المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح

داود بن سليمان الهويمل

المملكة العربية السعودية وزارة التعليم جامعة القصيم كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية قسم اللغة العربية وآدابها برنامج الماجستير في الدراسات اللغوية المسائل النحوية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لابن المُلقِّن (723 - 804 هـ) جمعًا وعرضًا ودراسة رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة ماجستير الآداب في الدراسات اللغوية إعداد الطالب داود بن سليمان الهويمل الرقم الجامعي (331100091) إشراف د. سليمان يوسف خاطر أستاذ النحو والصرف المشارك بالقسم للعام الجامعي: 1437/ 1438 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

إهداء عِقدان لم تكتحل عيني برؤيتك .. تحت الثرى .. في روضة الخلد .. هناك الملتقى لن أنساك من الدعاء .. أبي قرة عيني هي مُقلتي .. تأبى المهابة أن تقول بغير ذلك ... لا ترتضي إن أُهدينَّ .. فليت شعري: كيف السبيل لقول (أهديكِ) وأنتِ أنتِ .. لا أجتري أمي الحبيبة بكِ بهجتي .. بك فرحتي .. أنتِ المُنى (أهديكِ) كل مشاعري أنتِ المنال وأنت سر سعادتي زوجي الغالية

ملخص الرسالة هذا البحث الموسوم بـ (المسائل النحوية في كتاب "التوضيح لشرح الجامع الصحيح"، لابن المُلَقِّن) هدف إلى عرض المسائل النحوية في كتاب التوضيح وتحليلها تحليلًا علميًّا، مع تبيين أثر المسائل النحوية في إيضاح معنى الحديث، وإبراز ملكة (ابن الملقن) ومدى تبحُّره في جانب النحو. وذلك بدراسة آرائه النحوية في ضوء آراء النحويين على اختلاف مذاهبهم، هذا مع إبراز المنهج النحوي لابن الملقن من خلال شرحه لصحيح البخاري. وقد بدأتُ البحث (بالمقدمة) فذكرتُ فيها وظائف المقدمة المعروفة في البحث العلمي الحديث, يليها التمهيدُ، واشتمل على عدة نقاط؛ تطرقتُ فيها لحياة ابن الملقِّن وآثارِه، وإلى كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)؛ محتواه وقيمته، وأثر الحديث الشريف في التقعيد النحوي. ثم قسمت البحث إلى قسمين: قسم لدراسة المسائل، وقسم للدراسة المنهجية، فجعلتُ تحت قسم دراسة المسائل ثلاثةَ فصول، فالفصلُ الأول لمسائل الأسماء، وتحته مبحثان: مبحث للأسماء المبنية، ومبحث للأسماء المعربة، والفصل الثاني لمسائل الأفعال، وتحته مبحثان: مبحث للأفعال المبنية، ومبحث للأفعال المُعْرَبة، أما المبحثُ الثالث فللحروف؛ وتحته مبحثان: مبحث للحروف العاملة، ومبحث للحروف المُهمَلة، أما قسم الدراسة المنهجية فجعلتُ تحته أربعةَ فصول، فالفصل الأول لمصادره؛ وتحته مبحثان: مبحث للرجال ومبحث للكتب، والفصل الثاني لمنهجه في عرض المسائل؛ وتحته ثلاثة مباحث: المبحث الأول لطريقته في عرض المسائل، والمبحث الثاني للإيجاز والإطناب لديه، والمبحث الثالث لطريقة عرضه للخلاف النحوي وموقفه من النحويين، أما الفصل الثالث فلأصول الاستدلال في دراسته للمسائل النحوية، وتحته خمسة مباحث، المبحث الأول للسماع، والمبحث الثاني للقياس، والمبحث الثالث للإجماع، والمبحث الرابع للأصول الأخرى، والمبحث الخامس لاستعانته بالتعليل، أما الفصل الرابع فللتقويم؛ وتحته خمسة مباحث: المبحث الأول للوضوح والغموض، والمبحث الثاني للدقة وعدمها في النقل، والمبحث الثالث للتبعية والاستقلال، والبحث الرابع لتأثير آرائه في من جاء بعده، والمبحث الخامس لأثر بحثه النحوي في دلالة الحديث، ثم ذيَّلتُ البحثَ بخاتمة

ذكرتُ فيها نتائجَ الدراسة, وتوصياتِ الباحث, ثم وضعتُ فهارس تفصيلية عامة؛ للآيات, والأحاديث, والآثار, والأشعار، والمصادر والمراجع, والموضوعات. وقد ظهر من خلال البحث أن كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لابن الملقِّن يُعَدُّ من الشروح المعنيَّة بالنحو ومسائله, كما أظهر البحثُ منزلةَ ابن الملقن في النحو، غير أنه لم يلقَ العنايةَ الكافية بإبراز ما في كتبه في هذا الجانب؛ بدراستها دراسة نحوية, مع أنه من العلماء المجتهدين المُكثِرين في التصنيف, وصاحب حُجة ورأيٍ مستقل, كما أوضحَ لنا ذلك شرحُه للجامع الصحيح, ولذا كان مما أوصى به الباحثُ: الاهتمام بالدراسات النحوية في كتب ابن الملقن الأخرى.

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة اللهم يسِّر وأعن يا كريم! {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أحمدُ الله على تَوالي إنعامه، وأشكرُه على ترادُفِ أفضالِه، بنَفْي الزيغِ والتحريفِ عن كلامِ أشرفِ أصفيائه، ببقاء الجهابذةِ والنقَّادِ إلى يوم لقائه. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، شهادةً دائمة بدوامِه، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتمُ رُسُلِه ومِسْكُ ختامِه، - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وصَحْبه؛ صلاةً مقرونة بسلامِه. هذه المقدمةُ قدَّمها ابنُ المُلَقِّن لكتابه: (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)، فآثرتُ جعلَها في مقدمة بحثي الذي أسعى به إلى استكمالِ متطلَّباتِ الحصول على درجة الماجستير في الدراسات اللغوية. وقد كنتُ حريصًا -عند اختيار موضوع البحث- أن يكون مرتبطًا بالنصوص الشرعية؛ من كتابٍ وسنةٍ، فالحمدُ لله الذي يسَّر ووفَّق وأعان. وبعد السؤال والبحث في الدراسات السابقة في مجال التخصص؛ رأيتُ أن المسائلَ النحوية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لم تُدرسِ الدراسةَ الكافية التي تُبرز ارتباطَ البحث النحوي النظري بالبحث الدلالي في معاني النصوص النبوية؛ فجعلتُه موضوعًا لبحثي؛ لأن ابنَ الملقن -على كثرة مؤلفاته وعلوِّ كَعْبه في العلوم الشرعية والعربية عمومًا- لم يُرزق من الشهرة والدراسة مثلما رُزق مثلًا تلميذُه ابنُ حجر العسقلاني، رحمهما الله. وبعد اطلاعٍ ونظرٍ في هذا الشرح الكبير من شروح صحيح البخاري، وبعد مشاورةٍ لأهل التخصص والشأن؛ ارتأيتُ أن يكون عنوانُ البحث: المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح جمعًا وعرضًا ودراسةً

أولا- التعريف بالموضوع

أولًا- التعريفُ بالموضوع: يقومُ هذا البحثُ على استقراء المسائل النحوية المنثورةِ في هذا الكتاب (التوضيح)، وجمعِها وتصنيفِها ودراستِها، ومعرفةِ ما إذا كان للمكوِّن النحويِّ قيمةٌ في هذا الكتاب، وهل له أثرٌ في شرح الحديث، أوْ لا؟ ثانيًا- أهميةُ الموضوع وأسبابُ اختياره: تتمثلُ أهميةُ هذا الموضوع في أمورٍ؛ أهمُّها في نظري: 1 - كونُه مرتبطًا بالحديث النبوي. 2 - كونُه دراسةً تطبيقية. 3 - كونُه دراسةً جامعةً بين علمَيِ النحو ومعاني الحديث النبوي الشريف. 4 - كونُ هذا الشرحِ أُلِّف في القرن الثامن الهجري، عصرِ الحضارة والازدهار. ومن أسباب اختياره: 1 - الرغبةُ في إبراز أثرِ المكوِّن النحوي في شرح الحديث النبوي الشريف. 2 - مكانةُ ابنِ الملقِّنِ العلمية وتمكنُه وإمامتُه في كثير من الفنون. 3 - إبرازُ شخصية ابنِ الملقن النحوية، التي ظهرت في جوانبَ عدةٍ. ثالثًا- مشكلةُ البحث وتساؤلاتُه: تتمثلُ مشكلةُ هذا البحث في أن ابنَ الملقن نحويٌّ متمكنٌ نظرًا وتطبيقًا؛ كما في ظهر في شرحه هذا الذي يبلغُ عددُ مجلداتِه خمسةً وثلاثين مجلدًا، ولكنه مع ذلك لم يُعْرَفْ نحويًّا كما عُرِفَ فقيهًا محدثًا عالمًا مشاركًا في علومٍ عدةٍ. فهو في شروحه لكتب الحديث وغيرها معنيٌّ بالنحو وأصولِه وباللغة وقواعدِها وبالصرف وأحكامِه، يثيرُ مسائلَ هذه العلوم اللغوية في أثناء شرحه لنصوص الأحاديثِ النبوية وغيرها؛ ليُبرزَ المعنى، أو يرجحَ الرأيَ، أو يقررَ الحكمَ، مستعينًا باللغة وعلومها. فأردتُ إبرازَ هذا الجانبِ المشرق لهذا الإمام العَلَم من خلالِ شرحِه على صحيح البخاري، محاولًا الإجابةَ عن التساؤلات الآتية:

1 - هل لابنِ الملقن اختياراتُه النحويةُ؟ أو أنه مقلدٌ ومجردُ ناقلٍ عمَّن قبلَه؟ 2 - ما القيمةُ العلمية لمسائل النحو التي أثارها ابنُ الملقن في كتاب التوضيح؟ 3 - هل أثرُ الجانب النحوي واضحٌ في شرحه للحديث النبوي، أو أنه يعرِضُ له فقط لبيان تمكُّنه وعلمِه بالنحو؟ 4 - ما أثرُ تعددِ الأوجُه الإعرابيةِ للمسألة النحوية الواحدة في معنى الحديث النبوي؟ 5 - ما حجمُ المكوِّن النحوي في هذا الكتاب، كمًّا ونوعًا، وما مميزاتُه؟

رابعا- أهداف البحث

رابعًا- أهدافُ البحث: 1 - توضيحُ مكانة ابن الملقن في النحو، وهل هو نحويٌّ أصيلٌ من طبقة الأئمة، كما هو إمامٌ في عدد من الفنون الأخرى. 2 - عرضُ المسائل النحوية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)، وتحليلُ نماذجَ منها تحليلًا علميًّا. 3 - بيانُ مدى ما للمسائلِ النحوية من أثرٍ في توضيحِ معاني الحديث النبوي. 4 - دراسةُ آراء ابن الملقن النحوية في ضوء آراء النحويين على اختلافِ مذاهبِهم. 5 - استخلاصُ سمات منهجِ ابن الملقن النحويِّ من خلال شرحه لصحيح البخاري.

خامسا- الدراسات السابقة

خامسًا- الدراساتُ السابقة: لم يألُ الباحثُ جهدًا في البحث عن دراساتٍ لغويةٍ سابقة لكتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لابن الملقن، وبعد التحري والتقصِّي، لم يقفِ الباحثُ -حسَب اطلاعِه- إلا على دراستين: 1 - مسائل علم البيان في المطبوع من شروح البخاري في القرن الثامن الهجري- دراسة وتقويمًا، رسالة دكتوراة، مقدمة من الباحث: عبد الله بن سعد الرويس، لكلية اللغة العربية، قسم البلاغة والنقد، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، سنة 1434 هـ. وقد اطلع عليها الباحثُ، ووجد أنها تعرَّضت لكتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) باعتباره في القرن الثامن الهجري، لكنها دراسةٌ في مجال البلاغة العربية، فهي بعيدةٌ عن تخصص هذا البحث. 2 - القضايا النحوية والصرفية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) لابن الملقن- جمعًا ودراسة، رسالة دكتوراة، مقدمة من الباحث: أكرم محمد عقاب محمد، لكلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، في جامعة الفيوم، سنة 1434 هـ. وقد اطلع عليها الباحثُ، ووجد أنها تختلفُ عن دراسته فيما يلي: 1 - أنه اقتصر على المسائل النحوية التي وقع فيها تعدد التوجيه الإعرابي، وقد ذكرت المسائل النحوية مطلقا؛ سواء تعدد فيها التوجيه أو اتحد. 2 - أنه جعل المسائل النحوية كلها فصلًا واحدًا، ولم يقسمها على الأبواب النحوية، وأنا قسمت المسائل على فصول ومباحث لتنظيم الدراسة. 3 - أنه ذكر 33 مسألة نحوية فقط، وأنا ذكرت 70 مسألة، وحاولت تجنب المسائل التي بحثها إلا ما لا بد منه في بيان منهج ابن الملقن وطريقته في البحث. 4 - أنه اقتصر في بيان منهج ابن الملقن على (القرآن والحديث وكلام العرب)، ولم يتعرض لباقي الأصول النحوية؛ كالإجماع والقياس والتعليل.

سادسا- منهج البحث

سادسًا- منهجُ البحث: عنوانُ الرسالة وموضوعُها، يقتضي أن يلتزمَ الباحثُ بالمنهج الوصفي التحليلي النقدي. هذا، مع الاستعانة بالمناهجِ الأخرى؛ كالمنهج التاريخيِّ؛ في ترتيب الآراء والترجمةِ للمؤلف وغيرِه من الأعلام، والمنهجِ المقارِن؛ في الموازنة بين الآراء والترجيحِ بينها حسَبَ ما تقتضيه مصلحةُ البحث. ويقومُ عملي في هذا البحث على الآتي: 1 - جمعُ المسائل النحوية الواردة في الكتاب (¬1)، وإدراجها وَفْقَ خطة البحث، بحيث يكون المبحثُ الأول من الفصل الأولِ للأسماء المبنية، والمبحثُ الثاني للأسماء المعربة، وسيكونُ المبحث الأولُ من الفصل الثاني للأفعال المبنية، والمبحثُ الثاني للأفعال المعربة، أما المبحثُ الأول من الفصل الثالث فللحروف العاملةِ، والمبحثُ الثاني للحروف المهملة. 2 - توثيقُ الحديث الذي حوى المسألةَ النحوية من صحيح البخاري، ثم نقلُ نصِّ قولِ ابنِ الملقن فيها، من كتابه موضع الدراسة (التوضيح لشرح الجامع الصحيح). 3 - دراسةُ المسألة نحويًّا مع مراجعة نسبة الأقوال التي ذكرها ابنُ الملقن بالرجوع إلى مراجعِها الأصلية إن أمكنَ أو إلى أقربِ المظانِّ إليها. 4 - عزوُ الشواهد إلى مظانها، مع توثيقِها. 5 - تبيينُ وجهة نظر الباحث حسَبَ الإمكانِ، وذلك بعد عرض المسألة ودراستِها. 6 - وضعُ الفهارس الفنية المعتبرة؛ وهي: فهرس الآيات القرآنية، فهرس الحديث، فهرس الآثار، فهرس الأشعار، فهرس المصادر والمراجع، فهرس الموضوعات. ¬

(¬1) التزمتُ بدراسة سبعين مسألةً، وذلك هو حدُّ دراسة المسائل في مرحلة الماجستير، كما أفادني بذلك قسمُ اللغة العربية بكلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم.

سابعا- خطة البحث

سابعًا- خطة البحث: اشتملت خطةُ البحث على: مقدمةٍ، وتمهيدٍ، وقسمين يشتملانِ على سبعةِ فصول، فيها واحدٌ وعشرون مبحثًا، ثم خاتمة تليها الفهارس الفنية، وتفصيلُ ذلك فيما يلي: المقدمةُ، وفيها: التعريفُ بالموضوع وأهميتُه، وأسبابُ اختياره، ومشكلةُ البحث وتساؤلاتُه، وأهدافُه، والدراساتُ السابقة، ومنهجُ البحث، وخطتُه. التمهيدُ، وفيه: أولًا: ابنُ الملقن (حياتُه وآثاره). ثانيًا: كتابُ (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)؛ المحتوَى والقيمةُ. ثالثًا: الحديثُ النبوي وأثرُه في التقعيد النحوي. القسمُ الأول: دراسةُ المسائل وتحته ثلاثةُ فصول: الفصلُ الأول: مسائل الأسماء؛ وتحته مبحثان: المبحثُ الأول: الأسماءُ المبنية المبحثُ الثاني: الأسماءُ المعربة الفصلُ الثاني: مسائلُ الأفعال؛ وتحته مبحثان: المبحثُ الأول: الأفعالُ المبنية المبحثُ الثاني: الأفعالُ المعربة الفصلُ الثالثُ: مسائلُ الحروف؛ وتحته مبحثان: المبحثُ الأول: الحروفُ العاملة المبحثُ الثاني: الحروفُ المُهمَلة القسمُ الثاني: الدراسةُ المنهجية وتحته أربعةُ فصول: الفصلُ الأول: مصادرُه؛ وتحته مبحثان: المبحثُ الأول: الرجالُ

المبحثُ الثاني: الكتبُ الفصلُ الثاني: منهجُه في عرض المسائل؛ وتحته ثلاثةُ مباحثَ: المبحثُ الأول: طريقتُه في عرض المسائل المبحثُ الثاني: الإيجازُ والإطنابُ لديه المبحثُ الثالث: عرضُه للخلاف النحوي، وموقفُه من النحويين الفصلُ الثالث: أصولُ الاستدلال في دراسته للمسائل النحوية وتحته خمسة مباحث: المبحثُ الأول: السماعُ المبحثُ الثاني: القياسُ المبحثُ الثالث: الإجماعُ المبحثُ الرابع: أصولٌ أخرى المبحثُ الخامس: استعانتُه بالتعليل الفصلُ الرابع: التقويمُ؛ وتحته خمسةُ مباحثَ: المبحثُ الأول: الوضوحُ والغموض المبحثُ الثاني: الدقةُ في النقل، وعدمُها المبحثُ الثالث: التبعيةُ والاستقلالُ المبحثُ الرابع: تأثيرُ آرائه فيمن جاء بعده المبحثُ الخامس: أثرُ بحثه النحوي في دلالةِ الحديث الخاتمة: وفيها: أولًا: أهمُّ النتائجِ التي توصل إليها الباحثُ. ثانيًا: أهمُّ التوصيات التي يُوصي بها الباحثُ. الفهارسُ الفنية: وهي الفهارسُ الآتية: - فهرس الآيات القرآنية

- فهرس الأحاديث - فهرس الآثار - فهرس الأشعار - فهرس المصادر والمراجع - فهرس الموضوعات وممَّا أودُّ التنبيهَ عليه: أنه بعد جمع مسائلِ الكتاب -حسَبَ ورودِها في الشرح- الأولى فالأولى، اخترتُ منها سبعين مسألةً تجنبًا للإطالة؛ لأنها تفي بالغرض وتدلُّ على المقصود، ثم صنفتُها حسَبَ فصولِ ومباحثِ الرسالة، غيرَ مُحدِّدٍ للمبحث الواحد عددًا من المسائل؛ إذ المجالُ في ذلك واسعٌ، والبغيةُ حاصلةٌ. وقد اعتمدتُ في استخراج المسائل النحوية، على: - الطبعة التي نشرتها دارُ النوادر - سوريا، وحققتها دارُ الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث. وذلك لما يلي: 1 - أنها اعتمدت على النسخة السلطانية. 2 - اعتناؤها بتوثيق نصوص ابنِ الملقن ومصادرِه. 3 - سهولةُ الوصول إليها، وجودةُ طباعتها، وسلامةُ نصوصها. ومن العقبات التي واجهتني في بحثي: الجمعُ بين العمل والدراسة في آنٍ، إذ لم تفرِّغْني الجامعةُ للدراسة مع موافقتها على ابتعاثي، وكنت أعاني الجمع بين الدراسة والعمل، وهذا أدى إلى كثير من الضغط وطولِ مدة الدراسة. ومن المشكلات التي واجهتني كذلك: أنَّ هناك مسائلَ اختلط فيها الجانبُ النحوي بالجانب الصرفي، كما أنَّ هناك مسائلَ اختلط فيها البحثُ النحوي بالبحث الدلالي، ومسائلَ اجتمع فيها المبنيُّ والمعربُ من الأسماء والأفعال، ومسائلَ اجتمع فيها الكلامُ عن الاسم والفعل والحرف، فاجتهدتُ في حَلِّ ذلك عند التصنيف؛ بمراعاة الجانب الغالبِ في المسألة؛ وهو جوهرُ القضية التي من أجلِها أثارَ ابنُ الملقن المسألةَ؛ مع تجنُّب التشدد في التفريق بين علمَيِ النحو والصرف؛ إذ إنَّ مِن النحاة مَن يجعلهما علمًا واحدًا (ولا سيَّما عند المتقدمين)، وهما تخصصٌ واحدٌ في جميع الجامعات العربية.

وختامًا أقدِّمُ أرقَّ آياتِ الشكر، وأسمى معانيه، وأعذب ألحانه، وأرقى مشاعره، لـ (جامعة شقراء) التي حاطتني برعايتها لأكمل دراستي هذه، ممثلةً في معالي مديرها (عوض بن خزيم آل سرور الأسمري)، كما أشكرُ عميد كلية التربية بالدوادمي (د. لفا بن محمد الحافي)، كذا أشكرُ وكيل الكلية (د. عبد الله بن سعد الرويس)، فقد كان لهما فضلُ المتابعة والحثِّ والنصح. كما أقدمُ الشكرَ لجامعة القصيم، التي احتوتني في مرحلة البكالوريوس والماجستير؛ ففي أروِقَتِها وجدتُ الخير والبركة، ممثلةً في معالي مديرها (عبد الرحمن بن حمد محمد الداود)، فله مني أفضلُ الدعاء. وأقدِّمُ شكري كذلك لكلية الدراساتِ العليا (عميدًا ووكيلًا ومنسوبِين)، كما أقدِّمُ شكري لكلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية، وأصدقُ الدعاء لقسم اللغة العربية وآدابها ممثلًا في رئيسه وأعضاء هيئة التدريس فيه، وأُبرِز عَلَمَ الوفاء لكل عالم تشرَّفتُ بالدراسة على يديه، ففيهم اللهم بارِكْ. وأشكرُ شكرًا خاصًّا لأستاذي (سعادة الشيخ الأستاذ: سعد بن عبدالله الواصل)، الذي صمَّم قالبَ البحوث والرسائل العلمية، فيسَّر كتابةَ البحث وتنسيقَه. ومسكُ الختام هو الشكرُ لشيخي (الدكتور سليمان يوسف خاطر) عرفانًا بفضله، فقد غَمَرني بلطفه، وأكرمني بخلقه، وأرشدني بعلمه وحلمه، فأسألُ الله أن يُطيلَ عمرَه على طاعته، ويرزقَه من حيث لا يحتسب. والشكرُ لكل مَن أكرمني بدعوةٍ صادقةٍ أو مشورةٍ نافعة، كان لها الأثرُ النافع في مسيرة حياتي العلمية، وعلى رأس هؤلاء: والدتي الكريمةُ الذي يعجِزُ لساني عن شكرها وبيانِ حقِّها، ثم زوجي الفاضلة التي عانت وصبَرت وهيَّأت لي بيئةً هادئة لأقرأ وأبحث. وأقدِّمُ شكري لعضوَيْ لجنة المناقشة: 1 - (الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم السعود) أستاذي وشيخي، أستاذ النحو والصرف بهذه الجامعة؛ الذي تتلمذت على يده في مرحلة الماجستير؛ فله عليَّ أيادٍ علميةٌ وعملية أعدُّ منها ولا أعددُها؛ فقد كان الشيخَ الناصحَ والأستاذَ الحريص على طلابه علمًا وعملًا وخلقًا.

2 - (سعادة الدكتور عبد المجيد ياسين الحميدي) أستاذ النحو والصرف المشارك بجامعة الطائف الذي كابدَ مشاقَّ القراءة والاطلاع على هذا البحث، ثم مشاقَّ السفر للمشاركة في مناقشته وتقويمه. فله مني خالصُ الشكر والدعاء. والحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحاتُ.

التمهيد

التمهيد ويشمل: أولًا: ابن الملقن (حياته وآثاره). ثانيًا: كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)؛ المحتوى والقيمة. ثالثًا: الحديث النبوي وأثره في التقعيد النحوي.

أولا: ابن الملقن (حياته وآثاره)

أولًا: ابنُ الملقن (حياتُه وآثارُه) (¬1) أ- اسمُه ونسبُه: هو عمرُ بنُ عليِّ بنِ أحمدَ بنِ محمدِ بن عبد الله؛ سراجُ الدين أبو حفص، الأنصاري، الأندلسي، الوادي آشي، التَّكرُوري، المصري، الشافعيُّ، ابنُ النحوي (¬2). ويُعرف بابن الملقِّن، وسببُ شهرته بذلك كونُ والده أوصى صديقَه برعاية ابنه بعد موته، وكان الوصيُّ يُقرئ القرآن فنُسِب إليه؛ أي: (ابن الملقن). مع أن هذا اللقبَ كان مكروهًا عنده؛ فقد كان كثيرًا ما يكتبُ في مصنفاته: (ابنُ النحوي). ¬

(¬1) سأستعين في (التمهيد) بمصادر عدة؛ إذ الحديث عن (حياة ابن الملقن وآثاره) منثور في الكتب مكرور، لذا آثرت أن أذكر بعض المصادر التي تكلمت عن ذلك جملة واحدة؛ مخافة إثقال كاهل النص بكثرة الإحالات في الهامش، فمنها: مقدمات المحققين لكتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح 1/ 196، ولكتاب العقد المذهب في طبقة حملة المذهب 1/ 9، ولكتاب المعين على تفهم الأربعين 1/ 13، وكلها لابن الملقن، والضوء اللامع لأهل القرن التاسع 6/ 100، والأعلام 5/ 57، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال 1/ 65. (¬2) من المناسب بيان إلامَ انتسب إليه الأنصاري والأندلسي، وما إلى ذلك، وهي كما يلي: الأنصاري، الأندلسي: نسبة إلى: الأنصار الأوس والخزرج؛ الذين كانوا ممن فتح بلاد الأندلس، فنزلوا بها، وتزاوجوا، وتكاثروا. الوادي آشي: نسبة إلى الوادي الموجود في الوشم. أي: وشم اليمامة في نجد. التكروري: نسبة إلى بلدة من بلاد السودان. المصري: نسبة إلى مصر. الشافعي: نسبة إلى المذهب الشافعي. ابن النحوي: نسبة إلى والده -طيب الله ثراه- إذ كان عالما بالنحو معلِّما للناس.

ب- مولده ونشأته

ب- مولدُه ونشأتُه: وُلد ابنُ الملقن يوم السبت لأربعٍ وعشرين ليلةً مضين من ربيعٍ الأول عامَ ثلاثٍ وعشرين وسبعِمائةٍ للهجرة النبوية، وعاش يتيمًا، فقد تُوفي عنه والدُه وهو ابنُ سنة، فتكفَّل برعايته صاحبُ أبيه؛ إذ تزوج الوصيُّ بأم عمر -أمِّ ابنِ الملقن- وكان يُقرئ القرآنَ في جامع ابنِ طولون، وإليه نُسب عُمَرُ، فعُرف بـ (ابن الملقن)، ولكنه كان يُفضِّل أن يُدعى بابن النحوي. وقد اعتنى به وصيُّه ودرَّسه عمدة الأحكام، ثم بدأ بإقرائه المذهبَ الشافعي. وطلب العلمَ صغيرًا، ولزم مشايخَ عصرِه، ثم بدأ برحلاتِه العلمية خارجَ مصر، مثلِ: رحلته إلى القدس، التي أخذ فيها عن الحافظ العلائي، وكذلك رحلتُه إلى دمشقَ، ثم إلى مكةَ لأداء الحج، وما كان عليه ابنُ الملقن من كثرة رحلاته العلمية، هو عادةُ المحدِّثين؛ من مكابدةِ عناءِ السفرِ ومشاقِّ الحياةِ في طلب العلم. وقد أثمرت هذه الرحلاتُ ثمارًا يانعةً يُجنى منها إلى يومنا هذا، وذلك بما تركه ابنُ الملقن من الآثار والمؤلفات التي انتشرت في الدنيا، وطارت في الآفاق وقتَها، ومن هذه الآثارِ ما سأتناولُه في الفقرات التالية. ج- آثارُه ومؤلفاتُه: اعترف أقرانُ ابن الملقن -بَلْهَ لاحِقِيه- بشمولية علمه وسَعةِ اطلاعِه؛ قال تقيُّ الدين ابنُ فهد: "هو الإمام، العلامة، الحافظُ، شيخُ الإسلام، وعَلَم الأئمة الأعلام، عمدةُ المحدِّثين، وقدوةُ المصنفين ... " (¬1). وقد فُتح عليه في التأليف ما لم يُفتح على غيره؛ إذ أربَتْ مؤلفاتُه على ثلاثِمائةِ مصنفٍ، ووصفَه السخاويُّ بـ: أعجوبة العصر في كثرة التصانيف (¬2). أما عن سَعة اطلاعه، فيشهدُ لذلك ما نقله برهانُ الدين سبطُ ابنِ العجمي عن ابن الملقن، أنه قال: "أنا نظرتُ مجلدين من الأحكام للمُحِب الطبريِّ في يوم واحد" (¬3). ¬

(¬1) لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ 1/ 129 - 130. (¬2) الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 6/ 105. (¬3) مقدمة الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 1/ 110.

وسأكتفي بذكر عشرين مصنفًا من مؤلفاته؛ يمثل كلُّ واحدٍ منها علمًا من العلوم، وجانبًا من فنون العلم، مبتدِئًا بمصنَّفه موضعِ الدراسة، ثم بالتسعةَ عشرَ الباقيةِ مرتَّبةً ترتيبًا هجائيًّا: 1 - التوضيح لشرح الجامع الصحيح، وسيأتي الكلامُ عنه مفصلًا. 2 - الإشاراتُ إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والأماكن واللغات، وقد حُقق الكتاب، وهو الآن في المراجعة الآخيرة بدار الفلاح. 3 - الأشباه والنظائر، وهو مطبوع سنة 1427 هـ، حققه: حمد بن عبد العزيز الخضيري، ونشرته إدارةُ القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في كراتشي بباكستان. 4 - الإشراف على الأطراف، وهو مفقود، ينظر: كشف الظنون 1/ 103. 5 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، وهو مطبوع سنة 1417 هـ، حققه: عبد العزيز بن أحمد المشيقح، ونشرته دارُ العاصمة بالمملكة العربية السعودية. 6 - إكمال تهذيب الكمال، وهو مفقود، ينظر: البدر الطالع 1/ 509. 7 - إنجاز الوعد الوفي في شرح جامع الترمذي، وهو مخطوط، ومنه نسخة في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. 8 - إيضاح الارتياب في معرفة ما يشتبهُ ويتصحفُ من الأسماء والأنساب، والألفاظ والكنى والألقاب، الواقعة في تحفة المحتاج إلى أحاديث المنهاج، وهو قيد التحقيق بدار الفلاح. 9 - البدر المنير في تخريج أحاديث الشرح الكبير، وهو مطبوع، حققته دارُ الكوثر، ونشرته دارُ الهجرة بالخبر. 10 - البلغة في أحاديث الأحكام، وهو مخطوط، ومنه نسخة بالمكتبة الظاهرية، وعنها صورة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعةِ الملك سعود بالرياض. 11 - تاريخ بيت المقدس، وهو مخطوط، ومنه نسخة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. 12 - تاريخ الدولة التركية، وهو مفقود؛ ينظر: كشف الظنون 1/ 280. 13 - التبصرة شرح التذكرة في علوم الحديث، وهو مخطوط؛ ومنه نسخة بمكتبة الأزهر بالقاهرة. 14 - تحرير الفتاوي الواقعة في الحاوي، وهو مخطوط، ومنه نسخة بالمكتبة المصرية. 15 - التذكرة في الفروع، وهو مفقود؛ ينظر: كشف الظنون 1/ 392.

16 - تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، وهو مطبوع سنة 1406 هـ، حققه: عبد الله بن عساف اللحياني، ونشرته دارُ حراء بمكة المكرمة. 17 - تخريج أحاديث (مختصر منتهى السُّول والأمل في علمَيِ الأصول والجدل)، وهو مفقود؛ ينظر: كشف الظنون 2/ 1853. 18 - تخريج أحاديث (منهاج الأصول) للبيضاوي، وهو مفقود؛ ينظر: البدر الطالع 1/ 508. 19 - تذكرة الأخيار بما في الوسيط من الأخبار، وهو مفقود؛ ينظر: البدر الطالع 1/ 508. 20 - تصحيح المنهاج، وهو مفقود؛ ينظر: كشف الظنون 2/ 1874. ومن خلال أسماء مصنفات ابن الملقن التي ذكرتُ، تتبينُ الفنونُ التي كتب فيها؛ من: الحديث، والفقه، والتاريخ، والأصول، وعلم الرجال، والجدل، وغير ذلك.

د- وفاته

د- وفاتُه: توفي ابنُ الملقن بمصرَ ليلةَ الجمعة لسِتَّ عشرةَ ليلة مضين من ربيعٍ الأول لعام أربعةٍ وثمانِمائةٍ للهجرة النبوية، عن عمر جاوز الثمانين، فرحمه الله رحمة واسعة، وجعل ما قدَّمه حجةً له لا عليه؛ إنه سميع مجيب.

ثانيا: كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) المحتوى والقيمة

ثانيًا: كتابُ (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) المحتوى والقيمة كتاب (التوضيح) موسوعةٌ ضخمة، ذاتُ قِيمة كبيرة، ويدلُّ على ذلك قولُ أولي النهى: إن شرف العلم بشرف المعلوم، وكتابُ (التوضيح) يتناولُ أصحَّ كلام بعد كلام الله عز وجل بالشرح والدراسة، فهو يعتمد على أصحِّ كتب الأحاديث سندًا، وهو صحيحُ البخاري -رحمه الله رحمةً واسعة- فنالَ شرفَ المعلوم (حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -)، بخدمة أصحِّ كتاب بعد كتاب الله تعالى؛ وهو صحيحُ البخاري. وكتابُ التوضيح أيضًا يُعَد من الأصول والمصادرِ الأساسية لكثيرٍ من الكتب المعاصرةِ له والتاليةِ بعده، فقلَّما تجدُ شارحًا للحديث إلا وقد أفاد من هذا الشرح ونقل عنه. ولنا في كتاب (فتح الباري) لتلميذه الحافظِ ابن حجر -الذي قِيل عنه: لا هجرةَ بعد الفتح- خير دليل! . فإن الفتح قد ملأ الدنيا، وسارت به الركبانُ إلى يومنا هذا. فتارة يُصرح ابنُ حجر باسم ابن الملقن، وتارةً يقولُ: قال شيخُنا. وقد تعرَّضنا لشيء من ذلك في مبحث: (تأثير آرائه فيمن جاء بعده). كما أنَّ لكتاب التوضيح مزيةً؛ وهي: حِفظُ بعض ما فُقِد من الكتب، فمِن أمثال ذلك ما يعزو إليه كثيرًا؛ مثل: شرح البخاري لـ (مُغَلْطاي)، وشرحِ البخاري لـ (ابن التِّين)، وغيرِهما، وسيمُرُّ بنا ذلك لاحقًا في: مصادره من الكتب. أما من ناحية المحتوى: فهذا الشرح بحر لُجِّي مختلِجة أمواجُه، فما إن يذكرُ الحديثَ إلا يُتبِعُه بالتثبت من الأسانيد، مُردفًا ذلك ما يُشكِلُ من الألفاظ والغريب والرجال، ولا يُغفِلُ بيانَ ما يُحتاج إليه من: الأحكام الفقهية، والأصولية، واللغوية، والنحوية، والصرفية، وكذلك ما يتعلق بالحديث من علم الرجال، والأنساب، والبلدان، والتاريخ، وما إلى ذلك. مع كون مصنِّفِ الكتابِ قد ذكر أن المقصودَ من هذا الشرح، يتمثلُ في عشرة أمورٍ، سأوردُها، ثم أتبعُ ذلك بشيء من التعليق على هذه المقاصد؛ قال رحمه الله: "أحدُها: في دقائقِ إسناده، ولطائفِه. ثانيها: في ضبط ما يُشكِلُ من رجاله، وألفاظِ متونه ولغتِه، وغريبِه. ثالثُها: في بيان أسماء ذوي الكنى، وأسماءِ ذوي الآباء والأمهات.

رابعُها: فيما يَختلِفُ منها ويأتلفُ. خامسُها: في التعريف بحال صحابتِه، وتابعيهم، وأتباعهم، وضبطِ أنسابهم، ومولدِهم، ووفاتهم. وإن وقع في التابعين أو أتباعهم قدحٌ يسيرٌ بيَّنته، وأجبتُ عنه. كل ذلك على سبيل الاختصار؛ حذرًا من الملالة والإكثار. سادسُها: في إيضاح ما فيه من المرسل، والمنقطعِ، والمقطوع، والمُعْضل، والغريب، والمتواتر، والآحادِ، والمدرَجِ، والمعلَّل، والجوابِ عمَّن تكلَّم على أحاديثَ فيه بسببِ الإرسال، أو الوَقْف، أو غير ذلك. سابعُها: في بيان غامضِ فقهه، واستنباطِه، وتراجِمِ أبوابه؛ فإنَّ فيه مواضعَ يتحيرُ الناظرُ فيها، كالإحالة على أصل الحديث ومخرجه، وغيرِ ذلك مما ستراه. ثامنُها: في إسناد تعاليقِه، ومرسلاتِه، ومقاطعِه. تاسعُها: في بيان مبهماته، وأماكنِه الواقعة فيه. عاشرُها: في الإشارة إلى بعض ما يُستنبط منه؛ من الأصول، والفروع، والآداب، والزهد، وغيرها، والجمعِ بين مختلِفها، وبيانِ الناسخ والمنسوخ منها، والعام والخاص، والمجمل والمبيَّن، وتبيينِ المذاهب الواقعة فيه. وأذكرُ -إن شاء الله تعالى- وجهَها، وما يظهرُ منها مما لا يظهر، وغير ذلك من الأقسام التي نسأل الله إفاضتَها علينا". هذا ما ذكره ابنُ الملقن في مقدمة مصنفه، ومنه يُفهم مدى تبحُّر الرجل وشمولية معارفه في العلوم الشرعية واللغوية وغيرها، وإمامته في كثير منها؛ لأن الترجيحَ والتدقيق والتصحيح -ونحوَها من الكلمات التي وردت في كلامه وتحققت في كتابه- من الأمور التي لا تتيسرُ إلا للأئمة الكبار من العلماء في كل علم وشأن.

ثالثا: الحديث النبوي وأثره في التقعيد النحوي

ثالثًا: الحديثُ النبوي وأثرُه في التقعيد النحوي تبقى مسألةُ الاستدلال بالأحاديث النبوية على القواعد النحوية سجالًا بين أهل العلم، فَصَولةُ صائل تُبرزُ جانبًا، وأخرى تدحضُ جانبًا آخر، وما كان من الباحث -بعد أنِ اطلعَ على بعض ما كُتب في هذه المسألة (¬1) - إلا أن يُدرك أن العِلمَ أخذٌ وعطاءٌ بين أهله بالحسنى، ومحاولة للترجيح بالدليل؛ فحاولَ الترجيحَ بين الأقوال حسَبَما يظهرُ له. ومن هنا أستعرضُ جوانبَ المسألة، وأذكرُ أبرزَ ما قيل فيها، مختصرًا ما أمكن. انقسم النحويون، حيالَ الاستشهاد بالحديث الشريف على إثبات القواعد النحوية؛ إلى ثلاث طوائف: أُولاها- طائفةٌ أجازت الاستشهادَ بلا قيود، ما دام النصُّ هو قولَ خير البشرية - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ هو أفصحُ العرب، وكان ممن يذهب إلى ذلك: الفارسيُّ، والسُّهَيلي، وابنُ خروف، وابنُ مالك. ثانيها- طائفة مَنَعَتْ الاستشهادَ بالحديث الشريف على القواعد النحوية مطلقًا؛ وكان ¬

(¬1) قضية الاستشهاد بالحديث النبوي على إثبات القواعد النحوية تستلزم من كل باحث الاعتراف بثلاثة أمور: أحدها: فضل من سبقه من العلماء، واحترام وجهة نظرهم. ثانيها: تلاطم الأمواج واختلاجها وكثرة المصنفات فيها، بَلْهَ الآراء المنثورة في الكتب والرسائل العلمية. ثالثها: أن من أهداف البحث العلمي اختصار المطول، كما أن تكرار كلام الآخرين لا يزيد البحث العلمي إلا تورُّما -أي: ليس كل بيضاء شحمة- خصوصًا إن لم يُرافقه إبداء وجهة نظر، أو محاولة الوصول إلى نتيجة، أو انتهاج منهج جديد حيال هذه القضية. ومما مضى آثر الباحث أمرين: أحدهما: أن يعرض القضية بأسلوبه مُختصِرًا ما أمكنه الاختصار، مُردفًا ذلك بذكر بعض الأمور التي قد يكون لها بعض الأثر -فيما يراه- بإذن الله. ثانيهما: أن يذكر المصادر التي اطلع عليها جملة واحدة؛ مخافة إثقال كاهل النص بكثرة الإحالات، ما دام الكلام في هذه القضية مكرورًا منشورًا، وذكرها حسب الترتيب الهجائي: الاستدلال بالأحاديث النبوية الشريفة على إثبات القواعد النحوية 5، الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف عند ابن عقيل 24، الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر العربي عند العرب 94، الاقتراح في أصول النحو وجدله 96، الحديث النبوي في النحو العربي 133، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 12 - 13، السير الحثيث إلى الاستشهاد بالحديث في النحو العربي 63، القضايا النحوية والصرفية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح 23 - 64، الكفاية في علم الرواية 177، موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف 46.

من أسباب امتناعهم عن الاستشهادِ بالحديث الشريف: فُشُوُّ اللحن بدخول الأعاجم في الإسلام، مع إجازة العلماء روايةَ الحديث بالمعنى، فيصعبُ التيقنُ من أنَّ ما ورد في الحديث هو من ألفاظه - صلى الله عليه وسلم -، وممن يُمثِّلُ هذه الطائفة: ابن الضائع، وأبو حيَّان الأندلسي. ثالثُها- طائفةٌ انتهجت منهجًا وسطًا -لا هي إلى الأخذ المطلق أقربُ، ولا إلى المنع المطلق أقرب؛ إذ كان منظورُهم لهذه المسألة مبنيًّا على غلبة الظن بأن ما ورد في حديثٍ ما هو من قوله - عليه السلام - لفظًا؛ فما ترجَّح لديهم أنه رُوي باللفظ فإنه يُستدل به، وما لم يكن كذلك فلا، وكان ممَّن سار على هذا النهج: الشاطبيُّ. وبعد القراءة والتأمل لأبرزِ ما دار حولَ القضية من اتجاهاتٍ متعددة وآراءٍ متآلفة أو متخالفة، انتهى الباحثُ إلى أمرين: أحدُهما: دراسةُ أسباب منع الاحتجاج بالحديث الشريف، والاحترازاتِ التي وضعها العلماءُ فيما رُوي بالمعنى، وستكون هذه الدراسة موجزة. الثاني: إبداءُ الرأي في هذه القضية من خلال ما وقف عليه الباحثُ من الأدلة. وليس من موضوعِ حديثِنا مسألةُ الحديث الموضوع أو الضعيف ونحوه مما لم يثبُت أنه حديثٌ، فهو ليس محلَّ خلافٍ أنه لا يُستشهدُ به. وإنما الكلامُ عن الأحاديثِ الصحيحة الثابتة عند أهل الحديث في كتبه المعتمدة. أولُ أسباب رفض الاستشهاد بالحديث: دخولُ الأعاجم الإسلامَ، ومشاركتُهم في رواية الحديث مع تفشِّي اللحن بعد الصدر الأول من الإسلام، ويبدو أن هذا الكلامَ لا يؤخذُ على إطلاقه؛ لأن الواقعَ يخالفُه، وكثيرٌ من علماء العربية أيضًا ليسوا من أصول عربية، وكذلك العلوم الأخرى، فمَن دخل الإسلامَ تعلمَ العربيةَ ووصل فيها إلى ما يكفي للمشاركة في العلم روايةً ودراية، ولهذا يبدو للباحث أن هذا السبب لا يُعد مانعًا من الاستشهاد بالحديث، خاصةً مع حرص كل مسلم على نقل الكلام بلفظه، خاصةً كلامَه - صلى الله عليه وسلم - الذي اعتنى به المسلمون عنايةً خاصة؛ حرصًا عليه وخوفًا من الكذب الذي حذَّر منه في مثل قوله: (مَن كذبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مقعدَه من النار) (¬1). ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 33، صحيح مسلم 1/ 10.

وإن قيلَ: إن أئمةَ النحو القدماءَ لم يستشهدوا بالأحاديث النبوية، فهذا القولُ خطأٌ بهذا الإطلاق؛ فقد كتب غيرُ واحد من العلماء والباحثين مبينًا استدلالَ القدماء بالحديث؛ على تفاوُتٍ بينهم، وأسبابُ ذلك مذكورةٌ في الكتب التي أحلتُ إليها سابقًا. ولو كان ذلك صوابًا فيُمكنُ القولُ بأن عدم الاستدلال لا يعني الرفضَ؛ إذ من المعروف في الأصول الفقهية والعلمية: أنه لا يُنسب إلى ساكت قولٌ، وأن السكوتَ لا يُقدَّم على التصريح. ولا يغيبُ عن ذي لبٍّ أن في الشعر أبياتًا مصنوعةً، وأن في بعضها لحنًا، وألفاظًا مختلفة للبيت الواحد، وبعضُ قائليها أعاجمُ، وبعضُها مجهولٌ قائلُه، لكنَّ ذلك لم يمنعْ من الاستشهادِ بالشعر جملةً واحدة. وخلاصةُ ما تبيَّن لي من دراسة الموضوع هو: جوازُ الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف على القواعد النحوية إذا استوفى شروط الاحتجاج.

القسم الأول دراسة المسائل

القسمُ الأول دراسةُ المسائل، وفيه فصولٌ: الفصلُ الأول: مسائلُ الأسماء الفصلُ الثاني: مسائلُ الأفعال الفصلُ الثالث: مسائلُ الحروف

الفصل الأول: مسائل الأسماء

الفصلُ الأول: مسائلُ الأسماء، وفيه مبحثان: المبحثُ الأول: الأسماء المبنية المبحثُ الثاني: الأسماء المعربة

المبحث الأول: الأسماء المبنية

المبحثُ الأول: الأسماءُ المبنية وفيه مسائلُ: مسألة استعمالُ (مَن) و (ما) الموصولتَينِ للعاقل وغيرِ العاقل في قوله - عليه السلام -: " ... وجَنِّبِ الشيطانَ ما رزقتنا ... " (¬1). قال ابنُ الملقن: "وقولُه: (ما رزقتنا)، أي: شيئًا رزقتنا؛ لأن المشهور أن (ما) لِمَا لا يعقل، و (مَن): لمن يعقل، وإذا كانت (ما) بمعنى شيءٍ وقعت على مَن يعقل وما لا يعقل، وقيل: تكون لمن يعقل، والمعروفُ الأولُ" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن هنا أن (ما) الموصولة تكونُ لِمَا لا يعقل ولِمَن يعقل، وأن (مَن) لمن يعقل، وبيانُ المسألة كما يلي: اشتَهَر عند النحويين أن (مَن) الموصولة يُراد بها مَن يعقل، ولا يجوز أن يُعبر بها عمَّا لا يعقل، إلا إذا نُزل منزلةَ مَن يعقل، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} (¬3)، فعُبر عن غير العاقل بـ (من) لتنزُّله منزلةَ العاقل. ومنه قولُ الشاعر (¬4): أَسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ ... لَعَلِّي إِلى مَنْ قَدْ هَوِيتُ أَطِيرُ وزعم قطربٌ أن (مَن) تقع على ما لا يعقل دون اشتراطِ ما يصحِّحُ ذلك، وجعل من ذلك قولَه تعالى: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (¬5)، وذكر ابنُ السرَّاج أن هذا القولَ غيرُ مرضي؛ إذ ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 40، باب التسمية على كل حال وعند الوقاع. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 29/ 333. (¬3) النور: 45. (¬4) البيت من الطويل لمجنون ليلى في ديوانه 97، وينسب لعباس بن الأحنف في ديوانه 143، وينظر: شرح الكافية الشافية 1/ 277، شرح التصريح 1/ 155. (¬5) الحِجر: 20.

لا دليل عليه، ولا مُحوِجَ إليه (¬1). وأما (ما) الموصولةُ فيُراد بها غيرُ العاقل، وقد يُعبر بها عن العاقل، والمبهمِ أمرُه. ومن ذلك قولُه تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (¬2)، فعُبر في الآية عن العاقل بـ (ما)، ومنه أيضًا قولهم: انظر إلى ما ظهر، أي شيء هو؟ (¬3). وذكر خالد الأزهري (¬4) أن (ما) في أصلِ وَضْعِها تكونُ للعاقل وحده، والقولُ المعروفُ الأولُ (¬5). أما إذا اختلط جنسُ مَن يعقل بما لا يعقل؛ فيجوزُ أن يُعبَّر بـ (مَن) تغليبًا للأفضل، وبـ (ما)؛ لأنها عامة في الأصل، ومِن ذلك قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (¬6)، وكذلك قولُه تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬7). وقد أشار ابنُ مالك إلى ذلك في قوله: وَ (مَنْ) و (ما) لكُلِّ ما مضَى هُمَا ... كُفْآنِ واخْصُصْ (مَنْ) بِذِي عَقَل و (ما) تَعُمُّ، والأَولى بها الَّذي خَلا ... مِنْه وذو الإِبهامِ حَيْثُ مَثَلا وعِند الاختِلاطِ خُيرُ مَنْ نَطَقْ ... فِي أَنْ يَجيءَ مِنهُمَا بما اتَّفَقْ و(مَنْ) أَجِزْ في غَيْرِ مَنْ يَعقِلُ إِن ... شَابَههُ كَذَا إذا بِهِ قُرِنْ (¬8) وأما ما ورد في الحديث؛ وهو "ما رزقتنا"، فبعضُ الشرَّاح جعل (ما) لمن يعقل؛ لأنها بمعنى شيء (¬9)، والتقدير: "شيئًا رزقتنا"، وقد تكون لما لا يعقلُ مع كونها بمعنى شيء؛ لأن المعنى لا ينافي ذلك، ومنهم مَن جعلها موصولةً، وليست بمعنى شيء (¬10). ¬

(¬1) الأصول في النحو 2/ 135. (¬2) النساء: 3. (¬3) شرح الكافية الشافية 1/ 277. (¬4) شرح التصريح على التوضيح 1/ 157. (¬5) المقتضب 2/ 50. (¬6) النور: 41. (¬7) الحديد: 1. (¬8) شرح الكافية الشافية 1/ 277. (¬9) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 78، إرشاد الساري 8/ 69. (¬10) عمدة القاري 2/ 366.

وبعد بيانِ ما سبق؛ يتضحُ أنَّ ابنَ الملقن قد سار على ما هو مقرَّرٌ عند النحويين، وكان هدفُه بيانَ أن (ما) هنا في الحديث شاملةٌ للدلالة على العاقل ولو باعتبارِ ما يكون، فهو هنا يفيدُ من الحكم النحوي في بيانِ ما ورد في الحديث النبوي، والله أعلم.

مسألة (ما) الاستفهامية، وزيادة هاء الوقف عليها عند الوقف

مسألة (ما) الاستفهاميةُ، وزيادةُ هاء الوقف عليها عند الوقف في قولِ موسى - عليه السلام -: "أيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قال: ثم الموتُ، قال: فالآن" (¬1). قال ابنُ الملقن: "وقولُه: (ثم ماذا)، وفي رواية (ثم مَهْ)، وهي (ما) الاستفهاميةُ، لمَّا وقَف عليها زادَ هاءَ السَّكْت" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن روايتين لاسم الاستفهام (ما)، وبيانُ ذلك فيما يلي: 1 - أما روايةُ اسم الاستفهام (ماذا) فتَحتمِلُ ثلاثةَ أوجُهٍ: أحدُها- أن تكون (ما) استفهاميةً و (ذا) اسمَ إشارةٍ، وثانيها- أن تكون (ما) استفهاميةً و (ذا) اسمًا موصولًا، وثالثها- أن يكون المجموعُ اسمًا واحدًا للاستفهام (¬3)، وهذا الأخيرُ بمنزلة قول العرب: عمَّاذا تسألُ؟ وقد بيَّن سيبويه أن ذلك لو كان لغوًا لَما قالته العربُ (¬4). 2 - وأما روايةُ (مَهْ) (¬5)، فـ (مه) أصلُها (ما) الاستفهاميةُ، لكن حُذفت ألفُها، ولحِقت الميمَ هاءُ السكت (¬6)، وهذا الحذفُ قليل؛ لكونها في غير موضع الجر؛ إذ لو كانت في موضع جرٍّ للزِم حذفُها؛ وذلك أنها إذا اتصل بها حرفُ الجر اعتمدت عليه، فالجارُّ والمجرور بمنزلة كلمةٍ واحدة، بخلاف موضع الرفع والنصب؛ فإنها تبقى على حرف واحد عند الحذف؛ ولذلك لم يحذفوها (¬7). ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 90، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 45. (¬3) الجنى الداني 242. (¬4) الكتاب 2/ 417. (¬5) صحيح مسلم (157). (¬6) المفصل 445، نتائج الفكر في النحو 153، شافية ابن الحاجب 4/ 479. (¬7) نتائج الفكر في النحو 153، شافية ابن الحاجب 4/ 479.

قال ابنُ مالك: ومَا فِي الاستِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الهَا إِنْ تَقِفْ (¬1) وبعد بيانِ المسألة، يظهرُ أن (ماذا) و (مَهْ) يُستعملان استفهامًا بمنزلة الشيء الواحد؛ إذ لا فرق بينهما؛ إذا كان مجموعُ (ماذا) اسمًا واحدًا للاستفهام، وأصلُ (مه): (ما) الاستفهامية. ¬

(¬1) ألفية ابن مالك 72.

مسألة الرفع والنصب للمنادى العلم المعرفة

مسألة الرفعُ والنصبُ للمنادى العلمِ المعرفة في قوله - عليه السلام -: " ... يا معاذُ بنَ جبل، قال: لبَّيْك يا رسولَ الله وسعدَيْك ... " (¬1). قال ابنُ الملقن: "قولُه: (يا معاذُ بنَ جبل)، أما (ابن) فمنصوب قطعًا، ويجوزُ في (معاذ) النصبُ والرفع، واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابعٌ لـ (ابن)، فيصيرانِ كاسمٍ واحد مركبٍ كأنه أُضيف إلى (جبل)، والمنادى المضافُ منصوبٌ قطعًا، واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيارُ الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن الوجهَ الإعرابي لـ (ابن) إذا كان بين عَلَمين، وعرض لرأي النحويين في المنادى الموصوفِ بـ (ابن)، ثم ذكر الحكم الإعرابي للمنادى المضاف، وبيانُ ذلك فيما يلي: أجمع النحويون على أن المنادى العلمَ المفردَ يُبنى على ما يُرفع به، ويكونُ في محل نصبٍ بتقديرِ أدعو (¬3)، أما إذا وُصف العلمُ المفرد بـ (ابن) فالنحويون في ذلك على أقوال: فمنهم مَن يجيز نعتَه؛ فيكونُ إمَّا برفع المنادى أو نصبِه؛ ففي مثلِ: (يا زيدُ بن عبد الله)، يرى المبردُ أن الأجودَ رفعُ زيد، فتقول: (يا زيدُ)، وقال ابنُ مالك: (إن ذلك هو القياسُ) (¬4). ويرى جمهورُ البصريين وابنُ كيسان أن الفتحَ أكثرُ في كلام العرب (¬5). ويرى الزمخشريُّ تحتُّمَ الفتحِ في المنادى إذا وقع (ابنُ) بعده وهو بين علمين، واعترض على ذلك ابنُ الحاجب بأن الفتحَ ليس بمُحتَّمٍ، وإنما الفتحُ أفصحُ، مع جواز الضم (¬6). ومنهم مَن يرى الجوازَ مع أن القياس خلافُه؛ كأبي علي الفارسي؛ وذلك في قوله: "والدليلُ ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 37، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 29/ 333. (¬3) الكتاب 2/ 182، المقتضب 4/ 202، الإنصاف 1/ 326، الارتشاف 4/ 2179. (¬4) المقتضب 4/ 232، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 7/ 3549. (¬5) الارتشاف 4/ 2187، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 7/ 3549. (¬6) الإيضاح في شرح المفصل 2/ 269.

على جواز وصفِ المفرد المضموم في النداء، وإن كان قد وقع موقعَ ما لا يُوصف من حرف الخطاب ... " (¬1). ومنهم مَن يمنع نعتَ المنادى المبنيِّ مطلقًا، كالأصمعي وقومٍ من الكوفيين، لكن السماع والقياس يقتضيان جوازَ ذلك؛ أما السماعُ فقد سُمع عن العرب: (يا زيدَ بنَ عمرو)، فلو نُصِب (ابنُ عمرو) بفعلٍ مقدرٍ لكانت جملةً مستأنفة، فبقاؤها بالنصب دلالةٌ أنها صفةٌ لزيد، وأما القياسُ فلأنَّ مشابهةَ المنادى للضمير عارضةٌ، فمتقضى الدليل ألَّا تعتبرَ مطلقًا، كما لم تُعتبر مشابهةُ المصدر لفعل الأمر في نحو: (ضربًا زيدا)، لكنَّ العربَ اعتبرت مشابهةَ المنادى للضمير في البناء استحسانًا، فلم يُزَد على ذلك، واتفاقُ العرب على الرفع في (أيها الرجلُ) دليلٌ على أنه للإتباع، إذ لو كان للقطع لجاز النصبُ (¬2). وحركةُ النون في (ابن) منصوبةٌ قطعًا عند البصريين والزمخشري (¬3)، وبهذا كتبها ابنُ الملقن؛ لأنه لما كثُر في كلامهم الوصف بـ (ابن) أكثرَ من غيره، صارت الصفةُ مع الموصوف في حكم كلمة واحدة، وذلك عند إضافته إلى العلم. ويرى سيبويه رفعَ النون إن جُعل المنادى تابعًا لـ (زيد)؛ لكونها معه كاسم واحد بحذف التنوين، وذلك في مثل: (هذا زيدُ بنُ عبد الله)، وتُحمَل على النصب إن لم تُجعل كاسم واحد (¬4). أما المنادى المضافُ، فأجمع النحويون على نصبه (¬5). هذا تلخيصُ ما ذكره النحويون حول المسألة حسَبَ اطلاعي، ومنه يتبينُ بعد الدراسة سَعةُ اطلاع ابن الملقن، وملكتُه العلمية. ¬

(¬1) الإيضاح العضدي 230. (¬2) الكتاب 2/ 184، الارتشاف 4/ 2185، شرح تسهيل الفوائد 3/ 393، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 7/ 3549. (¬3) المفصل في صنعة الإعراب 88، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 7/ 3550. (¬4) الكتاب 2/ 204. (¬5) الكتاب 2/ 182، المقتضب 4/ 202، الارتشاف 4/ 2185.

مسألة انفصال ثاني الضميرين مع إمكان الاتصال

مسألة انفصالُ ثاني الضميرَينِ مع إمكانِ الاتصال في قول هِرَقْلَ لأبي سفيان: " ... فكيف كان قتالُكم إيَّاه؟ ... " (¬1). قال ابنُ الملقن: "قولُه: (فكيف كان قتالكم إياه؟ ) فيه انفصالُ ثاني الضميرين، والاختيارُ أن لا يجيءَ المنفصلُ إذا تأتَّى مجيءُ المتصل" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن حالَ الضمير الثاني، وأن مجيئه متصلًا مقدمٌ على انفصاله، ما لم يمنع من ذلك مانعٌ، وبيان ذلك فيما يلي: الأصلُ في مجيء الضمائر أن لا يُؤتى بالضمير المنفصل إلا عند تعذُّر المتصلِ؛ لكونه أخصرَ وأوضحَ، ولا يحدث معه لَبْسٌ يُبهِمُ المراد، وأما الضميرُ المنفصل فقد يُحدث لبسًا في بعض الكلام؛ ففي مثلِ: (إياك أخافُ) قد يُفهم أنه يريدُ إعلامَ المخاطَب بأنه يخافه، أو أنه يريدُ تحذيرَه من شيء، وإعلامَه بأنه خائفٌ من ذلك الشيء (¬3)، ولو قيل: (أخافُكَ) بالضمير المتصل لَمَا وقع ذلك الإشكالُ، قال ابن مالك (¬4): وفِي اخْتِيارٍ لا يَجِيءُ المُنفصِلْ ... إِذَا تَأَتَّى أَنْ يجِيءَ المُتَّصِلْ وقال في الشواهد: "وإذا علِمت هذه القاعدةَ لزم أن يُعتذر عن جعل منفصلٍ في موضع لا يتعذرُ فيه المتصل" (¬5). ومن ثَمَّ فإن وقوعَ المنفصل موقعَ المتصل يُحمَلُ على أحد وجهين؛ أحدُهما: الضرورةُ، نحوُ قول الشاعر (¬6): ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 8، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 393. (¬3) الكتاب 1/ 277، المقتضب 1/ 261، شرح الكافية الشافية 1/ 230، شواهد التوضيح 78. (¬4) ألفية ابن مالك 13. (¬5) شواهد التوضيح 83. (¬6) نسب لأمية بن أبي الصلت في ديوانه 166، الخصائص 1/ 308، ونسب للفرزدق في ديوانه 190، ما يجوز للشاعر من الضرورة 279، الإنصاف 2/ 571، الخزانة 5/ 290.

بِالبَاعِثِ الوَارِثِ الأَمْوَاتِ قَدْ ضَمِنَتْ ... إِيَّاهُمُ الأَرْضُ فِي دَهْرِ الدَّهَارِيرِ (¬1) وثانيهما: تعذرُ استعمال الضمير المتصل، كانحصاره بـ (إنما) مثلا، ومنه قول الشاعر (¬2): أَنَا الذَّائِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا ... يُدافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي (¬3) أو أن يؤخَّر عاملُه، ومنه قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (¬4)، أو أن يكون بعد (إلا)، كقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬5). ويرى الزمخشريُّ أن انفصالَ ثاني الضميرين أكثرُ من اتصالهما (¬6)، وقال الكرماني: ("قتالُكم إيَّاه" أفصحُ مِن "قتالِكُمُوه"، فلذلك فَصَله) (¬7)، وقال العينيُّ: (الصوابُ معه) (¬8)، وربما حُمل ذلك على الكثرة دون الالتفات إلى كون المتصلِ أخصرَ في الكلام، وأبعدَ عن اللبس، كما ذكرنا سابقًا. وبعد عرض المسألة يتضحُ أن ابنَ الملقن قد سار على الأصل الذي من أجله وُضع الضميرُ. ¬

(¬1) البيت من البسيط، ذكر بألفاظ مختلفة؛ منها: بالوارث الباعث الأموات ... ، الباعث الناس والأموات ... ، بالباعث الوارث الأموات، الخصائص 1/ 308، ما يجوز للشاعر من الضرورة 279، شرح الكافية الشافية 5/ 94، همع الهوامع 1/ 246. (¬2) نسب للفرزدق في ديوانه 488، الجنى الداني 397، شرح شافية ابن الحاجب 4/ 79، ونسب لأمية بن أبي الصلت في ديوانه 186. (¬3) البيت من الطويل، ذكر بألفاظ مختلفة، منها: أنا الذائد الحامي الديار ... ، أنا الضامن الراعي عليهم وإنما ... ، الجنى الداني 397، شرح التصريح 1/ 109، شرح شافية ابن الحاجب 4/ 79، المسائل النحوية، د. ناهد العتيق 1/ 265. (¬4) الفاتحة: 5. (¬5) الإسراء: 23. (¬6) المفصل في صنعة الإعراب 170. (¬7) الكواكب الدراري 1/ 56. (¬8) عمدة القاري 1/ 92.

مسألة توكيد المتصل المنصوب بالمنفصل المرفوع

مسألة توكيدُ المتصل المنصوبِ بالمنفصل المرفوع في قول علي - رضي الله عنه -: "بعثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبيرَ" (¬1). قال ابن الملقن: "وقولُ علي - رضي الله عنه -: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد، أكَّد الضميرَ المنصوب بـ (أنا)، كقوله تعالى: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} (¬2) وقيل: لا يؤكدُ بها ضميرُ المنصوب؛ لأنها في موضع رفع، ولا يؤكد المنصوبُ بالمرفوع، ويكون (أنا) في الآية فاصلةً على هذا؛ مثل: {هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (¬3) " (¬4). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن قولين للعلماء حول تأكيد الضمير المتصل المنصوب بالمنفصل المرفوع، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف العلماءُ حول جواز تأكيدِ الضمير المتصل المنصوب بالمنفصلِ المرفوع على قولين: أحدُهما: جوازُ التأكيد بالمنفصل المرفوع مطلقًا (¬5)، قال الزمخشريُّ: " ... وأما المنصوبُ والمجرور فيؤكَّدان بغير شريطة ... " (¬6). وقال ابنُ مالك: "ولك أن تؤكدَه بضمير الرفع المنفصل، مرفوعًا كان المؤكَّد، أو منصوبًا، أو مجرورًا ... وقد دللتُ على هذا بقولي: ومُضْمَرَ الرَّفْعِ الَّذِي قَدِ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَّصَلْ" (¬7) وثانيهما: منعُ تأكيد المتصل المنصوب بالمنفصل المرفوع؛ وذاك أن الضمير المنفصلَ أصلُه ¬

(¬1) صحيح البخاري 5/ 145، باب غزوة الفتح. (¬2) الكهف: 39. (¬3) المزمل: 20. (¬4) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 419. (¬5) المفصل في صنعة الإعراب 146، شرح الكافية 3/ 1186، الارتشاف 4/ 1959، المقاصد الشافية 5/ 38. (¬6) المفصل في صنعة الإعراب 146. (¬7) شرح الكافية 3/ 1186.

للمرفوع دون المنصوب والمجرور (¬1)، وأن المشهورَ من كلام العلماء في التوكيد أنه لا يكونُ إلا بما يوافقُه من رفع أو نصب أو جر (¬2). وإذا أردنا تأكيدَ المتصل المرفوع أو المنصوب أو المجرور احتجنا إلى ضمير منفصل، ولا ضميرَ منفصلًا في الأصل إلا ضميرُ الرفع، فتأتَّى استعمالُه مع الجميع -مع اختلافها في الوضع؛ إذ عاملُ الرفع ليس بلفظي، والمنصوبُ والمجرور لا بد لهما من عامل يعمل فيهما- فربما كان المنعُ لمخالفته للمشهور من كلام العلماء ولتأكيدِه المنصوبَ بالمرفوع (¬3). وأما الآية: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} (¬4) التي استدل بها ابنُ الملقن على جواز تأكيد الضمير المتصل المنصوب بالمنفصل المرفوع، فقد اختلف المُعرِبون في ضمير الرفع (أنا) فيها على قولين؛ فمنهم مَن قال: إنه ضميرُ تأكيد (¬5)، واشترط الفراءُ أن تكون (أقلّ) مرفوعة (¬6). ومنهم من قال: إن (أنا) ضميرُ فصل (¬7)، والفصلُ يُعدُّ ضربًا من التأكيد (¬8)، وقد نص سيبويه على ذلك (¬9)، ويرى ابنُ الحاجب أنه غير ما ذُكِر؛ لأنه ليس بلفظي ولا معنوي؛ إذ ألفاظُه محصورة (¬10). ¬

(¬1) شرح المفصل 3/ 43، شرح الرضي لكافية ابن الحاجب 1/ 1057، الارتشاف 4/ 1960، المقاصد الشافية 5/ 38. (¬2) الأصول في النحو 2/ 19، نتائج الفكر في النحو 216. (¬3) نص على هذا الرأي ابن الملقن عند شرحه للحديث، ولم أعثر على هذا الرأي -حسب اطلاعي- وإنما استنتجت ما يمكن أن يقال في المنع. (¬4) الكهف: 39. (¬5) معاني القرآن للفراء 2/ 145، إعراب القرآن للباقولي 138، التبيان في إعراب القرآن 2/ 848، مغني اللبيب 1/ 643. (¬6) معاني القرآن للفراء 2/ 145. (¬7) الكتاب 2/ 392، معاني القرآن للفراء 2/ 145، التبيان في إعراب القرآن 2/ 848، شرح الكافية 1/ 242، مغني اللبيب 1/ 643. (¬8) المفصل 172، الإيضاح في شرح المفصل 1/ 471. (¬9) الكتاب 2/ 389. (¬10) أمالي ابن الحاجب 1/ 303، البرهان في علوم القرآن 2/ 409.

وأما الآية الثانية: {هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (¬1) فلا خلاف حول ما استدلَّ به ابنُ الملقن من أن (هو) ضميرُ فصل (¬2). ¬

(¬1) المزمل: 20. (¬2) الكتاب 2/ 392، معاني القرآن للفراء 2/ 145، التبيان في إعراب القرآن 2/ 848، شرح الكافية 1/ 245، مغني اللبيب 1/ 643.

مسألة أسماء الأفعال والأصوات بين البناء والإعراب

مسألة أسماءُ الأفعال والأصواتُ بين البناء والإعراب في قوله - عليه السلام - للحسنِ - رضي الله عنه -: "كِخْ كِخْ؛ ليَطْرَحْها" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله للحسن: كخ كخ، هو رَدْعٌ للصغار وزجرٌ. وقال الداودي: هي معرَّبة، ومعناها: بئس، وفيها ثلاثةُ أوجُه: فتحُ الكاف وتنوينُ الخاء؛ كذا في رواية أبي الحسن، ثانيها: بكسر الكاف وإسكانِ الخاء في رواية أبي ذر، ثالثُها: كسرُ الكاف وتشديدُ الخاء في بعض نسخ الهروي" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن معنى كلمة (كخ) باعتبارها كلمةً عربية، وباعتبارها معرَّبةً، وأورد رواياتٍ ثلاثًا، وبيانُ ذلك فيما يلي: يختلف معنى كلمة (كخ) باختلاف كونِها عربيةً أو معرَّبة -ومعنى المعرَّب: (ما تفوه به العرب على منهاجها، تقول عرَّبته العربُ وأعربته أيضًا) (¬3) - فإن قيل بأنها عربية (¬4) أصبح معناها: رَدْع الصغير وزجره عن كل مُستقذَر (¬5)، وإن قيل إنها معرَّبة -كما عند الداودي (¬6) وغيره (¬7) - صار معناها: بئس (¬8)، ويمكنُ الجمعُ بين المعنيين في كونهما ذمًّا لِمَا يُستقذَر. ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 127، باب ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 577. (¬3) الصحاح 1/ 179. (¬4) فتح الباري 3/ 355، إرشاد الساري 3/ 76، تاج العروس 7/ 328، نيل الأوطار 4/ 204. (¬5) تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم 339، الفائق في غريب الحديث 3/ 248، مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 337، القاموس المحيط 248، 258، تاج العروس 7/ 225، المعجم الوسيط 8. (¬6) هو: أحمد بن نصر، أبو جعفر الأزدي الداودي المالكي الفقيه، له كتاب الإيضاح في الرد على البكريَّة، والنصيحة في شرح البخاري، ت: 402 هـ، وترجم له في: تاريخ الإسلام 28/ 56، التوضيح لشرح الجامع الصحيح 1/ 103، معجم المؤلفين 2/ 194. (¬7) النهاية في غريب الحديث والأثر 4/ 154، المتوارى على أبواب البخاري 1/ 181، القاموس المحيط 777، فتح الباري 1/ 178، إرشاد الساري 3/ 76، تاج العروس 7/ 328. (¬8) إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 624، شرح النووي على مسلم 7/ 175.

وقد اقتصر ابنُ الملقن على ثلاثة أوجُهٍ لكلمة (كخ) وهي: كَخٍ، وكِخْ، وكِخٍّ (¬1)، وإن كان شراحُ الحديث قد أوردوا أكثرَ من ذلك؛ ومنه: (كِخٍ) بكسر الكاف وكسر الخاء بالتنوين. (كَخْ) (وكَخّْ) بفتح الكاف وسكون الخاء مخففة وثقيلة. (كَخِ) و (كِخِ) بفتح الكاف وكسرها وكسر الخاءين بلا تنوين (¬2). أما كونُها من أسماء الأفعال أو من أسماء الأصوات؛ فمِن النحويين مَن جعلها من أسماء الأفعال (¬3)؛ لنِيابتِها عن الفعل (اترُك)، ولعدمِ تأثرِها بالعوامل، وليست فضلة، قال ابنُ مالك (¬4): مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ كَشَتَّانَ وصَهْ ... هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وكَذا أَوَّهْ وَمَهْ ومنهم مَن جعلها مِن أسماء الأصوات (¬5)، لكونها خطابَ ما هو في حكم ما لا يعقلُ من صغار الآدميين، قال ابنُ مالك (¬6): وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لا يَعْقِلُ ... مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ صَوْتًا يُجْعَلُ كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ والحقُّ أن أسماء الأفعال والأصوات متواخيةٌ؛ لأنهما جميعًا مزجورٌ بهما (¬7)، والذي يتبينُ من ظاهر الحديث أنها اسمُ صوت؛ وذاك لقول أبي هريرة (¬8) - رضي الله عنه -: "ليطرحها"، والمخاطَبُ بها صغيرُ ¬

(¬1) الجامع الصحيح 2/ 128، ربما اقتصر على ذلك بناء على حركة الحرف الأخير، ولو ذكر ما للحرف الأول من حركات لأصبحت ستة أوجه، هذا مع إغفاله لكسر الخاء بلا تنوين، مع فتح وكسر الكاف. (¬2) فتح الباري 1/ 178، 3/ 355، الديباج على شرح مسلم بن الحجاج 3/ 170، إرشاد الساري 3/ 76، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 3/ 129. (¬3) تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 8/ 3878، دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين 3/ 129. (¬4) ألفية ابن مالك 53. (¬5) شرح الأشموني لألفية ابن مالك 3/ 104، دليل الفالحين بشرح رياض الصالحين 3/ 129. (¬6) ألفية ابن مالك 54. (¬7) شرح المفصل لابن يعيش 3/ 89. (¬8) هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر، توفي 57 للهجرة النبوية، وترجمته في: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1768، الإصابة في تمييز الصحابة 801، الأعلام للزركلي 3/ 308.

السن، وهو الحسن - رضي الله عنه - بُغيةَ نهيِه عن أكل تمر الصدقة. واختُلف في بنائها وإعرابها، فتُبنى عند اشتباهِها بالحرف، كما أوضح ذلك ابنُ مالك بقوله (¬1): والاِسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الحُرُوفِ مُدْنِي كَالشَّبَهِ الوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا ... وَالمعْنَويِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الفِعْلِ بِلَا ... تَأَثُّرٍ ... وتُعرب عند تنوينِها، أو عند وقوعِها موقعَ متمكِّن (¬2). وأما رواية (كَخٍ) بفتح الكاف وكسر الخاء بالتنوين، تُعد (كَخٍ) معربة لا مبنية؛ لدخول التنوين عليها، إذ امتناعُه من علامات البناء (¬3)، وأما روايةُ كسر الكاف وسكون الخاء (كِخْ)، وروايةُ تشديدها (كِخّْ)، فمبنيةٌ؛ لشبهِها بالحرف بلزومِ النيابة عن الفعل (¬4) إن عُدَّت من أسماء الأفعال، أو لشبهها بالحروف المهملة إن عُدت من أسماء الأصوات (¬5). هذا، وقد أوجب ابنُ مالك بناءَ أسماء الأفعال وأسماءِ الأصوات في قوله: ......................... ... وَالْزَمْ بِنَا النَّوْعَيْنِ فَهْوَ قَدْ وَجَبْ (¬6) وبعد دراسة المسألة تبين أن (كخ) اجتمع فيها ما يدلُّ على اسم الفعل؛ وهو النيابةُ عن الفعل، وما يدل على اسم الصوت؛ وهو مخاطبةُ ما هو في حكم ما لا يعقل مِن صغيرِ الآدميين، ولكن تبيَّن لي أن الأرجح -بحسب اطلاعي- أنها اسمُ صوت يُعرب ويُبنى؛ فهي معربةٌ في رواية (كَخٍ)، ومبنيةٌ في رواية (كِخْ) و (كِخّْ)، كما سبق ذكره. ¬

(¬1) ألفية ابن مالك 10. (¬2) الكتاب 1/ 243، تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد 1/ 215. (¬3) الكتاب 1/ 243. (¬4) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد 1/ 212، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك 3/ 104. (¬5) شرح الكافية الشافية 3/ 1397. (¬6) ألفية ابن مالك 54، شرح الكافية الشافية 3/ 1397.

مسألة إضافة الاسم إلى ما هو بمعناه في النداء

مسألة إضافةُ الاسم إلى ما هو بمعناه في النداء في قوله - عليه السلام -: "يا نساءَ المسلماتِ" (¬1). قال ابن الملقن: "في إعراب (يا نساء) أوجُهٌ ذكرها القاضي عياضٌ؛ أصحُّها وأشهرُها: بنصب (النساء) وجرِّ (المسلمات) على الإضافة. قال الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخِنا بالمشرِق، وهو من بابِ إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوفِ إلى صفته، والأعمِّ إلى الأخصِّ، كـ (مسجدِ الجامع)، و (جانبِ الغربي)، وهو عند الكوفيين جائزٌ على ظاهره، وعند البصريين يقدِّرون فيه محذوفًا؛ أي: مسجد المكان الجامع، وجانب المكان الغربي. ويُقدَّر هنا: يا نساء الأنفُس المسلمات أو الجماعات، وقيل: تقديرُه: يا فاضلاتَ المسلماتِ، كما يُقالُ: هؤلاء رجالُ القومِ؛ أي: ساداتُهم وأفاضِلُهم. ثانيها: رفعُهما على معنى النداء والصفة؛ أي: يا أيها النساءُ المسلماتُ. قال الباجي: كذا يرويه أهلُ بلدنا. ثالثُها: رفعُ النساء وكسرُ التاء من المسلمات على أنه منصوبٌ على الصفة على الموضع، كما يُقال: يا زيدُ العاقلَ؛ برفع زيد ونصبِ العاقل. واقتصر ابنُ التين على أنْ قال: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه؛ مثل قوله: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)} (¬2) ... " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن لـ (نساء) وما بعدها: أوجُهٌ إعرابيةٌ ثلاثةٌ، وبيانُ ذلك فيما يلي: أجمع النحويون على جواز كون (نساء) منادًى مضافًا، وكونِها نكرةً مقصودة. فإن قيل: إنها منادًى مضافٌ، فبنصب (نساء) وإضافةِ (المسلمات) إليها، بيد أن النحويين اختلفوا في جوازِ إضافة الشيء إلى نفسه. فالبصريون لا يجيزون ذلك، ويقدِّرون فيما ورد من ذلك محذوفًا؛ كـ (مسجد المكان ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 153، باب إذا قال المكاتب: اشترني وأعتقني فاشتراه لذلك. (¬2) ق: 9. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275.

الجامع). وتقديرُهم في هذا الحديث: يا نساءَ الأنفُسِ المسلمات، ولكن يرى الزجَّاجُ (¬1): أن التقدير هو: يا نساءً مِن الأنفُس المؤمنات؛ لأمرين: 1 - لئلا يُنعت لشيء محذوف. 2 - أنه يُقصد بـ (الأنفس) الرجالُ، والخطابُ للنساء، وفيه تفضيلٌ لهن، ولو قُصد بها الرجال والنساءُ لَمَا صار لهن فضلٌ. ويمكنُ القولُ إن (الأنفُس) واحدها نَفَس، والنَفَسُ مؤنثة (¬2)، فيستقيمُ تخريج البصريين. أما الكوفيون فيُجيزون إضافةَ الشيء إلى نفسه، ويجعلون من ذلك نحوَ قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} (¬3). والذي يظهر أنه لا يجوزُ إضافةُ الشيء إلى نفسه، وذلك من جانبين: أحدهما: من حيث النظر؛ وذلك لأن الإضافة يُراد بها التعريفُ، والشيءُ لا يتعرَّفُ بنفسه؛ لأنه إن كان فيه تعريفٌ كان مستغنيًا عن الإضافة، وإن لم يكن فيه تعريف كان بإضافته إلى اسمه أبعدَ من التعريف. ثانيهما: من حيث المعنى؛ لأنك لو قلت مثلًا: (زيدٌ أفضلُ من إخوته)، فالهاء عائدة على زيد، وزيدٌ ليس واحدًا من إخوته، إنما واحدٌ من بني أبيه، فلو كان واحدًا منهم وهم مضافون إلى ضمير، لوجب أن يكون داخلًا معهم في الإضافة. أما ما استدل به الكوفيون مِن نحوِ قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}؛ فهو محمولٌ على حذف المضاف إليه وإقامةِ صفته مُقامَه، إذ الحقُّ غير اليقين، إنما خالصُه وأصحُّه (¬4). ¬

(¬1) نقلًا: التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275، وذكر في كتابه: (معاني القرآن ... ) أن (الأنفس) تقع للمذكر والمؤنث 4/ 360. (¬2) تهذيب اللغة 13/ 8، الزاهر في معاني كلام الناس 2/ 374، النظم المستعذب في تفسير ألفاظ المهذب 1/ 231، لسان العرب 6/ 235. (¬3) الحاقة: 51. (¬4) المحكم والمحيط الأعظم 6/ 510، الإبانة في اللغة العربية 1/ 433، لسان العرب 13/ 457.

أما إن قيل: إن (نساء) نكرةٌ مقصودة، فعلى معنَى النداءِ والصفة، ويمكن إيضاحُ ذلك بما يلي: 1 - في نحو: (يا نساء)؛ يكون المعنى: أقصد النساء، وهي بمنزلة (يا أيها النساء)، فـ (نساء) تعرَّفت بالنداء، ومن ذلك ما مثَّل به سيبويه (يا فاسقُ الخبيثُ) (¬1)، فلو لم يكن (فاسق) عنده معرفةً لَمَا وصَفه بما فيه الألفُ واللام (¬2). 2 - جوازُ الرفع والنصب في (المسلمات)؛ إذ تابعُ المنادى مضافٌ مصاحبٌ للألف واللام. قال ابن مالك (¬3): تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ أَلْ ... أَلْزِمْهُ نَصْبًا كَأَزَيْدُ ذَا الحِيَلْ وَمَا سِوَاهُ ارْفَعْ أَوِ انْصِبْ وَاجْعَلَا ... كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقًا وَبَدَلَا وعليه فيجوزُ أن تقول: يا نساءُ المسلماتُ، ويا نساءُ المسلماتِ. ومن خلال دراسة المسألة يتبيَّنُ صحةُ الأوجُه الإعرابية الثلاثة. ¬

(¬1) الكتاب 2/ 199. (¬2) الأصول في النحو 1/ 347، التصريح بمضمون التوضيح في النحو 2/ 215. (¬3) ألفية ابن مالك 50.

مسألة التقارض بين (إذ) و (إذا)

مسألة التقارُضُ بين (إذْ) و (إذا) في قولِ ورقةَ بنِ نوفل: "ليتني أكونُ جَذَعًا، إذْ يُخرجُك قومُك" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (إذ يخرجك قومك)، استعمل فيه (إذْ) في المستقبل كـ (إذا)، وهو استعمال صحيح، كما نبَّه عليه ابنُ مالك، وقال: غفَل عنه أكثرُ النحويين، ومنه قولُه تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} (¬2)، وقولُه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْأزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ} (¬3)، وقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)} (¬4)، قال: وقد استُعمل كل منهما في موضع [الآخر]؛ يعني: (إذ) و (إذا)، ومن الثاني قولُه تعالى: {إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} (¬5)، و {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} (¬6)، و {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} (¬7) " (¬8). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أنه يجوزُ أن تقع (إذ) لِمَا يُستقبل من الزمان، وبيانُ ذلك فيما يلي: المشهورُ عند النحويين أن (إذْ) لما مضى من الزمان، و (إذا) لما يُستقبل من الزمان، قال الخليلُ: "فـ (إذا) فيما يُستقبل بمنزلة (إذ) فيما مضى" (¬9)، وهذا ما ذهب إليه أكثرُ المحققين؛ أن (إذ) لا تقعُ موقعَ (إذا) ولا تقعُ (إذا) موقعَ (إذ) (¬10). غير أن بعضَ المتأخِّرين يرون جوازَ وقوع كلٍّ منهما موقعَ الآخر، قال ابنُ مالك في ¬

(¬1) صحيح البخاري (1/ 7)، باب بدء الوحي. (¬2) مريم: 39. (¬3) غافر: 18. (¬4) غافر: 71. (¬5) آل عمران: 156. (¬6) الجمعة: 11. (¬7) التوبة: 92. (¬8) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬9) نقلًا: الكتاب 3/ 60. (¬10) الجنى الداني 188، 371.

تسهيل الفوائد: "وربما وقعت موقعَ (إذ)، و (إذا) موقعَها" (¬1). والذي يتبينُ من خلال دراسة المسألة: جوازُ وقوع كلٍّ منهما موقعَ الآخر؛ وذلك لأمور؛ منها: أ- كثرةُ الأدلة الواردة في ذلك، ومنها ما ذكره ابنُ الملقن. ب- اعترافُ أهل التفسير بذلك، مع اختلاف أزمانهم (¬2). أما ما ذكره ابنُ مالك من أن النحويين غفَلوا عن ذلك (¬3)، فلا أدري أيقصدُ بذلك عدمَ معرفتهم بذلك تمامًا؟ أم أنهم لم يذكروا نصًّا واضحًا؟ فإن كان المرادُ به عدمَ معرفتهم، فقد سبق أن أهل التفسير قد أشاروا إلى ذلك. أما إن كان المرادُ عدمَ التنبيه على ذلك، فلم أجد أحدًا تكلم عنه -حسب اطلاعي- كحدٍّ لـ (إذ) و (إذا)، وأيضًا لم أقف على نصٍّ صريح يعبر عن ذلك، وذلك قبلَ زمنِ ابن مالك. وخلاصةُ ذلك: أن ما ذكره ابنُ الملقن عن ابن مالك فيه اختلافٌ في النقل، مما أدى إلى لجوء الباحث إلى إثبات أن بعضَ النحويين لم يغفُلوا عن استعمال (إذ) في المستقبل كـ (إذا). وعبارةُ ابن مالك هي: "غفَل عن التنبيه عليه أكثرُ النحويين" (¬4)، وهذا يختلفُ عن قول ابن الملقن: "غفَل عنه أكثرُ النحويين"، وذلك في أمور: 1 - أن إغفال التنبيه لا يعنى عدمَ معرفة ذلك الأمر. 2 - أن الجهل بأي أمر يُعذر فيه عدمُ التنبيه؛ إذ هو أمرٌ مجهول. 3 - في عبارة ابن مالك إشارةٌ إلى أن النحويين يعرفون ذلك، لكن غفل أكثرُهم عن التنبيه ¬

(¬1) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد 1/ 93، أما ما ذكره ابن الملقن في قول ابن مالك: غفل عنه أكثر النحويين، فلم أجده -حسب اطلاعي- إنما وقفت على ما أشرت إليه في جواز وقوع كل منهما مكان الآخر. (¬2) تفسير مقاتل بن سليمان 2/ 629، النكت والعيون 5/ 149، مدارك التنزيل وحقائق التأويل 3/ 204، الدر المصون 6/ 494. (¬3) مر قريبًا في هذه المسألة. (¬4) شواهد التوضيح 62.

عليه. 4 - وأما عبارةُ ابن الملقن فظاهرُها أن أكثر النحويين لم يعرفوا ذلك، وإن كان يعرفه بعضهم؛ سواءٌ أنبهوا على ذلك أم لم يُنبِّهوا.

مسألة ما جاء على وزن (فعال) بين الإعراب والبناء

مسألة ما جاء على وزن (فَعَالِ) بين الإعراب والبناء في قول عائشة -رضي الله عنها-: " ... فإذا عِقدٌ لي من جَزْعِ ظَفارِ قد انقطع ... " (¬1). قال ابن الملقن: "ويقولون: (من جَزْع ظَفارِ)، وهو مبني على الكسر، كما تقول: حَذامِ ... وقال البَكْري، عن بعضهم: سبيلُها سبيلُ المؤنث لا ينصرف ... قال صاحبُ (المطالع): ويُرفع ويُنصب" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (ظَفارِ) يجوز فيها البناءُ والإعرابُ، وبيانُ ذلك فيما يلي: اختلف النحويون فيما كان على (فَعالِ)، مثل (حذام) المأخوذة من الحَذْم؛ أي القطع؛ يقال: حَذَمتُ الشيء حَذْمًا، وكذلك (ظفار) مأخوذة من: ظفَّر النبات يُظفِّر؛ أي: طلَع. فالحجازيُّون يبنون ما كان من ذلك على الكسر، أما التميميُّون فيُعربونه ممنوعًا من الصرف. وأما علةُ البناء عند الحجازيين؛ فلِمَا يلي: 1 - كونها معدولةً عن (فاعلة)، فـ (حذام) معدولة عن (حاذمة). 2 - كونها قبلَ العدل غيرَ مصروفة. فاجتمع مع عدم التنوين العدلُ، وليس وراء المنع من التنوين إلا البناءُ (¬3). أما التميميون فيمنعونها من الصرف لاجتماع علتين، واختلف في العلتين على أقوال: 1 - مُنعت للعلمية والعَدْل، وهذا ما ذهب إليه سيبويه (¬4). 2 - منعت للعلمية والتأنيث، وهذا ما يراه المبرد (¬5). 3 - منعت للعدل والتأنيث. ¬

(¬1) صحيح البخاري (6/ 101)، باب {لَّولَا إِذ سَمِعتُمُوهُ ظَنَّ المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بِأَنفُسِهِم خَيرا} [النور: 12]. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 570. (¬3) شرح المفصل لابن يعيش 3/ 71. (¬4) الكتاب 3/ 277. (¬5) المقتضب 3/ 368.

4 - منعت للعدل والتعريف. وبيانُ العلل السابقة واجتماعها كما يلي: أما كونُها للعلمية فـ (ظفار) اسمُ مدينة في اليمن (¬1)، وأما كونُها للعدل فهي معدولة عن فاعلة (¬2)، وأما كونُها للتأنيث فبما ثبت من الشعر؛ ومنه قولُ الفرزدق: وَفِينَا مِنَ المِعْزَى تِلادٌ كَأَنَّهَا ... ظَفَارِيَّةُ الجَزْعِ الذِّي في التَّرَائِبِ (¬3) ومنه قولُ الفِنْد الزِّمَّاني (¬4): فَارْجِعُوا مِنَّا فُلُولًا وَاهْرُبُوا ... عَائِذِينَ لَيْسَ تُنْجِيكُمْ ظَفَارُ (¬5) وأما كونُها للتعريف فلأنها معرفة، ولو نُكِّرت لصُرفت، والعدلُ إنما يأتي في حال التعريف (¬6). والذي يترجحُ حول بنائها وإعرابها: هو ما اتفق عليه الحجازيون والتميميون؛ وهو بناءُ الاسم إذا كان على وزن (فَعالِ) المختوم بـ (راء) (¬7). ¬

(¬1) المسالك والممالك 1/ 367، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 3/ 904، الأماكن، أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة 1/ 648، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق 1/ 152. (¬2) الكتاب 3/ 277، شرح المفصل لابن يعيش 3/ 68، شرح الكافية الشافية 3/ 1476. (¬3) البيت من الطويل، وروي بلفظ مختلف: وعندي من المعزى تلاد، ديوانه 89، شرح نقائض جرير والفرزدق 3/ 339، معجم ما استعجم من أسماء البلدان والمواضع 3/ 904. (¬4) هو: شهل بن شيبان بن زمان بن مالك الحنفي، سمي بذلك لعطم خلقته، توفي 70 هـ، نقلًا: المبهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة 70، الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب 4/ 401، الأعلام 3/ 179. (¬5) البيت من الرمل، وهو في ديوانه ص 17، نقلًا: معجم ما استعجم 3/ 904، الروض المعطار في خبر الأقطار 403. (¬6) ارتشاف الضرب 2/ 870، همع الهوامع 1/ 107. (¬7) شرح المفصل لابن يعيش 3/ 71، شرح الكافية الشافية 3/ 1476، ارتشاف الضرب 2/ 870.

المبحث الثاني: الأسماء المعربة

المبحثُ الثاني: الأسماءُ المُعرَبة وفيه مسائلُ: مسألة التقدير عند اتحاد الشرط والجزاء، أو المبتدأ والخبر في قوله - عليه السلام -: " ... فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله ... " (¬1). قال ابن الملقن: "لا بد من تقدير شيء؛ لأن القاعدةَ عند أهل الصناعة: أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ لا بد من تغايُرِهما، وهنا وقع الاتحادُ، فالتقدير: فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله نيةً وعَقدًا، فهجرتُه إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أنه لا بد من تقدير شيء عند اتحاد الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ كما هو مُقرَّر عند أهل الصناعة، والأصلُ في جواب الشرط وخبرِ المبتدأ الإفادةُ والتغايُر، فلا يجوزُ في الشرط والجواب أن يقال مثلًا: (إنْ قامَ زيد قامَ)، كما لا يجوزُ في الابتداء: (زيدٌ زيدٌ)؛ لعدم وجود الفائدة، فإن دخله معنًى يُخرجه للفائدة فجائزٌ هذا التركيبُ، نحو: (إن لم تُطِع الله عصَيت)، فأُريدَ به التنبيهُ على العقاب؛ فكأنه قال: وجب عليك ما وجب على العاصي (¬3). ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 6، كتاب بدء الوحي، باب 1. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190. والمقصود بأهل الصناعة: النحاة؛ لأن من النحاة من حد النحو بأنه صناعة، كما قال صاحب (المستوفَى): "النحو صناعة علمية يَنظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم"، ونقل السيوطي عن صاحب (البديع) الحد الذي وضعه للنحو فقال: "وقال صاحب (البديع): النحو هو صناعة علمية يعرف بها أحوال كلام العرب من جهة ما يصح وما يفسد". ومما سبق عرفنا أن النحو يوصف بأنه صناعة، فما المقصود بالصناعة؟ ولم سمي النحو صناعة؟ عرَّف ابن الطيب الفاسي الصناعة فقال: "العلم الحاصل بالتمرن؛ أي: قواعد مقررة وأدلة محررة". أما من حيث التسمية فقد ذكر تمام حسان سبب تسمية النحو صناعة؛ وذاك لأنه تتوفر فيه خصائصُ العلم المضبوط؛ وهي: الموضوعية، والشمول، والتماسك، والاقتصاد، نقلا: المستوفى 45، الاقتراح 12، فيض نشر الانشراح 1/ 218، الأصول لتمام حسان 20. (¬3) همع الهوامع 2/ 554، شرح التسهيل 1/ 304، شرح التصريح على التوضيح 1/ 426.

ومثالُ اتحاده في الابتداء ما ذكره سيبويه: " (قد جرَّبتُك فوجدتُك أنت أنت)، فأنتَ الأولى مبتدأة، والثانية مبنيةٌ عليها، كأنك قلت: فوجدتُك وجهُك طليقٌ، والمعنى: أنك أردت أن تقول: فوجدتُك أنت الذي أعرفُ" (¬1)، فهذا التركيب جائزٌ لوجودِ معنًى أعطى فائدةً. ومثلُه قولُ أبي خِراش (¬2): رَفَوْنِي وَقَالُوا يَا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ ... فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتَ الْوُجُوهَ هُمُ هُمُ (¬3) والمعنى: هم الذين يَطرُدونني، وهم الذين يطلبون دمي. ومما جاء وظاهرُه اتحادُ الشرط والجزاء: قوله - عليه السلام -: " ... إن كان مِن أهل الجنة فمِن أهل الجنة ... " (¬4). فظاهرُ الحديث اتحادُ الشرط والجزاء، لكنهما متغايران في التقدير، ولعل تقديره: فمقعدُه من مقاعدِ أهل الجنة (¬5). ومن خلال ما سبق يتبيَّنُ أن النحاةَ يرون أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر؛ لا بد فيهما من إفادةٍ وتغايُر، وابنُ الملقن عند شرحه لحديث " ... فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله ... " سار على ما هو مقرر عند النحويين. ¬

(¬1) الكتاب 2/ 359. (¬2) هو: أبو خراش خويلد بن مرة، أدرك الإسلام شيخًا كبيرًا، ووفد على عمر ومات في خلافته، ت: 15 هـ، وترجمته في: الأغاني 21/ 148، الأعلام للزركلي 2/ 325. (¬3) من الطويل، الأغاني 21/ 148، الخصائص 1/ 248، الخزانة 1/ 440. (¬4) صحيح البخاري 2/ 99، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي. (¬5) فتح الباري 3/ 243، طرح التثريب 3/ 306، إرشاد الساري 2/ 467، التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 128.

مسألة وجه النصب في: (يا ليتني فيها جذعا)

مسألة وجه النصب في: (يا ليتني فيها جَذَعًا) في قول ورقةَ بنِ نوفل: " ... يا ليتني فيها جذعًا ... " (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (جَذَعًا) هكذا الروايةُ المشهورة هنا وفي (صحيح مسلم)؛ بالنصب، ووقع للأصيلي هنا وابنِ ماهان في (صحيح مسلم): (جَذَعٌ)؛ بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجُه: أحدها: نصبُه على أنه خبر (كان) المقدرةِ، تقديرُه: ليتني أكونُ جذعًا، قاله الخطَّابي والمازَري وابنُ الجوزي في مُشكِله، وهي تجيءُ على مذهب الكوفيين، كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُم} (¬2)؛ أي: يكُنِ الانتهاءُ خيرًا لكم، ومذهبُ البصريين أن (خيرًا) في الآية منصوبٌ بفعل مضمر يدلُّ عليه (انتهوا)، تقديره: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم. وقال الفراءُ: انتهوا انتهاءً خيرًا لكم، وضُعِّفَ هذا الوجهُ بأنَّ (كان) الناصبةَ لا تُضمَر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهرٌ يقتضيها؛ كقولهم: (إنْ خيرًا فخيرٌ). ثانيها: أنه منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قوله: (فيها)، والتقديرُ: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شَبِيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسَنَّ وعمِي عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياضٌ، وقال: إنه الظاهرُ، وقال النووي: إنه الصحيحُ الذي اختاره المحققون. ثالثُها: أن تكون (ليت) عمِلت عملَ (تمنَّيت) فنصبت اسمين كما قال الكوفيون؛ وأنشدوا: يا ليتَ أيامَ الصِّبا رواجِعَا" (¬3). بيان المسألة: ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 7، كتاب بدء الوحي. (¬2) النساء: 171. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. وسيأتي تخريج البيت.

ذكر ابن الملقن الأوجُهَ الإعرابية لـ (جذعًا)، وبيانُ ذلك فيما يلي: أما روايةُ الرفع فظاهرةُ التوجيه، فتُعرب (جذع) خبرَ (ليت)، ولا إشكالَ في هذا الوجه من جهة النحو (¬1). وأما روايةُ النصب (جذعًا)؛ فالعامل فيها عند الكوفيين (كان) المقدرةُ، والتقدير: يا ليتني أكونُ جذعًا؛ كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} (¬2)؛ أي: يكن الانتهاءُ خيرًا لكم (¬3). وهذا خطأٌ في تقدير العربية كما يراه المبردُ؛ لأنه يُضمِر الجوابُ ولا دليلَ عليه (¬4)، وعند البصريين أنها منصوبة بفعل مُضمَر، والتقديرُ: يا ليتني جُعِلت فيها جذعًا، كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} (¬5) أي: انتهوا وائتوا خيرًا لكم (¬6)؛ وذاك لأنك حين قلت: (انتَهِ) فأنت تريدُ أن تُخرجَه من أمرٍ وتدخلَه في أمر، وقال الخليل: (كأنك تحملُه على ذلك المعنى؛ كأنك قلت: انتَهِ وادخُل فيما هو خيرٌ لك، وحذفوا الفعلَ لكثرة استعمالهم إياه في الكلام) (¬7). ومثلُ ذلك قولُ القُطامي (¬8): فَكَرَّتْ تَبْتَغِيهِ فَوَافَقَتْهُ ... عَلَى دَمِهِ وَمَصْرَعِهِ السِّبَاعَا (¬9) ¬

(¬1) لم أجد هذه الرواية في المظان، ووجدتها في مصادر وسيطة، منها: إعراب الحديث النبوي 331، شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى 1/ 161، فتح الباري 1/ 26، مطالع الأنوار 2/ 104. (¬2) النساء: 171. (¬3) إعراب القرآن للنحاس 219، إعراب القرآن الكريم وبيانه 2/ 160، المقتضب 3/ 283، مغني اللبيب 827، شرح شذور الذهب للجوجري 2/ 421. (¬4) المقتضب 3/ 283، شرح التصريح على التوضيح 1/ 473، شرح التسهيل 2/ 159. (¬5) النساء: 171. (¬6) المصادر السابقة. (¬7) نقلًا: الكتاب 1/ 282. (¬8) هو: عمير بن شييم بن عمرو بن عباد بن بكر بن عامر بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن بكر بن غنم بن تغلب بن حبيب، شاعر أموي، ديوان القطامي 6، الخزانة 2/ 370. (¬9) في ديوانه بلفظ: فكرت عند فيقتها إليه فألفت عند مربضها السباعا 41، البيت من الوافر، شرح أبيات سيبويه 158، الخصائص 2/ 474، الكتاب 1/ 284.

ومثله قولُ ابن الرُّقَيَّات (¬1): لَنْ تَرَاهَا وَلَوْ تَأَمَّلْتَ إلا ... وَلَهَا فِي مَفَارِقِ الرَّأْسِ طِيبَا (¬2) وإنما نصَبَ هذا لأنه حين قال: (وافقته) وقال: (لن تراها)، فقد عُلم أن الطيبَ والسباعَ قد دخلا في الرؤية والموافقة، وأنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى (¬3). وقدَّر الفراءُ: انتهوا انتهاء خيرًا لكم، على أنها نعتٌ لمصدر محذوف (¬4)، وضعَّف ابنُ الملقن هذا الرأيَ؛ لظنه أن الفراءَ بناه على إضمار (كان) لغيرِ دليل يدل عليها، وصحيحٌ أنَّ (كان) الناصبةَ لا تُضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها؛ كقولهم: (إن خيرًا فخير)، لكنَّ الفراء إنما بنى النصبَ على أنه نعتٌ لمصدر محذوف، ومع هذا فقد رُدَّ قولُ الفراء بقولهم: (حسبُك خيرًا لك)؛ فإن تقدير مصدرٍ ههنا لا يحسُن، وبقولهم: (وراءَك أوسعَ لك)؛ فإن (أوسع) صفةٌ لمكان لا لمصدر. وعلى هذا فلا يصلحُ أن يراد به المصدرُ. وخلاصةُ القول: إن جعلت (خيرًا) خبرًا لـ (كان) المقدرةِ فهذا خطأٌ في تقدير العربية، وإن قُدرت نعتًا لمصدر محذوف كما يرى الفراءُ، فالمعنى لا يناسبُ ذلك، لأنه يكون المعنى: (انتهوا الانتهاء الذي هو خير لكم) (¬5)، فتعين القولُ بأن يكون المقدرُ فعلًا مضمرًا (¬6). هذا، وقد أجاز ابنُ مالك إضمارَ (كان) الناقصةِ وإن لم تكن بعد (إنْ) و (لَوْ)، وذلك على قلة، بقوله: "وربما أُضمرت الناقصة بعد (لدن) وشبهِها" (¬7)، فمثالُ إضمارها بعد (لدُن): قولُ الشاعر (¬8): مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى إتِلَائِها (¬9) ¬

(¬1) عبد الله بن قيس الرقيات، شاعر أموي ت 75 هـ، ديوانه 5. (¬2) البيت من الخفيف، الكتاب 1/ 285، الخصائص 2/ 431، الانتخاب لكشف الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 20. (¬3) الكتاب 1/ 284. (¬4) مشكل إعراب القرآن لمكي 1/ 214، المعلم بفوائد مسلم 1/ 327، ولم أجد هذا التخريح في معاني القرآن للفراء. (¬5) إعراب القراب الكريم للنحاس 219. (¬6) شرح التسهيل 2/ 160. (¬7) المصدر السابق 1/ 364. (¬8) من الخمسين بيتا المجهول قائلها في الكتاب 1/ 264، همع الهوامع 1/ 443، شواهد التوضيح 190. (¬9) البيت من الرجز المشطور الكتاب 1/ 265، همع الهوامع 1/ 443، شواهد التوضيح 190.

والتقديرُ: من لدُ أن كانت شولًا فإلى إتلائها. ومثالُ إضمار (كان) بعد شبهِ (لدن): قولُ الراعي (¬1): أَزْمَانَ قَوْمِي وَالْجَمَاعَةُ كَالَّذِي ... منعَ الرِّحَالَةَ أَنْ تَمِيلَ مَمِيلَا (¬2) والتقدير: أزمانَ كان قومي والجماعةُ. وأما كونُها منصوبة على الحال، فهذا الذي رجَّحه القاضي عياض (¬3)، وقال النووي: (إنه الصحيح الذي اختاره المحققون) (¬4)؛ لأنه حين قال: (يا ليتني فيها جذعًا) كان قد أسَنَّ وعمِي، ويصبح التقدير: في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنُصرتك (¬5). وأما كونُ (جذعًا) خبرًا لـ (ليت) العاملةِ عملَ (تمنَّيت) الناصبةِ للجزأين، فقولٌ منسوب لبعض الكوفيين، وحكى ابنُ السِّيدِ: أن ذلك لغةٌ لقوم من العرب دون تحديد (¬6)، كما سُمع: (لعل زيدًا أخانا) (¬7). ويرى الفراءُ جوازَ نصب الجزأين بـ (ليت) خاصة (¬8)، تشبيهًا لها بفعل التمني، فقولُك: (ليت زيدًا قائمًا)، مثل (تمنيتُ زيدًا قائمًا)، وكأنه لَمَح فيه معنَى الفعلِ الذي ناب الحرفُ عنه (¬9)، ومن ذلك قولُ الراجز (¬10): يا ليت أيامَ الصِّبا رواجعَا (¬11) ¬

(¬1) عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل بن قطن بن ربيعة بن عبد الله بن الحارث بن نمير بن عامر بن صعصعة، الخزانة 3/ 145، ضياء السالك 1/ 250. (¬2) البيت من الكامل، الخزانة 3/ 145، الكتاب 1/ 305، التذييل والتكمييل 4/ 231. (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 489، (¬4) مسلم بشرح النووي 2/ 203. (¬5) شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى 1/ 161، التوضيح شرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬6) نقلًا: الجنى الداني 393، همع الهوامع 1/ 490. (¬7) همع الهوامع 1/ 491. (¬8) معاني القرآن للفراء 1/ 410، شرح المفصل 8/ 84، الجنى الداني 1/ 394، همع الهوامع 1/ 490. (¬9) المسائل النحوية في كتاب فتخ الباري بشرح صحيح البخاري 1/ 416. (¬10) للعجاج في طبقات فحول الشعراء 1/ 78، لرؤبة في شرح المفصل 1/ 104. (¬11) البيت من الرجز، الكتاب 1/ 142، الأصول في النحو 1/ 148، مغني اللبيب 376، شرح الأشموني 1/ 295.

ومن خلال دراسة المسألة السابقة، يتبيَّنُ أنَّ ابنَ الملقن ذكر الأوجُه الإعرابيةَ لـ (جذعًا) كما وردت عند شراح الحديث قبلَه، وعند أهل الصناعة، مع عزوِ هذه الآراء إلى أصحابها، وذلك يدلُّ على سَعة اطلاعِ ابن الملقن ومنزلتِه العلمية.

مسألة حذف المضاف إليه وترك المضاف على هيئته قبل الحذف

مسألة حذف المضاف إليه وترك المضاف على هيئته قبل الحذف في قوله - عليه السلام -: " ... فأُوحي إليَّ أنكم تُفتَنون في قبوركم مثلَ أو قريبَ -لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماءُ- مِن فتنةِ المسيحِ الدجال ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (مثلَ أو قريبَ) كذا في كثير من نُسَخ البخاري. قال القاضي: وكذا رويناه عن الأكثر في الموطأ، ورويناه عن بعضهم: (مثلًا أو قريبًا)، ولبعضهم: (مثلَ أو قريبًا)، وهو الوجهُ، وقال ابنُ مالك: يُروى في البخاري (أو قريبَ) بغير تنوينٍ، والمشهورُ (أو قريبًا)، ووجهُه أن يكون أصلُه: (مثلَ فتنةِ الدجالِ أو قريبًا من فتنة الدجال)، فحُذف ما كان مثلُ مضافًا إليه، وتُرك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذفُ لدلالة ما بعده، والمعتادُ في صحة هذا الحذف أن يكون مع إضافتين؛ كقول الشاعر: أمامُ وخلفُ المرءِ مِن لُطفِ ربِّه ... كوالئُ تَزوي عنه ما هو يَحذَرُ وجاء أيضًا في إضافةٍ واحدةٍ؛ كما هو في الحديث. وأما روايةُ (قريبَ) بغير تنوين فأراد (مثلَ فتنة الدجال، أو قريبَ الشبه من فتنة الدجال)، فحُذف المضاف إليه، وبقِي "قريب" على هيئته، وهذا الحذف في المتأخِّر لدلالة المتقدِّم عليه قليلٌ، مثل قراءة ابن مُحَيْصن: {فَلَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ} (¬2)؛ أي: لا خوفُ شيءٍ، وكقول الشاعر: أقولُ لَمَّا جاءني فَخْرُه ... سُبحانَ مِن علقمةَ الفاخِر أراد: سبحان الله، فحذفَ المضافَ إليه، وترك المضافَ بحاله. يقولُ الشاعرُ: العجبُ منه إذ يفخرُ" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن للفظِ (مثل - قريب) في هذا الحديث رواياتٍ ثلاثًا: ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 28، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. (¬2) البقرة: 38. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 433.

أحدُها: (مثلَ أو قريبَ) بغير تنوين (¬1). ثانيها: (مثلًا أو قريبًا) بالتنوين (¬2). ثالثُها: (مثلَ أو قريبًا) بغير تنوين لـ (مثل)، وبالتنوين لـ (قريب) (¬3). فتوجيهُ الرواية الأولى (مثلَ أو قريبَ): مثلَ فتنة المسيح الدجال، أو قريبَ الشبهِ من فتنة المسيح الدجال، فحُذف المضاف إليه "الشبه" وبقِي المضافُ على حاله قبل حذف المضاف إليه (¬4). ووُجهت توجيهًا آخرَ؛ وهو أن (قريبَ) مضافٌ إلى فتنة أيضًا، وأُقحم حرفُ الجر بين المتضايِفَين (¬5). والذي يظهرُ أن التوجيه الأولَ لهذه الرواية أقوى؛ وهو توجيه ابن مالك؛ لأن المعهودَ في الفصل بين المتضايِفَين أن يكون من مواضعِ زيادة (اللام) وليس (من)؛ إذ هو ليس من المواضعِ التي تُزاد فيها (¬6). أما الروايةُ الثانية (مثلًا أو قريبًا) فتوجيهُها: تُفتنون في قبوركم فتنةً مثلًا -أي: مماثلًا- فتنةَ المسيح الدجال أو فتنةً قريبًا من فتنة المسيح الدجال، فـ (مثلًا) منصوب على أنه صفةٌ لمصدر محذوف، و (قريبًا) معطوف عليها (¬7). وأما روايةُ (مثلَ أو قريبًا) فتوجيهُها: فأوحي إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثلَ فتنةِ الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال، فحُذف ما أضيف إلى (مثل)؛ وهو "فتنة الدجال"، وتُرك المضافُ على هيئته قبل الحذف (¬8)، وهي الوجهُ كما يرى ابن الملقن؛ لجواز حذف المضاف إليه لدلالةِ ما بعدَه عليه. ما سبَق هو توجيهٌ لروايات الحديث وتوضيحٌ لما اختاره ابنُ الملقن منها، وبيانُ ذلك فيما ¬

(¬1) صحيح البخاري (86). (¬2) المنتقى شرح الموطإ 1/ 330. (¬3) صحيح البخاري (1053) (¬4) شواهد التوضيح 1/ 162. (¬5) فتح الباري 1/ 183، إرشاد الساري 1/ 184. (¬6) رصف المباني 244، الجنى الداني 106 - 107. (¬7) عمدة القاري 2/ 96. (¬8) فتح الباري 1/ 183، عمدة القاري 2/ 95، إرشاد الساري 1/ 184، شواهد التوضيح 1/ 162.

يلي: في رواية (مثلَ أو قريبَ) و (مثلَ أو قريبًا) ذكر ابنُ الملقن مسألةَ حَذْفِ المضافِ إليه؛ لدلالةِ ما بعدَ المحذوف عليه، وهذا جائزٌ عند النحويين، وذلك أنه قد يُحذف المضافُ إليه لظهور معناه ويُنوى لفظُه لقوة الدلالة عليه، ويبقى المضافُ بإعرابه وهيئته التي يَستحقُّها مع بقاء المضاف إليه، فلا يُنون، ولا تُرد إليه النونُ إن كان مثنًّى أو مجموعًا، وأكثرُ ما يكونُ ذلك إذا عُطف على المضاف مضافٌ لِمَا يُماثل المحذوفَ لفظًا ومعنًى (¬1). قال ابنُ مالك في ألفيته (¬2): ويُحذف الثاني فيبقى الأولُ ... كحاله إذا به يتصلُ بشرطِ عطفٍ وإضافةٍ إلى ... مثلِ الذي له أضفتَ الأوَّلا ومن شواهدِ المسألة: ما أورده ابنُ الملقن من قول الشاعر (¬3): أمامُ وخلفُ المرءِ من لُطفِ ربِّه ... كوالئُ تَزوي عنه ما هو يَحذَرُ (¬4) أي: أمامُ المرء وخلفُ المرء. ومن ذلك قولُ الفرزدق (¬5): يا مَن رأى عارضًا أُسَرُّ به ... بين ذراعَيْ وجبهةِ الأسَدِ (¬6) أي: بين ذراعَيِ الأسدِ وجبهةِ الأسد. وقد يكونُ الحذفُ مع إضافةٍ واحدة، كما في هذا الحديث، ومنه ما أورده ابنُ الملقن من ¬

(¬1) شرح التسهيل 3/ 247. (¬2) ألفية ابن مالك 38. (¬3) البيت بلا نسبة، همع الهوامع 2/ 197، شواهد التوضيح 157. (¬4) البيت من الطويل، وروي بألفاظ أخرى منها: ما كان يحذر، وذكر في همع الهوامع 2/ 197، شواهد التوضيح 157. (¬5) همام بن غالب الدارمي، ت: 110 هـ، وترجمته في الأعلام للزركلي 8/ 93. (¬6) البيت من المنسرح، ارتشاف الضرب 3/ 2206، الخزانة 2/ 319، شرح الأشموني 2/ 177.

قراءة ابن محيصن: {فَلَا خَوْفُ عَلَيهِمْ} (¬1) أي: لا خوفُ شيءٍ عليهم (¬2). وكذلك ما أورده ابنُ الملقن من قول الشاعر (¬3): أقولُ لَمَّا جاءني فَخْرُه ... سُبحانَ مِن علقمةَ الفاخِرِ (¬4) أراد سبحانَ الله، فحذفَ المضافَ إليه وأبقى المضافَ على الهيئة التي يستحقُّها قبل الحذف. أما حذفُ المضاف إليه مع عطف أو إضافة، فالخلافُ حول المحذوف على قولين كما يلي: 1 - أن المضاف إليه محذوفٌ من الأول، والمعطوفَ مضافٌ إلى الموجود، ويكون التقدير في بيت الفرزدق -مثلًا- بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد، وذهب إلى هذا الرأي المبردُ (¬5) وابنُ مالك (¬6). 2 - أن المضاف إليه محذوفٌ من الثاني، فالأول مضافٌ إلى الاسم الظاهر، والثاني مضافٌ إلى ضميره، تقديره: بين ذراعي الأسد وجبهتِه، فحُذف الضمير وقُدم المضاف إليه الثاني بين المضاف الأول والمضاف إليه الثاني؛ ليكون المضافُ إليه الظاهرُ عوضًا عن المضاف إليه الثاني (¬7)، وهذا مذهبُ سيبويه، وصحَّحه ابنُ هشام (¬8). ¬

(¬1) البقرة: 38. (¬2) محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، مقرئ أهل مكة، أحد القراء الأربعة عشر توفي 123 هـ.، وردت هذه العبارة في أكثر من آية؛ منها الآية رقم 38 من سورة البقرة، والآية 69 من سورة المائدة، والآية رقم 48 من سورة الأنعام، والآية 35 من سورة الأعراف، والآية رقم 13 من سورة الأحقاف، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر 1/ 176، تفسير الألوسي 1/ 241، همع الهوامع 2/ 523، شرح الكافية الشافية 2/ 978. (¬3) البيت للأعشى، ميمون بن قيس بن جندل، ت: 7 هـ، وترجمته في الأعلام للزركلي 7/ 341. (¬4) البيت من السريع، ديوانه 143، الكتاب 1/ 324، الخصائص 2/ 218، همع الهوامع 2/ 115، شرح أبيات سيبويه 1/ 109. (¬5) المقتضب 4/ 228. (¬6) شرح التسهيل 3/ 349. (¬7) شرح الجمل لابن عصفور 2/ 93 - 100، المسائل النحوية د. ناهد العتيق 2/ 647. (¬8) مغني اللبيب 809، شرح ابن عقيل 3/ 81.

ويترجحُ من هذين القولين الأول؛ وذلك أننا إذا قدَّرنا مضافًا إلى الظاهر وقدَّرنا الثاني مضافًا إلى ضمير الاسم المتقدم؛ فقد أتينا بالشيء على أصله (¬1)، ولعدم مخالفته للأصول بأكثرَ مِن حذف متقدمٍ لدلالة متأخِّر عليه. ¬

(¬1) شرح أبيات سيبويه 1/ 81.

مسألة وجه الإعراب في قوله: (عليك ليل طويل) بالرفع والنصب

مسألة وجه الإعراب في قوله: (عليك ليلٌ طويلٌ) بالرفع والنصب في قوله - عليه السلام -: " ... عليك ليلٌ طويلٌ فارقُد ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (ليلٌ طويلٌ) رفعٌ على الابتداء، أو على الفاعل؛ بإضمار فعل أي: بقِي عليك. وقال القرطبي في رواية مسلم: وروايتُنا الصحيحة: (ليلٌ طويلٌ) على الابتداء والخبر، ووقع في بعض الروايات: (عليك ليلًا طويلًا)، على الإغراء. والأولُ أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور؛ من حيث إنه يُخبره عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد بقوله: (فارقد)، وإذا نُصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قولُه: (فارقد) ضائعًا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن روايتين في هذا الحديث للفظ (ليل طويل)؛ أحدُهما بالرفع على الابتداء أو على أنه فاعل لفعل مضمر، وثانيها بالنصب (¬3) على الإغراء. أما روايةُ الرفع فيرى القرطبي أنها الروايةُ الصحيحة، واستند في ذلك إلى المعنى؛ لأنه الأمكن في الغرور، فيُجمع للإنسان بين الإخبار بطول الليل ليطمئن ثم يُؤمر بالرقاد (¬4)، ولا شك أن هذا من تلبيس إبليس؛ وهو مرادٌ شيطاني بحت. وقد يُقصد بالغرور هنا: إيهامٌ يحمل الإنسانَ على فعل ما يضرُّه، وقيل: إيهامُ حالِ السرور فيما الأمرُ بخلافه في المعلوم، وليس كلُّ إيهام غرورًا؛ لأنه قد يُوهمه مَخُوفًا ليَحذرَ منه فلا يكونُ قد غرَّه (¬5). وأما روايةُ النصب فنقل القاضي أن رواية الأكثرين عند مسلم: "عليك ليلًا طويلًا" ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 52، باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 89. (¬3) صحيح مسلم (730). (¬4) المفهم 2/ 409. (¬5) الفروق في اللغة 461.

بالنصب على الإغراء (¬1). والذي يظهرُ أن التوجيه من حيث المعنى أَوْلَى؛ فما يُصيب الإنسانَ حالَ نومه ويقظته، يقتضي أن يكونَ هناك تزيينٌ للنوم وإطالة للوقت، فإن كان كذلك، فهذا هو ما تقتضيه الرواية الأولى: "عليك ليلٌ طويلٌ فارقد"؛ لأنها إخبارٌ بطول الليل ومِن ثَمَّ أمرٌ بالرقاد. وأما المعنى في الرواية الثانية: "عليك ليلًا طويلًا"؛ فهو أمر بملازمة الرقاد؛ لأن معنى الإغراء: (الزم واحفظ) (¬2). ¬

(¬1) إكمال المعلم 3/ 142. (¬2) الجمل في النحو 55.

مسألة حذف المنعوت وإقامة النعت مكانه

مسألة حذف المنعوت وإقامة النعت مكانَه في قوله - عليه السلام -: " ... ثم يُضرَب بمِطرقة من حديدٍ ضربةً بين أذنَيْه ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (ثم يُضرَب بمطرقة من حديد ضربةً)، وفي رواية: (بمطارقَ من حديد)، وفي أخرى: (ضربةً مِن حديدٍ) أي: من رجلٍ حديد، فحذفَ الموصوفَ وأقامَ الصفة مُقامَه، قال أبو الحسن: معناه: من حَنِقٍ شديدِ الغضبِ" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن رواياتٍ ثلاثًا لهذا الحديث؛ أحدُها: بإفراد مطرقة (¬3)، وثانيها بجمعها (¬4)، وروايةٌ ثالثة (ضربة من حديد) (¬5) وتوجيهُها: يُضرب بمطرقة ضربةً من رجل حديد، ومعنى ذلك كما قال أبو الحسن: من رجل حنق شديد الغضب، (¬6) فحُذف الموصوف وهو (رجل) وأُقيمت الصفة مكانَه. وبيانُ المسألة: أن حذف النعت أو المنعوت جائزٌ عند النحويين (¬7)، قال ابنُ مالك: ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 90، باب الميت يسمع خفق النعال. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 40. ووقع في المطبوع (خنق) بالخاء، وسيأتي على الصواب في الكتاب نفسه 10/ 153. (¬3) صحيح البخاري 2/ 90. (¬4) صحيح البخاري 2/ 98، باب ما جاء في عذاب القبر. وقال الكرماني: (مطارق) مؤذن بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة. نقلا: فتح الباري 3/ 239. (¬5) لم أجد -فيما قرأت- من روى هذه الرواية، غير ما ذكره ابن الملقن هنا، وتوجيه ابن الملقن لهذه الرواية صحيح حسب القواعد النحوية. (¬6) كثيرًا ما ينقل ابن الملقن عنه بهذا الاسم، أو قال الشيخ أبو الحسن، وربما يقصد أبي الحسن القابسي؛ لأنه في مواضع أخرى يقول: قال الشيخ أبو الحسن القابسي، وهو: علي بن محمد المعافري القابسي، ت: 403 هـ، وفيات الأعيان 3/ 320، سير أعلام النبلاء 17/ 158، وكذلك ينقل عنه النووي بهذا الاسم 10/ 20، وابن حجر 15/ 245. (¬7) شرح الكافية الشافية 3/ 1165، اللمحة في شرح الملحة 2/ 735، توضيح المقاصد 2/ 964، شرح الأشموني 2/ 328.

والنعتُ والمنعوتُ ربما حُذِفْ ... ما منهما يُعلمُ حين ينحذفْ (¬1) وقال في ألفيته: وما من المنعوتِ والنعتِ عُقِلْ ... يجوزُ حذفُه، وفي النعت يقِلْ (¬2) ويدل ذلك على أن المنعوت يكثُر حذفه بشرطِ أن يُعلمَ جنسُه، وأن يكون صالحًا لمباشرة العمل، كما في قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} (¬3) أي: دروعًا سابغاتٍ، أو أن يكون المنعوتُ بعضَ اسمٍ مخفوض بـ (من) أو (في) (¬4). كقول الراجز (¬5): لو قلتَ: ما في قومِها لم تِيثَمِ ... يَفضُلُها في حسبٍ ومِيسَمِ (¬6) أي: ما في قومها أحدٌ يفضلُها. وإذا لم يكن النعتُ صالحًا لمباشرة العمل، أو كان المنعوتُ ليس بعضَ اسم مخفوض؛ امتنع حذفُ المنعوت -غالبًا- إلا في الشعر ضرورة، ومنه قولُ الشاعر (¬7): كأنكَ مِن جِمالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... يُقعقَعُ بين رِجْلَيْه بِشَنِّ (¬8) أي: كأنك جملٌ مِن جمالٍ. وأما النعتُ فحذفُه قليل، ومثالُ ذلك كما في قوله تعالى: {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (¬9) أي: صالحةٍ. وبعد بيان أقوالِ النحاة السابقة في حذف النعت والمنعوت، ودراسةِ توجيه الحديث؛ حيث ¬

(¬1) شرح الكافية الشافية 3/ 1163. (¬2) ألفية ابن مالك 45. (¬3) سبأ: 11. (¬4) شرح التسهيل 3/ 333، أوضح المسالك 3/ 286. (¬5) نسب للنابغة الذبياني، وحكيم بن معية الربعي، الكتاب 2/ 345، الخصائص 2/ 372، وبلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 62. (¬6) الكتاب 2/ 345، الخصائص 2/ 372، المفصل 154، خزانة الأدب 5/ 62. (¬7) النابغة الذبياني، زياد بن معاوية الذبياني 3/ 54. (¬8) البيت من الوافر، الكتاب 2/ 345، المقتضب 2/ 138، شرح أبيات سيبويه 2/ 70، خزانة الأدب 5/ 69. (¬9) الكهف: 79.

حُذف المنعوت، تبيَّن أن حذفَ المنعوت في هذا الحديث جائزٌ؛ لكون المنعوت معلومَ الجنس، والنعتُ صالحٌ لمباشرة العمل.

مسألة إضافة العدد المركب إلى تمييزه

مسألة إضافة العدد المركَّب إلى تمييزِه في قول عائشة رضي الله عنها في حديث أمِّ زَرْع: " ... جلس إحدى عشرةَ امرأةً ... " (¬1). قال ابن الملقن: "قولها: (جلس) كذا في الأصول، ووقع في مسلم بنون، وهنا: (امرأة)، وفي أخرى: (نسوة)، وللنسائي: (اجتمعن)، ولأبي عبيد: (اجتمعت)، بالتاء. قال ابنُ التين: وقوله: (جلَس إحدى عشرة امرأة)، أي: جَمْعٌ، مثل: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (¬2)، قال عياض: والأحسنُ في الكلام حذفُ علامة التأنيث ونونِ الجماعة. وباب العدد في العربية: أن ما بين الثلاثة إلى العشرة مضافٌ إلى جنسه، ومن أحدَ عشرَ إلى تسعةٍ وتسعين مميزٌ بواحد يدلُّ على جنسه، وما بعد هذا مضافٌ إلى واحد من جنسه، وقد جاء هنا: النسوة -وهو جنسٌ- بعد إحدى عشرة، وهو خارجٌ عن وجه الكلام، ولا يصحُّ نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد، ولا يصلحُ إضافةُ العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمارِ: أعني، أو يكونُ مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (¬3)، الأسباط بدل من (اثنتي عشرة)، وليس بتفسيرٍ فيما قاله الفارسيُّ وغيرُه. وقولها: (جلس إحدى عشرة)، قال النحويون: يجوزُ (جلست)، كما تقول في واحد: جلست امرأةٌ، ولو قلتَ: (قام الرجالُ) جاز، ويجوزُ: قامت، بتقديرِ: قامت جماعةُ الرجال، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} (¬4) " (¬5). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن رواياتٍ للحديث (¬6)، ثم أورد تخريجًا لرواية (جلس إحدى عشرة نسوة)، ¬

(¬1) صحيح البخاري 7/ 27، باب حسن المعاشرة مع الأهل. (¬2) يوسف: 30. (¬3) الأعراف: 160. (¬4) الحُجُرات: 14. (¬5) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 568. (¬6) رواية (جلس) في هذا الحديث، (جلسن) ذكر ابن الملقن أنها في مسلم، ولم أجدها، وقال المازري في المعلم: وفي أصل مسلم (جلس) 3/ 142، (نسوة) مسند إسحاق ابن راهويه (745)، (اجتمعن) السنن الكبرى للنسائي (9090)، (اجتمعت) السنن الكبرى للنسائي (9092).

وبين أنه لا يصحُّ النصبُ على التمييز؛ لكونِ (نسوة) جمعًا، والعددُ (إحدى عشرة) لا يُميز إلا بمفرد، وإنما يصحُّ النصبُ على إضمار (أعني)، أو الرفعُ بدلًا من الفاعل (إحدى عشرة). ثم ذكر رأيَ النحويين في حكم حذف علامة التأنيث ونونِ الجماعة، وقال: إن الأحسنَ في الكلام حذفُهما (¬1)، وذلك في مثل: جلس إحدى عشرة امرأة. وبيان ذلك فيما يلي: أما رواية (نسوة) فدراستُها ضمن باب العدد وتمييزه، حيث ذكر النحويون أن العدد (3 - 10) ما بعده مضافٌ لجنسه مجموع، والعدد (11 - 99) يُميَّز بواحد يدل على جنسه، والعدد (100 - 1000) ما بعده مضاف لجنسه مفرد (¬2). و(نسوة) اسمُ جمع، جاء بعد عددٍ تمييزُه مفرد، فلا يصلحُ إضافةُ العدد الذي قبله إليه، إذ لا تمييز للعدد (11) إلا بواحد، وهذا كما قال ابنُ الملقن خارجٌ عن وجه الكلام، فنصبُ (نسوة) يكونُ على إضمارِ (أعني)، ورفعُها يكونُ على البدلية من الفاعل (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ؛ لئلا يُحتاج إلى تقدير. فبهذين التخريجين استقامت روايةُ الحديث، وقد تُعرب (نسوة) تمييزًا، باعتبار الأصل، وإلا فهي جمعٌ في الدلالة. ونظير ذلك قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (¬3)؛ إذ أعربوا (أسباطًا) بدلا من (اثنتي عشرة)، لكونها جمعًا بعد عدد تمييزُه مفرد (¬4)، وأعربت (أسباطا) صفةً لموصوف محذوف تقديره (فرقة أسباطًا) (¬5)، وأعربت كذلك تمييزًا؛ لأنه مفرد تأويلًا، كما قال ذلك ¬

(¬1) كما يراه القاضي عياض، إكمال المعلم 7/ 456. (¬2) الكتاب 1/ 206، الأصول 1/ 311، أوضح المسالك 2/ 300، شرح ابن عقيل 4/ 69، همع الهوامع 2/ 346. (¬3) الأعراف: 160. (¬4) معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 383، إعراب القران للنحاس 2/ 76، مشكل إعراب القران لمكي 1/ 303. (¬5) الجدول في إعراب القرآن 9/ 103.

الفارسي، والزمخشري وغيرهما (¬1). وأما مسألةُ حذف علامة التأنيث ونونِ الجماعة في مثل (جلَس إحدى عشرة امرأة) و (جلست إحدى عشرة نسوة) و (جلسْنَ إحدى عشرة امرأة)؛ فهذا جائز عند النحويين، قال ابنُ مالك في ألفيته (¬2): والحذفُ قد يأتي بلا فَصْلٍ ومَعْ ... ضميرِ ذي المجازِ في شعرٍ وَقَعْ والتاءُ مع جمعٍ سوى السالمِ مِنْ ... مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ ومما سبق يتضحُ جوازُ أن يقال: (جلس إحدى عشرة امرأة / نسوة، وجلسن إحدى عشرة امرأة / نسوة، واجتمعت إحدى عشرة امرأة / نسوة، واجتمعن إحدى عشرة امرأة / نسوة)، أما (امرأة) فالتأنيثُ فيها حقيقي والحذفُ معها على قلة، ومن ذلك ما سُمع عن العرب: قال فلانةُ (¬3)، ومنه قولُ لبيد (¬4): تمنَّى ابْنَتايَ أن يعيشَ أبوهُما ... وهل أنا إلا مِن ربيعةَ أو مُضَرْ (¬5) فحُذفت علامة التأنيث بلا فصل ومع مؤنث حقيقي، (والحذف قد يأتي بلا فصل) أي: مع المؤنث الحقيقي، ولا خلاف في أن المثنى كالواحد (¬6). وأما (نسوة) فهي اسم الجمع، ويجوزُ حذفُ علامة التأنيث معها (والتاء مع جمع سوى السالم)، بخلافِ جمع المذكر السالم؛ فلا يعتبر التأنيث فيه؛ لأن سلامة النظم تدل على التذكير (¬7). وما مثَّل به ابنُ الملقن؛ نحو: (قام الرجال)، و (قامت الرجال)، وقوله تعالى: {قَالَتِ ¬

(¬1) نقلًا: بغية الرائد 31، البحر المحيط 5/ 199، تفسير الألوسي 5/ 82. (¬2) ألفية ابن مالك 25. (¬3) الكتاب 2/ 38. (¬4) لبيد بن ربيعة بن مالك، ت: 41 هـ، وترجمته في الأعلام للزركلي 5/ 240. (¬5) البيت من الطويل، ديونه 79، شرح التسهيل 2/ 114، همع الهوامع 3/ 333. (¬6) شرح التسهيل 2/ 114. (¬7) شرح الكافية الشافية 2/ 598.

الْأَعْرَابُ آمَنَّا} (¬1)، فـ (الرجال) و (الأعراب) جمعَا تكسيرٍ، ويجوزُ معه حذفُ علامة التأنيث وبقاؤها. ¬

(¬1) الحُجُرات: 14.

مسألة ضبط (أما بعد) بين الإعراب والبناء

مسألة ضبط (أمَّا بَعْدُ) بين الإعراب والبناء في قوله - عليه السلام -: " ... أما بَعْدُ ... " (¬1). قال ابن الملقن: "في ضبطها أربعة أوجه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها" (¬2). بيان المسألة: كلمة (أما بعد) تُقال بعد الثناء، وهي من فصيح الكلام، وتُسمى فصلَ الخطاب، إذ تفصلُ بين الثناء على الله عز وجل وبين ابتداء الخبر، وبها إشعارٌ بأن الأمور كلَّها -وإن جلت وعظمت- فهي تابعةٌ لحمد الله والثناء عليه (¬3)، وتعني: مهما يكُن من شيء (¬4)، أي: يكُن الثناءُ أولًا، وجميع المهمات تبعٌ له من أمور الدين والدنيا. وقد يُفصل بـ (وبعد) فهي كالسابقة، فالواو تنوب عن (أما)، وهي نائبة عن (مهما)، ولذا لزِمت الفاءُ بعدها، فقد ألغز أحدُهم: وما واوٌ لها شرطٌ يليهِ ... جوابٌ قرنُه بالفاءِ حَتْمَا وأجاب بعضُهم: هي الواو التي قُرِنت ببَعْدٍ ... وأمَّا أصلُها والأصْلُ مهما (¬5) ذكر ابن الملقن أربعةَ أوجُه لضبط دالِ (أما بعد)؛ بضمها، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها. وبيان ذلك فيما يلي: (بعد) عند النحويين من الظروف الملازمة للإضافة، ويُضبط آخرها بأحد حالتين: إما ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 10، باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 551. (¬3) المصدر السابق، فتح الباري لابن رجب 8/ 261. (¬4) الكتاب 4/ 235، ونص عبارته: وأما (أما) ففيها معنى الجزاء، كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من شيء من أمره، فمنطلق. (¬5) فتح المتعال على القصيدة المسماة بلامية الأفعال 179، حاشية السجاعي على شرح القطر 5.

الإعرابُ وإما البناءُ (¬1). قال ابن مالك: واضمُم بناءً غَيْرًا ان عَدِمْتَ ما ... له أُضِيفَ ناويًا ما عُدِمَا قبلُ كغَيْرُ بعدُ حَسْبُ أوَّلُ ... ودُونُ والجهاتُ أيضًا وعَلُ وأعرَبوا نصبًا إذا ما نُكِّرَا ... قبلًا وما مِن بعدِه قد ذُكِرا (¬2) فتُعرب نصبًا على الظرفية بلا تنوين، إذا لم يُحذف المضاف إليه، أو إذا حذف ونُوي لفظُه. فمثالُ الأول: قوله تعالى: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} (¬3)، والآخرُ في مثل قول الشاعر (في رواية النصب): أمامَ وخلفَ المرءِ من لُطفِ ربه ... كوالئُ تزوي عنه ما هو يَحذَرُ (¬4) وتُعرب بالنصب والتنوين إذا حُذف ولم يُنو شيءٌ، قال الشاعر (¬5): ونحنُ قتلنا الأزدَ أزدَ شَنُوءةٍ ... فما شرِبوا بَعدًا على لذةٍ خَمْرَا (¬6) أما إذا حُذف المضاف إليه ونُوي معناه فتُبنى على الضم، وذلك في مثل قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (¬7)، وسببُ بنائها افتقارُها إلى المضاف إليه معنًى كافتقار الحروف. وأجاز الفراء (أما بعدٌ) بالتنوين، وأنشد: ونحنُ قتلنا الأزدَ أزدَ شنوءة ... فما شربوا بعدٌ على لذةٍ خَمرَا وقال النحاسُ: والذي أجازه الفراءُ لا حجة فيه؛ لأنه مستقيمٌ في الوزن بلا تنوين (¬8). ¬

(¬1) شرح الكافية الشافية 2/ 962، توضيح المقاصد والمسالك 2/ 817، إحراز السعد 55. (¬2) ألفية ابن مالك 37. (¬3) الجاثية: 6. (¬4) البيت بلا نسبة، وروي بألفاظ أخرى منها: (ما كان يحذر)، ذكر في شرح التسهيل 3/ 247، شواهد التوضيح 157، همع الهوامع 2/ 197. (¬5) نسب لرجل من بني عقيل ولم يعين، معاني القرآن للفراء 2/ 321، أوضح المسالك 3/ 134، خزانة الأدب 6/ 506. (¬6) ذكر بألفاظ أخرى منها ("أسد خفية" وكذلك "بعدٌ")، عمدة الكتاب 242، شرح الكافية الشافية 2/ 965، همع الهوامع 2/ 192. (¬7) الروم: 4. (¬8) عمدة الكتاب 242.

هذه هي الأوجُه الإعرابيةُ لـ (أما بعد) عند النحاة، وذكرها ابنُ الملقن كما هي مقررةٌ عندهم.

مسألة علة منع (مثنى) من الصرف

مسألة علة منع (مَثْنَى) من الصَّرْف في قوله - عليه السلام -: " ... صلاةُ الليل مَثْنى مَثْنى ... " (¬1). قال ابن الملقن: "معنى (مثنى مثنى): اثنين اثنين؛ يريد: ركعتين ركعتين بتسليمٍ في آخِر كل ركعتين، و (مثنى) معدولٌ عن: اثنين اثنين؛ فهي لا تنصرفُ للعدل المكرَّر، وكأنها عُدلت مرتين؛ مرة عن صيغة اثنين، ومرة عن تكرُّرِها، وهي نكرةٌ تُعرَّف بلام التعريف، تقولُ: المَثْنَى، وكذا ثُلاثُ ورُباعُ، وقيل: إنما لم تنصرف للعدل والوَصْف، تقول: مررتُ بقومٍ مَثْنَى. أي: مررت بقوم اثنين اثنين، وموضعُها رفعٌ؛ لأنها خبر المبتدأ الذي هو قولُه: "صلاةُ الليل"، وفي رواية عن ابن عمر سُئل: ما مثنى مثنى؟ قال: يُسلِّم في كل ركعتين" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن علةَ منعِ (مثنى) من الصرف، وذلك للعَدْل المكرر، أو العدل والوصف، وللنحاة مذاهبُ عدةٌ حول منع (مثنى) من الصرف. وبيان ذلك فيما يلي: المذاهبُ المنقولة في علة منعِ (مَثْنَى) من الصرف أربعةٌ: المذهب الأول: ما نقل عن الخليل، وهو أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعَدْل من: اثنين اثنين، وللوَصْف؛ لأن هذه الألفاظ لم تستعمل إلا نكراتٍ (¬3)، ففي الحديث السابق " ... صلاة الليل مثنى مثنى ... "؛ تُعرب (مثنى) الأولى خبرًا لـ (صلاة الليل)، والثانيةُ توكيد. وأُورِدَ عليه بأن الوصفية في أسماء العدد عارضةٌ؛ وهي لا تمنعُ من الصرف، ويُجاب بأن هذا التركيب لم يُوضع إلا وصفًا، ولم يستعمل إلا مع اعتبار الوصف فيه، ووضعُ المعدول غيرُ ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 42، باب ما جاء في الوتر. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 8/ 166. (¬3) الكتاب 2/ 15، ونص عبارته "وسألته عن أحاد وثناء ومثنى وثلاث ورباع، فقال: هو بمنزلة أُخَر، إنما حدُّه واحدًا واحدًا، واثنين اثنين، فجاء محدودًا عن وجهه، فتُرك صرفه".

وضع المعدول عنه (¬1). المذهب الثاني: ما نُقل عن الزجَّاج، وهو أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعدل عن: اثنتين اثنتين، وللعدلِ عن التأنيث، وقال: لا أعلم أن أحدًا من النحويين ذكرهما (¬2). وأُخِذ عليه بأنَّ في ذلك ادعاءَ عدلين في اسمٍ واحد؛ وهذا لا يجوزُ؛ وذلك لأن العدل هو أن تلفِظَ بالكلمة وتريدَ بها كلمةً على لفظ آخَرَ، فمثلًا (عُمَر) عُدلت عن عامرٍ، وبكِلَا اللفظين تريد عامرًا، فلو كان ثَمَّ عدلٌ في المعنى للزِم أن يكونَ المعنى في حال العدل غيرَ المعنى الذي كان قبل العدل، وليس هذا هو المرادَ؛ لأن المعنى في الأسماء المعدولِ عنها هو المعنى نفسُه في الأسماء المعدولة، فكيف يجوزُ أن تكون معدولةً عنها؟ (¬3) المذهب الثالث: ما نقله الأخفشُ عن بعض النحويين (¬4)؛ وهو أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعدل عن اثنين، وللعدلِ في المعنى، وذلك أن العدل جُعل بيانًا لترتيب الفعل؛ فمثلًا: (جاءني القوم مثنى)، أي أن مجيئَهم اثنين اثنين، بخلافِ أسماء العدد غيرِ المعدولة فيُقصد بها مقدارُ المعدودين، فتقول: (جاء اثنانِ وثلاثةٌ وأربعةٌ). ومما سبق يتبيَّن اختلافُ المعنى بين الأسماء المعدولة وغيرِ المعدولة، وبذلك أجاز أبو حيانَ أن تقوم العلةُ مقامَ العلتين؛ لإيجابها معنيَين مختلفَين (¬5). المذهب الرابع: ما نُقل عن الفرَّاء (¬6) أن (مثنى) منعت من الصرف للعدل والتعريفِ بنيَّةِ الألف واللام، ولذلك لم تُضَف؛ لأنها على نية الألف واللام، أو امتنعت من الألف واللام لأنَّ فيها تأويلَ الإضافة، فلو قلت: (ادخلوا ثلاثًا ثلاثًا)، فكأنك قلتَ: ثلاثَ رجالٍ ثلاثَ رجالٍ. ويرى الفراءُ جوازَ صرفِها (¬7)، وليس بوجه، إذ الموضوعُ على الوصفية كأحمر يؤثرُ فيه ¬

(¬1) شرح الكافية للرضي 1/ 116. (¬2) معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 9. (¬3) المخصص 5/ 208. (¬4) نقلًا: البحر المحيط 3/ 490. (¬5) البحر المحيط 3/ 490، المخصص 5/ 206. (¬6) معاني القرآن للفراء 1/ 254. (¬7) المصدر السابق، وعبارته: "ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها، والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثًا ثلاثًا، ووجه الكلام ألا تجرى، وأن تجعل معرفة لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك على خلقته".

الوصفُ وإن لم يَتبعِ الموصوفَ (¬1). أما الزمخشري (¬2) فيرى أن (مثنى) مُنعت من الصرف للعدل عن صيغتِها وعن تكريرِها، وهي نكرات يجوز تُعرَّف بلام التعريف، فتقول مثلًا: (فلان يَنكِحُ المَثْنَى)، وهذا رأيٌ لم يذهبْ إليه أحدٌ كما وصفه أبو حيان. واعتُرض عليه بأن (مثنى) لا تستعملُ في لسان العرب إلا نكراتٍ، وبأنَّ هذه الألفاظ -حسَبَ مثالِه- ولِيَت العواملَ، وحقُّها ألا تباشرَها (¬3). وقال السمين الحلبي: وقد يُقال إنه المذهبُ الرابع، وعُدل عن العدل في المعنى بعدلِهما عن تكرارِها (¬4). وذهب الأعلَمُ (¬5) أن (مثنى) لم تمنعْ من الصرف للعدل، وإنما لبُعدِها عن أصلها؛ من جهتين: 1 - عدمِ استعمال مؤنثٍ له بالهاء فضارعت (أحمرَ)، 2 - وأنها عُدلت عن أصلها. وقيل: إن (مثنى) منعت من الصرف للعدل والجمع؛ لأنَّ لفظها يقتضي التكرارَ فصار في معنى الجمع، وقيل: مُنعت (مثنى) من الصرف للعدل من غير جهة العدل؛ لأن المعروف في باب العدل أن يكون في المعارف، وهذا عدل في النكرات (¬6). هذه مجملُ الأقوال عن منع (مثنى) من الصرف -حسَبَما قرأتُ- غير أن ابنَ الملقن لم يقف إلا عند رأي الزمخشري، ومذهبِ سيبويه. والذي يترجحُ هو مذهبُ سيبويه كما قرره أبو حيان بقوله: " ... ويتحتمُ منعُ صرفها لهذا العدل والوصف ... " (¬7)، ولِمَا ذكره من أسباب. ¬

(¬1) شرح الكافية للرضي 1/ 116. (¬2) الكشاف 1/ 467. (¬3) البحر المحيط 3/ 490. (¬4) الدر المصون 3/ 562. (¬5) المخترع في إذاعة سرائر النحو 21. (¬6) نقلًا: غرائب التفسير وعجائب التأويل 1/ 282. (¬7) البحر المحيط 3/ 490.

مسألة ورود (فعلاء) وصفا

مسألة ورود (فِعَلاء) وصفًا في قول ابن عمرَ - رضي الله عنه -: " ... أن عمرَ بنَ الخطاب رأى حلة سِيَراء عند باب المسجد ... " (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (حلة سِيَراء)؛ قال صاحبُ (المطالع): (حلةَ سيراءَ) على الإضافة، ضبطناه عن ابن سراج ومُتقني شيوخنا، وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة ... قال صاحبُ (المطالع): وأنكره أبو مروان. قال سيبويه: لم يأت فِعَلاءُ صفةً، لكنِ اسمًا، وزعم بعضُهم أنه بدلٌ لا صفة" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن الأوجُه الإعرابية لـ (حلة سِيَراء) وبيَّن أن أحدَ هذه الأوجُه مخالفٌ للقاعدة النحوية، وبيانُ ذلك فيما يلي: أنكر أبو مروان بن السراج (¬3) روايةَ التنوين على الصفة (¬4)؛ وذكر أن سيبويه قال: ولا نعلمُ أن فِعَلاء جاء وصفًا (¬5)، فـ (فِعَلاء) عند سيبويه لا يكونُ إلا في الاسم مع قلته في الكلام، وهو وزنٌ مستقلٌّ عن غيره، لكن يرى الفراءُ أن (سِيَراء) في الأصل فُعَلاء فكُسِر لأجل الياء، كما في (بِيَيْت) تصغير بيت، وأصله (بُيَيْت). وقال السيرافي: الذي قاله ليس ببعيد؛ لأنا لم نرَ اسمًا على فِعَلاء إلا (العِنباء) و (السِيراء) و (الحِولاء) بمعنى الحُولاء بضم الحاء (¬6). وقال الرضي: ذكر ابنُ الحاجب (فُعلاء) مثل: قُوباء وخُيلاء، فجمع في المثالين بين الواو ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 4، باب يلبس أحسن ما يجد. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 409. (¬3) نقلًا: مطالع الأنوار على صحاح الآثار 2/ 286، هو: عبد الملك بن سراج الأموي، ولد سنة 400 هـ وتوفي سنة 489 هـ، سير أعلام النبلاء 14/ 164. (¬4) صحيح البخاري 2/ 4، (886). (¬5) الكتاب 4/ 258. (¬6) نقلا: شرح شافية ابن الحاجب 3/ 170.

المضمومِ ما قبلها (قُوباء)، والياء المضمومِ ما قبلها (خُيلاء)؛ لأن الياء المضمومَ ما قبلها في حكم الواو المضمومِ ما قبلها في وجوب قلبِ الضمةِ معها كسرةً، فتصبح (قِوباء) و (خِيلاء، وكذلك (سُيراء) إلى (سِيراء) (¬1). وذكر الصرفيون أن (خُيلاء) تأتي على (خِيلاء) (¬2). وفُعلاء يأتي منه الصفةُ كثيرًا إذا كُسِّر عليه الواحدُ في الجمع (¬3). وبهذا الرأي يمكنُ تخريج هذه الرواية، حيث قال القرطبي إنها الرواية (¬4). وقد تُعرب (سيراء) بدلًا أو عطفَ بيان أو تمييزًا (¬5)، وكل ذلك جائزٌ لا يخالفُ قاعدة نحوية. ¬

(¬1) شرح شافية ابن الحاجب 3/ 169. (¬2) الممتع الكبير في التصريف 89. (¬3) الكتاب 4/ 258. (¬4) المفهم 5/ 385. (¬5) مشكلات موطأ مالك بن أنس 171، فتح الباري 10/ 297.

مسألة وجه الإعراب في (والوضوء أيضا) بالرفع والنصب

مسألة وجه الإعراب في (والوضوء أيضًا) بالرفع والنصب في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " ... فقال: والوضوءُ أيضًا، وقد علمتَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرُ بالغُسل؟ " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (والوضوء أيضًا؟ ) كذا هو بإثبات الواو، ورُوي بحذفها، والأولُ يفيدُ العطفَ على الإنكار الأول ... وقال القرطبي: الواو عوضٌ من همزة الاستفهام؛ كما قرأ ابن كثير {قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم بِهِ} (¬2) ... وأما مع حذف الواو فيكونُ -إن صحَّت الرواية- إما لأنه مبتدأ وخبرُه محذوف، التقديرُ: الوضوء عذرُك أو كفايتُك في هذا المقام؟ أو لأنه خبرُ مبتدأ محذوف، التقديرُ: عذرك وكفايتُك الوضوءُ؟ ويجوز في (الوضوء) الرفعُ على أنه مبتدأ وخبرُه محذوف، التقديرُ: الوضوءُ تقتصرُ عليه؟ ويجوزُ أن يكون منصوبًا بإضمار فعل، التقديرُ: فعلتَ الوضوءَ وحده؟ أو توضأتَ؟ " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن روايتين لقول عمرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - وخرَّج كلَّ رواية على حدة، وبيانُ ذلك فيما يلي: يرى ابنُ الملقن صحة رواية إثباتِ الواو في (والوضوء ... ؟ ) لكون هذه الواوِ عاطفةً على الجملة التي قبلها (أية ساعة هذه؟ )، غير أنه شكَّ في صحة رواية حذفِ الواو بقوله: إنْ صحَّت الرواية. وهذه الرواية مذكورة في مصادر متون الحديث الأصلية (¬4). وتُخرَّج هذه الروايةُ عند الرفع إما بكون (الوضوء) مبتدأً وخبرُه محذوف، والتقدير: الوضوءُ تقتصر عليه، أو خبرًا لمبتدأ محذوف، والتقديرُ: عذرك الوضوءُ. وعند النصب بإضمار فعل، ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 2، باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء. (¬2) الأعراف: 123. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 383. (¬4) موطأ مالك 101/ 336، مسند الشافعي 1/ 18.

والتقديرُ: (فعلتَ الوضوءَ وحده)، وكلا الوجهين جائز. وقال السُّهَيلي: إن الرواة اتفقوا على الرفع؛ لأن النصب يُخرجه إلى معنى الإنكار (¬1). ولا أدري أيقصدُ السهيلي أن الوضوء وحده يكفي لصلاة الجمعة؟ فلا يكونُ الأمر بحاجة إلى إنكاره، أم أن الإنكار لا يكونُ إلا على شيء محرم، ولذا لم يحمله على ترك الأفضلية والسبق؟ فمَن وجَّه رواية إثبات الواو جعل (الوضوء) معطوفًا على الإنكار الأول، والتوبيخَ على تأخر المجيء إلى الصلاة، وتركِ السبق إليها في أول وقتها، وهذا من أحسن التعريضات وأرشقِ الكنايات، كما وصفه ابنُ الملقن، وقولُ السهيلي وصفه ابنُ حجر بالغرابة بقوله: وأغربَ السهيلي (¬2). أما قول القرطبي بأن الواوَ عوضٌ من همزة الاستفهام، كما في قراءة ابن كثير (¬3) في قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم بِهِ} (¬4). فقد رُد عليه بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيحٌ في الآية؛ لوقوعها مفتوحةً بعد ضمة؛ لأن أصله (قال فرعون أآمنتم)، وأما في الحديث فليس كذلك؛ لوقوعها مفتوحةً بعد فتح؛ لأن أصله (فقالَ أَالوضوء)، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا كما هو مقررٌ عند النحويين والصرفيين؛ في أن الهمزة المفتوحة المفتوحَ ما قبلها لا تُقلب واوًا (¬5). وقيل: إن الصواب في ذلك أن (آلوضوء) بالمد على لفظ الاستفهام، كقوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} (¬6)، فهمزةُ الاستفهام داخلةٌ على همزة الوصل (¬7)، فتُسهل الهمزة (¬8). ¬

(¬1) نقلًا: فتح الباري 2/ 360. (¬2) المصدر السابق. (¬3) معاني القراءات للأزهري 1/ 419، السبعة في القراءات 290. (¬4) الأعراف: 165. (¬5) الكتاب 3/ 554، شرح شافية ابن الحاجب 3/ 34، شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 375. (¬6) يونس: 59. (¬7) شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 375. (¬8) شرح شافية ابن الحاجب 3/ 47.

ومما سبق يتبيَّن لنا صحةُ رواية حذف الواو بالاستناد إلى مصادرَ أصليةٍ في تخريج الراويات، وأن رأي الإمام القرطبي فيه نظر.

مسألة أسماء الأماكن بين المنع والصرف

مسألة أسماء الأماكن بين المنع والصرف في قول عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -: " ... ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمِنًى إلى غيرِ جدارٍ ... " (¬1). قال ابن الملقن: "مِنًى: الأجودُ صرفُها، وكتابتُها بالألف، وتذكيرُها" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن صرف (منى) أجودُ من منعها من الصرف، وبيانُ ذلك فيما يلي: المشهور عند النحويين أن أسماء البلدان يغلِبُ عليها التأنيثُ وعدمُ الصرف، على أن يُقصد بها البقعةُ، وما جاء منها مذكرًا مصروفًا، فيرادُ به البلدُ والمكانُ (¬3). فـ (منى) إن قيل إنها ممنوعة من الصرف؛ فلكونها مختومةً بألف التأنيث المقصورة، وقد تُمنع من الصرف للعلمية والتأنيث. أما إن عُدَّت (منى) مصروفةً، فباعتبار أنها مذكرٌ، والعلمية وحدها لا تمنع الصرفَ. والذي عليه العلماءُ أن (منى) من أسماء البلدان التي يجوزُ فيها الصرفُ والمنعُ (¬4)، وصرفُها أجودُ؛ إذ إنها بعيدةُ الشبه بالفعل. ومما سبق يتبيَّن أن ما اختاره ابنُ الملقن هو الصواب. ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 26، باب متى يصح سماع الصغير؟ (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 388. (¬3) الأصول في النحو 2/ 99، التعليقة على كتاب سيبويه 3/ 61، علل النحو 470، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 3/ 1167. (¬4) الكتاب 3/ 243، المحكم والمحيط الأعظم 10/ 510، المخصص 5/ 162، المغرب في ترتيب المعرب 1/ 488.

مسألة الفعل (نظر) بين التعدي واللزوم

مسألة الفعل (نظر) بين التعدي واللزوم في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬1) (¬2). قال ابن الملقن: " ... وخطأُ كونه في الآية بالمعنى الأول -وهو الانتظار- من وجهين: أحدُهما: أنه عدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وهو إذا كان بمعنى الانتظار لا يَتعدى بها، وإنما يتعدى بنفسه، قال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} (¬3)، فعدَّاه بنفسه لَمَّا كان بمعنى (ينتظرون) ... " (¬4). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن كلمة (ناظرة) في الآية بمعنى النظر والمعاينة من بينِ معانيها الأخرى المحتمَلة لغةً؛ إذ تعني هذه الكلمةُ أكثر من معنى (¬5)، وبيان ذلك فيما يلي: خطَّأ ابن الملقن رأيَ من قال بأنَّ معنَى (ناظرة) من الانتظار، وعلَّل ذلك بأن معنى الانتظار يتطلبُ التعديَ أصالةً بلا واسطة! . لكن ما قاله ابن الملقن غيرُ مطرد، فلا يتعينُ أن يكون معنَى النظر متعديًا بلا حرف جر (¬6)، إذ وردت آياتٌ كريمة أخرى تخالفُ ذلك، من مثل قوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (¬7)، فـ (ناظرة) بمعنى: منتظرة مرتقبة (¬8). ¬

(¬1) القيامة: 23. (¬2) صحيح البخاري 9/ 127، باب قول الله تعالى: {وُجُوه يَومَئِذ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة}. (¬3) محمد: 18. (¬4) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 323. (¬5) تهذيب اللغة 14/ 265 - 266، معجم الفروق اللغوية 134، لسان العرب 5/ 217. (¬6) نقعة الصديان فيما جاء على الفعلان 41، التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل 6/ 89، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 3/ 1519. (¬7) النمل: 35. (¬8) تفسير القرطبي 13/ 200، التحرير والتنوير 19/ 267، الموسوعة القرآنية 10/ 462.

ومثلُه قوله تعالى: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} (¬1)، إذ يحتمل أن يكون (أيكم) موصولة ويكون مفعولًا، والباء زائدة، فيصبح التقدير: فستُبصر ويبصرون الذي هو المفتونُ منكم (¬2). ولو أن ابن الملقن اكتفى- حسَبَ رأيي- بما ذَكَره من حيث المعنى، إذ قال: إذا كانت بمعنى الانتظار، فيَحتمِلُ أن يكون المعنى: مرتقبة ربَّها، أو ثوابَه، وهذا لا يليقُ، إذ المنتظِر لِمَا ينتظرُه في تنغيص وتكدير (¬3)، وبهذا يمكنُ أن يُصرف النظرُ عن كونها للانتظار. ومما سبق يتبيَّن أن (ناظرة) من النظر بدلالة المعنى، ولا يمكنُ القول بتعيُّن كونها للنظر بمجردِ دلالة تعدِّيها بحرف جر؛ لِمَا في ذلك من الخلاف. ¬

(¬1) القلم: 6. (¬2) التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل 6/ 89، تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد 3/ 1519. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 324.

مسألة أوجه الإعراب في (رجل آتاه الله مالا)

مسألة أوجُه الإعراب في (رجل آتاه الله مالًا) في قوله - عليه السلام -: "لا حسَدَ إلا في اثنتين: رجل آتَاه الله مالًا فسُّلِط على هلكتِه في الحق ... " (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (إلا في اثنتين)، أي: خَصْلتين أو طريقتين، ويجوز في (رجل) ثلاثةُ أوجُه: البدلُ، وإضمارُ أعني، والرفعُ على تقدير خصلتين: إحداهما- خصلةُ رجل" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن لـ (رجل) ثلاثةَ أوجُه إعرابية، ولم يذكر الأَولى أيها؟ وبيانُ ذلك فيما يلي: وجهُ البدل: أن تكون كلمة (رجل) مجرورةً بدلًا من (خصلتين)، أي: إلا في رجلٍ آتاه الله ... إلخ. ووجهُ النصب: بتقدير فعل (أعني)، أي: أعني رجلًا. ووجهُ الرفع: على الخبرية، والتقدير: (الخصلةُ الأولى رجل ... ). والوجهُ الذي أرى أنه أَولى -حسَب علمي- هو الرفعُ (¬3)؛ وذلك لأمور: 1 - كون باب الابتداء عمدةً. 2 - وجه النصب يُحوِجُ إلى تقدير محذوف، وما لا يفتقرُ إلى تقدير أولى مما يفتقرُ إلى تقدير. 3 - يُعرب (رجلًا) مفعولًا به، والمفعولُ به من الفَضَلات. 4 - وجه البدل من التوابع، والتوابعُ فَضَلات يصحُّ الاستغناء عنها، إلا في النعت أحيانًا فإنه قد يتمم الفائدة. ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 25، باب الاغتباط في العلم والحكمة. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 361. (¬3) الخصائص 1/ 198، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 201، شرح التسهيل 2/ 22، الكناش في فني النحو والصرف 1/ 173.

ومما سبق يتبيَّن أولويةُ وجه الرفع عن غيره؛ إذ لا حاجة فيه إلى تقدير محذوف، ويُعد من الأبواب العُمَد التي لا يمكنُ الاستغناءُ عنها.

مسألة أوجه الإعراب في (لا سهل فيرتقى)

مسألة أوجُه الإعراب في (لا سَهْل فيرتقى) في قولها: " ... زوجي لحمُ جمل غثٍّ، على رأس جبل: لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (لا سهل فيرتقى)، يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجه، كلُّها مروية: نصبُ (سهلَ) دون تنوين، ورفعُها، وخفضُها منونةً. وأعربُها عندي الرفعُ في الكلمتين" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن الرفعَ أعربُ من النصب والجر، وبيان ذلك فيما يلي: رُوي هذا الحديثُ بالنصب دون تنوين (¬3)، وبالرفع (¬4)، وبالخفض مع التنوين (¬5)، غير أن الأوجُهَ المحتملةَ ستةُ أوجُهٍ، وإليك تخريجَها: أما وجهُ النصب والتنوين؛ فتقديرُه: لا أجدُه سهلًا. وأما وجهُ النصب بلا تنوين؛ فتقديرُه: لا سهلَ، ويكونُ (سهل) اسمَ (لا) التي لنفي الجنس، وخبرُها محذوف، وتقديرُه: لا سهلَ صعودُه. وأما وجهُ الجر والتنوين؛ فعلى أن يكون (سهل) صفةً للجبل، والتقدير (على رأس جبلٍ لا سهل) و (لا) نافية لا عمل لها. وأما وجهُ الجرِّ بلا تنوين؛ فيكون على حذف المضاف إليه مع نيته، والتقدير (لا سهلِ الصعودِ فيرتقى). وأما الرفعُ -الذي يرى ابنُ الملقن أنه الوجه الأعربُ- (لا سهلٌ) فعلى أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف، وتقديرُه: (لا هو سهلٌ فيرتقى). ¬

(¬1) صحيح البخاري 7/ 27، باب حسن المعاشرة مع الأهل. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 570. (¬3) حديث السرَّاج 2/ 36. (¬4) صحيح مسلم 4/ 1896، صحيح ابن حبان 16/ 26. (¬5) صحيح البخاري 7/ 27، السنن الكبرى 8/ 241، مسند أبي يعلى 8/ 154.

وإن قيل: ماذا تعرب (لا)؟ فالجواب أنها نافية غيرُ عاملة؛ لمجيء المعرفةِ بعدها. وإن قيل: إن النصب أجودُ من الرفع، حيث يقتضي الرفعُ تقديرَ محذوف، والنصب بعمل (لا) النافية للجنس، فيُمكن تخريجُ ذلك من جهة المعنى: وذلك أن الزوجة ذكَرت تشبيهين لزوجها (لحم جمل غث)، (على رأس جبل)، ثم ذكَرت أن الجبل ليس سهلَ الصعود، وأن اللحم غثٌّ لا مَطمع في طَلَبِه. فتفسيرُها للشبه بعد الانتهاء من تمام التشبيه أوعَى مِن قول: لحم جمل غث لا يُسعى لنيله، والجبل صعبٌ صعوده، أن تُتحمل مشقتُه لنيل اللحم الغث. وبهذا يمكنُ أن يقالَ: إن ابن الملقن قدَّم الرفعَ لهذا المعنى.

مسألة نصب المفعول به بعد الفعل المبني للمجهول

مسألة نصب المفعول به بعد الفعل المبنيِّ للمجهول في قولهم: "فأُثنِيَ على صاحبها خيرًا" (¬1). قال ابن الملقن: "كذا هو في أصل الدِّمياطي: (خيرًا) في الموضعين، (ثم مُرَّ بثالثةٍ فأُثني على صاحبها شرًّا)، بالألف في الثلاثة، وهو أصحُّ إذا قرئ (فأَثنَى) بفتح الألف. وقال ابن التين: قوله: (خيرًا) صوابه: خيرٌ. قال: وكذلك هو في بعض الروايات، وشرٌّ مثله، وكأنه أراد إذا قرئ مبنيًّا. قال: وفي نصبه بُعدٌ في اللسان" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن الرفع والنصب في (خيرًا) مبني على العامل، وبيان ذلك فيما يلي: ورَدت روايتان في هذا الحديث: الأولى بنصب (خيرًا) (¬3)، والثانية برفعها (¬4)، وتخريجُ ذلك: أن يكون عاملُ النصب مبنيًّا للفاعل، فتُنصب (خيرًا) على المفعولية، وأما عاملُ الرفع فمبنيٌّ للمفعول، فتنوبُ (خير) عن الفاعل. غير أن رواية البخاري (¬5) جاءت فيها الكلمةُ (خيرًا) منصوبةً مع كون العامل مبنيًّا للمفعول، ويمكن تخريجُ ذلك -على بُعد- بأن يكون (خيرًا) حالًا من القول، ويكون تقدير المحذوف: (فأُثني القولُ حالَ كونِه خيرًا). وهذا قد يفصحُ عن قول الشارح: "وفي نصبه بُعدٌ في اللسان". وحين عبَّر ابن الملقن عن المبني للمفعول قال: (مبنيًّا)؛ واكتفى بها عن ذكر المفعول، لكون الأصل وجودَ الفاعل، فلا يُقال: (مبني للفاعل) إلا تأكيدًا. ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 97، باب ثناء الناس على الميت. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 144. (¬3) صحيح البخاري 2/ 97، سنن النسائي 4/ 50، مسند الإمام أحمد بن حنبل 1/ 286. (¬4) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1/ 287، مسند أبي يعلى الموصلي 1/ 135، مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم 1/ 242. (¬5) صحيح البخاري 2/ 97.

مسألة (نوح) بين الصرف والمنع

مسألة (نوح) بين الصرف والمنع في قوله تعالى: " {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّ‍ينَ مِن بَعْدِهِ} (¬1) " (¬2). قال ابن الملقن: " (نوح) أعجمي، والمشهورُ صرفُه، ويجوز تركُه" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أنه يجوز في (نوح) الصرفُ وتركُه، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف النحويون في اسم (نوح)؛ فمنهم مَن يرى أنه مصروفٌ البتةَ، ومنهم من يَعُدُّه غيرَ مصروف، ومنهم من يرى أنه إذا نُكِّر صُرف (¬4). فمَن صرفَ (نوحًا)؛ فلخفَّتِه، ولأنه لم يَرِدْ في منعه من الصرف سماعٌ شاذ ولا مشهور (¬5)، وأما مَن منعه من الصرف؛ فللتعريف والعُجْمة (¬6)، وأما حجةُ مَن يصرفُه عند التنكير؛ فلذَهابِ أحدِ علتَي المنع (¬7). والجوابُ عن ذلك كما يلي: 1 - أن كل اسم أعجمي ثلاثيٍّ ساكنِ الوسط، مصروفٌ البتة، كـ (نوح) و (لوط)، و (عاد)، فإن قيل: لِم تُصرف (هند) وتُمنع، مع كونها ساكنةَ الوسط؟ قيل: إن (هند) اسمٌ مؤنث، وحكمُ التأنيث أقوى من العجمة في المنع من الصرف. 2 - أن العجمة لا تؤثر إلا في الزائد عن ثلاثة، بخلاف التأنيث. ¬

(¬1) النساء: 163. (¬2) صحيح البخاري 1/ 6، باب بدء الوحي. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 118. (¬4) الكتاب 3/ 240، المقتضب 3/ 350، شرح المفصل لا يعيش 1/ 194، شرح الكافية الشافية 3/ 1492، ارتشاف الضرب ولب لباب لسان العرب 2/ 878. (¬5) الأصول في النحو 2/ 92، شرح شذور الذهب لابن هشام 1/ 593. (¬6) الأصول في النحو 2/ 87. (¬7) توضيح المقاصد 3/ 1222.

3 - أن اسم (نوح) ليس من الأسماء التي تُمنع من الصرف لعلة واحدة. وخلاصة القول: أن (نوحًا) اسم مذكرٌ أعجمي مصروفٌ؛ لخروجه من التأنيث ولكونِه ثلاثيًّا ساكنَ الوسط، ولذلك يرى جمهورُ النحويين أن صرفه هو الوجه. وكذلك ذكر ابن الملقن أن المشهور صرفُه، وذلك لما ورد مما يُثبت أنه مصروف.

مسألة النصب في الاستثناء المفرغ

مسألة النصب في الاستثناء المفرَّغ في قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرمُلوا الأشواطَ كلَّها إلا الإبقاء عليهم" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (إلا الإبقاء) هو بكسر الهمزة، ثم باءٍ موحدة، ممدودٌ، أي: الرفق بهم. قال القرطبي: رويناه بالرفع على أنه فاعلُ (يمنعه)، ويجوزُ النصب على أن يكون مفعولًا من أجله، قال: ويكون في (يمنعه) ضميرٌ عائد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فاعلُه" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن ما بعد (إلا) أي: الإبقاء، يحتمل إعرابين، وبيان ذلك فيما يلي: (إلا) في هذا الحديث للحصر، و (الإبقاء) تُرفع وتُنصب، فالرفعُ لكونها فاعلًا لـ (يمنع)، والتقدير: يمنعُ الإبقاءُ -أي الرفقُ- الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - من أن يأمرَهم بالرملِ في كل الأشواط. أما كونُها منصوبة فعلى أنها مفعولٌ من أجله، إذ التقدير: لم يمنعِ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - من أن يأمرهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا هو إبقاءً عليهم؛ أي: رفقًا بهم. هذا، وقد تأتي (الإبقاء) مجرورة، وذلك أن (إلا) من معانيها (غير)، فيصبح التقدير: لم يمنعه غير الإبقاءِ عليهم. والأقربُ -حسب ما أرى- أن (الإبقاء) مرفوع على الفاعلية، وذلك لدلالة الضمائر في الحديث، قال ابنُ عباس: فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا الأشواط الثلاثةَ، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرملوا الأشواطَ كلها إلا الإبقاءُ عليهم. فالهاء في (يمنعه) عائدةٌ على مفرد مذكر وهو الممنوعُ، فلم يبق في الجملة سوى مانعٍ واحد، وهو: الإبقاءُ أو الرفق، فيكون فاعلًا. ولو كان الفعلُ متصلًا به ما يدلُّ على الجمع، أي: (يمنعهم)، لكان الفاعلُ هو النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والمفعول به الصحابة رضوان الله عليهم. ولا يمكنُ أن يكون الرفقُ هو المانعَ للصحابة، إذ هم يصدرُون عن أمره؛ - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 150، باب كيف بدء الرمل. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 366.

مسألة (صفر) بين الصرف والمنع

مسألة (صَفَر) بين الصرف والمنع في قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "ويجعلون المحرمَ صَفَرًا" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (صفرَ) كذا هو بغير ألف، كذا هنا في أصلٍ بخط الدِّمياطي، وفي مسلم، والصواب (صفرًا)؛ لأنه مصروف قطعًا، وفي "المحكم": كان أبو عبيدة لا يصرفُه، فقيل له: لم لا تصرفه؟ لأن النحويين قد أجمعوا على صرفه، وقالوا: لا يَمنعُ الحرفَ من الصرف إلا علتان، فأخبِرْنا بالعلتين فيه، فقال: نعم، هما: (المعرفةُ والساعةُ)، قال المطرِّز: يرى أن الأزمنة كلَّها ساعاتٌ، والساعاتُ مؤنثة" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (صفرًا) مصروف، ولا وجه لمنعه من الصرف، وبيان ذلك فيما يلي: لـ (صفر) في هذا الحديث روايتان، الصرفُ (¬3)، ومنعُ الصرف (¬4)، أما كونُه مصروفًا فهذا لا خلاف فيه، كما سيأتي. وأما منعُه من الصرف فلِعلَّة (المعرفة والساعة)؛ كما ذكر أبو عبيدة فيما نقله صاحب (المحكم) (¬5). لكن ذلك لا يصحُّ لوجهين: 1 - أن في الحديث إشارةً إلى النسيئة المحرمة؛ وهي: إحلال شهرٍ محرمٍ، وتحريم شهر حلال، وبهذا لا يُعد الشهرُ معرفةً؛ لأن التقديم والتأخير في التحليل والتحريم مبنيّ على إرادتهم للقتال -كما ذكر ذلك شراح الحديث- فيكون الشهرُ هنا نكرة، بخلاف لو تم إضافته. ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 142، باب التمتع والإقران والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 252. (¬3) مسند الإمام أحمد بن حنبل 4/ 131، صحيح البخاري 2/ 142، صحيح مسلم 2/ 909. (¬4) مسند النسائي 5/ 180. (¬5) ذكره ابن الملقن، ولا أدري أيقصد ابن سيده في كتابه المحكم والمحيط الأعظم، إن كان كذلك فذُكر الاسم ناقصًا، وقول أبي عبيدة موجود فيه، نقلًا: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 307.

2 - أن تحويل المذكر إلى مؤنث بناءً على أصل آخَر -كتحويل الأزمنة إلى ساعات، والساعات مؤنثة- فيه تكلفٌ، لأن (الشهر) مذكر (¬1)، ومنه قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (¬2). ومما سبق يتضحُ بطلانُ حجة من قال: إن صفر ممنوع من الصرف، والمعروف عند النحويين أنه لا يُمنع من الصرف إلا ما كان فيه علتان أو علةٌ تقوم مقام علتين (¬3). وشهر (صفر) ليس فيه إلا العلمية، وبذلك يتعيَّن صرفُه. ولكن يمكنُ تخريجُ كتابة (صفر) هكذا بلا تنوين، وذلك على لغة ربيعة، إذ المشهور عندهم كتابةُ المنصوب بغير ألف، ولكن ترك كتابته لا يقتضي منع صرفه (¬4). ¬

(¬1) المذكر والمؤنث لابن جني 73، المذكر والمؤنث لابن التستري 6. (¬2) النساء: 92. (¬3) الكافية في علم النحو 12، شرح الكافية الشافية 1/ 179. (¬4) فتح الباري لا بن حجر 3/ 426، حاشية السيوطي على سنن النسائي 5/ 180.

مسألة (حراء) بين الصرف والمنع

مسألة (حِرَاء) بين الصرف والمنع في قول عائشة -رضي الله عنها-: "وكان يخلو بغارِ حِراء" (¬1). قال ابن الملقن: " (حِرَاء): بكسر المهملة وتخفيفِ الراء والمدِّ، وهو مصروفٌ على الصحيح، ومنهم مَن منعَ صرفَه، مذكرٌ على الصحيح أيضًا، ومنهم مَن أنَّثه، ومنهم مَن قصره أيضًا؛ فهذِه ستُّ لغات" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن في (حراء) لغاتٍ ستًّا، وبيانُ ذلك فيما يلي: يمكن تقسيم اللغات في (حراء) إلى أقسام ثلاثة: منها قسمان قد يمتزجان وهما: 1 - الصرف ومنعه، 2 - والتذكير والتأنيث: وقد اشتهر عند النحويين، فيما يُمنع من الصرف: أنه الاسمُ الذي يكون فيه علتان أو علةٌ تقوم مقامَ العلتين (¬3)؛ وعليه فـ (حراء) يُصرف ويُمنع من الصرف. فيصرفُ (حراء) إذا ذُكِّر وكان المرادُ به اسمَ المكان، والأصل في أسماء البلدان التأنيث، وإنما جاء التذكيرُ فيها لأن تأنيثها غير حقيقي. أما إن أُنِّثت وأريد بها اسمُ البقعة، فتُمنع من الصرف، وعلةُ منعها من الصرف: التأنيث والعلمية. فـ (حراء) مما يجوزُ فيه التذكيرُ والتأنيث، والصرف والمنع (¬4). فمن التأنيث والمنع قولُ جرير: ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 7، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 249. (¬3) الكافية في علم النحو 12، شرح الكافية الشافية 1/ 179. (¬4) الكتاب 3/ 246، علل النحو 470، معجم ما استعجم 2/ 432، تمهيد القواعد 8/ 4031.

ستعلمُ أيُّنا خيرٌ قديمًا ... وأعظمُنا ببطنِ حِراءَ نارَا (¬1) فـ (حراء) هنا ممنوعة من الصرف. ومنه كذلك قول رؤبة: ورُبَّ وجهٍ مِن حراءٍ مُنحَنِ (¬2) فـ (حراء) هنا لم تُمنع من الصرف. 3 - المد والقصر في (حراء): المشهور في (حراء) المدُّ، بل إن بعض المحدثين يُلحِّنون من يقول بقَصْرها (¬3)، ولم أقف -حسب اطلاعي- على من نصَّ على لغة القصر؛ غير ما أشار إليه ابن الملقن. ومما سبق يتبيَّنُ أن في (حراء) لغاتٍ خمسةً مشهورة معروفة، وأما اللغة السادسةُ فقد اعترض عليها بعضُ المحدثين، ولم أقف عليها. ¬

(¬1) البيت من الوافر، ولم أجد البيت في ديوانه، نقلا: الكتاب 3/ 245، المقتضب 3/ 359، المعجم المفصل في الشواهد العربية 2/ 86. (¬2) البيت من الرجز، ديوانه 163، الكتاب 3/ 245، معجم ما استعجم 2/ 432، المعجم المفصل في العربية 12/ 281. (¬3) المقصور والممدود 33، إصلاح غلط المحدثين 45، درة الغواص في أوهام الخواص 165، الفائق في غريب الحديث والأثر 1/ 272، الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه 230، معجم البلدان 2/ 223.

مسألة (هذه مكان عمرتك) بين الرفع والنصب

مسألة (هذه مكان عمرتك) بين الرفع والنصب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذه مكان عمرتك" (¬1). قال ابن الملقن: " ... (هذه مكانُ عمرتك)، برفعِ (مكان) على الخبر؛ أي: عوضُ عمرتك الفائتة، وبالنصب على الظرف. قال بعضُهم: والنصبُ أوجَهُ، ولا يجوزُ غيرُه، والعامل فيه محذوف؛ تقديره: هذه كائنةٌ مكانَ عمرتك أو مجعولةٌ مكانَها. قال القاضي عياض: والرفعُ أوجَهُ عندي؛ إذ لم يُرِد به الظرفَ، إنما أراد عِوَضَ عمرتِك" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن كلمة (مكان) في النص السابق تُرفع خبرًا، وتُنصب ظرفًا، وبيان ذلك فيما يلي: المشهورُ عند النحويين أن الظرف لا ينتصبُ ما لم يتضمَّن معنَى (في)، وأن المكان لا يقبلُ ذلك ما لم يكن مبهمًا، أي: ليس له حدودٌ تحصُرُه (¬3)، قال ابن مالك: الظرفُ وقتٌ أو مكانٌ ضُمِّنَا ... (في) باطرادٍ كهُنا امكُثْ أزمُنَا وقال: فانصِبْه بالواقعِ فيه مُظهَرَا ... كانَ وإلا فانْوِهِ مُقدَّرَا وكلُّ وقتٍ قابلٌ ذاك وما ... يقبلُه المكانُ إلا مُبهَما (¬4) ومن ثَمَّ فإن لفظ (مكان) في هذا الحديث لا يتضمنُ معنى (في) فكيف يكون منصوبًا؟ وأما وجهُ الرفع لـ (مكان) فهو أرجَحُ؛ لأمور: 1 - أن لفظ (مكان) لا يتضمنُ معنى (في)، وشرطُ تضمُّنِه معنى (في) أقرَّه النحويون، وهو ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 140، باب كيف تهل الحائض والنفساء. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 200. (¬3) الأصول في النحو 1/ 197، اللمع في العربية 1/ 56، شرح المفصل لابن يعيش 1/ 426. (¬4) ألفية ابن مالك 30.

شرطُ نصبه. 2 - أنه لم يُرَد بـ (المكان) الظرفُ، إنما أريد أن هذه العمرة عوضٌ عن العمرة الفائتة، فقد جاء في الحديث: ( ... ولم أطُف بالبيت ... ودَعِي العمرةَ ... هذه مكان عمرتك). فعندما أمرها بترك العمرة، عوَّضَها عمرةً أخرى، فالتقديرُ: هذه عوض عمرتك. ومن ثَمَّ فإن وجه الرفع هو الأقرب، وأما النصب فقد يَعترضُ مع ما أقره النحويون.

مسألة (أي) غير المضافة

مسألة (أيٌّ) غير المضافة في قول عبد الله - رضي الله عنه -: " قلتُ: ثم أيٌّ؟ " (¬1). قال ابن الملقن: "و (أيٌّ) هنا مشددٌ منون ... ولا يجوزُ إلا تنوينُه؛ لأنه اسمٌ معربٌ غيرُ مضاف" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (أيًّا) في الحديث: اسمٌ معرب يلزمُه التنوين، وبيان ذلك فيما يلي: اشتهر عند النحويين أن جميع أسماء الاستفهام مبنيةٌ؛ لتضمُّنِها معنَى الهمزةِ، ويُستثنى من ذلك (أيٌّ) فإنها معربة تلزمُها الإضافةُ، وبذلك تبعُد عن شبهِ الحرف والبناء (¬3). فـ (أي) من أسماء الاستفهام الملازمةِ للإضافة في المعنى دون اللفظ، ومنه قول الشاعر (¬4): أَلَا تَسْأَلُونَ النَّاسَ أَيِّي وَأَيُّكُمْ ... غَدَاةَ التَقَيْنَا كَانَ خَيْرًا وَأَكْرَمَا هذا، وقد يُقال بأن (أيًّا) تأتي غيرَ مضافة، قال سيبويه: "اعلم أن (أيًّا) -مضافًا وغيرَ مضاف- بمنزلة (مَن) ... فحالُ المضاف في الإعراب والحُسن والقبح كحال المفرد. قال الله عز وجل: {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬5)، فحسُن كحسنه مضافًا" (¬6). وقد يُقال: كيف أثبت ابن الملقن التنوين في (أي)، والتنوين لا يثبت حال الإضافة؟ فالجواب عن ذلك: أنه جعل مجردَ التقدير للإضافة لا يوجبُ منعَ التنوين ولا يجوِّزه (¬7)؛ إذ ¬

(¬1) صحيح البخاري 6/ 18، باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 22/ 26. (¬3) البديع في علم العربية 2/ 232، اللباب في علل البناء والإعراب 2/ 134، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 395. (¬4) البيت من الطويل، بلا نسبة في: شرح الكافية الشافية 2/ 958، شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك 1/ 283، المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية 3/ 1238. (¬5) الإسراء: 110. (¬6) الكتاب 2/ 398. (¬7) نقلا: إرشاد الساري 1/ 482.

الإضافةُ في (أي) حاصلة معنى لا لفظًا. ويمكنُ القول بأن التنوين لا يثبت مع الإضافة مطلقًا؛ سواء أكانت لفظًا أم معنى. فعدم بقائه في الإضافة اللفظية معروف، أما مع الإضافة المعنوية فالتنوين متأبٍّ مع الألف واللام كما أنه متأبٍّ في الوقف مطلقا، وبذلك امتنع بقاؤه مع الإضافة المعنوية (¬1). ¬

(¬1) نتائج الفكر في النحو 1/ 226.

مسألة سقوط ميم (فم) في حال الإضافة

مسألة سقوط ميم (فم) في حال الإضافة في قوله - عليه السلام -: "وكان قد سقَط فمُه" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (وكان قد سقَط فمُه)، النحويون يُنكرون اجتماعَ الميم مع إضافة الضم إلى المضمر، ويرون أنه غيرُ جائز في غير الشعر، كما قال: ......................... ... يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ وإنما إعرابُه عندهم بالحروف، بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء جرًّا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن الميم في (فم) لا تثبتُ في حال الإضافة عند النحويين، وبيان ذلك فيما يلي: المشهور عند أهل اللغة أن الكلام على (فم) وأصلِ بنائها، مسألةٌ صرفية، لذا سيكونُ بيانُ المسألة من الجانب النحوي محدودًا ضيقًا، وذلك في أمرين: أحدهما: هل أنكر النحويون بقاءَ الميم في حال الإضافة؟ ثانيهما: هل قصَروا على الشعر جوازَ بقاء الميم حال الإضافة أم لا؟ فالنحويون في بقاء الميم حالَ الإضافة في الشعر والنثر بين مانع (¬3) ومُجِيز (¬4). فحجةُ المانعين تتلخص في أن أصل (فم): (فَوْهٌ)، فبتنوينها مع سكون الواو خِيف أن تسقط عينُ الكلمة -لالتقاء الساكنين- فأبدلت ميمًا، أما إن تُرك التنوين فلا حاجة لإبدال الواو ميمًا. أما حجةُ المجيزين في الشعر والنثر فهي: وجود ما يُثبت ذلك سماعًا، ومن أمثلة بقائها نثرا: ¬

(¬1) صحيح البخاري 8/ 115، باب صفة الجنة والنار. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 30/ 90. (¬3) المسائل البصريات 2/ 893، المقرب 1/ 216. (¬4) شرح التسهيل 1/ 49، ارتشاف الضرب 2/ 841.

قولُه - عليه السلام -: (والذي نفسي بيده لَخُلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله تعالى من ريح المسك) (¬1). ومن أمثلة بقائها شعرًا: قولُ رؤبة: كَالحُوتِ لا يُرْوِيِهِ شَيْءٌ يَلْهَمُهْ ... يُصْبِحُ ظَمْآنَ وَفِي البَحْرِ فَمُهْ (¬2) ومما سبق يتبيَّن أن بعض النحويين يرون المنع وبعضهم يرون الجواز، والذي يظهرُ أنه جائزٌ بقاؤها في حال الإضافة وعدمها، وفي الشعر والنثر، وذلك لما ثبت من الدليل السماعي. ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 24. (¬2) البيت من الرجز، في ديوانه: 159، شرح التسهيل 1/ 47، توضيح المقاصد 1/ 352.

مسألة استعمال اسم المفعول من فعل لازم دون حرف جر

مسألة استعمال اسم المفعول من فعلٍ لازم دون حرف جر في قوله - عليه السلام -: "حجٌّ مبرورٌ" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (مبرور)، قال ابنُ التين: يحتمل أن صاحبَه أوقعَه على وجه البر، وأصلُه أن لا يتعدى بغير حرف جر، ونُقل عن بعضهم أنه قال: لعله يريد بـ (مبرورٍ) وصفُ المصدر؛ فتعدَّى إليه بغير حرف، فجعله متعديًا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن أصل التعدية في (برَّ) تكونُ بحرف الجر، غير أنه جاء في الحديث متعديًا بنفسه، وبيان ذلك فيما يلي: الفعل (برَّ) فعلٌ لازم يكتفي بمرفوعه، وذلك نحو: برَّ حجُّك، ويتعدى إلى مفعوله بحرف الجر (¬3)، كـ: برِرتَ في حجِّك، أي: أحسنتَ فيه، وحجٌّ مبرور فيه. وقد يتعدى إلى مفعوله بغير حرف الجر، وذلك بإشراب كلمةٍ لازمةٍ معنَى كلمةٍ متعدية لتتعدى تعدِّيَها -وهذا ما يُسمى بالتضمين (¬4) - ويُبنى منها اسمُ مفعول (¬5). فالفعل (برَّ) اللازمُ، بمعنى الفعل (تقبَّل) المتعدي (¬6)، فيقال: بَرَّ اللهُ حجَّك كما يُقال: أبرَّ، أي: تقبل الله حجَّك، وحجٌّ مبرورٌ أي: حج مقبول. وقد ذكر ذلك ثعلبٌ في الفصيح، ونظمه صاحبُ (الموطأة) في قوله: ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 133، باب فضل الحج المبرور. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 38. (¬3) رسالة الحدود 79، إسفار الفصيح 1/ 186 المفصل في صنعة الإعراب 341، اللمحة في شرح الملحة 330، توضيح المقاصد 2/ 756. (¬4) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 680، شرح الأشموني 1/ 446، شذا العرف في فن الصرف 39. (¬5) الأصول في النحو 3/ 112، شرح ابن عقيل 2/ 147، شرح الأشموني 1/ 438، شذا العرف في فن الصرف 38. (¬6) فتح الباري 1/ 78، عمدة القاري 1/ 188، إرشاد الساري 3/ 134.

وبُرَّ ذاك الحجُّ أي تُقُبلا ... والحجُّ مبرورٌ فيا ما أجمَلَا (¬1) وبذلك يثبت تعدي الفعل (برَّ)، وبُني منه اسمُ مفعول. ¬

(¬1) متن موطأة الفصيح 27، وينظر: فصيح ثعلب 270، وإتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل 110.

الفصل الثاني مسائل الأفعال

الفصلُ الثاني مسائلُ الأفعال، وفيه مبحثان: المبحثُ الأول: الأفعالُ المبنيَّة المبحثُ الثاني: الأفعال المُعرَبة

المبحث الأول: الأفعال المبنية

المبحثُ الأول: الأفعالُ المبنيَّة وفيه مسائلُ: مسألة (نِعْمَ) و (بِئسَ) بين التصرُّف وعدمِه في قوله - عليه السلام -: "فنِعْمَ المُرضعةُ وبئست الفاطمةُ" (¬1). قال ابن الملقن: " (نعم) و (بئس): فعلان لا ينصرفان؛ لأنهما انتقلا عن موضعِهما، فـ (نعم) منقول من قولك: (نَعِمَ فلانٌ) إذا أصاب نعمة، و (بِئْس) منقول من (بَئِسَ) إذا أصاب بؤسًا، فنُقلا إلى المدح والذمِّ، فشابها الحروفَ، وقيل: إنهما استُعمِلا للحال بمعنى الماضي، وفيها أربعُ لغات: نَعِم بفتح أوله وكسر ثانيه، وكسرِهما، وسكون العين وكسرِ النون، وفتحِ النون وسكون العين. نعم المرأةُ هند، وإن شئت: نعمتِ المرأةُ هند" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (نعم) و (بئس) فعلان لا ينصرفان، ثم عرض لحكم لَحاقِ تاء التأنيث في آخر الفعل، وبيانُ ذلك فيما يلي: أثبت ابنُ الملقن أن الفعلين لا ينصرفان، وهذه الكلمة (لا ينصرفان) غير مناسبة في هذا الموضع؛ إذ الانصرافُ وعدمُه يُطلق على الأسماء، وأما ما يكونُ مع الأفعال فهو: التصرُّف وعدمُه، وقد بدا لي أن هذه الكلمة (لا ينصرفان) ربما تكون مصحفةً من (لا يتصرَّفان). هذا، ولا يمكنُ أن يقال بأنه قصد بـ (لا ينصرفان): لا ينتقلان؛ إذ عدمُ تصرفهما لا يقتضي انتقالَهما وانصرافَهما من شيء لآخر. والمشهورُ عند العلماء أن (نعم) و (بئس) فعلان جامدان، قال ابن مالك (¬3): فِعلانِ غيرُ متصرِّفَيْنِ ... نعمَ وبئسَ رافعانِ اسمَيْن ¬

(¬1) صحيح البخاري 9/ 63، باب ما يكره من الحرص على الإمارة. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 32/ 446، ووقع في الأصل (مفعول) بدل منقول في الموضعين، وهو تحريف. (¬3) ألفية ابن مالك 43.

أما كونُهما فعلين فالعلماءُ في ذلك على قولين (¬1): منهم من قال باسميتهما، ومنهم من قال بفعليتهما. فمَن قال باسميتهما، فلأمور: 1 - دخول حرف الجر عليهما؛ ومن ذلك قولُ الأعرابي: (والله ما هي بِنِعمَ المولودة)، لَمَّا قيل له: نعم المولودة مولودتُك (¬2). 2 - عدم اقترانهما بزمن معين كسائر الأفعال. 3 - عدم تصرفهما، إذ التصرف من خصائص الأفعال. ومَن قال بفعليتهما فلأمور: 1 - اتصال ضمير الرفع بهما كما يتصلُ بالفعل المتصرف، فيقال: نِعمَا رجلين. 2 - اتصال تاء التأنيث الساكنة التي لا تنقلبُ عند الوقف هاءً. 3 - بناؤهما على الفتح، ولو كانا اسمين لما كان لبنائهما وجهٌ. والجوابُ عن أدلة الأولين: أما كونُ حرف الجر لا يدخل على الأفعال فهذا صحيح، قال ابنُ مالك (¬3): بالجرِّ والتنوينِ والنِّدا وألْ ... ومسندٍ للاسمِ تمييزٌ حصَلْ غير أن إيراد الكلام بالحكاية يجوزُ فيه دخولُ حرف الجر، فليس بمنكور دخولُها على (نعم) (¬4). ومن دخولِ حرف الجر على الفعل قولُ الراجز (¬5): واللهِ ما لَيْلِي بِنامَ صاحِبُه ... ولا مخالِطَ اللَّيانِ جانِبُه (¬6) وأما عدمُ اقترانهما بزمن؛ فلأنهما موضوعان للغاية، فـ (نعم) لغاية المدح و (بئس) لغاية ¬

(¬1) علل النحو 290 - 292، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 81 - 103، اللمحة في شرح الملحة 405 - 413. (¬2) المصدر السابق. (¬3) ألفية ابن مالك 9. (¬4) علل النحو 290 - 292. (¬5) لأبي خالد القناني، ولم أعثر على ترجمة له حسب اطلاعي. نقلًا عن: شرح أبيات سيبويه 2/ 353. (¬6) البيت بلا نسبة في الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 92، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 181، همع الهوامع 1/ 32، شرح المفصل لابن يعيش 2/ 255، وروي بلفظ آخر: عمرك ما زيد بنام صاحبه.

الذم، فصورتُهما لما هو موجودٌ. أما كونُ التصرف أصلًا في الأفعال؛ فصحيحٌ، غير أن انتقالهما من (نَعِمَ) و (بَئِسَ) إلى المدح والذم منَعَهما من التصرف، على أن سيبويه يرى أنهما وُضِعا للرداءة والصلاح، ولا يكونُ منهما فعلٌ لغير هذا المعنى (¬1). واتصالُ تاء التأنيث دليلٌ واضح على فعليتهما؛ فإن قيل: إن التاء قد تدخلُ على الحروف كـ (ثُمَّت)، فلَحاقُها بالحرف يُبطل اختصاصَها بالفعل، وبذلك يبطل فعليتهما. فالجواب عن ذلك من أوجه: 1 - أن التاء في (نِعْمَت) للاسم المؤنث الذي بعدها، والتاء في (ثُمَّت) لتأنيث الحرف نفسه ولا تعلق لها بما بعدها. 2 - أن التاء في (نعمت) لا تدخل على المذكر، والتاء في (ثمت) تدخل على المذكر. 3 - أن التاء في (نعمتْ) ساكنة، والتاء في (ثمتَ) متحركة. هذا هو المعتمد في الاستدلال على فعليتهما، وأما الاستدلالُ على الفعلية بعدمِ وجودِ سببٍ لبنائهما لو كانا اسمين؛ فضعيفٌ (¬2). والذي يترجحُ من هذين القولين أنهما فعلان غير متصرفين؛ لانتقالهما من الخبر إلى نفس المدح والذم، وبذلك أشبَهَا الحرفَ في إفادة المعنى، إذ الأصلُ في إفادة المعاني إنما هي الحروف (¬3). هذا ولا يمكنُ أن يقالَ إنهما حرفان؛ لاستتار الضمير فيهما، ولا يستترُ ضميرُ الفاعل إلا في الأفعال (¬4). وقد يستعمل (نعم) و (بئس) فعلين متصرفين إن قُصد بهما زمنٌ معين، فتقول: نعِمَ العيشُ يَنعَمُ فهو ناعمٌ. وأما اللغاتُ الواردة في (نعم) و (بئس) فهي أربع: ¬

(¬1) الكتاب 2/ 179. (¬2) الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 92. (¬3) شرح المفصل لابن يعيش 4/ 389. (¬4) علل النحو 290 - 292، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 81 - 103.

1 - (نَعِمَ) و (بَئِسَ) بفتح الأول وكسر الثاني. 2 - (نِعِمَ) و (بِئِسَ) بكسرهما. 3 - (نِعْم) و (بِئْس) بكسر الأول وسكونِ الثاني. 4 - (نَعْم) و (بَأْسَ) بفتح الأول وسكون الثاني (¬1). وأما لَحاقُ تاء التأنيث (نعم) و (بئس)، فجائزٌ اللحاقُ وعدمُه. ويرى المبردُ أن جواز الوجهين بسبب كثرة استعمالهما في المدح والذم، والحذفُ موجودٌ في ما كثر استعمالُهم له (¬2). ¬

(¬1) الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 101، شرح المفصل لابن يعيش 361. (¬2) المقتضب 2/ 146.

مسألة (قيل) و (قال) بين الفعلية والاسمية

مسألة (قيل) و (قال) بين الفعلية والاسمية في قوله - عليه السلام -: "وكره لكم قيل وقال" (¬1). قال ابن الملقن: "قال أبو عبيد: كناية عن قيل وقول، يُقال: قلتُ قَولًا وقِيلًا وقَالًا، وقرأ ابنُ مسعود: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} (¬2)، يعني: قولَ الحق. وقال ابنُ السِّكِّيت: هما اسمان لا مصدران، وقيل: هما فعلان " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن اختلافَ العلماء في (قيل) و (قال)، وبيان ذلك فيما يلي: من العلماء مَن عَدَّ (قيل) و (قال) اسمين (¬4)، ومنهم مَن عدَّهما مصدرين (¬5)، ومنهم من عدَّهما فعلين (¬6). فحجةُ مَن عدَّهما اسمين: دخولُ (أل) التعريف وحرف الجر عليهما، إذ هما يميِّزان الاسمَ عن غيره، قال ابنُ مالك (¬7): بالجرِّ والتنوينِ والندا وألْ ... ومسندٍ للاسمِ تمييزٌ حصَلْ فتقول: نُهِينا عن القيلِ والقالِ، ونهينا عن قيلٍ وقالٍ. ومما ورد فيهما على أنهما اسمان: قولُ ابن مقبل (¬8): ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 120، باب ما ينهى عن إضاعة المال. (¬2) مريم: 34. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 460. (¬4) إصلاح المنطق 92، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية 5/ 1806. (¬5) نقلًا عن: تفسير الطبري 5/ 600. (¬6) نقلًا عن: تفسير الطبري 5/ 600، الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 426، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث 147، إرشاد الساري 9/ 7. (¬7) ألفية ابن مالك 9. (¬8) هو: تميم بن أبي بن مقبل، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، وشهد صفين مع معاوية، وترجمته في: بغية الطلب في تاريخ حلب 10/ 4694، مختصر تاريخ دمشق 29/ 167، الأعلام 2/ 87.

أصبحَ الدهرُ وقد ألوى بِهمْ ... غيرَ تَقْوالِك مِن قيلٍ وقالِ (¬1) وعُورض هذا بأنهما لو كانا اسمين لَما كان لعطفِ أحدِهما على الآخر مزيدُ فائدة، لكن قال المُحِبُّ الطبري: إن الاسم الثاني يكون توكيدًا (¬2). وإذا عُدَّا مصدرين فيجيئان بالتنوين أيضًا؛ يقال: قلتُ قولًا وقالًا وقيلًا، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَولَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} (¬3)، قرأ ابن مسعود: (قالَ الحقِّ): أي قولَ الحقِّ (¬4). وحجةُ مَن عدَّهما فعلين في الأصل أن هذا هو المستعمل؛ فإذا نُقلا إلى الاسمية بقِيا على حالهما؛ وقد نقَل سيبويه: (إن الله ينهاكم عن قيلَ وقالَ) (¬5). ويرى ابنُ الحاجب (¬6) أن انتقالَ الفعل إلى اسم الجنس قليلٌ، والأشهرُ عدم التنوين فيهما (¬7)، وذكر سيبويه أن بيت ابن مقبل لم يسمع بالنصب (¬8). أما كونُهما فعلين مبنيين، فعُورض بدخول حرف الجر عليهما، والجوابُ عن ذلك: أنهما فعلانِ محكيانِ بالقول (¬9). والذي يترجحُ لديَّ أنهما فعلان. ¬

(¬1) البيت من الرمل، ولم أجد البيت في ديوانه، نقلًا عن: الكتاب 3/ 269. (¬2) نقلًا: فتح الباري 11/ 306. (¬3) مريم: 34. (¬4) المصاحف لابن أبي داود 179، التبيان في إعراب القرآن 2/ 874. (¬5) الكتاب 3/ 268. (¬6) شرح شافية ابن الحاجب 1/ 37. (¬7) إرشاد الساري 9/ 7. (¬8) نقلًا: الكتاب 3/ 269. (¬9) ذُكر الجواب عن هذا الاعتراض في مسألة تعدي (نعم وبئس) بغير حرف الجر.

مسألة (سمع) بين التعدي إلى مفعول واحد ومفعولين

مسألة (سَمِع) بين التعدي إلى مفعول واحد ومفعولين في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: إنما الأعمالُ ... " (¬1). قال ابن الملقن: "اختلف النحاةُ في (سمِعتُ) هل يتعدى إلى مفعولين؟ على قولين: أحدُهما: نعم، وهو مذهبُ أبي علي الفارسي في "إيضاحه" قال: لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، كقولك: سمعت زيدًا يقولُ كذا، ولو قلت: سمعتُ زيدًا أخاك لم يجُز، والصحيحُ أنه لا يتعدَّى إلا إلى مفعول واحد، والفعلُ الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعتُه حالَ قولِه كذا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن النحاة اختلفوا في تعدي الفعلِ (سمع) إلى مفعول أو مفعولين، وبيان ذلك فيما يلي: المشهور عند النحويين أن الفعل (سمع) يتعدى إلى مفعول واحد (¬3)، ويرى أبو علي الفارسي أنه من الأفعال المتعدية إلى مفعولين، شريطةَ أن يكون المفعولُ الثاني مما يُسمع، وإن اقتُصِر على مفعول واحد، فيجب أن يكون مما يُسمع (¬4). والجواب عن ذلك: 1 - أن الفعل (سمع) لم يُذكر عند النحويين ضمنَ بابِ ظن وأخواتها؛ إذ ظن وأخواتها من الأفعال المتعدية إلى مفعولين. 2 - أن الفعل (سمع) لم يذكر عند النحويين ضمن باب أعطى؛ إذ المفعول الثاني في أعطى (اسم) والفعل (سمع) قد يقع المفعول الثاني (فعلًا)، فتقول: سمعت زيدًا يتكلم. فمنعُ (سمع) من هذين البابين يستلزمُ كونَه مما يتعدى إلى مفعول واحد، والفعلُ بعده في ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 6، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 460. (¬3) التعليقة على كتاب سيبويه 4/ 248، شرح المفصل 4/ 295، أمالي ابن الحاجب 1/ 188، شرح شذور الذهب لابن هشام 456. (¬4) الإيضاح 153.

محل نصب حال (¬1). وقد اعتُرض على قول الفارسي: "فإن اقتصرتَ على مفعول واحد وجَبَ أن يكون ممَّا يُسمع" (¬2)، بأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول واحد ولا يلزمُ أن يكون مما يُسمع. ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} (¬3)، فالفعل (سمع) لا يتعدى إلى مفعولين لقوله: (إذ تدعون)، ولو كان متعديًا إلى مفعولين لكان المعنى: يسمعون دعاءكم إذ تدعون، وهذا لا يحسن (¬4). وقد أجاب الفارسي (¬5) بأن تقدير الآية: (هل يسمعون دعاءكم إذ تدعون)، فحُذف المضاف (دعاء) وأقيم المضافُ إليه مكانه، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} (¬6). لكن لو قُدِّر المحذوف بـ (أصواتكم) لكان أبلغ؛ لأنهم عاجزون عن سماع الصوت، فكيف بسماع الدعاء؟ ومما سبق يترجحُ القول بأن الفعل (سمع) متعدٍّ إلى مفعول واحد، فهو بمنزلة غيره من الحواس الخمس. ¬

(¬1) الحلل في شرح أبيات الجمل 192 - 193، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 296. (¬2) الإيضاح 153. (¬3) الشعراء: 72. (¬4) أمالي ابن الحاجب 1/ 188. (¬5) الإيضاح 153. (¬6) فاطر: 14.

مسألة بين زيادة (كان) وتقدير (كاد)

مسألة بين زيادة (كان) وتقدير (كاد) في قول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "انتظَرْنا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذاتَ ليلة، حتى كان شطرُ الليل يبلغُه" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (كان شطر الليل يبلغه)، قيل: إن (كان) هنا زائدة. قال ابنُ بَطَّال: التقدير: (حتى كان شطر الليل، أو كاد يبلغُه)، والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم في: (أظلمت الشمسُ)؛ كادت تُظلم، ومنه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (¬2)، أي: كادت من شدة الخوف تبلغُ الحلوقَ" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن قولًا بأن (كان) زائدة، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف العلماء في (كان)؛ فمنهم من يرى أنها تأتي زائدة (¬4)، ومنهم من قال بأنها تأتي فقط تامة أو ناقصة (¬5). أما كونها زائدة؛ فلوقوعها وسطَ الكلام، وقد أشار ابنُ مالك إلى ذلك بقوله (¬6): وقد تُزادُ (كانَ) في حَشْوٍ كـ (ما ... كانَ أصحَّ علمَ مَن تقدَّما) ومن شواهد وقوعها زائدةً: ما أنشده الفراء (¬7): سَراةُ بَنِي أبي بكرٍ تَسامَى ... على كانَ المُسوَّمةِ العِرَابِ (¬8) أما كونُها تامة؛ فلاكتفائها بالمرفوع، والمعنى: كان الشطرُ؛ أي حصل، وقد تكون ناقصةً، ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 123، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء. (¬2) الأحزاب: 10. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 293. (¬4) شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 224. (¬5) الكواكب الدراري 4/ 236، فتح الباري 2/ 74، إرشاد الساري 1/ 516. (¬6) ألفية ابن مالك 190. (¬7) لم أعثر على قائل النص حسب اطلاعي، نقلًا: ضرائر الشعر 1/ 78. (¬8) البيت من الوافر، اللمع في العربية 1/ 39، ضرائر الشعر 1/ 78، شرح الكافية الشافية 1/ 70، وروي بلفظ مختلف: سراة بني أبي بكر تساموا، علل النحو 1/ 249.

فتنصب (يبلغُه) محلًّا. والذي يترجَّح في النص السابق أنها تامة أو ناقصة، وذلك لأمور: 1 - أن صواب اللفظ في هذا الحديث: هو ما رواه الأعمش: (حتى قرب نصف الليل، أو بلغه) (¬1). 2 - شذوذ زيادة (كان) بين الجار والمجرور (¬2)، إذ (حتى) بمعنى (إلى)، والتقديرُ: إلى نصف الليل. 3 - قول أبي حيان عن البيت السابق: ولم يُحفظ في غير هذا البيتِ، أي: زيادة (كان) بين الجار والمجرور (¬3). وبهذا، يُضعَّف قول من قال بزيادتها. أما حذفُ (كاد) فالعلماءُ فيه على قولين: 1 - مَن يُجيز حذفَ (كاد)، ويجعل منه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (¬4)، أي: كادت القلوب (¬5)، ومن ذلك قول العرب: (أظلمت الشمس)؛ أي: كادت تُظلم (¬6). 2 - مَن يمنعُ حذفَ (كاد) إلا لدليل؛ لأن المشهور عند النحويين أنه إذا دلَّ على خبر هذا الباب دليلٌ جاز حذفُه، كما يجوزُ في غير هذا الباب حذفُ ما ظهر دليلُه (¬7). وذكر ابن الأنباري أن (كاد) لا يُضمر ولا يُعرف معناه إذا لم يُنطق؛ بحجة أنه لو جاز إضمارُه لجاز (قام زيد) بمعنى (كاد يقومُ)، فيكون الحاصل أن (قام زيد) بمعنى (لم يقم زيد) (¬8)؛ وهذا تأويل فاسد. ¬

(¬1) حديث السراج 3/ 98، نقلا: شرح ابن بطال 2/ 224. (¬2) شرح ابن عقيل 1/ 291، التصريح بمضمون التوضيح 1/ 251، همع الهوامع 1/ 438. (¬3) نقلًا: همع الهوامع 1/ 438. (¬4) الأحزاب: 10. (¬5) غريب القرآن لابن قتيبة 1/ 248. (¬6) تأويل مشكل القرآن 1/ 107، التفسير البسيط 20/ 111، زاد المسير 4/ 92. (¬7) شرح الكافية الشافية 1/ 77. (¬8) نقلًا: التفسير البسيط 18/ 187، زاد المسير في علم التفسير 3/ 451.

ورأى صاحبُ (باهر البرهان) (¬1) أن هذا التأويلَ صحيحٌ غير فاسد، لأن إضمار (كاد) أكثرُ من أن يحصى (¬2)، ولكن العبرة بحسب الموضع المحتمل، ودلالة الكلام، ومن ذلك قولُهم: (أوردتُ عليه من الإرهاب ما مات عنده)، أي: كاد يموت، وكذا قولُ جرير: إنَّ العُيونَ التي في طَرْفِها مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قَتْلَانا (¬3) أي: كدن يقتُلننا. فالذي يظهرُ أن حذف (كاد) جائزٌ إن دل عليه دليلٌ. ¬

(¬1) هو: أبو القاسم محمود بن أبي الحسن علي بن الحسين النيسابورى الغزنوي، ويعرف بـ: بيان الحق، ت: 553 هـ، وترجمته في: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب 6/ 2686، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2/ 277. (¬2) باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن 2/ 1126. (¬3) البيت من البسيط، وروي بلفظ آخر: إن العيون التي في طرفها حوَرٌ ... قتلننا ثم لا تحيين قتلانا ديوانه 163، الشعر والشعراء 1/ 68، المقتضب 2/ 173، شرح المفصل لابن يعيش 3/ 223.

مسألة (كاد) بين النفي والإيجاب

مسألة (كاد) بين النفي والإيجاب في قول عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه -: "يا رسول الله! ما كدتُ أصلي العصرَ حتى كادت الشمسُ تغربُ" (¬1). قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وقوعَ الفعل في الأكثر، كما في قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬2)، والمشهورُ في (كاد) أنها إذا كانت في سياق النفي أوجَبَت، فإن كانت في سياق الإيجاب نَفَت، وقيل: النفيُ نفيٌ، والإيجابُ إيجاب" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن رأيين في إثبات (كاد) إذا دخلها النفيُ، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف العلماء في (كاد) إذا دخلها النفيُ؛ فمنهم مَن يرى أنها إنْ دخلها النفيُ أوجَبَت، وإن لم يدخُلْها نَفَت (¬4)، ومنهم مَن يرى أن نفيَها نفيٌ وإيجابَها إيجابٌ (¬5). واحتجَّ من قال بأن النفي إذا دخلها أوجَبَت، وإن لم يدخلها نَفَت، بقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}، فلما دخل النفيُ على (كاد) ثبَت الفعلُ بعدها، وإلى هذا أشار المعري مُلغِزا (¬6): أَنَحْوِيَّ هذا العصرِ ما هي لفظةٌ ... جَرَت في لسانَي جُرهُمٍ وثَمُود إذا استُعمِلت في صُورةِ الجحدِ أثبَتَت ... وإن أُثبِتت قامت مقامَ جُحود ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 122، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت. (¬2) البقرة: 71. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 282. (¬4) فتح الباري 2/ 69. (¬5) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1/ 87، شرح الكافية الشافية 1/ 467، البحر المحيط في التفسير 1/ 416، الكواكب الدراري 4/ 230. (¬6) الطراز في الألغاز 75.

فأُجيب عن هذا اللغز: نعم هي (كادَ المرءُ أن يَرِدَ الحِمَى) ... فتأتي بإثباتٍ بنَفْيِ وُرود وفي عكسِها (ما كاد أن يردَ الحِمَى) ... فخُذْ نظمَها فالعلمُ غيرُ بعيد أمَّا حجةُ مَن يرى أن نفيها نفيٌ وإيجابَها إيجابٌ؛ فهي: أن (كاد) تعني: المقاربةَ، فتقول: (كاد زيدٌ يبكي)؛ أي: قاربَ البكاء، فالمقاربةُ ثابتةٌ والبكاءُ مُنتفٍ. وإن قلت (لم يكدْ زيدٌ يبكي)، فمقاربةُ البكاء منتفيةٌ ونفسُ البكاء مُنتفٍ (¬1). ففي كلا القولين انتفاءُ البكاء، مع إثبات كاد ونفيها. ويدلُّ على ذلك قولُ ذي الرُّمَّة: إذا غَيَّرَ النَأْيُ المُحِبِّين لم يَكَدْ ... رَسِيسُ الهوى مِن حُبِّ ميَّةَ يَبرَحُ (¬2) أي: أن حب مية لم يُقاربِ الزوالَ أو التبدُّلَ. أما تخريج الآية: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬3)؛ فهو: أن النفيَ إعلامٌ ببُعدِ وقوع الذبح، والكلامُ متضمِّنٌ زمنين مختلفين (¬4). واعتُرض على ذلك: بأن (كاد) ليست للمقاربة؛ إذ إن نفيَ الفعل يناقضُ وقوعَه، فلو كانت للمقاربة للزِم التناقضُ (¬5). والجوابُ عن ذلك في مثل هذه الآية: بأن النفي هو في اللفظ، والإثبات في المعنى؛ لأن الفعل قد وقَع (¬6)، ومثلُ ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: (كاد الفقرُ أن يكونَ كفرًا) (¬7)، فالإثباتُ في اللفظ ¬

(¬1) شرح الكافية الشافية 1/ 467. (¬2) البيت من الطويل، ديوانه 78، المفصل في صنعة الإعراب 1/ 359، شرح الكافية الشافية 1/ 469، شرح الأشموني 1/ 292. (¬3) البقرة: 71. (¬4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1/ 87، شرح الكافية الشافية 1/ 467، البحر المحيط في التفسير 1/ 416، الكواكب الدراري 4/ 230. (¬5) مفاتيح الغيب 3/ 550. (¬6) مفاتيح الغيب 24/ 400. (¬7) الدعاء للطبراني 319، بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار 56، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 3/ 53.

والنفيُ في المعنى. والذي يترجحُ أن (كاد) نفيُها نفي وإثباتُها إثباتٌ، ويظهرُ ذلك جليًّا في مثل قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} (¬1)، فعدمُ مقاربة الرؤية يقتضي عدمَ وقوعها أيضًا. ¬

(¬1) النور: 40.

مسألة (أرى) بين التعدي إلى مفعول واحد والتعدي إلى مفعولين

مسألة (أَرَى) بين التعدِّي إلى مفعول واحد والتعدي إلى مفعولَيْن في قوله - عليه السلام -: "يا معشرَ النساء! تصدَّقْنَ؛ فإني أُريتُكنَّ أكثرَ أهل النار" (¬1). قال ابن الملقن: " (أكثرَ) هو: بنصب الراء، على أن (أريت) يتعدى إلى مفعولين، أو على الحال إذا قلنا: إن (أفعل) لا يتعرفُ بالإضافة، كما صار إليه الفارسيُّ وغيرُه. وقيل: إنه بدلٌ من الكاف في (أُريتكُن) " (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن الفعل (أرى) يتعدى إلى مفعولين، وبيان ذلك فيما يلي: يُستعمل الفعلُ (أَرَى) عند العرب استعمالين: 1 - فيأتي متعدِّيًا إلى اثنين، إذا كان مِن (رأى) البَصَرِيَّةِ (¬3)، ومن ذلك قولُه تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِ‍يمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (¬4). 2 - ويأتي متعدِّيًا إلى ثلاثة، إذا كان من (رأى) العِلْمِيَّةِ (¬5)، ومن ذلك قولُه تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} (¬6). واختلف العلماء في (أريتكن)؛ فمنهم مَن يرى أنها بَصَرِيةٌ، ومنهم مَن يرى أنها عِلمِّية. فمَن رأى أنها بَصَرية: فلـ (أكثرَ) عنده بعدها مواضعُ ثلاثةٌ: 1 - نصبٌ على المفعولية. 2 - نصبٌ على الحال. 3 - نصبٌ على البدلية من الكاف في (أريتكن). ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 68، باب من ترك الحائض الصلاة. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 53. (¬3) مغني اللبيب 1/ 544، شرح ابن عقيل 2/ 67، التصريح بمضمون التوضيح 1/ 390. (¬4) البقرة: 260. (¬5) شرح شافية ابن الحاجب 1/ 87، توضيح المقاصد والمسالك 1/ 571. (¬6) الأنفال: 43.

والذي يترجحُ أن (أكثرَ) بدلٌ من الكاف في (أريتكن) للأسباب التالية: 1 - الفعل (أُرِيت) فعل مبني للمجهول، وذلك ما جعَله قاصرًا عن مفعول كان متعديًا إليه قبل الصوغ (¬1)، فـ (نائب الفاعل) هو المفعولُ الأول، والضميرُ (كن) مفعولٌ ثانٍ. 2 - أن الحكم على (أكثرَ) بـ (الحالية) مخالِفٌ لِمَا هو معلومٌ عند العلماء؛ وذاك أن الحال إذا وردت معرفةً أو معرَّفة بالإضافة، حُكِم عليها بالشذوذ، وأُوِّلت إلى نكرة (¬2)، وإلى هذا أشار ابنُ مالك بقوله (¬3): والحالُ إنْ عُرِّفَ لفظًا فاعتَقِدْ ... تَنكِيرَه مَعْنًى كوَحْدَك اجتَهِدْ وهذا بخلاف ما يراه الفارسي: أن الحال لا تُعرَّف بالإضافة (¬4)، والصحيحُ أنها تُعرف بالإضافة (¬5). وبهذين السببين يترجَّحُ كونُ (أكثرَ) بدلًا من الكاف في (أريتكن)، لبُعدِها عن الخلاف. أما مَن رأى أنها عِلْمِّية: فـ (أكثر) عنده مفعولٌ ثالثٌ لـ (أرى)، وكانت رؤيته - صلى الله عليه وسلم - لهن في ليلة الإسراء (¬6). ومما سبق يظهرُ أنه لا مانع من التأويلين؛ فيجوز أن يكون (أرى) متعديًا إلى اثنين، قياسًا على: (أراني الله إياكن)، ومتعديًا إلى ثلاثة قياسًا على: (أُخبرت وأُعلمت ليلةَ الإسراء أنكن ... )، وكل ذلك واردٌ عند شُرَّاح الحديث. ¬

(¬1) شرح الكافية الشافية 2/ 574. (¬2) الكتاب 2/ 112، شرح التسهيل 2/ 327. (¬3) ألفية ابن مالك 32. (¬4) الإيضاح العضدي 269. (¬5) المفصل في صنعة الإعراب 120، شرح التسهيل 3/ 229، توضيح المقاصد والمسالك 2/ 787، شرح شذور الذهب للجوجري 2/ 581 - 282. (¬6) فتح الباري 1/ 406، عمدة القاري 3/ 271.

مسألة حذف أحد مفعولي (اتخذ)

مسألة حذف أحدِ مفعولَيِ (اتخَذَ) في قوله - عليه السلام -: "ولو كنتُ متخِذًا خليلًا من أمتي لاتخذتُ أبا بكر" (¬1). قال ابن الملقن: "و (اتخذ) تتعدى إلى مفعولين أحدُهما بحرف الجر، فيكون بمعنى: اختارَ واصطَفَى، وهنا سكتَ عن أحدِ مفعولَيْها، وهو الذي دخل عليه حرفُ الجر، فكأنه قال: لو كنتُ متخذًا من الناس خليلا لاتخذتُ منهم أبا بكر، وقد تتعدى (اتخذ) لأحد المفعولين بحرف الجر، وقد تتعدى إلى مفعول واحدٍ، وكلُّ ذلك في القرآن" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن الفعل (اتخذ) يتعدى إلى مفعول واحد وإلى مفعولين، وبيان ذلك فيما يلي: يختلفُ تعدِّي الفعل (اتخذ) باختلافِ معناه، فإن كان بمعنى (اكتسب) كان متعديًا إلى مفعول واحد، وإلا كان متعديًا إلى مفعولين، قال ابن مالك (¬3): فكانَ منها وتَخِذْتُ واتَّخَذْ ... إنْ أفهَمَا معنًى عن الكسبِ انتَبَذْ وورد هذا في القرآن، منه قولُه تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (6)} (¬4). أما إذا كان بمعنى (صيَّر)، فيتعدى إلى مفعولين، قال ابن مالك (¬5): وهَبْ تَعلَّمْ والتي كصَيَّرَا ... أيضًا بها انصبْ مبتدًا وخبرَا وورد مثلُ هذا في القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} (¬6). ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 100، باب الخوخة والممر في المسجد. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 617. (¬3) شرح الكافية الشافية 2/ 541. (¬4) البقرة: 116. (¬5) ألفية ابن مالك 23. (¬6) آل عمران: 28.

هذا، وقد يتعدى إلى مفعولين أحدُهما بحرف الجر، قال تعالى: {فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} (¬1)، وقال تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)} (¬2). أما عن حذفِ أحد المفعولين -كما في الحديث- فالأصلُ ألا يُقتصَر على أحدهما؛ لأنه إن حُذف الأول بقِي الثاني بلا مُخبَر عنه، وإن حُذف الثاني بقِي الأول بلا خبر. غير أن ما دلَّ عليه دليلٌ جائزٌ حذفُه، قال ابنُ مالك (¬3): وحذفُ ما بيَّنه دليلُ ... هناك ههنا له سبيلُ وجائزٌ سقوطُ جُزأين هنا ... إن كان ذكرُ ما تبقَّى حسَنَا ومما سبق يتبيَّن جوازُ مجيء (اتخذ) متعديًا إلى مفعول واحد وإلى مفعولين؛ سواء أكان أصلهما المبتدأ والخبر، أم كان متعديًا لأحدهما بحرف جر. ¬

(¬1) النساء: 89. (¬2) النساء: 89. (¬3) شرح الكافية الشافية 2/ 552.

المبحث الثاني: الأفعال المعربة

المبحثُ الثاني: الأفعالُ المعربة وفيه مسائلُ: مسألة سدُّ (أنْ والمضارعِ) مسدَّ اسمِ (يُوشِكُ) وخبرِها في قوله - عليه السلام -: "يُوشكُ أن يكون خير مال المؤمن غنم" (¬1). قال ابن الملقن: "و (يوشك) أحدُ أفعال المقاربة، يطلُبُ اسمًا مرفوعًا وخبرًا (منصوبَ المحل)، لا يكون إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـ (أن)، وقد يُسند إلى أنْ والفعل المضارعِ فيسُد ذلك مَسَدَّ اسمها وخبرِها، كما جاء في هذا الحديث، ومثله قولُ الشاعر: يُوشِكُ أن تبلُغَ مُنتهَى الأجَلْ ... فالبرَّ لازِمْ برجاءٍ ووَجَلْ" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن خبر (يوشك) لا يكونُ إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـ (أن)، وبيانُ ذلك فيما يلي: المشهور عند النحويين أن خبر أفعالِ المقاربة لا يكونُ إلا أفعالًا، وما سمع خارجًا عن ذلك فيُحمل على الشذوذ، وإلى ذلك أشار ابنُ مالك في كافيته (¬3): وهاك أفعالًا إلى المقاربهْ ... تُعزَى ومع كان لها مناسبهْ وكاسمِها اسمُهن لكنِ الخبَرْ ... هنا مضارعٌ ومفردًا ندَرْ وقد يجيء الخبرُ غيرَ الفعل المضارع شذوذًا، ومن ذلك قولُ الشاعر (¬4): ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 13، باب من الدين الفرار من الفتن. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 565، والبيت من الرجز، وهو بلا نسبة في شواهد التوضيح والتصحيح 202. (¬3) شرح الكافية الشافية 1/ 449. (¬4) البيت: لأمية بن أبي الصلت (فيما نُسب إليه وإلى غيره) ديوانه 172، ولكثير عزة، ولم أجده في ديوانه، الكتاب 3/ 161، الأصول في النحو 2/ 208، المفصل في صنعة الإعراب 360.

يُوشكُ مَن فَرَّ من منِيَّته ... في بعضِ غِرَّاتِه يوافِقُها (¬1) أما اقترانُ الخبر بـ (أنْ)، فجائزٌ الاقترانُ والتجردُ، لكنَّ التجردَ قليلٌ، كما قال ابنُ مالك (¬2): وألزَمُوا اخلولقَ أنْ مثلَ حَرَى ... وبعدَ أوشَكَ انتِفا أنْ نزُرَا هذا، وقد ورد عن العرب اقترانُ الخبر بـ (أن) وتجردُه منه، فمثالُ تجردِه من (أن): قولُه - عليه السلام -: (يوشكُ الرجلُ متكئًا على أريكته ... ) (¬3). ومما سبق يتبيَّنُ أن خبر أفعال المقاربة لا يكونُ إلا فعلًا مضارعًا -بالاطراد- غير أنه قد يأتي غيرَ مقترن بـ (أنْ) -جوازا لا شذوذًا- بخلاف ما يرى ابنُ الملقن. ¬

(¬1) البيت من المنسرح، شرح الكافية الشافية 1/ 456، شرح ابن عقيل 1/ 338، التصريح بمضمون التوضيح 1/ 287، همع الهوامع 1/ 477. (¬2) ألفية ابن مالك 20. (¬3) مسند ابن أبي شيبة 2/ 403، سنن ابن ماجه 1/ 6، سنن الدارقطني 5/ 516.

مسألة جزم المضارع بـ (لن)

مسألة جزم المضارع بـ (لن) في رواية لقوله - عليه السلام -: "اخسَأْ، فلن تعدوَ قدرَك" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (فلن تعدوَ قدرَك) ... قال ابنُ التين: ووقع هنا بغير واو. وقال القزازُ: هي لغةٌ لبعض العرب؛ يجزمون بـ (لَنْ) مثل (لَمْ)، وذكر أن بعض القراء قرأ: {قُل لَّن يُصِبْنَا} (¬2) " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن (لنْ) قد تأتي أداةَ جزم للفعل المضارع، وبيانُ ذلك فيما يلي: المشهور عند النحويين أن (لن) أداةُ نصب للفعل المضارع، ومجيئُها جازمةً يحتملُ أمرين: 1 - أنها لغةُ مَن يجزمون الفعلَ المضارع بـ (لن) (¬4). 2 - أن (لن) تكون بمعنى (لا) الناهية أو (لم). أما كونُها على لغةِ بعضِ العرب، فقد ورد من ذلك النَّزْرُ القليل. فمن ذلك قولُه تعالى: {قُل لَّن يُصِبْنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (¬5) بجزم (يصب)، وحكى أبو عبيدةَ أن مِن العرب مَن يجزم بـ (لن) (¬6). وكذا في قوله - عليه السلام -: ( ... لَنْ تُرَعْ ... ) (¬7). ومثله قولُ كُثيِّر: أَيادي سَبَا يا عَزُّ ما كنتُ بعدَكم ... فلَنْ يَحْلَ للعينَينِ بعدَكِ منظرُ (¬8) ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 93، باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه؟ وهل يُعرض على الصبي الإسلام. (¬2) التوبة: 51. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 91. (¬4) إعراب القرآن للنحاس 2/ 122، شواهد التوضيح 317، توضيح المقاصد 3/ 1229. (¬5) التوبة: 51. (¬6) نقلًا: إعراب القرآن للنحاس 2/ 122. (¬7) المصنف 1/ 419، مسند إسحاق بن راهويه 4/ 191، مسند الإمام أحمد بن حنبل 10/ 407. (¬8) البيت من الطويل، ديوانه 823، المستقصى في أمثال العرب 2/ 90، تمهيد القواعد 8/ 4137، شرح الأشموني 3/ 180.

بجزم الفعل (يَحْلَ). وأمَّا مَن يرى أن (لن) بمعنى (لا) أو (لم)؛ فذلك لسببين: 1 - أن (لن) لتأكيد ما تعطيه (لا) من نفي المستقبل. 2 - أن (لن) للنفي مثل (لم)؛ ولأن النون أخفُّ من الميم في اللغة. ومن قلب الميم نونًا قولُ الشاعر (¬1): كأنِّي بينَ خافِيَتَيْ غُرابٍ ... أصابَ حمامةً في يومِ غَيْنِ (¬2) أي: غَيْم. والجواب عن ذلك ما يلي: 1 - أن (لن) حرفٌ غيرُ مركب، يفيدُ النفي، فدعوى مشابهته لـ (لا) لا دليل عليها (¬3). 2 - أن تشبيه (لن) بـ (لم) و (لا)، بعيدٌ؛ إذ إن (لن) وُضعت ناصبة و (لم) جازمة، فكيف تُقاس على ما يُناقِضُ عملَها. ¬

(¬1) لم أقف على قائله حسب اطلاعي. (¬2) شرح شافية ابن الحاجب 3/ 149، رصف المباني 287. (¬3) الجنى الداني 270.

مسألة ورود النفي بمعنى النهي في المضارع

مسألة ورود النفي بمعنى النهي في المضارع في قوله - عليه السلام -: "لا يبيعُ بعضُكم على بيع أخيه" (¬1). قال ابن الملقن: "قال صاحبُ (المطالع): يأتي كثيرٌ من الأحاديث على لفظ الخبر، وقد يأتي بلفظ النهي، وكلاهما صحيح. وقال ابنُ الأثير: كثيرٌ من روايات الحديث (لا يبيعُ) بإثبات الياء، والفعل غيرُ مجزوم، وذلك لحن، وإنْ صحَّت الرواية فتكون (لا) نافيةً، وقد أعطاها معنى النهي، لأنه إذا نُفِي أنْ يوجد هذا البيع، فكأنه قد استمَرَّ عدمُه، والمرادُ من النهي عن الفعل: إنما هو طلبُ إعدامه أو استبقاءُ عدمِه" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن الخلافَ في (لا) والفعل بعدها، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف العلماء في (لا) والفعل بعدها، فمنهم من عدَّ (لا) ناهيةً (¬3)، ومنهم من عدَّها نافيةً أو زائدةً (¬4). فإن عُدَّت ناهية، فالفعلُ بعدها مجزومٌ، غير أن الفعل في هذا الحديث ليس مجزومًا، وتخريجُ ذلك: أن الفعل قد يأتي بلفظ الخبر ويُراد به النهيُ، ومن ذلك قولُه تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} (¬5)، وقولُه - عليه السلام -: (ولا يستطيبُ بيمينه) (¬6). ويرى بعضُ شراح الحديث أن هذا لحن، إذ هو معطوفٌ على مجزوم (ولا تناجشوا ... )، وقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم -: (لا يبِعْ بعضُكم ... )، بجزم الفعل المضارع. ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 69، باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 344. (¬3) الشافي في شرح مسند الشافعي لابن الأثير 4/ 60. عمدة القاري 12/ 94. (¬4) مطالع الأنوار 1/ 563، الإيجاز في شرح سنن أبي داود 111، فتح الباري 4/ 353، عمدة القاري 12/ 94. (¬5) البقرة: 233. (¬6) مسند الإمام أحمد بن حنبل 12/ 326.

أما إن عُدَّت نافية، فهي غيرُ عاطفة، ولا تعمل في الفعل شيئًا (¬1)، ويكون الفعلُ بعدها بالرفع، أو بالنصب عطفًا على ما قبلها: (نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقى الركبان، ولا يبيع حاضر لباد). وإن قيل: كيف يُجمع بين نفي ونهي؟ قيل: ليس المرادُ بالجمع أن النفي نهي، إنما المرادُ التشابُه بينهما، وقد أشار ابنُ مالك إلى ذلك بقوله (¬2): مِن بعدِ نَفْيٍ أو مُضاهِيه ... .................................. ويمكنُ أن يقال بأنها زائدةٌ من جهة اللفظ فحسب؛ لعملِ ما قبلَها فيما بعدها، ولأنها تفيدُ النفي (¬3). والذي يترجحُ أن كِلَا الوجهين صحيحٌ. ¬

(¬1) شرح الكافية الشافية 1/ 210، رصف المباني 258، الجنى الداني 291. (¬2) ألفية ابن مالك 33. (¬3) الجنى الداني 200.

مسألة المضارع بعد (حتى) بين الرفع والنصب

مسألة المضارع بعد (حتى) بين الرفع والنصب في قول محمدِ بنِ جُبَير: "فانطلقتُ حتَّى أدخل على مالك" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (فانطلقت حتَّى أدخل على مالك)، مَن قرأه بضم لام (أدخلُ) كانت (حتَّى) عاطفةً، فمعنى الكلام: انطلقت فدخلتُ المدينة، ومَن فتَحَها كانت (حتَّى) بمعنى (كي)، ومثلُه قولُه تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ} (¬2)، إذا ضممت لام (يقولُ)، وإذا فتحتَ، فـ (حتى) بمعنى (إلى أنْ) " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن إعرابَ الفعل بعد (حتى) يختلفُ باختلاف المعنى، وبيانُ ذلك فيما يلي: للعلماء في الفعل (أدخل) وجهان إعرابيان: 1 - الرفع، وذلك باعتبار (حتى) عاطفةً. 2 - النصب، وذلك باعتبار (حتى) أداةَ نصب. وقد اختلف العلماء في جواز الرفع، فيرى الكوفيون أن (حتى) لا تأتي عاطفةً، وحركة ما بعدها بتقدير عامل (¬4)، غير أن جمهور البصريين لا يرون عطفَ (حتى) للجمل، غير أن الأخفش يجيزُه إذا كانت (حتى) سببية (¬5). ورجَّح ابنُ مالك النصب، وتكون صيغةُ المضارع للمبالغة في استحضار صورة الحال، وإلا فالأصلُ: فانطلقتُ حتى دخلتُ (¬6). ¬

(¬1) صحيح البخاري 4/ 79، كتاب فرض الخُمُس. (¬2) البقرة: 214. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 383. (¬4) الجنى الداني 546. (¬5) الجنى الداني 558. (¬6) نقلا: إرشاد الساري 5/ 190.

أما القولُ في توجيه قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (¬1)، فقرأ نافعٌ ومجاهدٌ وبعضُ أهل المدينة بالرفع، والباقون بالنصب (¬2)، وهو الأفصح والأصح (¬3). ويمكنُ أن يُقال: إن الحجة في جواز الرفع والنصب: أن (حتى) لا تعملُ في الماضي، فإن كان الفعل ماضيًا بلفظ المضارع جاز الوجهان (¬4). ¬

(¬1) البقرة: 214. (¬2) معاني القرآن للفراء 1/ 132، السبعة في القراءات 1/ 181، المبسوط في القراءات العشر 1/ 146. (¬3) معاني القرآن للأخفش 1/ 127، تفسير الطبري 4/ 291. (¬4) حجة القراءات 1/ 131، تفسير البغوي 1/ 273.

مسألة المضارع بعد الطلب بين الرفع والجزم

مسألة المضارع بعد الطلب بين الرفع والجزم في قوله - عليه السلام -: "لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يَضرِب بعضُكم رقابَ بعض" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (يضرب بعضُكم رقابَ بعض) مَن جزم الباءَ مِن (يضربْ) أوَّله على الكفر الحقيقي الذي فيه ضربُ الأعناق، ومَن رفعها فكأنه أراد الحالَ أو الاستئنافَ، ولا يكون متعلقًا بما قبله" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (يضرب) يصحُّ فيها الجزمُ على جواب النهي، ويصحُّ فيها الرفع، وبيان ذلك فيما يلي: لـ (يضرب) في هذا الحديث إعرابان: أحدهما: الجزمُ، جوابًا للنهي (لا ترجعوا .. يَضربْ)، أي: يقتُل. ثانيهما: الرفعُ، على أنها جملة استئنافية، فيصبحُ المعنى: (يضربُ .. فِعْلُكم كفعل الكفار). والصوابُ الرفع (¬3)؛ لمخالفة الجملة لشرط الجزم بعد النهي، قال ابنُ مالك (¬4): وشرطُ جزمٍ بعد نهيٍ أن تضَعْ ... إنْ قبلَ لا دون تخالُفٍ يقَعْ وذلك مثلُ: لا تدْنُ من الأسد تسلَمْ، وبعد دخول (إن) تصبح الجملةُ: إن لا تدْنُ تسلمْ، فباستقامة المعنى يتعينُ الجزم. في حين إنه لا يجوز الجزمُ في مثل قول: لا تدنُ من الأسد يأكلُك؛ لعدم استقامة المعنى بعد دخول (إنْ)، فيتعينُ الرفع (¬5). فـ (يضربُ) في هذا الحديث مرفوعة؛ لعدم استقامة المعنى بعد دخول (إنْ)، فعند قولِ: (إنْ ¬

(¬1) صحيح البخاري 9/ 50، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض). (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 32/ 317. (¬3) كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 9، قوت المغتذي على جامع الترمذي 2/ 527. (¬4) ألفية ابن مالك 58. (¬5) التصريح بمضمون التوضيح في النحو 2/ 384.

لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)، يتعين الرفع في (يضربُ)؛ لانتفاء الضرب بانتفاء الرجوع، حيث إن الضرب يكون بالرجوع.

مسألة المضارع بين البناء للمعلوم والمجهول

مسألة المضارع بين البناء للمعلوم والمجهول في قوله - عليه السلام -: "ولن يُشادَّ الدِّين إلا غلبه" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (ولن يُشادَّ الدِّين إلا غلبه)، هكذا وقع للجمهور من غير لفظة (أَحَدٌ)، وأثبتها ابنُ السَّكَنِ، وهو ظاهرٌ، و (الدِّين) على هذا منصوبٌ، وأما على الأُولى فرُوي: بنَصْبه، وهو ضبطُ أكثر أهل الشام على إضمار الفاعل في (يشاد) للعلم به، ورَفْعِه؛ وهو روايةُ الأكثر؛ كما حكاه صاحبُ (المطالع)، وهو مبنيٌّ لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُه" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (الدِّين) روي منصوبًا ومرفوعًا، وبيانُ ذلك فيما يلي: المشهورُ عند الصرفيين أن المضارع من ماضي الرباعي يُصاغ بضم حرف المضارَعة وكسرِ ما قبل الآخِر، إن كان الفاعل معلومًا، أمَّا إن بُني للمفعول فبفتحِ ما قبلَ الآخِر (¬3). غير أن الفعل (يُشادُّ) جاء فيه ما قبل الآخر ساكنا بسبب الإدغام، فصارت حركته قبل الإدغام محتملة للفتح (يُشادَد) وللكسر (يُشادِد)، ومن ثَمَّ صار معناه محتمِلًا لأن يكون مبنيًّا للفاعل ومحتملًا لأن يكون مبنيًّا للمفعول؛ ولا سيما إن كان السياقُ يحتمِلُ الأمرين كما في الحديث الذي معنا (ولن يُشادَّ الدين إلا غلبه) (¬4)، ومثله في ذلك (يضار) كما في قوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} (¬5) (¬6)، وغيره من الأفعال المضعفة. 1 - فلو كان الأصل (لن يشادَد الدينُ) فسيكون (الدين) نائبَ فاعل مرفوعًا. 2 - ولو كان الأصل (لن يشادِد الدينَ) فسيكون (الدين) مفعولًا منصوبًا، والفاعل ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 16، باب الدين يسر. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 84. (¬3) الكتاب 4/ 282، شرح التصريف للثمانيني 1/ 199، شذا العرف في فن الصرف 42. (¬4) صحيح البخاري 1/ 16، سنن النسائي 8/ 121، مسند الشهاب 2/ 104. (¬5) البقرة: 282. (¬6) للتفصيل ينظر: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون 2/ 675.

محذوف للعلم به كما قال ابن الملقن. ومما سبق يتبيَّنُ أن الفعل (يُشادُّ) يشتركُ في صيغة المبني للفاعل وصيغة المبني للمفعول، والفارقُ في ذلك القرينةُ السياقية الدالة على المقصود.

مسألة المضارع بعد (حتى) بين الجزم والنصب

مسألة المضارع بعد (حتى) بين الجزم والنصب في قول الحجاج: "فأنظِرْني حتى أفيضَ على رأسي ثم أخرج" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (حتى أفيض) قال: صوابُه أُفِض؛ لأنه جوابُ الأمر" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن الفعل المضارع مجزومٌ، ولا وجه لنصبه، وبيانُ ذلك فيما يلي: للفعل المضارع في هذا الحديث روايتان: بنصبِ (أفيض) (¬3)، وجزمِه (¬4). أما كونُه منصوبًا؛ فاختلف النحويون في ناصبه؛ فالبصريون يرون أن (حتى) جارة والناصب هو (أنِ) المضمرةُ بعد (حتى)، قال ابنُ مالك: وبعد حتى هكذا إضمارُ (أنْ) ... حَتْمٌ كجُدْ حتى تسُرَّ ذا حَزَنْ (¬5) أما الكوفيون فيَعُدُّون (حتى) هي الناصبةَ للفعل (¬6). أما كونُ الفعل مجزومًا؛ فلأن جوابَ الأمر متضمِّنٌ معنى الشرط (¬7)، قال ابن مالك: وجائزٌ جزمُ جوابُ الأمر إنْ ... كان بغيرِ فعلِ أمرٍ يقترِنْ هذا، ويمكنُ أن تكون (حتى) ابتدائيةً، ويليها الفعلُ المضارعُ مرفوعًا. والذي يترجَّحُ من ذلك أن كِلَا الروايتين صحيح، بخلاف ما ذُكِر أن صوابَ النصب هو الجزمُ. ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 162، باب التهجير بالرواح يوم عرفة. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 11/ 540. (¬3) الموطأ 3/ 585، صحيح البخاري 2/ 162، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 187. (¬4) شرح السنة للبغوي 7/ 160. (¬5) ألفية ابن مالك 57. (¬6) الجنى الداني في حروف المعاني 554، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 170. (¬7) علل النحو 441، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 274، شرح الكافية الشافية 3/ 1517.

مسألة احتمال المضارع والأمر في الفعل

مسألة احتمال المضارع والأمر في الفعل في قول أبي طلحةَ - رضي الله عنه -: "أفعلُ يا رسولَ اللَّه"، فقال أنسُ بنُ مالكٍ - رضي الله عنه -: "فقسَمها أبو طلحة ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (أفعَلُ يا رسول الله)، هو فعل مستقبَلٌ مرفوع، وقال الداوُدي: يحتمل أن (افْعل أنت ذاك، قد أمضيتُه على ما قلتَ)، فجعله أمرًا، والأولُ أَولى؛ لقوله: فقسَمها أبو طلحة" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن رأيَ مَن قال: إن أبا طلحة هو مَن قام بالقسمة، وقدَّمه على رأيِ من قال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو مَن قام بالقسمة، وبيانُ ذلك فيما يلي: الفعل (أفعلُ) إن كانت همزته همزة قطع مفتوحة فهو فعلٌ مضارعٌ مرفوع، وفاعلُه أبو طلحة؛ لقول أنس بن مالك: فقَسَمها أبو طلحة. أما إن جُعل الفعل فعلَ أمرٍ (افعَلْ) فسيكون المقصود المخاطب؛ وهو: رسول الله عليه الصلاة السلام؛ وذاك لمَّا قال أبو طلحة: فَضَعْها يا رسول الله حيث شئت، ويؤيدُه ما ذكره إسماعيلُ بن إسحاق في كتابه المبسوط عن القُتَبي: فقَسَمها رسول الله. (¬3). هذا ويمكنُ القول بأن الفعل فعل مضارع، والفاعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسياقُ باقٍ على: فقَسَمها أبو طلحة، وذلك كما يلي: 1 - قياسًا على اسم الآلة، وذلك لمَّا وافق أبو طلحة على قِسمتِها بما يراه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جاز إطلاقُ الفعل عليه، فمثلًا (المِحلَب) اسمٌ لما يُحلب به، والحقيقة أنه لما يُحلب فيه، لكن لمَّا كان يُستعان به في الحلب جاز إطلاقُ اسم الآلة عليه (¬4). ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 102، باب إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله، وقال الوكيل قد سمعت ما قلت. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 212. (¬3) الاستذكار 8/ 597، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 1/ 199، فتح الباري لابن ججر 5/ 397. (¬4) شرح المفصل لابن يعيش 4/ 152، شرح شافية ابن الحاجب 1/ 317، شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف 79.

2 - ربما يُحمل على المجاز؛ كقولهم: بنى الأميرُ المدينةَ، أي: لما كان سبب بنائها (¬1)، فقَسَم أبو طلحة، أي: بقبوله الرأيَ تمَّت القِسمةُ. ¬

(¬1) نهاية الأرب في فنون الأدب 7/ 37، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح 1/ 142.

الفصل الثالث مسائل الحروف

الفصلُ الثالث مسائلُ الحروف، وفيه مبحثان: المبحثُ الأول: الحروف العاملة المبحثُ الثاني: الحروف المُهمَلة

المبحث الأول: الحروف العاملة

المبحثُ الأول: الحروفُ العاملة وفيه مسائلُ: مسألة أوجُه الإعراب في (لا) النافيةِ للجنس عند التَّكرار في قوله - عليه السلام -: "لا حول ولا قوة إلا بالله" (¬1). قال ابن الملقن: "وفي: (لا حول ولا قوة إلا بالله) خمسةُ أوجُه مشهورة: فتحُهما بغير تنوين، وفتحُهما به، وفتحُ الأول ونصبُ الثاني منونًا، وفتحُ الأول ورفعُ الثاني منونًا، وعكسُه" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن ما هو مشهورٌ من أوجُه إعرابية لـ (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وبيان ذلك فيما يلي: يُورد النحويون مسألة (لا حول ولا قوة إلا بالله) وما تحتملُه من أوجُه إعرابية عند ذكر (لا) التي لنفي الجنس عندما تأتي مكررة (¬3). ويتلخصُ ما أوردوه من أوجُه فيما يلي: 1 - فتحُ الاثنين: على إعمال (لا) عملَ (إنَّ)، وعليه قراءةُ ابن كثير وأبي عمرٍو (¬4)، في قوله تعالى: {لَّا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ وَلَا شَفَاعَةَ} (¬5). ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 126، باب ما يقول إذا سمع المنادي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 338. (¬3) اللمع في العربية 1/ 44، المفصل في صنعة الإعراب 1/ 111، أمالي ابن الحاجب 2/ 593، شرح المفصل لابن يعيش 2/ 114، اللمحة في شرح الملحة 1/ 491، شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 6/ 1824، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري 3/ 107، نخب الأفكار في تنقيح مباني الأفكار في شرح معاني الآثار 3/ 113، شرح السيوطي على مسلم 2/ 122، أبو عبد الله الفخار وجهوده في الدراسات النحوية مع تحقيق كتاب شرح الجمل 1021. (¬4) السبعة في القراءات 187، الحجة في القراءات السبع 99، حجة القراءات 141. (¬5) البقرة: 254.

2 - فتحُ الأول ونصبُ الثاني: على إعمالِ (لا) الأولى عملَ (إنَّ)، وجعلِ (لا) الثانيةِ زائدةً، وعطفِ ما بعدها على محل اسم (لا) الأولى، وقدَّره الزمخشري فعلًا مضمرًا، أي: ولا أرى خلةً (¬1)، ومنه قولُ الشاعر (¬2): لَا نَسَبَ اليَوْمَ وَلَا خُلَّةً ... إتسعَ (¬3) الخَرْقُ على الراقِعِ (¬4) 3 - فتحُ الأول ورفعُ الثاني: على إعمال (لا) الأولى عملَ (إنَّ)، وإعمالِ (لا) الثانيةِ عملَ (ليس)، أو على أن تكون (لا) الثانيةُ زائدةً ويُعطف ما بعدها على محلِّ اسم (لا) الأولى، أو على أن تكون (لا) الثانيةُ مهملةً وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، ومنه قولُ الشاعر (¬5): هذَا لعَمْرُكمُ الصَّغارُ بِعَينِه ... لا أمَّ لي إِن كانَ ذاك ولا أبُ (¬6) 4 - رفعُ الاثنين: على إعمال (لا) عملَ (ليس)، أو على أن تكون (لا) مهملةً وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، وعليه قراءةُ غير ابن كثير وأبي عمرو (¬7)، في قوله تعالى: {لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} (¬8). 5 - رفعُ الأول وفتح الثاني: على إعمال (لا) عملَ (ليس)، ويرى ابنُ الحاجب ضعفَ هذا الوجه؛ لعدم تطابُق الاسمين في الإعراب، لكن يعُده الرضي غيرَ ضعيف؛ إذ تطابقُ الاسمين ¬

(¬1) المفصل 105. (¬2) اختلف في قائله بين: أنس بن العباس بن مرداس، وأبي عامر جد العباس بن مرداس، ولبيد العامري. انظر: الكتاب 2/ 285، شرح أبيات سيبويه 2/ 8، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 321، شرح شافية ابن الحاجب 2/ 266. (¬3) بقطع (اتسع) للضرورة. ما يجوز للشاعر في الضرورة 201، وبقبح ورداءة. الأصول في النحو 3/ 246. (¬4) البيت من السريع. وروي بألفاظ مختلفة منها: اتسع الفتق على الراتق. اتسع الخرق على الراتق. الجمل في النحو 187، الأصول في النحو 1/ 403، شرح أبيات سيبويه 2/ 8، شرح المفصل ابن يعيش 2/ 115، مغني اللبيب 1/ 298، همع الهوامع 3/ 445. (¬5) اختلف في قائله بين: رجل من بني مذحج، وهمام بن مرة، وضمرة بن ضمرة، وضمرة بن جابر، وهني بن أحمر، وزرافة الباهلي. انظر: الكتاب 2/ 292، الأصول في النحو 386، اللمحة في الملحة 1/ 492، شرح التصريح 1/ 345، المعجم المفصل في شواهد العربية 1/ 147. (¬6) البيت من الكامل، عيون الأخبار 3/ 24، شرح أبيات سيبويه 1/ 159، اللمع في العربية 45، الخزانة 2/ 41، المعجم المفصل في شواهد العربية 1/ 147. (¬7) السبعة في القراءات 187، الحجة في القراءات السبع 99، حجة القراءات 141. (¬8) البقرة: 254.

في الإعراب ليس بشرط عند توفُر شرط الإلغاء؛ وهو التكرير، بل هو في قوة رفعهما، وفي قوة فتح الأول ورفع الثاني (¬1)، أو على أن تكون (لا) مهملة وما بعدها مرفوعًا على الابتداء، وإعمالِ (لا) الثانية عملَ (إنَّ)، ومنه قولُ أميةَ بن أبي الصَّلت: فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها ... وما فاهُوا بهِ أبدًا مُقيمُ (¬2) هذه هي الأوجُه المشهورة عند النحويين، منها وجه ضعيفٌ؛ هو فتح الأول ونصب الثاني؛ إذ جاءت (لا) مع الاسم المنون، والقياسُ فتحُه بلا تنوين، وخُص هذا الوجه بالضرورة (¬3)، وقد جمع ابنُ مالك هذه الأوجُه في كافيته وألفيته، فقال في الكافية الشافية (¬4): وإنْ عطَفْتَ مثلَه علَيْهِ ... فالرفعَ والنصبَ انسُبَنْ إلَيْه والفتحَ أيضًا زِدْ إذا كرَّرتَ لا ... وكنتَ بالفتحِ وَسَمْتَ الأوَّلا وإنْ رفعتَه فما للثاني ... في النصبِ حَظٌّ بل له الوَجْهان وفتحُ معطوفٍ بناءً قد يَرِدْ ... بقَصْدِ تركيبٍ و (لا) لفظًا فُقِدْ وقال في ألفيته (¬5): عملَ إنَّ اجعَلْ لِلَا في نكرَهْ ... مفردةً جاءتكَ أو مكررةْ فانصِبْ بها مضافًا اوْ مضارِعَهْ ... وبعد ذاك الخبرَ اذكُرْ رافِعَهْ وركِّبِ المفردَ فاتحًا كَلَا ... حولَ ولا قوةَ والثانِ اجعَلَا مرفوعًا او منصوبًا اوْ مركَّبَا ... وإنْ رفعتَ أوَّلًا لا تَنْصِبَا ¬

(¬1) نقلًا: شرح الرضي لكافية ابن الحاجب 834. (¬2) البيت من الوافر. ذكر في ديوانه بلفظ مختلف عما هو عند النحويين وهو: ولا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها ... ولا حين ولا فيها مليم وفيها لحم ساهرة وبحر ... وما فاهوا به لهم مقيم انظر: ديوانه 121 - 122، اللمع في العربية 45، شرح الكافية الشافية 1/ 535، الخزانة 4/ 494. (¬3) شرح التصريح على التوضيح 1/ 347. (¬4) شرح الكافية الشافية 1/ 519. (¬5) ألفية ابن مالك 23.

أما ما أورده ابنُ الملقن من أوجه لـ (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فمنها وجهٌ لم أجده عند غيره (¬1)، وهو فتحُهما جميعًا، وقد يكونُ هذا سبقَ قلم أو تصحيفًا، والصوابُ كما لا يخفى ضمُّهما به؛ أي رفعُهما، وهو وجهٌ معروف في كتب النحو، وقد أشار المحققُ إلى ذلك (¬2). ¬

(¬1) ذكر ابن الملقن أن هذه هي الأوجه مشهورة، ولم أجد هذا الوجه (فتحهما مع التنوين) -حسب اطلاعي- ولو لم يذكر بأنها مشهورة لالتُمس تخريج للحوقلة على (فتح الأول والثاني مع التنوين) بتقدير فعل مضمر (أجد)، فيصبح المعنى: لا أجد بيعًا ولا أجد خلةً، وقد ذكر الزمخشري هذا التقدير عند نصب الثاني فحسب بفعل (أرى)، وأرى في هذا التوجيه اضطرابًا؛ مما قد يفضي إليه من التخفف في القواعد النحوية. أما كون هذا الوجه مشهورًا فربما وُجد من يخدمه، وربما أراد ابن الملقن رفعهما جميعًا بدلًا من فتحهما. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 338.

مسألة مجيء (في) لغير الظرفية

مسألة مجيء (في) لغير الظرفية في قوله - عليه السلام -: "والحُبُّ في الله، والبغضُ في الله؛ من الإيمان" (¬1). قال ابن الملقن: " (البغض في الله والحب في الله من الإيمان)، (في) هنا للسببية، أي: بسبب طاعة الله ومعصيته، كقوله - عليه السلام -: "في النفس المؤمنةِ مائةٌ من الإبل"، وكقوله في التي حبَست الهرةَ: (فدخَلت النار فيها)، أي: بسببها، وأصلُ (في) للظرفية" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (في) أصلُها للظرفية، وجاءت في هذا الحديث بمعنى السببية، وبيان ذلك فيما يلي: ذهب البصريون إلى أن (في) أصلُها للظرفية حقيقةً أو مجازًا، ولا يُثبتون غير ذلك (¬3)، فالحقيقةُ في مثل قوله تعالى: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} (¬4)، وأما المجازُ ففي مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬5). وذهب الكوفيون (¬6)، وكذا ابنُ قتيبة (¬7) وابنُ مالك (¬8) إلى أن (في) قد تخرجُ عن أصل وَضْعِها -وهو الظرفيةُ- إلى غيره، وأنَّ مما تخرجُ إليه التعليلَ مثلًا، فيكون المعنى في الحديث السابق: البغضُ بسبب معصية الله، والحبُّ بسبب طاعة الله؛ من الإيمان (¬9). وكذا في الحديث الذي أورده ابنُ الملقن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "في النفس المؤمنةِ مائةٌ من ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 10، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (بني الإسلام على خمس). (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 444. (¬3) الكتاب 2/ 214، ارتشاف الضرب 4/ 1725، الجنى الداني 250، همع الهوامع 2/ 446. (¬4) الروم: 3 - 4. (¬5) البقرة: 179. (¬6) معاني القرآن للفراء 3/ 22، ارتشاف الضرب 4/ 1725، همع الهوامع 2/ 446. (¬7) أدب الكاتب 506. (¬8) شرح الكافية الشافية 2/ 795، شرح التسهيل 3/ 155. (¬9) المنتقى شرح الموطأ 7/ 273، عمدة القاري 1/ 112.

الإبل" (¬1)، فـ (في) تفيدُ التعليلَ، أي: بسبب قتلِ النفس المؤمنة، وكذلك في حديث المرأةِ التي دخلت النار في هرة (¬2)، أي: بسببِ هرةٍ حبَسَتْها لا هي أطعَمَتْها ولا تركتها تأكلُ من خِشاشِ الأرض، ومنه قولُ جميلِ بُثينةَ: فليتَ رِجالًا فِيكِ قد نَذَرُوا دَمِي ... وهمُّوا بقتلي يا بُثَينَ لَقُونِي (¬3) ي وبعد عرض المسألة يتضحُ أخذُ ابن الملقن بقول مَن يرى أن (في) قد تخرج عن الظرفية إلى غرضٍ آخَرَ؛ وذاك عند قوله: (في) هنا للسببية، ويرى الباحثُ صوابَ اختياره. ¬

(¬1) السنة للمروزي 66، الأحاديث الطوال للطبراني 310. (¬2) البخاري 3/ 112، مسلم 4/ 1760. (¬3) ديوانه 42، شرح التسهيل 3/ 156، شرح شافية ابن الحاجب 4/ 86. وروي بلفظ مختلف: ونبئت قومًا فيك قد نذروا دمي ... فليت الرجال الموعدِيَّ لقوني

مسألة اختصاص (الباء) بخبر (ما) النافية دون الاستفهامية

مسألة اختصاص (الباء) بخبر (ما) النافية دون الاستفهامية في قوله - عليه السلام -: "ما أنا بقارئ" (¬1). قال ابن الملقن: " (ما أنا بقارئ): (ما) هنا نافيةٌ، واسمُها: (أنا)، وخبرُها: (بقارئ)، والباء: زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أُحسِنُ القراءة، وقد جاء في رواية: (ما أُحْسِنُ أن أقرأ)، وغُلِّط مَن جعلها استفهاميةً؛ لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخلُ على (ما) الاستفهامية، واحتجَّ مَن قال استفهامية بأنه جاء في روايةٍ لابن إسحاقَ: (ما أقرأ؟ )، أي: أيٌّ أقرأ؟ ولا دلالةَ فيه؛ لجواز أن تكون (ما) هنا نافية أيضًا" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن رواياتٍ ثلاثًا للحديث، وبيَّن أن (ما) في هذه الرواية (ما أنا بقارئ) نافيةٌ، وخطَّأ مَن جعلها استفهامية، وبيانُ ذلك فيما يلي: اختلف شراحُ الحديث حول معنى (ما)؛ فمنهم مَن جعلها نافيةً، ومنهم مَن جعلها استفهامية، فمَن جعلها نافية (¬3) احتجَّ بقول النحويين: إن (ما) النافيةَ يكثُر دخولُ الباء على خبرها؛ لتأكيد النفي (¬4). قال ابنُ مالك: وما لِـ"ما" عندَ تَمِيمٍ عَمَلُ ... لأنها حرفٌ لدَيْهِمْ مُهمَلُ وبعدُ بالبا قد يَجرُّونَ الخَبَرْ ... كغيرِهم وذا كثيرٌ اشتَهَرْ ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 7، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 260. (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 483، مطالع الأنوار على صحاح الآثار 4/ 6، شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى 113، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 2/ 199، فتح الباري 1/ 24. (¬4) اللامات 72، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 134، شرح الكافية الشافية 672، شرح الأشموني 1/ 259، الاقتراح في أصول النحو 134.

ومنه قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (¬1). ومنه قولُ الفرزدق: لعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بِتاركِ حَقِّهِ ... ولا مُنْسِئٌ مَعْنٌ ولا مُتيَسِّرُ (¬2) ومَن جعلها استفهاميةً احتجَّ برواية ابنِ إسحاقَ: "ما أقرأُ؟ " (¬3)، وبما رُوي عند ابن عقبةَ في مَغازِيه (¬4)، وعند البيهقي في دلائلِه (¬5): "كيف أقرأُ؟ "، وأنكر العينيُّ على مَن جعل هذه الرواية نافيةً مع صريحِ الاستفهام فيها (¬6). أما المنعُ من أن تكون (ما) استفهاميةً لاقتران الخبر بالباء؛ فقد جوَّز الأخفشُ أن تكون (ما) استفهاميةً مع الاقتران (¬7)، ولكن ذكَر غيرُ واحد أن ذلك قليلٌ أو شاذ، فالصوابُ أن الباء زائدةٌ لتأكيد النفي (¬8). وأما مَن احتج برواية ابن إسحاقَ وغيرِها، فالرواية تحتملُ الاستفهام، ولكن ما رُوي في الصحيحين يبعُد أن يكون استفهامًا؛ لاقتران الخبر بالباء، ويجوزُ أن تكون (ما) في هذه الرواية نافيةً (¬9). ومما سبق يمكنُ القول بأن (ما) في (ما أنا بقارئ) و (ما أقرأ) (¬10) نافية؛ لِمَا ذُكر من توجيهٍ حول قول من قال بأنها استفهامية، وليتفق معنى الروايتين. ¬

(¬1) فصلت: 46. (¬2) البيت من الطويل، ديوانه 270، الكتاب 1/ 63، شرح أبيات سيبويه 1/ 131، همع الهوامع 1/ 467. (¬3) مسند إسحاق بن راهويه 3/ 970، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار 2/ 204، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث 2/ 867. (¬4) مغازي ابن عقبة 63. (¬5) دلائل النبوة 2/ 142. (¬6) عمدة القاري 1/ 57. (¬7) نقلًا: شرح المفصل 4/ 476، عمدة القاري 1/ 57. (¬8) فتح الباري 1/ 24. (¬9) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 482، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 2/ 199، عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد 3/ 191. (¬10) ذكر ابن الملقن رواية "ما أحسن أن أقرأ" فلم أجدها -حسب اطلاعي- في متون الحديث، إنما وجدتها عند شراح الحديث، فمنهم من جعلها رواية، ومنهم من جعلها تفسيرا للنفي، وذكر ذلك في: عمدة القاري 1/ 54، إرشاد الساري 1/ 63 - 7/ 426.

مسألة مجيء (إلا) بمعنى الواو

مسألة مجيء (إلا) بمعنى الواو في قوله تعالى: " {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} " (¬1). قال ابن الملقن: "وزعم أبو عبيدة أن (إلا) هنا بمعنى (الواو)، وهو خطأٌ عند حُذَّاق النحاة، والقولُ أنه استثناءٌ أبيَنُ، أي: لكنِ الذين ظلموا منهم، فإنهم يحُجُّون" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (إلا) في هذه الآية للاستثناء، وخطأ من قال: إنها بمعنى (الواو)، وبيان ذلك فيما يلي: اشتَهر عند النحويين أن (إلا) تكونُ للاستثناء، وجائزٌ خروجُها منه لغيره (¬3)، و (إلا) في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} اختَلف أهلُ التفسير فيها؛ فمنهم مَن عدَّها للاستثناء (¬4)، ومنهم مَن جعَلها بمعنى الواو (¬5)، وبعضُهم جعلها بمعنى (بَعْدَ) (¬6). فأما حجةُ مَن عدَّها للاستثناء؛ فلكون الاستثناءِ يقتضي إخراجَ الثاني من حكم الأول، ومعنى الآية يؤُول إلى ذلك، فالذين ظلموا هم من الناس، فتُقدر (إلا) في الآية بـ (لكن) عند البصريين، أي: لكنهم يحتجون، وبـ (بل) عند الكوفيين، أي: بل إنهم يحتجون (¬7). ¬

(¬1) صحيح البخاري 6/ 22، باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 150]. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 260. (¬3) الكتاب 2/ 209، الأصول في النحو 1/ 291، اللمع في العربية 66، الأزهية في علم الحروف 187، شرح الكافية الشافية 2/ 700، رصف المباني في شرح حروف المعاني 92، الجنى الداني في حروف المعاني 519. (¬4) تفسير مقاتل بن سليمان 1/ 149، جامع البيان في تأويل القرآن 3/ 206، تفسير الرازي 17/ 275، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 5/ 146، طرح التثريب في شرح التقريب 3/ 251، عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد في إعراب الحديث 65 - 66. (¬5) مجاز القرآن للأبي عبيدة 1/ 60، بحر العلوم 1/ 167، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 216، عمدة القاري 8/ 35. (¬6) النكت والعيون 1/ 207، الجنى الداني في حروف المعاني 519، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178. (¬7) الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.

ومن ذلك قوله تعالى: {لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ} (¬1)، أي: لكنِ المظلومُ يجهرُ بالسوء، فيكون بذلك أعذرَ ممن يَبدأ بالظلم (¬2). وأما مَن جعل (إلا) بمعنى (الواو)؛ فيصبحُ معنى الآية عنده: ولا الذين ظلموا؛ أي: لا يكونُ لهم حجةٌ أيضًا، فأدخلوا الثانيَ في حكم الأول، ومن ذلك قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (¬3)؛ أي: والذي شاء ربُّك، ويرى ابنُ جرير أن المعنى: سوى ما شاء ربك (¬4). هذا، وجمهورُ النحويين لا يُجيزون مجيء (إلا) بمعنى (الواو) (¬5)؛ لكون الاستثناءِ يُخرج الثانيَ من حكم الأول، والواوُ للجمع، فتُدخل الثانيَ في حكم الأول، فلا يمكنُ أن يكون أحدُهما بمعنى الآخر (¬6). وأما مَن قال: إن (إلا) معناها (بَعْدَ)؛ فيصبحُ معنى الآية عنده: حجةٌ بَعْدَ الذين ظلموا. وقد وُصِف هذا الرأيُ بالغرابة والفساد والنُّكْر (¬7). ومما سبق يمكنُ القول بأن الاستثناء هو أقربُ الأقوال وأبيَنُها كما وصفه ابنُ الملقن؛ لبقاء (إلا) على أصل وضعِها، ولبعدِ الخلاف حول هذا الرأي. ¬

(¬1) النساء: 148. (¬2) معاني القرآن للأخفش 1/ 269، جامع البيان في تأويل القرآن 9/ 344، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/ 110. (¬3) هود: 107. (¬4) جامع البيان في تأويل القرآن 19/ 433. (¬5) معاني القرآن للفراء 1/ 89، جامع البيان في تأويل القرآن 9/ 344، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 216، مفاتيح الغيب 17/ 275، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178، الجنى الداني في حروف المعاني 518. (¬6) الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178. (¬7) الجنى الداني في حروف المعاني 521، الدر المصون في علم الكتاب المكنون 2/ 178.

مسألة مجيء (اللام) الجارة بمعنى (في) الظرفية

مسألة مجيء (اللام) الجارةِ بمعنى (في) الظرفيةِ في قول أحد الصحابة -رضوان الله عليهم-: "يا رسولَ الله، الذي قلتَ له آنفا: إنه من أهل النار" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (الذي قلتَ له آنفًا: إنه من أهل النار)؛ معنى (له): فيه، قال ابنُ الشجري: اللام قد تأتي بمعنى (في)، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: فيه" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (اللام) في (له) معناها (في)، وبيان ذلك فيما يلي: اشتَهر عند النحويين خروجُ معنى حرفٍ إلى آخر إذا كان معنى الكلام الذي يدخلان فيه واحدًا أو راجعًا إليه، ولو على بُعد (¬3)، وما ذكره ابنُ الملقن من مجيء (اللام) بمعنى (في)؛ قال به غيرُ واحد من النحويين (¬4)، ومثلُ ذلك قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬5) أي: فيه، ومنه قوله تعالى: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (¬6)، أي: في حياتي. ¬

(¬1) صحيح البخاري 4/ 72، باب إن الله يؤيد بالدين الرجل الفاجر. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 305. (¬3) رصف المباني في شرح حروف المعاني 221. (¬4) معاني القرآن للفراء 2/ 205، الأزهية في علم الحروف 288، أمالي ابن الشجري 2/ 216، الجنى الداني في حروف المعاني 1/ 99، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 280. (¬5) الأنبياء: 47. (¬6) الفجر: 24.

مسألة (ما) النافية بين الحجازيين والتميميين

مسألة (ما) النافية بين الحجازيِّين والتَّمِيميين في قوله - عليه السلام -: "يا أمةَ محمد! واللهِ ما مِن أحدٍ أَغْيَر من اللَّه أن يزنيَ عبدُه أو تزنيَ أمَتُه" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (ما من أحد أغير من الله)، وفي مسلم: (إنْ من أحد أغير من الله) بكسر همزة (إن) وإسكانِ النون، وهو بمعنى: (ما من أحد أغير من الله)، وعلى هذا (أغيرَ) بالنصب خبر (إن) النافية، فإنها تعملُ عمل (ما) عند الحجازيين، وعلى التميمية: هو مرفوعٌ على أنه خبرُ المبتدأ الذي هو (أحد) " (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن رواية مسلم (¬3): (إنْ من أحد أغير من الله)، وبيَّن أنها بمعنى (ما من أحد أغير من الله)، وذكر أن لـ (ما) النافيةِ عملَين: عند الحجازيين وعند التميميين، وبيان ذلك فيما يلي: (ما) عند الحجازيين تدخلُ على الجملة الاسمية فترفعُ الاسمَ بعدها وتنصبُ الخبر، أما عند التميميين فهي غيرُ عاملة، فيبقى ما بعدها على حاله. أما كونُها عاملةً عند الحجازيين؛ فلشَبَهِها بـ (ليس)؛ إذ أشبهتها بالدخول على الجملة الاسمية، وبالنفي، وبنفي ما في الحال، وبدخول الباء في خبرها (¬4). وأما كونُ (ما) غيرَ عاملة عند التميميين، فلأنها غيرُ مختصة؛ كحرف الاستفهام الذي يدخل على الجملتين الاسميةِ والفعلية، وحقُّ غيرِ المختص ألا يعملَ، وهو القياسُ (¬5). ¬

(¬1) صحيح البخاري 2/ 34، باب الصدقة في الكسوف. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 8/ 316. (¬3) صحيح مسلم 2/ 618، باب صلاة الكسوف. (¬4) المقتضب 4/ 188، الإيضاح العضدي 110، أمالي ابن الشجري 2/ 555، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 175. (¬5) الكتاب 1/ 28، المقتضب 4/ 188، الإيضاح العضدي 110، أمالي ابن الشجري 2/ 555.

ولغةُ القرآن الكريم إعمالُ (ما)؛ نحو قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (¬1)، وقولِه في سورة المجادلة: {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (¬2). ويقول سيبويه: "وبنو تميم يرفعونها إلا مَن دَرَى كيف هي في المصحف" (¬3)، وبهذا فلا يُلتفت إلى قلة الشواهد النحوية، إذ لم يُحفظ إلا شاهدٌ نحوي واحد فيه نصبُ فيه خبر (ما) (¬4)؛ وهو (¬5): أبناؤها مُتَكنِّفونَ أباهُمُ ... حنِقُو الصُّدُورِ وما هُمُو أولادَها (¬6) ويمكنُ أن تُرجَع قلةُ نقل الشواهد النحوية على لغة الحجازيين إلى اشتهارِ ذلك في لغتهم؛ كما علَّل ذلك أبو حيان (¬7). وبعد دراسة المسألة يتضحُ أن ما ذكره ابنُ الملقن مقررٌ عند النحويين، ولم يقتصرْ على لغةٍ دون ما سواها. ¬

(¬1) يوسف: 31. (¬2) المجادلة: 2. (¬3) الكتاب 1/ 59. (¬4) المصدر السابق. (¬5) لم أقف على قائله. (¬6) البيت من الكامل، الحماسة البصرية 1/ 86، ارتشاف الضرب 3/ 1197، منهج السالك 61، الأشباه والنظائر 3/ 123، المعجم المفصل في شواهد العربية 2/ 173. (¬7) منهج السالك 61.

مسألة التقارض بين (على) و (عن)

مسألة التقارُض بين (على) و (عن) في قوله - عليه السلام -: "لا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ" (¬1). قال ابن الملقن: "وقولُه: (ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعض)، الشَّفُّ: النقصان والزيادة؛ شَفَّ يَشِفُّ شَفًّا: زادَ، وأشَفَّ يُشِفُّ: إذا نقَص، والاسمُ منه الشَّفُّ والشِّفُّ. قال ابن التين: أراد في الحديث: لا تزيدوا بعضَها على بعض ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أولى، إلَّا أنَّه عدَّاه بـ (على)، و (على) مختصةٌ بالزيادة، و (عن) مختصةٌ بالنقصان، ولا يصحُّ حملُه على النقص مع (على) إلا على مذهبِ مَن يُجيز بدلَ الحروفِ بعضِها من بعض، فيَجعلُ (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعدٌ" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (الشف) يعني النقصان والزيادة، وبيَّن أن الزيادة أَولى؛ لمناسبةِ معنى الحرف، وبيانُ ذلك فيما يلي: كلمة (الشف) يعُدُّها أهل اللغة من الأضداد؛ إذ تحملُ معنيين متضادَّين: النقصان والزيادة (¬3)، فيحتمل المعنى: (لا تزيدوا بعضها على بعض) و (لا تنقصوا)، غير أن الحرف المُعدَّى به (على) مختصٌّ بالزيادة دون النقصان، وعُبِّر به عن معنيين متضادين! . هذا، وقد اختَلَف النحويون في جوازِ حملِ معنَى حرفٍ على معنَى حرفٍ آخَر (¬4). فأهلُ البصرة يرون أن (على) لا تخرجُ إلى معنًى سوى الاستعلاء، والاستعلاءُ زيادةٌ، ويعبرون عن النقص بـ (عن)، ولا يُجيزون إنابةَ حرفٍ عن حرف آخر؛ إبقاءً على أصلِ وضعِه، ¬

(¬1) صحيح البخاري 14/ 333، باب بيع الفضة بالفضة. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 333. (¬3) الأضداد 109، معجم ديوان الأدب 3/ 32، المحكم والمحيط الأعظم 7/ 623، تهذيب اللغة 11/ 195، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم 226، تاج اللغة وصحاح العربية 4/ 1382، مجمل اللغة لابن فارس 1/ 497. (¬4) أدب الكاتب 507، المقتضب 2/ 230، الخصائص 2/ 314، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 196، اللمحة في شرح الملحة 1/ 320، الجنى الداني 476.

وما ورد على خلاف ذلك فإنه يُحمل على تأويل يقبلُه اللفظُ، أو على تضمينِ الفعلِ معنَى فعلٍ آخر، وما كان غيرَ ذلك فيُحمل على الشذوذ. أما أهلُ الكوفة فيُثبتون للحرف أكثر من معنًى، ويُجيزون تناوُبَ الحروف؛ ومن ذلك مجيءُ (على) بمعنى (عن) و (عن) بمعنى (على)، ومنه قول ذي الإصبَع العَدْواني: لاهِ ابنُ عمِّكَ لا أُفضِلْتَ في حسَبٍ ... عني ولا أنت دَيَّاني فتَخْزُونِي (¬1) أي: لا أفضلت في حسب عليَّ، فجعل (عن) في موضع (على)؛ وذلك يدل على أن (عن) تحمل معنى الاستعلاء. ومنه قولُ القُحَيف العُقَيلي: إِذا رضِيَتْ عَليَّ بنو قُشَيرٍ ... لعمرُ اللهِ أعجبني رِضَاهَا (¬2) أي: عني، وذلك يدل على أن (على) تحمل معنى المجاوزة. وفي البيتين الماضيين ناب كلُّ حرف عن أخيه، مع أن كلَّ حرف يختلف عن الآخر (¬3)، وبهذا ونظائره يحتجُّ مَن يرى تناوب الحروف. ومما سبق يتضحُ أن ابن الملقن قد أوردَ ما هو مقررٌ عند النحويين، مع ترجيحه لرأي البصريين، وذلك من خلال قوله: (وفيه بُعد)، لمن يجيزُ بدلَ الحروف بعضِها من بعض. ¬

(¬1) البيت من البسيط، المفضليات 160، أدب الكاتب 513، حروف المعاني والصفات 79، الخصائص 2/ 290، خزانة الأدب 7/ 173. (¬2) البيت من الوافر، أدب الكاتب 276، الخصائص 2/ 313، الإنصاف في مسائل الخلاف 2/ 626، إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث 29، ضرائر الشعر 233. (¬3) تمهيد القواعد لناظر الجيش 6/ 2966.

مسألة دلالة (من) بين بيان الجنس والتبعيض

مسألة دلالة (مِنْ) بين بيانِ الجِنْس والتبعيض في قول عائشة -رضي الله عنها-: "أولُ ما بُدئَ به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الوحيِ: الرؤيا الصالحةُ في النوم" (¬1). قال ابن الملقن: "وقولها: (من الوحي)؛ في (من) هنا قولان: أحدُهما: أنها لبيان الجنس، وثانيهما: للتبعيض، قال القزازُ بالأول، كأنها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتى تكون (من) للتبعيض، وردَّه القاضي، وقال: بل يجوزُ أن تكون للتبعيض؛ لأنها من الوحي، كما جاء في الحديث: أنها جزءٌ من النبوة" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن معنيَين من معاني (من)، ثم أورد خلافًا بين النحويين حولهما، وبيانُ ذلك فيما يلي: اختلف النحويون حول معنى (مِنِ) الجارةِ، فمنهم مَن يرى أنها لا تكونُ إلا لابتداء الغاية (¬3)، ومنهم مَن يرى أنها تخرج لمعانٍ أُخَر (¬4)، واختلافُ النحويين في هذه المسألة محمولٌ على تبايُن معنى (من)، إذ هُم متفقون على أنها تأتي لمعانٍ عدة. فيرى القيرواني (¬5) أن (مِن) لبيان الجنس، إذ إن الرؤيا الصالحة من جنس الوحي، والوحي أعمُّ، ومثلُ ذلك في قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} (¬6)، أي: الرجسَ الذي هو ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 7، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 244. (¬3) المقتضب 1/ 44، الأصول في النحو 1/ 409. (¬4) الإيضاح العضدي 251، الأزهية في علم الحروف 224، رصف المباني 323، الجنى الداني 309. (¬5) هو: محمد بن جعفر القيرواني، نحوي عالم بالأدب مؤلف كتاب الجامع في اللغة، توفي عن عمر يناهز التسعين سنة 412 هـ، وترجمته في: معجم الأدباء 6/ 2475، وفيات الأعيان 4/ 374 - 376، سير أعلام النبلاء 17/ 326، وذكر أن كتابه غير مطبوع، سير أعلا م النبلاء 17/ 326، التراجم الساقطة من كتاب تهذيب الكمال لمغلطاي 143. (¬6) الحج: 30.

الأوثان؛ والرجسُ أعم. وعلى الرأي الأول (من) لابتداء الغاية. أما القاضي عياض (¬1) فيَعُد (من) تبعيضيةً، وذلك لِمَا ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرؤيا الحسنةُ، من الرجل الصالح، جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" (¬2). أي: أن الرؤيا بعض النبوة. غير أن أبا حيان الأندلسي يرى فرقًا بين (من) التبعيضيةِ و (بعضٍ)، ويرجعُ عدمَ التفريق بينهما إلى صعوبة الأمر على قليلي التدبر من الطلبة (¬3). ومما سبق يتبيَّن أن النحويين اختلفوا حول معنى (من)؛ أهي للتبعيض أم لبيان الجنس؟ ويمكن إرجاعُ هذا الخلاف إلى تقارب المعنيين. بل لقد وصَف المالَقيُّ تقارُبَ هذين المعنيين بالمعنى الخفي؛ إذ التي للتبعيض تُقدَّر بـ (بعض)، والتي لبيان الجنس تُقدر بتخصيص شيء دون غيره (¬4). ¬

(¬1) إكمال المعلم بفوائد مسلم 1/ 479. (¬2) صحيح البخاري 9/ 30 باب رؤيا الصالحين. (¬3) التذييل والتكميل 11/ 123، ومثَّل للتفريق بينهما بـ (أكلت بعض الرغيف) و (أكلت من الرغيف)، فالأول: الأكل وقع على البعض، وذكر الرغيف لذلك البعض، وفي المثال الثاني: الأكل وقع بالرغيف، والرغيف هنا متعلق بالأكل، ودلت (من) أنه لم يعمه. ينظر: تمهيد القواعد 6/ 2887. (¬4) رصف المباني 323.

مسألة تكرار (لا) الناهية

مسألة تَكرار (لا) الناهية في قوله - عليه السلام -: "لا تَحَرَّوْا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها" (¬1). قال ابن الملقن: "و (لا) الناهية دخلت بعد الواو؛ لتفيد النهيَ عن كل منهما" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (لا) الناهيةَ قد يُنهى بها عن أمور عدة، وقد ينهى بها عن شيء بعينه، وبيان ذلك فيما يلي: مثَّل سيبويه وغيره بـ: "لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن"، وذلك عندما أرادوا النهي عن الجمع بين اللبن والسمك، ولو أنهم أرادوا النهي عن أكل السمك على كل حال، أو شرب اللبن على كل حال لقالوا: "لا تأكل السمك ولا تشرب اللبن" (¬3). وعكسُ ذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ} (¬4)، أي: لا يسخر قومٌ من قوم، ولا يسخر نساءٌ من نساء. ومثله قولُ البُوصِيري (¬5): ولا تُطع منهما خَصْمًا ولا حكمًا ... فأنت تعرفُ كيدَ الخصمِ والحكمِ (¬6) أي: ولا تطع حكمًا. وبناء عليه -كما في الحديث السابق- فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينهى عن تحري طلوع الشمس، وأن ينهى عن تحري غروب الشمس، بنهيين لا بنهيٍ واحد، ولو أنه أراد النهيَ عن ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 120، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 264. (¬3) الكتاب 3/ 42، المقتضب 2/ 25، الأصول في النحو 2/ 154. (¬4) الحجرات: 11. (¬5) هو: محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي، شاعر مصري من القرن السابع الهجري، ت: 698 هـ، وترجمته في: الوافي بالوفيات 3/ 93، العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري 1/ 15. (¬6) العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري 1/ 84.

تحري الطلوع والغروب بالصلاة لقال: لا تحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس وغروبها. هذا، وقد اختلف العلماءُ في جواز حذف الفعل المجزوم على أقوال: منهم مَن يرى الاكتفاءَ بما سُمع عن العرب (¬1)، ومنهم من يمنعُ حذفَ المجزوم إلا ما جزم بـ (لَمَّا)؛ وذلك لفهم المعنى، ومثالُ ذلك: سرتُ إلى المدينة ولَمَّا، أي: ولما أدخلْها، وخُصت بذلك (لما) لأنها نفيُ (قد فَعَل) (¬2)، ومنهم مَن يرى جوازَ حذف المجزوم إذا دَلَّ عليه دليل، كما عند ابن عصفور (¬3). ومما قد يُختلف فيه: كونُ (لا) في (ولا غروبها) نافيةً، فيقال بأن (لا) نافية؛ لأنه جاء بعد (لا) اسمٌ نكرةٌ، و (لا) الناهيةُ لا تدخل إلا على الفعل المضارع. لكن يرى السهيلي أن (لا) الناهيةَ هي نافيةٌ، والجزم بعدها بلام الأمر مضمرةً قبلها حُذفت كراهةَ اجتماع لامين في اللفظ (¬4). وقد عُدَّ هذا الرأي ضعيفًا (¬5). ومثلُ ذلك في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬6)، فـ (لا) مختلَفٌ فيها على قولين: 1 - (على النهي)، أي: لا تتعرضوا للفتنة فتصيبكم. 2 - و (على النفي)؛ لأن الجملة صفة للفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول؛ لأن الجملة خبرية، أو لأن الفعل جواب الأمر (¬7). ¬

(¬1) ارتشاف الضَرب 4/ 1858. (¬2) شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 2/ 305. (¬3) نقلا: ارتشاف الضرَب 4/ 1858، ولم أجد -حسب اطلاعي- في كلام ابن عصفور ما يدل على ذلك، غير هذه العبارة في المقرب 272: " ... وكل جملة غير محتملة للصدق والكذب إذا ضُمنت معنى الشرط فإنها لا تحتاج إلى جواب فتجزمه، إلا جملة النهي إذا ضمنت معنى الشرط فإنما تتقدر بفعل منفي ... "، ومثل أبو حيان بعدما نسب الرأي لابن عصفور بالمثال التالي: اضرب زيدًا إن أساء وإلا فلا، أي: فلا تضربه، وما ذكر ابن عصفور في شرح جمل الزجاجي مخصوص بمجزوم (لما). (¬4) نتائج الفكر في النحو 112. (¬5) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 327، الجنى الداني 300. (¬6) الأنفال: 25. (¬7) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 325.

ومن ذلك قوله - عليه السلام -: "لا يشيرُ أحدُكم إلى أخيه بالسلاح" (¬1)، قال ابنُ حجر: بإثبات الياء، وهو نفيٌ بمعنى النهي، ووقع لبعضهم (لا يُشِرْ) بغير ياء، وهو بلفظ النهي، وكلاهما جائز (¬2). وقال النووي: نهيٌ بلفظ الخبر، وأن هذا أبلغ من لفظ النهي (¬3). وربما يقعُ الاختلافُ في (لا) أناهية هي أم نافية؛ وذلك لشبه (لا) النافية بـ (لا) الناهية (¬4). والذي يترجَّحُ عندي أن (لا) في الحديث ناهية، وأنه يجوزُ حذفُ المجزوم إذا دَلَّ عليه دليل، وذلك لِمَا ثبت من الدليل في القرآن والحديث والشعر، ولِمَا فيه من الاختصار. وإنْ قيل بأن الحذف يقتضي التقدير، والأصل عدمه، فهذا صحيح (¬5)، لكن وضوح المعنى هو الذي خوَّل لنا الحذف، ولو لم نقدِّر لما احتيج إليه، ومثالُ ذلك: (اضرب زيدًا إن أساء وإلا فلا)، أي: فلا تضربه إن لم يُسئ. ومن دراسة المسألة يتبيَّن أن ما ذكره ابن الملقن معروف عند النحويين، وله ما يعضده من الشواهد والسماع. ¬

(¬1) صحيح البخاري 9/ 49، باب من حمل علينا السلاح فليس منا. (¬2) فتح الباري 13/ 24. (¬3) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 16/ 170. (¬4) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 325. (¬5) الفصول المفيدة في الواو المزيدة 60، شرح التسهيل 2/ 373، موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب 83.

مسألة فتح الهمزة وكسرها في (أن كان ابن عمتك)

مسألة فتح الهمزة وكسرها في (أنْ كان ابنَ عمَّتِك) في قول الأنصاري - رضي الله عنه -: "أنْ كان ابنَ عمَّتِك" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (أنْ كان ابنَ عمتِك)، هو بفتح الهمزة من (أن)، مفعولٌ من أجله، معناه: من أجل أنه ابن عمتك، كقوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)} (¬2)؛ لأن أم الزبير: صفيةُ بنت عبد المطلب عمةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: إنه ابن عمتك، يجوز فتحُ الهمزة وكسرها" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أنَّ الهمزة في (أنْ كان ابنَ عمتِك) مفتوحةٌ، وفي (إنَّه ابن عمتك) جائزٌ فيها الفتح والكسر، وبيان ذلك فيما يلي: لـ (إنَّ) مواضعُ تُفتح فيها الهمزة وتُكسر وجوبًا وجوازًا، ومواضعُ يُخفف التشديدُ فيها، ففي (أَن كان ابن عمتك) تفتح الهمزة وتخفف النون؛ لمجيء (أن) بمعنى: من أجل، إذ مجيئُها بهذا المعنى من المواضع التي تُفتح فيها (أن) الخفيفة (¬4)، فيصبح المعنى: من أجل أنه ابن عمتك. ومثلُ ذلك في قوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} (¬5) أي: لأنه كان ذا مال (¬6)، وكذلك قولُه تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِ‍يمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} (¬7) أي: لأن الله آتاه الملك (¬8). ومثله قولُ جميل بُثَينة: ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 111، باب شرب الأعلى إلى الكعبين. (¬2) القلم: 14. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 347. (¬4) الأزهية في علم الحروف 71. (¬5) القلم: 14. (¬6) جامع البيان في تأويل القرآن 23/ 541، بحر العلوم 3/ 482، لطائف الإشارات 3/ 619. (¬7) البقرة: 258. (¬8) جامع البيان في تأويل القرآن 5/ 430، الكشف والبيان في تفسير القرآن 2/ 239، الحنى الداني في حروف المعاني 330 - 331، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 401 - 402.

أُحِبُّك أَنْ سَكنْتَ جِبالَ حِسْمَى ... وأَنْ ناسبْتَ بَثْنةَ مِن قَرِيبِ (¬1) أي: من أجلِ أن سكنتَ، ومن أجلِ أن ناسبت. أما الهمزة في (إنه ابن عمتك) فتُفتح الهمزة وتكسر على سبيل الجواز؛ لوقوعها في موضع التعليل، ولصحة أن يسُدَّ المصدرُ مسدَّها ومسدَّ معمولَيْها لا على سبيل الوجوب (¬2)، فيصبح المعنى: (كونه ابن عمتك)، ويرى ابنُ مالك أن الكسر أجود (¬3). ومثلُ ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} (¬4) بكسر همزة (إن) وفتحها، فبالكسر: لاستئناف الكلام، وبالفتح: للتعليل، أي: ندعوه؛ لأنه هو البر الرحيم (¬5). وأما كونُ أم الزبير عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكما ورد في قوله - عليه السلام -: " ... يا أم الزبير بن العوام عمة رسول اللَّه ... " (¬6). ومما سبق يتبيَّن أن ابن الملقن قد سار على ما هو مقرَّر عند النحويين. ¬

(¬1) ديوانه 104، الأزهية في علم الحروف 72، أمالي ابن الشجري 3/ 162. (¬2) إذ الوجوب من مواضع فتح همزة (إن)، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 1/ 329، شرح شذور الذهب للجوجري 1/ 388 - 390، 391، حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك 1/ 411. (¬3) شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح 119. (¬4) الطور: 28. (¬5) معاني القرآن للفراء 3/ 93، السبعة في القراءات 1/ 324، الحجة في علل القراءات السبع 4/ 381. (¬6) صحيح البخاري 4/ 185.

مسألة مجيء (إلا) بمعنى (لكن)

مسألة مجيء (إلا) بمعنى (لكنْ) في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَ‍ئًا} (¬1) (¬2). قال ابن الملقن: "قوله: {إِلَّا خَطَ‍ئًا} ظاهرُه ليس مرادًا؛ فإنه لا يسوغُ له قتلُه خطأ ولا عمدًا، لكن تقديره: لكن إن أخطأه، ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف؛ ولأن الخطأ لا يُحذر؛ لأنه ليس بشيء يُقصد. وحكى سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكنْ) كثيرًا. وقال الأصمعي وأبو عبيد: المعنى: إلا أن يقتله مخطئًا، وكذا قال الزجاج: أن معنى (أن يقتل مؤمنًا) البتة (إلا خطأ)، وهو استثناء منقطع" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن)، ولا يصح مجيئُها بمعنى (الواو)، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف النحويون في معنى (إلا) في هذه الآية؛ فيرى البصريون أنها بمعنى (لكن)، ولا يصح جعلُها بمعنى (الواو)، إذ الاستثناء يقتضي إخراجَ الثاني من حكم الأول، والواو تقتضي الجمعَ بينهما (¬4)، ومثلُ مجيئها بمعنى (لكن) قولُه تعالى: {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (¬5)، أي: لكن يتبعون الظن، ومثله قوله تعالى: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)} (¬6). أما الكوفيون فيرون أنها بمعنى (الواو) (¬7)، ومنه قولُه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬8)، ¬

(¬1) النساء: 92. (¬2) صحيح البخاري 9/ 6، باب قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إِلَّا خَطَ‍ئا}. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 31/ 357. (¬4) الكتاب 1/ 366، مجاز القرآن 136، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 90، الأصول في النحو 1/ 290، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218. (¬5) النساء: 157. (¬6) الليل: 20. (¬7) الأصول في النحو 1/ 169، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218. (¬8) البقرة: 150.

ومثله قولُ المخبَّل السعدي: وأرى لها دارًا بأَغدِرةِ السـ ... ـيدان لم يَدرُسْ لها رَسْمُ إلا رمادًا هامِدًا دَفَعَتْ ... عنه الرِّياحَ خوالدٌ سُحْمُ (¬1) والجوابُ عن كلمات الكوفيين: أن هذا صوابٌ في التفسير خطأٌ في العربية، لأن (إلا) تُعد استثناءً منقطعًا بمعنى (لكن)، وأما مجيء (إلا) بمعنى (الواو) فإنما يكونُ في التشريك في اللفظ والمعنى، وإذا عُطف استثناءٌ على استثناء قبله، كقولك: (لي على فلان ألف إلا عشرة إلا مائة)، أي: إلا عشرة ومائة (¬2). ومما سبق يتبيَّن أن مجيء (إلا) بمنزلة الواو صحيحٌ من حيث التفسير. هذا، وربما حُمل على جعل (الواو) بمعنى (إلا) في غير الموضع السابق، وإلا فخروج جنس الثاني عن الأول في الاستثناء يُعرف بالاستثناء المنقطع. ¬

(¬1) البيت من الكامل، المفضليات 1/ 114، معاني القرآن للأخفش 1/ 192، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 2/ 16، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 218، المخبل السعدي حياته وما تبقى من آثاره 130. (¬2) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 101، المدارس النحوية 233.

مسألة مجيء (من) للمكان والزمان

مسألة مجيء (مِن) للمكان والزمان في قوله - عليه السلام -: "فإن رأسَ مائة سنة منها ... " (¬1). قال ابن الملقن: " (فإن رأس مائة سنة منها) على أن (مِن) تكونُ لابتداء الغاية في الزمان كـ (مُذْ)، وهو مذهبٌ كوفي. وقال البصريون: لا تدخل (مِن) إلا على المكان، و (منذ) في الزمان نظير (من) في المكان، وتأولوا ما جاء على خلافه مثل قوله تعالى: {امِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (¬2)، أي: (من أيام وجوده) كما قدَّره الزمخشري، أو (من تأسيسِ أولِ يوم) كما قدَّره أبو علي الفارسي، وضُعف بأن التأسيس ليس بمكان. ومثلُه قول عائشة: (ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل)، وقولُ أنس: (فما زلتُ أحبُّ الدُّبَّاء مِن يومئذ)، وقولُ بعض الصحابة: (مُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة) " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (مِن) تكون لابتداء الغاية في المكان، وقد تأني للزمان، وبيانُ ذلك فيما يلي: اختلف النحويون في ظرفية (من)، فالبصريون يرون أن (مِن) لابتداء الغاية للمكان، وهي نظيرُ (منذ) في الزمان، أما الكوفيون فيرون جوازَ مجيء (من) لابتداء الغاية للزمان مع مجيئها للمكان. واحتج الكوفيون بكثرة ورود ذلك، ومثلُه ما ذكر ابنُ الملقن (¬4)، مع ما يعترض لرأي البصريين من كون (من) للمكان، وذلك في مثل قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} (¬5)، فلو صحَّ دخول (منذ) -إذ هي للزمان- على (من) -وهي للمكان- لَوقع خلافٌ في كونها ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 34، باب السمر في العلم. (¬2) التوبة: 108. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 584. (¬4) المصدر السابق، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل 2/ 311، صحيح البخاري 6/ 101، 2/ 29، 3/ 61. (¬5) الروم: 4.

للزمان أو للمكان، ولا خلاف في أن (من) في هذه الآية للزمان (¬1). وكذلك ما قدَّره أبو علي الفارسي (¬2)، في قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (¬3)، أي: من تأسيس أول يوم. فالتأسيس ليس بمكان، إنما مصدر مضارع للزمان فصار للزمان (¬4). فالقول الأرجحُ: أن (من) تكون للزمان وللمكان، ويحددُ ذلك مقتضى السياق. ¬

(¬1) المقتضب 3/ 175، الجنى الداني 309. (¬2) لم أقف -حسب اطلاعي- على قول أبي على الفارسي فيما ألَّف. (¬3) التوبة: 108. (¬4) شرح المفصل لابن يعيش 4/ 459.

مسألة سقوط الهمزة قبل (أم) العاطفة

مسألة سقوط الهمزة قبل (أم) العاطفة في قوله - عليه السلام -: "فبِكْرًا تزوجتَ أم ثيِّبًا" (¬1). قال ابن الملقن: "وقوله: (فبكرًا ... ) إلى آخره، تقديرُه: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن الحرف المقدر هو همزة الاستفهام؛ لكون (أم) عطَفت ما بعدها على ما قبلها، وبيان ذلك فيما يلي: للحرف المُهمَل (أم) أقسامٌ عدة: إذ تأتي عاطفةً، وزائدةً، واستفهاميةً، وللإضراب، و (أم) في هذا الحديث عاطفةٌ؛ وذلك لأسباب منها: 1 - كونها متصلة معادلة لهمزة الاستفهام. 2 - مجيئها بعد همزة الاستفهام. قال ابن مالك (¬3): وأمْ بها اعطِفْ إثْرَ همزِ التسويةْ ... أو همزةٍ عن لفظِ أيٍّ مُغْنِيةْ فإن قيل: أين الهمزةُ التي سبقتها؟ فيُجاب عن ذلك بأنها محذوفة للعلم بها، ولعدم اللبس، قال ابنُ مالك (¬4): وربما أُسقِطَتِ الهمزةُ إنْ ... كان خَفَا المعنى بحذفِها أُمِنْ ومثلُ ما حُذفت فيه الهمزة قولُه (¬5): ¬

(¬1) صحيح البخاري 7/ 39، باب طلب الولد. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 25/ 157. (¬3) ألفية ابن مالك 47. (¬4) المصدر السابق. (¬5) لعمرو بن ربيعة، الكتاب 3/ 175، المقتضب 3/ 294، المفصل في صنعة الإعراب 438.

لَعَمْرُك ما أدرِي وإنْ كنتُ داريًا ... بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بِثَمانِ؟ (¬1) أي: أبسبع رمين الجمر؟ أما قولُ ابن الملقن إن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام، فذلك على مذهب جمهور النحويين (¬2)، لكن يرى ابنُ مالك وغيره أنها تجيءُ عاطفة إن سبقتها (هل) (¬3)، ومن ذلك قولُه - عليه السلام -: " .. هل تزوجتَ بكرًا أم ثيبًا .. " (¬4)، ويرى صاحبُ (فيض الباري) أن ذلك مما تفرَّد به ابن مالك (¬5). ويمكن تخريجُ هذا على أن (هل) مساويةٌ (للهمزة) في الدخول على الأسماء والأفعال. غير أن (الهمزة) تفرَّدت بمعادلة (أم) المتصلة، فيُطلب بها تعيينُ أحد الأمرين، و (هل) لا يطلب بها ذلك (¬6). وما ذهب إليه ابنُ مالك جارٍ على طريقته في الاحتجاج بالحديث النبوي -كما سنورد ذلك لاحقًا- وأما ما ذهب إليه ابن الملقن فهو المقرر عند النحويين. ¬

(¬1) البيت من الطويل في: ديوانه 209 الجمل في النحو 253، الكتاب 3/ 175، المقتضب 3/ 294، شرح أبيات سيبويه 2/ 148، المفصل في صنعة الإعراب 438، خزانة الأدب 11/ 122. (¬2) اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 430، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 63، توضيح المقاصد 1/ 147، التصريح بمضمون التوضيح في النحو 2/ 170. (¬3) شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح 265، حاشية الصبان على شرح الأشموني 3/ 53. (¬4) صحيح البخاري 4/ 51. (¬5) محمد أنور شاه بن معظم شاه الكشميري، ت: 1353 هـ، 4/ 210. (¬6) الجنى الداني في حروف المعاني 341.

مسألة (أو) بين العطف والغائية

مسألة (أو) بين العطف والغائيَّة في قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (¬1). قال ابن الملقن: " ... فمَن قال: هو معطوف بـ (أو) على قوله: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا}، فالمعنى عنده: ليقتلَ طائفةً، أو يخزيَهم بالهزيمة، أو يتوبَ عليهم، أو يعذبَهم، وقيل: (أو) هنا بمعنى (حتى) " (¬2). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن لـ (أو) في هذه الآية معنيَين: عاطفةً وغائيَّةً، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف المفسرون في معنى (أو) في الآية؛ فمنهم مَن جعلها عاطفة، ومنهم من جعلها بمعنى (حتى). فمَن جعلها عاطفة اعتمد على معنى الآية، أي: ما دعوتَ به يا محمد - صلى الله عليه وسلم - على هؤلاء النفر، عائدةُ استجابته إلى الله وحده، لا لأحدٍ من خلقه، إن أراد أن يقتلَهم، أو يخزيَهم، أو يتوبَ عليهم فيُسْلموا، أو يعذبهم إن ماتوا كفارا (¬3). قال تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} (¬4). وهذا بمعنى قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} (¬5) (¬6). ¬

(¬1) صحيح البخاري 5/ 99، باب {لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتُوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 175. (¬3) معاني القرآن للأخفش 1/ 233، جامع البيان في تأويل القرآن 7/ 194، شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 375، إرشاد الساري 6/ 303. (¬4) آل عمران: 128. (¬5) البقرة: 272. (¬6) نقلًا عن: عمدة القاري 25/ 62، البقرة 272.

هذا، ويُمكنُ أن يُقال بأن (أو) تعني الإباحةَ، كما هو مقرر عند النحويين، قال ابن مالك بعد أن عدَّ حروف العطف (¬1): خيِّرْ أَبِحْ قسِّمْ بـ (أو) وأبِهمِ ... واشكُكْ وإضرابٌ بها أيضًا نُمِي إذ الإباحةُ يجوز فيها الجمعُ بين الأمور (¬2)، فيصبح المعنى: أن الله وحده قادر على أن يجمع بين (القتل، والخزي، والتوبة، والعذاب) لقوم بعينهم. ومَن جعلها بمعنى (حتى) اعتمد على النصب بـ (أن) المضمرةِ وجوبًا بعد (أو) التي بمعنى (حتى) (¬3)، قال ابنُ مالك (¬4): لا فأنَ اعْمِلْ مُظهِرًا أو مُضمِرَا ... وبعد نفي كان حتما أُضمِرَا كذاك بعد (أوْ) إذا يصلحُ في ... موضعِها (حتى) أوِ (الَّا أنْ) خَفِي ومن ذلك قولُ امرئ القيس: فقلتُ له لا تبكِ عينُك إنما ... نحاولُ ملكًا أو نموتَ فنُعذَرَا (¬5) أي: إلا أن نموت، وذلك في كل موضع وقعت فيه (أو) وكان يصلحُ فيه (إلا أن) أو (حتى) (¬6). وبعد دراسة المسألة يتبيَّنُ أنه لا تعارُضَ من جهة النحو بين كون (أو) عاطفةً وكونِها غائيةً، أما من جهة المعنى فالصواب أن (أو) عاطفة، إذ إن الأمر لله لا لأحد من خلقه، وإلى هذا المعنى أشار ابن الملقن (¬7). ¬

(¬1) ألفية ابن مالك 48. (¬2) توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك 2/ 1008، الجنى الداني في حروف المعاني 228، شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/ 232، شرح الأشموني لألفية ابن مالك 2/ 378. (¬3) فتح الباري 11/ 97، عمدة القاري 17/ 155، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/ 959، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 8/ 282، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 12/ 250. (¬4) ألفية ابن مالك 57. (¬5) البيت من الطويل، ديوانه 96، الكتاب 3/ 47، المقتضب 3/ 28، شرح أبيات سيبويه 2/ 71، شرح المفصل لابن يعيش 4/ 235، خزانة الأدب 2/ 152، المعجم المفصل في شواهد العربية 3/ 110. (¬6) المقتضب 2/ 29، الأصول في النحو 2/ 156، ألفية ابن مالك 48، حاشية الصبان 3/ 432. (¬7) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 121.

مسألة (حتى) العاطفة

مسألة (حتى) العاطفة في قوله - عليه السلام -: "حتى فَرْجَه بفرجِه" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (حتى فرجَه بفرجِه)، (حتى) هنا عاطفةٌ، وهي عند النحويين لا تَعطِفُ إلا بثلاثة شروط: 1 - أن تعطف قليلًا على كثير، و 2 - أن يكون من جنسه، و 3 - أن يُراد به التعظيمُ أو التحقير، والقليلُ هنا الفرج، والكثيرُ الأعضاء، وهو من جنسها، والمرادُ به: التحقير، فيكون (فرجَه) منصوبًا بالعطف" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (حتى) في هذا الحديث عاطفةٌ، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف النحويون في مجيء (حتى) عاطفة -مع قلة وردها- فَهُم على مذهبين: 1 - المشهور عند البصريين أن (حتى) تأتي للعطف (¬3)، ومجيئُها عاطفةً يكون بشروط (¬4)، أوردها ابنُ مالك في قوله: بعضًا بحتى اعطِفْ على كلٍّ ولا ... يكونُ إلا غايةَ الذي تَلَا (¬5) ومثالُ مجيئها عاطفة قول الشاعر: قهرناكُمُ حتى الكماةَ فإنكم ... لتَخشَوننا حتى بَنِينا الأصاغِرَا (¬6) 2 - وأما الكوفيون فيُنكرون مجيئَها عاطفة، ويقولون في مثل: (جاء القومُ حتى أبوك): إن ¬

(¬1) صحيح البخاري 8/ 145، باب قول الله تعالى: {أَو تَحرِيرُ رَقَبَة} [المائدة: 89]. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 30/ 414. (¬3) اللمع في العربية 1/ 77، الجنى الداني في حروف المعاني 546، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 171. (¬4) شرح الكافية الشافية 3/ 1209، شرح التسهيل 3/ 343، شرح شذور الذهب للجوجري 2/ 803. (¬5) ألفية ابن مالك 47. (¬6) لم أقف على قائل البيت، وهو من الطويل، وروي بألفاظ مختلفة: فأنتم- فكلكم، يحاذرنا- تهابوننا، ينظر: شرح الكافية الشافية 3/ 1310، اللمحة في شرح الملحة 2/ 702، الجنى الداني في حروف المعاني 549، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 172.

(حتى) ابتدائية، ويُعربون ما بعدها على إضمار عامل (¬1). ومما سبق يتبيَّنُ صحةُ عدِّ (حتى) عاطفةً كما عند البصريين، أو ابتدائيةً كما عند الكوفيين، ولا تعارض بينهما، وأمَّا ما ذكره ابنُ الملقن فمقتصرٌ على رأي البصريين. ¬

(¬1) الجنى الداني في حروف المعاني 546، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 173.

المبحث الثاني: الحروف المهملة

المبحثُ الثاني: الحروفُ المهملة وفيه مسائلُ عدة: مسألة مجيء (إلا) لغير الاستثناء في قول أبي النَّضْر: "لا يُخرجكم إلا فرارًا منه" (¬1). قال ابن الملقن: " (لا يخرجكم إلا فرارًا منه) كذا هو بالنصب، ويجوزُ رفعُه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكمٍ، ظاهرُه أنه لا يجوزُ لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محالٌ، وهو نقيضُ المقصود من الحديث، لا جَرَمَ قيَّده بعضُ رواة الموطأ: (الإفْرارُ منه) بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة، يُوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يُقال: أفرَّ رباعيًّا، وإنما: يقال: فَرَّ، ومصدرُه: فِرَارٌ ومَفَر، قال تعالى: {أَينَ المَفَرُّ} (¬2)، قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلطٌ، قال بعضُهم: إنها زائدة كما تُزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (¬3)، أي: أن تسجد، وقال بعضُ النحويين: (إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارًا، فأباح الخروجَ لغرض آخر. والأقربُ أن تكون زائدة، والصحيحُ إسقاطها كما قد صحَّ في الروايات الأخر، وقال القاضي عياض: خرَّج بعضُ محققي العربية لرواية النصب وجهًا؛ فقال: منصوبٌ على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا منه" (¬4). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن الخلاف حول (إلا) والاسمِ الذي بعدها، فمنهم مَن قال بأن وجودها ¬

(¬1) صحيح البخاري 4/ 175، باب حديث الغار. (¬2) القيامة: 11. (¬3) الأعراف: 12. (¬4) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 19/ 651.

خطأ، ومنهم مَن قال بأنها زائدة، وآخرون قالوا بأنها للإيجاب، وأن ما بعدها إما أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا، وبيان ذلك فيما يلي: إنَّ ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فلا تخرجوا فرارًا منه) (¬1)، وإنما اختلف شراحُ الحديث في (إلا) من قول أبي النضر: (لا يخرجكم إلا فرارًا منه)، فَهُم على مذاهبَ ثلاثةٍ: 1 - مَن يرى أن وجودها خطأ، والصواب حذفها. 2 - مَن يرى أنها زائدة. 3 - مَن يرى أنها للإيجاب. فأما مَن يرى حذفَ (إلا)؛ فبُعدًا عن الإشكال الوارد بسبب وجودها -كما سيأتي- ولِمَا صح عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدمها (¬2). وأما مَن يراها زائدة؛ فقد اختلف في مجيء (إلا) زائدةً (¬3)، قال المرادي: "هذا قسم غريب" (¬4)، ومثالُ مجيئها زائدةً قولُ ذي الرمة (¬5): حراجِيجُ ما تَنفَكُّ إلا مُناخةً ... على الخَسْفِ أو نَرْمِي بها بلدًا قَفْرَا (¬6) أما زيادة (ألا) في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (¬7) فالمفسرون فيها على آراء ثلاثة: 1 - مَن يرى أنها مؤكِّدة؛ كالزجاج (¬8). ¬

(¬1) الموطأ 5/ 1316، البخاري 4/ 175، مسلم 4/ 1737، السنن الكبرى للنسائي 7/ 66. (¬2) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 21/ 183 - 185، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/ 615، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/ 207، فتح الباري 6/ 520، عمد القاري 16/ 59. (¬3) فتح الباري 6/ 520، الكواكب الدراري 14/ 104. (¬4) الجنى الداني في حروف المعاني 520. (¬5) ديوانه 3/ 1419، الكتاب 3/ 48، المفصل في صنعة الإعراب 1/ 353، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 170، خزانة الأدب 9/ 250. (¬6) البيت من الطويل، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 102، همع الهوامع 2/ 271، شرح التسهيل 2/ 268، التبيين عن مذاهب النحويين 305. (¬7) الأعراف: 12. (¬8) معاني القرآن وإعرابه 2/ 322.

2 - مَن يرى زيادتها؛ كالأخفش وبعضِ نحوي البصرة والكوفة وغيرهم (¬1). 3 - مَن يرى عدم زيادتها؛ لأسباب؛ منها: أ- لو كانت زائدة لما ابتُدئ بها. ب- أن زيادتها إنما تكون في النفي. ج- لعدم القول بالزيادة في القرآن. والترجيح: أن في الكلام محذوفًا تقديرُه: ما منعك من السجود فأحْوَجَك أن لا تسجد (¬2). هذا، ولو لم يكن عند مَن منع زيادة (إلا) إلا الاحتجاج بالزيادة في القرآن، لكان كافيًا، ولِمَا في زيادتها من إشكال، إذ خالفت المواضعَ التي يجوزُ فيها القول بالزيادة. وأما القولُ بأن (إلا) في قول أبي النضر: (فلا يخرجكم إلا فرارًا منه) للإيجاب، ففيه نظرٌ؛ إذ الإيجابُ يكون بعد النفي والجَحْد (¬3)، و (إلا) لم يسبقها نفيٌ، وإنما سبقها (لا) الناهية الجازمةُ. وإن قيل: فلم لا تُحمل (إلا) على الأصل؛ وهو الاستثناء؟ فالجواب: أن ذلك واضح من المعنى؛ إذ يكون المعنى حينئذ أن الخروج من أرض الوباء منهيٌّ عنه إلا أن يكون الخروج فرارًا، وهذا محال. هذا، ويمكن أن يُجمع بين (فرارًا منه) و (إلا فرارًا منه)، وذلك بأن تُجعل (إلا) للحصر، فيصبح المعنى: حصر الخروج المنهي عنه في الفرار، أما الخروجُ لغيره فجائز، وقال الكرماني: هذا التفسيرُ للمعلل المنهي عنه؛ وهو الفرار، وليس للنهي (¬4). وأما ما قيَّده بعض رواه الموطأ (¬5): (إلا الإفرار)، فهذا لحن ووهم (¬6)، لأن الفعل ثلاثي لا ¬

(¬1) معاني القرآن للأخفش 1/ 321، تفسير الطبري 12/ 324، بحر العلوم 3/ 520، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 2/ 28، غرائب التفسير وعجائب التأويل 1/ 398. (¬2) تفسير الطبري 12/ 326، إعراب القرآن للنحاس 5/ 51، تفسير القرطبي 17/ 65. (¬3) الكتاب 2/ 310، حروف المعاني والصفات 7، الأزهية في علم الحروف 174، نتائج الفكر في النحو 60. (¬4) الكواكب الدراري 14/ 104. (¬5) لم أعثر -حسب اطلاعي- على من رواه. (¬6) فتح الباري 6/ 520.

رباعي؛ كما في قوله تعالى: {أَيْنَ الْمَفَرُّ} (¬1)، و (مفر) مصدر ميمي من الفعل الثلاثي (فرَّ). والذي يقول بذلك، إنما روى إلا فرارٌ منه، والتقدير إن صح: لا يُخرجكم إلَّا فرارٌ منه أي: لا تخرجوا منها الخروج الذي يخرجكموه إلَّا فرارٌ منه (¬2). ورواية (فرارًا) إعرابها: مفعول مطلق، وأما رواية (إلا فرارًا) فمنصوبة على الحال (¬3)، والتقدير: لا يخرجكم على هذه الحال إلا الفرار المقدر لا المحقق. ومما سبق يتبيَّن أن الصواب في قول أبي النضر هو حذف (إلا)؛ لِمَا فيها من إشكالات عند أهل اللغة، ولإفسادها للمعنى، كما وصفها بذلك القاضي عياض (¬4). ¬

(¬1) القيامة: 11. (¬2) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 21/ 183. (¬3) إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 131، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 21/ 183، فتح الباري 6/ 520. (¬4) إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 130.

مسألة (لا) بين الزيادة وإفادة النفي

مسألة (لا) بين الزيادة وإفادة النفي في قول زوج أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "لا، وقرةُ عيني" (¬1). قال ابن الملقن: "و (لا) في قولها: (لا وقرة عيني) زائدةٌ، ويُحتمل أن تكون نافيةً، وفيه محذوف؛ أي: لا شيءَ غير ما أقول، وهو قرةُ عيني" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (لا) في هذا الحديث زائدة، وأورد احتمالًا بأنها نافية، وبيان ذلك فيما يلي: (لا) إذا كانت مع اليمين، فلا خلاف بين النحويين في جواز زيادتها أو حذفها (¬3)، وتقديرُ اليمين: أقسم بالشيء الذي تقَرُّ به عيني، وقد تكونُ زيادتها لتوكيد النفي. وقولُ أبي بكر - رضي الله عنه -: وايم الله، ما كنا نأخذُ من لقمة إلا رَبَا من تحتها أكثرُ منها، مشتمِلٌ على نفي، ومجيء (لا) بعدها إنما يكون كما ذُكِر. أما كونُها نافية، فبشرط كون النفيِ غيرَ منتقض، وكون اسمها وخبرِها نكرتين، وعدمِ تقدم خبرها على اسمها، وكلُّ ذلك متحققٌ؛ غير أن ثَمَّ أمرًا قد يُضعِف هذا الرأيَ، وهو: 1 - أن اسمها وخبرها -مع لزومهما النكرة- محذوفان، كما قدَّر ذلك ابن الملقن: لا شيء غير ما أقول، وهو قرة عيني، والحذفُ إنما يكون مع الخبر كثيرًا. 2 - أن تكرار النفي إنما يكون لزيادة تأكيده، ومجيئُها زائدة قد يكون لزيادة توكيد النفي. 3 - ما ذكره ابن الملقن مجردُ احتمال، وما تطرَّق إليه الاحتمالُ بطَل به الاستدلال (¬4). ومن خلال ذلك يمكنُ القولُ بأن جعلها زائدةً أصحُّ وأقرب؛ بُعدًا عن الخلاف، ولوجود مؤكدٍ للنفي يزول معه الإشكال. ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 124، باب السمر مع الضيف والأهل. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 304. (¬3) حروف المعاني والصفات 8، الأزهية في علم الحروف 151، الجنى الداني في حروف المعاني 290 - 301. (¬4) الاقتراح في أصول النحو 1/ 132.

مسألة جواز حذف حرف النداء

مسألة جواز حذف حرف النداء في رواية في قول موسى - عليه السلام -: "ثوبي يا حجرُ" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (ثوبي يا حجر)، هو منصوبٌ بفعلٍ مضمر؛ تقديرُه: أعطني ثوبي يا حجر، أو اترُك ثوبي، فحُذف الفعل لدلالة الحال عليه، وفي مسلم: (ثوبي حجرُ) مرتين، بإسقاط حرف النداء، وإنما نادى موسى الحجرَ نداءَ مَن يعقِلُ؛ لأنه صدَرَ عن الحجر فِعلُ مَن يعقل ... " (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن في رواية مسلم: (ثوبي حجرُ) (¬3)، وفيه حرف محذوف وهو حرف النداء، وبيان ذلك فيما يلي: عدَّ ابن الملقن (يا) النداء حرفًا مهملًا؛ حيث جعل المنادى منصوبًا بإضمار فعل، وهذا رأيُ سيبويه وأكثرِ المحققين (¬4). أما حذفُ حرف النداء، فاختلف النحويون في جوازه؛ فالبصريون يرون أن حذفَه شذوذٌ لا يقاسُ عليه، ويرى الكوفيون أن الحذف قياسٌ مطَّرِد (¬5)، وهذا ما يراه ابنُ مالك بقوله: "وقولُهم في هذا أصح" (¬6)، وقال في شرح هذا الحديث: "ومن شواهد الحذف مع اسم الجنس المبني للنداء: قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اشتدِّي أزمةُ تنفرجي)، وقوله - صلى الله عليه وسلم - مترحمًا على موسى - عليه السلام -: (ثوبي حجرُ ثوبي حجرُ)، أراد: يا أزمةُ، ويا حجرُ، وكلامُه أفصحُ الكلام" (¬7). ويرى بعضُهم أن جواز حذف حرف النداء إنما يكون مع كل اسم لا يجوزُ أن يكون ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 64، باب من اغتسل عريانًا في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 627. (¬3) صحيح مسلم 1/ 267. (¬4) الكتاب 2/ 182، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 329، أمالي ابن الحاجب 1/ 425. (¬5) شرح الكافية الشافية 3/ 1291، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك 2/ 1056. (¬6) شرح الكافية الشافية 3/ 1291. (¬7) شرح التسهيل 3/ 387.

وصفًا لـ (أي) (¬1)، فلا يُقال: (هذا أقبِلْ)، كما قال الحريري في ملحته: وحذفُ (يا) يجوزُ في النداءِ ... كقولِهم: ربِّ استجِبْ دُعائي وإنْ تقُلْ: يا هذِه أو يا ذا ... فحذفُ (يا) ممتنعٌ يا هذا (¬2) هذا، وحذف حرف النداء في القرآن كثير، كقوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ} (¬3)، وقوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} (¬4). أما نداءُ غير العاقل؛ فالمشهورُ عند النحويين أن غير العاقل إذا فَعَل فِعْلَ العاقل جرى مجراه (¬5)، فلذا يجوزُ نداءُ الحجر لاتصافه بالجري الذي هو من فعل العاقل، ومن ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ} (¬6)، وفيه نداءٌ للنمل؛ لاتصافهم بصفة مَن يسمعُ ويعقل، وقد ألغز بعضُهم في نحو ذلك بقوله: وهل مِن مُضمَرٍ بالميمِ وافى ... لغيرِ ذَوِي العقولِ المُدركِات أي: في مثل قوله تعالى: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (¬7)، إذ استعمل ضمير مَن يعقلُ لما لا يعقل (¬8). ومن خلال ما سبق يتضح أن ابن الملقن قد جرى على ما هو المعروف عند النحويين. ¬

(¬1) اللمع في العربية 108، المفصل في صنعة الإعراب 68، شرح الكافية الشافية 3/ 1360. (¬2) اللمحة في شرح الملحة 2/ 625. (¬3) يوسف: 29. (¬4) آل عمران: 8. (¬5) المقتضب 2/ 225، اللباب في علل البناء والإعراب 1/ 113، شرح التسهيل 1/ 78. (¬6) النمل: 18. (¬7) يوسف: 4. (¬8) الطراز في الألغاز 44.

مسألة دلالة (إنما) على الحصر بن المنطوق والمفهوم

مسألة دلالة (إنما) على الحصر بن المنطوق والمفهوم في قوله - عليه السلام -: "إنما الأعمالُ بالنيَّات ... " (¬1). قال ابن الملقن: "لفظة (إنما) موضوعةٌ للحصر، تُثبت المذكور، وتَنفي ما عداه، هذا مذهبُ الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما. وعلى هذا هل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان حكاهما ابنُ الحاجب، ومقتضى كلام الإمام وأتباعه أنه بالمنطوق، واختار الآمدي أنها لا تُفيد الحصرَ، بل تفيد تأكيدَ الإثبات، وهو الصحيح عند النحويين، وقيل: تُفيده وضعًا لا عُرفًا، حكاه بعضُ المتأخرين، ومحلُّ بَسْطِ المسألة كتبُ الأصول والعربية؛ فلا نطوِّل به" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن دلالة (إنما) محلُّ خلاف بين أهل اللغة والأصول والنحو، وبيان ذلك فيما يلي: للعلماء في (إنما) مذاهبُ ثلاثة: 1 - مَن عدَّ (إنما) للحصر. 2 - مَن عدَّ (إنما) لتأكيد الإثبات. 3 - مَن عدَّ (إنما) للحصر والمبالغة. فأما من عدَّها للحصر (¬3)، فلأمور؛ منها: أ- أنَّ (إنَّ) للإثبات، و (ما) للنفي، والنفيُ والإثباتُ في شيء واحد يمتنعان، فيجبُ الجمع بينهما ما أمكن، وهذا ما يُقصَد به الحصرُ بدلالة المنطوق. ¬

(¬1) صحيح البخاري 1/ 6، باب بدء الوحي. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 170 - 171. (¬3) كابن الملقن إذ قال في موضع آخر: "في الحديث مع (إنما) صيغة حَصْرٍ أخرى، وهي المبتدأ والخبر الواقع بعده"، التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 172، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل 112، الإيضاح في علوم البلاغة 3/ 24، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 406، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول 218، الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 356، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة 2/ 231.

ب- أنَّ (إنَّ) لتأكيد الإثبات، و (ما) مؤكِّدة وليست نافيةً (¬1)، فيجتمعُ توكيدٌ على توكيد، فتصبح بمعنى القصر (¬2)، وهذا ما يُقصَد به الحصر بدلالة المفهوم. ج- استعمال العرب لها في الحصر، ومثالُه قوله تعالى: {وإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} (¬3)، وكذا قولُ الفرزدق: أنا الضامنُ الراعي عليهم وإنَّما ... يُدافِعُ عن أحسابِهم أنا أو مِثْلي (¬4) وأما مَن عدَّها لتأكيد الإثبات (¬5)؛ فلخروجها من الحصر لغيره، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} (¬6)، فـ (إنما) أفادت الحصر، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الماء من الماء" (¬7). وأما مَن عدها للحصر والمبالغة (¬8)، فبما يوحي به المعنى، ومثالُ ذلك في المبالغة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الربا في النسيئة" (¬9). وقد اعتُرض على القول بأنها للحصر بما يلي: ¬

(¬1) نسب هذا الرأي إلى: علي بن عيسى الربعي، وهو عالم بالعربية أصله من شيراز، له مؤلفات في النحو منها: كتاب البديع، وشرح مختصر الجرمي وشرح الإيضاح لأبي علي الفارسي، توفي ببغداد 420 هـ. ورأيه في: الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 356، وترجمته في: نزهة الألباء في طبقات الأدباء 1/ 249، وفيات الأعيان 3/ 336، الإعلام للزركلي 4/ 318. (¬2) القصر في اللغة: (الحبس)، وفي الاصطلاح: تخصيص شيء "صفة أو موصوف" بشيء "موصوف أو صفة" بطريق مخصوص بـ (ما) و (إلا) وما شابه ذلك، وقصر الشيء على الشيء ليس إلا تأكيدا على تأكيد. الإيضاح في علوم البلاغة 3/ 5، الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 357. (¬3) آل عمران: 20. (¬4) روي بلفظ مختلف: أنا الذائد الحامي الديار، ديوانه 488، نهاية الأرب في فنون الأدب 7/ 85، شرح المفصل لابن يعيش 2/ 81، الجنى الداني في حروف المعاني 397. (¬5) الإحكام في أصول الأحكام 3/ 97، البحر المحيط في التفسير 1/ 100. (¬6) التوبة: 60. (¬7) مسند الإمام أحمد بن حنبل 18/ 25، صحيح مسلم 1/ 269، سنن الترمذي 1/ 186، المستصفى 271. (¬8) البحر المحيط في التفسير 1/ 100، الجنى الداني في حروف المعاني 396. (¬9) صحيح مسلم 3/ 1218، سنن ابن ماجة 2/ 758، سنن الترمذي 3/ 534، سنن النسائي 7/ 281.

1 - إما أن تكون (إنَّ) لإثبات شيء غير مذكور، و (ما) لنفي شيء غير مذكور، وإما أن تكون (إنَّ) لإثبات شيء مذكور، و (ما) لنفي شيء غير مذكور، فالأولُ: باطلٌ إجماعًا، وإلا لَمَا كان في الجملة حصرٌ. والثاني: تحقق فيه الحصر غير أن (إنَّ) ليست للإثبات، بل لتأكيد الكلام إثباتًا ونفيًا، و (ما) ليست نافية بل زائدة كافة، وبهذا يضعفُ هذا الرأي. 2 - لو كانت (ما) نافية لعمِلت، واستحقَّت الصدارة. 3 - امتناع الجمع بين النفي والإثبات. 4 - ورود (إنما) لغير الحصر، وهذا خلاف للأصل، وإن قيل: لو كانت لغير الحصر وفُهم أنها للحصر لخُولف الأصل أيضًا، والجواب عن ذلك: أن الحصر غيرُ مقتصر على (إنما) فقط، بل قد يجيء الحصر بالسَّبْر والتقسيم كـ: (إن لم يكن زيدٌ متحركًا فهو ساكن)، وغيره من أدوات الحصر. 5 - المناسبة بين القصر واجتماع التأكيدين؛ لا يدل على كون (إنما) للحصر فحسب. 6 - امتناع اطراد الحصر بـ (إنما) مع استعمال العرب له؛ لعدم اللجوء إلى التقدير، ففي قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (¬1)، لا يمكن أن يقال بأن (إنما) للحصر إلا بتأويل: المؤمنون الكاملون. واعتُرض على القول بأنها لتأكيد الإثبات بما يلي: 1 - أنَّ (إنَّ) ليست لتأكيد الإثبات فقط، بل لتأكيد الكلام إثباتًا ونفيًا، كـ: (إنَّ زيدًا قائم)، و (إنَّ زيدًا ليس بقائم). 2 - أنَّ (ما) ليست للنفي، بل هي كافة تكف (إنَّ) عن العمل، وموطِّئة لدخول الفعل، وإن قيل: إن أبا علي الفارسي قال: إنها للنفي، فالصواب أنه لم يقله، بل قال: إن العرب حملوا (إنما) على معنى النفي (¬2). والذي يترجح أن (إنما) تأتي للحصر ولغيره؛ لأمور: ¬

(¬1) الأنفال: 2. (¬2) الشيرازيات 1/ 255.

1 - مراعاة للمعنى، وعدم اللجوء للتقدير. 2 - مراعاة للقواعد النحوية. وبهذا، يُجمع بين رأي أهل اللغة والأصول والنحو إجمالًا.

مسألة (إن) بين المخففة من الثقيلة والنافية

مسألة (إنْ) بين المخففة من الثقيلة والنافية في قوله - عليه السلام -: "ما رأينا من شيء، وإِنْ وجدناه لَبَحْرًا" (¬1). قال ابن الملقن: "قال الخطَّابي: (إنْ) هنا بمعنى النفي، واللام بمعنى (إلا)، كأنه قال: ما وجدناه إلا بحرًا، تقول: (إنْ زيدًا لعاقلٌ)، تريد: ما زيدٌ إلا عاقل، وعلى هذا قراءة مَن قرأ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (¬2)، بتخفيف (إن)، المعنى: ما هذان إلا ساحران، وقد قرأه حفص عن عاصم. قلت: هذا هو مذهب الكوفيين، ومذهب البصريين أنَّ (إنْ) مخففة من الثقيلة، واللام زائدة، وقد نبه على ذلك ابنُ التين" (¬3). بيان المسألة: ذكر ابنُ الملقن أن (إِنْ) يختلف فيها النحويون بين (إِن) المخففة و (إِن) النافية، وبيان ذلك فيما يلي: يرى البصريون أن (إِنْ) مخففةٌ من الثقيلة غيرُ عاملة، واللام في مثل (لبحرًا) لامٌ فارقة. ويرى الكوفيون أن (إِنْ) نافية، واللام بعدها بمعنى (إلا)، أي: ما وجدناه إلا بحرًا. وربما تكون (إن) بمعنى (أجَلْ)، وقد ذكر ذلك سيبويه (¬4). ومن ذلك قولُ ابن الرقيات: ويقُلْنَ شَيبٌ قد عَلَا ... كَ وقد كبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ (¬5) أما قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} (¬6)، فقد خرَّجها قوم على غير ما ذُكِر؛ فقالوا: إنها ¬

(¬1) صحيح البخاري 3/ 165، باب من استعار من الناس الفرس والدابة. (¬2) طه: 63. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 432. (¬4) الكتاب 3/ 151. (¬5) البيت من: مجزوء الكامل، ديوانه 66، الكتاب 3/ 151، الأصول في النحو 2/ 383، البيان والتبيين 2/ 191، شرح أبيات سيبويه 2/ 323، اللمع في العربية 1/ 43. (¬6) طه: 63.

لغة بَلْحارث بن كعب، إذ يجُرُّون وينصبون بالألف (¬1)، ويرى بعضهم أنها بمعنى (نعم) (¬2). ومن حيث المعنى يُرجَّح أن تكون (إِنْ) نافية؛ لأمرين: 1 - أنَّ اللام الزائدة يطَّرد زيادتُها مع المفعول به إذا كان الفعل متعديًا لواحد، و (وجد) لها مفعولان. 2 - كونها عطفًا على نفي، والمعنى: ما وجدنا في المدينة من شيء، وما وجدنا الفرس إلا بحرًا. ¬

(¬1) تأويل مشكل القرآن 1/ 36، إعراب القرآن للنحاس 3/ 31. (¬2) إعراب القرآن للنحاس 3/ 31، وقد ذكر سيبويه أنه قد تجيء (إن) بمعنى أجل.

مسألة (لا) المحتملة للزيادة

مسألة (لا) المحتمِلة للزيادة في قول المرأة في حديث أم زرع: "إني أخافُ أنْ لا أذرَه" (¬1). قال ابن الملقن: "والهاء في (أذره) عائدةٌ على الخبر؛ أي: لطوله وكثرته إن بدأتُه لم أقدِرْ على إتمامه، ويعضُدُه روايةُ: (ولا أقدُر قَدْرَه). وفيه: تأويل آخرُ ذكره أحمدُ بن عبيد بن ناصح: أن الهاء عائدةٌ على الزوج، وكأنها خشيتْ فراقَه إن ذكرته. وقاله الداودي أيضًا. وعلى هذا تكونُ (لا) زائدة، كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} (¬2)، ويحتمل عدم زيادتها -كما ذكره القرطبي- وأنها خافت أن لا تتركه معها ممسكًا لها في صُحبتها، ويَحتمِلُ -كما قال عياض- رجوعُ الهاء إلى الزوج تأوُّلًا آخرَ، أي: إن أخبرتُ بشيء من عيوبه ونقائصه أفضى ذلك إلى ذكر شيءٍ أقبحَ منه ... " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن (لا) في (لا أذره) زائدة، ويحتمل عدم زيادتها، وبيان ذلك فيما يلي: يعد النحويون (لا) الزائدة ضربًا من أضرب اللام، وأكثر ما تكون زائدة مع المفعول به لعامل متعدٍّ لواحد (¬4)، أي: إني أخاف عدمَ تركه. وكذلك في الآية الكريمة (¬5)، بمعنى: ما منعك أن تسجد؟ أو ما منع سجودَك؟ وأما احتمال عدم زيادتها، فلعلَّها تكون سببية، أي: إني أخاف، وسبب خوفي: عدم إتمامه، وقد ورد ما يمكن أن يُقال فيه: إن اللام زائدة أو سببية، ومنه قولُ كثيِّر عزة: ¬

(¬1) صحيح البخاري 7/ 27، باب حسن المعاشرة مع الأهل. (¬2) الأعراف: 12. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 573. (¬4) الجنى الداني 105، شرح شذور الذهب 1/ 384. (¬5) معاني القرآن للفراء 1/ 95، مجاز القرآن 1/ 211، تأويل مشكل القرآن 1/ 154.

أُريدُ لِأَنْسى ذِكرَها وكأنَّما ... تَمَثَّلُ لي ليلى بكُلِّ سبيلِ (¬1) فإن جعلتها زائدة فالتقدير: (أريد نسيانَ)، وإن جعلتها للتعليل فالتقدير: إرادتي لهذا؛ لنسيانِ ذكرها (¬2). ومما سبق يتبيَّن جوازُ مجيء (لا) في (لا أذره) زائدة أو سببية، حيث لا يقتضي ذلك اختلافًا للمعنى. ¬

(¬1) الكامل في اللغة والأدب 3/ 73، الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء 194، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة 5/ 272، شرح شواهد المغني 2/ 581. (¬2) اللامات 138، الجنى الداني 121، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب 1/ 285.

مسألة (ما) بين المصدرية والنفي والزيادة

مسألة (ما) بين المصدرية والنفي والزيادة في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (¬1). قال ابن الملقن: "قال إبراهيم: قليلًا ما ينامون، وقال الضحَّاك: قليلًا من الناس، وقال أنس: يصلون طويلًا ما ينامون، وعن الحسن: كانوا يتنفَّلون بين العشاء والعتمة. فعلى قول إبراهيم؛ يجوزُ أن تكون (ما) زائدةً أو مصدرًا مع ما بعدها، وهو قولُ أهل اللغة. وعلى قول أنس والحسن (ما) نافية" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن المعانيَ المحتمَلة لـ (ما يهجعون)، ثم بيَّن نوعَ (ما) فيها، وبيان ذلك فيما يلي: اختلف المفسرون في معنى {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}، على قولين: الأول: أن المقصود ذكر حال الناس وقيامهم، وأن القليل منهم لا ينامون مطلقًا، وبعضهم يقتصرون على قليل من النوم، ويقتصر بعضهم على التنفل بين المغرب والعشاء. الثاني: أن المقصود ذِكرُ مدةِ الزمن الذي ينامون فيه، ووصفه بالقليل (¬3). وكذلك اختُلِف في نوع (ما) في (ما يهجعون)؛ فإما أن تكون زائدة، فيصبح المعنى: كانوا يهجعون قليلًا؛ أي: ينامون قليلًا، أو مصدرية، وتكون (ما) وما بعدها في موضع رفعٍ اسمَ كان، و (قليلًا) بالنصب خبر لكان؛ أي: كان هجوعُهم من الليل قليلًا، أو نافية، فيصير حالهم منتفِيَ الهجوع ولو بقليل من الليل، بمعنى أن عادتهم إحياء جميع أجزاء الليل؛ فلا نوم لهم فيه (¬4). والقول بأن (ما) زائدة أو مصدرية، يرى ابنُ التين أنهما أبيَنُ الأقوال وأقعدها بكلام أهل ¬

(¬1) الذاريات: 17. ذكرت الآية في أول باب الدعاء في الصلاة من آخر الليل، صحيح البخاري 3/ 53. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 96. (¬3) تفسير الضحاك 790، تفسير الطبري 22/ 407 - 410، تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن 4/ 191. (¬4) معاني القرآن للفراء 3/ 84، النكت في القرآن الكريم 459، مشكل إعراب القرآن لمكي 2/ 686.

اللغة؛ لما في ذلك من مدحٍ لهم بكثرة العمل (¬1)، وإن قيل: إن انتفاء النوم أفضل وأكمل للتهجد، كما في معنى (ما) النافية، فلا خلاف؛ لأنه قد يُعبَّر عن النفي بـ (القليل) (¬2). وإنما عُدِل عن كونها نافية؛ لأن (ما) يليها الاسمُ والفعل، فأشبهت حرفَ الاستفهام، وحرفُ الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبلَه، فكذلك (ما) لا يعملُ ما بعدها فيما قبلها، فظهر ضَعفُ هذا القول ببطلان إعرابه، وهذا ما يراه البصريون (¬3). أما الكوفيون فيرون جوازَ ذلك، وحجتُهم أن (ما) بمنزلة (لم) و (لن) و (لا)، وكلها نافية، ويجوز تقديم معمولِ ما بعدها عليها، فإذا جاز التقديم مع هذه الأحرف، فكذلك مع (ما)، ورُدَّ هذا الوجهُ بمخالفتها أخواتها في عدم الاختصاص، ولما لها من حق الصدارة (¬4). وجوَّز بعضُهم عملَ ما قبل (ما) فيما بعدها، إذا كان خبرُها المقدمُ ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا (¬5)، وإلى هذا أشار ابن مالك بقوله (¬6): وَرَفْعُ مَا بِهَا زَيْدٌ بِـ (ما) ... وَمَوْضِعُ المجْرُوْرِ نَصْبٌ زَعَمَا وَذَاكَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالمُنْعَطِفْ ومعنى ذلك أنه أمرٌ فيه خلاف. ويرى ثعلبٌ جوازَ ذلك من وجه، وفسادَه من وجه آخر، فإذا كانت (ما) بمنزلة (لم) فمن هذا الوجه جائزٌ تقدمُ الخبر، أما إذا كانت (ما) جوابًا للقسم، نحو: (والله ما زيدٌ بآكل طعامك)، فلا يجوزُ التقديم، وعدَّ ابنُ الأنباري ذلك فاسدًا؛ لأن (ما) في كلا القسمين نافية؛ فينبغي أن يمتنع التقديم فيهما جميعًا (¬7). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 96، فتح الباري 3/ 29. (¬2) المفردات في غريب القرآن 834. (¬3) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين 1/ 140. (¬4) المصدر السابق 1/ 140، تفسير الألوسي 4/ 319. (¬5) شرح جمل الزجاجي لابن عصفور 1/ 377، شرح الكافية الشافية 1/ 430. (¬6) شرح الكافية الشافية 1/ 432. (¬7) الإنصاف في مسائل الخلاف 1/ 140.

وبعد عرض آراء العلماء حول معنى الآية، يتبيَّن أن القول بزيادة (ما) أو مصدريتها، هو -كما وصفه ابن التين- أبيَنُ الأقوال وأقعَدُها عند أهل اللغة؛ لِما ذُكر من أسباب. وربما سكت ابن الملقن عن كونها نافية؛ لما في ذلك من إشكال.

مسألة مجيء (لما) بمعنى (إلا)

مسألة مجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا) في قول عائشة رضي الله عنها: " ... عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق لَمَّا أخبرتني ... " (¬1). قال ابن الملقن: "وقولها: (لما أخبرتني): ... يحتمل أن تكون اللامُ بمعنى (إلا) و (ما) زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون (لَمَّا) مشددةً بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري" (¬2). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن احتمالَ كون (اللام) أو (لمَّا) ذات الميم المشددة بمعنى (إلا)، غير أن النحويين اختلفوا في مجيء (لمَّا) بمعنى (إلا) مطلقًا، فمنهم من أجاز مجيء ذلك؛ مثل الخليل وسيبويه والكسائي (¬3)، ومنهم مَن منعه؛ مثل أبي عُبيد والفرَّاء والجوهري (¬4)، حيث استدل من يرون الجوازَ بقول العرب: (أقسمتُ عليك إلا فعلت، ولَمَّا فعلت) (¬5)، وأما الذين منعوا فيرون أن مجيئه وجهٌ غير معروف، ولم يُقَل في شعر ولا غيره، ولو أنه يجوز ذلك لسُمع: ذهب الناس لَمَّا زيدًا (¬6). لذا يرى صاحبُ (الجنى الداني) أن يقتصر فيها على التركيب الذي وقعت فيه، وأن يُتوقف في إجازة ذلك حتى يرد في كلام العرب ما يشهدُ بصحته (¬7). ويرى أبو حيان ألا يُلتفت إلى قول أبي عبيد والفراء، وإنكارِهما مجيءَ (لما) بمعنى (إلا) (¬8). ¬

(¬1) صحيح البخاري 8/ 64، باب من ناجى بين الناس ومن لم يخبر. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 29/ 141، وقد وقع في الأصل (تكون ما مشددة)، وهو تحريف. (¬3) الجنى الداني 593، الأزهية 207. (¬4) البحر المحيط 6/ 216، اللغة الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، (لمم) 5/ 2033. (¬5) الكتاب 3/ 105. (¬6) معاني القرآن 2/ 29. (¬7) الجنى الداني 593. (¬8) البحر المحيط 6/ 216.

والذي يظهرُ أن القول الأول هو الأرجحُ؛ لأمور؛ منها: 1 - ثبوت مجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا) عن العرب بنقل الثقات، وذلك في لغة هذيل (¬1). 2 - أما كون (إلا) لا تستعمل إلا أداةَ استثناء، فهذا لا يلزمُ الاطراد، فكم من شيء خُص بتركيب دون ما أشبَهَه! كما ذكر ذلك أبو حيان (¬2). 3 - ورود ما يُثبت ذلك شعرًا ونثرًا. هذا، ومجيء (لَمَّا) بمعنى (إلا) إنما يكون في موضعين (¬3): أحدهما: مع القسم؛ مثل: (عزمتُ عليك لَمَّا ضربتَ كاتبَك سوطًا)، أي: إلا ضربته. وكقول الشاعر (¬4): قالتْ له: باللهِ يا ذا البُرْدَيْنْ ... لَمَّا غَنِثْتَ نَفَسًا أو اثنيْنْ (¬5) أي: إلا غنثت، بمعنى شرِب ثم تنفَّس. والثاني: بعد نفي دون قسم، ومنه قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة (¬6)، في قوله تعالى: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} (¬7)، وقوله: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬8). أي: ما كل ذلك إلا جميع، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا. أمَّا كونُ (اللام) أو (الميم المشددة) بمعنى (إلا)، فيرى سيبويه أن الميم المشددة في (لمَّا) معناها (إلا)، وذلك عند سؤاله للخليل بقوله: "وسألتُ الخليل عن قولهم: أقسمتُ عليك إلا فعلت ولمَّا فعلت، لِمَ جاز هذا في هذا الموضع، وإنما (أقسمت) هاهنا كقولك: والله؟ فقال: ¬

(¬1) معاني القرآن 3/ 254، لسان العرب 12/ 552، القسطلاني 9/ 165. (¬2) البحر المحيط 6/ 216. (¬3) شرح الكافية الشافية 3/ 1645، شرح التسهيل 4/ 101. (¬4) لم أقف على قائله. (¬5) البيت من السريع، لا من الرجز، ووزنه: مستفعلن مستفعلن مفعولات، والرجز ليس كذلك، إنما هو: مستفعلن مستفعلن مستفعلن في: شرح الكافية الشافية 3/ 1645، شرح التسهيل 3/ 207، الجنى الداني 593. (¬6) معاني القراءات للأزهري 2/ 305، حجة القراءات 597. (¬7) يس: 32. (¬8) الزُّخرُف: 35.

وجهُ الكلام (لتفعلن) هاهنا، ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبَّهوه بـ (نشدتك الله)، إذا كان فيه معنى الطلب"، فتبين أن ذلك لمَّا كان وجه الكلام في (إلا فعلت) و (لما فعلت) كلمة واحدة هي: (لتفعلن). أما الكوفيون (¬1) فيرون أن (اللام) هي التي بمعنى (إلا)، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} (¬2)؛ فيجعلون (إن) نافية، ويقدرون فعلًا، واللام بمعنى إلا، أي: (وما أرى كلًّا إلا ليوفينهم). وقد وصف ابنُ الشجري (¬3) هذا القولَ بأنه من الأقوال الضعيفة البعيدة. ¬

(¬1) الموفي في النحو الكوفي 140. (¬2) هود: 111. (¬3) أمالي ابن الشجري 3/ 147.

مسألة لام الابتداء في خبر (إن) و (أن) المشددتين

مسألة لام الابتداء في خبر (إنَّ) و (أنَّ) المشدَّدتين في قول أبي سفيان: "إنه لَيَخافُه ملِكُ بني الأصفر" (¬1). قال ابن الملقن: "قوله: (إنه ليخافه ملك بني الأصفر)، هو بكسر الهمزة، ويجوز -على ضعف- فتحُها؛ على أنه مفعولٌ من أجله. قال القاضي: ضَعُفَ الفتح لوجود اللام في الخبر، لكن جوَّزه بعضُ النحاة، وقد قرئ شاذًّا: {إِلَّا أنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ} (¬2)، بالفتح في (أنهم) " (¬3). بيان المسألة: ذكر ابن الملقن أن بعض النحاة جوَّزوا فتح همزة (إن) مع وجود اللام في خبرها، وبيان ذلك فيما يلي: المشهور عند النحويين أن همزة (إن) تُكسر إذا كان في خبرها اللام، وعلةُ ذلك أن اللام لام ابتداء مؤكِّدة، و (إنَّ) للتوكيد، فاجتمع توكيدان في أول الكلام. وأما كون (إن) مكسورة الهمزة، فيجتمع توكيدان؛ فلأن اللام تمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها، فأبقت (إن) مكسورة، وذلك مثل: (علمتُ لإنَّ زيدًا قائم)، فمنعت الفعل أن يعمل في (إن)، فأبقتها مكسورة الهمزة. ولئلا يجتمع توكيدان في أول الكلام جُعلت اللام في الخبر (¬4). ومثل ذلك قولُ الشاعر: أَلَمْ تَرَ إِنِّي وابْنَ أَسْوَدَ لَيْلَةً ... لَنَسْرِي إِلى نَارَيْنِ يَعْلُو سَنَاهُمَا (¬5) أما إن كان السياق في موضع التعليل؛ فيجوز في (إن) الفتحُ والكسر. ¬

(¬1) صحيح البخاري 6/ 35، باب قل: {قُل يَاأَهلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَة سَوَاءِ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران: 64]. (¬2) الفرقان: 20. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 406. (¬4) المقتضب 2/ 324، الأصول في النحو 1/ 262، اللامات 1/ 77، علل النحو 1/ 447. (¬5) البيت من الطويل، بلا نسبة في: الكتاب 3/ 220، شرح أبيات سيبويه 2/ 137، شرح الكافية الشافية 1/ 284.

وبعضُهم يجيز أن تكون (أنَّ) مفتوحة الهمزة وفي خبرها اللام، وذلك في مثل قراءة ابن جبير: {إِلَّا أنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ} (¬1)، واللام في أول الفعل زائدة (¬2). والذي يتبيَّن جوازُ دخول اللام في خبر (إن) المكسورة، فبدخولها زيادةٌ في التوكيد، وبعدمه يُكتفى بتوكيد (إن)، وليس ذلك على سبيل الوجوب. ¬

(¬1) الفرقان: 20. (¬2) البحر المحيط 10/ 245، الدر المصون 10/ 415، اللباب في علوم الكتاب 11/ 479.

القسم الثاني الدراسة المنهجية

القسم الثاني الدراسة المنهجية، وفيه فصول: الفصلُ الأول: مصادرُه الفصلُ الثاني: منهجُه في عرض المسائل الفصلُ الثالث: أصولُ الاستدلال في دراسته للمسائل النحوية الفصلُ الرابع: التقويم

الفصل الأول مصادره

الفصلُ الأول مصادرُه، وفيه مبحثان: المبحث الأول: الرجال المبحث الثاني: الكتب

المبحث الأول: الرجال

المبحث الأول: الرجال اعتمد ابنُ الملقن في شرحه (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) على مصدرين عامَّين؛ هما: الرجال والكتب؛ يستكمل بهما دراسته للحديث الشريف؛ إذ رجع فيها لعلماء الحديث، واللغة، والنحو، والأصول. أما اعتمادُه على مصدر الرجال، فنجده يستعملُ صيغًا متعددة في النقل عن هذا المصدر، كما أن له طرقًا وأغراضًا تبين حاجة الشارح لمصدر الرجال. وابن الملقن عند أخذه من المصادر يرجع إلى علوم متعددة: فمثالُ رجوعه لشروح الحديث: قولُه: " (حضرموت) من بلاد اليمن كما قاله صاحب (المطالع) " (¬1)، وكذلك قوله في (وَسادة): "قال صاحب (المطالع): الفتح أكثرُ عند مشايخنا، ووقع لجماعةٍ الضم، والأول أظهر" (¬2)، وكذلك قوله في (جُرف): "قال صاحب (المطالع): هو عَلَى ثلاثة أميال إلى جهة الشام" (¬3). ويقصد بذلك كتاب: (مطالع الأنوار على صحاح الآثار) لابن قرقول. ومثالُ رجوعه إلى كتب اللغة: قولُه: "قال ابنُ السِّكِّيت: (الحميمة) الماء يسخن، يقال: أحم لنا الماء" (¬4)، وكذلك قوله في (الجَرس): "قال ابنُ السكيت: الجَرس والجِرس الصوت" (¬5)، وكذلك قوله في (خَزِيَ): "قال ابن السكيت: إذا وقع في بَلِيِّة" (¬6). ويقصد بذلك كتابه: (إصلاح المنطق). ومثالُ رجوعه إلى كتب النحو: قولُه: "قال سيبويه: (أول منك) أي: أقدم منك" (¬7)، ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 16. (¬2) المصدر السابق 4/ 290. (¬3) المصدر السابق 5/ 171. (¬4) المصدر السابق 4/ 317. (¬5) المصدر السابق 2/ 228. (¬6) المصدر السابق 3/ 212. (¬7) المصدر السابق 3/ 488.

وكذلك قوله في (المِربد): "قال سيبويه: هو اسم كالمطبخ، وإنما مثله به؛ لأن المطبخَ ييبس" (¬1)، وكذلك قوله في (فتنه): "قال سيبويه: فتَنَه: جعل فيه فتنة، وأفتنه: أوصل الفتنة إليه" (¬2). ويقصد كتابه: (الكتاب). ومثال رجوعه إلى كتب أصول الفقه: قولُه في (إنما): "واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر، بل تفيد تأكيد الإثبات" (¬3)، وكذلك قوله في (عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة): "قال الآمدي: هو على شريعة نوح" (¬4)، ويقصد بذلك كتابه: (الإحكام في أصول الأحكام). أما الصيغُ التي ينقلُ بها، فتختلفُ في بنائها؛ فمنها مبنيٌّ للمعلوم، ومنها مبني للمجهول، فالمبني للمعلومُ: إما يصرِّح بالمهنة، وإما يذكرُ الاسمَ الأولَ، أو النسبَ، أو الكنية، أو اللقب، أو ينقلُ بالصفة إلى الأب. أما تصريحُه بالاسم باعتبار المهنة، فمثل قوله: "قال القاضي عياض: في (حِراء) يُمد ويقصر". وأما تصريحُه بالاسم فقط، فمثل قوله في (الاضطجاع): "قال عياض: الاضطجاع بعد صلاة الليل وقبل ركعتي الفجر" (¬5)، وكذلك قوله في (إني أخاف ألا أذره): "قال أحمد بن عبيد بن ناصح: الهاء عائدة على الزوج، وكأنها خشيت فراقه إن ذكرته" (¬6). وأما نقلُ ابن الملقن بالنَّسَب، ففي مثل قوله عن (رُقْيَة): "قال الزمخشري: وقد يقال الذي: استرقيته بمعنى رقيته" (¬7). وكذلك قوله في {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} (¬8): "قال الداودي: وعد الصدق الذي وعد لعباده أن ينجي منهم المتقين" (¬9). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 171. (¬2) المصدر السابق 6/ 107. (¬3) المصدر السابق 2/ 171. (¬4) المصدر السابق 2/ 255. (¬5) المصدر السابق 9/ 146. (¬6) المصدر السابق 24/ 573. (¬7) المصدر السابق 15/ 89. (¬8) يونس: 2. (¬9) المصدر السابق 1/ 221.

وأما نقلُه بالكنى، ففي مثل قوله عن (المزادة): "قال أبو عبيد: ولا تكون إلا من جلد يُقام بجلد ثالث بينهما، سُميت مزادة؛ لأنه يُزاد فيها جلد من غيرها" (¬1)، وكذلك قوله في (رجل من حديد): "قال أبو الحسن: من حَنِق شديد الغضب" (¬2). وأما نقلُه باللقب، ففي مثل قوله عن (سيراء): "قال سيبويه: لم يأت فِعَلاء صفة، لكن اسمًا" (¬3). وكذلك قوله في (أما بعد): "قال سيبويه: معناه: مهما يكن من أمر" (¬4). وأما نقله عن العالم بالصفة، ففي مثل قوله عن (أيُجْزِي): "قال ابن التين: قرأناه غير مهموز، وضبط في بعض الكتب بالهمز" (¬5). وكذلك قوله في (الطِيرة): "قال ابن الأثير: الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن، وهي التشاؤم بالشيء" (¬6). هذا، وقد يَجمعُ بين ذكر الرجل وكتابِه، في مثل قوله في (الحديث الذي رواه فرد واحد وليس بشاذ): "قال مسلم في صحيحه: للزهري نحوٌ من تسعين حديثًا يرويها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يشاركُه فيها أحد بأسانيدَ جيادٍ" (¬7)، وكذلك قوله في (رؤية الأنبياء في السماء ومدفنهم في الأرض): "قال ابن الجوزي في مشكله: أجاب عنه ابنُ عقيل فقال: شكَّل الله أرواحَهم على هيئة صور أجسادهم" (¬8). وربما عزا القولَ إلى جماعة، في مثل قوله عن (جلس إحدى عشرة): "قال النحويون: يجوز جلستُ؛ كما تقول في واحد: جلست امرأة" (¬9). وقد ينقلُ ابنُ الملقن عن مجهول، في مثل قوله عن (الرُّجز): "قيل: الشرك، وقيل: ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 203. (¬2) المصدر السابق 10/ 40. (¬3) المصدر السابق 7/ 409. (¬4) المصدر السابق 7/ 551. (¬5) المصدر السابق 4/ 295. (¬6) المصدر السابق 27/ 510. (¬7) المصدر السابق 2/ 162. (¬8) المصدر السابق 5/ 243. (¬9) المصدر السابق 24/ 568.

الذنب" (¬1)، وكذلك قوله في (وتَكسِب المعدوم): "وروي: بضمها؛ أي: وتُكسِب المعدوم" (¬2). وأما الأغراضُ التي يرجع الشارحُ من أجلها للمصدر: فتارة يكونُ رجوعُه لعَرْض وجهٍ نحوي، ومنه قوله في {مَا يَهْجَعُونَ} (¬3): "قال إبراهيم: قليلًا ما ينامون، وقال أنس: يصلون طويلًا ما ينامون، وعن الحسن: كانوا يتنفلون بين العشاء والعتمة. فعلى قول إبراهيم: يجوز أن تكون (ما) زائدة أو مصدرًا مع ما بعدها، وهو قول أهل اللغة، وعلى قول أنس والحسن (ما) نافية" (¬4). ومنه قوله في (حلة سيراء): "قال صاحبُ (المطالع): حلة سيراء، على الإضافة ... وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة" (¬5). ويرجعُ تارةً لترجيح رأي نحوي، ومنه قوله في (جذعًا): "النصب على الحال ... ورجح هذا القاضي عياض، وقال: إنه الظاهر" (¬6)، وقوله أيضا: "وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون" (¬7). ونجدُه قد يرجع للمصدر عند الاعتراض على وجه نحوي، ومنه قوله في (معاذ بن جبل): "واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابع لـ (ابن)، فيصيران كاسم واحد مركب كأنه أضيف إلى جبل، والمنادى منصوب قطعًا، واعترضه ابنُ مالك، فقال: الاختيار الضم" (¬8). ومنه قوله في (حلة سيراء): "وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة، قال صاحب (المطالع): وأنكره أبو مروان، قال سيبويه: لم يأت فِعَلاء صفة" (¬9). وقد يكون استعماله للمصدر عَضْدًا للرأي النحوي، ومنه قوله في (كخ كخ): "قال ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 312. (¬2) المصدر السابق 2/ 277. (¬3) الذاريات: 17. (¬4) المصدر السابق 9/ 69. (¬5) المصدر السابق 7/ 409. (¬6) المصدر السابق 2/ 292. (¬7) المصدر السابق. (¬8) المصدر السابق 3/ 658. (¬9) المصدر السابق 7/ 409.

الداودي: هي معربة، ومعناها: بئس، وفيها ثلاثة أوجه: فتح الكاف وتنوين الخاء؛ كذا في رواية أبي الحسن" (¬1)، ومنه قوله في (إذ يخرجك قومك): "استُعمل فيه (إذ) في المستقبل كـ (إذا)، وهو استعمال صحيح؛ كما نبه عليه ابن مالك" (¬2). وربما يُدحِض حجةَ قائلٍ، ومنه قوله في (ما أنا بقارئ): " (ما) هنا نافية ... وغلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها" (¬3)، ومنه قوله في {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬4): "وزعم أبو عبيدة أن (لا) هنا بمعنى الواو، وهو خطأ عند حذاق النحويين" (¬5). هذه أبرزُ الأمور التي جعلت الشارحَ يعتمدُ فيها على مصدر الرجال، مع ما لحِظناه من تنقُّله بين فنون العلوم، وطرائقه التي يُعبر بها عن المصدر. حيث تبيَّن متانةُ شرح ابن الملقن، وغاية اهتمامه في شرح الجامع الصحيح. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 577. (¬2) المصدر السابق 2/ 292. (¬3) المصدر السابق 2/ 260. (¬4) البقرة: 150. (¬5) المصدر السابق 22/ 58.

المبحث الثاني: الكتب

المبحث الثاني: الكتب استكمالًا لِمَا اعتمد عليه ابنُ الملقن من المصادر، تُعد (الكتب) هي المصدر الثاني من مصادره التي استند إليها في شرحه للحديث الشريف. حيث تنوَّعت طرقُه في النقل عنها: فتارة يذكرُ اسم الكتاب فقط، وتارة يذكرُه مقرونًا بصاحبه، مثل قوله في (سبخة): "قال صاحب (المطالع): هي الأرض المالحة، وجمعها سباخ" (¬1)، وكذلك قوله في (سمعت): "قال الفارسي في (إيضاحه): لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَع، كقولك: سمعت زيدًا يقول كذا، ولو قلت: (سمعت زيدًا أخاك) لم يجز" (¬2). كما أنه يغلبُ على تسميته للكتب الاختصارُ، فمثلًا يقول: "قال الفارسي في (إيضاحه) "؛ أي: الإيضاح العضدي، وكذلك قوله: "قال صاحب (المطالع) "؛ أي: مطالع الأنوار على صحاح الآثار. هذا، وقد تنوعت الفنون التي ينقلُ عنها ابن الملقن في شرحه إلى عشرة فنون أو تزيد؛ فيرجع تارةً لمتون الحديث، كـ (صحيح البخاري) -وهو المتن الذي شرحه- وإلى (صحيح مسلم) في مثل (لَتَجَشَّمْتُ لقاءَه) بقوله: "وفي مسلم لأحببت لقاءه"، وإلى (سنن الترمذي) في مثل {مَايَهْجَعُونَ} (¬3) بقوله: "وقال الضحاك: قليلا من الناس" (¬4). كما يرجع أيضًا لشروح الحديث كـ (مطالع الأنوار على صحاح الآثار) -وقد سبق التمثيل عليه- و (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح) لابن مالك في مثل (يا ليتني فيها جذعا) بقوله: "قال ابن مالك: وأكثر الناس تظن أن (يا) التي تليها (ليت) حرف نداء" (¬5). كما أنه يرجع لكتب علوم القرآن ومعانيه، مثل (معاني القرآن وإعرابه للزجاج) في مثل ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 194. (¬2) المصدر السابق 2/ 170. (¬3) الذاريات: 17. (¬4) المصدر السابق 9/ 96. (¬5) المصدر السابق 2/ 290.

{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (¬1) بقوله: "قال الزجاج: والمعنى: لا يعصينك في جميع ما تأمرهن به؛ فإنك لا تأمر بغير المعروف" (¬2)، وإلى (معاني القرآن للفراء) في مثل (لبيك) بقوله: "قال الفراء: نصبت على المصدر، أي: كقولك: حمدًا وشكرًا" (¬3). ويرجع كذلك لكتب الفقه والحديث؛ كما في كلامه عن (الإجماع) في قوله عن (صيد حمر الوحش): "قال أبو بكر النيسابوري: قوله: اصطدته، وقوله: ولم يأكله؛ لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر" (¬4). ويأخذ أيضًا من كتب التفسير، كـ (جامع البيان في تأويل القرآن) للطبري؛ كما في مثل (ألفافًا) بقوله: "قال أبو جعفر الطبري: اختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فقال بعضُ نحوي البصرة: لِفٌّ ... " (¬5)، وإلى (النكت والعيون) للماوردي؛ في مثل (الرَّهن) بقوله: "وقال الماوردي: هو الاحتباس" (¬6). كما رجع أيضًا لكتب النحو، كـ (الكتاب) لسيبويه في مثل (فإما لا فلا تبايعوا) بقوله: "قال سيبويه: كأنه يقول: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره" (¬7)، وإلى (الإيضاح العضدي) في مثل (سمعت وتعديها إلى مفعولين) بقوله: "قال الفارسي: لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَع" (¬8). ويرجع أيضًا لكتب الأدب؛ كـ (الكامل في اللغة والأدب) للمبرد، في مثل {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} (¬9) بقوله: "قال المبرد: هو محمول على المعنى؛ لأن معنى الجمع والإجماع ¬

(¬1) الممتحنة: 12. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 549. (¬3) المصدر السابق 3/ 658. (¬4) المصدر السابق 12/ 350. (¬5) المصدر السابق 19/ 31. (¬6) المصدر السابق 16/ 111. (¬7) المصدر السابق 14/ 482. (¬8) المصدر السابق 2/ 170. (¬9) يونس: 71.

واحد" (¬1)، وإلى (أدب الكاتب) لابن قتيبة في مثل (الدُّنيا) بضم الدال، قوله: "وحكى ابنُ قتيبة وغيرُه كسرَها" (¬2). كما رجع أيضًا لكتب اللغة؛ كـ (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيده، في مثل (الحَوَر) بقوله: "الحَوَر هو: أن يشتد بياضُ بياضِ العين وسوادُ سوادِها ... " (¬3)، وإلى (إصلاح المنطق) في مثل (ظفار) بقوله: " قال ابن السكيت: ظفار قرية باليمن" (¬4). كما أنه رجع أيضًا لكتب التراجم والطبقات، كـ (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) كما في مثل (حنتمة بنت هشام) بقوله: "قال ابن عبد البر: الصحيح أنها بنت هاشم ... " (¬5). ورجع كذلك لكتب التاريخ، كـ (تاريخ دمشق) في مثل (تسمية بني الأصفر) بقوله: "وفي (تاريخ دمشق) لابن عساكر: تزوج مهاطيل الرومي إلى النوبة، فولد له الأصفر" (¬6)، وإلى (تاريخ بغداد) في مثل (التعريف بإسحاق الكِوسج) بقوله: "وقال الخطيب: كان فقيهًا عالمًا" (¬7). وإننا لنجدُ ابن الملقن -في اعتماده على هذه الكتب- يحقق أغراضًا عدة، وذلك إمَّا لعرض الآراء، كقوله في (إيلياء): "قال صاحبُ (المطالع): وقيل: معناه بيت الله، وفي (الجامع): أحسبه عِبرانيًّا، ويقال: الإيلياء كذا" (¬8). وكذلك في قوله: (غُرلًا): "قال الشيخ تقي الدين القشيري في شرح (العمدة): غُرلًا يحتمل أيضًا أن يكون مفعولًا لـ (يدعون) " (¬9). ومن ذلك أيضًا قوله في (مَن انتهى نسبه بالفارسي): "قال: قال إبراهيم بن الفرج في ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 492. (¬2) المصدر السابق 2/ 191. (¬3) المصدر السابق 17/ 359. (¬4) المصدر السابق 16/ 570. (¬5) المصدر السابق 2/ 137. (¬6) المصدر السابق 2/ 388. (¬7) المصدر السابق 3/ 112. (¬8) المصدر السابق 2/ 383. (¬9) المصدر السابق 4/ 28.

(البغية شرح لحن العامة): الفارسي منسوب إلى فارس، وذكر ابن عبدون في كتابه (الزاهر) أنهم من ولد حارس بن ناسور بن سام" (¬1). كما أنه قد يعتمد على الكتب في عَضْدِ رأيٍ أو قول، ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: "فيما سقَتِ السماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا العُشرُ"، بقوله: " (العَثَري) بعين مهملة ثم ثاء مثلثة مخففة، ويجوزُ تشديدها، كما قاله الهَجَري في (نوادره)، وحكاه ابنُ سيده في (محكمه) " (¬2). ومن ذلك أيضًا قوله في (التوارث قبل انتهاء العدة): "وذكر ابنُ المنذر في (الإجماع): أنهم أجمعوا أن مَن طلق زوجته المدخولَ بها طلاقًا يملِكُ رجعتَها، وهو مريضٌ أو صحيح، فمات أو ماتت قبل أن تقضي عدتها؛ أنهما يتوارثان" (¬3). وقد يرجع إلى الكتب لترجيح رأيٍ، في مثل (الدهر) بقوله: "قال الأزهري في (تهذيبه): (الدهر) يسمى جذعًا، وقيل معناه: يا ليتني أدركُ أمرَك، قال صاحب (المطالع): والقولُ الأول أبيَنُ" (¬4). ومن ذلك أيضًا قوله: " (ما غبر من الدنيا إلا كالثَّغَبْ) هو بثاء مثلثة وبغين معجمة ساكنة ومفتوحة أيضًا، وهو أكثر، كما قاله القزَّاز، وقال صاحب (المنتهى): إنه أفصح ... " (¬5). هذا، وقد يكونُ رجوعُه للكتب لإبطال رأيٍ، ومن ذلك: في حديث (فيما سقَت السماءُ والعيونُ أو كان عَثَريًّا) بقوله: "ويَرُدُّ على أبي عبيد في قوله: العثري ما سقته السماء، وكذا ابن فارس، وكذا الجوهري في قوله: ما سُقي من النخل سَيْحًا، وصاحب (الجامع) و (المنتهى) - الحديثُ؛ فإن لفظَه: (فيما سقت السماءُ والعيون أو كان عثريًّا)، وهو دالٌّ على أن العَثَري غيرُ ما سقت السماء والعيون" (¬6). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 574. (¬2) المصدر السابق 10/ 554. (¬3) المصدر السابق 25/ 231. (¬4) المصدر السابق 2/ 291. (¬5) المصدر السابق 18/ 81. (¬6) المصدر السابق 10/ 554.

ومن ذلك أيضًا قولُه في (مشُورة): "وزعم صاحبُ (التثقيف) والحريريُّ وغيرُهما؛ أن إسكان الشين وفتح الواو، مما تلحنُ فيه العامةُ، وليس بجيد" (¬1). ومن خلال ما تم استعراضُه من اعتماد ابن الملقن على الكتب، تبيَّنت غايتُه من اعتماده على الكتب؛ من خلال الأغراض التي رجع إلى الكتب من أجلها، مع ما لُوحظ من تنوُّعٍ في الإشارة إلى اسم الكتاب، وأن ما يغلب على ذلك هو (الاختصار) كما ذُكر من قبل. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 483.

الفصل الثاني منهجه في عرض المسائل

الفصلُ الثاني منهجُه في عرض المسائل، وفيه مباحثُ: المبحثُ الأول: طريقتُه في عرض المسائل المبحثُ الثاني: الإيجازُ والإطناب لديه المبحثُ الثالث: عرضُه للخلاف النحوي، وموقفُه من النحويين

المبحث الأول: طريقته في عرض المسائل

المبحث الأول: طريقتُه في عرض المسائل تعدَّدت طرقُ ابن الملقن في عرض المسائل؛ فمنها ما يكون بشكل متكرر، ومنها ما يأتي عارضًا، وفيما يلي أبرزُ الطرق التي سار عليها ابن الملقن في عرض مسائله، مردوفةً بمثال أو مثالين، وذلك استكمالًا لما بدأناه من إيضاح منهج الشارح للحديث الشريف: يركز ابنُ الملقن في دراسته للحديث -وخصوصًا في الدراسة النحوية أو اللغوية- على الموضع الذي يريدُ دراسته فحسبُ. ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (وجنِّبِ الشيطانَ ما رزقتنا)، قال ابن الملقن: "وقولُه: (فيما رزقتنا) أي: شيئًا رزقتنا ... " (¬1). وكذلك ما ورد في قول موسى - عليه السلام -: أيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قال ابن الملقن: "وقوله (ثم ماذا)، وفي رواية: (ثم مَه؟ ) وهي (ما) الاستفهامية، لَمَّا وقف عليها زاد هاءَ السَّكْت ... " (¬2). ونجد عند ابن الملقن اهتمامًا بإيضاح المفردات الحديثية التي ستكون الدراسةُ حولها، وبيانِ معناها في السياق، وذلك قبل عرضه للمسألة. ومن ذلك: في (مثنى مثنى)، قال ابن الملقن: "أي: اثنين اثنين، يريد ركعتين ركعتين بتسليم في آخر كل ركعتين، و (مثنى) معدول عن اثنين اثنين، فهي لا تنصرف للعدل" (¬3). ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (كخ كخ)، قال ابن الملقن: " (كخ كخ): هو ردعٌ للصغار وزجرٌ" (¬4)، وكذلك في قوله -عليه السلام-: (ما يهجعون)، قال ابن الملقن: أي: ما ينامون" (¬5). أما من حيث عرضُه للأحكام النحوية، فربما يذكر الحكم عن طريق الجزم، وذلك بناءً على ما أجمع عليه النحويون، ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 29/ 333. (¬2) المصدر السابق 10/ 45. (¬3) المصدر السابق 8/ 166. (¬4) المصدر السابق 10/ 577. (¬5) المصدر السابق 9/ 96.

فهجرته ... )، قال ابن الملقن: "لا بد من تقديرٍ؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة ... " (¬1). أما إذا كانت المسألة تحتملُ أكثرَ من وجه نحوي؛ فنجده يذكرُ آراء النحويين، مبينًا الإشكالاتِ التي تعترضُها، هذا، مع عزو الآراء إلى أصحابها أو إلى المذهب الذي تبنَّاها، وربما يورد علةَ تضعيفِ الرأي النحوي. ومن ذلك في قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت جذعًا)، بعدما أورد ابن الملقن رأيَ الفراء في (يا ليتني كنت جذعًا) وأن في الجملة (كان) الناصبة المضمرة، وتقدير ذلك: انتهوا انتهاء خيرا لكم؛ قال: "وضُعِّف هذا الوجهُ بأن (كان) الناصبة لا تُضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها ... " (¬2). وربما يذكر الرأي النحوي ولا يعزوه لأحد إذا كان هذا الرأيُ محمولًا على المشهور، ومن ذلك في (يوشك أن يكون خير ... )، قال: "و (يوشك) أحدُ أفعال المقاربة يطلُب اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوب المحل لا يكون إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـ (أن) ... " (¬3). هذا وقد يورد الأحكامَ النحوية وآراءَ العلماء في مسألةٍ ما دون إضافة أو تعليق، ونجد ذلك جليًّا في دراسته لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مثلَ أو قريبًا من فتنة المسيح الدجال) (¬4)، ومن ذلك في (بَرَّ) قوله: "قال ابن التين: وأصله ألا يتعدى بغير حرف جر، ونُقل عن بعضهم أنه قال: لعله يريد بـ (مبرور) وصفُ المصدر فتعدى إليه بغير حرف فجعله متعديًا" (¬5). ومن ذلك أيضًا في (قيل وقال) قال ابن الملقن: "قال أبو عبيد: كناية عن قيل وقول، وقال ابن السكيت: اسمان لا مصدران، وقيل: فعلان" (¬6). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190. (¬2) المصدر السابق 2/ 292. (¬3) المصدر السابق 2/ 565. (¬4) لولا طول آراء العلماء في الحديث المذكور، لأوردنا ما يثبت أن ابن الملقن لم يضف على ما نقل أي شيء، وما ذكرناه إشارة إلى عدم إضافة رأي على المسألة مع طولها، المصدر السابق 3/ 432 - 433 - 434. (¬5) المصدر السابق 11/ 38. (¬6) المصدر السابق 10/ 514.

ونجد عند ابن الملقن في بعض المسائل ترجيحًا لرأي معين، مع عدم التزامه بذكر سببِ الترجيح. هذا وربما يكونُ ترجيحُه مراعاةً للمعنى، ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (عليك ليلٌ طويلٌ) لما ذكر أن رواية الرفع (ليلٌ) على الابتداء، ورواية النصب (ليلًا) على الإغراء، قال ابن الملقن: "والأولُ أولى من جهة المعنى (ليلٌ طويلٌ فارقد)؛ لأنه الأمكنُ في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد" (¬1). هذا، وقد يكون تأييدُ ابن الملقن لرأي معين أو دحضُه مبنيًّا على اللفظ والمعنى، ومن ذلك في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} (¬2)، قال ابن الملقن: "وخطأُ كونِه بمعنى الانتظار من وجهين: أنه عُدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وإذا كان بمعنى الانتظار لا يتعدى بها، والوجه الثاني: حملُه على معنى الانتظار لا يخلو أن يُراد به منتظرة ربَّها أو ثوابَه، وعلى أيهما حُمل فهو خطأ؛ لأن المنتظرَ لِمَا ينتظرُه في تنغيص وتكدير" (¬3). وفي بعض المواطن نجده يقدم ظاهر المعنى على الحكم النحوي في عرضه للمسائل، ومن ذلك في قوله تعالى: {إِلَّا خَطَ‍ئًا} (¬4)، قال: "ظاهرُه ليس مرادًا؛ فإنه لا يسوغُ له قتله خطأ ولا عمدًا" (¬5). ومن الأمثلة على ترجيح ابن الملقن مع عدم ذكر سبب الترجيح: في كلمة (مِنَى) قال: "الأجوَدُ صرفُها، وكتابتُها بالألف، وتذكيرُها" (¬6). وقد يُرجِّح ابن الملقن رأيًا قبل إيراده للآراء النحوية، ففي قوله - عليه السلام - (يجعلون المحرمَ صفرَ)، قال ابن الملقن: "والصواب: صفرًا؛ لأنه مصروفٌ قطعًا ... " (¬7)، ومن ذلك أيضًا في (نعم وبئس) قال: "فعلان لا ينصرفان؛ لأنهما انتقلا عن موضعهما، فـ (نِعم) منقولٌ من قولك: نَعِم ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 89. (¬2) القيامة: 22. (¬3) المصدر السابق 33/ 324. (¬4) النساء: 92. (¬5) المصدر السابق 31/ 357. (¬6) المصدر السابق 3/ 388. (¬7) المصدر السابق 11/ 252.

فلان إذا أصاب نعمة، و (بئس) فلان منقولٌ من بَئِس إذا أصاب بؤسًا، فنُقلا إلى المدح والذم فشابها الحرف" (¬1). كما أننا نجد من طرق ابن الملقن في عرض المسائل أنه يلخِّصُ الخلافَ النحوي على طريقة سؤال، ثم يفصِّل في ذلك، ذاكرًا الصحيح من هذه الآراء، وما قد يحتملُه النص من أوجه إعرابية، ومن ذلك: في (سمعت) قال ابن الملقن: "اختلف النحاة في (سمعت) هل يتعدى إلى مفعولين؟ ... والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعلُ الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعتُه حالَ قوله كذا" (¬2). ومن طرق ابن الملقن في عرض المسائل النحوية: أنه ربما يكتفي بحكم نحوي واحد، ويتركُ ما سواه، مع صحة كل منهما، ومن ذلك في (حتى أفيض) قال: "صوابُه (أفض)؛ لأنه جواب الأمر" (¬3). ونجده قد يذكرُ الأوجُهَ الإعرابية لمسألة ما ثم يُثبت ما ذكر برواية أخرى، ومن ذلك في (ما أنا بقارئ) قال: " (ما) هنا نافية، واسمها أنا، وخبرها (قارئ)، والباء زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أُحسِنُ القراءة، وقد جاء في رواية (ما أحسن أن أقرأ) " (¬4). ومن الطرق أيضًا: أنه قد يذكر مثالًا على القاعدة النحوية ثم يبيِّن مدى انطباق شروط الحكم النحوي على هذا المثال، ومن ذلك في قوله: (حتى فرجه بفرجه) قال ابن الملقن: " (حتى) هنا عاطفة، وهي عند النحويين لا تعطف إلا بثلاثة شروط: أن تعطف قليلًا على كثير، وأن يكون من جنسه، وأن يُراد به التعظيم أو التحقير، والقليل هنا الفرج، والكثير الأعضاء، وهو من جنسها، والمراد به: التحقير، فيكون (فرجه) منصوبًا بالعطف" (¬5). هذا، ونجد أحيانًا يورد آراءً نحويةً منها ما هو مؤكَّد ومنها ما هو محتمَل، ومن ذلك ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 32/ 446. (¬2) المصدر السابق 2/ 170. (¬3) المصدر السابق 11/ 540. (¬4) المصدر السابق 2/ 260. (¬5) المصدر السابق 30/ 414.

في قوله: (لا وقرة عيني)، قال: " (لا) زائدة ... ويحتمل أن تكون نافية ... " (¬1). هذه أبرزُ الطرق التي اعتمد عليها الشارح في عرضه للمسائل، وذلك حسَبَ ما اطلع عليه الباحث. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 304.

المبحث الثاني: الإيجاز والإطناب لديه

المبحثُ الثاني: الإيجازُ والإطناب لديه سار ابنُ الملقن في شرحه للحديث الشريف وتوضيحه مسارَين، يُوضح خلالهما ما يريد دراسته، فتارةً يُوجز في شرحه، وتارة يطيل ويُطنب، ومحورُ ذلك حاجةُ الموضوع لأيهما، فمثالُ ما أوجز فيه: في قوله - عليه السلام -: (قيل وقال)، قال ابن الملقن: "قال ابنُ السكيت: هما اسمان لا مصدران، وقيل: هما فعلان" (¬1). وربما يوجزُ ابن الملقن في شرحه مكتفيًا بقولٍ واحد من أقوال أهل العلم، مع أن المسألة تحوي أكثرَ من قول، ومثالُ ذلك في قوله - عليه السلام -: (كان شطر الليل يبلغه)، قال ابن الملقن: "قيل: إنَّ (كان) هنا زائدة ... " (¬2). ولم يتطرق لمجيئها تامة أو ناقصة. ومن ذلك أيضًا: في (كخ كخ) قوله: "قال الداودي: هي معربة ... " (¬3). ولم يتطرق لأنها قد تكون مبنية. ومن طرق الإيجاز لديه: أنه ربما يذكر فحوى الحديث ثم يعلل لهذا المعنى، ومنه في قول عمر - رضي الله عنه -: (ما كدتُ أصلي العصر)، قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر - رضي الله عنه - صلى العصر قبل المغرب ... ؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وقوع الفعل في الأكثر" (¬4). ومظهر إيجازه في هذه المسألة أنه اقتصر على ما تثبته القاعدة النحوية. وربما يذكر الحكم النحوي والترجيح دون أي توضيح أو تعليق، ومن ذلك: في قول ملك الحبشة: (فكيف كان قتالُكم إياه)، قال ابن الملقن: "فيه انفصالُ ثاني الضميرين، والاختيارُ أن لا يجيء المنفصلُ إذا تأتَّى مجيء المتصل" (¬5). كذلك من طرق الإيجاز لديه أنه قد يذكر الحكم النحوي مباشرة ثم يمثِّل له قبل عرض بقية الآراء، ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرته ... ) قال ابن الملقن: "لا بد فيه من تقدير شيء ... والتقدير: فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وعَقْدًا، ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 15/ 460. (¬2) المصدر السابق 6/ 293. (¬3) المصدر السابق 10/ 577. (¬4) المصدر السابق 6/ 282. (¬5) المصدر السابق 2/ 393.

فهجرتُه إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا" (¬1). ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (ضربة من حديد)، قال ابن الملقن: "حذَف الموصوفَ وأقامَ الصفةَ مُقامَه" (¬2). وتارة نجد أن ابن الملقن قد أوجز في شرحه واكتفى بالمعنى دون اللفظ، وذلك في مثل (ليلٌ طويلٌ) إذ قال: "والأول أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور، من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد" (¬3). يقصد الرفع. هذا، وقد يورد الرأيَ النحوي دون شرحه، وذلك في (أما بعد) إذ قال: "وفي ضبطها أربعةُ أوجُه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها وتنوينها" (¬4)، ومن ذلك أيضًا في (منى) قال: "الأجود صرفُها وكتابتُها بالألف وتأنيثُها" (¬5). وربما يكون إيجازُه اكتفاء بدلالة السياق، ومن ذلك في قول أبي طلحة: (أفعل يا رسول الله)، وهل هو فعل مضارع أو أمر؟ قال ابن الملقن: "والأول أولى لقوله: فقسمها أبو طلحة" (¬6)؛ أي: أن الفعل للمستقبل وليس للأمر، ومثل ذلك: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬7) قال ابن الملقن: "والقول أنه استثناءٌ أبيَنُ" (¬8)، إشارة بأن الاستثناء يقتضي إخراج الثاني من الأول. وربما يوجز إيجازًا شديدًا في بعض المسائل، ومن ذلك في (صفر)، إذ قال: "والصواب (صفرًا)؛ لأنه مصروف قطعًا" (¬9). كما أنه قد يوجز في المسألة بعدم عرض الأمثلة والشواهد مكتفيًا بالتعليل لِمَا اختاره من ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190. (¬2) المصدر السابق 10/ 40. (¬3) المصدر السابق 9/ 89. (¬4) المصدر السابق 7/ 551. (¬5) المصدر السابق 3/ 388. (¬6) المصدر السابق 15/ 212. (¬7) البقرة: 150. (¬8) المصدر السابق 22/ 58. (¬9) المصدر السابق 11/ 252.

الأوجه، ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (فبكرا تزوجت)، قال ابن الملقن: "تقديره: أبكرًا تزوجت؛ لأن (أم) لا يعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬1). ومثل ذلك في قوله - عليه السلام -: (لا تحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها)، قال: " (لا) هنا ناهية، ودخلت بعد الواو لتفيد النهيَ عن كلٍّ منهما" (¬2). وربما نجد من طرق الإيجاز لدى ابن الملقن الإحالةَ إلى المظانِّ والكتب والعلماء، ومن ذلك في (إنما الأعمال بالنيات)، إذ قال: "ومحلُّ بسط المسألة كتبُ الأصول والعربية، فلا نطوِّل به" (¬3). ومن ذلك في (إنما)، قال: "فيه مذهبان حكاهما ابنُ الحاجب، ومقتضى كلام الإمام وأتباعِه أنه بالمنطوق ... " (¬4). وكذلك من طرقه في الإيجاز أنه قد يذكرُ آراءً محتملة دون التدقيق فيها، ومن ذلك في (لما أخبرتني)، قال: "يحتمل أن تكون اللام بمعنى (إلا)، و (ما) زائدة" (¬5). ومن طرقه في الإيجاز، أنه قد يُلمح إلى رأيين مختلفين، دون عزوهما لمذهب بعينه، ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (عُذِّبت امرأةٌ في هرة حبستها)، قال ابن الملقن: "أي: بسببها، وأصل (في) للظرفية" (¬6). ومن الطرق التي اتبعها ابنُ الملقن في الإيجاز والإطناب، أنه تارة يجمعُ بينهما في مسألة واحدة؛ ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (فإن رأس مائة سنة منها)، قال: "على أن (مِن) تكون لابتداء الغاية في الزمان كـ (مُذ)، وهو مذهب كوفي. وقال البصريون: لا تدخل (مِن) إلا على المكان (ومنذُ) في الزمان نظيرُ (مِن) في المكان، وتأولوا ما جاء على خلافه؛ مثل قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (¬7)، أي: من أيام وجوده؛ كما قدَّره الزمخشري، أو من تأسيسِ أول ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 74. (¬2) المصدر السابق 6/ 264. (¬3) المصدر السابق 2/ 171. (¬4) المصدر السابق 2/ 170. (¬5) المصدر السابق 29/ 141. (¬6) المصدر السابق 2/ 444. (¬7) التوبة: 108.

يوم؛ كما قدَّره أبو علي الفارسي، وضُعف بأن التأسيس ليس بمكان. ومثله قولُ عائشة: ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل. وقوُل أنس: فما زلت أحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذ. وقولُ بعض الصحابة: مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة" (¬1). فنلحظ أن ابن الملقن أطنب ومثَّل ورجَّح لرأي البصريين، وأما مذهب الكوفيين فاكتفى بما ذكره أول المسألة دون تعليق أو شرح أو ترجيح. ومن طرق ابن الملقن في الإطناب خلال شرحه: أنه قد يذكر الأوجُه الواردة في المسألة، ثم يفصِّل كلَّ رأي على حدة، والأقوال الواردة فيه، وذلك في مثل: قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني فيها جذعًا ... ). قال ابن الملقن: "قوله: (جذعًا) هكذا الرواية المشهورة هنا وفي صحيح مسلم؛ بالنصب، ووقع للأصيلي هنا وابن ماهان في صحيح مسلم: (جذعٌ)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه: أحدها: نصبُه على أنه خبر (كان) المقدرة، تقديرُه: ليتني أكون جذعًا، قاله الخطابي والمازري وابن الجوزي في مُشكِله، وهي تجيءُ على مذهب الكوفيين كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيرًا لَّكُم} (¬2) أي: يكن الانتهاءُ خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) في الآية منصوبٌ بفعل مضمر يدُل عليه (انتهوا) تقديرُه: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم. وقال الفراء: انتهوا انتهاءً خيرًا لكم، وضُعف هذا الوجه بأنَّ (كان) الناصبة لا تضمر إلا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها كقولهم: إن خيرًا فخير. ثانيها: أنه منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قولُه: فيها، والتقدير: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسنَّ وعمِيَ عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياضٌ، وقال: إنه الظاهر. وقال النووي: إنه الصحيح الذي اختاره المحققون. ثالثُها: أن تكون (ليت) عمِلت عمَلَ (تمنَّيت) فنصبت اسمين، كما قال الكوفيون؛ وأنشدوا: ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 584. (¬2) النساء: 171.

يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا" (¬1). ومن طرقه في الإطناب: أنه قد يذكر المسألة بِطُولها دون إضافة أي تعليق، ومن ذلك قوله: " (مثلَ أو قريبَ) كذا في كثير من نسخ البخاري. قال القاضي: وكذا رويناه عن الأكثر في الموطأ، ورويناه عن بعضهم (مثلًا أو قريبًا)، ولبعضهم (مثلَ أو قريبًا)، وهو الوجهُ. وقال ابن مالك: يروى في البخاري (أو قريبَ) بغير تنوين، والمشهور (أو قريبًا)، ووجهُه أن يكون أصلُه (مثلَ فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال)، فحُذف ما كان (مثل) مضافًا إليه، وتُرك على هيئته قبل الحذف، وجاز الحذفُ لدلالة ما بعده، والمعتادُ في صحة هذا الحذف أن يكون مع إضافتين؛ كقول الشاعر: أمَامُ وَخَلْفُ المَرْءِ مِنْ لُطْفِ رَبِّهِ ... كوالئُ تَزوي عَنْهُ مَا هُوَ يَحْذَرُ وجاء أيضًا في إضافة واحدة كما هو في الحديث. وأما رواية (قريبَ) بغير تنوين فأراد (مثل فتنة الدجال، أو قريبَ الشبه من فتنة الدجال)، فحُذف المضاف إليه، وبقي (قريب) على هيئته، وهذا الحذف في المتأخر لدلالة المتقدم عليه قليلٌ، مثل قراءة ابن مُحَيصن: {فَلَا خَوفَ عَلَيهِم} (¬2) أي: لا خوفَ شيءٍ، وكقول الشاعر: أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِر أراد: سبحانَ الله، فحذف المضافَ إليه، وترك المضافَ بحاله. يقول الشاعر: العجب منه إذ يفخر" (¬3). ومن طرق الإطناب لديه: مزج أكثر من مسألة نحوية في موضع واحد، ومن ذلك في حديث أم زرع، عند قولها: (جلس إحدى عشرة نسوة)، قال: "كذا في الأصول، ووقع في مسلم بنون، وهنا: امرأة، وفي أخرى: نسوة، وللنسائي: اجتمعن، ولأبي عبيد: اجتمعت، بالتاء. قال ابن التين: وقوله: (جلس إحدى عشرة امرأة)، أي: جمعٌ، مثل: {وَقَالَ نِسوَة فِي ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬2) البقرة: 38. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 432 - 433 - 434.

المَدِينَةِ} (¬1)، قال عياض: والأحسن في الكلام حذفُ علامة التأنيث ونون الجماعة. وباب العدد في العربية: أن ما بين الثلاثة إلى العشرة مضافٌ إلى جنسه، ومن أحد عشر إلى تسعة وتسعين مميزٌ بواحد يدل على جنسه، وما بعد هذا مضافٌ إلى واحد من جنسه، وقد جاء هنا: النسوة، وهو جنس بعد إحدى عشرة، وهو خارج عن وجه الكلام، ولا يصح نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد. ولا يصلح إضافةُ العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمار: (أعنى)، أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشر)، وهو الأظهر، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعنَاهُمُ اثنَتَي عَشرَةَ أَسبَاطًا أُمَما} (¬2)، (الأسباط) بدل من (اثنتي عشرة)، وليس بتفسير فيما قاله الفارسي وغيره. وقولها: (جلس إحدى عشرة)، قال النحويون: يجوز: جلستْ، كما تقول في واحد: جلست امرأة، ولو قلت: قام الرجال جاز، ويجوز: قامت، بتقدير: قامت جماعةُ الرجال، قال تعالى: {قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا} " (¬3). ومن صور الإطناب لديه: أنه قد يذكرُ أكثرَ من خمسة أقوال مع مناقشة صحتها أو خطئها ثم يرجِّح بينها، وذلك مثل: (لا يخرجكم إلا فرارًا منه)؛ إذ قال: "كذا هو بالنصب، ويجوز رفعُه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكمٍ، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار؛ وهذا محال، وهو نقيضُ المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعضُ رواة الموطأ: (الإفرار منه) بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقال: (أفرَّ) رباعيًا، وإنما: يقال: (فَرَّ)، ومصدره فرار ومَفَرٌّ، قال تعالى: {أَينَ المَفَرُّ} (¬4)، قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (¬5)، أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين: (إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوِّض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقربُ أن تكون زائدة، ¬

(¬1) يوسف: 30. (¬2) الأعراف: 160. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 567 - 568. (¬4) القيامة: 11. (¬5) الأعراف: 12.

والصحيحُ إسقاطها كما قد صح في الروايات الأخر، وقال القاضي عياض: خرَّج بعضُ محققي العربية لرواية النصب وجهًا فقال: منصوبٌ على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا منه" (¬1). كذا نجد عند ابن الملقن أنه: قد يورد في المسألة أكثرَ من احتمال، ومن ذلك: في (أذره) إذ قال: "والهاء في (أذره) عائدة على الخبر؛ أي: لطوله وكثرته إن بدأتُه لم أقدِرْ على إتمامه، ويعضُدُه روايةُ: ولا أقدُر قَدْرَه. وفيه تأويل آخرُ ذكره أحمدُ بن عبيد بن ناصح: أن الهاء عائدة على الزوج، وكأنها خشِيَت فراقَه إن ذكرته. وقاله الداودي أيضًا. وعلى هذا تكون (لا) زائدة، كما في قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (¬2)، ويحتمل عدم زيادتها -كما ذكره القرطبي- وأنها خافت أن لا تتركه معها ممسكًا لها في صحبتها، ويحتمل -كما قال عياض- رجوعُ الهاء إلى الزوج تأولًا آخرَ، أي: إن أخبرتُ بشيء من عيوبه ونقائصه أفضى ذلك إلى ذكر شيء أقبحَ منه" (¬3). وآخرُ ما وقف عليه الباحثُ من مواطن الإطناب عند ابن الملقن أنه: قد يُطنب في موطن لا يستحقُّ الإطناب، ومن ذلك: قوله - عليه السلام -: (حتى فرجه بفرجه)، إذ قال: " (حتى) هنا عاطفة، وعند النحويين لا تعطف إلا بثلاثة شروط: أن تعطف قليلًا على كثير، وأن يكون من جنسه، وأن يُراد به التعظيم أو التحقير، والقليل هو الفرج، والكثير هي الأعضاء، وهو من جنسها، والمرادُ به التحقير، فيكون (فرجه) منصوبًا بالعطف" (¬4). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 19/ 650 - 651. (¬2) الأعراف: 12. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 573. (¬4) المصدر السابق 30/ 414.

المبحث الثالث: عرضه للخلاف النحوي، وموقفه من النحويين

المبحثُ الثالث: عرضُه للخلاف النحوي، وموقفُه من النحويين سلك ابن الملقن سُبُلًا عدة عند عرض الخلافات النحوية الواردة في الحديث الشريف، حيث تبيَّن موقفُه من النحويين، وإلى أيٍّ من المذاهب النحوية ينتمي، وذلك في بعض المسائل، ويكون ذلك تلميحًا لا تصريحًا، فمن السبل التي سلكها ابن الملقن في عرض الخلاف النحوي ما يلي: البدء بعرض الآراء التي سلمت من التقدير والإضمار، ثم ذكر الآراء الأخرى، ومن ذلك في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} (¬1)، قال ابن الملقن: "وهي تجيء على مذهب الكوفيين؛ كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ}، أي: يكن الانتهاءُ خيرًا لكم، ومذهب البصريين أن (خيرًا) في الآية منصوبٌ بفعل مضمر يدل عليه (انتهوا)؛ تقديره: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم" (¬2). كذلك من الطرق التي يَعرض بها الخلاف: ذكرُ الآراء النحوية مع ذكر ترجيح العلماء دون أن يرجح هو أيَّ رأي، ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (هذه مكان عمرتك) قال: "عوض عمرتك الفائتة، وبالنصب على الظرف، قال بعضهم: والنصب أوجَهُ، قال القاضي: والرفع أوجَهُ عندي" (¬3)، ومن ذلك أيضًا في (ما رزقتنا)، قال ابن الملقن: "أي: شيئًا رزقتنا؛ لأن المشهور أن (ما) لِمَا لا يعقِلُ، و (مَن) لمن يعقل، وإذا كانت (ما) بمعنى شيء، وقعت على من يعقل وما لا يعقل، وقيل: تكون لمن يعقل، والمعروف الأول" (¬4). وربما يكتفي ابن الملقن برأي نحوي دون الآخر، ومن ذلك في (حتى أفيض)، قال: "وصوابُه (أفض)؛ لأنه جواب الأمر" (¬5)، وهذا الذي ذكره هو مذهب البصريين، ويرى أن ما عليه الكوفيين خطأ. ومن طرقه في عرض الخلاف: أن يذكر الأقوال، ثم يبني الأحكام عليها، ومن ذلك في ¬

(¬1) النساء: 171. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬3) المصدر السابق 11/ 200. (¬4) المصدر السابق 29/ 333. (¬5) المصدر السابق 11/ 533.

قوله تعالى: {مَا يَهْجَعُونَ} (¬1)، قال ابن الملقن: "قال إبراهيم: قليلًا ما ينامون ... وقال أنس: يصلون طويلًا ما ينامون ... فعلى قول إبراهيم يجوز أن تكون (ما) زائدة، وعلى قول أنس (ما) نافية" (¬2). وقد يَجزمُ بالحكم دون ذكر أقوال أخرى، ومن ذلك في: (يا معاذ بن جبل)، قال: "أما (ابن) فمنصوب قطعًا" (¬3). ومن طرقه في عرض الخلاف النحوي: أنه ربما يذكر رأي عالم ثم يذكر ما يعترضه من الآراء، دون ذكر أيهما أصح، ومن ذلك: في (معاذ) قال: "ويجوز في (معاذ) النصب والرفع، واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابعٌ لـ (ابن)، فيصيران كاسمٍ واحد مركبٍ؛ كأنه أضيف إلى جبل، والمنادى المضاف منصوبٌ قطعًا، واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيار الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار" (¬4). وقد يعرض للخلاف ثم يبين الصحيح، ومثل ذلك في (سمعت) قال ابن الملقن: "اختلف النحاة في (سمعت) هل يتعدى إلى مفعولين؟ على قولين: أحدهما: نعم، وهو مذهبُ أبي علي الفارسي في إيضاحه؛ قال: لكن لا بد أن يكون الثاني مما يُسْمَعُ، كقولك: (سمعت زيدًا يقول كذا)، ولو قلت: (سمعت زيدًا أخاك) لم يجُزْ، والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، والفعلُ الواقع بعد المفعول في موضع الحال، أي: سمعته حالَ قوله كذا" (¬5). ومن ذلك في (ما أنا بقارئ)، قال: " (ما) نافية ... وغُلط من جعلها استفهامية؛ وذلك لأن (ما) الاستفهامية لا يدخل خبرَها الباءُ، وهي لا تدخل على ما الاستفهامية" (¬6). كذلك من الطرق: ذكر المشهور من أقوال العلماء، ثم ذكر الأقوال الأخرى، دون أي إيضاح، ومن ذلك في (ما كدت أصلي)، قال ابن الملقن: "والمشهور في (كاد): إذا كانت في سياق النفي أوجَبَتْ، وإن كانت في سياق الإيجاب نَفَتْ، وقيل: النفيُ نفيٌ والإيجابُ ¬

(¬1) الذاريات: 17. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 96. (¬3) المصدر السابق 3/ 658. (¬4) المصدر السابق 3/ 658. (¬5) المصدر السابق 2/ 170. (¬6) المصدر السابق 2/ 260.

إيجابٌ" (¬1). هذا، وقد يكون الخلافُ النحوي قائمًا على اختلاف المعنى، ومن ذلك في قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (¬2)، قال ابن الملقن: "فمَن قال: هو معطوف بـ (أو) على قوله: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا}؛ فالمعنى عنده: ليقتل طائفة، أو يخزيهم بالهزيمة، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم، وقيل: (أو) هنا بمعنى (حتى) " (¬3). وقد يعرض ابنُ الملقن الخلافَ مع عزوه لصاحبه، وذلك في (وإنا لوجدناه بحرًا) قال: "و (إن) في قول الكوفيين بمعنى (ما)، واللام بمعنى (إلا)، وهي عند البصريين مخففة من الثقيلة" (¬4). ومن ذلك في (لما أخبرتني) قال: "يحتمل أن تكون اللام بمعنى (إلا) و (ما) زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون (لَمَّا) مشددة بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري" (¬5). ومن طرق ابن الملقن في عرضه للخلاف النحوي: أنه ربما يذكر الرأي النحوي، ثم يورد احتمالاتٍ تعترضُ الرأي الصحيح، ومن ذلك في (لا أذره)، قال: "وعلى هذا تكون (لا) زائدة ... ويحتمل عدم زيادتها" (¬6). وربما نجده يذكر الرأي النحوي على طريقة الإنكار، ثم يبين مدى صحته، ثم يرجح بعد ذلك، ومثله في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬7)، قال: "زعم أبو عبيدة أن (إلا) هنا بمعنى الواو، وهو خطأ عند حُذَّاق النحويين، والقولُ أنه استثناءٌ أبيَنُ" (¬8). وقد يذكر الحكم النحوي ثم يبين الخلاف فيه، وذلك في مثل (لا تُشِفوا بعضَها على ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 282. (¬2) آل عمران: 128. (¬3) المصدر السابق 21/ 175. (¬4) المصدر السابق 17/ 529. (¬5) المصدر السابق 29/ 141. (¬6) المصدر السابق 24/ 573. (¬7) البقرة: 150. (¬8) المصدر السابق 22/ 58.

بعض)، قال: "ولا يصح حملُه على النقص مع (على)؛ إلا على مذهبِ مَن يجيزُ بدل الحروف بعضها من بعض، فيجعل (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعد" (¬1). ومن أغربِ الطرق التي عرض ابنُ الملقن بها الخلافَ النحوي: أنه قد يعترضُ على مذهب نحوي، ولهذا المذهب ما يُثبت صحتَه، ومن ذلك في (إلا خطأ)، قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يعرف (إلا) بمعنى حرف الواو" (¬2). أما موقفُ ابن الملقن من النحويين، فيختلفُ من مسألة لأخرى، ففي مسألةٍ قد نجد ابنَ الملقن يسيرُ وَفْقَ ما سار عليه النحويون، ويعضدُ رأيَهم بالدليل، ومن ذلك: قول ابن الملقن: "باب العدد في العربية ... أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشر)، وهو الأظهر، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (¬3)، بدلًا من اثنتي عشرة" (¬4). ومعنى قوله: (في العربية)، أي: عند أهل العربية. فابن الملقن اعتدَّ بما عند النحاة، وأيَّدهم بقوله: وهو الأظهر. ومن مواقف ابن الملقن من النحويين: أنه قد يرُدُّ رأيَ عالم نحوي استنادًا إلى المشهور من كلام العلماء، ومن ذلك قوله: "ولا يصح نصبُه على التفسير، إذ لا تفسير في العدد إلا لواحد، ولا يصحُّ إضافةُ العدد الذي قبله إليه ... وليس بتفسير فيما قاله الفارسي، وغيره" (¬5). ومن مواقف ابن الملقن: أنه قد يعرض لخلاف النحويين دون التعليق عليه، ومن ذلك في (لما أخبرتني)، إذ قال ابن الملقن: "يحتمل أن تكون (اللام) بمعنى (إلا)، و (ما) زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون (لَمَّا) مشددة بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري" (¬6). هذا، وقد يصرِّحُ بالخطأ مع ذكر قائله من النحويين، وربما لا يعللُ لهذه التخطئة، ومن ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 333. (¬2) المصدر السابق 31/ 357. (¬3) الأعراف: 160. (¬4) المصدر السابق 24/ 568. (¬5) المصدر السابق 24/ 568. (¬6) المصدر السابق 29/ 141.

ذلك في {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُم} (¬1) قال: "وزعم أبو عبيدة أن (إلا) هنا بمعنى الواو، وهو خطأ عند حُذَّاق النحويين، والقول أنه استثناء أبيَنُ " (¬2). ولا يعني هذا أن ابن الملقن يرفضُ الرأيَ ما لم يكن صحيحًا مشهورًا، بل قد يجيز الرأي المفضول أو غير المشهور؛ ومن ذلك في: (لا تشفوا بعضها على بعض) إذ قال: "ولا يصح حملُه على النقص مع (على)؛ إلا على مذهبِ مَن يجيزُ بدل الحروف بعضِها من بعض؛ فيجعل (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعدٌ" (¬3). وقد نجد اعتدادَ ابن الملقن بآراء النحويين؛ ومن ذلك في (أكثرَ أهل النار)، قال: "بالنصب على الحال، إذا قلنا: إن أفعل لا يتعرفُ بالإضافة، كما صار إليه الفارسي وغيره" (¬4). أما عن مذهب ابن الملقن النحوي، فلم يصرح الشارحُ -حسَبَما وقفتُ عليه- بالمذهب الذي ينتمي إليه، ولكننا نجدُ إثباتَه لآراء البصريين بكثرة، وأما ذكرُه لرأي الكوفيين ففي مواطنَ قليلةٍ. فمما أخَذَ فيه برأي البصريين: في (أفيض)، إذ قال: "وصوابه (أفض)؛ لأنه جواب الأمر" (¬5)، وهذا ما يراه البصريون، والوجه الذي يراه الكوفيون يعُده خطأً بقوله: وصوابُه. ومن ذلك أيضا في (إلا خطأ) إذ قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يعرف (إلا) بمعنى حرف العطف" (¬6)، وهو بذلك يثبتُ مذهبَ البصريين، ويعترض على مذهب الكوفيين. وتارة نجدُ ابنَ الملقن يأخذ برأيِ مذهبٍ دون عزوه، ومن ذلك في (مثنى مثنى)، إذ قال: "و (مثنى) معدولٌ عن اثنين اثنين، فهي لا تنصرفُ للعدل المكرَّر" (¬7). وهذا رأيُ سيبويه عن الخليل. ¬

(¬1) البقرة: 150. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 22/ 58. (¬3) المصدر السابق 14/ 333. (¬4) المصدر السابق 5/ 53. (¬5) المصدر السابق 11/ 533. (¬6) المصدر السابق 31/ 357. (¬7) المصدر السابق 8/ 166.

ومما أخذ فيه بقول البصريين: في (لا تُشِفوا بعضَه على بعض)، إذ قال: "ولا يصح حملُه على النقص مع (على)؛ إلا على مذهبِ مَن يجيزُ بدل الحروف بعضِها على بعض، فيجعل (على) موضع (عن)، وفيه بُعد" (¬1)، وبما سبق فقد تبع مذهب البصريين. ومما أخذ فيه ابنُ الملقن عن الكوفيين: (في هرة)، إذ قال: " (في) هنا سببية، وأصلُ (في) للظرفية" (¬2)، فالكوفيون يرون أن (في) تخرج عن أصلها، أما البصريون فيرون ظرفيتها. بهذا، قد بيَّنَّا طريقة ابن الملقن في عرضه للخلاف النحوي، وكيف كان موقفُه من النحويين، مع محاولة اكتشاف مذهبه النحوي، وكل هذا بحسَبِ ما وقفَ عليه الباحثُ ورآه. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 14/ 333. (¬2) المصدر السابق 2/ 444.

الفصل الثالث أصول الاستدلال في دراسته للمسائل النحوية

الفصلُ الثالث أصولُ الاستدلال في دراسته للمسائل النحوية وفيه مباحثُ: المبحثُ الأول: السَّماع المبحثُ الثاني: القياس المبحثُ الثالث: الإجماع المبحثُ الرابع: أصولٌ أخرى المبحثُ الخامس: استعانتُه بالتعليل

المبحث الأول: السماع

المبحثُ الأول: السَّماع اعتمد ابنُ الملقن على هذا الأصل من أصول الاستدلال اعتمادًا كبيرًا، وقد تنوَّعت طرقُه في الاستدلال بالسماع، وتعددت أغراضُه الداعية لهذا الاستدلال. فمن الطرق التي استخدم بها أصل السماع -من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وشواهد شعرية، وأقوال العلماء- أنه ربما يستدلُّ بالحديث والحديثين في مسألة واحدة، وتارةً يستدل بمعنَى الحديثِ دون نصِّه، وتارة يوردُ الحديثَ كما ورد في كتب الصحاح. فمثالُ ما استدل فيه بمعنى الحديث: في مجيء (في) للسببية، في حديث (في النفس المؤمنة)؛ إذ قال: "وكقوله في التي حبست هرةً فدخلت النارَ فيها، أي: لسببها" (¬1)، ففي هذا الحديث الأخير استدل به بالمعنى ولم يوردْه نصًّا. ومثالُ ما استدل بنصِّه كما ورد في كتب الصحاح: في قوله - عليه السلام -: (ما مِن أحد أغيرَ من الله)، قال: "وفي مسلم: (إنْ من أحد أغير من الله) بكسر همزة (إن) وإسكان النون، وهو بمعنى: ما من أحد أغير من الله" (¬2). هذا، وقد يستدلُّ بروايات الحديث غيرَ مكتفٍ برواية البخاري، كما في (ما أنا بقارئ)، إذ قال: " (ما) نافية، واسمها (أنا)، وخبرها (بقارئ)، و (الباء) زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أحسنُ القراءة، وقد جاء في رواية: ما أحسنُ أن أقرأ" (¬3). كذلك قد يستدلُّ بأقوال الصحابة، وقد تكونُ مقتطعةً من الحديث الشريف، ومن ذلك في آية {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (¬4)؛ إذ قال: "ومثله قولُ عائشة: ولم يجلس عندي مِن يومِ قيلَ ما قيل. وقولُ أنس: فما زلتُ أحبُّ الدُّبَّاءَ من يومئذ. وقولُ بعض الصحابة: مُطرنا من الجمعة إلى الجمعة" (¬5). وقد يستدلُّ كذلك ببعض لغات العرب، عند مخالفتها للقواعد النحوية المشهورة، وذلك ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 444. (¬2) المصدر السابق 8/ 316. (¬3) المصدر السابق 2/ 260. (¬4) التوبة: 108. (¬5) المصدر السابق 3/ 584.

في مثل (لن يصبنا - لن تعد)؛ إذ قال ابن الملقن: "هي لغةُ بعض العرب؛ يجزمون بـ (لن) مثل (لم) " (¬1). ومثالُ ما استشهد به ابنُ الملقن من كلام العرب، في (حَذْفِ ما دلَّ عليه دليلٌ)؛ إذ قال: "والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها؛ لدلالة الكلام عليه، كقولهم في: (أظلمت الشمسُ)؛ كادت تُظلم" (¬2). أما الأغراض التي دَعَتِ ابنَ الملقن للاستدلال بالسماع، فمتعددةٌ؛ منها: أنه قد يستدل عَضْدًا لرأي نحوي، ومن ذلك في (قيل وقال)، إذ قال ابن الملقن: "قال أبو عبيد: كنايةٌ عن قيل وقول، ويقال: قلتُ قولًا، وقيل قالًا، وقرأ ابن مسعود: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَالَ الْحَقِّ} (¬3)، يعني: قولَ الحق" (¬4). ومثالُ ما استدل به ابنُ الملقن عضدًا لرأيٍ نحوي، في قول عمر: (ما كدتُ أصلي العصر)، إذ قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وجوبَ الفعل في الأكثر، كما في قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬5) " (¬6). وربما يعضُدُ الرأيَ النحوي بأكثرَ من شاهد، في مثل (إضافة الشيء إلى نفسه)، إذ قال ابن الملقن: "قال الشاعر: أَمَامُ وَخَلْفُ المرْءِ مِنْ لُطْفِ رَبِّهِ ... كوالئُ تَزْوي عَنْهُ مَا هُوَ يَحْذَرُ وجاء أيضًا في إضافة واحدة؛ كما هو في الحديث" (¬7). وقد يجمع بين الاستدلال بقراءة وبيتٍ شعري، في مثل (حذف المضاف إليه وإبقاء ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 91. (¬2) المصدر السابق 6/ 293. (¬3) مريم: 34. (¬4) المصدر السابق 15/ 460. (¬5) البقرة: 71. (¬6) المصدر السابق 6/ 282. (¬7) المصدر السابق 3/ 433.

المضاف على حاله)؛ إذ قال: "مثل قراءة ابن محيصن: {فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ} (¬1)، وقول الشاعر: أَقُولُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ" (¬2) ومن طرائقه أنه ربما يستدلُّ بالقرآن الكريم لعضدِ معنى الحديث، ومن ذلك في (أن كان ابن عمتك)؛ إذ قال: "من أجل أنه ابن عمتك، كقوله تعالى: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} (¬3) " (¬4). هذا، وقد يكون استدلالُه بأصل السماع إثباتًا للقاعدة النحوية، ومن ذلك في (اتخذ)؛ إذ قال: "وقد تتعدى (اتخذ) لأحد المفعولين بحرف الجر، وقد تتعدى إلى مفعول واحد، وكل ذلك في القرآن" (¬5)، ومن ذلك ما علق به بعد قول ابن الشجري: إن (اللام) قد تأتي بمعنى (في)، قال ابن الملقن: "كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬6) " (¬7). هذا أبرزُ ما وقف عليه الباحثُ -حسَبَ اطلاعه- من طرق ابن الملقن في الاستدلال بالسماع، والأغراض التي دعته لاستخدام هذا الأصل. ¬

(¬1) البقرة: 38. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 3/ 433. (¬3) القلم: 14. (¬4) المصدر السابق 15/ 337. (¬5) المصدر السابق 5/ 617. (¬6) الأنبياء: 47. (¬7) المصدر السابق 18/ 305.

المبحث الثاني: القياس

المبحثُ الثاني: القياسُ اعتدَّ ابنُ الملقن بأصل القياس في شرحه للجامع الصحيح، غير أنه استعمله بقلة -حسَبَما وقف عليه الباحث من خلال المسائل التي درسها- ومع ذلك، فقد تنوَّع استعمالُ ابن الملقن لهذا الأصل؛ فتارة يقيسُ على ما هو مشهور عند النحويين، وتارة يقيسُ بحمل النظير على النظير، وفي أخرى يقيسُ بحمل النظير على ضده، وفي بعض المسائل يقيس بحمل الفرع على الأصل. فمثال ما قاس فيه على المشهور عند النحويين: في (ما) هل هي للعاقل؟ أو لغير العاقل؟ إذ قال ابن الملقن: " (ما رزقتنا) أي: شيئًا رزقتنا؛ لأن المشهور أن (ما) لِمَا لا يعقل، (ومَن) لمن يعقل، وإذا كانت (ما) بمعنى شيء، وقعت على مَن يعقل وما لا يعقل" (¬1). حيث حمل غيرَ العاقل على العاقل؛ لاتصافه بما يتصفُ به العاقلُ. ومن ذلك أيضًا في (معاذ بن جبل)، إذ قال: "واختار ابنُ الحاجب النصب ... واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيارُ الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار" (¬2)؛ حيث قدَّم ما لا يحتاجُ إلى إضمار، كما هو القياس عند النحويين. وكذلك في (حتى شطر الليل أو يبلغه)، إذ قال: "التقدير ... كاد يبلغه، والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها لدلالة الكلام عليه، كقولهم في: (أظلمت الشمس)؛ كادت تظلم" (¬3). وفي قوله - عليه السلام -: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله ... ) قال: "لا بد من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن ... " (¬4). حملًا على ما هو مشهور عند أهل اللغة. ومن قياس النظير على النظير، في قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت جذعًا)، إذ قال ابن الملقن: "أن تكون (ليت) عمِلت عملَ (تمنَّيتُ) فنصبت اسمين" (¬5). فحمل عملَ (ليت) التي ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 29/ 333. (¬2) المصدر السابق 3/ 658. (¬3) المصدر السابق 6/ 293. (¬4) المصدر السابق 2/ 190. (¬5) المصدر السابق 2/ 292.

للتمني على (تمنيت)؛ لاتحادهما في المعنى. ومن ذلك في حديث أم زرع (جلس إحدى عشرة نسوة)، إذ قال: " (نسوة)، وهو جنس بعد إحدى عشرة، وهو خارجٌ عن وجه الكلام، ولا يصحُّ نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد. ولا يصلحُ إضافة العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمار (أعنى)، أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشرة)، وهو الأظهرُ، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} (¬1)؛ الأسباط بدل من {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} " (¬2). حيث قاس (أسباطًا) على (نسوة)؛ لأن كليهما جنسٌ، ولا يجوز أن تكون تمييزًا. ومثله أيضًا في (نوح)؛ إذ قال: " (نوح) أعجمي، والمشهور صرفه، ويجوز تركه" (¬3). حملا على أن كل اسم أعجمي ثلاثي الوسط فهو مصروف. ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (الحب في الله ... )، إذ قال ابن الملقن: " (في) سببية ... كقوله - عليه السلام -: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل)، وكقوله في التي حبَست الهرةَ: (فدخلت النار فيها)، أي: بسببها، وأصل (في) للظرفية" (¬4). حيث قاس (في) في الحديث الأول، على (في) في الحديثين التاليين، مع كون الخلافِ قائمًا حول مجيء (في) للسببية. ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (ما من أحد أغير من الله) قال: "وفي مسلم: (إنْ من أحد أغير من الله) بكسر همزة (إنْ) وإسكان النون، وهو بمعنى: (ما من أحد أغير من الله)، وعلى هذا (أغيرَ) بالنصب خبرُ (إن) النافية، فإنها تعملُ عملَ (ما) عند الحجازيين" (¬5). حيث حمَلَ عمل (إن) النافية على عمل (ما) النافية عند الحجازيين، إذ هما بمعنى واحد. ومن ذلك في قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِبَنَا} (¬6)، قال: "هي لغةٌ لبعض العرب؛ يجزمون ¬

(¬1) الأعراف: 160. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 24/ 568. (¬3) المصدر السابق 2/ 118. (¬4) المصدر السابق 2/ 444. (¬5) المصدر السابق 8/ 316. (¬6) التوبة: 51.

بـ (لن) مثل (لم) " (¬1)، حيث حمل (ما) في الآية على لغة بعض العرب في المخالف للقواعد النحوية المشهورة. ومن حمل النظير على نظيره: في قوله - عليه السلام -: (مثل أو قريب) في حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على هيئته، قال ابن الملقن: "وجاء أيضًا في إضافة واحدةٍ كما هو في الحديث" (¬2). إذ لا نظير لما عند النحويين سوى ما في هذا الحديث حسب قوله. وكذلك: في جعله الفعلَ المبني للمجهول يرفعُ فاعلًا، وينصب مفعولًا، وذلك في مثل: (لن يُشَادَّ الدينَ أحدٌ)؛ إذ قال: "والدينَ على هذا منصوب ... وهو ضبطُ أكثر أهل الشام على إضمار الفاعل في (يشاد) للعلم به" (¬3). والذي عند النحويين أن الفعل المبني للمجهول يرفع نائب فاعل. ومن قياس الفرع على الأصل: في مثل (فبكرًا تزوجت)؛ قال: "تقديرُه: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬4). حيث جعل (الفاء) بمنزلة (همزة الاستفهام)؛ إذ الأصل في الاستفهام الهمزة. هذا مجملُ ما استعمله ابنُ الملقن في أصل القياس في المسائل التي درسها الباحثُ. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 10/ 91. (¬2) المصدر السابق 3/ 433. (¬3) المصدر السابق 3/ 84. (¬4) المصدر السابق 25/ 157.

المبحث الثالث: الإجماع

المبحث الثالث: الإجماع اعتمد ابنُ الملقن في شرحه للجامع الصحيح الموسوم بـ (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)، على أصل الإجماع اعتمادًا ملحوظًا، حيث أقرَّ في كثير من الآراء ما أجمعَ عليه النحويون، ومثالُ ما أقرَّه ابن الملقن بناء على ذلك: في قوله - عليه السلام -: (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرتُه ... )، إذ قال: "لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن ... " (¬1)، فذكرُه لهذا الحكم مبنيٌّ على ما أقره النحويون. ومنه في قوله - عليه السلام -: (لها ريح مُنتن)، قال: "صوابُه: (منتنة)؛ لأن الريح مؤنثة، إلا أنه يجوزُ في المؤنث الذي لا فرجَ له أن يُعبَّر عنه بالمذكر" (¬2)، وهو يشيرُ لما أجمع عليه النحويون. وأيضًا مما أقره ابنُ الملقن لِما أجمع عليه النحويون: في قوله - عليه السلام -: (ويجعلون محرم صفرَ)، إذ قال: "والصواب صفرًا؛ لأنه مصروف قطعًا" (¬3). وكذلك في قوله - عليه السلام -: (فبكرًا تزوجتَ أم ثيبًا)، قال: تقديره: أبكرًا تزوجت؛ لأن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬4). أي: عند النحويين. ومن ذلك أيضًا في (مبرور)، إذ قال: "وأصلُه أن لا يتعدى بغير حرف جر" (¬5). وكذلك في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (ما كدتُ أصلي العصر)، قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وقوعَ الفعل في الأكثر، كما في قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} (¬6). والمشهور في (كاد) أنها إذا كانت في سياق النفي أوجبَتْ، فإن كانت في سياق الإيجاب نفَتْ" (¬7). هذا، وربما لا يكتفي ابنُ الملقن بما أقره النحويون فحسب، بل يزيدُ ما أقرَّه أهلُ الأصول ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190. (¬2) المصدر السابق 21/ 223. (¬3) المصدر السابق 11/ 252. (¬4) المصدر السابق 25/ 157. (¬5) المصدر السابق 11/ 38. (¬6) البقرة: 71. (¬7) المصدر السابق 6/ 282.

أيضًا، ومن ذلك: في قوله - عليه السلام -: (إنما الأعمال بالنيات ... )، قال: " (إنما) موضوعةٌ للحصر؛ تُثبت المذكورَ وتنفي ما عداه، هذا مذهبُ الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما" (¬1). وبالنظر فيما سبق يتضحُ اهتمامُ ابن الملقن بهذا الأصل، مما عرضه في هذا المبحث من ذكرٍ للحديث الشريف وتعليقه عليه. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 170.

المبحث الرابع: أصول أخرى

المبحثُ الرابع: أصولٌ أخرى تنوَّعت أصول الاستدلال عند ابن الملقن في شرحه للجامع الصحيح؛ فمن الأصول التي اعتمد عليها ما سبق إيضاحُه من السماع والقياس والإجماع، ومنها ما نجده عنده أيضًا من الاستدلال بأصول أخرى، منها: استصحابُ الحال، والسَّبْر والتقسيم، وقد ظهر استدلالُه بهذين الأصلين من خلال دراسة الباحث للمسائل النحوية. ويمكنُ أن نُبرِزَ هذين الأصلين بعرض الأمثلة عليهما؛ فأما استدلالُه بأصل استصحاب الحال، فإننا نجدُ ابنَ الملقن يستخدمُ هذا النوعَ من الأدلة في عدة مواقف وربما يقدمُه على غيره من الأدلة. ومثال ذلك في قول ورقة بن نوفل: (يا ليتني كنت جذعًا)، إذ قال ابن الملقن: "منصوبٌ على الحال، وخبر (ليت) قوله: فيها، والتقدير: ليتني كائنٌ فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوة لنصرتك، إذ قد كان أسنَّ وعمِيَ عند هذا القول" (¬1). فكان الرابطُ في اختيار النصب: هو حال ورقةَ من الكِبَر والعمى. ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (ليلٌ طويلٌ فارقد)؛ إذ قال ابن الملقن: "والأول أولى (ليلٌ طويلٌ) من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور؛ من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد، وإذا نُصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمة طول الرقاد" (¬2). وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬3)، قال ابن الملقن: "حمله على معنى الانتظار لا يخلو أن يُراد به: منتظرةً ربَّها أو ثوابَه، وعلى أيهما حُمل فهو خطأ؛ لأن المنتظِر لِمَا ينتظرُه في تنغيص وتكدير، والله قد وصف أهلَ الجنة بغير ذلك" (¬4). أما أصلُ السبر والتقسيم، فقد استخدمه ابن الملقن قليلًا، ومن ذلك في: (حتى أدخل على مالك)، إذ قال ابن الملقن: "مَن قرأه بضم لام (أدخلُ) كانت (حتى) عاطفة، فمعنى ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬2) المصدر السابق 9/ 89. (¬3) القيامة: 23. (¬4) المصدر السابق 33/ 423.

الكلام: انطلقت فدخلت المدينة، ومَن فتحَها كانت (حتى) بمعنى (كي) " (¬1). ومن ذلك في قوله - عليه السلام -: (يضرب بعضكم)، قال ابن الملقن: "مَن جزم (الباء) من (يضرب) أوَّله على الكفر الحقيقي الذي فيه ضربُ الأعناق، ومَن رفَعها، فكأنه أراد الحالَ والاستئناف، ولا يكون متعلقًا بالذي قبله" (¬2). ومن السبر والتقسيم أيضًا لديه: في مثل ما ورد في (نِعم)؛ إذ قال: "وفيها أربع لغات: بفتح أوله وكسر ثانيه، وكسرهما، وسكون العين وكسر النون، وفتح النون وسكون العين" (¬3). هذا أبرَزُ ما وقف عليه الباحثُ في دراسته للمسائل النحوية لأصول الاستدلال. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 383. (¬2) المصدر السابق 32/ 317. (¬3) المصدر السابق 32/ 446.

المبحث الخامس: استعانته بالتعليل

المبحثُ الخامس: استعانتُه بالتعليل استعان ابنُ الملقن في شرحه للجامع الصحيح بأصل التعليل، مستخدمًا ذلك لأغراض متعددة؛ من أهمها: استعانتُه بالتعليل لعَضْد رأي أو دَحْضه، أو إيضاح معنى. فمثال ما استعان فيه ابنُ الملقن بالتعليل: في قوله - عليه السلام -: (فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله ... )، إذ قال ابن الملقن: "لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لا بد من تغايُرِهما" (¬1). ومن ذلك في قول أبي طلحة: (أفعلُ يا رسول الله)، قال ابن الملقن: "هو فعلٌ مستقبل مرفوع. وقال الداودي: يحتمل أن: افعل أنت ذاك، قد أمضيتُه على ما قلتَ؛ فجعَله أمرًا، والأولُ أولى؛ لقوله: فقسَمَها أبو طلحة" (¬2). حيث جعل الفعل للمستقبل لدلالة الفعل (فقسمها). ومثله في (ريح منتن)، إذ قال: "وصوابه: (منتنة)؛ لأن الريح مؤنثة" (¬3). ومن ذلك أيضًا (ليلٌ طويلٌ)، إذ قال: "والرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور؛ من حيث إنه يخبره عن طول الليل ثم يأمره بالرقاد" (¬4). ومن ذلك في (معاذ بن جبل)، إذ قال ابن الملقن: "ويجوز في (معاذ) النصب والرفع، واختار ابنُ الحاجب النصبَ على أنه تابعٌ لـ (ابن)، فيصيران كاسم واحد مركبٍ؛ كأنه أضيف إلى (جبل)، والمنادى المضافُ منصوبٌ قطعًا، واعترضه ابنُ مالك فقال: الاختيارُ الضم؛ لأنه منادًى علمٌ، ولا حاجة إلى إضمار" (¬5). ومما استعان فيه بالتعليل لعضد رأي: في قول علي - رضي الله عنه -: (بعثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبيرَ والمقدادَ)، إذ قال: "أكد الضميرَ المنصوب بـ (أنا)، كقوله تعالى: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 190. (¬2) المصدر السابق 15/ 212. (¬3) المصدر السابق 21/ 223. (¬4) المصدر السابق 9/ 89. (¬5) المصدر السابق 3/ 658.

وَوَلَدًا (39)} (¬1)، وقيل: لا يؤكد بها ضمير المنصوب؛ لأنها في موضع رفع؛ ولا يؤكد المنصوب بالمرفوع" (¬2). ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (نِعمت المرضعةُ، وبِئست الفاطمةُ)، قال ابن الملقن: " (نعم) و (بئس) فعلان لا يتصرفان؛ لأنهما انتقلا عن موضعهما، فنُقلا إلى المدح والذم، فشابها الحرفَ" (¬3). ومن ذلك في: (فبكرا تزوجت)؛ قال ابن الملقن: "تقديره: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطَف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬4). أما التعليلُ الذي استعان به ابن الملقن لدحض رأي، ففي مثل (حتى أفيض)؛ إذ قال: "صوابه أُفِض؛ لأنه جوابُ الأمر" (¬5). ومن ذلك أيضًا في قوله: (ما أنا بقارئ)؛ إذ قال ابن الملقن: "وغُلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها، وهي لا تدخل في خبر (ما) الاستفهامية" (¬6). ومثلُه في (إلا خطأ)؛ إذ قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى الواو؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف، ولأن الخطأ لا يُحذر، لأنه ليس بشيء يُقصد" (¬7). وكذلك في قوله تعالى: {امِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، تعليقًا على قول الفارسي: أي من تأسيس أول اليوم، قال ابن الملقن: "وضُعِّف هذا الرأي؛ لأن التأسيس ليس بمكان" (¬8). وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬9)، قال ابن الملقن: "وخطأُ كونه في الآية بالمعنى الأول -وهو الانتظار- من وجهين: أحدهما: أنه عدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وهو إذا كان بمعنى ¬

(¬1) الكهف: 39. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 419. (¬3) المصدر السابق 32/ 446. (¬4) المصدر السابق 25/ 157. (¬5) المصدر السابق 11/ 540. (¬6) المصدر السابق 2/ 260. (¬7) المصدر السابق 31/ 357. (¬8) المصدر السابق 3/ 584. (¬9) القيامة: 23.

الانتظار لا يتعدى بها، وإنما يَتعدى بنفسه ... " (¬1). وكذلك في قوله - عليه السلام -: (ويجعلون المحرم صفرَ)، قال ابن الملقن: "والصواب صفرًا؛ لأنه مصروف قطعًا" (¬2). ومن ذلك في (الإفرار) قال ابن الملقن: "وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يُقال: أفرَّ رباعيًّا" (¬3). أما التعليل الذي من أجل إيضاح المعنى، فمثاله في قوله - عليه السلام -: (لا تحرَّوا بصلاتكم طلوعَ الشمس ولا غروبَها)، قال ابن الملقن: "و (لا) الناهية دخلت بعد الواو؛ لتُفيد النهيَ عن كلٍّ منهما" (¬4). ومن ذلك أيضًا في (أنْ كان ابنَ عمتك)؛ قال ابن الملقن: "من أجل أنه ابن عمتك ... لأن أمَّ الزبير صفيةَ بنتَ عبد المطلب عمةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬5). ومن ذلك في قول عمر: (ما كدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمسُ تغرب)، قال ابن الملقن: "مقتضى الحديث أن عمر صلى العصر قبل المغرب؛ لأن النفي إذا دخل على (كاد) اقتضى وجوبَ الفعل في الأكثر" (¬6). ومن ذلك ما علَّق به ابنُ الملقن على ما استشكله القرطبي في (إلا فرار) من وجهي النصب والرفع، إذ قال ابن الملقن: "لأنه يفيد بحكم ظاهره أنه لا يجوزُ أن تخرج من الوباء إلا من أجل الفرار، وهذا محالٌ، وهو نقيض المقصود من الحديث" (¬7). ومن ذلك أيضًا، في (ثوبي حجر) قال: "وإنما نادى موسى - عليه السلام - الحجرَ نداءَ مَن يعقل؛ لأنه صدَر عن الحجر فعلُ مَن يعقل" (¬8). فهذا أبرزُ ما وقفَ عليه الباحثُ من اهتمام ابن الملقن واستعانته بالتعليل. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 33/ 323. (¬2) المصدر السابق 11/ 252. (¬3) المصدر السابق 19/ 651. (¬4) المصدر السابق 6/ 264. (¬5) المصدر السابق 15/ 347. (¬6) المصدر السابق 6/ 282. (¬7) المصدر السابق 19/ 651. (¬8) المصدر السابق 4/ 627.

الفصل الرابع التقويم

الفصلُ الرابع التقويمُ، وفيه مباحثُ: المبحثُ الأول: الوضوحُ والغموض المبحثُ الثاني: الدقةُ في النقل، وعدمُها المبحثُ الثالث: التبعيَّةُ والاستقلال المبحثُ الرابع: تأثير آرائه في مَن جاء بعده المبحثُ الخامس: أثرُ بحثه النحوي في دلالة الحديث

المبحث الأول: الوضوح والغموض

المبحثُ الأول: الوضوحُ والغموض من خلال ما درسه الباحثُ من المسائل النحوية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)، تبيَّن له دقةُ عبارة ابن الملقن ووضوحُها، مع كونها مختصرةً، عدا النَّزْرَ اليسيرَ -غير المخوِّل للعيب- في غموض بعض العبارات. فمثالُ وضوح عبارته: في قوله - عليه السلام -: (فبكرًا تزوجت)، إذ قال: "تقديرُه: أبكرًا تزوجتَ؛ لأن (أم) لا يُعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام" (¬1). ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (حتى فرجه بفرجه)، قال ابن الملقن: " (حتى) هنا عاطفة، وهي عند النحويين لا تعطفُ إلا بثلاثة شروط: أن تعطف قليلًا على كثير، وأن يكونَ من جنسه، وأن يُرادَ به التعظيمُ أو التحقير، والقليلُ هنا الفرج، والكثير الأعضاء، وهو من جنسها، والمراد به: التحقيرُ، فيكون (فرجه) منصوبًا بالعطف" (¬2). ومن ذلك أيضًا في قوله - عليه السلام -: (الحب في الله والبغض في الله)، قال: " (في) هنا للسببية -أي: بسبب طاعة الله ومعصيته- كقوله - عليه السلام -: (في النفس المؤمنة مائةٌ من الابل)، وكقوله في التي حبست الهرةَ: (فدخلت النار فيها)، أي: بسببها، وأصل (في) للظرفية" (¬3). ومثله في قوله - عليه السلام -: (الذي قلتَ له آنفًا: إنه من أهل النار)، قال ابن الملقن: "معنى (له): فيه، قال ابنُ الشجري: اللام قد تأتي بمعنى (في)؛ قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (¬4)؛ أي: فيه" (¬5). ومثلُ ذلك في (ما من أحد أغير من الله)؛ إذ قال: "وفي مسلم: (إنْ من أحد أغيرَ من الله) بكسر همزة (إنْ) وإسكان النون، وهو بمعنى: ما من أحدٍ أغيرَ من الله، وعلى هذا (أغيرَ) بالنصب خبرُ (إن) النافية، فإنها تعملُ عملَ (ما) عند الحجازيين، وعلى التميمية هو مرفوعٌ ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 25/ 157. (¬2) المصدر السابق 30/ 414. (¬3) المصدر السابق 2/ 444. (¬4) الأنبياء: 47. (¬5) المصدر السابق 18/ 305.

على أنه خبر المبتدأ الذي هو (أحد) " (¬1). ومن أمثلة وضوح عبارة ابن الملقن: في (أُريتكُنَّ أكثرَ)، قال ابن الملقن: " (أكثرَ) هو بنصب الراء، على أن (أريت) يتعدى إلى مفعولين، أو على الحال؛ إذا قلنا: إن أفعل لا يتعرف بالإضافة، كما صار إليه الفارسي وغيرُه. وقيل: إنه بدلٌ من الكاف في (أُريتكن) " (¬2). ومثله في (لو كنت متخذا)؛ إذ قال: " (اتخذ) تتعدى إلى مفعولين أحدُهما بحرف الجر، فيكون بمعنى: اختار واصطفى، وهنا سكت عن أحد مفعوليها، وهو الذي دخل عليه حرفُ الجر، فكأنه قال: لو كنتُ متخذًا من الناس خليلًا لاتخذتُ منهم أبا بكر، وقد تتعدى (اتخذ) لأحد المفعولين بحرف الجر، وقد تتعدى إلى مفعول واحد، وكلُّ ذلك في القرآن" (¬3). ومن الأمثلة التي تدل على وضوح عبارة ابن الملقن: في (يوشك أن يكون خير)، قال: "و (يوشك) أحدُ أفعال المقاربة، يطلُبُ اسمًا مرفوعًا وخبرًا منصوبَ المحل لا يكونُ إلا فعلًا مضارعًا مقرونًا بـ (أن)، وقد يُسند إلى (أن) والفعل المضارع؛ فيسُدُّ ذلك مسَدَّ اسمها وخبرها" (¬4). ومن ذلك أيضًا: تعليقُه على (لا يبيع أحدكم)، إذ قال: "كثيرٌ من روايات الحديث (لا يبيع) بإثبات الياء، والفعلُ غير مجزوم، وذلك لحنٌ، وإن صحَّت الرواية فتكون (لا) نافية، وقد أعطاها معنى النهي، لأنه إذا نُفي أنْ يوجد هذا البيعُ، فكأنه قد استمرَّ عدمُه، والمراد من النهي عن الفعل: إنما هو طلبُ إعدامه أو استبقاءُ عدمه" (¬5). ومثله في (إنما الأعمال بالنيات)، إذ قال: "لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة أن الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لا بد من تغايُرِهما، وهنا وقع الاتحاد ... " (¬6). وقد يكون وضوحُ عبارة ابن الملقن بارزًا في تصويب حكم نحوي؛ كما في مثل: (ولها ريح ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 8/ 316. (¬2) المصدر السابق 5/ 53. (¬3) المصدر السابق 5/ 617. (¬4) المصدر السابق 2/ 565. (¬5) المصدر السابق 14/ 344. (¬6) المصدر السابق 2/ 190.

منتن)، إذ قال: "وصوابه: (منتنة)؛ لأن الريح مؤنثة، إلا أنه يجوزُ في المؤنث الذي لا فرجَ له أن يُعبَّر عنه بالمذكر" (¬1). أما المواضعُ التي وقف عليها الباحثُ، وأشكلت عليه عبارةُ ابن الملقن لغموضها، ففي (منى)؛ إذ قال: "الأجودُ صرفها، وكتابتُها بالألف، وتذكيرها" (¬2). مع أن المشهور في أسماء البلدان التأنيثُ والمنعُ من الصرف. ومن ذلك في قول عائشة -رضي الله عنها-: (لَمَّا أخبرتني)، قال ابن الملقن: "يحتمل آخر شيء، يحتمل أن تكون اللام بمعنى (إلا) و (ما) زائدة، هذا مذهب الكوفيين، ويحتمل أن تكون ما مشددةً بمعنى (إلا)، ذكره سيبويه، وأنكره الجوهري" (¬3). فلا أدري ما المقصود بـ (آخر شيء)! ؛ لأن ما بعدها يحتمل أن تكون (اللام) بمعنى (إلا)، ويحتمل أن تكون (ما) مشددة بمعنى (إلا). أم أن المقصود هو العامل؟ لأننا إن قلنا ذلك فيكون العامل ليس بالأخير، إنما الأخير هو الفعل. هذا ما استطاع الباحثُ ذكرَه في وضوح عبارة ابن الملقن وغموضِها. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 21/ 223. (¬2) المصدر السابق 3/ 388. (¬3) المصدر السابق 29/ 141.

المبحث الثاني: الدقة في النقل، وعدمها

المبحثُ الثاني: الدقةُ في النقل، وعدمها تميز ابنُ الملقن في شرحه للجامع الصحيح في جانب النقل، إذ يغلِبُ على نقوله الدقةُ والصوابُ، هذا وقد ينقل نصًّا عن عالم محتفظًا بأصل النص، وربما ينقلُ عن عالم بالمعنى، وتارة أخرى يلجأُ لاختصار المنقول، وتارة ينقلُ عن شارح للحديث، ويكون هذا النقل مخالفًا لما عليه النحويين، وفي قليل من النقول تُفتقد الدقةُ في النقل. أما نقلُ ابن الملقن المتميز بالدقة والصواب، ففي مثل (حلة سيراء)، إذ قال ابن الملقن: "قال صاحبُ (المطالع): حلةَ سيراءَ على الإضافة، ضبطناه عن ابن سراجٍ ومُتقني شيوخنا، وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة ... " (¬1). فنقلُه عن المطالع لابن قرقول تميز بالدقة والصواب. ومن ذلك أيضًا: في قوله - عليه السلام -: (إلا الإبقاء عليهم)، قال ابن الملقن: "هو بكسر الهمزة، ثم باء موحدة، ممدود؛ أي: الرفق بهم. قال القرطبي: رويناه بالرفع على أنَّه فاعل (يمنعهم)، ويجوز النصب على أن يكون مفعولًا من أجله، قال: ويكون في (منعهم) ضميرٌ عائد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فاعله" (¬2). وهذا النقل عن القرطبي نقلٌ دقيقٌ صحيح نجدُه في كتاب (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم). ومثله في قوله - عليه السلام -: (مثلَ أو قريبًا)، قال ابن الملقن: "قال ابنُ مالك: يروون في البخاري: أو قريبَ بغير تنوين، والمشهورُ: أو قريبًا، ووجهُه أن يكون أصلُه (مثلَ فتنة الدجال أو قريبًا من فتنة الدجال)، فحُذف ما كان (مثل) مضاف إليه، وتُرك على هيئته قبل الحذف ... " (¬3). ونقلُه هنا عن ابن مالك فيه شيءٌ من التغيير اليسير لا يصل لعدم الدقة في النقل، وذلك كما ورد في كتاب (شواهد التوضيح). أما مثال ما نقله ابنُ الملقن بالمعنى، أو بشيء من الاختصار، ففي قوله - عليه السلام -: (حتى كان شطر الليل)، إذ قال ابن الملقن: "قال ابنُ بَطَّال: التقدير (حتى كان شطر الليل أو كاد يبلغه)، ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 409. (¬2) المصدر السابق 11/ 366. (¬3) المصدر السابق 3/ 433.

والعرب قد تحذف (كاد) كثيرًا من كلامها؛ لدلالة الكلام عليه، كقولهم في: (أظلمت الشمس)؛ كادت تظلم، ومنه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (¬1)، أي: كادت من شدة الخوف تبلغُ الحلوقَ" (¬2). وما قاله ابنُ بطال مماثلٌ لما نقله عنه ابنُ الملقن؛ غير أن ابن الملقن اكتفى بقول العرب وبالآية القرآنية، ولم يذكر البيت الشعري الذي ذكره ابنُ بطال؛ وهو قول الشاعر: يَتَعَارَضُونَ إِذا الْتَقَوْا فِي مَوْطِنٍ ... نَظَرًا يُزِيلُ مَوَاطِئَ الأَقْدَام قال ابنُ بطال: فلم يقل: (كاد يزيل)، ولكن نواها في نفسه. ومثله في (كره لكم قيل وقال)، قال ابن الملقن: "قال أبو عبيد: كناية عن قيل وقول، يُقال: قلت قولًا وقيلًا ... " (¬3)، أما نصُّ كلام أبي عبيد فهو: "جعل القال مصدرًا؛ ألا تراه يقولُ: عن قيل وقال، فكأنه قال: عن قيل وقول؛ يقال على هذا: قلت قولًا وقيلًا وقالًا". أما ما أُخذ على النقل لدى ابن الملقن: فهو أنه ربما ينقل عن شارحٍ للحديث رأيًا نحويًّا دون الرجوع إلى أهل الصناعة، مع أن الرأي الصحيح والصواب هو ما عليه النحويين، ومن ذلك: في (والوضوء أيضًا)، قال ابن الملقن: "قال القرطبي: الواو عوضٌ من همزة الاستفهام كما قرأ ابن كثير: {قَالَ فِرْعَوْنُ وآمَنتُم} (¬4) " (¬5). هذا ما نقله ابن الملقن عن القرطبي، وموطن الخلل هو: أن القاعدة والآية التي نقلها ابن الملقن عن القرطبي فيها إبدال الهمزة واوًا؛ لوقوعها مفتوحةً بعد ضم، وذلك لا ينطبقُ على ما ورد في الحديث الشريف؛ لوقوعها بعد فتحٍ، فلا وجهَ لإبدالها فيه واوًا (¬6). وأما ما أُخذ من عدم الدقة في النقل، ففي (إذ يخرجك قومك)، إذ قال ابن الملقن: "استعمل فيه (إذ) في المستقبل كـ (إذا)، وهو استعمالٌ صحيح كما نبه عليه ابنُ مالك، وقال: ¬

(¬1) الأحزاب: 10. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 6/ 293. (¬3) المصدر السابق 15/ 460. (¬4) الأعراف: 123. (¬5) المصدر السابق 2/ 177. (¬6) مصابيح الجامع 2/ 427.

غفَل عنه أكثرُ النحويين" (¬1). وحقيقة الأمر أن ابنَ مالك لم يقل ذلك، وإنما قال: "غفَل عن التنبيه عليه أكثرُ النحويين" (¬2)، وفرقٌ بين العبارتين؛ لأمور: 1 - أن إغفال التنبيه لا يعني عدمَ معرفة ذلك الأمر. 2 - أن الجهل بأي أمر، يتعذَّرُ التنبيه عليه؛ إذ هو أمرٌ مجهول. 3 - في عبارة ابن مالك دلالة على أن النحويين يعرفون ذلك، لكن غفل أكثرُهم عن التنبيه عليه. 4 - في عبارة ابن الملقن دلالة على أن أكثر النحويين لم يعرفوا ذلك، ويعرفُ بعضُهم ذلك؛ سواءٌ نبهوا عليه أم لم ينبهوا. بهذا يتبيَّن لنا مدى اهتمامِ ابن الملقن بالدقة في النقل، وأن ما ورد من المآخذ عليه لا يعدو أن يكونَ من النَّزْر اليسير الذي لا يَضير السبيلَ الذي اتخذه ابنُ الملقن في شرحه الجامعَ الصحيح من التوضيح وفكِّ اللبس. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 292. (¬2) شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح 1/ 62.

المبحث الثالث: التبعية والاستقلال

المبحثُ الثالث: التبعيَّة والاستقلال بعدما وقف الباحثُ على بعض المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح -بالدراسة والتحليل- تبيَّن له أن الشارحَ قد يتبعُ آراءَ غيره وقد يستقلُّ برأيه. فمثالُ الأحكام النحوية التي تبِع فيها النحويين: في (يا نساء المسلمات)؛ إذ قال ابن الملقن: "في إعراب (يا نساء) أوجُهٌ ذكرها القاضي عياض؛ أصحُّها وأشهرُها: بنصب (النساء) وجرِّ (المسلمات) على الإضافة. قال الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخِنا بالمشرِق، وهو من بابِ إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوفِ إلى صفته، والأعمِّ إلى الأخصِّ، كـ (مسجدِ الجامع)، و (جانبِ الغربي)، وهو عند الكوفيين جائزٌ على ظاهره ... " (¬1). فهنا نجد ابن الملقن يأخذ بقول القاضي عياض والباجي، ويتابعهما دون تعقيب أو مناقشة، والباجي توفي سنة 474 هـ، والقاضي عياض توفي سنة 544 هـ. وبه يتبين أن ابن الملقن تبِع مَن قبله في هذا الرأي. ومن ذلك أيضًا: في (ليلٌ طويلٌ)، قال ابن الملقن: "وقال القرطبي في رواية مسلم: وروايتنا الصحيحة: (ليلٌ طويلٌ) على الابتداء والخبر، ووقع في بعض الروايات: (عليك ليلًا طويلًا)، على الإغراء. والأولُ أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور من حيث إنه يخبرُه عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد بقوله: (فارقد)، وإذا نُصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمرُ بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قولُه: (فارقد) ضائعا" (¬2). وبهذا فقد أخذ ابنُ الملقن برأي القرطبي المتوفى 656 هـ. ومثال ما تبِع فيه ابنُ الملقن النحويين دون إضافة أو تعليق أو تحقيق: في (أما بعد)؛ إذ قال: "وفي ضبطها أربعةُ أوجه: ضم الدال، وتنوينها، ونصبها، وتنوينها" (¬3). وهذه الأوجه مقررة عند النحويين (¬4). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 16/ 275. (¬2) المصدر السابق 9/ 89. (¬3) المصدر السابق 7/ 551. (¬4) إحراز السعد بإنجاز الوعد بمسائل أما بعد 53 - 54.

ومثله في (حلة سيراء)؛ إذ قال: "قال صاحب (المطالع): حلةَ سيراءَ على الإضافة، ضبطناه عن ابن سراج ومتقني شيوخنا، وقد رواه بعضُهم بالتنوين على الصفة ... " (¬1). ومثال تبعية ابن الملقن أيضًا: في (والوضوء أيضًا)، إذ قال: "قال القرطبي: والواو عوض عن همزة الاستفهام ... " (¬2). إذ تبِع ابنُ الملقن رأي القرطبي في ذلك، وقد وضَّحنا مأخذَ هذا الاتباع، وذلك بعدما أثبتنا دقةَ نقل ابن الملقن عن القرطبي. ومن ذلك أيضًا في (منى)، إذ قال: "الأجود صرفها، وكتابتها بالألف، وتذكيرها" (¬3). إذ تبع في هذا الرأي سيبويه (¬4)، وإن كان المشهور أن أسماء البلدان يغلِبُ عليها عدمُ الصرف والتأنيث. وكذلك في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬5)، قال: " ... عُدِّي إلى مفعوله بـ (إلى)، وهو إذا كان بمعنى الانتظار لا يتعدى بها، وإنما يتعدى بنفسه" (¬6). تبع ابنُ الملقن النحويين في ذلك، وموضع الخلل هنا أنه قد ورد في القرآن معنى (الانتظار) متعديًا بحرف جر؛ قال تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (¬7). ومثله في (فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله)، قال ابن الملقن: "لا بد فيه من تقدير شيء؛ لأن القاعدة عند أهل الصناعة ... " (¬8). وفي هذا السياق يتضح منهج التبعية لديه. ومثله في (إنما الأعمال بالنيات)، إذ قال: " (إنما) موضوعة للحصر؛ تُثبت المذكور، وتنفي ما عداه، هذا مذهب الجمهور من أهل اللغة والأصول وغيرهما" (¬9). ومثله في (ما كدت أصلي العصر)، إذ قال: "والمشهور في (كاد) أنها إذا كانت في سياق ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 7/ 409. (¬2) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 177. (¬3) المصدر السابق 3/ 388. (¬4) الكتاب 3/ 243. (¬5) القيامة: 23. (¬6) المصدر السابق 33/ 323. (¬7) النمل: 35. (¬8) المصدر السابق 2/ 190. (¬9) المصدر السابق 2/ 170.

النفي أوجَبَتْ، فإن كانت في سياق الإيجاب نَفَتْ" (¬1). أما ما استقلَّ به ابن الملقن من آراء نحوية؛ ففي: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، إذ قال: "وفتحهما به" (¬2)، أي: (حولًا- قوةً)، ولم أجد -حسب اطلاعي- هذا الرأي عند المتقدمين والمتأخرين، بل استقل به ابن الملقن، وقد وضَّحت مدى صحة هذا الرأي عندما درستُ هذه المسألة. ومثله في (حراء)؛ إذ قال: "بكسر المهملة وتخفيف الراء والمد، وهو مصروفٌ على الصحيح، ومنهم مَن منع صرفه، مذكرٌ على الصحيح أيضًا، ومنهم مَن أنَّثه، ومنهم من قصَره أيضًا، فهذِه سِتُّ لغات" (¬3). ففيما ذكره ابن الملقن لغةٌ لم يقف عليها الباحثُ حسب اطلاعه؛ وهي لغة (حرا) بالقصر. بهذا، ومن خلال الأمثلة السابقة الذكر؛ يتبينُ مقدار تبعية ابن الملقن واستقلاله في الأخذ أو الاستنباط للآراء النحوية، وذلك حسَبَما وقف عليه الباحثُ في دراسته للمسائل النحوية. ¬

(¬1) المصدر السابق 6/ 282. (¬2) المصدر السابق 6/ 338. (¬3) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 249.

المبحث الرابع: تأثير آرائه في من جاء بعده

المبحثُ الرابع: تأثيرُ آرائه في مَن جاء بعده فَلَكُ هذا المبحث في رحاب المتأخرين عن زمن ابنِ الملقن، الذين أخذوا منه وتأثروا بآرائه، وذلك في أكثرَ من فن، فالباحث سيعرضُ الآراء النحوية التي نقلت عنه أولًا، ثم يذكرُ بقية ما نُقل عنه في فنون أخرى على سبيل الإيجاز. أما من حيث الآراءُ النحوية التي تأثر بها مَن بعد ابن الملقن: ففي (ما أنا بقارئ)؛ إذ قال شمس الدين السفيري: "قال العلماء: (ما) نافية، واسمها (أنا)، و (بقارئ) خبرها، و (الباء) زائدة لتأكيد النفي، أي: ما أحسنُ القراءة، قال ابنُ الملقن وغيرُه: وغُلط مَن جعلها استفهامية؛ لدخول الباء في خبرها" (¬1). ومثله في (ويظهر الزنا)؛ إذ قال شمس الدين السفيري أيضًا: "قال ابن الملقن: و (الزنا) يمد ويقصر، والأولى لغة نجد، والثانية لغة أهل الحجاز" (¬2). وأيضًا في (وإنْ وجدناه لبحرا)، إذ قال القسطلاني: " (إن) في قول الكوفيين بمعنى (ما)، واللام في (لبحرا) بمعنى (إلا)، أي: ما وجدنا الفرس إلا بحرًا، وعند البصريين (إن) مخففة من الثقيلة، قاله ابن الملقن" (¬3). ومثله في قوله - عليه السلام -: (انهكوا الشوارب)، قال أبو إسحاق الحلبي: "قال ابن الملقن: هو ثلاثي من (نهك - ينهك)، يعني من باب منع يمنع فهو مانع" (¬4). أما الآراء الحديثية التى نُقلت عن ابن الملقن، فمنها: في (مَن غسَّل ميتًا فليغتسل)، قال عبد الرؤوف المناوي: " ... هو منسوخ، أو أراد غسل الأيدي، ولو غسل ميتين أو أكثر، فهل يتعدد الغسلُ؟ قال ابن الملقن: لا" (¬5). ومن ذلك أيضًا، في (فإن صلاتكم معروضة عليَّ)، قال المناوي: "قال ابن الملقن: معنى ¬

(¬1) المجالس الوعظية في أحاديث خير البرية 1/ 207. (¬2) المصدر السابق 2/ 153. (¬3) إرشاد الساري 5/ 76. (¬4) عجالة الإملاء 3/ 354. (¬5) التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 432.

(معروضة عليَّ) أي موصولة إليَّ توصل الهدايا" (¬1). ومن ذلك أيضًا في (ما أحد يسلم علي إلا ردَّ الله عليَّ ... ) قال المناوي: "وفي رواية: (إليَّ)، قال القسطلاني: وهو ألطفُ وأنسَبُ، إذ بين التعديتين فرقٌ لطيف ... كما قال الراغبُ: بـ (على) في الإهانة وبـ (إلى) في الإكرام، (روحي) ... والمرادُ -كما قال ابنُ الملقن وغيره- بالروح: النطقُ مجازًا" (¬2). ومن ذلك كما عند البخاري: (فقال رجلٌ من الأنصار: هذه قسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لقد أُوذِي موسى بأكثرَ مِن ذلك فصبر)؛ قال ابن علَّان الصديقي: "قال ابنُ الملقن: وقوله في البخاري: (إنه من الأنصار) غريبٌ ... وإن صح ذلك فيكون معنى قوله: (إنه من الأنصار)، أي: حِلفًا ووَلاءً" (¬3). ومما أُخِذ عن ابن الملقن في (بسم الله الرحمن الرحيم) ما قاله السفيري: "ذكر ابنُ الملقن في شرحه على البخاري عن النقاش أنه قال: حين نزلت (بسم الله الرحمن الرحيم) سبَّحت الجبالُ، فقالت قريش: سحَرَ محمدٌ الجبالَ، قال: فإن صحَّ ما ذكره فلذلك معنًى، وذلك: أنها آيةٌ نزلت على آل داود، وقد كانت الجبال تسبحُ معه بنص القرآن العظيم" (¬4). ومما نقل السفيري أيضًا عن ابن الملقن، فيما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (من صلى في كتابٍ كتَب اللهُ له على مرِّ الأيام فضلَ الصلاة)، إذ قال: "حكى ابنُ الملقن أن بعض أصحابِ الحديث رُؤي في المنام، فقيل له: ما فعل اللهُ بك؟ قال: غفر لي، فقيل له: بماذا؟ قال: بصلاتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬5). أما من حيث الآراءُ الفقهية التي تأثَّرَ بها مَن بعد ابن الملقن: فمثال ذلك ما نقله السفيري أيضًا في حكم قطع أذن البهيمة، إذ قال: "قال ابن الملقن: يجوزُ قطعُ بعض آذان الأنعام ¬

(¬1) فيض القدير 2/ 535. (¬2) فيض القدير 5/ 467. (¬3) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 1/ 186. (¬4) المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية 1/ 67. (¬5) المصدر السابق 1/ 79.

للتمييز" (¬1). ومن ذلك ما نقله البقاعيُّ عن ابن الملقن في حكم الظهار، إذ قال: "قال ابن الملقن: وهو حرامٌ كما ذكره الرافعي في الشهادات" (¬2). أما من حيث آراؤه في تفسير القرآن الكريم التي تأثر بها مَن بعده: فمثال ذلك في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬3)، قال السفيري: "قال ابن الملقن: أنا أرى أن (وسطًا) في هذا الموضع بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين؛ مثل وسط الدار، وأرى أن الله تعالى إنما وصفهم بذلك لتوسُّطهم في الدين، فلا هم أهلُ غلُوٍّ فيه كالنصارى، ولا أهلُ تقصير فيه كاليهود" (¬4). هذا، ما تمكَّن الباحثُ من إبرازه من أثر ابنِ الملقن فيمن بعدَه، ونماذج مما أُخِذ عنه من آراءٍ نحوية وفقهية وتفسيرية، وهذا يدل على أن ابن الملقن بحرٌ مطلعٌ موسوعيٌّ شامل. ¬

(¬1) المجالس الوعظية 2/ 209. (¬2) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 19/ 345. (¬3) البقرة: 143. (¬4) المجالس الوعظية 2/ 278.

المبحث الخامس: أثر بحثه النحوي في دلالة الحديث

المبحثُ الخامسُ: أثرُ بحثه النحوي في دلالة الحديث درس ابنُ الملقن الأحاديثَ الشريفة دراسةً شاملة من جوانب متعددة: نحوية، وصرفية، ولغوية، وفقهية، وأصولية، وقد كان لدراسته النحوية للحديث الشريف رسمٌ في توجيه الحديث. فمن ذلك في (الحب في الله والبغض في الله)، قال ابن الملقن: " (في) هنا للسببية؛ أي: بسبب طاعة الله ومعصيته؛ كقوله - عليه السلام -: (في النفس المؤمنة مائةٌ من الابل)، وكقوله في التي حبَسَت الهرةَ: (فدخلت النار فيها)، أي: بسببها وأصل (في) للظرفية" (¬1). فاختار ابنُ الملقن ما هو مخالفٌ لما عليه أكثرُ النحويين؛ حسَبَما يقتضيه معنى الحديث. هذا، وقد يرفضُ ابنُ الملقن رأيًا نحويًّا لعدم استقامة معنى الحديث. ومن ذلك في {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} (¬2)، إذ قال: "قال أبو عبيدة: إن (إلا) هنا بمعنى (الواو)، وهو خطأٌ عند حُذَّاق النحاة، والقول أنه استثناءٌ أبيَنُ، أي: لكن الذين ظلموا منهم، فإنهم يَحُجون" (¬3). أما كون جعل (إلا) بمعنى (الواو) خطأ، فذلك عائدٌ للمعنى؛ وهو أن (الواو) تُدخل الثاني في حكم الأول، بخلاف (إلا) فإنها تُخرج الثاني من حكم الأول. ومن ذلك أيضًا في (لا تُشِفوا بعضَها على بعض)؛ إذ قال: "لا تزيدوا بعضَها على بعض، ولا تنقصوا، وكأن الزيادة أَولى؛ إلَّا أنَّه عدَّاه بـ (على)، و (على) مختصة بالزيادة، و (عن) مختصة بالنقصان، ولا يصحُّ حملُه على النقص مع (على)؛ إلا على مذهبِ مَن يُجيز بدلَ الحروف بعضِها من بعض، فيجعل (على) موضعَ (عن)، وفيه بُعد" (¬4). ومثله في (إلا خطأ)، قال: "ولا يصح أن يكون (إلا) بمعنى (الواو)؛ لأنه لا يُعرف (إلا) بمعنى حرف العطف؛ ولأن الخطأ لا يُحذر؛ لأنه ليس بشيء يُقصد ... وحكى سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن) كثيرًا" (¬5). ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 2/ 444. (¬2) البقرة: 150. (¬3) المصدر السابق 22/ 58. (¬4) المصدر السابق 14/ 333. (¬5) المصدر السابق 31/ 357.

وقد نجدُ ابنَ الملقن يختارُ الحكم النحوي بناءً على ما يوافقه من معنى الحديث، من ذلك في (ليلٌ طويلٌ)، إذ قال: "والأول أولى؛ لأنه الأمكَنُ في الغرور من جهة المعنى؛ أنه يخبره عن طول الليل ثم يأمرُه بالرقاد" (¬1). ومن ذلك أيضًا في (جذعا)، إذ قال: "منصوب على الحال، وخبر (ليت) قوله: فيها، والتقدير: ليتني كائن فيها -أي: مدة الحياة- في هذا الحال شبيبةً وصحةً وقوةً لنصرتك، إذ قد كان أسَنَّ وعمِيَ عند هذا القول" (¬2). ومثله في (لا يبيع)؛ إذ قال: "بإثبات الياء، والفعلُ غير مجزوم، وذلك لحنٌ، وإن صحَّت الرواية فتكونُ (لا) نافية، وقد أعطاها معنى النهي، لأنه إذا نُفي أن يوجد هذا البيعُ، فكأنه قد استمَرَّ عدمُه، والمرادُ من النهي عن الفعل: إنما هو طلبُ إعدامه أو استبقاءُ عدمه، فكان النفي الوارد من الواجب عندهم" (¬3). ومما سبق يتبيَّن ارتباطُ الحكم النحوي بمعنى الحديث؛ إذ قد يكونُ في المسألة النحوية الواحدة أكثرُ من وجه، ومع ذلك ربما يُقدَّم وجهٌ على غيره بسبب ما يقتضيه المعنى. وذلك من خلال ما وقف عليه الباحث في دراسته لبعض المسائل النحوية. ¬

(¬1) التوضيح لشرح الجامع الصحيح 9/ 89. (¬2) المصدر السابق 2/ 292. (¬3) المصدر السابق 14/ 344.

الخاتمة

الخاتمة

النتائج

الخاتمة لك الحمدُ ربَّنا على ما يسَّرت وأعنتَ، فمنا الجهدُ والصبر، ومنك التوفيقُ، وعليك التُّكْلان! ونسألُ المولى أن يرزقنا الإخلاصَ في القول والعمل؛ إذ هما غايةُ السُول، والأمرُ المأمول، وبهما يتحقق القبول. كما أسألُه أن نكون من المحسنين لابن الملقن بإظهار علمه والدلالة عليه. النتائج: بعد دراستي لبعض المسائل في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) خلَص البحثُ إلى نتائجَ عدةٍ: 1 - كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) يُعد رافدًا مُهمًّا من روافد الدراسات النحوية التطبيقة؛ إذ ساق آراءً نحويةً ونقولًا علمية، وطرَّزها بتعليقات لطيفة، مستعينًا بذلك على شرح عبارة في الحديث، أو ترجيح قول على آخر، أو تنبيه على فائدة. 2 - السماعُ عند ابن الملقن هو الأصلُ الأولُ من أصول الاحتجاج؛ إذ يذكرُ في مسائل الخلاف دائمًا شواهدَ سماعية، قبل التعليلات المنطقية والأدلة القياسية. 3 - اهتمام ابن الملقن بالقراءات القرآنية، فكثيرًا ما يستشهدُ بها على إثباتِ أنَّ ما ورد في الحديث استعمالٌ لغوي معروف يدخلُ تحت قاعدة نحوية عامة، أو رأيٍ لمدرسة، أو قول لِعَلَم من المتقدمين. 4 - دقة ابن الملقن في تفحُّص روايات الحديث الأخرى، وعنايتُه بصحة الرواية في الاستشهاد النحوي بالحديث الصحيح، ونقد الروايات الضعيفة؛ فكثيرًا ما يقول: إنْ صحَّت الرواية. 5 - اهتمام ابن الملقن بالجانب النحوي في شرحه لأحاديث صحيح البخاري؛ إذ قلما يجدُ مسألة إلا ويستعينُ فيها بالجانب النحوي في المناقشة والترجيح؛ ناقلًا أقوال مَن سبقه إلى شرح صحيح البخاري؛ من أمثال ابنِ التِّين، وابن بطَّال، ومُغَلطاي. 6 - سَعةُ اطلاع ابن الملقن، وتعددُ مصادره اللغوية والنحوية، مما يسَّر له جمعَ كثير من

أقوال اللغويين والنحويين. 7 - دقةُ ابن الملقن في دراسة المسائل النحوية؛ التي بتعدُّد الأوجه الإعرابية فيها يختلفُ معنى الحديث. 8 - حسنُ توظيف ابن الملقن للجانب النحوي في شرح الحديث الشريف. 9 - كثرةُ الشواهد التي يحسنُ بالدارسين الاستدلالُ بها إلى جانب الأصول السماعية الأخرى. 10 - ابنُ الملقن مقلدٌ للنحاة في كثير من المسائل التي درسها الباحثُ، حيث لا يوجد إلا مسألتان ذكر فيهما رأيًا لم يجدهما الباحثُ -حسب اطلاعه- عند أحدٍ غيرِه. وأما ترجيحُ رأي على آخرَ مع ذكر الدليل من الحديث وغيره؛ من القرآن، وقراءاته، وشواهد الشعر، والنثر؛ فهذا هو الغالبُ في أمره. فيُعَد نحويًّا من طبقة الأئمة في عصره؛ لسَعةِ اطلاعه على كتب النحو، ومذاهبِ النحاة، وأقوالهم، وأدلتهم، ومصادرهم، اطلاعًا مكَّنه من المشاركة بالمناقشة والترجيح في كل مسألة عرَض لها وذكر آراءَ النحاة وغيرهم فيها. 11 - ثبت من خلال الموازنة: أن مَن جاؤوا بعد ابن الملقن مِن شُراح البخاري وغيره قد اعتمدوا عليه كثيرًا، كما اعتمد هو من قبلُ على مَن سبقه؛ من أمثال ابن التين، وابن بطال، ومغلطاي. وعلى سبيل المثال: في (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني تلميذِ ابن الملقن نحوُ سبعٍ ومائةِ مسألة نحوية حسَبَ إحصاء الدكتورة ناهد العتيق التي درست المسائلَ النحوية في هذا الشرح في رسالتها للدكتوراة، وقد وجدتُ في شرح ابن الملقن أكثرَ من ثلاثين ومائةِ مسألة نحوية، ومع هذا تعجب من كثرة الدراسات النحوية على فتح الباري دون كتاب التوضيح؛ ولعل هذا يعودُ إلى حداثة تحقيقه ونشرِه بين الباحثين، والله أعلم.

التوصيات

التوصيات: من خلال مسيرةِ بحثي منذُ كانت فكرةً إلى هذه الخاتمة؛ رأيتُ أمورًا تفيدُ الباحثين في مجال التخصص، فأقدمُها توصياتٍ في نهاية هذه الخاتمة، لعل الله ينفع بها، ومن أهم ذلك: 1 - العناية بكتب شروح الحديث؛ وخاصة القديم منها، واستخلاص البحوث اللغوية والنحوية والصرفية والبلاغية فيها؛ لأنها من أهم المجالات التطبيقية لهذه العلوم؛ لأن مؤلفي تلك الشروح من أهل المعرفة والعناية باللغة وعلومها غالبًا؛ إذ لم يكن يجرؤ أحد على شرح النصوص الشرعية دون معرفة كافية بالعربية وعلومها. 2 - جمع المسائل الصرفية واللغوية في كتاب (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) ودراستها في رسائل جامعية؛ لأن الكتاب غني بذلك. 3 - دراسة المسائل المتعلقة بالعربية وعلومها في كتب ابن الملقن الأخرى التي لم تدرس، فقد تبين أنه من أكثر أهل العناية بهذه العلوم في شروحه ومؤلفاته التي هي مجال خصب للبحوث التطبيقية في هذه العلوم. 4 - جمع آراء ابن التين في العربية وعلومها من خلال شرح (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) ودراستها، إذ كثيرًا ما يعزو ابنُ الملقن إليه ناقلًا عن شرحه على البخاري، وهو مفقود. 5 - جمع آراء مُغَلطاي في العربية وعلومها من خلال شرح (التوضيح لشرح الجامع الصحيح) ودراستها، إذ كثيرًا ما يعزو ابنُ الملقن إليه ناقلًا عن شرحه على البخاري، وهو مفقود. تمت

فهرس المصادر والمراجع

5 - فهرس المصادر والمراجع 1. ابن كيسان النحوي، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير للباحث محمد محمود الدعجاني، إشراف أ. د. راشد بن راجح الشريف، جامعة الملك عبد العزيز، 1397 هـ. 2. أبو عبد الله الفخار وجهوده في الدراسات النحوية مع تحقيق كتاب شرح الجمل، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه للدكتور: حماد محمد الثمالي، إشراف الدكتور محمود محمد الطناحي، جامعة أم القرى، 1409 - 1410 هـ. 3. إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل، محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، ت: 1057 هـ، تحقيق: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 2001 م. 4. إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل، محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، ت: 1057 هـ، تحقيق: إبراهيم شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 2001 م. 5. إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطيّ، شهاب الدين الشهير بالبناء، ت: 1117 هـ، تحقيق: أنس مهرة، الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان، ط 3، 1427 هـ. 6. إحراز السعد بإنجاز الوعد بمسائل أما بعد، إسماعيل غنيم الجوهري، ت: 1165 هـ، تحقيق: أبي عبد الله الداني آل زهوي، الناشر: المكتبة العصرية - صيدا - بيروت، ط 1، 1432 هـ. 7. أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، لأبي الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي المعروف بالأزرقي، ت: 250 هـ، تحقيق: رشدي الصالح ملحس، الناشر: دار الأندلس للنشر - بيروت. 8. أدب الكاتب، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت: 276 هـ، تحقيق: محمد الدالي، الناشر: مؤسسة الرسالة. 9. ارتشاف الضرب من لسان العرب، لأبي حيان الأندلسي، ت: 745 هـ، تحقيق: رجب

عثمان محمد، الناشر: مكتبة الخانجي- القاهرة. 10. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، ت: 626 هـ، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1414 هـ. 11. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين ت: 923 هـ، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية- مصر، ط 7، 1323 هـ. 12. إصلاح المنطق، ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، ت: 244 هـ، تحقيق: محمد مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1423 هـ. 13. إصلاح غلط المحدثين، أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي، ت: 388 هـ، تحقيق: د. محمد علي عبد الكريم الرديني، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق، ط 1، 1407 هـ. 14. إعراب الحديث النبوي، عبدالله بن الحسين العكبري، ت: 616 هـ، تحقيق: د. حسن الشاعر، الناشر: دار المنارة- السعودية - جدة. 15. إعراب القراءات الشواذ، لأبي البقاء العكبري، ت: 616 هـ، تحقيق: محمد السيد عزوز، الناشر: عالم الكتب- بيروت- لبنان. 16. إعراب القرآن الكريم وبيانه، محيي الدين درويش، الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع- دمشق - بيروت - دار ابن كثير- دمشق - بيروت. 17. إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس، ت: 338 هـ، عناية: خالد العلي، الناشر: دار المعرفة - بيروت - لبنان. 18. الإبانة في اللغة العربية، أبو المنذر سلمة بن مسلم بن إبراهيم الصحاري العوتبي العُمَاني الإباضي نسبة إلى عَوْتَب وهي منطقة في صُحار كانت تسمى في القديم: عوتب الخيام، ت: 511 هـ، تحقيق: د. عبد الكريم خليفة وآخرون، الناشر: وزارة التراث القومي والثقافة - مسقط - سلطنة عمان، ط 1، 1420 هـ. 19. الإبهاج في شرح المنهاج (منهاج الوصول إلي علم الأصول للقاضي البيضاوي،

ت: 785 هـ)، تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن حامد بن يحيي السبكي، وولده تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب، الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت، 1416 هـ. 20. الأحاديث الطوال، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، ت: 360 هـ، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مكتبة الزهراء - الموصل، ط 2، 1404 هـ. 21. الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، ت: 631 هـ، تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان. 22. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، ت: 463 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل، بيروت، ط 1، 1412 هـ. 23. الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت: 852 هـ، الناشر: المكتبة العصرية - صيدا - بيروت، ط 1، 1433 هـ. 24. الأصول دراسة إبستيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب، د. تمام حسان، الناشر: عالم الكتب - القاهرة، 1420 هـ. 25. الأصول في النحو، أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج، ت: 316 هـ، تحقيق: عبد الحسين الفتلي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت - لبنان. 26. الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، ت: 356 هـ، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر- بيروت، ط 3، 1429 هـ. 27. الاقتراح في علم أصول النحو، الإمام جلال الدين السيوطي، تحقيق: أ. د حمدي عبد الفتاح خليل، الناشر: مكتبة الآداب- القاهرة، ط 4، 1430 هـ. 28. الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، سعد الملك، أبو نصر علي بن هبة الله بن جعفر بن ماكولا، ت: 475 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت- لبنان، ط 1، 1411 هـ.

29. الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأمكنة، أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازمي الهمداني، زين الدين، ت: 584 هـ، تحقيق: حمد بن محمد الجاسر، الناشر: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1415 هـ. 30. الانتخاب لكشف الأبيات المشكلة الإعراب، علي بن عَدْلان بن حماد بن علي الربعي الموصلي ت 666 هـ، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1405 هـ. 31. الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري، ت: 577 هـ، الناشر: المكتبة العصرية، ط 1، 1424 هـ. 32. الإيضاح في شرح المفصل، أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب، ت: 646 هـ، تحقيق: د. موسى بنا العليلي، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية إحياء التراث الإسلامي- الجمهورية العراقية. 33. الإيضاح في علوم البلاغة، محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق، ت: 739 هـ، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، الناشر: دار الجيل - بيروت، ط 3. 34. الإيضاح، لأبي علي الحسن بن أحمد بن عبدالغفار النحوي، ت: 377 هـ، تحقيق: د. كاظم بحر المرجان، الناشر: عالم الكتب - بيروت - لبنان، ط 1، 1432 هـ. 35. البحر المحيط في التفسير، أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي، ت: 745 هـ، تحقيق: صدقي محمد جميل، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط 1420 هـ. 36. البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي، ت: 1224 هـ، تحقيق: أحمد عبد الله القرشي رسلان، الناشر: الدكتور حسن عباس زكي - القاهرة، 1419 هـ. 37. البرهان في علوم القرآن، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر، ت: 794 هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، ط 1، 1376 هـ.

38. التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، أبو حيان الأندلسي، ت: 745 هـ، تحقيق: د. حسن هنداوي، الناشر: دار القلم - دمشق، دار كنوز إشبيليا، ط 1. 39. التذييل والتكمييل في شرح كتاب التسهيل، أبو حيان الأندلسي، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم- دمشق. 40. التراجم الساقطة من كتاب إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي، من: ترجمة الحسن البصري، إلى: ترجمة الحكم بن سنان، لمغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري المصري الحكري الحنفي، أبو عبد الله، علاء الدين، ت: 762 هـ، تحقيق ودراسة: طلاب وطالبات مرحلة الماجستير (لعام 1424 - 1425) شعبة التفسير والحديث - جامعة الملك سعود، إشراف: د. علي بن عبد الله الصياح، تقديم: د. محمد بن عبد الله الوهيبي، الناشر: دار المحدث للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1426 هـ. 41. التعليقة على كتاب سيبويه، الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ الأصل، أبو علي، ت: 377 هـ، تحقيق: د. عوض بن حمد القوزي، ط 1، 1410 هـ. 42. التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعيّ، أبو محمد، جمال الدين، ت: 772 هـ، تحقيق د. محمد حسن هيتو، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1400 هـ. 43. التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، ت: 804 هـ، تحقيق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا، ط 1، 1429 هـ. 44. التيسير بشرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، ت: 1031 هـ، الناشر: مكتبة الإمام الشافعي - الرياض، ط 3، 1408 هـ. 45. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، ط 1، 1422 هـ. 46. الجدول في إعراب القرآن الكريم، محمود بن عبد الرحيم صافي، ت: 1376 هـ، الناشر:

دار الرشيد- دمشق - مؤسسة الإيمان- بيروت، ط 4، 1418 هـ. 47. الجمل في النحو، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري ت: 170 هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1405 هـ. 48. الجنى الداني في حروف المعاني، أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي ت: 749 هـ، تحقيق: د. فخر الدين قباوة -الأستاذ محمد نديم فاضل، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1413 هـ. 49. الحجة في القراءات السبع، الحسين بن أحمد بن خالويه، أبو عبد الله، ت: 370 هـ تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، الناشر: دار الشروق - بيروت، ط 4، 1401 هـ. 50. الحجة في علل القراءات السبع، لأبي علي الفارسي، ت: 377 هـ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1، 1428 هـ. 51. الحلل في شرح أبيات الجمل، لأبي محمد عبدالله بن محمد بن السيد البطليوسي، ت: 521 هـ، علق عليه: د. يحيى مراد، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1، 1424 هـ. 52. الحماسة البصرية، علي بن أبي الفرج بن الحسن، صدر الدين، أبو الحسن البصري، ت: 659 هـ، تحقيق: مختار الدين أحمد، الناشر: عالم الكتب - بيروت. 53. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي، ت: 756 هـ، تحقيق: الدكتور أحمد محمد الخراط، الناشر: دار القلم، دمشق. 54. الدعاء، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، ت: 360 هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1413 هـ. 55. الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، ت: 911 هـ، تحقيق: أبو إسحاق الحويني الأثري، الناشر: دار ابن عفان للنشر والتوزيع - المملكة العربية السعودية - الخبر، ط 1، 1416 هـ.

56. الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى، ت: 900 هـ، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج، ط 2، 1980 م. 57. الزاهر في معاني كلمات الناس، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري، ت: 328 هـ، المحقق: د. حاتم صالح الضامن، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1412 هـ. 58. السبعة في القراءات، أحمد بن موسى بن العباس التميمي، أبو بكر بن مجاهد البغدادي، ت: 324 هـ، شوقي ضيف، الناشر: دار المعارف - مصر، ط 2، 1400 هـ. 59. السنة، لأبي عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي، ت: 294 هـ، تحقق: سالم أحمد السلفي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط 1. 60. السنن الكبرى، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي، ت: 303 هـ، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1421 هـ. 61. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، ت: 393 هـ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط 4، 1407 هـ. 62. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، ت: 393 هـ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط 41407 هـ. 63. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي، ت: 902 هـ، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت. 64. العقد المذهب في طبقات حملة المذهب، ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، ت: 804 هـ، تحقيق: أيمن نصر الأزهري - سيد مهني، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت - لبنان، ط 1، 1417 هـ. 65. العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري، تحقيق: عبد الله أحمد جاجة، الناشر: دار اليمامة للطباعة والنشر- دمشق، ط 1، 1423 هـ.

66. الفائق في غريب الحديث والأثر، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد، الزمخشري جار الله، ت: 538 هـ، تحقيق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة - لبنان، ط 1. 67. الفروق في اللغة، أبو هلال العسكري، ت: 395 هـ، تحقيق: جمال عبد الغني مدغمش، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1427 هـ. 68. الفصول المفيدة في الواو المزيدة، صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي العلائي، ت: 761 هـ، تحقيق: حسن موسى الشاعر، الناشر: دار البشير - عمان، ط 1، 1410 هـ. 69. ألفية ابن مالك، محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين، ت: 672 هـ، الناشر: دار التعاون. 70. القاموس المحيط، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبدي، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 8، 1426 هـ. 71. الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، ت: 748 هـ، تحقيق: محمد عوامة أحمد محمد نمر الخطيب، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن- جدة، ط 1، 1413 هـ. 72. الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، أبو بشر، الملقب سيبويه ت: 180 هـ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي- القاهرة، ط 3، 1408 هـ. 73. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد، الزمخشري جار الله، ت: 538 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، ط 3، 1407 هـ. 74. اللامات، عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم، ت: 337 هـ، تحقيق: مازن المبارك، الناشر: دار الفكر - دمشق، ط 2، 1405 هـ. 75. اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني، ت: 775 هـ، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت- لبنان، ط 1، 1419 هـ.

76. اللمحة في شرح الملحة، محمد بن حسن بن سِباع بن أبي بكر الجذامي، أبو عبد الله، شمس الدين، المعروف بابن الصائغ، : 720 هـ، تحقيق: إبراهيم بن سالم الصاعدي، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية- المدينة المنورة- المملكة العربية السعودية، ط 1، 1424 هـ. 77. المبهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، ت: 392 هـ، تعليق: مروان العطية وشيخ الزايد، الناشر: دار الهجرة للطباعة والنشر والتوزيع- دمشق، ط 1، 1408 هـ. 78. المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري، شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد السفيري الشافعي، ت: 956 هـ، تحقيق: أحمد فتحي عبد الرحمن، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1425 هـ. 79. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي ت: 392 هـ، الناشر: وزارة الأوقاف-المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1420 هـ. 80. المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، ت: 458 هـ، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1421 هـ. 81. المخبل السعدي حياته وما تبقى من آثاره، حاتم الضامن، الناشر: مجلة المورد العراقية، المجلد الثاني، العدد الأول، 1973 م. 82. المخترع في إذاعة سرائر النحو، أبو الحجاج يوسف بن سليمان الأعلم الشنتمري، ت: 476 هـ، تحقيق: د. حسن هنداوي، الناشر: دار كنوز اشبيليا- المملكة العربية السعودية- الرياض، 1427 هـ. 83. المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، ت: 458 هـ، تحقيق: خليل إبراهم جفال، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1، 1417 هـ. 84. المذكر والمؤنث لابن التستري، 361، لم أجد كتابه سوى معلومات في المكتبة الشاملة. 85. المذكر والمؤنث، لابن الأنباري، ت: 328 هـ، تحقيق: عبد الخالق عظيمة، الناشر: وزارة الأوقاف - القاهرة 1401 هـ. 86. المذكر والمؤنث، لابن جني، ت: 392 هـ، تحقيق: د. طارق نجم عبد الله، الناشر: دار

البيان العربي- المملكة العربية السعودية- جدة. 87. المسالك والممالك، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بابن خرداذبة، ت: 280 هـ، الناشر: دار صادر - أفست ليدن- بيروت، 1889 م. 88. المسائل الشيرازيات، أبو علي الفارسي، ت: 377 هـ، تحقيق: ـ أ. د حسن هنداوي، الناشر: كنوز اشبيليا - المملكة العربية السعودية - الرياض، ط 1، 1424 هـ. 89. المسائل النحوية في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني (852 هـ) جمعًا ودراسة، د. ناهد بن عمر العتيق، مكتبة الرشد ناشرون - السعودية - الرياض. 90. المستصفى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، ت: 505 هـ، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 1، 1413 هـ. 91. المستوفى في النحو، علي كمال الدين بن مسعود بن الحكم بن الفُرُّخان، تحقيق: د. محمد المختون، الناشر: دار الثقافة العربية، 1987 م. 92. المسند، الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، ت: 204 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان 1400 هـ. 93. المعجم المفصل في شواهد العربية، د. إميل بديع يعقوب، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 1، 1417 هـ. 94. المغازي، لموسى بن عقبة، ت: 141 هـ، جمع ودراسة: محمد باقشيش أبو مالك، الناشر: المملكة المغربية- جامعة ابن زهر- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- أكادير، 1994 م. 95. المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى، ت: 502 هـ، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت، ط 1، 1412 هـ. 96. المفصل في صنعة الإعراب، أبو القاسم محمود بن عمر بن أحمد، الزمخشري جار الله، ت: 538 هـ، تحقيق د. علي بو ملحم، الناشر: مكتبة الهلال - بيروت، ط 1، 1993 م. 97. المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم

القرطبي، ت: 671 هـ، تحقيق: محيي الدين ديب مستو - أحمد محمد السيد - يوسف علي بديوي - محمود إبراهيم بزال، الناشر: دار ابن كثير - دار الكلم الطيب، ط 1، 1417 هـ. 98. المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية، للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، ت: 790 هـ، تحقيق: عبد الرحمن بن سليمان العثيمين وآخرون، الناشر: معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي- جامعة أم القرى- مكة المكرمة، ط 1، 1428 هـ. 99. المقتضب، محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد ت: 285 هـ، تحقيق: محمد عبد الخالق عظيمة، الناشر: عالم الكتب. - بيروت. 100. الممتع الكبير في التصريف، علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور، ت: 669 هـ، تحقيق: فخر الدين قباوة، الناشر: مكتبة لبنان، ط 1، 1996 م. 101. المنتقى شرح الموطإ، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الباجي الأندلسي، ت: 474 هـ، الناشر: مطبعة السعادة، ط 1، 1332 هـ. 102. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي ت: 676 هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2، 1392 هـ. 103. المنهل المأهول بالبناء للمجهول، مُحَمَّد خير الدّين أَو قطب الدّين أَبُو الْخَيْر بن الْجمال أبي السُّعُود بن أبي البركات بن أبي السُّعُود الْقرشِي الشَّافِعِي بن ظهيرة، ت: نحو 910 هـ، تحقيق: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط: السنة 33 - العدد 113 - 1421 هـ. 104. الموجز في قواعد اللغة العربية، سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني ت: 1417 هـ، الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان، 1424 هـ. 105. الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء، أبو عبيد الله بن محمد بن عمران بن موسى المرزباني، ت: 384 هـ. 106. الموطأ، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، ت: 179 هـ، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبو ظبي - الإمارات، ط 1، 1425 هـ.

107. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفَاظ المهذب، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن بطال الركبي، أبو عبد الله، المعروف ببطال، ت: 633 هـ، تحقيق: د. مصطفى عبد الحفيظ سالم، الناشر: المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1988 م. 108. النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه)، علي بن فَضَّال بن علي بن غالب المُجَاشِعِي القيرواني، أبو الحسن، ت: 479 هـ، تحقيق: د. عبد الله عبد القادر الطويل، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1428 هـ. 109. النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي، ت: 450 هـ، تحقيق: السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت- لبنان. 110. أمالي ابن الحاجب، لأبي عمرو عثمان بن الحاجب، ت: 646 هـ، تحقيق: د. فخر صالح سليمان قدارة، الناشر: دار الجيل -بيروت، دار عمان - عمان. 111. أمالي ابن الشجري، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي، ت: 542 هـ، تحقيق: د. محمود الطناحي، الناشر: مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 1، 1413 هـ. 112. باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن، محمود بن أبي الحسن (علي) بن الحسين النيسابورىّ الغزنوي، أبو القاسم، الشهير بـ (بيان الحق)، ت: 553 هـ، تحقيق: سعاد بنت صالح بن سعيد بابقي، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة حرسها الله تعالى، 1419 هـ. 113. بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار، أبو بكر محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري الحنفي، ت: 380 هـ، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1، 1420 هـ. 114. بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، عبد المتعال الصعيدي، ت: 1391 هـ، الناشر: مكتبة الآداب، ط 17، 1426 هـ. 115. بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، لأبي محمد الحارث بن محمد بن داهر التميمي البغدادي الخصيب المعروف بابن أبي أسامة، ت: 282 هـ، انتقاء: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي، ت: 807 هـ، تحقيق: د. حسين أحمد صالح الباكري، الناشر: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية - المدينة المنورة، ط 1، 1413 هـ.

116. بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، القاضي عياض السبتي، ت: 544 هـ، تحقيق: صلاح الدين الإدلبي، وآخرون، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المملكة المغربية، ط 1395 هـ. 117. بغية الطلب في تاريخ حلب، عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين ابن العديم، ت: 660 هـ، تحقيق: د. سهيل زكار، الناشر: دار الفكر. 118. تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الرزاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى، الزَّبيدي، ت: 1205 هـ، تحقيق: مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية. 119. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، ت: 748 هـ، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ط 2، 1413 هـ. 120. تأويل مشكل القرآن، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت: 276 هـ، تحقيق إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. 121. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى، ت: 1353 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت. 122. تفسير الإيجي جامع البيان في تفسير القرآن، محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الحسني الحسيني الإِيجي الشافعيّ ت: 905 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1، 1424 هـ. 123. تفسير السمرقندي المسمى بحر العلوم، لأبي الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، ت: 375 هـ، تحقيق: علي محمد معوض وآخرين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت -لبنان، ط 1، 1413 هـ. 124. تفسير الضحاك، ت: 105 هـ، تحقيق: محمد شكري أحمد الزاويتي، الناشر: دار السلام - القاهرة، ط 1، 1419 هـ. 125. تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحَمِيدي أبو عبد الله بن أبي نصر، ت: 488 هـ تحقيق: د. زبيدة محمد سعيد عبد العزيز، الناشر: مكتبة السنة - القاهرة - مصر، ط 1، 1415 هـ.

126. تفسير مقاتل بن سليمان، لأبي الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى، ت: 150 هـ، تحقيق: عبد الله محمود شحاته، الناشر: دار إحياء التراث - بيروت، ط 1، 1423 هـ. 127. تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، لمحب الدين محمد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش، ت: 778 هـ، تحقيق: أ. د. علي محمد فاخر وآخرون، الناشر: دار السلام- مصر - القاهرة، ط 1، 1428 هـ. 128. تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، محمد بن يوسف بن أحمد، محب الدين الحلبي ثم المصري، المعروف بناظر الجيش، ت: 778 هـ، تحقيق: أ. د. علي محمد فاخر وآخرون، الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة - القاهرة - جمهورية مصر العربية، ط 1، 1428 هـ. 129. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي، ت: 742 هـ، تحقيق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1400 هـ. 130. تهذيب اللغة، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، ت: 370 هـ، تحقيق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1، 2001 م. 131. جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، ت: 310 هـ، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1420 هـ. 132. حاشية السجاعي على القطر، أحمد بن أحمد السجاعي، ت: 1197 هـ، الناشر: مطبعة البابي الحلبي وأولاده - مصر، 1343 هـ. 133. حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك، أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي، ت: 1206 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت-لبنان، ط 1، 1417 هـ. 134. حجة القراءات، عبد الرحمن بن محمد، أبو زرعة ابن زنجلة، ت: 403 هـ، تحقيق: سعيد الأفغاني، الناشر: دار الرسالة. 135. حديث السراج، أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الخراساني

النيسابوري المعروف بالسَّرَّاج، ت: 313 هـ، تخريج: زاهر بن طاهر الشحامي، ت: 533 هـ، تحقيق: أبو عبد الله حسين بن عكاشة بن رمضان، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط 1، 1425 هـ. 136. حروف المعاني والصفات، عبد الرحمن بن إسحاق البغدادي النهاوندي الزجاجي، أبو القاسم، ت: 337 هـ، تحقيق: علي توفيق الحمد، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 1، 1984 م. 137. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، ت: 430 هـ، الناشر: السعادة - بجوار محافظة مصر، 1394 هـ. 138. خزنة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي، ت 1030، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: مكتبة الخانجي - القاهرة، ط 4، 1418 هـ. 139. درة الغواص في أوهام الخواص، القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري، ت: 516 هـ، تحقيق: عرفات مطرجي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط 1، 1418 هـ. 140. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: 458 هـ، وثق أصوله وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت- لبنان، دار الريان للتراث، ط 1، 1408 هـ. 141. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، ت: 1057 هـ، اعتنى بها: خليل مأمون شيحا، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، ط 4، 1425 هـ. 142. ديوان الفرزدق، شرح وضبطه: علي فاعور، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت- لبنان، ط 1، 1407 هـ. 143. ديوان الفند الزماني، الناشر: الشبكة العنكبوتية witr.net. 144. ديوان القطامي، تحقيق: د. إبراهيم السامرائي- أحمد مطلوب، الناشر: دار الثقافة-بيروت. 145. ديوان امرِئ القيس، امْرُؤُ القَيْس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار،

ت: 545، اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، ط 2، 1425 هـ. 146. ديوان أمية بن أبي الصلت، جمع وتحقيق: د. سجيع جميل الجبيلي، الناشر: دار صادر- بيروت، ط 1، 1998 م. 147. ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق: د. نعمان محمد أمين طه، الناشر: دار المعارف - كورنيش النيل - القاهرة، ط 3. 148. ديوان جميل بثينة، الناشر: دار بيروت للطباعة والنشر- بيروت، 1402 هـ. 149. ديوان ذي الرمة شرح أبي نصر الباهلي رواية ثعلب، أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي، ت: 231 هـ، تحقيق: عبد القدوس أبو صالح، الناشر: مؤسسة الإيمان جدة، ط 1، 1402 هـ. 150. ديوان شعر ذي الرمةـ، تصحيح وتنقيح: كارليل هنري هيس مكارتني، الناشر: مطبعة كلية كمبرنج، 1337 هـ. 151. ديوان عبيدالله بن قيس الرقيات، تحقيق: د. محمد يوسف نجم، الناشر: دار صادر- بيروت. 152. ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي، الناشر: دار القلم - بيروت - لبنان. 153. ديوان لبيد بن ربيعة العامري، الناشر: دار صادر - بيروت. 154. رسالة الحدود، علي بن عيسى بن علي بن عبد الله، أبو الحسن الرماني المعتزلي، ت: 384 هـ، تحقيق: إبراهيم السامرائي، الناشر: دار الفكر - عمان. 155. رصف المباني في شرح حروف المعاني، للإمام أحمد بن عبدالنور المالقي، ت: 702 هـ، تحقيق: أحمد محمد الخراط، الناشر: مطبوعات مجمع اللغة العربية - دمشق. 156. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي ت: 1270 هـ، تحقيق: علي عبد الباري عطية، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت ط 1، 1415 هـ. 157. سنن ابن ماجه، ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد، ت: 273 هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي. 158. سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو

عيسى، ت: 279 هـ، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (جـ 1، 2)، ومحمد فؤاد عبد الباقي (جـ 3) وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف (جـ 4، 5)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، ط 2، 1395 هـ. 159. سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، ت: 748 هـ، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405 هـ. 160. شرح أبيات سيبويه، يوسف بن أبي سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو محمد السيرافي، ت: 385 هـ، تحقيق: د. محمد علي الريح هاشم، مراجعه: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، - القاهرة - مصر، 1394 هـ. 161. شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، علي بن محمد بن عيسى، أبو الحسن نور الدين الأشموني الشافعي ت: 900 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط 1، 1419 هـ. 162. شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي الأزهري، زين الدين المصري، يعرف بالوقاد، ت: 905 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، ط 1، 1421 هـ. 163. شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى، أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة، ت: 665 هـ، تحقيق: جمال عزون، الناشر: مكتبة العمرين العلمية - الشارقة- الإمارات، ط 1، 1420 هـ. 164. شرح الرضي لكافية ابن الحاجب، تحقيق: حسن الحفظي، الناشر: إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، سلسلة الرسائل العلمية 13. 165. شرح الرضي لكافية ابن الحاجب، تحقيق: د. يحيى بشير المصري، الناشر: جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، ط 1، 1417 هـ. 166. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، ط 1، 1420 هـ.

167. شرح الكافية الشافية، محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين ت: 672 هـ، تحقيق: عبد المنعم أحمد هريدي، الناشر: جامعة أم القرى مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية مكة المكرمة، ط 1. 168. شرح المفصل للزمخشري، يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع، ت: 643 هـ، تقديم: د. إميل بديع يعقوب، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1422 هـ. 169. شرح تسهيل الفوائد، محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين، ت: 672 هـ، تحقيق: د. عبد الرحمن السيد، د. محمد بدوي المختون، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط 1، 1410 هـ. 170. شرح جمل الزجاجي، ابن عصفور الإشبيلي، ت: 669 هـ، عناية: فواز الشعار، الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت لبنان، ط 1، 1419 هـ. 171. شرح سنن النسائي المسمى (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى)، محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي، الناشر: دار المعراج الدولية للنشر (جـ 1 - ج 5)، دار آل بروم للنشر والتوزيع، (جـ 6 - ج 40)، ط 1. 172. شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين الاسترباذي، ت: 686 هـ، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد وآخرون، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت -لبنان. 173. شرح شافية ابن الحاجب، محمد بن الحسن الرضي الإستراباذي، ت: 686 هـ، تحقيق: محمد نور الحسن وآخرون، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت- لبنان، 1395 هـ. 174. شرح صحيح مسلم للقاضى عياض المسمى إكمال المعلم بفوائد مسلم، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي أبو الفضل، ت: 544 هـ، تحقيق: د. يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع- مصر، ط 1، 1419 هـ. 175. شرح نقائض جرير والفرزدق، أبو عبيدة معمر بن المثنى (برواية اليزيدي عن السكري عن ابن حبيب عنه)، تحقيق: محمد إبراهيم حور - وليد محمود خالص، الناشر: المجمع الثقافي-أبو ظبي- الإمارات، ط 2، 1998 م. 176. شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، محمد بن عبد الله، ابن مالك

الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين، ت: 672 هـ، تحقيق: الدكتور طه محسن الناشر: مكتبة ابن تيمية، ط 1، 1405 هـ. 177. صحيح أبي عبدالله البخاري بشرح الكرماني، الناشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان. 178. ضرائر الشعر، علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور، ت: 669 هـ، ت: السيد إبراهيم محمد، الناشر: دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1980 م. 179. ضياء السالك إلى أوضح المسالك، محمد عبد العزيز النجار، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1422 هـ. 180. طبقات الشعراء، محمد سلام الجمحي، ت: 231 هـ، دراسة: طه أحمد إبراهيم، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان 1422 هـ. 181. طرح التثريب في شرح التقريب، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، ت 806 هـ، الناشر: الطبعة المصرية القديمة. 182. عجالة الإملاء المتيسرةِ من التذنيب، إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، برهان الدين، أبو إسحاق الحلبي القبيباتي الشافعيّ الناجي، ت: 900 هـ، تحقيق: الدكتور إبراهيم بن حماد الريس، وآخرون، الناشر: مَكتَبة المعَارف للنشر وَالتوزيع- الرياض، ط 1، 1420 هـ. 183. عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، ت: 911 هـ، تحقيق: د. سَلمان القضَاة، الناشر: دَار الجيل، بَيروت - لبنان، 1414 هـ. 184. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، ت: 855 هـ، دار إحياء التراث العربي - بيروت. 185. عمدة الكتاب، أبو جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحوي، ت: 338 هـ، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، الناشر: دار ابن حزم - الجفان والجابي للطباعة والنشر، ط 1، 1425 هـ. 186. عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت: 276 هـ، الناشر:

دار الكتب العلمية -بيروت، 1418 هـ. 187. غرائب التفسير وعجائب التأويل، محمود بن حمزة بن نصر، أبو القاسم برهان الدين الكرماني، ويعرف بتاج القراء، ت: نحو 505 هـ، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة، مؤسسة علوم القرآن - بيروت. 188. غريب القرآن، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت: 276 هـ، تحقيق: أحمد صقر، الناشر: دار الكتب العلمية، 1398 هـ. 189. فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، عناية: محمد فؤاد عبد الباقي، إشراف: محب الدين الخطيب، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1379. 190. فتح المتعال على القصيدة المسماة بلامية الأفعال، حمد بن مُحَمَّد الرائقي الصعيدي المَالِكِي، ت: نحو 1250 هـ، تحقيق: إبراهيم بن سليمان البعيمي، الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1417 هـ - 1418 هـ. 191. فيض نشر الانشراح من طي روض الاقتراح، أبو عبد الله محمد بن الطيب الفاسي، تحقيق: محمود فجال، الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث - الإمارات، ط 2، 1423 هـ. 192. كتاب المصاحف، أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، ت: 316 هـ، تحقيق: محمد بن عبده، الناشر: الفاروق الحديثة - مصر - القاهرة، ط 1، 1423 هـ. 193. لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، محمد بن محمد بن محمد، أبو الفضل تقي الدين ابن فهد الهاشمي العلويّ الأصفوني ثم المكيّ الشافعي، ت: 871 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 هـ. 194. لطائف الإشارات = تفسير القشيري، مؤلف: عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري، ت: 465 هـ، تحقيق: إبراهيم البسيوني، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر، ط 3. 195. ما يجوز للشاعر في الضرورة، للقزاز القيرواني، ت: 412 هـ، تحقيق: رمضان عبد التواب،

صلاح الدين الهادي، الناشر: دار العروبة- الكويت، دار الفصحى - القاهرة. 196. مجمل اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين، ت: 395 هـ، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1406 هـ. 197. مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مفردات منسوبة إليه، تصحيح: وليم بن الورد البروسي، الناشر: دار ابن قتيبة - الكويت، 2008 م. 198. مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الانصاري الرويفعى الإفريقى، ت: 711 هـ، تحقيق: روحية النحاس، رياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، الناشر: دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر- دمشق - سوريا، ط 1، 1402 هـ. 199. مدارك التنزيل وحقائق التأويل، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي، ت: 710 هـ، تحقيق: يوسف علي بديوي، الناشر: دار الكلم الطيب- بيروت، ط 1، 1419 هـ. 200. مسند إسحاق بن راهويه، لأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه، ت: 238 هـ، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، الناشر: مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، ط 1، 1412 هـ. 201. مسند الشهاب، أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون القضاعي المصري، ت: 454 هـ، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1407 هـ. 202. مسند أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقواله على أبواب العلم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، ت: 774 هـ، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الوفاء - مصر - المنصورة، ط 1، 1411 هـ. 203. مشارق الأنوار على صحاح الآثار، عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، ت: 544 هـ، الناشر: المكتبة العتيقة ودار التراث. 204. مشكل إعراب القرآن، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي، ت: 437 هـ، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، الناشر:

مؤسسة الرسالة - بيروت، ط 2، 1405 هـ. 205. مشكلات موطأ مالك بن أنس، أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، ت: 521 هـ، تحقيق: طه بن علي بو سريح التونسي، الناشر: دار ابن حزم - لبنان - بيروت، ط 1، 1420 هـ. 206. مطالع الأنوار على صحاح الآثار، أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن قرقول، ت: 569 هـ، تحقيق: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- دولة قطر، ط 1، 1433 هـ. 207. معاني القراءات للأزهري، محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، ت: 370 هـ، الناشر: مركز البحوث في كلية الآداب - جامعة الملك سعود- المملكة العربية السعودية، ط 1، 1412 هـ. 208. معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، ت: 311 هـ، تحقيق: د. عبدالجليل عبده شلبي، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1408 هـ. 209. معاني القرآن، لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، ت: 207 هـ، تحقيق: أحمد يوسف النجاتي- محمد علي النجار- عبد الفتاح إسماعيل الشلبي، الناشر: دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر، ط 1. 210. معجم المؤلفين، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق، ت: 1408 هـ، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت. 211. معجم ديوان الأدب، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن الحسين الفارابي، ت: 350 هـ، تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر، الناشر: مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 1424 هـ. 212. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام، ت: 761 هـ، تحقيق: د. مازن المبارك - محمد علي حمد الله، الناشر: دار الفكر - دمشق، ط 6، 1985 م. 213. مفاتيح الغيب التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري، ت: 606 هـ، الناشر: دار إحياء التراث

العربي- بيروت، ط 3، 1420 هـ. 214. منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر المقري النحوي الأصولي الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب، ت: 646 هـ، الناشر: مطبعة السعادة - مصر، ط 1، 1326، (بالطباعة الحجرية وصعب معرفة اسم المحقق). 215. منهج السالك، لأبي حيان الأندلسي، تحقيق: سدني جليزر نوهافن، 1947 هـ. 216. موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب، خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد، ت: 905 هـ، تحقيق: عبد الكريم مجاهد، الناشر: الرسالة - بيروت، ط 1، 1415 هـ. 217. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى، ت: 855 هـ، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر، ط 1، 1429 هـ. 218. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحسني الطالبي، المعروف بالشريف الادريسي، ت: 560 هـ، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط 1، 1409 هـ. 219. نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود التنوخي البصري، أبو علي، ت: 384 هـ، 1391 هـ. 220. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، ت: 885 هـ، الناشر: دار الكتاب الإسلامي- القاهرة. 221. نقعة الصديان فيما جاء على الفعلان، رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي، ت: 650 هـ، تحقيق: د. علي حسين البواب، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، ط 1، 1982 م. 222. نهاية الأرب في فنون الأدب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين النويري، ت: 733 هـ، الناشر: دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط 1، 1423 هـ. 223. نيل الأوطار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، ت: 1250 هـ،

تحقيق: عصام الدين الصبابطي، الناشر: دار الحديث، مصر، ط 1، 1413 هـ. 224. همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، ت: 911 هـ، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، الناشر: المكتبة التوفيقية - مصر. 225. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي، ت: 681 هـ، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، ط: ج 1 - 2 - 3 - 6 عام 1900 م، ج 4 ط 1، عام 1971 م، ج 5 - 7 ط 1، عام 1994 م. 226. الأشباه والنظائر في النحو، للسيوطي، ت: 911 هـ، تحقيق: د. عبدالعال سالم مكرم، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1، 1406 هـ. 227. الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، ت: 392 هـ، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 4. 228. مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمى البصري، ت: 209 هـ، تحقيق: محمد فواد سزگين، الناشر: مكتبة الخانجى - القاهرة، 1381 هـ.

§1/1