المرقصات والمطربات

ابن سعيد المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال رئيس الأدباء، وعميد الفضلاء، نور الدين أبو الحسن علي بن الوزير العالم أبي عمران موسى بن محمد بن بد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان ن محمد بن عبد الله بن عمار بن ياسر العنبسي الأندلسي رحمه الله: أما بعد، حمداً لله الذي شرف الإنسان، على سائر أنواع الحيوان، بنطق اللسان، ثم جعل أشرف بني آدم من إرتقت درجته في ذلك، وتلاعب بأطراف الكلام المشقق قي تلك المسالك، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبي الهدى والرحمة، الذي أتاه الله من جوامع الكلام ما هو أجلى من مصابيح الظلمة، القائل أن من البيان لسحراً، وأن من الشعر لحكمة، فإن الله جل وعلا جعل قيمة كل أمريء ما يحس ويقول، وشرف بأن تأخذ الإفهام منها على قدر القرائح والعقول، ولم يكن من أعنتها ما هو عن مجال رجالها قاصر، وحباها في كل عصر بأكرم ولي وأعز ناصر، ولم يقصر الفضل على من تقدم، وأبان لنا مطارح القصور بمن جعل جنته (هل غادر الشعراء من متردم) ، وأجرى الحقيقة على لسان القائل: فلو كان يفنى الشعر أفنته ما قرت ... حياضك منه في العصور الواهب ولكنه صوب العقول إذا انجلت ... سحائب منه أعقبت بسحائب وهدى إلى تبيين العلة، من قال في ذلك فشفى الغلة: وعنى الناس بإمتداح القديم ... وبذم الحديث غير الذميم ليس لأنهم حسدوا الحي ... فرقوا على العظام الرميم وله در القائل: أن المتقدمين بنوا فأرتقوا، وأن المتأخرين زينوا ونمقوا، ورأيت في رسالة وأن لكل زمان، ما يليق به من البيان، وفي أخرى الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم،، ولم تزل البلاغة في كل عصر بالمشارق والمغارب، تطلع ما يزين سماءها من شمس وبدر وكواكب، والمصنف من أطال عنان الإختبار، دون إقتصار، ولم يخص بالفضيلة عصراً من الأعصار، ولا مصراً من الأمصار، وإني لما تغلغلت في الرحلة ما بين مشرق ومغرب، وملأت سمعي من كل معجب بنفسه ومعجب، ولقيت من الخائضين في النظم وانثر، ما أشار إليه القائل بقوله الذي هو على الغرض أدل النسيم على الزهر: ألناس كالأرض ومنهاهم ... من خشن فيها ومن لين مر وتشكي الرجل منه الأذى ... وأثمد يجعل في الأعين قمت محتسباً للبلاغتين، وتبيين طبق الصناعتين، فأشتغلت بالكتاب الموسوم بجمع المرقصات والمطربات، وما يعنون به عن سائر الطبقات، وهو محتو على ما يتضمنه من الغرض المذكور كتاب المشرق، في حلى أهل المشرق، وكتاب المغرب، في حلى أهل المغرب، ولما شاع ذكر إشتغالي بالجامع المذكور تطلعت إليه، همم أحالت أمانيها في الغرض من هذا الشأن عليه، وتكرر الطلب والسؤال، قبل أن ينتهي إلى غاية الكمال، فجعلت هذا الكتاب كالمقدمة بين يديه، وصنفته ليكون كالمدخل إليه " وسميته المرقصات والمطربات "، وضمنته من النثر زهرات، مقتطفة بسهل حفظها، ومن النظم بدائع أبيات، لا يشق على القلب والطرف ذكرها ولحظها، مما يحاكى شعشعة الشمس على صفحات الأنهار، ورقرقة الظل في لحظات الأزهار، ليرف على مائيته ريحان القلوب، ويعطيه السمع لحظ المحب إلى المحبوب. من كل معنى ولفظ ... كخمرة في زجاجة يسري النسيم إليه ... يبغي لديه علاجه ولم أتجاوز في النظم ألف بيت، مما لا تحدي عليه بلو ولا ليت، " ورتبته " على الأعصار ترتيب الفرائد في العقود، ومزجت المرقصات والمطربات فيه مزج الجمرة بالبياض في الخدود، وفصلت ما بين فضلاء الشرق وفضلاء الغرب، كما فصل بين الجمعين حكم الطعن والضرب، ولم أتعرض للكلام على التنقيص والترجيح، ولا تصرفت في طريقتي التقبيح والتلميح، بل بقليل النثر فصلاً بعد فصل، وبالألف من النظم بيتاً إثر بيت، مجرداً جميع ذلك لتسهيل الحفظ بالله الإستعانة، ومن نضله نسأل الإبانة، " الطبقات التي بني الجامع المذكور على الكلام فيها خمس ": المرقص، والمطرب والمقبول، والمسموع، والمتروك.

المرقص ما كان مخترعاً أو مولداً يكاد يلحق بطبقة الإختراع، لما يوجد فيه من السير الذي يمكن أزمة القلوب من يديه، ويلقى منها محبة عليه وذلك راجع إلى الذوق والحس مغن بالإشارة، عن العبارة، كقول إمريء القيس في القدماء: سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال وكقول وضاح اليمن: قالت لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع السامر وأسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا آمر وكقول إبن حمديس الصقلي في المتأخرين: من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح وقول أبي جعفر بن طلحة زير إبن هود سلطان الإندلس وكاتبه: والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكؤس الشقيق والمطرب: ما نقص فيه الغوص من درجة الإختراع إلا أن فيه مسحة من الإبتداع كقول زهير في المتقدمين: تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك نعطيه الذي أنت سائله وقول حبيب في المتأخرين: ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجياد بها فليتق الله سائله والمقبول: ما كان عليه طلاوة مما لا يكون فيه غرض على تشبيه وتمثيل وما أشبه ذلك كقول طرفة في المتقدمين: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد وقول إبن شرف في المتأخرين: لا تسأل الناس والأيام عن خبري هما يبثانك الأخبار تطفيلا والمسموع: ما عليه أكثر الشعراء مما به القافية والوزن دون أن يمجه الطبع ويستشقله السمع كقول أمريء القيس: وقوفاً بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل وقول إبن المعتز: سقى الجزيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر والمتروك: ما كن كلا على السمع والطبع كقول المتنبي: قلقلت بالهم قلقل الحشا ... قلاقل عيس كلهن قلاقل والمقتصر على إيراده في هذا العنوان من الطبقات المذكورة ما كان من طبقتي المرقص والمطرب " وكلاهما دائر على غوص الفكرة، وإثارة المعاني، وإلى ذلك أشار والدي بقول: إذا أنت لم تشعر بمعنى نثيره ... فقل أنا وزان وما أنا شاعر وقد يلي من طبقتي المسموع والمقبول، ما يكون توطئة للمرقص والمطرب، فأجعله من جملة العدد ما يتعلق به، ومعظم الإعتماد في هذا الكتاب على النظم لكونه أعق في الأفكار، وأرجو في الأقطار، وهو معين على نفسه، في تذكاره ودرسه، ولم نخل بإهمال النثر بالكلية، بل أوردنا منه ما يكون كالعلم في الحلة الموشية، والنثر في كلامهم يطلق على ما هو مقيد بالسجع، وما هو غير مقيد وجميع نثر القدماء داخل في طبقة المقبول وما تحتها، وفي الجامع المتقدم الذكر ترتيب ذلك على ألإعصار، مستوفي منه ما يختار، إستيفاء مختار الأشعار، ولا نورد هنا إلا ما كان مقيداً بالسجع المسهل للفظ مما هو داخل في طبقتي المرقص والمطرب، جباً على ما إعتمدنا عليه في النظم، " عبد الحميد بن يحيى ": أمام بلغاء الكتاب، والقدرة في ضرب المثل، ومما يليق أن يثبت من نثره في هذا كتاب قوله من رسالة تب بها عن آخر خلفاء بني أمية وهو مروان الجعدي لفرق العرب حين فاض العجم من خراسان بشعار السواد قائمين بالدولة العباسية: فلا تمكنوا ناصية الدولة العربية، من يد الفئة العجيبة، وأثبتوا ريثما تتجلى هذه الغمرة، ونصحو من هذه السكرة، فسينضب السيل، وتمحى آية الليل، والله مع الصابرين، والعقبة للمتقين. " إبراهيم بن العباس الصولي ": هو إمام كتاب الدولة العباسية في ذلك العصر، وقد حكى صاحب كتاب زهر الآداب، أنه ورد كتاب من بعض الكتاب إلى إبراهيم بن العباس، يمدح رجل ويذم آخر، فوقع: إذا كان للحسن من الجزاء ما يقنعه، وللمسيء من النكال ما يقمعه، بذل المحسن ما يجب عليه رغبة، وإنقاذ المسيء لما يكفله رهبة، فوثب الناس يقبلون يده. " عبد الله بن المعتز ": كان ينحو في نثره من التشبيهات والتخييلات، وسائر ما يلوح عليه، غوص فكرة، منحى طريقة في النظام، فصدر عنه ما يليق بهذا الكتاب مثل قوله:

الأرض عروس مختالة في حلل الأزهار، متوجه بأكاليل الأشجار، موشحة بمناطق الأنهار، والجو خاطب لها، وقد جعل يشير بمخصرة البرق، ويتكلم بلسان الرعد، وينثر من القطر أبدع نثار. " أبو الفضل بن العميد ": إمام الكتاب في المائة الرابعة، وقال صاحب اليتيمة: أجمع أهل البصرة في الترسل على أن رسالته التي كتبها إلى بلكا عند إستصعابه عن ركن الدولة غرة كلامه، وواسطة عقده منها قوله: كأبي وأنا مترجح حرمة، وتمت بسالف خدمة، أيسرهما يوجب رعاية، ويقتضي محافظة وعناية، ثم تشفعهما بحديث غلو وخيانة، وتتبعهما بأنف خلاف معصية، وأدنى ذلك يحيط أعمالك، ويمحق كل ما يرعى لك، لا جرم إني وقفت ين ميل إليك وميل عنك، أقدم رجلاً لصدمك وأؤخر أخرى عن قصدك وابسط يداً لإصطلامك وأجتاحك، وأثني ثانية نحو إستبقائك وإستصلاحك، والوقف عن إمتثال بعض الأمور فيك ضناً بالنعمة عندك، ومنافسة في الصنيعة لديك، وتأملاً لفيئتك وأنصرافك، ورجاء لمراجعتك وأنعطافك، فقد يعزب العقل، ثم يؤب ويغرب اللب، ثم يثوب ويذهب العزم، ثم يعود ويفسد الحزم، ثم يصلح ويضاع الرأي، ثم يستدرك ويسكر المرء ثم يصحو، ويكدر الماء ثم يصفو، فكل ضيقة فإلى رخاء، وكل غمرة فإلى إنجلاء، وكما أنك أتيت من أساءتك ما لم تحتسبه أو لياؤك، فلا بدع أن تأتي من حسناتك ما لا يرتقبه أعداؤك، وكما إستمرت بك الغفلة حتى ركبت ما ركبت وأجترمت، ما إجترمت، فلا عجب أن تنتبه إنتباهة تبصر فيها قبح ما صنعت، وسوء ما دبرت وأبرمت، وسأجري على رسمي في الإبقاء والمماطلة ما صلح، وعلى الإستياء والمطاولة ما أمكن، طمعاً في إنابتك، وتحكيماً لحسن الظن بك، فلست أعدم فيما أظاهره من أعذار، وأرادفه من إنذار، إحتجاجاً عليك، وأستدراجاً لك، وأن يشا الله يرشدك، ويأخذ بيدك إلى إصلاحك ويسددك، أنه على كل شيء قدير. ومنها: وقد هدده وعدد عليه بين نعمة ونقمة، تأمل حالك وقد بلغت هذا الفصل من كتابي والمس جسدك وأنظر هل يحس؟ وجس عرقك وأنظر هل ينبض؟ وفتش ما إنحنت عليه إضلاعك هل تجد فيه قلبك؟ ثم قس غائب أمرك يشاهده وآخر شأنك بأوله. قال الثعالبي: لغني عن بكار وكان من آرب أمثاله أنه كان يقول: والله ما كان لي عند قراءة هذا الفصل إلا كما أشار إليه الأستاذ العميد، ولقد كفى كتابه عن الكتائب في عرك أديمي واستصلاحي، وردّي إلى طاعة صاحبي. قال إبن سعيد: هذه الرسالة وأن أطنبوا فيها وجعلها الثعالبي واسطة عقد ترسل إبن العميد، فإنها من طبقة المقبول، ولكن قد خامرها من تغلغل الفكر في ترصيفها، وأثارت ما إنطوت عليه من المقاصد الماثلة بالإسماع ما بالإسماع ما يعلقها بأهداب المطر على الإصطلاح المقرر في هذا الكتاب، وفيها أيضاً من إهمال التقيد بالسجع ما هو خارج عن شرط هذا الكتاب، وليس فيه ما يجري مجراها سواها، والغرض في إيرادها أن يكون عنواناً عن نمطها، فهي من أرفع طبقاتها، وصاحبها جليل القدر، عظيم الذكر، لا يليق أن يهمل إسمه، ولا يغفل ما يلوح عليه فهمه. " أبو الفتح بن أبي الفضل بن العميد ": ذكر الثعالبي أن أباه كان قد بالغ في تأديبه وتهذيبه، وجعل عليه عيوناً بالنظر لما يصدر عنه، فاعلم أنه إستدعى من صديق شراباً ليلة أنس؛ فوجه لذلك الشخص، وأستدعى منه الرقعة التي كتب بها فوجد فيها: قد إغتنمت الليلة أطال الله بقاءك سيدي ومولاي رفدة من عين الدهر، وإنتهزت فرصة من فرص العمر، وأنتظمت مع أصحابي في سلك الثريا، فن لم نحفظ علينا هذا النظام، بإهداء المدام، عدنا كبنات نعش والسلام. فأستطير أبوه فرحاً وإعجاباً بهذه الرقعة، وقال: لآن ظهر أثر براعته، ووثقت بجريه في طريقي، ووقع له بألفي دينار. " أبو إسحاق الصابي ": مكانته في أئمة الكتاب مشهورة ومعظم ترسله من طبقة المقبول، وكثيراً ما يمل تقييد السجع، ومما يدخل من ترسله في طبقة المطرب، قوله: هو أخفض قدراً ومكانة، وأظهر عجزاً ومهانة، من أن تستقبل به قدم في مطاولتنا، أو تطمئن له ضلوع على منابذتنا، وهو في نشوزه عنا وطلبنا إياه كالضالة المنشودة وفي ما نرجوه من الظفر به كالظلامة المردودة. " ومن أخرى ": وقد نزع به شيطانه، وأمتدت في الغي أشطانه.

" الصاحب بن عباد ":هو تلميذ إبن العميد، ولكنه فوقه بالصعود في طبقتي المرقصات والمطربات، كقوله: نحن سيدي بمجلس غني إلا عنك، شاكر إلا منك، قد تفتحت فيه عيون النرجس، وتوردت خدود البنفسج، وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارات النارنج، وأنطلقت السن العيدان، وقام خطباء الأوتار: هبت رياح الأقداح، ونفقت سوق الأنس، وقام منادي الطرب، وطلعت كواكب الندمان، وأمتد سماء الند، فبحياتي، إلا ما حضرت لنحصل بك في جنة الخلد، وتتصل الواسطة بالعقد. " وقوله في أخرى ": مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك، معول في شرفه عليك، فقد أبت راحته أن تصفو إلا أن تتناولها يمناك، وأقسم غناؤه أن لا يطيب حتى تعيه أذناك، فأما خدود نارجه فقد إحمرت خجلاً لإبطائك، وأما عيون نرجسه فقد حدّقت تأهيلاً للقائك، فبحياتي عليك، إلا ما تعجلت عليك، إلا ما تعجلت لهذه الأوطار، لئلا يخبت من يومي ما طاب، ويعود من همي ما طار، وكقوله: لا إعتراض بين الشمس والقمر، والروض والمطر. " وقوله ": الفاظ كما تورق الأشجار، ومعان كما تضحك الأزهار، من غرته تغور السلامة، حدثته السن الندامة، وكقوله: إثنى عليه ثناء العطشان الوارد، على الماء البارد. " أبو النصر العتبي ": كاتب السلطان محمود هو عندي أرفع الجميع طبقة يما يليق بهذا الكتاب، فإنه فيه أطال وأطاب، وأخذ بالآزرة لا بالأهداب، وأما أقسم على ذلك بأجل ما يقسم به وبراءتي عن يميني، وقوف المطالب بالتحقيق على كابه الموسوم باليميني، فقد صمنه من ذلك العجائب، حط بمراقية مراتب كوكب، وعنوان محاسنه في هذا الباب قوله: يوم رقت غلائل صحوه، وغنجت شمائل جوه، وضحكت ثغور رياضه، وأطرد زرد النسيم فوق حياضه، وفاحت مجامر الأزهار، وأنتشرت قلائد الأغصان عن فرائد النوار، وقسام خطباء الأطيار، على منابر الأشجار، ودارت أفلاك الأيدي بشموس الراح، في بروج الأقداح، وقد سيبنا العقل في مروج الجنون، وجعلنا العذارى بأيدي المجون، فبحق الفتوة التي زان الله بها طبعك، والمروءة التي قصر الله عليها أصلك وفرعك، ألا تفضلت بالحضور، ونظمت لنا بك عقد السرور، وقوله: خيفة سألت في أودية الظنون، وبسطت إليه أجنحة المنون، ونفرته عن ضم القوادم للسكون. وقوله: ولما تسامع القوم بإقباله دب الفشل في تضاعيف أحشائهم، وسرى الوهل في تفاريق أعضائهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فجيوب الأقطار عنهم مزورورة، وذيول الخذلان عليهم مجرورة. وكقوله: لئن حرمت برك والدار دانية، ثم رزقته والمسافة نائية، فقد يضن الحبيب قريباً بوصاله، ثم يسمح بعيداً بطيف خياله، والله يطلع علينا سوالف، تلك الأيام، السوالف، مغلقة الأصداغ بأعتاب الزمان، معجمة الأطراف بخيلان الحسن والأخلاق. " بديع الزمان الهمذاني ": من سابقي هذه الحلبة، وممن جاز في مراتبهم أعلى رتبة، وشاهدي على ذلك قوه لمن قدم إليه كتابه قبل الوفود إليه، كتابي والبحر وإن لم أره، فقد سمعت خبره، والليث وإن لم ألقه، فقد تصورت خلقه، والملك العادل وإن لم أكن لقيته، فقد بلغني هيبته وصيته، ومن رأى من السيف أثره، فقد رأى أكثره، وهذه الحضرة وإن إحتاج إليها المأمون، ولم يستغن عنها قارون، فإن الأحب إليّ أن أقصدها قصد موال، والرجوع عنها بجمال أحب إلي من الرجوع بمال، قدمت لتعريف، وأنا أنتظر الجواب الشريف، فإن نشط الأمير لضيف ظله خفيف، وضالته رغيف، فليزجر له بالإستقبال، طائر الإقبال. " ومن محاسن تركيبه " التي إحتذى البلغاء فيها حبذوه قوله: أنا لقرب مولاي " كما طرب النشوان مالت به الخمر "، ومن الإرتياح إلى لقائه، " كما أنتفض العصفور بلله القطر "، ومن الإمتزاج بولائه، " إلتقت الصهباء والبارد العذب، ومن الإبتهاج بمزاره، " كما إهتزت تحت البارح الغصن الرطب ". " الأمير أبو الفضل الميكاي ": له في طبقات هذا الكتاب محاسن عنوانها مثل قوله: لو إستطعت لطرت بأجنحة السحائب، وخطبت بالشكر على متون الكواكب، وقوله: كلام سلب الماء رقته، والنحل ريقته، وقوله: أيام ظل العيش رطب، وكنف الهوى رحب، وشرب الصهباء عذب.

" أبو محمد القاسم بن علي الحريري ": إمام في عصره ومقاماته، قد شرقت وغربت حتى صار إبتذالها عيبها وعنوان ما يليق بهذا الكتاب من نثره قوله: وقد أحاطت به أخلاط الزمر، إحاطة الهالة بالقمر. وقوله: وصل الكتاب الفلاني دام ممليه، متلألئة حالية معالية، فتلقيته كما يتلقى الإنسان، صحف الإحسان، لا بل تتلقى أنامل الراح، كؤس الراح، من أيدي الصباح، في نسمات الصباح. " القاضي الفاضل البيساني ": آخر تقدم يفضله الأوائل، وغير في وجه قس أياد وسحبن وائل، لا أعلم بالمشرق والمغرب مثله، وعنوان عجائبه قوله: ووافينا قلعة نجم وهي نجم في سحاب، وعقاب في عقاب، وهامة لها الغمامة مامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قلامة. وقوله: وافى الإسطول اميمون في خمسين غراباً طائراً من القلوع بأجنحته، كاسر المخالب أسلحته، فما وافى شملاً إلا دعاه إلى الحين، وحقق ما يعزى إلى الغراب من البين، وقوله: ولقد لبد الماء في الليابيد فثقل وزنها، وأنعكس فيها بالتشبيه فصار كالجبال عنها. " ضياء الدين أبو الفتح بن الأثير الجزري ": هو إمام كتاب المائة السابعة في فن هذا الكتاب، وله في ذلك رسائل مشهورة وعنوان بدائعه قوله: الخادم يشكر إحسان مولانا الذي ظل عنده مقيماً، وأصبح بتواليه مغرماً كما أصبح له غريماً، وله في صفة صيد ظبي، فلما أحس بنا طار خيفة حتفه، وكاد أن يخلف ظله من خلقه. وله في الفهد: يبلغ المدى الأقصى في أدنى وثباته، ويسبق الفريسة فلا يمسكها إلا عند إلتفاته، وقوله. وجه يرتوي من مائه الظمآن، مطر زبورد ونرجس وإقحوان، وإذا تأملته بين صدغيه علمت حينئذ أن الشمس تطلع بين قرني الشيطان. وقوله: وجاء النيل يحكي رضا به جني النحل، وأحمرت صفحته فتيقنت أنه قد قتل المحل. إبن خيران المصري: هو إمام كتاب الديار المصرية في المائة الرابعة، وعنوان طبقته قوله حين أمر خليفة مصر الحاكم بهدم كنيسة قيامة بيت المقدس: وقد خرج أمر الإمامة في هدم كنيسة القيامة على أن يصير سقفها أرضاً وطولها عرضاً. إبن الصيرفي المصري: هو إمام كتاب المسافة خامسة بالديار المصرية، كتب بها عن الخليفة الآمر ووقفت على ترسله في نحو عشرين مجلداً ومنه إستمد القاضي الفاضل ومن أمعن النظر في ترسل إبن الصيرفي علم ذلك، ومن ملح ترمله قوله: وجاءت غربان الماء، تحكي قطع السحائب في أديم السماء، يحسب الناظر أنها ركاب، قد طفت في بحر السحاب، أو جفون محدقة والمجاذيف أهداب. ذو الوزارتين أو عبد الله بن أبي الخصال: إمام كتاب الأندلس في طرفي المائة الخامسة والسادسة، وواسطة دره، قوله: أعزك الله فإني حططت والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بالسراج، تصول عليه صولة الحجاج، تارة تسدده سناناً، وطوراً تحركه لساناً، وآونة تطويه حبابة، وأخرى تنشره ذؤاية، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه بزة ذهب، أو حمة عقرب، وتقوسه حاجب فتاة، ذات غمزات، وتتسلط على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتخلفه تجماً، وتمده رجماً، وتسل روحه من ذبالة، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، ومسخته حدق جراد، ومشعته خاطف برق يكف بودق، ولثمت بسناه قنديله، ولفت على أعطافه منديله، فلا لحظ منه للعين، ولا حظ للناظر في اليدين، والليل زنجي الأديم تبري النجوم، قد حللنا سياجه، وأغترقنا أمواجه، فلا مجال للحظه، ولا تعارف إلا بلفظه لو نظرت فيه الزرقاء لأكتحلت، أو خضبت به الشيبة ما نصلت، والكلب قد صافح خيشومه ذنبه، وأنكر البيت وطنيه، وألتوى إلتواء الحباب وجلده الجليد، وضربه الضريب وصعد إنفاسه الصعيد، فحماه مباح، ولا هدير له ولا نباح، والنار كالصديق، أو كالرحيق، وكلاهما عنقاء مغرب، أو نجم مغرب. عيسى بن خير العكيلي: وجدت في ترسله وهو من فضلاء المائة السادسة قوله اللائق هذا الكتاب: أنا أطال الله بقاء الكاتب الفاضل سراج العلم، وشهاب الفهم، في مجلس قد خجلت خدود تفاحه، وضحكت ثغور أقاحة، وخفقت فرقنا للطرب ألوية، وسالت بنا للهو أودية، وحضرتنا مقلة فصر إنسانها، وصحيفة فكن عنوانها، فإن رأيت أن تصل إلينا القصد، لنحصل بك في جنة الخلد، صقلت نفوساً أصدأها بعدك، وأثرت سرجاً أدجاهاً فقدك.

" الفتح بن عبد الله ": صاحب القلائد من أئمة كتاب الأندلس في المائة السادسة، ونثره في كتاب القلائد قد إشتهر عند العام والخاص إبداعه فيه، ومن عنوان طبقت قوله: يوم قد نشر من غيمه رداء ند، وسكب من قطره ماء ورد، وأبدى من برقه لسان نار، وأظهر من قوس قزحه حنايا أنس قد حفت بشقيق وجلنار، والروض قد بعث رياء، وبث الشكر لسقياء؛ وقوله: ليلة قد ثنى السرور منامها، وأمتطى الحبور غاربها وسنامها، وراع الأنس فؤادها، وستر بياض الأماني سوادها، وغازل نسيم الروض زوّارها وعوادها؛ وقوله في شخص يذمه: رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين، أشهر سخفاً وجنوناً، وهجر مفروضاً ومسنوناً، ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة، ولا أظهر نخيله أنابة ولا أقر بياريه ومصوره، ولا قر عن تباريه في ميدان تهوره. " أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الحجازي ": من أئمة بلاغة النثر في العصر المذكور، وله في كتاب المسهب بلاغة لاحقة بالطبقة العالية، ومن عنوان ذلك قوله. ملك قمري الوجه، سحابي اليد، روضي الجناب، لو برز للبحر تطأطأت أمواجه، ولو بدا للشمس توارت بالحجاب. " أبو جعفر بن عطية الطرطوشي ": إمام الكتاب في صدر دولة عبد المؤمن وعنوان طبقته قوله: وقد حكت الدماء على صفحة الماء، حمرة البرق في زرقة السماء، وقوله وقد هزم بد المؤمن رياحاً وهم من بني هلال بن عامر. وحل الويل بهلال إبن عامر، فأفل الهلال وخرب العامر. " أبو عبد الله بن عياش ": كاتب الناصر وغيره من بني عبد المؤمن، وواسطة عقد ترسله قوله في رسالة كبها عند نزول الناصر على المهدية براً وبحراً وإسترجاعها من أيدي الملثمين: ولما حللنا عرى السفر بأن حللنا حمى المهدية، تفاءلنا بأن يكون لمن ألم بساحتها هدية، فأحدقنا بها إحداق الهداب بالعين، وأطرنا لمختلس وصالها غربان البين، فبات بليلة نابغية، وصافح يوماً صافحته فيه يد البلية، ولما إجتلينا منها عروساً قد مد بين يديها بساط من الماء، وتوجت بالهلال، وفرطت بالثريا ووشحت بغيوم السماء، والسحب نسجت عليها أرداناً تبديها تارة متلثمة وطوراً سافرة، وكأنما شرفتها المشرفة أنامل مخضبة بالدياجي مختمة بالكواكب الزاهرة، تضحى ضاحكة عن شنب لا تزال تقبله أفواه المجانيق، وتمسي باسمة عن لعس لا تبرح ترشفه سهام الحريق، خطبناها فأرادت التنبيه على قدرها، والتوفير في أغلاء مهرها، " ومن خطب الحسناء لم يغله المهر "، فتمنعت تمنع المقصورات في الخيام، وأطالت أعمال العامل في خدمتها وتجريد الحسام، إلى تحققت عظم موقعها في النفوس، ورأت كثرة ما ألقى إليها من نثار الرؤوس، فجنحت إلى الإحصان بعد النشوز، ورأت اللجام في الإمتناع من قبول الإحسان لا يجوز، فأمكنت زمامها من يد خاطبها بعد طوة خطبها وخطابها، وأمتعته على رغم رقيبها بعناقها ورشف رضابها، فبات بها معرساً حيث لا حجال إلا من البنود، ولا خلوق إلا من دماء إبطال الجنود، فأصبح وقد تلألأت بهذه البشائر وجوه الأقطار، وطارت بمسارها سوانح البراري وسوائح البحار، فالحمد لله الذي أقر الحق في نصابه، واسترجعه من أيدي غصابه، حمداً يجمعهما بشمل النعم، ويلقحها كما تلقح البحار الديم، فشنفوا الأسماع بهذه البشائر، وأملؤا الصدور بما يرويه لكم من أحاديثها كل ورد وصادر، فهو الفتح الذي تفتحت له أبواب السماء، وعم الأمن والخير به بسيطي الأرض والماء، فشكر الله عليه فرض، في كل قطر من أقطار الأرض. " النجم القوصي وزير صاحب حماه ": من بلغاء أهل مصر في المائة السابعة ومن وعنوان طبقته قوله: ولما ساحة الرياض نثرت علينا أغصانها درر الأزاهر عن قرى، ومدت لنا مقطعاتها سبائك فضة تثير كف النسيم فيها جوهراً، والأطيار تتخاصم في أكرامنا بكل فنن، وتهز سيفاً من كل قد نتذكر به سيف إن ذي يزن، والراح في الأكوس تدور، كأنها شموس في بدور، والخدود على غررها شاهدة، وأن أمست الألسن لها جاحدة.

المرقصات والمطربات

" إبن أبي منصور الدمياطي ": وزير الملك الأشرف من بلغاء المائة السابعة بالديار المصرية، ومما يشفع في ذكره في هذا الكتاب قوله: صدرنا في بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة لبحر النيل فرأينا فيه بئراً عليه دولابان متحاذيان قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس، ولعبت بقلوب ناظريها لعب الأماني بالمفاليس، وهما يئنان أنين أهل الأشواق، ويفيضان دمعاً أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للاعين زبرجده، والأصيل قد راقه حسنه منثر عليه سجده، والزهر قد نظم جواهره في أجساد الغصون، والسلاسل قد أزالت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد إخضر شاؤبه وعارضه، وطرف النسيم قد ركض في ميادين الزهر راكضه، ورضاب الماء قد علاه من الطل لمى، وحيات المجاري جارية تخاف من زمرد النبات أن يدركها العمى، والبحر قد صقل صقيل النسيم درعه، وزعفران العشي قد ألقى في ذيل الجوّ ردعه، فاستحوذ علينا الموضع إستحواذاً، وملأ أبصارنا حسناً وقلوبنا إلتذاذاً، وملنا إلى الولاين شاكين أزمراً حين شجت قيان الطير بألحانها، وشدت على عيدانها، أم ذكر أيام النعيم وطابا، وكانا أغصاناً رطاباً، فنفيا عنهما لذيد الهجوع، ورجعا للنزوع، وأضافا الدموع، طلباً للرجوع. " أبو العباس الغثاني ": كاتب صاحب أفريقية علم في الكتاب تعجز بلاغته ومن فصول نثره قوله: سر إلى جلس يكاد يسير شوقاً إليك، ويطير بأجنحة جواه حتى يحل لديك، فلله كماله إن طلعت بدراً بأعلاه، وجماله إن وضحت غرة بمحياه، فهو أفق قد حوى نجوماً تتشوف إلى طلوع بدرها لتقتبس منه، وقطر قد إشتمل على أنهار تتشوق إلى بحرها المستمد منه وتأخذ الزيادة عنه، فإن مننت بالحضور، وإلا فيا خيبة السرور. " أبو الوليد بن الحنان ": هو ممن يلحق بهذه الطبقة من بلغاء عصرنا بل يتقدمهم بقوله نحن في روض جلس أغصانه الندماء، وغمامه الصهباء، فبالله عليك إلا ما كنت لروض مجلسنا نسيماً، ولزهر حديثنا شميماً، وللجسم روحاً، وللطيب ريحاً، وبيننا عذراء زجاجها خدرها، وحبابها غرها، بل شقيقه حوتها كمامة، أو شمس حجبتها غمامة، إذا طاف بها معصم الساقي فورده على غصنها، أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها، طافت علينا طوفان القمر على المنازل إذ يجول، وأنت وحياتك أكيلنا وقد آن له بالأكاليل حلول. " علي بن سعيد ": مصنف هذا الكتاب وقع له مما يدخل في هذه الطبقة قوله: السماء قد نشرت عرار الشمس، ونثرت بنفسج الغمام، وغرست سوسن القطر في صفحة كل نهرها الإنتظار بأنداء ورد المدام. المرقصات والمطربات من محاسن الجاهلية إمامهم وحامل لوائهم أمرؤ القيس، من مرقصاته قوله: كأن قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي وقوله: كأن عيون الوحش خول خبائنا ... وأرجلنا الجذع الذي لم يثقب وقوله: سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالاً على حال وقوله: وقد أغتدي والطير في ركناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل وهذه المعاني ولد منها شعراء المشرق والمغرب، وتطارحوا في الأخذ منها، " النابغة الذبياني ": له من المرقصات وله في النعمان بن المنذر: وإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع ومن المرقص المطرب قوله في الفرج: وإذ طعنت في مستهدف ... رابي المحبة بالعبير مقرمد وإذا نزعت عن مستحصف ... نزع الحزّور بالرشاء المحصد وإذا يعض تشده أنيابه ... عض الكبير من الرجال الأدرد وقوله للنعمان: لا تقذفني بركن لا كفاء له ... وأن تأثفك الأعداء بالرفد هذا وحي بالأشارة إلى إغراء أعدائه وأجتماعهم عنده في مضرته. وقوله: كان مجرّ الرامسات ذيولها ... عليه حصير نمقته الصوانع وقد صار قوله إماماً لكثير من الشعراء حذوا عليه، وأقتبسوا منه، ومنه قوله: وأنت بيع ينعش الناس سيبه ... وسيف أعيرته المنية قاطع مما وقع له في التمثيل من المرقصات قوله: نبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد ومن التشبيهات العقم ندهم قوله في طيور الحرب:

تراهن خلف القوم خزراً عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرائب وهي ثياب فيها خطوط " عنترة "، أن كانوا قد جلوه في ترتيب الكتاب المصنف في أشعار الجاهلية آخراً فأنه المتقدم بالنظر إلى معاني الغوص فمن يصدر عن فكرته مثل قوله: جادت عليه كل عين ثرة ... فتركن كل حديقة كالدرهم وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غرداً كفعل الشارب المترنم هزجاً يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم ومن جملة هذه القصيدة: ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي فودت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم ومن محسناته في التشبيه قوله: يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم طرفة: ورد في شعره مرقص كدّره إستغلاق لغته وهو قوله: يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المقابل باليد وهذا عندهم من التشبيه العقيم يصف به السفينة في شقها البحر وإنقسام الموج عن حريتها والمقابل الملاعب بالتراب الذي يقسمه ليخفي في أحد أقسامه ما يستخرجه صاحبه. ومما يدخل في المطرب قوله: فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الحياء وديمة تهمي وقوله: والستر دون الفاحشات وما ... يلقاك دون الخير من ستر لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المنّور ليلة البدر زهير: أكثر ما إشتهرت به الحكم والأمثال مما يدخل في طبقة المقبول، وأستحسنوا له في التشبيه قوله: كان فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم وحب الفنا هو عنب الثعلب، وهو إذا لم يحطم أحمر، وقوله: بكرن بكور أو أستحزن بسحره ... فهي لوادي الرأس كاليد للفم ويدخل له في المطرب قوله: وأبيض فياض يداه غمامه ... على معتفيه ما ثغب فواضله تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائل وقوله: وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل على مكثريهم رزق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل وما يك من فعل أتوه فإنما ... بناه لهم آباء آبائهم قبل وهل بنبت الخطى إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل وقوله: ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطيع العوالي ركبت كل لهذم " علقمة ": قوله معاني الغوص في شعره معدومة، وأقرب ما وقع له: أوردتها وصدور العيس مسنفة ... والصبح الكوكب الدري منحور يشير إلى أن كوكب الصبح مثل سنان الحربة طعن به فسال منه دم الشفق، وإذا تبين هذا المعنى كان من المرقصات، وقد بينته في قولي: كم زرته ورواق الليل منسدل ... مسهم راق إعجباً بأنجمه وأبت والصبح منحور بكوكبه ... وسائل الشفق المحمّر من دمه وقوله: يحملن أترجة نضخ العبير بها ... كأن تطيابها في الأنف مشموم يشير إلى ما نال هذه المرأة من مضض السير، وأصفرار لونها كالأترجة، وأنها ما تحركت زيد طيباً خلافاً للتحرك البشري، " ومنه " أخذ إبن الرومي وغيره تشبيه المرأة بالروضة لطيب غرها في السحر بخلاف أنفاس البشر. " أعشى بكر ": أكثر ما وقفت عليه من أوصافه الخمرية التي إشتهر بها أعرابية جافية يخرجها جفاء نمطها عن المرقص وإن كانت حسنة التشبيه وأقرب ما له من ذلك قوله: تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها يتمطق ومن مطرباته قوله: وترى الزق لدينا مترعاً ... حبشياً كب عمداً فأنبطح ومنها قوله: والشعر يستنزل الكريم كما ... ينزل رعد السحابة السبلا ومن مرقصات قوله: غراء فرعاء مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل كأن مشيتها من بيت جارتها ... مشي السحابة لا ريث ولا عجل وقوله:

لله در عصابة نادمتهم يوما بجلق في الزمان المقبل

الست منتهياً عن تحت أثلثنا ... ولست ضائرها ما ألمت الأيل كناطح صخرة يوماً ليوهيها ... لم يضرها وأوهى قرنه الوعل ومن مطرباته قوله: وأن عتاق الخيل سوف يزوركم ... ثناء على أعجازهن معلق به تنقص الأحلاس في كل منزل ... وتعقد أطراف الرجال وتطلق لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار باليفاع تحرق تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج وض لا نتفرق ترى الجود يجري ظاهراً وق وجهه ... كما زان متن الهندواني روتق وهذا البيت لاحق بالمرقصات وما جرى هذا المجرى، وهو واقع في شعر العرب فإنه مرقص " أعشى بأهله " له في المرقصات وله: أن تقتلوه فقد أشجاكم زمناً ... كذلك الرمح ذو النصلين ينكسر لا يأمن القوم ممساه ومصبحه ... من كل أوب وإن لم يغز ينتظر " قيس بن الحطيم ": يدخل في أصحاب ماني الغوص بقوله: تبدت لنا كالشمس تحت غمامة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب وقوله: إني شربت وكنت غير شروب ... وتقّرب الأحلام غير قريب ما تمنعي يقظي فقد نولته ... في النوم غير مصرد محسوب كان المنى أن نلتقي فلقيتها ... فلهوت من لهو أمريء مكذوب فرأيت مثل الشمس عند طلوعها ... في الحسن أو كدنوها لغروب والمرأة الرقيقة اللون يكون بياضها بالغداة يضرب إلى الحمرة وبالعشي يضرب إلى الصفرة، ولذلك قال الأعشى: بيضاء ضحوتها وصفراء العشية كالعراره المخضرمون - " حسان بن ثابت ": شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بروح القدس مما ألحقه معاني التخيل الغوص بطبقة المطرب قوله: لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان المقبل بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر إبن مارية الكريم المفضل الملحقين فقيرهم بغنيهم ... المشفقين على اليتيم الأرمل يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل وقوله: أصون عرضي بمال لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال أحتال للمال أن أودى فأكسبه ... ولست للعرض أن أودى بمحتال وقوله لأبي سفيان بن الحرث في المجاوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأنت رنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد " لبيد بن ربيعة ": هو معدود في شعراء النبي صلى الله عليه وسلم وقع له في طبقة المرقص قوله: وغداة ريح قد وزعت وقّرة ... إذا صبحت بيد الشمال زمامها وفي طبقة المطرب قوله: إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان كل أخ كمثل الكوكب وقوله: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب وقوله: وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رماداً بعد زهو ساطع وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوماً أن ترد الودائع أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا نحني عليها الأصابع أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدبّ كأني كلما قمت راكع فأصبحت مثل السيف أخلق جفنه ... تقادم عهد القين والنصل قاطع " النابغة الجعدي ": هو من شعراء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشدوا له في التشبيهات العقم قوله: كليب لعمري كان أعظم ناصراً ... وأيسر جرماً منك ضرّج بالدم رمى ضرع ناب فأستقل بطعنه ... كحاشية البرد السيماني المسهم ووقع في طبقة المرقصات قوله في صفة الفرس: كانّ تماثيل أرساغه ... رقاب وعول على مشرب وقوله في المطرب: سألتني عن أناس هلكوا ... أكل الدهر عليهم وشرب " الحطيئة ": إثبتوا له في التشبيهات العقم قوله في لغام الناقة:

شعراء الإسلام إلى إنقضاء الدولة الأموية

ترى بين لحييها إذا ما تلغمت ... لغاماً كبيت العنكبوت المدد ومن مرقصاته قوله: كسوب ومتلاف متى ما سألته ... تهلل وأهتز إهتزاز المهند ومن مطرباته قوله: هم القوم الذين إذا ألمت ... من الأيام مظلمة أضاؤا وقوله: الحمد لله أني في جوار فتى ... حامي الحقيقة نفاع وضرار لا يرفع الطرف إلا عند مكرمة ... من الحياء ولا يغضى على عار " عمرو بن شاس ": له صحبة ووقع له في المطربات قوله: إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى للمطايا نور وجهك هادياً أليس يزيد العيس خفة أذرع ... وإن كن حسرى أن تكون أمانيا " الشماخ ": له المطرب قوله: إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين ومن التشبيهات العقم قوله في القوس: إذا أنبض الرامون عنها ترنمت ... ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز " عبيدة بن الطبيب ": له في المطرب قوله: فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما " متعمم بن نويرة ": له في المطرب قوله في رثاء أخيه مالك. وقالوا أتبكي كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللوى والدكادك فقلت لهم أن الأسى يبعث الأسى ... دعوني فهذا كله قبر مالك " كعب بن زهير ": مما يلحق بطبقة المرقص قوله. وما تمسك بالوعد الذي وعدت ... إلا كما يمسك لماء الغرابيل " عمرو بن معدي كرب ": له في المطرب قوله: فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكن الرماح أجرت " العباس بن مرداس ": له في المطرب قوله: نعوض للسيوف إذا إلتقينا ... وجوهاً ما نعرض للطام " أبو الطمحان القيني ": له في المطرب قوله: وإني من القوم الذين هم هم ... إذا غاب منهم كوكب قام صاحبه أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه " الخنساء ": لها في المرقص قولها: وأن صخر التأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار وقولها: يذكرني طلوع الشمس صخراً ... وأبكيه لكل غروب شمس " جنوب بنت عمرو ذي الكلب ": لها في المرقص قولها: تمشي النسور إليه وهي لاهية ... مشي العذاري عليهن الجلابيب ولها في المطرب قولها: وأقسم يا عمر ولو نبهاك ... إذا نبهاً منك داء عضالا إذا نبها ليث عرّيسة ... مبيداً مفيداً نفوساً ومالا فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا " الزبرقان ": له في المطرب قوله: أبلغ سراة بني عبس مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي صولة المستأسد الحامي " عمرو بن الأهتم ": له من المطرب قوله: ذريني فإن البخل يا أم مالك ... لصالح أخلاق الرجال سروق لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق " أوس بن معزى ": له من المطرب قوله: لعمرك ما تبلى سرائر عامر ... من اللؤم أو تبلى عليها جلودها " أبو ذؤيب الهذلي ": له من المطرب قوله: تعلقه منها دلال ومقلة ... تظل لأرباب الشقاء تديرها " الوليد بن عقبة ": له من المطرب قوله: وأنك ولكتاب إلي علي ... كدابغه وقد حلم الأديم شعراء الإسلام إلى إنقضاء الدولة الأموية " تميم بن مقبل ": له في المرقص قوله: يا هند أمسى سواد الرأس خالطه ... شيب القذال إختلاط الصفو الكدر " النجاشي ": له من المطرب قوله: قبيلته لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل ولا يردون الماء إلا عشية ... إذا صدر الوارد عن كل منهل " عبد الله بن الزبير الأسدي ": له في المطرب قوله: رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا فردّ شعورهن السود بيضا ... وردّ وجوههن البيض سودا " حميد بن ثور الهلالي ": له من المرقص قوله في فرخ القطا:

كان على أشداقه نور حبوة ... إذا هو مد الجيد منه ليطعما " ذو الرمة ": فارس أهل ذلك العصر في معاني الغوص لتولعه بالتشبيه والتمثيل وحسن التخيل وهو رئيس المشبهين الإسلاميين وحكى الحجازي في الحديقة أنه كان يقول: إذا قلت كان ولم أجد منها مخلصاً فقطع الله لساني. ومن عجائب تشبيهاته قوله: كأن ألوف الطير في عرصاتها ... خراطيم أقلام خط وتعجم وقوله: كأنما عينها منها وقد ضمرت ... وضمها الليل في بعض الأضى ميم وقوله: قف العيس في إطلال مية وأسأل ... رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل أظن الذي يجدي عليك سؤالها ... دموعاً كتبديد الجمان المفصل وقوله: وما شنتا خرقاء واهية الكلى ... سقى بهما ساق ولما تبللا بأضيع من عينيك للدمع كلما ... توهمت رسماً أو تأملت منزلاً وقوله في المطرب: ولما تواقفنا جرت من عيوننا ... دموع كففنا غربها بالأصابع ونلنا سقيطاً من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع " أرطاة ب شهبة ": كان إبن الإعرابي يتعجب من قوله في إحالته على سن الهرم: فقلت لها يا أم بيضاء أنه ... هريق شبابي وأستشن أديمي وهذا من أرفع المرقصات طبقة: " مضرس بن ربعي ": من التشبيهات العقم ندهم قوله في نعامة: صفراء عارية الأشاجع رأسها ... مثل المدق وانفها كالمبرد " مطير بن الأشئم ": من التشبيهات العقم عندهم قوله: تظل فيه بنات الماء طافية ... كأن أعينها أشباه خيلان " جميل بن عبد الله بن معمر ": له في المرقص قوله: يضم على الليل أطراف حبها ... كما ضم أطراف القميص البنائق وفي المطرب قوله: ذكرتك بالديرين يوماً فأشرفت ... بنات الهوى حتى بلغن التراقيا ما زلت بي يا بثن حتى لو أنني ... من الوجد أستبكي الغمام بكاليا وقوله: إذا ما رأوني طالعاً من ثنية ... يقولون من هذا وقد عرفوني " مرو بن أبي ربيعة ": إشتهر عند الناس بحلاوة المنزع في الغزل وهو إمام تلك الطريقة وأكثر شعره من طبقة المقبول ووقع له في المطرب قوله: ولما توافقنا وسلمت أشرقت ... وجوه زاهاها الحسن أن تتقنعا وقربن أسباب الهوى لمنيم ... يقيس ذراعاً كلما قسن أصبعا وقوله في النحول: قليل على ظهر المطية ظله ... سوى ما نفى عنه الرداء المحبر وقوله: وهي مكنونة حير منها ... في أديم الخدين ماء الشباب " مجنون ليلى ": شعره كان في الغزل عارياً من التشبيهات فإنه لم يخل في طريقه حسن الغوص والتخيل على ما يأخذ بجامع القلوب كقوله في المرقص: متى يشفي منك الفؤاد المعذب ... وسهم المنايا من وصالك أقرب بعاد وهجر وأشتياق ولوعة ... وأنت تدنيني ولا أنا أقرب كعصفورة في كف طفل يضمها ... تذوق حياض الموت والطفل يلعب فلا الطفل ذو عقل يرق لما بها ... ولا الطير ذو ريش يطير فيذهب ولي ألف وجه قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلب إلى أين أذهب وقوله: وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أشجان الؤاد، وما يدري دعا بإسم ليلى غيرها فكأنما ... أثار بليلى طائراً كان في صدري وقوله: كأن القلب قيل يغدي ... بليلى عامرية أو يراح قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح فلا بالليل نالت ما تمنيت ... ولا بالصبح كان لها سراح وله في طبقة المطرب قوله في معظم قصيدته المشهورة التي منها: وقد خبروني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا فهذي شهور الصيف عنا ستنقضي ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس بالليل خالياً

ألا أيها الركب اليماني عرجوا ... علينا د أمسى هوانا يمانيا يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شمالاً ينازعني الهوى من شماليا أصلي فما أدري إذا ما ذكرتها ... إثنتين صليت الضحى أم ثمانيا وما بي إشراك ولكن حبها ... كعود الشجى أعيا الطبيب المداويا خليي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى إبتلانيا ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت أهتدى ليا وماذا لهم لأحسن الله حالهم ... من الحظ في تفريق ليلى حباليا على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه لا علي ولا ليا إذا ما شكوت الحب قالت كذبتني ... فما لي أرى منك لعظام كواسيا فلا حب حتى يلصق الجلد بالحشى ... وتصمت حتى لا تجيب المناديا وقوله: لقد هتفت في جنح ليل حمامة ... على إلفها تبكي وإني لنائم كذبت وبيت الله لو كنت عاشقاً ... لما سبقني بالبكاء الحمائم وقوله: مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع وقوله في المرقص: أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهم جامع حبيبي على الدنيا إذا غبت وحشة ... فيا قمري قل لي متى أنت راجع لقد ثبتت في القلب منك محبة ... كما نبتت في الراحتين الأصابع وقوله مخاطباً لبعلها: عيشك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها وهل رفت عليك فروع ليلى ... رفيف الإقحوانة في مداها " عبد الله بن نمير الثقفي ": له في المرقص ويروي للمجنون: ولم أر ليلى غير موقف ساعة ... ببطن مني ترمي جمار المحصب ويبدي الحصى منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضب ألا إنما غادرت يا أم ما لك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب وأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب وفي المطرب قوله: تضوع مسكاً بطن نعمان إن مشت ... به زينب في نسوة خفرات يخبين أطراف البنان من التقى ... ويخرجن شطر الليل معتجرات ولما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات " قيس بن الذريح ": له في المطرب قوله: فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فما زال للدنيا بطون وأظهر لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللقلب مرتاد وللحظ منظر ومنها: وللحائم الصديان ري بريقها ... وللمرح المختال طيب ومسكر وقوله: وأنك من لبنى العشية رائح ... مريض الذي تطوى عليه الجوانح وقوله: تكاد بلاد الله يا أم معمر ... إذا لم تكن فيها علي تضيق أردّ سوام الطرف عنك وهل لها ... إلى أحد ألا إليك طريق وحدثتني يا قلب أنك صابر ... على البين من لبنى فسوف تذوق فمت كمداً أو عش سقيماً فإنما ... تكلفني ما لا أراك تطيق " الأحوص ": له في المرقص قوله: تمشي بشتمي في المجالس مالك ... يبث به كالكلب إذ ينبح النجما وقوله: إني إذا خفي الرجال وجدتني ... كالشمس لا تخفى بكل مكان وفي المطرب قوله: إذا أنت لن تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجراً من يابس الصخر جامدا وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الظامي الشراب المبردا علاقة حب لج في زمن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجردا وقوله: أدور ولولا أن أرى أم جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور وما كنت زوّاراً ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لا بد أن سيزور وقوله:

كم من دنيء لها قد صرت أتبعه ... ولو صحا القلب عنها صار لي تبعا لا أستطيع نزوعاً عن محبتها ... أو يصنع الشوق بي فوق الذي صنعا أدعو إلى هجرها قلبي فيسعدني ... حتى إذا قلت هذا صادق نزعا زاده رغبة في الحب أن منعت ... أشهى إلى المرء من دنياه ما منعا وقوله: وفي الجيرة الغادين من أهل وجرة ... غزال أحم لمقلتين ربيب لا تحسبي أن الغريب الذي نأى ... ولكن من تأين عنه غريب " كثير عزة ": له في المرقص قوله: ولما قضينا من منى كل حاجة ... رمح بالأركان من هو ماسح أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح وقوله: وإني وتهيامي عزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقبل إضمحلت كأني وإياها سحابة ممحل ... رجاها فلما جاوزته إستهلت كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها العصم زلت وقوله في المطرب: أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تخيل لي ليلى بكل سبيل وقوله: الله أعلم لو أردت زيارة في حب عزة ما وجدت مزيدا وقوله: رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خروا أعزة ركعاً وسجودا وقوله: سيهلك في الدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادث الموت عائله ويخفي لكم حباً شديداً ورهبة ... وللناس أشغال وحبك شاغله كريم يمين السر حتى كأنه ... إذا إستخبروه عن حديثك جاهله يودّ بأن يمسى سقيماً لعله إذا سمعت عنه بشكوى تراسله ويرتاح للمعروف في طلب العلى ... لتحمد يوماً عند ليلى شمائله وقوله: ألا إنما ليلى عصا خيزرانة ... إذا غمزوها بالأكف تلين تمتع بها ما ساعفتك ولا يكن ... عليك شجى في الصدر حين تبين وأن حفت لا ينقضي النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين وقوله: وادنيتني حتى إذا ما ملكتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح تجافيت عني حين لا لي حيلة ... وخلفت ما خلفت بين الجوانح " أبو صخر الهذلي ": له في المراقص قوله: وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما إنتفض العصفور بلله القطر تكاد يدي تندى إذا ما مستها ... وينبت في أعطافها الورق اخضر لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى ... أليفين منها لا يروعهما نفر وقد كنت آتيها وفي النفس هجرها ... بتاتاً لأخرى الدهر ما طلع الفجر فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت لا عرف لديّ ولا نكر وأنسى الذي د كنت فيه هجرتها ... كما قد تنسب لب شاربها الخمر هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر " الصمة بن عبد الله ": له في المطرب قوله: قفا ودعا نجداً او من حل بالحمى ... وقل لنجد عدنا أن يودعا ولما رأيت البشر أعرض دونا ... وجالت بنات الشوق يحنن نزعا تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتاً وأخدعا " إبن أبي فروة ": له في المطرب قوله: ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا أجدّ لنا طيب لمكان وحسنه ... مني فتمنينا فكنت الأمانيا " مالك بن أسماء بن خارجة ": له المطرب قوله: إن لي عند كل نفحة بستا ... ن من الورد أو من الياسمين نظراً وألتفاتة أترجى ... أن تكوني حلت فيما يليني وقوله: حبذا ليلتي بذات يرنا ... إذ نسقى شرابنا ونغنى

المخضرمون من شعراء الدولتين

من كميت كأنها دم ظبي ... تدع الشيخ كالفتى مرجحنا حيث ما دارت الزجاجة درنا ... يحسب الجاهلون إنا جننا " نصيب ": له في المرقص قوله لسليمان بن عبد الملك: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب وفي المطرب قوله: فكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنا بارق نحو الحجاز أطير " الفرزدق ": له في المطرب قوله: قوارض تأتيني فيحتقرونها ... وقد يملأ القطر الأناء فيفعم وفي المرقص قوله: ونحن إذ عدّت معدّ قديمها ... مكان النواصي من وجوه السوابق وقوله: والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار " جرير ": له في المطرب قوله: إن العيون التي في طرفها حور ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا وقوله: متى كان الخيام بذى طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام وقوله: وإبن اللبون إذا ما لزفى قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس " الأخطل ": له في المرقص قوله: قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم ... واستوثقوا برتاج الباب والدار قوم إذا إستنبح الإضياف كلبهم ... قالوا لأمهم بولي على النار قامت بأحمرها تندي مشافره ... كأنه رثة في كف جزار " شهلة ": له في المطرب قوله: وأن أمير المؤمنين وفعله ... لكالدهر لا عار بما فعل الدهر " الراعي: " له في المرقص قوله في أسود: وكأن فروة شعره من رأسه ... زرعت فأنبت جانباها فلفلا " الطرماح: له في المرقص قوله: يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد وقوله في السحاب: دانٍ مسف فويق الأرض هيدبة ... يكاد يلمسه من قسام بالراح " الكميت " له في المطرب قوله: فيا موقداً ناراً لغيرك ضوءها ... ويا حاطباً في حبل غيرك تحطب " عدي بن الرقاع ": له في المقص في ولد الظبية قوله الذي حسده عليه جرير: تزجى أغن كان أبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها وقوله في الخيل: يخرجن من فرجات النقع دامية ... كأن آذانها أطراف أقلام وله في المطرب: وكأنها وسط النساء أعارها ... عيينة أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده لنعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم " ليلى الأخيلية " لها في المرقص: كريم يغض الطرف فرط حيائه ... ويدنو وأطراف الرماح دواني وكالسيف أن لا ينته لأن متنه ... وحداه أن خاشنته خشنان " الوليد بن يزيد بن عبد الملك ": له في المطرب قوله: فالليل أطول شيء حين أفقدها ... والليل أقصر حين ألقاها المخضرمون من شعراء الدولتين " الرماح بن أزد ": له في المطرب قوله: ولا أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وأدمعها يذرين حشو المكاحل تمتع بذا اليوم القصير فإنه ... رهين بأيام الفراق الأطاول " طريح بن أسماعيل ": له في المرقص قوله لكاتب مروان بن محمد وقد كلفه رفع حاجة إلى الخليفة وسأله إستنجازها فقال: جعلتها في جملة الحوائج: تخل لحاجتي وأشدد قواها ... وقد أمست بمنزلة الضياع إذا أرضعتها بلبان أخرى ... أضر بها مشاركة الرضاع " المستهل بن الكمين ": له في المرقص قوله ويروي لبكر بن النطاح: غراء تسحب من قيام فرعها ... وتغيب فيه وهو وحف أسحم وكأنها فيه نهار ساطع ... وكأنه ليل عليها مظلم " الحسين بن طير ": له في المرقص قوله: مخصرة الأوساط زانت عقودها ... أحسن مما زينتها عقودها تمنى بنا حتى ترف قلوبنا ... رفيف الخزامى بات طل يجودها وقوله: فتى عيش في معروفه عد موته ... كما كان بعد السيل مجراه ممرعا " مروان بن أبي حفصة ": له في المطرب:

شعراء المائة الثالثة

مسحت ربيعة وجه معن سابقاً ... لما جرى وجرى ذوو الأحساب وجرت به غر سوابق زانها ... كرم النجار وصحبة الأنساب قوم رواق المكرمات عليهم ... عالي العماد ممدود الأطناب " بشار بن برد ": له في المرقص قوله: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وفي المطرب قوله: إذا جئته في حاجة سد بابه ... فلم تله إلا وأنت كمين الباقون من شعراء صدر الدولة العباسية الكائنين في آخر المائة الثانية // " أبو نؤاس ": هو من أئمة أصحاب معاني الغوص ولا سيما في أوصاف الخمر ومن مرقصاته قوله: فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم وقوه: وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... كأن شعاع الشمس يلقاك دونها ترى العين تستكفيك من لمعانها ... وتحسر حتى مل تقل جفونها كأن يواقيتاً بصحن أنائها ... وزرق سنانير تدير عيونها وقوله: قال أبغني المصباح قلت له إتئد ... حسبي وحسبك ضوءها مصباحاً فسكبت منها في الزجاجة شربة ... كانت له حتى الصباح صباحاً شك البزال فؤادها فكأنما ... أهدت إليك بريحها تفاحا عمرت يكاتمها الزمان حديثه ... حتى إذا بلغ الشآمة باحا وقوله: د عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء قامت بإبريقها والليل معتكر ... فلاح من وجهها في البيت لألأ وأرسلت من فم ابريق صافية ... كأنما أخذها بالعقل أغفاء رقت عن الماء حتى ما يلائمها ... لطافة وأنتفى عن شكلها الماء وقوله: وإذا علاها الماء ألبسها ... ربداً شبيه خلاخل الحجل حتى إذا سكنت جوانبها ... كتبت مثل أكارع النمل وقوله في الغزال: يا من بدائع حسن ثورته ... تثني إليه أعنة الحدق لي فيك ما للناس كلهم ... نظر وتسليم على الطرق لكنهم سعدوا بأمنهم ... وشقيت حين أراك بالفرق وقوله: بصحن خد لم يغض ماؤه ... ولم تخضه أعين الناس وقوله: مباحة ساحة القلوب له ... يرتاع فيها أطايب الثمر وقوله: بانوا وفيهم شموس دجن ... تنعل أقدامها القرون تعوم أعجازهن عوماً ... وتنثني تحتها المتون " والية بن الحباب ": له في المطرب: ولها ولا ذنب لها ... حب كأطراف الرماح بالقلب تعبث دائماً ... فالقلب مجروح النواح " العباس بن الأحنف ": له في المرقص: أحرم منكم ما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا صرت كأني ذبالة نصبت ... تضيء للناس وهي تحترق وقوله: والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد وفي المطرب قوله: همت بإتياننا حتى إذا نظرت ... إلى المرآة نهاها وجهها الحسن وقوله: يكون أجاجاً دونكم فإذا إنتهى ... إليكم علاء طيبكم فيطيب " أبو العتاهية ": له في المطرب: ليالي تدني منك بالقرب مجلسي ... ووجهك من ماء البشاشة يقطر وقوله: أتته الخلافة منقادة ... إليه تجرر أذيالها فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها " سلم الخاسر ": له في المطب: لا تسأل المرء عن خلائقه ... في وجهه شاهد من الخبر وقوله: أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال شعراء المائة الثالثة " حبيب بن أوس الطائي ": قد علوا من مخترعاته قوله: وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود ولولا إشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف فضل طيب العود وقوله في المرقص:

أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا ... فقلت كلا ولكن مطلع الجود وقوله: واكب زارت في ليال قصيرة ... يخيلن لي من حسنهن كواكبا وجوه وأن الأرض فيها كواكب ... توقدت للساري لكانت كواكبا وقوله: من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولاً وقوله: إنما البشر روضة فإذا كا ... ن وبر فروضة وغدير فتكلم بما تجمجم فالمن ... طق عنوان ما تجن الصدور وقوله: أصم بك الناعي وإن كان أسمعا ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا وما كنت إلا السيف ضريبة ... قطعها ثم إنثنى فتقطعا وقوله: ألا في سبيل الله عطلت له ... فجاج سبيل اله وأنثغر الثغر فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر كان بني نبهان يوم وفاته ... نجوم سماء خر من بيتها البدر تردى ثياب الموت حمراً فما أتى ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر وذلك من قصيدته التي أولها: كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لم تفض ماءها عذر كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... فليس لعين لن تقض ماءها عذر وقوله في المطرب: ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله وقوله في وصف قصيدة: فكأنما والسمع معقود بها ... وجه الحبيب بدا لعين محبه وقوله: أجدك ما ينفك يسري لريبنا ... خيال إذا آب الظلام تأوبا سرى من أعالي الشام بجذبه الكرى ... هبوب نسيم الريح تجلبه الصبا وقوله في الخمر: يخفي الزجاجة لونها فكأنما ... في الكف قائمة بغير إناء وقوله: متعتب بي حيث لا متعتب ... إن لم يجد جرماً على تجرما ألف الصدود فلو يمر خياله ... بالصب في سنة الكرى ما سلما وقوله: دنوت تواضعاً وعلوت مداً ... فشأنك إنحدار وأرتفاع كذاك الشمس تبعد أن تسامي ... ويدنو الضوء منها والشعاع وقوله: كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته وحدي وقوله: ظبي تقنصته لما نصبت له ... في آخر الليل أشراكاً من الحلم " عبد الصمد بن المعدل " له في المطرب: أقول وجنح الدجى ملبد ... ولليل في كل فج يد " ديك الجن ": له في المرقص قوله: بها معذول فدار خمارها ... وصل بعشيات الغبوق إبتكارها مشعشعة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدراها " دعبل ": له في المرقص: وداعك مثل وداع الربيع ... وفقدك عندي كفقد الديم وفي المطرب قوله: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن " أبو الشيص ": له في المطرب قوله: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة ... حباً لذكرك فليلمني اللوم " عبد الله الربيعي ": له في المرقص: كأنني ثمل مر النديم ضحى ... عنه بإقداحه من بعد ميثاق فكل كف رآها ظنها قدحاً ... وكل شخص آه ظنه الساقي " إبراهيم بن المهدي ": له في المطرب: إذا كلمتني بالعيون الفواتر ... رددت عليها بالدموع البوادر فلا يعلم الواشون م در بيننا ... وقد قضيت حاجتنا في الضمائر " علية بنت مهدي ": لها في المطرب: وأحسن أيام الى يومك الذي ... تروّع بالهجران فيه وبالعتب إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب " إبن الزيات الوزير ": له في المطرب: ما لي إذا غبت لن أذكر بواحدة ... وإن مرضت فطال السقم لم أعد ما أعجب الشيء ترجوه وتحرمه ... قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي " الحسن بن الضحاك الخليع ": له في المطرب:

شعراء المائة الرابعة

وكالوردة الحمراء حياً بأحمر ... من الخمر يسعى في غلائل كالورد له عبثات عند كل تحية ... بعينيه يستدعي الحليم إلى الوجد رعى الله عصر ألم أبت فيه ليلة ... من الدهر إلا من حبيب على رعد " أبو علي البصير ": له في المرقص قوله: لعمر أبيك ما نسب المعلى ... إلى كرم وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا إقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم " إبراهيم بن العباس الصولي ". له في المطرب: وليلة من الليالي الغر ... قابلت فيها بدرها ببدري لم تك إلا شفقاً في فجر ... حتى تقضت وهي بكر الدهر " علي بن الجهم ": له في المرقص: وقلن لنا نحن الأهلة إنما ... نضيء لمن يسري إلينا ولا نقري فلا نيل إلا ما تزود ناظر ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسري وقوله: ولكن إحسان الخليفة جعفر ... دعاني إلى ما قلت فيه من الشعر فسار مسير الشمس في كل بلدة ... وهب هبوب الريح في البر والبحر " خالد الكاتب ": له في المطرب: رقدت ولم ترث للساهر ... وليل المحب بلا آخر وفي المرقص وله: عشية حياني بورد كأنه ... دود أضيفت بعضهن إلى بعض وراح وفعل الراح في حركاته ... كفعل نسيم الريح في الغصن الغضن " يزيد بن خالد المهلبي ": له في المطرب: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وقوله: أن تعيبي عني فسقيا ورعيا ... أو تحلي بنا فأهلاً وسهلا " البحتري ": له في المرقص قوله: شرف تتابع كابراً عن كابر ... كالرمح أنبوباً على أنبوب " عبيد الله بن طاهر ": له في المرقص: وإذا سألتك رشف ريقك قلت لي ... أخشى عقوبة مالك الأملاك ماذا عليك دفعت قبلك للثرى ... من أن أكون خليفة المسواك أيجوز عندك أن يكون متيم ... كلف حبك دون عود أراك " أحمد بن سليمان بن وهب ": له في المرقص قوله: حفت سرو كالقيان تلحفت ... خضر الحرير على قوام معتدل فكأنها حين الرياح تميلها ... تبغي التعانق ثم يمنعها الكسل " احمد بن يونس الكاتب ": له في المرقص في تفصيل الورد على النرجس: يا من يشبه نرجساً بنواظر ... دعج تنبه أن فهمك راقد إن القياس لمن يصح قياسه ... بين العيون وبينه متباعد والورد أشبه بالخدود حكاية ... فعلام تجحد فضله يا جاحد ملك قصير عمره متأهل ... بخدوده لو أن حيا خالد وخليفة إن غاب ناب بنفعه ... وبنفحه عنه مقيم راكد إن كنت تنكر ما ذكرنا بعدما ... وضحت عليه دلائل وشواهد فأنظر إلى المصفر لوناً منهما ... وأفطن فما يصفر إلا الحاسد " علي بن الرومي ": يقولون أنه أحق الناس بإسم شاعر لكثرة إختراعه، وحسن توليده، ومن مرقصاته قوله في ذم الورد. كأنه سرم بغل حين سكرجه ... لدى البزار وباقي الروث وسطه وقوله في تفضيل النرجس على الورد: خجلت خدود أورد من تفضيله ... خجلاً تورد ما عليه شاهد للنرجس الفضل المبين وأن أبى ... آبٍ وحاد عن الطريقة حائد ينهى النديم عن القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسماع مساعد أين العيون من الخدود نفاسة ... ورآسة لولا القياس الفاسد وقوله وهو من مخترعاته: تشكي المحب وتلقي وهي باكية ... كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان وقوله: فالموت إن نظرت وإن هي إعترضت ... وقع السهام ونزعهن أليم وقوله في مخاطبة بني طاهر: علتم علينا علوّا السماء ... فجردوا علينا بأنوائها شعراء المائة الرابعة " أحمد بن جعفر المعروف بجحظة ": له في المطرب: وإذا جفاني صحب ... لم أستجز ما عشت قطعه

وتركته مثل القبو ... ر أزورها في كل جمعة " أحمد بن أبي البغل الكاتب ": له في المطرب: دعوا مقلتي تبكي لفقد حبيبها ... وتطفي ببرد الدمع حر لهيبها ففي حلى خيط الدمع للقلب راحة ... فطوبى لنفس متعت بحبيبها بمن لو رأته القاطعات أكفها ... لما رضيت إلا بقطع قلوبها " محمد بن صالح الحسني ": له في المطرب: وبدا له من بعد ما إندمل الهوى ... برق تألق موهناً لمعانه يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه فالنار ما حنيت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه " محمد بن عبد الله الأخيطل ": له في المرقص قوله في مصلوب: كأنه عاشق قد مد راحته ... يوم الوداع إلى توديع مرتحل أو قائم من نعاس فيه لوثته ... مواصل لتعطيه من الكسل " أبو عبد الرحمن العطوي ": له في المرقص في رثاء أحمد بن داود: وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم نصف وليس فتيق المسك ما تجدونه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف " إبن جبلة العكوك ": له في المرقص قوله: إنما الدنيا أبو دلف ... بين بادية ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره " أحمد بن أبي فتن ": له في المرقص: كلنا جميعاً وثوب الدجى ... لينا لمبصرنا واحد " إسماعيل الحمدوني ": له في المطرب: يا إبن حرب أطلت فقري برفوى ... طيلساناً قد كنت عنه غنياً فهو في الرفو آل فرعون في العر ... ض على النار غدوة وعشيا زرت فيه معاشراً فازدروني ... فتغنيت إذ راوني زريا جئت في زي زائر كي أراكم ... وعلى الباب قد وقفت مليا " راشد بن حكيمة ": له في المطرب: تصبرت مغلوباً وإني لصابر ... كما يصبر الظمآن في البلد القفر وقوله: وما خطرت دواعي الشوق إلا ... هززت إليك أجنحة التصابي " بكر بن النطاح ": له في المرقص: وائل بعضها يفلل بعضاً ... لا يقل الحديد غير الحديد وفي المطرب: ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في إقتصادي وما وجبت علي زكاة مال ... وهل تجب الزكاة على الجواد " علي بن بسام ": له في المطرب: أما ترى الليل قد ولت عساكره ... وارض الفجر الإشراق قد طلعا فأشرب وردة على وردية قدست ... كأنها خد ريم ريم فأمتنعا " كشاجم ": له في المرقص: وقد حسرت عن واضح الفرق فاحماً ... كخطى ظلام شق بينهما صبح وقوله: فديت زائرة في العيد واصلة ... والهجر في غفلة عن ذلك اخبر فلم يزل قدها ركناً أطوف به ... والخال في خدها يغني عن الحجر وقوله: أهلاً بتين جاءنا ... مبتسماً على طبق يحكي الصباح بعضه ... وبعضه يحكي الغسق كسفرة من أدمٍ ... مضمونة بلا حلق " عبد الله بن المعتز ": هو إمام المشبهين في الدولة العباسية، ومن محاسنه المرقصة: وفتيان سروا والليل داج ... وضوء الصبح متهم الطلوع كان بزاتهم أمراء جيش ... على أكتافهم صدأ الدروع وقوله: ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظفر وقوله: أهلاً بفطر أثار هله ... فالآن فأغدُ على المدام وبكر وأنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وقوله: بنفسج خجلت أوراقه فحكت ... كحلاً تشرّب دمعاً يوم تشتيت كأنه وضعاف القضيب حمله ... أوائل النار في أطراف كبريت وقوله: ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم ... حتى توقدت في ليل الدجى الشفق وقوله: كأن سماءنا لما تجلت ... خلال نجومها عند الصباح

رياض بنفسج خضل نداء ... تفتح فيه نوار الأقاح " أبو الطيب المتنبي ": له في المرقص: فإن يك سيار بن مكرم إنقضى ... فإنك ماء الورد إن ذهب الورد وقوله: فأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يستحسن العقد وقوله: والهجر أقتل لي مما أراقبه ... أنا الغريق خوفي من البلل وقوله: وما ثناك كلام الناس عن كرم ... ومن يسد طريق العارض الهطل وقوله: فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال وقوله: وعدت إلى حلب ظافراً ... كعود الحلى إلى العاطل " أبو نصر بن نباتة ": له في المرقص في فرس أهداه له سيف الدولة: قد جاءنا المهر الذي أهديته ... جذلان يخلط أرضه بسمائه وكأنما لطم الصباح جبينه ... فأقتص منه فخاض في أحشائه وقوله: لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل " سيف الدولة ": له في المرقص قوله الذي نسبه صاحب اليتيمة له، وقد نسب لإبن الرومي ونسب لأبن حماد المغربي وهو: وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفاً ... على الجو دكناً والحواشي على الأرض يطرّزها قوس السماء بأحمر ... على أخضر في أصفر فوق مبيض كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض " أبو راس الحمداني ": له في المرقص قوله وقد وجه سيف الدولة عسكراً فيه أبو فراس فنصر: كنا كالسهام إذا أصابت ... مراميها راميها أصاب وقوله: وجررن العوالي في مقام ... تحدث عنه ربات الحجال كأن الخيل تعلم من عليها ... ففي بعض على بعض تعال " أبو العشائر بن حمدان ": له في المرقص قوله: لقرأت منها ما تخط يد الوغى ... والبيض تشكل والأسنة تنقط وقوله: لقيناهم بأرماح طوال ... تبشرهم بأعمار قصار " السرى الموصلي ": له في المرقص: يلوح على الكاسات فاضلها كما ... يلوح على حمر الخدود السوالف وقوله: نفسي من ردّ التحية ضاحكاً ... فجددت بعد اليأس في الوصل مطمعي وحالت دموع العين بيني وبينه ... كأن دموع العين تعشقه معي وقوله في المطرب: حيا بك الله عاشقيك فقد ... أصبحت ريحانة لمن عشقا " الواو الدمشقي ": له في المرقص: فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد وقوله: متى أرعى رياض الحسن منك ... ويني قد تضمنها غدير وقوله: من قاس جدواك بالغمام فما ... أنصف في الحكم بين شيئين أنت إذا جدت ضاحكاً أبداً ... وهو إذا جاد باكي العين " أبو الفرج الببغا ": له في المرقص: كأنما نقشت حوافر خيله ... للناظرين أهلة في الجامد وكأن طرف الشمس مطروف وقد ... جعل الغبار به مكان الأثمد وقوله: الباذل العرف والأنواء باخلة ... والمانع الجار والأعمار تخترم حيث الدجى النقع والبيض الكواكب ... والأسد الفوارس والخطية الأجم " الوزير المهلبي ": له في المرقص ويروي لإبن طباطبا: خليليّ إني للثريا لحاسد ... وإني على ريب الزمان لواجد أيبقى جميعاً شملها وهي ستة ... وأفقد من أحببنه وهو واحد " الشريف الرضي ": له في المرقص: وأستهلا حديث من سكن الخي ... ف ولا تبكياه إلا بدمعي فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي " محمد بن هشام الخالدي ": له في المرقص: ما عذرنا في حسونا ألا كوايا ... سقط الندى وصفا الهواء وطابا وكأنما الصبح المنير وقد بدا ... باز أطار من الظلام غرابا سفرت فغار حياؤها من طرفنا ... فعلا محاسنها فصار نقابا " أخوه سعيد ": له في المرقص: ومدامة حمراء في قارورة ... زرقاء تحملها يد بيضاء

فالراح شمس والحباب كواكب ... والكف قطب والأناء سماء " الصاحب بن عباد " له في المرقص: رق الزجاج وراقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر " الصبابي ": له في المرقص: وكم من يد بيضاء حازت جمالها ... يد لك لا تسود إلا من النقس إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرزت بالظلماء أردية الشمس " أبو العباس الضبي ": له في المرقص " زعم البنفسج أنه كعذاره ... حسناً فسلوا من قفاه لسانه وقوله: فالشمس عند غروبها ... تصفر من ألم الفراق " أبو الحسن السلامي ": له في المرقص: فبشرت آمالي بمولى هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر " أبو سعيد الرستمي ": له في المرقص: أفي الخلق أن يعطي ثلاثون شاعراً ... ويحرم ما بين الورى شاعر مثلي كما سامحوا عمراً بواو زياد ... وضويق بسم الله في ألف الوصل " إبن مطران ": له في المرقص: ظباء أعارتها الظبا حسن وجهها ... كما قد أعارتها العيون الجاآذر ومن حسن ذاك المثنى جاءت فقبلت ... مواطيء من أقدامهن الضفائر " أبو الفتح الكاتب البكتمري ": له في المرقص: وروضة راضية عن الديم ... وطئتها بناظري دون القدم وصنتها صوني بالشكر النعم " أبو الفياض كاتب سيف الدولة ": له في المرقص: قم سقني خفق الناي والعود ... ولا تبع طيب مفقود بموجود نحن الشهود وخفق العود خاطبنا ... زوج إبن غمام بنت عنقود " سيدوك التمار ": له في المرقص. عهدي به ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللمح بالبصر الآن ليلي لما ان فقدتهم ... ليل الضرير غير منتظر " أبو الحسن النحام ": له في المرقص: يا سائلي عن خالد عهدي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعاليه وأسفله ندى " أبو بكر الخوارزمي ": له في المرقص: عليك بإظهار التجلد للعدا ... ولا يظهرن منك الذبول فتحقرا الست ترى الريحان يشتم ناضراً ... ويطرح في الميضاة لما تغيرا " بديع الزمان ": له في المرقص: وكاد يحكيه صوب الغيث منسكباً ... لو كان طلق المحيا بمطر الذهبا والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت ... والليت لو لم يصدروا البحر لو عذبا " أبو العلا السروري ": له في المرقص: مررنا على الروض الذي قد تبسمت ... رباه وأرواح الأباريق تسبك فلم نر شيئاً كان أحسن منظراً ... من الروض يجري دمعه وهو يضحك " أبو النصر العتبي ": له في المطرب: الله يعلم أني لست ذا بخل ... ولست ملتمساً بالبخل لي عللا لكن طاقة مثلي غير خافية ... والذر يعذر في القدر الذي حملا " الخباز البلدي ": له في المرقص: وذي شجر للطير فيه تشاجر ... كأن صنوف النور فيه جواهر كأن القماري والبلابل حولنا ... قيان وأوراق الغصون ستائر " عبد الصمد بن بابل ": له في المرقص: أنا النشوان من خمر الأماني ... ونشوان الأماني غير صاح وما قصرت في طلب ولكن ... بل الحسناء عن بخت القباح " أبو الفرج بن هند ": له في المرقص: عابوه لما إلتحى فقلنا ... عبتم وغبتم عن الجمال هذا غزال وما عجيب ... تولد المسك في الغزال " الأمير شمس المعالي قابوس ": له في المرقص: قل للذي بصروف الدهر عيرنا ... هل عاند إلا من له خطر أما ترى البحر تطفو فوقه جيف ... وتستقر بأقصى قعره الدرر وفي السماء نجوم لا عداد لها ... وليس بكسف الشمس والقمر " الأمير أبو الفضل الميكالي " له في المرقص: كم والد يحرم أولاده ... وخيره يحظى به الأبعد

كالعين لا تبصر ما حولها ... ولحظها يدرك ما يبعد " أبو الحسن الأنباري ": له في المرقص قوله في إبن بقية الوزير لما صلب: علو في الحياة وفي الممات ... لحقاً أنت إحدى المعجزات كأن الناس حولك حين قاموا ... وفود يديك أيام الصلاة ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات أصاروا الجو قبرك وأستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات " أبو علي بن وكيع ": له في المرقص قوله: غرد الطير فنبه من نعس ... وأدر كأسك فالعيش خلس سل سيف الفجر من غمد الدجى ... وتعرى الصبح عن ثوب الغلس وأنجلى عن حلل فضية ... مالها من ظلم الليل دنس وقوله: كان الحباب المستدير يطوقها ... كواكب در في سماء عقيق " إبن حجاج " له في المرقص قوله على لسان معشوقته: كأن ... شمع من رخاوته ... فكلما غمرته راحتي لانا وقوله: فأصبح الدهر به هيضة ... فنحن غرقى في خرا الدهر " القاضي أبو منصور بن محمد الهروي ": له في المرقص: خشف من الترك مثل البدر طلعته ... يحوز ضدين من ليل وأصباح كأن عينيه والتفتير غنجهما ... آثار ظفر بدت في صحن تفاح " علي بن الحسن البلخي ": له في المرقص: أقمت لي مذ صرت تاحظني ... شمس الكفاة يعيني محسن النظر كذا اليواقيت فيما قد سمعت به ... من حسن تأثير عين الشمس في الحجر شعراء المائة الخامسة // " أبو منصور الثعالبي ": هو من شعراء المائة الرابعة طعن في المائة الخامسة فحسب منها على إصطلاح الكتاب له في المرقص. إنسانة فتانة ... بدر الدجى منها جل إذا زنى طرفي بها ... بدمع عيني يغتسل " مهيار الديلمي ": له في المرقص: ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم ... يتقارعون بها على الضيفان ويكاد موقدها يجود بنفسه ... حب القرى حطباً على النيران " أبو الحسن التهامي ": أنا أقدم الرجل فيما وقفت عليه من حسن الغوص ومن التوليد والإبتداع كقوله في المرقص: والصبح قد أخذت أنامل كفه ... في كل جيب للظلام مزرر وقوله: علا فما يستقر المال في يده ... وكيف تمسك ماء قنة الجبل وقوله: بيضاء تسحب ليلاً حسنه أبدا ... في الطول منه وحسن الليل في القصر " أبو العلاء المعري ": هو جليل القدر في الغوص وكثرة التخيل كقوله في المرقص: والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفاء ويخفيها مع الكدر وقوله: وصبح قد فلونا الليل عنه ... كما نفلي عن النار الرمادا " الهيثم " له في المرقص: ملتهب الأحشاء يحسب ليلة ... أبداً دخاناً والنجوم شرارا " القاضي عبد الوهاب ": له في المرقص: يزرع ورد ناضراً ناظري ... في صفحة كالقمر الطالع فلم منعتم شفتي قطفها ... والحكم أن الزرع للزارع " أبو محمد الخفاجي ": له في المرقص: ملك الزمان بأسره فنهاره ... في وجه وظلامه في شعره " أبو الحسن بن دويرة المعري ": له في المرقص: جنبوا الجياد إلى المطي فغادروا ... بالبيد سطراً من حروف المعجم فترى به عيناً يوطئه حافر ... وترى به هاء بوطئه منسم " السابق المعري ": له في المرقص: كأن الشقائق والإقوان ... خدود يقبلهن الثغور فهاتيك أخجلهن الحياء ... وهاتيك أضحكن السرور " الوامق المعري ": له في الرقص: انظر إلى منظر يسبيك مخبره ... بحسنه في البرايا يضرب المثل نار تلوح من النار نج في شجر ... لا النار تخبو ولا الأغصان تشتعل " الأمير أبو الفتح بن أبي حصنة المصري ": له في المرقص: أبا صالح أشكو إليك فوائباً ... عرتني كما يشكو النبات إلى القطر لتنظر نحوي نظرة لو نظرتها ... إلى الصخر فجرت العيون من الصخر

شعراء المائة السادسة

وفي الدار خلفي صبية قد تركتهم ... يطلون إطلال الفراخ إلى الوكر جنيت على روحي بروحي جناية ... فأثقلت ظهري بالذي خف من ظهري " أبو الفتيان بن حيوس ": له في المرقص: أن ترد خبر حالهم عن يقين ... فألقهم يوم نائل أو نزال تلق بيض الوجوه سود مثار ال ... نقع خضر الأكناف حمر النصال وقوله: فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه " الوزير أبو الفتح المنازي ": له في المرقص قوله الذي لا يوجد في معناه مثله: وقانا لفحة الرمضاء واد ... وقاه مضاعف النبت العميم نزلنا دوحة فحنا عينا ... حنو المرضعات على الفطيم وأمتعنا على ظمأ زلالا ... ألذ من المدامة للنديم يصد الشمس أني واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم " أبن أبي الشحنا العسقلاني ": له في المرقص: ومهفهف علق السقام بطرفه ... وسرى عرس في معاقد خصره مزقت أثواب الظلام بثغره ... ثم إنثنيت أحوكها من شعره " الماهر الحلبي ": له في المرقص: برغمي أن ألوم عليك دهراً ... قليلاً فكره بمعنفيه وأن أرعى النجوم ولست فيها ... وأن أطأ التراب وأنت فيه " أبو عبد الله بن السراج الصوري ". له في المرقص قوله في الفهد. وأهرت الشدق فيه وفي يده ... ما في القواضب والعسالة الذبل والشمس مذ لقبوها بالغزالة لم ... تطلع على وجهه إلا على وجل ونقطته حياء كي يسالمها ... على المنون فعاج الرمل بالمقل شعراء المائة السادسة " إبن الخياط الدمشقي ": طعن في السادسة فحسب منهاله في المرقص قوله: ومحتجب إذا آنست في الحي أنه ... حذاراً وخوفاً أن تكون لحبه " أبو الحسن الباخرزي ": صاحب كتاب الدمية له في المرقص: ما للمعيل وللسفار وإنما ... يحظى بوصل البين من هو فارد فالشمس تجتاب السماء فريدة ... وأبو بنات النعش فيها راكد " أبو علي الباخرزي ": له في المرقص وقد أصابه مع مجبوبه جرب: لنا جرب بين البنان نحكه ... رضينا به واكاشحون غضاب وكنا معاً كالراح والماء صحبه ... علانا لفرط الإمتزاج حباب " الوزير أبو الحسن البيهقي ": له في المرقص: كأنما بغداد في جانبي ... بنيتها حب لها عاشق والجسر ما بينهما قائد ... والنهر من غيرته خافق " الخطيري ": له في المرقص قوله: أقول والليل في إنتداد ... وأدمع الغيث في إنفساح أظن ليلاً بغير شك ... قد بات يبكي على الصباح " القاضي الأرجاني ": إمام هذا الشأن ومن مرقصاته قوله: وما ينزل الغيث إلا لأن ... يقبل بين يديك الثرى وقوله: واصلت جودك بعدما أغنيتني ... سح الغمام على الغدير المترع وقوله: شمس إذا غربت غداة نوى ... فالدمع في آثارها شفق وقوله: فتحدثا سراً فحول قبابها ... سمر الرماح يملن للأصغاء " أبو إسحاق الغزي ": له في امرقص قوله: لو لم أمت بهواك قال العذل ... ما قيمة السيف الذي لا يقتل وقوله: وضقت يداً فجدت وكل جار ... يزيد بضيق جدوله إنصبابا وقوله: مدحت الورى قبله كاذبا ... وما صدق الفجر حتى كذب " فضل الدولة اللاوردي ": له من المرقص: وسقاني الكأس مترعه ... كضرام النار تلتهب ولها من ذاتها طرب ... فلهذا يرقص الحبيب " محمد بن نصر القيصراني ": له في المرقص: وأهوى الذي يهوى له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر الترب وقوله: ما عليهم لو أبا حوافي الهوى ... ما هو صفات المستهام من خصور وشحوها بالضنى ... وجفون ملؤوها بالسقام وقوله:

ما أنت حين تغني في مجالسهم ... إلا نسيم الصبا والقوم أغصان " أبو الحسن بن منير ": له في المرقص: أرق من الماء لولا الشعاع ... لأفنته رشفاً شفاه المقل وكالنار من وهج تيه الشباب ... فلولا تبسمه لأشتعل " حيص بيص ": في جواب إبن الفضل البغدادي قوله في المرقص: لا تضع من عظيم قدري وأن كن ... ت مشاراً إليه بالتعظيم فالجيل العظيم ينحط قدراً ... بالتجري على الجيل العظيم ولع الخمر بالعقول رمى الخمر بتنجيسها وبالتحريم وقوله: صاحب أخ الشر لتسطو به ... يوماً على بعض صروف الزمان فالرمح لا يوهب أنبوبه ... إلا إذا ركب فيه السنان " إبن الهبارية ": له في المرقص: ولولا نداه خفت نار ذكائه ... عليه ولكن الندى مانع الوقد " إبن جكينة الكرخي ": له في المرقص: تبرم بالعذار فظن أني ... أقاطعه وأخلص من يديه فخافت عارضاه خلاص قلبي ... من التبريج فأنفعلت عليه " أبو عبد الله بن امبارك القصار البغدادي ": له في المرقص: واشتعل الذيل ذي حجول ... قد عقدت صبحه بليله كأنما البرق خاف منه ... فجاء مستمسكاً بذيله " أبو عبد الله النقاش البغدادي ": له في المرقص: إذا وجد الشيخ في نفسه ... نشاطاً فذلك موت خفي ألست ترى أن ضوء السراج ... له لهب عندما ينطفي " إبن سيار القاضي بهراة ": له في المرقص: ما شانها والله خضرة عينيها ... بل صار ذلك زائداً في حسناً كادت أساود شعرها تسطو على ... مهج الورى لولا زمرد جفنيها " وقول الآخر أحسن منه ": خافت ذؤاباته فخبأها ... من خلفه فهي إبنة الجبل " الأمير أسامة بن منقذ ": له في المرقص: خلع الخليع عذاره في فسقه ... حتى هتك غاية الإفراط يأتي ويؤتي ليس ينكر ذا ولا ... هذا كذلك أبرة الخياط " أبو غانم ن أبي حصين المعري ": له في المرقص: ومحبوس بلا جرم جناه ... له حبس بباب من رصاص يضيق بابه خوفاً عليه ... ويوثق بعد ذلك بالعفاص إذا أطلقته خرج إندفاعا ... يقبل فاك من فرح الخلاص " أبو العلاء بن أبي الندى المعري ": له في المرقص: لا غرو إن كان من دوني يفوز بكم ... وأنثني عنكم بالويل والحرب يدني الأراك فيضحي وهو يكرع في ... ثغر الفتاة ويلقي العود في اللهب " أبو طاهر بن حيدر البغدادي ": له في المرقص: حتى إذا ضحك الزجاج بقربها ... منه بكى لفراقها الراووق " أبو الفضل البغدادي ": له في المرقص: خطرت فكاد الورق يسجع فوقها ... أن الحمام لمغرم بالبان وقوله: من معشر نشروا على هام الربا ... للطارقين ذوائب النيران " يحيى بن سلمى الحصكفي ": له في المرقص: قلت أن الخمر مخبثة ... قال حاشاها من الخبث قلت منها القيء قال نعم ... شرفت عن مخرج الحدث " محمد بن سبط التعاويذي ": له في المرقص: بين السيوف وعينيه مشاكلة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان " إبن المعلم " له في المرقص: وأستقبلوا الوادي فأطرفت المها ... وتمايلت بغصونها الكثبان فكأنما إعترفت لهم بعيونها الغزلان أو بقدودها الأغصان " العماد الأصفهاني ": له في المرقص: يا رب حتام أعاني الهوى ... في ذنب الغرب ولا أرتقي غارت بي الشمس فمن أجل ذا ... لم تبقني أطلع بالمشرق " القاضي الفاضل ":له في المرقص في وكيله الشريف الكحال: رجل توكل لي وكحلني ... فأصبت في عيني في عيني وقوله: عادى بني العباس حتى أنه ... خلع السواد من العيون بكحله " عمارة اليمني: له في المرقص قوله في مصلوب وكأنما كان على لسان حاله لأنه صلب بعد قولها بقليل:

" شعراء المائة السابعة "

ورأت يداه عظيم ما جنتا ... ففررن ذا شرقاً وذا غربا وأمال نحو الصدر منه فما ... ليلوم في أفعاله القلبا " سعادة الحمصي ": له في المرقص: والورد ما بين أغصان يحاربنا ... عند القطاف بأظفار السنانير " شعراء المائة السابعة " " إبن الساعاتي ": له في المرقص: والطير يقرأ والغدير صحيفة ... والريح تكتب والغمام ينقط وقوله في النهر: صدأ الظلال يزيد رونق حسنه ... أرأيت سيفاً قط يصقل بالصدا " محب الحلبي ": له في المرقص: لا تقولي لا مكتوب على ... فمك الفتان حسنا نعم بحروف أبدعت من قدرة ... ما جرى قط عليها قلم نونها الحاجب والعين بها ... طرفك الساحر والميم فم " راجح احلي " له في المرقص: يا ليل طلت ولم ترق لمغرم ... لم يظلموا إذ لقبوك بكافر " إبن خطيب خوارزم ": له في المرقص: عرض المشيب بعارضيه فأعرضوا ... وتقوضت خيم الشباب فقوضوا كأن في الليل البهيم تبسطوا ... خفوا وي الصبح المنيرة تقبضوا ولقد رأيت وما سمعت بمثله ... بينا غراب البين فيه أبيض " عبد الملك ": له في المرقص وقد دخل عليه مملوك وفي يده قوس: نهاني لما بدت عقرب ... على خده أن أروم السفر فقلت وفي يده وسه ... أسير ففي القوس حل القمر " إبن جلال الدين الفقيه ": له في المرقص: مذ عقربت صدغاه وأستجمع النمل على شهد اللمى الأشنب تقدم الحاجب أن يكتب العارض بالأدهم في الأشهب يا أمراء الحسن لا ترحلوا ... فالقمر الأرضي في العقرب " إبن أردخل التكريتي ": له في المرقص: ألقى القوام عني أمالو ... هـ فقلبي مكسور تلك الإماله " إبن عنين ": له في المرقص: دمشق فبي شوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول بلاد بها الحصباء در وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل " لحسام بن بهرام الحاجري ": له في المرقص: جبت لخال يعبد النار دائماً ... بخدك لم يحرق بها وهو كافر وما أخضر ذاك الخد نبتاً وإنما ... لكثرة ما شقت عليه مرائر ومذ خبروني أن غصناً قوامه ... تيقنت أن القلب مني طائر وقوله: إني لأعذر في الأراك حمامة الشادي كذلك تفعل العشاق حكم الغرام الحاجري بأسرها ... فغدت وفي أعناقها أطواق " أبو الفضل بن حمود الحلبي ": له في المرقص: تواضع إذا نلت المعالي تزد علي ... وتكسب الشكر الجميل من الورى فلن يشكر الغيث الرفيع محله ... قرين الثريا أو يسير إلى الثرى " خليل بن علي الحنفي ": له في المرقص: كأن عذاره المسكي لام ... ومبسمه الشهي العذب صاد وطره شعره ليل يهيم ... فلا عجب إذا سرق الرقاد " العماد السلماسي ": له في المرقص يرثي غلاماً يلقب بالسيف: ستذرف أجفاني عليك دموعاً ... ولا غرو أن تبكي على السيف أجفان بكتك عيون الشهب إذا كنت بدرها ... وغالك من قبل التتمة نقصان وشقت يمين الصبح فيك عن الدجى ... قميصاً فأضحى وهو للحزن عريان بكت فقدك الدنيا قديماً دمعها ... فكان به سالف الدهر طوفان " الشريف الطوسي الموسوي ": له في المرقص: ودولاب إذا دار ... يزيد القلب أشجانا سقى الغصن وغناه ... فما يبرح نشوانا " الصاحب بهاء الدين زهير الحجازي ": له في المرقص: أيا ظبي هل لا كان منك إلتفاتة ... ويا غصن هلا كان فيك تعطف ويا حرم الحسن الذي هو آمن ... والبابنا من حوله تتخطف عسى عطفه للوصل يا واو صدغه ... علي قاني أعرف الواو تعطف " القاضي بدر الدين عبد الواحد بن عبد الله بن أبي جرادة الحلبي ": له في المرقص:

يا واحداً في الحسن ما ... أبقى هواه على أحد لم ينعطف غصن النقا ... لكن لقامته سجد ما تبسم في الدجى إنشق الصباح في الحسد ما ذاب إلا غيرة ... نمن در مبسمه البرد وقوله: واهاً لعقرب صدغه ... لو لم يكن للماء يحمي ولغفل خط عذاره ... لو بت أعجمه بلثمي وقوله: طرفي وقلي منزلاه لأنه ... قمر وتلك منازل الأقمار يا ساكن الجفن القريح وليته ... يرعى لجاري الدمع حق الجار " علاء الدين يعيش ": في حرب أتراك: أدغموا الذابلات في مثلها منهم وفي المثل يحسن الإدغام وأمالوا إليهم الفات النبل ... حتى لم يحمهم منه لام " عون الدين العجمي ": له في المرقص: لهيب الخد حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراش فأحرقه فصار عليه خالاً ... وها أثر الدخان على الحواشي " مجد الدين بن زبلاق ": له في المرقص: ومن عجب ن يحرسوك بخادم ... وخدام هذا الحسن من ذاك أكثر عذارك ريحان وثغرك جوهر ... وخدك كافور وخالك عنبر " إبن غزي الموصلي ": له في المرقص: أنا صب ودمع عيني صب ... وأسير من الضنى في قيود وشهودي على الهوى أدمع العين ولكني قذفت شهودي " إبن الحلاوي الموصلي ": له في المرقص: كتبت فلولا أن ذاك محرم ... وهذا حلال قست لفظك بالسحر فو الله ما أدري أزهر خميلة ... بطرسك أم در يلوح على نحر فإن كان زهراً فهو صنع سحابة ... وإن كان دراً فهو من لجة البحر " مجد الدين بن الظهير الأربلي ": له في المرقص: طرفي وقلبي ذا يسيل دماً وذا ... دون الورى أنت العليم بقرحه وهما بحبك شادان وإنما ... تعديل كل منهما في جرحه وقوله: غارت مناطقه وأنجد ردفه ... يا بعد شقة غوره من نجده " الجلال بن صغار الدنيسري ": له في المرقص: علقته أمي حسن فما له ... أتى بكتاب ضمنه سورة النمل وما لي أنا المجنون فيه وشعره ... إذا مرّ بالكثبان خط على الرمل وقوله: ومتى تقوم قيامي بوصاله ... ويضم شملينا معاد شامل وأكون من أهل الخطايا خده ... ناري وصدغاه عليّ سلاسل " تاج الدين بن أبي الحواري ": له في المرقص: ووالله ما أخرت عنك مدائحي ... لأمر سوى أني عجزت عن الشكر وقد رضيت فكري مرة عد مرة ... فأساغ أن أهدي إلى مثلكم شعري فإن لم يكن دراً فتلك نقيصة ... وإن كان دراً كيف يهدي إلى البحر " شهاب الدين التلعفري ": له في المرقص: وإذا الثنية أشرقت وشمعت من ... أرجائها أرجاً كنشر عبير سل هضبات المنصوب أين حديثه المرفوع عن ذيل الصبا المجرور " النجم القمراوي ": له في المرقص: ويا ليل الذؤابة م كفاني ... تطاول حالك الليل البهيم وحاكمت النسيم على مرور ... بعطفيه فمال مع النسيم " فتيان الشاعوري ": له في المرقص: فبطنها حجر الإسباط منجبس ... وظهرها حجر الإسلام مستلم " إبن عوض المعري ": له في المرقص: فإن نحت في أفنان وجدي يحق لي ... فإني بما أوليتموني مطوق " إبن أسرائيل ": له في المرقص: أنت الأمير على الملاح أسرهم ... وعليك من قلبي لواء خافق " نجم الدين ن بطريق البغدادي ": له في المرقص: قوله في جرب: أعادك الله من هم ومن وصب ... ولا لقيت الذي ألقى من العرب هذا زماني أبو جهل وذا جربي ... أبو معيط وذا قلبي أبو لهب " شرف الدين بن نجم الموصلي ": له في المرقص: قوله في مرئية: فالعضب أبتر والمثقف ذابل ... حرقاً وكل حنية مرنان " فخر الترك أيدمر مولى وزير الجزيرة ": له في المرقص: وكأن نرجسه المضاعف خائض ... في الماء لف ثيابه في رأسه وقوله:

" شعراء المغرب من أول الديار المصرية إلى البحر المحيط "

شكى رمداً جفن الأصيل إلى الدجى ... كحله ميل الظلام بأثمد " أبو عبد الله الكردي ": له في المرقص: إذا ما إشتقت يوماً أن أراكم ... وحال البعد بينكم وبيني بعثت لكم سواداً في بياض ... لأبصركم بشيء مثل عيني " سعد الدين العربي الدمشقي ": له في المرقص: وقالوا قصير شعر من قد ويته ... فقلت دعوني لا أرى منه مخلصا محياه شمس قد علت غصن قده ... فلا عجب للظل أن يتقلصا " بدر الدين الذهبي ": له في المرقص: والخيل قد نشرت من نقعها صحفاً ... قامت شكائمها ما بينها سطرا تملى علينا الدينيات ما نظمت ... فيها ويملي علينا السيف ما نثرا " نور الدين الأسعردي ": له في المرقص: ولم أر شمساً قبلها في زجاجة ... مكللة من نفسها بنجوم وتنظر من ستر الزجاج كأنها ... سنا البرق يبدو من رقيق غيوم " وللمهذب بن الخيامي ": وقد كتب لإبنه: جننت فعوذني بكتبك أن لي ... شياطين شوق لا يفرقن مضجعي إذا إستمعت أسرار وجدي تمرداً ... بعثت عليها في الدجى شهب أدمعي " الجمال بن خطلخ الأرموي ": له في المرقص: صابونة في راحتي منعم ... قد أضحت السحب لها حسدا تلاطم البحران في صدرها ... فاصح الموج بها مزيدا " شعراء المغرب من أول الديار المصرية إلى البحر المحيط " الجاهلية وما بعدها إلى المائة الرابعة عاطلة مما هو من شرط هذا الكتاب. " شعراء المائة الرابعة " " أبو عمرو بن عبد ربه ": إمام أهل أدبها بالأندلس ومصنفيها وفرسان شعرائها وهو صاحب كتاب العقد. له في المرقص. يا ذا الذي العذار بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا ما كنت أقطع أن لحظك صارم ... حتى إكتسيت من العذار حمائلا وقوله الذي حكم له المتنبي بسماعه أنه شاعر الأندلس: يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتعذيب القلوب خليقا ما أن رأيت ولا سمعت بمثله ... دراً يعود من الحياء عقيقا وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا يا من تطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا " إبن هذيل الأعمى ": له في المرقص: لما وضعت على قلبي يدي بيدي ... وصحت في الليلة الظلماء وا كبدي ضجت كواكب ليلي في مطالعها ... وذابت الصخرة الصماء من كمدي وليس لي جلد في الحب ينصرني ... فكيف أبقى بلا قلب بلا جلد وكيف أشرح ما ذاب الجماد له ... لمن غدا خائفاً إشارتي بيدي لما رآني مشيراً للسلام بها ... ألقى على خدّه مضاعف الزرد " يوسف بن هارون الرمادي ": له في المرقص: قوله: ولم ارَ أحلى من تبسم أعين ... غداة النوى عن لؤلؤ كان كامنا وقوله الذي لم يُقَل في وصف سحابة إنسجمت على الربا، ونقطت وجوه الغدران أحسن منه: هوت مثلما يهوي العقاب كأنما ... تخاف فوات المحل فهي تبادر تشمّ دوانيها الربا تثيرها ... كما شمّ أذيال العروض الضفائر كأن إنتشار القطر منها ضوابط ... تدور على الغدران منها دوائر " الشريف المرواني الطليق ": له في المرقص قوله يصف غلاماً أشقر: غصن يهتز في دعص نقا ... يجتني منه فؤادي حرقا سال لام الصدغ في صفحته ... سيلان التبر وافى الورقا فناهى الحسن فيه إنما ... يحسن الغصن إذا ما أورقا وكأن الكأس في أثمله ... شفق أصبح يعلو قلقا أصبحت شمساً وفوه مغرباً ... ويد الساقي المحيي مشرقا وإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا وقوله: وعلى الأصائل رقة من بعده ... فكأنما تلقى الذي ألقاه

" شعراء المائة الخامسة "

وغدا النسيم مبلّغاً ما بيننا ... فلذاك رق هواً وطاب شذاه الروض مبسمه ونكهته الصبا ... والورد أخضله الندى خداه فلذاك أولع بالرياض لأنها ... أبداً تذكرني بمن أهواه " جعفر بن عثمان الحاجب ": له في المرقص: قوله: كلمتني فقلت درٌ سقيطٌ ... وتأملت عقدها هل تناثر فأزدهاها تبسم فارتني ... نظم در من التبسم آخر وقوله في الخمر: خفيت على شرابها فكأنما ... يجدون ياً من أناء فارق " إبن فروج الحياني ": صاحب كتاب الحدائق له في المرقص: بدت في الليل سافرة فباتت ... دياجي الليل سافرة القناع فملكت النهى جاب شوقي ... لأجري في العقاف على طباعي كذاك الروض ما فيه لمثلي ... سوى نظر وشم من متاع ولست من السوائم مهملات ... فأتخذ الرياض من المراعي " إبن هانيء الأندلسي ": له في المرقص قوله في قصد ملك جواد على جواد سابق: وبعدت شأو مطالب وركائب ... حتى إمتطيت إلى الغمام الريحا وقوله: وكأن حمرة وعذاره ... تفاحة رميت لتقتل عقربا " تميم المعز ": له في المرقص قوله: أطلع من الحسن من جبينك شمسا ... فوق ورد من وجنتيك أطلا فكأن العذار خاف على الورد جفافاً فمدّ بالشعر ظلا وقوله: كأن بقايا الليل والصبح طالع ... بقية لطخ الكحل في الأعين الزرق " المقداد المصري ": له في المرقص قوله: يقول من لامني عليه أرى ... فيه جفاء وذاك يغريني في خده آية الرضا أو ما ... أضحى بورد الحاة يحييني " أبو الحسن العقيلي ": من ولد عقيل بن أبي طالب له في المرقص قوله: وللأقاحي قصور كلها ذهب ... من حولها شرفات كلها درر " منصور الفقيه ": له في المرقص: قالوا العمى منظر قبيح ... قلت بفقدي لكم يهون تالله ما في الأنام شيء ... تأسى على فقده العيون " إبن وكيع التنيسي ": له في المرقص قوله: قم سقني والخليج مضطرب ... والريح تثني ذوائب القضب كأنها والرياح تعطفها ... صف قنا سندسية العذب والجوفي حلة ممسكة ... قد طرزتها البروق بالذهب " شعراء المائة الخامسة " " أبو عمرو بن الدراج القسطلاني ": له في المرقص: ومعاقل من سوسن قد شيدت ... أيدي الربيع بناءها فوق العذب شرفاتها من فضة وحماتها ... حول الأمير لهم سيوف من ذهب " إدريس بن اليمان ": له في المرقص قوله: ثقلت زجاجات أتتنا فرّغاً ... حق إذا ملئت بصرف الراح خفت فكادت تستطير بما حوت ... أن الجسوم تخف بالأرواح " أبو عامر بن شهيد ": له في المرقص قوله: ولما تملأ من سكره ... ونام ونامت عيون العسس دنوت إليه على قربه ... دنوّ فيقٍ درى ما ألتمس أدبّ إليه دبيب الكرى ... وأسمو ليه سمو النفس فبت به ليلتي ناعماً ... إلى أن تبسم ثغر الغلس " أبو جعفر اللمائي ": له في المرقص: ولما تملأ من سكره ونام ونامت عيون العسس دنوت إليه على قربه ... دنوّ رفيقٍ درى ما إلتمس أدبّ إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سمو النفس فبت به ليلتي ناعماً ... إلى أن تبسم ثغر الغلس " أبو جعفر اللمائي ": له في المرقص: عارض أقبل في جح الدجى ... يهادى كتهادي ذي الرجا بدّدت ريح الصبا لؤلؤه ... فأنبرى يوقد عنه سرجا " أبو حفص بن بروا الأصفر ": له في المرقص: وكان الليل حين وى ... ذاهباً والصبح قد لاحا كلة سوداء أحرقها ... عامدٌ أسرج مصباحا " الوزير الإمام أبو محمد بن خرم ": له في المرقص قوله: لا تلمني في حبه إن بدا ... شاحب لون قد عراه النحول فإن غصناً لم تزل دائماً ... عليه شمس الحر بالذيول

" المعتمد بن عباد ملك أشبيلية ": له في المرقص: سميدع يهب الآلاف مبتدئاً ... وبعد ذلك يلقي وهو معتذر له يد كل جبار يبلها ... لولا داها لقلنا إنها احجر وقوله: وليل بعطف النهر أنساً قطعته ... ذات سوارٍ مثل منعطف الهر نضت بردها عن غصن بان منعم ... فيا حسن ما إنشق الكمام عن الزهر " إبنه الراضي ": له في المرقص: مروا بنا أصلاً غير ميعاد ... فأوقدوا نار قلبي أي إيقاد لا غرو إن زاد في وجدي مرورهم ... فرؤية الماء تذكي غلة الصادي " المأمون بن المعتمد ": له في المرقص قوله: قومي لخم وهم ما هم ... أهل الندى والبأس يوم لكفاح كم كحلوه من عيون القنا ... وورّدوه من خدود الصفاح " أبو بكر بن عمار وزير إبن عاد ": له في المرقص قوله: أدر الزجاجة فالنسيم قد إنبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى والصبح قد أهدى لنا كافوره ... لما إسترد الليل منا العنبرا والروض كالحسنا كساه زهره ... وشيئاً وقلده نداه جوهرا أو كالغلام زها بورد رياضه ... خجلاً وتاه بآسهنّ معذرا روض كأن النهر فيه معصم ... ضافٍ أطل على رداء أخضرا وتهزه ريح الصبا فتخاله ... سيف إبن عباد يبدد عسكرا أثمرت رمحك من رؤوس ملوكهم ... ما رأيت الغصن يعشق مثمرا " أبو الوليد بن زيدون وزير إبن عباد ": له في المرقص قوله: كأننا لن نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غض من أجفان واشينا سران في خاطر الظلماء يكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا " حبيب الأندلسي وزير إبن عباد ": له في المرقص: إذا ما أدرت كؤوس الهوى ... ففي شربها لست بالمؤتلي مدام عتق بالناظرين ... وتلد تعتق بالأرجل " إبن حصن كاتب المعتمد بن عباد ": له في المرقص: وما هاجني إلا إبن ورقاء هاتف ... على فتن بين الجزيرة والنهر مفستق ظهر لا زوردي كلكل ... موشى الطلي أحوى القوادم والظهر أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ ... وصاغ على الأجفان طوقاً من التبر حديد شبا المنقار داجٍ كأنه ... شبا قلم من فضة مدمن حبر توسد من فرع الأراك أريكة ... مال على طيء الجناح مع النحو ولما رأى دمعي مراقاً أرابه ... بكائي فأستولى على الورق النضر وحث جناحيه وصفق طائراً ... طار بقلبي حيث طار ولا أدري " الوزير أبو عامر بن عبدوس ": له في المرقص قوله في فرس أبيض في عرفه لمعة حمراء: يا حسن هذا الجواد حين بدا ... في شية لم تكن لذي بلق قام عليه النهار مدعياً ... فأعترفت عرفه بذا الشفق " إبن وهبون المرسى ": له في المرقص: ذنبي إلى الدهر فلتكره سجيته ... ذنب الحمام إذا ما أحجم البطل وقوله وقد إستحسن المعتمد بن عباد بيتاً من شعر المتنبي: تنبأ عجباً بالقريض ولو درى ... بأنك تروي شعره لتألها " البجلي ": له في المرقص: رقت ورق أديمها من حسنها ... فتكاد تبصر باطناً من ظاهر يُندى بماء الورد مسبل شعرها ... كالطل يسقط من جناح الطائر " أبو الفضل بن شرف ": له في المرقص: لم يبقَ للجور في أيامكم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حوَر وقوله: تقلدتني الليالي وهي مدبرة ... كأنني صارم في كف منهزم " عبد الله بن القايلة السبتي ": له في المرقص: ووجه غزال رق حسناً أديمه ... يرى الصب فيه وجهه حين ينظر تعرض لي عند اللقاء به رشا ... تكادا محيا من الحمياه تقطر ولم يتعرض كي أراه وإنما ... أراد يريني أن وجهي أصفر

" إبن رشيق ": صاحب كتاب العمدة له في المرقص قوله وقد غاب المعز بن باديس سلطان أفريقية وجاء عيد فكان ماطراً: تجهم وجه العيد وأنهلت بوادره ... وكنت أعهد منه البشر والضحكا كأنه جاء يطوي الأرض من بعد ... شوقاً إليك فلما لم يجدك بكى وقوله في المرقص: خط العذار له لاماً بصفحته ... من أجلها يستغيث الناس باللام " عبد الله بن محمد العطار ": له في المرقص: وكأس ترينا آية الصبح والدجى ... فأولها شمس وآخرها بدر مقطبة ما لم يزرها مزاجها ... فإن زارها جاء التبسم والبشر فيا عجباً للدهر لم يخل مهجه ... من العشق حتى الماء يعشقه الخمر " عبد الرحمن بن حبيب ": له في المرقص قوله: مجرى جفوني دماء وهو ناظرها ... ومتلف القلب وجداً وهو مربعه إذا بدا حال دمعي دون رؤيته ... يغار مني عليه فهو برقعه " أبو عبد الله بن شرف " له في المرقص: تحت الظلام الذي مثل الظليم حنا ... والبدر بيضته والجواد حيَّ وقوله: أفنى دموعي وجسمي طول هجرهم ... فأنظر إلى ملتقى طل على طلل " علي بن يوسف التونسي " له في المرقص قوله: حين إعتلت أنواره وجنت ... كف الغزالة وردة الشفق " عتيق الوراق ": له في المرقص قوله في رثاء الفقيه إبن خلدون وقد دفن ليلاً دفنوا صبحهم بليل وجاؤا حين لا صبح يطلبون الصباحا " عمران إبن القاضي المسيلي ": له في المرقص قوله: إن يخترم خلفاً حمام فأبنه ... منه لنا خلف وحظ وافر نور تساقط حين أصبح مثمراً ... والنور يسقط نفسه إذ يثمر " عبد الوهاب المثقالي ": له في المرقص: كأنما الشامة في خذه ... حبة مسك فوق تفاحة " إبن الغطاس ": له في المرقص قوله في وصف الخيار: جسم لجين يكاد يجري ... لولا ترديه ثوب سام ما إعترضته العيون إلا ... حالت به مقبض الحسام " إبن أبي مغنوج ": له في المرقص قوله: لحية ميمون إذا حصلت ... لن تبلغ المعشار من ذره تطلعت فأستقبلت وجهه ... فأقسمت لا أنبتت شعره " ثقة الدولة جعفر بن تأييد الدولة ملك صقلية " ": له في المرقص قوله في غلامين جميلين أحدهما بثوب أحمر والآخر بثوب أسود: أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق لدى ثوبين قد صبغا ... صباع الخد والحدق فهذا الشمس في شفق ... وهذا البدر في غسق وقوله: رأتني وقد شبهت بالورد خدها ... فتاهت وقالت قاس خدي بالورد كما قال الإقحوان كمبسمي ... وإن قضيب البان يشبهه قدي وحق صفا ماء النعيم بوجنتي ... وحسن الجبين الصلت والفاحم الجعدي لئن عاد للتشبيه يوماً حرمته ... لذيذ الكرى لا بل أذوّقه فقدي إذا كان هذا في البساتين عنده ... فقولوا له لم جاء يطلبه عندي " القائد الحسن بن مشكور ": له في المرقص قوله في النيلوفر: دكؤوس من يواقيت تفتح عن دنانير وفي أحشائها زهر ... كألسنة العصافير " محمد بن الحسن الكاتب ": له في المرقص قوله: لا تصل من صد تيهاً ... أبداً وأستغن عنه كن كمثل الكرم يعلق ... بالذي يقرب منه " علي بن الطبري ": له في المرقص قوله: وأحور مائل اللحظات عني ... دسست إليه من يشقى وسيطا فجاء به على مهل وستر ... كما يستدرج اللهب السليطا " إبن عتيق الصفار ": له في المرقص قوله: وأضرمت في القلب نار الجوى ... فهذه الأدمع عنها شرر " عبد العزيز بن الحاكم ": له في المرقص قوله: وكأن البدر والمريخ إذ وافى إليه ملك توقد ليلا ... شمعه بين يديه " أبو الحسن بن إبراهيم الوداني ": له في المرقص: وأتى الصباح فلا أتى وكأنه ... شيب اطل على سواد شباب وكأنما شفق السماء خضابه ... يبدو كنعمان بأرض سراب

" القاضي الجليس أمين الدين المصري ": له في المرقص: ومن عجب أن الصوارم والقنا ... يحضن دماء والسيوف ذكور وأعجب من ذا أنها في اكفهم ... تأجج ناراً والأكف بحور " صنهاج ": له في المرقص قوله وقد زلزلت الأرض بمصر في أيام الحاكم: بالحاكم العدل أضحى الدين معتلياً ... نجل الهدى وسليل السادة الصلحا ما زلزلت مصر من كيد يراد بها ... وإنما رقصت من عدله فرحا " هاشم بن إلياس المصري ": له في المرقص: كأن بياض البدر من خلف نخلة ... بياض بنان في إخضرار نقوش وقوله: وكأنما المريخ بين نجومه ... ياقوتة في لؤلؤ متبدّد " إبن ملنسة ": له في المرقص قوله: والسكر في وجنته وطرفه ... يفتح ورداً ويغض نرجسا وقوله: إبريقنا عاكف على قدح ... تخاله الم ترضع اولدا أو عايد من بني المجوس إذا ... توهم الكأس شعلة سجدا " أبو والطاهر بن دواس الكاتمي ": له في المرقص: لما رأيت البياض حين بدا ... في أسود الشعر صحت وأحزاني هذا وحق الاله أحسبه ... أول خيط سدى من الكفن " يعقوب بن كاس اليهود وزير العزيز ": له في المرقص قوله وقد سبق طيره طير العزيز: قل لأمير المؤمنين الذي ... له العلا والمثل الثاقب طائرك السابق لكنه ... لم يأت إلا وله حاجب " الموفق أبو الحجاج بن محمد صاحب ديوان المكاتبات ": له في المرقص قوله في الشمعة: وصعدة لدنه كالتبر بفتق في ... جنح الظلام إذا ما أبرزت فلقا تدنو فيخترق برد الليل لهذمها ... وإن نأت رتق الأظلام ما فتقا وتستهل بماء عند وقدتها ... كما تألق برق الغيث وأندفقا كالصب لوناً ودمعاً والتظا وضنى ... وطاعة وسهاداً دائماً وشقا والحب حسناً وليناً وأستوا وشذا ... وبهجة وطروفاً وأجتنا ولقا " أبو على الأنصاري: " له في المرقص قوله في خيمة نصبها الأفضل: ما كان يخطر في الأفكار قبلك أن ... تسمو علواً على أفق السها الخيم حتى أتيت بها شماء شاهقة ... في مارن الدهر من تيه بها شمم والطير قد لزمت فيها مواضعها ... لما تحقق منها أنها خدم أخيلها خيلك اللاتي تغير بها ... فليس تنزع عنها الحزم واللجم كأنها جنة والساكنون بها ... لا يستطيل على أعمارهم هرم أن أنبتت أرضها زهراً فلا عجب ... وقد هممت فوقها من كفك الديم " القاضي أبو الفتح بن قادوس ": له في المرقص: وكلما رام نظماً في معاتبتي ... سددت فاه نظم اللثم والقبل وبات بدر تمام الحسن معتنقي ... والشمس من فلك الكاسات لم تفل فبت منه أرى النار التي سجدت ... لها المجوس من الإبريق تسجد لي " أحمد بن مفرج ": له في المرقص قوله في وصف الغيث: ومن العجائب أن أتى من نسجه ... وخيوطه بيض بساط أخضر أرض وافق وكلا ببلاغة ... فالزهر ينظم والسحائب تنثر " إبن عباد الإسكندراني ": له في المرقص: كأنه شمسة من فضة حرست ... خوف الوقوع بمسمار من الذهب " إبراهيم بن شعيب المصري ": له في المرقص: يا ذا الذي ينفق أمواله ... في حب هذا الأسمر الفائق ما الذهب الصامت مستنكراً ... إنفاقه في الذهب الناطق " عبد الله بن الطباخ ": له في المرقص قوله في أحدب: قصرت أخادعه وغاب قذاله ... فكأنه مترقب أن يصفعا وكأنه قد ذاق أول صفعة ... وأحس ثانية لها تجمعا " ظافر الحداد الإسكندراني ": له في المرقص قوله: ونفر صبح الشيب ليل شبيبتي ... كذا عادني في الصبح مع من أحبه وقوله: وكأنما الدولاب يزمر كلما ... غنت وأصوات الضفادع شيز وكأنما القمري ينشد مصرعاً ... من كل بيت والسيمام يجيز

شعراء المائة السادسة

" علي بن حبيب التيمي ": له في المرقص قوله: أقمت بالبركة الغراء مدهقة ... والماء مجتمع فيها ومسفوح إذا النسيم جرى في مائها إضطربت ... كأنما ريحه في جسمها روح " الجليس بن الحباب ": له في المرقص قوله: والعود أحمد بالكريم وقلما ... يغني الحيا إلا على تكراره شعراء المائة السادسة " أبو إسحاق بن خفاجة ": له في المرقص قوله: وعشي أنس أضجعتنا نشوة ... فيه تمهد مضجعي وتدمث خلعت علي بها الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعد يرقى والغمامة تنفث وقوله: وقد خلعت ليلاً علينا يد الهوى ... رداء عناق مزقته يد الفجر وقوله: ونمت بأسرار الرياض خميلة ... لها الزهر ثغر والنسيم لسان " إبن اللبانة ": له في المرقص قوله: بروحي وأهلي جيرة ما إستعنتهم ... على الدهر إلا وأنثنيت معانا أراشوا جناحي ثم بلوه بالندى ... فلم أستطع من أرضهم طيرانا " إبن بسام صاحب الذخيرة ": له في المرقص قوله: ألا بادر فلا ثان سوى ما ... عهدت الكاس والبدر التمام ولا تكسل برؤيته صباحاً ... تفض به الحديقة والمدام فإن الروض ملتثم إلى أن ... توافيه فينحط للثام " أبو جعفر البطراني ": له في المرقص قوله: وما زلت أجني منك والدهر ممحل ... ولا ثمر يجني ولا زرع يحصد ثمار أياد دانيات قطوفها ... وأوراقها ظل علي ممدد ترى جارياً ماء المكارم تحتها ... وأطيار شكري فوقهن تغرد " إبن وضاح المرسي ": له في المرقص قوله لرئيس قطع عنه إحسانه فقطع عنه مدحه: هل كنت إلا طائراً بثنائكم ... في درج مجدكم أقوم وأقعد أن تسلبوني ريشكم وتقلصوا ... عني ظلالكم فكيف اغرد " إبن الزقاق البلنسي ": له في المرقص قوله: وأغيد طاف بالكؤوس ضحى ... وحثها والصباح قد وضحا والروض أهدى لنا شقائقه ... وآسه العنبري قد نفحا قلنا وأين الأقاح قال لنا ... أودعته ثغر من سقى القدحا فظل ساقي المدام يجحد ما ... قال فلما تبسم إفتضحا " أبو الصلت صاحب الحديقة ": له في المرقص قوله لمن جاد عليه قبل مدحه: لا غرو أن يداك مدائحي ... فتدفقت جدواك ملء إنائها يكسي القضيب ولم نحن أثماره ... وتطوق الورقاء قبل غنائها " الحجازي صاحب المسهب ": له في المرقص قوله: كم بت في أسر السهاد بليلة ... ناديت فيها هل بجنحك آخر أو قام هادي الصبح يظهر ملة ... حكمت بأن ذبح الظلام الكافر " محمد بن سعيد ": عم جد مصنف هذا الكتاب له في المرقص قوله: يا هذه لا ترومي ... خداع من ضاق ذرعه تبكي وقد قتلتني ... كالسيف يقطر دمعه " إبن أخيه أبو جعفر بن عبد الملك بن سعيد ": كتب إلى حفصة الشاعرة إثر ليلة وصال بات بها في موضع يعرف بجود مؤمل وهو منتزه: رعى الله ليلاً لم يرح بذمم ... عشية وأرانا بجود مؤمل وغرد قمري على الدوح وأنثنى ... قضيب من الريحان من فوق جدول أترى الروض مسروراً بما بدا له ... عناق وضم وأرتشاق مقبل فجاوبته تقول: لعمرك ما سرت رياض وصلنا ... ولكنها أبدت لنا الغل والحسد ولا صفق النهر إرتياحاً لقربنا ... ولا صدح القمري إلا لما ود فلا تحسن الظن الذي أنت أهله ... فما هو في كل المواطن بالرشد فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه ... لأمر كي ما تكون لنا رصد " إبن سفرة المريني ": هو أبو الحسين بن سفرة له في المرقص: لو أبصرت عيناك زورق فتيه ... يبدي لهم لهج السرور مراحه وقد إستداروا تحت ظل شراعه ... كل يمد بكأس راح راحه

لحسبته خوف العواصف طائراً ... مد الحنو على بنيه جناحه " أبو عبد الله الرصافي البلنسي ": له في المرقص قوله في غلام حائك: جذلان تلعب بالمحواك أنمله ... على السدى لعب الأيام بالدول ضماً بكفيه أو فحصاً بأخمصه ... تخيط الظبي في أشراك محتبل " إبن مجبر " له في المرقص قوله: تراه عيني وكفي لا يباشره ... حتى كأني في المرآة أبصره وقوله: آتي رحب ولا مكنة ... وقع العصافير على السنبل " إبن تقي ": له في المرقص: حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئاً وكان معانقي باعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق " إبن حيون الإشبيلي ": له في المرقص قوله في أشتر العين لا يفارقه الدمع: شترت فقلنا زورق في لجة ... مالت ب'حدى دفتيه الريح وكأنما أنسانها ملاحها ... قد خاف من غرق فظل يميح " بن قلاقس الإسكندراني ": له في المرقص قوله: قرنت بواو الصدغ صاد المقبل ... وأغربت في لام العذار المسلسل إن لم يكن وصل لديك لآمل ... فلم لاح في مرآك للمتأمل " إبن حمد يس الصقلي ": له في المرقص قوله: إشرب على بركة نيلوفر ... محمرة الأوراق خضراء كأنما أزهارها أخرجت ... ألسنة النار من الماء " شعراء المائة السابعة " // " الأسعد بن مماتي " له في المرقص قوله: مررت بدار الملك والنيل آخذ ... بأطواقها والموج يضربها ضربا إبن سناء الملك ": له في المرقص قوله: لا تخشى مني فإني كالنسيم ضنى ... وما النسيم بمخشي على غصن وقوله: وأشكو إلى ليل الغدائر غدرها ... وأملي عليه وهو في الأرض يكتب " النجيب بن الدماغ ": له في المرقص قوله: يا رب إن قدرته لمقبل ... غيري فللمسواك أو للا كؤس وإذا قضيت لنا بعين مراقب ... في الحب فلتك من عيون النرجس " جعفر بن شمس الخلافة ": له في المرقص قوله: يا رب ليل قد طرق ... ت به وساد الحب سرا ففششت قفلا من عقي ... ق أحمر وسرقت درّا " اكمال بن النبيه ": له في المرقص قوله: وكوكب الصبح تجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره " البرهان بن السوداء من متي آخذاً مع البيضاء إذ تشرف تخلف البيضاء أمثالها ... وتغضب السودا ما تخلف حماقة السود أن من ها هنا ... يعرها من كان لا يعرف " الأمير سيف الدين سابق ": له في المرقص قوله: ولقد شربت مع الحبيب مدامة ... عذراء إلا أنها شمطاء والروض فيه تكبر وتواضع ... شمخ القضيب به وخر الماء " الصاحب حمال الدين بن مطروح ": له في المرقص قوله: إذا ما إشتهى الخلخال أخبار قرطها ... فيا طيب ما تملي عليه الضفائر وقوله: وجاء في حلة معصفرة ... قوموا أنظروا الغصن في أصائله " شرف الدين الديباجي ": له في المرقص قوله: شهر الحسام وكالأقاحة خدّه ... ثم إنثنى كشقائق النعمان لو لم يكن طرباً براحته لما ... غنى بضرب مثالث ومثان " إبن شاور ": له في المرقص قوله: لا تثق من آدمي ... في وداد بصفاء كيف ترجو منه صفواً ... وهو من طين وماء " الزكي بن أبي الأصبع ": له في المرقص قوله: ولما رايتك عند المديح جهم المحيا لنا تنظر تيقنت بخلك لي بالندى ... لأن الجهامة لا تمطر " أبو الحسن الجزار ": له في المرقص قوله: من مصنفي من معشر ... كثروا علي وأكثروا صادقتهم وأرى الخرو ... ج من الصداقة يعسر كالحظ يسهل في الطرو ... س ومحوه متعذر وإذا أردت كشطته ... لكن ذاك يؤثر " التاج بن غنوم الإسكندراني ": له في المرقص قوله: لا غرو للأعين أن رقرقت ... دموها حين وداع السفر

فالنور قد أصبح مستعبراً ... وليس إلا وداع السحر " سلطان أفريقية أبو زكريا بن عبد الواحد ": له في المرقص قوله في الجو: تفضل بطعم له ملبس ... صلابة وجه لثيم حكى إذا بزعن جسمه ثوبه ... أتاك كما تمضغ المصطلكى " أو علي بن العفون ": له في المرقص قوله: أخواك يا غبن الأكرمين بجنة ... رايا بها ما لم يكن في الجنة عنباً ملا حياً وخمر أجرة ... وظلالها من تحت أغصن كرمة فشرابنا البنت الشمول ونقلنا ... باللام واستظلالنا بالحرة " أبو جعفر بن طلحة وزير إبن هود صاحب الأندلس وكاتبه ": له في المرقص: يا هل ترى أظرف من يومنا ... قلد جيد الأفق طوق العقيق وأنطلق الورق عيد أنها ... مرقصة كل قضيب وريق والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكؤوس الشقيق " مرج الكحل ": له في المرقص قوله: نهر يهيم بحسنه من لم يهم ... ويجيد فيه الشعر من لم يشعر ما إصفر وجه الشمس عند غروبها ... إلا لفرقة حسن ذاك المنظر " مطرف الغرناطي ": له في المرقص قوله: سقني والحمام يبكي صباحاً ... فتخال الرذاذ من مقلتيه وكان النسيم جاء إلى الغصن دخيلاً مسترفداً ما عليه فأنثنى كالكريم وافاه ضيف ... ثم ألقى ما في يديه لديه " إبراهيم بن مجنون كاتب إبن الرستمي صاحب صقلية ": له في المرقص: حلقوك تغييراً لحسنك غيرة ... فأزداد حسنك بهجة وبهاء كالخمر زال قدامها فتشعشعت ... والشمع قط ذباله فأضاء " أبو القاسم بن طلحة الصقلي ": له في المرقص قوله: أيتها النفس إليه إذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي مفضض الثغر له نقطة ... مسكية في خده المذّهب أسيّ التوبة من حبه ... طلوعه شمساً من المغرب " إبن جبر الصقلي " له في المرقص قوله في شمعة: وصعدة لبست سربال مشتهر ... بالحب منغمس في الدمع والحرق ما زال يطعن صدر الليل لهذمها ... حتى غدا سائلاً منه دم الشفق " أو جعفر بن عياش " له في المرقص قوله: شربت مذ دب فوق الجو عارضه ... حتى بدا شائباً بالصبح مختضبا فلم أدع ذهب الصهباء من قدحي ... حتى رأيت خليع الليل قد ذهبا " عفيف الدين التلمساني " له في المرقص قوله: سار وافياً وحشة الوادي لبعدهم ... عنه ولا سيما القضبان والكثب وقوله: وأعدلي حديثه فلسمعي ... فرط وجد بالؤلؤ المنثور ثم صف لي ذابة منه طالت ... ودجت فهي ليلة المهجور " أبو الحسن الرقشي ": له في المرقص قوله: ألا لله نهر في رياض ... يحض على الشجاعة من رآه تلاعب للحباب به فرند ... وأدمى بالشقائق جانباه " إبن الصابوني الإشبيلي " في ذكر العذار له من المرقص: وما خيلت نفسي إلي بأنه ... ستفعل أفعال السيوف الحمائل " أبو الوليد بن الحنان ": له في المرقص قوله: والسحب قد نثرت في الروض لؤلؤها ... فضمها الشمس في ثوب من الذهب وقوله: ودوحة أطربت منها حمائمها ... أفق السماء فلم تبرح تنقطها تحكي الكمامة منها راحة قبضت ... يلقي السحاب لها دراً فيبسطها وقوله: والكأس حلتها حمراء مذهبة ... لكن أزرتها من لؤلؤ الحبب وقوله: ودوح بدت معجزات له ... تبين عليه وتدعو إليه جرى النهر حتى سقى أرضه ... فمال يقبل شكراً يديه وكف الصبا ضيعت حليه ... فقام الحمام ينادي عليه كساه الأصيل ثياب الضنى ... فحل طبيب الدياجي لديه وجاء النسيم له عائداً ... فقام له لاثماً معطفيه " أبو عبيد بن أبي الحسين بن سعيد وزير صاحب إفريقية: له في المرقص قوله في دولاب: ومحنة الأصلاب تحنو على الثرى ... وتسقى بنات التروب در الترائب

القسم الثاني

تعد من الأفلاك أن مياهها ... نجوم لرجم المحل ذات ذوائب وأطربها رقص الغصون ذوابلا ... فدارت بأمثال السيوف القواضب " موسى بن سعيد ": له في المرقص قوله وهو والد المصنف: الاحبذا روض كرنا له ضحى ... وفي وجنات الورد للطل أدمع وقد جعلت بين الغصون نسيمة ... تمزق ثوب الظل منه وترقع ونحن إذا ما وصلت القضب ركعاً ... نظل لها من هزة السكر نركع " علي بن سعيد مصنف هذا الكتاب ": له في المرقص من أبيات في جورة الصالحية بمصر يذكر أحداق النيل بها: وعانقها من فرط شوق لحسنها ... فمد يميناً نحوها وشمالا وقوله: تزاحم في جانبيه الغصون ... كخيل فوارسهن الحمام وقوله: كأن خالاً لاح من خده ... للعين في سلسلة من عذار أسيود يخدم في جنة ... قيده مولاه خوف الفرار وله في فرس أصفر أغر أكحل: عجبت له وهو الأصيل بعرفه ... ظلام وبين الناظرين صباح القسم الثاني من المطربات والمرقصات بسم الله الرحمن الرحيم أخبار أبي نؤاس وجنان خاصة كانت جنان هذه جارية آل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي المحدث الذي كان إبن مناذر إبنه ورثاه بعد وفاته وقد مضت أخبارهما وكانت حلوة جميلة المنظر أديبة. ويقال أن أبا نواس لم يصدق في حبه امرأة غيرها. " أخبرني " محمد بن خلف إبن المرزبان قال: حدثني إسحق بن محمد عن أبي عثمان عن أصحاب أبي نواس قالوا: كانت جنان جارية حسناء أديبة عاقلة ظريفة تعرف الأخبار وتروي الأشعار. قال اليويو خاصة: وكانت لبعض الثقفيين بالبصرة فرآها أو نواس فأستحلاها وقال فيها اشعاراً كثيرة فقلت له يوماً: أن جنان قد عزمت على الحج فكان هذا سبب حجه وقال أما والله لا يفوتني المسير معها والحج عامي هذا إن قامت على عزيمتها فظننته عابثاً مازحاً فسبقها والله إلى الخروج بعد أن علم أنها خارجة وما كان نوى الحج ولا أحدث عزمه إلا خروجها وقال وقد حج وعاد: ألم ترَ أنني أفنيت عمري ... بمطلبها ومطلبها عبير فلما لم أجد سبباً إليها ... يقربني وأعيتني الأمور حججت وقلت قد حجت جنان ... فيجمعني وإياها المسير قال اليويو فحدثني من شهده لما حج مع جنان وقد أحرم فلما جنه الليل جعل يلبي بشعر ويحدو به ويطرب فغنى به كل من سمعه وهو قوله: إلهنا ما أعدلك ... مليك كل من ملك لبيك قد لبيت لك ... لبيك أن الحمد لك والملك لا شريك لك ... والليل لما أن حلك والسابحات في الفلك ... على مجاري المنسلك ما خاب عبد أمّلك ... أنت له حيث سلك لو لاك يا رب هلك ... كل نبي وملك وكل من أهلّ لك ... سبح أو لبى فلك يا مخطئاً ما أغفلك ... عجل وبادر أجلك وأختم بخير عملك ... لبيك أن الملك لك والحمد والنعمة لك ... والعز لا شريك لك أخبرني أحمد بن عبيدة الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال كانت جنان التي يذكرها أبو نواس جارية لآل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وفيها يقول: جفن عيني قد كاد يسقط من طول ما أختلج وفؤادي من حر حبك والهجر قد نضج خبرني فدتك نفسي وأهلي متى الفرج كان ميعادنا خرو ... ج زياد فقد خرج أنت من قتل عائذ ... بك في أضيق الحرج " أخبرني " أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني إسحق بن محمد النخعيّ. قال حدثني الجماز قال إبن مار وحدثني به قليب بن عيسى قال، كانت جنان قد شهدت عرساً في جوار أبي نواس فأنصرفت منه وهو جالس معنا فرآها انشدنا بديهاً قوله: شهدت جلوة العروس جنان ... فاستمالت بحسنها النظارة حسبوها العروس حين رأوها ... فإليها دون العروس الإشارة قال أهل العروس حين رأوها ... ما دهانا بها سواك عمارة

قال وعمارة زوج عبد الرحمن الثقفي وهي مولاة جنان " أخرني " محمد ن يحيى الصولي ومحمد بن خلف قالا: حدثنا يزيد بن محمد المهلبي عن محمد بن عمر قال: غضبت جنان من كلام كلما به أبو نواس فأرسل يعتذر إليها فقالت للرسول قل له لا برح الهجران ربعك ولا بلغت أملك من أحبتك فرجع الرسول إليه فسأله عن جوابها فلم يخبره فقال: فديتك فيم عتبك من كلام ... طقت به على وجه جميل وقولك للرسول عليك غيري ... فليس إلى التواصل من سبيل فقد جاء الرسول في إنكسار ... وحال ما عليها من قبول ولو ردت جنان مردّ خير ... تبين في وجه الرسول قال أبو خالد يزيد بن محمد وكان أبو واس صادقاً في محبته جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه ورأيت أصحابنا جميعاً يصححون ذاك عنه وكان لها محباً ولم تكن تحيه فما عاتبها حتى إستمالها بصحة حبه لها فصارت تحبه بسعد نبوّها عنه قوله: جنان إن جدت يا مناي بما ... آمل لم تقطر السماء دما وإن تمادى ولا تماديت في ... منعك أصبح بقفرة ومما علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما لو نظرت عينه إلى حجر ... ولد فيه فتورها سقما أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال: حدثني محمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجمز وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد قال: حدثني الجماز قال: كنت عند أبي نواس جالساً إذ مرت بنا امرأة ممن بداخل الثقفيين فسألها عن جنان وألحفها في المسئلة واستقصى فأخبرته خبرها وقال: قد سمعتها تقول لصاحبه لها من غير تعلم أني أسمع: ويحك، قد آذاني هذا الفتى وأبرمني واحرج صدري وضيّق صدري عليّ الطرق بحدة نظره وتهتكه، فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رجمته. ثم إلتفت فأمسكت عن الكلام فسر أبو نواس بذلك، فلما قامت المرأة أنشأ يقول: يا ذا الذي عن جنان ظلّ يخبرنا ... بالله قل واعد يا طيب الخبر قال إشتكيت وقالت ما إبتليت به ... أراه من حيث ما أقبلت في أثري ويعمل الطرف نحوي إن مررت به ... حتى ليخجلني من حدة النظر وإن وقفت له كيما يكلمني ... في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر ما زال يفعل بي هذا ويدمنه ... حتى لقد صار من هممي ومن وطري أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني علي ن محمد النوفلي وأحمد بن سليمان إبن أبي شيخ قالا قال إبن عائشة، وأخبرني الحسن بن عليّ وإبن عمار عن الغلابي عن إبن عائشة قال إبن عمار، وحدثت به عن الجاز وذكره لي محمد بن داود بن الجراح عن إسحق النجعيّ عن أحمد بن عمير أن محمد بن حفص بن عمر التميمي وهو أبو إبن عائشة إنصرف من المسجد وهو يتولى القضاء فرأى أبو نواس قد خلا بامرأة يكلمها. وقال أحمد بن عمير في خبره وكانت امرأة قد جاءته برسالة من جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد فمر به عمر بن عثمان التيمي وهو قاضي البصرة. هكذا ذكر أحمد بن عمير وحده وذكر الباقون جميعاً أنه حفص قال الجماز وكانت عليه ثياب بياض وعلى رأسه قلنسوة مضربة فقال له إتقِ الله قال إنها حرمتي قال فصنها عن هذا الموضع، وأنصرف عنه فكتب إليه أبو نواس: قال: إن التي أبصرتها ... بكراً أكلمها رسول أدت إليّ رسالة ... كادت لها نفسي تسيل من ساحر العينين يجذب ... خصره ودف ثقيل متقلد قوس الصبا ... يرمي وليس هـ رسيل فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما تقول لرأيت ما إستقبحت من ... أمري هو الأمر الجميل في هذه الأبيات لحنان من الرمل وخفيفة كلاهما لأبي العبيس بن حمدون. قال إبن عمير: ثم وجه بها ألقيت في الرقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال: إن كانت رسولاً فلا بأس. وقال إبن عائشة في خبره فجاءني برقعة فيها هذه الأبيات وقال لي أدفعها إلى أبيك فأوصلتها إليه ووضعتها بين يديه، فلما قرأها ضحك وقال: قل له أني لا أتعرض للشعراء.

حدثني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: كان أبو عثمان أخا مولى جنان، وكان مولاها أبو أمية زوج عمارة وهي مولاتها وكانت له يحكمان ضيعة كان ينزلها هو وإبن عم له يقال له أبو مية، فقال أبو نواس فيه قوله: أسأل القادمين من حكمان ... كيف خلفتما أبا عثمان وأبا مية المهذب والما ... جد والمرتجى لريب الزمان فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان ما لهم لا يبارك الله فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتمان فأخبرني إبن عمار قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني محمد ن عبد املك إبن مروان الكاتب قال: كنت جالساً بسرّ من رأى في شارع أبي أحمد فأنشدني قول أبي نواس: أسأل المقبلين من كمان ... كيف خلفتما أبا عثمان وإلى جانبي شيخ جالس فضحك، فقلت له: لقد ضحكت من أمر، فقال: أنا أبو عثمان قال أبو نواس فيه هذا الشعر، وأبو مية إبن عمي وجنان جارية أخي، ولم تكن في موضع عشق ولا كان مذهب أبي نواس النساء ولكنه عبث خرج منه. أخبرني علي بن سليمان قال: قال لي أبو العباس محمد بن يزيد، قال النابغة الجعدي: أكنى بغير إسمها، وقد علم الله خفيات كل مكتتم. وهو سبق الناس إلى هذا المعنى وأخذوه جميعاً منه، وأحسن من أخذه أبو نواس حيث يقول: أسأل المقبلين من حكمان ... كيف حلفتما أبا عثمان فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان ما لهم لا يبارك الله فيهم ... كيف لم يغن عندهم كتمان أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمارة قال: أنشدني أحمد بن صدقة الأنباري لأبي نواس يذكر ماتماً بالبصرة وحضرته جنان: يا منسي المأتم أشجنه ... لما أتاهم في المعزينا سرت قناع الوشى عن صورة ... ألبسها الله التحاسينا فاستفتنتهن بتمثالها ... فهن للتكليف يبكينا حق لذاك الوجه أن يزدهي ... عن حزنه من كان محزونا أخبرني مي قال: حدثني إسحق بن محمد النخعي قال: حدثنا عبد الملك ن عمر بن أبان النخعي وكان صديقاً لأبي نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفي وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم وجنان واقفة مع النساء تلطم وجهها وفي يدها خضاب، فقال: يا قمر أبرزه مأتم ... يندب شجواً بين أتراب يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب لا تبك ميتاً حل في حفرة ... وأبكِ قتيلاً لك بالباب أبرزه المأتم لي كارهاً ... برغم آيات وحجاب لا زال موتاً دأب أحبابه ... ولا تزال رؤيته دابي فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني محمد بن عائشة قال: قال لي سفيان بن عيينة لقد أحسن ببصركم هذا أبو نواس حيث يقول: وشدد الواو وفتح النون: يا قمراً أبصرت في مأتم ... يندب شجواً يبكي فيذري الدر من عينه ... ويلطم الورد بعناب قال: وجعل يعجب من قوله ويلطم الورد بعناب. وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد قال حدثني حسين بن الضحاك قال: أنشد إبن عيينة قول أبي نواس: يبكي فيذري الدر من طرفه ... ويلطم الورد بعناب فعجبت منه وقال آمنت الذي خلقه. وقد قيل أن أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان والله أعلم. أخبرني بذلك الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني بعض الصيارف بالكرخ وسماه قال: كان حارس درب عون يقال له المبارك، وكان يلبس ثياباً نظيفة سرية ويركب حماراً فيطوف عليه السوق بالليل ويكريه بالنهار، فإذا رآه لا يعرفه ظن أنه من بعض تجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السوق ما يسعه ويفضل عنه، وكانت له بنت من أحمل النساء. فمات مبارك وحضره الناس، فلما أخرجت جنازته خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه، فقال أبو نواس فيها: يا قمراً أبرزه مأتم ... يندب شجواً بين أتراب وذكر الأبيات كلها.

أخبرني محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجمازو واليويو وأصحاب أبي نواس أن جنان وجهت إليه قد شهرتني فأقطع زيارتك عني أياماً لينقطع بعض القالة، ففعل وكتب إليها: إنا إهتجرنا للناس إذ فطنوا ... وبيننا حين نلتقي حسن ندافع الأمر وهو مقتبل ... فشب حتى عليه قد مرنوا فليس يقذي عيناً معاينة ... له وما أن تمجه إذن ويح ثقيف ماذا يضرهم ... إن كان لي في ديارهم سكن أريب ما بيننا الحديث فإن ... زدنا فزيد واوِ ما لذا ثمن أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال حدثني إبن أبي سعد قال: بلغني أن أبا نواس كتب إلى جنان من بغداد: كفا حزناً أن لا أرى وجه حيلة ... أزور بها الأحباب في حكمان وأقسم لولا أن تنال معاشر ... جناناً بما لا أشتهي لجنان لأصبحت منها داني الدار لاصقاً ... ولكن ما أخشى فديت عداني فوا حزناً حزناً يؤدي إلى الردى ... فأصبح مأثوراً بكل لسان أراني أنقضت أيام وصلي منكم ... وآذن فيكم بالوداع زماني أخبرني الحسن قال: حدثنا إبن مهرويه عن يحيى بن محمد عن الخزيمي قال: بلغ أبا نواس أن إمرأة ذكرت لجنان عشقه لها فشتمته جنان وتنقصته وذكرته لأقبح الذكر، فقال: وباب من إذا ذكرت له ... وطول وجدي به تنقصني لو سألوه عن وجه حجته ... في سبه لي لقال يعشقني نعم إلى الحشر والتناد نعم ... أعشقه أو ألفّ في كفني أصبح جهراً لا أستسرّ به ... عنقي فيه من يعنفني يا معشر الناس فأسمعوه وعوا ... أن جناناً صديقة الحسن فبلغها ذلك فهجرته وأطالت هجره، فرآها ليلة في منامه وأنها قد صالحته فكتب إليها: إذا إلتقى في النوم طيفانا ... عاد الوصل كما كانا يا قرة العين فما بالنا ... نشقى ويلتذ خيالانا لو شئت إذ أحسنت لي في الكرى ... أتممت إحسانك يقظانا يا عاشقين إصطلحا في الكرى ... وأصبحا غضبى وغضبانا كذلك الأحلام غدّارة ... وربما تصدق أحيانا الغناء في هذه الأبيات لإبن جامع ثقيل أول بالوسطى عن عمر وقال الخزيمي ورآها يوماً في ديار ثقيف فجبهته بما كره فغضب وهجرها مدة، فأرسلت إليه رسولاً تصالحه فردّه ولم يصالحها، ورآها في النوم تطلب صلحه فقال: دست له طيفها كيما تصالحه ... في النوم حين تأبى الصلح يقظانا فلم يجد عند طيفي طيفها فرجاً ... ولا رنى لتشكيه ولا لنا حسبت أن خيالي لا يكون لما ... أكون من أجله غضبان غضبانا جنان لا تسأليني الصلح سرعة ذا ... فلم يكن هيناً منك الذي كانا وأنشدني علي بن سليمان الأخفش لأبي نواس في جنان: أما يفنى حديثك عن جان ... ولا تبقى على هذا اللسان أكل الدهر قلت لها وقالت ... فكم هذا أما هذا بفان جعلت الناس كلهم سواء ... إذا حدثت عنها في البيان عدوك كالصديق وذا كهذا ... سواء والأباعد كالأداني إذا حدثت عن شأن توالت ... عجائبه أتيتهم بشأن فلو موّهت عنها بإسم أخرى ... علمنا إذ كنيت من أنت عان أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني يحيى بن محمد السلمي قال: حدثني أبو عكرمة الضبي أن رجلاً قدم البصرة فأشترى جنان مواليها ورحل بها، فقال أبو نواس في ذلك: أما الديار فقلّ ما لبثوا بها ... بين إستباق العيس والركبان وضعوا سياط الشوق في أعناقها ... حتى أطلعن بهم على الأوطان أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدثني محمد بن سعد الكراتي قال حدثني أبو عثمان الأشتانذاني قال: كتب أبو نواس إلى جنان: أكثري المحو في كتابك وأمحيه إذا ما محوته باللسان

وأمرري بالمحاء بين ثنايا ... ك العذاب المفلجات الحسان إنني كلما مررت بسطر ... فيه محو لطعته بلساني تلك تقبيلة لكم من بعيد ... أهديت لي وما برحت مكاني وقال: تجنى علينا آل مكتومة الذنبا ... وكانوا لنا سلماً فأضحوا لنا حربا يقولون عز القلب بعد ذهابه ... فقلت ألا طوباي لو أن لي قلبا عروضه من الطويل الشعر لإبن أبي عيينة والغناء لسليمان أخي جحظة رمل بالوسطى من عمرو بن بانة. نسب إبن عيينة وأخباره // أبو عيينة فيما أخبرنا به علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد إسمه وكنيته أبو المنهال قال وكل من يدعي أبا عيينة من آل المهلب، فأبو عيينة إسمه وكنيته أبو المنهال وكل من يدعي أبارهم من بني سدوس فكنيته أبو محمد وإبن أبي عيينة هو محمد بن أبي عيينة إبن المهلب بن أبي صفرة وقال: أبو خالد الأسلمي هو أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة وهو الذي كان يهجو إبن عمه خالداً وإسم أبي صفرة ظالم بن سراق وقيل غالب بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحرث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن الوضاح بن عمرو بن مزيقاء إبن حارسة الغطريف إبن أمريء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الركب بن الأزد، وهو شاعر مطبوع ظريف غزل هجاء وأنقد أكثر أشعاره في هجاء إبن عمه خالد وأخبارهما تذكر على أثر هذا الكلام وما يصلح تصدير أخباره به، وكان من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة. حدثني عمي والصولي قالا: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال أبو عيينة إسمه وكنيته وهو إبن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة. وأخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني العنزي قال حدثني أبو خالد الأسلمي قال: أبو عيينة الشاعر هو أبو عيينة بن المنجاب إبن أبي عيينة بن المهلب وكان محمد بن أبي عيينة أبو أبي عيينة الشاعر يتولى الري لأبي جعفر المنصور ثم قبض عليه وحبسه وغرمه. وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال: قال وهب بن جرير رأيت في منامي كأن قائلاً يقول لي: ما يلقى أبو حرب ... تعالى الله من كرب فلم ألبث أن أخذ المنصور أبا حرب محمد بن أبي عيينة المهلبي فحبسه وكان ولاه الري فأقام بها سنين. أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ومحمد بن يحيى الصولي وعمي قالوا: حدثنا الحزنبل الأصبهاني قال حدثني الفيض بن مخلد مولي أبي عيينة بن المهلب قال: كان أبو عيينة بن المهلب قال: كان أبو عيينة يهوى فاطمة بنت عمر بن حفص الملقب هزارمرد، وكانت امرأة نبيلة شريفة وكان يخاف أهلها أن يذكرها تصريحاً ويرهب زوجها عيسى بن سليمان فكان يقول الشعر في جارية لها يقال لها دنيا وكانت قيمة دارها ووالية أمورها كلها وأنشدنا لإبن أبي عيينة فيها ويكنى بإسم دنيا هذه: ما لقلبي أرق من كل قلب ... ولحبي أشد من كل حب ولدنيا على جنوني بدنيا ... أشتهي قربها وتكره قربي نزلت بي بلية من هواها ... والبلايا تكون من كل ضرب قل لدينا إن لم تجبك لما بي ... رطبة من دموع عيني كتبي فعلام إنتهرت بالله رسلي ... وتهددتهم بحبس وضرب أي ذنب أذنبته ليت شعري ... كان هذا جزاءه أي ذنب

أخبرني علي بن سليمان قال: حدثني محمد بن يزيد قال: كان أبو عيينة من أطيع الناس وأقربهم مأخذاً من غير أدب موصوف ولا رواية كثيرة وكان يقرب البعيد ويحذف الفضول ويقل التكلف، وكان أصغر من أخيه عبد الله ومات قبله. وقيل لعبد الله أنت أشعر أم أخوك فقال: لو كان له علمي لكان أشعر مني. وكان يتعشق فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد التي تزوجها علي بن سليمان ويسر عشقها ويلقبها دنيا كتماناً لأمرها، وكانت امرأة جليلة نبيلة سرية من النساء، وكان أبوها من أشد الفرسان وشجعانهم، فذكر عيسى بن جعفر أن عيسى بن موسى قال لمهلب بن المغيرة بن المهلب أكان يزيد بن خالد أشجع أم عمر بن حفص هزامرد، فقال المهلب لم أشهد من يزيد ما شهدته من عمر بن حفص وذلك أني رأيته يركض في طلب حمار وحشي حتى إذا حاذاه جمع جراميزه وقفز فصار على ظهره فقمص الحمار وجعل عمر بن حفص يحز معرفته إما بسيف وأما بسكين معه حتى قتله. قال محمد بن يزيد: وحدثت عن محمد بن المهلب أنه أنكر أن يكون أبو عيينة يهوى فاطمة وقال إنما كان جندياً في عداد الشطّار وكانت فاطمة من أنبل النساء وأسراهن، وإنما كان يتعشق جارية لها، وهذه الأبيات التي فيها الغناء قصيدة له جيدة مشهورة من شعره يقولها في فاطمة هذه أو جاريتها ويكني عنها بدنيا، فما أختير منها قوله: وقالوا تجنينا فقلت أبعدما ... غلبتم على قلبي بسلطانكم غصبا غضاب وقد ملوا وقوفي ببابهم ... ولكن دنيا لا ملولا ولا غضبى وقد أرسلت في السراني برية ... ولم ترَ لي فيما ترى منهم ذنبا وقالت لك العتبى وعندي لك الرضا ... وما أن لهم عندي وضاء ولا عتبى ونبتها تلهو إذا إشتد شوقها ... بشعري كما تلهو المغنية الشربى فأحببتها حباً يقرّ بعينها ... وحبي إذا أحببت لا يشبه الحبا فيا حسرتا نغصت قرب دبارها ... فلا رلفة منها أرجى ولا قربا لقد شمت الأعداء أن حيل بينها ... وبيني ألا للشامتين بنا العتبى ومما قاله فيها وغنى فيه: ضيعت عهد فتى لعهد حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك ونأيت عنه فما له حيلة ... إلا الوقوف إلى أوان رجوعك متخشعاً يذري عليك دموعه ... أسفاً ويعجب من جمود دموعك إن تقتليه وتذهبي بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك عروضه من الكامل الغناء في هذه الأبيات من الثقيل الأول بالوسطى ذكر عمرو بن بانة أنه له وذكر الهاشمي أنه لمحمد بن الحرث بن بشخير وذكر عبد الله بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام أنه لإبراهيم الموصلي فذكر العتابي ومحمد بن احسن جميعاً أن محمد بن أحمد بن يحيى المكي حدثهما قال: حدثني عمرو بن بانة قال: ركبت يوماً إلى دار صالح بن الرشيد فأجتزت بمحمد بن جعفر بن موسى الهادي وكان معاقراً للصبوح فألفيته في ذلك اليوم خالياً منه، فسألته عن السبب فقال: نيران عليّ غضبى، يعني جارية لبعض النخاسين ببغداد وكانت إحدى المحسنات، وكانت بارعة الجمال ظريفة اللسان، وكان قد افرط في حبها حتى عرف به فقلت له فما تحب قال: تجعل طريقك على مولاها فإنه يستخرجها إليك، فإذا دفعت رقعتي هذه إليها ودفع إليّ رقعة فيها: ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك إن سمعته أن تذهبي بفؤاده ... فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك قلت له: نعم أنا أتحمل هذه الرسالة وكرامة على ما فيها حفظاً لروحك عليك، فإني لا آمن أن يتمادى بك هذا الأمر. فأخذت الرقعة وجعلت طريقي على منزل النخاس فبعثت إلى الجارية أخرجي خرجت، فدفعت إليها الرقعة وأخبرتها بخبري فضحكت ورجعت إلى الموضع الذي أقبلت منه فجلست جلسة خفيفة ثم إذا قد وافتني ومعها رقعة فيها: وما زلت تعطيني وتغري بي الردى ... وتهجرني حتى مرنت على الهجر وتقطع أسبابي وتنسى مودتي ... فكيف ترى يا مالكي في الهوى صبري فأصبحت لا أدري أيأساً تصبري ... علىالهجر أم جدّ البصيرة لا أدري

رجع الخبر إلى حديث أبي عيينة

غنى في هذه الأبيات عمرو بن بانة ولحنه ثقيل أول بالبنصر ولمقاسه بن ناصح فيها ثقيل آخر بالوسطى لحن عمرو وفي الأول والثالث بغير نشيد، قال: فأخذت الرقعة منها وأوصلتها إليه وصرت إلى منزلي فصنعت في بيتي محمد بن جعفر لحناً وفي أبياتها لحناً، ثم صرت إلى الأمير صالح بن الرشيد فعرّفته ما كان من خبري وعنيته الصوتين فأمر بإسراج دوابه فأسرجت وركب فركبت معه إلى النخاس مولى نيران فما برحنا حتى إشتراها منه بثلاثة آلاف دينار وحملها إلى دار محمد بن جعفر فوهبها له، فأقمنا يومنا عنده. أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني يزيد بم محمد المهلبي قال: دخلت على الواثق يوماً وهو خليفة ورباب في حجره جالسة وهي صبية وهو يلقي عليها قوله: ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ ... في حفظه عجب وفي تضييعك وهي تغنيه وتردده عليها. فما أذكر أني سمعت غناء قط أحسن من غنائهما جميعاً. وما زال يردده عليها حتى حفظته. رجع الخبر إلى حديث أبي عيينة أخبرني علي بن سليمان قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: قال عبد الله بن محمد بن أبي عيينة أخو أبي عيينة في اجارية وإسمها فاطمة التي كان يشبب بها أخوه بنت عمر بن حفص لما تزوجها عيسى بن سليمان بن علي، وكان عيسى مبخلاً، وكانت له محابس يحبس فيها البياح ويبيعه، وكانت له ضيعة تعرف بدالية عيسى يبيع منها البقول والرياحين، وكان أول من جمع السماد بالبصرة وباعه، فقال فيه أبو الشمقمق: إذا رزق العباد فإن عيسى ... له رزق من استاه العباد فلما تزوج عيسى فاطمة بنت عمر بن حفص قال عبد الله بن محمد بن عيينة في ذك: أفاطم قد زوّجت عيسى فأبشري ... لديه بذل عاجل غير آجل فإنك قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل وقد قال فيه جعفر ومحمد ... أقاويل حتى قالها كل قائل وما قلت ما قالا لأنك أختنا ... وفي البيت منا والذرى والكواهل لعمري لقد أثبته في نصابه ... بأن صرت منه في محل الحلائل إذا ما بنو العباس يوماً تنازعوا ... عرى المجد وأختاروا كرام الخصائل رأيت أبا العباس يسمو بنفسه ... إلى بيع بياحاته والمباقل قال مؤلف هذا الكتاب: وكن عبد الله أخو أبي عيينة شاعراً، وكان يقدّم على أخيه، فأخبرني جحظة قال: حدثني علي بن يحيى المنجم قال: إستحق الموصلي شعر عبد الله بن أبي عيينة أحب إليّ من شعر أبيه وأخيه. قال: وكان عبد الله صديقاً لإسحق. قال محمد إبن يزيد ومما قاله في فاطمة وصرّح بذكر القرابة بينهما وحقق على نفسه أنه يعنيها قوله: دعوتك بالقرابة ولجوار ... دعاء مصرّح بادي السرار لأني عنك مشغول بنفسي ... ومحترق عليك بغير نار وأنت لأن ما ك دون ما بي ... تدارين العدو ولا أداري ولو والله تشتاقين شوقي ... جمعت إلى مخالعة العذار ألا يا وهب فيما فضحت دنيا ... وبحت بسرها بين الجواري أما والراقصات بكل واد ... غوار نحو مكة أو سوار لقد فضلت دنيا في فؤادي ... كفضل يدي اليمين على اليسار فقولي ما بدا لك أن تقولي ... فإني لا ألومك أن تغاري قال: وقال فيها وهو من ظريف أشعاره: رق قلبي لك يا نور عيني ... وأنى قلبك لي أن يرقا فأراك الله موتي فإني ... لست أرضى أن تموتي وأبقى أنا من وجد بدنياي منها ... ومن العذال فيها ملقى وقال: زعموا إني صديق لدنيا ... ليت ذا الباطل قد صار حقا في هذا البيت ثم الذي قله ثم الأول لإبراهيم لحن ماخوري بالوسطى عن الهشامي وقال: وقال فيها أيضاً في هذا الوزن وفيه غناء محدت رسل طنبوري. عيشها حلو وعيشك مر ... ليس مسرور كمن لا يسرّ

كمديم لحب تسخن فيه ... عينه أكثر مما تقر قلت لذا اللائم فيها أله عنها ... لا يقع بيني وبينك شر أتراني مقصراً عن هواها ... كل مملوك إذاً لي حرّ وقال فيها أيضاً وأنشدناه الأخفش عن المبرد، وأنشدنا محمد بن العباس اليزيدي قال أنشدني عمي عبيد الله لأبي عيينة: جئت قالت دنيا علامَ نهاراً ... زرت هلا إنتظرت وقت المساء كنت معجباً برأيك لا تفرق ... فأستحي يا قليل الحياء ذاك إذ روحها وروحي مزاجا ... ن كأصفى خمر بأعذب ماء قال محمد بن يزيد وقد أخذ هذا المعنى غيره منه ولم يسمه وهو البحتري فقال: جعلت حبك من قلبي بمنزلة ... هي المصافاة بين الماء والراح تهتز مثل إهتزاز الغصن حرّكه ... مرور غيث من الوسمي سحاح الغناء في هذين البيتين لرداد ثقيل أول في مجرى البنصر، ومما قاله أبو عيينة في فاطمة هذه وكنى فيه بدنيا قوله: ألم تنه قلبك أن يعشقا ... وما ك والعشق غير الشقا أمن بعد شربك كأس النهى ... وشك ريحان أهل التقى عشقت فأصبحت في العالمين ... أشهر من فرس إبلقا أدنياي من خمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا أنا إبن المهلب ما مثله ... لو أن إلى الخلد لي مرتقى غنى فيه أبو العبيس بن حمدون ولحنه ثان ثقيل مطلق وفيه لعريب ثقيل أول رواه أبو العبيس عنها، وهذه قصيدة طويلة يذكر فيها دنيا ويفخر بعقب النسيب بأبيه ويذكر مآتر الملهب بالعراق، ولكن مما قاله في دنيا منها قوله: في المرقص أدنياي من غمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا أنا لك عبد فكوني كمن ... إذا سرّه عبده أعنقا ألم أخدع الناس عن وصلها ... وقد يخدع العاقل إلا حمقا بلى فسبقتهم أنني ... أحب إلى الخيران أسبقا ويوم الجنازة إذا أرسلت ... على رقعة أن جز الخندقا وعج ثم فأنظر لنا مجلساً ... برفق وإياك أن تخرقا فجئنا كغصنين من بانة ... فرينين خدنين قد أورقا فقال لأخت لها إستنشديه ... من شعره المحكم المنتقى فقلت أمرت كتمانه ... وحذرت إن شاع أن يسرقا فقالت بعيشك قولي له ... تمنع لعلك أن تنفقا ومن مشهور قوله في دنيا وهو مما تهتك فيه وصرّح وأفحش، وهي من جيد قوه قصيدته التي يقول فيها: أنا الفارغ المشغول والشوق آفتي ... فلا تسألوني عن فراغي وعن شغلي عجبت لترك الحب دنيا خاية ... وإعراضه عنها وإقباله قبلي وما بالها لما كتبت تهاونت ... بكتبي وقد أرسلت فأنتهرت رسلي وقد حلفت أن لا تخط بكفها ... إلى قابل خطاً إليّ ولا تملي أبخلاً علينا كل ذا وقطيعة ... قضيت لدينا القطيعة والبخل سلوا قلب دنيا كيف أطلقه الهوى ... فقد كان في غل وثيق وفي كبل فإن جحدت فأذكر لها قصر معبد ... بمنصف ما بين الأبلة والحبل وملعبنا في النهر والماء زاخر ... قرينين كالغصنين فرعين في أصل ومن حولنا الريحان غضاً وفوقنا ... ظلال من الكرم المعرش والنخل إذا شئت مالت بي إليها كأنني ... إلى غصن بان بين دعصين من رمل ليالي ألقاني الهوى فأستضفتها ... فكانت ثناياها بلا حشمة نزلي وكم لذة لي في هواها وشهوة ... وركضي إليها راكباً وعلى رجلي وفي متم المهدي زاحمت ركنها ... ركني وقد وطنت نفسي على القتل وبتنا على خوف أسكن قلبها ... بيسراي واليمنى على قائم النصل فيا طيب طعم العيش إذ هي جارة ... وإذ نفسها وإذ أهلها أهلي وإذ هي لا تعتل عني برقبة ... ولا خوف عين من وشاة ولا بعل

خبر إبن سريج مع سكينة بنت الحسين عليهما السلام

فقد عفت الآثار بيني وبينها ... وقد أوحشت مني إلى درها سبلي ولما بلوت الحب بعد فراقها ... قضيت على أم المحبين بالنكل وأصبحت معزولاً وقد كنت والياً ... وشتان ما بين الولاية والعزل ومما قاله فيها وفيه غناء بجارية: ألا في سبيل الله ما حل بي منك ... وصبرك عني حين لا صبر لي عنك وتركك جسمي بعد أخذك مهجتي ... ضئيلاً فهلا كان من قبل ذا تركي فهل حاكم في الحب يحكم بيننا ... فيأخذ لي حقي وينصفني منك السليم في هذه الأبيات هزج مطلق في مجرى الوسطي، وفي هذه القصيدة يصف قصراً كانوا فيه، وهي من عجيب شعره: لقد كنت يوم القصر مما ظننت بي ... برأيكما أني بريء من الشرك يذكرني الفردوس طوراً فأرعوي ... وطوراً يواتيني القصف والفتك بغرس كأبكار الحواري وتربة ... كأن ثراها ماء ورد على مسك وسرب من الغزلان يرتعن حوله ... كما إستل منظوم من الدر من سلك وورقاء تحكي الموصلي إذا غدت ... بتغريدها أحبب بها وبمن تحكي فيا طيب القصر قصراً ومنزلاً ... بأقبح سهل غير وعر ولا ضنك كأن قصور القوم ينظرن حوله ... إلى ملك موف على منبر الملك خبر إبن سريج مع سكينة بنت الحسين عليهما السلام أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن مصعب الزبيري قال: حدثني شيخ من المكيين ووجدت هذا الخبر أيضاً في بعض اكتب مروياً عن محمد بن سعد كاتب الواقدي عن مصعب عن شيخ من المكيين والرواية عنهما متفقة قال: كان صلى الله عليه وسلم بن سريج د أصابته الريح الخبيثة وآلى يميناً ألا يغني ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي، ثم خرج وفيه بقية فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وموضع مصلاه، فلما قدم المدينة نزل على بعض أخوانه من أهل النسك والقراءة كان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم في الجلوس والمحادثة، فأقام بالمدينة حولاً حتى لم يحس من علته بشيء، وأراد الشخوص إلى مكة، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فأغتمت إغتماماً شديداً وضاق به ذرها، وكان أشعب يخدمها، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب: ويلك، إن إبن سريج شاخص دخل المدينة منذ حول ولم أسمع من غنائه قليلاً ولا كثيراً ويعز ذلك عليَّ، فكيف الحيلة في الإستماع منه ولو صوتاً واحداً. فقال لها أشعب: جعلت فداك وأني لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه، فأرفعي طمعك وأمسحي بوزك تنفعك حلاوة فمك. فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت أن تخرج أمعاؤه وخنقنه حتى كادت نفسه أن تتلف، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجاً عنيفاً فخرج على اسوأ الحالات. وأغتم أشعب غماً شديداً وندم على ممازحتها في وقت لم نبغِ له ذلك، فأتى منزل إبن سريج ليلاً فطرقه فقيل من هذا: فقال: أشعب، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلاً من أنفه وجبهته على لحيته وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها، فنظر إبن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه، فقال لها ما هذا ويحك، فقص عليه القصة، فقال إبن سريج: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا نزل بك والحمد لله الذي سلم نفسك لا تعودّن إلى هذه أبداً. قال أشعب: فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فسيكون ذلك سبباً لرضاها عني، قال إبن سريج كلا والله لن يكون ذلك ابداً بعد أن تركته قال أشعب قد قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد وهي ساخطة عليّ، فالله الله في وأنا أنشدك الله، ألا تحملت هذا الإثم فيّ فأبى عليه. فلما رأى أشعب أن عزم إن سريج قد تم على الإمتناع قال في نفسه لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت، فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها ونبه الجيران من رقادهم وأقام الناس نت فراشهم ثم سكت فلم يدرِ الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم.

فقال له إبن سريج: ويلك ما هذا، قال: لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى بالمدينة أحد إلا صار بالباب لأفتحنه ولأرينهم ما بي وعلمنهم أنك أردت أن تفعل كذا وكذا بفلان بعني غلاماً كان إبن سريج مشهوراً به فمنعتك وخلصت الغلام من يدك حتى فتح الباب ففعلت بي هذا غيظاً وتأسفاً، وإنك إنما أظهرت النسك والقراءة لتظفر بحاجتك منه. وكان أهل مكة ولمدينة يعلمون حاله معه فقال إبن سريج: أغرب أخزاك الله، قال أشعب: والله الذي لا إله إلا هو وإلا فما أملك صدقة وأمرأته طالق ثلاثاً وهو يجيز في مقام إبراهيم والكبة وبيت النار والقبر قبر أبي رغال إن أنت لم تنهض معي في ليلتي هذه لفعلن. فلما أى إبن سريج الجدّ منه قال لصاحبه: ويحك أما ترى ما وقعنا فيه، وكان صاحبه ناسكاً فال: لا أدري ما أقول فيما نزل بنا من هذا الخبيث وتذمم إبن سريج من الرجل صاحب المنزل فقال لأشعب اخرج من منزل الرجل فقال رجلي مع رجلك. لما صارا في بعض الطريق قال إبن سريج لأشعب إمض عنه قال: واله لئن تعل ما قلت لأصيحن الساعة حتى يجتمع الناس ولأقولن أنك أخذت مني سواراً من ذهب لسكينة على أن تجيئها فتغنيها سراً وإنك كابرتني عليه وجحدتني وفعلت بي هذا الفعل. وقع إبن سريج فيما لا حيلة له فيه فقال: أمضي لا أرك الله فيك، فمضى معه فلما صارا إلى باب سكينة قرع الباب فقيل من هذا فقال أشعب قد جاء بإبن سريج ففتح الباب لهما ودخلا إلى حجرة خارجة عن دار سكينة فجلسا ساعة، ثم أذن لهما فدخلا إلى سكينة فقالت يا عبيد ما هذا الجفاء قال: قد علمت بأبي أنت ما كان متى قالت أجل، فتحدثا ساعة وقص عليها ما صنع به أشعب فضحكت وقالت: لقد أذهب ما كان في قلبي عليه وأمرت لأشعب بعشرين ديناراً وكسوة، ثم قال لها إبن سريج: أتأذنين بأبي أنت قالت وأين قال المنزل قالت: برئت من جدّي أن برحت داري ثلاثاً، وبرئت من جدي إن أنت لم تغنِ إن خرجت من داري شهراً، وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهراً إن لم أضربك لكل يوم تقيم فيه عشراً، وبرئت من جدي إن حنثت في يميني أو شفعت فيك أحداً. فقال عبيد: وا سخنه عيناه وا ذهاب ديناه وا فضيحتاه، ثم إندفع يغني: استعين الذي بكفيه نعي ... ورجائي على التي قتلتني الصوت المذكور آنفاً، قالت سكينة: فهل عندك يا عبيد من صبر، ثم أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالاً فرمت به إليه ثم قالت: أقسمت عليك لما أدخلته في يدك ففعل ذلك، ثم قالت لأشعب إذهب إلى عزةٍ فأقرئها السلام وأعلمها أن عبيد ندنا، لتأتنا متفضلة بالزيارة. فأتاها أشعب فأعلمها فأسرعت المجيء فتحدثوا باقي ليلتهم ثم أمرت عبيداً وأشعب خرجا فناما في حجرة مواليها فلما أصبحت هيء لهم غذاؤهم وأذنت لإبن سريج فدخل فتغدى قريباً منها مع أشعب ومواليها وقعدت هي مع عزة وخاصة جواريها. فلما فرغوا من الغذاء قالت: يا عز إن رأيت أن تغنينا فأفعلي، قالت إي وعيشك، فغنت في شعر عنترة العبسي: حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم إن كنت أزمعت الفراق فإنما ... زمت ركابكم بليل مظلم فقال إبن سريج أحسنت والله يا عزة، وأخرجت سكينة الدملج الآخر من يدها فرمته إلى عزة وقالت: صيري هذا في يدك ففعلت، ثم قالت لعبيد هات غننا فقال حسبك ما سمعت البارحة فقالت: لا بدّ أن تغنينا في كل يوخم لحناً. لما رأى إبن سريج أنه لا يقدر على الإمتناع مما تسأله غنّى: قالت من أنت على ذكر فقلت لها ... أنا الذي ساقه للحين مقدار قد حان منك فلا تبعد بك الدار بين وفي البين للمتبول أضرار ثم قات عزة في اليوم الثاني غني فغنت لحنها في شعر الحرث بن خالد ولإبن محرز فيه لحن عزة أحسنهما: قرّت بها عيني وقد كنت قبلها ... كثيرة البكاء كشفقاً من صدودها وبشر خود مثل تمثال بيعة ... تظل النصارى حوله يوم عيدها قال إبن سريج: والله ما سمعت مثل هذا قط حسناً ولا طيباً، ثم قالت لإبن سريج هات فأندفع يغني: أرقت فلم أنم طرباً ... وبت مسهداً الصبا لطيف أحب خلق الله إنساناً وإن غضبا لم أردد مقالتها ... ولم أك عاتباً عتبا

أخبار ذات الخال

ولكن صرّمت حبلي ... فأمسى الحبل منقضبا قالت سكينة: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك ول نردك وإنما كنت يمينى على ثلاثة أيام، فأذهب في حفظ الله وكلاءته. ثم قالت لعزة: إذا شئت ودعت لها بحلة ولإبن سريج بمثلها. فأنصرف عزة وأقام إبن سريج حتى إنقضت ليلته وأنصرف فمضى من وجهه إلى مكة راجعاً. قال: حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم الشعر لعنترة بن شداد العبسي والغناء لعزة الميلاه، وقد كتب ذلك في أول هذه القصيدة وسائر ما يغني فيها ومنها ما قيل: أرقت فلم أنم طربا ... وبت مسهداً نصبا لطيف أجب الله ... إنساناً وأن غضبا إلى نفسي وأوجههم ... وإن أمسي قد إحتجبا وصرَّم حبلنا ظلماً ... لبلغة كاشح كذبا عروضه من الوافر الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لإبن سريح قيل أول بالسبابة في مجرى البنصر، منها قوله: قد حان منك فلا تبعد ك الدار ... بين وفي البين للمتبول أضرار قالت من أنت على ذكر فقلت لها ... أنا الذي ساقني للحين مقدار الشعر لعمر بن أبي ربيعة والغناء لإبن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى ومنها الصوت الذي أوله: وقرت لها عيني وقد كنت قبلها أوله قوله: لبشرة أسرى الطيف والخبث دونها ... وما بيننا من حزن أرض وبيدها وقرّت بها عيني وقد كنت قبلها ... كثيراً بكائي مشفقاً من صدودها وبشرة خود مثل تمثال بيعة ... تظل النصارى حولها يوم عيدها الشعر للحرث بن خالد المخزومي والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالخنصر في مجرى الوسطى، وذكر إسحق هذه الطريقة في هذا الصوت ولم ينسبها إلى أحد. ولإبن نحرز في هذه الأبيات أول بالخنصر في مجرى الوسطى وفيها العزة لميلاء خفيف رمل وبشرة هذه التي ذكرها الحرث بن خالد أمة كانت لعائشة بنت طلحة وكان يكنى عن ذكر عائشة بها وله فيها أشعار كثيرة منها مما يغنى فيه قوله: يا ربع بشرة بالجنان تكلم ... وإبن لنا خبراً ولا تستعجم ما لي رأيتك بعد أهلك موحشاً ... خلقا كحوض الباقر المتهدم تسقي الضجيج إذا النجوم تغورت ... طوع الضجيع وغاية المتوسم قب البطون أوانس شبه الدمى ... يخطلن ذاك عفة وتكرم عروضه من الكامل والشعر للحرث بن خالد والغناء لمعبد ولحنه من خفيف الرمل بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحق وفيه أيضاً ثقيل أول بالوسطى على مذهب إسحق في رواية عمرو ومنها: يا ربع بشرة أن اضر البلى ... فلقد عهدتك آهلاً معمورا عقب الرذاذ خلافه فكأنما ... بسط الشواطب بينهن حصيرا غناء إبن سريج رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحق وفيه لحن لمالك وقيل بل هو لإبن محرز وعروضه من الكامل وقوله عقب الرذاذ خلافه يقول جاء الرذاذ بعده ومنه يقال عقب لفلان غنى بعد فقر وعقب الرجل اياه إذا قام بعده ومنه يقال عقب للان غنى بعد فقر وعقب الرجل اباه إذا ام بعده مقامه وعواقب الأمور مأخوذه منه واحدتها عاقبة والرذاذ صغار أمطر، وقوله خلافه أي بعده: قال متمم إبن نويرة: وفقدي بني أم تداعوا فلم أكن ... خلافهم لأستكين فأضرعا أي بعدهم والشواطب النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف يعملن منه الحصر ومنه السيف المشطب والشطيبة الشعبة من الشيء ويقال بعثنا إلى فلان شطيبة من خيلنا أي قطعة: أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: كانت مغنية تختلف إلى صديق لها فأتته يوماً فوجدته مريضاً لا حراك به فدعت بالعود وغنت: أخبار ذات الخال صوت ما بال شمس أبي الخطاب قد حجبت ... يا صاحبي لعل الساعة إقتربت أو لا فما بال ريح كنت آنسها ... عادت إليّ بصرّ بعدما جنبت إليك أشكو أبا الخطاب جارية ... غريرة بفؤادي اليوم قد لعبت وأنت قيمها فأنظر لعاشقها ... يا ليتها قربت مني وما بعدت

عروضه من البسيط الشعر والغناء لإبراهيم الموصلي ومل بالبنصر عن الهشامي وعلي بن يحيى، وذكر محمد بن الحرث بن بسخنر أن فيه هزجاً بالبنصر لإبراهيم بن المهدي، وذكر عمرو بن بانة أنه لإبراهيم الموصلي أيضاً وأبو الخطاب الذي عناه إبراهيم الموصلي في شعره هذا رجل نحاس يعرف بقرنين مولى العباسة بنت المهدي وكان إبراهيم يهوى جارية له يقال لها خنث وكانت من أجمل النساء وأكلمهن وكان لها خال فوق شفتها العليا وكانت تعرف بذات الخال، ولإبراهيم ولغيره فيها أشعار كثيرة نذكر منها كل ما فيه غناء بعد خبرها إن شاء الله. أخبرني بخبرها الحسين بن يحيى قال: حدثنا جاد بن إسحق قال: حدثني أبي أن جدّي كان يتعشق جارية لقرين الكنى بأبى الخطاب النحاس، وكان يقول فيها الشعر ويغني فيه فشهرها بشعره وغنائه، وبلغ الرشيد خبرها فأشتراها بسبعين ألف درهم. فقال لها ذات يوم: أسألك عن شيء فإن صدقتني وإلا صدقني غيرك وكذبتك، قالت له بل أصدقك، قال: هل كان بينك وبين إبراهيم الموصلي شيء قط وأنا أحلفه أن يصدقني قال: فتلكأت ساعة ثم قالت: نعم مرة واحدة، فأبغضها وقال يوماً في مجلسه: أيكم لا يبالي أن يكون كشحاناً حتى أهب له ذات الخال، فبكر حمويه الوصيف فقال: أنا، فوهبها له. وفيها يقول إبراهيم: أتحسب ذات الخال راجية ربا ... وقد سلبت قلباً يهم بها حبا وما عذرها نفسي فداها ولم تدع ... على أعظمي لحماً ولم تبق لي لبا الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالسبابة في مجرى الوسطى، وذكر أحمد إبن أبي طهر أن الرشيد إشتراها بسبعين ألف درهم، وذكر قصة حموية كما ذكرها جاد وقال في خبره: فأشتاقها الرشيد يوماً بعدما وهبها لحمويه فقال له: ويلك يا حمويه، وهبنا لك الجارية على أن تسمع غناءها وحدك، فقال: يا أمير المؤمنين مر فيها بأمرك قال نحن عندك غداً، فمضى فأستعد لذلك وأستأجر لها من بعض الجوهريين بدنة وعقوداً ثمنها أثنا عشر ألف دينار، فأخرجها إلى الرشيد وهو عليها فلما رآه أنكره وقال: ويلك يا حمويه من أين لك هذا وما وليتك عملاً تكسب فيه مثله ولا وصل إليك مني هذا القدر، فصدقه عن أمره فبعث الرشيد آل أصحاب الجوهر فأحضره واشترى الجوهر منهم ووهبه لها ثم حلف ألا تسأله في يومه دالك حاجة إلا قضاها، فسألته أن يولي حمويه الحرب والخراج بفارس سبع سنين، ففعل ذلك وكتب له عهده وشرط على ولي العهد بعده أن يتمها له إن لم تتم في حياته. حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني محمد بن عبد الله العاصمي قال: حدثني أحمد إبن عبد الله طماس عن عبد الله وإبراهيم أبني العباس الصولي قالا: كانت للرشيد جارية تعرف بذات الخال فدعته يوماً فوعدها أن يصير إليها وخرج يريدها فأعترضته جارية فسألته أن يدخل إليها فدخل وأقام عندها فشق ذلك على ذات الخال وقالت: والله لأطلبن له شيئاً أغيظه به، وكانت أحسن الناس وجهاً ولها خال على خدها لم يرَ الناس أحسن منه في موضعه فدعت بمقاض فقصت الخال الذي كان في خدها. وبلغ ذلك الرشيد فشق عليه وبلغ فخرج من موضعه وقال للفضل بن الربيع: أنظر من بالباب من الشعراء فقال الساعة رأيت العباس بن الأحنف فقال أدخله فأدخله عرّفه الرشيد الخبر وقال: إعمل في هذا شيئاً على معنى رسمه له فقال: تخلصت ممن لم يكن ذا حفيظة ... ملت إلى من لا يغيره حال فإن كان قطع الخال لما تعطفت ... على غيرها نفسي فقد ظلم الخال غنّاه إبراهيم فنهض الرشيد إلى ذات الخال مسرعاً مسترضياً لها وجعل هذين البيتين سبباً وأمر العباس بألفي دينار، وأمر إبراهيم الموصلي فغناه في هذا الشعر. أخبرني محمد إبن يحيى قال: حدثني حمد بن الفضل قال: كان محمد بن موسى المنجم يعجبه التقسيم في الشعر ويشغف بجيد الأشعار فكان مما يعجبه قول نصيب: ابا بعل ليلى كيف تجمع سلمها ... وحربي وفيما بيننا شبت الحرب لها مثل ذنبي اليوم إن كنت مذنباً ... ولا ذنب لي إن كان ليس لها ذنب روضه من الطويل والشعر لنصيب ويروى للمجنون ويروى لكعب بن مالك الخشعمي والغناء لمالك ثاني ثقيل بالوسطى من غمر وقال: وكان محمد بن موسى ينشد كثيراً للعباس بن الأحنف. قال:

ألا ليت ذات الخال تلقى من الهوى ... عشير الذي ألقى فيلتئم الشعب إذا رضيت لم يهتني ذلك الرضا ... لعلمي به أنه سوف يتبعه عتب وأبكي إذا ما أذنبت خوف صدودها ... وأساها مرضاتها ولها الذنب وما لكم صرم وحبكم قلى ... وعطفكم صد وسلكم حرب ويقول ما أحسن ما قسم حتى جعل بإزاء كل شيء ضده والله إن هذا الأحسن من تقسيمات أقليدس الغناء في هذه الأبيات الأربعة لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي، وكانت ذات إحدى الثلاث الجواري اللواتي كان الرشيد يهواهن ويقول الشعر فيهن ونّ سحر وضيا وخنث، وفيهن يقول: حدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد الأسدي قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن منجوف السدوسي قال: حدثني محمد بن اسمعيل بن صبيح قال: وجه الرشيد إلى جاريته سحر لتصير إليه فأعتلت عليه ذلك اليوم بعلة ثم جاءته من الغد، فقال الرشيد: أيا من رد ودّي أمس لا أعطيكه اليوما ولا والله لا أعطيك إلا الصد واللوما وإن كان بقلبي منك حب يمنع النوما ايا من سمته الوصل فأغلى المهر والسوما قال وفيهن يقول وقد قيل للعباس بن الأحنف قالها على لسانه قال: ملك الثلاث الأنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني غنته عريب خفيف ثقيل الأول الوسطى، وروى أحمد بن أبي طاهر عن إسحق قال: وجه الرشيد إلى ذات الخال ليلة وقد مضى شطر الليل فحضرت فأخرج إلي جارية كأنها المهاة فأجلسها في حجره ثم قال غني فغنيته: جئن من الروم وقاليقلا ... يرفلن في المرط ولين الملا مقرطقات بصنوف الحلي ... يا حبذا البيض وتلك الحلا فأستحسنه وشرب عليه، ثم إستؤذن لفضل بن الربيع فأذن له، فلما دخل قال: ما وراءك في هذا الوقت قال كل خير يا أمير المؤمنين، ولكن جرى لي الساعة سبب لم يجز لي كتمانه، قال وما ذاك قال: أخرج إليّ في هذا الوقت ثلاث جوارٍ لي مكية ومدنية وعراقية فقبضت المدينية على ذكري فلما أنعظ وثبت المكية فقعدت عليه فقالت لها الدينية ما هذا التعدي، ألم تعلمي أن مالكاً حدثنا عن الزهري عن عبد الله بن طاهر عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيا أرضاً ميتة فهي له، قالت الأخرى أول تعلمي أن سفيان حدثنا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصيد لمن صاد لا لمن أثاره فدفعتهما العراقية عنه ووثبت عليه وقالت: هذا لي وفي يدي حتى تصطلحا. فضحك الرشيد وأمر بحملين إليه فعل وحظين عنده وفيهن يقول: ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا الغلابي قال حدثني مهدي بن سابق قال: حججت ع الرشيد آخر حجة فكان الناس يتناشدون له في جواريه: ثلاث قد حللن حمى فؤادي ... ويعطين الرغائب في ودادي نظمت قلوبهن بخيط قلبي ... فهن قرابتي حتى التنادي فمن بك حل من قلب محلاً ... فهن من النواظر والسواد ومما قاله إبراهيم وغيره في ذات الخال وغنى فيه: وقال: إذات الخال أقصيت ... محباً بكم صبا فلا أنسى حياتي ما ... عدت الدهر لي ربا وقد قلت أنيليني ... فقالت أفرق الدنبا الشعر والغناء لإبراهيم هزج بالوسطى عن عمرو ومنها قال: أذات الخال قد طال ... بمن أسقمته الوجع وليس إلى سواكم في ... الذي يلقى له فزع أما يمنعك الإسلا ... م من قتلي ولا الورع وما ينفك لي فيك ... هوى تغتره خدع الشعر والغناء لإبراهيم هزج بالوسطى عن عمرو ومنها قال: ثعلب يا هذا الكثير العبث ... بالله لما قلت لي عن حنث عن ظبية تميش في مشيتها ... أحسن من أبصرته في شعث فقال قالت له أنت أمرؤ ... موكل فيما ترى بالعبث

والله لولا خصلة ارقبها ... لقل في الدنيا لما بي لبثي الشعر لإبراهيم وله فيه لحنان أحدهما ثقيل أول عن أبي العنبس والآخر هزج بالبنصر عن عمرو وفيه لعريب ثقيل أول آخر وذكر حبش أن فيه لإبن جامع هزجاً بالوسطى. وذكر هرون بن الزيات أن حماد دثه عن أبيه أن ثعلباً هذا كان مملوكاً لإبراهيم فقال هذه الأبيات في خنث جارية جزه بن مغول الموصلي وكانت مغنية محسنة وخاطب ثعلباً فيها مستخيراً له. وذكر هرون بن محمد بن عبد الملك أن حماد بن إسحق حدثه عن أبيه أنه قال في خنث جارية جزه بن مغول الموصلي وخاطب في شعره غلاماً يقال له ثعلب وكانت خنث مغنية محسنة وكانت تعرف بذات الخال. قال: ثعلب يا هذا الكثير الخبث ... بالله ألا قلت لي عن خنث وذكر الأبيات قال له أيضاً: أيد لذات الخال يا ثعلب ... قول أمريء في حبه لا يكذب إني أقول الحق فأستيقني ... كل أمريء في حبه يلعب الشعر والغناء لإبراهيم هـ فيه لحنان رمل وخفيف ثقيل عن إبن المكي ومنها: جزى الله خيراً من كلفت بحبه ... وليس به إلا المموه من حسبي وقالوا قلوب العاشقين رقيقة ... فما بال ذات الخال قاسية القلب وقالوا لها هذا محبك معرضاً ... فقالت أرى إعراضه أيسر الخطب فما هو إلا نظرة بتبسم ... قتنشب رجلاه ويسقط للجنب ومنها: إن لم يكن حب ذات الخال عناني ... إذاً فحولّت في مسك إبن زيدان فإن هذي يمين ما حلفت بها ... إلا على الحق في سري وإعلاني الشعر والغناء لإبراهيم هزج بالبنصر ومنها: لقد أخلو ذات الخا ... ل والحراس قد هجعوا فمن يبصر أبا الخطا ... ب يطلبها ويتبع ألا لن تر محزوناً ... يتيم صبره الجزع وقارعني ففزت بها ... وحازتها لي القرع غناء إبراهيم من رواية تدل عنه ولم يذكر طريقته. قال علي بن محمد الهشامي: حدثني حدّي يعني إبن حمدون قال: حدثني مخارق قال: كنت عند إبراهيم الموصلي ومعي إبن زيدان صاحب البرامكة وإبراهيم يلاعبه بالشطرنج فدخل علينا إسحق فقال له أبوه: ما أفدت اليوم فقال أعظم فائدة، سألني رجل ما أفخم كلمة في الفم فقلت له لا إله إلا الله، فقال له أبوه إبراهيم: أخطأت هلا قلت دنيا وديناً، فأخذ إبن زيدان الشاه فضرب به رأس إبراهيم وقال: يا زنديق أتكفر بحضرتي، فأمر إبراهيم غلمانه فضربوا إبن زيدان ضرباً شديداً، فأنصرف من ساعته إلى جعفر بن يحيى فحدثه بخبره قال: وعلم إبراهيم أنه قد أخطأ وجنى فركب إلى الفضل بن يحيى فأستجار به فأستوهبه الفضل من جعفر فوهبه له، فأنصرف وهو يقول: إن لم يكن حب ذات الخال عناني ... إذاً فحولت من مسك إبن زيدان فإن هذين يميني ما حلفت بها ... إلا على الصدق في سري وإعلاني قال وله في هذين البيتين صنعة وهي هزج ومنها: من يرحم مجنوناً ... بذات الخال مفتونا أبى فيها فما بلو ... وكل الناس بلونا فقد أودى به السقم ... وقد أصبح مجنونا فإن دام على هذا ... ثوى في اللحد مدفونا الشعر والغناء لإبراهيم خفيف ثقيل عن الهشامي ومنها: لذات الخال أرقني ... خيال بات يلثمني بكى وجرى له دمع ... ما بالقلب من حزن فلا أنساه أو أنسى ... إذا أدرجت في كفني الشعر والغناء لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى عن الهشامي ومنها: قال: هل علمت اليوم يا عاصم ... يا خير خدين أن ذات الخال تأتيني ... على رغم قرين لا تلمني إن ذات الخا ... ل دنياي وديني وأبي حنص خليلي ... ووزيري وأميني بحت لا أكتمه شيئاً ... من الداء الدفين إن بي من حب ذا ... ت الخال شيئاً كالجنون فيه لإبراهيم هزج بالوسطى عن إبن المكي ومنها: قال:

تقول ذات الخال ... لي يا خلي البسال فقلت حاشاك من ... أن يكون حالك حالي أعرضت عني لما ... أوقعتني في الحبال أن الخلي هو الغافل ... الذي لا يبالي لإبراهيم من كتاب عن حبش فيه لحن، وذكر إبن المكي أنه رمل ومنها قال: أما تعلم ذات الخال فوق الشفة العليا بأني لست أهوى غيرها شيئاً من الدنيا وإني عن ميع الناس إلا عنهم أعمى وإني لو سقيت الدهر من ريقك لا أروى الشعر والغناء لإبراهيم رمل بالوسطى عن عمرو وإبن المكي وغيرهما وقد روى أما تعلم يا ذا الخال وهذا هو الصحيح ومنها قوله في المرقص: قال: يا ليت شعري كيف ذات الخال ... أم كيف تحسب حالها من حالي هل أنسيا منها وضمت مرة ... رأسي إليها ثم قالت مالي الذلة أقصيتني نفسي فدا ... ؤك أم أطعت مقالة العذالي والله ما إستحسنت شيئاً مونقاً ... ألتذه إلا خطرت ببالي الشعر والغناء لإبراهيم وله فيه لحنان هزج بالأصابع كلها عن إبن المكي وثقيل أول بالوسطى عن حبش ومنها قال: يا ليت شعري والنساء غوادر ... خلف العدات وفاؤهن قليل هل وصل ذات الخال يوماً عائد ... فتزول لوعاتي وحر غليلي أم قد تناست عهدنا وأخالها ... عن ذاك ملك حال دون كان خليلي الشعر والغناء لإبراهيم من كتابه ثقيل أول بالبنصر عن إبراهيم وإبن المكي والهشامي إنقضت أخبارها أن من غرّه بشيء ... بعد هند لجاهل مغرور حلوة القول واللسان ومرّ ... كل شيء أجنّ منها الضمير كل أنثى وإن بدا لك منها ... آية الحب حبها خيتعور الشعر لحجر بن عمرو آكل المرار والغناء لحنين ثاني ثقيل بالبنصر عن الهشامي وفيه أول بالوسطى عن حبش وفيه رمل له أخبار عبد الله بن عجلان مع الجارية هند // هو عبد الله بن العجلان بن عبد الأجب بن عامر بن كعب بن صباح بن نهد إبن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة شاعر جاهلي أحد المتيمين من الشعراء ومن قتله الحب منهم، وكان له زوجة يقال لها هند فطلقها ثم ندم على ذلك فتزوجت زوجاً غيره فمات أسفاً عليها. أخبرني محمد بن مزيد قال: حدثنا حماد بن إسحق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: كان عبد الله بن العجلان النهدي سيداً في قومه وإبن سيد من ساداتهم وكان أبوه أكثر بني هد مالاً، وكانت هند امرأة عبد الله بن العجلان التي يذكرها في شعره امرأة من قومه من بني نهد وكانت أحب الناس إليه وأحظاهم عنده فمكثت معه سنين سبعاً أو ثمانياً لن تلد فقال له أبوه لا ولد لي غيرك ولا ولد لك وهذه المرأة عاقر فطلقها وتزوج غيرها، فأبى ذلك، فآلى أن لا يكلمه أبداً حتى يطلقها فأقام على أمره ثم مد إليه يوماً وقد شرب الخمر حتى سكر وهو جالس مع هند فأرسل إليه أن صر إليّ فقال له هند: لا تمض إليه والله ما يريدك لخير وإنما يريدك بلغه أنك سكران فطمع فيك أن يقسم عليك فتطلقني، فنم مكانك ولا تمضِ إليه، فأبى وعصا فتعلقت بثوبه فضربها بمسواك فأرسلته وكان في يدها زعفران أثر في ثوبه مكان يدها ومضى إلى أبيه فعاوده في أمرها وأنبه وضعفه وجمع عليه مشيخة الحي وفتيانهم فتناولوه بألسنتهم وعيروه بشغفه بها وضعف حزمه، ولم يزالوا به حتى طلقها، فلما أصبح خبر بذلك وقد علمت به هند فأحتجبت عنه وعادت إلى أبيها وأسف عليها أسفاً شديداً، فلما رجعت إلى أبيها خطبها رجل من بني نمير فزوّجها أبوها منه فبنى بها عندهم وأخرجها إلى بلده، فلم يزل عبد الله بن العجلان دنفاً سقيماً يقول فيها الشعر ويبكيها حتى مات أسفاً عليها، وعرضوا عليه فتيات الحي جميعاً فلم يقبل واحدة منهن. وقال في طلاقه إياها: فارقت هنداً طائعاً ... فدمت عند فراقها بالعين تذري دمعة ... كالدر من آماقها متحلياً وق الردا ... ء يجول من رقراقها خود رداح طفلة ... ما الفحش من أخلاقها ولقد ألذ حديثها ... واسر عند عناقها وفي هذه القصيدة يقول:

إن كنت ساقية ببز ... ل الأدم أو بحقافها فأسقي بني هد إذا ... شربوا خيار زقاقها فالخيل تعلم كيف ... تلحقها غداة لحاقها بأسنة رزق صبحنا ... القوم حد رقاقها حتى ترى قصد القنا ... والبيض في أعناقها قال أبو عمر الشيباني: لما طلق عبد الله بن العجلان هند أنكحت في بني عامر، وكانت بينهم وبين نهد مغاورات جمعت نهد لبني عامر جمعاً فأغاروا على طوائف منهم فيهم بنو العجلان وبنو الوحيد وينو الحريش وينو قشير ونذروا بهم فأقتتلوا قتالاً شديداً، ثم إنهزم بنو عامر وغنمت نهد أموالهم وقتل في المعركة إبن لمعاوية إبن قشير بن كب وسبعة بنين له وقرط وجدعان إبنا سلمة بن قشير ومرداس إبن جدعة بن كعب وحسين بن عمرو بن معاوية ومسحقة بن المجمع الجعفي، فقال عد الله بن العجلان في ذلك: ألا أبلغ بني العجلان عني ... فلا ينبيك بالحدثان غيري بأنا قد قتلنا قرطاً ... وجرنا في سراة قشير وأفلتنا بنو رجالاً ... حاة يربؤن على سمير وقالت امرأة من بني قيس ترثي قتلاهم: أصبتم يا بني زيد ... قروماً عند قعقعة السلاح إذا إشتد الزمان وكان محلاً ... وحادر فيه إخوان السماح أهانوا المال في اللزيات صبراً ... وجادوا بالمتالي واللقاح فبكى مالكاً وأبكى بجيراً ... وشداداً مستجر الرماح وكعباً فأندبيه معاً وقرطاً ... أولئك معشري هدّوا جناحي وبكى إن بكيت على حسيل ... ومدراس قتيل بني صباح قال: وأسر عبد الله بن العجلان جلاً من بني الوحيد منّ عليه وأطلقه ووعده الوحيدي من الثواب فلم يفِ فقال عبد الله: وقالوا لن تنال الدهر فقراً ... إذا شكرتك نعمتك الوحيد فيا ندماً ندمت على رزام ... ومخلفه كما خلع العتود قال أبو عمر: ثم أن بني عامر جمعوا لبني نهد قالت هند امرأة عبد الله بن العجلان التي كانت ناكحاً فيهم لغلام منهم يتيم فقير من بني عامر: لك خمس عشرة ناقة على أن تأتي قومي فتنذرهم قبل أن يأتيهم بنو عامر، فقال أفعل، فحملته على ناقة لزوجها ناجية وزودته مراً ووطباً من لبن فركب فجد في السير وفنى اللبن فأتاهم والحي خلوف في غزو وميرة فنزل هم وقد يبس لسانه، فلما كلموه لم يقدر على أن يجيبهم وأومأ لهم إلى لسانه فأمر خراش بن عبد الله بلبن وسمن فأسخن وسقاه إياه فأبتل لسانه وقال لهم: أتيتكم أنا رسول هند إليكم تنذركم، فأجتمعت بنو نهد وأستعدت ووافتهم بنو عامر فلحقوهم على الخيل فأقتتلوا قتالاً شديداً فأنهزمت بنو عامر. فقال عبد الله بن العجلان في ذلك: أعاود عيني نصبها وغرورها ... أهم عناهم أم قذاها يعورها أم الدأر أمست قد تعفت كأنها ... زيور يمان رقشته سطورها ذكرت بها هند وأترابها الأولى ... بها يكذب الواشي ويعصي أميرها فما معول تبكي لفقد أليفها ... إذا ذكرته لا يكف زفيرها بأغزر مني عبرة إذ رأيتها ... بحث بها قبل الصباح بعيرها ألم يأت هنداً كيفما صنع قومها ... بني عامر إذ جاء يسعى نذيرها فقالوا لنا إنا نحب لقاءكم ... وإنا نحيي أرضكم ونزورها فقلنا إذاً لا ننكل الدهر عنكم ... بضم القنا اللائي الدماء تميرها فلا غزوان اخيل تنحط في القنا ... نمطر من تحت العوالي ذكورها تأوه مما مسها من كريهه ... وتصفي الخدود والرماح تصورها وأربابها صرعى ببرقة أخرت ... بجررهم ضبعانها ونسورها فأبلغ أبا الحجاج عني رسالة ... مغلغلة لا يفلتنك بورها فأنت منعت السلم يوم لقيتنا ... بكفيك تسدي غية وتثيرها فذوقوا على ما كان من فرط إحنة ... خلائبنا إذ غاب عنا نصيرها قال أبو عمرو:

أخبار حبابة

فلما إشتد ما بعبد الله بن العجلان من السقم خرج سراً من أبيه مخاطراً بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشر والتراث حتى نزل بني نمير وقصد خباء هند، فلما قارب دارها وهي جالسة على الحوض وزوجها يسقي ويذود الإبل عن مائه فلما نظر إليها ونظرت إليه رمى بنفسه عن بعيره وأقبل يشتد إليها وأقبلت تشتدّ عليه فأعتنق كل واحد منهما صاحبه وجعلا يبكيان وينشجان ويشهقان حتى سقطا على وجوههما، وأقبل زوج هند ينظر ما حالهما فوجدهما ميتين. قال أبو عمرو: واخبرني بعض بني نهد أن عبد الله بن العجلان أراد المضي إلى بلادهم فمنعه أبوه وخوّفه الثارات وقال لهم: نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة، ولم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت فحج وحج أبوه معه، فنظر إلى زوج هند وهو يطوف بالبيت وأثر كفها في ثوبه بخلوق، فرجع إلى أبيه في منزله وأخبره بما رأى ثم سقط على وجهه فمات. هذه رواية أبي عمرو. وقد أخبرني محمد بن خلف بن وكيع قال: حدثني عبد الله بن الحسن قال: حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب عن إبن سيرين قال: خرج عبد الله بن العجلان في الجاهلية فقال: ألا أن هند أصبحت منك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتها حما وأصبحت كالمغمور جفن سرحه ... بقلب بالكفين قوساً وأسهما ثم مدّ بها صوته فمات. قال إبن سيرين: فما سمعت أن أحداً مات عشقاً غير هذا، وهذا الخبر عندي خطأ لأن أكثر الرواة يروي هذين البيتين لمسافر بن أبي عمرو بن أمية قاله لما خرج إلى النعمان بن المنذر يستعينه في مهر هند بنت عتبة بن ربيعة فقدم أبو سفيان بن حرب فسأله عن أخبار مكة وهل حدث بعده شيء فقال لا، إلا إني تزوجت هنداً بنت عتبة فمات مسافر أسفاً عليها، ويدل على صحة ذلك قوله: وأصبحت من أدنى حموءتها حما، لأنه لأبي عتم أبي سفيان بن حرب وليس النميري المتزوج هند الزيدية إبن عم عبد الله بن العجلان فيكون من أحمائها والقول الأول على هذا أصح. ومن مختار ما قاله إبن عجلان في هند: ألا أبلغا هنداً سلامي فإن نأت ... فقلبي مذ شطت بها الدار مدنف ولم أرَ هنداً بعد موقف ساعة ... بأنعم من أهل الديار تطوف أتت بين أتراب تمايس إذ مشت ... دبيب القطا أو هنّ منهن أقطف بياكرن مرّات جلياً وتارة ... ذكياً وبالأيدي مذاك ومسوف اشار إلينا في خفاة وراءها ... سراة الضحى مني على الحي موقف وقالت تباعد يا إبن عمي فإنني ... منيت بذي صول يغار ويغنف أخبرني احسن بن علي قال: أنشدنا فضل اليزيدي عن إسحق لعبد الله بن العجلان النهدي. قال إسحق وفيه غناء: خليليّ زوروا قبل شحط النوى هندا ... ولا تأمنا من دار لطف بعدا ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة ... أغياً يلاقي في التعجل أم رشدا ومرّا عليها بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا * * * أخبار حبابة كانت حبابة مولدة من مولدات المدينة لرجل من أهلها يعرف بإبن مّانة، وقل إبن مينا وهو خرجها وأدبها وقيل بل كانت لآل لاحق المكيين وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة العود وأخذت الغناء عن إبن سريج وإبن محرر ومالك ومعبد وعن جميلة وعزة الميلاء وكانت تسمى العالية فسماها يزيد لما إشتراها حبابة، وقيل أنها كانت لرجل يعرف بإبن مينا. أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني حاتم إبن قبيصة قال: وكانت حبابة لرجل يدعى إبن مينا فأخلت على يزيد بن عبد الملك في إزار له ذنبان وبيدها دف ترمي به وتتلقاه وتتغنى: ما أحسن الجيد من مليكة ... واللبات إذ زانها ترائبها يا ليتني ليلة إذا هجع ... الناس ونام الكلاب صاحبها في ليلة لا يرى بها أحد ... يسعى علينا إلا كواكبها

ثم خرج بها مولاها إلى أفريقية، فلما كان بعدما وليّ يزيد إشتراها وروى حماد عن أبيه عن المدائني عن جرير المديني ورواه الزبير بن بكار عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال: قال لي يزيد بن عد الملك: ما تقرّ عيني ما أوتيت من الخلافة حتى أشتري سلامة جارية مصعب بن سهيل الزهري وحبابة جارية لاحق المكية فأرسل فأشريتا له، فلما إجتمعتا عنده قال: أنا الآن ما قال القائل: فألقت عصاها وأستقر بها النوى ... كما قرّ عيناً بالإياب المسافر قال إسحق: وحدثني أبو أيوب بن عباية قال: كانت حبابة لآل رمانة ومنهم أبتيعت ليزيد. اخبرنا الحسن بن علي قال: حدثنا هرون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدثني الزبير بن بكار قال: أخبرني محمد ن سلمة عن إبن ماقية عن شيخ من أهل ذي خشب قال: خرجنا نريد ذا خشب ونحن مشاة فإذا قبة فيها جارية وإذا هي تغني: سلكوا بطن مخيض ... ثم ولوّا راجعينا أورثوني حين ولوّا ... طول حزن وأنينا قال: فسرنا حتى أتينا خشب فخرج رجل معها فسألناه وإذا هي حبابة جارية يزيد، فلما صارت إلى يزيد أخبرته بنا فكتب إلى والي المدينة أن يعطي كل واحد منا ألف درهم. أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق عن المدائني وروى هذا الخبر حماد بن إسحق عن أبيه عن المدائني وخبره أتم أن حبابة كانت تسمى العالية وكانت لرجل من الموالي بالمدينة فقدم يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان فتزوج سعدة بنت عبد الله بن جعفر على مثل ذلك وأشترى العالية بألف دينار، فبلغ ذلك سليمان فقال: لأجرن عليه، فبلغ يزيد قول سليمان فأستقال مولى حبابة ثم إشتراها بعد ذلك رجل من أهل أفريقيا، فلما ولي إشترتها سعدة إمرأته وعلمت أنه لا بد طالبها ومشتريها، فلما حصلت عندها قالت له: هل بقي عليك من الدنيا شيء لم تنله فقال: نعم العالية، فقالت: هذه هي وهي لك، فسماها حبابة وعظم قدر سعدة عنده، ويقال إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له أن وطيء لإبنها عنده في ولاية العهد وتحضرها بما تحب، وقيل أن أم الحجاج أم الوليد بن يزيد هي التي إبتاعتها له وأخذت عليها ذلك فوفت لها بذلك. هكذا ذكر الزبير فيما أخبرنا به الحسن بن علي عن هرون بن محمد عنه عن عمه قال: ومن زعم أن سعدة إشترتها فقد أخطأ. قال المدائني: ثم خطب يزيد إلى أخيها خالد بنت أخ له فقال: أما يكفيه أن سعدة عنده حتى يخطب إليّ بنات أخي. وبلغ يزيد فغضب فقدم عليه خالد يسترضيه، فبينا هو في فسطاطه إذ أتته جارية لحبابة في خدمها فقالت له: أم داود تقرأ عليك السلام وتقول لك قد كلمت أمير المؤمنين فرضي عنك، فقال: من أم داود، فأخبره من معها أنها حبابة وذكر له قدرها ومكانها من يزيد، رفع رأسه إلى الجارية فقال: قولي لها أن الرضا عني بسبب لست به، فشكت ذاك إلى يزيد فغضب وأرسل إلى خالد فلم يعلم بشيء حتى أتاه رسول حبابة فيمن معه من الأعوان فأقتلعوا فسطاطه وقلعوا أطنابه حتى سقط عليه وعلى أصحابه فقال: ويلكم ما هذا، قالوا: رسل حبابة، هذا ما صنعت بنفسك، فقال ما لها أخزاها الله ما أشبه رضاها بغضبها. قال إسحق: وحدثني محمد بن سلام عن يونس بن حبيب أن يزيد بن عبد الملك إشترى حبابة وكان إسمها العالية بأربعة آلاف دينار، فلما خرج بها قال الحرث إبن خالد فيها: ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدوا بلبك مطلع الشرق مرّت على قرن يقاد بها ... تعدو أمام براذن زرق فظللت كالمغمور مهجته ... هذا الجنون وليس بالعشق يا ظبية عبق العبير بها ... عبق الدهان بجانب الحق وغنته حبابة في الشعر وبلغ يزيد فسألها عنه فأخبرته فقال لها: غنني به، فغنته فأجادت وأطربته، فقال إسحق: إنه من جيد غنائها. قال أبو الفرج الأصبهاني: هذا غلط ممن رواه في أبيات الحرث بن خالد لأنه قالها في عائشة بنت طلحة لما زوجها مصعب بن الزبير وخرج بها وفي أبياته يقول: في البيت ذي الحسب الرفيع ومن ... أهل التقى والبر والصدق وقد شرح ذلك في أخبار عائشة بنت طلحة. قال إسحق: وأخبرني الزبير أن يزيد إشتراها وهو أمير، فلما أراد الخروج بها قال الحرث بن خالد فيها:

قد سل جسمي وقد أودى به سقم ... من أجل حيّ خلوا عن بلده الحرم يحن قلبي إليها حين أذكرها ... وما تذكرت شوقاً آب من أمم ألا حنيناً إليها رشأ ... كالشمس رود ثقال سهلة الشيم فضلها الله رب الناس إذ خلقت ... على النساء من أهل الحزم والكرم وقال فيها الشعراء فأكثروا، وغنى في أشعارهم المغنون من أهل مكة والمدينة، وبلغ ذلك يزيد فأستشنعه فقال: هذا قبل حلتنا وقد هممنا فكيف لو إرتحلنا وتذكر لقوم شدة الفراق، وبلغه أيضاً أن سليمان قد تكلم في ذلك فردها ولم تزل في قلبه حتى ملّك فأشرتها سعدة امرأته العثمانية ووهبتها له: أخبرني إبن عمار قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق قال: حدثني أبو ذفافة المنهال بن عبد الملك عن مروان بن بشر أبي سارة مولى الوليد بن يزيد قال: لما إرتفعت منزلة حبابة عند يزيد أقبل يوماً إلى البيت الذي هي فيه فقام من وراء الستر فسمعها ترنم وتغني وتقول: كن لي يا يزيد حبك حيناً ... كاد يقضي عليّ لما إلتقينا والشعر كان يا سقير فرفع الستر فوجدها مضطجعة مقبلة على الجدار فعلم أنها لم تعلم به ولم يكن ذاك لمكانه فألقى نفسه عليها وحرّكت منه. قال المدائني: غلبت حبابة على يزيد وتبنى بها عمر بن هبيرة فعلت منزلته حتى كان يدخل على يزيد في أي وقت شاء، وحسد ناس من بني أمية مسلمة بن عبد الملك على ولايته وقدحوا فيه عند يزيد وقالوا أن مسلمة إن إقتطع الخراج لم يحسن يا أمير المؤمنين أن يعيشه وأن يستكشف عن شيء لسنه وخفته، وقد علمت أن أمير المؤمنين لم يدخل أحداً من أهل بيته في الخراج فوقر ذلك في قلب يزيد وعزم على عزله وعمل إبن هبيرة في ولاية العراق من قبل حبابة عملت له في ذلك وكان بين إبن هبيرة وبين القعقعاع بن خالد عداوة وكانا يتنازعان ويتحاسدان فقيل للقعقاع: لقد نزل إبن هبيرة من أمير المؤمنين منزلة أنه لصاحب العراق غدا، فقال: ومن يطيق إبن هبيرة حبابة بالليل وهداياه بالنهار مع أنه مع أنه وإن بلغ فإنه رجل من بني سكين فلم تزل حبابة تفعل له في العراق حتى وليها. حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: سمعت إسحق بن إبراهيم يحدث بهذا الحديث فحفظته ولم أحفظ إسناده. وحدثنا محمد بن خلف وكيع قال: حدثني أحمد بن زهير قال: حدثنا مصعب الزبيري عن مصعب بن عثمان وقد جمعت روايتيهما قالا: أراد يزيد بن عبد الملك أن يتشبه بعمر بن عبد العزيز وقال: بماذا صار عمر ارجى لربه جلّ وعزمتي فشق ذلك على حبابة فأرسلت إلى الأحوص، هكذا في رواية وكيع، وأما عمر بن شبة فإنه ذكر أن مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشرب وقال له إنك وليت بعقب عمر بن عبد العزيز وعدله وقد تشاغلت بهذه الأمة عن النظر في الأمور والوفود ببابك، وأصحاب الظلامات يصيحون وأنت غافل عنهم، فقال: صدقت والله وأعتبه وهمّ بترك الشرب ولم يدخل على حبابة أياماً، فدسّت حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتاً في ذلك وقالت له إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار، فدخل الأحوص إلى يزيد فأستأذنه في الإنشاد فأذن له. قال إسحق في خبره فقال الأحوص: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا وإني وإن فندت في طلب الغنى ... لأعلم أني لست في الحب أوحدا إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى ... فكن جراً من يابس الصخر جلمدا فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

الغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالبنصر وفيه رمل للغريض ويقال أنه لحبابة، قال: ومكث جمعة لا يرى حبابة ولا يدعو بها، فلما كان يوم الجمعة قالت لبعض جواريها: إذا خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فأعلميني، فلما أراد الخروج أعلمتها فتلقته والعود في يدها فغنت البيت الأول غطى وجهه وقال: سه لا تفعلي ثم غنت: وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي، فعدل إليها وقال: صدقت والله فقبح من لامني فيك، يا غلام مر مسلمة أن يصلي بالناس وأقام معها يشرب وتغنيه واد إلى حبابة، وقال عمر بن شبة في حديثه فقال يزيد صدقت والله فعلى مسلمة لعنه الله وعاود ما كان فيه ثم قال لها من يقول هذا الشعر قالت الأحوص فأحضره ثم أنشده قصيدة مدحت فيها أولها قوله: يا موقد النار بالعلياء من أضم ... أرقد فقد هجت شوقاً غير منصرم وهي طويلة فقال له يزيد: إرفع حوائجك فكتب إليه في نحو من أربعين ألف درهم من دين وغيره فأمر له بها، وقال مصعب في خبره بل إستأذن الأحوص على يزيد فأذن في الإنشاد فقال ليس هذا وقتك فلم يزل به حتى أذن له فأنشده هذه الأبيات لما سمها وثب حتى دخل على حبابة وهو يتمثل: وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا فقالت: ما ردّك يا أمير المؤمنين فقال أبيات أنشدنيها الأحوص فسلي ما شئت قالت: ألف دينار تعطيها الأحوص فأعطاه ألف دينار. نسبة ما في هذا الخبر من الغناء // قال: يا موقد النار بالعلياء من أضم ... أوقد فقد هجت شوقاً غير منصرم يا موقد النار أوقدها فإن لها ... شباً يهيج فؤاد العاشق السدم الشعر للأحوص والغناء لمعبد خفيف ثقيل أول بالوسطى ن يونس وإسحق وعمرو، وذكر حبش أن يه خفيف ثقيل آخر لإبن جامع. أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني على بن القاسم بن بشري قال: لما غلب يزيد بن عبد الملك أهله وأبى أن يسمع منهم كلموا مولى له خراسانياً ذا قدر عندهم وكانت فيه لكنه فأقبل على يزيد وينهاه عما قد ألح عليه من السماع للغناء والشراب فقال له يزيد أحضرك هذا الأمر الذي تنهي عنه فإن نهيتني بعد ما تبلوه وتحضره إنتهيت وإني نخبر جواري إنك عم من عمومتي فإياك أن تتكلم فيعلمن أني كاذب وإنك لست بعمي. ثم أدخله عليهنّ فغنين والشيخ يسمع ولا يقول شيئاً حتى غنين: وقد كنت آتيكم بعلة غيركم ... فأفنيت علاتي كيف أقول فطر الشيخ وقال لأقيف جعلني الله فداكنّ يريد لاكيف فعلمن أنه ليس مه وقمن إليه بعيدانهنّ ليضربنه بها حتى جزهن يزيد عنه ثم قال بعد ما مضى أمرهن ما تقول الآن أدع هذا أم لا، قال لا تدعه. أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني ن يزيد بن بحر الخزاعي الأسلمي عن محمد بن سلمة عن أبيه عن جاد الرواية قال: كنت حبابة فائقة في الجمال والحسن وكان يزيد لها عاشقاً فقال لها يوماً: قد إستخلفتك على ما ورد عليّ ونصبت لذلك مولاي فلاناً وأستخلفيه لأقيم عك اياماً وأستمتع بك، قالت فغني قد عزلته فغضب عليها وقال قد إستعملته وتعزلينه وخرج من عندها مغضباً، فلما إرتفع النهار وطال عليه هجرها دعا خصياً له وقال: إنطلق فأنظر أي شيء تصنع حبابة، فأنطلق الخادم ثن أتاه فقال: رأيتها بإزار خلوقيّ قد جعلت له ذنبين وهي تلعب بلعبها، فقال: ويحك، إحتل لها حتى تمر بها عليّ، فأنطلق الخادم إليها فلاعبها ساعة ثم إستلب لعبة من لعبها وخرج فجعلت تحضر في أثره فمرت بيزيد فوثب وهو يقول قد عزلته وهي تقول: قد إستعملته فعزل مولاه وولاه وهو لا يدري، فمكث معها خالياً أياماً حتى دخل عليه أخوه مسلمة فلامه وقال: ضيعت حوائج الناس وأحتجبت عنهم، أترى هذا مستقيماً لك وهي تسمع مقالته فغنت لما خرج: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا. فذكرت البيات فطرب وقال: قاتلك الله أبيت إلا أن تردينني إليك وعاد إلى ما كان عليه. أخبرني إسماعيل قال: حدثني عمي قال: حدثني إسحق قال: حدثني الهيثم بن عدي عن صالح إبن حسان قال: قال مسلمة ليزيد: تركت الطهور وشهود الجمعة الجامعة وقدت في منزلك مع هذه الأماه، وبلغ ذلك صبابة وسلامة فقالتا للأحوص: قل في ذلك شعراً فقال: وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ... ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا وإني وإن أغرقت في طلب الصبا ... لأعلم أني لست في الحب أوحدا إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبا ... فكن حجراً من يابس الصخر جلمدا قال، فغنتا يزيد فيه، فلما غنتا ضرب خيزرانته الأرض وقال صدقتما صدقتما، على مسلمة عنة الله وعلى ما جاء به قال: فطرب يزيد فقال: هاتيا فغنّاه من هذه القصيدة: وعهدي بها صفراء رود كأما ... نضا عرق منها على اللون مجسدا مهفهة الأعلى واسفل خلقها ... جرى لحمه ما دون أن يتخددا من المدمجات اللحم دلى كأنها ... عنان صناع مدمج الفتل محصدا كأن ذكي المسك بادٍ وقد بدت ... وريح خزامى ظله ينفح الندا طرب يزيد وأخذ فيه من الشراب قدره الذي كان يطرب منه ويسرّه ولم يره أظهر شيئاً مما كان يفعله عند طربه فغنته: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلدا نظرت رجاء بالموقر أن أرى ... أكاديس يحتلون خاخاً فنشدا فأوفيت في نشز من الأرض يافع ... وقد ينفع الإيفاع من كان مقصدا لما غنته بهذا طرب طربه الذي تعهده وجعل يدور ويصيح الدخن بالنوى والسمك في بيطار جنان وشق حلته وقال لها: أتأذنين أن أطير، قالت: وإلى من تدع الناس قال إليك قال: وغنته سلامة من هذه القصيدة: فقلت ألا يا ليت أسماء أصغيت ... وهل قول ليت جامع ما تبددا وإني لأهواها وأهوى لقاءها ... كما يشتهي الصادي الشراب المبردا علاقة حب لج في سنن الصبا ... فأبلى وما يزداد إلا تجددا سهوب وأعلام تخال سرابها ... إذا إستن في القيظ الملاء المعمدا قال: وغنته حبابة منها أيضاً: كريم قريش حين ينسب والذي ... أقرت له بالملك كهلاً وأمردا وليس عطاء منه ألان بمانع ... وإن جلّ من أضعاف أضعافه وأمردا وليس عطاء منه ألان بمانع ... وإن جلّ من أضعاف أضعافه غدا أهان تلاد المال في الحمد أنه ... أمام هدى يجري على ما تعودا تردّى بمجد من أبيه وأمه ... وقد أورثا بنيان مجد مشيدا فقال لها يزيد: ويحك يا حبابة ومَن من قريش قال هذا، قالت أنت، قال من يقول هذا الشعر، قالت: الأحوص يا أمير لمؤمنين، وقالت سلامة فليسمع أمير المؤمنين باقي ثنائه عليه فيها. ثم إندفعت تغنيه: ولو كان بذل الجود والمال مخلدا ... من الناس إنساناً لكنت المخلدا فأقسم لا أنفك ما عشت شاكراً ... لعماك ما طار الحمام وغرّدا أخبرني إسماعيل قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني علي بن أجعد قال: حدثني أبو يعقوب الخزيمي عن أبي بكر بن عياش أن حبابة وسلامة إختلفتا في صوت معبد ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا فبعث يزيد إلى معبد فأتى فسال لِمَ بعث إليه فاخبر فقال لأيتهما المنزلة عند أمير المؤمنين فقيل لحبابة، فلما عرضتا عليه الصوت قضى لحبابة فقالت سلامة: والله ما قضى إلا للمنزلة وإنه ليعلم أنّ الصواب ما غنيت ولكن أئذن لي يا أمير المؤمنين في صلته لأن له عليّ حقاً قال قد أذنت فكان ما وصلته به أكثر من حبابة. وقيل: ألا حيّ الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا إذا ما حل أهلك يا سلمى ... بدارة صلصل شحطوا الديارا الشعر لجرير والغناء لإبن ثقيل أو بالسبابة في مجرى البنصر. أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: نزل الفرزدق على الأحوص حين قدم المدينة فقال له الأحوص: ما تشتهي قال: شواء وطلاء وغناء، قال: ذلك لك، ومضى به إلى قينة بالمدينة فغنته: ألا حي الديار بسعد إني ... أحب لحب فاطمة الديارا أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فأستطارا

فقال الفزدق: ما أرق أشعاركم يا أهل الحجاز وأملحها، قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر، فقال لا والله، قال هو لجرير يهجوك به، فقال: ويل إبن المراغة، ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري وأحوجني مع شهواتي إلى رقة شعره. وقد روى صالح بن حسان أن الصوت الذي إختلفت به حبابة وسلامة هو: وترى لها دلاً إذا نطقت به ... تركت بنات فؤاده صعرا وذكر ذلك حماد عن أبيه الهيثم بن عدي أنهما إختلفتا في هذا الصوت بين يدي يزيد فقال لهما من أين جاء إختلافكما والصوت لمعبد ومنه أخذتماه، فقالت هذه هكذا أخذته وقالت الأخرى هكذا أخذته، فقال يزيد: قد إختلفتما ومعبد حي بعد، فكتب إلى عامله بالمدينة يأمره بحمله إليه ثم ذكر باقي الخبر مثل ما ذكره أبو بكر ن عياش. قال صالح بن حسان: فلما دخل معبد إليه لن يسأله عن الصوت ولكنه أمره أن يغني فغنّاه فقال: فيا عزان واشٍ وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له أهلاً فأستحسنه وطرب ثم قال إن هاتين إختلفتا في صوت لك فأقضِ بينهما، فقال لحبابة غني فغنت وقال لسلامة غني فغنت وقال: الصواب ما قالت حبابة فقالت سلامة: والله يا إبن الفاعلة إنك تعلم أن الصواب ما قلت ولكنك سألت أيتهما آثر عند أمير المؤمنين فقيل لك حبابة فأتبعت هواه ورضاه. فضحك يزيد وطرب وأخذ وسادة قصيرها على رأسه وقام يدور في الدار ويرقص ويصيح: السمك الطري أربعة أرطال عند بيطار حيان حتى دار الدار كلها، ثم رجع فجلس في مجلسه وقال شعراً وأمر معبد أن يغني فيه فغنى يه وهو: أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكمو وطر إن سار صحبي لم أملك تذكركم ... أو عرسوا فهموم النفس والسهر فأستحسنه وطرب. هكذا ذكر إسحق في الخبر، وغيره أن الصنعة فيه لحبابة، ويزعم إبن خرد أن الصنعة فيه ليزيد وليس كما ذكر وإنما أراد أن يوالي بين الخلفاء في الصنعة فذكره على غير تحصيل والصحيح أنه لمعبد. قال مبد: فسر يزيد لما غنيته هذين البيتين وكساني ووصلني ثم لما إنصرم مجلسه إنصرفت إلى منزلي الذي أنزلته فإذا الطاف سلامة قد سبقت ألطاف حبابة وبعثت إليّ إني قد عذرتك فيما فعلت ولكن كان الحق أولى بك فلم أزل في ألطافهما جميعاً حتى أذن لي يزيد فرجعت إلى المدينة. قال: ألم يأن لي يا قلب أن أراك الجهلا ... وأن يحدث الشيب الملم لي العقلا على حين صار الرأس مني كأنما ... علت فوقه ندافة القطن الغزلا فيا عزان واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له أهلا كما لو وشى واشٍ بودك عندنا ... لقلنا تزحزح لا قريباً ولا سهلا فأهلاً وسهلاً شد وصلنا ... ولا مرحباً بالقائل أصرم لها حبلا الشعر لكثير والغناء لحنين ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحق، وذكر إبن المكي وعمر والهشامي أنه لمعبد وفيه ثاني ثقيل ينسب إلى إبن سريج وليس بصحيح. أخبرني الحزمي أبي العلاء قال: حدثني الزبير قال حدثتني ظبية قالت أنشدت حبابة يوماً يزيد بن عبد الملك: لعمرك أنني لأحب سلعا ... لرؤيتها ومن بجنوب سلع ثم تنفست تنفساً شديداً فقال لها: مالك أنت في ذمة أبي، لأن شئتِ لأنقلنه إليك حجراً حجراً، قالت وما أصنع به، ليس إياه أردت إنما أردت صاحبه وربما قالت ساكنه. لعمرك أنني لأحب سلعاً ... لرؤيتها ومن بجنوب سلع تقر بها عيني وإني ... لأخشى أن تكون تريد فجعي حلفت برب مكة والهدايا ... وأيدي السابحات غداة جمع لأن على التنائي فأعلميه ... أحب إليّ من بصري وسمعي الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى مما لا شك فيه من غنائه. قال الزبير: وحدثتني ظبية أن يزيد قال لحبابة وسلامة أيتكما غنتني ما في نفسي فلها حكمها فغنت سلامة فلم تصب ما في نفسه وغنته حبابة. حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا

فأصابت ما في نفسه فقال إحتكمي فقالت سلامة تهبها لي ومالها، قال: أطلبي غيرها فأبت، فقال: أنت أولى بها ومالها، فلقيت سلامة من ذلك أمراً عظيماً فقالت لها حبابة لا ترين إلا خيراً فجاء يزيد فسألها أن تبيعه إياها بحكمها فقالت أشهدك أنها حرة وأخطبها إليّ الآن حتى أزوجك مولاتي. أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق عن المدائني بنحو هذه وقال فيها فجزعت سلامة فقالت لها لا تجزعي فإنما ألاعبه. قال: حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا هزئت إن رأيت مشيبي عرسي ... لا تلومي ذوائبي أن تشيبا الشعر لإبن قيس الرقيات والغناء لإبن سريج ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحق. قال حماد بن إسحق: حدثني أبي عن المدائني وأيوب بن عبابة قالا: كانت سلامة المتقدمة منهما في الغناء وكانت حبابة تنظر إليها بتلك العين فلما حظيت عند يزيد ترفعت عليها فقالت لها سلامة: ويحك، أين تأدية الغناء وحق التعليم، أنسيت قول جميلة لك خذي أحكام ما أطارحك إياه من سلامة فلن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمر كما مؤتلفاً، قالت: صدقت يا خليلتي، والله لا عدت إلى شيء تكرهينه فما عادت لها إلى مكروه وماتت حبابة وعاشت سلامة بعدها دهراً. قال المدائني: فرأى يزيد يوماً حبابة جالسة فقال: مالك فقالت أنتظر سلامة قال تحبين أن أهبها لك قالت لا والله ما أحب أن تهب لي أختي. قال المدائني: وكانت حبابة إذا غنت وطرب يزيد قال لها أطير فتقول له فإلى من تدع الناس فيقول إليك والله تعالى أعلم. أخبرني إسمعيل بن يونس قال: حدثنا مر بن شبة قال: حدثني أيوب بن عبابة أن البيذق الأنصاري القاريء كان يعرف حبابة ويدخل عليها بالحجاز، فلما صارت إلى يزيد بن عبد الملك وأرتفع أمرها عنده خرج إليها يتعرض لمعروفها ويستميحها، فذكرته ليزيد، وأخبرته بحسن صوته قال: فدعاني يزيد ليلة فدخلت عليه وهو على فرش مشرفة قد ذهب فيها إلى قريب من ثدييه وإذا حبابة على فرش آخر مرتفعة وهي دونه فسلمت فرد السلام وقالت حبابة: يا أمير المؤمنين هذا أبي، وأشارت إليّ بالجلوس فجلست، وقالت لي حبابة إقرأ يا أبتي فقرأت، فنظرت إلى دموعه تنحدر ثم قالت: أبتي حدّث أمير المؤمنين وأشارت علي أن غنّه، فأندفعت في صوت إبن سريج: من لصب مصيد ... هائم القلب مقصد فطرب والله يزيد، فحذفني بمدهن فيه فصوص من ياقوت وزبرجد فضرب صدري فأشارت إليّ حبابة إن خذه فأخذته فأدخلته كمي فقال: يا حبابة، ألا ترين ما صنع بنا أبوك أخذ مدهنناً فأدخله في كمه فقالت: يا أمير المؤمنين ما أحوجه والله إليه. ثم خرجت من عنده فأمر لي بمائة دينار. من لصب مصيد ... هائم القلب مقصد أنت زودته الضنا ... بئس زاد المزود ولو أني لا أرتجيك ... لقد خف عوّدي ثاوياً تحت تربة ... رهن رمس بفدفد غير أني أعلل النفس باليوم أو غد الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان، وذكر الزبير بن بكر أنه لجعفر بن الزبير والغناء لإبن سريج خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى، وقال حماد حدثني أبي عن مخلد بن خداش وغيره أن حبابة غنت يزيد صوتاً لإبن سريج وهو قوله: ما أحسن الجيد من ملكية واللبات إذ زانها ترائبها طرب يزيد وقال: هل رأيت أحداً أطرب مني قلت بعم إبن لطيار معاوية بن عبد الله بن جعفر فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك فحمل إليه فلما قدم أرسلت إليه حبابة إنما بعث إليك لكذا وكذا وأخبرته: فإذا دخلت عليه فلا تظهرن طرباً حتى أغنيه الصوت الذي غنيته فقال سوأة على كبر سني فدعا به يزيد على طنفسه جز ووضع لمعاوية مثلها فجاؤوا بجامين فيهما مسك فوضعت إحداهما بين يدي يزيد والأخرى بين يدي معاوية فقال فلم أدرِ كيف أصنع فقلت أنظر كيف يصنع فأصنع مثله، فكان يقلبه فيفوح ريحه، وأفعل مثل ذلك، دعا بحبابة فغنت، فلما غنت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي الدخن بالنوى يعني اللوبيا، قال: فأمر له بصلات عدة دفعات إلى أن خرج فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار. أخبرني إسماعيل بن يونس قال:

أخبرني الزبير بن أبي بكر عن ظبية أن حبابة غنت يوماً بين يدي يزيد فطرب ثم قال لها: هل رأيت قط أطرب مني قالت: نعم مولاي الذي باعني، فغاظه ذلك، فكتب في حمله مقيداً، فلما عرف خبره أمر بإدخاله إليه فادخل يرسف في قيده وأمرها فغنت بغتة: تشط غداً دار جيراننا ... ولدار بعد غد ابعد فوثب حتى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا، فضحك يزيد وقال: لعمري هذا أطرب الناس، فأمر حل قيوده ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة وردّه إلى المدينة. أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدثنا عمر بن شبة قال: قال إسحق كان يزيد بن عبد الملك قبل أن تقضي إليه الخلافة تختلف إليه مغنية طاعنة السن تدعى أم عوف وكانت محسنة فكان يختار عليها: متى أجر خائف تسرح مطيته ... وأن أخف آمناً تغلق به الدار سيروا إليّ وأرخوا من أعنتكم ... أني لكل أمريء من وتره جار فذكرها يزيد يوماً لحبابة وقد كانت أخذت عها فلم تقدر أن تطعن عليها إلا بالسن فقالت: أبى القلب إلا أم عوف وحبها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفند فضحك وقال لمن هذا الغناء، فقالت لمالك، فكان إذا جس معها للشرب يقول: غنني صوت مالك في أم عوف. أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني عمر بن شبة قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن الحرث العدوي قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤتلي قال: حدثني أبو غانم الزدي قال: نزل يزيد بن عبد الملك ببيت راس بالشام ومعه حبابة فقال: زعموا أنه لا تصفو لأحد عيشه يماً إلى الليل إلا يكدرها شيء عليه وسأجرب ذلك، ثم قال لمن معه: إذا كان غد فلا تخبوني بشيء ولا تأتوني بكتاب. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان فأكلت رمانة فشرقت بحبه منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثاً حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويرشفها، فعاتبه على ذلك ذوو رابته وصديقه وعابوا عليه ما يصنع وقالوا قد صارت جيفة بين يديك حتى أذن لهم في غسلها ودفنها، وأمر فأخرجت في نطع وخرج معها لا يتكلم حتى جلس على قبرها، فلما دفنت قال: أصبحت والله كما قال كثير: فإن يسيل عنك القلب أو يدع الصبا ... فباليأس نسلو عنك لا بالتجلد وكل خليل راءني فهو قائل ... من أجلك هذا هامة اليوم أو غد فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها. أخبرني أحمد فقال: حدثني عمر قال: حدثني أسحق الموصلي قال: حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه إبراهيم بن جبلة بن مخزوم عن أبيه مسلمة بن عد املك قال: ماتت حبابة فجزع عليها يزيد فجعلت أواسيه وأعزيه وهو ضارب بذقته على صدره ما يكلني حتى رجع، فلما بلغ إلى بابه إلتفت إليّ فقال: فإن تسلْ عنك النفس أو تدع الصبا ... فبالبأس تسلو عنك لا بالتجلد ثم دخل بيته فمكث أربعين يوماً ثم هلك. قال: وجزع عليها في بعض أيامه فقال: أنبشوها حتى أنظر إليها فقيل تصير حديثاً، فرجع فلم ينبشها. وقد روى المدائني أنه إشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إياها فقال: لا بد أن تنبش، فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغير تغيراً قبيحاً، فقيل له: يا أمير المؤمنين إتقِ الله، ألا ترى كيف صارت، فقال: ما رأيتها قط أحسن منها اليوم، أخرجوها، فجاءه مسلمة ووجوه أهله فلم يزالوا به حتى أزالوه عن ذلك ودفنوها وأنصرف فكمد كمداً شديداً حتى مات فدفن إلى جانبها. قال إسحق: وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الشغافي عن العباس بن محمد أن يزيد بن عبد الملك أراد الصلاة على حبابة فكمه مسلمة في أن لا يخرج وقال: أنا أكفيك الصلاة عليها، فتخلف يزيد ومضى مسلمة حتى إذا مضى الناس إنصرف مسلمة وأمر من صلى عليها. وروى الزبير عن مصعب بن عثمان عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال:

خرجت مع أبي إلى الشام في زمن يزيد بن عبد الملك، فلما ماتت حبابة وأخرجت لم يستطع يزيد الركوب من الجزع ولا المشي فمل على منبر على رقاب الرجال، فلما دفنت قال: لم أصلِ عليها انبشوا عنها، فقال له مسلمة: نشدتك الله يا أمير المؤمنين إنما هي أمة من الأماء وقد واراها الثرى، فلم يؤذن لناس بعد حبابة إلا مرة واحدة، قال: فو الله ما أستتم دخول الناس حتى قال الحاجب: أجيزوا رحمكم الله، ولم ينشب يزيد أن مات كمداً. أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثنا عمر ن شبة قال: حدثني إسحق قال: حدثني إبن أبي الحويرث الثقفي قال: لما ماتت حبابة جزع عليها يزيد جزعاً شديداً فضم جويرية لها كانت تخدمها إليه تحدثه وتؤنسه، فبينا هو يوماً يدور في قصره إذ قال لها هذا الموضع الذي كنا فيه فتمثلت: كفى حزناً للهائم الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرى فبكى حتى كاد يموت، ثم لم تزل تلك الجويرية يتذكر بها حبابة حتى مات. وقال: أيدعونني شيخاً وقد عشت حقبة ... وهن من الأزواج نحوي نوازع وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... عليّ ولكن شيبته لوقائع الشعر لأبي الطفيل صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والغناء لإبراهيم خفيف أول بالوسطى عن عمرو وغيره. ؟؟؟ أخبار الأغلب ونسبه // هو فيما ذكر إن قتيبة الأغلب بن جشم بن سعد بن عجل بن لجيم بن مصعب إبن علي بن بكر ن وائل وهو أحد المعمرين عمر في الجاهلية عمراً طويلاً وأدرك الإسلام فأسلم وحسن إسلامه وهاجر، ثم كان فيمن توجه إلى الكوفة مع سعد بن أبي وقاص نزلها وأستشهد في وقعة نهاوند فقبره هتاك في قبور الشهداء، ويقال أنه أول من رجز الأراجيز الطول من العرب، وإياه عنى الحجاج بقوله مفتخراً: إني أنا الأغلب أمسي قد نشد قال بن حبيب: كانت العرب تقول الرجز في الحرب والحداء والمفاخرة وما جرى هذا المجرى فتأتي منه بأبيات يسيرة فكان الأغلب أول من قصد الرجز ثم سلك الناس بعده طريقته. أخرنا الفضل بن الحباب الجمحي أو خليفة في كتابه إلينا قال: أخبرنا محمد إبن سلام قال: حدثنا الأصمعي. وأخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي قال: حدثنا الرياشي قال: حدثنا معمر بن عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء قال: كانت للأغلب سرحة يصعد عليها ثم يرتجز. فقد عرفتني سرحتي فأطت ... وقد شمطت بعدها وأشمطت فأعترضه رجل من بني سعد ثم أحد ني الحرث بن عمرو بن كعب بن سعد، فقال له: بحت من سالفة ومن قفا ... عبد إذا ما رسب القوم طفا كما شرار الرعي أطراف السقا أخبرني أحمد ن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي قال: حدثني نصر بن ناب عن دواوين أبي هند عن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن إستنشد من قبلك من شعراء قومك ما قالوا في الإسلام فأرسل إلى الأغلب العجلي فأستنشده فقال: لقد سألت هيناً موجودا ... أرجزاً تريد أم قصيدا ثم أرسل إلى لبيد فقال له إن شئت مما عفا الله عنه يعني الجاهلية فعلت قال لا أنشدني ما قلت في الإسلام، فأنطلق لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال أبدلني الله عز وجل بهذه في الإسلام مكان الشعر فكتب المغيرة بذلك إلى عمر فنقض عمر من عطاء الأغلب خمسمائة وجعلها في عطاء لبيد فكتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين أتنقض عطائي إن أطعتك، فرد عليه خمسمائة وأقرّ عطاء لبيد على ألفين وخمسمائة. أخبرني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا علي بن القاسم عن الشعبي قال: دخل الأغلب على عمر فلما رآه قال: هيه أنت القائل: اجزاً تريد أم قصيدا ... لقد سألت هيناً موجودا فقال يا أمير المؤمنين إنما أطعتك، فكتب عمر إلى المغيرة أن أردد عليه الخمسمائة للبيد. أخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام قال: قال الأغلب العجلي في سجاح لما تزوجت مسيلمة الكذاب: لقد لقيت سجاح من بعد العمى ... ملوحاً في العين مجلود القرى مثل العقيق في شباب قد أتى ... من اللجيمين أصحاب القرى

ليس بذى واهنة ولا نسا ... نشأ بلحم وخبز ما إشترى حتى شتا ينتج ذفراه اندى ... خاظى البضيع لحمه خظا بظا كأنما جمع من لحم الخصى ... إذا تمطى بين برديه صأى كأن عرق ... إذا ودى ... حبل عجوز ضفرت سبع قوى يمشي على قوائم خمس زكا ... يرفع وسطاهن من برد الندى قالت متى كنت أبا الخير متى ... قال حديثاً لن يغيرني البلى ولم أفارق خلة لي عن قلى ... فأنتسقت فيشته ذات الشوى كأن في أجلادها سبع كلى ... ما زال عنها بالحديث والمنى والخلق السفساف يردى في الردى ... قال ألا ترينه قالت أرى قال ألا أدخله قالت بلى ... فشال فيها مثل محرات الفضا يقول لما غاب فيها وأسنوى ... لمثلها كنت أحيك الحسا وكان من خبر سجاح ودإعائها النبوة وتزويج مسيلمة الكذّاب إياها ما أخبرنا به إبراهيم إبن النسوي يحيى عن أبيه ن شعيب عن سيف أن سجاح التميمية إدعت النبوة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجتمعت عليها بنو تميم فكان فيما إدعت أنه أنزل عليها يا أيها المؤمنون المتقون لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكنّ قريشاً قوم يبغون. وأجتمعت بنو تميم كلها إليها لتنصرها وكان فيهم الأحف بن قيس وحارثة بن بدر وجوه تميم كلها وكان مؤذنها شبيب بن ربعي الرياحي فعمدت في جيشها إلى مسيلمة الكذاب وهو اليمامة وقالت: يا عشر تميم، أقصدوا اليمامة فاضربوا فيها كل هامة وأضرموا فيها نار مهلهلة حتى تتركوها سوداء كالحمامة. وقالت لبني تميم: إن الله لم يجعل هذا الأمر في ربيعة وإنما جعله في مضر، فأقصدوا هذا الجمع فإذا فضضتموه كررتم على قريش. فسارت في قومها وهم الدهم الداهم، وبلغ مسيلمة خبرها فضاق بها ذرعاً وتحصن في حجر حصن اليمامة وجاءت في جيوشها فأحاطت به، فأرسل إلى وجوه قومه وقال: ما ترون، قالوا: نرى أن نسلم هذا الأمر إليها وتدعنا فإن لم نفعل فهو البوار، وكان مسيلمة ذا دهاء فقال: سأنظر في هذا الأمر، ثم بعث إليها: إن الله تبارك وتعالى أنزل عليكِ وحياً وأنزل عليّ، فهلمي نجتمع فنتدارس ما أنول الله علينا فمن عف الحق تبعه وأجتمعنا فأكلنا العرب أكلاً بقومي وقومك، فبعث إليه إفعل، فأمر بقبة أدم فضربت وأمر بالعود المندلي فسجر فيها وقال: أكثروا من الطيب والمجر فإن المرأة شمت رائحة الطيب ذكرت الباه، ففعلوا ذلك، وجاءها رسوله يخبرها بأمر القبة المضروبة للإجتماع فأتته، فقالت: هات ما أنزل عليك فقال: ألم ترِ كيف فعل بك بالحبلى أخرج منها نطفة تسعى بين صفاق وحشي من بين ذكر وأنثى وأموات وأحياء ثم إلى ربهم يون المنتهى، قالت وماذا، قال: ألم ترِ أن الله خلقنا أفواجاً وجعل النساء لنا أزواجاً فنولج فيهن الغراميل إبلاجاً ونخرجها منهن إذا شئنا إخراجاً قالت: فبأي شيء أمرك. قال: ألا قومي إلي ... ... فقد هيء لك المضجع فإن شئتى ففي البيت ... وإن شئت ففي المخدع وإن شئتي سلقناك ... وإن شئتي على أربع وإن شئتي بثلثيه ... وإن شئت به أجمع قال: فقالت لا إلا به أجمع، قال فقال كذا أوحى الله إليَّ فواقعها، فلما قام عنها قالت إن مثلي لا يجري أمرها هكذا فيكون وصمة على قومي وعليّ، ولكني مسلمة النبوة فأخطبني إلى أوليائي يزوجوك ثم أقود تميماً معك. فخرج وخرجت معه، فأجتمع الحيان من حنيفة وتميم فقالت لهم سجاح أنه قرأ عليَّ ما أنزل عليه فوجدته حقاً فأتبعته. ثم خطبها زوجوه إياها، وسألوه عن المهر فقال: قد وضعت عنكم صلاة العصر فبنو تميم إلى الآن بالرمل لا يصلونها ويقولون هذا حق لنا ومهر كريمة من لا نده. قال: وقال شاعر من بني تميم يذكر أمر سجاح في كلمة له: أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

أخبار بن مناذر وحبه للجارية

قال: وسمع الزبرقان بن در الأحنف يومئذ وقد ذكر مسيلمة وما تلاه عليهم فقال الأحنف: والله ما رأيت أحمق من هذا النبي قط، فقال الزبرقان: والله لأخبرن بذلك مسيلمة قال: إذاً والله أحلف إنك كذبت فيصدقني ويكذبك قال: فأمسك الزبرقان وعلم أنه قد صدق. قال: وحدّث الحسن البصري بهذا الحديث فقال: أمن والله أبو بحر من نزول الوحي، قال: فأسلمت سجاح بعد ذلك وبعد قتل مسيلمة وحسن إسلامها. قال: كم ليلة فيك بت أسهرها ... ولوعة من هواك أضمرها وحرقة والدموع تطفئها ... ثم يعود الجوى فيسعرها بيضاء رود الشباب قد غمست ... في خجل دائب بعصفرها الله جار لها فما إمتلأت ... عيناي إلا من حيث أبصرها الشعر للبحتري والغناء لعريب رمل مطلق من مجموع أغانيها، وهو لحن مشهور في أيدي الناس، والله أعلم. أخبار بن مناذر وحبه للجارية هو محمد ن مناذر مولى بني صبير بن يربوع ويكنى أبا جعفر، وقيل أنه كن يكنى أبا عد الله. وودت في بعض الكتب رواية عن إبن حبيب أنه كان يكنى أبا ذريح، وقد كان له إبن يسمى ذريحاً فمات وهو صغير، وإياه عنا بقوله: كأنك المنايا يا ... ذريح الله صورّكا فناط وجهك الشعري ... وبالإكليل قلدكا أخرني علي بن سليمان قال: حدثني محمد بن يزيد غيره أن محمد بن مناذر كان إذا قيل له غبن مناذر بفتح الميم يغضب ويقول أمناذر الصغرى أم مناذر الكبرى وهما مورتان من مور الأهواز إنما هو مناذر على وزن مفاعل من ناذر فهو مناذر مثل ضارب فهو مضارب وقاتل فهو مقاتل. قال محمد بن يزيد: ولما دل محمد بن مناذر عما كان عليه من النسك والتأله وعظته المعتزلة فلم يتعظ وأوعدته بالمكروه فلم يزدجر، ومنعوه دخول المسجد فنابذهم وطعن عليهم وهجاهم، وكان يأخذ المداد بالليل فيطرحه في مطاهرهم فإذا توضأوا به سوّدوا وجوههم وثيابهم. وقال في توعد العمتزلة إياه: ابلغ لديك بني تميم مالكاً ... عني وعرّج في بني يربوع أني أخ لكم بدار مضيعة ... بوم وغربان عليه وقوع يا للقبائل من تميم مالكم ... وربي ولحم أخيكم بمضيع هبوا له أراه بنصركم ... يأوي إلى جبل أشم منيع وإذا تحزنت القبائل صلتم ... بفتى لكل ملمة وقطيع إن أنتم توتروا لأخيكم ... حتى يباء يوتره المتبوع فخذوا المغازل بالأكف وايقنوا ... ما عشتم بمذلة وخضوع إن نتم حرباً على أحسابكم ... سمعاً فقد أسمعت كل سميع اين الصبيريون لم أرَ مثلهم ... في النائبات وأين رهط وكيع قال: ثم إستحيا من قوله أين الصبيريون لقلة عددهم فقال أين الرياحيون. أخبرني الحسن بن علي قال: دثنا حمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني الحسن بن علي قال: حدثني مسعود بن بشر قال: قال لي إبن مناذر: ولع بي قوم من المعتزلة ففرقت منهم قال: وكان مولى صبير بن يربوع فقلت بنو صبير نفسان ونصف فمن أدعو منهم، فقلت ليس إلا أخوتهم بنو رياح فقلت أبياتاً حرضتهم فيها وحضضت بنو رياح فقلت: أين الرياحون لم أرَ مثلهم ... في لنائبات وأين رهط وكيع قال: فجاء خمسون شيخاً من بني رياح فطردوهم عني. قال: كان إبن مناذر يؤم بالناس في المسجد الذي في قبيلته، فلما أظهر من الخلاعة والمجون كرهوا أن يصلي بهم وأن يأتموا به فقالوا شعراً ذكروا ذلك فيه وهجوه وألقوا الرقعة في المحراب، فلما قضى صلاته قرأها ثم قبلها وكتب فيها يقول: نبئت قافية قيلت ناشدها ... قوم ساترك في أعراضهم ندبا ... الذين رووها أم قائلها ... و ... قائلها أمّ الذي كتبا ثم رمى بها إليهم ولم يعد إلى لصلاة بهم. أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدثنا أبو الفضل بن عبدان بن أبي حرب الصفار قال: حدثني الفضل بن موسى مولى بني هاشم قال:

دخل إبن مناذر المسجد الجامع بالبصرة فوقعت عينه على غلام مستند فخرج وإلتمس غلاماً ورقعة ودواة فكتب إليه أبياتاً مدحه بها وسأل الغلام الذي إلتمسه أن يوصل الرقعة إلى الفتى المستند إلى السارية فذهب بها إلى الغلام، فلما قرأها قلبها وكتب على ظهرها يقول: مثل إمتداحك لي بلا ورق ... مثل الجدار بني على خص ألذ عندي من مديحك لي ... سود النعال ولين القمص فإذا عزمت فهيء لي ورقاً ... فإذا علت أستعصي فلما قرأها إبن مناذر قام إليه فال له: ويلك، أنت أبو نواس، قال نعم، فسلم عليه وتعانقا وكان ذلك أول المودة بينهما. أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثني أبو حاتم قال: إجتمع أبو العتاهية ومحمد بن مناذر فقال له أبو العتاهية: يا أبا عبد الله كيف أنت في الشعر قال: أقول في الليلة إذا سنح القول لي وأتسعت القوافي عشرة أبيات إلى خمسة عشر، فال له أو العتاهية: لكني لو شئت أن أقول الليلة ألف بيت لقلت، فقال إبن مناذر: أجل والله إذا أردت أن أقول مثل قولك: ألا يا عتبة الساعة ... أموت الساعة الساعة قلت ولكنني لا أعوّد نفسي مثل هذا الكلام الساقط ولا أسمح لها به، فخجل أبو العتاهية وقام يجر رجله. أخبرني به الحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال: حدثني سهل إبن محمد أبو حاتم ن يعقوب بن المنير إبن أخت أبي بكر الأصم، قال إبن مهرويه، وحدثني به يحيى بن الحسن الربيعي عن غسان بن الفضل قال: إجتمع أبو العتاهية وإبن مناذر فأجتمع الناس إليهما وقالوا هذان شيخا الشعراء، فقال أو العتاهية لإبن مناذر: يا أبا عبد الله، كم تقول في اليوم من الشعر، وذكر باقي الخبر مثل المتقدّم سواء. أخبرني أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا العباس بن ميمون طائع قال: سمعت الأصمعي يقول: حضرنا مأدبة ومعنا أبو محرز خلف الأحمر وحضها إبن مناذر فقال خلف الأحمر: يا أبا محرز إن يكن النابغة وأمرؤ القيس وزهير قد ماتوا فهذه أشعارهم مخلدة فقس شعري إلى شعرهم وأحكم فيها بالحق، فغضب خلف ثم أخذ صفحة مملوءة مرقاً فرمى بها عليه فملأه فقام إبن مناذر مغضباً، وأظنه هجاه بعد ذلك. أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا مر بن شبة قال: حدثنا حماد الأرقط قال: لقيني إبن مناذر بمكة فأنشدني قصيدته: كل حيّ لاقى الحمام فمود، ثم قال لي: أقريء أبا عبيدة السلام وقل له يقول لك إن مناذر إتقِ الله وأحكم بين شعري وشعر عدي بن زيد ولا تقل ذلك جاهلي وهذا إسلامي وذاك قديم وهذا محدث فتحكم بين العصرين ولكن أحكم بين الشعرين ودع العصبية. قال: وكان إبن مناذر ينحو نحو عدي بن زيد في شعره ويميل إليه ويقدمه. أخبرني لحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال: حدثني محمد بن عثمان الكزيري قال: أخبرني محمد بن الحجاج الجرداني قال: قلت لإبن مناذر مَن أشعر الناس، قال من كنت في شعره، فقلت عليّ ذاك فقال عدي بن زيد، وكان ينحو نحوه في شعره ويقدمه ويتخذه إماماً. قال أبو الحسن، ولدت بانة من عبد الوهاب بن عبد المجيد، أولاده عبد المجيد وأبا العاصي وزياداً وزياد الذي عناه أبو نواس في قوله يشبب بجنان: جفن عيني كاد يسقط من طول ما إختلج وفؤادي من حر ... حبك قد كاد أو نضج خبريني فدتك نفسي ... متى الفرج كان ميعادنا خرو ... ج زياد فقد خرج قال إبن عمارة قال لي النوفلي في هذه الأبيات غناء حلو مليح لو سمعته لشربت عليه أربعة أرطال. قال النوفلي: وكان لعبد الوهاب إبن يقال له محمد كلن أسن ولده ويقال أنه كان يتعشق بانة إبنة أبي العاص هذه إمرأة أبيه وأن زياد بن عبد الوهاب منه وكان أشبه الناس به. حدثني إبن عمار قال:

حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أبي قال: خرج إبن مناذر يوماً من صلاة التراويح وهو في المسجد بالبصرة وخرج عبد المجيد بن عبد الوهاب خلفه فلم يزل يحدثه إلى الصبح وهما قائمان إذا إنصرف عبد المجيد شيعه إبن مناذر إلى منزله فإذا بلغه وأنصرف إن مناذر شيعه عبد المجيد لا يطيب أحدهما نساً بفراق صاحبه حتى أصبحا فقيل لعبد الوهاب بن عبد المجيد بن مناذر قد أفسد إنك فقال أو ما يرضي إبني أن يرضى به إبن مناذر، وفي عبد المجيد يقول إبن مناذر يمدحه وهو من مختار ما قاله فيه أنشدنيها علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن زيد من قصيدة أولها: شيّب ريب الزمان رأسي ... لهفي على ريب ذا الزمان يقدح في الصم من شروري ... ويحذر الصم من أبان يقول فيها يمدح عبد المجيد: متى إلى الماجد المرجى ... عبد المجيد الفتى الهجان خير ثقيف أبا ونفساً ... إذا إلتفت حلقتا البطان نفسي فداء له وأهلي ... كل مل تملك اليدان كأن شمس الضحى وبدر ... الدجى عليه معلقان نيطا معاً فوق حاجبيه ... والبدر والشمس يضحكان مثمر همه المعالي ... ليس برث ولا بوان بنى له عزة ومجداً ... في أزل الدهر باليان فاسأله مما حوت يداه ... يهتز كالصارم اليماني أن تلقاه من ثقيف ... ومن ذرا الأزد غير بان أخبرني عمي قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني أبو توبة صالح ب محمد قال: مرض عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي مرضاً شديداً بالبصرة وكان إبن مناذر ملازماً له يمرضه ويتولى أمره بنفيه لا يكله إلى أحد فحدثني بعض أهلهم قال: حضرت يوماً عنده وقد أسخن له ماء حار ليشبه وأشتد به الأمر فجعل يقول آه بصوت ضعيف فغمس إبن مناذر يده في الماء الحار وجعل يتأوه مع عبد الحميد ويده حترق حتى كادت يده تسقط فجذبناه وأخرجناها من الماء وقلنا له: أمجنون أنت، أي شيء هذا، أينتفع به ذاك فقال أساعده وهذا جهد من مقل، ثم إستقل من علته تلك وعوفي مدة طويلة ثم تردى من سطح فمات فجزع عليه جزعاً شديداً حتى كاد يفضل أهله وأخوته في البكاء والعويل وظهر منه ن الجزع ما عجب الناس له ورثاه بعد ذلك بقصيدته المشهورة فرواها أهل البصرة ونبح بها على عبد المجيد وكان الناس يعجبون بها ويستحسنونها. أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم النوشجاني قال: سمعت أبي يقول حضرت سفيان بن عيينة يقول لإبن مناذر أنشدني ما قلت في عبد المجيد فأنشده قصيدته الطويلة الدالية قال سفيان بارك الله فيك فلقد تفردت بمراثي أهل العراق فأخبرني عمي قال: حدثني أبو هفان قال: قال الجماز: تزوج عبد المجيد امرأة من أهله فأولم عليها شهراً يجتمع عنده في كل يوم وجوه أهل البصرة وأدباؤها شعراؤها فصعد ذات يوم إلى السطح رأى طنباً من أطناب الستارة قد إنحل فأكب عليه ليشده فتردى على رأسه ومات من سقطته ما رأيت مصيبة قط كانت أعظم منها ولا أنكأ للقلب. أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي قال: حدثني العباس بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان قال: حدثني محمد بن عمر اخزار قال: قال لي إبن مناذر: ويحك، لست أرى نساء ثقيف ينحن على عبد المجيد نياحة على إستواء قلت: فما تحب قال تخرج معي حتى أطارحك فطارحني القصيدة التي يقول فيها: أن عبد المجيد يوم تولى ... هدّ وقد كنت بركن أنوء منه شديد قال: فما زلت حتى حفظتها ووعيتها ووضعتها لحناً، فلما كان في الليلة التي يناح بها على عبد المجيد فيها صلينا العشاء الآخرة في المسجد الجامع ثم خرجنا إلى دارهم وقد صعد النساء على السطح ينحن عليه فسكتن سكتة لهنّ فأندفعنا أنا وهو ننوح عليه فلما سمعننا أقبلن يلطمن ويصحن حتى كدن ينقلبن من السطح إلى أسفل من شدة تشرفهنّ علينا وإعجابهن بما سمعنه منا وأصبح أهل المسجد ليس لهم حديث غيرنا وشاع الخبر بالبصرة وتحدث به الناس حتى نقل من مجلس إلى مجلس. وأخبرني الحسن بن علي قال:

حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني موسى بن حماد بن عبد الله القرشي قال: حدثني محمد بن النعمان بن جبلة الباهلي قال: لما قال إبن مناذر: لأقيمن مأتماً كنجوم الليل وهراً يلطمن حرّ الخدود موجعات يبكين للكبد الحرا عليه وللفؤاد العميد قالت أم عبد المجيد: والله لأبرن قسمه فأقامت مع أخوات عبد المجيد وجواريه مأتماً عليه وقامت تصبح عليه وأي ويه فقال أنها أول من عل ذلك وقاله في الإسلام. وأخبرني بهذا الخبر إن عمار عن علي ب محمد النوفلي ن عمه أخبرني علي إبن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد عن محمد بن عامر النخعي قال: أنشدني محمد بن مناذر لنفسه يرثي عبد المجيد بن عبد الوهاب ويقول: يا عين حق لك البكا ... ء لحادث الرزه الجليل فأبكي على عبد المجيد وأعولي كل العويل لا يبعد الله الفتى الفياض ذا الباع الطويل عجل الحمام به فردعنا وآذن بالرحيل لهفي على الشعر المعفر ... منك والخد الأسيل كسف لفقدك سمنا ... والبدر آذن بالأفول حدثني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثني النضر بن عمرو عن المازني قال: حدثنا حيان أن إبن مناذر دفع قصيدته الدالية إليه وقال أعرضها على أبي عبيدة فأتيته وهو على باب أبي عمرو العلاء فقرأت عليه منها أبيات فلم تعجبه وقال دعني من هذا فإني قد تشاغلت بحفظ القرآن عنه وعن مثله قال: وكان إبو عبيدة يبغضه ويعاديه لأنه هجاه. أخبرني محمد بن يزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحق عن أبيه قال: قال إبن مناذر قلت: يقدح الدهر في شماريخ رضوى. ثم مكثت حولاً لا أدري ما أتممه فسمعت قائلاً يقول: هبول قلت وما هبود فقال لي جميل في بلاد فلت: ويحط الصخور من هبود. قال إسحق: وسمع إعرابي هذا البيت فقال ما أجهل قائله بهبود، والله أنها لا كيمة ما تواري الخاريء فكيف يحيط منها الصخور. أخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثني أبو حاتم قال: سمعت أبا مالك عمرو بن كركرة يقول: أنشدني إبن مناذر قصيدته الدالية التي رثى فيها عبد المجيد فلما بلغ إلى قوله: يقدح الدهر في شماريخ رضوى ... ويحط الصخور من هبود قلت له هبود أي شيء هو فقال جبل فقلت: سخنت عينك هبود والله بئر باليمامة ماؤها ملح لا يشرب منه شيء خلقه الله وقد والله خريت فيها مرّات، فلما كان بعد مدة وقفت عليه في سجد البصرة وهو سنشدها فلما بلغ هذا البيت أنشدها: ويحط الصخور من عبود، فقلت عبود أي شيء هو زيادة فقال جبل بالشأم فلعلك يا إبن الزنية خريت عليه أيضاً فضحكت ثم قلت لا ما خريت عليه ولا رأيته. وأنصرفت عنه وأنا أضحك. أخبرني عمي قال: حدثني الكراني عن العمري عن الهيثم بن عدي قال: كان يحيى بن زياد يرمى بالزندقة وكان من أظرف الناس وأنظفهم فكان يقال أظرف من الزنديق، وكان الحاركي وأسمه محمد بن زياد يظهر الزندقة تظارفاً، فقال فيه إن مناذر: يا إبن زياد ابا جعفر ... أظهرت ديناً غير ما تخفي مزندق الظاهر باللفظ في ... باطن إسلام فتى عفٍ لست بزنديق ولكنما ... أردت أن توسم بالظرف وقال فيه أيضاً: يا أبا جعفر كأنك قد صر ... ت على اجرد طويل الجران من مطايا ضوامر ليس يصهلن إذا ما ركبن يوم رهان لم يذللن بالسروج ولا أقرح أشداقهن جذب العنان قائمات مسوّمات لدى الجسر لأمثالكم من الفتيان أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا عيسى بن إسمعيل تينة عن بن عائشة قال: كان عتبة النحوي من أصحاب سيبويه وكان صاحب نحو هماً بما يشرحه ويفسره على مذاهب أصحابه، وكان إبن مناذر يتعاطى ذلك ويجلس إليه قوم يأخذونه عنه فجلس عتبة قريباً من حلقته فتقوض الناس إليه وتركوا إبن مناذر فلما كان في يوم الجمعة الأخرى قام إبن مناذر من حلقته فوقف على عتبة ثم أنشأ يقول: قوموا بنا جميعاً ... لحلقة العارى يجمعن للشقاء ... مع عتبة الخسّار ما لي وما لعتبة ... إذ يبتغي ضراري

قال: فقام عتبة إليه فناشده أن لا يزيد ومنع من كان يجلس إلى إبن مناذر من حضور حلقته وجلس هو بعيداً من إبن مناذر بعد ذلك. حدثني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثنا عيسى إبن إسمعيل تينة قال: كان لإبن مناذر جار يقال له إبن عمير من المعتزلة كان يسعى بإبن مناذر إليهم ويسبه ويذكره بالفسق ويغريهم به فقال يهجوه: بنو عمير مجدهم دارهم ... وكل قوم فلهم مجد كأنهم قفع بدوية ... وليس لهم قبل ولا بعد بث عمير لؤمه فيهم ... فكلهم من لؤمه جعد وأخبرني بهذا الخبر احسن بن علي عن إبن مهرويه عن النوفلي بمثله وزاد فيه وعبد الله بن عمير أبو هؤلاء الذين هجاهم أخو عبد الله بن عامر لأمه أمّهما دجاجة بنت إسماعيل بن السلط السلمي. أخبرني هاشم بن محمد قال: حدثنا بن أسد قال: كان إبن مناذار من أحضر الناس جواباً. قال له رجل. ما شأنك قال: عظم في أنفي قال وسأله رجل يوماً: ما الجرباء، فأومأ بيده إلى الأرض، قال هذه يهزأ به وإنما الجرباء السماء. أخبرني أحمد بن العباس العسكري المؤدب قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: حدثني جعفر بن محمد بن دماذ قال: دار بين الخليل بن أحمد وبين إبن مناذر كلام فقال له الخليل: إنما أنتم معشر الشعراء تبع لي وأنا سكان السفينة إن قرظتكم ورضيت قولكم نفقتم وإلا كسدتم، فقال إبن مناذر: والله لأقولن في الخليفة قصيدة أمتدحه بها ولا أحتاج إليك فيها عنده ولا إلى غيرك. فقال في الرشيد قصيدة التي أولها: ما هيّج من مطوقة ... أوفت على بانة تغنينا يقول فيها: لو سألنا بحسن وجهك يا ... هرون صوب الغمام أسقينا قال: وأراد أن يغربها إلى الرشيد فلم يلبث أن قدم الرشيد البصرة حاجاً ليأخذ على طريق النباج وهو كان الطريق قديماً فدخلها وعديله إبراهيم الحراني تحمل عليه إبن مناذر بعثمان بن الحكم الثقفي وأبي بكر السلمي حتى أوصلاه إلى الرشيد فأنشده إياها، فلما بلغ آخرها كان فيها بيت يفتخر فيه وهو: قومي تميم عند السماك لهم ... مجد وعز فما ينالونا فلما أنشده هذا البيت تعصب عليه قوم من الجلساء فقال له بعضهم يا جاهل، أتفخر في قصيدة مدحت بها أمير المؤمنين، وقال آخر: هذه حماقة بصرية، فكفهم عنه الرشيد ووهب له عشرين ألف درهم. أخبرني علي بن سليمان قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: حدثني سهيل السلمي أن الرشيد إستسقى في سنة قحط فسقى الناس فسرّ بذلك وقال: لله درّ أبن مناذر حيث يقول: ولو سألنا بحسن وجهك يا ... هرون صوب الغمام أسقينا وسأل عن خبره فأخبر أنه بالحجاز فبعث إليه بجائزة. وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثني محمد المهلي قال: شهد بكر بن بكار عند عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن الحر العنزي بشهادة، فتبسم ثم قال له: يا بكر مالك ولإبن مناذر حيث يقول: أعوذ بالله من النار ... ومنك يا بكر بن بكار فقال: أصلح الله القاضي ذاك رجل ماجن خليع لا يبالي ما قال، فقال له صدقت وزاد بسمه وقبل شهادته، وقام كر وقد تشوّر وخجل. قال العنزي: فحدثني أبو غسان دماذ قال: أنشدني إبن مناذر هذا الشعر الذي قاله في بكر بن بكار وهو: أعوذ بالله من النار ... ومنك يا بكر بن بكار يا رجلاً ما كان فيما مضى ... لآل حران يزوار ما تبرح الدار على سوأة ... تطرح حباً للخشنشار يا معشر الأحداث يا ويحكم ... تعوّذوا بالخالق الباري من حرية نيطت على حقوه ... يسعى بها كالبطل الشاري يوم تمنى أن في كفه ... أير أبي الخضر دينار قال إبن مهرويه في خبره: والخشنشار هو الزيادي المحدث ويكنى أبو الخضر وكان جميل الوجه. وقال العنزي في حديثه: حدثني إسحق بن عبد الله الجراني وثد سألته عن معنى هذا الشعر فقال: الخشنشار غلام أمرد جميل الوجه كان في محلتنا وهذا لقبه، وكان بكر بن بكار يتعشقه فكان يجيء إلى أبي فيذاكره الحديث ويجالسه وينظر إلى الخشنشار. قال العنزي: حدثني عمر بن شبة قال:

بلغني أن عبيد الله بن الحسن لقي إبن مناذر فقال له: ويحك، ما أردت إلى بكر بن بكار ففضحته وقلت فيه قولاً لعلك لم تتحققه، فبدأ إبن مناذر يحلف له بيمين ما سمعت قط أغلظ منها. أن الذي قاله في بكر شيء يقوله معه كل من يعرف بكراً ويعرف الخشنشار ويجمع عليه ولا يخالفه. فأنصرف عبيد الله مغموماً بذلك وقد بان عليه، فلما بعد عنا قلت لإبن مناذر بريء الله منك، ويلك ما أكذبك، كل من يعرف بكر بن وائل يقول فيه مثل قولك حتى حلفت بهذه اليمين، فقال: سخنت عينك، فإذا كنت أعمى القلب أي شيء أصنع، أفتراني كنت أكذب نفسي عند القاضي، إنما موّهت عليه حلفت له إن كل من يعرفهما يقول مثل قولي وغنيت ما إبتدأت به من الشعر وهو قوله: أعوذ بالله من النار، أفتعرف أنت أحد يعرفهما أو يجهلهما، ألا يقول كما قلت: أعوذ بالله من النار إنما موهت على القاضي وأردت تحقيق قولي عنده. قال مؤلف هذا الكتاب: وبكر بن بكار رجل محدث قد روى عن ورقاء عن إبن أبي نجيح مجاهد وروى حديثاً صالحاً. أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا بكر بن بكار عن عبد الله بن المحرز عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: زينوا القرآن بأصواتكم. أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال: حدثني الأخوص بن المفضل البصري قال: حدثنا إن معاوية الزيادي وأبوه الخشنشار الذي يقول فيه إبن مناذر: تطرح حباً للخشنشار. قال: حدثني مَن لقي إبن مناذر مكة فقال: ألا تشتاق إلى البصرة، فقال له: أخبرني عن شمس الوزانين أعلى حالها. قال نعم، قال وفيق بن يوسف الثقفي حي قال نعم قال فغسان بن الفضل الغلابي حي قال نعم قال لا واله لا دخلتها ما بقي واحد من الثلاثة. قال وشمس الوزانين في طرف المربد يحضره مسجد الأنصاري في موضع حيطانه قصار لا تكاد الشمس تفارقه. أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عمر بن شبة قال: كان محمد بن عبد الوهاب الثقفي أخو عبد المجيد يعادي حمد بن مناذر بسبب ميله إلى أخيه عبد المجيد، وكان إبن مناذر يهجوه ويسبه ويقطعه وكل واحد منهما يطلب لصاحبه المكروه ويسعى عليه، فلقي محمد بن عبد الوهاب إبن مناذر في مسجد البصرة ومعه دفتر فيه كتاب العروض بدوائره ولم يكن محمد بن عبد الوهاب يعرف العروض، فجعل يلحظ الكتاب ويقرؤه فلا يفهمه وإبن مناذر متغافل عن فعله، ثم قال له: ما في كتابك هذا، فخبأه في كمه وقال: وأي شيء عليك مما فيه فتعلق به ولبيه، فقال له إبن مناذر: يا أبا الصلت الله الله في دمي. وطمع فيه وصاح: يا زنديق في كمك الزندقة، فأجتمع الناس إليه فأخرج الدفتر من كمه وأراه إياه فعرفوا براءته مما قذفه به ووثبوا على محمد بن عبد الوهاب وأستخنوا به فأنصرفوا ووثب يجري. وقال إبن مناذر يهجوه: إذا أنت تعلقت ... بحبل من أبي الصلت تعلقت بحبل وا ... هن القوة منبت إذا ما بلغ المجد ... ذوو الأحساب بللت تقاصرت عن المجد ... بأمر رائب شخت فلا تسمو إلى المجد ... فما أمرك بالثبت ولا قرعك في العيدا ... ن عود ناضر البكت وما يبقى لكم ياقو ... م من أثلتكم تحت فها فأسمع قريضاً من ... رقيق حسن النعت يقول الحق إن قال ... ولا يرميك بالبهت وفي نعت لوجعاء ... قد إسترخت من ألفت فعندي لك مأبو ... ن مثل الفالح البحت عتلّ يعمل الكوم ... من السبت إلى السبت له فيشله إن أد ... خلت واسعة الخرت وإلا فأطل وجعاء ... ك بالخضخاض والزفت الم يبلغك تسآلي ... لدى العلامة المرت فقال الشيخ سرجويه داء المرء من تحت نخذ من ورق الدفلا ... وخذ من ورق القت وخذ من جعد كيسان ... ومن أظفار نسخت فغرغره به واسعط ... بذا في دائه أفتى

قال: ونسخت لقب أبي عبيدة وهو إسم اليهود لقب به تعريضاً بأن جدّه كان يهودياً، وكان أبو عبيدة وسخاً طويل الأظفار أبداً والشعر، وكان يغضب من هذا اللقب، فأخبرني الحسن بن علي عن إبن مهرويه عن علي بن محمد النرفلي. قال لما قال إبن مناذر هذه الأبيات: إذا أنت تعلقت ... بحبل من أبي الصلت تعلقت بحبل وا ... هن القوة منبت وقال الشيخ سرجويه داء ... المرء من تحت فبلغ ذلك سرجويه جاء إلى محمد بن عبد الوهاب وقف عليه في مجلسه وعنده جماعة من أهله وإخوانه وجيرانه فسلم عليه وكان أعجمياً لا يفصح، ثم قال له: بركت من نكفتم آن يسر مناذر كفت داء المرء من تحت؛ كاد القوم أن يفتضحوا من الضحك وصح به محمد: أغرب قبحك الله، فظن أنه لم يقبل عذره فأقبل له مجتهداً ما قال ذاك ومحمد يصيح به: ويلك أغرب عني وهو في الموت منه، وكلما زاده من الصياح إليه زاده في العذر وأجتهد في الإيمان وضحك الناس حتى غلبوا، وقام محمد فدخل منزله وتفرقوا. قال أبو الحسن النوفلي: ثم لذلك زمان وهجا أبو نعامة أبو عد الله هريسة الكاتب فقال فيه: وروى شيخ تميم ... خالد أن هريسه يدخل الأصلع ذا الخر ... جين في جوف الكنيسه فلقي خالد بن الصباح هذا هريسة وكان يعاديه وأراد أن يخجله فحلف له مجتهداً أنه لم يقل ما قاله أبو نعامة، فقال هريسة: يا بارد، لم ترد أن تعتذر إنما أردت أن تتشبه بإبن مناذر ومحمد بن عبد الوهاب وبأبي الشمقمق وأحمد بن المعذل ولست من هؤلاء ولست من هؤلاء في شيء. قرأت في بعض الكتب عن إبن أبي سعد قال: حدثني أبو الخطاب الحسن بن محمد عن محمد بن إسحق البلخي قال: دخلت على إبن مناذر يوماً وعنده رجل ضرير جلس عن يمينه ورجل بصير جالس عن شماله ساكت لا ينطق قال فقلت له ما خبرك فقال: بين أعمى وأخرس أخرس الله لسان الأعمى وأعمى البصيرا قال: فوثبا فخرجا من عنده وهما يشتمانه ونسخت من كتاب إبن أبي الدنيا. حدثني أبو محمد التيمي قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله عن الحسن بن علي قال: كنا عند باب سفيان بن عيينة وقد هرب منا وعنده الحسن ن علي التختاخ ورجل من الحجبة ورجل من أصحاب الرشيد فدخل بهم وليس يأذن لنا فجاء إبن مناذر فقرب من الباب ثم رفع صوته فقال: بعمرو وبالزهري والسلف الأو ... لى بهم ثبتت وجلاك عند المقاوم جعلت طوال الدهر يوماً لصالح ... ويوماً لصباح ويوماً لحاتم وللحسن التختخاخ يوماً ودونهم ... خصصت جرت إلا لأخذ الدراهم فخرج سفيان وفي يده عصا وصاح: خذوا الفاسق، فهرب إبن مناذر منه وأذن لنا فدخلنا. أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني أبو بكر المؤدب قال: حدثني محمد ن قدامة قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول لإبن مناذر: يا أبا عبد الله، ما بقي أحد غيرك، وكأني بك قدمت فرثيتني. فلما مات بن عيينة قال إبن مناذر يرثيه: راحوا بسفيان على نعشه ... والعلم مكسوين أكفانا أن الذي غوّر بالمنحنى ... هدّ من الإسلام أركانا لا يبعدنك الله من ميت ... ورثنا علماً وأحزانا أخبرني احمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني أحمد إبن أبي شيخ قال: حدثني شيخ من أهل الكوفة يقال له عوّام قال: سمعت سفيان بن عيينة وقد تكلم بكلام إستحسن فسأله محمد بن مناذر أن يمليه عليه فتبسم سفيان وقال له: هذا كلام سمعتك تتكلم به فأستحسنته فكتبته عنك قال وعلى ذلك أحب أن تمليه عليّ إذا رويته عنك كان أنفق له من أن أنسبه إلى نفسي. قال عوام: وأنشدني إبن عائشة لإبن مناذر يرثي سفيان إبن عيينة بقوله: يجني من الحكمة نوارها ... ما تشتهي الأنفس ألوانا يا واحد الأمة في علمه ... لقيت من ذى العرش غفرانا راحوا بسفيان على نعشه ... والعلم مكسوين أكفانا أخبرني علي بن سليمان قال: حدثنا محمد ن يزيد عن محمد بن عامر الحنفي قال:

لما مات عبد المجيد بن عبد الوهاب خرج إبن مناذر إلى مكة وترك النسك وعاد للمجون والخلع، وقال في هذا المعنى شعراً كثيراً حتى كان إذا مدح أو فخر لم يجعل إفتتاح شعره ومباديه إلا المجون، وحتى قال في مدحه للرشيد: هل؛ عندكم رخصة عن الحسن البصريّ في العشق وغبن سيرينا إنّ سفاهاً بذي الجلالة والشيبة أن لا يزال مفتونا وقال أيضاً في هذا المعنى: ألا يا قمر المسجد هل عندك تنويل شفاني منك أن ... نولتني شم وتقبيل سلا كل فؤادي و ... فؤادي بك مشغول لقد حملت من حبك ... ما لا يحمل الفيل أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني إبن مهرويه قال: حدثنا العباس بن الفضل الربعي قال: حدثني التوزي قال: قال إبن مناذر ليونس النحوي يعرّض به: أخبرني عن جبل أتنصرف أو لا، وكان يونس النحوي يعرّض به: أخبرني عن جبل أتتصرف أم لا، وكان يونس من أهلها فقال له: قد عرفت ما أردت يا إبن الزانية، فأنصرف إبن مناذر فأعدّ شهوداً يشهدون عليه بذلك وصار إليه وسأله: هل تنصرف جبل، وعلم يونس ما أراد فقال له: الجواب ما سمعته أمس. أخبرني الحسن قال: حدثنا يعقوب إن إسرائيل قال: حدثني إسحق بن محمد النخعي قال: حدثني إسحق بن عمرو السعدي قال: حدثني الحجاج الصواف وخبرني الحسن بن علي أيضاً قال: حدثني إبن مهرويه قال: حدثني إسحق بن محمد قال حدثني أمية بن أبي مروان قال: حدثني حجاج الصوّاف الأعور قال: خرجت إلى مكة فكان جير أي في الطريق إبن مناذر وكان لي ألفاً وخدناً وصديقاً، فدخلت مكة فسألت عنه فقالوا لا يبرح المسجد، فدخلت المسجد فألتمسته فوجدته بفناء زمزم وعنده أصحاب الأخبار والشعراء يكتبون عنه، فسلمت وأنا أقدّر أن يكون عنده من الشوق إليّ ما عندي، فرفع رأسه فرّد السلام رداً ضعيفاً ثم رجع إلى القوم يحدثهم ولم يحفل بي، فقلت في نفسي أتراه ذهبت معرفتي، فبينا أنا أفكر إذ طلع أبو الصلت بن عبد الوهاب الثقفي من باب ني شيبة داخلاًَ المسجد فرفع رأسه نظر إليه ثم أقبل علي فقال: أتعرف هذا فقلت نعم هذا الذي يقول فيه من قطع الله لسانه: إذا أنت تعلقت ... بحبل من أبي الصلت تعلقت بحبل وا ... هن القوة منبت قال: فتغافل عني وأقبل عليهم ساعة ثم أقبل عليّ فقال: من أي البلاد أنت، قلت من أهل البصرة، قال وأين تنزل منها، قلت بحضرة بني عائش الصوّافين، قال: أتعرف هناك إبن زانية يقال له جاج الصواف، قلت نعم، تركته ... أم إبن زانية يقال له إبن مناذر. فضحك وقام إليَّ فعانقني. قال مؤلف هذا الكتاب رحمه الله: ولإبن مناذر هجاء في حجاج الصوّاف على سبيل العبث وهو قوله: أن إدعاء الحجاج في العرب ... عند ثقيف م أعجب العجب وهو إبن زانٍ لألف زانية ... وألف علج معلهج الحسب ولو دعاه داعٍ فقال له ... يا الأم الناس كلهم أجب إذاً لقال الحجاج لبيك من ... داع دعاني بالحق لا الكذب ولو دعاه داعٍ لقال له ... من المعلي في الؤم قال أبي أبوه زان والأم زنية ... بنت زناه مهتوكة الحجب تقول عجّل ل ... ... أتركه في استي إن شئت أو ركب من جامعني فيهما فاوسعني ... رهزاً دراكاً أعطيته سلبي هم حرى الوصال فأبتغوا الحرى ... قضيب حمار أقضي به أربي أحب ... الحمار وأبأبي ... فيشة ... الحمار وابأبي إذا رأته قالت فديتك يا ... قرّة عيني ومنتهى طلبي إذا سمعت النهيق هاج حري ... شوقاً إليه وهاج لي طربي يأخذني في أسافلي وحري ... مثل إضطرام انار في الحطب شكت إليَّ نسوة فلن لها ... وهي نادي بالويل والحرب كفني قليلاً قالت وكيف وبي ... في جوف صدعي كحكمة الجرب أرى ... الرجال من عصب ... ليت ... الرجال من خشب خبرني الحسن بن علي قال:

نسب المتوكل الليثي وأخباره مع الجارية أميمة

حدثني أحمد بن محمد الرازي أبو عبيد الله قال: حدثني أبو بجير قال: كان إبن مناذر يجلس إلى إسكافي بالبصرة فلا يزال يهجوه بالأبيات فيصيح من ذلك ويقول له: أنا صديقك فأتقِ الله وأبقِ على الصداقة وإبن مناذر يلح، فقال الإسكاف: فإني أستعين الله عليك وأتعاطى الشعر، فلما أصبح غدا عليه إبن مناذر كما كان يفعل فأخذ يعبث به ويهجوه، فقال الإسكافي: كثرت أبوّته وقلّ عديده ... ورومى القضاء به فراش مناذر عبد الصبيريين لم تك شاعراً ... كيف إدعيت اليوم نسبه شاعر فشاع هذان البيتان بالبصرة ورواهما أعداؤه وجعلوا يتناشدونهما إذا رأوه، فخرج من البصرة إلى مكة وجاور بها كان هذا سبب هربه من البصرة. أخبرني عمي قال: حدثنا الكرّاني عن أبي حاتم قال: قال إبن مناذر: ما مرّ بي شيء قط أشد عليّ مما مرّ بي من قول أبي العسعاس فيّ: كثرت أبوته وقل عديده ... ورمى القضاء به فراش مناذر أنظر بكم صنف قد هجاني في هذا البيت قبحه الله ثم منعني من مكافأته أني لم أجد له نباهة أغضها ولا شرفاً فأهدمه ولا قدراً فأضعه. أخبرني عمي قال: حدثني اكرني قال: حدثني بشر بن دحية الزيادي أبو معاوية فقال: سمعت إبن مناذر يقول أن الشعر ليسهل عليّ لو شئت أن لا أتكلم إلا بشعر لفعلت. أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا العباس ين ميمون طابع قال: حدثني بعض أصحابنا قال: رأيت إبن مناذر بمكة وهو يتوكأ على رجل يمشي معه وينشد: إذا ما كنت أشكوها ... إلى قلبي لها شفعا ففرّق بيننا دهر ... يفرّق بين ما إجتمعا فقلت إن هذا لا يشبه شعرك فقال إن شعري برد بعدك. أخبرني عيسى بن الحسين اورّاق قال: حدثنا ابو أيوب امدني قال: حدثنا بعض أصحابنا أن محمد بن عبد الوهاب الثقفي تزوج إمرأة من ثقيف يقال لها عمارة، وكان إبن مناذر يعاديه فقال في ذلك: لما رأيت القصف والشاره ... والبز قد ضاقت به الحاره والآس لمن ذا قيل أعجوبة ... محمد زوج عمّارة لا عمّر الله بها ربعه ... فإن عمّارة بذكاره ويحك فرّي وأعصبي فاك لي ... فهذه أختك فرّاره قال: فو الله ما لبثت عنده إلا مديدة حتى هربت وكانت لها أخت قبلها متزوجة إلى بعض أهل البصرة فتركته وهربت منه فكانوا يعجبون من موافقة فعلها قول إبن مناذر. قال أبو أيوب: وحدثت أن أمية وأسمه خالد، وهو الذي يقول فيه أبو نواس: أيها المقبلان من حكيمان ... كيف خلفتما أبا عثمان وأبا أمية المهذب وألما ... جد المرتجى لريب الزمان كان خطب امرأة من ثقيف ثم من ولد عثمان بن أبي العاص فرّد عنها وتصدّى للقاضي أن يضمنه مالاً من أموال اليتامى فلم يجبه إلى ذلك ولم يثق به، فقال فيه إبن مناذر: ابا أمية لا تغضب عليّ فما ... جزاء ما كان فيما بيننا الغضب إن كان ردّك قوم عن فتاتهم ... ففي كثير من الخطاب قد رغبوا قالوا عليك ديون ما تقوم بها ... في كل عام بها تتحدث الكتب وقد تفعم من خمسين غايتها ... مع أنه ذو عيال بعدما إنشعبوا في التي فعل القاضي فلا تجدن ... فليس في تلك لي ذنب ولا ذنب أردت أموال اليتامى تضمنها ... وما يضمن إلا من له نشب عن الأغاني مجلد تاسع جزء 17 و18 صفحة 9 - 10 * * * نسب المتوكل الليثي وأخباره مع الجارية أميمة هو المتوكل بن عبد الله بن نهثل بن مسافع بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر بن عوف بن عامر من شعراء الإسلام، وهو من أهل الكوفة. كان في عصر معاوية وغبنه يزيد ومدحهما ويكنى أبا جهمة، وقد إجتمع مع الأخطل وناشده عند قبيضة بن والق ويقال عند عكرمة بن ربعي الذي يقال هـ الفياض فقدّمه الأخطل. وهذه القصيدة التي في أولها الغناء قصيدة هجا بها عكرمة إبن الربعي وخبره معه يذكر بعد. أخبرني بذلك الحسن بن علي عن أحمد بن سعد الدمشقي عن الزبير بن بكار عن عمه. وأخبرني الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي قال:

حدثني هرون بن محمد عبد الملك قال: أخبرني هرون بن مسلم قال: حدثني حفص بن عمر العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال: قدم الأخطل الكوفي فنزل على قبيصة بن والق فقال المتوكل ن عبد الله الليثي لرجل من قومه: إنطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره فأتياه فقالا أنشدنا يا أبا مالك فقال: إني لخاثر يومي هذا، فقال له المتوكل: أنشدني أيها الرجل فوالله لا تنشدني قصيدة إلا أنشدتك مثلها أو أشعر منها من شعري. قال ومن أنت، قال أنا المتوكل، قال: أنشدني ويحك من شعرك، فأنشده: للغانيات بذي المجاز رسوم ... فببطن مكة عهدهن قديم فبمنحر البدن المقلد من منى ... حلل تلوح كأنهن نجوم لا تنهِ عن خلق وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ والهمّ إن لم تمضهِ لسبيله ... داءٌ تضمنه الضلوع مقيم غنّى في هذه الأبيات سائب خائر من رواية حماد عن أبيه ولم يجنسه. قال: وأنشده أيضاً: الشعر بّ المرء بعرضه ... والقول مثل مواقع النبل منها المقصر عن رميته ... ونوافذ يذهبن بالخصل قال: وأنشده أيضاً: إننا معشرٌ خلقنا صدوراً ... من يسوّي الصدور بالأناب فقال له الأخطل: ويحك يا متوكل، لو نبحت الخمر في جوفك كنت أشعر الناس. قال الطوسي: قال الأصمعي: كانت للمتوكل بن عبد الله الكناني امرأة يقال لها رهيمة ويقال أميمة وتكنى أم بكر فأقعدت فسألته الطلاق فقال: ليس هذا حين طلاق، فأبت عليه فطلقها. ثم أنها برئت بعد الطلاق فقال في ذلك: طربت وشاقني يا أم بكر ... دعاء حمامة تدعو حماما فبتّ وبات مي لي نجيباً ... أعزي عنكِ قلباً مستهاما إذا ذكرت لقلبك أم بكر ... يبيت كأنما إغتبق المداما خدلجة ترف غروب فيها ... وتكسو المتن ذا خصل شحاما أبى قلبي فما يهوى سواها ... وإن كانت مودتها غراما ينام الليل كل خلي همٍ ... ويأتي العين منحدر سجاما على حين أرعويت وكان رأسي ... كأن على مفارقه ثغاما سعى الواشون حتى أزعجوها ... ورث الحبل فأنجذم إنجذاما فلست بزائل ما دمت حياً ... مسراً من تذكرها هياما ترجيها وقد شحطت نواها ... ومنّتك المنى عاماً فعاما خدلجة لها كفل وثير ... يتوء بها إذا قامت قياما مخضرة ترى في الكشح منها ... على تثقيل أسفلها إنهضاما إذا إبتسمت تلألأ ضوء برقٍ ... تهلهل في الدجنة ثم داما وإن قامت تأمل راثياها ... غمامة صيف ولجت غماما إذا تشي تقول دبيب شولٍ ... تعرّج ساعة ثم إستقاما وإن جلست فدمية بيت عيدٍ ... تصان ولا تُرى إلا لماماً فلو أشكو الذي أشكو إليها ... إلى حجر لراجعني الكلاما أحب دلوّها وتحب نأبي ... وتعتام التنائي لي إعتياماً كأني من تذكر أم بكرٍ ... جريج أسنةٍ يشكو كلاما تساقط انفساً نفسي عليها ... إذا شحطت وتغتم إغتماما غشيت لها منازل مقفرات ... عفت إلا الأباصر والثماما ونؤيا قد تهدم جانباه ... ومبناه بذي سلم خياما صليني وأعلمي إني كريم ... وأن حلاوتي خلطت غراما وإني ذو مجامحة صليبٌ ... خلقت لمن يماسكني لجاما فلا وأبيك لا أنساكِ حتى ... تجاوب هامتي في القبر هاما والقصيدة التي فيها الغناء المذكور في أول خبر المتوكل يقول أيضاً في امرأته هذه ويمدح فيها حوشيا الشيباني ويقول فيها: إذا وعدتك معروفاً لوته ... وعجّلت التجرم والمطالا لها بشرٌ نقي اللون صافِ ... ومتن خطَ فأعتدل إعتدالا إذا تمشي تأود جانبها ... وكاد الخصر يخزل إنخزالا

تنوء روافدها إذا ما ... وشاحاها على المتن جالا فإن تصح أميمة قد تولت وعاد الوصل صرماً وأعتلالا فقد تدنو النوى بعد إغتراب ... بها وتفرّق الحي احلالا تعبس لي أميمة بعد أنسٍ ... فما أدري أسخطاً أم دلالا أبيني لي فربّ أخ مصاف ... رزئت وما أحب به بدالا أصرمٌ منك هذا أم دلال ... فقد عني الدلال إذاً وطالا أم إستبدلت بي ومللت وصلي ... بوحي لي به ودعي المحالا فلا وأبيك ما أهوى خليلاً ... أقاتله على وصلي قتالا وكم من كاشح يا أم بكر ... من البغضاء يأتكل أتكالا لبثت على قناع من أذاه ... ولولا الله كنت له نكالا ووما يغني به من هذه القصيدة قوله: أنا الصقر الذي حدّثت عنه ... عتاق الطير تتدخل إندخالا رايت الغانيات صدفن لما ... رأين الشيب قد شمل القذالا فلم يلووا إذا رحلوا ولكن ... تولت عيرهم بهم عجالا غنّى فيه عمر الوادي خفيف رمل عن الهاشمي وذكر حبش أن فيه لإبن محرز ثاني ثقيل بالوسطى وأحسبه مضافاً إلى لحنه في أول القصيدة. وقال الطوسي: قال أبو عمرو الشيباني: هجا معن بن جمل بن جعونة بن وهب أحد بني لقيط ن يعمر المتوكل بن عبد الله الليثي وبلغ ذلك المتوكل فترفع على أن يجيبه ومكث معن سنين يهجوه والمتوكل معرض عنه، ثم هجاه بعد ذلك وهجا قومه من بني الديل هجاء قذعاً إستحيا منه وندم. ثم قال المتوكل لقومه يعتذر ويمدح يزيد بن معاوية: خليليّ عوجا اليوم وأنتظراني ... فإن الهوى والهم أمّ أبان هي الشمس يدنو لي قريباً عيدها ... أرى الشمس ما أسطعيها وتراني * نأت بعد قرب دارها وتبدلت بنا بدلاً والدهر ذو حدثان هاج الهوى والشوق لي ذكر حرة ... من المر حجنات الثقال حصان غنّى في هذه الأبيات إبن محرز من كتاب يونس ولم يجنسه. قال: سيعلم قومي أنني كنت سورة ن المجد إن داعي المنون دعاني ألا رب مسرور بموتي أو أتى ... وآخر لو أنعي له لبكاني خليليّ ما لام أمرؤ مثل نفسه ... إذا هي قامت فاربعا ودعاني ندمت على شتمي العشيرة بعدما ... تغنى بها عودٌ وحنّ يماني قلبت لهم ظهر المجن وليتني ... رجعت بفضل من يدي ولساني على أنني لم ارمِ في الشعر مسلماً ... ولم أهجء إلا من روى وهجاني همُ بطروا الحلم الذي من سجيتي ... وبدلت قومي شدة بليان ولو شئتم أولاد وهبٍ نزعتم ... ونحن جميع شملنا إخوان نهيتهم أخاكم عن هجائي وقد مضى ... له بعد حول كامل سنتان فلجّ ومنّاه رجال رايتهم ... إذا صارموني يكرهون قراني وكنت أمرأ يأبى لي الضيم إنني ... صرومٌ إذا الأمر المهم عناني وصول صرومٍ لا أقول لمدير ... هلم إذا ما أغتشتني وعصاني خليليّ لو كنت أمرأ بنى سقطه ... تضعضعت أو زلت بي القدمان أعيش على بغي العداة ورغمهم ... وآتي الذي أهوى على الشنآن ولكنني ثبت المريرة حازم ... إذا صاح طلابي ملأت عناني خليليّ كم من كاشح قد رميته ... بقافية مشهورة ورماني فكان كذات الحيض لن تبق ماءها ... ولم تنقِ عنها غسلها لأوان ثم أنه يقول فيها ليزيد بن معاوية: أبا خالد حنّت إليك مطيتي على بعد منتاب وهول جنان أبا خالد في الأرض نأي ومفسح ... بذي مرة يرمي به الرجوان فكيف ينام الليل حرّ عطاؤه ... ثلاث لرأس الحول أو مأتان تنأت قلوصي بعد إسآدي السرى ... إلى ملك جزل العطاء هجان ترى الناس أفواجاً ينوبون بابه ... لبكر من الحاجات أو لعوان عن الأغاني 11 - 12 مجلد سادس * * *

ولإبن زيدون قوله في المرقص: أضحى تنائي بديلاً من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا من مُبلغ الملبسينا بإنتزاحهم ... حزناً مع الدهر لا يبلى ويبلينا إن الزمان الذي قد كان يضحكنا ... أنساً بقربهم اد يبكينا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا ... بأن نغَصّ فقال الدهر آمينا فأنحل ما كان معقوداً بأنفسنا ... وأنبت ما كان موصولاً بأيدينا بالأمس كنا وما يخشى تفقنا ... فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا يا ليت شعري ولم أعاديكم ... هل نال حظاً من العتبى أعادينا لم نعقد بعدكم إلا الوفاء لكم ... رأياً ولم نتقلد غيره دينا كنا نرى اليأس تسلينا عوارضه ... وقد يئسنا، فما لليأس يغرينا بنتم وبنا فما إبتلت جوانحنا ... شوقاً إليكم ولا جفّت مآقينا كاد حين تناجيكم ضمائرنا ... يقضي علينا الأسى، لولا تآسينا حالت لبعدكم أيامنا فغدت ... سواداً وكانت بكم بيضاً ليالينا إذ جانب العيش طلقٌ من تآلفنا ... ومورد اللهو صافٍ من تصافينا وإذ هصرنا فنون الوصل دانية ... قطوفها فجنينا منه ما شينا ليُسقَ عهدكم عهد السرور فما ... كنتم لأرواحنا إلا رياحينا لا تحسبوا نأيكم عنا يغيّرنا ... إذ طالما غيّر النأي المحبينا والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً ... منكم ولا إنصرف عنكم أمانينا ثم قال: يا ساريّ البرق غادِ القصر فاسقِ به ... من كان صِرف الهوى والود يسقينا وأسأل هنالك هل عنّى تذكرنا ... إلفاً تذكره أمسى يعنّينا ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا ... من لو على البعد حياً كان يحيينا وبيت مثلك كأن الله أنشأه ... مسكاً وقد أنشأ الله الورى طينا أو صاغ ورقاً محضاً وتوجّه ... من ناصع إبداعاً وتحسينا إذا تأوّد آدته رفاهية ... تدمى العقول وأدمته البُرى لينا كانت له الشمس ظِئراً في تكلله ... بل ما تجلى بها إلا أحايينا كأنما نبتت في صحن وجنته ... زُهر الكواكب تعويذاً وتزيينا ما ضرّ روضة طالما أجنت لواحظنا ... ورداً جناه الصبا غضاً ونسرينا ويا حياةً تملأنا بزهرتها ... مثنى ضروباً ولذاتٍ أفانينا ويا نعيماً خطرنا من نضارته ... في وشي سحبنا ذيله حينا لسنا نسميك إجلالاً وتكرمة ... فقدرك المعتلي عن ذاك يغنينا إذا إنفردتِ وما شوركت في صفة ... فحسبنا الوصف إيضاحاً وتبيينا * * * يا جنة الخلد أبدِ لنا بسلسَلها ... والكوثر العذب زقوّماً وغِسلينا كأننا لم نبت والوصل ثالثنا ... والسعد قد غضّ من أجفان واشينا سِران في خاطر الظلماء تكتمنا ... حتى يكاد لسان الصبح يفشينا لا غرو في إن ذكرنا الحزن حين نهت ... عنه النهى وتركنا الصبر ناسينا إنا قرأنا الأسى يوم النوى سوراً ... مكتوبة وأخذنا الصبر تلقينا أما هواك فلم نعدِل بمشربه ... شرباً وإن كان يروينا فيظمينا لم نجف أفق جمال أنت ككبه ... سالين عنه ولم نهجره قالينا ولا إختياراً تجنينا عن كثبٍ ... لكن عدتنا على كسره عوادينا نأسى عليك إذا حثت مشعشعة ... فينا الشمول وغنانا مغنينا لا أكؤس الراح من شمائلنا ... سيما إرتياح ولا الأوتار تلهينا دومي على العهد ما دمنا محافظة ... فالحر من دان إنصافاً كما دينا

فما إستعضنا خليلاً عنك يحبنا ... ولا إستفدنا حبيباً منك يغنينا ولو صبا نحونا من أفق مطلعه ... بدر الدجى لم يكن حاشاك يصبينا أولي وفاء وإن لم تبذلي صلة ... فالطيف يقنعنا والذكر يكفينا وفي الجواب شفاءٌ لو شفعتِ به ... بيضَ الأيادي التي ما زالت ولينا ولإبن زيدون في ولاّدة مقطعان حسان، كقوله: وأهاً لعطفك والزمان كأنما ... صُبغت نضارته ببرد صباك والليل مهما طال قصَّر طوله ... هاتي، وقد غفل الرقيب، وهاكِ أما مني نفسي فأنت جميعها ... يا ليتني أصبحت بعض مناك يدني مثالكِ حين شطَّ به النوى ... وهمٌ أكاد به أقبِّل فاكِ وله: بيني وبينك ما لو شئت لم يضعِ ... سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع يا بائعاً حظه مني ولو بُذلت ... لي الحياة بحظي فيه لم أبعِ وله أيضاً: إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً ... والأفق طلقٌ ووجه الروض قد راقا ولنسيم إعتلالٌ في أصائله ... كأنما رقّ لي فأعتل إشفاقا والنهر عن مائه الفضيّ مبتسمٌ ... كما حللتَ عن اللبات أطواقا يومٌ كأيام لذاتٍ لنا إنصرمت ... بتنا لها حين نام الدهر سرَّاقا نلهو بما يستميل العين من زَهر ... جال الندى فيه حتى مال أعناقا كأن أعينه إذ عاينت أرقى ... بكت لما بي فجال الدمع رقراقا وردٌ تألق في ضاحي متابته ... فازداد منه الضحى في العين إشراقا سرى ينافحه نيلوفرٌ عبقٌ ... وسَنان نبّه منه الصبح أحداقا كلٌ يهج لنا ذكرى تشوقنا ... إليك لم يعدُ عنا الصدر إن ضاقا لو كان وفيّ المنى في جمعنا بكم ... لكان من أكرم الأيام أخلاقا لا سكَّن اله قلباً عن ذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خقاقا وشاء حملي نسيم الريح حين هفا ... رافاكم بفتىً أضناه ما لاقى كان التجازي بمحض الود مذ زمنِ ... ميدان أنسٍ جربنا فيه إطلاقا الآن أحمد ما كنا لعهدكمُ ... سلوتُم وبقينا نحن عشاقا وإني لمفتون بهذا الشطر الحزين: سلوتُم وبقينا نحن عشاقا فقد أجاد الوزير إبن زيدون في نظمه وغزله وكان في مقدمة شعرا الحب في عصره شهادة الشعراء الأقدمين ما ذكر في درواوينهم التي لا مجال لذكرها. وله: أيها الرائح المغذ تحمل ... حاجة للمتيم المشتاق إقرِ عني السلام أهل المصلى ... فبلاغ السلام بعض التلاقي وإذا ما مررت بالخيف فاشهد ... أن قلبي إليه بالأشواق وإذا ما شئت عني فقل نض ... وهوى ما أظنه اليوم باق ضاع قلبي فأنشده لي بين جمع ... ومني عند بعض تلك الحداق وأبكِ عني فطالما كنت من قب ... ل أعير الدموع للعشاق ثم يقول: أيها الراكب الميّمم أرضي ... إقر بعضي السلام لبعضي إن جسمي كما علمت بأرضِ ... وفؤادي مالكيه بأرض قدر البين بيننا فأفترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي قد قضى الله بيننا بإفتراق ... فعسى بإجتماعنا سوف يقضي وقال أحدهم: وما في الأرض أشقى من محب ... وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حالٍ ... مخافة فرقة أو لإشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراق فتسخن عينه عند التنائي ... وتسخن عينه عند التلاقي ومن الشعراء من يتوجع على عهده قبل الفراق، كقول الشريف: هل عهدنا بعد التفرق راجع ... أو غصننا بعد التسلب مورق شوق أقام وأنت غير مقيمة ... والشوق بالكلف المعني أعلق

ما كنت أحظى في الدنو فكيف بي ... واليوم نحن مغرب ومشرق وقال الأرجاني في ألم: رحلوا: أمام الركب نشر عبيرهم ... ووراءهم نفس المشوق الصادي فكان هذا من وراء ركابهم ... حاد لها وكأن ذلك هادي لله موقف ساعة يوم النوى ... بمنى وأقمار الحدوج بواد لما تبعت وللمشيع غاية ... أظعانهم وقد إمتلكن قيادي أتبعتهم عيني وقلبي واقفاً ... فوق الثنية والمطي غواد كيف السبيل إلى التلاقي بعدما ... ضرب الغيور عليه بالأسداد والحي قد ركزوا الرماح بمنزل ... فيه الظباء ربائب الآساد وعد المنى بهم فقلت لصاحبي ... كم دون ذلك من عدي وعواد عهدي بهمُ بوجرة جيرة ... سقيت عهودهُم بصوب عهاد فاليوم من نفس النسيم إذا سرى ... نبغي شفاء علائل الأكباد ولأحدهم: يا موقفاً بالبان لم تثمر لنا ... غير الصبابة والأسى شجراته هل نفرت لا نفرت غزلانه ... أو صوحت لا صوحت باناته عهدي به يلوي الديون قضاته ... وتصيد ألباب الرجال مهاته فاليوم لا جيرانه جيرانه ... قدماً ولا فتياته فتياته يا حادي الأظعان في آثارهم ... قلب تقطعه جوى حسراته ولقد يرى ثبت الحصاة فماله ... أمست تذوب على البعاد حصاته وقال الصغرائي: لعمرك ما يرجى شفائي والهوى ... له بين جسمي والعظام دبيب أجلك أن أشكو إليكِ وأنطوي ... على كمدي إن الهوى لعجيب وآمل برءاً من هوى خامر الحشا ... وكيف بداء لا يراه طبيب نصيبك من قلبي كما قد عهدته ... وما لي بحمد الله منك نصيب وما أدعي إلا إكتفاء بنظرة ... إليك ودعوى العاشقين ضروب وما بحت بالسر الذي بيننا ... ولكنما لحظ المحب مريب وقال إبن الأحنف: إليك أشكو رب ما حل بي ... من صد هذا التائه المعجب صب بعصياني ولو قال لي ... لا تشرب البارد لم أشرب إن قال لم يفعل وإن سيل لم ... يبذل وإن عوتب لم يعتب * * * قال إعرابي: شكوت فقالت كل هذا تبرماً ... بحبي أراح الله قلبك من حبي فلما كتمت الحب قالت لشد ما ... صبرت وما هذا بفعل شجي القلب وأدلو فتقصيني فابعد طالباً ... رضاها فتعتد التباعد من ذنبي فشكواي تؤذيها وصبري يسوءها ... وتجزع من بعدي وتنفر من قربي فيا قوم هل من حيلة عرفونها ... إشيروا بها وأستوجبوا الشكر من ربي وهذه القصيدة إنتقيناها من كتاب " مدامع العشاق " وقد أجاد في هذا المعنى من شعراء العصر حافظ بك إبراهيم حين قال: كم تحت أذيال الظلام متيم ... دامي الفؤاد وليله لا يعلم ما أنت في دنياك أول عاشق ... رامية لا يحنو ولا يترحم أهرمتني يا ليل في شرخ الصبا ... كم فيك ساعات تشيخ وتهرم لا أنت تقصر لي ولا أنا نقصر ... أتعبتني وتعبت، هل من يحكم لله موقفنا وقد ناجيها ... بعظم ما يخفي الفؤاد ويكتم قالت مَن الشاكي تسائل سربها ... عني ومن هذا الذي يتظلم فأجبتها وعجبن كيف تجاهلت ... هو ذلك المتوجع المتألم أنا من عرفت ومن جهلت ومن له ... لولا عيونك حجة لا تفحم أسلمت نفسي لهوى وأظنها ... مما يجشمها الهوى لا تسلم وأتيت يحدوني الرجاء ومن أتى ... متحرماً بفنائكم لا يحرم أشكو لذات الخال ما صنعت بنا ... تلك العيون وما جناه المعصم

لا السهم يرفق بالجريح ولا الهوى ... يبقي عليه ولا الصبابة ترحم لو تنظرين إليه في جفون الدجى ... متململاً من هول ما يتجشم يمشي إلى كنف الفراش محاذراً ... وجلاً يؤخر رجله ويقدم يرمي الفراش بناظريه وينثني ... جزعاً ويقدم بعد ذاك ويحجم فكأنه واليأس ينف نفسه ... للقتل فوق فراشه يتقدم رشقت به في كل مدية ... وأنساب فيه بكل ركن أرقم فكأنه في هوله وسعيره ... وادٍ قد أطلعت عليه جهنم هذا وحقك بعض ما كابدته ... من ناظريك وما كتمتك أعظم قالت أهذا أنت ويحك فأتئد ... حتى مَ في الغرام وتتهم إنا سمعنا عنك ما قد رأينا ... وأطال فيك وفي هواك اللوّم أصغت إلى قول الوشاة فأسرفت ... في هجرها وجنت عليّ وأجرموا حتى إذا يئس الطبيب وجاءها ... أني تلفت تندمت وتندموا وأتت تعود مريضاً لا بل أتت ... مني تشيع راحلاً لو تعلم وقال إبن المعتز: إيها الساقي إليك المشتكى ... قد دعوناك وإن لم تسمع ونديم همت في غرته ... وبشرب الراح من راحته كلما إستيقظ من سكرته ... جذب الزق إليه وأتكا وسقاني أربعاً في أربع ما لعيني غشيت بالنظر ... أنكرت بعدك ضوء القمر وإذا ما شئت فاسمع خبري ... غشيت عيناي من طول البكا وبكى بعضي على بعضي معي غصن بانٍ مال من حيث إلتوى ... مات من يهواه من فرط الجوى خفق الحشاء موهون القوى ... كلما فكّر في البين بكى ويحه يبكي ... لما لم يقعِ ليس لي صبر ولا لي جلدٌ ... يا لقومي عذلوا وأجتهدوا أنكروا شكواي مما أجد ... مثل حالي حقه أن يشتكا كمد اليأس ... وذل الطمع كبد جرّى ودمع يكف ... أصرف الدمع فلا ينصر أيها المُعرض عما أصف ... قد نما حبي بقلبي وزكا لا تقل في الحب أني مدعي عن " مدامع العشاق " للأستاذ زكي مبارك وقال إبن الرومي: هل الملالة إلا منقضى وطرِّ ... من متعة يطِّبي من غيرها وطر وفيك أحسن ما تسمو النفوس له ... فأين يرغب عنك السمع والبصر وقال إبن عنين: خبروها بأنه ما تصدى ... لسلوٍ عنها ولو مات صدا واسألوها في زورة من خيالٍ ... إن تكن لم تجد من الهجر بدا ظبية تخجل الغزالة وجهاً ... وبهاءً وتفضح الغصن دا وقال أو الأسود الدؤلي: أبى القلب إلا أم عمرو وحبها ... عجوزاً ومن يحبب عجوزاً يفند كبرد اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد وقال صردر: ولقد عرضت على السلو جوانحي ال ... حرّى فلم يرهن دار مقام كيف السلو وليس يسلك مسمعي ... إلا حنين أو بكاء حمام وقال إبن الزيات: لم يزدني العذل إلا ولعا ... ضرني أكثر مما نفعا ذهبت بالقلب عين نظرت ... ليتها كانت وإياه معا كل يوم لي منها آفة ... تركتني للهوى متبعا وقال الأبيوردي: أرى كل حب غير حبك زائلاً ... وكل فؤادٍ غير قلبي ساليا إذا إستخبر الواشون عما أسره ... حمدت سلوى أو ذممت التصابيا أيذهل قلب أنت سر ضميره ... فلا كان يوماً عنك يا علو ساليا وقال العزّي: يا خليلي لو ملكت فؤادي ... جاز أن يملك الصواب عناني ظالمي من أراد إصاف نفسي ... من هواها وآمري من نهاني قد تورطت في نعسف شوقي ... حيث لا يعرف السلّ مكاني

وقال الطغرائي: خليليّ هل من مسعد أو معالج ... فؤاداً به ذاء من الحب ناكس وهل ترجوان البرء مما أكنه ... فإني وبيت الله منه لآيس سرى حيث لا يدري الضمير مكانه ... ولا تهتدي يوماً إليه الهواجس إذا قلت هذا يوم أسلو تراجعت ... عقابيل من أسقامه ووساوس * قال إبن الأحنف: سكوتي بلاءُ لا أطيق إحتماله ... وقلبي ألفو للهوى غير نازع وأقسم ما تركي عتابك عن قيلي ... ولكن لعلمي أنه غير نافع وإني إذا لم الزم الصبر طائعاً فلا بد منه مكروهاً غير طائع إذا أنت لم يعطفك إلا شفاعةٌ ... فلا خير في ودٍ يكون بشافع وله: لعمري لقد جلبت نظرتي ... إليك عليّ بلاءً طويلاً فيا ويح من كلفت نفيه ... بمن لا يطيق إليه السبيلا هي الشمس مسكنها في السماء ... ولن تستطيع إليك النزولا * قال سعيد بن حميد: أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل تارة ويميل لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول ولكل نائبة ألمت مدةٌ ولكل حال أقبلت تحويل والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حُصَّلوا فناهم التحصيل لئن سبقت لتبكين بحسرة ... وليكثرن عليّ منك عويل ولتفجعنّ بمخلص لك وامقٍ ... حبل الوفاء بحبله موصول ولئن سبقت ولا سبقت ليمضين ... من لا يشاكله لديّ خليل وليذهبن بهاء كل مروةٍ ... وليفقدن جمالها المأهول وأراك تكلف بالعتاب وودنا ... باق عليه من الوفاء دليل ولعل أيام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول وقوله: أفي الحق أني قد قضيت ديونكم ... وإن ديوني باقيات كما هي فوا أسفي، حتام أرعى مضيَّعاً ... وآمن خوّاناً وأذكر ناسيا وما زال أحبابي يسيئون عشرتي ... ويجفونني حتى عذرت الأعاديا وقال أحدهم: بيد الذي شغف الفؤاد بكم ... تفرج ما ألقى من الهم قد كان صرمٌ في الممات لنا ... فعجلت قبل الموت بالصرم ولما بقيت ليبقين جوى ... بين لجوانح مضرعٌ جسمي فتعلمي أن قد كلفت بكم ... ثم إفعلي ما شئتِ عن عِلم وقال الشريف الرضي يعاتب إحدى الجميلات: يا صاحب القلب الصحيح أما إشتفى ... ألم الجوى من قلبي المصدوع أأسأت بالمشتاق حين ملكته ... وجزيت فرط نزاعه بنزوع هيهات لا تتكلفنَّ لي الهوى ... فضح التطبع شيمه المطبوع كم قد نصبت لك الحبائل طامعاً ... فنجوت بعد تعرّض لوقوع وتركتني ظمآن أشرب غلتي ... أسفاً على ذاك اللمى الممنوع قلبي وطرفي منك هذا في حمى ... قيظٍ وهذا في رياض ربيع كم ليلة جرّعته في طولها ... غصص الملام ومؤلم التقريع أبكي ويبسم والدجى ما بيننا ... حتى أضاء بثغره ودموعي ثقلى أنامله التراب تعللاً ... وأناملي في سنَي المفروع قمرٌ إذا إستخجلته بعتابه ... ليس الغروب ولم يعد لطلوع لو حيث يُستمع السّرار وقفتما لعجبتما من عزه وخضوعي أبغي هواه بشافع من غيره ... شر الهوى ما نلته بشفيع * من قول زهير: يا هاجرين وحقكم ... هوَّنتم ما لا يهون قلتم فلانٌ قد سلا ... ما كان ذاك ولا يكون وحياتكم وهي التي ... ما مثلها عندي يمين ما خنت عهدكم كما ... زعم الوشاة ولا أخون يا من يظن بأنني ... قد خنته غيري الخئون لو صحَّ ودك صح ظنك ... بي وبان لك اليقين

يا قلب بعض الناس كم ... تقسو عليّ وكم ألين يا ويلتاه لمن يخا ... طب أو لمن يشكو الحزين قد ذلَّ من كان المع ... ين له الدمع المعين وله: يا أعز الناس عندي ... كيف خنت اليوم عهدي سوف أشكو ك بعدي ... فعسى شكواي تجدي إين مولاي يراني ... ودموعي فوق خدي أقطع الليل أقاسي ... ما أقاسي فيه وحدي ليتني عندك يا مولا ... ي أو ليتك عندي ثم قال: من لي بقلب أشتيه ... من القلوب القاسية إني لأطلب حاجةً ... ليست عليك يخافيه أنعم عليّ يقبلة ... هبةً وإلا عارية وأعيدها ك لا عدم ... تَ بعينها وكما هيه وإذا أردت زيادة ... خذها نفسي راضية عسى يجود لنا الزما ... ن خلوةٍ في زاوية أو ليتني ألقاك وحدك ... في طريق خاليه وله: يا من تبدل في الهوى ... يهنيك صاحبك الجديد إن كان أعجبك الصدو ... د كذلك أعجبني الصدود وأعلم يأني لا أري ... د إذا رأيتك لا تريد وأنا القريب فإن تعيَّ ... ر صاحبي فأنا البعيد * سأعرض عمن راح عني معرضاً ... وأعلن سلواني له وأشيعه وأحجب طرفي عنه فهو رسوله ... وأحجب قلبي عنه فهو شفيعه وكيف ترى يني لمن لا يرى لها ... ويحفظ قلبي في الهوى من يضيعه وأقسمت لا تجري دموعي على أمريء ... إذا كان لا تجري عليَّ دموعه فإن خان طرفي ما حوته جفونه ... ولو خان قلبي ما حوته ضلوعه ومن قوله: هو حظي قد عرفته ... لم يحل عما عهدته فإذا قصّر من أهوا ... هُ في الحب عذرته غير أني لي في الح ... ب طريق قد سلكته لو أراد البعد عني ... نور عيني ما تبعته إن قلبي وهو قلبي ... لو تجنى ما صحبته كل شيء من حبيبي ... ما خلا الغدر إحتملته أنا في الحب غيورٌ ... ذاك خلقي لا عدمته أبصر الموت إذا أبص ... ر غيري من عشقه وقال البحتري: خليليَّ ربع عَزة فأعقلا ... قلوصيكما ثم إبكيا حيث حلتِ وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعات القلب حتى تولت فقد حلفت جهداً بما نحرت هـ ... قريشٌ غداة المأزمين وصلت أناديك ما حج وكبرت ... بفيفا غزال وفقةٌ وأهلت وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذراً فأوقت وحلت فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وُطَّنت يوماً لها النفس ذلت ولم يلق إنسانٌ من الحب ميعه ... تعم ولا ماءَ إلا تجلت كأني أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشي بها الصم زلت صفوحاً ما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت أباحت حمى لم يره الناس قبلها ... وحلت تلاعا لم تكن قبلُ حلت فليت قلوصي عند عزة قُيدت ... بحبل ضعيف غُر منها فضلت وغودر في الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي قبلت وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت وكنت كذات الظلع لما تحاملت ... على ظلعها بعد العثار إستقلت أريد الثواءَ عندها وأظنها ... إذا ما أطلنا عندها المكث ملت فما أنصفت أما النساء فبغضت ... إلي وأما بالنوال فضنت يكلفها الغيران شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك إستدلت

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما إستحلت والله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرم وأكثرت إلا أقلت فإن تكن اعتبي فأهلاً ومرحباً ... وحقت لنا العتبى لدينا وقلت وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... منادح لو سارت بها العيس كلت فلا يبعدن وصلٌ لعزة أصبحت ... يعافيه أسبابه قد توت أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلت ولكن أنيلي وأذكري من مودة ... لنا خلة كانت لديكم فطلت فإني وإن صدّت لمئنٍ وصادقٌ ... عليها بما كانت إلينا أزلت فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ... ولا شامتٌ إن نعل عزة زلت فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت عمرة فتجلت فأصبحت قد أبللت من دنف بها ... كما أدنفت هيماء ثم إستبلت فو الله ثم الله ما حل قبلها ... ولا بعدها من خُلة حيث حلت وما مر من يوم عليّ كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلت وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده ... فلا القلب يسلوها ولا العين ملت فيا عجباً للقلب كيف إعترافه ... وللنفس لما وطنَّت كيف ذلت وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ظل ... تبوأ منها للمقبل أضمحلت كاني وإياها سحابة ممحل ... رجاها فلما جاوزته إستهلت فإن سال الواشون فيمَ هجرتها ... فقل نفس حر سليَّت فتسلت وقال أحد الظرفاء: ماتت لفقد الظاعنين ديارهم ... فكأنهم كانوا بها أرواحا ولقد عهدت بها فهل أرينه ... مغدى لمنتجع الصبي ومراحا بالنافثات النافثات نواظراً ... والنافذين اسنة وصفاحا وأرى العيون ولا كأعين عامر ... قدراً مع القدر المتاح مُتاحا متوارثي مرض الجفون وإنما ... مرض الجفون بأن يكن صحاحا من كان يكلف بالأهلة فليزر ... ولدي هلال رغبة وبراحا لا عيب فيهم غير شح نسائهم ... ومن السماحة أن يكن شحاحا طرقته في أترابها فجلت له ... وهناً من الغرر الصباح صباحا أبرزن من تلك العيون أسنة ... وهززن من تلك القدود رماحا يا حبذا ذاك السلاح وحبذا ... وقتٌ يكون الحسن فيه سلاحا * وقال إبن الرومي: زارت على غفلة من الحرس ... تهدي إليّ اليلام في الغلسٍ أني تجشمت نحو أرحلنا الهو ... ل ولم ترهبي أذى العسس قالت ترامى بنا إليك من الشو ... ق مُغِيص بالبارد السلس كم زفرة لي تبيتت تنهض أحشا ... ئي ودمع عليك منبجس وأنت لاه غيرنا ولنا ... منك هوى ممسك على النفس عجبت من ذلتي ومن قلبك القا ... سي علينا وخلقك الشكس لا تأمنن الهوى وسطوته ... وأخشى رداه ومنه فأحترس ومن قول جميل عاشق بثينة: ما دنا البين بين الحي وأقتسموا ... حبل النوى فهو في أيديهم قِطع جادت بأدمعها ليلى وأعجلني ... وشك الفراق فما أبقى وما أدع يا قلب ويحك ما عيشي بذى سلم ... ولا الزمان الذي قد مرّ مرتجع أكلما بان حيّ لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا علقني بهوى عنهم فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع وقال أحدهم: تجب فانّ الحب داعية الحبَ ... وكم من بعيد الدار مستوجب القرب إذا لم يكن في الحبَ عتب ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب

نفكر فإن حدثت أنّ أخا هوى ... نجاساً فأرجو النجاة من الحبّ وأطيب أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالتحريش فيه وبالعتب وقيل أن هذه الأبيات غناء لعلية بنت المهدي وكانت تأمره أن يقول الشعر في المعاني التي تريدها لأي من الشعراء. عرّضن للذي تحب بحب ... ثم دعه يروضه إبليس فلعل الزمان يدنيك منه ... أن هذا الهوى جليل نفيس صابر الحب لا يصرفك فيه ... كم حبيب تجهم وعبوس وأقل اللجاج واصبر على الجهد فإن الهوى نعيم وبوس لأحدهم: سلام على النازح المغترب ... تحية صب به مكتئب غزال مراتعه بالبليح ... إلى دير زكي فقصر الخشب أيا من أعان على نفسه ... تخليفه طائعاً من أحب سأستر والستر من شيمتي ... هوى من أحب بمن لا أحب وقال: أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كل العجب أتزعم أنك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصب فلو كان هذا كذا لم تكن لتتركني نهزة للكرب وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللذاذ مع من تحب فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب كتابك قد زادني صبوة ... واسعر قلبي بحر اللهب فهبني نعم قد كتمت الهوى ... كيف بكمان دمع سرب ولولا إتقاؤك يا سيدي ... لوافتك بي الناجيات النجيب معيدو للفرزدق يفاخر بها في وصد بني هاشم: هذا الذي تعرف لبطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم هذا أين خبر عباد الله كلهم ... هذا التقي نقي الظاهر العلم هذا إبن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يغضي حياء ويغضي من مهابته ... فما يكلم ألا حين يبتسم بكفه خيزران ريحها عبق ... من كف أروع في عرنينه شمم يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم الله شرّفه قدماً وعظمه ... جري بذاك له في لوحة القلم أي الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّلية هذا أو له نعم من يشكر الله يشكر أوليّة ذا ... فالدين من بيت هذا ناله الأمم ينمي إلى ذروة الدين التي قصرت ... عنها الأكف وعن إدراكها القدم من جده دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمته دانت له الأمم مشقة من رسول الله نعته ... طبت مغارسه والخيم والشيم ينشق ثوب الدجى عن نور غرته ... كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم من معشر حبهمو دين وبغضمو ... كفر وقربهمو منجى ومعتصم مقدم بعد ذكر الله ذكرمو ... في كل بر ومحتوم به الكلم أن عد أهل التقى كانوا أثمتهم ... أو قيل من خير اهل الأرض قيل همو لا يستطيع جواد بعد جودهم ... ولا يدانيهم قوم وإن كرموا يستدفع الشر والبلوى بحبهم ... ويسترب به الإحسان والنعم فغضب هشام فحبسه بين مكة والمدينة فقال: اتحبسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوى منيبها يقلب رأساً لم يكن رأس سيد ... وعيناً له حولاه بادٍ عيوبها فبلغ شعره هشاماً فوجه فأطلقه: " أخبرنا " عبد الله بن مالك عن محمد بن موسى عن الهيثم بن عديّ قال أخبرنا أبو روح الراسي قال لما ولي خالد بن عبد الله العراق ولي مالك بن المنذر شرطة البصرة فقال الفرزدق: يبغض فينا شطة المصرانني ... رأيت عليها مالكاً عقب الكلب قال فقال مالك عليّ به فمضوا به إليه فقال:

اقول لنفسي إذ تغص بريقها ... ألا ليت شعري ما لها عند مالك وقيل في المرقص: أعلل قلبي في الغرام وأكتم ... ولكن حالي عن هواي يترجم فلو فاض دمعي قلت جرح مقلتي ... لئلا يرى حالي العذول فيفهم وكنت خلياً لست أعرف ما الهوى ... فأصبحت صباً والفؤاد متيم رفعت إليكم قصتي أشتكي بها ... غرامي ووجدي كي ترقوا وترحموا سطرتها من دمع عيني لعلها ... بما حل بي منكم إليكم تترجم رعى الله وجهاً بالغرام مبرقعا ... له البدر عبد والكواكب تخدم على حسن ما رأيت مثيلها ... ومن ميلها الأغصان عطفاً تعلم وأسألكم من غير حمل مشقة ... زيارتنا إن الوصال معظم وهبت لكم روحي عسى تقبلونها ... فلي الوصل مني والصدود جهم فأخذت الجارية الكتاب وأعطته إلى سيدها. فلما قرأت ذاك الكتاب هاج منها الوجد والغرام وكتبت له أيضاً تقول: يا من تعلق قلبه بجمالنا ... أصبر لعلك في الهوى تحظى بنا لما علمنا أن حبك صادق ... وأصاب قلبك ما أصاب فؤادنا زدناك فوق الوصل مثله ... لكن منع الوصل من حجابنا وإذا تجلى الليل من فرط الهوى ... تتوقد النيران في أحجابنا وجت مضاجعنا الجنوب وربما ... قد برح التبريح في أجسامنا الفوض في شرع الهوى كتم الهوى ... لا ترفعوا المسبول من أستارنا فلما فرغت من شعرها طوت الكتاب وأعطته إلى الخادمة فأخذته وخرجت من عندها. فصادفها الحاجب وقال لها: أين تذهبين؟ فقالت إلى الحمام وقد إنزعجت منه فوقعت منها الورقة دون إنتباه. فبينما كان بعض الخدم يمشي في تلك الجهة وقع نظره على الورقة فأخذها وقدمها إلى الوزير فلما قرأها وفهم فحواها هاج منه الغيظ والغضب وجاء إلى إبنته ورد لائماً مندداً. ثم أمر بعض الخدم بإيعادها وأخذ مكان لها يكون بعيداً في البرية. فلما علمت بذلك زاد منها القلق وكتبت قبل ذهابها هذه الأبيات على باب حجرتها. بالله يا دار مر الحبيب ضحى ... مسلماً بإشارات يحيينا أهديه منا سلاماً زاكياً عطراً ... لأنه ليس يدري أين أمسينا ولست أدري إلى أين الرحيل بنا ... لما مضوا بي سريعاً مستخفينا في جنح ليل وطير الأيك قد عكفت ... على الغصون تباكينا وتنعينا وقال عنها لسان الحال وأحربا ... من التفرق ما بين المحبينا لما رأيت كؤوس المر قد ملئت ... والدهر من صرفها بالقهر يسقينا مزجتها بجميل الصبر متذراً ... وأنكم الآن ليس الصبر يسلينا ولما فرغت من شعرها ركبت وساروا بها يقطعون القفار حتى وصلوا إلى مكان منفرد أمام شاطيء نهر فنصبوا لها خيمة ووكلوا بها عض الخدم. لما أظلم الظلام تذكرت حالها وكيف فارقت أطلال الحبيب فسكبت العبرات وأنشدت تقول: جن الظلام وهاج الوجد بالسقم ... والشوق حرك ما عندي من الألم ولوعة البين في الأحشاء قد سكنت ... والفكر صيرني في حالة العدم والوجد أقلقني والشوق أحرقني ... والدمع باح بسر أي مكتتم وليس لي حالة في العشق أعرفها ... من رق عودي ومن سقمي ومن ألمي جحيم قلبي من النيران قد سعرت ... ومن لظى حرها الأكباد في نقم ما كنت أملك نفسي أن أودعهم ... يوم الفراق فيا قهري ويا ندمي يا من يبلغهم ما حل بي وكفى ... إني صبرت على ما خط بالقلم أقسمت لا حلت عنهم في الهوى أبداً ... يمين شرع الهوى مبروة القسم يا ليل سلم على الأحباب مخبرهم ... وأشهد بعلمك أني فيك لم أنم

أما أنس الوجود فإنه بعد كتابة الأبيات وإرسالها إلى محبوبته ورد صبر إلى ثاني الأيام وقصد بيتها. فسأل عنها الخادمة فأعلمته بالخبر وأطلعته على ما كتبت من أبيات على الباب فلما قرأ تلك الأبيات زاد منه الوجد والقلق وسار في عرض القفار لا يرتاح إلى سمير ولا يلذ له الكلام. إلى أن رأى رجلاً أهداه إلى مكانها فبينما هو سائر إلى حبيبته وقع نظره على حمام يهزأ منه الأيك فهاج منه لاعج الغرام وأنشد: يا حمام الأيك أقريك السلام ... يا أخا العشاق من أهل الغرام أنني أهوى غزالاً أهيفاً ... لحظه أقطع من حد الحسام في الهوى أحرق قلبي والحشا ... وعلا جسمي نحول وسقام ولذيذ الزاد قد حرمته ... مثل ما حرمت من طيب المنام وأصطباري وسلوى رحلا ... والهوى بالوجد عندي قد أقام كيف يهنا العيش لي من بعدهم ... وهم روحي وقصدي والمرام أما حبيبته ورد فإنها بينما كانت تخطر حول خيامها إذ رأت موكباً حافلاً عن بعد فدنت منه فإذا في وسطه أمير خطير فلما وقع نظره عليها عجب من رائق جمالها وهاله ما رأى فيها من شدة الضعف والهزال فسألها عن حالها وما ألم بها. فأعلمته القصة على التمام وما جرى لها أولاً وآخراً. فرق لها قلبه وبعث فاسترضى أباها وأرسل من يأتي بأنس الوجود. فما مضى إلا القليل حتى صادفوه قريباً من خيام محبوبته. فلما جاءوا به إليها مالت غليه كغصن البان فضمها إلى صدره وأنشد: ما أحيلاها ليلات الوفا ... حيث أمسى لي حبيبي منصفا نصب السعد لنا أعلامه ... وشربنا منه كأساً قد صفا وأجتمعنا وتشاكينا الأسى ... وليلات تقضت بالجفا ونسينا ما مضى يا سادتي ... وعفا الرحمن عما سلفا وعاشا معاً في ألذ عيش وأهنأ بال، وكان لا يفارقها لحظة واحدة، وهكذا تذوق لذة الحب بعد العذاب الأمر.. وما أحلى الهناء بعد الشقاء. وهذه الأبيات المختارة لعدة شعراء من شعراء الحب في المرقص من الشعر والغز والوصف والشكوى والحنين لأشهر العشاق والغرام في العصور الغابرة. وقد إنتقيناها نظراً لأهميتها وتتناسب مع مواد الرقصات المطربات. لأحد العشاق يخاطب بها معشوقته: أميرة الحسن حلي قيد أسراك ... واشفي بعذب اللمى تعذيب مضناك أميرة الحسن لم أدرِ الغرام ولا ... حر الجوى بل ما شاهدت رؤياك أميرة الحسن خافي الله وأعدلي ... بالحكم إن كان رب الجمال ولاك أميرة الحين أمري غير منكتم ... عن الأنام فكيف اليوم يخفاك يذوب جسمي ويفنى الصبر إن عبرت ... دقيقة لا أرى فيها محياك لو كنت أكتب ما يلقون من ورق ... وصفاً بحسنك ما حصلت معناك إن تنكري عند قاضي الحب سفك دمي ... فلي عليكِ شهود منك خدّاك سأكتم احب حتى ينقضي اجلي ... وتنتهي أدمعي من جفني الباكي وإن حكى لك وجدي النسيم وما ... لقيت بعد النوى فأصغي إلى الحاكي ثم قال. كيف السبيل وما نسيت هواكم ... يوماً ولا أنساه طول زماني إن غبتم عني فرسم جمالكم ... ما زال مطبوعاً على أعياني تبكي عيوني في الصباح وفي المسا ... والدمع قرّح بعدكم أجفاني روحي فداكم يا كرام فواصلوا ... وتكرموا فالنوم قد جافاني يفني الزمان ولا أخون عهودكم ... أبداً ولو قاسيت كل هوان نارٌ بقلبي لا يزال سعيها ... متأججاً من جمرة الهجران أصبوا إليكم كلما برق سري ... أو ناح طير الأيك في الأغصان مسكين هذا الشاعر العاشق لم يذق حلاوة حب أو ثمرة غرام ... قال أحدهم والحب كواه بناره: يا جميل العشاق بالله خبروا ... إذا إشتد عشق بالفتى كيف يصنع يصبر على هواه ثم يكتم أمره ... ويصبر في كل الأمور ويخضع

فكيف يداري الهوى والهوى قاتل الفتى ... وفي كل يوم قلبه يتقطع فإن لم يجد أمراً لكتمان سره ... ما له يا زين سوى الموت أنفع هذا العاشق كان متألماً وفي قلبه حب ونار لا تخمد إلا بوصال حبيبه: لأبي نواس: نضت عنها القميص لصب ماء ... فورد خدها فرط الحياء وقابلت الهواء وقد تعرت ... بمعتدل أرق من الهواء ومدت راحة كالماء منها ... إلى ماء معد في إناء فلما أن قضت وطراً وهمت ... على عجل إلى أخذ الرداء رأت شخص الرقيب على التداني ... فأسبلت الظلام على الضياء وغاب الصبح منها تحت ليل ... وظل الماء يقطر فوق ماء فسبحان الإله فقد براها ... كأحسن ما تكون من النساء قال الرقاشي: أتسلوها وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا فرار وقد تركتك صباً مستهام ... فتاة لا تزور ولا تزار ولت وأنثنت فيها وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار قال أبو مصعب: أما والله لو تجدين وجدي ... لما وسعتك في بغداد دار أما يكفيك أن العين عبرى ... ومن ذكراك في الأحشاء نار تبسمت بغير ضحك وقالت ... كلام الليل يمحوه النهار قال أبو نواس: وخرداً أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زيّن السكر الوقار وهز الريح أردافاً ثقالاً ... وغصناً فيه رمان صغار وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التخميش وأنحلل الأزار فقلت الوعد سيدتي فقالت ... كلام الليل يمحوه النهار لأحد العشاق: أفدي بروحي من شبهت طلعتها ... بطعة الشمس فأغتاظت لتشبيهي وأعرضت وهي غضبى فأعتذرت لها ... عذراً قالت العذر جانيه قالت الشمس عرف مثل طرفي ذا ... إن كنت تفهم معنى من معانيه أو هل بها مثل خدي في تورده ... أو هل لها مثل قدّي في تثنيه فقلت دونك فأقتضِ بلا حجٍ ... هذا لساني الذي أخطأ عضيه فتبسمت وأنثنت ثم قالت ... هذه خدعة لمرض ألم ك والعض بشفيه أختالت وتمايلت ثم قالت هذا ليس ك ... هذه المحاسن واورد لمن يعرف معانيه * * * هذه الأبيات هي للجعبري رحمه الله، ونحن أخذناها عن كتاب: " مملكة الجمال " للأستاذ قراعة محمود. ندعي أن الخيال أجمل من الحقيقة، لأننا تلحظ دائماً في الخيال الراقي روعة من نسمات الحقيقة. أنظر إلى الجعبري مثلاً وهو يقول: ناعس الطرف كحيل المقل ... رق في وص حلاه غزلي رق يا منية قلبي كرماً ... فعذولي من نحولي رق لي يا خلي البال لا تلم ... لا تلمني في هواه يا خلي أنا عن محبوب قلبي لم أحل ... لا ولا أصغي لقول العذل يا أهيل الحي رقوا وأرحموا ... مغرماً أضحى قتيل المقل أنا مأسور ومعي مطلقٌ ... في هوى الظبى الغرير الأكحل ريقه السلسال ما أعذبه ... ما أحيلاه وما أشهاه لي في سويدا القلب أضحى نازلاً ... ما خلا منه ولم يرتحل غارب الأغصان لما أن بدا ... وأختفى بدر الدجى من خجل بعيون فأتكأت قد رمت ... لسهام فأصابت مقلي قدّه العسال ما أرشقه ... ولماه قد حوى من عسل كم حوى في ثغره من درر ... ولكم بالريق أشفى غلل أترى بعد التجني والجفا ... بوصال هجري يسمح لي * * *

تجد الشاعر قد ذكر في خياله الكثير من الحقائق التي لو ذكرها كذا جافة من غير أن يعمد إلى الخيال في تشبيهاته، وأستفارته، وكتاباته، لما كان لقوله التأثير الذي تلقيه في أنفسنا عند سماع هذا الشعر الذي هو الشعور صيغَ في قالب خيالي ليعبر عن حقائق نفسية هي في نفسها جمال، ولكن جمالها في التي نقلت إليها هذه المعاني! ولنعد إلى الجعبري مرة اخرى، لنتبين صلة الخيال بالحقيقة في شعره ولنختار منها هذه المرة قوله: مليح ناعس الطرف ... رشيق القد والعطف غزال قد سبى عقلي ... بذاك الخصر والردف وورد فوق خديه ... يشوقني إلى القطف وآض عذاره المسكي ... كنقش الغيد في الكف وطيب بطيب نكهته ... واسكر من شذ العرف فما أبهاه من بدر ... بدا في غاية اللطف بنار الهجر أحرقني ... وفي هجرانه حتفي متى بوصاله أحظى ... ونيران الجفا تطفي وقد أصبحت ذا سقم ... ولكن ريقه يشفي أموت بحبه وداً ... وأحيا منه بالرشف ومن وجدي به نمت ... دموعي بالذي اخفي وقد باحت بأسراري ... فقلت لأدمعي كفي وقلت لعاذل دعني ... فبعض اللوم لي يكفي فمحبوبي له قدٌ ... رشيقٌ زايد الظرف وإن لم أحظَ من حبي ... بوصل منه وا لهفي أو أنظر إلى قوله: زاد الغرام بمهجتي ... والوجد أسهر مقلتي والقلب ذاب من القلا ... الدمع باح بقصتي ولهيب نار جوانحي ... قد أشعلت من حرقتي قد قل صبري بعدكم ... والبعد غيَّر حالتي وغدوت بين خيامهم ... كالهائم المتلفت ناديتهم سحراً وقد ... هاجت بلابل لوعتي أحباب قلبي قد كفى ... ما قد جرى من عبرتي كم ذا أعلل بالملتقى ... قلبي بقرب أحبتي إن كان عز الملتقى ... يا مهجتي فتفتتي يا ليتهم رفقوا فقد ... رق العذول لرقت عساهم أن يسمحوا ... بعد البعاد بزورة صلاح الدين الصفدي: إن عيني مذ غاب شخصك عنها ... يأمر السهد في كراها وينهى بدموع كأنهن الغوادي ... لا تسل ما جرى على الخد منها لآخر: سألتها عن فؤادي أين موضعه ... فإنه ضل عني مسراها قالت لدينا قلوب جمة جمعت ... فأيها أنت تعني قلت أشقاها لبعضهم: وخالٌ قد تضمنه عذارٌ ... تروق العين إن نظرت إليه كشحرور تخبي في سياج ... مخافة باشق يسطو عليه إبن نباتة: وبمهجتي رشأ يميس قوامه ... فكأنه نشوان من شفتيه شفق العذار بخدّه ورآه قد ... تعست لواحظه فدبّ عليه ولله در القائل: يا محرقاً بالنار وجه محبه ... مهلاً فإن مدامعي تطفيه أحرق بها جسدي وكل جوار حي وأشفق على قلبي لأنك فيه إبن نباته: فديتك أيها الرامي بقوس ... ولحظ يا ضنى قلبي عليه لقوسك نحو حاجبك إنجذاب ... وشبه الشيء منجذب إليه الشيخ حسين الدجاني: إذا لم يكن معنى حديثك لي يروي ... فلا مهجتي تشفي ولا كبدي يروي نظرت ولم أنظر سواك أحبه ... ولولاك ما طاب الهوى الذي يهوى ولما إجتلاك القلب في خلة المرضى ... وشاهد قال الناس ضلت به ألا هو لعمرك ما ضلّ المحب ولا غوى ... ولكنهم لما عموا أخطأوا الفتوى ولو شهدوا معنى جمالك مثلما ... شهدت بعين القلب ما أنكروا الدعوى خلعت عذاري في هواك ومن يكن ... خليع عذار في الهوى سره نجوى ومزّق أثواب القار تهتكاً ... عليك وطابت في محبتك البلوى

فما في الهوى شكوى ولو مزّق الحشا ... وعارٌ على العشاق أن يظهروا الشكوى وما علموا في الحب داء سوى الجوى ... وعندي أسباب الهوى كلها أدوا مال الدين بن مطروح: ذكر الحمى فصبا وكان قد أرعوى ... صب على عرش الغرام قد إستوى تجري مدامعه ويخفق قلبه ... مهما جرى ذكر العتيق مع اللوى وإذا تالق بارق من بارق ... فهناك ينشر من هواه ما إنطوى فخذ أحاديث الهوى عن صادق ... ما ضلّ بي شرع الغرام وما غوى وبمهجتي رشأ أطالت عذلي ... فيه الملام وقد حوى ما قد حوى قالوا أفيه سوى رشاقة قده ... وفتور عينيه وهل موتي سوى ما أبصرته لشمس إلا وأكتست ... خجلاً ولا غصن النقا إلا إلتوى يروي الأراك محاسناً عن وجهه ... يا طيب ما نقل الأراك وما روى الأمير مجاهد: ومهفهف عني يميل ولم يمل ... يوماً إليّ فقلت من ألم الجوى لِمَ لا تميل إليّ يا غصن النقا ... فأجاب كيف وأنت من جهة اللوى مجنون ليلى: تذكرت ليلى والسنين الخواليا ... وأيام لم يعدى على الناس عاديا ويوم كظل الرمح قصرّت ظله ... بليلى والهاني وما كنت لاهيا فيا ليل كم من حاجة لي مهمة ... إذا جيتكم يا ليل لم أدر ما هيا خليليّ ألا تبكيان فأرتجي ... خليلاً إذا أجريت دمعي بكى ليا فما أشرف الإيقاع إلا صبابة ... ولا أنشد الأشعار إلا تداويا وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان كل الظن ألا تلاقيا لحى الله أقواماً يقولون أننا ... وجدنا طول الدهر للحب شافيا وله: خليليّ لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى وما قضى ليا قضاها لغيري وأبتلاني بحبها ... هلا بشيء غير ليلى إبتلانيا وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف القى المراسيا فهذي شهور الصيف عنا قد إنقضت ... فما للنوى يرمي بليلى المراميا فلو كان واشٍ باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت أتانيا وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل ... بي النقص والإبرام حتى علانيا فيا رب سوء الحب بيني وبينها ... يكون كفافاً لا عليّ ولا لي فما طلع النجم الذي يهتدى به ... ولا الصبح إلا هيجا ذكرها لي وله: فإن تمنعوا وطيب حديثها ... عليّ فلن تحموا عليّ القوافيا فأشهد عند الله أنني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها لي وقد لامني اللوّام فيها جهالة ... فليت الهوى باللائمين مكانيا فما زادني الناهون إلا صبابة ... وما زادني الواشون إلا تماديا قضى الله بالمعروف منها لغيرنا ... وبالشوق مني والغرام قضى لي وله: أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... قد عشت دهراً لا أعد اللياليا وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس بالليل خاليا تراني إذا صليت يممت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلِ ورائيا ثم قال: يقولون ليلى أهل بيتي عدوة ... وأفديك يا ليلى نفسي وما لي يقولون ليلى بالعراق مريضة ... فيا ليتني كنت الطبيب المداويا يقولون سوداء الجبين دميمة ... ولولا سواد المسك ما كان غاليا لعمري لقد أبكيتني يا حمامة العقيق وأبكيت العيون البواكيا خليليّ ما أرجو من العيش بعدما ... أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا وتحرم ليلى ثم تزعم أنني ... قتلت لليلى أخوة ومواليا فلم أرَ مثلينا خليلاً صبابة ... أشد على رغم العداة تصافيا

- " الحاجري "

إذا سرت في أرض الفضاء رأيتني ... أصانع رجلي إن ليلى حذائيا يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شمالاً ينازعني الهوى شماليا وله: ألا أيها الركب اليمانيون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا ألا أيها الواشي بليلى ألا ترى ... إلى من تشيها أو لمن أنت واشيا فيا رب إن صيرت ليلى هي المنى زدني بعينيها كما زدتها لي وإلا فبغّضها إليَّ وأهلها ... فإني بليلى د لقيت الدواهيا على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... وإن كنت من ليلى على النار طاويا ليليّ هيّا وساعداني على البكا ... فقد صغرت نفسي ورب المثانيا خليليّ لو كنت الصحيح وكنتما ... سقيمين لم أفعل كفعلكما بيا خليلي إن ضنّوا بليلى فقبا ... لي النعش والأكفان وأستغفرا ليا الشاب الظريف: لي من هواك قريبة وبعيدة ... ولك الجمال بديعة وغريبة يا من أعيذ جماله بجلاله ... حذراً عليه من العيون تصيبه إن لم تكن عيني فإنك نورها ... أو لم تكن قلبي فأنت حبيبه هل حرمة أو رحمة لمتيم ... قد قل فيك نصيره ونصيبه ألف القصائد في هواك تغزلاً ... حتى كأن بك النسيب نسيبه هب لي فؤاداً بالغرام تشبه ... واستبق فؤاداً بالصدور تشبيه لم يبق لي سراً أقول تذيعه ... عني ولا قلب أقول تذيبه كم ليلة قضيتها متسهداً ... والدمع يجرح مقلتي مسكوبة والنجم أقرب من لقاك مناله ... عندي وأبعد من رضاك مغيه والحر قد رقت علي عيونه ... وجفونه وشماله وجنوبه هي مقلة سهم الفراق يصيبها ... ويسح وابل دمعها فيصوبه - " الحاجري " - علمتم بأني مغرم بكم صب ... عذبتموني والعذاب بكم عذب والفتم بين السهاد وناظري ... فلا دمعتي ترقا ولا زفرتي تخبو خذوا في التجني كيف شئتم فأ ... نتم أحبة قلبي لا ملال ولا عتب صدودكم وصل وسخطكم رض ... وجوركم عدل وبعدكم قرب لكم في فؤادي منزل مترفع ... عن العتب لم تحلله سعدى ولا عتب ولما سكنت القلب لم يبق موضع ... بجسمي إلا ود لو أنه قلب إذا أفتر جادت بالمدامع مقلتي ... كذا ومض البرق منه تنهل السحب مني سهدت عيني لغير جمالكم ... فلا برحت عندي مدامعها سكب بمن يطلب الأنصار قلبي وأنتم ... مع الوجد أعوان على قتلي حزب عسى أوبه بالشعب أعطى بها المنى ... كما كان قبل البين يجمعنا الشعب وما ذات رح بان عنها فأصبحت ... بذي الإيك ثكلى دأبها النوح والندب بأشواق من قلبي إليكم فليتني ... قضيت نحبي أو ليت لم يكن الحب وبي ظمأ يفني الزمان وينقضي ... وليس له يوماً سوى حبكم حسب - " البهاء زهير " - رسول الرضا أهلاً وسهلاً ومرحبا ... حديثك ما أحلاه عندي وأطيبا فيا مهدياً ممن أحب سلامه ... عليك سلام الله ما هبت الصبا ريا محسناً جاء من عند محسن ... ويا طيباً أهدى إلى القلب طيبا لقد سرني ما قد سمعت من الرضا ... وقد سرني ذاك الحديث وأطربا وبشرت باليوم الذي فيه نلتقي ... ألا أنه يوم يكون له نبا فعرض إذا حدثت بالبان والحمى ... وإياك أن تنسى فتذكر زينبا ستكفيك من ذاك المسمى إشارة ... ودعه مصوناً بالجلال حجبا شر لي بوصف واحد من صفاته ... تكن مثل سمي وكني ولقبا

" - حسن بن محمد البوريني - "

وزدني من ذاك الحديث لعلني ... أصدق أمراً كنت فيه مكذبا سأكتب مما قد جرى في عتابنا ... كتبا بدمعي للمحبين مذهبا عجبت لطيف زار بالليل مضجعي ... وعاد ولم يشف الفؤاد المعذبا فأوهمني أمراً وقلت لعله ... رأى حالة لم يرضها تجنبا وما صد عن أن يرتب وإنما ... رآني قبلاً في الدجى فتهيبا " - حسن بن محمد البوريني - " أما ينقضي هذا الغرام من القلب ... أما ينطوي هذا الملام عن الصب ألا حاكم بيني وبين عواذلي ... فيسألهم ماذا يريدون من عتبى ألا راحم في الحب أشكو ظلامتي إليه فقد زادت يد البين في حربي ألا ساعة أخلو به فأبثه ... لواعج نيران أقامت على قلبي - " البهاء زهير " - وهو من أكابر الشعراء ومن مشاهير العشاق أأحبابنا ماذا الرحيل الذي دنا ... لقد كنت منه دائماً أتخوف هبوني قلباً إن رحلتم أطاعني ... فإني بقلبي ذلك اليوم أعرف وبالبيت عيني تعرف النوم بعدكم ... عساها بطيف منكم تتآلف قفوا زودوني إن مننتم بنظرة ... تعلل قلباً كاد بالبين يتلف عالوا بنا نسرق من العمر ساعة ... فنجني ثمار الوصل فيها ونقطف وإن كنتم تلقون في ذاك كلفة ... دعوني أموت وجداً ولا تتكلفوا أحبابنا إني على القرب والنوى ... أحن إليكم حيث كنت وأعطف وطرفي إلى أوطانكم متلفت ... وقلبي على أيامكم متأسف وكم ليلة بتنا على غير ريبةٍ ... يحف بنا فيها التقي والتعفف تركنا الهوى لما سلونا بمعزل ... وبات علينا للصبابة مسرف ظفرنا بما نهوى من الأنس وحده ... ولسنا إلى ما خلفه نتطرف سلوا الدار عما يزعم الناس بيننا ... لقد علمت إني أعف وأظرف وهل آنست من وصلنا ما يشيننا ... ويكره منا العفاف ويأنف سوى خصلة إستغفر الله أنها ... ليحلو لنا ذاك الحديث المزخرف حديث يخال الدوح من طرب به ... لما إهتز من أعطافه بتقصف لحا الله قلباً بات خلواً من الهوى ... وعيناً على ذكر الهوى ليس تذرف وإني لأهوى كل من قيل عاشق ... ويزداد في عيني جلالاً ويشرف وما العشق في الإنسان إلا فضيلة ... تدمث من أخلاقه وتظرف يعظم من يهوى ويطلب قربه ... فتكثر آداب له وتلطف الشاب الظريف: فلولا الحب لم يصل إلى صف الشعراء والحب صيرّه وشاعراً حتى غدا في مقدمة شعراء العشق: أتراك بالهجران حين فتكت في ... قلبي بما يحن فتكتفي عاهدتني ألا تخون ولمت في ... طلبي وفاءك بالعهود ولم تفِ إن جال طرفي في سواك فلا غفا ... أو حال قلبي عن هواك فلا غفي أنا صابر بل شاكر في الحب إن ... أخلفت عهد الوصل أو لم تخلف لكنت أهوى وفاك إذا ... حييت نيل تشرف وترشف وأبث وجدي في الهوى بتوصل ... وتوسل وتطفلٍ وتلطف تالله لم أتق في وجدي وقد ... نادى هواك جوى ولم أتوقف إني لنائي عرضاً عن عاذلي ... إن عازلي أو عنّ فيك معنفي وأهيم منك بمرسل ومسلسل ... ومورد ومجعد ومهفهف لو زرتني يا منيتي ومنيتي ... ورحمت فرط تلهبي وتلهفي لرايت طرفاً ليس ينكره البكا ... وشهدت جسماً بالضنا لم يُعرف لم تخل من قلب المحب وحق ما ... ترضى به وبغير ذا لم احلف إلا هواك وأنت فيما أدعي ... أدرى بأني عنه لم أك أنكفي

قد جار جار الحب في قلبي ولم ... أرَ في الصبابة من صفا من منصف يزيد بن معاوية: كان دينه ودنياه الغرام والكأس، وهو يعد في طليعة شعراء العشق: فقلت أستغفر الرحمن من زللٍ ... إن المحب قليل الصبر والجلد قد خلقني طريحاً وهي قائلة ... تأملوا كيف فعل الظبي بالأسد قالت لطيف خيال زارني ومضى ... بالله صفه ولا تنقص ولا تزدِ فقال خلفته لو مات من طمأٍ ... وقلت قف عن ورود الماء لم يرد قالت صدقت الوفا في الحب شيمته ... يا برد ذاك الذي قالت علي كبدي وأسترجعت سألت عني فقيل لها ... ما فيه من رمقٍ دقت يداً بيد وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ... ورداً وعضت على العناب بالبرد وأنشدت بلسان الحال قائلة ... من غير كره ولا مطل ولا مدد والله ما حزنت أختٌ لفقد أخ ... حزناً عليه ولا أمٌ على ولدِ هم يحسدوني على موتي فوا أسفي ... حتى على الموت لا أخلو من الحسد مجنون ليلى: ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجداً على وجد رعى الله من نجد أناساً أحبهم ... فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودي سقى الله نجداً والمقيم بأرضها ... سحاب وادٍ خاليات من الرعد إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على غصن بان أو غصون من الرند بكيت كما يبكي الوليد ولك أكن ... جلوداً وأبديت الذي ما به الوعد وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وإن البعيد يشفي من الوجد بكل تداوينا فلم يشفِ ما بنا ... على أن قرب الدار خير من البعد على أن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود إبن نباتة: وضعت سلاح الصبر عنه فماله ... يقاتل بألحاظ من لا يقاتله وسال عذار فوق حديه جائرٌ ... على مهجتي فليتقِ الله سائله شاكر الصلاح: وقائلة ما بال دمعك أسود ... وقد كان مبيضاً وأنت نحيل فقلت لها جفت دموعي من البكا ... وهذا سواد العين فهو يسيل الحاجري: ولما إبتلى بالحب رق لشكوتي ... وما كان لولا الحب ممن يرق لي أحب الذي هام الحبيب بذكره ... ألا فأعجبوا من ذا الغرام المسلسل إبن سيف القيرواني: وإني وإن أخرت عنكم زيارتي ... لعذر فإني في المحبة أول فما الود تكرار الزيارة عامداً ... ولكن على ما في القلوب المعول هبة الله بن الفضل: زار الخيال نحيلاً مثل مرسله ... فما له شفاني منه الضم والقبل ما زارني قط إلا كي يوافقني ... على الرقاد فيلقيه وهو يرتحل أبو الحسن التهامي: ولم أنسَ ضمي للحبيب على رضا ... ورشفي رضاباً كالرحيق المسلسل ولا قوله لي عند تقبيل خدَّه ... تنقل فلذات الهوى بالتنقل الزمخشري: أصبوا إلى الشرق إن كانت منازلها ... في جنب الغرب خوف القيل والقال أقول في الخد خالٌ حين أذكرها ... خوف الوشاة وما في الخد من خال أبو يزيد البسطامي: قاتل الناس باللواحظ حتى ... أذهب الله حسنه والجمال طلعت ذقنه وعيناه كلت ... وكفى الله المؤمنين القتال الشاب الظريف: تلعب الشعر على ردفه ... أوقع قلبي في العريض الطويل يا ردفة جرت على خصره ... رفقاً به ما أنت إلا ثقيل زين الدين بن الوردي: شبه السيف والسنان بعيني ... من لقتلي بين الأنام إستحلا فأتى السيف والسنان فقالا ... حدنا دون ذاك حاشا وكلا عبد العزيز الأنصاري: يا نظرة ما جلت طلعته ... حتى إنقضت وأدامتني على وجل أعاتب إنسان عيني في تسرعه ... فقال لي خلق الإنسان من عجل

إبن قلاقس: نقل فادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه ابداً لأول منزل عبد الله الحزامي المصري: إن شئت تنظرني وتنظر حالتي ... قابل إذا هب النسيم قبولا فتراه مثل رده ولطافة ... ولأجل قلبك لا أقول عليلا فهو الرسول إليك نبي ليتني ... كنت أتحدث مع الرسول سبيلا صدح الدين الصفدي: أفدي حبيباً له في كل جارحة ... مني جراح سيف اللحظ والمقل تقول وجنته من تحت شامته ... لي أسوة بإنحطاط الشمس عن زحل لسان الدمشقي الخضيرة: إذا أيقنت من خلٍ وداداً ... فزره ولا تخف منه الملالا وكن كالشمس تطلع كل يوم ... ولا تك في محبة هلالا إبن هاني: لا تلمني عاذلي حين ترى ... وه من أهوم فلومي مستحيل لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفارقنا على وجه جميل إبن عبدون: قالوا إصطبر أيها المضني فقلت لهم ... كيف إصطباري وقد ضاقت بي الحيل الصبر لا شك محمودٌ عواقبه ... وإنما خيفتي أن يسبق الأجل أمريء القيس: ولما رأتني في السباق تعطفت ... عليّ وعندي من تعطفها شغل أتت وحياض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصلي حين لا ينفع الوصل إبن زيدون: لو هـ صفرة شانت محاسنه ... فقلت ما ذاك من غيب به نزولا عيناه مطلوبة في ثأر من قتلت ... فلست تلقاه إلا خائفاً جلا عنترة العبسي: وكان قلبي معي ما إخترت غيركم ... ولا رضيت سواكم في الهوى بدلا لكنه راغب في من يعذبه ... فليس يقبل لا لوماً ولا عذلا الأمير منجك: لما صفت مرأة وجهك أيقنت ... عيناي أني عدت فيك خيالا وظننت أهدابي بوجهك عارضاً ... وحسبت إنساني بخدك خالا إبن قلاقس: لو كان لي من أحب عواذل ... لسعيت في تشتيتهم وتوصلي لكن حبوبي تعشق نفسه ... وغدا العذول فما تكون تحيلي الحاجري: بروحي ومالي ذلك الرشأ الذي ... غدا مسكه فوق السوالف سائلا دري خد أني أجن بحبه ... فأظهر لي قبل الجنون سلاسل عمر إن الوسودي: وأمر ما لاقيت من ألم الهوى ... قرب الحبيب وما إليه وصول كالميس في البيداء يقتلها الظمأ ... والماء فوق ظهورها محمول صلاح الدين الصفدي: يا آمري بالبعد عمن شنى ... سقماً وفي فيه شفاء غليلي من يستطيع الصبر أو يرضى به ... عن مثل ذاك المرشف المعسول ولآخر في زنجي: يكون اخال في وجه قبيح ... فيكسوه الملاحة والجمالا فكيف بلام مشغوف على من ... يراها كلها في العين خالا ولله در من قال: يا رب إن العيون السود قاتلتي إن عاشقها ما زال مقتولا إني تعشقتها عمداً على خطر ... ليقضي الله أمراً كان مفعولا عمر بن الفارض: نشرت في موكب العشاق أعلامي ... وكان فلبي بلى في الحب أعلامي وسرت فيه ولم أبرح بدولته ... حتى وجدت ملوك العشق خدامي ولم أزل منذ أخذ العهد في قدمي ... لكعبة الحسن تجريدي وإحرامي وقد رماني هواكم في الغرام إلى ... مقام حب شريف شامخ سام جهلت أهلي فيه أهل نسبته ... وهم أعز أخلائي وألوامي قضيت فيه إلى حين إنقضى أجلبي ... شهري ودهري وساعاتي وأعوامي ظن العذول بأن العذل يوقفني ... نام العذول وشوقي زائد نامي إن عام إنسان عيني في مدامعه ... فقد أمد فإحسان وإنعام يا سائقاً عيس أحبابي على مهلٍ ... وسر رويداً فقلبي بين آلام سلكت كل مقام في محبتكم ... وما تركت مقاماً قط قدامي

وكنت أحسب أني فد وصلت إلى ... أعلى وأغلى مقام بين أقوامي حتى بدا لي مقام لم يكن أربي ... ولم يمر بأفكاري وأوهامي إن كان منزلي في الحب عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي الشريف الرضي: خلياني بلوعتي وغرامي ... يا خليليّ وأذهبا بسلام فلا زلت في العز المنيع ورفعة ... ولا زلت تعلو بالتجني فأنزل عمر بن الفارض: هو الحب فأسلم بالحشا ما الهوى سهل ... فما إختاره مضنى به وله عقل وعش خالياً فالحب راحته عنا ... فأوله سقمٌ وآخره قتل لكن لدى الموت فيه صبابة ... حياة لمن أهوى عليّ بها الفضل نصحتك علماً بالهوى والذي ارى ... مخالفتي فأختر لنفسك ما يحلو فإن شئت أن تحيا سعيداً فمت به ... شهيداً وإلا فالغرام له أهل فمن م يمت بالحب مات بغيره ... دون إجتناء النجل ما جنت النحل تمسك بأذيال الهوى وأخلع الحيا ... وخل سبيل الناسكين وإن جلوا وقل لقتيل الحب وفيت حقه ... وللمدعي هيهات ما الكحل الكحل تعرض قوم للغرام وأعرضوا ... بجانبهم عن صحتي فيه واعتلوا رضوا بالأماني وأبتلوا بحظوظهم ... وخاضوا بحار الحب دعوى فما إبتلوا فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم ... وما ظنوا في السير عنه وقد كلوا وعن مذهبي لنا إستحبوا للعمى على ... الهوى حسداً من عند أنفسهم ضلوا أحبه قلبي والمحبة شافعي ... لديكم إذا شئتم بها إتصل الحبل عسى عطفة منكم عليّ بنظرة ... فقد تعبت بيني وبيتكم الرسل أحبابي أنستم أحسن الدهر أم ما ... فكونوا كما شئتم أنا ذلك الجل إذا كان حظي الهجر منكم ولم يكن ... بعادٌ فذاك الهجر عندي هو الوصل وما الصد إلا الود ما لم يكن قلى ... وأصعب شيء غير إعراضكم سهل وتعذيبكم عذبٌ لدي وجوركم ... ليّ بما يقضي الهوى لكم العدل وصبري صبر عنكم وعليكم ... أرى أبداً عندي مرارته تحلو أخذتم فؤادي وهو بعضي فما الذي ... يضركُم لو كان عندكم الكل الفاتح النحاس: كحل بعينيك أم ضرب من الكحل ... ورد بخديك أم صبغ من الخجل قضيب بانٍ إذا ما ميله ... دعص من الرمل أم ضرب من الرلامل يفتر عن سمط در في عقيق فمٍ ... عذب المراشف ممنوع من القبل أقسمت ما روضة بالنيرين إذا ... سحت عليها شؤون العارض الهطل شقت شقائقها إيدي الربيع وقد ... ماست حدائقها كالشارب الثمل يوماً بأحسن من ورد الخدود على ... بان القدود ولا من نرجس المقل وقائل وشموس الراح قد افلت ... فينا وشمس مدير الراح لم تمل هذا هو الحب لولا كثرة الرقبا ... ولذة العيش لولا سرعة الأجل مجنون ليلى: ألا أيها القلب اللجوج المعذل ... أفق عن طلاب الغيد إن كنت تعدل أفق قد أفاق العاشقون وإنما ... تماديت في ليل ضلال مضلل تعزّ بصبرٍ وإستعن بجلاله ... فصبرك فيما لا يدانيك أجمل سلا كل ذي ود علمت مكانه ... وأنت بليلى مستهامٌ موكل فقال فؤادي ما إحترمت ملامة ... إليك ولكن أنت باللوم تعجل أعلل نفسي بالحديث وبالمنى ... فعل إلى أيام ليلى تعلل لحي الله من باع الخليل بغيره ... فقلت أجل حاشاك إن كنت تفعل وقلت لها بالله يا ليلى أنني ... أبر وأوفي بالعهود وأوصل هبي أنني أذنبت ذنباً علمته ولا ذنب يا ليلى فصفحك أجمل

الجارية ريا مع عتبة " بن الحباب "

فإن شئت هاتي نار عيني خصومة ... وإن شئت حلماً إن حلمك أعدل نهاري نهارٌ طال حتى مللته ... وحزني إذا ما جن ليلي أطول وكنت كذباح العصافير ذائباً ... وعيناه من وجد عليهن تهمل فلا تنظري ليلى إلى العين وأنظري ... إلى الكف ماذا بالعصافير تعمل * * * الجارية ريا مع عتبة " بن الحباب " هو عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري: وصاحبته هي ريا بنت الغطريف السللي. علقها بمسجد الحزاب يوم منتزه، وأصل ذلك أن عبد الله بن معمر القيسي حين دخل المدينة قال: بينما قد زرت صلى الله عليه وسلم ليلاً وجلست إذا أنا بشخص ينشد بصوت شجي ولا أراه: أشجاك نوح حمائم السدر ... فأهجن منك بلابل الصدر يا ليلة طالت على دنفٍ ... متوقد كتوقد الجمر ما كنت أعلم أنني كلفٌ ... حتى تلفت وكنت لا أدري فالبدر يشهد أنني كلفٌ ... مغري بحب شبيهة البدر وفي رواية صاحب الأصل تقديم وصدر الذي قبله ما كنت أحسب أنني شجن فتبعت الصوت فرأيت شاباً حرّقت الدموع خدّه، فقال لي: أجلس أحدثك أنا فلان، كنت يوماً بمسجد الأحزاب إذا ينسوه يتنزهن، فيهن جارية لم أرَ مثلها، وقفت عليّ وقالت ما تقول في وصل من يطلب وصلك، ثم مضت فلم أعرف خبرها، ثم غشي عليه ساعة فلما أفاق أنشد: أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... تراكم تروني في القلوب على البعد فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي وذكركم عندي ولست ألذ العيش حتى أراكمولو كنت في الفردوس أو جنة الخلد فشرعت في تسليته، فقال: هيهات أو يؤب القارظان مثل مشهور أصله إن أخوين خرجا يجتنيان القرظ نبت معروف يعلم لهما خبر، قال عبد الله: فلما طلع الصبح قلت له قم بنا إلى مسجد الأحزاب فأنشد: يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النوى طربا ما أن يزال غزال فيه يظلمني ... يهوى إلى مسجد الأحزاب منتقبا يخبر الناس أن الأجر هيَّمه ... أو أنه طالب للأجر محتسبا لو كان يبغي ثواباً أتى ظهراً ... مضمخاً بفتيت المسك مختضبا فمضينا إلى المسجد فحين صلينا الظهر أقبل النسوة ولم ترَ الجارية فيهن، فقلن له: ما ظنك بطالبة وصالك، فقال وأين هي، قلن له مضى بها أبوها إلى السماوة فأنشد: خليليّ ريا قد أجد بكورها ... وسارت إلى أرض السماوة عيرها خليليّ قد غشيت من كثرة البكا ... فهل عند غيري عبرة أستعيرها فقلت له قد وردت بمال جزيل أريد به الحج، وقد عزمت على أن أبذله في حاجتك فه لك أن تسير معي إلى قومها وأبيها؛ فقال نعم، فسافرنا إلى أن وافينا إياها، ففرش لنا الا نطاع ونحر لنا النحائر، فحلفنا ألا نأكل له طعاماً أو يقضي حاجتنا، فقال أذكروها فأعلمناه بخطبه عتبة، فقال مَن عتبة، فقلنا من الأنصار، قال ذاك إليها فقلنا له أخبرها، فدخل عليها وأعلمها فشكرت عتبة فقال قد نمى إليّ أمرك معه وأقسم لا أزوجك به، فقالت أن الأنصار لا يردّون رداً قبيحاً فإن كان ولا بد فاغلظ عليهم المهر، فقال لهم نعم ما أشرت به، ثم خرج فقال قد أجبت ولكن على ألف دينار وخمسة آلاف درهم هجرية ومائة من الأبراء والخز أكراس من العنبر، فضمنا له ذلك وقلنا له إذا أحضراها أجبت قال فأحضرنا ذلك، فأولم أربعين يوماً ثم أخذناها ومضينا، فحين قاربنا المدينة خرج علينا خيل كثيرة حسبناهم بأمر أبيها فقاتلناهم زمانا، فجاءت طعنة في نحر عتبة فسقط ودمه يفور، فجاءتنا النجدة فإذا هو ميت، فحين علمت الجارية بموته جاءت حتى إنكبت عليه وأنشدت: تصبرت لا أني صبرت وإنما ... أعلل نفسي أنها بك لاحقة ولو أنصفت روحي لكانت إلى الردى ... أمامك من دون البرية سابقة فما أحد بعدي وبعدك منصفٌ ... خليلاً ولا نفسٌ لنفس موافقة

أخبار الصمة وصاحبته ريا

ثم شهقت فماتت فواريناهما معاً. قال عبد الله: فأقمت سبع سنين ثم رجعت إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لا أبرح أو أزور عتبة، وجئت فإذا أنا بشجرة عليها ألوان من الورق قد نبتت على القبر، فسألت عنها فقالوا شجرة العريسين. * أخبار الصمة وصاحبته ريا هو أبو مالك الصمة بن عبد الله بن مسعود بن رقاش القشيري التغلبي من بني ربيعة، كان أديباً شجاعاً عارفاً بأيام العرب ووقائعها ومواضعها وكثيراً ما يسند إليه إبن دريد والأصمعي، قال الفوّار والوزير أنه أدرك أوائل الإسلام. و" ريا " هي بيت مسعود ن رقاش أيضاً، كانت ذات ظرافة وفراسة ومعرفة وحسن نشأت مع الصمة صغيرين وكانا يتذاكران الأدب وملح الأشعار فأعجب بها وتمكنت منه ولم يكن عندها منه مقدار ما عنده منها، فلما شكا ما يجد منها إلى بعض أصدقائه أرشده إلى تزوجها، فخطبها إلى عمه، فأنعم على مائة من الإبل، فمضى الصمة إلى أبيه فأعطاه تسعاً وتسعين فأبى مسعود إلا التمام وعد الله إلا ذلك وحلف كل على ما قال وأقفلوا الأمر فحملت الصمة الأنفة على أن خرج عنهما إلى العراق. فقالت الريا ما رأيت رجلاً أضاعه أبوه وعمه ببعير إلا بالصمة لما عندها من العلم بحبه لها، فلما طال عليه الأمر وتنازعه الشوق والشهامة المانعة له من العود بلا طلب مرض حتى أضناه السقم، وقيل أتى كاهناً بالعراق فسأله عما أضمر فأخبره أنه لا يتزوج بها أبداً فضعف، والصحيح كما حكاه صاحب قوت القلوب في أخبار المحب والمحبوب أنه قدم رجل يقال له غاوي بن رشيد بن طلابة المذحجي على مسعود فخطب منه ريا وأمهرها ثلثمائة ناقة برعائها، فزوجه بها فحملها إلى مذحج الصمة ذلك فلزم الوساد وطال امره، فدخل عليه رجل كان يألفه فعنفه وسلاه فأنشد: أمن ذكر دار بالرقاشين أعصفت ... به بارحات الصيف بدأ ورجعا حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وسعياً كما معا فما حسنٌ أن يأتي الأمر طائعاً ... وتجزع إن داعي الصبابة اسمعا كأنك لن تسمع وداع مفارقٍ ... ولم ترَ شعبي صاحبين تقطعا بكت عيني اليمنى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا الرفاشين إسم وادٍ بين نجد واليمن كانت تنزله بنو ربيعة، والبارحات رياح معلومة صيفية تستبشر بها العرب والضمير يعود على الوادي. وفي قوت القلوب أعصفت بها سانحات الصيف يريد بالدار، والسانحات أيضاً لكنها لا تخص الصيف فيشكل التعيين هنا وقوله وسعياً كما هو معطوف على قوله ونفسك باعدت يريدان السعي والنفس أبعداه عن المحبوبة وغلط في قوت القلوب حيث أعرب وسعييكما نصبا بالياء على أنه معمول باعدت عطفاً على مزارك. وقوله فما حسن أن يأتي المر وبكت عيني اليمنى البيتين قد إستعارهما المجنون وباقي الشعر واضح ويقال أن في القصيدة طولاً: ولما رأيت البشر أعرض دوننا ... وجالت بنات الشوق تحتي نزعا تلفت نحو الحي حتى وجدتني ... رجعت إلى الإصغاء ألوي وأجزعا وأذكر أيام الحمى ثم إنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا فليست عشيات الحمى برواجع ... عليك ولكن خلِ عينيك تدمعا أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكراك ما كففت للعين مدمعا فقالت بلى والله ذكرى لو أنه ... تضمنه صم الصفا لتصدعا ولما طالت عليه دعا له صاحبه العراقي بطيب حاذق، فما تأمله قال إنما يشكو العشق لا غيره وأرى أن يلزم النزهة والفرح نحو البساتين ليتشاغل عما هو فيه أخرجه صاحبه مع بعض اخدم إلى الثغور، فبينا هو يوماً على شاطيء هر وقد جدّ به اكرب إذ سمع امرأة تنادي إبنتها يا ريا فسقط مغشياً عليه فأحتملوه إلى بستان هناك وأضجعوه، فلما أفاق أنشد: ّتعَزّ بصبر لا وجدك لا ترى سنام الحمى إحدى الليالي الغواير كأن لساني من تذكري الحمى ... وأهل الحمى يهفو به ريش طائر ولم يزل يرددها حتى قضى، ولما وصل خبره إلى الريا داخلها من الوجد ما أمسكت معه عن الطعام والشراب وجعلت تبكي حى ماتت، ومن لطيف شعه قوه: ألا من لعين لا ترى قلل الحمى ... ولا جبل إلا ثال إلا إستهلت

أخبار كعب وصاحبته ميلاء

ألا قاتل الله الحمى من محله ... وقاتل دنيانا بها كيف ولت غنينا زماناً باللوى ثم أصبحت ... يراق الهوى من أهلها قد تخلت فما وجد أعرابية قذفت بها صروف اللوى من حيث لم تك ضنت تمنت أحاليب الرغاء وخيمة ... بند ولم يقدر بها ما تمنت إذا ذكرت نجد وطيب ترابها ... وبرد الحصى من أرض نجد أرنت ومنه: أرى الدهر بالتفريق والبين مولعاً ... وللجمع ما بين المحبين آبيا فأفٍ عليه من زمان كأنني ... خلقت وإياه نطيل التعاديا أخبار كعب وصاحبته ميلاء هو أبو خثعم كعب بن مالك أو عبد الله أو خثعم بن لأبي بن رباح بن ضمرة طائي من عرب الحجاز يُعرف بالمخيل، وكان جوَّاداً سخياً شجاعاً، ملوف الصورة. و" ميلاء " هي بنت لأبي بن رباح أصغر أخواتها كانت أجمل نساء الحجاز، وكان كعب قد خطب إلى عمه أخت ميلاء، وكانت تسمى أم عمرو فزوّجه بها فشغف بها شديداً وألفها طويلاً، وأنه دخل عليها يوماً فوجدها قد نضت ما عليها وهي عريانة فسرَّته حين نظر إليها، فقال: أنشدك الله هل تعلمين امرأة أحسن منك فقالت: نعم أختي ميلاء، فقال: ومن لي بأن أنظرها، فأخبأته وأرسلت إليها فحضرت، فلما رآها وقعت من قلبه موقعاً أدى إلى زوال عقله من العشق، فأنطلق في طلبها فأستعرضها وشكا إليها ما لقي من جبها، فأعلمته أنها أعظم من ذلك في حبه، وشعرت أختها فتبعتها فرأتهما يتشاكيان المحبة فمضت إلى أخوتها وكانوا سبعة فأخبرتهم بذلك، وقالت: أما أن تزودوا كعباً من ميلاء، أو تغيبوها عني. فلما علم أخوتها به هرب إلى الشام مكث بها أياماً، وأن شامياً خرج يريد الحج فضلت به الطريق فأسترشده امرأة وكانت بالتقدير المحتوم ميلاء وإلى جانبها أختها فأنشد الشامي متمثلاً: أفي كل يومٍ أنت من بارح الهوى ... إلى الشمّ من أعلام ميلاء تاظر بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها حرّ نا طرفها متحادر منى المنى حتى إذا قلت المنى ... جرى وأكف من دمعها متبادر كما أرفض سلك يعد ما ضم ضمة ... بخيط الفتيل اللؤلؤ المتناثر قلت: وهذا الشعر قاله كعب حين علق ميلاء قبل وقوعه إلى الشام والمنصف تبع الشيرزي في أنه قاله بالشام وأصل الحال غلط الشيرزي في قوله الشم فإنه قرأها إلى الشام بدليل أن الشامي لما أنشد الشعر سألته ممن الرجل قال: من الشام، قالت: أو تعرف صاحب الشعر. قال: هو أعرابي إسمع كعب إنه يحتمل أن معرفتها من ذكر إسمها ويكون ما ذكر صحيحاً. ولما أخبرها بإسم الأعرابي أقسما عليه أن لا يبرح حتى ينظره أخوتها فإنهم يكرمونه، ثم سألاه هل تروي له غير ذلك، قال: نعم وأنشد: خليليَّ قد رضت الأمور وقستها ... بنفسي وبالفتيان كل مكان ولم أخفِ يوماً للرفيق ولم أجد ... خلياً ولا ذا البث يستوان من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليان لولا الناس قد قفياني منوعان ظلامان ما ينصفانني ... بدلهما والحسن قد خلياني يطيلان حتى يعلم الناس أنني ... قضيت ولا والله ما قضياني خليليّ أما أم عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني بلينا بهجران ولم يرَ مثلنا ... من الناس إنسانان يهتجران أشد مصافاة وأبعد عن قلى ... وأعصى لواشٍ حين يكتنفان يبين طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا إستعجمت بالمنطق الشفتان فو الله ما أدري أكل ذوي هوى ... على شكلنا أم نحن مبتليانِ فلا تعجبا مما بي اليوم من هوى ... فبي كل يوم مثل ما ترياني خليلي عن أي الذي كان بيننا ... من الوصل أو ماضي الهوى تسلاني وكنا كريمي معشرٍ حم بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان نذود النفوس الحائمات عن الهوى ... وهن بأعناق إليه ثواني سلاه بأم العمر يشفي فقد بدا ... به السقم لا يخفى وطول هوان

القسم الثاني

فما زادنا بعد المدى نقص حده ... ولا رجعنا ن عملنا بيان خليليّ لا والله ما لي بالذي ... تزيدان من هجر الصديق يدان ولا لي بالهجر إعتلاق إذا دا ... كما أنتما بالبين معتلقان ولا لاهياً يوماً إلى الليل كله ... يبيض لطيفات الخصور رواني يمنيننا حتى يرعن قلوبنا ... ويخلطن طلاً ظاهراًبليان أعينيّ يا عينيّ حتّام أنتما ... بهجران أم العمر تختلجان فما أنتما إلا عليّ طليعة ... على قرب إعتدائي كما ترياني لو أن أم العمر أضحت مقيمة ... بمصر ودوني الشحر شحر عمان إذن لرجوت الله يجمع بيننا ... وإنا على ما كان ملتقيان من البيض نجلاء العيون كلاهما ... مقيم وعيشي ضارب جران أفي كل يوم أنت رام بلادها ... بعينين إنساناً هما غرقان إذا ذرفت عيناي قالت صحابتي ... لقد ولعت عيناك بالهملان ألا فأحملاني بارك الله فيكما ... إلى حاضر الروحاء ثم ذراني هذا ما نقله الجلّ: وأخرج هنا عن الأغاني ن قوله ولا لاهياً يوماً إلى آخر القصيدة لم ينشده الشامي قلت وقوله ففي كل يوم أنت رام وقوله: ألا فأحملاني البيتان مسروقان من كلام عروة بن حزام. ثم نزل وجاء أخوتهما فأكرموه ودلوه على الطريق بعد أن إستخبروا منه عن كعب وموضعه، ثم توجهوا في طلبه وضعفت ميلاء على ما رواه في نهاية الأدب بصداع أصابها. فلما حضروا بكعب زل ناحية، وصادف وقد وفاتها رأى الناس عند البيت مجتمعين، فأحس قلبه بالشر. فقال لصبي بأزاء البيت الذي هو فيه من أبوك. قال كعب وكان تركه صغيراً حين مضى إلى الشام فقال له ما إجتماع الناس على طنب هذا البيت قال: على خالتي ميلاء ماتت الساعة. فلما سمع ذلك وضع يده على قلبه واستند إلى طنب البيت، وحُرك فوجد ميتاً فدفنوه إلى جانبها. رحمة الله عليهما. القسم الثاني فيمن جهل إسمه أو إسم محبوته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته ختمناه بصنف لطيف القوانين في ذكر عقلاء المجانين، ونحن وإن كنا قد ذكرنا من هذا النوع فيما سلف بعضاً لكنهم إنما نقصوا شيئاً مما ذكرنا بالنسبة إلى هذا الكتاب لقلة فحصه وإلا فهم مشهورون كثيراً بخلاف من يأتي بعد، وستقف على كثير منهم كامل النسب. والأسباب أذكره إن شاء الله تعالى لكنه غير قوي الشهرة ولم أتبعه في التنويع بأن أقول نوع فيمن نزل به الحال ونحو ذلك إذ لا طائل فيما صنع ولا فائدة فيما نوِّع ووضع وإنما الأولى أن يذكر المشاهر ثم أهل الجاهلية كما وقع ترتيبه هنا وهؤلاء القوم كثيرون. فمنهم سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور قال في النزهة نحر يوماً لضيوف مائة من الإبل فأكلوا قليلاً وبقي الغالب عاتبه أخوه كعب في ذلك وقال له لو بقيت عليها الحاجة كان أولى فغضب منه ورحل مستخفياً فنزل على أزديِّ فنظرت إليه زوجته فوقع من قلبها، وهي من قلبه وزوجها يرصدهما فلم يستطيعا أن يعرّف كل منهما الآخر ما عنده فأستاك أسامة ورمى السواك فأخذته وأمتصته ففطن زوجها لذلك فعزم على قتله فسم له قدحاً من لبن وقدمه إليه فغمزته فأراقه ثم ركب وسار فهوت ناقته في الخميلة إلى عرفجة لترعاها فلما جذبتها خرجت حية فضربت ساق سامة فمات لوقته وبلغ الأزدية فلم تزل تبكيه حتى ماتت. ولولا في هذه الحكاية من الإعتبار بمصادفات الأقدر لم أوردها إذ لا مناسبة لها بهذا المعيار. ومنهم عمرو بن عوف وبيا هوى جارية إسمها بيا فشغف بها طويلاً فخطبها إلى أهلها فلم يجيبوه وزوجوها من غيره، فلما شعر زوجها بحال عمرو معها رحل بها حتى نزل اليمن يبني الحرث بن كعب وطال الحال على عمرو فطاش عقله وطار لبه فأشار عليه أصدقاؤه أن بقصد مكة فيتعلق بأستار الكعبة ويسأل الله أما جمعه عليها أو صرف قلبه عنها ففعل.

مجنون بني عامر مع ليلاه

فبينما هو يطوف في الموسم إذ رآه شخص من بني الحرث فوقعت بينهما إلفة فأخبره بالحال وغياب المرأة فأعلمه بمكانها فقال عمرو: هل لك في صنيعة يحسن شكرها قال نعم قل، فقال عمرو: ليتخلف كلٌ منا أصحابه بعد النفر ثم نسير إلى مكان يقرب منها وتمضي أنت فتعلمها بمكاني ففعلا، ومضى به الرجل حتى جعله قي بيته وذهب فأعلم بيا فكانت تأتيه فيتحادثان ويتشاكيان ما لقيا من الوجد، فانكر زوجها غشيانها المنزل من غير عادة وحسن حالها بعد ما كانت فيه من الضجر فأظهر لها سفراً يغيب فيه عشراً، ثم عاد بعد ليلتين وقد فرشت لعمرو بساطاً أمام البيت وتحادثا فنام كلٌ على طرف من البساط آمناً، فنبه عمراً فثار عليه بالسيث فقال من ينجيني منك يا عمرو وأنا لم اهرب هنا إلا منك، فقال: يا إبن العم، والله لم يكن بيننا أكثر من الحديث وإنما غلب عليّ حبها من الصغر. مجنون بني عامر مع ليلاه هو على ما يقوله من صحح نسبه وحديثه قيس وقيل مهديّ والصحيح قيس إبن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومن الدليل على أن إسمه قيس قول ليلى صاحبته فيه: ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رحل قيس مستقل فراجع وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: سمعت من لا أحصي يقول إسم المجنون قيس بن الملوح. وأخبرني بن محمد الخزاعي قال: حدثنا الرياشي وأخبرني الجوهري عن عمر إبن شبة أنهما سمعا الأصمعي يقول وقد سئل عنه لم يكن مجنوناً ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي النميري. وأخبرني حبيب بن نصر المهلبي وأحمد بن عبد العزيز الجوهري عن إن شبة عن الخزاعي قال: حدثني أيوب عن عبابة قال: سألت بني عامر بطناً طناً عن مجنون بني عامر فما وجدت أحداً يعرفه. وأخبرني عمي قال: حدثنا أحمد بن الحرث عن المدائني عن إبن دأب قال قلت لرجل من بني عامر أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئاً، قال: أوقد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين، إنهم كثر، فقلت: ليس هؤلاء أعني إنما أعني مجنون بني عام الشاعر الذي قتله العشق، فقال هيهات، بنو عامر أغلظ أكباداً من ذاك، إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها السخيفة عقولها الصلعة رؤوسها، فأمر نزار فلا ثم قال: أخبرني الحسين بن يحيى وأبو الحسن الأسدي قالا: حدثنا حماد إبن إسحق عن أبيه قال إسم قيس بن معاذ أحد بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأخبرني أبو سعيد علي بن زكريا العدوي قال: حدثنا حماد بن طالوت إن عباد أنه سأل الأصمعي عنه فقال لم يكن مجنوناً بل كانت به لوثة أحدثها العشق فيه كان يهوى إمرأة من قومه يقال لها ليلى وإسمه قيس بن معاذ. وذكر عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه أن إسمه قيس بن الملوح. قال أبو عمرو الشيباني: وحدثني رجل من أهل اليمن انه رآه ولقيه وسأله عن إسمه ونسبه فذكر أنه قيس بن الملوح، وذكر هشام بن محمد الكلبي أنه قيس بن الملوح وحدّث أن أباه مات قبل إختلاطه فعقر على قبره ناقته وقال في ذلك: عقرت على قبر الملوح ناقتي ... بذي السرح لما أن جفاه الأقارب وقلت لها كوني عقيراً فإنني ... غداً راجلٌ أمشي وبالأمس راكب فلا يبعدنك الله يا إبن مزاحمٍ ... فكل بكأس الموت لا شك شارب وذكر إبراهيم بن المنذر الحزاسي وأبو عبيدة معمر بن المثنى أن إسمه البحتري إبن الجعد. وذكر مصعب الزبيري والرياشي وأبو العالية أن إسمه الأقرع بن معاذ، وقال خالد بن كلثوم إسمه مهدي بن الملوح. وأخبرني الأخفش عن السكري عن أبي زيد الكلابي قال: ليلى صاحبة المجنون هي ليلى بنت سعد ن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب إبن ربيعة إبن عامر بن صعصعة. أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدثنا أبو قلابة الرشاقي قال: حدثني عبد الصمد بن المعزل قال: سمعت الأصمعي وقد تذاكرنا مجون بني عامر يقول لم يكن مجنوناً إنما كانت به لوثة وهو القائل: أخذت محاسن كل ما ... ضنت محاسنه بحسنه كاد الغوال يكونها ... لولا الشوى ونثوز قرنه وأخبرني عمر بن عبد الله بن جميل العتكي قال:

حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا الأصمعي قال: سالت أعرابياً من بني عامر بن صعصعة عن المجنون العمري فقال: أيهم تسألني فقد كان فينا جماعة رموا بالمجنون، فعن أيهم تسأل، فقلت: عن الذي كان يشبب بليلى، فقال كلهم كحان يسبب بليلى، قلت: فأنشدني لبعضهم، فأنشدني لمزاحم إبن الحرث المجنون: ألا أيها القلب الذي لجّ هائماً ... وليداً بليلى لم تقطع تمائمه أفق قد افاق العاشقون وقد آن ... لك اليوم أن تلقى طبيباً تلائمه أجدك لا تنسيك ليلى ملمةً ... تلمّ ولا عهد يطول تقادمه قلت: فأنشدني غيره منهم فأنشدني لمعاذ بن كليب المجنون: ألا طالما لاعبت ليلى وقادتي ... إلى اللهو قلب للحسان تبوع وطال إفتراء الشوق عني كلما ... زفت دموعاً تستجد دموع فقد طال إمساكي على الكبد التي ... بها من هوى ليلى الغداة صدوع فقلت: أنشدني لغير هذين ممن ذكرت فأنشدني لمهدي بن الملوح: لو أن لك الدنيا وما عدلت به ... سواها وليلى حائن عنك بينها لكنت إلى ليلى فقيراً وإنما ... يقود إليها ودّ نفسك حينها قلت له: فأنشدني لن بقي من هؤلاء فقال: حسبك فو الله إن في واحد من هؤلاء لمن يوزن بعقلائكم اليوم. أخبرني محمد بن خلف وقيع قال: حدثنا أحمد بن الحرث الخزار قال: قال إبن الأعرابي كان معاذ بن كليب مجنوناً وكان يحب ليلى وشركه في حبها مزاحم بن الحرث العقيلي، فقال مزاحم يوماً للمجنون: كلانا معاذ بحب ليلى ... بفيّ وفيك من ليلى التراب شركتك في هوى من كان حظي ... وحظك من مودتها العذاب لقد خبلت فؤادك ثم ثنّت ... بعقلي فهو مخبول مصاب قال: فيقال أنه لما سمع هذه الأبيات إلتبس وخولط في عقله، وذكر أبو عمر الشيباني أنه سمع في الليل هاتفاً يهتف بهذه البيات فكانت سبب جنونه. أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني إسحق قال: أنشدت أيوب عن عبابة هذين البيتين: وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا هذي شهور الصيف عنا قد إنقضت ... فما للنوى ترمي ليلى المراميا وسألته عن قائلهما فقال جميل، فقلت له أن الناس يروونهما للمجنون، فقال وما المجنون، فأخبرته فقال: ما لهذا حقيقة ولا سمعت به. وأخبرني عمي عن عد الله بن شبيب عن هرون بن موسى القروي قال: سالت أبا بكر العدري عن هذين البيتين فقال هما لجميل ولم يعرف المجنون، فقلت هل معهما غيرهما قال نعم وأنشدني: وإني لأخشى أن أموت فجاءة ... وفي النفس حاجات إليك كما هي وإني لينسيني لقاؤك كلما ... لقيتك يوماً أن أبثك ما بيا وقالوا به داءٌ عياءٌ أصابه ... وقد علمت نفسي مكان دوائيا وأنا أذكر مما وقع من أخباره جملاً مستحسنة متبرئاً من العهدة فيها، فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره وينسبها من حكيت عنه إليه، وإذا أقدمت هذه الشريطة برثت من عيب طاعن ومتبع للعيوب. أخبرني بخبره في شغفه بليلى جماعة من الرواة ونسخت ما لم اسمعه من الروايات وجمعت في سياقه خبره ما إتسق ولم يخلف، فإذا إختلف نسبت كل رواية إلى راويها. فمن أخبرني خبره أحمد بن عبد اعزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة عن رجاله وغبراهيم بن أيوب عن إبن قتيبة ونسخت أخباره من رواية خالد بن كلثوم وأبي عمرو الشيباني وإبن دأب وهشام بن محمد الكلبي وإسحق بن الجصاص وغيرهم من الرواة. قال أبو عمرو الشيباني وأبو عبيدة: كان المجنون يهوى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن ربيعة بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وتكنى أم مالك وهما حينئذ صبيان فعلق كل واحد منهما صاحبه وهما يرعيان مواشي أهلهما، فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه. قال ويدل على ذلك قوله: تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابةٍ ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

في هذين البيتين للأخضر الجدِّي لحن من الثقيل الثاني بالوسطى ذكره محمد إبن عبد الزيات والهشامي. أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحق عن أبيه عن أيوب بن عبابة، ونسخت هذا الخبر بعينه من خط هرون بن عبد الملك الزيات قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثني أبو عتاب البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: بينا إبن أبي مليكة بؤذن إذ سمع الأخضر الجدّي يغني من دار العاصي ن وائل: وعلقتها غرَّاء ذات ذوائب ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولن تكبر البهم قال: فأراد أن يقول حيّ على الصلاة فقال حيَّ على البهم حتى سمعه أهل مكة فغدا يعتذر إليهم. وقال إبن الكلبي: حدثني معروف المكي والمعلي بن هلال وإسحق بن الجصاص قالوا: كان سبب عشق المجنون ليلى أنه ذات يوم على ناقة له كريمه وعليه حلتان من حلل الملوك فمر بامرأة من قومه يقال لها كريمة وعندها جماعة نسوة يتحدثن فيهن ليلى فأعجبنه جماله وكماله فدعونه إلى النزول والحديث فنزل وجعل يحدثهن وأمر عبداً له كان معه فعقر لهن ناقته وظل يحدثهن بقية يومه، فبينا هو كذلك إذ طلع عليم فتى عليه بردة من برد الأعراب يقال له منازل يسوق معزى، فلما رأينه اقبلن وتركن المجنون، فغضب وخرج من عندهن وأنشأ يقول: أأعقر من جرّا كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش لوصل منازل إذا جاء قعقعن الحليّ ولم أكن ... إذا جئت صوت تلك الخلاخل متى ما إنتظلنا بالسهام نضلته ... وإن نرمِ عشقاً عندها فهو ناضلي قال: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقة أخرى ومضى متعرضاً لهنّ فألفى ليلى قاعدة بفناء بيتها وقد علق حبه بقلبها وهويته وعندها جويريات يتحدثن معها، فوقف بهن وسلم فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره فقال أي لعمري، فنزل وفعل ما فعله بالأمس فأرادت أن تعلم هل لها عنده مثل ما له عندها فجعلت تعرض عن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وقد كان علق بقلبه مثل حبها إياه وشغفه واستملحها. فبينا هي تحدثه إذ أقبل فتى من الحي فدعته وسايرّته سراراً طويلاً ثم قالت له إنصرف، ونظرت إلى وجه المجنون وقد تغير وأنتقع لونه وشق ليه فعلها فأنشأت تقول: كلانا مظهرٌ بغضاً ... وكلٌ عند صاحبه مكين تبلغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثم هوى دفين فلما سمع البيتين شهق شهقة شديدة وأغمى عليه، فمكث على ذلك ساعة ونضحوا الماء على وجهه، وتمكن حب كل واحد منهما في قلب صاحبه حتى بلغ منه كل مبلغ. أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني هرون بن محمد بن عبد الملك قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن هشام بن محمد بن موسى المكي عن محمد بن سعيد المخزومي عن أبي الهيثم العقيلي قال: لما شهر أمر المجنون وليلى وتناشد الناس شعره فيها خطبها وبذل إليها خمسين ناقة حمراء، وخطبها ورد بن محمد العقيقلي وبذل لها عشراً من الإبل وراعيها، فقال أهلها: نحن مخيروها بينكما فمن إختارت تزوجته، ودخلوا إليها وقالوا: والله لئن لم تختاري ورداً لنمثلن بكِ. فقال المجنون: ألا يا ليل إن ملكت فينا ... خيارك فأنظري لمن الخيار ولا تستبدلي مني دنياً ... ولا يوماً إذا حبّ القتار يهوول في الصغير إذا رآه ... وتعجزه ملماتٌ كبار فمثل تأيمٍ منه نكاحٌ ... ومثل تمول منه إفتقار فأختارت ورداً فتزوجته على كرهٍ منها. وأخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: ذكر الهيثم بن عدي عن عثمان بن عمارة بن خزيم المري قال:

ويبدي الحصى منها إذا قذفت به من البرد أطراف البنان المخضب

خرجت إلى أرض بني عامر لألقى المجنون فدللت عليه وعلى محلته فلقيت أباه شيخاً كبيراً وحوله أخوة المجنون مع أبيهم رجالاً فسألتهم عنه فبكوه وقال الشيخ أما والله لهو كان آثر عندي من هؤلاء جميعاً وإنه عشق امرأة من قومه والله ما كانت تطمع في مثله، فلما فشا أمره وأمرها كره أبوها أن يزوجه إياها بعد ما ظهر من أمرهما فزوجها غيره وكان أول ما كلف بها يجلس إليها في نفر من قومها فيتحدثان كما يتحدث الفتيان إلى الفتيات وكان أجملهم وأظرفهم وأرواهم لأشعار العرب فيفيضون في الحديث فيكون أحسنهم فيه إفاضة فتعرض عنه وتقبل على غيره وقد وقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه فظنت به ما هو عليه من حبها فأقبلت عليه يوماً وقد خلت فقالت: كلانا مظهر للناس بغضاً ... وكلٌ عند صاحبه مكين وأسرار الملاحظ ليس تخفى ... إذا نطقت بما تخفي العيون غنّت في الأول عريب خفيف رمل وقيل أن هذا الغناء لشارية والبيت الأخير ليس من شعره. قال: فخرَّ مغشياً عليه ثم أفاق فاقداً عقله، فكان لا يلبس ثوباً إلا خرقه ولا يمشي إلا عارياً ويلعب بالتراب ويجمع العظام حوله فإذا ذكرت ليلى أنشأ يحدث عنها ولا يخطيء حرفاً، وترك الصلاة، فإذا قيل له ما لك لا تصلي لم يرد حرفاً، وكنا نحبسه ونقيده فيعض لسانه وشفتيه حتى خشينا عليه فخلينا سبيله، فهو يهيم. قال الهيثم: فولى مروان بن الحكم عمر بن عبد الرحمن بن عوف صدقات بني كعب وقشير وجعدة والحريش وحبيب وعبد الله فنظر إلى المجنون قبل أن يستحكم جنونه فكلمه وأنشده فأعجب به، فسأله أن يخرج معه فأجابه إلى ذلك، فلما أراد الرواح جاءه قرمة فأخبروه خبره ليلى وإن أهلها إستعدوا السلطان عليه فأهدر دمه إن أتاهم فأضرب عما وعده له بقلائص فلما علم بذلك وأتى بالقلائص ردّها عليه وأنصرف. وذكر أبو نصر أحمد بن حاتم عن جماعة من الرواة أن المجنون هو الذي سأل عمر بن عبد الرحمن أن يخرج قال له: أكون معك في هذا الجمع الذي تجمعه غداً فأربي في أصحابك وأتجمل في عشيرتك وأفخر بقربك، فجاءه رهط من رهط ليلى وأخبروه بقصته، أنه لا يريد التجمل به وإنما يريد أن يدخل عليهم بيوتهم ويفضحهم في امرأة منهم يهواها وأنهم قد شكوه إلى السلطان فأهدر دمه إن دخل عليهم فأعرض عما أجابه إليه معه وأمر له بقلائص فردّها وقال: وددت قلائص القرشي لما ... بدا لي النقض منه للعهود وراحوا مقصرين وخلفوني ... إلى حزن أعالجه شديد قال: ورجع آيساً فعاد إلى حاله الأولى. قال: فلم تزل تلك حاله إلا أنه غير مستوحش إنما يكون في جنبات الحي منفرداً عارياً لا يلبس ثوباً إلا خرقه ويهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب والحجارة ولا يجيب أحداً إن سأله عن شيء، فإذا أحبوا أن يتكلم أو يثوب عقله ذكروا له ليلى فيقول: بأبي هي وأمي، ثم يرجع إليه عقله فيخاطبونه ويجيبهم ويأتيه أحداث الحي فيحدثونه عنها وينشدونه فيجيبهم جواباً صحيحاً وينشدهم أشعاراً. ومن شعره: أيا ويح من أمسى تخلس عقله ... فأصبح مذهوباً به كل مذهب خلياً من الخلان إلا معذراً ... يضاحكني من كان يهوى تجني الغناء لحسين بن محرز ثقيل أول بالوسطى من جامع أغانيه. ومن شعره أيضاً: إذا ذكرت ليلى عُقلت وراجعت ... روائع عقلي من هوىً متشعب وقالوا صحيح ما به طيف جنة ... ولا الهم إلا بإفتراء التكذيب وشاهد وجدي دمع عيني وحبها ... برى اللحم أنحاء عظمي ومنكبي وقال: تجنبت ليلى أن يلح بك الهوى ... وهيهات كان الحب قبل التجنب ألا إنما غادرت يا أمَ مالك ... صدىِّ أينما تذهب به الريح يذهب الغناء لإسحق خفيف ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وفيه لإبن جامع هزج من رواية الهشامي وهي قصيدة طويلة. ومما يغني فيه منها قوله: فلم أرَ ليلى بعد موقف ساعة ... يخيف مني ترى جمار المحصب ويبدي الحصى منها إذا قذفت به من البرد أطراف البنان المخضب فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب

ألا إنما غادرت يا أمَ مالك ... صدى إينما تذهب به الريح يذهب فيه ثقيل أول مطلق بإستهلال ذكر إبن المكي أنه لأبيه يحيى، وذكر الهشامي أنه للواثق، وذكر حبش أنه لإبن محرز وهو في جامع أغاني سليمان منسوب إليه. أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السكري عن محمد بن حبيب للمجنون: فو الله ثم الله إني لدائب ... أفكر ما ذنبي إليها وأعجب ووالله ما أدري علامَ قتلتني ... وأي أموري فيك يا ليل اركب أأقطع حبل الوصل فالموت دونه ... أم أشرب رنقاً منكم ليس يشرب أم أهرب حتى لا أرى لي مجاوراً ... أم أصنع ماذا أم أبوح فأغلب فأيهما يا ليلَ ما ترتضيه ... فإني لمظلوم وإني لمتعب أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر ن شبة قال: ذكر هشام بن الكلبي ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن علي قال: حدثني إبن أبي سعد قال: حدثني علي بن الصباح عن هشام بن الكلبي عن أبيه أن أبا المجنون وأمه ورجال عشيرته إجتمعوا إلى أبي ليلى فوعظوه وناشدوه الله والرحم وقالوا له أن هذا الرجل لهالك وقبل ذلك ففي اقبح من الهلاك بذهاب عقله وإنك فاجع به أباه وأهله فنشدناك الله والرحم أن تفعل ذلك، فو الله ما هي أشرف منه ولا لك مثل مال أبيه وقد حكمك في المهر وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف بالله وبطلان أمها أنه لا يزوجه إياها أبداً وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأتهِ أحد من العرب وأسم إبنتي بميسم فضيحة، فأنصرفوا عنه. وخالفهم لوقته فزوجّها رجلاً من قومها وأدخلها إليه فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة فقال الحي لأبيه: أحجج به إلى مكة وأدعِ الله عزّ وجل له ومره أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله أن يعافيه مما به ويبغضها إليه فلعل الله يخلصه من هذا البلاء، فحج به ابوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحاً في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد تلفت وسقط مغشياً عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل اللون ذاهلاً فأنشأ يقول: عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فأيأس لا أعزك من صبر إذا بان من تهوى وأصبح نائياً ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر وداعٍ دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أطراب الفؤاد وما يدري دعا بإسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري دعا بإسم ليلى ضلل الله سعيه ... وليلى بأرضٍ عنه نازحه قفر وقال: أيا حرجات الحي حين تحملوا ... بذي سلم لا جادكنّ ربيع وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى ... بلين بلا لم تبلهن ربوع ندمت على ما كان مني ندامة ... كما يندم المغبون حين يبيع فقدتك من نفس شعاع فإنني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع فقرّبتِ لي غير القريب فأشرقتإليك ثنايا ما لهن طلوع وذكر خالد بن جميل وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته بل أن يختلط أن تستزيره ليلة وجدت فرصة لذلك، فمكث مدة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوّفه، فأتى أهلها ذات يوم والحي خلوف فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة منها بحيث تسمع كلامه فحادثهن طويلاً ثم قال: ألا أنشدكنّ أبياتاً أحدثتها في هذه الأيام، قلن بلى، فأنشدهنّ: يا للرجال لهمَّ بات يعروني ... مستطرف وقديم كاد يبليني من عاذري من غريم غير ذي عسرٍ ... يأتي فيمطلني ديني ويلويني لا يبعد النقد من حقي فينكره ... ولا يحدثني إن سوف يقضيني وما كشكري شكر لو يوافقني ... ولا مناي سواه لو يوافيني أطعته وعصيت الناس كلهم ... في أمره وهواه وهو يعصيني قال: فقلن له: ما أنصفك هذا الغريم الذي ذكرته، وجعلن يتضاحكن وهو يبكي، فأستحيت ليلى منهنّ ورقّت له حتى بكت وقامت فدخلت بيتها وأنصرف هو. في الثلاثة الأبيات الأول من هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود، قالا في حبرهما:

هذا وكان للمجنون أبنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه فوقف عليهما يوماً وهما جالسان فقالا: يا أبا المهدي ألا تجلس، قال لا بل أمضي إلى منزل ليلى فأترسمه وأرى آثارها فيه فاشفي بعض ما في صدري، فقالا له: نحن معك، فقال: إذا فعلتما أكرمتما وأحسنتما، فقاما معه حتى أتى دار ليلى فوقف بها طويلاً يتتبع آثارها ويبكي، ويقف في كل موضع منها ويبكي ثم قال: يا صاحبيّ ألما بي بمنزلة ... قد مر حين عليها أيما حين لا خير في الحب ليست فيه قارعة ... كأن صاحبها في نزع موتون إني أرى رجعات الحب تقتلني ... وكان في بدئها ما كان يكفيني إن قال هذا له مهلاً فإن لهم ... قال الهوى غير هذا القول يغنيني ألقى من الحي ثارات فتقتني ... وللرجاء بشاشات فتحييني الغناء لإبراهيم خفيف ثقيل من جامع غنائه: وقال هشام بن الكلبي عن غبن مسكين أن جماعة من بني عامر حدثوه قالوا: كان رجل من بني عامر بن عقيل يقال له معاذ وكان يدعى المجنون وكان صاحب غزل ومجالسة للنساء، فخرج على ناقة له يسير فمرّ بإمرأة من بني عقيل يقال لها كريمة وكانت جميلة عاقلة معها نسوة فعرفنه ودعونه إلى الجلوس والحديث وعليه حلتان فاخرتان وطيلسان وقلنسوة، فنزل يحدثهن وينشدهن وهنّ أعجب شيء به فيما يري، فلما أعجبه ذلك منهن عقر لهن ناقته وقمن إليها فجعلن يشوين ويأكلن إلى أن أمسى فأقبل غلام شاب حسن الوجه من حيهن فجلس إليهن فأقبلن عليه بوجوههن يقلن له: كيف ظللت يا منازل اليوم، فلما رأى ذلك من فعلهن غضب فقام وتركهن وهو يقول: أأعقر من جرّا كريمة ناقتي ... ووصلي مفروش لوصل منازل إذا جاء قعقعن الحلي ولم أكن ... إذا جئت أرض صوت تلك الخلاخل قال: فقال له الفتى: هلمّ نتصارع أو نتناضل، فقال له: إن شئت ذلك فقم إلى حيث لا تراهن ولا يرينك ثم ما شئت فأفعل. وقال: إذا ما إنتضلنا في الخلاء نضلة ... وإن يرم رشقاً عندها فهو ناضل وقال إبن الكلبي في هذا الخبر: فلما أصبح لبس حلته وركب ناقته ومضى متعرضاً لهن فألقى ليلى جالسة بفناء بيتها وكانت معهن يومئذ جالسة ود علق بقلبها وهويته وعندها جويرات يحدثنها فوقف يهن وسلم فدعونه إلى النزول وقلن له: هل لك في محادثة من لا يشغله عنك منازل ولا غيره قال: أي لعمري، فنزل وفعل فعلته بالأمس. فأرادت أن تعلم لها عنده مثل ما له عندها فجعلت تعرض ن حديثه ساعة بعد ساعة وتحدث غيره وقد كان علق حبها بقلبه وشغفه وأستملحها. فبينا هي تحدثه إ أقبل فتى من الحي فدعته فسارّته سِراراً طويلاً ثم قالت له إنصرف. ونظرت إلى وجه المجنون فرأته قد تغير وأنتقع وشق عليه ما فعلت، فأنشأت تقول: كلانا مظهرٌ للناس بغضاً ... وكلٌ عند صاحبه مكين تبلغا العيون مقالتينا ... وفي القلبين ثم هوى دفين فلما سمع هذين البيتين شهق شهقة عظيمة فأغمي عليه، فمكث ساعة، ونضحوا الماء على وجهه حتى أفاق. وتمكن حب واحد منهما في قلب صاحبه وبلغ منه كل مبلغ. حدثني عمي عبد الله بن أبي سعد عن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل القرشي قال: حدثنا أبو العالية عن أبي تمامة الجعدي قال: لا يُعرف فينا مجنون إلا قيس إبن الملوح، قال: وحدثني بعض العشيرة قال: قلت لقيس بن الملوح قبل أن يخالط: ما أعجب شيء أصابك في وجدك ليلى قال: طرقتنا ذات ليلة أضياف ولم يكن عندنا لهم أدم فبعثني أبي إلى منزل أبي ليلى وقال لي أطلب منه أدماً، فأتيته فوقفت على خبائه فصحت به فقال: ما تشاء، فقلت: طرقنا ضيفان ولا أدم عندنا فأرسلني أبي نطلب منك أدماً، فقال: با ليلى، أخرجي إليه ذلك النحى فأملئي له إناءه من السمن، فأخرجته ومعي قعب فجعلت تصب السمن فيه ونتحدث فألهي بالحديث وهي تصب السمن وقد إمتلأ القصب ولا نعلم جميعاً وهو يسيل حتى إستنقعت أرجلنا في السمن.

قال: فأتيتهم ليلة ثانية أطلب ناراً وأنا متلفع ببردٍ لي، فأخرجت لي ناراً في عطية فأعطتنيها ووقفنا نتحدث، فلما إحترقت العطبة خرقت من بردي خرقة وجعلت النار فيها، فلما إحترقت خرقت أخرى وأذكيت بها النار حتى لم يبقَ عليّ من البرد إلا ما وارى عورتي وما أعقل ما أصنع وأنشدني: أمستقبلي نفح الصبا ثم شائقي ... ببرد ثنايا أم حسان شائق كان على أنيابها الخمر شجّها ... بماء الندى من آخر الليل عائق وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم في أعلى السحابة بارق ومن الناس من يروي هذا الخبر لنصيب ولكن هكذا روي في الخبر. أخبرنا محمد بن خلف وكيع عن عبد الملك بن محمد القرشي عن عبد الصمد إبن المعذل قال: سمعت الأصمعي يقول: وتذاكرنا مجنون بني عامر قال: هو قيس بن معاذ العقلي، قم قال: لم يكن مجنوناً إنما كانت به لوثة، وهو القائل: أخذت محاسن كل ما ... ضنّت محاسنه بحسنه كاد الغزال يكونها ... لولا الشوى ونشوز قرنه قال، وهو القائل: ولم أرَ ليلى بعد موقف ساعة ... بخيف مني ترمي جمار المحصب ويبدي الحصا منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضب فأصبحت من ليلى الغداة كناظر ... مع الصبح في أعقاب نجم مغرب ألا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب أخبرني محمد بن الحسن الكندي خطيب مسجد القادسية قال: حدثنا الرياشي قال: سمعت أبا عثمان المازني يقول: سمعت معاذاً وبشر بن الفضل جميعاً ينشدان هذين البيتين وينسبا أنهما لمجنون بني عامر: طمعت بليلى أن تريع وإنما ... تقطع اعناق الرجال المطامع وداينت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع وحدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو خليفة عن إبن سلام قال: قضى عبد الله إبن الحسن بن الحصين بن الحر العنبري على رجل من قومه قضية أوجبها الحكم عليه، وظن العنبري أنه تحمل عليه وأنصرف مغضباً، ثم لقيه في طريق فأخذ بلجام بغلته وكان شديداً أبداً، ثم قال له: أيه يا أبا عبد الله: طمعت بليلى أن تريع وإنما ... نقطع أعناق الرجال المطامع فقال عبد الله: وبايعت ليلى في خلاء ولم يكن ... شهود عدول عند ليلى مقانع خلِ عن البغلة قال الصولي في خبره هذا والبيتان للبعيث. هكذا قال، لا أدري أمن قوله هوام حكاية عن أبي خليفة. أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري عن عبد الله بن خلف الدلاّل قال: حدثنا زكريا بن موسى عن شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما إختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب مضت أمه إلى ليلى فقالت لها إن قيساً قد ذهب حبكِ بعقله وترك الطعام والشرب، فلو جئته وقتاً لرجوتِ أن يثوب إليه عقله، فقالت ليلى: أما نهاراً فلا آمن قومي على نفسي، ولكن ليلاً، فأتته ليلاً فقالت له: يا قيس، إن أمك تزعم أنك جننت من أجلي وتركت المطعم والمشرب، فأتقِ الله وأبقِ على نفسك. فبكى وأنشأ يقول: قالت جننت على أيشٍ فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين قال: بكت معه، وتحدثا حتى كاد الصبح أن يسفر، ثم ودعته وأنصرفت فكان آخر عهده بها. أخبرنا إبن الرزبان قال: قال القحدمي لما قال المجنون: قضاها لغيري وأبتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى إبتلاني سلب عقله. الغناء لحكم ثقيل أول وقيل أنه لإبن الهزير وفيه لمتيم خفيف ثقيل أول من جامع أغانيه. وحدثني جحظة بهذا الخبر عن ميمون بن هرون أنه لما بلغه أنه قال هذا البيت بُرص. أخبرني الحسن بن علي القرشي عن عائشة قال: إنما سمِّي المجنون بقوله: ما بال قلبك يا مجنون قد خلعا ... في حب من لا ترى في نيله طمعا الحب والود نيطا بالفؤاد لهافأصبحا في فؤادي ثابتين معا حدثنا وكيع عن إبن يونس قال: قال الأصمعي: لم يكن المجنون مجنوناً إنما جنته العشق، وأنشد له: يسمونني المجنون حين يرونني ... نعم بي من ليلى الغداة جنون

لياليَّ يزها بي شبابٌ وشدّة ... وغذ بي من خفض المعيشة لين أخبرني محمد بن المرزبان عن إسحق بن محمد بن أبان قال: حدثني عن بن سهل عن المدائني أنه ذكر عنده مجنون بني عامر فقال لم يكن مجنوناً وإنما قيل له المجنون بقوله: وإني لمجنون بليلى موكلٌ ... ولست عزوفاً من هواها ولا جلدا إذا ذكرت ليلى بكيت صبابةً ... لتذكارها حتى يبل البكا الخدّا أخبرني عمر بن جميل العتكي قال، حدثنا إبن شبة قال: حدثنا عون بن عبد الله العامري قال: ما كان والله المجنون الذي تعزونه إلينا مجنوناً إنما كانت به لوثه وسهو أحدثهما به حب ليلى، وأنشد له: وبي من هوى ليلى الذي لو أبثه ... جماعة أعدائي بكت لي عيونها أرى النفس ن ليلى أن تطيعني ... فقد جنّ من وجدي بليلى جنونها أخبرني إبن المزبان قال: قال العتبي إنما سمي المجنون بقوله: يقول أناسٌ علّ مجنون عامر ... يروم سواً قلت أني بيا وقد لامني في حب ليلى قرابتي ... أخي وأين عمي وإبن خالي وخاليا يقولون ليلى أهل بيت عداوة ... بنفسي ليلى من عدوٍ وماليا ولو كان في ليلى شذاً من خصومة ... لألويت أعناق الخصوم الملاويا أخبرني هاشم الخزاعي عن عيسى بن إسماعيل قال: قال بن سلام: لو حلفت أن مجنون بني عامر لم يكن مجنوناً لصدقت ولكن قوله لما زُوّجت ليلى وأيقن اليأس منها، ألم تسمع إلى قوله: يا ويح من أمسى يخلس عقله ... فأصبح هذهوباً به كل مذهب خليعاً من الخلان إلا مجاملاً ... يساعدني من كان يهوى تجنبي إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... عوازب قلبي من هوى متشعب قال: وأنشدنا له أيضاً: وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان فيك فإنه شغلي وأديم لحظ محدثي ليرى ... أن قد فهمت وعندكم عقلي أخبرني إبن المزربان عن محمد بن الحسن بن دينار الأحول عن علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيدة أن صاحبة مجنون بني عامر التي كلف بها ليلى بنت مهدي بن سعد بن مهدي بن الحريش وكنيتها أم مالك. وقد ذكر هذه الكنية المجنون في شعره فقال: تكاد بلاد الله يا أم مالكٍ ... بما رحبت يوماً عليّ تضيق وقال أيضاً: فإن الذي أملت من أم مالكٍ ... أشاب قذالي وأستهام فؤاديا خليليّ إن دارت على أم مالك ... صروف الليالي فأبغيا لي ناعيا وقال أبو عمرو الشيباني: علق المجنون ليلى بنت مهدي ن سعد بمن بني الحريش وكنيتها أم مالك، فشهر بها وعُرف خبره فحٌجبت عنه، فشق ذلك عليه، فخطبها إلى أبيها فردّه وأبي أن يزوجه إياها، فأشتد به الأمر حتى جن وقيل فيه مجنون بني عامر، فكان على حاله يجلس ي نادي ومه فلا يفهم ما يحدّث به ولا يعقله أحد إلا إذا ذكرت ليلى. وأنشد له ابو عمرو: الا ما لليلى تُرى مشجعي ... بليل ولا يجري بذلك طائر بلى أن عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر أزالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الأئل أم قد غيرتها المقادر فوالله ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر ووالله ما أدري بأية حلة ... وأي مرامٍ أو خطار أخاطر وتالله أن الدهر في ذات بيننا ... علي لها في كل حال لجائر فلو كنت إذا أزمعت هجري تركتني ... جميع القوى والعقل مني وافر ولكن أيامي بحقل عنيزة ... وبالرضم أيامٌ جناها التجاور وقد أصبح الود الذي كان بيننا ... أماني نفس والمؤمل حائر لعمري لقد رنقت يا أم مالك ... حياتي وساقني إليك المقادر قال أبو عمرو:

أخبرني بعض الشاميين قال: دخلت أرض بني عامر فسألت عن المجنون الذي قتله احب فخبروني عنه أنه كان عاشقاً لجارية منهم يقال لها ليلى ربي معها ثم حجبت عنه فأشتد ذلك عليه وذهب عقله فأتاه أخوان من إخوانه يلومونه على ما صنع بنفسه فقال: يا صاحبيّ ألما بي بمنزلةٍ ... قد مرّ حين عليها أيما حين في كل منزلة ديوان معرفة ... لم يبق باقية ذكر الدواوين إني أرى رجعات الحب تقتلني ... وكان في بدئها ما كان يكفيني الغناء لإبن جامع خفيف ثقيل. أخبرني هاشم الخزاعي عن الرياشي قال: ذكر العتبي عن أبيه قال: كان المجنون في بدء أمره يرى ليلى ويألفها ويأنس بها ثم غُيبت عن ناظره فكان أهله يعزونه عنها ويقولون: نزوجك أنفس جارية في عشيرتك فيأبى إلا ليلى ويهذي بها ويذكرها، وكان كلما هاج عليه الحزن والهم فلا يملك مما هو فيه أن يهيم على وجهه وذلك قبل أن يتوحش مع البهائم في القفار، فكان قومه يلومونه ويعذلونه، فأكثروا عليه في الملامة والعذل يوماً فقال: يا للرجال لهمّ بات يعروني ... مستطرف وقديماً كان يعنيني على غريم مليء غير ذي عدمٍ ... يأتي فيمطلني ديني ويلويني لا يذكر البعض من ديني فينكره ... ولا يحدثني أن سوف يقضيني وما كشكري شكرٌ لو يوافقني ... ولا منيّ كمناه إذ يمنيني أطعته وعصيت الناس كلهم ... في أمره ثم يأبى فهو يعصيني خيري لمن يبتغي خيري ويأمله ... من دون شرّي وشري غير مأمون وما أشارك في رأيي أخا ضعفٍ ... ولا أقول أخي من لا يواتيني في هذه الأبيات هزج طنبوري للمسدود من جامعه. وقال أبو عمر الشيباني: حدثني رياح العامري قال: كان المجنون أول ما علق ليلى كثير الذكر لها والإتيان بالليل إليها، والعرب ترى ذلك غير منكر أن يتحدث الفتيات إلى الفتيان، فلما علم أهلها بعشقه لها منعوه من إتيانها وتقدموا إليه فذهب لذلك عقله ويئس منه قومه وأعتنوا بأمره إجتمعوا إليه ولاموه وعذلوه على ما يصنع بنفسه وقالوا: والله ما هي لك بهذه الحال، فلو تناسيتها رجونا أن تسلو قليلاً، فقال لما سمع مقالتهم وقد غلب عليه البكاء: فوا كبداً من حب من لا يحبني ... ومن زفرات ما لهن فناء أريتك إن لم أعطك الحب عن يد ... ولم يك عندي إذ أبيت إباء أتاركتي للموت أنت فعيتٌ ... وما للنفوس الخائفات بقاء ثم أقبل على القوم فقال: إن الذي بي ليس يهين، فأقلوا من ملامكم فلست بسامع فيها ولا مطيع لقول قائل. أخبرني عمي ومحمد بن حبيب وإبن المرزبان عن عبد الله بن أبي سعد عن عبد العزيز بم صالح عن أبيه عن إبن وأب عن رباح بن حبيب العامري أنه سأله عن حال المجنون وليلى فقال: كانت ليلى من بني الحريش وهي بنت مهدي بن سعيد بن مهدي بن ربيمة بن الحريش وكانت من أجمل النساء واظرفهن وأحسنهن جسماً وعقلاً وأفضلهن أدباً واملحهن شكلاً، وكان المجنون كلفاً بمحادثة النساء صبابهن، فبلغه خبرها ونعتت له فصبا إليها وعزم على زيارتها، فتأهب لذلك ولبس افضل ثيابه ورجل جمته ومسّ طيباً كان عنده وأرتحل ناقة كريمة برحل حسن وتقلد سيفه وأتاها فسلم فردت عليه السلام وأخفت المسئلة، وجلس إليها فحادثته وحادثها فأكثرا وكل واحد منهما مقبل على صاحبه مجب به، فلم يزالا كذلك حتى أمسيا فأنصرف إلى أهله فبات أطول ليلة شوقاً إليها حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى ثم إنصرف إلى أهله فبات بأطول من ليلته الأولى وأجتهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك فأنشأ يقول: نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع أقضي نهاري الحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع لقد ثبتت في القلب منك محية ... كما ثبتت في الراحتين الأصابع عروضه من الطويل والغناء لإبراهيم الموصلي رمل الوسطى عن عمرو، قال: وأدام زيارتها وترك من كان يأتيه فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها في كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع حتى إذا أمسى إنصرف.

خرج ذات يوم يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء فتطير منها وأنشأ يقول: وكيف يرجى وصل ليلى وقد جزى ... بجد القوى والوصل أعسر حاسر صديع العصا صعب المرام إذا إنتحى ... لوصل أمريء جذب عليه الأواصر ثم سار إليها في غد فحدثها بقصته وطيرته ممن لقيه وانه يخاف تغير عهدها وأنتكائه، وبكى فقالت: لا ترعَ، حاشا الله من تغير عهدي، لا يكون والله ذلك إن شاء الله. فلم يزل عندها يحدثها بقية يومه ووقع له في قلبها مثل ما وقع لها في قلبه. جاءها يوماً كما كان يجيء وأقبل يحدثها فأعرضت عنه وأقبلت على غيره بحديثها تريد بذلك محنته وأن تعلم ما في قلبه، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى بان في وجهه وعرف فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمسرة إليه فقالت: كلانا مظهرٌ للناس بغضاً ... وكلٌ عند صاحبه مكين فسرى عنه وعلم ما في قلبها، فقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي عندي أكثر من الذي عندك، وأعطي الله عهداً إن جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذلك. قال: فأنصرفت عنه وهو من أشد الناس سروراً واقرهم عيناً وقال: أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لديّ ولا أهل ولا أحد أفضي إليه وصيتي ... ولا صاحب إلا المطية والرحل محاجبها حب الأولى منّ قبلها ... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل أخبرني ابو جعفر بن قدامى عن أبي العيناء عن العتبي قال: لما حجبت ليلى عن المجنون خطبها جماعة فلم يرضهم أهلها، وخطبها رجل من بني ثقيف موسر فزوجوه وأخفوا ذلك عن المجنون. ثم نمي إليه طرف منه لم يتحققه فقال: دعوت إلهي دعوة ما جهلتها ... وربي بما تخفي الصدور بصير لئن كنت تهدي برد أنيابها العلا ... لأفقر مني إنني لفقير فقد شاعت الأخبار أن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشير وقال أيضاً: ألا تلك ليلى العامرية أصبحت ... تقطع إلا من ثقيف حبالها هم حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها المال أقوامٌ ألا قلّ ما لها إذا ما إلتفت والعيس صعرٌ من البرا ... بنخلة جلت عبرة العين حالها قال: وجعل يمر ببيتها فلا يسأل عنها ولا يلتفت إليها ويقول إذا جاوزه: الا أيها البيت الذي لا أزوره ... وإن حله شخص إليّ حبيب هجرتك إشفاقاً وزرتك خائفاً ... وفيك عليّ منك رقيب ساستعتب الأيام لعلها ... بيوم سرور في الزمان تؤوب الغناء لعريب ثاني ثقيل بالوسطى. قال: وبلغه أن أهلها يريدون نقلها إلى الثقفي فقال: كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلى العامية أو يراح قطاة غزّها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح عروضه من الوفر. الغناء لإبن المكي خفيف ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحق وفيه خفيف ثقيل لسليمان مطلق في مجرى البنصر وفيه لإبراهيم رمل بالوسطى في مجراها عن الهشامي. قال: لما نقلت إلى الشقفي قال: طربت وشاقتك الحمول الدوافع ... غداة دعا بالبين أسحم نازع شحافاه نعباً بالفراق كأنه ... حريب سليب نازح الدار جازع فقلت ألا قد بين الأمر فأنصرف ... فقد راعنا بالبين قبلك رائع سقيت سموماً من غرابٍ فإنني ... تبينت ما خبرت مذ أنت واقع ألم ترَ أني لا محب ألومه ... ولا ببدل بعدهم أنا قانع وقد يتناءى الإلف من بعد غلفه ... ويصدع ما بين الخليطين صادع وكم من هوى أو جيرة قد الفتهم ... زماناً فلم يمنعه للبين مانع كأنه غداة البين ميت جوبة ... أخو ظمأ سدّت عليه المشارع تخلس من أوشال ماء صبابة ... فلا الشرب مبذول ولا هو ناقع وبيض تطلى بالبعير كانما ... نعاج الملا جيبت عليها البراقع

تحملهن من وادي الأراك فأومضت ... لهن بأطراف العيون المدامع فما رضن ربع الدار حتى تشابهت ... هجائنها والجون منها الخواضع وحتى حملن الحور من كل جانب ... وخاضت سدول الرقم منها الأكارع فلما إستوت تحت الخدود وقد جرت ... عبير وسك بالعرانين رادع أشرن بأن حثوا الجمال فقد بدا ... من الصيف يوم لافع الحر مانع فلما لحقنا بالخمول تباشرت ... بنا مقصرات غاب عنها المطامع تعرضين بالدل المليح ران يرد ... جناحهن مشغوف فهن موانع فقلت لأصحابي ودمعي مسبلٌ ... وقد صدع الشمل المشتت صادع أليلى بأبواب الخدور تعرضت ... لعينيّ أم قرن من الشمس طالع أخبرني عيسى بن الحسين الورَّاق قال. حدثنا الهيثم بن فرَّاس قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عدي أن أبا المجنون حج به ليدعو الله عز وجل في الموقف أن يعاقبه فسار معه غبن عمه زياد بن كعب بن مزاحم فمرّ بحمامة تدعو على أيكة فوقف يبكي فقال له زياد: أي شيء هذا ما يبكيك ايضاً، سر بنا نلحق الرفقة فقال. أن هتفت يماً بوادٍ حمامة بكيت ولم يعذرك بالجهل عاذر دعت ساق حرّ بعدما علت الضحى ... فهاج لك الحزان إن ناح طائر نعيّ الضحى والصبح في مر حجنة ... كثاف الأعالي تحتها الماء حائر كأن لم يكن بالغيل أو بطن أيكة ... أو الجزع من تول الأشاءة حاضر يقول زياد إذ رأى الحي هجروا ... أرى الحي قد ساروا فهل أنت سائر وإني وإن غال التقادم حاجتي ... ملم على أوطان ليلى مناظر أخبرني إبن أبي الأزهر عن محمد بن عبد الله البكري عن موسى بن جعفر إبن أبي كثير، وأخبرني عمي عن إبن شبيب عن الهروي عن موسى بن جعفر عن إبن أبي كثير. وأخبرني إبن المرزبان عن إبن الهيثم عن العمري عن العتبي، قالوا جميعاً: كان المجنون وليلى وهما صبيان يعيان غنماً لأهلهما عند جبل في بلادهما يقال له التوباد، فلما ذهب عقله وتوحش كان يجيء إلى ذلك الجبل فيقيم به، فإذا تذاكر أيام كان يطيف هو وليلى به جزع جزعاً شديداً فهام على وجهه حتى يأتي نواحي الشأم فإذا ثاب إليه عقله رأى بلد لا يعرفه فيقول الناس الذين يلقاهم بأبي أنتم اين التوباد من أرض بني عامر فيقال له وأين أنت من أرض بني عامر، أنت بالشأم، عليك بنجم كذا فأمه، فيمضي على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن فيرى بلاداً ينكرها وقوماً لا يعرفهم فيسألهم عن التوباد وارض بني عامر فيقولون وأين أنت من أرض بني عامر، عليك بنجم كذا وكذا، فلا يزال كذلك حتى يقع على التوباد، فإذا رآه قال في ذلك: وأجهشت للتوباد حين رأيته ... وكبّر الرحمن حين رآني وأذرفت له دمع العين حين عرفته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني فقلت له قد كان حولك جيرة ... وعهدي بذاك الصرم منذ زمان فقال مضوا واستودعوني بلادهم ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان وإني لأبكي اليوم من حذري غدا ... فراقك والحيان مجتمعان سجالاً وبهتاناً ووبلاً وديمةً ... وسحاً وتسجلماً وتنهملان أخبرني عمي عن إبن شبيب عن هرون بن موسى القروي عن موسى بن جعفر بن أبي كثير قال: قال المجنون: خليليّ لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا قضاها لغيري وأبتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى إبتلانيا سلب عقله. وحدثني جحظة عن ميمون بن هرون عن إسحق الموصلي أنه لما قالهما برص. قال موسى بن جعفر في خبره المذكور: وكان المجنون يسير مع أصحابه فسمع صائحاً يصيح يا ليلى، في ليلة ظلماء، أو توهم ذلك، فقال لبعض من معه: أما تسمع هذا الصوت، فقال: ما سمعت شيئاً، قال: والله هاتف يهتف ليلى. ثم أنشأ يقول: اقول لأدنى صحابيَّ كليمة ... أسرت من الأقصى أجب ذا المناديا إذا سرت في أرض الفضاء رأيتني ... أصانع رحلي أن تميل حباليا

يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شمالاً ينازعني الهوى عن شماليا وقال إبن شبيب: وحدثني هرون بن موسى قال: قلت لعرير بن طلحة المخزومي: مَن اشعر الناس ممن قال شعراً في منى ومكة وعرفات فقال: أصحابنا القرشيون. ولقد أحسن المجنون حيث يقول: وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري دعا بإسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً في صدري فقلت له: هل ترون للمجنون غير هذا، قال نعم وأنشدني له: أما والذي أرسى تبيراً مكانه ... عليه السحاب فوقه يتنصب وما سلك الموماة من كل حسرة ... طليح كجفن السيف تهوي فتركب لقد عشت من ليلى زماناً أحبها ... أخا الموت إذ بعض المحبين يكذب أخبرني محمد بن يزيد عن حماد عن أبيه قال: كانت كنية ليلى أم عمرو، وأنشد للمجنون: أبى القلب إلا حبه عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر الغناء لعريب ثقيل أول، وقال حبش فيه لإسحق خفيف ثقيل. أخبرني هاشم الخزاعي عن دماذ عن أبي عبيدة قال: خطب ليلى صاحبة المجنون جماعة من قومها فكرهتهم فخطبها رجل من ثقيف موسر فرضيته وكان جميلاً فتزوجها وخرج بها، فقال المجنون في ذلك: ألا أن ليلى كالمنيحة أصبحت ... تقطع إلا من ثقيف حبالها فقد حبسوها محبس البدن وابتغى ... بها الريح أقوام تساحت مآلها خليليّ هل من حيلة تعلمانها ... يدني لنا تكليم ليلى إحتيالها فإن أنتما لم تعلماها فلستما ... بأول باغٍ حاجة لا ينالها كأن مع الركب الذين إغتدوا بها ... غمامة صيف زعزعتها شمالها نظرت بمفضى سيل جوشن إذ غدوا ... تخب بأطراف المخادم آلها بشافية الأحزان هيج شوقها ... مجامعة الآلاف ثم زيالها إذا إلتفتت من خلفها وهي تعتلي ... بها العيس جلى عبرة العين حالها أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب عن أبي نصر أحمد بن حاتم قال: وأنشدناه امبرد للمجنون فقال: وأحبس عنك النفس والنفس صبةً ... بذكراك والممشى إليك قريب مخافة أن تسعة الوشاة بظنة ... وأحرسكم أن يستريب مريب فقد جعلت نفسي وأنت إجترمته ... وكنت أعز الناس عنك تطيب فلو شئت لم أغضب عليك ولم يزل ... لك الدهر مني ما حييت نصيب أما والذي يبلى السرائر كلها ... ويعلم ما تبدي به وتغيب لقد كنت ممن يصطفي الناس خلةً ... لها دون خلان الصفاء حجوب ذكر يحيى المكي أنه لإبن سريج ثقيل أول، وقال الهشامي أنه من منحول يحيى إليه. أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثني الحسن بن محمد بن طالب الديناري قال: إسحق الموصلي وأخبرني به محمد بن مزيد والحسين بن يحيى عن حماد بن إسحق عن أبيه قال: حدثني سعيد بن سليمان عن أبي الحسن الببغا قال: بينا أنا وصديق لي من قريش بالبلاط ليلاً إذ يظل نسوة في القمر، فسمعت إحداهن تقول: أهو هو، فقالت لها الأخرى معها: أي والله إنه لهو، فدنت مني ثم قالت: يا كهل، قل لهذا الذي معك: ليست لياليك في خاخٍ بعائدة ... كما عهدت ولا أيام ذي سلم فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوماً لها النفس ذلتَ ثم مضينا حتى إذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى إلى منزله ومضيت إلى منزلي فإذا أنا بجويرية تجذب ردائي فألتفت فقال لي: المرأة التي كلمتها تدعوك.

فمضيت معها حتى دخلت داراً واسعة ثم صرت إلى بيت فيه حصير وقد ثنت لي وسادة جلست عليها، ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها، ثم جاءت المرأة فجلست عليها فقالت لي: أنت المجيب، قلت نعم، قالت: ما كان أفظ جوابك وأغلظه، فقلت لها: ما حضرني غيره، فسكتت ثم قالت: لا والله، ما خلق الله خلقاً أحب إليّ من إنسان كان معك، فقلت لها: أنا الضامن لك عنه ما تحبين، فقالت: هيهات أن يقع بذلك وفاء، فقلت: أنا الضامن وعليّ أن آتيك به في الليلة القابلة. فأنصرفت فإذا الفتى بابي فقلت: ما جاء بك قال: ظننت أنها سترسل إليك وسألت عنك فلم أعرف لك خبراً فظننت أنك عندها فجلست أنتظرك، فقلت له: وقد كان الذي ظننت، وقد وعدتها أن آتيك فأمضي بك إليها في الليلة المقبلة. فلما أصبحا هيأنا وانتظرنا المساء، فلما جاء الليل رحلنا إليها فإذا الجارية منتظرة لنا، فمضت أمامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها فإذا رائحة طيبة ومجلس قد أعد ونضد فجلسنا على وسائد قد ثنيت وجلست ملياً، ثم أقبلت عليه فعاتبته ملياً ثم قالت: وأنت الذي أخبرتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم وابرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضاً أرمى وأنت سليم فلو كان قولٌ يكلم الجلد قد بدا ... بجلدي من قول الوشاة كلوم هذه الأبيات لآمنة امرأة إبن الدمينة وفيها غناء لإبراهيم الموصلي ذكره إسحق ولم يجنسه. وقال الهشامي هو خفيف رمل وفيه لعريب خفيف ثقيل أول ينسب إلى حكم الوادي وإلى يعقوب. قال: ثم سكنت وسكت الفتى هنيهة ثم قال: غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... وفي بعض هذا للمحب عزاء جزيتك ضعف الود ثم صرمتني ... فحبك من قلبي إليك أداء فالتفتت غليّ فقالت: ألا تسمع ما يقول قد خبرتك، فغمرته إن كف فكف، ثم أقبلت عليه وقالت: نجاهلت وصلي حين جدت عمايتي ... فهلا صرمت الحبل إذ أنا أبصر ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته ... نصيب وإذ رأيي جميع موقر ولكنما آذنت بالصرم بغتة ... ولست على مثل الذي جئت أقدر فقال: لقد جعلت نفسي وأنت إجترمته ... وكنت أعز الناس عنك تطيب قال: فبكت ثم قالت: أو قد طابت نفسك لا والله ما فيك بعدها خير. ثم إلتفتت إليّ وقالت: قد علمت أنك لا تفي بضمانك ولا يفي به عنك. وهذا البيت الأخير للمجنون وإنما ذكر هذا الخبر هنا وليس من أخبار المجنون لذكره فيه. وقيل إن هذا الشعر للمجنون: كأن القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح قطاة غرَّها فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح الغناء ليحيى المكي خفيف ثقسل بالوسطى عن عمرو وفيه رمل ينسب إلى إبراهيم وإلى أحمد بن المكي، وقال حبش فيه خفيف ثقيل لسليم. وقال الهيثم بن عدي في خبره: حدثني عبد الله بن عياش الهمداني قال: حدثني رجل من بني عامر قال: مطرنا مطراً شديداً في ربيع إرتبعناه ودام ثلاثاً ثم أصبحنا في اليوم الرابع على صحو وخرج الناس يمشون على الوادي فرأيت رجلاً جالساً حجرة وحده فقصدته فإذا هو المجنون جالس وحده يبكي، فوعظته وكلمته طويلاً وهو ساكت لم يرفع رأسه إليّ. ثم أنشدني بصوت حزين لا أنساه ابداً وحرقته: جرى الدمع فأستبكاني السيل إذ حرى ... وفاضت له من مقلتيَّ غروب وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يكون بوادٍ أنت فيه قريب يكون أجاجاً دونكم فإذا أنتهى ... إليكم نلتقي طيبكم فيطيب أظل غريب الدار في أرض عامرٍ ... ألا كل مهجور هناك غريب وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آتة لحبيب فلا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرب إليك حبيب وأول هذه القصيدة وفيه غناء: ألا أيها البيت الذي لا أزوره ... وهجرانه مني إليه ذنوب هجرتك مشتاقاً وزرتك خائفاً ... وفيّ عليك الدهر منك رقيب

سأستعطف الأيام فيك لعلها ... بيوم سرور في هواك تثيب هذه الأبيات في شعر محمد بن أمية مروية ورويت ههنا للمجنون وفيها لعريب ثقيل أول ولعبد الله بن العباس ثاني ثقيل ولأحمد بن المكي خفيف ثقيل: وأفردت أفراد الطريد وباعدت ... إلى النفس حاجات وهن قريب لئن حال يأس دون ليلى لربما ... أتى اليأس دون الأمر وهو قريب ومنيتني حتى إذا ما رأيتني ... على شرف للناظرين يريب صددت وأشمت العدو بصرمنا ... أثابك يا ليلى الجزاء مثيب أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثنا مهدي إبن سابق قال: حدثنا بعض مشايخ بني عامر أن المجنون مرّ في توحشه فصادف حي ليلى راحلاً ولقيها فجأة فعرفها وعرفته فصعق وخرّ مغشياً على وجهه وأقبل فتيان من حي ليلى أخذوه ومسحوا التراب عن وجهه وأسندوه إلى صدورهم وسألوا ليلى أن تقف له وقفة فرقت لما رأته به وقالت: أما هذا فلا يجوز أن أفتضح به ولكن يا فلانة لامة لها: إذهبي إلى قيس فقولي له ليلى تقرأ عليك السلام وتقول لك أعزز عليّ بما أنت فيه، ولو وجدت سبيلاً إلى شفاء دائك لوقيتك بنفسي منه. مضت الوليدة إليه وأخبرته بقولها فأفاق وجلس وقال: ابلغيها السلام وقولي لها: هيهات، إن دائي ودوائي أنت وإن حياتي ووفاتي لفي يديك، ولقد وكلت بي شقاء لازماً وبلاء طويلا. ثم بكى وأنشأ يقول: أقول لصحابي هي الشمس ضوؤها ... قريب ولكن في ناولها بُعد لقد عارضتنا الريح منها بنفحة ... على كبدي من طيب أرواحها برد فما زلت مغشياً عليّ وقد مضت ... أناة ولا عندي جواب ولا رد أقلب بالأيدي وأهلي بعولة ... يفدونني لو يستطيعون أن يفدوا ولم يبقَ إلا الجلد والعظم عارياً ... ولا عظم لي إن دام ما بي ولا جلد أدنياي ما لي في إنقطاعي ورغبتي ... إليك ثواب منك دين ولا نقد عديني بنفسي أنت وعداً فربما ... جلا كربة المكروب عن قلبه الوعد وقد يبتلى قوم ولا كبليتي ... ولا مثل جدي في الشفاء بكم جد غزتني جنود الحب من كل جانب ... إذا حان من جند أقول أتى جند وقال أبو نصر أحمد بن حاتم: كان أبو عمرو المدني يقول: قال نوفل بن مساحق: عن المجنون أن سبب نوحشه أنه كان يوماً بضرية جالساً وحده إذ ناداه مناد من الجبل: كلانا يا أخيّ يحب ليلى ... بفيِّ وفيك من ليلى التراب لقد خبلت فؤادك ثم ثنت ... بقلبي فهو مهمومٌ مصاب شركتك في هوى من ليس تبدي ... لنا الأيام منه سوى إجتناب قال: فتنفس الصعداء وغشي عليه وكان هذا سبب توحشه، فلم يُرَ له أثر حتى وجده نوفل إبن مساحق. قال نوفل: قدمت البادية فسألت عنه فقيل لي توحش وما لنا به عهد ولا ندري إلى أين صار. فخرجت يوماً أتصيد الأروى ومعي جماعة من أصحابي حتى إذا كنت بناحية الحمى إذا نحن بأراكة عظيمة قد بدا منها قطيع من الظباء فيها شخص إنسانُ يرى من خلل تلك الأريكة، فعجب أصحابي من ذلك، فعرفته وأتيته وعرفت أنه المجنون الذي أخبرت عنه، فنزلت عن دابتي وتخففت من ثيابي وخرجت أمشي رويداً حتى أتيت الأراكة فأرتقيت حتى صرت على أعلاها وأشرفت عليه وعلى الظباء فإذا به وقد تدلى الشعر على وجهه فلم أكد أعرفه إلا بتأمل شديد وهو يرتعي في ثمر تلك الأراكة، فرفع رأسه فتمثلت ببيت من شعره: أتبكي على ليلى ونفسك باعدت ... مزارك من ليلى وشعبا كما معا قال: فنفرت الظباء وأندفع في باقي القصيدة ينشدها، فما أنسى نغمته وحسن صوته وهو يقول: فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً ... وتجزع إن داعي الصبابة إسمعا بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا فليست عشيات الحمى برولجع ... عليك ولكن خل عينيك تدمعا

معي كل عز قد عصى عازلاته ... بوصل الغواني من لدن أن ترعرعا إذا راح يمشي في الرداءين أسرعت ... إليه العيون الناظرات التطلعا قال: ثم سقط مغشياً عليه فتمثلت بقوله: يا دار ليلى قد درست ... إلا الثمام وإلا موقد النار ما تفتأ الدار من ليلى تموت كذا ... في موقف وقفته أو على دار أبلى عظامك بعد اللحم ذكركها ... كما ينحت قدح الشوحط الباري فرفع رأسه إليّ وقال: من أنت حياك الله، فقلت أنا نوفل بن مساحق، فحياني فقلت له: ما أحدثت بعدي في يأسك منها، فأنشدني يقول: ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ... عليَّ يميناً جاهداً لا أزورها وأوعدني فيها رجال أبوهم ... أبي وأبوها خشنت لي صدورها على غير جرم غير أني أحبهاوإن فؤادي رهنها وأسيرها ثم قال: سنحت له ظباء فقام في أثرها حتى لحقها فمضى معها: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني علي بن الصباح عن إبن الكلبي قال لما قال مجنون بني عامر: قضاها لغيري وأبتلاني بحبها فهلا بشيء غير ليلى إبتلانيا نودي في الليل أنت المتسخط لقضاء الله والمعترض في أحكامه، وأختلس عقله فتوحش منذ تلك الليلة وذهب مع الوحش على وجهه. وهذه القصيدة التي قال فيها هذا البيت من أشهر أشعاره، والصوت المذكور بذكره أخبار المجنون ههنا منها وفيها أيضاً عدة أبيات يغني فيها. فمن ذلك قال: أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهراً أعد اللياليا أراني إذا صليت يممت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلى ورائيا وما بي إشراكٌ ولكن حبها ... كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا أحب من الأسماء ما وافق إسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا وقال: وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا فهذي شهور الصيف عني قد إنقطعت ... فما للنوى يرمي بليلى المراميا وقال: فلو كان واشٍ باليمامة بيته ... وداري بأعلى حضرموت إهتدى ليا وماذا لهم لا أحسن الله حفظهم ... من الحظ في صريم ليلى حباليا فأنت الذي إن شئت أشقيت عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت باليا وأنت الذي ما من صديق ولا عدى ... يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا أمضروبة ليلى على أن أزورها ... ومتخذ ذنباً لها أن ترانيا إذا سرت في الأرض الفضاء رأيتني ... أصانع رجلي أن تميل حياليا يميناً إذا كانت يميناً وإن تكن ... شمالاً ينازعني الهوى عن شماليا أحب من الأسماء ما وافق إسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا هي السحر إلا أن للسحر رقيةً ... وإني لا ألفي لها الدهر راقيا وأنشد أبو نصر للمجنون وفيه غناء وقال: تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر أبا القلب إلا حبها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو الغناء لعريب ثقيل أول، وذكر الهشامي أن فيه لإسحق خفيف ثقيل. أخبرني محمد إبن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا حماد بن إسحق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: أنشدني جماعة من بني عقيل للمجنون يرثي أباه ومات قبل إختلاطه وتوحشه فعقر على قبره ورثاه بهذه الأبيات: عقرت على قبر الملوح ناقتي ... بذي السرح لما أن جفته أقاربه وقلت لها كوني عقيراً فإنني ... غداة غد ماش وبالأمس راكبه فلا يبعدنك الله يا إبن مزاحم ... وكل أمريء فالموت لا بد شاربه فقد كنت طلاّع النجاد ومعطي الجياد وسيفاً لا تفل مضاربه أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال:

حدثنا عبد الله بن شبيب عن الحزامي عن محمد بن معن قال: بلغني أن رجلاً من بني جعدة بن كعب كان أخاً وخِلاً للمجنون مرّ به يوماً وهو جالس يخط في الأرض ويعبث بالحصى سلم عليه وجلس عنده فأقبل يخاطبه ويعظه ويسليه وهو ينظر إليه ويلعب بيده كما كان وهو مفكر قد غمره ما هو فيه، فلما طال خطابه إياه قال: يا أخي: أما لكلامي جواب، فقال له: والله يا أخي ما علمت أنك تكلمني، فأعذرني فإني منا ترى مذهوب العقل مشترك اللب. وبكى ثم أنشأ يقول: وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان منك فإنه شغلي وأديم حظ محدثي ليرى ... إن قد فهمت وعندكم عقلي الغناء علوية. وقال الهيثم: مر المجنون يراد في أيام الربيع وحمامه يتجاوب فأنشأ يقول: ألا يا حمام الأيك ما لك باكياً ... أفارقت إلفاً أم جفاك حبيب دعاك الهوى والشوق لما ترنمت ... هتوف الضحى بين الغصون طروب تجاوب ورقا قد أذن لصوتها ... فكل لكل مسعد ومجيب الغناء لرداد ثقيل أولمطلق في مجرى الوسطى. وقال خالد بن حمل: حدثني رجال من بني عامر أن زوج ليلى وأباها خرجا في أمر طرق الحي إلى مكة فأرست ليلى بأمة لها إلى المجنون فدعته فأقام عندها ليلة فأخرجته في السحر وقالت له: سر إليّ في كل ليلة ما دام القوم سفراً، فكان يختلف إليها حتى قدموا. وقال فيها في آخر ليلة لقيها وودعته: تمتع بليلى إنما أنت هامة ... من إلهام يدنو كل يوم حمامها تمتع إلى أن يرجع الركب أنهم ... متى يرجعوا يحرم عليك كلامها وقال الهيثم: مض المجنون قبل أن يختلط فعاده قومه ونساؤهم ولم تعده ليلى فيمن عاده فقال: ألا ما لليلى لا تُرى عند مضجعي ... بليل ولا يجري بها لي طائر بلى إن عجم الطير تجري إذا جرت ... بليلى ولكن ليس للطير زاجر أحالت عن العهد الذي كان بيننا ... بذي الرمث أم قد غيبتها المقابر الغناء لسليم ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي. ومن قوله: فو الله ما في القرب لي منك راحة ... ولا البعد يسليني ولا أنا صابر ووالله ما أدري بأية حيلة ... وأي مرام أو خطار أخاطر ووالله إن الدهر في ذات بيننا ... عليّ لها في كل أمر لجائر فلو كنت إذا زمعت هجري تركتني ... جميع القوى والعقل مني وافر ولكن أيامي يجفل عنيزة ... وذي الرمث أيام حناها التجاور فقد أصبح الود الذي كان بيننا ... أماني نفس أن تخبر خابر لعمري لقد أرهقت يا أم مالك ... حياتي وساقتني إليك المقادر أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمو الشيباني ن أبيه قال: قال حدثني بعض ني عقيل قال: قيل للمجنون: أي شيء رأيته أحب إليك، قال ليلى، قيل دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك ولكنت سواها، قال: والله ما أعجبني شيء قط فذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي، غير أني رأيت ظبياً مرة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني حسناً، ثم وهرب منه فتبعته حتى خفيا عني وجدت الذئب قد صرعه وأكل بعضه رميته بسهم فما خطأت مقتله وبقرت بطنه فأخرجت ما أكل منه ثم جمعته إلى بقية شلوه ودفنته وأحرقت الذئب وقلت في ذلك: أبى أن تبقى لحي بشاشة ... فصبراً على ما شاءه الله لي صبرا رأيت غزالاً يرتعي وسط روضة ... فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا فيا ظبي كل رغداًَ هنيئاً ولا تخف ... فإنك لي جارٌ ولا ترهب الدهرا وعندي لكم حصن حصين وصارم ... حسام إذا أعملته أحسن الهبرا فما راعني إلا وذئب قد إنتحى ... فأعلق في أحشائه الناب والظفرا ففوقت سهمي في كوم غمزتها ... فخالط سهمي مهجة الذئب والنحرا فأذهب غيظي قتله وشفى جوى ... بقلبي إن الحر قد يدرك الوترا قال أبو نصر:

- دلال ووصال

بلغ المجنون قبل توحشه أن زوج ليلى ذكره وعضهه وسبته وقال: أو بلغ من قدر قيس بن الملوح أن يدعي محبة ليلى وينوه بإسمها، فقال ليغيظه بذلك: فإن كان فيكم بعل ليلى فإنني ... وذي العرش قد قبلت فاها ثمانيا وأشهد عند الله إني رأيتها ... وعشرون منها إصبعاً من ورائيا أليس من البلوى التي لا ثوى لها ... بأن زوجت كلباً وما بذلت ليا - دلال ووصال - يا ذا الذي يخطر في مشيته ... قد صففَ الشعر على جبهته وسرح المئزُر من خلفه ... ودقق البان على وقرته قلبي على ما كان من شفوته ... صب ٌ بمن يهوى على جفوته يختلق السخطة لي ظالماً ... أحوج ما كنت إلى رحمته أكلما حدّد لي موعداً ... أخلفه التنغيص من علته أضمر في البعد عتاباً له ... فإن دنا أنسيت من هيبته مبتلٌ تثنيه أعطافه ... أميس خلق الله في خطرته يحار رجع الطرف في وجهه ... وصورة الشمس على صورته مهفهفٌ ترتج أردافه ... يتيه بالحسن على جيرته ينتسب الحسن إلى حسنه ... والطيب يحتاج إلى نكهته وليلة قصَر في طولها ... بالكرخ إن مُتعتُ من رؤيته في مجلس يضحك تفاحة ... بين الرياحين إلى خضرته ما أن يرى خلوتنا ثالثٌ ... إلا الذي نشرب من خمرته خمرته في الكأس ممزوجةٌ ... كالذهب الجاري على فضته فتارة أشرب من يقه ... وتارة أشرب من فضلته وكلما عضض تفاحة ... قبلت ما يفضل من عضته حتى إذا ألقى قناع الحيا ... ودار كسر النوم في مقلته سرت حُميا الكأس في رأسه ... وديتِ الخمرة في وجنته فصار لا يدفع عن نفسه ... وكان لا يأذن في قبلته دب له إبليسُ فأقتاده ... والشيخ ناعٌ على لعنته عجبتُ من إبليس في تيهه ... وخبث ما أظهر من نبتته تارة على آدم في سجدةٍ ... وصار قوّاداً لذريته وله: - دموع الفراق - أبت عيناي بعدك أن تناما ... وكيف ينام من ضمن السقاما بكيت من الفراق لما ألاقي ... وراجعت الصبابة والغراما وعدت إلى العراق برغم أنفي ... وفارقت الجزيزرة والشآما على شط الشآم وساكنيه ... سلامُ مسلم لقي الحماما مذكرةٌ مؤنثةٌ مهاةٌ ... إذا برزت تشبهها غلاما تعاف الماء والعسل المصفى ... وتشرب من فتوتها المداما تقول لسيفها يا سيف أبشر ... ستُروى من دم وتُقدّ هاما وقائلة لها من وجه نصح ... علامَ قتلتِ هذا المستهاما فكان جوابها حُسن مسنٍ ... أأجمعُ وجه هذا الحراما لقد ربحت تجارة كل صبٍ ... تهاديه حبيبته السلاما وقول بشار: يا رب إني قد عرضت بهجرها ... فإليك أشكو ذاك يا رباه مولاة سوء تستهين بعبدها ... نعم الغلام وبئست المولاه طل ولكني حرمت نعيمه ... ووصاله إن لم يغثني الله يا رب إن كانت حياتي هكذا ... ضراً عليّ فما أريد حياه الشعر والغناء لها خفيف ثقيل مطلق في مجرى الوسطى. وقد ذكر إبن حرداذبه أن الشعر والغناء لبشار وإنه هوى جارية تغني فتعلم الغناء من أجلها وقال الشعر، ولم يزل يتوصل إليها بذلك حتى صار مقدماً بين المغنين وأن هذا الشعر له فيها والصنعة أيضاً. أخبرني أحمد بن محمد أبو الحسن الأسدي قال: حدثني محمد بن صالح بن شيخ بن عمير عن أبيه قال: حجب طل عن علية فقالت وصحفت إسمه في أول بيت: يا سروة البستان طال تشوقي ... فهل لي إلى ظل لديك سبيل متى يلتقي من ليس يقضي خروجه ... وليس لمن يهوى إليه دخول

عسى الله أن نرتاح من كربة لنا ... فيلقى إغتباطاً خلة وخليل عروضه من الطويل والغناء لعلية. حدثني أبو عبد الله أحمد بن الحسين الهشامي قال: قالت علية في طل وصحفت إسمه في هذا الشعر وغنت فيه: سلم على ذاك الغزال ... الأغيد الحسن الدلال سلم عليه وقد له ... يا غل ألباب الرجال خليت جسمي ضاحياً ... وسكنت في ظل الحجال وبلغت مني غاية ... لم أدرِ فيها ما إحتيال الشعر والغناء لعلية خفيف رمل، وذكر غير هذا أن الغناء لأحمد بن المكي في هذه الطريقة. أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني ميمون بن هروق عن محمد بن علي بن عثمان الشطرنجي أن علية كانت تقول الشعر في خادم لها يقال له رشا وتكني عنه، فمن شعرها فيه وكنّت عنه بزينب، وكانت مولعة به: وجد الفؤاد بزينبا ... وجداً شديداً متعباً أصبحت من كلفي بها ... أدعى سقيماً كنصبا ولقد كتبت عن إسمها ... عمداً لكي لا تغضبا وجعلت زينب سترة ... وكتمت أمراً معجبا قالت وقد عزَّ الوصال ... ل ولم أجد لي مذهبا والله لا نلت المود ... ة أو تنال الكوكبا هكذا ذكر ميمون بن هرون وروايته فيه عن المعروف بالشطرنجي ولم يحصل ما رواه هذا الصوت شعره لأبن رهيمة المدني والغناء ليونس الكاتب ولحنة من الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر وهو من زيانيب يونس المشهرات وقد ذكرته معها، والصحيح أن علية غنت فيه لحناً من الثقيل الأول بالوسطى. حكى ذلك إبن المكي عن أبيه وأخبرني به ذكاء عن القاسم بن زرزور. أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني الحسين بن يحيى الكاتب أبو الجماز قال: حدثني عبيد الله بن العباس الربيعي قال: لما علم من عليه أنها تكنى عن رشا بزينب قالت: القلب مشتاق إلى ريب ... يا ربما هذا العيب قد تيمت قلبي فلم أستطع ... إلا البكايا عالم الغيب خبأت في شعري إسم الذي ... أردته كالخبء في الجيب قال: وغنت فيه لحناً من طريقة خفيف الرمل الأول فصحفت إسمها في ريب، قال: وكانت لأم جعفر جارية يقال لها طغيان فوشت بعلية إلى رشا وحكت عنها ما لم تقل فقالت علية: لطغيان خف من ثلاثين حجة ... جديد فلا يبل ولا يتخرق وكيف بلا خف هو الدهر كله ... على قدميها في الهواء معلق فأخرقت خفاً ولم تبلِ جورباً ... وأما سراويلاتها فتمزق قال: وحلف رشا أن لا يشرب النبيذ سنة فقالت: قد تبت الخاتم في خنصري ... إذ جاءني منك تجنيك حرمت شرب الراح إذ عفتها ... فلست في شيء أعاصيك فلو تطوعت لعوضتني ... منه رضاب الريق من فيك فيازينباً قد أرقت مقلتي ... أمتعني الله بحبيك غنت فيه علية هزجاً. أخبرني جحظة ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا ميمون بن هرون قال: حدثني الحسين بن إبراهيم بن رياح قال: قال لي محمد بن إسمعيل بن موسى الهادي: كنت عند المعتصم وعنده مخارق وعلوية ومحمد بن الحرث وعقيد فتغنى عقيد وكنت أضرب عليه. وقال: نام عذالي ولم أنم ... وأشتفى الواشون من سقمي وإذا ما قلت ألمٌ ... شك من أهواه في ألمي فطرب المعتصم وقال: لمن هذا الشعر والغناء فأمسكوا، فقلت لعلية، فعرفت غلطتي وأن القوم أمسكوا عمداً، فقطع بي وتبين حالي فقال: لا ترع يا محمد فإن نصيبك فيها مثل نصيبي. الغناء لعلية خفيف رمل وقد قال قومٌ أن هذا اللحن للعباس بن أشرس الطنبوري مولى خزاعة وأن الشعر لخالد الكاتب. أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني أحمد بن يزيد قال: حدثني أبي قال: كنا عند المنتصر فغناه بنان لحناً من الرمل الثاني وهو خفيف الرمل. وقيل: يا ربة المنزل بالبرك ... وربة السلطان والملك تحرجي بالله قتلنا ... لسنا من الديلم والترك

فضحكت فقال لي: ممّ تضحك، قلت من شرف قائل هذا الشعر وشرف من عمل اللحن فيه وشرف مستمعه، قال: وما ذاك، قلت: الشعر فيه للرشيد والغناء لعلية بنت المهدي وأمير المؤمنين مستمعه. فأعجبه ذلك وما زال يستعيده. حدثني إبراهيم بن محمد بن بركشة قال: سمعت شيخاً يحدّث أبي وأنا غلام فحفظت عنه ما حدثه به ولم أعرف إسمه قال: حدثني إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: عملت في أيام الرشيد لحناً وهو: سقياً لأرض إذا نمت نبهني ... بعد الهدّو بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كل شارقة ... على الميادين أذناب الطواويس قال: فأعجبني مراراً وعملت على أن أباكر به الرشيد فلقيني في طريقي خادم لعلية بنت المهدي فقال: مولاتي تأمرك بدخول الدهليز لتستمع من بعض جواريها غناء أخذته عن أبيك وشكّت فيه الآن، فدخلت معه إلى حجرة قد أفردت لي كأنها كانت معدة فجلست وقدّم لي طعام وشراب فنلت حاجتي منهما. ثم خرج خادم فقال لي: تقول لك مولاتي أنا أعلم أنك قد غدوت إلى أمير المؤمنين بصوت قد أعددته له محدث فاسمعنيه ولك جائزة سنية تتعجلها، ثم ما يأمر به لك بين يديك ولعله لا يأمر لك بشيء ولا يقع الصوت منه بحيث توخيت فيذهب سعيك باطلاً. فأندفعت فغنيتها إياه ولم تزل تستعيده مراراً، ثم أخرجت إلي عشرين ألف درهم وعشرين ثوباً وقالت: هذه جائزتك، ولم تزل تستعيده مراراً. وقال إسمعيل بن عمار يخاطب إحدى الجواري: هل من شفاء لقلب لج محزون ... صب يغيب إلى ريم إبن رامين إلى ربيحة إن الله فضلها ... بحسنها وسماع ذي أفانين وهاج قلبي منها مضحك حسن ... ولثغة بعدرائي وفي سين نفسي تأبى لكم إلا طواعية ... وأنت تأبين لوماً أن تطيعيني وتلك قسمة ضيزى قد سمعت بها ... وأنت تتلينها ما ذاك في الدين إن تسعفيني بذاك الشيء أرضَ به ... وإن ضننت به عني فعينيني أنت الطبيب لداء قد تلبس بي ... من الجوى فأنفثي في فيّ وأرقيني نعم شفاؤك منها أن تقول لها ... أضنيتني يوم دير الملح فأشفيني يا ربُ إن إبن رامين له بقرٌ ... عينُ وليس لنا إلا البراذيني لو شئت أعطيته مالاً على قدر ... يرضى به منك عين الربرب العين لا أنس سعدة والزرقاء يوم هما ... بالبلح شرقية وق الدكاكين يغنيان إبن رامين على طرب ... للمسجعي تشتيت المحبين أذاك أنعم أم يوم ظللت به ... فراشي الورد في بستان شورين يشوي لنا الشيخ شورين دواجنه ... بالجرد تاجٍ وشجاع الشعانين تسقي طلاء لعمران يعقبه ... يمشي الأصحاء منه كالمجانين تنزل أقدامنا من بعد صحتها ... كأنها ثقلاً تقلعن من طين نمشي وأرجلنا مطوية شللاً ... مشي الأوز التي تأتي من الصين أو مشي عميان عمٌ لا دليل لهم ... سوى العصي إلى يوم السعانين في فتية من بني تيم لهوت بهم ... تيم بن مرة لا تيم العديين حمر الوجوه كانا من تحشمنا ... حسناء شمطاء وافت من فلسطين يا عائذ الله لولا أنت من شجتي ... لولا إبن رامين لولا ما يمنيني في عائذ الله بيت ما مررت به ... إلا وجئت على قلبي بسكين يا أسد القبة الخضراء أنت لنا ... أنس لأنك في دار إبن رامين ما كنت أحسب الأسد تؤنسني ... حتى رأيت إليك القلب يدعوني لو لاك تؤنسني بالقرب ما بقيت ... نفسي إليك ولو مثلت من طين وقال أحد الشعراء: أشارت طرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلم فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً ... وأهلاً وسهلاً بالحبيب المسلم وأبرزت طرفي نحوها لأجيبها ... وقلت لها قول إمريء غير مفحم هنيئاً لكم قتلي وصفو مودتي ... وقد سيط في لحمي هواك وفي دمي

لأحدهم: يا هند أن الناس قد أفسدوا ... ودك حتى عزني المطلب يا ليت من يسعى بنا كاذباً ... عاش مهاناً في أذى يتعب شبيه ذنباً كنت أذنبته ... قد يفغر الله لمن يذنب وقد شجاني وجرت دمعتي ... إن أرسلت هند وهي تعتب ما هكذا عاهدتنا في منى ... ما أنت إلا ساحرٌ تخلب حلفت لي بالله لا نبتغي ... غيرك ما عشت ولا نطلب *

§1/1