المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات

ابن بشكوال

بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا الفقيه المحدث الصالح الزكي العدل، أبو القاسم ابن الفقيه الجليل، أبي عبد الله محمد بن علي الوسولي رحمه الله، وبرد ضريحه وغيره إجازة، قالا: الفقيه الحافظ المحدث الزاهد: أبو الحسين يحيى بن محمد بن علي الأنصاري رضي الله عنه، قال: قال الشيخ الفقيه الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال رضي الله عنه. اللهم اجعلنا ممن استغاث بك فأغثته، ودعاك فأجبته، وتضرع إليك فرحمته، وتوكل عليك فكفيته، واستعصم بك فعصمته، ووثق بك فحميته، واستهداك فهديته، وانقطع إليك فآويته، واستنصر بك فنصرته، وتاب فقبلت توبته، وأناب إليك فرحمت عبرته، واجعلنا اللهم لنعمائك من الشاكرين، وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين، واغفر لنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى جميع النبيين والمرسلين، وسلام الله عليه وعليهم أجمعين. 1 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبي حفص عمر بن عبيد الله، قال: أنا أبو المطرف بن فطيس، قال: كتب إلي الحسن بن شعبان بخطه، قال: أنا أبو بكر محمد بن المنذر، قال: أنا محمد بن إسماعيل، أنا زهير، أنا عمر بن يونس، أنا عكرمة، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ومد يديه فجعل يهتف بربه:

«اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» . فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، فقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فانزل الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة. 2 - وذكر ابن سلام، عن الكلبي، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بدرا، وقد بلغه عدة المشركين استغاث ربه عز وجل، وسأله النصر، فاستجاب له، وأيده بألف من الملائكة مردفين، يعني: متتابعين. فقال مجاهد: {بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] يعني: ممدين. 3 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري، وأبو علي حسين بن محمد الصدفي مكاتبة، قالا: أنا أبو الفوارس طراد بن محمد الزينبي، ثنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو علي الحسين بن صفوان، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثني عيسى بن عبد الله التيمي، قال: أخبرني فهير بن زياد الأسدي، عن موسى بن وردان، عن الكلبي وليس بصاحب التفسير عن الحسن، عن أنس، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، يكنى أبا معلق، وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره، ويضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له:

ضع ما معك فإني قاتلك. قال: ما تريد إلى دمي، شأنك بالمال. قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك. قال: أما إذ أبيت فذرني أصلي أربع ركعات. قال: صل ما بدا لك. فتوضأ، ثم صلى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: «يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، أسألك بعزتك التي لا ترام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني» . ثلاث مرات فإذ دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة، وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه حتى طعنه فقتله. ثم أقبل إليه. قال: قم. قلت: من أنت بأبي وأمي؟ ّ! قد أغاثني الله بك اليوم. قال:

قصة أخرى تشبهها في المستغيثين بالله تعالى.

أنا ملك من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكروب. فسألت الله أن يوليني قتله. قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا الدعاء، استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب. 4 - قال ابن أبي الدنيا: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: ثنا النضر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم قال: «يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث» . قصة أخرى تشبهها في المستغيثين بالله تعالى. 5 - أخبرنا القاضي الشهيد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف التجيبي، قال: أخبرنا أبو علي حسين بن محمد الغساني، قال: أخبرنا أبو عمر النمري، قال: ثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، قال: ثنا ابن معين، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، قال: ثنا الليث بن سعد، قال:

بلغني أن زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا إلى الطائف، اشترط عليه الكري أن ينزله حيث شاء. قال: فمال بنا إلى خربة فقال له: انزل. فنزل. فإذا في الخربة قتلى كثيرة فلما أراد أن يقتله قال له: دعني أصلي ركعتين. قال: صل؛ فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا. قال: فلما صليت أتاني ليقتلني. قال: فقلت: يا أرحم الراحمين. قال: فسمع صوتا: لا تقتله. قال: فهاب ذلك، فخرج يطلب، فلم ير شيئا فرجع إلي، فناديت: يا أرحم الراحمين. فعل ذلك ثلاثا، فإذا أنا بفارس على فرس في يده حربة حديد، في رأسه شعلة من نار فطعنه بها فأنفذه من ظهره فوقع ميتا. ثم قال لي: لما دعوت المرة الأولى: «يا أرحم الراحمين» ، كنت في السماء السابعة فلما دعوت في المرة الثانية: «يا أرحم الراحمين» ، كنت في السماء الدنيا فلما دعوت في المرة الثالثة: «يا أرحم الراحمين» ، أتيتك.

6 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، ثنا أبو عثمان بن سلمة، ثنا أحمد بن خالد التاجر، ثنا أبو عمرو بن السماك، ثنا ابن البراء، ثنا المفضل بن حازم، قال: ثنا يوسف بن عزولا، قال: حدثني مخلد بن ربيعة، عن كعب الأحبار: قال في الإنجيل الذي أنزل الله على عيسى: «يا عيسى انقطع إلي بالمودة، واستغن بي في حالات الشدة، فإني أغيث المكروبين وأنا أرحم الراحمين» . من كتاب الدعاء لأبي حاتم الرازي في المستغيثين بالله تعالى. 7 - قال: قرئ على يوسف بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا موسى بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال، عن موسى بن عقبة، أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعثت إلى أحد أحب إلي منك، أفلا أعلمك دعاء اختبأته لك لم أعلمه أحدا قبلك، تدعو به في الرغبة والرهبة» : «يا نور السموات والأرض، ويا قيوم السموات والأرض ويا عماد السموات والأرض، ويا زين السموات والأرض، ويا جمال السموات والأرض، ويا بديع السموات والأرض، ويا ذا الجلال والإكرام، يا غوث المستغيثين، ومنتهى رغبة العابدين، ومنفس المكروبين، ومفرج المغمومين، وصريخ المستصرخين، مجيب دعوة المضطرين، كاشف كل سؤالة العالمين. ثم تسأل كل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة» .

8 - قال: وثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا عبد العزيز، عن حسين بن زيد بن علي بن حسين، عن جعفر بن محمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم أحد بهذا الدعاء: «يا صريخ المكروبين، ومجيب المضطرين، ويا كاشف الكرب العظيم، اكشف كربي وهمي وغمي، فإنك تر حالي وحال أصحابي» . فصرف الله عدوهم. 9 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب في آخرين، عن أبي عمر النمري، قال: أخبرنا أبو الوليد بن الفرضي، أخبرنا أبو محمد الضراب بمصر، قال: أنا أحمد بن مروان المالكي، قال: ثنا جعفر بن محمد الصائغ، قال: ثنا عاصم بن علي، قال: ثنا أبو هلال، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: " لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم في النار، ضجت عامة الخليقة إلى الله عز وجل، فقالوا: يا رب، خليلك يلقى في النار، إيذن لنا فلنطفئ عنه. فقال جل وعز: هو خليلي ليس لي خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري، فإن استعان بكم فأعينوه، وإلا فدعوه. قال: وجاء ملك القطر فقال: يا رب، خليلك يلقى في النار، فإيذن لي فأطفئ النار عنه بقطرة واحدة. فقال جل وعز:

هو خليلي ليس في الأرض خليل غيره، وأنا إلهه ليس له إله غيري، فإن استغاث بك فأغثه وإلا فدعه. قال: فلما أن ألقي في النار قال الله تبارك وتعالى: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] . قال: فبردت النار يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع 10 - وأخبرنا أبو محمد، عن أبيه، قال: أنا عبد الرحمن بن مروان، عن الحسن بن رشيق، قال: ثنا أحمد بن مروان، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: ثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا عبد الله بن محمد التيمي. قال: ثنا معاذ بن رباح، عن بعض أشياخه، قال: يذكر الناس ما ثبت على ولد يعقوب، ولا يدرون ما لقوا وما مر بهم؛ مكث يعقوب يدعو عشرين سنة وولده خلفه قيام يدعون، حتى علموا دعوات، فدعا بهن يعقوب صلى الله عليه وسلم: «يا رجاء المؤمنين لا تقطع رجائي، ويا غياث المؤمنين أغثني، ويا مانع المؤمنين ويا محب التوابين تب علينا» . فدعا بهن يعقوب في السحر فتيب عليهم. 11 - قال أحمد بن مروان: حدثنا إبراهيم الحربي، قال: ثنا المثنى بن عبد الكريم، عن زافر بن سليمان، عن يحيى بن سليم أنه بلغه أن ملك الموت صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن

يسلم على يعقوب صلى الله عليه وسلم، فأذن له فأتاه فسلم عليه. فقال له يعقوب: بالذي خلقك، هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا. قال: فقال له ملك الموت: يا يعقوب، ألا أعلمك كلمات لا تسأل الله بها شيئا إلا أعطاك؟ قال: بلى. قال: قل: «يا ذا المعروف الذي لا ينقطع معروفه أبدا ولا يحصيه أحد غيره» . قال: فما طلع الفجر، حتى أتي بقميص يوسف صلى الله عليهما. وذكره ابن أبي الدنيا في كتاب: الفرج بعد الشدة من تأليفه، قال: حدثني المثنى بن عبد الكريم، عن زافر بن سليمان مثله 12 - وذكره علي العتكي في كتاب الغربة من تأليفه، قال: حدثنا محمد بن علي الفرضي: ثنا عثمان بن خرزاذ، ثنا الحسين بن محمد، ثنا الحسن بن علي الحلواني، ثنا عبابة بن كليب، عن زافر بن سليمان، قال: لما أصاب يعقوب صلى الله عليه وسلم من الحزن على يوسف عليه السلام ما أصابه، سأل

الله عز وجل أن يزوره ملك الموت، فزاره. فقال: يا ملك الموت، هل تعرف روح من قبضت منذ يوم خلق الله عز وجل السموات والأرض؟ قال: نعم. قال: فهل قبضت روح يوسف فيمن قبضت؟ قال: لا. قال: فأين هو؟ قال: لا أدري ولكن قل: «يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبدا، ولا يحصيه أحد غيرك» ، فقالها فما طلع الفجر حتى أتي بالقميص 13 - أخبرنا أبو محمد: أنا أبو عمر: أنا أبو الوليد: أنا الضراب: أنا المالكي: ثنا

يوسف بن عبد الله الحلواني، قال: ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن، قال: ثنا عوف الأعرابي، عن الحسن البصري، أنه قال: هذا الدعاء هو دعاء الفرج، ودعاء الكرب: " يا حابس يد إبراهيم عن ذبح ابنه وهما يتناجيان اللطف يا أبت، يا بني، يا مقبض الركب ليوسف في البلد القفر وغيابة الجب، وجاعله بعد العبودية نبيا ملكا، يا من سمع الهمس من ذي النون في ظلمات ثلاث: ظلمة قعر البحر، وظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، يا راد حزن يعقوب، يا راحم عبرة داود، يا كاشف ضر أيوب، يا مجيب دعوة المضطرين، يا كاشف غمم المهمومين، صلي اللهم على محمد وعلى آل محمد، وأسألك أن تفعل بي كذا ". 14 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن ابن عابد، عن ابن مفرج: أنا ابن الأعرابي: ثنا الدبري، عن عبد الرزاق، عمن ذكرهم، قال: اجتمع فتيان وجالستهم امرأة جميلة، وكان قريبا منهم راهب في صومعة له، فبينا هم يتحدثون قالت لهم المرأة: أرأيتم إن فتنت هذا الراهب؟ فقال لها الفتيان: لا تستطيعين ذلك. قالت:

بلى أستطيع. قالوا: وكيف ذلك؟ فقامت إلى الطيب، فتطيبت، ولبست من أحسن ثيابها، ثم أتت باب الصومعة ليلا، فنادت الراهب، فقالت: يا عبد الله، افتح لي الباب آوي إلى جنبه فإني أتخوف. فلم تزل به، حتى نزل ففتح لها الباب، فدخلت فقعدت إلى جنب الباب، وصعد هو، ثم صعدت بعده ونزعت جميع ما عليها، ثم استلقت بين يديه عريانة، فنظر إلى أمر عظيم وفكر. ثم قدم يده إلى المصباح فجعل عليه إصبعه الصغرى وهي تحترق حتى سقطت لم يحس ذلك من الشهوة. ثم وضع إصبعه الأخرى حتى نفذت أصابعه، فلما رأت ذلك انفض فؤادها فماتت. فلما أصبح الفتيان غدوا إليه فوجدوها عنده ميتة، فقالوا له: يا عدو الله كنت تغرنا والناس وقتلت هذه المرأة. فأخذوه، وأوثقوه، وغسلوا المرأة وكفنوها، وقدموه ليضربوا عنقه، فطلب إليهم أن يتركوه يصلي ركعتين، ففعلوا. فتوضأ وصلى ركعتين، ورفع يديه فدعا إلى الله، فإذا المرأة قد اضطربت في أكفانها واستوت قاعدة، فأخبرتهم بالذي رأت منه، ورد الله إليها نفسها وعاشت بعد ذلك. وخلي الراهب، فعاد إلى صومعته، وابتنت إلى جنبه صومعة وتعبدت معه. 15 - قال ابن أبي الدنيا: حدثني سويد بن سعيد، قال: وحدثنا خالد بن عبد الله اليماني، قال:

استودع محمد بن المنكدر وديعة، فاحتاج إليها فأنفقها، وجاء صاحبها يطلبها، فقام فتوضأ وصلى. ثم دعا فقال: «يا ساد الهواء بالسماء، ويا حابس الأرض على الماء، ويا واحد قبل كل واحد كان، ويا واحد بعد كل واحد يكون، أدِّ عني أمانتي» . فسمع قائلا يقول: خذ هذه فأدها عن أمانتك واقصر الخطبة فإنك لن تراني. وذكر هذه الحكاية: أبو الحسن بن جهضم، وزاد في آخرها: فإذا هو بمثابة دينار ولم ير أحدا، فأخذها وأدى أمانته والحمد لله. 16 - أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله، عن قاسم بن محمد: ثنا أبو الحسن بن جهضم: أنا محمد بن عبد الرحمن بن إسحاق: ثنا أبي: ثنا محمد بن الحسن، ثنا يحيى بن أبي بكر، ثنا عمارة بن زاذان، قال: كنا مع زياد النميري في طريق مكة، فضلت ناقة لصاحب لنا، فطلبناها فلم نقدر عليها، فأخذنا نقسم متاعه، فقال زياد النميري: ألا أقول شيئا: سمعت أنس بن مالك يقول: «تقرأ حم السجدة وتسجد وتدعو» . فقلنا: بلى. فقرأ بالسجدة وسجد ودعا، فرفعنا رءوسنا فإذا رجل معه الناقة التي ذهبت، فقال زياد النميري: أعطوه من طعامكم.

فلم يقبل، فقال: أطعموه. فقال: إني صائم. قال: فنظرنا فلم نره ولا ندري أين ذهب. 17 - أنا أبو محمد بن عتاب، عن أبي عمر النمري: ثنا ابن الفرضي: ثنا أبو محمد الضراب، قال: أنا أحمد بن مروان، قال: ثنا موسى بن البصري: ثنا محمد بن الحارث، عن المدائني، عن ابن الكلبي، عن أبي صالح، وثنا محمد بن عبد العزيز، ثنا أبي، عن أبي يعقوب الخطابي، عن أبيه، عن جده، عن أبي صالح: أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، يوم استسقى به عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما فرغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه من دعائه قال العباس: «اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون» . قال: فما تم كلامه حتى ارتجت السماء بمثل الجبال. 18 - أبو بكر بن أبي الدنيا: أنا أبو بكر الشيباني، قال: ثنا عطاء بن مسلم، عن العمري، عن خوات بن جبير، قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد عمر رضي الله عنه، فخرج عمر بالناس فصلى ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه، فجعل اليمين على اليسار واليسار على اليمين، ثم بسط يديه فقال:

«اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك» . فما برح مكانه حتى مطروا، فبينا هم كذلك إذا عرب قد قدموا فأتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، بينا نحن بوادينا، في يوم كذا في ساعة كذا، إذ أظلنا فسمعنا صوتا: «أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص» . 19 - قال بكر: ثنا بشار بن موسى الخفاف: ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، قال: كنت مع أنس فجاء قهرمانه، فقال: عطشت أرضنا. قال: فقام أنس فتوضأ، وخرج إلى البرية فصلى ركعتين ثم دعا، فرأيت السحاب تلتئم. قال: ثم مطرت حتى ملأت كل شيء، فلما سكن المطر، بعث أنس بعض أهله فقال: انظروا أين بلغت الماء. فنظروا فلم تعد أرضه إلا يسيرا. 20 - قرأت بخط أبي الوليد بن الفرضي، من روايته، عن إسماعيل القاضي: ثنا أحمد بن المعدل: أنا عبد الملك، قال: نزل بي أمر أهمني، فرأيت النبي عليه السلام وهو واقف عند الباب الذي يلي القبر، وهو يقول: «الله لمن أدعو إذا لم أدعك فتجيبني، اللهم إلى من أتضرع إذا لم أتضرع إليك فترحمني، الله إلى من أستغيث إذا لم أستغث بك فتغيثني» .

قال: فانتبهت، فدعوت بذلك، ففرج عني من ذلك الهم. وقال: فقالت لي امرأتي: رأيت النبي عليه السلام في النوم وهو يقول: «يا من فلق البحر لموسى ونجاه وبني إسرائيل من فرعون، أسألك بما فلقت به البحر لموسى ونجيته وبني إسرائيل من فرعون لما نجيتني من همي» . 21 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب: أنا أبي: أنا يونس بن عبد الله، قال: حدثني خلف بن محمد الإمام بمسجد الضيافة، قال: أنا أبو مطر القاضي، قال: ثنا أحمد بن محمد بن خزيمة، قال: ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، عن داود بن المحبر، قال: ثنا صالح المزي، عن بكر بن عبد الله في قوله: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا {2} إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا {3} } [مريم: 2-3] . قال: دعا ربه في جوف الليل الأوسط وهو ساجد فنادى: «يا رب يا رب» وقد خنقته العبرة، ودموعه تنحدر وقد نامت العيون، ولم يعلن البكاء اختفاء بخلوته، فلما كرر النداء أجاب ربه: «لبيك لبيك سلني أعطيك» فسأله، فأعطاه، فقال: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] . يحيى يحيا لا تميته الذنوب كما أماتت من كان قبله من ولد آدم.

22 - وأخبرنا أبو محمد، عن أبيه، قال: ثنا يونس بن عبد الله، قال: حدثني أبو عبد الله بن طالب المؤدب، قال: ثنا أبو عبد الله محمد بن محمد الحباس، إملاء في داره في مصر، قال: ثنا أبو جعفر محمد بن علي الشيخ الصالح الثقة، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال أبو عبد الله، وقد أخذت أنا عن جعفر بن سليمان، ولكني أخذت هذا الحديث عن هذا الشيخ لعدالته وثقته، وكان قد باع كل شيء له وانفرد بعبادة ربه؛ قال: ثنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، قال: ثنا عطاف بن خالد المخزومي، قال: غدا سليمان بن داود إلى مسجد بيت المقدس ليفتحه، فأعياه القفل أن ينفتح، فدعا له الإنس والجن فأعياهم، فمر به شيخ كبير من جلساء داود، فقال له: يا نبي الله ما لي أراك مهموما؟ قال: أعيا علي أن ينفتح وعلى الإنس والجن. فقال له الشيخ: ألا أدلك على كلمات، كان داود النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أهمه أمر دعا بهن، ففرج الله همه؟ قال:

نعم. قال: تقول: «اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت، هذه ذنوبي بين يديك، أستغفرك وأتوب إليك» . فقالها سليمان على القفل فانفتح. قال محمد بن علي: إنما يتقبل الله من المتقين. 23 - وذكر هذه القصة: أبو عبد الله الفضل بن عبيد الله بن الفضل الهاشمي في كتاب: فضائل بيت المقدس من تأليفه فقال: أخبرنا عبد الصمد بن محمد الهمداني، قال: ثنا النضر بن سلمة، قال: ثنا ابن أبي أويس، عن محمد بن نصير مولى معاوية بن أبي سفيان، عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن سليمان لما أعياه فتح بيت المقدس، دعا الإنس والجن فأعياهم حتى جاءه شيخ من جلساء داود عليه السلام فقال: ألا أعلمك دعوات، كان أبوك داود، إذا اهتم أو كربه أمر، فدعا بها فرج الله عنه؟ قال سليمان: بلى. فقال الرجل: كان يقول: «اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت» . قال: فقالها سليمان ففتحت ".

24 - أخبرنا أبو محمد: أنا أبي: أنا القنازعي: أنا ابن رشيق، قال: حدثنا أحمد بن جعفر الترمذي، قال: حدثني إسماعيل بن جعفر الجوهري، قال: كان عندنا رجل ببغداد يقال له: محمد بن عبيد، وكان يقاس من الزهد والعبادة إلى أحمد بن حنبل. قال: وكانت عنده جارية، فباعها فاتبعتها نفسه، فسار إلى مولاها فقال: أقلني بيع الجارية. قال: ما أفعل. قال: فأربح علي عشرة دنانير. قال: ما أفعل. قال: بارك الله لك فيها. فانصرف، فلما كان في الليل أراد فطره وأراد ورده من الليل، فلم يقدر عليه، وأجهد، فكتب اسمها في كفه، فكلما طرقه من أمرها طارق، رفع كفه إلى السماء وقال: يا سيدي، هذه قصتي فانظر فيها.

فلما كان في السحر فإذا الرجل يقرع الباب. قال: من هذا؟ قال: أنا، صاحب الجارية. قال: فخرج بالمال والربح، فقال الرجل: هذه الجارية بارك الله لك فيها. قال: وهذا المال والربح بارك الله لك فيه. قال: والله لا أخذت منك من ثمنها دينارا ولا درهما. قال: ولم، يرحمك الله؟ قال: لأنه أتاني آت في منامي الليلة فقال: «رد الجارية على ابن عبيد ولك على الله الجنة» . والحمد لله رب العالمين. 25 - أخبرنا غير واحد، عن أبي عمر النمري، قال: ثنا خلف بن قاسم، قال: ثنا أبو علي بن محمد، قال: أنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد. قال: ثنا الحسن بن الصباح: قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا يحيى بن بكير، قال: ثنا الليث بن سعد، قال:

بلغني أن زيد بن حارثة كرى من رجل بغلا إلى الطائف، فكان الرجل جلدا، فشرط على زيد: أن ينزل في كل مكان أراد أن ينزل فيه، فسار حتى بلغ خربة، فقال له الرجل: انزل. فنزل، فإذا في الخربة قتلى كثيرة، فلما أراد أن يقتله قال له زيد: دعني حتى أركع ركعتين. فقال: اركع فقد ركع هؤلاء قبلك فلم يغن عنهم شيئا. قال: فركعت، فلما فرغت أتاني ليقتلني فناديت في صلاتي: يا أرحم الراحمين! فسمع صوتا: لا تقتله. فخرج، فطلب، فلم ير شيئا وقال: ودنا مني فناديت: يا أرحم الراحمين! فإذا بفارس في يده حربة في طرفها نار تأجج فوضعها في صدره فقتله. قال: فقال لي: لقد ناديت أول مرة، وأنا في السماء السابعة، ثم ناديت الثانية وأنا في السماء الدنيا، ثم ناديت الثالثة وأنا عبدك.

26 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، قال: ثنا ابن مروان: أنا ابن رشيق: ثنا أحمد بن مروان، قال: ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: ثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا عبد الله بن محمد التيمي، قال: ثنا معاذ بن رباح، عن بعض أشياخه، قال: يذكر الناس ما نيب على ولد يعقوب، ولا يدرون ما لقوا وما مر بهم؛ مكث يعقوب يدعو عشرين سنة وولده خلفه قيام يدعون، حتى علموا دعوات فدعا بهن يعقوب صلى الله عليه وسلم: «يا رجاء المؤمنين لا تقطع رجائي، ويا غياث المؤمنين أغثني، ويا مانع المؤمنين امنعني، ويا محب التوابين تب علينا» . فدعا بهن يعقوب في السحر فتيب عليهم. 27 - قال ابن أبي الدنيا: حدثني هارون بن سفيان، قال: حدثني عبيد بن محمد، قال: ثنا محمد بن مهاجر القرشي، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أحمد بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ألا أخبركم وأحدثكم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا ربه» ؟ قال: بلى. قال: " دعاء ذي النون، قال: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ".

28 - قرأت بخط أبي الوليد بن الفرضي رحمه الله: ثنا أبو حفص عمر بن محمد بن عراك الشيخ الفاضل، إملاء من حفظه وأنا سألته بالمدينة، عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروضة بين القبر والمنبر، قال: حدثني أبو الفضل عبد المجيد بن مسكين المقرئ، قال: حدثني أبو علاثة الفارض، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن الليث بن سعد، قال: حججت سنة ثلاث عشرة ومائة، وأنا حدث، فدخلت يوم الجمعة وقد كسفت الشمس هذا العصر، وكان بها ابن أبي مليكة وجماعة من الفقهاء، فقلت: ألا تصلون صلاة الكسوف؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها وأمر بها. فتعجبوا من جراءتي؛ قالوا لي: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، والنهي منها يقطع الأمر. ثم صعدت إلى جبل أبي قبيس لأخلو فيه وأدعو، فإذا بكهل قائم قد بسط يديه وهو يقول: «يا الله، يا الله» حتى انقطع نفسه؛ «يا رحمن، يا رحمن» حتى انقطع؛ «يا رحيم، يا رحيم» حتى انقطع نفسه؛ «يا أرحم الراحمين» حتى انقطع نفسه. ثم قال: «اللهم، أنا جائع فأطعمني؛ اللهم، إني عريان فاكسني» .

فلم أشعر إلا وبين يديه سلة مملوءة عنبا أخضر، في غير أوان العنب، وعليها بردان جديدان. فتقدمت إليه، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله. قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركته. قلت: إني شريكك. قال: في ماذا، يرحمك الله؟ قلت: أنت تدعو وأنا أُأَمِن. قال لي: تقدم فكل. فأكلت عنبا لا عجم له، والسلة لا تكاد تنتقص. ثم قال لي: خذ أحب البردين إليك. قلت: لا حاجة لي فيهما، أنا رجل موسر. قال: قم فتوار عني.

فقمت فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، وأخذ البردين الخلقين اللذين كانا عليه، فجعلهما على يده، ونزل ونزلت خلفه، فلما توسطنا سوق الليل لقيه سائل، فقال: اكسني، يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأعطاه البردين الخلقين ومضى، فلحقت السائل، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه. 29 - قال ابن عراك: وحدثني أبو بكر محمد بن بشير بن عبد الله العكبري، قال: ثنا أبو الغمر محمد بن مسلم الأموي، قال: ثنا أبو نافع الأسود وكان مجاب الدعوة، قال: حدثني الليث بن سعد، قال: حججت إلى مكة سنة ثلاث عشرة، فأتيتها وقد كسفت الشمس، فصعدت إلى جبل أبي قبيس أخلو فيه، فإذا بكهل قائم قد بسط يديه وهو يدعو، ثم قال: «اللهم، إن بردي هذين قد خلقا؛ اللهم، إني جائع فأطعمني» .

فإذا بسلة بين يديه مملوءة عنبا أخضر مثل السلق، وعليها بردان فتقدمت إليه، فقلت: سلام عليكم ورحمة الله. فقال لي: وعليكم السلام. فقلت: إني شريكك. قال: في ماذا، يرحمك الله؟ قلت: أنت تدعو وأنا أُأَمِن. قال: أما كان لك ورع يحجزك من هذا، يأتي أحدكم إلى أخيه المسلم، فتسمع عليه سره بينه وبين الله؛ تقدم وكل. فأكلت عنب لا عجم له، والسلة لا تكاد تنقص. ثم قال: خذ أحب البردين إليك. قلت: لا حاجة لي فيهما، أنا رجل موسر. قال لي:

قم فتوار عني. فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ونزل ونزلت خلفه، فسألت عنه، فقيل لي: إنه جعفر بن محمد الصادق. قال الليث بن سعد: فلا تزال حسرة ذلك البرد في قلبي، إلا أكون أخذته فجعلته لكفني. 30 - وبإسناده: حدثني أبو نافع الأسود وكان مجاب الدعوة قال: كنا نجلس عند الليث بن سعد في حلقته، فكان يجلس معنا بها شاب، فرآه الليث يوما وقد خلقت ثيابه. فقال لنا: ألا تنظرون إلى جليسكم خلقت ثيابه؟ قلنا: يقول الشيخ ما أحب. فجمعوا له ثلاثين دينارا. فقال: من يمضي بها إليه؟ فقال رجل: أنا. قال: لا يعلم أنا جمعناها له، واقرأ عليه مني السلام وقل له: «غير بهذه حالك» . فحدثني الرجل أنه راح مع الزوال، قال: فوجدته قد سبقني وهو قائم يصلي، فجلست خلفه

وقلت: «يصلي الظهر وأدفعها إليه» . فلما صلى الظهر قام يصلي، فقلت: يصلي العصر وأدفعها إليه ". فلما صلى العصر أخذ في الذكر فهبته، فقلت: «يصلي المغرب وأدفعها إليه» . فلما صلى المغرب قام يتنفل. قلت: «يصلي العتمة وأدفعها إليه» . فلما صلى العتمة قام يصلي، فلم يزل يصلي حتى مضى شطر الليل. ثم ركع وسلم وقام. فقمت خلفه فجاء إلى باب الصوال وهو الباب الثاني من المسجد الجامع بالفسطاط والقوم رقود عنده، فلما جزنا من الباب انفتح فخرج، وخرجت خلفه، فجعل لا يمر بدرب إلا انفتح له، ولا بكلب يهر إلا هدأ، حتى بلغ درب الصحراء فخرج منه. فلما رأيت المقابر فزعت فقلت: يا فتى! . فالتفت إلي، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله، أنا خلفك من الظهر. قال: لك حاجة؟ فقلت: نعم، أرسلني إليك الليث بن سعد بهذه الصرة تغير بها حالك. فقال لي: أنا في غنى عنها. فألححت عليه فقال: ناولني ذلك الحجر. وكانت ليلة قمراء فناولته قطعة حجر كذان، فقال:

إيش هذا عندك؟ فقلت: حجر كذان. فأغلق يده عليه، ثم فتحها ذهبا إبريزا فقال لي: يا هذا، من كان إذا احتاج إلى شيء صارت له الحجارة ذهبا، يحتاج إلى ما في أيديكم؟ قل لليث: قد كان لنا في مجالستكم أنس. ثم مضى فلحقته، فقلت له: أحب أن تريني ما أريتني مرة أخرى. فقال: ناولني حجرا. ففعل فيه مثل ذلك. ثم قلت له: أرني إياه ثالثة. فقال: ناولني حجرا. ففعل فيه مثل ذلك. ثم مضيت إلى بعض المساجد فبت. فقال له الليث: لا جزاك الله عنا خيرا، تفرق الرجل عنا كأن فتح الباب يجزيك وتجيء فتحدثنا فنستمتع منه. ثم قال الليث:

ليس ترونه بعدها. ثم فرق الدنانير على الفقراء. 31 - قرأت بخط أبي زكرياء بن عائذ: أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قراءة عليه، قال: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا عثمان بن ثابت، عن محمد بن سوقة: أن أنس بن مالك، كتب إلى أخ له: إذا كان يوم الخميس فصم وتصدق بشيء، فإذا صليت المغرب فصل بعدها ركعتين، فإذا كنت في آخر سجدة فقل: «أسالك بوجهك الكريم، وأسألك باسمك العظيم» ، سبع مرات. ثم سلم، فإنه من الدعاء الذي لا يرد إن شاء الله تعالى. 32 - قرأت على أبي محمد بن عتاب: أخبرك أبوك رحمه الله سماعا فأقر به، قال: ثنا سليمان بن خلف: ثنا محمد بن أحمد بن مفرج: ثنا محمد بن أيوب: ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الخالق، قال: ثنا سلمة بن شبيب، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا فائد أبو الورقاء، عن عبد الله بن أبي الوفاء الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له حاجة إلى الله تبارك وتعالى أو إلى

أحد فليقل: «لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل ذنب، ومن كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها، يا أرحم الراحمين» . 33 - أخبرنا أبو الحسن بن مغيث، عن أبي عمر أحمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: ثنا قاسم بن أصبغ: ثنا أحمد بن زهير، قال: ثنا المدائني، قال: قال توبة العنبري: عملت ليوسف بن عمر؛ قال: فحبسني حتى لم يبق في رأسي شعرة سوداء. قال: فرأيت في المنام رجلا حسن الوجه أبيض الثوب. فقال: يا توبة، لقد طال حبسك. قال: قلت: أجل. قال: قل «اللهم أسألك العفو والعافية، والمعافاة في الدنيا والآخرة» ، ثلاث مرات. فانتبهت فكتبتها. ثم قمت فتوضأت وصليت، فما زلت أقولها حتى السحر، وإذا رسل يوسف قد أخرجوني إليه في قيودي.

قال: أتحب أن أخليك؟ قلت: نعم. فأطلق قيودي وخلاني. 34 - وأخبرنا أبو محمد: ثنا أبو عمر النمري، قال: ثنا أبو عمر أحمد بن محمد، قال: ثنا أحمد بن سعيد بن حزم، قال: ثنا أحمد بن عبد الله الساوي بمكة، قال: ثنا أبو الحسن محمد بن يحيى الفارسي، قال: ثنا فضيل، وعبد الرحمن بن حبيب، عن يحيى بن أبي بكير، عن ابن أبي زائدة، قال: كان عند سفيان الثوري مخبآت لبني هاشم، لا يهديها لكل إنسان ضنا بها، ولقد حدثنا يوما بحديث فالتفت إلينا، فقال: هذا حديث خير من ألف حديث؛ دخلنا على جعفر بن محمد، فقال لي: يا سفيان، اخرج عني غير مطرود، فإن السلطان يطلبك، ونحن لا نتعرض للسلطان.

فلما وليت قال لي: يا سفيان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كربه أمر فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله تعالى، ومن استبطأ رزقه فليستغفر الله ". ثم ناداني: يا سفيان. فقلت: لبيك، يا ابن رسول الله. قال: ثلاث وأي ثلاث. 35 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب في آخرين، عن أبي عمر النمري، قال: ثنا ابن الفرضي، قال: ثنا أبو محمد الضراب، قال: ثنا أبو بكر أحمد بن مروان، قال: ثنا زيد بن إسماعيل، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان الثوري، أن جعفر بن محمد قال له: إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار. قال سفيان: فانتفعت بهذه الموعظة.

36 - وأخبرنا أبو محمد، قال: قرأت على حاتم بن محمد، قال: أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد المقرئ، قال: أنا إبراهيم بن محمد الأبيوردي بالمسجد الحرام، قال: ثنا الحسن بن سعيد المقرئ، قال: ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي: ثنا علي بن عبد الله المدني: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم، عن علي بن حسين، عن بنت عبد الله بن جعفر، التي كانت عند عبد الملك بن مروان، عن أبيها عبد الله بن جعفر، قال علي بن الحسين: كان عبد الله يقول: علمني علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أقولهن عند الكرب إذا نزل. ثم قال: لقد خصصتك بهن دون حسن وحسين. قال: وكان عبد الله بن جعفر يكتمهن فلما زوج ابنته تلك وتوجهت إلى الشام، شيعناها معه، فلما استقلت وأراد أن ينصرف خلا بها، فعرفت أنه يعلمها إياهن، فلما انصرف تخلفت. ثم أدركتها فسألتها عنهن، فقالت لي: قال لي أبي: " بنية، إنك تقدمين أرضا أنت بها غريبة، فإذا نزل بك كرب أو غم، فقولي هؤلاء الكلمات: لا إله إلا الله الحليم الكريم، تبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين ".

37 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، قال: ثنا ابن نبات، عن أبي زكرياء يحيى بن مالك، قال: ثنا أبو بكر السلمي، قال: أملى علينا أبو بكر بن دريد، قال: أنا عبد الأول بن مزيد: ثنا جماعة عمن حدثنهم، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد رضي الله عنه أنه قال: عجبت لمن بلي بأربع كيف يغفل عن أربع؛ عجبت لمن ابتلي بالغم، كيف لا يقول: «لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين» ، والله يقول: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] . وعجبت لمن ابتلي بالخوف، كيف لا يقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل» ، والله عز وجل يقول: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] . وعجبت لمن مكر به، كيف لا يقول: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر: 44] ، والله عز وجل يقول: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر: 45] الآية. وعجبت لمن رغب في شيء، كيف لا يقول: «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» ، والله عز وجل يقول: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39. 38 - قال أبو زكرياء بن عائذ: ثنا أبو عثمان عبد الرحمن بن إسماعيل الخشاب، قال: ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، قال: حدثني محمد بن عبد الوارث، قال: كنا جلوسا عند الحارث بن مسكين، فأتاه علي بن القاسم بن محرز الكوفي المقرئ فقال له: رأيت في النوم كأن الناس مجتمعون في المسجد الجامع، فقلت: «ما اجتماعكم؟» .

قصة للحسن بن أبي الحسن البصري.

فقالوا: «عمر بن الخطاب جاء يقعد الحارث بن مسكين على القضاء» . فرأيت أخذه وسمر مقعده في الحائط، فانصرف، وتبعته حتى دخل زقاق القناديل، فلما أحس بي قال: «ما تريد؟» . قلت: «أنظر إليك» . قال: " اذهب إلى الحارث، فاقرأه السلام وقل له: تقضي بين الناس بأمارة أنك كنت في الحبس بالعراق فقمت من الليل فعثرت، فنكبت إصبعك، فدعوت بذلك الدعاء، فخليت من الغد ". فقال له الحارث: صدقت وأرجو أن تكون بريئا مما يقال فيك، هذا شيء ما اطلع عليه أحد إلا الله عز وجل. فقال له: فالدعاء ما هو؟ قال: قلت: «يا صاحبي عند كل شدة، ويا غياثي عند كل كربة، صلي على محمد وعلى آل محمد، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا» . 39 - قصة للحسن بن أبي الحسن البصري. قال يونس بن عبد الله: وكان من دعاء الحسن حين طلبه الحجاج، فستره الله عنه ونجاه منه: «يا صاحبي عند كل شدة، ويا نجي عند كل كربة، ويا ولي عند كل نعمة، ويا حاضري عند كل غربة، ويا مؤنسي عند كل وحشة، ويا رازقي عند كل حاجة، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، صلي الله عليهم وعلى محمد، وسلم تسليما، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، يا أرحم الراحمين» .

40 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب: أنا حاتم بن محمد: أنا أبو عمر المقرئ، قال: ثنا ابن مفرج، قال: ثنا أبو أحمد الهروي، قال: ثنا إبراهيم بن عبد العزيز الرفاء، قال: حدثني أبي، قال: حدثني قاسم الجرمي، عن سفيان الثوري، عن الأوزاعي، قال: رأيت رجلا في الطواف وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: «يا رب إني فقير كما ترى، وصبيتي قد عروا كما ترى، وناقتي قد عجفت كما ترى، فما ترى فيها ترى، يا من يرى ولا يرى» . فإذا بصوت من خلفه: يا عاصم، يا عاصم الحق عمك فقد هلك بالطائف، وقد خلف ألف نعجة، وثلاثمائة ناقة، وأربعمائة دينار، وأربعة أعبد، وثلاثة أسياف يمانية، وامض فخذها فليس له وارث غيرك. قال الأوزاعي: قلت له: يا عاصم إن الذي دعوته لقد كان قريبا منك. قال: يا هذا، أما سمعت قوله:] وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة: 186] . 41 - أخبرنا غير واحد، عن أبي العباس العدوي، قال: أنا علي بن جهضم، قال: ثنا أبو حفص عمر النجار البغدادي في جامع طرطوس، قال: دخل أبو الحسين محمد بن محمد الثوري إلى الماء ليغتسل، ووضع ثيابه على الشط، فجاء

لص فأخذ ثيابه، فخرج الثوري من الماء ولم يجد ثيابه، فرجع إلى الماء وجلس في وسط الماء، فما كان إلا الساعة حتى جاء اللص ومعه ثيابه، فوضعها في مكانها وقد جفت يده اليمنى، فخرج الثوري من الماء ولبس ثيابه وقال: اللهم قد رد علي ثيابي فرد عليه يده. فرد الله عليه يده بفضله وكرمه. 42 - قرأت بخط عبد الرحمن بن يوسف الرفاء: حدثني أبو الوليد صاحبنا هو ابن الفرضي، قال لي: ذاكرت الشيخ الصالح أبا نزار الخطاب بن مفرج البوني، الذي يكون بأطرابلس، وكان قد ارتفع معنا إلى مكة من مصر، مع أبي عبد الله محمد بن محمد بن حمدون الخولاني العابد المصري براهين الصالحين، وما أعطوه من الكرامات، وخصوا به من ظهور الآيات، فقال لي: هذه أمور صحاح لا يشك فيها إلا أهل الزيغ، وما لقيت أحدا ممن أدركت من الصالحين والعباد في المشرق والمغرب ينكرها، ولا يطعن على شيء منها، ولا يبطل شيئا من هذه المعجزات التي تظهر للصالحين. وكان يقول لي وأنا ماش معه في الحجاز: إنا والله أعلم من كان يدخل هذا الحجاز على الوحدة بلا زاد ولا ماء غير مرة، وقال لي أبو عبد الله صاحبنا، يعني: ابن حمدون العابد المصري، يخرج من بيته بالليل فتنفتح له الدروب، حتى يأتي الصحراء ويطوف في المقابر في الليلة المظلمة فيقول:

هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان. وإنه لفي المقابر ليلة من الليالي وهو يقرأ، إذ سمع صوتا من بعض الجدران: زد أبا عبد الله، زد أبا عبد الله. فاتبع الصوت حتى وضع جبينه على الجدار فوقعت عليه غشية، ثم استفاق منها، ثم عاد يقرأ، ثم نودي به مرة أخرى كنحو ما نودي به أول مرة. قال لي أبو الوليد: فجعلت أتعجب مما أورده علي، فقال لي: وكم لأبي عبد الله بن حمدون من هذه العجائب! . ثم حدثني، قال: كان أبو عبد الله قد ورث من أبيه دنانير كثيرة، فأودعها ناحية من بيته تحت الأرض، ثم خرج على قدميه ماشيا إلى مكة، فسأل الله في بعض خلواته وهو متعلق بأستار الكعبة في الليل أو كما قال أن يجعل قوته يوما بيوم، ثم انصرف بعد حجه إلى مصر، فكان يجمع الشوك ويحمله على ظهره، فيصيب من ذلك القوت وربما عمل الخوص فلا يكاد أن يقدر على أكثر من قوت يوم بيوم. قال: وخلق ما كان عليه من الثياب، فلم يجد ما يجددها به وطلب تلك الدنانير التي كان خبأ في الأرض، ليتوسع في شيء منها وليؤدي زكاته إن كانت وجبت عليه فيها أو كما قال، فكأن الأرض بلعتها فلم يقدر عليها، ولحقها جهد عظيم وقملت ثيابه الخلقة التي كانت عليه وضعفت حاله، فخرج إلى مكة حتى أتاها فتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم إني دعوتك في أمر لم أستخرك فيه وكان نظرك لي أفضل من نظري لنفسي، وقد قل صبري على ما سألتك من التضييق علي في تقويتي يوما بيوم، وهأنذا أستقيلك يا سيدي واسألك التوسعة علي في رزقي.

قال: فمات في تلك الأيام رجل من الفرس تاجر طيب المال، فأوصى: أن يعطى ابن حمدون العابد المصري من ماله ألف دينار، أو عددا نحو هذا فصار إليه المال فتوسع فيه لنفسه ولجماعة من الفقراء حملهم إلى مصر. ثم قدم من مصر فتعرض ما كان أودعه الأرض من الدنانير، فإذا بها على حسب ما وضعها، فأبضع ذلك المال أو بعضه مع جماعة من إخوانه وتجر له فيه واتسعت به الحال، وها هو ذا تراه وكان قد حمل مع نفسه من مصر إلى مكة جماعة من الفقراء في المحامل مرفهين وكان في عدادهم الشيخ أبو نزار. وقال لي أبو نزار: إذا وصلنا إلى مكة إن شاء الله، سألت أبا عبد الله عما أخبرتك به، فيكون لك سماعا منه. وكان أبو عبد الله بن حمدون ينبسط إلي ويحادثني في أطراف النهار في حين النزول، ويذاكرني الحديث والمحدثين، وقد كتب لي بمكة إلى أبي يعقوب بن الدخيل، فلما قدمنا مكة نزل أبو عبد الله في دار ابن الأصبهاني، ونزل أبو نزار في المسجد الحرام، لم يكن يبيت إلا في المسجد، ولا كان يزول عنه. فقال لي أبو نزار: هل لك في المسير إلى الشيخ أبي عبد الله، لتراه وليحدثك بما حدثتك به عنه؟ فسرت معه حتى دخلنا على أبي عبد الله، فسألناه عن الحال. ثم قال له أبو نزار: صاحبنا هذا يعني: له منك محل وذمام. وحدثته بخبرك وخروجك إلى الصحراء بالليل، وذكرت له النداء الذي سمعت. وأورد عليه معاني الحكايات التي حكاها لي عنه، فرأيت كأنه كره ذلك وعز عليه. ثم تبسم إلينا وقال:

أحدثه بما هو أملح من هذا، وما قد حدثت بها جماعة من أصحاب الحديث وكتب عني: رأيت فيما يرى النائم سنة أربع وستين وثلاثمائة، كأني صعدت إلى علية فوجدت فيها أبا عبد الله بن الشيخ أبي بكر النابلسي رحمه الله، فقلت له: «إني أحب الوصول إلى الشيخ والاجتماع به» . فكان يقول لي: «هو ذا خارج إليك» . قال: فكنت ألتفت فأرى الشيخ أبا بكر خارجا من باب العلية، وهو يخطر بمكة فأسأله عن المحنة الدائرة عليه مع سعد، فقلت: «ما فعل الله بك؟» . فتبسم إلي وأنشأ يقول: حباني مالكي بدوام عز ... وواعدني بقرب الانتصار وقربني وقال لي فانظر ... وطب نفسا بعز في جواري وكان أبو عبد الله بن حمدون من أحسن الناس صوتا بالقرآن. قال لي أبو الوليد: حدثني أبو عبد الله الحسين الإبريسمي أن ابن الخياط، وأبا بكر النعالي كثيرا ما كانا يأتيانه فيسألانه أن يقرأ لهما، وربما أتى الرجل من بغداد إلى الفسطاط لا حاجة له فيه إلا سماع أبي عبد الله بن حمدون. وكثيرا ما كان يقرب محمله من محملي في الحجاز، فكان يقرأ في الليل فيبكي الناس وينزلون من محاملهم حوالي محمله الرجال والنساء، فإذا أحسن بذلك سكت.

قصة حسنة للزهري رحمه الله.

43 - قصة حسنة للزهري رحمه الله. أخبرنا أبو محمد بن محسن: أنا أبو محمد المجاور: أنا أبو ذر الهروي، قال: أنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس، قال: ثنا أبو العباس بن المارستاني، قال: أنا أبو سعيد الأشج والقاسم بن محمد الوراق، قالا: ثنا وكيع، عن صالح بن أبي الأخضر، قال: سمعت الزهري يقول: اعتللت علة أشرفت منها على لقاء ربي، فضاق بذلك ذرعي، فلم أجد أحدا أتوسل به بقلبي غير علي بن الحسين رضي الله عنه، فأتيته فسألته الدعاء فقال لي: أيما أحب إليك، أدعو أنا وتؤمن أنت؟ فقلت: دعاؤك أفضل، وتتبع دعاءك تأمينا منك ومني فرفع يديه وقال: اللهم إن ابن شهاب قد فزع إلي بالوسيلة إليك بآبائي فيما تعلم بالإخلاص من آبائي وأمهاتي، إلا جدت علينا بما قد أمر ببركة دعائي، واسكب له من الرزق وارفع له من القدر وغيره ما يصيره كهفا لما علمته من العلم. قال: الزهري فوالذي نفسي بيده، ما اعتللت ولا مر بي ضيق ولا بؤس، منذ دعا بهذه الدعوات، وإني لفي دعة من العيش إلى وقتي هذا، وهذا ما أؤمله من مغفرة الله ورحمته أكثر من ذلك بدعاء علي بن الحسين رضي الله عنه.

44 - أخبرنا أبو محمد: أنا حاتم بن محمد: أنا أبو عمر المقرئ: أنا أحمد بن خالد التاجر، قال: ثنا أبو عمرو بن السماك ببغداد، قال: ثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: ثنا أحمد بن إبراهيم، قال: ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: ثنا أبو العباس المكي وكان يخدم فضيلا، قال: احتبس على فضيل البول. قال: فجلس يبول فقال: بحبي لك ألا أطلقته. قال: فبال. 45 - أخبرنا أبو الحسن الواعظ، قال: أنا قاسم بن محمد، قال: أنا إبراهيم بن محمد وأحمد بن محمد، قالا: ثنا أبو محمد بن نصر، قال: ثنا أبو عبد الله محمد بن عمرو، قال: قال لنا بكر بن محمد بن العلاء القاضي: احتبس بولي وأنا صبي نحو سبعة أيام، فأتي بي إلى سهل على عنق غلام لنا، ومعي أبي، فذكر له احتباس بولي، فمسح على بطني وقال: اذهبوا به، يذهب الله ما به إن شاء الله. فما هو إلا أن خرجنا من داره، فأطلق الله ما كان بي، وأمر أبي الغلام أن يقف فجرى بولي على الغلام حتى ذهب ما كان بي. 46 - ذكر ابن أبي الدنيا بالإسناد المتقدم إليه: حدثني أبو إسحاق، عن مسلم أن رجلا أتى إلى حبيب أبي محمد فقال:

لي عليك ثلاثمائة درهم. قال: اذهب إلى غد. فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال: اللهم إن كان صادق فأد إليه، وإن كان كاذبا، فابتله في بدنه. قال: فجيء بالرجل من غد قد حمل وقد ضرب شقه الفالج. قال: ما لك؟ قال: أنا الذي جئتك أمس لم يكن لي عليك شيء وإنما قلت: تستحي من الناس فتعطيني. قال له: تعود. قال: لا. قال: اللهم إن كان صادقا فألبسه العافية. قال: فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شيء. 47 - أخبرنا القاضي أبو علي حسين بن محمد الصدفي، إجازة خطها بيده. قال: قرأت على أبي بكر أحمد بن علي الطريثيثي: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحسن: أنا علي بن محمد: أنا الحسين هو ابن صفوان: أنا عبد الله هو ابن أبي الدنيا: ثنا أبو الحسن أحمد بن عبد

الأعلى الشيباني: ثنا إسماعيل بن أبان العامري: ثنا سفيان الثوري، عن طارق بن عبد العزيز، عن الشعبي، قال: لقد رأيت عجبا، كنا بفناء الكعبة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعد أن فرغوا من حديثهم: ليقم كل رجل منكم فليأخذ بالركن اليماني، ثم يسأل الله حاجته فإنه يعطي من سعته. قم، يا عبد الله بن الزبير، فإنك أول مولود ولد في الهجرة. فقام فأخذ بالركن اليماني. ثم قال: «اللهم إنك عظيم ترجي لكل عظيم، أسألك بحرمة وجهك، وحرمة عرشك، وحرمة نبيك صلى الله عليه وسلم أن لا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز ويسلم علي الخلافة» . وجاء حتى جلس. فقالوا: قم، يا مصعب بن الزبير. فقام حتى أخذ بالركن اليماني: ثم قال: «اللهم إنك رب كل شيء وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء أن لا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني سكينة بنت الحسين» . وجاء حتى جلس وقالوا: قم، يا عبد الله بن مروان. فقام وأخذ بالركن اليماني فقال: «اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك عبادك

المطيعين لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، ونحن خلقك ونحن الطائفون حول بيتك، ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرقها وغربها، ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه» . ثم جاء حتى جلس. ثم قالوا: قم، يا عبد الله بن عمر. فقام حتى أخذ بالركن اليماني. ثم قال: «اللهم إنك رحمن رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك، ألا تميتني من الدنيا حتى توجب إلي الجنة» . قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدنيا، حتى رأيت كل واحد منهم أعطي ما سأل، وبشر عبد الله بن عمر بالجنة وزينت له رحمة الله. 48 - وذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، قال: ثنا محمد بن عمر الكلابي، قال: ثنا محمد بن أبان، قال: ثنا رجل من قريش، قال: أتي سليمان بن عبد الملك ببطريق من بطارقة الروم من عظمائهم، فأمر به إلى السجن مغللا مقيدا، فدخل عليه السجان ذات عشية فأغلق عليه بابه. ثم خرج، فلما بكر عليه لم يجده في السجن فلما كان بعد أشهر، جاء كتاب صاحب الثغر يخبر أمير المؤمنين أن فلانا البطريق وجد مطروحا دون منزله بحديده. فدعا سليمان بن عبد الملك السجان فقال: أخبرني ما فعل البطريق. قال:

ينجيني الصدق، يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فأخبره بقصته. قال: فما كان عمله وبما كان يتكلم؟ قال: كان يكثر أن يقول: «يا من يكتفي من خلقه جميعا ولا يكتفي منه أحد من خلقه، يا من لا أحد له انقطع الرجاء إلا منك، أغثني أغثني» . قال: بها نجا. 49 - أخبرنا أبو محمد: أنا عبد الله بن سعيد: أنا أبو ذر الهروي، قال: ثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: ثنا عبد الله بن محمد، عن من حدثه، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: ثنا أبو بكر بن عباس، عن حسن، عن الشعبي: أن زيادا أتي برجل فجعل زياد يكلمه، والرجل يحرك شفتيه فخلى زياد سبيل الرجل فسألنا الرجل فقال:

قلت: «اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، ادرأ عني شر زياد» . 50 - قرأت بخط ابن فطيس رحمه الله: أخبرني الحسن بن رشيق في كتابه إلي، قال: ثنا علي بن سويد الزيات، قال: ثنا محمد بن أصبغ بن الفرج، قال: ثنا أبي، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن جده محمد بن أبي لبيبة، قال: دعا سعد بن أبي وقاص، قال: «يا رب، إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا» . فأخر الله عنه الموت عشرين سنة. 51 - من رواية ابن وهب، عن أسامة بن زيد، أن سليمان حدثه، أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: علقني الهم والحزن. قال: " قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] ". قال: فليق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ذهب ذلك الهم والحزن. «اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة» . 52 - وذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثني سالم بن هاشم، قال: ثنا الخطاب بن عثمان، قال: ثنا أبو فديك، قال: ثنا سعد بن سعيد، قال: ثنا أبوك إسماعيل بن أبي فديك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما كربني أمر إلا تمثل إلي جبريل عليه السلام فقال: " قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] ".

الحمد لله رب العالمين. 53 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب: أنا أبو عمر: أنا ابن الفرضي، قال: أنا الضراب: أخبرنا أحمد بن مروان: ثنا ابن أبي الدنيا، ومحمد بن سليمان الواسطي، عن أحمد بن علي الشيباني، عن أبيه، امرأة وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال له: تجد فيما تقرأ من الكتب دعاء مستجابا تدعو به عند الكرب؟ قال:

فضل يوم الأربعاء وتعرف الإجابة فيه.

نعم. قال: «اللهم إني أسألك، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمير الصامتين، فإن لكل مسألة منك سمعا حاضرا، وجوابا عتيدا، ولكل صامت منك علما محيطا باطنا، مواعدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، وكرامتك الواسعة، أن تفعل لي كذا» . قال ابن عباس: هذا الدعاء علمته في النوم، وما أرى أحدا يحسنه. قال: المالكي: سمعت ابن أبي الدنيا يقول: عسرت علي حاجة زمانا، فكتبت هذا الحديث إملاء وقلته، فقضيت حاجتي يوم كتب هذا الحديث. 54 - فضل يوم الأربعاء وتعرف الإجابة فيه. ذكر البزار، حدثنا محمد بن المثنى، وعمرو بن علي، ومحمد بن يعمر، قالوا: أنا أبو عامر عن كثير بن زيد، قال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: حدثني جابر بن عبد الله، قال: " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح وقال محمد بن المثنى: في مسجد قباء ثلاثا: يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين ". قال جابر: فلم ينزل بي أمر مهم، إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة.

في فضل الغرس يوم الأربعاء.

55 - في فضل الغرس يوم الأربعاء. ذكر أبو سعد الماليني بإسناده، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من غرس غرسا يوم الأربعاء، فقال: سبحان الله الباعث الوارث، أطعمه الله من ثمرته ". 56 - أخبرنا أبو محمد، عن أبي عمر: أنا ابن قاسم: ثنا محمد بن الحسين: ثنا محمد بن سفيان: ثنا يونس بن عبد الأعلى، فقال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرنا الحارث بن نبهان، عن محمد بن عبيد الله، عن عبد الملك بن عمير أنه حدثه من رأى ذلك الرجل فقال: كنا بأرض الروم في سرية، فوقع رجل، فانكسرت فخذه، فانطلق أصحابه وتركوه، فلما رأى ذلك قرأ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} [التوبة: 129] . فجاءه رجل فقال: ما قلت؟ قال: قلت كذا وكذا. فأخذ برجله، فمدها حتى سمع صوت العظم، ثم قال: قم. فقام وهي أقوى من الأخرى.

والحمد لله رب العالمين، اللهم استجب لنا برحمتك، يا أرحم الراحمين آمين، يا رب العالمين وهو حسبي ونعم الوكيل. هذا آخر الجزء الأول والحمد لله رب العالمين. يتلوه من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأتى به الجنة بمنه وكرمه.

من فضائل سعد بن أبي وقاص وإجابة دعوته.

الجزء الثاني: من كتاب أدعية المستغيثين بالله عز وجل عند المهمات والحاجات، والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات، وما يسر الله لهم من الإجابات والكرامات. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله 57 - من فضائل سعد بن أبي وقاص وإجابة دعوته. ذكر أسد بن موسى: ثنا يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم استجب لسعد إذا دعاك» . وكان صلى الله عليه وسلم، يقول: «اتقوا دعوات سعد فإنها مستجابة» . وقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أجب دعوته وسدد رميته» . 58 - ومن رواية عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر، حتى قالوا: إنه لا يحسن يصلي.

فقال سعد: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين. فقال عمر: كذلك الظن بك، يا أبا إسحاق. ثم بعث رجالا يسألون عنه في مجالس الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلسا إلا أثنوا خيرا وقالوا معروفا، حتى أتوا مجلسا من مساجدهم فقام رجل يقال له أبو سعدة، فقال: اللهم إذا سألتمونا فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير السرية. فقال سعد: «اللهم إن كان كاذبا فاعم بصره، وأطل فقره، وعرضه للفتن» . قال عبد الملك: فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك فإذا قيل له: كيف أنت، يا أبا سعدة؟ قال: كبير فقير مفتون، أصابتني دعوة سعد رضي الله عنه. 59 - ومن رواية مصعب بن زيد، أن رجلا نال من علي رضي الله عنه، فنهاه سعد فلم ينته، فقال سعد:

أدعو الله عليك. فلم ينته. فدعا الله عليه، فلم يبرح حتى جاءه بعير ناد، أو ناقة نادة، فخبطه حتى مات. 60 - ومن رواية أبي القاسم الربعي، قال: ثنا أحمد بن سعيد المؤدب، عن محمد بن أبي عبيدة الناجي، عن أبيه، عن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] ، قال رجل من الأنصار: لأصدقن ربي، ولأجلسن في بيتي. فجلس فيه أياما، وغلق عليه الباب، وذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يحس دابة تحتك بجدار البيت الذي كان فيه، فخرج فإذا بعير عليه جوالقان فطرده وأقامه على الطريق. ثم دخل البيت، وأعلق الباب وجلس، فإذا هو بحركة ذلك الاحتكاك إلى الجدار قد عادت، فخرج فإذا ذلك البعير بالجوالقين عليه، فطرده أيضا. ثم دخل بيته فعاد البعير إلى الاحتكاك بذاك الجدار الثالثة، فخرج الرجل فأخذ بخطام البعير، وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه القصة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا البعير عليه طعام، اقتطعه لك جبريل من عير فلان اليهودي بطريق الشام، لما صدقت ربك عز وجل» .

ومن إسراع الغياث إلى المتوكلين على الله الكريم.

61 - ومن إسراع الغياث إلى المتوكلين على الله الكريم. أنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن خلف بن يحيى، عن عبد الرحمن بن مدراج، عن إبراهيم بن حميد، قال: ثنا عمر بن عبد الله بن سهل البغدادي الصيدلاني، قال: ثنا جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: غدوت إلى أصبغ بن يزيد الوراق أريد أن أسمع منه، فوجدته شديد الغم فقلت: يرحمك الله، مم غمك؟ قال لي: إن كنت تريد أن تكتب، فاكتب وإلا فانصرف. فكتبت وانصرفت، فلما كان اليوم الثاني، غدوت إليه فوجدته قد تضاعف غمه، فسألته عن ذلك فقال: إن أردت الكتاب فاكتب وإلا فانصرف. فكتبت وانصرفت. فلما كان اليوم الثالث، رحت إليه، فوجدته طلق الوجه مسرورا، فقلت له: أراك اليوم والحمد لله مسرورا، وكنت بالأمس مغموما فما الخبر؟ فقال: أما أنك لولا سؤالك في اليوم الخالي ما أخبرتك، ولكني أعلمك أني مكثت أنا ومن عندي ثلاثا لم نطعم طعاما، فلما كان اليوم خرجت إلي ابنتي الصغيرة فقالت: «يا أبا، الجوع» ، فتركتها وأتيت الميضأة فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين، ومددت يدي

قصة للشافعي رحمه الله، فرج الله عنه بها سريعا برحمته

لأدعو، فأنسيت ما كنت أحسنه من الدعاء فقلت: " اللهم إن كنت حرمتني الرزق، فلا تحرمني الدعاء، فألهمت أن قلت: اللهم خشعت الأصوات لك، وضلت الأحلام فيك، وضاقت الأشياء دونك، وهرب كل شيء منك إليك، وتوكل كل مؤمن عليك، فأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العلي في قدرتك، يا من هو في علوه دان، وفي دنوه عال، وفي سلطانه قوي، صلي اللهم على محمد وعلى آل محمد، وافتح علي منك رزقا لا تجعل لأحد علي فيه منة، ولا لك علي في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين ". قال: ثم انصرفت إلى البيت، فإذا ابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت: يا أباه قد جاء الساعة عمي وجاء بهذه الصرة من الدراهم، وبجمال عليه دقيق، وحمال عليه كل شيء في السوق وقال: أقرءوا أخي السلام، وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء، فادع بهذا الدعاء تأتك حاجتك. قال أصبغ: ولا والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين. 62 - قصة للشافعي رحمه الله، فرج الله عنه بها سريعا برحمته أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن القنازعي، عن ابن رشيق، قال: ثنا عبد

الرحمن بن أحمد المهري، قال: سمعت أبا عبيد الله بن أخي بن وهب يقول: لما وضع الشافعي كتاب الرد على مالك بن أنس، اشتد على أهل مصر، واجتمعوا إلى السلطان وقالوا: أخرج عنا هذا الرجل الشافعي. فأجابهم السلطان إلى ذلك، فبلغ ذلك الشافعي، فجمع الهاشميين والقرشيين، ومضى بهم إلى السلطان فكلموه في أمر الشافعي فأبى عليهم وقال: إن أهل البلد قد كرهوك وأخاف أن تفتن البلد علي، وقد أجلتك ثلاثة أيام، على أن تخرج من البلد. فلما كان اليوم الثالث مات الوالي فجأة وكفى الله الشافعي أمره وأقام. 63 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه: ثنا يونس بن عبد الله، قال: ثنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب، إجازة كتب بها من مصر، قال: ثنا محمد بن أحمد الذهلي، قال: ثنا موسى بن هارون، قال: سمعت مصعبا يحدث: عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: أصبحنا ذات يوم، فقالت أمي لأبي: والله ما في بيتك شيء يأكله ذو كبد. فقام فتوضأ ولبس ثيابه، ثم صلى في بيته، فالتفت إلى أمي فقالت: إن أباك ليس يزيد على ما ترى فاخرج. فلبست ثيابي وخرجت، فخطر ببالي صديق لنا تمار، فجئت أريد حانوته، فلما قربت منه صاح بي إنسان، فإذا هو ذلك التمار فقال لي:

أعني على هذا التمر أفرقه. فجعلنا نحمل ونفرق. ثم قال لي: اذهب بنا إلى المنزل. فلما دخل إذا مائدة عليها أقراص ولحم، فأكل وأكلت معه، حتى إذا فرغ ومسح يده، أخرج إلي صرة، فيها ثلاثون دينارا، من غير أن أذكر شيئا من حالنا إلا ابتداء منه. فقال: اقرأ على أبيك السلام وقل له: إنا جعلنا له شركا في كل شيء من تجرنا، وهذا نصيبه منه. ثم طرح إلي صرة مثلها. فقال: واذهب بهذه إلى أبي حازم. ثم أخرج أخرى مثلها فقال: اذهب بها إلى محمد بن المنكدر. فخرجت، فوجدت أبي في مصلاه على حاله التي تركته عليها. فسلمت وانتقل من صلاته وأعلمته الخبر. فقال لي: أخرج من هذه الصرة عشرة دنانير، فاذهب بها إلى أبي حازم، وعشرة فاذهب بها إلى محمد بن المنكدر. فقلت: قد أتاه مثل ما أتاك. فقال: ادفعها إلى أمك. ففعلت وذهبت إلى أبي حازم فأخرج من الصرة التي حملت إليه عشرة دنانير فقال: اذهب بها إلى أبيك وعشرة فقال: - اذهب بها إلى ابن المنكدر.

فقلت: قد أتاهما مثل ما أتاك. ثم ذهبت إلى ابن المنكدر فقال: خذ منها عشرة دنانير لأبيك، وعشرة فاذهب بها إلى أبي حازم. فقلت له: قد أتاهما مثل ما أتاك. فكان كل واحد منهم قد سمع مقال صاحبه، وامتثل فعله ورحمهم الله أجمعين، ورحمنا وجميع المسلمين. 64 - ذكر يونس بن عبد الله، في كتاب التسلي له: قال محمد بن نصر، حدثني شقيق البلخي، قال: كنت في بيتي قاعدا فقالت لي أهلي: يا أبا علي، قد ترى ما بهؤلاء الأطفال من الجزع ولا يحل لك أن تحمل عليهم ما لا طاقة لهم به. قال شقيق: فأسبغت الوضوء، وكان لي صديق لا يزال يقسم علي بالله: إن تكن لي حاجة أن أعلمه بها ولا أكتمها عنه، فخطر ذكره ببالي. فلما خرجت من المنزل مررت بالمسجد، فذكرت الحديث الذي روي عن أبي جعفر محمد بن علي: «من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبدأ فيها بالله عز وجل» . فدخلت المسجد فصليت ركعتين. فلما قعدت في التشهد أفرغ علي النوم. فرأيت في منامي أنه قيل لي: «يا شقيق تدل العباد على الله ثم تنساه» .

قصة لمحمد بن وضاح رحمه الله.

فاستيقظت فعلمت أن ذلك تنبيه نبهني ربي به. فلم أخرج من المسجد حتى صليت العشاء الآخرة. ثم انصرفت، فوجدت الذي أردت أن أقصده في الحاجة، قد حركه المولى الكريم، عالم الخافيات، كاشف الكربات، وأجرى لأهلي على يديه ما أغناهم وكفاهم. والحمد لله كثيرا كما هو أهله. 65 - قصة لمحمد بن وضاح رحمه الله. قال يونس: حدثني من أثق به من أصحابي أن أحمد بن مطرف صاحب الصلاة بقرطبة، أخبره: أن أحمد بن خالد، حدثه أن محمد بن وضاح، أخبره أنه بقي يوما وليس عنده شيء يتقوت به أو يطعمه عياله. قال: فخرجت إلى أهلي فقالت: ليس عندنا شيء يؤكل، ولزومك هذا البيت لا فائدة منه، فاخرج فاطلب لنا شيئا نتعيش به ولنفسك. قال: فخرجت وقد ضاقت بي الدنيا، فقلت: «من أقصد؟» . فأجمع رأيي على أن أقصد الله عز وجل وحده لا أحدا من الناس. فنهضت إلى المسجد الجامع، فكنت فيه إلى أن صليت العصر. ثم خرجت من المسجد، فلما صرت إلى باب القنطرة لقيت غلام رجل من ساكني قرية شقندة بعدوة النهر، وكان ذلك الرجل لي صديقا، ومع الغلام دابة موقرة بحمل دقيق، وفي يد الغلام جرة مملوءة زيتا، فقال لي: إليك أقصد، أبو الخيار يقرأ عليك السلام يعني ذلك الرجل وبعث إليك بهذا الدقيق والزيت.

قال ابن وضاح: ولم يكن جرت له عادة بمثل هذا، ولكن الله بفضله ورحمته حركه لذلك في وقت ضرورتي إليه. قال: فحمدت الله عز وجل، ورجعت من ذلك الموضع الذي لقيني الغلام فيه، ناهضا إلى داري، وسر أهلي بما وردهم من ذلك، والحمد لله كثيرا، لا إله إلا هو. وقد روينا هذه القصة أيضا على نسق واحد. 66 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب: ثنا حاتم بن محمد: أنا ابن عفيف، أنا ابن رفاعة، قال: أنا أحمد بن عبد البر، قال: ثنا أحمد بن خالد أنه أخبره، عن ابن وضاح أنه بقي يوما فخرجت إليه زوجته فقالت: ليس عندنا سفة من دقيق، ولزومك هذا البيت لا فائدة فيه، فاخرج فاطلب علينا. قال: فخرجت وقد ضاقت بي الدنيا. فقلت: «من أقصد وإلى من نسير؟ نقصد الله عز وجل ونرغب إليه» . قال: فقصدت الجامع، فكنت فيه إلى أن صليت العصر. قال: فلما خرجت قلت: «في الوقت فسحة فإن قصدت الدار عكرت علي» ؛ فقصدت المرضى وزرت قوما من إخواننا. ثم أتيت مع الليل إلى داري، وأنا لا أشك أني أدخل إلى شر من فيها وهراشها. قال: فلما أن دخلت، بعد أن صليت المغرب في مسجدي، تلقتني زوجتي ببشر وتبسم فاستربت من ذلك، وقالت:

لقد جاءنا اليوم حمل الدقيق الذي بعثت به في وقت قد كنا بقينا من الجوع. فلما سمعت قولها أظهرت أن عندي معرفة من ذلك. وكان بعث حمل الدقيق رجل من إخوانه، ألقى الله عز وجل في قلبه في ذلك اليوم الذي وقف فيه هذا الموقف، والله لطيف بعباده يرزق من يشاء، وهو الحكيم الخبير. 67 - قال يونس: وحدثت عن أحمد بن مطرف، قال: أنا بعض شيوخنا من أهل العلم، أنه كان عند محمد بن وضاح رحمه الله، فدخل عليه رجل فقال: خطرت الآن عجلة، فأصابت الصبي ابنك ومشت عليه. فلم يكترث لذلك، وجعل يقبل على ما كان فيه، من إمساك كتابه، وأمر القارئ أن يتمادى في قراءته، فلم يلبث أن دخل عليه رجل آخر فقال: أبشر يا أبا عبد الله، سلم الصبي والحمد لله، إنما أصابت العجلة ثوبه فسقط، وجاوزته ولم تؤذه بها. فقال: الحمد لله، قد أيقنت بذلك، لأني قد رأيت اليوم الصبي قد ناول مسكينا كسرة، فعلمت أنه لا يصيبه بلاء هذا النهار، للحديث الذي أتى «أن الله ليدفع عن العبد ميتة السوء بالصدقة يتصدق بها» .

كرامة لابن وهب، أكرمه الله تعالى بها، في كتاب الورع لأبي الغمر محمد بن مسلم.

68 - كرامة لابن وهب، أكرمه الله تعالى بها، في كتاب الورع لأبي الغمر محمد بن مسلم. حدثنا أبو يحيى، زكريا بن يحيى الوقار، قال: ثنا ابن وهب، قال: كنت أتمنى على الله ثلاثمائة دينار، أنفقها في طلب الحديث، فبينا أنا ذات ليلة، قائم أصلي، إذا برجل قد أقبل، ومعه قرطاس مربوط، فوضعه على نعلي ثم ذهب. فصليت العشاء الآخرة، ثم أخذت القرطاس، فوجدته ثقيلا، فظننته رقة أهداها إلي أخ لي، فجئت البيت ففتحته، فإذا فيه ثلاثمائة دينار لا تزيد ولا تنقص، والحمد لله رب العالمين ما كان أحوجنا إلى مثل هذا. اللهم آتنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. 69 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، قال: أنا يونس بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن مالك بن عائذ، قال: ثنا أبو سليمان محمد بن عبد الله بن أحمد بمصر، قال: ثنا أبو عبد الله بن أحمد القاضي، قال: ثنا أحمد بن عبد الوهاب، قال: ثنا عبد العزيز بن موسى قال: ما رأيت أحدا قط أعبد لله عز وجل، ولا أشد خوفا من بزيع بن زريع، أخي يزيد بن زريع، وكان قد دبرت مواضع السجود من جسده ووجهه. ولما مات زريع أبوه خلف مالا كبيرا، ورباعا ودينا عريضة، فلم يأخذ بزيع ولا يزيد أخوه من ميراثه شيئا، وتركا ذلك، فأخذه أقاربهما وهما حاضران قد سلما لهم ذلك. وكان بزيع هذا مجاب الدعوة من وقته وساعته، ولقد أتاه يوما رجل من جيرانه، كان بزيع يعرف بالعفاف والخير والستر. ثم ظهرت عليه الفاقة، فأتى إلى بزيع فوجده

يصلي فجلس إلى جانبه الأيمن، فعلم بزيع أن له إليه حاجة، فأوجز وسلم، وأقبل بوجهه عليه فقال له الرجل: ما جئتك حتى أجهدني الضر، وأجهد عيالي، ولم آتك إلا ملتمسا لبركة دعائك، وإني لواثق بالله عز وجل في رزقي، متوكل عليه، لكني أريد أن تدعوا الله لي في تعجيله وتيسيره. فقال بزيع: اللهم عجل فرجه، والطف له من سعة فضلك. ثم رجع إلى صلاته، فما كان إلا نحو ساعتين، وذلك الرجل قاعد على يمين بزيع، ولم يبرح، حتى أقبل رجل له جدة وثروة، فجلس إلى جانب بزيع الأيسر، فعلم بزيع أن له إليه حاجة، فأوجز وسلم وأقبل عليه فقال له الرجل: إن عندي مائة دينار من وجه طيب، أمرني صاحبها أن أدفعها إلى مستحق، فأنا مهموم بها منذ مدة كذا وكذا، فلما أردت دفعها إلى إنسان، عارضني فيه شك في أن يكون مستحقا أم لا، فإني في ساعتي هذه لنائم إذ أتاني آت في منامي فقال لي: «امض بالدنانير التي عندك إلى بزيع فانفذ فيها أمره» وهي هذه قد أتيتك بها. ثم أخرجها من كمه في صرة. فقال له بزيع: ادفعها إلى هذا الرجل. والرجل لم يكن زال بعد من موضعه، فدفعها إليه، ونهضا جميعا. ومضى كل واحد منهما إلى منزله، وقام بزيع إلى صلاته، فأقبل عليها كما كان قبل ذلك.

قصة أخرى لإبراهيم بن أدهم.

70 - قصة أخرى لإبراهيم بن أدهم. قال يونس: أخبرنا خلف بن القاسم، قال: ثنا عبد الواحد بن أحمد بتنيس، قال: ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، قال: ثنا عصام بن داود بن الجراح، قال: سمعت أبا الحسن عيسى بن حازم يقول: كان إبراهيم بن أدهم إذا أراد الغزو، اشترط على أصحابه الأذان والخدمة ألا يكون خادمهم ومؤذنهم غيره. فجاء أصحابه يوما فقالوا له: يا أبا إسحاق، عزمنا على الغزو ولو نعلم أنك تأكل مما عندنا لسرنا ذلك وقد تناهدنا. قال: وكم تناهدتم؟ قالوا: دينارا دينارا. قال: أرجو بصنع الله. ثم تنحى ناحية فقال: «من أي أخ أستقرض دينارا، فلان ما أظنه يخف عليه بل فلان ما أظنه يخف عليه» ثم استفاق فبكى وجرت دموعه وقال: " واسوأتاه أطلب من العبيد وأنزل مولاهم، فأيسر ما يقول لي العبد إنما دفع إلي مولاي شيئا، فإن أمرني أن أدفع إليك منه شيئا دفعته، فبعد بذل وجهي إلى العبد ارجع إلى المولى، أفليس يقول لي المولى: «من كان أحق أن

فضيلة لسعيد بن المسيب رحمه الله.

تطلب إليه أنا أو عبدي» ؛ فياسوأتاه ". ثم انحدر إلى الشط فتوضأ. ثم صلى وخر ساجدا وقال: «يا رب، قد علمت ما كان مني، وذلك لجهلي وخطئي، فإن عاقبتني عليه فأنا أهل لذلك، وإن عفوت عني فأنت أهل لذلك، وقد عرفت حاجتي فاقضها برحمتك» . فوقع بنفسه أن ينظر عن يمينه، فإذا هو بنحو أربعمائة دينار، فتناول منها دينارا واحدا، وأمسك عن سائرها، وقيدت عنه، ثم جاء إلى أصحابه، فدفع إليهم الدينار، وأنكروا حاله فسألوه فكتمهم ذلك، وسكت فلم يخبرهم بشيء من أمره. 71 - فضيلة لسعيد بن المسيب رحمه الله. ذكر سعيد بن أسد في كتاب: فضائل التابعين له: حدثنا خالد، قال: أنا العطاف بن خالد أن رجلا اشتكى شكوى شديدة وأعيا الأطباء، فأتى يوما إلى سعيد بن المسيب فقال: يا أبا محمد، إني اشتكيت شكوت طالت بي، وقد أعيت الأطباء، وقد جئتك أتوجه بك إلى الله، فادع الله أن يكشف عني. فقام فتوضأ، ثم صلى ركعتين، ثم دعا الله عز وجل فما لبث أن برئ وصح، والحمد لله رب العالمين كثيرا.

فضيلة أخرى لمالك بن دينار رحمه الله.

72 - فضيلة أخرى لمالك بن دينار رحمه الله. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ، سماعا عن أبي الحسين مبارك بن أبي القاسم، قال: أخبرنا أبو الطيب الطاهر بن عبد الله القاضي، قال: أنا أبو الحسن الدارقطني، قال: أنا محمد بن مخلد، قال: ثنا أبو شعيب صالح بن عمران الدعاء، حدثني أحمد بن غسان: ثنا هاشم بن يحيى الفراء المجاشعي، قال: بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل فقال: يا أبا يحيى، ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين، قد أصبحت في كرب شديد. فغضب مالك وأطبق المصحف. ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء. ثم قرأ، ثم دعا ثم قال: «اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها جارية فابدلها بها غلاما، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب» . ثم رفع مالك يده، ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال: أدرك امرأتك. فذهب الرجل، فما حط مالك يده، حتى طلع الرجل من باب المسجد، على رقبته غلام جعد قطط

قصة من باب المستغيثين بالله تعالى.

ابن أربع سنين قد استوت أسنانه، ما قطعت سراره. 73 - قصة من باب المستغيثين بالله تعالى. ذكر القاضي يونس بن عبد الله فيما حدثه به بعض أصحابه، قال: حدثني أبو الحسن، عن عبيد الله البياسي، من أهل جيان أن أخوين كانا هاربين من قوم كانوا يطلبونهما للقتل فأخذوا أحدهما، فقالوا: لا نقتله حتى نأخذ أخاه فنقتلهما جميعا. فربطوه بأصل شجرة بالحبال، ربطوا رجليه بحبل ويديه بحبل، كل ذلك إلى الشجرة. ثم ذهبوا في طلب أخيه فبينما هو على تلك الحالة إذ سمع صوتا ولم ير شخص المصوت به وهو يقول: «يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تأخذه سنة ولا نوم، اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا، يا غياث المستغيثين، يا أرحم الراحمين» . فجعل يتردد ذلك الصوت، بذلك الدعاء، حتى حفظه هذا المربوط، فلما حفظه، دعا به فانحل من الشجرة ومضى لشأنه. قال أبو الحسن البياسي: فلما كان بعد هذا بمدة، سافرت فلقيني لصوص، فسلبوني وربطوني كتافا لئلا أتبعهم وأفضحهم، وتركوني في الصحراء، فذكرت هذا الدعاء، بعد أن بقيت كذلك يوما وليلة، فدعوت به فانحلت يدي الواحدة، فحللت بها الأخرى، ومضيت في سفري والحمد لله.

قصة معجلة لإبراهيم بن المضاء القيرواني.

74 - قصة معجلة لإبراهيم بن المضاء القيرواني. قال أبو العرب التميمي: حدثني بعض أصحابي، قال: كنت في مسجد إبراهيم بن المضاء، والقراء والناس مجتمعون فيه حتى أتى رجل فقال: يا معشر المسلمين إني رجل ذو بنات، ولي دار جوار عامر بن عمرون، وكان من خدمة السلطان، وإنه بنى علية، وفتح فيها أبواب مطلة على داري، وبناتي متكشفات ما عليهن كبير كسوءة وهو وخدمه مطلون عليهن، فادعوا الله لي عليه أن يكفيني مؤنته. قال: فدعا إبراهيم بن المضاء ودعا الناس. قال: فما برحت حتى أتى رجل فقال لإبراهيم بن المضاء وللناس: تفرقوا لا ينالكم من السلطان مكروه. أو كما قال. وقال: عامر بن عمرون قد انهدمت عليته وضربته سارية فطيرت دماغه. قال: فافترق الناس. 75 - فضيلة لشقران بن علي القيرواني في كتاب: أبي العرب. ذكر سليمان بن سالم، قال حدثني داود بن يحيى، قال: حدثني عبد الرحمن صاحب بن فروخ، قال:

كنا عند البهلول بن راشد، حتى أتاه رجل ومعه ابن له صغير قد أصابه جدري، فكان لا يبصر فقال له: ادع الله لولدي أن يرد عليه بصره. قال: فقام البهلول وأبو الصبي، والصبي معنا، حتى دخلنا على شقران بن علي فسلمنا. فقال له البهلول: إن أخانا هذا ليس له غير ابنه الذي معه، وقد ابتلي في بصره، فادع الله أن يرد عليه بصره. قال له شقران: ادع يا أبا عمرو ونؤمن. فقال له البهلول: بل أنت يا أبا علي فادع ونؤمن نحن. فاستقبل شقران القبلة، وهو على سريره، فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللهم إن أخانا هذا قد سألنا ما قد علمت، فنسألك أن ترد إليه بصره. قال: فالتفت الصبي إلى أبيه فقال له: ما هذا؟ فلما سمعها البهلول، أخذ بيد الرجل والصبي، فقام فطرح شقران نفسه على وجهه، فرددنا عليه الباب وتركناه، وخرج الصبي بصيرا.

قصة لمحمد بن إسماعيل البخاري من هذا المعنى.

76 - قصة لمحمد بن إسماعيل البخاري من هذا المعنى. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الناقد، قال: أخبرنا أبو محمد السراج إجازة، والشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني قراءة عليه، قالا: ثنا أبو بكر بن ثابت، قال: ثنا عبد الله بن أحمد الأصبهاني: ثنا علي بن محمد بن الحسين: ثنا خلف بن محمد الخيام، قال: سمعت أبا محمد المؤذن عبد الله بن محمد السمسار يقول: سمعت شيخي يقول: ذهبت عينا محمد بن إسماعيل البخاري في صغره، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها: يا هذه إن الله قد رد على ابنك بصره لكثرة بكائك ولكثرة دعائك. قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره. 77 - قصة رجل من أهل قرطبة، ينتسب إلى العلم، اغتر بحاله، وجاهه، وخوفه بالدعاء عليه، فلم يلتفت إليه، فأنقذه الله فيه، وأهلكه سريعا بقدرته. ذكر قاسم بن أحمد في كتاب: العباد من تأليفه، قال: أخبرني أبو عبد الله بن الطويل، قال: كان لشيبان الزاهد رحمه الله جار يعرف بابن الصيقل، وكانت له دار تلاصق دار إبراهيم بن عيسى بن حيويه الفقيه، فسأله بيعها، فأبى عليه وقال له: إن مالك غير طيب، وهذه دويرة حلال ورثتها عن أبي وجدي.

قصة أخرى فيمن استخف الدعاء، واستمر على طغيانه، فأهلكه الله سريعا بقدرته.

فألح عليه في بيعها، فأبى. فقال له: والله لئن لم تأخذ الثمن فيها لأضيقن عليك فيها حتى تفر منها. قال له: أرجو أن الله يرفع عني ضرك بدعاء الإخوان. قال: نعم إذا أردت أن تدعو الله، فاجتمع بشيبان وحسان، وادعوا الله في تلك الصومعة، فإنها أقرب إلى الله تعالى. فقال: كذلك نفعل إن شاء الله تعالى. فنهض الرجل من وقته إلى شيبان وحسان رحمهما الله، فأعلمهما بمقالة ابن حيويه، فقالا: نعم كذلك نفعل إن شاء الله تعالى. فلما أتى الليل، باتوا في الصومعة وصلوا ودعوا، فلما كان في السحر سمعوا صراخا وبكاء، فإذا بابن حيويه قد مات في ذلك السحر، فأجاب الله دعاءهما فيه، وكفى الله الرجل والمسلمين ضره، وانتشر هذا الخبر بمدينة قرطبة حديثا يذكر إلى وقتنا هذا. 78 - قصة أخرى فيمن استخف الدعاء، واستمر على طغيانه، فأهلكه الله سريعا بقدرته. ذكر محمود بن علي الكاتب القيرواني، قال: أنا أبو الحسن علي بن منصور بن طالب

قصة أخرى تشبهها وهي على صورتها وهيئتها.

الحلبي رحمه الله، قال: حدثني أبو علي الفسوي النحوي، قال: حدثني أبي، قال: ولينا بفسا عامل، فجار وظلم، فأقمنا ثلاثة أيام بلياليهن ندعو عليه، فلما كان اليوم الرابع اشتد علينا وقال: بلغني دعاؤكم ولعلكم تظنون أني أفكر في ذلك. ثم أمر ببعضهم إلى الديوان، فقام رجل منهم أديب فوعظه، وقال: الجواب على من اجترأت عليه فلم يتعظ. فركب فاستقبله ثور عليه حمل، وتحته بغل نفور، فنفر ورمى به، ثم دار فوقه وشق بطنه ومات، فاجتاز به الأديب وهو على تلك الحال فأنشد: أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... تأمل فيك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء 79 - قصة أخرى تشبهها وهي على صورتها وهيئتها. أخبرني أبو الحسن علي بن محمد صاحبنا بقراءتي عليه، قال: أنا أبو بكر عيسى بن عبد الرحمن الأوريولي، عن بعض شيوخه، لقيه بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

كان ابن وتاب يختلف الناس إليه لدراسة العلم، وكان رجليلا فاضلا مجاب الدعوة، وكان رجل سلطاني يضر الناس ويكثرون الشكاية عنده، فيدعو في كل مجلس عليه، فبلغ ذلك السلطاني فأتى إليه بحشمه فقال له: بلغني أنك تدعو علي وما علي من دعائك، فإنه لا يضرني ولا يهمني؛ فادع بما شئت. فنظر إليه فقال: يكفيك الله. فما كان إلا أيام يسيرة إذ أتى طالب من طلبته وهو في مجلسه فقال له: ما عندك خبر؟ فقال: وما هو؟ فقال: فلان السلطاني مذبوح مطروح في مربد بني فلان. فقال لأصحابه: قوموا بنا إليه حتى نقف عليه. قال: فنهض، فلما وصل إليه نظره، وأطرق ساعة، وقال شعرا يعنيه في الحال: أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... تأمل فيك ما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطئ ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء

ذكر عقوبة: عجلت لظالم جاهر الله تعالى وحلف بحرمته حانثا.

80 - ذكر عقوبة: عُجلت لظالم جاهر الله تعالى وحلف بحرمته حانثا. أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله، عن قاسم بن محمد، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم المكي، قال: ثنا محمد بن يحيى، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن عبد الحميد بن سهيل، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: دعا رجل على ابن عم له، استرق ذودا له، فخرج يطلبه حتى أصابه في الحرم، فقال: ذودي! فقال اللص: كذبت، ليس الذود لك. قال: فاحلف. قال: إذا أحلف. فحلف عند المقام: «بالله الخارق رب هذا البيت، ما الذود لك» . فقيل له: لا سبيل لك عليه.

فقام رب الذود، بين الركن والمقام، باسطا يديه يدعو على صاحبه، فما برح مقامه يدعو عليه، حتى وله فذهب عقله، وجعل يصيح بمكة: «ما لي وللذود، ما لي ولفلان رب الذود» . فبلغ ذلك عبد المطلب، فجمع ذوده، فدفعها إلى المظلوم، وخرج بها، وبقي الآخر مولها حتى وقع من جبل فتردى، فأكلته السباع. 81 - ذكر ابن جهضم: حدثنا الصناديقي، قال: أنا محمد بن عبيد الله التمار، قال: ثنا إبراهيم بن الجنيد، قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم، قال: كان يقال: إن رجلا كان في مركب في البحر، في ليلة مظلمة شديدة الريح، إذ قام فتوضأ فنزلت رجله فقال: «يا حي لا إله إلا أنت» ثلاث مرات - قال: فسمع أهل المركب مناديا ينادي: «لبيك، لبيك؛ نعم الرب ناديت» . ثم اختطفه من وسط البحر حتى وضعه بين الناس في المركب. 82 - قال: وحدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الفقيه، قال: ثنا أبو الحسن علي بن أحمد العباسي، قال: كان عندنا ببغداد، شيخ من كبار أصحاب أحمد بن حنبل رحمه الله، كف بصره، فكان إذا أراد

أن يصلي تشبه عليه القبلة، فسأل الله أن يرد عليه بصره، عند الدخول في الصلاة، لئلا يدخل عليه في توجهه شك، فكان إذا استفتح الصلاة فتح عينيه حتى يكبر تكبيرة الإحرام، فإذا فعل ذلك انطبقت عيناه وعاد لحاله الأولى، على هذا عند وقت كل صلاة حتى توفي رحمه الله. قال: وكان عبد الواحد بن زيد قد أصابه الفالج، فعطل عن القيام، فسأل الله أن يجعله في أوقات الصلوات، ثم يرده إلى حاله بعد ذلك، فكان إذا جاء وقت الصلاة، كان كأنما نشط من عقال، فإذا قضى صلاته رجع إليه الفالج كما كان قبل ذلك. 83 - وذكر أيضا، عن محمد بن رمح، عن الليث بن سعد، قال: رأيت إسماعيل بن عقبة بصيرا، ثم رأيته قد عمي، ثم رأيته بصيرا فقلت له: أليس رأيتك بصيرا ثم عميت ثم أبصرت؟ ثنا نعم. قلت: وبم ذلك؟ قال: أتيت في منامي، فقيل لي: «قل يا قريب، يا مجيب، يا سميع الدعاء، يا لطيف لما يشاء» . فقلتها فرد الله علي بصري. قال: فبلغ هذا الدعاء المفضل بن فضالة فقال:

يا ذا الجلال والإكرام، بحرمة نور وجهك الكريم، أسألك صحة في بصري، وطول عمر في حسن عمل، ورزقا واسعا لا منة لأحد علي فيه. فأعطي الثلاثة. 84 - قال يونس بن عبد الله: وجدت في كتاب بعض ثقات أهل العلم أن المفضل بن فضالة، كان قد لزمه دين فكان يدعو ويلح فيقول: «يا ذا الجلال والإكرام، بحرمة نور وجهك الكريم، اقض عني ديني» . فقيل له في النوم: «كم تلح بحرمة وجه الله الكريم! اذهب إلى موضع كذا وكذا فخذ منه مقدار دينك ولا تزد» . قال: ففعل وقضى الله بذلك دينه. 85 - قال: وسمع أبو زرارة بهذا، فكان يدعو بهذا الدعاء يلح بقول: " يا ذا الجلال والإكرام، أسألك بنور وجهك الكريم، صحة في تقوى، وطول عمر في حسن عمل، وسعة رزق لا تعذبني عليه: فأعطي هذه الخصال. والحمد لله كثيرا.

قصة لحيوة بن شريح رحمه الله.

86 - قال يونس: وأخبرني العامري إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: أنا ابن أبي الشريف بمصر، قال: أنا محمد بن زغبة، قال: قال لنا ابن عبد الأعلى: كان أبو زرارة يدعو فيقل: «اللهم إني أسألك صحة في تقوى، وطول عمر في حسن عمل، ورزقا واسعا لا تعذبني عليه» . قال: فبلغ أبو زرارة نحو مائة سنة رحمه الله. 87 - قال يونس: وأخبرنا أبو زكرياء يحيى بن مالك بن عائذ، قال: ثنا أبو بكر محمد بن سليمان بن أبي الشريف بمصر، قال: ثنا محمد بن مكي الخولاني، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول: رأيت في النوم كأنه يقال لي: أبو زرارة من أهل الجنة رحمه الله، ورضي عنه، واستجاب لنا، كما استجاب له برحمته. 88 - قصة لحيوة بن شريح رحمه الله. أبو بكر محمد بن أحمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن وضاح، قال: سمعت أبا البشر زيد بن البشير يقول وقد سئل عن حيوة بن شريح المصري أكان مستجاب الدعوة فقال: نعم، كذلك ذكروا، ولقد سمعت أن رجلا كان يطوف بالبيت الحرام وهو يقول:

اللهم اقض عني الدين. قال: فجاء آت في المنام، فقال له: إن كنت تريد أن يوفي الله عنك، فاذهب إلى مصر إلى حيوة بن شريح يدعو لك. قال: فجاء الرجل إلى مصر، فسأل عن حيوة بن شريح فقالوا له: هو بالإسكندرية. فجاءه بالإسكندرية، فدخل عليه، فأخبره قصته، فقال له: اتق الله يا عبد الله واعلم ما تحدث. فحلف له الرجل فقال: إن كنت صادقا، فصم ثلاثة أيام، فإذا كان يوم الجمعة بعد العصر، مع غروب الشمس فأتني. قال: فجاءه الرجل في ذلك الوقت فقال له حيوة: أدعو أنا وأمن أنت. ففعل. قال له الرجل: فما قمت حتى صار ما حواليه دنانير فقال: اتق الله ولا تأخذ إلا دينك. قال: فحسبت ثلاثمائة دينار كانت علي دينا ثم أمسكت.

دعاء الطائر وحديثه وقصته.

89 - دعاء الطائر وحديثه وقصته. أخبرني الشيخ الصالح أبو القاسم خلف بن محمد بن صواب رحمه الله، قال: قرأت على الشيخ أبي مروان عبد الملك بن زيادة الله التميمي، قال: أخبرني أبو القاسم عامر بن محمد بن عبد الملك الأصبحي قراءة مني عليه، وقرأته بعد ذلك على القاضي يونس بن عبد الله، قالا: ثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مفرج، قال: ثنا أحمد بن منصور بن أحمد، قال: ثنا أبو العباس أحمد بن محمد العطار، عن أبيه، قال: كان لنا جار، وكان من خيار المسلمين، فغزا سنة من السنين، فأسر فأقام في بلاد الروم عشرين سنة، وأيس أن يرى أهله وولده. قال: فبينا أنا ذات ليلة أفكر فيمن خلفت من صبياني وأبكي، إذ أنا بطائر قد سقط فوق حائط السجن، يدعو بهذا الدعاء. قال: فتعلمت الدعاء من الطائر، ثم دعوت الله عز وجل ثلاث ليال متتابعة، ثم قمت، فلما استيقظت من منامي، إذا أنا في بلدي فوق سطح بيتي. قال: فنزلت إلى عيالي، ففرحوا بي بعد أن فرغوا مني ومن تغيير حالي، وحججت من عامي، لما كنت نويت في نفسي إن خلصني الله من بلد الشرك، وردني إلى بلد الإسلام. فبينا أنا أطوف وأدعو بهذا الدعاء، إذ أنا بشيخ قد ضرب بيده على يدي فحركني، ثم رجع إلى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين وركعت ركعتين وقال لي: من أين لك هذا الدعاء؟ . فإن هذا الدعاء لا يدعو به إلا طائر في بلد الروم متعلق بالهواء. فحدثته أني كنت أسيرا في بلاد الروم، أكثر من عشرين سنة، فتعلمت الدعاء من الطائر. فقال لي:

صدقت. فسألت الشيخ عن اسمه، قال: أنا الخضر عليه السلام. " اللهم إني أسألك، يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق النهار، ولا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضا، لا جبل إلا يعلم ما في وعره، ولا بحر إلا يعلم ما في قعره. اللهم إني أسألك أن تجعل خير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه. إنك على كل شيء قدير. اللهم من عاداني فعاده، ومن كادني فكده، ومن بغى لي بهلكة فأهلكه، ومن نصب لي فخذه، وأطفئ عني نار من شبب لي ناره، واكفني هم من أدخل علي همه، وأدخلني في درعك الحصينة، واسترني بسترك الواقي، يا من كفاني كل شيء اكفني ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة، وصدق قولي وفعلي بالتحقيق، يا شفيق، يا رفيق، فرج عني الضيق، ولا تحملني ما لا أطيق؛ أنت إلهي الحق الحقيق، يا مشرف البرهان ويا قوي الأركان، يا من رحمته في كل مكان، وفي هذا المكان؛ ويا من لا يخلو منه مكان؛ احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني في كنفك الذي لا يرام؛ اللهم إنه قد تيقن قلبي؛ أن لا إله إلا أنت، إني لا أهلك وأنت معي، يا رجائي، فارحمني بقدرتك علي، يا عظيم يرجى لكل عظيم، يا عليم، يا حليم؛ أنت بحاجتي عليم، وعلى خلاصي قدير، وهو عليك يسير، فامنن علي بقضائها؛ يا أكرم الأكرمين، ويا جواد الأجودين، ويا أسرع الحاسبين، يا

من فضائل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله من هذا المعنى.

رب العالمين، ارحمني وارحم جميع المذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنك على كل شيء قدير. اللهم استجب لنا كما استجبت لهم برحمتك، وعجل علينا بفرج عاجل منك بجودك وكرمك وارتفاعك في علو سمائك، يا أرحم الراحمين، إنك على ما تشاء قدير وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله أجمعين. 90 - من فضائل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله من هذا المعنى. ذكر سعيد بن أسد: حدثنا يحيى بن حسان: ثنا جرير بن حازم، عن حميد بن هلال العدوي، أن مطرف بن عبد الله نازعه رجل كان بينه وبينه كذا، فقال: اللهم عجل حتفه. فما برح حتى مات فاستعدى عليه بنو عمه إلى زياد فقال لهم: هل تناوله بيده؟ قالوا: لا قال: فهل أمر أحدا بتناوله؟ قالوا: لا، ولكنه دعا عليه، فما برح مكانه حتى هلك.

فقال لهم: فما أصنع بدعوة رجل صالح وافقت قدر الله. 91 - وذكر سعيد، قال: عرضت على أيوب بن سويد: حدثني السري بن يحيى، قال: سمع مطرف بن عبد الله بن الشخير صياحا في جيرة له، فسأل عنه فقيل: فلانة غمس ولدها في جوفها، فأمروا أن يقطعوه. فبعث إليهم أن أمهلوا فأمهلوا، وقام إلى مسجد بيته، فدعا الله فأتاه البشير منهم بأن الله قد سلم الطفل وأمه تحررت. 92 - قال سعيد: وحدثني أبي، ويحيى بن حسان، والخصيب بن ناصح، قالوا: ثنا مهدي بن ميمون: ثنا غيلان بن جرير، عن مطرف، قال: حبس ابن أخ لي حسبة السلطان في شيء كأنه كان يخاف عليه. قال: فلبس خلقا من خلقان ثيابه، وأخذ عصا بيده فقالوا: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ قال:

أستكين لربي عسى أن يشفعني في ابن أخي. 93 - وذكر أبو العباس بن السراج بإسناده، عن غيلان بن جرير، قال: حبس الحجاج مورقا في السجن فقال لي مطرف بن عبد الله: تعال حتى ندعو وأمنوا. فدعا مطرف وأمنا على دعائه، فلما كان العشاء خرج الحجاج، ودخل الناس ودخل أبو مورق فيمن دخل، فقال الحجاج لحرسي: اذهب إلى السجن، فادفع ابن هذا الشيخ إليه. قال خالد: من غير أن يكلمه فيه أحد من الناس. 94 - وذكر السراج، عن سليمان بن المغيرة، قال: كان مطرف بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته. 95 - وذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: كان مطرف مجاب الدعوة، أرسله رجل يخطب له، فذكره للقوم فأبوه، فذكر نفسه فزوجوه. فقال له الرجل في ذلك: بعثتك تخطب لي، خطبت لنفسك.

قال: بدأت بك. قال: كذبت. قال: اللهم إن كان كذب فأرني به. قال: فمات مكانه فاستعدوا عليه فقال لهم: ادعوا أنتم أيضا عليه كما دعا عليكم. 96 - قال محمد بن الحسين، قال: حدثني راشد، وأبو يحيى بن راشد، قال: ثنا عصام بن زيد، عن رجل من مزينة، قال: كان رجل من الخوارج يغشى مجلس الحسن فيؤذيهم، فقيل للحسن: يا أبا سعيد، ألا تكلم الأمير حتى يصرفه عنا؟ قال: فسكت عنهم. قال: فأقبل والحسن جالس مع أصحابه، فلما رآه قال: اللهم قد علمت أذاه فاكفناه بما شئت. قال: فخر والله الرجل من قامته، فما حمل إلى أهله إلا ميتا على سريره. فكان الحسن إذا ذكره فقال: البائس ما كان أغره بالله.

97 - قال محمد بن الحسين: حدثني أبو قدامة بن محمد الخشرمي، قال: حدثني الحجاج بن صفوان بن أبي يزيد، قال: وشي رجل ببسر بن سعيد، إلى الوليد بن عبد الملك، أنه يطعن على الأمراء، ويعيب بني مروان. قال: فأرسل إليه الوليد والرجل عنده. قال: فجيء به ترعد فرائصه، فأدخل عليه فسأل عن ذلك، فأنكره بسر بن سعيد وقال: ما فعلت؟ فالتفت الوليد إلى الرجل فقال لبسر: هذا يشهد عليك بذلك. فنظر إليه بسر وقال: هكذا؟ قال: نعم. فنكس رأسه وجعل ينكت في الأرض ثم رفع رأسه فقال: «قد شهد بما قد علمت أني لم أفعله اللهم إن كنت صادقا فأرني به آية» . قال فانكب الرجل لوجهه، فلم يزل يضطرب حتى مات.

قصة مالك بن دينار.

98 - تنبيه: قصة مالك بن دينار. قال محمد: وحدثني داود بن المحبر، قال: ثنا عبد الواحد بن زيد، قال: كنا عند مالك بن دينار، ومعنا محمد بن واسع، وحبيب أبو محمد، فجاء رجل فكلم مالكا وأغلظ له في قسمة قسمها وقال: وضعتها في غير حقها، وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك، لتكثر غاشيتك وتصرف وجوه الناس إليك. قال: فبكى مالك، وقال: والله ما أردت هذا. قال: بلى، والله لقد أردته. فجعل مالك يبكي، والرجل يغلظ له، فلما كثر ذلك عليهم، رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم إن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت» . قال: فسقط والله الرجل على وجهه ميتا، فما حمل إلى أهله إلا على سرير. وكان يقال: إن أبا محمد مستجاب الدعوة. 99 - وقال محمد بن الحسين، حدثني عبد الله بن عيسى الطفاوي، قال: حدثني أبو عبد الله الشحام، قال: أتي حبيب أبو محمد برجل زمن في شق محمل، فقيل له:

يا أبا محمد هذا الرجل زمن وله عيال، وقد ضاع عياله، فإن رأيت أن تدعو الله عسى أن يعافيه. فأخذ المصحف فوضعه في عنقه، فما زال يدعو حتى عافى الله الرجل وقام فحمل المصحف فوضعه على عنقه وذهب إلى عياله. 100 - قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش، قال: أنا المعلى الوراق، قال: كنا إذا دخلنا إلى حبيب أبي محمد، قال: افتح جونة المسك وهات الترياق المجرب. قال: جونة المسك القرآن، والترياق المجرب الدعاء. 101 - أخبرنا قاسم بن محمد: أنا إبراهيم بن محمد: ثنا ابن مفرج: ثنا محمد بن أيوب الرقي: ثنا عمارة بن وثيمة، قال: ثنا أبي، قال يحيى بن سليمان المكي، عن سعيد بن صبيح، قال: بلغني أن موسى عليه السلام كانت له إلى الله حاجة، فطلبها إلى الله عز وجل وألح عليه فيها، فأبطأت عليه، فقال: «ما شاء الله» . فإذا حاجته بين يديه. فقال: «يا رب أنا أطلب هذه الحاجة منك منذ كذا فلم تعطينيها فيم أعطيتنيها، يا رب» .

قال الله: يا موسى أما علمت أن قولك: ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج. 102 - قال إبراهيم، قال: ثنا أبو عدي بمصر، ثنا أبو بكر الصباحي، ثنا أبو بكر البخاري محمد بن سهل بن عسكر، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: ثنا بشر بن رافع، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حول ولا قوة إلا بالله ترفع عن صاحبها سبعة وتسعين نوعا من أنواع البلاء أدناهم الهم» . 103 - قرأت بخط أبي بكر بن مجاهد رحمه الله: قرأت على أبي محمد الحسين بن أحمد الواعظ بمصر، قال: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت محمد بن حامد يقول: كنت جالسا عند أحمد بن خضرويه، وهو في النزع، وقد أتى عليه خمس وسبعون سنة، فسأله بعض أصحابنا عن مسألة فدمعت عيناه وقال: يا بني، باب كنت أدقه منذ خمس وسعين سنة، هو ذا يفتح لي الساعة، لا أدري أيفتح بالسعادة أم بالشقاوة.

قال: وكان عليه سبعمائة دينار دينا وغرماؤه عنده، فنظر إليهم ثم قال: «اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال، وأنت تأخذ عنهم وثيقتهم فأد عني» . قال: فدق الباب داق. قال: هذا دار أحمد بن خضرويه؟ قالوا: نعم. قال: أين غرماؤه؟ قال: فخرجوا فقضى لهم. ثم خرجت روحه رحمه الله تعالى. انتهى الجزء الثاني والحمد لله رب العالمين يتلوه: حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم. الجزء الثالث من كتاب: أدعية المستغيثين بالله عز وجل عند المهمات والحاجات، والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات، وما بشر الله لهم من الإجابات والكرامات، بمنه وكرمه بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 104 - حدثنا الشيخ الفقيه أبو القاسم

خلف بن عبد الملك رضي الله عنه قراءة مني عليه، قال: ثنا أبو محمد بن عتاب رحمه الله، عن أبي حفص الذهلي، قال: ثنا أبو المطرف بن فطيس، قال: أنا محمد بن المظفر البغدادي الحافظ في كتابه إلي، قال: حدثني أبو عمر بن أخت موسى بن هارون، قال: حدثني خالي موسى بن هارون، قال: قال لي الحكم بن موسى: أصبحت يوما فقالت لي المرأة: ليس عندنا دقيق ولا خبز. فخرجت ولا أقدر على شيء، فقلت في الشارع: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تعلم أنه لا دقيق لي ولا خبز أو قال: ولا دراهم فأتنا بذلك.

قال: فلقيني رجل لا أعرفه فقال لي: أخبزا تريد أو دقيقا؟ فقلت له: أحدهما. فمشيت نهاري أجمع، لا أقدر على شيء، فرجعت. فقدم إلي أهلي طعاما خبزا ولحما واسعا فقلت: من أين هذا؟ قالوا: من الذي وجهت به فسكت. 105 - قرأ بخط يونس بن عبد الله القاضي، ثنا بعض الأدباء وقال: ثنا أبو يعقوب الأهوازي الضرير بواسط، قال: أنا علي بن سليمان الأخفش، قال: ثنا الحسن بن الحسين، عن أبيه، قال: قال جعفر بن محمد: إن الحسن بن علي أراد أن يكتب إلى معاوية كتابا يستمنحه فيه، فغلبته عيناه، فرأى في النوم النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «أتكتب إلى مخلوق تسأله حاجتك، وتدع أن تسأل ربك» ؟ قل: «اللهم إني أسألك من كل أمر ضعفت عنه حيلتي، أن تعطيني منه ما لم تنته إليه رغبتي، ولم يخطر ببالي، ولم يجر على لساني، وأن تعطيني من اليقين ما يحجزني عن أن أسأل أحدا من العالمين، إنك على كل شيء قدير» .

قصة لرجل من أصحاب الحديث قد انقطع به ففتح الله عليه.

فلما انتبه قال ذلك ودعا به، فلم يلبث بعد ذلك إلا قليلا، حتى بعث إليه معاوية من تلقى نفسه بمائة وخمسين ألفا. 106 - قصة لرجل من أصحاب الحديث قد انقطع به ففتح الله عليه. قرأت في أصل القاضي يونس بن عبد الله رحمه الله: حدثنا ثقة من شيوخنا، عن أحمد بن خالد، عن يحيى بن عمر أن بهدلة بن نمير الواسطي قال: كنت في مجلس يزيد بن هارون بواسط، ومعنا رجل من أصحاب الحديث، ممن كان يديم الرحلة، وقد نفدت نفقته في بعض الطريق، فقال له رجل من الزهاد: من تؤمل في بلدنا هذا لما نزل بك؟ قال: الشيخ يزيد بن هارون. قال: إذا لا ينفعك ولا يبلغك أملك؟ قال: ولم ذلك؟ قال: إني قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله عز وجل يقول: «وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني، لأقطعن أمل كل مؤمل أمل غيري باليأس، ولألبسنه ثوب المذلة بين الناس، ولأبعدنه من

قربي، ولأقطعنه من وصلي؛ أيؤمل غيري للشدائد والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويرجى غيري ويطرق بالبكرات، وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوح لمن دعاني، من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به، أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه، أو من ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له، جعلت آمال عبادي متصلة بي، ورجاءهم مذخورا عندي. أفلم يثقوا بقولي؛ ألم يعلموا أن من حلت به نائبة من نوائبي، لا يملك أحد كشفها إلا بإذني، فما لي ألقاه لاهيا عني، أعطيه بجودي ما لم يسألني، ثم أنزعه منه فلا يسألني رده وهو يسأل غيري. افتراني أبتدي بالعطية قبل المسألة؟ ثم أسأل فلا أجيب سائلي، أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أبخيل أنا فيبخل عبدي؟ أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؛ لو جمعت أهل السموات والأرض، ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع، وبلغت كل واحد منهم أمله لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟ يا بؤسا للقانطين ويا بؤسا لمن عصاني؛ وتوثب على محارمي» . قال: فثار الرجل صائحا وهو يقول: «رب أين أجدك أم أين لا أجدك، أنت لي رب قريب، وأنت لي غوث مجيب، أنزل عليك إذا نزلت، وأرحل إليك إذا رحلت، ربي إني قد أجبتك فأجبني واسمع ندائي في نداء المصوتين» . قال: فلم يبرح ذلك الرجل حتى قضيت حاجته من حيث لا يحتسب، ثم لزم من يومه ذلك العبادة والتوكل والتعلق بالثقة بالله عز وجل إلى أن مات رحمه الله. وقال عند ذلك بعض الحكماء:

قصة لمحمد بن المنكدر رحمه الله وقد تقدم له نحوها.

أرض بالله وليا ... لك في الأمر الجليل وعليه فتوكل ... إنه خير وكيل وعلى الله لمن أمله قصد السبيل 107 - قصة لمحمد بن المنكدر رحمه الله وقد تقدم له نحوها. أخبرنا أبو بحر الأسدي، عن أبي العباس أحمد بن عمر، قال: أنا أبو ذر، قال: أنا ابن شاهين، قال: أنا محمد بن عبد الله بن غيلان السوسي، ثنا محمد بن يزيد الأدمي، ثنا معن، ثنا مالك بن أنس، قال: كان رجل من أهل الشام قد وضع عند محمد بن المنكدر ثلاثمائة دينار، فغاب الشامي وقدم وقد استنفق محمد بن المنكدر الثلاثمائة دينار، فقال له: ارجع إلي أهيئه لك إن شاء الله. وليس عنده منها قليل ولا كثير فجعل محمد يذكرها ويدعو ويتضرع إلى الله عز وجل ويقول: يا رب، أمانتي. فسمع عامر بن عبد الله بن الزبير، وهو يدعو في صلاته بعد العتمة،

قصة رجل ملهوف في أصل يونس رحمه الله.

فخرج عامر فوزن ثلاثمائة دينار، ثم جاء بها، وكان محمد إذا سجد أطال السجود فوضعها عامر على نعليه، فلما رفع محمد بن المنكدر رأسه وجدها، فذهب بها إلى منزله، فإذا فيها ثلاثمائة دينار لا تزيد ولا تنقص، وغدا عليه الشامي فدفعها إليه. قال مالك: سمعت أن عامرا ربما خرج بالبدرة فيها عشرة آلاف دينار يقسمها فما يصلي العتمة ومعه منها درهم. 108 - قصة رجل ملهوف في أصل يونس رحمه الله. حدثنا ثقة من شيوخنا، عن محمد بن وضاح، قال: ثنا أبو بكر الضرير إمام مسجد خيثمة، قال: ثنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: ثنا طالوت بن عباد، قال: إني لنائم في بعض الليالي على فراشي، إذ أتاني آت في منامي فقال لي: يا طالوت، أجب الملهوف. فانتبهت فزعا، فذكرت الله عز وجل ثم عدت إلى مضجعي، فأتاني الثانية فقال لي: يا طالوت، أجب الملهوف. فانتبهت ثانيا، فقمت فتوضأت، وصليت ركعتين، فغلبني النوم، فنمت في مصلاي، فأتاني الثالثة فقال لي: يا طالوت، أجب الملهوف. فألهمني الله عز وجل فقلت: وكيف لي بإجابته؟ قال:

اركب دابتك فحيث ما وقفت فثم هو. قال طالوت: فقمت، وأخذت في كمي مائة دينار، وركبت دابتي وألقيت عنانها في عنقها وأرسلتها، فسارت في أزقة بغداد، حتى خرجت من البنيان، فوقفت على باب مسجد خرب، فنزلت فدخلت المسجد، فسمعت حسا في جانب منه، فسلمت فرد علي السلام، فإذا شخص قاعد يدعو فدنوت منه، فقلت له: يا هذا ما شأنك وما خبرك؟ وأخبرته بما رأيت في نومي. فقال لي: نعم، أنا رجل مقل ولي بنيات، فمنذ ثلاث لم نطعم شيئا، ولم نجد ما نطعم، فخرجت هذه الليلة لأدعو الله عز وجل في هذا المسجد وأسترزقه. قال طالوت: فأدخلت يدي في كمي، ثم أخرجت المائة دينار، فدفعتها إليه ثم قلت: رحمك الله، أنا طالوت بن عباد الصيرفي المحدث، فإذا نفدت هذه الدنانير فأتني. قال لي: سبحان الله، يا طالوت: أأترك الذي أقامك من سريرك، وأتاني بك في ظلمة هذا الليل، وآتيك أو آتي غيرك من المخلوقين؟ قال طالوت: فعجبت والله من حسن يقينه، وصحة ثقته بالله عز وجل، ومما فتح الله له، وركبت دابتي وانصرفت. وقال:

قصة حسنة فرج الله بها عن جماعة من العلماء رحمهم الله

توكل على الله فهو الذي ... يسبب للرزق أسبابه ويأتيك بالرزق من حيث لا ... تظن ويفتح أبوابه وكل محب صفا حبه ... لمولاه راض بما نابه 109 - قصة حسنة فرج الله بها عن جماعة من العلماء رحمهم الله قرأت بخط يونس رحمه الله: حدّث أبو زيد عمر بن شيبة، قال: حدثني محمد بن عمران مولى محمد بن إبراهيم الهاشمي، قال: كتب أبو جعفر المنصور إلى محمد بن إبراهيم فأمره بحبس ابن جريج، وعباد بن كثير، وسفيان الثوري، ورجل من آل أبي طالب، ففعل ذلك. قال: فلما كان الليل، رأيت الأمير محمد بن إبراهيم منكسرا مفكرا، فسألته عن ذلك فقال لي: حبست عيونا من عيون المسلمين، وذا رحم من الأفاضل، فلعل المنصور يقتلهم ليعز سلطانه فأبوأ بإثمهم. قلت: فتصنع ماذا؟ قال: أخلي والله سبيلهم وأتوكل على ربي عز وجل. ثم قال لي: انطلق إلى الطالبي براحلة وخمسين دينارا، واسأله أن يحللني مما روعته به

وليذهب حيث شاء. قال: فطرقته بالليل، فلما سمع حسي جعل يتعوذ بالله فقلت: إن ابن عمك يقرئك السلام ويقول: هذه راحلة ونفقة، فخذها وحللني من ترويعي لك، وامض حيث شئت. فقال: هو في حل وفي سعة، ولا حاجة بي إلى راحلته ونفقته. فقلت: لا، بل تأخذها فهو مما يشكره لك. فأخذها ومضى في الليل. ثم صرت إلى ابن جريج، وعباد، وسفيان الثوري، فأطلقتهم وقلت: حللوا الأمير ولا يظهرن أحد منكم ما دام المنصور حيا. فحللوه وانطلقوا. وحضر الموسم، وجاء المنصور حاجا، فلما قرب من مكة وجه معي محمد بن إبراهيم بألطاف أتلقاه بها وهدايا، فلما قيل للمنصور: «هذا رسول محمد بن إبراهيم وألطاف معه» ، أمر بالإبل فصرفت حتى عدل بها عن الطريق. ثم لحق به محمد بن إبراهيم متلقيا له ففعل به مثل ذلك. وأبو جعفر يشك ومعادله الربيع، وصار محمد بن إبراهيم في أخريات الناس، فلما صاروا إلى بئر ميمون، أناخ أبو جعفر حجرة عن الطريق، ثم رحل، وتخلف عنه محمد بن إبراهيم ومعه طبيب له، حتى جاء مناخ أبي جعفر فنظر الطبيب إلى رجيعه فقال لمحمد:

لا يكثر والله المنصور الإحياء بعد يومه هذا. فمات المنصور من يومه أو غده ولم يصل إلى البيت. 110 - الدولابي قال: أخبرني أبو العباس محمد بن إسحاق البغوي، قال: حدثني إبراهيم بن هاشم، قال سمعت مؤمل بن إسماعيل يقول: كنا جلوسا مع سفيان الثوري في المسجد، وكان أبو جعفر المنصور قد خرج تلك السنة حاجا، فجاءنا الخبر من فيد أنه قد وردها. فقال سفيان: ليس يدخلها يعني مكة. قال: ثم جاء خبره من ذات عرق، فقال سفيان: ليس يدخلها. فجاءه خبره من البستان، وتأهب الناس لدخوله فقال سفيان: ليس يدخلها. فلما كان من الغد دخل به ميتا، سبحان الحي الذي لا يموت، المنفرد بالعظمة والبقاء، قاهر الجبارين وجميع المخلوقين بالموت والفناء، زهدنا الله فيما كانوا فيه راغبين، وغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم. كذا بخط يونس. 111 - قال أبو أحمد: كان نصر بن منصور قد حبس اثني عشر رجلا لبغي لحقهم ولحقني معهم، فلما كان من الليل وكنت أحد المحبسين رأيت رجلا منهم قد قام فأسبغ الوضوء، ثم صلى وقال بعدما صلى: «يا معروفا بالمعروف، يا من هو موضع لكل معروف، يا من هو بالمعروف موصوف، فرج عني» .

فرأيت الحائط قد انشق وأخذ يقول: هات يدك. فأعطاه يده فخرج، فلما كان من غد جاءنا السجان، فقال: أين فلان؟ فأخبرته، فقال: أمسك عن ذكره. فلما كان بعد أيام جاءنا السجان فقال: اخرجوا، فقد أمرني الأمير بإخراجكم. فعلمت أنه دعا لنا. 112 - أبو بكر بن أبي الدنيا، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أن رجلا أصابه مرض، فمنعه من الطعام والنوم، فبينما هو ليلة ساهر، سمع وجبة، فإذا هو يسمع كلاما، فدعاه فتكلم به فبرأ مكانه. «اللهم إني عبدك ولك أجلي فاجعل الشفاء في جسدي، واليقين في قلبي، والنور في بصري، والشكر في صدري، وذكرك بالليل والنهار في لساني، ما أبقيتني، وارزقني رزقا غير ممنوع ولا محظور» .

حديث صاحب السمكة وفيها عبرة.

113 - حديث صاحب السمكة وفيها عبرة. ذكر علي بن معبد، قال: ثنا جرير بن عبد الحكم أبو أحمد الربعي، قال: ثنا ابن عقبة، عن عمرو بن دينار، قال: كان في بني إسرائيل رجل قائم على ساحل من سواحل البحر، فرأى رجلا وهو ينادي بأعلى صوته: ألا من رآني فلا يظلمن أحدا. قال: فدنوت منه، فقلت: يا عبد الله، ما الذي بك؟ قال: إذا أخبرك، كنت رجلا شرطيا، فجئت هذا الساحل، فرأيت رجلا صيادا قد صاد سمكة، فسألته أن يهبها إلي، فأبى، فسألته بثمن فأبى، فضربت رأسه بسوطي، وأخذت منه السمكة، فعلقتها بيدي فبينا أنا ذاهب إلى منزلي، إذ قبضت السمكة على أبهامي فدفعتها إلى عيالي يعالجونها فوضعت بين يدي فضربت على أبهامي، قبل أن آكل منها شيئا، وكان لي جار معالج فأتيته فقلت: أبهامي. فقال: هي آكلة، إن أنت رميت بها وإلا هلكت.

قال: فرميت بها. قال: فوقع في كفي فجئت إليه، فقال: إن أنت رميت بها وإلا هلكت. قال: فرميت بها. قال: فوقع في ذراعي. قال: فجئت إليه فقال: إن أنت رميت بها وإلا هلكت. قال: فرميتها. قال: فوقع في عضدي. قال: فخرجت من منزلي هاربا، فبينا أنا أسيح في البلاد، إذ رفعت لي شجرة دوحاء فأويت إلى ظلها. قال: فنعست، فأتاني آت في منامي فقال لي: لم تقطع أعضاءك فترمي بها، اردد الحق إلى أهله وانج بنفسك. قال: فانتبهت، فعلمت أن ذلك من قبل الله عز وجل، فأتيت الصياد فوجدته قد طرح شبكة فانتظرته حتى أخرجها، فإذا فيها سمك كبير. قال: فدنوت منه فقلت: يا عبد الله، إني مملوك لك فأعتقني. قال: ما أعرفك. قلت: بلى، أنا الشرطي الذي ضربت رأسك وأخذت السمكة منك. فأريته يدي فلما رآها، قال: أنت في حل. قال: فتناثر الدود منها، فلما أردت أن أنصرف قال: كما أنت ما هذا عدل، دعوت عليك في خطر سمكة فاستجيب لي.

فأخذ بيدي فذهب بي إلى منزله فدعا ابنا له فقال: احفر في هذه الزاوية. فحفر فأخرج منها جرة فيها ثلاثون ألف درهم فقال: اعدد منها عشرة آلاف. فقال: خذها واستعن بها على زمانتك. ثم قال: اعدد منها عشرة آلاف أخرى. فقال: فعد منها عشرة آلاف فقال: اجعلها في فقراء جيرانك وقرابتك. قال: فلما أردت أن أنصرف، قلت: أخبرني كيف دعوت علي؟ . قال: إذا أخبرتك لما ضربت رأسي وأخذت السمكة، نظرت إلى السماء وبكيت فقلت: «ربي هذا عدل منك خلقته وخلقتني، وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا، ثم سلطته علي، فلا أنت منعته من ظلمي، ولا أنت جعلتني قويا فأمتنع من ظلمه، فأسألك بالذي خلقته وخلقتني، وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا، أن تجعله عبرة لخلقك» ونحو ما قال.

فضيلة لمحمد بن المنكدر رحمه الله في كتاب: من عرف بالإجابة لأحمد بن محمد القصري من تأليفه.

114 - فضيلة لمحمد بن المنكدر رحمه الله في كتاب: من عرف بالإجابة لأحمد بن محمد القصري من تأليفه. حدثني من سمع محمد بن رجاء، قال: ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن حماد المروزي، قال: ثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي، عن أبيه، قال: صام محمد بن المنكدر، فلما أمسى لم يكن عنده ما يفطر عليه، فصام اليوم الثاني، فلم يكن عنده ما يفطر عليه، ثم صام اليوم الثالث فلم يكن عنده ما يفطر عليه، فأتى محرابه فصلى ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب فأين رزقي؟ قال: فإذا بين يديه جراب فيه سويق. أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن ابن نبات، قال: ثنا محمد بن أحمد القروي، قال: ثنا القصري فذكره. 115 - أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن يونس بن عبد الله القاضي، قال: حدثني رجل كان قد حج وجاور بمكة سنين، ودخل الشام وأقام ببيت المقدس زمانا، فأخبرني، قال: صحبني بمكة رجل مجاور بها من أهل حلب فقال لي: كنت بمدينة عكا، من ثغر الشام، في بعض السنين فنازلها الروم وأحاطوا بها، في جمع لهم عظيم، حتى أيقن المسلمون

بمدينة عكا بغلبة الروم عليهم، ولا يشكون في القتل والأسر، فكان الناس يموجون في المدينة يمشي بعضهم إلى بعض، يبكون ويصرخون، ويتودع بعضهم من بعض، فإني لماش في بعض أزقتها في ذلك اليوم، وأنا حزين باك، إذ مررت بطاق خارج من دار ويسمون الجناح المعلق من الغرفة الطاق فسمعت فيه صبية تنادي صبية أخرى، - جارة لها في طاق يقابل الطاق الذي هي فيه، فقالت لها: يا أخية هل هيأتم أسبابكم وتأهبتم لما قد نزل بنا؟ فقالت لها: يا أختي وما الذي نزل بنا؟ قالت: الذي نحن فيه من إحاطة الروم بمدينتنا، وتغلبهم على أرباضها وكانوا قد دخلوها فقتلوا وأسروا. فقالت لها: يا أختي، فأين الله؟ قال الرجل: فوالله لقد سري عني ما كنت فيه من المخافة والجزع لما سمعت قولها: «فأين الله؟» ورجوت النصر، فلما أصبحنا من الغد، وأشرفنا على سور المدينة على محلة الروم، رأيناها خالية وإذا الأرض منهم بلاقع، وإذا هم قد رفعوا محلتهم في تلك الليلة، ودخلوا مراكبهم وولوا في البحر، كأنهم قد هزموا، والحمد لله رب العالمين. وسلم الله المدينة ومن فيها من المسلمين والمسلمات، فله الحمد كثيرا كما هو أهله.

قصة أخرى تشبهها في إغاثة الملهوفين.

116 - قصة أخرى تشبهها في إغاثة الملهوفين. قال يونس بن عبد الله: حدثنا بعض أصحابنا، عمن حدثه، عن أبي جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم البغدادي المعروف بابن الداية، قال: حدثني الحسن بن محمد الإقريطشي، لقيته بعد أن علت سنه، وبلغ المائة سنة، وهو صحيح التمييز، سليم الحواس، قال: ألح غزاتنا بإقريطيش على الروم، ونالوهم بمكروه عظيم، فوجد ملك الروم من هذا، ونذر أن يحارب إقريطش ولو أنفق ذخائر مملكته في حربها، وعمد إلى راهب من أبناء الملوك مجبوب، يتعالم الروم زهادته، فأنزله من متعبده، وضم إليه أكثر جيوشه، فوافى إقريطش في جمع لم يحط بها مثله قط، ففزعنا إلى غلق أبواب الحصن، وشرع القوم في بناء مسكن لهم، وخرجوا من المراكب، وغلبنا على ميرة البلد، وما يكون في جواره، واشتد بنا الحصار، ونزع السعر، وغلى المأكول، وعم الجهد. ثم زادت المكاره، حتى أكل الناس ما مات من البهائم جوعا واضطرارا، وأجمعوا على أن يفتحوا الباب للروم، فقال لهم شيخ من المسلمين: إني أراكم قد حرمتم التوفيق في قوتكم وضعفكم، فالصواب: أن تقبلوا مني ما أشير به عليكم. قالوا: قل. قال: توبوا إلى الله عز وجل من قبيح ما حملكم عليه تظاهر النعم وطول السلامة، والزموا ما يكون رباطا لها وقائدا إلى حسن المزيد منها، وأخلصوا له إخلاص من لا يجد فرجة إلا عنده، وافصلوا صبيانكم من رجالكم، ورجالكم من نسائكم.

قصة أخرى.

فلما ميزهم هذا التمييز صاح بهم: عجوا بنا إلى الله. فعجوا عجة واحدة، وبكى الشيخ واشتد بكاء المسلمين وصراخهم. ثم قال: عجوا أخرى ولا تشغلوا قلوبكم بغير الله. فعجوا عجة أعظم من الأولى وكثر بكاؤهم. ثم عج الثالثة وعج الناس معه. قال: ثم قال: تشرفوا من الحصن فإني أرجو الله أن يكون قد فرج عنا. قال ابن الداية: فحلف لي الحسن بن محمد فقال: والله لقد أشرفت مع جماعة، فرأينا الروم قد فوضوا، وركبوا مراكبهم، ولججوا في البحر، وفتحنا الحصن، فوجدنا قوما من بقاياهم، فسألناهم عن خبرهم فقالوا: كان الراهب المجبوب عميد الجيش بأفضل سلامة اليوم، حتى سمع ضجتكم بالمدينة، فوضع يديه على قلبه وصاح: «قلبي، قلبي» . ثم طفي فانصرف من كان معه من الجيوش إلى بلاد الروم. قال الحسن: وجدنا في الأبنية من محلتهم من القمح والشعير ما وسع أهل المدينة وعاد إليها معه خصبها، وكفى الله جماعتهم بأس الروم من غير قتال، والحمد لله. 117 - قصة أخرى. قال أبو الوليد: حدثنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل الضراب المصري إجازة، قال: ثنا سالم

حكاية عجيبة لابن المبارك تشبهها من كتاب يحيى بن مجاهد رحمه الله.

بن الفضل بن سهل، قال: ثنا محمد بن عيسى بن أبي شيبة، قال: ثنا منجاب، قال: ثنا سعيد بن سالم بن أبي الصهباء، عن موسى بن عبيدة، عن طلحة بن كريز، عن مغيث: إن رجلا كان في سفر مع أصحابه، فأبق غلامه بفرسه، فلما أراد أصحابه أن يرتحلوا توضأ وصلى ركعتين وقال: «اللهم إنك تعلم حالي، وارتحال أصحابي، فأسألك أن ترد علي غلامي وفرسي» . فسمع وجبة، فالتفت فإذا غلامه مكتوفا بشطن الفرس. 118 - حكاية عجيبة لابن المبارك تشبهها من كتاب يحيى بن مجاهد رحمه الله. قال عبد الله بن المبارك: غزونا من طرسوس، فخرجت في سرية ومعي دابة أثق بها ما معي جنيبة، حتى إذا صرنا في بعض الطريق انصرع الفرس. قال: فجلست حذاءه فمر بي رجل حسن الوجه، طيب الرائحة، وقد مضى الناس، فقال لي: ما يجلسك، يا ابن المبارك؟ فقلت: أنتظر قضاء الله في فرسي. قال: وتحب أن تركب فرسك؟ قلت:

ومن لي بذلك. قال: فتقدم إلى الفرس، فوضع يده على جبهته، حتى انتهى إلى مؤخره وقال: «أقسمت عليك أيتها العلة، بعزة عزة الله وعظمة عظمة الله، وبجلال جلال الله، وبقدرة قدرة الله، وبسلطان سلطان الله، وبلا إله إلا الله، وبما جرى به القلم من عند الله، وبلا حول ولا قوة إلا بالله، إلا انصرفت» . قال: فوثب الفرس فانتفض فأخذ بركابي وقال: اركب. فركبت ولحقت بأصحابي فقلت: ما هذه نصفة أخلي رجلا في بلد العدو إلا أردفته ورائي. ثم قلت: إن الذي أراني من بركته قادر أن يسلمه. فلما كان في غداة غد ظفرنا بالعدو، فإذا هو بين أيدينا يدلنا على الذخائر، ويحذرنا من العدو، ويسهل علينا الصعائب. فقلت: ألست صاحبي بالأمس؟ فقال: بلى. قال: فقلت: سألتك بالله من أنت؟ قال: فوثب قائما، فاهتزت الأرض تحته خضراء، فإذا هو الخضر صلى الله عليه وسلم. قال ابن المبارك: فما قلت هذه الكلمات على عليل إلا شفي إلا أن يحضر أجله. كتب عليه أبو بكر بن مجاهد رحمه الله في حاشية كتابه: «جيد شريف» .

قصة للزيادي القاضي.

119 - من كتاب العروس: حدثنا محمد، قال: سمعت شعيب بن واقد، يقول: سمعت يزيد بن زريع يحدث: أن رجلا استودع امرأة مالا فجحدت، فصام ثلاثة أيام: الأربعاء والخميس والجمعة حتى إذا سلم الإمام، قال: «اللهم إني أسألك باسمك لا إله إلا هو، بسم الله الرحمن الرحيم، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، وأسألك باسمك الذي لا إله إلا هو، ملء السموات والأرض، الذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت له القلوب من خشيتك إن كانت فلانة كاذبة فأعم بصرها» . قال: فعميت، فبلغها، فردت عليه ماله وقالت: تدعو الله أن يرد علي بصري. فدعا فرد الله عليها بصرها. 120 - قصة للزيادي القاضي. أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، قال: أخبرنا يونس بن عبد الله، قال: ثنا أبو عبد الله بن مفرج، قال: ثنا محمد أيوب الرقي، قال: ثنا محمد بن خلف المعروف بوكيع، قال: ثنا أبو سهل الرازي القاضي، قال: ثنا أبو حسان الزيادي قاضي الجهة الشرقية ببغداد، وهو الحسن بن عثمان، وأمه أم عثمان ابنة ابن عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان، وبسبب أمه قيل له: الزيادي، قال: لحقني ما يلحق الرجال من الشدائد، واقتضاني جماعة كنت أعاملهم فيما أحتاج إليه لمنزلي ما لهم علي، وألحت رقاعهم فيه، فشكوت ذلك إلى زوجتي فقالت:

نشدتك الله ألا ما اقتصرت على الله تبارك وتعالى ولا ترج أحدا من خلقه. ففعلت ذلك، وكان لي دهليز واسع ينوب عن مجلس في الدار، كنت أجتمع فيه مع الفقهاء، ونتناظر في دقائق الفقه، فإني لجالس فيه تلك العشية، وهو خال ممن كان يغشاه، إذ دخل إلي رجل من الخراسانية يريد الحج، وكان الوقت قريبا من وقت المسير إلى الحج. فقال لي: أصلحك الله إن رأيت أن تقبل مني هذه البدرة من الدراهم وديعة إلى رجوعي من الموسم. قلت: أفعل. فأخذتها منه مضمونة، فعمدت إليها ففضضت عنها خاتمها وقسمتها في معاملتي، وفي سائر مهماتي حتى استنفدتها وقضيت كل دين كان علي. فلما أصبحت ركبت وأطلت. ثم رجعت ووجدت الخراساني على الباب ينظرني، وهو قد بدا له عما عزم عليه من الخروج إلى مكة، فلما رأيته ضاقت بي الأرض وقال لي: احتجت إلى تلك الوديعة. قلت له: ليس أصل إليها الساعة، فعد إلي غدا نقبضها إن شاء الله. فانصرف ودخلت إلى زوجتي فأعلمتها بذلك، فقالت لي: ارجع إلى الله عز وجل في أمرك، فليس يملك كشف هذا الكرب عنا غيره. فرجعت أتضرع إلى الله عز وجل في تلك الليلة، في إسدال ستره، وتعجيل فرجه، وفزعت إليه بهمي وكربي. ثم ركبت بغلتي في الغلس، وأنا لا أدري أين أتوجه، فعبرت الجسر وأخذت نحو المخرم، وما

في نفسي أحد أقصده واستقبلني رجل راكب، فقال لي: إليك بعثت. قلت: ومن بعثك؟ قال: دينار بن عبد الله. فأتيته فدخلت عليه وهو جالس، فسألني عن خبري وشأني فقلت له: ما الذي أوجب إرسالك إلي وسؤالك عن شأني؟ قال: ما نمت هذه الليلة إلا أتاني آت يقول: «أبو حسان الزيادي تعرف خبره واكفه ما همه» . فحدثه حديثه، فدعا بعشرين ألف درهم، فدفعها إلي، فرجعت فصليت في مسجدي صلاة الصبح، وجاء الخراساني فوفيته بدرته بتمامها وكمالها، وأنفقت باقي المال في حوائجي، وتوسعت. والحمد لله كشاف الكرب. 120 - قال يونس: وحدثنا محمد بن أحمد بن خالد، عن أبيه، قال: ثنا علي بن عبد العزيز بمكة، عن أبي عبيد الله القاسم بن سلام، عن سفيان بن عيينة، عن الحريري أن أبا الدرداء نزل الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم، فقال له:

إذا رأيت رجلا يسير من القوم حجزه في هيئة كذا فادفعها إليه. قال: فرأى رجلا في الهيئة التي ذكرها أبو الدرداء، وهو يمشي خارجا من طريق العسكر فدفع إليه الصرة، وأعلمه أن أبا الدرداء بعث بها إليه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك. قال: وكان حدير هذا من الفقراء العباد، المتوكلين على الله عز وجل، رحمه الله. 122 - أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثنا أحمد بن العلاء، عن الأجلح الكندي، عن عبد الله بن أبي الهذيل، قال: ضرى بختنصر أسدين، فألقاهما في جب، وجاء بدانيال فألقاه معهما فلم يهيجا، فمكث دانيال في ذلك الجب ما شاء الله، ثم اشتهى ما يشتهي الآدميون من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له إرميا، وهو بالشام، وكان قد صنع طعام لحصادين له، فناداه ملك من عند ربه فقال له: اذهب بهذا الطعام إلى دانيال فإنه في جب الأسد ببابل بأرض العراق ونحن نحملك. فوضع الملك يده على رأسه، فاحتمله بشعر رأسه، والطعام معه، فوضعه ببابل على حبل جب الأسد، فوقف على رأس الجب ونادى:

دانيال، دانيال! . فقال له دانيال: من هذا؟ قال: قم، تناول هذا الطعام الذي أرسل به إليك ربك. فقال دانيال: وقد ذكرني ربي ولم يعرني من رحمته! . قال: نعم. فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من رجاه، والحمد لله الذي هو ثقتنا عند سوء ظننا بأعمالنا، والحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، والحمد لله الذي يكشف ضرنا بعد كربنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا. ثم أكل الطعام وحمل الملك إرميا فأقامه في المكان الذي أتى منه. اللهم لا تنسنا من رحمتك في الدنيا والآخرة؛ يا أرحم الراحمين إنك على ما تشاء قدير.

123 - ذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثني هارون بن سفيان، قال: ثنا رجل من أهل العلم أن رجلا حدثه، قال: نزل عليه رجل من ولد أنس بن مالك، فحدثه، فلما أراد أن يفارقني أمر لي بشيء فلم أقبله، فقال: ألا أعلمك دعاء كان جدي يدعو به، وما دعوت الله به إلا فرج الله عني؟ قلت: بلى. قال: قل: «اللهم إن ذنوبي لم تبق لي إلا رجاء عفوك، وقد قدمت آلة الحرمان بين يدي عفوك أسألك ما لا أستحقه، وأدعوك بما لا أستوجبه، وأتضرع إليك بما لا أستأهله، ولم يخف عليك حالي، وإن خفي على الناس كنه معرفة أمري، اللهم إن كان رزقي في السماء فاهبطه، وإن كان في الأرض فأظهره، وإن كان بعيدا فقربه، وإن كان قريبا فيسره، وإن كان قليلا فكثره وبارك لي فيه» . 124 - قال ابن أبي الدنيا: وحدثني هارون بن سفيان، قال: حدثني عبد الله بن محمد القرشي، عن نعيم بن مورع، عن جويبر، عن الضحاك، قال:

حكاية حسنة لمن استغاث بالله سبحانه.

دعا موسى صلى الله عليه وسلم حين توجه إلى فرعون، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، ودعا كل مكروب كنت وتكون: «أنت حي لا تموت، تنام العيون وتنكدر النجوم، وأنت حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي، يا قيوم» . 125 - قال ابن أبي الدنيا: وحدثني عباد بن موسى، قال ثنا كثير بن هشام، عن الحكم بن هشام الثقفي، قال: أخبرت أن رجلا أخذ أسيرا، فألقي في جب، ووضع على رأس الجب صخرة، فلقن فيها: «سبحان الملك القدوس، سبحان الله وبحمده» . فأخرج من غير أن يكون أخرجه إنسان. 126 - قال: وحدثت عن إسماعيل بن يعقوب، قال: ثنا الفريابي، قال: لما أخذ أبو جعفر إسماعيل بن أمية، أمر به إلى السجن، فمر على حائط مكتوب عليه: «يا ولي في نعمتي، ويا صاحبي في وحدتي، وعدتي في كربتي» . فلم يزل يدعو بها حتى خلى سبيله فمر على ذلك المكان فنظر فلم ير شيئا مكتوبا. 127 - حكاية حسنة لمن استغاث بالله سبحانه. ذكرها ابن جهضم، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن المأمون

الوجيهي، قال: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن القاسم، قال: حدثني الحسن بن علي النخعي، قال: سئل ذو النون بن إبراهيم وأنا حاضر: صف لنا من خيار من رأيت شيئا قد رفت عيناه. وقال: ركبنا مرة من القلزم نريد جدة، ومعنا في المركب فقير ابن نيف وعشرين سنة، قد لبس ثوبا من الهيبة، وكنت أحب أن أكلمه فلا أقدر، إنما هو يصلي أو يسبح أو يقرأ، فوقع ذات يوم في المركب تهمة، وجعل الناس يفتش بعضهم بعضا، إلى أن بلغوا ذلك الفتى. فقال صاحب الصرة: لم يكن أحد أقرب إلي من هذا الفقير النائم. فأيقظته فما كلمني. ثم قام إلى جانب المركب فتوضأ للصلاة وصلى أربع ركعات. ثم أقبل علي وقال: إيش تريد؟ فأخبرته، فالتفت إلى صاحب الصرة وقال: الأمر كما يقول؟ قال: نعم لم يكن أحد أقرب إلي منك. فرفع يديه نحو السماء يدعو. قال ذو النون: فخفت على أهل المركب الغرق من دعائه،

وخيل إلينا كل حوت في البحر قد برزت في فمه جوهرة، فأضاء المركب، فقام الفتى إلى جوهرة من فم حوت، وأخذها وألقاها إلى صاحب الصرة وقال: لك في هذا عوض مما ذهب منك وأنت في حل. ووضع رجله على البحر ومشى على الماء حتى غاب عن أبصارنا. 128 - قال: وحدثنا جعفر بن محمد الحواص، قال: حدثنا أحمد بن مسروق، قال: ثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن أحمد الشامي، قال: سمعت ذا النون بن إبراهيم يقول: ركبت البحر نريد مكة، ومعنا في المركب رجل عليه أطمار رثة، فوقع في المركب تهمة، فدارت حتى صارت إليه، فقلت له: إن القوم قد اتهموك. فقال: إياي تعني؟ قلت: نعم. فنظر إلى السماء وقال: أقسمت عليك ألا أخرجت ما فيه من حوت بجوهرة.

قصة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله.

قال: ولقد خيل إلي أن ما بقي في البحر حوت إلا وقد خرجت من فيه لؤلؤة أو جوهرة. ثم رمى بنفسه في البحر وذهب. 129 - قصة لإبراهيم بن أدهم رحمه الله. ذكرها ابن جهضم أيضا، قال: حدثا أبو الحسن علي بن محمد العكي، قال: ثنا عبد الله بن قريش، قال: ثنا عباس بن محمد، قال: ثنا خلف بن تميم، عن إبراهيم بن أدهم، أنه ركب البحر يريد الغزو، فأصابتهم ريح شديدة وموج عظيم، فجعلوا يضجون ويدعون، وإبراهيم قد لف رأسه في كسائه وهم لا يعرفونه، فركله رجل برجله وقال: يا هذا، أما ترى ما نحن فيه وأنت نائم؟ فأخرج رأسه من الكساء، ورفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا عفوك. فسكن البحر. 130 - قصة لعبد الواحد بن زيد رحمه الله. قال أبو الحسن بن جهضم: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن يعقوب المارستاني، قال: ثنا محمد بن عبيد التمار، قال: ثنا محمد بن الحسين البرجلاني، قال: ثنا يحيى بن بسطام الأصفر، قال: ثنا مضر القارئ، قال:

شهدت لعبد الواحد بن زيد دعوات كثيرة مستجابة، يشاهد فيها الإجابة، قال: ثم أنشأ مضر يحدثنا، قال: كان يجالسه نفر من قريش متعبدون، فأرادهم السلطان أن يدخلهم في بعض أعماله، فأتوا عبد الواحد بن زيد ذات يوم ونحن عنده فقالوا: يا أبا عبيد، هذا الأمير يريدنا على كذا وكذا. وذكروا مع ذلك ضيقة في معيشتهم. قال: فبكى عبد الواحد، وقال: يا أبه، أنتم إنما يهدي الضيق والفقر إلى أوليائه كرامة منه لهم. قال: ثم حول وجهه واستقبل القبلة. ثم قال: «اللهم باسمك الذي تكرم به من أحببت من أوليائك، وتلهمه الرفيع من أصفيائك، أسألك أن تأتينا برزق من لدنك، تقطع به علائق السلطان من قلوبنا، وقلوب أصحابنا هؤلاء عن السلطان. فأنت الحنان المنان، وأنت قديم الإحسان، يا كريم» . قال: فانتقض والله سقف البيت، حتى سمعته وتناثرت علينا الدنانير والدراهم. فقال لهم عبد الواحد: شأنكم فاستغنوا بالله عن الأمراء. قال مضر: فأخذ القوم وأخذت معهم، وما علمت أن أبا عبيدة أخذ منه شيئا ولا صار إليه ولا إلى أحد من أهله شيء من ذلك.

قصة حسنة في الضالة.

131 - قصة حسنة في الضالة. قرأت بخط ابن فطيس رحمه الله: حدثنا أبو الحسين الحلبي: ثنا أحمد بن سعيد، قال: ثنا محمد بن يزيد، قال: ثنا أبو بلال الأشعري، قال: ثنا مجاشع بن عمرو، عن سعيد بن أبي الرجاء، قال: ضللت في طريق مكة، فبينا أنا في ضلالي إذ سمعت حسا من خلفي، فاستوحشت فسمعته يقرأ القرآن، فأنست فلحقني وسلم علي، وقال لي: أنت ضال؟ فقلت: نعم. فقال: استوحشت حين سمعت حسي؟ قال: لذلك قرأت القرآن. ألا أعلمك شيئا إذا قلته وأنت ضال اهتديت، أو مستوحشا استأنست، أو أرقا نمت؟ قال: قلت: بلى. قال: قل: بسم الله ذي الشأن، عظيم البرهان، شديد السلطان كل يوم هو في شأن، ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله ".

قال: فقلتها فإذا أنا أسمع حس أصحابي. قال: هؤلاء أصحابك. فطلبت الرجل، فلم أجده. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين. انتهى الجزء الثالث والحمد لله. يتلوه: أخبرنا الفقيه الحافظ أبو القاسم في الجزء الرابع وهو حسبي ونعم الوكيل.

الجزء الرابع من كتاب أدعية المستغيثين بالله عز وجل عند المهمات والحاجات، والمتضرعين إليه سبحانه بالرغبات والدعوات، وما يسر الله لهم من الإجابات والكرامات بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 132 - أخبرنا الفقيه الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك قال: قرئ على أبي الحسن عبد الرحمن بن عبد الله العدل وأنا أسمع: قال: ثنا أبو محمد قاسم بن محمد بن هلال، قال: ثنا عبدوس بن محمد، قال ثنا أبو بكر بن الحسين الآجري، قال: ثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلي، قال: ثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: كان في بني إسرائيل عابد، وكان قد أوتي جمالا وحسنا، وكان يعمل القفاف فمر بباب ملك من ملوكهم، فنظرت إليه جارية لامرأة الملك، فدخلت إليها فقالت: ههنا رجل ما رأيت أحسن منه يطوف بالقفاف يبيعها. فقالت لها: أدعيه.

فدعته، فلما جاء قالت له: ادخل نشتر منك. فدخل، فلما نظرت إليه قالت: ضع هذه القفاف. وراودته عن نفسه فقال لها: قصركم هذا فوقه خلاء؟ قالت: نعم. قال: أريد أن أخلو فيه لحاجة الإنسان. فلما صعد إلى علو القصر عاتب نفسه فقال: يا نفس أنت تجدين رضاء الرب الكريم في الليل، وفي النهار تريدين تفسدين عليك بها عملك كله، أرسلي نفسك. فلما تهيأ ليلقي نفسه، قال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: «يا جبريل أدرك عبدي هذا الذي يريد أن يلقي نفسه فرارا من سخطي تلقه بجناحك فلا يصبه مكروه» . قال: فهبط جبريل عليه السلام، فبسط جناحه فتلقاه حتى وضعه على الأرض، فقام يمشي فجاء إلى امرأته فقالت له:

سبب رجل خلص من الأسر بدعاء علمه في منامه فدعا به فاستنقذه الله بقدرته.

أي بعلي لا شيء معك؟ قال: فقال لها: ما أصبت شيئا. فقالت له: فعلى أي شيء نفطر الليلة؟ قال: نصبر ليلتنا، قومي فاسجري التنور، فإنا نكره أن يرتاب جيراننا إذا لم يرونا سجرنا التنور. قال: فقامت إلى التنور فسجرته، ثم جاءت فقعدت، فجاءت امرأة من جيرانهم فقالت لامرأته: عندكم وقود؟ قالت: نعم، ادخلي فخذي من التنور وقودا. فدخلت ثم خرجت فقالت: ما لي أراك جالسة تحديثينني وخبزك يحترق، قومي فخذي خبزك. قال: فقامت المرأة، فإذ التنور محشو خبزا نقيا، فأخذته فجعلته في جفنة، ثم جاءت فقالت: إني أعرف أن ربك تبارك وتعالى لم يصنع بك هذا إلا وأنت عليه كريم. 133 - سبب رجل خلص من الأسر بدعاء علمه في منامه فدعا به فاستنقذه الله بقدرته. قرأت بخط القاضي يونس بن عبد الله رحمه الله: ثنا عبد الله بن محمد، قال: ثنا

محمد بن موسى بمصر، قال: حدثني محمد بن أحمد، قال: ثنا عبد الله بن ثابت، قال: أسر رجل من أهل بلدنا، فأقاموا مأسورا عشرين سنة، ثم خلصه الله، فجئته فيمن يهنئه، فسألته عن خلاصه، فحدثنا: أنه رأى في المنام ثلاث ليال متواليات من يعلمه هذا الدعاء ويأمره أن يدعو به ويقول له: بهذا الدعاء تخلص إلى بلاد الإسلام إن شاء الله. قال: فنسيته في الليلتين وحفظته في الثالثة. قال: والدعاء المذكور: «تحصنت بالحي الذي لا يموت، ورميت كل من أرادني بسوء، بلا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبحت في جوار الله الذي لا يرام ولا يستباح، وحمى الله الكريم وذمته التي لا تخفر، واستمسكت بالعروة الوثقى، وتوكلت على الله ربي ورب السموات والأرض، لا إله إلا الله، واتخذت دليلا ما شاء الله، لا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل» . قال عبد الله بن ثابت: فأخبرني أنه دعا بهذا الدعاء في الليل، ثم صلى الصبح ودعا به، وخرج من سجن القسطنطينية يحمل خرجه على كتفه، فقال له السجان: من هذا؟ قال له: أنا. فلم يزد على ذلك وخرج من المدينة فلحقته خيل تركض فقالوا له: كيف أخذ الأسير الذي هرب من سجن الملك؟ . فأومأ لهم إلى طريق عن يساره، ومضى حتى وصل إلى بلاد الإسلام. والحمد لله كثيرا.

فضيلة لبني المنكدر وظهور البركة والعبادة فيهم.

134 - فضيلة لبني المنكدر وظهور البركة والعبادة فيهم. أخبرنا ابن عتاب، عن أبيه، قال: ثنا يونس بن عبد الله، قال: ثنا أبو القاسم خلف بن محمد الخولاني المؤدب، رحمه الله، قال: ثنا أحمد بن مروان القاضي بمصر، قال: ثنا إسماعيل بن إسحاق، عن إسماعيل بن أبي أويس، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة أتى محمد بن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأتعظ بها أياما. قال مالك: وكان محمد بن المنكدر يصلي في منزله إلى نصف الليل، وكان أبو بكر أخوه في المسجد النصف الأول، فكانا يلتقيان في موضع واحد في نصف الليل، أكثر من عشرين سنة إلى أن ماتا. وقال مالك: جاء المنكدر إلى عائشة رضي الله عنها يسألها شيئا فقالت: والله ما عندي شيء في وقتي هذا، وإن حقك علي لواجب، اللهم سهل لنا ما نرضي به المنكدر. فإذا داق يدق الباب، وإذا هو رسول معاوية قد وجه إلى عائشة بعشرة آلاف وجبت لها من العطاء الجاري على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء. فقال عائشة للمنكدر: دونك هذه العشرة آلاف درهم، فإنما الله ساقها إلينا من أجلك. فأخذها المنكدر، ودخل بها السوق، فاشترى بها جارية فارسية بعشرة آلاف، فولدت له محمدا وأبا بكر وعمر فكانوا عباد أهل المدينة رحمهم الله. 135 - قال يونس وحدثنا أبو زكرياء بن عائذ، قال: ثنا إبراهيم بن أحمد، قال: ثنا عبد

سبب انطلاق أسير من دار الحرب بدعاء من دعا له فأجيبت الدعوة فيه.

الرحمن بن أحمد، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن حسن. قال: حبس شيخ لنا في محبس هؤلاء، يعني بني أمية؛ قال: فضيق عليه فبلغ ذلك الجهد منه؛ قال: فرأى في المنام عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فقال: يا روح الله، أما ترى ما أنا فيه من الضيق؟ قال: فاتكأ على يديه من خلفه. ثم قال: قل: «لا إله إلا الله الحق المبين» . قال: فقالها ففرج الله عنه وانطلق من يومه. 136 - سبب انطلاق أسير من دار الحرب بدعاء من دعا له فأجيبت الدعوة فيه. قرأت في أصل يونس بن عبد الله رحمه الله: أخبرني أبي رحمه الله، قال: ثنا إسماعيل بن بدر، قال: أخبرني صاحب لي كان يطلب معنا العلم، قال: كنا نسمع يوما على إبراهيم بن محمد بن باز المعروف بابن القزاز، في غرفة له، والقارئ يقرأ عليه في كتابه، إذ صعدت امرأة عجوز إلينا، فوقفت في آخر الدرج مما يلي باب الغرفة، فسألته أن يعينها في فداء ابن لها مأسور في بلاد الحرب، فأمر لها الشيخ بكسرة خبز، وكان الضعف والمسبغة يبدو عليها. ثم قال لها: انصرفي فسيطلق ابنك إن شاء الله بعد أن سألها عن اسمه فأخبرته به. ثم قصد إبراهيم بن محمد بن باز، بعد تمام المجلس، إلى رجل فاضل، كان يسكن بناحية الرصافة، فأعلمه خبر المرأة وأفطر عنده، وباتا متهجدين، ودعا أحدهما وأمن الآخر، واجتهدا في الدعاء في ظلمة الليل. قال: فلما كان إلى مدة شهر أو نحوه، كنا قعودا عنده في تلك

قصة أخرى تشبهها.

الغرفة نسمع عليه، فلم ننشب أن صعدت تلك المرأة في الدرج، ومعها حدث فقالت له: هذا ابني عتيقك الذي كنت وعدتني بإطلاقه انطلق والحمد لله. فسأله الشيخ ونحن نسمع كيف كان أمره؟ . قال: كنت أرعى غنما للعلج الذي أسرني بالنهار، حتى إذا كان الليل ضمني إلى مطمورة أبيت فيها، وأنا مكبول، فبينا أنا في تلك المطمورة ليلة كذا فذكر الليلة التي كان مبيت الشيخ عند صاحبه بربض الرصافة فيها إذا انفتح الكبل الذي كان علي، فأخذني الخوف من العلج، وخشيت أن يظن أني تحيلت فيه، فلما أصبح عرفته فأوثق الكبل وزادني ثانيا، فلما كانت الليلة الثانية ونمت انتبهت إلى انفتاح الكبلين جميعا، فضربت حائط المعمورة حتى سمعني وأتى، فأعلمته فأوثق الكبلين وزادني ثالثا، ومضى إلى قوم كانوا يسامرونه في بيته من أهل بيته، فأعلمهم فعجبوا من ذلك، فلما عدت إلى النوم انفتحت الكبول كلها، فأعلمته بالأمر فعجب هو ومن كان معه، وقصد إلى رجل كبير كان لهم، فأعلمه بذلك فقال له: «أطلقه فإن هذا من الله وأخشى إن حبسته أن يدور عليك أمر كبير» . قال: فأطلقني وخرجت كما ترى والحمد لله فتبارك الله اللطيف الخبير. قال يونس: وكان إخبار أبي رحمه الله بهذا الحديث، وإسماعيل حتى في اليوم الذي أخبره به إسماعيل، وذلك يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمسين وثلاثمائة، وأنا في ذلك اليوم ابن إحدى عشرة سنة وشهرين. 137 - قصة أخرى تشبهها. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحافظ غير مرة، قال: ثنا أبو بكر بن طرخان ببغداد، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: ثنا أبو القاسم عبد الكريم بن

هوازن القشيري النيسابوري، في إجازة وصلت إلينا منه، وقرأته بخط أبي بكر أحمد بن علي الحافظ فيما حدث به عنه، قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: سمعت أبا الفتح نصر بن أحمد بن عبد الملك يقول: سمعت عبد الرحمن بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: جاءت امرأة إلى بقي بن مخلد، فقالت: إن ابني قد أسره الروم، ولا أقدر على مال أكثر من دويرة، ولا أقدر على بيعها، فلو أشرت إلى من يفديه بشيء فإنه ليس لي ليل ولا نهار، ولا نوم ولا قرار. فقال: نعم، انصرفي حتى انظر في أمره إن شاء الله تعالى. قال: وأطرق الشيخ وحرك شفتيه. قال: فلبثنا مدة فجاءت المرأة ومعها ابنها، فأخذت تدعو له وتقول: قد رجع سالما وله حديث يحدثك به. فقال الشاب: كنت في يدي بعض ملوك الروم، مع جماعة من الأسارى، وكان له إنسان يستخدمنا كل يوم يخرجنا إلى الصحراء للخدمة، ثم يردنا وعلينا قيودنا، فبينا نحن نجيء من العمل مع صاحبه الذي كان يحفظنا، فانفتح القيد من رجلي ووقع إلى الأرض ووصف اليوم والساعة فوافق الوقت الذي جاءت المرأة، ودعا الشيخ فنهض إلى الذي كان يحفظني وصاح علي وقال: «كسرت القيد» . فقلت: «لا إلا أنه سقط من رجلي» . قال: فتحير وأحضر صاحبه وأحضر الحداد، وقيدوني، فلما مشيت خطوات، سقط القيد من رجلي، فتحيروا في أمري فدعوا رهبانهم فقالوا لي: «ألك والدة؟» ؛ فقلت: «نعم» ؛ فقالوا: «وافق دعاؤها الإجابة» . وقالوا: «أطلقك الله فلا يمكننا تقييدك» فزودني وأصحبوني إلى ناحية المسلمين.

قصة لرجل نجاه الله من القتل.

138 - قصة لرجل نجاه الله من القتل. أبو علي البغدادي، عن أبي بكر بن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، عن العريان بن الهيثم النخعي، قال: بعثني عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية، فدخلت إليه وبين يدي شاب من النخع قد أمر بقتله وهو يحرك شفتيه بشيء يقوله. فقال يزيد للحرسي: ما يقول؟ قال: يقول: عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل في خليقته أمر فقال يزيد علي: تناول الشعر الملائم لك والله لأقتلنك. فأمر بقتله فأخرج إلى ناحية من الدار ليقتل. قال العريان: فسألت عنه فأخبرت أنه من قومي فقلت: يا أمير المؤمنين، هب مذنب قوم لوافدهم؛ إن هذا الشاب من قومي، وأنا أسأل أمير المؤمنين أن يهب لي ذنبه. فقال: هو لك. فأخذت بيده وخرجت به فلما خرج قال: الحمد لله على طول العافية وحسن البلاء. تألى على الله فأكذبه وغالب الله فغلبه.

قصة حسنة لجعفر بن محمد رضي الله عنه مع أبي جعفر المنصور.

139 - قصة حسنة لجعفر بن محمد رضي الله عنه مع أبي جعفر المنصور. أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن صاحبنا رحمه الله بقراءتي عليه، قال: ثنا أبو القاسم بن صواب سماعا، قال: ثنا أبو مروان الطبني، قال: ثنا أبو القاسم بن بندر، قال: حدثني محمد بن علي بن صخر الأزدي أبو الحسن، قال: ثنا أبو عياش أحمد بن محمد بن يعقوب الهروي الشافعي، قال: حدثنا أحمد بن منصور بن محمد الحافظ، قال: ثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن أحمد القطان المحتسب البلخي، بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صدوقا، قال: ثنا الحسن بن محمد بن هارون الهاشمي، قال: ثنا محمد بن يحيى المازني، قال: ثنا موسى بن سهل، عن الربيع، قال: لما استولت الخلافة لأبي جعفر قال لي: يا ربيع، ابعث إلى جعفر بن محمد. قال: فقمت بين يديه فقلت: أي بلية تريد أن تفعل وأوهمته أني أفعل؟ ثم أتيته بعد ساعة، فقال: ألم أقل لك ابعث إلى جعفر بن محمد؟ فوالله لتأتيني به أو لأقتلنه شر قتلة. قال: فذهبت إليه فقلت: أبا عبد الله، أجب أمير المؤمنين. فقام معي، فلما دنونا من الباب، قام فحرك شفتيه، ثم دخل فسلم فلم يرد عليه السلام،

ووقف فلم يجلس ثم رفع رأسه فقال: أبا جعفر، أنت الذي ألبت وكثرت. وحدثني أبي، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينصب للغادر لواء يوم القيامة يعرف به» . قال جعفر بن محمد: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينادي مناد يوم القيامة من بطنان العرش: ألا فليقم من أجره على الله تعالى، فلا يقوم من عباد الله إلا المتفضلون ". فما زال يقول حتى سكن ما به ولان له فقال: اجلس أبا عبد الله؛ ارتفع أبا عبد الله. ثم دعا بمدهن غالية، فجعل يغلقه بيده، والغالية تقطر من بين أنامل أمير المؤمنين، ثم قال: انصرف أبا عبد الله في حفظ الله. وقال لي: يا ربيع، اتبع أبا عبد الله جائزته وأضعفها. قال: فخرجت فقلت: يا أبا عبد الله تعلم محبتي لك قال: أنت منا.. حدثني أبي، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مولى القوم منهم» .

قلت: يا أبا عبد الله شهدت ما لم تشهد، وسمعت ما لم تسمع، وقد دخلت ورأيتك تحرك شفتيك عند دخولك إليه. قال: نعم، دعاء كنت أدعو به. قلت له: دعاء حفظته عند دخولك إليه أو شيء تأثره عن آبائك الطاهرين؟ قال: لا، بل حدثني أبي، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أحزنه أمر دعا بهذا الدعاء، وكان يقول دعاء الفرج: " اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، وارحمني بقدرتك علي! أنت ثقتي ورجائي، فكم من نعمة أنعمت بها علي، قل لك بها شكري، وكم من بلية ابتليتني قل لك بها صبري، فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على الخطايا فلم يفضحني؛ أسألت أن تصلي على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت، وباركت، وترحمت على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم أعني على ديني بدنياي، وعلى آخرتي بالتقوى، واحفظني فيما غبت عنه، ولا تكلني إلى نفسي فيما حضرته، يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة، هب لي ما لا يضرك، واغفر لي ما لا ينقصك، يا إلهي أسألك فرجا قريبا، وصبرا جميلا، وأسألك العافية من كل بلية، وأسألك الشكر على العافية، وأسألك دوام العافية، وأسألك الغنى عن الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قال الربيع: فكتبته من جعفر بن محمد فها هو في جيبي. قال موسى بن سهل: فكتبته من الربيع فها هو في جيبي. قال محمد بن يحيى: فكتبته من موسى فها هو في جيبي. قال محمد بن هارون الهاشمي: فكتبته عن ابن يحيى فها هو في جيبي: قال أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد المحتسب البلخي: فكتبته من محمد بن هارون الهاشمي فها هو في جيبي. قال أبو الحسن علي بن الحسن القطان: فكتبته عن أبي الحسن علي بن أحمد المحتسب فها هو في جيبي. قال أحمد بن محمد أبو عياض: فكتبته عن أحمد بن منصور فها هو في يدي. قال محمد بن علي بن صخر: فكتبته عن أبي عياض أحمد بن محمد الهروي الشافعي وجعلت نسخة في جيبي. قال أبو القاسم بن بندار: هو معي بخط القاضي ابن صخر أبي الحسن رحمه الله. قال أبو مروان الطبني: فكتبته عن ابن بندار أبي القاسم وهو عندي. قال أبو القاسم بن صواب: هو عندي بخط أبي مروان الطبني وها هو في جيبي وأراناه. 140 - حدثنا أبو الحسن صاحبنا قراءة مني عليه، قال: ثنا أبو القاسم قراءة، قال: ثنا أبو مروان الطبني، قال: ثنا أبو القاسم بن بندار، قال: ثنا ابن صخر. قال: ثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الرحمن الأصبهاني بالبصرة، عن أحمد بن محمد الأنصاري، قال: ثنا عبد الله بن محمد الفراء، قال: ثنا عمي أحمد بن عبد الله، قال: حدثني الحسن بن العلاء، عن عبد الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم أخدم ابنته فاطمة رضي الله عنها جارية اسمها فضة، وكانت تشاطرها الخدمة، فعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء تدعو به. قالت فاطمة لها: أتعجنين أم تطبخين؟ قالت: بل أعجن، يا سيدتي وأحتطب. فلما ذهبت واحتطبت وحزمته لم تطق أن تسوق الحزمة، فرفعت رأسها إلى السماء فدعت ربها بالدعاء الذي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا واحد ليس كمثله واحد، يميت كل واحد، ويفني كل واحد، وأنت على عرشك واحد، لا تأخذه سنة ولا نوم، سهل لي من يحمل عني هذا الحطب» . فإذا بأعرابي كأنه من أزد شنؤة قال لها: يا جارية، أعيدي هذا الدعاء علي. فأعادت عليه، فقال لها: ممن سمعت هذا الدعاء؟ قالت: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أفتحبين أن يسبقك الحطب أم تسبقين الحطب؟

قالت: بل أحب أن يسبقني الحطب. فجاءت والحطب على باب فاطمة رضي الله عنها. 141 - ذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثني عمر بن شيبة، قال: حدثني محدث، عن أمية بن خالد، عن وضاح بن خيثمة، قال: أمرني عمر بن عبد العزيز بإخراج من في السجن، فأخرجتهم إلا يزيد بن أبي مسلم فنذر دمي. قال: فوالله إني ليلة بإفريقية قيل لي: قدم يزيد بن أبي مسلم. فهربت منه فأرسل في طلبي فأخذت وأتي بي فقال: وضاح؟ قلت: وضاح. قال: أما والله لطال ما استعذت بالله من شرك. قال: فوالله ما أعاذك الله، والله لأقتلنك، ثم والله لأصلبنك، ثم والله لأقتلنك، والله لو سابقني ملك الموت إلى قبض روحك لسبقته، علي بالسيف والنطع.

قال: فجيء بالنطع، فأقعدت وكتفت، وقام على رأسي سيف مشهور، وأقيمت الصلاة، فخرج إلى الصلاة، فلما خر ساجدا أخذته سيوف الجند، فقتل، فجاءني رجل فقطع كتافي بسيفه، وقال لي: انطلق. 142 - قال ابن أبي الدنيا: حدثني يعقوب بن إسحاق بن زياد البصري، قال: ثنا أبو همام الصلت بن محمد الخاركي، قال: ثنا مسلمة بن علقمة بن داود بن أبي هند، قال: حدثني محمد بن يزيد، قال: لما أمر سليمان بن عبد الملك، بعثني إلى العراق، إلى المسيرين، إلى أهل الديماس، الذين حبسهم الحجاج. قال: فأخرجتهم وفيهم يزيد الرقاشي، ويزيد البصري، وعابدة من البصرة، فأخرجتهم في عمل ابن أبي مسلم، وعنفت ابن أبي مسلم بصنيعه، وكسوت كل رجل منهم ثوبين، فلما مات سليمان ومات عمر، كنت مستعملا على إفريقية، فقدم علي يزيد بن أبي مسلم أميرا على عمل يزيد بن عبد الملك، فعذبني عذابا شديدا، حتى كسر عظامي، فأتي بي يوما أحمل في كساء عند المغرب فقلت: ارحمني. قال: التمس الرحمة عند غيري، لو رأيت ملك الموت عليه السلام عند رأسك، لبادرته بنفسك: اذهب حتى أصبح لك. قال: فدعوت الله فقلت:

دعاء حسن بليغ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

«اللهم اذكر بي ما كان مني من أهل الديماس، اذكر بي يزيد الرقاشي، وفلانا وفلانا، واكفني شر ابن أبي مسلم، وسلط عليه من لا يرحمه، وافعل ذلك من قبل أن يرتد إلي طرفي» . وجعلت أحسن ظني في رجاء الإجابة، فدخل عليه ناس من البربر فقتلوه، ثم أتوني فأطلقوني. فقلت: اذهبوا ودعوني، فإني أخاف إن فعلتم أن يروا أن ذلك من سببي. فذهبوا وتركوني. 143 - دعاء حسن بليغ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال ابن أبي الدنيا: حدثني أحمد بن عبد الأعلى، قال: حدثني أبو هلال الأشعري، عن محمد بن أبان، عن أبي عبد الله القرشي، عن الحارث العكي: أن رجلا جاء إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما يستعين به على أبيه في حاجة، فقال له الحسين: إن أمير المؤمنين قد خلا في بيت إذا حزبه أمر خلا فيه. قال: فادنني إلى الباب حتى أسمع كلام أمير المؤمنين. قال: فسمعته يقول: «يا كهيعص، يا نور يا قدوس، يا خير، يا الله، يا رحمن رددها ثلاثا اغفر لي الذنوب التي تحل النقم، واغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء، واغفر لي الذنوب التي تذيل الأعداد،

قصة ابن حماس وإجابة دعوته رضي الله عنه.

واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء، واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء، واغفر لي الذنوب التي تمسك غيث السماء، واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء، واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء» . 144 - قال ابن أبي الدنيا: وحدثني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني، قال: ثنا أبو عبد الرحمن الكوفي، عن صالح بن حسان، عن محمد بن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عليا عليه السلام دعوة يدعو بها، عندما أهمه وكان علي يعلمها ولده: «يا كائن قبل كل شيء، يا مكون كل شيء، ويا كائن بعد كل شيء، افعل بي كذا وكذا» . 145 - قصة ابن حماس وإجابة دعوته رضي الله عنه. قرئ على القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز، وأنا أسمع: قال: قرأت على محمد بن هشام، قال: ثنا ابن نفيس، قال: ثنا أبو القاسم الجوهري، قال: ثنا الحسين بن علي، قال: ثنا أسامة بن علي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الحكم، قال: ثنا عاصم بن أبي بكر الزهري، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كان يونس بن يوسف أو يوسف بن يونس شك عبد الرحمن من عباد الناس، وراح إلى المسجد ذات يوم، فلقيته امرأة، فوقع في نفسه منها شيء. فقال: «اللهم إنك خلقت لي بصري نعمة، وقد خشيت أن يكون علي نقمة، فاقبضه إليك» . فكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له، فإذا استقبل به الأسطوانة، اشتغل يلعب مع الصبيان، فإن نابته حاجة، حصبه فأقبل إليه، فبينما هو يصلي ذات يوم ضحوة، إذ أحس في بطنه شيئا، فحصب ابن أخيه، فاشتغل مع الصبيان يلعب، فلم يأته فلما خاف على نفسه قال:

كرامات العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه.

«اللهم إنك خلقت لي بصري نعمة، وخشيت أن يكون علي نقمة، وسألتك فقبضته، اللهم إني خشيت الفضيحة» . قال: فانصرف إلى منزله وهو يبصر. قال: فرأيته أعمى ورأيته بصيرا. 146 - كرامات العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه. قال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا الصلت بن مطر الخالدي، عن عبد الملك ابن أخت سهم بن منجاب، قال: سمعت سهما يقول: غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين، فدعا بثلاث دعوات فاستجاب الله فيهن كلهن. قال: فسرنا معه. قال: فنزلنا منزلا، وطلبنا الوضوء، فلم نقدر عليه، فقام فصلى ركعتين، ثم دعا الله فقال: «اللهم يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ من الأحداث، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد منه نصيبا غيرنا» . قال: فما جاوزنا غير بعيد فإذا نحن بنهر من ماء سماء يتدفق. قال: فنزلنا فتروينا وملأت أدواتي. ثم تركتها وقلت: لأنظرن هل أستجيب له. قال: فسرنا ميلا أو نحوه، فقلت لأصحابي بأني نسيت أدواتي، فذهبت إلى المكان، فكأنما لم يكن فيه ماء قط، فأخذت أدواتي، فجئت بها، فلما أتينا دارين وبيننا وبينهم البحر فدعا الله أيضا، قال:

فضيلة ليزيد بن الأسود الزاهد رحمه الله.

«يا عليم يا حليم، يا علي يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك» . ثم تقحم بنا إلى البحر، فوالله ما ابتلت سروجنا حتى خرجنا إليهم، فلما رجعنا اشتكى البطن فمات، فلم نجد ماء نغسله به، فلففناه في ثيابه فدفناه، فلما سرنا غير بعيد، إذا نحن بماء كثير، فقال بعضنا لبعض: ارجعوا نستخرجه فنغسله. فرجعنا فطلبنا قبره، فخفي علينا قبره وما نقدر عليه، فقال رجل من القوم: إني سمعته يدعو الله يقول: «اللهم يا عليم يا حليم يا عظيم، أخف جدثي ولا تطلع على عورتي أحدا» . فرجعناه وتركناه. 147 - فضيلة ليزيد بن الأسود الزاهد رحمه الله. أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن أبي عثمان، قال: ثنا ابن مفرج، قال: ثنا محمد بن إبراهيم، قال: أخبرني أحمد بن إبراهيم القرشي، قل: ثنا أبو الأصبغ محمد بن سماعة الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن أبي حملة، قال: أصاب الناس قحط بدمشق، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري، فخرج بالناس يستسقي. قال: ابن يزيد بن الأسود؟ فلم يجبه أحد. ثم قال: أين يزيد بن الأسود؟

خبر في إجابة الدعوة في الاستسقاء في كتاب العروس.

فلم يجبه أحد. ثم قال: أين يزيد بن الأسود؟ فلم يجبه. قال: أين يزيد بن الأسودالجرشي، عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام. فقام وعليه برنس، فاستقبل الناس بوجهه. ثم ثنى ناحيتي برنسه على عاتقيه، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أي رب عبادك تقربوا بي إليك فاسقهم» . قال: فما انصرف الناس إلا وهو يخوضون الماء. ثم قال: «اللهم إنه قد شهرني فأرحني منه» . قال: فما أتت على الضحاك جمعة حتى قتل. 148 - خبر في إجابة الدعوة في الاستسقاء في كتاب العروس. حدثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عبد الله، قال: ثنا داود بن المحبر، قال: ثنا عبد الواحد بن زيد، قال: خرجنا نستسقي بالبصرة، فما زلنا حتى اشتد علينا الحر. قال: فبينما أنا في ناحية البصرة، إذا أنا برجل في حفرة من حفائر البصرة، رافعا بصره إلى السماء وهو يقول: «يا رب أقسمت عليك لتسقينا الساعة الساعة، يا رب أقسمت عليك لتسقينا الساعة الساعة» .

فما برح حتى جاءت سحابة قد أقبلت فمطرنا. قال: ثم انصرف، فجعلت أقفوه حتى أتى دارا في ناحية من البصرة، قد خرب عامة الدار. قال: فأخذت عظم الرأس فدفنته على الباب علامة، ثم أتيت أصحابي فقلت: قد جئتكم بأمر عظيم. فأخبرتهم. قال: فجمعنا دنانير. قال داود: أراه. قال: ثلاثمائة دينار. قال: ثم أتينا الدار فخرج إلينا رجل فقلنا له: رجل يكون ههنا. فقال: لعله الخواص الذي ههنا. قلت: نعم. قال: ادخلوا إلى ذلك المكرم. قال: فدخلنا وسلمنا وجلسنا فقلنا: قوم من إخوانك أتيناك لتدعو لنا.

قال: أدعو تؤمن. فدعا. ثم قال: إنا جمعنا لك هذه النفقة لتنتفع بها. فقال: أبلغكم أني محتاج؟ ما لي فيها حاجة. قال: فمكثنا عنده وهو يرينا أنه لا يكره مكاننا. ثم سلمنا وخرجنا، فلما كان بعد ذلك، أتيت تلك الدار، فقال لي صاحب الدار: لا جزاكم الله خيرا، ما قلتم للرجل؟ مذ خرجتم من عنده خرج فلم أره حتى الساعة. 149 - قال يونس بن عبد الله: حدثني ثقة من شيوخي، عن قاسم بن أصبغ، قال: سمعت أصبغ بن خليل يقول: حضرت الاستسقاء في أيام الأمير الحكم، في مصلى الربض بقرطبة، وكان القحط قد ألح فاستسقى بنا الخطيب ثم قال بعد دعائه: يا فلان البلوطي، عزمت عليك إن كنت تسمع كلامي لتقومن. فلم يجبه أحد. ثم قال ذلك ثانية فلم يجبه. ثم قال في الثالثة: يا فلان البلوطي، عزمت عليك بالله حيث كنت لتقومن. فقام إليه رجل قد التف في كسائه، فقال له: ما لك؟ فنصحتني وأنا حيث كنت أدعو. فقال الخطيب:

قصة أخرى تشبهها في كتاب الزهد لابن حنبل.

قد ترى ما الناس فيه فأدعو أنا وتؤمن أنت. ثم جعل الخطيب يدعو ويقول: «اللهم إنا نستشفع إليك بوليك هذا» . وجعل الناس يعجون ويبكون، فدفعت ريح، ثم أنشأت السحاب، ثم بدأ المطر. قال أصبغ: فما انصرفنا إلا والمطر نازل كثيرا، فطلب ذلك الرجل بعد فلم يوجد. 150 - قال يونس: وحدثني أبو بكر إسماعيل بن بدر، قال: ثنا ابن وضاح، قال: كان بقرطبة من ناحية صدفورة رجل فاضل، يكنى: أبا نصر، فاستسقى ابن بشير القاضي بالناس بقرطبة فنادى: يا أبا نصر ناشدتك الله إن كنت حاضرا إلا قم ادع الله لنا. فقام من ناحية المغرب رجل ملتف في كساء، فدعا فسقوا من حينهم. ثم افتقد بعد ذلك فلم يوجد. 151 - قصة أخرى تشبهها في كتاب الزهد لابن حنبل. قال ابنه عبد الله: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثت عن محمد بن شعيب، وسعيد بن عبد العزيز، قالا:

قصة من هذا المعنى لزياد بن عبد الرحمن الفقيه رحمه الله.

قحط الناس على عهد معاوية، فخرج يستسقي بهم، فلما صار إلى المصلى، قال معاوية لأبي مسلم: قد ترى ما داخل بالناس فادع الله. قال: قال: أفعل على تقصيري. فقام وعليه برنس فكشف البرنس عن رأسه. ثم رفع يديه فقال: «اللهم، إنا منك بمنظر وقد ندبوني إليك فلا تخيبني» . قال: فما انصرفوا حتى سقوا. قال: فقال أبو مسلم: «اللهم إن معاوية أقامني مقام سمعة، فإن كان عندك خير لي فاقبضني إليك» . وكان يوم الخميس فمات أبو مسلم يوم الخميس المقبل رحمه الله ورضي عنه. 152 - قصة من هذا المعنى لزياد بن عبد الرحمن الفقيه رحمه الله. ذكر قاسم بن محمد في كتاب العباد من تأليفه: حدثني أبو محمد عبد الله بن زياد، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: اجتمع رأي العلماء والقضاء، وغيرهم من أهل الخير، في تقديم زياد بن عبد الرحمن للصلاة بالناس في الاستسقاء، وكانت العادة في ذلك الوقت، أن لا يقدم للصلاة في الاستسقاء إلا أفضل من علموا في وقتهم لا ينظروا إلى قاض في ذلك، ولا إلى صاحب صلاة، فبعث الأمير إليه بأمره بالخروج إلى الاستسقاء، فلما أن كان في يوم ثان خرج للاستسقاء، والصحو شامل، فقال لغلامه:

خبر مملوك لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه في الاستسقاء.

خذ الممطر معك، فإن الماء معنا إن شاء الله. وكان مجاب الدعوة. فنهض إلى المصلى فاستسقى، ودعا فما فرغ من دعائه حتى أتت السحاب من كل ناحية، وأتى المطر بإذن الله، وسقوا سقيا عاما وابلا بحمد الله تعالى. 153 - خبر مملوك لعبد الله بن المبارك رضي الله عنه في الاستسقاء. ذكر مؤلف كتاب العروس، قال: حدثنا محمد بن الفرج مولى بني هاشم، قال: ثنا صالح بن عبد الله البصري، عن عبد الله بن المبارك، قال: خرجت في بعض السنين إلى بيت الله الحرام، فأتيت مكة وقد قحط الناس قحطا شديدا وقد خرجوا يستسقون، وخرجت معهم، وكنا مما يلي بني شيبة، فتضرع الناس بالدعاء، إذ حانت مني التفاتة، فإذا أنا بأسود عليه خلقان، مؤتزر بأحدهما، مرتد بالأخرى، وهو يقول: «إلهي وسيدي أخلقت الوجوه عندك، كثرت الذنوب ومساوي الأعمال، فمنعتنا قطر السماء تؤدب الخليقة بذلك، فأقسمت عليك بحقي، إلا أسقينا الغيث الساعة الساعة» . فما استتم كلامه حتى غشينا السحاب، وأخذنا المطر، من كل جانب، وجلس يدعو

وجلست أبكي نحوه حتى انصرف فأتبعته، وعرفت الموضع الذي دخل عليه، فعلمت الباب وأتيت إلى منزل فضيل بن عياض فلما رآني قال لي: يا أبا عبد الرحمن، ما لي أراك مهموما؟ قلت: سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا. فقال: ومه. فأخبرته بإجابة دعوة الأسود فقال: تمر بنا إليه. قلت: الوقت قد ضاق وسأبحث عنه إن شاء الله تعالى. قال عبد الله: فما أخذني الرقاد طول ليلتي، حتى أصبحت وأتيت إلى الموضع الذي دخل إليه، فإذا أنا برجل ذي هامة قد بسط له، فلما رآني تطاول فرحا وقال: حاجة لأبي عبد الرحمن قبلنا؟ قلت: نعم، أردت شراء غلام أسود. قال: عندي عشرة اختر أيهم شئت. ثم صاح: يا غلام! .

فإذا أنا بأسود بدين جسيم فجعل يصفه لي وقال: هو محمود العاقبة. فقلت: ليس هو من حاجتي. فلم يزل يعرض علي حتى عرض علي عشرة، فقال: ليس فيهم أحد من حاجتك؟ قلت: لا قال: فما عندي إلا أسود ضعيف لا يصلح للخدمة. فقلت: اعرضه علي. فصاح به، فإذا أنا بصاحبي قد أقبل، فلما أن بصرت به، بدرتني عيناي بالدموع، فحبست دمعي فقال لي: هذا أردت؟ قلت: نعم. قال: ليس إلى بيعه سبيل.

قلت: ولم؟ قال: لأني أتبرك به وذلك أنه لا ير زاني شيئا. قلت: فمن أين يأكل؟ قال: يفتل الشريط فيبيع كل يوم بنصف دانق، فإذا هو باع أفطر، وإلا بات طاويا، وقد أخبرني الغلمان بأنه يحيي هذا الليل. وقد أحبه قلبي. قلت: أقوم. قال: أين؟ قلت: أتيتك بفضيل وسفيان يكلمونك فيه. قال: إن كان هذا دأبك قضيت حاجتك، وكان ممشاك عندي كبيرا. فابتعته منه وانطلقت به حتى إذا صرت أنا وهو في بعض الطريق، قال لي: يا مولاي! . قلت: لبيك. قال:

لا تقل هكذا فإن العبد أحق وأولى بالتلبية من المولى. فقلت: دع عنك هذا واقصد لما تريد. قال: لم اشتريتني وأنا ضعيف لا أطيق الخدمة وقد أخرجوا إليك من هو أجلد مني؟ قلت له: حبيبي لا يراني الله عز وجل وأنا أستخدمك بل أشتري لك منزلا وأكون لك خادما. قال: هيهات أن تفعل أنت ذلك، إلا وقد أطلعت على بعض متصلاتي به. قلت: ذر عنك هذا. قال: أقسمت عليك إلا أخبرتني. فأخبرته بإجابة دعوته. قال: ينبغي أن تكون صالحا، إن الله عز وجل، خيرة من خلقه لا يكشف أمرهم ولا شأنهم، إلا لمن ارتضى. ثم قال: ترى أن تقف علي قليلا؟ قلت: حبيبي ولم؟ قال: ركيعات بقيت علي من الليل. قلت:

تصير إلى منزل الفضيل فتركع فيه ما بد لك. قال: لا حاجة لي في منزل الفضيل. وعدل إلى شبيه مصلى، وكان للباعة، فما زال راكعا وساجدا حتى قضى ما أراد، ثم التفت إلي فقال: حاجة. فقلت: حبيبي ولم تقول هكذا؟ قال: لأني أريد أمضي. قلت: حبيبي، إلى أين؟ قال: إلى الآخرة. قلت: حبيبي، إن أمر الآخرة ليس إليك ولا إلي. قال: ذر عنك ذلك، فإنما طابت الحياة ما دامت المعاملة فيما بيني وبينه، فإذا علمت أنت فسيعلم غيرك ولا حاجة لي. وخر ساجدا فما زال يقول: «الساعة، الساعة» حتى هدأ، فحركته فإذا هو قد مات،

رحمه الله. فاشتد لذلك غمي، فوالله ما ذكرته إلا صغرت الدنيا في عيني. 154 - قال أبو جعفر الطحاوي في كتاب الأخبار له: أخبرنا أحمد بن خالد بن زيد، قال: ثنا إسحاق الطالقاني، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن منصور، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، قال: خرج سليمان صلوات الله عليه يستسقي بالناس، فإذا هو بنملة قائمة على رجلها رافعة يديها تقول: «اللهم أنا خلق من خلقك، لا غنى بنا عن رزقك، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم» . فقال سليمان عليه السلام لأصحابه: «ارجعوا فقد سقيتم بغيركم» . فقال سفيان، عن الأعمش، عن الحكم، قال: كان النمل في زمان سليمان عليه السلام أمثال الذئاب. كمل الجزء الرابع، خاتمة كتاب أدعية المستغيثين. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه المباركين، وسلم تسليما كبيرا، وذلك في العشر الأول من شهر ذي القعدة سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة. نسخه لنفسه العبد الفقير إلى رحمة ربه محمد بن أسقتمر بن عبد الله الجمداز غفر الله له ولوالديه ولمن نظر فيه ولجميع المسلمين. آمين.

§1/1