المسكرات والمخدرات

أحمد حاج علي الأزرق

مدخل

مدخل ... المسكرات والمخدرات وموقف الشريعة الإسلامية منها: للدكتور أحمد علي الأزرق رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بالجامعة نحمد الله سبحانه الذي أحل لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث. ونصلي ونسلم على خير خلقه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد. فإن من مقاصد الشريعة الإسلامية جلب النفع ودفع الضرر. فمن جلب المنافع إباحة جميع ما في الأرض، وتسخير كل القوى لخدمة الإنسان قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} . والقاعدة في ذلك عند فقهاء الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي الخطر. أما دفع المضار فإن الإسلام قد شرع من الأحكام ما يهدف به إلى الحماية والمحافظة على ما يعرف بالضروريات لكل مجتمع من المجتمعات. وهذه الضروريات جاءت جميع الشرائع السماوية بحمايتها والمحافظة عليها، لأنه لا حياة للناس بدونها. ولا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة إلا بصونها عن عبث العابثين والضروريات هي: (1) الأديان (2) الأنفس (3) العقول (4) الأنساب (5) الأعراض (6) الأموال.

حفظ العقل

حفظ العقل: العقل نعمة من نعم الله الجليلة فهو الذي يميز به المرء بين الهدى والضلال. والخير والشر. والطيب والخبيث. والعقل هو مناط التكليف وبه فضل الله الإنسان على بقية أنواع الحيوان لذا حرصت الشريعة الإسلامية على تحريم كل ما يضر بالعقل. فحرمت الخمر وكل مسكر. ولم تكتف بجعل الجزاء أخرويا فحسب. لأنه جزاء آجل وبعض النفوس لا يثنيها عن غيها ولا يردعها

عن طغيانها آجل الجزاء بل يردعها التأديب الجسماني العاجل فشرعت لذلك عقوبة على من يتناول المسكرات أو يسعى في إزالة عقل شخص بالضرب ونحوه.

تحريم الخمر

تحريم الخمر: الخمر يقال لكل مسكر خامر العقل أي غطاه. وقيل هو: اسم للمتخذ من ماء العنب أو للمتخذ من ماء العنب والتمر. ورجح غير واحد من أئمة اللغة كالجوهري والدينوري أنه لكل شيء ستر العقل1. وقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر وعاقبت على شربها منذ أربعة عشر قرنا وانفردت بتحريمها والعقاب عليها طيلة هذه المدة حتى جاء العالم في القرن العشرين يشهد للإسلام بأنه كان على الحق في موقفه من الخمر. وذلك بعد أن أثبت العلم أن فيها من الأضرار ما لا يحصى فهي تفسد العقل. والصحة وتؤدي إلى ضياع المال والكرامة 2.

_ 1 انظر ج1 من المصباح المنير للقيومي ص 348ط بولاق السادسة وج8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 176 ط مكتبة الدعوة. 2 انظر ج1 من التشريع الجنائي المقارن لعبد القادر عودة ص 650 / 51/ ط دار العروبة الثانية.

التدرج التشريعي في تحريم الخمر

التدرج التشريعي في تحريم الخمر: جاء الإسلام والعرب كانوا في إباحة واسعة يكرهون كل ما يقيد حريتهم أو يحد من شهواتهم. وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة لا يستطيعون التحول عنها دفعة فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة فتثقل بها كواهلهم وتنفر منها نفوسهم. ولذلك وردت الأحكام التكليفية شيئا فشيئا ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيئاً لها لقبول اللاحق. وبذلك تكون أوقع في النفس وأقرب للانقياد. من ذلك تحريم الخمر فإنها كانت متمكنة من نفوس العرب تمكنا اقتضت معه الحكمة الإلهية أن يتدرج القرآن في تشريع أحكامها. فلم يصرح لهم بتحريمها من أول الأمر بل قال في جواب عنها وعن الميسر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 3. ولا يفهم طلب الكف عنهما من هذه الآية إلا من عرف سرَّ التشريع لأن ما كثر إثمه ينبغي تركه إذ لا يوجد في الأفعال شر محض فالعبرة في الحل والحرمة بغلبة جهة المصلحة أو المفسدة.

_ 3 سورة البقرة الآية: 219.

وبعد أن أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصلاة في حالة السكر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 1. ثم صرح بالنهي عنها نهيا عاماً مؤكداً فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2. والمتأمل في الآيات الكريمة التي نزلت في تحريم الخمر يرى أنه أشارت في إيجاز محكم إلى المفاسد الرئيسية للخمر. فآية النساء التي منعت من اقتراب الصلاة في حالة السكر بينت علة المنع وهي ألا يعلم المصلي ما يقول وفي هذا إشارة إلى أن الخمر تخرج الإنسان عن وعيه. وتفقده إدراكه. حتى يبلغ مرتبة الهذيان. وفي ذلك امتهان للعقل الذي كرم الله به الإنسان وفضله على سائر المخلوقات فالخمر مفسدة للفرد في عقله وآدميته. كما أوضحت آية المائدة التي جاء فيها التحريم النهائي للخمر. سبب هذا التحريم وهو أن الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة. أي أنها مفسدة خلقية واجتماعية. ودينية. وأقل ما تحدثه الخمر بالإنسان هو أنها تشيع في نفسه روح الاستهتار وعدم المبالاة بالقيم. وأنها تبعد شاربها عن دينه وإيمانه. روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن" 3. هذا وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة مخاطر إدمان شرب الخمر على أجهزة الجسم المختلفة. وأثبتت أيضا أن شرب الخمر قد يفضي إلى الوفاة بالتسمم الكحولي وأن الإدمان يفضي إلى الجنون. ولهذا نرى الأطباء يوصون المريض بعدم تناول المشروبات الكحولية وإلا عرض نفسه للخطر. وكل هذه الأضرار التي في الخمر أصبحت الآن حقائق علمية مؤكدة تدرس لطلبة الطب في أنحاء العالم 4.

_ 1 سورة النساء الآية: 43. 2 سورة المائدة الآيتان: 90 _91. 3 انظر: ج من صحيح البخاري مع فتح الباري ص 58 الطبعة السلفية. 4 انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص 59ط مؤسسة الرسالة بيروت.

السنة النبوية والخمر

السنة النبوية والخمر: جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة مؤكدة لتحريم الخمر. وجاء فيها بيان الأنواع التي تصنع منها الخمر على ما كان معروفاً في بلاد العرب وبيان عقوبة شارب الخمر. وبينت السنة أن الخمر ليست بدواء كما كان يظن بعض الناس وإنما هي داء. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " 1. وعن عمر رضي الله عنه قال: نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر والعسل، والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل. متفق عليه 2. وعن جابر رضي الله عنه أن رجلا من جيشان. وجيشان من اليمن سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المِزْرُ. فقال: "أمسكر هو؟ قال: نعم فقال: " كل مسكر حرام". إن الله عهد عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار" رواه أحمد ومسلم والنسائي3.

_ 1 الحديث أخرجه مسلم انظر: ج8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 173 ط مكتبة الدعوة. 2 انظر: ج 4 من سبل السلام للصنعاني ص 33 ط الحلبي. 3 انظر: ج 8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 174 ط مكتبة الدعوة الإسلامية لشباب الأزهر.

حد الشرب

حد الشرب ... حد الشارب: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال - أنس - وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر. متفق عليه4. ولمسلم في قصة الوليد بن عقبة. جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين. وجلد عمر ثمانين وكل سنة5.

_ 4 انظر: ج 4 من بلوغ المرام وشرحه سبل السلام للصنعاني ص 28 ط الحلبي. 5 المصدر السابق ص 30.

الخمر داء

الخمر داء: عن وائل بن حجر الحضرمي أن طارق بن سويد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن

الخمر يصنعها للدواء. فقال: إنها ليست بدواء ولكنها داء. أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما. وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ". أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان1. فهذان الحديثان يدلان على أنه يحرم التداوي بالخمر وأنها داء. يقول العلامة ابن القيم في الطب النبوي: المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا أما الشرع فما ورد في الأحاديث النبوية. وأما العقل فهو أن الله سبحانه وتعالى حرمه لخبثه فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} 2. وإنما حرم الله على هذه الأمة ما حرم حمية لهم. وصيانة عن تناوله. فلا يتناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل. فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه. فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب. وأيضا فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق. وباتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته. وهذا ضد مقصود الشارع. وأيضا فإن الخمر داء كما نص عليه صاحب الشريعة فلا يجوز أن يتخذ دواء3.

_ 1 المصدر السابق ص 36. 2 سورة النساء الآية: 160. 3 انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص59 ط مؤسسة الرسالة.

التداوي بالنجس

التداوي بالنجس والخمر: أجاز بعض الفقهاء استعمال النجس في حال الضرورة والاضطرار. ومنع ذلك جماعة من الفقهاء. استدل المجوزون بما روى الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه أن ناسا من عُرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وقال: "اشربوا من ألبانها وأبوالها". الحديث4. واستدل المانعون بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " 5. والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء.

_ 4 انظر: ج1 من جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ص 242 مطبعة المدني بالقاهرة. 5 الحديث أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 36 ط الحلبي.

قال الحافظ ابن حجر: "إن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. محمول على حالة الاختيار. وأما في حال الضرورة فلا يكون حراماً كالميتة للضرورة. ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر " إنها ليست بدواء إنها داء " في جواب من سأله عن التداوي بها. فإن ذلك خاص بالخمر ويلحق بها غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وغيره من النجاسات أن الحد يثبت باستعمال المسكر في حال الاختيار دون غيره ولأن استعمال المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة. ولأنهم في الجاهلية كانوا يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم. وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا أن في أبوال الإبل شفاء لذربة بطونهم - والذرب فساد المعدة - فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه قال: وبهذا الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها1. ويقول ابن رشد في بداية المجتهد: استعمال المحرمات في حالة الاضطرار الأصل فيه قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ} 2. ثم بين أن استعمال المحرم إن كان لطلب البرء فهو محل خلاف بين الفقهاء. فمن أجازه منهم احتج بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة كانت به. ومن منع ذلك احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم "3.

_ 1 انظر: كتاب تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ص 243/ 245 مطبعة المدني ج1. 2 الأنعام الآية: 119 وانظر: ج1 من بداية المجتهد لابن رشد ص 585 ط حسان.

المنافع التي في الخمر

المنافع التي في الخمر: وإذا قال قائل: إذا ثبت أن الخمر فيها من المضار ما ذكرتم. فكيف وصفها القرآن بأن فيها منافع للناس. والجواب عن ذلك أن المقصود بالمنافع في الآية المنافع المادية التي كانوا يستفيدونها من تجارة الخمر يربحون منها الربح الفاحش كما يربحون من وراء الميسر. ومما يدل على أن النفع مادي أن الله تعالى قرنها بالميسر. ولا شك أن النفع في الميسر مادي بحيث يكون الربح لبعض المقامرين فكذلك الخمر. قال القرطبي: "فأما المنافع في الخمر فربح التجارة. فإنهم كانوا يجلبونها من الشام"

_ 3 الحديث أخرجه البيهقي وصححه ابن حبان انظر: ج4 من سبل السلام ص 36 ط الحلبي.

برخص فيبيعونها في الحجاز بربح وكانوا لا يرون المماكسة فيها فيشتري طالب الخمر، الخمر بالثمن الغالي. هذا أصح ما قيل في منافعها1. ومن لطيف ما ذكره القرطبي في ذم الخمر. قال: إن شارب الخمر يصير ضُحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح بها وجهه. حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين2. هذا وفي عصرنا الحاضر وبعد أن ظهر للناس أضرار الخمر من الناحية الطبية. والاجتماعية سارعت بعض الدول إلى سن التشريعات التي تحرم الخمر. " فأمريكا " كانت أصدرت قانونا يحرم الخمر تحريما تاماً وكذلك الهند أصدرت قانونا مماثلاً. وبعض الدول حرمت تقديم الخمر أو تناولها في المحلات العامة كما حرمت بيعها لمن لم يبلغوا سنا معينة. ولكن هذه التشريعات لم تنجح في محاربة الخمر لأن العقوبات التي فرضت لم تكن رادعة. وخير علاج يقي الناس شر هذا الوباء هو علاج الإسلام.

_ 1 انظر: ج1 من تفسير آيات الأحكام للصابوني ج1 مكتبة الغزالي ص 274. 2 المصدر السابق ص 275.

المخدرات

المخدرات: حرمت الشريعة الإسلامية المخدرات والمفترات لما فيهما من الأضرار والمفاسد، وورد النهي في السنة عن كل مسكر ومفتر. أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر3. قال الإمام الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء4. وبالنظر في كتب اللغة نجد أن التفتير والتخدير معناهما متقارب، ففي لسان العرب: الفتر الضعف وفتر فتورا لانت مفاصله وضعف. وفي المصباح المنير ومعجم متن اللغة: خدر العضو استرخى فلا يطيق الحركة وخدرت عينه ثقلت من قذى أو غيره، والخدرة: الضعف والفتور يصيب الأعضاء والبدن5. الفرق بين المسكر وغيره: ذكر الإمام القرافي في كتاب " الفروق " التفرقة بين المسكر، والمرقد، والمفسد.

_ 1 المصدر السابق ص 275. 2 انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35 ط الحلبي. 3 المصدر السابق. 4 انظر: لسان العرب لابن منصور والمصباح المنير للفيومي. ومعجم متن اللغة لأحمد رضا مادة: خدر وفتر. 5 انظر: ج1 من تفسير آيات الأحكام للصابوني ج1 مكتبة الغزالي ص 274.

فالمسكر هو: الذي يغطي العقل ولا تغيب معه الحواس، ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم، ولذلك قال الشاعر: ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسداً ما ينهنبهها اللقاء والمرقد هو: الذي يغيب الحواس كالسمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس كالبنج. أما المفسد فهو: المشوش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدرات والمفترات التي تثير الخلط الكامن في الجسد، ولذلك تختلف أوصاف مستعمليها فتحدث حدة لمن كان مزاجه صفراويا، وتحدث سباتا وصمتا لمن كان مزاجه بلغميا، وتحدث بكاء وجزعاً لمن كان مزاجه سوداويا، وتحدث سرورا لمن كان مزاجه دمويا فتجد من متناوليها من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته ومنهم من يعظم سروره وانبساطه. فشرّاب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح. ويهجمون على بعض الأعمال التي لا يطيقونها في حال الصحو كما أشار الشاعر، أما أهل الحشيش والأفيون فيصيرون همدة ساكتين انتزعت منهم قوة البطش بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك تكثر حوادث القتل مع شراب الخمر ولا تكاد توجد مع أصحاب المخدرات إذ هذه المخدرات تحدث خنوثة الطبع وفساده، وقد تجر صاحبها إلى الدياثة على زوجته وأهله فضلا عن الأجانب. والمسكرات محرمة إجماعا وفيها الحد، والمخدرات محرمة كذلك، وفيها الحد أو التعزير الزاجر عنها. والمرقدات يجوز استعمالها للعمليات الجراحية. قال ابن فرحون المالكي: والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه، لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون. وبهذا تنفرد المرقدات عن المخدرات1. وقال صاحب القواعد السنية في الأسرار الفقهية: اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف، لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة وانتشر في دولة التتار. قال العلقمي في شرح الجامع: حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. فأعجب

_ 1 انظر: ج1 من كتاب الفروق للقرافي ص 215/ 216 ط عيسى الحلبي.

الحاضرين قال: ونبه السيوطي على صحته، واحتج به ابن حجر على حرمة المفتر ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا ذكره في باب الخمر والعسل من شرح البخاري. وكون الحشيشة من المفتر مما أطبق عليه مستعملوها ممن يعتد بهم. وبخبرهم يعتد في مثل هذا الأمر. والقاعدة عند الأصوليين والمحدثين أنه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نص على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أعطي الآخر ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي. وفي الحديث المذكور ذكر المفتر مقرونا بالمسكر. وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يعطى المفتر حكمه بقرينة النهي عنها مقترنين. وفسر غير واحد التفتير باسترخاء الأطراف وتخدرها وصيرورتها إلى وهن وانكسار1. وقال ابن حجر الهيتمي: واعلم أن الحشيشة المعروفة حرام كالخمر. يحد آكلها على قول قال به جماعة من أهل العلم كما يحد شارب الخمر. وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج. إفساداً عجيباً حتى يصير في متعاطيها تخنث قبيح ودياثة عجيبة وغير ذلك من المفاسد. فلا يصير له من المروءة شيء البتة، ويشاهد من أحواله خنوثة الطبع وفساده وانقلابه إلى أشر من طبع النساء.. وكذا متعاطي نحو البنج والأفيون. قال: والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى الصيال على الغير وإلى المخاصمة والمقاتلة والبطش. ثم قال: وسبب اختلاف العلماء في الحد فيها وفي نجاستها كونها جامدة مطعومة ليست شرابا. فقيل هي نجسة كالخمر وهو الصحيح عند الشافعية. وقيل: المائعة نجسة. والجامدة طاهرة. قال: وعلى كل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر لفظا ومعنى2. قال ابن البيطار: إن الحشيشة وتسمى القنب توجد في مصر مسكرة جداً إذا تناول الإنسان منها قدر درهم أو درهمين، وقبائح خصالها كثيرة. وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية3. وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى عن الحشيشة وعن تاريخ ظهورها ورأى أهل العلم فيها حديثا قيما مفصلاً. من ذلك قوله: وكذا الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد وهي نجسة في أصح الوجوه وقد قيل: إنها طاهرة. وقيل: يفرق بين مائعها ويابسها والأول الصحيح، لأنها تسكر

_ 1 نفس المصدر السابق للقرافي ص. 2 انظر: ج2 من كتاب الزوجر لابن حجر الهيثمي ص 138 ط عيس الحلبي. 3 انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35/ 36 ط مصطفى الحلبي.

بالاستحالة كالخمر النئ، بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج أو يسكر بعد الاستحالة كجوزة الطيب فإن ذلك ليس بنجس. ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها1. قال: الحمد لله هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر. والسكر منها حرام باتفاق المسلمين. ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب. فإن تاب وإلا قتل مرتداً لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين2. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما المحققون من الفقهاء فعلموا أنها مسكرة وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب فهي تجامع الشراب المسكر في ذلك والخمر توجب الحركة والخصومة. وهذه توجب الفتور والذلة، وفيها مع ذلك من فساد المزاج والعقل وفتح باب الشهوة وما توجبه من الدياثة مما هي من شر الشراب المسكر وإنما حدثت في الناس بحدوث التتار 3.

ويقول الدكتور نجيب الكلاني عن المخدرات

ويقول الدكتور نجيب الكلاني عن المخدرات ... ويقول الدكتور نجيب الكيلاني عن المخدرات: تطلق كلمة المخدرات على كثير من المواد الطبيعية والكيماوية التي تؤدي إلى خدر الجسم والعقل والمواد المخدرة تختلف في آثارها ومضاعفاتها واستجابة الجسم والعقل لها وكثير من هذه المواد قد يؤدي إلى الإدمان بحيث لا يستطيع متعاطيه أن يستغنى عنها وإلا أصيب بأضرار مختلفة قد تصل إلى الموت. وبعض هذه المواد قد يؤدي إلى السكر أو غياب العقل أو يؤدي إلى لون من التخيل وتصور أمور لا وجود لها. فإذا انتهى أثر المخدر شعر المدمن بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والكآبة والتوتر ويظل في تدهور وتوتر. بل إن أجهزة الجسم تتأثر على اختلاف أنواعها. قال: ولقد انتشرت الأدوية المخدرة في كل أنحاء العالم انتشاراً رهيباً وتفشت المخدرات بين الشباب وخاصة في أوروبا وأمريكا. وتسببت هذه المخدرات في كثير من الانحرافات والكوارث الاجتماعية. والاقتصادية. والأخلاقية4. وأكتفي بهذا القدر ولولا ضيق الزمن لتوسعت في بعض موضوعات هذا البحث المتشعب النواحي. وحسبنا أن نعلم أن الشريعة الإسلامية سبقت كل النظم والقوانين في

_ 1 انظر: ج 34 من مجموع الفتاوى لابن تيمية ص 189 ط الأولى. 2 المصدر السابق لابن تيمية ص 210/ 214. 3 انظر: ج 36 من مجموع الفتاوى لابن تيمية ص 189 ط الأولى. 4 انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص 13/ 14 ط مؤسسة الرسالة.

محاربة المسكرات والمخدرات وبيان ما فيها من أضرار ومفاسد. وكلما تقدم العلم أثبت صدق الشريعة وأنه لا خلاص للناس من مخاطر الشقاء والهلاك والدمار إلا في الأخذ والعمل بما جاءت به هذه الشريعة الغراء. وفق الله المسلمين للتمسك بتعاليم دينهم والعمل بما في شريعتهم حتى يعزهم الله ويكتب لهم الخلاص مما فيهم. والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى أقوم طريق.. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه..

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... مراجع البحث: 1 - روائع البيان تفسير آيات الأحكام ج1 للشيخ محمد علي الصابوني ط مكتبة الغزالي. 2 - صحيح الإمام البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر ج12 المطبعة السلفية (كتاب الحدود) . 3 - نيل الأوطار مع شرحه منتقى الأخبار للإمام محمد بن علي الشوكاني ج 8 ط مكتبة الدعوة الإسلامية القاهرة (كتاب الأشربة) . 4 - بلوغ المرام لابن حجر مع شرحه سبل السلام للصنعاني ج4 باب حد الشارب وبيان المسكر ط الحلبي. 5 - بداية المجتهد لابن رشد ج 8 كتاب (الأطعمة والأشربة) ط مطبعة حسان بالقاهرة تقديم " سيد سابق" وتصحيح عبد الحليم محمد. وعبد الرحمن حسن. 6 - كتاب الفروق للإمام القرافي ج1 ط دار إحياء الكتب العربية عيسى الحلبي / مصر. 7 - القواعد السنية في الأسرار الفقهية هامش ج 1 من الفروق / للشيخ محمد علي حسين مفتي المالكية. 8 - الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي ج 2 ط دار إحياء الكتب العربية. 9 - كتاب: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج 34 ط الأولى. 10 - التشريع الجنائي الإسلامي المقارن بالقانون للأستاذ عبد القادر عودة ج 1 ط ثانية مطبعة دار العروبة. 11 - لسان العرب: لابن منظور. 12 - المصباح المنير لأحمد بن علي المقري الفيومي. 13 - في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ط الأولى: مؤسسة الرسالة.

§1/1