المرتجل في شرح الجمل لابن الخشاب

ابن الخَشَّاب

المرتجل في شرح الجمل لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب (492 - 567 هـ)

المرتجل في شرح الجمل لأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني قدس الله روحه، مما أملاه الشيخ الإمام العالم ألصدر أوحد الزمان، فريد العصر، زين الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب. رحمة الله عليه. الحمد لله (¬1). ¬

_ (¬1) في (ب): المرتجل في شرح الجمل، أملاه سيدنا الشيخ الأجل العالم الأوحد، زين الدين حجة الإسلام أوحد العصر أبي محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب - أمتع الله بحياته - وارتجاله. وفي (ج) كتاب فيه شرح الجرجانية لابن الخشاب. وفي (د): الكتاب المرتجل في التعليق على مختصر عبد القاهر الجرجاني رحمه الله، المعروف بالجمل. أملاه عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب نفع الله به.

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر بفضلك (¬1). الحمد لله رب العالمين، وصلواته (¬2) على سيدنا محمد والنبي وآله الطيبين الطاهرين. (قال الشيخ الأجل الإمام العالم الأوحد، زين الدين، أوحد العصر أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي اللغوي، رحمه الله عليه) (¬3): هذا (¬4) إملاء على مختصر أبي بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، رحمه الله، الذي وسمه بالجمل، يجري مجرى الشرح له، وإن كان غير مستقصى. (ارتجلته مملياً في أيام قليلة العدد، قبل سنة عشرين وخمسمائة، وكان مستمليه على جناح سفر، فوسمته لذلك بالمرتجل، فإن عثر فيه على ما ليس بمحرر، فقد بينت العذر فيه، وعلى الله اعتمد وبه اعتضد) (¬5). قوله: اعلم أن الكلمات ثلاث. الكلمات جمع كلمة، جمع قلة، لأن الثلاث (¬6) أقل جمع، والكلمة هي ¬

_ (¬1) رب يسر بفضلك: ساقطة من (ب) و (ج). (¬2) في (ج) و (د): وصلواته على محمد خاتم النبيين وعلى إله الأكرمين وفي (ب): وصلواته وسلامه. (¬3) ما بين قوسين ساقط من (ج) و (د). (¬4) في (ج): وبعد فهذا. (¬5) ما بين قوسين من (أ) و (ب). (¬6) في (ج) و (د): لأن الثلاثة أقل العدد، هذا التحقيق، وما خرج عنه تجوز، والكلمة هي.

اللفظة المفردة، وإن شئت قلت: الجزء المفرد. هذا الأصل (¬1)، وغير اتساع. وجميع ما يتخاطب به الناس (¬2) من الجمل المفيدة التي سماها جمهور النحويين كلاماً ألفاظ مؤلفة. وكل مؤلف فله مفردات منها ألف، فالكلام مؤلف، مفرداته هذا الكلم الثلاث (¬3)، فهو ينتظمها (¬4)، ومنها ينتظم. وهي: كلمة يصح الإخبار عنها وبها، وكلمة (¬5) يخبر بها ولا يصح الإخبار عنها، وكلمة (¬6) لا يخبر بها ولا عنها (¬7). الأولى تلقب اسماً والثانية تلقب (¬8) فعلاً، والثالثة تلقب حرفاً. ولكل منها حد (¬9) وعلامات واشتقاق. فالحد (¬10) يحصر ذات المحدود والعلامة (¬11) تعرفه، والاشتقاق يكشف عن وضع لفظه. وانقسمت الكلم إلى ثلاثة أقسام لا رابع لها، قسمة (¬12) ضرورية أو كالضرورية، لأن العبارات دوال على المعاني التي تحتها، والمعاني منقسمة إلى ثلاثة أقسام (¬13)، فوجب أن تكون الألفاظ الدالة عليها ثلاثة لا أقل ولا أكثر. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): هذا هو الأصل. (¬2) في (أ) الناس به، وفي (ب) و (ج) و (د) وحاشية (أ) في نسخة كما أثبتنا. (¬3) يلي كلمة "كلاماً" في (أ) و (ب) عوضاً عما بين القوسين: وتأليفه من هذه الكلم الثلاث. (¬4) في (ج) ينتظمها جنساً. (¬5) في (ج) و (د): وأخرى. (¬6) في (ج) و (د): وثالثة. (¬7) في (ب) و (ج): عنها ولا بها. (¬8) في (د) خرم يبدأ بهذه الكلمة، وسنشير إلى انتهائه. (¬9) في (أ): علامات وحد. (¬10) في (ب) و (ج): والحد. (¬11) حاشية (أ) في نسخة: والعلامات. (¬12) في (ج): قسمة فيما يرونه. (¬13) في (ج) أقسام عندهم.

والمعاني ذات يخبر عنها وهي الاسم، وخبر عن تلك الذات (¬1) وهو الفعل، وواسطة بينهما، إما لإثبات الخبر للمخبر عنه، أو لنفيه عنه، أو لغير ذلك من المعاني وذلك هو الحرف (¬2). فأما الاسم (¬3)، فاشتقاقه عند البصريين من سما يسمو إذا علا، كأن أصله سمو كقنو، أو سمو كعضو، بدلالة قولهم في جمعه: أسماء، فهذا كعدل واعدال، وقفل وأقفال، أو كقنو وأقناء، وعضو وأعضاء، ثم حذفوا لامه - وهي الواو - حذفاً، وسكنوا أوله - وهو السين - ليعوضوه من الحذف الذي أجروه الذي أجروه عليه اعتباطاً، فاجتلبوا له همزة الوصل ليقع الابتداء بها فصار اللفظ اسماً كما ترى. وذهب الكوفيون إلي أنه مشتق من السمة، فأصله على هذا عندهم وسم، لأن السمة العلامة، والاسم لدلالته على مسماه كالعلامة له. والذي ذهبوا إليه صحيح (¬4) من طريق المعنى، فاسد بمقاييس اللفظ، لأنه لو كان من الوسم، وهو أصل السمة لقيل في اشتقاق الفعل منه على فعلت: وسمت ولم يقل: سميت، ولقيل: أوسمت، إذا كان على أفعلت، ولم يقل أسميت، إلا أن يدعوا فيه القلب. وليس القلب بقياس (¬5)، ولقيل في جمعه: أوسام، ولم يقل: أسماء، ولقيل (¬6) في جمع الجمع: أواسم وأواسيم ولم تقل أسام، ولقيل في تصغيره: وسيم (¬7) لاسمي، ولما جاء فيه في بعض لفاته سمى كهدى (¬8) كما أنشدوا: ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): لا يصلح لغير الخبر. (¬2) في (أ): الجملة وفي (ب) و (ج): الحرف، وهو الصواب. (¬3) راجع هذه المسألة في الإنصاف 1: 6، شرح المفصل 1: 22. (¬4) في (ج): صحيح من جهة المعنى فاسد من جهة اللفظ. (¬5) يلي ذلك في (ج): إنما هو مسموع لا يتعدى ما روي منه. (¬6) في (ج): ولقيل في جمع جمعه. (¬7) في (ج): وسيم أواسيم ولم يقل سمي. (¬8) ما بين قوسين ساقط من (أ) و (ب).

والله أسماك سمى مباركا (¬1) وإن كان لا قاطع شاهد فيه. وكل هذه التصاريف تشهد بصحة قول البصريين. وأيضاً فالتعويض (¬2) ينبغي أن يكون مخالفاً موضعه موضع المعوض منه (¬3) فهم إذا أوقعوا الحذف أولاً وأرادوا التعويض عوضوا آخراً، وإذا (¬4) حذفوا آخرا وعوضوا عوضوا أولاً، بدليل قولهم: عدة وصاة وبابهما، فاتهم لما حذفوا فاء الكلمة - وهي الواو من عدة - ألزموها تاء التأنيث في آخرها عوضاً من حذف فائها، فلو كان المحذوف من اسم فاءه للزم التعويض لامه، وليس الأمر كذلك. وأما حده فقد طال (¬5) الناس فيه وأكثروا، وأقرب ما حدوه به إلى الصحة عند تحقيق النظر قول من قال: الاسم لفظ يدل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل. فقولهم (¬6): "لفظ" هو جنس للاسم، قريب منه، وهكذا يجب أن يوضع في أول الحد جنس المحدود الأقرب، ثم يؤتى من بعده بالفصول التي تميز المحدود من الأنواع المشاركة له (¬7) في جنسه. وقولهم: (¬8) "دال على معنى في نفسه" فصل يميز الاسم من الحرف، لأن الحرف يدل على معنى لكن في غيره. ¬

_ (¬1) صلته بعدد: آثرك الله به ايثاركا. وهو معزو لابن الخالد القناني ( .. - .. ) أسماك: ألهم اهلك أن يسموك. والشاهد في التنبيهات على أغاليط الرواة: 340، الأنصاف في مسائل الخلاف: 15 أسرار العربية: 9، أوضح المسالك 1: 25، لسان العرب (سمو). (¬2) يلي ذلك في (ج): على ما سبر من مقاييس كلام العرب ينبغي أن يخالف موضعه ... (¬3) يلي ذلك في ج: ليعلم أنه ليس بالأصل. (¬4) في (ج): وإذا حذفوا أخرا أوقعوا العرض أولاً. (¬5) في (ب): أطال الناس وأكثروا فيه. (¬6) في (ج): فقوله. (¬7) في (ب) و (ج): المشاركته. (¬8) في (ج): وقوله.

وقولهم (¬1): "غير مقترن بزمان" فصل يميزه من الفعل، لأن الفعل يدل على معنى في نفسه، ولكن (¬2) مقترن بزمان ذلك المعنى. وقولهم (¬3): "محصل" احتراز (¬4) من المصدر واسم الفاعل وما جرى مجراهما من الأسماء الدالة على معنى مقترن بزمان، أزمنة هذه مبهمة غير معينة ولا منحصلة. وأما علاماته فتقسم قسمين: لفظية ومعنوية، فاللفظية إما أن تلحقه من أوله أو في حشوه أو في آخره. فالتي تلحق من (¬5) أوله، كالألف واللام اللتين للتعريف، كقولك: رجل والرجل وغلام والغلام، وكحروف الجر وهي نحو من وإلى وعن وعلى، تقول: من زيد وإلى عمرو (¬6) وعن زيد وعلى زيد. وأما العلامة التي تلحقه في حشوه فنحو ياء التصغير كقولك: رجل ورجيل ودرهم ودريهم. والتصغير خاصة من خواص الاسم، وربما دخل (¬7) ضرباً من الفعل، إلا أنه في الاسم يتناول لفظه، ولإيراد بتصغيره تصغير شيء غيره في معناه، وإذا لحقت الفعل تناولت لفظه، وكان المراد بتصغيره تصغير ¬

_ (¬1) في (ج): وقوله. (¬2) في (أ): لكن وفي (ب): ولكن وفي (ج): ولكن بدل مع المعنى على زمنه. (¬3) في (ب) و (ج): احتراز للمصدر. (¬4) في (ج): في. (¬5) في (ج): زيد. (¬6) في (ب) و (ج) وحاشية (أ) في نسخة: دخلت. (¬7) في (ب) و (ج): وحاشية (أ) في نسخة: أنها.

أنواع التنوين

مصدره (¬1) كقولك في التعجب: ما أحيينه وما أميلحه. فالتصغير قد تناول لفظ الفعل والمراد تصغير المصدر، وهو الحسن والملاحة، ونحو ألف التكسير في قولك: دراهم ودنانير. وأما ما يلحقه آخراً فنحو التنوين في قولك: رجل وقوس. والتنوين: نون ساكنة تلحق آخر الاسم المتمكن علامة لخفتيه، ويدخل الكلام على خمسة أقسام. الأول: التنوين الدال على خفة الاسم المذكور. والثاني: تنوين يلحق الاسم المبني فرقاً بين المعرفة والنكرة كقولك: صهْ وصهِ، ومهْ ومهٍ، فهذا الاسم وما جرى مجراه، إذا لم تنونته كان معرفة (¬2)، وإذا نونته كان نكرة، فإذا قلت صهِ، كان كأنك قلت: افعل السكوت، وإذا قلت صهٍ كان كأنك قلت افعل سكوتاً. والثالث: تنوين يدخل عوضاً من جملة محذوفة كأن الأصل أن تذكر، وذلك في نحو إذ، إذا قلت حينئذ ويومئذ، فإذ ظرف زماني مبني على السكون والأصل أن تقول: كأن كذا يوم إذ كأن كذا، ثم تحذف الجملة المضاف إليها "إذ" علماً بها واستغناء بما تقدم عنها، وتعوض "إذ" من الجملة المحذوفة التنوين فيلتقي التنوين وهو ساكن بالذال وهي ساكنة فتكسر الذال لالتقاء الساكنين فيصير اللفظ على ما رأيت، قال الله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} (¬3) [الحاقة: 18]، {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ} (¬4) [الرحمن: 39]. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): فيما يرون وذلك كقولك. (¬2) في ج: كان عندهم معرفة. (¬3) الحاقة: 18 {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}. (¬4) الرحمن: 39.

ومن ذلك قوله الهذلي (¬1): (نهيتك عن طلابك أم عمرو ... بعافية وأنت إذ صحيح (¬2)) والأصل: وأنت - إذ نهيتك - صحيح، ثم حذفت (¬3) الجملة وعوض منها التنوين. والرابع: تنوين يلحق آخر الجموع المؤنثة السالمة، نظيراً للنون في الجموع المذكورة السالمة، وذلك في نحو مسلمات وصالحات. فالتنوين في هذا الجمع نظير للنون في مسلمين ورسيل لها، وليس بتنوين الصرف، بدليل قوله عز وجل {فإذا أفضتم من عرفات (¬4)، فنون "عرفات"، وهي مؤنث معرفة، وما كان فيه علتان من العلل التسع التي تذكر - إن شاء الله - في باب ما لا ينصرف فإنه يمنع الصرف (¬5)، وقد رأيت عرفات كيف استعملت منونة، فدل على أن تنوينها ليس بتنوين الصرف. ويدلك على أنها معرفة قولهم: هذه عرفات مباركاً فيها، فمباركاً حال منها (¬6)، والحال أصلها أن تقع من المعرفة لا من النكرة. ¬

_ (¬1) خويلد بن خالد بن محرث، أبو ذؤيب ( .. - نحو 27 هـ الموافق .. - 648 م) شاعر مخضرم عاش إلى أيام عثمان (47 ق هـ - 35 هـ الموافق 577 - 656 م). ومات بمصر. قال البغدادي: هو أشعر هذيل من غير مدافعة. طبقات فحول الشعراء: 103، الشعر والشعراء 2: 643، خزانة البغدادي 1: 203. (¬2) ديوان الهذليين 1: 68، شرح المفصل 9: 31، لسان العرب (أذذ، شلل، تفسير أذ وإذا وأذن) خزانة الأدب 3: 147، 571، والرواية في بعض هذه المصادر بعاقبة. (¬3) في (ب) و (ج): حذف. (¬4) البقرة: 198، والآية بتمامها {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}. (¬5) في (ج): يمنع من الصرف. (¬6) فمباركاً حال منها: ساقطة (ج).

والخامس: تنوين يلحق أواخر الكلم التي تقع في قواف في الشعر (¬1) المطلق عوضاً عن مذات الترنم، ومدات الترنم الألف في مثل قوله: (أقلي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا (¬2)) والواو في مثل قوله: ( ........ ... سقيت الغيث أيتها الخيامو (¬3)) والياء في مثل قوله: ( ......... ... كانت مباركة من الأيامي (¬4)) ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج) وحاشية (أ) في نسخة: في قوافي الشعر. (¬2) البيت مطلع قصيدة لجرير (28 - 110 هـ الموافق 640 - 728 م) بهجو فيها الراعي النميري ( .. - 90 هـ الموافق .. - 709 م)، وهو يدل على أن تنوين الترنم يلحق الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام، وقد اجتمعا في هذا البيت. وهو ديوان جرير: 64، الكتاب 2: 298، نوادر الأنصاري: 127 الكامل للمبرد: 758 المنصف في شرح تصريف المازني 1: 224، الخصائص 2: 96 العمدة لابن رشيق 2: 312. شرح ابن عقيل 1: 18، لسان العرب (خنى، روى) خزانة البغدادي 1: 34. (¬3) الشاهد مطلع قصيدة لجرير يهجو فيها الأخطل (19 - 90 هـ الموافق 640 - 708 م) والبيت بتمامه: متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام وهو في ديوان جرير: 512، مجاز القرآن لأبي عبيدة: 2: 246، حماسة أبي تمام 2: 174، جمهرة ابن دريد، 2: 171، المنصف 1: 244، العمدة لابن رشيق 2: 46، شرح المفصل 4: 15 شرح شواهد الشافية: 288 لسان العرب: (روى، قوى، الخزانة 3: 672). الطلوح: جمع طلحة، وهي شجرة حجازية طويلة. (¬4) الشاهد من قصيدة لجرير، وهو بتمامه: (أيهات منزلنا بنعف سويقة ... كانت مباركة من الأيام) وهو في الكتاب 1: 299، شرح المفصل 4: 36، لسان العرب: (روى، قوى) ولم أعثر عليه في ديوانه. لعف: مكان مرتفع، سويقة: تصغير ساق: مواضع كثيرة في بلاد العرب، وهي قاعدة مستطيلة تشبه بساق الإنسان، موضع قرب المدينة، جبل بين ينبع والمدينة، راجع معجم البلدان 5: 18.

فيقع هذا التنوين موقع هذه الحروف، فيكون الإنشاد: (أقلي اللوم عاذل والعتابن ... وقولي إن أصبت لقد أصابن) وكذلك ينشد الذاهب هذا المذهب في الإنشاد: ( ........ ... سقيت الغيث أيتها الخيامن) (و ............ ... كانت مباركة من الأيامن) فهذه أقسام التنوين في قول الجمهور من النحاة. والتنوين الذي يعتبر (¬1) به الاسم فيكون علامة له هو الأول وما يليه وهو غنة تلحق آخر الاسم، تثبت وصلا في اللفظ وتحذف في الخط لأن موضوع على الوقف. ومن خواص الاسم اللفظية اللاحقة آخره الفذ التثنية وواو الجمع في مثل قولك: الزيدان والزيدون، والياء الواقعة موقعهما في (¬2) مثل الزيدين والزيدين. ومن خواصه: الإضافة، وهو أن يضاف أو يضاف إليه كقولك: غلام زيد، فغلام اسم مضاف وزيد اسم مضاف إليه. ومن خواصه أن يوصف، كقولك: الرجل: الظريف، أو (¬3) يضمر كقولك زيد مررت به. فهذه أغلب علاماته اللفظية. وأما علاماته المعنوية فنحو (¬4) أن يكون فاعلاً أو مفعولا كقولك: ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب) يعمر. يعتبر من العبرة، واستعمالها هنا خطأ شائع، صوابه يعد. (¬2) في: ساقطة من (ب) و (ج). (¬3) في (ب) و (ج): وأن. (¬4) في (ج): فمثل.

ضرب زيد عمراً، فزيد فاعل وعمرو مفعول، وأن يخبر عنه تارة، ويخبر به أخرى كقولك: الرجل قائم، فالرجل مخبر عنه (¬1)، والقائم الرجل، فالرجل ها هنا خبر، وعلى هذا علاماته المعنوية. * * * ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): بقولك. هذه الصورة خبراً، وكأن في تلك.

فصل في حد الفعل

فصل في حد الفعل وأما الفعل، فحده أنه لفظة تدل على معنى في نفسها مقترن بزمان محصل. فقولنا: "تدل على معنى في نفسها" احتراز من الحرف (¬1)، لأن الخرف يدل على معنى في غيره. وقولنا (¬2): "تدل على زمان"، لأن الفعل وضع ليدل على الزمان، ولهذا انقسمت معانيه في الدلالة على الزمان بانقسام الزمان، فكأن ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، كما أن الزمان منه ماض وحاضر ومستقبل. والفرق بينه وبين الاسم أن الاسم لا يدل مع معناه على زمان ذلك المعنى، إلا المصادر خاصة فإنها تدل على أزمنة مبهمة، فزادوا في حد الفعل لفظة "محصل" ليقع الفرق بين الأفعال ومصادرها. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): وفصل بينه وبين كما قيل في الاسم. والدلالة على المعنى بالإطلاق تشترك فيها الكلم الثلاث، وبالتخصيص المذكور تقع الميزة، ويتقوم كل محدود بفصله. (¬2) في (ج) عوضاً عن هذه الجملة من (وقولنا) حتى (ومصادرها) العبارة التالية: وقيل في حد الفعل: يدل على زمان، لأنه اقتطع اسم الحدث وهو المصدر ليدل على زمن المعنى الذي تحته مما وضع للدلالة عليه أولاً، وهو المصدر يشتركان في ذاك لكن المصدر يدل على زمن مبهم والفعل يدل على الزمن المعين، وهو الذي أشير إليه في حده بقولهم "محصل"، ولهذا انقسمت صيغه بانقسام الزمان، فكان منه الماضي وهو المنقضي، والحال عنه من يسرى الحال ويثبته وهو الدائم الراهن يراد بذاك وجوده، وأنه لم ينقطع ولم يتصرم، والمستقبل وهو الذي يقابل الماضي ويشاركه في أن زمن الأخبار به غير زمن وجوده. ومن البين أن الفعل قد باين مصدره بانقسامه انقسام الزمان في المضي والحضور والاستقبال فامتاز منه، وباين غير المصادر من الأسماء بدلالته على زمن معناه وضعاً لا عرضاً فافهم. وبلفظة محصل ومعين حد الفعل حد المصدر وغيره مما دل على زمن مبهم.

وسموه فعلاً ولم يسموه عملاً، لأن الفعل أهم من العمل (¬1)، ألا ترى أنك إذا أمرت مأموراً بالبناء مثلاً، فقلت: ابن داراً فائتمر جاز أن يقول: قد عملت ما أردت، وجاز أن يقول: قد فعلت، ولو قلت: تكلم مثلاً، ففعل، لم يقل إلا: قد فعلت ولم يحسن أن يقول: قد عملت فالفعل على ما أريتك أعم من العمل، فلذلك لقبوا هذا القسم فعلاً ولم يلقبوه عملاً، ولعلة أخرى حسنت فيه هذا اللقب دون غيره (¬2). فأما علاماته فمنها أيضاً لفظية، ومنها معنوية، فمن اللفظية أن يحسن دخول قد عليه كقولك: قد قام، وقد قعد، وقد يقوم وقد يقعد. وقد حرف يقرب (¬3) الفعل الذي يدخل عليه من زمن الوجود أي الحال. ومنها السين وسوف، وهما حرفان إذا دخلا على الفعل المضارع (¬4) أخلصاه للاستقبال وخلصاه من الشياع الذي كان يحتمله قبل دخولهما عليه، وذلك أن لفظ المضارع - مجرداً (¬5) من قرينة - يحتمل الحال والاستقبال، فهو صالح لهما على سبيل ¬

_ (¬1) في (ج) عوضاً عن هذه العبارة: قالوا: وسمي فعلاً، لأن المصدر الذي هو أصله فعل في المعنى، وقالوا فعل ولم يقولوا عمل، لأن لفظة فعل أهم من لفظة عمل. (¬2) في (ج) عوضاً من هذه العبارة من ولو قلت .. حتى غيره: ولو قلت تكلم فتكلم لقال: قد فعلت، ولم يسغ في عرف الاستعمال أن يقول: قد عملت. فالفعل على هذا أعم في الاستعمال من العمل، فلهذا لقبوا هذا القسم من الكلم الثلاث فعلا ولم يلقبوه عملاً ولغير ذاك مما حسن عندهم تلقيبه فعلاً دون غيره. (¬3) في (ج): يقرب الفعل الذي يدخل عليه من الماضي من زمن الوجود مع تأكيده أي الحال، ويفيد في المستقبل تقليلاً ... (¬4) المضارع: ساقطة من (أ) و (ب). (¬5) في (ج): إذا تجرد.

البدل، فإذا قلت (¬1): زيد يضرب احتمل "يضرب" أن يكون الحال، وجاز أن يكون للاستقبال، والحال أولى به لأنها الحاصلة الموجودة فإذا (¬2) أردت أن تخلصه للاستقبال وترفع عنه احتماله للحال أدخلته السين أو سوف فقلت: سيقوم أو سوف يقوم، فخلص للاستقبال، ولم يحتمل مع دخولهما إياه معنى غيره. وهما - وإن دلا على هذا المعنى واشتركا فيه - فبينهما فرق في الاستعمال، وذلك (¬3) أن سوف أشد تنفيساً زماناً من الزمان الذي تدل عليه السين. وكل مع ذاك للاستقبال. فقولك على هذا: سوف أكرمك، أشد تراخياً وبعداً في الزمن المستقبل من قولك: سأكرمك، وسأكرمك أقرب إلى زمن وجودك من سوف أكرمك. وتتصل السين بالفعل اتصالاً أشد من اتصال سوف به، وذلك ظاهر لأنها - أعني السين - على حرف واحد، فهي أشبه بما عليه غالب الحروف في اللفظ، وسوف على ثلاثة أحرف، فهي (¬4) قريبة الشبه من صيغ الأسماء (ومن خاصة الأسماء في الدلالة الاستقبال والاكتفاء) (¬5) ولذلك ساغ دخول اللام على سوف في مثل قوله عز وجل {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ ¬

_ (¬1) في (ج): فقولك: "زيد يضرب" يحتمل أن يكون في حال ضرب، وأن يكون مستقبلاله أي سيكون منه ضرب، والحال أولى بهذا الفعل من الاستقبال لأنها الحاصلة الموجودة مع احتماله غيرها. (¬2) في (ج): فان. (¬3) في (ج): وذلك أن سوف فيما أصلوه بعد البر أشد تنفيساً وأوسع زماناً من الزمان الذي محضته السين. (¬4) في (ج): فهي أشبه بما عليه غالب صيغ الأسماء. (¬5) ما بين قوسين ساقط من (أ) و (ب) ومثبت في (ج).

رَبُّكَ فَتَرْضَى} (¬1) [الضحى: 5] ولم يجز دخولها في السين، فلا تقول مثلاً: ولسأكرمك (¬2). وليست عند المحققين (¬3) - أعني السين - محذوفة من سوف، وإن أعطت معناها وكانت كبعض لفظها، بل كل منهما حرف موضوع برأسه. وذهب الكوفيون لما رأوا السين تدل من الإخلاص للاستقبال على ما تدل عليه سوف، وأنها كبعض لفظها (¬4) إلى أنها محذوفة منها ورووا: سوف أفعل، وسوف أفعل - بحذف الفاء - وسأفعل بحذف الواو والفاء (¬5) (وليس باب الحروف الحذف ولا التصرف). ويدلك على الميزة بينهما أنك تفرق بينهما في التسمية بهما - لو سميت - فتقول: إذا سميت بسوف أو أجريتها اسماً بإخبارك عنها هذا سوف وإن سوفاً كما قال: إن ليتا (¬6)، ولو أردت هذا في السين لقلت فيه: ساء، بما بينوه، فاعلمه (¬7). ومن علاماته اللفظية اتصال تاء الضمير وواوه وألفه ونونه به كقولك: قمت وقاما وقاموا وأشباه ذلك من (¬8) ضمائر الفاعلين. وإنما كانت هذه خاصة للفعل - أعني اتصال هذه الضمائر به - لأنها (¬9) فاعلة والفاعل يفتقر إليه الفعل، والأسماء لا تفتقر إلى ¬

_ (¬1) الضحى 93: 5. (¬2) في (ج): لسأكرمك. (¬3) انظر الأصناف 2/ 646، شرح المفصل 8: 148، وهو يقصد بقوله "المحققين" البصريين، لأنه قارن بين قولهم وقول الكوفيين. (¬4) وأنها كبعض لفظها: ساقطة من (ب) و (ج). (¬5) انتهى الحرم في (د). (¬6) يشير إلى قول أبي زبيد الطائي (؟ ): (ليت شعري وأين مني "لبت" ... أن "ليتا" وأن "لوا" عناء) (¬7) ما بين قوسين ساقط من (أ) و (ب) ومثبت في (ج) و (د). (¬8) في (ج) و (د): من الضمائر. (¬9) في (ج) و (د): لأنها ضمائر الفاعلين والفعل مفتقر إلى الفاعل مظهراً كان أو مضمراً والأسماء لا تفتقر إلى الفاعل بحق الأصل لا الظاهر منه ولا المضمر، فلم تتصل ..

الفاعل بحق الأصل، فلم تتصل هذه الضمائر به. فإن اتفق من الأسماء ما يفتقر إلى الفاعل (¬1) كالمصادر المعملة عمل الأفعال، وأسماء الفاعلين الجارية عليها، والصفات المشبهة بها، وما جرى هذا المجرى (كانت في الاحتياج إلى الفاعل محمولة على الفعل و) (¬2) لم تتصل هذه الضمائر به (¬3) كاتصالها بالفعل، لأن الفعل له العمل بحق الأصل، وهذه الأسماء فروع عليه (في العمل) (¬4) معها جملة مستغنية قائمة بنفسها، والأفعال معتد بما تتضمنه من الضمائر، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد يضرب، كان "يضرب" جملة تامة (¬5) من فعل وفاعل بالضمير الذي يتضمنه "يضرب"، إذ التقدير زيد يضرب هو، ولو قلت: زيد ضارب لكان (¬6) ضارب متحملاً ضميراً يرجع إلى زيد، ويرتفع بضارب رفع الفاعل بفعله، ولكن لا يعتد به، فيكون مع ضارب جملة كما كان جملة مع الفعل بدليل أنه يجوز أن تقول: يعجبني الذي يضرب، ولا تقول: يعجبني الذي ضارب إلا على تقدير ضعيف في القياس، وهو أن يقدر حذف فيكون التقدير الذي هو ضارب. ومن خواصه اتصال التاء الساكنة للتأنيث بآخره (¬7)، كقولك: قامت جمل وقعدت هند ونعمت المرأة وبئست الجارية، كما قال الشاعر: ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): فاعل. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب). (¬3) في (ج) و (د): بها على حد اتصالها بالفعل. (¬4) في (ج) و (د): فتكون بها جملاً مستقلة كما يكون ذلك في الأفعال. (¬5) يلي ذلك في (ج) و (د): بالضمير الذي فيه، والتقدير يضرب هو. (¬6) في (ج) و (د): لتحمل ضارب ضميراً راجعاً إلى زيد كما رجع إليه من يضرب، ولم يكن ضارب مع الضمير فيه جملة بدليل يعجبني الذي يضرب، ولا يجوز الذي ضارب في مطرد الاستعمال. (¬7) في (ج) و (د): بآخر الماضي منه.

( ................. ... ... نعمت زورق البلد (¬1)) تاء التأنيث تدخل الأسماء على حد، وتدخل الأفعال على غير ذلك الحد في المعنى، فلذلك اختلف حكماها (¬2) في اللفظ، لأن التي تلحق الأسماء (تلحقها) (¬3) (لمعنى) يصح وجوده في الاسم حقيقة، وهو التأنيث، وتتناول لفظ الفعل لمعنى لا يصح وجوده في الفعل حقيقة، إذ الأفعال لا يكون منها مذكر، ومنها مؤنث على الحقيقة (¬4) فدخول التاء (الساكنة) (¬5) فيها إنما هو للدلالة على تأنيث فاعلها. فالتي (¬6) تدخل الأسماء تتحرك وتكون حرف إعراب في الاسم، ويختلف حكمها في الوصل والوقف في اللغة الجيدة، فتكون تاء في الوصل، فإذا وقفت عليها قلبتها هاء، كقولك: قائمة ومسلمة (والخط على الوقف فلذلك كتبت في حالتيها هاء .. وهي في الفعل كيف وقعت تاء ممدودة) (¬7). ومن (¬8) العرب من يقف على لفظها الذي لها في الوصل، فتكون تاء في ¬

_ (¬1) الشاهد من قصيدة لذي الرمة (77/ 69 - 117/ 735) مدح بها بلال بن أبي بردة ( .. - 126/ 744)، والبيت بتمامه: (أو حرَّة عيطل "ثبجاء" مجفرة ... دعائم النور نعمت زورق البلد) أنت نعم، مع أنه مسند إلى مذكر وهو زورق البلد، لأنه يريد الناقة فأنت على المعنى. الحرة: الكريمة وأراد بها الناقة، العيطل: الطويلة العنق. ثبجاء: الثبج: الصدر قال ابن يعيش: ثبجاء: عظيمة السنام. الدعائم: القوائم، الزور: أعلى الصدر. مجفرة: عظيمة الجرم. ونصب دعائم الزور على التشبيه بالمفعول به فهو من باب الحسن الوجه. وهو في الديوان 203، معاني القرآن 1: 268، اللسان (نعم) و (زرق)، الخزانة 4: 119. (¬2) في (آ) و (د): حكماهما. (¬3) تلحقها: ساقطة من الأصل ومثبتة في (ب) و (جـ) و (د). (¬4) يلي ذلك في (ج) و (د): فتحتاج إلى علامة فارقة بين المعنيين. (¬5) الساكنة: ساقطة من (آ) ومثبتة في (ب) و (جـ) و (د). (¬6) في (ج) و (د): والتي تدخل الاسم تتحرك، وتكون حرف إعراب فيه، ويختلف حكم اللفظ بها في الوصل .. (¬7) ما بين القوسين ساقط من (آ)، (ب). (¬8) في (ج) و (د): ومن العرب من يقف عليها في الأسماء بالتاء كما يصلها أهل اللغة الكثرى.

الحالتين فيقول: هذه قائمة ومسلمت، وعليه أنشدوا: (الله نجاك بكفي مسلمت ... .......... (¬1)) وروي في بعض كلامهم: يا أصحاب سورة البقرة، فأجاب المجيب: والله ما معي منها آيت، يريد ذلك البقرة، ويريد هذا آية. والتاء الداخلة على الفعل تاء ساكنة في الوصل والوقف، لا تتحرك إلا أن يلقاها ساكن كقولك: قامت المرأة. ومن خواصه دخول حرف الجزم عليه كقولك: لم يضرب ولم يقم ولم يرم. وحروف الجزم في الأفعال نظيرتها (¬2) حروف الجر في الأسماء، لأن معاني كل واحد من القسمين - أعني الجوار والجوازم - إنما تصح فيما اختصت به فالجوار - مختصة بالاسم، لأن معانيها لا تصح إلا فيه، والجوازم مختصة بالأفعال لأن معانيها لا تصح إلا فيها، والحرف إنما وضع (¬3) بحيث يصح معناه. ومن خواصه اتصال النون الشديدة أو الخفيفة به للتأكيد كقولك: هل تقومن يا زيد وهل تقومن يا عمرو، فهاتان النونان تدخلان الفعل لتأكيده، فهما من خواصه كما أن التنوين من خواص الأسماء. فأما علاماته الفعل المعنوية، فمثل أن (¬4) يكون أبداً مسنداً إلى غيره ¬

_ (¬1) الشاهد من أربعة أبيات من الرجز المشطور لأبي النجم العجلي ( .. - 130/ 747) وهي: (الله نجَّاك بكفي سلمت ... من بعدما وبعدما وبعدمت) (صات نفوس القوم عند الغلصمت ... وكادت الحرة أن تدعى أمت) والغلصمت: رأس الحلقوم. وهو في: أوضح المسالك 3: 291، قطر الندى: 325 والرواية فيها: والله أنجاك، شرح المفصل 5: 89، شرح شواهد الثافية: 218 اللسان (ما - حرف الألف اللينة). (¬2) في (آ) و (د): نظيرها. (¬3) في (ج) و (د): يوضع. (¬4) في (ب) و (د): أنه.

ولا يسند غيره إليه، وربما جعل (¬1) هذا حداً له وليس بحد بل رسم (¬2) له والحد التام له ما بدأنا به. ولفظة الإسناد أعم من لفظة الإخبار، لأن الإخبار ما احتمل الصدق والكذب فلم ينطلق إلا على ما احتملهما، والإسناد ينطلق على ما احتملهما وهو الخبر وعلى ما لا يحتملهما كالاستفهام والنهي وما أشبه ذلك مما ليس بخبر، فكل خبر مسند، وليس كل مسند خبراً، فلهذا كان استعمال الإسناد في تعريف الفعل أولى من استعمال الإخبار. فأما انقسام الفعل في الصيغ إلى ثلاثة أقسام، فأمر يخص لفظه، وهو المعنى الذي يسمى التصرف. فمنها أن يكون للماضي فيكون آخره مفتوحاً أبداً ما لم يتصل به ضمير الفاعل كقولك: قام زيد وخرج عمرو أو زيد قام وعمرو خرج، فإذا اتصل به ضمير الفاعل سكن آخره مع تاء المتكلم والمخاطب، ذكراً كان أو أنثى، ونون جماعة الإناث كقولك: ذهبتُ، وذهبتَ، وذهبتِ، وذهبنَ، وذهبتما، وذهبتم، وذهبتن، وضم مع اتصال الواو التي للغيب الفاعلين به، فقلت: ذهبوا. ومنها أن تدخله الزوائد الأربع في أوله كهمزة المتكلم في قولك: أقوم أنا وتاء المخاطب المذكر كقولك: تقوم أنت، والمؤنثة الغائبة كقولك: نقوم هي، ونون المتكلم ومن معه، أو الواحد العظيم في نفسه حملاً على الجامعة نحو: نقوم نحن، وياء المذكر الغائب نحو: يقوم هو. فهذه الحروف الأربعة تسمى حروف المضارعة، والفعل الذي دخلته يسمى مضارعاً، وسمي مضارعاً لمشابهته الأسماء، والمضارعة في اللغة المشابهة ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): جملة بعضهم. (¬2) بل رسم: ساقطة من (د).

وشبهه (¬1) بالاسم أنه يكون شائعاً بين الزمانين: الحال والاستقبال، تقول: يقوم زيد ويصلي عمرو فيصلح للحال، أي هو في حال قيام وصلاة، ويصلح للاستقبال أي يقوم غذاً، ويصلى غداً أو وقتاً ما (¬2) آخر من أوقات الاستقبال فإذا دخلته السين أو سوف أخلصتاه للاستقبال وقصرتاه بعد أن كان شائعاً على مخصوص، فكان ذلك كالاسم المنكور، يكون مشتركاً بين أشخاص النوع شائعاً فيها، يصلح لكل واحد منها على وجهة البدل، فإذا أرادت إخلاصه لأحدها واختصاصه به ألحقته الألف واللام (كقولك: رجل، ثم تقول: الرجل، فيختص بهما، أعني الألف واللام) (¬3)، فقد شابه الفعل المضارع الاسم من هذه الجهة، ومن جهات أخر، منها لحاق اللام له في قولك: إن زيداً ليقوم كما تلحق الاسم في مثل: إن زيداً لقائم، ولا تدخل هذه اللام على (¬4) الفعل الماضي إذا وقع خبراً، لأنك لا تقول: إن زيداً لقام على حد قولك ليقوم، لأن الماضي لا نسبة بينه وبين الاسم في معنى كما بين المضارع وبين الاسم، فللمضارعة بينهما جاز أن يدخله بعض ما يدخل الاسم. ولا يزال هذا الفعل مرفوعاً ما عري من (¬5) النواصب والجوازم ولم يعرض له ما يرده مبنياً، ورفعه بوقوعه موقع الاسم، فالعامل فيه الرفع على هذا معنوي. والثالث من أمثلة الفعل هو المثال الموقوف الآخر، وذلك هو فعل الأمر للمواجه في قول البصريين، وهو مبني عندهم لأنه باق على أصله، لم يشبه الاسم فيستحق الإعراب، كقولك: قم يا زيد، وأكرم يا عمرو. فأما فعل الأمر للغائب فتلحقه اللام كقولك: ليقم زيد وليخرج عمرو، وهو مغرب مجزوم عند البصريين والكوفيين إجماعاً. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): وشبه هذا الضرب من الأفعال بالاسم. (¬2) ما: ساقطة من الأصل ومثبتة في (ب) و (ج) و (د). (¬3) ما بين قوسين من (آ) و (ب) ومثبت في (ج) و (د). (¬4) على: ساقطة من (د). (¬5) في (آ): عن، وفي (ب) و (د): من.

فصل في تعريف الحرف

فصل في تعريف الحرف قوله: الحرف ما جاء لمعنى، ليس فيه معنى اسم ولا فعل (¬1) ... الحرف هو القسم الثالث من الكلم الثلاث، وينحط عن رتبة الفعل كما انحط الفعل عن رتبة الاسم، وذلك أن الاسم يخبر عنه وبه كما علمت، والفعل يخبر به، ولا يخبر عنه، والحرف لا يخبر به ولا عنه. وحده أنه كلمة تجيء لمعنى في غيرها من إثبات أو نفي، أو غير ذلك من المعاني. وربما قالوا: الحرف ما جاء لمعنى ليس بمعنى اسم ولا فعل. وربما قيل أيضاً: الحرف ما لم يكن أحد جزئي الجملة وجزءا الجملة ركناها، وهما: الخبر والمخبر عنه. فأما الرسم الأول، وهو كونه دالاً على معنى في غيره فبين، وذلك أنك (¬2) إذا قلت: قام زيد كان هذا الكلام خبراً محضاً يحتمل الصدق والكذب، فإذا ألحقته هل فقلت: هل قام زيد؟ صار (¬3) الكلام استفهاماً لا يحتمل صدقاً ولا كذباً بعد أن كان خبراً يحتملهما، فقد دلت هل وهي الحرف على معنى - وهو الاستفهام - في غيرها وهو قيام زيد. وأما كونه لفظة دالة على معنى، ليس باسم ولا فعل فلأن معنى الاستفهام في مثالنا الذي مثلنا به، ليس بالفعل الذي هو قام، ولا الاسم الذي ¬

_ (¬1) الجمل 2/ 1. (¬2) أنك: ساقطة من (ب) و (ج). (¬3) في (ج) و (د): صار هذا الكلام.

هو زيد. وإن شئت فسرته بأن الاسم يدل على معنى في ذاته، وكذلك الفعل، والحرف يدل على معنى في غيره، فليس معناه حينئذ معنى اسم ولا فعل، إذ كان لا يدل على معنى في ذاته. وكونه ليس بأحد جزئي الجملة ظاهر أيضاً في تمثيلنا، لأن الحديث هو قولك: قام وهو ركن، وإن شئت قلت: جزء (¬1) للجملة. وزيد المحدث عنه، وهو جزء الجملة الآخر (¬2)، وهل الداخلة عليهما للاستفهام (¬3) ليس بواحد منهما، إذ لو كانت ركناً من أركان الجملة لم يكن للجملة بد منها، وفي استقلال الجملة بنفسها دونها دليل على أنها نيف وزيادة لمعنى لا هو الخبر ولا المخبر عنه. فأما اشتقاقه فمن حرف الشيء وهو طرفه، وذلك أنه يكون تارة وصلة للاسم وتارة وصلة للفعل، فهو كالطرف لهما. والحرف ينقسم انقسامات: منها انقسامه من طريق العمل والإهمال، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون عاملاً، وهو كل حرف اختص بأحد القبيلين: الاسم أو الفعل، فيعمل فيما اختص به، كحروف الجر المختصة بالأسماء، وكحروف الجزء المختصة بالأفعال، أو يكون مهملاً فلا يعمل، وذلك إذا كان متردداً في الدخول على القبيلين: الاسم والفعل، يدخل على هذا تارة وعلى هذا أخرى، كحروف الاستفهام وما أشبهها، ألا ترى أنك تقول: هل قام زيد وهل زيد قائم. أو يكون عاملاً عند قوم على صفة مخصوصة ومهملاً عند غيرهم، كما النافية عند أهل الحجاز، فأنها عاملة عندهم عمل ليس من رفع الاسم ونصب الخبر، بشرط ألا ينتفض النفي الذي تدل عليه، ولا يتقدم خبرها على اسمها. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): جزءاً الجملة. (¬2) يلي ذلك في (ج) و (د): وركنها أيضاً. (¬3) في (ج) و (د): لمعناها وهو الاستفهام.

وهي عند تميم وغيرهم من العرب، خلال الحجازيين مهملة غير عاملة. ومن انقساماته انقسامه (¬1) من طريق لفظه وصيغته، وذلك أن منه ما هو على حرف واحد كباء الجر وواو العطف، ويسمى أحادياً، ومنه ما هو على حرفين كعن وهل وقد وبل ويسمى ثنائياً، ومنه ما هو على ثلاثة أحرف كأن وثم وسوف ويسمى ثلاثياً، ومنه ما هو على أربعة أحرف نحو حتى وإلا وأما ويسمى رباعياً، ومنه ما هو على خمسة أحرف وهو لكن وذلك نزر فيه. ومنه ما هو موقوف الآخر كمن وما ومنه ما هو محرك الآخر، إما بالفتح كثم وليث وإنَّ أو بالضم وهو منذ (¬2) في لغة من يجربها، أو بالكسر نحو جير في قول من يراها حرفاً، إلى غير ذلك من خواصه. وربما عرف بعلامة سلبية فقيل: الحرف ما لم تحسن فيه علامات الأسماء ولا علامات الأفعال، ألا ترى أنك لا تقول: من قد ولا قد سوف. فأما معاني الحروف التي وضعت لها لتدل عليها، فتجيء في فرش الأبواب إن الله شاء. وإذ قد عرفت هذه الخواص، لهذه الكلم الثلاث التي يمتاز بها بعضها عن بعض، فربما وردت عليك لفظة لا تكاد تقبل في الظاهر شيئاً منها، فإذا أردت سَبرَها - هل هي اسم أو فعل أو حرف - فعرضت (¬3) عليها علامات الأسماء فلم تقبلها وعلامات الأفعال فلم تصح فيها ثم لم ترها تدل على ما تدل عليه الحروف من المعنى في غيرها عدلت إلى الحكم عليها بأنها اسم لأن الاسم هو الأصل، والمجهولات ترد إلى الأصول وتحمل عليها دون الفروع. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): انقسام. (¬2) في (د) كمنذ. (¬3) في (ج) و (د): فعرضت عليها العلامات المذكورة أو غيرها مما يعرف الكلمة ما هي مما لم نذكره، وقد ذكر في غير هذا الاختصار فنبا عنه استعماله فيها، فاعدل إلى الحكم على الكلمة بأنها اسم دون الفعل والحرف، لأن الاسم هو الأصل ...

فمن ذلك "كيف" (¬1)، لا تحسن فيها علامات الأسماء في اللغة الجيدة (¬2) وإن كانوا قد حكوا في الشواذ: على كيف تبيع الأحمرين؟ وحكوا أيضاً: انظر إلى كيف يصنع، فأدخلوا عليه حروف الجر كما ترى، فليس ذلك بالشائع ولا القياس (¬3)، وإن كان فيه بعض التنبيه على أن العرب وضعت الكلمة اسماً. وطريق النظر إن سبرتَ وقَسمتَ أن تحللها، فتقول: لا تخلو كيف من أن تكون اسماً، أو فعلاً، أو حرفاً (وقد قدمنا أن الأسماء هي الأصول) (¬4)، فلا تكون فعلا لأن الأفعال تليها إذا قلت: كيف تصنع؟ وكيف تقول؟ ، والفعل لا يلي الفعل إلا أن يكون بينهما (¬5) حاجز مقدر، وذلك في التحقيق لم يله وليس بين كيف وما وليها من الفعل حاجز مقدر - أعني ضميراً مستتراً - فبطل أن تكون فعلاً، ولا تكون حرفاً لا يستقل به مع الاسم كلام تام إلا في النداء نحو قولك (¬6): يا زيد، وليس قولك: كيف زيد بنداء، وهو كلام تام فبطل أن تكون حرفاً، فإذا لم تكن فعلاً ولا حرفاً بقي أن تكون اسماً. وعلى (¬7) هذا فقس أمثاله. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): مثال ما ذكرناه كيف. (¬2) في (ج): الشائعة. (¬3) في (ب): القياس الفاشي. (¬4) ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب). (¬5) في (ج) و (د): بين لفظيهما. (¬6) في (ب): في قولك وفي (ج) و (د): إذا قلت. (¬7) في (ج) و (د): فعلى هذا فقس، وبمثل هذا النظر فاسبر أمثاله مما يرد عليك منه.

فصل أعلم أن الكلم الثلاث، إذا ألف بعضها مع بعض حصل (¬1) من ذلك ستة تآليف، اثنان منها مفيدان إفادة مطردة، وآخر منها مفيد إفادة مخصوصة بموضع واحد مقصورة عليه، وثلاث مطرحة لأنها لا تفيد. والقسمان الأولان: الاسم مع الاسم كقولك: زيد منطلق، والله إلهنا والفعل مع الاسم كقولك: قام زيد وانطلق بشر، والثالث مخصوص وهو الحرف مع الاسم، في النداء خاصة، كقولك يا زيد، والثلاثة المطرحة هي الفعل مع الفعل والحرف مع الفعل، والحرف مع الحرف. فإذا وقعت الفائدة بالتآليف على ما ذكرنا، سمي ذلك المؤتلف كلاماً. فالكلام اسم للمفيد عند النحويين، يدلك على ذلك من رأيهم قول سيبويه (¬2): "وأعلم أن كلمة "قلت"، إنما وقعت في كلام العرب ¬

_ (¬1) " في (ج) و (د): حصل من ذلك تسعة تآليف، يسقط منها ثلاثة للتكرير فتبقى ستة. اثنان منها مفيدان إفادة مطردة وثالث مفيد مخصوصة، وإلى أحد الاثنين يرجع كما سنبين في موضعه، وثلاثة مطرحة لأنها لا تفيد. والقسمان الأولان المطردان في الإفادة، الاسم مع الاسم كقولك زيد منطلق، والله إلهنا، والفعل مع الاسم كقولك قام زيد وينطلق بشر في المظهر من الأسماء وفي المضمر منها كقولك في الأمر قم وفي النهي لا تقم. والثالث المخصوص في الإفادة هو الحرف مع الاسم في النداء خاصة كقولك: يا زيد، والثلاثة المطرحة في التأليف هي الفعل مع الفعل والحرف مع الفعل والحرف مع الحرف. (¬2): أبو البشر، عمرو بن عثمان بن قنبر (148/ 765 - 180/ 796)، إمام النحاة وأول من بسط علم النحو وترك فيه (الكتاب) لزم الخليل ففاقة، مات بالأهواز وقيل بشيراز، مراتب النحويين: 50، نزهة الألبا: 71، وفيات الأعيان 1: 385.

على أن يحكى بها، وإنما يحكى بها بعد القول ما كان كلاماً لا قولاً نحو: قلت: زيد منطلق" (¬1). يريد بالكلام الجملة التامة قد عمل بعضها في بعض، تقع بعد قلت محكية للفظ، فيكون موضعها نصباً بقلت كقولك: قلت: زيد قائم وقلت: انطلق زيد، وقلت: هل زيد منطلق، وقلت: قم يا زيد: . كل هذه جمل محكية بعد "قلت" مستقلة بأنفسها في الفائدة، وهي التي تسمى كلاماً. واشتقاق الكلام من الكلم وهو الجرح، لأن له تأثيراً في نفس السامع وفي سمعه أيضاً، ولهذا قال الشاعر: ( ............. ... وجرح اللسان كجرح اليد (¬2)) قال الآخر: ( .................. ... والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر (¬3)) وقال الآخر: (فإن القوافي يتلجن موالجاً ... تضايق عنها أن تولجها الإبر (¬4)) ¬

_ (¬1) الكتاب 1: 2. (¬2) الشاهد عجز بيت لامرئ القيس (130/ 467 – 80/ 545) وصلته: (وذلك من نبأ جاءني ... ونبثته عن أبي الأسود) (ولو عن نشا غيره جاءني ... وجرح اللسان تجرح اليد) وهو في الديوان: 185، الجمهرة 2: 55، العمدة: 1: 78. (¬3) الشاهد للأخطل التغلبي (19/ 640 – 90/ 780)، وصدره حتى استكانوا وهم مني على مضض. وهو في الديوان: 105، البيان والتبيين 1: 158، الخصائص 1: 15. (¬4) الشاهد لطرفة بن العبد البكري (86/ 538 – 60/ 564). يتلجن: يدخلن، من الولوج. وهو في الديوان: 47 مجاز القرآن 1: 254، 284، العمدة: 1: 78، شرح المفصل: 10: 37، أوضح المسالك 3: 328، اللسان (ولج)، المقاصد النحوية 4: 581، التاج (ولج).

وفسر المفسرون قوله عز وجل {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} (¬1) [النمل: 82] من الكلام ومن الجراح، وقرأ بعض القراء: تكلمهم، بالتخفيف وفتح التاء. وحدث الكلام أنه جملة (¬2) مؤلفة من الحروف المسموعة المتمايزة المفيدة فائدة تامة يحسن السكوت عليها، وهو في قول المحققين اسم موضوع موضع المصدر، وليس بمصدر، لأنه لا يخلو من أن يكون مصدراً لكلم أو تكلم، ومصدر كلم التكليم، قال الله عز وجل {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬3) [النساء: 164]، ومصدر تكلم التكلم بدليل قول القائل: ( ............. ... ونشتم بالأفعال لا بالتكلم (¬4)) وأنت تقول: كلمته كلاماً حسناً، وتكلمت كلاماً جيداً، وليس الكلام ¬

_ (¬1) صلة الآية {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]. (¬2): في (ج) و (د): وقد حدوا الكلام بحد نحوي، وذلك قول من قال إنه جملة مؤلفة .. (¬3) صلة الآية {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]. (¬4) قائله معبد بن علقمة المازني ( .. – 70/ 690) وهو بتمامه: (وتجهل أيدينا ويحلم رأينا ... وتشتم بالأفعال لا بالتكلم) حماسة أبي تمام 2: 183، التنبيه على أوهام القالي: 45.

بأحد المصدرين المتقدمين الجاريين على الفعلين (¬1)، فهو لذلك واقع موقعهما، وهو بمنزلة السلام من التسليم، إذا قلت: سلمت سلاماً، فسلام اسم واقع موقع التسليم، والفرق بينه وبين الكلم أن الكلم جنس لكلمة يعمها (¬2)، فكلمة وكلم كثيفة ونبق ولبنة ولبن. والكلام (¬3) أقل ما يكون ثلاثة أجزاء، ويكون مفيداً وغير مفيد والكلام لا يشترط فيه عدة الأجزاء، ولكن تشترط فيه الإفادة فقط. والقول أعم منهما، فإذا قلت: زيد منطلق، سميت هذا اللفظ كلاماً لأنه مفيد وقولاً لأنه ينطلق (¬4) على المفيد وغير المفيد ولم تسمه كلماً، لأن أقل ما ينطلق عليه الكلم كما تقدمنا ما كان ثلاثة أجزاء. وقولك: زيد منطلق جزءان، إلا في قول من يطلق على الاثنين اسم الجمع، وليس ذلك بالمأخوذ به في التحقيق (¬5). ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): على الفعلين اللذين مثلنا بهما لكنه واقع موقعهما، وهو فيما مثلوا بمنزلة السلام من التسليم إذا قلت: سلمت سلاماً، فسلام واقع موقع التسليم. (¬2) في (ج) و (د): يعم كل لفظة مفردة. (¬3) في (ج) و (د): فأقل ما يكون الكلام ثلاثة أجزاء ويجوز أن يكون مفيداً أو غير مفيد .. (¬4) في (ج) و (د): ينطلق في عرفهم على المفيد وغيره. (¬5) يلي ذلك في (ج) و (د): لما قد بينوه من الفرق بين الاثنين والجمع.

وإذا قلت: إن زيداً منطلق، سميته كلاماً لإفادته، وكلماً لكونه جمعاً (¬1)، وقولاً لعمومه كل منطوق به. وإذا قلت: من عن مثلاً، لم تسمه كلاماً لأنه غير مفيد، ولا كلماً لأنه (¬2) ليس بجمع، بل قولاً على مقتضى الصناعة، لعمومه المفيد وغير المفيد، ولهذا لو سموه كلاماً قيدوه بالصفة فقالوا: كلام غير مفيد، وإن شاءوا (¬3) قالوا فيه أيضاً: قول غير مفيد. فأما الكلمة فمنطلقة في أصل الوضع على الجزء الواحد من الكلم الثلاث، وقد جاءت في استعمالهم منطلقة على الجمل الكثيرة المرتبط بعضها ببعض، فمن ذلك تسميتهم القصيدة بأسرها كلمة، فيقولون: لفلان كلمة شاعرة وكلمة مخزية، يريدون القصيدة. وروي أن حسان بن ثابت (¬4) شاعر ¬

_ (¬1) في (ج): لكونه جمعاً لكلمة، وقولا ً لعموم القول كل منطوق به. (¬2) في (ج) و (د): لأنه غير جمع، بل جاز أن تسميه على مقتضى الصناعة قولاً لعمومه المفيد وغيره. (¬3) في (ج) و (د): وإن شاؤوا قالوا أيضاً: قول غير مفيد. (¬4): أبو الوليد الأنصاري ( ... – 54/ 674) شاعر النبي (ص)، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام. طبقات فحول الشعراء: 52، الشعر والشعراء: 104، الخزانة 1: 111.

النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا قيل له أنشدنا، قال: هل أنشدتم (¬1) كلمة الحويدرة (¬2)، يريد قصيدته العينية التي أولها: (بكرت سمية بكرة فتمتع ... ............. (¬3)) وتسميتهم لها "كلمة" (¬4) استعمال للمفرد (¬5) استعمال الجنس في موضع الجمع، لأن القصيدة تشتمل على كلمات كثيرة، وإن شئت قلت: لأن القصيدة أو الخطبة أو المثل لما كانت الجملة من كل واحد من هذه الأشياء مرتبطاً بعضها ببعض، أجري عليها حكم الجزء الواحد، فاستعمل لها (¬6) اسمه. ولهذا أيضاً سموا البيت كله قافية، والقافية جزء منه معلوم، وسموا القصيدة كلها قافية والبيت جزء منها، فقالوا: لفلان مئة قافية أي مئة قصيدة. ¬

_ (¬1) في (ج): أنشدكم. (¬2): قطبة بن أوس بن محصن بن جرول المازني الغزاري الغطفاني (؟ ) شاعر جاهلي. يلقب بالحادرة (الضخم) أو الحويدرة. طبقات فحول الشعراء: 143، الأغاني 3: 82. (¬3) عجزه: وغدوت غدو مفارق لم يربع الديوان: 3، المفضليات: 43. أي أدركها فتمتع منها بسلام أو حديث. (¬4) يلي ذلك في (ج) و (د): أعني القصيدة. (¬5) في (د): استعمال للمفرد استعمال الجنس، ثم استعمال الجنس في موضع الجمل. (¬6) في (ج) و (د): فيها.

وإن شئت قلت: إنهم يعبرون عن الكثير بلفظ القليل تركاً لاستعظامه وإظهاراً لاستقلاله، كما أنهم قد يفخمون القليل فيعبرون عنه بلفظ الكثير، كل ذلك تصرف منهم في الاستعمال، واتساع في العبارة. ومن المعنى الأول قولهم: اقطعوا إليه هذه النطفة، يريدون (¬1) البحر، والنطفة في الأصل القطرة. وإن شئت قلت: سميت القصيدة كلمة، يراد أنها قطعة من اللفظ، كما يقولون: كنا في لحمة ونبيذة طيبة، يريدون قطعة من ذلك، والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): يريدون خليجاً أو نهراً.

فصل في الفرق بين الإعراب والبناء والمعرب والمبني

"فصل في الفرق بين الإعراب والبناء والمعرب والمبني" الإعراب، في أصل الوضع، مصدر أعرب الرجل إعراباً إذا أبان عما في نفسه، ومنه الحديث البكر تستأذن، وأذنها صماتها، والثيب يعرب عنها لسانها" (¬1). وحده أنه تغيير يلحق آخر الكلمة المعربة بحركة أو سكون، لفظاً أو تقديراً، بتغير العوامل في أولها. وفائدته أنه يفرّق بين المعاني المختلفة التي لو لم يدخل الإعراب الكلمة التي تتعاقب عليها تلك المعاني التبست. والمثال في ذلك المسألة المذكورة، وهي قولهم: ما أحسن زيداً وما أحسن زيد. صيغة الكلام واحدة، ومعانيه مختلفة فإذا نصبت زيداً وفتحت النون من أحسن كان الكلام تعجباً، وإذا رفعت زيداً مع فتح النون كان الكلام نفياً للإحسان عنه، وإذا رفعت النون وجررت زيداً كان الكلام استفهاماً عن الشيء الذي هو أحسن ما في زيد، كأنك سألت: أعين زيد أحسن. ما فيه أم أنفه أم فمه، إلى غير ذلك مما يصح الاستفهام عنه منه، فلولا اختلاف الحركات التي هي الرفع والنصب والجر المتعاقبة على دال زيد التبست هذه المعاني، فلم يكن بين بعضها وبعض فرق في اللفظ. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 12: 301 في باب الحيل والنكاح وفي صحيح مسلم 4121: باب استئذان الثيَّب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت وفي مسند ابن حنبل: 4: 192. وورد في هذه المسانيد بروايات مختلفة.

إلى غير ذلك من المسائل التي تتبين (¬1) فيها فائدة الإعراب. وأما البناء فهو لزوم آخر الكلمة لسكون أو حركة، وذانك السكون والحركة لا يكونان (¬2) عن عامل كما كانت حركة الإعراب وسكونه عن عامل. وإذ قد عرفت الفصل بين الإعراب والبناء، فيجب أم تعلم أن المعرب من الكلم الثلاث شيئان وهما: الاسم المتمكن، وهو الذي لم يتضمن معنى حرف ولم يشبهه ولم يقع موقع مبنيّ، والفعل المضارع. فواحد من هذين معرب بحق الأصل، وهو الاسم الذي وصفناه، والآخر محمول عليه، وهو الفعل المضارع، وكان حقه أن يكون مبنياً لولا (¬3) شبه عرض له الحقه بحكم الاسم في الإعراب. وبالجملة، فالإعراب في الأسماء أصل، لأنها معرضة للمعاني المختلفة التي تقتضي دلائل تفرق بين بعضها وبعض، والبناء فيها استحسان وفرع، والبناء في الأفعال أصل والإعراب فيها استحسان وفرع. والحروف كلها مبنية، باقية على أصولها في الوضع، تجذب إليها ما يشبهها من القسمين أعني الاسم والفعل، ولا تنجذب إلى شيء منهما وهي باقية على نوعها كما بقى ذلك مع شبهها. فالاسم المتمكن كقولك: رجل وفرس وزيد وعمرو، وهذه الأسماء وما أشبهها متمكنات، أي لازمة لأمكنتها التي هي لها في الأصل، لم تتضمن معنى حرف كـ "أين وكيف" المتضمنتين معنى همزة الاستفهام، ولم تشبه الحرف كالذي وهو المشبهين للحرف في افتقارهما إلى شيء آخر يتمان ويتبينان، كافتقار الحرف إلى ما يتصل به. فالافتقار يجمعهما في شبهه وإن اختلف وجهاه فيهما. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): التي تتبين فائدة الإعراب فيها، مما فائدته فوق ما ذكرنا وأعلى. (¬2) في (ج) و (د): لا يكون. (¬3) في (ج) و (د): لولا شبهه بالاسم الذي عرض له فألحقه به في الإعراب.

فافتقار الموصول - وهو الذي - إلى صلة، والمضمر - وهو قولك: هو - مفتقر إلى ظاهر يرجع إليه، ولم تقع موقع مبني كتَراك ونزالِ الواقعتين موقعَ أترك وأنزِل. فهو (¬1) أي الاسم الذي هذه صفته جار بوجوه الإعراب، وهي الرفع كقولك: جاءني زيد، والنصب كقولك: رأيت زيداً، والجر كقولك: مررت بزيد. والفعل المضارع وصفته ما كان في أوله إحدى زوائد أربعَ وهي (همزة المتكلم نحو أذهب أنا، ونون المتكلم ومن معه نحو نذهب نحن، وهذه النون قد تكون للواحد بشرط أن يكون عظيماً في نفسه، قال الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (¬2) [يوسف: 3]، والتاء للمذكر الحاضر كقولك: تقوم أنتَ، وللمؤنثة الغائبة نحو تقوم هي، والياء للمذكر الغائب نحو: يقوم هو. فكل فعل كانت في أوله زائدة من هذه الزوائد، لأحد هذه المعاني كان مضارعاً، وسمي مضارعاً لمشابهته الاسم، يقال: تضارع الشيئان إذا تشابها، واشتقاق ذلك من الضرع، وقد سبق ذكر المضارعة من أين جاءت الفعل، فلنذكر الآن العلة في زيادة هذه الحروف - أعني حروف المضارعة - دون غيرها من الحروف، فنقول: إن المحققين قرروا أن أولى ما زيد حروف المدوللين، وهي - كما تعلم - الألف والياء والواو، وإنما كانت هذه الحروف أولى من غيرها بالزيادة لأن الكلم، لا تكاد تخلو (¬3) منها، أو من أبعاضها، وأبعاضها هي الفتحة والكسرة والضمة. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): فالاسم الذي هذه صفته، البريء من هذه المشابهات التي ذكرنا، جار ... (¬2) [يوسف: 3] {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}. (¬3) ما بين قوسين ساقط من (ب).

والمعاني التي يحتاج لأجلها إلى زيادة هذه الحروف في الأفعال، ليقع بها الفرق بين بعضها وبعض أربعة كما قد علمت، فاحتيج مع حروف اللين الثلاثة إلى حرف رابع يكملها، فضموا إليها النون، لأنها أشبه الحروف الصحاح بالحروف المعتلة، لزيادة الصوت فيها، وهو (¬1) الغنَّة - كزيادته في تلك، وهو المد ـ فيها، أي في الحروف الثلاثة، ولكونها ذاتَ مخرجين، من اللسان تارة، وذلك إذا تحركت، ومن الخياشيم أخرى، وذلك إذا سكنت كنون "مِنْ" و"عَن". ولهذا الشبه بينها وبينهنَّ أبْدلت منهن في كثير من المواضع وأبدلن منها، كإبدال الألف من التنوين في حال الوقف على المنصوب في جيد اللغة حين تقول: رأيت زيداً، وكإبدال النون من الواو في قولك في النسب إلى صنعاءَ وبهراءَ (¬2): صنعاني وبهرانيّ والأصل صنعاويّ وبهراويّ، إلى غير ذلك من وجوه شبه بينها وبينهنّ يطول بذكرها الفصل. فلما كملت الحروف أربعة، وهي "الواو" و"الألف" و"الياء" و"النون"، أرادوا أن يزيدوا الواو، فصدّهم مع إمكان ذلك أن أنّ من الأفعال ما فاؤه "واو" أن يزيدوا الواو، فصدهم مع إمكان ذلك أن من الأفعال ما فاؤه "واو" نحو وزن ووعد وورد، فلو زادوا الواو للمضارعة لاجتمع في أول هذا الضرب من الأفعال - وهو المعتل الفاء بالواو - واوان: الأصلية، وحرف المضارعة، وربما عرضت للدخول عليهما واو العطف كما تعرض لغير ذلك، إذ كان عطف الفعل على فعل مثله شائعاً، فكان ذلك يؤدي إلى اجتماع ثلاث واوات فيشبه مع ثقله صوتاً منكراً، فاطرحوا زيادة الواو لذا ومثله، فعدلوا عنها إلى التاء، لأنها قد أبدلت منها كثيراً في مثل تجاه وتراث وأصلهما وجاه ووارث كقولك: الوجه وواجهت، وورثت، فأقاموها مقام الواو، واشترك في لفظها المذكر والحاضر، لأنه مخاطب، وللمخاطب التاء، والمؤنثة الغائبة، والتاء من علامات التأنيث أيضاً. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): وهو الغُنَّة، كزيادة المدِّ في تلك أي الحروف الثلاثة. (¬2) بهراء: حي من اليمن، بطن من قضاعة، جاوروا صعيد مصر. معجم قبائل العرب 1/ 110، اللسان (بهر).

وأما الألف، فأنهم لما رأوا زيادتها للمتكلم - لأنه أول - لم يمكن ذلك لأنها ساكنة، والساكن لا يمكن أن يكون أول كلمة، إذ كان الابتداء بالساكن مستحيلاً إذا حقق، فأبدلوا منها الهمزة، لأنهما حرفان متقاربان في المخرج. وأما الياء والنون فلم يمنع مانع من زيادتهما، فبقيتا على أصلهما في الزيادة، فكانت النون للمتكلم ومن معه لأنهم جمع، والنون أخص بالجمع، وبقيت الياء للمذكر الغائب حين تقول: يقوم هو. ولا يزال هذا الفعل المضارع معرباً ما لم يتصل بآخره نون جماعة النساء في نحو: هن يقمن وينطلقن، بني هذا الفعل لاتصال هذه النون به حملاً على الماضي وهو ذهبن لأن آخر الماضي قد سكن لاتصال هذه النون به هرباً من توالي الحركات في كلمة واحدة، إذا كانت النون ضمير فاعل، وهو كالجزء من الفعل، فاشتدّ اتصاله به، فكان معها كالكلمة الواحدة، وكلمة واحدة لا تتوالى فيها أربع حركات، ولا بد أن يتخللها ساكن حاجز لفظاً أو تقديراً، ثم حمل المضارع في الإسكان عليه إذ كانت الأفعال الواحد تعل إعلالاً واحداً وتصحح تصحيحاً واحداً (¬1). وكذا علل (¬2) سيبويه حين قال: "ليس حمل المضارع على الماضي في هذا بأبعد من حمله على الاسم، يعني في الإعراب حين أعرب" (¬3) وكذا إن اتصل به نونا التوليد الخفيفة أو الثقيلة كقولك: هل تذهبن، وهل تقومن وهل ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج) و (د): والحرف المبني على الفتح في الماضي وهو اللام منه، وهو الذي يدخله الإعراب في المضارع. (¬2) في (ج) و (د): وكذا علل سيبويه وأشار إلى أن حمل المضارع على الماضي ليس بأبعد من ... (¬3) الكتاب 1: 5 - 6 عبارة سيبويه "فأسْكِنَ هذا هنا كما أسكنَ فَعَلَ لأنه فهل كما أنه فِعْل، وهو متحرك، وليس هذا بأبعد فيها إذ كانت هي وفَعَلَ شيئاً واحداً، إذ جاز لهم فيها الإعراب حين ضارعت الأسماء وليست بأسماء".

تذهبن، وهل تقومن، تبني هذا الفعل لأن هذه النون إذا دخلته أكدت له معنى الفعلية، فبعدته من شبه الاسم، فعاد مبنياً على (¬1) ما كان عليه أول مرة. ثم إذا كان معرباً لا يزال مرفوعاً ما لم يدخل عليه ناصب فعل ولا جازم، ورفعه بوقوعه موقع الاسم، فالعامل فيه على هذا معنى لا لفظ، فهو مستحق جملة إعرابه بشبهه بالاسم، ومستحق للرفع خاصة بوقوعه موقعه خاصة. ¬

_ (¬1) في (ب): إلى.

فصل [الصحيح والمعتل]

فصل واعلم أن الاسم المعرب المفرد ينقسم إلى قسمين: صحيح ومعتل، فالصحيح ما لم يكن حرف إعرابه ألفاً ولا ياء قبلها كسرة، والمعتل ما كان بهذه الصفة. فالصحيح نحو زيد وعمرو وضارب وقاتل، يجري بوجوه الإعراب الثلاثة ويدخله التنوين إن كان منصرفاً، والمعتل يسمى ما كان منه في لآخره ياء قبلها كسرة نحو القاضي والداعي والعمي والضني منقوصاً، لأنه نقص في حالتي الرفع والجر، فلم يظهر فيه إعراب، كقولك: هذا قاض ومررت بقاض، والأصل هذا قاضي ومررت بقاضي، فاستثقلت الضمة والكسرة على الياء مع كسرة ما قبلها، فحذفتا، فسكنت الياء، ولحق الاسم التنوين لأنه منصرف، والتنوين ساكن والياء ساكن، فحذفت لالتقاء الساكنين، واجتزئ بالكسرة قبلها في الدلالة عليها، وكان كونها ساكنة في الحالتين دليلاً على الإعرابين. ويدلك على أن الأصل في ياء قاضٍ وما أشبهه من الأسماء المنقوصة أن تتحرك في الرفع والجر بحركتي الإعراب تحريك الشاعر إياها وردها إلى الأصل الذي كان لها وذلك إذا اضطر، كقوله في الرفع. تراه وقد فات الرماة كأنه ... أمام الكلاب مصفي الخدّ أصلم (¬1) هكذا أنشده صاحب الكتاب (¬2) بالرفع، ففيه شاهد على هذا، ومن ¬

_ (¬1) الشاهد لأبي خراش الخذلي، خويلد بن مرة (ت 15/ 636). مصغ: وصف من أصفى، إذا أمال رأسه كأنه يستمع، والأصلم: المستأصل الأذنين، ويقال للنعام مصلم، لأنها لا أذان لها ظاهرة. كأنه يصف ظليماً قد فات لسرعة عدوه الرماة، وأخذ في عدود يميل برأسه يستمع للكلاب، وكأنه بلا آذان. وهو في ديوان الهذليين بنصب "مصغى" 2: 146، الخصائص 1: 258، المنصف 2: 81. (¬2) لم أجد هذا الشاهد بين شواهد الكتاب.

أنشده بالنصب وعليه المعنى، فلا شاهد حينئذ فيه. وأنشدوا في الجر: (لا بارك الله في الغواني هل ... يصبحن إلا لهن مطلب (¬1)) والشاعر إذا اضطر راجع الأصول المرفوضة لإقامة وزنه وقافيته. فإذا نصبت المنقوص لحق بالصحيح فتحركت ياؤه بالفتحة لخفتها، فقلت: رأيت قاضياً كما تقول: رأيت رجلاً. وهذا الاسم المنقوص يستعمل على ثلاثة أضرب، إما منكوراً وإما معرفاً بالألف واللام، وإما مضافاً، وحكمه في المواضع الثلاثة حكم واحد في إسقاط حركتي الجر والرفع من يائه، استثقالاً لهما عليها، إلا أنه إذا كان منكوراً، ولحقه التنوين حذفت ياؤه كما قدمنا لالتقاء الساكنين، فإذا استعمل بالألف واللام ثبتت ياؤه ساكنة، لأنه لم يلقها ما تحذف من أجله، إذ كانت الألف واللام لا تجامع التنوين، فتقول: هذا القاضي ومررت بالقاضي، وفي النصب: رأيت القاضي يا هذا، وتقول في الإضافة: هذا قاضيك ومررت بقاضيك ورأيت قاضيك، والأصل هذا قاضيك ومررت بقاضيك، وفعل بالاسم ما ذكرناه. فإن وقفت على المنقوص منكراً كان لك في الوقف عليه في حالتي الرفع والجر مذهبان، أجودهما حذف التنوين وإسكان الخرف الذي بقي بعد الحذف اللاحق للياء مكسوراً، فإذا حذفت كسرته للوقف سكن فقلت في الوقف: هذا قاض ومررت بقاض، والياء كما ترى محذوفة في الوقف كما حذفت في الوصل. ¬

_ (¬1) الشاهد لعبيد الله بن قيس الرقيات ( .. - 85/ 704)، أحد بني عامر بن لؤي وهو في الديوان: 3، الكتاب 2: 59، الكامل: 1211، المنصف 2: 67، شرح المفصل، 1: 101، حفني اللبيب 1: 268 اللسان (غنى).

والمذهب الآخر أن ترد الياء، لزوال ما حذفت لأجله وهو التنوين، فتقف عليها في الرفع والجر ساكنةً، فتقول: هذا قاضي، ومررت بقاضي، فإذا وقفت على المنصوب المنون أبدلت من التنوين ألفاً ووقفت عليه وقوفك على الصحيح المنصوب المنون، فقلت: رأيت قاضياً كما تقول: رأيت زيداً، فإن وقفت عليه وفيه الألف واللام كان لك أيضاً فيه مذهبان، أجودهما إثبات الياء، بعكس حكمه إذا وقفت عليه منكوراً، فتقول: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، ويجوز أن تقف بلا ياء وهو المذهب الآخر فيه، فتقول: هذا القاض، ومررت بالقاض، فإن وقفت منصوباً أثبت الياء لا غير، فقلت: رأيت القاضي، كما تقول: رأيت الرجل. واختلفوا في المنقوص، إذا وقفت عليه منادى، كقولك: يا قاضي ويا رامي، فاختار بعضهم إثبات الياء وقال: هذا موضع لا يلحق فيه التنوين، فحكمه حكم ما فيه الألف واللام، هذا إذا كان المنادى معروفاً واختار آخرون حذف الياء، وقالوا: النداء باب تغيير وحذف وتخفيف ولهذا دخله الترخيم فقالوا في الوقف عليه: يا قاض ويا رام. فأما ياء مري – وهو اسم الفاعل من أريت – فمثبتة في النداء إذا وقفت عليها عند الجميع لأجل الحذف الذي لزم الاسم، إذا كان الأصل مرئيًا، ثم ألزم تخفيف الهمزة، وهي عبنه، فلو حذفت ياؤه – وهي لام الاسم – لبقي الاسم على حرفين، أحدهما مزيد – وهو الميم – والآخر أصلي – وهو الراء -، وذلك إجحاف بالكلمة. ولك في الضرورة إسكان ياء المنقوص في النصب، فيجري في أحواله الثلاث على حالة واحدة (¬1)، قال أبو العباس (¬2): وهي من أحسن الضرورات، وصدق. وأنشدوا شاهداً على ذلك أبياتاً كثيرة منها قوله: ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): فيجري حينئذ على سنن واحد في أحواله الثلاث. (¬2) محمد بن يزيد المبرد (310/ 826 – 286/ 899)، مولده بالبصرة ووفاته ببغداد. طبقات النحويين 108 – 120، إنباه الرواة 3: 241، بغية الوعاة 1 أ 269. يقول المبرد في المقتضب 4: 21 "ويضطر الشاعر إلى إسكانها أي "الياء" فيكون ذلك جائزاً له".

كأن أيديهن بالقاع القرق (¬1) والأصل أيديهن. وقال الآخر: سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق (¬2) أي مساحيهنّ. ¬

_ (¬1) الشاهد لرؤية بن العجاج ( .. – 145/ 762) وصلته: أيدي عذارى يتعاطين الورق. وصف، أبلا، وإليها يعود الضمير، بالسرعة، القاع القرق: المكان المستوى لا حجارة فيه، وقبل الخشن. الورق: الدراهم. الديوان: 179، حماسة أبي تمام 1: 284، الكامل: 728، شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 272، العمدة 2: 249، شرح الشافية، 3: 184، اللسان (ثمن قرق) الخزانة 3: 529، سمط اللالى: 106. (¬2) صلته: تقليل ما قار عن من سم الطرق. وهو لرؤية بن العجاج من كلمة له يصف فيها أتنا وحماراً، وأراد بالمساحي حوافرهن، ونصب تقطيط الحق فيها على المصدر المشبه به، لأن معنى سوى وقطط واحد. وتقليل فاعل سوى، أي سوى مساحيهن تكسير ما قارعت من سم الطرق، والطرق: ج طرقة وهي حجارة بعضها فوق بعض، والحقق جمع حقة وهي المنحتة من خشب أو عاج أو نحوهما، يوضع فيها الطيب وغيره. يقول: إن حوافر الأتن والحمر، تلك الحوافر الصلبة كالمجارف قد سويت كما حقق الخشب التي فصلت ونعمت لحفظ الطيب ونحوه. وتسوية تلك الحوافر كان بتكسر ما قارعت في عدوها من الحجارة المتراكبة السمراء. الديوان: 106، الكتاب 2: 55 الكامل: 728، المنصف 2: 114، العمدة 1: 316، شرح المفصل 10: 103 اللسان (قطط، حقق، سحا).

وقال الآخر: فكسوت عار جنبه فتركته ... جذلان جاد قميصه ورداؤه (¬1) والأصل عارياً. وروي مثل ذلك في بعض القراءات، فكأنه على هذا لغة، وإن كان الأصل ما قدمناه. ¬

_ (¬1) الشاهد في تهذيب إصلاح المنطق: 133 وروايته فيه: فكوه غار وفي سمط الآلي 106، وروايته فيه: وكسوت عار لحمه فتركته ..... ولم ينسب لقائل.

فصل وما كان من المعتل في آخره ألف، سمي مقصوراً، لقصر إعرابه فيه أي حبسه، قال الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (¬1) [الرحمن: 72] أي مخبوسات مصونات. وينقسم هذا الضرب إلى قسمين: منون وغير منون، فالمنون نحو عصا ورحى، يدخله التنوين علامة لصرفه وهو ساكن، فتحذف ألفه – وهي لامه – للقائها الساكن بعدها – وهو التنوين -، وتبقى الفتحة قبلها تدل عليها، وذلك في الدرج، في الأحوال الثلاث: الرفع والنصب والجر، تقول: هذه عصا يا فتى، ورأيت عصا يا فتى، ومررت بعصا يا فتى. والمانع (¬2) من ظهور الإعراب في هذا الضرب من الأسماء أعني المقصور أن حرف إعرابه الألف، والألف لا يصح تحريكها لأنها إن حركت انقلبت همزة، فزال عنها لفظها وخرجت عن كونها ألفاً، فبطلت بذاك صيغة المعتل، واختل الوضع واختلطت المهموزات بالمعتلات (¬3)، فإعرابه حينئذ مقدر منوي (¬4). والفرق بينه وبين المنوي وإن ¬

_ (¬1) سورة الرحمن 55: 72. (¬2) في (ج) فالمانع من ظهور الإعراب من هذه الأسماء مع الحكم عليها أنها ليست من المبنيات أن حرف إعرابها الألف. (¬3) يلي ذلك في (ج): فصار المعتل بذاك صحيحاً، إذ الهمزة حرف صحيح كما العين كذاك، وإعرابه على هذا مقدر. (¬4) في (د): معنوي.

اتفقا في أن الإعراب غير ظاهر فيهما أن المبني، المانع له من ظهور الإعراب فيه معنى لا لفظ، وهو تضمنه معنى ما لاحظ له في الإعراب بتة، فجرى في البناء مجراه، وهذا (¬1) القسم ليس بمشابه للحرف ولا متضمن لمعناه، فالمانع له من ظهور الإعراب فيه ما ذكرناه من كون الألف حرف إعراب له، وذلك أمر لفظي، وإذا لم يظهر فيه الإعراب والإعراب يحتاج إليه للبيان عن معنى الاسم، فهو يظهر في تابعه، فكأنه ظاهر فيه نفسه، وهذا إذا كان التابع معرباً صحيحاً كقولك: هذه عصا معوجة، ورأيت عصاً معوجةً، ومررت بعصاً معوجة. ويدل على إعرابه أيضاً عامله، لأنك إذا أوليته عاملاً رافعاً علم أنه في موضع رفع به، وكذلك إن كان العامل ناصباً أو جاراً. فالإعراب الذي يقتضيه العامل يحكم به للمعمول، وكذا إعراب التابع الذي ظهر فيخ يشهد بأنه أولاً للمتبوع، ثم هوله من بعده ثانياً، لأن إعراب الصفة على ما مثلنا هو إعراب الموصوف، وكذا بقية التوابع. فإن وقفت على المقصور المنون وقفت في الأحوال الثلاث على الألف فقلت: هذه عصا، ورأيت عصا ومررت بعصا، لا اختلاف بينهم في هذا اللفظ، وإنما اختلفوا فيها أعني ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): وهذا الضرب من الأسماء المعتلة المسمى مقصوراً، ليس بمثابة للحرف، ولا هو متضمن لمعنى الحرف، ولا فيه ما يقتضي بناءه، فهو معرب، باق على الأصل في الأسماء وهو الإعراب. وإنما منعه من ظهور الإعراب فيه أمر لفظي لا معنوي، وهو ما ذكرناه من كون الألف حرف إعراب له، وهو ساكنة أبداً، وأختاها الواو والياء متى اقتصى القياس قلب أحداهما إليها استحالت ألفاً، فلزمها السكون بعد أن كان يصح تحريكها. فإذا لم يظهر الإعراب في المقصور لما بينا، والإعراب محتاج إليه للبيان عن معنى الاسم كما أسلفنا كان مقدراً فيه، وظهر في تابعه، فكان ظهوره فيه نفسه أعني في المقصور، هذا أن كان النابع معرباً صحيحاً كقولك: هذه عصا معوجة وأخذت عصا معوجة ومررت بعصا معوجة.

الألف في التقدير، فرووا أن أبا عمرو بن العلاء (¬1) وأبا الحسن الكسائي (¬2) وأبا الحسن بن كيسان (¬3) وأبا سعيد السيرافي (¬4) كانوا يذهبون إلى أن الألف الموقوف عليها هي الألف الأصلية التي هي لام الكلمة المنقلبة مثلاً عن الواو في عصو والياء في فتي (¬5). قال ابن برهان (¬6): وبهذا أقول. واحتجوا لصحة هذا المذهب بأن هذه الألف وقعت روياً في قول الشاعر وهو الشماخ (¬7): ¬

_ (¬1) زبان بن عمار التميمي (70/ 690 – 154/ 771)، إمام البصريين في القراءات، ولد بالبصرة وتوفي بالكوفة. طبقات النحويين واللغويين: 28 نزهة الألباء: 31، وفيات الأعيان 1: 386، فوات الوفيات 1: 164. (¬2) علي بن حمزة الأسدي بالولاء، الكوفي ( .. – 189/ 805)، إمام أهل الكوفة في النحو واللغة والقراءة، ولد بالكوفة وعاش في بغداد وتوفي بالري. نزهة الألبا: 81 – 94، وفيات الأعيان 1: 330. (¬3) محمد بن أحمد بن إبراهيم ( .. – 299/ 912) عالم نحوي أدبب، كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي، من أهل بغداد. طبقات النحويين واللغويين: 170، نزهة الألبا: 301، شذرات الذهب 2: 232. (¬4) الحسن بن عبد الله المرزباني (284/ 897 – 368/ 979) أصله من (سيراف) من بلاد فارس له مصنفات عدة، أهمها شرحه لكتاب سيبويه. الفهرست: 93، نزهة الألبا: 379، وفيات الأعيان 1: 130، إنباه الرواة 1: 313. (¬5) انظر الكتاب 2: 57. (¬6) ابن برهان العكبري ( .. – 456/ 1064) عبد الواحد بن علي، عالم بالأدب والنسب، من أهل بغداد، كان أول أمره منجماً، ثم صار نحوياً. نزهة الألبا: 428، شذرات الذهب 3: 297. (¬7) الشماخ بن ضرار المازني الذبياني الغطفاني ( .. – 22/ 643) شاعر مخضرم، شهد القادسية وتوفي في غزوة "موقان" طبقات فحول الشعراء: 34 و 103 و 110، الأغاني 8: 101، الخزانة 1: 526.

ورب ضيف طرق الحي سرى ... صادف زاداً وحديثاً ما اشتهى (¬1) فألف سرى هي الروي، والألف المبدلة من التنوين في النصب إذا وقفت عليها لا تكون روياً، فلا يقع في القوافي مثل: نظرت زيداً مثلاً في آخر بيت، ويقع (¬2) في آخر آخر وشكرت عمراً وهما في قصيدة واحدة. وأيضاً فإن بعض القراء قرأ "قالوا سمعنا فتى يذكرهم" (¬3) بالإمالة وإنما تمال: الألف الأصلية لا المبدلة من التنوين في اللغة الفاشية. وأيضاً فإنها كتبت في المصحف ياء في مثل قوله عز وجل {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} (¬4) [طه: 10] بالياء. ¬

_ (¬1) الطرق: الإتيان ليلاً. سرى: ليلاً: ما: مصدرية ظرفية. الديوان 464، مجمع الأمثال 2: 32 شرح المفصل 9: 76، الخزانة 2: 180. (¬2) في (ب) و (ج) وفي آخر بيت يقع في آخر. وفي (د) يقع في أخر أخر. (¬3) الأنبياء 21: 60 "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم". تقريب النشر: 55. والإمالة أن ينحى بالفتحة قبلها بالكسرة، وأصحاب الإمالة تميم وقيس وأسد وعامة أهل نجد. (¬4) سورة طه 20: 10 "إذا رأى ناراً فقال لأهله أمكثوا، آني آنست نارا، لعلي آتيكم منها بقبس واحد على النار هدى".

وذهب الفراء (¬1) وأبو عثمان المازني (¬2) وأبو علي الفارسي (¬3) أخيراً إلى أن الوقف في الأحوال الثلاث على الألف المبدلة من التنوين، والأصلية محذوفة للقائها المبدلة من التنوين. فوزن عَصَا على قول هؤلاء "فعا"، وعلى قول الأولين "فَعَل"، واحتج هؤلاء بأن صورة التنوين في الأحوال الثلاثة واحدة، وذلك أنه تنوين قبله فتحة فأبدل منه الألف كما أبدل في قولهم: رأيت زيداً، وفي مثل لنسفعاً وليكونا، والأصل لنسفعن وليكونن. وذهب سيبويه وبقية النحويين إلى مذهب وسط بين هذين المذهبين، وهو أن الألف في هذا الاسم في حال الوقف في الرفع والجر هي الأصلية، وفي النصب هي المبدلة من التنوين، والأصلية محذوفة للقاء هذه المبدلة من التنوين. ¬

_ (¬1) يحيى بن زياد الديلمي (144/ 761 – 207/ 822)، أمام الكونيين في النحو واللغة والأدب، ولد بالكوفة وانتقل إلى بغداد وتوفي في طريق مكة. طبقات النحويين: 143، نزهة الألبا: 126، وفيات الأعيان 2: 228. (¬2) بكر بن محمد بن حبيب بن بقية، من مازن شيبان، أحد الأئمة في النحو من أهل البصرة ووفاته فيها ( .. – 249/ 863). الفهرست: 84، معجم الأدباء 7: 107، وفيات الأعيان 1: 92. (¬3) الحسن بن أحمد الفوي (288/ 843 – 377/ 987 رأس القياسيين في المائة الرابعة وأستاذ ابن جني. الفهرست: 95، نزهة الألبا: 387، ابناه الرواة 1: 273، وفيات الأعيان 1: 131.

والذي دعاهم إلى القول بهذا أنهم قاسوا المعتل هنا على الصحيح، فأجروه مجراه، فكانت الألف عندهم في الرفع والجر إذا وقف على هذا الاسم بمنزلة الدال من زيد حين تقف عليها في حالتي الرفع والجر، وكانت عندهم في حال النصب إذا وقف عليها بمنزلة الألف المبدلة من التنوين إذا قلت: رأيت زيداً، والتي بمنزلة الدال محذوفة للقاء هذه. فإن لم يكن المقصور منوناً نحو حبلى وبشرى، وسكرى، والعصا، والرحى كانت ألفه التي من نفس الكلمة ثابتة وصلا ووقفاً بلا خلاف بين القوم لأن حكمها عندهم لم يختلف، فتقول: هذه حبلى يا هذا، وتقف، كذاك فتقول: هذه حبلى، وكذا كسرت العصا يا هذا، وكسرت العصا في الوقف. فإن لقيها ساكن غير التنوين حذفتها للقائه فقلت: هذه حبلى القوم، ورأيت الفتى الظريف.

فصل وأعلم أن الياء والواو، إذا كانتا حرفي إعراب، وسكن ما قبلهما جرتا مجرى الصحيح في تحمل الحركات، لأنهما إنما يعتلان إذا تحرك ما قبلهما، فسكون ما قبلهما يلحقهما بحكم الصحيح لزوال ما كان مستثقلاً من التحريك ووجود الخفة بالسكون، فتقول: هذا ظبي وعدو، ورأيت ظبيًا وعدوًا، لأنهما- إذا تأملت- قد سكن ما قبلهما أيضًا، وذلك أن المشدد حرفان، الأول ساكن، والثاني متحرك، فالياء الأخيرة في صبي قد سكن ما قبلها، وهي الياء الأولى المدغمة، فتحملت الثانية الحركة، ولولا تحركها لم يصح الإدغام فيها. وكذلك الواو الأولى في عدو ساكنة والأخيرة متحركة، فتنزلت الواو الأولى في عدو منزلة الدال في عدو، والياء الأولى في صبي منزلة الباء في ظبي فاقهم ذلك.

فصل [اختصاص الاسم بالجر والفعل بالجزم]

فصل واعلم أن الاسم والفعل يشتركان في إعرابهما بالرفع والنصب، فالاسم يرتفع وينتصب والفعل كذلك، لكن الجهات التي يرتفع منها الاسم وينتصب غير الجهات التي يرتفع منها الفعل وينتصب، لأن عوامل ذا غير- عوامل ذا، وستبين- إن شاء الله. ثم يختص الاسم بالجر والفعل بالجزم، فلا ينجر فعل ولا ينجزم اسم، وعلة ذلك أن الجر يدخل الأسماء من طريقين: حروف الجر والإضافة، وكلاهما يمتنع منه الفعل. أما حروف الجر، فإنهما تدخل في الأصل معدية للفعل الذي يقصر عن التعدي بنفسه إلى المفعول، والأفعال لا تكون مفعولة، فبطل دخول حرف الجر عليها، ولا يضاف إليها لأن- المضاف إليه إما أن يعرف تعريفًا محضًا، وأما أن يخصص فيقرب من المعرفة، والأفعال لا تعرف ولا تخصص، إذ كانت على ما أصلت النحاة نكرات لا تتعرف أبدًا ما دامت أفعالا. وأما امتناع الأسماء من أن تنجزم، فلأن الجزم يكون بحروف موضوعة لمعان تصح في الأفعال ولا تصح في الأسماء كالشرط والأمر والنهي، فلما امتنعت حروف الجزم من الدخول على الأسماء إذ كانت لا تصح معانيها فيها امتنع انجزامها، لأن الجزم تأثير، ولا يكون تأثير من غير مؤثر.

قالوا: ولأن الاسم لو أنجزم أنحذف بجزمه شيئان هما الحركة والتنوين معًا، والفعل إذا أنجزم انحذفت منه الحركة فقط وهو - على ما تقرر- أثقل من الاسم، فكيف يحذف من الأثقل شيء واحد ومن الأخف شيئان؟ هذا ما لا تقتضيه الحكمة.

الحروف تنوب عن الحركة

فصل قوله (¬1): اعلم أن الحروف تنوب عن الحركة. إنما جعلت الحروف- نائبة عن الحركات في الإعراب، لأن الحركات هي الأصل فيه، والحروف قائمة مقامها فيه، وإنما كان كذلك لأن الإعراب طارئ على الكلمة وزائد عليها للمعني المراد به. والحروف التي أعرب بها إما أصول في الكلمة وإما متنزلة منزلة الأصول لكونها دالة على معان آخر غير المعاني التي يدل عليها الإعراب. والحركات زوائد على الكلم، وطوارئ عليها، فشرط الإعراب موجود فيها، فهي إذا الأصول فيه، ولأنها أيضًا مجردة له مع زيادتها. والحروف ليست كذلك فمن الحروف المعرب بها ما تستوفي فيه ضروب الإعراب فيقوم كل حرف مقام حركة، ويدل على ما تدل عليه من نصب أو جر أو رفع ومنها ما ينقص عن ذلك. فمثال الأول الأسماء الستة المعتلة المضافة وهي: أبوك، وأخوك، وفوك، وهنوك، وذو مال وحموها. سميت هذه الأسماء معتلة لكون لاماتها حروف اعتلال، ومضافة لأنها تعتل ما دامت مضافة، فإذا أفرد منها ما يجوز إفراده لحق بحكم الصحيح في الإعراب، للحذف الذي يلحقها في الأفراد، وهي (¬2) في النصب بالألف وفي الرفع ¬

_ (¬1) انظر جمل الجرجاني ورقة 2: 2. (¬2) يرى الكوفيون أنها معربة من مكانين، والرأي الذي ذكره هو رأي البصريين. أنظر الأنصاف 1: 17.

بالواو وفي الجر بالياء، فالألف لام الكلمة وعلامة النصب، والواو لام الكلمة وعلامة الرفع، والياء لام الكلمة وعلامة الجر. وكان الأصل في هذه الكلم أن تستعمل مقصورة، لكنهم غيروها هذا التغيير في اللغة الجيدة والاستعمال الكثير توطئه للتثنية والجمع فيما يراه جمهور المعللين (¬1) من أهل الصناعة، وذلك أنهم لما اعتزموا إعراب التثنية والجمع الذي على حدها بالحروف، - لما اعتزموه- توهموا نفور النفوس والطباع من ذلك، إذ كان المألوف في الإعراب أن يكون بحركة لا بحرف، فغيروا جزءًا من الأسماء المفردة المعتلة هذا التغيير- وهي هذه-، وجعلوا إعرابها بالحروف لتقع الأتسة بها، فتأتي التثنية والجمع في الإعراب بالحروف على قاعدة قد استقر مثلها في جزء من المفردات. فأما صفة التغيير الذي لحق هذه الكلم، فإنك إذا قلت في الرفع: جاءني أبوك وأخوك، فالأصل جاءني أبوك وأخوك، كما تقول في الصحيح: أعجبني جملك وعملك، ثم إنهم سلبوا الحرف الذي قبل الواو التي هي حرف الإعراب- وهو الباء والخاء- حركته، فسكن، وضموه إتباعًا لحركة الواو كما قالوا: هذا أمرؤ، فأتبعوا الراء حركة الهمزة- وهي حرف الإعراب كالواو- فضموا الراء لضم الهمزة في الرفع، وكسروها لكسرها في الجر وفتحوها لفتحها في النصب، فقالوا: رأيت أمرًا ومررت بامرئ، ثم حذفوا حركة الإعراب استثقالا لها على الواو لتؤول الحال بهم إلى الصورة التي أرادوها من التوطئة للتثنية والجمع، فصارت الكلمة إلى ما رأيت في (¬2) الرفع. ¬

_ (¬1) انظر شرح المفصل 1: 52. (¬2) في الأصل و (ب): من.

والأصل في الجر إذا قلت: مررت بأبيك وأخيك: مررت بأبوك وأخوك، على ما أصلنا، ثم أسكنت ما قبل الواو لتحركه بحركة الإتباع وهي الكسرة فكسرته، ثم حذفت حركة الإعراب، استثقالا لها على الواو مع الإتباع قبلها كما استثقلت الضمة عليها في حال الرفع فحذفتها كما حذفتها فصار معك واو ساكنة قبلها كسرة، إذ اللفظ قد آل بالتغيير المذكور إلى صورة هي مررت بأبوك، فانقلبت الواو ياء كما انقلبت في ميعاد وميقات، وذاك لسكونها وانكسار ما قبلها، ولتصير حالها إلى ما يطلبونه من التوطئة (فآل اللفظ إلى: مررت بأبيك وأخيك. وإذا نصبت فقلت: رأيت أباك، فالأصل أبوك، ثم انقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والقياس أن تكون الفتحة في الباء فتحة إتباع لحركة الواو، لا الفتحة التي هي أصل في الكلمة وإن كان اللفظ واحدًا، وليستمر الباب في الإتباع استمراره في امرئ في الأحوال الثلاث، فقد تراعي اللغة مثل هذا كثيرًا ومقاييسها تنطق به. وأعلم أن ما ذكرناه من هذا التغيير والإتباع هو مذهب صاحب الكتاب على ما يفهم) (¬1) من كتابه (¬2). وقال ابن برهان حين ذكر هذا الفصل، وأشار إلى الإتباع فيه: "وقد ظهر التابع والمتبوع في قولهم: هذا امرؤ" (¬3)، ومثل كما مثلنا في الأحوال الثلاث. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط من (ب). (¬2) انظر الكتاب 1: 158. (¬3) لم أعثر على قول ابن برهان هذا في الكتب التي رجعت إليها.

وذهب بعض المتأخرين في هذه الأسماء إلى تغيير غير هذا، وإن قاربه، فجعل الحركات التي قبل هذه الحروف، أعني الألف والواو والياء، ليست بحركات إتباع فقال: الأصل في قولك: رأيت أباك رأيت أبوك، فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ففي الاسم في حال النصب قلب فقط. والأصل في الجر مررت بأبوك، ثم أسكنت الباء ونقلت إليها حركة الواو، وهي حركة الإعراب، فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فانقلبت ياء، ففي الاسم في حال الجر نقل وقلب. والأصل في الرفع أبوك، ثم أسكنت الباء ونقلته إليها ضمة الواو، فسكنت الواو وانضم ما قبلها، ففي الاسم في حال الرفع نقل فقط. هذا القول لعلي بن عيسى الربعي (¬1). وهناك أقوال آخر غير: هذين القولين في صفة إعراب هذه الأسماء يرغب عن ذكرها لنزولها وضعفها. وتنقسم هذه الأسماء في الاستعمال إلى ثلاثة أقسام، منها ما يستعمل مضافًا ومفردًا، فيتمم في حال الإضافة، ويحذف منه في حال الأفراد، ومنها ما يستعمل مضافًا فقط مع إلزامه الحذف، ومنها ما يستعمل مضافًا محذوفًا ويفرد فيغير في الأفراد ببدل من حرف. ¬

_ (¬1) أبو الحسن الربعي (328/ 940 - 420/ 1029)، عالم بالعربية، أصله من شيراز، أشتهر وتوفي ببغداد، له تصانيف في النحو منها كتاب "البديع" و"شرح الإيضاح" لأبي علي الفارسي. نزهة الألبا: 414، إنباه الرواة 2: 297، وفيات الأعيان 1: 343.

فالأول أربعة أسماء وهي: أخوك، وأبوك، وحموك، وهنوك، إذا أضفتها أعربتها بالحروف كما سبق، وإذا أفردتها حذفت لاماتها وأعربتها بالحركات إعراب الصحاح، لأنها بالحذف صحيحة، فقلت في الرفع: هذا أب وأخ وحم وهن، وفي النصب: رأيت أبًا وأخًا وخمًا وهنًا، وفي الجر: مررت بأب وأخ وحم وهن، فتجري في حال الأفراد على هذا مجرى يد ودم. الثاني: ما تلزمه الإضافة، مع حذف لزم لفظه، ولا يفرد البتة وهو "ذو" والتي بمعني صاحب في قولك: جاءني رجل ذو مال، ورأيت رجلاً ذا مال، ومررت برجل ذي مال، لا ذو التي بمعني الذي في لغة طيء كقول شاعرهم: (فإن الماء، ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت) (¬1) أراد التي حفرت، لأن الأولى معربة وهذه مبنية. وإنما لزمت هذه الكلمة الإضافة إذا كانت بمعنى صاحب، لأنها ¬

_ (¬1) البيت من أبيات خمسة، أوردها أبو تمام (188/ 804 - 231/ 846) في الحماسة لسنان بن الفحل الطائي (؟ ) وهو أخو بني أم الكهف من جرم طيء، وبنو هرم بن العشراء من قزارة في ماء وهم مختلطون متجاورون ففي ذلك قال سنان أبياته. ويستدل بالبيت على ثلاثة أشياء: الأول أن ذو تأتي أسمًا موصولًا، والثاني أنها تكون بلفظ الواحد للمؤنث والمذكر، لأن البئر مؤنثة والثالث أنها تستعمل في غير العاقل كما تستعمل للعاقل. خماسة أبي تمام 2: 591، الأزهية في علم الحروف: 305، مجمع الأمثال 1: 68. أمالي الشجري 2: 306، الأنصاف 1: 384، شرح المفصل 8: 45، شرح قطر الندى: 102، أوضح المالك 1: 110، اللسان (حرف الألف اللينة، باب ذو وذوي مضافين إلى الأفعال) الخزانة 2: 511.

وضعت وصلة إلى الوصف بأسماء الأجناس، ولولا هي لم يصح الوصف بها، ألا ترى أنك تقول: مررت برجل ذي إبل وخيل وثياب فيصح، ولو قلت: مررت برجل إبل أو خيل أو ثياب لم يصح، فلما كانت ذو وصلة وذريعة إلى شيء آخر لم تقم بنفسها في الوصف، فتنفرد عما هي وصلة إليه. وأصلها "ذوي" فلام الكلمة على هذا محذوفة، وإنما قضي بأنها قد حذف منها لأنها ظاهر على حرفين، وأقل ما يكون عليه الاسم الظاهر ثلاثة أحرف، وقضي بكون المحذوف حرف علة لأن الحذف بابه أن يكون في المعتلات اللامات التي سبرت بالتصريف. فعلم أن محذوفها معتل، وحكم بأن المحذوف الياء دون الواو حملا على الأكثر، لأن باب "طويت ولويت ونويت" أكثر من باب "قوة وجوة". وألفاء في "ذو" و"ذا" و"ذي"، وهي الذال تابعة للعين في الحركة أو منقولة إليها حركة العين على قول من يرى ذاك، كما أن العين تابعة لحركة اللام أو منقولة إليها حركتها في الأسماء الأربعة المتقدمة. والقسم الثالث: هو الذي يستعمل مضافًا، فيجري بالإعراب بالحروف مجرى الأسماء المتقدمة، فإذا أفرد غير مع الحذف اللاحقة حرف إعرابه بالقلب، وذلك قولك فم إذا استعملته مضافًا أجريته مجرى ذو فقلت: شحافاه، وشحافوه، وملء فيه، قال الله تعالى "ليبلغ فاه" (¬1) فلامه ¬

_ (¬1) [الرعد 13: 15] {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}.

محذوفة كما لام ذي محذوفة، إلا أنها هاء، بدليل قولهم: فوية، وأفواه وتفوهت. فإذا استعملته مفردًا أبدلت عيقه- وهي الواو- ميمًا، لأن الميم أجلد من الواو وأصبر على تحمل الحركات منها. وتلك، أعني الواو، لو حركت كما حركت باء أب في الأفراد لثقل ذلك، ولو سكنت لحذفت للقاء التنوين إذ كان الاسم مصروفًا، ولو حذفت لبقي اسم ظاهر متمكن على حرف واحد، وذلك إجحاف شديد بالاسم ونهك له، فلذلك عدلوا في الأفراد عن الواو إلى الميم لكونها من حروف الشفة، كما أن الواو كذلك. قالوا: وإنما تممت هذه الأسماء في الإضافة، وحذفت في الأفراد، لأن معانيها إنما تكمل في الإضافة، فجعلوا كمال لفظها مع كمال معناها، وفي الأفراد تنقص معانيها ولا تتم، فجعلوا نقصان لفظها مع نقصان معناها (¬1). ¬

_ (¬1) بلي ذلك في (ج) و (د): وهذا التعليل منهم ينبغي أن يكون لما وجد فيه الحذف والإتمام منها. .

التثنية، والجمع

فصل ومما أعرب بالحروف، التثنية، والجمع الذي على حدها، وهو جمع الصحة لا التكسير. فالتثنية في الرفع بالألف والنون المكسورة، وفي الجر والنصب بياء مفتوح ما قبلها، وبعدها النون كقولك الزيدان والزيدين، والجمع الذي على حد التثنية في الرفع بالواو ونون مفتوحة بعدها، وفي الجر والنصب بالياء المكسور ما قبلها، وبعدها النون، كقولك: الزيدون والزيدين. فالألف في التثنية علامة التثنية ودليل الرفع، وحرف إعراب لا إعراب فيه ولا نية إعراب، بدليل أن الياء في الجر والنصب ساكنة مفتوح ما قبلها، فلو كانت في نية حركة لانقلبت ألفًا، فكانت أجوال المثني في رفعه ونصبه وجره واحدة، وليس الأمر على ذاك إلا في لغة ليست بالفاشية ولا المختارة. فإذا لم تكن في الياء حركة ولا نية حركة، فالألف كذلك، هذا مذهب سيبويه ومن قال بقوله من النحويين، ولهذا عوضت التثنية والجمع الذي على حدها من الحركة والتنوين النون، لأن ألف التثنية وباءها، وواو الجمع وياءه، مجراها واحد في كونها حروف إعراب لا حركة فيها ظاهرة ولا مقدرة. وهي، أعني ألف التثنية، علامة لها، كما كانت التاء في قائمة، والياء في عمري

علامتي التأنيث والنسب، وهي دليل الرفع، وإنما جعلت لرفع التثنية لأن التثنية أول الجمع، فهي أسبق، والرفع ألزم أحوال الكلمة لها وأهمها، فأعطيت التثنية في الرفع الألف لكونها أخف، إذ كانت التثنية أكثر استعمالا من الجمع الصحيح، بدليل أن كل اسم جاز جمعه مصححًا جازت تثنيته، وليس كل اسم مثني يجمع الجمع الصحيح. فلما كانت التثنية أكثر خصوها بالألف في الرفع، وهي الحرف الأخف، ليكثر في كلامهم ما يستخفون، ثم جعلوا الواو في الجمع علامة لرفعه لأن الضمة من الواو، فبقي جره التثنية ونصبها وجره الجمع ونصبه فاشترك الكل في الياء، إذ لم يبق من حروف العلة سواها، إلا أنها للجر يحق الأصل فيهما والنصب محمول على الجر فيهما للمناسبة بينهما، وذاك أن الكسرة إلى الفتحة أقرب من الضمة إليها والمنصوب أشبه بالمجرور منه بالمرفوع لاشتراكهما- أعني المجرور والمنصوب- في كونهما فضلتين غير لازمتين للجمل، بخلاف المرفوع فإنه لا تستغني الجمل عنه ولا تستقل دونه، ولهذا اتفق ضميرهما في مثل قولك: مررت بك وجزتك، إلا أن الياء في التثنية على صورة غير صورتها في الجمع (¬1) وذلك أنها مفتوح ما قبلها حملاً على ألف التثنية المؤاخينها، إذ كانت الألف لا تكون إلا بعد فتحة، وفي الجمع مكسور ما قبلها حملاً على الواو المؤاخيتها في الجمع، إذ كانت الواو بعد ضمة، فحركة ما قبلها من جنسها كقولك الزيدون، فجعلوا الياء في الجمع بعد كسرة لتكون حركة ما قبلها من ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج) و (د): وذاك للفرق، وللحمل على الحرف لمصاحبها في الإعراب في كل منها أعني التثنية والجمع، فهي في التثنية مفتوح ... .

جنسها كقولك: بالزيدين لتجري علامتا الجمع على سنن واحد في الحكم كما جرت علامتا التثنية على ذاك. وتشتمل الواو في الجمع على معان، منها أنها علامة الجمع، وحرف الإعراب، ودليل الرفع، وعلامة التذكير والعقل، إذ كان هذا الجمع في الأغلب إنما يكون للمذكرين العاقلين، تمييزًا لهم وتفضيلاً، لئلا تبتذل أسماءهم وتنتهك بالتكسير، وأن كسرت في بعض الاستعمال فلأنها أسماء كغيرها مما كسر. وأعلم أن قولهم: أن الواو علامة التذكير تجوز، لأن التذكير لا يحتاج إلى علامة، إذ كان هو الأصل، والأصول مستغنية بالأوضاع الأول عن العلامات الطارئة للفرق، وإنما ذاك أمر بابه الفروع. ولكن لما كانت الواو مختصة بهذا الجمع دون غيره، وكان باب هذا الجمع أن يكون للمذكرين العاقلين في الأصل صارت لاختصاصها به كالعلامة الدالة على التذكير. وغير هذه الأسماء في هذا الجمع محمول عليها، وعلى صفاتها، كأسماء العقود من العشرين إلى التسعين إذا قلت: عشرون في الرفع وعشرين في الجر والنصب، وكذلك ثلاثون وثلاثين والبواقي. وكذا الأسماء المؤنثات المحذوفات اللامات كبرة وثبة وقلة وسنة (¬1)، إذا قلتك برون وبرين وثبون وثبين وقلون وقلين، وسنون وسنين، جبروا هذه الأسماء لما لزمها الحذف بأن جمعوها جمع أشرف الأسماء فصححوها. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): وعزة، مما عوض من حذف لامه إن جمع هذا الجمع كقولك يرون .. البرة: الحلقة تكون من سوار أو قرط، أو خلخال أو ما أشبهها، ثبة: العصبة من الفرسان قلة: خشبة يلعب بها الصبية. .

فإن كسر منها شيء، مع ذاك، أعني التصحيح، كالبرى في جمع البرة، فلأن التكسير بابها، ولأن ما حملت عليه قد جاء في جمعه الأمران: الصحة والتكسير، فلا يستنكرون ذلك فيها، وربما جاء ذلك فيما لم تحذف لامه، مما لا نطيل بذكره وتعليله هذا المختصر. وكذا حملوا على صفاتهم، أعني العاقلين المذكرين إذا قلت: المسلمون والمسلمين والضاربون والضاربين حين تقول بالقوم الضاربين، صفات لأسماء ليست عندهم لما يعقل، أجريت مجرى العاقلين في إسناد الأفعال التي لا تقع إلا من مميز إليهم وذلك كإسناد السجود إلى النجوم في قوله عز وجل {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (¬1) فقال ساجدين، ولم يقل ساجدات كما قال رأيتهم ولم يقل رأيتها ولا رأيتهن. فهذا الجمع نظير إسناد الفعل إليها في الآية الأخرى، وهي قوله عز وجل "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (¬2)، ولم يقل يسبحن، وعلى هذا الاستعمال قال الشاعر: ( ..................... ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا) (¬3) ¬

_ (¬1) [يوسف 12: 4] {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}. (¬2) [الأنبياء 21: 33] {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. (¬3) قائلة النابغة الجعدي "قيس بن عبد الله" ( .. - نحو 50/ 670). تصوبوا: انحدروا، تمززتها: شربتها قليلاً قليلاً. الديوان: 10، الكتاب 1/ 240 مجاز القرآن 2: 83 و 93 وصدره فيه: شربت إذا ما الديك يدعوا صباحه. العمدة 2: 282، والصحاح واللسان والتاج (تعش) وصدره فيها: تمززتها والديك يدعو صباحه. شرح المفصل 1: 700، مغني اللبيب 1: 404 وصدره فيه: شربت بها والديك يدعو صباحه. الشاهد فيه تذكيره الفعل المسند إلى بنات نعش لإخباره عنها بالدنو والتصوب كما يخبر عن الآدميين. وصف النابغة خمرًا باكرها بالشرب عند صياح الديك ودنو بنات تعش للغروب.

لما كان الدنو والتصوب إنما يكون في الأغلب من قاصد، والقصد إنما يكون من مميز، وقد أخبر به عن هذه النجوم، إلى ما انضم إلى ذاك من لزومها، - فيما يشاهدونه- لدوائر أبدية الظهور، عدل عن التأنيث إلى التذكير، فقال دنوا ولم يقل: دنت، وتصوبوا ولم يقل: تصوبت، كما قال: بنو ولم يقل: بنات، وكذا لم يقل: دنون فتصوبن. وحكم الياء في الجمع حكم الواو في اشتمالها على هذه المعاني، إلا أنها للجر والنصب، والواو للرفع. فأما النونان في التثنية والجمع فعوض من الحركة والتنوين اللذين يستحقهما الاسم في الأصل، ثم صارتا بعد من خصائص التثنية (¬1)، ولهذا لحقت المثني من (¬2) المبني وليس في واحده حركة ولا تنوين كقولك: هذان وهذين واللذان واللذين، ولحقت مثنى المقصور في قولك: عصوان وعصوين، ولا حركة في واحده ومالا ينصرف في قولك: أحمدان، ولا تنوين في واحده، حتى حمل ذلك طائفة من النحويين على أن جعلوا للنون أحكامًا مختلفة، فقالوا: هي في موضع عوض من الحركة والتنوين، وذلك قولك: رجلان، وفي موضع عوض من الحركة وحدها، وذلك في قولك: الرجلان، وفي موضع عوض من التنوين وحده، وهو قولك فتيان. وفساد هذا التفصيل والتمثيل ظاهر لمن أنس بمقاييس العربية، والقول هو الأول، لأنه لا حاجة داعية إلى القول بهذا من اختلاف حكم الحرف. والذي ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج) و (د): والجمع في القول المعمول عليه. (¬2) في (ج): في المبني.

يدل على كونها عوضًا من الحركة ثبوتها حيث تثبت الحركة، وذلك في قولك: الرجلان والقائمون، وعلى كونها عوضًا من التنوين حذفها حيث تحذف، كقولك: صاحبًا أخيك ومسلمو زيد. وعلة اختلاف حركتهما- أعني نون التثنية- حيث كسرت، ونون الجمع حيث فتحت- أن التثنية أسبق، وحرف التثنية ساكن ونونها ساكنة في الأصل، فكسروها على ما يجري عليه الحكم في الأكثر إذا التقى ساكنان، وهو الكسرة، ثم راموا المخالفة بين نون الجمع وبينها والفرق ففتحوا نون الجمع لما حركوها، مع ما انضم إلى الفرق بينهما من التعديل، وذلك أن الألف في التثنية حرف خفيف والكسرة ثقيلة والواو في الجمع حرف ثقيل والفتحة خفيفة، فقرنوا بين ثقيل وخفيف في ذا وفي ذا لتقع المعادلة.

كلا وكلتا

فصل اعلم أن كلا وكلتا: اسمان مفردا اللفظ ومعناهما التثنية، كما أن "كلا"، مفردة اللفظ مجموعة المعنى، فـ"كلا" كـ"معى" في أنه أسم مقصور مفرد، وألفه منقلة، إما عن واو- وهو الأقيس-، وإما عن ياء لجواز أمالتها، وكلتا للمؤنث، تاؤها منقلبة في القول الصحيح عن الواو أو عن الياء اللتين أجزنا انقلاب ألف كلا عن كل واحدة منهما. فإن كانت منقلبة عن واو، فإن الأصل "كلوا"، فقلبت الواو تاء كما قلبت في تراث والأصل وراث وتجاه والأصل وجاه. وإن كانت منقلبة عن ياء فالأصل "كليًا"، فقبلت الياء تاء كما قبلت في ثنتين، لأن أصل "ثنتين" ثنيان، إذ كانت من ثنيت. وليس قول من ذهب إلى أن التاء للتأنيث كتاء قائمة وقاعدة بشيء، لأنه يؤدي إلى وقوع تاء التأنيث حشوًا، وذلك ممتنع. نعم ويؤدي أيضًا إلى إثبات مثال خارج عن أمثلتهم، إذ كان ليس فيها فعتل. والذاهب إلى هذا القول هو أبو عمرو الجرمي (¬1) فإذا (¬2) قد ثبت أنهما، ¬

_ (¬1) صالح بن إسحاق الجرمي بالولاء ( .. -225/ 840) بصرى سكن بغداد، كان عالمًا باللغة والنحو فقيهًا، له تأليف منها كتاب (الأبنية) و (غريب سيبويه). أخبار النحويين البصريين: 72، نزهة الألبا: 206، وفيات الأعيان 1: 228، بغية الوعاة: 2: 9. (¬2) في (ج) و (د): فإذ قد ثبت أن كلا وكلتا أسمان مفردًا اللفظ.

أعني كلا وكلتا، أسمان مفردان مقصوران، فالأصل أن تكون ألفاهما مع إضافتهما ثابتة غير متغيرة، إلى ظاهر أضيفتا أو إلى مضمر، كما أن ألف رحى وحبلى كذلك، إذا قلت: رحى زيد ورحاه وبرحاه، ورأيت رحاه، وحبلى عمرو، وهذه حبلاه ورأيت حبلاه ومررت بحبلاه، إلا أنهم لما لزمت هاتين الكلمتين الإضافة أجروا الفيهما مجرى ألفات الحروف وفرقوا بذلك بينهما وبين الأسماء المتمكنة من المقصور، فأثبتوا ألفيهما في الإضافة إلى الظاهر ولم يغيروهما، فقالوا: جاءني كلا أخويك ورأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك، وجاءني كلتا أختيك ورأيت كلتا أختيك ومررت بكلتا أختيك كما تقول: على زيد والى عمرو، فتقر ألف على والى على لفظهما مع الظاهر. فإن أصفت كلا وكلتا إلى مضمر أقررت ألفيهما في الرفع على لفظيهما وقلبتهما في الجر والنصب ياء فقلت: جاءني أخواك كلاهما ورأيت أخويك كليهما، ومررت بأخويك كليهما، وكذلك التمثيل في المؤنث، وهذا كما تقول عليهما وإليهما ولديهما. وإنما شبهت كلا وكلتا بعلى والى، فجرى عليهما حكمهما، لأن الإضافة تلزم هاتين أعني كلا وكلتا، كما أن "على" و "إلى" تلزمان أسمًا تدخلان عليه ولا تنفردان بأنفسهما، فقلبت ألفاهما مع الضمير كما قلبت ألفًا الحرفين- أعني على وإلى-. وخص هذا القلب بالجر والنصب (¬1) دون الرفع لأن على وإلى لاحظ لهما في الرفع، فلم يكن لهما في الرفع حال فتحمل عليها حال كلا وكلتا في الرفع، فتغيرا لذاك، فبقيت ألفهما (¬2) على أصل ما ينبغي أن تكون عليه، فلم تغير. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): بالجر والنصب في كلا وكلتا، إذا أضيفتا إلى الضمير، لأن المشبه به وهو الحرف لاحظ له في الرفع. (¬2) يلي ذلك في (ج): في الرفع.

وليس هذا التغيير بإعراب، بل هو تغيير طارئ على الكلمتين للشبه الذي عرض لهما بالحرف في الحالتين المذكورتين، وهو شبه لا يقتضي إجراءه مجرى الحرف في البناء. وأما إعراب "مسلمان ومسلمتان" فإعراب صحيح يحدث عن عامل، وليس كلا وكلتا كذلك.

فصل [كلا وكلتا اسمان مفردان]

فصل ويدل على أن "كلا وكلتا" اسمان مفردان- وأن أفادا معنى التثنية- عود الضمير إلى كل واحد منهما مفردًا، كقوله عز وجل {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا} (¬1) ولم يقل آتتا أكلها. وقد جاء في الشعر عود الضمير إلى كلا مثني على المعنى، وهو قوله: (كلاهما حين جد الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي) (¬2) وهذا الشاعر قد استعمل اللغتين، أعني الحمل على اللفظ- وهو الاقيس- في قوله رابي، ولم يقل رابيان، والحمل على المعنى في قوله: قد أقلعا، ولم يقل قد أقلع. كما جاز في كل رد ضميرها على المعنى في قوله عز وجل {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (¬3) والرد على اللفظ في قوله سبحانه {َكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (¬4) ¬

_ (¬1) [الكهف 18: 33] {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا}. (¬2) الشعر للفرزدق ( .. - 110/ 728)، يعير به جريرًا، لتزويجه ابنته عضيدة للابلق. والضمير في "كلاهما" يعود لأم غيلان، عضيدة، وزوجها الأبلق. كلا أنفيهما رأبي: يريد أحدهما الربو من المماحكة والممارسة. الديوان: 34، النوادر: 162، الخصائص 2: 241، 3: 314 الأنصاف 2: 447 أسرار العربية 287، شرح المفصل 1: 54، اللسان (سكف) الخزانة 1: 63، 280، 2: 200. (¬3) [النمل 27: 87] {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}. (¬4) [مريم 19: 96].

فصل [جمع المؤنث الصحيح]

فصل إذا جمعت الاسم المؤنث الجمع الصحيح زدت عليه ألفًا وتاء، ويكونان بمجموعهما علامة الجمع والتأنيث معًا كقولك: مسلمة ومسلمات، وقائمة وقائمات. والتاء حرف الإعراب، فإذا رفعت هذا الجمع، ضممتها، وألحقتها تنوينًا يكون بإزاء النون في مسلمين، لا أنه علامة للصرف في قول الجمهور، وإن جررته كسرت التاء، وإن نصبته كسرتها أيضًا، فقلت: مررت بمسلمات ورأيت مسلمات، فحملت النصب على الجر، وإن كان فتح التاء ممكنًا، لكن عدلوا عن فتحها مع إمكانه حملاً للفرع على الأصل فيما لزم الأصل من الحكم، وذلك أن المؤنث فرع على المذكر، فجمعه فرع على جمعه، والجمع الصحيح المذكر قد استقر أن نصبه محمول على جره، فهما مشتركان في الياء، فشركوا بين نصب الجمع المؤنث الصحيح وجره في الكسرة ليجري الفرع على حكم الأصل، فتكون عدة أحواله كعدة أحواله، ولئلا يكون الفرع أوسع تصرفًا من أصله. فأما ما لا ينصرف، فحكمه في حمل الجر على النصب عكس حكم التثنية والجمع، وذلك أن الاسم الذي لا ينصرف لما أشبه الفعل من وجهين أو من وجه قوي لازم قائم مقام وجهين جذبه الفعل إلى حيزه فثقل لشبهه بالفعل، فمنع العلامة الدالة على الخفة والتمكن- وهي التنوين- فحذف، ثم تبعته حركة الجر في الحذف لأنهما خاصتان للاسم وبه، فتبعت إحداهما الأخرى في الحذف كما صحبتها في الاختصاص. ولما حذفت حركة الجر فيه- أعني ما لا ينصرف من الأسماء- عاقبتها حركة النصب فدلت على ما كانت تدل عليه، إذ لابد لعامل الجر من تأثير يؤثره وهو الإعراب، إذ الاسم- وهو معمول الجار- معرب. فإن أمن دخول التنوين عليه ولحاقه الاسم عاد الجر وجرى عامله على أصله في تأثيره الخاص به، لأن الجر انحذف تبعًا للتنوين، ولا تنوين مع الألف

الممنوع من الصرف

واللام والإضافة، فثبت الجر فيهما (¬1)، ولم يحذف، تقول مع الألف واللام: مررت بالفرس الأشقر، ونظرت إلى الرجل الأسمر، ومع الإضافة: عجبت من حمرائكم وأحمركم وشقرائكم وأشقركم، وكنت قائلاً قبل لحاق الألف واللام والإضافة: عجبت من فرس أشقر ونظرت إلى حمراء وأحمر. والشبه الذي بين مالا ينصرف من الأسماء وبين الفعل هو أن يكون الاسم ثانيًا لاسم كما أن الفعل ثان للاسم وفرع عليه. فمن ذلك الوصف، لأن الصفة ثانية للموصوف، والتعريف، لأن المعرفة ثانية للنكرة، إذ النكرة هي الأولى، والتأنيث لأن المؤنث ثان للمذكر، وكذلك التركيب، فالمركب فرع على غير المركب، والجمع فرع على الواحد وثان له، إذ من الأحاد يستقل وإليه ينحل، والمعدول ثان للمعدول عنه وفرع، ووزن الفعل فرع على وزن الاسم، إذ الموزون من ذا فرع على الموزون من ذا، والعجمة في اللغة فرع على العربية لاقحام ما استعمل منها فيها، وطروء ألفاظها على ألفاظها، فالاسم الأعجمي ثان للعربي وفرع عليه. وما في آخره الألف والنون الزائدتان من الصفات، "كفعلان" الذي مؤنثه فعلي نحو عطشان وعطشى، أو الإعلام كعثمان وعمران، فمشبه بما في آخره ألفًا التأنيث. فمتى اجتمع في اسم علتان من العلل التسع التي تجعله ثانيًا من جهتين أو ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): معهما.

وجدت فيه علة قائمة مقام علتين على مابين منع الصرف، وهو لحاق الجر والتنوين به، كأحمد فيه وزن الفعل والتعريف، وأحمر فيه وزن الفعل والوصف. والعلة القائمة مقام علتين، للزومها وبناء الكلمة عليها، كألف حبلى وألفي حمراء، والجمع الخارج عن مثال الآحاد كمساجد ومنابر ودنانير.

فصل

فصل ومما استوى فيه الدلالة على المجرور والمنصوب ضمير المجرور والمنصوب المتصل كقولك: بصرت بك وأبصرتك، ومررت بي وأكرمتني، وأنه وله، تستوي هذه الضمائر في اللفظ وأن اختلفت مواضعها في الإعراب، لقرب ما بين المجرور والمنصوب من الشبه. والياء في ضربني وأكرمني هي الاسم (¬1)، والنون قبلها حرف جيء به ليسلم آخر الفعل فلا ينكسر، إذ كان حكم ياء المتكلم أن يكسر لها ما قبلها فجيء بالنون وقاية لآخر الفعل، لتقع الكسرة عليها. فمنهم من يسميها نون الوقاية ومنهم من يسميها نون العماد، وكلاهما لقب صحيح، لأنها وقت آخر الفعل، فسلمت له حركته، واعتمد لفظ الضمير في الكسرة عليها. ويقاس على ما مثلنا به من الضمائر بقية المجرورات والمنصوبات المتصلة. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): الاسم المضمر.

الأمثلة الخمسة

فصل (¬1): ومما قام فيه الحرف مقام الحركة، النون التي بعد ألف ضمير الاثنين. الفصل. النون في هذه الأمثلة الخمسة إعراب ثبوتها علامة الرفع، وحذفها علامة الجزم، والنصب محمول عليه في الحذف. وهذه الأمثلة الخمسة، خاصة، معربات لا حرف إعراب لها، وذلك أنه لا يخلو قولك: يقومان مثلا من أن يكون حرف إعرابه الميم أو الألف أو النون، فلا يكون الميم، لأنها لو كانت حرف إعراب لتحملت حركات الإعراب (¬2)، وكونها مفتوحة في الأحوال الثلاث (¬3) دليل على بطلان ذلك. ولا يكون الألف لأنها فاعل الفعل، فهي اسم، وحرف الإعراب لا يكون أسمًا، إنما يكون حرفًا من أصل الكلمة المعربة أو مزيدًا عليها متنزلاً تلك المنزلة كتاء التأنيث، وياء النسب وما جرى مجراهما. ولا يكون النون لأنها هي الإعراب، إذ كان ثبوتها علامة الرفع وحذفها علامة ¬

_ (¬1) انظر الجمل 3/ 1، وعبارته: ومن قيام الحرف. (¬2) يلي ذلك في (ج): وسكونه، إذ هي حرف صحيح محاذ في الوزن للام الفعل. (¬3) يلي ذلك في (ج): من رفع الفعل ونصبه وجزمه دليل على أنها ليست في هذا المثال بحرف إعراب.

الجزم والنصب، فثبت (¬1) أن "يفعلان" وأخواته معربات لأحرف إعراب لها. وإنما كانت هذه الأمثلة بهذه الصفة لأن حرف الإعراب إنما يفتقر إليه إذا كان الإعراب حركة أو سكونًا. فأما إذا كان الإعراب حرفًا، فلا حاجة إليه، أي إلى حرف الإعراب، لأن الحركة لابد لها من حرف تقوم به، إذا كانت لا تقوم بنفسها، والحرف لقيامه بنفسه مستغن عن ذلك. وتنزل الحرف في هذه الأمثلة الخمسة وغيرها مما سنذكره منزلة الحركة وكان إعرابًا كما تكون الحركة إعرابًا، لأن الحركة قد تنزلت في كثير من كلامهم منزلة الحرف، واعتد بها كما يعتد به، فأجري كل واحد منهما مجرى صاحبه. فمما تنزلت فيه الحركة منزلة الحرف المؤنث المعرفة، إذا كان على ثلاثة أحرف وتحرك أوسطه لم يكن فيه إلا منع الصرف، بخلافه إذا سكن أوسطه لأنه بسكون أوسطه يخف فتقاوم خفته أحد سببيه، فيكون لك فيه الصرف وتركه في قول الجمهور منهم، فمن منع الصرف اعتبر وجود السبببين، ومن صرف فلما ذكرنا من مقاومة الخفة أحد السببين، وذلك نحو دعد وهند. وبتحرك أوسطه أشبه ما كان من المؤنث على أربعة أحرف كزينب وسعاد، فلزم فيه ترك الصرف كما لزم في زينب وسعاد وبطل التخيير لوجود ما هو بمنزلة حرف رابع، وذاك هو الحركة. ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): فثبت أن يفعلان معرب لا حرف إعراب له، وأخواته من الأمثلة حكمها حكمه، لأن الدليل فيه هو الدليل فيها، وإنما كانت ..

ومثال ذلك امرأة سميتها بقدم وفخذ، تمنعها الصرف البتة. ومن ذلك أنك إذا نسبت إلى اسم على أربعة أحرف، مما في آخره ألف التأنيث، وكان الحرف الثاني منه ساكنًا، فإن لك فيه حذف ألف التأنيث، ولك قلبها واوًا، تقول في حبلى إذا نسبت إليها: حبلي وأن شئت حبلوي وفي سكرى سكري وإن شئت قلت: سكروي. فإن وقعت ألف التأنيث خامسة حذفت البتة لطول الاسم (¬1)، تقول في حبارى وجمادي إذا نسبت إليهما حباري (¬2) وجمادي البتة ولا تقول: حبار وي ولا جماد وي، فإن تحرك الحرف الثاني مما هو على أربعة أحرف من القسم الأول لم يكن فيه إلا الحذف نحو بشكى وجمزي، تقول في هذا الضرب، إذا نسبت إليه جمزي وبشكي ولا تقول جمزوي ولا بشكوى، كما لم تقل في الخماسي حبار وي، لأن حركة الميم في جمزى تنزلت منزلة الحرف الزائد في عدة حبارى، وهو الذي فضل حبلى في كميتها، فأجري الاسمان في الحذف مجرى واحدًا. ولما ذكرناه نظائر كثيرة في كلامهم. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): ولم يجز الإثبات بالقلب. (¬2) في (ج) و (د): حباري وجمادي لا غير، ولم تقل حباروي ولا جمادوي.

والحذف في الأمثلة الخمسة أصل في الجزم، والنصب محمول في الحذف عليه، لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء. فكما أن النصب محمول على الجر في التثنية والجمع، كذلك هو محمول في هذه الأمثلة على الجزم الذي هو نظير الجر. ومن ذلك الفعل المعتل، الآخر كقولك: يغزو ويرمي ويخشى، تقوم حروف اللين فيه- وهي أصول- مقام الحركة الزائدة، فتحذف كما تحذف لأنها ضعفت بسكونها، فلحقت في الحذف في الجزم، بحكم أبعاضها وهي الحركات كما تعلم، تقول: لم يغز ولم يرم ولم يخش. فإن رفعت ثبتت هذه الأحرف كلها ساكنة، وكانت حركة الإعراب مقدرة فيها (¬1) تقول: هو يغزو ويرمي ويخشى، فإن نصبت تحركت الواو والياء بالفتحة، وصحتا، وبقيت الألف ساكنة، إذ لا سبيل إلى حركتها مع بقائها على أصلها، فاستوي لفظًا الرفع والنصب فيما في آخره ألف تقول: لن يرمي ولن يغزو ولن يخشى. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): تقديرها في ياء قاض إذا رفعته أو جررته، تقول ..

فصل [الممنوع من الصرف]

فصل قوله (¬1) اعلم أن الأسماء على ضربين: معرب ومبني، ثم المعرب على ضربين: منصرف وغير منصرف. الفصل. الأمر على ما ذكر في انقسام الأسماء إلى معرب ومبني، وانقسام الاسم المعرب إلى منصرف وغير منصرف. وقد عرفنا هذه الأقسام فيما سبق (¬2) بما يغني عن الإعادة ها هنا، وبينا حكم امتناع التنوين مما لا ينصرف، وأن الجر تابع للتنوين. فأما انقسام غير المنصرف إلى أحد عشر قسمًا فصحيح كما ذكر، فمنها خمسة لا تنصرف أبدًا وهي: أفعل صفة نحو أحمر وأصفر وإنما قلنا "صفة" لأن أفعل ينقسم قسمين أسمًا ووصفًا، فالاسم نحو أفكل وهي الرعدة، وأيدع، وهو دم الأخوين، والصفة نحو أبيض وأسود وأخلق وأبلق (¬3). فالقسم الأول منصرف البتة، لأنه ليس فيه من العلل التي تمنع الصرف سوى وزن الفعل، ووزن الفعل وحده لا يمنع الصرف. فإن علقت هذا الاسم علمًا على شخص بعينه منعته الصرف، لما فيه من وزن الفعل، مع ما انضم إليه من تعريف العلمية. وأما الصفة فلا تنصرف أبدًا، لأنها ما دامت صفة ففيها علتان: وزن الفعل ¬

_ (¬1) أنظر الجمل ورقة 3: 2. (¬2) أنظر ص 34. (¬3) الأخلق: الأملس، الأبلق: ما في لونه سواد وبياض.

والصفة، فهما ما نعتاها من الصرف. فإن نقلتها من الوصف إلى الاسم بأن تعلقها علمًا عاقب التعريف الصفة، فصار في الاسم أيضًا علتان: وزن الفعل والتعريف، فامتنع أيضًا من الصرف بعد النقل كما امتنع منه قبل النقل. فإن نكرت هذا الاسم الذي كان وصفًا ثم علقته علمًا منعه (¬1) سيبويه الصرف بعد تنكيره لأنه يراعي فيه الوصف الذي كان له في الأصل، لأن التنكير أزال التعريف الذي طرأ على الوصف، فعاد الاسم إلى ما كان عليه أو إلى شبيه بما كان عليه. وصرفه أبو الحسن الأخفش (¬2) لأنه بعد التنكير، ليس فيه عنده سوى وزن الفعل فقط. وقوله هذا قياس لولا مراعاة سيبويه استعمال العرب، وهي مسألة خلاف بين الرجلين، وفيها حجاج ربما طال. وفعلان الذي له فعلى نحو سكران وسكرى وغضبان وغضبى، هذه الصفة وبابها يمتنع من الصرف معرفة ونكرة، فامتناعها من الصرف في التنكير لأنهم أجروا الألف والنون مجرى الألفين في حمراء وصفراء، وذلك لأنهما زائدتان زيدتا معًا كما أن تينك أعني الألفين زائدتان زيدتا معًا، وأن النون تشبه حروف اللين، والهمزة تعتل وتقلب إلى حروف اللين، فالنون على هذا مضارعة لهمزة حمراء مع أن أصل الهمزة فيها ألف التأنيث، وقبل النون في سكران ألف كما قبل الهمزة. ¬

_ (¬1) أنظر الكتاب 2: 2، وهو يعلل المنع بكون الصفات أقرب إلى الأفعال. (¬2) سعيد بن مسعدة، الأخفش الأوسط ( .. - 215/ 830)، تلميذ سيبويه وأحد علماء البصريين في النحو واللغة والأدب. أخبار النحويين البصريين: 50 نزهة الألبا: 184، وفيات الأعيان 1: 208، بغية الوعاة 1: 59.

ولمؤنث سكران صيغة تخصه كما أن مذكر حمراء له صيغة تخصه. وتمتنع النون في سكران وبابه من لحاق تاه التأنيث به في اللغة الفاشية كما تمتنع همزة حمراء من لحاق تاء التأنيث بها، فلما ضارعت هذه الصفة حمراء وبابها من هذه الوجوه أجريت مجراها فمنعت الصرف نكرة. فإن استعملتها معرفة بأن تعلقها عامًا على شخص منعتها الصرف أيضًا لأن التعريف أيضًا يمنعها من لحاق تاء التأنيث بها، فشبه حمراء قائم بعد فيها إذا صارت معرفة. وهذا الحكم هو الذي منه عثمان وعمران وما أشبههما من الإعلام مما في آخره ألف ونون زائدتان من الصرف. والصفة المعدولة كثلاث ورباع، تمتنع من الصرف نكرة، لاجتماع علتين من العلل التسع فيها وهي الوصف، بدليل قوله عز وجل {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (¬1)، فأجنحة نكرة ومثني وثلاث ورباع وصف لها. وقول الشاعر: (ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد) (¬2) فمثني وموحد صفتان لذئاب، والعدل لأن موحد معدول عن واحد واحد ¬

_ (¬1) [فاطر 35] {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. (¬2) قائلة ساعدة بن جوية الهذلي (؟ ) يصف فيه بعده عن أهله وشوقه إليهم وحنينه نحوهم، ومعنى تبغي الناس: تطلبهم. ديوان الهذليين 1: 277، الكتاب 2: 15، مجاز القرآن 1: 114، الاقتضاب: 467، شرح المفصل 1: 62، 8: 57، اللسان (بغى) والرواية فيه: سباع تبغى الناس مثنى وموحد

ومثنى عن اثنين اثنين، وثلاث عن ثلاثة ثلاثة، ورباع عن أربعة أربعة، وكذلك بقية الإعداد إلى العشرة، المسموع منها والمقيس. وفائدة هذا العدل الاختصار مع المبالغة، فإن سميت بشيء من هذه الأوصاف المعدولة عاقب التعريف الوصف، فامتنع الاسم في التعريف من الصرف لاجتماع التعريف والعدل فيه. ومن ذلك أخر في قولك: مررت بنسوة أخر، فأخر جمع لأخرى كالكبر في جمع الكبرى والصغر في جمع الصغرى، وفعلى التي مذكرها أفعل، إذا لم تضف لم تستعمل إلا بالألف واللام كقولك: صغراهن وكبراهن، والصغرى والكبرى، وفي الأمثال "صغراها مراها" (¬1). وجمع فعلى هذه جار مجراها في أنه لا يستعمل معرى من الإضافة، والألف واللام، كقولك: صغراها وكبراها، والصغر والكبر، وفي التنزيل {إنها لإحدى الكبر} (¬2)، ولهذا عاب الناس على أبي نواس قوله (¬3): (كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب) (¬4) ¬

_ (¬1) مجمع الأمثال 1: 398. فرائد اللآل 1: 336 "صغراهن شراهن" ويروي "صغراها شراها" ويروى "مراها" يضرب لأصحاب الشرة. (¬2) [المدثر 74]. (¬3) الحسن بن هاني (146/ 763 - 198/ 814)، الحكمي بالولاء، وقد نظم في جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خمرياته. الشعر والشعراء 2: 796، وفيات الأعيان 1: 135، الخزانة 1: 168. (¬4) يصف خمرًا وما عليها من الحبب شبه الحبب باللؤلؤ والخمر تحته بأرض من ذهب الفواقع: ج فاقعة ويراد بها نفاخة الماء. وقد عابه بعضهم لكونه استعملها نكرة، وهذا الضرب لا =

وتأولوا له مع ذاك ما لا نطيل بذكره مع ضعفه، فكان الوجه في "أخر" لما أصلناه مما اقتصصناه أن تستعمل بالألف واللام كنظائره، وكما قال: ( ........................... ... وصلى على جاراتها الآخر) (¬1) وكان الوجه في "آخر"، الاستعمال بالألف واللام؛ لكنهم (¬2) عدلوها عن الألف واللام، فاجتمع فيها علتان: الوصف والعدل، فامتنعت من الصرف. فإن أسميت بها شخصًا عاقب أيضًا التعريف الوصف، فامتنعت من الصرف أيضًا للتعريف والعدل. وفي اعتدادهم بالعدل عن الألف واللام في "أخر" ما ينبهك على أن حرف التعريف قد نزل عندهم منزلة جزء من الكلمة فجرى "أخر" من الآخر في العدل مجرى عمر من عامر، فتنبه له ولنظائره، وما فيه ألف التأنيث مقصورة، نحو بشرى، أو ممدودة، نحو صحراء، فحكمه في منع الصرف نكرة حكم ما تقدمه، لأن علامة التأنيث فيه لازمة وهي الألف، فكأن التأنيث متكرر فيه، بخلاف قائمة وطلحة وشجرة وشبهها مما ¬

_ (¬1) = يستعمل إلا معرفًا، والاعتذار عنه أنه استعمله استعمال الأسماء لكثرة ما يجيء فيه بغير تقدم موصوف، نحو صغيرة وكبيرة. الديوان: 72، مجمع الأمثال 1: 79، الحماسة الشجرية: 864 شرح المفصل 6: 103، مغني اللبيب 2: 425، قطر الندى، 316، أوضح المالك 2: 295، الخزانة 3: 500، والرواية في بعضها: من فقاقعها. (1) البيت بمامه: (صلى على عزة، الرحمن وابنتها ... ليلى وصلى على جاراتها الآخر) ويروى لشاعرين متعاصرين، أحدهما الراعي النميري ( .. - 90/ 709) والآخر القتال الكلابي (؟ ). وهو في المقتضب 3: 244، الخزانة 3: 667. (¬2) في (ج) و (د): لكنهم عدلوا عن الوجه الذي كان حدها وهو الاستعمال بالألف واللام.

أنث بالتاء، لأن تاء التأنيث منفصلة من الاسم فهي كاسم مضموم إلى اسم بدليل أنها لا يكسر ما هي فيه عليها، وألف التأنيث يكسر الاسم عليها، فجرت مجرى الأصلي للزومها. ألا ترى أنك تقول في حبلى حبالى، فتثبت الألف، وإن كانت غيرها في التقدير في حكم التصريف لكنها ألف تأنيث، وتقول في محلة محال فتحذف التاء في التكسير على كل حال. وللازم من القوة والتأثير ما ليس للمنفصل، وهذا ظاهر. فأما الوصف الذي في حبلى وحمراء وما جرى مجراهما فغير (¬1) معتد به في منع الصرف عند التحقيق، وكان قياسه على مذكره يقتضي الاعتداد به، لكن أغنى عندهم عن الاعتداد به وكفاهم منه التأنيث ولزومه، فكان التأثير له دونه. واستدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بأنهم منعوا الصرف صحراء وخلفاء، وهما أسمان، فدلهم ذلك على أن الوصف في مثل هذه الصفات غير معتد به علة، وأن المعتد به في منعها الصرف غيره في حمراء وبابه، وهو ما ذكرنا من التأنيث ولزومه. وقول النحويين في مثل حمراء وصحراء أن فيها ألفي التأنيث تجوز، والتحقيق أن الألف الأولى ألف مد، والتي انقلبت الهمزة عنها ألف تأنيث، فالألف التي بعد الراء في حمراء كالألف التي في حمار وكتاب لمجرد المد فقط والتي انقلبت الهمزة عنها كألف سكرى وغضبى، ولكن لما اصطحبتا وبنيت الكلمة (¬2) عليهما غلبوا على ألف المد لقب ألف التأنيث، فقالوا: ألفًا التأنيث. ¬

_ (¬1) في (آ) و (ب): فغير معتد به عند المحققين، بل التأثير في منع الصرف عندهم لزوم التأنيث وكونه كالمتكرر. (¬2) في (آ) و (د): وثبتت الألف.

وإيما قضينا بأن الأخيرة علامة التأنيث لأنا لو جعلناها الأولى لأوقعنا علامة التأنيث حشوًا، ولم تقع حشوًا قط، وكان ذلك نقضًا للأصول، ولأن المد إنما يحصل بلفظ الألف لا الهمزة. والجمع الذي بعد ألفه حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن كمساجد ومصابيح ومفاتيح، هذا الجمع يمتنع من الصرف معرفة ونكرة، لأنه في التنكير جمع خارج عن مثال الآحاد، ممتنع من التكسير، ففارق الجموع المشابهة للآحاد التي يصح جمعها مرة أخرى، فكأن الجمعية متكررة فيه، وبخروجه عن أمثلة الآحاد أشبه الأسماء الأعجمية الفروع فامتنع من الصرف. وفي الجموع جموع خارجة عن أمثلة الآحاد وهي مصروفة كأصحاب وأكلب وإنما صرفت هذه لأنها قد أجرى عليها أحكام (¬1) من أحكام المفردات. فمنها أنها تجمع، كما أن المفردات تجمع فنقول في أكلب أكالب وفي أصحاب أصاحيب، ومنها أنها تصغر على ألفاظها فتقول: أكيلب وأصيحاب، ومع ذلك فهي قريبة في الصيغة من صيغ المفردات، فأصحاب قريب من إصحاب بكسر الهمزة وهو مفرد، وأكلب وبابه قريب من أفعل نحو أفكل وبابه، فصرفت لأن الصرف الأصل. فإن سميت بمساجد ومنابر شيئًا امتنع أيضًا من الصرف، لأن التعريف طرأ عليه وصيغته التي هي علته المانعته من الصرف موجودة فيه بحالها، فإن لم يزده التعريف ثقلاً فليس يكسبه خفة، فإن كان معنى الجمعية قد زال، فاللفظ كما علمت باق. وبالجملة، فكل اسم مما لا ينصرف لم تكن إحدى علتيه المانعتيه الصرف التعريف لم ينصرف معرفة ولا نكرة. ¬

_ (¬1) في (آ) و (ب): خواص من خواص المفردات.

فصل وأقسام الاسم الذي لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة ستة، وهي: الاسم الأعجمي المستعمل علمًا، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب، فهذه الأسماء وما جرى مجراها من الأعلام الأعجمية، لا تنصرف، للتعريف والعجمة. فإذا نكرت كقولك: مررت بإبراهيم وإبراهيم آخر، صرفت لزوال إحدى العلتين، وبقاء علة واحدة لا يمنع مثلها الصرف. فأما أسماء الأجناس المنقولة من الأعجمية إلى العربية كالإبر يسم (¬1) والفر ند (¬2) واللجام (¬3) فمصروفة، لا يمنعها كونها في الأصل أعجمية من الصرف، لأنها لحقت بحكم الأسماء الأول من الأجناس العربية المحضة كالرجل والفرس، لأنك ¬

_ (¬1) معرب من برهو: الصدر، وسام الحوت. أي علة الصدر، وفي شفاء الغليل 35: يفتح الهمزة والراء، وقيل بكسر الهمزة وفتح الراء، وترجمته الذاهب صعدًا، وقال ابن الأعرابي (150/ 767 - 231/ 845) بكسر الهمزة والراء وفتح الين. وقال: ليس في الكلام إفعيلل بالكسر ولكن أفعيلل بالفتح مثل أهليلج. (¬2) فرند، السيف: جوهره، ويقال: برند دخيل. شفاء العليل: 199. (¬3) لجام: معرب لكام أو لغام، وقيل: هو عربي، شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل: 232.

تقول: لجام واللجام، وفرند والفرند، وإبريسم والإبريسم، فتعرفها بعد الشياع باللام تعريفك العربية المحضة إذا قلت: الفرس والأسد، فلا اعتداد حينئذ بالعجمة علة مانعة من الصرف إلا مع تعريف العلمية. وفعلان لا فعلى له، كعمران وقحطان وعدنان وعثمان ومروان وسلمان، تمتنع هذه الأسماء من الصرف معارف، لأنها بالتعريف مع الألف والنون أشبهت فعلان الذي له فعلى في الحكم، لامتناع ما كان منها قبل العلمية صالحًا لدخول، تاء التأنيث عليه من لحاقها إياه علمًا، ألا ترى أن "سعدانا" جنس سعدانة وجمعها وهو ضرب من النبت ملبن تغزر عليه الراعية، وبه جرى المثل في قولهم "مرعى ولا كالسعدان" (¬1)، لك فيه إذا أردت الجنس أن تقول: سعدان، فإن أردت الواحدة النابتة منه ألحقته الهاء فقلت: هذه سعدانة. فإن علقته علمًا امتنع بعلمتيه من لحاق التاءبه، فلم تقل في سعدان اسم رجل سعدانة (¬2) كما كنت تقول فيه وهو نكرة، لأن التعريف العلمي يحظر ذاك، ويمنع الاسم المعلق علمًا من أكثر خواصه التي كانت له قبل تعليقه علمًا. فأما قولهم "سلمان" في اسم الرجل وفي اسم المرأة "سلمى" فليس بمؤنث سلمان على حد سكران وسكرى؛ بل هو تلاق في اللغة، واتفاق في أصل الوضع، وكذا كل ما كان من الأعلام في آخره ألف ونون زائدتان. فإن رأيت اسمًا علمًا في آخره هاتان الزائدتان، أعني الألف والنون، وتجاذبه أصلان، يحتمل أن يكون مشتقًا من كل واحد منهما، كقولك حسان؛ يحتمل أن يكون مشتقًا من الحسن، فتكون نونه أصلية، ووزنه فعال، ويحتمل أن ¬

_ (¬1) مجمع الأمثال 2: 75، فرائد اللآل 2: 239. يضرب مثلاً للشيء يفضل على أقرانه وأشكاله. (¬2) يلي ذلك في (ج) و (د): لو أردت ذلك.

يكون من الحسن، وهو القتل، أو غيره مما لا نون فيه، فتكون نونه زائدة؛ ووزنه فعلان (¬1)، فإنك على هذا، إن اعتقدت أنه مأخوذ من أصل النون فيه أصلية، صرفته، وتمنعه الصرف إن اعتقدت أنه مأخوذ من أصل لا نون فيه، وكذا سمان علمًا، إن أخذته من السم منعته الصرف، وإن أخذته من السمن صرفته؛ وكذا تبان، إذا سميت به صرفته، إن اعتقدت أنه فعال من التين وتمنعه الصرف إن أخذته من تبثت يده أي خسرت. وكذا لو سمي رجل بعجان، حكمه هذا الحكم في أخذه من العجن أو العج، وعلى هذا لو سميت رجلاً برمان على خلاف بين الرجلين في اشتقاقه ووزنه، فعلى قول سيبويه تمنعه الصرف لغلبة زيادة الألف والنون في هذا الضرب من الأسماء، وتصرفه في قول الأخفش سعيد لأن رمانا عنده فعال، وحجته تردد هذا الوزن في أسماء ضروب من النبت كالحماض والكراث والقلا م والعلا م والزباد والسماق والملا ح والتفاح. ويجيء هذا الوزن في النبات بالزيادة أيضًا، كقولهم: الخبازى والشقارى (¬2) فهذه النظائر وأشاهها في أسماء النبات تؤنس بقوله. ويشهد لسيبويه عليه استعمال الأصل الذي حمل عليه في اللغة، إذ الرم (¬3) معروف في كلامهم، والر من لا يكاد يعرف. ¬

_ (¬1) ثمة حاشية في (أ) وفي (ب) حول كلمة حسان وهي: إن اعتقدت في حسان أن نونه زائدة قلت في تصغيره حسيسان كما تقول في عثمان عثيمان، وإن اعتقدت النون أصلية كان فعالاً فصفرته على فعيعيل فقلت فيه حسيسين وكذلك الأمثلة البواقي، والله أعلم. (¬2) الخبازى: بقلة معروفة من فصيلة الخبازيات. الثقارى: جنس زهر من فصيلة الشقيقات. (¬3) رمه: أصلحه بعد فساده. من لغو حبل يبلى فتزمه أو دار ترم شأنها، ورم الأمر إصلاحه بعد انتشاره، ومصدره وما ومرسة.

وبعد، فانظر، فإن كان هذا الضرب من الأسماء غير مسموع فيه الصرف أو منعه من العرب، فاحمله على أحسن ما يقتضيه القياس من ذاك، باعتبار الاشتقاق من الأصلين المذكورين على ما سبق، وإن كان عن العرب فيه نص يثبت مثله من صرف أو ترك صرف فاقتصر عليه واكتف به، إذ قد كفت العرب النظر ومؤونته. والاسم الذي يكون على وزن الفعل، وهو علم، تمنعه الصرف لوزن الفعل والتعريف، ووزن الفعل لا يخلو من أن يكون مختصًا بالفعل أو غالبًا عليه، كثيرًا فيه. فالمختص كضرب، إذا سميت به في قول سيبويه (¬1)، وكذا كل ما كان على فعل كدخل وخرج وأكل وكنحو ضورب وتضرب وانقطع، وما أشبه ذلك من الأوزان المختصة بالأفعال. والغالب على الفعل، وإن كان مستعملاً في الأسماء. فنحو أحمر وأصفر، تمنعه الصرف علمًا أو صفة، (وإن كان في الأسماء) (¬2) مثل أفكل وأزمل (¬3) وأيدع وما كان على هذا الوزن، لأنه وزن يغلب على الفعل، إذ كانت همزته في الفعل لمعنى لا يكون في الاسم، وهو أنها تدل في قولك: أركب وأذهب على أنها في الفعل للمتكلم وحده، وليست في أخضر وأفكل بدالة على معنى، فكان الفعل أحق بهذا الوزن من الاسم لهذا المعنى، وإن كان كثيرًا في الأسماء، ولأن كل فعل- في الأغلب- لا يمتنع أن يكون لماضيه مضارع فتدخله هذه ¬

_ (¬1) الكتاب ص 3 وما بعدها. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (ج) و (د). (¬3) أزمل: صوت.

الهمزة، ولا يلزم في كل صفة ولا اسم علم أو غير علم أن يستعمل على زنة أحمد، وأفكل، وأبيض. فإن كان وزنًا يكثر في الأسماء كما يكثر في الأفعال لم يمتنع من الصرف في قول الجمهور كفعل، لأن طللاً وجملاً وحملاً وما جرى هذا المجرى كثير في الأسماء كما يكثر في الأفعال دخل وخرج وأكل وما كان على هذا الوزن. والمعدول من الأسماء، يمتنع من الصرف إذا كان معرفة كعمر وزفر، لأن عمر معدول عن عامر وزفر معدول عن زافر، ففيهما علتان: التعريف والعدل. ووزن "فعل" ينقسم في الكلام أربعة أقسام: أحدها أن يكون علمًا كعمر وزفر وقثم، فيمتنع من الصرف لما ذكرنا. والآخر أن يكون وصفًا، كحطم من قوله: قد لفها الليل بسواق حطم (¬1) فهو مصروف، لأنه لبس بمعدول، لأنك تلحقه الألف واللام، فتقول: ¬

_ (¬1) سواق حطم: شديد السوق لابله. فكأنها يحطمها لشدة سوقه. لفها بسواق: ضمها إليه. والبيت من أرجوزة لرشيد بن رميض العنزي، وكان شريح القيسي غزا اليمن في جموع من ربيعة، فغنم وسبا بعد حرب كانت بينه وبين كندة، أسرقيها فرعان عن الأشعث بن قيس، وأخذ على طريق مفازة، فضل بهم دليلهم، ثم هرب وقد جهدوا من العطش فمات فرعان، وجعل شريح يسوق بأصحابه سوقًا عنيفًا حتى نجوا وورد الماء، فلذلك يقول: هذا أو أن الشد فاشتدي زيم قد لفها الليل بسواق حطم يعني بزيم فرسًا أو ناقة. الكتاب 2: 14، حماسة أبي تمام 1: 333 الكامل: 1049، الجمهرة 3: 21، المنصف 1: 20، شرح المفصل 6: 113، اللسان (حطم خفق، سوق).

الحطم وتدخله تاء التأنيث في مثل قوله "شر الرعاء الحطمة" (¬1). والثالث أن يكون اسمًا موضوعًا غير معدول كصردٍ وجرذٍ ونغرٍ (¬2) فهذا مصروف. ويفرق بين المعدول وغير المعدول في هذا الوزن بالألف واللام، فإن حسن دخولهما الكلمة كانت أصلاً موضوعًا على فعل غير معدول عن شيء، كقولك في جرذ الجرذ وفي صرد الصرد، وإن لم يحسنا فيه كان معدولاً، لأنك لو قلت في عمر وزفر وزحل العمر والزفر والزحل لم يجز. والقسم الرابع أن يكون جمعًا، وهو على ضربين؛ إما جنسٌ كرطبة ورطبٍ وحممةٍ وحممٍ (¬3) وإما جمعٌ كثقبة وثقب (¬4) ونطفةٍ ونطف؛ وهذا القبيل أيضًا غير ممتنع من الصرف، إذ كان غير معدول ولا معرفةٍ، ولو عرف أيضًا وعلق علمًا لكان منصرفًا أيضًا، لأن التعريف وحده لا يمنع الصرف، إذ كان هذا القسم أيضًا أصلاً موضوعًا لا معدولاً. وما كان من الأسماء مؤنثًا بتاء التأنيث أو الوضع لم ينصرف معرفة للتأنيث والتعريف، كقولك: هذا طلحة، ورأيت طلحة، ومررت بطلحة؛ وكذا حمزة وعمرة وأشباههما من الأسماء المؤنثة بالتاء. وما كان تأنيثه بغير علامة، وهو المؤنث وضعًا: كسعاد وزينب وجيئل ¬

_ (¬1) مجمع الأمثال: 363، شرح الشافية 2: 122. الحطم: وهو الذي يحطم الراعية بعنقه، يضرب لمن يلي شيئًا ثم لا يحسن ولايته. وهذا المثل في الأصل حديث شريف. انظر مسند ابن حنبل 5: 64. (¬2) النغر: البلبل ... الصرد: طائر ضخم الرأس، يصطاد صغار الطير. (¬3) الرطبة: واحدة الرطب، وهو التمر قبل نضجه، والحممة واحدة الحمم، وهو الفحم البارد. (¬4) يلي ذلك في (ج) و (د): ونقبة ونقب.

في اسم الضبع، فإنه لا يصرف أيضًا إذا كان معرفة للتأنيث والتعريف. ولا يخلو المؤنث بالوضع العاري من العلامة من أن يكون على ثلاثة أحرف أو أكثر من ذلك، فإن كان ثلاثيًا لم يخل من أن يكون ساكن الأوسط أو متحركه. فالساكن الأوسط كهند ودعدٍ وجملٍ، لك فيه الصرف وتركه؛ فالصرف، لأنه بسكون أوسطه مع كونه على العدة التي تكون عليها أكثر الأسماء المتمكنة وهو الثلاثي، خف، فقاومت خفته إحدى العلتين الموجودتين فيه من العلل المانعة من الصرف وهما التعريف والتأنيث، فصرف. وترك الصرف للاعتداد بالسببين، وأنك لم قبال بخفته، بسكون أوسطه، وعلى الوجهين أنشدوا: (لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تغذ دعد في العلب) (¬1) فإن كان هذا الضرب من المؤنث متحرك الأوسط منعته الصرف، كسقر وامرأة سميتها بقدم، للعلتين المذكورتين فيه. وإن كان على أكثر من ثلاثة أحرف فحكمه في منع الصرف البتة حكم متحرك الأوسط الذي مثلنا به لاجتماع العلتين فيه، وهما التعريف والتأنيث، ولأن الحرف الزائد على الثلاثة أو ما فوقها قام مقام تاء التأنيث؛ فدال سعاد وباء زينب كتاء التأنيث في حمزة وطلحة، بدليل أنها تغني عنها في التصغير، فلا تظهر حين تقول في تصغير سعاد: سعيد وفي تصغير زينب زيينب؛ ومن ¬

_ (¬1) التلفع: الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الإعراب، العلب: أقداح من جلود، الواحدة عليه يحلب فيها اللبن ويشرب، أي ليست دعد هذه ممن تشتمل بثوبها وتشرب اللبن بالعلبة كنساء الأعراب الشقيات. ولكنها ممن نشأ في نعمة، وكسي أحسن كسوة. والشاهد يحرير بن عطية وهو في الديوان: 82، الكتاب 2: 22 حماسة أبي تمام 1: 44، الكامل: 270، النصف 2: 77 مجمع الأمثال 1: 361، شرح الفصل 1: 70 اللسان (لفع، دعد).

شأن التصغير رد المحذوفات، إذا لم يخرج بها عن أمثلته، فلو صغرت عينًا قلت: عيينة، وكذا أذن، تقول في تصغيرها أذينة، وكذا يد تقول: يدية إن صغرتها. ومن ذلك الاسمان يجعلان اسمًا واحدًا، وهي المركبات من الأسماء، كحضر موت (¬1) ومعد يكرب (¬2) ورام هرمز (¬3) ودرا بجره (¬4)، لك في هذه الأسماء المركبة البناء للتركيب كخمسة عشر، فيكون آخر الاسمين مفتوحين على كل حال، ولك بناء الأول على الفتح، وإجراء الثاني مجرى تاء التأنيث، لانفتاح آخر الأول كانفتاح ما قبل تاء التأنيث وذلك كحضر موت وبابه تقول: هذه حضر موت ورأيت حضر موت ومررت بحضر موت (¬5). وهذا الاسم في الأصل اسم رجل سميت به البلدة. ولك أن تضيف الأول إلى الثاني، فإن شئت فتحت آخر الثاني على كل حال، فأجريته مجرى ما لا ينصرف، وإن شئت صرفته. ¬

_ (¬1) ناحية واسعة شرق عدن قرب البحر. انظر معجم البلدان 3: 292. (¬2) معد يكرب اسم لرجال أربعة كانوا في الجاهلية، أحدهم معد بكرب بن حجر آكل المرار ( .. - 60/ 565) انظر التاج 6: 214. (¬3) مدينة مشهورة بنواحي خرزستان، ومعناها مقصود هرمز. معجم البلدان 4: 211. (¬4) كورة بفارس. انظر معجم ما استعجم 2: 8: 5، معجم البلدان 4 460. (¬5) يلي ذلك في (ج) و (د) بدلاً من المقطع الذي يبدأ بـ: وهذا الاسم وينتهي بـ واحدة المقطع التالي: تمنعه الصرف في المعرفة للتعريف والتركيب، وإن شئت أضفت هذا الضرب. فأما معد بكرب، فمنهم من يصرف كربًا تارة ولا يصرفه أخرى، وكأنه إذا لم يصرفه مؤنث عنده، ويأثره مسكنة على كل حال، ركبت أو أضفت، أجريت مجرى ألف مثنى، وهو قول الخليل. ومعنى قولهم معد بكرب، فيما فروا، عداك الكرب، وحضر موت في الأصل اسم رجل عندهم سميت البلدة به.

وكان (¬1) منهم من يجعل كرب في معدي كرب كأنه اسم مؤنث، فعلى هذا يمنعه الصرف في المعرفة، ويصرفه إذا نكره، إلا أن ياء معدي كرب ساكنة على كل حال، ركبت أو أضيفت، قال الخليل (¬2): أجروا هذه الياء مجرى ألف مثنى، فكانت في الأحوال كلها على صورة واحدة. فجميع هذه الأقسام الستة، إذا نكرت صرفت. ونوح ولوط وما جرى مجراهما من الأسماء الأعلام الأعجمية الثلاثية الساكنة الأوسط، لك (¬3) صرفها وإن كان فيها علتان، لأنها بسكون الأوسط ألحقت لخفتها بحكم الأسماء الأول، وهي المنصرفة. فإن كان الاسم الأعجمي الثلاثي الساكن الأوسط مؤنثًا معرفة، منعته الصرف البتة، لأن خفته إن اعتبرت، إنما تقاوم علة واحدة، فتبقى فيه من بعد علتان، فتمنعانه الصرف، وذلك نحو ماه (¬4) وجور في اسمي بلدتين. فإن نكرتهما صرفتهما البتة، وإن بقي فيهما بعد التنكير سببان، لأن العجمة وهذا الضرب من التأنيث لا اعتداد بهما إلا مع التعريف. واعلم أن ما كان من المؤنث على وزن فعال كحذام وفطام ورقاش، يستعمل ¬

_ (¬1) انظر المقتضب 4/ 21. (¬2) الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي (100/ 212 - 170/ 786)، واضع علم العروض وأول معجم في العربية (كتاب العين) أخبار النحويين البصريين: 38، إنباء الرواة على أنباه النحاة 1: 341، وفيات الأعيان 1: 172. (¬3) في (ج) و (د): تصرفها لمقاومة الخفة أحد السببين، ولخفة التذكير ألحقت لخفتها بحكم الأسماء الأول، وتلك منصرفة فصرفت هذه. (¬4) ماء وجور اسما بلدتين بفارس. معجم البلدان 3: 164، 7: 374.

تارة استعمال الأسماء غير المنصرفة، لكونه مؤنثًا علمًا معدولاً عن فاعله نحو حاذمة وفاطمة وراقشة، كما أن عمر معدول في المذكر عن عامر، وعلى ذلك أنشدوا. (ومر دهر على وبار ... فهلكت جهرةً وبار) (¬1) وبار بلدة زعموا أن الجن غلبت عليها. ويستعمل تارة مبنيًا على كل حال، لتضمنه معنى الحرف، وهو تاء التأنيث عند بعض المتأخرين من محققيهم، وعند غيره ممن تقدم، بني لأنه بعلتين إحداهما التعريف، يمنع من الصرف، وتزيده الثالثة ثقلاً، وليس (¬2) بعد منع الصرف رتبةً من رتب الخروج عن الأصل غير البناء. ويلزم آخره في هذا الاستعمال الكسر فتقول: هذه حذام ورأيت حذام، ومررت بحذام. ¬

_ (¬1) وبار: اسم أمة قديمة من العرب البائدة، وكانت تسكن أرضًا بين اليمن ورمال يبرين وسميت هذه الأرض (وبار)، ثم أهلكت هذه الأمة أضحت أرضًا خرابًا حتى اعتقد الناس أن الجن تسكنها معجم البلدان 8: 392. لم يحالفه التوفيق في الشاهد "وبار" مصروفه إذ أن فعال إذا كان آخره راء بني على الكسرة، ويجوز الرفع والنصب لضرورة الشعر. أمالي ابن الشجري 2: 115 الديوان: 281 الكتاب 2: 1؛ . شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 178. مجمع الأمثال 1: 156 شرح الفصل 4: 64، أوضح المسالك 3: 152، شذور الذهب: 97. لسان العرب (وبر)، الخزانة 1: 438. (¬2) في (ج): وليس بعد منع الصرف خروج عن الأصل، بالتباعد عن التمكن ومفارقة الانصراف وتركه مرتبة من مراتب الخروج عن الأصول إلا البناء.

وعليه أنشدوا: (إذا قالت حذام فصد قوها ... فإن القول ما قالت حذام) (¬1) وقال الآخر: (أتاركه تدللها فطام ... وضنا بالتحية والسلام) (¬2) وما عدا هذا القسم مما كان على فعال على اختلاف ضروبه فمبني على الكسر (¬3) لا غير، ولا يكون فيه إعراب بتة إلا أن ينقل أي يسمى به، فيخرج عن موضوعه ويخالف به أصل وضعه. فمن الأقسام المقصورة منه على البناء خاصة ما استعمل منه في النداء في صفة المؤنث، كقولك فيه: يا خباث، يا غدار يا فجار، يا لكاع، يا فساق، تريد بكل هذا يا فاعلة، أي يا غادرة، يا فاجرة يا فاسقة، يا لاكعة، يا خبيثة. ¬

_ (¬1) الشاهد للجيم بن صعب ( .. - .. )، وقيل بل ديسم بن طارق، أحد شعراء الجاهلية، وحذام اسم امرأة زعم أنها الزباء ( .. - 358/ 385)، والذي عليه الأدباء أنها زرقاء اليمامة وهي امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة واليمامة اسمها فسميت البلدة باسمها، وكانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام. حذام: مبنية لمضارعتها ما كان أمرًا على فعال نحو حذار ونزال من حيث كانت مثلها مؤنثة، معاني القرآن 1: 215 و 2: 94 الكامل: 214، شرح أبيات مشكلة الإعراب: 153، مجمع الأمثال 1: 156، 181، 2: 106، 175، أوضح المسالك 3: 153، قطر الندى: 14، مغني اللبيب 1: 243 شذور الذهب: 95، شرح ابن عقيل 1: 51، اللسان (رقش، حذم، نصت) روايته في بعض هذه الصادر إذا قالت حذام فأنصتوها. (¬2) هذا الشاهد مطلع كلمة للنابغة الذبياني، يمدح بها عمرو بن هند ( .. - 45/ 578) الديوان: 158، والرواية فيه: بالتحية والكلام، شرح المفصل 4: 64 شرح قطر الندى: 314، اللسان (رقش). (¬3) يخالف سيبويه ابن الخشاب في ذلك فهو لا يوافقه في أن هذه الصيغة مبنية دائمًا الكتاب 1: 38.

وعللوا بناء هذا الضرب وهو المختص بالنداء، الذي لا يستعمل في غيره بأن قالوا: النداء يقتضي البناء، وهذه الأسماء مؤنثات، معارف، معدولات مناديات، وعلتان تمنعان الصرف، فغلبت هذه العلل على الاسم، فبعدته من التمكن جدًا فبني البتة، فإن استعمل منها شيء في غير النداء ففي ضرورة الشعر لا في الاتساع والنثر كما قال: (أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيتٍ فعيدته لكاع) (¬1) ومن ذلك فعال إذا أردت بها المصدر، أي المرة منه، كما قال: (إنا احتملنا خطتينا بيننا ... فحملت برة واحتملت فجار) (¬2) أراد بفجار فجرة علمًا معرفة، وإن كان مصدرًا يراد به المرة من الفجور لأنه بإزاء قوله "برة"، فكأنه قال: فحملت "برة" واحتملت "فجرة" ¬

_ (¬1) أطوف: أكثر الدوران، قعيدة البيت هي المرأة لأنها تطيل القعود فيه. لكاع: متناهية في الخبث، والأصل في هذه الزنة إذا كانت بهذا المعنى أن تكون مناداة، وهي مختصة بالنداء لا تتجاوزه، وقوم من النحاة يوجهون البيت على الأصل فيزعمون أن خبر المبتدأ هو قول محذوف، ولكاع منادى محذوف: مقول له يا لكاع، وعلى هذا فلا ضرورة فيه. والشاهد للخطيئة، جرول بن مالك العبسي ( .. - 45/ 665). الديوان: 280، الجمهرة 2: 279، الكامل: 223، شرح المفصل 4: 57، شرح ابن عقيل 1: 70، اللسان (لكع)، الخزانة 1: 408. البيت من قصيدة للنابغة الذبياني يهدد بها زرعة بن عمرو الكلابي. (¬2) حملت برة: بروت، احتملت فجار: فجرت، وهو في الديوان: 98، الكتاب 2: 38، الجمهرة 2: 82 الكامل: 414، مجالس ثعلب 2: 396، شرح المفصل 1: 38، اللسان (برر، فجر، أنف) الخزانة 3: 65، والرواية في معظمها: إذا اقتسمنا خطتينا بيننا.

لكن فجرة معرب غير منصرف، والمعدول عنه وهو فجار مبني كما ترى على الكسر. ومن ذلك "فعال" المستعملة في الأمر عدلاً عن فعله للمبالغة، كقولك: نزال وأنت تريد انزل- وتراك- وأنت تريد اترك- ومناع- وأنت تريد امنع-، كل هذا الضرب مبني لوقوعه موقع المبني، وهو فعل الأمر، وعدله عنه. وقال أبو الفتح بن جني (¬1): بنيت هذه الأسماء لتضمنها معنى لام الأمر، والاسم إذا تضمن معنى الحرف بني (¬2). ¬

_ (¬1) عثمان بن جني الموصلي ( .. - 392/ 1002) من أئمة الأدب والنحو، وله شعر، ولد بالموصل وتوفي ببغداد عن نحو "65" عامًا، يتيمة الدهر 1: 77، نزهة الألباء: 228، وفيات الأعيان 1: 313، بغية الرعاة 2/ 132. (¬2) في الخصائص 2/ 300 شرح لهذا القول.

فصل كل اسم في آخره همزة التأنيث، فإنه ممتنع من الصرف البتة، صفة كان أو اسمًا، مفردًا كان أو جمعًا. فالاسم كصحراء وبرقاء وجزعاء وجمعاء (¬1)، والصفة كصفراء وحمراء والجمع كأنبياء وأصفياء وشعراء وخطباء. فأما "أشياء" فإنها، وإن دلت على الجمع، فهي اسم مفرد اللفظ دال على معنى الجمع كطرفاء (¬2) في جمع طرفة، وقصباء في جمع قصبة، والأصل فيها عند الخليل شيئًا كشيعاعٍ، على أن تكون فعلاً من لفظ شيء، ثم قدموا الهمزة التي قبل الألف وهي لام الكلمة على الشين وهي فاء الكلمة فصار اللفظ كما ترى "أشياء". فوزنها على قول الخليل وسيبويه لفعاء لأن لامها مقدمة وامتناعها من الصرف للزوم التأنيث، وللناس فيها خلاف، وهي مسألة طويلة (¬3). ¬

_ (¬1) جمعاء: ساقطة من (ج). (¬2) طرفة: شجرة، وبها سمي الشاعر المشهور طرفة بن العبد (86/ 538 - 60/ 564). (¬3) انظر الكتاب 1: 379، الانصاف 2: 812، اللسان: (ش ي أ).

فصل [بناء الأسماء]

فصل قوله (¬1): والمبني من الأسماء نحو من وكيف وما أشبههما. الفصل: البناء لزوم آخر الكلمة سكون أو حركة لا يكونان عن عامل، وهو في الأفعال أصل وفي الأسماء فرع، كما أن الإعراب في الأسماء أصل، وفي الأفعال فرع، والحروف كلها مبنية، والمبني من الأسماء ما تضمن معنى من معاني الحروف أو أشبهها في الحكم. فمما تضمن من الأسماء معنى حرف فبني "من"، وهي في الكلام على أربعة أضرب: استفهام، كقولك: من زيد؟ بنيت في هذا القسم لتضمنها معنى همزة الاستفهام. وشرط، كقولك: من يقم أقم معه، وهي في هذا القسم مبنية أيضًا، لتضمنها معنى حرف الشرط وهو "إن". ¬

_ (¬1) انظر الجمل ورقة 5/ 1.

وموصولة، كالذي والتي، كقولك: مررت بمن في الدار، تريد بالذي في الدار، وهي في هذا القسم مبنية للمعنى الذي بني له «الذي» وأخواته من الكلم الموصولة، وذلك المعنى هو مشابهته الحرف في افتقاره إلى ما يتصل به، وكونه لا يتم اسماً إلا بما بعده، فجرى مجرى بعض الاسم الذي لابد له من تمام. ونكرة موصوفة، كقولك: مررت بمن قائمٍ، تريد برجل قائمٍ، وعليه أنشدوا: (يا رب من يبغض أذوادنا ... رحن على بغضائه واغتدين) (¬1) يدلك على أنها في هذا القسم نكرة موصوفة لا معرفة موصولة، دخول رب عليها، وهي إنما تدخل على النكرات لا المعارف، فبنيت في هذا القسم لأنها بلزوم الصفة إياها جرت مجرى الموصولة، وفي كل أقسامها هي مبنية على السكون، والسكون هو الأصل في المبنيات كما أن الحركة هي الأصل في الإعراب. وإنما يبنى على الحركة ما يبنى منها لعلة تخرجه عن أن يسكن آخره ككيف وأين، بنيتا لتضمنها معنى همزة الاستفهام، وحرك آخرهما لسكون الياء قبلهما؛ فلو سكنت آخرهما اجتمع ساكنان، ولا سبيل إلى ¬

_ (¬1) الاذواد: جمع ذود، وهو القطيع من الإبل، بين الثلاث والثلاثين. وهو لعمرو بن قميثة اليشكري (180/ 488 - 85/ 540). ويلقب بالضائع لموته في غربة وفي غير إرب ولا مطلب، من أقدم شعراء بكر في الجاهلية. معنى البيت: نحن محسودون لشرفنا. وعزتنا وكثرة مالنا، والحاسد لا ينال منا غير البغضاء، ونحن لا نبالي به، بل نروح ونغدو وفؤاده منطو على البغضاء. الديوان: 196، الكتاب 1: 270، الأزهية: 102، أمالي الشجري 2: 311. شرح المفصل: 11. وروايته في الكتاب: رحنا على بغضائه.

ذلك إلا على صفة مخصوصة، وفي مواضع مخصوصة، وخُصتا بالفتح لأنه أخف الحركات. وقد بنيت الأسماء على ضروب البناء من الضم والفتح، والكسر والسكون. فالسكون والفتح ما مثلنا به من «مَن وكيف»، وأما الضم فنحو قبل وبعد، والأسماء المعارف المناداة كقولك: يا زيد ويا عمرو ويا حكم. فأما قبل وبعد فظرفان مقطوعان عن الإضافة، وكان الأصل أن يضافا إلى اسم يبينهما (¬1) كقولك: قبل زيد، وبعد عمرو، ولكنهما قطعا عن الإضافة، وضمّنا معنى ما قطعا عنه، فأشبها بذلك الأسماء الموصولة التي لا تتم إلا بصلاتها، فبنيا، ولم يسكن آخرهما لسكون الحرف الذي قبله ولقوتهما وتمكنهما في الأصل، إذ كان هذا البناء عارضاً فيهما، وذلك في حال قطعهما عن الإضافة. فإذا أضيفا عادا إلى ما كان لهما من الإعراب؛ فلم يجريا لذلك مجرى غيرهما من المبنيات، التي يلزمها البناء في كل الأحوال، وخُصا بالضم لأن الضم أقوى الحركات، ولقوته خصوا به من المعربات والمبنيات أقواها. وتسمى قبل وبعد وما أشبههما من الظروف المبنية على الضم، لقطعها عن الإضافة، غايات، ومعنى هذه التسمية أن هذه الظروف إذا أضيفت كان غايتها آخر المضاف إليه، فإذا قطعت عن الإضافة صارت أواخرها غاياتها، فسميت لذلك غاية. وأما إذا استعملت مفردة نكرة، غير متضمنة معنى ما أضيفت في الأصل إليه ثم قطعت عنه، فإنها باقية على أصلها من الإعراب، كقراءة من قرأ «لله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ» (¬2). ¬

_ (¬1) في (آ) و (ب): اسم بعدهما. (¬2) [الروم 3: 4] {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} وقد وردت هذه القراءة في العكبري: 2: 96 ولم تنسب.

وأما الاسم المنادى المعرفة فبني لوقوعه موقع أسماء الخطاب، وتضمنه معنى علامة الخطاب كالكاف في أدعوك، والتاء في أنت، قالوا: والأصل في يا زيدُ: يا أنت، ويا إياك، واستدلوا على ذلك بأنه قد ظهر في بعض الضرورات، والضرورات كثيراً ما يراجع فيها الشعراء الأصول المرفوضة، وذلك في قوله: يا أبجر بن أبجر يا أنتا (¬1) فلما وقع المنادي المعرفة موقع الحرف، أو ما يغلب عليه شبه الحرف بني، وخص بالبناء على الحركة لأن له أصلاً في التمكن، بدليل أنه إذا لم يستعمل منادى رجع إلى أصله من الإعراب، إن كان مما يعرب، وجعلت الحركة الضمة لأنها أقوى الحركات. وأما البناء على الكسر فنحو أمس وهؤلاء، إذا أردت بأمس اليوم الذي يلي يومك بنيته لتضمنه معنى الألف واللام، إذ كان الأصل في قولك: فعلت كذا أمس فعلته الأمس (ثم حذفت من لفظه لام التعريف وضمنته إياها لأنك استعملته مجرداً منها استعماله وهي داخلة عليه فيما أردته به من المعنى، فبنيته لذاك وحركته بالكسر، لأنك لو أسكنت سينه جمعت بين ساكنين: هي والميم، والكسر هو الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين، فإذا ألحقت هذا ¬

_ (¬1) البيت من أرجوزة لسالم بن دارة الغطفاني (00 - 30/ 650). وقد حرف البيت على وجوه. وصوابه: (يا مر يا ابن واقع يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جمتا) الأبجر: الذي خرجت سرته. والعظيم البطين الأكول. يا أنتا: أوقع يا على المنادى المحذوف. كأنه قال يا مرة أنت. وقد ادعى قوم أن أنت يجوز نداؤها ولا ينبغي أن تبدل على الوجه الأول. ابن: نعت لأبجر تابع له بالنظر لمحله. النوادر: 163. حماسة أبي تمام 1: 367. الأنصاف 1: 325. أوضح المسالك 3: 72. الخزانة 1: 289.

الاسم لام التعريف أو نكرته أو صغرته أو جمعته أو أضفته أعربته. وأما هؤلاء فبني الاسم منه وهو أولاء لتضمنه معنى الإشارة، وحرك آخره بالكسر للمعنى الذي كسرت له سين أمس، ولولا ذلك لكان ساكناً، بدليل أنك إذا قصرته، فقلت هؤلا أسكنته، والألف لا تكون إلا ساكنة. والمبني من الأفعال، أمثلة الماضي كلها، كقولك: قام، وذهب، وانطلق، واستخرج. والأصل في جميع الأفعال -على ما تقرر- البناء، فهذه الأفعال، أعني الماضية، على أصل ما تستحقه، وهو البناء، وبنيت على حركة لأنها ضارعت المضارع أي شابهت مشابهة الأسماء من الأفعال، فقويت وميزت بالبناء على الحركة دون السكون، وخصت بالفتح لخفته ولكثرتها، والشيء إذا كثر في كلامهم خصوه بما يخف عليهم استعماله لا ما يثقل.) (¬1) ومضارعة الماضي للمضارع أنه خبر كما أنه خبر، ويوصف به كما يوصف به، تقول: مررت برجلٍ ضرب كما تقول: مررت برجلٍ يضرب، ويقع موقعه في الشرط والجزاء، تقول: إن قمتَ قمتُ، كما تقوم: إن تقم أقم، وتدخل عليهما قد، تقول: قد قام كما تقول: قد يقوم، فلما ضارع المضارع كما ترى ميز مما لم يضارعه -وهو فعل الأمر- بأن بني على حركة. والأمر بغير اللام كقولك قُم وانطلق مبني على الأصل -وهو السكون- عند البصريين. ويسمى البناء على السكون وقفاً والإعراب بالسكون جزماً، وصورة الأمر بغير اللام صورة المجزوم، ألا ترى أن سكون الباء في قولك اضرب، -وهو مبني على السكون، عند من يرى بناءه- كسكون الباء في قولك لم ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط من (ب).

يضرب، وهو مجزوم بلا خلاف. وكذلك حذف آخر الفعل المعتل في قولك: ارم واغزُ واخشَ للبناء كحذفه للجزم في قولك: ليرم ِ، ليغزُ، ليخشَ. ويسمى الرفع في البناء ضماً والنصب فتحاً والجر كسراً. لما أشبه حركات الإعراب وسكونه حركات البناء وسكونه في اللفظ وافترقا في الحكم فرقوا بينهما في الألقاب، وربما تجوزوا فاستعملوا ألقاب أحد القسمين في الآخر، والأجود استعمال كل منهما فيما وضع له وعليه ليقع الفرق ويؤمن اللبس.

فصل قوله (¬1): والبناء في الأسماء يكون لازماً نحو من وكيف وعارضاً وذلك في خمسة أشياء قد عددها. اللازم من البناء ما استعمل مبنية في كل متصرفاته وأحواله المختلفة على صفة واحدة ولم يستعمل معرباً بتة، والعارض ما استعمل مبنياً في حال لمعنى أوجب له البناء، فإذا زال ذلك المعنى عاد إلى حكمه الأصلي من الإعراب. واللازم والعارض إنما بابهما الأسماء دون الأفعال، لأن الأصل في الأسماء أن تكون معربةً، فإذا عرض لقسم منها ما يخرجه عن أصله فيبنى، ثم زال عنه ذلك المعنى رد إلى الأصل فعاد معرباً. وأما الأفعال فبناؤها أصل لا عارض، فيزول عنها المعنى الذي أوجب لها البناء فترد معربة. هذا لا يكون فيها بل تكون لها هذه الصفة في الإعراب كما كانت هذه الصفة للأسماء في البناء، وذلك أن الفعل إذا أعرب فإعرابه فرع ¬

_ (¬1) انظر الجمل 5/ 1.

فإذا عرض له ما يمنعه الإعراب عاد مبنياً، كما أن الاسم إذا عرض له البناء ثم زال عنه الحكم الموجب لبنائه عاد معرباً. فاللازم من الأسماء للبناء نحو قولك: من وكيف وإذ وحيث وما جرى هذا المجرى مما لم يتمكن قط، ولم يستعمل معربا، بل وضع في الأصل وضع الحروف التي لم تكن قط إلا مبنية. والعارض بناؤه نحو المضاف إلى ياء المتكلم في قولك: غلامي وداري، وصاحبي، فغلام ودار، وصاحب، أسماء متمكنة معربة بأتم الإعراب، لم تشبه فعلاً ولا حرفاً ولا جرت مجراهما ولا تضمنت معنييهما، فلما أضيفت إلى ياء المتكلم؛ وياء المتكلم اسم مضمر مجرور، والمجرور من الضمائر يكون متصلاً أبداً لا منفصلاً، وهي اسم على حرف واحد، تستعمل ساكنة ومتحركة، كسروا لها آخر الاسم المضاف إليها، لتتمكن وتثبت على صورتها ولا تتغير؛ وذلك أنهم لو أعربوا الاسم المضاف إليها بما يستحقه من رفع ونصب وجر لكانت تنقلب إذا انضم ما قبلها، وهي ساكنة، واواً، فكانت الحال تفضي بهم إلى أن يقولوا في الرفع: هذا غلامو، وإن استعملت متحركة وأثبتت على صورتها مع انضمام ما قبلها كان اللفظ بها مع الضمة قبلها مستثقلاً مع خروجه إلى ما ليس له نظير في كلامهم. وإن استعملت متحركة وانفتح ما قبلها في النصب وجب أن تنقلب، بموجب التصريف، ألفاً لأنها ياء متحركة منفتح ما قبلها؛ وقد تنزلت باتصالها بما أضيف إليها منزلة الجزء منه. والواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين، إلا أن يشذ شيء أو يخاف لبس أو يكون التصحيح أمارةً للتصحيح في مثال آخر، أو غير ذلك من الموانع للقلب؛ وكل ذلك منتف عن الاسم المضاف إلى (¬1) الياء التي للمتكلم. ¬

_ (¬1) في (آ) و (ب): المضاف إلى غير الياء.

وإن استعملت ساكنة وانفتح ما قبلها وجب أيضاً قبلها ألفاً لأنها متطرفة، ومتنزلة منزلة لام الكلمة، فهي لاتصالها في موضع حرف تجب له الحركة، فكانت تنقلب لانفتاح ما قبلها وكونها في حكم المتحرك ألفاً، وكانت لما ذكرنا تختلف أحوالها وتتغير من صورة إلى صورة، فيكون ذلك إخلالاً. ولا يقدح فيما عللنا به قلبهم إياها في النداء ألفاً، إذا قلت يا غلاماً، لأن النداء له حكم في التغيير ليس لغيره، فعدلوا لما ذكرناه إلى أن كسروا لها آخر المضاف إليها في كل الأحوال، لتثبت ولا تتغير، فكان الكسر في آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم حكماً من أحكام البناء عارضاً فيه (¬1)، بدليل أنه إذا لم يضف هذا الاسم إلى هذه الياء عاد إلى ما يستحقه من الإعراب والتمكن. وقد كسروا لهذه الياء ما أصله في قياس استعمالهم أن يكون مفتوحاً معها، وهو اللام في قولك لي، وهذه اللام أصلها الفتح؛ وإنما كسرت مع المظهرات فرقاً بينهما وبين لام التوكيد، وهي باقية مع المضمرات على أصلها، إذ كانت المضمرات بابها الرد إلى الأصول، ما خلا هذه الياء التي للمتكلم، فإنها مكسورة معها في قولك لي، للزوم هذا الحكم -أعني كسر ما قبلها- سائر ما تصل بها، ولأنهم إذا كانوا قد غيروا لها آخر الاسم فألزموه طريقة واحدة وعدلوا به عما يقتضيه القياس من إعرابه مع كون ذاك داعياً إلى اختلاله، لعدم الفارق بين معانيه المتعاقبة عليه التي لأجلها تكلف له إعرابه، فلأن يغيروا لها الحرف الذي لا يختل بتغييره معها أولى. والكسرة في قولك لي غيرها في قولك لزيد على ما يوجبه التدقيق، وإن كان اللفظ واحداً، لأن تلك مجتلبة للفرق، وهذه مجتلبة لأجل الياء لتسلم، لا لمعنى آخر. ¬

_ (¬1) في (ب): منه.

فصل والكسرة في آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم كسرة بناء عارض، وذلك أن المضاف يتنزل من المضاف إليه منزلة بعض الكلمة من بعض؛ هذا إذا كان المضاف إليه مما يمكن أن يكون ومستقلاً بنفسه، فإذا انضم إلى ذلك كون المضاف إليه مما لا يقوم بنفسه ولا ينفرد اشتد اتصاله بما قبله حتى يجري الأول من الثاني والثاني من الأول مجرى بعض الكلمة من بعض حقيقة لامتزاجهما، فيغلب على الأولى حكم الثانية وهذه الصفة موجودة في المضاف إلى ياء المتكلم. ولهذا المعنى من اتصال المضاف بالمضاف إليه حتى سرى إلى الأول حكم الثاني بنيت «غير» في مثل قول الشاعر: (لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أوقال) (¬1) وبنيت «مثل» في نحو قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 23] (¬2) في أحد القولين، وهو قول من لم يجعله حالاً. ¬

_ (¬1) الأوقال: الأعالي. قائله أبو قيس الأسلت عامر بن جشم (؟ ) جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم، وقد نسبه الزمخشري في الأحاجي للشماخ وليس في ديوانه، الشاهد فيه (غير) فإن الرواية فيه بفتحها مع أنها فاعل لـ «يمنع» فدل ذلك على أنه بناها على الفتح. يريد أن الناقة كانت تشرب، فلما سمعت صوت حمامة نفرت وكفت عن الشرب يريد أنها يخامرها فزع من حدة نفسها وذلك محمود فيها. الكتاب 1: 369 الجمهرة 3: 493، الأنصاف 287، الأحاجي النحوية 66، شرح المفصل 3: 80، 8: 135، مغني اللبيب 0: 171، اللسان (نطق، وقل)، الخزانة 2: 146. (¬2) [الذاريات: 23] {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}.

فصل وأما المنادى المفرد المعرفة كقولك: يا زيد ويا رجل، إذا أقبلت على شخصٍ فناديته، فتعرف بإقبالك عليه وتخصص بالنداء، فبني على الضم بناء قولك: يا زيد. فالبناء أيضاً عارض فيه لأنه إذا انفصل عن النداء عاد معرباً كقولك: جاءني زيد ورجل ورأيت زيداً ورجلاً. وكذلك النكرة المفتوحة مع «لا»، المراد بنفيها نفي الجنس كذلك: لا رجل في الدار، «لا» عاملة في رجل النصب في الأصل. كما تعمل «إن»، وهي مركبة من بعد معه ومجعولة هي وهو كالاسم الواحد في قوله سيبويه (¬1)، ولذلك شبه قولك لا رجل بخمسة عشر، لأن الأصل خمسة وعشرة، فركب العددان وهما اسمان مفردان وجعلا كلمة واحدة. وكذلك كان الأصل لا رجلاً بالتنوين، إلا أنهم أجروا العامل وهو «لا» مع المعمول -وهو الاسم النكرة المنصوب بها- مجرى الجزء الواحد، فركبوها معه والتركيب يقتضي البناء وحذف التنوين من كل واحد من المركبين لأنه به -أي بالحذف- يجري الأول من الثاني مجرى بعض حروف الكلمة من بعض، ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1: 345. الأنصاف 1: 366.

وكذلك الثاني من الأول، وبعض الكلمة لا يستحق الإعراب، إنما تستحقه الكلمة بأكملها. وفائدة ذلك الدلالة على أن المنفي يراد ينفيه نفي الجنس، فنفيه مستوعب للقليل والكثير. ألا ترى أنك إذا قلت: لا رجل في الدار لم يجز أن يكون فيها رجل ولا اثنان ولا ما فوقهما، بل النفي مستوعب للواحد من هذا الجنس وما فوقه، بالغاً ما بلغ؛ فإذا فككت هذا الاسم من لا واستعملته غير منفي بها أو منفياً وحكمة غير الحكم الذي بيناه من إخلاص نفي الجنس عاد معرباً، فبناؤه مع «لا» عارض له أيضاً. وأما قبل وبعد وما أشبههما من الظروف المبنية في حال قطعها عن الإضافة، فبناؤها عارض أيضاً لأنها إذا أضيفت فارقها البناء، وعادت معربة، وقد بينا حكمها أيضاً فيما سبق. والاسم المركب مع غيره كخمسةَ عشر وستةَ عشر وما أشبههما، هذه الأسماء، إذا أفردت، معربة، كقولك: خمسةٌ وستةٌ وعشرةٌ، فإذا ركبت بنيت لأنها ضمنت معنى حرف العطف إذ كان الأصل في خمسةَ عشر خمسةٌ وعشرةٌ، ولكنهم حذفوا حرف العطف وركبوا أحد الاسمين مع الآخر وجعلوها كالاسم الواحد ليجريا مجرى أسماء الأعداد المفردة غير المركبة كسبعةٍ، وثمانية وعشرة، لحاجتهم إلى ذلك في بعض الاستعمال. وفائدة التركيب أنك إذا قلت: أعطيت بهذا الثوب خمسةٌ وعشرةً جاز أن يتوهم السامع أنهما صفقتان، وأنك أعطيت به تارةً خمسةً وتارة عشرةً، فإذا ركبت زال هذا الاحتمال وعلم المخاطب قطعاً أنك أعطيت به هذا المقدار من العددين المضموم أحدهما إلى الآخر في صفقة واحدة. ولا يلزم هذا فيما زاد على العشرين كقولك: أحد وعشرون واثنان وعشرون، لعلتين: إحداهما من طريق اللفظ، والأخرى من طريق المعنى.

أما اللفظية فلأن عشرين وأخواتها من العقود كثلاثين وأربعين إلى التسعين؛ ألفاظهما ألفاظ جموع التصحيح، وإعرابها إعرابها. والتركيب لا يتطرق مع المبنيات والمجموعات مع غيرها، إنما بابه المفردات، فلم تركب هذه العقود مع النيف عليها كما رُكبت العشرة مع ما انضم إليها مما دونها من الأعداد. وأما العلة المعنوية فلأنه قلما يتباين حكم مثمن في التقويم، حتى يعطي به تارةً درهماً وتارة عشرين. وما زاد على العشرين من العقود كالثلاثين والأربعين وما بعدها، فالحكم فيه أفحش؛ وإن وقع مثل ذلك فقليل؛ والعمل على الأكثر، وما قل فمطرح الحكم. فالبناء في الاسمين المركبين في العدد وغيره أيضاً عارض لأنهما إذا فكا عادا معربين.

فصل إنما بنيت الأسماء المركبة لأن الأول يتنزل من الثاني منزلة بعض الكلمة من بعضٍ، وكذلك الثاني من الأول؛ وبعض الكلمة لا يستحق الإعراب، إنما تستحقه الكلمة بأسرها إن كانت مما يعرب. فإن قيل: الاسمان المركبان يجريان، كما قرر، مجرى الكلمة الواحدة، فهلا أعرب مجموعهما، فالجواب أن من المركبات ما يعرب مع التركيب، ويجرى مجرى الاسم الواحد وإن وهنه التركيب، وذلك في الأسماء الموضوعة لغير العدد، كقولك: حضر موت وبعلبك ورامهرمز، وقد بين حكم هذا القسم. ومنها (¬1) ما يبنى فيه الاسمان معاً المركب أحدهما مع الآخر، وذلك مركبات العدد كخمسةَ عشرَ وستةَ عشر وبابهما. والفرق بين هذه والقسم الأول أن امتزاج تلك أشد، إذا كان أحد الاسمين منها لم يكد يستعمل على انفراده في ثاني الاستعمال، بل حضرموت مثلاً في استعمالها علماً لهذه البلدة كدمشق مثلاً وبغداد، فكما أن تين معربتان، كذلك تلك في بعض استعمالها. وأما مركبات الأعداد فالمفرد منها يستعمل لمعناه كخمسة إذا أردت بها هذا القدر من العدد وعشرة مفردةً. فالعاطف المتضمن (¬2) في التركيب معتبر، وإذا اعتبر فقد تضمنت معناه وما تضمن معنى حرف فلا وجه لإعرابه، ولأن العدد في الأصل موضوع على أن لا يعرب ما دام لما وضع له من تقدير الكميات فقط. ¬

_ (¬1) في (ب): ومنه. (¬2) في (ج) و (د): المتضمنته.

فصل المعربات معمولات، والمعمولات تقتضي العوامل، والعوامل على ضربين: لفظي ومعنوي، واللفظي هو الأصل لأنه الأقوى، إذ كان محسوساً لأنه يدرك بالسمع، والمعنوي دونه لأنه معقول مستنبط لا محسوس، ولهذا قل وجوده فهو إنما يكون في ثلاثة مواضع: اثنان منها متفق عليهما، وهما عامل (المبتدأ، ورافع الفعل المضارع وذاك أن المبتدأ وخبره مرفوعان، وليس معهما عامل لفظي ظاهر، ولا مقدر، فالرافع لهما حينئذ معنى، فالمبتدأ مرفوع لتجرده من العوامل اللفظية، والعوامل اللفظية نحو إن، وكان، وظننت، وكونه معرضاً لها، وأنه أول لثان، ذلك الثاني خبر عنه ومسند إليه. ومجموع هذه الصفات هو الابتداء، ولهذا قالوا: الابتداء وصف في الاسم المبتدأ يرتفع به، وأما الخبر مرفوع كالمبتدأ لأنه هو في المعنى، فقال بعضهم: عمل فيه الابتداء كما عمل في المبتدأ، وقاسه قائل هذا القول على غيره من عوامل المبتدأ اللفظية ككان، وإن وظننت، قال (¬1): وليس شيء من هذه العوامل يعمل في المبتدأ إلا ويعمل في خبره على اختلافها في العمل فيهما. ¬

_ (¬1) المبتدأ عامل في الخبر عند سيبويه. أما المبرد فعنده أن الخبر رفع المبتدأ أو الابتداء. ويرى الكوفيون أنهما يترافعان. انظر الكتاب 1: 278. المقتضب 2: 49. الأنصاف 1: 44.

العامل اللفظي والعامل المعنوي

ولم يفرق هذا بين العامل اللفظي والعامل المعنوي في القوة والضعف، بل سوى بينهما لاشتراكهما (¬1) في جنسية العمل. وقال غير هذا من المحققين: العامل في الخبر عامل مركب من مجموع الابتداء والمبتدأ. والقائل بهذا القول اعتبر ضعف العامل المعنوي وانحطاطه عن رتبة العامل اللفظي فلم يقو عنده على العمل في الاسمين جميعاً، إذ كان معنوياً، فرفده بالمبتدأ، إذ لم يجد مع الابتداء غيره، وكان وصفاً فيه قائماً به. وهذان القولان في عامل المبتدأ وخبره أسد الأقوال التي قيلت فيه، وعلى ذاك فلا شبهة في أن الابتداء عامل معنوي. والثاني من العاملين المعنويين المتفق عليهما. عامل الرفع في الفعل المضارع، وذاك أن الرافع له عندهم وقوعه بنفسه موقع الاسم، كقولك: مررت برجل يكتب، ارتفع يكتب لوقوعه موقع كاتب، ثم استمر هذا حتى رفع الفعل بهذا المعنى في كل المواضع التي يعرى فيها من ناصب وجازم، وإن لم يقدر تقدير الاسم. وأما العامل المعنوي المختلف فيه فعامل الصفة في قول أبي الحسن الأخفش (¬2) كقولك: مررت برجلٍ ضاربٍ، الجار لضارب عند أبي الحسن كونه وصفاً لمجرور وكذلك إن ارتفع أو انتصب، وعند سيبويه: العامل في الموصوف هو العامل في صفته، إذ كانا كالاسم الواحد. ¬

_ (¬1) في (ج): في اشتراكهما. (¬2) اتفق سيبويه والمبرد على أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف انظر الكتاب: 1/ 228 المقتضب 4/ 315.

فصل [العوامل اللفظية]

فصل والعوامل اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أفعالٌ وحروفٌ وأسماءٌ. فالأفعال هي الأصول في العمل لغيرها، والقسمان الآخران فرعان لها، ومحمولان عليها، ومشبهان بها، يدلك على أنها أصل في العمل أنك لا تجد فعلاً غير عامل إلا الأقل النزر، لإخراجه عن أصله لمعنى عرض له كما بينوه. والأسماء أكثرها غير عامل وهو الأصل، ومنها عامل لشبهه بالفعل وأخذه من لفظه أو نيابته عنه أو غير ذلك مما إذا حقق أصله عاد إليه، وذاك كالاسم العامل عمل الحرف، النائب عن الفعل اختصاراً. والحروف منها العامل ومنها غيره، وللأفعال عملان: مقدم وهو الرفع ومؤخر وهو النصب، فالرفع تشترك كلها فيه، إذ لابد للفعل من فاعل، فلا يجوز أن يخلو فعل من مرفوع، والنصب لما كان للمفعول وما شبه به، وليس يلزم ذكر هذا القسم كما يلزم ذكر الفاعل. فالأفعال (¬1) منها اللازم، فهو لا مفعول له، ومنها المتعدي وذكر مفعوله مع فاعله جائز لا لازم، ولا واجب، فتقول على هذا: الرفع في الأفعال عام والنصب فيها خاص. ¬

_ (¬1) في (ب): والأفعال.

وهو، أعني النصب، إما أن يكون لمفعول محض -على ما ذكرنا- وإما أن يكون لمشبه به. فنصب المفعول المحض مختص به بعض الأفعال دون بعض والنصب الثاني تشترك فيه الأفعال كما اشتركت في عملها الرفع. فكل فعل، لا (¬1) بد له من اسم يرفعه بأنه فاعله، وصفته أن يكون مسنداً إليه ذلك الفعل مقدماً عليه، كقولك: ضرب زيد وقام عمرو، فقام وضرب رافعان للاسمين اللذين بعدهما بأنهما فاعلاهما. وسواء كان الفعل ماضياً أو غير ماضٍ، موجباً أو غير موجب فإنه يرفع الاسم متى أسند إليه مقدماً عليه. ومتى تقدم الاسم على الفعل بطل في حكم العربية أن يكون فاعلاً ورجع إلى حكم المبتدأ، ويصير الفعل بعده رافعاً لضميره، وهو ومرفوعه في موضع خير الاسم، كقولك: زيدٌ خرج، تقديره خرج هو. ويدلك على أن ثم ضميراً مرفوعاً مستتراً -هو الفاعل- ظهوره مع المثنى والمجموع كقولك: الزيدان خرجا، والزيدون خرجوا. ألا ترى أنك لو رفعت قولك: الزيدان بأنه فاعل، وقد ارتفع الضمير الراجع إليهما بأنه فاعل أيضاً كنت قد جعلت للفعل فاعلين مرفوعين به، والفعل لا يرتفع به اسمان فاعلان إلا على جهة الاشتراك بالحرف، كقولك: قام زيدٌ وعمرو وقام الزيدان والعمران وقام الزيدون والعمرون، وكذلك حكم قولك: الزيدون قاموا. ولا يخلو الفعل من أن يكون لازماً أو متعدياً، فاللازم ما لزم فاعله ولم ينفذ إلى مفعول كقولك: قام زيد وانطلق بكرٌ وطاب الخبر. ¬

_ (¬1) في (آ) و (ب): فلا.

والمتعدي ما تجاوز فاعله فنفذ إلى مفعول فنصبه، كقولك: ضرب: زيد عمراً وكسا زيد بكراً جبة وعلم زيد عمراً عاقلاً وأعلم الله زيداً عمراً فاضلاً. وإنما رفع الفاعل ونصب المفعول للفرق بينهما، وخص الفاعل بالرفع والمفعول بالنصب لأن الفاعل أقوى والمفعول أضعف، والضم أقوى من الفتح، فجعل الأقوى للأقوى والأضعف للأضعف تنبيهاً ومناسبة بين المدلولات وأدلتها، ولأن الفاعل أقل في الكلام، والمفعول أكثر، لأن الفعل إنما يكون له فاعل واحد يرتفع به وقد يكون له مفعولان وثلاثة (¬1) وأكثر من ذلك على اختلاف أنواع المفعولات، والضم أثقل من الفتح، فجعل الضم الذي هو أثقل للفاعل وهو الأقل، والفتح -وهو الأخف -للمفعول -وهو الأكثر-ليكثر في كلامهم ما يستخفون ويقل ما يستثقلون، ولأن الضم أول الحركات والفاعل هو الأول، فجعل الأول للأول للمشاكلة، والفتح من الألف، والألف من آخر المخارج فهي الطرف الآخر، فكانت أحق بأن تكون خاصة بالمفعول من غيرها، أعني الفتحة. ويجوز أن يقال: إن مجموع هذه العلل علة لرفع الفاعل، ونصب المفعول، فتكون علة ذات أوصاف فتقول: رفع الفاعل لقوته وقلته وأوليته، ونصب المفعول لكثرته وضعفه وتأخره. والناصب للمفعول هو الرافع للفاعل وهو الفعل، هذا القول المعمول عليه وما سواه فمدخول. وحكم الفعل مع المفعول الذي لم يسم فاعله حكمه مع الفاعل، يستند إليه كما يسند إليه، ويرفعه كما يرفعه وينصب ما كان معه من مفعول كما ينصب ذلك مع الفاعل؛ تقول: ضرب زيد وأعطى عمرو درهماً، وأعلم زيد عمراً عاقلاً. وإنما رفع المفعول الذي لم يسم فاعله وكان حقه النصب في الأصل، لأن ¬

_ (¬1) في (ب): وثلاثة وأربعة.

الفعل لابد له من اسم يسند إليه ويكون حديثاً عنه؛ وذلك الاسم من شرطه أن يكون مرتفعاً بالفعل. والفاعل في باب ما لم يسم فاعله قد طوي ذكره، فلا يكون مذكوراً في اللفظ ولا مقدراً في الفعل وذلك إما لإعظامه أو لاحتقاره أو للجهل به أو غير ذلك مما يقتضي حذفه من الأغراض، فيبقى الفعل بعد حذف فاعله مفتقراً إليه أو ما يقوم مقامه في إسناده إليه، لأن الحديث لا يكون من غير محدث عنه، ولما كان للمفعول من (¬1) الفعل حصة وسهم كما للفاعل، بدليل أنه كما لا يصح تجدده إلا من فاعل كذلك لا يصح حفظه إلا بمفعول؛ ألا ترى أن من المحال أن يوجد ضرب وضارب ولا مضروب. ولهذه العلة وضعت أفعال كثيرة مسندة إلى المفعول، ولا فاعل حقيقياً لها، كقولك: عنيت بحاجتك وبابه، كما وضعت الأفعال اللوازم للفاعلين ولا مفعول لها (¬2)، فكان ذلك اقتصاصاً للمفعول من الفاعل، ومراعاة له، وجبراً. فلما أرادوا مع حذف الفاعل إسناد الفعل إلى ما يقوم مقامه كان المفعول الصريح أولى بذلك، فأنابوه منابه ورفعوه بالفعل كما كانوا يرفعون الفاعل به، إلا أنهم غيروا معه صيغة الفعل، تنبيهاً على أن هذا المرتفع بالفعل ليس بفاعل حقيقي بل قائم مقامه. والتغيير إما أن يتناول فعلاً ماضياً صحيحاً أو مضارعه، فالماضي يضم أوله، ويكسر ثانيه على أي صيغة كان، بشرط أن يكون ثلاثياً كقولك: ضرب زيد وحذر عمرو، والمضارع يضم أوله ويفتح ثالثه، كقولك يضرب ¬

_ (¬1) في (د): في. (¬2) في (ج) و (د): معها.

خالد ويسمع الكلام، أو فعلاً معتلاً، والمعتل إما أن يكون معتل العين أو معتل اللام، فالمعتل اللام يجري مجرى الصحيح في تغييره كقولك: قضي الأمر وغزي الكفار، ويقضي الأمر، ويغزي الكفار. والمعتل العين تنقل كسرة ثانية إلى أوله بعد تقرير إسكانه، فيكسر أوله ويسكن ثانية، فإن كان ياء ثبتت وتمكنت، وإن كان واواً انقلبت ياء كقولك: سِيْر بزيدٍ، والأصل سُيِرَ وقيل الكلام والأصل قُوِلَ، هذه هي اللغة الكثرى الفصحى. وهناك لغتان أخريان، ليستا في الجودة كهذه، إحداهما أن تشير إلى ضم أول الفعل مع كسره فتنشأ حركة بين الضمة والكسرة، تعلم بالمشافهة، وهي الإشمام (¬1)، وقد قرئ بها كقوله عز وجل {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} [هود: 44] (¬2) والأخرى أن تسلب الثاني حركته، وتقر الأول على ضمته، فإن كان الثاني واواً ثبتت، وإن كان ياء انقلبت واواً كقولك في الواو: قول الكلام، وأنشدوا على هذه اللغة: وقول لا أهل له ولا مال (¬3) وفي الياء سور بزيد أي سِيْرَ به. ¬

_ (¬1) وهو أن تشم الحروف الضمة أو الكسرة، وهو لا يسمع، وإنما يتبين بحركة الشفة. (¬2) [هود: 44] {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. (¬3) صلة هذا الشاهد قبله: ... وابتذلت غضبي وأم الرحال ابتذلت: امتهنت. الرحال: الطنافس الحيرية. ولعله يريد أن مائة من الإبل بما عليها من الطنافس الحيرية احتقرت، وقيل: لا أهل له ولا مال. وهو في المنصف 1: 250، المحتسب: 416، اللسان، وتاج العروس (قول). مع اختلاف كبير في الرواية، ومن الخلاف ضم أم وأهل وفتحهما.

فصل وإن كان رباعياً ضممت أوله وأسكنت ثانيه وكسرت ثالثه في الماضي، وإن كان مضارعاً ضممت أوله وفتحت ثانيه كقولك: دحرج يُدحرج وقُلقل يُقلقل، وقولهم: أُخرج يُخرج، وأُكرم يُكرم جار في الأصل على هذا الحكم، إذ كان الأصل في يُخرج يُؤخرج، وفي يُكرم يُؤكرم، وقد أخرجه الشاعر على أصله حين اضطر، فقال: فإنه أهل لأن يؤكرما (¬1) وتقول في مثل انقَطع واقتطع واستقطَع انقُطع به يُنْقَطع، واقتُطِعَ يُقْتَطع واستُقْطِع يسْتَقطع، فقس على هذا. ¬

_ (¬1) ينسب لأبي حيان الفقمسي، (؟ ) يحذفون الهمزة من مضارع أفعل كأكرم لأنهم استثقلوا وجود همزتين متواليتين في أول الكلمة. وهو في المنصف 1: 37 و 192، 2: 184، الأنصاف 1: 11 أوضح المسالك 3: 346، اللسان (كرم، ضمز، ضرغم)، المقاصد النحوية 4: 80، 578.

فصل [الفعل المبني للمجهول]

فصل وحال الفعل، إذا بني لما لم يسم فاعله، عكس حاله إذا نقل بالهمزة، وذلك أن الهمزة تنقله من اللزوم إلى التعدي إن كان لازماً، وإن كان متعدياً إلى مفعول جعلته متعدياً إلى اثنين وإن كان متعدياً إلى اثنين جعلته متعدياً إلى ثلاثة، والمثال في ذلك ظاهر. وبالجملة؛ فإن أداة التعدية تزيد الفعل، إذ لحقته، مفعولاً. وفعل ما لم يسم فاعله إذا بني للمفعول عاد لازماً إن كان متعدياً إلى مفعول؛ ومتعدياً إلى واحد إن كان في الأصل متعدياً إلى اثنين، وإلى اثنين إن كان متعدياً إلى ثلاثة، والمثال في ذلك أيضاً ظاهر. ولا يبنى الفعل اللازم لما لم يسم فاعله إلا أن يتصل به جار ومجرور، أو ظرف، أو مصدر، فإن تجرد من هذه الأشياء ورفع الفاعل فقط لم يجز بناؤه لما لم يسم فاعله في القول (¬1) الجيد، لأن الفعل في ذلك يبقى حديثاً عن غير ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): في القول المعمول عليه. يجيز الزجاجي (00 - 337/ 949)، وابن السيد (441/ 521 - 1052/ 1127) وأبو حيان (00 - 400/ 1010) بناء الفعل للمجهول إن كان لازماً على أن يكون نائب الفاعل ضمير المصدر كجلس الجلوس ويجيزه الكسائي على أن يكون نائب الفاعل ضمير المجهول ويجيزه الفراء على أنه فارغ لا ضمير له. انظر همع الهوامع 1: 164.

محدث عنه؛ ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد، وضحك عمرو لو غيرت هذين الفعلين فقلت: قِيْمَ، وضحِكَ لبقيا حديثاً عن غير محدث عنه، لأنك حذفت الفاعل، ولم تجد شيئاً تقيمه مقامه. فإن قلت: قام زيد يوم الجمعة وضحك عمرو في الدار جاز أن تبنيهما لما لم يسم، فاعله فتُقيمَ كل واحد من الظرفين مقام الفاعل، كقولك: قِيم يوم الجمعة، وضُحكَ في الدار، ومن كلامهم المأثور عنهم: ولد له ستون عاماً (¬1)، قام الستون مقام الفاعل، ولا يقوم الظرف من الزمان والمكان والمصدر مقام الفاعل حتى يجعلن مفعولات على السعة؛ ومعنى ذلك أن تنزل منزلة المفعول به، فيكون الظرف إذا جعل مفعولاً على السعة، كأن الفعل وقع به نفيه لا فيه، وكذلك المصدر. ¬

_ (¬1) الكتاب 1: 189، باب استعمال الفعل في اللفظ لا في المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز والاختصار. «ومن ذلك أن تقول: كم ولد له؟ فيقول: ستون عاماً، فالمعنى ولد له الأولاد وولد له الولد ستين عاماً، ولكنه اتسع وأوجز».

أفعال تستعمل استعمال الأدوات

فصل من الأفعال أفعال تستعمل استعمال الأدوات؛ والأدوات هي الحروف، وتختص بأحكام تنفرد بها عن جمهور الأفعال، فلابد من تبيينها، فمن ذلك «كان» وأخواتها. الفصل: هذه الأفعال تشترك في العمل؛ وهو رفع الاسم ونصب الخبر، وأسماؤها مشبهة بالفاعلين، وأخبارها مشبهة بالمفعولين تشبيهاً لفظياً؛ والفرق بينها وبين بقية الأفعال أن هذه تدل على أزمنة مجردة من الأحداث، والأفعال موضوعة الدلالة على الأحداث وعلى أزمنتها المعينة؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ضرب زيد عمراً -دل لفظ ضرب على الحركة المسماة ضرباً، وهي الحدث، وعلى زمانها؛ وهو الماضي، وإذا قلت: كان زيد قائماً دلت كان على أن قيام زيد وقع في زمن ماضٍ، ولهذا لزم كان وأخواتها من الأفعال النواقص منصوبها ولم يلزم «ضرب» وأشباهه منصوبه، لأن منصوب كان متنزل منزلة الحدث وقائم مقامه. ومن الفرق بين كان وبقية الأفعال أن منصوبات الأفعال غير مرفوعاتها في المعنى، ومنصوبات «كان» وأخواتها هي مرفوعاتها في المعنى، لأن معموليها

-وهما اسمها المرفوع وخبرها المنصوب- هما مبتدأ وخبر في الأصل، والمبتدأ إذا كان خبره مفرداً فهو هو في المعنى أو متنزل منزلته (¬1)، ولافتقار هذه الأفعال -أعني كان وأخواتها- إلى الأخبار سميت ناقصة. ومنها ما يلزمه النقص حتى لا يستعمل تاماً بتة، وذلك ما زال وما فتئ وليس، وظل. ومنها ما يستعمل تارة تاماً كسائر الأفعال، وتارة ناقصاً، وذلك ما عدا الأفعال المعدودة المقصورة على استعمال النقص. ألا ترى أنك تقول: كان زيدٌ قائما، فتجدها مفتقرة إلى الخبر، فهذه ناقصة، وتقول: كان الأمر -أي وقع- فتجدها تامة مستغنية عن منصوب كاستغناء وقع عنه، وهذه التامة تؤكد بالمصدر إن شئت فتقول: كان الأمر كوناً، كما تقول: وقع وقوعاً ولا تقول في الأولى: كان زيدٌ قائما كوناً، لأن تلك، أعني الناقصة، خلعت منها الدلالة على الحدث، وقام منصوبها مقامه، فلم يجز تأكيد هابه، والثانية دالة عليه ومتضمنته تضمن غيرها من توامّ الأفعال، فأكدت به تأكيد غيرها مما يصح تأكيده بالمصدر، ولو رمت مثل هذا في «ليس «لم يجز، لو قلت ليس زيدٌ وسكت على المرفوع دون المنصوب لم يكن كلاماً في شيء من الاستعمال حتى تتبع مرفوعها بمنصوب، فتقول ذاهباً أو خارجاً أو ما جرى هذا المجرى. وكذلك ما زال، لا تقول ما زال زيد، وتقتصر حتى تتبعه الخبر. فأما قولهم: ما زال، وهم يريدون ما انتقل، فليست المستعملة في باب «كان»، بل هي لفظة أخرى موافقة لها في ظاهر الصورة مخالفة لها في الأصل، لأن تلك إذا أسندتها إلى نفسك قلت فيها: ما زلت أفعل كذا، فكسرت ¬

_ (¬1) في (ب): تنزيله.

الزاي، وهذه إذا أسندتها إلى ضميرك قلت: ما زُلْت من مكاني أي ما انتقلت، فضممت الزاي، وتقول في مضارع تلك: أزال، وفي مضارع هذه «أزول»، قال الله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ} [المائدة: 13] (¬1) وقال في الأخرى {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم: 46] (¬2) فهما لهذا أصلان مختلفان. وأعلم أن «ليس» فعل جامد غير متصرف، ولجمودها (¬3) ذهب قوم إلى أنها حرف، وإنما جمدت لأن لفظتها لفظ المضي، ومعناها نفي الحال، فلم يتكلف لها بناء آخر، إذ لا فائدة في ذلك، فاستعملت على لفظ واحد، ولأنها خالفت بقية الأفعال في أنها وضعت سالبة للمعنى، والأفعال ليس من أصلها أن توضع لسلب المعنى، إنما توضع لإيجابه، فتنزلت في هذا الحكم منزلة الحرف فجمدت ولم تتصرف. والدليل على أنها فعل اتصال الضمائر المرفوعات بها كاتصالها ببقية الأفعال، وذلك قولك لستُ ولستَ ولستِ ولَسْنا ولستما ولَسْتُم ولستُن وليسا وليسوا ولَسْنَ فهذا كما تقول: قمتُ وقمتَ وقمتِ وقمنا وقمتما وقمتم وقمتُن وقاما وقاموا وقُمْنَ وكنتُ وكنتَ وكنتِ وكنا وكنتما وكنتم وكنتُن، وبقية التصاريف على هذا. ¬

_ (¬1) [المائدة: 13]: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا}. (¬2) [إبراهيم: 46]: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}. (¬3) في اللسان (ليس) قال ابن سيدة: ليس من حروف الاستثناء، وقال الخليل: أصله لا أيس، وقال ابن كيان: ليس، من حروف الجحد، وقال ابن سيدة: كلمة نفي وهي فعل ماض. وفي مغني اللبيب 1: 293، زعم ابن السراج أن ليس حرف بمعنى «ما» وتابعه الفارسي في الحلبيات.

وأصلها في الوزن لَيِسَ على فَعِلَ كصَيِدَ البعير من الصاد، وهو داء يأخذه في عنقه تميل منه، ويسمى الصَيَد أيضا: ويقال منه: صَيْدَ البعير أيضاً مسكناً تخفيفاً، لكنه لا يلزمه السكون كما لزم «ليس» لتصرفه وجمودها وكلاهما أَسْكن إسكان اللام في «عَلِمَ» إذا قلت قد عَلْمَ، ولولا إلزام ياء «ليس» السكون حتى صارت في حكم ياء «ليت» لوجب في حكم التصريف قلبها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، فكان اللفظ بها يصير «لاس» كما تقول: هاب في الماضي من لفظ (¬1) الهيبة. وإنما حكم عليها بهذا الوزن دون غيره، لأنه لم يخل أن تحمل عليه أو على «فَعَلَ» أو على «فَعُلَ»، وهذه هي صيغ الماضي من الثلاثي، التي لا يبنى ماضٍ من الأفعال إلا عليها، فلا يجوز أن تكون على «فَعَلَ»، لأن المفتوح لا يخفف فيَسكن، وإنما يُسكن المثالان الآخران تخفيفاً، فهم يقولون في كَتِف كِتْف وفي رَجُلٍ رَجْل، ولا يقولون في جَمَلٍ جَمْلٌ، وإن جاء تخفيف المفتوح فقليلٌ، في الشعر (¬2). ولا يكون أصلها «فَعُلَ» لأن عينها ياء «وليس فيما عينه من الأفعال ياء ما بني على «فَعُلَ» بضم العين، وإذا بطل أن تكون «فَعَلَ» أو «فَعُلَ» بقى أن تكون فَعِلَ بكسر العين. ¬

_ (¬1) في (ب): من فعل. (¬2) في الشعر: ساقطة من (ب).

أفعال المقاربة

فصل قوله (¬1) والثاني أفعال المقاربة مثل عسى وكاد .. الفصل: سميت هذه الأفعال أفعال مقاربة لأنها لمقاربة الفعل والأخذ فيه، كقولك: كاد يفعلُ، وكَرَبَ يفعل، وأنشأ يقول وجعل يقول. فأما عسى معناها الطمع والإشفاق، كما أن معنى لعل ذلك. والدليل على أنها فعل اتصال الضمير بها على حد اتصاله بالفعل الذي لا شك فيه، تقول: عَسَيْتُ أن أقوم كما تقول: رميت، وفيها لغة أخرى: عَسِيْتُ بكسر السين وهي دون هذه، وقد قرئ بها قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ} [محمد: 22] (¬2) فأما علة جمودها وامتناعها من التصرف، فذهب ¬

_ (¬1) انظر الجمل ورقة 6/ 2. (¬2) [محمد: 22] {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} والقراءة المشار إليها هي قراءة نافع المدني، وجمهور القراء بفتح السين. انظر زاد المسير 1/ 292.

بعضهم (¬1) في ذلك إلى أنها محمولة فيه على «لعلَّ»، و «لعلَّ» حرف معنى والحروف لا تتصرف، فأجريت عسى مجراها. وأجود من ذلك أن يقال إنها جمدت لأنها تدل على الاستقبال ولفظها لفظ المضي، فاستغني عن أن يتكلف لها بناء المضارع منها، ولهذه العلة لزم خبرها «أن» فلم يجز تعرية منها في الاختبار وحال السعة. ولها في الاستعمال وجهان، أحدهما أن يرتفع بها الاسم، ومعناها معنى قارب فتفتقر إلى خبر منصوب، كقولك عسى زيد أن يقوم، ولا يكون خبرها إلا مصدراً مقدراً غير مصرح بلفظه، وذلك المصدر هو «أن» والفعل. وعلة ذلك أنهم حققوا الخبرها الاستقبال «بأن» لأنها لا تقتضي غير ذلك إذا وقع بعدها المضارع، فلو جاؤوا مكانها بالمصدر الصريح الذي هي في معناه لم يتحقق فيه معنى الاستقبال، لأن زمن المصدر مبهم غير معين، وقد جاء على جهة الشذوذ والندور والتنبيه على الأصل خبرها مصدراً مصرحاً به، وذلك في قولهم في المثل «عسى الغُوَير أبؤسا» (¬2) وأبؤس جمع بأس كرأس وأرؤس، ¬

_ (¬1) انظر مغنى اللبيب 1: 151. (¬2) الغوير تصغير غار، وهو مكان على الفرات. أصل هذا المثل فيما يقال من قول الزباء حين قالته لقومها عند رجوع قصير من العراق ومعه الرجال، وبات الغوير على طريقه، أي لعل الشر يأتيكم من قبل الغار. يضرب الرجل يخبر بالشيء فيتهم به. ونصب أبؤسا على معنى الغوير يصير أبؤساً. مجالس ثعلب 2: 372 الإيضاح العضدي 1: 76 مجمع الأمثال 2: 17، شرح المفصل 3: 122، اللسان (غور).

هكذا جاء هذا المثل، وقدروه بأن تبؤس، والوجه عسى الغوير أن يبئس أي يأتي بالبأس، عسى أن يكون البأس من قبله، وجاء في المنظوم: عسى بإبآسِ (¬1)، وفي المثل كلام غير هذا. والوجه الثاني من استعمال عسى أن يكون مرفوعها أن والفعل، فيحكم على موضعها (¬2) بالرفع، ويستغنى في هذا الوجه، بذكر ما تضمنه اسمها من الحدث عن الخبر الذي لا يكون إلا حدثاً كقولك عسى أن يقوم زيدٌ وعسى أن يخرج عمرو. وتشبه في الوجه الأول بكان الناقصة لافتقارها إلى الخبر، وفي هذا الوجه بكان التامة لاستقلالها بمرفوعها، وتفسر في الوجه الأول بقارب، وفي الوجه الثاني بقَرُبَ، وقد يحذف من خبرها «أن» في الضرورة، تشبيهاً لها بكاد وحملاً لها عليها لاشتراكهما في المقاربة، وإن اختلفا في صفته نحو قول الشاعر: (عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرجٌ قريب) (¬3) ¬

_ (¬1) «عسى بإبآس» جاءت في قول الكميت الأسدي 60 - 126 هـ 680 - 744 م: (قالوا أساء بنو كرز فقلت لهم ... عسى الغوير بإبآس وإغوار) انظر الديوان: 186، اللسان (غور، بأس). الخزانة 4: 790. اللسان (غور، بأس)، الخزانة 4: 790. (¬2) في (د): موضعهما. (¬3) الشاهد لهدبة بن خشرم (00 - نحو 50 هـ- نحو 670 م)، وهو في الكتاب 1: 478 الكامل: 168، أسرار العربية: 128، والرواية فيه: عسى الهم. شرح المفصل 7: 117، مغني اللبيب 1: 164، أوضح المسالك 1: 22 الخزانة (4): 81. والشاهد فيه حذف أن من خبر «عسى».

واعلم أنك إذا قلت: عسى زيد أن يقوم كان في "يقوم" ضمير يرجع إلى زيد، هو فاعل يقوم؛ وذلك الضمير يثنى بحسب تثنية الاسم الذي يرجع إليه، ويجمع إن كان مجموعًا، ويؤنث إن كان مؤنثًا والمثال في كل ذلك ظاهر. فإن قلت: عسى أن يقوم زيد كان لك في هذه المسألة وجهان: أحدهما أن تكون كالأولى، فيكون "زيد" مؤخرًا، والنية به التقديم، وهو مرفوع بعسى، و"أن يقوم" في موضع نصب، فتجري هذه المسألة في هذا الوجه في الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع على الأصل، والمثال فيه ظاهر، وهي في هذا مقدرة تقدير "كان" الناقصة. وإن شئت قدرتها، أعني عسى، تقدير كان التامة، فترفع بها "أن والفعل" ويكون زيد مرفوعًا بالفعل الذي في صلة "أن" لا بعسى، فيكون الفعل في هذا الوجه موحدًا على كل حال لأنه لا ضمير فيه كقولك: عسى أن يقوم زيد عسى أن يقوم الزيدون، وعسى أن تقوم هند، وعسى أن تقوم الهندان، وعسى أن تقوم الهندات. ويتفرع على ذلك من المسائل أن تجعل عسى وما عملت فيه خبرًا لاسم متقدم، كقولك: زيد عسى أن يقوم، إن جعلت في "عسى" ضميرًا راجعًا إلى زيد كانت ناقصة، وكانت "أن والفعل" في موضع نصب خبرًا لعسى، والضمير اسم "عسى" لارتفاعه بها. فعلى هذا تثنى الضمير في "عسى" إن كان الاسم المتقدم المخبر عنه مثنى، وتجمعه إن كان مجموعًا، وتؤنثه إن كان مؤنثًا، فتقول: الزيدان عسيا أن يقوما، والزيدون عسوا أن يقوموا، وهند عست أن تقوم، والهندان عستا أن تقوما والهندات عسين أن يقمن.

وإن شئت جعلت "عسى" فارغة من الضمير، ورفعت بها "أن والفعل" وكانت تامة، فعلى هذا تكون على صورة واحدة-مفردًا كان المبتدأ، أو مثنى، أو مجموعًا، لأن العائد حينئذ إلى المبتدأ هو ما تضمنه الفعل الذي في الصلة من الضمير، و"عسى" فارغة لارتفاع أن والفعل بها، وذلك قولك زيد عسى أن يقوم، والزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا، وعلى هذا بقية المثال، وكأنك قلت في الأول: زيد قارب القيام. والزيدان قاربًا القيام والزيدون قاربوا القيام، وفي الثانية زيد قرب قيامه، والزيدان قرب قيامهما، والزيدون قرب قيامهم، وعلى هذا بقية المثال.

فصل وأما "كاد" ففعل متصرف، يستعمل منه الماضي والمضارع، كقولك: كاد زيد يقوم، ويكاد يقوم، قال الله سبحانه "يكاد البرق يخطف أبصارهم" وقال تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} (¬1) [البقرة: 1: 20]. وقال تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} (¬2) [النور: 24 - 40] وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} (¬3) [التوبة: 9 - 118]. إلا أنها وإن شاركت "عسى" في معنى المقاربة، فهي أشد مطالبة للفعل من "عسى" وأقرب إلى الحال منها، وتلك أبعد منه. فلهذا استغنت "كاد" عن دخول "أن" في خبرها، وكان الاستعمال الأكثر الأشيع "كاد زيد ¬

_ (¬1) ((البقرة 1: 20 "يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلما أضاء لهم مشوا فيه .. ". (¬2) ((النور 24 - 40 "أو كظلمات في بحر لجي ... ، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها ... ". (¬3) ((التوبة 9: 118 "لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار، الذين اتبعوه في ساعة العسرة، من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ... ".

يفعل"، وقد جيء في الشعر في خبرها بأن، وذلك حمل لها على "عسى" كما حملت "عسى، عليها في حذف "أن" من خبرها، قال الشاعر: قد كاد من طول البلى أن يمحصا (¬1) لكاد استعمال آخر، تكون فيه بمعنى "أراد". وعلى ذلك أنشد أبو الحسن (¬2) وغيره: كادت وكدت وتلك خير إرادة ... لو عاد من عنصر الشبيبة ما مضى (¬3) وحملوا عليه قوله سبحانه "كذلك كدنا ليوسف" (¬4) أي أردنا، وتكون كاد "فعل" من الكيد من قوله الله سبحانه "فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون" (¬5). ¬

_ (¬1) ((الشاهد لرؤبة بن العجاج ( .. -145/ 762) وصلته قبله. ربع عفاه الدهر طورًا فامحي الربع: المنزل، عفاه: درسه. البلى: الدرس، أمصح: أخلق وذهب وانقطع. ومر في الإيوان 172، الكتاب 1: 478، الكامل: 176 الإنصاف: 566، أسرار العربية: 129، شرح المفصل، 7: 121، شرح ابن، عقيل 1: 171، اللسان (مصح، كود) الخزافة: 90. (¬2) ((أبو الحسن الأخفش، تقدمت ترجمته. (¬3) ((والشاهد فيه مجيء خبره فعلاً مضارعًا مسبوقًا بأن المحتسب 2: 31، الصحاح (كود)، أمالي المرتضي 1: 331، لسان العرب (كيد) ولم أجد من ينسبه. (¬4) ((يوسف: 12: 76 "فبدأ بأوعيتهم" قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه، كذلك كدنا ليوسف ... ". (¬5) ((هود: 11: 55 "من دونه، فكيدوني جميعًا ثم لا. تنظرون". كيدوني: احتالوا في هلالي، تنظرون: تمهلون (لسان العرب).

وقد رووا في مصدر التي بمعنى المقاربة "لا أفعل ذلك ولا كودا ولا همًا" (¬1) فأما "كرب وأوشك" فيستعملان تارة استعمال "كاد"، وتارة استعمال "عسى"، كقولهم: "كربت تغيب" يعنون الشمس، فهذا بغير "أن" كما تقول: كادت تغيب "وإن افترقنا في المعنى، وتقول: يوشك أن يكون كذا أي يسرع، ويبعد في الاستعمال، يوشك يكون كذا، وأوشك زيد أن يخرج، وأوشك يخرج. إلا أن حملها على عسى في الاستعمال أكثر. فأما "أخذ وجعل" فمستعملان استعمال "كاد"، وخاصةً إذا كانا فعلى مقاربة، وذلك بغير "أن"، كقولك: أخذ يقول، وجعل يقول، ومثلما: أنشأ يفعل. ¬

_ (¬1) ((لسان العرب (كود). والرواية فيه "لا كودًا ولا همًا".

نعم وبئس ما جرى مجراهما

فصل نعم وبئس ما جرى مجراهما من الأفعال مما يقتضي مدحًا أو ذمًا، أو تعظيمًا مع مبالغة فيها (¬1). اعلم أن "نعم" و"بئس" فعلان جامدان غير متصرفين، أحدهما وهو "نعم" غاية في المدح، والأخر وهو "بئس" غاية في الذم. يدلك على أنهما فعلان رفعهما الأسماء الظاهرة، على حد رفع الأفعال إياها، وإذا قلت: نعم الرجل وبئس الغلام، تضمنهما الضمائر، واتصالهما بهما إذ قلت: نعم رجلاً زيد، أي نعم هو، وهو ضمير جنس المقصود بالمدح أو الذم وما مثلوا به في قولهم: قومك نعموا رجالاً، وأخواك نعما رجلين فيمن ¬

_ (¬1) ((في (ب) فيهما.

أجازه، وذلك على حد قولك: الرجلان قاما والرجال قاموا، واتصال تاء التأنيث اللاحقة بأفعال المؤنث بهما كقولك: نعمت المرأة هند وبئست الجارية جمل، وعليه قول الشاعر يصف ناقة: نعمت زورق البلد (¬1) فأما جمودهما، فلما تضمنتاه من الزيادة على معنى الخبر، وذلك هو المبالغة في المدح أو الذم، والمبالغة زيادة على الأصل، وهذه المبالغة (¬2) تضمنتاها وصيفتهما صيغة بواقي الأفعال التي لم توضع للمبالغة، فبذلك خرجتا عن منهاج جمهور الأفعال، فأشبهتا الحروف الموضوعة للمعاني، فألزمتا طريقة واحدة، وذلك هو الجمود وعدم التصرف. وأصل لفظيهما "نَعِمَ" و"بئس" وكما تقول: علم وحذر، إلا أنهما لازمان، وقد نطقوا بهذا الأصل. وقال طرفة (¬3): ¬

_ (¬1) ((تقدم الحديث عن هذا الشاهد. (¬2) ((في (ج) و (ء): وذلك هو المبالغة. (¬3) ((طرفة بن العبد بن سفيان البكري الوائلي، (86/ 538 - 60) /564). طبقات فحول الشعراء: 115 - 117، الشعر والشعراء 1: 185، الخزانة 1: 414. ورواية للشاهد في الديوان ص 58: خالتي والنفس قدمًا إنهم ... نعم الساعون في القوم الشطر

ما أقلت قدماي إنهم ... نعم الساعون في الأمر المبر (¬1) وفيها وفي الأخرى أربع لغات: نعم وهي الأصل، ونعم وهي مسكنة من الأصل كما تقول في علم وشهد، ونعم بكسر النون إتباعًا لكسرة العين، ونعم بكسر النون وإسكان العين وهي الكثيرة المستعملة، وهي مسكنة من التي دخلها الإتباع كما قالوا في شهد شِهد بكسر الشين: إذا غاب عنا غاب عنا بيعنا ... وإن شِهد أغنى فضله ونوافله (¬2) وهذه اللغات الأربع مستمرة في كل اسم، أو فعل وزنه على "فَعِل" بكسر العين، وعينه أحد الحروف الحلقية الستة (¬3). ¬

_ (¬1) ((أقل: حمل. وهو في الكتاب 2: 408، القتضب 3: 140، الخصائص 2: 228، أمالي ابن الشجري 2: 55، اللسان (نعم)، الخزانة 4: 101. (¬2) ((الشاهد للأخطل (19/ 640 - 89/ 708)، يمدح بشر بن مروان (00 - 75/ 694). الديوان: 64 إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا ... وإن شهد أجدى فيضه وجداوله ولا شاهد فيه في هذه الرواية. (¬3) ((الهمزة، والهاء، والعين، والغين، والحاء والخاء.

فالاسم نحو فخذ، تقول فيه: فَخِذٌ على الأصل، وفَخْذٌ وفَ خْذٌ وفِخذٌ. والفعل كقولك: شَهِدَ وشَهْدَ وشِهْد. فأما حكم أفعال المدح والذم في العمل، فإنها ترفع من الأسماء الظاهرة أسماء الأجناس المعرفة بالألف واللام خاصة، أو ما أضيف إليها، ومن المضمرات ضمائر هذه الأسماء خاصة، ولا يرتفع بها ما عدا ذلك [إلا ما لا اعتداد به] (¬1) وتنتصب بها المنكرات هذه الأسماء الظاهرة المرتفعة بها على التمييز، وتكون تارة لازمة في الذكر؛ وذلك إذا رفعت الضمائر لأنها تكون مفسرة للمضمرات؛ والمضمرات فيها خارجة عن قياس بابها لأنها غير راجعة إلى مذكور في اللفظ؛ فلهذا لزم التفسير بالاسم النكرة المنصوب على التمييز في هذا الوجه، وتارة يكون المتكلم في ذكر المنصوب مخيرًا، إن لم يذكره فللاستغناء عنه، وإن ذكره فتأكيد، وذلك إذا ارتفع بها الاسم الظاهر؛ والمثال على هذا، أعني (¬2) في رفعها الاسم الظاهر، قولك: نعم الرجل زيد وبئس الغلام عمرو، وكذا المضاف إلى الجنس إذا قلت: نعم غلام القوم بشر، وبئس صاحب القوم بكر. فهذه الأسماء المرتفعة بنعم وبئس أسماء أجناس لا تخص شخصًا دون شخص، وتعريفها الاستغراق، أعني استغراق الجنس، لا تعريف العهد الذي يكون ¬

_ (¬1) ((ما بين قوسين ساقط من (ب). (¬2) ((في (ب): أعني رفعهما الظاهر.

للشخص المعين المعهود، لأن موضوعها في هذا الباب يقتضي ذلك دون غيره، وذلك أنك لما قصدت مدح زيد في قولك: نعم الرجل زيد وأردت المبالغة في مدحه مدحت جنسه كله، وأبهمت ذكره وطويته فيه، ثم اختصصته من بعد ذلك بالذكر وعينته، فكان ذلك أبلغ في مدحه من سياقة المدح إليه في أول وهلة على المألوف في باب الإخبار وهذا مذهب متسع في كلامهم واستعمالهم، وإذا أرادوا اختصاص ممدوح أو مذموم بمدح أو ذم ذكروا جنسه، ثم اختصره بالذكر بعده، ليكون له-بالاختصاص بالذكر وإفراده به-ميزة عليه وتفضيل. قال الله سبحانه {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (¬1) [البقرة: 98] فخص جبريل وميكال بالذكر تفضيلاً لهما، وإن كان قوله: {وَمَلآئِكَتِهِ} قد شملهما، ودخلا فيه، وكذلك قوله سبحانه في الأخرى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان} (¬2) [الرحمن: 68] في قول من جعلهما من هذا الباب، أعني النخل والرمان، بعد قوله {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ}. وأما مذهبهم في الإبهام، إذا أرادوا تفخيم الشيء واختصاصه بعد الإبهام بالذكر فمعلوم أيضًا، من ذلك قوله تعالى {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ} (¬3) [النمل: 9]، ولم يقل إنني أنا الله، ولو قاله لكان المعنى في التفخيم، على صحته، دون المعنى في قوله {إِنَّهُ ¬

_ (¬1) ((البقرة 1: 98 {من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}. (¬2) ((الرحمن 55: 68. (¬3) ((النمل 27: 9 {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم}.

أَنَا اللَّهُ} وذلك أن هذه الهاء ضمير الأمر والشأن؛ وضمير الأمر والشأن غير راجع إلى مذكور في اللفظ؛ فهو ضمير مبهم، وقد دخل الكلام بذكره وتفسيره بالجملة بعده، وهي قوله سبحانه من التفخيم ما لا يكون مع غيره، وإن دل الكلامان على معنى واحد؛ وكذلك حكم "بئس" وما جرى مجراها ومجرى "نعم" في الاستعمال. وزعموا أن فاعل هذه الأفعال قد جاء مظهرًا على غير الوجهين المذكورين، أعني رفعهما الجنس أو المضاف إلى الجنس، وذلك ما أنشدوه من قول الشاعر: فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم ... وصاحب الركب عثمان بن عفانا (¬1) قال أبو علي (¬2): والأكثر الأعرف غير ذلك. فأما ارتفاع الضمير بهما فقولك: نعم رجلاً زيد؛ والأصل نعم الرجل رجلاً زيد؛ ثم ضمنت "نعم" ضمير الرجل قبل الذكر، وألزمت الكلام ذكر المنصوب معها، مفسرًا لهذا الضمير ليكون لزومه (¬3) إياه وتفسيره له بمنزلة ¬

_ (¬1) ((أنشد هذا البيت لحسان بن ثابت (00 - 54 هـ 674)، ونسب إلى أوس بن مغراء 00 - 55/ 675 وقيل هو لكثير النهشلي .. -70/ 69، ويستشهد به على أنه قد جاء قليلاً فاعل نعم نكرة مضافة إلى مثلها وهو رأي للأخفش، ولا يرى سيبويه ولا المبرد هذا الرأي. راجع سيبويه 1: 301، المقتضب 2: 141. (¬2) ((المقصود أبو علي الفارس، وعبارته في شرح المفصل 7: 132: "وذلك ليس بالشائع ولا يجوز ذلك على مذهب سيبويه". (¬3) ((في (ب): لزومه المضمر.

مذكور في اللفظ، يرجع الضمير إليه، إذ كان المفسر من جنس المفسر. فإن رفعت بها الظاهر كنت مخيرًا في ذكر هذا المنصوب وترك ذكره، كقولك: نعم الرجل زيد ونعم الرجل رجلاً زيد، فذكره للتأكيد، وحذفه للاستغناء عنه، والشاهد على جواز ذكره قول الشاعر: تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا (¬1) فأما ارتفاع الأسماء المذكورة بعد فاعل هذه الأفعال، وهي المخصوصة بالمدح أو الذم، كزيد في قولك نعم الرجل زيد، فقد وجهت على وجهين: أحدهما أن يكون الاسم مبتدأ، وتكون الجملة من "نعم" وفاعلها خبرًا له متقدمًا عليه، ولا يحتاج إلى عائد من الجملة، لأن فاعل "نعم وبئس" يشمله، إذ كان جنسًا له، فهو داخل تحته، فاستغنى بشموله إياه عن ذكر تربط الجملة به. ¬

_ (¬1) ((البيت من قصيدة لجرير، يمدح بها عمر بن عبد العزيز 61/ 681 - 101/ 720، والشاهد فيه اجتماع التميز والمميز على جهة التأكيد، وأجاز ذلك أبو العباس المبرد والفارسي وجماعة من النحويين. يقصد بقوله أبيك عمر بن الخطاب (40/ 584 - 23/ 644) رضي الله عنه، إذ المعروف أن ابن عبد العزيز من نسله. الديوان: 135، الإيضاح العضدي 1: 88 شرح المفصل 7: 133، اللسان (زود) مغني اللبيب 2: 516، شرح ابن عقيل 2: 116، الخزانة 4: 108.

ويدل على قوة هذا القول-أعني كونه مبتدأ-جواز حذفه إذا دل الكلام عليه، كما يجوز حذف المبتدأ لذلك (¬1)، فمن ذلك قوله تعالى في قصة أيوب {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب} [ص: 30] (¬2)، ولم يذكره بعد "نعم" ومرفوعها-وهو المخصوص بالثناء-، لدلالة الكلام عليه، إذ كانت القصة مقصورة على ذكره. والوجه الآخر أن يكون الاسم المخصوص بالمدح أو الذم خبر مبتدأ محذوف؛ وذلك المبتدأ لا يظهر، وتقديره هو، كأنك لما قلت: نعم الرجل، قال لك قائل: من هذا المقصود بالمدح، أو الذم، إن كان ذمًا، فقلت: زيد" [أي هو زيد، ويقوى (¬3) هذا القول أنه باب مدح ومبالغة فيه، وكذا الذم فيه، وهما خليقان بتكثير الجمل فيهما، وهذا الوجه، الكلام فيه كما-رأيت-جملتان، والأول جملة واحدة. فلو حمل هذا الكلام على الوجه الأول لكانت "أن" مبتدأة، وليس من الأصول الابتداء بها، على أنها قد وقعت بعد لولا مبتدأة؛ ولكن لتلك حكم يخصها. ¬

_ (¬1) ((في (آ): كذلك. (¬2) ((سورة (ص) 38: 44 {وخذ بيدك ضغثًا ... ، نعم العبد إنه أواب}. (¬3) ((في (آ) و (ب): ويقوى هذا القول قولهم شد ما أنك ذاهب، وشد من هذا الباب، فاو.

ولا يكون المقصود بالمدح أو الذم إلا من جنس المرتفع بنعم وبئس، فإن وجد كلام ظاهره مخالف لهذا الحكم، فليعلم أن هناك محذوفًا، بذكره يرجع الكلام إلى هذا الأصل المقرر، فمن ذلك قوله سبحانه {سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: 177] (¬1)، فالتقدير ساء المثل مثلاً القوم؛ والقوم ليس من جنس المثل، فالتقدير ساء مثلاً مثل القوم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وعلى هذا فقس. ¬

_ (¬1) ((الأعراف 7: 177 {ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون}.

التعجب

فصل التعجب معنى من المعاني التي تعرض في النفوس، ويكون مما خفي سببه، وخرج عن نظرائه، وربما عبروا عن هذا المعنى بعبارة أخرى، فقالوا (¬1): التعجب يكون مما ندر من الأحكام، ولم تعرف علته، فإن أخل هذا المعنى بأحد الشرطين بطل التعجب، ولهذا قال القائل-وهو قول مستفيض في الناس "إذا عرف السبب بطل العجب" (¬2). والمثال في ذلك قول الله سبحانه: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوب* قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيب} [هود: 71 - 72] (¬3). لما اجتمع الشرطان للمرأة تعجبت، وهو وجود الولد على الكبر الذي يقع اليأس من الولد في مثله، وهو كبرها وكبر بعلها، وذلك حكم نادر، وجهل السبب وهو قدرة الله وخرق العادات للأنبياء، إذ كان زمن تبوة تخرق في مثله العادات، فأبطل الله عز وجل عجبها بأن أعلمها السبب في الآية الأخرى، وهو قوله: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73] (¬4). ¬

_ (¬1) ((انظر شرح المفصل 7/ 142. (¬2) ((لم أجده فيما بين يدي من كتب الأمثال. (¬3) ((هود 11: 71، 72 {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها ... إن هذا لشيء عجيب}. (¬4) ((هود 11: 73 {قالوا أتعجبين من أمر الله، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}.

ولما كان التعجب معنى من المعاني اقتضى القياس أن يوضع له حرف يدل عليه كحرفي الاستفهام والنفي الدالين عليهما؛ إلا أنهم عدلوا عن هذا القياس إلى غيره من الوضع مما اقتضته حكمة اللغة أيضًا بأن جعلوا (¬1) للتعجب صيغتين مخصوصتي اللفظ، تدلان عليه من غير احتياج إلى حرف معنى، وتانك الصيغتان ما أفعله به، كقولك: ما أحسنه وأحسن به. فأما ما أفعله، فإن "ما" فيه اسم مبهم غير موصول ولا موصوف، بمعنى شيء في قول سيبويه (¬2)، وهي مرفوعة بالابتداء، و"أحسن" في قولك ما أحسنه فعل ماض، صيغته صيغة المضي، وهو دال على معنى موجود مستقر في الحال، ولهذا المعنى جمد ولم يتصرف، وعد في جملة الأفعال الجوامد. وقيل: بل لدلالته على المعنى الذي كان القياس أن يوضع له حرف يدل عليه، وفي الفعل ضمير يرجع إلى "ما" وهو فاعله، والمتعجب منه منصوب على أنه مفعول به، والجملة من الفعل والضمير الذي فيه والمفعول-وهو المتعجب منه-في موضع رفع لكونها خبرًا للمبتدأ (¬3)، وهو ما. وتمثيل اللفظ شيء أحسن هو زيدًا. هذا مذهب صاحب الكتاب في هذا اللفظ، وإنما حملها-أعني "ما"-على أنها غير موصولة ولا موصوفة لأن الصلة والصفة توضحان الاسم الذي تجيئان صلة له أو صفة، وتبينانه بيانًا أي بيان، والتعجب باب إبهام وخفاء، ولهذا عدلوا فيه (¬4) عن لفظة "شيء" إلى لفظة ¬

_ (¬1) ((في (ج): وذاك بأن جعلوا الدلالة على معنى التعجب مأخوذة من نفس صيغة الجملة المعبر بها عنه، وذاك أيضًا غاية في البيان عنه، فكان له عندهم صيغتان محصوصتا اللفظ .. (¬2) ((انظر الكتاب 1/ 37، المقتضب 4/ 175. (¬3) ((في (ب) لمبتدأ. (¬4) ((في (ب) به.

"ما"، وهي بمعناها في أنهما اسمان مبهمان منكوران، لأن شيئًا تصح تثنيته وجمعه وتصغيره وتعريفه وغير ذلك من خواص الأسماء، و"ما" لا يصح ذلك فيها. وذهب الأخفش سعيد إلى أنها موصولة وما بعدها صلتها، والخبر محذوف، والتقدير عنده: الذي أحسن زيدًا شيء، وبين هذا القول وقول سيبويه بون يعرفه متأمله النحوي، وإن كان أبو الحسن مع إجازته هذا القول لا يمنع قول سيبويه بل يجيزه، فيوافقه وينفرد عنه بإجازة الثاني، وقد قدمنا علة فرار سيبويه من جعل "ما" في التعجب موصولة أو موصوفة. والذي يدل (¬1) على أن "أفعل" في التعجب فعل لا اسم وإن كان رأيًا للكوفيين، بأدلة استدلوا بها على صحة مذهبهم، كالصحة في مثل ما أقوله، وما أسيره، وهذا التصحيح بابه الأسماء لا الأفعال، إلى غير ذلك مما أجاب عنه علماء البصريين أن الضمير المتصل به إذا كان للمتكلم تتقدمه نون الوقاية التي لا تلحق إلا في الأفعال، وذلك إذا قلت: ما أحسنني وما أكرمني. ولو كان اسمًا كان مضافًا إلى الياء، ياء المتكلم، وهي إذا أضيف إليها اسم لم تحتج إلى نون، فلو أضفت أحمر وأحسن إليك لقلت أحمري وأحسني، فقولك في التعجب: ما أحسنني وأكرمني هو كقولك في غير التعجب: أعجبني وأكرمني، ولأن آخره مبني على الفتح على منهاج الأفعال الماضية، إلى غير ذلك من الأدلة على فعليته. والصيغة الثانية من صيغتي التعجب، وهي أفعل به، لفظها الأمر، ومعناها الخبر، وذلك في نحو قولك أكرم بزيد وأحسن بعمرو. ¬

_ (¬1) ((انظر الكتاب 1: 37، الإنصاف 1: 126، شرح المفصل 7: 147.

ويدلك على أنه ليس بحقيقة أمر احتمال الكلام التصديق والتكذيب كما يحتمله الإخبار، وتعري الفعل من ضمير يحتمله احتماله ضمائر المأمورين، ولهذا خاطبت الاثنين والاثنتين والجماعة من الضربين بما تخاطب به الواحد المذكر، فقلت: يا زيد أحسن بعمرو، ويا زيدان أحسن بعمرو ويا زيدون أحسن بعمرو، ويا هند أحسن بعمرو، ويا هندان أحسن بعمرو ويا هندات أحسن بعمرو، ولم تقل: أحسني ولا أحسنا ولا أحسنوا ولا أحسن، كما تقول ذلك في الأمر على الحقيقة، لأن هذا ليس بأمر في المعنى، وإن كان بلفظ الأمر. فأنت في قولك: أحسن بعمرو مخبر لا آمر، كما أنك في قولك: ما أحسنه كذلك؛ والجار والمجرور، وهما قولك: بزيد، في موضع رفع بهذا الفعل، على أنهما فاعل، إذ كان الفعل لابد له من لفظ فاعل يسند إليه كما أن الجار والمجرور في قوله تعالى {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39] (¬1) وقولك: ما جاءني من أحد، هو الفاعل، هذا هو القول المحقق عند الأكثرين. وذهب الزجاج (¬2) إلى أن الجار والمجرور في موضع نصب، كزيد في قولك: ما أحسن زيدًا، لأنه المتعجب منه ها هنا، كما أنه المتعجب منه ثمة، وكما جاء الأمر هاهنا في ظاهر اللفظ والمراد بالكلام الخبر-جاءت صيغة الخبر، ¬

_ (¬1) ((الأحزاب 33: 39 {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله وكفى بالله حسيبًا}. (¬2) ((أبو إسحاق، إبراهيم بن الري (241/ 855 - 311/ 923)، نديم المكتفي الخليفة العباسي (263/ 876 - 295/ 908) أحد علماء بغداد ونحاتها. إنباه الرواة 1: 159، معجم الأدباء 1: 47. وفيات الأعيان 1: 11.

والمراد بها الأمر، كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] (¬1) فهذا خبر معناه الأمر، أي ليتربصن المطلقات بأنفسهن ثلاثة قروء. ولا ينبني فعل التعجب إلا من الثلاثي من الأفعال، بعد أن يقدر أنه قد رد إلى "فعل" على أي مثال كان، لأن "فعل" فعل غريزة ككرم وظرف، ثم تلحقه همزة النقل، فيصير متعديًا إلى المفعول به، وهو المتعجب منه، بعد أن كان لازمًا. فإن كان التعجب من لون أو عيب محسوس لم يصنع منه فعل التعجب، بل يؤتي بمصدر ذلك الفعل بعد ذكر فعل مصوغ للتعجب، يدل على عظم أو صغر، أو قلة أو كثرة أو شدة أو ضعف، أو غير ذلك، إن كان، بعد، أن يكون فعليه ثلاثيًا، كقولك: ما أشد حمرته وما لأقبح حوله. فأما الألوان، فلأن أفعالها في الأصل زائدة على ثلاثة أحرف، فجرت مجرى الرباعي كدحرج وسرهف (¬2)؛ فكما تقول: ما أشد دحرجته، وما أحسن سرهفته كذلك تقول ما أشد حمرته وصفرته، ولا تقول: ما أحمره ولا ما أصفره. وأما العيوب الظاهرة، فاعتلوا فيها بعلتين: إحداهما (¬3) علة للخليل وهي أنها جرت مجرى الخلق، فكما لا تقول إذا تعجبت من اليد: ما أيداه ومن الرجل: ما أرجله كذلك لا تقول من العمى ما أعماه ولا من الصمم ما أصمه؛ ¬

_ (¬1) ((يتربصن: ينتظرن. قروء: ج قرء وهو الحيض. البقرة 1: 228 {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق ... }. (¬2) ((سرهف غذاءه: أحسن غذاءه. (¬3) ((في (آ): منها، وما أثبتناه في بقية النسخ.

ولكن تقول: ما أقبح عماه وما أشد صممه (¬1). والعلة الأخرى أن منها ما أصل فعله أن يكون على أكثر من ثلاثة أحرف؛ وإن كان قد استعمل له صيغة أخرى ثلاثية، كقولك: حَوِلَ وعَوِرَ؛ والأصل في هذا أعور واحول، بدليل تصحيح الواو فيهما؛ وقد تحركت وانفتح ما قبلها، وذلك يوجب قبلها ألفًا، كقولك: خاف والأصل خوف، لكنهم عدلوا عما يوجبه حكم التصريف لفظًا، وصححوا الحرف فدل (¬2) التصحيح على أن هذه الصيغة في معنى صيغة تصح الواو فيها، وذلك احول واعور. ثم حملوا بقية العيوب (¬3) على هذا كعَمِيَ وعَشِيَ، مما لم يستعمل منه فعل زائد على الثلاثة كما كان اعور، فقالوا: ما أشد عماه، وما أقبح عشاه، ولم يقولوا: ما أعماه، ولا ما أعشاه، كما لم يقولوا: ما أعوره، ولا ما أحوله، ليكون الباب واحدًا. فأما قولهم: ما أشد، وإن كان المستعمل من فعله اشتد، وهو أكثر من ثلاثة أحرف، فإن "اشتد" منقول من فعل ثلاثي مقدر، وإن كانوا لا يكادون ينطقون به، فهو كالمنطوق به، يدل عليه قولهم في الصفة: شديد، وفعيل لا يبنى في مطرد الباب إلا من ثلاثي؛ كظريف وفعله ظرف وشريف وفعله شرف، ومثله قولهم: فقير، والفعل المستعمل منه افتقر، وقياسه: فقر فهو فقير، وإن كان لم ينطق به في فاشي اللغة، ففقير يشهد به ويدل على أنه كالمنطوق به، هكذا عللوا، أو قريبًا من هذا التعليل. على أنهم قد حكوا في الجيد من الاستعمال: شد ما أنك ذاهب، وشد فعل ثلاثي. ¬

_ (¬1) ((انظر الإنصاف: 1: 148 وانظر قول الخليل في الكتاب 2: 350. (¬2) ((في (آ) و (ب): ليدل. (¬3) ((في (ج) و (د): بقية الباب.

فصل [عمل النصب]

واعلم أن الأمثلة المشتركة في باب التعجب أربعة، أفعال ثلاثة، واسم. فالأفعال ما أفعله، وأفعل به، ولفعل، وكقولك ما أحسنه وأحسن به ولحسن وجهه، والاسم قولك: هو أحسن القوم؛ فكل ما جاز في قولك: ما أفعله من البناء جاز في الأمثلة الباقية، وكل ما امتنع فيه امتنع فيها. فصل قوله (¬1): وأما النصب فعلى ضربين، ضرب عام لجميعها وضرب خاص. الفصل: الأمر كما ذكر في انقسام نصب الأفعال إلى خاص وعام؛ فالخاص ما انفرد به بعض الأفعال دون بعض، والعام ما استوت فيه بأسرها. والخاص في ثلاثة: المفعول به، والخبر والتمييز؛ ألا ترى أنه لا يكون مفعول به إلا لما كان متعديًا من الأفعال؛ واللازم لا يكون له مفعول به، فهو حينئذ خاص ببعض الأفعال دون بعض؛ وكذلك الخبر المنصوب، لا يلزم في كل فعل أن يكون له خبر، والتمييز كذلك، وسنبين ذاك (¬2). فأما حال الأفعال في التعدي إلى المفعول به، فإن الفعل، بالجملة، ينقسم قسمين: متعد بنفسه ولازم، والمتعدي ما تجاوز الفاعل إلى مفعول به، واللازم ما لزم الفاعل ولم يتجاوزه إلى مفعول به. والمتعدي بنفسه ينقسم ثلاثة أقسام: متعد إلى مفعول واحد، وهو على ضربين: علاج وغير علاج، فالعلاج كقولك: ضربت زيدًا، وأكلت خبزًا، ¬

_ (¬1) ((الجمل ورقة 7/ 2. (¬2) ((في (ب): وسنبنيها.

وبنيت دارًا، وغير العلاج كقولك: ذكرت عمرًا، وشتمت (¬1) زيدًا وأكرمت محمدًا. ومتعد إلى مفعولين، وهو على ضربين أيضًا: أحدهما يتعدى إلى مفعولين يلزم فيهما ذكر الثاني إذا ذكر الأول، لكونه إياه في المعنى، وافتقار الأول إلى الثاني افتقار المبتدأ إلى خبره، إذ كانا في الأصل مبتدأ وخبرًا، وتلك الأفعال سبعة وهي: أفعال الشك واليقين، وتسمى أفعال القلوب، وهي: علمت ورأيت ووجدت وهذه الثلاثة لليقين، وظننت وحسبت وخلت، وهذه الثلاثة للشك وزعمت، وهو متوسط بين الستة، فيما يرون، وربما قيل: إنه قول يشوبه شك (¬2). وربما انفرد فاعله، وربما ذكروا في هذه الأفعال "رأي" بضم الهمزة، على أنه فعل لم يسم فاعله، وإذا حقق هذا فإنه مغير من القسم الثالث من المتعدي وهو المتعدي إلى ثلاثة. فهذه السبعة، كل منها يتعدى إلى مفعولين، الثاني منهما عبارة عن الأول، أو كلام فيه ضمير الأول على حد خبر المبتدأ، ولا تخلو أن تتصدر على مفعوليها، فيلزم إعمالها فيهما، كقولك: علمت زيدًا قائمًا وظننت بكرًا شاخصًا، اللهم إلا أن يعترض بينها وبين مفعوليها حرف له صدر الكلام، كلام الابتداء، وهمزة الاستفهام. فإن الحرف حينئذ يعلقها، وتعليقها أن يكفها عن العمل في اللفظ، فتعمل في موضع الجملة، كقولك: علمت لزيد منطلق، وعلمت أزيد في ¬

_ (¬1) ((في (ب) و (ج): وشمت. (¬2) ((في (آ) و (ب): إنه شك يشوبه قول.

الدار أم عمرو؟ وعلة ذاك-أعني التعليق-أن اللام والهمزة لهما صدر الكلام، وعلمت عامل والعامل له حكم التصدر على معموله، فتدافعا، فأُبطل عمل الفعل في اللفظ فعمل في الموضع. (ومع ذلك فلم يخرج الفعل في وقوعه في أقوى أماكنه، وهو تصدره على مفعوليه، عن أن يكون عاملاً، لأن عمله في الموضع دون اللفظ لم يخرج به عن أن يكون عاملاً، ولهذا إذا تسلط الفعل، بل العامل على الإطلاق على مبنى لا يظهر العمل في لفظه، حكم بالعمل على موضعه) (¬1). فإن دخل الجزء الثاني معنى الاستفهام كنت مخيرًا بين الإعمال والتعليق والإعمال أجود، وأريد بالإعمال ظهوره في المفعول الأول وبالتعليق كفه عنه، كقولك: قد علمت زيدًا أبو من هو، وإن علقت قلت: قد علمت زيد أبو من هو. فالإعمال لأن الفعل لم يحل بينه وبين مفعوله الأول حائل فيعلقه عن العمل في لفظه، والتعليق لأنك عممت بالاستفهام الموجود لفظه في الجزء الثاني، وهو في الأصل خبر المبتدأ، الجملة بأسرها، فكأنه داخل على المفعول الأول، فعلقت الفعل لذلك، وجعلت المفعولين ابتداء وخبرًا. والفرق بين المسألتين، أعني التعليق والإعمال، أن الجزء الثاني، وهو قولك أبو من هو، وإن كان مرفوعًا فيهما، إذا علقت، كان مرفوع الموضع بكونه خبرًا للمبتدأ، فإذا أعملت كان منصوب الموضع لكونه مفعولاً ثانيًا. وربما أوهم رفع الأول في هذا الكلام الإلغاء لا التعليق، وهو تعليق لا إلغاء، لأن الفعل متصدر، لم يتوسط ولم يتأخر، فكيف يلغي متقدمًا، أو أن يتوسط بين المفعولين، فتكون مخيرًا بين إعمال الفعل فيهما كقولك: زيدًا ظننت قائمًا، ¬

_ (¬1) ((ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب).

لأن هذه الأفعال أفعال متصرفة، والفعل المتصرف يعمل في معموله (¬1)، متقدمًا عليه ومتأخرًا عنه. ومفعولا هذه الأفعال كالمفعول الواحد، وتأخر المفعول الثاني عنها كتأخر المفعولين، وهي عاملة فيهما إذا تأخرا، كما بينا. وبين أن تبني الكلام على الابتداء والخبر، فتغلب حكم الابتداء على الفعل فتلغيه فيرتفعان جميعًا، ويكون الفعل على هذا غير عامل في اللفظ، ولا في الموضع، وإنما يكون داخلاً لمعناه-فقط-من يقينٍ أو شكٍ كقولك: زيد ظننت قائم، أو أن يتأخر عنهما، فتكون أيضًا مخيرًا بين الإلغاء والإعمال، والإلغاء أجود، لتراخي الفعل عن أقوى أماكنه، وهو الصدر، وضعفه لوقوعه آخرًا كالزيادة والنيف، واقتضاء الأول من المفعولين الثاني اقتضاء المبتدأ خبره، فضعف معنى الفعلية في الجملة وقوي معنى الابتداء، فكان (¬2) الإلغاء أقوى. وإن شئت أعملت الفعل مع تأخره عنهما كما تعمل غيره من الأفعال المتصرفة في معموله وإن كان الفعل متأخرًا عنه، فقلت: زيدًا قائمًا ظننت كما تقول بكرًا أكرمت وعمرًا ضربت. فهذا حكم هذه الأفعال في إعمالها وتعليقها وإلغائها في وجهيها من توسط وتأخر. والقسم الثاني من المتعدي إلى مفعولين، هو كل فعل يتعدى إلى اثنين، الثاني منهما غير الأول، كقولك: أعطيت زيدًا درهمًا، وكسوت عمرًا ثوبًا، أنت في هذا الفعل بالخيار، إن شئت ذكرت معه مفعولاً واحدًا ولم تذكر الآخر، أيهما ذكرت دون الآخر كان لك ذاك، كقولك: أعطيت زيدًا ولا تذكر ما ¬

_ (¬1) ((في (آ) و (ب): وكان (¬2) ((في (آ) و (ب): وكان.

أعطيته، وأعطيت درهمًا ولا تذكر من أعطيت. وإن شئت ذكرت المفعولين مع الفعل، فيكون أتم للفائدة، كقولك: أعطيت زيدًا درهمًا، وكسوت بشرًا ثوبًا. ولك عكس هذا الوجه وهو أن تذكر الفعل وحده دونهما، فتقول: أعطيت، كل هذه الوجوه جائزة، والفائدة مع ذاك بحسب المذكور في استيفاء الفائدة، وترك الاستيفاء مع أغراض تعرض للمتكلم إذا أخبر. وعلى ذاك فالكلام تام إذا قلت: أعطيت واقتصرت على الفعل وفاعله، لأن الكلام قد تم باستيفاء الفعل فاعله، وقد أخبرت بأنك قد كان منك إعطاء. وغير خاف أن في ذا أيضًا مع تمامه فائدة، وذكر واحد من المفعولين أكثر فائدة من طي ذكره، وذكرهما معًا أتم. ولك في هذا الفعل تقديم أحد المفعولين على الآخر، إلا أن يقع لبس، فيلزم الكلام الترتيب الذي يؤمن معه اللبس، تقول: كسوت عمرًا جبة، وإن شئت: كسوت جبة عمرًا، لأن المعنى مفهوم مع التقديم والتأخير. فإن كان كل واحد من المفعولين يصلح أن يكون آخذًا، وأن يكون مأخوذًا ألزمت الآخذ التقديم لئلا يلتبس بالمأخوذ، كقولك: أعطيت عمرًا زيدًا، ولا يكون في هذه المسألة الآخذ إلا عمرًا، فإن كان زيد الآخذ لم تجز المسألة إلا بتقديمه خشية اللبس، وجرى الأول من الثاني في هذا مجرى الفاعل من المفعول في المعنى. والفاعل يلزم تقديمه على المفعول متى دخل الكلام بالتقديم والتأخير لبس، كقولك: ضربت الحبلى السكرى، فإن ارتفع اللبس في مثل هذا جاز التقديم والتأخير، كقولك: أكلت الحبلى الحلوى وأسرت النجوى ليلى. وهذا القسم أعني المتعدي إلى مفعولين، ولك الاقتصار على أحدهما، لا يدخله الإلغاء ولا التعليق كما دخل القسم الأول. أو أن يكون (¬1) متعديًا إلى ثلاثة مفعولين، وذلك غاية ما تتعدى إليه ¬

_ (¬1) ((في (ج) و (د): القسم الثالث من المتعدي بنفسه، وهو المتعدي إلى ثلاثة.

الأفعال المتعدية. والمسموع من هذا الضرب أربعة أفعال. اثنان منقولان من القسم الأول المتعدي إلى مفعولين، وهما أعلمت وأريت، فأعلمت منقول بالهمزة من علمت، وأريت منقول من رأيت التي بمعنى علمت، زاد فيهما النقل بالهمزة مفعولاً ثالثًا، وذلك المفعول الزائد هو الفاعل في المتعدي إلى مفعولين، والمثال قولك: أعلم الله زيدًا عمرًا عاقلاً، وأرى الله أباك أخاك ذا مال. واثنان موضوعان، وهما أنبأت ونبأت، والأصل في هذين الفعلين أن يتعديا إلى مفعولين، الثاني منهما بحرف الجر، كقولك: أنبأت زيدًا عن عمرو وأنبأت بكرًا بكذا، قال الله تعالى: {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ} [البقرة: 33] (¬1) وقال {أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَاوِيلِهِ} [يوسف: 45] (¬2)، ثم يتسع بحذف الحرف الثاني، فيقال: أنبأتك كذا، وقال الله تعالى: {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا} (¬3) [التحريم: 3]، وأول الآية على الأصل، وهو قوله تعالى {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} [التحريم: 3] (¬4). وهذا الاستعمال في هذين الفعلين (¬5) استعمال أخبرت، وخبرت، ولكنهما توسع فيهما في تعديهما (¬6) إلى مفاعيل ثلاثة، بأن أجريا مجرى أعلمت، لأنهما إنباء، والإنباء إخبار، إعلام، فعديا إلى ثلاثة تعدية أعلمت، فقلت: أنبأ الله بشرًا كريمًا، ونبأ أبوك أخاك عمرًا ذا مال، والمعنى: أنبأ الله بشرًا أن بكرًا كريم. وحكم المفعول الثالث في هذا الباب حكم المفعول الثاني في الأفعال التي نقلت هذه منها وشبهت بها، فحملت عليها، كل مجاز في ذاك جاز في هذا. ¬

_ (¬1) ((البقرة 1: 33 {قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض ... }. (¬2) ((يوسف 2: 45 {وقال الذي نجا منها وادكر بعد أمة، أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}. (¬3) ((التحريم 66: 3 {وإذا أمر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا ... فلما نبأت به قالت من أنبأك هذا، قال: نبأني العليم الخبير}. (¬4) ((التحريم 66: 3 {وإذا أمر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا ... فلما نبأت به قالت من أنبأك هذا، قال: نبأني العليم الخبير}. (¬5) ((في (ج) و (د): الأصلين. (¬6) ((في (ب): تعديتهما.

الخبر والتمييز

واختلف الناس في هذه الأفعال الأربعة، فقصرها بعضهم على السماع، ولم يُجز القياس عليها، فلا تقول على قول هؤلاء، وهم الأكثرون، أظننت بكرًا زيدًا قائمًا ولا أوجدت ولا أحسبت، وأجاز بعضهم القياس عليها في الأفعال الباقية؛ فيقول مثلاً: أزعمت محمدًا الحر شديدًا، وأخلت قاسمًا السحاب ممطرًا، وممن منع ذاك أبو عثمان المازني (¬1) فيما رووا. فصل وأما الخبر والتمييز فخاصان لا يعمان كل الأفعال، ألا ترى أنه لا يلزم في كل فعل أن يكون له خبر ككان، وعسى وكاد، اللواتي لهن أخبار، وكذلك التمييز لا يكون في كل فعل؛ والمثال فيه: طاب زيد نفسًا، وتصبب عمرو عرقًا وقررت به عينًا. وجملة التمييز أنه كلام (¬2) مفتقر إلى مميز ومميز، فالمميز لفظ مبهم يحتمل أجناسًا كثيرة، فتبينه بأحدها، والمبين (¬3) به هو المميز ويكون اسمًا مفردًا نكرة منصوبًا كقولك: عندي عشرون درهمًا، ولك مثله رجلاً، وزيد أفضل منك أبًا، وطبت به نفسًا وله خمسة عشر درهمًا. ألا ترى أن قولك "عشرون"-يحتمل لإبهامه-ما لم تبينه أن يكون من أجناس كثيرة كالدراهم والدنانير والثياب والغلمان، فإذا قلت درهمًا أزلت ذلك الاحتمال ورفعت الاشتراك وأخلصت العشرين لما هي منه، وكذلك بقية الأمثلة. ولا يخلو المميز من أن يكون منتصبًا عن اسم فيه نون كعشرين، أو تنوين ظاهر كقولك: حسن وجهًا، وفاره عبدًا، أو مقدر كقولك: هو أحسن ¬

_ (¬1) ((انظر الخصائص 1: 271. (¬2) ((في (ج) و (د): كلام يفتقر فيه. (¬3) ((في (ج) و (د): والمبين هو اسم مفرد نكرة منصوب كقولك:

منك وجهًا، أو اسم مضاف كقولك: ويحه رجلاً، ويل أمه فارسًا، أو فعل قد استوفى فاعله كقولك: طبت به نفسًا. وإنما انتصب التمييز لأنه أشبه المفعول في كونه فضلة، إلا أن العامل فيه في الأكثر غير متصرف، فلم يجز فيه التقديم كما جاز في المشبه به-وهو المفعول، التقديم والتأخير، قالوا: وقولك (¬1): عشرون درهمًا مشبه في اللفظ لا في (¬2) المعنى بقولك ضاربون زيدًا، كما أن قولك: إن زيدًا قائم مشبه في اللفظ لقولك: كان قائمًا زيد، فعشرون فرع على قولك ضاربون، كما كان "إن" فرعًا على كان. وقسم الحذاق من النحويين (¬3): فقالوا: لا يخلو درهمًا من قولك: عشرون درهمًا من أن يرفع أو يجر أو ينصب، فلا يكون فيه الرفع لأنه ليس بنعت للاسم المميز وهو عشرون ولا خبر عنه، ولا يجر لأن النون قد حجزت بينه وبين المميز فمنعته الإضافة إليه، فبقي أن ينصب، وناصبه المميز، ونصبه إياه نصب ضعيف، فلم يجز تقديمه عليه، ولا الفصل بينه وبينه في حال السعة والاختيار على أنه قد جاء في الشعر مجيئًا قليلاً الفصل بينهما، فمن ذلك قوله: على أنني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولاً كميلاً (¬4) ولزم إفراد المميز وتنكيره لحصول الغرض بذاك، وكون المعنى مفهومًا مع اختصار في اللفظ. فأما قولك طبت به نفسًا وما أشبهه من الأفعال، فالأصل في مميزها أن ¬

_ (¬1) ((في (ب): فقولك. (¬2) ((في: ساقطة من (ب). (¬3) ((راجع المقتضب 3: 32. (¬4) ((الكتاب 1: 292، الإيضاح العضدي 1: 224، الإنصاف: 308 شرح المفصل 4: 130، مغني اللبيب 2: 633، اللسان (كمل)، والرواية فيه على أنه ... ، المقاصد النحوية 4: 489 وقد نسبه العباس بن مرداس 00 - 18/ 639 الخزانة 3: 119 قال: هذا البيت من الأبيات الخمسين التي استشهد بها سيبويه ولم يعرف لها قائل.

المسمى مفعولا مطلقا

يكون فاعلاً إذ كان المعنى طابت به نفسي، ولكنهم توسعوا، ونقلوا الفعل عن المضاف، وأسندوه إلى المضاف إليه، ثم أخرجوا الاسم الذي كان فاعلاً في الأصل مخرج الفضلات فميزوا به ليزول الإبهام الذي دخل الكلام، ولكونه فاعلاً في الأصل، وجاريًا الآن مجرى بقية الأسماء المميزة لغير الأفعال امتنع (¬1) أكثر الناس من تقديمه، فلم يجيزوا شحمًا تفقأت (¬2) ولا عرقًا تصببت، وأجازه المازني (¬3) قياسًا، واعتل بأن العامل متصرف وهو الفعل، وأنشد: أتهجر سلمى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسًا بالفراق يطيب (¬4) قال: أراد وما كان يطيب بالفراق نفسًا، قال الزجاج: والرواية: وما كان نفسي بالفراق تطيب (¬5) فصل العام من النصب يكون في خمسة أشياء: مصدر الفعل وهو الحدث الذي اشتق الفعل منه في قول البصريين (¬6) كالقيام والقعود، وهو المسمى مفعولاً مطلقًا، لأنه فعل الفاعل على الحقيقة، ولأنه (¬7) لم يقيد بشيء من حروف الجر ¬

_ (¬1) ((راجع الإنصاف 828. (¬2) ((تفقأ فلان شحمًا: امتلأ شحمًا حتى تشقق جلده. (¬3) ((راجع الإنصاف: 828. (¬4) ((البيت للمخبل السعدي ربيعة بن مالك بن ربيعة اسم كان ضمير شأن محذوف، وخبرها جملة تطيب، ونفسًا تمييز نسبة والعامل فيه تطيب، وقد تقدم التمييز على عامله، وهذا غير جائز في سعة الكلام عند البصريين، وقد أجازه الكوفيون واستدلوا بهذا البيت. وهو في الكتاب 1: 108، الخصائص 2: 38، الإيضاح العضدي 1: 203 أسرار العربية: 196، الإنصاف: 828، شرح المفصل 2: 74، المقاصد النحوية 3: 235. (¬5) ((راجع أسرار العربية: 187، الإنصاف 2: 837. (¬6) ((يرى الكوفيون أن المصدر مشتق من الفعل، راجع الإنصاف 1: 235 (¬7) ((في (ب): وإنه.

كبقية المفعولات حين قالوا: مفعول فيه وبه وله ومعه. فالفعل يقتضيه لتضمنه حروفه ودلالته عليه في المعنى؛ ألا ترى أن قولك: ذهب زيد في معنى قد كان منه ذهاب، فلما قويت دلالته عليه تعدت جميع ضروبه، أعني الفعل، من لازم ومتعد، إلى جميع ضروب المصدر من مبهم ومختص ومعروف ومنكر، كقولك: قمت قيامًا، وضربت ضربًا وذهبت الذهاب؛ وسرت سيرًا شديدًا، وجلدته عشرين سوطًا، والأصل في هذا المثال: جلدته جلدًا ذا عشرين سوطًا، ثم حذفت الموصوف وأقمت الصفة مقامه، وحذفت المضاف واثبت المضاف إليه منابه، فاكتسى إعرابه، إذ سدمسده. وكذلك لو لم تذكر العدد لجاز أن تتوسع، فتنصب الآلة، وهي السوط الذي به حصل الضرب نصب المصدر كقولك: ضربته سوطًا وسوطين، والمعنى ضربته ضربة بسوط، وتقدير اللفظ: ضربته ضربة ذات سوط، فنزل التنزيل المذكور في المثال المذكور قبله، وكذلك المصدر المضاف، كقولك: ضربته ضرب زيد عمرًا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، فجرى على الكلام من الحذف، وإقامة لفظ ما ذكرنا، والأصل ضربته ضربًا مثل ضرب زيد عمرًا، ففعل به ما أريناه في المثال الأول، قال أبو علي: "لأني قد أفعل مثل فعل غيري ولا أفعل فعله"، يريد الاتساع الذي ذكرنا من الحذف، قال: ومثل ذلك-يعني الحذف-قولهم في صريح الطلاق: أنت واحدة، وتقديره أنت ذات تطليقة واحدة، فحُذف المضاف، وهو ذات، وأقيم المضاف إليه مقامه فصار اللفظ: أنت تطليقة واحدة، ثم حُذف الموصوف، وهو تطليقة، وأقيمت الصفة مقامه فصار الكلام أنت واحدة. وكل ذلك ثقة بأن المعنى مفهوم، إذ ليس الإخبار عن المرأة بأنها واحدة كيف؟ ولا يجوز أن يُتوهم أنها سوى ذلك فيُعلمه.

ظروف الزمان

والثاني مما تتساوى الأفعال في نصبه، الظرف، وهو اسم الزمان أو المكان، لأن الفعل لا يصح وقوعه عاريًا منهما، فدل عليهما بمعناه كما ذل على المصدر، إلا أن دلالته على المصدر أقوى لضمنه حروفه مع دلالته عليه من معناه؛ مع اقتطاعه منه، ولهذا تعدى إلى جميع ضروبه، ولم يتعد إلى جميع ضروب أسماء المكان. وقد كان قياس أسماء الزمان هذا القياس، إلا أن الزمان أشبه الأحداث لتقضيه وكونه لا لبث له كما أن الأحداث كذلك، فتعدى (¬1) الفعل لذلك إلى جميع أسماء الزمان على العموم، من مبهم ومختص ومعرفة ونكرة، ولم يتعد من أسماء المكان إلا إلى ما كان مبهمًا غير مختص، مما في الفعل دلالة عليه. فلهذا تقول في الزمان: سرت يومًا وساعةً وحينًا، وصُمت شهر رمضان وقدمتُ يوم الجمعة، وتقول: انطلقت أمامك ووقفت وراءك، وكذلك حكم بقية الجهات الست من المكان وهي فوق وتحت ويمين وشمال وأمام ووراء وما أشبهها من ظروف المكان كـ "عند"، وهي اشد إبهامًا منها، أعني من الجهات الست، ألا ترى أنه يصح أن تُطلق على كل واحدة من هذه الجهات، فتقول: الشيء عندي، وهو إما فوقك أو تحتك أو عن يمينك أو عن شمالك أو أمامك أو وراءك وكذلك "وسط"، لأنه اسم لا يختص مكانًا دون مكان. وظروف الزمان أشبه بالأفعال، لهذا (¬2) صيغت لها، وظروف المكان أشبه بالجثث لكونها ذات صور وخلق، فمتى كان المكان مختصًا لم يتعد إليه الفعل، إلا على حد تعديه إلى المفعولين، فكما لا يصح أن تقول: جلست زيدًا، لا تقول: جلست المسجد وكما يصح أن تقول: جلست إلى زيد، يصح أن تقول: جلست في المسجد، فأما قول الشاعر: ¬

_ (¬1) ((في (ج) و (د): فعدي. (¬2) ((في (آ): ولهذا بنيت، وفي (ج) و (د): ولذلك صيغت وفي (ب) كما أثبتنا.

المفعول له

لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب (¬1) فالأصل عسل في الطريق، لأن الطريق مختص، لكنه حذف حرف الجر ضرورة لإقامة الوزن، فأفضى الفعل إلى الاسم فنصبه. وكل الظروف مقدر بفي، كما أن جميع السماء المنصوبة على التمييز مقدرة بمن، وكذلك الأحوال كلها تفسر بفي، فلهذا شًبهت الحال بالظرف. فأما قوله (¬2): وكذا كل زمان وقع فيه فعل، فإنه احتراز (¬3) من الظرف إذا لم يُستعمل فضلة، وأخبر عنه مثلاً، كقولك: يومنا طيب، وفي المكان: أمامنا واسع، وكذلك ما أشبههما. فصل والمفعول له عذر وعلة لوقوع الفعل، ويسمى غرض الفاعل، ويعتبر بأنه يقع وجوبًا لمن قال: لم فعلت كذا؟ ويكون أبدًا مصدرًا منصوبًا، ناصبه فعل من غير لفظه، ويقع معرفة ونكرة، والمثال فيه قولك: جئتك ابتغاء ¬

_ (¬1) ((لدن: لين، يعل: يعدو، والعسلان عدو الذئب. أي يعسل في عدوته هذه فاضمر لتقديم ذكره كما عسل الطريق: يريد أنه لا كزازة فيه إذا هززته ولا صلابة ولا خشونة. الباء في قوله بهز، للسببية. والشاهد لساعد بن جؤية الهذلي يصف رمحًا. وهو في ديوان الهذليين: 19، الكتاب 1: 16، 109 الكامل: 321، الجمهرة 3: 2، والرواية فيه: لذ بهز، شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 162، أسرار العربية: 180، مغني اللبيب 1: 3، اللسان (وسط) الخزانة 1: 474، والشاهد تعديه الفعل إلى ظرف المكان المختص شذوذًا. (¬2) ((انظر جمل الجرجاني ورقة 8: 1 - 2. (¬3) ((في (ج): احتراز من اسم الزمان.

لخيرك وقصدتك طمعًا في معروفك وضربته تأديبًا له. وإنما كان مصدرًا لا عينًا لأنه غرض، والأغراض إنما تكون أحداثًا لا جثثًا. وكان العامل فيه من غير لفظه لأن الشيء يتوصل به إلى غيره، ولا يُتوصل به إلى نفسه ولا يكون كل مصدر، بل أكثر ما يقع من المصادر التي هي من أفعال النفوس كالطمع والرجاء والخيفة والإرادة والابتغاء، ولو قلت ضربته قتلاً له تريد هذا المعنى لم يصلح. ويقدر أبدًا باللام، ثم تُحذف، فيفضي الفعل إلى مجرورها فينصبه. فالأصل في قولك: قصدتك ابتغاء عرفك، لابتغاء عرفك، ثم حذفت اللام فانتصب مجرورها، وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه، فيلزم حينئذ ذكر اللام، فتقول: جئتك لعرفك؛ ولا يجوز حذف اللام من مثل هذا، لأنه يكون حذفًا بعد حذف، فيُنهيك الكلام، والحذف لا يقاس عليه في كل موضع مع أنه لو حذفت اللام، فانتصب المضاف إليه لالتبس في بعض المواضع بالمفعول به. فأما وقوعه معرفة ونكرة فكقول حاتم (¬1): وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما (¬2) و"ادخاره" معرفة، "وتكرما" نكرة، وقد جمع البيت شاهدين. وقد تقع الباء ومجرورها مفعولاً له كقوله تعالى "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" (¬3) وكذلك "من" ومجرورها كقوله ¬

_ (¬1) ((حاتم الطائي .. -4/ 587، أبو عدي، الفارس الشاعر الجواد، الشعر والشعراء: 70، الخزانة 1: 494. (¬2) ((العوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة. ادخاره: إبقاء عليه. الديوان 25 - ، الكتاب 1: 184، 464، النوادر: 110، الكامل: 250 شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 93، أمالي الشجري 1: 13، أسرار العربية: 187، شرح الفصل 2: 54، اللسان (عور)، الخزانة 1: 491. (¬3) ((النساء: 59.

الحال

سبحانه {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (¬1) [المائدة: 32]. وكذلك الكاف، منه مسألة الكتاب "كما أنه لا يعلم فغفر الله له" (¬2) أي لأنه لا يعلم، وما زائدة بين الكاف ومجرورها. وأما الحال فهي وصف هيئة الفعل أو المفعول أو المفعول به، ولفظها نكرة تأتي بعد معرفة، قد تم الكلام عليها، أي على المعرفة. ومعنى وصف هيئة الفاعل أن الفعل متى أسند إلى فاعله، فلابد أن يُسند إليه وهو على هيئة من الهيئات، وصفة من الصفات كقولك: جاء زيد، لابد في مجيئه من أن يكون راكبًا أو ماشيًا، أو ساعيًا، أو مسحوبًا مثلاً، فتبين هيئته التي جاء عليها بلفظه منكورة مشتقة، لأنها صفة في المعنى تسمى حالاً، كقولك جاء زيد راكبًا فـ "راكبًا" مشتق من ركب يركب، فقد تم الكلام على قولك زيد: لأن الفعل والفاعل جملة مستقلة، وتلك النكرة هي المعرفة في المعنى، وكذلك حكم المفعول لابد أن يقع به الفعل وهو على هيئة من الهيئات كقولك: أبصرت زيدًا ساعيًا وضربت عمرًا مشدودًا. ولما كانت الحال زيادة في الفائدة، والفائدة متعلقة بالخبر، واصل الخبر التنكير جاءت الحال-وهي الزيادة فيه-على الأصل، ولزمها ذاك، فلا تكون إلا نكرة وإن كان الخبر قد (¬3) يقع معرفة ونكرة. ولما كانت مفعولاً فيها في المعنى أشبهت الظرف، فعملت فيها المعاني جوازًا كما يجوز أن تعمل في الظرف. ولما رفعت الاحتمال كما يرفعه التمييز لزمها أيضًا التنكير كما لزمه، ولما كانت اسمًا صحيحًا يأتي بعد ¬

_ (¬1) ((المائدة 5: 35 {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسًا ... }. (¬2) ((راجع مغني اللبيب 1: 176، ولم أعثر على هذا القول في الكتاب. (¬3) ((في (ج) و (د): قد يقع معرفة كما يقع نكرة.

استقلال الفعل بفاعله أو استيفائه مفعوله أشبهت المفعول، ومع شبهها بهذه الضروب من المنصوبات، فبينها وبين كل واحد منها فرق بل فروق. فمن الفرق بينها وبين الظرف أن الظرف تعمل فيه المعاني، ويتقدم عليها ويتأخر عنها كقولك: لك كل يوم ثوب؛ وإن شئت قلت: كل يوم لك ثوب. والعامل في كل وهو ظرف زمان الجار والمجرور وهو لك، وهو معنى لا فعل صريح والحال إذا عملت فيها المعاني لم يجز تقديمها عليها؛ تقول: زيد في الدار قائمًا، ولو قلت زيد قائمًا في الدار لم يجز تقدم الحال. فإن كان العامل فعلاً جاز تقديم الحال عليه؛ كقولك: جاء زيد راكبًا وجاء راكبًا زيد وراكبًا جاء زيد، قال الله تعالى {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ} (¬1) [القمر: 7] فـ "خاشعًا" حال، والعامل فيها "يخرجون" كما قدروه. وأيضًا فإن الحال هي ذو الحال في المعنى؛ وهو إما الفاعل أو المفعول، وليس الظرف أحدهما. ومن الفرق بينها وبين التمييز أنها تكون في الأغلب بالأسماء المشتقات؛ والتمييز يكون بالأسماء الجامدات؛ كقولك في الحال: جاءني زيد ماشيًا؛ فـ "ماشٍ" اسم مشتق، وفي التمييز عشرون درهمًا فـ "درهم" اسم جامد؛ ولو قلت: عشرون صحيحًا لكان "صحيحًا" نعتًا لاسم جامد محذوف، كأنك قلت: دينارًا صحيحًا ¬

_ (¬1) ((القمر 54: 7 {خاشعًا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر} و"خاشعًا" هي قراءة أبي عمرو البصري، زبان بن قائد وحمزة بن علي الزيات والكسائي.

أو درهمًا صحيحًا أو غير ذلك مما حذف، وقد علم كل العلم، ولذلك يحذف الموصوف. وأيضًا فإن الحال تقع بعد تمام الكلام فقط، هذا هو الأصل فيها، والتمييز يقع تارة بعد تمام الكلام، وتارة بعد تمام الاسم، وهي-أعني الحال-تفسير بفي، والتمييز يُفسر بمن، إلى غير ذلك من الفروق التي بينها وبينه. ومن الفرق بينها وبين المفعول به (¬1) أنها تعمل فيها الأفعال والمعاني فالأفعال ظاهرة في التمثيل والمعاني كقول النابغة (¬2). كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد "خارجًا" حال، والعامل فيها ما في "كأن" من معنى التشبيه، فكأنه قال: أشبهه سفود شرب خارجًا، أي في حال خروجه. والمفعول به لا تعمل فيه المعاني، وإنما تعمل فيه الأفعال الصريحة المتعدية، والحال تعمل فيها المتعدية واللازمة، فالمتعدي كقولك: ضربت زيدًا قائمًا، واللازم كقولك: انطلق محمد مسرعًا، والمفعول في الأصل ¬

_ (¬1) ((به: ساقطة من بقية النسخ. (¬2) ((زياد بن معاوية الذبيالي (00 - 18/ 604) الشاعر الجاهلي المحكم في الشعر في عكاظ. طبقات فحول الشعراء: 43، الشعر والشعراء 1: 157، الأغاني 9: 162. وصلة الشاهد قبلة: شك الفريصة بالمدري فأنفذها ... شك المبيطر إذ يشفي من العضد الفريصة: مرجع الكتف إلى الخاصرة، المدري: القرن، العضد: داء يأخذ الإبل في أعضادها من ثقل حمل، كأنه خارجًا يعني المدري طعن به وأخرجه. الصفحة: الجانب كله. المفتأد: المشتوى والمطبخ. وكل نار يشوى عليها. شبه قرنة والكلب فيه بسفود فيه شواء. وهو في الديوان: 11، مجاز القرآن 2: 132، الخصائص 2: 275، الخزانة 1: 521.

غير الفاعل في المعنى، والحال هي ذو الحال في المعنى، والمفعول يقع معرفة ونكرة ومظهرًا ومضمرًا ومشتقًا وغير مشتق، والحال نكرة لا تتعرف. فأما قولهم أرسلها العراك (¬1)، و"طلبته جهدك وطاقتك" والعراك والجهد والطاقة أحوال، فهي في تقدير النكرات، وإن كان لفظها لفظ المعارف؛ فكأنه قال: أرسلها معتركة، وطلبته مجتهدًا ومطيقًا؛ وتحقيقه أن العراك في موضع "تعترك"، و"تعترك" في موضع "معتركة"؛ فدل العراك على تعترك، فحُذف، وأقيم مقامه؛ وكذلك دل جهدك على تجتهد، فسد مسده بعد حذفه. وكل ما جاء من الأحوال، ظاهر (¬2) لفظه التعريف، فإلى التنكير يرجع إذا أحسنت التأويل. وعبره الحال جواب لكيف، كما أن المفعول له جواب لم. وتسأل في الحال عن أشياء وهي الحال وذو الحال والعامل في الحال. فالحال قد بُنيت، وربما قيل: أي حال هي؟ فينبغي أن تعلم أن أقسام (¬3) الحال الأغلب فيها المتنقلة، كقولك: جاء زيد ماشيًا، فقولك (¬4) "ماشيًا" حال متنقلة، لأنه لا يلزمه أن يجئ، كلما جاء، ¬

_ (¬1) ((ورد هذا في بيت للبيد بن ربيعة العامري (00 - 41/ 661)، والبيت بتمامه: فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال الضمير في أرسلها يعود إلى الأتن. العراك: الجماعة، يذودها، يحسبها، النغص: التحرك وإمالة الرأس، الدخال: أن تشرب بعض الأتن ثم تعود لتزاحم التي لم تشرب بعد. الديوان: 86، الكتاب 1: 187، المقتضب 3: 273، اللسان (نغص). (¬2) ((انظر الكتاب 1: 187، اللسان (جهد). (¬3) ((أقسام: ساقطة من (ج). (¬4) ((في (ج) و (د): فـ "ماش" حال متنقلة.

ماشيًا بل قد يجيء راكبًا وعلى غير الركوب والمشي من الأحوال. وتجيء الحال مؤكدة، كقوله: كفى بالنأي من أسماء كافي ............. (¬1) أي كافيًا، فهذا مما أسكن فيه منصوب المنقوص ضرورة. وقوله "كافي" حال مؤكدة، إذ كان قوله: "كفى" قد أغنى عنها، وكفى منها لدلالته على ما دلت عليه، وفي التنزيل {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} (¬2) [البقرة: 91]، فقوله "مصدقًا" توكيد لما قبله، لأنه لا ينتقل عن تصديقه وقوله "وهو الحق" قد أبان عن التصديق. وتجيء الحال مقدرة، ومنه مسألة الكتاب، وهي قوله "مررت برجل معه صقر صائدًا به غداً"، أي مقدرًا الصيد به غدًا (¬3)، كذلك فسره النحوي. وربما قالوا: من ضروب الحال الموطئة، وهي مثل قوله تعالى ¬

_ (¬1) ((الشاهد من قصيدة لبشر بن أبي خازم (00 - 92/ 533) وعجزه. وليس لحبها إذ طال شاف إذ: تعليلية، متعلقة بشاف، والمعنى: يكفيني بعدها بلاء، فلا حاجة بي إلى بلاء آخر، إذ هو الغاية، ولا شفاء لي من مرض بعدها مع طوله، ويجوز أن تكون الواو حالية، ويستفاد من كلام صاحب الخزانة أنه يستشهد بقوله "كافي" من وجهين، الأول وقوع اسم الفاعل مصدرًا، فإنه هنا مفعول مطلق مؤكد لقوله "كفى" فهي بمنزلة كفاية، والثاني الوقف عليه بالسكون، والمنصوب حقه أن يبدل تنوينه ألفًا. وهو في الديوان: 142، المقتضب 4: 22 المنصف 2: 115، شرح المفصل 6: 51، اللسان "كفى"، الخزانة 2: 261. (¬2) ((البقرة 1: 91 {وإذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله. قالوا: نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه، وهو الحق مصدقًا لما معهم .. }. (¬3) ((انظر الكتاب 1: 243، المقتضب 3: 261.

{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] (¬1) فقوله: "عربيًا هو الحال، وموصوفها موطئ لها ولا عليك أن لا تذكر هذا القسم في ضروب الحال، لأنه إلى الأول من أقسامها يرجع. فهذا هو ما يجاب به عن السؤال عن الحال ما هي. وأما ذو الحال فهو الاسم الذي الحال صفة له في المعنى؛ والأصل فيه أن يقع معرفة كما أن الأصل في الحال أن تكون نكرة؛ فإن وقعت الحال من نكرة فعلى ضعف، كقولك: جاءني رجل راكبًا. والمعتبر في مثل هذا حصول الفائدة، فإن نعت المنكور قرب من المعرفة بتخصيصه بالصفة، فحسن وقوع الحال منه شيئًا؛ كما جاء في الحديث «سبق الله صلى الله عليه وسلم، بين الخيل، فجاء فرس له سابقًا» (¬2) فقوله "سابقًا" حال من قوله "فرس"، وهو نكرة لكنه قد خصصه وصفه بقوله: "له" وهو الجار والمجرور، على أنه لو أجرى هذه الحال وصفًا، فقال: فرس له سابق لم يُعط المعنى الذي أعطته الحال، ولا تمحض له، ولجاز أن يفهم من الرفع أنه فرس سابق من قبل، وإن كانت الحال لا تمنع ذاك، ولكن ظاهر الأمر مع الرفع نعته بالسبق الذي يجوز أن يكون سبق له الوصف به لا الآن. والعامل في الحال، إما فعل وإما معنى، فالعامل فيها في قولك جاء زيد راكبًا "جاء" وهو فعل، والعامل فيها في قولك: في الدار زيد قائمًا قولك "في الدار" وهو معنى لا فعل. ¬

_ (¬1) ((الزمر 39: 28 "قرآنًا عربيًا غير ذي عوج". (¬2) ((أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر رقم "2577" بلفظ أن النبي (ص) سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية.

وقوله: وإن أردت أن تنصب الحال عن النكرة فقدمها عليها كقولك: جاءني راكبًا رجل. وأكثر ما يجيء مثل هذا في الشعر، واستعماله في الكلام يقل، فمن ذلك قول الشاعر: لعزة موحشًا طلل ............. (¬1) وقول الآخر: ............... والصالحات عليها مغلقًا باب (¬2) يريد الأول: لعزة طلل موحش، ويريد الثاني: عليها باب مغلق. وعلة انتصاب هذه الحال عن النكرة المحضة التي لم تقرب من المعرفة بصفة ما، أن الوصف لا يتقدم على الموصوف؛ فإذا قدم ما يجوز أن يكون وصفًا للنكرة لو أخر بطل أن يكون وصفًا، فاذا بطل أن ¬

_ (¬1) ((الشاهد لكثير بن عبد الرحمن المعروف بكثيرة عزة (00 - 105/ 723، ) وينسب لذي الرمة (77/ 696 - 117 - 735) وعجزه: يلوح كأنه خلل. وروى جماعة بيتًا آخر، هذا الشاهد قطعة منه، وهو بتمامه: لمية موحشًا طلل قديم ... عفاه كل أسحم مستديم وهو في الأبيات المنسوبة لكثير في ديوانه، بهذه الرواية ص 536. وفي ديوانه ص 506: لمية موحشًا طلل ............. وميه اسم محبوبة ذي الرمة. الخلل جمع خلة: جفن السيف المغشي بالأدم. انظر الكتاب 1: 276، معاني القرآن 1: 167، ألأسرار العربية: 147 اللسان (خلل)، الخزانة 1: 531. (¬2) ((لم أعثر على صلة هذا الشاهد ولا على قائلة، وهو في أسرار العربية: 147.

يكون وصفً أخرج مخرج الحال، لقرب الحال من الصفة، وجواز التقديم فيها. ولا يجوز هذا في كل نكرة في قول سيبويه (¬1)، ألا ترى أن النكرة لو كانت مجرورة لم يستقم هذا فيها، لو قلت: مررت راكبًا برجل، والحال لرجل لم يجز عنده، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه في مذهبه، وأجاز تقديمها عليه ابن كيسان (¬2) وأبو علي وغيرهما، لأن العامل عندهم الفعل الذي يعلق به الحار. وإذا كان العامل الفعل-هو متصرف-، فالحال جائز تقديمها (¬3) على ما عمل فيها من العوامل المتصرفة؛ فأقل أحوالها حينئذ أن تتقدم على صاحبها، لأنها معمول لعاملها، فجاز تقديمها عليه كما يتقدم أحد معمولي العامل على صاحبه. فهذه المنصوبات الخمسة ما من فعل إلا ويعمل فيها، لازمًا كان أو متعديًا؛ إلا أن يكون غير متصرف فله حكم، وهي: المصدر لدلالة الفعل عليه بلفظه، إذ كان مشتقًا منه، وظرف الزمان والمكان لاضطراب الفعل إليهما، والمفعول له لأن الفعل لا يقع من مميز إلا لغرض، والحال لأن الفعل لا يقع من فاعل ولا يقع بمفعول (¬4) إلا على هيئة ما. ¬

_ (¬1) ((الكتاب: 1/ 277. (¬2) ((أبو الحسن، محمد بن إبراهيم (00 - 299/ 912) عالم نحوي أديب، كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي. طبقات النحويين النحويين واللغويين: 170، نزهة الأنبا: 301. وتجد رأي ابن كيسان هذا في أمالي ابن الشجري 1/ 280. (¬3) ((في (ب): تقدمها. (¬4) ((في (ب): من فاعل أو بمفعول.

الفصل الثالث في العوامل من الحروف

الفصل الثالث في العوامل من الحروف وهي أربعة أضرب: ضرب يرفع وينصب، الفصل. الحروف موضوعة في الأصل للاختصار، ومعانيها التي تدل عليها معاني أفعال هي نائبة عنها، فـ "هل"، تنوب عن قولك "أستفهم"، و"ما"، تنوب عن قولك "أنفي"، و"إن" تنوب عن قولك "أؤكد". وتنقسم بعد إلى قسمين: عامل وغير عامل، وغير العامل منها يسمى مهملاً، والعامل منها كل حرف اختص بأحد القبيلين الاسم أو الفعل، فإن اشتركاً في دخوله عليها بطل أن يكون عاملاً؛ ولهذا كانت لغة تميم ومن تابعهم من العرب في "ما" النافية من ترك إعمالها وإجرائها في الإهمال مجرى "هل" أقيس عند النحويين من لغة أهل الحجاز (¬1) الذين شبهوها بليس، فأعملوها مع كونها مشتركة مترددة في الدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى تردد "هل" فاعرفه. ¬

_ (¬1) ((انظر الكتاب 1: 58، الخصائص 1: 125، أمالي ابن الشجري 2: 328.

إن، وأن، ولكن، وكأن، وليت، ولعل

والعوامل من الحروف أربعة أضرب: ضرب يرفع وينصب، وهذا الضرب ثانية أحرف، ستة منها منصوبها متقدم على مرفوعها، وهي: إن، وأن، ولكن، وكأن، وليت، ولعل. فهذه الستة تدخل على المبتدأ والخبر، فينتصب المبتدأ بها ويسمى اسمًا لها، ويرتفع الخبر بها أيضًا ويسمى خبرًا لها، هذا وهو القول المعمول عليه؛ وليس قول من قال: إن الخبر معها باق على ما كان عليه من الرفع-بعد دخولها-بشيء. وإنما عملت هذه الحروف هذا العمل دون غيرها من حروف المعاني إلا الأقل، لأنها أشبهت الأفعال شبهًا قويًا، لأن معانيها معاني الأفعال، وألفاظها مقاربة لألفاظها، فـ "إن" و"أن"بمعنى أؤكد، و"لكن" بمعنى أستدرك و "كأن" بمعنى أشبه، وهي مركبة من كاف التشبيه و "أن" التي للتوكيد، ولتركيبها معها حكم في المبالغة صحيح، و "ليت" بمعنى أتنمى؛ و"لعل" بمعنى أترجى وأتوقع. ولا يتقدم مرفوع هذه الحروف على منصوبها لأنها فيما علل النحويون (¬1) مشبهة بأفعال قد (¬2) اتسع فيها بتقديم منصوبها على مرفوعها، فهي فروع على تلك الأفعال المشبهة بها، والفروع تلزم طريقة واحدة، فلا تتصرف تصرف الأصول. فإن كان الخبر مما لا يظهر فيه الرفع كالجار والمجرور والظرف ساغ تقديمه كقولك: إن في الدار زيدًا وإن أمامك عمرًا، لأن الظروف وما جرى ¬

_ (¬1) ((انظر الكتاب 1: 280، المقتضب 3: 62. (¬2) ((في (ج) و (د) قد تقدم منصوبها على مرفوعها.

مجراها من الجار والمجرور متسع فيها. فإن دخلت "ما" على هذه الحروف كفتها عن العمل، فوقع الاسمان بعدها مرفوعين بالابتداء والخبر ووقع بعدها الفعل أيضًا؛ كقولك: إنما زيد قائم وإنما قام عمرو وليتما زيد منطلق، ولعلما عمرو منطلق، قال الله تعالى {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171] (¬1) وقال سبحانه {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ} [الرعد: 7] (¬2)، وقال عز من قائل {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28] (¬3) وقال الشاعر: أعد نظرًا يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا (¬4) فأما "ليت" خاصة فإنها إذا دخلت عليها "ما" جاز أن تكون كافة فيرتفع الاسمان بعدها بالابتداء والخبر، ويقع الفعل أيضًا بعدها قياسًا، وهو قليل في الاستعمال؛ فتقول: ليتما عمرو قائم. وجاز أن تكون ما مزيدة ملغاة دخولها كخروجها، فتبقى ليت على عملها في الاسمين النصب والرفع؛ وعلى الوجهين انشدوا بيت النابغة وهو: ¬

_ (¬1) ((النساء 4: 171 {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ... إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد ... ". (¬2) ((الرعد 13: 7 {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه، إنما أنت منذر ولكل قوم هاد}. (¬3) ((فاطر: 35: 28 {ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيز غفور". (¬4) ((البيت للفرزدق (00 - 110/ 728) وقد أنشده شاهدًا على أن ما إذا لحقت لعل كفتها عن العمل وأزالت اختصاصها بالأسماء، فجاز أن يليها الفعل والفاعل. أضاءت الحمار: معناه لعل النار قد كشفت لك الحمار وبينته. وهو في الديوان 1: 180 الإيضاح العضدي 1: 127، الأزهية: 87، أمالي الشجري 2: 241، شرح المفصل 8: 540، شذور الذهب: 279، مغني اللبيب 1: 318.

(قالت ألا يتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد) (¬1) بنصب الحمام ورفعه، وكذلك قوله: أو نصفه. ومن النحويين (¬2) من أجاز هذا الحكم في بقية الحروف - أعني أخوات ليت - قياساً، فأجاز إنما زيداً قائمٌ على أن تكون "ما" ملغاة، وإنما زيدٌ قائمٌ على أن تكون "ما" كافة والسماع غير ما قاسه هؤلاء. فأما الفرق بين مواضع "إن" و "أن" مع اتفاقهما في معنى التأكيد، وكون لفظيهما وعمليهما واحداً، لولا ما اختلفا فيه من كسر الهمزة من إحداهما، وفتحها من الأخرى فهو أن "إن" المكسورة الهمزة تقع في الموضع الذي يتعاقب عليه الابتداء والفعل، كقولك مبتدئاً: إن زيداً قائم. فأنت إن اخترت أن تبتدئ بكلام أوله اسم، كقولك: زيد قائم كان لك ذاك، وتكونُ على هذا قد ابتدأت أول كلامك بالاسم. وإن شئت بدأت بكلام أوله فعل فقلت: قام زيدٌ، فقد بدأت على هذا بفعل، فحصل من هذا أن الابتداء بالجمل -وهي أول كلام يلفظ به اللافظ - موضع يصلح للاسم والفعل، فلا جَرَمَ أنك تبتدئ بـ "إن" ¬

_ (¬1) الشاهد من معلقة النابغة الذبياني. الضمير في "قالت" يعود إلى زرقاء اليمامة، قوله: فقد أي فحسب. الديوان: 16، وروايته فيه: (قالت فياليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد) الكتاب 1: 282، الاقتضاب: 34، الأزهية: 88، مجمع الأمثال 1: 222، أمالي الشجري 2: 142، الأنصاف 2: 479، شرح المفصل 8: 58، شذور الذهب: 280، المقاصد النحوية 2: 254، الخزانة 4: 297. (¬2) انظر شرح ابن عقيل 1: 319.

المكسورة الهمزة لا المفتوحتها، فتقول: إن زيداً قائم ولا تفتح الهمزة هنا. ولذلك كسرت بعد القول أيضاً؛ كقولك: قال زيدٌ إن عمراً منطلق؛ قال الله سبحانه: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} (¬1) [الكهف: 94]، وذلك أن القول يقع بعده الكلام محكياً على ما وضع عليه، فيقع بعده لهذا جملةٌ أولها اسم؛ وهي الابتدائية كقولك قال زيد: عمرو منطلق، وتقع بعده جملة فاعلية (¬2)؛ أولها فعل كقولك: قال عمرو: قام بكر؛ فهذا أيضاً موضع يتعاقب عليه الابتداء والفعل. وكذلك حكمها إذا وقعت صلة للأسماء الموصولة؛ كقولك: يعجبني الذي إنه صالحٌ؛ فهذا كقولك: يعجبني الذي هو صالح، وقال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} (¬3) [القصص: 76] أي: الذي إن مفاتحه، لأن الموصول أيضاً لا تختص صلته بجملة دون جملة؛ بل إن شئت وصلته وأوضحته بالجملة من الابتداء والخبر، كقولك: الذي أبوه قائم، وبالجملة من الفعل والفاعل؛ كقولك: الذي قام أبوه. فالصلة حينئذ من المواضع التي لا تختص بالاسم دون الفعل، ولا بالفعل دون الاسم. ¬

_ (¬1) يأجوج ومأجوج: قبيلتان همجيتان، يقال إن الأولى التتر والثانية المغول، خرجاً: مقداراً من المال. الكهف 18: 94 {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَاجُوجَ وَمَاجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ..... }. (¬2) في الأصل: فعلية، وفي (ب) (ج) (د) كما أثبتنا. (¬3) القصص 28: 76 {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ .... }.

وكذا إذا أجبت بها عن اليمين؛ كقولك: والله إن زيداً قائم فهي مكسورة لأن القسم يجاب بالابتداء والخبر؛ كقولك: والله لزيد قائم، وبالفعل والفاعل كقولك: والله ليقومنَّ زيد؛ ووالله لقد قام زيد؛ فجواب القسم - كما ترى- من المواضع غير المختصة بأحد القبيلين. وكذلك إن دخلت خبرها اللام كانت مكسورة لأن اللام في نية التقدم، إذ كانت لام الابتداء، ولام الابتداء تختص بالدخول على جملة تامة، و "أنَّ" المفتوحة ليست مع اسمها وخبرها في تقدير جملةٍ، بل في تقدير مفرد، و "إن" المكسورة مع معمولها جملةٌ، فلذا إذا دخلت اللام خبرها كُسرت ولم تفتح، فإن اختص الموضع بالاسم أو بالفعل وقعت فيه المفتوحة لا المكسورة، وكان ذلك من مواضعها لا من مواضع تلك، لأن العبرة سبقت بتعريف مواضع المكسورة، وأنها لا تقع إلا في موضع مشترك بين الاسم والفعل، فمن ذلك وقوعها بعد حرف الجر كقولك: عجبتُ من أنك تقول كذا، فذا موضع مختص بالاسم، إذ حرفُ الجر من خواصه. ووقوعُها في الموضع المختص بالفعل كقولك: لو أنه قام لقمت، لأنك تقول: لو قام زيد قمت ولا تقول: لو زيدٌ قائمٌ، ولا ما أشبهه، فذا موضعٌ كما ترى مختص بالفعل دون الاسم، لما في "لو" من معنى الشرط، فإن وقع بعد "لو" اسمٌ كان محمولاً على فعلٍ مضمر، وهو مع ذلك قليل، ومنه المثل "لو ذاتُ سوار لطمتني" (¬1) والأصلُ: لو لطمتني ذاتُ سِوارٍ. ¬

_ (¬1) جمهرة الأمثال 2: 193، فرائد اللآل 2: 143. مجمع الأمثال 2: 202، وروايته فيه "لو غير ذات سوار لطمتني" يعني أني لا أقتص من النساء. يضرب للكريم يظلمه دنيء.

وكذا تفتحها بعد لولا، لأن الفعل لا يقع بعدها كما يقع الاسم، بل هي من مواضع الاسم دونه، تقول: لولا زيدٌ لكان كذا، ولا تقول لولا يقوم (¬1)، فلهذا جاء قوله عز وجل {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (¬2) [الصافات: 143] مفتوحاً فيه "انَّ" لا مكسوراً. وبالجملة، فإن المكسورة مع اسمها وخبرها جملة، والمفتوحة مع اسمها وخبرها في تقدير مفرد محكومٍ له بوجوه الإعراب التي تتناول المفردات، ولهذا اعتبرت بأن يحسن في موضعها، إذا حُذفت مع معمولها "ذاك"، أي هذه اللفظة، إذا قلت: علمت أنك منطلق؛ تضع مكان "أن" ومعمولها "ذاك"، فتقول في قولك بلغني أنك منطلق إذا حذفتها مع معمولها: بلغني ذاك، فيكون كلاماً صحيحاً. وكشف هذا التعليل وهذه العبرة بوضع "ذاك" موضعها أنها مع اسمها وخبرها في تقدير مصدر، والمصدرُ اسم مفرد، ولهذا وقعت فاعلةً ومفعولةً ومجرورة كقولك (¬3): بلغني أنك منطلق، أي بلغني انطلاقك وعرفت أنك منطلق، أي عرفت انطلاقك وعجبت من أنك منطلق؛ أي عجبت من انطلاقك. فإذا دخلت اللام في خبرها عادت مكسورة، وعلقت عنها اللام الأفعال التي من شأنها أن تُلغى، فعملت في موضعها؛ كقولك: علمت إنك لمنطلق. لأن هذه اللام وإن كانت متأخرة فأصلها التقديم على "إن" ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج) و (د): في هذا المعنى. (¬2) الصافات 37: 143. (¬3) في (ج) و (د): تقول.

وما في خبرها، ولهذا قال سيبويه (¬1): فزحلفوها (¬2) إلى الخبر، أي دحرجوها إليه وكان موضعها الاسم، لأنه المبتدأ في الأصل، وهذه اللام مخصوصة بالدخول عليه؛ ولكنه لما "وليت" إن بدخولها عليها لتأكيد الجملة كرهوا الجمع بينهما لاشتراكهما في التأكيد، فأخروا اللام إلى الخبر، فذلك التأخير هو الزحلفة التي عبر بها سيبويه، فكان الأصل في قولك: إن زيداً لمنطلق؛ لأن زيداً منطلق؛ إلا أنهم كرهوا الجمع بينهما لما ذكرنا، فأخروها إلى الخبر، إذ لو أدخلوها على الاسم لوقعوا فيما هربوا منه، والخبر هو الاسم في المعنى، فكان دخولها إياه دخولها المبتدأ وهو اسم "إن"، إلا أن هذا مع حصول الغرض؛ وهو أن لا يدخل حرف معنى على مثله في الدلالة. وأما الاثنان الباقيان من الثمانية، فواحد يقدم مرفوعه على منصوبه ويلزمه التقديم وهو "ما" النافية في لغة أهل الحجاز كقولك: ما زيدٌ قائماً فـ "ما" هذه مشبهة بـ "ليس" في هذه اللغة، وهي لغة التنزيل، ووجهُ شبهها بـ "ليس" أنها تنفي ما في الحال كما تنفيه ليس، وتحسُنُ في خبرها الباء كما تحسُنُ في خبر ليس، فتقول: ما زيدٌ بقائم كما تقول ليس عمرو بمنطلقٍ، وأنها تنفي الأسماء كما تنفيها ليس، فمن ذلك قوله تعالى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} (¬3) قرأت القراء قاطبةً أمهاتِهم بالنصب إلا ما روي ¬

_ (¬1) انظر بحث "إن" في الكتاب 1: 473، المقتضب 2: 448. (¬2) زحلف بمعنى زحلق. (¬3) المجادلة 58: 2 {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ... }.

عن عاصم (¬1) بن أبي النَجود من طريق المُفضل (¬2) أنه قرأ برفعها "أمهاتُهمُ" فأما بنو تميم وغيرهم من العرب ما خلا أهل الحجاز ومن تكلّم بلغتهم، فـ "ما" غير مُعملة عندهم، إذ كانت لا تختص بالاسم دون الفعل، ولا بالفعل دون الاسم، لأنك كما تقول: ما زيدٌ قائم، تقول: ما قام زيد، وما يقوم زيد، فجرت عندهم مجرى "هل"، ولم يراعوا شبهها بـ "ليس" في النفي. والذين أعملوها عمل "ليس" لشبهها بها يعملونها عملها في حالةٍ مخصوصة؛ وهي بقاء النفي عليها، ولزوم الترتيب في تقديم الاسم على الخبر، فإن انتقض النفي بحرف موجب، أو قُدم الخبر على الاسم أبطلوا عملها، وعادوا إلى لغة التميميين فصار حكمها عند الجميع واحداً في كونها حرفاً غير عامل، دخل لمعناه فقط؛ وذلك حكم "هل" فتقول: ما قائمٌ زيد وما زيدٌ إلا قائم. وانتقاض النفي ينبغي أن يكون أشد (¬3) في إبطال العمل من تقديم الخبر؛ ولهذا روي عن بعض العرب نصبُ الخبر مقدماً، فحكوا: "ما مسيئاً من أعتب" (¬4)، والأكثر الأعرف غير ذلك. ¬

_ (¬1) عاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي (00 - 127/ 745)، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيين، طبقات القراء 1: 346. (¬2) المفضل هو المفضل بن صدقة أو حماد الكوفي، ذكره الأهوازي فيمن قرأ على عاصم توفي سنة (161/ 782). غاية النهاية في طبقات القراء 2: 306. (¬3) في (ج) و (د): أشد تأثيراً من إبطال العمل. (¬4) روايته في الكتاب 1/ 29، والمقتضب 4: 190 "ما مسي ممن أعتب". وفي مجمع الأمثال 2: 288 "ما أساء من أعتب" يضرب لمن يعتذر إلى صاحبه ويخبر أنه سيعتب.

والآخر من الاثنين الباقيين حرف يرفع وينصب، إلا أنه يشبه بـ "إنّ" تارة لكونه نقيضاً (¬1) له، فيلزم تقديم منصوبه على مرفوعه، ويشبه تارة بـ "ليس" فيلزم تقديم مرفوعه على منصوبه؛ وحمله على "ليس" حمل نظير على نظيره في المعنى؛ وذلك الحرف هو "لا" النافية. والمثال في عملها عمل "إن" قولك: لا رجل أفضل منك، وفي عملها عمل ليس قولك: لا رجلٌ قائماً. وقد قلنا إن حملها على "إن" حمل النقيض على نقيضه؛ وهو كحمل النظير على نظيره، فـ "إنّ" للإيجاب و "لا" للنفي، فهما - كما ترى - نقيضان، فشُبهت بها فأعملت عملها من نصب الأول ورفع خبره وهو الثاني. ونظير هذا الحمل على النقيض إعرابهم "أياً" وهي متضمنة معنى الحرف؛ وهو همزة الاستفهام مثلاً في قولهم: أيهم في الدار؟ والاسم إذا تضمن معنى الحرف استحق البناء لتعدي حكم الحرف إليه، إلا أنهم أعربوا "أياً" من بين أسماء الاستفهام لأن لها نقيضاً ونظيراً معربين، فالنقيض "كلٌّ" والنظير "بعضٌ". وكذا حمل بعضهم بناء "كم" الخبرية على أنه حمل لها على "رُب"، إذا كانت كم للتكثير و "رب" للتقليل. وكذا حملوا النقائض في الأبنية والصيغ بعضها على بعض، فاشتركت فيها، ولهذا قالوا: رجلٌ أرسح كما قالوا أستة (¬2)، وقالوا أفرع، للتام الشعر كما قالوا أقرع، وقالوا ¬

_ (¬1) في (ب): نقضاً. (¬2) الأرسح: قليل لحم العجز والفخذين، الأسته: عظيم الأست.

جوعان وغرثان كما قالوا شبعان وملآن، وعطشان وصديان كما قالوا: ريان والشواهد في هذه الأمثلة كثيرة جداً. وحملها على "ليس" لأنها تنفي كما أن "ليس" تنفي، وحملها عليها حمل الشيء على ما هو في معناه أي على نظيره. إلا أنها إذا أُعملت عمل "إن" لم تعمل إلا في نكرة جنس شائع بشرط أن تليها، فإن فصل بينها وبين الاسم الذي من شأنها أن تعمل فيه بطل عملها، وصارت حرفاً يقع بعده الكلام الذي قد عمل بعضه في بعض، فمثال العمل قولك: لا غلام رجلٍ عندك ولا خيراً من زيدٍ في الدار، ومثال إبطال العمل قولك: لا في الدار خيرٌ من زيدٍ ولا عندك غلام رجل؛ فلا يكون مع الفصل إلا الإبطال للعمل. ولو قلت: لا غلام زيدٍ عندك لم يجز الإعمال، وإن كنت لم تفصل لأن "غلام زيدٍ" معرفةٌ ولا يجوز أن تعمل "لا" في معرفة لانحطاطها عن رتبة ما شبُهت به في العمل، ووضعها لنفي الجنس إذا عملت. ومثل "غلام زيدٍ" لا يعد جنساً كما أن ما أضفته إليه؛ وهو الاسم العلم لا يعد جنساً. فـ "لا"، إذا فصلت معمولاتها، وعددتها لم تخرج عن أن تعمل في نكرة، إما مفردةٍ كقولك: لا رجل في الدار، وإما مضافةٍ إلى نكرة كقولك: لا غلام رجلٍ في الدار، وإما مشبهةٍ للمضاف، وهي التي يقال لها: الممطولة، كقولك: لا خيراً من زيدٍ عندك، ويقال لهذا القسم أيضاً: إنه المشابه للمضاف لطوله وانتصابه. وانتصاب المضاف بـ "لا" انتصاب صحيح. وشبه هذا بالمضاف أن الأول عاملٌ في الثاني كما أن المضاف عاملٌ في

المضاف إليه والثاني من تمام الأول كما أن المضاف إليه من تمام المضاف، ومخصص له. وإذا دخلت "لا" على اسم جنسٍ مفردٍ نكرة بنيت معه ورُكبا فكانا كالكلمة الواحدة، وفتح آخره للتركيب فجريا لذلك مجرى الجزء الواحد، ويحذف منه التنوين للبناء، فيصير، بعد أن كان أمكن الأسماء، غير متمكن، وذلك كقولك: لا رجل في الدار ولا جارية لك، فهذا كما تقول: خمسة عشر في الدار وثلاث عشرة عندي. وإن أعملتها عمل "ليس" رفعت ما بعدها رفعاً صحيحاً كما ترفعه "ليس" ونصبت خبرها. إلا أن حكمها في العمل في النكرة خاصةً وترك عملها مع (¬1) الفصل بينها وبين الاسم هو الحكم الأول، لنقصها أيضاً وانحطاطها عن رتبة "ليس" في العمل، وذلك كقولك: لا رجل قائماً في الدار، ولو قلت: لا في الدار رجلٌ قائماً لم يجز إلا أن ترفع قائماً أو تنصبه على الحال. وقولك "في الدار" خبر للمبتدأ - الذي هو رجل - مقدمٌ عليه. وقد يحذف خبر "لا" في كثير من الأمر للعلم به وكونه محذوفاً في حكم النطق به، كقولك: لا إله إلا الله، والمعنى لنا أو في الوجود أو غير ذلك من الأخبار التي إذا قُدرت بعد الحذف كان المعنى صحيحاً بها، ولا يحذف مثل هذا الخبر المقدر إلا إذا كان المعنى مفهوماً عند السامع كل الفهم، وكذا كل محذوف إنما يحذف بعد العلم به والثقة - مع الاختصار- بفهم المعنى؛ وإلا كان المتكلم مكلفاً السامع علم الغيب، إذ المحذوف معلوم عند الناطق لا المخاطب. ¬

_ (¬1) في (آ): في.

فإن وصفت اسم لا المبني معها كنت مخيراً في نصب الصفة وتنوينها على الأصل مع بناء موصوفها، وهذا هو الوجه؛ كقولك: لا رجل ظريفاً عندك، وفي بناء الصفة مع الموصوف على الفتح وجعلهما كالكلمة الواحدة، لأنهما في المعنى كذلك، إذ كانا اسمين مسماهما واحد، وذلك قولك: لا رجل ظريف عندك. و "لا" في هذا الوجه غير مركبة مع الاسم كما كانت في الوجه الذي قبله لأن الاسم قد رُكب مع صفته، فلا تجعل ثلاثة أشياء شيئاً واحداً، لأن جعل شيئين واحداً ضعيف في القياس، لولا استحسان (¬1) اللغة له، فاتبعت فيه ولم يُمكن - خلافها فكيف إذا جعلت ثلاثة أشياء شيئاً واحداً، فذلك ممتنع قياساً وسماعاً. (ومن ركب هذا - أعني بناء لامع الصفة والموصوف - قال: هما كالشيء الواحد، فبنيت "لا" معهما والوجه عندنا هو الأول اعتباراً للفظ) (¬2). ولك أن ترفع الصفة حملاً على موضع "لا" واسمها إذا (¬3) كانا في موضع ابتداء، فتنون لا غير فتقول: لا رجل ظريفٌ عندك. وإن عطفت على اسمها في هذا الوجه نصبت المعطوف، وإن شئت رفعته، ولم يكن مع ذلك إلا منوناً كقولك: لا رجل وغلاماً في الدار ولا رجل وغلامٌ؛ هذا إذا لم يكن مع المعطوف "لا" مذكورة مكررة. ¬

_ (¬1) الاستحسان عند النحويين ما كانت علته ضعيفة غير مستحكمة، إلا أن فيها ضرباً من الاتساع والتجوز، فمن ذلك تركك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة. انظر الخصائص 1/ 133. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب). (¬3) في (ب): إذ.

فإن جئت بها قبل المعطوف كما جئت بها قبل المعطوف عليه - وهي الأولى- ركبتها - إن شئت- مع المعطوف، وكان مفتوح الآخر بغير تنوين كما أن الأول كذلك، وذلك قولك: لا رجل ولا امرأة عندك، ونصبته نصباً صريحاً - إن شئت- عطفاً على اسم "لا" الأولى، وكانت "لا" الثانية مزيدة لتأكيد النفي، كقولك: لا رجلَ ولا امرأةً في الدار، وإن شئت رفعت المعطوف بالتنوين لا غير وقدرت "لا" الثانية مزيدةً في هذا الوجه أيضاً، وحملت المعطوف على موضع "لا" الأولى واسمها، وهو موضع ابتداء، والمسائل في ذلك كثيرة الأمثلة. فإن وقع بعد "لا" المعرفة لم تكن إلا مرفوعة بالابتداء؛ كقولك: لا زيدٌ في الدار ولا عمرو، وبطل عمل "لا" إذ كانت مقصورة على العمل في النكرة الشائعة، ويلزم - في هذا- التكرير، وكذا إذا بطل عملها في النكرة بالفصل بينها وبينها كقوله تعالى: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} (¬1) [الصافات: 47] وعلة ذاك أن "لا" هذا جوابٌ لكلام تتكرر فيه هذه الأسماء التي لزم تكريرها بعد "لا". والجواب (¬2) يكون أبداً على وفق السؤال ومطابقاً له، فلم تقل: لا زيدٌ في الدار حتى أتبعته بقولك: ولا عمروٌ، لأنه جواب لمن قال: أزيدٌ في الدار أم عمرو (¬3)؛ وكذا لا في الدار رجلٌ ولا امرأة، جوابٌ لمن قال: أفي الدار رجلٌ أم امرأة فاعرف ذلك. ¬

_ (¬1) الصافات 37: 47، غول: ضرر ما. ينزفون: يسكرون. (¬2) في (ج) و (د): والجواب أبداً يكون على لفق السؤال. اللفق: الموازي. (¬3) يلي ذلك في (ج): وكذا إذا بطل عملها في النكرة بالفصل بينها وبينها كقوله تعالى {لا فِيهَا غَوْلٌ ... }.

فصل ومما عللوا به امتناع تقديم خبر "إن" على اسمها؛ وكذا بقية أخواتها؛ أن المرفوع إذا ولي رافعه وأُضمر استتر فيه وتضمنه الرافع؛ كقولك: زيدٌ قام، والأصل قام هو. فلو ولي "إن" مرفوعها وكان مضمراً للزم - لما ذكرنا من تضمن الرافع مرفوعه المضمر - أن يتضمنه فيكون (¬1) مضمراً فيها؛ والحروف لا يضمر فيها إنما يضمر في الأفعال والأسماء الجارية مجراها. وقُسم ذلك تقسيماً فقيل: لو وليها الخبر المرفوع وهو مضمرٌ لم يخل من أن يستتر فيها ويضمر أو يظهر معها، فإن أُضمر فيها لم يجز، إذ الحروف لا يضمر فيها، إنما ذلك حكم اختصت به الأفعال لقوة دلالتها على الفاعلين؛ وكذا ما أجري مجرى الأفعال من الأسماء؛ وإن أُظهر معها كان مخالفةً لأصل الوضع، وهو امتناع ظهور ضمير المرفوع مع الرافع إذا وليه؛ فلما كان تقديم الخبر على الاسم في هذه الحروف يؤدي إلى هذا، أُلزمت تقديم منصوبها إلا أن يكون خبرها ظرفاً، أو ما جرى مجراه كما سبق، فذاك مما اتسع فيه. وشبه قولهم إن زيداً قائمٌ بقولهم: كان منطلقاً زيدٌ لأن "إن" وأخواتها فروع في العمل على "كان". ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): يكون مضمراً فيه.

الضرب الثاني من الحروف ما ينصب فقط

الضرب الثاني من الحروف ما ينصب فقط وهي (¬1) سبعة كما ذكر: الأول الواو في باب المفعول معه، وذلك قولك: استوى (¬2) الماء وشفير الوادي، وجاء البرد والطيالة، وقوله تعالى {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71] (¬3) في أحد القولين، وقول الشاعر: (وما أنا والسير في مهمهٍ ... يبرح بالذكر الضابط) (¬4) هذه الواو في الأصل للجمع؛ ومعنى الكلام الذي دخلته معنى "مع"، فقولك: استوى الماء وشفير الوادي تقديره مع شفير الوادي، فمع ظرف يدل على المصاحبة، ثم حُذف؛ والفعل الذي في الجملة لازم؛ وهو (¬5) "كان" العامل في "مَعَ" المحذوفة في الأصل، واللازم لا ينصب ¬

_ (¬1) انظر الجمل، 9: 2، 10: 1. (¬2) في (آ) و (ب): استوى الماء والخشبة وشفير الوادي. (¬3) يونس 10: 71 {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ... فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ... }. القول الآخر هو أن تكون معطوفة على أمركم ولها وجه ثالث وهو أنها منصوبة بفعل محذوف. المحتسب 1/ 314، النشر 2: 275. (¬4) الضابط: البعير العظيم، الشاهد لأسامة بن حبيب الهذلي (؟ ) ديوان الهذليين 2: 195، الكتاب 1: 153، المفصل: 59، وروايته فيها: (وما أنا والسير في متلف ... ............. ) (¬5) سقطت من (آ) كلمة "كان".

مفعولاً صريحاً، ولا يتعدى إليه بنفسه، وإنما يتعدى بمقوٍ، فأقيمت الواو مقام "مع" لتقاربهما في الدلالة، أن معنى الجمع قريب من معنى المصاحبة إذ لا مصاحبة إلا باجتماع، فقوي الفعل بالواو، فنُصب الاسم الذي كانت "مع" مضافةً إليه، وكان مجروراً بـ "مع" فصار منصوباً بالفعل، كما قوت "إلا" في الاستثناء الفعل اللازم، فعدته إلى المستثنى فنصبه (¬1)، وذلك قولك: قام القوم إلا زيداً، و"قام" لا يتعدى. وتنزلت الواو من جهة التعدية تنزل الباء من (¬2) مررت بزيدٍ، إلا أن الباء عاملة والواو غير عاملة، وليست الواو الآن بالعاطفة، لأن العاطفة تُشرك ما بعدها في إعراب ما قبلها، ولا معنى للعطف هاهنا لأنه ليس الغرضُ الإخبار عن استواء الماء واستواء شفير الوادي في قولك: استوى الماء وشفير الوادي؛ وإنما الغرض الإخبار عن مساواة الماء شفير الوادي. وكذلك الغرض في قولك: قمت وزيداً بالنصبِ غيرُ الغرض في قولك قمتُ وزيدٌ بالرفع، لأن النصب المرادُ به الاصطحاب، والرفع المراد به وقوعُ الفعل من كلِّ واحد من الاسمين مطلقاً، مصطحبين كانا أو غير مصطحبين. والأجود في هذا المثال إذا أردت الرفع أن تؤكد الضمير المرتفع بالفعل ثم تعطف عليه فتقول: قمت أنا وزيد؛ فإذا نصبت لم تحتج إلى ¬

_ (¬1) في (ج) فنصبته. (¬2) في (ج) و (د) وحاشية الأصل في نسخة: في.

ذلك، لأن الثاني ليس بمعطوف على الأول، فإن لم تذكر فعلاً كقولك: ما أنت وزيدٌ عطفت إن شئت على الاسم المضمر فرفعت، ونصبت إن شئت على تقدير المفعول معه، وأضمرت للأول فعلاً يكون مرتفعاً به في الأصل، كأنك قلت: ما تكون وزيداً؛ وكيف تكون وزيداً؛ أي مع زيدٍ، وليس المراد بهذا الكلام مجرد الاستفهام عن ذاتي الاسمين وكونهما (¬1)، بل المراد به الاستفهام عن المعنى الجامع بينهما؛ نعم وزيادةٌ أخرى، وهي أن الكلام يتضمن إنكاراً إذا قلت: ما أنت وزيداً، فهو استفهامٌ على سبيل الإنكار (¬2). وقد أجروا "كان" في هذا الباب مجرى الأفعال الحقيقية، فنصبوا بها المفعول معه، فمن ذلك قول الشاعر: (فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطحال) (¬3) أي مع بني أبيكم، فـ "بني" منصوبٌ على المفعول معه، و "مكان الكليتين" خبر كان. ¬

_ (¬1) في (ب): وتكونهما. (¬2) في (آ): وهو. (¬3) يخصهم على الائتلاف والتقارب في المذهب. وهو في الكتاب 1: 15 مجالس ثعلب 1: 103، شرح المفصل 2: 48، أوضع المسالك 2: 54، قطر الندى: 233، المقاصد النحوية 3: 102. ولم أجد من ينسب هذا البيت لقائل.

إلا في الاستثناء

الحرف الثاني مما ينصب فقط إلا في الاستثناء والاستثناء إخراج بعضٍ من كل، ولا يخلو من أن يكون موجباً، فيكون إخراجاً للمستثنى مما حكم به للمستثنى منه، أو منفياً (¬1) فيكون إدخالاً للمستثنى في حكمٍ قد سلب عن المستثنى منه؛ فالإيجاب كقولك: قام القوم إلا زيداً، وانطلقوا إلا أخوتك. فمذهب سيبويه ومن تابعه (¬2) أن المستثنى منصوب بالفعل المذكور قبل "إلا"، لازماً كان أو متعدياً، فالمتعدي واللازم في هذا الحكم سواء، لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه لم يتعد إلى غيره إلا بواسطة و "إلا" قوت الفعل حتى تعدى، كما أن الواو في المفعول معه كذلك. ومذهب غيره أن المستثنى منصوبٌ "بإلا" نفسها، إذا كان معناها استثنى؛ وممن قال بهذا القول أبو العباس المبرد (¬3)، وهو قول ضعيف يظهر فساده بأدنى تأمل. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): نفياً. (¬2) عبارة سيبويه في كتابه "فعمل فيه ما قبله" فهو لم يصرح بأن العامل هو الفعل. انظر الكتاب 1/ 369، شرح المفصل 3/ 76. (¬3) انظر المقتضب 4: 390.

وللكوفيين في نصب المستثنى مذهبٌ غير هذين (¬1) مرغوبٌ عنه وليس في الإيجاب إلا النصبُ، فأما غير الإيجاب كالنفي والاستفهام والنهي، فلك إبدال المستثنى من المستثنى منه وإجراؤه على إعرابه؛ وهذا يكون في الكلام التام قبل "إلا"، كقولك: ما جاءني أحدٌ إلا زيدٌ وما رأيت أحداً إلا زيداً، على البد لا الاستثناء، وما مررت بأحدٍ إلا زيدٍ. وهذا البدل مخالف لحكم المبدل منه في المعنى، وكقولك في الاستفهام: هل في الدار أحدٌ إلا زيدٌ؛ وفي النهي: لا يقومن أحد إلا زيد. ومنه قوله تعالى في إحدى القراءتين {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ} (¬2) [هود: 81]. وإن شئت نصبت في هذا القسم المستثنى على كل حال، كما نصبت في الإيجاب، لشبه الكلام في تمامه قبل المستثنى بالإيجاب، إذ كان كل واحدٍ من القسمين جملة تامة، وعلى هذا الوجه القراءة الأخرى {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ}. فإن كان الفعل قبل إلا مفرغاً لما بعدها كان لما بعدها من الحكم ما له لو لم تذكر "إلا"، كقولك: ما قام إلا زيدٌ، ترفع "زيداً" ¬

_ (¬1) للكوفيين ثلاثة آراء في "إلا"، فبعضهم يقول: إن العامل فيه "إلا" ويقول الفراء: "إلا" مركبة من "إن" و "لا"، ويقول الكسائي: تأويل "إلا"، إلا أن. انظر الإنصاف 4: 390. (¬2) هود 11: 81 {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ... }. قرأها جميع القراء بالنصب عدا ابن كثير وأبي عمرو. انظر النشر: 279

لأنه فاعل لا غير، وكذلك ما ضربت إلا زيداً، تنصبه لأنه مفعول لا غير، وكذلك ما مررت إلا بزيد. وقد أجريت مجرى إلا كلم من الأسماء والأفعال والحروف، فاستثنى بها كما استثني بـ "إلا" والأصل في الباب إلا، وما عداها فروع لها ومحمول عليها. فمن الأفعال "ليس" و "لا يكون" و "خلا" و "عدا" و "حاشا" في أضعف القولين (¬1). تقول: جاني القوم ليس زيداً، وكذلك لا يكون عمراً. ففي هذين الفعلين ضمير لا يظهر، ومظهر ذلك الضمير قولك: بعضهم فالأصل: لا يكون بعضهم عمراً وليس بعضهم زيداً، والاسم المنصوب خبر لأحد هذين الفعلين إما "ليس"، أو "لا يكون"، ثم أجريت ليس واسمها وخبرها مجرى "إلا" والاسم المستثنى فأقيمت مقامهما (¬2). فأما "خلا" و "عدا" ففعلان حقيقيان غير مفتقرين إلى خبر، فـ "عدا" فعلٌ متعد، تقول: عداك هذا الأمر أي تجاوزك؛ وقد استعمل "خلا" وإن كان في الأصل لازماً استعمال المتعدي، فقالوا: افعل كذا وكذا وخلاك ذمٌ أي وتجاوزك، فإذا استعملا في الاستثناء، كان فيهما ضمير مستتر مرتفع بأنه فاعل؛ والمنصوب بعدهما مفعولهما" ومعنى الكلام معنى الاستثناء. ¬

_ (¬1) القول القوي يجعل "حاشا" حرفاً. انظر الإنصاف 1/ 278، شرح المفصل 2/ 84. (¬2) في (د): مقامها.

وربما أجروا "عدا" و "خلا" مجرى حروف الجر، فجروا بهما، فقالوا: جاءني القوم خلا زيد وعدا عمرو. فإن أدخلت عليهما "ما" تمحضتا (¬1) فعلاً، وكان النصب بهما لا غير، لأن "ما" مصدرية في هذا الوجه، والمصدرية لا توصل بحرف الجر إنما توصل بالفعل المحض. وأجاز أبو الحسن الأخفش (¬2) الجر بهما (¬3) مع "ما" على أن تكون ما زائدة. فأما حاشا (¬4) فالأجود في الاستعمال أن تكون جارة، وقد نُصب بها، واحتجوا لفعليتها باستعمال المضارع منها في قوله: (وما أُحاشي من الأقوام من أحد) (¬5) وقال من ضعف الفعلية فيها: لا حجة في هذا البيت، ولا في هذا الاستعمال لأنه فعل مشتق من الحرف لا من فعلٍ ماضٍ، وقولنا "لا من فعلٍ ماضٍ تجوز وتسامح في اللفظ وتسهيل على المبتدئ، إذ الأفعال ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): تمحضا. (¬2) انظر المقتضب 3: 200. (¬3) في النسخ جميعها "بها" وصوابها "بهما" لأن الضمير عائد إلى "عدا وخلا". (¬4) انظر الكتاب 1/ 377، الإنصاف 1/ 278. (¬5) صدر البيت: ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه أحاشي: استثني. وهو من قصيدة للنابغة الذبياني يمدح بها النعمان بن المنذر (00 - 28/ 595) الديوان: 13، أسرار العربية: 208، الإنصاف: 278، شرح المفصل 3: 85، اللسان (حشا) الخزانة 2: 45.

كلها مأخوذة على اختلاف صيغها من المصدر في أصح القولين (¬1). ومن الأسماء التي عدت في باب الاستثناء فكانت استثناء في المعنى "سيما" إذا قلت: أكرمُ الناس قومك ولاسيما بنو عمك؛ وهذا كلام موضوع موضع الاستثناء ومحمولٌ على معناه، وما بمعنى الذي، والتقدير الذين هم؛ وإن شئت جررت فقلت: ولاسيما بني عمك، لأن السي المثل فتجعل ما مزيدة كأنك (إذا قلت ولاسيما رجلٍ صالح قد) (¬2) قلت: ولا مثل رجلٍ صالحٍ فيهم. والأصل في "سي" التشديد، ثم قد تخفف هاهنا. ومن ذلك "سوى" وهي ظرف مكان تلزمه الظرفية ولا يظهر فيه الإعراب لكونه مقصوراً، ويحكم (¬3) عليه بالنصب على الظرفية أبداً، ويكون الاسم الذي بعده مجروراً بإضافته إليه ومعناهما معنى الاستثناء. فأما "غير" فاسم صريح مبهم، يجري (¬4) عليه من الإعراب ما يجري على الاسم المذكور بعد "إلا" في الإيجاب والنفي، ويكون الثاني مجروراً بإضافته إليه على كل حال، تقول: جاءني القوم غير زيدٍ كما تقول: إلا زيداً، وما جاءني أحدٌ غير زيدٍ كما تقول: ما جاءني أحد إلا زيدٌ، وكذلك بقية الأمثلة. فإن قلت: فبأي شيء تنصب غيراً من قولك: قام القوم غير ¬

_ (¬1) هذا رأي البصريين، أما الكوفيون فيرون أن المصدر مشتق من الفعل. الإنصاف 1: 235. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب). (¬3) في (ب): وتحكم. (¬4) في (ب): فجرى.

الثالث حرف النداء

زيدٍ، وليس معك حرفٌ مقو للفعل اللازم، فينتصب به كما كان في قولك: قام القوم إلا زيداً. فالجواب أن غيراً لإبهامها أشبهت الظروف في هذا المعنى، إذ كان أصل الظروف الإبهام؛ والظروف تتعدى إليها روائح الفعل فضلاً عن الأفعال الصريحة، فتنتصب بها، فلما أشبهتها "غير" انتصبت بالفعل المذكور قبلها لازماً كان أو معتدياً، ولم يفتقر الفعل معها إلى حرف معدٍ (¬1). الثالث حرف النداء النداء أحد أركان معاني الكلام، وهو رفع الصوت بالمنادى بإحدى أدواته، وأدواته: "يا" وهي الأصل، تكون للقريب والبعيد، و "أيا" لما بعد، و "هيا" لما هو أبعد من المنادى بـ "أيا"، والهاء فيها بدل من الهمزة كما أبدلت منها في "إياك" فقيل "هياك"، و"أي" للقريب، و "الهمزة" لما هو أقرب. فهذه الحروف التي ينبه بها المدعو وينادى، ولا يخلو المنادى من أن يكون مفرداً أو مضافاً أو مضارعاً (¬2) للمضاف لطوله، ويسمى "الممطول". والمفرد لا يخلو من أن يكون معرفة أو نكرة، فالنكرة الباقية على أصلها منصوبة بحرف النداء، لأن المنادى مفعول، وحرف النداء نائبٌ عن الفعل، إلا أنه فعل لا يصح إظهاره، لأنه لو ظهر لكان ¬

_ (¬1) في (ب) وحاشية (آ) في نسخة: يقويه. (¬2) في (ج) أو مضارعاً له، ويسمى المطول.

خبراً، والنداء ليس بخبر لأنه أصل من أصول الكلام لا يحتمل الصدق ولا الكذب، ولهذا عُد ركناً من أركان الكلام، كما عد الخبر ركناً والاستفهام ركناً وغيرهما (¬1). ولأن هذا الفعل لا يمكن تمثيله، وهو باقٍ على معناه، شبهه بعضهم بجذر عشرة، إذ كان جذرها لا يمكن النطق به، ولأن حرف النداء لما قام مقام الفعل (¬2) نفسه لا العبارة عنه قوي وتمكن فتنزل منزلة الفعل الصريح، وذاك أدون أحواله، ولهذا ضمنه بعضهم ضميراً مرفوعاً هو ضمير المنادى، وأميل، فقيل: يا زيد كما تمال الأفعال. وأما المعرفة فتنقسم قسمين. أحدهما أن تكون معرفة قبل النداء، والآخر أن يكون متعرفاً في النداء خاصة بدخول الحرف عليه، فيجري حرف النداء منه مجرى لام التعريف، وإن كانت جهتا التعريف مختلفتين لأن النداء يُعرف المنكور بإقبال المنادى عليه، وتخصيصه له دون غيره، وكلا الضربين مبني على الضم، فالأول كقولك: يا زيد ويا حكم والثاني كقولك: يا رجل ويا غلام. والفرق بين هذا القسم الثاني وبين النكرة المنصوبة أن النكرة المنصوبة لا تخص بندائك إياها واحداً من جنسها دون آخر، بل أي شخصٍ أجابك فقد حصل الغرض به كما يقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي؛ ويا غلاماً إجر بي، وهو لا يريد شخصاً دون شخص، فإن كان له قائد مخصوص فأقبل عليه، وقال: يا رجل خذ بيدي، فذلك هو القسم المتعرف من النكرات في النداء. ¬

_ (¬1) وغيرهما: ساقطة من (ج) و (د). (¬2) في (ب): العمل.

وحمل (¬1) بعضهم المعارف من الأسماء كزيدٍ وعمرو على هذا القسم، فجعل تعريفها في النداء كتعريف النكرات المخصوصة بالنداء، وهذا بعد أن قدرها معراةً من تعريف العلمية، لأن الاسم لا يصح تعريفه من جهتين في حالٍ واحدة، وقد أسلفنا علة بناء هذا الضرب فلم نكرره هاهنا. فأما المضاف فمنصوب أبداً على أصل النداء، كقولك: يا غلام زيدٍ ويا راكب فرسٍ، قالوا: لأن المضاف لم يقع الموقع الذي أوجب للمفرد المعرفة البناء، وذلك أنه (¬2) إما متعرفٌ بالمضاف إليه أو متخصص به، فلم يقع لهذا موقع المضمر فيبني. وأما المضارع للمضاف لطوله فمنصوب أيضاً، وقد بينا صفته في باب "لا"، ومثاله: يا خيراً من زيدٍ ويا ضارباً رجلاً، ويا "ثلاثةً وثلاثين" إذا سميت بهذين العددين شخصاً، فإن ناديت جماعة هذه العدة عدتها، فإن كانت مطلقة غير معينة نصبت كما تنصب النكرات المفردات الباقيات على أصولها من التنكير، فقلت يا ثلاثةً وثلاثين، وإن ناديت جماعة عدتها هذه العدة إلا أنها معينة قلت: يا ثلاثة والثلاثون فيمن قال: يا زيد والحارث ويا ثلاثة والثلاثين فيمن قال يا زيد والحارث (¬3). فإن وصفت المفرد المعرفة أجريت صفته على لفظه إن شئت، فرفعتها رفعاً صحيحاً وكانت معربةً دونه كقولك: يا زيد العاقل، ¬

_ (¬1) انظر شرح المفصل 1/ 129. (¬2) في (ج) و (د): لأنه. (¬3) انظر المقتضب 2: 224، شرح المفصل 1: 128.

وإن شئت نصبتها حملاً على موضعه فقلت: يا زيد العاقل، وإنما أجريت إعرابها على لفظه وإن كانت ضمته ضمة بناء لأنها أعني الضمة استمرت في كل منادى بهذه الصفة واطردت فيه، فأشبهت الرفع في الفاعل فلذلك جاز الإجراء عليها ولم يجز الإجراء على غيرها من حركات البناء. فإن نعته بصفة مضافة لم تكن إلا منصوبة كما لو ناديتها، فتقول: يا زيد صاحب الفرس فلا يكون في "صاحب" إلا النصب، كما أنه لو نودي لم يكن فيه غير ذلك. فأما المضاف وما ضارعه فلا تكون صفته إلا منصوبة، بمضافٍ نعته أو بمفرد، لأنه لا يخالف موضعه إعرابه. فأما قولهم: يا أيها الرجل، فإن "أياً" في هذا منادى معرفةٌ و "ها" بعدها مقحمة للتنبيه إقحاماً لازماً، ومعنى إقحامها أنها دخلت بين الموصوف وصفته، إذ كان الرجل وما أشبهه من الأسماء المعرفة باللام نعتاً لـ "أي"، وهذا النعت هو المقصود بالنداء دون منعوته، ولهذا لزم ذكره ولم يصح المعنى إلا به. والصفات لم توضع لازمةً، بل يُجاء بها زيادةً في الفائدة، وبعد استقلال الكلام دونها، ولهذا المعنى لم يجز فيه، أعني وصف "أي" ما جاز في صفات المنادى المفرد المعرفة من الحمل على الموضع تارة وعلى اللفظ أخرى، فلم يجز فيه نصب في قول الجمهور (¬1)، وأجازه المازني (¬2) قياساً على ما رووه عنه، وكلام العرب قياسه. و"أي" وصلةٌ في هذا اللفظ إلى نداء ما فيه اللام، إذ كانت ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1: 308. (¬2) انظر أمالي ابن الشجري 2/ 299.

"يا" لا تباشر "اللام"، فلا تقول: يا الرجل، فلما لم يكن من أصول كلامهم هذا وآثروا نداء ما فيه اللام توصلوا إليه بأي، فأوقعوا النداء عليها وجعلوا المقصود بالنداء وصفاً لها، ولهذا ألزم (¬1) الكلام حرف التنبيه لينبهوا على هذا الغرض. واختصوا بهذا التوصل "أياً" لأنها في الأصل بعض من كل، فهي اسم مبهم، والغرض وصفها، والمبهم يقتضي الوصف كل الاقتضاء. ومثل هذا التوصل توصلهم إلى وصف المعارف بالجمل بالأسماء الموصولة كالذي والتي، وتوصلهم إلى الوصف بأسماء الأجناس غير المشتقة بـ "ذي" التي بمعنى صاحبٍ، وتوصلهم إلى تعيين زمن المصدر بوضعٍ "أن" والفعل موضعه، وتوصلهم إلى الجزاء بالجملة من المبتدأ والخبر بالفاء، والوصل في كلامهم كثيرة. وأيٌ اسم مبهم، وقد أجري هاهنا كما رأيت وصلة. فأما قولهم يا الله، فإنما جاز نداء هذا الاسم وفيه الألف واللام لأنهما لزمتاه، إذ كانتا عوضاً من همزة إله في الأصل، فلما (¬2) جاز أن تقول يا إله جاز أن تقول يا الله، ولأن هذا القسم قد اختص بأحكام لا تكون لغيره، لأن مسماه - تعالى وتقدست أسماؤه- لا يشبهه شيء، تعالى عن ذلك عُلواً كبيراً، فمن ذلك تفخيم اللام فيه مع لزومها له، وذلك إذا كان قبلها فتحة أو ضمة، فإن انكسر ما قبلها رققت في جيد اللغة كما ترقق اللامات في غير هذا الاسم، كقولك: اللحم واللبن، فأنت تقول: قال الله ¬

_ (¬1) في (ب): لزم. (¬2) في (د): فكما.

ويقول الله، فالاسم مفخم في هذين الموضعين وشبههما، وتقول: بالله، فترقق في جيد اللغة، والترقيق في هذا منحو به نحو الإمالة؛ والتفخيم كالتغليظ، فافهمه تعليلاً حسناً. ومن ذلك قطع همزته وفيه وصلها أيضاً، فتقول: يا الله بوصلها ويا الله بقطعها. فإن عطفت على المضموم (¬1) من الأسماء المناداة اسماً فيه لام التعريف أجريته مجرى وصفه في الإعراب، فرفعت إن شئت على اللفظ، ونصبت إن شئت على الموضع، فقلت: يا زيد والغلام وإن شئت: والغلام. ومن النحويين من يفرق، فيختار فيما فيه الألف واللام للتعريف المخلص النصب على الرفع لأنه يتنزل عنده منزلة المضاف، إذ كانت الألف واللام فيه للتعريف كما المضاف إليه معرف للمضاف أو مخصص له، وفيما الألف واللام فيه لغير مجرد (¬2) التعريف، الرفع، لأنه يتنزل عنده منزلة العلم، وذلك قولك في الأول: يا زيد والرجل وفي الثاني: يا زيد والحارث، لأن الحارث يكون معرفة بغير اللام، كقولك: حارثٌ، وكذلك عباسٌ والعباء، وحسينٌ والحسين، وعليه قوله: (أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جده يوم الحساب) (¬3) وقول الآخر: ¬

_ (¬1) انظر المقتضب 4: 207. (¬2) مجرد: ساقطة من (ج) و (د). (¬3) لم أجده في المصادر التي اعتمدتها.

(إنك يا حارث نعم الحارث) (¬1). فأما قوله سبحانه "يا جبال أوبي معه والطير" (¬2) فيمن قرأ بالنصب، فيكون من هذا الباب في أحد الأقوال، ويكون مفعولاً معه. فإن وصفت المضموم بابن، والابن بين علمين فتحت إن شئت، وأتبعته حركة نون ابن فقلت: يا زيد بن عمروٍ، الكنية في هذا الباب كالعلم كقولك: يا بكر بن أبي القاسم، وإنما غيرته عما ثبت له في الأصل لأن الأعلام تغير كثيراً، هذا مع إجراء الصفة والموصوف مجرى الاسم الواحد، فأتبعته حركتها، كما تتبع حركة حرفٍ من كلمةٍ حركة حرفٍ آخر منها، وذلك قولك في "مُنْتِن" مُنْتُن، فتضم التاء لضمة الميم؛ أو منتن، فتكسر الميم لكسرة التاء، وكقولهم: أنا أجوؤك وهم يريدون أجيئك. وأتبعت حركة الموصوف حركة الصفة ولم تعكس فتتبع حركة الصفة حركة الموصوف لأن حركة الموصوف حركة بناء، وحركة الصفة حركة إعراب؛ وحركة الإعراب في الأصل لمعنى وحركة البناء لغير معنى أي غير دالة على معنى في المبني كدلالة حركة الإعراب على معنى في المعرف؛ فحركة الإعراب حينئذٍ ذات فائدة، وحركة (¬3) البناء غير ¬

_ (¬1) نسبة صاحب الجمهرة لرؤية بن العجاج (00 - 145/ 762) يمدح الحارث ابن سليم الهجيمي (؟ ) الديوان: 29، مقدمة الجمهرة: 201. (¬2) أوبي: رجعي الحديث وردديه. سبأ 34: 10 {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}. انظر النشر في القراءات العشر: 335. (¬3) في (ج) و (د): وحركة البناء بخلافها.

ذات فائدة، فكانت بأن تكون نابعة، أعني حركة البناء، أولى من أن تكون متبوعة. فإن كان الابن مضافاً إلى اسمٍ ليس بعلمٍ ولا كنيةٍ لم تتبع الموصوف صفته، بل أقررت كلاً على ماله في أصل الباب، فبنيت الموصوف على الضم وأقررته عليه، وأجريت الصفة التي هي "ابن" على مالها عن الإعراب بالنصب، فقلت: يا زيدٌ ابن أخينا ويا عمرو ابن صاحب المال (¬1) ليس في هذا إلا ذا. وأنت في الأول بالخيار، إن شئت أجريته على هذا الحكم من ضم الموصوف، ونصب وإن شئت أتبعته حركة صفة على ما بينا من الاتباع، والتغيير (¬2) بالاتباع أكثر في كلامهم وإن كان الأصل غيره. فصل في الترخيم معنى الترخيم القطع، من قولهم: رخمت الدجاجة إذا انقطع بيضها، كما تقول: أصفت، ومنه صوت رخيمٌ، إذا لم يكن جهيراً، وفي الصوت إذا ضعف تقطيعٌ. وهو - أعني الترخيم - خاصة من خواص النداء جائزةٌ لا واجبة، ¬

_ (¬1) في (آ): والحال. (¬2) في (ج) و (د). والاتباع أكثر في كلامهم وإن كان الأصل غيره.

ولا يكون في كل منادى (¬1) بل في ضربٍ من الأسماء مخصوص، وذلك كل اسمٍ مفرد علمٍ زائدٍ على ثلاثة أحرف. هذا ما لا خلاف بينهم فيه؛ وما عداه ففيه خلاف. وربما زادوا في شرط الاسم المرخم أن يكون موهناً بالبناء. ومعلوم أنك إذا ناديت اسماً علماً مفرداً بنيته على الضم، فهو متوهنٌ بالبناء (¬2) على كل حال. والعلة هي أن الترخيم حذفٌ، والحذف يراد للتخفيف، والتخفيف في كل اسم زاد على الثلاثة كالرباعي مثلاً أن يرد إلى الثلاثي، والثلاثي أصل في الأسماء يرد غيره إليه، ما لم يعرض دون ذاك عارض، فلو رخم الثلاثي لم يرجع إلى أصل، وكذلك ترخيم الخماسي رده إلى الرباعي، والرباعي أصل في الأسماء، فقد رد الاسم المرخم مع الترخيم إلى أصلٍ يوجد مثله في الأسماء. وقد أصلوا (¬3) أن الثلاثي أعدل الأسماء بأن قالوا: لابد للاسم من حرفٍ يفصل بين الحرف المبدوء به وبين الحرف الموقوف عليه، وهذا من طريق الأولى لا اللازم؛ فلهذا قيل: أعدل الأسماء الثلاثي منها، ولهذا كثرت أمثلته في الكلام، وكثر استعماله، وكان أخف من غيره؛ والأخف غير محتاج إلى تخفيف. ولزم في شرط المرخم أن يكون علماً لأن الأعلام يطرق عليها من التغيير ما لا يكون مثله في غيرها ولا يتطرق على سواها، ألا ترى أنك ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 329، شرح المفصل 2/ 20. (¬2) في (ب): النداء. (¬3) انظر الخصائص 1: 55.

تميل الحجاج (¬1) والعجاج (¬2) ماداما علمين، فإن خرجا إلى الوصف فقلت مررت برجلٍ حجاج أي كثير الحج وببحرٍ عجاجٍ أي له عجيج، لشدة تلاطم موجه لم (¬3) تجز الإمالة، وإنما يمال الحجاج إذا كان ابن يوسف مثلاً والعجاج إذا كان الراجز أبا رؤبة مثلاً؛ فهذا من التغيير المختص بالأعلام كما اختص بها الترخيم؛ ومن ذلك قولك في اسم الرجل: محبب بفك الإدغام، فإن لم تستعمله علماً لم يجز أن تفك الإدغام بل تدغم، فتقول محبٌ كقولك: مهب ومصبٌ لمهب الريح ومصب الماء. وكذلك قالوا في الاسم العلم موهبٌ بفتح الهاء، ولو بنيت من وعد وورد - وهما نظير "وَهَب" - مفعلاً اسماً على عِدة "موهب" لم تقل فيه: موعد، إنما تبنيه على مفعل بكسر العين فتقول: "وعد ومورد. ¬

_ (¬1) الحجاج بن يوسف الثقفي (40/ 66 - 95/ 714) أبو محمد، ولد ونشأ في الطائف بالحجاز، ولاه عبد الملك 26/ 646 - 86/ 705 مكة والمدينة والطائف ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيها، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة، مات بواسط، وأجري على قبره الماء فاندرس. البده والتاريخ 6: 28، معجم البلدان 8: 382، وفيات الأعيان 1: 123. (¬2) راجز إسلامي اسمه عبد الله بن رؤبة التميمي (00 - 90/ 708)، لقب بذلك لقوله: (حتى يعج ثخناً من عجعجا) "ثخناً" من أثخن إذا أثقل وأجهد، عجمج: صوت واستغاث ومضاعفته دليل على تكراره. الشعر والشعراء: 572 - 574، لطائف المعارف: 31. (¬3) في (ج) و (د): لم تمل لفقد الداعي إلى إمالتهما.

يعمل النصب فقط

فأما موحد فلأنه معدول، وقد خرج عن باب متمكن الأسماء كما خرج أيضاً في البناء والصيغة عن معهود صيغ المتمكنات في هذا الباب. وقيل في شرط الاسم المرخم ما كان متوهناً بالبناء في النداء، لأن توهينه بالبناء، وإخراجه عن أصله في التمكن تغييرٌ، فطرق عليه التغيير التغيير، وليس ذاك بانتهاكٍ له لأن أحد التغييرين مخالف للآخر، إذ كان البناء يثقله والترخيم يخففه، ولأن حركة البنائية وهي الضمة غير دالة على معنى دلالة الإعراب، فلم تقع المحافظة عليها. ومن الحروف المختصة، مما (¬1) يعمل النصب فقط "أن" الخفيفة، وهي الناصبة للفعل المستقبل؛ وتكون معه في تأويل المصدر، وفائدتها أنها مع الفعل مصدر معين الزمان، فيقع بعدها الماضي كقولك: عجبت من أن قام زيدٌ، فلا تعمل فيه، ويقع بعدها المستقبل فتعمل فيه النصب كقولك: أريد أن يقوم، ولا تدخل على فعل حالٍ. وليس الماضي هنا بواقع موقع المستقبل فيحكم عليه بأنه في موضع نصبٍ، لأنها لتخليص (¬2) زمن هذا كما هي لتخليص (¬3) زمن الآخر، بخلاف الحال التي لـ "إن" الشرطية، لأن الشرط لا يكون إلا بالمستقبل (¬4)، فالماضي في موضعه، فحكم له بإعرابه. و"إن" لتخليص (¬5) الزمانين لا تخص أحدهما؛ ولو حكم على الماضي أنه في موضع نصب بـ "أن" ¬

_ (¬1) في "د": بما. (¬2) في "ج" و "د" وحاشية الأصل في نسخة: لتلخيص. (¬3) في "ج" و "د" وحاشية الأصل في نسخة: لتلخيص. (¬4) في بقية النسخ: للمستقبل. (¬5) في بقية النسخ: للمستقبل.

ولم يظهر الإعراب في لفظه لأجل البناء لما (¬1) كان بعيداً في القياس. واعلم أن "أن" تقتضي الفعل اقتضاءين؛ أحدهما اقتضاء العامل المعمول، إذ كانت ناصبة له، والآخر اقتضاء الموصول الصلة، إذ كان معها مصدراً مقدراً. و"لن"، وهي نافية للفعل المستقبل أيضاً وعاملة فيه، وليست معه مصدراً كما كانت "أن" معه، ولهذا صح تقديم بعض معمول الفعل عليها، كقولك: زيداً لن أضرب، والمصدر لا يتقدم عليه شيء من صلته. وقال الخليل (¬2): هي مركبة من لا وأن، أما من "لا" فلأنه رآها نافيةً، وأما من "أن" فلأنها ناصبة للمستقبل كما تنصبه "أن". وعورض بتقديم بعض المعمولات عليها، أعني معمول منصوبها، وليس ذلك في المصدر. وله أن التركيب يغير كثيراً من أحكام المفردات على انفرادها، وكذا يجب في القياس لأجل التمزيج؛ إلا أن الأصل في الحروف أن لا يُحكم عليها بالتركيب لأن التركيب وغيره من ضروب التغيير تصرف، وباب التصرف الأفعال؛ والأسماء محمولة عليها فيه. ومتى أمكن حمل الكلمة - على الإطلاق، اسماً كانت أو فعلاً أو حرفاً- على الأفراد الذي هو الأصل لم تحمل على التركيب الذي هو فرع وثانٍ فاعرفه. ¬

_ (¬1) في "ج" و "د": لكان قولاً، والأول الوجه. (¬2) انظر المقتضب 2: 8.

ومنها "كي" وهي للغرض، وتخص الأفعال؛ وربما استعملت استعمال حروف الجر وهي محمولة في ذاك على اللام الجارة؛ والمثال في ذلك قولك في الاستفهام لمن قال: فعلت كذا وكذا، فتقول أنت: كيمه؟ تريد كيم كما تقول في لم لمه، فإذا دخلت عليها اللام تمحضت حرفاً ناصباً للفعل؛ وذاك هو الأصل فيها، كقولك: جئت لكي تكرمني، وفي التنزيل "كيلا يكون دولة" (¬1)، {لِكَيْلا تَاسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (¬2) [الحديد: 23]، وإنما تمحضت في هذا الاستعمال حرفاً ناصباً لأن حرف الجر لا يدخل على مثله، بل قياس كل حرف ألا يدخل على حرفٍ في معناه. ومنها "إذن"، ومعناها الجواب والجزاء؛ وتنصب الفعل المستقبل بشروطٍ: منها أن تكون جواباً في أول الكلام، وألا يعتمد ما بعدها على ما قبلها، ويكون الفعل مستقبلاً، ولا يفصل بينها وبينه بغير القسم، فإن أخلت بشرط من هذه الشروط بطل عملها. مثال ذلك، يقول القائل: أنا أكرمك، فتقول أنت مجيباً له: إذن أشكرك، فهي هاهنا في أول الكلام كما ترى، وقد وقعت جواباً لكلام المخبر عن نفسه بالإكرام لك وجزاءً لفعله؛ والفعل الذي دخلت عليه وهو الجزاء المستقبل (¬3)، لأنه لم يقع بعد ولم يوجد ولم يفصل بينها وبينه بشيء، ولم تعتمد على شيءٍ قبلها. ¬

_ (¬1) {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ... كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ... } الحشر 59: 7 (¬2) {لِكَيْلا تَاسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} الحديد 57: 23 (¬3) في "ب" وهو الفعل المستفبل.

ولو فصلت في هذا الكلام بالقسم، فقلت: إذن - والله - أشكرك كان العمل باقياً بحاله، لأن القسم يقع معترضاً في الكلام لتأكيده، ففصله كلا فصل؛ وهذا كفصله في الكلام في مواضع كثيرة، دخوله فيها كخروجه، كقولك في المبتدأ وخبره: زيدٌ - والله - قائمٌ، وفي الفعل وفاعله: قام - والله زيدٌ، وفي الصفة والموصوف: مررت برجلٍ - والله - كريمٍ، إلى غير ذلك من مواضع، فصل فيها بالقسم، فكان فصله غير معتدٍ به كما اعتد بفصل غيره. ومثال الاعتماد المبطل لعملها قولك: أنا إذن أشكرك، ترفع الفعل وتلغي "إذن" لاعتماد الفعل على المبتدأ الذي هو قولك: أنا، فوقعت "إذن" على هذا متوسطةً لا مبتدأ بها، وتوسطها يلغيها؛ وهي في عوامل الأفعال كـ "ظننت" وبابها في عوامل الأسماء، تعمل إذا تمكنت من المعمول، وتلغى إذا عرض لها عارضٌ يضعفها؛ ومعلومٌ أن عوامل الأسماء أقوى، وعوامل الأفعال أضعف، وتلك تلغى ويبطل عملها إذا توسطت أو تأخرت؛ فما ظنك بهذه؟ فلهذا ألغيت "إذن" إذا (¬1) اعتمد ما بعدها على ما قبلها، لتوسطها بين ما هو بأن يعني به دونها أولى، وذلك هو المبتدأ الذي وقع صدراً فاقتضى خبراً، إذ لابد له (¬2) منه. ومثال إبطال عملها، إذا وقع بعدها فعل الحال، أن يتحدث متحدث بحديث، فتقول أنت: إذن أظنك كاذباً، وأنت مخبرٌ أنك ¬

_ (¬1) في "آ": إذا اعتمدت على ما قبلها. (¬2) في "آ": لابد دونها منه.

في حالة ظن لا مستقبل لها؛ وإنما لم تعمل في فعل الحال لأن أخواتها من نواصب الفعل لا يعملن في الحال. وما عدا هذه الحروف الأربعة مما ينتصب بعده الفعل، فبتقديرها يعمل وعليها يحمل، وكله منصوب بإضمان "أن" خاصة، وذلك كحتى في قولك: حتى يقوم زيدٌ، فـ "أن" بعد "حتى" مضمرةٌ، وهي الناصبة، لأن "حتى" في الأصل، حرف جر كـ "إلى"؛ وحروف الجر لا تنصب الأفعال وإنما عملها الجر في الأسماء؛ فلزم أن يكون للفعل ناصب غيرها وليس بمظهر فكان مضمراً، وكان "أن" خاصة دون غيرها من نواصب الأفعال؛ وهي "لن" و "كي" و "إذن"، لأن "أن" مع الفعل في تقدير اسم، ولهذا صح دخول حرف الجر غير حتى عليها؛ كقولك: عجبت من أن قام زيدٌ؛ وأفعل كذا إلى أن ينطلق عمرو، فدخول "حتى" عليها كدخول "من" و "إلى" وغيرهما من حروف الجر. ولو رمت إدخال شيء من هذه الحروف الجارة التي دخلت على "أن"، على بقية أخواتها لم يصح، فكانت (¬1) لهذا هي المضمرة دون أخواتها. ولكون هذا المعنى مستحيلاً في بقية أخواتها، أعني دخول حروف الجر عليها، لزم إضمارها بعد "حتى" وغيرها من المواضع التي لزم إضمارها فيها، حتى لو أنك أظهرتها كنت لاحناً لأنه أصل مرفوض؛ وذلك لأنه تخفيف مع أمن اللبس، وظهور العمل الذي أثرته في الفعل وهو نصبها إياه، كظهورها معه. ¬

_ (¬1) في (ب) فكانت هي لهذا مضمرة دون أخواتها.

فكل ما ينصب بعده الفعل – خلا المذكورة (¬1) مع "أن" من أخواتها – فبأن هذه المضمرة يُنصب، غير أن منها ما يجوز إظهار "أن" معه ومنها ما يلزمها (¬2) معه الإضمار فمما يلزمها إضمارها معه كـ "حتى" لام الجحد في قولك: ما كان زيد ليفعل كذا، اللام فيه هي اللام في قولك: جئتك لتكرمني، وكلاهما لام الجر، إلا أن المستعملة في الإيجاب لك إظهار "أن" معها والمستعملة في الجحود يلزمها الإضمار لطول الكلام مع العلم كل العلم بأنها الجارة و "أن" بعدها مقدرةٌ، فهي العاملة دونها، والكلام إذا طال لزم فيه من الحذف ما لا يلزم غيره؛ على أنهم قد عللوا بغير هذا. ومثال إظهارها في الواجب: جئت لتكرمني، إن شئت قلت: لأن تكرمني؛ وقد يعترض الكلام نفيٌ فيلزم إظهارها مع اللام، ولولا ذلك النفي كنت مخيراً في إضمارها وإظهارها على ما مثلناه، وذلك في مثل قوله تعالى {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29] (¬3) ولو أضمرت "أن" ها هنا لم يجز، لأن إضمارها يؤدي إلى مباشرة حرف الجر حرف النفي، وذلك غير جائز. ومن ذلك واو الجمع (¬4) في مثل قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، يلزم مع هذه الواو إضمار "أن" وهي الناصبة للفعل لا محالة، لا الواو، ولا يجوز إظهارها مراعاة للمشاكلة في ظاهر اللفظ بين المعطوف ¬

_ (¬1) في (ب): خلا الموضع المذكور. (¬2) في (ب): يلزم. (¬3) الحديد 57: 29 {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ .... }. (¬4) انظر المقتضب 2: 25، الإنصاف 2: 555.

والمعطوف عليه، إذ كانت الواو، وإن كانت للجمع؛ فهي راجعة في المعنى إلى العطف. ألا ترى أن معنى الكلام: لا تجمع بين أكل السمك وشرب اللبن، فلما كان ما قبلها فعلاً وليس باسم لم يظهروا "أن" بعدها، ليكون ظاهر اللفظ عطف فعلٍ على فعلٍ وجمعه إليه. ويسمى الكوفيون (¬1) هذه الواو واو الصرف لأنها تصرف، في المعنى، الفعل الثاني عن حكم الفعل الأول، إذ كان لم يجامعه في النهي مطلقاً بل جامعه في النهي عن الجمع بينهما فقط. وعلة لزوم الإضمار بعد "أو" إذا قلت لأهيننه أو يقلع عن هذا الفعل ولأنتظرنه أو يقدم؛ وقول الشاعر: (وكنت إذا غمزت قناة قومٍ ... كسرت كعوبها أو تستقيما) (¬2) والمعنى إلى أن تستقيم أو إلا أن تستقيم. هذه العلة المذكورة في الواو من ترك إظهارها معها لأنها حرف عطف كما أن تلك حرف عطف، وحروف العطف في الأصل تعطف الأسماء على الأسماء والأفعال على الأفعال، وبالجملة الشيء على ما هو من جنسه؛ فلا يقع بعدها فعل معطوف على اسم ولا اسمٌ معطوف على ¬

_ (¬1) انظر الإنصاف 2: 555. (¬2) الشاهد لزياد الأعجم (00 - 100/ 718)، كعوب: ج كعب وهو ما بين كل عقدتين من عقد الرمح، غمزت: لينت. والمعنى: إذا اشتد على جانب قوم رمت تليينهم حتى يستقيموا. وهو في الكتاب 1: 428، الإيضاح العضدي 1: 315. أمالي الشجري 2: 319، شرح المفصل 5: 115، مغني اللبيب 1: 69، شذور الذهب: 269. الصحاح، اللسان (غمز). وقد علق عليه الصحاح بقوله: ابن بري ينشده بالرفع لأن القوافي مرفوعة.

فعلٍ، فألزموها؛ أعني أن، الإضمار بعدٍ "أو" أيضاً لتباشر لفظ الفعل، فتكون في ظاهر اللفظ كأنها قد عطفت فعلاً على فعل. وفي البيت المستشهد به شيء يحتاج إلى معرفته؛ وذلك أن الأفعال المعطوفة في الأصل، إذا كان الأول ماضياً فالمعطوف عليه ينبغي أن يكون ماضياً مثله، وإذا كان مضارعاً فكذلك أيضاً، ولهذا أصلوا في باب العطف أنك تعطف الاسم على الاسم إذا اتفقنا في الحال، والفعل على الفعل إذا اتفقا في الزمان فتقول: قام زيد وقعد ولا تقول: يقوم زيد وقعد، ولا عكسه، فينبغي على هذا الأصل أن يراعي تشابه الفعلين في الزمان، فيقع قبل "أو" مستقبلٌ كما وقع بعدها مستقبل، فتقول: لانتظرنه أو يقدم، ولا تقول: انتظرته أو يقدم. وفي البيت قبل أو "كسرت" وهو ماضٍ في اللفظ، وبعدها "تستقيم"، وهو مستقبل. وإنما جاز ذلك وحسنه كونه جواباً لـ "إذا" و "إذا" فيها معنى الشرط؛ والماضي إذا وقع شرطاً انقلب إلى معنى المستقبل؛ فهو على هذا في معنى إذا أغمز أكسر أو تستقيم، فاعرفه (¬1). وكذا علة لزوم إضمار "أن" بعد الفاء إذا وقعت جواباً للأشياء (¬2) السبعة التي هي: الأمر والنهي والاستفهام والدعاء والنفي والتمني والعرض كقولك: إثنتي فأحسن إليك، ولا تعص الله فيعذبك، وأتأتيني فأنتظرك وما أنت بصادقٍ فأسمع منك، وألا تنزل فنقضي حق ضيافتك، وليت ¬

_ (¬1) في (ج) و (د): والشرط إذا وقع فيه الماضي انقلب. (¬2) في (آ) و (ب): للأشياء الستة التي هي الأمر والنهي والاستفهام والنفي والعرض والتمني.

لي مالاً فأبذله (واللهم ارزقني بعيراً فأحج عليه) (¬1) فـ "أن" بعد الفاء في هذه المواضع هي الناصبة للأفعال التي وقعت بعدها، وإضمارها لازم كالواو وأو. والفرق بين الفاء إذا وقعت جواباً، كما مثلنا في هذه الأشياء، وبينها إذا وقعت غير جواب أنها لا تكون جواباً إلا في المواضع التي يصح أن يقدر الكلام فيها تقدير الشرط؛ فإن عري الكلام من معنى الشرط بطل الجواب، وكانت عاطفة للثاني على الأول ومشركةً بينهما في الأعراب، وذلك هو أصلها في العطف، وإنما هي في الجواب والنصب لما بعدها من الأفعال بإضمار "أن" مُخرجة عما وضعت له من العطف، ومتأول فيها الرد إلى أصلها، وإنما كان ذاك لأن الشرط يقتضي الجواب، فلا يصح عطف الجواب على الشرط فيشركه في الإعراب بحق العطف (¬2)، ولو كان ذاك لكان الجواب شرطاً، وذاك محال، فخالفه حينئذٍ في حكم العطف. فإذا وقعت الفاء هذا الموقع خالف ما بعدها حكم ما قبلها (فانتصب الفعل بعدها ولم تنسقه على ما قبلها) (¬3) فيشاركه في الإعراب. ومثال تأول الشرط في هذه الأشياء قولك في الأمر: اثنتي فأحسن إليك، والمعنى: اثنتي، إن تأتني، أحسن إليك، ولهذا إذا حذفت الفاء من جواب هذه الأشياء انجزمت الأفعال التي وقعت بعدها منصوبة ما خلا جواب الجحود، وكذا بقية الأمثلة. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط من (آ) و (ب). ويلاحظ الاضطراب في ترتيب الأمثلة. (¬2) في (ب). الأصل. (¬3) ما بين قوسين ساقط من (ج).

ومثال العاري من فعل الشرط قولك: اذهب إلى فلانٍ فانظر ما حاله؟ وليذهب زيد إلى عمرو فينظر ما حاله؟ والنهي: لا تغضب فتشتم بكراً، إذ لم تجعل الغضب علةً للشتم، بل نهيت عن هذا كما تنهي عن هذا؛ وكذا كل ما لم تكن الفاء فيه جواباً لما قبله، بل عاطفة ما بعدها على ما قبلها عطفاً صريحاً حكمه الحكم الذي ذكرناه.

الضرب الثالث من الحروف ما يجزم

الضرب الثالث من الحروف ما يجزم والجازم يعمل الجزم فقط، كما أن الجار عمله الجر فقط. وأصل الجزم في اللغة القطع؛ فلما كانت هذه الحروف إذا دخلت الفعل قطعت عنه الحركة أو ما جرى مجرى الحركة سميت جوازم، لأن عملها يسمى جزماً؛ والجزم إسكان أو حذف يجري مجرى الإسكان. وهذه الحروف أضعف الأدوات عملاً، لأن معمولها أصله أن يكون غير معمول. وهي خمسة؛ منها "لم" ومعناها النفي وتختص بأنها تنقل المضارع إلى المضي بعد نفيه، وتقلب معناه إليه، كقولك: لم يقم زيد. ويدلك على صحة هذا المعنى فيه، وأنه قد قلب المضارع إلى معنى المضي كما تقلب "إن" الشرطية الماضي إلى معنى الاستقبال صحة وقوع الفعل معها في الزمن الماضي كقولك: لم يقم زيد أمس، ولو كان باقياً على معناه من حالٍ أو استقبال لم يصح وقوعه إلا في الزمن الذي صيغ له. ألا ترى أنك لو قلت: يقوم زيد أمس كان محالاً كما كان محالاً قولك قام زيد غداً؛ ولو قلت: إن قام زيدٌ غداً قام عمرو كان كلاماً حسناً،

لقلب "إن" معنى الماضي إلى المستقبل كما يصح لم يقم أمس لقلب "لم" مع نفيها إياه معناه من غير المضي إلى المضي، فهي على ما ترى في هذا الحكم من القلب عكس "إن" الشرطية، لقلبها الماضي إلى المستقبل. وتتصل "لم" بما دخلت عليه من الأفعال اتصالاً يجعلها معه كالجزء الواحد، فلهذا لا يجوز في الكلام المنثور، وهو حال السعة والاختيار، الفصل بينها وبينه، أعني "لم" وما نفته، وإن جاء شيء من الفصل بينها وبينه فإنما يجيء نزراً في بعض المنظوم وضرورة لإصلاح الوزن، وذلك مما لا يعمل عليه وكما أنشدوا: (فأضحت مغانيها قفاراً رسومها ... كأن لم سوى أهلٍ من الوحش تؤهل) (¬1) أراد: كأن لم تؤهل سوى أهلٍ من الوحش، ففصل كما ترى. والفصل في الكلام نظمه ونثره كثير، منه الحسن ومنه القبيح وهذا منه؛ وكلما كثر الفصل، لاسيما بين شديدي الاتصال كان أقبح. وقد يقع الفصل بين أشياء بأشياء وقع فيها التقديم والتأخير. ومن طريف الفصل والمقدم والمؤخر أما أنشدنيه بعض أهل الأدب قديماً من قول الشاعر: (فأصبحت بعد خط بهجتها ... كأن قفراً رسومها قلما) (¬2) ¬

_ (¬1) الشاهد لذي الرمة. الديوان: 591 الخصائص 2: 410، معنى اللبيب 1: 308، الخزانة 3: 26. (¬2) في البيت فساد من وجهين: أحدهما تقديم خبر كأن عليها، وهو لا يقدم على اسمها فكيف على نفسها لأنها حرف، فليس لها تصرف الفعل في التقديم – والتأخير – والثاني أنه فصل بين كأن واسمها بما ليس ظرفاً، ولا يفصل بينهما بشيء من الكلام إلا بالظروف وحروف الجر نحو قولك: كأن فيها زيداً قائم. والشاهد في شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 254، الإنصاف: 431، اللسان "خطط" ولم يعز فيها.

أراد، أصبحت بعد بهجتها قفراً كأن قلما خط رسومها، وذا قبيح جداً وهو مصنوع بغير شك. ولاتصال "لم" بما تنفيه وكونها معه كالشيء الواحد وقعت معه شرطاً وجزاء كما يقع الفعل المفرد من حرف يدخل عليه شرطاً وجزاء؛ وذلك حين تقول: إن لم تقم لم أقم؛ فالأولى مع فعلها شرط، والثانية مع فعلها جزاء. وكلا الحرفين مع منفيه في موضع جزمٍ بـ "إن"، فهذا كما تقول: إن تقم أقم. وهي للنفي عاماً، مترقباً كان الفعل أو غير مترقب، فغير المترقب لم يقم زيد مثلاً والمترقب: خرجت ولم يخرج الأمير بعد. و"لما" فرع عليها، لأنها "لم" في الأصل، زيدت عليها "ما" فصارت في أكثر الأمر لنفي الأفعال المترقبة كقولك: جئت ولما يركب الأمير، وبكرت ولما تطلع الشمس، قال: (فقمنا ولما يصح ديكنا ................... ) (¬1) أي ولم يركب الأمير ولم يصح ديكنا. ¬

_ (¬1) الشاهد للأعشى الأكبر. وعجزه: إلى جونة عند حدادها جونة: سوداء، يعني بها خابية الخمر، لأنها كانت تطلى بالقار. حدادها صاحبها وهو في الديوان: 69، الجمهرة، الصحاح، مقاييس اللغة، اللسان (حد) الخزانة 3: 48، شعراء النصرانية 1: 372.

وقد تنفي بها غير المترقب؛ كقولك: لما يذهب زيد، بمعنى لم يذهب، تنفي ذهابه من غير أن يكون مترقباً كترقب ركوب الأمير ودخول الشتاء إذا قلت: قدمت ولما يدخل الشتاء. وكل هذه المعاني مما تحملها الألفاظ كاحتمالها (¬1) إياها، وغيرها، إنما هي بحسب قصد المتكلم ومراده لما يخبر به. ومن الفروق بين "لم" و "لما"، وإن اشتركا في الأصل والمعنى، وهو النفي، والعمل – وهو الجزم- أن "لم" لا يجوز الوقوف عليها دون ما تنفيه، فلا تقول: جئت ولم، وذلك إذا قال لك قائل مثلاً: هل ركب الأمير؟ فلا يجوز أن تقول: جئت ولم، وأنت تريد يركب الأمير؛ ويجوز ذلك في لما؛ فتقول: جئت ولما؛ تريد: يركب الأمير؛ لأنها بدخول ما عليها قويت فأشبهت صيغ الأسماء، فجاز لذلك الوقوف عليها دون ذكر معمولها، وذلك على كل حال لعلم بالمعنى، ولولا العلم به لم يجز أن يحذف، لأن حذف غير المعلوم بعد حذفه تكليف السامع أن يعلم الغيب و "لم" ليس لها هذا الحكم، ولو كان المعنى مفهوماً، ولهذا تقع "لم" في مواضع يقع فيها الفعل مفرداً من غير ذكر حرفٍ معه، ولا تقع "لما" ذلك الموقع، وذلك كالشرط، وقد مثلنا عليه. ومدار هذا التعليل على شدة اتصال "لم" بما دخلت عليه دون "لما". فأما "لا" الناهية و "لام الأمر" فيشتركان في جزم الفعل ¬

_ (¬1) في (ج) و (د) وحاشية (آ): لاحتمالها.

المستقبل أيضاً، والفرق بينهما من طريق المعنى ظاهرٌ، ومن طريق الاستعمال أن (¬1) "لا"، لا يعرى منهيٌ عنه من دخولها عليه إذا كان فعلاً، ولام الأمر تدخل بعض الأفعال المأمور بها دون بعضٍ، ألا تراها يطرد دخولها في فعل الغائب إذا قلت: ليقم زيدٌ، ويقل استعمالها في فعل المواجه إلا على جهة الندور، فهي عند البصريين (¬2) مختصة بفعل الغائب، وعند الكوفيين عام دخولها في الجميع، لكن حذف مع الحاضر تخفيفاً واستغناء بالمواجه، ولهذا استعملت مع المواجه في بعض الكلام تنبيهاً على الأصل المطرح، وكلا القولين قوي في القياس، ومنزلة الأمر من النهي منزلة الإيجاب من النفي، لأن الأمر للإيقاع والنهي لترك الإيقاع، وبتركه ينتفي كما بفعله يقع ويجب. وأما "إن" الشرطية فإنها وإن كانت حرفاً جازماً فإنها مخالفة في الحكم بقية الجوازم، وذلك أنها تعمل في فعلين هما الشرط وجزاؤه في قول كثير (¬3) من الناس، وذلك إذا كانا مستقبلي اللفظ، فإنه يظهر جزمها لهما، فهي عاملة فيهما عند هؤلاء. وعند الأكثرين أنها تجزم الأول بنفسها، وترفده أي تقويه، أعني فعل الشرط، فينجزم الثاني وهو الجزاء بها وبه، فمجموعهما العامل في الثاني كما كان مجموع الابتداء المبتدأ هو الرفع للخبر عندهم أيضاً، والذي دعاهم إلى القول بهذا ¬

_ (¬1) في (ب): ألا. (¬2) انظر الإنصاف 2: 524. (¬3) الخصائص 2: 388.

والعدول عن اعتقاد الأولين من أن "إن" هي الجازمة للثاني بنفسها كما جزمت الأول كونها حرفاً جازماً، والجازم أضعف العوامل عندهم، فلم يكن ليجزم فعلين بغير مقو أو وسيط، كما رأوا في الابتداء أنه عامل معنوي ضعيف، فلم يعملوه في الاسمين. وعلى كل حال فلم تعر "إن" من أن تكون عاملةً في الفعلين، الأول بنفسها والثاني بمعينٍ ومقوٍ، فقد عملت فيما زاد على الفعل الواحد. والأصح من الأقوال فيها أنها عاملةٌ الجزم عملاً إعرابياً. وقول من ذهب إلى أن سكون الفعلين بعدها سكون بناء لا إعراب غير صحيح، وقد عزوا هذا القول إلى أبي عثمان المازني، وهو كما تراه (¬1). واعلم أن أصل جوابها أن يكون فعلاً، كما أن الشرط الذي هو علة له فعل، فالأصل إن تقم أقم، فهذا، كما تراه، أحد الفعلين وهو الأول سببٌ للثاني، والثاني مسبب عنه، وما سواه من الأجوبة المذكورة – غير الفعل- محمول على الفعل، ولذلك يُحكم على موضعه بالجزم للفعل. فمن الأجوبة غير الفعل، الفاء في مثل قولك: إن تطع الله فأنت سعيد؛ وقوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] (¬2) وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29] (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الإنصاف 2: 602. (¬2) الإسراء: 17: 25 {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا}. الأوابون: من الذنوب، الراجعون إلى الطاعات. (¬3) الأنبياء 21: 29 {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.

والمراد بدخول الفاء هاهنا هو التوصل إلى المجازاة بالابتداء، والخبر لأنهم لما جازوا بالفعل الذي هو الأصل، والفعل يلزم فاعله، فلا ينفرد عنه، وهو مع فاعله جملة من فعلٍ وفاعل. والجملة من الابتداء والخبر نظيرة التي من الفعل والفاعل وأختها، فآثروا المجازاة بها كما جازوا بتلك، فلم يوقعوها موقعها مفاجأة، إذ كانت لا يتعين منها معنى استقبالٍ كما يتعين من الفعل؛ فلم يقولوا: إن يقم زيدٌ منطلقٌ، بل توصلوا إلى إيقاعها، أعني الجملة من الابتداء والخبر، موقع الجملة من الفعل والفاعل بأن أولوها حرفاً عاطفاً في الأصل يشارك الواو وغيرها من العواطف في العطف، وينفرد عنها بمعنى يخصه وهو التعقيب، وهو كون الثاني عقيب الأول أي بعده بلا مهلة، وذلك الحرف هو الفاء، فتجردت من العطف هنا، إذ كان الجزاء لا يصح عطفه على شرطه فأخلصت للمعنى المختص بها؛ وهو التعقيب، لأن الجزاء هذا حكمه مع الشرط، إذ كان يليه إذا وقع بلا مهلة ولا فسحة في الزمان ولا متنفس، فقالوا: إن تذهب فإني ذاهب، وإن أطعت فلك الثواب. ولهذا التجريد للحرف وإفراده بالمعنى الخاص به في بعض المواضع، لئلا تنتقص الأوضاع ويفسد المعنى مع الاتساع، نظائر كثيرة في كلامهم تبسط في المبسوطات من كتب الصناعة لضيق المختصرات عنها. ولهذا التوصل أيضاً نظائر واسعة كثيرة جداً، منها "الذي" وأخواته من الكلم الموصولة، عللت النحاة المجيء بها في الكلام أنها وصلة إلى وصف المعارف بالجمل، إذ كانت الصفة وفق الموصوف في التعريف والتنكير، وقد آثروا وصف المعرفة بالجملة كما وصفوها بالمفرد

وأن يجمعوا لها ما جمعوا للنكرة من الوصف بالمفرد والجملة، فصدهم ما يعرض من التناقض عن أن يقولوا: مررت بزيدٍ أبوه منطلق، فتواصلوا إلى ذلك بالمجيء بالموصولات التي وصف بها، وجعلوا الجمل صلاتٍ لها وأجروها على المعارف أوصافاً فقالوا: مررت بزيدٍ الذي قام أبوه وببكر الذي أبوه قائم وبمحمد الذي في الدار وبعمرو الذي إن أكرمته أكرمك، وكذا سائر الجمل التي وقعت أوصافاً للنكرات بغير وصلة، توصف بها المعارف بالوصلة التي هي الاسم الموصول. وكذا توصلهم إلى نداء ما فيه الألف واللام بـ "أي" في قولك: يا أيها الرجل. والوصل كثيرة، وموضع الفاء وما بعدها من الابتداء والخبر جزمٌ لأنها وقعت موقع مجزوم؛ ويدلك على ذلك أنهم إن عطفوا عليها فعلاً مستقبلاً ظهر الجزم يه كقولهم: إن تقم فزيدٌ قائمٌ ويقم عمرو، وعليه (¬1) قراءة من قرأ {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186] (¬2) بجزم "يَذَرُهُم" ومن ذلك إذا في نحو قوله تعالى {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] (¬3) فإذا وما بعدها جواب قوله: " تُصِبْهُمْ" وتقديره يقنطوا، وقال النحويون (¬4) معناه قنطوا، والتحقيق ¬

_ (¬1) في (ج): وعلى هذا. (¬2) الأعراف 7: 186 {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يعمهون: يتحيرون. قرأ بهذه القراءة حمزة والكسائي. التيسير في القراءات السبع: 115 الموسوعة القرآنية 4: 509. (¬3) الروم 30: 36 {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}. (¬4) انظر الكتاب 1: 435.

أن يقدر بمستقبلٍ، لأن الشرط وجزاءه مستقبلان، فإن لم يظهر فيهما لفظ الاستقبال قدراً به. وإنما وقعت "إذا" جواباً للشرط لما فيها من معنى المفاجأة، كما وقعت الفاء وما بعدها جواباً للتعقيب الذي فيها، ولأن "إذا" وما بعدها كأنها واقعة موقع الفاء وما بعدها، فكان قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} في موضع "فهم يقنطون"، وقوله: "فهم يقنطون" في موضع يقنطوا أو قنطوا، على ما فسروه، وهو تفسير من طريق المعنى. والجواب بـ "إذا" أقل في استعمالها من الجواب بـ "الفاء"؛ ولهذا لم يذكره كثير من النحويين في أجوبة الشرط كما ذكروا الفاء في الجواب. وعلى الجملة فالشرط وجوابه لا يخلوان من طريق الأفعال وقسمتها من أن يكونا فعلين مستقبلين؛ وذلك هو الأصل في الباب، لأن المعنى الذي وضع الشرط، عليه لا يكون إلا بالاستقبال، ولا يصح إلا به، وإذا كانا كذلك كانا مجزومي اللفظ، أو يكونا ماضيي اللفظ؛ فيحكم على معناهما بأنه مخالف للفظهما، وأنهما مستقبلان من طريق المعنى، ويُحكم على موضعهما بالجزم وأنهما متوسعٌ بإيقاعهما بلفظ المضي موضع المستقبل لغرضٍ صحيح ولفهم المعنى وعدم التباس الأفعال بعضها ببعض إذا قلت: إن قمت قمت، يدلك على أن المعنى إن تقم أقم، وأن الماضي هاهنا غير باقٍ على أصله، وأنه خارج (¬1) إلى معنى المستقبل بوقوعه موقعه أنك لو قرنت به زمناً ماضياً – أعني ظرفاً معناه المضي، وأعملته فيه – كان ¬

_ (¬1) في (ج): خارج به.

مستحيلاً؛ كقولك: إن قام زيدٌ أمس قام عمرو أول من أمس، أو قام عمرو غداً؛ وإن قام عمرو غداً قام محمدٌ أمس؛ كل ذلك محال لإقرار الماضي من الفعلين على أصله. بل إذا أعملتهما في ظرفين مستقبلين، كان الكلام مستقيماً حسناً؛ كقولك: إن قام زيدٌ غداً قام عمرو بعد غدٍ. وهكذا ينبغي أن تكون أزمنة الشرط وجزاؤه مستقبلاتٍ، ويكون (¬1) الجزاء أقعد في الاستقبال من شرطه، لأنه يتجدد بعده، وهو علة وسبب والجزاء معلٌ ومسببٌ، ولا مرية في تقديم السبب على مسببه زماناً ورتبة. أو يكون الأول ماضياً في اللفظ والثاني مستقبلاً، وذلك جائز حسنٌ مستعملٌ في الاختيار وحال السعة كثيراً كقولك: إن ذهب محمدٌ يذهب بكرٌ، وعكسه غير جائز عند الأكثرين (¬2) منهم في الاختيار والسعة لأن الجزاء أقعد (¬3) في الاستقبال من الشرط، فاستقبحوا أن يجيء الشرط على الأصل الذي يستحقه من لفظ الاستقبال ومعناه، ويجيء الجزاء على لفظ المضي، وهو أحق بالاستقبال لفظاً ومعنى (¬4) كقولك إن يقم عمرو قام زيدٌ؛ ومجيئه أيضاً في الشعر عزيزٌ كقوله: (إن ينل رمحي الغداة حبيباً ... نال رمح الحصين كبشاً سميناً) (¬5) ¬

_ (¬1) (ج): وتكون أزمنة الجزاء أقعد، وفي (آ): أبعد. (¬2) أجازه المبرد، انظر المقتضب 2: 59. (¬3) حاشية (آ) في نسخة: أبعد. (¬4) في (ب): أو معنى. (¬5) لم أعثر على هذا الشاهد في المصادر التي بين يدي.

والشرط أبداً لا يكون إلا بالفعل، ولا يقوم مقامه غيره، كما قام مقام الجزاء غيره من الفاء وما بعدها وإذا ما بعدها. ولأن الشرط متحقق بالفعل حُمل الاسم إذا وقع بعد حرف الشرط عليه أي على الفعل فرفع به مضمراً، مفسراً بما بعد الاسم، ولم يرفع الاسم بالابتداء في محقق الأقوال (¬1) وذلك في نحو: إن زيدٌ جاء فأكرمه وهو مرفوع بـ"جاء" أخرى مضمرةً يفسرها ما بعد الاسم وعليه حملوا قوله تعالى {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ} (¬2) [النساء: 176] أي إن هلك امرؤ، وكذا {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} (¬3) [الانشقاق: 1] أي إذا انشقت السماء. وربما حُذف الشرط لدلالة غيره عليه كقوله: (فطلقها فلست لها بأهلٍ ... وإلا يعل مفرقك الحسام) (¬4) أي وإلا تطلقها يعل. ¬

_ (¬1) يرتفع عند الكوفيين بما عاد إليه من الفعل من غير تقدير فعل ويجوز أبو الحسن الأخفش الرفع بعد "إذا" الزمانية بالابتداء. انظر الكتاب 1: 458، الإنصاف 2: 615. (¬2) {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ... } [النساء 4: 175] الكلالة: الميت ليس له ولد ولا والد. (¬3) الانشقاق 84: 1. (¬4) الشاهد للأحوص الانصاري (00 – 105/ 723) كان يهوى أخت امرأته ويكتم حبه وينسب بها ولا يفصح باسمها إلى أن تزوجها مطر وبلغه ذلك، فقال يهجوه أبياتاً هذا منها. طبقات فحول الشعراء: 542، أمالي ابن الشجري 1/ 341، اللسان (حرف الألف اللينة، مالا) أوضح المسالك 2: 196، الخزانة 2: 16. والرواية فيها كلها: فلست لها بكفء.

وكذا يحذف الجزاء لدلالة غيره عليه، كقولك: أقوم إن قمت وأنا ظالمٌ إن فعلت، والتقدير: إن فعلت فأنا ظالم؛ ولا يكون هذا إلا والشرط ماضي اللفظ ولا يكون وقد ظهر الجزم فيه، وهو أن يكون مستقبلاً، قال بعض المتأخرين لأنك أرهفت عامل الشرط غاية الإرهاف فلم يجز ألا تعمله في الجزاء. فهذه أصول الشرط وأكثر فروعه قد أثبتت فاعرفها.

الضرب الرابع من الحروف ما يجر فقط

فصل الضرب الرابع من الحروف ما يجر فقط هذه الحروف أقوى عملا من حروف الجزم وإن كانت في الأسماء نظيرة تلك في الأفعال، وهي سبعة عشر حرفاً، قد عددها وبين معانيها جملة (¬1). قوله: وتضمر "رب" بعد الواو كقول رؤبة (¬2): (وقاتم الأعماق خاوي المخترق) (¬3) ¬

_ (¬1) انظر الجمل 12/ 1 - 2، 13/ 1. (¬2) رؤبة بن العجاج راجز من الفصحاء المشهورين، أكثر مقامه في البصرة، وكان أهل العلم يأخذون عنه اللغة ويحتجون بشعره. وفيات الأعيان 1: 187، خزنة الأدب 1: 43. (¬3) القاتم: المغبر، صفة لبلد. الأعماق: النواحي القصية. الخاوي: الخالي، المخترق: المتسع، يعني جوف الفلاة. وصلته بعده: مشتبة الأعلام لماع الخفق. الديوان: 104 الكتاب 2: 301 مجاز القرآن 1/ 380، الشعر والشعراء 1: 61، الجمهرة (تقو)، المنصف 2: 3، الصحاح، اللسان (عمق) الخزانة: 201. إضمار رب بعد الواو هو مذهب سيبويه، وخالفه في ذلك المبرد. قال: سيبويه: إن "رب" حذفت وجعلت الواو عوضاً منها فجرت. أبعدها على تأويل "رب" كما كانت عوضاً من باء القسم، واستدل على ذلك بهذا الشعر وقال: لأن الواو للعطف، وواو العطف لا تكون إلا بعد كلام يعطف عليه، فدل هذا على أنها بدل من "رب" الكتاب 2: 301.

التحقيق أن "رب" مضمرةٌ بعد الواو كما ذكر، فالجر بها لا بالواو، إذ العاطف لا يختص بعملٍ لكونه غير مختصٍ بمعمول، فالواو في قوله: وقاتم الأعماق (وبلدٍ عاميةٍ أعماؤه) (¬1) هي الواو في جاءني زيدٌ وعمرو؛ والعاطف يشترك ما بعده في إعراب ما قبله، ويدل على صحة هذا من كونها (¬2) مقدراً بعدها الجار وهو رب، وقوع غيرها من حروف العطف التي لا يُمترى في أنها عاطفة لا جارة هذا الموقع. فمن ذلك الفاء في مثل قول الهذلي (¬3): ¬

_ (¬1) عامية أعماؤه: مظلمة ظلماته، وهو من باب المبالغة مثل قولهم ليل لائل. الأعماء: ج. عمى بوزن فتى. قائله رؤبة، ونسبه بعضهم لأبيه العجاج ( .. - 90/ 708) وصلته بعده: كأن لو أرضه سماؤه وهو في الديوان: 3، الصحاح، المحكم، اللسان، مقاييس اللغة (عمي). أوضح المسالك 3: 286. (¬2) في (ج): كونه. (¬3) المتنخل الهذلي، مالك بن عويمر بن عثمان، شاعر جاهلي (؟ ). الشعر والشعراء 2: 659، الأغاني 20: 145، معجم الشعراء: 257. المروط: جمع مرط، وهو الثوب من الخز. الرياط: جمع ريطه، وهو ضرب من الثياب. والشاهد في ديوان الهذليين 2: 19، وروايته فيه "بهن وحدي". أمالي ابن الشجري 1/ 366، الإنصاف 1/ 380، شرح المفصل 2: 118.

(فحورٍ قد لهوت بهن عينٍ ... نواعم في المروط وفي الرباط) والفاء لا يُشك في أنها لا تجر. ومن ذلك "بل" في قول الآخر: (بل بلدٍ أطرافه في أبلاد) (¬1) فـ"رب" بعد هذين الحرفين مضمرةٌ لا محالة، وهما حرفا عطفٍ، وكذلك هي مضمرة بعد الواو؛ فإن قلت: فنراها تقع كثيراً في أوائل القصائد، وحيث لا كلام قبلها، فتعطف عليه، فعلى أي شيء عُطفت الواو والفاء وبل لرب المقدرة بعدها، وما انجر بها؟ فالجواب أن الشاعر يبتدئ بالواو مثلاً مقدراً العطف بها على شيء منويٍ مقدر يكون كالمنطوق به، كما يبتدئ بـ"الفاء" وكذا بـ"بل" مقدراً الإضراب عن شيء مقدر منوىٍ به التقديم؛ وحقيقة ذلك الشيء أنه سوى ما أخذ فيه. وشبيه بهذا قولهم في أثناء القصائد حين يخرجون من نسيب إلى غيره، أو من نعت إلى نعت، فدع ذا، وفعد عما ترى، قال: (فدع ذا ولكن هتعين متيماً ... ......................... ) (¬2) يريد هل تعين، فأدغم، وقال النابغة: (فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانةٍ أجد) (¬3) ¬

_ (¬1) لم أعثر عليه في المصادر التي بين يدي. (¬2) ناصب: متعب والشاهد فيه أن الشاعر يبتدئ غرضاً جديداً بالفاء، دون أن يعطف ما بعدها على ما قبلها وقد جاز الإدغام لأن اللام والتاء من حروف طرف اللسان. الشاهد لمزاحم بن عمرو بن مرة العقيلي ( .. - 120/ 738) وعجزه. ........................... على ضوء برق آخر الليل ناصب الديوان 24، وروايته فيه: فذر ذا ولكن هل تعين متيماً انم: ارفع، القتود: عيدان الرحل، الأجد: الموثقة الخلق من النوق. العيرانة: المشبة بالعير. (¬3) الديوان: 5، الصحاح (نمي)، اللسان (قتد).

الحروف تنقسم قسمين: عامل وغير عامل

فصل اعلم أن الحروف تنقسم قسمين: عاملٌ وغير عامل، وربما سموا غير العامل هاملاً (¬1) فالعوامل قد ذكرت، وهي ما ينصب أو يجر أو يجزم أو ما يعمل نصباً ورفعاً. فالناصب منها قد يقارن عمله النصب عمله الرفع أيضاً، فأما الجار والجازم فلا يعملان إلا عملاً واحداً، إذ كان للناصب الرافع أصلٌ يحمل عليه في ذاك؛ وهو الفعل المتعدي، فإنه يرفع الفاعل وينصب المفعول، فحمل عليه الحرف المشبه به في هذا العمل، فنصب ورفع ولم يكن هناك عامل يعمل مع الجر أو الجزم غيره (¬2) فيجتمع (¬3) معهما غيرهما في الحمل عليه. واعلم أن من شرط العامل أن يختص بأحد القبيلين الاسم أو الفعل فإن (¬4) اختص الحرف بأحدهما عمل فيه؛ وغير العوامل هي كل حرف اشترك الاسم والفعل في دخوله عليهما، فلا يعمل حينئذٍ في واحد منهما، لأنه ليس بأن يعمل في ذا بأحق من أن يعمل في ذا، فكان غير ¬

_ (¬1) في (ج): مهملاً. (¬2) في (ج): غيرهما. (¬3) في (ج) و (د): فيجمع بينهما غيرهما. (¬4) في (ج) و (د): فإذا.

عامل؛ وذلك كالحروف العاطفة، وكأدوات الاستفهام مثل هل والهمزة لما لم تختص لم تعمل. ألا تراك تعطف بالعاطف من الحروف الاسم على الاسم كقولك: جاء زيد وعمرو؛ فقد دخل كما ترى على الاسم، والفعل على الفعل في قولك: قام وقعد زيدٌ؛ فقد دخل على الفعل كما دخل على الاسم، وتقول: هل زيدٌ منطلق كما تقول: هل انطلق زيدٌ؛ فتباشر هل - في دخولها عليهما - هذا تارةً وذاك أخرى، فلم تختص على هذا، فكانت غير عاملة. وقد ترد حروف مختصة بالاسم، وحروف مختصة بالفعل؛ وكلا القسمين غير عامل، وعلة ما جاء من هذا الضرب في امتناعه من العمل مع أنه مختصٌّ أن يتصل بما اختص به اتصالاً شديداً، حتى يتنزل لشدة اتصاله به منزلة الجزء منه، فيبطل عمله فيه، إذ كان الجزء من الكلمة لا يعمل فيها، وإنما عاملها غيرها. فمن المختصة التي لم تعمل لام التعريف لما اتصلت بالاسم مع اختصاصها به دون الفعل، فجرت مجرى الجزء منه بأدلة كثيرة؛ منها أنها تغير طبيعة الاسم، فكأنها باتصالها به قد جعلته شيئاً آخر، إذ كانت قد نقلته من العموم إلى الخصوص، لأنه كان قبل دخولها نكرة شائعة، فصار بها معرفة مختصة مقصورةً على شخصٍ بعينه؛ ومنها أنه عدل عنه وهي فيه كما يعدل عن الاسم الذي ليست فيه، فهم يقولون: جاءنا سحر يا هذا، يريدون سحراً بعينه، فيمنعونه الصرف لكونه معرفةً معدولاً عن السحر المستعمل بالألف واللام، فذا يدل على تنزلها منزلة بعض (¬1) الاسم إذا عدل عنه، وهي فيه إلى غيره مما ليست فيه كما ¬

_ (¬1) بعض: ساقطة من (ب) و (ج).

عُدلت صيغه إلى صيغه في قولك: عمر المعدول عن عامرٍ، فتنزلت الألف واللام لهذا الحكم في قولك: جئت السحر؛ للعدل عما هي فيه، وعنها إلى قولك: جئت سحر منزلة بعض الكلمة من بعضٍ، وهذا الدليل حسن قويٌ في الاستنباط. وكذا السين وسوف في العمل؛ هما غير عاملتين في الفعل مع اختصاصهما به، لجريهما فيه مجرى لام التعريف من الاسم، إذ كانتا تخصصانه كما تخصص تلك الاسم. وكذا "قد" في الفعل تفيد في الماضي معنى شبيهاً بالتخصيص لتقريبها إياه من زمن الوجود؛ والماضي مع ذلك غير معرب، فلم تعمل في لفظه ولا (¬1) موضعه. وكذا إذا دخلت على المضارع جرت في دخولها عليه في الإهمال مجراها في الدخول على الماضي، ولهذا أجريت مجرى حروف التعويض، وإن كان في تلك العامل وغير العامل إذا قلت: علمت أن سيقوم زيد، وعلمت أن لن يقوم زيد، وعلمت أن لا يقوم وعلمت أن قد قام، ومنه قوله تعالى {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (¬2) [المزمل: 20]، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (¬3) [النجم: 39]. {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (¬4) [طه: 89]، {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} (¬5) [المائدة: 71] في قراءة من رفع "تكون". ¬

_ (¬1) في (آ) و (ج): ولا في موضعه. (¬2) المزمل 73: 20 {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ .... عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}. (¬3) النجم 53: 39، ويلي هذه الآية في (ج): {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} وهي من المزمل: 20. (¬4) طه 20: 89 {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا}. (¬5) المائدة 5: 74 {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .... }.

كل هذه الحروف تعاويض من تخفيف أن وحذف اسمها، وهو ضمير الشأن والحديث مع إحدى نونيها التي وقع التخفيف بحذفها، فاعرفه. واعلم أن من الحروف ما أصله في كلامهم أن يكون عاملاً، وعلى ذلك استعملوه حين أعملوه، ثم يدخل عليه حرفٌ يسمى عندهم كافاً لكفه ما دخل عليه من العوامل عن عمله. فمن هذه العوامل المكفوفة "إن" وأخواتها، هي عاملة في المبتدأ وخبره كما قد علمت تنصب المبتدأ بأنه اسمها وترفع الخبر بأنه خبرها إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، فإذا دخلت عليها "ما" وهي الحرف الكاف هيأتها بدخولها لوقوع الفعل بعدها، فبطل مع دخولها عملها، لأنها تخرج بدخول "ما" عليها عن وضعها مختصة بالاسم دون الفعل وتصير مشتركة بينهما، ومن شرط العمل الاختصاص ومن شرط إبطاله الاشتراك. ويدلك على إبطال عملها وقوع الاسمين بعدها، إذا كفتها "ما"، مرفوعين فتقول: إنما زيدٌ قائم، والجملة من الفعل والفاعل، إنما يخرج زيدٌ غداً، قال الله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (¬1) [النساء: 171] و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ} (¬2) [النازعات: 45] فهذا ابتداوٌ وخبرٌ، وقال في الفعل والفاعل {إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} (¬3) [الأنبياء: 45] و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬4) [فاطر: 28] وقال الشاعر: ¬

_ (¬1) النساء 4: 4 {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ .. إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ .. }. (¬2) الرعد 13: 8 {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}. (¬3) الأنبياء 21: 45 {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ}. (¬4) فاطر 35: 28 {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. }.

(إنما نحن كشيءٍ فاسدٍ ... فإذا أصلحه الله صلح) (¬1) وقال الآخر في وقوع الفعل بعدها: (أنما تقتل النيام ولا تقـ ... ـتل يقظان ذا سلاحٍ كميا) (¬2) وقال تعالى في كأنما {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} (¬3) [الأنفال: 6]. وقال عنترة (¬4): (وكأنما أقص الأكام عشيةً ... بقريب بين المنمين مصلم) ¬

_ (¬1) الشاهد للأعشى الأكبر من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي ( .. - 4/ 618) الديوان: 37. (¬2) صلة الشاهد قبله: (أبلغ الحارث بن ظالم المو ... عد والناذر النذور عليا) والبيتان لعمرو بن الإطنابة الأنصاري جاهلي (؟ ) يقولهما للحارث بن ظالم المرى (00 - 22/ 600) وكان قد توعده بالقتل ونذر دمه إن ظفر به، وأنما تقتل النيام، لأن الحارث كان قد قتل خالد بن كلاب (؟ ) غيلة وهو نائم في قبته. الكتاب 1: 465، شرح المفصل 8: 56. (¬3) الأنفال: 8: 6 {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}. (¬4) عنترة بن عمرو بن شداد العبسي (00 - 22/ 600) من أهل نجد. أشهر فرسان العرب في الجاهلية وفي الطبقة الأولى من فحول شعرائها. الشعر والشعراء 1: 25، الأغاني 7: 148. الخزانة 1: 62. أقص: أكسر، تطس: تكسر، الأكام: جمع أكمة: ما ارتفع من الأرض، المصلم من أوصاف الظليم لأنه لا أذن له، والصلم الاستئصال، كأن أذنه استؤصلت. يقول: كأنما تكسر الأكام لشدة وطئها عشية بعد سرى الليل وسرى النهار كظليم قرب ما بين منسميه ولا أذن له شبهها في سرعة سيرها بعد سرى ليلة ووصل سير يوم به بسرعة سير الظليم، وروايته في الديوان. 20: وكأنما تطس الأكام عشية.

وقال الآخر في لعلمّا: (أعد نظراً يا عبد قيسٍ لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا) وفي "ليتما" بيت النابغة حين أنشدوه بالرفع على أن "ما" فيه كافة معتد بها لمنعها العامل عن عمله؛ والنصب على الوجهين: (قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد) والوجهان هما رفع الحمام ونصبه، فالرفع على أن "ما" فيه كافةٌ معتدٌ بها لمنعها العامل عمله، والنصب على أنها زائدة مؤكدةٌ ما دخلت عليه، مكثرةٌ لفظه، ملغاةٌ، خولها كخروجها. وفائدة هذا الكف قد عللوه، فقالوا في "إن"، إذا قلت إنما زيدٌ قائمٌ، معنى الكلام: ما زيدٌ إلا قائمٌ، وحرروا العبارة، فقالوا في "إنما": هي لإثبات الشيء للشيء ونفي ما عداه. وقد كف بـ"ما" هذه الفعل وحرف الجر، وهما عاملان قويان دخلت عليهما "ما" فأبطلت عملهما وهيأتهما لوقوع شيء بعدهما، لولاها (¬1) لم يكن ليقع، فخرجا بها عن أصل وضعهما في كونهما عاملين وصلحا بها لما لم يصلحا له قبلها. فأما الفعل فقولك قل وكثر، تدخل عليهما "ما" كافة، فيبطل عملهما حتى لا يحتاجا إلى فاعل ويقع بعدهما الفعل وكان لا يقع، تقول: قلما يقول زيدٌ كذا. ويحمل على هذا الفعل نقيضه وهو "كثر"، فيقال: كثر ما يقولن (¬2) كذا. ¬

_ (¬1) في (ج). لولا هي. (¬2) في (ب) و (ج). يقلن.

ومثال حرف الجر المكفوف "رب"، تدخل عليها "ما" فتكفها عن العمل ويليها الفعل، وحروف الجر في الأصل لا تدخل إلا على الأسماء، ومثال دخولها على الفعل مكفوفةً بما قوله تعالى {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (¬1) [الحجر: 2]، ومن شواهده قول الأبرش (¬2) (ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات) (¬3) والنحويون (¬4) يجعلون "ما" كافة لرب في هذا البيت وفي الآية التي قبله، ولكن يجعلون استعمالها في البيت هو الأصل، قالوا: لأنها لما كان معناها لما مضى، وذلك قبل أن تكتف كانت بعد الكف لما مضى أيضاً، وأنشدوا البيت لأن فيه بعد "ربما" قوله: أوفيت؛ وهو فعلٌ ماضٍ، والآية عندهم لوقوع المضارع بعدها على غير قياس بابها في الأصل، بل متأولةٌ على حكاية الحال التي ستكون، قالوا: وهو كما جاء في الأخرى {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ ¬

_ (¬1) الحجر 15: 20. (¬2) جذيمة بن فهم بن تيم الله التنوخي (00 - 366/ 218) ثالث ملوك الدولة التنوخية في العراق. كان يقال له "الوضاح" و"الأبرش" لبرص فيه. الأغاني 14/ 72 الخزانة 9: 569. (¬3) أوفيت: أشرفت، العلم: الجبل، الشمالات: جمع الشمال من الرياح، ومعنى البيت عند الشنتمري أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من عدو، وعند غيره أنه يصعد الجبل بنفسه ليستطلع أعداءه ولا يعتمد في ذلك على غيره. والشاهد في الكتاب 2: 153 النوادر: 210، العمدة 2، 276 أمال الشجري 2: 253 شرح المفصل 9: 40، اللسان (شمل، شيخ) الخزانة 4: 567. (¬4) انظر الكتاب 6: 458، أمالي ابن الشجري 2/ 243.

وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} (¬1) [القصص: 15] حكى عندهم المستقبل بقوله (ربما يود) كما حكى الماضي في قوله: (هذا من شيعته وهذا من عدوه) ووجه الحكاية أن هذا اسم إشارة، والإشارة إنما تقع إلى الحاضر (¬2) والقصة حين الإخبار بها ماضية. وقد كفوا كاف التشبيه بـ"ما" في بعض الوجوه، وذلك في قولهم "كن كما أنت" (¬3)، يجوز أن تكون "ما" بمعنى الذي كأنه قال: كن كالذي أنت. أي كالذي هو أنت، فحذف العائد وهو المبتدأ للطول ولا يقاس على هذا الحذف. ويجوز أن تكون "ما" كافةً للكاف، وهي حرف جر فوقع بعدها الضمير المرفوع المنفصل بعد أن كان لو وليته لوقع بعدها الضمير المجرور وهو متصلٌ، لأنها تجر ما دخلت عليه بالإضافة إن كانت اسماً كما تجره "مثل" وبالحرفية إن كانت حرف جر، وتكف بما كف غيرها، كقولك أنت صاحبي كما زيدٌ صاحبي، فيقع بعدها، كما ترى المبتدأ وخبره، وبالجملة يقع بعدها المرفوع؛ ويدلك على أن الكاف حرف جرٍ، وصلهم بها الذي في قولك: الذي كزيدٍ منطلقٌ، فالكاف في صلة الذي متعلقةٌ بمحذوف كما تتعلق به "في" وغيرها من حروف الجر إذا وقعت هذا الموقع، إذا قلت: الذي في الدار؛ والذي من الكرام، وكونها اسماً هو في مثل قوله: ¬

_ (¬1) القصص 28: 15 {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ... } (¬2) في (ج): إلى حاضر. (¬3) انظر المغني 1/ 187.

(وصالياتٍ ككما يؤثفين) (¬1) لأن الحرف لا يدخل على حرف مثله. وما حروف العطف فمن القسم غير العامل أصلاً لأنها لا تختص بعملٍ دون عمل، ولأنها مشتركةٌ بين القبيلين، والاشتراك يدفع الإعمال. ¬

_ (¬1) صاليات: أثافي القدر، لأنها صليت النار أي وليتها وباشرتها، ككما يؤثفين: أي كمثل حالها إذا كانت أثافي مستعملة، وكان القياس أن يقول: يثفين، ولكنه تركها على أصلها اضطراراً. والمعنى أن الأحجار لا تزال تحتفظ بسوادها كما كانت وهي أثاف مستعملة. والشطر من رجز مشهور لخطام بن نصر المجاشعي (؟ ) وهو يصف دياراً خلت من أهلها. مجالس ثعلب 1: 39، المنصف 1: 192، شرح المفصل 8: 42، مغني اللبيب 1: 197، اللسان (عصف، ثفا، غرا)، الخزانة 1: 367، والشاهد فيه أن الكاف بمعنى مثل فيه.

فصل من العوامل في الأسماء

فصل من العوامل في الأسماء أصل الأسماء أن تكون معربة معمولة (¬1) كما أن أصل الأفعال أن تكون مبنية عاملة؛ فما عمل من الأسماء فمحمولٌ على الأفعال لشبهه (¬2) لفظاً أو وقوعاً بالأفعال؛ كما أن المعرب من الأفعال محمولٌ على الأسماء لمضارعته إياها، وقد يعمل الاسم عمل الحرف إذا تضمن معناه ودل على ما يدل الحرف عليه، فعلى هذا التقدير تنقسم الأسماء العاملة إلى قسمين: عاملٍ عمل الفعل، وعاملٍ عمل الحرف. فالعامل عمل الفعل أقوى في العمل من العامل عمل الحرف، لأن الفعل أقوى من الحرف في العمل، والحرف إنما عمل نيابةً عن الفعل واختصاراً؛ ولهذا جيء به؛ فالمشبه به من الأسماء في العمل أضعف كما أن المشبه بالفعل أقوى، فالمشبهان في القوة والضعف على حسب اللذين (¬3) شبه المشبه بهما، فعلى هذا ينبغي أن يقدم العامل عمل الفعل على العامل عمل الحرف. ثم اعلم أن الأسماء العاملة عمل الفعل، منها ما هو أصل في ذلك، ¬

_ (¬1) معمولة: ساقطة من (آ). (¬2) في (ج): لشبهه لفظاً بالأفعال أو وقوعاً موقعها. (¬3) في (ب): اللذين شبها بهما.

اسم الفاعل

وهو المجرى مُجرى الفعل إجراءً حقيقياً، فيعمل عملته الصريح، وهو رفع الفاعل ونصب المفعول إن كان هناك مفعول، ومنها ما هو مشبه لذاك القسم في العمل، فينصب نصباً غير صريح بل على التشبيه بالمفعول، وسيذكر بعد هذا. فمما عَمِل عملَ الفعل الصريح اسم الفاعل؛ وهو الصفة الجارية على الفعل المضارع في حركاته وسكناته كضارب وداخل ومكرم ومعطٍ، كل هذه الأسماء تعمل عمل أفعالها فضاربٌ يعمل عمل "يضرب" و"داخل" عمل "يدخل" ومكرمٌ عمل "يكرم" ومعط عمل يعطي؛ تقول: زيدٌ ضاربٌ أبو عمراً كما تقول يضرب أبو عمراً، وزيدٌ معطٍ أبوه بكراً ثوباً كما تقول يعطي أبوه بكراً ثوباً. ومعنى جري هذا الاسم على الفعل في حركاته وسكناته أن عدد حروف ضارب كعدد حروف "يضرب"، وضاد (¬1) ضارب مفتوحةٌ، كما ياء "يضرب" مفتوحة والألف ثانية وهي ساكنة كما ثاني يضرب ساكنٌ وهي الضاد، والراء فيهما ثالثة مكسورة، والباء فيهما حرف إعراب؛ وكذلك مكرمٌ كيكرم، لأن الأصل في الفعل يؤكرم، فالأصل أيضاً في صفة الفاعل "مؤكرم". ولما كان الفعل أصلاً للاسم في الإعمال، والاسم أصلاً للفعل في الإعراب، أعمل من أسماء الفاعلين ما أشبه الأفعال المحمولة على الأسماء في الإعراب، وذلك ما كان المحاضر أو المستقبل، فإن كان اسم الفعل ¬

_ (¬1) في (آ): والضاد من ضارب متحركة كما أن الياء من يضرب كذاك.

لما مضى لم يعمل عمل الفعل في قول الجمهور (¬1)؛ لما ذكرنا، وأجاز بعض الكوفيين إعماله عمل الفعل حملاً له على جنسية الأفعال لا مخصوصها، وراعى اللفظ وقوة شبهه (¬2) ونظر إلى أحد الطرفين ولم يلتزم النظر إلى الطرف الآخر، وهو الإعراب، فيراعي المحمول على المعرب من الأفعال بل نظر إلى الحمل على الأفعال في الجملة، وكلها عامل، فكل ما حمل على ضروبها عاملٌ عملتها، واحتج بظاهر المسموع ولم يلتفت إلى تأوله (¬3) فلو قلت: زيدٌ ضاربٌ عمراً أمس، لم يجز عند الجمهور، كما جاز: زيدٌ ضاربٌ عمراً الآن أو غداً. وإنما باب الماضي عندهم الإضافة الحقيقية، كقولك: زيدٌ ضاربٌ عمروٍ أمس فيكون ضاربٌ عند سيبويه (¬4) ومن تابعه، وهم الأكثرون، في هذه المسألة وإن كان مشتقاً جارياً في إبطال عمله لمضيه مجرى الأسماء الصريحة الأول، وهي الجوامد غير المشتقة كغلام وفرسٍ إذا قلت: غلام زيدٍ وفرس عمرو، ولهذا لا يجوز عندهم أن تصف به نكرةً وأنت تريد به حذف تنوينه تخفيفاً كما أردت ذاك في اسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال، فلا تقول عندهم: مررت برجلٍ ضارب عمرو أمس وأنت تريد ضاربٍ عمراً أمس كما تقول: مررت برجلٍ ضاربٍ عمروٍ غداً أي ضاربٍ عمراً، وكما جاء في التنزيل: {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} (¬5) [الأحقاف: 24] أي ممطرٌ إيانا، فوصف به النكرة مع ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 87. (¬2) في (ى) شبهه به. (¬3) في (ج): تأويله. (¬4) انظر الكتاب 1/ 87، المقتضب 4: 148. (¬5) الأحقاف 26: 24 {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ ..... }.

إضافته إلى الضمير وهو معرفةٌ، فإضافته على هذا غير حقيقية، وهي منوي بها الانفصال. وعلى ذلك أيضاً جاء "ثاني عطفه" (¬1)، فنصبه على الحال؛ والحال من شرطها أن تكون نكرة، فلولا أن إضافته في نية الانفصال والتنوين مرادٌ كالمنطوق به لما جاز نصه على الحال. ولو أردت مثل هذا في الماضي لم يجز عندهم. على أن بين اسم الفاعل إذا كان لما مضى وبين الأسماء الصريحة الجامد فرقاً ما، وهو أنه يعمل في الظرف ببقية ما فيه من شبه الفعل لفظاً إذ (¬2) كانت حروفه كحروف؛ وهو مشتق على كل حال؛ فجاز عمله في الظرف عندهم وهو أمس من قولك: ضاربٌ عمراً (¬3) أمس. ومنهم من يتشدد في ذلك فلا يعمله بتةً في ظرفٍ ولا غيره، وينتصب هذا الظرف بإضمار فعلٍ دل عليه اسم الفاعل وإن كان لما مضى، فتقول: التقدير في هذه المسألة ضاربُ عمرو ضربه أمس وعلته (¬4) في هذا القول أن الفعل هنا إنما أضمر في قوله لدلالة اسم الفاعل عليه؛ فلولا أنه غير جارٍ مجرى الجامد من الأسماء في كل حال لما دل على الفعل، إذ كانت الجوامد لا تدل على الأفعال، فتضمر وتعمل لدلالتها عليها. واحتج من أعمل اسم الفاعل إذا كان بمعنى المضي عمل فعله الذي هو ¬

_ (¬1) الحج 22: 9 {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}. (¬2) في (ج): إذ كان يعطي لفظه ومعناه. ألا ترى أن حروفه الأصول هي حروف الفعل وأن معناه معناه. (¬3) في (ب): ضارب عمرو. (¬4) في (ب) و (ج): وعليه.

الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين

في (¬1) معناه من الكوفيين بظاهر الآية، وهي قوله تعالى {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (¬2) [الكهف: 18] فأعمل "باسطاً"، وهو لما مضى، في ذراعيه فنصبهما به، وهذا عملٌ ظاهر. وقال من لم يجز ذلك: هذه الآية لا دلالة فيها على جواز إعمال اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، لأنه حكاية حالٍ، والحكاية تتناول الماضي كما تتناول المستقبل، وقد مضى نبذٌ من القول في ذلك. واسم المفعول في هذا الحكم من العمل يجري مجرى اسم الفاعل، وإن لم يجر مجرى الفعل في الحركات والسكنات والعدة، تقول: زيدٌ مضروبٌ أبوه كما تقول: يضرب أبوه فترفع به كما ترفع باسم الفاعل، وكذلك تنصب به إن كان فعله متعدياً، كقولك: زيدٌ معطىً أبوه درهماً كما تقول: يعطى أبوه درهماً، لأن "معطى" بمنزلة "يعطى" ومضروبٌ بمنزلة يضرب، كما أن "معطياً" بمنزلة يعطي و"ضارباً" بمنزلة "يضرب". ومما يعمل عمل الفعل من الأسماء الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين، وإن لم تكن مثلها في القوة في شبه الأفعال، بل منحطةٌ عن رتبتها، فتعمل لذلك الرفع خاصة، ولا تنصب مفعولاً، فإن نصبت شيئاً فعلى التشبيه، بالمفعول لا على المفعول الصريح؛ تقول: زيدٌ حسنٌ وجهاً، وشديدٌ ساعداً، وكريمٌ أباً، فالمنصوب بها منصوب على التمييز، ولهذا لم يسغ تقديمه عليها، والمرفوعات (¬3) بها فاعلة. ¬

_ (¬1) في: ساقطة من "ب". (¬2) الكهف 18: 18 {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ .... وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ .. }. (¬3) في "ج". والمرفوع بها يرتفع بأنه فاعل.

المصادر المعملة عمل الأفعال

ووجه شبهها باسم الفاعل أنها يوصف بها كما يوصف به وتثنى تثنيته وتجمع جمعه، وتؤنث تأنيثه، فكما تقول: ضارب وضاربان وضاربون وضاربةٌ وضاربتان وضارباتٌ تقول: حسنٌ وحسنان وحسنون وحسنةٌ وحسنتان وحسناتٌ. وتنقص عن اسم الفاعل أيضاً بخاصةٍ من خواصه وهي أنها أكثر ما تكون وصفاً بما هو موجودٌ في الحال، واسم الفاعل يكون وصفاً، وهو تارةً للحال وتارةً للاستقبال (¬1) وهذا ما يوهنها ويقصر بها عن اللحاق بأسماء الفاعلين؛ إل أنها أشبه مع ذاك بأسماء الفاعلين من المصادر بها، فلذلك قدمت في الترتيب عليها، لأنها تتضمن الضمير، وتلك خاصة للفعل، والمصادر لا تتضمن الضمائر. وأما المصادر المعملة عمل الأفعال فهي كل مصدرٍ قدر بـ"أن" والفعل، وهو يعمل عمل فعله الذي أخذ منه، والمصدر أصلٌ للفعل في الاشتقاق في أصح القولين؛ والفعل أصلٌ للمصدر في الإعمال. وللمصدر في أعماله أحوالٌ وخواص، فأحواله (¬2) أنه لا يخلو من أن يعمل منكراً منوناً أو مضافاً أو معرفاً باللام، فإذا كان منوناً (¬3) وذلك أقوى أحواله في العمل ارتفع به الفاعل وانتصب به المفعول، إن كان لفعله مفعولٌ، تقول: يعجبني قيامٌ زيدٌ تريد أن يقوم زيدٌ، فيرتفع زيدٌ بالمصدر ارتفاع الفاعل بفعله، وتقول: عجبت من ضربٍ ¬

_ (¬1) يلي ذلك في "ج": وبالماضي وإن لم يعمل كغيره عند الجمهور. (¬2) في "ج". فمن أحواله. (¬3) في "ب". منكراً أو منوناً.

زيدٌ عمراً كما تقول: من أن ضرب زيدٌ عمراً؛ ترفع به الفاعل وتنصب به المفعول كما تفعل ذلك بالفعل، حكمه في ذلك حكمه؛ إلا أن المصدر لا يتقدم عليه المفعول، والفعل يصح تقدم مفعوله عليه. وبالجملة لا يتقدم شيء من معمولات المصدر عليه، لأنها في صلته، ولا يتقدم كما علمت شيء من الصلة على الموصول، على أنه قد جاء في الشعر ما ظاهره تقدم شيء من فضلات المصدر المتعلقة به عليه كقول حنظلة بن شرقي (¬1): فما يرجو ابن عمي عنه دفعي (¬2) والمعنى دفعي عنه، والمصدر مضافٌ إلى الياء، وهي فاعلة. والمحررون (¬3) من المحققين منهم يجعلون مثل هذا تبييناً، فلا يعلقونه بنفس المصدر (¬4) المذكور فراراً من تقديم شيء من صلة المصدر عليه. وقد ينون المصدر ويعمل بتقدير أن فعل (¬5) فيرتفع الاسم به على أنه فاعل كقولك: يعجبني إكرام زيدٌ عمراً أي أن أكرم زيدٌ عمراً، وقد يعمل بتقدير أن فعل (¬6) فيرتفع به الاسم ارتفاع ما لم يسم فاعله كقولك: يعجبني إكرام عمروٌ أي أن أكرم عمروٌ. ¬

_ (¬1) أبو الطمحان القيني (00 - 30/ 591) شاعر فارس معمر، وأحد بني القين من قضاعة عاش في الجاهلية وأدرك الإسلام. الشعر والشعراء: 145، الأغاني 11: 125 الخزانة 3: 246. (¬2) لم أعثر عليه فيما بين يدي من مصادر. (¬3) في (آ): والمجوزون، وهو تصحيف. (¬4) قدم التأكيد "نفس" على المؤكد "المصدر" وهو خطأ. (¬5) يلي ذلك في (ج): أو يفعل. (¬6) يلي ذلك في (ج): أو يفعل فيرتفع الاسم به.

ويختص المصدر بأنه يجوز حذف الفاعل معه، ولا يجوز ذلك مع الفعل؛ بل يضمر فيه البتة لأنه لابد للفعل من فاعل، ولا يصح ترك إسناد إليه أو إلى ما قام مقامه. فأما المصدر فحذف الفاعل معه حذفاً، ولم يصح أن يضمر فيه، والعلة في الحكمين واحدة أعني حذف الفاعل معه وامتناع إضماره فيه، وهي أنه اسمٌ على كل حال؛ وليس بفعلٍ ولا صفة جارية على فعل ولا مشبه بذلك، فنبهوا بذلك أي حذف الفاعل على استغنائه عن الفاعل بكونه اسماً صريحاً؛ والأسماء في الأصل مكتفيه بأنفسها، مستغنيةٌ عن غيرها، والأفعال ليست كذلك، ومثال حذف الفاعل معه قوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} (¬1) [البلد: 14] التقدير، أو إطعام أنتم، فحذف أنتم وهو فاعل المصدر في هذه الآية وكذا الفاعل في قوله: (بضربٍ بالسيوف رؤوس قومٍ ... أزلنا هامهن عن المقيل) (¬2) ¬

_ (¬1) المسغبة: المجاعة، المقربة: القرابة. البلد 90: 14 {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} 15: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}. (¬2) المقيل أراد به الأعناق، وأصله من قال يقيل قيلولة وقيلا ومقيلاً وهو النوم في الظهيرة. قوله بضرب يتعلق بأزلنا: ومحل الاستشهاد فيه قوله "رؤوس قوم" حيث نصب بالمصدر المنكر المنون وفاعل المصدر ضرب محذوف، وإعمال المصدر مضافاً أكثر ومنوناً أقيس. والشاهد للمرار بن منقذ التميمي (00 - 100/ 720)، وإنما أضاف الهام إلى ضمير جماعة الإناث العائد على الرؤوس لأن إضافة الشيء إلى نفسه إنما تمتنع إذا لم يختلف لفظ المضاف والمضاف إليه. الكتاب 1: 60، 97، شرح المفصل 6: 71، شرح ابن عقيل 3: 94، فتح الجليل بشرح شواهد ابن عقيل: 156.

أي بضربٍ نحن، فالفاعل محذوف مع المصدر لا مضمر (¬1)، هذا نص العلماء من أهل العربية، والقول على ما أصلوا، لأن المصدر جنسٌ كسائر الأجناس، وتلك لا يضمر فيها، إذ (¬2) لا تعمل لولا أن المصدر باينها بأن حروفه حروف ما أصله العمل وهو الفعل. فإن استعملت المصدر مضافاً، فإن كان لازماً أضفته إلى فاعله، فقت: عجبتٌ من قيام زيد، فزيدٌ مجرور اللفظ بالإضافة مرفوع في الأصل بأنه فاعل، وكذلك (¬3) تنعته إن شئت بالمجرور حملاً على لفظه، وبالمرفوع حملاً على معناه، فتقول: عجبت من قيام زيدٍ العاقل، والعاقل إن شئت، وعلى ذلك أنشدوا: ( ................... ... طلب المعقب حقه المظلوم) (¬4) برفع المظلوم صفةً للمعقب. وإن كان متعدياً وذكرت مفعوله أضفته إلى أي الاسمين شئت، ¬

_ (¬1) في (ب): مضمن. (¬2) في (ج): ولا تعمل. (¬3) في (ج): ولذلك تتبعه. (¬4) التهجر: السير في الهاجرة، الرواح: ما بعد الظهر إلى الليل. هاجه: أزعجه. المعقب: الذي يطلب حقه مرة بعد مرة. والمعنى: أن هذا الحمار الوحشي الذي يصفه هاج أنثاه لطلب الماء حثيثاً كما يطلب المعقب حقه. الشاهد فيه وصف المعقب على الموضع بقوله المظلوم، لما كان المعقب في المعنى فاعلاً. والشاهد للبيد بن ربيعة العامري وصدره: (حتى تهجر في الرواح وهاجه) ويروى أيضاً: وهاجها. الديوان: 128 مقدمة الجمهرة: 113، معاني القرآن 2: 66، شرح الأبيات مشكلة الإعراب 247، اللسان (عقب) الخزانة 2: 329.

وأخرجت الآخر على أصله وأعربته بما يستحقه من الإعراب؛ تقول: عجبت من ضرب زيدٍ عمراً، إذا كان زيدٌ فاعلاً، ومن ضرب عمرو زيدٌ فتضيفه إلى المفعول إن شئت، إلا أن إضافته - إلى أي الاسمين أضفته - إضافة حقيقية إذ كان اسم جنسٍ كغيره من الأجناس، وإضافة اسم الفاعل المعمل إلى معموله إضافةٌ غير حقيقية لأنها في تقدير الانفصال، والمصدر يتخصص بالإضافة أو يتعرف إن كان مضافاً إلى معرفةٍ، واسم الفاعل ليس كذلك، والمصدر يضاف إلى مرفوعه ومنصوبه، أي ذلك أردت صح فيه، واسم الفاعل إنما يضاف إلى منصوبه لا إلى مرفوعه، لأن مرفوعه هو هو في المعنى ومسماه مسماه. والشيء لا يضاف إلى نفسه، والمصدر ليس كذلك، لأنه ليس هو مرفوعه، إذ كان مرفوعه، إما جثةً - والجثة لا تكون حدثاً - أو حدثاً هو غيره فاعرفه. وتقول على ذاك: عجبت من أكل زيدٍ الخبز ومن دق القصار الثوب، ومن أكل الخبز زيدٌ ودق الثوب القصار، وتقول في اسم الفاعل: زيدٌ ضاربٌ أبوه عمراً، فهذا الأصل، ثم تضيفه - إن شئت - تخفيفاً (¬1) إلى المفعول - وهو المنصوب به - فتقول: زيدٌ ضارب عمروٍ أبوه، ولا تقول: ضارب أبيه عمراً - على ما قلناه، لأن ضارباً هو الأب، والأب هو ضاربٌ في المعنى، والشيء لا يضاف إلى نفسه لأنه لا يتخصص بنفسه ولا يتعرف، وإنما يكون ذلك بغيره. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج) وحاشية الأصل في نسخة: تحقيقاً، وهو تصحيف.

واعلم أن هذين القسمين من أحوال المصدر قد استعملا في التنزيل فمن استعماله منوناً قوله سبحانه: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} (¬1) [البلد: 14]، ومن استعماله مضافاً إلى المفعول قوله عز وجل قال: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} (¬2) [ص: 24]. وأما القسم الثالث من أحواله، وهو استعماله بالألف واللام فقليل التردد في كلامهم، وقد مثل النحويون (¬3) بقولهم: الضرب زيدٌ خالداً قبيحٌ، وأنشدوا عليه: (لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا) (¬4) قالوا: أراد، عن أن ضربت مسمعا، وجعلوا هذا التقدير أولى من تقدير نصبه على حذف الجار وإفضاء الفعل، الذي هو كررت، ¬

_ (¬1) البلد 90: 14 {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} 15: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}. (¬2) ص 38: 34 {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... }. (¬3) انظر الكتاب 1/ 99 المقتضب 1/ 14. (¬4) الشاهد فيه نصب مسمع بالضرب وفيه الألف واللام وهو سائغ جائز. أولى المغيرة: أول الخيل تخرج للغارة والمراد فرسانها. النكول: النكوص والرجوع جبناً وخوفاً. مسمع هو مسمع بن شيبان (؟ ) أحد بني قيس بن ثعلبة. يقول: قد علم أول من لقيت من المغيرين أني صرفتهم عن وجوههم هازماً لهم ولحقت عميدهم فلم أنكل عن ضربه بسيفي. وهو للمرار بن سعيد الأسدي إسلامي (00 - 00) ونسب في الخزانة وابن يعيش إلى مالك بن زغبة الباهلي (؟ ). الكتاب 1: 99، الإيضاح العضدي 1: 116، شرح المفصل 6: 64، المقاصد النحوية 3: 501، الخزانة 3: 439.

كأنه في هذا التقدير: كررت على مسمع فلم أنكل عن الضرب، قالوا: وهذا لا يحمل الكلام عليه ما وجد عنه مندوحة. فأما التنزيل فلم يجيء في ظاهره شيء من هذا القسم، أعني إعمال المصدر معرفاً باللام، وأظنهم قد استنبطوا آية في القرآن حملوها على هذا القسم، والله أعلم بكتابه، وبالجملة، فهو معدوم في الفصيح من الكلام أو كالمعدوم، وعلة قلة هذا القسم في الاستعمال أنه يبعد من شبه الفعل في الحكم، إذ كان الفعل لا يتعرف البتة، وتقديره بأن والفعل - اللذين لا يعمل المصدر إلا بتقديرها مع الألف واللام فيه تعسف. فأما اسم الفاعل إذا كان بالألف واللام فإعماله حسنٌ بالغ، لأنك إذا قلت: يعجبني القائم أبوه كانت الألف واللام بمعنى الذي، فكأنك قد قلت الذي قام أبوه والذي يقوم أبوه، ولهذا أعمل إذا كان للماضي بلا خلاف بينهم، لأن الألف واللام اللتين فيه بمنزلة الذي، فهما حرفٌ موصولٌ أو اسمٌ موصول، واسم الفاعل معهما بمنزلة الفعل المحض، فكأنه قد لفظ بـ"قام" حين لفظ بالقائم، ولا محالة أن الفعل يعمل لأي زمن كان من ماضٍ وحاضرٍ ومستقبلٍ، ولو تجرد منهما وكان ماضياً لم يعمل عمل الفعل في قول الجمهور كما تقدم. وقد ذكرنا أنه يحمل عليه وصفه أعني فاعل المصدر، إذا أضفت المصدر إليه، فتجر على اللفظ وترفع على الموضع، وكذلك حكم المفعول، وكذا العطف، تحمله على اللفظ فتجر وعلى الموضع فتجريه على الإعراب الذي يستحقه الاسم المجرور في الأصل إن فاعلاً وإن مفعولاً فتقول: يعجبني قيام زيدٍ وعمروٍ، وإن شئت: وعمروٌ، وعجبت من أكل الخبز والتمر زيدٌ، وإن شئت: والتمر، قال:

(قد كنت داينت بها حسانا ... مخافة الافلاس والليانا) (¬1) لأن الافلاس، وإن كان مجروراً بالإضافة، فهو (¬2) في موضع نصب لأنه في المعنى مفعول لمخافة. ومن لوازم المصدر أنه لا يفصل بينه وبين معموله بأجنبي، لكونه عندهم موصولاً بمعموله، وأنه يعمل على كل حال ما قدر بأن والفعل سواءٌ كان للمضي أو للحضور أو للاستقبال، وكونه للحضور بعيدٌ في التقدير لأنه يقدر بأن والفعل إذا أعمل، و"أن" لا تدخل على حاضرٍ وإنما تعمل في المستقبل، ولكنك يمكنك أن تشير إلى ضربٍ موجود موقعٍ في حال إشارتك فتقول لضاربٍ رجلاً في حال إيقاعه الضرب به: هذا الضرب زيداً قاتله، فاعرف ذلك. ¬

_ (¬1) داينت: من المداينة وهي البيع بالدين، بها: أي بالإبل، حسان: اسم الرجل، الميان: مصدر لويته بالدين ليا وليانا إذا مطته وهو مصدر نادر لم يسمع نظيره على فعلان إلاشنآن في لغة إسكان النون. يقول: داين بالإبل حسان لأنه رجل مليء لا يماطل، مخافة أن يداين غير حسان ممن ليس: يمليء فيماطل، لإفلاسه والشاهد فيه نصب الليان بإضمار فاعل تقديره "وأن خفت" وقيل: يجوز أن يكون معطوفاً على "مخافة" والتقدير مخافة الإفلاس ومخافة الليان، ثم حذف المضاف وهو "مخافة" الثانية، وأقام المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه. نسبة سيبويه إلى رؤبة، ونسبة ابن يعيش إلى زياد العنبري (؟ )، وذكر العيني في المقاصد النحوية أنه ينسب إليه. الكتاب 1: 98، الإيضاح العضدي 1: 159، شرح المفصل 6: 65، مغني اللبيب 2: 28، المقاصد النحوية 3: 52، الخزانة 2: 328، ولم أعثر عليه في ديوان رؤبة. (¬2) في (آ) و (ب) و (ج): فهو في معنى مفعول لمخافة.

ألفاظ سميت بها الأفعال

ومما أعمل عمل الأفعال ألفاظ سميت بها الأفعال أي قامت مقامها ودلت عليها بعملها (¬1) عملها، وذلك اختصارٌ منهم، فسميت أسماء الأفعال بهذا تعرف في الصناعة لأنها، كما قلنا، شبهت في دلالتها (¬2) عليها بدلالة الاسم على مسماه. والفرق بينها وبين مسمياتها من الأفعال أنها وإن عملت عملها فإنها ليست بصريح أفعال لعدمها (¬3) التصرف الذي هو خاصٌ بالفعل، ولذلك نقص تصرفها في معمولها عن تصرف الفعل وانحطت في ذلك عن رتبته، وألفاظ الأفعال دوال على المعاني التي وضعت لها، وهذه دوال على تلك الألفاظ، فهي أسماءٌ لألفاظها؛ ألا ترى أن لفظ "بَعُدَ" دالٌ على المعنى الذي تحته، وهو خلاف القرب، وقولك هيهات اسم للفظ "بعد" أي دالٌ عليه، وفيه مع ذلك زيادة (¬4) هي المبالغة والاختصار. أما المبالغة فلأنه يدل على شدة البعد، فكأنه قال (¬5) في قوله: هيهات خرقاء .............................................. (¬6) ¬

_ (¬1) في (ج): فعملت عملها. (¬2) في (ج): في دلالتها على الأفعال إذا عملت عملها بدلالة. (¬3) في (ج): بعدمها. (¬4) في (ج): زيادة معنى. (¬5) في (ج): فكأنه قد قالز (¬6) (هيهات خرقاء إلا أن يقربها ... ذو العرش والشعشعانات الهراجيب) الشعشعانات: الطوال ويعني الإبل، الهراجيب جمع هرجاب وهي الناقة الطويلة. والشاهد لذي الرمة. وهو في الديوان 50، الخزانة 1/ 123.

بعدت جداً أو بعدت كل البعد خرقاء، ولعله (¬1) يخرج بتبعيده الشيء والمبالغة (¬2) في ذلك في كثير من الأمر إلى أن يؤيس منه. وأما الاختصار فإن اسم الفعل – وهو اللفظة التي قامت مقامه – تكون مع الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما على صورة واحدةٍ، تقول في الأمر للواحد: صه يا زيد، وفي الاثنين: صه يا زيدان؛ وفي الجماعة: صه يا زيدون، وفي الواحدة: صه يا هند، وصه يا هندان، وصه يا هندات. ولو جئت بمسمى هذه اللفظة – وهو اسكت – لقلت: اسكت، واسكتا، واسكتوا، واسكتي، واسكتا، واسكتن؛ فاعرفه. واعلم أن هذه الأسماء (¬3) المسمى بها الفعل بابها الأمر، لأنه الموضع الذي يجتزأ فيه بالإشارة في أكثر الأحوال عن النطق بلفظة الأمر، واستعمالها في الخبر قليل؛ وقد بينا المراد بها وأنها جيء بها للاختصار. إلا أن الاسم أو اللفظة المستعملة اسماً للفعل يتضمن ضمير الاسم المسند إلى فعلها بحسب كميته كما يتضمنه فعلها (¬4) وإن لم يظهر له لفظ كما يظهر (¬5) مع الفعل في كثير من أحواله؛ فإن كان الاسم واحداً كان ضميره الذي تضمنه اسم الفعل واحداً، وإن كان اثنين كان ضمير اثنين، وإن كان لجماعةٍ، كان الضمير لجماعة، وكذا حكم البواقي. ¬

_ (¬1) في "ج": وكأنه. (¬2) في "ج": للمبالغة و"د": أو المبالغة. (¬3) في "ج": الكلم. (¬4) يلي ذلك في "ج" الذي هو مسماها. (¬5) في "ج" و"د": يظهر له.

فأما كونها في الأغلب للأمر، فإن المراد بها – مع ما فيها من مبالغةٍ الاختصار، والاختصار يقتضي حذفاً، والحذف يكون مع قوة العلم بالمحذوف، وهذا حكم مختص بالأمر، لأن الأمر يستغنى فيه في كثير من الأمر عن ذكر ألفاظ أفعاله بشواهد الحال (¬1)، كقولك لمن رأيته قد أشرع رمحاً أو سدد سهماً أو أشال (¬2) سوطاً أو شهر سيفاً؛ زيداً أو عمراً، وتستغني بشاهد الحال عن أن تقول: اطعن، أو ارم، أو اضرب، ويكفي من ذلك الإشارة أو غيرها مما ليس بلفظ بل يقوم مقامه، والخبر ليس كالأمر في ذلك، فلذلك قل استعمال هذه الأسماء في الخبر وكثر استعمالها في الأمر، فكان معظم بابها عليه، لأنه إذا حذف اللفظ الدال على الأمر من صريح الأفعال اكتفاءً بالحال منه، فلأن يكتفي بلفظٍ لغرضٍ آخر صحيحٍ من فعل (¬3) الأمر أولى؛ وذلك الغرض هو ما أسلفناه من المبالغة في هذه الأسماء المسمى بها الأفعال، إلا أنه لما كان الحذف أيضاً قد يقع في بعض الأخبار لدلالة الحال على المعنى المراد ووضوح الأمر فيه، وكونه محذوفاً كمنطوق به لقوة الدلالة عليه استعملت أسماء من أسماء الأفعال في الخبر فجاءت فيه كما جاءت في الأمر، (إلا أنها قليلة بالإضافة إلى تلك، أعني التي جاءت في الأمر). فمن التي جاءت في الأمر؛ صه ومعناها اسكت ومه ومعناها اكفف، وإيهٍ ومعناها حدث وإيهاً ومعناها اقطع الحديث، ورويدك ¬

_ (¬1) في "آ" و"د" الأفعال. (¬2) أشال: رفع. (¬3) في "ج" من لفظ.

وتكون بمعنى اتئد، وعلى رسلك فتكون لازمةً أي اسماً لفعلٍ لازم، ورويدك زيداً؛ أي أمهل زيداً (فتكون اسماً لفعل متعدٍ، وعليك زيداً) بمعنى خذه والزمه، ودونك عمراً أي تناوله من قربٍ) (¬1)، ووراءك بمعنى تأخر وأمامك بمعنى تقدم، وإليك بمعنى تنح؛ فهذه أمثلة جاءت في فعل الأمر أسماءً له، منها اللازم نحو إليك وصه ومه وما جرى مجراها مما يفسر باللازم ومنها المتعدي نحو عليك زيداً، ودونك عمراً ونحوهما مما يفسر بالمتعدي، ومنها ما استعمل تارةً لازماً وتارةً متعدياً، كرويد في قسمين من أقسام استعمالها. ونظير الاسم من هذه الأسماء مما استعمل تارةً لازماً وتارة متعدياً في الأفعال الصريحة ما جاء على صيغة واحدةٍ، وذلك نحو: شحا زيدٌ (¬2) فاه وشحا فوه، وفغر فاه وفغر فوه؛ ورجع زيدٌ ورجعته، ولذلك اختلف مصدراهما فقلت في المتعدي: رجعته رجعاً، قال الله تعالى {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (¬3) [الطارق: 8] وفي اللازم رجع رجوعاً، قال: ( .................. ... أن لا إلينا رجوعها) (¬4) وفي هذه الكلم المسمى بها الأفعال أحكامٌ كثيرةٌ من أحكام ¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط من "ب". (¬2) شحا: فتح. (¬3) الطارق 86: 8. (¬4) لم أجد من ينسبه، وهو بتمامه: (بكت جزعاً واسترجعت ثم آذنت ... ركائبها أن لا إلينا رجوعها) وهو في الكتاب 1/ 355، المقتضب 4/ 361، أمالي ابن الشجري 2/ 225، شرح المفصل 2/ 112، الخزانة 2/ 88.

الأفعال (¬1) منها أن فيها الموضوع والمنقول والمشتق كما في الأفعال، فالموضوع كصه ومه، والمنقول كعليك وإليك ودونك، والمشتق كتراك ونزال، وحذار، وبداد، إذا أردت، اترك وانزل احذر وبدد. وللناس خلاف في هذا القسم، وهو المسمى معدولاً عن فعل الأمر وهو المعدول من لفظ الفعل الثلاثي؛ فمنهم من يطرده في كل ثلاثي من الأفعال لكثرة ما ورد منه فيمده قياساً؛ فهذا يقول في الأكل: أكال وفي الكتابة: كتاب وفي العلم: علام، يريد: كل واكتب واعلم؛ وهذا غير مسموع منهم. ومنهم من يقف عندما جاء عن العرب منه، ولا يقيس عليه، وهو (¬2) القول عندي، كما أن الأكثرين يقفون (¬3) على (¬4) الجار والمجرور المنقول إلى باب أسماء الأفعال نحو إليك وعليك وعنك في مثل قول الأفوه (¬5): ¬

_ (¬1) في "ج": الأسماء. (¬2) في "ج": وهو أعجب إلي. (¬3) يلي ذلك في "ج": فيما نقل إلى هذا الباب من الجار. (¬4) في "ب" و"د" وحاشية الأصل في نسخه: في. (¬5) صلاءة بن عمرو بن مالك من بني أود، من مذجح: شاعر يماني جاهلي (00 – 50/ 570) قالوا: لقب بالأفوه لأنه كان غليظ الشفتين، ظاهر الأسنان، وقل لأنه كان ناطق اللسان متفوهاً. الشعر والشعراء: 59، شعراء النصرانية: 70. مذجح. قبيلة الشاعر. الشاهد فيه أن "عنك" اسم فعل أمر. وعجز الشاهد: ورويداً يفضح الليل النهار. وهو في ديوانه من الطرائف الأدبية 13، الصاحبي 68.

(عنكم في الأرض إنا مدجحٌ ... ..................... ) وقول علي (¬1) عليه السلام: ( ................. ... عني وعنهم أخروا أصحابي) أي أبعدوا، إلى ما سمع من العرب من ذلك. وأجاز الكسائي الإغراء بجميع حروف الصفات على ما روي عنه، ويريد أهل الكوفة بالصفات إذا قالوا: حروف الصفات حروف الجر والظروف، لا جراء الجار مجرى الظرف، وليس الأمر على ما قال في قياسه هذا، بل هذا الباب أضيق من الأول الذي وقفناه قبل هذا على السماع دون القياس، وأما المستعمل من أسماء الأفعال في الخبر، فكقولهم: شتان زيدٌ وعمرو؛ وهو اسمٌ لتفرق أي تفرق ما بينهما، أي ما بين حاليهما قال: (شتان هذا والعناق والنوم ... .................... ) (¬2) ¬

_ (¬1) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب (23/ 600 – 40/ 661)، ولد بمكة وأقام بالكوفة إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم في مؤامرة رمضان (00 – 40/ 660) تاريخ الطبري 6: 83. والشاهد مطلع قصيدة قالها يوم الخندق في قتل عمرو بن عبدود (؟ ) وصدره: (أعلي تقتحم الفوارس هكذا) الديوان: 12. (¬2) المعنى: افترق الذي أنا فيه من التعب والمشقة، فليس يشبه المعانقة والراحة والنوم والماء العذب والظل الدائم. وهو في مجاز القرآن 1: 404 البيان والتبيين 3: 220، الجمهرة 2: 87، التشبيهات: 85، شرح المفصل 4: 37، شذور الذهب: 403، اللسان (دوم)، الخزانة 3: 49. والشاهد للقيط بن زرارة بن عدس بن تميم ويكني أبا نهشل (00 – 53/ 571) وصلته بعده والمشرب البارد والظل الدوم.

وهذا على من فتح النون منها، وذاك هو الأشهر الأعرف دون كسرها، وكذا قولهم: سرعان ذي إهالةً، أي سرعت، وفي أمثالهم "سرعان ذي إهالةً وحقنا" (¬1) أي ما أسرعها، والإهالة الشحم المذاب. وكذا قولهم في التبعيد والمبالغة فيه: هيهات، وهو اسمٌ لبعد قال تعالى {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} (¬2) [المؤمنون: 36]، وقال الشاعر: (فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خلٌ بالعقيق نواصله) (¬3) ¬

_ (¬1) سرعان بمعنى سرع، نقلت فتحة العين إلى النون فبني عليها، وكذلك وشكان وعجلان وشتان. وأصل المثل أن رجلا كانت له نعجة عجفاء، وكان رغامها يسيل من منخريها لهزالها، فقال سرعان ذا إهالة. أي سرع هذا الرغام حال كونه إهالة ويجوز أن يحمل على التمييز تقدير نقل الفعل مثل قولهم: تصبب زيد عرقاً. وفي رواية أخرى، وشكان ذا إذابة وحقنا، أي ما أسرع ما أذيب هذا السمن وحقن، ونصب إذابة وحقنا على الحال كما يقال: سرع هذا مذاباً ومحقوناً، يضرب في سرعة وقوع الأمر، ولمن يخير بالشيء قبل أوانه. جمهرة الأمثال 1: 519 مجمع الأمثال 1: 336، 2: 367. (¬2) المؤمنون 23: 36. (¬3) العقيق: هو في الأصل كل مسيل ماء شقة السيل في الأرض فأنهره ووسعه، وسمي به أماكن كثيرة في بلاد العرب، والبيت لجرير، والشاهد فيه مجيء هيهات بمعنى بعد ورفع العقيق وخل على الفاعلية. الديوان: 479، معاني القرآن 2: 235 الصحاح "هيه" شرح المفصل 4: 35 اللسان "هيه"، أوضح المالك 3: 119، شذور الذهب: 402 مع اختلاف في الرواية.

وفي "هيهات" لغاتٌ واستعمالات كثيرةٌ، ككسر تائها، وفتحها وتنوينها وترك تنوينها، وإبدال هائها الأولى همزةً مع ما ذكرنا، إلى غير ذلك مما حكوه من (¬1) فاشٍ فيها، وغير فاش. وتقصر هذه الألفاظ المستعملة أسماءً للأفعال بأن معمولاتها – من الفضلات التي يسوغ مع الأفعال تقديمها – لا يجوز تقديمها معها عند البصريين (¬2) ومن نحا نحوهم فلا يجيزون: زيداً عليك في قولهم عليك زيداً، وإن كان ذلك سائغاً (¬3) في قولك: زيداً خذاً وألزم لعدم تصرفها وخروجها بذلك عن سنن الأفعال التي قامت مقامها، إذ كان للأصول ما ليس للفروع من التمكن في الأحكام والاتساع فيها، وأجاز ذلك البغداديون، واحتجوا بظاهر مسموعات حملها أهل البصرة على التأويل منها قوله تعالى {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (¬4) [النساء: 24] قالوا التقدير عليكم كتاب الله، فهو – أعني كتاب الله – منصوبٌ عندهم بقوله: عليكم، على الإغراء، وقد تقدمه (¬5). وقال من لم يجز التقديم في معمولات هذه الكلم، قوله: ¬

_ (¬1) في "ج": من قياس فيها وغير قياس. (¬2) يجوز تقديمها عند الكوفيين. الانصاف 1/ 228. (¬3) في "ب" و"د": شائعاً. (¬4) المحصنات: ذوات الأزواج، النساء 4: 23 {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ... }. انظر المحتسب 1/ 85. (¬5) في "ج": تقدمها.

"كتاب الله" ليس بمنصوبٍ على الإغراء وليس باسم المكتوب، بل هو مصدر بمنزلة الكتب والكتابة وناصبة فعلٌ مضمرٌ دل عليه ما تقدم من الآية، وهو قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (¬1) [النساء: 23] إلى قوله {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] لأن قوله "حرمت" يدل على أن ذلك مكتوب عليهم، فانتصب بالفعل الذي دل عليه "حرمت" فكأنه قال: كتب ذلك كتاباً عليكم، أي كتابةً، أو كتبه الله كتاباً عليكم، وهذا معناه عندهم، فالكتاب على هذا كالخلق، يكون المصدر ويكون المخلوق؛ وجمعوا في هذا الاستدلال بين هذه الآية وبين قول الشاعر: (ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طي المحمل) (¬2) فنصب "طي المحمل" بما دل عليه ما تقدمه من البيت؛ كأنه قال: طوي طي المحمل. واحتج من أجاز التقديم في معمول هذه الكلم بقول الآخر أيضاً: ¬

_ (¬1) النساء 4: 22 {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ .. }. (¬2) نعته بالضمور فشبهه في طي كشحه وإرهاف خلقه بالمحمل وهو حمالة السيف، ويقول: إنه إذا اضطجع لم يمس الأرض إلا منكبه وحرف ساقه، لأنه خميص البطن فلا ينال بطنه الأرض، والمنكب كمجلس: مجتمع رأس العضد والكتف. والبيت لأبي كبير الهزلي عامر بن الحليس "؟ " يقوله في تأبط شراً (00 – 80/ 540) وكان أبو كبير عامر بن الحليس زوج أمه. ديوان الهزليين 2/ 93 الكتاب 1: 18، حماسة أبي تمام 1: 87 شرح الحماسة للمرزوقي: 90، الانصاف: 220، المقاصد النحوية 3: 54 الخزانة 3: 467.

(يا أيها المائح دلوي دونكا) (¬1) (إني رأيت الناس يحمدونكا) قالوا: أراد: دونك دلوي، فقوله: دلوي في موضع نصب –على هذا- بقوله: دونك. وتوله الآخرون على أنه إخبارٌ معناه الأمر، فجعلوا "دلوي" في موضع مبتدأ و"دونك" خبره فكأنه نبهه (¬2) عليها بالإخبار عنها بالقرب منه؛ قالوا: ويجوز أن يكون في موضع نصبٍ بفعل مضمرٍ دل عليه "دونك"، كأنه قال: خذ دلوي؛ والقياس مع هؤلاء لضعف هذه الكلم وقصورها عن قوه الأفعال. وكل هذه الكلم مبنيةٌ، لأنها إما محكيةٌ كالجار والمجرور، والظرف المضاف، إذا قلت عليك وإليك ودونك ووراءك، قال ¬

_ (¬1) المائح: الرجل يكون في جوف البئر يملأ الدلاء، فإن كان وقوفه على شفير البئر ينزع الدلاء ويجذبها فهو ماتح. دونكا: خذ، دلوي: مفعول به مقدم لدونك، وبهذا الظاهر أخذ الكسائي وجماعة من الكوفيين، وبنوا عليها قاعدة حاصلها أنه يجوز تقديم معمول اسم الفعل عليه، ولم يرتض البصريون ذلك. والشاهد من كلام راجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم. حماسة أبي تمام 2: 112، الجمهرة 2: 197، أسرار العربية: 165، الإنصاف 228، شرح المفصل 1: 117، شذور الذهب: 407، أوضح المسالك 3: 120، مغني اللبيب 2: 674. (¬2) في (د): نبه عليه.

الفرزدق (¬1) يخاطب نفسه: (وراءك واستحيي بياض اللهازم) (¬2) وربما جعلوا الظرف غير محكي، فلا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت له في حال إعرابه. وإما مبنيةٌ لوقوعها موقع فعل الأمر؛ وذاك مبنيٌ، بل لو وقع موقع فعلٍ على الإطلاق، وجرى مجراه في الدلالة لكان ذلك علة في بنائه، فكيف والفعل الذي أجريت هذه الكلم، في الغالب، مجراه مبنيٌّ عند المحققين (¬3)، بل لا خلاف عند الجميع في أن أصل ما وقعت هذه الكلم موقعه البناء؛ وهو الفعل على الإطلاق (¬4). ¬

_ (¬1) همام بن غالب التميمي الدارمي (00 - 110/ 728) الشاعر الأموي. توفي في بادية البصرة وقد قارب المئة. الأغاني 9: 324، وفيات الأعيان 2: 196. والبيت من قصيدته في مقتل قتيبة بن مسلم (49/ 699 - 96/ 715)، وصدره: (إذا جشأت نفسي أقول لها ارجعي) الديوان: 851. (¬2) في "ج": لكان ذلك كافياً في علة بنائه. (¬3) انظر الكتاب 1/ 122. (¬4) يرى ابن الخشاب أن فعل الأمر مبني، وقد سبق له أن تبنى رأي الكوفيين في إعرابه. والأمر بغير اللام كقولك: قسم وانطلق، مبني على السكون، وهو الأصل في قول البصريين.

ولو قيل فيما كان منها غير منقول ولا محكي ولا متنزلٍ منزلة الصوت إنه بني لأنه خرج عن منهاج بابه – وهو الأسماء – لقيل: قول قويٌ. وربما قالوا فيما كان منها غير أمرٍ: إنه بني حملاً على الأمر، وذلك ما كان منها خبراً فاستحق الجميع البناء. والأصل فيها أن تبنى على السكون كصه ومه، وما خرج عن ذلك فلأسباب أكثرها ظاهر الأمر، كعليك وإليك، لأنك لا تمتري في أن كاف الخطاب مبنيةٌ على الفتح إن كانت لمذكر وعلى الكسر إن كانت لمؤنث، وعلى هذا فتصفح البواقي.

القسم الثاني من الأسماء العاملة وهو ما يعمل عمل الحرف

القسم الثاني من الأسماء العاملة وهو ما يعمل عمل الحرف وهو إما جارٌ، وإما جازمٌ؛ فعمل الجر في الأسماء يكون بالإضافة؛ وأصل الإضافة إمالة الشيء إلى الشيء ونسبته إليه؛ وهي في الكلام على ضربين، إضافة محضة وإضافة غير محضة، فالمحضة على ضربين: إضافة بمعنى اللام وإضافة بمعنى من، فالتي بمعنى اللام تسمى إضافة الملك أو الاستحقاق كقولك غلام زيد أي هو مالكه، وسرج الدابة، ومسجد عمرو، أي هما مستحقا هما، إذ الدابة تستحق السرج ولا تملكه، وكذا المسجد يستحق عمروٌ أن ينسب إليه إن كان بانيه مثلاً، ولا يملكه، إذ كانت المساجد لا تملك أو يستحقه للصلاة فيه إذا (¬1) كان مسلماً، ولا يستحق من ليس بمسلم. والاستحقاق أعم من الملك، لأنك تقول: كل مالكٍ مستحقٌ لملكه، وليس كل مستحقٍ مالكا، والمثال فيهما ظاهر. فعلى هذا معنى "غلام زيدٍ" غلامٌ لزيدٍ، ومعنى سرج الدابة: سرجٌ للدابة، فلهذا كانت هذه الإضافة - على انقسامها إلى نوعين - إضافةً بمعنى اللام. ¬

_ (¬1) في (آ): إن.

وأما الإضافة بمعنى "من" فكقولك خاتم فضةٍ، وباب ساجٍ (¬1) وثوب خزٍ والمراد بهذه الإضافة تبيين جنس المضاف بإضافته إليه، فالمعنى ثوبٌ من خزٍ وبابٌ من ساج وخاتم من فضة، فلهذا قيل: إضافةٌ بمعنى "من" كما قيل في الأولى إضافةٌ بمعنى اللام. فالأول من الاسمين المضاف أحدهما إلى الآخر عاملٌ في الثاني الجر، إذ (¬2) كانت الإضافة محضة (¬3) بحكم النيابة عن أحد هذين الحرفين، لا (¬4) أنه تضمنه أي تضمن الحرف – على ما أصلوا – يكون مبنياً، إذ كان أحد علل بناء الأسماء تضمن معاني الحروف. ولما كانت الإضافة المحضة، على ما ترى، منقسمة إلى هذين القسمين ظهر الفرق بينهما في كثير من المواضع بالمعنى، وذاك مفهومٌ بأول نظرٍ، كقولك: غلام زيدٍ، وثوب خز. ووردت إضافات لا تبين (¬5) بأول نظرٍ من أي القسمين هي، أمن الإضافة بمعنى اللام أم من الإضافة بمعنى "من"، فوجب أن ترسم كل واحدةٍ من الإضافتين برسمٍ تنفصل به عن الأخرى، ويتضح التمييز بهما فيما أشكل من الإضافتين كل الوضوح لأنك إذا سبرت الإضافة ¬

_ (¬1) الساج: شجر ينتج أحد أجود الأخشاب الصلبة. (¬2) في (ب): إذا. (¬3) في (د): مختصه. (¬4) في (آ): لأنه، تحريف. (¬5) في (ج) و (د): تتبين.

بأحد الرسمين ووجدته صحيحاً فيها حملتها عليه وإن لم يصح فيها فهي من القسم الآخر لا محالة، فتقول: إن من شرط الإضافة بمعنى "من" أن يكون الثاني وهو المضاف إليه مما يصح أن يقع – إذا فككت الإضافة ونونت الأول – صفةً للأول، أو خبراً عنه، والمثال فيه قولك: ثوب خز؛ ألا ترى أنه يصح فيه – إن شئت – وصف المضاف بالمضاف إليه، فتقول: عندي ثوبٌ خزٌ، وبابٌ ساجٌ، وخاتمٌ فضةٌ. ويقع المضاف إليه أيضاً في صورة أخرى، خبراً عن الأول، إذا قلت: الثوب خزٌ والباب ساجٌ والخاتم فضةٌ. والمعنى لم يستحل، وهو على ما كان عليه في الإضافة وإن تغير لضد الكلام، ولو أردت مثل هذا في الإضافة بمعنى اللام لم تستطع إذ كان الثاني ليس بجنس للأول، فلو قلت في قولك: غلامٌ زيدٍ غلامٌ زيدٌ، فوصفت الغلام بزيدٍ بعد فك الإضافة لم يجز، لأن زيداً ليس مما يوصف به. وإذا كانت الإضافة بمعنى "من" إذا فككتها ووصفت الأول بالثاني، لم يكن الوصف بالجنس إلا على التأويل؛ وكانت الصفة مقدرة تقدير المشتق، فالوصف بالجوامد مستحيل (¬1)، فكذا لو أخبرت به فقلت الغلام زيدٌ (¬2) وهو غيره كان محالاً، إلا أن تنزله تنزيله، وليس ذلك بالمقصود هنا، فتدبر ذلك واعتبر (¬3) به الإضافتين، فإنك تعرف به الفرق بينهما إن شاء الله. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): غيره مستحيل وفي (د): غير مستحيل. (¬2) في (د): ولم يكن اسمه زيداً كان محالاً .. (¬3) في (ج): واسبر به الإضافتين واعتبرهما.

فمن الإضافة بمعنى اللام إضافة الظروف إلى أربابها، كقولك: خلفك وقدامك وفوقك وتحتك ويمينك وشمالك، أي خلفٌ لك وقدام لك وكذلك البواقي. والأمر في ذلك ظاهر، إذ ليس المكان بعضاً للشخص الذي أضيف إليه وكذا إضافة "كل" كقولك كل القوم وكل الناس هي إضافة بمعنى اللام، لأن الأول – وهو كل – ليس ببعض لثاني، إذ "كل" اسم لمجموع أجزاء الشيء، فالأمر في المعنى بالعكس من الإضافة التي بمعنى "من" وكذا لا يكون الثاني وصفاً للأول عند فك الإضافة ولا خبراً عنه إن قدر خبراً. وكذا قولك: رأس زيدٍ، ويد عمرو؛ إضافةٌ بمعنى اللام أيضاً، وإن أوهمت أن الأول بعض الثاني، يدلك على ذلك وأنها ليست بمعنى من أنك لو وصفت الأول بالثاني أو أخبرت (¬1) به لم يصح، وكذا بقية أجزاء الشخص كالرجل والبطن وغيرهما. ومن الإضافة بمعنى "من" إضافة الأعداد إلى ما يميزها ويبين من أي شيء هي. وإضافتها لا تخلو من أن تكون إلى جمع أو مفرد، فالجمع تضاف إليه جموع القلة؛ وهي العشرة فما دون ذلك (¬2) كقولك: ثلاثة أبوابٍ؛ وخمسة رجال وعشر نسوةٍ، ولو أضفت هذا الضرب إلى مفردٍ لم يستقم؛ لو قلت: تسعة رجلٍ أو خمسة ثوبٍ لم يجز، فإن كان المضاف إليه لفظ العدد مفرداً في اللفظ مجموعاً في المعنى جازت ¬

_ (¬1) في (ج): وأخبرت عنه به. (¬2) في (ب): فما دونها.

الإضافة إليه كرهطٍ ونفرٍ هما مفردان في اللفظ؛ ومعناهما الجمع قال الله تعالى {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} (¬1) [النمل: 48]. فإذا تجاوزت العشرة بطلت الإضافة، ولزم التمييز بواحدٍ منصوبٍ، كقولك: أحد عشر رجلاً وثلاث عشرة امرأة، وكذلك إلى تسعة وتسعين. فأما نصب أسماء العقود من العشرين إلى التسعين لما ميزت به فعلى التشبيه بأسماء الفاعلين على ما علل النحويون (¬2)؛ فقولك: عندي عشرون رجلاً مشبهٌ عندهم بقولك: ضاربون رجلاً، ووجه الشبه بينهما أن قولك: عشرون – جمعٌ، وإن شئت قلت: عددٌ، وإن شئت، قلت: كثرةٌ؛ كما أن قولك: ضاربون كذلك، وهو (¬3) ممنوع بالنون عن (¬4) الإضافة إلى ما بعده، كما أن المشبة به ممنوع بها من الإضافة إلى ما بعده، وأن المنصوب مبينٌ للأول وهو عشرون كما أن مفعول ضاربين مبينٌ لزيادته (¬5) في الفائدة؛ و"عشرون" بما فيه من إبهامٍ يشبه الفعل لما فيه من تنكير. ولما كان الشبه لفظياً فقط لم يتنزل "عشرون" وبابه منزلة ¬

_ (¬1) النمل 27: 48 {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}. (¬2) انظر المقتضب 3: 34. (¬3) في (ب) و (ج): وهذا. (¬4) في (ج): من. (¬5) في (ج) و (د): لزيادة.

"ضاربين" في جميع أحواله بل قصر عنه إذ (¬1) كان عمله حملاً عليه، فلذلك عمل في مخصوصٍ؛ وذلك هو المفرد النكرة فقط؛ وضاربون يعمل في المعرفة والنكرة والمفرد وما زاد على المفرد، كقولك هؤلاء قومٌ ضاربون رجلاً أو ضاربون زيداً أو ضاربون رجالاً، أو الزيدين أو الزيود. ويجوز تقدم منصوبه عليه لجريه في ذلك مجرى فعله الذي يجرى عليه فأنت تقول: زيدٌ عمراً ضاربٌ كما تقول عمراً يضرب، ثم تقول: الزيدون العمرين ضاربون كما تقول: العمرين يضربون، والعشرون ليس بها تصرفٌ فيتقدم منصوبها عليها، فلا تقول: عندي رجلاً عشرون وكذا لا تفصل بينها وبينه في الاختيار والسعة، فلا تقول: عندي عشرون في الدار رجلاً؛ تريد: عندي عشرون رجلاً في الدار، وذاك تفصل بينه وبين منصوبه في الاختيار وحال السعة إن شئت، فتقول: القوم ضاربون في الدار عمراً، وهذا الضرب (¬2) المفصول به معمولٌ أيضاً لضاربين؛ لكنه على كل حال قد فصل بينه وبين منصوبه (¬3) المشبه به المميز؛ وهو "رجلاً" في قولك: عشرون رجلاً. وإذا بلغت المائة عدت في تبيينها إلى الإضافة فأضفتها إلى مفردٍ لا جمعٍ، فقلت: مائة – رجلٍ ومائة امرأة؛ وكذلك المئتان، وما زاد عليها من العقود الباقية إلى الألف، تقول: عندي مائتا درهم وثلاثمائة درهمٍ، وكذلك الألف تقول: الف درهم وألف غلام. ¬

_ (¬1) في (ج): إذ كان في عمله محمولاً عليه. (¬2) في (آ) و (د): الظرف. (¬3) يلي ذلك في (ج): وهو مفعول به صحيح، وهو المشبه به.

واعلم أن في إضافة المائة إلى المفرد لطيفةً، وذلك أنها أخذت شبهاً من العشرة وشبهاً من التسعين، فكان مبينها وهو الاسم الذي أضيفت إليه مركباً حكمه من حكمي مبني العشرة والتسعين. أما شبهها بالعشرة، فلأنها أول عقد من جنسها كما أن العشرة أول عقد من جنسها؛ وذلك أنها عشر عشرات كما أن العشرة عشرة آحاد، فتستحق مبينها أن تكون مضافة إليه كما كان ذلك في العشرة. وإن شئت قلت: فاستحقت أن تكون مضافةً إلى مبينها، كما كان ذلك في العشرة. وأما شبهها بالتسعين فلأنها أول عقد يليها، فأخذت منها بحكم شبهها بها بيانها بالمفرد كما تبين التسعون به، إلا أن مبين التسعين مفردٌ مخصوص بالتنكير مقصور عليه، ومبين المائة – وإن كان مفرداً – فليس بمقصورٍ على النكرة، بل يكون نكرةً تارة كقولك: مائة درهم؛ ومعرفةً أخرى، وذلك إذا قصد تعريف المائة لتتعرف بإضافتها إليه، إذ كان المضاف إلى المعرفة إضافة محضة متعرفاً بإضافته إليها فتقول في هذا الوجه: أخذت مائة الدينار، وقبضت مائة الدينار. وإضافة المائة عند المدققين إضافةٌ بمعنى اللام، وإضافة ثلاثمائةٍ وما بعدها من العقود إلى تسعمائة إضافةٌ بمعنى "من"، وذلك أن المائة عدد عندهم كما تعلم، وما أضيفت إليه معدودٌ، والعدد ليس ببعضٍ للمعدود ولا هو منه، بل له فكانت إضافة مائةٍ ومائتين لذلك إضافةً بمعنى اللام، وثلاثٌ وأربعٌ من قولك: ثلاثمائة وأربعمائة عددٌ والمائة التي تقع الإضافة إليها عددٌ أيضاً، فهي إضافة عددٍ إلى عدد،

والعدد من العدد، فكانت هذه الإضافة – على ما حرر هؤلاء – إضافةً بمعنى "من". فعلى هذا ينبغي أن يكون في قولهم: ثلاثمائة درهم وبابه إضافتان الأولى بمعنى "من" والأخرى بمعنى اللام، وعلى هذا التعليل كلامٌ يدق عن هذا المختصر فلا نطيل به، بل قد نبهنا عليه. وكان القياس عندهم على (¬1) ما استقر من إضافة العدد القليل إلى جمعٍ لا مفردٍ، حين قلت: ثلاثة رجال، وخمس نساء أن يقال في ثلاثمائةٍ وأخوانها: ثلاث مئاتٍ أو مئين حتى تقع إضافة العدد القليل إلى الجمع لا إلى المفرد، لكن هذا من الموضع التي غلب فيها الاستعمال القياس، واستغني فيها بالمفرد عن الجمع. على أنه قد جاء في الشعر: ( ................... ... وخمس مئيٍ منها قسيٌ وزائف) (¬2) وكذا جاء فيه "ثلاث مئين"، وذلك أصل في القياس مرفوض، راجعه الشاعر، وللشاعر مراجعة الأصول المرفوضة في كثير من ضروراته. ومنزلة الألف مما قبله منزلة المائة في التشبيه والحمل، حتى ¬

_ (¬1) على: ساقطة من (آ) و (ج). (¬2) القسي: الزائف من الدراهم، سمي بذلك لقسوته وصلابته وشدته. الزائف: الرديء. والشاهد لمزرد (00 – 10/ 633) وصدره في الجمهرة 3: 14. (فكانت سراويل وسحق عمامة) إصلاح المنطق 1/ 200 وفي اللسان (قسي) و (مأي): وما زودوني غير سحق عمامة.

أضيفت إلى المفرد، ولك إضافته إلى النكرة والمعرفة كما لك ذلك في المائة، والألف مذكرٌ، فلهذا قالوا: ألفٌ أقرع ولم يقولوا: قرعاء وأتوا في عدده بالهاء حين قالوا: ثلاثة آلاف وأربعة آلاف كما قالوا: خمسة رجال وستة أثواب؛ إلا أنه جاء عدده على الأصل في إضافته إلى الجمع لا إلى المفرد، فلم يندر كما ندر في المائة، قال تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} (¬1) [آل عمران: 124] وفي الأخرى "بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (¬2) وهذه الكلمة جمع على أفعالٍ، وإن كتبت في المصحف بصورة الواحد منه، وإنما فعل ذلك اختصاراً وعلماً بأن المعنى والاستعمال معلوم، وكثيراً ما يستغنى في الخط بصورة الواحد عن صورة الجمع للعلم بالمعنى، كما يستغنى في اللفظ الذي الخط ظل له ودالٌ عليه بالواحد عن الجمع، لأنه أخف منه، ولأنه يغني عنه، إذا كان المعنى معلوماً غير ملتبسٍ وذلك كما تكتب خمسة دراهم خمسة درهم. وتحقيق الخط في خمسة آلاف بهمزة بعدها ألف، لأن الألف بعدها همزة (¬3) هي فاء أفعالٍ قلبت ألفاً لاجتماع الهمزتين وصورت الهمزة الأولى المزيدة ألفاً. وقد يقتصر الكتاب وكثير من الناس على صورة ألف واحدة عليها مدة، ويثبتون الألف بعد اللام فاعرف ذلك. فهذا عمل الجر الذي تعمله الأسماء. ¬

_ (¬1) آل عمران 3: 124. (¬2) آل عمران 3: 125 {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا .... يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} مسومين: معلمين. (¬3) همزة: ساقطة من (د).

الأسماء التي عملت عمل "إن"

وأما الجزم بها فلتضمنها معنى الحرف الجازم، وذلك الحرف إن الشرطية خاصةً، فلا يجزم اسم إلا بتضمن معناها، لكن الأسماء التي عملت عمل "إن" وإن اتفق عملها مختلفة المعاني، فمن ذلك "من" تكون اسما لمن يعقل مع تضمنها معنى الجزاء، تقول: من تكرم أكرم، فتكون شرطاً في العقلاء خاصة كما كانت استفهاماً عنهم؛ وهي مبنية لتضمنها معنى حرف الشرط كما سبق، وجازمةٌ بتقديره ولها موضع من الإعراب بحسب المعنى، وتختلف باختلاف التقدير، فإذا قلت من تكرم أكرم كانت "من" في موضع نصب بالشرط الذي هو تكرم، وهو مجزوم بها نيابة عن الحرف، والجزاء - وهو أكرم - مجزومٌ بما كان ينجزم به مع "إن"، على الخلاف الذي بينهم فيه، وقد سبق، وكأنه في التقدير أي الناس تكرم أكرم وإذا قلت: من يقم أقم معه كانت "من" في هذه المسألة في موضع رفع بالابتداء، والشرط، مجزوم بها؛ وفيه ضمير "من"، وهو مرفوع بأنه فاعلٌ، والجزاء - وهو أقم معه - مجزوم كما تقدم. وقد روا لها إذا كانت مبتدأةً كما في هذه المسألة خبراً - وهو الجزاء - لأن المبتدأ يقتضي خبراً، والفعل مجزومٌ - كما تراه - شرطاً كان أو جزاءً؛ والقياس أن يكون الخبر الشرط، وإن كانت الفائدة إنما تتم بالجزاء، لأن الشرط وهو الذي يتسلط على هذا المبتدأ (¬1) تارة فيكون ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): إذ كان غير مشغول بضميره فينصبه، وإن شغل بضميره ارتفع بأنه مبتدأ.

منصوباً به، وتارةً يشغل بضميره فيرفع بالابتداء. ويكون ضميره المفعول (¬1)، وهذه صوره: زيداً ضربت وزيدٌ ضربته، وإن قلت إنه في موضع نصبٍ - مع اشتغال الفعل بضميره بإضمار فعل يفسره هذا الظاهر - جاز، وكان الفعل المقدر بين "من" والفعل الظاهر لا قبلتها على حد: زيداً ضربته، والتقدير: ضربت زيداً ضربته، بل تقدر في قولك: من تكرمه أكرمه، إذا جعلت "من" في موضع نصب من تكرم تكرمه أكرمه، لأن (¬2) الشرط والاسم الذي يتضمن معناه لهما صدر الكلام كالاستفهام، فلا يعمل فيه ما قبله وإنما يعمل فيه ما بعده، ولو قيل إنه مبتدأ لا خبر له، لقيامه مقام ما لا يحتاج إلى خبر، بل ما بعده مغنٍ عن خبره لكان قولاً، ولا يكسر هذا القول، ويدخل عليه الاسم المتضمن معنى الاستفهام في كونه ذا خبرٍ مع (¬3) ما تضمنه من معنى الحرف المستغني عن الخبر في قولك: من يقوم، لأن الشرط لا يكون إلا بالفعل، فلا يصح أن يكون بغيره فجملته لا تعرى عن (¬4) أن تكون فعلية، والاستفهام (¬5) لا يلزم فيه ذاك، فاعرفه فرقاً بينهما. ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): وهو العائد إلى المبتدأ. (¬2) في (ج): لأن حرف الشرط له صدر الكلام، وكذا الاسم الذي يتضمن معناه له الصدر، فلا يعمل فيه ما قبله كالاستفهام. (¬3) في (ج): مع تضمنه معنى ما لا يحتاج إلى خبر، وهو حرف الاستفهام، وذلك في قولك. (¬4) في (ج): من. (¬5) في (ج): والاستفهام ليس كذلك، فلا يلزم فيه ما يلزم في الشرط.

وبعد، فالإتباع أولى، وما قال (¬1) به المتقدمون في تقدير الخبر حسنٌ قوي. ومن أسماء الشرط "ما"، ويشرط بها فيما لا يعقل، تقول: ما تركب أركب، وكذا حكمها في الاستفهام أن تكون لما لا يعقل؛ ويستفهم بها عن صفات ما (¬2) يعقل، وقال تعالى في الشرط بـ"ما" {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (¬3) [البقرة: 197]، وقال عز من قائل {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} (¬4) [فاطر: 2]. وأما "أي" فتصلح للعاقلين وغيرهم كما كانت في الاستفهام لهما، لأنها، بعضٌ من كل، وهذا معنى يوجد (¬5) فيمن يعقل كما يوجد فيما لا يعقل، تقول: أي الناس تضرب أضرب كما تقول أي الناس تضرب؟ إذا استفهمت، وأي الخيل تركب أركب فتجزي (¬6) بها فيما لا يعقل كما تستفهم بها عنه فتقول: أي الخيل تركب؟ قال تعالى في المجازاة ¬

_ (¬1) في (ج): وما ذهب إليه المتقدمون من فرض الخبر لأن اسم الشرط مبتدأ والمبتدأ يقتضي خبراً فحسن جميل. (¬2) حاشية (آ) في نسخة: صوابه: من يعقل. (¬3) البقرة 1: 197 {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ... وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ... }. (¬4) فاطر 35: 2 {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ... }. (¬5) في (ج): يوجد ممن يعقل كما يوجد مما لا يعقل. (¬6) في (ج) فتجازي.

بـ"أي" {أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (¬1) [الإسراء: 110] وهي معربة من بين الأسماء المجازى بها كما كانت كذلك في الاستفهام، لعلة واحدة هي الحمل على النظير، أو النقيض أو عليهما. والنظير لها "بعضٌ" والنقيض لها "كلٌ"، وهما معربان فأعربت حملاً عليهما أو على أحدهما. ونظراً إلى أن الأصل في الأسماء الإعراب؛ إلا أنها في الموضعين أعني الجزاء والاستفهام، يعمل فيها ما بعدها لا ما قبلها، لأن المعنيين اللذين تضمنت (¬2) كل واحد منهما في موضعه لهما صدر الكلام، فلا يتقدم شيء مما بعدهما عليهما ولا يعمل ما قبلهما فيما بعدهما بحال، فجرت "أي" في الحكم على ذاك. و"أين" ظرف مكان؛ و"متى" ظرف زمان؛ و"حيث" ظرف مكان في غالب الاستعمال، وفي مشهور الأقوال، ويجازى بها إذا ضمت إليها "ما"، كما أن "إذا" في قولك "إذ ما" فيمن لم يرها موضوعة بل رآها مركبة ظرف زمان، وتلزم "حيث" و"إذ" إذا جوزي بهما "ما" و"أين" و"متى" يجازى بهما في الأكثر مع "ما" تقول: أين تذهب أذهب ومتى تقم أقم وأينما تذهب أذهب ومتى ما تقم أقم، قال الله تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ} (¬3) [النساء: 78]. ¬

_ (¬1) الإسراء 17: 10 {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ... }. (¬2) في ب "تضمنت معنى كل واحد منهما موضعه صدر الكلام. (¬3) النساء 4/ 78 {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ... }.

وقال الشاعر: (متى ما ير الناس الفقير وجاره ... غنيٌ يقولوا: عاجزٌ وجليد) (¬1) فأما "حيثما" فقولك: حيثما تكن أكن، و"إذ ما" قولك: إذ ما تنطلق أنطلق. وعلة لزوم "ما" هذين الظرفين (¬2) - لما أرادوا أن يجازوا بهما - أنهما ظرفان يضافان إلى الجمل بعدهما، فتكون تلك الجمل في موضع جرٍ بهما؛ كقولك في "حيث": حيث تكون أكون وفي "إذ" نحو قوله تعالى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} (¬3)، والجزاء بهما يقتضي الانجزام بعدهما؛ والإضافة تمنع ذاك لأنهما توضحهما وتخصصهما والجزاء يقتضي الإيهام؛ فإذا دخلت "ما" عليهما ركبت معهما في الجزاء فأبطلت الإضافة، وفصلتهما عن (¬4) الجملتين بعدهما، ¬

_ (¬1) الجليد: الصبور على المكاره، الحمال للأعباء، يروى هذا البيت للمعلوط بن بدل القريعي (؟ )، وينسب أيضاً لعبد الرحمن بن حسان (6/ 627 - 104/ 722)، ونسب أيضاً لرجل من بني قريع، والاستشهاد بالبيت لمجازاته بمتى، وليست ما هذه كافة، ولكنها زائدة للتأكيد، ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ متى ككلمة واحدة. وهو في حماسة؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ المفصل 4: 105، اللسان؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ (¬2) إذ ما عند سيبويه؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ المقتضب 2/ 46. (¬3) الأحزاب 33: 37؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ أمسك عليك زوجك ... ". (¬4) في (آ) و (د): ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

لأن المضاف شديد الاتصال بما أضيف إليه، وذاك يقتضي ألا يحول بينه وبينه شيٌ. فـ"ما" إذا دخلت عليهما فصلتهما، وأبطلت الإضافة كما ترى وأبهمتهما وهيأتهما لأن يشترط بهما فجاز معها استعمالهما في الكلم المشروط بها، بلزومها إياهما، وهما من قبل الجزاء بهما مبنيان أيضاً على ما كانا عليه، واستشهدوا على المجازاة بـ"إذ ما" بقوله: (إذ ما مررت على الرسول فقل له ... .................... ) (¬1) وقد حكوا ذلك، إلا أنها قليلة التردد، ناقصةٌ عن استعمال غيرها من الأدوات المذكورة معها في كثرة الاستعمال. وأما "أين" و"متى" فقد بينا أنك مخير في (¬2) إلحاقهما، إذا جازيت بهما "ما"، وإن لم تتساويا في كثرة الاستعمال، وعلة ذلك أنهما لا تضافان إلى الجملة بعدهما، فلم تلزمهما "ما"، بل إن لحقتهما فزائدةٌ تأكيداً، وربما كانت تأنيساً بالفصل بينهما، إذا استعملتا في الاستفهام، وبينهما إذا جوزي بهما، وإن كان إعراب الفعل إذا وقع بعدهما في الموضعين مختلفاً. ويؤنسك بهذا التعليل أن "ما" لا تزاد عليهما إذا استفهم بهما، فلا تقول: أينما انطلقت وأنت تريد: أين انطلقت؟ ولا متى ما تقول كذا تريد متى تقول كذا؟ فاعرفه. ¬

_ (¬1) الشاهد للعباس بن مرداس في مدح النبي (ص)، وعجزه: ( ........................ ... حقاً عليك إذا اطمأن المجلس) الديوان: 72، الكتاب 1: 423، الكامل: 429، شرح المفصل 4: 97 اللسان (أذذ)، الخزانة 3: 636، على اختلاف في الرواية. (¬2) في (د) في حذفهما وإلحاقهما.

وأنى بمعنى أين ظرف يستفهم به تارة كقوله تعالى {أَنَّى لَكِ هَذَا} (¬1) [آل عمران: 37]، ويجازى بها أخرى كقولك: أنى تقم أقم، قال: (فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها ... كلا مر كبيها تحت رجلك شاجر) (¬2) ومن الأسماء المجازى بها "مهما" في نحو قوله عز وجل: {مَهْمَا تَاتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (¬3) [الأعراف: 132] وقول امرئ القيس (¬4): ( ..................... ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل) وقولك: مهما تصنع أصنع، معناه: أي شيء صنعت صنعت. وللناس فيها أقوال (¬5)، منها أنها "مه" ضمت إليها "ما" ¬

_ (¬1) آل عمران 3: 37 {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ........ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}. (¬2) وصف داهية شنيعة وقضية عويصة دقيقة من أتاها ورام ركوبها التبس بها ونشب، واستعار لها مركبين، وإنما يريد ناحيتيها اللتين ترام منهما. الشاجر المختلف والمضطرب وشجرت بين الشيئين فرقت بينهما. البيت من قصيدة للبيد يخاطب بها عمه أبا مالك. الديوان 520، الكتاب 1: 432، شرح المفصل 7: 45، اللسان (فجر) شرح قطر الندى: 90، الخزانة 3: 190، 4: 210. (¬3) الأعراف 7: 131. (¬4) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي (130/ 497 - 80/ 545) يعرف بالملك الضليل لاضطراب أمر حياته وذي القروح لما أصابه من مرض موته. الأغاني 9: 77 وصدر البيت: أغرك مني أن حبك قاتلي. وهو من معلقته. الديوان: 13 الكتاب 2: 303، شرح المفصل 7: 43، شرح قطر الندى: 85. (¬5) هي عند سيبويه "مه" ضمت إليها "ما"، وعند الخليل والمبرد "ما" ضمت إليها "ما". الكتاب 1/ 433، المقتضب 2/ 48.

الشرطية، كأنه ردٌ لكلام منطوق به أو في تقدير منطوق به؛ فكأنه على هذا التقدير إذا قال: مهما تقل أقل قد قال اكفف، فرده عن شيءٍ ثم قال: ما تقل أقل، ومنها أن أصلها "ما" الشرطية زيدت عليها "ما" لتأكيد الشرط كما تزاد مع غيرها من أدواته لتأكيده، فتكرر لفظان بصيغةٍ واحدة، أحدهما "ما" الشرطية وهي الأولى وهي اسمٌ؛ والآخر "ما" الزائدة وهي الثانية؛ وهي حرفٌ، فصار اللفظ ماما تقل أقل، فكرهوا هذا التكرير، فحرفوه بتغيير أحدهما، فأبدلوا من ألف (¬1) الأولى هاء لتقارب الحرفين، فصار اللفظ مهما على ما ترى، وهذا القول عندهم أقوى من الأول وأجرى على المقاييس وإن كان محتاجاً إلى صناعةٍ وأشبه بالمراد؛ وكان التغيير فيه أولى بالأولى من الثانية، لأن الأولى اسم والأخرى حرفٌ، والتغيير بالأسماء أجدر منه بالحروف، إذ كان التغيير تصريفاً، وليست الحروف مما يصرف ولا يتصرف (¬2)، وإنما الباب في ذلك للأفعال والأسماء تليها في شيء منه. ومنها أنها اسمٌ موضوعٌ على هذه الصيغة غير مركب ولا مغير من شيء، وهذا أيضاً قول حسنٌ لأن التركيب ليس بأصلٍ في الكلم والحمل على غيره أولى ما وجد عنه مندوحةٌ. ¬

_ (¬1) في (آ) و (د): الألف. (¬2) في (د): ينصرف.

فصل في أشياء منفردة وهي خمسة أبواب منها باب المعرفة والنكرة

فصل في أشياء منفردة وهي خمسة أبواب منها باب المعرفة والنكرة المعرفة هي كل اسم خص الواحد من جنسه، والنكرة كل اسم صلح لكل واحد من جنسه على حد (¬1) البدل، أي يصلح لذا ثم يصلح لذا إن أطلق عليه؛ والنكرة هي الأصل في الأسماء عند أهل العربية وغيرهم، والمعرفة ثانيةٌ لها وفرعٌ عليها. فالنكرة كقولك: رجل وامرأة وفرسٌ وثوب؛ ألا ترى أن رجلاً يصلح لكل ذكر من المميزين من الحيوان (¬2)؛ وامرأة لكل أثنى منهم، وفرساً لكل ذي أربعٍ صهالٍ، وثوباً لكل ما يصلح أن يلبس ويتسربل. وهذه النكرات هي الأجناس عند النحويين، وهي الأول عندهم؛ ولا فرق بين أن تكون أجساماً أو معاني جواهر أو أعراضاً جثثاً في في عبارة القوم (¬3) أو غير جثث؛ الكثرة تشملها والجنسية تنطلق عليها كقولك: رجلٌ وملكٌ وجني وفرس وأسدٌ وطائر وحية وعقربٌ ¬

_ (¬1) في (ج): سبيل. (¬2) في (د): الحيوان الناطق. (¬3) في (ج): النحويين.

وشجرة وبقلةٌ وأكلٌ وشربٌ وسكون، وحركة ونوم ويقظة وموت وحياة وقائم وساكن ومتحرك وحيٌ وميتٌ؛ الجامد والمشتق والمفرد والمركب في هذا الاعتبار سواءٌ، فاعرفه. وأما المعرفة - وهي كما قلنا التي تخص الواحد من جنسه في أصل وضعها - فتنقسم أقساماً خمسة: منها المضمر نحو: أنا، وأنت، وهو والكاف في رأيتك وبك، فهذه الكلم وما جرى مجراها - قلت حروفها أو كثرت - أسماءٌ مضمرةٌ، وسميت مضمرةً، هي وما جرى مجراها لأنها في الأمر العام إنما تأتي بعد مذكور ظاهر كقولك: زيد مررت به، أو ما يقوم مقام لفظ الاسم الظاهر الذي يعود الضمير إليه كالمتكلم إذا قال، أنا فعلت، فناب المتكلم ها هنا مناب اسمه؛ وكذا المخاطب على اختلاف ضروبه، ثم يختصر اللفظ الظاهر، فلا يعاد المذكور بصورته (¬1) كراهةً للتكرير وخشية اللبس في بعض الأحوال، أو في جميعها أو اختصاراً أيضاً، فإن الاختصار مع العلم مطلوب عندهم. فمجموع ما ذكرنا أو بعضه علةٌ (¬2) في وجود الأسماء المضمرة في اللغة والمثال في ذلك زيدٌ مررت به لو نطقت بالأصل في إظهار الاسم المتقدم وتكريره مع الباء، فقلت: زيدٌ مررت بزيدٍ لكان التكرار غير مستحسن عند من له ذوقٌ في البلاغة، ولتوهم ما يلبس، ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): لأن الأصل كان إعادة الظاهر بلفظة لكنهم كرهوا التكرير وخشوا اللبس في كثير من المواضع واختصروا، والاختصار مع العلم مطلوب عندهم. (¬2) في (ج): موجب وجود الأسماء.

لأن الشركة قد تقع في الاسم المظهر؛ بل القليل من المظهرات هو غير ذي الشركة؛ فكان السامع ربما توهمه زيداً غير الأول؛ ولهذا احتجت إلى وصفه إذا قلت: مررت بزيدٍ العاقل لإزالة شركةٍ واقعةٍ فيه وقوعها في النكرات، وإن اختلفت جهتا الشركة في قولك: زيدٌ، وقولك: رجلٌ. ويتبين لك قبح التكرار وخوف اللبس في إعادة الظاهر في احتياجك إلى ذكر الظاهر أكثر من مرة إذا قلت: زيدٌ مررت به، فأكرمته ورأيت أباه فأحسنت إليه؛ وعلى هذا النهج من الإطالة إذا احتيج إليها، فوقع التكرار. فول قلت في هذه المسألة وهذا المثال: زيدٌ مررت بزيدٍ، فأكرمت زيداً ورأيت أبا زيدٍ فأحسنت إلى أبي زيدٍ لوقع لبس عند السامع لإخفائه، ولسمج التكرار وبان أن الإضمار أخصر وأبلغ. فأما ما جاء من مثل قوله تعالى {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} (¬1) [الحاقة: 1 - 3] و {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} (¬2) [القارعة: 1 - 3] وما أشبه هذا مما كرر فيه الظاهر، وهو لعينٍ واحدة، ولم يضمر على المعهود من استعمالهم، فله حكمٌ زائدٌ انفرد به هو التعظيم والتفخيم في تكرير الاسم بلفظه لا عائده، ولو كان مستعملاً بالعائد لما منعته اللغة، ولكن هذا أبلغ في التفخيم، أعني إعادة مثل هذا بلفظه الأول؛ إلى غير ذلك من فوائد في هذا الاستعمال لا تكون في غيره وإن كان جائزاً لا يحتمل هذا المختصر ذكرها. ¬

_ (¬1) الحاقة 69: 1، 2، 3. (¬2) القارعة 101: 1، 2، 3.

فلما استطالوا الإعادة والتكرار أتوا بهذه الضمائر بحسب المضمرات عدداً وتذكيراً وتأنيثاً وإعراباً، وأمنوا معها اللبس مع اختصارها. فأما اختصاصها بالحروف (¬1) الموضوعة لها فشيء يطول بتعليله هذا المختصر مع ارتفاعه عنه لدقته. والإضمار في اللغة الإخفاء، قال الشاعر يصف ثوراً وحشياً: (يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيفٌ على شرفٍ يسل ويغمد) (¬2) وقال الأعشى (¬3): (أرانا إذا أضمرتك البلاد ... د نجفى وتقطع منا الرحم) أي إذا أخفتك، وسترتك، فكأن الاسم المظهر إذا لم يعد ذكره قد ستر وأخفي وجعل مكناً في النية، وهذا الضمير الموضوع دليل عليه. والإضمار في اللغة الإخفاء، ولأن (¬4) كثيراً من الضمائر من الأسماء ¬

_ (¬1) في (ج): بهذه الحروف الموضوعة لها دون غيرها فشيء يطول بذكره هذا المختصر. (¬2) الشاهد للطرماح بن حكيم "00 - 125/ 743" الديوان: 146، زهر الآداب 3: 123، العمدة 1: 291 و 2: 19، الحماسة الشجرية: 926. (¬3) ميمون بن قيس بن جندل (00 - 7/ 629) أبو بصير المعروف بأعشى قيس والأعشى الكبير من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات. الأغاني 9: 108، الخزانة 1: 84 - 86. الديوان: 41، الكامل: 1071، اللسان (ضمر)، الخزانة 1: 309 و 2: 265، وهو من قصيدة يمدح بها قيس بن معدي كرب (؟ )، وروايته في بعض المصادر: تخفى. (¬4) في (ج) وحاشية الأصل في نسخه: أو لأن.

لا لفظ له ظاهراً كضمير الغائب والغائبة في قولك: زيدٌ قام، وهندٌ قامت، وعمرو يقوم، وضمير المواجه في قولك: أنت تقوم؛ وقم يا زيد، وفي المتكلم إذا قال: أنا أقوم، فالاسم في هذه الأمثلة وما مجرى مجراها مكنٌ في هذه الأفعال ملزم ذاك، ألزمته اللغة الاستتار، ولم تجعل له لفظاً إذا كان مفرداً، ثقة بعلمه، إذ كان الفعل لابد له من فاعل. فهذا الحكم الموجود في هذه الضمائر المستترة هو حقيقة الإضمار والإخفاء، ثم حمل ما ظهر له لفظٌ من هذا الضرب، متصلاً كان أو منفصلاً، على هذا القسم في التلقيب فقيل في كله: مضمر، وذلك كالتاء في قمت، وهذا متصل، وكقولك: أنت وهذا منفصلٌ، وهذا يشهد بأن المضمرات المتصلات أصول للمنفصلات منها، ولهذا إذا قدرت على الضمير المتصل لم تأت بالمنفصل إلا في ضرورة شعر، كما قال: ( .................... ... إليك حتى بلغت إياكا) (¬1) يريد حتى بلغتك، وكذا قول الآخر: ¬

_ (¬1) العنس: الناقة الشديدة القوية على السير. تقطع الأراك: تقطع الأرضين التي هي منبت الأراك، والأراك: العود الذي يستاك به. والشاهد لحميد الأرقط (؟ ) وصدره: (أتتك عنس تقطع الأراك ... ........................ ) الكتاب 1: 383، الخصائص 1: 317، الإنصاف: 699، شرح المفصل 2: 102.

( .............. قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير) (¬1) يريد: قد ضمنتهم، فوضع المنفصل موضع المتصل اضطراراً. وينقسم المضمر ثلاثة أقسام كما (¬2) المظهر له ثلاثة أحوال في الإعراب، وهي الرفع والنصب والجر، فضمير المرفوع يكون متصلاً ومنفصلاً، فمتصلة كتاء المتكلم والمخاطب من المذكر والمؤنث، كقولك قمتُ، وقمتَ، وقمتِ، وضمائر المثنى والمجموع من ذاك، كقولك في المتكلم: قمنا، وفي المخاطب: قمتما وقمتن، ومنفصل كضمير المتكلم أيضاً إذا قال: أنا. والمخاطب والمخاطبة إذا قلت: أنتَ وأنتِ، ومثنى ذلك ومجموعه إذا قلت: نحن وأنتما وأنتم وأنتن. وفي الغائب والغائبة: هو وهي، والمثنى والمجموع: هما وهم وهن. ¬

_ (¬1) ضمنت: اشتملت الدهارير: أول الدهر في الزمن الماضي أو الشدائد، وهو جمع لا واحد له من لفظه. والشاهد من قصيدة للفرزدق يفتخر فيها ويمدح بني مروان، وصلته قبلة: (إني حلفت ولم أحلف على فند ... فناء بيت من الساعين معمور) (بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... .................... ) الأموات بالجر مضافاً إلى الباعث والوارث على مثال قوله "بي ذراعي وجبهة الأسد" أو منصوب تنازعه الوصفان فأعمل فيه الثاني وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة. الديوان: 264 الإنصاف: 698، أوضح المسالك 1: 66، المقاصد النحوية 1: 274، الخزانة 2: 409. (¬2) في (آ): كما أن المظهر.

وضمير المنصوب يكون أيضاً متصلاً ومنفصلاً، فالمتصل للمتكلم الياء في نحو: ضربني، والنون وقاية قبلها في عرف البصريين (¬1) وعماد في عرف الكوفيين. وللمخاطب الكاف إذا قلت: أكرمُكَ وأكرمكِ، ومثنى ذلك ومجموعه: ضربنا وضربكما وضربكم وضربكن، وهاء الغائب المذكر في قولك: ضربه، وهاءٌ وألفٌ للمؤنث في قولك: ضربها ومثنى ذلك ومجموعة في قولك: ضربهما وضربهم وضربهن. والمنفصل إياي للمتكلم، ومثناه ومجموعه مذكراً كان أو مؤنثاً إيانا، وللمخاطب إياكَ وإياكِ وإياكما وإياكم وإياكن، والغائب: إياه، والغائبة إياها، وتثنيتهما: إياهما، وضمير جمع المذكر: إياهم وجمع المؤنت: إياهن. والثالث ضمير المجرور، ولا يكون منفصلاً البتة، ولا يكون إلا متصلاً، نظراً إلى ظاهره، وحكمه (¬2) في شدة اتصاله بعامله الجار من حرفٍ هو الأصل في الجر أو اسم جارٍ بالإضافة بمعنى الحرف؛ وكلا القسمين يتصل بالظاهر إذا عمل فيه أشد الاتصال، حتى أنه يقبح (¬3) الفصل بينه وبينه في الضرورة الشعرية التي هي مظنة الاتساع والتجوز وركوب المحظور في حال النثر أشد القبح، فلا يجوز لشاعر محدث ركوب تلك الضرورة الواردة عنهم في الشعر من ذلك كما ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1: 386، المقتضب 1: 248. (¬2) وحكمه: ساقطة من "ج". (¬3) في (آ): لا يصح الفصل.

جاز له ركوب غيرها من الضرورات التي كثرت عنهم، وإن ركبها لم يحمد، فكان ضمير المجرور متصلا البتة لا منفصلاً لذلك، وهو الكاف في بكَ وبكِ وبكما وبكم وبكن، والياء في: بي وفروعه مثل (¬1) بنا وهاء الغائب مثل به والغائبة بها، ومثناهما ومجموعهما مثل بهما وبهم وبهن. واعلم أن الأصل في جميع ضمائر الجموع المذكرة المذكورة مما فيه الميم أن تأتي بعدها واو، وتكون الميم عندهم لمجاوزة الواحد، والواو لتعيين أن المجاوزة إلى جمعٍ لا تثنية؛ كقولك في أنتم: أنتمو، وفي مهم: مهمو، وفي قمتم قمتمو، وكذا في المنصوب والمجرور، ما اتصل، وما انفصل؛ كقولك رأيتكمو، ورأيتهمو وبكمو ومنهمو إلا أنهم حذفوا الواو تخفيفاً وسكنوا الميم قبلها بحذف ضمتها علماً بأنه غير ملبسٍ مع التخفيف بواحدٍ ولا تثنيةٍ؛ أما الواحد فلتعريه من العلامة البتة، وأما التثنية فللزوم الألف لها إذا قلت: هما وإياكما وبكما؛ وإن استعمل الأصل، ورد المحذوف فجيدٌ كثيرٌ في استعمالهم الفصيح، يقرأ به القرآن، ويتكلم به الفصحاء في النثر والنظم. واعلم أن الأسماء المضمرة من قبيل المعارف التي لا يصح تنكيرها هذا على الإبهام الذي فيها وذاك أن الاسم لا يضمر إلا بعد أن يُعرف كل العرفان، فظاهره قد أغنى في (¬2) البيان. فأما قولهم: ربه رجلاً، فإنما جاز دخول "رب" على هذا الضمير، وهي – أعني ¬

_ (¬1) في (ج): وفروعه في مثل بناوهاء الغائب في مثل به، وللغائبة بها. (¬2) في (ب): عن.

رب - من خواص النكرات، لأنه لما لم يعد إلى مذكور مع الإبهام الذي يقع في المضمرات أشبه النكرات، فجاز دخول "رب" عليه كما تدخل على أقرب النكرات من المعارف، ولذلك لزم تفسيره بالنكرة لما أضمر قبل الذكر، وهو مع ذاك قليل نادر، إنما ورد في ضمير الغائب لا غير، ولا يجوز أن يقاس عليه ضمير مخاطبٍ ولا (¬1) مخاطَب، لأنه (¬2) لا إبهام فيهما كما في الغائب، وهذا يشهد لمن رتب الضمائر في التعريف، فجعل بعضها مع شمول التعريف إياها (¬3) أمكن من بعضٍ فيه وأفضل؛ كمن (¬4) قدم ضمير المتكلم في ذلك، ثم ساقها من بعده السياقة المذكورة في كتبهم. وقد جاء هذا الضمير اللاحقة (¬5) "رب" مؤنثاً، وذاك بحسب المعنى المستعمل في ذلك. قال الشاعر: (ماوي بل ربتما غارةٍ ... شعراء كاللذعة بالميسم) (¬6) ¬

_ (¬1) ولا مخاطب: ساقطة من (ج). (¬2) في (د): لأنهما. (¬3) في (ج): لها. (¬4) في (ج): كمن رتب فقدم، انظر هذه المسألة في الكتاب 1/ 220، شرح المفصل 3/ 56. (¬5) في (ب): اللاحقته. (¬6) ماوي: مرخم ماوية وهو اسم امرأة. الشعواء: الغارة المتفرقة المنتشرة. اللذعة: من لذعته النار إذا أحرقته. الغارة: من أغار القوم إذا أسرعوا في؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ والشاهد لضمرة بن أبي ضمرة النهشلي (؟ ) النوادر-: 55، حماسة أبي تمام 2: 162، الأزهية: 1؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ 105، شرح المفصل 8: 31، اللسان (هيه، شعا، موا)؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وهي في هذه المصادر: ماوي ياربتما، وفي بعضها الآخر: ماو؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟

وتختص المضمرات بأنها لا توصف ولا يوصف بها، وبهذا يستدل على أنها أعرف المعارف، إذ كان غيرها من المعارف لا يمتنع من أن يوصف أو يوصف به، أو يجتمع له الأمران: الوصف به وأن يوصف؛ وكل ذلك مما يوهن تعريف الاسم ويشر به ضرباً من التنكير. فإذا مر في كتب النحويين (¬1) وصف المضمر أو الوصف به، فالمراد بذلك تأكيده أو التأكيد به لا حقيقة الوصف، على حد قولك: مررت بزيدٍ القائم، ومثال ذلك مررت بك أنت وقمت أنت؛ فأنت تأكيدٌ للضمير قبله. وقولهم فيه: إنه وصفٌ له تجوزٌ على ما بينت ومثلت. والمضمرات على اختلافها مبنيات كلها، متصلها ومنفصلها، لأنها لما لم تقم بأنفسها في الدلالة، بل افتقرت إلى مذكور ترجع إليه أشبهت الحروف التي لابد من أن تكون وصلةً لغيرها مما معناها فيه، والحروف كلها مبنيةٌ؛ فوجب بناء المضمرات لشبهها في هذا الحكم، وهذه هي علة بناء الأسماء الموصولة، لافتقارها إلى الصلة كما يفتقر الحرف إلى ما يتصل به. وإن شئت عللت بناء الاسم الموصول بأنه لما كانت الصلة تتمةً له، وهو لا يغني في الدلالة على ما تحته دونها، كان كبعض الاسم، فتنزل منزلة "جع" من جعفرٍ أو "عم" من عمروٍ؛ وبعض الاسم لا يستحق الإعراب، وإذا لم يستحق الإعراب كان مبنياً. ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1/ 223، المقتضب 4/ 281.

ومثال الموصول قولك: مررت بالذي قام أبوه، فالذي اسم موصول، وما بعده مما يتم به معناه صلته، وكذلك مؤنثه وتثنيتهما وجمعهما وما جرى مجراهما مما هو في معناهما كمن وما وأي إذا استعملت موصولة. ومنها الأعلام، والاسم العلم كل لفظ علقته على مسمى، فجعل ذلك اللفظ علامة له ينفرد بها عن جنسه؛ فلا يشركه فيه غيره، هذا أصل وضع العلم، فمتى كان بهذه الصفة لم يحتج إلى الوصف؛ وإنما يوصف إذا دخلته الشركة، أي شورك في ذلك اللفظ (¬1) فكان مطلقاً على غيره علماً أيضاً. وتلك الشركة إنما تقع مواردةً، فليس الاشتراك الواقع في لفظ "زيد" في انطلاقه على زيد الخيل (¬2) مثلاً وعلى زيد بن حارثة (¬3) ¬

_ (¬1) في "ج": في ذلك اللفظ الذي علق عليه فكان مطلقاً على غيره أيضاً كما أطلق عليه. (¬2) زيد بن مهلهل بن منهب (00 – 9/ 630) لقب زيد الخيل لكثرة خيله أو لكثرة طرده بها وفد على النبي سنة 9/ 630 فأسلم وسماه رسول الله زيد الخير. الخزانة 2: 448. (¬3) زيد بن حارثة بن شراحيل (00 – 8/ 629 صحابي، وهبته خديجة إلى النبي "ص" حين تزوجها فتبناه النبي وأعتقه وجعل له الإمارة في غزوة مؤتة فاستشهد فيها. الإصابة 1: 563.

وزيد بن ثابت (¬1) وزيد مناة (¬2) وغير هؤلاء ممن اسمه زيد، هو الاشتراك الواقع في رجل وفرس وغيرهما من النكرات الصالحة لكل واحد من جنسها (¬3)، لأن اشتراك النكرة الممثل بها وما أشبهها مقصودٌ في أول الوضع، والاشتراك الواقع في الأعلام غير مقصود، فاعرفه فرقاً واضحاً بينهما. وعلى كل حال، فما وصف العلم فقيل مررت بزيدٍ الظريف كما توصف النكرة، فيقال برجلٍ ظريفٍ إلا لرفع اللبس بالاشتراك الواقع فيهما. وقال النحويون في الاسم العلم: هو مجموع صفاتٍ، يريدون بذلك أنك إذا سميت شخصاً من الآدميين زيداً أو عمراً استغنيت بهذه السمة عن قولك: الكريم العاقل الشجاع الطويل، وغير ذلك من صفاته التي يفرق بذكرها بينه وبين مشاركه (¬4) في جنسه حين كان نكرة، فقام لفظ زيد وما أشبهه من الأعلام مقام هذه الصفات (¬5) الفارقة وأغنى ¬

_ (¬1) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي "11/ 611 – 45/ 665" صحابي، كان كاتب الوحي وأحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي "ص" الإصابة 3/ 22. (¬2) زيد مناة بن تميم بن مو بن أد، جد جاهلي "؟ " من العدنانية. جمهرة الأنساب: 213. (¬3) في (د) جنسهما. (¬4) في (ج): مشاركيه من جنسه. (¬5) يلي ذلك في (ج): وغيرها مما يكثر أو يقل.

عنها، وعن الإطالة بها، فلهذا قالوا فيه: إنه – أعني العلم – مجموعها، وكذا تقول فيما علقته علماً في غير العاقلين كباقي الحيوان والجماد من بلدٍ وغيره، وكالمعاني (¬1) التي ليست بجثثٍ فاعرفه. واعلم أن معنى المواردة (¬2) في الاسم العلم هي أن يسمي الرجل ابنه عمراً، كعمرو بن تميم (¬3)، وهذا على أنه (¬4) علم له يعرف به لا يشركه فيه عنده غيره، ويسمي آخر ابنه عمراً وقصده به ذاك القصد كعمرو ابن مالك (¬5) وكذا عمرو بن معد يكرب (¬6) وعمرو بن العاص (¬7) وعمرو ¬

_ (¬1) في (ج): وكذا المعاني. (¬2) يلي ذلك في (ج): التي ذكرناها. (¬3) عمرو بن تميم بن مر، من العدنانية (؟ ) جد جاهلي. جمهرة الأنساب: 207. (¬4) في (آ): وعلى هذا أنه. (¬5) عمرو بن مالك بن ضبيعة (؟ )، من قيس بن ثعلبة، شاعر جاهلي قديم. معجم الشعراء للمرزباني: 211. (¬6) فارس اليمن وصاحب الغارات المذكورة (00 – 21/ 642) وقد على المدينة سنة 9 هـ، فأسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام، وذهبت إحدى عينيه في اليرموك: توفي سنة (21/ 642) معجم الشعراء: 15 – 17. (¬7) أبو عبد الله السهمي القرشي (50/ 574 – 43/ 664) فاتح مصر وأحد عظماء العرب ودهاتهم، أسلم في هدنة الحديبية، جمهرة الأنساب: 154.

ابن أميه (¬1) وعمرو لهاشم جد أبي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عمرو العلي (¬2). فكل هذه الشركة الواقعة في هذه الأسماء وما أشبهها من الأعلام مواردةٌ أي اتفاقٌ في الشركة من غير قصدٍ لها كتوارد الشاعرين البيت الواحد من غير سرقةٍ (¬3) من أحدهما. واعلم أن العلم معرفة بالوضع لا بالأداة، وبابه أن يكون للأعيان، أي الجثث عند النحويين، فإن جاء في المعاني فقليل؛ فالأعيان ظاهرة الأمر، وذلك كقولك: زيدٌ وعمرو وهندٌ ودعدٌ وشد قمٌ وجديلٌ (¬4) في اسمي الفحلين الذين تنسب إليهما الإبل في قولهم شد قيمةٌ وجدليةٌ، وسبلٌ، ولا حقٌ، والوجيه (¬5) في أسماء الخيل المشهورة الموصوفة ¬

_ (¬1) عمرو بن أمية الضمري (00 – 55/ 675 م) اشتهر في الجاهلية أسلم وشهد وقائع كثيرة، مات بالمدينة في خلافة معاوية. تاريخ الطبري 3: 3. (¬2) هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة "127/ 500 – 102/ 524". من قريش. اسمه عمرو، وغلب عليه لقب هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة في إحدى المجاعات. تاريخ الطبري 2: 179. (¬3) في "ج" و"د": من غير سرقة. (¬4) كان هذان الفحلان من الإبل للنعمان بن المنذر. (¬5) في أنساب الخيل: 22 "عن ابن صالح عن ابن عباس أن أعوج كان سيد الخيل المشهورة، وأنه كان لملك من ملوك كندة، فغزا بنو سليم، وأخذوا أعوج فكان أوله لبني هلال ولهم نتجوا، وأمه سبل بنت فياض، كانت لبني جعدة، أما لاحق والوجيه فلغني بن أعصر (؟ ).

بالعتق، وغيثة وبركة، وهما شاتان من شاء النبي صلى الله عليه وسلم وكن تسعاً، وكمكة وعمان (¬1) في أسماء البلاد. فأما المعاني فكقولهم في لفظة التنزيه والتبرئة "سبحان"، وذلك في قول الشاعر: (أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر) (¬2) ذهب المدققون (¬3) منهم إلى أنه جعل "سبحان" علماً لهذا المعنى، فلذلك منعه الصرف؛ ومنهم من يذهب إلى أن هذا الاسم باقٍ على حاله في أصل استعماله، وأن حذف التنوين منه ليس لمنع الصرف، وإنما هو باقٍ على إرادة المضاف إليه المحذوف ضرورةً، كأنه قال: ¬

_ (¬1) عمان: مدينة عربية على ساحل بحر اليمن. انظر معجم البلدان: 6/ 215. (¬2) الشاهد من قصيدة للأعشى يهجو فيها علقمة بن علاثة (00 – 20/ 640) ويمدح عامر بن الطفيل (70/ 550 – 11/ 632) في المنافرة التي جرت بينهما. فخره: المقصود بها فخر علقمة على عامر، والشاهد فيه نصب "سبحان" على المصدر ولزومها للنصب لأنها مصدر جامد. ومنعت الصرف لأنها جعلت علماً للتسبيح، فجرت مجرى عثمان. الديوان: 139، الكتاب 1: 163 مجالس ثعلب 5: 261، أمالي ابن الشجري 1: 347، 2: 250 شرح المفصل 1: 36، الراغب والأساس واللسان والتاج (سبح) الخزانة 2: 41، 3: 251. (¬3) انظر الكتاب 1/ 163، شرح المفصل 1/ 37.

سبحان الله. والأول أشبه بالصناعة والثاني أقرب مأخذاً، وذهب أبو علي في قول الفرزدق: (وإن قال غاوٍ من تنوخ قصيدةً ... بها جرب عدت علي بزوبرا) (¬1) إلى أن "زوبرا" اسمٌ علمٌ في هذا البيت، علقه الشاعر على القصيدة فلم يصرفه للتأنيث والتعريف. وبالجملة، فتعليق الأعلام على المعاني قليلٌ ضعيفٌ في قياس العربية، لأن الجثث هي الثابتة اللابثة، فهي بوضع الأعلام عليها لتختص، وينفرد بعضها من (¬2) بعضٍ أحق؛ فأما "محوة" في اسم الشمال من قوله: ¬

_ (¬1) بها جرب: أي فيها عيب من هجاء ونحوه. قالوا: ترك صرف زوبر، وهو منصرف، ومعناه نسبت إلي بكمالها، من قولهم أخذ الشيء بزوبره إذا أخذه كله، وقيل بزوبراً، أي: كذباً وزوراً، وقال ابن جني سألت أبا علي عن ترك صرف زوبر. فقال: علقه علماً على القصيدة، فاجتمع فيه التعريف والتأنيث. نسب ابن منظور (630/ 1232 – 711/ 1311) هذا الشاهد إلى ابن الأحمر عمرو بن أحمر بن العمرد (00 – 65/ 685) كما نسبه ابن يعيش (556/ 1161 – 643/ 1245) في شرح المفصل إلى الطرماح، وفي ديوان الفرزدق أربعة أبيات، يقولها لقومه يقع هذا البيت ثانيها. ديوان الفرزدق: 366، ديوان ابن الأحمر: 85، أمالي ابن الشجري 1: 249، شرح المفصل 1: 38، اللسان (زبر، حقق) الخزانة: 1: 71، على اختلاف في الرواية. (¬2) في (آ): عن.

(قد بكرت محوة بالعجاج ... فدمرت بقية الرجاج) (¬1) فعلم علق عليها، والريح من قبيل الأجسام لا المعاني. ولا يخلو العلم من أن يكون مرتجلاً أو منقولاً من جنسٍ، أو (¬2) وصفٍ يغلب عليه. فالمرتجل نحو فدو كسٍ (¬3) وغطفان (¬4) وعمران وعثمان. ومعنى المرتجل أنه وضع وضعاً أولياً ولم ينقل من مسمى إلى غيره؛ والمنقول هو الذي يكون موضوعاً في الأصل لجنسٍ، ثم ينقل، فيسمى به شخصٌ من جنس آخر، فيصير علماً له، كرجلٍ سميته ¬

_ (¬1) في الكامل: العرب تسمى الريح محوة لأنها تمحو السحاب ومحوة معرفة لا تنصرف. الرجاج: حاشية الإبل وضعافها، واحدتها رجاجة، والشاهد للراجز القلاخ بن حزن (؟ ) الكامل: 773، الجمهرة 2: 196، التنبيهات: 320، اللسان (محا، رجج)، والشاهد فيه أن محوة اسم علم لريح الشمال، ولذا منعت الصرف. (¬2) في (ج): أو صفة أو غيرهما. (¬3) فدو كس بن عمرو: بطن من جشم من العدنانية. انظر معجم قبائل العرب 3/ 911. (¬4) غطفان: بطن متسع عظيم من قيس عيلان. انظر معجم قبائل العرب 3/ 888.

بأسدٍ وكأسد بن خزيمة (¬1) أو ثور كقوم سفيان (¬2) أو قردٍ (¬3) كالبطن من هذيل أو حمار كمعقر بن حمار (¬4) أو كلبٍ ككلب بن وبرة (¬5)، أو زيدٍ وهو مصدر زاد يزيد زيداً، أو عمروٍ، وهو إما الواحد من عمور الأسنان أو البقاء، لأنك تقول أطال الله عُمرك وعَمرك. وربما سمى اللغويون هذا الضرب من المنقول على وصفنا مشتقاً، وعلى ذلك وضع كثير منهم كتباً في الاشتقاق، أكثرها على هذا، كالأصمعي (¬6) وغيره، فإنهم يسمون الكتاب بالاشتقاق، ويذكرون فيه: أن ¬

_ (¬1) أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس، من مضر، جد جاهلي ينسب إليه بعض الأسديين، وكانت بلادهم نجداً، ثم تفرقوا. جمهرة الأنساب: 192. (¬2) ثور: قبيلة سفيان الثوري من ثور بن عبد مناة (97/ 716 – 161/ 778) المحدث المشهور، وهي بطن من قريش، انظر معجم القبائل 1/ 154. (¬3) قرد: بطم من هذيل بن مدركة. انظر معجم القبائل 3/ 991. (¬4) معقر بن أوس بن حمار بن الحارث البارقي الأزدي ( .. – 45/ 580) شاعر يماني من فرسان قومه في الجاهلية. الخزانة 2: 290. (¬5) كلب بن وبرة بن تغلب بن الحاف بن قضاعة. جد جاهلي، حيثما أطلق لفظ الكلبي فالنسبة إليه. (¬6) أبو سعيد الأصمعي، عبد الملك بن قريب (122/ 740 – 216/ 831) من أئمة اللغة والغريب والأخبار والنحو. ألف كتاب "الاشتقاق" ولكن هذا الكتاب لم يصلنا. أخبار النحويين البصريين: 58، إنباه الرواة 2/ 197.

طلحة (¬1) واحدة الطلح، وثمامة (¬2) واحدة الثمام، وسمرة (¬3) واحدة السمر، وكل ذلك شجر وهي أجناس عندهم عامةٌ لما تحتها (¬4). وبالجملة فكل لفظٍ نقل عن موضعه في الأصل، فعلق على مسمى (¬5) فإنه علم للثاني المنقول إليه مفرداً كان أو غير مفرد، فالمفرد كما مثلنا هو أحد قسمي المنقول من المفرد، والقسم الآخر الوصف المعلق علماً؛ وهو المسمى عندهم غالباً كقولك: الحارث والعباس والحسن، فهذه الأسماء أوصاف في الأصل تجري على موصوفاتها، كقولك: مررت برجل حارثٍ وعباسٍ وحسنٍ، ثم جرت على المعارف كما جرت على المنكرات؛ فتقول بالرجل الحارث للكاسب والعباس للكثير العبوس، وبالرجل الحسن، ثم غلبت هذه الأوصاف بحذف موصوفاتها وقيامها مقامها، حتى اطرح ذكرها معها فاستعملت أعلاماً (¬6) ولكونها في الأصل على ما بينا كان للعرب فيها لغتان: إلحاق لام التعريف بها، ¬

_ (¬1) الطلح: أعظم العضاه، وأكثره ورقاً وأشده خضرة، وبمفردها سمي الرجل. (¬2) الثمام: نبت في البادية ضعيف قصير، بمفردها سمي الرجل. (¬3) السمر: ضرب من الشجر صغار الورق، بمفردها سمي الرجل. (¬4) يلي ذلك في (ج): فالتسمية بها نقل لا اشتقاق. (¬5) في (آ): مسمى غيره. (¬6) بلي ذلك في (ج): وإن خرج الأمر بها إلى غير ذاك.

وحذفها منها، كقولهم: حارثٌ والحارث، وعباسٌ والعباس وحسنٌ والحسن، قال الشاعر: (ولا تبك ميتاً بعد ميتٍ أحبه ... علي وعباسٌ وآل أبي بكر) (¬1) يريد بعباسٍ العباس بن عبد المطلب (¬2)، والميت النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الآخر: (أترجو أمةٌ قتلت حسيناً ... شفاعة جده يوم الحساب) (¬3) يريد الحسين (¬4) بن علي عليهما السلام. ¬

_ (¬1) نسب في مقدمة جمهرة اللغة: 189 للخطيئة (00 – 45/ 665) ولم أجده في ديوانه، وفي الكامل: 424 أنه عندما قتل عمرو بن أراكة (؟ ) جزع عليه عبد الله أخوه جزعاً شديداً، فقال أبوه من أبيات: (وقلت لعبد الله إذ حن باكياً ... تعز وماء العين منهمر يجري) ولا تبك ... وهو منسوب لابن أراكة في أمالي المرتضى 1/ 461، ولأراكة بن عبد الله الثقفي (؟ ) في المؤتلف والمختلف: 68، والعقد الفريد 3: 306. (¬2) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (51/ 573 – 32/ 653) جد الخلفاء العباسيين، وكان سديد الرأي محسناً. انظر صفوة الصفوة 1: 203. (¬3) لم أجد هذا الشاهد في المصادر التي بين يدي: (¬4) الحسين بن علي بن أبي طالب، السبط الشهيد (4/ 625 – 61/ 680) ولد في المدينة، ونشأ في بيت النبوة. قتل في كربلاء في المعركة المشهورة بين جيشه وجيش يزيد. مقاتل الطالبيين: 54، صفة الصفوة 1: 321.

فمن ألحق اللام هذه الصفات المعلقة أعلاماً راعى معنى الوصف في الأصل، ومن حذفها غلب النقل إلى العلمية، ولم يراع للكلمة (¬1) أصلاً في أول الوضع، أي قبل النقل، وقد تغلب العلمية في بعض هذه الصفات المنقولة، فلا تلحقها اللام البتة، كمحمدٍ وعليً في اسم النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمه علي كرم الله وجهه، فلا يقال فيهما المحمد ولا العلي كما قيل عباسٌ والعباس. والإلحاق في هذه الأوصاف المسمى بها لام التعريف، وترك الإلحاق أمرٌ موقوف على السماع لا يحكم فيه القياس. وأما غير المفرد من المعلق علماً فكالجمل المسمى بها من نحو: تأبط شراً (¬2) وبرق نحره، وذرى حباً (¬3)، وشاب قرناها (¬4) كل هذه ¬

_ (¬1) في (ج): الكلمة. (¬2) ثابت بن جابر بن سفيان (00 – 80/ 540) شاعر عداء من فاك العرب في الجاهلية، وقد لقب بذلك لقوله: (تأبط شراً ثم راح أو اغتدى ... يطالع غنماً أو بسيف إلى ذحل) وقد ذكروا في تلقيبه أقوالاً أخرى، منها أنه خرج يحمل جفير سهامه تحت إبطه، فقالت أمه: لقد تأبط شراً. لطائف المعارف: 26، معجم ألقاب الشعراء: 41. (¬3) ذرى حباً: سمي بهذا الاسم من قوله: (إن لها لركباً إرزبا ... كأنه جبهة ذرى حبا) (¬4) قرناها: ذؤابتاها، وهو من قوله: (كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصر وتحلب) انظر شرح المفصل 1: 28.

التعريف باللام

جملٌ في الأصل دوام، مكتفيةٌ في الإفادة بأنفسها، نقلت عن بابها، وعلقت أعلاماً لأغراضٍ لهم في ذلك وأسبابٍ، فخرجت إلى باب المفرد وجرت مجراه في أنها لا يكتفي في الفائدة التامة بنفسه، نعم وصارت معارف بعد أن كانت نكرات. وكذا لو علقت بيتاً من الشعر علماً على شخصٍ لكان لك ذلك (¬1) لأن تعليق الأعلام لا حجر فيه، ولا حظر على من أراد تسميةً؛ فكان حكم البيت في أن لا (¬2) يفيد وحده، وأن يحكى لفظه حكم الجمل الممثل بها. وللأعلام انقساماتٌ في الإفراد وغيره، والنقل لمعنى موجود في المنقول إليه (¬3) وغير ذاك، يطول بذكرها مفصلةً هذا المختصر. ومنها التعريف باللام، وهو المسمى عندهم صناعياً؛ والتعريف بها إما أن يكون لاستغراق الجنس واستيفائة، كقولك: الدينار خيرٌ من الدرهم، والرجل أفضل من المرأة، لا تريد بهذا ديناراً بعينه ولا درهماً مخصوصاً، وكذلك لا تعني بقولك: الرجل شخصاً مخصوصاً بالتفضيل، ولا امرأة مرادة بأنها مفضولةٌ، بل تريد جميع الجنس من هذين المثالين وأشباههما. ويكشف عن المراد بهذا قوله سبحانه {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ¬

_ (¬1) في (ج): لكان كذلك. (¬2) في (ب) و (ج): وكان. (¬3) إليه: ساقطة من (آ) و (ج).

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬1) [العصر: 2 - 3]، فلفظة الإنسان ها هنا عامةٌ، تنطلق على جميع الآدميين بدليل استثناء الجمع منها، لأنه إنما يستثنى الأقل من الأكثر؛ ومحالٌ استثناء كثرة من واحد. وإما أن تكون، أعني لام التعريف، لتعريف العهد، كقول قائل مثلاً: لقيت رجلاً كريماً أو رجلاً من شأنه كذا، فيقول المخاطب إن عناه أمر ذلك الرجل: فما فعل الرجل؟ أي المعهود بيني وبينك في الذكر أيها المتكلم، فلابد في تعريف العهد من مذكورٍ ومخاطَب ومخاطِب (¬2). ومن هذا الباب كل نكرة تصدرت في أول خطابٍ ثم أعيدت بعينها، فإنها تعرف بلام التعريف لئلا (¬3) توهم بأنها غير تلك المذكورة. فمثال المنكورة (¬4) ثم تعاد معرفةً، قولهم في أوائل المراسلات: سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله، ثم يختم مكتوبه بقوله، والسلام عليك، ورحمة الله؛ أي ذلك السلام الذي عهدتني ذكرته في أول كتابي. ومنه قوله سبحانه في سورة مريم حين ذكر يحيى بن زكريا ¬

_ (¬1) العصر: 103: 1 - 2 - 3 {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. (¬2) ومخاطب: سقطت من (آ). (¬3) في (ج): كيلا. (¬4) في بقية النسخ: المذكورة.

عليهما السلام، وقدم قصته: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} (¬1) [مريم: 15]، ثم ذكر بعده عيسى عليه السلام فقال حاكياً عنه {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} (¬2) [مريم: 33]، لأن السلام قد سبق ذكره في تلك القصة منكراً، فأعاده سبحانه في القصة التي تليها معرفاً، ويكشف عن هذا القصد أن النكرة إذا أعيدت بلفظها فظاهر الاستعمال يعطي أنها غير الأولى، كقول القائل: أخذت درهماً، وأعطيت درهماً، فظاهر الأمر أن يكون مراده أنني أعطيت مثل ما أخذت لا هو بعينه، وإن كان غير ممتنع أن يكون قد أخرجه بعينه. ويشهد لذلك قوله عز وجل {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (¬3) [الشرح: 5 - 6] حين قيل في معناه "لن يغلب عسرٌ يسرين" (¬4) ومعلومٌ أن العسر مكرر في الآية مرتين كما أن قوله يسرا مكررٌ مرتين. فلولا أن المعرف باللام إذا كرر لفظه أعطى أنه الأول بعينه، ¬

_ (¬1) مريم 19: 10. (¬2) مريم 19: 35. (¬3) الانشراح 94: 5 و 6. (¬4) حديث ضعيف بسط القول فيه الحافظ السخاوي (831/ 1427 - 902/ 1497) في المقاصد الحسنة: 338. وفي إعراب ثلاثين سورة القرآن من 127 أنه لابن عباس وروايته هناك "لا يغلب يسرين عسر واحد".

اسم إشارة

والمنكر إذا كرر كان غير الأول لما فسر بأنه عسر واحد ويسران وهذا واضح جداً. وللألف واللام (¬1) انقسامات من طريق الزيادة؛ وغير الزيادة، واللزوم وغير اللزوم يطول ذكرها، فأضربنا عنها لذلك. ومنها المبهم، وهو إما اسم إشارة كقولك «ذا» في الإشارة إلى كل مذكر مفرد وذي في المؤنث، و «تا» و «تي» أيضاً في المؤنث وتثنيتهما وجمعهما، كقولك في تثنية المذكر: «ذان» في الرفيع وذين في الجر والنصب. وفي جمعه أولاء بالمد و «ألى» بالقصر وهو لفظ موضوع للجمع من غير لفظ الواحد، فهو في المبهم كقوم في جمع امرئ في الأسماء غير المبهمة (¬2)، وفي تثنية المؤنث «تان» و «تين» ويتجنب فيها «ذان»، وإن كان الأصل، ليقع الفرق بين تثنيتها وتثنية مذكرها، وكذا فعلوا في تصغيرها فقالوا «تيّا» في جميع لغاتها ولم (¬3) يقولوا في تصغير «ذي» ذيّا ليفرق أيضاً في ذايين المذكر والمؤنث، والفرق مطلوب فإذا أمكن كان استعماله هو هو القياس، لأن غير الفرق يُلْبِسْ واللفظ إنما وضع للبيان لا للإلباس. وتقول في جمع المؤنثة المبهمة «ألاء» و «ألى» بالمد والقصر ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): في استعمالهم انقسامات. (¬2) يلي ذلك في (ج): إلا أنه يكون في المبهم للمذكر والمؤنث. (¬3) في (آ) و (ب): وإن لم يقوموا.

أيضاً كما قلت في المذكر، وهذا مما شركوا فيه بين المذكر والمؤنث، لأنهم ربما تركوا الفرق لئلا تكثر الأوضاع أو لغير ذلك من الأغراض مما يطلع عليه أو لا يُطلع، وثقة بأن المعنى مفهوم بجهة أخرى (¬1) تقترن باللفظ المشترك، تقع بها الميزة، ويتبين المقصود. و«ها» الملحقة أوائلها مفردة ومثناة ومجموعة ومصغرة ومكبرة في مثل: هذا وهذين وهاتا وهاتين، وهؤلاء وهؤلى فيها، وهاذيا وهاتيا حرف تنبيه. والكاف، إذا لحقت آخراً، حرف خطاب في مثل ذاك وهذاك، وأولئك وذانك، قال تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 32] (¬2). واللام في ذلك للبعد، أي أن الإشارة في هذا إلى بعيد؛ وكذا ينبغي أن تكون في «تلك» وإن كانت مكسورة وهذه ساكنة. وربما فرق بينهما بعض النحويين المتقدمين، لاختلافهما في الحركة والسكون؛ وإذا حقق النظر كان الوجه غير ذلك، ويبين أنها للبعد أنها لا تجمع في الاستعمال مع «ها» التي للتنبيه لاتفاقهما في الدلالة على التراخي والبعد في المشار إليه؛ فلا يقال: «هذلك» ولا «هاتلك»، وإن جاء شيء من ذلك محكياً من جهة موثوق بها فلا شبهة في شذوذه. وهذه الأسماء ينقسم استعمالها من جهة التنبيه والخطاب إلى وجوه، ¬

_ (¬1) في (د): من جهة. (¬2) [القصص: 32] {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ}.

أحدها أن تستعمل بحرف التنبيه فيقال هذا وهذه، والهاء (¬1) في هذه الأخيرة بدل من ياء «ذي»، وهي ملحقة بياء بعدها لمطل الصوت وإشباعه ولخفاء الهاء المبدلة من الياء، والآخر أن تستعمل بحرف الخطاب كقولك: ذاكَ وتيكَ وأولئك وذانِكَ. والثالث أن تستعمل بهما كقولك هذاك وهاتيك. والأصل فيها تعريها من الجميع، كقولك: ذا زيد وذي هند، قال عز وجل {هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه: 84] (¬2) واعلم أن هذه الأسماء المبهمة كلها مبنية لتضمنها عندهم معنى الإشارة؛ ولهم في تعليل بنائها غير هذا؛ وهي معارف كلها لا تتنكر. وربما نفرت الطباع من جمع هذين الوصفين لهذه الأسماء، أعني التعريف والإبهام، وإذا اعتبر أمرها في إطلاق هذين الوصفين عليها علم أنه لا تناقض في ذلك ولا تدافع، إذ كان الإبهام غير التنكير؛ ألا ترى أنها بالإشارة إليها مخصوصة مقصورة، فهي لذلك معارف أبداً بدليل أنك لو أردت سبرها بعلامة النكرات فأدخلت عليها «رب» لم تستقم وكذا لو وصفتها بالنكرة لم يجز، فلو قلت: رب ذا ظريف أكرمت كان فاسداً. ¬

_ (¬1) في (ج): والهاء الأخيرة مبدلة من ياء ذي. (¬2) [طه: 84] {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.

ولتعريفها وتمكنها فيه (¬1) ذهب كثير من النحويين (¬2) إلى أنها أعرف المعارف وقالوا: هي معرفة بجهتين بالقلب (¬3) والعين. على أنهم قد انقسموا في القول بأعرف المعارف ما هو بحسب انقسام المعارف كمن يقول (¬4) بهذا ومن يقول بالعلم ومن يقول بالمضمر، وبالباقي منها. وليس ذا موضع ذكر حججهم باستقصاء. وأما كونها مبهمة مع كونها معارف فهو أنها لا يشار بها إلى شيء، فيقتصر بها عليه حتى لا تصلح لغيره، ألا ترى أنك كما تقول: ذا زيد، تقول: ذا عمرو؛ بل وينتقل هذا الاسم في الإشارة (¬5) به إلى الأنواع المختلفة والأجناس المتباينة؛ فتقول ذا فرسي، وذا رمحي، وذا ثوبي، وذا عملي، وذا أكلي، وذا شربي، وذي حركتي، وذا سكوني، فيقع اسم الإشارة كما ترى على هذه المختلفات ولا يختص بواحد منها دون آخر، وهذه حقيقة الإبهام؛ فلذلك قيل لها: مبهمة ¬

_ (¬1) في (ج): منه. (¬2) في هذا الرأي هو رأي ابن السراج محمد بن السري «00 - 316/ 929» والسيرا في الحسن بن عبدالله «284/ 897 - 368 - 979»، ونحويي الكوفة. انظر الإنصاف: 707. (¬3) في (ج): القلب. (¬4) في (ج) قال. (¬5) به: ساقطة من «ج».

وكذا (¬1) قيل في المضمرات لتقلها وأنها لا تكون لمسمى دون مسمى (وكذا الأسماء الموصولة معارف مبهمات) (¬2). وهناك دقيقة (¬3) في الفرق بين اسم الإشارة وبين المضمر؛ قالوا: إن مبين المضمر يقع في الأصل قبله، يعنون المظهر الذي المضمر راجع إليه كقولك: زيدٌ مررتُ به، ومبين المبهم أي اسم الإشارة يقع بعده، يعنون اسم الجنس الذي يوصف به اسم الإشارة كالرجل والفرس والثوب إذا قلت مررت بذلك الرجل وركبت ذلك الفرس ولبست ذاك الثوب. ¬

_ (¬1) في (ج): وكذلك قيل في المضمرات أنها مبهمة لفعلها. وأنها لا تختص بظاهر دون ظاهر ولا تقصر عليه. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (ب) و (د). (¬3) في (ج): لطيفة في الفرق بين المضمرات وأسماء الإشارة مع اشتراكهما في التعريف والبناء وحاجتهما إلى البيان، وهي أن بيان المضمر بما قبله وبيان اسم الإشارة بما بعده. ألا ترى أنك تقول زيد مررت به، فمبين المضمر وهو الهاء في به مظهره وهو زيد، ويبين اسم الجنس الواقع بعده كالرجل والفرس وما أشبههما إذا قلت مررت بذاك الرجل وركبت تلك الفرس ولبست ذاك الثوب، فأعرفه.

القسم الثاني من المبهم وهو الاسم الموصول

القسم الثاني من المبهم وهو الاسم الموصول كالذي والتي، ومَنْ ومَا وغيرها من الموصولات شأنها هذا الشأن؛ ألا ترى أن هذه الأسماء لا تخص مسمى دون مسمى، فهذا إبهامها، وأنها معارف بصلاتها بدليل امتناع علامة النكرة من الدخول عليها، وهي «رُبَّ»، ووصفها بالمعارف دون النكرات إذا قلت: مررت بالذي في الدار الظريف، فقد استبان أنها مبهمة وأنها معارف؛ وتعرفها بصلاتها لا غير؛ وليست الألف واللام في الذي والتي وفروعها بمعرفة، بل زائدة زيادة لازمة عندهم وذاك لإصلاح اللفظ، إذ كانت أوصافاً في الأصل للمعارف، ثم غلبت (¬1) كما غلب العبد والملك؛ أي فصارت تذكر كثيراً من غير ذكر موصوف بها (¬2) كما يذكر العبد والملك كذلك؛ إذ الأصل: الرجل الملك والرجل العبد، إلا أن هذين الاسمين أقعد في هذا الحكم من الذي وما جرى مجراه من الموصولات التي توصل بها إلى وصف المعارف بالجمل. ويدلك على أن تعرفه (¬3) بالصلة لا باللام التي فيها تعرف من وما ¬

_ (¬1) في (ج): غلبت فصارت العبد. (¬2) في (ج): ذكر مرصوفها. (¬3) في (ج): تعرفها.

الموصولتين، ألا تراهما إذا وصلتا معرفتين ولا لام فيها؛ فثبت وتبين بذلك أن تعرف الجميع بالصلات؛ وإنما لم يحتج في «من» و «ما» إلى إدخال اللام فيها وإلزامها إياها كما ألزمت «الذي» و «التي» لأن «من» و «ما» لا يوصف بهما فلم يحتج إلى إصلاح اللفظ بلحاق لام التعريف بهما، وقد أسلفنا ذكر بناء الموصولات فلا نكرره. وأعلم أن «من» في مثل قول الشاعر: (رب من أنضجتُ غيظاً صدره ... قد تمنى لي موتاً لم يطع) (¬1) ليست بموصولة بل نكرةٌ موصوفةٌ، مثل ما في قوله: (رب ما تكره النفوسُ من الأمر ... له فرجةٌ كحل العقال) (¬2) ¬

_ (¬1) الشاهد لسويد بن أبي كاهل اليشكري (00 - 60/ 680). وهو في شرح المفصل 4: 11، شذور الذهب: 131، مغني اللبيب 1: 364 الخزانة 2: 546 و 3: 119. (¬2) الفرجة: الانفراج في الأمر، الفرجة: الشق. العقال: حبل تشد به قوائم الإبل. رب ما، أي رب شيء تكرهه النفوس، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن تكون ما كافة، والمفعول المحذوف اسماً ظاهراً. أي قد تكره النفوس من الأمر شيئاً أي وصفاً فيه. والشاهد لأمية بن أبي الصلت (00 - 5/ 626) وقد وجد في أشعار جماعة غيره، عددهم صاحب الخزانة. الديوان: 33، الكتاب 1: 270، الجمهرة 2: 82، الأزهية: 80، أمالي الشجري 2: 382، شرح المفصل 4: 3، اللسان (فرج) شذور الذهب: 132، الخزانة 2: 541. والرواية في بعضها: رب ما تجزع.

وقولك مررت بما حسنٍ أي بشيء حسن، إلا أن «مَنْ» لمن يعقل و «ما» لما لا يعقل. ومن الموصولات «أيُّهُمْ» في قولك: اضرب أيُّهم أفضل، وقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] (¬1). فمذهب سيبويه (¬2) في هذا الاسم أنه بمعنى الذي، يوصل كما يوصل، وهو مبنيٌ كما أن الذي مبني؛ لكنه مبنيٌ على الضم؛ فالضمة فيه بناء. وهو مع ذلك يفارق الذي بحكم لا يكون للذي؛ وذلك أنه إذا أتم صلته أعربه، لأن قوله «أيُّهم أفضل» قد حذف منه مبتدأ إذ كانت الصلة لا تكون جزءاً واحداً، فالأصل على هذا «أيُّهُمْ هو أفضل» فإذا قال: أكرم أيهم هو أفضل نصب أيّا لأنها معربةٌ عنده، والصلة تامةٌ، وإذا حذف من صلته الجزء الذي لا يسوغ حذفه مع الذي قال: أكرم أيُّهم أفضل. فعلة البناء في هذا أنه ساغ معه حذف لا يسوغ مع غيره من الموصولات فخرج عن نظائره فبني، وعليه في هذا أنه إذا خرج عن ¬

_ (¬1) [مريم: 69]. (¬2) الإنصاف 2/ 709.

نظائره؛ إن أراد بنظائره الموصولات وجب على هذا أن يعرب، لأن النظائر التي هي الموصولات مبنيات كلها، فالخروج عنها يقتضي مفارقتها في حكمها، ومن حكمها البناء؛ ومفارقة البناء إلى الإعراب تكون. وانتصر أبو علي لمذهب سيبويه في أن «أيّا» في هذا الموضع مبنية بأن قال: الموصول توضحه صلته والصلة إنما هي صلةٌ بالعائد فكان (¬1) العائد هو الموضح؛ فإذا حذف المضمر -وهو العائد إلى أي- فقد حذف موضحها أو ما هو بمنزلة موضحها فأشبهت بذلك (¬2) حال «قبل وبعد»، وهما إنما يبنيان إذا حذف مبينهما وهو ما يضافان إليه (¬3)، وإذا أتما بذكره أعربا، فاعرف ذلك. والخليل يقول: إن «أيُّهم» مأخوذة من كلام فهي محكية، كأنه قال: الذي من أجله يقال «أيُّهم أشد على الرحمن عتيا»، وشبهه بقوله: ¬

_ (¬1) في (ب) و (ج): فكأن. (¬2) في (ب): لذلك وفي (ج): بذاك. (¬3) يلي ذلك في (ب): وإذا أنما بذكره أعربا، وفي (ج): والذي مع ذكره، فاعرف ذلك.

(ولقد أبيت من الفتاه بمنولٍ ... فأبيت لا حرج ولا محروم) (¬1) أي الذي يقال له: لا حرج ولا محروم، فهي معربة عنده، وضمها رفع صحيح. وفيها أقوال أخر للكوفيين وغيرهم، منها قول يونس بن حبيب (¬2) وهو بصري: أنها معلق عنها (¬3) قوله تعالى {لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] وقد عورض في قوله هذا بأن التعليق إنما يقع في أفعال الشك واليقين، لا أفعال العلاج كقوله «لننزعن»، واحتج له بما لا نطول بذكره. ومنها -أي من المعارف الخمسة التي فصلها- كل اسم أضيف إلى ضرب من هذه الضروب إضافة حقيقية، فإنه يتعرف بما أضيف إليه، إذ كان المضاف يكتسي من المضاف إليه كثيراً من خواصه، من ¬

_ (¬1) الشاهد للأخطل، وروايته في الديوان ص: 8: ولقد أكون .. وهو في الكتاب 1/ 259، المخصص 8: 69، أمالي ابن الشجري 2/ 297، الإنصاف 2/ 710، شرح المفصل 3/ 146، اللسان (ضمر). كان الوجه لولا تقدير الحكاية نصب «حرج» و «محروم» على أنهما خبر أبيت أو حال من فاعل أبيت. (¬2) أبو عبد الرحمن، الضبي بالولاء (94/ 713 - 182/ 798)، أعجمي الأصل، إمام نحاة البصرة في عصره، وأستاذ سيبويه والكسائي والفراء. طبقات النحويين: 48، نزهة الألبا: 59. (¬3) في (آ) و (ب): عليها.

تعريف وتنكير وإبهام وغير ذلك؛ والمثال في كل ذلك ظاهر. وما عدا ما ذكرناه مما أضربنا (¬1) عن ذكره، فهو كما ذكره. ¬

_ (¬1) اضرب عن ذكر الأبواب الآتية: 1. ... باب التوابع: التأكيد، والصفة، وعطف البيان، والبدل والعطف. 2. ... باب التذكير والتأنيث. انظر الجمل ورقة 15 - 17.

فصل إنما كانت النكرة أصلا

فصل إنما كانت النكرة أصلاً في الأسماء والمعرفة فرعًا، لأنها الأسبق والمتقدمة على المعرفة، ألا ترى أن الإنسان قبل أن يولد يسمى جنينًا، ثم يولد فيقال له: ذكر أو أنثى، ويقال له مع ذلك: إنسانٌ، ثم بعد ولادته وإطلاق هذا الاسم الشائع في جنسه من الذكور والإناث وهو إنسان تطرأ عليه الأعلام والكنى والألقاب؛ فيقال: زيدٌ أو عمرو، وأبو علي وأبو الحسن (¬1)؛ واسم إنسان مع ذلك لازمٌ له متى جهل اسمه العلم أو كنيته أو لقبه، فيقال: إنسان (¬2) من شأنه كيت وكيت. ¬

_ (¬1) بلى ذلك في (ج): وعائد الكلب ومقبل الريح. وعائد الكلب شاعر عباسي اسمه مصعب بن عبد الله الزبيري (156/ 773 - 236/ 851) لقب بذلك لقوله: (مالي مرض فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود) وأما مقبل الريح- لم يذكر له اسم- فقد لقب بذلك لقوله: (هبت شمال فقيل من بلد ... أنت به، طاب ذلك البلد) (فقبل الريح من صبابته ... ما قبل الريح قبله أحد) لطائف المعارف للثعالبي: 32، 34. (¬2) في (ب): هذا إنسان.

فصل باب الإعراب الأصلي وغير الأصلي

فصل باب الإعراب الأصلي وغير الأصلي مدار الكلام (¬1) على معانٍ ثلاثة، وهي معنى الفاعل ومعنى المفعول وما شبه بهما، وما ليس بفاعل ولا مفعول، وذلك المضاف إليه؛ كقولك: ضرب زيدٌ غلام عمرو، فزيدٌ فاعل، وغلام (¬2) مفعول، وعمرو ليس بفاعل ولا مفعول، فهذه المعاني هي الموجبة- باعتقابها على الاسم الواحد- اختلاف الإعراب على آخره بالحركات أو ما جرى مجراها؛ لتدل كلٌ واحدة من الحركات، أو ما قام مقامها على معنى من هذه المعاني، فتقع بذلك الميزة والفرق بينه وبين المعنيين الآخرين. فكانت هذه المعاني الثلاثة- لهذا الذي ذكرناه- أصولاً في استحقاق الإعراب، وعلةً (لوجوده في الكلام؛ وما عداها محمولٌ عليها وفرعٌ لها، ولكل معنى منها فرعٌ يختص في إعرابه بالحمل عليه دون غيره. فالمحمول على الفاعل المبتدأ وخبره، لأن المبتدأ لم يدخله الرفع دون غيره من ضروب الإعراب للفرق بينه وبين غيره كما دخل الفاعل للفرق بينه وبين المفعول؛ فالرفع في الفاعل لموجبٍ أوجبه له، وهو طلب ¬

_ (¬1) في (أ): واعلم أن الكلام مداره. (¬2) في (ب) والغلام.

الفرق، والرفع في المبتدأ لا للفرق، فإن انه محمول على غيره، وليس هناك شيء يشبهه المبتدأ، فيحمل عليه سوى الفاعل، وشبهه به أنه أحد ركني الجملة المبتدئية، كما أن الفاعل أحد ركني الجملة الفاعلية، ثم إنه الركن المسند إليه غيره كما أن الفاعل أيضًا كذلك؛ ولما كان الخبر في الأصل هو المبتدأ في المعنى كان أيضًا كذلك فرعًا على الفاعل (¬1) فلو قلت: إن الخبر محمول على المحمول على الفاعل وهو المبتدأ لما أبعدت. ومن المحمول على الفاعل في اللفظ اسم "كان" وخبر "إن"؛ فأما اسم "كان" فظاهر الأمر لأنه مرتفع بفعل كما أن الفاعل مرتفع بفعل، وهو الجزء المسند إليه غيره كما أن الفاعل كذلك، إلاّ أن الفاعل يستقل) برافعه لأنه أصل، واسم "كان" لا يستقل بـ "كان" لأنه مبتدأ في الأصل، فلابد له من خبره، فهو- وإن كان منصوبًا بـ "كان"، فمنزلته في افتقار اسمها إلى ذكره معه منزلته إذا كان مرفوعًا معه بأنه خبره؛ وحالة خبر "إن" في اللفظ تشبه (¬2) حالة الفاعل، لأنه مع الاسم المنصوب قبله كالفاعل مع المفعول إذا تقدمه، لكن الفاعل أبدًا غير المفعول في الأصل، والخبر هو الاسم في المعنى، وإن شئت قلت: "إن" فرعٌ على "كان" لأنها عاملة عملها، على فرق بينهما في التقديم والتأخير، ومعمولاها هما ¬

_ (¬1) في (د): فرعًا على الفاعل ومحمولاً عليه. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (ب) لخطأ في التصوير.

معمولاها في الأصل؛ وقد ثبت لكان أن مرفوعها مشبه بالفاعل؛ فمرفوع "إن"- وهو خبرها- مشبه به أيضًا. وإذا بان أن مرفوعي "كان" و"إن" مشبهان بالفاعل لفظًا، فمنصوبًا هما في اللفظ مشبهان بالمنصوب مع الفاعل: وذاك هو المفعول. ولهذا قيل في اسم "إن" وخبر "كان" إنهما يشبهان المفعول في اللفظ. ومن المحمول على المفعول الحال والتمييز، هما فضلتان كما أن المفعول كذلك، وزيادتان في الفائدة كما أن المفعول زيادة فيها، ويفارقانه في أشياء؛ منها أنه لا تصل فيه المعاني، إنما تعمل فيه الأفعال الصريحة، والحال والتمييز ينتصبان تارة بالأفعال وتارة المعاني؛ فانتصابهما بالأفعال كقولك (في الحال) (¬1): جاء زيدٌ راكبًا، وفي التمييز: طبت به نفسًا، وقررت به عينًا، وانتصابهما بالمعنى، أي بالعامل المحمول على الفعل في المعنى، كقولك في الحال: هذا زيدٌ قائمًا فلفظة "هذا" عاملة بمعنى أنه، أو أشير (¬2) فـ "أنبه" هي التي تدل عليها "ها" وأشير هي التي تدل عليها "ذا"؛ وكقولك في التمييز: عشرون درهمًا، المشبه بقولك: ضاربون زيدًا. ¬

_ (¬1) ما بين قوسين سافط من (أ). (¬2) يلي ذلك في (ج): فإن لفظة هذا تدل عليهما، أما أنبه فتدل عليها ها، وأشير تدل عليها ذا.

ومن الميزة بين المفعول والحال أن الحال هي ذو الحال في المعنى، والمفعول غير الفاعل في المعنى في الأكثر الأعم، وقولي: "في الأكثر الأعم" احتراز مما جاء في أفعال القلوب خاصةً، وهي ظننت وأخواتها من قولهم: ظننتني وحسبتني، وظننتك قائمًا- بفتح التاء- وحسبتك ذاهبًا، (أي حسبت نفسك وظننت نفسي) (¬1). ومما شذ من قولهم: فقدتني وعدمتني، لأن هذا كلام نادرٌ لا يقاس عليه غيره، فلا يقال: أخذتني ولا سألتني. والتمييز والحال يلزمهما التنكير، والمفعول لا يلزمه ذاك. ومن المحمول على المفعول منصوب "كم" في الاستفهام، لأنه تمييزٌ، إذ كانت "كم" موضوعة لعدد مبهم؛ وكذا منصوبها في الخبر إذا فصل بينها وبين ما كانت تضاف إليه، أو ينجر بتقدير "من" في القول الآخر، وبالجملة فما كان يليها وهو (¬2) مجرور. وجملة الأمر في "كم" أنها في حاليها من الاستفهام والخبر اسمٌ لعدد مبهمٍ في قلته وفي كثرته، وضعت للاختصار وترك الإطالة، مغنيةً عن ذكر أعدادٍ لا نهاية لها، فهي في الاستفهام مبنيةٌ لتضمنها معنى حرفه مع دلالتها على العدد، وفي الخبر مبنيةٌ حملاً عند أكثرهم على نقيضها وهو "رب"، إذ كانت "كم" الخبرية للتكثير، و¬

_ (¬1) ما بين قوسين ساقط من (ب). (¬2) في (د): فهو.

"رب" للتقليل. والمذكور بعد كم في الاستفهام (¬1) منصوبٌ على التمييز إن كان منكورًا، كقولك: كم رجلاً جاءك، لأن "كم" نائبةٌ عن عدد (¬2) يفتقر إلى التمييز، مستفهمٍ عنه، كأنك قلت: أعشرون رجلاً جاءك؛ أثلاثون، (أأربعون، إلى غير ذلك من أعداد غير متناهية في الكثرة، لو تصدى المستفهم لذكرها عددًا بعد عدد لطال عليه ذاك ولطال على المستفهم عن ذلك العدد، ولجاز ألاّ يقع بالعدد المستفهم عنه مع الإطالة حتى يقول له المسئول: نعم، فأغنت "كم" عن ذلك كله، ولهذا المعنى القائم فيها من معنى الجمع جاز رد الراجع إليها مجموعًا، حملاً على المعنى؛ كقولك: كم رجلاً جاؤوك. فأما الخبرية، فمبينها مجرورٌ بإضافتها إليه؛ كقولك: كم رجلٍ عندي؛ وكم مالٍ أنفقته؛ ومنهم (¬3) من يقول: هذا الاسم بعد "كم" الخبرية مجرور بمن مضمرةً، كأن الأصل عنده: كم من رجلٍ ثم كثر، استعمال ذاك فحذفها علمًا بها، وهي مع ذاك معملةٌ لأنها عنده كالمنطوق بها؛ ولولا أنها عنده كذاك لما جاز حذفها وإبقاء عملها، إذ كانت حروف الجر) (¬4) لا تضمر؛ فإن فصلت بين "كم" وبين ¬

_ (¬1) في (ج): في الاستفهام وهو مبنيها. (¬2) في (ج): عن عدد مبهم. (¬3) انظر الكتاب 1: 293، الإنصاف 1: 303. (¬4) ما بين قوسين ساقط من (ب) لخطأ في التصوير.

الاسم المجرور بعدها بطل الجر، لأن الجار لا يصح إعماله في مجروره مع الفصل بينه وبينه (¬1) لضعفه، فنصبه (¬2) على التمييز ردًا إلى الأصل في عمل "كم" ولأن المنصوب يحتمل أن يفصل بينه وبين ناصبه، والمجرور ليس كذلك، وذلك قولك: كم في عمري مالاً أتلفته، وعليه أنشدوا: (كم نالني منهم فضلاً على عدمٍ ... إذ لا أكاد من الإقتار احتمل) (¬3) أي كم فضلٍ نالني منهم، فلما فصل نصب على ما قلناه، فهذا حكم النصب غير الحقيقي أي المشبه منصوبه بالمفعول. وأما الجر غير الحقيقي فهو على ضربين؛ إما أن يكون الجار ¬

_ (¬1) بلى ذلك في (ج): لشدة اتصاله به وضعفه عن العمل فيما تراخى عنه. (¬2) في (أ): فنصبته. (¬3) الإقتار: الفقر، احتمل: أرتحل لطلب الرزق، يقول: لقد أنعم علي هؤلاء وزادوا في إنعامهم عند فقري وحاجتي التي بلغت إلى حد أنني لا أقدر على الارتحال لطلب الرزق ضعفًا وفقرًا. والشاهد للقطامي ( .. -130/ 747) من قصيدته التي يمدح فيها والي المدينة. والاستشهاد به في قوله "كم نالني منهم فضلاً" حيث نصب تمييزكم الخبرية لما فصل بين كم وتمييزها؛ وسيبويه يوجب ذلك إلا في ضرورة الشعر، والفراء يجيزه في السعة. الديوان: 30، الكتاب 1: 295، المقتضب 3: 60، الإنصاف 1: 306، شرح المفصل 4: 131، الخزانة 3: 122.

مزيدًا لا يفتقر الكلام إليه، كالجر بالباء في قولك: ألقى بيده، فهذه الباء مزيدة هاهنا، دخولها كخروجها؛ لأن قولك: "ألقى" متعدٍ بزيادة الهمزة في أوله. فالأصل على هذا: ألقى بيده، كما قال عز وجل: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ} (¬1) وقد جاء التنزيل أيضًا بالأخرى، قال تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (¬2) ولدخول هذه الباء في هذا الموضع، على كونها محكومًا بزيادتها عندهم، معنى يدق عن ذكره في (¬3) هذا المختصر، إلا أن ظاهر الأمر عندهم فيها الزيادة كغيرها من الزيادات التي لا يختل بحذفها الكلام. وتدخل هذه الباء مزيدةً في أربعة مواضع، فتزاد مع الفاعل كقولك: كفى بزيد فارسًا، وعليه قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (¬4) أي كفى الله؛ ومع المفعول كقوله سبحانه: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أي أيديكم، فيمن حمل الكلام على ظاهره، وقوله تعالى: {تَنْبُتُ ¬

_ (¬1) الشعراء 26: 45 {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَافِكُونَ}. (¬2) البقرة 1: 195 {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... }. (¬3) في: ساقطة من (ج) و (د). (¬4) الأحزاب 33: 139 {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}.

بِالدُّهْنِ} (¬1) أي تنبت الدهن في أحد الأقوال، وقول الشاعر: ( ........ ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور) (¬2) أي لا يقرأن السور؛ قول الآخر: ( .......... ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج) (¬3) ¬

_ (¬1) المؤمنون 23: 2 {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ} (¬2) سود: صفة ربات، جملة لا يقرأن: صفة ثانية. يقول: لسن بإماء سود ذوات خمر لا يتلون القرآن. قال بالسور لما دخله من معنى: لا يتقربن بقراءة السور. والبيت بتمامه: (هن الحرائر لا ربات أحمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور) ونسب إلى الراعي النميري وإلى القتال الكلبي، ويروى: لا ربات أخمرة. ديوان الراعي: 87، مجاز القرآن 1: 4، الجمهرة 3: 414، الصحاح، اللسان، التاج (سور). (¬3) الفلج: الماء الجاري. وإنما عدى الرجاء بالباء لأنه ضمنه معنى الطمع. والشاهد للنابغة الجعدي ( .. - 50/ 670)، وصلته قبله: نحن- بني جعدة- أصحاب الفلج

أي نرجو الفرج؛ ومع المبتدأ كقولهم: بحسبك صنيع السوء، وبحسبك أن تفعل كذا، أي حسبك، قال: (بحسبك في القوم أن يعلموا ... ...... ) (¬1) أي حسبك. قالوا: وهذه الباء هي التي عني صاحب الكتاب بقوله: "وإنما يدخل الرافع والناصب سوى الابتداء أو الجار على المبتدأ" (¬2)، ومع الخبر كقولهم: ما زيدٌ بقائم، أي ما زيد قائمًا، فهي هاهنا زائدةٌ في الحديث (لا المحدث عنه. فهذه الباء في هذه المواضع الأربعة مقحمة مزيدةٌ في غير موضعها، لغير ما وضعت له، لأنها وضعت للتعدية إلى المفعول، إذا كان الفعل قاصرًا عن النفوذ إليه؛ وليست في هذه المواضع لشيء من ذلك. ¬

_ (¬1) غني: ذو غناء أي نفع وفائدة. المضر: الذي يروح وعليه ضرة من المال، والضرة الكثير من المال. الشاهد من كلام الأشعر الرقبان، شاعر جاهلي (؟ )، وعجزه: بأنك فيهم غني مضر. النوادر: 73: الخصائص 2/ 282، مجمع الأمثل، 2/ 288، شرح المفصل: 2/ 115. (¬2) لم أعثر على هذا القول في الكتاب.

والثاني من فروع الجر ما كان بإضافةٍ غير محضة، والمحضة هي (¬1) التي ليست في نية الانفصال. وغير المحضة هي التي في نية الانفصال؛ ومن شرط المحضة أن يكتسي بها الأول- وهو المضاف- كثيرًا من أحكام المضاف إليه، كالتعريف والتنكير والإبهام والتخصيص والجزاء والاستفهام، ولا يكون الأول عاملاً في الثاني في اللفظ ولا في التقدير غير الجر؛ والتي ليست بمحضةٍ بخلاف ذلك؛ فهي إنما يكون اللفظ فيها على الإضافة فقط؛ والمعنى على أن الأول عاملٌ في الثاني نصبًا أو رفعًا، فالنصب كقوله تعالى {هَدْيًا بالغَ الكعبةِ} (¬2) أي بالغًا الكعبة، والرفع كقوله: مررت برجلٍ حسن الوجه؛ أي حسن وجهه. ولولا أن هذه الإضافة غير حقيقية، وأن الأول) (¬3) في حكم الانفصال من الثاني، بتقدير التنوين فيه، وأن الأول- بهذا (¬4) التقدير غير معرفٍ بالثاني، لما جاز نصبه على الحال في قوله تعالى: {ثاني ¬

_ (¬1) هي ساقطة من "ب" و"ج" و"د". (¬2) المائدة 5: 98 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ... } (¬3) ما بين قوسين ساقط من "ب" لخطأ في التصوير. (¬4) في "ب": لهذا التقدير غير متعرف بالثاني.

عطفه" (¬1)، وإجراؤه على النكرة وصفًا في قوله {هَدْيًا بالغَ الكعبةِ} و {هذا عارضٌ ممطرُنا} (¬2) لكن التقدير فيه: ثانيًا عطفه، وبالغًا الكعبة، وممطرٌ إيانا أولنا، ثم حذف التنوين تخفيفًا؛ والأصل إثباته، فعاقبته الإضافة، وعلى هذا يقدر كل اسم فاعلٍ أضيف إلى المفعول، وكل صفةٍ أضيفت إلى ما هي له في المعنى؛ فاعرف ذلك. فهذا حكم إعراب الاسم، حقيقية وغير حقيقية، وأما إعراب الفعل فليس بأصلٍ فيه ولا حقيقي كما كان الاسم، لأنه عارٍ من المعاني التي أوجبت الإعراب للاسم، وهي الفاعلية والمفعولية، والإضافة، ولأنه باختلاف صيغه (¬3) يدل على الزمان، وبحروفه يدل على ما يتضمنه من الحدث، فلم يفتقر إلى إعراب يكشف عن معانيه، فإعرابه على هذا غير حقيقي، ومعنى "غير حقيقي" أنه لا يستحقه بحكم الأصل، إنما يستحقه بشبهه (¬4) بالاسم، وإنما كان كذلك، لأن المعاني الموجبة للإعراب لا توجد فيه. ¬

_ (¬1) الحج 22: 9 {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}. (¬2) الأحقاف 46: 24 {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}. (¬3) في "ب": صوره. (¬4) في "د": لشبهه.

ألا ترى أنه لا يكون فاعلاً ولا مفعولاً ولا مضافًا إليه على حد الإضافة إلى الأسماء، أي لا تكون الإضافة إليه أصلاً فيه، إنما يضاف إليه، والمراد بذلك الإضافة إلى مصدره، كقوله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) أي يوم قيام الناس؛ ويكشف عما قلناه أنه لا تستمر الإضافة إليه، فلا يضاف إليه (أعني الفعل) (¬2) غير ظروف الزمان، كالآية المتلوة، وكقوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (¬3) {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى} (¬4) و {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} (¬5) {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ} (¬6) إلى غير ¬

_ (¬1) المطففين 83: 6. (¬2) ما بين قوسين ساقط من "أ" و"ب". (¬3) القلم 68: 42 {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}. (¬4) الدخان 44: 41 {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}. (¬5) الفرقان 25: 25 {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}. (¬6) الحج 22: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.

ذلك مما جاءت الإضافة فيه إلى ظاهر لفظ الفعل، لا يوجد المضافُ فيه إلا ظرف زمان، فلو قلت على هذا: غلامُ يأكلُ، وصاحبُ يذهب، وأنت تريدُ: غلامُ أكلٍ وصاحبُ ذهابٍ لم يجز لأن الإضافة إلى الأفعال ليست بأصل فتستمر؛ والإضافة إلى الأسماء أصلٌ فاستمرت في كل ما يقبل تعريفًا أو تخصيصًا كقولك: غلام زيد وصاحب امرأة. وإنما ساغ إضافة الزمان إلى الفعل – فيما عللوا – للمناسبة بينهما، والمشابهة في أن الزمان يحدث ويتقضى، والفعل كذلك، فكانت إضافته إليه لعلقته به، ولأنه – مع ذاك – دال على مصدره، فكانت إضافة الزمان إليه كالإضافة إلى المصدر، وهو اسم، وعلى ذاك يتأول. فقد بان أن إعراب الفعل غير حقيقي، أي ليس بأصل كما كان إعراب الاسم أصلًا.

قسمة في الإعراب أخرى الإعراب إما صريح وإما غير صريح

قسمة في الإعراب أخرى الإعراب إما صريح وإما غير صريح؛ والصريح هو ما كان بحركات أو سكون يعتقب على أواخر المعرب، إن كان مما يعرب بالسكون، أو بالحركات فقط إن كان مما لا يُعرب بالسكون، هذا (¬1) هو الأصل في الإعراب، أو بحروف تتنزل منزلة الحركات، إما من أصل الكلمة كالأسماء الستة، وإما مزيدةٌ عليها لمعان، وتختلف كاختلاف الأولى، فتدل باختلافها على أقسام الإعراب، كحروف التثنية والجمع؛ وقد تقدم ذكر كل ذلك، وإنما كان هذا الإعراب صريحًا لأنه زيادة في الكلمة تدل على معان زائدة على المعنى الذي تدلٌ عليه حروف الكلمة، فهو إما زيادة لفظ كالحركة أو ما يجرى مجرى زيادةٍ، وهو التغيير اللاحق للحروف. وغير الصريح أن تكون الكلمة على هيئة مخصوصة، ولا إعرابَ فيها ولا لها، فتدلُّ على ما تدل عليه، وفيها الإعراب، وذلك كالمضمر من الأسماء، فإنَّ هيئته وصورته تدل على الرفع إن كان ضمير مرفوع، ¬

_ (¬1) في "آ" وهذا.

وعلى النصب إن كان ضمير منصوب، وعلى الجر إن كان ضمير مجرور، وهذا يقتضى أن يكون المضمر من طريق الدلالة على المظهر وإعرابه منقسمًا ثلاثة أقسام، إذ كان للمظهر ثلاثة أحوال، وهو أن يكون مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا، ثم إن من المضرات ما هو أشبه بالمظهرات، فينفرد بلفظه، ويستغنى عن أن يتصل بعامله، فيُسمى منفصلًا، ومنها ما لا ينفرد بلفظه، بل يتصل بعامله، فلا ينفرد منه ولا يُفصل بينه وبينه، فيسمى متصلًا، وهو أبعد من الأول شبهًا بالمظهر وأشبه بالحروف، وهذا المتصل إما يكون له لفظ، يتصل بالعامل، فهو عام في الأقسام الثلاثة، يكون للمرفوع والمنصوب والمجرور، وإما ألا يكون له لفظٌ، فيكون مستكنًا في العامل ومستترًا فيه. وهذا القسم يختص بالمرفوع (¬1) فقط، وينقسم قسمين: إما مستكن يجوز أن يظهر في بعض المواضع، ويخلو العامل من تضمنه، وإما مسستكنٌ يلزم استتارُه، ولا يظهر له لفظ بتة، فلا يخلو العامل منه بحال. فالمنفصل من الضمائر المرفوعات "أنا" وهو ضمير المتكلم وحده، يستوي فيه المذكر والمؤنث، لأن المتكلم لا يلبسُ في غالب أحواله، ¬

_ (¬1) في "ب": يخص بضمير المرفوع، وفي "ج": يختص بضمير المرفوع.

فيحتاج إلى فرقان بين مذكر ومؤنث، والاسم من لفظ هذا الضمير الهمزة والنون، والألف فيه لبيان الحركة وللوقف عليها ولذلك تحذف في الوصل في اللغة المختارة، وربما أثبتت فيه (¬1)، وعلى ذلك قول الشاعر: (أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... ...... ) (¬2) ¬

_ (¬1) يلي ذلك في "ج": إجراء للوصل مجرى الوقف، كما قال. (¬2) تذريت: علوت، ومنه الذروة بكسر الذال أو ضمها وهو أعلى السنام، ويربد بقوله: تذريت السناما: علوت السناما. ووجه الاستشهاد بالبيت أن الكوفيين يزعمون أن الضمير هو أنا برمتها، إذ لو لم يكن الأمر هكذا لأسقط الألف في حال الوصل، وإثبات الألف في الوصل لغة بني تميم، وهو عند غيرهم لا يكون إلا في ضرورة شعر. وقوله حميدًا بالنصب بدل من الياء في قوله فاعرفوني، أو هو منصوب على المدح، وهو في رواية "حميد" بالرفع على أنه بدل من قوله "سيف العشيرة" أو بيان له. المنصف 1: 10، شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 184، شرح المفصل 3: 93 الصحاح (أون) اللسان (أنن)، الخزانة 2: 390، مع اختلاف في الرواية. الشاهد لحميد بن حريث بن بحدل الكلبي، شاعر إسلامي (؟ ) وعجزه: (حميدًا قد تذريت السناما)

وقال الآخر: (أنا أبو النم وشِعري شعري) (¬1) وقد تبدل هذه الألف هاء في الوقف، فيقال: أنَهْ، ورَووا في كلام حات الطائي: "وهذا فزدي أنَهْ (¬2) " يريد فصدى أنا، فإذا وصل قال في اللغة الجيدة: أنَ فعلتُ كذا، بنون مفتوحة لا ألفَ بعدها، وربما سَكنَت النون فقيل: أنْ فعلت، يريد: أنا فعلت. ووردت في هذا الضمير (¬3) لُغيةٌ زعم الفراء (¬4) أنها على القلب، وهى قولهم: آن فعلت كذا، قال: أراد "أنا"، فقدم الألف على النون، فصارت بينها وبين الهمزة؛ والذي ذهب إليه بعيد جدًا عن مقاييس العربية. ¬

_ (¬1) المعنى: أنا ذلك المعروف الموصوف بالكمال وشعري هو الموصوف بالفصاحة. وهذا البيت من مشطور الرجز، من أرجوزة لأبى النجم للعلي (00 – 130/ 747) الشاهد فيه هو النطق بألف أنا ممدودة وهى موصولة كما لو كانت موقوفًا بها. المنصف 1: 10، حماسة أبى تمام 1: 100، الكامل: 42 الخصائص 3: 337، شرح الأبيات المشكلة الإعراب: 184، أمالي ابن الشجري 1: 244، شرح المفصل 1: 98 مغنى اللبيب 1: 211. (¬2) روايته في مجمع الأمثال 2: 394 "هكذا فزدي أنه". (¬3) في "ج": النون. (¬4) تقدمت ترجمته

والأشبه إذا ثبتت هذه اللغة على قلتها وضعفها أن تكون الألف بعد الهمزة ناشئةً عن إشباع فتحتها كما قال عنترة: (ينباع مِن ذِفري غَضُوبٍ جسَرةٍ ... ...................... ) (¬1) أراد ينُبعُ في بعض الأقوال، وكما قال الآخر: بمنتزاح (¬2) أراد بمنتزح؛ وكما حكوا في صه: صاه. ¬

_ (¬1) الذفرى: أصل القفا والأذن، الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن: الجسرة: الماضية في سيرها. الزيافة: المتبخترة المسرعة، الفنيق: الفحل، المكرم: الذي لا يؤذى ولا يركب لكرامته على أهله. الديوان: 21، الخصائص 3: 121، الإنصاف 1: 11، اللسان (بوع، دوم، نبع، تنف، زيف، غضب، خطا)، المحكم (نبع)، الخزانة 1: 59 مع الاختلاف في الرواية في هذه المصادر. عجزه: زيافة مثل الفنيق المكرم. (¬2) الغوائل: المصائب، منتزح: بعيد. يشير إلى قول إبراهيم بن هرمة (90/ 709 - 186/ 792) في رثاء ابنه: (وأنت من الغوائل حيث ترمى ... ومن ذم الرجال بمنتزاح) لما اضطر لإقامة وزن البيت أشبع فتحه الزاي، فنشأت عن هذا الإشباع ألف. الديوان: 87، الخصائص 2: 316، أمالي ابن الشجري 1: 122، الإنصاف 1: 25 أسرار العربية: 45، المحكم، الصحاح، اللسان: (نزح).

وللمخاطب "أنت" قلتُ: الهمزةُ والنونُ فيه هي الاسم أيضًا؛ والتاء للخطاب مفتوحةً للمذكر ومكسورة للمؤنث، للفرق. و"نحن" للاثنين وللجماعة من المذكرين والمؤنثات من المتكلمين، وهو اسم مبنى على الضم؛ وعلةُ بنائه كونُه مضمرًا، واختصاصُه بالبناء على الحركة لا السكون لأن (¬1) ما قبل آخره ساكن؛ وكونُ الحركة ضمة دون غيرها، لقوةِ هذا الضمير، وكونِه لا ينفصل من الدلالة على ما زاد على الواحد من مثنى أو مجموع؛ فأما اشتراك المذكر والمؤنث فيه، في مثناهم ومجموعهما، إذا قال الاثنان: نحن فعلنا، وقالت الثنتان: نحن فعلنا وكذا الجمعان منهما، فلأن "نحن" ضميرُ المتكلم الزائد على الواحد؛ وقد بينا أن المتكلم لا يحتاج في ضميره إلى فرق بين مذكر ومؤنث لأمنِ اللبس في غالب الاستعمال وأكثر الأحوال. واستوى المثنى والمجموع في هذا الاسم، للتنبيه على أن الارتجال في هذه الضمائر أصلٌ، فلذلك لم يحتج إلى إفراد مجموعها من مثناها بصيغة تخصّذ واحدًا منمها كما كان ذلك في الأسماء الظاهرة، ولأن بين المثنى والمجموع اشتراكًا في مجاوزة الواحد، وتقاربًا في المعنى فاشتركا (¬2) في هذه الصيغة. ¬

_ (¬1) في "آ" و "ب": أن (¬2) في "ب" و "ج": فاشتركا في صيغة واحدة هي هذه، والأصل أمن اللبس الذي قياسه الفرق.

وتقول في ضمير (المثنى من المخاطبين "أنتما"، فالتاء في الاسم للخطاب، والميم تدل على مجاوزة الواحد، والألف بعدها للدلالة على أن الضمير لمثنى؛ ويستوي فيه المذكران والمؤنثان لأن باب التثنية في الأسماء الظاهرة لا يختلف فيهما، والضمائر أحق بالا يختلف فيها. وتقول في ضمير المجموع من المذكرين "أنتم" والأصل "أنتمو" فالميم لمجاوزة الواحد، والواو للدلالة على أن الاسم ضمير مجموع، وضمت التاء فيها، والأصل فيها أن تُضم في الجمع، لأن الميم - وإن حجزت بين الواو والتاء - فهي حرف يشابه حروف اللين لما فيه من الغُنّة، فكأنه حرف لين، فأتبعتِ التاءُ ضمته، إذ كانت كأنها وليت الواةَ، لأن حروف اللين لضعفها كلا حاجز، فكذلك ما جرى مجراها وأشبهها؛ ثم حُملتِ التاء في "أنتما" على التاء في "أنتم" فضُمت كضمتها اشتراكًا بين المثنى والمجموع في هذا الحكم (¬1) ليكون اشتراكهما في هذا الحكم مشبهًا لاشتراكهما في ضمير المثنى والمجموع في الفظ، إذا كان للمخاطب وهو المتكلم، وذلك قولك: نحن، ثم يجوز حذف هذه الواو) (¬2) من ضمير الجمع، للعلم بأنه بعد حذفها منه لا يُلبس بضمير المثنى، إذ كان ذلك لازمًا للألف، فلا تحذف منه لخفتها ولأن الأصل ¬

_ (¬1) في "ج" في هذا الحكم في اللفظ ليكون اشتراكهما فيه. (¬2) ما بين قوسين ساقط من "ب"

الإثبات، فتقول في "أنتمو" أنتم، فحذفت (¬1) الواو وأسكنت الميم تخفيفًا. وتقول في ضمير جماعة المؤنث "أنتن"، فتخالفُ بينه وبين (¬2) صيغة "أنتمو" الذي هو ضمير جمع المذكر، لأن الجمع فيهما - إذا كانا اسمين ظاهرين - مختلف في الصيغة في جمع الصحة وفي كثير من المكسرات. والأصل الفرق في الجمع كما الأصل فيهما في الإفراد الفرق، للتم الدلالة، وزيادة النون على التاء مشددة دليل على أن أصل "أنتم" "أنتمو"، إذ كان الحرف المشدد حرفين، والحروفُ المزيدة في "أنتمو" و "أنتن" متقاربةٌ، لأن الواو حرف لين، والنون تقرب منها في كثير من اللغة وتتعاقبان اللفظة الواحدة، فكانت النونان في "أنتن" بإزاء الميم والواو في "أنتمو" عٍدة وشبهًا في المخارج. وتقول في ضمير الغائب المرفوع المنفصل إذا كان واحدًا مذكرًا "هو" فتبنيه على الفتح هربًا من الكسر والضم في الواو، سيما والهاء قلبها مضمومة، وفي مؤنثه "هي" واحتجت في هذا إلى الفصل بين صيغتيهما مع تقارب حروفهما، لأنهما لو اشتركا التبسا، وفتحت الياءُ للما ¬

_ (¬1) في "ج": فتحذف الواو وتسكن الميم تخفيفًا. (¬2) في "ج": وبين ضمير جماعة المذكر وهو انتم.

فتحت له الواو (¬1)، فإن أسكنتا فقليل في الاستعمال، وضمير مثناهما واحد، جريًا على الأصل، وذلك قولك: "هما"، ومجموعاهما مختلفان فالمذكر "هم" والأصل "همو" وجرى عليه من حذف الواو وإسكان الميم، فقليل "هم" ما جرى على "أنتمو" حتى صار "أنتم"، وللمؤنثات "هن" واسحبه على القياس المتقدم (¬2) وضمير المنصوب المنفصل "إياك" والاسم منه في القول المعمول عليه "إيا" والكاف علامة للخطاب، وهى مفتوحة للمذكر، ومكسورة للمؤنث، وفي المتكلم والواحدة "إياء". فالياء في آخر هذا الاسم حرف دال على المتكلم، كما كانت الكاف في "إياك" حرفًا للخطاب، وكذلك إذا كان الضمير للغائب، فقلت: "إياه"، و"إياها"؛ وكذلك مثنى هذه العلامات ومجموعها بحسب أصحاب الضمائر من متكلم ومخاطب وغائب، كقولك في المتكلم والمتكلمة إذا ثنيا أو جمعا "إيانا"، وفي المخاطب على تلك العدة إياكما وإياكم وإياكن، والأصل إياكمو على ما مضى و (في الغائب) (¬3): إياهما وإياهم وإياهن. ¬

_ (¬1) في (ج): الواو في "هو" (¬2) في (ج): المتقدم في التعليل. (¬3) في الغائب: ساقطة من (آ) و (ب)

وذهب الخليل (¬1) إلى أن هذه العلامات اللاحقة آخر هذا الاسم، الدالة على معنى من هو له - وهى الياء والكاف والهاء، ومؤنث ذاك ومثناه ومجموعه - أسماه مضمرة ذاتُ مواضع من الإعراب، وهو الجر، بإضافة هذا الاسم إليها؛ واحتج في ذلك بشيء رواه عن العرب، وهو قول قائلهم: "إذا بلغ الرجلُ الستين فإياه وإيا الشوابِّ" (¬2) فأوقع الاسم الظاهر هذا الموقع الذي وقعت فيه هذه العلامات، وجره بإضافته إليه، فدل ذلك على أنها أسماءٌ كما أن "الشواب" اسم، كأنه لو أضمره قال: وإياهن، والذي رواه قليل في الاستعمال (¬3) فلو قلت قياسًا عليه: إياك وإيا زيدٍ، لم يكن عندهم قياسًا مرضيًا لقلة المقيس عليه، ولأنه إن كان "إيا" ضميرًا لم تجز إضافته لأن (¬4) الضمائر لا تضاف لكونها مستغنية عن الإضافة بما فيها من التعريف التام. وليس للمجرور ضمير منفصل، فيذكر، لأن المجرور أدخل في الجار وأشد اتصالًا به والتزامًا من المنصوب بناصبه، والمرفوع برافعه. ومتصل المضمراتِ عامٌ في الأضرب الثلاثة من المرفوع والمنصوب ¬

_ (¬1) انظر الكتاب 1: 380، المقتضب 3: 212. (¬2) الكتاب 1: 141. (¬3) يلي ذلك في "ج": لا يكاد يتردد في كلامهم، فلو قاسه قائس فقال إياك وإيا زيد كان عندهم واهيًا ضعيفًا، إذ كان قياسًا على النادر القليل. (¬4) في "ج": لأن الضمائر لا تحتاج إضافتها إلى شيء لاستغنائها بما فيها

والمجرور، وهو الأصل في الإضمار؛ أعنى المتصل، فالمتصل في المرفوع تاء المتكلم، ذكرًا كان أو أنثى، كقول الواحد والواحدة: قمتُ، فالتاء اسم مذمر على حرف واحد، متصل بالفعل، مسكن آخره له، مبنى على الضم لأولية المتكلم (¬1)، ولأنه لا يكون إلا لفاعل أو (¬2) أو ما قام مقامه؛ وهذا الضمير مفتوح مع المخاطب – المذكر، فرقًا بينه وبين المتكلم؛ ولأنه كالمفعول لكونه (¬3) مخاطبًا وإن كان لفاعلٍ، ومكسورٌ مع المخاطبة فرقًا بينها وبين المخاطب، وهو للاثنين والاثنتين من المتكلمين وجماعتهما "نا" في قولك: ذهبنا وقمنا؛ و "أنتما" اثنان أو اثنتان أو ما زاد على ذلك فيهما، وفي المخاطبتين "تما" في قولك" ذهبتما، فالميم لمجاوزة الواحد كما سبق، والألف لتخصيص التثنية مع الجمع؛ وفي جمعهما: قمتم وقمتن، والأصل: "قمتمو" على ما عرفت، ويقرأ بالأصل ويستعمل في فصيح الكلام، وفي (¬4) الغائب والغائبة ضميرٌ مستتر لا يظهر له لفظ للعلم به، كقولك: زيدٌ قام أي هو، وهو هذا الملفوظ (¬5) بيانٌ لذلك المستتر وتفسيرٌ له؛ وكذا الضمائر في الأفعال المضارعة إذا قلت: "أقوم" وأخواته، ¬

_ (¬1) في (آ) الكلام. (¬2) في (آ): وما. (¬3) في (ب): بكونه. (¬4) في (ج): وفي فعل الغائب. (¬5) في (آ) الملفوظ به.

وفي أسماء الفاعلين الجارية على ما هي له، كقولك: برجلٍ ضاربٍ أي هو، وكذا المفعول في "برجل مضروب"، وكذا ضمير المأمور إذا قلتً: قُم، وصَهْ، وعليك زيدًا، في هذه الكلم ضمائرُ مستترة مرفوعة منويةٌ لا لفظ لها عِلمًا من اللغة بأنها مفهومة معلومة كلَّ العلم، فاستغنت عن إظهارها، إذ كلُّ فعل لا بد له من فاعل (¬1)، لكن العِدة غير معلومة (إلا بدليل لفظي، فلذلك أظهرت ضمائر المثنى والمجموع مع الأفعال، فقلت في الاثنين: قاما، وفي الاثنتين قامتا، لأن فعل الواحدة دخلته تاء التأنيث – وهى الحرف عند الجمهور – فرقًا ودلالة على أن المضمر مؤنثٌ لا مذكرٌ؛ فالتاء حرف؛ والألف بعدها اسم؛ وكذا تقول في جمع المذكر: قاموا؛ فالواو اسمٌ مضمرٌ دال على جمع مذكر غائب؛ وفي جماعة الغائبات نون في قولك: ُقمْنَ، والفعل مغير مع غائب؛ وفي جماعة الغائبات نون في قولك: ُقمْنَ، والفعل مغير مع هذه النون كما غير مع التاء في قمتُ، وهى حرف واحد كما الواو في قاموا حرف واحد؛ لكنها مبنية على الفتح؛ والواو مسكنةٌ، لأن النون حرف صحيح، وهى اسم على حرف واحد، فقَوَيتْ بالبناء على الحركة، والواو ساكنة لأنها كالألف في قاما، وحركة ما قبلها من جنسها؛ وهى الضمة لفظًا وحكمًا كما حركةُ) (¬2) الألف التي قبلها من جنسها على كل حال؛ فالفظ بالضمة فيما قبل الواو في مثل ذهبوا ¬

_ (¬1) يلي ذلك في (ج): وكذلك ما جرى مجرى الفعل من الأسماء الرافعة. (¬2) ما بين قوسين ساقط من (ب)

وقاموا، والحكم كقولك: عَصَوا ورموا، لأن هناك محذوفًا هو الذي كان يتحمل الضمة لو ظهر، وهو لامُ الفعل المحذوفة. وأما ضمير المنصوب المتصلُ، فالياء للمتكلم – إذا كان ذكراَ أو أنثى – مفردًا، كقولك: ضربني، يقولها الواحد المذكر والواحدة، وهذا الضمير هو الياء وحدها، والنونُ قبله تقي الفعل أن يدخله الكسرُ الذي يلزم ما قبل ياء المتكلم، وفي تثنسيتها وجمعها: "ضربنا"، وفي المخاطب والمخاطبة: ضربك وضربك وضربكما والأصل ضربكمو وذربكن، وفي الغائب ضربهو، والاسم هو الهاء؛ والواوُ بعدها وصل لها، إذا وقفت عليها سقطت في جيد الاستعمال، فقلت: "ضربه"، وفي الغائبة: "ضربها"، وفي الغائبين "ضربهم"، والأصل "ضربهمو" وفي الغائبات "ضربهن". وأما ضمير المجرور فالياء في لي وغلامي للذكر والأنثى من المتكلمين، وفي تثنيتها وجمعها: "بنا" و "لنا"؛ يقول ذاك الاثنان والاثنتان والجماعة المذكرة والمؤنثة، والكاف للمخاطب والمخاطبة في بك وغلامك، والتثنية "بكما" لا تختلف، والجمع للمذكر "بكم" والأصل "بكمو"، وللمؤنث إذا جمعتً "بكنًّ (¬1)؛ والغائب "بهي"، والهاء وحدها الضمير؛ وكذلك "غلامهو"؛ فالواو صلةٌ، وكذا الياء؛ والأصل الواو، إلا أنها أبدلت ياء في "بهي" لخفاء الهاء، فكأن ¬

_ (¬1) في (ج): بكن، والتعليل على ذاك.

الكسرة وليتها، وقد لا تقلب، بل يؤتى بها مع الكسرة واوًا فيقالُ: بهو وفيهو؛ وهى لغة الحجاز، وعليه القراءة "فخسفنا بهو وبدارِ هُو الأرض" (¬1)، والمؤنثة بها، وتثنيتهما بهما وإن شئت بهما، والجمع المذكر بِهِم وبِهُم، والأصل بِهِمِى وبِهمو، والجمع للمؤنث بهِن وبهنُ وفيهِن وفيهُن وعليهِن وعليهُن. وقد أحصاها – أعنى الضمائر - صاحب المختصر، وعددها في كتابه، فغنينا عن تكرار ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) القصص 28: 81 {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} ولم أعثر على القراءة المذكورة فيما رجعت إليه من كتب القراءات. (¬2) انظر "الجمل" 18: 2: 19: 1.

باب المفرد والجملة

باب المفرد والجملة قال صاحب المختصر (¬1): اعلم أن الواحد من الاسم والفعل والحرف يسمى كلمة، فإذا ائتلف منها اثنان فأفادا نحو: خرج زيد، سمي كلامًا، وسمي جملة. الفصل: اعلم أن الأمر على ما ذكر، وقد تبين (¬2) في أول هذا الكتاب أن الواحد من هذه الأنواع الثلاثة يسمى كلمةً؛ وهي الجزء الواحد؛ والائتلاف المفيد منها - إذا ألفت - يسمى كلامًا عند النحويين، وجملة؛ والجملة كل لفظ أفاد السامع فائدةً يحسنُ سكوت المتكلم عندها؛ وإن شئت قلت: كل لفظ يدل جزؤه على الجزء من معناه مع إفادته فائدة حسنة يحسن الاقتصار عليها؛ وقد بين في أول هذا التعليق الائتلافُ وما يفيد منه وما لا يفيد، وعدة الجميه. واعلم أن الأصل الجملة الاستقلالُ بنفسها، والمفرد ليس كذلك؛ إلا أنها قد تقع موقعة في بعض الاستعمال فتكون كغير المستقل، ويحكم عليها بإعراب في موضعها بحسب إعراب المفرد الذي وقعت موقعه؛ وتلك المواضع محصورة، وهي ستة: خبر المبتدأ كقوله: زيد خرج أبوه؛ فقولك: خرج أبوه، في ¬

_ (¬1) انظر الجمل 19: 2 (¬2) في (ج): بين.

موضع "خارجٌ" مثلًا من قولك: زيد خارج، فتقولُ: هذه الجملة في موضع رفع، أي المفرد وقعت يستحق الرفع، فهذه الجملة لا تكون إلا مرفوعة الموضع، حسبُ، لأن خبر المبتدأ لا يكون إلا مرفوعًا. والثانية خبر "كان وأخواتها" إذا قلت: كان زيد أبوه منطلقٌ؛ فقولك: "أبوه منطلق" جملة في موضع نصب، لأنها وقعت موقع مفرد، إعرابه النصب كأنك قلت: منطلقًا، أو منطلق الأب، أو منطلقًا أبوه، وهذه لا تكون إلا منصوبة الموضع، لأن خبر كان لأي كون إلا منصوبًا. والثالثة الواقعة خبرًا لـ "إن" وأخواتها كقولك: إن عمرًا قام أبوه، فقولك "قام أبوه" جملةٌ في موضع رفع، لأن المفرد الذي وقعت موقعه مرفوع، كأنك قلت: إن زيدًا قائم، أو قائمُ الأب؛ وهذه أيضًا لا تكون إلا مرفوعة الموضع، لا غير، لأن خبر "إنّ" لا يكون إلا مرفوعًا. الرابعة: الجملة الواقعة في موضع المفعول الثاني لـ "ظننتُ" وأخواتها، إذا قلت: ظننتُ زيدًا وجهُه حسنٌ، فقولك: "وجهُه حسن" جملة في موضع نصب، لأن المفرد الذي وقعت موقعه منصوب وهو الثاني من مفعولي "ظننتُ وأخواتها" فكأنك قلت: ظننت زيدًا حسنَ الوجه، أو حسنًا وجهُه؛ وهذه الجملة أيضًا لا تكون إلا منصوبة الموضع لا غير، لأن مفعولي ظننت لا يكونان إلا (منصوبين ..

الخامسة: الجملة الواقعة وصفًا للنكرة، كقولك: ربَّ رجلٍ قام أبوه، فهذه الجملة إذا وقعت وصفًا لم تُقتَر على أعراب دون إعراب، لأن الموصوف بها قد يكون مرفوعًا، فتكون في موضع رفع؛ كقولك: هذا رجل أبوه منطلق؛ وقد يكون منصوبًا، فتكونُ في موضع نصب كقولك: رأيت رجلًا أبوه منطلق، وقد يكون مجرورًا كما مُثٍّل، فتكون في موضع جر كقولك (¬1): مررت برجل أبوه منطلق؛ وكل ذاك (¬2) لأن الصفة تابعة للموصوف في إعرابه؛ فالمفرد الذي وقعت الجملة موقعه في الوصف لا يقصرُ (¬3) على إعراب مخصوص، فكان حكم الجملة حكمَه. السادس (¬4) من مواضع الجملة وقوعها موقع الحال؛ كقولك: جاءني (¬5) زيد تُقاد الجنائبُ بين يديه، فهذه الجمل منصوبةُ الموضع، مقصورةٌ على النصب (دون غيره من ضروب الإعراب) (¬6) لأن المفرد الذي وقعت موقعه – في الحال – ¬

_ (¬1) ما بين قوسين، ساقط من (ب). (¬2) في (ج): فكل ذلك. (¬3) في (ج): لا يقصر على إعراب دون إعراب بل يتبع موصوفه، والجملة الواقعة موقعة حكمها حكمه. (¬4) في (ج): السادسة: الجملة الواقعة موقع الحال. (¬5) في (ج): جاء. (¬6) ما بين قوسين ساقط من (ج)

لا يكون إلا منصوبًا، فكأنك قلت في المثالِ الذي وقعت فيه: جاءني (¬1) زيد مقودة بين يديه الجنائب، أو مقودة الجنائب بين يديه؛ أو كأن قلت في المعنى: جاءني زيدٌ معظمًا مبجلًا. واعلم أن هذه الجمل التي وقعت مواقع المفرادات، فحكمَ لها بإعرابها في الموضع لا تعرى من ذٍكر يرجعٌ إلى المذكور الذي كان ذلك (¬2) المفرد الذي نابت هذه الجملة منابةَ تابعًا له وثانيًا كخبر (¬3) المبتدأ مثلًا في قولك: زيدٌ أبوه خارج، فالهاء في قولك: أبوه هي الذكر العائد (¬4). ولو قلت: زيد عمرو منطلق، لم يجز، لتعرى الجملة من الذكر، وقد بين ذلك، وعلى هذا تجري البواقي. فأما الجملة الحالية فقد تغني الواو التي تسمى واوَ الحال عن الذِكْرِ الراجع منها، وتقوم مقامه، لربطها ما بعدها بما قبلها، فكان ذلك كالذكر الرابط للجملة – التي هو منها – بما قبلها؛ وقد يجمع بين الواو وبينه، والمثال في المسألتين: خرج زد وعمرو قائم، فهذا كلام ¬

_ (¬1) في (ج): وكأنك (¬2) في (آ): له، وفي حاشيته: ذلك. (¬3) في (ج): كقولك مثلًا في خبر المبتدأ. (¬4) يلي ذلك في (ج): وبه ارتبطت الجملة بالمبتدأ فكانت خبرًا عنه.

أغنت الواو - وهى واو الحال - عن ذكر يعود منه إلى الأول (¬1)، وتقول: خرج زيد وتحته فرسٌ جزاد؛ فهذا كلام قد جمع الذكر العائد مع الواو، وهو الهاء في قولك: وتحته. وهذه الجمل الست ذوات المواضع لا خلاف فيما بينهم (¬2). وهناك جمل اختلفوا (¬3) فيها خلافًا لم يشيع، وهى الجملة الواقعة بعد "حتى" التي تسمى الابتدائية، يعنون التي تقع بعدها الجمل مبتدأ بها كقوله: (فما زالتِ القتلى تمج دماءها ... بدِجلة حتى ماءُ دجلة أشكلُ) (¬4) ماء دجلة مبتدأ، وأشكل خبره، فهذه الجملة وما أشبهها من الجمل التي تقع بعد حتى هذه، كقولك: سرحت حتى بكرٌ (¬5) ¬

_ (¬1) إلى الأول: ساقطة من (آ) و (د). (¬2) في (ج): لا خلاف بينهم فيها. (¬3) في (ج): اختلف. (¬4) الأشكل: البياض تخالطه حمرة. الشاهد من قصيدة لجرير يهجو فيها الأخطل ويذكر ما أوقعه الجحاف ابن حكيم السلمي (00 - 90/ 709) ببني تغلب. الديوان: 457، حماسة أبى تمام 1: 246، الأزهية: 225، أسرار العربية: 267، شرح المفصل 8: 18، اللسان (شكل، حتت) مغنى اللبيب 1: 137 الخزانة 4: 143. والرواية في الديوان: وما زالت القتلى تمور دماؤها. (¬5) في (ج): زيد.

مسرح؛ أكثر الناس لا يحكم لها بموضع: لأنها (¬1) عنده غيرُ الجارة، بل هي قسم آخر من أقسامها كما أن العاطفة قسم آخرُ، إذ (¬2) العاطف لا يعمل عملًا مخصوصًا عند من يعمله؛ ويقول: لم تقع هذه الجملة موقع مفرد فيحكم لها بإعرابه كما جرى الحكم فلا غيرها؛ وذهب الزجاج إبراهيم بنُ السري إلى أن هذه الجملة في موضع جر بحتي، ورد عليه أبو على الفارسي قوله هذا في كتابه الذي سماه الأغفال (¬3) بكلام (¬4) أطال فيه الاحتجاج، وقال: إن هذا يقتضى تعليق حرفِ الجر، وحروف الجر لا تعلق، يريد لا تمنع العمل في اللفظ بما يحول بينها وبين التأثير في مجرورها حتى يحكم لها بالعمل في المواضع. والتعليق المذكور هاهنا هو التعليق المذكور في باب "ظننت" وأخواتها لا تعليقُ الجار بالفعل، لأن هذا هو الأصل في المجيء بحروف الجر ووضعها في اللغة؛ فاعرفه واعرف (¬5) أن هذا التعليق على هذا لفظٌ مشترك في اصطلاحات النحويين. ¬

_ (¬1) في (ج): لأن حتى هذه عنده غير الجاره. (¬2) في (ج): لأن. (¬3) هذا الكتاب رد على الزجاج في كتابه "إعراب القرآن" وله اسم آخر وهو "المسائل المصححة على الزجاج". (¬4) تنتهي النسخة (د) عند هذه الكلمة. (¬5) في (ج): وأعرف أن التعليق لفظ مشترك.

وممن وافق الزجاج فيما ذهب إليه في (¬1) هذه المسألة أبو محمد بن درستويه (¬2) وبخلافهما نقول. فهذا (¬3) آخر ما تيسر إملاؤه من التعليق على المختصر الموسومِ بالجمل لعبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني رحمه الله ورضي عنه وعن الدنيا وعن جميع المسلمين آمين. الحمد لله حق حمده، حمدًا يوافي نعمه ويكافي مزيده، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وصحبه. ¬

_ (¬1) في (ج): فيما ذهب إليه في هذه الجملة من أنها ذات موضع أبو محمد بن درستويه، رحمهما الله. (¬2) عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه بن المرزبان (258/ 871 - 347/ 958) أبو محمد، من علماء اللغة، فارسي الأصل. طبقات النحويين واللغويين: 85، نزهة الألبا: 356، بغية الوعاة 2: 36. (¬3) في "ب": قال الشيخ - أسعده الله بطاعته -: فهذا آخر ما تيسر إملاؤه من التعليق على المختصر الموسوم بالجمل لعبد القاهر الجرجاني، رحمة الله عليه تعالى. آخر الكتاب، والحمد لله رب العالمين. وفي "ج": فهذا آخر ما تيسر إملاؤه من هذا التعليق على المختصر الموسوم بالجمل لعبد القاهر الجرجاني، رحمه الله، والحمد لله رب العالمين وصلواته على الأكرمين محمد وآله الطاهرين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

§1/1