المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي

بدر ناصر مشرع السبيعي

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطاع الشؤون الثقافية أسست عام 1385 هـ - 1965 م الوعي الإسلامي مجلة كويتية شهرية جامعة المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي تأليف بدر ناصر مشرع السبيعي الإصدار السادس والسبعون 1435 هـ - 2014 م

أصل هذا الكتاب رسالة ماجستير نوقشت فى كلية الدراسات العليا جامعة الكويت بتاريخ 1 شعبان 1433 هـ الموافق 21/ 6/ 2012 م وقد حصل الباحث بعد اجتياز جميع متطلبات التخرج على درجة الماجستير بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في الفقه المقارن وأصول الفقه المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطاع الشؤون الثقافية أسست عام 1385 هـ - 1965 م الوعي الإسلامي مجلة كويتية شهرية جامعة تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دولة الكويت - في مطلع كل شهر عربي جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى الإصدَار السَّادسِ وَالسبعون 1435 هـ - 2014 م العنوان: ص. ب 23667 الصفاة 13097 الكويت هاتف: 22467132 - 22470156 - 1844044 فاكس: 22473709 البريد الإلكتروني: alwaei.com@info الموقع الإلكتروني: www.alwaei.gov.kw الإشراف العام: رئيس التحرير فيصل يوسف أحمد العلي

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطاع الشؤون الثقافية أسست عام 1385 هـ - 1965 م الوعي الإسلامي مجلة كويتية شهرية جامعة المسائل الفقهية المستجدة في النكاح مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي تأليف بدر ناصر مشرع السبيعي الإصدار السادس والسبعون 1435 هـ - 2014 م

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تصدير بقلم رئيس تحرير مجلة "الوعي الإسلامي" الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، ووهب له العقل ليعقل عن ربه ما شرعه وأبان، وأنزل القرآن تبصرة للعقول والأذهان، وأرسل رسوله بالهدى والبلاغ والتبيان، وقيض من عباده من نظم الفقه بأفصح لسان، أحمده حمدا يملأ الميزان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كل يوم هو في شان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الناس كافة بالدليل والبرهان. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان. أما بعد: فإن العلم والثقافة الشرعية ميدان خصب لكل متعلم؛ إذا أراد أن يستزيد من الإحاطة بلغته، ودينه، ومباديء أمته. وحتى ينتشر هذا الوعي ويعم، كان لا بد من توفير المواد العلمية اللازمة له.

ومن أهم تلك المواد: الكتب بمختلف أنواعها ومناهجها ومستوياتها، شريطة أن تكون نافعة بناءة جادة. ولأجل تواصل المثقفين شرقا وغربا، وتنامي الشعور بالانتماء، وتقوية أواصر الارتباط الثقافي بين شعوب الأمتين العربية والإسلامية، كانت فكرة الاجتهاد في إخراج الكنوز التراثية، وطباعة الرسائل العلمية، أولوية عملية في مجلة "الوعي الإسلامي"، فهي بذلك تسعى لزرع الثقافة العربية الإسلامية، بشتى صنوفها، في الناشئة والمبتدئين، وفي الصغار والكبار، على حد سواء. وقد جمعت مجلة "الوعي الإسلامي" طاقاتها وإمكاناتها العلمية والمادية لتحقيق هذا الهدف السامي، فتيسر لها بفضل الله تعالى إخراج عدد ليس بالقليل من هذه الكتب والرسائل، وكان لها نصيب وافر من الحفاوة والتكريم في كثير من المجتمعات من أصالة وقوة ووضوح منهج، ومراعاة لمصلحة المثقف، وحاجته العلمية. ومن هذه الإصدارات النافعة، كتاب: "المسائل الفقهية المستجدة في النكاح" للأستاذ بدر ناصر السبيعي

ومجلة "الوعي الإسلامي": إذ تقدم هذا الإصدار لقرائها، فإنها تتوجه بخالص الشكر والتقدير للأستاذ الفاضل على إذنه الكريم بطباعة الكتاب، نسأل الله له التوفيق والسداد. والحمد لله رب العالمين رئيس التحرير فيصل يوسف أحمد العلي

شكر وتقدير امتثالا لقول الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فإني أحمد الله عز وجل وأشكره على نعمه الجزيلة وآلائه الحميدة أن وفقني لطلب العلم الشرعي وسلوك سبيله ويسر لي إتمام هذه الأطروحة العلمية بعونه وتوفيقه. وأتقدم بالشكر والتقدير إلى أستاذي الفاضل الدكتور فهد سعد الدبيس الرشيدي الذي تفضل بقبول الإشراف على هذه الأطروحة، ولا يحيط شكري له بفضله وكرمه لما أولاني به من رعاية واهتمام، وما منحني من المعلومات الغزيرة والآراء السديدة والملاحظات القيمة؛ مما كان له أكبر الأثر في إخراج هذه الأطروحة بالصورة التي أقدمها اليوم، فأسأل الله تعالى أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يبارك له في وقته وعلمه. كما لا يفوتني أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير إلى الأساتذة الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة والحكم؛ الأستاذ الدكتور: مبارك جزاء الحربي، والدكتور: حمد محمد الهاجري، لتفضلهم بقبول قراءة هذه الرسالة ومناقشتها والحكم عليها، وعلى ما سيقدمونه لي من ملاحظات وتصويبات قيمة. والشكر موصول إلى كل من أسدى إلي معروفا وسددني بنصح أو توجيه أو إعارة كتاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الملخص الغاية من هذا البحث، هي معرفة الحكم الشرعي لكثير من المسائل المستجدة المتعلقة بباب النكاح، حتى يعرف الناس الأحكام الشرعية لهذه المستجدات. وقد قسمت بحثي هذا إلى مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة. في التمهيد: ذكرت التعريف بمفردات عنوان البحث، كما تحدثت عن مشروعية الزواج وحكمه والحكمة منه. وفي الفصل الأول: تناولت المسائل المستجدة قبل الخطبة وذكرت فيه حكم إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة، ورؤية المخطوبة ومحادثتها ومراسلتها، وحفل الخطوبة، والشبكة من حيث تعريفها، وحكم ردها، ورأي القانون الكويتي فيها، وتحدثت كذلك عن حكم إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، وسلبياته، وإيجابياته، ورأي القانون الكويتي فيه. أما الفصل الثاني: فقد تناولت فيه عقود النكاح في ثمانية مباحث، الأول: في حكم إجراء الزواج عبر شبكة الإنترنت من حيث تعريفه وحكمه ورأي القانون فيه، والثاني: في حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية وذلك من حيث تعريفه وحكمه ورأي القانون فيه، وأما المبحث الثالث: ففي الزواج العرفي والفرق بينه وبين الزواج الشرعي وحكمه ورأي القانون فيه، وأما الرابع: ففي

حكم زواج (الفرند) فقد عرفته وبينت الفرق بينه وبين الزواج الشرعي وحكمه ورأي القانون فيه، أما المبحث الخامس: ففي الزواج السياحي حيث عرفته وذكرت الفرق بينه وبين الزواج الشرعي وحكمه ورأي القانون فيه، أما السادس: ففي الزواج المدني وذلك من حيث تعريفه والفرق بينه وبين الزواج الشرعي وحكمه ورأي القانون فيه، والسابع: تحدثت فيه عن زواج المسيار من حيث تعريفه والفرق بينه وبين الزواج الشرعي وحكمه ورأي القانون فيه، وأما المبحث الثامن والأخير: فقد تحدثت فيه عن عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات المسلمة من حيث تعريف هذه المراكز، وحكمها، ورأي القانون فيها، ثم ختمت البحث بخاتمة بينت فيها أهم النتائج والتوصيات. * * *

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (¬1) {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (¬2). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} (¬3). وبعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ (¬4). ¬

(¬1) سورة آل عمران: آية 102. (¬2) سورة النساء: آية 1. (¬3) سورةالأحزاب: آية 70 - 71. (¬4) هذه خطبة الحاجة التي علمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وهي سُنة يبتدأ بها =

لا شك أن الأسرة هي اللبنة الأساسية لأي مجتمع من المجتمعات، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة العناية الفائقة، والاهتمام الزائد، فحث على كل عمل وسبب يمكن أن يكون عاملاً من عوامل استقرارها، ودوام الترابط بينها، كما حذر ونهى عن الأسباب التي قد تكون معول هدم للأسرة وروابطها. وقد أسهب الفقهاء قديمًا في تناول جميع المسائل التي تتعلق بفقه الأسرة، ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا أوسعوها بحثًا وتأصيلاً واستدلالاً وتفريعًا، فكانت جهودهم في هذا المجال عظيمة في حجمها، غزيرة في عطائها، عميقة في أفكارها. غير أن العصر الحديث قد شهد العديد من التطورات العلمية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة، والتي انعكست بدورها على حياة الناس ومناحي تفكيرهم، وقد نتج عن هذه التطورات الكثير من القضايا والمسائل المستجدة في جميع شئون المسلمين المعاصرة، ومن بينها بالطبع القضايا المتعلقة بفقه الأسرة؛ كقضايا النكاح والطلاق والنسب وغيرها، وهو الأمر الذي يفرض على الباحثين المعاصرين اليوم متابعة هذه التطورات والقضايا التي تنشأ ¬

= في النكاح وغيره، رواها أبو داود في سننه (3/ 36 - 37)، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، ح رقم (4811)، والترمذي في سننه ص 342، كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح، ح رقم (1106)، وقال الترمذي: حديث عبد الله حسن، والنسائي في سننه (6/ 397 - 398)، كتاب النكاح، باب ما يستحب من الكلام عند النكاح، ح رقم (3277)، وابن ماجه في سننه (2/ 434 - 435)، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح، ح رقم (1892) حديث صحيح انظر: انجاز الحاجة لجانباز 5/ 143، وفتح الباري لابن حجر 9/ 109.

* أسباب اختيار الموضوع

عنها، ومحاولة بيان موقف الفقه الإسلامي منها؛ حتى يحتفظ هذا الفقه بحيويته وقدرته الفائقة على مسايرة كافة أشكال التطور في كل زمان ومكان. هذا، وقد تناول العديد من الباحثين بعض القضايا المعاصرة في فقه الأسرة في العديد من الدراسات الأكاديمية وغيرها، ولهذا؛ فقد عزمت على عمل هذا البحث، الذي أحاول فيه جمع أهم القضايا المعاصرة التي تتعلق بفقه النكاح، وأضفت إلى ذلك رأي القانون الكويتي فيما نص عليه من مسائل, وأما المسائل التي لم ينص عليها القانون الكويتي، فأشير إلى أنه لا نص فيها. وقد سميت هذا البحث: «المسائل الفقهية المستجدة في النكاح، مع بيان ما أخذ به القانون الكويتي». * أسباب اختيار الموضوع: 1 - كثرة المتغيرات في هذا العصر والثورة العلمية الحديثة في وسائل الاتصال, مما أدى إلى حدوث كثير من النوازل، خاصة في أحكام الزواج التي يحتاج الناس إلى بيان الحكم الشرعي فيها. 2 - توجه عامة الباحثين إلى البحث في جانب العبادات والعقود والمعاملات، ولا ريب أن ذلك التوجه له أسبابه الوجيهة، لكن جانب الأحوال الشخصية أيضًا هو بحاجة إلى مزيد من البحث في نوازله ومتغيراته، ومن هذا المنطلق كانت هذه الرسالة. 3 - رغبتي في دراسة الموضوعات الفقهية ذات الصلة بواقع الحياة المعاصرة، لأن مثل هذه الموضوعات ينبغي على الباحثين المعاصرين الإلمام بها، والاستفادة منها.

* أهمية الموضوع

4 - تكوين نظرة شمولية عن موقف الفقه الإسلامي المعاصر من القضايا المعاصرة في فقه الأسرة؛ لبيان ما قد يكون طرأ على هذا الفقه من تجديد في مناهجه، أو تحديث في أساليب البحث فيه. 5 - دراسة موضوعات الفقه المتعلقة بالأحوال الشخصية، وذلك لارتباطها الشديد بالواقع، وكثرة السؤال فيها من قِبل جمهور المسلمين. 6 - إظهار جانب من جوانب شمول الشريعة الإسلامية واستيعابها لكافة شئون المسلم في كل زمان ومكان. * أهمية الموضوع: 1 - تنبع أهمية هذا الموضوع من أهمية الجانب الذي يعالجه ويتصدى له بالبحث والدراسة. 2 - يسهم هذا الموضوع في وضع تصور شامل عن موقف الفقه الإسلامي من القضايا المعاصرة في فقه النكاح، ومن شأن هذه النظرة الشمولية أن تعضد وتؤكد على شمول الشريعة الإسلامية. 3 - أن هذا الموضوع إسهام من الباحث في الدراسات الفقهية المعاصرة التي تعتمد منهج المقارنة مع العلوم الأخرى. 4 - أن هذا الموضوع يمثل أهمية خاصة بالنسبة لي، من حيث تنمية الملكة الفقهية، والقدرات البحثية، من خلال دراسة موضوع فقهي معاصر. 5 - أنني لم أجد أحدًا من الباحثين تعرض لدراسة هذا الموضوع بهذا المنهج في دراسة أكاديمية من قِبل- فيما أعلم-.

* أهداف الموضوع

* أهداف الموضوع: 1 - جمع المسائل المستجدة في باب النكاح على اختلاف أنواعها. 2 - بيان الحكم الشرعي في مستجدات النكاح من حيث ذكر أقوال الفقهاء ملتزما بذلك مسلك التخريج إن لم يوجد في السألة نص. * الدراسات السابقة: عند بحثي عن مصادر للدراسة وقفت على بعض الدراسات العلمية التي تناولت موضوعات شبيهة بموضوع هذا البحث، ومن هذه الدراسات ما يلي: 1 - الزواج العرفي في ميزان الإسلام: بحث منشور عام (1428 هـ/2008 م)، أعده الطالب: صلاح الدين أحمد محمد عامر، ونال به درجة الماجستير من جامعة الإيمان باليمن. وقد قسم الباحث دراسته هذه إلى ثلاثة فصول، خصص الفصل الأول منها لتعريف النكاح وصوره، والفصل الثاني لبيان حكم الزواج العرفي، والفصل الثالث لبعض النماذج الواقعية للزواج العرفي، والحوادث التي نتجت عنه. وقد وجدت أن مضمون بحثي يختلف عن الرسالة السابقة, ذلك أن الرسالة المذكورة تكلمت عن الزواج العرفي في الإسلام، خصوصًا، وبحثي تكلمت عن أهم المستجدات في أحكام الزواج عمومًا, وعن حكم الزواج العرفي في الشريعة الإسلامية؛ كونه

زواجًا مستجدًا له تعلق بفقه النكاح، ويزيد بحثي على الرسالة المذكورة في الكثير من المسائل الأخرى، فالرسالة المذكورة تكلمت عن جزئية مستجدة في فقه النكاح، ألا وهي الزواج العرفي, وأما بحثي فقد تحدثتُ فيها عن أهم المسائل المستجدة في فقه النكاح. وكذلك الزواج العرفي في دولة الكويت يلجأ إليه بعض النساء حتى لا يحرمن من حق السكن والراتب للزوج المتوفى, فتلجأ بعض النساء إلى ذلك للحفاظ على راتب زوجها المتوفى, والسبب في ذلك أنها لو وثقت زواجها رسميًّا, فإنه يسقط عنها الراتب والمسكن. 2 - الزواج العرفي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها: بحث منشور عام (1427 هـ/2006 م) نال به الباحث: عبد الملك بن يوسف المطلق، درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله، من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية. وقد قسم الباحث دراسته إلى فصول، خصص الفصل الأول منها للتعريف بالزواج وأهدافه، وخصص الفصل الثاني لتعريف الزواج العرفي، ونشأته وصوره، وأسبابه وألقابه، وخصص الفصل الثالث للمقارنة بين الزواج العرفي وبقية أنواع الزواج الأخرى، أما الفصل الرابع فقد خصصه لبيان الزواج العرفي في الميزان الشرعي والقانوني والمقاصدي. وهذه الدراسة تناولت نوعًا واحدًا من أنواع الزواج، وهو الزواج العرفي، ولكنه جعل بحثه مقتصرًا على مسائل الزواج العرفي الواقعة في المجتمع السعودي, ولكن بحثي عامة في دراسة الزواج

العرفي, وفي غيره من العقود، وفي الخطبة, وأما الدراسة السابقة المذكورة فهي خاصة. والبحث السابق مخصص في الحديث عن جزئية واحدة، وهي الزواج العرفي، وأما بحثي هذا، فهو يتكلم عن أهم مستجدات النكاح. 3 - مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق: رسالة ماجستير منشورة (1425 هـ/2005 م) من إعداد الباحث أسامة عمر سليمان الأشقر، وقدمها إلى الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، وقد قسم الباحث رسالته إلى فصول، خصص الفصل الأول منها للتعريف بموضوع البحث، وأسباب اختياره، وأهميته، وأهدافه، ومنهجيته، والدراسات السابقة، وخصص الفصل الثاني لشرح مفردات عنوان البحث، وأما الفصل الثالث فقد تناول فيه ثلاثًا من المسائل المستجدة في قضايا الزواج، وهي: أ) التعويض عن الضرر المادي والأدبي بسبب العدول عن الخطبة. ب) الفحص الطبي قبل الزواج. ج) إجراء الزواج والطلاق بأجهزة الاتصال الحديثة. أما الفصل الرابع والأخير، فقد خصصه الباحث للكلام على الزواج العرفي، وزواج المسيار، والزواج بنية الطلاق. إن الدراسة السابقة لم تذكر مسائل لها صلة ماسة بفقه النكاح؛ كمسألة الزواج المدني وأحكامه الفقهية, ونكاح الأصدقاء (الفرند) , ومسألة الزواج من أجل الحصول على امتيازات مادية.

فالدراسة السابقة بحثت بعض المسائل المتعلقة بالزواج، وسوف أدرس البعض الآخر منها. 4 - عقود الزواج المعاصرة في الفقه الإسلامي: - رسالة ماجستير للباحثة: سمية عبدالرحمن عطية بحر (2005/ 2006 م) , وقد نالت بها الباحثة المذكورة درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية في غزة, وقد قسمت الباحثة رسالتها إلى مقدمة, وفصل تمهيدي, وفصلين, وخاتمة. أما الفصل التمهيدي، فقد تحدثت في مبحثه الأول: عن مكانة عقد الزواج في الإسلام, وذكرت تعريف الزواج ومشروعيته وحكمته وحكمه, وذكرت بعده في المبحث الثاني: مسألة الإشهاد على الزواج وآثاره الاجتماعية. وأما الفصل الأول، فقد خصصته في عقود الزواج القديمة, وتحدثت في المبحث الأول عن حكم الزواج العرفي, وفي المبحث الثاني ذكرت حكم نكاح السر, وفي المبحث الثالث ذكرت الفرق بين الزواج العرفي، ونكاح السر، والزواج الشرعي. أما الفصل الثاني فخصصته للحديث عن بعض عقود الزواج المعاصرة, فقد تحدثت في المبحث الأول عن حكم زواج المسيار, وفي المبحث الثاني عن حكم زواج الصديق (الفرند) , وفي المبحث الثالث تحدث عن حكم الزواج عبر الإنترنت, والمبحث الرابع ذكرت فيه الفرق بين زواج المسيار، وزواج (الفرند)، والزواج الشرعي. هذه هي البنود التي ارتكزت عليها الرسالة المذكورة,

ولكن يلاحظ على الرسالة السابقة ما يلي: أولاً: ذكرت الباحثة أن بحثها في عقود الزواج المعاصرة, ولكن عند النظر في بحثها رأيت أن بحثها لم يستقص جميع العقود المستجدة في النكاح, ومن أمثلة الأنكحة التي لم تذكرها الباحثة في بحثها: (الزواج المدني, والزواج السياحي, والزواج من أجل الحصول على امتيازات مادية). ثانيًا: أن العقود المعاصرة تستجد فيها أمور كثيرة لتغير الظروف والأحوال المحيطة بالمجتمع الإسلامي, ولذلك، فإن الباحثة قد فاتها كثير من المسائل المعاصرة, ولا يخفى على كل ذي نظر تجدد المسائل المعاصرة، واحتياج بيان حكم الشرع فيها. ثالثًا: أن الباحثة تكلمت في بحثها عن بعض عقود النكاح المعاصرة, ولم تتكلم على مستجدات الخطبة, ولكن في بحثي هذا- ولله الحمد- ذكرت أهم العقود المعاصرة, وتكلمت عن أهم المسائل المستجدات في الخطبة, والباحثة تكلمت عن جزئية واحدة هي بعض عقود الزواج, وبحثي تكلم عن أهم عقود الزواج وغيرها من المسائل التي تتعلق بفقه النكاح. رابعًا: كذلك تتميز رسالتي على الرسالة المذكورة أنني أذكر رأي القانون الكويتي فيما يتعلق بكل عقد من العقود المعاصرة التي تحدثت عنها في بحثي. تلك كانت بعض الجهود السابقة التي تناولت بعض جوانب الموضوع, ولم أجد دراسة تناولت جميع جوانب الموضوع المختلفة, فاستخرت الله عز وجل، وعقدت العزم على الكتابة فيه, فأسأل الله عز وجل الإعانة والتوفيق على إتمامه على خير وجه.

* منهج البحث

* منهج البحث: سوف أتبع في كتابة هذا البحث المنهج التالي: 1. جمع المادة العلمية من كتب الفقه الإسلامي القديمة إن وجدت، وإن لم توجد فإني أجمع مادتها العلمية من كتب الفقهاء المعاصرين. وكذلك أذكر رأي القانون الكويتي فيما نص عليه من المسائل التي ذكرتها في ثنايا البحث. 2. ذكر الأدلة مع بيان وجه الاستدلال، وما يعرض لها من مناقشة إن وجدت، مع ترك ذلك في بعض المسائل لعدم الإطالة، مع ذكر الخلاف إن وجد، وبيان الراجح في المسائل الخلافية. 3. أذكر بعض الأحكام التي تخص المبحث؛ كالتعريف، وبيان المشروعية- إذا كانت متفقًا عليها- والحكم الفقهي. 4. التعريف بالمصطلحات الغريبة في الهامش. 5. بيان موضع الآية في المصحف الشريف. 6. تخريج الأحاديث النبوية بعزوها إلى مظانها من دواوين السنة، فإن كان الحديث قد أخرجه الشيخان أو أحدهما؛ فإني أكتفي بالعزو إليهما، أو إلى أحدهما، أما ما لم يخرجاه، فإني أخرجه بحسب موضعه في كتب السنة الأخرى، مع ذكر درجته عند المحدثين. 7. المسائل المستجدة التي لا أجد لها نقلاً من كلام أهل العلم, أحاول تخريجها على ما يشابهها من الفروع الفقهية. 8. عند نقل كلام أحد العلماء بالنص، أجعل ذلك بين علامتي التنصيص، وأوثق في الهامش بذكر المصدر مباشرة.

9. ترجمة الأعلام الواردة أسماؤها في البحث، باستثناء مشاهير الصحابة، وأئمة المذاهب الأربعة. 10.وضع خاتمة في آخر البحث تتضمن أبرز النتائج والتوصيات. * خطة البحث: اقتضت طبيعة هذا البحث تقسيمه على مقدمة، وتمهيد، وفصلين رئيسيين، وخاتمة, وأنهيت البحث بالفهارس الفنية المتعارف عليها. أولاً: المقدمة: وفيها خطبة البحث، وأسباب اختيار الموضوع، ومنهجي في البحث، والخطة المقترحة للبحث. ثانيًا: التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بمفردات عنوان البحث: وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف المسائل وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المسائل لغة الفرع الثاني: تعريف المسائل اصطلاحًا المطلب الثاني: تعريف الفقه

وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الفقه لغة الفرع الثاني: تعريف الفقه اصطلاحًا المطلب الثالث: تعريف المستجدة وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المستجدة لغة الفرع الثاني: تعريف المستجدة اصطلاحًا المطلب الرابع: تعريف النكاح, مع بيان رأي القانون في النكاح وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف النكاح لغة الفرع الثاني: تعريف النكاح اصطلاحًا المبحث الثاني: مشروعية الزواج وحكمه والحكمة منه وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مشروعية النكاح في الإسلام المطلب الثاني: حكم النكاح المطلب الثالث: الحكمة من النكاح الفصل الأول: المسائل المستجدة في أحكام الخطبة وفيه مبحثان: المبحث الأول: المسائل المستجدة قبل الخطبة: وفيه خمسة مطالب:

المطلب الأول: إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة المطلب الثاني: رؤية المخطوبة من خلال الصورة أو الإنترنت المطلب الثالث: محادثة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف المطلب الرابع: مراسلة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف المطلب الخامس: حفل الخطوبة المبحث الثاني: المسائل المستجدة بعد الخطبة: وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم الشبكة وفيه أربعة فروع: الفرع الأول: تعريف الشبكة الفرع الثاني: التكييف الفقهي للشبكة الفرع الثالث: حكم رد الشبكة الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في رد الشبكة المطلب الثاني: حكم إجراء الفحص الطبي قبل الزواج وفيه أربعة فروع: الفرع الأول: تعريف الفحص الطبي, وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الفحص الطبي لغة المسألة الثانية: تعريف الفحص الطبي اصطلاحًا الفرع الثاني: إيجابيات وسلبيات الفحص الطبي, وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: إيجابيات الفحص الطبي المسألة الثانية: سلبيات الفحص الطبي الفرع الثالث: حكم الفحص الطبي قبل الزواج الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في الفحص الطبي قبل الزواج الفصل الثاني: المسائل المستجدة في أنواع عقود النكاح وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: حكم إجراء عقد الزواج عبر شبكة الاتصال الدولية (الإنترنت) وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف وسائل الاتصال الحديثة. وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف وسائل الاتصال الحديثة لغة. الفرع الثاني: تعريف وسائل الاتصال الحديثة اصطلاحا. المطلب الثاني: حكم الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي المبحث الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بالزواج للحصول على امتيازات مادية. وفيه فرعان:

الفرع الأول: تعريف الامتيازات المادية لغة. الفرع الثاني: تعريف الامتيازات المادية اصطلاحا. المطلب الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي المبحث الثالث: الزواج العرفي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الزواج العرفي المطلب الثاني: الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج العرفي المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي المبحث الرابع: زواج الفرند (زواج الأصدقاء) وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف زواج (الفرند). المطلب الثاني: الفرق بين زواج (الفرند) والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم زواج (الفرند) المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي المبحث الخامس: الزواج السياحي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف زواج السياحي المطلب الثاني: الفرق بين الزواج السياحي والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج السياحي

المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي المبحث السادس: الزواج المدني وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الزواج المدني المطلب الثاني: الفرق بين الزواج المدني والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج المدني المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي المبحث السابع: زواج المسيار: وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف زواج المسيار المطلب الثاني: الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم زواج المسيار المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي المبحث الثامن: عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات المسلمة وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف المراكز الإسلامية المطلب الثاني: حكم عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث والتوصيات. وختمت البحث بالفهارس الفنية المتعارف عليها.

تمهيد

تمهيد وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بمفردات البحث. المبحث الثاني: مشروعية النكاح وحكمه والحكمة منه.

المبحث الأول التعريف بمفردات البحث

المبحث الأول التعريف بمفردات البحث وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تعريف المسائل لغة واصطلاحًا. المطلب الثاني: تعريف الفقه لغة واصطلاحًا. المطلب الثالث: تعريف المستجدة لغة واصطلاحًا. المطلب الرابع: تعريف النكاح مع بيان رأي القانون في النكاح.

المطلب الأول تعريف المسائل

المطلب الأول تعريف المسائل وفيه فرعان: الفرع الأول: المسائل لغة: المسائل: جمع مسألة، وهي من باب سأل يسأل سؤالاً، وسأله مسألة (¬1)، وفي الحديث: «قد كره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسائل وعابها» (¬2)، وقال ابن منظور (¬3): «أراد المسائل الدقيقة التي لا يحتاج إليها» (¬4). قال النووي (¬5): «المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور (7/ 338)، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 479، والقاموس المحيط للفيروز أبادي، ص 930، مادة (سأل). (¬2) صحيح مسلم (4/ 205)، كتاب اللعان، ح رقم (1492). (¬3) هوجمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري الإفريقي ثم المصري، ولد سنة 630، وتوفي سنة 711، مؤلفاته: اختصر كتاب الأغاني، ورتبه على الحروف، واختصر تاريخ ابن عساكر، وتاريخ الخطيب. انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لابن حجر (4/ 262 - 264)، وبغية الوعاة، للسيوطي (1/ 248). (¬4) لسان العرب، لابن منظور (7/ 339). (¬5) هو أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي، علامة الفقه والحديث، ولد 631، وتوفي سنة 676، مؤلفاته: تهذيب الأسماء واللغات، وتصحيح النية، والتقريب والتيسير. انظر: طبقات الشافعية، للسبكي (8/ 395)، والأعلام، للزركلي (8/ 149) 0

الفرع الثاني: المسائل اصطلاحا

إليها ... أما إذا كانت المسائل مما يحتاج إليه من أمور الدين وقد وقع، فلا كراهة فيها، وليس هو المراد في الحديث» (¬1). وهي تنقسم إلى أقسام بحسب ما تضاف إليه، فقد تكون مسائل فقهية، وهي المرادة في بحثنا، وقد تكون مسائل كلامية، وقد تكون مسائل منطقية وغيرها. الفرع الثاني: المسائل اصطلاحًا: لم أجد بعد البحث عن تعريفها اصطلاحًا إلا تعريف الجرجاني (¬2)، حيث قال: المسائل «هي المطالب التي يبرهن عليها في العلم، ويكون الغرض من ذلك العلم: معرفتها» (¬3). ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم، للنووي (10/ 102). (¬2) هو علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني، ولد في جرجان سنة 740، وقال السيوطي: 704 هـ، وتوفي 816 هـ, من مؤلفاته: حاشية المطول، وحاشية المختصر، وحاشية الكشاف. انظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي، ص 125 وما بعدها، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، للسيوطي (2/ 196). (¬3) التعاريف، للجرجاني، ص 296.

المطلب الثاني تعريف الفقه

المطلب الثاني تعريف الفقه وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الفقه لغة: قال ابن فارس (¬1): «الفاء والقاف والهاء أصل واحد صحيح، يدل على إدراك الشيء والعلم به، تقول: فقهت الحديث أفقهه، وكل علم بشيء فهو فِقه، يقولون: لا يفقه ولا ينقه؛ ثم اختص بذلك علم الشريعة، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام: فقيه (¬2): وقال ابن منظور في اختصاص كلمة الفقه للعلم الشرعي دون غيره: «وذلك لسيادته وشرفه وفضله على سائر العلوم» (¬3)، فالفقه في اللغة له إطلاقان: ¬

(¬1) هو أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، ولد سنة 329 هـ، وتوفي سنة 395 هـ، وهو أصح ما قيل في وفاته، وكان نحويًّا على طريقة الكوفيين، من مؤلفاته: مجمل اللغة، ومقدمة في النحو. انظر: معجم الأدباء، للحموي (1/ 533)، وبغية الوعاة، للسيوطي (1/ 352). (¬2) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 794، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 1151، والمصباح المنير، للفيومي، ص 390، مادة (فقه). (¬3) لسان العرب، لابن منظور (9/ 418).

الفرع الثاني: تعريف الفقه اصطلاحا

الأول: بمعنى الفهم (¬1)؛ لقوله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ} (¬2)، أي لا نفهمه، وقوله تعالى- كما في دعاء موسى (عليه السلام) -: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} (¬3)، أي يفهمونه. الثاني: بمعنى العلم (¬4)؛ لقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (¬5)، أي ليكونوا علماء به. الفرع الثاني: تعريف الفقه اصطلاحًا: اختلف العلماء في تعريف الفقه اصطلاحًا: التعريف الأول: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل، أو بالقوة القريبة (¬6). التعريف الثاني: العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلفين (¬7). التعريف الثالث: التصديق لأعمال المكلفين التي لا تُقصَد لاعتقادٍ بالأحكام الشرعية القطعية مع ملكة الاستنباط (¬8). ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) سورة هود: آية 91. (¬3) سورة طه: آية 27، 28. (¬4) لسان العرب، لابن منظور (9/ 418). (¬5) سورة التوبة: آية 122. (¬6) شرح الكوكب المنير، للفتوحي (1/ 41). (¬7) المستصفى من علم الأصول، للغزالي (1/ 35). (¬8) التقرير والتحبير، لأمير الحاج (1/ 17).

التعريف الرابع: العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال (¬1). التعريف الخامس: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية (¬2). ولعل التعريف المختار هو التعريف الخامس؛ لأن باقي التعاريف لا يخلو من نقد واعتراض؛ بسبب ذكر بعض القيود، وعدم اعتبارها عند آخرين، وأن هذا التعريف قد ارتضاه الأكثر. ¬

(¬1) شرح تنقيح الفصول، للقرافي، ص 21، وزاد الشوكاني عليه (عن أدلتها). انظر: إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، للشوكاني، ص 17. (¬2) فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، لابن عبد الشكور (1/ 10 - 11)، نهاية السول في شرح منهاج الوصول، للإسنوي (1/ 16)، والبدر الطالع في حل جمع الجوامع، للمحلي (1/ 83)، والبحر المحيط، للزركشي (1/ 21)، ونثر الورود على مراقي السعود، للشنقيطي (1/ 36)، وتقريب الأصول، لابن جزي ص 89 - 90، وشرح مختصر الروضة، للطوفي (1/ 120).

المطلب الثالث تعريف المستجدة

المطلب الثالث تعريف المستجدة وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المستجدة لغة: أصلها من (جَدَّ يَجِدُّ جِدَّةً فهو جديد، وهو خلاف القديم، واستجده: إذا أحدثه وصيره جديدًا) (¬1)، فهو بمعنى الأمر الحادث، قال الله تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬2)، بمعنى أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها (¬3)، وجمع مستجدة: مستجدات. الفرع الثاني: تعريف المستجدة اصطلاحًا: له عدة تعاريف عند الباحثين المعاصرين، ومعناه الاصطلاحي قريب من المعنى اللغوي. ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور (2/ 82) , والمصباح المنير، للفيومي، ص 85، بتصرف, ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 179, والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 260، مادة (جدد). (¬2) سورة الطلاق: آية 1. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (21/ 38).

التعريف الأول: (المسائل الحادثة التي لم تقع من قبل، والتي يبحث العلماء حكمها الشرعي؛ ليعرف المسلمون كيف يتصرفون تجاهها) (¬1). التعريف الثاني: (بأنها تلك الموضوعات الفقهية المستجدة على المجتمع نتيجة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وما تبعها من تقييد في سلوكيات وأخلاق الأفراد، وأثير حولها وجهات نظر دينية عديدة) (¬2). التعريف الثالث: (بأنها تلك الموضوعات التي تعبر عن مشكلات فقهية واجتماعية تمس قضايا كلية أو جزئية، أو أمور أصلية أو طارئة على المجتمع، ولها صفة الحداثة، وغالبًا ما تحيط هذه المشكلات، سواء في إدراكها أو تحليلها أو دراستها أو إيجاد حلول لها، وجهات نظر ورؤى مختلفة) (¬3). التعريف الرابع: (هي الوقائع التي تجد وليس لها حكم ظاهر مفصل في المراجع الفقهية القديمة) (¬4). التعريف الخامس: (هي الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد) (¬5). ¬

(¬1) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 26. (¬2) تقويم مقررات الفقه في المرحلة الثانوية في ضوء المستجدات الفقهية المعاصرة، للمالكي، ص 63. (¬3) المرجع السابق. (¬4) الموسوعة الفقهية (1/ 61). (¬5) منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، للقحطاني، ص 90.

والتعريف المختار- في نظري-: هو التعريف الخامس، وذلك للأسباب التالية: 1 - لأنه تعريف جامع مانع. 2 - ولأن لفظة الجديدة تخرج الوقائع القديمة, وفيها اقتصار على المسائل المعاصرة والمستجدة.

المطلب الرابع تعريف النكاح

المطلب الرابع تعريف النكاح وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف النكاح لغة: النكاح في اللغة الضم والتداخل، يقال: تناكحت الأشجار: إذا انضم بعضها إلى بعض، ونكح المطر الأرض: إذا اختلط بثراها، (وسمي النكاح نكاحًا: لما فيه من ضم أحد الزوجين إلى الآخر شرعًا، إما وطئًا أو عقدًا، حتى صارا كمصراعي باب، وزوجي خف) (¬1). ويطلق النكاح على العقد, ويطلق على الوطء، وعلى الوطء والعقد جميعًا، فيقال: نكح فلان امرأة ينكحها نكاحًا، أي تزوجها، ونَكحها أي باضعها، وموضوع نكح في كلام العرب للزوم الشيء راكبًا عليه (¬2). ¬

(¬1) أنيس الفقهاء، للقونوي، ص 141. (¬2) لسان العرب، لابن منظور (2/ 465)، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 237، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 1009، والمصباح المنير، للفيومي، ص 511، وطلبة الطلبة، للنسفي، ص 124، والدر النقي، لابن المبرد (3/ 614)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 345)، مادة (نكح).

الفرع الثاني: تعريف النكاح اصطلاحا

الفرع الثاني: تعريف النكاح اصطلاحًا: عرفه الحنفية بأنه: (عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدًا) (¬1). وعرفه المالكية بأنه: (عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله، غير عالم عاقدها حرمتها، إن حرَّمها الكتاب على المشهور، أو الإجماع على الآخر) (¬2). وعرفه الشافعية بأنه: (عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ترجمته) (¬3). وعرفه الحنابلة بأنه: (عقد يعتبر فيه لفظ نكاح أو تزويج أو ترجمته) (¬4). تعريف الفقهاء متقاربة في المعنى، وإن اختلفت تعابيرهم، وهي في جملتها نؤدي إلى معنى امتلاك المتعة على الوجه المشروع، ولا شك أنه منأغراضه وأوضحها، ولكنه ليس كل أغراضها (¬5). ¬

(¬1) حاشية ابن عابدين (4/ 59، 62)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 341). وألفاظ الحنفية في التعريف متقاربة، ولكنها تعطي نفس الدلالة والمفهوم الشامل. (¬2) شرح حدود ابن عرفة (1/ 235)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 19). وهذا التعريف لبعض المالكية. (¬3) مغني المحتاج، للشربيني (3/ 165)، وأسنى المطالب، للأنصاري (3/ 98). (¬4) كشاف القناع، للبهوتي (11/ 37) , والروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/ 224). (¬5) الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص 17 بتصرف يسير.

فالتعريف المختار (هو عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما، ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات) (¬1). وعرفه قانون الأحوال الشخصية الكويتي في المادة الأولى بأنه: (عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعًا، غايته السكن والإحصان وقوة الأمة) (¬2). ¬

(¬1) الأحوال الشخصية لأبي زهرة ص 17. (¬2) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 9.

المبحث الثاني مشروعية النكاح وحكمه والحكمة منه.

المبحث الثاني مشروعية النكاح وحكمه والحكمة منه. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مشروعية النكاح في الإسلام المطلب الثاني: حكم النكاح المطلب الثالث: الحكمة في النكاح

المطلب الأول مشروعية النكاح في الإسلام

المطلب الأول مشروعية النكاح في الإسلام النكاح مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول أولاً: القرآن الكريم: 1 - قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (¬1). وجه الدلالة: الآية تدل على مشروعية النكاح، كما تدل على مشروعية التعدد. 2 - وقال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ} (¬2). وجه الدلالة: أن الله تعالى جعل لمن لا يستطيع أن ينكح الحرة لعدم المال، وخوفه على نفسه أن يزني، فله أن يتزوج الأمة (¬3). ¬

(¬1) سورة النساء: آية 3. (¬2) سورة النساء: آية 25. (¬3) ذكر القرطبي اختلاف العلماء في معنى الطول على ثلاثة أقوال، وشرطين للزواج بالأمة. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 255 - 227).

3 - وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (¬1). وجه الدلالة: قال القرطبي (¬2): (فالآية الكريمة تدل على الترغيب في النكاح، والحض عليه، وتنهى عن التبتل، وهو ترك النكاح، وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية، والسنة واردة بمعناها) (¬3). 4 - وقال الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬4). وجه الدلالة: قال السعدي (¬5): (إن الله أمر الأولياء والأسياد بإنكاح من تحت ولايتهم من الأيامى، وهم: من لا أزواج لهم من رجال ونساء ثيبات وأبكار، فيجب على القريب وولي اليتيم أن يزوج من يحتاج ¬

(¬1) سورة الرعد: آية 38. (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي المفسر. ولد في أواخر القرن السابع الهجري ما بين (600 - 610 هـ) , وتوفي سنة (671 هـ) , ومن مؤلفاته: التذكار في أفضل الأذكار, والتذكرة, والأسنى في أسماء الله الحسنى. انظر: الوافي بالوفيات، للصفدي 2/ 87, وطبقات المفسرين، للداودي 2/ 69. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (12/ 84). (¬4) سورة النور: آية 32. (¬5) هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي. ولد سنة 1307 هـ، وتوفي 1376 هـ. فقيه حنبلي مفسر أصولي، ومن مؤلفاته: المختارات الجلية في الفقه، وبهجة قلوب الأبرار في الحديث. انظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون، للبسام (3/ 218).

ثانيا: السنة

للزواج ممن تجب نفقته عليه، وإذا كانوا مأمورين بإنكاح من تحت أيديهم، كان أمرهم بالنكاح بأنفسهم من باب أولى) (¬1). ثانيًا: السنة: وردت أحاديث كثيرة تحث على النكاح، منها: 1 - عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم؛ فإن الصوم له وجاء) (¬2). وجه الاستدلال: أن الحديث يحث على الزواج، ويأمر به من كان قادرًا عليه، ويجد مؤنة الزواج، ومن لم يجد مؤنته ولم يكن قادرًا عليه، فعليه بالصوم ليقطع شهوته. 2 - عن أنس: أن نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله من السر ... فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص 787. (¬2) رواه ابن ماجه في سننه (2/ 406 - 407)، كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح، ح (1846)، قال الألباني: حديث حسن. السلسلة الصحيحة (5/ 382)، ح (2383).

يقولون كذا؟ لكني أصلى وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني) (¬1). وجه الاستدلال من الحديث: يدل ويوضح سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدَّ الزواج من سنته، ورغب في سنته، ومن رغب عن سنته إعراضًا، فقد ذمه عليه الصلاة والسلام. 3 - وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (¬2) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) (¬3) (¬4). وجه الاستدلال من الحديث: كسابقيه يحث على الزواج، ويرغب فيه لمن قدر عليه، ومن لم يقدر على الزواج حثه على الصيام؛ ليكسر شهوته، فيحصن نفسه. ¬

(¬1) رواه مسلم في صحيحه (4/ 129)، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، ح (1401). (¬2) ويقال الباهة، وأصلها في اللغة: الجماع، مشتقة من المباءة، وهي المنزل؛ لأن من تزوج امرأة بوَّأها منزلاً. شرح صحيح مسلم، للنووي (9/ 148)، وفتح الباري، لابن حجر (9/ 10). (¬3) الوجاء: رض عروق البيضتين حتى تنفضخا من غير إخراج، فيكون شبيهًا بالخصاء؛ لأنه يكسر الشهوة. المصباح المنير، للفيومي، ص (533)، والمرجعين السابقين. (¬4) رواه مسلم في صحيحه (4/ 128)، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، ح (1400).

ثالثا: الإجماع

ثالثًا: الإجماع: ومما سبق يتبين لنا أن النكاح مشروع، وقد قال ابن قدامه (¬1): «أجمع المسلمون أن النكاح مشروع» (¬2). رابعا: المعقول: لما كان الرجل والمرأة هما شطرا الكائن البشري الذي تقوم عليه تكاليف الحياة وأعباؤها، والتضامن على تأسيس الأسرة الكريمة المستقرة، ولا سبيل إلى تكاثرهما على الوجه النافع إلا بالزواج على وفق ما جاءت به الرسل، ومن ثم حماية الفطرة التي فطر الناس عليها (¬3). ¬

(¬1) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، الإمام شيخ الإسلام. ولد 541 هـ بجماعيل، ومن تصانيفه: المغني شرح مختصر الخرقي، والكافي، والمقنع. توفي سنة 620 هـ بدمشق. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب (3/ 281 - 298). (¬2) المغني، لابن قدامة (9/ 340)، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، للزركشي (5/ 5)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 346)، ومغني المحتاج، للشربيني (3/ 166)، والاختيار لتعليل المختار، للموصلي (3/ 38). (¬3) الزواج العرفي للمطلق ص 58.

المطلب الثاني حكم النكاح

المطلب الثاني حكم النكاح اختلف العلماء في حكم النكاح على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) على أن الزواج مندوب إليه ومستحب في هذه الحالة. أدلة القول الأول: الدليل الأول: قال الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (¬5). وجه الاستدلال من الآية من ثلاثة وجوه: الأول: أن الأمر للاستحباب؛ لأن الله علقه على الاستطابة، ولو كان واجبًا لم يقف على الاستطابة (¬6). ¬

(¬1) حاشية ابن عابدين (4/ 65)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 342)، وقالا: "سنة مؤكدة في الأصح". (¬2) مواهب الجليل، للحطاب (5/ 18، 19)، والمعونة على مذهب أعلام المدينة، للقاضي عبد الوهاب (1/ 473). (¬3) مغني المحتاج، للحصني (3/ 168)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 346) وقالوا مستحب لمن يجد أهبته. (¬4) المغني، لابن قدامة (9/ 340). (¬5) سورة النساء، آية: 3. (¬6) مغني المحتاج، للشربيني (3/ 168)، والحاوي الكبير في فقه الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني، للماوردي (9/ 31)، والمغني، لابن قدامة (9/ 341).

الثاني: قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}، قال ابن قدامة: «ولا يجب ذلك بالاتفاق» (¬1)، ولو كان واجبًا لورد النقل به. الثالث: أن الله تعالى خير بين النكاح والتسري في قوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، والتسري ليس بواجب بالاتفاق، ولا يصح عند الأصوليين التسوية بين الواجب وغيره، فدل على عدم وجوبه (¬2). الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬3). وجه الاستدلال من الآية: أن الله تعالى أمر بالنكاح في هذه الآية، وأن أدنى مراتب الأمر الدلالة على الاستحباب والندب (¬4). الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (¬5). وجه الاستدلال من الآية: أن طلب الأهل والولد هو دين الأنبياء، وأنه مما يحبه الله ويرضاه (¬6). ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة (9/ 341). (¬2) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 31)، وشرح صحيح مسلم، للنووي (9/ 148). (¬3) سورة النور، الآية: 32. (¬4) الشرح الكبير، لابن قدامة (20/ 11)، مطبوع مع الإنصاف والمقنع. (¬5) سورة الرعد، الآية: 38. (¬6) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، للبعلي، ص 290.

الدليل الرابع: حديث ابن مسعود، قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... » (¬1). وجه الاستدلال بالحديث: لما أقام الحديث الصوم مقام النكاح، والصوم ليس واجبًا، دلّ على أن النكاح ليس واجبًا، فلا يقوم غير الواجب مقام الواجب، فيتبين لنا أن النكاح مندوب (¬2). القول الثاني: ذهب الظاهرية (¬3)، وبعض الحنفية (¬4)، وبعض الشافعية (¬5)، والإمام أحمد في رواية (¬6) إلى الوجوب. استدل الظاهرية بظواهر الأدلة، وهي نفس أدلة الجمهور: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (¬7). الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} (¬8). الدليل الثالث: حديث ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب ... فليتزوج ... » (¬9). ¬

(¬1) سبق تخريجه، ص 43 (¬2) فتح الباري، لابن حجر (9/ 13)، وسبل السلام الموصل إلى بلوغ المرام، للصنعاني (6/ 6). (¬3) المحلى، لابن حزم (9/ 573). (¬4) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (2/ 342). (¬5) فتح الباري، لابن حجر (9/ 12). (¬6) المغني، لابن قدامة (9/ 340)، والكافي، لابن قدامة (4/ 212). (¬7) سورة النساء، آية: 3. (¬8) سورة النور، آية: 32. (¬9) سبق تخريجه ص 43.

القول الثالث: ذهب بعض الحنفية إلى أن النكاح فرض كفاية (¬1). دليل القول الثالث: أن الأمر المطلق يحمل على الوجوب، ولا يحمل على التعيين؛ لأن آحاد الناس لا يأثمون بتركه، فيحمل على الفرضية والوجوب الكفائي؛ كالجهاد وصلاة الجنازة (¬2). الرد على الدليل: ويمكن الرد أن هذا التفريق يحتاج إلى دليل، والأدلة السابقة تدل على خلافه. القول الراجح- والله أعلم-: رأي الجمهور القائل بأن الزواج حال الاعتدال أنه سنة ومندوب إليه. وذلك لقوة أدلة هذا القول؛ لوجود القرائن الصارفة عن الوجوب، وسلامة حجتهم؛ لأن النكاح نهج الأنبياء. الحالة الثانية: لحكم النكاح من حيث الشخص، وبعبارة أخرى: أقسام الناس في الزواج، وذلك لأن الأمر مختلف من شخص لآخر من حيث الشهوة والقدرة على القيام بالحقوق والواجبات، ففي هذه الحالة تعتريه الأحكام التكليفية (¬3). 1 - يكون النكاح واجبًا: إذا قدر على مؤنة الزواج، وخاف على نفسه الزنى، ولا يستطيع الاحتراز منه ¬

(¬1) بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 343. (¬2) المرجع السابق. (¬3) حاشية ابن عابدين (4/ 65)، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق، ص 766، والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، لابن جزي، ص 326، والمغني لابن قدامة (9/ 340).

بالصوم، وغلب على ظنه عدم ظلمه للمرأة، وقدرته على أداء الحقوق والواجبات، وترك الحرام واجب، وهو الزنى، ولا يكون إلا بالنكاح، فوجب بحقه. 2 - يكون النكاح حرامًا: إذا كان الشخص لا يخشى على نفسه الزنى، وتيقن أنه سيظلم المرأة بسبب عدم قدرته على أداء حقوقها الجسدية والمادية، أو كان سببًا في ترك الفرائض والواجبات، فيحرم النكاح في حقه. 3 - يكون النكاح مكروهًا: إذا ظن أنه سيظلم زوجته، أو خاف التقصير في أداء الحقوق الزوجية، ونفسه غير تائقة للنكاح، ولا يخشى الوقوع في الزنى. 4 - يكون الزواج مباحًا: إذا كان غير تائق للنكاح ولا يخاف الزنى، وتيقن عدم ظلم المرأة، وكان زواجه للأنس والألفة، وعلمت المرأة ذلك؛ ككبير السن. 5 - يكون الزواج مندوبًا: إذا كانت نفسه تتوق للنكاح، ولا يخاف الوقوع في الزنى، ولا يخاف ظلم المرأة وعدم قدرته على الحقوق والواجبات. وهذه حالة الاعتدال التي وقع فيها الخلاف (¬1) (¬2). ¬

(¬1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق، ص 766، والقوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، لابن جزي، ص 326. (¬2) والمرأة كالرجل في هذه الأقسام إلا في التسري. مواهب الجليل، للحطاب (5/ 20).

المطلب الثالث الحكمة من النكاح

المطلب الثالث الحكمة من النكاح في هذا المطلب حكمة النكاح ومقاصده مسترشدا بكلام الفقهاء رحمهم الله تعالى. قال السرخسي (¬1): «يتعلق بهذا العقد أنواع من المصالح الدينية والدنيوية، من ذلك حفظ النساء، والقيام عليهن والإنفاق، ومن ذلك صيانة النفس عن الزنى، ومن ذلك تكثير عباد الله تعالى وأمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتحقيق مباهاة الرسول - صلى الله عليه وسلم -» (¬2). قال الشاطبي (¬3) - رحمه الله-: «النكاح مشروع للتناسل على القصد الأول، ويليه طلب السكن والازدواج والتعاون على المصالح ¬

(¬1) شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهيل، كان أصوليًا متكلمًا مناظرًا، ومن مؤلفاته: أصول الفقه، والنكت، وأملى المبسوط وهو في السجن. توفي 490 هـ، وقيل: 500 هـ. انظر: تاج التراجم ص 234، 235، والفوائد البهية، للكنوي، ص 159، 158، وطبقات الحنفية، لابن الحنائي (2/ 72، 77). (¬2) المبسوط، للسرخسي (4/ 192، 193). (¬3) هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، توفي 790 هـ، ومن مؤلفاته: الاعتصام والإفادات والإنشادات. انظر: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، ص 48، وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية، ص 231.

الدنيوية والأخروية، من الاستمتاع بالحلال، والنظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء، والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج، ونظر العين، والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد وما أشبه ذلك» (¬1). وهذه المصالح هي: 1 - حفظ النسل أو النسب (¬2): ولا يكون إلا عن طريق الزواج، وباستمراره تكثر الأمة، وتحقق خلافة الإنسان في الكون، وتعمر الأرض، ولهذا جعل الله تعالى الإضرار بالنسل من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (¬3). وكذلك يدخل النكاح على بعض الضروريات؛ كحفظ الدين والنفس والعرض، أما حفظ الدين فجاءت الشريعة بالحث على ذات الدين من الرجال والنساء، فقد جاء في الحديث: «تنكح المرأة لأربع ... فاظفر بذات الدين تربت يداك» (¬4)، وفي الحديث الآخر: ¬

(¬1) الموافقات، للشاطبي (3/ 139). (¬2) انظر اختلاف العلماء في تسمية هذا المقصد، هل هو النسب أو النسل أو البضع؟ . مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، لليوبي، ص 249، 237، والنسل .. دراسة مقاصدية، لزوزو ص 68، 56. (¬3) سورة البقرة، الآيات: 204 - 205. (¬4) رواه البخاري في صحيحه (6/ 149)، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، ح رقم (5090)، ومسلم (4/ 175) في كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، برقم (1466).

«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه؛ فانكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض» (¬1). وأما حفظ النفس؛ فلأنه بالنكاح تبقى الأنفس وتكثر، وكذلك إحصان للزوجين عن الزنى الموجب للحد، ويحفظ الرجل زوجته كيلا تكون مطمعًا لضعفها. وأما حفظ العرض، فلا يخفى على أحد ما للزواج من حفظ عرض البشرية؛ لأن كلا الزوجين يفرغ غريزته الفطرية عند الآخر بالحلال، ويؤجر عليها، وقد جاء في الحديث: «وأحصن للفرج» (¬2)، فهو نص في إحصان الناس من الوقوع في المحرمات والقبائح. وأما حفظ المال، فإن الشريعة أمرت بحفظ المال، وعدم تضييعه، ولا جعله في يد السفهاء، فالذي يجمع المال لكي يتزوج مأجور إذا نوى امتثال أمر الله، وطلب العفة، وبهذا حفظ ماله، وكذلك نفقته على زوجته وعياله له فيها أجر، وفي الحديث: «حتى ما تجعل في في امرأتك» (¬3). ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه ص 336، كتاب النكاح، باب ما جاء من؟ ؟ ؟ ترضون دينه فزوجوه، ح رقم (1085)، وابن ماجه في سننه (2/ 473)، كتاب النكاح، باب الأكفاء، ح رقم (1967). حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 96)، ح رقم (1022). (¬2) سبق تخريجه ص 30. (¬3) رواه البخاري في صحيحه (1/ 24)، واللفظ له, في كتاب الإيمان, باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى، ح رقم (56) , ومسلم في صحيحه (5/ 71) في كتاب الوصية, باب الوصية بالثلث, ح رقم (1628).

2 - العفاف في الزواج هو السبيل لحفظ الزوجين من الوقوع في الفاحشة، والتحصن من الشيطان، ودفع غوائل الشهوة، وذلك باستمتاع كلا الزوجين بالآخر بقضاء الشهوة، وإشباع الغريزة، وهو أمر ضروري للإنسان؛ لأن الله تعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل من كل منهما ميلاً للآخر، ولذا شرع الله الزواج والاستمتاع، وهو مما أحله الله، قال تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (¬1)، وفي الحديث: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة» (¬2). 4 - السكن والمودة والرحمة: يتحقق السكن النفسي للإنسان من متاع الحياة بالزواج، وبه تكون المحبة والألفة والمودة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬3). 5 - في الزواج امتثال لله تعالى، واتباع لسنة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وقد ذكرت الأدلة على ذلك في حكم النكاح (¬4). ¬

(¬1) سورة النساء، آية: 24. (¬2) رواه مسلم في صحيحه (4/ 178)، كتاب الرضاع, باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة, ح رقم (1469). (¬3) سورة الروم، آية: 21. (¬4) سبق ذكره مفصلاً في ص 32.

الفصل الأول المسائل المستجدة في أحكام الخطبة

الفصل الأول المسائل المستجدة في أحكام الخطبة وفيه مبحثان: المبحث الأول: المسائل المستجدة قبل الخطبة. المبحث الثاني: المسائل المستجدة بعد الخطبة.

المبحث الأول المسائل المستجدة قبل الخطبة

المبحث الأول المسائل المستجدة قبل الخطبة وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة المطلب الثاني: رؤية المخطوبة من خلال الصور أو الإنترنت المطلب الثالث: محادثة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف المطلب الرابع: مراسلة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف المطلب الخامس: حفل الخطوبة

المطلب الأول إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة

المطلب الأول إعلان المرأة للزواج في وسائل الاتصال الحديثة الإعلان ضد الأسرار، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (¬1)}، أي سرًّا وعلانية (¬2). وقال ابن فارس: «العين واللام والنون أصل صحيح يدل على إظهار الشيء والإشارة إليه» (¬3). ومما سبق يتبين أن المراد من الإعلان هو إظهار رغبة المرأة في الزواج. وأما المقصود من وسائل الاتصال الحديثة، فمن حيث العموم؛ أي سواء كانت عن طريق الإنترنت- كما في مواقع الزواج، وهي كثيرة في هذا الزمان- أو القنوات الفضائية، أو غيرهما من الوسائل الحديثة. الأصل- غالبًا- أن إظهار الرغبة في الزواج تكون من قبل الرجل؛ لذلك جاءت أغلب الأدلة الشرعية بصيغة المذكر؛ لأن الغالب أن يكون الرجل هو الذي يطلب المرأة؛ للحياء الفطري في المرأة، والأعراف والعادات التي بين الناس، قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} (¬4)، وقوله: {إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ} (¬5)، وقوله: ¬

(¬1) سورة نوح، آية: 9. (¬2) مفردات ألفاط القرآن، للأصفهاني، ص 582. (¬3) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 664. (¬4) سورة النساء، آية: 3. (¬5) سورة الأحزاب، آية: 49.

{فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (¬1)، وغير ذلك من الآيات 0 ومن الأحاديث حديث ابن عمر (رضي الله عنهما): نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه (¬2) 0 وحديث جابر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل» (¬3). حديث فاطمة بنت قيس أنها خطبها معاوية وأبو جهم، فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليهما، وخطبها لأسامة (¬4). وغير ذلك من الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة، التي تدل على أن الغالب أن المُخاطَب فيها الرجل، وأن هذا ما جرى عليه العرف والعادة بين الناس. ويجوز كذلك للولي أن يعرض ابنته أو أخته على الرجل ¬

(¬1) سورة النساء، آية: 25. (¬2) رواه البخاري في صحيحه (6/ 166)، كتاب النكاح، باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع، ح رقم (5142). (¬3) رواه أبو داود في سننه (3/ 19 - 20)، كتاب النكاح، باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها، ح رقم (2075). قال الألباني: حديث حسن. الإرواء (6/ 200). (¬4) رواه مسلم في صحيحه (4/ 196)، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها، حديث (1480) (39)، ورواه أحمد في مسنده (45/ 317)، حديث (27333)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 288)، كتاب النكاح، باب التعريض بالخطبة، ح (14015)، وصححه الشيخ شعيب الأرناءوط في تحقيق المسند، وهو من متابعات مسلم.

الصالح، وكان هذا ما عليه السلف وأهل الدين والعلم والصلاح إلى يومنا هذا، لا يتحرجون في ذلك (¬1). ومن الأدلة على ذلك: قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (¬2). قال القرطبي: «فيه عرض الولي ابنته على الرجل، وهذه سنة قائمة» (¬3). وعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه)، أنّ عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصه بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي (¬4)، وكان من أصحاب رسول الله فتوفي بالمدينة، قال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألاَّ أتزوج يومي هذا، قال عمر: فقليت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، ¬

(¬1) أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، للأشقر، ص 38. (¬2) سورة القصص، آية: 27. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (16/ 261). على خلاف بين المفسرين هل ولي المرأة شعيب (عليه السلام) أم غيره؟ على أقوال. تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (6/ 12 - 13). (¬4) خنيس- بالتصغير- بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، أخو عبد الله، كان من السابقين، وهاجر إلى الحبشة، ثم رجع فهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا، وأصابته جراحة يوم أحد فمات منها، وكان زوج حفصة بنت عمر، فتزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعده. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (3/ 321).

فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إيّاه ... » (¬1). ويجوز للمرأة كذلك أن تبدي رغبتها في الزواج من الرجل الصالح، وإن كان الأفضل في حقها أن تلمح لوليها برغبتها في الزواج دون التصريح؛ لقوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} (¬2). ويمكن ان يستدل بهذه الآية: بما قالته لأبيها أنها تلمح (¬3) له برغبتها بالزواج. الأدلة على مشروعية إظهار المرأة رغبتها في الزواج من الرجل الصالح، سواء مباشرة أم لا، منها قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ}. وجه الدلة من الآية: أن المرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه، وأظهرت رغبتها في أن تهب نفسها له لكي يتزوجها (¬4). عن سهل بن سعيد، «أن امرأة عرضت نفسها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رجل: يا رسول الله، زوِّجنيها، فقال: "ما عندك"؟ فقال: ما عندي شيء، قال: "فالتمس ولو خاتمًا من حديد ... » (¬5). الحديث ¬

(¬1) رواه البخاري (6/ 158 - 159)، كتاب النكاح، باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، ح رقم (5122). (¬2) سورة القصص، آية: 26. (¬3) موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (20916): 20916 http://islamqa.info/ar/ref/ (¬4) تفسير القرآن العظيم (6/ 212). (¬5) رواه البخاري في كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح (6/ 129)، ح (5121)، ومسلم في صحيحه (4/ 143)، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن.

صريح في عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح للزواج، ولو كان الأمر غير جائز لما أقره النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأنكر عليها، ولكن سكوته عليه السلام دليل الجواز (¬1). وعلى هذا نقول بجواز عرض المرأة نفسها في وسائل الاتصال الحديثة إن لم يَشُبْها شيء من المحرمات؛ كالمواقع التي تعرض صور النساء الراغبات بالزواج وهي حاسرة الرأس، وبلباس يظهر تقاسيم جسمها، ووضع رقم هاتفها أو بريدها الإلكتروني، فهذا محرم لأجل ما شابَه من المحرمات، وأما أصل العرض فجائز، وإن كنت أرى أن أفضل طريقة هي التي تكون عن طريق المشايخ المحتسبين، الذين يدلون الشباب الراغب في الزواج على النساء الراغبات في الزواج. ¬

(¬1) فتح الباري (9/ 80)، وإحكام الأحكام، لابن دقيق، ص 785، وسبل السلام، للصنعاني (6/ 20).

المطلب الثاني رؤية المخطوبة من خلال الإنترنت

المطلب الثاني رؤية المخطوبة من خلال الإنترنت الأصل عند جمهور العلماء جواز النظر إلى المخطوبة (¬1)، بل نقل ابن قدامة الإجماع على ذلك، وقال: «لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها» (¬2). وهذا الإجماع فيه نظر (¬3)، ولعله نقله من باب أن الذي خلافه غير معتبر (¬4)، وأن أصحاب المذاهب المشهورة أجمعوا على ذلك، وأن من خالف تمسك بعموم الأدلة الناهية عن النظر إلى المرأة، وقد خص بأدلة الجمهور. واستدل الجمهور بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) حاشية ابن عابدين (4/ 67)، وحاشية الخرشي على مختصر خليل (4/ 122)، ومغني المحتاج (3/ 172)، والمغني (9/ 489). (¬2) المغني، لابن قدامة (9/ 489). (¬3) بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 938)، وشرح معاني الآثار، للطحاوي (3/ 14). (¬4) نقله الطحاوي عن قوم لم يسمهم، انظر: فتح الباري (9/ 88).

"أنظرت إليها"؟ قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا» (¬1). 2 - حديث المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه)، أنه خطب امرأة، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» (¬2). 3 - حديث سهل بن سعد، أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصعدد النظر إليها وصوبه ... » (¬3). 4 - حديث جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل» (¬4). وبعد ذكر أدلة الجمهور على جواز نظر الخاطب إلى مخطوبته، فإن النظر عن طريق الإنترنت لا يخلو من حالتين: ¬

(¬1) صحيح مسلم (4/ 142)، كتاب النكاح، باب ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها لمن يريد تزوجها، ح (3550). (¬2) رواه الترمذي في سننه، ص 336، كتاب النكاح، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة، ح (1087)، واللفظ له، والنسائي في سننه (6/ 378)، كتاب النكاح، باب إباحة النظر إلى المرأة قبل التزويج، ح (3235)، وابن ماجه في سننه (2/ 419)، كناب النكاح، باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ح (1866)، قال البوصيري: صحيح رجاله ثقات. (¬3) رواه البخاري (6/ 160)، كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، ح (5126). (¬4) رواه أبو داود في سننه (3/ 19)، كتاب النكاح، باب الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها، ح (2075)، ورواه الحاكم (2/ 165) وصححه وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

الحالة الأولى: أن تكون الرؤية عن طريق صورة (¬1) لها تُرسل عن طريق الكمبيوتر، وقد اختلف العلماء المعاصرون فيها على قولين: القول الأول: عدم جواز رؤية المخطوبة عن طريق الصورة، وهو قول الشيخ ابن باز وابن عثيمين واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬2). أدلة أصحاب القول الأول: 1 - حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» (¬3). ¬

(¬1) وأما نفس التصوير الفوتوغرافي فقد اختلف فيه العلماء، فمنهم من حرمه، واستدل بالأحاديث المتوعدة المصورين بالعذاب، ومنهم من أباحه، وحمل أحاديث التصوير على المجسمات، والأولى ترك التصوير، وعدم التساهل فيه إلا لحاجة وضرورة أو مصلحة عامة. انظر: فقه السنة، لسيد سابق (2/ 54)، وأحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لواصل، ص 312، والقيود الواردة على الحرية في مجال الصناعة، لإبراهيم ص 214. (¬2) فتاوى إسلامية، للمسند (3/ 128)، وموسوعة الزواج الإسلامي السعيد للمصري، ص 288، وموقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (4027): http://islamqa.info/ar/ref/, وأحكام التصوير في الفقه الإسلامي لواصل، ص 576، ومجموع فتاوى ومقولات متنوعة، لابن باز (1/ 437)، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (1/ 711). (¬3) رواه البخاري في صحيحه (7/ 88)، كتاب اللباس، باب مَن صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفح فيها الروح وليس بنافخ، ح (5963).

2 - حديث عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصورون» (¬1)، وغيرهما من الأدلة الدالة على تحريم التصوير، وقد جاءت بصيغة العموم لتشمل جميع أنواع التصوير (¬2). الرد على وجه الاستدلال: أن الأدلة جاءت في التصوير اليدوي، وأن هناك فرقًا بين التصوير الآلي والتصوير اليدوي (¬3). المناقشة: إن هذا التفريق لا دليل عليه، وإن ما يخرج من الآلة يسمى صورة، ومن يصور يسمى مصورًا وإن كان لا يشمله النص الصريح؛ لأنه ليس باليد، وليس فيه مضاهاة لخلق الله، إلا أنه ضرب من ضروب التصوير، ويقتصر في الإباحة على الضرورة؛ كالجنسية وغيرها (¬4). 3 - أن الصورة لا تعطي حقيقة الأمر بالنسبة للمصور، فقد يُدخل عليها تعديلات تجملها، وهو ما يعرف بعملية التحريف ¬

(¬1) رواه البخاري في صحيحه (7/ 85)، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، ح (5950). (¬2) أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لواصل، ص 109. (¬3) الحلال والحرام في الإسلام، للشيخ يوسف القرضاوي، ص 110، تفسير آيات الأحكام، لمحمد السايس وآخرين (4/ 431). (¬4) روائع البيان، للصابوني (2/ 416).

والدبلجة، وهذه جهالة لحقيقة المصوّر، وإزالتها تكون بالرؤية البصرية (¬1). 4 - قد تتجمل المخطوبة في الصورة، فـ"تتمكيج" لتظهر صورتها أجمل مما هي عليه في الواقع (¬2). الرد على الدليلين: أن ما يحذر منه الخاطب قد يكون في الرؤية البصرية، فقد "تتمكيج" المرأة وتتجمل وتمتشط بالوسائل الحديثة (¬3). المناقشة: إنه في حالة الرؤية البصرية يمكن أن تفعل ذلك، لكنه يكون ظاهرًا للخاطب، والتدليس فيه يسير بخلاف الصور (¬4). 5 - أنه ربما يشارك الخاطب غيره في رؤية صورة المخطوبة، وقد ينسخها وينشرها (¬5). 6 - وربما تبقى الصورة عند الخاطب ويعدل عن الخطبة، ويتلذذ بالنظر إليها، ويُريها للناس، فتكون سببًا لوقوعهم في الزنى (¬6). ¬

(¬1) فتاوى إسلامية (3/ 128)، وخطبة النكاح، لعتر، ص 225، وأحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لواصل، ص 576، وخطبة النكاح لعتر 225. (¬2) المراجع السابقة. (¬3) أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، ص 577. (¬4) المرجع السابق. (¬5) أحكام الزواج في الكتاب والسنة، للأشقر، ص 61، وأحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لواصل ص 581. (¬6) المرجعين السابقين.

الرد على الدليلين: أن الصورة تكون بأيدي أمينة، بحيث ترجع الأمانة إلى أصحابها (¬1). المناقشة: إن الخاطب قد ينسخ الصورة قبل أن يرجعها (¬2). القول الثاني: يجوز إرسال صورة المخطوبة للخاطب (¬3). وزاد الدكتور عمر الأشقر أنه يتأكد الجواز إذا كان في مكان ناءٍ بعيد (¬4). أدلة القول الثاني: 1 - استدلوا بأدلة جواز النظر إلى المخطوبة (¬5). وجه الدلالة: أن الصور داخلة في الأحاديث السابقة. 2 - القياس على النظر المباشر من باب قياس الأولى (¬6). الرد على الدليلين: بعدم التسليم وعدم صحة القياس، وإذا ¬

(¬1) خطبة النكاح، لعتر، ص 226. (¬2) أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لواصل، ص 581. (¬3) خطبة النكاح، لعتر، ص 225، وأحكام النظر إلى المخطوبة، لحسون، ص 92، وخطبة النساء في الشريعة الإسلامية، للعطار، ص 117، وأحكام الزواج في الكتاب والسنة، للأشقر، ص 61، وموسوعة الزواج الإسلامي السعيد، للمصري، ص 288، وأفراحنا ما لها وما عليها، للسلمي، ص 73. (¬4) أحكام الزواج، للأشقر، ص 61. (¬5) سبق ذكر بعض الأدلة، ص 61. (¬6) أحكام النظر إلى المخطوبة، لحسون، ص 92.

سلمنا، فإن المرجع إلى الشرع، فإن الزواج يصح بدون الرؤية لو لم يرها الخاطب، وإن الشرع عندما لم يستطع الخاطب رؤية مخطوبته عدل إلى إرسال امراة تراها، وتخبر عنها، ولو لغير الوجه والكفين؛ لحديث أنس (رضي الله عنه)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أم سليم تنظر جارية فقال: "شمي عوارضها، وانظري عرقوبيها" (¬1). الترجيح: الراجح- والعلم عند الله- القول الأول القائل بعدم جواز رؤية المخطوبة عبر الصور. 1 - أن الشرع أجاز رؤية المخطوبة رؤية مباشرة، فلا يعدل إلى غيرها؛ لما فيه من الضرر. 2 - قوة أدلتهم ووجاهتها. 3 - أن الشرع لما عدل عن رؤية المخطوبة؛ جعل بدلاً عنها إرسال امرأة تنظر إليها، وتخبره بأوصافها. 4 - أن الصورة تخالف الواقع، وتدخل بسببها مفاسد على المرأة، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح. الحالة الثانية: أن تكون الصور متحركة، أي تصوير فيديو، وترسل للخاطب حتى يراها، ولا تخلو من حالتين: ¬

(¬1) رواه أحمد في مسنده (21/ 105 - 106)، ح (13424)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 137)، كتاب النكاح، باب من بعث بامرأة لتنظر إليها، ح (13501)، قال الهيثمي: "رجال أحمد ثقات". مجمع الزوائد (4/ 279)، والحاكم في مستدركه (2/ 166)، وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وحسنه الأرناءوط في تحقيق المسند.

إما أن تصور مقطعًا ثم ترسله، أو تكون مباشرة عن طريق برامج الكمبيوتر. القول الأول: عدم جواز تصوير الفيديو لرؤية المخطوبة (¬1). أدلة القول الأول: 1 - الأدلة السابقة في تحريم التصوير (¬2). 2 - التعليلات السابقة التي ترد على الصورة (¬3). 3 - أن شريط الفيديو المسجل قد يكون قديمًا. 4 - أن تصوير الفيديو وإن كان حيًّا بخلاف الصورة، إلا أنه لا يسلم من الضرر، وأن التصوير لا يكون كالحقيقة. القول الثاني: يجوز تصوير المخطوبة عن طريق الفيديو، وقالت وزارة الأوقاف الكويتية بالكراهة (¬4). أدلة القول الثاني: 1 - الأدلة السابقة في جواز رؤية المخطوبة (¬5)، وأن الصور ¬

(¬1) وهو مقتضى قول من قال بتحريم الصور الثابتة الفوتوغرافية. المراجع السابقة، ص 65، وفقه السنة (2/ 144). (¬2) سبق ذكرها ص 65 وما بعدها. (¬3) سبق ذكرها ص 66 وما بعدها. (¬4) مجموعة الفتاوى الشرعية (18/ 478)، والمراجع السابقة في القول بجواز إرسال الصورة للخاطب ص؟ ؟ ؟ ، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 103، وموقع الإسلام سؤال وجواب، رقم الفتوى: http://islamqa.info/ar/ref/166249. (¬5) سبق في ص 63 وما بعدها.

المعاصرة داخلة في معنى النصوص (¬1). 2 - أن صورة تصوير الفيديو قريبة من الحقيقة، وتنتفي فيها المحاذير التي في الصورة الفوتوغرافية. الرد: صحيح أنها أخف من الصورة الفوتوغرافية، ولكنها لا تسلم من المحاذير، وقد لا تسلم من الذين لا يخافون الله، الذين يسرقون ما في أجهزة الناس (¬2). الترجيح- والله أعلم-: أرجح الرأي القائل بعدم الجواز؛ لأن الشرع أغنانا عن هذه الوسائل التي لا تخلو من محظور، وأن من لم يستطع رؤية المخطوبة يرسل امرأة تراها له كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) سبق الرد عليه ص 68 وما بعدها. (¬2) وهو ما يسمى بالقرصنة المعلوماتية: (وهي سرقة امعلومات من برامج وبيانات مخزنة في دائرة الحاسوب بصورة غير شرعية، أو نسخ برامج بصورة غير شرعية، بعد تمكن مرتكب هذه العملية من الحصول على كلمة السر، أو بواسطة النقاط الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن الحاسب الآلي أثناء تشغيله، وباستخدام هوائيات موصلة بحاسبة خاصة) جرائم الحاسي الآلي، المناعسة وآخرون ص 153. .

المطلب الثالث محادثة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف

المطلب الثالث محادثة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف محادثة المخطوبة لا تخلو من حالتين: إما أن تكون مع المكالمة صورة ينظر إليها، سواء كان عن طريق الكمبيوتر، أو عن طريق الهواتف الحديثة، فإنها في هذه الحالة تدخل مسألتنا هذه في حكمها تحت مسألة النظر إلى صورة المخطوبة السابقة (¬1)، وإما أن تكون المكالمة صوتية فقط، أي: بدون رؤية صورتها. تحرير محل النزاع: - إن كان الخاطب قد عقد على المخطوبة، فإنه يجوز له ذلك، سواء كان بصورة أو بدون صورة؛ لأنها أصبحت زوجته بمجرد العقد عليها، وتحل له. - إن كانت المكالمة قبل الخطبة وللتعارف، ولم يعزم على خطبتها، ولا يعرف هل يقبل به أهل المخطوبة، فلا يجوز له مكالمتها (¬2). ¬

(¬1) انظر: ص 63. (¬2) أحكام الخطبة في الفقه الإسلامي، لرجوب ص 208.

واختلف العلماء في مكالمة الخاطب للمخطوبة بعد الموافقة عليه على قولين. القول الأول: لا يجوز محادثه الخاطب لمخطوبته. وهو قول الشيخ ابن العثيمين (¬1). أدلة القول الأول: 1 - حديث جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها ... » (¬2). وجه الاستدلال: «أن ينظر منها»، ولم يقل أن يسمع منها (¬3). الرد: يمكن أن يرد على وجه الاستدلال أن الشرع قد أذن له بالرؤية، وهي أعظم من الكلام، فالكلام من باب أولى. المناقشة: يمكن أن يناقش الرد بأننا نسلم لكم في الرؤية، وقد بين الشرع العلة منها، ولكن لا نسلم لكم في المحادثة، أي بعد الخطبة والرؤية الشرعية، وأما المحادثة في أثناء الرؤية، فقد وردت ¬

(¬1) الشرح الممتع، للعثيمين (12/ 21)، فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 67)، الفتوى نصت على المراسلة، ويقاس عليها المكالمة، وأن الصوت أعظم فتنة من الرسالة. موقع الإسلام سؤال وجواب، رقم الفتوى (13791)، http://islamqa.info/ar/ref/13791. وفتوى الشيخ صالح الفوزان بعدم الجواز. (¬2) سبق تخريجه ص 64. (¬3) الشرح الممتع (12/ 21).

بذلك أحاديث (¬1). وبعد الرؤية لا يجوز له مكالمتها؛ لأنه رجل أجنبي عنها، فلا يحل له أن يكلمها، وقد جاء في الحديث (¬2) أن المشروع للمرأة التصفيق إذا سها الإمام وهي في المسجد، وفي جمع من الرجال والنساء، فما بالك في غيرها. 2 - أنه ليس هناك حاجة لمخاطبتها في الهاتف؛ لأن الحاجة قد انقضت برؤيته لها، وأنه رأى ما يدعوه إلى نكاحها (¬3). 3 - أنها مدخل للشيطان، وتدفعهما إلى معصية الله تعالى بالتلذذ بصوتها وهي أجنبية عنه، أو الدخول في كلام فاحش بعد استدراج الشيطان لهما. 4 - أن المكالمات قد تكون سببًا لخروجها معه، وخلوته بها وهي محرمة عليه، والخلوة بها كذلك. 5 - الإسراف في الجلوس على المكالمات لساعات طويلة تضييع لوقت المسلم. 6 - أن المكالمة قد تسجل، وإذا لم تتم الخطبة فقد يهدد ¬

(¬1) رواه البخاري (6/ 147) في كتاب النكاح، باب إلى من ينكح؟ وأي النساء خير؟ وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب، ح (5082)، ومسلم (7/ 182) في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، ح (2527)، واللفظ لمسلم. (¬2) رواه البخاري (2/ 76) في كتاب العمل في الصلاة، باب التصفيق للنساء، ح (1203)، ومسلم (2/ 27) في كتاب الصلاة، باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة، ح (953). (¬3) أحكام الخطبة في الفقه الإسلامي، لرجوب، ص 208.

الخاطب المخطوبة بنشر صوتها وما قالته له، فتستغل استغلالاً سيئًا. القول الثاني: يجوز للخاطب محادثة مخطوبته. وهو قول الشيخ صالح الفوزان (¬1). ويرى الشيخ الأشقر (¬2) والشيخ عبد الله بن جبرين- رحمه الله (¬3) - أن تكون في حدود الحاجة. أدلة القول الثاني: 1 - كان النساء يراجعن الرجال في شأن الزواج ويحادثنهم (¬4). الرد: يمكن أن يرد على هذا الدليل بأن هذه المحادثات كانت وقت الرؤية الشرعية، وكلامنا عن المكالمات التي بعد الخطبة والرؤية. 2 - أنه يمكن للخاطبين التشاور في المكالمة لإعداد بيت الزوجية، والتعاون على كثير من القضايا التي تهمهما. ¬

(¬1) المنتقى للفوزان (3/ 145)، رقم الفتوى (349)، وأحكام الزواج في الكتاب والسنة، للأشقر، ص 62، وموسوعة الزواج الإسلامي السعيد، للمصري، ص 295، وموقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى 13704، http://islamqa.info/ar/ref/13704، وموقع إسلام ويب، رقم الفتوى: (15127): http://www.islamweb.net/mainpage/nindex.php? page=result&q, وشروط جواز الكلام والتنزه مع الخطيبة. خطبة النساء في الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية، للعطار، ص 125، والزواج وموجباته في الشريعة والقانون، فيض الله، ص 25 - 26. (¬2) أحكام الزواج في الكتاب والسنة للأشقر، ص 62. (¬3) موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى ابن جبرين على موقع إسلام ويب، رقم الفتوى 15127. (¬4) أحكام الزواج في الكتاب والسنة للأشقر، ص 62.

شروط من أجاز محادثة المخطوبة: 1 - أن تكون بعلم من ولي المخطوبة وبموافقته. 2 - أن تكون بقدر الحاجة. 3 - ألا تخضع بالقول، ولا تتكلم إلا بالمعروف. 4 - ألا يجد طريقًا آخر يبلغها عبره بما يريده؛ كأخته أو أخيها أو رسالة (¬1). الترجيح: الراجح- والعلم عند الله-: عدم جواز مكالمة الخاطب للمخطوبة بعد الرؤية لأمور: 1 - قوة أدلة القول الأول، ومناقشتهم لأدلة القول الثاني. 2 - صعوبة توفر الشروط كاملة في حال المكالمة. 3 - المخاطر التي تجلبها المكالمة على المرأة في حال عدل الخاطب عن الخطبة. ¬

(¬1) فتوى ابن جبرين على موقع الإسلام سؤال وجواب، رقم الفتوى 13704، وأحكام الزواج في الكتاب والسنة للأشقر ص 62.

المطلب الرابع مراسلة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف

المطلب الرابع مراسلة المخطوبة من خلال الإنترنت أو الهاتف هذه المسألة كسابقتها، أي نستطيع أن نخرجها على مسألة مكالمة المخطوبة بالصوت من دون صورة، وإن كانت المراسلة أخف من الصوت، إلا أنها تشوبها المحاذير التي تشوب المكالمة، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، فالخلاف فيها كالخلاف في المسألة السابقة، والله أعلم.

المطلب الخامس حفل الخطوبة

المطلب الخامس حفل الخطوبة الناظر في حفل الخطوبة يجد الحفل إما أن يكون بعد العقد أو لا، فإن كان بعد العقد، فإنها قد تدخل في الوليمة المشروعة، وفي حديث أنس بن مالك (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: "ما هذا؟ "، قال: يا رسول الله، إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: "فبارك الله لك، أوْلِم ولو بشاة" (¬1). وإن لم تكن بعد العقد، فلا تخلو من حالتين: الأول: إما أن تكون من باب إكرام الضيف، وتكون للمحبة والألفة، بأن يزور أهل الزوج أهل الزوجة أو العكس، فيفعلون لهم وليمة إكرامًا لهم وتقديرًا. وهذه تدخل في الأدلة التي جاءت للأمر بإكرام الضيف، ومنها حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله ¬

(¬1) رواه البخاري (6/ 169)، كتاب النكاح، باب كيف يدعى للمتزوج، ح رقم (5155)، ومسلم (4/ 144)، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، ح رقم (3475).

واليوم الآخر؛ فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا أو ليصمت» (¬1). الثانية: أن يكون حفل الخطبة في بيت أهل الزوجة، ويتحمل تكاليفه الخاطب وأهله غالبًا، وتكون تكاليفها ضخمة، وتتجاوز المألوف بين الناس، ويكون فيها اختلاط ورقص، ويلبس الخطيب خطيبته دبلة أو شبكة، ويخلوان ببعضهما، وتكون موسيقى وأغانٍ، وتلتقط فيها الصور التذكارية، وكل يرغب في التصوير مع الخاطب أو المخطوبة، وغير ذلك من الأمور، فهذه مخالفات شرعية قد حرمها الشرع (¬2)، وهي في الحقيقة تقليد للكفار (¬3)؛ فإنهم يعملون ذلك، وقد يدخل الكافر على خطيبه وينجب منها أولادًا، ثم بعد ذلك يتزوجها، وتراه يسافر مع خطيبته وهو لم يتزوجها، وقد أمرنا الشرع بمخالفتهم. ¬

(¬1) رواه البخاري (7/ 136)، كتاب الأدب، باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه، ح (6138)، ومسلم (1/ 49)، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا من الخير، وكون ذلك كله من الإيمان، ح (182). (¬2) فقه الأسرة المسلمة في المهاجر، للعمراني (1/ 296)، والزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، للترمانيني، ص 73. (¬3) انظر: النهي عن مشابهة الكفار. اقتضاء الصراط المسنقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 95).

المبحث الثاني المسائل المستجدة بعد الخطبة.

المبحث الثاني المسائل المستجدة بعد الخطبة. وفيه مطلبان: المطلب الأول: أحكام الشبكة. المطلب الثاني: حكم إجراء الفحص الطبي

المطلب الأول أحكام الشبكة

المطلب الأول أحكام الشبكة وفيه ثلاثة فروع: الفرع الأول: تعربف الشبكة. وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الشبكة لغة: قال ابن فارس: «شبك: الشين والباء والكاف أصل صحيح يدل على تداخل الشيء ... ويقال بين القوم شبكة نسب، أي مداخلة، ومن ذلك الشبكة» (¬1). المسألة الثانية: تعريف الشبكة اصطلاحًا: التعريف الأول: «وهي ما يقدمه الخاطب لمخطوبته من الحلى» (¬2). ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 526، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، ص 869، والمصباح المنير، للفيومي، ص 249، مادة: شبك. (¬2) قانون الأحوال الشخصية عقد الزواج، لحسن، ص 33، بتصرف.

الفرع الثاني: التكييف الفقهي للشبكة

التعريف الثاني: «عبارة عن هدية يُعطيها الخاطب مخطوبته» (¬1). التعريف الثالث: «وهي ما يقدمه الخاطب إلى المخطوبة عند الخطبة، وبمناسبتها من أشياء ذات قيمة غالبًا ما تكون حُليًّا، وفي بعض الحالات تكون مبلغًا من النقود» (¬2). وأرى أن التعريف الثالث أرجح لأمرين: 1 - أن التعريف الأول نص على الحلي، والتعريف الثالث يشمل الحلي وغيرها من الهدايا. 2 - أن التعريف الثاني نص على أنها هدية، والشبكة قد تكون هدية، وقد تكون مهرًا. الفرع الثاني: التكييف الفقهي للشبكة: الشبكة هي ما يقدمه الخاطب للمخطوبة، ولا تخلو من حالتين: إما أن تكون صداق أو هدية، وكلاهما مشروع: الأدلة على مشروعية الصداق (¬3) بالكتاب والسنة والإجماع. الأدلة من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (¬4). ¬

(¬1) أفراحنا ما لها وما عليها، للسلمي، ص 81. (¬2) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كليلة، ص 183. (¬3) قال النووي: «وله أسماء: الصداق، والصدقة، والمهر، والأجر، والعقد، والعليقة». روضة الطالبين، للنووي (3/ 312). (¬4) سورة النساء، آية: 4.

2 - قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (¬1). 3 - قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (¬2). الأدلة من السنة: 1 - حديث أنس بن مالك: ... إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، قال: "فبارك الله لك، أولم ولو بشاة" (¬3). 2 - عن أنس بن مالك، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها» (¬4). 3 - حديث سهل بن سعد: «التمس ولو خاتمًا من حديد ... » (¬5) وقد أجمع العلماء على مشروعيتها (¬6) بالجملة. ¬

(¬1) سورة النساء، آية: 20. (¬2) سورة النساء، آية: 4. (¬3) سبق تخريجه. (¬4) رواه البخاري (6/ 121)، كتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، ح (5086)، ومسلم (4/ 144)، كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، ح (3556). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 434)، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 965، 966)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 367)، والمبدع شرح المقنع، لابن مفلح (7/ 120).

الأدلة على مشروعية الهدية (¬1): الأدلة من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} (¬2). 2 - قوله تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (¬3). الأدلة من السنة: 1 - عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقبل الهدية، ويثيب عليها» (¬4). 2 - عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «تهادوا تحابوا» (¬5). 3 - عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن (¬6) شاة» (¬7). ¬

(¬1) قال الراغب الأصفهاني: "والهدية مختصة باللطف الذي يهدي بعضنا إلى بعض". مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 840. (¬2) سورة النمل، آية: (35). (¬3) سورة النمل، آية: (36). (¬4) رواه البخاري (3/ 181)، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب المكافأة في الهبة، ح (2585). (¬5) رواه البخاري في الأدب المفرد، ص 203، باب قبول الهدية، ح (594)، قال الألباني: حسن. إرواء الغليل (6/ 44)، والتلخيص الحبير، لابن حجر (3/ 152)، كتاب الهبة، ح (1353). (¬6) الفرسن: عظم قليل اللحم. فتح الباري، لابن حجر (5/ 234). (¬7) رواه البخاري (3/ 176)، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، ح (2566).

وقد أجمع العلماء على مشروعيتها (¬1). مما سبق يتبين لنا أن الشبكة إما مهر أو هدية، وكلاهما مشروع. تحرير محل النزاع: إذا صرح الخاطب بأن الشبكة من المهر أو هدية، فالأمر على ما قال الخاطب. وإذا لم يصرح الخاطب في الشبكة: هل هي مهر أو هدية؟ فإننا نرجع في ذلك إلى العرف السائد في تحديد الشبكة، والعرف جارٍ على أنها هدية (¬2). وأسباب اعتبار العرف عند عدم تصريح الخاطب: الأول: أن القاعدة الفقهية تقول: «المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا» (¬3)، أي إن ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم وتصرفاتهم، فإنه يعتبر كالمشروط بينهم. ¬

(¬1) نتائج الأفكار تكملة فتح القدير، لقاضي زاده (7/ 113)، ومواهب الجليل، للحطاب (8/ 3، 4)، وكفاية الأخيار، للحصني (1/ 307)، والفوائد المنتخبات، لابن جامع (2/ 895). (¬2) خطبة النساء في الشريعة الإسلامية، للعطار، ص 137، وقانون الأحوال الشخصية عقد الزواج، لحسن، ص 33، وفقه الأسرة المسلمة في المهاجر، للعمراني (1/ 296)، وأحكام الأحوال الشخصية في الغرب، للرافعي، ص 222، 223. (¬3) شرح القواعد الفقهية، الزرقا، ص 237، والمفصل في القواعد الفقهية، للباحسين، ص 452، والوجيز، للبورنو، ص 306.

الفرع الثالث: حكم رد الشبكة

الثاني: أن تعريف الخطبة اصطلاحًا: «طلب الرجل يد امرأة معينة تحل له شرعًا في الحال للتزوج بها» (¬1). ولا يجب بمجرد الطلب الصداق، بل يجب في حال العقد عليها أو الدخول بها. الفرع الثالث: حكم رد الشبكة مما سبق من الترجيح في تكييف الشبكة أنها في حكم الهدية. تحرير محل النزاع: - أجمعوا أن الهبة التي يراد بها الصدقة لوجه الله تعالى لا يجوز لأحد الرجوع فيها (¬2). - وأنه لا فرق بين حكم الهدية والهبة (¬3). واختلف العلماء في حكمها على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجوز الرجوع مع الكراهة التحريمية. وهو مذهب ¬

(¬1) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، للدريني (2/ 459)، ومحاضرات في عقد الزواج وآثاره، لأبي زهرة، ص 55، وأحكام الزواج والطلاق في الإسلام، لأبي العينين، ص 41. (¬2) بداية المجتهد، لابن رشد (4/ 1542)، والمغني، لابن قدامة (8/ 279)، وفتح الباري، لابن حجر (5/ 278)، والاستذكار، لابن عبد البر (22/ 312). (¬3) فتح الباري، لابن حجر (5/ 278).

الحنفية (¬1)، وقول عند الشافعية (¬2)، وقال بعض الحنفية: لا يصح الرجوع إلا بتراضيهما، أو بحكم حاكم (¬3). أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «الرجل أحق بهبته ما لم يُثبْ منها» (¬4). وجه الدلالة: أن هذا الحديث نص في الباب، وأنه جعل الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض (¬5). الرد: ويمكن الرد أن هذا الحديث ضعيف ولم يصح. الدليل الثاني: الرجوع في الهبة مذهب عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر وغيرهم ¬

(¬1) بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 193)، والاختيار لتعليل المختار، للموصلي (2/ 541). واشترطوا خلوها من موانع سبعة: 1 - الزيادة المتصلة. 2 - موت أحد المتعاقدين. 3 - العوض. 4 - خروج الهبة من ملك الموهوب. 5 - الزوجية. 6 - القرابة. 7 - هلاك العين الموهوبة. انظر: حاشية ابن عابدين (8/ 505، 513). (¬2) كفاية الأخيار، للحصني (1/ 309). (¬3) نتائج الأفكار تكملة فتح القدير مع الهداية، لقاضي زاده (7/ 135). (¬4) سنن ابن ماجه (3/ 130)، كتاب الهبات، باب من وهب هبة رجاء ثوابها، وقال البوصيري: "إسناده ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع". تعليقات مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه. مطبوع مع السنن. (¬5) بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 193).

(رضي الله عنهم أجمعين) ولم يُعلَم لهم مخالفٌ، فكان إجماعًا (¬1). الرد: لا نسلم لكم بأنه إجماع؛ لأن علماء الأصول اختلفوا على الإجماع السكوتي؛ هل يعتبر إجماعًا أم لا؟ (¬2). القول الثاني: لا يجوز الرجوع في الهبة إلا الوالد (¬3). وهو مذهب المالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6) (¬7). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ليس ¬

(¬1) بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 1193). (¬2) الفصول في الأصول، للجصاص (3/ 303)، والمستصفى، للغزالي (1/ 358)، وشرح مختصر الروضة، للطوفي (3/ 78). (¬3) ليس على إطلاقه، بل جعل له المالكية شرطين: 1 - ألاَّ يتزوج الابن. 2 - ألاَّ يكون عليه دين. بداية المجتهد (4/ 1542)، وجعل له الحنابلة شروطًا: 1 - أن تكون عينًا باقية في ملك الابن. 2 - أن تكون العين باقية في تصرف الولد 3 - ألاَّ تزيد زيادة متصلة. كشاف القناع، للبهوتي (10/ 151)، والكافي، لابن قدامة (3/ 599، 601). (¬4) بداية المجتهد، لابن رشد (4/ 1542)، وحاشية الخرشي، للخرشي (7/ 427) ويسمونه الاعتصار. (¬5) مغني المحتاج (2/ 518)، وكفاية الأخيار (1/ 309). (¬6) المغني، لابن قدامة (8/ 277)، والإنصاف مع الشرح الكبير، للمرداوي (17/ 81). (¬7) وهناك قول للمالكية والحنابلة أن للأم أن ترجع في هبتها. بداية المجتهد (4/ 1542)، وقال بعض الحنابلة ترجع المرأة مطلقًا، وقيل: إن وهبت مخافة غضبه أو إضرار بها، بأن يتزوج عليها ونحو ذلك. شرح الزركشي (4/ 311، 312).

لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» (¬1). وجه الدلالة من الحديث: وجه الدلالة ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة (¬2). الرد على وجه الدلالة من وجهين: الأول: شبه بالكلب لخسة الفعل، ولدناءة الفاعل (¬3). الثاني: أن فعل الكلب لا يوصف بالحرمة الشرعية، بل بالقبح (¬4). مناقشة الوجهين: الوجه الأول: يناقش بأنه تأويل بعيد ومنافرة لسياق الحديث (¬5). الوجه الثاني: أن هناك أحاديث وردت في النهي عن أمور، ولم يفهم منها إلا التحريم، مثل في الصلاة نهْيٌ عن إقعاء الكلب ونقر الغراب ونحوهما (¬6). ¬

(¬1) صحيح البخاري (3/ 192)، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، ح (2622)، ومسلم (5/ 64)، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، ح (4261)، واللفظ للبخاري. (¬2) شرح صحيح مسلم، للنووي (11/ 54)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوري (6/ 333). (¬3) الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (2/ 542). (¬4) بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 194). (¬5) فتح الباري، لابن حجر (5/ 279)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوري (6/ 332). (¬6) تحفة الأحوذي، للمباركفوري (6/ 332).

الدليل الثاني: عن ابن عمر وابن عباس (رضي الله عنهم)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه» (¬1). وجه الدلالة: وجه الدلالة من الحديث ظاهر في التحريم (¬2)، وأنه نص في المسألة. الرد: يحمل على نفي الحِلِّ من حيث المروءة والخلق، لا من حيث الحكم، ويحتمل أنه رجع إليه بلا قضاء ولا رضاه (¬3). المناقشة: سبق مناقشتهم في الدليل السابق من وجهين (¬4)، ويضاف هنا أن هذا نص واضح في عدم الحل، فلا يحتمل تأويلاتهم. ¬

(¬1) سنن الترمذي، ص 619، كتاب الولاء والهبة، باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة، ح (2131)، وأبو داود (4/ 194)، كتاب البيوع، باب الرجوع في الهبة، ح (3533)، والنسائي (6/ 576)، كتاب الهبة، باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، ح (3692)، وابن ماجه (3/ 126)، كتاب الهبات، باب من أعطى ولده ثم رجع فيه، ح (2377) دون زيادة: "ومثل الذي يعطي .. ". صححه الترمذي، وقال الألباني: صحيح. إرواء الغليل (6/ 65)، كتاب الوقف، باب الهبة، ح (1624). (¬2) تحفة الأحوذي، للمباركفوري (6/ 333). (¬3) بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 194). (¬4) انظر ص 90.

القول الثالث: وهو القول بالتفصيل: إن كان الرجوع من قبل الخاطب، فلا تسترد الهدايا، وإن كان الرجوع من قبل المخطوبة؛ فللخاطب استرداد الهدايا إلا لعرف أو شرط (¬1). أدلة القول الثالث: لم تذكر المراجع أدلة لهذا القول، وأدلة القولين السابقين لا تتكيَّف مع هذا التفصيل، وقد علل بعض العلماء لهذا القول فقال: "حتى لا يجمع على المهدى إليه بين ألم العدول وألم الاسترداد، إن لم يكن هو الذي عدل عن الخطبة" (¬2). الرد على الدليل: ويمكن الرد أن هذا تعليل في مقابل أدلة ثابتة صريحة الدلالة، فلا يصرف إلا بأدلة مثلها. الترجيح: الذي يظهر لي- والعلم عند الله- القول الثاني، وهو قول الجمهور القائل بعدم الرجوع إلا الوالد لولده، لأمور: 1 - صحة أدلة القول الثاني. 2 - ضعف أدلة القول الأول. ¬

(¬1) حاشية الدسوقي (2/ 219 - 220)، وقال: "الأوجه الرجوع عليها إذا كان الامتناع من جهتها إلا لعرف أو شرط". والشرح الصغير لدردير مع حاشية الصاوي (2/ 348)، وقال: "وقيل: إن كان الرجوع من جهتها فله الرجوع عليها؛ لأنه نظير شيء لم يتم". (¬2) الأحوال الشخصية، لأبي زهرة، ص 39، 40.

الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في رد الشبكة

3 - وضوح الأدلة في الدلالة على الحكم في القول الأول. 4 - عدم وجود أدلة في القول الثالث للرد على القول الثاني. الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في رد الشبكة جاء في المادة الخامسة من القانون الكويتي: «إذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة وليس ثمة شروط أو عرف: أ- فإن كان عدوله بغير مقتضًى، لم يسترد شيئًا مما أهداه إلى الآخر. ب- وإن كان العدول بمقتضًى، استرد ما أهداه إن كان قائمًا، أو قيمته يوم القبض إن كان هالكًا أو مستهلكًا» (¬1). ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 10، 11.

المطلب الثاني حكم إجراء الفحص الطبي

المطلب الثاني حكم إجراء الفحص الطبي وفيه أربعة فروع: الفرع الأول: تعريف الفحص الطبي لغة واصطلاحًا وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريف الفحص الطبي لغة: الفحص لغة: الفاء والحاء والصاد أصل صحيح، وهو كالبحث عن الشيء، يقال: فحصت عن الأمر فحصًا، وأفحوص القطا: موضعها في الأرض؛ لأنها تفحصه (¬1)، وهو فحيصي ومفاحصي وفاحصني، كأن كلاًّ منهما يفحص عن عيب صاحبه وسره (¬2)، فحصت عن الشيء: إذا استقصيت في البحث عنه (¬3). والفحص: طلب في بحث، وكذا التفتيش (¬4). ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 808. (¬2) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 577. (¬3) المصباح المنير، للفيومي، ص 377. (¬4) الكليات للكفوي، ص 245.

المسألة الثانية: تعريف الفحص الطبي اصطلاحا

الطبي لغة: طب: مثلثة الطاء: علاج الجسم والنفس، وتدل على علم بالشيء ومهارة فيه، وفي المثل: أعمل عملَ مَن طبَّ لمن حب (¬1). المسألة الثانية: تعريف الفحص الطبي اصطلاحًا: لأن الفحص الطبي قبل الزواج من المسائل المعاصرة، فقد اختلف فيه العلماء المعاصرون، وذلك بحسب الفحوصات التي في بلدانهم، وسأذكر بعضًا من تلك التعاريف: التعريف الأول: هو القيام بالكشف على الجسم بالوسائل المتاحة لمعرفة ما به من مرض (¬2). التعريف الثاني: هو بحث واستقصاء حالة الشخص والمرض وأعراضه لديه، عن طريق الكشف على المريض، وسؤاله عما يجد من أعراض ونحو ذلك (¬3). التعريف الثالث: هو الكشف الذي يجريه الطبيب للمريض، بقصد معرفة العلة، والوصول إلى تشخيص المرض (¬4). ¬

(¬1) لسان العرب، مادة (طب)، والقاموس المحيط، ص 114، ومقاييس اللغة، ص 592، والمصباح المنير، ص 300. (¬2) فقه القضايا الطبية المعاصرة للقرة داغي والمحمدي، ص 255، 256. (¬3) الفحوصات الطبية قبل الزواج، لأبي حالة، ص 42. (¬4) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 58.

الفرع الثاني: إيجابيات الفحص الطبي وسلبياته

التعريف المختار: هو فحص المقبلين على الزواج قبل عقد القران في مراكز محددة لهذه الغاية؛ للكشف عن احتمالية حملهما لأمراض وراثية، أو معدية، أو مضرة يترتب عليها عدم استقرار الحياة الزوجية، وتقديم المشورة المناسبة لحالتيهما (¬1). وسبب اختياره أنه: 1 - نص على أنه للمقبلين على الزواج، وباقي التعاريف أطلقت الفحص فيشمل المقبلين على الزواج وغيرهم. 2 - ذكر المراكز المحددة للفحص الطبي، بخلاف التعاريف الأخرى التي لم تُشِر إلى ذلك. 3 - نص على أنه فحص للأمراض الوراثية أو المعدية، بخلاف التعاريف الأخرى. الفرع الثاني: إيجابيات الفحص الطبي وسلبياته وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إيجابيات الفحص الطبي. 1 - الفحص الطبي قبل الزواج يعتبر من أنجح وسائل الوقاية؛ للحد من الأمراض الوراثية، والأمراض المعدية. والفحص في دولة ¬

(¬1) الفحص الطبي قبل الزواج، لصفوان محمد، ص 28.

الكويت قائم على الأمراض الوراثية والأمراض المعدية فقط (¬1). 2 - الفحص الطبي يساعد على حماية الحياة الزوجية من بعض المشكلات التي تكون سببًا في الفرقة (¬2). 3 - الفحص الطبي يحاول التقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين، وإيجاد نسل سليم؛ لأن سلامة الأبدان مقصد من مقاصد الشريعة (¬3). 4 - بسبب الفحص الطبي يمكن معرفة مدى قدرة الخاطب والمخطوبة على الإنجاب أو عدمه، وكذلك قدرتهما على ممارسة الجنس، وإشباع كل منهما لرغبة الآخر بصورة طبيعية، والتأكد من عدم وجود عيوب عضوية. وهذا مما لا يفحص عنه في الكويت (¬4). 5 - نتائج الفحص الطبي إذا كانت سلبية؛ فإنها تتيح الفرصة لكل من الخاطبين أن يعدل عن الخطبة قبل العقد إذا كان هناك ما يدعو لذلك، وهذا لا شك أيسر وأسهل من الفسخ بعد العقد، ¬

(¬1) مستجدات فقهية للأشقر ص 84، وفقه القضايا الطبية المعاصرة، للقرة داغي والمحمدي ص 260، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 63. (¬2) الفحص الطبي قبل الزواج لأبي كليلة ص 189، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 66، وأحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 216. (¬3) فقه القضايا الطبية المعاصرة، للقرة داغي والمحمدي ص 261، ومستجدات فقهية للأشقر ص 84، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 67. (¬4) الفحص الطبي قبل الزواج لأبي كليلة ص 199، والفحوصات الطبية لأبي حالة، ص 65، ومستجدات فقهية للأشقر ص 85 ..

المسألة الثانية: سلبيات الفحص الطبي

أو الطلاق بعد النكاح (¬1). 6 - العلاج المبكر من هذه الأمراض إن كانت مما يمكن علاجه، وذلك بسبب الكشف عنها بالفحص (¬2). 7 - يمكن منع الغش بين الخاطبين بالفحص الطبي، فقد يخفي أحد الخاطبين بعض العيوب في جسمه، فتكتشف بالفحص قبل حصول الدخول (¬3). 8 - بالفحص الطبي يُكشف عن الأمراض التي لا تمنع الحمل، ولكنها تؤثر في الحمل والولادة والذرية (¬4). 9 - بالفحص الطبي يتحقق الاطمئنان والسكن، من خلال معرفة الطرفين بخلوهما من الأمراض المعدية أو الوراثية (¬5). المسألة الثانية: سلبيات الفحص الطبي: 1 - هناك احتمال التلاعب أو الخطأ بنتائج الفحص الطبي، لاسيما في ظل ضعف الوازع الديني، مما يلحق الضرر البالغ بمن ¬

(¬1) أحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 216، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 62. (¬2) أحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 217، وفقه القضايا الطبية المعاصرة، للقرة داغي والمحمدي ص 261، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 66. (¬3) أحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 217، ومستجدات فقهية للأشقر ص 85. (¬4) فقه القضايا الطبية المعاصرة، للقرة داغي والمحمدي ص 260، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 65. (¬5) فقه القضايا الطبية المعاصرة، للقرة داغي والمحمدي ص 261، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 66.

تزوج وهو مطمئن إلى النتائج، ثم يُفاجأ بالحقيقة (¬1). 2 - توهم الناس أن إجراء الفحص الطبي سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا أمر غير صحيح؛ لأن الفحص يبحث في مرضين أو ثلاثة، وليس في كل الأمراض الوراثية (¬2). 3 - نتائج الفحص الطبي تترك آثارًا اجتماعية سيئة، وآلامًا نفسية على الخاطبين أو أحدهما، إذا تبين ما يمنع استقرار الحياة الزوجية، خاصة إذا كان هناك رغبة شديدة في حصول الزواج (¬3). 4 - توهم الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض الوراثية المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو أمر غير صحيح على إطلاقه (¬4). 5 - نتائج الفحص الطبي احتمالية في العديد من الأمراض، وهي ليست دليلاً صادقًا على اكتشاف الأمراض المستقبلية، مما يجعل هناك ضحايا للفحص الطبي (¬5). ¬

(¬1) أحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 217، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 70. (¬2) الفحص الطبي قبل الزواج لأبي كليلة ص 200. (¬3) أحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 217، والفحوصات الطبية لأبي حالة ص 68. (¬4) الفحوصات الطبية لأبي حالة ص 69، والفحص الطبي قبل الزواج لأبي كليلة ص 200. (¬5) مستجدات فقهية، للأشقر ص 86، وأحكام الخطبة في الفقه الاسلامي، للرجوب ص 217.

الفرع الثالث: الفحص الطبي قبل الزواج

6 - عدم المصداقية بعض الأحيان في أداء الفحص الطبي قبل الزواج، بحيث يصبح هذا الفحص مجرد شهادة تُعطى للفاحصين دون فحصهم، إما لمعرفة أو قرابة أو محسوبية أو واسطة أو رشوة من المال، ويكثر في البلاد التي تنتشر فيها الرشاوى، في حال إلزام الدولة المواطنين بالفحص الطبي قبل الزواج (¬1). الفرع الثالث: الفحص الطبي قبل الزواج تحرير محل النزاع: اتفق العلماء المعاصرون على أن الفحص الطبي مهم ومطلوب، واختلفوا في إلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج (¬2) على قولين: القول الأول: لا يجوز إجبار الناس على إجراء الفحص الطبي، لكن يشجع الناس، وينشر هذا الوعي في الوسائل المختلفة، وممن قال بهذا: الشيخ عبد العزيز بن باز (¬3)، وعبد الكريم زيدان (¬4)، ومحمد رأفت عثمان (¬5)، ومحمد عبد الستار الشريف (¬6). ¬

(¬1) الفحوصات الطبية لأبي حالة ص 69، والفحص الطبي قبل الزواج لأبي كليلة ص 200. (¬2) وهذا ما يفهم من أدلتهم الآتية الذكر. (¬3) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، لأسامة الأشقر، ص 92. (¬4) الفحوصات الطبية قبل الزواج، لأبي حالة، ص 309. (¬5) الفحص الطبي قبل الزواج والأحكام الفقهية المتصلة به، لأبي كليلة، ص 158. (¬6) فقه القضايا الطبية المعاصرة، ص 283، ومستجدات طبية معاصرة، ص 315، والفحوصات الطبية قبل الزواج، ص 309، وأثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية، ص 56، والفحص قبل الزواج، د. عبد الرشيد قاسم، موقع صيد الفوائد: http://www.saaid.net/mktarat/alzawaj/75.htm، والفحص الطبي قبل الزواج والأحكام الفقهية المتصلة به، ص 158، وفتاوى إسلامية للمسند؟ ؟ ؟ (3/ 108، 109).

أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "يقول الله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» " (¬1). وجه الدلالة من الحديث: يدل الحديث على أن المتقدم للزواج ينبغي له أن يحسن الظن بالله تعالى، ويتوكل عليه، ولا حاجة للفحص الطبي، خصوصًا أنه يمكن أن يعطي نتائج غير صحيحة (¬2). الرد على وجه الدلالة: أن إجراء الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح شرعية راجحة، ويدرأ مفسدة متوقعة، وليس مضادًّا لحسن الظن بالله، والتوكل عليه، وقد قال الشيخ محمد العثيمين- رحمه الله-: «التوكل هو الاعتماد على الله في حصول المطلوب، ودفع المكروه، مع الثقة به، وفعل الأسباب المأذون فيها ... فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب نقص توكله على الله ... ومن ألغى الأسباب، فقد طعن ¬

(¬1) رواه البخاري (8/ 216)، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، ح (7405)، ومسلم (8/ 62)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، ح (2675). (¬2) الفحوصات الطبية قبل الزواج، لأبي حالة، ص 309، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 92، 93.

في حكمة الله، والنبي (صلى الله عليه وسلم) أعطى المتوكلين، ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب» (¬1) (¬2)، فيتبين لنا مما سبق أن الأخذ بالأسباب الحافظة للإنسان، والرافعة عنه الضرر هي من التوكل، وليست مضادة له. الدليل الثاني: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» (¬3). وجه الدلالة: لم يقل (صلى الله عليه وسلم): «وصحته»، والأصل أن الإنسان سليم، وقد اكتفى بالأصول الدين والخلق (¬4). الرد على وجه الدلالة: أن هذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وأن الصلاح يشمل صلاحه من الأمراض، وقد جاء في الحديث: «فاذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئًا». (¬5) وفي حديث جابر (رضي الله عنه)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أم سليم فقال: "شمي عوارضها، وانظري إلى عرقوبها ... » (¬6). ¬

(¬1) القول المفيد على كتاب التوحيد، لابن العثيمين (2/ 87، 88). (¬2) شرح العقيدة الواسطية، للعثيمين، ص 150، 151، والتنبيهات السنية على العقيدة الواسطية، لرشيد، ص 56، 57، وفتح المجيد، لابن عبد الوهاب، ص 407، 408. (¬3) سبق تخريجه ص 52. (¬4) الفحص قبل الزواج، د. عبد الرشيد محمد قاسم، موقع صيد الفوائد: http://www.saaid.net/mktarat/alzawaj/75.htm. (¬5) سبق تخريجه ص 64. (¬6) سبق تخريجه ص 69.

وجه الدلالة: أن ما فعلته أم سليم ما هو إلا فحص متواضع للمرأة، بأن تشم رائحتها (¬1)، وتنظر إلى عرقوبها. الدليل الثالث: أن تصرفات ولي الأمر في جعل الأمور المباحة واجبًا، إنما تجب الطاعة فيها إذا تعينت فيها المصلحة أو غلبت؛ للقاعدة الفقهية: «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة» (¬2)، وإلزام الناس بالكشف قبل الزواج فيه مفسدة عظيمة (¬3). الرد على الدليل: ويمكن الرد: طاعة الإمام مقيدة بعدم الأمر بمعصية، وما دام يدعو إلى ما فيه مصلحة للمسلمين؛ فيحب طاعته، والإلزام بالفحص فيه مصلحة محققة تعود إلى الفرد والمجتمع. الدليل الرابع: أن أركان النكاح وشروطه جاءت بها الأدلة الشرعية، وإيجاب أمر على الناس وجعله شرطًا تزيُّدٌ على شرع الله، فهو شرط باطل، ¬

(¬1) مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 729، وفيه: "العِرْض: ريح الإنسان طيبة كانت أم غير طيبة. (¬2) المنثور في القواعد، للزركشي (1/ 309)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 185، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 309، والفوائد الجنية، للفاداني (2/ 123). (¬3) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 161، والفحوصات الطبية، لأبي حالة، ص 309، والفحص قبل الزواج، د. عبد الرشيد محمد قاسم، موقع صيد الفوائد.

وفي الحديث: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله؛ فهو باطل» (¬1). الرد على الدليل: الحديث وإن كان عامًّا، إلا أنه مخصوص بالولاء، وجاء في خاتمته: "إنما الولاء لمن أعتق"، ومع هذا فإن اشتراط الفحص الطبي لا يتعارض مع مقاصد الزواج في الإسلام، ولا ينافي مقتضى عقد الزواج، وزواج الأصحاء يستمر بخلاف المرضى، ويتحقق به حفظ النسل (¬2). الدليل الخامس: أن الكشف قد يعطي نتائج غير صحيحة (¬3). الرد على الدليل: ويمكن الرد: أن هذا الدليل لا يُسلَّم له، فقد وصل الطب الحديث إلى مرحلة أن الغالب في نتائجه الصحة. القول الثاني: يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي؛ بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطائه شهادة تثبت أنه لائق طبيًّا، وممن قال به: محمد الزحيلي، وناصر الميمان، وحمداتي ماء العينين، ومحمد شبير، وعارف علي وغيرهم (¬4)، وهو ما أفتت به إدارة الفتوى في وزارة ¬

(¬1) رواه البخاري (3/ 39)، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، ح (2168). (¬2) أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية، للعشي، ص 65. (¬3) فتاوى إسلامية للمسند (3/ 109). (¬4) الفحص الطبي قبل الزواج، ص 157، 158، وأحكام الخطبة في الفقه الإسلامي، لرجوب، ص 210، 211، ومستجدات طبية معاصرة، للنجار، ص 206، والفحوصات الطبية، لأبي حالة، ص 301.

الأوقاف الكويتية (¬1). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (¬2). وجه الدلالة في الآية: الآية صريحة في طاعة ولي الأمر فيما يدعو الناس إليه إن لم يأمرهم بمعصية (¬3)، ومادام أنه يأمرهم بما فيه مصلحة لهم؛ فيجب طاعته، والإلزام بالفحص فيه مصلحة للفرد والمجتمع؛ فيجب طاعته فيه. الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬4). وجه الدلالة من الآية: أن ترك الفعل الذي فيه مصلحة محققة يؤدي إلى الهلاك، وهناك تقرير في الآية: {ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم} (¬5)، والفحص الطبي سبب للوقاية من بعض الأمراض المعدية التي تنتقل بالزواج، فيتعين إجراؤه لتتجنب الأسرة الهلاك. الدليل الثالث: قال تعالى: {قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} (¬6). ¬

(¬1) مجموعة الفتاوى الشرعية (12/ 300)، وموقع المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: http://www.dawatalhak.com/newsdetails.asp? id=111 (¬2) سورة النساء، آية: 59. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 428، 429). (¬4) سورة البقرة، آية: 195. (¬5) المحرر الوجيز، لابن عطية (2/ 147). (¬6) سورة آل عمران، آية: 38.

وجه الدلالة من الآية: أن زكريا (عليه السلام) دعا ربه أن يرزقه نسلاً صالحًا (¬1)، والمحافظة على النسل من مقاصد الشريعة التي جاءت لحفظها (¬2)، فلا مانع أن يحرص الإنسان على أن يكون نسله المستقبلي صالحًا غير معيب، ويتحقق بالفحص الطبي (¬3). الدليل الرابع: عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا يوردن ممرض على مصح» (¬4). وجه الاستدلال بالحديث: نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن اختلاط الأصحاء بالمرضى؛ حفاظًا على صحتهم، ووقاية لهم من الأمراض المعدية والوراثية، وهذا لا يعلم إلا بالفحص الطبي (¬5) (¬6). ¬

(¬1) جامع البيان في تفسير القرآن، للطبري (3/ 167)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (5/ 109). (¬2) سبق الكلام على النسل ص 51. (¬3) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 159، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 93، 94. (¬4) رواه البخاري (7/ 40)، كتاب الطب، باب لا هامة، ح (5774)، ومسلم (7/ 31)، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول، ولا يوردن ممرض على مصح، ح (5922). (¬5) الفحص الطبي قبل الزواج، لصفوان، ص 72، والفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 159، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 95، وتحفة العروس، للاستانبولي، ص 46. (¬6) ومثل هذا الحديث: «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، وقول عمر (رضي الله عنه): نفر من قدر الله إلى قدر الله.

الدليل الخامس: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كنت عند النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «أنظرت إليها؟ "، قال: لا، قال: "فاذهب فانظر إليها؛ فإنه في أعين الأنصار شيئًا» (¬1). وجه الاستدلال من الحديث: أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) الرجل بالنظر إلى عينها، وما ذلك إلا لعيب فيها: المراد صغرها، وقيل: زرقة، وما هذا إلا فحص أولى بسيط للمخطوبة (¬2). الدليل السادس: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة (¬3)، ولا صفر، وَفِرَّ من المجذوم (¬4) كما تفر من الأسد (¬5)». ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 64، ومثله حديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فصعد فيها النظر وصوبه. رواه البخاري (6/ 164) كتاب النكاح، باب السلطان ولي ح (5135)، ووراه مسلم (4/ 143)، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد ح (1425). (¬2) أحكام الخطبة في الفقه الإسلامي، لرجوب، ص 212، وشرح صحيح مسلم، للنووي (9/ 179). (¬3) الهامة: الرأس، وأما الهامة في الطير فليست في الحقيقة طيرًا، إنما هو شيء كما كانت العرب تقوله: إن روح القتيل الذي لا يُدرَك ثأره تصير هامة». معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 1022. (¬4) الجذام: هو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فتفسد مزاج الأعضاء. فتح الباري، لابن حجر (10/ 167). (¬5) رواه البخاري (7/ 22)، كتاب الطب، باب الجذام، ح (5707).

وجه الدلالة من الحديث: مثل وجه الدلالة في الدليل الرابع. الدليل السابع: القاعدة الفقهية «المشقة تجلب التيسير» (¬1). يمكن القول بأن وجه ارتباط هذه القاعدة بالفحص الطبي، أن المشقة التي تحصل للمكلف بسبب الزواج من المرض تُرفع بإلزام الناس بالفحص الطبي، وأن هناك من الأمراض المخيفة التي يُخشى على الزوجين منها، والإقدام على الزواج دون معرفة تلك الأمراض يهدد كيان الأسرة، وإذا علم أحدهما بأن الآخر مصاب بأحد هذه الأمراض المزمنة أو الخطيرة أو الوراثية، فينبغي له أن يمتنع عن الزواج دفعًا للضرر (¬2). الدليل الثامن: القاعدة الفقهية تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة (¬3). وجه الدلالة بهذه القاعدة: أن تصرف الإمام ونوابه على الشعب متعلق بالمصلحة والمنفعة لهم، ومن ثم إذا رأى ولي الأمر أن المصلحة والمنفعة في إلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج كان له ذلك؛ درءًا للضرر، وجلبًا للنفع، أما إذا انتفت المصلحة والمنفعة للناس، فلا يجوز الإلزام، وأن فعل الإمام يتعلق بالأمور العامة، ولابد أن يكون موافقًا ¬

(¬1) المنثور في القواعد، للزركشي (3/ 169)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 124، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 157. (¬2) الفحوصات الطبية، ص 305. (¬3) سبق ذكرها ص 103.

للشرع؛ بألا يخالف نصوصه ولا القواعد الكلية والمبادئ العامة (¬1). الدليل التاسع: القاعدة الفقهية «الدفع أقوى من الرفع» (¬2). وجه الدلالة بهذه القاعدة: أنه إذا أمكن دفع الضرر باكتشاف الأمراض وعلاجها قبل الدخول في مداخل الزواج، فهذا أولى وأفضل من اكتشافها بين الأفراد بعد الدخول في مراحل الزواج، ومحاولة علاجها والسيطرة عليها (¬3) (¬4). الترجيح: الراجح- والله أعلم- القول الثاني، وهو القول بإلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج؛ وذلك للأسباب التالية: 1 - وضوح استدلاله من النصوص الشرعية. 2 - موافقته للقواعد الفقهية ومقاصد الشريعة. 3 - فيه الجمع بين القولين؛ بحيث إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل وحسن الظن بالله. ¬

(¬1) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 154، والفحوصات الطبية، لأبي حالة، ص 305، ومستجدات طبية معاصرة، للنجار، ص 310. (¬2) المنثور في القواعد، للزركشي (2/ 155)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 210، والفوائد الجنية، للفاداني (2/ 200). (¬3) الفحص الطبي قبل الزواج، لأبي كيلة، ص 155، والفحوصات الطبية، لأبي حالة، ص 304. (¬4) واستدلوا كذلك بالقواعد التالية: «الضرر يزال»، و «المصالح المرسلة». المرجعين السابقين.

الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في الفحص الطبي قبل الزواج

4 - صحة شرط إجراء الفحص الطبي قبل الزواج؛ لأنه من الشروط التي تحقق منفعة لأحد المتعاقدين أو لكليهما، فضلاً عن أنه شرط لا يتعارض مع نص، بل إنه يحقق الاستعداد والاستمرار المنشودين لعقد الزواج في الشريعة الإسلامية (¬1). الفرع الرابع: رأي القانون الكويتي في الفحص الطبي قبل الزواج: أخذ القانون الكويتي بإلزام الراغبين في الزواج بإجراء الفحص الطبي، وإخراج شهادة تشهد بذلك، حيث جاء في القانون رقم (31) لسنة 2008، بشأن الفحص الطبي للراغبين في الزواج قبل إتمام الزواج، في المادة الأولى ما يلي: على راغبي الزواج إجراء الفحوصات الطبية التي تفيد خلوهم من الأمراض المعدية والوراثية، ويثبت ذلك بشهادة صحية يبين فيها أن الزواج آمن أو غير آمن، تصدرها وزارة الصحة (¬2). الأمراض التي يُفحص عنها الراغبون في الزواج هي: 1 - الزهري (¬3): وهو مرض تناسلي معدٍ ومزمن يصيب جميع أجزاء الجسم؛ حيث تحدث به إصابات مختلفة ذات صور متعددة، وهو ناتج عن الإصابة ببكتريا حلزونية الشكل تشبه الخيط الرفيع. ¬

(¬1) أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية، للعشي، ص 66. (¬2) انظر: القرار في الملحق ص 289. (¬3) الموسوعة الطبية الحديثة (8/ 1075)، وموقع "صحة" الطبي: http://www.sehha.com/diseases/id/syphilis/syphilis.htm

2 - التهاب الكبد الفيروسي (¬1): وهو التهاب فيروسي يصيب خلايا الكبد، ويؤدي إلى تدمير الخلايا، وتقليل كفاءة عمل وظائف الكبد، مما يسبب تليُّف الكبد. 3 - الإيدز (¬2): وهو مرض يسببه فيروس يهاجم خلايا الجهاز المناعي المسئولة عن الدفاع عن الجسم ضد أنواع العدوى المختلفة، وأنواع معينة من السرطان. 4 - الأنيميا المنجلية (¬3): وهي إحدى أمراض الدم الوراثية، وينتج عنها تغيير في شكل كريات الدم الحمراء، حيث تصبح هلالية الشكل، وينتج عنها نقص نسبة الأكسجين فيها. 5 - الثلاسيميا (¬4): وهو أحد أمراض الدم الوراثية التي تتميز بانخفاض نسبة خضاب الدم، وقِصَر عمر كريات الدم الحمراء، فينتج عن ذلك فقر دم (أنيميا). ¬

(¬1) الموسوعة الطبية الحديثة (4/ 538 - 541)، وموقع طب العرب: http://medicine-arab.blogspot.com/html 6974 blog-post 02/2008 (¬2) الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، للباز (129). (¬3) الموسوعة الطبية الحديثة (2/ 282 - 285)، وموقع الوراثة الطبية: http://www.werathah.com/blood/sickle/index.htm (¬4) موقع رابطة الثلاسيميا الكويتية- الجمعية الطبية الكويتية: http://thalassemia-kw.com/index.php 2

الفصل الثاني المسائل المستجدة في أنواع عقود النكاح

الفصل الثاني المسائل المستجدة في أنواع عقود النكاح وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: حكم إجراء عقد الزواج عبر شبكة الاتصال الدولية (الإنترنت) المبحث الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية المبحث الثالث: الزواج العرفي المبحث الرابع: زواج الفرند (زواج الأصدقاء) المبحث الخامس: الزواج السياحي المبحث السادس: الزواج المدني المبحث السابع: زواج المسيار المبحث الثامن: عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات المسلمة

المبحث الأول حكم إجراء عقد الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة (الإنترنت)

المبحث الأول حكم إجراء عقد الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة (الإنترنت) وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف وسائل الاتصال الحديثة (الإنترنت) المطلب الثاني: حكم الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف وسائل الاتصال الحديثة

المطلب الأول تعريف وسائل الاتصال الحديثة وَسَل: الرغبة والطلب، والواسل: الراغب إلى الله عز وجل، والواسلة: المنزلة عند الملك، والدرجة، والقُربة، والوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة، وهي أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة، قال تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ} (¬1). وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحري مكارم الشريعة (¬2). الاتصال: مأخوذ من وصل، قال ابن فارس: «الواو والصاد واللام أصل واحد يدل على ضم شيء إلى شيء حتى يعلقه» (¬3). والاتصال: اتحاد الأشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفي الدائرة، ويضاد الانفصال، ويستعمل الوصل في الأعيان وفي المعاني (¬4). والحديثة: قال ابن فارس: «الحاء والدال والثاء أصل واحد، ¬

(¬1) سورة المائدة، آية: 35. (¬2) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 985، ومقاييس اللغة، لابن فارس، ص 1052، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 871، والمصباح المنير، للفيومي، ص 542، مادة) وسل). (¬3) مقاييس اللغة، ص 1055. (¬4) مفردات ألفاظ القرآن، ص 873، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 986، والمصباح المنير، للفيومي، ص 542_543.

وهو كون الشيء لم يكن، يقال: حدث أمرٌ بعد أن لم يكن» (¬1). والحداثة نقيض قدم، وحدث الشيء حدوثًا: تجدد وجوده، ويقال: حدث به عيب: إذا تجدد وكان معدومًا قبل ذلك (¬2). الإنترنت: وهو مركب من كلمتين باللغة الإنجليزية، وهما: (إنتر Inter) وتعني: دولي، و (نت Net) وتعني: شبكة، فهي اختصار لكلمة (international) (¬3) . اصطلاحًا: هي شبكة كمبيوتر شاملة تتكون من آلاف الشبكات (¬4). وإنما ذكرت الإنترنت بعد وسائل الاتصال الحديثة من باب ذكر الخاص بعد العام؛ ولأن وسائل الاتصال الحديثة أنواع متعددة ومختلفة في الأسماء والاستعمال، والإنترنت يجمع أغلبها إن لم يكن كلها في الأداء، ففيه البرامج الكتابية فقط، وفيه البرامج الشفهية، أي المحادثة الصوتية، وفيه البرامج بالصوت والصورة، وقد تفرقت في وسائل الاتصال الحديثة الأخرى، وسأبين- بإذن الله- أحكام تلك الحالات. ¬

(¬1) مقاييس اللغة، ص 235، مادة: (وصل). (¬2) القاموس المحيط، ص 166، والمصباح المنير، ص 110، ومفردات ألفاظ القرآن، ص 222، مادة: (حدث). (¬3) الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، للسند، ص 33. (¬4) التجارة الإلكترونية، للهاشمي، ص 36، والأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، للسند، ص 33، ومذكرة في الحاسب الآلي، مركز الخوارزمي، ص 1.

المطلب الثاني حكم الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة

المطلب الثاني حكم الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة مما سبق يتبين لنا أن حكم الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة (الإنترنت) لا يخلو من حالات: الحالة الأولى: أن يكون عقد النكاح عن طريق الكتابة (¬1). وقد اختلف العلماء فيه، فهي مسألة بحثها العلماء قديمًا، والجديد فيها السرعة فقط. صورة المسألة التي ذكرها بعض المعاصرين: الصورة الأولى: أن يكتب الولي إيجابه على النكاح، ثم يرسله عبر البريد الإلكتروني إلى القابل، فيصدر قبوله كتابة، ثم ترسل هذه الورقة عبر البريد إلى اثنين حتى يشهدا عليها (¬2)، أو يكون عنده ¬

(¬1) هناك من يرى أن هناك فرقًا بين الكتابة والرسالة، وهو أنه في الكتاب يستطيع المكتوب إليه إذا لم يقبل في المجلس الأول أن يقبل في مجلس آخر، ثانٍ أو ثالثٍ، ما دام الكتاب موجودًا ويم؟ ؟ ؟ العقد، وأما في الرسالة فلا يصح القبول إلا في المجلس الذي بلغت فيه. الزواج وموجباته، لفيض الله، ص 39، وقال بدران أبو العينين: "وهذا الفرق غير مقبول؛ لأن فيه إعطاء الكتاب أثرًا أقوى وأدوم من أثر مرسله". أحكام الزواج والطلاق في الإسلام، لأبي العينين، ص 63، 64. (¬2) عقد الزواج عبر الإنترنت، للمزروع، ص 14، على موقع صيد الفوائد: http://www.saaid.net/book/open.php? cat=83&book=5257.

شاهدان فيقرؤها عليهما، ثم يصدر قبوله، ويرسله إلى الولي. الصورة الثانية: أن يكون الإيجاب والقبول بالتخاطب بين أطراف العقد كتابةً، فيقوم أطراف عقد النكاح بإبرام العقد، ثم يقوم اثنان من المتواجدين بالشهادة على هذا العقد (¬1). أقوال العلماء في المسألة: القول الأول: جواز عقد النكاح بالكتابة بين غائبين. وهو مذهب الحنفية (¬2) (¬3)، وقول عند الشافعية (¬4)، ورواية عند الحنابلة (¬5). أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن أم حبيبة (رضي الله عنها)، أنها كانت تحت عبيد الله بن ¬

(¬1) المرجع السابق، والأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، للسند، ص 222. (¬2) الفتاوى الهندية (1/ 269)، وحاشية ابن عابدين (4/ 73)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 345). (¬3) واشترط الحنفية: 1 - أن يكون العاقد غائبًا عن مجلس العقد. 2 - أن يُشهد العاقدُ شاهدين على ما في الكتاب عند إرساله. 3 - أن يصرح المرسل إليه بالقبول لفظًا لا كتابة. 4 - أن يشهد الغائب حين يأتيه الكتاب، ويعرفهم بما في الكتاب، ويصرح لهم بالقبول. حاشية ابن عابدين (4/ 73، 74)، ومختصر شرح الأحكام الشرعية، للأبياني بك، ص 13، 14، ومصادر الحق في الفقه الإسلامي، للسنهوري (1/ 77، 78). (¬4) روضة الطالبين (3/ 195)، وقال النووي: "وليس بشيء؛ لأنه كتابة". (¬5) المبدع، لابن مفلح (7/ 18)، والإنصاف، للمرداوي (20/ 103).

جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشي للنبي (صلى الله عليه وسلم)، وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع شرحبيل بن حَسَنة (¬1). وجه الدلالة: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كتب إلى النجاشي يخطب أم حبيبة (رضي الله عنها)، فزوجها النجاشي منه، وكان النجاشي وليها بالسلطة (¬2). الدليل الثاني: أن الكتاب من الغائب ينعقد؛ لأن الكتاب من الغائب يعتبر خطابًا (¬3). الدليل الثالث: كما أن النكاح ينعقد بألفاظ بطريق الأصالة، فكذلك ينعقد بطريق النيابة بالوكالة والرسالة (¬4). القول الثاني: عدم جواز عقد النكاح بين غائبين. وهو قول المالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). ¬

(¬1) رواه أبو داود في سننه (3/ 31)، كتاب النكاح، باب الصداق، ح (2100)، والنسائي في سننه (6/ 428، 429)، كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة، ح (3350). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 588). (¬2) المبسوط، للسرخسي (5/ 15). (¬3) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 346)، والمبسوط (5/ 16). (¬4) بدائع الصنائع (2/ 346). (¬5) مواهب الجليل، للحطاب (5/ 43)، والقوانين الفقهية، لابن جزي، ص 329، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 947). (¬6) روضة الطالبين، للنووي (3/ 195)، ومغني المحتاج، للشربيني (3/ 190). (¬7) المغني، لابن قدامة (9/ 463 - 464)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 242).

الدليل الأول: وقولهم هذا مبني على اشتراطهم اجتماع الإرادتين، حيث يُجرى العقد في وقت واحد، ويعبرون عنه بالإيجاب والقبول، وهذا محل اتفاق بينهم، واختلفوا في المدة، فأجاز مالك التراخي (¬1)، وفرق بين الطويل والقصير، وقال الشافعية بوجوب الفورية (¬2)، ولم يشترط الحنابلة الفورية، وقالوا: يصح التراخي ما داما في مجلس العقد ولم يتشاغلا عنه بغيره؛ لأن حكم المجلس حكم حالة العقد (¬3). وهم بهذا القول يقيسون النكاح على البيع، بدليل القبض فيما يشترط القبض فيه، وثبوت الخيار في عقود المعاوضات (¬4). ويمكن أن يناقش استدلالهم بأنه قياس مع الفارق، فقد ثبت دليل في هذه المسألة، وهو زواج النبي (صلى الله عليه وسلم) من أم حبيبة (¬5). الدليل الثاني: لا ينعقد النكاح بالكتاب؛ لعظم خطر النكاح، فيُحتاط له ما لا يحتاط لغيره (¬6). مناقشة الدليل: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمر بتبليغ الرسالة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} (¬7)، وقد بلغ ¬

(¬1) بداية المجتهد (3/ 947)، والقوانين الفقهية، ص 329. (¬2) المرجعين السابقين، وروضة الطالبين (3/ 195). (¬3) المغني (9/ 463). (¬4) المرجع السابق. (¬5) سبق تخريجه ص 120. (¬6) المبسوط (5/ 16). (¬7) سورة المائدة، آية: 67.

الحالة الثانية: وهي العقد مشافهة بوسائل الاتصال الحديثة

النبي (صلى الله عليه وسلم) تارة بالكتابة، وتارة باللسان، فقد كتب إلى ملوك الآفاق يدعوهم إلى الدين، وكان ذلك تبليغًا تامًّا، فكذلك في النكاح: الكتاب بمنزلة الخِطاب (¬1). الدليل الثالث: أن الكتابة كناية، والعقود التي تحتاج إلى قبول كالبيع والإجارة والنكاح لا تنعقد بالكناية (¬2). مناقشة الدليل: لا نسلم ل كم، بل قد قال بعضهم بصحة العقود بصيغة الكتابة (¬3). الترجيح: القول الراجح عندي- والعلم عند الله تعالى- القول الأول، وهو القائل بجواز عقد النكاح بالكتابة لما يلي: 1 - صحة أدلة هذا القول. 2 - ضعف أدلة القول الثاني، ومناقشتها من أصحاب القول الأول. الحالة الثانية: وهي العقد مشافهة بوسائل الاتصال الحديثة: وقد اختلف فيها العلماء المعاصرون على قولين: القول الأول: منع إجراء عقد النكاح بوسائل الاتصال الحديثة اللفظية. وهو قول اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية ¬

(¬1) المبسوط (5/ 16). (¬2) عقد الزواج عبر الإنترنت، للمزروع، ص 15، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 43). (¬3) عقد الزواج عبر الإنترنت، للمزورع ص 15: http://www.saaid.net/book/open.php? cat=83&book=5257

السعودية (¬1)، وصدر به قرار في مجمع الفقه الإسلامي بجدة (¬2) (¬3). أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن هذه الطريقة، أي الهاتف، يدخل فيها الخداع والغش بين طرفي العقد، وعقد الزواج يجب أن يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره؛ لأن الشريعة جاءت بحفظ الأعراض (¬4). الرد على الدليل: صحيح أنه يجب أن يحتاط فيه، ولكن الاحتياط لا يمنع العقود، بل يضمن إجراءات تُلزم سلامة العقد، ويمكن مع التقنية العالية والمتجددة أن يرى المتعاقدان بعضهما البعض (¬5)، وكذلك يمكن ضبط الخداع مع التطور السريع، أو معرفة ما يعرض للأجهزة من اختراق أو غيره عن طريق البرامج المتخصصة. الدليل الثاني: أن عقد الزواج يشترط الإشهاد فيه (¬6). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/ 91). (¬2) مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 1267، 1268). (¬3) شرح عمدة الفقه، لابن جبرين (2/ 1247)، والأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، للسند، ص 228، ومستجدات فقهية، للأشقر، ص 110، وأحكام الأسرة في الإسلام، للشلبي، ص 90. (¬4) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (18/ 91). (¬5) حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية، للنجيمي، ص 16، والأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، ص 231. (¬6) مسائل فقهية معاصرة، للسند، ص 94، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج للأشقر، ص 109.

الرد على التعليل: أن الشهود موجودون يسمعون الخطاب، ويشهدون على ما سمعوا وهم على معرفة بالعاقدين، ويمكن أن يُطلب من العاقدين معلومات عن هويتيهما للتثبت؛ بذكر رقم الهوية، وتاريخها، ومكان صدورها، وأسئلة أخرى (¬1). القول الثاني: جواز إجراء عقد الزواج مشافهة بواسطة الاتصال الحديثة. وهو قول الدكتو ر عمر الأشقر (¬2)، والدكتور محمد عقلة (¬3)، والدكتور محمد النجيمي (¬4)، والدكتور وهبة الزحيلي (¬5)، وغيرهم (¬6). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشًا ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينما عمر يخطب إذ جعل ينادي: ¬

(¬1) مسائل فقهية معاصرة، للسند، ص 94. (¬2) المرجعين السابقين، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 111. (¬3) أحكام الزواج، للأشقر، ص 83، وحكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، للإبراهيم، ص 135، في مجلة الشريعة- جامعة الكويت، السنة الثالثة، العدد الخامس. (¬4) حكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية، للنجيمي، ص 14. (¬5) حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، للزحيلي (2/ 887)، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السادس. (¬6) مسائل فقهية معاصرة، للسند، ص، والأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، للسند، ص 22894.

يا سارية، الجبل، يا سارية، الجبل، ثلاثًا، ثم قدم رئيس الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، بينما نحن نقاتل العدو إذ سمعنا صوتًا ينادي: يا سارية، الجبل، ثلاثًا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله» (¬1). وجه الاستدلال: قال ابن بدران (¬2): «وجه الاستدلال بها أن سارية سمع عمر وهو بنهاوند- كما في بعض الطرق- وعمر كان في المدينة، فعمل سارية بما سمعه من الصوت» (¬3). الدليل الثاني: أن إجراء العقد مشافهة عبر وسائل الاتصال الحديثة تتوفر فيه شروط عقد النكاح من الإيجاب والقبول، وسماع الشهود للعاقدين، والموالاة بين الإيجاب والقبول (¬4). الدليل الثالث: أن المقصود من العقود هو الرضا؛ لكي يتمكن مَن عُرض عليه الإيجاب من المتعاقدين أن يتدبر أمره، فيقبل ¬

(¬1) رواه ابن سعد في طبقاته (6/ 153) عند ترجمة سارية، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 101). (¬2) هو العلامة عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن بدران السفري الرومي، ثم الدمشقي الحنبلي. ولد سنة 1265 هـ، وتوفي سنة 1342 هـ، ومن مؤلفاته: "البدرانية شرح المنظومة الفارضية"، و"روضة الأرواح". معجم المؤلفين، لكحالة (3/ 184)، والأعلام، للزركلي (4/ 37). (¬3) العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية، لابن بدران، ص 373. (¬4) مسائل فقهية معاصرة، للسند، ص 94، وأحكام الزواج، للأشقر، ص 83، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج، للأشقر، ص 109.

الحالة الثالثة: أن يكون العقد بالصوت والصورة عن طريق الإنترنت

الإيجاب أو يرفضه، وهذا متوفر في العقد مشافهة (¬1). يمكن أن يرد على الدليل بأن اتحاد مجلس الإيجاب والقبول شرط، وهنا لم يتحقق الاتحاد؛ لأن أحد المتعاقدين غير حاضر (¬2). مناقشة الرد: يمكن أن يرد عليه بأنه لا يوجد دليل يمنع من إجراء العقود مع اختلاف المجلس، وقد قال الفقهاء: «إن المجلس يجمع المتفرقات» (¬3). الترجيح: الراجح- والله أعلم- القول الثاني القائل بجواز إجراء العقود مشافهة عبر وسائل الاتصال الحديثة؛ لما يلي: 1 - قوة أدلة القول الثاني. 2 - أن الإشهاد على العقد مشافهة ممكن. 3 - إمكان التحرز من الخداع والغش لتطور وسائل الاتصال الحديثة. الحالة الثالثة: أن يكون العقد بالصوت والصورة عن طريق الإنترنت: ففي هذه الحالة يجوز عقد الزواج ولو تباعدا في الحقيقة، مع ¬

(¬1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي، للسنهوري (2/ 6). (¬2) أحكام الزواج والطلاق في الإسلام، لأبي العينين، ص 64. (¬3) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 348)، والمدخل الفقهي العام، للزرقا (1/ 432)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (5/ 78).

وجود الزوج والولي والشهود، فإنهم في حكم المجلس الواحد حكما، فيسمعون الكلام كلهم في الوقت نفسه، فيكون الإيجاب، ويليه فوراً القبول، والشهود يرون الولي والزوج ويسمعون كلامهما في الوقت نفسه، فهذا العقد صحيح، لعدم إمكان التزوبر أو تقليد الأصوات (¬1). ¬

(¬1) مسائل فقهية معاصرة، للسند، ص 84، وشرح عمدة الفقه لابن جبرين (2/ 1248)، وبدائع الصنائع (2/ 348).

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي الحالة الأولى: نص القانون الكويتي على مسألتين؛ حيث جاء في المادة التاسعة، الفقرة (ب): «يجوز أن يكون الإيجاب بين الغائبين بالكتابة، أو بواسطة الرسول» (¬1). الحالة الثانية: رأي القانون الكويتي في إجراء العقد عبر وسائل الاتصال الحديثة مشافهة. لم ينص القانون الكويتي عليها نصًّا، لكن قد تفهم من سياقه، حيث جاء بالمادة التاسعة، الفقرة (ج): «وعند العجز عن النطق تقوم مقامه الكتابة، فإن تعذرت فبالإشارة المفهمة» (¬2). وهو ما فهمه بعض شراح القانون (¬3). الحالة الثالثة: رأي القانون الكويتي في مجلس العقد إذا كان العقد بالصوت والصورة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة. جاء في المادة العاشرة: ج_ اتحاد مجلس العقد للعاقدين الحاضرين. وهذا نص من القانون بأن يكونا حاضرين مجلس العقد، وخرج بذلك هذه الحالة وإن كانا في حكم الحاضرين. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 12. (¬2) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 12. (¬3) قانون الأحوال الشخصية، لمحمود، ص 66.

المبحث الثاني حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية

المبحث الثاني حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المراد بالامتيازات المادية المطلب الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول المراد بالامتيازات المادية

المطلب الأول المراد بالامتيازات المادية وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الامتيات المادية لغة لغة: ميز مِزْتُه ميزًا: عزلته وفصلته من غيره، والتمييز: الفصل بين المتشابهات، نحو قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (¬1)، وبين المختلطات، نحو قوله تعالى: {وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ} (¬2)، وكما أن التمييز للفصل، كذلك يقال للقوة التي في الدماغ، وبها تستنبط المعاني، فيقال: فلان لا تمييز له (¬3). المادة: كل شيء يكون مدداً لغيره وكل جسم ذي امتداد ووزن ويشغل حيزاً من الفراغ، ومادة الشيء أصوله وعناصره التي منها يتكون، حسية كانت أو معنوية كمادة الخشب ومادة البحث العلمي. ومادة اللغة ألفاظها ومواد العلم مباحثه، ومواد القانون الجمل التي ننضمن أحكامه. ¬

(¬1) سورة الأنفال، آية: 37. (¬2) سورة يس، آية: 59. (¬3) مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 935، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 487، والمصباح المنير، للفيومي، ص 480، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 783.

الفرع الثاني: تعريف الامتيازات المادية اصطلاحا

المادية: مذهب يسلم بوجود المادة وحدها وبها يفسر الكون والمعرفة والسلوك (¬1). الفرع الثاني: تعريف الامتيازات المادية اصطلاحا واصطلاحًا: عقد الزوجين أو أحدهما لمصلحة مادية. المراد من التعريف أن دول الخليج غالبًا ما تصرف مالاً لمواطنيها بمجرد أن يعقدوا على مواطنة؛ دعمًا للزوج، بعضه إعانة من الدولة، والآخر يسدد أقساطًا؛ وهذا لحث الشباب أن يتزوجوا من المواطنات. فإذا عُقد الزواج لأجل الحصول على المال، وكان باتفاق بين الرجل والمرأة أن يعطيها الرجل الربع أو الثلث، ثم يطلق أو يعقد دون علم الزوجة، ونيته الحصول على المال، ثم يطلقها، فما الحكم؟ وكذلك إذا كانت نية المرأة من الزواج الحصول على الجنسية أو الإقامة ثم تهرب أو تخالعه أو تطلب الطلاق؟ ¬

(¬1) المعجم الوسيط، للززيات وآخرون، ص 858، ولم أجد من تكلك عليها غير هذا الكتاب.

المطلب الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية.

المطلب الثاني: حكم الزواج للحصول على امتيازات مادية. هذه المسألة المعاصرة لم يذكرها العلماء المعاصرون، وعند دراستي للمسألة وجدت أنه يمكن تخريجها على الحيل، وأصلها من الحول، وقد تكلم العلماء قديمًا على الحيل، فالحيلة لغة لها عدة معانٍ، منها: الحذق في تدبير الأمور، وجودة النظر، والقدرة على التصرف، وهو تقليب الفكر حتى يهتدي إلى المقصود، ومنها الاحتيال، وهو تحول المرء عما يكرهه إلى ما يحبه، وما يتوصل به إلى حالةٍ ما في خُفية، وأكثر استعمالها فيما فيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة (¬1). وأما اصطلاحًا، فقد اختلف فيها العلماء، وقريب معناها اللغوي من الاصطلاحي: التعريف الأول: «ما يتوصل به إلى مقصود بطريق خفي» (¬2). التعريف الثاني: «التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعًا أو عقلاً أو عادة» (¬3). ¬

(¬1) القاموس المحيط، ص 910، والمصباح المنير، ص 136، والتعريفات، ص 158، ومفردات ألفاظ القرآن، ص 267. (¬2) فتح الباري، لابن حجر (12/ 342)، وعمدة القاري، للعيني (24/ 108). (¬3) أعلام الموقعين، لابن قيم الجوزية (5/ 188).

التعريف المختار- والله أعلم- التعريف الأول، لما يلي: 1 - لأنه يبين الماهية من التعريف. 2 - ولأن فيه خفية. 3 - ولاتفاق عالمين جليلين على هذا التعريف، وهما شارحا البخاري: ابن حجر (¬1)، والعيني (¬2). 4 - وأن التعاريف الأخرى لا تخلو من إمكان نقدها، مثل ذكر الحكم في التعريف، كما في التعريف الثالث والسادس، والدور كما في الثاني، وأن الأول أشبه بتعريف المصلحة، ولا يلزم التلطف بالحيل، وأما الرابع فهو مشابه في المعنى للتعريف المختار، والمختار أدق منه. حكم الحيل: اختلف العلماء في حكمها على قولين، وقد نظمهما ابن عاصم الأندلسي (¬3): وجل أهل العلم يمنع الحيل ... لقلب حكم أو لإسقاط عمل ¬

(¬1) هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني. ولد سنة 773 هـ، وتوفي سنة 852 هـ، ومن مؤلفاته: لسان الميزان، والدرر الكامنة. الضوء اللامع، للسخاوي (2/ 36). (¬2) هو بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العيني الحنفي. ولد سنة 762 هـ، وتوفي سنة 855 هـ، ومن مؤلفاته: البناية على الهداية، ورمز الحقائق في شرح كنز الدقائق. الضوء اللامع، للسخاوي (10/ 931). (¬3) هو أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي. ولد سنة 760 هـ، وتوفي سنة 829 هـ، ومن مؤلفاته: تحفة الحكام، ومهيع الوصول إلى علم الأصول. شجرة النور الزكية، لمخلوف، ص 247. دار الفكر.

ما لم يك الشرع يراعيه فذا ... فيه الجواز باتفاق يحتذى كمثل ما روعي فيمن يكره ... فاحتال أن يفعل شيئًا يكره إلى أن قال ملتمسًا العذر لمن أجاز الحيل: ومن أجاز فأدى اجتهاده ... أدَّى لذا والخلف في شهادة ولا يقال إنه تعمدا ... خلاف قصد الشرع فيما اعتمدا وواجب في مشكلات الحكم ... تحسيننا الظن بأهل العلم (¬1) تحرير محل النزاع: قال ابن حجر: «والأصل في اختلاف العلماء في ذلك اختلافهم: هل المعتبر في صيغ العقود ألفاظها أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل ... » (¬2). القول الأول: أن الحيل حرام، وأن تحريمها قطعي، وليست من مسالك الاجتهاد. وهو قول ابن تيمية (¬3) وابن القيم (¬4) والشاطبي (¬5). ¬

(¬1) مرتقى الوصول، لابن عاصم، ص 59، 60. (¬2) فتح الباري، لابن حجر (12/ 342). (¬3) هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الدمشقي. ولد سنة 661 هـ، وتوفي 728 هـ، ومن مؤلفاته: منهاج السنة، والجواب الصحيح. الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491). (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي. ولد سنة 691 هـ، وتوفي 751 هـ، ومن مؤلفاته: زاد المعاد، وعدة الصابرين. الذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170). (¬5) بيان الدليل، لابن تيمية، ص 56، وإغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 581)، وأيضًا في أعلام الموقعين (5/ 241)، والموافقات، للشاطبي (3/ 109).

أدلة القول الأول: الدليل الأول: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} (¬1). وجه الاستدلال من الآية: أن المنافقين يخدعون أنفسهم، وأن الله خادع من يخدعه، والمخادعة هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه لتحصيل المقصود (¬2). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ، فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} (¬3). وجه الاستدلال من الآية: أنهم احتالوا على الصيد يوم السبت بحيلة تحيلوا بها، وفي ظاهرها أنهم لم يصيدوا يوم السبت (¬4). الدليل الثالث: قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} إلى قوله: {وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} (¬5). ¬

(¬1) سورة البقرة، آية: 15. (¬2) بيان الدليل، ص 62، والموافقات (3/ 109)، وإغاثة اللهفان (1/ 583). (¬3) سورة البقرة، آية: 65، 66. (¬4) بيان الدليل، ص 71، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 105). (¬5) سورة البقرة، آية: 231.

وجه الدلالة من الآية: أن الله حرم إرجاع المرأة بقصد مضارتها، مثل أن يطلقها ثم يمهلها حتى تشارف انقضاء العدة، ثم يرتجعها، ثم يطلقها حتى تشارف انقضاء العدة، وهكذا لا يرتجعها لغرض له فيها سوى الإضرار بها (¬1). الدليل الرابع: قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} (¬2). وجه الاستدلال من الآية: أن يوصي بأكثر من الثلث، أو يوصي لوارث احتيالاً على حرمان بعض الورثة (¬3). الدليل الخامس: عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى ... » (¬4). وجه الاستدلال من الحديث: قال ابن حجر: «الاستدلال بهذا الحديث على سد الذرائع، وإبطال الحيل من أقوى الأدلة» (¬5). ¬

(¬1) الموافقات (3/ 110، 111)، ومقاصد الشريعة، لابن عاشور (3/ 329). (¬2) سورة النساء، آية: 12. (¬3) الموافقات (3/ 110، 111)، ومقاصد الشريعة، لابن عاشور (3/ 329). (¬4) رواه البخاري (8/ 76)، كتاب الحيل، باب في ترك الحيل وأن لكل امريء ما نوى، ح (6953). (¬5) فتح الباري (12/ 343).

المناقشة: هو دليل للفريقين؛ لأن المرجع هو نية العامل (¬1). الدليل السادس: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلاَّ أن يكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله» (¬2). وجه الاستدلال من الحديث: استدل به الإمام أحمد، وقال: فيه إبطال الحيل؛ لأنه حكم بتمام البيع إذا تفرقا على السلامة وجاري العادة، وتحريمه التفريق على من أراد الحيلة والخديعة (¬3). الدليل السابع: عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، وتستحلون محارم الله بأدنى الحيل» (¬4). ¬

(¬1) عمدة القاري، للعيني (24/ 108). (¬2) رواه أبو داود في سننه (4/ 166)، كتاب البيوع، باب خيار المتبايعين، ح (3450)، والنسائي في سننه (7/ 288)، كتاب البيوع، باب وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما، ح (4495)، والترمذي في سننه، ص 388، كتاب البيوع، باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا، ح (1250)، وحسنه الألباني. إرواء الغليل (5/ 155)، ح (1311). (¬3) إبطال الحيل، لابن بطة، ص 116، وبيان الدليل، لابن تيمية، ص 86. (¬4) رواه ابن بطة في كتاب إبطال الحيل، ص 112، وحسنه ابن تيمية. بيان الدليل، لابن تيمية، ص 87، وإغاثة اللهفان، لابن القيم (؟ ؟ /596)، وتفسير القرآن، لابن كثير (4/ 105).

وجه الاستدلال من الحديث: قال ابن قيم الجوزية: «وهو نص في تحريم استحلال محارم الله تعالى بالحيل» (¬1). الدليل الثامن: بلغ عمر أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا؛ ألم يعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» (¬2). وجه الاستدلال من الحديث: أنهم أذابوا الشحم حتى زال عنه اسم الشحم، ثم جملوها وباعوها حيلة (¬3) (¬4). القول الثاني: أن الحيل جائزة. وهو قول الحنفية (¬5). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: قال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} (¬6). ¬

(¬1) إغاثة اللهفان (1/ 596). (¬2) رواه البخاري (3/ 53)، كتاب البيوع، باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه، ح (2223). (¬3) بيان الدليل، لابن تيمية، ص 89، 90، وإغاثة اللهفان، لابن قيم الجوزية (1/ 597)، وأعلام الحديث، للخطابي (2/ 1100). (¬4) هذا مع اختصار في الأدلة، وإلا فقد أسهب واسترسل شيخ الإسلام ابن تيمية فيها بالأدلة والمناقشة، وكذلك ابن القيم، في كتابيهما، لمن أراد الاستزادة. (¬5) المبسوط، للسرخسي (30/ 209)، عمدة القاري، للعيني (24/ 108)، وفتح الباري، لابن حجر (12/ 342). (¬6) سورة ص، آية: 44.

وجه الاستدلال في الآية: فيها تعليم لأيوب (عليه السلام) لكي يخرج من اليمين التي حلف بها ليضربن زوجته (¬1). مناقشة وجه الاستدلال: قد جعل الله له مخرجًا بالكفارة عن يمينه، ويجب عليه أن يكفر ولا يعصي الله بالبر في يمينه (¬2). الدليل الثاني: قال تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (¬3). وجه الاستدلال من الآية: وهذه حيلة لإمساك أخيه عنده حينئذٍ؛ لوقف أخوته عن مقصودهم (¬4). ¬

(¬1) المبسوط، للسرخسي (30/ 209). (¬2) إغاثة اللهفان (2/ 803). (¬3) سورة يوسف، آية: 76. (¬4) المبسوط (30/ 209)، والكشاف، للزمخشري (3/ 310)، وقال: "هذا وحكم هذا الكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية».

مناقشة أوجه الاستدلال: هذه حجة عليكم لا لكم؛ لأنكم لا تجوزون شيئًا مما في هذه القصة، ولا تجوز في شريعتنا بوجه من الوجوه، فكيف يحتج المحتج بما يحرم العمل به؟ (¬1). الدليل الثالث: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً، فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ} (¬2). وجه الاستدلال في الآية: أراد بالحيلة التحيل على التخلص من الكفار، وهذه حيلة محمودة يثاب عليها مَن عمِلها (¬3). الدليل الرابع: قال تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (¬4). وجه الاستدلال من الآية: فقد جوَّز الله المعاريض، ونهى عن التصريح بالخطبة، وهي من الحيل (¬5). ¬

(¬1) إغاثة اللهفان (2/ 816 وما بعدها)، وبيان الدليل، ص 263 وما بعدها، وقد أطالا في الرد على هذا الدليل. (¬2) سورة النساء، آية: 97 - 99. (¬3) أعلام الموقعين (5/ 187)، وإغاثة اللهفان (1/ 645). (¬4) البقرة، آية: 235. (¬5) المبسوط، للسرخسي (30/ 212).

مناقشة وجه الاستدلال: لا نسلم لكم أن المعاريض جائزة إذا تضمنت استباحة الحرام، وإسقاط الواجبات، وإبطال الحقوق. بل تجوز المعاريض إذا كان فيها تخلص من ظالم، أو نصرة للحق، أو إبطال باطل (¬1). الدليل الخامس: قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (¬2). وجه الاستدلال من الآية: قال غير واحد من المفسرين: (مخرجًا) مما ضاق على الناس (¬3)، ولا ريب أن هذه الحيل مخارج مما ضاق على الناس (¬4). القول الراجح- والله أعلم- التفصيل: إنَّ ما كان من الحيل فيه خداع ومكر وكذب؛ فلا يجوز، وكذلك ما كان فيه ظلم أو إسقاط حق لأحد؛ فلا يجوز، أما ما كان من الحيل لأخذ حقه، وبطريق مشروع، وكذلك ما كان لدفع ظلم عنه؛ فيجوز، ويتبين سبب الترجيح في تقسيم العلماء للحيل. وبهذا يتبين عدم الجواز في مسألتنا؛ لأن فيها خداعاً وكذباً ¬

(¬1) أعلام الموقعين (5/ 176 وما بعدها)، وبيان الدليل، ص 255 وما بعدها. (¬2) سورة الطلاق، آية: 2. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (21/ 44)، والتفسير الكبير، للطبراني (6/ 296)، والكشاف، للزمخشري (6/ 143). (¬4) أعلام الموقعين (5/ 122)، وفتح الباري (12/ 342).

لأخذ المال دون قصد الزواج، ويأثم الاثنان إن كانا متفقين على ذلك، وإلا أثِم منهما من أراد الحيلة في زواجه سواء كان الزوج لأخذ المال، أو الزوجة للإقامة أو الجنسية. أقسام الحيل: اختلف العلماء في تقسيم الحيل، فذهب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية إلى تقسيمها أقسامًا، منها: القسم الأول: الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى ما هو محرم في نفسه، بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال، فمتى كان المقصود بها محرمًا في نفسه، فحرام باتفاق المسلمين، وصاحبه فاجر آثم ظالم، ويسمى صاحبه مكَّارًا وداهية، كالتحيل على هلاك النفوس، وأخذ الأموال، وفساد ذات البين، وحيل الشيطان في إغواء بني آدم، وحيل المجادلين بالباطل على إدحاض الحق، وإظهار الباطل. فكل ما هو محرم في نفسه، فالتوصل إليه محرم بالطرق الظاهرة والخفية، بل الخفية أعظم إثمًا؛ لأنها أخدع. وتحت هذا القسم نوعان: النوع الأول: ما يظهر أن مقصود صاحبه الشر؛ كحيل اللصوص، فحكم هذا واضح، قال فيه شيخ الإسلام: «ولا مدخل لهذه في الفقه». النوع الثاني: ما لا يظهر فيه قصد المحتال، بل يظهر قصد الحل في الظاهر، وقد لا يمكن الاطلاع على مقصوده غالبًا، ففي

مثل هذا قد تسد الذرائع إلى تلك المقاصد الخبيثة (¬1). القسم الثاني: أن يقصد بالحيلة أخذ حق، أو دفع باطل (¬2)، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام (¬3): 1 - أن يكون الطريق محرمًا في نفسه، وإن كان المقصود به حقًّا، مثل أن يكون على رجل حق فيجحده ولا يبينه له، فيقيم صاحب الحق شاهدي زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق. وهذا قال فيه شيخ الإسلام: «فهذا محرم ... قبيح» (¬4). 2 - أن تكون الطريقة مشروعة، وما تفضي إليه مشروع، وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها؛ كالبيع والإجارة وغيرهما، وليس هذا من باب الحيل وإن أخذ اسمه، كما قال بعض السلف: الأمر أمران: أمر فيه حيلة، فلا يعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه، فلا يجزع منه (¬5). والحكم في هذا واضح. 3 - أن يحتال على التوصل إلى الحق، أو على دفع الظلم بطريق مباحة (¬6) لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح، أو تكون قد وضعت ¬

(¬1) بيان الدليل، ص 234، وإغاثة اللهفان (1/ 582)، وأعلام الموقعين (5/ 294)، وقد فصل رحمه الله بالأمثلة. (¬2) بيان الدليل، ص 236. (¬3) أعلام الموقعين (5/ 3002). (¬4) بيان الدليل، ص 236. (¬5) أعلام الموقعين (5/ 303). (¬6) الطرق الحكمية، لابن القيم الجوزية (1/ 91).

له، لكن تكون خفية ولا يفطن لها، فيجوز هذا القسم. وقد مثل له ابن القيم الجوزية في "إعلام الموقعين" (¬1) بمائة وسبعة عشر مثالاً، وفي "إغاثة اللهفان" (¬2) بثمانين مثالاً. القسم الثالث: أن يقصد حل ما حرم الشارع، أو سقوط ما أوجبه، وقد أباح لهما أسبابًا على سبيل التبع والضمن، فيأتي المحتال فيقصد هذا السبب التابع، ليقصد به أمرًا محرمًا مقصودًا اجتنابه، فهذا حرام من وجهين: 1 - من جهة مقصوده: فإن المقصود به إباحة ما حرمه الشارع، وإسقاط ما أوجبه. 2 - من جهة سببه: أنه قصد بالسبب ما لم يشرع لأجله. قال شيخ الإسلام: «وهذا القسم هو الذي كثُر فيه تصرف المحتالين ممن ينتسب إلى الفتوى، وهو أكثر ما قصدنا الكلام فيه؛ فإنه قد اشتبه أمره على المحتالين» (¬3). ثم ذكر تحت هذا القسم أنواعًا: الأول: الاحتيال لحل ما هو محرم في الحال؛ كنكاح المحلل. الثاني: الاحتيال على ما انعقد سبب تحريمه، وهو ما يحرم إن تجرد عن الحيلة؛ كالاحتيال في حل اليمين، فإن يمين الطلاق ¬

(¬1) أعلام الموقعين (5/ 305). (¬2) إغاثة اللهفان 2/ 667 وما بعدها. (¬3) بيان الدليل، ص 237.

يوجب تحريم المرأة إذا حنث، فالمحتال يريد إزالة التحريم مع وجود السبب المحرم، وهو الفعل المحلوف عليه. الثالث: الاحتيال على إسقاط واجب قد وجب، مثل أن يسافر في أثناء يوم من رمضان ليفطر. الرابع: الاحتيال على ما انعقد سبب وجوبه؛ مثل الاحتيال لإسقاط الزكاة، أو الشفعة، أو الفطر في رمضان، وفي بعضها يظهر أن المقصود خبيث، مثل الاحتياط لإسقاط الزكاة، أو صوم الشهر بعينه، لكن شبهة المرتكب أن هذا منع للوجوب لا رفع له، وكلاهما في الحقيقة واحد، وفي بعضها يظهر أن السبب المحتال به لا حقيقة له (¬1). القسم الرابع: الاحتيال على أخذ بدل حقه، أو تعيين حقه بخيانة؛ مثل أن يأخذ مالاً قد اؤتمن عليه، زاعمًا أنه بدل ماله، أو أنه يستحقه مع عدم ظهور سبب الاستحقاق، أو إظهاره. فهذا حرام (¬2). وذهب الشاطبي في تقسيم الحيل إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: لا خلاف في بطلانه؛ كحيل المنافقين والمرائين. القسم الثاني: ما لا خلاف في جوازه؛ كالنطق بكلمة الكفر إكراهًا عليها، وكلا القسمين بالغ مبلغ القطع. ¬

(¬1) بيان الدليل، ص 250، 251. (¬2) بيان الدليل، ص 252.

القسم الثالث: وهو محل الخلاف للإشكال والغموض، وفيه اضطربت أنظار النظار، من جهة أنه لم يتبين فيه بدليل واضح قطعي لحاقه بالقسم الأول أو الثاني ولا تبين للشارع فيه مقصد يتفق على أنه مقصود له ولا ظهر أنه على خلاف المصلحة التي وضعتها الشريعة، فصار هذا القسم من هذا الوجه متنازع فيه (¬1). ومما سبق من التقاسيم يتبين لنا أن الشاطبي قسم الحيل إجمالاً، بينما ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية فصَّلوا فيها، وذكروا تحت كل قسم ما تحته من أنواع. ¬

(¬1) الموافقات، للشاطبي (3/ 124، 125).

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي بالنسبة للقرض الاجتماعي الذي يعطى للمواطنين المتقدمين للزواج

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي بالنسبة للقرض الاجتماعي الذي يُعطى للمواطنين المتقدمين للزواج فقد جعل له بنك التسليف شروطًا، منها: 1 - أن تكون الزوجة كويتية، وإذا كان طالب القرض معاقًا بالدرجة الشديدة أو المتوسطة، فقد يجوز منحه قرضًا للزواج حتى لو كانت الزوجة غير كويتية. 2 - ألاَّ يكون مضى على تاريخ عقد الزواج أكثر من ثلاث سنوات. 3 - ألاَّ يكون سبق له الزواج من كويتية. 4 - يجوز تقديم قرض اجتماعي للزواج لمدة سنة لمن تُتَوفَّى زوجته الوحيدة ويتزوج بأخرى، بشرط توافر الشرطين السابقين (1، 2)، فإذا كان طالب القرض مدينًا بالقرض السابق، فيستمر تحصيل الأقساط مضاعفة، ويجوز سداد رصيد القرض السابق؛ حتى لا تتم مضاعفة القسط عند حصول المقترض على القرض الجديد. 5 - يكون الحد الأقصى لقرض الزواج أربعة الآف دينار، تسدد وزارة المالية ألف دينار كهبة، ويسدد المقترض الباقي على أقساط شهرية متساوية، وبدون فائدة.

6 - يبدأ تحصيل الأقساط بعد ثلاثة أشهر من تاريخ تسليم الشيك، ويكون الحد الأدني للقسط أربعين دينارًا (¬1). ويلاحظ من الشروط عدم تطرقها للحيل أو التلاعب بهذا القرض، وبمجرد توفر الشروط فإن للمواطن حق الاستفادة من القرض. وأريد أن أنبه إلى أن من يأخذ القرض بحيلة أو بأخرى، فإنه قد يحتاجه يومًا للزواج، فلا يستطيع، لهذا؛ فإن صاحب الحيلة يضر نفسه. ¬

(¬1) موقع بنك التسليف والادخار: http://www.scb.gov.kw/default.aspx? page=39.

المبحث الثالث الزواج العرفي

المبحث الثالث الزواج العرفي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الزواج العرفي. المطلب الثاني: الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج العرفي المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف الزواج العرفي

المطلب الأول تعريف الزواج العرفي الفرع الأول: تعريف الزواج العرفي لغة: العرف في اللغة يطلق على معانٍ متعددة، وقبل ذكرها نذكر الأصل الذي يطلق عليه العرف، قال ابن فارس: (حرف العين والراء والفاء أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تتابع الشيء متصلاً بعضه ببعض، والآخر يدل على السكون والطمأنينة) (¬1). ومن معانيه: - الجود: اسم ما تبذله وتعطيه الرائحة الطيبة؛ لأن النفس تسكن إليها، يقال: ما أطيب عَرْفه، قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} (¬2). - المعروف والعرفان: تقول عَرَفَ فلان فلانًا عرفانًا ومعرفة، وهذا أمر معروف، وهو أخص من العلم، ويضاده الإنكار. - الصبر: العارف: الصابر، يقال: أصابته مصيبة فوجد عروفًا، أي صابرًا. - الاعتراف والإقرار: تقول له عليّ ألف عرفًا، أي: اعترافًا. ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 732. (¬2) سورة محمد، آية: 6.

- ويطلق على كل مرتفع عالٍ ظهره، ويقال: عرف الأرض: ما ارتفع منها، وأعراف الرياح والسحاب: أوائلها وأعاليها (¬1). العرف في اصطلاح الأصوليين: التعريف الأول: ما يغلب على الناس من قول أو فعل أو ترك (¬2). التعريف الثاني: عادة جمهور قوم في قول أو عمل (¬3). التعريف الثالث: ما ألفه المجتمع واعتاده وسار عليه في حياته من قول أو فعل (¬4). التعريف الرابع: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول (¬5). التعريف الخامس: ما عرفه العقلاء بأنه حسن، وأقرهم الشارع عليه (¬6). ¬

(¬1) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للأصفهاني، ص 560، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 771، ولسان العرب، لابن منظور، مادة (عرف)، والتعريفات، للجرجاني، ص 225، والمصباح المنير، للفيومي، ص 329، ومختار الصحاح، للرازي، ص 406، مادة: (عرف). (¬2) المناهج الأصولية، للدريني، ص 441. (¬3) المدخل الفقهي، للزرقا، ص 141. (¬4) الوجيز في أصول الفقه، لزيدان، ص 252. (¬5) التعريفات، للجرجاني، ص 225، وهو نفس تعريف النسفي الحنفي، صاحب كتاب المستصفى، مخطوط نقل عنه كثير من المعاصرين، والعرف والعادة، لحسنين، ص 15، ورفع الحرج، لباحسين، ص 338. (¬6) العرف والعادة، لحسنين، ص 19.

التعريف المختار هو التعريف الأول، لأمور، هي: 1 - لعمومه؛ لأنه شمل القول والفعل والترك. 2 - أن التعريف الثاني والثالث نصَّا على تعريف العرف بالعادة، وهذا فيه خلاف بين العلماء، والثالث فيه تكرار، وهو قوله: ألفه المجتمع وسار عليه واعتاده. 3 - قوله في التعريف الرابع: "وتلقته الطبائع" فيه نظر؛ لأنه لا يلزم أن يتلقاه كل الناس؛ لأنه عرف الطباع، فدلت على العموم، ويكفي أغلب الناس أو الأكثرية ليكون عرفًا. 4 - قوله في التعريف الخامس عرف العرف بما عرفه، وهذا ما يسميه الأصوليون الدور، وهو من أسباب نقض التعريف، وكذلك قوله: "وأقرهم الشارع عليه" يخرج العرف الفاسد. - وهل العرف هو العادة؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: أنهما مترادفان، فالعادة والعرف بمعنى واحد، والكثير من الأصوليين حينما يذكر العرف يقرنه بالعادة دون تمييز أو تفريق بينهما (¬1). الثاني: ومن العلماء من قال: العادة هي المتكررة من دون علاقة عقلية، والعرف هو العملي، فالعادة هي العرف العملي، فهي أخص منه (¬2). ¬

(¬1) العرف والعادة، لحسنين، ص 13، والعرف وأثره في الشريعة والقانون، لسير مباركي، ص 48. (¬2) التقرير والتحبير، لابن أمير الحاج (1/ 282).

الثالثة: أن العادة أعم من العرف، وبينهما العموم والخصوص المطلق، فالعادة أعم مطلقًا من العرف، والعرف عادة مقيدة، فكل عرف عادة، ولا عكس (¬1). والإطلاق الثالث هو الصحيح، لما يلي: 1 - لموافقته للمدلولات اللغوية للمعنيين، فالعادة الأمر المتكرر مطلقًا. 2 - الواقع والتطبيق: فإن هناك أمورًا تتكرر بصورة فردية ولا ينطبق عليها اسم العرف، بل يطلق عليها عادة، مثل عادة المرأة في حيضتها، أما العادة الجماعية قولية أو فعلية، فيصح أن يطلق عليها اسم العرف، كما يطلق اسم العادة (¬2). - حجية العرف: الاحتجاج بالعرف والعادة من الأمور المتفق عليها بين العلماء (¬3) إذا كان لهما مجال، ولم يخالفا دليلاً شرعيًّا، وإنما الخلاف في تفاوتهم بالأخذ به بالكثرة والقلة، حتى قال العز بن عبد السلام (¬4): إن دلالة العرف عليها- أي على المسائل الفقهية ¬

(¬1) المدخل الفقهي، للزرقا (2/ 874). (¬2) العرف وأثره في الشريعة والقانون، لسير مباركي، ص 50، والعرف حجيته وأثره في فقه المعاملات، لقوته (1/ 117). (¬3) المبسوط، للسرخسي (13/ 14)، والأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص 101، والفروق، للقرافي (1/ 377)، والموافقات، للشاطبي (2/ 483)، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 142، والأشباه والنظائر، لابن الوكيل (2/ 77)، وشرح الكوكب المنير، للفتوحي (4/ 448)، وأصول الأمام أحمد، للتركي، ص 593. (¬4) هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي، ثم المصري، الملقب بسلطان العلماء، واختلفوا في سنة ولادته بين سنة 577 هـ أو 578 هـ، وتوفي سنة 660 هـ، ومن مؤلفاته: أحكام الجهاد وفضائله، وترغيب أهل الإسلام في سكن الشام. طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي (5/ 80)، والأعلام، للزركلي (4/ 21).

التي ذكرها- كدلالة اللفظ (¬1)، وكذلك هل هو دليل مستقل أو تابع. بعض الأدلة على مشروعية العرف: الدليل الأول: قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} (¬2). وجه الدلالة من الآية: أن هذا أمر من الله عز وجل بالأخذ بالعرف، وهو دليل على اعتبار العرف، وهو ما عرفته النفوس مما لا تردُّه الشريعة (¬3). الدليل الثاني: قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬4). وجه الاستدلال من الآية: أن الله أمر الرجال بأن يعاشروا زوجاتهم بما تعارف عليه الناس، مما من شأنه أن يحسن العِشْرة، فدلَّ على أن العرف حجة (¬5). الدليل الثالث: قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬6). ¬

(¬1) القواعد الكبرى، لابن عبد السلام (2/ 228). (¬2) سورة الأعراف، آية: 199. (¬3) المحرر الوجيز، لابن عطية (6/ 186). (¬4) سورة النساء: آية: 19. (¬5) شرح الكوكب المنير، للفتوحي (4/ 449). (¬6) سورة الطلاق، آية: 7.

الفرع الثاني: تعريف الزواج العرفي اصطلاحا

وجه الدلالة من الآية: أن الله أمر الزوج أن ينفق على زوجته وولده على قدر وسعه؛ حتى يوسع عليهما إن كان موسعًا عليه، وإن كان فقيرًا فعلى قدر الحاجة المتفق عليها بالاجتهاد، ومرجع ذلك العرف (¬1). الدليل الرابع: عن عائشة (رضي الله عنها)، أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (¬2). وجه الدلالة من الحديث: أن المعروف هو القدر الذي عرف بالعادة أنه الكفاية (¬3). وغير ذلك من الأدلة التي تدل على مشروعية العرف. الفرع الثاني: تعريف الزواج العرفي اصطلاحًا: اختلف الباحثون في تعريف الزواج العرفي؛ لأنه من النوازل التي لم يذكرها العلماء المتقدمون، على أقوال: التعريف الأول: (عقد يفيد وجود استمتاع لكل من العاقدين بالآخر، ولكنه على وجه غير مشروع) (¬4). ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (21/ 57). (¬2) رواه البخاري (6/ 237)، كتاب النفقة، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، ح (5364). (¬3) فتح الباري، لابن حجر (9/ 419). (¬4) الزواج العرفي في ميزان الإسلام، لمحمود، ص 89.

التعريف الثاني: (اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبًا أو غير مكتوب (¬1). التعريف الثالث: (هو عقد مستكمل شروطه الشرعية إلا أنه لم يوثق) (¬2). التعريف الرابع: (هو عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع) (¬3). وغير ذلك من التعاريف. أما عن التعريف المختار، فهو أنه: عقد نكاح بين رجل وامرأة مستكملاً لأركانه وشروطه الشرعية، غير موثق بوثيقة رسمية حكومية (¬4)، وذلك لما يلي: 1 - أن التعريف الأول حكم على هذا النوع من الزواج، وذكر الحكم في التعريف منتقد؛ لأن التعريف لبيان الماهية. 2 - أما الثاني فإنه عام في الزواج المستكمل الأركان والشروط وغير المستكمل، وإنما اهتم بالتوثيق فقط. 3 - والتعريف الثالث ذكر أنه لم يوثق، والعرفي قد يوثق فيما بينهما، ولا تكون الوثيقة رسمية. 4 - والتعريف الرابع عامٌّ في الزواج، ولم يتطرق إلى التوثيق الذي هو أساس الزواج العرفي. ¬

(¬1) الزواج العرفي، لدريويش، ص 79. (¬2) السياحة الشرعية في الأحوال الشخصية، لعمرو، ص 43. (¬3) أحكام الزواج العرفي، لإبراهيم، ص 11. (¬4) الزواج العرفي، لدريويش، ص 81، وهناك تعريف مقارب له جدًّا: أنه زواج مستوفٍ لأركانه وشروطه إلا أنه بدون وثيقة رسمية صادرة عن المحكمة الشرعية. مسميات الزواج المعاصرة، لبدير، ص 237.

المطلب الثاني الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي

المطلب الثاني الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي اختلف الباحثون في الفرق بين الزواج العرفي والزواج الشرعي، وذلك بحسب الصور التي يقع عليها اسم الزواج العرفي في منظورهم؛ فمنهم من يرى في صورته أنه يكون من دون ولي خلافًا للزواج الشرعي. ومنهم من يرى في سريته خلافًا للزواج الشرعي الذي يؤمر فيه بالإشهار. والأكثر يرون أنه غير موثق، وهذه هي النازلة، وإن كان مِن لازمها عدم الإشهار، فإن التوثيق لم يكن في السابق وظهر الآن، وأُلزم به الناسُ بعدما ضعف الدين، وخربت الذمم، ولما يترتب عليه من حقوق وواجبات للزوجة قد تضيع وتسقط في حال عدم توثيق العقد، فيكون مدعاة لإنكار الزوج وتخلصه من حقوق الزوجة، وتبعات الزواج. والبعض يجعله بين الزوج والزوجة العقد دون ولي وشهود (¬1). ¬

(¬1) الزواج العرفي، لعبد الرازق، ص 69، والزواج العرفي، لعامر، ص 72.

المطلب الثالث حكم الزواج العرفي

المطلب الثالث حكم الزواج العرفي سبق أن ذكرنا أن الزواج العرفي له صور متعددة، وكل واحدة مختلفة عن الأخرى، وسأقتصر هنا على صورة واحدة؛ لأنها نازلة في نظري، ولأهميتها، وهي أن يكون الزواج مكتمل الأركان والشروط، ولكن دون توثيق رسمي، وقبل أن أدخل في حكم المسألة سأبين ما هو التوثيق والوثيقة والموثق وما يرتبط بكل ذلك. التوثيق لغة: قال ابن فارس: «الواو والثاء والقاف كلمة تدل على عقد وإحكام» (¬1)، ووثقت الشيء: أحكمته، وثُقَ الشيء وثاقة: قوي وثبت، فهو وثيق، أي ثابت محكم، وصار وثيقًا، أو أخذ بالوثيقة في أمره، أي بالثقة، كتوثق، والوَثاق- ويكسر-: ما يشد به، وأوثقه فيه: شدَّه، واستوثق منه: أخذ الوثيقة، ووثِقت به أثق ثقة: سكنت إليه، واعتمدت عليه (¬2). قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} (¬3). قال القرطبي: «الميثاق: العهد المؤكد باليمين، مِفْعال ¬

(¬1) مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 1043. (¬2) المرجع السابق، ومفردات القرآن، للأصفهاني، ص 853، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 854، والمصباح المنير، للفيومي، ص 531، ومختار الصحاح، للرازي، ص 659. (¬3) سورة البقرة، آية: 27.

من الوثاقة والمعاهدة، وهي الشدة في العقد والربط ونحوه، والجمع: المواثيق» (¬1). وقال تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ} (¬2)، أي تحلفون بالعهود والمواثيق (¬3). ومما سبق يتبين لنا أن للتوثيق معاني: - العقد والإحكام، والثبوت والتقوية، والعهد والأيمان، والشد والإحكام. أما التوثيق اصطلاحًا: التعريف الأول: (الأمر الذي يحصل به التقوِّي على الوصول للحق) (¬4). التعريف الثاني: (علم يبحث فيه عن كيفية سوق الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات في الرقاع والدفاتر؛ ليحتج بها عند الحاجة إليها) (¬5). التعريف الثالث: (علم باحث عن كيفية ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال) (¬6). ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (1/ 370 - 371)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (1/ 319). (¬2) سورة يوسف، آية: 66. (¬3) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/ 522). (¬4) الزواج العرفي، لدريويش، ص 61. (¬5) مفتاح السعادة ومصباح السيادة، لكبرى زاده (2/ 557). (¬6) كشف الظنون، لحاجي خليفة (3/ 76).

ولعل التعريف المختار- والله أعلم- هو أنه: "علم يضبط أنواع المعاملات والتصرفات بين شخصين أو أكثر، على وجه يضمن تحقيق الآثار المترتبة عليها، ويكسبها قوة الإثبات عند القاضي» (¬1)، واخترناه لما يلي: 1 - أن التعريف الأول عام بين الحقوق واستيفاء الحقوق، ولم يبين أركان التوثيق. 2 - التعريف الثاني والثالث لم يذكر فيهما أركان التوثيق، ولم يكونا جامعين مانعين. 3 - أن التعريف المختار ذكر أركان التوثيق إضافة إلى الآثار المترتبة عليه. ويسمى الفقهاء علم التوثيق بعلم الشروط والمحاضر والسجلات. أما الوثيقة لغة: فإنها ترجع إلى المعنى السابق ذكره؛ لأنها من نفس مادة وثق. وأما اصطلاحًا: فهي الورقة التي يُدوَّن فيها ما يصدر من شخص أو أكثر من التصرفات والالتزامات أو الإسقاطات أو نحو ذلك، على وجه يجعلها منطبقة على القواعد الشرعية، ومستوفية لجميع الشروط التي اشترطها الفقهاء لجعل هذا المدون بعيدًا عن الفساد (¬2). ¬

(¬1) التوثيق لدى فقهاء المذهب المالكي، لعبد اللطيف الشيخ (1/ 26). (¬2) ولاية التوثيق، للحجيلي، ص 252.

والمُوثِّق لغة: اسم فاعل معناه اللغوي لا يخرج عن المادة السابقة لأنها أصله. واصطلاحًا: التعريف الأول: (هو من يوثق العقود ونحوها بالطريق الرسمي) (¬1). والتعريف الثاني: (هو من يقوم بالتوثيق، أي بكتابة العقد أو الإقرار أو التصرف ونحو ذلك) (¬2). التعريف الثالث: (قيام موظف رسمي مختص بتحرير العقد بنفسه، والتوقيع عليه، وذلك بعد تأكده من توافر أركانه وشروط صحته) (¬3). التعريف المختار هو الثالث، وذلك لما يلي: 1 - أن الأول والثاني أطلقا صفة الموثق على كل من يقوم بكتابة الوثيقة، فيدخل فيه العالم والعامي. 2 - وأن الثالث أعطى الموثق صفة رسمية، وأنه مختص في هذه المهنة. أما صفة الموثق أو الشروط التي يجب أن يكون عليها فقد نظمها بعضهم شعرًا فقال: إن كنت للتوثيق من أبنائه ... ولبست من أوصافه جلبابا ¬

(¬1) المعجم الوسيط (2/ 1012). (¬2) ولاية التوثيق، للحجيلي، ص 252. (¬3) نظام القضاء في المملكة العربية السعودية، للجيرة، ص 162.

وحفظت ما تحتاجه من آلة ... أدبًا وفقهًا يقتضيه صوابا وسبكت ألفاظ الوثيقة بعضها ... بعضًا على نسق عجابا وسلكت مسلك صالحي علمائنا ... تبغي بها سبل النجاة طلابا متثبتا متحفظًا متحرزًا ... يقظان لا تخش الأنام عتابا وقبلت ما أوتيت عنها أجرة ... عن طيب نفس قد أتاك لبابا وحفظت دينك في الشريعة تابعًا ... سبل الكرام أولي النُّهى أوابا فلسوف تدرك ما تؤمِّل دائمًا ... فضلاً من الله العظيم ثوابا (¬1) وقد اختلف العلماء في حكم الزواج العرفي على أقوال: القول الأول: يصح عقد الزواج العرفي؛ لأن الكتابة والتسجيل في الأوراق الرسمية ليست بشرط ولا ركن من أركان عقد الزواج، فلذلك يصح عقد الزواج، وتترتب عليه آثاره إذا توفرت الشروط والأركان، وهو قول الشيخ جاد الحق، والشيخ ابن جبرين، والشيخ صالح اللحيدان، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم (¬2). ¬

(¬1) المنهج الفائق، للونشريسي (1/ 81)، وقد فصل فيه المؤلف- رحمه الله- في شرف علم الوثائق وصفة ما يحتاجه من الآداب، وما ينبغي للموثق أن يحترز منه، ومتى يصبح مذمومًا وغيرها، وولاية التوثيق، للحجيلي، ص 271. (¬2) الزواج العرفي المشكلة والحل، للجارحي، ص 51، والزواج العرفي، لحمدان، ص 50، والزواج العرفي، لعبد العظيم، ص 57، والزواج العرفي، للمطلق، ص 500، والزواج العرفي، لدريويش، ص 69، وأحكام الزواج، للأشقر، قال: "صحيح .. وإنما بنالان العقاب المنصوص عليه في قانون العقوبات هما والعاقد لهما، ص 177، والزواج العرفي في ميزان الإسلام، للطهطاوي، ص 120.

أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الزواج مكتمل الأركان والشروط الواجب توافرها في الزواج الصحيح. مناقشة الدليل: أن ولي الأمر أمر بتوثيق العقود، وطاعته واجبة، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الطاعة في المعروف» (¬2)، فما دام الإنسان يؤمر بمعروف، فيجب أن يطيع، فالطاعة لازمة وواجبة هنا (¬3)، لاسيما أن فيه طاعة لله، وكذلك حفظ للحقوق من الضياع، وإثبات لأحكام الزوجية، خاصة إذا عم الفساد، وكثرت الفتن، وضعف الدين في الناس. الدليل الثاني: أن توثيق الزواج بالكتابة ليس شرطًا ولا سُنة، وأنه يختلف من بلد إلى بلد، وأنه قد يعيق الزواج (¬4)، وأنه لم يكن معروفًا في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة ولم ينقل عنهم، ولا عن السلف من بعدهم كتابة عقد الزواج (¬5)، بل اكتفوا بالإشهار والإعلان، مع ¬

(¬1) سورة النساء، آية: 59. (¬2) رواه البخاري (8/ 134)، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، ح (7145). (¬3) الزواج العرفي، لدريويش، ص 72. (¬4) الزواج العرفي، للمطلق، ص 511. (¬5) الزواج العرفي، لعمران، ص 30، 31.

وجود الكتابة عندهم في المعاملات والبيوع، قال ابن تيمية: «ولم يكن الصحابة يكتبون صدقات؛ لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر» (¬1). مناقشة الدليل: أن كتابة عقد الزواج لم تكن معروفة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صحيح، ولكن كانت الكلمة تحترم وتعتبر ميثاقًا يُعتد به، أما الآن فقد أصبحت الذمم خربة، ولا تُحترم الكلمة، وغاب الضمير، وكثرت الحيل (¬2)، وكذلك صحيح أن التوثيق ليس شرطًا ولا سنة، ولكن صار في وقتنا الحالي من الضروريات التي تحفظ العقد من التلاعب والتحايل والتزوير، وفيه حفظ للحقوق، ولا يعيق الزواج، بل تحفظ به الحقوق والواجبات (¬3). القول الثاني: أن العقد صحيح مع وجوب توثيق عقد الزواج بالكتابة والتسجيل رسميًّا، والذي لم يسجل يأثم ويعاقب بعقوبة يقدرها ولي الأمر، وهو قول علي الطنطاوي والقرضاوي وغيرهما (¬4). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (32/ 131). (¬2) الزواج العرفي، لعمران، ص 31. (¬3) الزواج العرفي، للمطلق، ص 511. (¬4) الزواج العرفي، لجارحي، ص 45، وقال: (ذهب البعض إلى تحريمه وبطلانه)، ولعله يقصد قول من قال: إذا لم يتحقق فيه أركانه أو شروطه، كما هي فتوى الدكتور نصر فريد واصل. الزواج العرفي، لجارحي، ص 47، وقد نقل عنه- أي الدكتور نصر فريد واصل- أنه حرمه؛ لفقد عنصر التوثيق. والزواج العرفي، لعمران، ص 30، ولعل مراده: حرمة عدم التوثيق فقط، لا حرمة الزواج، والله أعلم. والزواج العرفي، لدريويش، ص 71، والزواج العرفي، للمطلق، ص 513.

أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن ولي الأمر أمر بهذا التوثيق، وألزم فيه، فيجب طاعته، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (¬1)، ولقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلاَّ أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (¬2). وقد أمَر ولي الأمر بكتابة عقد الزواج رسميًّا، فكان ذلك واجبًا يأثم تاركه، ويعاقب فاعله (¬3). الدليل الثاني: لأجل إثبات الحقوق والأحكام الزوجية، وحفظ حقوق الولد، فلولي الأمر الحق بإلزام الناس بتوثيق العقود من باب السياسة الشرعية التي يسوس بها الرعية (¬4). الدليل الثالث: قياس توثيق عقد النكاح على توثيق الدَّين، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (¬5). ففي الآية توثيق للمعاملات والحقوق، وهذا في المعاملات ¬

(¬1) سورة النساء، آية: 59. (¬2) رواه البخاري (8/ 34)، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، ح (7144)، ومسلم (6/ 15)، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، ح (4869). (¬3) الزواج العرفي، لدريويش، ص 72. (¬4) المرجع السابق، ص 74. (¬5) سورة البقرة، آية: 282.

المالية، ففي النكاح من باب أولى، خوفًا من ضياع الأولاد، وإنكار الزوجية. القول الراجح- والعلم عند الله- القول الثاني القائل بوجوب توثيق عقد الزواج مع صحة العقد، وأنه يجب معاقبة المقصر، وذلك لما يلي: 1 - لقوة أدلته وصراحتها على الدلالة. 2 - أن غاية ما عند القول الأول اكتمال الشروط والواجبات، ولا نخالفهم في هذا، ولكن هذا خاضع للمصالح والمفاسد التي تحصل بسبب الزواج العرفي. 3 - لولي الأمر أن يُلزم بما فيه مصلحة الناس، وهو حق له من باب السياسة الشرعية.

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي جاء في قانون الأحوال الشخصية الكويتي في المادة الثانية والتسعين، الفقرة (أ): لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية، أو سبق الإنكارَ إقرارٌ بالزوجية في أوراق رسمية (¬1). ويلاحظ على قانون الأحوال الشخصية أنه يرفض سماع الدعوى في الزواج العرفي المقدمة إلى المحاكم في حالة الإنكار، ولم يصرح بأن هذا الزواج باطل، أو أن مثل هذه العقود يجب أن توجب عليه عقوبة لعدم توثيقه (¬2)، بل اكتفت بعدم سماع الدعوى عند الإنكار، وهذا نوع من الاستنكار والاعتراض على مثل هذه العقود، وتبيين لخطرها. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 34. (¬2) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 145.

المبحث الرابع زواج "الفرند" (زواج الأصدقاء)

المبحث الرابع زواج "الفرند" (زواج الأصدقاء) وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف زواج "الفرند"، وفيه فرعان: المطلب الثاني: الفرق بين زواج "الفرند" والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم زواج "الفرند" المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول: تعريف زواج "الفرند"

المطلب الأول: تعريف زواج "الفرند" وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف زواج "الفرند" لغة: عندما يتكلم العلماء في اللغة على مادة أثر يتطرقون إلى كلمة الفرند، وأثر السيف جوهره وأثر جودته، وهو: الفرند، وأثر السيف فرنده. وأثر السيف: وَشْيُه الذي يقال له: الفرند، وهي كلمة فارسية معربة، وأصله برند بالباء (¬1). ويطلق الفرند على الحرير، وأنشد ثعلب (¬2): يحله الياقوت والفرندا ... مع الملاب وعبيدًا صردا ¬

(¬1) المعرب، للجواليقي، ص 473، والعين، للفراهيدي، ص 17، ووتهذيب اللغة، للأزهري (15/ 119)، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 62، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس 43، مادة: (أثر). (¬2) هو ابن العباس أحمد بن يحيى بن سيار النحوي الشيباني بالولاء، المعروف بثعلب، ولاؤه لمعن بن زائدة الشيباني، إمام الكوفيين في النحو واللغة، ومن مؤلفاته: الفصيح. ولد سنة 200 هـ، وتوفي سنة 291 هـ. وفيات الأعيان، لابن خلكان (1/ 102).

الفرع الثاني: تعريف زواج "الفرند" اصطلاحا

ومما سبق يتبين لنا أنها كلمة غير عربية الأصل، وأن لها معنيين؛ الأول: أثر السيف، والثاني: الحرير. أما المراد هنا في بحثنا فغير ذلك؛ لأنها كلمة إنجليزية (Friend)، ومعناها: صديق، أي زواج الصديق، وجاءت في مقابل "بوي فرند" (Friend boy)، و"جيرل فرند" (Girl - Friend) السائدة في الغرب، وبهذا يتبين أنها ليست تسمية حقيقية لهذا الزواج، بل في مقابل ما هو مشهور في الدول الغربية، وأول من تكلم بهذا هو الشيخ عبد المجيد الزبداني، وقد ذكره كحل لمشكلة المسلمين في الغرب، حينما اتخذوا صديقات، وشاع الفساد، فقالوا له: ما الحل؟ قال: الصديق "الفرند". ولم تكن فتوى، ثم شاع هذا الأمر، وتكلم الناس فيه، وبحثه العلماء وتطرقوا إلى حكمه (¬1)، ولما حصل عند الناس إشكالات واعتراضات لمسماه وما يحصل في الغرب، استبدل اسمه إلى الزواج الميسر أو اليسر، وهو السهولة واللين، ضد العسر، قال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} (¬2)، فطابق بينهما. الفرع الثاني: تعريف زواج "الفرند" اصطلاحًا: يمكن أن يعرف بأنه: تزوج الفتى والفتاة دون أن يشترط امتلاكه بيتًا، أو وجوب نفقة على الزوج في بلاد الغرب على أن ¬

(¬1) الزواج العرفي، لدريويش، ص 118، والزواج العرفي، للمطلق، ص 446، وزواج "الفرند"، للمطلق، ص 17. (¬2) سورة الشرح، آية: 6.

يوفر لها ذلك حين قدرته (¬1). وقد قيده بعض المعاصرين بوصف "اللذين كانا صديقين" (¬2). وهذا وإن كان صحيحًا، لكن أرى أن تحذف من التعريف؛ ليعم الحكم الصديق وغيره، والله أعلم. ¬

(¬1) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 75، وقد تصرف في تعريفه. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثامنة عشرة. (¬2) المرجع السابق.

المطلب الثاني الفرق بين زواج "الفرند" والزواج الشرعي

المطلب الثاني الفرق بين زواج "الفرند" والزواج الشرعي الزواج الشرعي وزواج "الفرند" كلاهما مستكمل الشروط والأركان، وكلاهما موثق، ولكن في زواج "الفرند" تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، مثل اشتراط النفقة، والسكن، كما أن طبيعة العقد تقتضي عدم قوامة الرجل على المرأة، فهي تتصرف في حياتها كما تشاء؛ لإقامتها في منزل أهلها (¬1)، فزواج "الفرند" بني على أساس رأي لحل مشكلة، بينما الزواج الشرعي بني على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لإقامة أسرة، وزواج "الفرند" قد يغلب عليه عدم الاستمرار؛ لطبيعته أنه مبني على الصداقة، بخلاف الزواج الشرعي، حيث الأصل فيه الإنجاب، وقد لا يُتصوَّر ذلك في زواج "الفرند" (¬2). ¬

(¬1) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 77. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 75.

المطلب الثالث حكم زواج "الفرند"

المطلب الثالث حكم زواج "الفرند": اختلف العلماء في حكم زواج الفرند على قولين: القول الأول: يجوز زواج "الفرند" بشرط ألاَّ يُنصّ في العقد على تأقيته، أو يكون بنية الطلاق. وهو قول عبد المجيد الزبداني، وعبد المحسن العبيكان، المستشار بوزارة العدل في المملكة العربية السعودية وعضو مجلس الشورى، وعبد الحميد حمدي، عضو المجلس الإسلامي بالدانمارك، والشيخ علي أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، والدكتور سليمان عبد الله الماجد، القاضي في محكمة الأحساء (¬1). أدلة القول الأول: الدليل الأول: أنه زواج مكتمل الأركان والشروط، من إيجاب وقبول وولي وشاهدين والزوجين الخاليين من الموانع (¬2). مناقشة الدليل: صحيح نسلم لكم أن العقد صحيح، ولكن بما أنه مشابه لنكاح ¬

(¬1) الزواج العرفي، لدريويش، ص 122، وزواج "الفرند"، للمطلق، ص 22، والزواج العرفي، للمطلق، ص 449، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 74، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 79. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 79.

الأخدان (¬1)، فأخشى أن يُستغل ويعمل به كالأخدان المُحرَّم إن لم توضع له ضوابط تحفظه (¬2). الدليل الثاني: أن النفقة والسكن وإن كانا من واجبات الزواج، إلا أنهما ليسا من العقد، وعدم توافرهما لا يبطله (¬3)، فللمرأة حق التنازل عنهما ما دامت تستطيع أن تسكن إلى جانب أبيها وأسرتها (¬4). الرد على الدليل من وجوه: الوجه الأول: قولكم محل نظر وإن كان صحيحًا؛ لأننا كأننا نخفف من الواجبات الزوجية، ونجرده من مقاصده لنزوة جنسية بحتة، وعقدٍ مشبوهٍ لا يوفر المودة والرحمة لكلا الزوجين، لأن كلا الصديقين يدرك في قرارة نفسه أن هذا الزواج لا يدوم (¬5). مناقشة الوجه الأول: ويمكن الرد عليه بأننا لا نسلم لكم بأنه نزول إلى رغبة جنسية بحتة، وأنه ليس فيه مودة ورحمة؛ لأن الإنسان قد يكون فقيرًا ¬

(¬1) متخذات الأخدان: هن المتسترات اللاتي يصحبن واحدًا واحدًا، ويزنين خفية، وهو من زنى الجاهلية. المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 17). (¬2) ولهذا قال سيد طنطاوي- شيخ الأزهر- بعدما أجازه: "ينبغي علينا مراعاة ما بعد الزواج ومشكلات". الزواج العرفي، لدريويش، ص 125. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 74. (¬4) عقود الزواج المستحدثة، النجيمي، ص 79. (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 81.

ويعمل لجمع المال لتوفير سكن لعائلته، وقد تصيبه فاقة في أثناء الزواج، فيجعل زوجته عند أهلها مدة قد تطول، ويأتيها على فترات عند أهلها إلى أن تتيسر أموره، ولم يقل أحد بحرمة هذه الصورة كزواج النهاريات والليليات. الوجه الثاني: لو لم يكن في منع هذا الزواج إلا سد الذريعة، وقطع دابر التحايل، للزم من هذا المنطلق تحريمه وذمه؛ حتى لا يفتح به الباب لأصحاب الأهواء والنزوات الذين استهوتهم المتع، ولعبت بهم الميول الدنيئة (¬1). مناقشة الوجه الثاني: يمكن مناقشة أن الحيل لا ترد كلها، بل فيها تفضيل كما سبق في تقسيم الحيل (¬2)، ولا يمكن أن نحكم أنه للمتعة والشهوة؛ لأنه قد يكون لحاجة وفقر، ويريد مخرجًا للعفة والتحصين لنفسه ولغيره، لاسيما إذا كان في بلد غربي منحل أخلاقيًّا. الوجه الثالث: لا يلزم من كون الواجبات الزوجية ليست من أركان العقد حِليَّة النكاح، وإن صححنا العقد فقد يكون عقدُ النكاح مستوفيًا ظاهريًّا للأركان والشروط المطلوبة، ويعتريه التحريم من نواح أخرى؛ كالصلاة في الدار المغصوبة، فإن الفقهاء جميعهم يقطعون بالصحة مع الحرمة (¬3). ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر، ص 141 وما بعدها. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 81

مناقشة الوجه الثالث: ويمكن مناقشته بأننا نسلم لكم بأنه إن اعتراه أمر ينافي مقاصد الزواج أو الغاية منه، أنه قد يحرم، ولكن لا نرى أنه اعتراه شيء يؤدي إلى حرمته، مع أن مسألة الصلاة في الأرض المغصوبة غير مسلم بها، فمِن العلماء من يرى أن الصلاة غير صحيحة (¬1)، فلا نسلم لكم بهذا الدليل. الدليل الثالث: يؤدي هذا الزواج في الغرب بين أبناء المسلمين إلى اتقاء شرور الفتن الأخلاقية، إذ من الممكن أن يرتبطا بعقد زواج شرعي من دون أن يمتلكا بيتًا في البداية، إلى أن يتم لهما تنظيم حياتهما (¬2). الرد على الدليل من وجوه: الوجه الأول: أن اتقاء الفتن لا يكون في تغريب الإسلام، بل في أسلمة الغرب، وتطويع المغتربين من شبابنا لمفاهيم الإسلام؛ لقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (¬3). وفي الحديث: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء» (¬4) (¬5). ¬

(¬1) مطالب أولى النهي، للرحيباني (1/ 369)، والكافي، لابن قدامة (1/ 239). (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 74. (¬3) سورة النور، آية: 33. (¬4) سبق تخريجه ص 43. (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 78.

الرد على الوجه الأول: أن إسقاط المرأة حقها لا ينافي حقها من الزواج، وتشملها عموم الأدلة الدالة على طلب الزواج، مع أن الأولى الصبر والصوم إنْ قُدِر عليه، وإلا لا نستطيع تحريم نوع من أنواع الزواج لم ينص دليل صريح على تحريمه (¬1). الوجه الثاني: أن القواعد تدفع هذا العقد المشبوه؛ لمنافاته المقاصد الإسلامية من الزواج، وأن الشيخ الزبداني، الذي أفتى بهذه الفتوى، ذكر أن الولد يأتي إلى بيت أبيه ومعه صديقته ويعاشرها، والأب والأم يعلمان أنها صديقته، فرأى حل المشكلة بالعقد الشرعي، أي بدل أن تكون العلاقة آثمة تكون علاقة شرعية (¬2). الرد على الوجه الثاني: ويمكن الرد عليه بأننا لا نسلم لكم بأن العقد مشبوه إذا استكمل الأركان والشروط، وكذلك لا يوجد مانع يمنع أن تحول المعاملات أو العلاقات من محرمة إلى شرعية، بل الشرع يأمر بأن يكون كل أمر موافقًا للشريعة، وهذا هو الفقه، بأن ينظر العالم صاحب الأهلية في المعاملات أو العلاقات ويجعلها موافقة للشريعة، وإلا لم تسلم لنا كثير من المعاملات ولا العلاقات، والشريعة صالحة لكل زمان ومكان. ¬

(¬1) زواج الفرند، للمطلق، ص 31. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 78.

الوجه الثالث: أن واقع هؤلاء الطلبة المغتربين يدل على أنهم لا يتزوجون غالبًا إلا بنية الطلاق عندما تنقضي مهامهم (¬1). الرد على الوجه الثالث: ويمكن الرد عليه بأن هذا خارج محل النزاع، فنحن نتكلم على زواج "الفرند"، وأما الزواج بنية الطلاق فقد اختلف فيه العلماء، ومع ذلك فقد صححه بعضهم، فلا حجة في هذا الوجه. الوجه الرابع: أن هذه المرأة الصديقة ربما تكون غير مسلمة؛ كالمرأة الغربية مثلاً، وإن كانوا نصارى اسمًا، إلا أنهم آل بهم الأمر في هذا العصر إلى الإلحاد المطلق والإباحية (¬2). الرد على الوجه الرابع: الأصل أن الكتابية يجوز نكاحها، وذكر الفقهاء شروطًا (¬3) لذلك، ولكن لا نسلم لكم أنهم كلهم ملحدون، كما أن ليس كلهم متمسكين بدينهم، فمنهم من هو ملحد، ومنهم العاصي، ومنهم متمسك بدينه، كما هو حال المسلمين، والله المستعان، فإن خالفت شروط العلماء المذكورة، فنحرم نكاحها لا لزواج "الفرند"، بل لمخالفتها الشرع بعدم توفر الشروط والأركان التي هي الأصل عندنا. ¬

(¬1) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 79. (¬2) المرجع السابق. (¬3) المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 359)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 455)، وتفسير القرآن العظيم، لابن كثير (3/ 330).

الدليل الرابع: أن هذا الزواج يتوافق مع ظروف الشباب المسلم الذي يعيش في الغرب، ويجنبه الوقوع في العلاقات الجنسية المحرمة، وهذا يوافق ظروف حياة الأقليات المسلمة (¬1). الرد على الدليل الرابع من وجهين: الوجه الأول: الأصل أن الشباب المسلم يجب عليه أن يذعن للأحكام الشرعية الصافية في أي بلد، وتحت أي ظرف، وألاَّ يتتبع الرخص؛ لأنها تدفع الإنسان المسلم إلى ظلمات المهالك، حتى قال أهل العلم: من تتبع الرخص فقد ضل وهلك (¬2) (¬3). الرد على الوجه الأول: نسلم لكم بأنه يجب على كل مسلم أن يتبع تقاليد الإسلام، ومن وجهة نظرنا أنه لم يخالف تعاليم الإسلام إن تنازل أحد عن حقه، فهو صاحب الشأن، وأما تتبع الرخص، فالمقصود به التلفيق عند العلماء، بأن يأخذ من كل مذهب ما يوافق هواه، وهذا غير وارد على مسألتنا؛ لأننا لم نتتبع الرخص، بل الأركان والشروط موجودة في هذا العقد، وكل ما في الأمر أن المرأة تنازلت عن حقها، وإن سلمنا لكم بأنها من باب تتبع الرخص، فقد اختلف فيه ¬

(¬1) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 74. (¬2) الآيات البينات على شرح جمع الجوامع، للعبادي (4/ 383)، والرخصة الشرعية، لكامل، ص 165. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 81.

العلماء كذلك بين مجيز ومانع (¬1). الوجه الثاني: علينا أن نطوع الشباب المسلم لتعاليم الدين الحنيف، فكله محاسن وأخلاق ورحمة، وألاَّ نطوع القواعد الفقهية للشباب ليحصلوا على ما يبتغون ولو كان فيه خدش للمقاصد (¬2). الرد على الوجه الثاني: ويمكن الرد عليه بأنه صحيح، بل يجب على الشباب وغير الشباب أن ينقاد إلى تعاليم الإسلام، وأن هذا الدين جاء بجلب المصالح، ودفع المفاسد، ومصلحة المسلم أن يقصد أحد مقاصد الشريعة، وهو أن يُعفَّ نفسه عن الحرام، لاسيما أنه لم يخالف نصًّا، ولم يترك ركنًا ولا شرطًا من النكاح، فلذلك لا نُسلِّم أن فيه خدشًا للمقاصد إذا كان عن رضًا، ولا أننا نكيف لهم قواعد الشريعة على هواهم. القول الثاني: أن زواج "الفرند" حرام، وهو قول الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، والدكتور محمد الطبطباني، عميد كلية الشريعة في الكويت سابقًا، وغيرهما (¬3). ¬

(¬1) الآيات البينات، للعبادي (4/ 383)، والرخصة الشرعية، لكمال، ص 165. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 82. (¬3) زواج "الفرند"، للمطلق، ص 27، والزواج العرفي، لدريويش، ص 125، والزواج العرفي، للمطلق، ص 454، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 76، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 80.

أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن هذا الزواج فيه مخالفة لما حث عليه النبي (صلى الله عليه وسلم)، الشباب من الزواج الكامل بكافة التزاماته الشرعية، والعاجزُ عليه الاستعفافُ؛ لقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (¬1). وعليه أن يصوم؛ لحديث: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» (¬2)، ولا وسط بين هذين التوجيهين (¬3). الرد على هذا الدليل: سبق الرد على هذا الدليل في الرد على الدليل الثالث من القول الأول (¬4). الدليل الثاني: شرع الله الزواج ليكون رباطًا وثيقًا بين الرجل والمرأة يقوم على المودة والرحمة، ومن مقاصده الأساسية السكن والمودة، فإذا لم تتحقق هذه المقاصد فقد الزواج قيمته الأساسية، وأصبح مجرد شهوة (¬5). الرد على الدليل: لا نسلم لكم بعدم تحقق السكن إلى بعضهما البعض ولا المودة؛ لأنها أمور قلبية قد توجد وإن لم يوجد سكن، وإن سلمنا لكم بتقصير في المقاصد مع توفر الأركان والشروط، فيكون ¬

(¬1) سورة النور، آية: 33. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 76. (¬4) انظر: ص 177 وما بعدها. (¬5) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 77، وعقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 80.

غاية ما فيه الكراهة لا التحريم (¬1). الدليل الثالث: لا يوجد في الإسلام زواج موصوف بصفة خاصة، وإنما ورد لفظ الزواج في القرآن والسنة غير مقيد بأي صفة، كقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (¬2) (¬3). الرد على الدليل الثالث: ليس من المهم أن يقيد أو يطلق لفظ الزواج بصفة أو غيرها طالما أنه استوفى أركانه وشروطه، ولا مشاحَّة في الاصطلاح إذا عرف المعنى والمراد (¬4). الدليل الرابع: أن هذا النوع من النكاح سيكون مدخلاً للفساد والإفساد، فإنه من السهل أن يتزوج، وسهل عليه أن يطلق، ويؤدي ذلك إلى استغلال الرجل للمرأة لمجرد أن يلبي رغباته الجنسية (¬5). الرد على الدليل الرابع: صحيح هذا، وأنه محتمل أن يقع الفساد، وليس متيقنًا، والأحكام الشرعية تبنى على صحة أركانها وشروطها ليس إلاَّ (¬6). والقول المختار- والله أعلم- القول الأول القائل بالإباحة، ¬

(¬1) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 80. (¬2) سورة النور، آية: 32. (¬3) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 80. (¬4) المرجع السابق. (¬5) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 81، وعقود الزواج المستجدة للسهلي، ص 77. (¬6) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 81.

ولو قيد بالضرورة والحاجة لكان أحسن، وقد أجازه المجمع الفقهي الإسلامي (¬1)، وذلك لما يلي: 1 - أنه استوفى شروطه وأركانه- وهو المهم-. 2 - أن فيه تيسيرًا على المسلمين، لاسيما في الغرب. 3 - أن أصحاب القول الثاني ليس لديهم دليل صريع لنحمله على الحرمة. ¬

(¬1) موقع رايطة العالم الاإسلامي.

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي جاء في قانون الأحوال الشخصية في المادة الرابعة والسبعين: "تجب النفقة للزوجة على زوجها بالعقد الصحيح ولو كانت مُوسرة، أو مُختلِفة معه في الدِّين، إذا سلمت نفسها إليه ولو حكمًا" (¬1). وقد فُسرت النفقة على الزوجة في قانون الأحوال الشخصية في المادة الخامسة والسبعين، لتشمل النفقة: الطعام، والكسوة، والسكن، وما يتبع ذلك من تطبيب وخدمة وغيرهما حسب العرف (¬2). ومما سبق يتبين لنا حكم النفقة في القانون، وهو الوجوب، ويدخل في النفقة المسكن، وهو ما لا يوجد في زواج "الفرند"، هذا من جهة الحكم، وأما من جهة الشروط، أي إذا ذكرت في الشروط، فقد قسم قانون الأحوال الشخصية الكويتي، الشروط في العقد إلى أقسام، كما في المادة الأربعين: أ- إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافي أصله بطل العقد. ب- وإذا اقترن بشرط لا ينافي أصله، ولكن ينافي مقتضاه، أو كان محرمًا شرعًا بطل الشرط، وصح العقد. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 30. (¬2) المرجع السابق.

ج- وإذا اقترن بشرط لا ينافي أصله ولا مقتضاه، وليس محرمًا شرعًا؛ صح الشرط، ووجب الوفاء به، فإن لم يوفِ به كان للمشروط له حق طلب الفسخ" (¬1). زواج الفرند داخل في الفقرة (ب)؛ لأنه ينافي مقتضى العقد الذي يوجب عليه النفقة على زوجته بمجرد الدخول بها، فلهذا يبطل الشرط مع صحة العقد، على رأي القانون. وهذا في حال ذكر الشرط في العقد، والغالب عدم ذكره، وإنما يكون الاتفاق عليه قبل العقد، ولا يُذكر في العقد. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية، ص 20.

المبحث الخامس الزواج السياحي

المبحث الخامس الزواج السياحي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الزواج السياحي، وفيه فرعان: المطلب الثاني: الفرق بين الزواج السياحي والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج السياحي المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف الزواج السياحي

المطلب الأول تعريف الزواج السياحي وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الزواج السياحي لغة: السياحي لغةً: قال ابن فارس: "السين والياء والحاء أصل صحيح، ساح في الأرض، قال الله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} " (¬1) (¬2). والسيح: الماء الجاري، والسيح: العباءة المخططة، وسميت بذلك تشبيهًا لخطوطها بالشيء الجاري، والسيح: الماء الظاهر على وجه الأرض، والسيح: ضرب من البرود، والمساييح ليس من السياحة، ولكنه من التسييح، والتسييح في الثوب: أن تكون فيه خطوط مختلفة ليست من نحو واحد، والمساييح هم الذين يسيحون في الأرض بالنميمة والشر (¬3). ¬

(¬1) سورة التوبة، آية: 2. (¬2) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 478، مادة: (سبح). (¬3) لسان العرب، لابن منظور (2/ 492)، والعين، للفراهيدي، ص 458، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 478، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 219، والمصباح المنير، للفيومي، ص 245.

قال الأزهري (¬1): «ساح الماء يسيح سيحًا: إذا جرى على وجه الأرض، والسياحة: ذهاب الرجل في الأرض للعبادة والترهب، وسياحة هذه الأمة الصيام ولزوم المساجد» (¬2). ومما سبق يتبين لنا أن معنى السياحة في اللغة: المشي في الأرض، وأن الأصل في السياحة للمسلم أن تكون في طاعة الله، وبذلك جاءت النصوص التي تدل على السياحة، قال تعالى: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (¬4). قال ابن منظور: "قال الزجاج: السائحون في قول أهل التفسير واللغة جميعًا: الصائمون) (¬5). وقد صرفت في زماننا المعاصر إلى التنزه والترفيه وضياع الوقت، ولا يمنع أن تكون سياحة الإنسان في طاعة الله تعالى، وتدخُل تبعًا في التنزه وغيره، بحيث يكون الأصل عند المسلم أنها في طاعة الله. ¬

(¬1) هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي الشافعي، وشهرته بالأزهري نسبة إلى أحد أجداده، ولد سنة 282 هـ، وتوفي سنة 370 هـ، ومن مؤلفاته: التقريب في التفسير، وعلل القراءات. طبقات الشافعية الكبري، للسبكي (3/ 63)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي (16/ 315). (¬2) تهذيب اللغة، للأزهري (5/ 173). (¬3) سورة التوبة، آية: 112. (¬4) سورة التحريم، آية: 5. (¬5) لسان العرب، لابن منظور (2/ 493).

الفرع الثاني: تعريف الزواج السياحي اصطلاحا

الفرع الثاني: تعريف الزواج السياحي اصطلاحًا: تعريف الزواج السياحي اصطلاحًا: التعريف الأول: هو الزواج الذي يتم بين رجل وامرأة، ويستند إلى مقومات الزواج الأساسية من حيث سلامة العقد والمهر وموافقة الأهل، إلاَّ أنه لا يستمر لمدة طويلة (¬1). التعريف الثاني: أن يتزوج الرجل المرأة وفي نيته طلاقها بعد انتهاء دراسته، أو إقامته، أو حاجته (¬2). التعريف الثالث: هو زواج يتوفر فيه الإيجاب والقبول والولي والشاهدان وغير ذلك من الأمور المعتبرة في صحة النكاح، إلا أن الزوج يضمر في نفسه طلاقها بعد مدة معلومة كانت أو مجهولة (¬3). التعريف الرابع: هو الزواج الذي تتوفر فيه أركان وشروط الزواج الشرعي من الإيجاب والقبول والولي والشهود ونحوها، ويكون طرفه أحد السياح، ويقوم به خلال إجازته التي غالبًا ما تكون ¬

(¬1) الزواج العرفي، لدريويش، ص 129، والزواج السياحي، للحجيلان، ص 430. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 45، والزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 43. (¬3) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 31، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 37.

الإجازة الصيفية، مع تبييته النية بالطلاق بعد انتهاء هذه الإجازة، وقد يصرح بذلك (¬1). التعريف المختار: «أنه الزواج المستكمل للأركان والشروط، ولكن الزوج يضمر في نفسه الطلاق، سواء كانت معلومة أو غير معلومة»، وذلك لما يلي: 1 - أن جميع التعاريف السابقة اتفقت على أنه زواج استكمل شروطه وأركانه، إلا أنه يضمر فقط نية الطلاق. 2 - التعريف الرابع حاول أن يقيد الزواج بنية الطلاق على السياحي، أي على زواج السياح في أثناء الإجازة فقط، مع أنه لا يختلف عن سابقيه، وإلا لجعلنا زواجًا صيفيًّا، وزواجًا دراسيًّا، وزواج سفر، وغير ذلك من المسميات؛ لأن المقصود المعاني من العقود وليس المسميات. ¬

(¬1) الزواج السياحي، للحجيلان، ص 45.

المطلب الثاني الفرق بين الزواج السياحي والزواج الشرعي

المطلب الثاني الفرق بين الزواج السياحي والزواج الشرعي الفرق الأساسي بين الزواج السياحي والزواج الشرعي هو نية الزوج بالطلاق المبيتة، أي أنه لا يريد به الاستمرار والدوام، ولكن يريد التأقيت. أما ما حاول به بعض المعاصرين التفريق بين الزواج السياحي والزواج بنية الطلاق، فيمكن أن يرد عليه: الفرق الأول: أن الزواج السياحي السفر مقصود به الزواج، أما الزواج بنية الطلاق فالسفر كان لحاجة معينة (¬1). لا نسلم لكم بهذا القول؛ لأن الواقع يحكي خلافه، فإن في الناس من يسافر ويتزوج، وإذا رجع لا يطلق، ويرجع على زوجته ويتردد عليها إلى أن يطلق بعد فترة، وإن سلمنا لكم بهذا، فهل نسمي زواج الطلبة زواج دراسة، وزواج التجار زواج تجارة، وغير ذلك من المسميات؟ لم يقل أحد بهذا القول. صحيح قد يتفقان في أمور، ويختلفان في أمور، لكن الأساس أنه ينوي الطلاق، حتى إن العلماء قالوا: الأصل في العقود المعاني، ليس الألفاظ والمباني (¬2). ¬

(¬1) الزواج السياحي، للحجيلان، ص 85. (¬2) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 253.

والفرق الثاني: أن الزواج السياحي معروف مسبقًا في الغالب، وأنه محدد ودقيق، والزواج بنية الطلاق لا يكون بهذا التحديد (¬1). لا أثر لهذا، بل هو في السياحي أقوى، بحيث قربه ومشابهته للمتعة أكثر من حيث التحديد، وبهذا يكون الزواج بنية الطلاق أهون منه، إن سلمنا لعملية التحديد؛ لأنه من السياح من لا يتقيد بتحديد السفر. والفرق الثالث: أن الزواج السياحي غالبًا ما تدفع إليه الحاجة المادية للزوجة وأهلها، مع علمهم بطريقة غير مباشر بنية الطلاق، وأما الزواج بنية الطلاق، فقد يكون الدافع ذلك، وقد يكون غيره من إرادة الإنجاب أو الإعفاف أو غيرهما (¬2). الواقع أن أغلب من يزوج من الخليجيين وميسوري الحال لأجل الحاجة يزوجونهم، وإلا إن علموا بنية الطلاق فلا يزوج، وما ذكر في الحقيقة ليس بفرق، بل هو توافق بين الزوجين، مع أن الباحث في بحثه عن الحكم ينقل كلام أغلب العلماء على أنه زواج بنية الطلاق، وبعد كل هذا الرد على التفريق بين السياحي وبنية الطلاق، فقد سبقني إلى ذلك الدكتور أحمد يوسف الدريويش، أستاذ الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود- الرياض (¬3). ¬

(¬1) الزواج السياحي، للحجيلان، ص 85. (¬2) الزواج السياحي، للحجيلان، ص 86. (¬3) الزواج العرفي، لدريويش، ص 132.

المطلب الثالث حكم الزواج السياحي

المطلب الثالث حكم الزواج السياحي اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال: تحرير محل النزاع: إذا نصَّ على الوقت في العقد فهو نكاح المتعة المُحرَّم (¬1). وإذا لم يحدد الوقت، ولكن نوى بقلبه أن يطلق بعد مدة، فقد اختلف فيه العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: جواز النكاح بنية الطلاق. وهو قول الجمهور من الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، وابن قدامة (¬5) ¬

(¬1) وهذا على القول برجوع ابن عباس (رضي الله عنه) عن قوله بجوازها. المبسوط، للسرخسي (5/ 156)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (3/ 347)، والاستذكار، لابن عبد البر (16/ 301). (¬2) شرح فتح القدير، لابن الهمام (3/ 349)، وفتح باب العناية، للقاري (2/ 28). (¬3) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 301). (¬4) نهاية المحتاج، للرملي (6/ 214). (¬5) المغني، لابن قدامة (5/ 573).

وابن تيمية (¬1) من الحنابلة، وقال به الطنطاوي وتقي الدين العثماني (¬2). أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن العقد اكتملت فيه جميع أركانه وشروطه، والنية المستقبلية للتطليق لا تضر، فهي احتمالية، فربما يتغير رأيه فيُبقي على زوجته (¬3). الرد على الدليل من وجوه: الوجه الأول: المجيزون نقضوا هذا الأصل الذي جروا عليه هنا من الحكم بالظاهر، وعدم تأثير النية، فقد قال ابن قدامة: «وإن نوى التحليل من غير شرط؛ فالنكاح باطل» (¬4)، مع أن الصورة الظاهرة التي عقد عليها المحلل مستوفية لمتطلبات الصحة، إلا أن النية أثرت على العقد بالبطلان، فلزمهم تأثير النية في الزواج بنية الطلاق، لاسيما ومدار البطلان على نية التوقيت والناكحان مشتركان فيه (¬5). ¬

(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32/ 147). (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 47. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 49، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 46، والزواج السياحي، للحجيلان، ص 141، والزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 114. (¬4) المغني، لابن قدامة (7/ 573). (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 53، والزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 117.

الوجه الثاني: اتفاق أهل الملة على تحريم الغش والخداع وارتكاب الحيل لنيل الشهوات (¬1). الوجه الثالث: أن الإرادة الجازمة يؤاخذ بها المرء في الأفعال كما في الحديث: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» (¬2)، فأدخل العزمُ على القتلِ صاحبَه في النار (¬3). الدليل الثاني: أن النكاح بنية الطلاق لا ينطبق عليه تعريف نكاح المتعة الذي ينكح فيه الزوجة إلى أجل، ومقتضى ذلك أنه إذا انتهى الأجل انفسخ النكاح، ولا خيار فيه للزوج ولا للزوجة، وليس فيه رجعة؛ لأنه ليس طلاقًا، بل هو انفساخ وإبانة للمرأة (¬4). الرد على الدليل: ويمكن الرد عليه بأنه صحيح أن هناك فرقًا بين الزواج بنية الطلاق، فإنه فيه طلاق، والمتعة فسخ، ولكنهما يشتركان في التوقيت. ¬

(¬1) الحاوي الكبير، للماوردي (5/ 345)، والفتاوى الكبرى، لابن تيمية (3/ 345)، طبعة دار المعرفة، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 53، والزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 180. (¬2) رواه البخاري (1/ 16)، كتاب الإيمان، باب «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما»، فسماهم المؤمنين، ح (31)، ومسلم (8/ 170)، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، ح (7434). (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 53. (¬4) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 221.

الدليل الثالث: أن الزواج بنية الطلاق يحقق مصالح حتى لو قيل بعدم جوازه خصوصًا للمغتربين (¬1). الرد على الدليل: دعوى أنه يحقق مصالح قد تضيع غير مُسلَّمٍ؛ لأن مفاسده وآثاره السيئة تربو بكثير على المصلحة، لتأثيره على أهداف الزواج السامية ومقاصده، فلا مودة ولا رحمة ولا نسل ولا تعاون على بناء كنوز المستقبل (¬2). الدليل الرابع: الزواج بنية الطلاق لم يرد في حكمه نص شرعي يدل على تحريمه ولا على إباحته؛ لكونه من الأحكام المستجدة، وعليه فإن الحكم في هذه المسألة اجتهادي (¬3). الرد على الدليل الرابع: لا نسلم لهذا الكلام، بل قد نص عليه بعض العلماء المتقدمين، كما سنذكر في القول الثاني (¬4) (¬5)، ثم قد سبق الكلام على النية وتأثيرها عند الرد على الدليل الأول (¬6). الدليل الخامس: أن الزواج بنية الطلاق قال الأئمة الأربعة بجوازه، وكذا جمهور السلف، وعلماء الاجتهاد قديمًا وحديثًا (¬7). ¬

(¬1) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 46. (¬2) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 53، والزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 183. (¬3) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 46، والزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 194. (¬4) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 181. (¬5) انظر: ص 199 وما بعدها. (¬6) انظر: ص 196. (¬7) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 46.

الرد على الدليل الخامس: أما قولك قال به الأئمة الأربعة، فغير صحيح؛ فقد خالف الإمام أحمد (¬1)، وكذلك السلف منهم من خالف، وكذلك الحال في العلماء والمعاصرين (¬2). الدليل السادس: أن الزواج بنية الطلاق فيه طلب للحصانة والعفة، وإشباع الرغبة الجنسية بطريق مشروع، ومن المعلوم شرعًا أن الإسلام يكره العزوبة، وينهي عن التبتل (¬3). الرد على الدليل السادس من وجوه: الوجه الأول: الحصانة والعفة لا يتمخضان عن زواج شهر أو أيام، وإنما ينتجان عن الزواج الدائم الذي رتَّب الله عليه الأحكام، وبنَى عليه المقاصد، بل إن من وقع في مثل هذا فإنه في الغالب تفسد طبيعته، بحيث يريد زوجة جديدة كل فترة، ولا يصبر أن يقتصر على أم أولاده، بل كل فترة يريد واحدة، وهذا هو الواقع لمن يفعلون مثل هذه النوع من الزواج (¬4). الوجه الثاني: إشباع الرغبة الجنسية ليس له إلا طريقان؛ الزواج الشرعي الدائم الذي تترتب عليه الأحكام، أو التسري بما ملكت اليمين من الإماء- إن وجد- وما سوى ذلك ليس طريقًا ¬

(¬1) الانصاف، للمرداوي (20/ 407). (¬2) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 185. (¬3) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 185، والزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 78، والزواج السياحي، للجحيلان، ص 144. (¬4) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 185.

شرعيًّا لإشباع الرغبة، والدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} (¬1) (¬2). الوجه الثالث: صحيح أن الدين نهى عن التبتل، ولكنه لم يدُع إلى المتعة العارضة، واللذة المؤقتة لكسر طوق الرهبنة والعزوبية، بل أمر بالزواج الدائم الذي تترتب عليه المقومات الأساسية، والمقاصد الشرعية (¬3)، والزواج بنية الطلاق ليس حلاًّ، بل هو مشكلة؛ لأن في الغالب لا ينتهي صاحبه عما يفعل بكثرة الزوجات، وهو في الواقع لا يرضى ذلك على أخته أو ابنته أن تتزوج فترة محددة ثم تُطلَّق. القول الثاني: أن الزواج بنية الطلاق حرام، وهو مذهب الحنابلة في المشهور (¬4)، وقول الأوزاعي (¬5) (¬6)، ومن المعاصرين: الشيخ رشيد رضا (¬7)، والشيخ محمد صالح العثيمين (¬8)، واللجنة ¬

(¬1) سورة النور، آية: 5، 6. (¬2) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 187. (¬3) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 187. (¬4) الشرح الكبير، لابن قدامة (20/ 407)، والإنصاف، للمرداوي (20/ 407). (¬5) هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي، ينسب إلى الأوزاع، بطن من همدان، وهو أمام أهل الشام. ولد ببعلبك، وتوفي سنة 157 هـ. الطبقات الكبرى، لابن سعد (1/ 88). (¬6) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 301). (¬7) تفسير القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار، لرشيد رضا (5/ 17). (¬8) شرح منظومة أصول الفقه وقواعده، لابن عثيمين ص 287.

الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية (¬1)، والمجمع الفقهي الإسلامي (¬2)، والشيخ صالح محمد اللحيدان، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: الزواج بنية الطلاق نكاح متعة أو شبيه به، فتشلمه أدلة تحريم المتعة (¬4). الرد الأول على الدليل الأول: الزواج بنية الطلاق يخالف المتعة في التعريف، وأنه طلاق، أما المتعة ففسخ بعدها (¬5). مناقشة الرد على الدليل الأول: سبق مناقشته في الرد على الدليل الثاني (¬6)، وأنهما يشتركان في التأقيت الذي ترتب عليه الحكم، وإن اختلفا في أن أحدهما طلاق، والآخر فسخ. الرد الثاني على الدليل الأول: قال شيخ الإسلام: «ليس بنكاح متعة، ولا يحرم، وذلك أنه ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة (18/ 446 - 448). (¬2) موقع رابطة العالم الاسلامي. (¬3) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص (46 - 50). (¬4) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 51، والزواج السياحي، للحجيلان، ص 129. (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 49، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 222. (¬6) انظر: ص 196.

قاصد للنكاح وراغب فيه، بخلاف المحلل، لكن لا يريد دوام المرأة معه، وهذا ليس بشرط؛ فإن دوام المرأة معه ليس بواجب؛ بل له أن يطلقها، فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة، فقد قصد أمرًا جائزًا، بخلاف المتعة» (¬1). الرد على الرد الثاني من وجوه: الوجه الأول: أما قوله: "ليس بنكاح متعة ولا يحرم" إلى قوله "دوام المرأة معه"، فنعم صحيح، ولكنه ليس قاصدًا للدوام والاستمرار، وهل مقصود الشارع من شرعه للنكاح كونه قاصدًا وراغبًا فيه، كلا، وإنما المقصود من النكاح دوامه واستمراره، وذلك لما يترتب على الدوام من فوائد عظيمة يحبها الله تعالى، ولذلك رغب الشارع فيه، ونهى عن التبتل، وشرح الوسائل التي يكون بها دوام النكاح، وحذر من الطلاق، وأمر بإمساك المرأة مع كراهتها، قال تعالى: فَإِنِ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (¬2)، وأما قصده للنكاح دون قصد الدوام، فيشاركه فيه نكاح المتعة والتحليل، حيث إن كلاًّ منهما قاصد للنكاح وراغب فيه، ولكن لا يريد الدوام، فلو كانت الرغبة قصد النكاح وحدها مسوغًا، لجاز نكاح التحليل والمتعة أيضًا (¬3). الوجه الثاني: أما قوله ليس بشرط، فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها. ¬

(¬1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32/ 147). (¬2) سورة النساء، آية: 19. (¬3) الزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 83.

نعم، صحيح ليس بشرط، ولكن وجوده يضر بالمقصد الأصلي الذي من أجله شرع النكاح، أما دوام المرأة معه، ففرق بين أن يتزوج إنسان بنية دوام العشرة ثم لا يوفق؛ لأن القلوب بين يدي الله، وبين إنسان تزوج ونيته عدم الدوام، بل أراده ليقضي منها وطرًا عاجلاً أو منفعة ثم يطلقها، ليذهب إلى أخرى؛ فالأول لا أحد يقول بعدم صحة نكاحه، ومشروعية طلاقه، والثاني كيف نقول بجواز نكاحه ونية الطلاق موجودة قبل العقد ومع العقد (¬1). الوجه الثالث: قصد أمرًا جائزًا. بل هو غير جائز؛ لأنه شبيه بالمتعة من حيث قصد كل منهما الطلاق بعد مدة، وغاية ما في الأمر أن المتعة صرح فيها بالمدة، وعدم التصريح بمدة لا يجعل العقد مشروعًا، ولابد من اكتمال الشروط، وانتقاء الموانع، والزواج بنية الطلاق وُجد فيه مانع يمنع كونه مشروعًا، ألا وهو النية التي تنافي مقصد الشارع، فالنية كافية في تحريمه (¬2). الدليل الثالث: كتمان النية المستقبلية عن الزوجة أو أهلها يعتبر من الخداع والخيانة والغش، مما يجعله أجدر بالبطلان من العقد المؤقت والمتعة (¬3). ¬

(¬1) الزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 85. (¬2) الزواج بنية الطلاق، للمنصور، ص 84، بتصرف. وقد رد على قول شيخ الإسلام ردًا كاملاً، وهذا ملخص منه كيلا أطيل. (¬3) مستجدات فقهية، للأشقر، ص 224، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 54.

الرد على الدليل: ويمكن الرد عليه بأننا نسلم لكم بالغش والخداع والخيانة، ولماذا تصل إلى البطلان؟ ولِمَ لا يكون صحيحًا مع حرمة ما نواه؟ . الدليل الرابع: تحريم الزواج بنية الطلاق يدخل تحت القاعدة الفقهية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام (¬1) (¬2). الرد على الدليل: ويمكن الرد عليه بأننا لا نسلم لكم بأنه حرام حتى يدخل تحت القاعدة، وإن سلمنا فلِمَ يلزم بطلان العقد؟ لما لا نقول: الفعل حرام، والعقد صحيح؟ الدليل الخامس: ومما يرجح تحريم الزواج بنية الطلاق قاعدة: الخروج من الخلاف مستحب (¬3) (¬4). الرد على الدليل: ويمكن الرد عليه بأننا لا نخالف في هذه القاعدة، بل هي موافقة لقولنا، ودليل لنا في الحقيقة؛ لأن العلماء يرون الكراهة في هذه القاعدة إذا خالف، وليس التحريم. الدليل السادس: استدلوا بجملة من القواعد الفقهية، مثل: إذا ¬

(¬1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 164، والمواهب السنية، للفاداني (2/ 51). (¬2) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 54. (¬3) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 207، والمواهب السنية، للفاداني (2/ 170). (¬4) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 59.

تعارض المانع والمقتضي قدم المانع (¬1)، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح (¬2)، وقاعدة سد الذريعة (¬3) (¬4). الرد على الدليل: سبق الرد على مثل هذه الأدلة في الرد على الدليل الرابع سواء بالتسليم وعدم التسليم. الدليل السابع: من الأدلة على تحريم الزواج بنية الطلاق قاعدة: لا ضرر ولا ضرار (¬5) (¬6). الرد على الدليل: ويمكن الرد عليه بأنه نسلم لكم إذا ثبت الضرر على من يتزوج بنية الطلاق، وإلا لم يدخل تحت هذه القاعدة. ¬

(¬1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 178، والمواهب السنية، للفاداني (2/ 84)، والمنثور في القواعد، للزركشي (1/ 348). (¬2) شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 205، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 138، والمواهب السنية، للفاداني (1/ 282). (¬3) نثر الورود، للشنقيطي (2/ 575)، وتقريب الوصول، لابن جزي، ص 415، وأصول مذهب الإمام أحمد، للتركي، ص 497. (¬4) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 61 - 64، وعقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 54. (¬5) شرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 165، والأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 132، والمجموع المذهب، للعلائي (2/ 375)، والمواهب السنية، للفاراني (1/ 266). (¬6) الزواج بنية الطلاق، للسهلي، ص 62، وعقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 54، وقد أطال الدكتور أحمد السهلي بالأدلة لمن أراد، وفصَّل فيها جزاه الله خيرًا.

القول الثالث: أن الزواج بنية الطلاق مكروه. وهو قول لمالك (¬1)، ومذهب الشافعية (¬2). أدلة القول الثالث: مثل أدلة القول الثاني ترى التحريم، غير أنهم حملوا التحريم على الكراهة، سواء التنزيهية أو التحريمية (¬3). القول الراجح- والله أعلم- القول الثاني، وهو التحريم، وذلك لما يلي: 1 - أن العبرة في العقود بالمقاصد لا بالألفاظ والمباني، وأن هناك أمورًا اكتملت أركانها وشروطها وقد حرمها الشارع، مثل: بيع السلاح في وقت الفتنة، وقد ظهر المقصود بهذا النكاح عيانًا للناس، ولا يرضاه أحد لبناته أو أخواته (¬4). 2 - لتأثير النية على العقد صحةً وبطلانًا، كما في الحديث السابق: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه (¬5)، فأثرت النية عليه مع أنه لم يعمل. 3 - ظهور فساد هذا الزواج واقعيًّا، حتى إنه قد يصل إلى ليلة واحدة، وهذا من استغلال هذا النوع من الزواج في الواقع للشهوة وقضاء وطره. ¬

(¬1) المنتقى، للباجي (5/ 142). (¬2) نهاية المحتاج، للرملي (6/ 214)، والحاوي الكبير، للماوردي (9/ 333). (¬3) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 56. (¬4) المرجع السابق، ص 57. (¬5) سبق تخريجه ص 196.

4 - أن النكاح المؤقت أسوأ حالاً من نكاح المتعة؛ لأنه بني على الخداع والغش والتدليس والتحايل على مقصود الشارع في أضيق الأبواب، فكان القصد حرامًا، والوسيلة باطلة، أما نكاح المتعة فإن كلا الطرفين قد عرف حاله ومآله (¬1). 5 - مبنى العقود زواجًا أو غيره على التراضي وعدم الغش، وإن احتال أحد المتعاقدين بحيلة خفية لا يفطن لها الطرف الآخر ثبت الخيار، وأمثلته كثيرة، مثل: بيع المصراة وغيرها، وإذا كان هذا في البيوع محرمًا، ويثبت الخيار، فكيف بمن يدلس في الأبضاع التي فيها مزيد من الاحتياط؟ فهل رضا المرأة وأوليائها متحقق إن أطلعهم على عزم فراقها؟ (¬2). 6 - المحتال بالباطل يعامل بنقيض قصده شرعًا وقدرًا، وهو تحايل على الشرع ليتوصل بحيلته إلى ما لا يجوز له فعله، وإلى ما لا ترضاه المرأة ولا أولياؤها لو علموا الحال، وهذا من الممقوت شرعًا (¬3). ¬

(¬1) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 55. (¬2) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 56. (¬3) المرجع السابق.

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي جاء في قانون الأحوال الشخصية في المادة الحادية عشرة: "يشترط في الإيجاب والقبول: أ- أن يكونا مُنجزين غير دالَّين على التوقيت. ب- موافقة القبول للإيجاب صراحة أو ضمنًا (¬1) ". هذا في حال ذكر التوقيت في العقد، أما الواقع في الزواج السياحي، فهو عدم ذكر التوقيت في العقد، بل هو مجرد نية الطلاق عند الزوج، وعدم معرفة أهل الزوجة بذلك، ولم تتعرض قوانين الأحوال الشخصية لذكر الزواج بنية الطلاق صراحة. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 12.

المبحث السادس الزواج المدني

المبحث السادس الزواج المدني وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الزواج المدني. المطلب الثاني: الفرق بين الزواج المدني والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم الزواج المدني المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف الزواج المدني

المطلب الأول تعريف الزواج المدني الفرع الأول: تعريف الزواج المدني لغة: مدن لغة: المدينة اسم لمدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خاصة، وكل أرض يُبنى بها حصن في أطمتها فهي مدينة، والنسبة إليها مدني، ويقال للرجل العالم بالأمر: هو ابن مدينتنا، أي عالم بأمرها، ومدن الرجل إذا أتى المدينة، وتمدَّن أي عاش عيشة أهل المدن، وأخذ بأسباب الحضارة، والمدنية: الحضارة والاتساع (¬1). الفرع الثاني: تعريف الزواج المدني اصطلاحًا: التعريف الأول: هو الشركة التي تجمع بين الرجل والمرأة لاستمرار بقاء النسل، وليساعد كل منهما الآخر بالمعونة المتبادلة لحمل أعباء الحياة، وليتقاسما أقدارهما المشتركة (¬2). ¬

(¬1) تهذيب اللغة، للأزهري (14/ 145)، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 942، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 763، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 1137، والمصباح المنير، للفيومي، ص 463، مادة: (مدن). (¬2) الزواج المدني ومشروع قانون الأحوال الشخصية، لكبارة، ص 36، والزواج المدني .. دراسة مقارنة، لكبارة، ص 83.

التعريف الثاني: الاتفاق الذي بواسطته يتحد شخصان من جنسين مختلفين في مقاديرهما مدى الحياة تحت لواء الزواج (¬1). التعريف الثالث: عقد بواسطته يؤسس الرجل والمرأة فيما بينهما اتحادًا يتولاه القانون، ولا يستطيعان أن يفصماه برغبتهما المطلقة (¬2). التعريف الرابع: عقد مدني واتسامي يتحد به الرجل والمرأة قصد الحياة معًا، وقصد تبادل المساعدة والتعاون تحت إدارة الرجل رئيس الأسرة (¬3). ومما سبق يلاحظ اختلاف الغربيين في تعريف الزواج المدني: 1 - التعريف الأول: اعتمد على النسل، وركز عليه وعلى أهميته. 2 - والثاني أراد الإعانة بين الزوجين على المعيشة. 3 - والثالث ركز على التوثيق، وأن يتولاه رجل القانون. 4 - والرابع أشار إلى سيادة وقوامة الرجل في قوله: "تحت إدارة الرجل رئيس الأسرة" (¬4). وبهذا يتبين أن التعاريف مختلفة، ويمكن أن أجمع بينهم في ¬

(¬1) الزواج المدني ومشروع قانون الأحوال الشخصية، لكبارة، ص 36، والزواج المدني .. دراسة فقهية مقارنة، لكبارة، ص 84. (¬2) المرجعين السابقين. (¬3) الزواج المدني ومشروع قانون الأحوال الشخصية، لكبارة، ص 37، والزواج المدني .. دراسة فقهية مقارنة، لكبارة، ص 84. (¬4) الزواج المدني ومشروع قانون الأحوال الشخصية، لكبارة، ص 37.

تعريف اختاره، وهو: الزواج الذي يتم وفقًا لما حددته دولة ما في تشريعاتها القانونية بعد أن أقصت أي شرط ديني (¬1)، أو تدخل ديني في الزواج، لا من حيث صلاحية إبرامه فقط، بل من حيث شروطه وأركانه ومواصفاته الأخرى (¬2). وبعد هذا، أحب أن أشير إلى ما عرَّفه به العلماء والباحثون، من وجهة نظرهم لهذا العقد. التعريف الأول: هو العقد الذي يجري في دوائر الدولة دون موافقة الولي، ولا يشترط حضور الشهود (¬3). التعربف الثاني: عرفه وهبه الزحيلي بأنه: مجرد رباط كبقية العقود المالية، ويخلو من مراعاة الشروط التي تتناسب مع كرامة الإنسان، وهو في الواقع خال من الالتزام بحقوق الزوجية السليمة، وحقيقة هذا الزواج أنه اتفاق على مجرد الارتباط في قسم الشرطة مثلاً، دون الالتزام بأحكام الزواج وآثاره، لا عند الانعقاد، ولا عند الفسخ والانهيار، وفيه مخالفات شرعية إسلامية صارمة، إذ يمكن أن يقوم هذا الزواج بين امرأة مسلمة وغير مسلم؛ بحجة إلغاء الطائفية، وصهر الفوارق الدينية (¬4). ¬

(¬1) لأن القانون الفرنسي لا يعترف إلا بالتوثيق المدني فقط. الزواج المدني .. دراسة فقهية، لكبارة، ص 89. (¬2) مسميات الزواج المعاصرة، لبدير، ص 252. (¬3) أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، للرافعي، ص 360 - 362، وهذا ليس نصًّا من الباحث، ولكنه مفهوم كلامه حول الزواج المدني. (¬4) فتاوى معاصرة، للزحيلي، ص 214.

المطلب الثاني الفرق بين الزواج المدني والزواج الشرعي

المطلب الثاني الفرق بين الزواج المدني والزواج الشرعي يختلف الزواج المدني عن الزواج الشرعي في أمور أساسية، منها: 1 - أن من شروط قبول أوراق المتقدم للزواج ألاَّ يكون متزوجًا، فالتعدد يعتبر مانعًا من موانع الزواج، ولابد أن يقدم شهادة يثبت فيها عدم ارتباطه بامرأة أخرى، وإلا لم تقبل أوراقه، وهذا مأخوذ من القانون الكنسي الروماني؛ أخذ من القانون الفرنسي وعمل به (¬1)، بخلاف الزواج الشرعي، فله الحق في التعدد، ولا يمنع من التزوج إلا بما فوق الأربع. 2 - يتفق المدني والشرعي في الرضا، ويختلفان في الصيغة، فالمدني يعتمد صيغة الاستفهام (¬2)، بينما الشرعي يعتمد صيغة الماضي أو المضارع. 3 - الزواج المدني لا يعتد بالصداق، وليس له ذِكْر فيه، ولا حق للمرأة فيه (¬3)، بخلاف الزواج الشرعي الذي لابد من ذِكْر الصداق فيه. ¬

(¬1) الزواج المدني .. دراسة مقارنة، لكبارة، ص 93، 94. (¬2) أحكام الأحوال الشخصية، للرافعي، ص 399، وفقه الأسرة المسلمة، للعمراني (1/ 371). (¬3) فقه الأسرة المسلمة في المهاجر، للعمراني (1/ 372).

4 - الزواج المدني لا يرى بالولي، وليس له ذكر فيه (¬1)، بخلاف الزواج الشرعي؛ فإنه لابد من الولي في البكر، واختلفوا في الثيب، والجمهور على وجوب الولي. 5 - لم يعتد الزواج المدني بالديانة (¬2)، وجعل لكلٍّ الحق في الزواج من كل دين، فللمسلم أن يتزوج كافرة كتابية أو غيرها، وللمسلمة كذلك، بينما الزواج الشرعي يرى عدم زواج المسلمة بالكافر. 6 - الزواج المدني اشترط الشهود في السابق، ثم جعل الشهود اختياريًّا، فمن أراد أحضر الشهود، ومن لم يرد فليس عليه شيء (¬3)، بخلاف الزواج الشرعي الذي اشترط الشهود. 7 - عدالة الشهود ليس لها ذكر في الزواج المدني (¬4) لمن اختار أن يُحضر الشهود، أما في الزواج الشرعي فلابد من عدالة الشهود. 8 - الطلاق في الزواج المدني بيد القاضي، وجعل له أسبابًا ثمانية فقط: الزنى، والإيذاء الجسدي المقصود، والحبس مدة سنتين على الأقل، والجنون شرط مرور سنة على جنونه، والهجر غير ¬

(¬1) أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، للرافعي، ص 400. (¬2) الزواج المدني والزواج العرفي من منظور إسلامي، للأقطش، ص 15. (¬3) أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، للرافعي، ص 401، وقال: (وقد لا يعد حضور الشهود ضروريًا لعقد الزواج المدني بتاريخ 1/ 7/1998 م). (¬4) فقه الأسرة المسلمة في المهاجر، للعمراني (1/ 376).

المبرر أكثر من ثلاث سنوات، والغيبة المنقطعة من خمس سنوات فأكثر، وانعدام القدرة على تحمل واجبات الزواج، والاضطراب في الحياة الزوجية واستحالة الاستمرار، خلافًا للزواج الشرعي (¬1). 9 - عدة الطلاق في الزواج المدني ثلاثمائة يوم، عدا الحامل حتى تضع، بخلاف الزواج الشرعي (¬2). 10 - إباحة التوارث بين المسلمين والكفار في الزواج المدني، بخلاف الزواج الشرعي (¬3). 11 - الرضاع ليس من موانع الزواج في الزواج المدني، بخلاف الزواج الشرعي (¬4). ¬

(¬1) الزواج المدني وقانون الأحوال الشخصية، ص 161، 162. (¬2) المرجع السابق، ص 162. (¬3) المرجع السابق، ص 171، 172. (¬4) المرجع السابق، ص 158.

المطلب الثالث حكم الزواج المدني

المطلب الثالث حكم الزواج المدني بعدما مرَّ من الفروق بين الزواج المدني والزواج الشرعي، فإن هناك مسائل كثيرة، وسأتطرق إلى أهمها، وهو عدم اشتراط الدِّين، وعدم اشتراط الشهود، أما مسألة الولي فستأتي في آخر البحث- إن شاء الله- وذلك حتى لا أطيل، والله الموفق. مسألة عدم اشتراط الدِّين: أجمع العلماء على تحريم النكاح بين المسلمين والمشركين ممن لا كتاب لهم، ويحرم كذلك زواج الكافر بالمسلمة مطلقًا، سواء كتابيًّا أم لا (¬1)؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (¬2). وأما زواج المسلم بالكتابية، فالجمهور على جوازه من السلف ¬

(¬1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 403)، والمبسوط، للسرخسي (5/ 45)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 461)، والأم، للشافعي (5/ 9)، والحاوي الكبير، للمارودي (4/ 258)، والمغني، لابن قدامة (7/ 363)، والكافي، لابن قدامة (4/ 315). (¬2) سورة الممتحنة، آية: 10.

والخلف (¬1)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (¬2). وخالف ابن عمر (رضي الله عنهما) وقال بحرمة نكاح المسلم للكتابية (¬3). دليل القول: عن نافع، أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان إذا سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية يقول: «إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول المرأة: ربها عيسى. وهو عبد من عباد الله» (¬4). وجه الدلالة: حمل بعض العلماءِ قولَه على الكراهة، وأنه كان متوقفًا في ذلك (¬5). الرد على وجه الدلالة: على فرض ثبوته فهو فهمٌ منه واجتهادٌ، ولا يقوى على ¬

(¬1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 403)، والمبسوط، للسرخسي (5/ 45)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 461)، والأم، للشافعي (5/ 9)، والحاوي الكبير، للمارودي (4/ 258)، والمغني، لابن قدامة (7/ 363)، والكافي، لابن قدامة (4/ 315). (¬2) سورة المائدة، آية: 4. (¬3) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 403). (¬4) رواه البخاري (6/ 211)، كتاب الطلاق، باب قوله تعالى: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، ح (5285). (¬5) ولأن هناك أثرًا آخر ذكره الجصاص، أن ابن عمر كرهه، فلذلك حمل حديث التحريم على الكراهة. أحكام القرآن، للجصاص (1/ 403).

المسألة الثانية: الشهود لم يتطرق لهم عقد النكاح المدني

معارضة الآية التي صرحت بإباحة نساء أهل الكتاب (¬1). وبهذا يتضح أن الراجح- والله أعلم- قول الجمهور؛ لأن الآية عامة، فلا تصرف عن عمومها إلا بدليل صريح، والذي روي عن ابن عمر (رضي الله عنهما) مرة بالكراهة، ومرة بالتحريم، فعلم من ذلك أنه اجتهاد منه (¬2). المسألة الثانية: الشهود لم يتطرق لهم عقد النكاح المدني: تحرير محل النزاع: اتفق أهل العلم على بطلان النكاح الذي يتم بغير شهود ولا إعلان. قال ابن تيمية: «نكاح السر الذي يتواصون بكتمانه، ولا يشهدون عليه أحدًا، باطل عند عامة العلماء، وهو من جنس السفاح» (¬3). واتفق أهل العلم على صحة النكاح الذي شهد عليه رجلان فصاعدًا، وتم الإعلان عنه. قال ابن تيمية: «إذا اجتمع الإشهاد والإعلان؛ فهذا لا نزاع في صحته» (¬4). ¬

(¬1) السيل الجرار، للشوكاني (2/ 253). (¬2) هذا في الجملة، وإلا في دار الحرب فقد اختلفوا على قولين كذلك. المراجع السابقة. (¬3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (33/ 158). (¬4) المرجع السابق (32/ 130).

واختلف العلماء في النكاح الذي شهد عليه الشهود، ولكنهم لم يعلنوه للناس، وتواصوا بكتمانه، واختلفوا في النكاح الذي أعلن عنه ولم يحضر أحد الشهود. وقبل أن أدخل في الخلاف بالمسألة، أود أن أشير إلى قول ابن رشد (¬1) - رحمه الله-: «واتفقوا على أن الشهادة من شرط النكاح، واختلفوا هل هي شرط تمام يؤمر به عند الدخول، أو شرط صحة يؤمر به عند العقد؟ » (¬2)، وعلى ذلك متأخري المالكية (¬3)، أن الإشهاد ركن من عقد النكاح لا يصح النكاح بدونه، وبهذا فلا خلاف بينهم وبين الجمهور، وقال بعض المالكية: إن مذهب مالك عدم الإشهاد، وإنه يكتفي بالإعلان (¬4). القول الأول: يصح عقد الزواج من غير إشهاد، وإنما هو شرط كمال وفضيلة، ويُكتفى بالإعلان. وهو وقول المالكية (¬5) ورواية عن أحمد (¬6). ¬

(¬1) هو الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الوليد بن رشد الشهير بالحفيد. ولد سنة 520 هـ، وتوفي سنة 595 هـ، من مؤلفاته: الكليات في الطب، واختصار المستصفى في الأصول. شجرة النور الزكية، لمخلوف، ص 146، والأعلام، للزركلي (5/ 318). (¬2) بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 963). (¬3) تقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 134، والشرح الصغير، للدردير (2/ 335). (¬4) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 214)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 472). (¬5) المرجعين السابقين، والمعونة، للقاضي عبد الوهاب (1/ 494). (¬6) المغني، لابن قدامة (9/ 347).

أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن البيوع ذكَر الله الإشهاد عليها، وقام الدليل على الإشهاد فيها، والنكاح لم يذكر الله فيه الإشهاد، فأحرى ألاَّ يكون الإشهاد فيه من شروطه وفرائضه، وأنه مما تعم به البلوى (¬1). الرد على الدليل الأول: ورد في الحديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (¬2). الدليل الثاني: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل في الإشهاد على الزواج، فتبين أنه ليس مما أوجبه الله على المسلمين في مناكحهم، وإنما الذي ورد في نكاح لم يحضره إات رجل وامرأة (¬3). الرد على الدليل: ويمكن الرد أن الدليل قد صحَّ في الشهود. الدليل الثالث: عن أنس رضي الله عنه قال: أقام النبي (صلى الله عليه وسلم) بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلا بالأنطاع فبسطت، فألقى عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: ¬

(¬1) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 214)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 472)، والمغني، لابن قدامة (9/ 348)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (32/ 127). (¬2) رواه الدارقطني في سننه (4/ 322)، كتاب النكاح، ح (3531)، والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 203)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بشاهدي عدل، ح (13721)، وقال الألباني: حديث صحيح. إرواء الغليل (6/ 258). (¬3) الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 216).

إحدى أمهات المؤمنين هي، أو ما ملكت يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه. فلما ارتحل وطَّأ لها خلفه ومد الحجاب (¬1) (¬2). وجه الدلالة من الحديث: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا على أنها من أمهات المؤمنين بالحجاب، ولو كان أشهد على نكاحها لعلموا ذلك بالإشهاد، وهذا يدل على صحة العقد، وأنه لا يتوقف على الإشهاد (¬3). الرد على الدليل: نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلا شهود مِن خصائص النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقد أباح الله له الزواج ممن وهبته نفسها، فالتزوج بلا شهود من باب أولى (¬4). القول الثاني: الإشهاد شرط لصحة النكاح. وهو مذهب الجمهور من الحنفية (¬5) ومتأخري المالكية (¬6) والشافعية (¬7) والحنابلة- في المشهور (¬8) -. ¬

(¬1) رواه البخاري (5/ 91 - 92)، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، ح (4213). (¬2) المغني، لابن قدامة (9/ 348). (¬3) شرح ابن بطال على صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 180). (¬4) المغني، لابن قدامة (9/ 348). (¬5) المبسوط، للسرخسي (5/ 28)، والاختيار لتعليل المختار، للموصلي (3/ 41). (¬6) تقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 134، والشرح الصغير، للدردير (2/ 335). (¬7) الأم، للشافعي (5/ 35)، والحاوي الكبير، للماوردي (4/ 64). (¬8) المغني، لابن قدامة (9/ 347)، والكافي، لابن قدامة (4/ 237).

أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» (¬1). وجه الدلالة: النص واضح في اشتراط الولي والشهود. الدليل الثاني: لما خالف النكاح سائر العقود في تجاوزه عن المتعاقدينِ إلى ثالثٍ، هو الولد، الذي يَلْزم حفظُ نسبه، خالفهما في وجوب الشهادة عليه حفظًا لنسب الولد الغائب؛ لئلا يبطل نسبه بتجاحد الزوجين (¬2). القول المختار- والله أعلم- القول بوجوب الشهود، وذلك لما يلي: 1 - صحة الدليل في الشهود. 2 - وضعف أدلة القول الأول. تنبيه: قال الدكتور الأشقر: «وهذا الاختلاف ليس له أثر في هذه الأيام؛ لأن عقود النكاح لا تسجل إلا إذا أُشهد عليها، وإذا أشهد عليها وسجلت أُعلن عنها، وتكون بذلك قد صحَّت على مذاهب أهل العلم من غير خلاف» (¬3). ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 220. (¬2) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 58). (¬3) أحكام الزواج، للأشقر، ص 169.

وبعد هذا نستطيع أن نقول: إن الزواج المدني لا يجوز، وذلك لما يلي: 1 - لعدم اشتراط الدين عند الزوجين. 2 - ولإهمال الولي وعدم ذكره ولا اعتباره. 3 - وأن صيغته استفهامية خلافًا للعلماء ولم تكن منجزة. 4 - لا ذكر للمهر، ولا حق للزوجة فيه. 5 - الشهود أمرهم اختياري. 6 - والشهود ليس لهم شروط، بل له أن يحضر أي شاهد عدل أو غيره، مسلم أو كافر.

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي جاء في قانون الأحوال الشخصية في المادة الحادية عشرة: "أ- يشترط في صحة الزواج حضور شاهدين مسلمين بالغين، عاقلين، رجلين، سامعين معًا كلام المتعاقدين، فاهمين المراد منه" (¬1). وهذا لا يوجد في الزواج المدني؛ فإنه لا يشترط الشهود، بل الزوج بالخيار إن شاء أحضر شهودًا، وإن شاء لم يُحضر. كذلك جاء في المادة العاشرة: "يشترط في الإيجاب والقبول: أن يكونا منجزين غير دالَّين على التوقيت" (¬2). والزواج المدني صيغته استفهامية، أي غير منجزة. وكذلك جاء في قانون الأحوال الشخصية في المادة الثانية والخمسين: "يجب المهر للزوجة بمجرد العقد الصحيح" (¬3). وأما في الزواج المدني فلا ذكر للمهر، وليس لها حق المطالبة به. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 13. (¬2) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 12. (¬3) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 24.

وكذلك جاء في المادة الثامنة عشرة: "لا ينعقد: - زواج المسلمة بغير المسلم. - زواج المسلم بغير الكتابية. زواج المرتد عن الإسلام أو المرتدة، ولو كان الطرف الآخر غير مسلم" (¬1). والأمر في الزواج المدني أنه لا يشترط الدين، بل لكل طرف أن يتزوج من أصحاب الدين الذي يريد؛ لذلك يتبين لنا- حسب نصوص قانون الأحوال الشخصية الكويتي- أن الزواج المدني لا يجوز، ولا يصح. ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 15.

المبحث السابع زواج المسيار

المبحث السابع زواج المسيار وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف زواج المسيار. المطلب الثاني: الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي المطلب الثالث: حكم زواج المسيار المطلب الرابع: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف زواج المسيار

المطلب الأول تعريف زواج المسيار الفرع الأول: تعريف زواج المسيار لغة: المسيار لغة: قال ابن فارس: «السين والياء والراء أصل يدل على مُضيِّ وجريان» (¬1). سار الرجل يسير سيرًا ومسيرًا وتسيارًا ومسيرة وسيرورة، وتقول العرب: سار القوم يسيرون سيرًا ومسيرًا: إذا امتد بهم السير في جهة توجهوا لها، والتسيار: تفعال من السير. والسير: الذهاب، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، أي سير عبده، والسير بالليل والنهار، وأما السُّرى فلا يكون إلا ليلاً، يقال: أسريت وسريت: إذا سرت ليلاً، والسارية: أسطوانة من حجارة، وسايره: إذا جاراه فتسايرا، والدابة مُسيَّرَة: إذا كان الرجل راكبها والرجل سائر لها، والقوم مُسيَّرون. والسارية من السحاب: التي بين الغادية والرائحة ليلاً، والسارية ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 478.

الفرع الثاني: تعريف زواج المسيار اصطلاحا

سحابة تسري، يقال: هذا مثل ساير، وقد سير فلان أمثالاً سائرة في الناس. وسيَّارٌ: اسم رجل (¬1). الفرع الثاني: تعريف زواج المسيار اصطلاحًا: هذا النوع من الزواج لم يعرفه المتقدمون، ولهذا اختلف المعاصرون في تعريفه: التعريف الأول: وهو الزواج الذي يذهب فيه الرجل إلى بيت المرأة، ولا تنتقل المرأة إلى بيت الرجل، وفي الغالب تكون هذه زوجة ثانية، وعنده زوجة أخرى هي التي تكون في بيته وينفق عليها. فروح هذا الزواج هو إعفاء الزوج من واجب المسكن والنفقة والتسوية في القسم بينها وبين زوجته أو زوجاته تنازلاً منها (¬2). التعريف الثاني: هو الزواج الذي من خلاله تُسقط المرأة بعض حقوقها الشرعية بالاختيار (¬3). التعريف الثالث: هو زواج اكتملت شروطه وأركانه، وانتفت موانع انعقاده، إلا أن الزوجين قد ارتضيا واتفقا على ألا يكون ¬

(¬1) تهذيب اللغة، للأزهري (13/ 46)، ولسان العرب، لابن منظور (4/ 389)، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 432، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 478، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 384، والمصباح المنير، للفيومي، ص 246، مادة: (سير). (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 10، بتصرف. (¬3) أحكام الزواج، للعنزي، ص 314.

للزوجة حق المبيت أو القسم، وإنما الأمر راجع للزوج متى رغب في زيارة زوجته في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار؛ فله ذلك (¬1). التعريف الرابع: أن يتزوج رجل امرأة بأركان النكاح وشروطه، ولكن دون أن يحدد يومًا معينًا يأتيها فيه، أو ساعة معينة، وإنما يكون خاضعًا لرغبته ووقت فراغه وتمكنه (¬2). التعريف الخامس: هو أن يتزوج رجلٌ بالغٌ عاقلٌ امرأةً بالغةً عاقلةً تحلُّ له شرعًا على مهر معلوم، وشهود مستوفين لشروط الشهادة، على ألا يبيت عندها ليلاً إلا قليلاً، وألا ينفق عليها، سواء كان ذلك بشرط مذكور في العقد، أو بشرط ثابت بالعرف أو بقرائن الأحوال (¬3). ويلاحظ من التعاريف السابقة أنها اتفقت على أنه زواج مستكمل الأركان والشروط، وأن المرأة تتنازل عن بعض حقوقها حتى لا يفوتها الزواج؛ لأنها في الغالب تكون مطلقة أو أرملة، فيستغل الرجال حاجة النساء للزواج، وأنه زواج مخفف عليهم لعدم النفقة والمبيت، فيمكن أن نختار له تعريفًا هو نكاح يتم بشروطه وأركانه الشرعية، ويتراضى فيه الزوجان على إسقاط بعض حقوقهما الزوجية، ويتفقان على إعلانه بصورة محدودة (¬4). ¬

(¬1) المختار للحجيلان، ص 108، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 10. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 10. (¬3) الزواج، للكردي، ص 207. (¬4) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 11.

المطلب الثاني الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي

المطلب الثاني الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي زواج المسيار متوافق مع الزواج الشرعي في استكمال الأركان والشروط، إلا أنه يخالفه في سقوط المبيت عن الزوج، وكذلك في إسقاط النفقة على الزوجة، وأيضًا إسقاط السكن؛ بحيث تكون الزوجة في بيتها إن كان لها بيت، أو في بيت أهلها ويأتيها الزوج فيه، وذكر بعضهم سقوط المهر، ولعله أراد ألاَّ يكون مثل مهر الزواج المعتاد. وزواج المسيار إعلانه يكون بطريقة خاصة غالبًا، بحيث لا تعلم الزوجة الأولى، أو أهل الزوج بزواجه. وطبيعة زواج المسيار ألاَّ يكون للزوج قوامة على زوجته، بخلاف الزواج المعتاد، فهي تتصرف في حياتها إقامةً في منزلها وخروجًا منه وفق رأيها غالبًا؛ لأن الزوج لا يقيم عندها (¬1). ¬

(¬1) المرجع السابق، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 18، وزواج المسيار، للمطلق، ص 88.

المطلب الثالث حكم زواج المسيار

المطلب الثالث حكم زواج المسيار اختلف العلماء المعاصرون في حكمه على خمسة أقوال: القول الأول: الجواز مع الكراهة. وهو قول الدكتور يوسف القرضاوي (¬1)، والدكتور وهبة الزحيلي (¬2)، والشيخ سعود الشريم (¬3) - إمام الحرم- والدكتور أحمد الكردي (¬4)، والدكتور أحمد موسى السهلي (¬5)، وهو اختيار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي (¬6). أدلة أصحاب القول الأول: الدليل الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت امرأة أحب إليّ أن أكون في مسلاخها (¬7) من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حِدَّة، ¬

(¬1) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 150 وما بعدها. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 29. (¬3) مجلة الأسرة، العدد (46)، ص 15، سنة 1418. (¬4) الزواج، للكردي ص 207. (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 26. (¬6) زواج المسيار، للمطلق، ص 112، وموقع رابطة العالم الاسلامي. (¬7) مسلاخها: أي في هديها وطريقتها، ومسلاخ الحية: جلدها، والسلخ بالكسر الجلد. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (2/ 389).

قالت: فلمَّا كَبِرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة، قالت: يا رسول الله، قد جعلت يومي منك لعائشة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة (¬1). وجه الاستدلال من الحديث: أن إسقاط بعض الحقوق من حق المرأة، مثل المبيت والنفقة؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ما تصرفت به سودة بنت زمعة، كما هو حال زواج المسيار (¬2). مناقشة وجه الاستدلال من وجوه: الأول: أن سودة بنت زمعة رضي الله عنها هي المتنازلة، أما في المسيار فالرجل يشترط ذلك (¬3). الرد على الوجه الأول: أننا لا نسلم لكم بهذا، بل هو مبالغ فيه، فإن المرأة هي التي تتنازل بمحض إرادتها (¬4). الوجه الثاني: أن سودة رضي الله عنها تنازلت بعد العقد، أما في زواج المسيار فالتنازل قبل العقد (¬5). ¬

(¬1) رواه مسلم (4/ 174)، كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها، ح (1463). (¬2) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 173، وزواج المسيار، للمطلق، ص 146. (¬3) زواج المسيار، للمطلق، ص 148. (¬4) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 32، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 174. (¬5) زواج المسيار، للمطلق، ص 148.

الرد على الوجه الثاني: أنه لا فرق بين ما كان من تنازل قبل العقد أو بعده طالما أنه حق لها تملكه (¬1). الوجه الثالث: أن سودة رضي الله عنها تنازلت عن ليلتها بعدما كبرت ولم يكن لها حاجة في الرجال، فأرادت المحافظة على أمومتها للمؤمنين، ولو كانت شابة لما وهبت ليلتها (¬2). الرد على الوجه الثالث: هذا تحكم لا دليل عليه، فإن الله عز وجل قال: وَإِلَى امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (¬3). فالمهر والنفقة والمسكن والمبيت كلها حقوق للمرأة لها التنازل عنها كليًّا أو جزئيًّا إن وجدت ذلك خيرًا لها، ولم تحدد الآية كبيرة أو صغيرة (¬4). الدليل الثاني: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفية بنت حيي في شيء، فقالت صفية: يا عائشة، هل لك أن ترضي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عني، ولك يومي؟ قالت: نعم، فأخذت خمارًا لها مصبوغًا بزعفران، فرشته بالماء ليفوح ريحه، ثم قعدت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، إليك عني، إنه ليس ¬

(¬1) زواج المسيار، للمطلق، ص 148. (¬2) زواج المسيار، للمطلق، ص 148. (¬3) سورة النساء، آية: 128. (¬4) زواج المسيار، للمطلق، ص 149.

يومك»، فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فأخبرته بالأمر، فرضي عنها (¬1). وجه الاستدلال من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه أن يتنازل عن حقهن في المبيت ليبيت عند عائشة (¬2)، فدل على أن للمرأة أن تتنازل، وإلا لما استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما نفذ ذلك بمبيته عند عائشة رضي الله عنها (¬3). الدليل الثالث: أنه زواج مستكمل الأركان والشروط، فهو زواج شرعي (¬4). مناقشة الدليل: نسلم لكم باستكماله للشروط والأركان، ولكنه اقترن ببعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد؛ كاشتراط ألا تُنجب، وأن لها الخيار في النكاح أو لهما، كما أن العقد يشتمل على بعض الشروط الباطلة وإن كانت لا تخل بالمقصود الأصلي من النكاح (¬5). ¬

(¬1) رواه ابن ماجه في سننه (2/ 475)، كتاب النكاح، باب المرأة تهب يومها لصاحبتها، ح (1973)، قال البوصيري: "ضعيف سمية البصرية لا تعرف. وقال الألباني: "رجاله ثقات رجال مسلم غير سمية هذه، وهي مقبولة عند الحافظ ابن حجر". إرواء الغليل، للألباني (7/ 85). (¬2) رواه البخاري (3/ 183)، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها ح (2588) .. (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 179. (¬4) زواج المسيار، للمطلق، ص 146، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 29، وعقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 24. (¬5) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 30.

الرد على المناقشة: أن إسقاط المرأة لبعض حقوقها ليس شروطًا منافية لمقتضى العقد، مثل إسقاط المبيت، وإنما تنازلٌ تملكه، وهو جائز شرعًا (¬1). الدليل الرابع: قياس زواج المسيار على غيره من أنواع الزواج المشابهة له؛ كزواج النهاريات والليليات (¬2)، فقد اتفق بعض الفقهاء على جوازه، فكذلك المسيار (¬3). مناقشة الدليل: أما الاستدلال بجواز نكاح النهاريات والليليات، فلا نسلم لكم به؛ لأنه مما اختلف فيه العلماء بين مجيز ومانع، فلا يصح الاستدلال؛ لأنه ليس محل اتفاق (¬4). الرد على المناقشة: نسلم لكم بأنه محل خلاف، وكما يؤخذ بالاعتبار القول بعدم الإباحة، فيجب أن يؤخذ بالاعتبار أيضًا قول من قال بالإباحة؛ ¬

(¬1) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 180. (¬2) كلمة النهاريات مأخوذة من النهار، والليليات مأخوذة من الليل، وهي صورة من صور الزواج، وهي أن يأتي الزوج زوجته أو تأتيه هي نهارًا فقط، أو ليلاً فقط. حاشية الدسوقي، للدسوقي (2/ 237 - 238). (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 181، عقود الزواج المستحدثة ص 30. (¬4) المرجعين السابقين.

لأنها مسألة اجتهادية (¬1). كما استدلوا على أنه خلاف الأولى أو بكراهته بما يلي: الدليل الأول: أن زواج المسيار لا يحقق الأهداف المنشودة من الزواج إلا المتعة والأنس، والزواج في الإسلام له مقاصد منها: السكن والمودة والرحمة وإنجاب الذرية، ولكن عدم تحقق هذه الأهداف لا يلغي العقد، ولا يبطل الزواج، وإنما يخدشه وينال منه (¬2). الدليل الثاني: أن زواج المسيار فيه إهانة للمرأة، وخدش لكرامتها وشخصيتها، إلا أنه ليس فيه شبهة حرام (¬3). القول الثاني: جواز نكاح المسيار مطلقًا. وهو قول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (¬4) - رحمه الله- وسماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (¬5)، والشيخ عبد الله الجبرين (¬6) - رحمه الله- والشيخ عبد الله ¬

(¬1) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 182، وعقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 234. (¬2) المختار في زواج المسيار، للحجيلان ص 185، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 26. (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 185، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 26. (¬4) الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية، للجريسي، ص 564، ومجلة الدعوة، عدد (1639). (¬5) زواج المسيار، للمطلق، ص 113. (¬6) المرجع السابق.

المنيع (¬1)، ولجنة الفتوى الكويتية (¬2) وغيرهم. استدل أصحاب هذا القول بما استدل به أصحاب القول الأول، إلا أنهم لا يرون الكراهة فيه. القول الثالث: تحريم زواج المسيار مع صحة العقد. وهو قول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (¬3) - رحمه الله- والدكتور عمر الأشقر (¬4)، وغيرهما. أدلة القول الثالث: الدليل الأول: أن زواج المسيار ينافي مقاصد الشريعة التي تدعو إلى تكوين أسرة مستقرة آمنة، فلا سكن ولا مودة لامرأة تعيش في قلق وتوتر؛ لا تعلم متى طلاقها من زوجها، أم يبقيها عنده (¬5). مناقشة الدليل: مع فرض التسليم- ونحن لا نسلم لكم- فإنه يحصل به الإعفاف للزوجة حتى لا تقع في المحذور الذي نريد أن نفر منه (¬6). الدليل الثاني: زواج المسيار يتخذه ضعاف النفوس ذريعة إلى ¬

(¬1) مجموع فتاوى وبحوث، للمنيع، (4/ 262). (¬2) مجموع الفتاوى الشرعية (13/ 242). (¬3) موقع الألباني على الإنترنت: http://www.alalbany.net/ (¬4) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 162. (¬5) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 189، وعقود الزواج المستحدثة، للزحيلي، ص؟ ؟ ؟ ، وزواج المسيار، للمطلق، ص 121، وزواج المسيار، لحسونة، ص 12. (¬6) زواج المسيار، للمطلق، ص 140.

الفساد والإفساد، فمن الممكن أن تقول المرأة: إن هذا الرجل الذي يطرق بابي هو زوجي مِسيارًا، وهو ليس كذلك، فيُغلق هذا الباب سدًّا للذريعة (¬1). مناقشة الدليل: لا نسلم لكم بهذا؛ لأن الزوجة لها ولِيٌّ، وعندها عقد زواج يمنع المفاسد ويقللها، والتي يمكن أن تترتب على هذا النوع من الزواج، وهذه المفاسد ليست مقتصرة على هذا النوع من الزواج، بل قد تدخل على غيره وعلى الزواج المعتاد (¬2). الدليل الثالث: أن هذا النوع من الزواج فيه إهانة للمرأة، واستغلال لظروفها، وفيه تهديد لها بالطلاق إذا طلبت المساواة (¬3). مناقشة الدليل: نسلم لكم أن فيه نوعًا من الإهانة، وهو مجرب ومحسوس، وأما تهديدها بالطلاق إذا طلبت المساواة فهي التي رضيت وألزمت نفسها من البداية، وأما الاستغلال ليس على إطلاقه فمن النساء من تريد المسيار لظروفها، والبعض لا تريده ولكنها لا تذكر الحب والمودة والتفاهم فأين الاستغال (¬4). القول الرابع: تحريم زواج المسيار مع بطلان العقد. قال به ¬

(¬1) زواج المسيار، للمطلق، ص 121. (¬2) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 36. (¬3) زواج المسيار، للمطلق، ص 142. (¬4) المرجع السابق.

بعض العلماء المعاصرين؛ كالدكتور عجيل النشمي، وعبد الله الجبوري (¬1)، وغيرهما. أدلة القول الرابع: استدلوا بمثل ما استدل به أصحاب القول السابق القائل بالتحريم، وزادوا عليه بطلان العقد. الدليل الأول: أن زواج المسيار تنطوي تحته محاذير كثيرة، فقد تتخذه بعض النساء وسيلة لارتكاب الفاحشة؛ بدعوى أنها متزوجة مسيارًا، لذا يجب منعه ولو استكمل الأركان والشروط (¬2). مناقشة الدليل: أن استغلال زواج المسيار من النساء أو الرجال لارتكاب الزنى لا يقتضي تحريمه وبطلانه، فالفاسد من الرجال أو النساء يستطيع تحقيق ما يريد بأي وسيلة دون النظر إلى المسيار، ثم المسيار ليس كلمة تقال، بل هو عقد مكتمل، وبشهود وولي وتوثيق (¬3). الدليل الثاني: أن زواج المسيار فيه شروط تخالف مقتضى العقد؛ كشرط إسقاط حق المبيت، وإسقاط حق النفقة؛ فيبطل ¬

(¬1) مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، للأشقر، ص 245. (¬2) زواج المسيار، للمطلق، ص 125، وعقود الزواج المستحدثة، ص 29، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 203. (¬3) زواج المسيار، للمطلق، ص 144، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 204.

الشرط والعقد معًا (¬1). مناقشة الدليل: أن الأئمة قالوا بصحة العقد إذا تنازلت المرأة عن بعض حقوقها، مثل الوطء، فالنفقة من باب أولى (¬2). الدليل الثالث: زواج المسيار يشبه زواج المتعة من حيث الصحة شكلاً، والحرمة شرعًا (¬3). الرد على الدليل: أنه قياس مع الفارق، إذ لا تأقيت فيه لا تصريحًا ولا تلميحًا، بينما المتعة مؤقتة بزمن محدد متفق عليه، فلا يصح القياس (¬4). الدليل الرابع: أن زواج المسيار يشبه زواج المحلل، فلا يجوزُ قياسًا عليه (¬5). كذلك هذا قياس مع الفارق؛ إذ لا نية مبيتة في المسيار ¬

(¬1) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 35، عقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 30، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 202. (¬2) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 492)، وحاشية الخرشي، للخرشي (4/ 406)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 373)، والشرح الكبير، لابن قدامة (20/ 422). (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 204، وعقود الزواج المستحدثة، للسهلي، ص 29. (¬4) المختار في زواج المسيار، للجحيلان، ص 204. (¬5) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 29، وزواج المسيار، للمطلق، ص 125، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 205.

للطلاق، بخلاف الزواج بنية الطلاق، بل الأصل فيه أنه مُؤبَّد، فزواج المحلل فيه مقصود لذاته، بل حيلة لتحل المرأة لزوجها، أما زواج المسيار فإنه مقصود فيه الزواج لذاته، لذا فلا يصح قياسكم (¬1). الدليل الخامس: أن العبرة في العقود بالمقاصد والنيات لا الألفاظ؛ فزواج المسيار وإن كان مكتمل الشروط والأركان إلا أنه يقصد به أحيانًا أمورًا غير مشروعة، فلا يجوز قياسًا على بيع السلاح في وقت الفتنة (¬2). الرد على الدليل: أما القاعدة فنسلم لكم بها، ولكن لا نسلم تطبيقها على المسيار، وأن تطبيقكم لها على المسيار غير دقيق؛ لأنه زواج شرعي غير أن المسيار خالفه في إسقاط بعض الحقوق، وسبق الإشارة إلى ذلك، وأما قياسه على بيع السلاح وقت الفتنة فغير مسلم له، فهو قياس مع الفارق؛ لأن الأضرار والمفاسد المترتبة على بيع السلاح وقت الفتنة كثيرة وظاهرة وعامة، والمسيار إن وُجدت به أضرارٌ فمحدودة وخاصة، وتكون برضا مَن وقَّعت عليه، وهي الزوجة، ويقابلها مصالح قد تكون أكثر وأهم، لذا قال بإباحته جماعة من المعاصرين؛ فلا يصح القياس (¬3). ¬

(¬1) عقود الزواج المستجدة، للسهلي، ص 29، وزواج المسيار، للمطلق، ص 125، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 205 ا. (¬2) عقود الزواج المستجدة، للنجيمي، ص 35، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 205. (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 206.

القول الخامس: التوقف في حكم زواج المسيار. وهم قلة من المعاصرين، منهم الشيخ محمد صالح العثيمين، والدكتور عمر سعود العيد (¬1). دليل القول: أن بعض الناس تجاوزوا في هذا النوع من الزواجِ الحدَّ الشرعي، وتم استغلاله من بعض ضعاف النفوس، وتبنته مكاتب، وحدَّدت أسعار عمولة له، مما يدعو إلى التوقف عن القول بإباحته (¬2). مناقشة الدليل: أن الأدلة واضحة في جواز زواج المسيار، أما الذين لا يخافون الله فلا يردعهم إلا العقاب والتأديب، مِن قِبل سنِّ قوانين في الأحوال الشخصية تنص على عقوبة هؤلاء لمثل هذه الأفعال، سواء كان في المسيار أو العرفي أو بنية الطلاق (¬3). القول المختار- والله أعلم- أن زواج المسيار جائز، ولكن الأولى عدم إتيانه إلاَّ لِمَن احتاج إليه، أما غيره فالأولى له الزواج الاعتيادي، واخترت جوازه لما يلي: 1 - لأنه زواج مكتمل الشروط والأركان. 2 - لأن الحق للمرأة، فلها أن تسقطه. ¬

(¬1) عقود الزواج المستحدثة، للنجيمي، ص 37، والمختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 207، وزواج المسيار، للمطلق، ص 124. (¬2) المراجع السابقة. (¬3) المختار في زواج المسيار، للحجيلان، ص 207.

وقلت: الأَولَى عدم إتيانه لما يلي: 1 - لأنه ليس فيه قرار للمرأة في بيت الزوجية. 2 - وأن الزوج قد تطول به المدة عن زوجته في المسيار. 3 - وأن القوامة فيه أضعف منها في الزواج العادي.

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي

المطلب الرابع رأي القانون الكويتي قسم قانون الأحوال الشخصية الكويتي الشروط في العقد إلى أقسام؛ حيث جاء في المادة الأربعين: أ- إذا اقترن عقد الزواج بشرط ينافي أصله بطل العقد. ب- وإذا اقترن بشرط لا ينافي أصله، ولكن ينافي مقتضاه، أو كان محرمًا شرعًا؛ بطل الشرط، وصح العقد. ج- وإذا اقترن بشرط لا ينافي أصله ولا متقضاه، وليس محرمًا شرعاً؛ صح الشرط ووجب الوفاء به، فإن لم يوفِ به كان للمشروط له حق طلب الفسخ" (¬1). "ويجب أن يكون الشرط مسجلاً في وثيقة العقد لكي يؤخذ به" (¬2)، (¬3). والملاحظ أن زواج المسيار يدخل في الفقرة (ب)؛ لأن مقتضى عقد الزواج أن ينفق عليها، وأن يهيئ لها مسكنًا خاصًّا بها، ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 20. (¬2) المرجع السابق. (¬3) سبق الإشارة إلى حكم النفقة وما تشمله النفقة في زواج "الفرند"، والمسيار لا يخرج غالبًا عن "الفرند" من جهة القانون. انظر: 185، ص 186.

وهذا ما لا يوجد في زواج المسيار، ولكن لابد من ذكرهما في العقد، فإذا ذُكِرا بطل الشرط، وصح العقد، والواقع خلاف ذلك؛ لأنهما في زواج المسيار يتفقان قبل العقد على النفقة والسكن، ولا يُذكَران في عقد الزواج كشروط.

المبحث الثامن عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات المسلمة

المبحث الثامن عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات المسلمة وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف المراكز الإسلامية. المطلب الثاني: حكم عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية المطلب الثالث: رأي القانون الكويتي

المطلب الأول تعريف المراكز الإسلامية

المطلب الأول تعريف المراكز الإسلامية وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المراكز الإسلامية لغة: قال ابن فارس: «ركز: الراء والكاف والزاي أصلان: أحدهما إثبات شيء في شيء يذهب سُفلاً، والآخر صوت» (¬1)، فبمعني الصوت قال تعالى: «أو تسمع لهم ركزًا» (¬2)، أي صوتًا. وركز الرمح يَركِزُه وتركُزه: غرزه في الأرض أو أثبته بالأرض، ويقال: ارتكز الرجل على قوسه: إذا وضع سيَتها بالأرض ثم اعتمد عليها، والمركز: موضع الثبوت، ووسط الدائرة، وموضع الرجل ومحله، ومركز الجند: الموضع الذي أُلزِموه وأمروا ألاَّ يبرحوه، والركاز: هو المال المركوز في الأرض مخلوقًا كان أو موضوعًا، وهو ما ركزه الله، أي دفنه، من معدن في باطن الأرض، فهو الكنز المدفون في الأرض الذي لا يُعرَف له مالكٌ معدنًا كان أو نقدًا؛ كالنفط (البترول) وغيره (¬3). ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 399. (¬2) سورة مريم، آية: 98. (¬3) تهذيب اللغة، للأزهري (10/ 94)، ومعجم مقاييس اللغة، لابن فارس، ص 399، والقاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 475، والمصباح المنير، للفيومي، ص 197، ومفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 364، والتعريفات، للجرجاني، ص 181، 182، مادة: (ركز).

الفرع الثاني: تعريف المراكز الإسلامية اصطلاحا

الفرع الثاني: تعريف المراكز الإسلامية اصطلاحًا: وأما المركز اصطلاحًا، فلم أجد بعد البحث من عرَّفه، وربما كان ذلك لظهور ووضوح معناه، وهو لا يكاد يخرج عن معناه اللغوي، وقد يكون لأمر آخر، وهو أن معنى المركز يرتبط مباشرة بما يضاف إليه، أي يكتسب معناه مما يضاف إليه، فإذا قلت المركز التجاري، فهو الذي يضم المحلات والمعارض للبيع والشراء وغير ذلك، وإذا قلت المركز التعليمي، فهو الذي يضم قوى بشرية، ومواد متنوعة، وأجهزة وآلات ومعدات تعليمية، ويتيح للمعلم والمتعلم بنية تعليمية صالحة من أجل تحقيق الأهداف التعليمية (¬1)، والمراكز الصيفية أو الربيعية، فهنا أضيف إلى زمن، فالمراد هنا المراكز التي تقام في هذه الأوقات لأهداف معينة، سواء تربوية أو غيرها. وبذلك يتبين أن المراد بالمراكز الإسلامية هي تلك المرتبطة بالإسلام؛ أي: تمثل الإسلام في البلاد غير الإسلامية، وكذلك في الدول الإسلامية، ولكنه أشهر في البلاد غير الإسلامية، فهو يقدم الإسلام للشعب عامة، ويرعى شؤونهم في هذه البلاد بالفكر ¬

(¬1) المنتدى التربوي وزارة التربية والتعليم- سلطنة عمان: http://forum.moe.gov.om/moeoman/vb/stowthread.php? t=358568

والتوجيه والتعليم، فهو جهاز دعوي (¬1) يمثل المرجعية الدينية للمسلمين في بلاد الكفر، وقد اعترفت اليابان سابقًا بالمركز الإسلامي كمنظمة دينية قانونية، وتم تسجيله لدي الدوائر ذات العلاقة في عام 1980 (¬2). وبهذا نستطبع أن نعرفها: هي المراكز التي تعنى بالدين الإسلامي دعوياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً. ¬

(¬1) موقع المركز الإسلامي في اليابان: http://islamcenter.or.jp/newarab/arabicindex.htm (¬2) المرجع السابق.

المطلب الثاني حكم عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية

المطلب الثاني حكم عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية بعد ذكر التعريف، فإن مسألة عقد الزواج عن طريق المراكز الإسلامية للأقليات لا تخلو من حالتين: الأولى: أن يكون الزواج بولي وشاهدين، والزوجان خاليان من الموانع، وبرضاهما، ففي هذه الحالة يجوز النكاح لتوفر الأركان والشروط، ويكون دور المراكز الإسلامية كدور الموثق. الثانية: أن يكون الزواج بشهود وبلا وليٍّ، مع وجود الزوجين، فهل تقوم المراكز الإسلامية مقام الولي؟ هذه الحالة مرتبطة بالولي، فسأبين مَن هو الولي، وحكم الولي، ومَن هم الأولياء؟ ثم أذكر حكم هذه الحالة لارتباطها ارتباطًا مباشرًا بالولي. الولي لغة: الولي في اللغة: القرب والدُّنُوُّ، قال ابن فارس: «الواو واللام والياء أصل صحيح يدل على قرب، وكل من ولي أمرَ أحدٍ، فهو وليُّه» (¬1). ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، ص 1064 - 1065.

وقال الفيومي (¬1): «الولي فعيل بمعنى فاعل، من وَلِيَه: إذا قام به ومنه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} (¬2)، وقال كذلك: «يكون الولي بمعنى مفعول في حق المطيع، فيقال: المؤمن ولي الله» (¬3). ويطلق الولي على: المُعتِق، والعَتيق، وابن العمِّ، والناصر، وحافظ النسب، والصديق. (¬4) الولي اصطلاحًا: التعريف الأول: هو: العاقل البالغ الوارث (¬5). التعريف الثاني: هو مَن له على المرأة ملك أو أبوّة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطنة أو ذو إسلام (¬6). التعريف الثالث: ولي النكاح الأقرب إلى العصبات (¬7). التعريف الرابع: ولي المرأة أقرب رجل يوجد من عصبتها ¬

(¬1) أحمد محمد علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، لغوي اشتهر بكتابة المصباح المنير. ولد ونشأ بالفيوم بمصر، ورحل إلى حماة بسورية فقطنها، قال ابن حجر: كأنه عاش إلى ما بعد 770 هـ، من مؤلفاته: نثر الجمان في تراجم الأعيان، وديوان خطب. انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر (1/ 314)، والأعلام، للزركلي (1/ 224). (¬2) سورة البقرة، آية: 255. (¬3) المصباح المنير، ص 552. (¬4) معجم مقاييس اللغة، ص 1064 - 1065، والمصباح المنير، ص 552. (¬5) حاشية ابن عابدين (4/ 153)، وشرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 319). (¬6) شرح حدود ابن عرفة (1/ 241). (¬7) تحفة الطلاب بشرح تخريج تنقيح اللباب، للأنصاري، ص 479.

يوافقها في دينها (¬1). التعريف الخامس: مَن له الولاية على المرأة (¬2). يلاحظ على التعاريف التركيز على العصبة؛ لهذا فإن التعريف المختار: (هو أقرب العصبة أو ذو السلطان). حكم الولي في النكاح: تحرير محل النزاع: - أن للمرأة أن تبرم عقود المعاملات المالية، وأن تليها بنفسها (¬3). - اتفقوا أن الكافر لا يكون وليًّا لابنته المسلمة (¬4). - اتفقوا على جواز نكاح الرجل إذا كان جائز التصرف، ومباشرته للعقد (¬5). - اتفقوا على أن عقد النكاح لو باشره الولي الشرعي بإذن ¬

(¬1) المحرر في الفقه، لأبي البركات، ص 355. (¬2) الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، لابن المبرد (3/ 616). (¬3) بدائع الصنائع، للكاساني (5/ 201)، وتقريب المعاني على متن الرسالة، للأزهري، ص 152، ومغني المحتاج، للشربيني (2/ 11)، والروض المربع، للبهوتي، ص 310. (¬4) الإجماع، لابن المنذر، ص 74. (¬5) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486)، وتقريب المعاني، للأزهري، ص 134، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة، للعثماني، ص 387، والروض المربع، للبهوتي، ص 495.

من المرأة البالغة العاقلة وبرضاها، فإن العقد صحيح (¬1). - واختلفوا في مباشرة البالغة العاقلة عقد نكاحها بنفسها. القول الأول: النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها. وهو مذهب المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) وابن حزم (¬5) (¬6) ورواية عن أبي يوسف (¬7) (¬8). ¬

(¬1) شرح فتح القدير، لابن الهمام 2/ 391 وما بعدها، وتقريب المعاني، للأزهري، ص 134، ومغني المحتاج، للشربيني 3/ 201 وما بعدها، والروض المربع، للبهوتي، ص 495. (¬2) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، للأزهري (2/ 4). (¬3) مغني المحتاج، للشربيني (3/ 198). (¬4) الروض المربع، للبهوتي، ص 496. (¬5) المحلى، لابن حزم (9/ 588). (¬6) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، ولد سنة 384 هـ، وتوفي سنة 456 هـ، من مؤلفاته: الفصل في الملل والأهواء، والناسخ والمنسوخ. وفيات الأعيان، لابن خلكان (3/ 325)، والأعلام، للزركلي (4/ 254). (¬7) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391). (¬8) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، أبو يوسف، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من وضع الكتب في مذهب أبي حنيفة. ولد سنة 113 هـ، وتوفي سنة 182 هـ، من مؤلفاته: كتاب الخراج. وفيات الأعيان، لابن خلكان (6/ 378)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي، ص 225.

وروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم (¬1). أدلة القول الأول: الدليل الأول: قال تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} (¬2). وجه الدلالة من الآية من وجهين: أولاً: وجه الدلالة الأول من جهة اللفظ: أولاً: معنى العضل: التضييق والمنع، يقال: الأمر المعضل هو: الممتنع، وداء عضال: أي ممتنع. وفي التضييق يقال: عضلت عليهم الأمر: إذا ضيقت، وعضلت المرأة بولدها: إذا عسر ولادها (¬3). ثانيًا: من جهة المخاطب في {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ}: دلت الآية على ثبوت الولاية من وجهين (يعني أن المخاطب هم الأولياء): الأول: نهي الأولياء عن عضلهن، والعضل: المنع أو التضييق، فلو جاز أن تنفرد بالعقد لما أثر عضل الأولياء، ولما توجه إليهم نهي. الثاني: قوله: {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالمَعْرُوفِ}. ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة (9/ 345). (¬2) البقرة، آية: 232. (¬3) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 483)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (4/ 105).

وجه الدلالة: المعروف ما تناوله العرف بالاختيار، وهو الولي وشاهدان (¬1). الرد على وجه الاستدلال: أن الآية دلت على جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي، وذلك من وجهين: الأول: إضافة العقد إليها من غير شرط الولي. الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان (¬2). مناقشة الرد: إضافة النكاح إليهن ليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد (¬3). أن الولي يملك منعها من النكاح، ولولا ذلك لما نُهي عنه (¬4). الرد على المناقشة: أن النهي يمنع أن يكون له حق، فكيف يستدل به على إثبات الحق؟ ويمكن أن يكون المنع حسًّا بأن يمنعها من الخروج، أو يحبسها في بيت كيلا تتزوج (¬5). الوجه الثاني: وجه الدلالة من الآية من جهة سبب نزولها: اعترض من لا يرى مشروعية الولي بأن سبب نزول الآية ¬

(¬1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 39). (¬2) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484). (¬3) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (3/ 952). (¬4) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484). (4) المرجع السابق، واالبحر الرائق شرح كنز الرقائق، لابن نجيم (3/ 158). (¬5) شرح معاني الآثار، للطحاوي (3/ 11)، ومختصر اختلاف العلماء، للجصاص (2/ 248).

والقصة التي ذكرت لا تُروى في حديث متصل الإسناد، ولا يحتج بها (¬1). الرد: أن سبب النزول رواه البخاري في «صحيحه»، عن الحسن قال: (فلا تعضلوهن)، قال: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجتُ أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك، فطلقتها ثم جئت تخطبها؟ ! لا والله لا تعود إليك أبدًا. وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ}، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوجتها إياه (¬2). وبهذا الحديث يتبين لنا أن العضل متوجه إلى الأولياء، وأن لهم حقًّا في العقد، وأن للمرأة حقًّا في الاختيار، أي اختيار الزوج. الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَلاَ تُنكِحُوا المُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (¬3). قال القرطبي: في هذه الآية دليل بالنص على أن: لا نكاح إلا بولي (¬4). ¬

(¬1) (¬2) صحيح البخاري (6/ 162)، كتاب النكاح، باب من قال لا نكاح إلا بولي، ح (5130). (¬3) سورة البقرة، آية: 221. (¬4) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 462).

الرد على الاستدلال: الآية خطاب لأولي الأمر من المسلمين أو لجميع المسلمين، فأحرى به أن يكون خطابًا للأولياء، وبالجملة فالآية مترددة بين أن تكون خطابًا للأولياء، أو لأولي الأمر، فمن احتج بهذه الآية؛ فعليه البيان أنه أظهر في خطاب الأولياء منه في أولي الأمر (¬1). مناقشة الرد: الأظهر أن الآية خطاب لكافة المؤمنين المكلفين الذين خوطبوا بصدرها في قوله: {وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}، والمراد: لا ينكحهنَّ من إليه الإنكاح، وهم الأولياء، أو خطاب للأولياء، ومنهم الأمراء، عند فقدهم أو عضلهم (¬2). الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬3). وجه الدلالة من الآية: أن الآية خطاب للأولياء أن يزوجوا من لا زوج له؛ لأنه طريق التعفف (¬4). الرد على الاستدلال: أن الخطاب في الآية للأزواج، وليس للأولياء (¬5). ¬

(¬1) بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 951). (¬2) سبل السلام، للصنعاني (6/ 36). (¬3) سورة النور، آية: 32. (¬4) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (15/ 229). (¬5) المرجع السابق.

مناقشة الرد: الصحيح أن الخطاب للأولياء؛ إذا لو أراد الأزواج لقال: (وانْكحُوا) بغير همز، وكانت الألف للوصل. وفي هذه الآية دليل على أن المرأة ليس لها أن تُنْكِح نفسها بغير ولي (¬1). الدليل الرابع: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .. } (¬2). وجه الدلالة من الآية: أن الولاية من القوامة المنصوص عليها (¬3). الدليل الخامس: قوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (¬4). وجه الاستدلال من الآية: أنه اشترط لصحة النكاح إذن ولي الأَمَةِ، وهذا يدل على أنه لا يكفي عقدها النكاح لنفسها (¬5). الدليل السادس: قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} (¬6). ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (15/ 229)، والمحلى، لابن حزم (9/ 595). (¬2) سورة النساء، آية: 34. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 280)، وأحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، للأشقر، ص 130. (¬4) سورة النساء، آية: 2. (¬5) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 234)، وأحكام الزواج، للأشقر، ص 131. (¬6) القصص، آية: 27.

وجه الاستدلال من الآية: في هذه الآية دليل على أن النكاح إلى الولي، لا حظ للمرأة فيه؛ لأن صالح مدين تولاه (¬1)، والآية صريحة في إضافة النكاح إلى الولي. الدليل السابع: عن أبي موسى (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لا نكاح إلا بولي» (¬2). وجه الاستدلال من الحديث: أن الحديث صريح في نفي النكاح من دون ولي، والأصل في النفي- شرعًا- أن يتجه إلى الحقيقة الشرعية، أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلا بولي (¬3). قال الشوكاني (¬4): «الأحاديث الواردة في اعتبار الولي قد ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (16/ 261). (¬2) رواه الترمذي في سننه، ص 339، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، ح (1102)، وأبو داود في سننه (3/ 20)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2078)، وابن ماجه في سننه (2/ 428)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (1881)، وصححه الألباني. إرواء الغليل (6/ 235). (¬3) شرح الزركشي (5/ 8). (¬4) محمد بن علي محمد عبد الله الشوكاني، ثم الصنعاني، فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن. ولد سنة 1173 هـ، وتوفي سنة 1250 هـ، من مؤلفاته: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، وإرشاد الفحول في علم الأصول. الأعلام، للزركلي (6/ 298).

سردها الحاكم من طريق ثلاثين صحابيًّا، وفيها التصريح بالنفي؛ كحديث أبي موسى عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان والحاكم، وصححاه بلفظ: «لا نكاح إلا بولي»، فأفاد انتفاء النكاح الشرعي بانتفاء الولي، ولما أفاد هذا المفاد اقتضى أن ذلك شرطًا لصحة النكاح؛ لأن الشرط لا يلزم من عدمه عدم المشروط، كما تقرر في الأصول. فكيف وقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه حديث عائشة الذي قدمناه، وفيه: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل»؟ . وقد قدمنا أيضًا حديث أبي هريرة: أن المرأة لا تزوج المرأة، ولا تزوج نفسها، فالولي شرط من شروط النكاح التي لا يصح إلا بها إذا كان موجودًا، وإلا فولاية ذلك إلى السلطان، على ما تقدم. وقد قدمنا أيضًا أن ابن المنذر قال: "إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف اعتبار الولي" (¬1). وقال الترمذي: «والعمل في هذا الباب على حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا نكاح إلا بولي» عند أهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم، وهكذا رُوي عن بعض فقهاء التابعين» (¬2). الرد على وجه الاستدلال: نحن نقول بهذا الحديث، وأن المرأة وليّ نفسها، كما أن ¬

(¬1) السيل الجرار على حدائق الأزهار، للشوكاني (2/ 261 - 262). (¬2) رواه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (341).

الرجل وليّ نفسه، فلا يتعرض الحديث لموضع الخلاف؛ لأن هذا عندنا نكاح بولي (¬1). رد آخر: لهذا الحديث احتمالات أخرى: فيحتمل أن يكون الولي هو أقرب العصبة، أو مَن توليه المرأة من الرجال وإن كان بعيدًا، أو غيرها، فإن احتمل الحديث هذه التأويلات، انتفى أن يصرف إلى بعضها دون بعض، إلا بدلالة تدل عليه من كتاب أو سنة أو إجماع (¬2). مناقشة الرد: الحديث صريح في اشتراط الولي، و"لا نكاح إلا بولي" يقتضي أن يكون الولي رجلاً، ولو كانت هي المراد لقال: لا نكاح إلا بولية (¬3). وتقدم كلام الشوكاني في دلالة اللفظ. الرد على المناقشة: بأن الحديث لم يثبت، وأن فيه اضطرابًا في إسناده، وفي وصله وانقطاعه وإرساله (¬4). الرد عليه من وجهين: الوجه الأول: قال ابن القيم: «الترجيح لحديث إسرائيل في وصله من وجوه عديدة: ¬

(¬1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 487). (¬2) اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي (2/ 662). (¬3) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 40). (¬4) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 394).

أحدها: تصحيح الأئمة له، وحكمهم لروايته بالصحة؛ كالبخاري وعلي بن المديني والترمذي، وبعدهم الحاكم وابن حبان وابن خزيمة. الثاني: ترجيح إسرائيل في حفظه وإتقانه لحديث أبي إسحاق، وهذا بشهادة الأئمة له، وإن كان شعبة والثوري أجلَّ منه، لكنه لحديث أبي إسحاق أتقن، وبه أعرف. الثالث: متابعة من وافق إسرائيل على وصله؛ كشريك ويونس بن أبي إسحاق، قال عثمان الدارمي: سألت يحيى بن معين: شريك أحب إليك من أبي إسحاق أو إسرائيل؟ فقال: شريك أحب إلي، وهو أقدم، وإسرائيل صدوق، قلت: يونس بن أبي إسحاق أحب إليك أو إسرائيل؟ فقال: كلُّ ثقة. الرابع: ما ذكره الترمذي، وهو أن سماع الذين وصلوه عن أبي إسحاق كان في أوقات مختلفة، وشعبة والثوري سمعاه منه في مجلس واحد. الخامس: أن وصله زيادة من ثقة ليس دون من أرسله، والزيادة إذا كان هذا حالها فهي مقبولة، كما أشار إليه البخاري- والله أعلم» (¬1). الوجه الثاني: أنه لا يضر على مذهب الأحنافِ الإرسالُ، وإنما أوردوا هذا الاعتراض مع أنهم يقولون بالأخذ بالمرسل (¬2). ¬

(¬1) تهذيب السنن، لابن قيم الجوزية (2/ 764 - 766). (¬2) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 394)، والتبيين، للفارابي (1/ 575).

الدليل الثامن: عن عائشة (رضي الله عنها)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها؛ فنكاحهما باطل، باطل، باطل، فإن أصابها؛ فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا؛ فالسلطان ولي من لا ولي له» (¬1). وجه الاستدلال من الحديث: أن في الحديث دليلاً على اعتبار إذن الولي في النكاح، وهو يعقده لها أو يعقده وكيله (¬2). الرد على وجه الاستدلال من وجوه: الوجه الأول: أن هذا على الأمَة تزوِّج نفسها بغير إذن مولاها (¬3). مناقشة الوجه الأول: 1 - أن (أيما) من ألفاظ العموم في سلب الولاية عنهن، من غير تخصيص ببعض دون بعض (¬4). ¬

(¬1) رواه الترمذي في سننه، ص 340، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي، ح (1103)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وأبو داود في سننه (3/ 20)، كتاب النكاح، باب في الولي، ح (2076)، وابن ماجه في سننه (2/ 427)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (1879)، وصححه الألباني. إرواء الغليل (6/ 243). (¬2) سبل السلام، للصنعاني (6/ 29). (¬3) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 487). (¬4) تحفة الأحوذي، للمباركفوري (4/ 236).

2 - وأن التخصيص يحتاج إلى دليل يدل عليه لعموم اللفظ، ولا دليل يدل على التخصيص، فلزم أن يعمَّ. الوجه الثاني: يفهم من الحديث من لفظه أنه يصح عقد المرأة النكاح لنفسها إذا أذن لها وليها (¬1). مناقشة الوجه الثاني: أن هذا اللفظ خرج مخرج الغالب، وأن هذا المفهوم لا يعارض العموم في قوله: «لا نكاح إلا بولي» المنطوق (¬2). الوجه الثالث: أن الحديث ضعيف؛ فقد ضعفه البخاري وأسقط روايته (¬3). مناقشة الوجه الثالث: لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده؛ لأحاديث انفرد بها، ومثل هذا لا يرد به الحديث، ولهذا كان المشهور عن أئمة الحديث تصحيحه (¬4). الدليل التاسع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوج المرأةُ نفسَها؛ فإن الزانية هي التي تزوِّج نفسَها» (¬5). ¬

(¬1) المغني، لابن قدامة (9/ 346). (¬2) المغني، لابن قدامة (9/ 346). (¬3) الاختيار لتعليل المختار (3/ 66). (¬4) شرح الزركشي (5/ 18). (¬5) رواه ابن ماحه في سننه (2/ 429)، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، ح (182)، وصححه الألباني دون الجملة الأخيرة: «فإن الزانية هي التي تزوج نفسها». إرواء الغليل (6/ 248).

وجه الاستدلال من الحديث: أن الحديث صريح الدلالة على أن المرأة ليس لها ولاية في النكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجابًا ولا قبولاً، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره بولاية ولا وكالة (¬1). الرد على وجه الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: فيه رجل غير معروف (¬2). مناقشة الوجه الأول: أن الحديث رجاله ثقات (¬3). الوجه الثاني: لو صح الحديث لحُمل على الكراهة؛ لمعارضته الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها» (¬4). مناقشة الوجه الثاني: بأنه لا تعارض بين الحديثين، وأن الحديث صريح الدلالة، وتؤيده أحاديث أخرى. ¬

(¬1) سبل السلام، للصنعاني (6/ 34). (¬2) اللباب، للمنبجي (2/ 664). (¬3) بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لابن حجر، كتاب النكاح، ح 837، ص 254. (¬4) رواه مسلم (4/ 141)، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، ح (3541).

القول الثاني: أن للمرأة الحرة البالغة العاقلة أن تزوج نفسها وغيرها مطلقًا. وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن (¬1) (¬2)، ورواية عند الحنابلة (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (¬4). وجه الدلالة: دلت الآية من وجوه على: جواز النكاح إذا عقدت على نفسها بغير ولي ولا إذن وليها، من وجوه: أحدها: إضافة العقد إليها من غير شرط الولي. الثاني: نهيه عن العضل إذا تراضى الزوجان (¬5). الثالث: لأنه حق خالص لها، وهي من أهل المباشرة؛ فصحَّ منها كبيع أمتها (¬6). ¬

(¬1) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391). (¬2) هو محمد بن الحسن بن فرقد، من موالي بني شيبان، أبو عبد الله، إمام بالفقه والأصول، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة، أصله من قرية حرسته في غوطة دمشق. ولد سنة 131 هـ، ومات سنة 189 هـ، من مؤلفاته: المبسوط، والجامع الصغير. وفيات الأعيان، لابن خلكان (4/ 184)، والفوائد البهية، للكنوي، ص 163. (¬3) شرح الزركشي (5/ 11). وحمل الحنابلة هذه الرواية على حال العذر، كما لو عدم الولي والسلطان. (¬4) سورة البقرة، آية: 232. (¬5) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484). (¬6) المغني، لابن قدامة (9/ 345).

سبق مناقشة الآية (¬1) في القول الأول، وقد قال الشافعي: «هذه أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا، وأن على الولي ألاَّ يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف» (¬2). الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ} (¬3) وجه الدلالة من الآية: جاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي، وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي لموجب الآية (¬4). الرد على وجه الاستدلال من الآية: أن المراد بذلك اختيار الأزواج، وأنه لا يجوز العقد عليها إلا بإذنها (¬5). مناقشة الرد من وجهين: أحدهما: عموم اللفظ في اختيار الأزواج وفي غيره. الثاني: أن اختيار الأزواج لا يحصل لها به فعل في نفسها، وإنما يحصل ذلك بالعقد الذي تتعلق به أحكام النكاح (¬6). ¬

(¬1) سبق مناقشة الآية ص 255 وما بعدها. (¬2) الأم، للشافعي (3/ 13). (¬3) سورة البقرة، آية: 234. (¬4) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484). (¬5) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484). (¬6) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 485).

مناقشة الرد على المناقشة: 1 - ظاهر الآية أن لها أن تعقد النكاح، وللأولياء الفسخ إذا لم يكن بالمعروف، وهو الظاهر من الشرع، إلا أنه لم يقل به أحدٌ، وأنْ يُحتج ببعض ظاهر الآية على رأيهم، ولا يحتج ببعضها فيه ضَعفٌ. 2 - وأما إضافة النكاح إليهن؛ فليس فيه دليل على اختصاصهن بالعقد (¬1). 3 - كذلك المراد برفع الجناح عنهن ألاَّ يمنعن من النكاح إذا أردْنَه، فلا يدل على تفردهن بغير ولي، كما لم يدل على تفردهن بغير شهود. وأما قوله: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْروفِ} (¬2)، فيقتضي فعل ما جرى به العرف من المعروف الحسن، وليس من المعروف الحسن أن تنكح نفسها بغير ولي (¬3). الدليل الثالث: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ} (¬4). وجه الدلالة من الآية من وجهين: أحدهما: إضافة النكاح إليهن من غير ذكر الولي (¬5). الثاني: قوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}. فنسب التراجع إليهما من غير ذكر الولي (¬6). ¬

(¬1) بداية المجتهد، لابن رشدد (3/ 952). (¬2) سورة البقرة، آية: 234. (¬3) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 42 - 43). (¬4) سورة البقرة، آية: 230. (¬5) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370)، واللباب، للمنبجي (2/ 656). (¬6) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 484).

الرد على وجه الدلالة: أنه معارض بالأدلة السابقة للقول الأول التي ذكرت الولي، وكذلك عدم ذكره ليس فيه دليل على اختصاصها بالعقد. الدليل الرابع: قوله تعالى: {وَامْرَأَة مُؤْمِنَة إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} (¬1). وجه الاستدلال من الآية: أن الآية نص في انعقاد النكاح بعبارتها، وانعقاده بلفظ الهبة (¬2). الرد على وجه الاستدلال من الآية: أن هذا من خصائص النبي (صلى الله عليه وسلم) في النكاح؛ كالتخيير، والعدد في النساء، فليس للمرأة أن تهب نفسها لرجل بغير شهود ولا ولي ولا مهر، إلا النبي (صلى الله عليه وسلم)، والنص صريح في خاصية النبي بالحكم في قوله: {وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}، ولم يقل: لك (¬3). وكذلك قوله: {خَالِصَةً لَكَ}، أي هبة النساء أنفسهن خاصة ومزيَّة، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل، وأجمع الناس على أن ذلك غير جائز، إلا ما روي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف أنهم قالوا: إذا وهبتْ وأَشهَد هو على نفسه بمَهْرٍ، فذلك جائز (¬4). ¬

(¬1) الأحزاب، آية: 50. (¬2) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370). (¬3) التفسير الكبير، للطبراني (5/ 206). (¬4) المحرر الوجيز، لابن عطية (7/ 133)، طبعة دار الخير.

الدليل الخامس: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها» (¬1). وجه الدلالة: الأيم اسم لامرأة لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا، وأنه- أي الحديث- أثبت لكل من الأيم والولي حقًّا في قوله: «أحق»، ومعلوم أنه ليس للولي سوى مباشرة العقد إذا رضيتْ، وقد جعلها أحق منه به. وبعد هذا، إما أن يجري بين هذا الحديث وحديث "لا نكاح إلا بولي" المعارضة والترجيح، أو الجمع، ففي حالة المعارضة والترجيح يقدم هذا الحديث لصحته، وللكلام في الحديث الآخر، وفي حالة الجمع يُحمل عموم الحديث على الخصوص، وهذا الحديث يخص حديث أبي موسى بعد جواز كون النفي للكمال والسنة ... ويخص حديث عائشة من نكحتْ غير كفءٍ (¬2). الرد على وجه الدلالة: الأول: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم؛ لأن المعطوف غير المعطوف عليه، وليس غير البكر إلا الثيب (¬3). ¬

(¬1) سبق تخريجه ص 266. (¬2) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 393 - 395)، بتصرف. (¬3) عون المعبود، للعظيم آبادي (6/ 81)، وتحفة الأحوذي، للمباركفوي (4/ 251). قال النووي: "الأيم هنا الثيب كما فسرته الرواية الأخرى التي ذكرنا. شرح النووي (9/ 173)، وقال ابن حجر: "وظاهر هذا الحديث أن الأيم هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق بمقابلة البكر". فتح الباري (9/ 98). الأيم قول مجمل، والرواية الثانية: الثيب أحق بنفسها، رواية مفسرة، والمصير إلى الرواية المفسرة أشهر في الحجة. الاستذكار، لابن عبد البر (16/ 21).

الثاني: أنه جعل لها وليًّا في الموضوع الذي جعلها أحق بنفسها فيه، وهذا موجب ألاَّ تسقط ولايته عن عقدها، ليكون حقها في نفسها، وحق الولي في عقدها، فيجمع بين هذا الخبر وبين قوله: «لا نكاح إلا بولي» في العقد (¬1). الثالث: أن لفظة «أحق» موضوعة في اللغة للاشتراك في المُستَحَق إذا كان حق أحدهما فيه أغلب، كما يقال: زيد أعلم من عمرو، إذا كانا عالمين وأحدهما أفضل وأعلم، ولو كان زيد عالمًا وعمرو جاهلاً؛ لكان كلامًا مردودًا؛ لأنه يصير بمثابة قوله: العالم أعلم من الجاهل، وهذا الفرض إذا كان ذلك موجبًا لكل واحد منهما حقًّا، وحق الثيب أغلب، فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد (¬2). ¬

(¬1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 43). (¬2) الحاوي الكبير (9/ 43)، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/ 164)، وقال ابن رشد: "حديث ابن عباس هو- لعمري- ظاهر في الفرق بين الثيب والبكر؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما يستأذن ويتولى العقد عليهما الولي، فبماذا- ليت شعري- تكون الأيم أحق بنفسها من وليها". بداية المجتهد (3/ 952)، وقال النسفي: "البكر هي التي يكون واطِئُها مبتدِئًا لها، والثيب التي يكون واطئها راجعًا إليها، مِن ثاب يثوب إذا رجع". طلبة الطلبة، ص 127.

الدليل السادس: حديث ابن عباس (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم): «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وإذنها صماتها» (¬1). وجه الدلالة من الحديث: فيه دليل بعدم اعتبار الولي في العقد (¬2). الرد على وجه الدلالة: أجيب عنه بأن الولي ليس له أن يزوجها دون رضاها إذا لم ترضَ، إذن لا أمر له معها، إذ حقيقة الأمر: ما وجب على المأمور امتثاله، والثيب لا تجبر على النكاح، وافتقار نكاحها إلى الولي لا يقتضي أن يكون له عليها أمر (¬3). الدليل السابع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قالت: فجعل الأمر إليها، فقالت الفتاة: إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن تعلم النساءُ أن ليس للآباء من الأمر شيء (¬4). ¬

(¬1) رواه النسائي في سننه (6/ 393)، كتاب النكاح، باب استئذان البكر في نفسها، ح (3263)، وأبو داود في سننه (3/ 27)، كتاب النكاح، باب الثيب، ح (2093)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 290)، وصحيح أبي داود (6/ 332). (¬2) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370). (¬3) شرح الزركشي (5/ 16)، وعون المعبود (6/ 127)، والحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44)، وسبل السلام (6/ 32). (¬4) رواه النسائي (6/ 395)، كتاب النكاح، باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة، ح (3269)، وابن ماجه في سننه (2/ 424)، وكتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة، ح (1874) وغيرهما، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 229).

وجه الاستدلال من الحديث من وجوه: أحدها: قولها ذلك، ولم ينكر عليها؛ فعُلم أنه ثابت، إذ لو لم يكن ثابتًا لما سكت عنه. الثاني: "أجزت ما صنع أبي" يدل على أن عقده غير نافذ عليها (¬1). الثالث: القياس؛ لأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل، فجاز أن تتصرف فيه المرأة؛ كالبيع والإجارة والمهر (¬2). مناقشة وجه الاستدلال من وجوه: أحدها: أن الحديث لم يصح (¬3). الثاني: على فرض صحة الحديث، فإنه ليس فيه حجة؛ لأنه رد نكاحًا انفرد به الولي، وإنما يكون حجة إذا أجاز نكاحًا تفردت به المرأة (¬4). الثالث: أما قياسهم على الرجل، فالمعنى في الرجل أنه لمَّا لم يكن للولي عليه اعتراض في الكفاءة، لم يكن له في العقد عليه ولاية، بخلاف المرأة؛ فإن للولي على المرأة اعتراضًا في الكفاءة، ¬

(¬1) الاختيار لتعليل المختار، للموصلي (6/ 63 - 64). (¬2) المبسوط، للسرخسي (5/ 12)، والحاوي الكبير، للماوردي (9/ 39). (¬3) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44). (¬4) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44).

وكذا الجواب عن قياسه على عقد الإجارة أنه ليس للولي اعتراض فيه، فلم يكن له ولاية عليه، وليس كذلك عقد النكاح. أما القياس على المهر، فعندهم أن للولي أن يعترض عليها فيه، ويمنعها أن تتزوج بأقل من مهرها (¬1). الدليل الثامن: حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بعد وفاة أبي سلمة، فخطبني إلى نفسي، فقلت: يا رسول الله، إنه ليس أحد من أوليائي شاهدًا، فقال: "إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك، قلت: قم يا عمر، فزوِّج رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فزوجها (¬2). وجه الاستدلال: أنه كان لعمر بن أم سلمة لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، والصغير لا ولاية له، وقد ولَّته هي أن يعقد النكاح عليها، ففعل، فرآه رسول الله جائزًا، فكأن أم سلمة عقدت النكاح على نفسها (¬3). مناقشة وجه الاستدلال من وجوه: أحدها: أن الحديث لم يصح (¬4). ¬

(¬1) الحاوي الكبير، للماوردي (9/ 44). (¬2) رواه النسائي في سننه (6/ 389)، كتاب النكاح، باب إنكاح الابن أمه، ح (3254)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (6/ 251). (¬3) اللباب، للمنبجي (2/ 662 - 663). (¬4) المحلى، لابن حزم (9/ 596).

الثاني: على فرض صحة الحديث، فإن العلماء قد اختلفوا فيمن عقد النكاح، فقد ذُكر أن لأبي سلمة من أم سلمة ابنًا آخر اسمه سلمة، وهو الذي عقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمه "أم سلمة"، وكان سلمة أسنَّ من أخيه عمر بن أبي سلمة (¬1). الثالث: أن هذا من خصائص النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن يتزوج بلا ولي (¬2). الرابع: أنه لما نزلت: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (¬3) كانت زينب تفاخر نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) وتقول: زوجكن آباؤكن، وزوجني الله تعالى (¬4). فدل على أن جميع نساء النبي صلى الله عليه وسلم إنما زوجهن أولياؤهن حاشا زينب (رضي الله عنها)، فإن الله تعالى زوَّجها منه عليه الصلاة والسلام (¬5). الخامس: أنه مُعارَض بالأحاديث السابقة: «ولا تزوج المرأة نفسها»، وحديث: «لا نكاح إلا بولي». السادس: لما قالت: إنه ليس أحد من أوليائها حاضرًا، لم يقل صلى الله عليه وسلم: أنكحي أنت نفسك، مع أنه مقام بيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (¬6). ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (3/ 470 - 471). (¬2) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب (5/ 16)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 178)، شرح الزركشي (5/ 16). (¬3) سورة الأحزاب، آية: 37. (¬4) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (17/ 160). (¬5) المحلى، لابن حزم (9/ 596). (¬6) سبل السلام، للصنعاني (6/ 35).

الدليل التاسع: القياس، فكما أنها تستقل بالبيع دون ولي، فكذلك النكاح (¬1). الرد: لا يصح هذا القياس؛ لأنه قياس مع النص، والذي رفع هذا القياس هو حديث معقل الذي أخرجه البخاري (¬2) (¬3). الدليل العاشر: القياس على الصبي، فإنها لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح كالصبي العاقل إذا بلغ (¬4). الرد: ويمكن الرد أنه قياس مع النص. الدليل الحادي عشر: أنها تصرفت في خالص حقها، ولم تلحق الضرر بغيرها، فينعقد تصرفها (¬5). ومما سبق يتبين لنا- والله أعلم- أن الراجح قول الجمهور، وذلك لما يلي: 1 - صحة الأدلة الدالة على ذلك وكثرتها. 2 - صراحة الأدلة على قولهم. 3 - ضعف أدلة القول الثاني. ¬

(¬1) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 486). (¬2) سبق تخريجه ص 257. (¬3) سبل السلام، للصنعاني (6/ 27 - 28)، وفتح الباري، لابن حجر (9/ 94). (¬4) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 370). (¬5) السرخسي، المبسوط (5/ 12).

4 - طبيعة المرأة وما جبلت عليه من ضعف في الإدارة والرأي، وعاطفتها الغلابة عليها. من هم الأولياء؟ وبمعنى آخر: ما أسباب الولاية؟ : 1 - الأقارب أو العصبة: وهم كل قريب رجل اتصل بالمولى عليه اتصالاً ينفرد بالتوسط بينهما فيه أنثى (¬1). 2 - السيد تثبت له الولاية على من يملك من العبيد والإماء (¬2). 3 - الحاكم أو نائبه له الولاية إذا لم يوجد ولِيٌّ من الأقارب (¬3). 5 - الوصي. وقد اختلف فيه العلماء؛ فأجازه المالكية (¬4)، ¬

(¬1) الفتاوى الهندية (1/ 283)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 65)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 203)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 358)، والمغني، لابن قدامة (9/ 355)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 267). (¬2) الفتاوى الهندية (1/ 283)، وحاشية ابن عابدين (4/ 154)، وحاشية الخرشي (4/ 152)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 57)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 206)، وكفاية الأخيار للحصني (2/ 359)، والمغني، لابن قدامة (9/ 360)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 269). (¬3) حاشية ابن عابدين (4/ 154)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وبداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 57)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 206)، وكفاية الأخيار، للحصني (2/ 359)، والمغني، لابن قدامة (9/ 360)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 269). (¬4) بداية المجتهد، لابن رشد (3/ 955)، والقوانين الفقهية، لابن جزي، ص 333.

والحنابلة (¬1) في رواية، ومنعه الحنفية (¬2) والشافعية (¬3)، ورواية عند الحنابلة (¬4). مما سبق يتبين لنا صحة قول الجمهور بوجوب الولي، وفي هذه الحالة قد لا يكون للمرأة ولي أبدًا، بأن تكون أسلمت وأولياؤها كفار، أو ليس لها ولي أصلاً، وفي هذه الحالة فإن المراكز الإسلامية لا تمثل الولي الشرعي، وليست نائبة عن الحاكم، فيكون هذا من باب الحاجة والضرورة، وجلب المصالح، ودفع المفاسد. حكمها عند الفقهاء الحنفية (¬5): يرون جواز النكاح بلا ولي أصلاً، كما سبق. والمالكية يقولون بالجواز من باب الولاية العامة (¬6). والشافعية (¬7) والحنابلة (¬8) يقولون بالجواز من باب الحاجة والضرورة وانعدام الولي أصلاً ¬

(¬1) الروايتان والوجهان لأبي يعلي (2/ 80)، والمغني، لابن قدامة (9/ 365). (¬2) بدائع الصنائع، للكاساني (2/ 355)، وحاشية ابن عابدين (4/ 154)، والفتاوى الهندية (1/ 283). (¬3) كفاية الأخيار، للحصني (2/ 359). (¬4) الروايتان والوجهان لأبي يعلي (2/ 80)، والمغني، لابن قدامة (9/ 365). (¬5) شرح فتح القدير، لابن الهمام (2/ 391)، وبدائع الصنائع، للكاساني (2/ 368). (¬6) حاشية الخرشي (4/ 154)، ومواهب الجليل، للحطاب (5/ 58)، وقال: «وهي ولاية الدين، وهي جائزة مع تعذر الولاية الخاصة»، ومقصود الولاية الخاصة: هي ولاية النسب والولاء والسلطان. (¬7) كفاية الأخيار، للحصني (2/ 356)، وروضة الطالبين، للنووي (3/ 201). (¬8) المغني، لابن قدامة (9/ 362)، وكشاف القناع، للبهوتي (11/ 271).

فعلى قول الجمهور- المشار إليه سابقًا- يزوجها رجل عدل عند الضرورة وانعدام الولي، فيكون ذلك عن طريق المراكز الإسلامية، وهو الغالب في الأقليات المسلمة، وإلا فيجوز للرجل العدل أن يكون وليها ولو لم يكن من أهل المراكز الإسلامية. الأدلة على هذا القول: الدليل الأول: قال تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» (¬1). وجه الاستدلال في الآية: ذكر الولاية هنا، ولا ولاية بين المنافقين ولا شفاعة، ولا يدعو بعضهم لبعض، وكأن المراد الولاية الخاصة (¬2). الدليل الثاني: قال تعالى: «إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا» (¬3). وجه الاستدلال من الآية: أن "إنما" أداة حصر، والولي اسم جنس، فتشمل كل ولاية (¬4). الدليل الثالث: دفع الحاجة، ورفع الحرج، ولا شك أن ترك تزويج المرأة المسلمة الصالحة للزواج الراغبة فيه أمرٌ تترتب عليه مفاسد عظيمة، لاسيما في الدول الغربية، فقد تقع المرأة بالفاحشة، ¬

(¬1) سورة التوبة، آية: 71. (¬2) المحرر الوجيز، لابن عطية (6/ 562). (¬3) سورة المائدة، آية: 55. (¬4) المحرر الوجيز، لابن عطية (4/ 489).

وهذا فيه ضرر على دينها ودنياها (¬1)، وقد جاءت النصوص برفع الحرج عن الناس، قال تعالى: «وما جعل الله عليكم في الدين من حرج» (¬2)، كما جاءت القواعد الشرعية بجلب المصالح، ودفع المفاسد (¬3). الدليل الرابع: أن تزويج المراكز الإسلامية للمسلمة التي ليس لها ولي في مثل هذه المجتمعات يدفع ضررًا راجحًا يلحق بها في حال عدم تزويجها، ورفع الضرر أصل عظيم (¬4) نصت عليه القواعد الشرعية المندرجة تحت القاعدة الكلية: لا ضرر ولا ضرار (¬5). ¬

(¬1) حكم تولي المراكز والجمعيات الإسلامية عقود تزويج المسلمين وفسخ أنكحتهم، للقعر، ص 414. (¬2) سورة الحج، آية: 78. (¬3) المنثور في القواعد، للزركشي (2/ 375)، ورسالة في القواعد الفقهية، للسعدي، ص 41، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 205. (¬4) حكم تولي المراكز والجمعيات الإسلامية عقود تزويج المسلمين وفسخ أنكحتهم، للقعر، ص 415. (¬5) الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص 132، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، ص 165، والوجيز، للبورنو، ص 251.

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي

المطلب الثالث رأي القانون الكويتي نص قانون الأحوال الشخصية الكويتي في المادة التاسعة والعشرين، الفقرة على أن: "أ- الولي في زواج البكر التي بين البلوغ وتمام الخامسة والعشرين هو العصبة بالنفس، حسب ترتيب الإرث، وإن لم توجد العصبة؛ فالولاية للقاضي (¬1). ولا يعني ذلك أن الثيب تباشر العقد بنفسها، ولكن لها رأي في زواجها دون مباشرة العقد بنفسها، بل ذلك يكون لوليها" (¬2). والملاحظ من قانون الأحوال الشخصية أنه نص على القاضي، وفي مسألتنا المراكز الإسلامية لا تمثل القاضي ولا الولاية العامة، كما لا تمثل الحاكم أو نائبه. والملاحظ أن قوانين الأحوال الشخصية الكويتية على مذهب الإمام مالك في الغالب، وقد تأخذ من المذاهب الأخرى ما فيه تيسير أو مصلحة للأسرة، ومع ذلك لم يُشر إلى الولاية العامة التي ¬

(¬1) قانون الأحوال الشخصية الكويتي، ص 17، 18. (¬2) المرجع السابق.

ذكرها المالكية، ولا في حال الحاجة والضرورة- كما ذكرها غيرهم- مع ما في ذلك من الحاجة والضرورة للمرأة، وتيسير الزواج لها.

الخاتمة وفيها أبرز النتائج والتوصيات: النتائج: 1 - عقد النكاح يشتمل على مصالح دينية ودنيوية فلا بد من مراعاة مقاصده والحكمة منه. 2 - عقد النكاح سنة من حيث العموم، وبالنسبة للشخص فإنه تدور عليه الأحكام الخمسة بحسب حال الشخص. 3 - الأصل في إعلان الرغبة في الزواج أن يكون من قبل الرجل، ويجوز للولي أن يعرض أخته أو بنته للرجل الصالح، كما يجوز للمرأة أن تعرض نفسها للرجل الصالح والأولى أن تلمح ولا تصرح شريطة أن لا يشارك الإعلان أشياء محرمة، في وسائل الاتصال الحديثة. 4 - يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته مباشرة بحضور المحرم ومحادثتها، ولا يجوز رؤية المخطوبة عن طريق الصورة الفوتوغرافية، وكذلك لا يجوز إرسال صورة متحركة؛ أي: تصوير فيديو للخاطب ليرى المخطوبة. 5 - محادثة المخطوبة للخاطب عن طريق وسائل الاتصال الحديثة مع رؤيتها عن طريق الكمبيوتر أو التليفونات الحديثة التي تنقل الصوت والصورة لا تجوز.

6 - محادثة الخاطب بعد العقد لمخطوبته جائز مطلقا، سواء كان بصورة أو بدون صورة لأنها زوجته، وأما محادثة المرأة قبل الخطبة مع عدم العزم عليها فلا يجوز. 7 - ولا يجوز للخاطب بعد الموافقة وقبل العقد محادثة المخطوبة صوتيا ومراسلتها، درءا للمفسدة وجلبا للمصلحة، وسدا للذرائع. 8 - حفل الخطوبة إن كان بعد العقد فهي وليمة العرس، وإن كان قبل العقد فقد تكون إكراما لإحدى العائلتين وهي جائزة، وأما أن تكون حفلة الخطوبة يتخللها المحرمات كالاختلاط والموسيقى وتقليد الكفار فلا تجوز. 9 - الشبكة هي على ما صرح به الخاطب سواء صرح بصداق أو هدية، وإن لم يصرح بها، فيرجع فيها إلى العرف، والعرف على أنها هدية. 10 - يجوز لولي الأمر إلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج، لا سيما في الوقت الحاضر مع تقدم العلم والطب. 11 - يجوز إجراء عقد النكاح كتابة بين غائبين، وهو ما أخذ به القانون الكويتي. 12 - إجراء عقد النكاح عبر وسائل الاتصال الحديثة مشافهة يجوز، كما يجوز إذا كان بالصوت والصورة عبر وسائل الاتصال الحديثة، فيكون الإيجاب ويليه فورا القبول، بحضور الشهود يرون الولي والزوج ويسمعون كلا منهما.

13 - تجوز الحيلة إن لم يكن بها خداع ومكر وكذب، وأما إذا كان فيها إسقاط حق لأحد أو ظلمة فلا تجوز. 14 - الزواج من أجل الامتيازات المادية فقط لا يجوز، ويأثم الزوجان إن اتفقا، وإلا أثم منهما من كان غرضه من الزواج الامتيازات المادية. 15 - العرف مشروع ما لم يخالف دليلا شرعيا، وكان له مجال في التطبيق على الوقائع المستجدة. 16 - الفرق الرئيسي بين الزواج العرفي والشرعي هو توثيق العقد. 17 - يصح عقد الزواج العرفي المكتمل الشروط والأركان، مع وجوب توثيق العقد ويأثم على تركه، ومعاقبة المقصر في ذلك. 18 - زواج الفرند يخالف الزواج الشرعي بأن فيه تنازلا للمرأة عن حقها في المسكن والنفقة والمبيت. 19 - يجوز زواج الفرند، والأفضل أن يقيد بالضرورة والحاجة. 20 - الزواج بنية الطلاق له عدة مسميات، والأصل في العقود المعاني ليس الألفاظ والمباني، فالزواج الذي يوجد فيه نية الطلاق يأخذ حكمه وإن تغير مسماه؛ كالسياحي والدراسي وغيرهما. 21 - الفرق الأساسي في الزواج بنية الطلاق، هو أن لا يريد الاستمرار والدوام ولكن يريد التأقيت. 22 - يحرم الزواج بنية الطلاق إذا نص على الوقت في العقد وهو محل اتفاق، وكذلك يحرم إذا لم ينص على الوقت في الزواج بنية الطلاق. 23 - يخالف الزواج المدني الزواج الشرعي بأن لا يكون

الزوج معددا، ولا يذكر الصداق في المدني ولا حق لها فيه، ولا يشترط الزواج المدني الديانة، ولا ذكر للولي والشهود فيه والطلاق في الزواج المدني بيد القاضي. 24 - الزواج المدني لا يجوز لعدم اشتراط الشهود ولا الولي، ولصيغته الاستفهامية ولا ذكر للمهر ولا حق للزوجة فيه، وعدم اشتراط الديانة فيه. 25 - زواج المسيار يخالف الزواج الشرعي، بأنه تتنازل المرأة فيه المرأة عن النفقة والمسكن. 26 - يجوز زواج المسيار ولكن الأولى عدم إتيانه إلا لمن احتاج إليه. 27 - يجوز الزواج عن طريق المراكز الإسلامية في حالة وجود الولي والشهود والزوج، وتكون وظيفة المركز كدور الموثق، وأما إن كان العقد بلا ولي وبشهود فإنه يجوز عقده عن طريق المراكز الإسلامية وهذا الجواز من باب الضرورة والحاجة. التوصيات: - يوصي الباحث القائمين على القوانين، أن يضمنوها النوازل خاصة في النكاح أو الإشارة لها لعدم الإشارة أو الذكر لها في قوانين الأحوال الشخصية. - كما أوصي الكليات الشرعية تضمين مناهج الأحوال الشخصية لنوازل النكاح، وتدريسها للطلبة ضمن مقرر الأحوال الشخصية، مقرر الزواج. - كما أوصي المجامع الفقهية بإعداد دراسات لنوازل النكاح دراسة مستفيضة، لتوالي ظهور العديد منها.

الفهارس الفنية

الفهارس الفنية فهرس الآيات القرآنية. فهرس الأحاديث والآثار. فهرس الأعلام المترجم لها. فهرس المصطلحات وغريب الألفاظ. فهرس المصادر والمراجع.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - إبراهيم، أحمد عيد عبد الحميد (1431 هـ / 2010 م)، القيود الواردة على الحرية في مجال الصناعة وموقف الفقه الإسلامي منها، بيروت: دار البشائر الإسلامية. 2 - الإبراهيم، محمد عقله، حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، الكويت، مجلة كلية الشريعة والدرسات الإسلامية. 3 - البار، محمد علي (1405 هـ / 1985 م) الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها، جدة: دار المنارة. 4 - الأبياني بك، محمد زيد (1342 هـ / 1924 م)، مختصر شرح الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، (ط 4)، القاهرة، مطبعة النهضة. 5 - ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله (1427 هـ / 2006 م)، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، (ط 4)، جمع محمد الشويعر، الرياض، وزارة الأوقاف السعودية. 6 - ابن بطال، علي بن خلف (1425 هـ / 2004 م)، شرح صحيح البخاري، (ط 3) , تحقيق: ياسر إبراهيم، الرياض، مكتبة الرشد. 7 - ابن بدران، عبد القادر (1430 هـ / 2009 م)، العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية، تحقيق: الطاهر الأزهر خذيري، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 8 - ابن بطة، عبيد الله محمد العكبري (1417 هـ / 1996 م)، إبطال الحيل، تحقيق: سليمان عبد الله، بيروت، مؤسسة الرسالة. 9 - الباجي، سليمان بن خلف (1420 هـ / 1999 م)، المنتقى شرح موطأ مالك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية. 10 - أبو البركات، مجد الدين عبد السلام بن تيمية، المحرر في الفقه، تحقيق: عبد العزيز الطويل، الرياض، دار أطلس الخضراء.

11 - الباحسين، يعقوب عبد الوهاب (1413 هـ - 1992 م)، المفصل في القواعد الفقهية، الرياض، دار التدمرية. 12 - البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (1414 هـ / 1994 م)، صحيح البخاري، بيروت، دار الفكر. 13 - بدير، رائد عبد الله نمر (1427 هـ / 2006 م)، مسميات الزواج المعاصرة بين الفقه والوقائع والتطبيق القضائي، الرياض، دار ابن الجوزي. 14 - البسام, عبد الله بن عبد الرحمن (1329 هـ)، علماء نجد خلال ثمانية قرون، الرياض، دار العاصمة. 15 - البعلي، علي بن محمد (1418 هـ / 1998 م)، الأخبار العلية من الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: أحمد محمد الخليل، الرياض: دار العاصمة. 16 - البهوتي، منصور بن يونس (1430 هـ / 2009 م)، الروض المربع، تحقيق: محمد مرابي، بيروت، مؤسسة الرسالة. 17 - البهوتي، منصور بن يونس البهوتي (1429 هـ / 2008 م)، كشاف القناع عن الإقناع، الرياض، وزارة العدل السعودية. 18 - البورنو، محمد صدقي الغزي (1419 هـ / 1998 م)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، (ط 5)، بيروت، مؤسسة الرسالة. 19 - البيهقي، أحمد بن الحسين (2002 م)، السنن الكبرى، (ط 3)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية. 20 - البعلي، علي بن محمد (1418 هـ / 1998 م)، الاختيارات الفقهية لابن تيمية، الرياض، دار العاصمة. 21 - ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (1416 هـ / 1996 م)، بيان الدليل على بطلان التحليل، (ط 2)، تحقيق: فيحان شالي المطيري، الرياض، مكتبة أضواء المنار. 22 - ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم (1425 هـ / 2004 م)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. 23 - التركي، عبد الله عبد المحسن (1416 هـ / 1996 م)، أصول مذهب الإمام أحمد دراسة أصولية مقارنة، (ط 4)، بيروت، مؤسسة الرسالة.

24 - الترمانيني، عبد السلام (1404 هـ/ 1984 م)، الزواج عند العرب في الجاهلية والإسلام، دراسة مقارنة، بيروت، عالم المعرفة. 25 - الترمذي، محمد بن عيسى (1422 هـ / 2002 م)، سنن الترمذي، بيروت، دار ابن حزم. 26 - التنبكي، أحمد بابات (1398 هـ / 1989 م)، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، طرابلس، كلية الدعوة. 27 - ابن جامع، عثمان عبد الله (1424 هـ / 2003 م)، الفوائد المنتخبات، تحقيق: عبد السلام برجس، بيروت: مؤسسة الرسالة. 28 - ابن جزي، محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي (1431 هـ / 2010 م)، القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، تحقيق: محمد سيدي مولاي، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 29 - ابن جزي، محمد بن أحمد الكلبي الغرناطي (1423 هـ / 2002 م)، تقريب الوصول إلى علم الأصول، (ط 2)، بدون دار، تحقيق الدكتور محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي. 30 - الجبرين، عبد الله بن عبد العزيز (1431 هـ / 2010 م)، شرح عمدة الفقه، (ط 6)، مكتبة الرشد، الرياض. 31 - الجرجاني، علي محمد الشريف (1428 هـ / 2007 م)، التعريفات، (ط 2)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار النفائس. 32 - الجصاص، أحمد بن علي الرازي (1428 هـ / 2007 م)، مختصر اختلاف الفقهاء، (ط 2)، تحقيق: عبد الله نذير أحمد، بيروت، دار البشائر الإسلامية. 33 - الجصاص، أحمد بن علي الرازي (1428 هـ / 2007 م)، أحكام القرآن، (ط 3)، تحقيق: عبد السلام محمد، بيروت، بدون ناشر. 34 - الجصاص، أحمد علي (1428 هـ / 2007 م)، الفصول في الأصول، (ط 3)، تحقيق: عجيل النشمي، الكويت، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 35 - جيرة، عبد المنعم عبد العظيم (1409 هـ / 1988 م)، نظام القضاء في المملكة العربية السعودية، معهد الإدارة العامة، الرياض. 36 - ابن الحنائي، علي بن أمر الله (1426 هـ / 2006 م)، طبقات الحنفية، تحقيق: محي هلال سرحان، بغداد، مطبعة الوقف السني.

37 - ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني (1427 هـ / 2006 م)، بلوغ المرام من أدلة الأحكام، (ط 4)، تحقيق: عصام موسى هادي، عمان، دار الدليل الأثرية. 38 - ابن حجر، أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 39 - ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر (1421 هـ / 2000 م)، الأدب المفرد، (ط 2 م)، تحقيق: الألباني، الجبيل، دار الصديق. 40 - ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر (1416 هـ / 1995 م)، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، تحقيق: حسن عباس قطب، القاهرة، مؤسسة قرطبة. 41 - ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر (1429 هـ / 2008 م)، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عبد الله التركي، القاهرة، دار هجر. 42 - ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر (1407 هـ)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، (ط 3) تحقيق: محب الدين الخطيب، القاهرة، المكتبة السلفية. 43 - الحاج، ابن أمير الحاج (1403 هـ / 1983 م) , التقرير والتحبير شرح التحرير، (ط 2)، القاهرة، مصورة طبعة بولاق. 44 - حاجي خليفة، مصطفى عبد الله القسطنطيني (1414 هـ / 1994 م)، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، بيروت , دار الفكر. 45 - الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، القاهرة، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر. 46 - الحجيلان، عبد العزيز محمد عبد الله (1430 هـ / 2009 م)، الزواج السياحي المقصود به صوره نشأته وأسبابه دراسة فقهية اجتماعية تطبيقية، الرياض، الدار المتخصصة. 47 - الحجيلان، عبد العزيز محمد عبد الله (1430 هـ / 2009 م)، المختار في زواج المسيار دراسة فقهية مقارنة حديثة، الرياض، الدار المتخصصة. 48 - حسن، محمود محمد (1998 م)، قانون الأحوال الشخصية عقد الزواج طبقا للشريعة الإسلامية والقانونين الكويتي والمصري، (ط 2)، الكويت، مؤسسة دار الكتب.

49 - حسنين، حسنين محمود (1408 هـ / 1998 م)، العرف والعادة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، دبي، دار القلم. 50 - حسون، علي عبد الرحمن (1420 هـ) أحكام النظر إلى المخطوبة، الرياض، دار العاصمة. 51 - الحموي، ياقوت عبد الله (1991 م)، معجم الأدباء وإرشاد الأدب إلى معرفة الأديب، بيروت، دار الكتب العلمية. 52 - الخطابي، حمد بن محمد (1409 هـ / 1988 م)، أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، تحقيق: محمد سعد آل سعود، مكة المكرمة، جامعة أم القرى. 53 - ابن خلكان: أحمد بن محمد (1994 م)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر. 54 - الدارقطني، علي بن عمر (1424 هـ / 2004 م)، سنن الدارقطني، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، بيروت، مؤسسة الرسالة. 55 - ابن دقيق العيد، تقي الدين (1423 هـ / 2002 م) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، تحقيق: حسن أحمد، بيروت، دار ابن حزم. 56 - الدريني، فتحي (1429 هـ / 2008 م)، بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، (ط 2)، بيروت، مؤسسة الرسالة. 57 - الدريني، فتحي (1429 هـ / 2008 م)، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، (ط 3)، بيروت، موسسة الرسالة. 58 - الدريويش، أحمد يوسف أحمد (1426 هـ / 2005 م)، الزواج العرفي، حقيقته، وأحكامه، وآثاره، والأنكحة ذات الصلة به دراسة فقهية مقارنة، الرياض , دار العاصمة. 59 - الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية. 60 - الدويش، أحمد عبد الرزاق (1427 هـ / 2006 م)، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، (ط 5)، بدون دار نشر. 61 - الداوودي، محمد بن علي (1403 هـ/ 1983 م)، طبقات المفسرين، تحقيق: لجنة من العلماء بإشراف الناشر، بيروت، دار الكتب العلمية.

62 - ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد (1425 هـ / 2005 م)، الذيل على طبقات الحنابلة، تحقيق: عبد الرحمن العثيمين، الرياض، مكتبة العبيكان. 63 - ابن رشد، محمد بن أحمد (1416 هـ / 1995 م) , بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق: ماجد الحموي، بيروت: دار ابن حزم. 64 - الرافعي، سالم عبد الغني (1423 هـ / 2002 م)، أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب، بيروت، دار ابن حزم. 65 - أبو زهرة، محمد، الأحوال الشخصية، بيروت، دار الفكر العربي. 66 - أبو زهرة، محمد، محاضرات في عقد الزواج وآثاره، بيروت، دار الفكر العربي. 67 - الأزهري، عبد المجيد إبراهيم الشرنوبي (1418 هـ)، تقريب المباني على متن الرسالة، بيروت، دار الكتب العلمية. 68 - الأزهري، محمد بن أحمد (1384 هـ / 1994 م)، تهذيب اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، دار القومية العربية للطباعة. 69 - الأزهري، أحمد غنيم النفراوي، الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: عبد الوارث محمد علي، بيروت، دار الكتب العلمية. 70 - الزرقا، مصطفى أحمد (1425 هـ / 2004 م)، المدخل الفقهي العام، (ط 2)، دمشق، دار القلم. 71 - الزرقا، مصطفى أحمد (1422 هـ / 2001 م)، شرح القواعد الفقهية، (6)، دمشق، دار القلم. 72 - الزركشي، محمد بن عبد الله، شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الرياض، مكتبة العبيكان. 73 - الزركشي، محمد بن عبد الله (1413 هـ / 1992 م)، البحر المحيط في أصول الفقه، (ط 2)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 74 - الزركشي، بدر الدين محمد بهادر (1405 هـ)، المنثور في القواعد، (ط 2)، تحقيق: تيسير فائق، الكويت، شركة دار الكويت للصحافة. 75 - الزمخشري، محمد بن عمر (1418 هـ / 1998 م)، الكشاف، تحقيق: عادل أحمد وآخرون، الرياض، مكتبة العبيكان. 76 - الزركلي، خير الدين محمود محمد (2002 م)، الأعلام، (ط 15)، بيروت: دار العلم للملايين.

77 - زوزو، فريدة بنت طارق (1427 هـ / 2006 م)، النسل دراسة مقاصدية في وسائل حفظه في ضوء تحديات الواقع المعاصر, الرياض، مكتبة الرشد. 78 - سابق، سيد (1428 هـ / 2007 م)، فقه السنة، (ط 2)، دمشق: دار ابن كثير. 79 - ابن سعد، محمد سعد (1421 هـ / 2001 م)، الطبقات الكبرى، تحقيق: علي محمد عمر، القاهرة، مكتبة الخانجي. 80 - الإستانبولي، محمود مهدي (1422 هـ / 2001 م)، تحفة العروس أو الزواج الإسلامي السعيد، الرياض، مكتبة المعارف. 81 - الإسنوي، عبد الرحيم حسن (1420 هـ / 1999 م)، نهاية السول، تحقيق: شعبان محمد، بيروت، دار ابن حزم. 82 - السبكي، عبد الوهاب علي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود الطناحي وآخرون، دار القاهرة، إحياء الكتب العربية. 83 - السخاوي، محمد بن عبد الرحمن، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، بيروت، دار مكتبة الحياة. 84 - السرخسي محمد بن أحمد بن أبي سهيل (1409 هـ / 1989 م)، المبسوط، بيروت، دار المعرفة. 85 - السعدي، عبد الرحمن ناصر (1422 هـ / 2001 م)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (ط 2)، الكويت، جمعية إحياء التراث الإسلامي. 86 - السعدي، عبد الرحمن بن ناصر (1419 هـ / 1998 م)، رسالة في القواعد الفقهية، تحقيق: محمد عبد المقصود، الرياض، دار أضواء السلف. 87 - السلمي، أحمد عبد الله (1428 هـ / 2007 م)، أفراحنا ما لها وما عليها، الرياض، دار ابن خزيمة. 88 - السند، عبد الرحمن عبد الله (1427 هـ / 2006 م)، الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، (ط 2)، بيروت، دار الوراق. 89 - السند، عبد الله عبد الرحمن (1426 هـ / 2005 م)، مسائل فقهية معاصرة، بيروت، دار الوراق. 90 - السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 91 - السهلي، أحمد بن موسى (1422 هـ / 2001 م)، الزواج بنية الطلاق، حقيقته، حكمه، آثاره، الرياض: دار البيان الحديثة.

92 - السهلي، أحمد موسى، عقود الزواج المستحدثة وحكمها في الشريعة، جدة، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الدورة الثامنة عشر. 93 - سيد المباركي، أحمد علي (1412 هـ / 1992 م)، العرف وأثره في الشريعة الإسلامية والقانون، الرياض، بدون دار نشر. 94 - السيوطي، عبد الرحمن بن الكمال (2010 م)، الأشباه والنظائر، تحقيق: محمد حسن، بيروت، دار الكتب العلمية. 95 - السيوطي، عبد الرحمن بن الكمال (1399 هـ / 1979 م)، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، (ط 2)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار الفكر. 96 - السجستاني، سليمان بن الأشعث، السنن، تحقيق: محمد عوامة، الرياض، دار القبلة. 97 - الأشقر، عمر سليمان (1424 هـ / 2004 م)، أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، (ط 3) , عمان، دار النفائس. 98 - الأشقر، أسامة عمر (1425 هـ / 2005 م)، مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق، (ط 2)، عمان، دار النفائس. 99 - الشافعي، محمد بن إدريس (1408 هـ / 1988 م)، الأم، تحقيق: محمد زهري النجار، بيروت، دار المعرفة. 100 - الشربيني، محمد بن الخطيب (1418 هـ/ 1997 م)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق: محمد خليل عيتاني، بيروت، دار المعرفة. 101 - الشاطبي، إبراهيم بن موسى (1430 هـ / 2009 م)، الموافقات، (ط 3)، تحقيق: مشهور حسن سلمان، الرياض، دار ابن القيم. 102 - شعبان، زكي الدين (1988 م)، أصول الفقه الإسلامي، الكويت، مؤسسة علي الصباح للنشر والتوزيع. 103 - شلبي، محمد مصطفى (1397 هـ / 1977 م)، أحكام الأسرة في الإسلام، (ط 2)، بيروت، دار النهضة العربية. 104 - الشنقيطي، محمد الأمين محمد المختار (1420 هـ / 1999 م)، نثر الورود على مراقي السعود، (ط 2)، تحقيق: محمد ولد سيدي الشنقيطي، جدة، دار المنارة للنشر والتوزيع.

105 - الشوكاني، محمد بن علي (1426 هـ / 2005 م)، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، (ط 2)، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دمشق، طبعة دار ابن كثير. 106 - الشوكاني، محمد بن علي (1414 هـ / 1993 م)، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، (ط 4)، تحقيق: محمد سعيد البدري، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية. 107 - الشيباني، أحمد بن حنبل، (1416 هـ / 1995 م)، المسند، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، بيروت، مؤسسة الرسالة. 108 - الشيخ، عبد اللطيف أحمد (1425 هـ)، التوثيق لدى فقهاء المذهب المالكي، الإمارات، منشورات المجمع الثقافي ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث. 109 - الأصفهاني، الراغب (1430 هـ / 2009 م)، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، (ط 4)، دمشق، دار القلم. 110 - الصابوني محمد علي (1418 هـ / 1997 م)، روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 111 - الصاوي، أحمد محمد، حاشية الشرح الصغير، تحقيق: مصطفى كمال، القاهرة، دار المعارف. 112 - الصفدي، صلاح الدين خليل بن إيبك (1420 هـ / 2000 م)، الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وآخرون، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 113 - الصنعاني، محمد بن إسماعيل (1433 هـ) سبل السلام شرح بلوغ المرام، (ط 3)، تحقيق: محمد صبحي حلاق، الرياض: دار ابن الجوزي. 114 - الطبري، محمد بن جرير (1403 هـ / 1983 م)، جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المعرفة. 115 - الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة (1407 هـ / 1987 م)، الآثار، تحقيق: محمد زهري النجار، بيروت، دار الكتب العلمية. 116 - الطبراني، سليمان بن أحمد (2008 م)، التفسير الكبير، تحقيق: هشام البدراني، عمان، دار الكتاب الثقافي.

117 - الطوفي، سليمان بن عبد القوي (1418 هـ / 1998 م)، شرح مختصر الروضة، (ط 2)، تحقيق: عبد الله التركي بيروت، مؤسسة الرسالة. 118 - ابن عابدين، محمد أمين، مجموعة رسائل ابن عابدين، بدون دار نشر. 119 - ابن عابدين، محمد أمين (1423 هـ / 2004 م)، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الرياض، دار عالم الكتب. 120 - ابن عاشور، محمد الطاهر (1425 هـ / 2004 م)، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. 121 - ابن عبد البر، يوسف عبد الله، الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت، دار الوعي. 122 - ابن عبد الشكور، محب الدين (1324 هـ)، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، بيروت، دار صادر. 123 - ابن عثيمين، محمد صالح (1426 هـ)، الشرح الممتع على زاد المستنقع، الرياض، دار ابن الجوزي. 124 - ابن عرفه، محمد الأنصاري، شرح حدود ابن عرفة الموسوم الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية، تحقيق: محمد أبو الأجفان وآخرون، بيروت، دار الغرب الإسلامي. 125 - ابن عطية، محمد عبد الحق (1412 هـ / 1991 م)، المحرر الوجيز، تحقيق: السيد عبد العال، قطر: رئاسة المحاكم الشرعية. 126 - ابن عطية، محمد عبد الحق (1428 هـ / 2007 م) المحرر الوجيز, (ط 2)، تحقيق: عبد الله الأنصاري، قطر، دار الخير. 127 - أبو العينين، بدران أبو العينين بدران (1965 م)، أحكام الزواج والطلاق في الإسلام، (ط 3)، دار المعارف. 128 - عتر، عبد الرحمن معاصر (1405 هـ / 1985 م)، خطبة النكاح، عمان، مكتبة المنار. 129 - العثماني، محمد بن عبد الرحمن (1414 هـ / 1994 م)، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، تحقيق: علي الشريجي، بيروت، مؤسسة الرسالة.

130 - العشي، منال محمد رمضان هاشم، أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية دراسة فقهية مقارنة، غزة، الجامعة الإسلامية. 131 - العطار، عبد الناصر توفيق، خطبة النساء في الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية للمسلمين وغير المسلمين، القاهرة، مطبعة السعادة. 132 - العظيم أبادي، محمد شمس الحق (1388 هـ / 1968 م)، عون المعبود شرح سنن أبي داود، (ط 2)، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المدينة المنورة، المكتبة السلفية. 133 - العيني، محمد بن محمود (1348 هـ)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، القاهرة، المطبعة المنيرية. 134 - غندور، أحمد (1422 هـ / 2001 م)، الأحوال الشخصية في التشريع الإسلامي، (ط 4)، الكويت: مكتبة الفلاح. 135 - ابن فارس، أحمد بن فارس زكريا (1429 هـ / 2008 م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: محمد عوض وآخرون، بيروت: دار إحياء التراث العربي. 136 - الفاداني، محمد ياسين عيسى (1417 هـ / 1996 م)، الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية شرح الفرائد البهية، (ط 2)، تحقيق: رمزي دمشقية، بيروت، دار البشائر الإسلامية. 137 - الفارابي، أمير كاتب بن أمير عمر (1420 هـ / 1999 م) التبيين، تحقيق: صابر نصر، الكويت، وزارة الأوقاف. 138 - الفوزان، صالح بن فوزان (2006 م)، المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان، تحقيق: عادل الفريدان، القاهرة، دار الإمام أحمد. 139 - الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب (1424 هـ / 2003 م) , القاموس المحيط، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 140 - فيض الله، محمد فوزي (1418 هـ / 1997 م)، الزواج وموجباته في الشريعة والقانون، (ط 2)، الكويت، مكتبة المنار الإسلامية. 141 - الفيومي، أحمد محمد علي المقري، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تحقيق: عادل مرشد، بدون دار نشر. 142 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (1428 هـ / 2007 م)، تهذيب السنن، تحقيق: إسماعيل بن غازي مرحبا، الرياض، مكتبة المعارف.

143 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (1432 هـ)، إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان، تحقيق: محمد عزيز وآخرون، مكة المكرمة، دار عالم الفوائد. 144 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (1423 هـ)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، الرياض: دار ابن الجوزي. 145 - ابن قاسم، عبد الرحمن محمد (1419 هـ)، حاشية الروض المربع، (ط 8)، بدون دار نشر. 146 - ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (1428 هـ / 2007 م)، المغني شرح مختصر الخرقي، (ط 6)، تحقيق: عبد الله التركي وآخرون، الرياض، دار عالم الكتب. 147 - ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، المغني شرح مختصر الخرقي، بيروت، دار الفكر. 148 - ابن قدامة، عبد الله بن أحمد (1417 هـ / 1997 م)، الكافي، تحقيق: عبد الله التركي وآخرون، القاهرة، دار هجر. 149 - ابن قدامة، عبد الرحمن بن محمد (1426 هـ / 2005 م)، الشرح الكبير، تحقيق: عبد الله التركي وآخرون، بيروت، دار عالم الكتب. 150 - ابن قطلوبغا، زين الدين قاسم (1413 هـ/ 1992 م)، تاج التراجم، تحقيق: محمد خير رمضان، دمشق: دار القلم. 151 - القاضي عبد الوهاب، عبد الوهاب بن علي (1418 هـ / 1998 م)، المعونة على مذهب عالم المدينة، تحقيق: محمد حسن، بيروت، دار الكتب العلمية. 152 - القرافي، أحمد بن إدريس (1424 هـ / 2004 م)، شرح تنقيح الفصول، بيروت، دار الفكر. 153 - القرطبي، محمد بن أحمد (1427 هـ / 2006 م)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: عبد الله التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة. 154 - القونوي، قاسم (1427 هـ) أنيس الفقهاء، تحقيق: أحمد الكبيسي، الرياض, دار ابن الجوزي. 155 - قانون، قانون الأحوال الشخصية (2006 م)، الكويت، مجلس الوزراء الفتوى والتشريع.

156 - القحطاني، مسفر بن علي (1424 هـ / 2003 م) , منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية، جدة، دار الأندلس الخضراء. 157 - ابن كثير، إسماعيل بن عمر (1431 هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: حكمت بشير، الرياض، دار ابن الجوزي. 158 - الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع، بيروت، دار الفكر. 159 - كبارة، عبد الفتاح معاصر (1994 م)، الزواج المدني دراسة فقهية مقارنة، بيروت، دار الندوة الجديدة. 160 - كبارة، عبد الفتاح معاصر (1419 هـ / 1998 م)، الزواج المدني ومشروع قانون الأحوال الشخصية اللبناني، بيروت، دار النفائس. 161 - الكدي، محمد الكدي (1422 هـ / 2001 م)، فقه الأسرة المسلمة في المهاجر، بيروت، دار الكتب العلمية. 162 - الكردي، أحمد الحجي (1429 هـ / 2008 م)، الزواج، دمشق، دار اقرأ. 163 - الكفوي، أيوب بن موسى (1419 هـ / 1998 م)، الكليات، (ط 2)، تحقيق: عدنان الدرويش، بيروت، مؤسسة الرسالة. 164 - الألباني، محمد ناصر الدين (1415 هـ / 1995 م)، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، الرياض، مكتبة المعارف. 165 - الألباني، محمد ناصر الدين (1339 هـ / 1979 م)، إرواء الغليل، بيروت، المكتب الإسلامي. 166 - ابن المبرد، يوسف بن حسن (1411 هـ / 1991 م) الدر النقي شرح ألفاظ الخرقي، تحقيق: رضوان مختار غريبة، جدة: دار المجتمع. 167 - ابن المنذر، محمد بن إبراهيم (1411 هـ / 1991 م) الإجماع، تحقيق: فؤاد عبد المنعم أحمد، بدون دار نشر. 168 - ابن ماجه، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، (ط 4)، تحقيق: خليل مأمون شيحا، بيروت، دار المعرفة. 169 - ابن مفلح، إبراهيم محمد (1423 هـ / 2003 م)، المبدع شرح المقنع، الرياض، دار عالم الكتب. 170 - ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم (1424 هـ / 2003 م)، لسان العرب، الرياض: دار عالم الكتب.

171 - آل منصور، صالح عبد العزيز (1428 هـ)، الزواج بنية الطلاق من خلال الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة الإسلامية، الرياض، دار ابن الجوزي. 172 - المالكي، عدنان بخيت، تقويم مقررات الفقه في المراحل الثانوية في ضوء المستجدات الفقهية المعاصرة، مكة المكرمة، جامعة أم القرى. 173 - الماوردي: علي بن محمد بن حبيب (1419 هـ / 1999 م)، الحاوي الكبير وهو شرح مختصر المزني، تحقيق: علي محمد معوض وآخرون، الرياض، دار الكتب العلمية. 174 - المباركفوري، محمد بن عبد الرحمن، تحفة الأحوذي، تحقيق: علي محمد معوض وآخرون، بيروت، دار إحياء التراث العربي. 175 - المحلي، عبد الله محمد (1429 هـ / 2008 م)، البدر الطالع في حل جمع الجوامع، تحقيق: مرتضى الداغستاني، دمشق، مؤسسة الرسالة. 176 - مخلوف، محمد بن محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، بيروت، دار الكتاب العربي. 177 - مخلوف، محمد بن محمد، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، بيروت، دار الفكر. 178 - المرداوي، علي بن سليمان (1426 هـ / 2005 م)، الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف، تحقيق: عبد الله التركي، الرياض، دار عالم الكتب. 179 - المسند، محمد عبد العزيز (1414 هـ / 1994 م)، فتاوى إسلامية لأصحاب الفضيلة العلماء الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين والشيخ عبد الله الجبرين، (ط 2)، الرياض، دار الوطن. 180 - المطلق، عبد الملك بن يوسف (1427 هـ / 2006 م)، الزواج العرفي داخل المملكة العربية السعودية وخارجها دراسة فقهية واجتماعية نقدية، الرياض، دار العاصمة. 181 - المطلق، عبد الملك بن يوسف، زواج المسيار دراسة فقهية واجتماعية نقدية، الرياض , دار ابن لعبون. 182 - المطلق، عبد الملك بن يوسف (1427 هـ / 2006 م)، زواج المسيار، زواج الفرند بين حكمه الشرعي وواقعه المعاصر، الرياض، دار العاصمة. 183 - المنبجي، محمد بن علي (1414 هـ / 1994 م)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، (ط 2)، تحقيق: محمد فضل عبد العزيز، دمشق، دار القلم.

184 - المناعسة، أسامة أحمد (2001 م)، جرائم الحاسب الآلي، عمان: دار وائل. 185 - الموصلي، عبد الله بن محمود (1430 هـ / 2009 م)، الاختيار لتعليل المختار، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، بيروت، دار الرسالة العالمية. 186 - موقع المركز الإسلامي في اليابان على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://islamcenter.or.jp/newarab/arabicindex.htm 187 - موقع رابطة الثلاسيميا، الكويتية - الجمعية الطبية الكويتية: http://thalassemia-kw.com/index.php 2 188 - موقع بنك التسليف والادخار الكويتي على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.scb.gov.kw/default.aspx? page=39 189 - موقع رابطة العالم الإسلامي على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.themwl.org 190 - موقع الإسلام سؤال وجواب على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://islamqa.info.ar/raf 20916 191 - موقع إسلام ويب على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.islamweb.net/mainpage/nindex.php? page=result&q 192 - موقع صيد الفوائد على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.saaid.net/mktarat/alzawaj/75 htm 193 - موقع المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.dawatalhak.com/newsdetails.asp? id=111 194 - موقع "صحة" الطبي على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.sahha.com/diseases/id/syphilis/syphilis.htm 195 - موقع طب العرب على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://medicine-arab.blogspot.com/htm 16974 blog-post 02/ 2008 196 - موقع الوراثة الطبية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.werathah.com/blood.sickle.index.htm

197 - موقع رابطة العالم الإسلامي على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.themwl.org 198 - موقع الشيخ الألباني على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). http://www.alalbany.net 199 - ابن النجار، محمد بن أحمد (1418 هـ / 1997 م)، شرح الكوكب المنير، (ط 2)، تحقيق: محمد الزحيلي الرياض، مكتبة العبيكان. 200 - الأنصاري، زكريا محمد (1313 هـ)، أسنى المطالب شرح روض الطالب، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي. 201 - الأنصاري، زكريا محمد (1425 هـ/ 2004 م)، تحفة الطلاب بشرح تخريج تنقيح اللباب، بيروت، دار البشائر الإسلامية. 202 - ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم (1422 هـ/ 2002 م)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، تحقيق: أحمد عزو، بيروت، دار إحياء التراث الإسلامي. 203 - ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم (1403 هـ / 1983 م)، الأشباه والنظائر، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دمشق، دار الفكر. 204 - النجيمي، محمد يحيى، عقود الزواج المستحدثة وحكمها في الشريعة، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة الثامنة عشر. 205 - النسائي، أحمد بن شعيب (1418 هـ / 1997 م)، سنن النسائي، (ط 4)، تحقيق: مكتب تحقيق التراث الإسلامي، بيروت، دار المعرفة. 206 - النسفي، عمر بن محمد (1431 هـ / 2010 م)، طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، (ط 3)، تحقيق: خالد العك، بيروت، دار النفائس. 207 - نظام، الشيخ نظام (1310 هـ) , الفتاوى الهندية على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، بيروت، دار الجيل. 208 - النووي، يحيى بن شرف (1421 هـ/ 2000 م)، شرح صحيح مسلم، بيروت، دار الكتب العلمية. 209 - النووي، يحيى بن شرف (1427 هـ / 2006 م)، روضة الطالبين وعمدة المفتين، بيروت، دار المعرفة. 210 - النيسابوري، مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، بيروت، دار الجيل.

211 - ابن الهمام, كمال الدين محمد عبد الواحد (1424 هـ / 2003 م)، شرح فتح القدير، الرياض، دار عالم الكتب. 212 - الهيثمي، علي بن أبي بكر (1406 هـ / 1986 م)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، مؤسسة المعارف. 213 - واصل، محمد أحمد (1420 هـ / 1999 م) , أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، الرياض، دار طيبة الرياض. 214 - اليوبي، محمد سعد أحمد (1429 هـ) , مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، الرياض، دار ابن الجوزي.

§1/1