المسائل البصريات

أبو علي الفارسي

مسألة 1

بسم الله الرحمن الرحيم المسائل البصريات أملاها أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار في جامع البصرة مسألة 1: قال أبو عثمان كان الأخفش لا يجيز "زيد ضربته وعمراً كلمته"، ويحتج بأن "ضربته" جملة لها موضع، وقوله: "وعمرا كلمته" جملة لا موضع لها. والعطف في قولك: "لقيتُ زيداً وعمراً كلمتهُ" إنما اختير فيه

النصب؛ لأن الأحسن أن يعطف الشيء على الشيء الذي هو مثله، وهذه الجملة مخالفة لما قبلها.

قال محمد بن يزيد: وهذا قول أبي إسحاق الزيادي قال وهو عندي القياس. [قال أبو علي - الفارسي- أيده الله] اعلم أن هذه الجملة وإن كان لها موضع من الإعراب فإن ذلك الإعراب لما لم يخرج إلى اللفظ في الجملة نفسها صارت لذلك بمنزلة ما لا موضع لها، وإذا صارت كذلك لم يمتنع أن يعطف عليها ما لا موضع له من الجمل. ويدلك على أنه لما لم يظهر هذا الإعراب في لفظها صار بمنزلة ما لا إعراب لموضعه ولا حكم له أن اسم الفاعل لما كان الضمير الذي يحتمله لا يظهر في اللفظ صار لا حكم له، فصار بمنزلة ما لا ضمير فيه. ألا ترى أنه مُنصرفٌ أو لا ترى أنه يثنى ويجمع تثنية الأسماء التي لا تحمل ضميراً وجمعها. ولو كان لذلك حكم لم يثن كما لم تثن الجمل ولم تجمع.

ولو كان له حكم لصار "ضاربانِ" جملة مثل "يضربان" ولو كانت كذلك لوصلت بها [الأسماء] الموصولة فقلت: "اللذان ضاربان أخواك". أفلا ترى أن هذا الضمير لما لم يظهر لم يكن له حكم، فكذلك إعراب هذه الجملة لما لم يظهر في لفظها - وإنما هو شيء يقدر لموضعها - لم يكن له حكم فجاز عطف ما لا موضع له عليها؛ لكونها بمنزلتها. فإن قلت: فإنك إذا أفردت الخبر ظهر فيه لفظ الإعراب، وكان ظهوره في المفرد بمنزلة ظهوره في الجملة. قيل: إن اسم الفاعل أيضاً إذا جرى على غير من هو له أظهر معه الضمير الذي كان يحتمله ولم يُجْعَل ظهور ذلك في الموضع الذي ظهر فيه خارجاً من حكم الأسماء التي لا تحمل ضميراً في الموضع الذي لا يظهر فيه. فإذا جُعِلَ اسم الفاعل بمنزلة ما لا ضمير فيه، وإن كان يظهر في موضع فأن تُجعل الجملة التي تقع موقع الخبر بمنزلة ما لا موضعَ له أجدرُ؛ لأن الجملة لا يظهر فيها إعرابٌ البتة، واسم الفاعل يظهر معه الضمير في موضع. فإن قلت: إذا كانت الجملة تقع خبراً للمبتدأ كما يقع المفرد خبراً له فمن أين قلتم إن الأصل للمفرد والجملة واقعة في موضعه؟ وهلا كانت الجملة كالمفرد في أنها أصل فيمتنع في الجملة ما يمتنع في المفرد؟ قيل: المفرد هو الأصل؛ لأنه الأول والجملة منه تُرَكَّبُ، فالمفرد الأول.

ويدلك أيضاً على أن المفرد الأول في هذا الموضع خاصة دون الجملة أن المبتدأ والخبر في المعنى كالفعل والفاعل في أن كل جملة جزءان: أحدهما حديث والآخر مُحدث عنه، فكما أن الفعل أحد الجزءين من الجملة التي هي الفعل والفاعل وهو مفرد غير جملة، فكذلك خبر المبتدأ الذي هو بجزءيه ينبغي أن يكون مفرداً غير جملة. وإذا كان مفرداً كانت الجملة واقعة في الخبر في موضعه، وإذا كانت في موضعه علمت أن الإعراب المقدر لها للموضع غير خارج إلى اللفظ، وإذا لم يخرج إلى اللفظ لم يقع به اعتداد، وإذا لم يقع به اعتداد ساوت ما لا موضع له، وغذا ساوته جاز عطفه عليها. ومما يدلك على أن ما لا يظهر إلى اللفظ لا حكم له، وإن كان في التأويل مقدراً قولهم: أزيداً ضربته، وامتناع الناس جميعاً من العطف على هذه الجملة المضمرة لما لم تظهر إلى اللفظ وإن كانت قد عملت في المفعول. ومن ثم قال البغداديون: إن المفعول منتصب بهذا الظاهر.

مسألة 2

وإذا كان كذلك فالمشاكلة بين الجملتين في العطف جائزة لقيام المشابهة بينهما، ولم يكن ذلك بأبعد من إجرائهم "أيدع" في المعرفة مجرى "أذهبُ" لما كان على لفظه. وليس شبه الجملة التي يتأول لها موضع تحمِلُه على لفظها وصورتها بأغمض من شبه "أيدع" بـ"أذهب". مسألة 2: قال أبو علي - أيده الله- مما يدل على صحة قول أبي عثمان في مفارقة همزة الوصل اللاحقة للام التعريف سائر الهمزات التي تلحق وصلا، وأنه لا يجوز على قياس قولهم "الحمرُ"، "اسَل" أن هذه الهمزة لما لحقت ما لا يصحب إلا الأسماء، ووقعت مفتوحة كان ذلك مُضارعةً لها بهمزة أحمر ونحوه، فجاز لذلك عندهم أن تثبت حيث تسقط سائر الهمزات المجتلبة للوصل، لأنها

عريت من هذه المشابهة، فلم يجز فيهن ما جاز فيها من الثبات حيث سقطن. ألا ترى أنهم لما رأوا هذه المشابهة فيها قطعوها في مواضع لم يُقطع فيها غيرها [كقولهم] "يا أله اغفر لي" و"أفألله ليفعلن" وألزموها الإثبات مع حرف الاستفهام، وقالوا في تذكر الخليل ونحوه "اَلىِ" فلم يحذفوها مع حركة اللام وليس شيء مما ذكرناه في سائر هذه الهمزات. فكما اختصت بالثبات في هذه الأشياء كذلك ثبتت في قولهم: الحْمَرُ. ولا يجوز على هذا القياس: "اِسَلْ" ولا: "اقتلوا" لتعريها من الشبه الذي ذكرناه. [فآ]: اقتلوا أصله اقتتلوا فأدغم التاء الأولى في الثانية، وألقى حركتها على القاف. [فآ]: قلنا الخليلُ، ولم نقل/54 أالرجل ولا الصاحب؛ لأن لام التعريف لا تظهر معهما، وتظهر مع الخليل.

فإن قلت: فهلاَّ ألزمت القطع ولم توصل كـ"أحمر" وبابه؟ فإن ذلك لا يجوز. ألا ترى أن ما لا ينصرفُ لم يُجعل كالأفعال ولم تنتزع منه أحكام الأسماء، وإن كان قد شبه بها في بعض الأحوال؟ فإن قلت: فهلا استجيز قطعها في "ايمُنِ" لانفتاحها ودخولها في الاسم؟ قيل: قد أُقِرَّتْ مع همزة الاستفهام ولم يكن فيها مثل ما كان في همزة اللام لأنها لم تكثر كثرتها ولم تقاربها في ذلك، والتغيير على ما يكثر في كلامهم أشد تسلطاً منه على ما لم يكثر. يدلك على ذلك: "لمْ يَكُ" و"لا أدْرِ" و"لم أُبَل" و"لم أُبَلِهْ" ونحو ذلك مما كثر، فغُيِّر عن حال نظيره. فكذلك "ايمُنِ" لما لم يكثُر كثرة هذا الحرف اللاحق لعامة الأسماء لم يلحقه من التغيير ما لحقه. والذي أجاز في تحقير "اضطرب اضيريب" أفحش خطأ عندنا ممن زعم أن من قال "اَلاَنَ" لزمه أن يقول "اِسَلْ"، وذلك أن الحركة في

"اِسَل" إنما هي حركة الهمزة المحذوفة، وإذا كانت الحركة للهمزة كانت الفاء في تقدير السكون، وإذا كانت في تقدير السكون جاز أن يظن جواز لحاق الهمزة. ألا تراهم قالوا: "ضوٌ" فحركوا الواو طرفا، ولم تقلب حيث كانت في نية السكون. وقد نطقت العرب بهمزة الوصل حيث حركت الساكن بحركة الهمزة المحذوفة في "اَلاَنَ" و"والَحْمَر"، ولم يفعلوا ذلك بالفاء إذا كانت ساكنة في التكبير ثم حُقِّر. ألا تراهم قالوا "ابنٌ" فاجتلبوا الهمزة ثم قالوا "بُنيٌّ" فأسقطوها ولم يثبتوها. فكذلك لا يجوز في اضطراب اُضيريبٌ كما لم يجز في "ابنٍ اُبينٌ". فالذي أجاز في "اضطراب" هذا أخطأ نصَّ العربِ على ما كان مثله وفي حكمه، والذي أجاز "اِسَل" لم يخطئ نصهم إنما أجاز على نصهم شيئاً هو عنده في حكمه، وقد أجازت العرب مثله وإن كان عند مُخالفهِ ليس كذلك. فإن قال: إنما حذفتُ التاء وبقيتُ الهمزة لأني لو حذفتها لصرت إلى ما ليس مثله من الأبنية.

قيل: فالذي صرت إليه من تحريك ما بعد همزة الوصل وإقرار الهمزة مع ذلك أعظم في الخطأ. ألا ترى أنك لست واجداً لذلك نظيراً في شيء من كلامهم، وأنت لو حقرت على حذف الهمزة وإثبات التاء لصادفت له في أمثلة التحقير نظيراً، وليس يلزم أن تكون أمثلة التحقير على ما تكون عليه الأصول. ألا ترى أن النحويين حذفوا [في] نحو عُطىٌّ فلم يثبتوا لامه وحقروا [يُصيعٌ] وسفيرجٌ على حذف الأصل ولم يمتنع ذلك. فكذلك إقرار التاء من ذلك أسهل. ألا ترى أنه موضع تقع فيه الزوائد وأن الهمزة إنما لحقت للسكون، فإذا حرَّكت ما بعدها سقطت. واعلم أن من قال: "الحْمَرُ" فأثبت الهمزة مع حركة اللازم، فإن اللام وإن كانت متحركة فهي في نية السكون، فمن حيث أثبت الهمزة في قوله "الحمرُ" لزمه حذف الواو من "قالُ لانَ"، فعلى هذا قال: "قالَ

لاَنَ" بحذف الضمير وإن كانت اللام من "لاَنَ" متحركة كما أثبت همزة الوصل وإن كانت اللام متحركة فقياسه أن يقول في "مِلآنَ" "مِلاَنَ" فلا يرد النون المحذوفة لالتقاء الساكنين؛ لأن اللام في تقدير السكون في قوله. ألا تراه كيف أثبت همزة الوصل في "الحَمْرَ". ومن قال: لَحمرُ قال في "مِلآن": "منلان" ألا ترى أنه اعتد بحركة اللام ولم يجعلها في نية السكون، فيُبقى الهمزة كما فعل من قال "الحمر". فكما اعتد بحركتها في حذف الهمزة كذلك يعتد بها في رد النون من "مِنْ". وحذفت النون في ذا النحو لالتقاء الساكنين لِمُضارعتها الحروف اللينة. ومما حمل على قول من قال: "لحمرُ" فحذف الهمزة ولم يقدر باللام السكون ما أنشدنيه أحمد بن موسى بن مجاهد عن الكسائي:

1 - فقد كنتَ تُخفي حُب سمراء حقبةً ... فبُح لانَ منها بالذي أنت بائحُ ألا تراه أسكن الحاء قبلها ولم يحركها. ومن ذلك أيضاً قراءة أبي عمرو "وأنه أهلك عاد لولى" ألا تراه

مسألة 3

أدغم النون في اللام، والإدغام إنما يكون في المتحرك دون الساكن إلا في قول من قال "رُدَّ"، ولو كانت اللام عنده في تقدير السكون لحرك الساكن الأول، ولو حركه لامتنع الإدغام ألا ترى أن من قال "فَخِذٌ" لم يدغم نحو "وَندٌ"، فهذا أيضاً يدلك أنه قدر اللام غير ساكنة. فآ: "رُد" أدغم ساكن في ساكن، فلما التقى ساكنان حرك الثاني لملاقاته ساكناً. مسألة 3: قال أبو العباس: يذهب أبو عمر إلى أنه ما جاء في معنى لكذا لا يقوم مقام الفاعل، ولو قام مقام الفاعل لجاز سِيرَ عليه مخافةُ الشر، ولم يُجِز في ذا غيرُه، كما لا يجوز إلا دُخِلَ البيتُ، لأن معناه في البيت. فلما حذفت "في" رفعت، ولو جاز "سِيرَ به المخافةُ" لم يكن إلا رفعا.

قال الرياشي: فكأن مخافةً وما أشبهه لم يجيء [إلا] نكرة فأُخرج مُخرج ما لا يقوم مقام الفاعل نحو الحال [والتمييز ولو جاز] لما أشبه "مخافة الشر" أن يقوم مقام الفاعل لجاز "سِيرَ بزيدٍ راكبٌ" فأقمت "راكباً" مقام الفاعل. و"مخافة الشر" -وإن أضفته إلى معرفة بمنزلة مِثلِك وغيرك وضاربك غداً- نكرة. قال أبو العباس: أخطأ الرياشي في قوله: "مخافة الشر" ونحوه حال أقبح الخطأ وهو خلاف قول سيبويه لأن سيبويه يجعله معرفة، ونكرة إذا لم يضفه أو لم تدخله الألف واللام كمجراه في سائر الكلام، لأنه لا يكون حالاً. فآ: لم يمتنع "مخافة الشر" ونحوه من أن يقوم مقام الفاعل [أن]

التقدير فيه التنكير كالحال والتمييز-؛ لأنه يكون معرفة ونكرة. ألا ترى أن قوله: 2 - بنت عليه المُلك أطغابها ... كأسٌ رنوناةٌ وطرفٌ طِمر

..............

/54 ب "المُلكَ" فيه معرفة وهو مفعول له، وليس هو مما يجوز فيه تقدير [الفعل]، وكذلك قول رؤبة: 3 - وبأبي أن أُنسى الحريصا وقال الآخر: 4 - والهولَ من تهولِ الهبور

وإنما امتنع أن يقام مقام الفاعل؛ لأن انتصابه ليس كانتصاب المفعول به

إنما هو مفعول فهو علة للفعل وغرض له، فامتنع أن يقوم مقام الفاعل كما امتنع الظرف أن يقام مقام الفاعل وهو ظرف، وإنما يقام المفعول به مُقام الفاعل من حيث كان مع الفعل بمنزلة الفاعل معه. ألا ترى أن الفعل يبنى له كما يبنى للفاعل، ويضاف المصدر إلى المفعول به كما يضاف إلى الفاعل، ويضاف المصدر إلى المفعول به ولا يذكر الفاعل، كما يضاف إلى الفاعل ولا يذكر المفعول به، وليس المفعول له هكذا ولا ما أشبهه مما لم يقم مقام الفاعل. فلما لم يكن المفعول له في هذا كالمفعول به في هذه المناسبات وغيرها التي بينه وبين الفاعل لم يجز أن يقام المفعول له مقام الفاعل، كما جاز أن يقام المفعول به مقامه. فإن قلت: فهلا أجزت ذلك اتساعاً كما أجزت ذلك في الظرف وإن كانت اللام معه مرادة كما لم يمتنع إرادة "في" ونحوه في الظرف أن يقام مقام الفاعل إذا اتسع فيه فحذف حرف الظرف منه وجعل كالمفعول به في تعدي الفعل إليه على حد تعديه إلى المفعول به؟ قيل: الظرف يُتسع فيه بأن ينصب نصب المفعول به، فإذا نصب نصبه أقيم مقام الفاعل كما يقام المفعول به مقامه ولا يخرج في المعنى عن أن يكون ظرفاً. ألا ترى أنك إذا قلت "سِيرَ فرْسَخَانِ، أو سِيرَ يومُ الجمعةِ" علمت أنهما في المعنى ظرفان متسع فيهما كما أنك إذا قلت "زيدٌ ضربته" فابتدأته علم أنه في المعنى مفعول به وإن كان محدثاً عنه في اللفظ، وليس كذلك المفعول له، لأنك متى أقمته مُقامَ الفاعل خرج عن أن يكون مفعولاً له، ولم يكن عليه

دلالة؛ لأنه إنما يُعلمُ [كونه] مفعولاً له متى كان [فضلة] بعد الفاعل يُقدرُ وصول الفعل إليه باللام. وهذا المعنى يبطله كونه [نائب] فاعل وينافيه لو قلت: "أتى الإكرمُ" لم يُفهم عنك [أنك] أتيت أمراً من أجل الإكرام، بل يُفهمُ أنه فُعِل نفسُ الإكرام لا شيء غيرهُ من أجله. فلما كان كذلك لم يجز إقامته مقام الفاعل ولم يصح ذلك فيه. ومما يدلك على امتناع إقامة المفعول مقام الفاعل أنَّ "كيْ" على ضربين: أحدهما: أن تكون كاللام في قول من قال: "كيمهْ". والآخر: أن تكون كـ"أنْ"، وذلك على قياس قوله: (لكيلا تأسوا)، فمن قال هذا لم يقل: "أعجبني كي أضربك" كما تقول: "أعجبني أن أضربك"؛ لأن معناها أنها تجيء لعلة وهذا قول أبي عثمان. فإذا امتنع ما كان بمعنى المفعول له وإن لم يكن على لفظه؛ لأن اللفظ كـ"أنْ" فأن يمتنع ما كان مقدراً فيه اللام ومواداً به أجدر. ومما لا يجوز من المفعولات أن يقام مقام الفاعل المفعول معه نحو "استوى" الماء والخشبة"، وإنما لم يجز إقامته مقام الفاعل؛ لأن كونهُ مفعولاً معه

يُبطله قيامه مقام الفاعل، لأن كونه مفعولاً معه يقتضي أن يكون مع فاعل ليكون مفعولاً معه، فإذا أقمته مقام الفاعل لم يكن مفعولاً معه كما لا يكون الباب الأول مفعولاً له، ويمتنع إقامة هذا الاسم مقام الفاعل من وجه آخر، وهو أنه لا يخلو إذا أقمته مُقام الفاعل من أن تذكرَ الحرف الذي تدل به على أنه مفعول معه أو لا تذكره فإن أقمته مقام الفاعل ولم تذكر الحرف الذي يدل به على أنه مفعول معه لم يجز؛ لأن الاسم به يُدل على أنه مفعول معه فإذا لم تذكره لم يدُل على ذلك، وإن ذكرت الحرف أيضاً لم يجز، وذلك أن الحرف وإن لم يكن عاطفاً هنا فإنه يمتنع استعماله إلا على حد ما كان في العطف. ألا ترى أنه في هذا الموضع، وفي نحو قوله تعالى: (وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم) لا يقع إلا تابعاً لجملة أو مفرد كما لا يكون في العطف الصحيح إلا كذلك؟ وإذا كان كذلك لم يجز أن يُذكر الحرف معه في حال إقامتك إياه مُقام الفاعل. ومثل الواو في هذا الفاء في جواب "أما" ألا ترى أنها وإن كانت غير عاطفة فإنها لا تكون إلا تابعة على حد ما تكون في العطف. فلما كان إتباعهم إياها الحرف الذي قبلها يخرجها عما تكون عليه في العطف رُفِض ذلك فلم يُستعمل إلا بتقديم اسم أو شيء مما يقع بعدها قَبْلها ليكون اللفظ على ما ينبغي أن يكون عليه.

فمن حيث قدم الاسم في "أما" لإصلاح اللفظ رُفض إقامة المفعول معه مقام الفاعل ومعه الحرف الذي يستدل به على أنه مفعول معه. ومن الأفعال التي لا تبنى للمفعول به الأفعال الدالة على الزمان وحده نحو "كان" وبابِها. وإنما لم يقم [معها] مقام الفاعل؛ لأن أصل الكلام بها الابتداء والخبر. ألا ترى أنك تأتي فيه بالضمير المنفصل حيث يُقدرُ على المتصل كما كان ذلك في أصل الابتداء؟ فهذا مما يَدُلك أن [الحكم بها] حكم الابتداء وخبره، ومعناهما قائم، فلو بَنَيتَ الفعل للخبر لما ذكرت المبتدأ في اللفظ ولا في التقدير، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز في الخبر العاري مبتدؤه من كان [قال] وهذه علة أبي عثمان. فإن قلت: فهلا أجزته على من قال كُنتُه وليسهُ ونحو ذلك؟ فإن ذلك لا يجوز من حيث لم يجز زيد اليوم [وأنت إنما تقصد أن تسند إليه مثالاً من أمثلة الأفعال لا اسماً من أسماء الزمان]. ألا ترى أن الفعل هنا دال على الزمان وحده فالكلام لا يوازي "ضُرِبَ زيدُ"، لأنه يُنتقص منه دلالة الحدث.

مسألة 4

ولو قلت: كأن شأنُكَ القتال فبنيت الفعل للمفعول لم يجز أيضاً "كينَ القتالُ" لانتقاصه عن إحداث القتال. [والضمير] في أطنابها ضمير "كأس" لا ضمير "المُلْكِ، لأن الملك مذكر و"كأس" مؤنثة، و"ها" ضمير المؤنث. وإذا كان كذلك يم يجز أن يكون/ 55 أ "المُلكَ" مفعولاً به، و"أطنابها" بدلاً منه، وإذن لم يكن المُلكَ إلا مفعولاً له وأطنابها [مفعول به]. مسألة 4: فآ: "تَو أبانيان" عندي على قياس قول سيبويه "فوعلٌ" والتاء

بدل يدلك على ذلك أن أبا بكر حكى في تفسيره أنه الخِلفُ الصغير وإذا كان كذلك كان من "الوأبِ"؛ لأن الثديَ الصغير صُلبٌ متوترٌ، وذاك أن نزول اللبن فيه وارتضاع الفصيلِ منه لم يُرخِه فهو في أنه وُصِفَ بالصلافةِ مثل وصفهم الحافرَ به في قوله: 5 - بكلٍّ وأبٍ للحصى رضاح

مسألة 5

وقد قالوا: "حَوفزان" [و] في إملاء أبي بكر علينا "حوننانٌ" فهما "فوعلانُ" مثل "توأبانُ". مسألة 5: فآ: هيتآءٌ من الليل،

وطيماءُ، وميداءُ وسيناء فأما سعواءٌ من الليل فيحتمل عندي ضربين: يكون

كـ"عِلباء" الهمزة منقلبة من الياء، ويكون مثل "قِرواحٍ"، وهذا القول أعجب إليَّ نجعلهُ من باب "سعيٍ". ألا ترى أنه للمضي ولا أعرف سِعوا إلا أن يكون مقلوباً من الساعة، لأن عينها واو، قالوا: ساوعته. وأما "هيتاءٌ" فهو فِعلالٌ ملحق بسرداحٍ وليس كقسطاسٍ. ومن قال في ديكٍ: إنه يجوز أن يكون "فُعلاً" وأن يكون

"فِعلاً" فإنه لا يقول في هذا إلا أنه "فِعْلاَء". ألا ترى أن هذا في الثلاثة، فإذا زاد عليها لم يبدلوا، يدلك على ذلك قولهم: عُوططٌ وتعيطت الناقة، فقلبت الياء واواً، ولم تُبدِلْ من الضمة الكسرة كما أبدلت منها الكسرة في بيضٍ، فكذلك هيتاءٌ فعلاءٌ.

مسألة 6

وأما "ميداءٌ" فقد يكون "فيعالاً" من المدى، وإذا كان كذلك لم يكن إلا مصدراً كقوله: 6 - إذا ارتمى لم يدر ما ميداؤه أي انتهاؤه. وإن قدرته "فِعْلاَء" من ماد يميدُ إذا اضطرب وتقلب فمعناه لم يدر ما موضعُ تقلبه. مسألة 6: المُزاء: الخمر،

والطلاءُ: الدم. يحتمل المُزاء وجهين: يكون فُعالاً من المزية، وهو أمزى منه أي أفضلُ فيكون من المزية لأن [هذه الخمر كانت عندهم أرفع الأشربة]، وتكون كقوباء على وزن فُعلاء من قوله: "لقد سألت مزيزاً" أي عزيزاً فالمعنيان يتقاربان وإن اختلف اللفظان. أخبرني ابن دُريد قال: سأل صبي من العرب أباه درهماً، فقال له

أبوه لقد سألت مزيزاً، الدرهم عُشرُ العشرةِ والعشرةُ عُشرُ المائة، والمائةُ عُشرُ الألفِ، والألف عُشر الدية. والطلاء إن أخذته من الطلل كما يُقال جَسِدَ الدمُ فهو فعلاءٌ، وإن

مسألة 7

أخذته من طليت فهو فُعلالٌ. مسائل لعنترة مسألة 7: قول عنترة: 7 - ينباع من ذِفرى غضوبٍ جسرةٍ ... زَيافةٍ مثل الفنيق المكدم

الوجه أن تجعله ينفعلُ من قوله: 8 - ينبعن بواعاً كسرحان الغضا ومن مقلوبه: 9 - يبتعن بوع البائعين المهرة

ويكون بمنزلة انطلق في أنه استعمل بالزيادة، لأني لا أحفظ من هذا "فعل يفعل"، فإن كان قد استعمل "فعل" منه غير مُتعدٍ لم يقو هذا التأويل ألا ترى أن "انفعل" للمطاوع، فكما لا يكون لباب "خَرَجَ" ونحوه كذلك لا يكون من هذا. وإن جعلت المدة زائدةً على "ينبعُ" فإن هذا في "يفعل" نظيرُ الواو في "يفعلُ" وقد أُنشدنا عن ابن الجهم عن الفراء شعراً فيه: 10 - (فأنظور)

يريد أنظر، وهذا قليل ضعيف. ألا ترى أنك لو سميت بـ"أنظورٍ" ونحوه رجلاً لكانت هذه المدة مُخرجةً له من شبه الفعل، ولكان القياس أن تصرف ما يخرجُ بهذه المدات عن شبه الفعل ووزنه إذا لم يكن فيه شيء آخر غير التعريف. ولعنترة أيضاً: 11 - وكأن ريا فارةٌ هنديةٌ ... سبقت عوارضها إليك من الفم

مسألة 8

"إليك" متعلق بالفعل و [من] الفم كذلك أيضاً أي سبقت الريا عوارض المرأة إليك من فمها أي فم المرأة. مسألة 8: ولعنترة أيضاً: 12 - وكأنما ينأى بجانب دفها الـ ... وحشيِّ من هزج العشيِّ مؤوم هِرٌّ خبيبٌ كلما عطفت له ... غضبى اتقاها باليدين وبالفم

"هرٌّ" لأنه فاعل ينأى"، ومن رواه "هرّ" فجرَّهُ كان على "هزج"، ويكون موضع الجار والمجرور رفعاً فاعلاً على مذهب أبي الحسن والكسائي. ولا يجوز على قول سيبويه إلا أن يجعل محذوفاً موصوفاً كما تأولوا (ومن آياته يُريكم البرق) (من الذين هادوا يُحرفون الكلم) وذا النحو فإنه يستقيم على هذا. ولعنترة أيضاً: 14 - هل تُبلغني دارها شد نيةٌ ... لُعنت بمحروم الشراب مصرم

قال "لُعنت" دعاءٌ عليها فيكون الجار على هذا متصلاً على ما أراه الساعة بـ"تُبلغني" ويكون "بمحروم الشراب"/55 ب هي الشد نية. والمعنى هل تُبلغني محروم الشراب، أي حرم صاحبها لبنها لحيالها فيكون ذلك أقوى لها، وهو على تأويلنا هذا من باب (لهم فيها دار الخلد) و: 15 - يأبى الظلامة منه النوفل الزفر

مسألة 9

مسألة 9: لبيد. 16 - وصبوحصافيةٍ وجذب كرينةٍ ... بمؤثرٍ تأتاله إبهامها

قيل تأتاله: تُصلحه، ويقال تأتاله: تعطفه. وعليه الذي تحتمله القسمة في ذلك ثلاثة أوجهٍ: أحدها تأتاله من أول الذي هو السياسة "تفتعلُ" منه أي ترجعُ إليه إبهامها إذا زال عنها وتعودُ، ومن هذا التأويل، وتأول الآية إنما هو أن يرجع بلفظةٍ إلى معنى يراه تحتمله. وإن كانت اللام جارةً في "له" فليس من هذا، ولكن "تأتأ" يحتمل أن يكون "تفتعل" من "أوى يأوي من "آوى إلى الصخرة". 17 - ويأوى إلى نسوةٍ فإذا كان كذلك كان القياس تصحيح العين لإعلال اللام، ولأنه

لا يتوالى علتان. ألا ترى أن باب حييت وقويت ونحو هذا تصح العين فيه ولا تعتل إلا أنه قد يُمكن أن يكون الحذف لَحِقَ اللام لطولها بالزيادة وتكرر حروف العلة فيها. وكان ذلك غير بعيد، إذ قد جاء "حاش لله" فلما لحق الحذف [كما لحق الحذف] اللام في هذا الفعل صارت العين طرفاً فجرى عليها ما كان يجري على الكلمة قبل الحذف؛ إذ صارت في موضعها. ألا ترى أن "لم يكُ" جرى بعد الحذف مجرى ما لم يُحذف منه شيء. فكما لم يُعتد بالحركة المحذوفة من النون لما حذفت النون كذلك لم يُعتد هنا بحذف اللام لما أُعِلَّ العينُ، وكذلك "لم أُبل" لم يُعتد بحذف اللام منها لما قالوا: "لم أُبل" فحذفوا الساكن الأول. وأكد ذلك - نعني الخليلُ- بقولهم لم أُبله فلم يَرُد المحذوف مع حركة اللام التي هي عينٌ، ووطأ ذلك أيضاً له ما تراه في الأسماء من أنه إذا حُذفت اللام جرى على العين ما كان يجري على اللام، وهذا في الأسماء كثيرٌ.

ولِفشو ذلك في باب جواز اجتماع العلتين رأى من رأى أن "شاءَ" اللام فيه منقلبة من الهآء، وقد أعِلَّت العين أيضاً. وهذا وإن كان على هذا فإني أختار قول الخليل في "جاء" أنه مقلوبٌ؛ لأنه لا ينبغي أن يتوالى علتان على الكلمة. على هذا الشائع والأمر العام. و"تأتا" في هذا البيت في قول مَنْ ذهب في "شاء" إلى ما ذكرنا لا يقوى عندنا.

مسألة 10

فإن قلت: فهل تكون "تأتا" من "تأتي" على من يقول: رُضى؟ فإن ذلك إن قيل على أن المعنى تأتي إبهامها للإيقاع والضرب ثم أبدل. فإن قاس أهل هذه اللغة المضارع على الماضي فهو قياس، وإن تركوا القياس لئلا تلتبس بباب "يخشى" فهو وجه، وإن جعلوه مثل أبى يأبى فهو وجهٌ، فإن رويَ "تأتي" غير مهموزٍ كان غير دافع لتأويلنا؛ لأنه يكون على تخفيف الهمزة. مسألة 10: ينبغي أن يُلحق بباب الياءات التي في أواخر الكلمة يعني في الكتاب:

قال أبو عبيد القاسم: رجل أتيٌّ وأتاويٌّ للغريب، وسيلٌ أتيٌّ إذا جاء من أرضٍ مُطِر فيها إلى أرضٍ لم يُمطر فيها. قال أبو علي أيده الله: القول فيه عندي أنه من الإتيان. ألا ترى الغريب قد أتى غير أهله وأرضه، وكذلك السيلُ. فأما أتاويٌّ فهو "فعاليٌّ" من "أتيتُ"، وهو مثل أتيّ في المعنى إلا أن ياء فعيل أُبدل منها الألف فَغُير الآخر بالإبدال كما غُير به في "عدويٍّ" ونحوه. وإبدالُ الألف من الياء كإبدالهم لها من طيء طائيٍّ، وكان ذلك حسناً إذ قد أُبدل من العين في قولهم إلى الحيرة: حاريٌّ. وأتاويّ كقنسريٍّ وأحوذيٍّ وأحوريٍّ ونحو ذلك في

أن الزيادة زيادةٌ فقط لا معنى للنسب فيها، وفي أنها زيادةٌ في وصف مثل أحمريٍّ وضاويٍّ، وهو مثلُ حواريٍّ في الصفة والزيادة والأصول. ومما يؤكد الحذف في هذا الباب وصحته هذا البيتُ الذي أنشده الأصمعي عن أبي عمرو: 18 - لو أنني كُنت من عادٍ ومن إرمٍ ... غُذيَّ بَهْمٍ ولُقماناً وذا جدنِ

فـ"غُذي" تحقير غَذِيّ، وهو صغار البهم، وجمعها غذاءٌ. فأما إبدالهم الياء التي هي لامٌ واواً في "أتاويّ" فعلى ما جاء في أحد الأقوال في رايةٍ وآيةٍ.

فإن قلت: أيجوز التصحيح في "أتاويّ" في القياس عندك كما جاء "آييّ" بتصحيح الياء؟ فإن ذلك لا يجوز كما جاز في باب "آية" وذلك/ 55 أمكررة غير مرقمة؛ لأن الحرف بوقوعه بعد الألف الزائدة أدخل في الاعتلال. ألا تراهم قالوا: "أئيٌّ" فصححوا مع حذف التاء، وأقروها، وليست واحداً مثل ذلك في باب سقايةٍ وعبايةٍ فكذلك لا ينبغي تصحيحُ هذا وإن صُحِّحَ آييٌّ. وباب الإضافة نفسه لا نعلم أنه جاء فيه من نحو عبايةٍ إلا مبدلاً ياؤه واواً أو مهموزاً فكذلك هذا الحرف.

مسألة 11

مسألة 11: أنشد الأصمعي عن ابن أبي طرفة: 19 - يُصيبُ الفريص وصدقاً يَقُو ... لُ مرحى وإيحى إذا ما يوالي قال أبو علي - أيده الله - "مرحى" يُقالُ لمن أصاب الهَدَفَ

مسألة 12

و"إيحى" يُقال لمن أخطأ الهدف، والألِفان فيهما للتأنيث، يَدُل على ذلك تركُ صرفِهما ولا أعرف في الكلام "أيخَ". مسألة 12: أنشد الفراء هذا البيت: 20 - إذا ما خرجنا قال وِلدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتينا الصيد نحطِبِ وأنشده أبو بكر عن الأصمعي - أحسب-: إذا ما غدونا قال ولِدَان أهلنا ... هَلُم إلى أن يأتي الصيد نحطب وإنشاد الفراء خطأٌ فاحشٌ لأنه جزم بـ"أن".

مسألة 13

مسألة 13: ابن مقبل: 21 - إذا واجهت وجه الطريق تيممت ... صحاح الطريق عِزةً أن تسهلاً أبو بكر "صِحاح الطريق" شدته. أبو علي - أيده الله- "عزَّةً أن تسهلاً" أي تعز عن أن تسهلا، فلما حذف وصل الفعل فعمل وذلك يُنبئ عن قوته واضطلاعه بالمشي وسهولته عليه، وهذا خلاف قوله:

مسألة 14

22 - (وخال السهولة وعثا وعوراً) مسألة 14: قرقٌ وقَرقُوسٌ، وسبطٌ، وسِبطرٌ، وأخبرنا ابن دُريدٍ: أرضٌ دَمِثٌ، وَدِمثْرةٌ، وثُعالةٌ وثعلبٌ.

مسألة 15

فأما ما أخبرنا ابنُ دُريدٍ عن العُكلي عن الحرمازي: تاجرٌ ضياطٌ وضيطارٌ - إذا كان لا يبرح مكانه- فليس من هذا؛ لأن العين من ضياطٍ حرف علة، ومن ضيطار طاءوهما ثلاثيان، وما تقدم ثلاثي ورباعي بمعنى واحد. مسألة 15: يعقوب: الرويةُ من روأتُ في الأمر. وحُكي عن الفراء: البريةُ من برأ الله الخلقَ، وتكون من [البرى] وهو التراب، وأنشد:

مسألة 16

23 - (بِفِيكَ من سار ٍإلى القومِ البرا). مسألة 16: ثعلب: 24 - ليَ كل يومٍ من ذؤاله .. ضِغثٌ يزيدُ على إباله الإبالة: ملء جمعٍ من حطب.

أبو علي أيده الله: وأنشد ابن دُريد: 25 - ردت عواري غيطان الفلا ونحت ... بمثل إيبالةٍ من حائل العشر إن قلت: هو فيعالةٌ أو إفعالةٌ؟ وكيف هو من إبالةٍ؟

قلنا: فِيعالٌ لا يكون إلا في المصادر. ألا ترى قول سيبويه: في الزيزاء والقيقاء. فإن قلت: فقد حكى ثعلبٌ ريبالٌ: الأسد، وقال: لا يُهمز فالقول فيه أن ذلك مسمىًّ بالصدر مثل العدل. فأما إيبالةٌ فهو عندي إفعالةٌ مثل إضمامةٍ وإضبارةٍ.

ألا ترى الموافقة في المعنى بين هذه الكلم، وفي شعر ذي الرمة: 26 - إنظامةٌ فـ"إبالةٌ": "فِعالةٌ" و"إيبالةٌ": "إفعالةٌ" كما ذكرتُ لك. و"أيُبليٌّ" في شعر الأعشى:

27 - وما أيبليٌّ على هيكلٍ ... بناه وصلَّب فيه وصارا أي عمل فيه صورة. لا يخلو "أيبُليٌّ" من أن يكون اسماً معرَّباً أو عربياً وزنه "أفعليٌّ" أو "فيُعليٌّ" فإن كان مُعرباً فهو وجهٌ، وإن كان على "أفعليٍّ" فهو خارجٌ عن أمثلتهم. فأما آنكٌ فنادرٌ وأما أسنمةٌ فاسمٌ علمٌ.

مسألة 17

ولو قيل: هو "أفعليٌّ" ولكنه جاز؛ لأن فيه ياءي النسب، وهما يُشبهان هاء التأنيث بدلالة زنجيٍ وزنجٍ، وروميٍّ ورومٍ - وقد جاء في هاء التأنيث مفعلةٌ، وليس في الأصول مفعل، فكذلك يجوز أفعليٌّ وإن لم يكن في الأصول أفعلٌ- لكان وجهاً. وإن كان "فيعليٌّ" من أبلت الإبلُ إذا استغنت بالرطب عن الماء، فيكون الموضع سُمِّيَ بذلك؛ لاستغناء صاحبه عن غيره من المواضع، ويكون مسمى بـ"أفعلي"، لاجتماعه وانضمامه. مسألة 17: قول الأعشى: 28 - (فاذهبي ما إليك أدركني الحلمُ)

مسألة 18

"ما" صلة ألا تراهم يقولون: اذهب إليك كما يقولون: اذْهَبْ اذْهَبْ، فهذا اسم سميَ به الفعلُ، وليس له متعلق بـ"ما" المذكورة في الكلام مثل: اسكتْ صه./ 55 ب- مكررة غير مرقمة. (مسائل ثعلب) مسألة 18: ثعلب يقال للفأس: الحدثان. قال أبو علي أيده الله: هذا سُمي بهذا لما يُفعل به من ذلك، وهذا نظير تسميتهم الأسد ريبالا في أنه مصدرٌ سُمي به، يقال: "تَريْبَلَ". وقال ثعلبٌ أيضاً: قولهم "مَعْدِ يكرِبَ" مثل "أبيت اللعن" أي عداك الكربُ.

قال أبو علي - أيده الله- هذا التفسير يجري في لغة من أضاف، فأما في لغة من جعلهما اسماً واحداً فلا وجه له فيكون "مَعْدِي" مصدراً من "عدا يعدو"، وكالمطلع من "طلع يطلع"، ويكون مضافاً إلى المفعول كـ"سؤالِ نعجتك"، ويكون "الكربِ" هو الكربُ لغةً. وقال ثعلب أيضاً: اللوقة الرطب بالسمن. قال أبو علي أيده الله: في الحديث "إلا ما لُوق لي". وأنشد قاسم: 29 - (حديثُك أشهى عندنا من ألوقةٍ).

فـ"ألوقةٌ" "فعولةٌ" من تألق البرق أي ثريدةٌ مبرقةٌ بالإهالةِ لأنهم يقولون: برَّقتُ الثريدة إذا صببت فيها زيتاً. فهذا القول عندي، وهي على تفسير "قاسم" "أفعلةٌ"، ولا ينبغي أن تُحمل على هذا، ولا تُجعلُ من باب لوقٍ. ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يعتل كما لم يعتل "تدروةٌ" ونحوه؛ لكونه على بناء الفعل والحاجة إلى الفصل، ولا يكون مثل "يزيدَ"؛ لأن ذلك نُقل من الفعل؛ لأنه علمٌ وليست هي كذلك.

فإن قلت: فالهاء تفصله من الفعل فتكون بمنزلة الميم أولاً. فإن الهاء لم يُنزلوها هكذا ألا تراها في "تدروةٍ" ثابتة والكلمة مُصححةٌ. على أنك لو نزلت ذلك بمنزلة الميم وما يفصلُ لكان ينبغي ألا يُحمل على هذا؛ لقلةِ هذا المثال ألا ترى أن "آنُكَ" لا معتبر به أي لا يُقاس عليه وأن "أسنُمةً" اسمٌ علمٌ؛ لأنه اسمُ موضعٍ بعينه، والأعلام تأتي مخالفةً. فهذا لا يكون إلا من باب "تألق فعولةٌ" منه مثل حمولةٍ ونحوه. وقد حكاهما ثعلبٌ فيما مر بي من أماليه عن اللحياني من نوادره: "أعني لوقةً وألوقةً"، ولم يُحسن القاسم في ذكر ذلك مع لوقٍ. وقال ثعلبٌ أيضاً: هررتُ الشيء أهرهُ - لا غير-: كرهتهُ. قال أبو علي - أيده الله-: روى محمد بن يزيد: وأهره.

مسألة 19

وقال ثعلب أيضاً: حَمِيَ الوطيس. ابن الأعرابي: الدق: يعني دق الخيل الأرض بأرجلها عن العرب وقال غيره: شُبه بالتنور. وقال ثعلبٌ أيضاً: سِعواءٌ من الليل. مسألة 19: قال أبو علي - أيده الله- قولهم للجنونِ: أولقٌ هو من باب تألق البرقُ إذا لمع، وإنما شُبه التنور الذي يكون فيه وفرط الحركة بما هو نارٌ، أو كالنار في سرعة الحركة وقلة الأناة والتثبت.

ومن ثم قال أبو عبيدة أو غيره في قوله "في ضلالٍ وسُعرٍ": إنه جنون. وقيل: ناقةٌ مسعورةٌ كأنه أيضاً أُخِذَ من السعير لسرعة الحركةِ وكثرتها وقلة الهدوء. وقال ثعلبٌ أيضاً: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله): استثنى وهو يعلم ليعلمنا الاستثناء. قال أبو علي: حسنٌ. وقال ثعلبٌ أيضاً في إسنادٍ له عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: لا يُدرك العلم براحةِ الجسم.

مسألة 20

(من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها) المجازاة خيرٌ منها إن له بها عشراً. مسألة 20: قال: أبو علي- أيده الله-: "أجمعون" من حيثُ لم يكن إلا تابعاً جاز حمله على المضمرِ المرفوع وغيره بلا تأكيد، ولم يكن مثل النفس؛ لأنه لما أن لم يكن إلا تابعاً صار دلالةً على أن في الكلام محمولاً هذا عليه، فصارت هذه الدلالة تُغني عن إظهار الاسم، وبدلاً منه، وتُميزه من الالتباس بالفعل كما يميزه التأكيد مع النفس. مسألة 21: قال أبو علي أيده الله: علمتُ أزيدٌ منطلقٌ لا يجوز أن تعمل "علمتُ" في "زيدٍ" وقد فصل الاستفهام؛ وذلك أنه لو عَمِلَ فيه لصار متعلقاً به

ومتصلاً، ولو اتصل به لخرج من حيز الاستفهام، ولا يجوز خروجه من الاستفهام؛ لوقوع حَرْفِهِ قبلهُ، وما وقع قبله دخل في حيزه فلو أعملته فيه لصار استفهاماً. [قال أبو علي أيده الله: أما قول سيبويه في: "دجاجة"، و"ثلاثين"، و"بروكاء" و"جداران" فهو صحيح، وليس اعتراض أبي العباس بشيء، وفصله بين "بروكاء" اسم رجل، وبين دجاجة] 56 أاسم رجل وبينهما غير اسم رجل بيِّنٌ، وذلك أنه إذا لم يُسمِّ بشيء منها رجلٌ فالاسم غير لازمةٍ له الزيادة فتحقر الصدر ثم تضم إليه ما تضم، وإذا سميت به شيئاً فالزيادة لازمةٌ ثابتةٌ مُعتدٌ بها غيرُ مفارقةٍ؛ لأن التسمية تحظر ذلك وتسجله، فإذا كان كذلك لزم الاعتداد بها. ويدلك على وجوب الاعتداد بها أنك تصرفُ "قائمةً" نكرة، ولو سميت بـ"طلحة" لم تصرف، لأ، هـ يلزمك لمكان التسمية

الاعتداد بالتاء للزومها فكما لزمك الاعتداد بها فصار لا ينصرفُ عند جميع الناس كذلك لزمك الاعتداد بها في التحقير، وإذا لزمك الاعتدادُ بها حذفت الزوائد الأخرى؛ لأنها أولى بالحذف. وأما "جداران" اسمُ رجل فتقول: جُديران فتحذف الزيادة، وليس هو في التسمية مثله في غير التسمية، لأنَّ علامة التثنية في التسمية يلزم الاعتداد بالتاء، وليس كذلك قبلَ التسمية كما أن التاء قبل التسمية ليست كذلك، ولا يجوز أن تحكي "جداراً" في الواحد إذا سميت بـ"جدارين" كما تحكي التثنية؛ لأنك إذا سميت بتثنيةٍ لزمك حكايتها كما أنك إذا سميت بمؤنثٍ لزمك حكايته، فإن لم تحك الاسم فقد حرفت. ألا ترى أنك إذا سميت بتثنيةٍ فجعلته واحداً كنت محرفاً. وليس كذلك ألِفُ "فِعالٍ" في "جدارين"؛ لأنه لما لزم الاعتداد بعلامة التثنية في التسمية به صارت الزيادة التي في "جدارٍ" قبل التسمية بمنزلة زيادةٍ في جملة الاسم وجب حذفها، ليصير الاسم بحذفها إلى مثال ما يكون عليه التحقير وليس كذلك إذا لم يُسم به. فأما "ثلاثون" فهو في غير التسمية به مثله في حال التسمية. ألا ترى أن الاسم إنما هو بالواو والنون وليس ينفردُ، وإنما المجموع اسمٌ للعدد

ولا يجوز لك أن تقدِّر فيه الانفصال، فلما كان كذلك صار في حال النكرة مثلهُ إذا سميت به شيئاً.

مسألة 22

مسألة 22: قال امرؤ القيس: 30 - ولما بدا حورانُ والآلُ دونه ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً

قال أبو علي أيده الله: كأنه قال: نظرت فلم تر؛ لحجز الآل عن إدراك الأشخاص ألا تراهم يُشبِّهون الأشخاص فيه بالغرقى في المال قال: 31 - ترى شبح الأعلام فيها كأنها ... مُغرقةٌ في ذي غوارب مزبد فإن قيل: ما تُنكرُ من أن يكون أراد نظرت فلم تنظر، كما تقول: تكلمت ولم تتكلم، كأنه قال: لم تنظر نظراً كثيراً. قيل الذي يمنع من هذا قوله: منظراً وذكره المصدر. ألا ترى أنه لا يحسُنُ أن تؤكد إذا أردت تقليله وانتفاءه. فإن قلت: فَلِمَ لا يكون "منظراً" مفعولاً كما تقول: هذا منظرٌ حسنٌ تريدُ المنظور إليه دون المصدر والحدث؟ قيل: المنظر في الأصل إنما هو المصدر. ألا ترى أنه على "مَفْعَل"، والفعل على "فَعَلَ يَفْعُل"، وقولهم "منظراً" في: رأيت منظراً حسناً لا يمتنع أن يكون أراد به أيضاً المصدر، فيكون المصدر قد أقيم مقام المفعول به كقولهم: الخلق ونسج اليمن. فإن قيل: ما تُنكرُ من أن يكون المصدر في هذا البيت أيضاً قد

أُقيم مقام المفعول فلا يكون مؤكداً، وإذا لم يكن مؤكداً ساغ التأويل الذي كرهته، وأيضاً فإنه إذا كان المضارع على "يفعلُ" فالمصدر والمكان "مفعلٌ"؛ لأنه ليس "مَفْعُلُ" فيأتي عليه، و"مَفْعِل" استُثقل فيه قيل. /56 ب أنشد لطفيل: 32 - وما أنا بالمستنكر البين إنني ... بذي لطف الجيران قِدماً مُصدِّعُ كقوله: 33 - جديرٌ بهم من كلِّ حيٍ ألفته ... إذا أنسٌ عزوا عليَّ تصدعوا

وأنشد ابن دريد: 34 - تقول عِرميِ وهي لي في عومره ... بئس امرأً وإنني بئس المره العومرةُ: اختلاطُ الصوتِ وضجتهم. قال: القسور: -زعموا- الأسد، وقال قوم: الصائدُ: القسورة. وقال ابن دُريد في "الرحمنِ": هذا اسمٌ لم يُعرف في الجاهلية، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله "الرحمن" قالت قريشٌ: أتدرون ما الرحمن الذي يذكره محمد؟ هو كاهن باليمامة، فأنزل الله تعالى (ولقد

نعلم أنهم يقولون إنما يُعَلِّمُهُ بشرٌ لسانُ الذي يُلحدون إليه أعجميٌ وهذا لسانٌ عربيٌ مبينٌ). وقال بعد ذلك: وقد سموا في الجاهلية عبد الرحمن بن عامر بن عتوارة من بني كنانة، وأبو عبد الرحمن الأنصاري معروف. وأنشد قوم للشنفري: 35 - ألا لطمت تلك الفتاة هجينها ... ألا بتر الرحمن ربي يمينها قال هذا في الاشتقاق وقد كنت كتبته إملاء عنه.

قال أبو علي أيده الله: أنشدنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش قال: أنشدنا أبو العباس ثعلبُ قال أبو الحسن: وأخبرني بها الأحول يروي عن رجل عن أبي عبيدة وأنشد فيها أبي قال يزيد بن الحكم بن أبي العاصي

الثقفي لأخيه من أبيه وأمه عبد ربه بن الحكم. 36 - تُكاشرني كرهاً كأنك ناصحٌ ... وعينُك تُبدي أن صدرك لي دوي 37 - لسانُك لي أريٌ وعينُك علقمٌ ... وشرُّك مبسوطٌ وخيرك ملتوي 38 - تقاوض من أطوي طوي الكشح دونه ... ومن دونِ من صافيته أنت منطوي

39 - تصافح من لاقيت لي ذا عداوةٍ ... صفاحاً وعني بينُ عينك مُنزوي 40 - أراك إذا استغنيت عنا هجرتنا ... وأنت إلينا عند فقرك منضوي 41 - إليك انعوى نُصحي ومالي كلاهما ... ولست إلى نُصحي ومالي بمنعوي 42 - أراك إذا لم أهوَ أمراً هويته ... ولست لما أهوى من الأمر بالهوى 43 - أراك اجتويت الخير مني واجتوى ... أذاك فكلٌّ مجتوٍ قُرب مجتوي

44 - فليت كفافاً كان خيرُك كله ... وشرُّك عني ما ارتوى الماء مرتوي 45 - لعلك أن تنأى بأرضك نيةٌ ... وإلا فإني غير أرضِكَ منتوي 46 - وما لك من بُنيان خيرٍ بنيته ... وعندك خيرُ المبتنين .....

47 - فمالك من قربي ولا صدق خُلةٍ ... وإن أنت ضاهيت الصفا لي بمضهوي 48 - تبدَّل خليلاً بي كشكلك شكله ... فإني خليلاً صالحاً بك مقتوي قال أبو العباس: المقتوي من الخدمة، والمقتيُّ الذي تزوج امرأة أبيه، وهو الضيزن أيضاً، والمقتي من المَقْتِ:

49 - فلم يغوني ربي فكيف اصطحابنا ... ورأسك في الأغوى من الغي منغوي 50 - عدوك يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت عدوي ليس ذلك بمستوي 51 - وكم موطنٍ لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قُلة النيق منهوي 52 - نداك عن المولى ونصرُك عاتمٌ ... وأنت له بالظلم والغمر مختوي

53 - تودُّ له لو ناله نابُ حيةٍ ... ربيبِ صفاةٍ بين لِهبين منحوي اللهب واللصب: ألشق في الجبل، والمنحوي المجتمع: 54 - إذا ما بنى المجد ابن عمك لم تُعن ... وقلت ألا ليت بُنيانه خوى 55 - كأنك إن قيل ابن عمك غائمٌ ... شجٍ أو عميدٌ أو أخو مغلةٍ لوي

المغلة: علة تكون في الجوف: 56 - تملأت من غيظٍ عليَّ فلم يزل ... بك الغيظُ حتى كدت في الغيظ تنشوي يروي حتى كاد قلبك ينشوي. 57 - فما برحت نفسٌ حسودٌ حشيتها ... تذيبك حتى قيل هل أنت مكتوي 58 - وقال النطاسيون إنك مُشعرٌ ... سلالاً ألا بل أنت من حسدٍ جوي

59 - فديت امرأ لم يدو للنأي عهده ... وعهدك من قَبْلِ التنائي هو الدوي 60 - جمعت وفُحشاً غيبةً ونميمةً ... خلالاً ثلاثاً لست عنها بمرعوي 61 - أفحشاً وخبّاً واختناءً عن الندى ... كأنك أحجي كديةٍ فرَّ محجوي

62 - فيدحو بك الداحي إلى كل سوأةٍ ... فياشر من يدحو بأطيش مدحوي 63 - أتجمع تسآل الأخلاء مالهم ... ومالك من دون الأخلاء تحتوي 64 - بدا منك غشٌّ طالما قد كتمته ... كما كتمت داء ابنها أمُّ مدوي

مسألة 23

مسألة 23: قال أبو عمر: ما كان أحسن زيداً: في "كان" ضميرُ "ما" وأحسن في موضع الخبر. قال أبو علي أيده الله: هذا القول فاسدٌ وقد قال بعض العرب في التعجب: "ما أحسني" فحذف النون بمعنى التي في "أحسنني"، قال: وفَعَلَ ذلك حيث أشبه الاسم من/ 57 أساكن فلا يكون أن يلتقي ساكنان. قال أبو علي أيده الله: فإن قال قائل: إذا كانت الألف في "حُبارى"

للتأنيث علامةً ودلالةً على معنى، والألف الأولى لغير معنىً، فهلا لم يجز حذفُ الآخرة وأُلزم الحذف الأولى كما أن الميم في "مُغتسل" لما كانت لمعنى أُبتت وأُلزم الحذف التاء؟ قيل: إنها وإن كانت لِمَعنىً فقد تنزلت منزلة الزيادة لغير معنىً. ألا ترى أنهم حيث كسروا "قرقري" حذفوها، كما أنهم حيث أضافوا إليها حذفوها ولم يُقروها، فلما غلب عليها شبه الزيادة التي ليست لمعنى في هذين الموضعين بأن حذفت كما حذفت الزيادة لغير معنىً، وأُجري الأصل فيه أيضاً مجرى الزائد بدلالةِ حذفهم لها كحذفهم الزيادة من [مُرامي] في الإضافة جاز أيضاً معادلتها بالزيادة التي ليست

مسألة 24

لمعنىً في أن تكون في حذفها وإثباتها بالخيار. وإن قلت: إنه وإن كان كذلك فهي إذا أُثبتت كان أحسن؛ لأنها تدل على معنى. فهو قول، وقد قاله سيبويه: وإنما عدل أبو عمرو بن العلاء إلى "حبيرةٍ" فأبدل الياء حيث لم يجز له أن يُبت الألف؛ لأنها تسقط هنا كما تسقط في تحقير "قرقري" وتكسيرها، فلما كانت تقعُ في موضعٍ تسقط فيه ولا تثبت أوقع موقعها الهاء؛ لأنها كالاسم الثاني المضموم إلى الأول، فدل على التأنيث كدلالة الألف، ولم يمتنع ثباتها كما امتنع ثباتُ الألف. مسألة 24: في نسخةٍ قال أبو العباس: النحويون يجعلون ألف "عِرَضْني" للتأنيث، فعلى هذا يلزمُ حذفها دون النون، قال: وحكى أبو عثمان

مسألة 25

عن أبي زيدٍ "عِرَضْنَاةٌ" جعلها مُلحقةً فعلى هذا تكون بالخيار في الحذف. مسألة 25: قال أبو علي أيده الله: "مُقعنسٌ" تقول: مُقيعسٌ، فإن قال أبو العباس أحذفُ الميم كما أقول حُريجمٌ؛ لأنه ملحقٌ بالأصل، والملحقُ بمنزلة الأصل فكما لا أحذف الأصل كذلك لا أحذف المُلحق به. قيل: هذا لا يوجب أن يُلحق من أجله بالأصول لأن الملحق وإن كان مُلحقاً بالأصل فليس يُخرجه هذا عن أن يكون

مسألة 26

زائداً في الأطراف خاصة وأن يجري عليها حكم الزيادة يدُلك على ذلك أنه لا تصرفُ "أرطى" اسم رجل كما لا تصرف "علقي" اسماً له، فلو كان هذا كالأصل لصرفته كما تصرف جعفراً، فكما لم يجرِ مجرى الأصل هنا كذلك لا يجري مجراهُ في أن يثبت كما يثبت الأصل، وتحذفُ الزيادة التي للمعنى من أجله. ومما يقوي ترك الحذف أنه لما وقع طرفاً لاماً، ولم يكن من نفس الكلمة كان بمنزلة الراء من "محمر" في أنها زيادةٌ وفي أنها طرفٌ، فكما لا يُحذفُ إلا إحدى الراءين من "مُحمر" ويبقى الميم كذلك لا يُحذفُ إلا الزائد في "مقعنسٍ" دون الميم. مسألة 26: "دمكمكٌ" لابد من أن تحذف منه حرفاً في التحقير،

والمحذوف لا يخلو من أن يكون إحدى الميمين أو إحدى الكافين، فإن حُذفت الكاف التي هي طرف لم يستقم؛ لأنه لا ينفصل من الأربعة الأصول التي تكرر فيها حرفٌ أصلٌ نحو "صهصلقٌ" ودردبيسٌ، وإن حذفت الميم التي تليها لم يجز أيضاً؛ لأنه تصيرُ إلى أنك كأنك

حَقَّرت ملحقا كررت اللام فيه للإلحاق، وليس هذا التكرير اللاحق للعين واللام بإلحاق، وقد نص على ذلك سيبويه وهو الصحيح. ألا ترى أن فيه [سرطراطًا]، وليس في الكلام سفر جال، ومثل جلعلعٍ وليس في الكلام مثله. فإذا كانت الزيادة لغير الإلحاق، وهذا التحقير يجعلها بمنزلة ما للإلحاق لم يجز، فإذا امتنع هذان ثبت أن الجائز حذف الكاف الأولى. ألا ترى أنك إذا حذفتها بقيت العينان ملتقيتين، وعلمت أنه لغير الإلحاق كما كان في مكبره كذلك؛ لأن العين الأغلب عليها أنها لا تكرر للإلحاق إلا أن يفصل بينهما حرف نحو: "عقنقل" و"عثوثل". فإذا كان كذلك كان حذف هذه أولى؛ لتدل الكلمة على أنها

مسألة 27

من الثلاثة غير الملحقة، ولا يلتبس بالأربعة الأصول المكرر فيها حرف أصل ولا بالثلاثة التي قد بلغت الأربعة للإلحاق. مسألة 27: "أرندج" تحذف النون في تحقيره لعلمك أنها زائدة بدلالة لحاق الهمزة، والهمزة لا تلحق بنات الأربعة. فإن قلت: إذا كانتا زائدتين فلا أجزت حذف الهمزة فقلت رنيدج؟ قيل: لما كانت الهمزة أولاً كالميم أولا في باب كثرة كونها زيادةً، وفي باب أنها قد تقع دالة على المعنى كما تدل الميم لم تحذف الهمزة معها كما أنها لو كانت مع ميم لم تحذف الميم معها. وكان حذف النون أولى؛ لأنها ثالثة ساكنة فقد وقعت في موقع ألف مبارك. ألا ترى أنها تعاقب الألف في هذا الموضع نحو شر نبثٍ وشرابثٍ، وجر نفسٍ وجرافسٍ فلم يجز حذف الهمزة معها لهذا.

وكذلك القول في "ألندد" تحذفها دون الهمزة. فإن قلت: فهلا لم تدغم كما لم تدغمه قبل ان تحذف النون؛ لأنه ملحق في التكبير فهلا أجريته على الإلحاق في التصغير أيضًا؟. قيل: لا يجوز هذا في التحقير. ألا ترى أنه إنما كان يسكون للإلحاق بالنون، ولولا النون لم يكن للإلحاق. ألا ترى أبك تدغم نحو: أدن وأيل وأصم. فلما أزلت الحرف الذي كان يكون للإلحاق أزلت الإلحاق؛ لأن المثلين صارا

مع ما لا يكون للإلحاق، فأما "ألبب" فهو عند سيبويه شاذ ظهر التضعيف فيه كما ظهرت الواو في "حيوة"، يدل على ذلك أنه لم يجيء في موضع للإلحاق، فأن لم يجيء في موضع دليل أن هذا البيان في ألبب شاذ كما أنه لما لم يكن "جخدب" عنده في كلامهم كان "جندب" زائدًا فإذا حقره أدغم ورده إلى القياس، وحمله على الأكثر على هذا المذهب. فأما ما حكاه أبو عثمان عن الأخفش أنه كان يصرفه إذا سمى به ويجعله للإلحاق ففيه من القبح أنه جعله ملحقًا ولم يجيء له نظير فكان هذا بمنزلة من قال: "ترتب" لا أحكم بزيادة تائه؛ لأنها على بناء الأصل. فكما أن هذا لا يقوله أحد فكذلك الأوَّلُ.

مسألة 28

فإن قال: لا يشبه هذا "ترتب" لأن هذا لا مثال له في الأربعة، وفي الأصول أن إظهار التضعيف يقع لأجل الإلحاق، فإنما استدللت بالأصول الأخر ولم أحل بالحجة على نفس الدعوى، وليس كذا "حيوة"؛ لأنه علم، والأعلام تغير كما جاء "معدى كرب" و"موهب" ونحو ذلك، وهذا نكرة ليس باسم غالب. قيل: فجعلك الإلحاق فيما لم يجيء فيه المثلان للإلحاق ينكر. ألا ترى أن الهمزة لم تجيء قط للإلحاق كما لم يجيء "ترتب". وقد جاء إظهار التضعيف شاذا مثل ما حكى أبو زيد: طعام قضض. وقياس قول أبي الحسن هذا عندي أن يظهر في التصغير كما أظهره في التكبير؛ لأنه إذا لم يمتنع أن يكون المثلان للإلحاق مع الهمزة كما امتنع عند سيبويه فالتصغير في أنه للإلحاق كالتكبير فينبغي أن يظهر في التصغير ولا يدغم أيضًا. مسألة 28: [قال أبو علي أيده الله: أما قول سيبويه في "دجاجة وثلاثين وبروكاء وجداران" فهو صحيح، وليس اعتراض أبي العباس بشيء، وفصله بين بروكاء اسم رجل وبين دجاجة].

/ 58 أصارت تقع طرفًا بعد ألفٍ زائدة فعمل فيها تقديرنا إياها طرفًا بعد ألفٍ زائدةٍ، وإن لم تنفرد هذه في الاستعمال عن الهاء إلا مع ياءي النسبة فكذلك "أن" وإن لم تبتدأ إلا مع الحروف الداخلة عليها صارت في التقدير كأنها قد ابتدى بها ثم أدخل عليها "كأن" ونحوه. روى أبو عمر عن الأصمعي: 65 - قلت لشيبان ادن من لقائه أنا نغدى القوم من شوائه

أي لعلنا. وحكى أيضًا: 66 - خاطمها زأمها كي يركبا

وحكي أن أهل هذه اللغة يقولون: دأبة وشأبة:

وحكى أبو زيد أنه سمع عمرو بن عبيدٍ يقرأ "لم يطمئهن إنس قبلهم ولا جأن". قال أبو زيد: لخلته قد لحن حتى سمعت العرب بعد ذلك تقول: دأبة وشأبة فعلمت أن عمرًا لم يلحن. وقال الشيخ وقت القراءة عليه في شعر كثيرٍ: 67، 68، 69 - احمأر، وادهأم، واسوأد

وقد جاء: إذا ما احمأرت بالأكف العوامل قال أبو علي أيده الله: لما حرك الألف لالتقاء الساكنين همزها كما يهمزها إذا لقيتها ألف الجمع في رسائل إذا حركها لالتقاء الساكنين. شعر أوسٍ:

70 - كأن كحيلاً معقدًا أو عنيةً علي رجع ذفراها من الليت واكف قال أبو على أيده الله: الذفري فوق الليت، فيقال كيف يكف على النفري من الليت وهذا لا يمكن؟ فالقول أنه يجوز أن يكون "من الليت" متعلقًا بمحذوف فيكون من صلة الذفري كأنه علي رجع ذفراها مبتدئًا من الليت، ولا يكون من صلة واكف.

طرفة: 71 - كأن حدوج المالكية غدوةً خلايا سفينٍ بالنواصف من دد قال أبو علي أيده الله: النواصف موضع يصغر أن يحتمل كبائن السفن، فإذا كان كذلك كان "بالنواصف" من صلة "حدوج" كأنه قال: حدوج المالكية بالنواصف خلايا سفينٍ من ددٍ، وتكون الباء متعلقة بفعلٍ يكون في موضع الحال، كأنه كأن حدوج المالكية مستقرةً بالنواصف خلايا. فإن قلت: فكيف أخرها، قد فصل بينه وبينه بالخبر، وإذا كان كذلك فقد فصل بين العامل والمعمول بشيء أجنبي منها، والفصل بالأجنبي بين العامل والمعمول لا يستقيم، فإذا كان كذلك لم نحمله

عليه، وجعلنا "بالنواصف" من صفة "سفين"؛ لأنه نكرة والنكرة توصف بالظروف. فإن قلت: فكيف تكون على هذا السفينة العظيمة بالنواصف؟ قلنا: شبهه بانحسار الآل عنه بكونه في نواصف وفي ماء قليلٍ كقول ذي الرمة. 72 - ترى قورها يغرقن في الآل مرةً وآونةً يخرجن من غامرٍ ضحلٍ فشبهه في زهو الآل له بالسفين في اللجةٍ، وفي انحسار الماء عنه بالسفين في ماء قليلٍ على ذلك فسره أبو مالك.

فعلى هذا الوجه فوجهه لأعلى الوجه الأول؛ لأن ذلك فاسد، وإنما يتجوز بهذه الأشياء في الشعر إذا وقعت الحاجة إليها، فأما إذا لم تدفع حاجة وصح المعنى كان كالنثر لا يجوز فيه مالا يجوز فيه. قال طرفة: 73 - وتبسم عن ألمي كأن منورًا تخلل حر الرمل دعص له ندى 74 - سقته إياه الشمس إلا لثاته أسف فلم يكدم عليه بإئمد قال أبو علي: البيت الأول كان يلقيه أبو الحسن علي بن سليمان

الأخفش. والقول في هذا أنه شبه الألمى بشيء؛ لقوله "كأن" فلا بد من أن يرجع إلى هذا المشبه الذي هو "الألمى" من التشبيه شيء. فنقول: إن "المنور" ينتصب؛ "كأن"، و"تخلل" في موضع نصب لكونه وصفا "للمنور" وفاعل "تخلل" "الدعص"، والراجع إلى اسم "كأن" الهاء التي في "له"، و"ندى" وصف "للدعص"، ولا تكون الهاء راجعة إلى "الرمل"؛ لأنه إن رجعت إليه لم يرجع إلى الموصوف من الصفة شيء، فإذا كان كذلك عادت إلى "المنور"، ووصفه بالندى لأنه أغض له وأطرأ وأبعد من أن يكون متتربًا فتنقص لذلك غضارته ونضارته، ولا يستقيم الكلام /58 ب إلا بإضمار اسم كأنه كأن منورًا تخلل حر الرمل دعص له ندى ثغرها، وإلى هذا المضمر تعود الهاء في "سقته إياه الشمس"، ومنه يعود الذكر إلى المشبه فيستقم الكلام. ولطرفة أيضًا في صفة الثغر: 75 - بدلته الشمس من منبتها بردًا أبيض ما فيه أثر

مسألة 29

مسألة 29: قال سيبويه: لما كانت الياء التي هي لام قد تحذف للكسرة الواحدة يعني في "قاضٍ" ونحوه وجب إذا اجتمع ثلاث ياءاتٍ أن تحذف قال: فعيسى يحذف في "أحىٍ" فيصرف وأبو عمرو يقول: أحى، قال سيبويه: ولو جاز هذا لجاز في عطاء عطىٍ" قال: ويقول يونس: أحى فيحذف ولا يصرف. ولم يحك عن الخليل هنا شيئًا.

في الحاشية قال الشيخ في بعض اعتلاله لسيبويه: وما ألزمه سيبويه من صرف "أصم" غير لازم؛ لأن الحركة من عينه منقولة إلى الفاء، وهي ثابتة وليست محذوفة كما حذفت في أحىٍ. قال الشيخ: ولأبي عمرو أن يقول لا يلزمنا ذلك في عطاء أن يثبت من حيث أثبت في "أحيى"؛ لأني إنما أثبت في "أحيى" من حيث كان مشابهًا للفعل، والفعل يجتمع فيه ثلاث ياءات، احتمل أحيى أيضًا، وليس عطاء على وزن الفعل فيلزمني إثبات الياء فيه كما أثبتها في الفعل. رجع: قال أبو علي أيده الله: وجه قول عيسى أنه لما رأى الفعل يحتمل ثلاث ياءاتٍ في "يحيى" ووجد هذه الكلمة لا تحتملها جعلها بامتناعها من احتمالها خارجةً عن شبه الفعل. ألا ترى أنه لو كانت مشبهةً للفعل لاحتملت ما يحتمله الفعل من الثلاث، فاحتمل "أحى" كما احتمل "أنا أحيى"، فلما لم تحتمل ذلك وإن احتمله الفعل جعلها بذلك خارجةً من شبه الفعل، وكما جعلها خارجةً من شبهه بهذا كذلك جعلها خارجةً من شبهه في امتناع الصرف فصرف. وقول عيسى في هذا الصرف أقرب من قولٍ أبي عمرو في الجمع بين ثلاث ياءات؛ لأن عيسى حاول بقوله هذا مقيسًا على مسموع.

وقول أبي عمرو يرده الاستعمال وإن كان له وجه من القياس إلا أن لأبي عمروٍ أن يقول: هذا الذي أجزت فيه اجتماع الياءات الثلاث ليس هو ما تمتنع الياءات الثلاث منه. ألا ترى أنها امتنعت في "سمية"، وسمية ليس على وزن من أوزان الفعل، و"أحيى" على وزن الفعل إلا أن الذي يدل على امتناع ذلك أعني الجمع بين هذه الياءات الثلاث أنه لا شيء أقرب إلى الفعل من المصدر. ألا تراهم أعملوه عمله، وأعلوه أيضًا إعلاله في قولهم: "عدة"، فلما جمعوا بين الياءات الثلاث في الفعل ولم يجمعوها في المصدر، بل رفضوا [تفعيلٍ] إلى تفعلة دل أن ذلك لا يجوز في شيء من أنواع الأسماء إذ لم يجز في المصدر. فإن قلت: فكيف جاء في "محيى"؟ قيل: إن "محيى" بمنزلة "يحيى". فإن قيل: فما تنكر من أن يجوز [أحيى]؛ لأنه على وزن "أحيى" وزيادته كما جاز [محيي]؛ لأنه على وزن المضارع، وأن لا يكون سبيله سبيل رفضهم التفعيل؛ لأن التفعيل ليس على وزن المضارع [بيض ...]. وأبو عمرو لم يحذف الياء الأخيرة من هذا؛ لأن الياءات الثلاث قد ثبتت

مسألة 30

في الفعل فلما [ثنى] ثبتن في الفعل، وكان هذا بمنزلة الفعل وبزيادته وفي حالةٍ يمتنع الجر والتنوين منه جعله بمنزلة الفعل في أن استجاز إثبات الياءات الثلاث فيه. وله أن يفصل بين عطاء وعطى وأحيى بأن هذا ليس على وزن الفعل كأحيى، فلا أجعله بمنزلته، ولا أجمع فيه ثلاث ياءاتٍ. والوجه قول يونس؛ لأن الاستعمال له يشهد، وذلك قولهم تحية وسمية. مسألة 30: أنشد أبو عمر بيت الكتاب: 76 - (وجدنا الصالحين لهم جزاء)

وقال هو لعبد العزيز بن زرارة الكلابي. وحكى أبو عمر: يا رب اغفر لي، قال: يريد يا ربي. قال أبو علي أيده الله: تأويل هذا عندي أنه لفظ بالإفراد، وهو يريد الإضافة في المعنى. وكذلك ما حكاه البغداديون من قوله: 77 - وإنما أهلكت مال /59 أنهم سألوا أبا عمرو بن العلاء، فقال: يريد: "مالي". قال الشيخ: تأويله عندي أن معنى قول الشاعر:

مسألة 31

(إنما أهلكت مالي) ولفظه على غير ذلك، وإنما قال أبو عمرو أن المعنى على ذلك لقوله: "وإنما أهلكت" وهو إنما يهلك مال نفسه. مسألة 31: قال سيبويه في تخفيف همز "حوأبة": "حوبة"، واستدل على جواز إلقاء الحركة من الهمز عليها بقولهم في التكسير حوائب. فقال أبو العباس: استدلاله على صحة الواو في التكسير لا وجه له. قال أبو علي أيده الله: وليس كذلك ألا ترى أن من هذه الحروف اللينة التي تقع قبل ألف الجمع ما لا يصح قبلها ولا يثبت، فما لم يثبت قبلها لم يجز إلقاء حركة الهمزة عليه، وإنما تلقى حركة الهمزة في التخفيف على ما يثبت قبلها دون ما لا يثبت، فلو كسرت موسرًا لقلت مياسير فلم تثبت، كما لم تثبت مع ألف الجمع كذلك لا تثبت مع حركة الهمزة. ألا ترى أنك لو حققت مثل برأن من جئت لقلت

"جوء" ولو خففت لقلت "جيء" فرجعت الياء. فقد رأيت أن ما لا يصح من هذه الحروف مع ألف التكسير لم تلق عليه حركة الهمزة، وما صح ألقيت عليه حركة الهمزة. فكذلك حوأبة لما ثبتت مع ألف التكسير واوًا جاز أن يلقى عليها حركة الهمزة. أحمد بن يحيى: 78 - كالبلايا رءوسها في الولايا ما نحات السموم حر الخدود 79 - صاديًا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود

قال: وصف النساء [ورءوسهن] في خمرهن بالبلية على قبر الميت: والبلية ناقة تقتل على قبر الميت. في الجاهلية كان إذا مات الرجل منهم أخذت ناقته وقيدت على قبره وتركت حتى تموت. والمصرة: الملجأ، مانحات: أي بارزات وجوههن للسموم، والضريح: القبر. ذهب أبو عمر في كتابه إلى صرف "أحمر" في النكرة، قال: ولو سميت رجلا "أفضل منك" لم ينصرف في المعرفة ولا في النكرة.

وذهب أيضًا في قولهم: "هذا رجل أفعل" إلى أنه لا ينصرف مثل قول سيبويه. قال أبو العباس: إذا خففت همزة "مسوء" فقياس قول سيبويه أن يحرك الواو؛ لأنه يرى أن المحذوف واو مفعول الزائد، وعند أبي الحسن يدغم، يقوله مسو. قال أبو علي أيده الله: هذا هكذا ألا ترى أن الواو إذا كانت عينًا ألقيت عليها حركة الهمزة وإن كانت طرفًا، وذلك قولهم جميعًا في تخفيف ضوء: ضو فمسو عند سيبويه مثل "ضو"؛ لأن المحذوف عنده واو مفعولٍ. وفي قول أبي الحسن "مسو" يقلب ويدغم كما تقول "مقروءة". قال أبو العباس: لو قلت: أي الثلاثة رجلان لم يجز؛ لأنه لا فائدة فيه. ولو قلت: رجلان [تحبهما] ونحو ذلك من الصفة جاز. قال: ولو قلت: أي الثلاثة رجلان تحبهما أهذا وهذا، أم هذا وهذا،

كان جيدًا، قال: ولو قلت: هذا وهذا، أو هذا وهذا، أم هذا وهذا كان جائزًا ضممت الذي كان بقى إلى آخر. قال أبو علي أيده الله: هذا كما قال، وينبغي أن يكون أحد الثلاثة بـ "أو" كما كتبناه. أنشد أبو عمر: 80 - يا لعنة الله على أهل الرقم أهل الوقير والحمير والخزم

وحكى أبو عمر عن الأصمعي عن أبي عمروٍ، قال: العرب تنصب في الاختصاص أربعة أشياء ولا ينصبون غيرها: بني فلانٍ، وآل فلانٍ، وأهل، ومعشر، وقال في قوله: 81 - تمناني ليلقاني لقيط ... أعام لك ابن صعصعة بن بدرٍ قال: وإنما دعاهم تعجبًا من قول لقيط، وذهب إلى أن صفة الندبة لا تلحقها العلامة للندبة، وقال: تقول في البحرين: يا بحر اناه، ويا مسلماناه. قال أبو علي أيده الله: ينبغي أن يكون "مسلماناه" اسم رجل أو شيء، لأن النكرة لا يجوز ندبتها.

قال أبو عمر: وفتحت النون لئلا نلتبس. قال أبو علي أيده الله: يعني أنك فتحت ولم تكسر فتتبعها الألف كما اتبعته في قولك: "واغلاسكيه"؛ لأنك لو اتبعت الكاف الحرف التبس المذكر بالمؤنث، قال وتقول: واغلام زيداه، فتحذف النون لالتاء الساكنين أو كما قال. قال أبو علي أيده الله: هذا يحذف؛ لأنه على حذف واحد، ولأنه لا ينفصل من الكلمة. كما أن التنوين كذلك، ولأنه حرف أبدل من النون. ألا تراهم أيدلوه منها في: رأيت زيدًا، فلما كان كذلك عاقبتهما كما أن ياء غلامي في النداء عاقب/ 59 ب، التنوين في اللغة التي هي أحسن حيث كان على حرف، وحيث عاقبها، ولم ينفصل كما لم ينفصل التنوين، وكان حرفًأ قريبًا منها وحيث ثبتت في المواضع التي تحذف فيها الياء نحو: زيدن الطويل. فلما كان كذلك كان الأحسن حذفها، ومن هنا كانت (كالتنوين) فقبح عطف المجرور المظهر عليها. فقال لنا قائل: فهلا عاقبت التنوين علامة الإنكار في قولك: أزيد نيه، ونحو ذلك، لأنها كحرف الندبة؟

فأجبنا أن التنوين ثبت لأنه لم يصر به الحرف الذي للإنكار بدلاً من التنوين. ألا ترى أنه ليس بلازم؛ لأنه قد يلحق بمعناه "إن" نتقول: أزيدًا إنيه، فلما كانت "إن" تلحقها وكان حرفًا مأنوسًا بزيادته مع الإنكار بدلالة زيادتهم إياه في: ما إن رأيته كانت كأنها أولى بالموضع من الحرف اللين فثبتت النون معه، وحركت لالتقاء الساكنين. ولم يكن كالندبة؛ لأنه لا علم لها غيرها، فصارت بدلاً لذلك وإن لم يصر حرف الإنكار. قال أبو عمر في الندبة: واعمران الظريفان. قال أبو علي أيده الله: وندبة هذا مشكلة. ألا ترى أن عمران لا يخلو من أن يكون اسمًا لواحد، أو اسم اثنين. فلا يكون اسم واحد وقد وصفه بصفة الاثنين، فإذا لم يجز هذا ثبت أنه اسم اثنين. فإذا كان اسم اثنين صار مثل يا رجل لا يجوز ندبته كما لا يجوز ندبة يا رجل. ألا ترى أنك إذا ثنيت العلم زال أن يكون علمًا وينكر، فاحتجت أن تعرفه بالألم واللام، وصار بمنزلة رجل في زوال تعريف العلم عنه، وكونه معرفًا بحرف التعريف في الخبر، وبالإشارة إليه في النداء، فكما [لا يجوز أن تندب يا رجل ونحوه في النداء كذلك]، لا يجوز أن تندب يا عمران.

مسألة 32

ومما يدلك على زوال تعريف العلم من هذا [أنك تصف به الأسماء للبهمة نحو] بهذين الزيدين، ولو كان [فيه] تعريف العلم لم يجز وصف المبهم به. مسألة 32: حُكى لي عن أبي الحسن من الأوسط أنه حكى الاستثناء بـ "عدا" أنه حرف جر، وحكى لي عنه أنه أجاز: "فيها قائم رجل" على أن ترفع "رجلاً" بـ "قائم"، وتجعل الرجل يسد مسد الخبر للمبتدأ. قال أبو علي أيده الله: فأما "فيها" على هذا القول فيكون في موضع نصب بـ "قائم" ويكون ظرفًا له. فقيل لنا: فهل تجيز أن يكون "فيها" خبرًا لمبتدأ الذي هو "قائم" وإن كان قد سد ما ارتفع به مسد خبره؟ فقلنا: لا يجوز هذا؛ لأنه إذا أعمل عمل الفعل على هذا الحد في التقديم، فإنه قد أجرى مجرى الفعل، وإذا أجرى مجراه قبح أن يكون له خبر كما صج أن يمتنع أن يكون للفعل خبر. فمن حيث أجريته مجرى الفعل مقدمًا، كذلك يقبح أن تجعل له خبرًا. وأيضًا فإنك إذا جعلت له خبرًا فإنه ينبغي أن لا تعمله عمل الفعل. ألا ترى أنك لا تعمل الأسماء المبتدأة عمل الفعل؟

فقال لنا هذا الفتى: فقد قال أصحابنا: "إن فيها جالسًا أخواك". فالقول: أن من أجاز هذه المسألة من أصحابنا لم يقل: إن "فيها" خبر "إن" فيقول: إن "فيها" على هذا متعلق بجالس المظهر. وأبو عثمان لا يجيز هذه المسألة أعني "إن جالسًا فيها أخواك" ويقول: لأن فاعل "إن" لم يذكر، ولا يكون منصوب لا مرفوع معه، قال: ولا يسد فاعل "جالس" مسد فاعل "إن". وأجاز في "كان" "كان قائم أخواك"؛ لأنه قد يكون الرافع ولا منصوب معه. فإن قلت: فهل يجوز أن أقول عند أبي عثمان: إن فيها جالسًا أخواك، أو إن جالسًا أخواك فيها فأجعل "فيها" في موضع خبر "إن" ليكون في موضع فاعلها، فيزول ما من أجله لم يجز أبو عثمان ذلك؟ [فلأنا] قد قلنا: إن ذلك في الابتداء قبيح من أجل أنه إذا صار كالفعل قبح أن يكون له خبر وهو مبتدأ مبني عليه كالفعل. فإن قلت: إنه هنا إذا جرى على "إن" كان معتمدًا، كما أنه إذا جرى على همزة الاستفهام وحرف النفي كان معتمدًا، ويحسن ذلك أنه قد عملت فيه "إن" وهي مما تختص بالعمل في الأسماء.

فهو وجه. أحمد بن يحيى: 82 - من نسج داودٍ أبي سلام

مسألة 33

قال: أراد سليمان. مسألة 33: [كان] سيبويه: يقول في تحقير ملهوى: مليهى. قال أبو علي -أيده الله- فأقول: إن الذي تحتمله القسمة في هذه المسألة أمران: أحدهما أن تحذف الياءين وتقر الواو المنقلبة عن اللام، أو تحذف اللام وتقر الياءين. ولا يكون أن تحذف إحدى الياءين وتبقى الأخرى؛ لأنهما [لا] تنفصلان، فأما (يمانى) فنادر. وقد جاء في الشعر:

83 - (ابن الحواري) ونحوه، وذا [لا يعول] عليه فإذا كان كذلك علمت أن الأمر على أحد الوجهين. فإن حذفت الياءين فلأنهما الكلمة بهما على ستة، وإذا كانت على ستة فلابد من حذف حرف فيحذف الآخر، لأن الميم للمعنى. فإذا حذفت السادسة وهي الياء الأخيرة لزمك أن تتبعها الأخرى؛ لأنه لا يستقيم /60 ألك أن تفصل إحداهما من الأخرى، فإذا حذفتهما بقى الاسم على أربعة أحرف فقلت: [مليهى] وإن عوضت قلت: مليهى، وفي الكتاب مليهى بتشديد الياء لا غير، ويجوز عندي التشديد إذا عوضت وإن لم تعوض جاز؛ لأن المحذوف ليس برابع فيلزم العوض، إنما هو خامس وإذا كان كذلك كنت بالخيار. وإلى هذا ذهب عندي سيبويه. ألا ترى أنه قال: لما كسرت الهاء -يعني الهاء من مليهى- انقلبت ياء.

فهذا يدلك من قوله أن اللام غير محذوفة. ألا ترى أن المحذوفة لا يجوز أن تنقلب. ومما يقوى هذا المذهب أن الياءين -وإن كنت قد تقول رومى وروم كتمرةٍ وتمرٍ- لا تكون في نية الانفصال؛ لأن الاسم قد يكسر عليهما في حولى وعادية ونحوه. فإذا كان كذلك لم يكن في نية الانفصال وإن لم يكن في نية الانفصال كانت اللام بمنزلة حرف في تضاعيف الاسم، وإذا كان كذلك فقد جاء الاسم كأنه بني على ستة أحرف، والمبني على ستة أحرفٍ لابد في تحقيره من حذفٍ ليوصل إلى مثال التحقير، فكان حذف الياء الأخيرة أولى من حذف الواو؛ لأنها طرف، ولأنها زائدة والواو ليست طرفًا ولا زائدة ولا ساكنةً، ولأن الياءين ليسا في نية الانفصال لم يجز حذف اللام لالتقاء الساكنين من حيث كان حذفها لالتقاء الساكنين في مصطفين وقاضين؛ لأن حذفها لو كان لذلك مع ما ذكرنا من حال الياءين لكان ملازمًا لكون علامة النسب في نية الاتصال، وليس حذفها في قاضين ملازمًا، لأن علامة الجمع في نية الانفصال بدلالة أنه لا يجوز تكسير الاسم على علامة الجمع كما جاز تكسيره على علامة النسب، فصار المحذوف مع علامة النسب لا ينوي به الثبات والمحذوف مع علامة الجمع ينوي به الثبات.

ولو قال قائل: إن اللام في هذا الموضع إذا حقر الاسم تحذف؛ لأن الرسم بمنزلة ما يجتمع فيه ثلاث زوائد إن حذفت إحداها لزم حذف أخرى، وإن حذفت واحدة منها لم يلزم حذف الأخريين، فإنك تحذف التي إذا حذفتها لم يلزمك حذف أخرى معها نحو: اقعنساسٍ ألا ترى أنك لو حذفت الألف قلت: قعينس فخدمت بعدها إحدى السينين، فإذا حذفت النون قلت: قعيسيس فلم يلزمك إلا حذف زيادة واحدة. وكذلك في ملهوى لما كنت إن حذفت الياء التي هي لام لم يلزمك حذف في الزيادتين الأخريين، وإن حذفت إحدى الزيادتين لزمك حذف الأخرى لزمك أن تحذف اللام لتبقى الزيادتان جميعًا. فإن قلت: ثم ثلاث زيادات، والواو في ملهوى ليست بزيادة إنما هي أصل فكيف عدلتها بالزيادة، وكيف صح هذا التشبيه؟ فإن الواو وإن كانت ليست بزيادة فإنها تشبه الزيادة. ألا ترى أنها ليست من أصل الكلمة، كما أن الزيادة ليست من أصلها، أو لا ترى كيف

اجتمع آدم وصارت في قلب [إحدى] ألفيهما إلى الواو، فكذلك هنا. ويؤكد ذلك أن هذه اللام قد سووى بينها وبين الزائد. ألا ترى أنك تقول على قول الخليل -وإن كان مضعفًا- ملهى، كما تقول: حبلى، أو لا ترى أنها خامسة لا يفصل بينها وبين الزائد في الحذف في مرامي وحبارى في باب فيه الإضافة. فلما سووا بين الزائد والأصل في هذه اللام بعينها، كذلك ساويت أنت بينها وبين الزائد في تحقير ملهوى فحذفتها كما يحذف الزائد مع الزائدين وأجريتهما مجرى الزائد في أن حذفتها.

ويقوى هذا أيضًا أنك قد حذفت العين في الإضافة لما كانت على لفظ الزائد. ألا ترى أنك تقول في تحيةٍ: تحوى. وقال سيبويه: تحذف منها أشبه ما فيها بياء عدىٍ فإذا استجزت ذلك في العين التي هي أقوى من اللام فاستجازته في اللام أجدر، فإذا حذفت اللام صار [الحرف] اللين رابعًا، والياء الثانية خامسةً، ولم يجز الحذف على هذا الحد كما لم يجز في "دينار"، ولأن هاتين الياءين ياءا نسبٍ ولا يكون أن تحذف إحداهما وتدع الأخرى. فهذا ما يحتمله هذا عندي -والأولى قول سيبويه عندي لما أعلمتك وكأن هذا القول الثاني لأبي عثمان؛ لأن أبا العباس حكى عنه هذا الكلام [وقرأت]-بعد ما كملنا هذه المسألة- هذين الوجهين اللذين كتبناهما وهو. وأما واو ملهوىٍ، وحبلوىٍ فقلبتا في التصغير، ثم حذفتا لالتقاء الساكنين، ولمن قال بالقول الثاني أن يقول: إن الياءين لما كانتا تدلان على معنى لم يجز حذفهما كما لم يحذف الميم في مغتسل، ويؤكد ذلك أن حذف حرفين إذا كانا لمعنىً إخلال متنكب. ألا ترى أن من قال في

"قرقرى": قريقر لم يقل في "عنصلاء" ونحوه إلا بالإتمام. ياءا النسبة في امتناع الحذف كألفي التأنيث. وهذا كلام أصبناه عن أبي العباس. قال أبو العباس: المازني يوافق أصحابه وجميع النحويين في تحقير "عدوىٍ" إذا لم يكن اسم رجل فيقولون: كلهم "عديىٌ"، فيقول كما يقولون؛ لئلا يلتبس بتصغير غير المنسوب إليه لو حذف علم النسبة، فإذا سمي به رجلاً حذف ياءي النسبة، ويقول: لأن هذا علم/ 60 ب، وقد زال اللبس. قال أبو العباس: ليس هذا شيئًا، لأنه يحتاج إلى الفصل بين التسمية بالمنسوب والمنسوب إليه، كما احتيج إلى الفصل في النسبة، وقال: وأما واو ملهوىٍ، وحبلوىٍ (فقلبتا) ياءين في التصغير، ثم حذفتا لالتقاء الساكنين. قال أبو علي -أيده الله-: قول أبي العباس ليس بشيء، وذلك أن ياءي الإضافة إذا حذفتا لم تدل على ما يراد منهما، وليس كذلك العلم لأن العلم ليس يراد منه هذا المعنى.

مسألة 34

ألا ترى أن النحويين يمنعون من الإضافة إلى "اثنى عشر" إذا كان عددًا؛ لأنك إن قلت "اثنا عشرى" لم يجز وإن حذفت لم يدل، فإذا كان علمًا أجازوا الحذف والنسب إليه، فلم يراعوا في باب الدلالة من العلم ما راعوا في غيره، وإذا لم يراعوا ذلك في "اثنى عشر" كان أن لا يراعوا ذلك في المنسوب أجدر؛ لأن المنسوب قد يكون على لفظ النسب ولا معنى تحته، وتحت "عشرة" معنى يحيل الدلالة عليه بحذفه، ويلتبس أيضًا برجل سميته بـ "اثنين" دون "اثنى عشر". فقد علمت أن اعتراضه ساقط. ألا ترى أن أبا عمر أجاز في ندبة "البحران" "يا بحراناه" ففتح النون وقال لأن هذا لا يلتبس من حيث كان في العلم. مسألة 34: قال أبو عمر: سمعت الأصمعي يقول: سمعت العرب يقولون: "يا فلا

تعال" قال في إثر هذا: وترخيم طامر لا يجوز، لأنه كناية عن اسمه. قال أبو علي أيده الله: ومنه ترخيم ذا على ما سمع من "يا فلا" مشكل ألا ترى أن "فلان" كناية، كما أن ذا كناية وكلاهما معرفة علم. يدلك على أنهما علمان أنهم حذفوا التنوين مع كل واحد منهما كما حذفوه مع الأعلام، فقالوا: فلان بن فلانٍ، وطامر بن طامرٍ كما قالوا: زيد بن عمروٍ. وقال: ولا يحذف في "منقادٍ" الألف في الترخيم فيتبعه الأصل كما يتبعه الزائد في "منصور" في الحذف. قال: وقد أجازه الأخفش فقال: يا منق. يشبهه بالزائد. وقال: لو رخمت "حيوة" تركتها في كل حال على حالها يعني على: ياحار ويا حار. قال أبو علي أيده الله: وهذا صحيح، لأن هذا إنما جاء في العلم وهذا في الترخيم علم على تعريفه الذي كان. ولو قال قائل: إني أرده إلى الأصل في التحقير لكان أقرب من رده في هذا الموضع، لأن التصغير بمنزلة الصفة، ولاصفة إنما تدخل إذا دخله بعض الانتقال عن موضعه من التعريف، وهو على هذا ينبغي أن يصحح: لأن التعريف

قائم. ألا ترى أنك تصفه بصفة المعارف الأعلام. وقال أبو عمر: "أطرق كرا إن النعام بالعرى". وأنشد لابن همامٍ السلولي:

84 - أفق عثم عن بعض تعدائكا وقال: 85 - أنك يا معاو يا بن الأفضل رخمه مرتين. قال أبو علي أيده الله: وتقدير هذا أنه لما كثر مرخمًا منه الهاء جرى "معاوى" اسمًا فكأنك رخمت اسمًا لم يكن فيه هاء. قال أبو عمر: أكثرهم يحذف واو "سنورٍ" في الترخيم لسكونها

مسألة 35

قال أبو علي أيده الله: كأنه يجعلها كالتي في "منصور". قال أبو عمر: وهو أجود، قال: وأما واور "قنورٍ" وباء "هبيخٍ" فلا يحذفونه؛ لأنه لا تحركت لم تشبه الزائد. مسألة 35: قال أبو العباس في المقتضب في الاستثناء: يقول: أقل رجلٍ رأيته إلا زيد إذا أردت النفي بـ "أقل"، كأنك قلت: ما رجل رأيته إلا زيد، والتقدير ما رجل مرئي إلا زيد، وإن أردت أنك قد رأيت قومًا دونه قليلة نصبت زيدًا؛ لأنه مستثنى من موجب، وأن يكون في موضع نفي أكثر، وكذلك: "قل رجل رأيته" يصلح فيه الوجهان. قال أبو علي أيده الله: ليس هذا الذي ذكر من أنك إذا رأيت قومًا رؤية قليلة بمتعارفٍ ولا شائع عند أصحابنا وأظنه للبغداديين.

والدليل على أن ذلك [بيض]. الفرزدق أو غيره: 86 - يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم قال أبو علي أيده الله: ينبغي أن يجعل "عرفان" مفعولاً له

و"ركن الحطيم" فاعل "يمسك" كأنه يكاد يمسكه ركن الحطيم، وتضيف المصدر إلى المفعول، وتحذف الفاعل أي عرفان الركن راحته فحذفت الفاعل كما حذف في "بسؤال نعجتك"، وهذا [أوضحٍ] في المعنى، وإن شئت [قلت] يمسكه عرفان راحته ركن فجعلت "العرفان" فاعل "يمسك" وأضفت المصدر إلى الفاعل وهو الراحة ونصبت الركن مفعول [به] كأنه يمسكه هذا المعنى لا الركن كما [كان ذلك] في الوجه الأول أي هذا المعنى كاد يلبثه في هذا الموضع ويجعله أحق به من غيره، وهذا يحسن إذا كان قد أكثر لمس الركن [بيده، أي: فصار لكثرة ذلك منه] عرفت راحته الركن، فنسب المعرفة إلى الكف وإن لم يكن لها في الحقيقة إنما هو للإنسان [ويحور عرفان راحته ركن، يكون العرفان] فاعل "يمسك" و"راحته" مفعوله و"الركن" فاعل العرفان، أي يكاد

مسألة 36

يمسكه أن عرف الركن راحته، وهذا الوجه أقرب إلى الوجه الأول وأشبه بالمعنى من الوجه الثاني. مسألة 36: في بعض النسخ فوق وفقًا وأوائل وأولي، وقد رأيت قطريًا أجاز في "أيامي" أن يكون أيامٍ.

حكى أبو عمر في حروف الجزاء "كيفما". أحمد بن يحيى في القوس سيتها وهو طرفها المعطوف المعقوف. /61 أقال ابن الأعرابي: ويقال: "سؤة" تضم وتهمز. قال أبو علي أيده الله: كنت أرى أن سية القوس مثل "شيةٍ" الفاء واو محذوفة مثل "شية" واللام ياء، وقد ذكر أبو بكر في موضعٍ عن محمد ابن يزيد عن أبي عمر عن أبي عبيدة قال "سئة" بالهمز، فإذا كان كذلك -وقد حكى أحمد بن يحيى هو أيضًا هذه الحكاية- فإن الفاء سين واللام على قول الخليل واو، وعلى قول أبي الحسن يجوز أن يكون من الياء والعين همزة فـ "سية" على هذا يحتمل أمرين، يجوز أن يكون اللام محذوفة وهي الياء أو الواو على الاختلاف الذي بين الخليل وغيره، وهو على قول الخليل واو، ولو كانت واوًا انقلبت أيضًا للكسرة قبلها، وهذا أشبه، لأن أكثر

ما يحذف اللام. ويجوز أن يكون المحذوف العين فيكون مثل "مذ" و"السه" و"ثبة الحوض، ويؤكد هذا ويقويه ما حكاه أبو عمر من أبي عبيدة "سئة". أحمد بن يحيى: 87 - أنجب أيام والديه به ... إذ فجلاء فنعم ما نجلا

قال من قال أنجب أيام والديه به لا شيء فيه، ومن قال: أنجب أيام والداه به قال "به" مرافعة للوالدين، و"أيام" من صله أنجب انقضى كلا أحمد ثعلب. وقال أحمد ثعلب في قوله: 88 - وما كنت أخشى الدهر إحلاس مسلمٍ.

قال: الإخلاس: الإلزام، يقول: ما كنت أظن إنسانًا يعمل ذنبا هو وآخر فنسبه إليه دونه. أحمد: قوم سامر، ورجل سامر. قال أبو علي أيده الله: يجوز أن يكون سامر جمعًا كالباقر والجامل ويجوز أن يكون مصدرًأ كالعاقبة. والعاقبة

ويالةٍ ونحو ذلك فوقع الوصف بالمصدر. ثعلب: [بيت]: 89 - فويق جبيلٍ شامخ الرأس لم تكن لتبلغه حتى تكل وتعملا

قال يكون هذا تعظيما. قال أحمد في قوله: 90 - يا جارتي ما كنت جارة يعني أي جارةٍ كنت لنا، يتعجب، ولم يجز أن تكون "ما" صلة. قال أبو علي أيده الله: أنشد الفراء عن الكسائي، وقد رويناه عن ثعلب عنه في نوادر ابن الأعرابي: 91 - أنعمتها إني من نعأتها ... مدارة الأخفاف مجمراتها 92 - غلب الذفارى وعفر نياتها ... كوم الذرى وادقة سراتها

قال أبو علي أيده الله: هذا علي: "هند حسنة وجهها"، ففي "واداقةٍ" ذكر من الإبل وليست للسرات فافهم. قال أحمد: "ما" مع "ذا" تكون حرفًا واحدًا، ولا تكون مع "من" حرفًا واحدًا، وإنما لم يجعلوه "من" مع "ذا"؛ لأن "من" للناس و"ذا" لكل شيء وجعلوها مع "ما"، لأن "ما" لكل شيء، و"ذا" لكل شيء فإذا قالوا: "من ذا أخوك" لم تكن "ذا" مع "من" حرفًا واحدًا، فقالوا [من ذا هو]، ولم يضمروا "هو"، لأن "ذا" يتم وينقص [ومع]

الذي يضمرون، قال: فإذا قالوا: "من ذا نأته" كان في قول الفراء والكسائي أن ترفع "من" بـ "ذا"، و"ذا" بـ "من" و"نأته" جواب الجزاء، كأنه قال: من يكن هذا نأته. وإذا أراد الاستفهام قال من ذا [فنأتيه] كأنه قال: من هذا فنأتيه.

الكسائي: لجبة ولجبات جاء به على القياس في لجبةٍ، قال: ولم يحكها غيره يعني غير الكسائي. قال الكسائي: وقالوا لجبة ولا يكون إلا من المعز [التي] قد ذهب لبنها.

أحمد: أصل اليتم التغافل، ومن ذلك سمى الصبي يتيمًا، لأنه يتغافل عنه. أنشد أحمد: 93 - ألا ليت أيام الصفاء جديد وعهدًا تولى يا بثين يعود

قال: رد الجديد على الصفاء وترك الأيام، ومن قال: ألا ليت أيام الصفاء جديد، جعله إضافةً غير محضةٍ واكتفى بفعل الثاني عن فعل الأول قال: كما تقول: ليت زيدًا وهندًا قائمة، وتكتفي بالثاني من الأول. أنشد أحمد بن يحيى هذا البيت لابن عناب الطائي في أبيات:

94 - إذا قال قطني قلت آليت حلفةً ... لتغني عن ذا إنائك أجمعا قطنى: حسبي، قلت: قد حلفت كي تشرب جميع ما في إنائك. قال أحمد: ويروى لتغنن عني، قال: وهذا إنما يكون للمرأة إلا أنه في لغة طيء جائز، وفي لغة غيرهم لتغنين عني، واللام لام الأمر أدخلها في المخاطبة. والكلام اغنين عني.

أحمد عن اللحياني من نوادره سمع الكسائي نؤى ونئ الدار مثل نعى قال وسمعت ثنى الدار من غير واحد، والنوى على مثال نعي، ويقال أنأيت للخباء نؤيًا. قال أبو علي أيده ألله: نيء عندي مثل كليب ونؤدي مصل عصىٍ. أحمد: رجل وه، وود، وود، وجمعه اود، وأنشد: 95 - إني كأني لذى النسان خبرة بعض الأود حديثأً غير مكذوب

قال أبو علي أيده الله: هذا على هذا جمع "فعلٍ" وأنشده القاسم بعض الأود" قال يريد الأودين. قال أبو علي: فكأنه في قول القاسم وضع الواحد موضع الجميع كأنه أراد الجنس مثل ما أنشده أبو زيد: 96 - في الظاعن المولي

وقال أحمد: "بلغ أشده" جمع شد وهو قول الفراء. قال أحمد: وسئل المازني فقال: جمع دل على واحد. وأنشد: 97 - وإنسان عيني يحسر الماء مرةً فيبدو وتاراتٍ يجم فيغرق

فآ: حملوه على الجزاء قال: يحسرفيرى ويكثر فلا يرى. قال: مساوعةً في الساعات. قال: أزى يأزى إذا انقبض [وأزيا]. قال أحمد بن يحيى: يقال: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم،

وكشكشة ربيعة وكسكسة هوازن تضجع قيس وعجر فية ضبة: وعنعنة تميم تقول في موضع "أن" "عن" قال: وسمع ذو الرمة ينشد عبد الملك.

98 - /61 ب أعن ترسمت من خرقآء منزلة أبو علي أيده الله: قال: أظنه ابن الأعرابي قال سمعت أن ابن هرمة ينشد هارون -وكان ابن هرمة ربى في ديار بني تميم-:

99 - أعن تغنت على ساقٍ معلوقة ورقاء تدعو هديلاً فوق أعواد وأما تلتلة بهراء فإن بهراء تقول: تعلمون وتستحيون قال أحمد: حكى الكسائي: هدايا وهداوي، قال: وحكى أبو زيد أيضًا مثل ذلك. أنشد أحمد بن يحيى:

100 - فلولا سلاحي عند ذاك وغلتي لرحت وفي رأسي مآيم تسبر وحكى ضروبًا من الجمع من أمةٍ أمه وآمٍ وإماء وإموان وأمي وإمي

وقال جمع آمةٍ على مآيم على غير قياس كما قالوا "الخيل تجري على مساويها". أحمد: أخذه فورا به الأرض أي ضربه. وقال: يقولون: وربيك، يريدون وربك وهي عمانية. قال: ويقال للرجل إذا أقر ما عليه دحٍ دح أي قد أقررت فيسكت. أنشد: 101 - شفاء العمى طول السؤال وإنما تمام العمى طول السكوت على الجهل

مسألة 37

102 - فسكن سائلاً عما عناك فإنما خلقت أخا عقلٍ لتبحث بالعقل مسألة 37: (ألا ليت أيام الصفاء جديد وعهدا تولى [يا بثين] يعود قال أبو علي -أيده الله-: يكون "جديد" خبر الأيام، وجاز ذلك كما جاز في: 103 - (فإن الحوادث أودى بها)

وأنشد الكسائي: 104 - مثل الفراخ نتفت حواصله وهذا في "جديد" أجوز. ألا ترى أنه قد جاء: "ملحفة جديد" "وحسن أولئك رفيقًا"، فكما أجرى مجرى "فعولٍ" في أن لم يؤنث كذلك يجري مجراه في أن يفرد ولا يجمع.

قال: "لا تتخذوا عدوي" فيكون "جديد" مثل "عدوٍ" كما كان مثله في أن لم يؤنث فلا يكون مثل: 105 - تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع ويجوز [حمل] (ألا ليت أيام الصفاء جديد) على ضربين: على أن تضمر الخبر كما أضمرت في: 106 - [يا] ليت أيام الصبا رواجعا

والآخر: أن تستغني بخبر الثاني عن الأول كما تستغنى بخبر الأول عن خبر الثاني في: "زيد منطلق أبوه وعمرو"، وتضيف "أيام" إلى الجملة. ويجوز: (ألا ليت أيام الصفاء جديد) على أن ترفع أيام بالابتداء، و"جديد" خبره، وتضمر القصة في "ليت"، والجملة في موضع الخبر مثل ما أنشده أبو زيد: 107 - فليت دفعت الهم عني ساعة

فإذا قدرت هذا رفعت (وعهدا تولى)، بالابتداء، لأن القصة لا يعطف عليها كما لا تؤكد.

مسألة 38

مسألة 38: قال أبو عثمان: من قال حبيرة لم يقل حبيلة، إذا أراد تصغير الترخيم لأنه قال حبيرة فجاء بالهاء لتأكيد تأنيث الاسم ولا معنى لتأكيد تأنيث الصفة لأن للذكر والمؤمث فيه سواء، و"حبلى" صفة، ولو صغرت حبالى لقلت حبيليات لا أحذف الياء، لأنها لزمت الاسم حتى صارت كأنها من بنائه، وأما الذين تركوا الهاء فقالوا حذفنا الياء والبقية على أربعة أحرف فكأنا حقرنا حبارة.

مسألة 39

ومن قال في حبارى حبيرة قال في لغيزى لنيغبزة، وفي جميع ما كانت ألف فيه خامسة إذا كانت فيه ألف التأنيث. مسألة 39: قال أبو العباس في فرس ونحوه: كل هذه التي وقعت مذكراتٍ صفات للمؤنث ومؤنثات صفات للمذكر، فإنما قال ما قال في تحقيرها إذا كانت صفات على هيئتها أنك تدع نصفًا وأشباهه بلا هاء، وحائضًا وأمثالها على تذكيرها، وكذلك الأسماء نحو فرس الذي يشترك فيه المؤنث والمذكر.

فأما إذا سميت بها امرأة فحقرت ما كان منها على ثلاثة أحرف فحقر بالهاء، كما فعلت ذلك في قدمٍ، وإذا كان أكثر من ذلك فأجره مجرى عقرب، ونحوها. وكذلك المذكر من بابه، وذلك نحو "فرس" إذا سميت بها امرأة قلت: فريسة، ونصف: نصيفة. قال محمد بن يزيد: غلط في "أذنية" يونس؛ لأنه ليس أحد يقول لرجل اسمه أذنية: "هذا أذن" ثم تحقره كما تقول: هذا زيد ثم تحقره، وإنما سمى بمحقر لا غير.

قال محمد بن يزيد: أما مغير بان الشمس وعشيان فإنه زيدت فيه الألف والنون كما زيدت في عطشان وسرحان. وأما عشيشية فإنما كان أصلها [عشييية]، فكره اجتماع الياءات فأبدل من إحداهن شيئًا لاجتماع الشين والياء في المخرج، والجيم أيضًا، وقصدنا الشين، لأنها حرف في عشية فلم يتعد عما فيها إلى غيره. قال أبو علي -أيده الله-: يفسد هذا "سمية" فكيف يُبْدَلُ ولا يُبْدَلُ منه، وقال أبو العباس: أبينون تصغيره تصغير أبناء بحذف الزيادة. وهذه الأشياء كلها الأجود فيها أن يحقر على القياس، وليس شيء منها أزيل إلا إلى شيء يجوز. وليلة في الأصلة ليلاة، والدليل على ذلك ليال. قال أبو علي أيده الله: القياس في هذه الأشياء قد رفض بدلالة تركهم استعماله مع استعمالهم مايوجبه، فلا يجوز تحقير هذه الأشياء على القياس، وتحقيرها على القياس بمنزله إعلال استحوذ [ذا ولا يجوز].

قال أبو العباس: يقول في "نا" "تيأن" وفي "ذا" "ذيأن". أبو علي: أي لا يضم الأول: تدعمها على حالهما في الواحد، وهكذا اللذيان واللتيان، وكذلك إذا جمعت قلت: اللذيون. /62 أ [قال أبو علي] أيده الله: [عرايا] واحدتها عرية مثل النطيحة، والمعنى أنها عربت من العقد المعقود على ما استثنيت منه. اللحياني: برحجك وبر. وقال: الورق ورق الشجر، والورق: أول الشباب ونضارته وحداثته، والورق قطع الدم، والورق ورق الدنيا، وأنشد:

108 - ترى ورق الفتيانٍ فيها كأنهم دراهم منها مستجاد وزائف قال أبو عبد الله بن الأعرابي: كانت حكام تميم في الجاهلية أكثم بن صيفي، وحاجب بن زرارة والأقرع بن حابسٍ، وربيعة بن

محاسن، وضمرة بن ضمرة. لكن ضمرة حكم فأخذ رشوة فغدر. وحكام قيس عامر بن ظربٍ، وغيلان بن سلمة وكانت له ثلاثة أيام: فيوم يحكم بين الناس ويوم ينشد فيه شعره، ويوم ينظر فيه إلى جماله، وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختار أربعا فصارت سنة.

وحكام قريش عبد المطلب، وأبو طالب، والعاصي بن وائل، والعلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة. وكان في بني أسد ربيعة بن حذار أحد بني سعد بن ثعلبة بن دودان، وقال الأعشى فيه: 109 - وإذا طلبت المجد أين محله فاقصد لبيت ربيعة بن حذار

110 - يهب النجيبة والجواد بسرجه ... والأدم بين لواقحٍ وعشار وحكام كنانة يعمر [بن] الشداخ بن عوف، وصفوان بن أمية، وسلمى بن نوفل أحد بني الدئل بن بكر.

أنشد: 111 - [فما ذو فقارٍ] لا ضلوع لجوفه له آخر من غيره ومقدم يعني الرمح. وأنشد: 112 - وما ذكر وإن يكبر فأنثى شديد العض ليس بذي ضروس

يعني القراد إذا كبر صار حلمة أنشد: 113 - ما عفر الليالي كالدآدي ولا توالى الخيل كالهوادي العرب تسمى البيض عفرًا، وتسمى ليلة ثمان وتسع وعشرين الدآدي الواحد دأداءة.

المرأة الرءود التي تدخل بيوت الحي وهي الطوافة، يقال لها توقري يا زلزة. كتمت آثار القوم أي قصصتها، ويقال للرجل إذا بطن إنه لأيهم أكثم، والأكثم الشبعان. قال أحمد: ويقال: أكتم بالتاء. واليهماء العمياء، ومن ثم قيل للأرض بهماء، أي لا أثر فيها ولا طريق ولا علم. روضة قرحاء: بدا نبتها، وقريحة كل شيء أوله.

الوراط أن يورطٍ إبله في إبل أخرى أو في مكان لا ترى وهو أن يغيبها فيه. بئر غيلم كثيرة الماء، والغيلم الضفدع. وامرأة فيلم واسعة، وبئر فيلم كثيرة الماء. قال أنشد أبو رزمة بيت شعر لثمامة السدوسي: 114 - ألا رب ملتاث يجر كساءه نفى عنه وجدان الرقين العظائما

الرقين: الرقة، قال ثعلب: الرقة الذهب والفضة، قال: ويقال: وجدان الرقين يغطى أفن الأفين.

قال أبو علي أيده الله: أنشدنا أبو بكر لحسان بن ثابت: 115 - رب حلمٍ أزرى به عدم الما ل وجهلٍ غطى عليه النعيم أبو رزمة الفزارى: 116 - الوقس يعدى فتعد الوقسا من يدن للوقس يلاقي التعسا

الوقس: الجرب، والتعس الهلاك، تعداني تنكب. ويقال: لا مساس لا خير في الأوقاس لا مساس لا مساس. وقال النابغة الجعدي: 117 - فأصبح في الناس كالسامري بإذ قال موصى له لا مساسا قال: نتكلم بهذا الكلام إذا جاءنا قوم نطفون، والنطف صاحب الريبة.

فلان يرش في كل شيء وروشا وهي الشهوة للطعام لا يكرم نفسه وقال: النثوى الضيف، والثوى الأسير. "طليل وأطلة وطلل" للحصير.

أنشد: 118 - وذي أنفسٍ شتى ثلاثٍ رمت به على الماء إحدى اليعملات العرامس يقال: أعطني نفسًا أو نفسين أي شيئًا أدبغ به.

أنشد للبيد: 119 - لعبت على أكتافهم وحجورهم وليدا وسموني لبيدا وعاصمًا لعبت: سال لعابي. قال: التمني التلاوة، والتمني اختراع الحديث، والتمني من المنى. فواق ناقةٍ ما يجتمع من درنها، وفيقة.

حشكت بنو سليمٍ على مياههم وهو الاجتماع. 120 - [فلم] ينظر به الحشك أنشد: 121 - وشيء ليس مني وهو مني ينازعني الطريق إذا انتحيت

لم يعرفه. قال أبو علي: لعله الفيء. بيت الشمر إذا كان صغيرًا خباء ثم بيت ثم مظلة، فإذا عظم فهو دوحة. ومنه انداح البطن واندحى إذا عظم. جمش رأسه واستحاه وسبته حلقه. ابن الأعرابي: سنة شهباء وحصاء وحرجاء ورملاء

وبقعاء، وشرها البيضاء والحمراء. قال سيلان السيف وهو الحديدة التي تدخل في المقبض. قال الفحول من الشعراء: الرواة من الشعراء. قال: وأنشد الكميت شعره لذي الرمة، فقال: أيشٍ تقول؟

فقال: أقول: قد تناولت الشيء ثم تباعد عنك، قال: لأنك رصفت ما رأيت وصففت ما حكى لي. قال رؤبة: كان الكميت يسلني عن كلام من الغريب ثم رأيته في شعره. /62 ب قال: وكان الطرماح والكميت يجلسان في مسجد الكوفة ثم يقولان: سل عما شئت علما باللغة والكلام، ثم لم يختلفا حتى ماتا على

مباينة الناس: هذا صفري وهذا شيعي مفرط. فلما ماتا قال بعضهم: مات اللغة والشعر والخطابة. قال: ودخل رؤبة على سليمان بن علي، وهو والي البصرة، فقال: أين أنت من النساء؟ قال: أطيل الظمء

ثم [أرد]، فأقصب. قال ثعلب: قصبت الإبل إذا وردت فلم تشرب، وأقصب الرجل إذا لم تشرب إبله. قال أنا كذلك، قال: لا أنت من كثرة الرغاث. ثعلب: رغث الجدي أمه إذا رضعها. عرس بالمكان يعرس إذا ثبت فيه وعرس بالغريم علق به.

الماتح الأعلى والمائح الأسفل، والمثل "أنا أعلم به من المائح باست الماتح. المرازان: الثديان؛ لأنه يمترز منهما أي يصاب. امترز فلان من عرض أصاب منه. أنشد: 122 - وكم من موعد [هو] ليس يدري أورد اللون لوني أم كميت

قال: يها بني أن ينظر إلي ولم يتأملني. "فمن عفى له من أخيه شيء" قال: من ترك أن يقتل فقد عفى له. قال: 123 - وترى الشجراء من ريتها كرءوسٍ قطعت فيه خمر

قال: يجتمع الغثاء إلى الشجر فيصير حوله. قال: الفرصة: النوبة، والفرصة قطعة من المسك، والفرسة الحدبة حتى تكون حرضًا الحرض: الذي لا ينتفع به. "والتين والزيتون" قال: يقسم بما خلق؛ لتعظيم ما خلق؛ لأنه لا يخلق أحد مثله. قال: والمعتزلة يقولون ورب التين. ثعلب الثيتل الوعلى: يسمى ثيتلا لطول قرونه. أنشد: 124 - غدت كالقطرة السجراء راحت أمام مزمزمٍ لجبٍ نفاها

نفاها يعني قذفها، وعين سجراء فيها حمرة في بياض. البواء: أن يقتل الرجل بالرجل. الحثارم: الذي لا يتطير. أنشد: 125 - فأيهما ما أتبعن فإنني ... حزين على تركي الذي أنا وادع

قال: لا يقالُ: ودعته ولا وذرته. قال: الدربةُ: الضراوةُ بالشيء. قال كعب بن مالكٍ: 126 - دربوا بضرب الدارعين وأسلموا ... مهجات أنفسهم لربِّ المشرق

مسألة 40

ملاخاةٌ: ميلٌ عن الحق والبر، ومنه لخونه: أملت المُسعط في أحد شقيه، ورجلٌ ألخى مائل الجنب. بعض بني هلالٍ: 127 - طراني الهم بعد النوم معتمداً ... وكل فجٍّ بساج الليل مسكور الساج: الطيلسان، ومسكور: مُغطى، ومنه: السكر تغطيةٌ على القلب. قال أبو علي أيده الله: ما نقوله في هذا أقرب. مسألة 40: ثعلب من نوادر اللحياني: رجلٌ أمنةٌ يأمنه الناس، ورجل أمنةٌ

بفتح الألف يُصدِّق بما يسمع ولا يُكذِّب بشيء. ويقال: فحل غُسلةٌ [ومغسلٌ] وغسيلٌ إذا كان كثير الضراب شطأت المرأة نكحتها. الجِنابُ: أرضٌ لكلب، والجَنابُ الناحية. فصولُ "نحوٍ" عن أحمد: مررتُ برجلٍ حسن الوجه، قال: قال سيبويه والخليل:

أردت الصفة ثم أبلُغ به إلى [الوجه] إذا قالوا: مررتُ برجل حسن الوجه والباب لا يدل على هذا؛ لأن العرب تقول: مررت برجل فاره البرذون ولا نكون الفراهة للرجل، وكذلك واسعُ الدار. والكسائي والفراء يجعلان هذا الباب منقولاً من الثاني إلى الأول. ويقولون: العربُ تمدح الرجل بما يكون له أو يُنسب إليه، فقالوا: مررت برجلٍ حسنٍ وجهاً، وفآرهٍ برذوناً، فثنوه وجمعوه على الأول،

وأخرجوا الثاني مفسراً؛ ليعلموا الجنس الذي مُدح به أو ذُم، ولا يقال فيما لا يُمدح به ولا يُذم، ولا يقال: مررتُ برجلٍ قائمٍ أباً، ولا قائم الأب؛ لأنه لا يمدح بالقيام فهكذا الباب أجمع. قوله تعالى: (ربنا ما خلقت هذا باطلاً). قال الكسائي: هذا القطع الصحيح إذا حسُن فيه "هو"، وهذا هو الباب فقس عليه. قال: "كلابٌ" صاحب كلاب، ومُكلِّ [يُعلم الكلاب. أنشد لابن عناب الطائي: 128 - دفعت [إليهِ] رسل كوماء جلدةٍ ... وأغضيت عنه الطرف حتى تضلعا تضلع: امتلأ ما بين أضلاعه. إذا قال قَطني قُلتُ آليتُ حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعاً

129 - يُدافع حيز وميه سخن صريحها ... وحلقاً تراه [للثميلة] مقنعاً قطني: حسبي، قلت: قد حلفت كي نشرب جميع ما في إنائك والثمالة رغوة اللبن، يريد أنه يرفع [حلقه] [لاستسقاء] اللبن. قال: العرب تقول: أريتك، أريتكما، وأريتكم، وكذلك المؤنث أريتك وأريتكما وأريتكن بفتح التاء وتثنية الكاف وجمعها للمذكر

والمؤنث في جميع العربية، ويختاره الكسائي والفراء إذا كان بمعنى أخبرني، ويتبعه الاستفهام يقولون: أريتك زيداً هل قام، وأريتكما هل قام؟ ومن هو؟ وأين ذهب؟ قال: وادعى الفراء أن الكاف [قامت] مقام التاء، فلذلك وحدوا التاء وثغوا الكاف وجمعوها، وربما همزوا. وقال الكسائي: إنما تركوا الهمز؛ ليفرقوا بينه وبين رأي العين. وقال الكسائي: الكاف [في موضع نصب].

وقال أهل البصرة الكاف لا موضع لها إنما هي للخطاب. قوله تعالى: (ألم الله) حُركت الميمُ، فاختلف الناس: فقال الفراء: هو ترك همز، أراد ألف لام ميم الله.

.................

وقال الكسائي: [حروف التهجي] يذهب بها ما بعدها [زاي ياء دال ادخل، وزاي ياء دال اذهب] فذهب بها الحركات التي بَعدُ. وقال سيبويه: وكل من قال بمقالته: تذهبُ للإدراج. قال: وقال أهل البصرة: للإدراج [ولو أراد ألف لام ميم ذلك لجازت له الحركة ولم تُسمع/ 63 أإذا كان ما بعده يتحرك]. وقوله [سبحان) فتحت؛ لأن تأويله الإضافة عند الفراء وهو تنزيه وضع موضع المصدر، في الأصل سبحت تسبيحاً وسبحاناً. قال الشاعر: 130 - (سبحان من علقمة الفاخر)

فقال الفراء: طلب الكاف ففتح. وقال أهل البصرة: لم يُجر. وهذا باطل؛ لأنهم قد أنشدوا: 131 - (سبحاناً) بالنصب

........

قال: فلا تكون نكرة وما أضيف، فأُسقط: فلا يكون نكرة. قال أبو علي أيده الله: ما قاله الفراء هذيانٌ، وما قاله أحمد من فاحش الخطأ، وظاهره الذي لا ينبغي أن يذهب على المبتدئ، و"سبحاناً" الذي أنشدوه لا ينافي ما قالوه ولا يدفعه، وذلك أن "سُبحان" عندهم قد صار معرفة لهذا المعنى مثل: "خضارة" للبحر، و"سحر" لليوم و"جيئل" للضبع، فلم ينصرف كما لم ينصرف عثمان، فأما ما نوِّن من قوله: (ثم سبحاناً يعود له) فعلى ضربين: يجوز أن يكون نكرة، كما قال بعضهم: "هذا ابن عِرسٍ مُقبلٌ"، وكما تقول: "زيدُنا" ومثل:

132 - (علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم) فلما نكر صرف. فهذا شائع مقيس. وإن شئت قلت: صرفه في الشعر كما قال: 133 - (فلتأتينك قصائدٌ) ونحو ذلك.

والوجه الأول أجود؛ لأنه لا ضرورة فيه، وما يكون معرفةً بالإضافة إذا حذف المضاف إليه منه تنكر. فأما كل وبعض فليس من هذا. رجع. قال: "أفما نحنُ بميتين إلا" هذه الألف ألف استفهام، ومنهم تعجبٌ. وقال ثعلبٌ: كل ما كان مثل العباس وعباسٍ وحسنٍ والحسن فإدخال الألف واللام وإخراجُها عند الكسائي والفراء- إذا سميا- واحد. وقال الخليل: إذ [أسقطهما] فلا يكون الاسم الأول، فلا يسقطهما إلا وقد حوَّل المعنى. وقال الكسائي والفراء: إذا سمينا بالحسن والعباس وكان نعتاً فقد خرج إلى الاسم، والاسمُ لا يحتاج إلى الألف واللام؛ لأنك تقول هذا زيدٌ الساعة وغداً وأمس، فتكون له الحالاتُ، وإذا قال: الحسنُ فتركت

الألف واللام فيه فهو للمعهود. فقد خرج إذا سميت به من تاك الطريق. قال: "قائمُ وأخوك يجيزه الفراء، ويحيله الكسائي. قال: لأن "قائمٌ: يؤدي عن اسمه واسم أخيه: هو احتجاج الفراء. قال: لا يكون "فعال" من أفعل إلا درَّاكٌ وجبارٌ وسآرٌ.

قال: وبعضهم ينكر سأر يعني من أسأرً في الإناء. قال: سو يكون، وسوف يكون، وسف يكون، وسى يكون وسيفعل، وسو يفعلُ، وسفْ يفعلُ وسوف يفعلُ. "فالحقُ والحق أقول" من نصبهما جميعاً أراد قال فأقول الحقِّ حقاً، ومن رفعهما جميعاً قال: فأنا الحق وقولي (لأملأن) فيصير أقول في صلة الحق، وترفع "الحق" باليمين. ومن قال: فالحق والحق أقول أراد فأنا الحق وأقول الحقِّ.

ومن قال: فالحق والحق أقول أراد فعلت الحق، وقولي لأملأن حقٌ.

قال: يقال: كأيِّن وكائن وكأي وكيء. يا هيما: يقولونه عند التعجب. وأنشد: 134 - يا هيَّما بسيرنا يا هيَّما

قال: قال الفراء: "أجمعون" معدولٌ عن "اجمع" وجمعاء، لأن هذا أصل النعوت فعُدِل إلى التوكيد وإلى ما لا يكون نعتاً، لأنك لا تقول: مررت بأجمعين، وتقول بأجمع وجمعاء، فلما عُدل صار في موضع واحد، ولما أن جاء بصورة النعت عاملوه معاملتين: معاملة النعت؛ ومعاملة التوكيد، فقالوا: أعجبني القصر أجمعُ وأجمعاً. أنشد أحمد: 135 - إذا لاقيت قومي فاسأليهم ... كفى قوماً بصاحبهم خبيراً يقول: إذا لاقيت قومي فاسأليهم عني كفى بقومي خُبراء بي، وكفى بي بهم خبيراً.

قال: قال أبو عثمان المازني: إذا قلت: "إن غداً يجيء زيدٌ" على إضمار الأمر والقصة، وتضمر الهاء. يعني [إنه] فيرجع إلى غدٍ. قال أحمد: وكُلُّ ذا غلطٌ. العرب تقول: إن فِيك يرغب زيدٌ، ولا تحتاج إلى إضمار الأمر؛ لأن المجهول لا يحذف. [و] من قال: "إنه قام زيدٌ" لم يحذف الهاء؛ لأن الهاء دخلت وقاية لـ"فَعَلَ" و"يفعل" فإذا سقطت كان خطأ مثل "إنما قام زيدٌ"، فدخلت "ما" وقاية لـ"فَعَل" و"يَفْعَل" فإن أسقطت "ما" كان خطأ أن تلي [إنَّ] "فَعَلَ ويَفعلُ"، وإظهار الهاء التي تعود على "غد" لا يجوز، لأنك لا تقول: إن زيداً ضربتُ؛ لأنه لا يقع عليه "إنَّ" والضرب فلا يحذفون الهاء. قال: وقال أبو عثمان: قالت العرب: زُهيَ الرجل وما أزهاه، وشغل وما أشغله وجُن وما أجنه، وهذا الضرب شاذ وإنما يحفظ حفظاً. قال أحمد: وهذا غلطٌ، هذا كثير في الكلام حتى صار مدحاً وذماً فتعجبت العرب من المفعول، لأنه صار مدحاً وذماً، وإنما يُتعجب من/ 63 ب الفاعل.

قال أحمد: وقال المازني في قول الشاعر: 136 - وكفى بنا فضلاً على من غيرنا ... حبُّ النبي مُحمدٍ إيانا إنما تدخل الباء على الفاعل، وهذا أيضاً شاذٌ أن تدخل الباء في الفاعل، ولكن قد حكى فأُدخل هذا على المفعول. قال أحمد: وكل هذا غلطٌ: العرب تقول: كفى بزيدٍ رجلاً، وكفى زيدٌ رجلاً، ونعم بزيدٍ رجلاً، ونِعمَ زيدٌ رجلاً. وحكى الكسائي عن العرب: مررت بأبياتٍ جاد بهن أبياتاً، وجادهن

أبياتاً، وجُدن أبياتاً: ثلاث لغات [وكذا مررتُ بقوم نِعمَ قوماً، ونِعمَ بهم قوماً، ونعموا قوما]. وهذا كثير في كلام العرب لا يقال شاذ: والمعنى أنهم يقولون: أحسِنْ بزيدٍ فيدخلون الباء في الممدوح كما قالوا: ما أحسن زيداً، وأحسِن بزيد، ليُعلموا أن الفعل لا يتصرف عليه، ويوحدون الفعل [لأن] المفسر يدل عليه، ويثنون ويجمعون على [الأصل]، فهذه ثلاث لغات مسموعاتٌ من العرب. قال الفراء: الأعداد لا يُكنى عنها ثانيةً، فلا أقول: عندي الخمسة الدراهم والستتها. وأقول: عندي الحسن الوجه الجميلةُ، فأكنى عنه، فكل ما كنيتُ عنه كان مفعولاً، وكل ما لم أكن عنه لم يكن مفعولاً. وقال أصحاب الكسائي: بلى نَكْنيِ عن هذا كما كنينا عن ذاك. قال أحمد ثعلب: قال [بعضهم] قلت لسيبويه كيف تنشد:

137 - (يا صاح يا ذا الضامر العنس)

[قال: فرفع]. قال: فقلت له: وأيشٍ تصنع بالرحلِ؟ فقال: مِنْ ذا أفر [وتصعد] في الدرجة. قال: وبعده "والرحل ذي الأقتاب والحلس".

قال أحمد: ذهب في الرفع إلى "يا هذا الضامر" فلما جاء "الرحل" بالخفض قال: من هذا أفرّ. وقال أحمد: ابنُ عِرسٍ، وابن نعشٍ، وابن قترة، وابن تمرة.

وابن أوبر، هؤلاء الأحرف واحدهن مذكر وجماعتهن مؤنثةٌ. إذا قُلت ثلاثةٌ، أو أربعةٌ، أو خمسةٌ قُلتها بالهاء. إلى هنا حكايات ثعلبٍ. قال أبو عمر في الفرخ: قوله "قضهُم بقضيضهم" يرفع وينصب

مثل خمستهم وثلاثتهم، قال: وكلاهما جيدان كثيران.

قال: وَ"وَحدهُ" منصوب إلا في ثلاثة مواضع: نسيجُ وحده، وجُحيشُ وحده، وعييرُ وحده. وحكى أن بعضهم يقول: جحيشُ وحدِهِم. وفُسر "جُحيشُ" و"عُييرُ" بأنهما اللذان يستبدان بالأمر، ولا يكون عندهما غناءٌ.

وقال - في حذارٍ ونحوه - لا نقيسه، قال: ولكن نقوله فيما قالوه، ولا نقيس ما لم يقولوا منه على الذي قالوه. ومما سُميِّ به الفعل "ها" وتلحقه الكاف "هاك". وتُلحق الهمزة الكلمة فتقول: "هاء"، فتكون الهمزة مفتوحةً. وتُلحق الكاف فتقول؛ هاءك، وهاءكما، وهاءكم، وهاءك، وهاءكن. فما تُلحق من علامة الخطاب يبين أعداد المخاطبين وتأنيثهم وتذكيرهم. وتحذف الكاف فتجعل في الهزة من الحركات للفضل مثل ما كان يكون في الكاف لو ثبتت، فتقول: هاء للذكر وهاء للمرأة وتوصل به علامة الضمير فتقول للمؤنث: هائي مثل هاتي. قال أبو علي - أيده الله: وهذا عندي شاذ لا نظير له في كلامهم. ألا ترى أنه ليس في كلامهم شيءٌ من هذه الأصوات التي سُميت بها الأفعال ظهر علامة الفاعل في لفظه، وقد جاء في هذا الحرفِ، ومجيئه يُشكل على الحكم بأن "ليس" فعلٌ؛ لأن "ليس" إنما حُكم بكونها فعلاً بلحاق الإضمارات لها. و"ها" قد وُجد هذا فيه وهي صوتٌ فعلاً. فأما هاتٍ فقد يجوز أن يكون مثل "هاء" صوتاً"، ويجوز أن يكون فعلاً صحيحاً اشتُق من الصوت مثل دعدعت وهاهيت، وكأن هذا

جاز فيه عندي؛ لأنهم أجروه مُجرى خلافه الذي هو "هاتٍ". فكما فعلوا ذلك بالخلاف كذلك استجيز ذلك في خلافه الذي هو "ها" وإن لم يكن فعلاً ووطأ ذلك تعاقُب الحركاتِ على همزته [لاختلاف] المخاطبين. فهذا الذي أثبته مما أقمته أنا في نفسي مما ذكره أبو عمر، وسنكتب الباب من كتابه على الوجه وهو بابٌ شبيهٌ بما مضى. يقولون "ها يا رجل" و"هايا رجلان" و"هايا رجالُ"، وها يا نساءُ، وهايا امرأة إذا أردت أن تعطيه شيئاً. ومنهم من يُلحق "هاء" كاف المخاطبة لمن خاطب، ويدع اسم الفعل على حاله فيقول للرجل هاءك يا رجل، وللاثنين: هاء كما يا رجلان، وهاءكم يا رجال، وهاءك يا امرأة، وهاء كنَّ يا نسوة. ومنهم من يحذف من "هاء" وهم قليل يقولون: هاك يا رجل، وها كما يا رجلان، وهاكُم يا رجال، وهاكن. وهذه قليلةٌ. ومنهم من يقول: هَاءَ يا رجل، وهَاءِ يا امرأة، وللاثنين؛ هاؤما، وللرجال هاؤُم، وللنساء. هاؤون. وقال الله تعالى (هاؤمُ اقرءوا كتابيه)

وذلك لأنهم حذفوا كاف المخاطبة، والقوا حركتها على الهمزة في هذه اللغة. ومنهم من يقول: هاء يا رجل، وللمرأة، هائي مثل هاعي، ويُجريه مُجرى هاتِ يا رجل، وهاتي/ 64 أيا امرأة، وللاثنين. هائيا. ومنهم من يقول: هاءيا، فيفتح الهمزة. وذلك قليل في اللغة رديء في القياس. وللجميع هاءوا: وللنساء: هائين. وذلك إذا دفعت إليه شيئاً. ومثله في اللفظ إلا أن معناه أنك تسأل صاحبك أن يُناولك شيئاً قولك هات يا رجل: وهاتي للمرأة، وهاتيا للاثنين، وهاتوا للرجال، وهاتين للنساء. فإذا سألت قلت: وما أُهاتيك أو ما أهاتي لك. وإن ردَّ عليك قال: لا أُهاتي لك، ولا أهاتيك. قال أبو بكر في الأصول عن الكوفيين: ظننتها هندٌ قائمةٌ، قال: ولا أعلمه مسموعاً من العرب.

قال أبو علي - أيده الله-: يعني أن تأنيث القصة لم يحكه أصحابنا بل حكوا تذكيرها، وهو "إنه قام زيدٌ"، وقد جاء "فإنها لا تعمى الأبصار". وجاء "فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا". وحكى عنهم أنهم يجيزون في المجهول: ظننته قائماً زيدٌ. فينصبون "قائماً". قال: وهذا لا وجه له في قياسٍ ولا سماعٍ. قال أبو علي - أيده الله-: وكذلك عندي هذا، لأن هذا إنما يُفسر بالجمل. فاسم الفاعل فيه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون خبر ابتداء مقدماً أو اسم فاعلٍ معملا، ولا يجوز انتصاب خبر المبتدإ، وكذلك لا يجوز انتصاب اسم الفاعل المُعمل عمل الفعل؛ لأن الظن إنما يعمل في

موضع الجملة دون لفظها، ولا يكون أن يعمل في لفظها وموضعها. فغن جعلته على غير هذين الوجهين فقد فسرته بغير الجملة. قالك ولم يُجز الكوفيون إعمال "ظننت" مع الماضي والمستقبل إذا توسط، نحو قام- ظننت- زيدٌ، ويقوم - ظننتُ- زيدٌ. قال: وجواز الإعمال كجواز الإلغاء عندنا. قال: و"ظننت طعامك زيداً آكلاً" مثل "كانت زيداً الحُمى تأخذ" من وجه وتخالفه من وجه. فجهة الخلاف أن الفعل - هنا - عمل في الفاعل؛ وفي "كان" لم يعمل. وجهة الوفاق أن "ظننت" مثل "كان" في الدخول على الابتداء والخبر؛ والفصل بما لم تعمل فيه "ظننتُ" بين "ظننتُ" وبين معموله مثله في كان.

قال أبو علي - أيده الله-: وهو عندي ممتنع. قال: وأجازوا "ظننتُ زيداً يقوم وقاعداً" وظننت زيداً قاعداً ويقوم. قال: وهو عندي قبيح؛ لعطفهم الفعل على الاسم؛ والاسم على الفعل؛ والعطف نظير التثنية. قال: ووجه الجواز لمضارعة "يفعلُ" "فاعلاً". قال: وأجاز بعضهم: "زيد في ظني قائم" على أن يكون في ظني، من صلة قائم؛ لأنه جعله قائماً في ظنه. قال: ويكون وهو من صلة كلام المتكلم.

قال أبو علي - أيده الله-: كأنه يكون أُثْبِتُ في ظني وأقر في ظني. قال: ويجوز ظننته زيداً قائماً على أن تكون الهاء للمصدر، وعلى أن تكون للزمان أو المكان كأنك أردت "ظننتُ فيه" ثم اتسعت. وتقول: ظننتُ ظاناً زيداً أخاك عمراً، وظُن ظاناً عمراً أخاك بكرٌ، ويجوز أن ترفع "ظاناً" فتقول: ظُن ظانٌ عمراً أخاك بكراً.

قال أبو علي - أيده الله-: هذا قبيح، لجعلك الفاعل النكرة وهو في المعرفة أوجه. رجع: "وظن مظنونٌ زيداً عمراً" أي ظُن رجلٌ مظنون زيداً عمراً كأنك قلت: ظُنَّ رجلٌ عمراً، وظُن مظنونٌ زيداً أخاه عمراً، تريد: ظُن رجلٌ مظنونٌ زيدٌ أخاه. فالهاه ترجع إلى الخلف.

قال: وأجاز الكوفيون: ظُنَّ زيدٌ قائماً أبوه، قالوا على معنى أن يقوم أبوه. قال أبو علي - أيده الله-: أحسنُ ما يتأول عليه قولهم: على معنى أن يَقوم أبوه أن يجعله بمنزلة الفعل. قال: ولم يجزه البصريون؛ لأنه نقض لجميع باب الظن. قال: وينشد الكوفيون: 138 - أظُنَّ ابن طرثوثٍ عُيينةُ ذاهباً ... بعاديتي تكذابه وجعائله

مسألة 41

مسألة 41: 139 - هُما حين يسعى المرء مسعاة أهله ... أناخا فشداك العقال المؤرب

قال أبو علي - أيده الله-: العامل في "حين" "أناخا" وخبر المبتدأ "العِقالُ"، فالفصل بين المبتدأ وخبره بـ"أنا خافشداك" جائز، لأن فيه تشديداً للكلام ألا ترى أنه يؤكد ما يريده من لزوم هجنة أبويه له، فهو من أجل تسديده لهذا المعنى مثل زيدٌ- فافهم ما أقول- رجل صدقٍ، جاز حيث كان "افهم ما أقول" تسديداً وتأكيداً للمبتدأ وخبره، إلا أن الفصل بين المبتدأ والخبر بـ"حين" قبيحٌ. ألا ترى أنه لا يتصل بواحد منهما، إنما يتصل بما يتصل بهما فهو إذن/ 64 ب مثل: كانت زيداً الحُمى تأخذ. ففي البيت فصلان: أحدهما حشو في الكلام، وهو الفصل بالجملة، والآخر غير جائز في الكلام، إنما يجوز في الشعر كقوله:

140 - (أبو أمِّه حيٌ أبوه يقاربه)

........................

والمعنى: حين يسعى المرء لبناء المعالي لم يسعيا، لأن المُنيخ لا يسعى فكأنهما بإناختهما وتركهما السعي قصراك وحبساك عن رُتبة ذوي المعالي والمآثر التي ابتناها أولوهم لهم. وهذه القصة كأنها فيما مضى، لأن المعنى كأنه على أن أولئك لم يطلبوا المعالي فإذا كان كذلك كان "يسعى" في موضع "سَعى"، والظرف بمعنى "إذْ" دون "إذا"، ويؤكد ذلك قوله "أناخا" فجاء جوابه على مثال الماضي؛ لأن الأول أيضاً كذلك، فمثل الأول قوله: 141 - ولقد أُمرُّ على اللئيم يسبني ... فمضيت ....... يريد: مررتُ.

وإن شئت جعلته - وإن كان ماضياً - في تقدير ما لم يمض، على أن يكون المعنى أنه أن طلب أهل المساعي مساعيهم تأخر جداك، ألا ترى أن سيبويه حمل قول الفرزدق: 142 - (أتغضب [أن] أُذنا قتيبة حزتا) على هذا المعنى.

مسألة 42

وزعموا أن القصة كانت مضت وقت قولِ هذا الشعر، فإذا جعلته كذلك كان "يسعى" مراداً بهذا الاستقبال، والظرف الذي هو "حين" بمعنى "إذا" فتضيفهُ إلى السمتقبل خاصة دون المضي؛ ويكون "أناخا" في موضع "ينيخان" و"وشدَّاك" في موضع "يَشُدانك". مسألة 42: قال أبو علي - أيده الله-: مما يدل على أن الفعل مع الفاعل يجري مجرى الشيء الواحد وُقوعهما في الاستثناء نحو جاءني القوم لا يكون [زيدا]

كان لـ"إلا"؛ لأنها حرفٌ ثم وقعت "غيرٌ" موقع "إلا" كما وقعت "إلا"؛ موقعها في الصفة و"غيرٌ" اسم ثم وقع الفعل والفاعل موضع الاسم، فموضع الجملة على هذا المسلك نصب كما كان غيرُ نصبا في الاستثناء. ومن حيث ذكرنا أنه وقع موقع المفرد لم يُستعمل الإظهار في الفاعل، لأنه واقعٌ موقع الاسم المفرد كما لم يستعمل إظهار "أن" في قولك ما كان ليفعل حيث كان نفياً لفعل معه حرف لا يعمل فيه؛ فكما لم يعمل الحرف في الفعل في الإيجاب كذلك في النفي لم يعمل فيه؛ لأن النفي يجري مجرى الإيجاب. ومن ثم قال أبو عثمان في "لن يفعل" إنه خارجٌ عن القياس أراد أنه لما كان نفياً لما لم يعمل فيه الفعلُ في الإيجاب كذلك كان ينبغي أن لا يعمل فيه النفي. ألا ترى أن "لا رجل" لما كان جواباً لشيء قد كان عمل في المبتدإ منه عاملٌ في الإثبات عمل في النفي أيضاً فيه عامل. ثعلب: ما يُعجبني أن يقوم زيدٌ.

قال: هذا قبيح وفي الشعر جائز. قال: الساهور الدارة التي فيها القمر إذا انكسف، والسنمار القمر والباجور: القمر. أنشد: 143 - ألا ربما لم نُعط [زيقاً] بحكمه ... فأدى إلينا الحكم والغُل لاَزِبُ

أراد لم [نُعطِ] زِيقاً] حكمه: 144 - لا يقرأن بالسور أي السور.

الذفر: النتن والطيب، والدفر: النتن لا غير بيتٌ مسحورٌ: مفسدٌ، عن ابن الأعرابي. وقال الأصمعي: المسحور: المعلل.

"خلقكم أطواراً" قال: خِلقاً مختلفةً. من نوادر اللحياني: سمع الكسائي: نؤىُ الدار ونئيُ الدار. قال: وسمعت نأيَ الدار من غير واحد، والنؤي مثل النُّعَي وأنشد: 145 - (عليها موقدٌ ونؤي رماد)

ثعلب: قال: حلوى يُمدُّ ويقصر. تزوجت في خطامٍ إذا تزوجت زوجين. ثعلب: الطهر من الحيض، وليس الحيض من الطهر، ولولا الحيض لم يكن الطهرُ، والحيض يجر الطهر، والطهرُ لا يَجُرُّ الحيضَ، والإقراء الحيضُ بعينه، وقال: 146 - (من قُروءٍ نسائكا) واحتج أصحابُ الفقه بهذا أن الإقراء هو الطهر بعينه، ولولا

الحيض ما كان طهرٌ، وليس القرء في كلام العرب إلا الوقت: وقت الشيء. وللْحُمَّى [قرءٌ]. أنشد: 147 - شنئتُ العقر عقر بني شُليلٍ ... إذا هبت لقارئها الرياح أنشد: 148 - وكانت له رِبْعِيةٌ يحذرونها ... إذا حصحصت ماء السماء القنابل

ويروى القبائل، فالقنابل جمع قنبلةٍ، والقبائل جمع قبيلةٍ، وربيعة غزوةٌ في الربيع. قال: يقال للرجل إذا جال في متنِ الفرسِ: تدثرهُ واستسفده إذا رَكِبَهُ من خلفٍ. أنشد:

149 - (إذا ذاقها ذو الحِلم منهم تقطربا) قال: صار كالقطرب، وهو دويبةٌ قال: وهو يحرك رأسه. قال: الدرجة: أن تشتكي رحمها فتدخل فيه دواءً. وأنشد: 150 - كأنك لم تعطف علوقاً بدرجةٍ ... كداهيةٍ [ربداء] تردى الأياصرا العلوق التي ترأم بأنفها، وتمنع ضرعها، والدرجة أنهم إذا

أرادوا أن يعطفوا الناقة على ولدِ غيرها أدرجوا خشرقةً إدراجاً شديداً ثم أدخلوها في حياء الناقة، ثم عصبوا أنفها حتى يُمسك نفسها، ثم يحلون عن أنفها ويُخرجون الدرجة فيلطخون الولد [فيما] يخرج على الخِرقة ثم يدنونه منها فتر أمه وتظنه ولدها. [أربت] يداه: انقطعتا. والأراب/ 65 أالقطع. والإربُ: الدهيُ، والأربُ الحاجة، والأربةُ المعقدة.

الثُفاء [حب] الرشادِ، الندع الصعتر، والحنيفية

الميلُ، و [حنف] إلى الشيء مال. رجلٌ أسلع: أبرص، رجل أعرمُ: أي أقلف، والأعرمُ سواد في بياض أيضاً. ودهر أعرم: ذو لونين. قانه يقينه قياناً: أصلحه.

أنشد: 151 - فعفراء أحظى الناس عندي مودةً ... وعفراءُ عني المعرض المتواني قال: وذكر المعرض على الشخص. كنا نسوق فعرضنا فلانا إذا حملوه على بعير معترضًأ من التعب، وأتانا فُلانٌ فعرضته: إذا أعطيته، وقد مرَّ فلانٌ مستعرضاً: إذا قدم بِعَرَضٍ من الدنيا من مالٍ أو خيلٍ، وجمعُ العرض عُرُوضٌ.

ورجل فيه عُرضيةٌ إذا كان فيه التواءٌ ومنعةٌ، وهو مثل العُنجهية، والعيدهية. و"النقدُ عند الحافر"، قال: عند أول كلمةٍ.

أنشدَ لِعُروةَ بن حزامٍ: 152 - فقالا شفاك الله والله مالنا ... بما ضُمنتْ منك الضلوع يدان

حرَّشتُ بين القوم وأرشتُ بينهم واحد، ومنه أُخذَ الأرشُ، ومعناه أن يقول: هذا ليس عليَّ، ويقول الآخرُ: هذا عليك. عَمِل طعاماً فقزحهُ طرح فيه الأبزار. ماله غُلَّ أُلَّ: أُلَّ: دُفِعَ في قفاه، وغُلَّ جُنَّ أنشد: 153 - (وهو يَؤُلُّ المُشى أَلاَّ ألاَّ)

قَمِرَتِ الإبلُ: رويت من الماء، وقَمِرَ الكلأ: كثر، و [قمر] الرجل إذا لم ير في القمر. (إن الذين آمنوا والذين هادوا) قال الكسائي: تابوا، وقال الفراء: عدد ألوان الكفر. "أدركني ولو بأحد المغروَّين" قال: بالرمح أو بالسهم.

[أَلِبَ] يألبُ إذا حام حول الماء ولم يقدر أن [يصير] إليه. قال: وُلِد لعبد الملك بن مروان ابنٌ فقيل له: اسقه لبَن اللبَنِ، وهو أن تُسقى ظئره اللبن، فيكون ما يشربُ لبن اللبن، فقصرت عليها ناقةٌ، فقيل لحالبها: كيف تحلُبُها: أخنفاً، أم مصراً، أم فطراً؟ [الخنفُ]: الحلبُ بأربعِ أصابع ويستعين معها بالإبهام. والمصرُ: بثلاث، والفطرُ بإصبعين وطرفِ الإبهام.

"نزل بهم ضيفٌ فما حسبوه" قال: ما طرحوا له وسادةً، وقال قوم: ما أكرموه. "أخذهُ عنوةً" تكون عن طاعةٍ وعن غير طاعةٍ، أنشد: 154 - وما أسلموها عنوةً عن مودةٍ ... ولكن بحدِّ [المشرفي] استقالها

"كأنك حفيٌّ عنها" قال: عالمٌ بها. "فارسٌ بطلٌ": قال: معنى بطل على الناس: لا يُدرك منه بدمٍ. أنشد: 155 - أقولُ إذا نفسي من الوجدِ أصعدت ... بها زفرةٌ تعتادها هي ماهيا 156 - ألا ليت لُبنى لم تكن لي خُلةً ... ولم تلقني لُبنى ولم أدرِ ماهيا

قال أحمد: إذا قالوا: "أزيدٌ طعامك آكِلُهُ". فالوجه في الطعام النصب مع الماضي والمستقبل فإذا قالوا: "آكِلَهُ" أحاله أهل البصرة وأجازه الفراء والكسائي بإضمار "هو" يُرفعُ "الطعامُ" و"هو" بـ"آكل" ثم يحذف هو كما قال: 157 - أمُسلمتي للموتِ أنتِ فَمَيتٌ ... وهل للنفوس [المسلمات] بقاء يريد: فَمَيِّتٌ أنا. قال أبو علي - أيده الله-: مع الماضي لا يجوز النصب عندنا ولا عند الفراء فيما حكى أحمد عنه في غير هذا الموضع، وهذا الشعر الذي استشهد به ليس بحجة، لأنه قد قال: "أمُسلِمَتي" ومع ذلك فإنه يجوز أن يكون قد أضمر المبتدأ أي "فأنا ميتٌ" أي أنا سأموتُ إن أسلمتني إلى الموت، وجاز هذا كما جاز "إنك ميتٌ وإنهم ميتون" وقوله: "المسلماتُ" أي المسلماتُ إلى الموتِ المُسنطِلُ: الذي يمشي ويطأطئُ رأسه.

الهيكلُ: العظيم الضخم. جعله في حُذلِهِ: أي في حجزَتِهِ. تقول العرب: خشيةٌ خيرٌ من مِلءِ واحدٍ حباً، ويقولون: فرقٌ خيرٌ من حبين. باب لُغةٍ: الأبكمُ الذي [يُولد] [لا] يسمعُ ولا يُبصرُ.

اللحياني: يقال: "هدىٌّ" لبيت الله، وأهل الحجاز يخففون، وتميم تُثَقِّلُهُ، وواحد الهدي هديةٌ، وقد قُرئ بالوجهين: "حتى يبلُغ الهديُ محلهُ" و"الهديُّ محلهُ". ويقال: فُلانٌ هديُّ بني فُلانٍ، وهديُ بني فلان أي جارهم يحرمُ عليهم منه ما يحرمُ من الهديِ. وأهديتُ الهديَ إهداءً، وأهديتُ الهديةَ إهداء. وهديتُ العروس إلى زوجها هداء، ويقال: "أهديتها" بالألف. ويقال: نظر فُلانٌ هديةَ أمره: أي جهة أمره. وما أحسنَ هديهُ: أي سمتهُ وسُكوتهُ. وأتيته بعد هدء من الليل، وحين هدأ الناس، وحين هدأتِ الرجلُ. وهدي الرجل هدءاً: إذا انحنى، وأهدأته أنا وهديتُ الضالة أهديها هدايةً، وهديتهُ [للدين] أهديةِ هدىً ورجل مهداء: يُكثر الهدايا

والمِهدَى: الطبقُ الذي يهدى عليه. وحكى أبو زيد والكسائي: هدايا وهداوى ثعلبٌ: الشغشغة: صوتُ الطعن، والهيقعة صوتُ السيف. ضربه فوقطه وأقطه إذا غُشي عليه. أنشد: 158 - وعند الدهيمِ لو تَحُلُّ عقالها ... لِتُصعِدَ لم تعدم من الجن حادياً

قال الأثرم: لما أتيَ برءوسِ أولاده توهم أنها بيض النعام، فلما نظر إلى الرءوس ضربه مثلاً لكل داهية. الطرماح: 159 - فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وهم لنا منها كهم المراهن قال لنا منها همٌّ كما لهذا/ 65 ب الذي راهن بفرسه.

ثعلب: أتيتهُ آنيةً بعد آنيةٍ مثلُ عانيةٍ أي تارة بعد تارة، وقال: (وآنيةً يخرجن من غامرٍ ضحل) قال: والآناءُ: الساعاتُ، قال:

160 - حلوٌ ومرٌ كعطفِ القدح مِرتُهُ ... في كلٍّ إنيٍ قضاهُ الليل ينتعلُ قضاهُ: صنعهُ، والانتعال: ركوب الحِرار، والنعلُ: الحَرَّةُ، والحَرَّةُ: الحِجارةُ السودُ. الحرشفُ: الجرادُ.

قال: ومن جعلهُ أيضاً يلبس نعلين ينتعلهما فقد أخطأ في قول أبي عمرو. أنشد: 161 - وكُلُّ أجردَ كالسرحانِ آزره ... مسحُ الأكُفِّ وسعيٍ بعد إطعام آزره: قوَّاه. راجز: 162 - كأن جذعاً باسقاً من صوره ... ما بين لحييه إلى سِنوره قال: صورُ النخلة أصلها وما انغرس في الأرض منها. وسنوره: العظمُ الشاخص من العنق، والصورك الحيطانُ: الصغارُ من النخلِ، وهي الحُشان أيضاً.

أنشد: 163 - وكم مَلِكٍ فارقتهُ عن مودةٍ ... بإغلاق بابٍ أو بتشديد حاجب 164 - ولي في غنى نفسي مرادٌ ومذهبٌ ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهب آخر: 165 - وانتصف النهار والنعام ... والمُهرُ مردمٌ له قتام انتصف النهار والمُهرُ على نشاطه برطيلٌ: حَجرٌ طويلٌ.

ورُويَ عن عمرَ بن شبة قال: كانت سُنةُ بني أمية شتم علي عليه السلام على منابرهم فلما استُخلف عمر بن عبد العزيز لم يفعل، فقيل له في ذلك فقال: سبحان الله! إن الرجل لا يزال عند الله صدوقاً حتى يكذب، فإذا كذب فجر، فما أقبح الفجور بمن خوله ما خولني. إنا لا نَغُرُّ عباد الله من ربهم، ولا نُقوي المُلك بالإفك والظلم، وإنه لا يُفل مع الحق، ولا يقوى مع الباطل عديدٌ. ففي ذلك يقول كُثيرٌ:

166 - وليت فلم تشتمِ علياً ولم تُخف ... بريئاً ولم تتبع سجية مُجرم

167 - وقُلت فصدقت الذي قلت بالذي ... فعلت فأضحى راضياً كل مسلمِ 168 - تكلمت بالحق المبين وإنما ... تُبينُ آياتُ الهدى بالتكلم 169 - ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه ... من العوج الباقي ثقافُ المقوم 170 - وقد لبست لُبسَ الملوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بعينٍ ومبسم

171 - فتومضُ أحياناً بعين مريضةٍ ... وتبسمُ عن مثل الجمان المنظم 172 - فتُعرِضُ عنها مشمئزاً كأنما ... سقتك مذوفاً من سمامٍ وعلقم أنشد: 173 - ومنهلٍ من الفلا في أوسطه ... من ذا وهذاك وذا في مسقطه

المنهلُ: الموضع فيه الماء وأُخِذَ من العللِ والنهلِ. وأنشد: 174 - ومنهلٍ أعور إحدى العينين ... بصيرِ [أخرى] وأصمِّ الأذنين قطعته بالسمت لا بالسمتين

قال: كانت في هذه الموضع بئران فعورت إحداهما وبقيت الأخرى. وأصم الأذنين: ليس به جبلٌ فيُسمع صوتُ الصدى. بالسمت لا بالسمتين: قيل له مرة واحدة: خذ كذا. أنشد: 175 - وكان ابنُ أجمالٍ إذا ما اتقطعت ... صُدورُ السياط شرعهن المخوف يقول: إذا قطع الناس السياط على إبلهم كفى هذا التخويف له. أنشد: 176 - ومهمهين قذفين مرتين ... قطعته بالسمت لا بالسمتين

مسألة 43

قال: قطعته بسؤالٍ واحد. مسألة 43: قال أبو علي أيده الله: لا ينبغي أن يجوز في قول الكوفيين: "ظُنَّ

زيدٌ قائماً أبوه" على أن يكون المراد: "ظُن زيدٌ أن يقوم أبوه" كما قالوا: إنهم يجيزونه عليه من حيث جاز: (أظنَّ ابنُ طرثوثٍ عُتيبةُ ذاهباً ... بعاريتي تكذابه وجعائلة) وذلك أن البيت إنما عَمِلَ فيه "الظن" في اسم فاعل مبتدإ به مُعملٍ عمل الفعل فاعله سادٌّ مسد خبر الابتداء، فدخل "ظننتُ" وسد مسد المفعول اثاني، كما كان سد مسدَّ خبر المبتدأ، فالظن إنما عمل في جملة واحدة، وهذا مستقيم. ونظيره قولهم: علمت أن زيداً قائمٌ، وظننتُ أن يقوم زيدٌ، فالفاعل وخبر "أن" -هاهنا- قد سدا مسد المفعول الثاني. فكذلك في اليبت، والظن عامل في جملة واحدة. وهم حيث أجازوا: ظُنَّ زيدٌ قائماً أبوه، فقد أعملوا الظن في "زيد"، وأعملوه في "قائم" الذي هو من جملة أخرى واقعةٍ في موقع خبر الظن المنقول من خبر المبتدأ، فأعملوا الظن في اسم مفرد، وبعضِ جملة أخرى، وليس لهذا نظير في كلامهم، ولا وجه له في القياس. ألا ترى أن الجملة التي تقع في موضع المفعول الثاني لا يعمل الظن، ولا "كان"، ولا "إنَّ" في شيء من جزءيها على انفراده، وإنما يعمل في موضع جزءيها مجتمعين، تقول: كان زيدٌ أبوه منطلق فيكون "الأبٌ" و"منطلقٌ" في موضع نصب. ولو نصبت منطلقاً في هذه المسألة فأعملت "كان" في بعض الجملة/ 66 أكان خطأ عند الناس جميعاً.

فكما أن هذا خطأ، فكذلك ما أجازوه في الظن. ألا ترى أن هذا في الجزء الثاني من الجملة في "كان" مثل ما [أجازوه] في الجزء الأول من الجملة في "ظُنَّ". فكما لا يجوز ما أعلمتك في "كان" كذلك لا يجوز ما أجازوه في "ظُنَّ". ولو قلت مبتدئاً: "زيدٌ أبوه قائمٌ" فجعلت "الأب" ابتداء ثانياً، ثم قدمت الخبر فقلت: "زيدٌ قائمٌ أبوه"، فأدخلت "ظننتُ" قلت: "ظننتُ زيداً قائمٌ أبوه" لم يجز أن تُعمِل الظن في "قائم"؛ لأن خبر مبتدإٍ، فالجملة في موضع نصب، ولا يُعملُ شيء من هذه العوامل الداخلة على المبتدإ وخبره في اسم وجُزءٍ من واقعة في موقع خبر المبتدإ. ولكن لو قلت: "زيدٌ قائمٌ أبوه" فرفعت "القائم" بأنه خبر المبتدإ لقلت: "ظننتُ زيداً قائماً أبوهُ"، "وظُنَّ زيدٌ قائماً أبوه" كما تقول: "ظُنَّ زيدٌ قائماً". ألا ترى أن ما عاد إليه من "أبيه" بمنزلة ما عاد إليه من "قائم"، فالظن على هذا عَمِلَ في جزءَي جملة واحدة، وهكذا شأنها أن تعمل [أن تعمل].

مسألة 44

وعلى قول الكوفيين أن قولك: "ذاهبٌ زيدٌ"، "ذاهبٌ" بمنزلة "رجل"، ويجوز أن يكون خلفاً من محذوف لا مَثَلَ له، فإنما هو خطأ في القياس، فقف عليه إلى هنا فليس ما أجازوه قياس البيت. مسألة 44: قال أبو بكر: لا يجوز في قول من قال: "عَلِمتُهُ زيدٌ منطلقٌ" فأضمر القصة والحديث أن يُضمر في: أعلمتهُ زيدٌ عمروٌ خيرُ الناس.

قال أبو علي - أيده الله- لأنه عندي إذا شُغل الفعل بالمجهول لم يخلُ من أن يُعمِلَ الفعل فيما بعد المجهول، أو لا يُعمِلَه، فإن أعمل فيه الفعل لم يجز من وجهين: أحدهما أن الخبر والقصة إذا أضمر فُِّر بجملة، وانت إذا نصبت الاسم لم يكن جملة، إنما يكون مفعولاً، وتفسيره إنما يكون بالجمل. والآخر: فساده في المعنى، وقد قاله أبو بكر، وهو أن المعنى يكون: أعلمت الخبرَ زيداً كذا وكذا، والخبر لا يعلم شيئاً، إنما يعلم من يجوز أن يعلم. وإن لم يعمل "ظننتُ" إذا شغلته بالهاء في: ظننتهُ زيدٌ منطلقٌ لم يجُز لأنه يبقى اسم مفرد لا يُسنده إلى شيء، ولا يستند إليه شيء. فإذا كان كذلك لم يجز إضمارها في "أعْلَمْتُ" كما جاز في "عَلِمْتُ". وإذا لم يخل الإضمارُ في المجهول من أحد هذين، ولم يجوز أُثبت أنه لا يجوز. قال: وتقول: أعلَمْتُ زيداً عمراً ظاناً أخاك بكرا.

قال: ولو قلت: أعلمتُ زيداً عمراً [خالدا] لم يجُز. ألا ترى أن "عمراً" لا يكون [خالداً] والمفعول الثالث هو الثاني إلا أن يكون له اسمان، أو يكون يسد مسده. وتقول: أعلمتُ زيداً عمراً هِندٌ مُعجبها هوَ. فلا بد من "هو"؛ لأن الفعل جرى على غير من هو له. قال: ويجوز أن تَكنْيَ عن معنى الجملة فتقول: أعلَمتُ زيداً عمراً إياهُ، ولا تكْنِيَ عن نفسِ الجملةِ. قال أبو علي - أيده الله-: لستُ أعرِف الكناية عن معنى الجملة لأحد من أصحابنا إلا شيئاً أجازه أبو عثمان في كتاب الإخبار على تمريض.

ومن مسائل هذا الباب أنك إذا عدَّيتَ الفعل إلى ثلاثةِ مفعولين لم يجز إذا ذكرت ظرفاً مع المفعولين أن ننصبه على الاتساع نصب المفعول به، لأن الفعل يصير متعدياً إلى أربعة مفعولين، وهذا لا نظير له، وغذا لم يكن له مثلٌ في كلامهم لم يجز كما لم يجُز ما أجازه الكوفيون في "ظُنَّ زيدٌ قائماً أبوه" على الحد الذي أجازوه، ولم أر أبا بكر في هذا الباب تكلَّم في الاقتصار على المفعول الأول في هذا الموضع. وذكر في كتابه في الإخبار أن الاقتصار على المفعول الأول جائز، وقد احتججنا له في ذلك في كتابنا في شرح المسائل المشكلة من العربية.

مسألة 45

مسألة 45: 177 - (لا أبَ وابناً مثلُ مروان وابنه)

.....................

قال أبو علي- أيده الله- يحتمل "مثل" أمرين: يكون صفة ويكون خبراً، فإن جعلته صفة احتمل أمرين: يجوز أن ننصبه على اللفظ؛ لأن اللفظ منصوب فتحمله عليه. وإن حملته على الموضع - هنا- كان أقبح منه في غير هذا الموضع، وذاك أنك لما عطفت بالنصب فقد أنبأت أنه منصوب، فإذا رفعته بعد ذلك كان قبيحاً، لأنك كأنك حكمت برفعه بعد ما حكمت بنصبه، وهذا عندي

أقبحُ من أن تُحمل الأسماء المبهمة على المعنى ثم ترجع إلى اللفظ. لأن الاسم كما يُعلمُ منه الإفرادُ فقد يُعلمُ منه الجمع، فتكون دلالته على ذا، كدلالته على ذا، ولا يُعلمُ من الرفعِ النصبُ، ولا من النصب الرفع، فلهذا يستحسن حملُ الصفة هنا على اللفظ. فإن قُلت: فصفةُ أيِّ الاسمين هو؟ فإنا لا نقول: إنه صفة أحدهما، ولكن صفتهما جميعاً، ألا ترى أنه قد أُضيف إلى مروان- وعطف "ابنٌ" عليه فكأنه قال: مِثلهُما، ألا ترى أن العطف بالواو نظير التثنية، فكما أن "مثلهم" في قوله تعالى (إنكم إذاً مثلهم) خبر عن جميع الأسماء حيث كان مضافاً إلى ضمير الجميع، كذلك يكون "مثل" وصفاً للاسمين جميعاً. وكذلك يكون على قياس قوله "ثمَّ لا يكونوا أمثالكم" لما ذكرت لك من الإضافة إلى الاسم المعطوف عليه والمعطوف، ففي [مثل ذكرهما] على حد/ 66 ب لا رَجُل وغلاماً عاقلين، ولكن على حد لا رَجُلينِ عاقلين؛ لأنك تُحمِّلُهُ الذكر على القياس كما تُحمله في الخبر على ذلك]، وتضمر الخبر إذا جعلته صفة.

فإن جعلت "مِثلاً" الخبر رفعت لا غير، ولم تضمر شيئاً، ومثل ذلك قوله: 178 - (ولا كيرمَ من الولدانِ مصبوحُ)

.................

وقد يستقيم أن تجعله هنا وصفاً على الموضع وتضمر، ولا [تفتح من حيث فُتحَ] في البيت الآخر: وهو "لا أب وابناً" فأما: إذا هو بالمجد ارتدى". فالعامل في "إذا" معنى المماثلة جعلته خبراً أو وصفاً، وإن شئت جعلت العامل في "إذا"، الخبر إذا أضمرت. ذهب أبو عمر في قوله: 179 - طيَّ الليالي زُلفاً فزلفاً ... سماوة ......

إلى أنه منتصب بالمصدر أيضاً، فقال "طيءَّ الليالي" "سماوةً". وذهب في قولهم: "ذهب انطلاقاً" إلى أنه منتصب بهذا الظاهر. قال أبو علي - أيده الله-: ووجه قول سيبويه أن هذا الظاهر لا يعمل فيه ولا يكون مصدراً له كما لا يكون محمولاً على فعل فاعل آخر. وقال في: له صوتٌ أيُّما صوتٍ، و: 180 - (أيما ازدهافٍ) الأحسن النصب.

مسألة 46

قال أبو علي أيده الله: كأنه ذهب إلى أن ذا وإن كان صفة فإن الكلام قد تم، كما أن الكلام في قوله "له صوتٌ" قد تم. فكما أن الأكثر هنا النصب مع جواز أن تحمل "صوتَ حمارٍ" على الأول؛ لأنه يُقدَّرُ فيه معنى مثل، فلم يُحمل على هذا، فكذلك في "أيُّما ازدهاف" ونحوه. مسألة 46: وذكر: أما العلمُ فما أعلمني به.

وأما السمنُ فسمينٌ وأما علماً فلا علم له. قال أبو علي - أيده الله-: فأما الأولى فإنه إذا جعل الهاء غير العلم فإنه لاينتصب بهذا المُظْهَرِ. ألا ترى أن فعل التعجب لا يعمل في المصدر إلا في شيء ضعيف حكاه عن بعض النحويين، وعلى ما عليه هذا المسألة لا يعمل بلا خلافٍ؛ لأنه وقع

مسألة 47

متقدماً، فإن أُعلمه في المصدر لم يعمل فيه متقدماً فإذا كان كذلك لم يكن إلا محمولاً على مضمر يدل عليه هذا الظاهر. مسألة 47: قال أبو العباس - في حد الضمير من المقتضب-: النون في "فَعَلْنَ" ونحوه أصلها السكون، وحركت لالتقاء الساكنين. قال أبو علي - أيده الله-: وقد خالف في هذا قولاً لنفسه في المقتضب في أبواب الترخيم، وذلك أنه زعم أن أصل الأسماء إذا كان الاسم على حرف واحد فحكمها أن تكون متحركةً، واعتلَّ لسكون واو "يفعلون" وألف "فَعَلاَ" والياء في "تفعلينَ"- فيما أظن أنا- أن المدة صارت عوضاً من الحركة.

قال أبو علي: والصحيح عندي هذا القول لا ينبغي أن يُسكن الاسم إذا كان على حرف كما يُسكنُ الحرف، نحو لام المعرفة. ألا ترى أن عامة الحروف التي على حرف واحد متحركة، فلا تكون الأسماء في هذا أسوأ حالاً من الحروف. فإن قلت: إن الحروف يبتدأ بها، والاسم لا يكون إذا كان مضمراً إلا متصلاً بما قبله. قيل: هو كذلك إلا أنهم إذا فصلوا في المبنيات بين "مِن عَلُ وأول وحكمُ" وبين "كيفَ" ونحوه، فأن يُفصل بين الاسم والحرف فيما ذكرناه بالحركة أجدرُ ويدلك على ذلك الكاف في "أكرمتُك"، والهاء في "ضربُه"، وهذا "لهُ". فكما أن الكاف متحركة فكذلك ضمير المرفوع ينبغي أن يكون مُتحركاً. قال أبو عمر في الفرخ: قال الأصمعي: ويلٌ قبوحٌ، وويسٌ تصغيرٌ،

وويحٌ تَرَحُّمٌ، وويبٌ مثل ويلٍ. وقال: هو في حلِّ بني فُلان، وفي محلتهم: قال أبو علي - أيده الله- فهذا يدل على أنها في "حَلَّةِ الغور" ظرفٌ، وحلٌّ وحلةٌ واحد، ورأيت القطر بلى حكى عن ثعلب بيت الكتاب:

181 - كأن الثريا [حلة الغور] منخل قال أبو علي - أيده الله -: وهذا لا ينبغي؛ لأنه كالصفة تتقدم على الموصوف. وقال أبو عمر: خطان جنابتي أنفها وجنبي أنفها

وقال: ما أنت بعالمٍ ولا قرابة ذاك أي قريبا. وقال: تقول: إن قريبًا منك زيدًا، وإن قربك زيدًا. قال: ولا يتمكن "بعيدًا منك" في الظرف؛ لأن الذين يقولون: "بعيدًا منك زيد" لا يقولون: "بعدك زيد".

قال أبو علي -أيده الله-: كأن البعيد لم يتمكن في الظرف؛ لأنه لا مدى له. ألا ترى أن كل ما بعد عنه في العالم فهو بعيد عنه، وليس هذا حد الظروف. ألا ترى أنها إنما تكون مبهمة قريبة من ذي الظرف نحو خلف والجهات الأخر، وجاز في بعيد أن يكون ظرفًا لتنزيلهم إياها منزلة نقيضتها وهي قريب، ولولا ذلك لم يجز. فلما لم يكن الأصل فيها أن تكون ظرفًا- وإنما جوزوا فيها ذلك لأجل النقيض- لم يجز كون "بعدٍ" ظرفًا، وإن كان قد جاء "قربك" ظرفًا؛ لأنهم قد يتركون [الإجراء] مجرى النقيض كالطوى والشبع، والسفه والحلم. قال أبو بكر: "اليومان اللذان ظننتهما زيدًا منطلقًا" على الاتساع ولا يجيز ذلك في "أعلم"؛ لأنه لا نظير له. قال: وقد أجازه بعضهم. قال أبو علي -في الحاشية- لأن أعلم يتعدى /67 أإلى ثلاثة مفعولين، فإن أعملته هنا صار يتعدى [إلى أربعة مفعولين فلا يجوز، وكون الذي ذكره أنه لا نظير له].

رجع: قال: وأجازوا: اليوم مازيد إياه منطلقًا. [عن خ] قال: فإن شئت أجزت وإن شئت لم تجز. فآ: وجه الجواز عندي أنه مثل [الفصل] المتقدم المرفوع وأن المنصوب قد تبعه كما تجيزه في قولك: اليوم كأنه زيد منطلقًا، وكان زيد إياه منطلقًا، فتشبهه بـ "كان" كما شبهته بها في نصب الخبر. وإن شئت لم تجزه؛ لأن الفعل المتعدي إلى مفعولين يجوز تقديم مفعوليه وتأخيرهما، وتقديم مفعول هذا لا يجوز فإذا لم يجز فيه علمت أنه لا يشبه الفعل المتعدي إلى مفعولين، وإذا لم يشبهه لم يجزه ولم يجز [ح~] فيما حكى عنه: اليوم ليته زيدًا منطلق؛ لأنه حرف. فآ: فلينظر في الفصل بين "ما" و"ليت" فيقول: إن امتناعهم من ذلك مع "ليت" دليل على أن العامل في ضمير اليوم مع "ما" هو منطلق دون "ما"؛ لأنهم لو كانوا إنما أعملوا "ما" في ضمير اليوم لشبهها بالفعل لكانت "ليت" بذلك أولى، لأنها تشبه الفعل باللفظ والمعنى؛ لأنها على وزن الفعل، وفيها معنى الفعل بدلالة عمل ليت في الحال، وشبه "ما" بالفعل إنما هو من جهة التأويل، وإذا كان كذلك جاز "ما زيد إياه منطلقًا" على كل وجه.

[ح~]: ولا تقول: "اليوم القتال إياه" على الاتساع في قولك: القتال في يومٍ، قال: ولم تقله العرب، ولو قالته قلنا [جائز] ولم يجز هذا؛ لأنك لا تتسع فيما قد اتسعت فيه. تفسير فآ ... يعني لا تتسع اتساعين. [فآ]: أي اتسعت بحذف الفعل؛ لأنك إذا قلت: "القتال فيه" أردت ثابت فيه، فلما اتسعت بحذف "ثابت" لم تتسع بإجراء الظرف مع هذا المحذوف المتسع فيه بحذفه مجرى المفعول.

[فآ]: ومما ينبغي أن ينظر فيه "أمس" فيمن بناه: هل هذه الحركة لالتقاء الساكنين على حد ما هي عليه في "كيف" أو كالتي في "قبل"؛ لأنها كانت قبل البناء متمكنة كما كانت "قبل" متمكنة. قال أبو العباس: من قال: "لا أبا لزيدٍ لم يقل: لا أبا لزيدٍ وأبا لعمروٍ" فيدخل مع المعطوف الألف للإضافة كما أدخلها المعطوف عليه؛ لأن المعطوف قد يحتمل أشياء هنا لم يحتملها المعطوف عليه وهو البناء وليس ذلك في المعطوف.

مسألة 48

مسألة 48: قال أبو علي -أيده الله-: مما ينظر فيه يعمل ويعملة، وأرمل وأرملة، إن قلت: هلا لم تصرفهما في النكرة، لكونهما وصفين وعلى زيادة الفعل فهما كأحمر. فالقول: أن "يرمع" ليس "كأحمر"، وأن "يرمع" يجب أن يكون "يعمل" بهذه الزيادة لم يشبه الفعل بها [وإن كان أحمر قد أشبهه بها]. وذلك أن في "أحمر" زيادة الفعل ووزنه وعلامة التأنيث ممتنعة من الدخول عليه امتناعها من الدخول على الفعل.

ألا ترى أنك لا تقول: أحمرة، وأن للتأنيث بناء آخر. فلما كان كذلك صار كالفعل، ولما لم يكن دخولها في "يعملةٍ" على حد الدخول في "أحمر" لم يشبه بالزيادة زنة الفعل. ولما لم يشبهه في الزنة صار فيه معنى واحد وهو الوصف. فإن قلت: وما في دخول التاء في يعملةٍ مما يمنع من شبه الفعل، والفعل قد تدخل عليه تاء التأنيث نحو قامت وقام، فإذا كانت قد دخلت على الفعل وقد دخلت في "يعملةٍ" فلم يزل هنا شبه الفعل، ولا شيء يمنع من أن يكون الشبهان حاصلين في الاسم؟ قلنا: إن التاء وإن كانت قد دخلت في "فعلت" فلم تدخل في "يعملةٍ" على ذلك الحد الذي دخل في "فعلت" لكنه على وجهٍ لا يكون إلا للاسم دون الفعل. ألا ترى أن علامة التأنيث في "تفعل" في الفعل إذا لحقت إنما تلحق أول الفعل كقولك: "هي تفعل"، ولا نلحق آخر الفعل كما لحقت "في قامت". فلما دخلت علامة التأنيث في "يعملةٍ" على حد لا يكون إلا للأسماء ثبت أن الاسم لم يشابه بهذه الزيادة الفعل؛ إذ لحقته العلامة على حد لا يكون عليه الفعل. فلما لم يشبه بالزيادة الفعل لما ذكرت لك بقى وجه واحد.

وكذلك "أرملة" لما دخلته التاء على حد لا تدخله في "أفعل" لم يشبه بالزيادة الفعل [إذا كانا زيادتين]. فإن قلت: فالتاء والهمزة في الأول هنا إذا لم تكونا زائدتين فأي زيادةٍ هي: للإلحاق أم لغيره؟ فإن قلت الهمزة للإلحاق، فالهمزة لم تجيء أولا للإلحاق. فأما ألندد فلم تقع الهمزة فيه للإلحاق بل النون. ألا ترى أن سيبويه لما حذف النون أدغم في التحقير فإذا لم يشبه بها الفعل لم يكن من أجلها الاسم ثانيًا. تقول: "مررت برجل معه صقر صائدٍ به"، يرتفع "صقر"، بـ "معه" ولا يرتفع بالابتداء؛ لأن "معه" صفة جرت على موصوفها، وإذا جرت

على موصوفها فهي في موضعها ومرتبتها، وإذا كانت في مرتبتها، 67/ب وموضعها لم يجز أن ينوي بها غير ذلك الموضع، كما أن الفاعل إذا وقع في موضعه في ضرب غلامه زيدًا لم يجز أن ينوي به غير موضعه. ولهذا قال النحويون -عندي- في قوله: 182 - وجيرانٍ لنا كانوا كرام

إن "كان" ملغاة كأنهم لم يستحيزا أن يجعلوا "لنا" خبر "كان" فيقدرونه في غير موضعه، وقد جرى صفة على "جيران" فقالوا "كان" لغو. وإذا كان قد جاز في ضربٍ من القياس أن يرفع بالظرف في نحو: "في الدار زيد" مع أنه لم يجر صفة على موصوف وجب إذا جرت معه صفةً أن يجب الرفع بها؛ لأنها إذا جرت صفةً كانت أذهب في باب الفعل وأقعد فيه منها إذا لم تجر صفةً؛ لأن الصفة تؤكد معنى الفعلية وتحقق الشبه.

مسألة 49

مسألة 49: قال أبو علي -أيده الله-: كان أبو بكر يقول: إن اللام فتحت مع المستغاث به من حيث فتح مع المضمر لوقوعه موقع المضمر. فإن قلت: إذا كان كذلك فهلا فتحت مع المعطوف على المستغاث به، نحو يا لزيدٍ ولعمروٍ كما يشرك المعطوف في النداء على المعطوف عليه نحو: يا زيد وعمرو؟ فالقول: أنه لا ينكر أن يكسر مع المعطوف وإن كانت قد فتحت في نفس المنادى. ألا ترى أن المعطوف قد خرج من حكم المعطوف عليه في النداء عند الناس جميعًا في قولهم: يا زيد والعباس، فجاز دخول لام التعريف عليه وإن لم يجز دخولها في الاسم الأول. فكما جاز خروجه من حكم المعطوف عليه في النداء في هذا كذلك يجوز خروجه من حكم المنادي في فتح اللام.

مسألة 50

ألا ترى أن اللام إنما فتحت لوقوعها موقع المضمر، وأن [المعطوف عليه] لم يقع موقع المضمر؛ لأنه لو وقع موقعه لم يجز دخول لام التعريف عليه، لاستحالة اجتماع التعريفين فيه فإذا لم يقع المعطوف موقع المضمر بهذه الدلالة لم يجز أن تفتح اللام معه، وإذا لم يجز فتحها كسرت كما تكسر مع الظهر. مسألة 50: الدليل على انفصال الصفة من الموصوف في المعنى وإن كانت تجري عليه في إعرابه قولهم في النداء: يا زيد العاقل. ألا ترى أن الموصوف مبني والصفة معربة. فاختلافهما في الإعراب والبناء دلالة على أنهما ليسا بجاريين مجرى الشيء الواحد فإذا كان كذلك لم يجز قول يونس في إلحاقه

علامة الندبة الصفة؛ لأن الصفة منفصلة من الموصوف، وليست بداخلة في النداء، وعلامة الندبة تلحق المنادي دون ما لا ينادي، لأن الندبة ضرب من النداء، فلو جاز أن تلحق الصفة علامة الندبة لجاز أن يدخل في حكم النداء، فيكون معمول النداء كالموصوف. فإذا لم يكن الوصف معمولاً للنداء ولا داخلاً في حكمه من حيث كان معربًا لم يجز لحاق علامة الندبة فيه، ولو جاز دخولها في الصفة لجاز دخولها في قولك: وازيداه أنت الفارس البطلاه. ووجه الجمع بينهما أن "البطلاه" هو المدعو في المعنى، وليس بداخل في النداء كما أن الوصف هو المدعو في المعنى وليس بداخل [ولو جاز] دخول علامة الندبة في الوصف لجاز دخولها في البطلاه في هذه المسألة لاجتماعهما في أنهما المدعوان في المعنى ولم يعمل النداء فيهما. هذا جمع الخليل، وإلزامه صحيح، وجمع بين.

فإن قلت إن الصفة قد جعلت بمنزلة الموصوف في قولك: "هذا زيد ابن عمروٍ" حين جعلا بمنزلة اسم واحد نحو امرئ وابنم، وكذلك

لا غلام ظريف لك وكذلك قول من قال: ما مررت بأحدٍ إلا زيدًا

خيرٍ منك فينصب لما تأخرت الصفة كما كان ينصب لو تأخر الموصوف وتقدم المستثنى. فإذا كانا قد صارا بمنزلة اسم واحد فهلا جاز أن يلحق الصفة علامة الندبة كما جاز أن يلحق المضاف [إليه] علامة الندبة، لاجتماعهما في أنهما بمنزلة اسم واحد؟ قيل: لا يدل جعلهم "زيدا" مع "ابن" بمنزلة اسم واحد على أن الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد لما ذكرنا من افتراق الصفة والموصوف، وإنما فعل هذا في العلم خاصة؛ لكثرته في كلامهم، ومخالفتهم به للأصل في هذا كما غيروه في أشياء أخر نحو: من زيدًا. ألا ترى أنه إذا زايل هذا الموضع لم يكن مثله في هذا الموضع، فإذا كان كذلك دلك أن الصفة ليست في حكم الموصوف في هذا. ويدلك على ذلك أن الأصل فك الاسمين، وأن لا يكونا بمنزلة اسم واحد قد استعمل في الشعر فرد فيه إلى الأصل كقوله:

183 - جارية من قيسٍ بن ثعلبه

حتى قال أبو العباس إن ذلك جائز عنده في الكلام. وليس هذا كذلك عندنا. لغز ليس [بفصيح]: 184 - سأترك مهرتي رجل فقير وأركب في الحوادث مهر تانيء "رجل فقير" حكاية "وتانيء" فاعل من تنأ يتنؤ فهو تانيء

مسألة 51

مسألة 51: قال أبو علي -أيده الله- قال النمر بن تولبٍ فيما حكى لي عنه: 185 - بأغن طفلٍ لا يصاحب غيره فله عفافة درها وغرارها يكون "غرارها" معطوفًا على "الدر" كأنه كثر درها، ودر

غرارها، والمعنى له كثير درها وقليله. ألا ترى أنه إذا قال: له عفافة درها، فكأنه قال: له عفافة درها، ودر غرارها، وإذا كان له در غرارها أي قليلها، وله عفافته فالمعنى أن له القليل والكثير، ولا يكون العطف على الضمير، ولا على العفافة ولكن على الدر كما قال {لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} فعطف المستضعفين" على السبيل، لا على أنه حذف أو على مثل ... 186 - أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونارٍ ...............

لا على "واسأل القرية" بل المحذوف مرفوع بالعطف على "عفافةٍ". وإذا كان الناس قد حملوا قوله: "وفي خلقكم وما/ 68 أيبث من دابةٍ آيات" فحملوا المجرور على أنه مجرور بحرف محذوف فكذلك هنا عطف ظاهرًا مجرورًا على جر ظاهر، وهو الذي المعني عليه. ويجوز فيه أيضًا أن تعطفه على "عفافةٍ" كأنه له عفافة الدر، وعفافة الغرار ووجه إضافة العفافة إلى الغرار أن القليل لما كان يقل من أجل الكثير، والدر هو الكثير جاز أن يضاف إليه، فيقال عفافة الغرار كما تقول: هذا كثير هذا القليل إذا كانت القلة فيه لأخذ هذا الكثير منه. يدلك على هذا قوله: 187 - لحا الله أعلى تلعةٍ حفشت به وقلتا أقرت ماء قيس بن عاصم

مسألة 52

فأضاف الماء إليه وليس هو والد ولا والدة بل هو مولود، فأضاف الماء الذي كان منه قيس إلى قيس، لأن قيسًا كان من أجل ذلك الماء. فكذلك أضاف الكثير إلى القليل، لأن قلته لأجل الكثير. وقوله: "أعلى تلعةٍ، وقلتاهما مثلان". وإنما يريد بالتلعة صلب أبيه وبالقلت بطن أمه. وقوله: (إذا قلت قدني قال بالله حلفةً لتغنى عني ذان إنائك أجمعا) فأضاف الإناء إلى الضيف، وليس الإناء له، إنما هو للمضيف، ولكن إضافة المضيف إلى الضيف لالتباس الضيف به. مسألة 52: قال أبو علي -أيده الله-: مما أصبت مما أعمل فيه الثاني قوله "قال

آتوني أفرغ عليه قطرًا"، وقول كثير: 188 - قضى كل ذي دين فو في غريمه وعزة ممطول معنى غريمها

أعمل الثاني وهو "فو في"، ولا يخلو "غريمها" من أن ترفعه بـ "ممطولٍ" أو بـ "معنى" فإن رفعته بـ "معنى" وقد جرى الأول على غير من هو له؛ لأنه جرى على المؤنث وهو للغريم، فينبغي له أن يظهر الضمير الذي هو "هُوَ" المضمر على شريطة التفسير، فلما لم يظهره علمنا أ، هـ لم يرفع "معنى"، لأنه لو رفع الغريم بـ "معنى" لأظهر الضمير في "ممطول"؛ إذ جرى على غير من هوله، وحذف الفاعل لا يجوز عندنا. فإذا كان كذلك رفع الغريم بالممطول دون المعنى، فأعمل الأول، وإذا أعمل الأول وارتفع

الغريم به صار التقدير: وعزة ممطول غريمها معنى، فلم يحتج إلى الإظهار في الثاني؛ لأنه جرى على الغريم "وهو هو"، فإذا جرى عليه وكان إياه في المعنى ارتفع الضمير فيه به، ولم يحتج إلى إظهار؛ لجريه على من هوله. وقياس قول من لم يظهر الضمير في اسم الفاعل وإن جرى على غير من هوله أ، يجوز [رفع] غريمه بـ "معنى" ويضمر في الأول على شريطة التفسير، ويجوز أن لا يظهر وإن جرى على غير من هوله، ويستدلون على ذلك يقول الأعشى: 189 - لمحقوقة أن تستجيبي لصوته وأن تعلمي أن المعان موفق

مسألة 53

وقياس قول الكسائي -عندي- أن يرتفع بـ "معنى" لأن عنده أن الفاعل من قولك: "ضربني وضربت زيدًا" محذوف. فكما حذف من نفس الفعل كذلك يجوز أن لا يجعل في الاسم شيئًا إن كان اسم الفاعل عنده كالفعل في خلوه من الذكر. وينبغي إذا جاز ذلك في الفعل أن يكون في اسم الفاعل أجوز عنده. مسألة 53: قال أبو علي -أيده الله-: زيد عمرو الضاربه" لا يخلو اللام من أن تكون لزيد أو لعمرو، فإن كانت لعمرو جاز أن يكون خبرًا للمبتدأ، لأن خبر المبتدأ ينبغي أن يكون المبتدأ في المعنى، فإذا كانت إياه جاز أن يكون خبرًا، وإن كانت اللام لزيد لم يكن خبرًا، لأنه إذا كانت زيدًا لم تكن عمرًا، وإذا لم تكن عمرًا لم تكن خبرًا عنه، وإذا لم تكن خبرًا عنه كانت مبتدأ، وإذا كانت مبتدأ احتاجت إلى خبر. فإن قلت: إذا لم تكن خبرًا عن "عمرو" من حيث لم تكن إياه فهلا أجزت أن تكون خبرًا عن "زيد"؛ لأنها هو في المعنى، وإذا كانت إياه في المعنى جاز أن تكون خبرًا عنه؟ قلنا: لا يجوز ذلك. ألا ترى أنك لو جعلته خبرًا عن "زيد"، وقد

فصلت بينهما بـ "عمرو" لم يجز، لأنك تفصل بين المبتدأ وخبره بما هو أجنبي منهما، وإذا فصلت بينهما بالأجنبي لم يجز، فإذا لم يجز حمله على الخبر لهذا المعنى حملته على أنه مبتدأ ثالث؛ إذ لا قسمة فيه ثالثة، وإذا كان مبتدأ اقتضى خبرًا، وخبره "هو" في قولك: "زيد عمرو الضاربه هو" إذا جعلت اللام لزيد فصار "الضاربه" مبتدأ و"هو" خبره. فإن قلت: فهلا لم يجز أن تجعل "هو" الخبر؛ لأنه لا فائدة فيه. ألا ترى أنك إذا قلت: "زيد عمرو الضاربه هو" لم يجز أن توقع موقع "هو" غيره؛ لأنك لو أوقعت موقعه "عمرا" ونحوه من المظهر لم يرجع إلى "زيد" الفاعل في المعنى ذكر من "الضاربه هو". ألا ترى أنك لو قلت: "زيد عمرو الضاربه بشر" فرفعت الضاربه بالابتداء، أو جعلت فيه ذكرا مرتفعا يرجع إلى "الذي" وهو"بشر" في المعنى، وجعلت "بشرا" خبر للمبتدأ لم يرجع إلى "زيد" الفاعل في المعنى ذكر كما رجع إلى "عمروٍ" المفعول به في المعنى الذكر من "الضاربه". وإذا لم يرجع إليه ذكر لم يجز، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الخبر "هو" وهو في المعنى اللام، وإذا كان الخبر لا يجوز أن يقع في موضعه الأجنبي لم يجز أن يكون خبرًا؛ لأنه لا فائدة فيه. ولذلك لم يجيزوا: "أحق

الناس بمال ابنه أبوه" ولم يجيزوا الإخبار عن الهاء في: "زيد ضربته" إذا حملوا الكلام على المعنى، فقالوا: "الذي زيد ضربته هو"، إذا رد ما في ضربته إلى "زيد"؛ وصار برده إليه كأنه رده إلى "الذي"؛ لأنه هو في المعنى من حيث لم نفد بالخبر شيئًا. فالقول: أن "زيد عمرو الضاربه هو" إذا جعلت اللام لـ "الضاربه" جائز وإن لم يجز ما ذكرناه؛ لأن "هو" وإن كانت خبر "الضاربه" في اللفظ فهي في المعنى "زيد"، وإذا كانت إياه في المعنى كان الذكر عائدًا

إليه، فحسن لذلك وصار مفيدًا، وإن لم تجز المسألتان اللتان ذكرناهما؛ لأنه ليس فيهما شيء محتاج إلى ذكر عائد إليه احتياج زيد في مسألتنا إلى ما يرجع إليه وعلى 68 ب هذا أجاز أبو عثمان المازني الإخبار عن الضمير في "المسيرا" من قولك "الفرسخان اليومان المسيرا هما زيدهما" الألف واللام لما كانا للإخبار عن الضمير وجب أن يكون إياهما؛ لأن اللام إنما تكون في المعنى ما تخبر عنه [به]. فلما كان خبرًا عن ضمير الفرسخين كان في المعنى الفرسخين، ولما كان الفرسخين في المعنى، وقد جرى على اليومين لم يجز أن يكون خبرًا لهما من حيث لم يكن إياهما، ولما لم يكن إياهما كما مبتدأ، ولما كان مبتدأ صار له خبر، وحسن الخبر وإن كان خبرًا عن اللام من حيث كان الفرسخين، وكان عائدًا عليهما. ولو جعلت اللام لليومين لجاز أن يكون خبرًا عنهما؛ لأنه كان يكون إياهما، فكنت تقول. "الفرسخان اليومان العسير هما هما زيد" فصارت اللام خبرًا عن "اليومين"، وعاد ما أظهرته من إضمار الفاعل لما جرى الفعل على غير من هوله إلى المبتدأ الذي هو "الفرسخان"، وليس الرجوع إلى الفرسخين في هذه المسألة كالرجوع إليه في المسألة الأولى وأنت قد جعلت اللام لضمير "الفرسخين" دون "اليومين" ألا ترى أن الضمير الذي هو "هما" خبر "الذي"، وهما يرجعان إلى الفرسخين فهما في هذه المسألة في كونهما خبرًا للمتبدأ مثل "هو" في قولنا: "زيد عمرو الضاربه هو" واللام لزيد، و"هو"

خبر "الضاربه" الذي هو مبتدأ ثالث كما كان "هما" هو خبر اللام في المسيراهما، وهما [للفرسخين] دون اليومين. وفي إجازة أصحابنا هذه المسائل التي هي أخبار لشيء وترجع إلى شيء آخر دلالة من قولهم على أنهم لا يجعلون في خبر المبتدأ -إذا كان اسمًا غير جار على الفعل ولا مناسب له -ذكرًا من المبتدأ. ألا ترى أنه لو كان فيه ذكر من المبتدأ لم يجز أن يرجع إلى غير ما هو خبر له. ففي رجوع هذا إلى ما ليس هو بإخبار له دلالة من قولهم عى ما ذكرنا. فإذا جعلت اللام في "زيد عمرو الضاربه هو" لـ "زيد"، والفعل لـ "زيد" فاسم الفاعل جاز على من هوله وفيه ضمير يعود إلى ما دلت عليه اللام، وإذ جرى على من هو له احتمل الضمير. ولو جعلت اللام لـ "عمروٍ" والفعل لـ "زيدٍ" لصار خبرًا لـ "عمروٍ"؛ لأنه هو، واحتجت أن تظهر الضمير، و"زيد" فاعل في هاتين المسألتين في المعنى. ولو قلت: "زيد عمرو الضاربه" فجعلت اللام لـ "زيدٍ" والفعل لـ "عمروٍ" لم يجز أن يكون "الضاربه" خبرًا لـ "عمروٍ"؛ لأنه ليس

بعمرو، وإذا لم يجز أن يكون خبرًا [كان مبتدأ، وإذا] كان مبتدأ واسم الفاعل لعمرو، واللام لزيد فقد جرى على غير من هو له وإذا جرى على غير من هو له وجب إظهار الضمير فقلت: هو [و] إذا أظهرت الضمير لزمك أن تذكر بعده أيضًا خبر المبتدأ فقلت: "زيد عمرو الضاربه هو هو" ولا يجوز أن تذكر "هو" الذي خبر قبل "هو" الذي هو إظهار الفاعل. ألا ترى أنك إن فعلت ذلك فصلت بين [الفعل] والفاعل بشيء أجنبي منهما، والفصل بينهما بالأجنبي لا يجوز، فإذا لم يجز ذلك ذكرت الذي "هو" الفاعل قبل الذي "هو" خبر المبتدأ، و"زيد" مفعول في هذه المسألة في المعنى، و"عمرو" فاعل على خلاف المسألتين اللتين تقدمتاها. ولو جعلت الألف واللام لـ "عمروٍ" والفعل لـ "عمروٍ" كان خبرًا له، لأنه هو هو، وكان "عمرو" الفاعل في المعنى، والهاء ترجع إلى "زيد"، وما في "ضارب" يعود إلى الألف واللام. فلنجمع الآن إلى ما يجوز في هذا، وكم قسما هو، ونقول: "زيد عمرو يضربه، وزيد عمرو ضاربه، وقولك: زيد عمرو الضاربه هو -واللام لزيد-، والفرسخانٍ اليومانٍ المسيرا هما زيدهما" -إذا كانت اللام لليومين- ففيه أربعة مواضع:

مسألة 54

أحدها: لم لا يكون اللام خبرًا عن زيد إذا لم يجز أن يكون خبرًا عن عمرو [من] حيث لم يكن إياه؟ والآخر: لم جاز أن يكون خبر "المسيران" "هما"، و"الضاربه" "هو" ولم يجز "أحق الناس بمال أبيه ابنه" ونحو ذلك فيه؟ والثالث: الاستدلال بهذا من قول أصحابنا: إن الخبر إذا كان اسمًا لم يحتمل ضمير المبتدأ. والرابع: ليس في المسيرا هما ولكن في قولك: زيد عمرو الضاربه هو هو -أن ضمير الفاعل لا يتأخر عن الخبر- وجميع ذلك مذكور في هذه المسألة. مسألة 54: قال أبو علي -أيده الله-: وجه قول يونس في فصله بين المضاف بكلام بما لا يتم به الكلام أن يقال: إن هذا الموضع قد اختير فيه في الإضافة

الفصل باللام، وهو لا يتم به الكلام [فنجعل ما كان مثله مما لا يتم به الكلام] بمنزلته في جواز الفصل به، ولا يجيز ذلك فيما يتم به الكلام، لأنه لم يأت فيه الفصل فيما يتم به الكلام، ويجوز ذلك في الكلام والسعة؛ لأن هذا الفصل الذي هو أصل هذا جاء في الكلام والسعة. ألا ترى أن: "لا أبالك" جائز في الكلام. ويقول الخليل: إن ذلك كله ليس بفصل في الحقيقة إنما هو تأكيد الإضافة؛ لأن معنى هذه الإضافة اللام، فكأنه أكد الإضافة، وإذا كان

كذلك فكأنه ليس بفصل، وإذا كان كذلك لم تقس عليه ما كان 69 أفصلاً في المعنى. ويؤكد ذلك أن هذه الأشياء التي جاءت مقحمة لم يقس [عليها] شيء، فكذلك اللام. ويقول يونس: الدلالة على أن هذه اللام معتد بالفصل [بها] وأنها ليست كغيرها من هذه المقحمة توطئها العمل لـ "لا" في المعارف وهي لا تعمل فيها، فلولا وقوع الفصل بها لم يجز أن تعمل فيها كما لم يجز أن تعمل في غيرها من المعارف، فامتناعها من أن تعمل في سائر المعارف مع عملها فما فصل فيه باللام دلالة على أن ذلك لفصل اللام، وإذا كان كذلك كانت اللام معتدًا بها، وإذا كانت معتدًا بها وكانت كلامًا غير تام صار ما كان في معناها بمنزلتها. فيقول الخليل: إنها قد عملت في المعارف وإن لم تدخل اللام كقوله:

190 - لا أباك تخوفيني فيقال: هذا في الشعر، وإنما هو على إرادة اللام. حكى أن بعض أصحابنا أنشد: 191 - مجرب قد حلبت الدهر أشطره لأفقري أحوجي مني ليعلم

مسألة 55

قال: أنشدت هذا البيت عن مبرمان عن أبي العباس، وسئلت عن معناه فما وضح لي، وما وقع إلى هذا البيت من غير هذه الجهة، ولا ذكره أحد من أصحابنا أعلمه إلا في هذه الحكاية. مسألة 55: 193:- أتنتهون ولن ينهي ذوي شططٍ كالطعن يهلك فيه الزيت والفتل لا تخلو الكاف من أن تكون اسمًا أو حرفًا، فلا يجوز أن تكون

حرفًا؛ لأنك إن جعلتها حرفًا لزم أن تجعلها صفة لمحذوف كأنك قلت: شيء كالطعن والفاعل لا يحذف. ألا ترى أن قول من قال: ضربني وضربت زيدًا: إن الفاعل منه محذوف خطأ عندنا؛ وكذلك إن جعلت الكاف حرفا كان وصفًا، وإذا صار وصفًا فالموصوف محذوف، وإذا جعلته وصف محذوف بقى الفعل بلا فاعل، وذلك غير جائز عندنا. فإذا كان كذلك جعلت الكاف نفسها فاعلة وموضعها رفع بكونها فاعلة كما أن موضعها جر في قوله: 193 - ككما يؤثفين

وكما أن موضعها جر في قوله: 194 - (على كالقطا الجوني)

فإن قلت: فهلا حذفت المفعول في قوله: (على كالقطا الجوني) لأنه ليس بفاعل فيفسد كما يفسد حذف الفاعل؟ فإن ذلك يفسد من جهة أنك إذا حذفت قدرت الكاف وصفًا له، وإذا كانت وصفًا له كانت حرفًا، وإذا كانت حرفًا أدخلت حرف جر على حرف جر، وإذا كان كذلك لم يجز، فمن ثم لزمك أن تحكم بأن الكاف في قوله: "على كالقطا الجوني" اسم في موضع جر بـ "على"، كما أنها اسم في موضع رفع بأنها فاعلة في بيت الأعشى.

مسألة 56

مسألة 56: قال [أبو علي -أيده الله-: كان] أبو بكر يقول -في قولهم-. "هذا معطى زيدٍ الدرهم أمس": إن "الدرهم" ينتصب بمضمر يدل عليه "معطى"، ولا يكون أن ينتصب بـ "معطٍ"، لأنه ماض. وهذا كما كان يقوله في قوله "وكانوا فيه من الزاهدين" إن "فيه" متعلق بمحذوف يدل عليه قوله "من الزاهدين". ألا ترى أن كل واحد من المعمولين لا يصح أن يعمل فيه العامل الظاهر. وكان يقول -أيضًا في قولهم-: "أنا زيدًا غير ضاربٍ" أنه ينتصب بمضمر يدل عليه هذا المظهر. ألا ترى أن "ضاربًا" لا يجوز أن يعمل فيه؛ لأنه مضاف إليه، والمضاف إليه لا يجوز تقديمه على المضاف. يدل على ذلك أن الناس جميعًا لم يجيزوا: "أنا زيدًا مثل ضاربٍ". قال أبو بكر: وكان شيخنا يحمل هذا على المعنى، قال: كأني قلت:

أنا زيدًا لا ضارب؛ لأن "غيرا" بمعناها، قال والقول عندي فيه أنه على فعل مضمر. قال [أبو علي -أيده الله-]: ونظير هذا عندي أنا قوله "إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله" "من" وما بعدها من الجملة التي هي استفهام في موضع نصب بفعل دل عليه "أعلم". ألا ترى أن "أعلم" لا يجوز أن يعمل عمل الفعل. فإن قلت: فكذلك تقول في قوله: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله"؟. فإنه عندي قد يجوز أن ينفصل من هذا؛ لأن ما لا يتعدى من العوامل بلا حرف قد يتعدى بحرف. ألا ترى أنك تقول: ذهب، وذهبت به، فتعديه بحرف، وتقول: "هذا مار بزيدٍ أمس" فتعديه بالحرف وإن كان لا يتعدى بغير حرف. فكذلك قد يتعدى "أعلم" بحرف وإن كان لا يتعدى بغير حرف كما أن اسم الفاعل كذلك. فأما "من" في قوله "أعلم بمن ضل عن سبيله" فليست كـ "من" في قوله "أعلم من يضل عن سبيله"؛ لأن "من" في "أعلم" استفهام

كما أنها في قوله "فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه" و"فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار" وقوله "إن الله يعلم ما يدعون من دونه" ونحو ذلك استفهام، والجعل في مواضع نصب، وليست في قوله "أعلم بمن ضل عن سبيله" باستفهام؛ لأن ما قبل الاستفهام من الفعل لا يضاف إلى الاستفهام بالحرف كما لا يعمل فيه بغير الحرف. ألا ترى أنه لا يجوز: "أحسن ممن أنت" فكما لا تضيف "أحسن" يعني إلى "من"؛ لانقطاع ما قبل الاستفهام عن الاستفهام كذلك لا يجوز أن تكون "من" استفهامًا، وتضيف إليها "أعلم" بالباء. فإذا لم تكن استفهامًا كانت موصولة. يدلك على ذلك عطف المؤقت عليها وهو قوله "وهو أعلم بالمهتدين" فالصلة في التوقيت مثل "المهتدين". فإن قلت: ما الدليل على أن "ما" في هذه الآي استفهام وما تنكر من أن تكون "علمت" في الآي بمعنى عرفت؟ فإنه لا يمتنع ذلك إلا أن حملها على العلم أسبق إلى النفس؛ ولذلك حملها النحويون على معنى العلم في هذه الآي.

"فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون" فإن "يبصرون" لم يصل إلى "أيكم" بالباء؛ لأن "أيكم" لا يكون إلا استفهامًا هنا، ولكن "يبصرون" -فيما ذهب أبو عثمان إليه- وقف، و"بأيكم" متعلق بما بعده مما هو في حيز الاستفهام. فإن قلت: فبم يتعلق مما قبله [بعده]؟ فإن في ذلك خلافًا: فأبو عبيدة/ 69 ب يقول: الباء زائدة، كأن المعنى عنده "أيكم المفتون". وقال أبو [العباس] "بأيكم فتن المفتون". وقال أبو [الحسن]: المفتون: الفتنة، كأنه قال: "بأيكم الفتنة"

مسألة 57

مسألة 57: "زيدًا جاريتك أبوها ضارب" أجازها أبو [العباس] في المقتضب. ولم يختلف الكسائي والفراء في أن ذلك لا يجوز، واختلفا إذا جرى اسم الفاعل على المبتدأ الأول نحو "زيد ضارب أبوه عمرا" فأبى الفراء تقدمة الصلة قبل الاسم الأول كانت مفعولاً أو صفة، وقال: لا يتقدم صلة فعل الثاني على الأول، إنما يتقدم المفعول والصفة على فعل الثاني؛ لأنه له وليس للأول فلا يتقدم مفعول الثاني على الأول إذا لم يكن له.

وأجاز الكسائي تقدمة الصفة والمفعول قبل الأول إذا توسط، وقال: قد صار [له]. قال أحمد ثعلب: والقياس ما قال الفراء، وإذا تأخر الفعل فلا اختلاف بينهما أنه خطأ. قال [أبو علي -أيده الله-: إنكار هذه المسألة لتقديم المفعول فيها لا ينبغي؛ لأن المفعول قد يقدم إلا أنها على قول أصحابنا فيها بعض القبح، وذلك أنه من قولهم: إن المعمول يقع حيث يقع العامل، والعامل هنا خبر الابتداء الذي هو "ضارب الأب"، ولو قدمت خبر الابتداء هنا فأوقعته في موقع "زيدٍ" لقبح. ألا ترى أنك كنت تفصل بين المبتدأ وخبره والمبتدأ الأول وهو أجنبي منهما، فهذا قبيح لا تعلمه جائزًا في الكلام، وقد جاء في بيت الفرزدق: (أبو أمه حي أبوه يقاربه) فأما في حال السعة والاختيار فغير جائز. وهذا الفصل إذا وقع بين الفاعل والفعل كان ممتنعًا، وهو -عندي- في الابتداء أحسن منه في الفعل والفاعل: لأن اتصال الفعل بالفاعل أشد من اتصال المبتدأ بالخبر، ألا ترى أن كل واحد منهما قد يحذف لدلالة الآخر عليه، ولا يفعل هذا بالفعل والفاعل.

والوجه في هذا أن يقدم تقديم الخبر بأسره، كأنك قلت: "أبوها ضاربٍا زيدًا جاريتك". ألا ترى أنك إذا قدرته كذا لم يفصل بين الابتداء والخبر بأجنبي، وهكذا ينبغي؛ لأن الخبر بأسره بمنزلة المفرد، فكما يجوز: "ضارب زيدًا عمرو" كذلك تجوز هذه المسألة. فإن قلت: فإنك تضمر قبل الذكر إذا قدرت التقديم على حد ما ذكرت. ألا ترى أنك تضمر الهاء في "أبيها" ولم تذكرها؟ قيل: هذا جائز عندنا. ألا ترى "مررت به المسكين"، وفيه مع هذا بعض القبح؛ لأن الخبر جلمة وليس بمفرد فلا ينبغي أن يحوز فيه ما جاز في الأصل الذي هو المفرد. فأما قول ثعلب في المسألة الأخرى أن القياس ما قال الفراء، فإنه ليس بقياس. ألا ترى أن اسم الفاعل وإن كان للثاني فهو جار على الأول، وقد عاد الضمير مما يتصل به إليه كما يعود من فعله إليه، وقد استغنى به كما يستغنى بفعل نفسه. فإذا كان كذلك لم يكن بأن يضاف إلى أحدهما بأولى من أن يضاف إلى الآخر. فإذا تساويا في ذلك وجب التساوي في التقديم عليهما فكان تقديمه على الأول كتقديمه على الثاني في الجواز. وأما امتناع الفراء من إجازة "عمرًا زيد ضارب أبوه" فلا يجب أن يمتنع؛ لأنه ليس هنا شيء يكره من فصل بين متصل، و"ضارب" بمنزلة "يضرب".

مسألة 58

وعلى قولنا: لو قدمت "ضارب أبوه" على "زيدٍ" كان حسنا، ولوقع العامل موقع المعمول فيه ولم يمتنع كما يمتنع إذا أخرت اسم الفاعل، لدخول القفص بين المبتدأ وخبره بالمبتدأ الآخر. فهذا أحسن بلا إشكال فيه. مسألة 58: [قال أبو الحسن] في قوله: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية" على الاستئناف، فكأنه قال "فالوصية".

[قال أبو علي -أيده الله-]: كأنه حمله على هذا ولم يجعل "كتب" متقدمًا مغنيًا عن الجواب؛ لأن "كتب عليكم" واجب قد ثبت، وإذا كان كذلك لم يحسن أن يوقع في جواب الجزاء الواجب، إنما يقع فيه ما يقع بوقوع الأول. ألا ترى أنه يقبح "ضربتك إن جئتني"، ولا يقبح "أضربك إن جئتني ... " فلما كان "كتب" واجبًا قبح أن يستغنى به عن الجواب؛ لأنه يلزم: "إن ترك خيرًا كتب" والكتاب قد وقع ووجب، فلما كان كذلك جعل الجواب الجملة التي هي من ابتداء وخبر، وكانت الجملة التي هي شرط وجزاء تفسيرًا لـ "كتب عليكم" كما أن: "لهم مغفرة" تفسير للوعد. فإن قلت: فقد جاء في بعض القراءات "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي" وهو محمول على "أحللنا" كأنه "أحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت". قيل: الذي يكثر بأن لا ينصب "امرأة مؤمنةً" بـ "أحللنا" ولكن بمضمر: هو "يحل" ودل عليه ذكر "أحللنا" لما ذكرناه.

مسألة 59

وقد نص أبو عثمان أنه لا يجوز: قمت إن قمت، ولكن: أقوم إن قمت. مسألة 59: قال أبو الحسن: زعم يونس أن ناسًا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كي" وزعم خلف الأحمر أنها لغة لنبي العنبر. وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن أصلها الفتح، وكسرت في الإضافة للفصل بينها وبين لام الابتداء. وزعم أبو عبيدة أنه سمع لام "لعل" مفتوحة في لغة من يجر في قول الشاعر: 195 - لعل الله يمسكنني عليها جهارًا من زهيرًا أو أسيدٍ

.................

قال أبو علي -أيده الله-: يكون على إضمار الحديث [في لعلٍ مخففة كإضماره في "إن" وأضمر مبتدأ، والظرف في موضع الخبر، و"يمكنني" حال [كأنه قال لعل القصة الأمر لله ممكنًا لي]، وإن شئت جعلت "يمكنني" في موضع خبر "لعل" وأضمرت الحديث كأنه [قيل لعله] يمكنني الأمر لله أي لقوة الله، وأنشد أبو زيد: 196 - فقلت ادع أخرى واسمع الصوت دعوةً لعل أبي المغوار منك قريب

........................................

وأحفظ في كتاب أبي الحسن: 197 - تواعدني ربيعة كل يومٍ لأهلكها وأقتني الدجاجا فإن قلت فهل يجوز في "لعل" فيمن خفف أن يدخلها على الفعل بلا شريطة إضمار القصة والحديث كما جاز ذلك في "إن" إذا خففت أن تدخل على الفعل نحو "إن كاد ليضلنا"؟ فإنه ينبغي عندي أن يبعد إدخال "لعل" على الفعل. ألا ترى أن

"إن" لا معنى فيها إلا التأكيد، ومع ذلك فقد أعملت مخففة في الاسم ونصب بها. وإذا كان كذلك وكانت "لعل" أشبه بالفعل /70 أللمعنى الذي لها وجب أن لا تكون إذا خفتت إلا على شريطة الإضمار إذا أدخلت على الفعل. ويؤكد ذلك "أن" المفتوحة المخففة من الشديدة. ألا ترى أنها لا تخفف إلا على إضمار القصة والحديث، وكذلك "كأن" في قوله: 198 - (كأن ثدييه)

مسألة 60

على أن "كأن" إنما هي "أن" أدخلت الكاف عليها. فإذا لم يكن "أن" إلا على شريطة الإضمار فيها فـ "كأن" كذلك ينبغي أيضًا، وإذا كان كذلك لم يكن قوله "لعل أبي المغوار" و"لعل الله يمكنني" إلا على إضمار القصة والحديث، وما بعده في موضع الخبر. مسألة 60: 199 - يا دارمية بالعلياء فالسند ... أقوت ................... و:

200 - يا دار مية بالخلصاء غيرها ................................

قال أبو علي -أيده الله-: الجار متعلق بـ "أقوت" وبـ "غيرها"؛ لأن "دار مية" معرفة فلا يكون الفعل صفةً. فأما: 201 - أدارًا بحزوى هجت للعين عبرةً ............................... فلا يكون "بحزوى" إلا متعلقًا بمحذوف. ألا ترى أن "دارا" نكرة. ويجوز في الأول المعرفة أن يكون الجار متعلقًا بمحذوف فيكون في موضع حال كقوله:

202 - يا بؤس للجهل ثم قال: (ضرارًا الأقوام). ولا يجوز عندي في قوله: 203 - ألا يا بيت بالعلياء بيت ... ..........................

أن يكون متعلقًا بمحذوف على أن يكون حالاً، ولكن متعلق بمحذوف على نحو "في الدار رجل"؛ لأنه خبر "بيت" الثاني، ويكون "أقوت" و"غيرها" منقطعين مما قبلهما، كأنه لما نادى أقبل على غيرها فخاطبه. والدليل على كون الظرف حالاً في بيت ذي الرمة وأنه يجوز أن لا يكون متعلقًا بالفعل الذي هو "غيرها" قوله في أخرى: 204 - يا دار مية بالخلصاء فالجرد سقيا وإن هجت أدنى الشوق والكمد

مسألة 61

فكما أن هذا لا يكون إلا حالا كذلك قوله: "بالخلصاء غيرها" يجوز أن يكون حالا. فإن قلت: لم لا تجعل "بالعلياء" في قولك: "ألا يا بيت بالعلياء بيت" حالا وتجعل بيت الثاني بدلاً من الأول ليخلص الظرف حالاً. فإن ذلك لا يجوز. ألا ترى أنه يستقيم أن تقول -مبتدئًا-: يا زيد ولولا عمرو أكرمتك، [كما قال]: "ولولا حب أهلك ما أتيت". وإن شئت أجزته كما قال: 205 - يا ابن أمي ولن شهدتك إذ تد عو تميمًا وأنت غير مجابٍ مسألة 61: الفرزدق: 206 - ولو سئلت عني نوار ورهطها إذن أحد لم تنطق الشفتان

قال بعضهم: يريد لم تنطق شفتاه. [قال أبو علي أيده الله]: وهذا عندنا على لم تنطق الشفتان منه، لابد من تقدير الراجع المحذوف؛ لأن الخبر لا يخلو من راجع إلى الخبر عنه أو شيء يكون إياه في المعنى، وليس هذا كقول الفرزدق: 207 - وقد علم الجيران أن قدورنا ضوامن للأرزاق والريح زفزف

لأن الكلام هنا غير محتاج إلى راجع كما احتاج في البيت الأول. ولو قال قائل أراد لأرزاقهم [لجاز] وأن لا يقدر هذا أجود في المعنى وأبلغ. ألا ترى أنه إذا قدر هذا التقدير كان مقصورًا على الجيران، وإذا كان على ظاهره كان لهم ولغيرهم، فالمعنى -في قوله: "الأرزاق" مطلقًا غير مضاف- أرزاقهم بإطعامنا إياهم وأرزاق من عداهم بمشاهدتهم لهم. وأما قول الآخر: 208 - يا ليلةً خرس الدجاج طويلة ببغداد ما كادت عن الصبح تنجلي

فالأصل في هذا "خرسًا دجاجها" فكما حذف الضمير وأضاف الصفة إلى ما كان فاعلاً لها في المعنى، فكان ينبغي أن يفرد الصفة فيقول "خرساء الدجاج". ألا ترى أنه قد صار فيها ضمير الليلة إذ قد حذف الراجع مما كان يرجع من الصفة إلى الموصوف كما قال الآخر:

209 - شنباء أنيابًا فأفرد الصفة حيث خلصت للأول، وأجراها عليها، ولم يقل شنبةً أنيابًا على "قد شنبت الأنياب فيها" كما كان يقوله لو رجع الذكر من الفاعل في المعنى، وكما قال أبو زبيد: 210 - ...... كهباء أهدابًا

فأما [بغداذ] فيكون متعلقًا بـ "طويلة" كأنه طالت [ببغداذ]

لشجو كان له بها فاستطال الليل، ولا تجعله متعلقًا بمحذوف؛ لأنه لا فائدة فيه. ألا ترى أن الليلة [ببغذاذ] وبغيرها، وحكم الصفة أن تكون مختصة لتفصل الموصوف بالاختصاص من غيره، وهذا بعيد من الاختصاص. فإذا كان كذلك لم يكن مثل قوله "أدارا بحزوى" لأن هذا تخصيص كما تخصص رجلاً في "رجل من البصرة" والأول ليس كذلك. وإنما قال "خرس" فجمع؛ لأن خرسها خرسهن فلذلك جاز، ويضم إليه: 211 - ومهمةٍ هالك من تعرجا

و: 212 - ........... بأدماء [في حبل] مقتادها فكأنه قال: هالك من تعرج فيه أي هالك المتعرج. فـ "من تعرجا" على هذا التقدير فاعل في المعنى، وعلى تقدير من حمله على "مهلك" إلا أنه حذف مفعوله في المعنى بمنزلة "ضارب زيدًا"، وتأويلنا بمنزلة "حسن الوجه" كأنه قال "بحسنةٍ وجهها"؛ لأن الأصل: "بآدم

مقتادها" كما يقول: "مررت برجلٍ أحمر وجهه" ثم أضمر في "آدم" فقال "إدماء" لأن فيه ضميرها، ثم أضافه إلى الفاعل في المعنى وهو "مقتادها" كما يضيفه إليه إذا قال: بإدماء المقتاد؛ لأن الألف واللام يعرفه كما يعرفه الضمير فهو مثل: 213 - ............. جونتا مصطلاهما

على قول سيبويه [فإنه باب لمحقوق] الباهلي: 214 - وفقئت عين التي أرتها أرتها قال: عملتها.

215 - يتبعن هدابًا قبا قبيا ... من القفير يأت أو كعبيا تحسب لولا أنه بختيا أي تحسبه من تمام خلقته بختيا لولا أن لونه لون العربي: 216 - يا رب إن عامر بن عمرو الأعور الأعسر أو لا أدري أخذها عائذة بحجر معناه أخذها عائذة بحجر أولا أدري فقدم؛ لأن الباهلي حكى أنه أغير على هذه الإبل في آخر يوم من الشهر الحرام بحجرٍ أي بحرمةٍ. وهذا البيت في التقديم والتأخير مثل ما قبله في هذه الصفحة. شعر قديم:

مسألة 62

217 - إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقيل مسألة 62: و: 218 - ترى أرباقهم متقلديها و"إلى طعام غير ناظرين إناه" في قول أبي الحسن، و"فظلت أعناقهم" و: 219 - يا رضى ومسألة لأبي عثمان في ذلك:

220 - فهل في معدٍ فوق ذلك مرفدا كيف صحته. [حاشية: مسألة (فهل في معدٍ فوق ذلك مرفدًا) كيف صحته؟ تقديره: فهل في معد يجمع فوق ذلك أو كثرة أو نحو ذلك و"مرفدًا" يكون حالا، ويكون تبيينًا، ويكون حالاً عن الضمير في الظرف، والتبيين هنا حسن للحذف ومثله قوله تعالى: (هل لك إلى أن تزكى) كذا [كان] في الحاشية ولم يخرج له في الأصل إلى] الباهلي: 221 - لتردين أو لتبيدن السحل أو لتروحن أصلاً ما اشتمل

أعجاز: عندي من الجموع المقتصر فيها عن اسم الكثر بالقليل كأرسانٍ. يدلك على ذلك قوله تعالى: /70 ب (أعجاز نخلٍ منقعرٍ). أنشد أبو زيد: 222 - فلن أذكر النعمان إلا بصالح فإن له عندي يديا وأنعما

.............................................

وأنشد أبو زيد: 223 - أما ترى شمطًا في الرأس لاح به من بعد أسود داجي اللون فينان 224 - فقد أروع قلوب الفانيات به حتى يملن بأجيادٍ وأعيان وأنشد أيضًا: 225 - ألا زعمت عفراء بالطف أنني ... غلام جوارٍ لا غلام حروب

226 - وأني لأهذي بالأوانس كالدُّمى ... وأنى بأطراف القنا للعوب 227 - وأنى على ما كان من عجر فيتي ... ولوثةُ أعرابيتي لأديبُ

مسألة 63

مسألة 63: قال أبو علي - أيده الله-: لا يجوز يا غُلامكَ أقبلْ، وذلك أن الكاف لا تخلو من أحد أمرين: إما أن يُعْنَى بها المنادى أو غيرهُ، فإن كنت تعني بها غير المخاطب المنادى وجب أن يكون على لفظ الغيبة، وإن عنيت به المخاطب لم يجز، لأنه يلزم منه أن يكون غُلام نفسه وهذا فاسد. وأيضاً فإن قولك "يا غُلامك" إنما تريد نداء الغلام. قال أبو العباس في المقتضب: لا يجوز "يا غُلامك"؛ لأنك تنقض بالمخاطبة مخاطبة الغلام بإقبالك على صاحب الكاف، قال: ولو ندبت فقلت: "يا غُلامك" جاز، لأن المندوب غير مخاطب. قال أبو علي - أيده الله- يُقوى عندي هذا الذي سلكه تركهم للتاء في "أرأيْتَ" على حالة واحدة للمذكر والمؤنث وللاثنين والجميع، كأنه لما صارت علامة الخطاب فيما بعد التاء خرجت هي من أن تكون علامة خطاب. ألا تراها على حالة [واحدة] في جميع الأحوال، كما لم يجتمع هنا علامتان للخطاب كذلك لم يجتمع في "يا غُلامكَ".

فأما ما قاله في المندوب فلو قال قائل: إنه لا يجوز أيضاً كما لا يجوز في المنادى من حيث كان منزلاً منزلة المخاطب وإن كان ميتاً لكان قولاً. ألا ترى أنه بني كما بنى المخاطب لوقوعه موقع حرف الخطاب. فالبناء يدل على أنه بمنزلة المخاطب المُواجه. قال: سأل المفضل الصبي أبا عمرو بن العلاء - ها هنا عندنا - عن قول ابن غلفاء، وهو جاهلي، فأنشد بيته: 228 - ألا قالت أمامة يوم غولٍ ... تقطع يا ابن غلفاء الحبالُ ذريني إننا خطئي وصوبي ... على وإنما أهلكت مالُ

..................................

ما يريد والشعر مرفوع؟ قال: يريد مالي مال. قال أبو علي - أيده الله-: فسر أبو عمرو المعنى دون الإعراب وحمله على: (يا رَبُّ خطأ) لأن "رَبُّ" متعرف بالنداء لا أنه متعرف بمضاف محذوف. وكذلك "مال" هنا ليس هو متعرفاً بمضاف محذوف ولكن معناه أنه يريد ماله.

قال قول حاتم: 229 - وقد عذرتني في طلابكم غُذْرُ قال يريد جمع عذورٍ من الرجال والنساء. قال: قال أبو عمرو بن العلاء:

230 - ما بالها بالليل زال زوالها قال: كان ينشده بالرفع ويقول هذا أقوى في الشعر. فآ: [قال أبو علي- أيده الله-]: يجوز أن يكون أراد: هذا إفوا. في الشعر، ويجوز أن يريد "أفْعَلَ" من القوةِ. قال: ومعناه أنه يدعو عليها بالهلاك. قال: وهو مثل بيت ذي الرمة:

231 - وبيضاء لا تنحاش منا وأمها ... إذا ما رأتنا زيل منا زويلها يعني لأنها خافتنا حتى كادت تهلك. قال: وقال أبو الخطاب: زال زوالها يريد أزال [الله] الشيء [زوالها، قال: ومن العرب من يقول: زلتُ الشيء] بمعنى أزلته.

قال: قال الأصمعي: لا [أحسن] زال زوالها وتبرأ من قوله.

فآ: [قال أبو علي- أيده الله-]: تبرأ الأصمعي من الكلام في زال زوالها رفعته أو نصبته؛ لأنه في النصب مشكل وفي الرفع جمع بين قافية مرفوعة ومنصوبة والإقواء إنما هوف ي جمع بين قافية مجرورة ومرفوعة. ألا ترى أن المردف قد يكون ياء ويكون واواً مثل عميد وصدودٍ، ولا يجوز أن يكون ألفاً وباء أو واواً، لا يجوز مع "الصدود" "عمادٌ" "لامع العميد". كذلك لا يجوز في القافية أعني في حرف الروى. أنشد لسحيم بن وثيل جاهلي إسلامي:

232 - أقول لأهل الشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم

يَئِستُ، وأيسْتُ، وأبو عبيدة أنشدها ييأس وقوله "تيأسوا": تعلموا مثل (أفلم ييأس الذين آمنوا). قال: أنشد نيه ولده هكذا "وقد روى ييسرونني" أي يتتسمونني. من يسرتُ الجزورَ. الأصمعي في قول أبي ذؤيب:

233 - صخب الشوارِبِ يعني العروق التي يخرج النفس منها وهي موصولة بالرئة. [الأحوص] 234 - سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام

235 - فإن يكن النكاح أحل شيء ... فإن نكاحها [مطرا] حرامُ

..................................................................................................

قال الرواية بالخفض على معنى أطيب شيء، وقال "يا مطر" العرب تنشده بالرفع والنون، وكان عيسى ينشده بالنصب. اليزيدي عن أبي عمرو [يا مطر] مثل إجراء ما لم يجر. أشد الفراء: 236 - إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوماً على من يتكل

قال: ليس هذا على مذهب الخليل أنه قدم الصفة، ولكنه أراد [إن] لم يدر يوماً على من يتكل. قال بعض بني كلاب يوماً للكسائي: قلنا يوماً لامرأة: انزلي قدرك. فقالت: لا أجد ما أنزلُهَا، تعني لا أدري.

حُميد بن ثَوْر: 237 - ألا هي منْ لم يدر ما هُن هيما ... ويل ام من لمْ يدر ماهن ويلما 238 - وأسماء ما أسماء ليلة أدلجتْ ... إلى وأصحابي بأي وأينما "ألا هي" فيه النصب والخفض.

فآ: [الفتح أقوى لاجتماع الياءات].

قال: وكذلك "هَيِّمَا وويْلَما" معناه كله التعجب منه. وقوله "بأيٍّ" ترك إجراءه؛ لأنه أراد كناية عن بلدة مؤنثة، فلم يجرِهَا كقولك: لفلانة. قال: قول الأعشى: 239 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزةُ للكاثر قال: لم يرد معنى قولك: أنت أحسن وجها من فلان، ثم أدخل الألف واللام. هذا محال ولكنه أراد لست من بين هؤلاء القوم بالأكثر حصى.

قال: قال الشاعر: 240 - ومقطرةٌ [ضاعتُهَا] غير ناعم ... لدى الجسر ما أمي وأم المَقَاطرِ

/71 أقال: أراد مالي والمقاطرُ. قال أبو علي- أيده الله-: ظاهر هذا كقوله: 241 - وحيِّ عمرو وذوي آل النبي فقال فان أبو زيد: قول الشاعر: 242 - وصادقةٍ ما خبرتْ قد بعثتها ... طروقاً وباقي الليل في الأرض مسدف 243 - ولو تركت نامتْ ولكن أغشها ... أذى من قلاص كالحنى المُعطفِ يعني القطاة صادقة حين تُخبر أنها قطاة بصوتها، أغشها: أعجلها من مكانها: يقال: أغشتُ القوم إذا نزلت بهم على كرةٍ حتى يتحولوا من أجلك عن مكانهم. غير أبي عبيد "دَهْ" كلمة كانت العرب نتكلم بها عندما يرى الرجل ثأره يقال له يا فلانُ: "إنْ لادهٍ فلادهٍ" يعني أنها فارسية، حكى قول دابته: أي دِه دِه.

مسألة 64

مسألة 64: قال أبو علي - أيده الله-: سألنا سائل فقال: قالوا إن الثأر هو الرجل المقتول، فكيف جمعه حسان في قوله: 244 - (الله أكبرُ يا ثاراتِ عثمانا) وهو واحد؟

والقول عندي أن أصله حدث، وإنما اتسعَ فيه فأوقِعَ على المقتول كما قيل الخلقُ ونحوه. ويدلك على ذلك إضافته إلى عثمان، ولو كان إياه لم تجز إضافته إليه، ويدل على ما ذكرنا أيضاً جمعه بالتاء، [ولو كان الرجل لم يجمعه بالتاء]. فأما قوله: 245 - (كأنك لمْ تعرفْ لُبانة حاجةٍ) فآ: فعلى صاحب حاجة عندنا؛ لأن اللبانة هي الحاجة، فالإشكال أنه أضَاف الشيء في الظاهر إلى نفسه، كأنه قال: حاجةُ حاجةٍ [وهو ينشدنا على صاحب حاجة].

مسألة 65

مسألة 65: قال أبو علي- أيده الله-: قوله: 246 - لا تهنا ذكْرِى جُبيرة أو مَنْ ... جاء منها بطائف الأهوال

"منها" راجع إلى جُبيرة. وكذلك- عندي قوله: 247 - [وإذا] ما نشاء نبعث منها ... مغربَ الشمس ناشطاً مذعورا فالهاء ترجع إلى المبعوثة. كذلك عندي قول الأخطل: 248 - بنزوة لص بعد ما مر مصعبٌ ... بأشعث لا يغلي ولا هو يقملُ

الأشعث: هو مصعب. [قال أبو علي]: ولما كان "جاء منها" بمعنى جاءت إلا أن الكلام حُمِل على لفظ "مَنْ" جاز أن يُدْخِل الباء في "طائف". ألا ترى أن الجائية: هو الطائف كما أن الأشعث في [بأشعث]، هو مصعب فأدخل الباء على الوجه الذي أدخل منه في "منها بطائف". وهذه الأبيات تُفسد قول أبي عبيد في "لات حين" أنه تحين.

..................................................................................................

ويدلك على أن التاء لاحقة الحرف على حد ما لحقت "ثُمَّتَ ورُبَّتَ" ما أنشده من قوله: 249 - العاطفونَهْ حين لا من عاطفٍ

فإنه ألحق النون بهاء الوقف كما ألحق "نَعْلَيْنِهْ" ونحو ذلك، فلما أدرج استنكر أن يُحَرَّكَهَا وهي تلحقُ للوقفِ، ولم يُسقطها للحاجة إلى الوزن فأبدل منها التاء كما أبدلها من التاء التي تلحق للتأنيث لاجتماعهما في أنهما زائدتان، وأنهما يلحقان في الوقف، وحركها بالفتح للفتحة التي قبلها.

القاسم عن أبي عمرو قال في بيت لبيد: 250 - تسلبُ الكانس لم يُوْرأبها .... ................................ الهمزة بعد الراء: لم يشعر بها، يقال منه: ما وُرِئتُ به.

251 - .............. فهاربٌ ... بذمائه ............. بحركته أو بقية نفسه، قال: يقال: [ذمي] الشيء يذمي إذا تحرك. القاسم عن أبي عبيدة:

252 - .............. فبات له ... طوع الشوامت من خوفٍ ومن صرد قال يروي بالرفع والنصب، فمن رفع أراديات له بما يَسُرُّ [الشوامتُ] اللواتي يشمتن به ومن رواه بالنصب أراد بالشوامت القوائم، واحدتها شامته. يقول: بات الثور طوع قوائمه أي بات قائماً. قال: قول الشماخ:

253 - وماء قد وردتُ لوصل أروى ... عليه الطير كالورق اللجين

المعنى وماء كالورق اللجين عليه الطير. قال الأصمعي: هو المُتلزج أبو عبيدة قوله: 254 - مقام الذئب كالرجل اللعين معناه مقام الذئب اللعين كالرجُل. الشماخ:

255 - أعائش ما لأهلك لا أراهم ... يضيعون الهجان مع المضيع قال: أنكر عليهم إفساد المال بدلالة قوله:

256 - لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع وإنما أراد ما لأهلك يضيعون الهجان و"لا" صلة.

قال معمر قول الأعشى: 257 - ............. ... إلى جونة عند حدادها قال: الجونة: الخمر؛ لأنها سوداء إلى الحمرة. الأعشى: 258 - لقومٍ فكانوا هم المنفدين ... شرابهم قبل إنفادها

قال: أراد قبل أن تُنْفِدهم بالسكر فتُذهب عقولهم. وإنما أنت الشراب لأنه أراد الخمر. [فآ: أبو علي] فعلى هذا يكون أضاف المصدر إلى الفاعل وحذف المفعول للدلالة عليه، تقديره "قَبْلَ إنفادِها إياهم" كقولك قبل إسكارها إياهم. معمر: ابن مقبل: 259 - يا دار سلمى خلاء لا أكلفها ... إلا المرانة حتى تعرف الدينا

قال: المَرَانةُ: بلدةٌ معروفة، يقول: لا أطلبها إلا أي هذه البلدة حتى يُعرف الدينُ الإسلامُ، قال: قال لها قبل أن نُسْلِم. معمرٌ: الشماخ. 260 - تدنى الحمامة منه وهي لاهيةٌ ... مِنْ يانع الفرع قنوان العناقيد نصب الحمامة، وقال: أراد المرآة تُدْنيها من شعرها إذا نظرت فيها ويقال أيضاً: إنه أراد بالحمامة القطاة، يعني أنها تُدني القطاة منها؛

لنظرها في "فيها" فإذا دنت منه القطاة فقد أدنتها إلى شعرها، و"قنوان" خفض من نعت "يانع". النمر بن تولب - في الوَعِلَ: 261 - /71 ب سقته الرواعدُ من صيفٍ ... وإن مِنْ خريفٍ فلن يعدما

قال: أنشدنيه حماد بن الأخطل بن النمر بن [تولب] هكذا. قال: ومعناه: "مِنْ خريفِ فلن يعدما"، وجعل "إنْ" صلة.

ابن أحمر: مدت عليه المُلك أطنابها ... كأس رنوناةٌ وطرفٌ طمر 262 - هل يهلكني بسط ما في يدي ... أو يخلدني جمع ما أدخر 263 - أو يُنسئن يومي إلى غيره ... إني حوالي وإني حذر يُنْسِئن: يؤخر، والحوالي فقالي من الحيلة، والرنوناةُ: الدائمة ثبتت له وألقت أطنابها وثبتت له الحيل، ونصب "الملك" على مذهب الحال، أراد تثبت له هذه الأشياء في حال ملكه. [فآ: أبو علي]: هذا لا يجوز ولكنه مفعول له كأنه مدت عليه كأسٌ أطنابها وطرفٌ الملكَ أي للملك.

مسألة 66

الأعشى: فقلنا له هذه هاتها ... بأدماء في حبل مقتادها يقول: [يحبلُك] بها الذي يقودها في الحبل حتى يدفعها إليك. مسألة 66: [فآ: أبو علي] "حاحَيْتُ" مثل "ضَوْضَيْتُ" في إزالتهم التضعيف من الكلمة. وإزالة التضعيف من "ضَوْضَيْتُ" على حده المطرد، فأما في "حَاحَيْتُ" فإنه لما لم يمكن تغيير الياء رابعة؛ لأنه لم يكن يخلو من أن نقلبها باء أو واواً، والواو لم يجُزْ؛ لأنها تقلب في هذا الموضع إلى الياء. ألا ترى قولهم: "أغْزَيْتُ"، أو إلى الألفِ، والألفُ لم يسغ أيضاً لاتصال الفعل بالضمير. ألا تراهم يقولون: "رَمَيْتُ" فيصححون لزوال الحركة عن اللام.

مسألة 67

فلما لم يمكن تغيير الياء الثانية كما أمكن تغيير الواو في ضَوْضَيْتُ، وكرهوا التضييف، وأريد التسوية في "حَيْحَيْتُ" بأختها "ضَوََيْتُ" قلبت الأولى ألفاً، وكان ذلك حسناً. ألا ترى أنهم يزيلون التضعيف بقلب الأول كما يزيلونه بقلب الثاني، فقالوا: قيراطٌ كما قالوا: تَسَرَّيْتُ إلا أن تغيير الثاني أقوى وأجود. ألا تراهم قالوا "دَهْدَيْتُ" فأزالوا الثاني، ولم يقولوا "حَاحَيْتُ" إلا بعد أن لم يمكن التغيير في الثاني. مسألة 67: قال [أبو علي]: سأل سائل من رفع "زَيْداً" بـ "قائم" في قولك: قائمٌ زيدٌ وجعله يسد مسد الخبر هل يجوز أن ينصب "قائماً" إذا عطف على "ليس" فقال: ليس ذاهباً عمرو ولا قائماً زيدٌ؟ الجواب أن نصبه لا يجوز؛ لأنك لا تنصب بـ "ليس" حتى ترفع بها فإذا نصبت بها هنا لم ترفع بها شيئاً، فإذا كان كذلك رفعت "قائماً" الذي كان يرتفع بالابتداء بـ "لَيْسَ" ويكون الاسم المرتفع به يسد مسد خبر "ليس" المنتصب كما سد مسد خبر الابتداء. القاسم: ابن أحمر:

264 - أصم دعاء عاذلتي تحجي ... بآخرنا وتنسى أولينا يعني وافق دعاؤها قوماً صما، كما تقول: أبخلناه لما أتيناه، فدعا عليها بهذا و"تحجى" يقول: تلزم ذلك، وفعلتُ حجوتُ. قال العجاج. 265 - فهن يعكفن به إذا حجا

مسألة 68

[فآ]: هو من الْحِجَى الذي هو العقل، وهو في المعنى اللزوم؛ لأن العقل هو التقييد وهو اللزوم في المعنى، وإن شئت قلت: إن الأحجية منه؛ لأن الإنسان يقف عند السؤال فيه. مسألة 68: العجاج: 266 - وبلدةٍ نياطُها نطيءٌ أي بعيد.

القاهُ: الطاعةُ، وتأمر منه [أيقه] مقلوبٌ. 267 - تبزلَ ما بين العشيرةِ [والدم يقطر، وانْبَعَج]، ومنه قيل: المِبْزَلُ.

والبزال، ومنه بزول البعير ينابه؛ لأنه ينفطر موضعه. ومنه قيل: البَزْلاءِ للرأي الجيد؛ لأنها قد انبعجَتْ وبزلتْ. قال: يقال في بيت مالك بن نويرة:

268 - قطعتْ زُنيبةُ حبلَ منْ لا يقطعُ ... حبل الخليل وللأمانة تفجع كقولك: أكرمني عبد الله ولنفسه أكرم. ابن حُمامٍ المُري. 269 - فلسنا على الأعقاب ندمي كلومنا ... ولكنْ على أعقابنا يقطر الدما

ويروى، نَقْطرُ الدما بالنون أي من جراحنا لغيرنا، والجيد أن يكون "على أعقابنا يقطر الدما". قال [أبو علي] وحمل "الدما" على التمييز خطأ. قال أبو علي: وأنشد ابن دُريد "يقطر الدمُ" على أن الدم فاعل. 1 - باب فآ: هناةُ كناية عن المنادى خاصة، و"فُلُ" و"فُلَةُ" كنايتان في النداء خاصة و"فُلانُ" و"فُلانةُ" كنايتان عن العَلَمِ في جميع المواضع

لا يخص موضعاً بعينه كما اختص "فُلُ" و"فُلَةُ" في النداء.

و"كذا وكذا" كناية عن العدد. "والفُلانُ" و"الفلانةُ" كناية عن الأعلام في غير الأناسي باللام و"كيَتَ وكيْتَ" كناية عن الحديث نحو خرج المير. وقد اضطر الشاعر فاستعمل "فُل" في غير النداء في قوله: 270 - فُلاناً عن فُلِ

كما قال الآخر: 271 - إلى بيتٍ قعيدتُهُ لكاعِ وكان هذا عندي أمثل من الترخيم ألا تراهُمْ قد استعملوا الاسم المرخم في غير النداء على حد الترخيم. فكما صارت هذه الأشياء كنايات كذلك قول حميد:

(بِأَيٍّ وأيْنَمَا) 2 - باب في إعمال الفعلين وأحدهما:

"أعْلمنا وأعلمونا إياهم إياهُم الزيد بن العمر بن خير الناس". أفردت "خيْرَ الناسِ" كما تقول: أفضل الناس، وقلت "إياهم" فجمعت على المعنى. "اقبَلْ إنْ قيلَ لك الحق والباطلُ" على إعمال الثاني. وعلى الأول "اقْبَلْ إنْ قيلَ لك الحق والباطل" فقد أمرته أن يقبلهما معاً، وهذا على المجاز على حد الاستزادة؛ لأنه لا يحسن أن يأمره بقبول الباطل كما يحسن أن تأمره بقبول الحق. وإن أمرته بقبول الحق قلت "اقبَلْ إنْ قِيلَ لكَ الحقِّ والباطلُ"

يريد اقْبَلْ الحق إن قيل لك والباطلُ. والأحسن أن تُدْخِل "هو" يعني هو والباطلُ. فإن أمرته بقبول الباطل قلت اقْبَلْ إن قيل لك والحق الباطل. فإنما أمرته في المسألتين بقبول أحد الأمرين، ولم تعرض للآخر بأمر [به] ولا نهي فإن نهاه عن الباطل قال: اقْبَلْ إن قيل لك الحق لا الباطل فليس معنى هذا كمعنى الأول. ألا ترى أنه لا يكون دخول "لا" وخروجها واحداً، فكأنه قال: اقْبَلْ الحقَّ إن قي /72 ألك لا الباطل؛ إذ لا يَقْبل الباطل. ولو قلت: "اقبل إن قيل لك الحق لا الباطل لكنت تريد اقبل الحق إن قيل هو لا الباطل ومعناه: لا إنْ قيل الباطلُ. ولو قلت: اقبَلْ إنْ قيلَ لك الحق والباطلُ لكنت آمراً له بقبولهما جميعاً؛ وكان معنى هذا، ومعنى "اقبَلْ إنْ قيلا لك الحق والباطِلُ" واحداً. ألا ترى أن معنى: "ضربت زيداً وعمراً، وضُرب زيدٌ وعمروٌ" واحد. [حاشية] قال أبو علي قد يكون الباطلُ معطوفاً على المفعول المحذوف من "اقْبَلْ" وقد ألزم الفراء أصحابنا في قولهم:

272 - .......... ... كلُّهُ لمْ أصنعِ. أنه لم أصنعه، فقال: يلزمكم أن تؤكدوا هذا الضمير المحذوف وتعطفوا عليه، فالتزم أبو بكر العطف، وأبى التوكيد، واحتج بأن التوكيد للبسط والإطالة، والحذفُ للإيجاز والتقصير فلم يؤكد مع حذفه لأنه نقض للغرض. [رجع]: وتقول: اقبَلْ إن قيل لك الحق والباطل على إضمار فعل كأنك قلت: واقبل الباطل مثل "تقلدْتُ سيفاً ورُمْحاً".

وهذا أجود؛ لأن الذي أضمرت هو ما أظهرت. ألا تراهم قالوا: مررت برجل إن زيدٍ وإن عمروٍ، فاستجازوا إضمار الجار لما ذكره قبلُ. فهذا أجدر. وقد تأول بعض الناس "تساءلُون به والأرحام" "واختلافِ الليل والنهار ... " آياتٍ على هذا قال: لأنه لا يعطف اسمين على عاملين مختلفين. فإن قلت: أقول: اقبلْ إنْ قيلَ لك الحق والباطل على معنى اقبلْ الباطل وإن قيل الحق كما قال:

273 - عليك ورحمةُ الله السلامُ

فهذا ليس مثل ذلك؛ لأن حدهُ أن يقول: [عليك] السلامُ ورحمةُ اللهِ. فالواو للرحمة وقد قدمت الرحمة مع الواو، ولم تفصل بينهما. ولما قُلتَ: اقبل الباطل وإن قيل الحق فقد كانت الواو معطوفاً بها "الباطلُ" ثم صارت تلي "إنْ" ففصلت بين الباطل والواو، ولم تفصل بينهما وبين الرحمة في البيت. فإذا لا يكون مثله فأما قوله:

274 - وفي الحسب الزاكي الكريم صميمها فقد يجوز أن ترفع الصميم بالابتداء لا على أن تقدر الواو داخلةً على "صميمها" فقلبْتَ. هذا لا يجوز، ولكن على قولك: "مُنْطَلِقٌ زيدٌ" ثم أدخلت العطف في الخبر. وتقول: "اقْبَلْ إن قيل لك الحق أو الباطل"، ولا تقل: "إن قيلا" وإن أعملت الأول؛ لأنك رخصت له في أحدهما. وهذا بمنزلة "زيداً وعمرٌ ضربني"، ولا تقول: "ضرباني" كأنه: "اقبل أحدهما إن قيل لك". واعلم أن قولك: "اقبل إن قيل [لك] الحقُّ والباطلُ" و"اقبل وإن قيل لك الحق والباطل" معناهما مختلف؛ لأنك إذا قلت: "اخرجْ إنْ غضب زيدٌ" - فالمعنى لا تخرجْ حتى يغضب زيدٌ. فإذا قلت: "اخرج وإن غضب زيدٌ" فالمعنى اخرج على أية حال. وتقول: "عودْ أن يشتُمك زيدٌ" إذا أعملت الآخر، فإن أعملت الأول نصبت زيداً وأضمرته في الثاني. وتقول: "اعتدْ أن تقبل الحق والباطل" على الثاني، وعلى الأول اعتد أن تقبلهما الحق والباطل، ومعناه اعتد الحق والباطل أن تقبلهما. وهذا فيه قبح؛ لأنه ليس يأمره أن يعتاد الحق والباطل وإنما يأمره.

أن يعتاد القبول، وهو جائز على المعنى، كأنه قال: اعتد الحق والباطل أن تقبل الحق والباطل. وتقول: "أرني فأريك زيداً" إذا أعملت الثاني، وإن أعملت الأول قلت: "أرني فأريكه زيداً" وتثني على هذا وتجمع، وكذلك على الوجه الأول. وتقول: "كنتُ وجئتُ مسرعاً". زعم أبو الحسن أن هذا لا يجوز؛ لأن "كنتُ" تحتاج إلى خبر، و"جئتُ" تحتاج إلى حال فإن جعلت مسرعاً [خبراً لـ "كنت" لم يكن لـ "جئتُ" حال، وإن جعلت مسرعاً] حالاً لـ "جئتُ" لم يكن لـ "كنتُ" خبر. قال أبو علي: فإن قلت: إن "جئتُ" قد يستغنى عن الحال، فأجعل مسرعاً خبراً لـ "كنتُ". فإن المسألة على هذا جائزة عندي، ويكون "جئتُ" التي هي خلاف ذهبتُ. فإن جعلت: "جئتُ" التي بمعنى "صِرْتُ" كما حُكِيَ في قوله: "ما جاءت حاجتك" أي صارت لم تجز المسألة كما قال أبو الحسن، وإلى هذا ذهب أبو الحسن عندي في المنع منه.

قال بعض البصريين: "رجُلاً" في "نِعْمَ رجلاً زيدٌ" ينتصب على الحال والاسم مضمر في نعم لا يظهر، وتفسيره "زيدٌ"، والضمير يلزمه التفسير إذا تقدم فكأنه إذا قال: "نِعْمَ رجلاً زيدٌ"، فقد قال: "نعم الرجلُ رجلاً زيدٌ" كقولك "جاء راكباً زيدٌ". قال: واعلم أن العرب تجعل م أضيف إلى ما ليس فيه ألف ولام بمنزلة ما فيه الألفُ واللامُ فترفعه كما ترفع ذلك، فتقول: "نِعْمَ أخو قومٍ زيدٌ"، قال: 275 - فنِعْمَ صاحبُ قومٍ لا سلاح لهم ... وصاحب الركب عُثمان بن عفانا

[هو] بمنزلة صاحب القوم. فإن قلت: لعله ينشد بالنصب "صاحبُ قومٍ".

قلت: لا يكون ذلك؛ لأنك لا تعطف معرفة مرفوعةً على نكرة منصوبة، وهو قولك "وصاحبُ الركبِ" وهذا ضعيف. ولو قلت: "نِعْمَ رجلاً في الدار وزيدٌ" لم يجز، لأنه ليس قبل "زيد" شيء يُعطَفُ عليه؛ لأن "في الدار" ليس باسم، و"رجلاً" نكرةٌ منصوبةٌ. قال: ولا تقول: نعم ما صنعت؛ لأنك لا تقول: نعم الذي صنعت. قال: فإن قلت أجعل "ما" نكرة ولا تحتاج إلى صلة، وأجعل "صنعت" صفتها. فذاك أيضاً غير جائز، لأنك لا تجيء لـ "نعم" بخبر، وكأنك قلت: "نِعْمَ رجلاً ظريفاً" فهذا لا يجوز. فلو قلت: "نعم شيئاً صنعتَ أمسِ" كان أمثل، لأن "أمْسِ" يصير ظرفاً للشيء الذي صنع. قال: ولو قلت: نعم البصري /72 ب الرجل، ونعم البغدادي الثوبُ ونعم الأصبهاني العسلُ كان ضعيفاً؛ لأنك لم تفد شيئاً. ولو قلت: نِعْمَ الفرسُ الدابةُ لم يجز. ولو قلت: نعم فرساً الدابةُ التي كانت عندك كان حسنا. قال [أبو علي] في جميع هذه المسائل لو قُدم ما أُخر لكان حسناً [لأنه] كان يقع بذلك اختصاص ألا ترى أن الرجل يقع على البصري وعلى الكوفي فإذا اختصصت البصري فقد أفدت إل أنه يقبح لإقامة الصفة مقام الموصوف.

مسألة 69

فأما "نعم الدابةُ الفرسُ" فليس فيه إقامة صفة مقام موصوف فهو حسن. مسألة 69: قال أبو علي: قال بعض الجهال [يعني ابن قتيبة] في قوله: "وهو شديدُ المِحَالِ" لَمْ يُمِلْهُ فلان- يعني بعض القراء - قال: لأنه من الحول والميم زائدة.

قال [أبو علي]: وفي هذا ترك للقياس من وجهين: أحدهما: أنه لو كان كذلك لم تُعَلّ العين. ألا ترى أنك لا تعل نحو: "الْمِحْوَرِ والْمِشْوَذِ والْمِعْوَلِ"، ولا نعلم شيئاً من هذا جاء معلا. والآخر أن المصادر لا نكون على مِفْعَل. ولكن "المِحَال" فِعَال من "الْمَحْلِ"، وهي كلمة لها تصرف. فمن ذلك: الْمَحْلُ لشدة الزمن. ومنه ما أنشده يعقوب في بعض كتبه: 276 - يتبعن سدو سبط جعد رفلْ

كأن حيث يلتقي منه المحلْ من قطريه وعلان ووعلْ أبو علي: يريد [وعلانِ] ووعلان ليصح ما يريد من المقابلة، يدلك على أ، هـ يريد المقابلة قوله: من قُطُرَيْهِ. والمعنى قُرُونُ وعِلَيْنِ ووَعِلَيْنِ، لأنه يريد الأضلاع فشبه الأضلاع بالقرون لقوتها. [حاشية] فقيل لأبي علي: وأين في كلامهم مفرد يراد به الإثنان كما يراد به الجميع. فقال: ليس يريد بلفظةِ "وعِل" "وَعِلَين" ولكن المعنى في قصده ما ذكرته لك. رجع [قال أبو علي] يقوى [هذا] التفسير قوله:

مسألة 70

277 - وكأنما انبطحتْ على أثباجها ... نُدرٌ بشابه قدْ تعمن وعولا قال أبو علي: فإن قلت هلا أعللت "مِقْوَلا"، لأنه على وزن "تِعْلَم". فإن الخليل قال: هو مقصور من "مفعال"، و"مفعال" يلزمه التصحيح فكذلك ما كان مثله من قولهم مِفْعَل. مسألة 70: قال أبو علي: من شبه "مَا" بـ"لَيْسَ" فنصب بها، فلدخولها على المبتدأ والخبر كما أن "ليس" كذلك، ولأنها نَفْيُ الحال كـ"لَيْسَ"،

ولا يجوز على هذا أن تنصب بـ "إنْ" كما تنصب بـ "مَا" وإن كنت نافية، لأنها ليست لنفي الحال كـ"ما" ألا ترى أنك تقول: "إنْ جئتني أمْسِ" تريد لَمْ تجئني، وكذلك "فيما إنْ مكناكمْ فيه". وإذا كان كذلك لم يجز أن تكون كـ"مَا"؛ لأنها قد اجتمع فيها شبهان بـ "ليسَ" والشبهان يجذبان ما هما فيه إلى حكم ما هما منه، ألا ترى أن جميع ما لا ينصرف أنه كذلك، ولو أشبه الفعل من وجه لم يمتنع الصرف فكذلك "إنْ" لا تنصب كما تنصب "مَا" وقد جاء ذلك في "لا" في قوله: 278 - [حين] لا مُسْتَصْرَخٌ ولا براحُ

وهو ضعيف قليل ولا ينبغي أن يجوز ذلك في "إنْ" كما جاز في "لا" لأن باب هذه الحروف وقياسها ألا تعمل عمل الفعل، فلا ينبغي أن يخرج شيء منها عن أصله إلا بسماع ولم نعلم ذلك جاء مسموعاً في "إنْ" كما جاء في "لا" فأما ما يقوله أبو العباس أنه يجيز قياساً "إنْ زيدٌ قائماً" ويقيسه على "لا" فليس بشيء لما أعلمتك. فإن قلت: فهل يجوز إذا كان فيه شبه واحد من الفعل أن يُمْنَعَ من الصرف كما أجرى "لا" مجرى ليس وإن كان فيه شبه واحد من "ليس"؟

قيل: إن هذا لا يجوز في الاسم؛ لأن الاسم حقه الصرف فلا يخرجه شبه واحد عن الأصل والتمكن. ألا ترى أن ذلك لو جاز لجاز أن تُمنع من صرف جميع المعارف وهذا يفحش، فإذا كان كذلك لم يكن مثل "لا" على أن "لا" قد صار فيه آكدُ الشبهين وهو النفي. ونصبهم بـ "لا" الخبر يُقوى تأويل سيبويه في نصب خبر "ما" مقدماً في الشعر لقيام النفي فيه إذا قُدم الخبر قيامهُ إذا أخرَ، وليس كذلك في نقض النفي؛ لأن آكد الشبهين قد بطل.

فأما قولهم: ما إن زيدٌ منطلقٌ، وأنهم إذا أدخلوا "إن" كفوا العمل الذي كان لـ "ما" فلا حجة فيه في منع "إنْ" أن تعمل عمل "مَا" لأنها ليست النافية. ألا ترى أن الكلام في قوله: 279 - [وما] إنْ طبُّنا جُبْنٌ. نفي، ولو كانت "إنْ" في "ما إنْ" نفياً، كما أنها في الابتداء نفي لكان الكلام إيجاباً؛ لأنه كان يكون نَفْيَ نَفْيٍ. ولكن وجه الدلالة على أنها لا تعمل عمل "مَا" في النصب ما قدمناه. فإن قلت: فأجعلُ "ما" زائدة في "ما إنْ" وأجعلُ النفي بـ"إنْ"

فهذا الذي عليه قول الناس أحسن؛ لأنك على هذا تصير إلى أن تزيد الحرف أولا، وأن تزيدهُ في تضاعيف كلام أكثرُ. فـ"إنْ" في النفي زائدة كافة كما كانت "ما" زائدة كافة في "إنما يقومُ زيدٌ"، وقد ذهب أبو عبيدة إلى أن "إنْ" زائدة في قوله: (وإِنْ مِنْ خريفٍ فلنْ يعدما) كأنه سقته من صيفٍ ومن خريفٍ فلن يعدم السقي. فإذا جاز كونها زائدة غير كافة كان كونها كافة أجدرَ. ألا ترى أن "ما" أيضاً لما كانت كافة فيما ذكرت لك كانت أيضاً زائدة. فقول أبي عبيدة غير مستحيل ولا ممتنعٍ إل أن قول سيبويه أولى؛ لحمله إياها على أنها غيرُ زائدةٍ مع الصيغة التي تدخلها إلا أن "إما" لما كانت قد حذفت من قول: 280 - تُهَاضُ بدارٍ قدْ تقادم عهدها

وحذفت "ما" من "إنْ" في قوله: 281 - ..................... ... فإن جزعاً وإنْ إجمال صبرٍ

لم يمتنع اجتماع الأمرين في البيت، إذ قد جاءا جميعاً في الشعر. ومما يقوى قول أبي عبيدة أن "أنْ" لما جاءت زائدة في "ولما أنْ جاءت رُسُلُنَا" جاءت أيضاً زائدة منفردة في قوله: 282 - كأنْ ظبيةٍ

فيما /73 أأنشده أبو زيد فكذلك "إنْ" في البيت في تأويل أبي عبيدة. فأما "إنْ" في قولك "واللهِ إنْ لو جئتني لأكرمْتُكَ" فليست بزائدة، ولكن هي مثل اللام التي تلحق [لَئِنْ] ألا ترى أن ما دخلت [عليه] لما لم يكن نفس المقسم عليه، وإنما تعلق بالجزاء الذي هو المقسم عليه في الحقيقة أثبتتْ تارة وحذفت أخرى كقوله تعالى: "وإنْ لمْ ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا"، وقوله: "لئنْ لمْ ينته المنافقون" [واللذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة] لنغرينكَ بهمْ".

مسألة 71

فهي مثلها في أنها تثبتُ وتُحْذف والتي في "لما أنْ" زائدة. وحُكيَ لي أن بعض الكوفيين أجاز: "ما ما زيدُ قائماً" فأدخل النفي على النفي ونصب، وهذا ينبغي أن [لا] يجوز، لأن النفي قد انتقض، وهو أعظم السببين. فكما لا يجوز ذلك مع "إلا" كذلك لا يجوز في "ما". فإن قال: أدخلتُ الأول على كلام قد عمل بعضه في بعض فلم أيغرهُ. قيل له: فإنك أيضاً قد أدخلت "إلا" على ذلك فأجره مجرى ليس، فكما لا يجوز هذا في "إلا" لنقض النفي، كذلك لا يجوز في "ما" إذا أدخلتها على "ما". مسألة 71: قال (أبو علي): قول الخليل في "معيشةٍ" إنها مَفْعُلةٌ أو مَفْعِلةٌ.

قال أبو الحسن لا يكون إلا مَفْعِلَة ولا يصحح في الواحد الياء كما يصحح في الجمع. فمما يحتج له في ذلك أن الجمع ليس كالواحد؛ لأنه يُستثقل فيه مالا يُستثقل في الواحد. ألا تراهم قلبوا باب "دُلِيّ" ونحوه، وسمحوا في الواحد نحو "عُتُوٍ". فكذلك صُحِّحَتْ الياء في بيض، ولا يلزم على هذا الواحد الذي ليس بجمع. فيقول: الخليل بناء الجمع في هذا النحو والواحد سواء. أل ترى أن هذا الضرب من الجمع كالواحد، ولا ثقل فيه ليس في الواحد. يدلك على ذلك أنهم يصرفون هذا الضرب من الجمع كما يصرفون الواحد. فإذا لم يختص هذا بثقل ليس في الواحد وجب أن يستوي مع الواحد، وإذا استوى مع الواحد لم يجز أن يخالف بين الواحد وبينه في الإعلال، بل ينبغي أن تصحح الياء في الواحد كما صُححتْ في بيض.

والدلالة على مساواة هذا الضرب الواحد أنك لو سميت بـ "فعُل" الذي هو جمع لصرفت كم أنك لو سميت بـ "فُعْل"، وكذلك لو سميت بفلوس صرفته. فإن قلت: فكيف أُعِلّ الجمعُ في نحو "دُلِيّ" وصُحح الواحد؟ وهلا دل هذا على (استثقالهم) للجميع؟ قيل: ليس هذا من قبل أنه جمع، ولكن لما كان الواحد الذي ليس بجمع قد غير نحو "عُتِيٌّ" فقلبت الواو منه، وكان الجمع يعتوره من التغيير أكثر مما يعتور الاسم؛ لأنه يدخله واوٌ زائدةٌ لم تكن ثابتة في الواحد، وغُير أيضاً بجمعهم إياه على أدنى العدد يعني "أدْلٍ" فقلبوا منه الواو إلى

الياء، فزاد ضُروبُ التغيير فيه على الاسم ألزم الإعلال كما ألزموا الياء في "حنيفة" الحذف لما حُذِفتْ التاء، ولم تلزم ياء قريش الحذف. فلهذه التغييرات التي اعتورت الجمع ألزم الإعلال لا من حيث كان جمعاً. ألا ترى استواء الواحد والجمع في "أدلٍ وقَلَنْسٍ"، فلو خالف الجمعَ الواحدُ لكان خليقاً أن تصح الواو في الواحد في "قلَنْسٍ" ولا يستوي مع الجمع في "ثُنٍ" جمع "ثَنِيّ". ويدلك على أنه ليس الجمع أنه قد اعتلت الآحاد نحو مسنيةٍ. فإذا جاء هذا في الآحاد دل أنه ليس في باب "دُلِيَّ لاختصاصه بالجمع.

ويدل أيضاً على أنه لم يُستثقلْ ذلك من أجل الجمع قولهم "صُوَّام" وأنهم لم يقلبوه البتة. فأما صميمٌ فليس من أجل أنه جمع بل للقرب من الطرف. يدل على ذلك أن الذي يقول "صُميمٌ" إذا بعدتْ من الطرف فقال: صُوامٌ لم يقلب. فصول من الكتاب فيها اختلاف على ما عندنا. 1 - في باب "وحده" بعد قوله: "والذي نأخذ به الأول": وكان يونس يجيز: "زيدٌ وحدهُ" يجعله خبر الأول، وكان الخليل لا يجيز ذلك؛ لأنه ليس بالأول ولا [ظرفاً]. وأما كُلُّهُمْ وجميعهمْ وأجمعونَ و [جماعتُهم]، وأنفسهمْ [فلا يكون] أبداً إلا صفة.

[ويقال]: هُوَ نسيجُ وحدهِ؛ لأنه اسم مضاف إليه بمنزلة نفسه إذا قلت: [هُوَ جُحيْشُ نفسهِ) وجعل يونس نصب "وحْدَه" و [عُيَيْرٌ وحدهُ] و [جُحيشٌ وحده] كأنك قلت: مررت برجل على حيا له [وطَرَحْتَ] على [فَشُبِّهَ بالظرف] فمن ثم قال: هو مثلُ "عِنْدَهُ" وهو عند الخليل كقولك: مررت به خصوصاً، ومررت بهم خمستَهُمْ مثله ومثل ذلك] مررتُ بهم عما، ولا يكون مثل [جمعا] لما ذكرت لك [فصار] "وحده" بمنزلة "خمستهم"؛ لأنه مكان قولك: مررت به واحدهُ فإذا قلت: "وحْدَهُ" فكأنك قلت هذا.

واعلم أن من العرب من يجمع "جُحَيشَ" فيقول: "جُحَيْشُو وَحْدِهِمْ" [واجيْحِشُو] وحدهم، [وعُيَبْرُو] وحدهم، وأعيارُ وحدهم. ومنهم من لا يفعل ذلك، يدعه واحداً على كل حال، فيكون الذكر والأنثى والقليل والكثير فيه سواء. وقياس من جمع أن يؤنث. ومنهم من يجعله وصفاً للذكور خاصة. قال طُفيل: 283 - إذ هي أحوى من الربعي حاجبه ... والعين بالإثمد الحاري مكحول

قال: إذ هي ظبيٌ أحوى، ثم قال حاجبه والعين مكحول بالإثمد. هذا آخر [الباب]. 2 - في "أما سمناً فسمينٌ". في النسخ قال الخليل وينبغي أن يكون الأخفش: أنه غلط. وذلك أن قولك: "أما سمناً فأنت سمينٌ" حال فقد قُدمتْ قبل العامل/73 ب، فلا يجوز أن تعمله فيه، وذا قوله: "أعمل [فيه] ما بعده وما قبله. والحال أيضاً فاسدة من وجه آخر؛ لأنك لا تقول: هو [سمينٌ] سمناً وأنت تريد الحال؛ لأنك لا تقول: هو سمين في حال السمن

إنما تجيء به وبنحوه إذا كان لا يُعلم الأول في أيةِ حال هو. وأنت إذا قلت "سَمِينُ" فقد علم على أية حال، وإذا قلت: "أنت الرجل" لم يعلم في أية حال تفضله، فإذا قلت: "عِلْماً وفقهاً" بَيَّنْتَ وجِئْتَ بما يحتاج إليه. قال أبو علي: الاعتراض الأول لا يلزم؛ لأنه يعمل فيه ما قبله دون ما بعده والذي قبله هو ما في "أمّا" من معنى الفعل. [قال أبو علي]: والاعتراض الثاني أيضاً لا يلزم؛ لأن الحال قد تجيء تأكيداً نحو "هُو الحقُّ مصدقاً" و: 284 - أنا ابنُ دارةَ معروفاً

ونحو ذلك: 3 - رجع "صلفاً وكرماً". قال: خزلوا الفعل هاهنا كما خزلوه في الأول، لأنه صار بدلاً من قولك أكرِمْ به وأصْلِفْ به، وقال: [أبو مُرْهَبٍ محمد نبيل الدبيري] "كرماً وطول أنفٍ" أي أكرم بك وأطولْ بأنفك. 4 - هذا باب ما ينتصب [من الصفات كانتصاب [الأسماء] في الباب الأول.

وذلك قولك أبيعُكهُ الساعة ناجزاً بناجز، وسادُوكَ كابراً عن كابرٍ. فهذا كقولك: بعته رأساً برأسٍ كأنك قلت: أبيعُكَهُ مناجزةً أي فارغاً موجباً للبيع مِنْ قبل أنْ نتفرق أي ليس فيه خيارٌ ولا مرجوعٌ. [هذا آخر الباب]. 5 - .................. ... يعلق بخملتها كهباء أهداباً كهباء لا ينصرف وقد أعملتَ نونها في أهداباً. ......................... ... جُدِلتْ شنباء أنيابا أراد شنباء الأنياب، ويجوز شنباء أنيابٍ.

مسألة 72

6 - باب في الأمر والنهي بعد قوله: "طاعةٌ وقولٌ معروفٌ" أمثل، وتقول: زيداً فاضرب، فالعامل في ذلك اضرب، فهذه الفاء معلقةٌ بما قبلها. ويدلك على أن "اضرِبْ" هي العاملة قولك: بزيدٍ فامررْ كقولك: "أما بزيدٍ فامررْ" فهذه الباء أضافت الفعل الآخر، وإن شئت قلت: أدخلتُ الفاء في قولك: "زيداً فاضربه"، لأنك تريد: يا عمرو زيداً فاضربه، وإذا قلت: "يا عمرو" فكأنك "قلت" انتبه"، فعُلِّقت الفاء بـ "انتبهْ". فإن قلت: فهلا تقول "يا زيد فقم" في معنى "انتبه"؟ فإنما أدخلت الفاء ثمةَ لطول الكلام. مسألة 72: قال أبو علي: فيما ذكر أنه فات سيبويه من الأبنية "كُذُّبْذُبٌ"،

وقد رأيته في نوادر أبي زيد وأملاه علينا أبو بكر، ولم أجد له نظيراً في كلامهم. ألا ترى أنك لا تجد ما قد كررت عينه مرتين: أحدهما مفردة والأخرى مع اللام، فإن قلت: إنه مثل "مَرْمَرِيسٍ" في الشذوذ من جهة أن التكرار في العين مع الفاء لم [يوجد] إلا في ذا الحرف.

فهو قول، إلا أنهما وإن اتفقا في الشذوذ، فما شذا فيه مختلف؛ لأن العين في "مَرْمَرِيسٍ" لم تتكرر مرتين كما تكررت في "كُذُبْذُبٍ" وإنما تكررت مرة كما تكررت كذلك مع اللام في "صَمَحْمَحٍ" ونحوه. 7 - باب إن قلت: كيف جاز في قول [يه] أن تجعل "أنَّ" الثانية في قوله "أيعدُكمْ أنكمْ إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون" بدلاً والأول لم يتم، والبدل لا يصح إلا بعد تمام المبدل منه؟ والدليل على أن الأول لم يتم أن ما بعده من اسم الزمان الذي هو "إذا" لا يكون خبراً لـ "أنكُمْ": لأن ظروف الزمان لا تكون أخباراً للأشخاص، وإذا كان كذلك فالخبر لم يتم وإذا لم يتم الخبر لم يجز البدل.

..................................................................................................

إن الكلام لما طال حسن الحذف. والتقدير الذي يحتمله هذا الكلام حتى يتم ويصير بحيث يصح البدل منه لا يخلو من ثلاثة أوجه: 1 - أحدها: أن يكون أريد بـ "أيعدكم أنكمْ" أيعدكم، إخراجكم، أو أن بعثكم، أو "حشركم" أو نحو ذلك، فحذف وأقيم المضاف إليه مقامه. 2 - أو يكون "أنكُمْ" على ظاهره لم يحذف المضاف إليه منه، ولكن يضمر خبر [أيعدكم أنكم] كأنك تريد أيعدكم أنكم تبعثون إذا متم "فيكون تبعثون المضمر خبر "أنكمْ" وتكون عاملة في "إذا" وموضع "إذا" نصب به ويكون قد سد مسد جوابها، فإذا كان كذلك تم وصح البدلُ. 3 - أو يكون الإضمار واقعاً بعد "إذا"، لأن "إذا" شرط، والشرط [يقتضي] الجزاء، فإذا ذكرت أحدهما دل على الآخر كما أن المبتدأ يدل على

الخبر، فكأنه "أنكمْ إذا متمْ بعثتم، أو أخرجتم، أو نُشرتم" فيكون "إذا" في موضع نصب به، ويكون الخبر أعني خبر "أن" قد تم به. والوجه الذي قبل هذا أسوغ وهو أن تقدر المحذوف قبل "إذا" فيصح به الخبر ويتعلق "إذا" به فيتم الكلام ويصح الخبر فيستقيم البدل فإذا تم الخبر جاز البدل لتمام المبدل منه. ويكون التقدير: "أيعدُكمْ أنكمْ نشركُمْ إذا متمْ أنكمْ مخرجون". فتبدل الإخراج من النشر، لأن الإخراج نشر، وفي هذا دلالة أن النشر بعد الموت. ألا ترى أنك إذا قدرت "أيعدُكمْ أنكم تُنشرون إذا متم" فكأنك قلت: "أيمدكم أنكمْ تنشرون إذا متم نُشرتم" فالنشر بعد الموت، وكذلك الإخراج الذي هو بدل منه يعلم أنه بعد الموت كما قال سيبويه. فأما قول أبي الحسن: إن المعنى أيعدكم أنكمْ إذا متمْ

[إخراجكُمْ] وأنه مرتفع بالظرف كأنك قلت: أيعدكم يومالجمعة إخراجكم ففيه من التجوز أنه لم يأت لـ "إذا" بجواب، وليس "إذا" كيوم الجمعة؛ لأنها تقتضي جواباً. والأولى لا يخلو خبرها من أن يكون "إذا" هذه، أو شيء مضمر، أو استغنى بما عاد عليه من الذكر من "إخراجكم" و"إذا" لا يخلو من أن يكون لها جواب أو لا جواب لها. فإن كان لها جواب [فماذا هو وبيض] كأن التقدير: أيعدكم أن إخراجكم إذا متمْ [وإنما] لم تقتض جواباً في اللفظ؛ لأنها لا تكون أكثر من أقوم إنْ قمتَ. /74 أوإذا كان التقدير "أيعدكم أنكُمْ إذا متم إخراجكم" اقتضت جواباً؛ لأنها بمنزلة "إنْ قام زيدٌ، فزيدٌ" بمنزلة إخراجكم في أنه معمول للشرط ومتأخر عنه، فـ "إذا متم إخراجكم" في اقتضائه للجواب بمنزلة إنْ قام زيدٌ.

[رجع نحو الحاشية]، وقول أبي عمر: إنها للتكرير نظيره عندي قوله "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا"، ثم قال "فلا تحسبنهم بمفازةٍ" قبل أن يُذْكَر المفعول الثاني فهذا يدل أنه تكرير للتراخي إذا كان المفعول الثاني لم يجيء بعدُ. ومثله في قول أبي بكر "واختلافِ الليل والنهار .... آياتٌ" ومثله على قول الجرمي "ألمْ يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم" كأنه عنده "ألم تعلموا أنه من يحادد فله" وكرر "أن" للتراخي.

ودليله على هذه الأشياء أنها تكرير أنها لا يخلو من أن [تكون تكريرا] أو بدلاً، أو رفعاً بالظرف، والبدل لا يجوز؛ لأن المبدل منه لم يتم. أل ترى أن خبر "أنكم إذا متمْ" لم يتم، وكذلك "أنهُ مَنْ يحادد الله ورسوله" لا يصح بدل "أن" التي بعد الفاء منه؛ لأن الشرط والجزاء خبر "أن" الأولى ولم يجيء جزاء الشرط بعدُ، فإذا لم يجيء جزاؤه لم يتم، وإذا لم يتم لم يصح البدل منه. والرفع بالظرف في قوله "فأن له" لا يصح. ألا ترى أنه ليس هنا ظرف مذكور فيُرْفَعُ به. فإن قلت: أضمر ظرفاً أرفع به.

قيل لك: إذا كان من الظروف الظاهرة ما لا يُرْفَعُ به نحو "بعدُ" في قوله "أما بعد فإن الله قال في كتابه" فأن لا يُرْفَعَ بالمضمر أولى. وأما رفع الظرف الذي هو "إذا" في الآية الأخرى فإنه لا يصح أيضاً، لأنه لم يُذْكَرْ له جوابٌ وهو يقتضي جواباً، فإذا لم يكن له جواب لم يتم، وإذا لم يتم لم يرفع به كما لا يرفع بـ "بعدُ" لما لمْ يعمْ. فإذا لم تجز هذه الأشياء كان على التكرير. وأما قول سيبويه في قوله: "ألَمْ يعلموا أنه من يحادد الله

ورسوله فأن له" إن قلت: كيف جاز أن تبدل الثانية من الأولى ولم يتم خبرها؟ قيل إذا مضى الشرط والفاء التي تكون جواباً، فكأن الكلام قد تم كما كان في المسألة الأولى مقدراً تاماً للدلالة الشرط على الجزاء، فكأنك إذا ذكرت أحدهما فقد ذكرت الآخر؛ لتعلقه به، واقتضائه له، ودلالته عليه فكأنه قال: أنه من يحادد الله ورسوله يعذب. فحسُنَ البدل من حيث كان المتقدم من الكلام لو لم يُذكر الجزاء معه البتة، وكان في الكلام دلالة عليه [لكان تاماً] جائزاً. ألا ترى أنك لو قلت: أنتَ ظالمٌ إنْ فعلتَ حذفت الجزاء البتة. فلما كان هذا لو لم يذكر معه جزاء البتة لكان يستغنى بما في الكلام من الدلالة عليه، وكان قوله "أنه من يحادد الله ورسوله" معلوم الجواب عند المسلمين، ولم يكن كسائر الشروط التي قد لا يعرف جزاؤها حتى نذكر، صار في تقدير المذكور الجواب للعلم به، ولما عُلم تم الخبر، ولما تم الخبر صح البدل [هـ].

ويجوز أن يرتفع عند أبي الحسن بظرف مضمر بعد الفاء كما يرتفع بظرف مظهر في الآية الأخرى. ووجهه أن "أنَّ" لا يبتدأ بها ولا يصح أن تكون بعد الفاء مبنية على فعل، لأن الفعل لا يقع بعد الفاء، وإذا لم يقع الفعل بعدها لم يخل من أن يكون مبنياً على ظرف أو اسم، فإن جعلته مبنياً على اسم كان التقدير: "فجزاؤه أن له، أو حقه أن له". وإن بنيته على الظرف كان "فله أن له" وإن رجحت بأنه قد بنى "أن" عليه كثيراً نحو: "غداً أنك راحلٌ"، ويومَ الجمعةِ أنك خارجٌ" وأن ذكر الظرف في الصلة دل عليه، وأغنى عنه كما أن ذكر الفعل في صلة

مسألة 73

"أنَّ" بعد "لو" أغنى عن الفعل وكما أن خبر "أنَّ" لما جرى في صلتها أغنى عن خبر "ظننتُ" في قولك: ظننتُ أن زيداً منطلقٌ، كذلك لما جرى في صلتها هنا الظرف أغنى عن إظهاره، وإن كان الكلام يصح بتقديره فصار الظرف لذلك إضماره أولى من الاسم، لأن دلالة اقتضاء الكلام لِما يتم به تتجه على الظرف كما يُتجه على الاسم وقد رجح الظرف في أن في اللفظ دلالة عليه وما كان عليه دلالتان أقوى مما عليه دلالة واحدة. وقد قال أبو الحسن في كتابه في القرآن في هذه الآية أعنى "أنه من يحادد" الآية وقوله "أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ" الآية "فأنه غفورٌ رحيمٌ" فقال: يشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة "ما"، وتكون "أن" التي بعد الفاء بدلاً من "أنَّ" التي قبلها، وأجاز أن تكسر "أنَّ" وتجعل الفاء جواب المجازاة فأجاز البدل كما أجاز سيبويه. فأما زيادة الفاء مع الجزم بالجزاء فيعيد عندي ممتنع ولكن الوجه ما قدمناه. مسألة 73: الظرف: قال أبو علي في قوله "أما بعدُ فإن الله قال في كتابه"

لا [يبنى] عليه [أنَّ] فمن قال: أما في الدار فأنك خارجٌ يريد في الدار خروجك فإنه لا يقول: "أما بعدُ فأن الله": قال كما يريد "بعدُ أن الله" قال: كما أراد في الأول في الدار خروجك وإنما كان كذلك؛ لأن "بعدُ" في حال الإضافة قد كان يوصف به النكرة، فلما حذف منه ما أضيف إليه لم يوصف به كما لم يوصف بـ "كلٍّ" لما حذف المضاف إليه منه؛ لأن الصفة لا يليق بها الحذف. ألا ترى أنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون للتخصيص والتخليص، أو للثناء والتقريظ، وكلا الموضعين موضع إطناب وبسط، وليس بموضع اختصار ولا حذف. فلما كان كذلك لم يوصف بها كما وصف بها وهي مضافة، ولما لم يوصف بها لم يرفع بها أيضاً، لأنها إنما رفع بها من حيث وصف بها. ألا ترى أنه وصف بها لمشابهتها الفعل، ومن أجل ذلك رفع بها أيضاً، ولم أعلمها جاءت محذوفاً منها في صلة /74 ب لأن الصلة مثل الصفة. ويجوز أن يكون لم يرفع بها، لأنها لما حُذفت أشبهت الأصوات نحو

مسألة 74

"غاقٍ"، والأصوات لا تشبه الفعل فلم ترفع كما لا ترفع الأصوات. مسألة 74: فآ: حكى "د" في المقتضب عن يونس أنه كان يُلْحق الندبة غير وصف المنادى نحو أنت الفارس البطلاه، ويونس لم يجز هذا، وإنما أجازه في وصف المنادى خاصة نحو يا زيدٌ الظريفاهْ، وقال الخليل: لا يجوز إلحاق علامة الندبة الصفة، لأنها غير مناداة، والندبة إنما تلحق المنادى وما قد لحقه عمَلُ، النداء، والصفة لما لم يعمل فيه النداء بدلالة:

285 - يا أيها الجاهلُ ذو التنزي كان مرفوعاً رفعاً صحيحاً وغير منادى، فقال الخليل: لو جاز أن تلحق علامة الندبة ما ليس بمنادى لجاز أن نلحق بأنت الفارس البطلاه [لأنه] مثل صفة المنادى في أنه غير منادى، فإذا لم يجز هذا لم يجز ذلك. فهذا الذي حكاه عن يونس إنما هو إلزام ليس هو قوله.

مسألة 75

مسألة 75: قال [أبو علي]: اعلم أن "حتى" على ثلاثة أضرب: أحدها أن تكون جارة نحو: "حتى مطلع الفجر" وهذه الجارة هي التي تُنصبُ الأفعال بعدها بإضمار "أنْ"، و"أنْ" معها في موضع جر بـ "حتى". والآخر أن تكون عاطفة في نحو: 286 - والزاد حتى نعلَه ألقاها فهذه تكون عاطفة، والدليل على ذلك أنها لا تخلو من أن تكون جارة أو عاطفة فلو كانت جارةٌ لانخفض الاسم بعدها ولم يُعطف على ما قبلها

ولمْ تشركه في إعرابه فلما شرك ما قبلها ما بعدها في إعرابه ثبت أنها عاطفة، إذ لو كانت غير عاطفة لجرتْ، ولم يجز أن لا تجر؛ لأن حروف [الجر] لا تعلق. والثالث أن تكون داخلة على الجعل وينصرفُ الكلام الذي بعدها إلى الابتداء كـ"أمَّا"، و"إذا" ونحوهما، وذلك نحو قوله: 287 - فيا عجبا حتى كُليبٌ تسُبُّنِي

فهذا قسم ثالث. ألا ترى أنها لا تخلو من أن تكون عاطفة أو جارة أو على الوجه الآخر. فلا يجوز أن تكون عاطفة. ألا ترى أنه لا يحسن: "يا عجباً وزيدٌ منطلقٌ"، لأنك لا تشركُ زيداً في النداء، ولا تدخله أيضاً في الحديث الأول، لأنه ليس من شكله، ومخالف له في جنسه، لأن النداء ليس بخبر، وقد روعي في باب عطف الجمل من التشاكل والتشابه ما لا خفاء به. فإذا لم يكن من شكله لم ينعطف عليه، وإذا لم ينعطف عليه كان كأنه قال مبتدئاً: "وزيدٌ منطلقٌ" وهذا غير سائغ. ألا ترى أن من أجاز في الشعر تقديم المعطوف على المعطوف عليه نحو:

(عَليْكِ ورحمةُ اللهِ اللامُ) لم يجزْ "إن وزيداً عمراً في الدار" إذا أراد: "إن عمراً وزيداً في الدار"، لأن "إنَّ" إنما أحدثت معنى تأكد، فكأنه قال مبتدئاً: وزيدٌ عمروٌ قائمٌ. فإذا لم يجزْ هذا فيما ذكرنا لم يجز في النداء أيضاً، وكان أن لا يجوز في النداء أجدر؛ لأنه إذا لم يجز التقديم حيث ينوي التأخير فأن لا يجوز التقديم في الابتداء، وحيث لا ينوي التأخير أجدر. فإن قلت: فقد جاء في شعر: 288 - (يا عجباً وقدْ رأيتُ العجبا) فالرواية (يا عجباً لقدْ رأيتُ عجباً) كذا روى أبو عمرو، وقد شرحنا ذلك في موضع آخر، وليس هذا مما يعترض به على ما قدمنا من القياس الصحيح.

ويدلك على أنها ليست العاطفة دخول حرف العطف عليها في قوله: 289 - وحتى الجيادُ ما يُقدنَ بأرسانِ وحرف العطف لا يدخل على مثله. ألا ترى أن حرف عطف لا يدخل على حرف عطف، فإذا كان كذلك علمت أنها بمنزلة قوله: "وأما ثمودُ فهديناهمْ" في أن حرف العطف دخل على حرف يصرف الكلام إلى الابتداء.

فإن قلت: فلم لا تكون هذه الجارة، وتكون الجملة في موضع جر؟ فذلك خطأ من غير وجه. ألا ترى أن الجمل إنما يحكم لها بمواضع من الإعراب إذا وقعت في مواضع المفردة صفات لها، أو أخبارا أو أحوالاً وليس هذا من مواضع المفردة، ألا ترى أن حتى الجارة لم تضف إلى مضمر نحو "حتاكَ" و"حتَّاهُ" حيث لم تتمكن تمكن "إلى" كما لم تضف الكاف الجارة إلى المضمر في "كَكَ، وَكَيِ" ونحو ذلك فإذا لم تضف إلى المضمر الذي هو اسم، ولم يتعد عملها الأسماء المظهرة كان من أن تعمل في الجمل أبعد، لأن الاتساع في إقامة الجملة مقام المفرد أشد منه في إقامة المضمر مقام المظهر، ألا ترى أن عامة المواضع [معها] يقوم المضمر فيها مقام المظهر ولا يقوم الجمل فيه جُمع المفرد بل في مواضع أقل من ذلك. ومع هذا فإنك لو حكمت في موضع الجملة بالجر لمكان "حتى" لما منعك ذلك من تعليق حرف الجر، وحروف الجر لا تُعلق. ألا ترى أنك لا تحد حرفاً من حروف الجر في موضع داخلاً على جملة كائنة في موضع جر، لأن في ذلك تعليق حرف الجر، وحرف الجر لا يعلق في موضع. ألا ترى كيف فحَّش "يه" بذلك في قوله: 290 - .............. (أشهدُ بلذاكَ) ..................

فإن قلت: فكيف جاء: "بذي تسلمُ" فأضيف إلى "تسلم"، و"تسلم" في موضع جر فهلا جاز ذلك في "حتى"؟ فإن ذلك لا يدخل على ما قلنا. ألا ترى أن "ذا" اسم، ليس بحرف، والذي أنكرناه أن تكون جملةٌ في موضع جر بحرف؛ لأن في ذلك تعليقهُ، وليس قولنا "ذو "بحرف. على أن هذا في الاسم نادر في القياس والاستعمال. وإذا كن كذلك لم يسغ الاعتراض به. ألا ترى أنك لا تقول: "بذي تفرحُ" كما قلت "بذي تسلمُ"، وإنما تؤديه على شذوذه ولا تحملُ عليه غيرهُ كما لا توقع بعد "لَوْ" من الأسماء غير "أنَّ". وكأنهم في قولهم "بذي تسلمُ" أرادوا الإضافة إلى المصدر، وأوقع

الفعل موقعه؛ لدلالته عليه كما أنه حيث أريد تصغير المصدر في باب التعجب/75 أوقع التصغير على لفظ الفعل والمصدر يراد به. فهذه الأشياء تسلم كما جاءت، ولا يقاس عليها غيرها. وقال أبو عثمان: فإن قلت: فإني أجد معنى "حتى" في هذه المواضع أن ما بعدها مما قبلها ومتعلق به، فهلا دل اجتماعهما في المعنى على أنه حرف واحد؟ قيل: ليس اجتماع الحرفين في معنى واحد مما يوجب أن يكون أحدهما الآخر، بل لا ينكر أن يجتمع حرفان في معنى، نحو "بَلْ، ولكِنْ". ألا ترى أنك تستدرك بهما جميعاً، ونحو "بَلْ، وأمْ" المتقطعة ألا ترى أنك تضرب بهما جميعاً، ونحو: "لا، ولنْ"؛ لأنك تنفي بهما جميعاً، ونحو "هلْ وهمزة الاستفهام" فإذا كان كذلك علمت أن الحكم بأن الجملة بعد "حتى" مجرورة من فاحش الخطأ، وما تدفعه الأصول ولا يوجد عليه شاهد فاعرف خطأه. على أنه لو كانت الجملة التي تقع بعده في موضع جر لوجب ألا تقع الأفعال

المرتفعة بعدها بل كان يضمر بعدها "أنْ" فينصب الفعل بها، وتكون "أنْ" مع الفعل في موضع جر. فوقوع الفعل المرفوع بعدها [إذن] أريد به الحال، واشتهار ذلك وكثرته مما يدلك ويبصرك فساد هذا القول. القاسم: عن أبي عبيدة: 291 - متى كُنا لأمكَ مقتوينَا

مسألة 76

يقال للواحد: [مقتوينٌ وللجماعة مقتوينٌ]، وللمؤنث بهذا اللفظ، وهو الذي يخدم الناس بطعام بطنه. مسألة 76: قوله: "أعطيته ما إن رديئه خيرٌ من جيد ما معك".

قال [أبو علي]: الصلة فيها "إنَّ" وهو على تقدير القسم، والصلات تكون أخباراً. فإذا كانت "إنَّ" خبراً كان مجراها مجرى سائر الأخبار في جواز وصل "الذي" بها، وانفصلت من جملة الأخبار التي تُوصل بها بأمرين: أحدهما: أنها خبر مؤكد، والآخر: اتصال القسم بها. والتأكيد لا يخرج الخبر عن أن يكون خبراً. فإن قال: القسم يصير مقدراً في الصلة وليس هو من الصلة في شيء، فإذا كان كذلك لم يجز كما لا يجوز أن يتصل بالصلة من الجمل ما لا يكون للموصول فيه ذكر، والقسم جملة لا ذكر فيها للموصول. قيل: إن القسم وإن لم يكن للموصول فيه ذكر فإنه لما تعلق بالجملة التي له فيها ذكر، والتبس بها صار بمنزلة ما هو متعلق بالموصول ومن سببه؛ لأن نسبة القسم من المقسم عليه كنسبة الشرط من الجزاء. ألا ترى أن كل واحدة من الجملتين - وإن كانت كلاماً تاماً - محتاجةٌ إلى الأخرى غيرُ مستقلة بنفسها.

مسألة] 77

فإذا اجتمعا من هذا الوجه وكان الشرط والجزاء لا خلاف في جواز صلة الموصول بهما، وجاز مع ذلك أن يخلو الشرط من ذكر الموصول، كذلك يجوز أن يخلو القسم من ذكر الموصول، ويكون مع ذلك صلة له كما يكون الشرط صلة له لتعلقه بالجزاء. وإذا كان كذلك لم يجب الامتناع من ذلك كما لم يجب الامتناع من وصلها بالشرط والجزاء لاجتماعهما في المعنى وكون كل واحد منهما بمنزلة الآخر. [مسألة] 77: [قال أبو علي أيده الله]: سأل سائل عن قولهم: "كلُّ شاةٍ وسخلتها بدرهمٍ" إلام ترجع هذه الهاء؟

فقلنا له: [هي] ترجع إلى النكرة المذكورة قبلها، والدلالة على ذلك أنها ل تخلو من أن ترجع إلى ذلك أو إلى غيره مما لم يذكر. فلو كانت ترجع إلى شيء لم يذكر للزم أن يلزم التفسير؛ لأن ما يجيء في كلامهم مُضمراً غير مذكور قبلُ، ولا مدلول عليه نحو "فأصلح بينهم" و: 292 - إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصدر يلزمه التفسير نحو رُبَّهُ رجلاً، ونعم رجلاً.

مسألة 78

فلما لم يجرِ ذكر شيء غير النكرة الأولى، ولا دل على شيء [آخر] بغير الذكر، ولا ألزم التفسير دل على أن الرجوع إنما هو إلى مذكور. وإلى هذا عندي ذهب أبو عثمان في التزامه سؤال من قال إن التفسير يقع بالإضافة إلى المضمر حيث ذكر الإخبار عن "درهم" من "مائة درهم". مسألة 78: [قال أبو علي أيده الله]: كما جاز أن يضاف المصدر إلى المفعول كما أضيف إلى الفاعل، ويبنى الفعل له كما يبنى للفاعل، كذلك جاز أن يقع وصفاً للمفعول كما جاز أن يقع وصفاً للفاعل في قوله: الخَلْقُ، وضربُ الأمير، ونسجُ اليمن. وإذا كان سبيل المفعول في هذه الأشياء سبيل الفاعل لم يجز إذا اجتمع المفعول مع الظرف في الفعل المبني للمفعول أن يعدل عنه إلى الظرف وإلى غيره.

ألا ترى أن المصدر لم يقع وصفاً للظرف كما وقع وصفاً للمفعول من حيث وقع وصفاً للفاعل. ومن هذا أيضاً أنه يحذف المفعول مع المصدر كما يحذف الفاعل معه نحو "بسؤال نعجتك" كما تقول في الفاعل: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً). ومن ثم أيضاً جاء مثل أولع به، ونُتجت الناقة، فلم يبن للفاعل كما لم يبن قام ونحوه للمفعول، فجاءت أفعال لم تبن للفاعل كما جاءت أفعال لم تبن للمفعول، فتساويا في اختصاص كل واحد منهما بما ذكرنا من الأفعال.

مسألة 79

مسألة 79: قال [أبو علي - أيده الله- إن قال] قائل فيما يقول من أن "وَبَلدٍ" ونحوه على إضمار الجار وهو "رُبَّ" بدلالة قول رؤبة: 293 - بل بلدٍ ملء الفجاج قتمهْ ... لا يُشترى كتانهُ وجهرمُهْ أي ونسج جَهْرَمِه، لأن "جَهْرَم" بلد. و:

294 - بل بلدٍ ذي صُعُدٍ وأصبابْ كيف جاءت الواو أولاً في قوله: 295 - وبلدٍ عاميةٍ أعماؤهُ

مسألة 80

وهلا دل وقوعها أولاً على صحة قول أبي [العباس]، لأن الواو لا يبتدأ بها. فإذا لم يكن هنا شيء تقع الواو عطفاً عليه، وكانت مبتدأة دل على أنه عوض من "رُبَّ" فجاز ابتداؤها كما جاز ابتداء "رُبَّ" في "رُبَّ قائمٍ" و"رُبَّ بلدٍ" ونحو ذلك. قال: الجواب مثبت فيما بعد. مسألة 80: قال أبو علي: سأل سائل هل يجوز: "عسى زيدٌ قد قام" كما جاز عسى يقومُ؟ والجواب أنه لا يجوز؛ لأن هذا - عندي - ماض وقع موقع المضارع مع دخول "قد" عليه، لأن المقدار الذي مضى من الفعل قد يمضي منه ويقع على الفعل عبارة الحال، لأن الحال هو الفعل الذي يتطاول وقته، ويخرج إلى الوجود جزءاً بعد جزء، وشيئاً فشيئاً، [فلمقاربته للحال بأن الحال - وإن

مسألة 81

كان منها شيء ماض فإنه يقع عليها مثال الحال - ما جاز أن يسد الماضي مع "قد" مسدها ويقوم/75 ب مقامها]. وهذا المعنى ليس يخرجه من أن يكون ماضياً. وإذا كان كذلك لم يقع هذا الموقع كما لم يقع بعده فعل الحال. ومن ثم استعمل بعد "عسى" "أنْ"، ومن حيث جاز للماضي إذا دخل عليه "قد" أن يقع أيضاً في موقع الحال عند النحويين لم يجز وقوعه بعد عسى؛ لأنها لغير الحال. مسألة 81: قال [أبو علي] "ضربت زيداً ضربةً وعمراً قتلتهما" جائزة، تجعل "قتلتْهُمَا" صفة للضربة، وإن كنت قد فصلت بالمعطوف بين الصفة والموصوف، ولا تنزل ذلك منزلة الفصل بينهما بالأجنبي، وذلك لاجتماعهما في أنهما معمولا الفعل. ألا ترى أنك لا تفصل بين المبتدأ والخبر بما هو أجنبي منهما، ولو قلت: "ظن بكراً عمروٌ منطلقاً" لأجزت الفصل بالفاعل بينهما، وإن كان قبل ذلك غير جائز لاجتماع الفاعل والمفعول في أنهما معمولا الفعل، فكذلك "وعمراً" لا يمتنع فصلك به بين الصفة والموصوف، لأنه [لا] يُنزلُ من الموصوف أجنبياً، لاجتماعهما فيما ذكرت لك.

وهذا أيضاً يدل على أن العامل في الاسم المعطوف إنما هو العامل في المعطوف عليه، وأغنت الواو ونحوها عن عامل آخر قام الحرف العاطف مقامه، ولكن العامل الأول، وأغنت الواو، ونحوها عن عامل آخر. فقولنا "قام زيدٌ وعمروٌ" ارتفاع "عمرو" بالفعل نفسه، والحرف عطفَ عليه، لم يرتفع بالواو ولا بحرف العطف. فإن قلت: إن كان العامل الفعل فأعملْه فيه بغير الواو. قيل: لا يجب هذا: ألا ترى أنك قد تجد الفعل يعمل بتوسط الحرف، ولا يجوز أن يحذف الحرف المتوسط، كقولك: "قُمْتُ وزيداً"، و: 296 - [فكونوا] أنتم وبني أبيكمْ

ولو حذفت الواو لم يجز هذا، وكذلك "قام القومُ إلا زيداً" يعمل الفعل بتوسط الحرف، ولو حذفت الحرف لم يجز هذا [فكذلك يعمل الفعل بتوسط الحرف في "قام زيدٌ وعمروٌ" وإن كنت لو حذفت الحرف لم يعمل]. ومما يدل على ما ذكرنا من الفصل من كلامهم؛ لأن الموصوف لم ينزل منزلة الأجنبي قول لبيد: 297 - فصلقنا في مُرادٍ صلقةٌ ... وصداء ألحقتهم بالثلل ألا تراه وصف بالجملة مع الفصل بالمعطوف.

مسألة 82

مسألة 82: قال [أبو علي]: لا يجوز أن تبين الأعداد بـ "أيما رجُلٍ"؛ لأنك إنما تُبينُ إبهامها بنوع معروف. وكذلك لا يبينُ به الضمير في "نعم"؛ لأنه موضع تبيين وتخصيص ونقيضه المبهم. ألا ترى أنك إذا أتيت بالدرهم بعد العشرين أزلت الإبهام الذي كان في العشرين بالدرهم. وإنما لا يزيل ذلك؛ لأنه لا يخص نوعاً من نوع، فإذا كان كذلك

فالإبهام الذي كان قائماً قبل أن تأتي به قائم بعد إتيانك به، فلم تصل [إذنْ] إلى الغرض الذي حاولت في إزالة الإبهام، وكان ذكرك له كإمساكك عنه. فإن قلت: فإذا أضفته إلى رجل بينَ النوع فأزال الإبهام. قيل: لا يسوغ ذلك. ألا ترى أن الفروق والفصول لا تكون فيما يقترن بالكلمة إنما تكون في نفس الكلمة وذاتها، ولا يُوْكَلُ إلى الأجنبي منها. ألا ترى أن "أقوَمَ"، و"قام" الفاصل بينهما في أنفسهما لا في غيرهما، وكذلك الأسماء التي يُبَيَّنُ بها العدد، والمبهمة إنما تبينُها بأنفسها ليس بغيرها. فإذا كان بيان هذا موقوفاً على غيره، واتصال سواه به، ولم يكن سائر الأسماء المبينة كذلك علمت أنه لا يجوز؛ لأنه لا يبين على حد ما بينتْ. ويجوز في "عاقِلٍ" و"كاتبٍ" ونحوه أن تكون مبيناً في قولك: "رأيتُ هذا الكاتب، وهذا العاقل" وهو فيه أحسن منه في "طويل

مسألة 83

لأنها تجتمع مع أسماء الأجناس في أن بيانها بأنفسها ليس بمضاف إليه، فهي في هذا الكلام كالدرهم ونحوه، ومفارقة له من جهة أن الصفة محتاجة إلى الموصوف وليس كالموصوف، فلم تخلص الصفات أسماء مستقلة بأنفسها كما خلصت أسماء الأجناس. وإذا كان هذا قبيحاً مع ما فيها من التخصيص بأنفسها لحاجتها إلى غيرها وجب أن يكون الذي لا يخص بنفسه حتى يضم إليه غيره لا يجوز التبيين به، فأما في الاستثناء إذا قُلت: "أتاني القومث إلا أيما رجل []. مسألة 83: قال أبو علي: سأل سائل فيما نعتل به من أن "أنْ" الناصبة للفعل لا يجوز أن تكون معمولة لـ "عَلِمْتُ" ونحوها من الأفعال الثابتة "المؤكدة"، لتنافي ذلك، وأن كل واحد ليس يوافق الآخر. ألا ترى أن "عَلِمْتُ" تدل على تأكد الشيء وثباته واستقراره، و"أنْ" لا تدل إل على ما ليس بمستقر ولا ثابت. ألا ترى أنها إنما بابها أن تدخل على الاستقبال مثل: "لَنْ وإذَنْ" ودخلت على الماضي أيضاً من حيث اجتمع مع المستقبل للتقضي، وأنه ليس بثابت كالآتي.

فقال: إذا جاز أن يقع المستقبل في الخبر في قولك: عَلِمْتُ زيداً يقومُ وسيقوم، والمعلوم المستفاد إنما هو الخبر لا زيد فهلا جاز على هذا أيضاً أن تقول: "عَلِمْتُ أنْ يقومَ"، فتوقعه على المستقبل في اللفظ إذْ أوقعته عليه في المعنى في قولك عَلِمْتُ زيداً سيقومُ؟.

قلنا: لا يجوز في "أنْ" وإن كنا قد أجزنا علمتُ زيداً سيقوم، لأن مفعول "علمت" "زيدٌ" وليس هو شيئاً ينافي "عَلِمْتُ" كما نافته "أنْ" وأما "يقومُ" فلم تعمل فيه "عَلِمْتُ"، إنما هو واقع موقع الاسم الذي تعمل فيه "عَلِمْتُ" فلما لم يكن معمول "عَلِمْتُ" وإنما معمولها في الحقيقة الاسم الذي هو عبارة عن "زَيْد" ووقع هذا موقعه للذكر العائد منه [إليه] جاز ذلك، وليس كذلك "أنْ" إذا عملت فيها "عَلِمْتُ"؛ لأنها كانت تكون مفعولة ومتعلقة به، وكل واحد كأنه يدفعُ الآخر؛ لأن "عَلِمْتُ" تدل على الثبات والاستقرار، و"أنْ" تدل على خلاف ذلك. فلما كانت خلافه وعكسه لم يجز أن تعمل فيها، وتقترن بها للتدافع الذي بينهما كما لم يجز أن تضيف إلى الفعل حيث كان الغرض في الإضافة التخصيص، ووضع الفعل لغير التخصيص. ومن هنا لم يجز دخول لام التعريف عليه. ألا ترى أن اللام /76 أللتخصيص ووضع الفعل لغير ذلك. فلذلك إذا أدخلوا اللام نقلوا الفعل إلى الاسم أعنى اسم الفاعل.

وكما لم يزيدوا الواو أولا؛ لأنهم لو زادوها لزمها القلب، وإذا لزمها القلب صارت كأنها لم تُزَدْ. وكما لم يدغم الملحق وإن اجتمع فيه المثلان؛ لأنه لو أدغم [لم] يوصل إلى ما ريم فيه من الإلحاق بل كان الغرض فيه ينتقص كما كان لزوم القلب ينقض الغرض في زيادة الواو، ومن هنا لم نُضِفْ الشيء إل نفسه؛ لأن الغرض في الإضافة تخصيص يكتسبه المضاف من غيره ولو أضيف إلى نفسه لكان غير الغرض المقصود. ومن هنا لمْ يرُدّ سيبويه السكون في وشَوِيّ ونحوِهِ.

وإذا لم يستعملوا "ضَرَبَ أنْ تَضْرِبَ"، ولا "تَضْرِبُ أنْ تَضْرِبَ" في موضع "ضَرَبْتَ ضَرْباً"، و"تَضْرِبُ ضرباً" وإن لم يكن هنا لفظتان تدفع إحداهما الأخرى حيث لم يكن [أنْ تضرِبَ] ثابتاً، والتأكيد يراد به تثبيت الشيء وتقريره - فأن لا يجوز ذلك في "عَلِمْتُ أنْ يقومَ" أحرى؛ لأنه ينضم إلى تدافع المعنى تدافع اللفظ؛ لأنا لم نجده في شيء من كلامهم مقولاً، وهم يريدون به معنى العلم؛ لأنك لو قلت: "عَلِمْتُ أنْ يقومَ زيدٌ" تريد معنى المشورة لجاز. [القصرى] قلت له: يجب على هذا ألا تجيز من جهة القياس "أنَّ

أنْ تقومَ تُعجبني"؛ لأن "أنَّ" للتأكيد، و"أنْ" لخلاف التأكيد فهما يتدافعان كما قلت في: "عَلِمْتُ أنْ يقومَ زيدٌ، وضربتُ أنْ تضربَ". قال: كذلك أقول: إنه ممتنع من جهة القياس، ولم أجده في كلامهم مع هذا، ولا يجب لذلك أن تمتنع من إدخال "كان" على "أنْ"؛ لأن "كان" ليست للتأكيد بل هي بعيدة من التأكيد بكونها للمقتضى الماضي. وقد قال: (ما كان حجتهم إلا أن قالوا)، (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا). على أنه لو كان في "كان" شيء من التأكيد لكان بينها وبين ما تقدم من الفرق أنها للماضي كما أن "أنْ قالوا" للماضي، وأنها قد فُصِل بينها وبين "أنْ" بالخبر، فصار الخبر كأنه في اللفظ هو المعمول لـ "كان". قلتُ له: إنك منعت من "علمتُ أن يقوم زيدٌ" من جهة المعنى لا من جهة اللفظ ثم أجزت "علمتُ زيداً سيقوم"، وفصلت بينهما من جهة اللفظ مع قيام المعنى. فقال: إنما منعت من أن تعمل "عَلِمْتُ" في "أنْ" لما ذكرت من المعنى، فإذا ثبت "أنَّ" "عَلِمْتُ" غير عاملة في "سيقومُ" فقد صحت مفارقته. قلت: فقد أجزت "عَلِمْتُ زيداً قائماً غداً" فأعملت فيه علمت مع أنه في معنى "سيقومُ".

مسألة 84

فقال: الفرق بينهما أن "قائماً" يصح أن يكون وهو على لفظه هذا للثابت، وأنَّ "فعَلَ" لا يصح أن يكون وهو على لفظه الثابت لأجل "أنْ" فلذلك لم يعتد بما ذكرت في "قائمٍ"، واعتد به في "أنْ". مسألة 84: قال أبو علي: إن قال قائل: إن "أمْ" في قوله تعالى (وهذه الأنهارُ تجري من تحتي أفلا تبصرون) "أمْ أنا خيرٌ" للمعادلة؛ لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون، ووقع قوله "أمْ أنا خيرٌ" موقع "أمْ تبصرون" فوقعت الجملة التي من الابتداء والخبر موقع الجملة التي من الفعل والفاعل كما وقع ذلك في قوله تعالى: (أدعوتموهم أم أنتم صامتون) فكما لم تخرج هذه بوقوع إحدى الجملتين معها موقع الأخرى عن أن تكون للمعادلة إلى الانقطاع كذلك "أمْ" في قوله "أفلا تبصرون أمْ". قيل له: إنا لم نحكم لـ "أم" أنها منقطعة؛ لأن الجملة التي من المبتدأ والخبر لا تعادل الجملة التي من الفعل والفاعل، وإنما حكمنا بانقطاعها للمعنى، وذلك أن قوله: "أمْ أن خيرٌ" بمنزلة قوله "أم تبصرون"؛ لأنهم لو قالوا: "أنت خيرٌ" لكانوا عنده بصراء، فلم يرد أن يعادل بين "أتبصرون"، [و] أم لا تبصرون، ولكنه كأنه أضرب عن قوله "أفلا تبصرون"

مسألة 85

بقوله "أمْ أنا خيرٌ" وقرر بقوله"أمْ أنا خيرٌ" أنه خير فكأنه قال: بل أنا خير؛ لأنهم قد كانوا تابعوه على أنه خير. فلما كان فيه معنى [التقرير] بأنه خير بدليل ما ذكرنا لم يكنْ "أمْ" المعادلة للهمزة ويدلك على أنهم قد كانوا متابعين له قوله تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه). مسألة 85: قال [أبو علي]: "ما أدري أقام أو قعد" تجري بـ["أوْ" دون "أمْ"] لأن هنا فعلا معلوماً، وإذا كان كذلك كان من مواضع "أوْ" دون "أمْ" ألا ترى أن "أمْ" إنما تقع إذا كنت مدعياً أحد

الفعلين، فإذا أوقعت "أو" هنا فقلت "أو قعد" فهنا في الحقيقة أحد الأمرين معلوم ثابت إلا أنه أجرى عليه لفظ "أوْ" فجعله وإن كان كائناً بمنزلة ما لم يكن فكأنه قال: لا أدعي واحداً منهما كما أنه إذا قال: "أقام أو قعد" لا يكون مدعياً لوقوع واحد منهما، فجرى مجرى قولك "تكلمت ولمْ تتكلمْ" فهذا ليس أنك ناقضت في كلامك فنفيت ما أوجبت، ولكن لم تعتمد بالكلام لقلته، أو لأنه لم يسد المسد الذي أريد به. فكذلك "أوْ" إذا أدخلتها هنا مع أن أحد الفعلين كائن في الحقيقة أجريته مجرى ما لم يكن، فصار بمنزلة "أوْ" في الاستفهام إذا قلت: أقامَ أو قعَدَ في أنك لا تدعي وقوع واحد منهما، وليست بمنزلة "أو" في الخبر لأن الشبه ها هنا إنما وقع في الاستفهام من حيث كان تسوية، فإذا كان الشبه واقعاً في الاستفهام وقعت المماثلة به لا بالخبر. فمن هنا قلنا: إنك كأنك لم تثبت واحداً من الفعلين لما أدخلت "أوْ" في "مَا أدري أقام أو قعد" كما لم تثبت واحداً منهما في الاستفهام في قولك "أقامَ أو قعد" وليس هو كالخبر الذي يثبت فيه أحدهما في غير عينه ألا ترى أنك إذا قلت: "أقامَ زيدٌ أو قعد" مثبت أحدهما إلا أنك لا تدري أيهما هو.

وأما قوله: "ما أدري أأذن أو أقام" فالقياس فيه "أمْ": لأن هنا فعلاً مثبتاً متيقناً إلا أنه أجرى عليه "أوْ"؛ لأنه لم يعتد به فنزله /76 ب منزلة ما لم يعلمه، كقولك: "تكلم ولمْ يتكلمْ"، وفي الكتاب: 298 - نجا سالمٌ والنفسُ منه بشدقهِ ... ولم ينجُ إلا جفن سيفٍ ومئزرا فلهذا جاز هذا بـ "أوْ"، ولم يُرِدْ هذا المعنى، فجاز كما جاز

مسألة 86

"قد علِمْتُ أقام زيدٌ" فكما جاز "علمتُ أقام زيدٌ" كذلك يجوز "ما أدري أقام أو قعد" وكلك: "ليت شعري". مسألة 86: فآ: لا دلالة لمن أجاز الترخيم في الأسماء الثلاثية بقولهم: "يدٌ، وغدٌ" ونحو ذلك، وذلك أن للمعتل نحواً ليس للصحيح. ألا ترى أنه قد يحذف منه حتى يصير على حرف نحو: "عِهْ" كلاماً، وقد تُحذف في مواضع الحركات لاماتها، وتختص بأبنية لا تكون في الصحيح، وكما جاز فيه هذه الأشياء

التي لم تجز في الصحيح كذلك استجيز فيه أن تكون على حرفين ولم يستجيزوا في غيره من الصحيح في الترخيم. فإذا لم يسغ له ذلك الحذف لِمَا ذكرنا صار حاذفاً له بغير دليل، ولا شيء يعضده من تشبيه ولا قياس، وإذا كان كذلك وضح فساد القول. فإن قلت: فقد أجزتم أيضاً إبقاء الاسم على حرفين في: "ياثُبَ" ونحوه. قيل: هذا إنما جاز من حيث جاز "يدٌ ودمٌ" ونحوه، لأن هذا الضرب من "ثبةٍ وقُلةٍ، وعِضة" ونحوه من المعتلة، وقد قدمنا أن المعتل لا يمتنع من أن يأتي على حرفين، وأن الذي نمنع أن يكون الثالث المحذوف حرفاً صحيحاً غير معتل ولا مشابه للمعتل فأما "شفة وسنة وعضة وشاة" فإنما حذفت لاماتهن؛ لأن الهاء كاللينة. ألا ترى أنها تلي الألف، وأنها تبين بها الحركات كما تبين بالألف، وتقع خروجاً في القوافي كما يقعن. فلما كانت مثلهن جرت مجراهن.

مسألة 87

فكذلك "حِرٍ" لما كانت الحاء تلي الهاء أجريت مجراها، وقلتْ ولم تكثر كثرة الهاء. فأما "دَدَنٌ، وددُ" فلأن النون كاللينة أيضاً. مسألة 87: فآ: لا تعادل "أمْ" حرفاً من حروف الاستفهام سوى الألف فتكون

معه بمنزلة "أيهما أو أيهمْ"، وإنما جاز ذلك في الألف ولم يجز في "هل"؛ لأن الألف قد تقع حيث تريد الإثبات والتقرير ولا تريد التفهم والاستعلام. ألا ترى أنك تقول: (أليس الله بكافٍ عبده) وأنت مقرر، ولا يكون ذلك في "هَلْ" فلما كنت في الاستفهام بالألف و"أمْ" مدعياً لأحد الشيئين أو الأشياء مثبتاً له لم يجز أن يقع سوى الألف لذا المعنى، ولم يجز أن تقع "هلْ"، لأنك لا تقرر بها إنما تستقبل بها الاستفهام. ألا ترى أنك لو قلت: "هل طرباً" موضع: 299 - أطرباً وأنتَ قِنَّسريُّ

لم يجز، فلذلك لم تعادل "أمْ" إذا كانت مع الحرف بمنزلة أيهما. فإن قلت: فقد قال تعالى: (هل يسمعونكم إذ تدعون) فإن هذا ليس بتقرير، وإنما هو استقبال استفهام، وقاله إبراهيم عليه السلام مخرجاً له مخرج الاسترشاد؛ ليكون ذلك داعيةً لهم إلى النظر، وكان هذا أجود لهذا المعنى المراد. ألا ترى أنه لو قال: (أيسمعونكمْ) لكان يجوز أن يُظن أنهم يسمعونهم، وأنه متابع لهم على ذلك، وأن مخرج الكلام التقرير. فإذا خرج مخرج الاسترشاد لم يدل على الموافقة ولا على التقرير، وكان ذلك أدعى لهم إلى النظر في شأنها وأنها لا تسمع ولا تنفع ولا تضر. ألا ترى أنه إنما أراد منهم أن ينظروا في شأنها، وأنه ناظرهم على ذلك في هذه الآية.

مسألة 88

ولو كان قال هذا على سبيل العيب لهم والإنكار فقط لا على ما قلنا لكان منفراً لهم عن النظر. مسألة 88: فآ: "ليتَ شعري أزيدٌ عندك أم عمروٌ" لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الخبر مضمراً أو يكون الاستفهام سد مسد الخبر. فإن كان الخبر محذوفاً فالتقدير "ليت شعري أزيد عندك أم عمرو ثابتٌ، أو واقعٌ أو نحو ذلك"، فحذف ذلك. وإن كان على أن الاستفهام سد مسد الخبر، فإن هذا ليس بالسهل، لأنه ليس فيه ما يعود على "شِعْرِي". ومما يقوى الأول أن خبر "لَيْتَ" قد جاء مضمراً في قوله:

(يا ليتَ أيام الصبا رواجعاً)

مسألة 89

مسألة 89: فآ: الدلالة على أن الجمل لا تقوم مقام الفاعل أن الفعل نكرة كما أن الأحوال والتمييز نكرة، وأنها لا تتعرف أبداً كما لا تتعرف الحال والتمييز أبداً فكما لا يُجعلان فاعلين، لأن الفاعل مما يلزم إضماره، وإذا لزم إضماره وجب تعريفه، كذلك الجمل لم تقم مقام الفاعل؛ لأنها لو أقيمت مقامه لزم إضمارها والكناية عنها، وإضمارها والكناية عنها لا يصح، لأنها لا تكون معارف، ألا ترى أنها أبداً مستفادة. مسألة 90: فآ: قيل كيف جاز أن يقع الفعل في قوله: "لأضربنه ذهب أو مكث" حالاً وهو ماض، وإذا كان في موضع حال فهلا جاز أيضاً "لأضربنهُ يقوم أو يقعد"، لأن المضارع أدخل في الحال من الماضي؟ فالقول: أن الأصل في هذا كان الجزاء كأنه أراد "لأضربنه إن ذهب"، ثم بدا له أن يضربه البتة على جميع الأحوال فقال: "أو مكث". فهذا حال على المعنى، ليس أن الماضي في موضع نصب لوقوعه موقع الحال، ولكن المعنى أضربُهُ ذاهباً أو ماكثاً، أي على جميع الأحوال. وإنما

صار المعنى على هذا وحسن وإن كان الأصل الجزاء؛ لأن الجزاء ليس حكمه أن يقع إن وقع الشيء وخلافه، وإنما حكمه أن يجب بشرطه، ويقع بشيء ما، لا بذلك الشيء وخلافه. فلما لم يكن الجزاء على هذا وقع موقع الحال في المعنى، كأنه قال: أضربُهُ على جميع الأحوال، فوقع موقع الحال من حيث كان المعنى يئول إليها، ووقعت "أوْ" هنا على إرادة أضربهُ إن فعل هذا أو هذا، أي إن فعل أدحهما إلا أن ضربه وجب؛ لأنه لا يخلو من أحد حاليه اللتين أسندتا إليه. فإذا لم يخل

من أحدهما وقد/77 أأوجب له الضرب بكونه على أحدهما كان ضربه واجباً لا محالة؛ فلهذا المعنى وجب الضرب وإن كان معنى "أوْ" أنه لأحد الأمرين وحسن في الكلام أن يقال فيه إنه حال؛ لأن الحال ضرب من الخبر. ألا ترى أنه زيادة في الخبر وأنها قد سدت مسد خبر الابتداء في: "ضَرْبي زيداً قائماً" والجزاء خبر أيضاً صحيح ألا ترى أنه محتمل الصدق والكذب، وأنه يوصف به ويوصل به إلا أن حرف الشرط حسن حذفه لأمرين: أحدهما أن الكلام طال وطول الكلام يحتمل معه الحذف: والآخر أن معنى الجزاء قد زال وإن كان مبني الكلام [ومبتدؤه] عليه إلا أنه وإن كان كذلك فإنه لم يجز في موضع "ذهب"، "يَذْهَبُ" و"يمكث"؛ لأن الأصل كان الجزاء، فكما يقبح هذا في الجزاء من حيث لم يكن له جواب مجزوم كذلك قبح ذها. فإن قلت: فقد زال الآن معنى الجزاء. فإن الأصل لما كان جزاء وجب أن يكون الكلام على ما كان يحسن في الجزاء، وأنت لو قلت: "لأضربنك إن تتني" كان قبيحاً، فكذلك يقبح "لأضربنك إن تأتني أو لا تأتني". وهذا الكلام في هذا المعنى أحسن عندي مما جوزه الخليل من قوله: "لأضربنه أذهب أم مكث" لأن هذا استفهام، والاستفهام ليس بخبر

مسألة 91

فلا يحسن أن يقع في موضع يكون المراد فيه معنى الحال كما جاز ذلك في الجزاء لاجتماع الجزاء والحال في جنس الخبر، ومباينة الاستفهام الحال إل أن ذلك جاز، لأن المعنى يَئُول إلى ما تقدم. ألا ترى أن المعنى لأضربنك على أي ذلك كنت. ومع ذلك فإن "أوْ" و"أم" قد [وقعا] في موضع التسوية، والتسوية خبر ليس باستخبار، فلما كانا قد وقعا في التسوية وهي خبر ليس باستخبار وكان المعنى هنا يقارب ذلك- ألا ترى أن المعنى أضربه إن كان على ذلك أو ذلك فسويت بين الحالين في وجوب الضرب له - جاز أن يقعا هنا أيضاً وأن يئول الكلام إلى إرادة الحال وتقديرها كما آل في المسألة الأولى. مسألة 91: فآ: قوله: 300 - من بين منضجٍ ... صفيف شواء أو قدير .....

وقوله: 301 - وكان سيان أنْ لا يسرحوا نعماً ... أو يسرحوه ............. إنما جاز بـ "أوْ" اتساعاً، وذلك أنهم لما رأوا "أوْ" يجمعُ بها ما بعدها وما قبلها كما جمع ذلك بالواو وإن كان المعنى مختلفاً شبهوها بها، فعطفوا بها في هذا الموضع كما يعطف بالواو، وأكدَ ذلك العلمُ بأن الموضع يقتضي اثنين

فصاعدا، ولا يقتصر فيه على أحد الاسمين".

مسألة 92

فأما قوله: ........................ أو مَنْ ... جاء منها بطائفِ الأهوالِ وقد يروى أمْ منْ جاء منها. مسألة 92: سألنا سائل عن قول متمم بن نويرة.

302 - وما وجْدُ أرآم ثلاثٍ روائمِ ... أصبنَ مجراً منْ حُوارٍ ومصرعا

ثم قال: 303 - بأوجَدَ مني ............... فأجبت فيه في الوقت إنه على "شِعْرٌ شاعرٌ"، و"شُغْلٌ شاغِلٌ" كأنه أراد المبالغة في الوصف بالوجد، فجعله كالعين فأسند إليه ما يسند إلى العين كما فعل ذلك فيما ذكرنا، كما يجعلون العين كالمعنى في "رجلٌ عدلٌ" ونحوه. ويجوز أن يكون حذف المضاف، كأنه "وما واجداتٌ وجدَ أظآرٍ" فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ولا يكون على أن يجعل "وجداً"

بمنزلة ركبٍ وسفرٍ. ألا ترى أنك على هذا تضيف الشيء إلى نفسه، وهذا لا يجوز، ولا يستقيم أن تحمله على أنه ترك المضاف وأخبر عن المضاف إليه، كما يقول البغداديون في قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن). ومما ينشدون:

304 - لعليَ إن مالتْ بي الريحُ ميلةً ... على ابن أبي ذبانَ أنْ يتندما ولا يشبه هذا. 305 - ولا مستنكرٍ أن تُعقرَا

...............................................................

لأنه هنا أجرى على المضاف من التأنيث ما كان للمضاف إليه فإذا قلت "ولا مستنكرٍ عقرها" فالضمير للرد جرى مجري علي التأنيث، وليس هو ضمير الخيل المضاف إليها الرد فيكون مثل ما جوزوه من الحمل على المضاف إليه دون المضاف على أنه لو كان مثله (فما وجدُ أظآرٍ ... بأوجدَ) لما جاز حمله على ذلك؛ لأن ذلك إنما سوغه في "ولا مستنكرٍ" للضرورة. فإذا كانت الحال حال سعة لم يحسن ذلك في الشعر كما لا يجوز في الكلام. يبين مفارقة "وجْدَ أظآر بأوجد" لقوله: "ولا مستنكرٍ أن تُعقرا".

مسألة 93

أنْ "الأوجَدَ" على هذا التأويل هو الأظْآرُ، وليس هو الوجد في المعنى، والهاء في عقرها ضمير الرد، والرد غير الخيل في المعنى. ويجوز أيضاً أن تقدر حذف المضاف إليه إذا قدرت "الوجدَ" مثل "سَفْر"، كأنه "ما وجد وجد أظآر" كأنه قال: وما وجداتٌ وجدَ أظآرٍ فحذف المضاف إلى أظآرٍ، وأقام أظآراً مقامه. مسألة 93: القاسم للبيد: 306 - وهم العشيرة أن يبطئ حاسدٌ ... .................... يقول هم العشيرة التي لا يقدر حاسد أنْ يبطئ الناس عنهم بسوء قول فيهم أوْ أنْ يلُومَ مع العدا لُوامُها)، أي ولا يقدر لائم على لومهم من كرههم، وهو مثل قول المطرود بن كعب الخزاعي:

307 - إن المغيرات وأبناءها ... هم خير أحياء وأموات 308 - أخلصهم عرق لبابٌ لهمْ ... من كل لومٍ [بمنجياتِ] قال أبو علي: كأنه قال: هم المفضلون كراهة أن يطبئ حاسدٌ لأن قوله "العشيرةُ" فيه معنى المفضلون، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. فآ: البيت منكسر وليس له حيلة إلا إشمام الجيم قليلاً من الإدغام في الإنشاد، لأن صحته أن يقول "بمنجثاتٍ" فيسكن الجيم، وتسكين لجيم هنا لا يجوز في العربية إلا أن يقول "للمنجيات" فتريد به أمهات النجيبات ولا يكون [بين] المنجيات، وبين كل لوم تعلق.

مسألة 94

/77 ب مسألة 94: فآ: 309 - فاقطع لبانة من تعرض وصلهُ ... ولشر واصلِ خُلةٍ صُرامُها [قال أبو علي]: يقول لبانتَكَ منه مثل: 310 - باكرتُ حاجتها الدجاج أي حاجتي إليها.

مسألة 95

مسألة 95: النابغة: إني كأني لدى النعمان أخبره ... بعض الأود حديثاً غير مكذوبِ الأودُّ: الذي هو أشد وُدا، وأراد الأودين جماعةً. فآ: فسر المعنى لا تقدير اللفظ، وتقدير اللفظ أن لام التعريف للجنس "وأوَدُّ" مفرد بمنزلة الدينارٍ والدرهمِ، وفيه أنه اسم الفاعل، وحق اسم الفاعل أن لا تكون فيه اللام معرفة للجنس، وذلك لأنها مع اسم الفاعل لا تخلو من أن تكون دالة على اسم الفاعل على قول أبي عثمان، أو اسما على قول أبي بكر، والمعنى في كلا الوجهين "الذي فعلَ"، واللام المعرفة للجنس لا تكون على واحد من الوجهين في الدينار والدرهم، إلا أنه لما كان اسم

الفاعل اسماً وليس بفعل جاز فيه ما جاز في الاسم الذي ليس في معنى فعل. وكان جوازه في "الأَوَدِّ" أقوى منه في "الضارب"، لأنه ليس في معنى "الذي فعلَ"؛ لأنه ليس بالاسم الجاري على الفعل. وقد أنشد أبو عمر عن أبي زيد: إنْ تبخلي يا جمل أو تعتلي ... أو تصبحي في الظاعن المولى وفسره أبو عمر: الظاعنينَ. [م]: قلت له إذا حسن أن تكون اللام للجمع في الظاعنين ودالة على الجمع فيه على قوليهما فلم لا يحسن ذلك فيها في "الظاعنِ" مع إفراد "ظَاعِنِ" كما جاز (كممثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله)؟ قال: الفرق بينهما أن ذلك في "الذي" اتساع، وأنه لم يخل من دليل يدل عليه ملفوظ به. ألا ترى أنه قال: (فلما أضاءت ما حوله) وقال: 311 - وإن الذي حانتْ بلفج دماؤهمْ

واللام محمولة على "الذي" اتساعاً فلا يحتمل من الاتساع ما يحتمله الأصل. ألا ترى أن حملها على "الذي" اتساع فيها حتى قال أبو عثمان ليست بمعنى "الذي" ولكنها دالة على "الذي" وتوالى الاتساعات مرفوض. وإذا لم يحسن أن تجعل بمنزلة "الذي" في هذا فأن لا تحسن أن تجعل بمنزلة "الذي" فيه مع تعريها من دليل يدل عليه أولى؛ لأن "الذي" لا يسوغ ذلك فيها متعرية من دليل [يدل] عليه. وينبغي أن يكون جعل اللام للجنس على قول أبي بكر أجوز منه على قول أبي عثمان.

مسألة 96

مسألة 96: وقوله: 312 - يُثَبَّى ثناء من كريمٍ ... .............. ثبَّيْتُ على الأمر دمت وكنت عليه، وقال في موضع آخر: التَّثْبِيَةُ على الرجل في أيام حياته، والتأبينُ عليهِ بعد موته. مسألة 97: قول ابن مقبل:

313 - عيل ما هو عايلُهْ من قوله: عالَنِي الشيء، أي أثقلني فدعا عليه به، فقال: شددَ هذا الذي عليه وأثقله، كقولك للشيء إذا أعجبك: قاتله الله وأخزاه. القاسم: سأل أبو الأسود الدؤلي عن رجل: فقال: ما فعلت امرأته التي كانت تُشَارُّهُ وتُهَارُّهُ

وتُزَارَّهُ وتُمَارُّهُ أي تتلوى عليه وهو يتلوى عليها. تُزارهُ: من الزر وهو العض، وأمر الحبلُ: قُتِل إلى خارج. القاسم: 314 - ولما رأيتُ الأمرَ عرشَ هويةٍ ... تليتُ حاجات الفؤاد بصيعرا العرش: الذي يكون على فم البئر يقوم عليه المستقي، والهوية: البئر البعيد القَعْرِ، وهو أهوية مثل ضحيةٍ وأضحية.

يقول: عسر ما هان منه [عَثِيَ] وأبطأ وجاء في الشديد منه. قاسم: الربيع بن ضبع [النسائي]: 315 - وإن كنائني لنساء صدقٍ ... وما ألى بني ولا أساءوا

قال أبو عمرو الشيباني: سألني القاسم بن معن عن هذا البيت فقلت: ما [أبطئوا] فقال: ما تركت شيئاً، وكل مبطئ قد ألى "فعلَ" من ألوْتَ. لبيد: 316 - واضبط الليل إذا طال السُّرى ... وتدجى بعد فورٍ واعتدلْ

قال: ليس هو من الظلمة إنما أراد تطارق بعضه على بعض، وألبس كل شيء. وأنشد أعرابي: 317 - ................. ... أبي مُذْ دجى الإسلامُ لا يتحنفُ أراد مُذْ فشا الإسلام وألبس كل شيءٍ.

مسألة 98

مسألة 98: يعقوب: للبيد في ذكر العير والتأن: 318 - حتى تهجر في [الرواح] وهاجها ... طلبُ المعقبِ حقهُ المظلومُ يريد: أي هاج الأتان لطلب الماء كطلب المعقب، وهو الذي يطلبُ حقه مرة بعد مرة، و"المظلوم" نعت للمعقب، حمله على الموضع. فآ: حمله على الموضع؛ لأن "المعقب" فاعل، ويقال "المعقب" الماطل ويقال: عقبني حقي أيْ مطلني، فالمظلوم فاعل، "والمعقب" مفعوله. طفيل:

319 - تأوِّ بني همٌّ منَ الليلِ منصبُ ... وجاء من الأخبار ما لا أكذبُ 320 - نتابعن حتى لمْ تكنْ لي ريبةٌ ... ولمْ يكُ عما خبروا متعقبُ متعقبٌ: أي مرجع في طلب.

فآ. على الوجه الأول لو قدم "الْمَظْلُومَ" فجعله يلي "الْمُعَقِّبَ" لم يجز كما أنك لو قدمت كُلهُ في قول ابن مقبل: 321 - ولوْ ن جُني أمُّ ذي الودع كلهُ ... لأهلك مالاً لم تسعهُ [المسارِحُ] لم يجز، لأنك لا تصف الموصول حتى يتم بصلته، وصلته لم تتم بَعدُ،

لأن "حَقَّهُ" من صلة "الْمُعَقِّبِ" ومن تمامه وقد حذف المفعول مثل "ضَرْبُ زيدٍ" وهو فاعل فيحذف المفعول، وهو على الوجه الثاني يكون "حقه" أيضاً من صلة "المعقبِ"، كأنه قال: طلبُ المظلومِ الماطلَ حقهُ، فتكون الهاء راجعة إلى المظلوم أي طلبُ المدينِ الماطل حقه أي حق المدين. ألا ترى أن الحق له لا للمستدين. فإن قلت: كيف جاز أن تكون الهاء كناية عن الفاعل وهو لم يُذكَرْ بعدُ؟ قيل: مثل: "ضَرَبَ غُلامهُ زيدٌ". ألا ترى أنها متصلة بالمفعول وقد يجوز على هذا أن تجعل الهاء للمستدين، فيحسن أن تجعلها له فيقول: "حَقَّهُ": تريد الحق الذي يجب عليه /78 أالخروجُ منه.

فلما كان كذلك جاز أن تضيفه إليه وهذا كقولك: "باكَرْتُ حاجَتَها الدجاج" أي حاجتي إليها. وكذلك قوله تعالى: (وليلبسوا عليهم دينهُمْ)، فأضاف "الدينَ" إليهم لما كان واجباً عليهم الأخذُ به وإن لم يكونوا متدينين به وعلى هذا يتجه []: (كذلك زينا لكل أمةٍ عملهمْ) أي العمل الذي أوجب عليهم. وكذلك: (اقْطَعْ لُبَانَة مَنْ تعرَّضَ وصْلُهُ) أي لُبَانَتَكَ مِنْهُ. وهذا التأويل في: "حاجتها الدجاج" و"لُبانة من تعرض" يُسقطُ احتجاج البغداديين به إن احتجوا به على أن الأسماء غير المصادر تجري مجرى المصادر في الإعمال بأن يقولوا قد أضيفت "حاجة" إلى المفعول، ولم يكر الفاعل كقوله تعالى: (من دعاء الخيرِ) وكذلك "لُبانة مَنْ

مسألة 99

تَعَرَّضَ". ألا ترى أنك تحمل تأويل الإضافة فيه على تأويل الإضافة في "دِينهِمْ" و"عَمَلِهِمْ". فإذا جعلت الهاء راجعة إلى المفعول احتملت أمرين: أن تكون راجعة إلى "المُعَقِّبِ" بأسره، ويجوز أن تكون راجعة إلى اللام على قول أبي بكر، وعلى قول أبي عثمان إلى الذي دلت عليه اللام. مسألة 99: الأصمعي اهتجْتُهُ وهِجْتُهُ واحد: 322 - .... ... كما يهتاجُ موشىٌّ قشيبُ فآ: يقال: هجته فهاج، وكان ينبغي في القياس أن يكون مُطاوِعُه فاهتاج، وقوله "كما يهتاجُ موشيٌّ" يدل على صحة ما ذكرنا. ألا ترى أنه لم يخل مما يوجب القياس، وهاج محذوف من اهْتاجَ.

مسألة 100

مسألة 100: أبو كبير: 323 - فإذا دعاني الداعيان تأيدا ... وإذا أحاول شوكتي لمْ أبصرِ أي أحاول إخراج الشوكة من رجلي، وتأيدا من الأيدِ، وهو القوة. يقول: صاحا وتكلما بقوة ليُسْمِعاني. القاسم: 324 - ....... ... لَمْ تنتطِقْ عنْ تفضلِ يعني بعد تفضل لا ننتطق لعمل تعمله.

325 - [وكنا] إذا ما الحربُ ضرس نابُها يقول ساء خلقها. يعقوب عن الأصمعي في بيت الأعشى: لا تهنا ذكري جبيرةً أمْ مَنْ ... جاء منها بطائف الأهوال

قال: ليس جُبيرةُ حيث [ذهبت]، فايْئَسْ منها، ليس هذا موضع ذكرها "أمْ مَنْ جاء" يستفهم، يقول: من ذا الذي جاء بخيالها علينا. الأصمعي: للراعي: 326 - أفي أثر الأظعان عينُكَ تلْمَحُ ... نعمْ لات هنا أن قلبَكَ متيحُ ليس الأمر حيث ذهبتَ، قلبك متيحٌ في غير ضيعةٍ، متيحُ: يعرض في كل شيء.

حجل بنُ نضلةً: 327 - حنتْ نوارُ ولاتَ هنا حنتِ ليس هذا موضع حنين، ولا في موضع الحنين حنتْ، و"نَوارُ" ابنة عمرو بنِ كُلْثُوم التغلبي، أصابها حجلُ بنُ نضلةَ

يوم طلح، فركب بها الفلاة. وأنشد لبعض الرجاز: 328 - لما رأيتُ محمليه هنا ... [مُجذرينِ] كدتُ أنْ أجنا قربْتُ مِثْلَ العَلَمِ المُبَنَّى

"هنا" أيْ ها هُنَا. وأنشد لذي الرمة: 329 - هِنَّا وهَنَّا ومِنْ هَنَّا لَهُنَّ بها ... ذات الشمائل والأيمانِ هينُومُ العجاج: 330 - وكانتْ الحياةُ حين حُبَّتِ ... وذِكْرُها هنتْ فلات هنتِ

فآ: هنتْ يدل على أنه ليس [بفعل]. [رجع] يقول: كانت الحياة في حين تُحَبُّ. [فآ]: أي حين تُحَبُّ أنْت لشبابك كانت الحياة، وذكرها هنتْ، يقول: ذكر الحياة هناك، ولا هناك، أي لليأس من الحياة. وقال: ومدح رجلاً بالعطاء: 331 - هَنًّا وهَنَّا وعلى المسْجُوحِ

[أي يعطى عن يمين وشمال] وعلى المسجوح على القصد، وإنما أراد على السجيحة، مثل عَقْلٍ ومعقُولٍ. قال يعقوب: وأما قوله: 332 - لَمَّا رأى الدار خلاء هنا فإنه يقال: هَنَّ يهِنُّ إذا بكى. وقال في قوله:

333 - وحديثُ الركبِ يوم هنا ... وحديثٌ ما على قصرهْ قال: "قال يوم هنا" أراد موضعاً ما، أو يقال اليوم الأول. فيقول: هو حديثٌ وإنْ كان قصيراً الأصمعي: عن أبي عمرو: التنُوِّطُ: طائر يكون قِبَلَ الحجاز يُعَلِّقُ قشوراً كالخيوط من قشور الشجر ثم يُعَشِّشُ في أطرافها فيكون العش منوطاً فيرفعه من الحيات والناس والذر.

خزوت الإنسان وغيره إذا سسْتَهُ قال: 334 - ............ ... ولا أنت دياني فتخزوني القاسم: 335 - كأن نزو فراخِ الهامِ بينهمُ ... فزو القلاتِ زهاها قال قالينا

قُلاتٌ: جمع قُلَةٍ، والقالُ: الخشبة التي تضرب بها القلة والقالون: الضاربون بالقُلَةِ، يُقال قلوتُ بها. فآ: أنشدنا [ح]: 336 - وأنا في الضُّرَّابِ قيلانُ القُلَةْ قيلانُ جمعُ قالٍ. فآ: أنشدني منشد:

337 - ولو أن نفساً أخرجتْها مخافةً ... لأخرج نفسي اليوم ما قال [خالد] "ما" زائدة، و"قالُ" من قوله: "نهى عن قِيلٍ وقال وقيلَ"

مسألة 101

مسألة 101: فآ: قولهم جميعاً في الإضافة إلى طويلٍ: "طويليُّ"، وتركهم أن يجعلوها مثل "حنفي" فيقولون: "طَوَلِيّ" يضعف قول من قال في "عَوْرَة": عوراتٌ مثلُ "طلحاتٍ". فإن قيل: ياء النسب أشد اتصالاً بما هما فيه من علامة التأنيث بدلالة تكسير الاسم عليها، وأن الأول منهما ساكن، وليست علامة التأنيث كذلك فصارت حركة العين في نية السكون مع علامة التأنيث ولم تصر في علامة النسب كذلك، وإن كان كذلك، فإن "طولي" لو جاز حركتهُ في عينٍ معتلةٍ كما أن عوراتٍ كذلك فالمناسبة بينهما شديدة، فلهذا قلنا يضعف ولم نقل يَفْسُد. مسألة 102: نعوت المعارف حكمها أن تكون أعم منها مثل "الرجل الطويل". فإن قلت: أقول هذا الرجل فأنعت هذا بـ "الرجل"، و"هذا" أعم من "الرجل". ألا ترى أنه قد يقع على الرجل وغيره [فآتى] به. قال: إن "هذا" أخص من "الرجل". ألا ترى أنك إذا قيل لك

مسألة 103

/78 ب "هذا" عرفته بعينك وقلبك، و"الرجل" تعرفه بقلبك، فما تعرف من جهتين أخص مما تعرف من جهة واحدة. فإن قيل: فهلا تجيز على هذا أن تصف بـ "زَيْدٍ" ونحوه من الأعلام "هذا"؛ لأنه أخص منها من حيث كان يُعْرفُ بالعين والقلب و"زَيْدٌ" يُعْرَفُ من وجه واحد فتصف بالأعلام المبهمة من حيث وصفت المبهمة بأسماء الأجناس؟ مسألة 103: فآ: قالوا في "صعِقٍ" في الإضافة إليه "صِعَقيٌّ" ففتحوا العين التي هي عين، وأبقوا الكسرة في الصاد، وإن كانت الكسرة قد زالت من العين لمكان الإضافة. وقالوا في الإضافة إلى [قسي وثديّ] [قُسَوِيٌّ وثُدَويٌّ]. فيقول القائل: هلا أقِرَّتْ الكسرة في [القاف] من "قُسّوِيّ" كما أقرت في "صعقيّ" ولم تضم؛ لأن الواحد غير مضاف إليه، فالأصل مراد كما كان الأصل في "صِعِقٍ" مراداً؟

مسألة 104

فالفصل أن الأصل كان الضم في "قسيّ"، وإنما أزيلت الضمة للياء فلما زالت الكسرةُ - والكسرة وإن كانت قد زالت من غير صعقي- فالذي اجتلبت له وهو حرْفُ الحلقِ باقٍ فلم يلزم إزالتها مع قيام ما اجتُلِبَتْ لهُ. مسألة 104: لما كان حذف الياء من "هُذَيلٍ" لتغيير واحد وهو النسبةُ وجب أن يُحْذَفَ لتغييرين في "حنَفِيّ" ونحوها، وهما النسبة وحذف التاء، وإذا كان الأمر على هذا فالياء في "حَنِيفَةَ" والواو في "شَنُوءَةَ" واحد في أن

مسألة 105

حذفها لازم كحذف الياء لا مخالفة بينهما، ولم يدخل "د" على هذه اللغة وليس اعتراضه بشيء. مسألة 105: فآ: ويقال في "حَانِيَّةٍ" إنه نسبة إلى "الحانُوتِ"، فإن شئت

قلت: إنه إضافة على المعنى ل على اللفظ مثل قولهم "حوَّاه" لصاحب الحية أخذوه من حَوَيْتُ؛ لأنه يجمعها ولم يأخذه من الحَيَّةِ، فكذلك "الْحَانِي" أخذوه من صفة صاحب الحانوت، فتسمية الحاني "لِحَنْوِهِ" عليه، فيكون فاعلاً منه. وإن شئت جعلت التاء بدلاً من الواو كما تكون بدلاً من الياء المنقلبة عن الواو في "أسْنَتُوا" فيكون "حَانُوتٌ" فاعُولاً من "حَنَوْتُ". وأحسن منهما أن [تكون فلَعُوتاً] مقلوباً كـ"طاغُوتٍ" من "طاغ، وحان" من "طغيت" وحَنَوْتُ.

مسألة 106

مسألة 106: فآ: ولا يحسن أن تقول في قاضٍ: "قاضَوِيٌّ" كما قلت في عمٍ "عمَوِيٌّ": ألا ترى أنك تقول في حبطٍ "حبَطِيٌّ" ولا تقول في "ضاربٍ" "ضاربيٌّ"، ولا يدل أيضاً تحريك لام "رحَا" بالفتح في التثنية كقولك "رحيَانِ" على إجازة تحريك عين "قاضٍ" بالفتح في الإضافة كقولك "قاضَوِيٌّ"، وإن لم تكن العين من "قاضٍ" متحركة قبل الإضافة، كما أن اللام من "رحَا" غير متحركة قبل التثنية لأن "رحيانِ" مثنى على حد تثنيته في الواحد. ألا ترى أن الوزن "فَعَلَ" في التثنية والواحد، و"قاَضَوِيٌّ" قد تغيرت تثنيته عما كانت عليه في الواحد، فعدلت فيه إلى "فَاعَل"، فهو قبيح لأنه بناء مستعمل في الكلام.

مسألة 107

مسألة 107: فآ: قول الخليل. لو قلت "تَغْلَبِيٌّ" لقلت في يشْكُرَ: "يَشْكَريٌّ" "وجُلْهُمٍ: جُلْهَمِيٌّ"، يريد لو كان التغيير في يَفْعِل لازما مُسْتَتِباً كاطراده في "نمريٍ" لقلت في جُلْهُمٍ: "جُلْهَمِيُّ" فغيرت المتحرك بالضم بالقلب إلى الفتح كما غيرت المتحرك بالكسر. فلما لم يُفْعَلْ ذلك في الضم بل أجريته على حالته في الضم دل أن التغيير في "تَفْعِلَ" إلى "تَفْعَلَ" غير مطرد، وأن تغلبي جاء على حد "سُهْلِيٍّ" و"بِصْرِيٍّ" ونحوه من التغيير لا على حد الاطراد. مسألة 108: فآ: حكى عن أبي عمر أنه قال في كتابه الفرخ: إن قوله: 338 - (لا أشْتُمُ) تفسيرٌ للحَلْفَةِ.

..................................................................................................

فآ: وهو عندي حسن كما أن "لَهُمْ مغْفِرَةٌ" تفسير للوعد، ولا موضع له عندي على هذا، ولولا أن قبل "لا أشْتُمُ" حالٌ وهي "قائماً" جاز حمله على التفسير. ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون "خارجاً" معطوفاً على "لا أشْتُمُ" أو على "قائماً" فلا يجوز أن يكون معطوفاً على "لا أشْتُمُ" وقد نصبته؛ لأن "أشْتُمُ" رفع إذا كان تفسيراً لا يكون في موضع نصب، فإذا كان كذلك كان معطوفاً على "قائمٍ" إلا أن تقول إنه جعل اسم الفاعل أيضاً موضع المصدر فيجعل فعله معطوفاً على التفسير، كأنه

مسألة 109

"لا أشتم ولا يخْرُجُ" أو يقول: بعطفه على موضع "وإنني"، لأنه جُمْلةٌ في موضع حال أيضا. مسألة 109: فآ: على ما تأول [د] وغيره في: 339 - وآونةً أثالاً لا يكون الظرف قد فصل بين حرف العطف والمعطوف، وهذا لا يجوز

مسألة 110

في الكلام، ومن ثم لم يحمل قوله "وَمِنْ وراء إسْحَاقَ يعقوبَ" على الجر؛ لأنه يلزم فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالظرف الذي هو "مِنْ وراء". ومن جعل "يعقوبَ" في موضع نصب ففيه بعض القبح أيضاً، لأنه قد فصل بين العاطف والمعطوف عليه بالظرف وإن كان الأول أفحش لأنه يقوم حرف العطف فيه مقام حرف جار. فإذا كان الوجهان غير منفكين من القبح، فالأحسن الرفع في "يعقوب" ليكون عطف جملة على جملة. فأما قوله: (وفيِ الحسبِ الزاكي الكريمِ صميمُها) فيمن جر "الكريم" ولم يرفع "صميمها به"، ولكن بالابتداء، كأنه أراد "وصميمها في الحسب الزاكي" فلا نَحْمِلُهُ على هذا، ولكن قدم خبر الابتداء. ألا ترى أن التقديم للخبر في الحسن كالتأخير. مسألة 110: فآ: قوله: (خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها). إن قلت: كيف قال: "خلقكُمْ" والضمير في "خلقَكُمْ" اسم

/79 أمخصوص، وقال بَعْدُ "ثم جعل منها زوجها، وهو تعالى لم يخلقنا قبل أن يخلق الزوج من النفْسِ، إنما خلق النفس ثم خلق الزوج منها، ثم خلقنا؟ فإن ذلك حسن كما حسن أن يقول - السعة لرهْطِ ابنِ جُرْمُوزٍ -: قتلْتُمُ الزبيرَ. وإن كانوا هم لم يقتلوه وإنما قتله أولوهم، وعلى هذا قوله تعالى: (فلم تقتلون أنبياء الله)، وإنما القتلة أولوهم. فكذلك لما خلق آدم وهو أولنا قبلُ ثم خلق منه الزوج جاز أن يقال "خلقَكُمْ"، وحق ذلك أنه لما قال: خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحدةٍ فكأنه قال: خلق نفسا واحدة؛ لأن في الكلام دلالة على ذلك، فجاز لذلك أن يقول: (ثم جعل منها زوجها)، كأنه عطف على المعنى.

فهذا يشبه قوله: (فلِمَ تقتلون أنبياء الله) وقوله: "قتلْتُمْ الزبيرَ" من حيث أجرى الكلام على شيء وهو يريد شيئاً آخر، لأن "خلقَكُمْ" إخبار، ويفارقه في أن مخلوقون كما أن النفس التي خلقنا منها مخلوقة، ومن ثم قيل لهم "تَقْتُلُونَ" وهم لم يقتلوا، إنما قتل أولوهم إلا أ، هم قد صاروا برضاهم بقتل أوليهم كأنهم قتلوا. فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الكلام محمولاً على المعنى، لأنه إذا قال لنا "خلقَكُمْ" فقد أخبرنا، فجاز أن يقول "خَلَقَكُمْ" كما جاز أن يقول أخبركم؛ لأن الخلق إخبار. ألا ترى أن الحال قد انتصبت عند [يه] عن هذه الجمل لما فيها من معنى الفعل نحو (وهو الحق مصدقاً). قيل: لا يجوز أن يحمل "خلقكُمْ" على المعنى كما جاز أن يحمل الحال على المعنى؛ لأن الفعل الذي هو "خلقَ" متصل بالضمير، والضمير منتصب به، فلا يجوز لنا أن نقدر أن نصبه بغيره كما جاز أن يقدر في الحال، لأن المعاني لا تعمل في الأسماء المخصوصة، إنما تعمل في الظروف والأحوال، والضمير في "خلقَكُمْ" اسم مخصوص.

مسألة 111

وكذلك تأويل قوله تعالى: (ولقد خلقناكمْ ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ولا يجوز أن يكون التأويل فيه غير ذلك؛ لأن التصوير يصح فيه أن يكون بعد الخلق، ويدل على أن التأويل فيه ما قلنا قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم). مسألة 111: فآ: لا يجوز "مررتُ بزيدٍ وجاءني عمرو الظريفانِ"، ولا "هذا زيدٌ وذاك بكرٌ منطلقين" الحال في هذا كالصفة عندي في القياس وإن كانت الحال أحمل للحمل على المعنى من الصفة من حيث كانت الصفة متعربة بإعراب الموصوف. وإنما لم يجز ذلك؛ لأنه لا يخلو من أحد أمرين:

إما أن تجعل "الظريفين" صفة لهما أو لأحدهما. فإن جعلته لأحدهما لم يجز، لأن "الظريفين" تثنية، وكل واحد من زيد وعمرو مفرد، فقد أحلت حيث جعلت المفرد تثنية، أو شيئاً غير وفقه في الإفراد. وإن جعلته لهما أيضاً لم يجز، لأن الصفة تتعرب بإعراب الموصوف في كل موضع من العربية إلا في النداء. فإذا كان كذلك وأحد الموصوفين رفع والآخر جر لزمك أن تكون الصفة مجرورة مرفوعة، وهذا محال أيضاً، لأنه لا يكون معمول واحد لعاملين. فإذا لم يخل ما ذكرنا من هذين، وفسد هذان ثبت أنه فاسد. والصحيح في هذا أن لا يجوز حمل الصفة على الموصوف إذا اختلف العاملان مختلفين كانا أو متفقين. ألا ترى أن اتفاق المتفقين من العوامل ليس يخرجهما عن أن يكونا عاملين مختلفين، وأنك إذا جمعت الصفة أو ثنيتها وأفردت الموصوف لزم أن يعملا على اختلافهما في الصفة، فيجب من ذلك معمول لعاملين وهذا واضح الفساد. فإذا كان كذلك لم تُجِزْهُ، إلا أن اختلاف العاملين نحو قام وقعد، وسار ووقف أفحش في هذا من الاتفاق نحو مضى وذهب، لأن هذا قد يظن فيه أن الثاني توكيد، وأن الحكم للأول. فإذا كان كذلك صار كأنه عامل واحد، ومن ثم أجيز على ضعف

"الذي ضرَبْتُهُ وضرَبْتُ زيداً أخُوكَ" لأنك قدرت "الذي ضربته وزيداً"، وعلى هذا الضعف لوْ أُجيزَ في الصفة الملابسة نحو "مررت برجُلٍ ذاهبٍ أبوه وذاهبٍ زيدٌ قاما" إذا اختلفا فلا يجوز هذا التأويل ولا يسوغ، والحال في هذا كالصفة. ألا ترى أنها الموصوف في المعنى وأن العامل فيها هو العامل فيما هي له، كما أن الصفة هي الموصوف في المعنى، والعامل فيها العامل في الموصوف، فإذا كانت كذلك قبح فيها ما يقبح في الصفة من تعريضها لعمل عاملين فيها كما قبح ذلك في الصفة. وقد حمل "يهِ" شيئاً منها على المعنى نحو ما أجازه من"هذا رجلٌ مع رجلٍ قائمينِ" حيث جعل ما عملت فيه "مع" داخلاً في معنى الإشارة، فأجاز نصب "قائمينِ" على الحال كما أجاز نصبهما عليها في: هذا رجلٌ ورجلٌ قائمينِ". وأما ما حكاه [د] في المقتضب عنه فغلط عليه وليس كما حكاه.

وقد ناقض في هذا الباب في موضع أو موضعين، لأنه قدم أن الحال مثل الصفة في كل شيء ثم فصل بعدُ، وأنت إذا تأملت الباب لم يخف عليك وهو في أوائل الكتاب في أبواب المعرفة والنكرة. فأما قوله: 340 - متى ما تلقني فرديْنِ

و: 341 - تعلقتُ ليلى ........................... 342 - ضميرين ...................................

و: 343 - إن تلقني ترزين لا تعتبط ... به ........................ أي يلقاني. فلا أعلم لسيبويه في ذلك نصاً ولا يجوز أن يقول إنه لا يجوز على /79 ب قياس قوله، لأن المسائل التي منع ذلك فيها فيها عاملان عاملان، وليس في هذا إلا عامل واحد [فإذا كان هذا عاملاً واحداً وذو الحال اثنان]. فآ: فساده من جهة تعريضه وهو حال لعاملين لا يصح، لأنه ليس عاملان فإن قلت: فهلا فسد حمله على الحال، لأن الحال تقتضي أن يكون فيها ذكر من ذي الحال، [وذوا] الحال منفردان وحالهما مثناة فلا يرجع إذاً إليهما من حاليهما ذكر وإذا لم يرجع فسد أن يكون حالا لهما فأحمله على فعل مضمر؟ قلنا: لا يفسد ذلك أن يكون حالاً، لأنا نحمله على المعنى. ألا تراهم قالوا: "مرَرْتُ برجليْنِ قائمٍ وقاعدٍ"، فرددت الذكر إليهما على المعنى، فكما رددت إلى المبني من المفردين للحمل على المعنى كذلك ترُدُّ إلى المفردين من المبني للحمل على المعنى.

مسألة 112

مسألة 112: فآ: ما بعد حرف الاستثناء لا يعمل فيما قبله فلا يجوز "ما زيدٌ طعامك إلا آكِلٌ" لأن "إلا" مضارع لحرف النفي. ألا ترى أنك إذا قلت جاءني القوم إلا زيداً فقد نفيت المجيء عن "زيد" بـ "إلا" كما لا يعمل ما [بعد] حرف النفي فيما قبله كذلك لا يعمل ما بعد "إلا" فيما قبلها. فإن قلت: فهلا لم يعمل ما قبلها أيضاً فيما بعدها فلمْ يجُزْ: ما زيدٌ أكل إلا طعامك؟ قيل: ما قبلها يجوز أن يعمل فيما بعدها وإن لم يجز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها. ألا ترى أنه قد جاز "عَلِمْتُ ما زيدٌ منطلقٌ" فتُعْمِلُ ما قبلها فيها ولمْ يجُزْ لما بعدها أن يعمل فيما قبلها. مسألة 113: فآ: قولنا: "ما جاءني إلا زيدٌ" هذا الفعل مفرغ لـ "زيدٍ" و"زيدٌ" يرتفع به، وقول النحويين: إن المعنى ما جاءني أحدٌ إلا زيدٌ يريدون أن معنى الكلام هذا، لا أن هنا "أحداً" مضمراً. ألا ترى أنهم لا يجيزون النصب في "زيدٍ" في هذه المسألة، ولو كان

مسألة 114

الفعل مشتغلاً بشيء غير "زيدٍ" لجاز النصب في "زَيْدٍ" كما جاز عندهم في "ما جاءني أحدٌ إلا زيداً". فهذا الذي يقولونه إنما هو عبارة عن المعنى، فأما اللفظ فعلى ما أعلمتك. مسألة 114: فآ: إن قال قائل في الفعل: لِمَ لم يثن ويجمع؟ قلنا لم يفعل ذلك، لأنه جنس، وتثنية الجنس محال؛ لأنه مفرد لا ثاني له. ألا ترى أن الإنسان في قوله: (إن الإنسان خلق هلوعا ....... إلا المصلين) قد استوعب الأناسي، وإذا استوعبهم كلهم لم يبق منهم شيء تقع التثنية عليه، فإذا كان كذلك استحالت تثنيته. والدلالة على أن الفعل واقع على الجنس أنك تقول: ضربَ زيدٌ ضربةً وضربتين وألف ضربةٍ، وكذلك: ضُرِبَ زيدٌ وعمرو [وخالد] فيقع على القليل كما يقع على الكثير. فإذا كان كذلك وهو على لفظة واحدة علمت أنه للجنس مثل الماء والتراب والدرهمِ. فإن قال قائل: إذا كان للجنس فهلا لم يقع على البعض ولم يقع إلا على الجمع؟ قيل: لا يجب ذلك. ألا ترى أن اسم الجنس قد يقع على الواحد منه

فصاعداً، كقولك فيمن يهب ثوباً أو ديناراً؛ فلان يهب الدنانير، ويهب الثياب، فتوقع اسم الجنس على واحده. وكذلك تقول: هو تُفْرِقُ الأسد فيريد به الجنس؛ لأنك لا تريد أنه يُغْرِقُ واحداً دون آخر. فإذا كان كذلك علمت أنه يريد الجنس. قلت له قد تقول: "نِعْمَ الرجلُ زيدٌ" فالرجل للجنس، وتقول: "نِعْمَ الرجلانِ الزيدانِ" تريد بهما الجنس، وكذلك: "كُلُّ رجلٍ أتاني فله درهمٌ" فرجل للجنس، وتقول: "كُلُّ لجلين أتياني فلهما درهمٌ" فرجلان للجنس. كذلك: هو أفضلُ [رجلٍ] في الناس، وهما أفضلُ رجلين في الناس، وكذلك: لا رجل في الدارِ، ولا رجلين في الدار، وكذلك تقول: أهلك الناس الدينارُ والدرهمُ. وتقول: "فلانٌ يهبُ الدراهم والدنانير" تريد الجنس في المسألة الأولى، وفي هذه المسألة. فقال: هذه التثنية والجمع لم يقعا ثانيين كما وقعا في الزيدين والزُّيُود، بل استؤنفا تثنية وجمعاً لا عن واحد يقع على الجنس فأوقعا للجنس على هذه الصورة كما أوقع الواحد للجنس على صورته، فالتثنية في هذا على حد ما تقول في هذين، وفي "لكما ولكم"، والجمع فيه على حد الجموع التي لا أحاد لها جمعت عليها.

ومثل ذلك "أبانانِ" إذا أردت الجبلين، يدل على أنه بنى لهما اسما مثنى وأنه ليس بتثنية "أبانٍ" و"أبانٍ" أنه معرفة علم بمنزلة "زيد" ولو كان على حد الزيدين لنكر. ومثل ذلك "كلاهما" هو اسم بنى للاثنين لا ثاني واحدٍ؛ لأنه ليس لـ "كلا" من لفظه واحد ثُنِّي "كلا" عليه.

مسألة 115

مسألة 115: قال [ب]: لا يجوز: "ما زيدٌ قائماً بلْ قاعداً". فآ: وإنما لم يجز هذا عندي؛ لأن في "بَلْ" إضراباً عن الأول؛ فإذا أضربت عن النفي فقضْتَهُ، وإذا نَقَضْتَهُ لم تنصب خبر "ما" كما لم تنصبه إذا نقضت النفي في قولك ما زيدٌ إلا قائمٌ. قال [ب]: وأجاز [خ] ما قائماً إلا أخواك. فآ: يريد "ما أحدٌ قائماً إلا أخواك" بحذف "أحد"، ولم

مسألة 116

يستحسن هذا الحذف كما يستحسنه إذا كان في الكلام شيء يطول به نحو [قوله تعالى]: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به)، ونحو قوله تعالى: (وما منا إلا له مقامٌ معلومٌ)، وكذلك قوله تعالى (وإنْ منكم إلا واردها) لما طال الكلام بالظرف حسن. مسألة 116: فآ: إن قال قائل في قول يونس "أختيٌّ" هلا ذلك على فساده حذفهم في الجمع في قولهم "أخوات"؟

قيل: لا يدل هذا على فساده، وذلك أنه يجوز أن يكون استغنوا بجمع أخٍ عن جمع أخت. ألا ترى أن همزة أخواتٍ مفتوحة وهمزة "أخْتٍ" مضمومة وإذا جاز ذلك لم يدل ما ذكرته على فساده. ألا ترى أن [يه] قد قال في شاةٍ /80 أ: لَجْبَةَ ولجباتٍ: إنهم استغنوا بجمع "لجبةٍ" عن جمع "لَجْبَةٍ". فكما استغنوا هنا كذلك استغنوا عن جمع أختٍ ألا ترى أن أصله صفة كما أن "لجْبَةً" صفة. فإن قلت: "بِنْتٌ وهَنْتٌ" كذلك ولم يجمع إلا [على] "هنواتٍ وبناتٍ"، فلو كان الأمر في "أخت" على ما ذكرت لما اقتصر عليه حتى لا يأتي غيره، واستمر في غير "أخت" أي جمع ذا الجنس. قيل: ما ذكرنا في "أخْتٍ" هو في "بناتٍ" أوضح، لأنه لما كان يقال فيها: ابنةٌ وبنتٌ فيأتي على أبنية مختلفة، ثم قيل فيها "بناتٌ" فلم يأت على واحد منها دل ذلك على أنه لم يُجْمَع على واحدة منهما وأنه جمع على الأصل [وكلتا] حجة قاطعة له في جواز ذلك.

ألا ترى أن علامة التأنيث إذا لحقت مع علامة التأنيث كان أفحش من أن تلحق مع علامة النسبة؛ لأن علامة النسبة وغن كانت عاقبت تاء التأنيث فنزلت منزلتها في رومي وروم كما قالوا "شعيرةٌ وشعيرٌ" فتعاقبا لجرى أحدهما مجرى الآخر ولم يجتمعا، فتاء التأنيث أقرب شبهاً إلى تاء التأنيث منها، فلو كانت التاء عندهم في "كِلْتَا" علامة تأنيث لم تجتمع مع علامة تأنيث، فإذا اجتمعت مع ألف تأنيث فاجتماعها مع ياءي النسب في "أخْتِيٌّ" ونحوه أجدر. فأما ما ألزمه الخليل و [يهٍ] من أنه إذا قال: "أختيٌّ" لزمه أن يقول: "هنتيٌّ" في النسب إلى "هنْتٍ" فإن ذلك لا يلزمه ألا ترى أن "هَنْت" إنما يقال في الوصل، فإذا وقف قال "هَنَهْ". فلما لم تلزم التاء في "هَنْت" في الوصل والوقف لزومها في "أخْتٍ" لم يكن لها حكم. ألا ترى أن الحروف التي لا تلزم لا حكم لها فكما غلب "يهِ" تاء التأنيث التي ليست للإلحاق في هذا الاسم على التي للإلحاق فجعل الحكم لها ولم يعتد بتلك التي للإلحاق؛ لأنها ليست بثابتة كذلك فعل يونس في الإضافة. ألا ترى أن "يهِ" قد فعل ذلك أيضاً بـ "هَنْت" إذا سمى بها رجلا

فقال: يقول فيه "هَنَهُ". فإن قيل: إنما فعل ذلك لأنه لم ير اسماً مختصاً هكذا، إنما يكون المختص في الوقف على حاله في الوصل. فلم لم يكن هذا هكذا وكان مخالفاً لسائر الأسماء جعله على ما يكون عليه الأسماء المختصة. قيل له: فكيف غيرهُ بأن جعل تاءه كالتي في "ثُبَةٍ" ولم يجعلها كالتي في بنتٍ؟ أليس لو جعلها مثل "بِنْتٍ" لكان جائزاً عنده؟ فأن لم يجعلها كذلك مع إمكان ذلك -وجوازُهُ عنده تسميته المذكر بـ"أختٍ"- دلالة على أنه إنما جعل التغيير إلى التي تنقلب هاء في الوقف في التسمية كما جعلها يونس في الإضافة التي تنقلب في الوقف هاء دون الأخرى.

ومما يشهد ليونس عليهم أن "بِنْت وأخْت" اسم رجل مصروف عندهم ولو كانت كالتاء لوجب أن يجوز الصرف وغير الصرف، فأنْ لم يجز غير الصرف دلالة على أنها ليست كالتاء. فإن قيل: غيرُ الصرفِ خطأٌ؛ لأن ما قبلها ساكن فليست بمنزلة تاء التأنيث. قيل: فإذا جرت مجرى غير التأنيث هنا ولم يجز غيره، فكذلك يجوز أن تجري مجرى غير التأنيث في الإضافة فيجوز ثباتها فيها، كما لم يجز هنا إلا أن تكون كغير التأنيث. فإن قال: [فإن ما] عولتَ عليه من الحجاج ليونس في "كلتا" قد علمت أن أبا عمرُ قد يخالف فيه. قيل: خلاف أبي عمر فيه لا يخرجه من أن يكون حجة على "يهِ". ألا ترى أنه قد نص أن [كلتا] بمنزلة "شروى" فأعلمنا بذلك أن الآخر للتأنيث كما أنه في "شروى" كذلك، وأن لام الفعل مبدلة

فيه كما أنها في "شروى" كذلك، وإذا كان كذلك لزمه الحجاجُ به. فأما قول أبي عمر: إنه "فَعْتَلٌ" فلا يتجه؛ لأن التاء لا تزاد في الأوساط في الأسماء، وإنما تزاد في الأول والآخر نحو تُرْتُبٍ وتَوْثُورٍ في قولي - يعني "فآ" نفسَهُ - وترْنَمُوتٍ وتَخْرَبُوتٍ. فإذا لم يكن له نظير لم تثبت هذه الدعوى فيه. والتاء قد أبدلت من اللام في هذه الحروف التي ذكرت لك في هذا الباب من "أخْتٍ وبنْتٍ وهنْتٍ" ونحو ذلك فيكون "كِلْتَا" مثلها. ألا ترى أن "كِلا" معتل اللام كـ"أخٍ" ونحوه، وأيضاً فإثباتهم الألف حيث أرادوا التأنيث دون التذكير إنما هو للفرق بين القبيلين على نحو ما عليه سائر الأسماء المُذَكَّرَةِ التي يَدْخُلُ التأنيث عليها.

فإذا [كان] كذلك لم يخل من أن يكون المزيد للتأنيث التاء أو الألف، فلا يجوز أن تكون التاء؛ لأن علامة التأنيث إنما تكون طرفاً لا وسطاً. فلما كانت التاء وسطاً لم تكن علامة، فثبت أن العلامة الألف، وإذا ثبت أنها علامة لم يجز أن تكون لاماً، وإذا لم يجز أن تكون لاماً فسد قول الجرمي أنها "فَعْتَلٌ" وإذا فسد هذا ثبت القول الآخر. ولم يدخل في القسمة أن تكون التاء والألف جميعاً للتأنيث لاستبعادنا أن يظُن ظان ذلك. فآ: حكى أبو الحسين: قال: أخبرني الحسين بن علي بن مردويه قال أنشدني المازني بيت لغز: 344 - فرعونَ مالي وهامانُ (الألي) زعموا ... أني بخلتُ بما يعطيه قارونا

فآ: "فِرْ" أمْرٌ مِنْ "وفَرْتُ" من قوله "جزاء موفورا"، و"عَوْن" يجوز أن يكون "مَعُونَةَ مالِهِ" ويجوز أن يكون اسم امرأة. فالمعنى إذاً معونة مالي، و"فِرْ معونة مالي": أي أعْطِ معُونة مالي عطاءً وافراً. وإن كان اسم امرأة فإنه يقول: "أعْطِ فلانة مالي"، و"ها" دعاء من وهى الشيء يهي إذا ضَعُفَ، "مانُ" جمع "مانةٍ" البطن وهي أسفل السرة، كأنه قال: ضعف مانُ الذين زعموا [أنى] بخلْتُ، و"قارونُ" مفعول "يعطيه" الثاني، وفاعل يعطيه مضمر للعلم، كأنه يعطيه الله. الفرزدق: 345 - يدي لك إن ركبتُ فلا تلُمْنِي ... أبان الحي غير بني تميمٍ يدي من الوَدْي. /80 ب أنشده أبو بكر: 346 - كأن عرقَ أيرهِ إذا ودى

والمعنى أنكم تأتون الحمير، فإذا أتيْتَ الأنان فرآك العير وأنت تأتي أتان الحي ودى لك العيرُ من قولهم [العاشيةُ] تهيجُ الآبية. أنشد: 347 - أعام دنى إنْ حُلْتَ بيني وبينها ... وإلا فهبها ذمةً ستضيعُ يريد أعامر، دني أيْ إذْ [وديتني].

[أبو الحسن] 348 - كسائي أبي عثمان ثوبان للوغى ... وهل ينفعُ الثوبُ الرقيقُ لدى الحرب الكاف للتشبيه، و"ساني" فاعل من "سنا يسنو"، و"ثوبانُ" اسم مرتفع على الابتداء وخبره "للوغى" والكاف متعلقة باللام كأنه قال: "ثوبان للوغى كساني أبي عثمان في الضعف وقلة الغناء". آخر: 349 - فلو طار سيفى من يميني تباشرتْ ... [ضباب] الملا من بينهم بقتيل هذا كان يصطادها، يقول: لو طار سيفي من يميني بموتي تباشرت بذلك.

آخر: 350 - [وما] قلتُ شعراً مُذْ خُلقت وإنني ... لأعلمُ حقاً أنني أشعر البشر أشعرُ: كثيرُ الشعر [البشر] جمع بشرة. آخر: 351 - شهيدي زياد على حبها ... أليس بعدلٍ عليها زياداً زياداً ترخيم زيادة، والألف للإطلاق.

حكى عن مُفجعٍ عن ثعلب عن ابن الأعرابي: 352 - وحاملةٍ ولم تحمل لحينٍ ... ولم تلقح وليس لها خليلُ 353 - أنت حملها في نصف شهرٍ ... وحمل الحاملات [إني] يطولُ 354 - أنت بعصابةٍ ليسوا بإنسٍ ... ولا جن فما فيهم تقولُ 355 - أقرتْها ودائع في فحولٍ ... بعولتها حبالاها تعولُ 356 - ذكور لابستْ عصباً ذكوراً ... بعولتها حبالاها تعولُ 357 - إذا ولدوا تباشر من يراهُمْ ... فإنْ ماتوا فباكيهمْ قليلُ فآ: هذا الكَلْبُ الكَلِبُ.

إذا عض الرجل بال دماً على [عَلَقِ] الجراء فيما يقولون. وأنشد الجاحظ: 358 - فلولا دواء ابن المحل الذي به ... شفى الله قد أصغى لصوتي كليبها 359 - فقلت بحمد الله أولادُ زارعٍ ... موللةُ الآذان بُقعاً جنوبها زارعٌ: كلبٌ.

آخر: 360 - نبئتُ أن النار بعدك أوقدتْ ... واستب بعدك يا كليبُ المجلسُ

يجوز أن يكون يريد الحرب، يقوى ذلك قوله: (واسْتَبَّ بعدَكَ يا كُلَيْبُ المجلسُ) أي كنت تمنع من اقتتال العشيرة على الرياسة ليأسهم من ذلك في حياتك كما أنهم لم يكونوا يستبُّونَ في مجلسك لتوقيرهم إياك. ويجوز أن يكون أراد النار بعينها: يقول: اشتغل الناس عنك بإيقاد النار ونسُوكَ، وكان يجب ألا يوقدوا النار لأجل موتك، وذكر "النار" لأن الحاجة إليها عامة ماسة كما أنها إلى المأكول والمشروب كذلك. فآ: أنشدنا [ب] في الغريب المصنف لأبي عبيد: (متى ما تلقني فردين ترعدْ ... روانفُ أليتيكَ وتُسْتَطارا) "وتُسْتَطاراَ" جزم عطفاً على "تَرْعَدْ"، فحملته على "الإليتين"، أو على معنى "الرَّوَانِفِ"؛ لأنهما اثنان في الحقيقة، وهذا أحسن من أن تحمله على أن في "اسْتَطاراَ" ضمير الروانف، وتجعل الألف بدلاً من النون الخفيفة؛ لأن الجزاء واجب، وقد جاء: 361 - ومهما تشأ منهُ فزارةُ تمنعا

إلا أن هذا إذا لم يضطر إليه وزن كان بمنزلته في الكلام. يعقوب: 362 - قفا لا يكن حظى وحظكما البُكَى ... على طلل بالغمرتين محيلُ "لا يكن" دعاء له ولهما، أي لا كان حظنا ذلك. فآ: ولم يحمله على جواب الأمر؛ لأن المعنى يكون على أن الوقوف سبب لترك البكاء وهذا لا يجوز، ألا تراه قال: 363 - قفا نبكِ ................ ... .....................

يعقوب: ليس في الكلام مفعولٌ إلا معلوقٌ ومغرودٌ لضرب من الكمأة، وهو ابن أوبر. يعقوب: 364 - يحج مأمومةً في قعرها لجفٌ ... فاست الطبيب قذاها كالمغاريدِ يريد أن الطبيب يُحْدِثُ إذا عالجها.

يعقوب عن الأصمعي عن أبي عمرو: 365 - وإن وراء الهضبِ غزلانُ أيكةٍ ... مضمخةً آذانها والغفائرُ الغفائر: عصائب تغفرُ بها المرأةُ جبينها. فآ: المعنى والغفائر منها، ولو لم تقدر راجعاً إلى الغزْلان لم تحتج. ألا ترى أنك تقول: زيدٌ ذاهبٌ أبوهُ وعمرو.

يعقوب: 366 - يُمطي ملاطاه بخضراء فري ... وإنْ تأباها تلقى الأصبحي خضراء: دلو اخضرتْ من طول الاستقاء. فآ: حرف الروى الياء، وإذا كان كذلك لم يجز عندي حذفها كما لا يحذف قاف: 367 - خاوي المخترَقْ قاسم: عن أبي عبيدة: كان رؤبة يقول:

368 - يا ربُّ إنْ أخطأتُ أوْ نسيتُ فيرفع "يا ربُّ" وهو يريد الإضافة. أبو عبيد: عن الأصمعي: 369 - يرد المياه [حضيرةً] ونفيضةً

مسألة 117

قاسم: عن الأصمعي: [الحضيرةُ] ما بين سبعة رجال إلى ثمانية. مسألة 117: فآ: قوله تعالى: (وامرأةً مؤمنةً إنْ وهبتْ نفسها للنبي) من كسر "إنْ" لم يجز أن ينصب "امرأةً" بـ "أحللْنا" أل ترى أنه لا يستقيم قُمْتُ إنْ قمْتَ، ولكن أقومُ إنْ قمْتَ، فإذا كان كذلك لم تنصبها بـ "أحللْنَا" من حيث لم يقل أحللْنَا إن وهبتْ، ولكن [ونُحِلُّ] امرأةً مؤمنةً إن وهبت والمعنى نُحِلُّ [كل امرأة] مؤمنة إن وهبت. فآ: استقراء على (إنْ وهبتْ نفسها للنبي إنْ أراد النبي أنْ يستنكحها) (ولا ينفعكم نصحي إنْ أردتُ أن أنصح لكمْ إنْ كان الله يريد أن يغويكمْ) (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إنْ خفتمْ أنْ يفتنكمُ الذين كفروا).

مسألة 118

(وأما إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين) (فإما يأتينكُمْ مني هدىً فمنْ تبع هُداي فلا خوفٌ علهمْ ولا هم يحزنون). فآ: الآيات ليست استفهاماً على هذا. مسألة 118: فآ: "يهِ" إذا أضفتَ إلى "ذاتُ" في قول: "هندٌ ذاتُ مالٍ" [قلت]: ذَوَوِيٌّ. فآ: إن قال قائل: هلا جاز: "ذويٌّ" أيضاً كما جاز: فميٌّ وفمويٌّ، لأن "ذات" قد استعمل على حرفين كما أن "فَمّا" قد استعمل على حرفين فإذا جاز في فمٍ /81 أالأمران من حيث استعمل على حرفين بغير زيادة فهلا جاز في "ذاتُ" ذلك أيضاً؟ قيل: ليس "ذات" كـ"فَمٍ"؛ لأنه على حرفين أحدهما حرف لين، وليس "فمٌ" كذلك. فإن قلت: إذا جاز أن يكون مع التاء على حرفين: أحدهما حرف لين في قولك "ذاتُ"، ولم يكره، لأنه أمِنَ أن يصير إلى حرف واحد لوقوع حركة الإعراب على التاء في "ذات" كما أمِنَ ذلك في "شاةٍ" وكما أمن في

"ذي مالٍ" وفي "في زيْدٍ" فهلا جاز ذلك مع الياءين؛ لأنه يؤمن أن يكون معهما على حرف، لأن الإعراب يقع على الياءين كما وقع على التاء، فهلا أجزت "ذوويٌّ" كما جاء "ذاتُ مالٍ"؟ فالقول: أن الياءين تُفارقانِ التاء في هذا، ألا ترى أن التاء فيها البناء على التأنيث نحو "شقاوةٍ وعبايةٍ"، والياءان ليسا كذلك؛ لأنك إذا نسبت لزمك أن تحذف التاء لمعاقبتها الياءين ثم تلحق الياءين فإذا حفتها بقى الاسم على حرفين: أحدهما حرفُ لين، وإذا بقى على حرفين أحدهما حرف لين لم يصلح إلا أن يبلغ به ما تكون عليه الأسماء، ثم تلحق الياءين، والياءان إنما يلحقان بعد ما بقى الاسم على حرفين أحدهما حرف لين، فرد إليه اللام؛ ليزول بقاؤه على حرفين، ثم وقعت الإضافة إليه بعد ذلك. بذلك على ذلك أن الذي يقول: "سقايةٌ" لا يقول إلا [سقائي وعبائيٌّ] أو لا ترى أنه لم يبن الاسم على ياءي الإضافة كما بنى على التأنيث في "سقايةٍ"، فأما من قال في "شقاوةٍ": "شقاويٌّ" فليس أنه بنى الاسم على الياءين، ولكنه على من قال في "عطاء": "عطاويٌّ". يدلك على ذلك أنه لا يقول في عبايةٍ إلا "عبائيُّ" بالهمز. فإن قيل: إذا جاء في الكلام مثل "كُرْسيٌّ" ونحوه مما لا يثبت فيه الاسم بلا ياءي نسب، ثم نسب إليه، فهلا جاز أن يجيء الاسم مبنياً على الياءين كما جاز أن يبنوه على الياء في "شقاوةٍ وعبايةٍ"، وهلا كان ذلك في الياءين أولى؛ لأنه يكسر عليهما الاسم في نحو "كراسيٌّ"، والتاء لا يكسر الاسم عليها على حال؟

قيل: إن بناء الاسم على التاء في "شقَاوةٍ وعبايةٍ" قد جاء ولم يجيء على الياءين، وإن كان أمرهما على ما وصفت من أنه يكسر عليهما الاسم، ونراهم كرهوا ذلك في الياءين ولم يكرهوا في التاء في "شقاوةٍ وعبايةٍ وعرقوةٍ" وفي الألف والتاء في خطوات، وفي التثنية في "مِذْرَوَانِ" وعقلته بثِنَا بين وهِنَا بَيْنِ" [و] أنهم لو بنوا في الياءين على حد ما بنوا في التاء للزم أن يبنى من القبيلين جميعاً الياء والواو كما بنوا في التاء منهما. فلما كان يلزم ذلك وكان يؤدي ذلك إلى اجتماع الياءات في بنات الياء نحو "عبابَيْن" رفضوا ذلك في النوعين جميعاً كما رفضوا "رحييٌّ". ألا ترى أنهما قد جريا عندهم في هذا الموضع مجرى واحداً، فاجتمعتا في أن قلبتا جميعاً همزة في [سقى] وغزا، فلما جريا مجرى واحداً امتنع عندهم في إحداهما ما امتنع في الأخرى.

مسألة 119

ألا ترى أنه لما لزم قلب العين في قائل لزم قلبها في بائع، كما أنه لما لزم قلب الواو تاء في "اتعدَ" لزم قلب الياء أيضاً في "اتَّسر" تاء. فكما تبعت الياء الواو في هذا الطرف كذلك اتبعت الواوُ الياء في هذاك الطرف فلم يبن النسب على الواو لما لم يجز عندهم أن يبنى على الياء لكثرة اجتماع الأمثال. فإن قلت: أفليس قد بُني الاسم في الواو مع الألف والتاء في "خطواتٍ" ولم يبن على التاء في كلبات. مسألة 119: فآ: قال: "يهِ" إذا أضفت إلى "لات" من "اللاتِ والعُزى" قلت: "لائيُّ". فآ: فجعله بمنزلة [أو، وكي، ولوْ]، ولو جعله جاعل عندي من لوى على الشيء يَلْوِي عليه إذا عطف عليه بدلالة قوله: (أن امشوا واصبروا على آلهتكمْ) فتكون "اللاة" مثل "شاةٍ" [وذات] لكان قولا، وكانت الإضافة إليه تكون على قياس قول "يهِ" لووِيٌّ لا غير. أما رد اللام إليه فواجب بالدلالة التي وجب رد اللام لها إلى "ذوويٌّ" إذا نسبت إلى "ذات".

وأما تحريك العين فلأنه عنده لا يخلو من أن يكون "فعلاً أو فعَلاَ" فإن كان فعلاً وجب فعليٌّ، وإن كان فَعْلاً وجب أيضاً فعليٌّ. ألا ترى أنه يقول في الإضافة إلى يد: يدَوِيٌّ. وأما قياس قول "خ" فلوِويٌّ، وذلك أنه ينبغي أن يكون عنده "فعلاً" لأنه لم يقم دلالة على الحركة، والحركة من أجل أنها زيادة لا يحكم بها عندهم جميعاً حتى تقوم الدلالة عليها. فأما انقلاب الألف في [لات] فلا يدل، لأنها إنما تحركت لمجاورة تاء التأنيث وإذا كان كذلك أضيف إليه كما يضاف إلى "لَيَّةٍ"، إما أن يكون كـ"رَحْمَةٍ" أي اسم، وإما أن يكون كـ"ضخمةٍ" أي صفة، فنقول: لوَوِيٌّ كما نقول في "حَيَّةٍ": "حَيَوِيٌّ"، وفي "لَيَّةٍ" مصدر لوَيْتُ يدهُ: لوويٌّ. وفي كلا القولين يقول: "لوَوِيٌّ" فيرد اللام واوا، لأن العين واو، كما نقول في الإضافة إلى طيةٍ: طووِيٌّ. فالقولانِ متفقان من أصلين مختلفين. فأما من قال: "حييُّ" كما قال "أمييٌّ" فإنه لا يقول على قياس قول "يهِ" في "لاة" من اللات والعُزى: إلا "لوويٌّ"؛ لأن العين قد جرت متحركة، فإذا جرت متحركة لم يسكنها في الإضافة وإن كان أصلها السكون إذا رد إليها ما حذف منها. ألا ترى أنه يقول في الإضافة إلى شيةٍ: وشوِيٌّ.

"ح" إذا رُدَّ الساقط حُذِفَ المزيد من أجل الساقط ألا تراه قال: وشييٌّ، فإذا كان هذا قوله قال فيمن قال "حيِّيٌّ" في "اللاةِ" "لَيِّيٌّ"، لأن العين ساكنة فهي مثل "حَيَّةٍ" على قوله، فيقول فيها "لَيِّيٌّ" على "أمَيِّيٌّ". وقد حكى "يهِ" قولهم: حييٌّ على أمَيِّيٌّ. والأحسن عندي: "حيويٌّ". ألا ترى أنهم قالوا في الإضافة إلى رَمْل: "رمَليٌّ" فيما ذكره أبو عمر، وأنشد عن أبي زيد: 370 - كميتٌ كنازٌ لحمُهَا رمليةٌ

فإذا كانوا قد قالوا في "فَعْلٍ" في الصحيح: "فَعَليٌّ" فإنه ينبغي أن يلزم ذلك حيث / 81 ب إن ترك تحريكه أدى إلى اجتماع الياءات، كما أنهم حيث قالوا: "كُتْبٌ" في "كتُبٍ" ألزموه في عوانٍ وعُوْن السكون كراهية اجتماع المثلين في عُونٍ، فكذلك هذا في باب "حَيَّةٍ". ويؤكد ذلك المروي عنهم من الإضافة إلى "حيَّةَ بنِ بهدلةَ": حيويٌّ. فآ: إن قلت في "آوي" إنه "فعلى" لم يستقم الإعلال. ألا ترى

مسألة 120

صحة صورى وحيدي ونحو ذلك. مسألة 120: فآ: إذا سميت رجلاً بـ "مُسْلِمَاتٍ" على قول من قال "يبْرِينُ". فإن القياس كان على "يَبْرِينَ" أن يحرك التنوين بدلالة أن التنوين كالنون في "مُسْلِمِينَ" من حيث ثبت في تسمية الواحد وذلك "عرفاتٌ" وتُحَرِّكُ

التاء بالكسر كما أثبت الياء في "مُسْلِمِينَ" فيقول: "مسلماتِنُ" وفي النكرة "مُسْلِمَاتِنٌ"، إلا أن هذا القياس وجب أن يرفض؛ لأنك لو قسته لجعلت علامة التأنيث في الدرج، والألف والتاء وإن [كانتا] علامة جمع فهما للتأنيث. ألا ترى أنك حذفت التاء معهما من "مُسْلِمةٍ" حيث قلت "مُسْلِمَاتٌ" فإذا ثبت أنهما علامة تأنيث لم يجز أن يثبتا غير طرف، وإذا لم يجز أن يثبتا غير طرف لم يجز أن يجعل التنوين حرف الإعراب، وإذا لم يجز أن يجعل التنوين حرف إعراب فالذي قبل التنوين إنما هو الحركة. والتاء التي بعد الألف والحركة لا تكون حرف إعراب ولا يتأتى فيها ذلك؛ لأنك لو جعلتها حرف إعراب لزمك أن تحرك الحركة، وإما يتحرك للإعراب الحروف دون الحركات. فإذا كان ذلك غير جائز ثبت أن التاء حرف إعراب وإذا ثبت أنها حرف إعراب لم يخل من أن تجري مجرى الواحد أو مجرى الجمع، فلا يجوز أن يجري مجرى الواحد معها ما لا يصحب إلا تاء الجمع. ألا ترى أن الألف لا يلحق إلا مع الجمع، ولا يلحق مع الواحد، فإذا لزمها ما يمنع أن تجعلها للواحد ويدفعه وهو الألف ثبت أنها للجمع، وإذا ثبت أنها للجمع ثبت أن تاء الجمع لا تنفتح في موضع النصب أبداً، وقد نص على أن هذه التاء

لا تنفتح في الجمع بهي في حد الإضافة في باب النسب إلى التثنية والجمع بالتاء. فإن قلت: فأجعل الألف غير التي تصحب التاء للجمع، لأن تاء التأنيث قد يقع قبلها الألف الزائدة لغير التأنيث نحو "أرْطَاةٍ" فأجعل الألف - على هذا الحد - التي تلحق مع تاء الجميع. قيل: هذا لا يستقيم، لأن هذه الألف لا تخلو من أن تجعلها للتأنيث أو للإلحاق، فلا يجوز أن تجعلها للتأنيث؛ لأنها قد لحقت بعدها التاء، فلا يدخل تأنيث على تأنيث. ولا يجوز أن تجعلها للإلحاق؛ لأنها تلحق في أكثر الأمر ما لا نظير له في الأصول، وإذا لم يكن له نظير في الأصول لم تكن للإلحاق. ألا ترى

لحاقها في أذرعاتٍ وعاناتٍ، فكل ذلك لا يصح أن يكون للإلحاق. فإذا لم تكن للتأنيث ولا الإلحاق ثبت أنها التي تلحق مع تاء الجمع. فإن قلت: فقد تلحق الألف على غير هذين الوجهين اللذين ذكرت من التأنيث والإلحاق وهي التي في "قبعثري". ألا ترى أنها ليست للإلحاق ولا للتأنيث. فإذا كان كذلك فأجعل التي في مسلماتٍ مثلها. قيل: هذا فذٌّ لا ثاني لهُ، وما كان كذلك فالقياس عليه غير سائغ، على أن هذا يمتنع من وجه آخر وهو الذي يقول: "أذْرِعَاتُ" فلا يصرف لتشبيهه بالواحد لا يقف عليه بالهاء، ولو كانت الألف غير المصاحبة للجمع

لقلبت التاء هاء في الوقف، فلما لم يقلبوا ذلك كما لم يقلبوها وهي تاء جميع قبل أن تنقل إلى الاسم الواحد دل أن التاء للجميع. وكما لم تقلب التاء هاء للوقف بل تركها على ما كانت في الجميع كذلك لم يفتح التاء في موضع النصب كما لم يفعل ذلك في النصب في الجمع قبل أن تنقل الكلمة إلى الواحد. وإذا ثبت أن التاء للجميع لم يجز فتحها في موضع النصب. وليس النون في مثل "سنين وزيدين" كالتنوين في "مُسْلِمَاتٍ" لما قدمت ذكره؛ فلذلك جاز أن يكون حرف الإعراب وإن أشبه التنوين، وعلى هذا ما أنشده "يهِ": 371 - [دعاني مِنْ نجدٍ ... ................... البيت. فأما قول الرياشي: إنه من فتح التاء من "إرَّاتَهُمْ" جمع

"إرَّة" فهو على قول من قال "سنينٌ"، فما ذكرناه بدل على أن الأمر ليس كما ذهب إليه، والذي قاله من العرب إنما استهواه أنه للواحد، فجعله بمنزلة "طَلْحَةَ". وهذا الشذوذ بمنزلة "اليُجَدَّعُ" لا يُعْرَجُ عليه. ألا ترى أن قياسه على ما عرفتكَ، وقلةُ استعماله تعلمه بقول الرياشي: إنه قليل. وأما "استأصل الله عرقاتهم" فمن فتح التاء جعله اسماً مفرداً،

والألف فيه للإلحاق بـ "هِجْرَع"، ومثله في الإلحاق "مِعْزَى" و"ذِفْرَى" فيمن نون، ومن كسر جعله جمعاً والألف هي المصاحبة لتاء التأنيث وليست للإلحاق كالقول الأول كأنه جمع "عِرْقٍ". ونظير هذا قولهم: "هيهاةَ وهيهاتٍ" من فتح جعله واحداً، ومن كسر جعله جمعاً ووقف عليه بالتاء. فأما الألف في "هيهات" في قول من فتح فيحتمل أمرين:

يجوز أن تكون من باب "الحاحَاةِ" و"الصَّيِصيَةِ". فتكون على هذا معكوس قولهم لصوت الراعي [يهْيَاهْ]. ويجوز أن تكون مثل الفَيْفَاةِ. والأول أجود، لأن باب "قَلْقَالٍ" أكثر من باب "قَلَقٍ".

مسألة 121

فإن قلت: هلا قطعت بسقوطها فيمن قال "هيهاتِ" فجعل الألف للجمع على زيادتها كما استدللت بـ "الْفَيْفِ" على "الْفَيْفَاةِ"؟ فإن ذلك لا يستقيم؛ لأنه غير متمكن. ألا تراهم قالوا: "هذانِ واللذانِ" والألف على القولين جميعاً سقطت من الواحد/82 ألالتقاء الساكنين. [ولو كان "عِرْقاتُهُمْ" جمع "عِرْقاتِهِمْ" المنصوب التاء لأبدلت عن الألف الياء في الجمع بالتاء وإن شئت قلت هو جمعه وحذفوا الألف في الجمع فهي زائدة، فإذا حذفوا من الأصل فحذف الألف أجدر] ألا تراهم قالوا "ذواتُ مالٍ" واحده "ذواةٌ" بدلالة (ذواتا أفنانٍ) وإن شئت قلت استغنوا بجمع "عِرْق" عن جمع عرقاةٍ كما استغنوا بجمع "لجَبَةٍ" عن جمع "لَجْبَةٍ" حيث قالوا لجباتٍ. مسألة 121: من حيث لم يجز أن يكون الاسم معرباً مبنياً لم يجز أن تكون النون في "مسلمانِ" و"مُسْلِمُونَ" لبناء سائر الكلمة مثل [عثمان] ألا ترى أن

مسألة 122

دلالة الإعراب قد تقدم هذا الحرف، فمحال أن يجيء بعدها ما يكون دلالة على بنائه، فيكون معرباً مبنياً، ومن هنا قال "يهِ" إن الميم في "اللهُمَّ" بمنزلة النون في "مُسْلِمينَ"؛ لأن علامة الإعراب قد تقدمت الميم، ولما كان الإعراب إذا انقضى من الاسم المعرب أذن بتمامه وانقضائه بأجزائه جاز أن تحذف هذه الحروف فلا تختل دلالة الكلمة على شيء كانت تدل عليه قبل الحذف، بل دلالتها بعد الحذف كدلالتها قبل الحذف. مسألة 122: فآ: كان خطر لنا في "ذا" أنه من باب "حييتُ" لما رأينا الإمالة جائزة في الألف منه، ثم رأيت "يهِ" يقول فيه إذا سميت به شيئاً [قلت] "ذاه" فتجعله بمنزلة "لا" و"لَوْ"، قال: وهو قول الخليل. ووجه

مسألة 123

ذلك أن هذه الأسماء لما شابهت الحروف فلم تعرب كما لم تعرب الحروف ألحقتها عند المعرفة على حد ما ألحق به الحروف لاجتماعها معها في الشبه، وغلبة حكمها عليها، وكان هذا واجباً في ذلك؛ إذ أجروا المتمكن أكثر التمكن مجرى غير المتمكن في هذا. ألا تراهم قالوا: "ذواتا"، وجمعوها فقالوا: "ذواتٌ مالٍ" فحذفوا اللام وهو متمكن حيث لم يستعمل إلا مضافاً كما حذفت الألف في "هيهاتِ" فيمن جعله جمعا، وكما حذفوا الألف في "ذوي مالٍ" ولم يثبتوها كما أثبتوها في "ذواتا" لكن حذفوها كما حذفوا من "ذات" ومن "اللذين" ولم يجعلوا "ذواتا" بمنزلة "نوايان" فيقولوا "نوياتٌ"، ولكن بمنزلة "ذا" حيث قالوا: "ذانِ"، ومن ثم قال الخليل فيه إنك إذا سميت به رجلاً قلت: "ذَوٌّ" فجعله بمنزلة "لَوْ". مسألة 123: فآ: إذا أضفت إلى اسم الجمع فإنه يكون على ضربين: إما أن يكون مسمى به واحد، وإما أن يكون جمع آحاد. فإذا كان مسمى به واحد تركته على حاله وأضفت إليه على لفظه ولم تغيره، وذلك أن التسمية تَحْظُرُ الاسم فتمنع من الزيادة فيه والنقصان منه.

ألا ترى إلى [اعتداد] بتاء التأنيث في المعرفة لهذا المعنى وإن كنت لم تعتد بها في النكرة فلما كان شأن التسمية على هذا وجب أن يترك على حاله فلا يغير. فمن ثم قالوا: "مدائني ومعافريٌّ". وأما إذا كان الاسم جمعاً فإنك ترده إلى واحده ليفصل بين النوعين، وكان الجمع [أولى] بهذا؛ لأنه لم يقع عليه حظر تسمية، وإذا لم يقع ذلك وكانت الآحاد قد تقع لمعنى الجمع في مواضع كثيرة من كلامهم، ردوا لاجمع إلى الواحد لدلالته عليه كما يدل عليه في غير هذا الموضع. فأما المضاف في النسب فإنه يكون على ضربين: أحدهما: أن يضاف إلى الصدر: والآخر أن ينسب إلى المضاف إليه. فالذي ينسب إلى الصدر فيه هو أن يكون الاسم غير معرف، ويكون الأول هو المقصود قصده كما أن الكنية الاسم الأول منها هو المقصود الذي تلحقه التثنية والجمع، وذلك نحو "عبدِ قيسٍ، وعبدِ شمسٍ" تقول: "عبديٌّ"، ولا تقل "قيسيٌّ" لأن الثاني ليس بمقصود قصده. ألا ترى أنه ليس هناك "قيسٌ" في الحقيقة يعرف هذا به. ومن ثم أجرى النحويون هذا كـ"حِمارِ قبانٍ" ونحوه ولم يجيزوا الإخبار عنه كما أجازوا الإخبار عن "غُلام زيدٍ".

مسألة 124

والآخر: أن تقع الإضافة إلى الثاني، وذلك نحو: "ابن الزبير" وابنُ الصعق"، فالإضافة هنا تقع إلى الثاني؛ [لأن] المضاف إليه هنا ليس كالأول. ألا ترى أنه واحد معروف مقصود قصده يُعرفُ للأول، وأنك إذا أضفته إلى الثاني فكأنك أضفته إلى الأول، فمن حيث أضيف في الوجه الأول إلى المضاف أضيف في الباب الثاني إلى المضاف إليه لأن المضاف إليه هنا كالمضاف في الباب الأول. مسألة 124: "ب" يجيز "كيف عَلُمَ زيدٌ" و"ضرُبَ زيدٌ"، قال: وينقلون الحركة من العين إلى الفاء، وعلى هذا أنشدوا: 372 - وحُب بها مقتولةً حين تُقتلُ

مسألة 125

فآ: وهذا يدل على صحة ما أذهب إليه من أن فعل التعجب منقول من الأفعال التي هي عبارة عن الغرائز والنحائز، فلذلك ساوى المتعدي فيه غير المتعدي. مسألة 125: حكى "ب" في باب التعجب أن قوماً يجيزون: ما أظنني لزيدٍ قائماً. فآ: وهذا عندي فاسد، لأن فعل التعجب لا يتعدى إلى أكثر من مفعول واحد وقد عداه "ها" و"لا" في هذا القول إلى مفعولين بغير إدخال

مسألة 126

حرف جر في أحدهما، ولو قالوا يدخل الحرف الجار في المفعول الثاني لكان غير جائز أيضاً. ألا ترى أنك إذا عديت "مررتُ" بالباء لم تعده إلى مفعول آخر بالباء إلا أن تريد بالباء الثانية البدل من الأولى نحو قوله تعالى: (لمن آمن منهم). فإن قلت: فكيف يتعجبُ من هذا؟ قلنا: يُتعجبُ من المصدر ثم يعدى المصدر إلى المفعولات نحو: "ما أشد ظني زيداً قائماً" ألا ترى أنك قد وجدت نحو ذلك وفعلته في هذا الباب، وذلك الأول لم تفعله في هذا الباب ولا في غيره. مسألة 126: فآ: وفي المقتضب مسألة فصل فيها بين المنصوب بالتعجب بـ "بباء" على اسم وهو لا يجيز: "ما أعلم/82 ب في الدار زيداً".

[فآ] [فلم أحمله] على الفصل ولكن على تقديم المفعول الواصل إليه الفعل بالحرف. وفيه: "ما أكثرَ هبتكَ الدنانير". فظاهر ذا في الكثرة في الهبة لا فيما يوهب. ألا ترى أن المفعول إنما هو الهبة دون الدنانير، وإذا كان كذلك كان المفهوم من الكلام أن الهبة

مسألة 127

هي الكثيرة ويجوز أن يكون الموهوب يسيراً قليلاً، إلا أنه زعم أن هذا لما كان موضوعاً للامتداح ولم يكن قلة العطاء مما يمدح به بل يذم به جعل المراد بالكثرة الموهوبة لا الهبة، وإن كان التعجب عليه وقع؛ لأن الأول لا يمتدح به. المسألة 127: فآ: الدليل على أن "لَيْسَ" ليس كالفعل أنك تصل "مَا" بالأفعال الماضية والمضارعة، ولا يجوز أن تقول: "ما أحْسَنَ ما ليس زيدٌ ذاكركَ" حتى تقول: "ما ليس يذكرك زيد" فتجري ليس [نفياً مجرى "لم" الحرف كما تقول ما لم] يذكرك زيد. مسألة 128: فآ: قال الجرمي: فيما قرئ علينا بالبصرة في الفرخ "نعمَ عبدُ الله زيدٌ" يريد: نِعْمَ العبدُ لله. فآ: يقول: إن "عبد الله" لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يريد به العلم أو غيره، فإن أراد العلم لم يجز، وإن أراد غير العلم فإنه ينبغي أيضاً ألا يجوز. ألا ترى أنه لا يجوز "نِعْمَ غلامُ زيدٍ أنتَ"؛ لأنه مختص

مسألة 129

كما أن العلم مختص، وليس باسم جنس كما أن العلم كذلك. فإذا كان الأمر على هذا لم يجز، فإذا نوى به ما ذكره من الألف واللام فلعمري لو كان اللفظ كذلك لما كان في جوازه لبسٌ، إلا أنى لست أعلم في الوقت شيئاً مضافاً إلى معرفة يُنْوَى به الانفصال، ويقدر فيه الألف واللام. فإذا لم يثبت هذا لم تجز المسألة، فلينظر بعده إن شاء الله. مسألة 129: حكى "ب" عن الكسائي: "نِعْمَ فيك الراغبُ زيدٌ". فآ: ولا أظن الكسائي أجاز تقديم الصلة على الموصول، ولكن إن قال: أجعله تبييناً، وأجعل العامل فيه الفعل؛ لأن "نِعْمَ" فعل، والظروف تعمل فيها المعاني، فإذا كانت المعاني تعمل فيها فالفعل أجدر أن يعمل فيها. فإن قيل: إن هذا فعل لا يتصرف، فلا يفصل بينه وبين فاعله بالظرف.

قيل: ليس قلة تصرفه بأمنع له من العمل من المعاني، والمعاني تعلم فيها، فكذلك الفعل الذي لا يتصرف. ألا ترى أن هذا الفعل بعينه قد عمل في الظرف في قوله: (بئس للظالمين بدلاً) فكذلك يعمل في الظرف فيما أجازه من: "نِعْمَ فيكَ الراغبُ زيدٌ". وله أن يقول أيضاً: لما جاز عند الخليل في "كَمْ": "كمْ في الدار رجلاً"، ففصل بالظرف بين "كَمْ" ومعمولها، وكان هذا جائزاً عندهم في الكلام، وإن كان في: 373 - ................. ... [ثلاثون] للهجر حولاً ....

في الشعر، فكذلك يجوز فيما أجزتُه في "نِعْمَ" من الفصل بالظرف أن يعمل أقوى من "كَمْ" فهذا له أن يقول فيه هذا، إلا أن الذي يضعف عندي هذا الذي أجازه، ويمنع منه اجتماعهم على المنع من الفصل بالظرف بين "ما" وخبره في التعجب في قولهم: "ما في الدار أحسن زيداً" فمنعهم هذا الفصل بالظرف بين المبتدأ وخبره مع أن العامل فيه فعل أقوى من "نِعْمَ" بدلالة أن [مفعوله] يكون المظهر، والمضمر، والمعرفة، والنكرة، ومفعول "نِعْمَ" لا يكون إلا نكرة دلالة على أن الفصل بين "نِعْمَ" وفاعله بالظرف أشد امتناعاً من حيث كان الفاعل أشد اتصالاً من الابتداء بالخبر.

ألا ترى أن الفعل مع الفاعل كالشيء الواحد، ومن ثم وقع إعرابه بعده، وليس الابتداء مع الخبر كذلك. فإذا امتنع هذا في الابتداء بلا خلاف علمناه وجب أن يكون فيما أجازه الكسائي أشد امتناعاً، ولا يجوز ذلك من حيث فصل بينه وبين مفعوله بالظرف في قوله تعالى: (بئس للظالمين بدلا) أن يفصل بينه وبين فاعله به، لأن الفصل بينه وبين فاعله بالظرف أفحش من فصله بينه وبين مفعوله لأن اتصال الفعل بالفاعل أشد من اتصاله [بالمفعولات للأدلة] التي ذكرناها. فبحسب شدة الاتصال يقبح الفصل. وكذلك ما مضى من جواز الفصل بـ "كَمْ" لا يجيزُ القياس عليه الفصلُ بالظرف في "نِعْمَ"؛ لأن الفصل في "كَمْ" بالظرف جاء بعد مضي ما هو بمنزلة الفاعل. ألا ترى أنا ننصب بـ "كَمْ" بتقدير التنوين فيها، وذلك في التقدير قبل الظرف.

مسألة 130

فإذا كان كذلك لم يكن مثله، فقد خلا من نظير يشهد له، فوجب ألا يجوز لذلك، ومن حيث ذكرنا أيضاً فيما تقدم. مسألة 130: وحكى عن الكسائي أيضاً إجازة "نِعْمَ الرجلُ يقومُ"، وأنه منع في النصب "نِعْمَ رجلاً يقومُ". فآ: فأما منعه في النصب فبين، وذلك أن "يقوم" يصير صفة للنكرة فيخلو الكلام من مقصود بالذم أو المدح مخصوص به، وإذا خلا عنه لم يجز. ولو زاد في الكلام مقصوداً بالمدح جازت المسألة. فأما: "نِعْمَ الرجل يقوم" فإنه أجازه على أن أقام الصفة مقام الموصوف، كأنه "نِعْمَ الرجل رجلٌ يقوم"، فحذف "رجلاً" المقصود بالمدح أو الذم. فقال "ب": هذا عندي لا يجوز، لأن إقامة الصفة مقام الموصوف إذا

كانت الصفة اسماً غير مستحسن، قال: وإذا كان كذلك وجب أن لا يجوز إذا لم تكن اسماً؛ إذ الاسم الموافق للمحذوف في أنه اسم ذلك غير مستحسن فيه. فآ: وهذا الذي ذكره حسن. فإن قيل: قد جاء: (وما منا إلا له مقام معلومٌ) (وإنْ منْ أهل الكتاب إلا ليؤمنن به)، و: 374 - (ما منهما مات حتى رأيته) 375 - وما الدهرُ إلا تارتانِ ونحو هذا.

قيل له: إنما جاز الحذف في قوله: (وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به)، لأنه مبتدأ غير موصوف، إنما هو محذوف من: (وإنْ مِنْ أهل الكتاب أحدٌ إلا ليؤمنن به). فهذا محذوف على هذا التقدير، والمبتدأ حذفه سائغ، وكذلك /83 أ (وإن منكم إلا واردها) (وما منا إلا له مقام معلومٌ) حذف من: (وإنْ منكمْ أحدٌ إلا واردها): (وما منا أحدٌ إلا له مقامٌ معلومٌ). ويستدل متأول هذا على أن قوله أرجح بقوله تعالى: (فما منكم من أحد عنه حاجزين). ألا ترى أن "منكمْ" ظرف وليس بصفة لـ "أحدٍ". فإذا كان كذلك لم يكن فيه دلالة.

وما جاء من [وجوده] في الشعر لا يحمل الكلام عليه، لأنه حالَ سعةِ وليس حالَ ضرورة. فإن قيل: "منكمْ" متعلقة بـ "حاجزين" ولا يصح أن يعلق "منكمْ" في قوله: (وإنْ منكم إلا واردها)، (وما منا إلا له مقامٌ معلومٌ) بما بعد (إلا) ولا يصح أن يكون خبراً عن "أحدٍ"؛ لأن "واردها" خبر عنه، و"له مقامٌ معلومٌ" خبر عنه، ولا يكونان خبرين كقولهم: "هذا حلوٌ حامضٌ" لأن "إلا" لا يفِصلُ بينهما، لأنهما بمنزلة اسم واحد في المعنى. وأيضاً فإن المعنى يمنع من ذلك، لأنه ليس يريد [أنه لا أحدٌ] منهم. فهذا يمنع من أن يكون "منكمْ" خبراً، ويمنع من أن يكون "واردُها" صفة لـ "أحَدٍ" وكذلك "له مقامٌ معلومٌ" ويمنع من ذلك أن "إلا" لا مدخل لها بين الاسم وصفته. فأما: "ما جاءني أحدٌ إلا ظريفٌ" فإنه على إقامة الصفة مقام الموصوف، كأنه قال: "إلا رجلٌ ظريفٌ" على البدل من الأول. وكذلك: (وإن منْ أهل الكتاب إلا ليؤمنن به) وهذا يمنع فيه من تعلق "مِنْ" بقوله "ليؤمنن" اللام مع "إلا" وإذا كان كذلك فلا وجه لـ "مِنْ" إلا الحمل على الصفة.

مسألة 131

قيل: فـ"مِنْ" هي متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله: (له مقامٌ معلومٌ)، و"واردُهَا" و"ليُؤْمنن به"، ومعناها البيان لـ "أحدٍ". فآ: وقياس قول الكسائي في: "نِعْمَ الرجل يقومث" أن يجوزَ في المنصوب: "نعم رجلاً يقومُ يذهبُ" إلى أن يكون "يذهبُ" صفة محذوف، كأنه: "نعم رجلاً يقومُ رجلٌ يذهبُ" كما كان التقدير في: نعم الرجلُ يقومُ: نعمَ الرجلُ رجلٌ يقومُ. مسألة 131: وحكى عن "كف": "نعم زيدٌ رجلاً"، واستدلوا بـ (وحسن أولئك رفيقا). قال: وقد يكون التأويل على غير ما قالوا؛ لأن "نِعْمَ" غير متصرف، و"حَسُنَ" متصرف. مسألة 132: وحكى - عنهم- فيما- أحسب - أنهم لا يجيزون العطف على المضمر في "نِعْمَ" ولا توكيده، وذكر مسائل على هذا، وفي الأصول مسائل أخر من هذا الباب.

فآ: وهذا القول عندي صحيح كذلك ينبغي أن يكون. وذلك أن هذا الاسم لما أضمر قبل أن تذكر على شريطة التفسير كان غير مستغنٍ بنفسه [ومفتقراً] إلى التفسير، فصار كأنه لم يتم بعد، والعطف والتأكيد لا يحملان على الاسم حتى يتم الاسم، فإذا كان هذا ف يغير حكم الأسماء الأخر، من حيث لم يستقل بنفسه وجب أن لا يجوز تأكيده والعطف عليه. فإن قيل: فإذا تم بتفسيره فأجز العطف عليه، والتأكيد له كما أن الموصول إذا تم بصلته [جوزنا] ذينكَ فيه. قيل: ليس هذا التفسير مع هذا المفسر كالصلة مع الموصول، لأن الصلة تجري مجرى الصفة. ألا ترى [أنه] أيضاً جاء للوصل كما أن الصفة كذلك، ويقتضي ذكراً كالصفة، ويدل على معنى زائد على الموصول كما أن الصفة كذلك. والمفسرُ إذا تبع المفسر يصير بانضمامه إليه يدل على المعنى الذي يدل عليه الموصول قبل انضمام الصلة إليه.

مسألة 133

ألا ترى أن "مَنْ" و"ما" و "أي" و"الذي" يدل كل واحد على معنى بغير الصلة فإذا انضمت الصلة إليه أوضحت ذلك المعنى. والمضمر في "نِعْم" إذا انضم إليه التفسير صار حينئذ يدل على ما يدل عليه الموصول بلا صلة. فإذا كان كذلك علمت أنه ليس مثله، وأنه إذا فُسرَ لم يجز العطف عليه كما لم يجز قبل أن يُفسر؛ لأن التفسير له لم يخرجه عن أن يكون في حال العطف عليه على غير حد الأسماء المعطوف عليها، فإذا كان كذلك لم يجز. ألا ترى أن سائر الأسماء مستقلة بأنفسها، ولم تجعل في دلالتها على المعاني موكولة إلى غيرها، وليس كذلك الأسماء المضمرة بعد الذكر؛ لأن تلك تقُدمُ مُظهراتها تبينها وتدل عليها. وإذا قبح في نوع من ذلك العطف مع تقدم ذكر مظهرها، نحو: "قام وزيدٌ" وجب أن لا يجوز في هذا العطف. ومما يقوى ذلك أن المضمرات على شريطة التفسير لم يعطف على شيء منها ولم يؤكد. مسألة 133: فآ: مما يقوى [ما يذهب] إليه في "حبذا" وأن امتناع الفاعل من

مسألة 134

أن يؤنث لا يدل على البناء ما ذكرناه، وإني قد وجدت الفاعل في هذا الباب يلزم طريقة واحدة ولا يتغير. ألا ترى أن فاعل فعل التعجب في: "ما أحسن زيداً" لا يكون إلا على هذا الذي هو عليه، فكذلك "حبذا" لزم "ذا" لفظا واحداً، ولم يختلف كما لم يختلف الضمير في "ما [أحسن زيداً] ". مسألة 134: قال الجرمي فيما قرئ من كتابه: "حبذا رجلاً زيدٌ، وحبذا زيد رجلاً" فانتصب، "رجلاً" على الحال والتفسير، قال: وإذا نصبته على التفسير فأن تؤخره بعد "زيدٍ" أحسنُ. فآ: أما على ما أذهب إليه أنا في "حبذا" فالأحسن أن يكون المُفسر إلى جانب "ذا" لأنه مفسرٌ، ولا يقع بعد "زيدٍ"؛ لأنك تفصل بين التفسير والمفسر بـ "زيدٍ"، وليس هو منهما. فإذا كان كذلك فالأحسن أن يكون إلى جانب "ذا"؛ [لئلا] يُفصل بين العامل والمعمول بشيء ليس منهما. ألا ترى أن "زيداً" في: "حبذا زيدٌ" لا يخلو من أن يكون خبر ابتداء محذوف أو ابتداء مؤخراً التقدير به التقديمُ. فمثل: "نِعْمَ الرجلُ زيدٌ"، وفي كلا الوجهين قد فصلت بين

العامل والمعمول فيه بما ليس منهما، إلا أنه قد جاء قوله: 376 - فنِعْمَ الزادُ زادُ أبيك زاداً /83 ب وهذا يقوى قول من قال: إنه مرتفع بالابتداء، والتقدير به التأخير. ألا ترى أنك لو قدرته على الوجه الآخر لكنت قد فصلت بالجملة، والفصل بالجمل أفحش من الفصل بالمفرد. وإن شئت قلت: إن هذا لا يمتنع في "نِعْمَ" على قول من قدره خبر ابتداء محذوف، لأن فيه تبيينا للفاعل وتخصيصاً له. فإذا كان كذلك لم يمتنع كما لم يمتنع: "إنه- المِسْكِينُ- أحمقُ في الترحم لما كان مما يسددُ الأول بأن كنت قد فصلت بجملة.

ومما يقوي الوجه الآخر أعني الذي يقدر فيه أنه مبتدأ مؤخر قوله تعالى (نعم العبدُ إنه أوابٌ) فحذف "أيوبُ" لأنه مبتدأ جرى ذكره، ولو كان التقدير الآخر لم يجز أن يحذف المبتدأ والخبر، فلا يبقى منهما شيء يدل عليهما، وعلى ما يذهب إليه النحويون في "حبذا" يجوز أن يقع التفسير بعد "زيدٍ"، لأن "زيداً" على هذا مرتفع بـ "حبذا"، و"حبذا" بمنزلة اسم مبتدأ فيه معنى فعل. فالفصل بين "حبذا"، وبين تفسيره مثل الفصل بين المفعول وفعله بالفاعل إلا أن هذا - وإن كان هكذا- فلا يمتنع على قياس قولهم إن تقدم، ويحسن تقديمه فيقع بعد "ذا"؛ لأنه لم ينتصب عن تمام الجعلة، إنما انتصب عن "ذا"، وإن كان "ذا" قد جُعِلَ مع غيره بمنزلة شيء واحد. ألا ترى أن "درهماً" من قولك: "كذا وكذا درهماً" قد انتصب عن "ذا"، وجاز أن يلي المفسرُ "ذا" وكان ذلك الأحسن. وكذلك "حبذا" وإن كان قد جعلها بمنزلة شيء واحد. فإذا كان كذلك فقول أبي عمر: إن تقديم المخصوص في "حبذا" وتأخير التفسير أحسن مشكل. من أي وجه صار أحسن؟ إلا أن تقول: إنه لما صار "ذا" و"حبَّ" شيئاً واحداً كان بمنزلة المفعول حكمه أن يجيء بعد الفعل والفاعل.

مسألة 135

وقد قلنا: إن "رجلاً" منتصب عن "ذا" فليس كالمفعول. وحكى لي: أن الكوفيين لا يجيزون: "حبذا رجلاً زيدٌ" على التفسير حتى يؤخر "ذا" وهذا قول لا وجه له عندي. فأما الحال فإنك إن شئت قدمت وإن شئت أخرت. مسألة 135: من اسم الفاعل: فآ: يجوز أن يعمل "ضرابٌ" ونحوه من الصفات عمل الفعل عندي كما قال أصحابنا وإن لم يكن جارياً على الفعل. والدلالة على تجويز ذلك أنه مثل الجاري في أنه صفة، وأنه مشتق من لفظ المصدر. فهذان شبهان قد صارا في هذا الجنس من الجاري على الفعل، والشبهان إذا اجتمعا اجتذباه إلى حكم الذي هما فيه. ويُحَسِّن "فعالاً" أنه يوافقه أيضاً في تكرير العين منه. ألا ترى أن "يَذَرُ" لما وافق "يدعُ" في موضع العلة والمعنى فتحوا العين منه كما فتحتْ من "يدعُ"، وإن لم يكن فيه حرف من الحلق لمشابهته له فيما ذكرناه. مسألة 136: فآ: إن قال قائل في "عليةِ" و"لديه" ما بالهما قلبا ياءين لما اتصلا

بالمضمر، والإمالة لا تجوز فيهما، وهلا لم يقلبا ياءين، ولكن واوين كما أنك لو سميت بهما لقلت: إلوانِ وعلوانِ؟ قيل له: قلبهما في: "إلوانِ" و"عَلَوانِ" صحيح؛ بدلالة أن الإمالة منهما غير جائزة، وإذا لم تجز الإمالة علمت أنهما ليسا من الياء. فأما قلبهما إلى الياء مع المضمر فلأن الياء لما كانت تقلب إلى الألف في "حَاحَيْتُ" و"طائي" ونحو ذلك كذلك قلبت الألف إليها، وكان هذا هنا أحسن من قلبه في قوله: 377 - بالصُّمُلةِ في قفيا و:

مسألة 137

378 - قفيكا ونحو ذلك، لأنه يقع به فصل بين المتمكن وغيره. ونظير هذا قولهم "كلا أخويك" ثم قلت: كليهما. مسألة 137: فآ: "مُصْطَفى" ونحوه إذا جمعت بالواو والنون لم يخل من أن تثبت الألف ألفاً كما هي في الواحد، أو [تقلبها] كما قلبت في التثنية والجمع بالتاء، وبالإضافة بالياءين فلا يجوز أن تقلبها كما قلبت في الأشياء الثلاثة. ألا ترى أنك في الإضافة إذا رددت إلى الأصل ألزمت اللام القلب إلى الواو، وألزمتها حركة واحدة، وسكن ما بعدها، وهذا مستعمل في الكلام

غير مرفوض. ألا ترى أنك تقول: جويزةٌ، وطويلةٌ، ودويلٌ، وحويلٌ. ونحو ذلك. فلما كان هذا مستعملاً جاز. وأما التثنية والجمع بالتاء فرددت اللام فيهما إلى الأصل أيضاً، لأن حرف العلة يتحرك فيهما بالفتح، وهذا لا ينكر أيضاً. ألا ترى أن في الكلام مثل: حوالِ، وطوالِ، وعويرٍ، و [عويصٍ].

مسألة 138

فالتثنية والجمع بالتاء على هذا أيضاً، وليس كذلك اللام في "مصطفينَ" لأنك لو رددت الأصل للزمك أن تعاقب عليه الحركة لمكان الإعراب، وإن لم تكن الحركة إعراباً؛ لأن الحركة التي للإعراب تجري مجرى الإعراب. ألا ترى أن الكوفيين سموا: باب "امرئٍ" للعرب من مكانين. ولو احتمل هذا تعاقب الحركات عليه في الجمع من أجل الإعراب لاحتمله في الواحد فلما كان الواحد إنما لم يثبت الحرف المعل فيه - لِمَا كان يلزم من هذا فَقُلِبَ، وكان هذا بمنزلته فيما ذكرت لك - لم يرد الأصل كما لم يرد في الواحد. فلما لم يرد الأصل لم يكن غير الحذف، لأنه لا يلتقي ساكنان. مسألة 138: لو قال قائل: إن اللام ردت في "رَحَى" ونحوه في التثنية؛ لأنه لو لم ترد وتركت ألفاً ساكنة لزم أن تحذف لالتقاء الساكنين، ولو حذفت لم ينفصل الواحد من التثنية؛ إذ النون تسقط في الإضافة، ولم يلزم ردها في "ذان"، لأن النون لا تسقط منه، لأنه لا يضاف؛ لاستحالة إضافته، وكذلك "اللذانِ". ألا ترى أنها لا تضاف- كان قولاً على ما يراه النحويون من جواز تثنية هذا. والذي يغلب عليَّ في "هذانِ" أنه ليس بتثنية "ذا"، لأن المعنى الذي تعرفَ به لازم له، والتثنية/ 84 أتوجب التنكير. ألا ترى وجوب دخول لام التعريف في الاسم الذي كان يكون معرفة،

مسألة 139

وهذا في هذا [ونحوه] لا يصح. ويقوى هذا أنهم لم يجمعوه على حد التثنية. ونظير هذا عندي في أنه لا يجوز تثنيته عندهم قولهم: "فعَلْتَ" ثم قالوا: "فَعَلْتُما" فغيروا حركة التاء إلى حركة لم تكن تدخله في هذا المعنى؛ ليؤذنوا أنه ليس بتثنية ذلك الواحد، لأن ذلك الواحد كان معرفة بمعنى قائم فيه وهو الخطاب، فلا يجوز تثنيته التي توجب تنكيره مع قيام المعنى الموجب لتعريفه فيه [وقول إبراهيم كان القياس عندي هذون خطأ]. مسألة 139: أنشد عن الرياشي: 379 - وما مُدركُ الحاجات من حيثُ تبتغى ... من الناس إلا من أجد وشمرا 380 - إذا المرء لم يحتل معاشاً لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا 381 - وصار على الأدنين كلا وأوشكتْ ... صلاتُ ذوي القربى له أن تتغيرا

382 - فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتُعذرا فآ: كان القياس في هذا أن يقول: "تعش ذا يسارٍ أو تمتْ" أي يكون أحد [هذين]، فإذا لم يقل هذا للوزن فإنه جعل قوله "تَعِشْ" دالاً على "يكن عيشٌ أوْ أنْ يموتَ" أي: "بموتٍ فعُذرٌ" وهذا قريب من قوله:

383 - وألحقَ بالحجاز فأستريحا ألا ترى أن "يهِ" قال: إن الجزاء واجب بمنزلة: "أنا أفعلُ إن شاء الله". فعلى هذا توجهه ولا تحمله على نحو: [لأذمنك أو تعطيني]. ألا ترى أنه إذا لم يسر أيضاً في بلاد الله عاش إلى أن يموت، وأن سيره لا يوجب لا محالة أن يعيش ذا يسار، ولكنه إذا سار كان له أحد حالين: إما عيشٌ في يسارٍ: أو موتٌ فعذرٌ، فهذا ليس بمعنى "أوْ تعطيني"، ولكن المعنى: "يكنْ عيشٌ أو موتٌ" كما كان المعنى في الجزم يكن أحدُ الفعلين.

مسألة 140

فالنصب في المعنى كالجزم إلا أنه في النصب دخله من أجل قبح اللفظ ما ذكرناه. مسألة 140: فآ: من قال: "الحارثُ والعباسُ" فجعل الاسم كأنه الشيء بعينه لم يجز له أن يكسره تكسير الأسماء، فلا يقول: "الحوارثُ" فيجعله كـ"القوادم": ألا ترى أن إلزامه لام التعريف دلالة على إجرائه إياه مجرى الصفة، وإذا كسره تكسير الاسم جعله بمنزلة غير الصفة، فيتدافع أن يُلزم شيئين كل واحد يمنع الآخر ويدفعه، كما لم يجز تحقير "فلوسٍ" وجمال؛ لأن هذا الجمع للتكسير، والتحقير للتقليل، فلا يجمع على الاسم ما يدفع كل واحد الآخر. مسألة 141: فآ: قرئ علينا في باب الجمع للرجال والنساء بالبصرة في نسخة: و"ظُبةٌ" إذا سميت به لم تجمعه بالواو والنون، لأنهم لم يجمعوه. فآ: وفي نونية الكميت المنصوبة: 384 - ......... ... كنار أبي حُباحِبَ والظبينا

مسألة 142

فلينظر في كتابنا إن شاء الله. مسألة 142: الجرمي في كتابه: إن ناساً قد رووا عن العرب نصب الخبر في "ما" مقدما، نحو "ما منطلقاً زيدٌ" قال: وليس ذلك بكثير والأجود الرفع. وذهب إلى أن: 385 - ... ولا قاصرٍ عنك مأمورُها

.................................................................................................

..................................................................................................

..................................................................................................

مسألة 143

[و]: ولا مستنكرٌ أن تعقرا هما على قولِ منْ عطف على عاملين. مسألة 143: فآ: هاء الضمير وكافة في "الضاربهُ" و"الضاربُكَ" في موضع نصب بدلالة أن المظهر إذا وقع هاهنا كان منصوباً ولم يجز فيه الجرُّ. فأما التثنية [والجمع] في "الضارباك" و"الضاربوه" فإنه وإن كان قد عاقب النون ولم يعاقب في الواحد نحو "الضاربي" نوناً فإنه أيضاً في موضع نصب كما كان في موضع نصب لو ثبتت النون؛ لأن المعنى معنى المنصوب. ألا ترى أنه داخل في الصلة وإنما حذفت النون لإصلاح اللفظ حيث كانت زيادة لا تنفصل من الاسم، فكانت علامة الضمير أيضاً في معناها من حيث لم تنفصل عن الكلمة. فلما اشتبها في هذا الوجه، وكانتا زيادتين لم يجتمعا في موضع واحد،

فحذف الأول كما يحذف الساكن الأول حيث يحذف لالتقاء الساكنين، فيكون التقدير فيه - وإن حذف من اللفظ - الإثبات، فكذلك يكون التقدير بالنون الثبات. وإذا كان كذلك كان منتصباً؛ إذ قد نُصِبَ في بعض اللغات الظاهرُ مع أنه ينفصل من الأول نحو: 386 - الحافظو عروةً العشيرةِ فإذا حذف على هذا الحد كان في نية الثبات، وإذا كان في نية الثبات كان منصوباً. ونظير هذا - في أنه وإن كان محذوفاً فهو في نية الثبات - قولهم في الندبة

"واغلامَ زيداهْ" حذفوا التنوين حيث كانت زيادةٌ في الاسم لا تنفصل منه كما أن حرف الندبة زيادةٌ تلحق آخره لا تنفصل منه. فلما اجتمعا في هذا المعنى حذف الأول وعاقبه الثاني. فكما أن الأول وإن عاقب الثاني مراد في اللفظ؛ لأن الاسم المنصرف لا يُمْنَعُ من تنوينه، كذلك النون تكون هنا مُرادةً، وفي نية الثبات كما تكون هنا في نية الثبات. وإذا كان كذلك كانت علامة الضمير في موضع نصب. فإن قلت: إن النون في هذا الباب إذا حذفت من اللفظ عاقبتها الإضافة فانجر الاسم بها، وإن كان في المعنى منصوباً. ألا ترى أنهم قالوا [زيدُ غدٍ] لما حذفوا النون جروا، وإن كانت النون مرادة في المعنى، فكذلك النون في "الضارباك" و"الضاربوه" إذا حذفت عاقبتها الإضافة؛ لأن المضمر قد عاقب النون كما عاقبها المظهر في "الضاربا زيدٍ" ونحوه، والمضمر -هنا- يعتبر بالمظهر كما اعتبرته بالمظهر في "الضاربُهُ" /84 ب فحكمت بنصب الهاء من حيث كان المظهر في موضع نصب. فهو وجه ومذهب، والأول عندي الوجه؛ لأن المضمر ليس كالمظهر. فأما من أجاز الجر في المظهر إذا أضاف اسم الفاعل الداخلتَهُ لامُ المعرفة فمخطئ. ألا ترى أنه لا نون هنا ثابتة تعاقبها الإضافة كما كان ذلك في التثنية

والجمع، وإذا لم يكن شيء تعاقبه الإضافة كما كان في التثنية والجمع النون تعاقب الإضافة فإن الإضافة تمتنع؛ لأن اللام حينئذ لا يخلو دخولها من أحد أمرين: إما أن تكون داخلة للتعريف فقط، أو بمعنى الذي. فإن كان دخولها للتعريف لم يجز إضافة الاسم الداخلتهِ هي، لأنه قد تعرف باللام، وإذا تعرف باللام لم تجز إضافته. ألا ترى أن إضافته، توجب تخصيص المضاف، وأن المضاف يُعرف [بالمضاف إليه] إذا كن معرفة، وبالإضافة يتعرف كما أنه بها يتنكر. ألا ترى أنك لو قلت: "زيدُ رجلٍ" تنكر، فإذا كان كذلك لزم أن تنكره إذا أردت إضافته ولا يجوز أن تنكره وفيه الألف واللام، لأنهما يوجبان تعريفه. فإذا كانت الإضافة يتقدر الاسم قبلها نكرة ثم يتعرف بها فهذا المعنى يوجب تنكيرهُ، وثباتُ اللام فيه يوجب تعريفه فيلزم من هذا أن يكون الاسم معرفة نكرة، وهذا يتدافع، فإذا كان كذلك بان فساد هذا القول وظهر سقوطه. ويدلك على صحة ما ذكرنا من أن المضاف إذا أريدت إضافته قدر نكرة ثم اكتسى التعريف من المضاف إليه أن الأسماء المبهمة لم تضف؛ لأن الإضافة توجب التنكير وهي معارف بالإشارة، فالمعنى المتعرفة هي به قائم فيها، فلما كان المتعرفةُ هي به قائماً فيها غير مفارق لها، وكانت إضافتها توجب فيها

التنكير مع قيام المعنى المُعَرَّفِ لها فيها أدى ذلك إلى أن تكون معرفةً نكرةً، فرُفِضَ إضافتُها؛ إذ كان ذلك يؤدي إلى المحال، واجتماع الشيء وما ينافيه، ومن ثم قالوا: "ذانِكَ" فلم يحذفوا النون. وإن كان دخول اللام بمعنى "الذي" في اسم الفاعل لم تجز إضافته أيضاً ألا ترى أنه إذا كان كذلك كان اسم الفاعل في تقدير جملة. ويدلك على أنه في تقدير جملة إجازتهم "الضاربُ زيداً أمس أخوك" فلولا أنه بمعنى "ضرب" [الفعل] لم ينصبْ "زيداً" كما لم ينصب في قوله: هذا ضاربُ [زيدٍ] أمس، والفراء المجيز لإضافته، والقائل: إنا نجيز "الضاربُ زيدٍ" وإن كان غير مسموع لا يخالف في أن "هذا ضاربُ [زيدٍ] أمس لا ينصب. فلما لم يجز نصب ذلك قبل دخول الألف واللام، وجاز مع دخول الألف واللام فيه علمت أن ذلك إنما هو لسكون "فاعل" [الداخِلَتِهِ] اللام بمنزلة الفعل ومعناه. وإذا كان كذلك لم تجز إضافته؛ لأن اسم الفاعل جملة، فلا تجوز إضافتها كما لا تجوز إضافة الجمل.

مسألة 144

وليس فيه نون ولا تنوين فيقال: إن المضاف إليه عاقب النون أو التنوين كما يكون ذلك في [الضاربان] والضاربون لثبات النون. وإذا لم تخل اللام إذا دخل اسم الفاعل من هذين [الوجهين، ولم تجز إضافة اسم الفاعل فيهما جميعاً؛ لما ذكرنا ثبت أن إضافته لا تجوز، فقد ثبت بما ذكرنا أن القياس لا تجوز إضافة هذا الاسم، وفيه اللام، وثبت باعتراف الفراء نفسه أنه غير مسموع، فإذا لم يثبتهُ السماعُ، ولم يجزهُ القياسُ ثبت أنه قول ساقط]. مسألة 144: فآ: دخول الفاء في: ضربتُ فأوجعتُ زيداً، وفي قوله تعالى (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا) كيف جاز، والثاني ليس بمنفصل من الأول؟

مسألة 145

مسألة 145: إن قال قائل: هلا لم يجز "حُبلَوْنَ" في جمع "حُبْلَى" اسم رجل وإن كان قد جاز "حُبْلَيَاتٌ"؟ قيل: لأن "حُبْلَيَاتٍ" إنما جاز لزوال علامة التأنيث منه بانقلابها ياء فلما زالت بالانقلاب لم يجتمع في اسم علامة تأنيث وتذكير فيتدافع ذلك، و"حُبْلَوْنَ" إذا قلته فالألف لم تنقلب فيه ياء، وإذا لم تنقلب ياء كانت العلامة قائمة، وإذا كانت قائمة لم يجز دخول الواو للجمع عليها.

فإن قلت: انقلبت في الجمع بالواو ياء كما انقلبت في الجمع بالتاء في "حُبْلَيَاتٍ" ياء، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين كما حذفت الياء في "قاضٍ" لالتقائهما. قيل لك: ذلك فاسد ألا ترى أنك لو قلبتها ياء، ولم [تدعها] ألفاً لكسرت ما قبل الياء في موضع الجر والنصب كما يفعل ذلك بـ "قاضين" ولم نفتحه، فلما قلت في الجر والنصب "حُبْلَيْنَ" ففتحت دل الفتح أنه قبل ألف، وإذا كان قبل ألف ثبت أن الألف لم يلحقها القلب إلى الياء، فإذا لم يلحقها القلب إلى الياء كانت ثابتة، وإذا كانت ثابتة لم يجز دخول الواو عليها للجمع في "حُبْلَوْنَ". وقيل: إن هذه العلامة للتأنيث في الواحد كما أن "حمراء" هذه العلامة فيها له، فكما اجتمعا في الثبات في القلب في الجمع بالألف والتاء مع أن علامة التأنيث لا تثبت مع الألف والتاء دل ذلك على خروجهما من التأنيث، فلما خرجا منه بثباتهما في الجمع مع الألف والتاء، وخرج "ورقاء" منه لثباتها مع الواو النون في الجمع، نحو: "ورقاوون" وجب أن يخرج "حُبْلَى" أيضاً منه في حال الجمع بالواو والنون: اسم رجل كما خرجت "ورقاء" منه فكما جاز أن تقول: "ورقاوونَ" فتقلب الهمزة واواً جاز أن تقول "حُبْلَوْنَ" فتقدر بالألف غير التأنيث وإن لم تقلبها ياء كما قلبتها في

مسألة 146

"حُبْلَياتٍ" كما أنك لما قلبتها في "صحراواتٍ" واواً قلبتها في "ورقاوونَ" واواً. فلما كان القلب إلى الياء في المعنى المراد له كلا قلب - لأنها لو قلبت إليها لم يدخلها الحركة في الجمع - ألا ترى أن الياء المتحرك ما قبلها في الجمع لا تحرك بضم ولا كسر - لم تقلب فبقيت ألفاً منزوعاً عنها علامة /85 أالتأنيث؛ لأنها في تقدير القلب للجمع، وإنما الذي منع من قلبها تقدير اللفظ، فصارت كذلك في تقدير القلب للجمع، وانتزاع علامة التأنيث عنها كما كان نظيرها كذلك. ولم يعترض هذا المعنى في باب "ورقاء" فلا تقلب. ألا ترى ان ما قبلها ساكن، وليس ما قبل هذه العلامة ساكناً إنما هو متحرك. مسألة 146: فآ: مما يدل على أن التاء في التأنيث في تقدير الانفصال من الكلمة أن الألف لا تقع للإلحاق إلا في آخر الاسم، نحو "أرْطَى"، وقد دخلت عليها تاء التأنيث، وهي للإلحاق، فلولا أنها في تقدير الانفصال لم تدخل عليها. ألا ترى أن الألف لا تكون للإلحاق في درج الكلمة. فلما لم تكن الألف في الدرج للإلحاق، وجاز في هذا دل أن ذلك إنما جاز، لأنها في تقدير الانفصال من الكلمة.

وقد جاء فيها أيضاً ما يدل على اتصالها، وهو قولهم: "عرقوةٌ، وترقوةٌ، وقلنسوةٌ ونحو ذلك. ألا ترى أن الواو المضمومة [ما قبلها] لا تكون آخراً، فلو كانت بناء آخر أو كانت التاء في تقدير الانفصال لم يجز هذا فيها، ولانقلبتْ كما انقلبت في "عرقي الدلو" وهذا يدل على صحة قول النحويين أن هذا مبني على التأنيث، وعلى أن الكلمة لم تنفرد عن التاء والأول على التذكير. ألا ترى أنه كان "أرْطَى" ثم دخلت التاء فصارت "أرطاةً" مثل "حضر" في "حضرموتَ" فالتاء بمنزلة "موْتَ".

مسألة 147

مسألة 147: الأسود بن يعفر: 387 - [فلنهشلٌ] قومي ولي في نهشلٍ ... حسبٌ لعمر أبيك غيرُ [غلاب]، فقال فآ: وهذا أول قصيدة، وابتداؤها على ما حكى لي، وإذا كان كذلك كان قوله:

(وقائمِ الأعماقِ خاوي المخترقْ) أيضاً الواو في عاطفة كما أن الفاء هنا عاطفة، و"رُبَّ" مضمرة [بعد] الواو، ليس إنها: بدل من "رُبَّ" كما أن الفاء في [فلنهشلٍ] عطف لا بدل. وهذا إنما كان كذلك لأنه قدرته عطفاً على كلام، كما أن من روى: 388 - (بل ما هاج أحزاناً ............)

مسألة 148

أراد به الإضراب عن حديث والأخذ في قصيدته في هذا. فكما أضرب عما كان قبله كذلك عطف عليه. مسألة 148: قال: "يهِ" إذا سميت بـ "ذَيْتَ" قلت: ذياتٌ. فآ: ينبغي أن يكون "ذياتٌ" مشددة ترد اللام ولا تحذفها كما ردت في الإضافة إذا نسبت إلى "ذا" فقلت: "ذوويٌّ"، فلا يجوز "ذياتٌ" كما لم يجز "ذويٌ". ألا ترى أن الاسم يبقى على حرفين قبل لحاق الألف والتاء كما يبقى في الإضافة قبل لحاق يائها. فإن قيل: فما تنكر أن تكون مثل "ذوات". مسألة 149: الجرمي: يقبح الاقتصار على "عَلِمْتُ" و"ظنَنْتُ" وأن لا يعديها إلى مفعولين وإن لم يقبح ذلك في غير باب "عَلِمْتُ". فآ: وهذا عندي كما قال؛ وذلك أنه لا يخلو مخاطبك من أن يعلم أنك

مسألة 150

تعلم شيئاً أو [تظن] آخر، فإذا كان كذلك صار كالابتداء بالنكرة، نحو: "رجلٌ منطلقٌ" و"قام رجلٌ"، وليس كذلك قولك: "أعطيتُ" ولا "أعلمتُ"، لأن ذلك مما قد يجوز أن لا يفعله؛ فلذلك حسن هذا وامتنع الأول، وقد مر بي ذلك في غير موضع لأبي الحسن. مسألة 150: الجرمي: "جاءني القومُ ما خلا زيدٍ" فيجر "زيداً" وإن جئت بـ "ما". فآ: لا أدري أجازه أم رواه. ووجهه أنه جعل "ما" زائدة كما يجعلها زائدة في غير هذا الموضع. مسألة 151: قال أبو عمر: يجوز: "عليك أنت وزيدٍ عمرا" قال: ولو حذفت "أنْتَ" وجررت الاسم كان قبيحاً. وهذا مع "أنتَ" أمثل، يعني الجر. مسألة 152: قال الجرمي في: "هذا مُعطي زيدٍ درهماً أمس" تحمله على المعنى. فآ: وعندي أنه يذهب فيه إلى ما كان يقول فيه "ب".

مسألة 153

مسألة 153: فآ: "صبياً" في قوله: (كيف نكلمُ من كان في المهد صبيا) حال من "نُكَلمُ" أي: كيف نكلمه صبياً، وإن جعلته حالاً مما "في المهدِ" كان الأول أحسن، لأنه أدل على موضع المعجزة. و"كانوا" في بيت الفرزدق: (وجيرانٍ لنا كانوا كرامٍ) لغو، لأن "لنا" قد جرى صفة على الموصوف الذي هو "جيرانٌ" فلا يجوز أن يقدر به الانتزاع من موضعه كما لم يجز في قولك: "مررتُ برجلٍ معه صقر صائد به"؛ لأن "معه" صفة لـ"رجلٍ". فإن قلت: فكيف يلغي "كان" وقد عملت في الضمير؟ قلنا: تكون "كان" لغواً، والضمير الذي فيها تأكيد لما في "لنا" لا أنه مرتفع بالفاعل، ألا ترى أنه لا خير له. فإن قلت: كيف جاز أن تُلغيها وقد عملت؟ قلنا: لا يمتنع ذلك. ألا ترى أنك تلغي "ظننْتُ" بأسرها، وهي جملة وقد عمل ما تلغيه من الفعل فكذلك يجوزأن تلغي "كانَ" وحدها في قوله:

مسالة 154

"كانُوا كِرَامِ" كما جاز إلغاء الجملة بأسرها في "ظنَنْتُ" بل يكون إلغاء بعض الجملة أيسر من إلغاء الجملة بأسرها. وجاز إلغاء "كانوا"، لأنها لم تقع أولاً إنما وقعت بين صفة وموصوف، فجاز إلغاؤها كما جاز إلغاء "هُوَ" لما كانت واقعة بين الخبر والمخبر عنه، وكما جاز إلغاء "كان" في: ما كان أحسن زيداً. وحكم ما تلغيه أن توسطه ولا تبتدئه قياساً على "هُوَ" الفصل، ولا تبتدئ به، لأن [الملغي] غير معتد به، وإذا كان غير معتد به، وكان القصد في باب الإفادة غيره قبح أن يؤخر ما الاهتمام به أكثر، ويقدم ما العناية والاهتمام به أقل. فإن قيل: لو كان الضمير في "كانوا" مؤكداً للضمير الذي في "لَنَا" لكان منفصلاً من "كان" وليس يقع المتصل موقع المنفصل في الضرورة، ولو كان علامة للجمع مثل: "أكلوني البراغيثُ" لكان بعيداً؛ لأن ذكره قد جرى وليس كذلك ما كان علامة للجمع. مسالة 154: فآ: الدليل على أن الياء في "جوارٍ" حذفت حذفاً -/85 ب فلما حذفت لحق التنوين، لزوال الكلمة عن مثال "مفاعِلَ" - أنهم لما قلبوها ألفاً في "معايا" و"صحاري" ونحو ذلك فخف الحرف لانقلابها ألفاً

مسألة 155

لم تحذف؛ لأن من يحذف "نبغِ" و"يَفْرِ" لا يحذف "نخْشَى". فلما لم يحذف كان على زنة "مفاعِلَ" ولما كان على زنة "مفاعِلَ" لم يلحق [الياء تنوينٌ] كما لحق [في] "جوارٍ، وغواشٍ" حيث لحق الحذفُ الياء. مسألة 155: "يهِ": إذا سميت رجلاً "عِهْ" قلت: "هذا وعٍ". فآ: ينبغي أن ترد الياء التي كانت سقطت للوقف؛ لأن السكون قد زال، فإذا رد ذلك لم يكن الاسم على حرفين: أحدهما: حرف لين، فيلزمه

مسألة 156

أن يرد الفاء أيضاً، والفاء من هذا لا تخلو من ضربين: إما أن تكون مفتوحة مثل "وعد، ووشى" أو مكسورة مثل: "شيةٍ وعدةٍ" فإذا حُرك الفاء بالفتح دل أنه رده من "فَعْلٍ" دون "فِعْلَةٍ"، وكأنه أولى لأنه الأصل. ألا ترى أنه الدال على الجنس فكان القياس إذا فتح الفاء أن تسكن العين، فتقول "وعْيٌ" إلا أنه رده على قوله، وهو إذا رد الساقط ترك المتحرك على حركته قبل الرد، والحركة كانت الكسرة قبل الرد، فتقول "وعٍ" على قوله. وقياس قول "خ" عندي "وعيٌ" كما يقول [وشيٌ]، و"ياوشي" في الترخيم على "يا حارِ" ولم يزد "خ" في هذا الموضع على أن نقل لفظ الكتاب فقط. مسألة 156: الزجاجُ: إذا سميت رجلاً بـ "رَهْ" من قولك: [رَزَيْداً] قلت: هذا "رأى" مثل: [دعا].

رجعت الألف؛ لأنها ذهبت للأمر، وعادت الهمزة مفتوحة؛ لأن الأصل "يرْأى"، وبقيت الراء مفتوحة كما كانت في "رَهْ"؛ ليُعْلَمَ أن ما رد كان كذلك أصله. فآ: ينبغي أن يكون على قول "يهِ" "راءٌ" أما الفاء فتكون مفتوحة؛ لأنها كذلك كانت قبل الرد، وهو يترك الحركة بعد الرد على حالها قبل الرد، ومن ثم قال: "يا وشي" على "يا حارُ". فلما كانت هذه مفتوحة قبل الرد تركها على فتحها، وحرك الهمزة بالفتح؛ [لأن] أصلها قبل الحذف الحركة بالفتح. ألا ترى أنها كانت "إرْأى" فتتحرك بالفتح، وإذا تحركت بالفتح انقلبت اللام ألفاً. وقياس قول "خ" عندي "إرْأى" وإنما كان كذلك؛ لأنه إذا رد إليه ما له حذف منه ما لمْ يكن لهُ.

مسألة 157

ألا ترى أنه لما حرك العين من "شيةٍ" بحركة الفاء، فرد الفاء إليها أسكن العين، فكذلك هذا في "رَهْ" إذا رد العين أسكن الفاء؛ لأنها كانت متحركة بحركة العين كما كانت العين من "شيةٍ" متحركة بحركة الفاء، فلما رد الفاء سكن العين يعني في "وَشْيٍ". وكذلك إذا رد العين في "رَهْ" أسكن الفاء في "إرْأى"؛ فإذا سكن الفاء اجتلب همزة الوصل، وقطعها للتسمية بها، فصار مثل "إصْبَعٍ" فيلحقه التنوين في النكرة فيكون "إرْأى" ولا يلحقه التنوين في التعريف. مسألة 157: فآ: 389 - بالخير خيراتٍ وإنْ شرافا

مسألة 158

مثل [أنا] في البيان عند الوقف بالألف، "وحيهلا". مسألة 158: فآ: إذا سميت رجلاً بـ"إلا" فإني أجعله "فِعْلَى" ولا أجعله "إفْعَلْ" كما قال المازني في "إما" سواء. وقول من قال "إنْ لا" هذيانٌ، ولا يجوز أن تكون "إلا" إفْعَلَ"، ولا "أما" "أفْعَلَ"، لأن الفاء والعين على هذا التقدير من مخرج واحد، ولا يكون "أما" "فعل"؛ لأن هذا مثال لا يكون إلا في الأفعال. فلو قدرت "أما" "فعل"- لئلا يثبت فيه زيادة - لكنت قد أثبت فيها زيادة العين، وزدت على ذلك بأن جعلتها على مثال لا يكون إلا للأفعال، وليست فعلاً. قوله: فلو طار سيفي من يميني تباشرتْ ... ضبابُ الملا في جمعهم بقتيل

معاذٌ شاعرٌ قديم. قال: 390 - غضبت علينا أن علاك ابن غالبٍ ... فهلا على جديك إذ ذاك تغضبُ هما حين يسعى المرء مسماة أهله ... أناخا فشداك العقالُ المؤربُ فآ: المعنى: هما العقالُ المؤربُ أناخا فشداكَ، فحمل على لفظ "هما"، وإن شئت على معنى "العِقَالِ". الفرزدق: 391 - هيهات قد سفهت أميةُ رأيها ... فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها 392 - حربٌ تردد بينهم بتشاجرٍ ... قد كفرت آباؤها أبناؤها

..................................................................................................

فآ: "حلماؤها سفهاؤها" ابتداء وخبر، و"استجْهَلَتْ" مشغول بالضمير، وكذلك "كَفَّرَتْ"، و"آباؤها أبناؤها" مبتدأ وخبر، أي آباء أمية أبناء هذه الحروب. المتلمس: 393 - ألق الصحيفة لا أبالك إنما ... أخشى عليك من [الحباء] النفوس فآ: "ما" بمنزلة الذي، و"النقرسُ" خبر "إنَّ"، ويجوز أن

تجعل المصدر في تقدير ["أنْ يُفْعَلَ" أي من أن يُحْبِي بحباء النقرس إياك] حاتم طيء: 394 - ونتجتُ ميتةً جنيناً معجلاً ... عندي قوابله الرجال مسترٍ فآ: يريد الزند، و"مُسترُ" بدل من الهاء في "قوابله" كقول الفرزدق: 395 - ................ ... على جوده لضن بالمال حاتمِ

قال دريد بن الصمة: 396 - فطاعنت عنه القوم حتى تبددوا ... وحتى علاني حالكٌ لون أسود و"حالكُ اللون أسودُ" على الإقواء لا غير.

شبيب بن البرصاء: 397 - وما زلتُ خيراً منك مُذْ عض كارهاً ... بلحييك عادي النجاد ركوبُ فآ: يعني فرج أمه، وجعله ركوباً أي لا يمتنع على أحد. الفرزدق: 398 - رأتْ قريشٌ أبا العاصي أحقهم ... باثنين بالخاتم الميمون والقلم فآ: القلم: يريد به السهم الفائز من قوله تعالى (إذ يلقون أقلامهم)

ويجوز أن يعني [القضيب] وأنشد: 399 - لقد كنت أنهى كل بر وفاجرٍ ... عن الحي عكل من نعير بن عامر 400 - وكانوا يصدون الفوارس عنهم ... ومحمول شرح النازح المنزاور 401 - فأصبح ما فيهم لقيس بن عاصمٍ ... ولابن أبير من عديد وناصر فآ: أي لقد كنت أبا منْ نمير أرمي عن عُكْل، قوله "لقيس بن عاصم" أي تركوا خلفهم، فأصبح الذي منهم لقيس بن عاصم، والمعنى أصبح ما كان فيهم/86 أمن عديد وناصر لابن أبير، وإذا كان كذلك فكأنه فصل بين الصلة والموصول، وهذا لا يجوز، ولكن نحمله على: 402 - أخوهم الأثقالا

مسألة 159

سويد بن كُراعٍ: 403 - أرى آل يربوع وأفناء مالك ... أعضوك في الحرب الحديد المثقبا أي: اللامع المضيء من قولك: أثقبْ ناركَ. مسألة 159: فآ: وجدت الجرمي قد قسم "حتى" الثلاثة الأقسام التي قسمتها أنا. وقال الجرمي أيضاً: "بعيداتُ بينَ" أراد بين السيرينِ، قال: 404 - وأصبح الناسُ بالمعروفِ قد فُجعوا ... وأصبح اللومُ محفوفاً به الكرمُ فآ: أي صار عند اللئام، فحف به الكرام يطلبونه.

مسألة 160

مسألة 160: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض). فآ: أجاز وقوع "إذا" هنا؛ لأن "الذي" موضع يصلح وقوع الجزاء فيه. ألا ترى أن الفاء تدخل جوابه، فكأنه قال: كالذين يقولون إذا ضربوا. الفرزدق: 405 - وباشر راعيها الصلا بلبانه ... وكفيه حر النار ما يتحرق فآ: إن قدر "كفيه" جرا كان عطفاً على عاملين على "الباء" وعلى "باشر" وإن حملت "كفيه" على موضع "بلبانه" بقى "حر النار" غير محمول على شيء. فإذا كان كذلك حملته على "وبكفيه حر النار" فيكون حينئذ مثل: (وآونةً أثالاً)

مسألة 161

وقد يجوز أن يكون "كفيهِ" على الوجهين اللذين أفسدهما، ويكون "حرِّ النارِ" إما بدلاً من "الصلا" وإما مفعولاً له. ألا ترى أنه إنما باشر لحر النار ولطلبه. مسألة 161: سئلت عن: "جاءني إخوتُكَ كلهمْ" و"اختصم أخواك كلاهما" والقول عندي أن تأكيد فاعليْ "اختصم" بـ"كلا" لا ينبغي ولا يحسن، وإن كان تأكيد "إخْوَتِكَ" حسنا بـ"كلهمْ" والفصل بين الموضعين أنه إذا قال: "ضربتُ إخْوَتَكَ" جاز أن يكون ضرب أكبرهم أو أرأسهم، فأراد أنه لما ضربه صار كأنه قد ضربهم، فقال: "كلهمْ وأنفسهمْ" لجواز هذا المعنى في نفسه وإخراج ما يظن من ذلك منها، فالتأكيد حسن مفيد لهذا المعنى. وليس كذلك عندي "اختصم الرجلانِ كلاهما" ألا ترى أنه بنفس "اختصم" يعلم أن أقل فاعل ذلك اثنان، فإذا قال: "كلاهما" فقد ذكر له ما كانت لفظة "اختصم" [تغنيهِ] عنه. فإذا كان كذلك علمت أنه ليس مثل المسألة الأولى لإفادة التأكيد ثم، ويدلك على ضعف التأكيد هنا أنك لا تقول: "ما أضرب زيداً ضرباً" فلا يُعديه إلى المصدر، وإنما لم يعده إليه؛ لأن المصدر إنما يذكر للتأكيد وتشديد الفعل، ونفسُ صيغة فعل التعجب قد أفادتك أن ذلك المعنى من الفاعل ثابت متقرر، فاطرح لذلك تعديته إلى المصدر لما كان ذكره لا يفيد شيئاً ليس في نفس الفعل.

مسألة 162

فكذلك "كِلاهما" لما لم يفد شيئاً لم يكن في "اختصم" لم يجز. ويدلك أيضاً أنك لا تقول: أيهُمْ يضربُ أم يقتلُ زيداً، إنما [تقول] بـ"أوْ"؛ لأن معنى "أمْ" قد استغرقتها "أيٌّ". ولم يجز لك أن تقول: أكرره توكيداً وإن كانت "أي" قد استغرقت معناها، فكذلك هذا لا يصح أنْ يؤكد به. مسألة 162: "فُوكَ" إذا سميت به رجلاً فالقياس أن تجعله على ما تكون عليه الأسماء، كما أنك إذا سميت بـ "ذوُو" قلت: "ذوا" أو "ذوٌّ" فقياس هذا أن تقول فيه: "فَمٌ" ولا يجوز غير ذلك، لأنهم قد كفوك هذا بقولهم "فَمٌ" حيث أفردوه. فإذا سميت به، فقلت "فَمٌ" فأضفته قلت: "فَمُهُ" ولم يجز غير لك لأنك لما سميت به حظرتْهُ التسمية فلم يجز أن تقول: "فوهُ"، ولا "فُوكَ" كما كنت تقوله وهو اسم الجارحة؛ لأنك إن قلت ذلك [فقدْ حرفْتَ] الاسم فلم يجزفيه غير "فَمٍ" لهذا.

فأما "فَمٌ" إذا كان اسماً للجارحة غير منقول فإنك إذا أضفته قلت: "فُوهُ" وكان الأحسن، ولم يجز "فَمُهُ" على ذها إلا في الجاري في الشعر كقوله: 406 - (يصبحُ ظمآن وفي البحر فمُهْ) فهذا الأحسن فيه "فُوهُ" و"فُوكَ" [و] إذا نقلته فسميت به لم يجز إلا "فَمُهُ" لما ذكرت لك من تحريفك الاسم إذا أجبريته وهو منقول مجراه وهو اسم غير منقول.

مسألة 163

مسألة 163: حكى الجرمي أن "يهِ" يختار "قامَ زيدٌ وعمراً وضربته" كما يختار "ضربتُ زيداً وعمراً كلمته"، قال: وغيره يختار الرفع في الأول، والوجه قول "يهِ". مسألة 164: فآ: ما يقوله "كف" من أن "كلا" تثنية فاسد، والقول فيه قول

"يهِ" و"الخليل". وذلك أنه لا يخلو من أن يكون مفرداً أو تثنية فلا يجوز أن يكون تثنية؛ لأنه لو كان تثنية لكان قد أضاف الشيء إلى نفسه وذلك فاسد لا معنى له، وليس بموجود في شيء من كلامهم. ألا ترى أنهم لم يقولوا: "مررْتُ بهما اثنيهما" كما يقولون: مررت بهم [ثلاثتهم]، ولا "مررتُ به واحدهِ"، ولكن قالوا: "وحدَهُ"، فدل ذلك على معنى الانفراد كما كان يدل "واحدُهُ" إن لو قيل، إلا أنهم رفضوه حيث كان يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه كما رفضوا بهما اثنيهما؛ لأن "اثنين" لا يكون أكثر من "اثنين". فإذا كان كلك لم يكن ضمير الاثنين مثل الجمع فيقدر فيه الزيادة على الثلاثة ثم يضيف الثلاثة إليه، فيكون من باب: "حلقةِ فضةٍ وبابِ حديدٍ" فإذا كان كذلك لم تجز إضافته كما لم تجز إضافة الواحد. فإن قال: فهل رأيتم حرف إعراب ينقلب؟

قلنا: نعم "أخوك وأخاك" ونحوه. فإن قال: فهذا مختلف فيه ألا ترى أن أبا إسحاق الزيادي يقول: هو إعراب، وأبو الحسن وأبو عثمان يقولان: هو دلالة إعراب، وإذا كان دلالة إعراب لم يكن حرف إعراب؟ قلنا: هذا حرف إعراب وليس بإعراب ولا دلالة إعراب، والدليل على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون /86 ب دلالة إعراب أو حرف إعراب، فلا يجوز أن يكون دلالة إعراب؛ لأنه لو كان كذلك لبقى الاسم على حرف واحد في "فوكَ وذُو مالٍ"، وبقاء الاسم على حرف واحد لم يجيء في شيء من كلامهم. فإذا كان كذلك كسر هذا قول من قال إن هذا الحرف دلالة إعراب أو إعراب؛ لأنه قد ثبت في هذا الموضع أنه حرف إعراب، وليس بدلالة إعراب. فإذا ثبت في هذا الموضع أن حرف إعراب بهذه الدلالة ثبت أنه في المواضع الأخر حرفُ إعراب لا دلالةٌ له. فإن قال: فقد قال العجاج: 407 - خالطَ من سلْمَى خياشيم وفا

فإن هذا ضرورة، وقال "د": قد لحنه في هذا كثير من الناس. فإن قلت: فقد قالوا "مُ اللهِ"، وقد قال "يهِ" إنه يجوز أن يكون من ايمُ اللهِ". قيل له: ليس في هذا دلالة لكم؛ لأن هذا الاسم مشابه للحرف بدلالة أنه ملازم لموضع واحد غير مفارق له وهو القسم، ومن ثم دخلت عليه همزة الوصل كما دخلت على لام المعرفة، على أن "ب" كان يقول: إنه إنما هو "مُنْ اللهِ" حذفت النون لالتقاء الساكنين كما حذفت من "أحدُ الله"،

408 - ولاكِ اسقني ونحو ذلك. فإذا كان كلك لم يُوجِدُونا اسماً متمكناً على حرف، وإذا لم يُوجِدُوا ذلك ثبت أن الباقي من حروف الكلمة كذلك [ويكون] هو العين. وحرف الإعراب قد انقلب في الأسماء المفردة في غير "كلا"، على أن الألف والياء متقاربة وبعضها ينقلب إلى بعض كثيراً، فتجري كل واحدة مجرى الأخرى. فإن قال: وأنتم عندكم أن "كلا" مفرد في اللفظ وهو عبارة عن اثنين في المعنى، وإذا كان كذلك فقد صار في المعنى مضافاً إلى نفسه؛ لأنه في المعنى هو ما أضيف إليه وليس هو في المعنى أقل مما أضيف إليه فيكون من باب "خاتم حديدٍ"، ولا هو في المعنى غير ما أضيف إليه فيكون من باب "غلامِ زيدٍ". قيل له: ليس هو ما أضيف إليه؛ لأنه عبارة عن كل واحد من الاثنين،

وليس كلُّ [واحد من الاثنين] هو عبارة عن واحد من الاثنين بعبارة عن الإثنين، كما أن "كلا" عبارة عن كل واحد من القوم في قولك: "كل القومِ" وليس هو عبارة عن القوم؛ لأنه إذا كان عبارة عن كل واحد من الاثنين وكل واحد من القوم، وثبت أن الواحد من القوم والواحد من الاثنين ليس هو القوم ولا هو الاثنين، فكذلك جميع آحادهم التي "كل وكلا" عبارة عنها، ليست "هي همْ" ولا "هي غيرهم"؛ لأنه ليس يجب إذا لم يكن الشيء الشيء أن يكون غيره؛ لأن الأجزاء المجتمعة حكماً ليس هو الأجزاء المفترقة. فآ: مما يكون الفاء فيه زائدة ولا يتجه على غير ذلك قوله: 409 - وإذا هلكتُ فعندَ ذلك فاجزعي

مسألة 165

مسألة 165: قال الجرمي فيما قرئ علينا من كتابه - أأنت زيدٌ ضربته - قال: لا يجوز عندي إلا الرفع، وقال في قولهم: "أزيدٌ قام" يرتفع بالابتداء، ولا يرتفع بالفعل، قال: لأنه لا يدل على الرفع بالفعل شيء. فآ: كأنه يريد أن اللفظتين في الارتفاع بالفعل والارتفاع بالابتداء سواء، وإذا كان كذلك لم يرفعه به؛ لأنك لم تصل إلى ما أردته، فإذا كان فعله وغير فعله سواء تركته على ما كان عليه قبل دخول حرف الاستفهام. ويقوى قول الجرمي أن "قام" لا يجوز أن يعمل في "زيدٍ" متقدماً رفعاً على وجه، وليس هذا حق المفسر بل حقه أن يكون لو حذف ما يشغله لتعدى إلى الأول مثل "أزيداً ضربتهُ" لو حذفت الهاء لقلت: "أزيداً ضربتَ". فإذا لم يكن هذا الشرط في: "زيدٌ قام" فقد صار بمنزلة فعل في الصلة كقولك: أزيدٌ الذي ضربته، فـ"زيدٌ" لا يعملُ فيه في هذه المسألة فعلٌ يفسره ما في الصلة؛ لأن الذي في الصلة لا يجوز أن يعمل فيه على وجه، فكذلك "أزيدٌ قام". والوجه في قوله "يهِ" أن النصب في: "أأنتَ زيدٌ ضربتَهُ"

مسألة 166

لا يكون من حيث كان قبل الفصل. ألا ترى أن الفعل إذا تقدم معموله كان عمله فيه أضعف بدلالة قولك "زيدٌ ضربتُ"، ولو أخرت لم يجز ذلك، والفعل أيضاً عمله يضعف في الفاعل إذا تقدمه. ألا ترى أنه لا يرفع الفاعل في "زيدٌ قام" بـ"قامَ". فهذان وجهان يُضعفان عمل الفعل، وينضم إليهما الفصل، والفصل بين العامل والمعمول مما يضعف به عمل العامل في معموله. ومن ثم كرر: (لا تحسبن الذين يفرحون ........ فلا تحسبنهم). ومن ثم أيضاً امتنع قوم من النحويين من: "عبد الله جاريتك أبوها ضاربٌ" لتراخي العامل من المعمول، وتباعده. فإذا انضمت هذه الأشياء ضعف عمل الفعل فلم يعمل فيه عمله قبل الفصل. مسألة 166: "عبد الله في الدار قائماً فيها".

فآ: في "فيها" الثانية وجهان: إن شئت تعلقت بالمحذوف كما تعلقت به "في الدار" على جهة التكرير. ونظيره: "ضربتُ زيداً زيداً" ألا ترى أن "زيداً" الثاني ينتصب بما ينتصب به الأول، فكذلك "فيها" الثانية تتعلق بما يتعلق به الأول، وتقدمها على هذا فتقول: "عبد الله في الدار فيها قائماً". وإن شئت علقته بـ "قائم" تريد "قام فيها"، فلا تتعلق بالمحذوف، ولك أن تقدمه على "قائم" على هذا. ألا ترى أنك تقدم الظرف إذا كان العامل فيه معنى، نحو: "كل يومٍ لك ثوبٌ"، فإذا جاز هذا في المعنى قاسم الفاعل أجدر أن يجوز فيه. ولو رفعت "قائمٌ" جاز أن يكونا متعلقين بـ "قائم" أيضاً. ويجوز إذا جعلته الخبر، فقلت: "عبد الله في الدار قائماً فيها" أن يعمل ما "في الدار" الأول من معنى الفعل في قولك "فيها" فيكون "فيها" معمول "في الدار" نفسه كما يكون "كل يومٍ" معمول "لك" في قولك "كل يوم لك ثوبٌ"، وهذا معنى آخر غير ما شبهناه به من قولك "ضربتُ /87 أزيداً زيداً". فأما قوله تعالى: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها)، فيكون "فيها" على وجهين: تتعلق بالمحذوف الذي يتعلق به "في الجنة" مثل: "ضربتُ زيداً زيداً": ويتعلق بـ "في الجنة" ووجه ثالث: وهو أن يتعلق بـ"خالدين".

مسألة 167

وأما قوله: (فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها)، فلا يكون متعلقاً بـ "كان"، ولا بـ"العاقبةِ"، لأن ما بعد "أن" لا يعمل فيه ما قبله إذا كان في صلة "أن" وما بعد "أنهما" من الآية كلهُ في صلة "أنَّ" ألا ترى أن "في النار" في موضع الخبر، و"خالدين" منتصب عن الضمير الذي في قولك "في النار"، لا يكون غير ذلك؛ لأن "أن" لا معنى للفعل فيها. فإذا كان كذلك احتمل "فيها" بعد "خالدين" الوجوه الثلاثة: أحدها: التكرير والتعلق بما تعلق به "في النار". والآخر: أن يكون معمول "في النار" كما كان "خالدين" معمولاً له. والثالث: أن يكون متعلقاً بـ"خالدين". مسألة 167: فآ: البصريون والكوفيون جميعاً يعتبرون في باب الحال الانتقال وإن كان قد يجيء منها شيء لا ينتقل. فمما جاء لا ينتقل جميع الحال المؤكدة، نحو (وهو الحق مصدقاً)، و (هذا زيدٌ حقاً). و:

مسألة 168

(أنا ابنُ دارةَ معروفاً) فهذه المؤكدة كلها لازمة غير مفارقة. فإن قلت: فلم لا تجعل "حقاً" على المصدر دون الحال؟ قيل: لا يسوغ المصدر. ألا ترى أن "مصدقاً"، و"معروفاً" إنما يكونان على الحال من حيث كانا اسما الفاعلين، و"الحقُّ" وإن كان مصدراً فإن المصادر تقع موقع اسم الفاعل وليس اسم الفاعل في الاتساع في وقوعه موقع المصدر كوقوع المصدر موقع اسم الفاعل، فإذا كان كذلك حملت على الحال دون المصدر. مسألة 168: أنشد في الفرخ: 410 - تروحي أجدر أن تقيلي ... غداً يحني باردٌ ظليل فآ: هذا مثل: (انتهوا خيراً لكم) تقديره عندي: تروحي

مسألة 169

تأتي مكاناً أجدر أن تقيلي: أي أجدر بأن تقيلي: أي تقيليه، يريد: تقيلي فيه فاتسع، فلما حذف أوصل الفعل إلى "أنْ"، وهذا عندي ينبغي أن يكون على محذوف يدل عليه "أفعلُ". مسألة 169: وقال الجرمي أيضاً: "استقبلهم بعيرٌ قد كشر عن نابه" حيث قال القائل: "أأعور وذا نابٍ" وقال: "أمر مُبْكياتك لا أمر مضحكاتك" ينتصب بإضمار رأيت أمر مبكياتك. مسألة 170: فآ: ما كان على نحو: "سرحان" يعلم أنه للإلحاق بقولهم: "سراحينُ"، فإذا قالوا في "ظريان" "ظرابيُّ" علمت أنهم أجروه مجرى ألف التأنيث في "صحارى"، فإذا أجروها مجراها علمت أنه ليس

مسألة 171

للإلحاق، لأن ما يكون للتأنيث لا يكون للإلحاق. ألا ترى أن "ذِفْرَى" فيمن لم ينون لا يكون للإلحاق. مسألة 171: فآ: 411 - (حين لا حين محنْ) إضافتهم "حين" إلى "لا" يدل على أنها قد جرت مع الاسم مجرى الشيء الواحد، وإن لم يكن هذا بمنزلة قولك: "بلا شيء"؛ لأن "لا" مع شيء بمنزلة شيء واحد، ولا يكونان كذلك إذا أضيف معمولها، لأنه إذا أضيف معمولها لا يكون معها بمنزلة شيء واحد، ولا يلزم أن تكون "لا" زائدة كما كانت زائدة فيما فيما أنشد "يه": 412 - وقد علاك مشيبٌ حين لا حينِ

لأنك إن لم تقدر "لا" في هذا البيت زائدة كان نقضاً، لأنك مثبت ما نفيت، وليس كذلك (حين لا حين محن). ألا ترى أنك قد خصصت الحين المنفي بالإضافة إلى المحن فلم تَعُمَّ. وإن قلت: إن (حين لا حين محنْ) لا يكون بمنزلة قولهم: "جئتُ بلا شيء"، لأن الباء لا تدخل إلا على المفرد ولا تدخل على الجمل، فكأنه بمنزلة قولك: "جئتُ بخمسةَ عشر"، وليس الأمر في، "حين لا حين محنْ" كذلك لأن "حين" من أسماء الزمان، وأسماء الزمان تضاف إلى الجعل، فإذا كان كذلك أضفت "حين" إلى "لا حين محنْ" وقد أضمرت الخبر كما تضيف أسماء الزمان إلى الجمل، فـ "حينَ" إذا كان كذلك مضاف إلى الجملة، وليس على حد "جئتُ بلا شيء" لما أعلمتك. وإن قلت: إن قولك: "جئتُ بلا شيء" أيضاً، كأنه دخل على

مسألة 172

جملة، وأردت: جئتُ بلا شيء والخبر مضمر كما دخل عليه في قوله: "ما زيدٌ بنام صاحبهُ". فهو وجه غير ممتنع. ومما يدل على جواز الإضافة في هذا الباب أن الفعل ماض، وإذا كان الفعل ماضياً جازت إضافته إلى الظروف التي تكون بمعنى "إذْ" وما يضاف إليه "إذْ" مبتدأ وخبر فكذلك "حين" لما كانت بمعنى المضى جاز إضافتها إلى ما يجري مجرى الابتداء والخبر. مسألة 172: "لاها الله" في القسم إن خففت الهمزة أو حققت وجاء بذلك استعمال فهو وجه من القياس ووجهه أن "ها" التي للتنبيه لما انضممت إليه كما انضمت "ها" إلى "هلُمَّ" فصارت بدلاً من الواو كما صارت مبنية مع الفعل أو الاسم المسمى به الفعل في قول من لم يثن ولم يجمع حذف؛ فلم يثبت مع الهمزة، وقطعت الهمزة كما قطعت في: "أفألله لتفعلن" لما صارت بدلاً مع حرف الجر. فهذا وجهه. فآ: لا يظهر قطع الهمزة في هذه الكلمة، لأنه لم يجيء مستعملاً على القطع، والمسألة معمولة على أنه لو استعمل الهمز ك يكون وجهه: منهم من قدر فيهما ألف "الله" ألف وصل، وألف "ها" ساكن، ولام "الله" ساكنة فيجتمع ساكنان فمده، ليصير مثل: "دابةٍ" فيدغمه، ومنهم من يقصره فيقول "لا هـ لله" [فيسقط] الساكنين بالكلية، والساكنان في "الدابة"

مسألة 173

متصلان، وهما في "لاها الله" منفصلان، فلهذا جاز المد فيه. مسألة 173: فآ: إن قال قائل في "لهْيَ أبوكَ" كيف ذهب "يهِ" إلى أنه مقلوب/87 ب من "لاهٍ" والمقلوب عنه كان "فعَلاً" والمقلوب إليه "فَعْلٌ" "لَهْيٌ". قيل: لا يمتنع أن يختص المقلوب إليه بما لا يكون للمقلوب عنه. ألا تراهم قالوا: "له جاهٌ" فبنى على "فَعَل" وهو مقلوب من "وَجْه" وقالوا: "قِسِيٌّ" فألزموه الكسر في الفاء، وخالفوا به غيره ولم يستعمل الضم

فيه، كما قيل: "حُلِيُّ، وحِليُّ، وعُصِيٌّ وعِصِيٌّ"، فقد يختص البناء في القلب بما لا يكون قبل القلب. فإن قيل: فما وجه بناء الكلمة؟ فإنها بنيت عندي لأنها تضمنت معنى الحرف المعرف. ألا ترى أن المعنى "لله أبوك" فلما تضمن معنى اللام كما تضمنته "أمس" بنى كما بنى إلا أنه فتح وإن كسر "أمس"، لأن الفتحة في الياء أسهل من الكسرة، وحسن ذلك أيضاً أن الهاء أصلها الحركة، وإذا كان أصلها الحركة ضعف تحريك الياء بالكسر كما أنه إذ تحرك ما قبلها ضعف ذلك فيها. وموضع الاسم عندي جر بلام الإضافة. ألا ترى أن المعنى على ذلك، وإنما حذفت للدلالة عليها. ألا ترى أنه لا يظن أن يكون الثاني [هو] الأول. فإذا كان هذا ممتنعاً [وحُظِرَ] علمت أنه على الوجه الآخر وهو إضمار اللام، وجاز هذا إذ قالوا: "الله لأفعلنَّ". وفي بعض النسخ فوقٌ وفقاً قال: 413 - ونبلى وفقاها كعراقيب قطا طُحْلِ

وقولهم: "الله لأفعلنَّ" حكاه "يهِ"، وطعن "د" فيه، فقال: لا يجوز ذلك، لأن الفعل مراد في الكلام، قال: فإذا كان مراداً وحذف الحرف الجار وصل ذلك الفعل المراد إلى الاسم فنصبه وامتنع الجر. وللقائل أن يقول له: إذا حذفه لكثرة الاستعمال والمراد إثباته فهو - وإن

مسألة 174

كان محذوفاً في اللفظ - في تقدير الثبات فيه، وإذا كان في تقدير الثبات فيه منع الفعل من الوصول كما يمنعه وهو ثابت، ولا يكون هذا على حاء "كلتك، وكلتُ لك"، لأنك في هذا تتسع، فتجعل الفعل غير المتعدي بمنزلة المتعدي فلا يكون الحرف على هذا مقدراً ثباته كما يكون مقدراً في الوجه الآخر، ولكن يكون الفعل يتعدى إليه على الاتساع كما كان يتعدى إلى الظرف على أنه مفعول، واجتمع هذا الضرب في المفعول والظروف، لأن كل واحد منهما كان يتعدى إليه الفعل بتوسط الحرف، فلما استجزت حذفه من المفعول فيه وجعلته مفعولاً به كذلك استجزت حذفه من المفعول به في المعنى، فصار الفعل بمنزلة المتعدي. ويدلك على أن المراد في النية بمنزلة المثبت في اللفظ "نُوْىٌّ" و"رُوْيا" ونحو ذلك. مسألة 174: فآ: إن قال قائل - في الكون -: إذا كان يدل على الحدث فالفعل الذي اشتق منه كيف دل على الزمان دون الحدث عند النحويين، والفعل إنما يشتق من المصدر، فينبغي إذا كان كذلك أن لا يفارقه الدلالة على الحدث، لأنه الأصل في المشتق منه ثم ينضم إليه الدلالة على الزمان كما أن سائر المشتقات يدل على المشتق منه وزيادة؟

مسألة 175

فالقول في هذا عندي: أن الفعل لما صيغ للدلالة على الزمان جاءت هذه الأمثلة مجردة من الحدث، ليكون في هذا إيذان القصد في هذا النوع من الكلم الدلالة على الزمن، ويشبه هذا تاء "أنتَ"، وكاف "ذلك" و"أرأيتك" ونحو ذلك. مسألة 175: فآ: سألنا سائل عن: مررتُ بزيدٍ ضاربٍ عمرو أبوه؟ فأجبنا: أنها لا تجوز؛ لأن اسم الفاعل فيها لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون للماضي، أو للآتي فإن كان للآتي لم يجز؛ لأنه في تقدير الانفصال. وإذا كان في تقدير الانفصال كان يكره، وإذا كان يكره لم يجز أن يكون وصفاً لـ "زيدٍ". وإن كان [للماضي] لم يجز أيضاً؛ لأنك قد [أعملته] في الأب، واسم الفاعل إذا كان لما مضى لم يعمل عمل الفعل. فإذا لم يخل من هذين، ولم يجز هذان لم يجز. وعلى قياس قول الكسائي جائزة؛ لأنه يُعملُ اسم الفاعل وإن كان لما مضى عمل الفعل. مسألة 176: ب: عن الكسائي أنه سمع: "هو أحسنُ الناس هاتين"، هاتين؛

مسألة 177

يعني عينين. فآ: موضع "هاتين" موضع "العينين"، وهو معرفة، والمعارف لا تنتصب على الحال، ولا على التمييز. قال الجرمي: قال أبو زيد: تزوجت امرأة، وبامرأة. مسألة 177: 414 - آليتَ حب العراقِ الدهر أطعمهُ

فآ: القول فيه عندي قول "يهِ"، وذلك أن "آليْتَ" وما أشبهه حقه أن يتلقى بما يتلقى به الأقسام وعلى هذا (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله [من يموت])، (وأقسموا [الله جهد أيمانهم] لئن أمرتهم ليخرجن) ونحو ذلك. وعلى هذا قال النحويون غير عيسى في قوله: 415 - ألم ترني عاهدت ربي ... .................. على حلفةٍ لا أشتمُ .... ............... إنه جواب القسم. ويقول الين خالفوا "يهِ" في هذا البيت: لم نعلمهم خالفوا في بيت الفرزدق، وعلمنا أنهم على غير قول عيسى في بيت الفرزدق، فيلزمهم على هذا أن يقولوا في هذا البيت بقول "يه" أيضاً. ألا ترى أنه على قول "يهِ" متلق قسما، كأنه (آليتَ لا أطعمه) فحذف "لا" كما حذف من:

416 - تالله يبقى على الأيام ونحوه، وحذف "على" من "آليتَ" فوصل الفعل، فصار بمنزلة (قدروها تقديراً) أي "عليها". [و]: 417 - [وأخفى] الذي لولا الأسى لقضاني

أي قضى على. فإن قلت: فقد فصل بين القسم والمقسم عليه في قوله بشيء ليس من القسم، فهلا لم تجز هذا كما لم يجز: والله زيدٌ لضربتُهُ. قيل: ليس هذا مثله. ألا ترى أن "زيداً" مبتدأ ليس من القسم والمقسم عليه في شيء و"على حب العراق" /88 أمتصل بالجملة التي هي القسم، فاتصاله بفعله كاتصال فاعله به، وكاتصال "بالله" في: "أحلِفُ بالله"، وكاتصال "على" بـ"عاهدتُ" في قوله: ................ عاهدت ربي ... .................. ................. على حلفةٍ ... ................... ثم قال: "لا أشتم" فتلقى القسم بـ "لا" وإذا كان كذلك كان سائغاً جائزاً، وعلى قول أولئك يكون "حب العراقِ" مثل [زبداً

ضربته] و"أطعَمُهُ" تفسير للمضمر، ولا يكون في الكلام مقسم عليه. فإن قلت: يكون "أطعَمُهُ" أيضاً مقسماً عليه على قولهم؟ فالقول [في دلالته لا يخلو أن يجعل] "أطْعَمُهُ" مقسماً عليه، ولم يجعل "حب العراقِ" منتصباً بـ"آليت" كما قدره "يهِ" من أن يكون المتلقى للقسم هو الفعل المضمر المفسرُ أو الظاهر المفسرُ، فالمفسرُ يصح أن يكون مقسماً عليه؛ لأنه إذا لم يظهر قبح أن يتلقى القسم به كما قبح أن [ينصب به] عليه، لأنه لما لم يظهر صار بمنزلة مالا حكم له كالضمير الذي في اسم الفاعل ونحوه ألا ترى أن "كف" لا يعترفون به، لوا يعملونه كما يعمله غيرهم، وليس حكم ما كان كذا عند أصحابنا أن يؤكد لأنه عندهم لا يظهر للدلالة عليه كما لا يجوز أن يؤكد الهاء في "زيدٌ ضربتُ"؛ لأنها إنما حذفت لما عرفت، فإثباتها كان أولى من تأكيدها، أو يكون المتلقى هو الفعل المفسر، والمفسر ينبغي أن يكون على حد المفسر، فكما لم يتلق المفسر القسم كذلك المفسر، وكما يقبح أن تنصب ما بعد ما يتلقى القسم ما قبله كذلك يقبح أن ينتصب "حب العراق" بفعل يفسره "أطعمه"؛ لأن الناصب كأنه في المعنى الفعل المفسر؛ لأن ذلك المضمر من أجل انه لا يظهر لا يقع به اعتداد، وهذا على قياس قول "كف"

مسألة 178

لا يجوز عندي؛ لأن الاسم عندهم ينتصب بالفعل الظاهر، وما بعد الفعل المتلقي القسم لا يعمل فيما قبله، وفي قول "يهِ" ليس يعترض شيء من هذه القباحات. مسألة 178: قال الجرمي: "ظننتُ زيداً وظنني منطلقاً"، حكى عن بعض العرب أنهم حذفوا أحد المفعولين في الفعل الأول، قال: وهو عندي جائز. فآ: والقول عندي كما قال؛ لأنه بمنزلة المبتدأ والخبر، وكما يجوز أن يحذف المبتدأ، دون الخبر، والخبر دون المبتدأ كذلك يجوز هذا، ويزداد الحذف في هذا الموضع حسناً أن الجملة الثانية فيها تفسير للمحذوف، فإذا جاز الحذف للدلالة وإن لم يقترن به ما يسفره فالحذف مع اقتران ما يفسره به أجدر. وهاتان الجملتان تجريان مجرى الجملة الواحدة. ألا ترى أنك تفصل بين معمول الأولى بالثانية ومعمولها، نحو: "ضربني وضربته زيدٌ"، ولا يجوز هذا في غير هذا الموضع. مسألة 179: قال الجرمي: لا يجوز هذا الباب وهو باب "ضربني وضربت زيدٌ" إلا فيما كان مستعملاً بحرف عطف، قال: فأما ما عدا ذلك فلا يجوز، قال: وقوله: 418 - عودْ أنْ تنطق بالحق شفتاك .........

ليس على إعمال الثاني، ولكن إنما أراد عود شفتيك أن تنطقا بالحق فأخرت الشفتين فرضتهما. فآ: وقوله: (آتوني أفرغ عليه قطرا) يشهد عليه. ألا ترى أنه قد أعمل الثاني ولم يعمل الأول، وليس هنا حرف عطف، وحكى أيضاً أن الخليل والبصريين يختارون إعمال الثاني، وأن "كف" يختارون إعمال الأول. فآ: والآية تشهد عليهم كما تشهد على الجرمي. ألا ترى أنه أعمل فيها الثاني وليس فيها حرف عطف. فإن قلت: فـ"عَوَّدْ" يقتضي شيئاً يعمل فيه، وإذا [أعملت] الثاني لم يعمل "عَوَّدْ" في مفعول. قيل "ضربْتُ" أيضاً بمقتضى معمولاً فإذا قلت: "ضربتُ وضربني زيدٌ" حذفت المفعول؛ لدلالة الثاني عليه فكذلك حذفت المفعول من "عَوَّدْ" لدلالة الثاني عليه. آخر المسألة والحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه محمد وآله وسلم تسليما. أ. د/ محمد الشاطر أحمد محمد أحمد الثلاثاء: في 20 من جمادي الأولى 1404 هـ-22 من فبراير 1984 م

§1/1