المسلم وحقوق الآخرين

أبو فيصل البدراني

المقدمة

"بسم الله الرحمن الرحيم" الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , أما بعد: فهذه رسالة تُلقي الضوء حول حقوق الآخرين وموقف المسلم منها كحسن الخلق وبر الوالدين وصلة الأرحام والجيران وحقوق الزوجية والأولاد , وقد جمعت فيها مسائل مهمة متفرقة عن هذا الموضوع , وهي مقرونة بالأدلة الشرعية إلا أن بعض المسائل في هذه الرسالة مُجرَدة عن الأدلة بُغية الاختصار والاختزال

الحقوق العامة

(الحقوق العامة) • حسن الخلق: تعريف الخُلُق عموماً: الخلُق هو الطبع والسجيَة، والخُلُق هو حال النفس , بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، والخلُق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعاً، وفي بعضهم لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد. تعريف سوء الخلق: سوء الخلق هو بذل القبيح وكف الجميل. ولسوء الخلق مظاهر عديدة وصور شتى، تنم عنه، وتدل عليه. مظاهر سوء الخلق: الغلظة والفظاظة , وعبوس الوجه , وتقطيب الجبين , وسرعة الغضب، والمبالغة في اللوم والتوبيخ , والكبر وهو رد الحق واحتقار الناس, والسخرية بالآخرين , والتنابز بالألقاب , والغيبة , والنميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد وسماع كلام الناس بعضهم ببعض وقبول ذلك دون تمحيص وتثبيت , والتجسس والتحسس وينبغي للمسلم الاكتفاء بالظاهر ويكل أمر الباطن للعليم الخبير , ومقابلة الناس بوجهين , وإساءة الظن , وإفشاء الأسرار , والمؤاخذة بالزلة خاصة إذا كانت يسيرة أو كانت صادرة من شخص له فضل , وعدم قبول الأعذار إذ على المسلم ذو الخلق الحسن قبول العذر ولو كان المعتذر كاذباً , والتهاجر والتدابر , والحسد هو تمني زوال نعمة المحسود , والحقد وهو القلب الأسود الذي لا يعفو ولا يصفح ولا ينسى الإساءة ويغل ويغيظ , ومجاراة السفهاء , وقلة الحياء , والبخل وهو أبواب كثيرة ومنها ما يكون بالمال والجاه والعلم وغيره , والمنة في العطية ونحوها , وإخلاف الوعد والكذب , وكثرة المزاح والإسفاف فيه , والفخر بالنسب , وقلة المراعاة لأدب المحادثة وقلة المراعاة لأدب المجالس , وسوء التعامل مع الوالدين , وسوء العشرة مع الزوجين , وسوء الخلق من بعض الزوجات , وسوء معاملة الخدم والعمال , وسوء الأدب من بعض الخدم والعمال , والتقصير في حقوق الجيران وسوء الأدب مع الجيران وغير ذلك. وهنا ثلاث تنبيهات على ما تقدم أما التنبيه الأول وهو أنه لا يدخل في سوء الظن المذموم الظن بمن أورد نفسه موارد الريب , ولا يدخل فيه أيضاً من أساء الظن بعدوه الذي يخاف منه ولا يأمن مكره بل يلزمه سوء الظن به وهو من تمام الاحتراز وليس من الحزم والكياسة أن يُحسن المرء ظنه بكل أحد ويثق به ثقة مطلقة. أما التنبيه الثاني فهو أن المنة في العطية مذمومة بإطلاق إلا في حالتين فيستحب فيهما تعداد الأيادي والإحسان وهما المعاتبة والاعتذار وفي غيرهما هو في غاية القبح , وكما قيل لا يكون المعروف معروفاً إلا بالتعجيل والتصغير والستر. وأما التنبيه الثالث والأخير أن المذكور أعلاه عن مظاهر سوء الخلق لا يعني أنها على إطلاقها بل هناك استثناءات لبعضها ولولا خشية الإطالة لبسطنا الموضوع وذكرنا هذه الاستثناءات. أسباب سوء الخلق:

طبيعة الإنسان، وسوء التربية المنزلية، والبيئة والمجتمع، والظلم، والشهوة، والغضب، والجهل، والولاية أو العزل وصاحب المروءة لا تطيش به الولاية في زهو ولا ينزل به العزل في حسرة , ومن أسباب سوء الخلق الغنى، والشهرة وبُعد الصيت، وكثرة الهموم، والأمراض، وكبر السن، وضيق العطن والغفلة عن عيوب النفس، واليأس من إصلاح النفس، ودنو الهمة، والتقصير في أداء الحقوق، وقلة التناصح والتواصي بحسن الخلق، والتكبر من قبول النصيحة الهادفة والنقد البناء، وقلة التفكير في أمور الآخرة، ومصاحبة الأشرار، وقلة الحياء، والطمع والجشع، وجماع ذلك كله ضعف الإيمان. كيفية علاج سوء الخلُق: سوء الخلق كغيره من الأدواء، فله أسباب تجلبه، وبواعث تحركه، وعلاج سوء الخلق يكمن في قطع أسبابه ومعرفة ضده وهو حسن الخلق، ومعرفة فضائله، وأساب اكتسابه. حسن الخُلُق تعريفه وجماعه وأركانه: أما تعريف حسن الخُلُق فهو بذل الندى, وكف الأذى، واحتمال الأذى. أما جماعه فجماع الخُلُق الحسن أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيادة له وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض , وجماعه أيضاً العفو والصفح عن المسيئين واحتمال الجنايات والعفو عن الزلات ومقابلة السيئات بالحسنات , وأن يكون المسلم سهل العريكة لين الجانب طليق الوجه قليل النفور طيب الكلمة , وبعض هذا واجب وبعضه مستحب, وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتألف أهل الشرف بالبر لهم، ويصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، وما كان يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح , ويُحسَن الحسَن ويصوَبه، ويُقبَح القبيح، والذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق، ويُعرض عمن تكلم من غير جميل. أما أركانه فحسن الخلق يقوم على أربعة أركان أولاها الصبر, وثانيها العفة, وثالثها الشجاعة, ورابعها العدل. أدلة مشروعية حسن الخلُق: أدلة مشروعية حسن الخلُق كثيرة ومنها ما يلي: قال الله تعالى «وإنك لعلى خلق عظيم». وقال تعالى «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس» , وعن أنس رضي الله عنه قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً " متفق عليه. وعنه قال "ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت رائحة قط أطيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي قط أف ولا قال لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله ألا فعلت كذا " متفق عليه. وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول (إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً) " متفق عليه. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذي) رواه الترمذي , وقال حديث

مشروعية حسن الخلق مع الناس جميعهم

حسن صحيح , والبذي هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال (تقوى الله وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال (الفم والفرج) رواه الترمذي , وقال حديث حسن صحيح. وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي , وقال حديث حسن صحيح. وعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) رواه أبو داود. وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح , والزعيم هو الضامن. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون قال المتكبرون) رواه الترمذي , وقال حديث حسن, والثرثار هو كثير الكلام تكلفاً والمتشدق المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بملء فيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه ويغرب به تكبراً وارتفاعاً وإظهاراً للفضيلة على غيره. مشروعية حسن الخلق مع الناس جميعهم: اعلم أخي القارىء الكريم أن على المسلم تجاه الآخرين حق حسن التعامل والخُلُق معهم جميعاً مؤمنهم وكافرهم ولا يُستثنى من ذلك الحق إلا الكافر المحارب والعاصي المجاهر حال مجاهرته بذات المنكر لا بأثره أو ما كان لمصلحة راجحة كهجر المسلم العاصي لعله يتوب وهذا مع رجاء توبته وإلا فلا , والذي يدل على ما قررناه قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية (أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يظاهروا أي يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم (أن تبروهم) أي تحسنوا إليهم (وتقسطوا إليهم) أي تعدلوا (إن الله يحب المقسطين) انتهى). وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت قدمت علي أمي وهى راغبة أفأصل أمي قال " نعم صلي أمك " متفق عليه , وقال شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله في ختام تفسير هذه الآية (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله: (الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصصْ به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهيّ عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكُراع أو

سلاح. قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها انتهى). ويقول الله سبحانه (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) وهذا عام , بل قيل أن للمحارب حظاً من الإحسان الذي لا يؤدي إلى تعظيم شعائر الكفر أو الإعانة على الباطل أو يدل على مودتهم كما قال تعالى في وصفه للأبرار (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا) , ومن المعلوم أنه لم يكن وقت نزول الآية أسيراً إلا الكافر المحارب. قال ابن الوزير اليماني رحمه الله في كتابه إيثار الحق على الخلق " وأما المخالفة والمنافعة وبذل المعروف وكظم الغيظ وحسن الخلق واكرام الضيف ونحو ذلك فيستحب بذله لجميع الخلق إلا ما كان يقتضي مفسدة كالذلة فلا يبذل للعدو في حال الحرب كما أشارت إليه الآية: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" كما يأتي انتهى". وعلى هذا فالواجب على المسلم أن يُخالق الناس بخلق حسن، حيثما كان في بلاد المسلمين أو خارج بلاد المسلمين، فقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، وإن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم كما دل عليه الحديث، وأول بركات حسن الخلق أنه يفتح لصاحبه مغاليق القلوب، ويؤلف عليه النفوس فتُصغي إليه وتقدر منهجه ودعوته، ويكون ذلك طريقاً قاصداً لقبولها للإسلام أو لحسن الظن به وعدم معاداته على الأقل، وقد أمرنا الله عز وجل بالبر والقسط بالمسالمين لنا من غير المسلمين كما ذكرنا. وقد أوصانا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالجار ولو كان من غير المسلمين، فقال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) والجار الجنب في بعض أوجه تفسيرها هو الجار غير المسلم، وكلنا يعلم قصة اليهودي الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وكان يرفق به ويحسن إليه ولا يُقابل إساءته بمثلها وكان ذلك سبباً في إسلامه، وقيل أن الصاحب بالجنب هو الذي يلصق بك رجاء خيرك , وقيل الرفيق. واعلم أخي القارىء أنه لامانع من إكرام الضيف الكافر لكن مع عدم إتحافه بالطُرف واللُطف والانبساط إليه كما تنبسط مع إخوانك المسلمين المتقين. وعلى كل حال فالذي نوصي به هو حُسن الخلق، فهؤلاء الغير مسلمين لهم حق الجوار وحق الدعوة، فحق الجوار يقتضي الإحسان إليهم، وحق الدعوة يقتضي الصبر عليهم ومداراتهم وتألف قلوبهم بالإحسان إليهم والتجاوز عن هفواتهم، ولا تعارض بين هذا الذي نقول وبين الولاء الذي جعله الله وقفاً على أهل الإسلام وحدهم، فإن الموالاة المحرمة شيء وحسن الخلق الواجب والمأمور به شيء آخر،، وأما إن قُصد بحسن الخلق ما هو أبعد من ذلك كاتخاذ الكفار بطانة من دون المؤمنين، وخاصة خلطاء يُفضي إليهم المرء بمكنون نفسه ويتابعهم ويقرهم على ما هم عليه ويعينهم على مذاهبهم الباطلة ويسكن إليهم في مشورته وتدبير أموره دون بقية المسلمين فهذا الذي حرمه الله ورسوله , علماً بأن الولاء يعني المحبة الدينية والنصرة على الدين وعلى هذا فلا يلزم من حسن الخلق والمعاملة الولاء , وينبغي التفريق بين البغض في الله وكراهة المنكر وبين أداء الحقوق والواجبات وحسن الخلق , وقد يُعامل المؤمن جميع الناس بالصفح والعفو اللائق بمقامه وشرفه كما قال تعالى (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ

ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) , فقد قال ابن جرير في تفسير هذه الآية (القول في تأويل قوله عز وجل: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام، فتمنعهم صدقة التطوع، ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له، فلا تمنعهم الصدقة انتهى). من فضائل حسن الخلق: الامتثال لأمر الله، وطاعة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو عبادة عظيمة، ورفعة للدرجات، وأعظم ما يُدخل الجنة، ويورث كسب القلوب، وتيسير الأمور، ومدعاة للذكر الحسن، والسلامة من شر الخلق لأن صاحب الخُلق الحسن لا يقابل الإساءة بالإساءة وإنما يقابلها بالصفح والعفو والإعراض وربما قابلها بالإحسان، والقرب من مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، ومحبة الله، وأثقل شيء في الميزان يوم القيامة، وزيادة الأعمار وعمارة الديار، والتوصل للحق، وزيادة العلم، وحصول الخيرية، والوفاء بالحقوق الواجبة والمستحبة والإنصاف، وراحة البال وطيب العيش، وحصول الوئام والاتفاق التام في المجتمع، وبه يتمكن المرء من إصلاح ذات البين، ويستر العيوب , وغير ذلك. أسباب حسن الخلق: سلامة العقيدة، والدعاء، والمجاهدة، والمحاسبة ولكن لا يحسن المبالغة لأن ذلك قد يؤدي إلى انقباض النفس وانكماشها، والتفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق، والنظر في عواقب سوء الخلق، والحذر من اليأس من إصلاح النفس، وعلو الهمة، والصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل , وتكلف البشر والطلاقة، والتغاضي والتغافل وما كان في حق النفس فلا خلاف فيه، والحلم، والإعراض عن الجاهلين، والترفع عن السباب إلا أن الاستهانة بالمسيء قد عُد من مستحسن الكبر، ونسيان الأذية، والعفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان، والسخاء، ونسيان المعروف والإحسان إلى الناس , والرضا بالقليل من الناس وترك مُطالبتهم بالمثل وذلك بأن تأخذ العفو من أخلاق الناس فتقبل أعذارهم وتتساهل وتترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم، وقبول النصح الهادف والنقد البناء، وقيام المرء بما يسند إليه من عمل على أتم وجه، والتسليم بالخطأ إذا وقع والحذر من تسويفه، ولزوم الرفق، ولزوم التواضع، واستعمال المداراة والمداراة تتأكد مع من لابد لك من معاشرته أو ممن يُتوقَع منه الأذى وهي في العادات مطلوبة ما لم تكن إثماً , ولزوم الصدق، وتجنب كثرة اللوم والتعنيف على من أساء، وتجنب الوقيعة، ومصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة، والاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات، وأن ينتفع الإنسان بكل من خالطه وصاحبه، وتوطين النفس على الاعتدال, والمحافظة على الصلاة , والصيام , وقراءة القرآن بتدبر وتعقل , وتزكية النفس بالطاعة , ولزوم الحياء , وإفشاء السلام , وإدامة النظر في السيرة النبوية , والنظر في سير الصحابة الكرام , وقراءة سير أهل الفضل والحلم , وقراءة كتب الشمائل والكتب في الأخلاق , والاطلاع على الحكم المأثورة , ومعرفة الأمثال السائرة. وهنا تنبيهان على ما تقدم التنبيه الأول وهو أنه قد يظن ظان أن العفو عن المسيء والإحسان إليه مع القدرة عليه موجب للذلة والمهانة وأنه قد يجر إلى تطاول السفهاء , وهذا خطأ لأن العفو والحلم لا يشبه بالذلة بحال فإن الذلة احتمال الأذى على وجه يذهب الكرامة أما الحلم فهو إغضاء الرجل

تعريف المداراة والمداهنة وحكمهما

عن المكروه حيث يزيده الإغضاء في أعين الناس رفعه ومهابة فالعفو إسقاط حقك جوداً وكرماً وإحساناً مع قدرتك على الانتقام فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزاً وخوفاً ومهانة نفس وهو غير محمود بل لعل المنتقم بالحق أحسن حالاً منه. والتنبيه الثاني عن معنى المداراة , فالمداراة ترجع إلى حسن اللقاء ولين الكلام وتجنب ما يُشعر ببغض أو غضب أو استنكار إلا في أحوال يكون الإشعار به خيراً من كتمانه , فمن المداراة أن يجمعك بالرجل يُضمر لك العداوة في مجلس فتقابله بوجه طلق وتقضيه حق التحية وترفق به في الخطاب وذلك أن حقيقة المداراة كما عرفها أهل العلم: هي التلطف في المعاملة ومحاذرة إثارة سخط الناس بقصد جلب مصلحة شرعية أو دفع مفسدة شرعية وقد تكون المداراة بالقول كلين الكلام وقد تكون بالفعل كالهبة والهدية وسائر ألوان الإحسان وهي مشروعة مستحسنة إذا لم يترتب عليها تفويت مصلحة شرعية وقد تصبح واجبة إذا ترتب على تركها مفسدة من ردة أو فسق أو ظلم مسلم أو نحو ذلك. حكم المجاملة: إن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل لم تجز هذه المجاملة , أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ولا إسقاط حق لأحد فلا حرج في ذلك. تعريف المداراة: هي الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، حيث لا يُظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه أو كان له حق على المسلم كوالديه. وعرَف بعض أهل العلم المداراة بأنها بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا , وأصلها المدارأة من الدرء وهو الدفع, ومن ذلك اتقاء الفسقة والظلمة ببعض الكلمات الحقة، وبالتبسم في وجوههم، من غير إقرار لهم أو معاونة، فإن ذلك من المداهنة المحرمة. وقيل هي: ملاينة الناس ومعاشرتهم بالحسنى من غير ثلم في الدين، في أي جهة من الجهات، والإغضاء عن مخالفاتهم في بعض الأحيان, والمدارة هي درء الشر المُفسد بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عنه إذا خيف أشد منه أو مقدار ما يساويه ولكن ليُعلم أن المداراة وردت في الإقبال وفي الكشر والتبسم، فأما الثناء -أي على الفاسق- بما ليس فيه فهو كذب صراح، ولا يجوز إلا لضرورة أو إكراه يُباح الكذب بمثله، بل لا يجوز الثناء ولا التصديق ولا تحريك الرأس في معرض التقرير، على كل كلام باطل، فإن فعل ذلك فهو مُداهن، بل ينبغي أن يُنكر، فإن لم يقدر فيسكت بلسانه وينكر بقلبه , والله أعلم. تعريف المداهنة: فسر العلماء بأن المداهنة هي معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. وقيل أن المداهنة هي ترك ما يجب لله من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي أو هي المعاشرة والاستئناس مع وجود ذات المنكر لا أثره والقدرة على الإنكار. حكم المداراة وحكم المداهنة: يقول أهل العلم أن الإغضاء يختلف حكمه بحسب الباعث فإذا أغضيت لسلامة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء منه فهذه مداراة محمودة , وإن أغضيت عن فعل محرم وترك واجب

الفوارق بين المداراة والمداهنة

أو أغضيت لحظ نفسك واستجلاب شهواتك وسلامة جاهك فهذه مداهنة محرمة. وعلى هذا فالمداراة مشروعة وهي من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول كما بينا، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء كما ذكرنا بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. الفوارق بين المداراة والمداهنة: 1 - المداراة محمودة والمداهنة مذمومة. 2 - المداراة ترجع إلى حسن اللقاء وطيب الكلام والتودد للناس وتجنب ما يشعر ببغض أو سخط أو ملالة وكل ذلك من غير ثلم للدين في جهة من الجهات. 3 - من المداراة أن يلاقيك ظالم فتطلق له جبينك وتحييه في حفاوة لعلك تحمي جانبك من ظلمه أو اتقاء فحشه. 4 - من المداراة التلطف في الاعتذار. 5 - من المداراة أن تخالط الناس فتسايرهم بالخير وتعاشرهم بالمعروف وتزايلهم بالشر وتفارقهم بالمنكر. 6 - من المداراة مجاراة الناس في عاداتهم وأعرافهم وكل هذا مشروط بألا يكون فيما يأتي ويذر محذور شرعي. 7 - من المدارة أن تسعى لطلب حقك فلا تقدر على ذلك بالغلبة والاستعلاء فتلجأ إلى الترفق وحسن المداراة. 8 - المداراة يُبتغى بها رضى الناس وتأليفهم في حدود ما ينبغي أن يكون فلا يبعدك عنها قضاء بالقسط أو إلقاء النصيحة في رفق. 9 - المداراة ترجع إلى ذكاء الشخص وحكمته , والمداراة في غير الدين أي في العادات هي من باب حسن الخلق. 10 - من المداراة الثناء على الرجل بما فيه إذا قصدت حمله إلى ما هو أرفع أو أن تقصره عما هو فيه من القبيح. 11 - من المداراة أن تُذكَر المرء بسالف مجد آبائه ليحذو حذوهم. 12 - من المداراة أن تُحرَك في الشخص نخوته. 13 - من المداراة السعي في الصلح بين اثنين وتنمية قول الخير بينهما وغض الطرف عما قالاه في بعض من سوء. 14 - من المدارة النصيحة بطريق غير مباشر بحيث لا تواجه المنصوح بما يكره ما أمكن. 15 - من المداراة أن تعرض بالشيء وأنت تريد غيره والتعريض بالنصيحة مطلوب شرعاً أحياناً. 16 - من المدارة استعمال المعاريض وهي ألفاظ ذات وجهين أحدهما غير حقيقي وهو ما يسبق إلى فهم المخاطب وثانيها حقيقة وهو ما يقصده المتكلم ومراد المتكلم باللفظ أن يوري على السامع لموجب شرعي بشرط ألا تفوت حقاً أو تثبت باطلاً. 17 - من المداراة أن يوجه الداعي أو الناصح الإنكار إلى نفسه وهو يعني السامع. 18 - حقيقة المداهنة هي إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل أو عمل مكروه

حقوق المسلم العامة

وهي تضم بين جناحيها الكذب وإخلاف الوعد , ومن المداهنة أن تثني على الرجل في وجهه بما ليس فيه من غير إكراه فإذا انصرفت عنه أطلقت لسانك في ذمه بغير حق, ومن المداهنة أن يدخل الرجل على من يضطره الحال إلى الثناء عليه مع استغنائه عن الدخول عليه ثم يبدأ بالثناء عليه بما ليس فيه واطرائه أما المضطر فهو في سعة أن يطريه بمقدار ما يخلص من بأسه. 19 - من المداهنة معاشرة الفاسق ومخاللته مع الرضى بما هو عليه من المعاصي وعدم الإنكار عليه. 20 - السكوت عن المنكر بموجب شرعي مداراة والسكوت عنه بموجب الهوى مداهنة. 21 - المداراة هي درء الشر المفسد بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عنه إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس، أما المداهنة فهي ترك ما يجب لله من الغيرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغافل عن ذلك لغرض دنيوي وهوى نفساني فالاستئناس والمعاشرة مع وجود ذات المنكر لا أثره دون الإنكار هي المداهنة. 22 - ليست من التقية من يفعل المحرم تودداً إلى الفساق أو حياءً منهم وإن قال خلاف الحقيقة كان كاذباً آثماً وكذا من أثنى على الظالمين أو أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم وحسن طريقتهم لتحصيل المصلحة منهم دون أن يكون عليه خطر منهم لو سكت. 23 - الفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معاً وهي مباحة وربما استحبت , والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا. 24 - من المداراة الإحسان إلى من يكره الإنسان وذلك لا يُعد نفاقاً بشرط أن لا يمدحه ولا يثني عليه بما ليس فيه، ولين الكلام وخفض الجناح وبذل المعروف من مكارم الأخلاق وهو من حسن العشرة لاسيما إذا كان مع من يكره. وعموماً أخي المسلم خالط الناس بأعمالك وزايلهم بالقلوب وليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً حتى يجعل الله له منه فرجاً, وقال بعضهم خالص المؤمن مخالصة، وخالق الفاجر مخالقة، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن في الظاهر. واعلم أخي أن المداري يبذل الدنيا ليصون دينه وعرضه، والمداهن يبذل دينه ليحصل لعاعة من الدنيا، فالمداراة خلق المؤمن والمداهنة خلق المنافق. وقد قال تعالى): ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم {فصلت: 34}. وقال ابن عباس في معنى قوله (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي الفحش والأذى بالسلام والمداراة. كيفية التعامل مع من يُعاديك ويُبغضك: ينبغي التعامل مع من تعرف منه العداوة والبغضاء والحسد بالمجاملة وعدم الخشونة وإن أمكنك الوصول إلى أعلى الدرجات وهي قوله تعالى (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فهو المطلوب. حقوق المسلم العامة: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام) متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس) متفق عليه.

آداب عيادة المريض: عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني) رواه البخاري , والعاني هو الأسير. وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال جناها) رواه مسلم جناها أي واجتني من الثمر. وعن على رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُصبح وكان له خريف في الجنة) رواه الترمذي وقال حديث حسن والخريف هو التمر المخروف أي المجتني. وبعد هذه الأحاديث الواردة في فضل عيادة المريض فإنه ينبغي لعائد المريض أن تكون زيارته على وجه في وقت يرضاه المريض ويأنس به فلا يزوره في وقت يكره زيارته فيه ويُطلب من الزائر أمور: من أهمها قلة السؤال عن حاله، وإظهار الشفقة عليه من ذلك المرض، وقلة الجلوس عنده إلا أن يطلب منه ذلك، والدعاء له، ووضع يده على بعض جسده إلا أن يكون يكره ذلك، وأن يجلس عنده بخشوع من غير نظر في عورة منزله، وأن يبشر بالمثوبات للمريض. أما المريض فإنه ينبغي له المحافظة على طاعة ربه في مرضه فلا يُضيعها بقدر استطاعته وأن يُكثر الرجاء ولا يقنط من عفو ربه ولا يُكثر الشكوى إلا عند صالح تُرجى بركة دعوته , وأن لا ينطق لسانه بالكلام الذي لا ينبغي في حق الباري ويعلم أن الله هو المالك للعباد يفعل فيهم كيف شاء فإن خفف فبمحض فضله وإن شدَد فبعدله , وأن يعتقد أن الشافي هو الله وأن يعلم أن جواز التداوي لا يُنافي التوكل والاعتماد على الله سبحانه , وأما عيادة الكافر المريض فهي لا تُستحب إلا إذا غلب على الظن تحقق مصلحة من ورائها كاستجابة الكافر إلى الدعوة إلى الإسلام والسنة أو تحقق بها أمر مشروع كصلة رحم أو إحسان إلى جار ونحو ذلك، فعن أنس رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري. حكم إجابة الدعوة: الوليمة إن كانت للنكاح فإجابتها واجبة على من دُعي إليها بعينه أما إن كانت عامة ولم يُعيَن أحد فلا يجب عليه -غير المعين- حضورها وإن كان يستحب إجابتها, وإذا كان في الوليمة من يتأذى بهم لم يجب الحضور, وإذا كانت الوليمة لغير النكاح فلا تجب إجابته ولو عُيَن بالدعوة فيها ولكن يُستحب. حكم إجابة الوليمة المشتملة على منكرات: من دُعي إلى وليمة مشتملة على منكر من المنكرات لا يخلو من ثلاث حالات: 1 - أن يعلم قبل ذهابه أنَ ثمَ مُنكراً في الوليمة وكان قادراً على تغييره فهذا يُلبي الدعوة ويُغيَر المنكر. 2 - أن يعلم أن ثمَ منكراً قبل ذهابه وعلم من نفسه عدم المقدرة على تغييره فهذا يحرم عليه تلبية الدعوة وحضورها , والمنكر مثل وجود الخمر والكفر بآيات الله والاستهزاء بها. 3 - أن يحضر من غير علم بوجود منكر ثم يعلم به بعد حضوره فيجب عليه الإنكار حينئذٍ فإن زال المنكر جلس وإن لم يزل انصرف.

فقه التعامل مع الناس

4 - أن يعلم بوجود منكر ولكنه لا يراه ولا يسمعه فهو مُخيَر حينئذ بين البقاء وبين الانصراف. وعلى كل حال ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التي يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار إلا لموجب شرعي مثل أن يكون هناك أمر يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه ولا بد فيه من حضوره أو يكون مكرهاً. أحكام رد السلام: رد السلام واجب إلا على من كان في صلاة أو أكل أو كان في قراءة وكذلك في انشغاله بالأدعية أو الذكر أو كان في خطبة أو تلبية أو في قضاء حاجة الإنسان أو في الإقامة أو آذان أو حاجم أو ناعس أو نائم أوحالة الجماع أو التحاكم أو كان في الحمام أو في حال تسلَيم الطفل أو السكران أو شابة يُخشى بها افتتان أو مجنوناً , وإذا مر واحد مسلم على جماعة فيهم مسلمون ولو واحداً والبقية كفار فالسنة أن يسلم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم. • فقه التعامل مع الناس: مهارات التعامل مع الناس: قواعد ومهارات التعامل مع الناس كثيرة وقد جمعت بعضاً منها وجعلتها على هيأة نقاط: - يتأكد ويتعين الخلق الحسن في الدعوة إلى الله. - من لم يتخلق بالخلق الحسن ينفر الناس من دعوته ولا يستفيدون من علمه وخبرته. - إرضاء الناس يكون مذموماً إذا كان بسخط الله أما ما سوى ذلك فلا. - اعطاء الناس حقوقهم على اختلاف مراتبهم أمر مطلوب شرعاً أما طلب رضاهم فهو غير مطلوب على سبيل الوجوب لأنه أمر مستحيل في حالات كثيرة. - لم يجعل الله رضا أحد من خلقه شرطاً لرضاه ولكن جعل إعطاء الناس حقوقهم من موجبات رضاه وفرقٌ بين المسألتين. - التعامل مع الناس يختلف باختلاف عقولهم ومداركهم وغير ذلك. - التعامل مع علية القوم يختلف عن التعامل مع عموم الناس. - قبل النصيحة اعلم أنه ليس في كل حال تفتح لك القلوب وتصغي لك الآذان. - امدح الآخرين بما فيهم من خير. - إذا أردت أن تُقنع محدثك بوجهة نظرك فابدأ بسؤاله أسئلة يكون جوابها نعم. - لا تُجالس أحداً بغير طريقته ما لم يكن إثماً. - شجع السلوك الطيب في الناس وحاول تنميته. - الناس في حاجة إلى من يعرف ما يشغل بالهم وما هي اهتماماتهم , ويحبون من يُنصت لهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه ويقدم لهم الهدايا ويقضي حاجتهم. - يرفض الناس الذل ولكنهم لا يكرهون الخدمة والعمل. - الناس يحبون من يصحح أخطائهم دون تجريح لمشاعرهم. - انتبه جيداً إلى المواضع التي قد يرغب الشخص الآخر تفادي الحديث عنها. - إذا كنت لا تريد أن تلتزم بموعد محدد فعليك بالغموض. - ألزم الصمت إذا كان موضوع الحديث فوق تصورك.

- الناس يكرهون من ينسب الفضل لنفسه. - الناس يحبون من يُظهر الاهتمام بهم , ومن يستمع إلى حديثهم ومن يُقدَرهم ويحترمهم ومن يناديهم بأحب الأسماء إليهم ومن يُصحح أخطاءهم دون جرح مشاعرهم , كأن تقول له أنت تصلح لغير ذلك بدل أنت لا تصلح لكذا , والناس يحبون الشكر والتشجيع وهو لا بأس منه شرعاً. - إذا أردت أن توقف محدثك الذي استأثر بالحديث فوجه إليه سؤالين أو ثلاثة من الأسئلة التي تستدعي إجابات قصيرة. - إذا التقيت اثنين من علية القوم فلا تحتف بأحدهما وتتجاهل الآخر. - يُجمع الصغار والكبار على كراهية أن نقارنهم بغيرهم. - أشعر من تمازحه أنك تحترمه. - ينبغي للمسلم أن لا يمنع ما يضره. - تكلم فيما يسر الناس في غير إثم. - يشرع الاعتراف بالخطأ ولو لم تكن مخطئاً للم الشمل ما لم يكن الاعتراف بالخطأ يُثبت باطلاً أو يفوت حقاً. - ينبغي تحمل المخالف أياً كانت مخالفته مع الإنصات له وعدم مقاطعته حتى ينتهي من حديثه. - إذا أردت أن تُسمع محدثك وجهة نظرك المخالفة لما يقول فعليك أن تقول كلاماً محايداً قبل أن تقول ما يخالفه. - إذا كان الشخص يتحفز بالترغيب فوافقه على ذلك أو بالترهيب فوافقه على ذلك. - إذا أردت أن تنصح أحداً بشيء فقدمه في صورة اقتراح أو فكرة أو رأي. - عندما تناقش أحداً فابدأ بالمتفق عليه لا المختلف عليه. - قبل توجيه النقد لأحد ابدأ بالثناء على أمر جيد يتحلى به. - ألفت النظر إلى الأخطاء بشكل غير مباشر. - تكلم عن أخطائك قبل أن تنتقد الآخرين. - قدم اقتراحات مهذبة ولا تُصدر أوامر صريحة. - دع المنصوح يحتفظ بماء وجهه. - اجعل الغلطة التي تُريد إصلاحها تبدو ميسورة التصحيح واجعل العمل الذي تريد أن يُنجز سهلاً هيناً. - لا تكن متصيداً لكل شيء صغيراً كان أو كبيراً، حتى ولو أخطأ الناس أثني عليهم وأشعرهم بقيمتهم. - اقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضاً ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيباً. الأصول الرئيسية في التعامل مع الناس: من أصول التعامل مع الناس ما يلي: 1 - الدفع بالتي هي أحسن. 2 - كظم الغيظ والعفو عن الناس.

3 - الحلم والأناة. 4 - التغافل, والمتغافل هو المتجاهل عن الشيء وهو عارف به , ومن الإنكار أحياناً الإعراض والتغافل. 5 - المجادلة والمحاورة بالتي هي أحسن ولو كان المُجادل كافراً, وينبغي أن يكون القصد منها هداية الخلق وبيان الحق لا المغالبة وحب العلو. 6 - الزهد فيما عند الناس , والأولى ادخار المال والاستغناء عن الناس ليخرج الطمع من القلب ويصفو نشر العلم من شائبة ميل , وينبغي في طلب الرزق الإجمال في الطلب وهو الاعتدال مع عدم التفريط. 7 - فقه التعامل مع أناس مخصوصين، ومنهم ما يلي: أالتعامل مع الغضبان: متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلم بما لا يصلح فلا ينبغي أن تؤاخذه بما يقول بل اصبر على فورته وانظر إليه بعين الرحمة إليه وعامله بلطف ولين، وعلى الغضبان إن كان واقفاً أن يجلس وإن كان جالساً اضطجع وعليه بالتعوذ من الشيطان الرجيم وأن يتوضأ وأن ينصرف عن مكان الغضب ويخلو وحده خاصة إذا لم يكن عنده من يُهدَيه ويُطيَب خاطره. ب التعامل مع أهل الكتاب والكفر عموماً: أن نبرهم في كل أمر بشرط ألا يكون ظاهره مودة القلوب ولا تعظيم شعائر الكفر. وبالنسبة لرد السلام على الكافر يكون بـ (وعليكم) فقط عند الشك وعدم تحقيق السامع من نطق السلام أما إذا قال الكافر السلام عليكم فيُقال له من باب العدل وعليكم السلام, أما النهي الوارد في الحديث المعروف عن البداءة في السلام عليهم هو إذا كان لغير سبب يدعوك إلى أن تبدأهم من قضاء ذمام أو حاجة تعرض لك قبلهم أو حق صحبة أو جوار أو سفر, وأما رد السلام فالجمهور يرون وجوبه , وينبغي أن يُعلم أنه يستحب هجر الكلام والسلام ابتداءً على الكافر إذا كان مُظهراً لعادات الكفر متلبساً بأفعال الكفار بين المسلمين. أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة: من الأخطاء في أدب المحادثة والمجالسة التي ينبغي للمسلم اجتنابها ما يلي:- الثرثرة وهي كثرة الكلام تكلفاً بلا فائدة، ومن الأخطاء الاستئثار بالحديث لأن الأدب الشرعي هو مطارحة الأحاديث بين الجلساء إلا الصغار مع الكبار فعليهم لزوم الأدب وألا يتكلموا إلا جواباً لغيرهم، ومن الأخطاء الحديث عن النفس على سبيل المفاخرة والأصل فيه المنع إلا بموجب شرعي كالتعريف أو دفع تهمة أو ليكون قوله أقرب إلى القبول واعتماد ما يذكره ونحو ذلك، ومن الأخطاء الغفلة عن مغبة الكلام، وقلة المراعاة لمشاعر الآخرين فهو لا يأنف من مواجهة الناس بما يكرهون، والتعميم في الذم، وكثرة الأسئلة وتعمد الإحراج فيها إلا أن الأسئلة التي تُشعر بالاهتمام والمودة لا تدخل في ذلك وكذلك سؤال المرء عما يعنيه في أمر دينه أو دنياه هو مطلوب ومستثنى من ذلك، ومن الأخطاء سرعة الجواب , والحرص على إبداء الرأي في كل صغيرة وكبيرة فما كل رأي يُجهر به ولا كل ما يُعلم يُقال، ومن الأخطاء التعرض للسفلة والسفهاء فليس من الحكمة التعرض لهؤلاء وإنما الحكمة أن يُعرض المرء عنهم ويدع مجاراتهم والحديث معهم إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة من سلام أو رده أو جواب لسؤال أو نحو ذلك, فلا ينبغي التوسع في الحديث معهم والتمادي في مضاحكتهم وممازحتهم وإذا أراد السفيه أن يبدأ بالسفه فما أجمل الإعراض عنه وتجاهله كي

يقصر عن غيه وسفهه، ومن الأخطاء الحديث بما لا يُناسب المقام وينبغي الكلام مع كل أحد بما يليق بحاله ومقامه فمع الملوك مثلاًً والرؤساء بالاحترام والكلام اللطيف اللين المناسب لمقامهم، ومن الأخطاء الحديث عند من لا يرغب فلا تكلف غيرك الاستماع إليك وإذا رأيت من الناس فتوراً وإعراضاً عنك فأمسك الحديث ويُستثنى من ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومن الأخطاء تكرار الحديث ويُستثنى من ذلك الحاجة إلى التكرار لزيادة الفائدة ولم يكن مُوصلاً إلى حد الملال فلا بأس به، ومن الأخطاء التعالي على السامعين، وترك الإصغاء للمتحدثين، والاستخفاف بحديث المتحدث حتى لو أخطأ فإن الكرام يتغاضون عن خطأ المتحدث ويتعامون عن زلته وإذا ما كان الخطأ كبيراً فإنهم يبينون الخطأ ويُرشدون إلى الصواب بأجمل عبارة وألطف إشارة، ومن الأخطاء المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث، والقيام عن المتحدث قبل أن يكمل حديثه، والمبادرة إلى تكذيب المتحدث، والتقصير في محادثة الصغار، والوقيعة بين الناس، والتسرَع في نشر الأخبار قبل التثبَت منها ومن جدوى نشرها، والكذب، وسماع كلام الناس بعضهم ببعض وقبول ذلك دون تمحيص أو تثبت، ورفع الصوت إلا لحاجة، والغلظة في الخطاب لأن الأصل في خطاب الناس مؤمنهم وكافرهم اللين وإذا كان لين الكلام يجمل مع كل أحد فلأن يجمل مع من له حق أو جاه أو رياسة من باب أولى فمخاطبة هؤلاء باللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وفطرة ولكن قد يعدل المسلم أحياناً عن هذا الأسلوب حسب ما تقتضيه الحكمة ومقامات الأحوال، ومن الأخطاء الكلام القبيح وهو منهيٌ عنه حتى للكفار إلا في حدود ضيقه , ومن الأخطاء الشدة في العتاب فالعاقل اللبيب لا يُعاتب إخوانه عند كل صغيرة وكبيرة بل يلتمس لهم المعاذير ويحملهم على أحسن المحامل وإن كان هناك ما يستوجب العتاب عاتبهم عتاباً ليناً رقيقاً وما أحسن المرء أن يتغاضى عن ذنوب أصحابه أما إذا كان الخطأ عن زهد في الصحبة فلك أن تزهد به, ومن الأخطاء أيضاً حب المعارضة والمخالفة بلا موجب لأن المروءة تقتضي موافقة المرء إخوانه إذا أصابوا وتسديدهم برفق إذا أخطأوا وأن يتوقف إذا لم يتبين له الصواب من الخطأ , وينبغي للمرء أن يُساير جلساءه إلا أن ينحرفوا عن الرشد ويتحامى ما يُؤلمهم إلا أن يتألموا من صوت الحق. ومن الأخطاء أيضاً بذاءة اللسان والتفحش في القول وينبغي أن يستعمل في ذلك الكنايات ويعبر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرض ما لم تدع حاجة إلى التصريح بصريح الاسم فلا بأس بذلك بل هو المتعين، ومن الأخطاء التقعر في الكلام والمقصود أن لا يُغرق في التكلف فيتعدى حدود الذوق أما حسن المنطق وجمال العبارة ورشاقة الألفاظ فمحمود مرغوب فيها خصوصاً إذا كان في بيان الحق وبالجملة فليحرص المرء على تجنب السوقي القريب ووحشي اللغة حتى يكون كلامه حالاً بين حالين والأعمال بالنيات فلا ينبغي التكلف وخاصة الإغراق في القول وتحري وحشي اللغة في حال مخاطبة العوام، ومن الأخطاء الخوض فيما لا طائل تحته، وكثرة التلاوم، وكثرة الشكوى إلى الناس، وكثرة الحديث عن النساء وليس المقصود هنا ما يدور في مجال الخنا والفسق والفجور من تشبيب ومجون إنما المقصود الكلام البريء عنهن كالتفاخر بالتعدد ونحو ذلك ووصف محاسنهن , وليس المقصود من هذا أيضاً أن يُمنع الحديث عن النساء بإطلاق ولكن المقصود أن يكون بكثرة، ومن الأخطاء كثرة الهزل بل ينبغي التوسط لأن الانقباض عن الناس مكسبه للعداوة والإفراط في الأنس مكسبه لقرناء السوء، وينبغي أن يكون المزاح كالملح في الطعام، ومن الأخطاء كثرة الحلف وأما ما كان لحاجة فلا بأس به , ومن الأخطاء التتبع لعثرات الجليس لأن المروءة تقتضي أن يتعامى المرء عن عيوب جليسه وأن يتغاضى عما يصدر منه من خطل أو زلل ليحفظ على جليسه

كرامته وغُربته ثم إن رأى منه أمراً يستوجب التنبيه نبهه بلطف وأدب دون أن يخدش كرامته، ومن الأخطاء أيضاً إظهار الملالة من الجليس لأن طلاقة الوجه وطيب الكلام من حقوق الضيافة والقرى، ومن الأخطاء تكليف الرجل جلاسه بخدمته، وتناجي الاثنين دون الواحد وما في معناهما إلا أن يستأذناه فيأذن فلا حرج إذاً، ومن الأخطاء القيام بما ينافي الذوق في المجالس، ومزاولة المنكرات في المجالس كشرب الدخان وسماع الأغاني ومشاهدة المحرمات من أفلام خليعة وحولها وكالغيبة والنميمة والاستهزاء بالدين وبعباد الله الصالحين ونحو ذلك فلا يجوز شهود هذه المجالس ولا السكوت عما يدور فيها لمن حضرها، وحضور مجالس اللغو ومداهنة أهلها لا يجوز إلا إذا كان سينكر عليهم أما إذا سكت عنهم فقد وقع في المداهنة المحرمة لأن حضوره بلا عذر ولا موجب شرعي وسكوته عن المنكر إنما هو إقرار ورضاً عما يصدر منهم وهذه هي المداهنة المذمومة وحقيقتها إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل أو عمل مكروه , وهذه هي المداهنة فلا تُلبَس بالمدارة المحمودة وحقيقة المداراة ترجع إلى حسن اللقاء وطيب الكلام والتودد للناس وتجنب ما يُشعر بغضب أو سخط أو ملالة وكل ذلك من غير ما ثلم للدين في جهة من الجهات , فمن المدارة المحمودة أن تُغشى تلك المجالس بنية الإصلاح وتغيير المنكر أو تخفيف الشر فتأخذ بسنة المداراة فتتلطف مع أهل المجلس وتُنكر عليهم برفق وتأخذ بأيديهم إلى ما فيه نجاتهم وسلامتهم مراعياً بذلك الحكمة متجنباً ما يُشعر بغضبهم أو ملالتهم فهذا العمل محمود مبرور وأنت فيه مأجور غير مأزور فإذا ما رأيت منهم إعراضاً عن الحق وتمادياً في الضلالة والغواية أو لمست منهم عناداً أو خشيت على نفسك من سلوك سبيلهم فالسلامة السلامة والنجاء النجاء، ومن الأخطاء أيضاً الجلوس على هيأة تُشعر بقلة الأدب إلا لعذر، والجلوس وسط الحلقة، والتفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما إلا إذا أذن الجالسان أن يجلس بينهما فلا بأس بذلك، وكذلك من الأخطاء إقامة الرجل من مجلسه والجلوس مكانه، والجلوس في مكان الرجل إذا قام لحاجة، والتقدم بحضرة الأكابر، وقلة التفسح في المجالس، وترك الاستئذان حال دخول البيوت، وترك السلام حال دخول المجلس وحال الخروج منه، والإخلال بأمانة المجلس، والتجسس والتحسس أما إذا كان التجسس والتحسس طريقاً لدرء مفسدة عظيمة كالقتل أو سرقة أو نحو ذلك فتجسسنا عليهم لنحول بينهم وبين ما يشتهون فلا حرج في ذلك بل قد يجب على من يعنيه الأمر وكذلك إذا كان التجسس يجلب مصلحة كبيرة فلا بأس بذلك. ومن الأخطاء كذلك الجلوس في الطرقات دون إعطائها حقها، وفقدان المودة والصفاء وشيوع الكراهية والبغضاء، وقلة ذكر الله في المجالس، وقلة المبالاة وغير ذلك. فقه الجدال بالتي هي أحسن: اعلم أخي أن الجدال والمراء والخصومة والجدال قد يكون بحق وقد يكون بباطل , فإن كان الجدال الوقوف على الحق وتقريره كان محموداً , وإن كان في مدافعة الحق أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً وعلى هذا التفصيل تنزيل النصوص الواردة في إباحته وذمه. ومن الحكمة في جدال المخالف أن يتدرج المحاور في طرح أفكاره , ومن حسن السياسة ألا يجهر برأيه الصريح في صدر المقالة وإنما يبتدئ بما يخف على المُخاطبين سماعه من المعاني الحائمة حول الغرض ثم يعبر عن المراد بلفظ مُجمل ثم يدنو من إيضاحه شيئاً فشيئاً حتى لا يُفصح عنه إلا وقد ألفته نفوسهم وهدأت له خواطرهم. ومن الأخطاء التي ينبغي اجتنابها في المحاورة والمجادلة التهكم بالمحاور إلا إذا اقتضى الحال ذلك، والتحدي والإفحام ولا ينبغي المصير إليه لأن كسب القلوب أهم من كسب المواقف كما يُقال،

الحقوق الخاصة

ومن الأخطاء كذلك تفخيم النفس، وتجاهل اسم المحاور، ومن الأخطاء كذلك التنازل عن المبدأ الثابت ما لم يظهر له ما يدعوه إلى التحول عنه، والإصرار على الخطأ، والأنفة من الرجوع إلى الحق، وقلة العلم بمادة الحوار، وإصدار الأحكام في مستهل الحوار، وقلة المراعاة لعامل الزمان والمكان، والتشعب في الحوار والخروج عن المضمون، ومحاورة ذي المهابة العظيمة ما لم يكن المحاور رابط الجأش ساكن النفس لا يقصره محاورة ذوي المهابة الإبانة عن الحق فلا بأس حينئذ , وجماع أخطاء الكثير من الحوارات هو قلة الإخلاص، والدخول في النيات، والغضب، وإغفال الجوانب العاطفية، والتقصير في أدب الحوار عموماً , وقلة الإنصاف , والإنصاف أكبر عائق له التحاسد فلذلك الإنصاف مع الأقران أصعب وأجمل. (الحقوق الخاصة) • بر الوالدين: أدلة وجوب بر الوالدين وحرمة العقوق: أدلة وجوب بر الوالدين كثيرة ومنها ما يلي: قال الله تعالى «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً» , وقال تعالى «ووصينا الإنسان بوالديه حسنا» , وقال تعالى «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً». وقال تعالى «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك». وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى قال "الصلاة على وقتها" قلت ثم أي قال "بر الوالدين" قلت ثم أي قال "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم. وعنه رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال "أمك" قال ثم من قال "أمك" قال ثم من قال "أمك" قال ثم من قال "أبوك" متفق عليه وفي رواية يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة قال (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك أدناك). وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة) رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى قال (فهل من والديك أحد حي) قال نعم بل كلاهما قال (فتبتغي الأجر من الله تعالى) قال نعم قال (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) متفق عليه وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما جاء رجل فاستأذنه في الجهاد فقال (أحي والداك) قال نعم قال (ففيهما فجاهد). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان عمر يكرهها فقال لي طلقها فأبيت فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله

عليه وسلم (طلقها) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وعن أبي الدرادء رضي الله عنه أن رجلاً أتاه فقال إن لي امرأة وإن أمي تأمرني بطلاقها فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة منها حديث أصحاب الغار وحديث جريج وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختصاراً. وأما أدلة تحريم العقوق فهي كثيرة ومنها ما يلي: عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا" قلنا بلى يا رسول الله قال "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس فقال "ألا وقول الزور وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس) رواه البخاري. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال (نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) متفق عليه , وفي رواية (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه) قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال (يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه). وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعاً وهات ووأد البنات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) متفق عليه. وقوله منعاً معناه منع ما وجب عليه وهات طلب ما ليس له ووأد البنات معناه دفنهن في الحياة , وقيل وقال معناه الحديث بكل ما يسمعه فيقول قيل كذا وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته ولا يظنها وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع وإضاعة المال تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا وترك حفظه مع إمكان الحفظ , وكثرة السؤال الإلحاح فيما لا حاجة إليه. تعريف البر وتعريف العقوق: البر هو الإحسان أو بمعنى آخر البر هو إيصال الخير بقدر ما تستطيع وكف الشر, واعلم أن غاية البر ونهايته هي رضا الوالدين إذ الإحسان موجب وسبب والرضا أثر ومسبب فكل ما أرضى الوالدين فإنه داخل في البر وكل ما يسخطهما فهو عقوق ولكن ذلك مقيد في غير معصية الله. أما العقوق فهو الإساءة وتضييع الحقوق , وعقوق الوالدين أو أحدهما هو من الكبائر بلا شك، وهو مأخوذ من العق , وهو لغة القطع والمخالفة، وشرعاً قيل ضابطه أن يفعل معه ما يتأذى به والديه أو أحدهما تأذياً ليس بالهين. مظاهر العقوق: إبكاؤهما وتحزينهما مباشرة أو بالتسبب , ونهرهما وزجرهما والتأفف والتضجر من أوامرهما , والعبوس وتقطيب الجبين أمامهما والنظر إلى الوالدين شزراً أو الأمر عليهما , وانتقاد الطعام الذي تعده الوالدة , وترك مساعدتهما في عمل المنزل , والإشاحة بالوجه عنهما إذا تحدثا وقلة الاعتداد برأيهما , وترك الاستئذان حال الدخول عليهما وإثارة المشكلات أمامهما وذم الوالدين عند الناس والقدح بهما وذكر معايبهما وشتمهما ولعنهما مباشرة وبالتسبب , وإدخال المنكرات للمنزل ومزاولة المنكرات أمام الوالدين وتشويه سمعة الوالدين وإيقاعهما في الحرج , والإثقال عليهما بكثرة الطلبات , وتقديم طاعة الزوجة على طاعة الوالدين , والتخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر والتبرؤ منهما , والحياء من ذكرهما ونسبته إليهما والتعدي عليهم بالضرب , وإيداعهم دور العجزة والملاحظة

حكم بر الوالدين الفاسقين والمشركين

وهجرهما , وترك برهما ونصحهما إذا كانا متلبسين ببعض المعاصي , وغير ذلك. أسباب العقوق: من أسباب العقوق الجهل , وسوء التربية , والصحبة السيئة للأولاد , وعقوق الوالدين لوالديهم غالباً وليس هذا السبب على إطلاقه , والتفرقة بين الأولاد , وإيثار الراحة والدعة , وضيق العطن فلذلك قد تجد بعض الأبناء يأنف من أوامر والديه خصوصاً إذا كان الوالدين أو أحدهما فظاً غليظاً فتجد الولد يضيق بهما ذرعاً ولا يتسع أفقه لهما , وكذلك قلة الإعانة على البر من الوالدين , وسوء خلق الزوجة , وقلة الإحساس بمصاب الوالدين , وجماع ذلك ضعف الإيمان. حكم بر الوالدين: قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وبهذا تعلم أخي القارىء أن الله تعالى افترض الإحسان إلى الأبوين وأن لا يُنتهروا وأن يُخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيما ليس فيه معصية الله تعالى , وبر الولدين ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف واجب ما لم يكونا محاربين للدين وأهله ولو كانا كافرين فكيف إذا كانا مسلمين وعندهما بعض التقصير, والوالدان لهما أحكام واستثناءات خاصة , ومن ذلك أنه يُستثنى من هجر من يستحق الهجر الوالدين لعظم حقهما ما لم تُخش الفتنة في الدين على تفصيل في المسألة ليس هذا موضعه , والفتنة في الدين هي اتباعهم على دينهم , وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي , وإذا كان والد المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به من برهم إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر, بل نص أهل العلم على أن المسلم يموت أبواه وهما كافران إنه يغسلهما ويتبعهما ويدفنهما لأن ذلك من الصحبة بالمعروف التي أمر الله بها , والواجب على الولد صلة والده وبره ومباسطته والصبر على ما يصدر منه , ومع ذلك كله فإنه ينبغي على الوالدين تجاه أبنائهم أن يعينونهم على برهم ولا يكلفوهم من البر فوق طاقتهم ولا يلحون عليهم وقت ضجرهم. تفسير قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ): أي إن حرصا الوالدين عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك فإن مرجعكم إلى الله يوم القيامة فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك على دينك وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا فإن المرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب أي حباً دينياً , ولا يمنعك حرص الوالدين على متابعتهم في دينهم من أن تصحبهما في الدنيا معروفاً (أي مُحسناً إليهم) , وصاحبهما في الدنيا معروفاً أي صحبة إحسان إليهما بالمعروف وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما. حكم بر الوالدين الفاسقين والمشركَين: بر الوالدين مما أجمع على وجوبه علماء المسلمين، قال أبو محمد ابن حزم ـ رحمه الله ـ في مراتب الإجماع: واتفقوا أن بر الوالدين فرض. انتهى. ولم يفرق أحد من العلماء بين الوالد العدل والفاسق والكافر في أصل وجوب البر، بل نص كثير

منهم على عدم الفرق وهذا واضح، لأن الفسق والكفر لا يُسقط الحق الواجب، قال في الفواكه الدواني: ومن الفرائض العينية على كل مكلف بر الوالدين أي الإحسان إليهما ولو كانا فاسقين بغير الشرك، بل وإن كانا مشركين، للآيات الدالة على العموم، والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين انتهى. ونقل في الآداب الشرعية عن صاحب المستوعب قوله: وَمِنْ الْوَاجِبِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ وَطَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تعالى. انتهى. وفي الموسوعة الفقهية: ومن الواجب على المسلم بر الوالدين وإن كانا فاسقين أو كافرين. انتهى. وبه تعلم أن صلة الوالدين المسلمين واجبة وهذا مما لا يشك فيه، ولا يؤثر في ذلك فسقهما وتعديهما حدود الله، وأما الوالد الكافر فوجوب بره كالوالد المسلم، ولكن مال بعض العلماء إلى خلاف هذا وأن الوالد الكافر دون المسلم في الحق لا سيما في عدم وجوب إذنهما للجهاد في سبيل الله لأنهما متهمان في الدين، قال ابن مفلح في الآداب الكبرى: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ وُجُوبُ طَاعَةِ الْوَالِدِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النَّظْمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ السَّابِقِ فِي قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ أَنَّ الْكَافِرَيْنِ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا وَيُوَافِقُهُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا إذْنَ لَهُمَا فِي الْجِهَادِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَيُعَامِلُهُمَا بِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ اتِّبَاعًا لِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: جَاءَتْنِي أُمِّي مُشْرِكَةً فَسَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ـ قال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ وَفِيهِ جَوَازُ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْمُشْرِكِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَةُ الْكَافِرِ كَالْمُسْلِمِ لَا سِيَّمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ وَالطَّاعَاتِ وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَكِنْ يُعَامَلُ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا سَبِيلَ لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إلَى مَنْعِهِ مِنْ الْجِهَادِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَطَاعَتُهُمَا حِينَئِذٍ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ مَعُونَةٌ لِلْكُفَّارِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَبَرَّهُمَا وَيُطِيعَهُمَا فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، كَذَا قَالَ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. انتهى. وفي تعقبه كلام الخطابي ما يشعر بميله إلى ما يفهم من كلام صاحب المستوعب من أن الوالد الكافر ليس في البر كالمسلم. وفي هذا المقام قال الله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الإنسانَ بِوَالديهِ حُسْناً وإنْ جَاهداكَ لِتُشْرِكَ بي ما لَيْسَ لك به عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إليَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئكُم بما كُنْتُم تعْمَلون». قيل: نزلت في سعد بن أبي وقّاصٍ , فقد روي أنّه قال: «كنت بارّاً بأمّي فأسلمت فقالت: لتدعنّ دينك أو لا آكل ولا أشرب شراباً حتّى أموت فتعيّر بي، ويقال: يا قاتل أمّه. وبقيت يوماً ويوماً. فقلت: يا أمّاه: لو كانت لك مائة نفسٍ، فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي. فلمّا رأت ذلك أكلت». وقال تعالى في موضع آخر (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) قال ابن كثير رحمه الله في بيان معنى المصاحبة في الدنيا معروفاً, وصاحبهما في الدنيا معروفاً أي بالمعروف وهو البر والصلة والعشرة الجميلة انتهى). , فالبر بالوالدين والمصاحبة بالمعروف واجب كالقول اللين وعدم التعنيف، وعدم التأفف وعدم الزجر، والإحسان إليهما بالمال والإعانة والخدمة كما قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) , وفي الصحيحين عن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة أفأصل أمي؟

قال: (نعم صلي أمك). وعن أبي هريرة قال: مر رسول صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي بن سلول وهو في ظل فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة-يقصد رسول الله عليه من الله مايستحق-، فقال ابنه عبد الله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لأتيتك برأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته ". رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به زيد بن بشر الحضرمي، قال أبو السعادات الشيباني في جامع الأصول في أحاديث الرسول عن زيد بن بشر وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات. وعلى هذا فالبر بالوالدين فرض عين، ولا يختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا كافرين يدعوان ابنهما إلى الشرك فيجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشرك أو ارتكاب معصية , وفي هذه الحال عليه أن يقول لهما قولاً ليناً لطيفاً دالاً على الرفق بهما والمحبة لهما، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، ويناديهما بأحب الألفاظ إليهما، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما، ولا يتبرم بهما بالضجر والملل والتأفف، ولا ينهرهما، وليقل لهما قولاً كريماً وليدعوهم إلى الإسلام برفق, ومن العجيب في هذا الباب أن بعض الفقهاء قال إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، ووجوب البر بهما في هذا الأمر مقيد بحال الطلب ووجود العجز، وإلا لم يجب على من ذهب هذا المذهب نص على هذا فقهاء المالكية. وقال ابن عاشور (قال فقهاؤنا: إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه . انتهى). واعلم أني أورد هذه الأقوال لا لترجيحها بل لحكايتها بياناً لأهمية بر الوالدين , ولتعلم أخي القارىء أن الأقارب الكفار الغير محاربين يُلحقون بالوالدين الكافرين من المصاحبة في الدنيا بالمعروف وخاصة إذا كان يعسر التحرز من هجرهم لسببٍ ما فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة يكون دون موالاتهم وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى , فعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) متفق عليه واللفظ للبخاري. من الأمور المعينة على البر: من الأمور المعينة على البر: الاستعانة بالله , وصلاح الآباء , والتواصي بالبر , وإعانة الأولاد على البر, والتوفيق بين الزوجة والوالدين وذلك بزيادة البر بالوالدين بعد الزواج. شروط بر الوالدين على وجه الكمال: شروط البر ثلاثة: 1 - أن يؤثر الولد رضا والديه على رضا نفسه وزوجته وأولاده والناس أجمعين. 2 - أن يطيعهما في كل ما يأمرانه به وينهيانه عنه ما لم يأمراه بمعصية. 3 - أن يقدم لهما كل ما يلحظ أنهما يرغبان فيه من غير أن يطلباه منه عن طيب نفس وسرور مع شعوره بتقصير في حقوقهما ولو بذل لهما دمه وماله. الفرق بين البر والصلة: الأقارب لهم الصلة والوالدان لهما البر , والبر أعلى من الصلة لأن البر كثرة الخير والإحسان لكن

فقه التعامل مع تعارض أوامر الوالدين وحدود طاعتهما

الصلة ألا يقطع ولهذا يقال في تارك البر أنه عاق ويقال فيمن لم يصل إنه قاطع ولا يقال عاق. المقصود بالوالدين الواجب برهم: الوالدان هما الأب والأم أما الجد والجدة فلهم بر , لكنه لا يساوي بر الأم والأب وإنما لهما الصلة. فقه التعامل مع تعارض أوامر الوالدين: لا شك أن حق الوالد أعظم ولكن بر الوالدة ألزم , وعلى هذا فالأم تُقدَم وتُفضَل بالبر والإحسان والعطف وهذا من حيث العموم , وأما إذا تعارض أمر الوالد والوالدة فيجب أن تداريهما وأن تقضي شغلهما معاً , وهذا القدر متفق عليه بين أهل العلم أما إذا تعذر ذلك فهنا اختلف أهل العلم فقال فريق منهم يُنظر أيهما أكثر ضرراً إذا خالفته , فيُقضى ما يكون أكثر ضررا ًعند المخالفة , وإن تساويا فقدم الوالدة , وقال الفريق الآخر الأب يُقدَم في الطاعة مطلقاً , طبعاً في المعروف لأن الأب رب المنزل وقائد السفينة , وافعل يا عبد الله ما هو أصلح لقلبك. حدود طاعة الوالدين: طاعة الوالدين الواجبة مقيدة بالمعروف، وفي غير معصية الله عز وجل، مما فيه نفعهما ولا ضرر فيه على الولد , أما ما فيه ضرر عليه سواء كان ضرراً دينياً كأن يأمراه بترك واجب أو فعل محرم فإنه لا طاعة لهما في ذلك , أو كان ضرراً دنيوياً فلا يجب عليه طاعتهما، وعلى هذا فطاعة الوالدين بالمعروف لازمة ولو مع وجود المشقة إلى أن تفحش وتكبر وتقترب من معنى الضرر الذي جاءت الشريعة بإزالته فعندئذ لا تجب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: يلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا. اهـ. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَبْرَأَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ فَمَا أَمَرَاهُ ائْتَمَرَ وَمَا نَهَيَاهُ انْتَهَى , وَهَذَا فِيمَا كَانَ مَنْفَعَةً لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ ظَاهِرٌ مِثْلُ تَرْكِ السَّفَرِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْهُمَا نَاحِيَةً. وَاَلَّذِي يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يُسْتَضَرُّ هُوَ بِطَاعَتِهِمَا فِيهِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَضُرُّهُمَا تَرْكُهُ فَهَذَا لَا يُسْتَرَابُ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِيهِ , بَلْ عِنْدَنَا هَذَا يَجِبُ لِلْجَارِ. وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْضًا طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ , فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ , وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا أَمْرَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرُّهُ , فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ , وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ} فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ انتهى. وأما المال فيجب عليه أن يبرهما ببذله ولو كثر إذا لم يكن عليه ضرر ولم تتعلق به حاجته. أما طاعة الوالدين في ترك المستحبات والنوافل لغير حاجتهم لا تلزم مع المدارة لهما , علماً بأنه لا يجوز للوالدين منع ولدهما من السنن من غير موجب. قال الشّيخ أبو بكرٍ الطّرطوشيّ في كتاب بر الوالدين: لا طاعة لهما في ترك سنّةٍ راتبةٍ، كحضور الجماعات، وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك، إذا سألاه ترك ذلك على الدّوام، بخلاف ما لو دعواه لأوّل وقت الصّلاة وجبت طاعتهما، وإن فاتته فضيلة أوّل الوقت انتهى. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية " قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ , لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ قَالَ: يُرْوَى

عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ: يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فَفِي الصَّوْمِ كُرِهَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ إذَا نَهَاهُ وَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْهُ , وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي. انْتَهَى كَلَامُهُ. ثم قال: وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ الْمُقْرِي فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُهُ وَالِدُهُ بِأَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ لِيُصَلِّيَ بِهِ قَالَ يُؤَخِّرُهَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: فَلَوْ كَانَ تَأْخِيرُهَا لَا يَجُوزُ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَنْهَاهُ أَبُوهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ قَالَ لَيْسَ طَاعَتُهُ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي بَحْثِ مَسْأَلَةِ فُصُولِ الْقُرُبَاتِ عُقَيْبَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَمَّادٍ فَقَدْ أَمَرَ بِطَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ , وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ نُدِبَ إلَى طَاعَةِ أَبِيهِ فِي تَرْكِ صَوْمِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَطَاعَةً ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ هَارُونَ الْمَذْكُورَةَ انتهى. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية في موضع آخر: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ –يقصد الولد-فِي الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُ –يقصد الوالد-وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انتهى. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية في موضع آخر: وَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ , وَكَذَا الْمُكْرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ , وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ , وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَأَكَّدَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ فَلَا يُطِيعُهُ فِيهِ , وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ لَا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِهِ .. انتهى. وأما طاعة الوالدين في المشتبهات فواجبة ما لم يجد حرجاً شديداً فلا تلزمه وعليه بمداراتها والأفضل بلا شك طاعتهما وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه , قال النووي في شرحه لمسلم: وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات. وأما حكم طاعتهما لحاجتهما في ترك فروض الكفاية فلا شك أن طاعتهما الواجبة المتعينة مُقدمة على فرض الكفاية لحديث مسلمٍ فيمن أراد البيعة وَأَحَدُ والديه حيّ، وفيه دلالة على تقديم صحبتهما على صحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وتقديم خدمتهما - الّتي هي واجبة عليه وجوباً عينيّاً - على فروض الكفاية، وذلك لأنّ طاعتهما وبرّهما فرض عينٍ، والجهاد فرض كفايةٍ، وفرض العين أقوى. قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ إنَّ لِلْوَالِدِ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ , وَالتَّطَوُّعُ أَوْلَى وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ (لَا يُجَاهِدُ مَنْ أَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا يَعْنِي تَطَوُّعًا) إنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَإِنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَلِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ , فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ سَقَطَ إذْنُهُمَا , وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ , وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ كَالْحَجِّ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ انتهى. وهنا تنبيه مهم وهو أن أمر الوالدين لولدهما بالمعروف واجب الطاعة للولد , ولكن إذا كان الأمر المقصود به الإكرام لولدهما فلا يجب على الولد إلا إذا خاف مفسدة من وراء ذلك. الفرق بين المشقة والأذى والضرر: بدايةً يجب أن نعلم بأن المشقة مُرادفة للأذى فلا يوجد فرق بينهما يُذكر على حد علمي أما الفرق بين المشقة والضرر فاعلم أخي المسلم أنه لا يكاد يخلو امتثال أمر من نوع مشقة، لأن النفس تميل إلى الراحة والدعة وتنفر مما لا يناسبها، ويظهر هذا بجلاء إذا كان الأمر بما يُخالف هوى المرء،

حكم النفقة على الوالدين وشروط تملك الوالد مال الولد

فهاهنا لا ينفك الامتثال عن مشقة، ولا يخفى أن مقدار ذلك يتفاوت تفاوتا عظيما من حال إلى حال، ومن شخص إلى شخص، ومن أمر إلى أمر. وجدير بالذكر هنا أن وضع حد فاصل أو خط قاطع بين حدود المشقة المحتملة وغير المحتملة، بحيث يجري ذلك مجرى الحدود الجامعة المانعة أمر متعسر، لاختلاف ذلك في حقيقته وأثره باعتبار الأشخاص والأحوال والأعراف، ولهذا قال الدكتور أحمد موافي في رسالته للماجستير ـ الضرر في الفقه الإسلامي: الشريعة تنظر إلى مقدار إخلال التصرف بالمصلحة ـ أي إلى مقدار الضرر ـ فإذا كان كبيرا فاحشا اعتبرته ضررا واجب الإزالة، وإذا كان يسيرا ـ أي قليلا يشق الاحتراز منه ومثله يُحتمل عادة ـ لم تعتبره، ومن ثم لا يمنع منه، على أنه يجري الخلاف بين الفقهاء بخصوص بيان حد الإخلال الكبير الذي يعتبر مثله ضررا ممنوعا منه في الحكم، كذلك يمكن القول بأن الفقه الإسلامي على وجه العموم يعول في كثير من الأحيان في بيان حد الإخلال الكبير الذي يعتبر مثله ضررا واجب الإزالة على العادة والعرف. اهـ آداب التعامل مع الوالدين: من آداب التعامل مع الوالدين طاعتهما واجتناب معصيتهما ما لم يأمروا بمعصية الله ورسوله , والإحسان إليهما , وخفض الجناح لهما وذلك بالتذلل لهما والتواضع والتطامن , والبعد عن زجرهما والإصغاء إليهما , والفرح بأوامرهما , وترك التضجر والتأفف منهما , والتطلق لهما والتودد لهما والتحبب إليهما , والجلوس أمامهما بأدب واحترام , وتجنب المنة في الخدمة أو العطية , ومساعدتهما في الأعمال , والبعد عن إزعاجهما وتجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما وتلبية ندائهما بسرعة , وتعويد الزوجة والأولاد على البر وإصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين , والاستئذان حال الدخول عليهما , وتذكيرهما بالله دائما ًوذلك بتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين , وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر إذا كان عليهما بعض مظاهر الفسق والمعصية مع مراعاة أن يكون ذلك بمنتهى اللطف والإشفاق والشفافية والصبر عليهما إذا لم يقبلا , والاستئذان منهما والاستنارة برأيهما والمحافظة على سُمعتهما والبعد عن لومهما , والعمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به , وفهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك , وكثرة الدعاء لهما والاستغفار لهما في حياتهما والبر بهما بعد موتهما. حكم النفقة على الوالدين: تجب النفقة على الوالدين المحتاجين شرعاً إذا كان الولد قادراً. شروط تملك الوالد مال الولد: 1 - ألا تتعلق حاجة الولد ومن يعول بذلك المال. 2 - ألا يأخذه من ولد ويعطيه آخر لغير حاجة. 3 - ألا يكون بمرض موت أحدهما. حدود استئذان الوالدين في الجهاد والهجرة والسفر: إذا كان الوالدين لا يحتاجان إليك ولا ضرر عليهما فيما تفعل فلا حاجة للاستئذان منهما , لأنه ليس كل شيء يُستأذن فيه الوالدان. أما الجهاد فإنه يشترط لجهاد الابن إذن والديه إذا كان فرض كفاية أما إذا كان فرض عين فلا يُشترط وكذلك الهجرة. وتقديم لزوم الوالدين على الهجرة الواجبة مطلوب شرعاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) فقد أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة تقديماً لحق أبويه، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه فقد عارضها ما هو أوجب منها وهو حق الوالدين، وإن لم

حكم قطع الصلاة لأجل نداء الوالدين

تكن واجبة فالواجب أولى، لكن هذا إنما يصح ممن يسلم له دينه في موضعهما، أما لو خاف على دينه وجب عليه الفرار به وترك آبائه وأبنائه كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد. وعلى هذا فاستئذان الوالدين في الهجرة المتعينة والجهاد واجب إذا لم يكن الجهاد فرض عين أو كان النفير عاماً. أما استئذان الوالدين عند السفر فإذا كان لطلب الرزق والمعيشة , والحال ضيقة وأنت محتاج ولابد أن تذهب إلى بلد آخر, فعليك بمداراتهما واستئذانهما والذهاب حتى تستغني ثم ترجع، وإن كان لتحصيل علم تحتاج إليه أنت أو بلدك فإنه لا بأس عليك بالسفر إذا لم تجد في بلدك ما يُغنيك فإنك تخرج ولو بغير إذنهما مع غاية التلطف وتكرار المزاورة والإقامة عندهما ما أمكن. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: وضع فقهاء الحنفيّة لذلك قاعدةً حاصلها: أنّ كلّ سفرٍ لا يؤمن فيه الهلاك، ويشتدّ فيه الخطر، فليس للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه، لأنّهما يشفقان على ولدهما، فيتضرّران بذلك. وكلّ سفرٍ لا يشتدّ فيه الخطر يحلّ له أن يخرج إليه بغير إذنهما، إذا لم يضيّعهما، لانعدام الضّرر. وبذا لا يلزمه إذنهما للسّفر للتّعلّم، إذا لم يتيسّر له ذلك في بلده، وكان الطّريق آمناً، ولم يخف عليهما الضّياع، لأنّهما لا يتضرّران بذلك، بل ينتفعان به، فلا تلحقه سمة العقوق. أمّا إذا كان السّفر للتّجارة، وكانا مستغنين عن خدمة ابنهما، ويؤمن عليهما الضّياع، فإنّه يخرج إليها بغير إذنهما انتهى. وعلى هذا فالسفر الذي ظاهره السلامة ولا يتضرر والديك بذلك ضرراً بيناً كأن يكونا يُنفق عليهما ابنهما وإذا سافر الابن لا يمكن أن يُنفق عليهما فلا يُشترط فيه إذن الوالدين , والأولى أن يُرضيهما بما يراه مناسباً. حكم قطع الصلاة لأجل نداء الوالدين: حكم قطع الصلاة لأجل نداء الوالدين إذا كان يغلب على الظن أنهما يغضبان إذا لم تُجبهم في الحال فينظر فإن كانت نافلة فيختلف الحكم فإن كان في أول الصلاة فإنه يقطعها ويُجيب أمه إذا خشي أن تغضب عليه وإذا كان في آخر الصلاة فعليه أن يتجوز فيها ولو قطعها لا تثريب عليه وهو مأجور , وإن كانت فريضة فخففها ولا تقطعها ما لم تكن هناك ضرورة عاجلة. حكم طلب أحد الوالدين طلاق زوجة الابن: روى التّرمذيّ عن ابن عمر قال: «كانت تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلّقها، فأبيتُ، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا عبدَ الله بن عمر طلِّقْ امرأتك». وسأل رجل الإمام أحمد فقال: «إنّ أبي يأمرني أن أطلّق امرأتي. قال: لا تطلّقها. قال أليس عمر رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يطلّق امرأته؟ قال: حتّى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه». يعني لا تطلّقها بأمره حتّى يصير مثل عمر في تحرّيه الحقّ والعدل، وعدم اتّباع هواه في مثل هذا الأمر. واختار أبو بكرٍ من الحنابلة أنّه يجب، لأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لابن عمر. وقال الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة: «فيمن تأمره أمّه بطلاق امرأته. قال: لا يحلّ له أن يطلّقها. بل عليه أن يبرّها. وليس تطليق امرأته من برّها» وتحقيق المسألة أن نقول ما يلي: حكم طلب الأب من ابنه طلاق زوجته لا يخلو من حالين:

حكم اعتراض الوالدين على زواج ابنهم

1 - أن يبين الوالد سبباً شرعياً يقتضي طلاقها وفراقها كأن تكون مُريبة في أخلاقها كأن تغازل الرجال أو تخرج إلى مجتمعات غير نزيهة فهنا عليه طلاقها. 2 - أن يكون بغير سبب شرعي كغيرة أو غيرها فهنا لا يطلقها ولكن يداريهما ويتألفهما ويقنعهما ولا سيما إذا كانت الزوجة مستقيمة في دينها وخُلُقها. وخلاصة القول في مسألة طلب الأب طلاق زوجة الابن أنه إذا كان الأب عدلاً وكانت المرأة فيها سوء في الدين أو الخلُق فيلزمه طاعة أبيه وإلا فلا. حكم اعتراض الوالدين على زواج ابنهم: اعتراض الوالدين على زواج ابنهم له صور متعددة، ومنها: 1. عدم موافقتهم على أي فتاة يختارها لنفسه زوجة. 2. عدم موافقتهم على فتاة يختارها، لكن عدم موافقتهم تكون لأسباب شرعية، كأن تكون سيئة السمعة، أو تكون على غير دين الإسلام – وإن كان نكاح الكتابية جائزاً في أصله -. 3. عدم موافقتهم على فتاة يختارها لا لأسباب شرعية، بل لأسباب شخصية، أو دنيوية، كنقص جمالها، أو حسبها ونسبها، وقلبه غير متعلق بها، ولا يخشى على نفسه لو ترك التزوج بها. 4. الصورة السابقة نفسها، لكنَّ قلبه متعلق بها، ويخشى على نفسه الفتنة لو أنه ترك التزوج بها. 5. إجباره على فتاة يختارونها له، ولو كانت ذات دين وجمال. والذي يظهر لنا من حكم تلك الصور السابقة: أنه يجب على الابن طاعة والديه في الصورتين الثانية والثالثة، ويتأكد الوجوب في الصورة الثانية، لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم وقد ينتشر ليصيبهم، وفي الصورة الثالثة: الزواج فيها مباح له، وطاعتهما واجبة، فيقدم الواجب على المباح. وأما الصورة الأولى والرابعة والخامسة: فلا يظهر أنه يجب عليه طاعتهما؛ فاختيار الزوجة من حق الابن، وليس من حق والديه، ويمكنهم التدخل في بعض الحالات، لا فيها كلها، فمنعُه من التزوج بأي فتاة يختارها بغض النظر عن كونها متدينة أم لا: تحكم لا وجه له، ولا يلزمه طاعتهما. وكذا لو تعلق قلبه بامرأة، وخشي على نفسه الفتنة لو أنه لم يتزوج بها: فهنا لا تلزمه طاعتهما إذا أمراه بتركها، وعدم التزوج بها؛ لما يؤدي ذلك إلى شر وفتنة جاءت الشريعة لدرئهما عنه. وكذلك الصورة الخامسة، وهي أن يلزماه بفتاة هم يختارونها، وهذا ليس مما يلزمه طاعتهما فيه، وهو بمنزلة الطعام والشراب، فهو يختار ما يشتهي ليأكله ويشربه، وليس لهما التحكم في ذلك. قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (أي: ابن تيمية): إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه: كان النكاح كذلك، وأولى، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول، تؤذي صاحبه، ولا يمكنه فراقه. انتهى كلامه." الآداب الشرعية " (1/ 447). كيفية البر بالوالدين بعد موتهما: البر بهما بعد موتهما , يكون بما يلي: أ- أن يكون الولد صالحاً في نفسه. ب- كثرة الدعاء لهما والاستغفار عنهما. جـ - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما. د- إنفاذ عهدهما. هـ - التصدق عنهما.

فقه الاحتساب على كل من له حق على المحتسب كالوالدين والأزواج

وكل عمل صالح لو فعله الإنسان ونوى بهذا العمل لوالديه لا بأس به ولو كان مفضولاً. فقه الاحتساب على كل من له حق على المحتسب كالوالدين والأزواج: - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي , قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ انتهى. - إذا رأى الولد مُنكراً من والديه يأمرهما فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمرهما. - للولد الاحتساب على والديه بالرفق والتلطف في الكلام وليس له مقابلتهم بالسب والتعنيف وتخشين الكلام فضلاً عما هو أكبر منه، وللولد وعظ والديه بالتي هي أحسن مالم يغضبوا فإذا غضبوا سكت , وذلك أن الوالدين مستثنيين من بعض صور الإنكار. - يُراعى عند الاحتساب على الوالدين زيادة الرفق بهما والتلطف لهما وألا يتعدى ذلك إلى الشتم أو الضرب مثلاً , ومثل هذا يُقال في احتساب الزوجة على زوجها والعبد مع سيده. - ليس للولد مقابلة والداه بالتخويف والتهديد والضرب ولا بالسب والتعنيف وتخشين الكلام , أما المنع بالقهر والمباشرة في تغيير المنكر من نحو تكسير آنية الخمر ورد المال المغصوب لأهله وإبطال الصور المنقوشة على الحيطان فهذه المسألة فيها خلاف والأولى أن ينظر فيه إلى قبح المنكر وإلى مقدار الأذى والسخط وهذه المسألة التي تتعلق بذات المنكر دون صاحبه إذا كان والداً هي مسألة اجتهادية. هل للمسلم أن يعمد لقتل أبيه الباغي أم لا؟ إقامة الحدود وقتال البغاة والقتال لإعلاء كلمة الله , لا نختار أن يعمد المرء إلى أبيه خاصة أو جده مادام يجد غيرهما فإن لم يفعل فلا حرج. كيفية تعامل المجاهد المسلم مع أرحامه إذا كانوا في صف الكفار المحاربين للإسلام وأهله: للمسلم أن يبتدىء بقتل أخيه الحربي ولا ينبغي أن يبتدىء بقتل أبيه الحربي وقيل لا يجوز لأنه يجب صلة الرحم مع الوالد ولا يجب صلة رحم من سواه , وقيل يُكره لغازٍ قتل قريب له كافر إلا إذا بلغه أنه يسب الله ورسوله فلا كراهة حينئذٍ والله أعلم , بل ينبغي الاستحباب تقديماً لحق الله ورسوله , ولا كراهة إذا قصد -ذوي الرحم الكافر في المعركة-هو قتله فقتله دفعاً عن نفسه. مسائل ليست من العقوق: - لا يُعد ترك البيت تجنباً للفتن عقوقاً للوالدين ولو نهياك عن ذلك. - إبعاد الأبناء عن الوالد المبتدع والذي يُخشى من شرَه ليس من العقوق. - ليس لأحد الأبوين أن يُلزم الولد بنكاح من لا يريد وإنه إذا امتنع لا يكون عاقاً. - سكن الابن في بيت مستقل لمبرر شرعي لا يعتبر عقوقاً, وإذا كان إصرار الوالد على سكن ولده معه ليس لحاجته إليه ولا يتأذى بعدم سكنى الولد معه فلا يجب عليه طاعته ولكن يُستحب ذلك

صلة الأرحام وأدلة وجوبها وحرمة قطيعتها

استحباباً مؤكداً وخاصة إذا لم يلحق الابن من ذلك ضرر كبير. • صلة الأرحام: أدلة وجوب صلة الأرحام وحرمة القطيعة: أدلة وجوب صلة الأرحام كثيرة ومنها ما يلي: قال الله تعالى «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم» , وقال تعالى «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام» , وقال تعالى «والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل» , وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت هذه الآية «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» آل عمران , قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» وإن أحب مالى إلي بيرحاء وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه متفق عليه. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه ومعنى ينسأ له في أثره أي يؤخر له في أجله وعمره. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري. وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت يا رسول الله إني أعتقت وليدتي قال (أو فعلت) قالت نعم قال (أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك) متفق عليه. وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن) قالت فرجعت إلى عبد الله ابن مسعود فقلت له إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم فقال عبد الله بل ائتيه أنت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة فخرج علينا بلال فقلنا له ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (من هما) قال امرأة من الأنصار وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الزيانب) هي قال امرأة عبد الله فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم (لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه. وعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم) متفق عليه. وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور وقال الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) رواه الترمذي وقال حديث حسن. وفي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه الطويل المشتمل على جمل كثيرة من قواعد الإسلام وآدابه قال فيه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يعني في أول النبوة فقلت له ما أنت قال نبي فقلت وما نبي قال أرسلني الله تعالى فقلت بأي شيء أرسلك قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يُشرك به شيء وذكر تمام الحديث والله أعلم. وأما أدلة تحريم القطيعة كثيرة ومنها ما يلي: قال تعالى «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار» «. وعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يدخل الجنة قاطع) قال سفيان في روايته يعني قاطع رحم متفق عليه. وقال تعالى «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرءوا إن شئتم «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم») متفق عليه وفي رواية للبخاري. وقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته. وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) متفق عليه. وهنا تنبيه وهو أن الرحم المأمور بصلتها، والمتوعد على قطعها هي التي شُرع لها ذلك وهي الرحم الموافقة في الدين، فأما من أُمر بقطعه من أجل الدين أو رُخََص في هجره فيُستثنى من ذلك، ولا يلحق بالوعيد من قطعه، لكن لو وُصلوا بما يُباح من أمر الدنيا لكان فضلاً. وعلى هذا فصلة الأرحام يُشرع لها أن تستمر إذا كانت الرحم صالحة مستقيمة أو مستورة أما إذا كانت الرحم كافرة أو فاسقة فتكون صلتهم بالعظة والتذكير وبذل الجهد في ذلك فإن أعيته الحيلة في هدايتهم كأن يرى منهم إعراضاً أو عناداً أو استكباراً فله أن يهجرهم رخصةً إذا كان لغير فسقهم , وإن كان لفسقهم فهو من شُعب الإيمان , وأما إن خاف على نفسه أن يتردى معهم ويهو في حضيضهم فلينأ عنهم وجوباً وليهجرهم الهجر الجميل الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه وليكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب لعل الله أن يهديهم ببركة دعائه، ثم إن صادف منهم غرة أو سنحت له لدعوتهم أو تذكيرهم فرصة فليتقدم وليعد الكرة بعد الكرة.

تعريف قطيعة الرحم وأسبابها

تعريف قطيعة الرحم: اختلف أهل العلم في معنى القطيعة على أكثر من قول: 1 - الإساءة إليهم بغير حق. 2 - عدم صلتهم. وقطيعة الرحم اعتبرها المناوي من الكبائر, وكذلك الذهبي اعتبر هجر الأقارب هي الكبيرة التاسعة في كتابه الكبائر، لكن المناوي قيد هذه الكبيرة بإيذاء ذوي الأرحام –الواجب صلتهم-أو صدهم أو هجرهم، أما القطيعة بترك الإحسان فليست بكبيرة، حيث قال "وقطيعة الرحم من الاقتطاع من الرحمة، والرحم القرابة ولو غير محرم بنحو إيذاء، أو صد أو هجر، فإنه كبيرة أما قطيعتها بترك الإحسان إليها فليس بكبيرة". أسباب قطيعة الرحم: من أسباب قطيعة الرحم: الجهل , وضعف التقوى , والكبر , والانقطاع الطويل , والعتاب الشديد , والتكلف الزائد , وقلة الاهتمام , والشح والبخل , وتأخير قسمة الميراث , والشراكة بين الأقارب والاشتغال بالدنيا , والطلاق بين الأقارب , وبُعد المسافة والتكاسل عن الزيارة والتقارب في المساكن بين الأقارب وقلة تحمل الأقارب والصبر عليهم , ونسيان الأقارب في الولائم والمناسبات , والحسد , وكثرة المزاح والوشاية والإصغاء إليها , وسوء الخلق من بعض الزوجات وغير ذلك. أقسام الرحم: 1 - رحم الدين وهي عامة. 2 - رحم خاصة وهي القرابة. فالعامة تجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة , وأما الرحم الخاصة فتزيد النفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم وتتفاوت مراتب استحقاقهم في ذلك. تعريف صلة الرحم: المراد بصلة الرحم موالاتهم ومحبتهم أكثر من غيرهم لأجل قرابتهم وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهدية على من سواهم ويتأكد ذلك مع الرحم الكاشح المُبغض عساه أن يرجع عن بغضه إلى مودة قريبه ومحبته , والمعنى الجامع لصلة الرحم: هو إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر , وقيل الصلة معناها عدم القطيعة. والصلة جاءت في القرآن والسنة مطلقة فيُرجع إلى العرف فيها فما سماه الناس صلة فهو صلة وما سماه قطيعة فهو قطيعة وهذه تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأمم , إلا أن يكون في مجتمع لا يبالون بصلة الأرحام فالعبرة بالصلة شرعاً وعموماً فإن كل ما يدل على سلامة القلوب يحصل به الصلة. تعريف الواصل: الواصل هو الذي يصل قرابته لله سواءً وصوله أم قطعوه. فضائل صلة الرحم: من فضائل صلة الرحم أنها سبب لمغفرة الذنوب , ومن أحب الأعمال إلى الله , وسبب لدخول الجنة

أسباب صلة الرحم وحكمها والأقارب الواجب صلتهم

, والبعد عن النار , وسبب لزيادة الرزق وطول العمر. أسباب صلة الرحم: من الأمور المعينة على الصلة الاستعانة بالله , ومقابلة إساءة الأقارب بالإحسان , وقبول أعذارهم إذا أخطئوا واعتذروا , والصفح عنهم , ونسيان معايبهم حتى لو لم يعتذروا , والتواضع ولين الجانب , وبذل المستطاع لهم وترك المنة عليهم , والبعد عن مطالبتهم بالمثل , وتوطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب , وترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم , وتجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب , والمبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب والحرص على إصلاح ذات البين , وتعجيل قسمة الميراث والحذر من إحراج الأقارب وذلك بالبعد عن كل سبب يوصل إلى ذلك , ومراعاة أحوالهم وفهم نفسياتهم , وإنزالهم منازلهم فمن الأقارب من يرضى بالقليل فتكفيه الزيارة السنوية ومنهم من تكفيه المكالمة الهاتفية ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه والصلة بالقول فحسب ومنهم من يعفو عن حقه كاملاً ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة وبالملاحظة الدائمة فمعاملتهم بمقتضى أحوالهم يُعين على الصلة واستبقاء المودة , ومن الأسباب كذلك التغاضي والتغافل وهو حسن مع الجميع ومع الأقارب من باب أولى. حكم صلة الرحم: صلة الرحم واجبة ويحرم قطعها , ولا يجوز هجرها ولكن إن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم. وعلى هذا فالصلة تكون واجبة إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفاراً أو فجاراً فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا بأن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق , ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى , وذلك أن مقاطعة المبتدعة والعصاة مقدمة على صلة الرحم التي ورد الأمر بصلتها لأن الدين أهم من الرحم وهذا في حال التزاحم. الأقارب الواجب صِلَتُهم: مَن تَجب صلتُه هم أصْحاب الرَّحِم المحرَّمة من جهة الأمِّ والأب إذا كانوا من أهل الاستقامة، فكلُّ شخصَين لو كان أحدُهُما ذكرًا والآخر أنثى، إذا لم يَجُز التَّناكُح بينهما، كانت صلة الرَّحم بيْنهما واجبة، وإذا جاز التَّناكُح بيْنهما لم تَجب صلتُهما، فالأعمام والعمَّات والأخوال والخالات من الرَّحم المحرَّمة، التي يَجب صلتُها، وأولادُهم ليسوا من الرَّحم المحرَّمة، فصِلَتهم مستحبَّة لا واجبة؛ فعنْ أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - قال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يُجْمع بين المرْأة وعمَّتها ولا بين المرأة وخالتها))؛ رواه البخاري ومسلم، فيحرم على الرجل أن يجمع في النِّكاح بين المرأة وعمَّتها وبين المرأة وخالتها , لما يحصُل بين الضَّرائر من خصام بسبب الغيْرة، فيؤدِّي إلى قطيعةِ الرَّحم بين المرأة وعمَّتها وخالتها، ويجوز الجمع بين المرْأة وبين بنت عمِّها وبنت عمَّتها، وبين المرأة وبنت خالها وبنت خالتها، مع أنَّه قد يحصل بينهما تقاطع بسبب غيرة النِّساء، فدلَّ ذلك على أنَّ مَن تجِب صلته من الأقارب هي الرَّحِم المحرَّمة، وبِهذا الضَّابط يزول الإشْكال؛ لأنَّنا إذا قُلْنا تجِب صلة الرَّحِم وهم الأقارب لصعُب ضبطُهم؛ لأنَّ النَّاس كلَّهم أقارب يرجِعون لآدم، وإذا قلنا هذا تجب صلته وهذا لا تجب صلته، فهذا تحكُّم؛ لأنَّه لا دليل يسنده، هذا الذي أراه راجحًا من أقوال أهل

العلم، والله أعلم. وهذا في باب التَّقرير العِلْمي، أمَّا في باب الواقع العملي فينبغي للشَّخص أن يصِل ما استطاع صِلَته من أقاربِه، فصلة عامَّة المسلمين قُرْبة وطاعة، فالأقارب وإن بعدوا أوْلى وأحرى بهذه الصِّلة. وهنا تنبيه مهم وهو أن الَّذين تجب صلتُهم هم الأقارب الَّذين من النَّسب، أمَّا أقارب الرَّضاعة فليست صلتهم واجبةً، وإن كانوا يدْخُلون في تحريم النِّكاح، فالنُّصوص الواردة في الصِّلة هي في صلة النَّسب لا صلة الرَّضاعة، وقد قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((يحرُم من الرَّضاعة ما يَحرم من النَّسب))، ولم يقُل - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يجب للرَّضاعة ما يجب للنَّسب؛ فلِذا لا يرِث القريب من الرَّضاعة ولا تجب له النَّفقة، لكن من حسن المعاملة ومكارم الأخلاق الإحسان إليْهم وصلتهم، واشتهر في كتُب السيرة أنَّ الشَّيماء بنت الحارث أخت رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من الرَّضاعة حينما قدمت على النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أكرمها ونحلها مالاً. هل أهل الزوجة أو أهل الزوج من الأرحام؟ الأرحام هم الأقارب من جهة الأب أو من جهة الأم أما أهل الزوجة فهم أصهار. كيفية صلة الأرحام: لم يُحدد الشرع لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأعراف , وما دام المسلم لا يهجر أقاربه ويصلهم ولو بالسلام فلا يُعد قاطعاً، وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. وصلة الرحم تكون بأمور متعددة فتكون بزيارتهم , والإهداء إليهم , والسؤال عنهم , وتفقد أحوالهم , والتصدق على فقيرهم والتلطف مع غنيهم , واحترام كبيرهم وتكون باستضافتهم , وحسن استقبالهم , ومشاركتهم في أفراحهم ومواساتهم في أحزانهم , كما تكون بالدعاء لهم وسلامة الصدر نحوهم , وإجابة دعوتهم , وعيادة مرضاهم كما تكون بدعوتهم إلى الهدى , وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر , وتكون بالمال والعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه والسلام , وتكون بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء , وهي بشكل عام هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول. حدود ما يجوز أن يراه الرجل من محارمه من النساء وحكم تقبيل المحارم من النساء: اختلف العلماء في تحديد ما يجوز أن يراه الرجل من محارمه من النساء، سواء كان أباً أو غيره. فذهب الحنفية إلى جواز نظره إلى الرأس والوجه والصدر والساق والعضد، ويحرم عليه النظر إلى ما بين سرتها وركبتها وظهرها وبطنها، وعرَّفوا البطن بأنه ما لان من المقدم، والظهر ما يقابله من المؤخر. وذهب المالكية -كما في منح الجليل-: إلى أنه لا يجوز له النظر إلى جميع جسدها غير الوجه والأطراف من عنق ورأس وذراع وقدم، لا ظهر وصدر وثدي وساق، ويجوز لمس وجهها وأطرافها إن لم يخش اللذة. وذهب الشافعية: إلى أنه يجوز له النظر إلى جميع بدنها، ما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل: ما يبدو في المهنة فقط قلتُ وهذا الراجح عندي. قال الخطيب الشربيني في شرحه على المنهاج: (ولا ينظر الفحل من محرمه الأنثى من نسب أو

حكم النفقة على الأقارب الفقراء

رضاع أو مصاهرة ما بين سرة وركبة منها. أي يحرم نظر ذلك إجماعاً، ويحل بغير شهوة نظر ما سواه -أي المذكور- وهو ما عدا ما بين السرة والركبة، لأن المحرمية معنى يوجب حرمة المناكحة، فكانا كالرجلين والمرأتين، فيجوز النظر إلى السرة والركبة، لأنهما ليسا بعورة بالنسبة لنظر المحرم، فهذه العبارة أولى من عبارة ابن المقري تبعاً لغيره بما فوق السرة وتحت الركبة، وقيل: إنما يحل نظر ما يبدو منها في المهنة فقط، لأن غيره لا ضرورة إلى النظر إليه، والمراد بما يبدو في المهنة: الوجه والرأس والعنق واليد إلى المرفق والرجل إلى الركبة). والمهنة هي: الخدمة. وذهب الحنابلة إلى أنه لا يجوز للرجل النظر إلى محارمه من النساء، إلا ما يظهر من المرأة غالباً وهو الراجح عندي. قال ابن قدامة في المغني: (ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما). أما النظر إلى المحارم مع خشية الفتنة، فيحرم النظر إليها باتفاق العلماء والله أعلم. وتقبيل الرجل لمحارمه بلا شهوة والعكس جائز، يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: لا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات محارمه إذا لم يخف على نفسه، لكن لا على الفم بل الجبهة والرأس. كشاف القناع 3/ 9. وسئل أيضاً عن الرجل يقبل أخته؟ فقال: قد قبل خالد بن الوليد أخته. وروى البيهقي أن أبا بكر دخل على عائشة وقد أصابتها الحمى فقال لها: كيف أنت يا بنية؟ وقبل خدها. السنن الكبرى 7/ 101 وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل فاطمة وقبلته. وبالجملة فالمحارم يجوز أن يقبل بعضهم بعضاً في ما جاز لهم النظر إليه، إذا أمنت الفتنة ولم تُخش الشهوة وإلا حرم؛ والله تعالى أعلم. حكم النفقة على الأقارب الفقراء: المسلم إذا كان له أقارب فقراء مسلمين وهو غني ووارث لهم فإنه يلزمه النفقة عليهم طعاماً وشراباً ومسكناً وكسوة ومركوباً إذا كانوا يحتاجونه ويزوجهم أيضاً إذا احتاجوا إلى النكاح. واعلم أخي القارىء الكريم أن النفقة على القريب -ذوي الرحم-بشكل عام مشروعة ولا تُترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان, والعفو والصفح مندوب ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم, والصفح هو مقابلة الإساءة بالإحسان فهو أعلى درجة من العفو, بل قال بعض أهل العلم على خلاف في المسألة أنه تجب النفقة على المسلم لقرابته الكفار الغير محاربين المحتاجين ممن تجب عليه نفقتهم باستثناء الكفار المحاربين والمستأمنين منهم داخل المجتمع المسلم فلا تشرع النفقة عليهم إلا لتأليفهم للإسلام أو مصلحة شرعية , وقرروا وجوب الإنفاق على الوالدين حال فقرهما وغنى الولد وإن اختلف الدينان, وقالوا أن صلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر فله دينه وللواصل دينه وقياس النفقة على الميراث قياس فاسد, فإن الميراث مبناه على النصرة والموالاة بخلاف النفقة فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة , وقد جعل الله للقرابة حقاً وإن كانت كافرة فالكفر لا يُسقط حقوقها في الدنيا , وأن الموالاة الممثلة في الحب الديني والنصرة شيء والنفقة والصلة والإحسان للأقارب الكفار شيء آخر. وعلى هذا فالراجح أن الرحم الكافرة المسالمة توصل من المال ونحوه استحباباً كما توصل الرحم المسلمة لكن تتميز الرحم المسلمة بالمحبة والمودة القلبية الدينية والرضا عن حالها دينياً, وهذا باستثناء الوالدين فالنفقة عليهم واجبة في حال حاجتهم وقدرة الابن على الانفاق عليهم , فإذا كان للمسلم أب كافر ذمي أو للكفار أب مسلم يجب نفقة الأب على الابن ولو كان له أخ كافر لا يجب

حكم النفقة والوقف على القريب الغير مسلم

عليه نفقته. حكم النفقة على القريب غير المسلم: اختلف الفقهاء في اشتراط اتحاد الدين بين من تجب له النفقة وعليه على قولين: الرأي الأول وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية حيث قالوا: إن اتحاد الدين ليس بشرط في قرابة الولادة لوجوب النفقة، فتجب النفقة للفروع على الأصول وللأصول على الفروع ولو مع اختلاف الدين. الرأي الثاني: الحنابلة: قالوا لا تجب النفقة عند اختلاف الدين، وحجتهم أن اختلاف الدين مانع من الميراث، والشرط عندهم في وجوب النفقة هو أن يكون من تجب له النفقة وارثا للمنفق فلا نفقة مع اختلاف الدين، يقول ابن ضويان في كتابه منار السبيل:"ولا نفقة مع اختلاف الدين بقرابة ولو من عمودي النسب لأنهما لا يتوارثان " وأما نفقة الحواشي وذوي الأرحام من غير المسلمين: الذين ذهبوا إلى وجوب النفقة للحواشي وذوي الأرحام هم الحنفية والحنابلة، لكنهم اشترطوا اتحاد الدين، لأنه لا وراثة عند اختلاف الدين بالتالي لا نفقة أيضا عند اختلاف الدين. فعند اختلاف الدين اتفق الفقهاء على عدم وجوب النفقة على غير الأصول والفروع، فلا تجب نفقة الأخ النصراني مثلا على أخيه المسلم، أو للأخ المسلم على أخيه اليهودي، وذلك لأن اختلاف الدين له تأثير في عدم وجوب النفقة. حكم الوقف للقريب غير المسلم: يجوز الوقف للقريب غير المسلم شريطة أن يكون قربة في نظر الشريعة الإسلامية، لأنه صورة من صور البر والإحسان لغير المسلم. كما روي أن صفية زوج النبي- صلى الله عليه وسلم- وقفت على أخ لها يهودي، ولأن من جاز أن يقف الذمي عليه جاز أن يقف عليه المسلم، لكنهم اشترطوا لصحة وقف الذمي، أن يكون الوقف قربة في نظر الشريعة الإسلامية دون النظر إلى اعتقاد الواقف، وعلى هذا لا يصح وقف الذمي على كنيسة، لأن هذا إعانة للذمي على المعصية والكفر وكذلك إن ما لا يصح من وقوف المسلمين لا يصح من أهل الذمة. حكم دفع الزكاة للأقارب: الصدقة على الأقارب صدقة وصلة , أما الزكاة الواجبة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من النفقة وهو ممن تجب عليه النفقة عليهم وماله يحتمل , أما إذا كان مما لا يجب عليه كالدين إذا كان المدين حياً فلا بأس , قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين: أما الزكاة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة، مثل لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من نفقة، وهو ممن تجب عليه النفقة، وماله يتحمل، فإنه لا يجوز له أن يعطيهما من الزكاة، أما إذا كان ممن لا يجب عليه، كما لو قضى ديناً عن أبيه أو عن ابنه أو زوجته، أو قضت ديناً على زوجها فإن ذلك لا بأس به إذا كان المدين حياً، أما إذا كان المدين ميتاً فلا يقضي عنه إلا تبرعاً، أو من التركة، ولا

يقضي عنه من الزكاة انتهى. حكم هجر الأرحام لمريض الرهاب الاجتماعي: هجر الأرحام بالنسبة لمريض الرهاب الاجتماعي غير محرم , بل قال أهل العلم أن الرهاب الاجتماعي عذر لترك الجمعة والجماعة , وعلى هذا فصلة الأرحام لمريض الرهاب الاجتماعي غير واجبة وإن كانت مستحبة في حقه. حكم صلة القريب الفاجر: قيل تجب صلة الرحم في جميع الأحوال ولو كان ذو الرحم المسلم فاسقاً وأن الصلة لا تتعلَّق بصلاح صاحِب الرَّحِم وفسقِه فلا يجوز قطعها لمجرد فسقه واستثنوا جواز هجره إذا ترتب عليه مصلحة , وهذا القول ضعيف , وقيل يجب هجر الرحم الفاجرة وهذا أيضاً قولٌ ضعيف , والصحيح هو أن صلة القريب الفاجر لا واجبة ولا محرمة بل مستحبة , والذي يدل على استحبابها ما يلي: عموم قوله تعالى (وأحسنوا إن الله يُحب المحسنين) , ومن جملة الإحسان صلتهم والبر بهم. وعن عبدالله بن عمرو: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ليس الواصِل بالمكافِئ، ولكن الواصل الَّذي إذا قُطِعَتْ رحِمه وصلها))؛ رواه البخاري. فأخبر النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أنَّ الواصل الحقيقيَّ هو الَّذي يصل مَن يقطعه من أقاربه، والقاطع فاسق بقطْعِه رحِمَه، ومع ذلك أمر النَّبيُّ بصلتِه ولَم يجعل فِسْقَه بقطع الرَّحِم مانعًا من صلته. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي فقال "لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" رواه مسلم , ولا شك أن من يقطعون من يصلهم ومن يسيئون على من يُحسن إليهم ومن يجهلون على من يحلم عنهم عندهم من الفسوق ما الله به عليم, ومع ذلك نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُرشد هذا الصحابي الكريم إلى مقاطعتهم بل شجعه على ما هو عليه وهذا إن دل فإنه يدل على استحباب صلتهم والإحسان إليهم. ولتعلم أخي القارىء أن أهل العلم المحققين يُفرقون بين الرحم الفاجرة التي لا تزال في دائرة الإسلام والرحم الكافرة فالأولى يتساهلون فيها وفي مواصلتها والثانية يقيدونها ببعض القيود, قال ابن حجر بعدما تكلم عن صلة الرحم الكافرة وضوابطها: "وأمّا من كان على الدين ولكنه مقصّر في الأعمال ـ مثلاً ـ فلا يشارك الكافر في ذلك"، أي: في القيد المذكور في صلة القريب الكافر. وإليك أخيراً بعض أقوال السلف في هذه المسألة ليطمئن قلبك: قال ميمون بن مهران: "ثلاث تؤدَّى إلى البر والفاجر: الرحم توصَل برّةً كانت أو فاجرة، والأمانة تؤدَّى إلى البر والفاجر، والعهد يوفَّى للبر والفاجر". قال الفضل للإمام أحمد: رجل له إخوة وأخوات بأرض غصب، ترى أن يزورهم؟ قال: "نعم، ويزورهم ويراودهم على الخروج منها، فإن أجابوا وإلا لم يقم معهم، ولا يدع زيارتهم". أما دليل عدم وجوب صلة القريب الفاجر فهي كثيرة وجمهور أهل العلم قرروا أن جفاء المُقيم على معصية لا إثم فيه وأن القرابة لا تمنع من الهجران المشروع , وأن الهجر إذا تم على وجهه الشرعي لا يُعد قطيعة قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال النووي في الروضة: قال أصحابنا وغيرهم

هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم، وعلى هذا يُحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعض. انتهى. وفي صحيح مسلم: أن قريباً لعبد الله بن مغفل خَذَف فنهاه فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الْخَذْف وقال: إِنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْدًا وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ، قال: فعاد، فقال: أحدثك أن رسول الله نهى عنه ثم عُدْتَ تخذف لا أكَلِّمك أبداً. قال النووي معلقا: في هذا الحديث هجران أهل البدع والفسوق ومُنَابِذِي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائماً والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائماً، وهذا الحديث مِمَّا يؤيده مع نظائر له كحديثِ كعب بن مالك وغيره. انتهى. حكم صلة القريب الكافر: حكم صلة القريب الكافر قيل أنها محرمة ويجب هجرهم وقيل جائزة وهي رخصة والصحيح أنها مستحبة والذي يدل على هذا ما يلي: عموم قوله تعالى (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) , والصلة من جملة الإحسان. وقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات (ولما نزلت هذه الآيات الكريمات-يقصد أول سورة الممتحنة-، المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم فقال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلماً: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} , [وقوله:] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أي: لأجل دينكم، عداوة لدين الله ولمن قام به، {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا} أي: عاونوا غيرهم {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} نهاكم الله {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} بالمودة والنصرة، بالقول والفعل، وأما بركم وإحسانكم، الذي ليس بتول للمشركين، فلم ينهكم الله عنه، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين، وغيرهم انتهى). وعن أسْماء بنت أبي بكر - رضِي الله عنْهُما - قالتْ: قدمتْ علي أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فاستفتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلت: وهي راغبة، أفأصِل أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أمَّك))؛ رواه البخاري ومسلم. وعن عبدالله بن عمر - رضِي الله عنْهُما - قال: رأى عمر بن الخطَّاب حلَّة سيراء - أي حرير - عند باب المسجِد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريْتها فلبسْتَها يوم الجمعة وللوفد، قال: ((إنَّما يلبسها مَن لا خَلاق له في الآخِرة))، ثمَّ جاءت حلل فأعْطى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عُمَر - منها حُلَّة، وقال: أكسوْتَنيها وقلت في حلَّة عُطَارِد ما قُلْت؟! فقال: ((إنِّي لم أكسُكها لتلبسها))، فكساها عمر

خلاصة حكم صلة القريب الفاسق والكافر

أخًا له بمكَّة مشركًا؛ رواه البخاري ومسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط وفي رواية ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً وفي رواية فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحماً أو قال ذمة وصهراً رواه مسلم قال العلماء الرحم التي لهم كون هاجر أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم منهم والصهر كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية «وأنذر عشيرتك الأقربين» دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعم وخص وقال "يا بني عبد شمس يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها" رواه مسلم , والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء وهذه تبرد بالصلة, والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام لعشيرته الكفار (غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) , والنبي عليه الصلاة والسلام وصل أقاربه الكفار، وصل عمه أبا طالب، وكان يأتيه ويدعوه إلى الإسلام، وغير ذلك، وإذا تقرر جواز صلة الرحم الكافرة فجواز صلة الرحم الفاجرة الفاسقة التي لا تزال مسلمة من باب أولى , ولتعلم أن الصلة بالمعنى العام يدخل فيها الأرحام الكفار والفساق وإن كانت صلتهم عموماً تكون دون صلة الأرحام المسلمين الصالحين , والذي ينبغي من جهة الكمال والاستحباب أن تكون صلة الرحم الكافرة -غير الوالدين -من أجل التأليف على الإسلام أو مراعاة وجود من تحت ولايته من الأبناء المسلمين كما قال ابن حجر: "إن صلةَ الرحم الكافر ينبغي تقييدها بما إذا آنس منه رجوعاً عن الكفر، أو رجا أن يخرج من صلبه مسلم كما في الصورة التي استدلّ بها وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقريش بالخصب وعلّل بنحو ذلك، فيحتاج من يترخّص في صلة رحمه الكافر أن يقصد إلى شيء من ذلك" انتهى. خلاصة حكم صلة القريب الفاسق والكافر: الراجح كما بيَنا أن الكفار والعصاة أهل الكبائر المجاهرين صلة رحمهم غير واجبة وإنما هي مستحبة إلا أنه يفرق بين الوالد وغيره , فالوالد تُطلب صلته وصحبته بالمعروف وجوباً, وقد ذهب إلى هذا فقهاء المذاهب الأربعة وخالف بعض أهل العلم فسوى بين المسلم والكافر في الصلة، ولكن الراجح مذهب الجمهور, وذلك أن القرابات مختلفة فمنها من لا يقطع صلتها الكفر كالوالدين ومنها من يقطعها الكفر كالعشيرة وأبناء العم والإخوة فهي درجات متفاوتة وإن كانت صلة هؤلاء مستحبة , وعلى هذا فصلة الرحم الفاسقة والكافرة مستحبة باستثناء الوالدين فهي واجبة. حكم صلة القريب الكافر إذا كانت صلته تؤدي إلى محبته طبيعياً: أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من يُغلَب جانب بغض الأرحام الكفار في الله أو على الأقل عدم مودتهم فيرى وجوب هجر الأرحام الكفار هجراً جميلاًً إذا آنس المسلم من نفسه ميلاً لهم ومحبة ويرى وجوب قطع أسباب هذه المودة ولو أدى إلى عدم قبول هداياهم وعدم زيارتهم ومقاطعتهم ونحو ذلك , وهذا باستثناء الوالدين والزوجة الكتابية. وهناك من أهل العلم من يُغلب جانب صلة الأرحام ولو أدى إلى محبتهم بمقتضى الطبع , إلا أن أهل العلم اتفقوا جميعاً على أن كل بر وصلة بالمعروف ظاهرها الرحمة ولا تستلزم مودتهم فهي مشروعة , وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه.

حكم صلة الرحم الصالحة المؤذية

حكم صلة الرحم الصالحة المؤذية: حكم صلة الرحم المؤمنة الصالحة المضرة دنيوياً غير واجبة بالاتفاق , قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا ضرر ولا ضرار". وأما حكم صلة الرحم المؤمنة الصالحة المؤذية دنيوياً فغير واجبة على مذهب بعض أهل العلم طبعاً باستثناء الوالدين , وقالوا عن حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا تَقُولُ لَكَأَنَّمَا تُسِفِّهُمُ الْمَلُّ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ ". أن الحديث محمول على استحباب صلة الرحم المؤذية لا وجوب ذلك، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والورع يا عبدالله يقتضي صلة الرحم المؤمنة الصالحة المؤذية مالم تصل إلى حد الضرر , والفرق بين الضرر والأذى ـ والله أعلم ـ أن الأذى هو الضرر اليسير، قال ابن عطية: قوله تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ـ معناه: لن يصيبكم منهم ضرر في الأبدان ولا في الأموال، وإنما هو أذى بالألسنة. وقال القرطبي: وَالْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا ضَرًّا يَسِيرًا. اهـ. ولكن لا يلزم أن يكون هذا التفريق الثابت هنا ثابتا أيضا في لفظي المضرة والأذى المذكور في كلام ابن عبد البر. علما بأن الصلة تبدأ من السلام عند اللقاء، أو بمكالمة هاتفية أثناء الغيبة، وبهذا يخرج المرء من إثم الهجرة، ثم تمتد لتشمل كل أنواع البر الأخرى، فمن عجز عن درجة معينة من درجاتها فلا ينبغي أن يعجز عما تتحقق به الصلة في حدودها الدنيا. كيفية التوفيق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير الحديث، وفيه التنفير من مجالسة رفيق السوء وكذلك قوله: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم الحديث.، وفيه التنفير من الفساق وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا ـ وبين قول النبي عليه الصلاة والسلام: صل من قطعك ـ وقوله: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ـ ومن المعلوم بأن القاطع للرحم فاسق؟ الصلة لا تستلزم مصاحبة، فالصلة تحصل بكل ما اعتبره العرف صلة كالزيارة والإهداء والاتصال ونحو ذلك. ثم إن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم وآكلوهم وشاربوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم الحديث) حديث ضعيف الإسناد وضعفه الألباني , وبالتالي لا يُحتج به في الأحكام. كيفية صلة الأقارب الفسَاق والكفار والمُؤذين منهم ومجالستهم والتعامل معهم: لا شك أن صلة الأرحام الكفار والفساق تختلف عن صلة الأرحام المسلمين الصالحين المتقين , وقد

كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمه وأقاربه من غير أن يُؤثرهم على من هو أفضل منهم , ولتعلم أن أهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة والإعانة على نوائب الحق والصدقة على المسكين منهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم وكل صلة تدل على الرحمة لا المودة ويُراد بها وجه الله , واتفق أهل العلم أيضاً على أنه يُشرع قطع القريب الفاسق إذا كان في قطيعته زجر له عن الفسق وإصلاح لحاله ولا بأس بقطيعته عندئذ , واتفق أهل العلم كذلك على أنه إذا كان القريب فاسق ومن باب أولى الكافر تخشى الافتتان به وتخشى أن يضرك في دينك فيجب عليك في هذه الحال هجره وعدم صلته إلا ما كان على سبيل المداراة وخاصة إذا كان يعسر التحرَز من مقاطعته كلياً لأي سبب كان , فمن في مخالطته ضرر ديني أو دنيوي فعاشره بالمعروف حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً. وبهذا يتبين لك أخي أنه يُشرع الإحسان إلى الأقارب غير المسلمين وصلتهم وبرهم ووصلهم بالزيارة وإدخالهم المنزل وقبول الهدية منهم وإكرامهم والإحسان إليهم والاهداء إليهم والاتصال وغير ذلك مع عدم موالاتهم ومودتهم مودة دينية , وذلك أن القريب الكافر له حق الصلة ولكن ليس له الولاية فلا تواليه وتناصره على باطله , والله تعالى إنما أثبت الولاية بين أولي الأرحام بشرط الإيمان , وذلك أن الولاية تكون بالدين، والأقارب إذا لم يكونوا على دين واحد لم يكن بينهم توارث ولا ولاية. وليُعلم أن التبسم للكافر المسالم وكذلك مُؤاكلته ومُشاربته لسبب معتبر كتأليفه للدخول في الإسلام أو لكونه ذا قرابة ورحم أمر جائز ولا حرج فيه ولكن يحذر من متابعته أو إقراره على شيء من باطله , علماً بأن مجالسة أهل المعاصي والكفر من ذوي الأرحام لا يكون إلا في وقت لا يُباشرون فيه المعصية، ويُشرع تخفيف وقت الزيارة لهم وخاصةً الذين يُخشى منهم إظهار بعض المنكرات. ولتعلم بأن القاطع لرحمه والمُسيء لهم والجاهل عليهم تُشرع أحياناً صلته والإحسان إليه والحلم عليه ومن يفعل ذلك فهو مُحسن محمود عند الله , فالإحسان إلى الأقارب مع الإساءة منهم والصلة مع قطيعتهم مشروعة كما بينا وأنت مأجور على ذلك. وأما الرحم المؤذي العاصي الذي يؤذي أهله فالأفضل أن يصبروا ويحلموا ويدافعوا إساءته بالإحسان عملاً بقوله تعالى) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فإن خيف حصول الأذى منه فلا بأس بتجنب لقائه في بعض الأحيان طلباً لحصول السلامة من شره دون القطيعة التامة والاكتفاء بأدنى الوصل من السلام والكلام بالهاتف وذلك أنه لا يلزم لتحقيق الصلة أن يزور الشخص أرحامه أو يجالسهم ويحادثهم بل عليه أن يفعل ما تتحقق به الصلة وفي نفس الوقت يندفع به أذاهم عنه. وعموماً عليك أن تحافظ مع أرحامك الذين تُستحب صلتهم على الحد الذي لا تحصل به القطيعة ولا ينالك بسببهم ضرر مع محاولة إصلاحهم فإن يئست من ذلك فلا حرج حينئذ في مقاطعتهم, ولكن عليك أن تجعل هجرك لهم في الله ولله, فإن هجر أهل المعاصي والكبائر في الله – حتى ولو كانوا من الأرحام غير الوالدين - من شُعب الإيمان, وهجرهم لغير الله وهم على الفسق جائز، والأدلة عليه أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر والهجر إذا تم على وجهه الشرعي لم يكن قطعية للرحم. شروط تشييع جنازة الكافر القريب:

كيفية التوفيق بين الاحتساب وصلة الأرحام

إذا كان الكافر محارباً لا تجوز تعزيته مطلقاً ولا تشييعه , أما إذا كان الكافر غير مُحارب للمسلمين وكان قريباً للمسلم فيجوز أن يحضر جنازته ويشيعها مع المشيعين بشروط ثلاثة: 1 - ألا يحضر الصلاة عليه ولا يقوم على قبره أثناء الدفن. 2 - أن يسير أمام الجنازة بعيداً عنها قليلاً يقف بعيداً عن القبر وإذا أردوا الدفن رجع. 3 - وأن يكون الكافر قريباً للمسلم قرابة مباشرة. • كيفية التوفيق بين الاحتساب وصلة الأرحام: حكم النصيحة إذا أدت إلى الهجر بين الأقارب: الإنكار باللسان للمنكرات التي يقع فيها الأقارب ولا يحضرها المسلم ولكنه يعلم بوقوع أقاربه فيها فحقهم عليه أن ينصح لهم ويعظهم فإن تيقن أن ذلك سيؤدي إلى هجرهم له وتأثيمهم بذلك فالذي نراه له أن يتوسل إلى ذلك بغيره من الناس كأحد الأصدقاء أو الجيران بحيث يجمع بين صلتهم له وإيصال حق النصيحة لهم ويكفيه هو الإنكار بقلبه , وما دام المسلم يُنكر المنكر بقلبه ولا يشارك أقاربه في مجالسهم التي تحتوي على منكر فلا بأس عليه. حكم إنكار المنكر مع الأقارب إذا كان يؤدي الإنكار إلى المقاطعة: الأصل الجمع بين الصلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين والرفق ولا يجوز السكوت على المنكر بل يجب إنكاره سواء كان صاحبه قريباً أو غيره ولكن التغيير باليد واللسان مشروطان هنا بالاستطاعة وأن لا يؤدي ذلك إلى مفسدة أعظم من المنكر نفسه ومن عجز عن ذلك فلا أقل من إنكار القلب فإن قاطعوك أقاربك لأجل النصح والإرشاد لم تُعتبر قاطعاً للرحم في هذه الحال بل إن هجر المقيم على المعصية إذا لم ينفع معه التوجيه والنصح إن كان سيرجع إلى الصواب مشروع , ولكن اعلم أنه لا يُطالب المسلم بهجر الفساق مطلقاً بل المراد إن كان في هجرهم صلاح لهم هجرهم وإن لم يكن فليهجرهم وقت فعلهم للمنكر فقط , وهذا إذا لم يحضرهم للإنكار عليهم. كيفية التعامل مع مجالس الأقارب التي تحوي منكر: الواجب مقاطعة مجالس المنكر ولو كانوا أرحاماً ولا يضر أنهم قاطعوك وقطعوا الصلة بينك وبينهم في المستقبل بناءً على مقاطعة مجالسهم التي تشمل على المنكر , وإذا قاطعوك وقطعوا الصلة في هذه الحال , فصلهم بما تستطيع من المعروف ويكون عليهم إثم القطيعة ولك أجر الصلة والإحسان من دون مجالستهم وهم على معصية , ولتعلم أن المسلم إذا قطعه أرحامه من أجل إقامة حدود الله فهو منصور عليهم والواجب على المسلم طاعة الله وعدم معصيته ولو أدى ذلك إلى قطيعة بينه وبين أقاربه. هل يجوز هجران الرحم المؤمنة الصالحة إذا كان لا يُمكن مواصلتها إلا بالاتصال بالرحم الكافرة؟ أو بمعنى آخر إذا كان هجر من يستحق الهجر من ذوي الأرحام لا يمكن أن يقع إلا بهجر من لا يستحق الهجر من ذوي الرحم فما العمل؟ نقول أن الهجر للأقارب المستحقين للهجر منوط بالمصلحة سواءً كانت المصلحة في حق الهاجر أو كانت المصلحة في حق المهجور, فإذا لم يكن للهجر فائدة فليستمر المسلم في مواصلتهم مع نصحهم , وأما من لا يستحق الهجران من الأقارب فلا يُشرع هجرانه بسبب وجود بعض الفساق من حوله فإن الهجران قطيعة للرحم وهي حرام والصلة واجبة وخاصة إذا كان لا يستطيع أن ينفك عنهم كأن يكون لهم حق عليه واجب كأبيه وأمه المشركين وزوجته الكتابية , وذلك لأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة والمفسدة هنا هي قطع رحم الأقارب وغضبهم لذلك والمصلحة هي تأثر المهجور وابتعاده عن الأشياء التي قوطع من أجلها وقد ذكر أهل العلم أن الحق لا يُترك لأجل الباطل إلا أن

كيفية معاملة صاحب المال الحرام

على المسلم أن يُداري هؤلاء الفساق والكفار. من المعلوم أن صلة الأرحام تتطلب زيارتهم وإجابة دعواتهم وبعض الأرحام لا يُبالي بماله من أين اكتسبه , والسؤال كيف يُعامل صاحب المال الحرام؟ المحرم وأنواعه: 1 - محرم لعينه كالخنزير والخمر والمغصوب والمسروق , فهذه الأصناف لا تجوز المعاملة فيها علماً بأن المسروق والمغصوب لو باعه غاصبه وسارقه جاز معاملته في ثمنهما علماً بأن النقدين لا تلحقه صفة العينية. 2 - محرم لكسبه كالربا والغش ونحوها والرشاوي فهذه تجوز معاملة أصحابها فيها وقبول هداياهم ونحو ذلك. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير سورة البقرة: الخبيث لكسبه مثل المأخوذ عن طريق الغش أو عن طريق الربا أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب. اهـ. وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا وَلَا يَزَالُ يَدْعُونِي قَالَ الثَّوْرِيُّ إنْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ: وَمُرَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَلَامُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا. وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إذَا كَانَ لَك صَدِيقٌ عَامِلٌ فَدَعَاك إلَى طَعَامٍ فَاقْبَلْهُ فَإِنَّ مَهْنَأَهُ لَك وَإِثْمَهُ عَلَيْهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ عَامِلُ الْبَصْرَةِ يَبْعَثُ إلَى الْحَسَنِ كُلَّ يَوْمٍ بِجِفَانِ ثَرِيدٍ فَيَأْكُلُ مِنْهَا وَيُطْعِمُ أَصْحَابَهُ. وَبَعَثَ عَدِيٌّ إلَى الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ فَقَبِلَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَرَدَّ ابْنُ سِيرِينَ قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ طَعَامِ الصَّيَارِفَةِ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرَكُمْ اللَّهُ عَنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الرِّبَا وَأَحَلَّ لَكُمْ طَعَامَهُمْ. وَقَالَ مَنْصُورٌ: قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَرِيفٌ لَنَا يُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ وَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ , فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لِلشَّيْطَانِ غَرَضٌ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً , قَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ , ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ قُلْت: نَزَلْتُ بِعَامِلٍ فَنَزَّلَنِي وَأَجَازَنِي قَالَ: اقْبَلْ قُلْت: فَصَاحِبُ رِبًا قَالَ: اقْبَلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهَمْطُ الظُّلْمُ وَالْخَبْطُ يُقَالُ هَمَطَ النَّاسَ فُلَانٌ يَهْمِطُهُمْ حَقَّهُمْ , وَالْهَمْطُ أَيْضًا الْأَخْذُ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ , وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالِاحْتِمَالِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى انتهى. خلاصة فقه صلة الرحم: من الفرائض على المكلف أن يصل رحمه أي قرابته المؤمنين الصالحين وتكون الصلة بالزيارة كما ذكرنا وببذل المال وبالقول الحسن وبالسؤال عن الحال والصفح عن زلاتهم وبالمعونة لهم عند الحاجة وقيدنا بالمؤمنين لأن الكافرين والفاسقين الراجحة معاصيهم على طاعاتهم لا يُطلب من المسلم لهم إلا بر والديه وأما الصلة وما شابهها مما يستدعي كثرة التردد ومحبة جميع ما عليه

الإنسان فلا , ولكن لو وصلهم لكان فضلاً , ويدل على أهمية صلة الرحم ما جاءت به الشريعة من النهي الشديد عن التفاخر بالأنساب؛ لأنها من أعمال الجاهلية، ومعلوم أن تعلم الأنساب والاشتغال بها مظنة للتفاخر بها، لكن هذه المفسدة المظنونة ملغاة؛ لتحقيق مصلحةٍ أعظم وهي صلة الرحم، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعلم النسب لأجل ذلك وقال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"، وفي روايةٍ: "اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم؛ فإنه لا قرب لرحمٍ إذا قطعت وإن كانت قريبةً، ولا بعد لها إذا وصلت وإن كانت بعيدةً". رواه الحاكم وصححه. وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر: "تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم، والله إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه الشيء، ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه". وقد قال علي -رضي الله عنه-: "عشيرتك هم جناحك الذي بهم تحلق، وأصلك الذي به تتعلق، ويدك التي بها تصول، ولسانك الذي به تقول، هم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعُد سقيمهم، ويسر على معسرهم، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك". وإليك هذه القصة التي تنضح نبلاً وشرفًا: حُكي عن بنت عبد الله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف –وكان أجود قريش في زمانه- قالت: يا طلحة: ما رأيت قومًا ألأمَ من إخوانك!! قال: ولمَ ذاك؟! قالت: أراهم إذا أيسرتَ وكثر مالك زاروك ولزموك، وإذا أعسرت تركوك؟! قال: "هذا والله من كرمهم؛ يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم". فانظر كيف تأوَّل بكرمه هذا التأويل، وفسر بنبيل أخلاقه هذا التفسير، حتى جعل قبيح فعلهم حسنًا، وظاهر غدرهم وفاءً، وهذا محض الكرم ولباب الفضل، وبمثل هذا يلزم ذوي الفضل أن يتأولوا الهفوات ويمحوا الزلات من إخوانهم وأرحامهم وأصهارهم، إنه تغافل مع فطنة، وتآلف صادر عن وفاء، وعلاقات الرحم ووشائج القربى لا تستقيم ولا تتوثق إلا بالتغافل، فمن شدد نفَّر، ومن تغاضى تآلف، والشرف في التغافل، وسيد قومه المتغابي. أخي القارىء الكريم اعلم أنّ ذوي الرّحِم غيرُ معصومين، يتعرّضون للزّلَل، ويقَعون في الخَلل، وتصدُر منهم الهَفوة، ويقَعون في الكبيرة، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخطؤوا، لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم، قال: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ) يوسف:92. غُضَّ عن الهفواتِ، واعفُ عن الزّلاّت، وأقِلِ العثرات، تجنِ الودَّ والإخاء واللينَ والصفاء، وتتحقَّق فيك الشهامةُ والوفاء. داوِم على صِلة الرّحم ولو قطعوا، وبادِر بالمغفرة وإن أخطؤوا، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين، ولا تجعَل عِتابَك لهم في قطعِ رحمِك منهم، وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء، وجانب الشحَّ فإنّه من أسباب القطيعة، قال عليه الصلاة والسلام: ((إيّاكم والشّحَّ؛ فإنّ الشحّ أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالبُخل فبخلوا، وأمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا)) متفق عليه. إنّ مقابلةَ الإحسانِ بالإحسان مكافأةٌ ومجازاة، ولكن الواصلَ من يَتفضَّل على صاحبِه، ولا يُتَفضّل عليه، قال عليه الصلاة والسلام: ((ليسَ الواصل بالمكافئ، ولكنّ الواصلَ مَن إذا قطعَت رحمُه وصَلها)) رواه البخاري. قيل لعبد الله بن مُحَيريز: ما حقّ الرّحم؟ قال: "تُستَقبَل إذا أقبَلت، وتُتْبَع إذا أدبَرت"، وجاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، إنّ لي قرابةً أصِلهم

ويقطعونني، وأُحسِن إليهم ويسيؤون إليّ، وأحلم عليهم ويجهَلون عليّ، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لئن كان كما تقول فكأنّما تسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمتَ على ذلك)) رواه مسلم. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بخصالٍ من الخير: (أوصاني أن لا أنظرَ إلى من هو فوقي وأن أنظر إلى من هو دوني، وأوصاني بحبّ المساكين والدُنُوِّ منهم، وأوصاني أن أصِلَ رحمي وإن أدبرت، وأوصاني لا أخاف في الله لومة لائم) رواه الإمام أحمد وابن حبان. واصبر واحتسب، وكما قيل: وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلفُ جدًّا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدًا وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيِّي هويت لهم رشدًا وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم دعوني إلى نصر أتيتهم شدًّا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جل مالي إن تتابع لي غنى وإن قل مالي لم أكلفهم رفدًا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا ومن أشهر قصص صلة الرحم ما كان من أمر صديق الأمة أبي بكر -رضي الله عنه- مع أحد قرابته وهو مسطح بن أثاثة الذي كان فقيرًا، فكان أبو بكر ينفق عليه، ولكن مسطحًا تكلم في أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- في قصة الإفك، فماذا كان من أبي بكر نحوه؟! أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة الطويل في قصة الإفك أنها قالت: "فأنزل الله عز وجل: (إِنّ الّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزّ وَجَلّ- هَؤُلاَءِ الآيَاتِ بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَىَ مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَال لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآية: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فقالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ، إِنّي لأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النّفَقَةَ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا". هذا هو صنيع أصحاب رسول الله مع رحمهم، وهذا دأبهم، واصلون لرحمهم حتى إن أساؤوا إليهم إساءة بهذه الدرجة فالله المستعان. والصلة بالزيارة إنما تكون ممن قرب من محل أرحامه وأما بعيد المحل فتكون زيارته بمهاتفته , دل على فرضية صلة الأرحام الكتاب والسنة والإجماع , ومن تركها يكون عاصياً , ويستحب صلة الرحم وصلك أو قطعك فإنه قد قيل ليس الواصل من يصل من وصله وإنما الواصل من يصل من قطعه لأن مواصل المواصل بائع ومشتر، ويُستثنى من ذلك من يكون رحمه يتعاظم عليه بحيث لا يُحب أن يصله ويتضرر من حضوره له كما هو مشاهد في بعض الأغنياء لا يحبون من أرحامهم الفقراء القُرب إليهم فهؤلاء لا يُطلب من القريب الفقير صلتهم على وجه الوجوب ولا شك في إثم الغني بل هو اللئيم لأنه الذي إذا استغنى يجفو قرابته ويُنكر نسبتهم إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حقوق الزوجية وكيفية اختيار الزوج والزوجة

• حقوق الزوجية: كيفية اختيار الزوج والزوجة: أخي المسلم ابحث عمن تلائمك وتصلح لك، واجعل الدين والخلق في مقدمة المعايير التي ستختار على أساسها زوجتك، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". , وعلى هذا فأساس اختيار الزوج أو الزوجة هو الدين، ولا خير في زوج أو زوجة لا دين له، وإن ملكا الدنيا بأسرها، لأن سعادة العيش في الدنيا والفلاح في الآخرة لا يكونان إلا بالدين، وما سواه متاع الغرور، وذلك هو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يكون أساس الاختيار هو الدين كما قد علمت، لأن المتدينة أرعى لحقوق الله تعالى، وحقوق الزوج والأولاد والبيت، وليس معنى هذا إغفال المعايير الأخرى من جمالٍ وحسب، بدليل إرشاده صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها, ولتعلم أخي المُقبل على الزواج أنه يستحب أن تكون الزوجة بكراً فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: «تزوجت. فقال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ما تزوجت؟ قلت: ثَيِّبا. فقال: مالَكَ وللعذارَى ولِعابِها؟». وفي حديث مسلم: «فأين أنت من العذارى ولِعابها؟». قال شعبة: فذكرته لعمرو بن دينار. فقال: سمعته من جابر، وإنما قال: «فَهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟».، وكذلك يستحب أن تكون الزوجة من نساء عُرفن بكثرة الولادة فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه -: قال: جاء رجل إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إِني أصَبْتُ امرأة ذاتَ حَسَب وجمال، وإنها لا تَلِدُ أَفأَتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة. فقال: تزوجوا الودود الولود. فإِني مكاثر بكم». أخرجه أبو داود، والنسائي، ويشترط فيمن أردت خطبتها أن لا تكون محرمة عليك تحريماً مؤبداً، أو مؤقتاً، وأن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع خطبتها، وأن لا تكون مخطوبة لغيرك. وبالجملة لتستشر الأمناء، وأهل الخير والصلاح في ذلك، ولتحرص على أن تنظر إليها من غير خلوة. ومن طرق البحث أن توصي صالحات نساء أهلك وزوجات أصدقائك، ثم إن قدِّمت لك عدة خيارات فاستخر الله تعالى، واختر أحدها، ثم حاول مقابلة من وقع اختيارك عليها، وانظر منها إلى ما يدعوك إلى نكاحها, ففي المسند وسنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إليها فليفعل" زاد أبو داود قال جابر: فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها فتزوجتها. وفي المسند وسنن الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قلت: لا. قال: "انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما", ولا يشترط للرؤية إذن المرأة ولا إذن أوليائها عند جمهور أهل العلم اكتفاءً بإذن الشارع، ولعموم الأخبار في ذلك, ولك أن تنظر منها إلى وجهها وكفيها وقامتها وشكلها، ولك أن تتخاطب معها لتسبر عقلها، وتسمع منطقها، وتسألها عما تحب، وما لا تحب. وفي حال عدم تمكنك من رؤيتها لسبب ما فابعث إليها امرأة ثقة، عاقلة تتأملها، ثم تصفها لك،

حقيقة ما يثار حول الزواج من الأقارب والتحذير منه

لتكون على بصيرة من أمرك، وعليك أن تحرص على الظفر بذات الدين كما بينا، لأن الزواج عندما يكون رغبة في الدين يكون من أوثق العقود حالاً، وأدومها مودة، وأحمدها بدءاً وعاقبة، ومن طلب الدين واتبعه، استقام حاله، وطاب عيشه فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة " رواه مسلم، ولا مانع من أن تبحث عن ذات الدين الجميلة، بل يفضل ذلك، قال ابن قدامة: "ويختار الجميلة لأنها أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته، ولذلك شرع النظر قبل النكاح" انتهى. وقد روى النسائي عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره"، وينبغي للخاطب أن يسأل عن جمالها أولاً، ثم يسأل بعد ذلك عن دينها، حتى إذا ردها لم يكن قد ردها لدينها. قال الإمام أحمد بن حنبل:" إذا خطب رجل امرأة سأل عن جمالها أولاً، فإن حمد سأل عن دينها، فإن حمد تزوج، وإن لم يحمد يكون رده لأجل الدين، ولا يسأل أولا عن الدين فإن حمد سأل عن الجمال، فإن لم يحمد ردها، فيكون ردها للجمال لا للدين." ولا تطلب المثالية في كل الصفات، فإن منال ذلك عسير، وننبهك هنا إلى أمرين: الأول: أن لقاءك بها لابد أن يكون من غير اختلاء بها، وإنما يكون بحضور أحد محارمها هي، أو محارمك أنت من النساء. الثاني: أنه إذا حصل ذلك اللقاء وجب عليك بعد ذلك أن تكف عن أي اتصالٍ بها، حتى يتم عقد الزواج بينكما، لأنها قبل إتمام عقد الزواج أجنبية عنك. ثم إن وجدت ما يرضيك، فاستعن بالله تعالى واخطبها. ثم إن تزوجتها فاستوص بها خيراً، واتق الله فيها، فإنها أمانة عندك، أخذتها بأمان الله تعالى، واستحللت فرجها بكلمة الله تعالى. وهنا تنبيه أخير: من الأمور المهمة التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند اختيار الزوج المناسب زيادة على ماقررناه في أسس اختيار الزوجة، توفر التكافؤ بين الطرفين التكافؤ الديني والاجتماعي والمادي, والجانب المادي مهم وأساسي رغم تهميش الكثيرين له وهو من الأمور التي يجب أن تلتفت لها الفتاة عند اختيارها الزوج المناسب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" والمقصود بالباءة نفقات الزواج وإمكانية إعاشة الرجل للمرأة، وقوله عليه الصلاة والسلام لمن جاءت تستشيره فيمن تقدَم لخطبتها (أما معاوية فصعلوك لامال له) والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمراره قدرة الرجل على الإنفاق, فليس محموداً أن تقبل الفتاة بأي شاب يتقدم لها مجرد اقتناعها بفكرة الزواج، أو وجود مزايا جانبية أخرى، فيجب أن يكون لديه على الأقل ما يكفيه ويكفي زوجته، وهو ما يوفّر الكثير من الخلافات التي قد تنشأ بعد الزواج, ولا نقصد على أية حال أن يكون الزوج ميسوراً وغنياً، فيكفي القدرة على النفقة بالمعروف ليكون كفؤاً للزواج، ولنا في الآية الكريمة موثقاً من الله في ذلك، حيث يقول تبارك وتعالى: " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ". حقيقة ما يُثار حول الزواج من الأقارب والتحذير منه: قد حرم الله الزواج من بعض الأقارب، مثل: نكاح الأمهات والبنات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، والعمات، والخالات، فهذا من زواج الأقارب المحرم قطعاً في الشريعة الإسلامية. وما سواه من أقارب النسب، فقد أحله الإسلام، فبعد آية تحريم النساء في سورة النساء: (حرمت عليكم أمهاتكم) قال سبحانه بعدها: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) , فزواج بنت العمة، أو بنت العم، أو بنت الخال، أو

حكم النفقة على الزوجة وعلاجها وحدود طاعتها الواجبة لزوجها

بنت الخالة، إباحته تعتبر من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، وأما ما ورد من آثار تنصح بزواج الأباعد دون الأقارب، فكلها لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت عنه أن الإنسان يتخير الأكفأ ديناً وخلقاً , وما يثار طبياً عن زواج الأقارب من أنه سبب لكثير من الأمراض دعوى تحتاج إلى برهان، بل إن كثيراً من الأطباء يفندون هذه الإشاعة ويهونون منها. يقول الدكتور محمد البار في هذا الشأن: الأمراض الوراثية التي نسميها متنحية موجودة لدى الزوج، وموجودة لدى الزوجة، وكلاهما يبدو سليماً من هذه الأمراض التي هي تزداد بزواج الأقارب، ونسبة الأمراض الوراثية - عبر جيل واحد - الموجودة في المجتمع لا تزيد عن 2 % من التشوهات الموجودة في الأطفال المواليد عند ولادتهم، وهي حوالي 2 - 3%، أو من 3% إلى 4% فهناك نسبة زيادة، ولكنها ليست على نطاق واسع كما يشاع ويظهر أمام الناس، وبعض الدعايات وحتى بعض الأطباء يشنون حملة شديدة على زواج الأقارب غير مبررة بهذه الصورة. انتهى. فهذه الأمراض الوراثية لا تكون إلا بنسبة ضئيلة جداً، وفي حالة زواج الأقارب المتكرر داخل الأسرة. أما الدكتور أحمد شوقي إبراهيم مستشار الأمراض الباطنية بمستشفى الصباح بالكويت، فقد خلص في بحثه إلى أن القول بأن زواج الأقارب يسبب أمراضاً وراثية في الذرية ليس صحيحا في كل الأحوال، وأنه لا ينبغي أن يكون قانوناً عاماً، أو قاعدة عامة، بل إن لزواج الأقارب بعض الإيجابيات حتى الصحية في بعض الأحوال، وأنه ينقذ الأجيال القادمة من كثير من الأمراض. وخلص إلى أنه لا فضل لزواج الأقارب على زواج الأباعد، ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب، وأن على كل من الرجل والمرأة أن يختار شريكه وفق الصفات الخَلْقية والخُلُقية، ولو كان في زواج الأقارب ضرر لما أحله الله تعالى لرسوله، وأشار إليه إشارة صريحة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ الآية). وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، وهي ابنة عمته، وزوج ابنته فاطمة بابن عمه علي ابن أبي طالب، ولم يزل السلف يتزاوجون من أقاربهم، والأمر في النهاية يعود إلى طبيعة المرأة، وطبيعة الرجل، ووجود طفل مشوه من زوجين قريبين لا يعني حصر ذلك في زواج الأقارب، ولذلك لا ينبغي الإحجام عن زواج الأقارب لهذا الأمر، وأن لا ينتاب الإنسان قلق منه، ولا يجوز للمرأة أو الرجل منع الحمل خوف إنجاب ذرية مشوهة، فلو تخوف الإنسان مما قد يحدث له في المستقبل لما تحرك خطوة، ولكن علينا الأخذ بالأسباب والرضى بقضاء الله وقدره, والله أعلم. حكم النفقة على الزوجة: النفقة تجب للزوجة على زوجها بمجرد أن تمكنه من نفسها سواء استمتع بها أم لا. وتكاليف المعيشة كلها ونفقة الزوجة وتوابعها كلها تجب على الزوج , ولو كانت الزوجة عاملة ولها مرتب فلا يلزمها شرعاً شيء من ذلك، إلا أن يشترط عليها الزوج شيئاً من الراتب مُقابل سماحه لها بالخروج فيجب عليها في هذه الحالة أن توفي بهذا الشرط. حكم علاج الزوجة: علاج الرجل زوجته يُرجع فيه إلى العُرف فما جرت العادة به من الدواء أن يكون على الزوج فهو على الزوج ومالم تجرِ العادة به فليس على الزوج إلا أن الأولى والأحسن والذي ينبغي من جهة الكمال أن يُعالج الرجل زوجته على كل حال.

كيفية معاشرة الزوجة

حدود طاعة الزوجة لزوجها الطاعة الواجبة: وجوب طاعة المرأة لزوجها إنما تكون فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه. كيفية معاشرة الزوجة: لا يخفى أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها , ويعاشرها بالمعروف فالله سبحانه وتعالى يقول: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقال تعالى (وعاشروهن بالمعروف) , وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خُلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تُقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء) متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين " المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها وإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج " وفي رواية لمسلم " إن المرأة خُلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج وإن ذهبت تُقيمها كسرتها وكسرها طلاقها", وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) رواه مسلم. وقوله يفرك هو بفتح الياء وإسكان الفاء معناه يبغض يقال فركت المرأة زوجها وفركها زوجها بكسر الراء يفركها بفتحها أي أبغضها والله أعلم. وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال (ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذى. وقال حديث حسن صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم عوان أي أسيرات جمع عانية وهى الأسيرة والعاني الأسير شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير والضرب المبرح هو الشاق الشديد وقوله صلى الله عليه وسلم فلا تبغوا عليهن سبيلا أي لا تطلبوا طريقا تحتجون به عليهن وتؤذونهن به والله أعلم. وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال (أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) حديث حسن رواه أبو داود وقال معنى لا تقبح أى لا تقل قبحك الله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وبالجملة فإن على الزوج النفقة على زوجته , وللزوجة من المسكن والمطعم والملبس ما يساوي مثلها من النساء , والحد الأدنى من النفقات التي يجب توفيرها للزوجة، فإنها تتلخص في توفير الضروري لها من المسكن والمطعم والملبس، وذلك يختلف باختلاف طبقات النساء المادية والاجتماعية، إذ ما يصلح لواحدة قد لا يصلح للأخرى، ولكن للزوجة من ذلك ما يساوي مثلها من النساء، كما قررنا وفي الحديث الصحيح: أطعمها إذا طعمت، وأكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب رواه أبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح.

كيفية معاشرة ومعاملة الزوجة الكتابية

ومن حق الزوجة على زوجها أن يسكنها سكناً مستقلاً مناسباً لا تتعرض فيه لضرر والمقصود بالسكن المستقل أن يكون للزوجة حجرة مع ملحقاتها من ممر مستقل أي مدخل ومخرج ومطبخ ومكان قضاء الحاجة. ولتعلم أنه لا مانع من أن يتزوج المسلم في بيت أهله، وذلك بشرطين: الأول: أن ترضى الزوجة بذلك، لأن المسكن المستقل حق للزوجة، فإن تنازلت عنه جاز لها ذلك، وإن لم تتنازل عنه فهو حق لها. الثاني: إذا رضيت الزوجة بذلك، وكان في البيت رجال أجانب عن الزوجة كالأخ ونحوه، فيجب أن تلتزم الزوجة بالحجاب الشرعي، وأن تحذر من الخلوة معهم، أو الظهور أمامهم بهيئة المتبرجة تجنباً للفتنة، وحذراً من الوقوع في الإثم، وإذا أمكن أن تجعل لزوجتك مدخلاً مستقلاً ومرافق مستقلة، فهذا أوفق لما قرره الفقهاء، لأن استقلال المرافق والمدخل والمخرج أحفظ لها وأصون. ولتعلم أخيراً أن الزوجة لا يلزمها خدمة أم الزوج أو غيرها من أقاربه لكن إن فعلت ذلك فلا شك أنه من حسن العشرة ومكارم الأخلاق. ومن حق الزوجة على زوجها ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر إلا بإذنها. ويجب على الزوج أن يطأ زوجته بالمعروف بقدر كفايتها ما لم يضره في بدنه أو في معيشته من غير تقدير لمدة. ولا يجوز للمرأة أن تمتنع من فراش زوجها، وإن كان عاصياً فاسقاً فإثمه على نفسه , ولتعلم الزوجة أن الصبر على الزوج والتغافل عن زلاته من أسباب دوام العشرة، فكل بني آدم خطاء , والإنسان مهما كملت صفاته وحسنت أخلاقه واستقامت أموره وأحواله، فلا بد أن تصدر منه بعض الهفوات والأخطاء. وعلى كل حال ينبغي حسن الخلق مع الزوجة وكف الأذى عنها بل واحتمال الأذى عنها والحلم عند طيشها وغضبها. وينبغي أن لا ينبسط في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هواها إلى حد يُفسد خلقها ويُسقط هيبته بالكلية بل يراعي الاعتدال في ذلك فلا يدع الهيبة والانقباض مهما رأى منكراً ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات ألبته بل مهما رأى ما يخالف الشرع والمروءة تنمَر وامتنع , وعلى الجملة فبالعدل قامت السماوات والأرض فكل ما جاوز حده انعكس على ضده فينبغي أن يُسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة ويتبع الحق في جميع ذلك , والطبيب الحاذق هو الذي يُقدَر العلاج بقدر الداء , وليعامل المرأة بما يُصلحها كما يقتضيه حالها. • كيفية معاشرة ومعاملة الزوجة الكتابية: أمر الله عز وجل بمصاحبة الوالدين الغير مسلمين بالمعروف والزوجة الكتابية المحصنة الغير محاربة تُنزَل منزلة الوالدين. - حكم إكراه الزوجة الكتابية على الدين الإسلامي: لقد أباح الله لنا الزواج من الكتابية وليس للزوج أن يكرهها على الإسلام يقول الله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشدُ من الغي .. الآية} (البقرة 256). - حكم ممارسة الزوجة الكتابية لدينها وإظهارها لشعائره: ليس للزوج أن يمنع زوجته الكتابية من ممارسة دينها كالصلاة, والصيام, وقراءة كتابها المقدس لديها , وأما ذهابها إلى الكنيسة أو المعبد, أو البيعة, أو حضور الأعياد , فيرى الكثير من أهل العلم

أن للزوج منع زوجته الكتابية من الذهاب إلى المعبد أو الكنيسة أو البيعة , لكي لا يعينها على أسباب الكفر وشعائره. وأما حكم إدخالها للصليب في بيته أو الزنار فقد ساق ابن القيم في هذه المسألة رواية عن الإمام أحمد وهي: هل للزوج أن يمنع زوجته الكتابية أن تدخل منزله الصليب؟ قال: يأمرها, فأما أن يمنعها فلا وإذا قالت اشتري لي زناراً, فلا يشتري لها, تخرج هي تشتري, فقيل له: جاريته تعمل الزنانير؟ قال: لا. انتهى. والسبب في عدم شراء الزنار لأن فيه إظهار لشعائر الكفر, ولا يمكّن جاريته من عمله؛ لأن العوض الذي يحصل لها صائر إليه وملك له. وأما حكم احتفالها بعيدها في بيته فلا يجوز للمسلم أن يسمح لزوجته الكتابية بالاحتفال بعيدها في بيته لما يترتب على ذلك من المفاسد والمحرمات, وإظهار شعائر الكفر في مسكنه. ومما ينبغي على الزوج تعريف الزوجة الكتابية بالإسلام ودعوتها إليه وتوضيح شعائره لها , وبعد أن يقوم المسلم بتعريف واسع للإسلام وسماحته لزوجته فعليه أن يأمرها باحترام وتقدير هذا الدين العظيم ولا يتنازل الزوج عن ذلك أبداً، وأرى أن يشترط الزوج في بداية زواجه منها شرطاً مفاده أن تحترم هذا الدين وتقّدر شعائره. - حكم إبقاء المصحف عند الزوجة الكتابية وتمكينها من لمسه والقراءة فيه وتعليمها إياه: يجوز للمسلم أن يترك المصحف عند زوجته الكتابية إن أمن أنها لن تناله بسوء وله أن يمكنها من قراءته بحائل لعلها تهتدي بنوره وتدخل في الإسلام. - حكم دخول الزوجة الكتابية مكة والمدينة: لا يجوز للزوجة الكتابية أن تدخل منطقة الحرم كلها, أما منطقة الحجاز والجزيرة العربية فيجوز لها ذلك لأنها في حكم المستأمن إضافة إلى أن الله قد أباح النكاح من الكتابيات والمسلم قد يحتاج أن يسافر بأهله لمنطقة الحجاز ولا شك أن الزوجة تبع لزوجها ولعل القول بالتحريم فيه مشقة على الزوج والله أعلم وأحكم. - حكم صلة أقارب الزوجة الكتابية: الأصل في ذلك قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (سورة الممتحنة آية 8). وأما حكم تهنئة الزوجة الكتابية: فإذا كانت التهنئة بشعائر الكفر المختصة بدينها فإنها حرام أما تهنئه الزوجة في الأمور المشتركة مثل قدوم المولود, أو عافية, ونحو ذلك فجائزة. وأما حكم إلقاء السلام على الزوجة الكتابية وردّه عليها: ذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام على المخالفين من أهل الكتاب والمشركين أما الرّد على السلام إذا ألقته الزوجة الكتابية فقد ذهب جماعة من السلف إلى جواز الرد على الكفار بـ (وعليكم السلام). - حكم قبول هدية الزوجة الكتابية والإهداء إليها: الأصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها سواء من أهل الكتاب أو المشركين. - حكم تشميت الزوجة الكتابية إذا عطست:

يجوز تشميت الزوجة الكتابية إذا عطست وحمدت الله تعالى فيقول لها الزوج يهديكم الله ويصلح بالكم. - حكم رقية الزوجة الكتابية: يجوز للزوج المسلم رقية زوجته الكتابية ولعلها تسلم حينما ترى بركة القرآن ونزول الشفاء عليها بإذن الله تعالى. - كيفية تربية الأولاد مع الزوجة الكتابية: حينما أجاز الشرع أن يتزوج المسلم بالكتابية, فإن ذلك مبني على الخضوع لأحكامه, فالرجل له القوامة على المرأة, وبالتالي لا يدعها تتصرف كيفما شاءت في أمور البيت أو في تربية الأطفال على ما يخالف الإسلام. وينبغي للمسلم أن ينظر في المحذورات المتوقعة من هذا الزواج ويتفق مع المرأة على تفاديها كأن يتفق معها على ما يلي: 1 - قوامته على البيت وعدم منازعتها له وأن تكون تربية الأولاد على الدين الإسلامي ولا يتنازل عن ذلك قيد أنملة. 2 - في حال الطلاق تكون الحضانة له. 3 - عدم ممارستها لدينها أمام الأولاد أو إظهار شيء من شعائره. 4 - عدم دعوتها للأولاد إلى دينها. 5 - عدم اصطحابها الأولاد إلى أماكن العبادة الخاصة بدينها وعدم الخروج بهم أو السفر بهم بدون إذن الزوج. 6 - حرصها على تنشئتهم على الأخلاق الحسنة , وبالنسبة لتعليمهم ودراستهم لا تكون إلا عن طريق الزوج , وبالنسبة لزواجهم فيما بعد لا يكون إلا عن طريق الزوج أيضاً. 7 - عدم خضوع الزوج للقوانين التي تخالف الدين الإسلامي وخاصة فيما يتعلق بالأطفال. 8 - حرصها على نفسها, وعفتها, وعلى الزوج, وعلى البيت, والأولاد, والأمانة في ذلك والصدق في التعامل. - حكم أمر الزوجة الكتابية بالحجاب: يلزم الزوج أمر زوجته بالحجاب، ولو كانت كتابية؛ لأن معرة سفورها وتبرجها راجع عليه. وللزوج أن يأمر زوجته بما تراه مباحا، ويراه هو واجبا، ويلزمها طاعته في ذلك. - حكم أمر الزوجة الكتابية بالامتناع من شرب الخمر وأكل الخنزير: الذي لا يحق للزوج المسلم منع زوجته الكتابية منه هو ما تراه واجبا عليها في دينها ولو كان فعلها له يضيع عليه شيئاً من حقوقه، كما أنه ليس له إجبارها على فعل ما تراه محرماً عليها في دينها ولو فوت عليه شيئاً من حقوقه، وأما بخصوص المسألة المشار إليه أعلاه , فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن المسلم إذا تزوج كتابية فله منعها من شرب الخمر , وأكل لحم الخنزير , وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة، وهو قول جماعة من الحنفية. قال في "البحر الرائق" –حنفي- (3/ 111) ناقلا عن بعض الحنفية: " إن المسلم له أن يمنع زوجته الذمية من شرب الخمر كالمسلمة لو أكلت الثوم والبصل وكان زوجها يكره ذلك، له أن يمنعها. وهذا هو الحق كما لا يخفى " انتهى.

حكم العدل بين الزوجات وحدوده

وذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين ما يسكر من الخمر وما لا يسكر وذهب بعضهم بعدم إلزامها على ذلك , قال في "الإنصاف" –حنبلي- (8/ 352): " تمنع الذمية من شربها مسكرا إلى أن تسكر. وليس له منعها من شربها منه ما لم يسكرها على الصحيح من المذهب. نص عليه [أي الإمام أحمد]. وعنه: تمنع منه مطلقا. وقال في "الترغيب": ومثله: أكل لحم خنزير " انتهى. وذهب المالكية إلى أنه ليس له منعها من شرب الخمر وأكل الخنزير كما في "التاج والإكليل" (5/ 134).وقد ذكر ابن القيم في أحكام أهل الذمة الآتي:"قال: رجل تزوج نصرانية، أله أن يمنعها من شرب الخمر؟ قال - يعني الإمام أحمد- يأمرها، قيل له: لا تقبل منه، أله أن يمنعها؟ قال: لا". مسألة: حينما تكون الزوجة غير محبوبة للزوج وليس فيها عيب في دين أو خلق فما العمل؟ قد وضع الإسلام أساساً عليه يتم اختيار الزوجة،، وعلى أي حال فقد تم الزواج، وأصبح الزوج مسؤولاً عنها فليستوص بها خيراً، وليُحسن عشرتها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمناً مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر"، وليدع عنه التحليق في عالم الخيال وليهبط إلى أرض الواقع، وليستحضر مقولة عمر رضي الله عنه "فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب" , علماً أن الزوج لو طلقها لا تثريب عليه. حكم العدل بين الزوجات وحدوده: العدل في الجملة من أجل العبادات وأوجب الطاعات، والظلم من أقبح الذنوب، ولهذا حرمه الله تعالى على نفسه، والعدل بين الزوجات من أوجب الواجبات؛ لأن المرأة في الغالب لا حيلة لها ولا لها اختيار تام بسبب ارتباط مصيرها بزوجها، أو لأجل ولدها إن كان لها منه ولد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم، ومعنى (عوان) أسيرات. وحذر من عدم إقامة العدل بينهن فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" رواه النسائي من حديث أبي هريرة. والقاعدة في ماهية وحدود العدل بين الزوجات هو اعتبار ما دل عليه الكتاب والسنة مما يُراد به العموم والتشريع، وما لم يرد فيه نص فإن المعتبر في العدل بينهن: ضرورة العقل السليم الذي لا يُعارض النقل، وما يكون عشرة بالمعروف، وما يعده الناس عدلاً، وحين اختل فهم هذه القاعدة عند البعض أدخلوا في عشرة الزوج زوجاته ما ليس عدلاً، وأخرجوا بسبب ذلك ما يجب عليه من العدل , وبناءً على ذلك فإنه يجب على الرجل أن يعدل بين زوجاته في المبيت والمسكن والنفقة من مطعم ومشرب وملبس فالعدل الواجب على الزوج تجاه زوجاته هو التسوية بينهنَّ في القَسم والنفقة والكسوة والمؤنة، فإذا قام الزوج بما يجب لكل واحدة منهنَّ من النفقة , فهل له بعد ذلك أن يفضل إحداهنَّ على الأخرى بما شاء؟ فالأكثر من أهل العلم على جواز ذلك, قال الحافظ ابن حجر: والمراد بالعدل التسوية بينهنَّ بما يليق بكل منهنَّ، فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل القلب أو تبرع بتحفة. انتهى الفتح. والعدل واجب في المبيت بلا خلاف، وأما العدل في النفقة الزائدة عن الواجب، والهدايا والعطايا، فقد اختلف أهل العلم في وجوبه كما ذكرنا. وأما القسم فإنه يبدأ بمجرد البناء بالأخرى، ويقع البناء بها

بأخذها من بيت والدها ولو دون وليمة نكاح , ولا قسم ولا عدل في محبة القلب فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك". رواه أحمد وغيره , وقال تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيماً) , ولا يجب على الزوج العدل في الوطء. ويجب عليه المبيت ليلاً عند من لها النوبة، وأما المكث في البيت فيعدل فيه ما لم تدع إلى غير ذلك حاجة له أو ضرورة لضرتها، واعلم أن اليوم تابع لليلة الزوجة التي تبيت فيها عندها فما ينبغي أن تذهب إلى ضرتها في يومها إلا لحاجة أو ضرورة مثل تفقد حالها أو حال أولادها كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل. ويقتصر في ذلك كله على قدر الحاجة أو الضرورة. وعليه أن يقسم قضاء حاجاته خارج المنزل أو داخله بما يحقق العدل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ ما لم يقع بسبب ذلك في حرج ومشقة فيعدل في المستطاع، ويسقط عنه ما سوى ذلك للحرج. وله الدخول على إحداهن في زمن الأخرى للحاجة، ولو قبَّل أو ضم أثناء ذلك فلا حرج؛ لأنه تبع لدخوله لحاجته، وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً امرأة امرأة، فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها). رواه أحمد وأبو داود. أما السفر بإحدى الزوجات فالقول فيه أن أهل العلم قد اتفقوا على أنه لا يجب عليه أن يسافر بأي منهن، فله أن يسافر وحده، كما يجوز له أن يسافر بهن جميعاً، واختلفوا في السفر بواحدة منهن فقط، هل يجب أن يكون على سبيل القرعة بينهن، فيسافر بمن خرجت قرعتها؟ أو يجوز له أن يختار أيتهن شاء فيسافر بها، وتُطلب منه القرعة على سبيل الاستحباب فقط، لتطييب خاطر الجميع؟ والقول الأول أرجح، وعليه أكثر أهل العلم , وعلى هذا فإذا سافر لحاجته وأراد أخذ إحداهن معه وجب عليه أن يُقرع بينهن، وإذا أقرع لم يجب عليه القضاء، وأما إن خرج بإحدى الزوجات من غير قرعة استناداً إلى مذهب من يرى استحباب القرعة لا وجوبها فإن عليه أن يقضي للباقيات إذا رجع, وإن كان لدى الأخرى ما يعوقها عن السفر كتعليم أولاد؛ فلا يُقرع ويقضي للمقيمة. وإذا سافر بإحداهن لحاجتها هي في أمر دين أو دنيا وجب عليه أن يقضي للمقيمة , وإذا طال السفر لم يجب عليه أن يقضي للمقيمة دفعة واحدة بل ينجمه بما يدفع الضرر عمن سافرت معه, وليس له أن يجمع بينهن في سفر نزهة إلا برضاهن؛ فإذا سافر لهذا الغرض مدة وجب عليه أن يعطي الأخرى مثلها؛ ولو في عام قادم, ويقسم للمريضة كالصحيحة , وإذا سافرت الزوجة برضاها إلى أقاربها أو غيرهم بإذن زوجها فليس لها أن تطلب قضاء ما فاتها من الليالي، لأنها أسقطت حقها باختيارها ويجب عليه أن يعدل في النفقة الواجبة أكلاً وشرباً وكسوة، وأولى الأمور: أن تكون نقدية؛ ليحصل التساوي، وإن تعذر هذا لبخل في الزوجة أو تبذير اشترى لكل واحدة برغبتها مثل ما اشترى للأخرى في الثمن, ولا يلزمه أن يجعل مسكن الضرات متساوياً في السعة والمرافق، وإنما يكون هذا بحسب احتياج كل بيت، أما نوع الأثاث وقيمته فيعدل فيه ما استطاع. وليس له في العطية المطلقة أن يهب إحداهن دون الأخرى وهذا من باب الورع كما بيَنا. وكل أمر معين وقع للزوج فيه حرج إذا أراد العدل فالحرج مرفوع, ولا عدل فيما يُدفع من المهر؛ لأنه يُتفق عليه قبل وجوب القسم، ولا يجب عليه أن يعطي أهلها مثل ما يعطي أهل الأخرى؛ ما لم يقصد إغاظتها بذلك, وعلى الزوجة في كل حال التذرع بالصبر، وأن تحرص في الوصول إلى مقاصدها المشروعة أن يكون ذلك بالحسنى، وبالتلميح لا التصريح، وأن تحذر من التقصي في سعيها إلى حقوقها، وأن تكون متسامحة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً فإن هذا أدعى إلى محبته والقرب من قلبه، وهذا كله لا يمنع من المطالبة

فقه معاملة الناشز

بالحقوق، وفي الإشارة ما يُغني عن العبارة. وهنا تنبيهان الأول حكم العدل بين الزّوجات المسلمات والكتابيّات واجب , قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ القسم بين المسلمة والذّمّيّة سواء، وذلك لأنّ القسم من حقوق الزّوجيّة، فاستوت فيه المسلمة والكتابيّة، كالنّفقة والسّكنى، وهذا عند جميع الفقهاء. الثاني هل يجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعاً؟ الجواب نعم بشرط رضا الزوج. يقول ابن قدامة: ويجوز للمرأة أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعا ولا يجوز إلا برضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه انتهى المغني. فقه معاملة الناشز: قال تعالى في حق الناشز بغير حق: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34]. فابدأ مع الزوجة بما بدأ الله به، وهو الموعظة، وذلك بأن تذكرها بالله عز وجل، وما أوجب من طاعة الزوج في المعروف، ومن حرمة طلب المرأة الطلاق لغير سبب شرعي، ولا تنس أن تنظر في أوجه القصور منك تجاهها، ومبدأ الخلل نحوها فتصلحه، لعل الأمور تستقيم، فترجع عن نشوزها، فإن لم ترجع وتمادت في عصيانها فاهجرها في الفراش، فإن تمادت فاضربها في غير الوجه والمواضع المخوفة، ضرباً غير مبرح لا يكسر عظماً، ولا يشين جارحة، فهذه سبل الإصلاح في حق الزوجة الناشز الخارجة عن الطاعة، فإن لم تُجْدِ هذه السبل فآخر العلاج الكي، فلك أن تجيبها إلى طلبها الطلاق على أن تعيد لك ما دفعت لها من مهر أو بعضه إلا أن تُسقطه من تلقاء نفسك، قال تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة:229]. قال ابن العربي: فقيل والله أعلم أن تكون المرأة تكره الرجل حتى تخاف أن لا تقيم حدود الله بأداء ما يجب عليها له أو أكثره إليه. ويكون الزوج غير مانع لها ما يجب عليه أو أكثره، فإذا كان هذا حلت الفدية للزوج. اهـ محل الغرض منه. حكم القسم في المبيت للزوجة الناشز: قد بين الله سبحانه وتعالى حكم الناشز وكيفية معاملة الزوج إياها في قوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا). فلا إثم على المسلم في المبيت عند زوجته الثانية في نوبة الأولى ما دامت تمنعه من الاستمتاع بها، قال ابن قدامة في المغني: (فإن قسم لإحداهما، ثم جاء ليقسم للثانية، فأغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها، أو قالت: لا تدخل علي، أو لا تبت عندي، أو ادعت الطلاق، سقط حقها من القسم انتهى). وبناءً عليه , فما دام المسلم لا يستطيع القسم لزوجته بسببها هي لنشوزها فلا إثم عليه في عدمه، وينبغي أن يستمر في وعظها وتذكيرها وتوجيه من له وجاهة عندها للصلح والعودة عما هي عليه، ولا ننصحه بالفرقة لمصلحة الأبناء إن كان له منها أولاد، إلا إذا استحكم الشقاق بينهما، ولم يعد يُرجى لهما ألفة ولا استقرار حينئذ يكون الطلاق أولى والفرقة خير.

آداب الجماع

آداب الجماع: فللجماع آداب حث عليها الإسلام، وصولاً به إلى العمل الكريم اللائق بالإنسان، وتحقيقاً للأهداف المرجوة من النكاح وهذه الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب , ومن هذه الآداب: 1 - التطيب قبل الجماع. 2 - ملاعبة الزوجة قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من اللذة ما ينال. 3 - ما يُقال عند الجماع من الذكر المشروع. 4 - الجماع لا يجوز إلا في الفرج الذي هو موضع الولادة والحرث، سواء جامعها فيه من الأمام أو من الخلف. 5 - إذا قضى الزوج أربه فلا ينزع حتى تقضي الزوجة أربها. 6 - تحريم وطء الحائض. 7 - تحريم الوطء في الدبر. 8 - تحريم إفشاء ما بين الزوجين مما يتصل بالمعاشرة. 9 - وجوب الغسل من الجماع ولو لم ينزل. 10 - التستر أثناء الجماع. وأخيراً لا يجوز للمسلم المُعدَد أن يجامع إحدى زوجاته بحضرة أخرى. حلول لبعض المشاكل الزوجية: من الحلول لبعض المشاكل الزوجية ومنها المشاكل التي تقع بين أهل الرجل وزوجته إذا كانوا في سكن واحد، ينبغي أن يحاول الرجل التوفيق بين زوجته وأهله والائتلاف بقدر الإمكان وأن يؤنب من كان منهم ظالماً على وجه لبق ولين حتى تحصل الألفة والاجتماع فإذا لم يكن الإصلاح والالتئام فلا حرج عليه أن ينعزل في مسكن وحده بل قد يكون ذلك أصلح للجميع وفي هذه الحالة لا يُقاطع أهله بل يتصل بهم. وأما حل المشاكل الزوجية التي تكون بين الزوجين فتكون بالتفاهم والتروَي ثم بالموعظة ثم بالهجر ويكون الهجر في المضجع فقط وينام معها في موضع واحد يوليها ظهره ولا يجامعها إلا إذا خشي على نفسه المشقة ثم بالضرب غير المبرح ثم بإرسال حكم من أهلها وحكم من أهله فإن أرادا إصلاحاً يوفق الله بينهما , قال تعالى (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) , وعن عمرو بن الأحوص الجشمي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن

حدود الضرب المشروع للمرأة ومحله

فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا). وينبغي بشكل عام قطع أسباب الخلاف كأن يكون هناك من يُفسد الزوجة على الزوج , فللزوج أن يمنع زوجته من زيارة أقاربها إذا ترتب عليها مفسدة باستثناء والديها. حدود الضرب المشروع للمرأة ومحله: الضرب الجائز للرجل هو ما يكون في حالة نشوز المرأة وعصيانها بغير حق وبعد أن ينصحها الزوج فلا تنتصح, ويهجرها في الفراش فلا تنته عن نشوزها عند ذلك له أن يضربها بشروط: أـ أن لا يكون الضرب مبرحاً، أي شديداً بل يكون على وجه التأديب والتأنيب ضرباً غير ذي إذاية شديدة. ب- أن لا يضربها على وجهها. ج- أن لا يشتمها أثناء الضرب. دـ أن يستصحب أثناء هذا، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام. هـ- أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود. حكم الطلاق: حكمه جائز إلا أن الطلاق ينبغي أن لا يُصار إليه إلا بعد تعذر جميع وسائل الإصلاح ولا سيما في حال وجود أولاد، وإذا أمكن للزوجين الاجتماع والمعاشرة بالمعروف ولو مع التغاضي عن بعض الهفوات والتنازل عن بعض الحقوق، كان ذلك أولى من الفراق , وفي حالة الطلاق من الفساق ينبغي مراعاة المصحة والمفسدة. موجبات طلب الزوجة الطلاق: من موجبات طلب الزوجة الطلاق من زوجها: 1 - إضرار الزوج بها -بغير حق- سواء كان إضراراً مادياً أو معنوياً،، كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها، نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيراً من رعاع الناس، ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر، وكوطئها في دبرها. 2 - إعسار الزوج بنفقة زوجته. 3 - فقد الزوج بحيث لا يُدرى أحي أو ميت، ولا يُعلم له مكان، ويمضي على ذلك زمان. 4 - وجود عيب خلقي بالزوج لم تعلم به الزوجة قبل الزواج، ولم يصدر منها ما يدل على رضاها بهذا العيب بعد علمها به، ومن أمثلة ذلك: الجب، وهو استئصال عضو التناسل أو الخصاء، وهو انتزاع الخصيتين، أو العنة، وهي ارتخاء في عضو التناسل يمنع القدرة على المباشرة، أو الجذام، أو البرص , وكذلك يجوز للمرأة طلب الطلاق إذا طرأ شيء من هذه العيوب بعد العقد على الراجح من أقوال العلماء , ومحل ذلك ما لم يصدر منها ما يدل على الرضا كما سبق. 5 - فسق الزوج وعدم استجابته للنصح والتوجيه. 6 - إذا وجدت في نفسها نُفرة منه وبغضاً شديداً في قلبها ولو لم تعرف سبب ذلك فإنها معذورة في

حقوق الجار وأدلة مشروعية الإحسان إليه

طلب الطلاق. 7 - منع الزوجة مطلقاً وبلا سبب شرعي من رؤية أهلها خصوصاً والديها. 8 - عجز الزوج عن القيام بحقوق الزوجة كالنفقة والمعاشرة والسكن المستقل ونحوها ويُلحق بذلك بخله الشديد وتقتيره في النفقة بحيث يمنعها الحاجيات. 9 - إذا تضررت بسفر زوجها كأن سافر الزوج أكثر من ستة أشهر وخافت على نفسها الفتنة. 10 - حبس زوجها مدة طويلة وتضررها بفراقه. • حقوق الجار: أدلة مشروعية الإحسان إلى الجار: الوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً. قال الله تعالى «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم». وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم وفي رواية له عن أبي ذر قال (إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه وفي رواية لمسلم (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه البوائق الغوائل والشرور).وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) متفق عليه. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم متفق عليه وقوله مالي أراكم عنها معرضين يعني عن هذه السنة. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت) متفق عليه. وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت) رواه مسلم بهذا اللفظ وروى البخاري بعضه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدى قال (إلى أقربهما منك باباً) رواه البخاري. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) رواه الترمذي وقال حديث حسن. تعريف الجار: هو من جاورك جواراً شرعياً , سواءً كان مسلماً أو كافراً أو فاجراً , صديقاً أو عدواً , محسناً أو مسيئاً , نافعاً أو ضاراً , قريباً أو أجنبياً , بلدياً أو غريباً , وله مراتب بعضها أعلى من بعض تزيد

كيفية مجاورة الكافر والفاسق بالحسنى

وتنقص بحسب قرابته ودينه وتقواه ونحو ذلك فيُعطى بحسب حاله وما يستحق. الجوار المعتبر شرعاً: هو العُرف , والجار مفهومه شامل يشمل الجوار في العمل والمكتب والسوق والمسكن والسفر والزوجة وغيره. أصول حقوق الجار: 1 - كف الأذى عنه بغير حق. 2 - حمايته. 3 - الإحسان إليه. 4 - احتمال أذاه. وجماع الوصية بالجار هي إسداء الخير إليه وكف الشر عنه. ولتعلم أن معاملة الناس معاملة واحدة دون مراعاة لأقدارهم ومنازلهم ودون فهم لطبائعهم ونفسياتهم خطأٌ بيَن بل المعاملة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فللجار العالم حق وللعابد حق وللكبير حق وللصغير حق وللمكافئ حق وللعاصي حق ولليتيم حق وللأرملة حق وللغريب حق وهكذا , فلهذا حق الإجلال والتوقير ولهذا حق الرحمة والشفقة ولهذا حق النصح والملاحظة ولهذا حق التواصي وهكذا ثم إن من الجيران من يكفيه طلاقة المحيا وابتداء السلام ومنهم من تكفيه الزيارة الحولية أو الشهرية ومنهم من يعفو عن حقه كاملاً ومنهم من لا يرضى إلا بالملاحظة الدائمة والملاطفة المستمرة وهكذا. وهنا تنبيه أخير وهو أن الصبر على أذى الجار محمود مرغب فيه إذا لم يترتب عليه هوان أو مذلة ولم يحصل بسببه ضرر على الإنسان في دينه وعرضه أو كان الجار ممن يُمكن علاجه أو استصلاحه. كيفية مجاورة الكافر والفاسق بالحسنى: اعلم أولاً أن هنالك فرق بين أن تصحب الكافر أو أن يصحبك الكافر وبين أن تجاور الكافر أو يجاورك الكافر وذلك أن المسلم إذا ابتلي بهم فصاروا يعيشون بين ظهرانيه جيراناً له كان على من جاورهم أن يُحسن جوارهم , فالإحسان إلى الجار غير المسلم مشروع ومعاملتهم بالحسنى والعدل معهم دون حبهم أو توليهم أيضاً مشروع , وأما حبه وتوليه فذلك قدر زائد على الإحسان , ولا يجوز الإساءة إليه بحجة أنه كافر ما داموا مقيمين على العهد. ولتعلم أن هناك أحكام يُشرع للحاكم إقامتها فإن لم يُقمها فقد يُشرع للمسلم المحكوم أحكام قد تناقض الأحكام الموكلة للحاكم ظاهرياً مثل أن الحاكم يجب عليه ألا يستقدم الكفار لجزيرة العرب للاستيطان بها وفي ذات الوقت أُمر المسلم في جزيرة العرب بأن يُحسن للكفار المقيمين إقامة أبدية وذلك باعتبار أنه أمر واقع. وبالجملة على العاقل ألا يصاحب ولا يجاور من الناس ماستطاع إلا ذا فضل في العلم والدين والأخلاق , والجار الكافر في السوق وفي الدار وفي العمل ينبغي مجاورته بالمعروف وعدم أذاه أما من جعل إجابة دعوتهم ديدنه وعاشرهم وباسطهم فإن إيمانه يرق , وأما إذا كان الجار مسلم لكنه صاحب كبيرة فلا يخلو , إما أن يكون متستراً بها ويغلق بابه عليه فليعرض عنه ويتغافل عنه وإن أمكن أن ينصحه في السر ويعظه فحسن , وإن كان متظاهراً بفسقه مثل مكاس أو مرابي فاهجره هجراً جميلاً وكذا إن كان تاركاً للصلاة في كثير من الأوقات فمره بالمعروف وانهه عن المنكر مرة بعد أخرى وإن لم يستجب فاهجر مصاحبته من غير أن تقطع عنه كلامك وسلامك وهديتك وزيارتك أحياناً فإن رأيته متمرداً عاتياً بعيداً عن الخير ضالاً مُضلاً تخشى على نفسك التأثر به فأعرض عنه واجهد أن تتحول من جواره فقد تعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من جار السوء في دار الإقامة.

حقوق الأولاد وحكم تربيتهم وكيفيتها

• حقوق الأولاد: حكم تربية الأبناء: تربية الأبناء واجبة قال الله تعالى «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها» , وقال تعالى «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والأمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته فكلكم راع ومسئول عن رعيته) متفق عليه. ومن نماذج تربية النبي عليه الصلاة والسلام لمن تحت ولايته ما يلي: فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع) حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن. وعن أبي ثرية سبرة بن معبد الجهني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر سنين) حديث حسن رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ولفظ أبي داود مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) متفق عليه وفي رواية إنا لا تحل لنا الصدقة وقوله كخ كخ هي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات وكان الحسن رضي الله عنه صبيا. وعن أبي حفص عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد) متفق عليه وتطيش تدور في نواحي الصفحة. كيفية تربية الأبناء: فإن موضوع تربية الأطفال طويل، ولا يتسع المقام للتفصيل فيه، إلا أننا نذكر فيه أفكاراً عامة وضوابط مهمة: - فمنها: اختيار الزوجة الصالحة التي ستتولى تربية الأطفال فيما بعد، وهذا أمر مهم جداً، لأنه أول لبنة توضع في أساس هذا البناء، بل هو حجر الأساس فيه وهذا في الأعم الأغلب. - ومنها: الإتيان بالذِّكْرِ المشروع عند إتيان الزوجة. - ومنها: الأذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى. - ومنها: العقيقة عنه، وتسميته التسمية الحسنة.

حكم التفضيل في العطية بين الأولاد

- ومنها: تعليمه القيم والأخلاق في الخمس السنوات الأولى، في أول وقت يستطيع فيه أن يفهم ذلك، فإن التربويين يقولون: إن القيم التي تغرس في الخمس السنوات الأولى من عمر الطفل هي التي تحدد مسيرته في الحياة فيما بعد. - ومنها: تعليمه الصلاة لسبع سنين، وضربه عليها لعشر. - ومنها: إلحاقه بحلقات التحفيظ من صغره. - ومنها: توفير البرامج الثقافية المتطورة، كالفيديو، والكمبيوتر، ونحوها , بشرط أن تكون منضبطة بضوابط الشرع. - ومنها: اختيار الرفقة الصالحة له، فلا يلهو ولا يرتبط إلا بأبناء أسر معروفة بالالتزام والحرص على تربية أبنائها تربية صالحة. - ومنها: إشغاله في وقت المراهقة بالنافع، لأن الفراغ في هذه المرحلة مدمر للأخلاق. - ومنها: إشعاره في هذه المرحلة بأنه قد صار رجلاً يعتمد عليه، لأنه يحس ذلك من نفسه، فإذا لم يجد في البيت من يشبع له ذلك الإحساس، طلبه في جلساء السوء. ومنها: تزويجه إذا بلغ وكان عند الوالد إمكانية لذلك. والأفكار في ذلك كثيرة، ومن أراد الاستزادة، فليراجع الكتب المتخصصة في ذلك. حكم التفضيل في العطية بين الأولاد: مذهب الجمهور في حكم التسوية بين الأولاد الاستحباب إلا أن الراجح أنه تجب التسوية بين الأولاد في العطية إلا أن يكون لتفضيل بعضهم على البعض وجه شرعي مثل حاجة أحد الأولاد (لمرض – لكثرة عيال – لاشتغال بطلب العلم) أو صرف العطية عن أحد الأولاد (لفسقه – لاستعانته بما يأخذه على معصية الله) ونحو ذلك. فالواجب على الوالد أن يحفظ الود في قلوب أبنائه فيما بينهم باجتناب ما يُضاد ذلك. فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: «إِن أباهُ أتى به رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: إِني نَحَلْتُ ابني هذا غُلاما كان لي. فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: فارجعْهُ».وفي رواية قال: «تَصَدَّقَ عَليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أُمِّي عَمْرَةُ بنتُ رواحة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فانطلق أبي إِلى النبي لِيُشهده على صدقتي. فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: أفعلتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله، واعْدِلُوا في أولادكم، فرجع أبي، فَرَدَّ تلك الصدقة». وأما كيفية التسوية في العطية بين الأولاد فالمُرجح هو أن تتساوى الأنثى مع الذكر وقيل للذكر مثل حظ الأنثيين. وعلى هذا فلا يجوز تفضيل بعض الأبناء على بعض في الهبة والعطية دون سبب شرعي, وضابط التفضيل المحرم بين الأولاد هو كل تفضيل من غير حاجة ولا مسوغ معتبر يورث البغضاء والشحناء والتنافر في قلوب الإخوان، ويُذكي العداوات بين الأولاد. كيفية التعامل مع الأولاد الفساق: ولبيان هذه المسألة أنقل ما وقفت عليه من استفتاء لأحد أهل العلم المُعاصرين فهذا سائل يشكو أحوال أبنائه وذكر منهم من يصلي الفجر والبعض منهم لا يصلي أحياناً وهم يسكنون معه في البيت وقد استخدم معهم جميع الوسائل ولم ينجح في استصلاحهم فهل يترك هذا السائل السكن ويبتعد عنهم؟

شبهات وإشكالات

فأجابه ابن عثيمين رحمه الله: (الذي أرى ألا تترك السكن وتبتعد عنهم لأنك إذا ابتعدت عنهم ربما يزداد تهاونهم في الصلاة وكونك تبقى معهم ترعاهم وتغلبهم أحياناً ويغلبونك أحياناً خير من كونك تتخلى عنهم فإن الغالب في أمثال هؤلاء أنهم إذا خلوا وأنفسهم ازدادوا تهاوناً وكسلاً ثم إنه قد يكون في تخلفك عنهم تفرق العائلة وتمزقها فالذي أشير به عليك أن تبقى معهم وأن تناصحهم وتحذرهم أحياناً وترغبهم أحياناً وتسأل الله لهم الهداية انتهى). الأحق بالحضانة للأولاد وحق ولاية البنت في الزواج: الأم المطلقة لها حق حضانة الأطفال حتى يبلغوا سن التمييز مالم تُنكح والأب ليس له حق الحضانة مادام فاسقاً إلا أنها تصح , ولا يُترك المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه , وتصح حضانة الرقيق والفاسق والمتزوجة خصوصاً إذا رضي زوجها. وأما حق ولاية البنت في الزواج فاعلم أن فسق الولي لا يُسقط ولايته على الراجح، ولا يصح النكاح دون إذنه ما لم يثبت عضله لموليته من نكاح الأكفاء المرضيين ديناً وخلقاً. (شبهات وإشكالات) ما حكم اعتزال الوالدين اللذين عندهما معاص ظاهرة؟ وإذا كان اعتزالهم محرماً، فما تأويل اعتزال إبراهيم لأبيه وهو خليل الله؟ إن كان المقصود باعتزال الوالدين اجتناب ما هم فيه من باطل ومعصية فهذا أمر واجب، قال سبحانه (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقال:} وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {. وإن كان المقصود باعتزال الوالدين هجرهما، فإن هجرهما لا يجوز بحال إلا إذا تعينت مقاطعتهم طريقاً لاستصلاحهم فتجوز حينئذ في حدود ضيقة على رأي بعض أهل العلم، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين (رحمه الله): هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟ فأجاب: نعم، إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك انتهى لقاء الباب المفتوح. وأما ما وقع من إبراهيم عليه السلام هو أنه أولاً ترك ما عليه قومه من الباطل والتزم الحق، ولذلك قال فيما حكى الله عنه:} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا {. قال ابن كثير في تفسيره وهو يبين معنى هذه الآية: أي: أجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله،} وَأَدْعُو رَبِّي {أي: وأعبد ربي وحده لا شريك له. اهـ. ثم إن إبراهيم عليه السلام بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه:} قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا {. فأجابه إبراهيم عليه السلام بقوله:} قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا {. وقرر بعد ذلك أن يُهاجر بدينه لا أن يهجر والديه، كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

وتركوا الآباء والأمهات، قال ابن كثير في تفسيره عند كلامه عن قول الله تعالى من سورة العنكبوت:} وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {. قال: يحتمل عود الضمير في قوله: وقال ـ على لوط، لأنه أقرب المذكورين، ويحتمل عوده إلى إبراهيم - قال ابن عباس، والضحاك: وهو المكنى عنه بقوله:} فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ {. أي: من قومه. ثم أخبر عنه بأنه اختار المهاجرة من بين أظهرهم، ابتغاء إظهار الدين والتمكن من ذلك. اهـ. عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: قال: «أَمَا بعدُ، فإِن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ جَامَعَ المُشْرِكَ وسكنَ معه فَإِنَّهُ مثْلُهُ».وفي رواية قال: «لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم». هل المساكنة الواردة في الحديث تشمل مساكنة الأهل كالزوجة الكتابية وكمن يسكن مع والديه الكافرين؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فمعنى هذا الحديث يظهر بمعرفة سببه، فعن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بنصف العقل الدية وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. وفي رواية "لا تُساكِنوا المشركين، ولا تجامِعُوهم، فَمَن ساكَنَهُم أو جَامَعَهُم فهو منهم." رواه الترمذي وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني. ومعنى الحديث كما أفاده الشراح: وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن عجز عن إقامة شعائر دينه. جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث " وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر" انتهى. فظهر بذلك أن المراد هو الإقامة في ديار المشركين، ولذلك بوب عليه الترمذي باب: (ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين) وأما مساكنة الوالدين الكافرين والزوجة الكتابية في ديار المسلمين فلا يدخل في هذا، وبرهما والإحسان إليهما مع كفرهما فرض عين والله أعلم. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ» هل نهي النبي صلى الله عليه وسلم هنا محمول على التحريم أم على الكراهة؟ خاصة إذا كانت المصاحبة للفاسق المسلم الذي يحب الله ورسوله ولا تتضمن المشاركة في الحرام، أو الإقرار عليه. وما المقصود بالمؤمن؟ هل هو من معه أصل الإيمان وعُلم من حاله أنه يحب الله ورسوله؟ أم هو المؤمن العدل؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد حذر الشرع من مصاحبة أهل الشر، ومثل لذلك بمثل يوجب التنفير منهم، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة. وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى

الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل. رواه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني. وقال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه **** فكل قرين بالمقارن مقتدي. وأما النهي: فقد حمله بعضهم على الكافر والمنافق، وحمله بعضهم على من كان ناقص الإيمان، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قوله: لا تصاحب إلا مؤمناً ـ أي كاملاً، بل مكملاً، أو المراد منه النهي عن مصاحبة الكفار والمنافقين، لأن مصاحبتهم مضرة في الدين، فالمراد بالمؤمن من جنس المؤمنين. انتهى. وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: وكامل الإيمان أولى، لأن الطباع سراقة ولذلك قيل: ولا يصحب الإنسان إلا نظيره**** وإن لم يكونوا من قبيل ولا بلد. فصحبة الأخيار تورث الفلاح والنجاح ومجرد النظر إلى أهل الصلاح يؤثر صلاحاً والنظر إلى الصور يؤثر أخلاقاً وعقائد مناسبة لخلق المنظور وعقيدته كدوام النظر إلى المحزون يحزن وإلى المسرور يسر والجمل الشرود يصير ذلولاً بمقارنة الذلول، فالمقارنة لها تأثير في الحيوان، بل في النبات والجماد ففي النفوس أولى وإنما سمي الإنسان إنساناً، لأنه يأنس بما يراه من خير وشر انتهى. ويستثنى من هذا النهي ما إذا كانت مصاحبتهم لأجل النصيحة والدعوة إلى الخير، مع أمن التضرر والتأثر بهم والانجرار إلى المعاصي بسببهم، فهذا مما يندب وقد يجب بحسب طمع العبد في هداهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة. رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. متفق عليه. ويُستثنى من النهي أيضاً مصاحبة الزوجة الكتابية والوالدين المشركين والأقارب بالمعروف وصحبة العمل والسفر للمشرك بالمعروف ونحو ذلك. فمعنى الحديث كما بيَنَا أي لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي ما لم تكن هناك مصلحة شرعية راجحة مثل نصيحة المدعو أو صلة رحم أو حاجة أو نحوها من المصالح الشرعية الراجحة والله أعلم. هل هنالك تعارض بين الولاء والبراء الشرعي وبين الإذن بالزواج من الكتابية ومعاشرتها بالمعروف والأمر ببر الوالدين الفاسقين والوالدين المشركين وصلة الرحم الفاجرة والكافرة وعدم وجوب الطلاق بين الزوجة المؤمنة الصالحة من زوجها الفاسق المسلم والعكس؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيا أخي الكريم اعلم أولاً أن أهل العلم قرروا أن محبة عصاة المؤمنين الراجح شرهم على خيرهم وأهل البدع (غير المكفرة) محبةً طبيعية مكروه ولا يصل إلى درجة التحريم وبغضهم دينياً مُستحب ولا يصل إلى درجة الوجوب وعلى هذا لا يجب وجوبًا مطلقًا قطع الموالاة بين الفساق والعصاة من المسلمين وبين بقية المسلمين كما هو الشأن مع الكفار الخارجين على الإسلام , ولتعلم أن مباسطة الفاسق المسلم ومضاحكته إلى حد معين ومعقول بحيث لا يُظهر ما هو فيه من منكر غير محرمة لا سيما مع من يُخالطهم المسلم ومن له حق في الصلة كالأقارب وخاصة إذا كانت المبادرة منه في المضاحكة وإذا أردت الدليل على ذلك فهذا عبد الله بن حمار، كان يلقب حماراً. وقال ابن حجر: كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكه في كلامه .. وهو رجل من أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم - كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه. وبناءً على ما سبق فإنه في هذه الحال يزول الإشكال في الأمر ببر الوالدين الفاسقين وصلة الرحم الفاسقة التي لا تزال في دائرة الإسلام وعدم وجوب المفارقة بين الزوجين اللذين أحدهما فاسق مسلم والآخر مؤمنٌ تقي. ثانياً بالنسبة للتوفيق بين الولاء والبراء الشرعي وبين الأمر ببر الوالدين المشركين وصلة الرحم الكافرة وصحبتهم بالمعروف فإليك الجواب على هذا الإشكال: بدايةً لا يخفى على المسلم أن الشارع أوجب البر بالوالدين الكافرين وأمر بصلة الرحم الكافرة استحباباً وقيل رخَص فيها , وأهل العلم قد اتفقوا على أن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد للأرحام الكفار وغيرهم مشروع باتفاق أهل العلم كالصلة بالمال وتفقد أحوالهم والنفقة عليهم والإعانة على نوائب الحق وومساعدة فقرائهم والمحتاجين منهم، وعيادة مرضاهم , واتباع جنائزهم، وقبول هداياهم، والإهداء لهم، وتهنئتهم في الأفراح، وتعزيتهم في الأحزان، وزيارتهم في منازلهم، وقبول دعوتهم، والدعاء لهم بالهداية، ومعاملتهم بالتي هي أحسن، وكل صلة ظاهرة تدل على الرحمة لا المودة مشروعة وخاصة ما كان يُراد به وجه الله , وهذا مما أجمع عليه المسلمون ولا مخالف لذلك ممن لهم رأيٌ يُعتد به. واتفق أهل العلم أيضاً على أن محبة الخير والهداية للناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم والرحمة والشفقة عليهم مشروعة ولا علاقة لها بالبراء الشرعي من المشركين , بل إن شفقة المؤمن على الكافر لقرابته أو لإحسانه وكذلك خوف المؤمن على قومه وعشيرته من عاقبة ما هم فيه من الكفر ورحمتهم لا تُنافي كمال الإيمان المستحب ناهيك عن الواجب فهذا نوح قال الله عنه يوم الطوفان } وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {وقوله لقومه بعد أمرهم بتوحيد الله} إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {فنوح يُشفق على ابنه الكافر وعلى قومه الكفار ومنه قول إبراهيم لأبيه} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {, وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: " إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " فإبراهيم يُشفق على أبيه الكافر , ومن ذلك قول شعيب لقومه بعد نصحه لهم} َإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {, ومن ذلك أيضاً قول هود لقومه بعد وعظهم} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {, ومن ذلك أيضاً قول مؤمن آل فرعون لقومه بعد تذكيرهم بالله} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {, وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي) ومن المعلوم أن البكاء والشفقة لا يكونان إلا من ميل قلبي جبلي لا يُؤاخذ عليه الإنسان.

وعلى هذا فالبر بالوالدين الكافرين وصحبتهم في الدنيا معروفاً وصلة الرحم الكافرة والإحسان إليها لا إشكال فيه شرعاً ألبته إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية ما قررناه من التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة والزواج من الكتابية المُحصنة العفيفة يكون دون موالاتهم على الوجه المحرم وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى أو شهودهم وهم على منكراتهم أو تعظيمهم على النحو المنهي عنه ويجب أن تكون الصلة والإحسان إليهم مع البراءة منهم, وقد أوجب الشرع البراء من المشركين والولاء لله سبحانه بأن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى عن موقف إبراهيم عليه السلام من أبيه المشرك (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) وقوله سبحانه (َياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) , وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلالها) متفق عليه واللفظ للبخاري, وقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصل ذوي رحمه وأقاربه من غير أن يُؤثرهم على من هو أفضل منهم, وقال الله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) , وقد قال الله سبحانه فيما يختص بالأقارب الكفار (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.) وينبغي التنبه إلى أن الممنوع في هذه الآية باتفاق أهل العلم هو المحبة الدينية, وأما المحبة الطبيعية لغير الدين فقد رخص فيها بعض أهل العلم مع وجوب بغض دينهم , والذي ينبغي من جهة الكمال أن يكون تعامل المرء مع عموم الكفار تعاملاً ظاهرياً بالعدل ولا يكون في قلبه ميل لهم ولا مودة لهم خروجاً من خلاف أهل العلم، وإنما إذا أحسنوا إليه فإنه يُحسن إليهم, وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه والله تعالى أعلم. ثم إنه لا تنافي بين البراء من الكفار لأجل كفرهم ومواصلتهم والبر بهم والإحسان إليهم لا سيما الوالدين والأقارب والأزواج، وكيف يكون في الأمر تناقضٌ وقد جاء من عند الله وفي كتابه، وهو القائل) وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (أي أن كتابه لا تناقض فيه بحال , فالولاء للإسلام أعظم منزلة من منزلة البر وحسن الصحبة للكفار ولذلك يُضحي المسلم بذوي القرابة والنسب من الكفار عندما تتعارض مع مطالب العقيدة الإسلامية , وعلى هذا فلا موالاة للكفار أو الوالدين من غير المسلمين بالبر والمعروف لأن الموالاة للكفار مطلقاً إنما تكون بمساواتهم مع المؤمنين أو تنزيلهم منزلة أقرب من منزلة أهل الإسلام أو التنازل عن شيء من أحكام الإسلام استجلاباً لمودتهم وحصول رضاهم. وبهذا يتبين أن الموالاة والنصرة على الدين والمحبة الدينية تختلف عن البر والإحسان إلى الكافر القريب أو الوالد. ثالثاً: وأما كيف يمكن الجمع والتوفيق بين آيات النهي عن مودة الكفار وعن موالاتهم وبين المودة والرحمة التي ذكرها الله تعالى بين الزوجين وهي قوله تعالى في سورة الروم {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (سورة الروم 21).وفي النهي عن مودّة الكفار وموالاتهم يقول الله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوآدُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الآية (سورة المجادلة 22).فالله تعالى نهى عن مودة من حاد الله ورسوله وعن مودة الكافرين سواء من المشركين أو من أهل الكتاب, علماً بأن الزواج من الكتابية فيه مودة ويترتب على هذه المودة

محبة بل وقد يترتب عليها مناصرة أيضاً وهذا إشكال ويمكن الجواب عليه بما يلي: أولاً:. أن الآية التي نهت عن موآدّة الكفار آية عامة, ولم يصرح فيها بالنص على عدم موآدّة الزوجة غير المسلمة. ثانياً:. "إن الزوجة الكتابية هي بمثابة ذوي القرابة من غير المسلمين كالوالدين ونحوهما, فإن الله عز وجل أمر بمصاحبة الوالدين إذا كان غير مسلمين بالمعروف قال تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (سورة لقمان آية 15) ثالثاً: إن البر بالكفار سواء كانوا من القرابة مثل الوالدين والزوجة أو من غيرهم من الكفار لا يعني ذلك مودتهم في القلب من كل وجه ولا يعني ذلك أن يتنازل المسلم عن شيء من أحكام الإسلام طلباً لرضاهم وودّهم. رابعاً: أن المودة بمعنى المحبة, والمحبة نوعان محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته وولده وماله ومحبة دينية, كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله, ورسوله من الأعمال, والأقوال, والأشخاص. ولا تلازم بين المحبتين بمعنى: أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني, كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله وقيل يكفي بغض دينهما فحسب , ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة, فإن الإنسان مجبول على حب والديه, وقريبه, كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} (سورة القصص 56). ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضاً دينياً, وقيل يكفي بغض دينها فحسب ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه, فتكون محبوبة من وجه, ومبغوضة من وجه. خامساً: إن النساء الكتابيات اللاتي يتزوجن بالمسلمين لا يقعن تحت مفهوم من يحاد الله ورسوله الوارد في قوله تعالى: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} (المجادلة 22) وذلك لضعفهن وقصورهن وتبعيتهن للأزواج, يقول تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحبّ المقسطين} (الممتحنة 8). وقد ذكر أهل العلم من المفسرين لهذه الآية أن المراد بها النساء والصبيان فبرهم وصلتهم غير محرّمة ما داموا بهذا الوصف, وإنما الذين نهانا الله عن موالاتهم هم الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} (الممتحنة 9) ومن المعلوم أن المرأة الكتابية التي رضيت بالزواج من المسلم ودخلت تحت ولايته غير داخلة تحت من لا تصح موالاتهم في هذه الآية, وبهذا نستطيع الجمع بين آية الولاء والبراء وآية المودّة الزوجية وبالله التوفيق. وأخيراً أخي القاريء بعد الجواب على هذا الإشكال أود أن أُشير إلى أن منشأ الخلاف في الحقيقة هو قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ . الآية) والقول الحق والصواب الذي لا ينبغي أن يُختلف فيه وهو ما أدين الله عز وجل به هو أن على المسلم تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر على وجه الكمال الواجب وفي ذات الوقت يُصاحب والديه المشركين بالمعروف ويُحسن لزوجته الكتابية وألا يُشغل نفسه في قضية بغضهم من عدمه , والإيمان بالله واليوم الآخر مقصود لذاته أما بغض الوالدين المشركين والزوجة الكتابية في الله مقصود لغيره وهذا على مذهب من يرى وجوب بغضهما في الله , والولاء والبراء سيأتيه تباعاً بلا تكلف باعتبار تحقيقه لهذه الآية , ويدلك على أن ما ذهبت إليه هو الصواب والحق بإذن الله هو أن هذه الآية تتكون من جزأين الجزء الأول وهو قوله (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) ومعناه تحقيق الإيمان بالله واليوم الآخر على وجه الكمال الواجب وتفسير

الخاتمة

هذا الجزء بما فسرناه هو ما ذهب إليه جميع العلماء بلا خلاف , وأما الجزء الثاني من الآية وهو قوله (يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فإن أهل العلم اختلفوا في تفسيرها فمنهم من قال أن معنى الآية أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله سواءً كانوا مُحاربين أو مسالمين. ومن العلماء من قال أن الآية على ظاهرها لكن من حاد الله ورسوله هو الكافر المحارب دون المسالم وقال آخرون أن المراد بالآية هو المودة الدينية ولا علاقة لها بالمودة الطبيعية وقال آخرون أن الموادة لا تعني المحبة وفرقوا بينهما وقالوا أن الموادة هي الحب الكثير الذي يحمل على فعل المحرم أو ترك الواجب أو بمعنى آخر هو تقديم محبة المحاد لله ورسوله محبة طبيعية على محبة الله ورسوله في حال التعارض. وبهذا يتبين لك أن ما ذهبنا إليه هو الحق بإذن الله , ودليل ذلك أن الآية تتكون من جزأين , جزء مُحكم وجزء متشابه والراسخون في العلم والذين يبتغون الحق هم من يردَون المتشابه إلى المُحكم فعلى المسلم أن يحقق الإيمان بالله واليوم الآخر وفي ذات الوقت يُقيم شرع الله فيمن له حق واجب من الصحبة بالمعروف كوالديه المشركين وزوجته الكتابية وألا يُشغل نفسه في قضية بغضهم من عدمه فقد كفاه الله ما أهمه في حال تحقيقه للإيمان , والذي ينبغي من جهة الكمال أن يكون تعامل المرء مع الكفار تعاملاً ظاهرياً بالعدل ولا يكون في قلبه ميل لهم ولا مودة لهم خروجاً من خلاف أهل العلم، وإنما إذا أحسنوا إليه فإنه يُحسن إليهم, وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه والله تعالى أعلم. تنبيه مهم: اعلم أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن لهم حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها ويدلك على هذا أن بعض أهل العلم ذكر أنه إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، نص على هذا فقهاء المالكية , وقال ابن عاشور قال فقهاؤنا: (إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه) , وذكر بعض أهل العلم أن الزواج بالكتابية يستلزم أيضاً السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا الدين إن أرادت وأن لا تُجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل, وقرر أهل العلم بأن الوالدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي وكذلك ألحقوا بهما الأزواج وقالوا إذا رأى الولد مُنكراً من والديه يأمرهما فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما , وأقوال أهل العلم في هذا الباب كثيرة وهي إن دلت على شىء فهي تدل على ما قررناه ابتداءً من أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن له حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها. وختاماً: هذا ما من الله به، ثم ما وسعه الجهد، وسمح به الوقت، وتوصل إليه الفهم المتواضع، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن فيه خطأ أو نقص فتلك سنة الله في بني الإنسان، فالكمال لله وحده، والنقص والقصور واختلاف وجهات النظر من صفات الجنس البشري، ولا أدعي الكمال، وحسبي أني قد حاولت التسديد والمقاربة، وبذلت الجهد ما استطعت بتوفيق الله - تعالى-، وأسأل الله أن ينفعني بذلك، وينفع به جميع المسلمين؛ فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

تنبيه: أعتذر لكل الأخوة القراء لعدم عزو المعلومات المسطرة في هذه الرسالة إلى مصادرها كما ينبغي , والسبب في ذلك أن أصل هذه الرسالة كان ملخصاً شخصياً ولم أكن أنوي وقتها نشرها بين الناس وبالتالي لم أهتم بمصادر المعلومات ولكن لمَا كثرت المادة لدي ارتأيت نشرها لتعم الفائدة للجميع , فجزى الله كل من ساهم في هذه الرسالة مساهمة مباشرة أو غير مباشرة كالذين نقلت عنهم ولم أذكر أسماءهم للسبب المذكور أعلاه وجعلها في موازين حسناتهم. لإبداء الملاحظات والاقتراحات فيرجى التواصل على البريد الإليكتروني: [email protected] أخوكم أبو فيصل البدراني.

قائمة ببعض مراجع هذه الرسالة - القرآن الكريم. - كتب الصحاح والسنن والمسانيد. - تفسير الإمام الطبري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن ". - تفسير ابن كثير. - تفسير البغوي: معالم التنزيل. - تفسير الإمام ابن الجوزي "زاد المسير في علم التفسير. - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية. - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للمؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني رحمه الله. - تفسير الإمام القرطبي المالكي (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان). - أحكام القرآن لابن العربي. - أحكام القرآن للجصاص. - تفسير الجلالين. - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. - تفسير التحرير والتنوير للمؤلف: محمد الطاهر بن عاشور. - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي. - تفسير المنار للمؤلف: محمد رشيد رضا. - فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني. - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي. - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري. - عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي. - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر رحمه الله. - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار لابن عبد البر رحمه الله. - سبل السلام في شرح بلوغ المرام للصنعاني رحمه الله.

- تطريز رياض الصالحين للمؤلف: فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله. - دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لابن علان الصديقى. - غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني. - الآداب الشرعية للمؤلف: عبد الله بن محمد بن مفلح المقدسي رحمه الله. - المغني لا بن قدامة. - المجموع للنووي. - روضة الطالبين للنووي. - المفصل في شرح آية الولاء والبراء للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله. - الولاء والبراء تأليف: مها البنيان رحمها الله. - أصول وضوابط في مجانبة الكافرين للمؤلف: ناصر العقل حفظه الله. - الموالاة والمعاداة عند أهل السنة والجماعة للمؤلف: عبد الله بن عبد الحميد الأثري حفظه الله. - من مفاهيم عقيدة السلف الصالح: الولاء والبراء في الإسلام للمؤلف: محمد بن سعيد القحطاني حفظه الله. - حقيقة الولاء والبراء في الكتاب والسنة بين تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وبراءة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من الطائفتين للمؤلف عصام السناني حفظه الله. - الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله. - الحب والبغض في الله في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: سليم بن عيد الهلالي حفظه الله. - الخلُق الحسن في ضوء الكتاب والسنة للمؤلف: سعيد بن علي بن وهف القحطاني حفظه الله. - مهارات التعامل مع الناس للمؤلف: ماجد بن سعود بن عبدالعزيز آل عوشن حفظه الله. - فن التعامل مع الناس للمؤلف: عبد الله الخاطر حفظه الله. - فن التعامل مع الناس للمؤلف: علي بن إبراهيم اليحي حفظه الله. - زاد الداعية إلى الله للمؤلف: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله. - المفصل في أحكام الهجرة للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله. - فتاوى سليمان الماجد حفظه الله. - فتاوى ابن باز رحمه الله. - مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله. - فتاوى ابن عثيمين رحمه الله. - فتاوى اللجنة الدائمة. - مركز الفتوى من موقع إسلام ويب. - مختصر دعوة أهل البدع للمؤلف: خالد بن أحمد الزهراني حفظه الله - دروس في شرح نواقض الإسلام للمؤلف: صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله. - الاستهزاء بالدين للمؤلف: أحمد بن محمد القرشي حفظه الله.

- الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للمؤلف: صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله. - سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل: كتاب سوء الخلق (مظاهره _ أسبابه _ علاجه) للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل: كتاب أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل: كتاب التقصير في حقوق الجار للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - إحياء علوم الدين للمؤلف أبي حامد الغزالي رحمه الله. - إعلام المسلمين بوجوب مقاطعة المبتدعين والفجار والفاسقين للمؤلف: محمد الزمزمي حفظه الله. - موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع للمؤلف: إبراهيم الرحيلي حفظه الله. - حكم الهجر والقطع بين الحلال والحرام في الشرع للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله. - الهجر في الكتاب والسنة للمؤلف: مشهور بن حسن سلمان حفظه الله. - مطلع الفجر في فقه الزجر بالهجر للمؤلف: سليم بن عيد الهلالي حفظه الله. - التعامل مع المبتدع بين رد بدعته ومراعاة حقوق إسلامه للمؤلف: حاتم بن عارف العوني حفظه الله. - هجر المبتدع للمؤلف: بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله. - الزجر بالهجر للمؤلف: جلال الدين السيوطي رحمه الله. - تصنيف الناس بين الظن واليقين للمؤلف بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أصوله وضوابطه وآدابه) للمؤلف: خالد بن عثمان السبت حفظه الله. - مباحث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤلف: سعد بن ناصر الحمادي حفظه الله. - حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأركانه ومجالاته للمؤلف: حمد بن ناصر العمار حفظه الله. - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في تحقيق الأمن للمؤلف: عبد العزيز بن فوزان الفوزان حفظه الله. - الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس للمؤلف: محمد بن صالح المنجد حفظه الله. - تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤلف: عبد الله بن صالح القصير. - رسالة إلى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للمؤلف: عبد الله جار الله بن إبراهيم الجار الله رحمه الله. - المفصل في أحكام الهجرة للمؤلف: علي بن نايف الشحود حفظه الله.

- بحث منشور على النت عن الفسق (تعريفه وأحكامه وضوابطه) من إعداد أبو عبد الله الساحلي حفظه الله. - الفسق وأحكامه في الفسق الإسلامي للمؤلف: بسام بن محمد صهيوني. - التكفير وضوابطه للمؤلف: إبراهيم الرحيلي حفظه الله. - تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين للمؤلف: محيي الدين أبي زكريا أحمد بن إبراهيم بن النحاس الدمشقي رحمه الله. - الستر على أهل المعاصي (عوارضه _ ضوابطه) في ضوء الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح للمؤلف: خالد بن عبد الرحمن الشايع حفظه الله. - الستر على أهل المعاصي عند أهل الحسبة للمؤلف: مبارك بن يحي العمري حفظه الله. - الانترنت وبعض المصادر الأخرى التي لم يتيسر لي استحضارها.

§1/1