3) يشير إلى قوله تعالى: لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا النساء: 57. (¬4) الزخرف 70. (¬5) النساء 12. (¬6) الشعراء: 7. (¬7) يس: 36. (¬8) الأنعام: 143. (¬9) هود: 40. (¬10) الرعد: 3.

والوجه الثالث: الأزواج: يعني القرناء، فذلك قوله في «الصافات»: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ (¬1) يعني قرناءهم من الشياطين، وقال في «إذا الشمس كورت»: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (¬2) يعني قرنت نفوس الكفار بالشياطين. (¬3) ¬

_ (¬1) الصافات: 22. (¬2) التكوير: 7. (¬3) الأشباه والنظائر: 234، 235.

ثانيا: في مجال الأفعال

ثانيا: في مجال الأفعال 1 - ناي تفسير «نأى» على وجهين: فوجه منها: نأى: يعني تباعد، فذلك قوله في بني إسرائيل: وَنَأى بِجانِبِهِ (¬1) يعني تباعد، وكقوله في الأنعام: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ (¬2) يعني يباعدون عنه. والوجه الثاني: لا تنيا، يعني لا تضعفا، فذلك قوله في «طه»: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (¬3) يقول: لا تضعفا، وقال في القصص: لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ (¬4) يعني لتضعف، فتعجز عن حمل المفاتيح لأبواب بيوت أموال قارون. ¬

_ (¬1) الإسراء 83. (¬2) الأنعام/ 26. (¬3) سورة طه 42، ويلاحظ اختلاف المادة والمعنى بين الوجه الأول والثاني، فالوجه الأول مادته نأى بمعنى بعد، والثاني مادته ونى بمعنى ضعف. وفي المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، نجد أن الوجه الأول في مادة نأى، والوجه الثاني في مادة ونى. [من تعليق المحقق] (¬4) القصص: 76.

2 - هلك

2 - هلك تفسير هلك على أربعة وجوه: فوجه منها. هلك يعني مات، فذلك قوله في النساء إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (¬1) يعني مات، كقوله في «يوسف»: أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (¬2) يعني من الميتين. وقال في بني إسرائيل: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها (¬3) يعني مميتوا أهلها قبل يوم القيامة، وقال في «طسم» «القصص» كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ (¬4) يقول: كل شىء من الحيوان ميت إلا الله فإنه لا يموت. والوجه الثاني: الهلاك: يعني عذاب، فذلك قوله في الكهف: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ، يعني قبلك كفار قرى الأمم الخالية عذّبناهم لَمَّا ظَلَمُوا يعني لما أشركوا، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (¬5) يعني لعذابهم وقتا، كقوله في الحجر: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ يعني: وما عذبنا من قرية من كفار الأمم الخالية إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ. (¬6) وقال في القصص: وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى، (¬7) يعني ¬

_ (¬1) النساء: 176. (¬2) يوسف: 85. (¬3) الإسراء: 58. (¬4) القصص: 88. (¬5) الكهف: 59. (¬6) الحجر: 4. (¬7) القصص: 59.

معذّب القرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا (¬1) وقال في الأنعام: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ يعني كم عذبنا قبل كفار مكة مِنْ قَرْنٍ (¬2). والوجه الثالث: هلك: يعني ضلّ، فذلك قوله في «الحاقة»: هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ، (¬3) يعني ضلّت عني حجّتي. والوجه الرابع: الهلاك: يعني الفساد، فذلك قوله في البقرة: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ (¬4) يقول: يفسد، وقال في المفصّل: أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً (¬5) يقول أفسدت مالا كثيرا. (¬6) ¬

_ (¬1) القصص: 59. (¬2) الأنعام: 6. (¬3) الحاقة: 29. (¬4) البقرة: 205. (¬5) البلد: 6. (¬6) الأشباه والنظائر: 256، 257.

3 - كان

3 - كان تفسير «كان» على خمسة وجوه: فوجه منها، كان يعني ينبغي: فذلك قوله في «آل عمران»: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني لا ينبغي لبشر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬1)، كقوله في «النساء»: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ يعني ولا ينبغي لمؤمن أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً (¬2) وكقوله في النّور: ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا، (¬3) ونحوه كثير. والوجه الثاني: كان صلة في الكلام، فذلك قوله وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً، (¬4) يقول: والله على كل شىء قدير. وكان ها هنا صلة في الكلام فمعنى وكان الله على كل شىء قديرا يقول: والله على كل «شىء» قدير، «وكقوله» وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (¬5) يعني والله عليم حكيم. فكان ها هنا صلة في الكلام، وكقوله: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (¬6) يعني والله سميع بصير، وكان ها هنا صلة في الكلام، وكقوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (¬7) يعني، والله غفور رحيم، وكان ها هنا صلة في الكلام. ¬

_ (¬1) آل عمران: 79. (¬2) النساء: 92. (¬3) النور: 16. (¬4) الأحزاب: 27. (¬5) النساء: 111، والفتح: 4 (¬6) النساء: 134 (¬7) النساء: 100.

والوجه الثالث: كان: يعني «هو»، فذلك قوله في مريم: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ يعني من هو في المهد صَبِيًّا (¬1) والوجه الرابع: كان، تفسيره «هكذا كان» فذلك قوله في سورة مريم لإسماعيل: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا يقول: هكذا كان، وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ، (¬2) وقوله في الكهف: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (¬3) يخبر عن شىء قد كان ومضى. والوجه الخامس: كان يعني صار، فذلك قوله في البقرة لإبليس حين أمره الله تعالى أن يسجد لآدم: أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (¬4) يعني في علم الله، فصار كافرا بترك السجود لآدم حين قال لربه: لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ (¬5) أي أنا خير منه، فلا ينبغي لمثلي أن يسجد لمثله. وقال في عم يتساءلون: وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً يعني فصارت أبوابا، وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (¬6) يعني فسارت كالسراب، وقال في «المزمل»: وَكانَتِ الْجِبالُ يعني فصارت الجبال كَثِيباً مَهِيلًا (¬7) ¬

_ (¬1) مريم: 29. (¬2) مريم/ 55. (¬3) الكهف/ 79 (¬4) البقرة: 34. (¬5) الحجر: 33. (¬6) النباء: 19، 20. (¬7) المزمل: 14.

ككثيب الرمل إذا حرك تبع بعضه بعضا. وقال في «الواقعة»: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا، (¬1) يعني صارت الجبال كالغبار. (¬2) ¬

_ (¬1) الواقعة: 6. (¬2) الأشباه والنظائر: 248، 249.

4 - ظل

4 - ظل تفسير «ظل» على وجهين: فوجه منهما: ظلوا: يعني مالوا، فذلك قوله في الحجر: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يعني مالوا فيه يَعْرُجُونَ. (¬1) كقوله في الشعراء: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬2). والوجه الثاني: ظلّ: يعني إقامة، فذلك قوله في «طه»: انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً (¬3) يعني أقمت عليه عاكفا، يعني عابدا له كقوله في الشعراء: قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (¬4) يعني فنقيم لها عاكفين يعني عابدين. وقال في الواقعة: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (¬5) يعني فأقمتم تعجبون. وقال في النحل: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (¬6) يعني أقام، نظيرها في الزخرف. (¬7) ¬

_ (¬1) الحجر: 14. (¬2) الشعراء: 4. (¬3) طه: 97. (¬4) الشعراء: 71. (¬5) الواقعة: 65. (¬6) النحل: 58. (¬7) يشير إلى الآية 17. وهي وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ وانظر الأشباه والنظائر: 173.

ثالثا: في مجال الظروف

ثالثا: في مجال الظروف حين: تفسير «حين» على أربعة وجوه: فوجه منها: حين: يعني سنة، فذلك قوله في إبراهيم: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها (¬1) يعني كل سنة بأمر ربها. والوجه الثاني: «حين» يعني منتهى الآجال، فذلك قوله في البقرة لآدم وحواء: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (¬2) يعني إلى منتهى آجالكم، نظيرها في الأعراف، (¬3) وقال في يونس: وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (¬4) يعني إلى منتهى آجالهم، وقال في النّحل: أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (¬5) يعني إلى حين تبلى الثياب. والوجه الثالث: حين يعني السّاعات فذلك قوله في الرّوم: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (¬6) يعني صلوا لله مغرب الشمس- وحين تصبحون- صلاة الغداة (وعشيا) يعني لوقت العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ (¬7) يعني ساعة تظهرون صلاة الأولى ¬

_ (¬1) إبراهيم: 25. (¬2) البقرة: 36. (¬3) يشير إلى قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ الأعراف: 24. (¬4) يونس: 98. (¬5) النحل: 80. (¬6) الروم: 17. (¬7) وتمامها: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. الروم: 18.

والوجه الرابع: حين: زمان لم يؤقت، فذلك قول في «ص»: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (¬1) يعني بعد زمان وهو القتل ببدر ولم يبين ذلك الوقت، وقال في «الإنسان»: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (¬2) يعني زمانا من الدّهر. ¬

_ (¬1) ص: 88. (¬2) الإنسان: 1

رابعا: في مجال الحروف

رابعا: في مجال الحروف 1 - أم تفسير «أم» على ثلاثة وجوه: فوجه منها: «أم» صلة في الكلام، فذلك قوله في الطّور: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ (¬1) يقول: أخلقوا من غير شىء؟ والميم ها هنا صلة، وكقوله: أَمْ لَهُ الْبَناتُ، (¬2) والميم ها هنا صلة. والوجه الثاني: أم يعني «بل»، فذلك قوله في الرّعد: أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ (¬3) يقول: بل بظاهر من القول، كقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ (¬4) يقول: بل أنا خير، وكقوله في «اقتربت الساعة»: أَمْ يَقُولُونَ، يعني بل يقولون: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (¬5) والوجه الثالث:، أم استفهام موضعها موضع «أو» فذلك قوله في تبارك: أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ يعني: أو أمنتم من في السماء أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً، (¬6) كقوله في بني إسرائيل: أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى (¬7) يعني أو (¬8). ¬

_ (¬1) الطور: 35. (¬2) الطور: 39. (¬3) الرعد: 33. (¬4) الزخرف: 52. (¬5) القمر: 44. (¬6) الملك: 17. (¬7) الإسراء: 69. (¬8) الأشباه والنظائر: 214، 215.

2 - ما

2 - ما تفسير «ما» على سبعة وجوه: فوجه منها «ما» يعني» «لا» فذلك قوله في «ص»: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني لا أسألكم عليه أجرا وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (¬1) يقول: ولا أنا الذي يكلفكم الأجر، كقوله في «حم السّجدة»: ما يُقالُ لَكَ (¬2) يقول: لا يقال لك. وقوله في «البقرة»: أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ (¬3)، وقال في آل عمران: ما كانَ لِبَشَرٍ يعني لا ينبغي لبشر أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي (¬4). وقال في «عسق»: وَما كانَ لِبَشَرٍ (¬5) يعني لا ينبغي لبشر. والوجه الثاني: ما، يعني «ليس، فذلك قوله في «هود»: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (¬6) يقول: ليس لكم ربّ غيره. وقال أيضا وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (¬7) يقول ليس لكم رب غيره. ¬

_ (¬1) ص: 86. (¬2) فصّلت: 43. (¬3) البقرة: 174. (¬4) آل عمران: 79. (¬5) الشورى: 51. (¬6) هود: 61. (¬7) هود: 84.

والوجه الثالث: «ما» يعني «الذي» فذلك قوله: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (¬1) يعني والذي خلق الذكر والأنثى، وكقوله في المؤمنين: أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ يعني الذي يأت آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ. (¬2) وقال في البقرة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ (¬3) يعني الذي أنزلنا، كقوله في سبأ: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ (¬4) يعني الذي سألتكم من أجر فهو لكم، وقال: في الزّخرف: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (¬5) يعني الذي تركبون، ونحوه كثير. والوجه الرابع: «ما» يعني «أي شيء» وهو استفهام، فذلك قوله في البقرة حيث قال يعقوب لبنيه: ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي (¬6) يعني أي شىء تعبدون من بعدي؟ وقال أيضا لليهود: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (¬7) يعني أي شىء جزاؤهم على عمل يدخل النار. وقال في عبس: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (¬8) يعني أي شىء أكفره. ¬

_ (¬1) الليل: 3. (¬2) المؤمنون: 68. (¬3) البقرة: 159. (¬4) سبأ: 47. (¬5) الزخرف: 12. (¬6) البقرة: 133. (¬7) البقرة: 175. (¬8) عبس 17.

والوجه الخامس: «ما» يعني «لم»، فذلك قوله في الأنعام: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (¬1) يعني لم نكن مشركين. وقال في الأعراف: وَما كُنَّا غائِبِينَ (¬2) يعني لم نكن غائبين، كقوله في القصص: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى يعني لم نكن مهلكي القرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ (¬3) ونحوه كثير. والوجه السادس: «ما» صلة في الكلام، وليس له أصل في التفسير في القرآن فذلك قوله في البقرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً (¬4) يعني لا يستحيي أن يضرب مثلا بعوضة، و «ما» صلة في الكلام. وقال في آل عمران: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (¬5) يعني فبرحمة من الله، وما صلة في الكلام. وقال في النساء: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ (¬6) يعني فبنقضهم ميثاقهم، وما صلة في الكلام. وقال في المؤمنين: عَمَّا قَلِيلٍ (¬7) يعني عن قليل و «ما» صلة في الكلام. ¬

_ (¬1) الأنعام: 23. (¬2) الأعراف: 7. (¬3) القصص: 59. (¬4) البقرة: 26. (¬5) آل عمران: 156. (¬6) النساء: 155. (¬7) المؤمنون: 40.

والوجه السابع: «ما» يعني «كما»، فذلك قوله في «يس»: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ (¬1) يقول كما أنذر اباؤهم، كقوله في هود: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ (¬2) «أي» لأهل النار، ما داموا فيها أحياء، فأهل النّار لا يموتون فيها أبدا، والنار لا تنقطع عنهم أبدا إلا ما شاء ربك لأهل التوحيد الذين أدخلوا النار فلا يدومون في النار معهم، ولكن يخرجون إلى الجنّة، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ لأهل الدّنيا فلا يخرج أهلها منها، فكذلك تدوم الجنة لأهل الجنة ما داموا، فأهل الجنة لا يموتون أبدا والجنة لا تنقطع عنهم إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (¬3) يعني إلا ما نقص لأهل التوحيد الذين أخرجوا من النار فدخلوا الجنة بعد أوائلهم. (¬4) ¬

_ (¬1) يس: 6. (¬2) هود: 106، 107. (¬3) هود: 108. (¬4) الأشباه والنظائر: 242 - 245.

2 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم عن هارون بن موسى

2 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم عن هارون بن موسى أ- ترجمة موجزة للمؤلف: ترجم له الخطيب البغدادي، فذكر نسبه وأصله. أمّا نسبه فلم يذكر سلسلة نسبه غير أبيه، فقد ذكر عنه أنّه: هارون ابن موسى، وأبو عبد الله، وقيل: أبو موسى (¬1) وما ذكره البغداديّ ردّده القفطيّ في «الإنباه» حيث ذكر: أنه هارون ابن موسى وكنيته أبو عبد الله» (¬2) وقد لقب بالأعور، ونسبوه إلى العتيك، فقالوا: العتكيّ نسبه إلى العتيك، وهو بطن من الأزد» (¬3) ووصفوه بأنه قارىء نحويّ، وأنه من أهل البصرة (¬4) ويذكر السيّوطيّ في: البغية أنه مات في حدود السّبعين ومائة. (¬5) أساتذته: يسرد الخطيب البغداديّ أسماء الأساتذة الذي روى عنهم فقال: «سمع طاوسا اليماني، وشعيب بن الحبحاب، وثابت البناني، وداود ابن أبي هند، والزّبير بن الحريث، وبديل بن ميسرة، ويزيد الرّفاشي، وحميد الطّويل، وأبان بن ثعلب» (¬6) ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد: 14/ 3. (¬2) إنباه الرواة: 3/ 361. (¬3) السابق والهامش. (¬4) السابق. (¬5) بغية الوعاة: 2/ 421. (¬6) تاريخ بغداد: 14/ 3.

تلاميذه:

تلاميذه: أما تلاميذه الذين رووا عنه فهم كثرة. فقد روى عنه في البصرة: شعبة، وأبو عبيدة الحداد، ومسلم بن إبراهيم، وأبو الوليد الطّيالسيّ وهدبة بن خالد،، وشيبان بن فروخ، وذكر الخطيب البغداديّ أيضا: أنه لما قدم بغداد «روى عنه من أهلها شيابة بن سوار، ويونس بن محمد المؤدب، وبشير بن محمد السّكريّ، وعلي بن الجعد» (¬1) ويزيد السّيوطيّ في «البغية» أنه روى له البخاريّ ومسلم». (¬2) لقد ظفر هارون بتقدير العلماء والرّواة، فلم يتهمه أحد في روايته، لأنه كان ثقه مأمونا، ولا أدلّ على ذلك من قول يحي بن معين: «هارون صاحب القراءة ثقة» (¬3) ويكفي أن الأصمعيّ عميد الرواية في التّراث الإسلامي قال عنه فيما أخبر به أبو حاتم السّجستاني قال: «سألت الأصمعيّ عن هارون بن موسى النّحوي، مولى العتيك، فقال: كان ثقة مأمونا» (¬4) وسئل عن هارون أبو داود فقال: «ثقة، ولو كان لي عليه سلطان لضربته وفي هامش تاريخ بغداد تعليق لطيف على كلمة أبي داود في هارون فظاهر الكلمة يبدو فيه التناقض، وهو إذا كان هارون ثقة في رأي أبي داود فلم يضربه إذا أتيحت له فرصة الضرب؟ وصاحب التعليق، وقف حائرا أمام هذا التناقض فقال العبارة المشهورة: «كذا في الأصول» ولم يقتنع بما في الأصول، بل عللّ ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد: 14/ 3. (¬2) بغية الوعاة: 2/ 321. (¬3) تاريخ بغداد 43/ 5. (¬4) تاريخ بغداد 14/ 5.

علمه بالتفسير والقراءات والحديث والنحو:

قوله: «ولعله يريد، لأنه ترك التّحديث، واشتغل بعلم النّحو، أو لأنه قدريّ» (¬1) علمه بالتفسير والقراءات والحديث والنحو: لقد اقتحم هارون هذه الميادين، ففسّر، وقرأ، وحدّث، واشتغل بالنحو. وذكر السيّوطيّ: أنه أول من تتبّع وجوه القرآن (¬2) وألّفها، وتتبع الشاذّ منها، وبحث عن إسناده» (¬3) إسلامه: لم يلد هارون في أسرة مسلمة، بل ولد في أسرة يهوديّة، ولعلّ هذا هو السّبب في أنّ الرّواة لم يتعرّفوا أجداده، واكتفوا بذكر أبيه وكنيته. ولمّا كبر، واستوى على سوقه أسلم وحسن إسلامه بدليل ما ذكره البغداديّ أن «عبد الله بن سليمان الأشعث قال: سمعت أبي يقول: كان هارون الأعور يهوديا فأسلم وحسن إسلامه. حفظ القرآن وضبطه، وحفظ النحو، فناظره إنسان يوما في مسألة، فغلبه هارون، فلم يدر المغلوب ما يصنع؟ فقال له: أنت كنت يهوديا فأسلمت! فقال له هارون: بئس ما صنعت! قال: فغلبه أيضا في هذا» (¬4) ملحوظة جديرة بالاهتمام: قد يخلط بعض العلماء بين شخصية هارون بن موسى القارىء ¬

_ (¬1) تاريخ بغداد: 14/ 5. (¬2) هكذا في البغية ولعله يقصد القراءات بدليل ما بعده. (¬3) البغية: 2/ 321. (¬4) تاريخ بغداد: 14/ 4.

النحوي العتكيّ وبين هارون بن موسى بن شريك، فكلاهما ابن موسى. ولكنهما يختلفان من ناحية الجدّ، فشريك جد لموسى على حين صاحب الترجمة ليس له جد يذكره الرواة، ويتفقان أيضا في الكنية فكلاهما: أبو عبد الله وفي واقع الأمر أن هارون بن موسى توفي سنة 292 على حين توفي هارون الأعور في حدود مائة وسبعين وهارون الأعور من أهل البصرة، وهارون بن موسى بن شريك من أهل الشام. والذي حدا بي إلى ذكر هذه الملحوظة أنّ من مصادر ترجمة هارون الأعور في هامش كتاب «الإنباه» [3/ 361] وكتاب معجم الأدباء 19/ 263، والترجمة في هذين الموضوعين لهارون بن موسى بن شريك وليست لهارون الأعور، لأن ياقوت لم يترجم له في كتابه. هذا، ومن أهم المؤلفات القرآنية لهارون الأعور كتاب «الوجوه والنظائر في القرآن الكريم» وسنخصّه بمزيد من البحث في الفصل التالي.

ب - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لهارون

ب - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لهارون منهج المؤلف: القارىء لكتاب الأشباه والنظائر ل «مقاتل بن سليمان»، والقارىء لكتاب هارون بن موسى يجد أنّ هارون اقتفى أثر مقاتل، وسار في دربه، كرر كلماته، ورتب في كثير من كتابه الكلمات المشتركة، وفق ما رتبه مقاتل، فمقاتل بدأ بشرح: «الهدى، ثم الكفر، ثم الشرك» وكذلك سار على هذا النهج هارون بن موسى. وفي كثير من الأحوال يختم مقاتل وجوهه بقوله: «ونحوه كثير» وكذلك يفعل هارون، إذ نجد عبارة: «ونحوه كثير» تختم الوجوه التى ذكرها، ومن ناحية الأسلوب نجد أن الأسلوبين في الألفاظ، والترتيب والتنسيق متساويان في معظم النصوص، وإن اختلفا في القليل النادر، وهو اختلاف عند التمعن نجد أن منشأه النسخ، فقد يزيد الناسخ كلمة أو ينقص من النّص كلمة، لكنّ المعنى موحّد في جملة الكتابين لهذا، فإني أشك في أن كتاب هارون كتاب مستقل، وإنما هو صورة تكاد تكون طبق الأصل من كتاب مقاتل. حقا، إن هارون التزم الإيجاز في كثير من تفسيره، ولكنه اختصار لكتاب مقاتل، وإذا كان مقاتل توفي بالبصرة سنة 150 هـ، وهارون توفي بها سنة 170 هـ تقريبا، فالرّجلان متعاصران في الزمان والمكان وإن كان مقاتل أسبق زمنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هما أخذا من مصدر واحد

فجاء كتاباهما متفقين، أو بعبارة أدقّ متقاربين، وأن هارون أخذ عن مقاتل، ونقل عنه كتابه؟ تلك قضية تحتاج إلى نقاش طويل، لا تتسع له مساحة البحث. غير أن هناك إشارة نقلها زميلنا الدكتور حاتم الضامن محقق هذا الكتاب في مقدمته نقلها عن تاريخ بغداد 14/ 5، وهي أن راوي هذا الكتاب هو أبو نصر مطروح بن محمد بن شاكر القضاعى المصري المتوفي بالأسكندرية سنة 271 عن عبد الله بن هارون، وهو ابن المؤلف. (¬1) ولا شك أن هذه الإشارة تلقي ضوءا كاشفا يتضح من خلاله أن هارون لم يؤلف هذا الكتاب، وإنما كان راويا لموادّه، وحافظا لها، وتولى ابنه رواية هذه الوجوه عن أبيه ثم روى عن أبنه أبو نصر مطروح بن محمد، فهذه المدّة الطويلة التي بقيت فيها مادّة كتابه محفوظة في الصدور لا بد أن تتغير صيغها، وأساليبها، من راو إلى راو، ومن ناقل إلى ناقل. وأرجح أن الأشباه والنظائر لمقاتل كان مؤلفا منسوخا في عصر تداولته الأيدي، ونقلت عنه، ولم لا يكون ذلك كذلك فإن مقاتل قد نسبت إليه مؤلفات أخرى، وهي: 1 - التفسير الكبير، وهو تفسير كامل للقرآن. 2 - نوادر التفسير. 3 - الناسخ والمنسوخ. 4 - الردّ على القدرية. (¬2) ¬

_ (¬1) مقدمة التحقيق: 12. (¬2) انظر مقدمة «عبد الله شحاته على الأشباه والنظائر: 80

وإذا كان لمقاتل هذا الرّصيد من العلم المسّجل، فبدون شك كان هذا العلم في زمن مبكر مصدرا لكل المعارف القرآنية، ومن جاءوا بعده عيال عليه، ومن هؤلاء هارون بن موسى. على أية حال كانت اتفق مع الدكتور حاتم الضامن في أنه: «ليس للكتاب منهج واضح، إذ لم يرتب الألفاظ حسب حروف الهجاء ومنهجه يتفق اتفاقا تاما قريبا مع منهج مقاتل بن سليمان إلا أنه يزيد على كتاب مقاتل أربعا وعشرين لفظة إذ عددها عند مقاتل ست وأربع وثمانون لفظة. (¬1) وقبل أن أنهى الحديث عن المنهج هناك ملحوظة، أسوقها للزميلين المحققين لهذين الكتابين: فالدكتور عبد الله شحاتة محقق كتاب مقاتل، فهرس الكتاب أبجديّا على حسب جذور الكلمة، فكلمة التصاريف مثلا جعلها تحت حرف الصاد بدون نظر إلى حروف الزيادة، والدكتور حاتم محقق كتاب هارون رتب الكلمات على حسب الحرف الأول بغض النظر عن أن يكون أصليا أو زائدا، فجعل كلمة: «التصريف» تحت حرف التاء مع أنها من حروف الزيادة هذه ناحية، ولذلك تعثرت المقابلة بين الكتابين لمن يريد أن يقابل. وناحية أخرى كنت أودّ من الدكتور حاتم أن يفهرس لنا الكلمات التي زادها هارون على مقاتل لنتبيّن مواضعها في الكتاب. ¬

_ (¬1) مقدمة المحقق: 12.

نماذج من كتاب هارون بن موسى

نماذج من كتاب هارون بن موسى أولا: في مجال الأسماء 1 - الرحمة: على أحد عشر وجها: فوجه منها: الرحمة يعني دين الإسلام، فذلك قوله عز وجلّ: في: «هل أتى»: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ (¬1) يعني في دينه الإسلام نظيرها في «حم عسق»: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ (¬2) يعني في دينه. وقوله في «البقرة» وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ (¬3) يعني دينه الإسلام، نظيرها في آل عمران. (¬4) الوجه الثاني: الرحمة يعني الجنّة، فذلك قوله في آل عمران: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ (¬5)، يعني ففي الجنة، نظيرها في النّساء: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ (¬6) يعني الجنّة، وقوله في «الجاثية» فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ (¬7) أي جنته، وقال في البقرة: أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ (¬8) أي جنة الله، ¬

_ (¬1) الإنسان: 31. (¬2) الشورى: 8. (¬3) البقرة: 105. (¬4) البقرة: 74. (¬5) آل عمران: 107. (¬6) النساء: 175. (¬7) الجاثية: 30. (¬8) البقرة: 218.

وقوله في «العنكبوت»: أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي (¬1) يعني جنتي. الوجه الثالث: الرّحمة، يعني: المطر، فذلك قوله عز وجلّ في الأعراف: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ (¬2) يعني: قدام المطر ... وقال في «حم عسق»: وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ (¬3) أي المطر. وقال في الروم: ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً (¬4) يعني المطر. الوجه الرابع: الرّحمة يعني النّبوّة، فذلك في «ص»: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ (¬5) يعني مفاتيح النّبوة، نظيرها في «الزّخرف أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (¬6) يعني النّبوة، الوجه الخامس: يعني النّعمة، فذلك قوله في «النساء»: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ (¬7) يعني نعمته، ونحوه كثير. الوجه السادس: الرّحمة، يعني القرآن، وقال في «يونس»: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ (¬8) يعني القرآن. ¬

_ (¬1) العنكبوت: 23. (¬2) الأعراف: 57. (¬3) الشورى: 28. (¬4) الروم: 33. (¬5) ص: 9. (¬6) الزخرف: 32 (¬7) النساء: 83. (¬8) يونس: 58.

وقال في «آل عمران»: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ يعني القرآن، وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. (¬1) الوجه السابع: الرّحمة يعني الرّزق، فذلك قوله في بني إسرائيل قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي، يعني مفاتيح الرزق: إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ (¬2) ... الخ. الوجه الثامن: الرحمة، يعني النّصر، فذلك قوله في «الأحزاب» قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إلى قوله: أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً يعني: (¬3) خيرا، وهو النّصر والفتح. الوجه التاسع: «الرّحمة»، يعني: العافية، فذلك قوله في «الزّمر» أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ يعني بعافية: هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ (¬4) يعني عافيتة. الوجه العاشر: «الرّحمة» يعني: المودّة، فذلك قوله عز وجلّ في الحديد»: وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً (¬5) يعني مودّة، وقوله في الفتح: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (¬6) يعني متوادّين. ¬

_ (¬1) آل عمران: 138. (¬2) الإسراء: 100. (¬3) الأحزاب: 17. (¬4) الزمر: 38. (¬5) الحديد: 27. (¬6) الفتح: 29.

2 - يسير:

الوجه الحادي عشر: «الرّحمة» بمعنى «الإيمان»، فذلك قوله في «هود»،: إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً (¬1) يعني نعمة وهو الإيمان ... (¬2) 2 - يسير: على ثلاثة وجوه: فوجه منها «يسير»، يعني «هيّنا»، فذلك قوله في الحج: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي (¬3) هين ذلك العلم في كتاب الله. وقال في «الحديد»: وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ: «المصيبات» في اللوح المحفوظ: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (¬4) يعني هيّنا. وقال: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (¬5)، يقول: هين، وليس عليه شديدا. والوجه الثاني: يسير يعني سريعا، لا لبس فيه. (¬6) والوجه الثالث: «يسير» يعني: خفيا، فذلك في قوله: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (¬7) يعني خفيّا (¬8). ¬

_ (¬1) هود: 28. (¬2) انظر الوجوه والنظائر: 53 - 54 - 55 بتصرف. (¬3) الحج: 70. (¬4) الحديد: 22. (¬5) فاطر: 11. (¬6) لم يمثل له في الأصل وفي الهامش: «فذلك قوله في يوسف: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ يوسف: 56 نقلا من هامش الأشباه والنظائر لمقاتل. (¬7) الفرقان: 46 (¬8) الوجوه والنظائر: 330.

3 - برهان

3 - برهان على وجهين: فوجه منهما يعني حجة، فذلك قوله في الأنبياء: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ (¬1) يعني حجتكم بأن الله معه الهة. الوجه الثاني: «برهان» بمعنى «آية»، فذلك قوله: فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ، (¬2) وقال: لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ (¬3) يعني آية من ربه. (¬4) ¬

_ (¬1) الأنبياء: 24. (¬2) القصص: 32. (¬3) يوسف: 24. (¬4) الوجوه والنظائر: 354.

4 - أمة

4 - أمة تفسير «أمة» على ثمانية وجوه: فوجه منها: يعني عصبة، فذلك قوله عز وجل في البقرة: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (¬1) يعني عصبة مسلمة لك. وقوله عز وجل: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ. (¬2) وقوله في آل عمران: أُمَّةٌ قائِمَةٌ (¬3) يقول: عصبة. وقوله في المائدة: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ (¬4) يعني عصبة، وفي الأعراف: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ (¬5) يعني عصبة. الوجه الثاني: أمة يعني ملّة، فذلك قوله في البقرة: كانَ النَّاسُ على عهد آدم وأهل سفينة نوح، عليه السلام، أُمَّةً واحِدَةً (¬6) يعني ملّة واحدة، يعني ملّة الإسلام وحدها. وقال في: «قد أفلح»: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً (¬7) يعني ملتكم ملة الإسلام ملة واحدة. نظيرها في الأنبياء (¬8) وقال في النّحل: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً (¬9) يعني ملة الإسلام وحدها. ¬

_ (¬1) البقرة: 128. (¬2) البقرة: 141. (¬3) آل عمران: 113. (¬4) المائدة: 66. (¬5) الأعراف: 159. (¬6) البقرة: 213. (¬7) المؤمنون: 52. (¬8) الأنبياء: 92. (¬9) النحل: 92.

الوجه الثالث: أمة يعني سنين، فذلك قوله في «هود»: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (¬1). نظيرها في «يوسف» حيث يقول: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (¬2) يعني بعد سنين. ليس في غيرها. الوجه الرابع: أمة. قوم، فذلك قوله عز وجل في النّحل: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ (¬3) يقول: أن يكون قوم أكرم من قوم. قال في الحج: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً (¬4) يقول لكل قوم. الوجه الخامس: أمة يعني الإمام فذلك قوله في النحل: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً (¬5) يعني إماما يقتدى به في الخير. الوجه السادس: أمة يعني الأمم الخالية وغيرهم من الكفار فذلك قوله في «يونس»: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ (¬6) يعني الأمم الخالية، وكذلك هذه الأمة، وقال في الحجر: ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها (¬7) يعني الأمم الخالية وكذلك في هذه الأمة. ¬

_ (¬1) هود: 8. (¬2) يوسف 45. (¬3) النحل: 92. (¬4) الحج: 34. (¬5) النحل: 120. (¬6) يونس: 47. (¬7) الحجر: 5.

وقال في الملائكة: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ (¬1) يعني الأمم الخالية. الوجه السابع: يعني أمّة محمد، صلى الله عليه وسلم، المسلمين خاصة فذلك قوله عز وجل في «آل عمران»: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ (¬2) يعني المسلمين خاصة. الوجه الثامن: أمة يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعني الكفار منهم خاصة، فذلك قوله في الرعد: كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ (¬3) يعني الكفار خاصة (¬4). ¬

_ (¬1) فاطر:: 24. (¬2) آل عمران: 110. (¬3) الرعد: 30. (¬4) الوجوه والنظائر: 64، 65.

5 - الماء

5 - الماء تفسير «الماء» على ثلاثة وجوه: فوجه منها: ماء يعني: المطر، فذلك قوله عز وجل في الحجر: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً (¬1) يعني: المطر. وقوله في «الفرقان»: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (¬2) يعني: المطر. وفي «الأنفال»: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (¬3) يعني المطر، وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ (¬4) يعني: المطر الوجه الثاني: ماء. يعني النّطفة، فذلك قوله في الفرقان: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً (¬5) يعني النّطفة، إنسانا. وقال في السجدة: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (¬6) يعني: النطفة. وقال في النّور: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ (¬7) يعني النطفة. الوجه الثالث: الماء. يعني: القرآن، فذلك قوله عز وجل في [النحل] وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً (¬8) يعني: القرآن، وهو مثل ضربه الله عز وجل كما أن الماء حياة الأنفس، القرآن حياة لمن آمن به نظيرها في البقرة. (¬9) ¬

_ (¬1) الحجر: 22. (¬2) الفرقان: 48. (¬3) الأنفال: 11. (¬4) لقمان: 10 بعدها: ماء فأنبتنا. (¬5) الفرقان: 54. (¬6) السجدة: 8. (¬7) النور: 45. (¬8) النحل: 65. (¬9) البقرة: 164. وهي: وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وانظر الوجوه والنظائر: 179.

ثانيا: في مجال الأفعال

ثانيا: في مجال الأفعال 1 - اطمأنّ تفسير «اطمأن» على ثلاثة وجوه: فوجه منها: تطمئن. يعني تسكن، فذلك قوله عز وجل في البقرة: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (¬1) يعني ليسكن قلبي إذا نظرت إليه. وقال في المائدة: وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا (¬2) يعني تسكن قلوبنا إذا رأينا المائدة وقال في الرّعد: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (¬3) يعني تسكن القلوب. وقال في آل عمران: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ يعني الملائكة يوم أحد وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ (¬4) يعني تسكن قلوبكم. وقال في الأنفال: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى يعني مدد الملائكة يوم بدر وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ (¬5) يعني: تسكن به قلوبكم الوجه الثاني: اطمأنّ. يعني رضي، فذلك قوله عز وجل في الحج: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ (¬6) يعني: رضي به. وقال في النحل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (¬7) يعني: رضي بالإيمان. ¬

_ (¬1) البقرة: 260. (¬2) المائدة: 113. (¬3) الرعد: 28. (¬4) آل عمران: 126. (¬5) الأنفال: 10. (¬6) الحجّ: 11. (¬7) النحل: 106.

وقال في الفجر: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (¬1) يعني الراضية بقول الله عز وجل. الوجه الثالث: اطمأنّ. يعني إقامة، فذلك قوله عز وجل في النساء: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ (¬2) يعني: فأتموا الصلاة. وقال في بني إسرائيل: لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ (¬3) يقول: مقيمين (¬4). ¬

_ (¬1) الفجر: 27. (¬2) النساء: 103. (¬3) الإسراء: 95. (¬4) الوجوه وانظائر: 104،، 105.

2 - جعلوا

2 - جعلوا تفسير «وجعلوا» على وجهين: فوجه منهما: وجعلوا. يعني: وصفوا لله، فذلك قوله في الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ (¬1) يعني: وصفوا لله شركاء. وفي الزخرف: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ (¬2) يقول: وصفوا لله من عباده شركاء. وقوله في النّحل: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ (¬3) يعني ويصفون لله. وقوله في الزخرف: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ يعني: وصفوا الملائكة الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً. (¬4) الوجه الثاني: وجعلوا. يقول: قد فعلوا بالفعل، فدلك قوله في الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً (¬5) يعني: قد فعلوا ذلك. وفي يونس: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ يعني: الحرث والأنعام فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا (¬6). ¬

_ (¬1) الأنعام: 100. (¬2) الزخرف: 15. (¬3) النحل: 57. (¬4) الزخرف: 19. (¬5) الأنعام: 136. (¬6) يونس: 59. وانظر الوجوه والنظائر: 184.

3 - أنشأ

3 - أنشأ تفسير أنشأ على ثلاثة وجوه: فوجه منها: أنشأ، يقول: خلق، فذلك قوله تعالى: وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني: خلقنا بعدهم قَرْناً آخَرِينَ. (¬1) وفي الواقعة: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (¬2) يعني: خلقناهن خلقا من بعد الخلق الأول. وفي تبارك: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ (¬3) يعني خلقكم. وفي الأنعام: كَما أَنْشَأَكُمْ (¬4) يعني خلقكم. وقوله: وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ، (¬5) يعني: كما خلقكم. الوجه الثاني: أنشأ، يعني شبّ، فذلك قوله في الزخرف: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ (¬6) يعني يشب. الوجه الثالث: نشأ، يعني: قام، فذلك قوله في المزمل: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ (¬7) يعني: قيام الليل. (¬8) ¬

_ (¬1) الأنعام: 6. (¬2) الواقعة: 35. (¬3) الملك: 23. (¬4) الأنعام: 133. (¬5) الواقعة: 61. (¬6) الزخرف: 18. (¬7) المزمل: 6. (¬8) الوجوه والنظائر: 276.

ثالثا: في مجال الظروف الحين

ثالثا: في مجال الظروف الحين تفسير «الحين» على أربعة وجوه: فوجه منها: «حين» يعني: سنة وذلك قوله في «إبراهيم»: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ، يعني كل سنة بِإِذْنِ رَبِّها (¬1) الوجه الثاني: «حين» يعني: «منتهى الآجال فذلك قوله في «البقرة: لأدم وحواء- صلى الله عليهما-: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ، (¬2) يعني إلى منتهى آجالكم. نظيرها في «الأعراف». (¬3) وقال في «يونس»: وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (¬4) يعني إلى حين تبلى الثياب الوجه الثالث: «حين» يعني: «الساعة» فذلك قوله في «الروم»: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، يعني: صلّوا لله حين تغرب الشمس وَحِينَ تُصْبِحُونَ، يعني: ساعة تصبحون صلاة الغداة، وَحِينَ تُظْهِرُونَ (¬5) صلاة الأولى. ¬

_ (¬1) إبراهيم 25 (¬2) البقرة/ 36 (¬3) الأعراف/ 24 (¬4) يوسف/ 98 (¬5) الروم/ 17، 18

الوجه الرابع: «حين»: «زمان» فذلك قوله في «ص»: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ، (¬1) يعني بعد زمان وهو القتل ببدر، ولم يبين على ذلك الوقت. وقال في «هل أتى»: حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، (¬2) يعني: زمانا من الدهر. وقال أبو الحسن: «بلغنا أن» حين «أربعون سنة». (¬3) ¬

_ (¬1) ص/ 88 (¬2) الإنسان/ 1 (¬3) الوجوه والنظائر/ 248.

رابعا: في مجال الحروف اللام المكسورة

رابعا: في مجال الحروف اللام المكسورة تفسير «اللام المكسورة» على ثلاثة وجوه: فوجه منها: اللام المكسورة: لكي، فذلك قوله عز وجل: لِتُنْذِرَ قَوْماً يعني: لكي ينذر قوما ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ، (¬1) وفي «يس» مثلها. (¬2) وقال أيضا في يونس: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (¬3) يعني: لكي. الوجه الثاني: اللام المكسورة: أن، فذلك قوله عز وجل: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (¬4) يعني: وما كان الله أن يطلعكم على الغيب. وقال في الأنفال: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ يقول: وما كان الله أن يعذّبهم وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (¬5) ¬

_ (¬1) السّجدة: 3. (¬2) يس: 6، وهي: لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم. (¬3) يونس: 4 (¬4) آل عمران: 179. (¬5) الأنفال: 33.

وقال: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (¬1) يعني: أن تزول منه. الوجه الثالث: اللام المكسورة: لئلّا، فذلك قوله في النّحل: لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ (¬2) يعني: لئلا يكفروا. مثلها في العنكبوت. (¬3) وفي الرّوم. (¬4) ¬

_ (¬1) إبراهيم: 46. (¬2) النحل: 55. (¬3) العنكبوت: 66. (¬4) الروم: 34.، وانظر الوجوه والنظائر: 302.

3 - التعاريف ل «يحي بن سلام»

3 - التّعاريف ل «يحي بن سلام» أولا: المؤلف: هو يحي بن سلام بن أبي ثعلبة، وكنيته أبو زكريّا» (¬1) وهو منسوب إلى البصرة، فيقولون: ابن سلام البصريّ وبعض الرّواة ينسبه إلى تميم، لأنه مولى لهم. (¬2) رحلاته: ذهب إلى المغرب فحدّث عن سعيد بن أبي عروبة، ومالك وجماعة (¬3) وقدم إلى مصر، وحجّ منها، وتوفي بمصر بعد رجوعه من الحجّ لأربع بقين من صفر سنة مائتين، (¬4) مصنفاته: قال أبو عرب في طبقات القيروان: كان مفسّرا، وكان له قدره ومصنّفاته في فنون العلم، (¬5) ويذكر ابن الجزري أن له كتابا في التفسير وليس لأحد من المتقدمين مثله، وله كتاب يسمى: الجامع (¬6). روايته: ذكر المؤرخون أنه روى الحروف عن الحسن البصري عن الحسن ابن دينار وغيره، وروى أيضا عن حماد بن سلمة، وهمام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة. ويضيف الدّاني رأيا بالنسبة لمن روي لهم، وأخذ عنهم، فيقول: «ويقال: إنه أدرك من التابعين نحوا من عشرين رجلا، وسمع منهم وروى عنهم» (¬7) ¬

_ (¬1) غاية النهاية: 2/ 373 طبع/ 1933 م. (¬2) لسان الميزان لابن حجر 6 نشر مؤسسة الأعلمي. (¬3) السابق: 259. (¬4) السابق: 260. (¬5) السابق: 261. (¬6) غاية النهاية: 2/ 373. (¬7) السابق: 2/ 373

تلاميذه:

تلاميذه: وأما الذين رووا عنه فذكر ابن حجر أنه روى عنه بحر بن نصر (¬1) ويزيد على ذلك ابن الجزريّ أنه سمع منه بمصر عبد الله بن وهب، ومثله من الأئمة. (¬2) آراء العلماء في توثيقه: قال عنه ابن الجزري: كان ثقة ثبتا، ذا علم بالكتاب والسنّة ومعرفة اللغة، والعربيّة» (¬3) وقال عنه أبو حاتم الرازي: كان شيخا بصريا وقع إلى مصر، وهو صدوق «(¬4) وقال عنه أبو العرب في طبقات القيروان: كان من الحفاظ، ومن خير خلق الله» (¬5) على أن هناك من وجّه إليه نقدا في رواياته، ورماه بالكذب والوهم ومن الأحاديث التي رويت له، ووصفها العلماء بالضّعف، بل قالوا: إنها منكرة جدا الحديث الذي رواه جماعة عن بحر ابن نصر حيث قال: حدثنا يحي بن سلام حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أي الشجرة أبعد من الخاذف؟ (¬6) قالوا: فرعها، قال: فكذلك الصّف المقدّم هو أحصنها من الشيطان» قال نقاد الحديث تعقيبا على هذا الحديث الذي رواه يحيى: «هذا منكر جدا» (¬7) هذا، ومن الأحاديث التي انفرد بها يحيى ولم ترد عن طريق آخر غيره: حدثنا يحي بن سلام عن سفيان الثوريّ عن ابن الزبير عن جابر رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيّام ¬

_ (¬1) لسان الميزان: 6/ 360. (¬2) غاية النهاية: 2/ 373. (¬3) السابق. (¬4) لسان الميزان: 6/ 360. (¬5) السابق: (¬6) الخذف بالحصى: الرّمي به بالأصابع. (¬7) لسان الميزان: 6/ 290.

اتهام يحيى بالإرجاء:

أعظم عند الله من عشر ذي الحجّة، إذا كان عشية عرفة نزل الله عز وجلّ إلى السّماء الدّنيا، وحفت به الملائكة، فيباهي بهم الملائكة، ويقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا ضاجّين من كل فجّ عميق، ولم يروا رحمتي ولا عذابي، قال: فلم ير يوم أكثر عتيقا من يوم عرفة «قال ابن حجر معقبا: وهذا مما انفرد به يحيى» (¬1) اتهام يحيى بالإرجاء: اتّهم يحيى بأنه من المرجئة، والمرجئة هم حزب سياسيّ، لا يريد أن يغمس يده في الفتن التي كانت بين الشيعة والخوارج، ولا يحكم بتخطئة فريق، وتصويب آخر. «وكلمة المرجئة مأخوذة من أرجأ بمعنى أمهل وآخّر، سمّوا المرجئة لأنهم يرجئون أمر هؤلاء المختلفين الذين سفكوا الدّماء إلى يوم القيامة فلا يقضون بحكم على هؤلاء ولا على هؤلاء ... وقيل: سمّوا مرجئة، لأن اسمهم مشتق: «من أرجأ بمعنى بعث الرجاء، لأنهم كانوا يقولون: لا تضرّ الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة، فهم يؤملون كل مؤمن عاص» (¬2) وقد تناولت الدكتورة هند شلبي محققة كتاب «التصاريف» ل «يحيى» هذه التّهمة، وفنّدتها. ومن الأدلة الدامغة للدّفاع عن يحيى، والتي تثبت أنه لم يكن من المرجئة هو أنه يذم أهل الأهواء والبدع، ويدعو إلى اتّباع السّنة ¬

_ (¬1) لسان الميزان: 6/ 290. (¬2) انظر فجر الإسلام: 279 بتصرف.

فقد جاء في تفسير قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا (¬1) من تفسيره ما يلي: «قال النضر: وسمعت أبا قلابة يقول لأيوب: يا أيوب: احفظ مني ثلاثا: لا تقاعد أهل الأهواء، ولا تستمع منهم ... » (¬2) ونجد في تفسيره تأكيدا على التّوحيد، ومبالغة في ذم الشرك. روى عن يحيى عن سفيان الثوريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الموجبتين، فقال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن يشرك بالله دخل النار» ونجد في تفسيره أيضا: إشارة بالأعمال، وروى يحيى عن جعفر ابن برقان الجزري عن أبي الدرداء قال: «ويل لمن لا يعلم مرة، ويل لمن يعلم، ثم لا يعمل سبع مرّات» (¬3) ففي هذه النصوص تأكيد على أن يحيى لم ينحرف عن منهج أهل السّنة، واتهامه بالإرجاء افتراء عليه هو منه براء. ¬

_ (¬1) الحشر: 10. (¬2) مقدمة التحقيق: 79 بتصرف. (¬3) انظر مقدمة التحقيق: 79.

ثانيا: معنى التصاريف:

ثانيا: معنى التّصاريف: التصاريف عند تحليلها لا تبتعد كثيرا عن معنى الوجوه، فإن اللفظ الواحد يتّجه إلى معان متعدّدة أو بعبارة أدّق إلى تصاريف منوّعة. ويبدو أن كلمة «تصاريف» تضيف إلى معنى الوجوه أنواعا أخرى من المعاني. وقد تناولت هذه التسمية في مقدمتها محققة الكتاب، وبينت أن معنى التصاريف هو الانتقال بها من حالة إلى أخرى، والابتعاد بها عن الاستقرار وتصريف الآيات يعني تبيينها» وقدمت لذلك مثالا وهو تفسير كلمة: «إظهار» فقالت: «ورد اللفظ في صورته الفعلية المجرّدة: «ظهر»، والمزيدة: «تظهرون» وفي مصادر متعدّدة: «الظهور»، و «الإظهار»، والتظاهر، وفي صورتين اسميتين: «ظاهر»، و «ظهري»، ولكل مشتق من هذه المشتقات معناه الخاص» (¬1) ثالثا: منهج «التصاريف» ليس هناك أدنى شك في أن منهج التصاريف لا يبتعد كثيرا عن منهج مقاتل أو هارون، فالطريقة واحدة، وتسلسل الكلمات تكاد تكون متقاربة إلا فيما ندر، فالبدء بكلمة: «هدى» وما بعدها واحد في الكتب الثلاثة. ¬

_ (¬1) انظر المقدمة: 12.

وقد قامت الأستاذة المحققة بمقارنة بين كتابي مقاتل ويحيى من حيث الاتفاق، والاختلاف. أما من حيث الاتفاق فقد ذكرت أن التشابه كبير بين الكتابين» بالنسبة للكلمات المشتركة بينهما، وقد يصبح هذا التشابه في مواضع عديدة تطابقا بين الكتابين، فكأن المسألة عمليّة نسخ للكلمة، وفي طريقة تتاليها، وفي الآيات النظائر المذكورة في كل وجه، بل حتّى في تسلسل عدد كبير من الكلمات المفسّرة وأمّا أوجه الاختلاف فهي كما يلي: 1 - يشترك كتاب التصاريف مع كتاب مقاتل في حوالي سبع وسبعين كلمة لكن كتاب التصاريف ل «يحيي» تفرّد بقرابة أربعين كلمة لم ترد عند مقاتل. 2 - اختلف الكتابان في عدد وجوه بعض الكلمات، فتفوقت الوجوه في كتاب التصاريف في أحد عشر موضعا، وتفوقت في كتاب مقاتل في ثلاثة مواضع» (¬1) والذي أضيفه إلى الاختلاف في المنهجين زيادة على ما سبق هو: 3 - كتاب مقاتل لا يسند في معظم الوجوه التي يأتي بها للكلمات إلى رواة من التّابعين على حين يكثر ذلك في كتاب: يحيى والأدلة على ذلك ما يلي: أ- في تفسير «الخزي»، ذكر أن: «الخزي» يعني القتل والجلاء وذلك قوله في سورة البقرة ليهود المدينة حيث يقول: ¬

_ (¬1) انظر مقدمة التحقيق: 29.

فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا (¬1) ويفسر الخزي بأنه قتل قريظة»، وإجلاء «النضير»، ثم قال الكلبي: فقتلت قريظة، ونفيت النّضير. وقال في تفسير سورة «الحج» في: «النضر بن الحارث»: «له في الدنيا خزي» يعني القتل يوم «بدر» قال: وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (¬2) وهو تفسير الكلبيّ» (¬3) 2 - وفي الوجه الثاني من تفسير «حسنا» من قوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (¬4) يذكر أن «حسنا» في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (¬5) يعني محتسبا، يعني احتسابا، ونظيرها في سورة الحديد [الآية: 11]، وفي سورة التغابن [الآية: 17]، ومثل قوله جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً [النبأ: 36] يعني الجنّة ثوابا من الله وعطية منه لأعمالهم التي عملوا في الدنيا احتسابا، وقال رسول الله: «لا عمل لمن لا نيّة له، ولا أجر لمن لا حسنة له» تفسير السّدي. فنراه في هذا الوجه يعتمد على الحديث في التفسير، وفي الوقت نفسه ينقل عن تفسير السدّي والكلبيّ. ¬

_ (¬1) البقرة: 85. (¬2) الحج: 9. (¬3) التصاريف: 130. (¬4) البقرة: 83. (¬5) البقرة: 245.

3 - وفي تفسير «أمة» التي تحمل تسعة وجوه يعتمد على الكلبي في الوجه الثاني وهو: «أمّة» بمعنى: ملّة، «وذلك قوله في سورة البقرة كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [213] يعني على عهد آدم، وأهل سفينة نوح، «أمة واحدة» يعني على ملّة الإسلام وحدها، وهو قول الكلبيّ. وفي الوجه نفسه يذكر في الآية الكريمة من سورة الزخرف، وهي: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [الآية: 33] يعني ملة واحدة، وهو قول الحسن. وفي الوجه الرابع من وجوه كلمة أمة على رأي قتادة ففي قوله تعالى من سورة النّحل: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ [آية: 92] يعني أن يكون قوم أكثر من قوم، وهو قول قتادة. (¬1) ¬

_ (¬1) التصاريف: 150 - 151.

نماذج من تعاريف يحي

نماذج من تعاريف يحي أولا: في مجال الأسماء 1 - بعل: على وجهين: الوجه الأول: بعل يعني ربّا، وذلك قوله في الصافات: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (¬1)، يعني ربّا. والوجه الثاني: «بعل» يعني زوجا، وذلك قوله في «البقرة»: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (¬2) يعني زوج المرأة، ثم ذكر عدّة آيات تحمل كلمة: «بعل» فيها معنى الزوج. (¬3) 2 - السماء: على ثلاثة وجوه: الوجه الأول: يعني السماء، وذلك قوله: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (¬4) الوجه الثاني: السّماء يعني المطر، وذلك قول نوح لقومه: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (¬5) الوجه الثالث: السّماء «سقف البيت، وذلك قوله في سورة «الحج» فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ يعني سقف البيت، والسبب هنا حبل، فليمدد بحبل إلى سقف البيت ثُمَّ لْيَقْطَعْ (¬6) يعني ثم ليختنق به حتى يموت. (¬7) ¬

_ (¬1) الصافات: 125. (¬2) البقرة: 228. (¬3) التصاريف: 312. (¬4) البروج: 1. (¬5) نوح: 11. (¬6) الحج: 15. (¬7) التصاريف: 313.

3 - حبل: على وجهين: الوجه الأول: «حبل» يعني دينا، وذلك قوله في آل عمران: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً (¬1) يعني بدين الله. والوجه الثاني: «حبل» يعني عهدا، وذلك قوله في آل عمران: أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ (¬2) يعني بأمان وعهد من الله ومن الناس، وليس في القرآن غيرها. (¬3) 4 - الحنث: على وجهين: الوجه الأول: «الحنث» يعني الشّرك، وذلك قوله في الواقعة: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (¬4) يعني الذنب العظيم، وهو الشرك والوجه الثاني: الحنث يعني في اليمين، وذلك قوله في ص: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ (¬5). ¬

_ (¬1) آل عمران: 103. (¬2) آل عمران: 112. (¬3) التصاريف: 314. (¬4) الواقعة: 46. (¬5) ص: 44، وانظر التصاريف: 315.

ثانيا: في مجال الأفعال باءوا

ثانيا: في مجال الأفعال باءوا تفسير باءوا على أربعة وجوه: الوجه الأول: باءوا يعني استوجبوا، وذلك قوله في سورة البقرة: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ (¬1) يعني استوجبوا. ونظيرها في سورة آل عمران قال: وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (¬2) يعني استوجبوا غضبا من الله، وقال أيضا: كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ (¬3) يعني استوجب. وقال في سورة الأنفال: فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (¬4) يعني فقد استوجب غضبا من الله. والوجه الثاني: تبوء يعني ترجع، وذلك قوله في سورة المائدة: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ (¬5) يعني ترجع بإثمي وإثمك. والوجه الثالث: تبوّىء يعني توطّىء، وذلك قوله في سورة آل عمران: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ (¬6)، يعني توطّىء. وكقوله في سورة الحشر: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ (¬7) يعني: وطّؤوا. ¬

_ (¬1) البقرة: 90. (¬2) آل عمران: 112. (¬3) آل عمران: 162. (¬4) الأنفال: 16. (¬5) المائدة: 29. (¬6) آل عمران: 121. (¬7) الحشر: 9.

والوجه الرابع: يتبوّأ يعني ينزل، وذلك قوله في سورة يوسف: يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ (¬1). يقول: ينزل منها حيث يشاء. وكقوله في سورة الزّمر: الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ (¬2) يعني ننزل منها حيث نشاء، يعني ننزل فيها حيث نشاء. وقال الحسن في سورة يونس: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ يعني أنزلنا بني إسرائيل مُبَوَّأَ صِدْقٍ (¬3) يعني منزل صدق، يعني مصر ومثلها أيضا: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً (¬4) ¬

_ (¬1) يوسف: 56. (¬2) الزمر: 74. (¬3) يونس: 93. (¬4) يونس: 87. وانظر التصاريف: 132.

ثالثا: في مجال الظروف أنى

ثالثا: في مجال الظروف أنّى تفسير «أنّى» على وجهين: الوجه الأول: أنّى يعني كيف، وذلك قوله في البقرة: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (¬1)، يقول: كيف شئتم في الفرج. وقال أيضا فيها: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها (¬2) يقول: كيف يحي هذه الله بعد موتها؟ والوجه الثاني: أنّى يعني: من أين، وذلك قوله في آل عمران: أَنَّى لَكِ هذا (¬3) يعني من أين لك هذا؟ وقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ (¬4) يقول: من أين يكون لي ولد؟ وقوله: أَنَّى يُؤْفَكُونَ (¬5) يعني من أين يكذّبون؟ وقوله أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ (¬6) من أين يكون لي غلام؟ ونحوه كثير. (¬7) ¬

_ (¬1) البقرة: 223. (¬2) البقرة: 259. (¬3) آل عمران: 37. (¬4) آل عمران: 47 (¬5) المائدة: 75، والتوبة: 30، والمنافقون/ 4. (¬6) آل عمران: 41، ومريم: 8. (¬7) انظر التصاريف: 198.

رابعا: في مجال الحروف في

رابعا: في مجال الحروف في تفسير «في» على سبعة وجوه: الوجه الأول: في يعني مع، وذلك قوله تعالى في الأعراف: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ يعني مع أمم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ (¬1). وكقوله في سورة الأحقاف: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ (¬2) مع أمم. وكقول سليمان في النمل: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (¬3) مع عبادك الصّالحين، وهم أهل الجنّة. وقال في سورة العنكبوت: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (¬4) يعني مع الصالحين، يعني أهل الجنّة. وكقوله في الفجر فَادْخُلِي فِي عِبادِي يعني مع عبادي وَادْخُلِي جَنَّتِي. (¬5) وقال في النمل: فِي تِسْعِ آياتٍ (¬6) مع تسع آيات. وقال في سورة نوح: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً (¬7) يعني معهن نورا. والوجه الثاني: «في» يعني «على»، وذلك قوله في طه: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (¬8) يعني على جذوع النّخل. وكقوله في الكهف: ¬

_ (¬1) الأعراف: 38. (¬2) الأحقاف: 18. (¬3) النمل: 19. (¬4) العنكبوت: 9. (¬5) الفجر: 29، 30. (¬6) النمل: 12. (¬7) نوح: 16. (¬8) طه: 71.

فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها (¬1) يعني على ما أنفق عليها. وقال في طه: يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ (¬2) يعني يمرّون على مساكنهم، يعني قراهم. والوجه الثالث: «في» يعني «إلى»، وذلك قوله في النّساء: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها (¬3) يعني إليها، يعني إلى المدينة. والوجه الرابع: «في» يعني «عن»، وذلك قوله في بني إسرائيل: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى (¬4) يعني عن هذه أعمى، يعني هذه النعماء الّتي ذكر الله في هذه الآية: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ (¬5) إلى آخر الآية «أعمى»، قال: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ يعني فهو عمّا ذكر الله من أمر الآخرة أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا. (¬6) والوجه الخامس: في يعني من، وذلك قوله في النّحل: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ (¬7) يعني من كلّ أمّة «شهيدا» وهم الأنبياء. ¬

_ (¬1) الكهف: 42. (¬2) طه: 128. (¬3) النساء: 97. (¬4) الإسراء: 72. (¬5) الإسراء: 70 (¬6) الإسراء: 72 (¬7) النحل: 89 ..

والوجه السادس: «في» يعني «عند»، وذلك قوله في الشعراء: وَلَبِثْتَ فِينا يعني عندنا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. (¬1) وقولهم لشعيب: إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً، (¬2) يعني عندنا ضعيفا، وقولهم: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا يعني عندنا، مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا (¬3) والوجه السابع: «في» يعني: «لنا»، وذلك قوله في آخر الحجّ: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ، يعني: لله، يعني اعملوا لله. وقوله: حَقَّ جِهادِهِ (¬4) يعني: حقّ عمله. وقال في العنكبوت: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا (¬5) يعني عملوا لنا. (¬6) ¬

_ (¬1) الشعراء: 18. (¬2) هود: 91. (¬3) هود: 62. (¬4) الحج: 78. (¬5) العنكبوت: 69. (¬6) التصاريف: 228.

4 - ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد للمبرد

4 - ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد للمبرّد 1 - المؤلف: أبو العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفي 285 هـ والمبرّد حظى بدراسات متعدّدة، وترحمت له معظم كتب طبقات النحويين واللغويين. وسلسلة نسبه سجلها الزبيدي في طبقاته متكاملة، فهو: محمّد يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسّان بن سليم بن سعيد بن عبد الله بن يزيد بن مالك بن الحارث الخ (¬1). ويذكر السيّوطيّ في «البغية» أن الذي أطلق عليه لقب «المبرّد» هو المازنيّ، قال السيوطي: «ولمّا صنّف المازني كتاب «الألف واللام» سأل المبرد عن دقيقه وعويصه، فأجابه بأحسن جواب فقال له، فأنت المبرّد- بكسر الراء- أي المثبت للحقّ، فغيّره الكوفيون، وفتحوا الراء» (¬2) وقد أثبت له السيّوطيّ في «البغية»، وغيره من مؤلفي كتب الطبقات أن من مؤلفاته كتاب: «ما اتّفق لفظه واختلف معناه (¬3) وكتاب: ما اتفق لفظه واختلف معناه «صغير الحجم»، حققه زميلنا الدكتور أحمد محمد سليمان أبو رعد نشر وطبع وزارة الأوقاف بالكويت سنة 1989. م، ويقع في 86 صفحة من القطع المتوسط وعنوان هذا الكتاب يشير إلى أنه تناول ظواهر معدودة من المشترك اللفظي في القرآن الكريم. ¬

_ (¬1) طبقات النحويين واللغويين: 101 (¬2) بغية الوعاة: 1/ 269. (¬3) السابق: 270.

2 - منهج المبرد في كتابه:

وقد بيّنت سابقا أن المشترك اللفظي في القرآن الكريم، وضعت له مسمّيات أخرى، مثل الأشباه والنظائر، أو الوجوه والنظائر أو التصاريف، لأنه كما قدمت- لا نطلق على كلمات القرآن ألفاظا، لأن الألفاظ يرمى بها اللّسان، ويقذفها متى أراد، والقرآن الكريم لجلاله، وهيبته لا يرمى ولا يقذف، ولكن يقرأ ويتلى. 2 - منهج المبرّد في كتابه: 1 - المبرد لم يلتزم بعنوان كتابه، لأنه بدأ كتابه بظاهرة الترادف الذي عبّر عنه بقوله: «اختلاف اللفظين والمعنى واحد وهذه ظاهرة أخرى تختلف عن ظاهرة المشترك اللفظيّ الذي سمّى كتابه به. والدليل على ذلك قوله: «فأما اختلاف اللفظين، والمعنى واحد فقولك: «ظننت، وحسبت» و «قعدت، وجلست» و «ذراع وساعد» و «أنف ومرسن». وتناول مع هذا أيضا ظاهرة اختلاف اللّفظين، واختلاف المعنيين حيث قال: «فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين فنحو قولك: «ذهبت وجاء» و «قام وقعد» و «يد ورجل» و «رجل وفرس» ولم يكتف بهذا بل ضمّ ظاهرة أخرى متحدّثا عنها بالإضافة إلى ما سبق، وهي ظاهرة الأضداد، فحينما تناول كلمة «جلل» بين أنها تكون للصّغير إذ يقول: «وقولهم: أمر جلل كقوله: * كلّ شىء ما خلا الله جلل* (¬1) أي صغير. ¬

_ (¬1) في الأضداد للأصمعي: 9 أنشد لبيد: كل شىء ما خلا الموت جلل* والفتى يسعى ويلهيه الأمل ولم أجده في الديوان.

وقال لبيد: وأرى أربد قد فارقني* ومن الرّزء كثير وجلل (¬1) ثم بين أن معنى جلل قد يكون للتعظيم فيقول: «ويكون للتعظيم كقول جميل: رسم دار وقفت في طلله* كدت أقضي الحياة من جلله (¬2) أي من عظمه في عيني» ويضيف إلى هذا قوله: «ومن ذلك الجون: الأسود، وهو الأكثر ويستدل على ذلك بينت لعمرو بن شأس، والجون: الأبيض، ويستدل ببيت من الرجز. (¬3) ويتناول ظاهرة المشترك اللفظي الذي يحمل كتابه معناه بقوله: «وأمّا اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فنحو: وجدت شيئا: إذا أردت وجدان الضالّة، ووجدت على الرجل من الموجدة ووجدت زيدا كريما علمت» (¬4) 2 - ومن منهجه أنه في تناوله للظواهر اللغوية التي يأتي بها يستدلّ بالشعر ليوضّح التّفسير اللغوي الذي يراه للكلمة التي تعرّض لشرحها فالرجاء قد يخرج عن معناه اللّغوي الذي وضع له إلى معنى آخر وهو الخوف. يقول المبرّد: ومن ذلك الرجاء يكون في معنى الخوف، ويستدل على ذلك بقول أبي ذؤيب: ¬

_ (¬1) شرح ديوان لبيد: 197 بروايته:* ومن الأرزاء رزء ذو جلل* (¬2) ديوان جميل: 187، وانظر الأضاد لابن السّكيت: 168. من «ثلاثة كتب في الأضداد وانظر الخصائص: 1/ 85، 3/ 150. (¬3) انظر: 47، 48. (¬4) انظر 47 - 48.

إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها* وخالفها في بيت نوب غوافل (¬1) 3 - والمبرّد في كتابه يطالب بالدليل من يرى للكلمة معنى آخر غير المعنى الأصلي لها، فيقول: «وكل من أثر أن يقول ما يحتمل معنيين فواجب عليه أن يضع على ما يقصد له دليلا، لأن الكلام وضع للفائدة والبيان» (¬2) 4 - ومن منهجه اللجوء إلى النحو والإعراب في تناوله الكثير من الظواهر اللغوية. بيان ذلك أنه عند ما تناول كلمة: الظن «بأنها قد تأتي بمعناها اللغوي وهو الشّك، وقد تخرج عنه إلى معنى آخر، وهو اليقين نراه يرجع إلى التّخريج النّحوي، والتأويلات الإعرابية، والدليل على ذلك قوله: وقوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (¬3) فهو الشك. وللنحويين فيه قولان: أحدهما: أن تكون «إلّا» في غير موضعها فيكون التّقدير: إن نحن إلّا نظن ظنّا، لأن المصدر إذا وقع بعد فعله مستثنى لم تكن فيه فائدة إلّا أن يكون موصوفا أو زائدا على ما للفعل ولو قال قائل: ما ضربت إلّا ضربا لم يفد بقوله: «ضربا معنى لم يكن في «ضربت» فمن قال: «إلّا» في غير مرضعها فهو مثل: «ليس الطّيب إلّا المسك» مرفوعا، ولا وجه لهذا إلا على تقديم إلّا ليكون المعنى: ليس إلّا الطيب المسك، ليتحقق أنّ أصحّ الأشياء أن الطّيب المسك» واستدل المبّرد على ذلك بقول: الأعشى: أحلّ الشّيب أثقاله* وما اغتره الشّيب إلّا اغترارا (¬4) ¬

_ (¬1) انظر الأضداد للإصمعي: 24. (¬2) انظر: 52. (¬3) الجاثية: 32. (¬4) في الديوان: 82.* وما اعتره الشيب إلا اعترارا* بالعين، ومعنى اعتره: عرض له من شواهد ابن يعيش: 7/ 107.

والقول الآخر سطره المبّرد بقوله: «وقوم يقولون: إن نظنّ إلا إنكم أيّها الداعون لنا تظنون أنّ الذي تدعونه إليه ظنّ منكم، وما نحن بمستيقنين أنكم على يقين» وعقب المبرّد على القولين بقوله: «وكلا القولين حسن، وأكثر التفسير على الأول، وقالوا في قوله: * وما اغترّه الشيب إلا اغترارا* أي إلّا لاغتراره، ونصبه للمصدر الذي هو مضاف إليه والفعل للشيب كما أن «نظن» ناصبة للمصدر المضاف إلى ما يخاطبونه» (¬1) 5 - ومن منهج المبرّد أنه يعتمد الحديث الشريف في ما يريد الاستدلال عليه، ففي قوله تعالى: عند ذكر السّحاب والغيث: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ (¬2)، وقال: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً (¬3) وقال عند ذكر العذاب: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (¬4) وبعد سرد عدّة آيات ذكرت فيها الرّيح في مقام العذاب عقب المبرّد على ذلك بقوله: «هذا الذي ذكرنا مما هو للغيث أو العذاب ولأهل العناية فيه قولان: قال بعضهم: لا تلقح السّحاب بريح واحدة، ولكن تبدأ ريح، وتقابلها أخرى، وكذا إن جرت ثلاث من الرّياح. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الرّيح يقول: ¬

_ (¬1) انظر: 54 - 56. (¬2) الحجر: 22. (¬3) الروم: 48. (¬4) الحاقة: 6.

«اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا». (¬1) 6 - والمبرّد خرج عن منهجه في كتابه الموقوف على ما اتفق لفظه واختلف معناه حيث يتناول ظاهرة لغوية أخرى ليس لها علاقة بموضوع كتابه، كما أنها ليس لها علاقة بظاهرة التّرادف أو التضادّ هذه الظاهرة هي ظاهرة المجاز مع العلم بأن كتابه صغير الحجم لا يتّسع لمثل هذه الظواهر المتعدّدة فمن قوله في «المجاز» ما نصه: «قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ (¬2) الآية، وقال: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ (¬3) وقال: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا (¬4) وقال: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (¬5) فليس لقائل أن يقول من أهل القبلة: إن الشياطين دخلوا في هذا الإرسال، ولا أن قوله: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ كقوله: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً، ولكن مجاز قوله: إنا أرسلنا الشّياطين على الكافرين أي خلينا بينهم وبينهم. كقول القائل: أرسلت حمارك على زرعي أي لم تحبسه، فسمّى التّخلية بالإرسال كقوله: فأرسلها العراك ولم يذدها* ولم يشفق على نغص الدّخال (¬6) هذا لم يرسل الحمير لتعترك، ولكنه لم يحبسها. وكذلك قولهم: أرسلت الأمر من يديك: إنما هو لم تلزمه» (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: 64 - 65. (¬2) مريم: 83. (¬3) نوح: 1. (¬4) المؤمنون: 44. (¬5) الصافات: 181. (¬6) اللبيد، انظر ديوانه: 86، وهو من شواهد الخزانة: 1/ 524 وابن يعيش: 2/ 62، وهمع الهوامع رقم: 931. (¬7) انظر: 70.

6 - وإلى جانب المجاز تحدّث عن ظواهر بلاغية من علم المعاني حيث وضع لها أبوابا، ومن هذه الأبواب: قوله: «ومما جاء في القرآن على هيئتين في الاستفهام» (¬1) وباب: «المختصر في القرآن حيث يقول: «وفي القرآن مختصرات» (¬2) ويعني بهذه المختصرات إيجاز الحذف، وهو فن بلاغيّ وباب من أبواب علم المعاني. على أية حال كانت نستطيع أن نقول: إن كتاب المبرّد كتاب لغوي نحويّ، بلاغي لم يتعرّض لظاهرة ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد إلا مختلطة مع الظواهر التي أشرت إليها سابقا، ولذلك فإنّ كتابه لا يعتبر كتابا مستقلا في هذا الموضوع، ونكتفي بهذا القدر من الحديث عنه، وتكفينا من نماذجه النماذج التي سقتها من خلال منهجه. ¬

_ (¬1) انظر: 73. (¬2) انظر: 77.

5 - تحصيل نظائر القرآن الكريم للحكيم الترمذي

5 - تحصيل نظائر القرآن الكريم للحكيم الترمذي أولا: المؤلف: 1 - مؤلف تحصيل النظائر هو: محمد بن علي بن الحسن بن بشير التّرمذي المؤذن المعروف بالحكيم أبو عبد الله» (¬1) 2 - مكانته: قال عنه ابن النّجار في «ذيل تاريخ بغداد» كان إماما من أئمة المسلمين» (¬2) 3 - شيوخه: من شيوخه: والده، وقتيبة، وعلي بن حجر، وأبو عبيد، وابن أبي السفر، وعليّ بن خشرم، وصالح بن محمد الترمذي، ومحمد ابن علي الشفيقي، وسفيان بن وكيع، ويعقوب بن شيبة. (¬3) ومن تلاميذه الذين رووا عنه وأخذوا منه: أبو الحسن عي بن كردين بن سال العكبري، وأبو الحسين محمد ابن محمد بن يعقوب الحجاجي الحافظ النيسابوريّ، وأحمد بن عيسى الجوزجاني وآخرون. 4 - مكانته بين العلماء: من المؤرخين الذين ذكروه في مؤلفاتهم السّمعاني في كتابه «الأنساب» فحينما سرد علماء «ترمذ» ومشايخها ذكر من مشايخها محمد بن علي الحكيم، ولم يزد على ذلك شيئا ولم يقدّم له ترجمة كما ¬

_ (¬1) انظر لسان الميزان: 5/ 308. (¬2) السابق. (¬3) السابق.

فعل مع علماء ترمذ. (¬1) ويبدو أن الترمذي لم يكن ذا باع طويل في العلم، لأن السمعانيّ صنفه من مشايخ «ترمذ»، ولم ينظمه في سلك علمائها، فبعد أن ذكر علماء «ترمذ» قال: ومن مشايخها محمد بن علي الترمذي ولم يزد على ذلك شيئا. ومن العجب أن ياقوت في كتابه: معجم البلدان لم يشر إليه فلم يذكر اسمه من بين علماء «ترمذ» حيثما تحدّث عن هذه المدينة (¬2) ويظهر على ما يبدو أن الحكيم الترمذيّ لم يكن من العلماء الموثّقين الذين يهتّم بهم المؤرخون، ولا أدلّ على ذلك من أن ابن حجر ذكر في كتابه أنه لم يقف على ترجمة شافية له» (¬3) على أن ابن حجر نقل نصا في كتابه «لسان الميزان» يذكر فيه أن القاضي كمال الدين بن العديم صاحب تاريخ حلب في جزء له سمّاه: «الملحة في الرّد على أبي طلحة «نقد فيه الحكيم الترمذي نقدا جريحا لاذعا، فمن نقده للحكيم الترمذي قوله: «وهذا الحكيم الترمذيّ لم يكن من أهل الحديث، ولا راوية له ولا أعلم له نظر فيه وصناعة، وإنما كان فيه الكلام على إشارات الصوفيّة، والطرائق، ودعوى الكشف عن الأمور الغامضة والحقائق حتى خرج في ذلك عن قاعدة الفقهاء، واستحق الطعن عليه بذلك والإزراء، وطعن عليه أئمة الفقهاء والصّوفية، وأخرجوه بذلك عن السّيرة المرضيّة. وقالوا: إنه أدخل في علم الشريعة ما فارق به الجماعة، وملأ كتبه الفظيعة، بالأحاديث الموضوعة، وحشاها بالأخبار التي ليست ¬

_ (¬1) انظر الأنساب للسمعاني: 3/ 43. (¬2) معجم البلدان لياقوت: 2/ 13. (¬3) لسان الميزان: 5/ 309.

بمرويّة ولا مسموعة ... الخ. وعلق ابن حجر على ذلك بقوله: قلت: ولعمري، لقد بالغ ابن العديم في ذلك، ولولا أنّ كلامه يتضمّن النّقل عن الأئمة أنهم طعنوا فيه لما ذكرته» (¬1) ومع هذا النّقد المرّ، فقد ذكره أبو نعيم في «الحلية» بخلاف ما ذكره كمال الدين بن العديم، فقد قال عنه: «صنف التصانيف الكثيرة في الحديث، وهو مستقيم الطريق، تابع للأثر، يردّ على المرجئة وغيرهم من المخالفين» (¬2) 5 - أخلاقه: يبدو أن اتجاهه الصوفيّ له تأثير كبير في مصنفاته، فهو إذا صنّف لا ينتظر الإشادة بتصانيفه، ولا يحسّ بالفخر بما كتب أو ألف فقد رووا عنه أنه قال: «ما وضعت حرفا على حرف لينقل عني ولا لينسب إلىّ شىء منه، ولكن كنت إذا اشتدّ علىّ وقتي أتسلّى بمصنفاتي» (¬3) 6 - مؤلفاته: أ- نوادر الأصول، وهو كتاب مشهور (4) ويذكر المحقق في مقدمته لكتاب «تحصيل النظائر» أنه طبع في أستانبول سنة 1293 م. ب- ختم الولاية، قال ابن حجر: إنه هجر بترمذ في آخر عمره بسبب تصنيفه كتاب: ¬

_ (¬1) لسان الميزان: 3/ 309. (¬2) السابق. (¬3) السابق: 308.

«ختم الولاية، وعلل الشريعة» فحمل إلى «بلخ» فأكرموه لموافقته لهم في المذهب يعني الرأي. (¬1) ويذكر المحقق في مقدمته أنه طبع ببيروت 1965 م ج- الحج وأسراره طبع في القاهرة 1969 م. د- بيان الفرق بين الصدر والقلب، والفؤاد واللّب، طبع في القاهرة سنة 1958 بتحقيق نقولا هير. هـ- حقيقه الآدميّة: طبع بالأسكندرية 1946 م. والرّياضة وأدب النفس طبع في القاهرة 1947 م. ز- تحصيل النظائر. وهو موضوع الدراسة، وقد قام بتحقيقه الأستاذ حسني نصر زيدان- كلية أصول الدين جامعة الأزهر. (¬2) وفاته: ذكر ابن حجر أنه عاش إلى حدود العشرين وثلاثمائة وعاش نحوا من تسعين سنة، والله أعلم. (¬3) ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) انظر مقدمة التحقيق. (¬3) لسان الميزان: 5/ 310.

ثانيا: تحصيل نظائر القرآن الكريم

ثانيا: تحصيل نظائر القرآن الكريم يبدو أن الحكيم الترمذي اطلّع على المؤلفات التي سبقته في هذا الحقل مثل: الأشباه والنظائر «لمقاتل» والوجوه والنظائر لهارون، «والتصاريف» ل «يحيى بن سلام» وهذه المؤلفات سارت على نمط واحد، والتزمت منهجا معيّنا لم تحد عنه في معالجتها لظاهرة الكلمات المشتركة في القرآن الكريم، حيث إن بعض الكلمات القرآنية ذات دلالات مختلفة مع اتفاقها في الكلمة الواحدة. وهذه المنهج فرض نفسه على كل المؤلفين في الوجوه والنظائر سواء سبقوا الحكيم الترمذي أم جاءوا من بعده. ويبدو مرّة أخرى أن منهج الحكيم الترمذيّ منهج متميّز، لم يسبق إليه، ولم يحاول أن يقلد من سبقه في تناول الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. ومنهجه يدور حول محور واحد، وهو أنه لا اشتراك في الكلمة القرآنية، فالكلمة القرآنية لها معنى واحد في الوضع اللغوي، فمهما ابتعدت عنه، واتجهت إلى معاني أخرى متنوعة، ولها دلالات متباينة، فإنها دائما مشدودة إلى المعنى اللغوي الذي وضع لها، لأنها لا تستطيع الفكاك عنه، والتهرّب منه، فهي منبثقة منه، منجذبة إليه، يطل بوجهه في كل معنى يبدو من أول وهلة أن الصلة بينه وبين المعنى اللغوي الوضعي مفقودة، ولكنه عند التحليل والتعمق، نجد أن هذا المعنى موتبط ارتباطا وثيقا بوضعه اللغوي الثابت الذي تمثله الكلمة القرآنية.

ومن أجل هذا نستطيع أن نقول: إن الحكيم التّرمذي يذهب مذهب من يمنع المشترك اللفظي في القرآن الكريم. وعند النّظرة الفاحصة إلى مذهب الحكيم الترمذي في منع المشترك اللفظي نجد أنّ الترمذي يذهب مذهب معاصره ابن درستويه المتوفي 347 هـ على حين توفي الحكيم الترمذي على القول الراجح 318 هـ. فالرّجلان متعاصران، ولا ندري منّ الذي أثر في الآخر، كل الذي نعلمه أن ابن درستويه- كما سبق بيانه- كان يمنع وقوع المشترك اللفظي في اللغة لعدة أسباب منها: 1 - أنه ليس من الحكمة والصواب أن يقع المشترك اللفظي في كلام العرب لأنه يلبس. 2 - لو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على المعنيين المختلفين كان ذلك تعمية وتغطية للغة التي يفترض فيها الإبانة والوضوح. 3 - ويقدّم ابن درستويه مثالا لذلك مجىء: فعل وأفعل لمعنيين مختلفين، فمن لا يعرف العلل، ويتعمق في اللغة يحكم بأنهما مشتركان في اللفظ مختلفان في المعنى، مع أنهما في الحقيقة لمعنى واحد» (¬1) ومن الأدلة التي تشير في وضوح إلى إنكار الحكيم التّرمذي وقوع المشترك اللفظيّ في القرآن الكريم تناوله بعض الكلمات القرآنية التي تبدو في ظاهرها مشتركة، وعند التحليل والتدقيق يتبين أن بينها وبين الاشتراك بونا بعيدا. وقد نصّ على ذلك صراحة، إذ ذكر في مقدمة كتابه ما نصّه: ¬

_ (¬1) انظر ما سبق.

«وقد نظرنا في هذا الكتاب المؤلف في نظائر القرآن الكريم، (¬1) فوجدنا الكلمة الواحدة مفسّرة على وجوه، فتدبّرنا ذلك، فإذا التفسير الذي فسّره، إنما اختلفت الألفاظ في تفسيره، ومرجع ذلك إلى كلمة واحدة، وإنما انشعبت حتى اختلفت ألفاظها الظاهرة الأحوال، التي إنما نطق الكتاب بتلك الألفاظ من أجل الحادث في ذلك الوقت» (¬2) ويقدم الحكيم الترمذي أمثلة لذلك، من هذه الأمثلة: 1 - كلمة الهدى: فقد جاءت على ثمانية عشر وجها، فالحاصل من هذه الكلمة: كلمة واحدة فقط، وذلك أن الهدى: هو الميل، ويقال في اللغة: رأيت فلانا يتهادى في مشيته، أي يتمايل، ومنه قوله تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ (¬3) أي ملنا إليك، ومنه سميت الهديّة: هدية، لأنها تميل بالقلب إلى مهديها، وأن القلب أمير على الجوارح، فإذا هداه الله لنوره: أي أماله إليه لنوره: اهتدى أي: استمال، وقد قال في تنزيله يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ (¬4) فهذا أصل الكلمة، ثم وجدنا تفسير الهدى: 1 - البيان: فإنما صار الهدى بيانا في ذلك المكان، لآن البيان إذا وضح على القلب بنور العلم: مدّ ذلك النّور القلب إلى ذلك الشىء وأماله إليه. 2 - الإسلام: وإنما صار الهدى في المكان الآخر «الإسلام»، لأنه إذا مال القلب بذلك النور إلى ذلك الشىء الذي تبين له: انقاد العبد وأسلم، ومدّ عنقا إلى قبوله. ¬

_ (¬1) لعله يقصد بعض الكتب التي وضعها المؤلفون قبله أو في عصره. (¬2) انظر: تحصيل النّظائر: 19. (¬3) الأعراف: 156. (¬4) النور: 35.

3 - التوحيد: وإنما صار الهدى التوحيد في المكان الآخر، لأنه إذا مال القلب إلى ذلك النور: سكن عن التردد، واطمأن إلى ربّه فوحّد. (¬1) وأخذ الحكيم الترمذي يسرد أقوال أصحاب الوجوه والنظائر في هذه الوجوه التي بلغت ثمانية عشر وجها، مبيّنا أن هذه الوجوه جميعا لا تحمل معاني مستقلة عن معناها اللغويّ الوضعي، لأنها كلها تنبع من منبع واحد وهو الميل كالجداول التي تنبع من النهر ومصدرها جميعا النهر، لأنها بدونه لا تكون جداول. 2 - الإسلام: قال الحكيم الترمذي ما نصّه: وأما قوله «الإسلام»، على كذا وجه: فالإسلام مشتقّ من التّسليم، فالعبد إذا جاءه نور الهداية: عرف ربّه، واطمأن إليه، وسكنت نفسه واستقر قلبه بالمعرفة الواردة على قلبه، فانقاد له بأن يأتمر بكلّ ما يأمره به، فذاك من العبد تسليم النفس إلى ربه عبودة. 1 - الإيمان: وإنما سمى «مؤمنا» لاستسلام قلبه، وطمأنينة نفسه فالإيمان والإسلام من العبد في عقد واحد، لما عرفه استقر قلبه، واطمأنت نفسه، فلزمه اسم الإيمان لطمأنينته، وسلم نفسه لله عبودة بكل ما يأمر فلزمه اسم الإسلام، فهذان اسمان لزماه بهذا العقد الواحد الذي اعتقده بقلبه، ثم اقتضى الوفاء بهذا الإيمان والإسلام إلى يوم يموت فإن وفىّ: دخل الجنة بغير حساب، وإن وفيّ ببعض وضيّع بعضا: بقي في الموقف للحساب، فإنما وقع الحساب على الموحدين لهذا، ¬

_ (¬1) تحصيل نظائر القرآن الكريم: 31 - 33.

والعبد من ربه بين أمرين: أ- بين أمر حكم الله عليه به مثل: العز والذل، والغنى والفقر، والحب والكره، فاقتضى له الوفاء بأن يطمئن إلى حكمه كما اطمأن إليه فيرضى بما حكم، فإن جزع: حوسب، وإن رضى: أكرم وأثيب على وفائه. ب- وبين أمر أمره أن يفعله مثل الفرائض، واجتناب المحارم، فإذا وفى بهذا فهو مسلم، لأنه قد سلم نفسه إليه عند كل أمر ونهى، وما ضيع منه فالحساب لازم، وهو موقوف بين عفو أو عقوبة. (¬1) وهذه الوجوه التي ذكرها أصحاب الوجوه والنظائر بالنسبة لمعاني الإسلام أرجعها الحكيم الترمذي إلى وجه واحد، وهو التسليم أي تسليم المؤمن نفسه إلى ربه عبودة. والواقع أن الحكيم الترمذيّ في مذهبه الذي ذهب إليه ضيّق واسعا وحاول أن يحبس البحر المتلاطم من المعاني القرآنية في قمقم سليمان فالألفاظ محدودة، والمعاني غير متناهية، لأنها تتطّور باستمرار وتتلون بلون البيئة التي تعيش فيها. وقد بينت فيما سبق أن هناك كلمات قرآنية خرجت عن وضعها اللغوي الذي وضع لها في العصر الجاهليّ، وحوّلها القرآن الكريم إلى معاني مستقلة عن معناها اللغوي الذي وضع لها. وكما خالفه أصحاب الوجوه والنظائر قديما خالفه أصحاب اللغة المحدثون. فمن البدهي أن اللفظ في أول وضعه كان يدل على معنى واحد ثم ¬

_ (¬1) تحصيل النظائر: 122، 123.

تولّد من هذا المعنى الواحد عدّة معان، وهذا التوالد هو ما نسميه تطوّر المعنى: «وهذا التطوّر يسير ببطء وتدرج، فتغير مدلول الكلمة مثلا لا يتمّ بشكل فجائي سريع، بل يستغرق وقتا طويلا، ويحدث عادة في صورة تدريجية، فينتقل إلى معنى آخر قريب منه، وهذا إلى ثالث متصل به وهكذا دواليك حتى تصل الكلمة أحيانا إلى معنى بعيد كل البعد عن معناها الأول» (¬1) هذه ناحية. وناحية أخرى تتضّح في مذهب الحكيم الترمذي وهي ظاهرة التكلف في كل الكلمات التي تناولها، فنحن لا نستطيع أن نعرف المعنى الأول الذي وضع للكلمة معرفة دقيقة، فقد يكون المعنى الأول هو المعنى المتطور عن المعنى الثاني، وهكذا، ثم إن الألفاظ يختلف بعضها من قبيلة إلى قبيلة ومن عصر إلى عصر. وناحية ثالثة: لو سرنا على مذهبه لتوقفت اللغة من قديم، وتحجّرت وأصبحت أثرا بعد عين، وتتحول إلى كائن ميت، وليس بكائن حي وهذا يخالف الواقع، فاللّغة ظاهرة اجتماعية عاشت في كل عصورها مرفوعة الرأس مهيبة الجانب، لأنها حيّة في تطوّر ألفاظها ونموّ معانيها، وإشعاع دلالتها مما جعلها لغة الخلود. على أية حال كانت، فنحن وإن كنا على خلاف مع الحكيم الترمذي في مذهبه أو رأيه إلّا أننا نرى أنها لفتة علميّة انفرد بها في ميدان الوجوه والنظائر، ولم يسبقه أحد إليها من قبل، ولم يحاول أن يقلده فيها أحد من بعد. ¬

_ (¬1) انظر: علم اللغة للدكتور علي عبد الواحد وافي: 314.

منهجه:

على أن الذي يدعو إلى العجب أيضا أن الحكيم الترمذي كما جار على المعاني المختلفة للفظة الواحدة فيما يسمّى المشترك اللفظيّ جار على الألفاظ المتعدّدة للمعنى الواحد فيما يسمّى الترادف، فقد بين محقق تحصيل النظائر أن له كتابا عنوانه «الفروق ومنع الترادف (¬1) حيث يرى أن اللفظ له وضع ثابت مهما تغيرت الأحوال، واختلفت المقامات وكتاب الفروق يذكر المحقق أنه تحت الطبع في القاهرة ويبدو أن أبا هلال العسكري الذي جاء بعده (¬2) كان متأثرا به، وفكرة عدم الفروق بين الألفاظ لعله متأثر في مجالها بالحكيم الترمذي. بقي بعد هذا أن نشير في إيجاز إلى منهج الحكيم الترمذي في كتابه منهجه: 1 - تفسير الكلمة القرآنية على أساس وضعها أولا، ثم يتناول معانيها الأخرى، ليربطها بالمعنى اللغوي الوضعيّ لها: فكلمة «أحس» (¬3) يفسّر معناها اللغوي، فيقول: «وأما قوله:» أحس «على كذا وجه: فالإحساس هو علم النفس وهو وجود النفس خبر الأشياء، وإنما سميت الحواس الخمس حواسا لأنهن يجلبن الخبر إلى النفس». ثم ينتقل بعد ذلك إلى معنى آخر ل «أحس» محاولا ربطه بمعناه اللغوي، فمن معاني أحسّ: عرف. يقول: «وإنما صار أحسّ في هذا المكان يعني: عرف، لأن النفس عرفت ما عاينت» (¬4) ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة تحصيل النظائر: 15. (¬2) قال السيوطي في البغية: 1/ 507: «وقال ياقوت لم يبلغني شىء في وفاته إلا أنه فرغ من إملاء: الأوائل» يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان 375 هـ. (¬3) من قوله تعالى: أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران: 52 وغيرها. (¬4) تحصيل النظائر: 131.

2 - الاستشهاد بالقرآن الكريم، ليقوّي ما يرى، ويدعم ما يقول: فالظن تفسيره اللغوي هو: «الشىء الذي يتراءى للقلب، فيحسب أنه هكذا والتهمة مقرونة به لا يقين هناك، فإذا غلب على القلب حسن الظنّ صار علما، وإذا لم يغلب فهي محسّة مع التهمة» ثم يستدل بالقرآن بأن الظن قد يكون علما فيقول: «وإنما صار ها هنا الظن «علما» في هذا المكان حيث يقول: * وظن داود أنما فتنّاه* (¬1) أي علم، لأن الملائكة دخلت عليه المحراب بتلك الخصومة، فضربت له المثل حيث قال الله تعالى: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ (¬2) فمن ذلك المثل المضروب تراءى له سوء فعله، فصار، ما تراءى له ظنا. ثم يقول: «وإنما صار الظنّ ظنا في مكان آخر، لأنه لم يكن مع يقين، ولا انكشف له علم ذلك عن الغطاء فلذلك قال الله تعالى: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (¬3) 3 - وإلى جانب الاستشهاد بالقرآن الكريم نجد أنه، يستشهد بالحديث الشريف وذلك عند تعرضه لكلمة «الذكر»، فمن الذكر التكبير وهو وصف الله تعالى بالكبرياء لقوله تعالى: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬4) ومن أجل إثبات هذا المعنى، وتقريره في النفسّ يقول: وروى عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار» (¬5) ¬

_ (¬1) ص: 24. (¬2) ص: 23. (¬3) الجاثية: 32. وانظر تحصيل النظائر: 106، 107. (¬4) الجاثية: 37. (¬5) تحصيل النظائر: 67.

4 - ومن منهجه أنه تغلب عليه الصّوفية والوعظ، ولعلّ السبب في ذلك أنه اشتغل بالتّصوّف والفلسفة وله فيه مؤلفات أشرنا إليها من قبل، وهي: 1 - حقيقة الآدمية، 2 - الرياضة وأدب النفس. 3 - بيان الفرق بين الصدر، والقلب، والفؤاد واللب. 4 - ختم الأولياء. ولهذا السبب نراه لا يسير على نمط واحد في كتابه، فبعض الكلمات مثل الأسباب (¬1) و «السّوي» (¬2) لا تتجاوز نصوصها أربعة أسطر على حين نجد كلمة «الذكر» استوعبت من كتابه سبع عشرة صفحة. (¬3) وبعد، فإن هذا الكتاب يعتبر تأليفا فريدا في الوجوه والنظائر اعتمد فيه الرجل على مذهب من لا يرى الاشتراك اللفظي في اللغة إلى جانب أن الصّوفية التي تدعو إلى تهذيب النفس، وتطهير القلب، وتصفية الروح حيث أطال فيها القول ويخاصة عند تعرّضه لكلمة: «الذكر» كانت مسيطرة عليه. ¬

_ (¬1) تحصيل النظائر: 153. (¬2) السابق: 147. (¬3) من ص 51 إلى 67.

نماذج من: تحصيل النظائر

نماذج من: تحصيل النظائر أولا: في مجال الأسماء 1 - قانتون وأما قوله: «قانتون» (¬1) على كذا وجه، فالقنوت: المقابلة، وهو أن تقابل بوجهك وبدنك عظمته، فتقف بقلبك بين يدي عظمته، وتقابل ببدنك الوجهة التي وجّهت لها، وهي معلّمة، وهي: الكعبة، فذاك منه إعطام له، ولذلك قيل: القنوت «الطاعة» لأن الطاعة من الإعطاء. ويقال: أطاع وأعطى، فأطاع بقلبه وبدنه، فما كان بقلبه وبدنه يقال: أطاع، وما كان من ماله يقال: أعطى، ألا ترى أنه قال: أعطى من نفسه ما أردنا، وأعطى من قلبه ما أردنا، فتلك الطاعة، وأما المعصية التي هي ضد الطاعة، فامتناع النفس عندما دعيت ومدك الحق إليه. فإذا اشتد وامتنع: قيل عصى واعتصى، وتعيّص، أي: اشتد ولم ينقد ولم يلن، وإذا دعوته فأجاب، ومدّ الحق العنق إلى الدعوة فانقاد، قيل أطاع أي أعطى من نفسه ما أريد منه (¬2). ¬

_ (¬1) تحصيل النظائر: 50. (¬2) الروم: 26.

2 - الجبار

2 - الجبار وأما قوله «الجبار» (¬1) على كذا وجه: فالجبّار الذي يجبر الأشياء قهرا، ويحملهم على مشيئته، أحبّوا أو كرهوا، والجبر هو أن يجبر الشيء المكسور، فإنما قيل جبر، لأنه العظم على العظم حتى اتصل، وإنما قيل أجبره أي حمله على ذلك الشيء كرها حتى فعل وجبر. وهو متعد ولازم، وأجبر هو متعد فقط، وقيل في بعض الرجز: «قد جبر الدّين إلا له فجبر» (¬2) أي أن الإله جبر الدّين فجبر الدّين بنفسه من فعل الله به. 1 - القتال على الغضب: وإنما صار الجبار «القتال على الغضب» الذي يضرب على الغضب، لأنه حمله ذلك على القتل والضرب. 2 - المسلط: وإنما صار في مكان آخر «المسلط» لأنه يسلّط حتى يقهر، ويحملك على المكروه. 3 - قوم عاد: وإنما صار في مكان آخر «قوم عاد» (¬3) في طول قامتهم لأنهم كانوا يقهرون الخلق بما أعطوا من عظم الخلق، فمرجع ذلك كله إلى القهر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر الحشر: 23، ولم ترد في القرآن الكريم كصفة من صفات الله تعالى إلّا في هذا الموضع فقط، وإن تكرر ذكر هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من مرة بالنسبة للمخلوقين. (¬2) العجاج: ديوانه: 4، وهو أول بيت من قصيدته التي بدأ بها الديوان، وفي هذه القصيدة يمدح عمر بن عبد الله بن معمر، من شواهد الخصائص: 2/ 263، والاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 407، والأشموني: 4/ 241. (¬3) في قوله تعالى: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ الشعراء: 130. (¬4) تحصيل النظائر: 151.

ثانيا: في مجال الأفعال اطمأن

ثانيا: في مجال الأفعال اطمأن وأما قوله «اطمأن» على كذا وجه، فقوله اطمأن من الطّمو، يقال «طمّ على الشيء» إذا غطاه وقهره حتى سكن وذلّ، وطمى الماء إذا علا موجه وتياره وغلب على المياه حوله. فالنّون في قوله «اطمأن» زائدة في الكلمة لتقوية الكلمة. وكل شيء صيرت له قائمة، فقد قوّيته، وصيرت له قرارا، من أجل ذلك سمّى الحوت الذي عليه قرار الأرض (¬1) «نونا». 1 - السكّينة: فإنّما صار اطمأن في هذا المكان «السكّينة» (¬2)، لأنه غطّاه وسكّنه. 2 - الخبت، وإنما صار الاطمئنان في مكان آخر «الخبت» لأن الخبت، ما تطامن من الأرض، أي، اتّضع وانهبط ومنه قوله تعالى: ... الْمُخْبِتِينَ (¬3). ¬

_ (¬1) ذكر المحقق أن هذه خرافة تلقاها القدامى بلا تمحيص، وتناقلوها بما فيها من أخطاء وقد ثبت أن الأرض تسبح في الفضاء الكوني ... وصعود الإنسان إلى القمر والنزول على سطحه، كل ذلك دليل صدق وشاهد حق على أن الأرض لا تستقر على حوت أو على سمكة انظر هامش: 111، والحقيقة أنها أخبار سماعيّة، وقد رواها صفوة من المحدثين والمؤرخين فالألوسي يقول: النون، قيل إنه اسم الحوت الذي عليه الأرض يقال له: اليهموت بفتح الياء وسكون الهاء، واستدل على ذلك بما رواه الضياء في المختار والحاكم وصحّحه، وروى جمع عن ابن عباس أن الله خلق النون منبسطة عليه الأرض، انظر تفسير الألوسي: 29/ 13، ومن المؤرخين الذين رووا ذلك سبط ابن الجوزي المتوفى 654 فقد نصّ على ذلك في باب خلق الأرضين، فقال: أول ما خلق الله العالم فجرى بما هو كائن ... ثم خلق النون، وهو الحوت الذي يحمل الأرض، فبسط الأرض على ظهره. انظر: مرآة الزمان: 1/ 57. وفي رأيي أن هذه أمور سمعيّة يجب التوقف إزاءها بدون إنكار. (¬2) من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الفتح: 4. (¬3) من قوله تعالى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الحج: 34.

ثالثا: في مجال الظروف أنى

فالمخبث المطمئن إلى ربه وقلبه متطامن، أي منحدر ليستقر فيه الشيء (¬1). ثالثا: في مجال الظروف أنّى «وأما قوله: «أنى» فإنها تقع على الصّفات على «كيف» (¬2) «ومن أين» (¬3)، ومن القائم كالاستفهام» (¬4). رابعا: في مجال الحروف إن وأما قوله في تفسير إن: فإنّ «إن» حرفان من حروف المعجم، ففي الألف القوة، وفي النون القوام، لأن الأصل القوة فيها، فإن طلب طالب من أين هذا؟ قيل له: هذه الحكمة العليا، وهي حكمة الحكمة مستورة عن الخلق إلا أنبياء الله وأهل الصفوة من أوليائه المختصين بمشيئته: فاكتف بهذا القدر بينا، فإن العلوم كلها في حروف المعجم لأن مبتدأ العلم: أسماء الله، ومنها خرج الخلق والتدبير في أحكام الله حلاله وحرامه، والأسماء من الحروف ظهرت، وإلى الحروف رجعت فهذا مخزون من العلم، لا يعقله إلا أولياؤه الذين عقولهم عن الله عقلت، وقلوبهم بالله تعلقت، فولهت في أولوهيته، فهناك كشف الغطاء عن هذه الحروف، وعن الصفات- صفات الذات- فقوله «إن» إنما هو ألف ونون مخففة، فالألف عماد، والنون قوام، فربما احتاج أمر إلى قائمتين، فزيد نون أخرى، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فاشتدتا، فقيل «إنّ مشددة» وربما استغنى بإحداهما ¬

_ (¬1) تحصيل النظائر: 111. البقرة: 259. آل عمران: 37. (¬2) في قوله تعالى: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها. (¬3) كقوله تعالى: أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. (¬4) تحصيل النظائر: 205، 206.

عن الأخرى، كقوله «إن» مخففة، فما كانت مشددة فمن قوتها عملت في الأسماء فنصبتها، وما كانت مخففة لم تعمل في الأسماء وحلت محل «ما» كقوله تعالى: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (¬1) يقول: ما الكافرون إلا في غرور، وإذا اشتدت بأن صارت نونين نصبت الاسم، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (¬2). ونكتفي بهذا القدر من النماذج التي ظهرت لنا في وضوح أن الحكيم الترمذي مفسّر لغويّ لا يؤمن بالاشتراك اللفظيّ في كتاب الله، ويخلط تفسيره بالتّعبيرات الصّوفية التي نلمس فيها ألفاظ الوجد والحبّ والشّوق إلى الذات الإلهيّة، وتفسير الحروف الأبجدية تفسيرا صوفيا لا يدركه إلا أولياؤه الذين عقلوهم عن الله عقلت، وقلوبهم بالله تعلّقت، فولهت في ألوهيته، فهناك كشف الغطاء عن هذه الحروف (¬3). ¬

_ (¬1) الملك: 20. (¬2) انظر: 105 من الكتاب. (¬3) التوبة: 67، وانظر: 104، 105 من التحصيل.

5 - الأشباه والنظائر - في الألفاظ القرآنية التي ترادفت مبانيها وتنوعت معانيها للثعالبي.

5 - الأشباه والنظائر- في الألفاظ القرآنية التي ترادفت مبانيها وتنوعت معانيها للثعالبي. 1 - المؤلف: هو أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي، وقد حقق هذا الكتاب الأستاذ محمد المصري نشر مكتبة سعد الدين بدمشق سنة 1984 هـ. والثعالبي قال عنه ابن الأنباري: كان أديبا فاضلا، فصيحا بليغا (¬1) واختلف المؤرخون في سنة وفاته، وقد أشار إلى هذا الاختلاف المحقق في مقدمته حيث ذكر أنه توفي سنة 429 هـ على رأى ابن خلكان وابن كثير وأبي الفداء، وعلى رأى ابن شاكر الكتبي، وابن قاضي شهبة وابن العماد الحنبلي ذكروا أنه توفي في حوادث سنة 430 هـ (¬2) وما يجدر ذكره أن محقق: «التمثيل والمحاضرة للثعالبي» ذكر في مقدمة تحقيقه أن ولد سنة 350 وقد أجمع على ذلك كل من أرّخ له أو ذكره .... لأنه «كان من بيت يشتغل أهله بحرفة خياطة جلود الثعالب، فنسب إلى صناعته» (¬3) 2 - الشك في نسبة كتاب «الأشباه والنظائر للثعالبيّ لم يرد ذكر هذا الكتاب ضمن مؤلفات الثعالبيّ. وقد قام الأستاذ عبد الفتاح الحلو في مقدمة كتاب التمثيل والمحاضرة بإحصاء دقيق لمؤلفات الثعالبيّ في ضوء كتب الطبقات ¬

_ (¬1) نزهة الألباء: 365. (¬2) انظر مقدمة التحقيق: 17 ومقدمة تحقيق: «التمثيل والمحاضرة للثعالبيّ» كتبها المحقق عبد الفتاح الحلو: 23. (¬3) انظر مقدمة التمثيل والمحاضرة: 4

والتاريخ، وقد استوعبت هذه المؤلفات التي أحصاها المحقق والتي بلغت 84 مؤلفا، فلم أعثر على هذا الكتاب من بين هذه المؤلفات مما يدعو إلى الشك في نسبة هذا الكتاب إلى الثعالبي. (¬1) ولم يجزم محقق الأشباه والنظائر للثعالبي بأن الكتاب له، وإنما نسبه إليه ميلا إلى جانب الترجيح لا التحقيق. وبيان ذلك ما ذكره المحقق من أنه «جاء في مستهل مخطوطة هذا الكتاب ما يلي: قال وحيد دهره وفريد عصره رأس النبلاء، وتابع الفضلاء الثعالبيّ قدّس سرّه، وعلىّ ذكره ... ثم قال المحقق: «لم يذكر اسم مصنفه، ولا كنيته، ولا أي أمر آخر نهتدي به إلى معرفه أيّ ثعالبي هو، والثعالبة كثر» (¬2) وحاول المحقق أن يثبت هذا الكتاب للثعالبي لأنه ليس هناك دليل فاصل في نسبة الكتاب إليه على وجه التحقيق والتأكيد ومن محاولته أنه ترجم للثعالبة من رجال القرن الثالث الهجري إلى القرن الحادي عشر. وقد أثبت في ضوء هذه التراجم أنه لا يوجد ثعلبي من هؤلاء الثعالب يستحق أن ينسب إليه هذا الكتاب. ومحاولة ثانية قام بها المحقق وهي أنه «اعتمد أقوال وآراء أعلم علماء اللغة في القرنين الثالث والرابع الهجريين .... وليس فيه نقول وآراء لعلماء متأخّرين البتّة» ¬

_ (¬1) انظر مقدمة تحقيق التمثيل والمحاضرة من ص 10 إلى 17. (¬2) انظر مقدمة تحقيق الأشباه والنظائر.

ومحلولة ثالثة هي: اعتماده شواهد الشعر الذي يحتج به قدامى المصنفين كشعر ذي الرمة وجرير ورؤبة وغيرهم» (¬1). وفي رأيي أن هذه أدلة ليست قاطعة في أن الكتاب للثعالبي كيف يؤلف الثعالبي في موضوع خطير مثل: «الأشباه والنظائر في القرآن» ثم يجهل هذا المؤلف علماء الطبقات، ورجال التاريخ مع أنهم ذكروا له مؤلفات ليس لها قيمة علميّة بالنسبة للقيمة العلمية لكتاب «الأشباه والنظائر». ويبدو أن محقق الأشباه والنظائر للثعالبي لم يطلع على نسخة: «نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي المتوفى 597 هـ مخطوطا كما لم يطلع عليه محققا مطبوعا لأن كتاب الأشباه والنظائر طبع 1984، وكتاب ابن الجوزي طبع 985 وله العذر في ذلك. ولقد أثبت محقق كتاب ابن الجوزي الأستاذ محمد عبد الكريم كاظم أن الكتاب ليس للثعالبي بأدلة لا تقبل النقاش، لأنها أدلة قاطعة فاصلة في هذا الموضوع، فما أدلة المحقق في نفيه هذا الكتاب عن الثعالبي؟ الأدلة هي ما يلي: يقول المحقق ما نصه: «الثعالبي (429 هـ) نسب إليه كتاب: «الأشباه والنظائر» ونسخته المخطوطة موجودة في معهد المخطوطات العربية تحت رقم (10 تفسير) وبعد حصولي على مصورتها ودراستها بصورة جيدة تبين لي أن الكتاب المذكور ما هو إلّا نسخة مختصرة من كتاب: «نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر». ¬

_ (¬1) انظر مقدمة التحقيق: 7 وما بعدها.

لابن الجوزي، وجاء الاختصار بصورة توحى كأنه كتاب آخر، ولم أتوصل إلى هذه النتيجة إلّا بعد عثوري على دليلين يؤيدان ما أقول، وهما: أ- هناك نقولات قليلة جدا في الكتاب عن الخطيب التبريزيّ المتوفي 502 هـ، إذ من غير الممكن أن الثعالبي ينقل عن أحد عاش بعده. ب- في الكتاب إشارة واحدة في باب «النور» تقول: قال شيخنا علي بن عبد الله، ومن المعلوم أن الشيخ علي بن عبد الله الزاغوني هو شيخ من شيوخ ابن الجوزي الذي أخذ عنه ابن الجوزي العلم فترة طويلة من عمره. «وبهذين الدليلين يزول الشك في تكيد صحّة عدم نسبة الكتاب إلى الثعالبي» (¬1). ونضيف إلى هذين الدليلين دليلا ثالثا ذكره الأستاذ محمد عبد الله الجادر في كتابه: «الثعالبي ناقدا وأديبا» قال: «توجد في معهد إحياء المخطوطات بجامعة الدول العربية مخطوطة بهذا العنوان [الأشباه والنظائر] برقم (52) منسوبة إلى الثعالبي وهي في الكلمات المتشابهة في اللفظ، المختلفة في المعنى في القرآن الكريم. ومنهج الكتاب ومادته يخالفن ما هو مألوف في كتب الثعالبي ولعله لثعالي آخر» (¬2). ¬

_ (¬1) مقدمة تحقيق كتاب ابن الجوزي: 50. (¬2) انظر الثعالبي ناقدا: 160.

منهج الأشباه والنظائر المنسوب إلى الثعالبي

منهج الأشباه والنظائر المنسوب إلى الثعالبيّ الواقع بعد قراءتي الكتابين: كتاب الثعالبي، وكتاب ابن الجوزي رأيت المنهج واحدا، والكلمات القرآنية في الكتابين هي هي من حيث الترتيب والتتابع، فمثلا نجد ابن الجوزي بدأ كتابة بكلمة «الاتّباع» وفعل كذلك ثعلب فبدأ كتابه بالاتّباع وتتالت الكلمات بعد ذلك وفق الحروف الأبجدية ابتداء من الألف وانتهاء إلى الياء. لكن الذي نلحظه في كتاب الثعالبي أنه أسقط كثيرا من الكلمات التي أتى بها ابن الجوزي، ولم يأت ببديل لها مما يدلّ على أن الكتاب ملخص من كتاب ابن الجوزي، فابن الجوزي بدأ بكلمة: «الاتباع» فباب: «أخلد» فباب «الأذان» فباب «الاستطاعة» فباب الاستغفار الخ. والثعالبي بدأ ب «الاتباع» بدون ذكر باب، لأنه أسقط هذه الكلمة في جميع الكلمات التي ضمها كتابه، «ف» أخلد «ف» الاستطاعة «ف» الاستغفار» الخ. وبالمقارنة بين هذه الكلمات في الكتابين نجد أن الكتاب المنسوب إلى الثعالبي أسقط كلمة «الإذن» وعلى هذا النحو أسقط الثعالبي الكثير من الكلمات التي احتواها كتاب ابن الجوزي، وقد بلغت الكلمات التي ضمّها كتاب الثعالبي 83 كلمة على حين بلغت الكلمات في كتاب ابن الجوزي 324 كلمة مما يدلّ دلالة واضحة على أن الكتاب المنسوب إلى الثعالبي ملخص موجز لكتاب ابن الجوزي من حيث الاقتصار على بعض الكلمات، وحذف الكلمات الأخرى.

ومن حيث النصوص نجد أن النصوص طبق الأصل في الكتابين من حيث الألفاظ، والجمل، والاستشهاد، وطريقة التناول غير أن كتاب الثعالبي يقتصر على بعض الأوجه، حيث يحذف بعض العبارات التي ضمّها كتاب ابن الجوزي، والأمثلة على ذلك ما يلي: 1 - قال ابن الجوزيّ: الأصل في الاتباع: أن يقفوا المتبع أثر المتبع بالسعي في طريقه، وهو يستعار في الدين والعقل والفعل. وذكر أهل التفسير أنه في القرآن في هذين الوجهين: فمن الأول قوله تعالى في طه: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ (¬1) وفي الشعراء: فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (¬2). ومن الثاني: قوله في البقرة: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (¬3). وفي الأعراف: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً (¬4)، وفي إبراهيم: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً (¬5) وفي الشعراء: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (¬6). ولا يصح هذا التفسير إلا أن نقول: إن الإتباع والأتباع بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد (¬7). والنص نفسه في «الأشباه والنظائر» (¬8) للثعالبي ولكن سقطت منه كلمة «العقل» في بدء النّص، وسقطت منه في النص ولا يصح ... الخ. ¬

_ (¬1) طه: 78. (¬2) الشعراء: 60. (¬3) البقرة: 166، 167. (¬4) الأعراف: 90. (¬5) إبراهيم: 21. (¬6) الشعراء: 111. (¬7) نزهة الأعين النواظر: 85 - 86. (¬8) الأشباه والنظائر للثعالبي: 39.

6 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم للحسين بن محمد الدامغاني

6 - الوجوه والنظائر في القرآن الكريم للحسين بن محمد الدامغاني أ- المؤلف: الدامغاني: نسبه إلى «الدامغان» بلد كبير بين الري (¬1) و «نيسابور»، قرب «بسطام» بلد أبي يزيد البسطاميّ وسط الجبال» ويبدو أن محقق الكتاب لم يعط رأيا حاسما في الدامغاني مؤلف: «الوجوه والنظائر» فعند حديثه عن الدامغان «ذكر أن من علمائها قاضي القضاة أبو علي محمد بن علي بن محمد الدامغاني، وعلّق على هذا بقوله: «ولعل الحسين بن محمد الدامغاني مؤلف هذا الكتاب أحد أبناء قاضي القضاة هذا أو أبو أحد أحفاده. وختم تعليقه بأنه لا يعرف: هل الدامغاني هذا هو صاحب هذا الكتاب أم غيره؟ ولم يقطع الأمل في معرفة هذه الحقيقة فذكر أنه: سوف يتابع الرحلة وراءه حتى يعرفه إن شاء الله» (¬2) وتوقف المحقق عند هذا الحد، فلم يتابع المسيرة، ولم يكشف لنا الغطاء عن مؤلف هذا الكتاب ومتى ولد؟، ومتى توفيّ؟ وأين نشأ؟ وقد تولّى الإجابة عن هذه الأسئلة «بروكلمان» حيث قال ما نصّه: «أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن (أبو الحسين) الدامغاني قاضي القضاة. ¬

_ (¬1) انظر مقدمة التحقيق: 5. (¬2) مقدمة التحقيق: 6.

ولد ب «دامغان» في ربيع الآخر سنة 398 هـ من أسرة قضاة مشهورة. وتفقّه في بغداد على القدوريّ ثم صار قاضي بغداد سنة 447 هـ. وتوفي في الرابع والعشرين من رجب سنة 478 هـ (¬1)، وذكر بروكلمان أن من مؤلفاته: «الوجوه والنظائر في القرآن الكريم» (¬2). التصرف في تحقيق هذا الكتاب: حقق هذا الكتاب الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل، ونشرته دار العلم والملايين ببيروت، وطبع ثلاث طبعات آخرها 1980 م. وقد تصرف المحقق في نص هذا الكتاب من حيث العنوان ومن حيث المادّة. أما من حيث العنوان فعنوانه الذي وضعه مؤلفه هو «الوجوه والنظائر في القرآن الكريم»، كما نصّ على ذلك «بروكلمان» اعتمادا على كشف الظنون ل «حاجي خليفة» (¬3) فغيره المحقق «قامون القرآن وإصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. وأمّا من حيث المادّة، فإنه قدّم وأخّر في أبواب الكتاب لكي يحوله إلى قاموس أو معجم وفق الترتيب الهجائي أو الألف بائي. وقد أشار المحقق في مقدمة الكتاب إلى هذا التغيير الذي أحدثه أو الإصلاح الذي أبدعه حيث قال: «وكان حرف الألف عند الدامغاني- كما هو عند السجستاني- يجمع كل كلمة تبدأ بالألف- أي الهمزة- سواء كانت الهمزة أصلا أم زائدة فلفظ «أمر» كلفظ: «أعناق» وكلفظ: «استكبر» إلى أن يقول: ¬

_ (¬1) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 6/ 287. (¬2) السابق: 288. (¬3) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 6/ 288.

«وقد رأينا أن تصلح هذا العمل، أو هذا الوهم، فأرجعنا كل كلمة إلى أصلها الثلاثي، ومن ثمّ تفرّق كل باب، ووضع كل لفظ في بابه الصرفي الذي هو له، وكذلك أعيد ترتيب الكلمات مرّة أخرى، ليسير سيرا لغويا صحيحا» (¬1). والحقيقة أن المحقق أفسد ولم يصلح، وهدم ولم يبن، فالكتاب ليس كتابه، والعمل ليس عمله، فبأي حقّ يتصرّف فيه هذا التصرف ويقلب كيانه، على هذا الوضع والمؤلف في خطبة كتابه بين وضع كتابه على حروف المعجم ولم يعنه أن يكون الحرف أصليا أو زائدا، ولعله رأى أن من منهجه أن يترك الكلمة على حالها بوضعها أو بشكلها الذي وجدت عليه في القرآن الكريم بدون نظر إلى الحروف الأصلية أو الزائدة، فهذه وجهة نظره، ولعلها في رأيه أسهل وأيسر من تجرّد الكلمة من الحروف الزائدة، ليكون الترتيب وفق الحروف الزائدة والأصليّة معا. وكان على المحقق أن يحترم وجهة نظره، ويبقي الكتاب على حاله من دون تغيير أو تبديل، ولا ضير عليه مطلقا لن يرتب كلماته وفق الحروف الأصليّة في فهرس خاص يصنفه لذلك، ولكنه لم يفعل، لأنه غير في ترتيب النصوص وفق هواه. والدليل على أن المؤلف سار وفق حروف المعجم من غير نظر إلى أصولها أو زيادتها قوله: «إني تأملت كتاب وجوه القرآن لمقاتل بن سليمان وغيره فوجدتهم أغفلوا أحرفا من القرآن لها وجوه كثيرة، فعمدت إلى عمل كتاب ¬

_ (¬1) مقدمة المحقق: 10.

مشتمل على ما صنفوه، وما تركوه منه، وجعلته مبّوبا على حروف المعجم، ليسهل على الناظر فيه مطالعته، وعلى المتكلم حفظه» (¬1) والعبارة الأخيرة من خطبة كتابه تشير في وضوح إلى أنه ذلك من أجل سهولة المطالعة على الناظر، وسهولة حفظه على فعل. فهذا التغيير الذي صنعه المحقق مخالف لما جرى عليه العرف عند المحققين حيث يترك النص على حاله من غير أن تمسّه يد التغيير، والمحقق أمامه مساحات واسعة في الهامش ومساحات أوسع في الفهارس ليعدّل أو يصلح، فإنّ الكتاب مقدّس مصون، لا يعتدى على حرماته، والدخول من أبوابه يغير إذن من أصحابه. ورحم الله أستاذنا المرحوم عبد السلام هارون، فقد وضع النقاط على الحروف في هذه القضية في كتابه: «تحقيق النصوص ونشرها فعند حديثه عن الزيادة والحذف ذكر ما نصه: «وهما أخطر مما تعرض له النصوص، والقول ما سبق- أن النسخة العالية (¬2) يجب أن تؤدى كما هي دون زيادة أو نقص أو تغيير أو تبديل» (¬3) وعند حديثه عن التغيير والتبديل قال ما نصه: «لا ريب أن إحداثهما في النسخة العالية، يخرج بالمحقق عن سبيل الأمانة العلميّة، ولا سيما التغيير الذي ليس وراءه إلّا تحسين الأسلوب، أو تنسيق العبارة، أو رفع مستواها في نظر المحقق، فهذه تعدّ جناية علميّة صارخة إذا قارنها صاحبها بعدم التنبيه على الأصل وهو أيضا انحراف جائر عما ينبغي إذا قرن ذلك بالتنبيه. (¬4) ¬

_ (¬1) خطبة كتاب الدامغاني: 11. (¬2) أي النسخة الأم أو الأصل. (¬3) تحقيق النصوص: 72. (¬4) السابق.

منهجه:

منهجه: لم يقدّم لنا محقّق الكتاب شيئا من منهج الدامغاني وكل ما أشار إليه في مقدمة التحقيق عمله الإصلاحي في التحقيق من دون أن يتعرّض إلى منهجه. وفي هذا البحث استطعت أن أضع يدي على الخطوط العريضة لمنهج الدامغاني في كتابه ... فمن منهجه: 1 - التفسير للكلمات الغريبة: ف «أحد» في قوله في سورة الحشر: وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً (¬1) يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فال المنافقون لا نطيع فيكم محمدا» كقوله تعالى في سورة آل عمران: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ (¬2) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (¬3) 2 - الاهتمام بذكر أسباب النزول: ففي قوله تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (¬4) يعني ل «بلال» عنده أي عند أبي بكر حين أعتقه. 3 - من منهجه تحديد السّور التي تضم الكلمات الغريبة التي يتحدّث عنها: ف «الأذى»: العصيان لقوله تعالى في سورة الأحزاب: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ (¬5) ¬

_ (¬1) الحشر: 11. (¬2) آل عمران: 153. (¬3) الوجوه والنظائر: 19 (¬4) الليل: 19. (¬5) الأحزاب: 57.

وهم اليهود يعصون الله تعالى. والأذى التخلّف لقوله تعالى في سورة التوبة: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ أي (¬1) الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: وهكذا. (¬2) وقد لفت نظري في هذه الآية من سورة التوبة أن المؤلف ذكر أن الأذى المراد به: هم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وفي حقيقة الأمر، فإن هذا التفسير خاطى، لأن الذين يؤذون رسول الله في هذه الآية هم الذين يقولون فيه: إنه أنن .... وبيان ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق بن يسار وغيره أن الآية الكريمة «نزلت في رجل من المنافقين، يقال له: نبنل ابن الحارث، وكان رجلا أدلم (¬3) أحمر العينيين أسفع الخدّين، مشوّه الخلقة، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث. وكان ينمّ بحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أذن، من حدّثه شيئا صدّقه، فنقول ما شئنا، ثم نأتيه، فنحلف له فيصدّقنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية (¬4) والآية هي: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (¬5) ولا أدري هل هذا الخطأ هو سهو من الدامغاني أو هو بسبب ¬

_ (¬1) التوبة: 61. (¬2) إصلاح الوجوه والنظائر/ 28 (¬3) الأدلم: الشديد السواد (¬4) أسباب نزول القرآن الواحدي/ 248، 249 (¬5) التوبة/ 61

التغيير الذي أحدثه المحقق في نصوص هذا الكتاب. وأما قوله تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى فقد ذكر الواحدي أنّ عطاء: «قال عن ابن عباس: إن بلالا لما أسلم ذهب إلى الأصنام فسلح عليها، وكان عبدا لعبد الله بن جدعان، فشكا إليه المشركون ما فعل، فوهبه لهم، ومائة من الإبل ينحرونها لآلهتهم، فأخذوه، وجعلوا يعذّبونه في الرمضاء، وهو يقول: أحد أحد، فرّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ينجيك أحد أحد ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبا بكر: أن بلالا يعذب في الله، فحمل أبو بكر رطلا من ذهب فابتاعه به، فقال المشركون: ما فعل أبو بكر ذلك إلّا ليد كانت عنده، فأنزل الله تعالى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى. إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى (¬1) ... 4 - لا يشير إلى أرقام الآيات من السّور التي يذكرها مع أنه في خطبة الكتاب ذكر أنه ألف هذا الكتاب للتيسير والتسهيل. ومن التيسير أن يذكر أرقام الآيات ومما يدعو إلى العجب أن المحقق نفسه أغفل هذا الترقيم فلم يشر في الهامش إلى أرقام الآيات من السور التي يذكرها المؤلف. 5 - ليس في الكتاب استدلال بالحديث الشريف أو بالشعر العربي. ¬

_ (¬1) أسباب نزول القرآن للواحدي: 248، 249.

نماذج من الوجوه والنظائر للدامغاني

نماذج من الوجوه والنظائر للدامغاني الدامغاني اشترك مع من سبقه في معظم الكلمات المشتركة: وهناك كلمات مشتركة انفرد بها ولم يشاركه أحد فيها ممن سبقه غير مقاتل. وكلمات انفرد بها، ونقلها عنه ابن الجوزي في «نزهة الأعين» وكلمات انفرد بها وليس لها ذكر في مؤلفات من سبقه، أو من أتى بعده ونستطيع أن نقسم هذه النماذج إلى قسمين: القسم الأول: نماذج ذكرها من سبقه: القسم الثاني: نماذج انفرد بها ولم يتناولها من سبقه ومن جاء بعده: أولا: في مجال الأسماء 1 - اللقاء قسم الدامغاني مادة «لقى» إلى قسمين: القسم الأول: جاء على خمسة أوجه: فوجه منها: اللقاء بمعنى لقاء الله سبحانه وتعالى: بمعنى: البعث بعد الموت. قوله تعالى في سورة «يس» إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا (¬1) يعني البعث بعد الموت. نظيرها في الفرقان: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا (¬2) ¬

_ (¬1) يونس: 7، وفي الأصل «يس» تحريف. (¬2) الفرقان: 21.

نظيرها في سورة الكهف: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ (¬1) يعني البعث بعد الموت والحساب. الثاني اللقاء بمعنى الحرب والقتال: قوله تعالى في سورة «الأنفال»: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (¬2) يعني إذا قاتلتم. الثالث اللقاء: الرؤية. قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا (¬3) رأوا مثلها فيها. نظيرها في سورة الأحزاب: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ (¬4) يعني يوم يرونه. كقوله في سورة البقرة: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (¬5) يعني معاينوه. مثلها فيها: قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ (¬6) الرابع: اللقاء العطاء. قوله سبحانه في سورة حم السجدة وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ (¬7) يعني يعطاها. ¬

_ (¬1) الكهف: 110. (¬2) الأنفال: 45. (¬3) البقرة: 14. (¬4) الأحزاب: 44. (¬5) البقرة: 46. (¬6) البقرة: 249 (¬7) فصلت: 35.

مثلها في سورة الإنسان: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (¬1) أي أعطاهم. الخامس: اللقاء: النزول: قوله سبحانه في سورة الجمعة: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (¬2) أي نازل عليكم لا محالة. ¬

_ (¬1) الإنسان: 11. (¬2) الجمعة: 8.

2 - المطر

2 - المطر يقع المطر على وجهين: فوجه منهما: المطر: الحجارة. قوله تعالى في سورة الشعراء، وغيرها: وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (¬1) يعني حجارة وفي مواضع من القرآن كثير مثله. الثاني المطر: الغيث. قوله تعالى في سورة النساء: إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ (¬2) ونحوه. (¬3) هذا وما ذكره الدامغاني في مادة: «مطر» بنصه في نزهة الأعين لابن الجوزيّ. ¬

_ (¬1) النساء: 102. (¬2) الأعراف: 84، والشعراء: 173، والنّمل: 58. (¬3) إصلاح الوجوه والنظائر: 437.

3 - امرأة

3 - امرأة المرأة في القرآن الكريم تفسّر على اثنى عشر وجها قال الدامغاني: «فواحدة منها: امرأة يعني زليخا. قوله تعالى في سورة يوسف: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ (¬1) يعني زليخا. الثاني: امرأة يعني: «بلقيس». قوله عز وجل في سورة النمل عن الهدهد: إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ (¬2) يعني بلقيس. الثالث: امرأة يعني: آسية بنة مزاحم امرأة فرعون. قوله تعالى في سورة القصص: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ (¬3) يعني آسية. الرابع: امرأة يعني: سارة. قوله تعالى في سورة هود: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ (¬4) يعني سارة. ¬

_ (¬1) يوسف: 51. (¬2) النمل: 23. (¬3) القصص: 9 (¬4) هود: 71.

الخامس: امرأة عمران أم مريم وحي حنّة. قوله تعالى في سورة آل عمران: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (¬1) يعني حنة أم مريم. الوجه السادس: امرأة لوط واغلة. (¬2) قوله تعالى في سورة هود إِلَّا امْرَأَتَكَ (¬3) كقوله تعالى في سورة العنكبوت. ونحوه كثير. الوجه السابع: امرأة نوح وأهله. (¬4) قوله تعالى في سورة التحريم: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ. (¬5) الوجه الثامن: امرأة يعني أم جميل. قوله تعالى في سورة تبّت: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (¬6) يعني امرأة أبي لهب. ¬

_ (¬1) آل عمران: 35. (¬2) في «نزهة الأعين»: «والعة» بالعين، وفي تنوير المقياس من تفسير ابن عباس: «واعلة» بتقديم العين على اللام: 478 وفي الألوسيّ: 28/ 162 اسمها: واهلة، وقيل: والهة. (¬3) هود: 81. من قوله تعالى: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ. (¬4) في تنوير المقياس: 478 راهلة بالراء وفي» نزهة الأعين»: «والهة» بالواو. (¬5) التحريم: 10. (¬6) المسد: 4

الوجه التاسع: امرأة أي بنت محمد بن مسلمة. قوله تعالى في سورة النساء: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً. (¬1) العاشر: المرأتان ابنتا شعيب: قوله في سورة القصص: وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ، (¬2) ويقال: ابنتا أخيه يترون. (¬3) الحادي عشر: امرأة يعني أم شريك، بنت جابر العامرية. قوله تعالى في سورة الأحزاب وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ (¬4) صلى الله عليه وسلم. الثاني عشر: المرأة المجهولة. قوله تعالى في سورة البقرة: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ. (¬5) ¬

_ (¬1) النساء: 128.، وهي خولة بنت محمد بن مسلمة. وقد روى الواحدي في «أسباب النزول»: 178: أن بنت محمد بن مسلمة كانت عند رافع ابن خديج، فكره منها أمرا إما كبرا، وإما غيره، فأراد طلاقها، فقالت: لا تطلقني، وأمسكني، وأقسم لي ما بدا لك، فأنزل الله تعالى الآية» (¬2) القصص: 23. (¬3) في مرآة الزمان السفر الأول: 385 أن اسم شعيب القديم بالعبرانية: يثرون، وفي «نزهة الأعين» 573: أن الكبرى من ابنته تسمّى «حبورا والصغرى تسمّى: «غبرا» وكانتا توءما. (¬4) الأحزاب: 50. (¬5) البقرة: 282. وانظر «إصلاح الوجوه والنظائر: 431، 432

وبالمقارنة بين النصين في إصلاح الوجوه «ونزهة الأعين نجد أنهما متّفقان في الأوجه، ولكنهما مختلفان في العدد، ففي إصلاح الوجوه نجد أن وجوه كلمة امرأة بلغت 12 وجها، وفي نزهة الأعين 11 وجها، وإن كانت هناك فروق غير العدد فهي فروق يسيرة تتمثل في التقديم والتأخير، وحذف بعض العبارات.

4 - اللهو

4 - اللهو ذكر الدامغاني ستّة أوجه: فوجه منها: اللهو: السخريّة والاستهزاء. قوله تعالى في سورة الأنعام الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً (¬1) يعني اليهود والنصاري ومشركي العرب. مثلها في سورة الأعراف (¬2) الثاني: اللهو: الولد. قوله تعالى في سورة الأنبياء: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا (¬3) يعني ولدا. الثالث: اللهو: ضرب الطّبل قوله تعالى في سورة الجمعة وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (¬4) يعني صوت الطّبل. الرابع: اللهو: الاشتغال. قوله سبحانه في سورة في سورة المنافقين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (¬5) أي لا يشغلكم. مثلها في سورة التكاثر. قوله تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (¬6) يعني شغلكم التكاثر، ¬

_ (¬1) الأنعام: 70، وفي الأصل: لهوا ولعبا تحريف. وهي مختلفة عن سورة الأنعام في الترتيب، فهي في الأعراف لهوا ولعبا (¬2) الأعراف: 51. (¬3) الأنبياء: 17 (¬4) الجمعة: 11. (¬5) المنافقون: 9. (¬6) التكاثر: 1

كقوله تعالى في سورة الحجر: وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ (¬1) الخلمس: اللهو: الباطل. قوله تعالى في سورة محمّد: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ (¬2) السادس: اللهو: الغناء. قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ (¬3) هو الغناء، قاله ابن مسعود، وابن عمر، وعكرمة وميمون، ومهران ومكحول» وما دار حول اللهو من وجوه في «إصلاح الوجوه»، وفي «نزهة الأعين النواظر» غير مختلف في الكتابين إلّا في أمرين: 1 - الاشتغال والتكاثر جعلا وجها واحدا في «نزهة الأعين ووجهان في «إصلاح الوجوه». 2 - السرور الفاني إضافة جديدة في «نزهة الأعين» قال ابن الجوزي: «الرابع: السرور الفاني»، ومنه قوله تعالى في الحديد: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ (¬4) كما لم يذكر آية الحديد التي استدلّ بها. (¬5) ¬

_ (¬1) الحجر: 3، وفي الأصل «الحجرات» تحريف. (¬2) محمد: 38، وفي الأصل: «لهو ولعب»، تحريف. (¬3) لقمان: 6. (¬4) الحديد: 30. (¬5) وانظر «نزهة الأعين» 535 - 536.

النعمة

النّعمة ذكر الدامغاني للنعمة عشرة أوجه: فوجه منها: النعمة المنّة: قوله سبحانه في سورة المائدة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (¬1) أي منّته. مثلها في سورة الأحزاب (¬2) كقوله في سورة البقرة: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ. (¬3) الثاني النّعمة: دين الله وكتابه. قوله تعالى في سورة البقرة: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ (¬4) كقوله سبحانه في سورة إبراهيم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً (¬5) مثلها في سورة آل عمران: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (¬6) يعني بالإسلام والدين. الثالث: النعمة: محمّد صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى في سورة النّحل: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ (¬7). كقوله تعالى فيها يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (¬8) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) المائدة: 11. (¬2) الأحزاب: 9. (¬3) البقرة 40، زيادة لم توجد في «نزهة الأعين. (¬4) البقرة: 211. (¬5) إبراهيم: 28. (¬6) آل عمران: 103، وهي زيادة لم توجد في «نزهة الأعين. (¬7) النحل: 112، زيادة لم توجد في «نزهة الأعين. (¬8) النحل: 83.

الرابع: النعمة: الثّواب. قوله تعالى في سورة آل عمران: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ أي (¬1) ثواب الله تعالى. الخامس: النعمة: الملك والغنى. قوله تعالى في سورة المزمل: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ (¬2) السادس: النّعمة: النبوة. قوله تعالى في فاتحة الكتاب: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ (¬3) يعني بالنبوة. نظيرها في سورة النساء: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ (¬4). مثلها في سورة الضّحى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (¬5) أي بالنبوة. السابع: النعمة: الرحمة. قوله سبحانه في الحجرات: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (¬6) يعني ورحمته. الثامن: النعمة: الإحسان من الله. قوله تعالى في سورة الليل: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (¬7) يعني إحسانا يجازى «إلا ابتغاء وجه ربّه الأعلى». ¬

_ (¬1) آل عمران: 171. (¬2) المزمل: 11، وهذا الوجه زيادة على الوجوه التي في «نزهة الأعين». (¬3) الفاتحة: 7. (¬4) النساء 69، زيادة على ما في «نزهة الأعين». (¬5) الضحى: 11. (¬6) الحجرات: 8. (¬7) الليل: 19.

التاسع: النعمة: سعة العيش. قوله تعالى في سورة الفجر: فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ (¬1) يعني وسّع عليه معيشته. وكقوله تعالى في سورة لقمان: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً (¬2). العاشر: المنعم (عليه): المعتق. قوله سبحانه في سورة الأحزاب: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، (¬3)، أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمت عليه بالعتق يعني زيد بن حارثة. (¬4) ومما يجدر ذكره أن «النعمة» وما لها من أوجه لم تتناولها كتب الأشباه والنظائر الأخرى التي تعرضنا لها فيما سبق اللهم إلّا كتابا واحدا فقط، وهو «نزهة الأعين النواظر» لابن الجوزيّ. ¬

_ (¬1) الفجر: 5، زيادة على ما في «نزهة الأعين». (¬2) لقمان: 20. (¬3) الأحزاب: 37. (¬4) انظر ص: 460، 461.

ثانيا: في مجال الأفعال لقى انفرد بها الدامغاني ومقاتل

ثانيا: في مجال الأفعال لقى انفرد بها الدامغاني ومقاتل وردت هذه المادّة تحمل عشرة أوجه عند الدامغاني: فوجه منها: ألقى: وسوس. قوله تعالى في سورة الحج: أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ (¬1) يعني وسوس في قراءته. (¬2) الثاني: ألقى: أي خلق. قوله تعالى في سورة النّحل: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ (¬3) أي خلق. ومثلها في سورة ق: وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ (¬4) ونظائرها كثير. الثالث: ألقى: وضع: في سورة يوسف: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً (¬5) أي ضعوه. وقوله تعالى: «فيها» فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً (¬6) أي وضعه. ونحوه كثير. ¬

_ (¬1) الحج: 52. (¬2) ليست الوسوسة في قراءة النبي صلى عليه وسلم وإنما هي في قراءة من لا يؤمن. (¬3) النحل: 16. (¬4) ق: 7، وفي الأصل: (وألقينا في الأرض) تحريف. (¬5) يوسف: 93. (¬6) يوسف: 96.

الرابع: ألقى: بمعنى أنزل. قوله تعالى في سورة حم المؤمن: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (¬1) يعني ينزل. كقوله تعالى في سورة المرسلات: فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (¬2) يعني المنزلات الوحي. كقوله تعالى في سورة المزمل: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. (¬3) الخامس: ألقى: بمعنى «اقترع». قوله تعالى في سورة آل عمران: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ (¬4) «أي يقترعون». السادس: ألقى: بمعنى كسا. كقوله تعالى في سورة طه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (¬5) أي كسوتك جمالا، وخلعته على أخيك. السابع: ألقي بمعنى أدخل. قوله تعالى في سورة فصلت: أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬6) يعني يدخل في النار. كقوله تعالى: ¬

_ (¬1) المؤمن أو غافر: 15. (¬2) المرسلات: 5. (¬3) المزمل: 5. (¬4) آل عمران: 44. (¬5) طه: 39. (¬6) فصلت: 40.

في سورة الصافات: فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (¬1) أي أدخلوه النار. الثامن: ألقى بمعنى رمى. قوله تعالى في سورة الشعراء: فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ (¬2) يعني رماها من يده. مثلها في سورة الأعراف. (¬3) ونظائره كثيرة. التاسع: ألقى أي كلم. قوله تعالى في سورة النساء: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (¬4) العاشر: ألقى يعني أجلس. قوله تعالى في سورة ص: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً (¬5) يعني أجلسنا الشيطان على كرسيّ سليمان. هذا، وقد انفرد الدامغاني في ذكر هذه الوجوه العشرة لمادة: «لقى» فلم ترد هذه المادّة في كتاب: «نزهة الأعين» لابن الجوزي على الرغم من الاتفاق الواضح بينهما في كل مواد الوجوه. والكتاب الوحيد الذي تناولها هو كتاب: «الأشباه والنظائر» لمقاتل بن سليمان، فهو أول من ذكر هذه المادة وذكر لها وجهين فقط، ¬

_ (¬1) الصافات: 97. (¬2) الشعراء: 45. (¬3) «أن ألق عصاك» الأعراف: 117 (¬4) النساء: 171. (¬5) ص: 34.

وليست عشرة وجوه. قال مقاتل بن سليمان «تفسير التّلقيّ على وجهين: فوجه منهما: «وما يلقاها» يعني: وما يؤتاها، فذلك في حم السّجدة (¬1)، وقال في النّمل: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (¬2) والوجه الثاني: التّلقي يعني النزول، فذلك قوله في اقتربت السّاعة. أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا (¬3) وقال في حم المؤمن: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ (¬4) يعني ينزل الروح بأمره. (¬5) وفي ضوء هذا النص تبين أن «مقاتل» اقتصر على وجهين فقط حين ذكر لها الدامغاني عشرة أوجه، ولم تتناول هذه المادّة كتب الأشباه والنظائر على تعدّدها غير هذين الكتابين. ¬

_ (¬1) الآية: 35 من سورة فصلّت، وهي قوله تعالى: وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا. (¬2) النمل: 6. (¬3) القمر: 25. (¬4) غافر: 15. (¬5) انظر الأشباه والنظائر لمقاتل: 321.

ثالثا: في مجال الظروف مع

ثالثا: في مجال الظروف مع على ستة أوجه: فوجه منها: معكم، أي على دينكم. قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ (¬1) كقوله تعالى في سورة هود: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (¬2) أي على دينه. وفي سورة الملك: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ (¬3) أي على ديني. الثاني: معهم أي أنزل عليهم. قوله تعالى في سورة البقرة: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ (¬4) يعني لما أنزل عليهم، مثلها فيها. الثالث: معنا أي ناصرنا. قوله تعالى في سورة التوبة: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا (¬5) كقول موسى في سورة الشعراء: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (¬6) أي ناصري. ¬

_ (¬1) البقرة: 14. (¬2) هود: 58. (¬3) الملك: 28. (¬4) البقرة: 89. (¬5) التوبة: 40. (¬6) الشعراء: 62.

الرابع: معهم أي عالم بهم. قوله تعالى في سورة المجادلة: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ إلى قوله تعالى: وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ (¬1) أي علم بهم كذلك قوله تعالى في سورة الحديد: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ (¬2) الخامس: مع بمعنى الصحبة والمرافقة. قوله تعالى في سورة النساء: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (¬3) يعني الصّحبة. وكقوله تعالى في سورة الفتح: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ (¬4) في صحبته. السادس: معه بمعنى عليه. يقول في سورة الأعراف: وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ (¬5) أي عليه. (¬6) ¬

_ (¬1) المجادلة: 7. (¬2) الحديد: 4. (¬3) النساء: 69. (¬4) الفتح: 29. (¬5) الأعراف: 157. (¬6) الوجوه والنظائر: 437، 438.

رابعا: في مجال الحروف إن - أن - إن

رابعا: في مجال الحروف إن- أن- إنّ تقع هذه الحروف على ستة أوجه: فوجه منها: إن بمعنى: إذ: قوله تعالى في سورة البقرة: اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (¬1) كقوله تعالى في سورة آل عمران: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (¬2) الثاني: إن بمعنى ما: قوله تعالى في سورة الأنبياء: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (¬3) يعني: ما كنا فاعليه. كقوله في سورة الزّخرف: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (¬4) أي ما كان للرحمن ولد، كقوله تعالى في سورة تبارك: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (¬5) يعني: ما الكافرون إلّا في غرور». وكقوله في سورة يس: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً (¬6) يعني ما كانت إلّا صيحة واحدة، وكذلك كل «إن» مخففّة مستقبلة: «إلّا». ¬

_ (¬1) البقرة: 278. (¬2) آل عمران: 139. (¬3) الأنبياء: 17. (¬4) الزخرف: 81. (¬5) الملك: 20. (¬6) يس: 29.

الثالث: إن بمعنى: لقد: قوله تعالى في سورة الإسراء: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا (¬1) كقوله تعالى في سورة الشعراء: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (¬2) يعني لقد كنّا، كقوله في سورة الصّافات: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (¬3) يعني لقد كدت، كقوله تعالى في سورة يونس: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (¬4)، كقوله تعالى في سورة الإسراء: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ (¬5) يعني: ولقد كانوا الرابع: إن بمعنى: «لئلّا»: قوله تعالى في سورة النّساء: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا (¬6) يعني: لئلّا تضلّوا، كقوله تعالى في سورة الملائكة: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا (¬7) يعني لئلّا، كقوله تعالى في سورة الحجّ: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ (¬8) ¬

_ (¬1) الإسراء: 108. (¬2) الشعراء: 97. (¬3) الصّافات:: 56. (¬4) يونس: 29. (¬5) الإسراء: 73. (¬6) النساء: 176. (¬7) فاطر: 41 (¬8) الحجّ: 65.

الخامس: أن بمعنى: ب «أن»: قوله تعالى في سورة الزّخرف: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (¬1) يعني: بأن كنتم، كقوله تعالى في سورة الرّوم: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا (¬2) يعني: بأن كذبوا «بآيات الله» السادس: إنّ بعينه: يعني قوله تعالى في سورة التوبة: إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، (¬3) ونحو هذا ما كان مشدّدا، وكان أول الكلام (¬4). ¬

_ (¬1) الزخرف: 6. (¬2) الرّوم: 10. (¬3) التوبة: 116. (¬4) الوجوه والنظائر: 52، 53، 54.

القسم الثاني: الكلمات المشتركة التي انفرد بها

القسم الثاني: الكلمات المشتركة التي انفرد بها 1 - اللوح ومما انفرد به: «إصلاح الوجوه والنظائر مادّة اللوح» فلم تتناولها كتب الأشباه والنظائر حتى كتاب: «نزهة الأعين النواظر» واللوح يحمل أربعة أوجه: فوجه منها: الألواح الصحف. قوله تعالى في سورة الأعراف: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ (¬1) يعني الصحف الثاني: اللّوح: هو اللّوح المحفوظ. قوله تعالى في سورة البروج: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (¬2) الثالث: لواحة: يعني لفّاحة: قوله تعالى في سورة المدثر: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (¬3) تلفح الشخص، فتدعه أشدّ سوادا من اللّيل، ويقال شواهة لأبدانهم. الرابع: الألواح: العوارض التي في السّفن. قوله تعالى في سورة القمر: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (¬4) يعني ألواح السفينة. (¬5) ¬

_ (¬1) الأعراف: 150. (¬2) البروج: 21، 22. (¬3) المدثر: 29. (¬4) القمر: 13. (¬5) إصلاح الوجوه والنظائر: 421.

2 - العزم

2 - العزم من المواد التي انفرد بها الدامغانيّ في كتابه: «إصلاح الوجوه». مادّة: «عزم»، وهي تحمل أربعة أوجه: فوجه منها: العزم: القصد. قوله تعالى في سورة آل عمران: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ (¬1). الثاني: العزم: الصبر. قوله سبحانه في سورة طه: وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (¬2) يعني صبرا. كقوله في سورة الأحقاف: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (¬3) وهم خمسة من الأنبياء: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلى الله عليه وسلم عليهم أجمعين. الثالث: العزم: الحزم. قوله تعالى في سورة لقمان: إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (¬4) يعني من حزم الأمور وحقائقها. الرابع: العزم: التحقيق. قوله تعالى في سورة البقرة:: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ (¬5) يعني وإن حقّقوا الطلاق. (¬6) ¬

_ (¬1) آل عمران: 160. (¬2) طه: 115. (¬3) الأحقاف: 35. (¬4) لقمان: 17. (¬5) البقرة: 227. (¬6) إصلاح الوجوه: 325.

3 - العصف

3 - العصف ومما انفرد به الدامغاني مادة عصف، فلم يتحدّث عنها غيره وهي من الكلمات التي تحمل وجهين: فوجه منها: عاصف، أي قاصف شديد. قوله تعالى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً (¬1)، يعني قاصفة شديدة الثاني: العصف: الورق. قوله تعالى في سورة الرحمن: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ (¬2) يعني الورق. كقوله تعالى في سورة الفيل: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (¬3) يعني الورق. ¬

_ (¬1) الأنبياء: 81. (¬2) الرحمن: 12. (¬3) الفيل: 5.

4 - السؤال

4 - السّؤال ومما انفرد به الدامغاني مادّة: «سأل» فذكر أنها تقع على سبعة أوجه: فوجه منها: السؤال: الاستفتاء: قوله تعالى في سورة البقرة: يَسْئَلُونَكَ (¬1) يعني يستفتونك. مثلها في سورة الأنفال (¬2) والنازعات (¬3) وطه (¬4) وفي كل موضع «يسألونك» على هذا المعنى. الثاني: السؤال: الاستمناح. قوله تعالى في سورة الضّحى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (¬5) يعني المستمنح، فلا تنهر، كقوله تعالى في سورة البقرة: وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ (¬6) ومثلها في سورة المعارج: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (¬7) الثالث: السؤال: الدّعاء. قوله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ (¬8) يعني دعا داع. الرابع: السؤال: المراجعة في الكلام والاعتراض. قوله تعالى في سورة هود: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (¬9) يعني لا تراجعني، ¬

_ (¬1) البقرة: 189. (¬2) الأنفال: 1. (¬3) النازعات: 42. (¬4) طه: 105. (¬5) الضحى: 10. (¬6) البقرة: 177. (¬7) المعارج: 25. (¬8) المعارج: 1. (¬9) هود: 46.

مثلها في سورة الأنبياء: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (¬1) أي لا يعترض عليه فعله. الخامس: السؤال الطلب. قوله تعالى في سورة الرحمن: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (¬2) يعني يطلب من في السموات، ومن في الأرض المغفرة. كقوله سبحانه في سورة سبأ: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ (¬3) ونحوه كثير. السادس: السؤال: الحساب. قوله تعالى في سورة الأعراف: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ (¬4) كقوله تعالى في سورة الحجر: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ (¬5)، أي لنحاسبهم على ما كان منهم ... السابع: السّؤال: التّخاصم. قوله تعالى في سورة النبأ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (¬6)، يعني يتخاصمون (¬7) ¬

_ (¬1) الأنبياء: 23. (¬2) الرحمن: 29. (¬3) سبأ: 47. (¬4) الأعراف: 6. (¬5) الحجر: 92. (¬6) النبأ: 1. (¬7) إصلاح الوجوه والنظائر: 223، 224.

5 - العظيم

5 - العظيم ومما أنفردت به مادّة: «عظم» أنّها تقع على عشرة أوجه: فوجه منها: العظيم الجليل. قوله تعالى في سورة البقرة: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (¬1)، يعني الجليل في قدره. ومثلها في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (¬2) وله نظائر. الثاني: العظيم: الشديد: قوله سبحانه في سورة البقرة: وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (¬3) يعني شديدا، ونحوه. الثالث: العظيم: المتقبّل: قوله تعالى في سورة الصّافات: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (¬4) يعني متقبلا. الرابع: العظيم: الهائل. قوله عز وجلّ في سورة المطففين: لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (¬5) يعني هائلا ونحوه. ¬

_ (¬1) البقرة: 255. (¬2) الحجر: 87. (¬3) البقرة: 7. (¬4) الصّافات:: 107. (¬5) المطففين: 5.

الخامس: العظيم: العامّ: قوله تعالى في سورة يوسف: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (¬1) يعني يصيب البرىء والسقيم. السادس: العظيم الثّقيل: قوله تعالى في سورة النور: هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (¬2) أي ثقيل. السابع: العظيم و: الرئيس. قوله تعالى في سورة الزّخرف إخبارا عن قريش: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (¬3) يعني الرئيس الكبير، قيل يعنون بذلك الوليد بن المغيرة، وأبا مسعود الثقفيّ. الثامن: العظيم: الحسن. قوله تعالى في سورة «ن»: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (¬4) يعني الخلق الحسن. التاسع: العظيم يعني: كبير الحجم. قوله عز وجل: وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (¬5) أي كبير في حجمه، ونحوه كثير. ¬

_ (¬1) يوسف: 28. (¬2) النور: 16. (¬3) الزخرف: 31. (¬4) القلم: 4. (¬5) التغابن: 15.

العاشر: العظيم: الشريف. قوله تعالى في سورة «ص»: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (¬1) يعني القرآن خبر شريف كريم كقوله تعالى في سورة النبأ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ أي (¬2) الخبر الشريف (¬3). ¬

_ (¬1) ص: 67. (¬2) النبأ: 1. (¬3) إصلاح الوجوه والنظائر: 326 - 328.

استوى

استوى ومما انفردت به مادّة الاستواء أنّها ستة أوجه: فوجه منها: استوى: بمعنى قصد وعمد. وقوله تعالى في سورة فصلت: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ (¬1) أي عمد ونحوه. الثاني: استوى: بمعنى استقر. قوله تعالى في سورة هود: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ (¬2) يعني استقرت السفينة على جبل الجودي. الثالث: استوى: أي ركب. قوله تعالى في سورة الزخرف: ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ (¬3) يعني إذا ركبتم. وفي سورة المؤمنين: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ (¬4) يعني ركبت السفينة. الرابع: استوى بمعنى: أشبه. قوله تعالى في سورة القصص: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى (¬5) أي استوى خلقه أربعين سنة. ¬

_ (¬1) فصلّت: 11. (¬2) هود: 44. (¬3) الزخرف: 13. (¬4) المؤمنون: 28. (¬5) القصص: 14.

الخامس: استوى بمعنى: أشبه. قوله تعالى في سورة فاطر: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (¬1) أي ما يشبهه. ونحوه كثير. السادس: الاستواء: بمعنى القهر والقدرة. قوله تعالى في سورة طه: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (¬2) أي قدر وقهر. (¬3) ¬

_ (¬1) فاطر: 19. (¬2) طه: 5. (¬3) إصلاح الوجوه والنظائر: 255.

7 - نزهة الأعين النواظر

7 - نزهة الأعين النواظر أولا: المؤلف 1 - المؤلف هو عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عليّ بن عبد الله ابن عبد الله البكريّ، من ولد الأمام أبي بكر الصّديق رضى الله عنه الإمام أبو الفرج بن الجوزيّ، البغدادي الحنبليّ الواعظ. قال الذهبيّ عنه كان مبرّزا في التفسير وفي الوعظ، وفي التاريخ ومتوسطا في المذهب، وفي الحديث له اطلاع تام على متونه. وأمّا الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين، ولا نقد الحفّاظ المبرزين. (¬1) وقال عن نفسه: «لا يكاد يذكر لي حديث إلّا ويمكنني أن أقول: صحيح أو حسن أو محال، ولقد أقدرني الله على أن أرتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ. (¬2) وابن الجوزيّ: كتبه أكثر من أن تعدّ، يقال: إنه جمعت الكراريس التي كتبها، وقسمت الكراريس على مدّة عمره، فخص كل يوم تسع كراريس وهذا شىء عظيم، لا يكاد يقبله العقل» (¬3) وابن الجوزيّ له ذكاء حاد، يدل على بديهة حاضرة، وعقل متيقظ فمن ذكائه: «أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السّنة والشيعة فرضى الكل بجواب الشيخ» وهو على الكرسيّ في مجلس وعظه، ¬

_ (¬1) طبقات المفسرين للسيوطيّ: 61. (¬2) شذرات الذهب: 35/ 330. (¬3) مفتاح السعادة: 1/ 254.

أخلاقه:

فسأله أحد: من أفضل البشر بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من كانت ابنته تحته، ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك فرضى الكل، لأن ابنة أبي بكر رضى الله عنه تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عليّ رضى الله عنه والكلام يحتملهما .. وهذا الجواب لو حصل بعد الفكر التام لكان في غاية الحسن فضلا عن البديهة» (¬1) ومن بديهته الحاضرة: «أنه سأله إنسان، فقال: مالنا نرى الكوز الجديد إذا صبّ فيه الماء يئن ويخرج منه صوت؟ فقال: ما لاقاه من حرّ النار» وسئل: أن الكوز إذا ملأناه لا يبرد، فإذا نقص برد، فقال: حتى تعلموا أن الهوى لا يدخل إلّا على ناقص» وسئل كيف نسب قتل الحسين إلى يزيد وهو بدمشق، فأنشد: سهم أصاب وراميه بذي سلم* من بالعراق، لقد أبعدت مرماك ويختم صاحب مفتاح السعادة حديثه عن ابن الجوزي بذكر ميلاده. فيقول: «ولد سنة ثمان أو عشر وخمسمائة. أخلاقه: يذكر سبطه أبو المظفر أن ابن الجوزي كان زاهدا في الدنيا متعلّلا منها وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبيّ ولا أكل من جهة، لا يتيقن حلها، وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى. ¬

_ (¬1) مفتاح السّعادة: 1/ 254 - 255.

وفاته:

وقال عنه الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصوت، حلو الشمائل، رخيم النغمة، موزون الحركات، لذيذ المفاكهة ومن أبرز أخلاقه التقوى، ووعظ الناس إلى التحليّ بها فقد قال في آخر كتاب: «القصاص والمذكرين» له: مازلت أعظ الناس، وأحرّضهم على التوبة والتقوى، فقد تاب على يدي أكثر من مائة ألف رجل، وقد قطعت من شعور الصبيان والّلاهين أكثر من عشرة ألاف طائلة، وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف» (¬1) وفاته: توفى ليلة الجمعة بين العشاءين من شهور رمضان، وكان في تموز، فأفطر بعض من حضر جنازته لشدّة الزحام والحرّ» (¬2) ثانيا: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: من أهم مؤلفات ابن الجوزي المتعلقة بالدراسات القرآنية كتابه: «نزهة الأعين»، وقد حققه: محمد عبد الكريم كاظم الراضى طبع ونشر مؤسسة الرسالة ببيروت 1985. طبعة ثانية. 3 - منهج ابن الجوزي في كتابه: ابن الجوزي كان مجدّدا في منهجه، مخالفا مناهج مؤلفى الوجوه والنظائر قبله، ويقوم منهجه على ما يلي: 1 - اعتماد الحروف الأبجدية في ترتيب الكلمات المشتركة، ولا يهتم بالجذور أو الحروف الأصلية للكلمة كما تصنع ذلك المعاجم وإنما يهتم بالحرف الأول من الكلمة بإسقاط «أل» التعريفية سواء كان هذا ¬

_ (¬1) شذرات الذهب: 3/ 330. (¬2) السابق: 331.

الحرف أصليا أو زائدا، ولا أدلّ على ذلك من وضعه باب التفصيل في باب التاء، وحقه أن يوضع في باب الفاء. (¬1) وكذلك وضع باب التأويل وحقه أن يوضع في باب الألف «(¬2)، وباب» التولى «وضعه في باب التّاء وحقه أن يوضع في باب «ولى». (¬3) 2 - في ترتيبه للكلمات يبدأ بالأقل فالأكثر من كل باب عقده في كتابه ففي باب الألف يبدأ بما له وجهان، ثم بما له ثلاثة أوجه، وهكذا. 3 - في غالب الأحيان يتناول المعاني المتعددة للكلمة المشتركة ويختم هذه المعاني بالمعنى الوضعيّ أو الحقيقي للكلمة، ففي باب «الإتيان مثلا» يتحدّث عن الإتيان في القرآن بأنه أتى على اثنى عشر وجها، ويعدّد هذه الوجوه، ثم يختمها بقوله: والثاني عشر: المجىء بعينه، ومنه قوله تعالى في مريم: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ (¬4) وفي باب «الأمر» بعرض المعاني المتعددة لهذه الكلمة والتي بلغت ثمانية عشر معنى، ثم يختم هذه المعاني بالمعنى الحقيقي للأمر فيقول «والثامن عشر: الأمر الذي هو استدعاء الفعل، ومنه قوله تعالى في سورة النحل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (¬5). 4 - والجديد في منهجه بالإضافة إلى ما سبق أنه يمّهد للكلمة المشتركة بالشرح اللغوي كما هي في المعاجم. وهو بهذا التمهيد مفسّر منطقيّ، إنه يريد أن يقدّم لمن يقرأ كتابه المعاني اللغوية التي تحتملها هذه الكلمة للمقارنة بين هذه المعاني والمعاني التي تحتملها في القرآن الكريم ليتضح في ذهن القارىء ¬

_ (¬1) انظر: 212. (¬2) انظر: 216. (¬3) 214. (¬4) مريم: 27، وانظر: 167. (¬5) النحل: 90.

المعاني الجديدة، والتي تعتبر من الغرائب تلك المعاني التي حملتها الكلمة القرآنية، ومن الأمثلة على ذلك قوله في باب «الإنسان» ما يأتي: «الإنسان واحد الناس، والجمع ناس، وأناس ولا يصرف. وقيل سمّى إنسان: لأنه يأنس بجنسه. وقال ابن قتيبة: سمّى الإنس إنسا لظهورهم وإدراك البصر إياهم، وهو من قولك: آنست كذا، أي أبصرته، قال الله عز وجل: إِنِّي آنَسْتُ ناراً (¬1) أي أبصرت. وقد روى عن ابن عبّاس أنه قال: إنما سمّى الإنسان إنسانا، عهد إليه فنسى. وذهب إلى هذا قوم من المفسّرين من أهل اللغة واحتجّوا في ذلك بتصغير «إنسان»، وذلك أن العرب تصغّره على: «أنيسيان» بزيادة ياء، كأنّ مكبره: «إنسيان»: إفعلان، من النسيان، ثم تحذف الياء من مكبره استخفافا لكثرة ما يجري على اللسان، فإذا صغّر رجعت الياء، وردّ ذلك إلى أصله، لأنه لا يكثّر مصغرا كما يكثّر مكبّرا. والبصريون يجعلونه: «فعلان» على التفسير الأول. وقالوا: زيدت الياء في تصغيره كما زيدت في تصغير ليلة فقالوا: لييلة، كذا لفظ العرب به بزيادة» وبعد هذا البحث اللغويّ النحوي يبدأ في تفسير معنى الإنسان على هدى القرآن، فيقول: ¬

_ (¬1) طه: 10.

ذكر بعض المفسّرين أن «الإنسان» في القرآن على خمسة وعشرين وجها» (¬1) وبدأ يسرد هذه الوجوه. ومنهجه هذا المتمثل في التّقديم اللغويّ للكلمة القرآنية المشتركة لم يتخلف في معظم كتابه. 4 - من منهجه الاستشهاد بالشعر، ولكنه لا يكثر منه، فالأبيات المستشهد بها في كتابه تعتبر قليلة ونادرة، وتعدّ على الأصابع، وهي أبيات متنوعة منها رجز، ومنها ما هو جاهلي، ومنها ما هو إسلامي: فمن الرجز الذي استشهد به قول الراجز في باب: «التلاوة» قد جعلت دلوى تستتليني* ولا أحبّ تبع القرين (¬2) قال الزّجاج: التلاوة في اللغة: إتباع بعض الشىء بعضا وقد استتلاك الشىء: إذا جعلك تتبعه، قال الراجز، ثم ذكر البيتين (¬3). واستدل من الشعر الجاهليّ بشعر الأعشى في قوله: ومنكوحة غير ممهورة* وأخرى يقال لها: فادها (¬4) وذلك في باب النّكاح، قال المفضل: أصل النكاح: الجماع ثم كثر ذلك حتى قيل للعقد: النّكاح ... وقد سمّوا «الوطء» نفسه نكاحا من غير عقد قال الأعشى، واستدل بالبيت السابق (¬5) واستدل من الشعر الإسلاميّ بشعر جرير في قوله: أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم* إني أخاف عليكم أن أغضبا (¬6) وذلك في باب «الحكمة» حيث استدل بقول ابن فارس: أصل الحكم: المنع، وأحكمت السفيه وحكمته: أخذت على يده ثم ذكر قول جرير السابق. (¬7) ¬

_ (¬1) انظر: 176، وما بعدها. (¬2) مجهول القائل: انظر اللسان: تلا. (¬3) انظر ص: 222. (¬4) انظر ديوان الأعشى: 63. (¬5) انظر: 590. (¬6) من بيتين في ديوان جرير: 47. (¬7) انظر: 261.

5 - ومن منهجه أنه في معظم كتابه يعزو الأقوال إلى أصحابها ففي باب «الحكمة» مثلا: (¬1) يقول: «وقال ابن قتيبة: الحكمة: العلم والعمل، لا يكون الرجل حكيما حتى يجمعهما. وقال ابن فارس: أصل الحكم المنع الخ «وقد سبق ذكره في باب «الخزي» (¬2) بنقل عن ابن عباس: أن الخزي: الإهانة وينقل عن ابن السّكيت: أن الخزي: الوقوع في بليّة، وينقل عن ابن فارس: الخزي: الإبعاد والمقت. 6 - وابن الجوزي لم يصنع كما صنع أسلافه الذين ألفوا في الكلمات المشتركة في القرآن الكريم من غير أن يرسموا منهجا يوضح اتجاهم التأليفي في هذه الظاهرة، إنه يختلف عنهم تماما في رسم المنهج، وفي الطريقة التي اتبعها لتحقيقه، ففي مقدّمته بيّن أصحاب التأليف في هذا الموضوع، فقال: «وقد نسب كتاب في: الوجوه والنظائر إلى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما، وكتاب آخر إلى عليّ بن طلحة عن ابن عباس. وممّن ألف كتب:؛ الوجوه والنظائر «الكلبيّ، وروى مطروح بن محمد بن شاكر عن عبد الله بن هارون الحجازي عن أبيه كتابا في: «الوجوه والنظائر»، وأبو بكر محمد بن الحسن النقاش، وأبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني، وأبو علي البناء من أصحابنا، وشيخنا أبو الحسن علي بن عبد الله الزاغوني، ولا أعلم أحدا جمع الوجوه والنظائر سوى هؤلاء. ¬

_ (¬1) انظر: 260، وما بعدها. (¬2) انظر: 74، وما بعدها.

7 - دقته في منهجه حيث أزال الغموض عن عنوان مؤلفه بشرح معنى «الوجوه والنظائر» الذي سجلناه فيما سبق. 8 - وقد وضع ابن الجوزي النقاط على الحروف في منهجه حيث ذكر أنه لم يبالغ في كثرة الوجوه والأبواب، وإنما التزم القصد بدون إفراط أو تفريط، يقول في مقدمته: «ولقد قصد أكثرهم الوجوه والأبواب فأتوا بالتّهافت العجاب مثل أن ترجم بعضهم فقال: باب الذريّة وذكر فيه: «ذرني»، وتذروة الرياح»، «ومثقال ذرة»، وترجم بعضهم باب الربا. وذكر فيه: «أخذة رابية» و «ريّيّون» و «ربائبكم» و «جنّة بربوة». ثم بيّن أنهم أغرقوا في مثل هذا الإطناب بدون سبب من الأسباب اللهم إلا التكثر والزيادة، فقال: «وتهافتهم إلى مثل هذا كثير يعجب منه ذو اللّب، إذا رآه» ولا ينسى بعد هذا النقد أن يبيّن أنه سلك مسلكا أخر، ونهج نهجا علميا حيث جمع في كتابه السّمين، وترك الغث، والجوهر وترك العرض، واللّب وترك القشر. يقول: «وجمعت في كتابي هذا أجود ما جمعوه ووضعت عنه كل وهم ثبّتوه في كتبهم ووضعوه» وفي نهاية مقدمته: ذكر أنه رتّبه، وهذبه حيث قال: «وقد رتبته على الحروف ترتيبا، وقرّبته إلى الاختصار المألوف تقريبا» (¬1) ¬

_ (¬1) انظر مقدمة ابن الجوزي: 81 - 84.

9 - ويبدو أن ابن الجوزي كان يشعر في داخل نفسه أن المعاني المتعددة للكلمة القرآنية المشتركة ليست هذه المعاني منفصلة بعضها عن بعض، فهناك خيط دقيق يربط بينها، وكأنه بهذا يرى رأى ابن درستويه في إنكار المشترك اللفظي، والذي جاراه في هذا الإنكار بعض العلماء المحدثين أمثال الدكتور إبراهيم أنيس الذي ناقشنا رأيه فيما سبق. ومع ذلك فإن ابن الجوزي لم يرد أن يخرج عن الخط الذي سار عليه أسلافه فحذا حذوهم، وسار في دربهم حتى لا تتعطل وجوه المعاني القرآنية للكلمة القرآنية، يقول في آخر كتابه ما نصّه: «فهذا آخر ما انتخبت من كتب الوجوه والنظائر التي رتبها المتقدّمون، ورفضت منها ما لا يصلح ذكره، وزدت فيها من التفاسير المنقولة ما لا بأس به. وقد تساهلت في ذكر كلمات نقلتها عن المفسّرين، لو ناقش قائلها محقق لجمع بين كثير من الوجوه في وجه واحد. ولو فعلنا ذلك لتعطّل أكثر الوجوه، ولكنا تساهلنا في ذكر ما لا بأس بذكره من أقوال المتقدمين، فليعذرنا المدقّق في البحث» (¬1) وقبل أن ننهي الحديث عن هذا المؤلف، نقدّم نماذج منه كما فعلنا ذلك من قبل، لتتضح خطوط منهجه، كما اتضحت خطوط المناهج السابقة. ¬

_ (¬1) انظر خاتمة الكتاب: 643.

4 - نماذج من نزهة الأعين النواظر

4 - نماذج من نزهة الأعين النواظر أولا في مجال الأسماء 1 - الاستغفار: استفعال من طلب الغفران. والغفران: تغطية الذنب بالعفو عنه، والغفر السّتر. ويقال: «اصبغ ثوبك فهو أغفر للوسخ. وغفر الخزّ والصوف: ما علا فوق الثوب منهما كالزّئبر: (¬1) سمّى غفرا، لأنه يستر الثوب. ويقال لجنّة الرأس: مغفر، لأنها تستر الرأس. وقال أبو سليمان الخطابيّ: وحكى بعض أهل اللغة: أن المغفرة مأخوذة من المغفر، وهو نبت يداوى به الجراح، يقال: إنه إذا ذرّ عليها دملها وأبرأها. وذكر بعض المفسّرين أن الاستغفار في القرآن على وجهين: أحدهما: الاستغفار نفسه، وهو طلب الغفران، ومنه قوله تعالى في هود: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (¬2) وفي يوسف: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ، (¬3) وفي نوح: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (¬4) وهو كثير في القرآن. ¬

_ (¬1) الزّئبر بكسر الزاي وفتح الباء: ما يظهر من درز، الثوب انظر القاموس: زئبر. (¬2) هود: 90. (¬3) يوسف: 29. (¬4) نوح: 10.

2 - الاستحياء

والثاني: الصّلاة، ومنه قوله تعالى في آل عمران: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ، (¬1) وفي الأنفال: وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (¬2)، وفي الذّاريات: وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (¬3) وقد عدّ بعضهم الآية التي في «يوسف» من قسم الاستغفار، وجعل التي في «هود»، وفي نوح بمعنى التوحيد، فيكون الباب على قوله من أقسام الثلاثة. 2 - الاستحياء ذكر أهل التّفسير أن الاستحياء في القرآن على ثلاثة أوجه، ولم يفرقوا بين المقصور والممدود: أحدها: الاستيفاء، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ (¬4) والثاني: التّرك:، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (¬5) والثالث: من الحياء، ومنه قوله تعالى في «الأحزاب»: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ (¬6) ¬

_ (¬1) آل عمران: 17. (¬2) الأنفال: 33. (¬3) الذاريات: 18. (¬4) البقرة: 49. (¬5) البقرة: 26. (¬6) الأحزاب: 53.

3 - الروح

3 - الرّوح قال ابن قتيبة: الرّوح، والرّوح، والرّيح من أصل واحد اكتنفته معان تقاربت، فبني لكل معنى اسم من ذلك الأصل، وخولف بينها في حركة البناء. والنار والنّور من أصل واحد كما قالوا: الميل، والميل، وهما جميعا من أمال «، فجعلوا الميل بفتح الياء فيما كان خلقة، فقالوا: في عنقه ميل، وفي الشجرة ميل. وجعلوا الميل بسكون الياء فيما كان فعلا، فقالوا: مال عن الحق ميلا. وقالوا اللّسن، واللّسن، واللّسن، وكله من اللسان، فاللّسن: جودة اللسان، واللّسن: العدل واللومّ، يقال: لسنت فلانا لسنا، أي: عدلته، وأخذته بلساني. واللّسن: اللّغة، يقال: لكل قوم لسن. وقالوا حمل المرأة بفتح الحاء، وقالوا لما كان على الظهر: حمل، والأصل واحد. ويقال للنّفخ: روح، لأنه ريح خرج عن الرّوح، قال ذو الرّمة يذكر نارا قدحها: فلمّا بدت كفّنتها وهي طفلة* بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا فقلت له: ارفعها إليك وأحيها* بروحك واقتته لها قبتة قدرا وظاهر لها من يابس الشّخت واستعن* عليها الصّبا واجعل يديك لها سترا فلما جرت في الجزل جزيا كأنه* سنا البرق أحدثنا لخالقها شكرا (¬1) ¬

_ (¬1) ديوان ذي الرمّة: 245، بدت: أي النار غطيتها وهي طفلة صغيرة، والمظاهرة: وضع الشىء فوق الشىء.

والطلساء: خرقة وسخة، وهي الحرّاق، والرّوح: النفخ. واقتته: أي اجعل النفخ قوتا لا يكون قويا ولا ضعيفا. والشّخت: دقائق الحطب، والجزل: الحطب الغليظ. وذكر أهل التفسير: أن الروح في القرآن على ثمانية أوجه: أحدها: روح الحيوانت، ومنه قوله تعالى في بني إسرائيل: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (¬1) وفي تنزيل «السجدة»: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ (¬2) والثاني: جبرائيل عليه السّلام، ومنه قوله تعالى في «النحل»: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ (¬3) وفي «مريم»: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا (¬4) وفي الشعراء: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (¬5) وفي «القدر»: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها (¬6) الثالث: ملك عظيم من الملائكة، ومنه قوله تعالى في «عمّ يتساءلون»: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا (¬7) الرابع: الوحي، ومنه قوله تعالى في «النحل»: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ (¬8). وفي «عسق»: ¬

_ (¬1) الإسراء: 85. (¬2) السجدة: 9. (¬3) النحل: 102. (¬4) مريم: 17. (¬5) الشعراء: 193. (¬6) القدر: 4. (¬7) النبأ: 38. (¬8) النحل: 2.

وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا (¬1) والخامس: الرحمة، ومنه قوله تعالى في «المجادلة»: وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ (¬2) والسادس: الأمر، ومنه قوله تعالى في سورة «النساء»: أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (¬3) والسابع: الرّيح التي تكون عن النفخ، ومنه قوله تعالى في «التحريم» الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا (¬4) وهي نفخة جبرائيل في درعها. والثامن: الحياة، ومنه قوله تعالى في «الواقعة»: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (¬5) على قراءة من ضم الراء (¬6). قال أبو عبيدة: فروح، أي حياة وبقاء لا موت فيه. وقال ابن قتيبة، فروح أي فرحمة» (¬7) ¬

_ (¬1) الشورى: 52. (¬2) المجادلة: 22. (¬3) النساء: 171. (¬4) التحريم: 12. (¬5) الواقعة: 89. (¬6) وهي قراءة أبي عمرو، وابن عباس، ورويس والحسن البصري وغيرهم. انظر إتحاف فضلاء البشر: 409. وتفسير الفخر الرازي: 29/ 201. وانظر معجم القراءات قراءة رقم: 8977. (¬7) انظر: 321 - 324.

ثانيا: في مجال الأفعال ضرب

ثانيا: في مجال الأفعال ضرب بعد أن بين أن الأصل في الضرب الجلد ذكر أن من معانيه السيّر، يقال: ضرب في الأرض، أي سار، وأضرب فلان عن الأمر: كفّ الخ. ثم تناول هذه المادّة في ضوء القرآن الكريم، فقال: «ذكر أهل التفسير أن الضرب في القرآن على ثلاثة أوجه: أحدها: السيّر، ومنه قوله تعالى في سورة النساء: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬1) .. وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (¬2) وفي المزمّل: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ (¬3) والثاني: الضرب باليد وبالآلة المستعملة باليد، ومنه قوله تعالى في سورة النساء: وَاضْرِبُوهُنَّ، (¬4) وفي الأنفال: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (¬5)، وفي سورة محمد عليه السّلام: فَضَرْبَ الرِّقابِ (¬6). والثالث: الوصف، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (¬7)، ¬

_ (¬1) النساء: 94. (¬2) النساء: 101. (¬3) المزمّل: 20. (¬4) النساء: 34. (¬5) الأنفال: 12. (¬6) محمد: 4. (¬7) البقرة: 26.

وفي إبراهيم: وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (¬1) وفي النحل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ (¬2) أي لا تصفوه بصفات غيره ولا تشبّهوا به غيره، وفيها: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً (¬3) وفيها: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ (¬4) ¬

_ (¬1) إبراهيم: 45. (¬2) النحل: 74. (¬3) النحل: 75. (¬4) النحل: 76، وانظر: 400 - 402.

ثالثا: في مجال الظروف وراء

ثالثا: في مجال الظروف وراء قال ابن الجوزيّ: «ذكر بعض المفسّرين أن الوراء في القرآن على خمسة أوجه: أحدها: الخلف، ومنه قوله تعالى في آل عمران: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ (¬1)، وفي هود: وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا (¬2) وهذا على سبيل المثال. الثاني: الدنيا، ومنه قوله تعالى في الحديد: ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً. (¬3) الثالث: القدّام، ومنه قوله تعالى في الكهف وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ (¬4) وفي إبراهيم: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ (¬5) الرابع: بمعنى سوى، ومنه قوله تعالى في النساء: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (¬6) وفي المؤمنين: فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (¬7) ¬

_ (¬1) آل عمران: 187. (¬2) هود: 92. (¬3) الحديد: 13. (¬4) الكهف: 79. (¬5) إبراهيم: 16. (¬6) النساء: 24. (¬7) المؤمنون: 20.

الخامس: بمعنى: بعد، ومنه قوله تعالى في البقرة: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ (¬1) وفي مريم: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي (¬2) أي بعدي، يعني بعد موتي .. وفي البروج،: وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (¬3) أي من بعد أعمالهم محيط بهم، للانتقام منهم. ¬

_ (¬1) البقرة: 91. (¬2) مريم: 5. (¬3) البروج: 20.

رابعا: في مجال الحروف باب"لا"

رابعا: في مجال الحروف باب «لا» و «لا» حرف موضوع للنفي، وقد يكون بمعنى «لم» وأنشدوا من ذلك إن تغفر اللهم فاغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمّا (¬1) أي: لم يلمّ. وذكر بعض المفسرين أن «لا» في القرآن على ثلاثة أوجه: أحدها بمعنى النّفي. ومنه قوله في آل عمران: لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ (¬2) وفي الأعلى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (¬3) وله نظائر كثيرة. والثاني: بمعنى النهى: ومنه قوله تعالى في البقرة: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ (¬4)، وفيها: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ (¬5) وفي القصص: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا (¬6) والثالث: بمعنى «لم» ومنه قوله تعالى: في سورة القيامة: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (¬7) أي: لم يصدّق ولم يصل، قاله ابن قتيبة (¬8). ¬

_ (¬1) لأبي خراش الهذليّ: انظر البيان في غريب إعراب القرآن: 2/ 4 وفي معجم الشواهد العربية نسب لأمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه. من شواهد ابن الشجري: 1/ 144، 2/ 94، 228. والإنصاف: 1/ 76، واللسان: لمم. (¬2) آل عمران: 77. (¬3) الأعلى: 6. (¬4) البقرة: 35. (¬5) البقرة: 197. (¬6) القصص: 77. (¬7) القيامة: 31. (¬8) انظر نزهة الأعين: 631، 32.

8 - كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العماد

8 - كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر لابن العماد أ- المؤلف: نسبه: هو محمد بن علي بن محمد الشمس ... البلبيسي القاهريّ الشافعيّ، ويعرف بابن العماد، وهو لقب جدّ والده. أسرته: أسرة ابن العماد اشتهرت بالعلم والفضل، والجاه والجلال فقد قال عنها السّخاويّ ما نصه: «هو من بيت لهم جلالة ووجاهة ببلدهم، وجدّه عن سمع على التّاج ابن النعمان، وجمال الأسيوطيّ بمكّة. ولادته ونشأته: ولد قبل الزّوال من يوم الجمعة رابع عشر صفر 825 هـ ببلبيس. ونشأ بها فحفظ القرآن، والعمدة والتبريزيّ، والجرجانيّة، وربع المنهاج عند فقيه بلده البرهان الفاقوسي، وعرض بعضها على الجلال ابن الملقن، والشمس البيشي عالم بلده وغيرها ... ولما بلغ أشدّه أثبت عدالته، وخطب أشهرا بجامع بلده، ثم ترك». (¬1) شيوخه: ذكر السخاويّ شيوخه فقال: «صحب الشيخ القمري، وتلقّن منه» ¬

_ (¬1) انظر الضوء اللامع: 9/ 162.

رحلاته:

- ولقى ابن رسلان وقرأ عليه، وتهذّب بهديه، وعادت عليه بركته» - أخذ عن الشهاب الزواويّ وآخرين في الفقه وغيره» «وأخذ عن الزين خلد المنوفي في العربيّة» ولازم إمام الكامليّة فلم ينفكّ عنه إلّا نادرا، واغتبط كل منهما بالآخر وسافر معه لمكة والمدينة، وبيت المقدس والخليل، والمحلة وغيرها» رحلاته: رحل إلى مكة، وتكررت رحلاته إليها، وزيارته لها» وجاور بالمدينة، وتكسّب بالنساخة فيها» كما زار بيت المقدس والخليل كما ذكرنا سابقا. مصنفاته: ذكر السخاويّ أنه اختصر تفسير البيضاوي مع زيادات فأحسن وكتب على المنهاج إلى الزكاة». (¬1) وقد نصّ صاحب هدية العارفين (¬2) على أن له: مختصر أنوار التنزيل «للبيضاوي مع زيادات». أخلاقه وصفاته وتديّنه: قال عنه السّخاويّ: «كان فاضلا جيّد الفهم والإدراك، بديع التّصوّر، صحيح العقيدة، تام العقل، خبيرا بالأمور، زائد الورع، والزهد، والقناعة، متين التحرّي والعفّة، شريف النفس، حسن العشرة، نيّر الهيئة، علىّ الهمّة، كثير التفضل على أحبابه، والتودّد إليهم، والسعي فيما يمكنه من مصالحهم، ووصول البرّ إليهم، بحيث جرت على يديه لأهل الحرمين وغيرهما صدقات جمّة، كثير الصوم ¬

_ (¬1) الضوء اللامع: 9/ 162. (¬2) هدية العارفين: عمود: 212.

وفاته:

والتهجّد، والاشتغال بوظائف العبادة ... ولم يزل منذ عرفناه في ازدياد من الخير إلى أن مات» (¬1) وفاته: يذكر السخاويّ أنه لحق بربه قبيل ظهر يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وثمانمائة بالقاهرة، وصلى عليه في مشهد حافل جدا، ثم دفن بجوار أبيه بتربة سعيد السعداء وكثر الثناء عليه، والتأسف على فقده» (¬2) ويذكر إسماعيل باشا البغدادي في كتابه: «هدية العارفين» أنه توفي بالمدينة المنوّرة سنة 887» (¬3) وفي رأيي أن السخاويّ كان معاصرا لابن العماد، فروايته أقوى وآكد. ومن خير ما ألف ابن العماد كتاب: «كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر، وهذا ما سنتناوله في الفصل الآتي: ¬

_ (¬1) انظر الضوء اللامع: 9/ 162. (¬2) السابق: 163. (¬3) هدية العارفين: 2/ عمود/ 212.

ب - كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر

ب- كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر 1 - حقق هذا الكتاب الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد، ونشر لأول مرّة بمؤسسة شباب الجامعة بالأسكندرية. 2 - هدف ابن العماد من تأليف الكتاب: في ضوء مقدمته نستطيع أن نلمس الدوافع التي حملته على هذا التأليف. أولا: الاشتغال بالقرآن، وبركة من اشتغل به قال في المقدّمة: «إن أفضل العلوم وأجلّها وأعظمها، وأنفسها كتاب الله العظيم الذي جعله الله تبيانا لكل شىء حوى. به تهدى القلوب، ونكشف الكروب، وتغفر الذنوب، ومن عمل به وتدبّر معناه نال القرب والرضا من مولاه ... فالسعيد من عمل به، وتدبّر معانيه» ثانيا: بيان ما في الآيات الكريمة لمعرفة ما فيها من الوجوه والأشباه قال: «وقد استخرت الله تعالى في تأليف كتاب أجمع فيه ما جاء من آيات. وما فيه من الوجوه والأشباه» ثالثا: الاعتماد على كتب التفاسير، وكتب اللغة لفهم ما غمض من المعاني، وكشف الأسرار عنها، قال: «أجمعه من كتب التفاسير واللغة وغيرها، وسميّيته: كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر» (¬1) ¬

_ (¬1) انظر هذه الأهداف في مقدمته: 24، 25.

منهجه:

منهجه: 1 - على الرغم من ابن العماد يعتبر من المتأخرين بالنسبة للعلماء السابقين الذين ألفوا في هذا الموضوع فإنه لم يخرج عن الطريق الذي سلكوه، والمنهج الذي طرقوه، فقد سار على خطاهم، وتتبع آثارهم من غير أن يجدّد في المنهج، أو يبتكر في العرض. 2 - غير أنه في كتابه يميل إلى حشوه بكثير من القصص والأخبار التي تعتبر استطرادا لا يدعو إليه البحث، ويبدو أن الرجل كان صالحا تقيا داعية واعظا خطيبا، فتسرب إلى كتابه الكثير من ميوله الدينية التي ينتهز لها الفرص لعرضها بمناسبة أو بدون مناسبة. مثال ذلك حديثه عن «الشرك» فالشرك بين معناه كما بيّنه من سبقه، وأنه على ثلاثة أوجه، ومن هذه الأوجه «الرياء» وعند تناوله للرياء أفاض واستطرد، وزاد وأكثر، ولعل الذي حدا به إلى ذلك أن هذه الصفة ابتلى بها أبناء عصره، فانتهز فرصة الحديث عنه لكي يبين عواره، ويظهر خطره، ويبغض الناس فيه، ولا أدل على ذلك من قوله: «وجه يكون بمعنى: الشرك في الأعمال: الرياء كقوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (¬1) من خلقه، لا يريد بذلك غير الله، وفي ذلك أمر بتصفية الأعمال من الكدران كالرياء، فإن في الصحيح: ¬

_ (¬1) الكهف: 110.

«يقول الله تعالى يوم القيامة: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملا ليشرك فيه معي غيري تركته وشركه). وبعد عرض آيات أخرى ساقها لتبين أن العبادة لله وحده والعمل له وحده، عرض للآفة التي انتشرت في زمنه بين أبناء وطنه، فقال: «وكثير من الناس في هذا الزمان من يقول: فعلت في ليلتي هذه أن صليت مائة ركعة، وسبّحت ألف تسبيحة وقرأت ختمة، وقطعت من الأعمال الصالحة كذا، يريد بذلك أن تعتقده الناس، ويجعل نفسه صالحا، ويجب أن يقبّل الناس يده، ويقوم إليه الناس، وهذا حرام بالكتاب والسّنة» وظل ابن العماد يسرد أقولا من السّنة، وأخبارا من أقوال العلماء في الرياء استغرق ثماني صفحات من كتابه: حول الرّياء. 3 - ومع أنه كثير الاستطراد فيما يتعلق بالمعنى الذي له صلة بمعالجة (¬1) النفس، فإن الكلمات التي تناولها قليلة بالنسبة للكلمات التي تناولها العلماء السابقون من قبل، فقد بلغت الكلمات القرآنية التي تناولها بالتفسير 111 كلمة. 4 - لا يتعرض لتوضيح المعاني في ضوء اللغة والمعاجم كما فعل ذلك ابن الجوزيّ صاحب «نزهة الأعين النواظر». وفي القليل النادر نجد أنه يتعرض لبعض الكلمات من الناحية اللغوية وسرعان ما يحوّل تفسيرها إلى تفسير وعظيّ صوفيّ، ففي كلمة: «الطهور» مثلا يبين أنه على عشرة أوجه. ثم يختم تفسيره لمعنى ¬

_ (¬1) انظر: كشف السرائر من: 35 - 46.

الطهور بقوله: «واعلم أن: «طهور» على وزن فعول: والطهارة على ثلاثة أقسام: لغوية، وشرعية، ومعنوية. ثم تناول الطهارة في الصّلاة وما يتعلق بها من وضوء وطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، فإذا فرغ من ذلك كله بدأ يعرض لنا نصوصا من كتاب: «اللطائف» للشيخ أبي محمد النيسابوري ليوضح لنا أن الطهارة على عشرة أقسام: 1 - طهارة الفؤاد، وهي صرفه عمّا دون الله تعالى. 2 - طهارة السّرّ: وهي رؤية المشاهدة. 3 - طهارة الصدر: وهي الرّضا بالقضاء. 4 - طهارة الروح، وهي الحياء والهيبة. 5 - طهارة البطن، وهي أكل الحلال، والعفة عن أكل الحرام، وهي ترك الشهوات. 6 - طهارة اليدين: وهي الورع والاجتهاد. 7 - طهارة المعصية: وهي الحسرة والندامة. 8 - طهارة اللسان: وهي الذكر والاستغفار. الخ. ثم ختم عظاته بأن طلب من عبد الله أن يعتبر ويتعظ. فقال: «فاعتبر يا عبد الله بقصة برصصا العابد، كونه عبد الله خمسمائة عام، ومع ذلك ختم له بالشقاوة، وأيضا بقصة «بلعام»، وأيضا بعبادة التعيس التكيس كيف عبد الله ثمانين ألف عام، وكان من خزّان الجنّة، وأكثر الملائكة عبادة ومع ذلك شقى لغيره، وأبليس، وطرد، وغيرت صورته، وأيس من رحمة الله» (¬1) ¬

_ (¬1) انظر كشف السرائر: 131 - 135.

وأنحى ابن العماد في هذا الموقف باللائمة على الناس في زمانه فقد ولعوا «بحب الرياسة، ومجالسة الأمراء، والسلاطين، ويكونون عندهم كالخدم، يفعلون ما يؤمرون به، ويأكلون على موائدهم .. ونختم الحديث عن منهج ابن العماد بأنه تناول بعض الكلمات القرآنية ذات الوجوه والنظائر، ولكنه خلط منهجه بكثير من القصص، وألوان من الأخبار، ومجموعة من الأحاديث من أجل أن ينير الطريق أمام السائرين في الظلمات، فطابعه الوعظى الإرشادي طغى على منهجه في تفسير الوجوه والنظائر. وفي الوقت نفسه لم يأت بجديد زيادة على الذين سبقوه في هذا المضمار اللهم إلّا التوجيه والوعظ، والإرشاد، والدعوة إلى الله.

نماذج من كشف السرائر

نماذج من كشف السّرائر أولا: في مجال الأسماء المرض تفسير المرض على أربعة وجوه: أحدها: يكون بمعنى الشّكّ، قال الله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً (¬1) أي شكا، ومثله في براءة: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (¬2) يعني شك، ومثله: رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (¬3) ونحوه كثير. ثانيها: يكون بمعنى الفجور، كقوله تعالى: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (¬4) يعني فجورا، ونظيرها: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ (¬5) يعني فجورا، ليس في القرآن غيرهما. ثالثها: يكون بمعنى: الجراحة، قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ (¬6) يعني إن كنتم جرحى، نظيرها في المائدة (¬7) ليس في القرآن غيرهما. ¬

_ (¬1) البقرة: 10. (¬2) التوبة: 125. (¬3) محمّد: 20. (¬4) الأحزاب: 32. (¬5) الأحزاب: 60. (¬6) النساء: 43. (¬7) المائدة: 6.

رابعها: يكون لعينة، يعني جميع الأوجاع، قال الله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً (¬1) من جميع الأوجاع. ومثل ذلك في «براءة»: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى (¬2) من كان به شىء من مرض، ولقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ إلى قوله: وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ (¬3) مثلها في «النور» (¬4) ليس في القرآن غير هذه المواضع. (¬5) ¬

_ (¬1) البقرة: 184. (¬2) التوبة: 91. (¬3) الفتح: 17. (¬4) النّور: 61. (¬5) كشف السرائر: 49، 50.

ثانيا: في مجال الأفعال تولى

ثانيا: في مجال الأفعال تولّى تفسير «تولّى» على أربعة أوجه: أحدها: يكون بمعنى انصرف، قال الله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ (¬1) أي انصرف، وكذلك قوله: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ (¬2) أي انصرف، وكذلك قوله: قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا (¬3) أي انصرفوا. ثانيها: يكون بمعنى أبي، قال الله تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا (¬4) يعني أبوا. ثالثها: يكون بمعنى الإعراض، قال الله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ (¬5) يعني فإن أعرضتم عن طاعتهما، وكذلك قوله: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ، (¬6) وكذلك قوله: وَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي أعرض عنهم: فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ، (¬7) ¬

_ (¬1) القصص: 24. (¬2) النمل: 28. (¬3) التوبة: 92. (¬4) المائدة: 49. (¬5) التغابن: 12. (¬6) النساء: 80. (¬7) الذاريات: 54.

وكذلك قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ، يعني أعرضتم عن الإيمان فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ. (¬1) رابعها: يكون بمعنى الهزيمة، قال الله تعالى: فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ يعني فلا تنهزموا وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (¬2) يعني يوم بدر. (¬3) ¬

_ (¬1) يونس: 72. (¬2) الأنفال: 15، 16. (¬3) انظر كشف السرائر: 216، 217.

ثالثا: في مجال الظروف حين

ثالثا: في مجال الظروف حين تفسير حين على أربعة أوجه: أحدها: يكون بمعنى منتهى، قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (¬1) أي منتهى أجالكم، وكذلك الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (1) أي منتهى آجالكم، وكذلك قوله: وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (¬2) وكذلك قوله: وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (¬3) ثانيها: يكون بمعنى ستة أشهر، قال الله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ (¬4) أي كل ستة أشهر. ثالثها: يكون بمعنى السّاعات، قال الله تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ الآية يعني صلوا ساعة تغرب الشمس وَحِينَ تُصْبِحُونَ (¬5) يعني ساعة تصبحون. ¬

_ (¬1) البقرة: 36. (¬2) يونس: 98. (¬3) النحل: 80. (¬4) إبراهيم: 25. (¬5) الرّوم: 17.

رابعها: يكون بمعنى الزمان، قال الله تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (¬1) يعني بعد زمان، وكذلك قوله: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (¬2) يعني زمان من الدهر. (¬3) ¬

_ (¬1) ص: 88. (¬2) الإنسان: 1. (¬3) كشف السّرائر: 297.

رابعا: في مجال الحروف هل

رابعا: في مجال الحروف هل تفسير «هل» على خمسة وجوه: أحدها: يكون بمعنى ما، قال الله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ (¬1) يعني ما ينظرون، نظيرها في النحل (¬2) وكذلك: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً (¬3) يعني ما ينظرون، وكذلك قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ. (¬4) ثانيها: يكون بمعنى قد، قال الله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ (¬5) يعني قد أتى، وكذلك هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (¬6) وكذلك وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (¬7) يعني قد اتاك. ثالثها: يكون بمعنى ألا، قال الله تعالى: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ (¬8) يعني: ألا أدلك، وكذلك: هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ (¬9) يعني ألا أنبئكم، وكذلك قوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (¬10) يعني: ألا أنبئكم. ¬

_ (¬1) الأنعام: 158. (¬2) النحل: 33. (¬3) الزخرف: 66. (¬4) الأعراف: 53. (¬5) الإنسان: 1 (¬6) الغاشية: 1. (¬7) طه: 9. (¬8) طه: 120. (¬9) سبأ: 7. (¬10) الصف: 10.

رابعها: يكون بمعنى الاستفهام، قال الله تعالى: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ (¬1) استفهام وكذلك قوله: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ (¬2) نظير ذلك كثير. خامسها: يكون بمعنى ليس، قال الله تعالى: وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، (¬3) يعني قد امتلأت أي فليس مزيد. (¬4) ¬

_ (¬1) الروم: 28. (¬2) الروم: 40. (¬3) ق: 30. (¬4) انظر كشف السرائر: 204، 205.

الكليات

الكليات من دراستنا لمؤلفات المشترك اللفظيّ في الحقل القرآني عرفنا أن بعض الكلمات القرآنية احتملت معنيين أو أكثر، وبعض الكلمات زادت معانيها وكثرت حتى وصل بعضها إلى سبعة عشر معنى مثل كلمة: «الهدى» ومقياس المشترك اللفظي ينطبق عليها تمام الانطباق، وقد بين السيوطي أن هذه الظاهرة القرآنية من أعظم إعجاز القرآن الكريم حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجها، وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر (¬1) ولا شك أن هذه الكلمة الواحدة تحمل معناها اللغويّ أولا، ثم تخرج عنه إلي معاني أخرى حسب ما يقتضيه السياق أو تمليه المواقف ثانيا. بيد أن هناك لونا آخر من ألوان المشترك اللفظيّ لم تتناوله مؤلفات المشترك اللفظي القرآني، لأنها اقتصرت فقط على الكلمات التي تحتمل معنيين أو أكثر زيادة على المعنى الأصليّ لها. هذا اللون الآخر هو ما نسمّيه بالكليات، وهو أن الكلمة تحمل معناها، ولا تفارقه في كل المواضع إلّا في موضع واحد، ولهذا فإنني اعتبرت هذه الكليات من قبيل المشترك اللفظيّ، لأن الكلمة تحمل معنيين: معنى أصليا، ومعنى فرعيا فهي إذا لم تخرج عن دائرة المشترك اللفظيّ، غير أنها تختلف عن الألفاظ الأخرى للمشترك اللفظيّ الذي ضمته المؤلفات السابقة، إذ أنّها اهتمت فقط بالكلمة التي تحمل معنيين فأكثر غير المعنى الأصليّ. ¬

_ (¬1) معترك الأقران: 1/ 514.

وفي ضوء هذا نستطيع أن نقول: إن الكليات هي: كلمات قرآنية مهما تكرّرت فإنها تحمل معانيها اللغوية التي تدلّ عليها إلا معنى واحدا فإنها تخرج فيه عن معناها الأصليّ إلى معنى خاص. وقد أسهم ابن فارس في تأليف مصنّف جمع فيه هذه الألفاظ ولم ينسبها إلى أصحابها، وأغلب الظن أنها للتابعين لاعتنائهم بمثل هذه الكلمات، وسمّاه: كتاب «الإفراد» ومعنى هذه التسمية في رأيي: أن هذه الكلمات أفردت بمعاني خاصة في مواضع خاصة خرجت فيها عن معناها الأصلي إلى معنى فرديّ. ومن هذه الألفاظ التي وردت في الكتاب ما يلي: - كل ما فيه من ذكر البروج فهي الكواكب إلا: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (¬1) فهي القصور الطوال الحصينة. - كل ما في القرآن من ذكر الأسف فمعناه: الحزن إلّا: فَلَمَّا آسَفُونا (¬2) فمعناه: أغضبونا. - كل ما في القرآن من ذكر البرّ والبحر فالمراد بالبحر: الماء، والبر: التراب اليابس إلّا قوله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (¬3) فالمراد به: البريّة والعمران. ¬

_ (¬1) النساء: 78. (¬2) الزخرف: 55. (¬3) الروم: 41.

- وكل ما فيه من «بخس»، فهو النّقص إلّا: بِثَمَنٍ بَخْسٍ (¬1) أي حرام. - وكل ما فيه من البعل فهو الزّوج إلّا: أَتَدْعُونَ بَعْلًا (¬2) فهو الصنم. - كل ما فيه من حسبان «فمن العدد إلّا: حُسْباناً مِنَ السَّماءِ (¬3) في الكهف فهو العذاب. - كل ما فيه من «حسرة» فالندامة إلّا: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ (¬4) فمعناه الحزن. - كل ما فيه من «الدّحض» فالباطل إلّا: فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (¬5) فمعناه من المغلوبين. - كل ما فيه من رجز فالعذاب إلّا: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (¬6)، فالمراد به الصّنم. - كل ما فيه من ريب فالشك إلّا: رَيْبَ الْمَنُونِ (¬7) يعني حوادث الدهر. - كل ما فيه من «الرّجم» فالقتل إلّا لَرَجَمْناكَ: (¬8) لشتمناك، ورَجْماً بِالْغَيْبِ (¬9) أي ظنّا. ¬

_ (¬1) يوسف: 20. (¬2) الصافات: 125. (¬3) الكهف: 40. (¬4) آل عمران: 156. (¬5) الصافات: 141. (¬6) المدثر: 5. (¬7) الطور: 30. (¬8) هود: 91. (¬9) الكهف: 22.

- كل ما فيه من الزور فالكذب مع الشرك إلّا: مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً (¬1) فإنه كذب غير شرك. - كل ما فيه من «الزيغ» فالميل إلّا وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ (¬2) أي شخصت. - كل ما فيه من «زكاة» فالمال إلّا: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً (¬3) أي طهرة. - كل ما فيه من سخر فالاستهزاء إلّا: سُخْرِيًّا (¬4) في الزخرف فهو من التسخير والاستخدام. - كل سعير فيه فهو النّار والوقود إلّا: فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (¬5) فهو العناء- كل «سكينة» فيه طمأنينة إلّا في قصة لوط فهو شىء كرأس الهرة (¬6) له جناحان. - كل ما فيه من «أصحاب النار» فأهلها إلّا: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً (¬7) فالمراد خزنتها. - كل صلاة فيه عبادة ورحمة إلّا: وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ، (¬8) فهي الأماكن. - كل قنوت فيه طاعة إلّا: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (¬9) فمعناه مقرّون. ¬

_ (¬1) المجادلة: 2. (¬2) الأحزاب: 10. (¬3) مريم: 13. (¬4) الزخرف: 32. (¬5) القمر: 47. (¬6) وهي المذكورة في قوله تعالى: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: 248 (¬7) المدثر: 31. (¬8) الحج: 40 (¬9) البقرة: 116، الرّوم: 26.

- كل «كنز» فيه مال إلّا الّذي في سورة الكهف (¬1) فهو صحيفة علم. - كل نكاح فيه تزوّج إلّا: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ (¬2) فهو الحلم. - كل نبأ فيه خبر إلّا: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ (¬3) فهي الحجج. - كل ما فيه من: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً (¬4) فالمراد منه العمل إلّا التي في الطلاق فالمراد منها: النفقة. - كل «إياس» فيه قنوط إلّا الذي في الرّعد (¬5) فمن العلم. (¬6) هذه النماذج المتعدّدة التي سقناها في ضوء دراستنا للمشترك اللفظيّ في القرآن الكريم نلمس فيها أنّ هذه التفسيرات مقيّدة بالرواية والأثر، والقليل من التفسيرات اجتهد فيه التّابعون وفق ما تقتضيه اللّغة، وما تشير إليه روح النّصوص التي لا تبتعد عن دائرة العقيدة والشرع. ولم يلجأ من التابعين أحد إلى التأويل إلا مجاهد الذي نسبت إليه آراء خاصة. ولما انقضى عصر التابعين كثرت المذاهب، وتعدّدت النّحل، وقل العلم بالقرآن، وحمّل من جاء بعدهم ألفاظ القرآن الكريم ما لا تحتمل، واستبدت الآراء بفكر أصحابها ممّا أدّى إلى الانحراف عن نهج السلف، واتباع الخلف، وجهل الناس ما يجب عليهم اتباعه واتبعوا ما تمليه عليهم أهواؤهم. ولولا عصبة من أولى العلم بالقرآن والمعرفة بالإسلام قاموا ¬

_ (¬1) وهي في قوله تعالى: وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما الكهف: 82. (¬2) النساء: 6. (¬3) القصص: 66. (¬4) وهي قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها آية: 7. (¬5) وهي: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا آية 31. (¬6) انظر في هذه الأقوال: معترك الأقران: 3/ 562 - 566.

ليكافحوا عن لغة القرآن، ويدافعوا عن نصوصه ضد الآراء الفاسدة، والأفكار المنحرفة لعم الجهل بكتاب الله وكثر الفساد في مجال تفسيره وتأويله. ونترك ابن الأثير ليعطينا رأيه حول هذه الفرق التي تسبح في بحار القرآن من دون أن تعد للأمر عدّته، فأوشكت على الغرق، وأشرقت على الهلاك يقول رحمة الله: بعد أن تحدّث عن عصر الصحابة: «جاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم، لكنهم قلوا في الإتقان عددا، واقتفوا هديهم، وإن كانوا مدّوا في البيان يدا، فما انقضى زمانهم على إحسانهم إلّا واللسان العربيّ قد استحال أعجميا أو كاد، فلا ترى المستقل به، والمحافظ عليه إلا الآحاد. هذا، والعصر ذلك العصر القديم، والعهد ذلك العهد الكريم، فجهل الناس من هذا المهمّ ما كان يلزمهم معرفته، وأخروا منه ما كان يجب عليهم تقدمته، واتخذوه وراءهم ظهريا، فصار نسيا منسيا، والمشتغل به عندهم بعيدا قصيا. [فلما أعضل الداء، وعز الدواء ألهم الله عز وجل جماعة من أولى المعارف والنّهى، وذوي البصائر والحجى أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم، وجانبا من رعايتهم فشرعوا فيه للناس مواردا، ومهّدوا فيه لهم معاهدا، حراسة لهذا العلم الشريف من الضياع، وحفاظا لهذا المهم العزيز من الاختلال.] (¬1) ******* انتهي والله الموفق ¬

_ (¬1) مقدمة النهاية: 5.

تم بحمد الله في مساء يوم الجمعة: 8 من ذي القعدة سنة 1910 هـ الموافق أول يونيو 1990 م بمدينة الكويت

§1/1