المذكر والمؤنث

ابن الأنباري

بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: [اعلم أن من] تمام معرفة النحو والإعراب معرفة المذكر و [المؤنث لأن]: من ذكَّر مؤنثاً أو أنث مذكراً كان العيب لازماً له كلزومه من نصب مرفوعاً أو خفض منصوباً، وأنا مفسر في كتابي هذا - إن شاء الله- التأنيث والتذكير، ومبين ذلك باباً باباً، وأصلاً أصلاً، وفرعاً فرعاً، التأنيث والتذكير، ومحتجٌّ على التأنيث والتذكير بأشعار العرب ولغاتها، وذاكرٌ اتفاق أهل اللغة والنحو فيما اتفقوا فيه، واختلافهم فيما اختلفوا فيه، ومُسندٌ كل قولٍ إلى قائله؛ ليكون الناظرُ في كتابنا هذا والعارفُ له خارجاً عن جملة اللاحنين، ومبايناً جماعة المعيبين. أسأل الله المعونة على ذلك، والتوفيق للصواب.

باب تفصيل الأسماء والنعوت المؤنثة وذكر ما يجري منها وما لا يجري

باب تفصيل الأسماء والنعوت المؤنثة وذكر ما يجري منها وما لا يجري اعلم أن الأسماء المؤنثة تنقسم على أربعة أقسام: أحدهن: أن يكون الاسم المؤنث فيه علامةٌ فاصلةٌ بينه وبين المذكر كقولك: خديجة وفاطمة وأمامة وليلى وسُعدى وعفراء. الهاء، والياء والمد فواصل المذكر والمؤنث. القسم الثاني: أن يكون [الاسم] مُستغنىً بقيامِ معنى التأنيث فيه عن العلامة كقولك: [زينب ونوار] وهند ودعد وفَخِذ وما أشبه ذلك. معنى التأنيث قائمٌ فيهن، ولا علامة للتأنيث في لفظهن. والقسم الثالث: أن يكون الاسمُ المؤنث مخالفاً لفظه لفظ ذكره، مصوغاً للتأنيث، فيصير تأنيثه معروفاً؛ لمخالفته لفظ ذكره مستغنىً فيه عن العلامة؛ كقولهم: جَدْي وعَناق وحَمَل ورخْل، وحمار

وأتان، فصار هذا المؤنثُ لمخالفته المذكرَ معروفاً يُغني عن العلامة، كقولهم: جدي وعناق، وحمل ورخل، وحمار وأتان، فصار هذا المؤنث لمخالفته المذكر معروفاً يغني عن العلامة وربما مالوا إلى الاستيثاق، وإزالة الشكِّ عن السامع، فأدخلوا الهاء في المؤنث الذي لفظهُ مخالفٌ لفظ ذكره. فمن ذلك قولهم: شيخة، وعجوزة. أدخلوا الهاء على جهة الاستيثاق. والأكثر في كلامهم عجوز بغير هاءٍ؛ لخلاف لفظ الأنثى لفظ الذكر. وقال السجستاني: العربُ لا تقول: عجوزة بالهاء. وهذا خطأ منه؛ لأن أبا العباس أحمد بن يحيى أخبرنا عن سلمة عن الفراء قال: قال يونس: سمعت العرب تقول: [فرسة

وعجوزة] [ومثل هذا] أيضاً قولهم: رجلٌ وامرأة. أدخلوا الهاء في امرأة] [مع أن لفظها] مخالفٌ لفظ ذكرها؛ لأن ذكَرَها رجل، ويجوز أن [تكون المرأة] أنثى المرء، فتكون حينئذٍ مبنية على لفظ ذَكَرِها. ومن ذلك أيضاً قولهم: غُلامٌ وجاريةٌ. أدخلوا الهاء في الجارية على جهة الاستيثاق؛ إذ كان لفظها مخالفاً لفظ ذكَرِها. ومن ذلك أيضاً قولهم: تيسٌ ونعجةٌ، ووعلٌ وأرويةٌ والوعِل: تيس الجبل، والأروية: شاةُ الجبل.

قال الأعشى: كناطح صخرةً يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنهُ الوعِلُ وقالوا: تيسٌ وعنز، فلزموا القياس، ولم يحتاجوا إلى الهاء، إذ كان لفظُ الأُنثى مخالفاً لفظ الذكَرِ؛ ولذلك قالوا: فرس ذكرٌ، وقالوا للأنثى: حِجر، فلم يحتاجوا إلى الهاء للعلة التي تقدمت، وقالوا: جمل وناقة، فأدخلوا الهاء في الناقة على جهة الاستيثاق؛ لأن لفظ الأنثى مخالفٌ لفظ الذكر، وربما بنوا الأنثى على لفظ الذكر في هؤلاء الأحرف، فقالوا: شيخ وشيخة، وغُلام وغُلامة، ورجلٌ ورُجلة. قال الفراءُ: قال بعضهم: كانت عائشة رضي الله عنها- رَجُلة الرأي، وأنشد الفراءُ وغيره. وتضحكُ مني شيخةُ عبشميةٌ ... كأن لم ترى قَبلي أسيرا يمانيا

عبشمية: منسوبةٌ إلى عبد شمس، ويُروى: كأن لم ترى على خطاب الأنثى، ورواية الفراء: كأن لم ترى. على الإخبار عنها وهي غائبة، وقال الآخر: كل جارٍ ظلَّ مغتبطاً ... غير جيراني بنى جبله خرّقوا جيبَ فتاتِهمُ ... لم يُبالوا حرمة الرجله وقال الآخر - أنشده الفراءُ وغيره-: ومُركضةٌ صريحيُّ أبوها ... يُهان لها الغُلامةُ والغُلامُ

المركِضة - بكسر الميم-: السريعة، ويروى: ومُركضة، بضم الميم، أي ولدها يتحرك في بطنها، وأنشد الفراءُ أيضاً: فإنا بحمد الله لا يُوه عظمُنا ... وما زادنا إلا غنىً وتمامه فلم أر عاماً كان أكثر هالكاً ... ووجه غُلام يُشترى وغُلامه وقال الآخر: وقيامه متبذلاً ... متطلباً سِنة الغُلامه القسم الرابع: [أن يكون الاسم الذي فيه] علامةُ التأنيث واقعاً على المذكر والمؤنث [كنعامة للذكر] والأنثى، وكذلك بقرةً وجرادةٌ. قال الفراء: [لم تُرِد بالهاء] هنا التأنيث المحض، إنما أرادوا

الواحد، فكرهوا أن يقولوا: عندي شاءُ، وبقر، وجرادٌ، وهم يريدون الواحد، فلا يقع بين الواحد والجميع فصلٌ، فجُعِلَت الهاءُ دليلاً على الواحد. وقد يكون الاسم واقعاً على المذكر والمؤنث ولا علامة للتأنيث فيه؛ كقولهم: عقربٌ ذكرٌ، وعقربٌ أُنثى، ويقال: رأيت عقرباً على عقرب، وكذلك يقال: ضَبُعٌ ذكر، وضَبُعٌ أنثى. أنشد أبو زيد عن المفضل. يا ضَبُعاً أكلت أيار أحمرةٍ ... ففي البُطون وقد راحت قراقير هل غيرُ همزٍ ولمزٍ للصديق ولا ... تَنْكِى عدوكم منكم أظافير قال السجستاني: أظنه يا ضُبُعا، بضم الضاد والباء. يريد الجمع؛ لقوله: ففي البطون وقد راحت قراقير. فجمع البطون. والقراقير:

جمع القرقر. فهذا الذي ذكره السجستاني. لم يروه أحدٌ على الجمع، وإنما الرواية على الواحد، والواحد قد يكفي من الجمع. والأفعى: يقعُ على المذكر والمؤنث، وقد تقول العرب لذكر الأفاعي: الأفعوان. أنشد الفراء وغيره: قد سالم الحياتُ منهُ القدما ... الأفعوانَ والشجاع الشجعما

ويقال لذكَرِ العقارب: "العُقرُبان"، بضم العين والراء وتخفيف الباء وقال أبو الحسن اللحيانيُ: "العُقرُبان" - بتشديد الباء: من دواب الأرض. يقال: إنه دخال الأُذن. قال: ويقال للعقرب الصغيرة الصفراءُ: "شبوة". أنشد الفراءُ: قد بكرت شبوةُ تزبئرُّ ... تكسو استها لحماً وتقطمر ويقال لذكر الضباع: "ضِبْعَان". والنغران ليس بمنزلة الضِّبْعان. "الضِّبعان": ذكَرُ الضِباع، والنُّغران: جمع نُغَر، والنُّغَرُ طائر صغير أحمر المنقار. جاء في الحديث أن ابناً لأمَ سليم كان يقال له أبو عُمير،

وكان له نُغَرٌ، فقالوا: يا رسول الله، مات نُغْرُه، فجعل يقول: يا أبا عُمير، ما فعل النغير؟ فالنغير: تصغير النُّغَر. وقال الأصمعي: أخبرني أبو طُفيلة الحِرمازي قال: قال شيخ من أهل البادية: ضفت فلاناً، فجاءنا بخبزة من حنطة كأنها مناقير النِّغران. يعني جمع النُّغر. وقال الأُموي: يقال لذكَرِ الضِّباع: ضِبعانٌ. و"عِتبان". وقال الأحمر: يقال لذكر الضباع: "الذيخ"، وقال الفراء: يقال للذكر: هو "العيلامُ".

و"العُقاب": يقعُ على المذكر والمؤنث. يقال: عُقابٌ ذكرٌ، وعقابٌ أنثى، ويقال للأنثى: "لِقوة". و"البرذون": يقع على المذكر والمؤنث. يقال: بِرذون ذكرٌ، وبرذون أُنثى، وربما بنوا الأنثى على الذكَرِ، فقالوا: بِرذونةٌ. قال النابغة الجعدي: ألا حَيِّيَا لَيلَى، وقولا لها: هلا ... فقد ركبت أمراً أغرَّ مُحجلا

وبِرْذونةٍ بلَّ البراذينُ ثفرها ... وقد شربت في أول الصيف أُيلا "الأُيَّل": جمعه أيائل، وألبان الأيائل تُهيج طاعمها، و"الأُيل": تيسٌ من تُيوسِ الجبل، وأنشد هشام بن معاوية: أريت إذا جالت بك الخيلُ جولةً ... وأنت على برذونةٍ غير طائل و (البعير): يقعُ على المذكر والمؤنث. حكى الأصمعي عن بعض العرب: شربتُ من لبن بعيري، وصرعتني بعيرٌ لي، وقال الأصمعي:

البعير بمنزلة الإنسان. يقال: هذا بَعِير، وهذه بَعِير؛ كما يقال: هذا إنسانٌ، وهذا إنسان. و"الجمل" لا يكون إلا للذكر، وقال هشام: العربُ تقول: شربت لبن بعيرك ولا تقول: شربت لبن جَمَلك. و"البكر" من الإبل عند العرب بمنزلة الفتى من الناس. و"القلُوص" عندهم بمنزلة الجارية، فاكتفوا بخلاف لفظِ

القَلُوص لفظ البكر من إدخال علامة التأنيث؛ كما قالوا: حمارٌ وأتان، وقد حُكي عن العرب: حمارٌ للذكر، وحِمارة للأنثى، ولم يحك عن أكثر العرب: بكرةٌ للأنثى. إنما يقال لها: قلوص. قال الراجز العُذرِيُ: يا أيها البكرُ الذي أراكا ... عليك سهل الأرض في ممشاكا ويحك هل تعلمُ من علاكا؟ ... أكرمُ شخصٍ ضمَّه شرخاكا إن ابن مروان علا ذُراكا ... خليفةُ الله الذي امتطاكا لم يحب بكراً مثل ما حباكا وقال عُروة بن حِزام: فوالله ما حدثتُ سرك صاحبا ... أخاً لي ولا فاهت به الشفتان سوى أنني قد قلت يوماً لصاحبي ... ضحىً وقلوصانا بنا تخدان

تحملتُ من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان الوخدُ: ضرب من السير، وقد يقولون أيضاً: بكر وبكرة، فيبنون الأنثى على لفظِ المذكرِ. قال عروة: أكلفُ من عفراء تستين بكرةً ... وما لي يا عفراءُ - غيرُ ثمانِ و"الأسدُ": يقع على المذكر والمؤنث. يقال: أشد ذكر، وأسد أنثى، وربما أدخلوا الهاء، فقالوا: أسد وأسدة، ويقال للأنثى: "اللبؤة"، بفتح اللام وضم الباء والهمز. وقال السجستاني: أظن أنهم ألحقوا الهاء؛ لأنه كان يقال للأسد: "اللبؤ"، فذهبت هذه اللغةُ، ودرست، وليس هذا عندي كما قال؛ لأنه لم يحكِ أحد من أهل اللغة: اللبؤ بغير هاء.

وفي اللبؤة أربعة أوجه: اللبؤة، بضم الباء مع الهمز، واللبأة على وزن الحمأة، واللبة على ترك الهمز كما تقول في الحمأة إذا تركت همزها: حمة، ويقال اللبوة على مثال الجوزة. وقال هشام بن إبراهيم الكرنبائي: حكى أبو عبيدة عن بعضهم: لِبْوة - بكسر اللام. وقال هشام الكرنبائي: لا أدري: أثَبَتٌ هي أم لا. فمن قال: لَبُؤة قال في الجمع لَبُآت، ومن قال: لَبوة قال في الجمعِ: لَبَوَات ولَبْوات حكاهما الكرنبائي ومن قال: لبأة قال في الجمع: لبآت. قال الفراءُ: ربما جعلت العربُ عند موضع الحاجة الأنثى مفردةً

بالهاء، والذكر مفرداً بطرح الهاء؛ فيكون الذكر على لفظ الجمع. من ذلك قولهم: رأيت نعاماً أقرع، ورأيت حماماً ذكرا، ورأيت جراداً على جرادة، وحماما على حمامة. يريدون ذكراً على أنثى، وقال الفراء: أنشدني بعض العرب: كأن فوق متنه مسرى دبا ... فردٍ سرى فوق نقاغب صبا

أراد الواحد من الدبا. وقال هشام بن إبراهيم الكرنبائي: قال الأصمعي: سمعت رجلاً من بني تميم يقول: بيضُ النعامةِ الذكر. يريد الظليم، وقال الفراءُ: "سمعتُ الكسائي يقول: سمعت كل هذا النوع من العرب بطرح الهاء من ذَكَره، إلا قولهم: رأيت حيةً على حيةٍ، فإن الهاء لم تُطرح من ذكره، وذلك أنه لم يقل: حيةٌ وحيٌّ كثير؛ كما قيل: بقرةٌ وبقرٌ كثير، فصارت الحية اسماً موضوعاً؛ كما قيل: حِنطة وحِبة، فلم يُفرد لها ذكرٌ وإن كانت جمعاً، فأجروه على الواحد الذي قد يجمعُ التأنيثَ والتذكير. ألا ترى أن ابن عرسٍ، وسامَّ أبرص، وابن

قِترة قد يُؤدي عن الذكر والأنثى وهو ذكرٌ على حاله. قال الشاعر: فما تزدري من حيةٍ جبليةٍ ... سُكاتٍ إذا ما عض ليس بأدردا وقال الفراءُ: الحِبة: بذور البقلِ، وقال الكسائي: الحِبة: حَب الرياحين وواحد الحِبة: حَبة. قال: وأما الحنطة ونحوها فهو الحبَ لا غير. وقال أبو عمرو: الحِبة: نبت ينبت في الحشيش صغار، وقال الأصمعي: كل نبت له حب فاسم الحب منه: الحِبة، ومنه الحديث الذي

يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في قوم يخرجون من النار فينبتون كما تنبت الحِبة في حَمِيل السيل قال الأصمعي: الحميل: ما حمله السيل من كل شيءٍ. وكُل محمولٍ فهو حَميلٌ. ويقال لذكر النعام: "هِقل"، "نِقْنِق"، ويبنون الأنثى على الذكر، فيقولون: هِقلة، ونِقنِقة. قال الأعشى:

وإذا أطاف لُغامهُ بسديسه ... فثنى وزاد لجاجةً وتزودا شبهته هِقلاً يُباري هِقلةً ... ربداء في خيطٍ نقانِق أُبَّدا إلا كخارجة المكلفِ نفسهُ .. وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا اللُّغام: الزبد، والسديس: ناب من أنيابه. والربداء: التي

لونُها يقرب إلى السواد. والخيط: القطعة من النعام، وفيه لغتان: الخِيط بكسر الخاء، والخيط بفتح الخاء. والخَيط من الخيوط مفتوح لا غير. والأُبَّد: المتوحشة. و"سامُّ أبرص" الذي ذكره الفراءُ هو الذي يخطئُ فيه العوام، فتقول: صمبرَص، وفيه لغتان: اللغة العالية: سامُّ أبرصَ، ويقال في التثنية: هذان سامَّا أبرص، وفي الجمع: هؤلاء سوامُّ أبرص، وسامات أبرص، ومنهم من يقول: هؤلاء البِرَصَةُ. قال هشام بن معاوية: سمعت أبا محمد القناني يقول: هذا سمُّ أبرص ثم جمع هؤلاء أسُمُّ أبرص فقال هشام: هذا مثل ما تقول: ضَبٌّ وأضُبُّ. ومما أدخلوا فيه الهاء على جهة الاستيثاق قولهم "خُزَزٌ" للذكر من الأرانب، وعِكرشة للأنثى. كان ينبغي ألا يُدخلوا فيه الهاء، ويستغنوا بخلاف لفظ الأنثى لفظ الذكر، وهو بمنزلة قولهم: وَعِل وأُروية، ويقال في جمع الخُزز: خِزان. أنشد الفراء: وبنو نويجية اللذون كأنهم ... معطٌ مخذمةٌ من الخزان

وقال امرؤ القيس: تخطفُ خزان الشربة بالضحى ... وقد حجزت منها ثعالبُ أورالِ وقال كعب بن زهير في العكرشة: فأبصرت لمحةً من رأس عكرشةٍ ... في كافر ما به أمتٌ ولا شرفُ وقال الشماخ- ينعت عُقابا-: فما تنفك بين غويرضاتٍ ... تجر برأس عِكرشةٍ زموع

وقال الأصمعي: الزمع: التي تُقارب عدوها. كأنها تعدو على زمعتها، وهي الشعرات المدلاة في مؤخر رجلها، وقال أبو عمرو: يقال: أزمعت، إذا عدت، وقال أبو زيد: الزمعة: الزائدة من وراء الظلف، وجمعها: زمعٌ، وقال الفراءُ: الخُزز: ذكرٌ لا يقع عليه تأنيث، ومثلُه الضبع والذيخ. والوَعِل: يقال في جمعه: وُعول: والأروية: يقال في جمعها: ثلاثُ أراويٍّ إلى العشر، فإذا كَثُرتْ فهي "الأروى" وقال الكرنبائي: قال أبو زيد: "الأُروية" تقع على الذكر والأنثى. قال: ويقال في أنثى الوَعِل: "وَعِلة" قال: ويقال للأروية: "عنز" وهي من الشاء لا من البقر، ويقال في جمع الوَعِل: أوعال، وَوِعْلة على وزن أفعال وفِعْلة. و"الضيون" السنور: يقع على المذكر والمؤنث.

و"الهِرُّ" يقع على المذكر والمؤنث، وقد يدخلون الهاء في المؤنث، فيقولون: هِرٌّ وهِرَّة. جاء في الحديث: "دخلت امرأةٌ النار في هِرةً ربطتها، فلم تُطعمها، ولم تُسقها، ولم تدعها تأكُل من خشاش الأرض" يعني مما يدبّ على الأرض. والأثبت في "الهرّ" أنه خالص للمذكر، والأول قاله بعض اللغويين، وقال أبو زيد: يقال في جمع الهِرِّ: هِرَوة، وفي جمع الهِرَّة: هِرَر، ويقال في جمعِ "الضيون": ضياون. أنشد يعقوب بن إسحاق السكيت: ثَريدٌ كأن السمن في حجراته ... نُجومُ الثريا أو عيون الضياون شبّه السمن لشدة صفائه بعيون الضياون لصفائها وزُرقتها وقال عنترة - في الهرّ يصف ناقة:- وكأنما تنأى بجانب دفها الـ ... وحشي من هزِج العشيِّ مُؤوَّم

هِرٍّ جنيب كلما عطفت له ... غَضبَى اتقاها باليدين وبالفم يقول: كأن بهذه الناقة من حِدتِها ونشاطها هراً تحت دفِّها ينهشُها من تلفتها لنشاطها. وتنأى: تبعُد. والدف: الجنب والدَّف، والدُّف، بالفتح والضم: الذي يُلهى به. والوحشي من البهائم، الجانب الأيمن، والإنسي: الجانب الأيسر. والهزج: المصوت. يقول: إذا هَزِج الهِرُّ هَزِجت الناقة لِهَزَجه، وجعله بالعشي لأنه ساعة الفتور والإعياء. يقول: هي أنشطُ ما تكونُ في الوقت الذي تفتَر فيه الإبل، فكأنها من نشاطها يخدشها هِرَّ تحت جنبها. والمؤوَّم: العظيم القبيح من الرءوس. يقال: رأس مؤومٌ، ومَعِدة مُؤَوّمة. قال أبو النجم: يَخُضْنَ من معدته المؤوَّمة ... ما قد حوى من كِسرةٍ وسلجمة يقال: هي المِعدَة والمِعْدة. والسلجمُ: هو الذي يُخطئُ فيه العوام، فيقول بعضم شلجمٌ، ويقول بعضهم: ثلجم.

ويقال للهر: "القِطُ". والقِطُ: يقعُ على المذكر والمؤنثِ. "والسِّنَّوْر" و"السَنَّوْرة" قليلان في كلام العرب، وقد حدثنا إسماعيل القاضي قال: حدثنا نصر بن علي قال: خبرنا الأصمعي قال: حدثنا عيسى ابن عمر قال: قال ابن أبي إسحاق لبكر بن حبيب: ما ألحن حرفا.

قال: فمرّت به سِنوْرة، فقال: اخسَ فقال: هذه. ألا قلت: اخسَىْ! "والفَرَسُ": يقع على المذكر والمؤنث. يقال: فرسٌ ذكر، وفرسٌ أنثى، وربما بنوا الأنثى على الذكر، فقالوا فرسٌ وفَرَسة، وقال السجستاني: لا يقال: فرسة بالهاء، وهذا خطأٌ منه؛ لأن أبا العباس أخبرنا عن سلمة عن الفراءِ قال: قال يونس: سمعت العرب تقول: فرسة بالهاء. ومما يقعُ على المذكرِ والمؤنث "الجيأل" وهو الضبُع. يقال: هو جيألٌ ذكرٌ، وهي جيأل أُنثى. قال هشام الكرنبائي: قال المنتجع:

هذه جيألٌ مُقبلةُ، وقال: قال أبو الفيض: تسمى الأنثى "جيألة"، وقال الأصمعي: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء: وجاءت جيألٌ وأبو بنيها ... أحمُّ المأقيين به خُماعُ وقال رؤبة: يجترهن الجيأل الشرابث فجعله ذكراً، وفي الجيأل ثلاث لغات: الجيألُ، والجيل، والجيل أنشد الفراءُ:

بمنخرٍ مثل وجارِ الجيل وقال الأصمعي: الضَّبُع لغة قيس، وتميم تقول: الضَّبْع بتسكين الباءِ ويقال في أدنى العدد: أضبُع. قال سُويد بن كُراع: إذا ما تعشى ليلةً من أكيلةٍ ... حذاها نُسوراً ضاريات وأضبُعا ويقال في جمع الضبُع جمع الكثرة: ضِباعٌ. وقال الكرنبائي: أهل الحجاز يجمعون الضِّباع ضُبعا، وأنشد للمتنخل الهُذلي: مما أُقضى ومحارُ الفتى ... للضبع والشيبة والمقتل

"والضبعان": ذكر الضباع. يقال في جمعه: ضباعين. ومما يقع على المذكر والمؤنث: "حضاجر": يقع على الذكر والأنثى من الضِّباع أنشد أبو عبيدة للحطيئة: هلاَّ غضبت لِرَحلِ بيتك إذ تُنبذه حضاجر وقال الكرنبائي. قال أبو عبيدة: حضاجر: يقال للذكر والأنثى وقال في سجع من سجع العربِ: لم تُرع يا حضاجرُ. كفاك ما تُحاذرُ. ضُبارمٌ مخاطرُ. ترهبه القساور. قال: ويقال للذكر: ذِيخٌ، وللأنثى: ذِيخةٌ.

ومما يسمى به المؤنث من الضباع "والعيثوم"، "وجَعَارِ" بكسر الراء، وأنشد الأصمعي: تعلقنا بذمة أُمِّ وهبٍ ... ولا تُوفي بذمتها جعار ويقال للأنثى من الضباع: أُمُّ عامرٍ، وأم الهنبر في لغة بني فزارة فيما ذكر أبو عُبيد، وقال الأموي: من كُناها أم خنور، وقال أبو عبيدة: من كناها أمُ رمال، وأم نوفل. قال الشاعر: أفي السِّلْم أنتم عقربٌ ذاتُ إبرةٍ ... وفي الحربِ أنتم خامري أم عامر

موضع (خامري) جزمٌ على الأمر، و (أم عامر) منصوبة على النداء و (أنتم) مرفوع بالكلام الذي بعده. ومما أدخلوا فيه الهاء على جهة الاستيثاق قولهم للثعلب: "تنفلٌ" و"تُتفَلٌ" و"تُتْفُلٌ"، ثم قالوا للأنثى من الثعالب: "ثُرمُلة" فأدخلوا الهاء فيها، ولفظها مخالفٌ لفظ ذَكَرِها على جهة الاستيثاق. قال امرؤ القيس: له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة ... وإرخاءُ سرحانٍ وتقريبُ تُتْفُلِ الأيطل: الخاصرة، والسرحان: الذئب، ويقال في جمعه:

سراحين، وسراحٌ، وقال الكرنبائي: التتفُل: جرو الثعلب، والأنثى تتفُلة؛ فعلى هذه الرواية الأنثى مبنيةٌ على لفظ الذكر، والروايةُ الأولى روايةُ أبي عُبيد عن اليزيدي. و"الثعلب" يقع على المذكر والمؤنث. يقال: ثعلبٌ ذكرٌ، وثعلبُ أُنثى، فإذا أرادوا الاسم الذي لا يكون إلا للمذكر قالوا: ثُعلبان، كما أن الأفعى والعقرب والضبُع يقعن على المذكر والمؤنث، فإذا أرادوا ما لا يكون إلا مذكراً قالوا: "أُفعُوان" و"عُقربانٌ"، و"ضِبْعانٌ". قال الشاعر في الثعلبان:

أربٌّ يبولُ الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالبُ ومنهم من يقول: عقربٌ وعقربةٌ، وثعلبٌ وثعلبةٌ، ولا يُقال في أنثى الضباع: ضَبُعة. وقال أبو عُبيد: يقال للثعلب: ثُعلٌ على مثال جُرذٍ، وقال الأصمعي: يقال للذئب: السمسمُ. قال رؤبة: فارطني ذأُلانُه وسمسمه

وقال الكرنبائي: يقال للثعلب: ثُعالة، ويقال لها أيضاً: هِجْرِسٌ. أنشد أبو عبيد: فهِجْرِسٌ مسكنه الفدافدُ وأنشد الكرنبائي: وأشباه الهجارس في القتال. ويقال لذكر العنكبوت: "الخدرنق" قال الراجز: ومنهلٍ طامٍ عليه الغلفقُ ... يُنير أو يُسدِي به الخدرنقُ

ويقال لذكر النعام: الظليمُ، ولِذَكرِ الضفادع: "العُلجوم" ولذكر السلاحف: "الغيلمُ"، وللأنثى: "سلحفاةٌ" "وسُلحفية"، ولذكر أم حُيين: "الحِرباءُ". و"الذئبُ" يقع على المذكر والمؤنث. يقال: ذئبٌ ذكرٌ، وذئبٌ أنثى، وحكى أبو عُبيد عن أبي زيد أنه قال: يقال للأنثى من الذئاب "ذِئبة".

وقال الأصمعي يقال للذئب: "سِلْق"، و"ذَالان"، و"أوسٌ" و"أويسٌ" و"سِيْد" و"سِرْحَان" وقال الكرنبائي: يقال

للأنثى من الذئاب: سِلقةٌ، وذِئبةٌ، وعنزةٌ. قال: "والعنزة"، على وزن سلمة: ضربٌ من الذئاب، وهي فيها كالسلوقية من الكلاب، وقال أبو عُبيد: السلوقية: نُسبت إلى أرضٍ باليمن يقال لها سَلُوق، وأنشد للقُطامي: معهم ضوارٍ من سَلوق كأنها ... حُصنٌ تجول تُجرِّرُ الأرسانا و"البقرة": تقع على المذكر والمؤنث؛ كما أن "الشاة" تقع على المذكر والمؤنث .. و"الثور": يقع على المذكر، ويقال في جمعه: ثيرةٌ، وثيران. وأثوار. قال الشاعر وهو الأعشى:

فظل يأكل منهُ وهي لاهيةٌ ... زاد النهار تُراعي ثيرةً رُتعا ويقال للأنثى: بقرة، فالهاءُ دخلت للاستيثاق، وحكى هشام ابن معاوية: ثور وثِوَرة، وقال الكرنبائي: يقال للأنثى من بقر الوحش: "بقرة"، و"نَعجة"، "مهاة"، وقال: قال أبو عبيد: إنما مهاها بياضُها، والبلور يقال له: المها، ويقال للثور من الوحش: شاةٌ. قال الشاعر:

وكان انطلاقُ الشاة من حيث خيَّما ويقال للذكر من أولاد البقرِ "جؤذر" وللأنثى جُؤذُرة، والجمع جآذر. قال الشاعر: إن من يدخل الكنيسة يوماً ... يلق فيها جآذراً وظباء!

ويقال أيضاً للذكر من أولاد البقر: "بَحزَج"، وللأنثى: بحزجة، والجمعُ: بحازجُ. قال العجاج: وكل عيناء تُزجِّي بحزجا ويقال للذكر من أولادها: "برْغَز" و"بُرْغُز" وللأنثى: "برْغزَة"، و"بَرْغُزة"، ويقال أيضاً للذكر من أولادها: "فرقد"، وللأنثى: فرقدة". قال عمرو بن أحمر: يُهِلُّ بالفَرْقَدِ رُكبانُها ... كما يُهلُّ الراكبُ المعتمر

في الفرقد قولان: يقال: هو ولد البقرة، ويقال: هو النجم. ويقال للذكر من أولاد البقر: ذرعٌ، قال الأعشى: كأنها بعدما أفضى النجادُ بها ... بالشيطين مهاةٌ تبتغي ذرعا الشَّيِّطين: موضع. ومما يقع على المذكر والمؤنث: "القُنْفُذ". يقال: قُنفُذٌ ذكرٌ وقنفُذ

أنثى، ويقال للذكر من القنافذ: "الشَّيْهم" .. قال الأعشى: لعمري لئن جدت عداوةُ بيننا ... لترتحلن مني على ظهر شيهم ويروى: يوماً على ظهر شيهم. ويقال أيضاً لذكر القنافذ: "الدُّلدُل"، "وأنقد"، و"ابن

أنقد" ويقال في مثلٍ: هو أسرى من أنقد. يعنون القنفذ قال الطرماح: فبات يُقاسي ليلَ أنقد دائباً ... ويحدُرُ بالحِقفِ اختلاف العُجاهن

قال يعقوب بن السكيت: العُجاهن: الطباخ. قال: وجمعه: عجاهن وقال الكرنبائي: العجاهن: القائم بأمر العروس. قال: وليس هو عندي بثبت. ويقال أيضاً للقنفذ: "القُباعُ"، والمِنَنة على وزن العِنبة. ويقال للذكر والأنثى من أولاد القنافذ: "دِرصٌ"، ويقال للذكر من الضِّبابِ: ضب، وللأنثى: ضبةٌ أنشد الفراءُ:

إنك لو ذُقت الكُشى بالأكباد ... لم ترسل الضبة أعداء الواد الكُشى: جمع كُشية: وهي شحم كُليةِ الضبِّ، وأعداء الوادي: نواحيه وجوانبه وهو جمع لا واحد له، ويقال واحده عِدى مقصور. وقال الكسائي: يقال: "سرحان"، و"سِرحانة"، و"سِيد"، و"سِيْدة"، وقال الكسائي: يقال: "نَمِر" ونَمِرة وهو الأسد، ويقال: "فَرْخٌ" وفرخة، و"ضِفْدعٌ"، "وضِفدَعة" وحكى أبو عبيد: "قُنفذٌ" و"قُنفذة".

ويقال للذكر من القرود: "قِرْد"، والأنثى: "قِردة". ويقال في جمع القِرْدِ، قِرَدة وقُرود، وفي جمع القِردة: قِرَد. وقال أبو عُبيد: يقال للذكر من القرود: رُباح، وللأنثى: قِشَّة. قال: وقال بعضهم: يقال للذئبة: "إلقة"، ويقال في جمعها: "إلقٌ". ويقال للذكر من العصافير: "عُصفور"، وللأنثى: عُصفورة.

قال الشاعر: ولو أنها عُصفورةٌ لحسبتها ... مُسومةً تدعو عُبيدا وأزنما وقال أبو عُبيد: يُقال: هذه حُمرةٌ تقدير رُطبة، والجمع الحُمر مخفف، وهي من العصافير. قال ابن أحمرَ: إلا تلافهم تُصبح منازلُهم ... قفرا يبيضُ على أرجائها الحُمرُ

واللغة الجودى: هذه "حُمرةٌ". بتشديد الميم، وهذا "حُمر". قال أبو مهوش الأسدي: قد كنتُ أحسبكم أُسود خفيةٍ ... فإذا لصافِ تبيضُ فيها الحُمر ويقال للذكر من الطير: "طائرٌ"، وللأنثى: طائر بغير هاءٍ، وقال الكرنبائي: قال يونس: يقول بعض العربِ: هذا طائرٌ حسنٌ، وهذه طائرةٌ حسنةٌ. قال: هي قليلة في كلام العرب، ويقال في جمعِ المذكر والمؤنث: طير".

ويقال للذكر من الفأر: "جُرذ"، بالذال. و"الفأرة" تقع على المذكر والمؤنث، ويقال للمذكر والمؤنث من أولاد الفأر: دِرصٌ، ويقال في الجمع: "دُرُوص". قال امرؤ القيس: أذلك أم جونٌ يُطاردُ آتُنا ... حملن فأربى حملهن دُرُوصُ

قوله: أذلك يعني النعام شبهُ ناقتي أم جون يعني حماراً يضرب إلى السواد. وقوله: فأربى حملهن، أي فأعظم حملهن مثلُ ولد الفأر. ويقال للذكر والأنثى من النحل: "نحلة"، وقال الكرنبائي: يقال لذكر النحل: يعسوبٌ وجمعه: "يعاسيبُ". قال أبو ذؤيبٍ: تنحى بها اليعسوب حتى أقرها ... إلى مألفٍ رحبِ المباءة عاسل عاسل: معناه: وعَسَلِ، ويقال للذكر والأنثى منها: "دبرة"، وجمعها "دَبْرٌ".

ويقال أيضاً للذكر والأنثى منه. "خشرمة"، والجمع: "خَشرمٌ". ويقال للذكر من الخنافس "خُنفسٌ"، وللأنثى "خُنفساء"، وقال الكرنبائي: قال أبو زيد: قال العُقيليون: هذا خُنفس ذكرٌ للواحد، و"الخنفس" للكثير، وقال أيضاً: قال يُونس: بنو أسد يقولون للخنفساء: "خُنفسة".

وأخبرني أبي قال: أخبرني أبو جعفر أحمد بن عُبيد قال: أخبرني أبو توبة عن الكسائي قال: يقال: رأيت خُنفساً على خُنفسة. "والحنظب" ذكرٌ من الخنافس فيه طولٌ، وجمعه حناظبٌ قال حسانٌ رحمه الله: وأمك سوداءُ مودونةٌ ... كأن أنامها الحنظب "والجعلعة" من الخنافس: تقعُ على المذكر والمؤنث لكرنبائي: ذكر الأصمعي عن أعرابي ذكر رجلاً كان يأكل الطين،

فقال: عطس، فخرجت من أنفه جلعلعة قال الأصمعي: فما أنسى قوله: جلعلعة. و"الجرادة" تقع على المذكر والمؤنث. ويقال للمذكر من الجراد: "العُنظُب"، وجمعه: عناظب. قال الراجز: لستُ أُبالي أن يطيرَ العُنظُبُ ... إذا رأيتُ عِرسه تَقَلَّبُ

و"السخلة" و"البهمة": تكونان للمذكر والمؤنث. قال أبو عُبيد: قال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها من الضأن والمعز، ذكراً كان الولدُ أو أنثى: "سخلة"، وجمعُها: "سِخالٌ"، ثم هي "البهمة" للذكر والأنثى، وجمعها: "بَهْم". قال المجنون: تعلقت ليلى وهي ذاتُ مؤصد ... ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجمُ صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نَكْبَرْ ولم تَكْبَرِ البهمُ و"العِسبارة". ولدُ الضَّبُع من الذئب: تقع على المذكر والمؤنث، وقال ثابت بن عمرو:

يقال لولد الضبُع: "الفُرْعُل"، ولِولد الذئب: النهسر، ولود الذئب من الضبع: "سِمْع" ولود الذئب من الكلبة: "الديسم". "والدراجةُ": تقع على المذكر والمؤنث، و"الحيقطان" ذكر الدُّراج.

ويقال لذكر العظاءِ: "العضرفوط"، ولذكر الحُبارى: "الخرب ونذكر القبج: "اليعقوب" ولذكَرِ البُوم "الفياد"، "والصدى". و"القبجة". تقع على المذكر والمؤنث، وكذلك "البومة"، ويقال للذكر من فراخها - أعني فراخ القبج-: "سُلَكٌ" وللأنثى:

"سُلكة"، ويقال لذكر الحُبارى: "الخرب"، ولذكر القمارى: ساقُ حُرِّ/ فافهم ما وصفت لك إن شاء الله. واعلم أن أسماء المؤنث كلها لا تجري إلا يسيراً من أسمائهم؛ نحو: هند ودعدٍ وجُمل ونُعم. وما لا يجري لا يدخله تنوينٌ ولا خفضٌ؛ لأن إعرابه مشبهٌ بإعراب المستقبل، فمنعوه التنوين؛ كما منعوا المستقبل، من ذلك قولهم: قامت زينبُ ونوارُ، وأكرمت زينبَ ونوارَ، ومررت بزينبَ ونوارَ، تنصب زينب ونوار، وهما في موضع خفضٍ؛ لأن ما لا يجري لا يدخلُه الخفضُ. قال البصريون: مُنِعَ الخفضُ، كما مُنع المستقبل الخفض، وقال الفراءُ: كان الحُكم عليه أن يُخفض؛ لأنه لا يُمنع

بشبهه الفعل كُلَّ ما يجبُ له من حقِّ الأسماء، فكرهوا أن يخفضوه، فيقولوا: مررت بزينبِ ونوارِ، فيُشبِهُ المضاف إلى المكلم؛ كقولك: مررت بغلام يا رجل، ونظرت إلى دارِ يا فتى، وهذا الذي ذهب إليه الفراءُ هو مذهب أبي جعفر الرؤاسيِّ. فأما هندٌ ودعدٌ وجُمل ونُعمٌ فإن للعرب فيها مذهبين: منهم من لا يُجريها ومنهم من يُجريها، فمن لم يُجرها قال: قامت هندُ ودعدُ وجُملُ ونُعمُ، وأكرمت هندَ ودعدَ وجُملَ ونُعمَ، ومررت بهندَ ودعدَ وجُملَ ونُعمَ، ومن أجراها قال: قامت هندٌ ودعدٌ وجمُلٌ ونُعمٌ، وأكرمت هندا ودعداً وجُملاً ونُعما، ومررت بهندٍ ودعدٍ وجُملٍ ونُعمٍ. أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى لكثير: فطورا أكُرُّ الطرفَ نحو تِهامةٍ ... وطوراً أكُرُّ الطرف كراً إلى نجد فأبكي على هندٍ إذا هي فارقتْ ... وأبكي إذا فارقتُ هنداً إلى دعدِ

وقال كعبُ بن مالك الأنصاري في تركِ الإجراء: ما بالُ هم عميدٍ بات يطرُقني ... بالود من هندَ إذ تعدو عواديها وقال الآخر في دعد: أهيمُ بدعدٍ ما حييتُ فإن أمُتْ ... أُوَصِّ بدعدٍ من يهيمُ بها ببعدي وقال حاجبُ بن حبيب الأسديُ في إجراء جُمل: أعلنتُ في حُبِّ جُمل أي إعلان ... وقد بدا شأنها من بعد كتمان

وقد سعى بيننا الواشون واختلفوا ... حتى تجنبتها من غير هجران وقال الآخر في الإجراء: أتصبر عن جُملٍ وأنت صفيها ... أبا هاشم ليس المحبُ أخا الصبر تبيتُ خليّاً ترقدُ الليل كُله ... وجملٌ ترُاعى الفرقدين إلى النسر وأنشد الفراءُ: إن دهراً يلُف شملي بجُملٍ ... لزمانٌ يهم بالإحسان وقال الآخر في ترك الإجراء: على جُملَ مني إذ دنا الموتُ بغتةً ... سلامةٌ كثيرٌ كلما ذر شارق وقال الآخر في نُعم: وشى الناسُ حتى لو تمر جنازتي ... على النعش قالوا: مر زوروا إلى نُعمِ ولا نُعمَ إلا أن باقي حُبِّها ... على النأي مُبلٍ للمطية والجسم وقال مُدرك بن هِصان البكري: وإلا أزر نُعماً فقلبي متيمٌ ... إلى آلِ نُعم كل يومٍ يزورها فهل ينفع الحرانُ يا نُعمَ أن يرى ... حِياض القِرى مملوءةً لا يطورها لا يَطُّورها: معناه لا يقربها. وقال الآخر: أُحِبّ الليل أن خيال نُعم ... إذا نِمنا ألمَّ بنا فزارا

لئن أيامُنا أمست طوالاً ... لقد كنا نعيشُ بها قِصارا فإن قال قائل: لِمَ صارت الأسماءُ المؤنثةُ لا تجري؟ قيل له: منعتها العربُ الإجراء في المعرفة لعلتين. توجبان لها الثِّقل: إحداهما: التعريفُ، والتعريفُ يُثقِّلُ الاسم. والعلة الأخرى: التأنيثُ. والتأنيث يُثقِّلُ الاسم. فإن زالت إحدى العلتين جرى الاسم: كقيلك: قامت نوارُ ونوارٌ أخرى، وقعدت زينبُ وزينبٌ أخرى. لم تُجرِ زينب الأولى؛ لأنها معرفة، وأُجريت الثانية؛ لأنها نكرة. فإن قال لِمَ صار التأنيث يُثَقِّل الاسم، ولم صارت الأسماءُ المؤنثةُ أثقلَ من المذكرة؟ قيل له: العلَّة في هذا أن العرب تُكثر استعمال أسماء الرجال وترددُها في الكُتُبِ والأنسابِ، فيقولون: فُلانُ بنُ فُلان ابنِ فلانٍ، ولا يقولون: فُلانٌ بن فُلانة بنتِ فُلان؛ لصيانتهم أسماء النساء وقلة استعمالهم لها. فلما كان ذلك كذلك كان الذي يكثرون استعمالهُ أخف على ألسنتهم من الذي يُقلون استعماله. هذا مذهبُ الفراءُ. وقال غيره: إنما صار التأنيثُ أثقل من التذكير؛ لأن التأنيثَ يُثَقِّلُ الاسم وذلك أنه مُضارع للفعل؛ وإنما ضارع الفعل لأنه ثانِ له بعدهُ؛ كما أن الفعل بعد الاسم.

والدليل على أن المذكر قَبْلَ المؤنث أنك تقول: قائم وقائمة وقاعدٌ وقاعدة، وجالس وجالسة، فتجد هذا التأنيث فيه مزيداً على التذكير، فالمزيد عليه هو الأصلُ، وتقول- إذا رأيت شيئاً من بُعدٍ، فلم تدرِ ما هو؟ -: هو شخصٌ، هو شيءٌ، فإذا حصَّلت معرفته قلت: امرأةٌ. دابة، أو ما أشبه ذلك. وأما هِند ودَعْد وجُمل ونُعمٌ فإن الذين منعوها الإجراء احتجوا بأن الأمرين اللذين يُوجبان الثِّقَلَ اجتمعا فيها، وهما التعريفُ والتأنيثُ. والذين أجروها احتجوا بأنها خفيفة؛ إذْ كانت على ثلاثة أحرف وقد سمت العرب بها فأكثرت، وشببت بها الشعراء حتى صارت عندهم

بمنزلة المدح لمن وقع عليه هذا الاسم؛ فخفَّتْ، وأُجرِيت لهذا المعنى وإذا سميت المرأة باسم من أسماء الرجال لم تُجره؛ كقولك: قامت جَعْفَرُ وحسنُ وقاسمُ، وأكرمت جعفرَ وحسَنَ وقاسمَ، ومررت بجعفرَ وحسنَ وقاسمَ. وإنما لم تُجره؛ لأنه ثَقُل؛ إذ عُلِّق على ما لا يشاكله، فاجتمع فيه هذا والتعريفُ. وكذلك إذا سميت الرجُل باسم المرأة لم تُجره لهذا المعنى. وإذا سُميت المرأة باسم مذكرٍ على ثلاثة أحرفٍ، فقلت: قامت زيدُ وعمروُ فإن النحويين اختلفوا في هذا: فقال الفراءُ وأبو العباس والخليل وسيبويه والأخفش والمازني: لا نُجريه، فنقولُ: قامت زيدُ وعمرو، وأكرمتُ زيدَ وعمرَو، ومررت بزيدَ وعمرَو. واحتج الفراءُ وأبو العباس بأن المرأة سُميت باسم قد كان معروفاً من أسماء الرجال مذكراً. فلما وُضِع على مؤنثٍ ثَقُلَ؛ إذ كان ليس من شكله ولا مما تكثُرُ به تسميةُ المؤنث؛ كما كثرت في التذكير.

واحتج الخليلُ وسيبويه والأخفشُ والمازني بأنه أُخرِجَ من بابه إلى باب يَثْقُلُ صرفُه فيه، فكان بمنزلة المعدول. وكان عيسى بنُ عُمر ويُونُسُ بنُ حبيب وأبو عُمر الجرمي يقولون: إذا سمينا مؤنثاً باسم مذكر على ثلاثة أحرفٍ صرفناه، فنقول: قامت زيدٌ وعمروٌ، وأكرمت زيدا وعمرا، ومررت بزيدٍ وعمروٍ، وقالوا: نحن نُجيزُ صرف المؤنث إذا سميناه بمؤنث يَعْنُونَ هِندا وجُملا، وإنما أخرجناه من ثِقَل إلى ثِقَلٍ فالذي إحدى حالتيه حالُ خِفَّةٍ أحقُّ بالصرف، وقال محمد بن يزيد البصري: أظن أن أبا عمرو بن العلاء كان يذهب إلى هذا القول الثاني. وإذا سميت رجُلاً ببِنتٍ وأُختٍ لم تُجرِهُما في المعرفة، وأجريتهما في النكرة. وإنما منعتُهما الإجراء للعلتين اللتين تُوجبان الثِّقل، وهما التعريفُ والتأنيثُ؛ وذلك أن التاء في أُختٍ وبنتٍ هي هاءٌ جُعِلَت تاءٌ؛ لسكون ما قبلهما، فهما بمنزلة حمزة وطلحة.

وقال سيبويه: إذا سميت رجلاً ببنت وأُخت صرفتهما؛ لأنهما مُلحقان مثل عِفريت. وقال الفراءُ: بنتٌ وأختٌ مخالفتان لِعفريت؛ لأن العِفريت تقول في تصغيره: عُفيْرِيتٌ، فتجد التاء ثابتةٌ في تصغيره، وتقول في تصغير الأخت والبنت: بُنيةٌ وأُخيةٌ، فتجد التاء تصير هاءً في التصغير فهذا يدلُّك على فَرْقِ ما بينهما، فتقول من قول الفراء: قام أُختُ وبنتُ، وأكرمت بنتَ وأُختَ، ومررت ببنتَ وأُختَ.

وتقول من قولِ سيبويه: قام أُختٌ وبنتٌ، وأكرمت أختاً وبِنتاً، ومررت بأُختٍ وبنتٍ؛ لأن أختا عنده بمنزلة قُفل، وخُرْج، وبنت عنده بمنزلة عِدل وضِرس. والنعوت المؤنثة على خمسة أوجُهِ: إحداهن: أن يكون النعت مبنياً على الفِعل، والذكر والأنثى فيه مشتركينِ فتدخله الهاءُ؛ كقولك: رجل قائمٌ وكريمٌ وامرأةٌ قائمةٌ وكريمةٌ. تدخل الهاء في قائمة وكريمة؛ لأنهما مبنيان على قامت وكرمت، وهو يصلح للرجال والنساء، وكانت الهاءُ فرقاً بين نعت المذكر والمؤنث. والوجه الثاني: أن يكون النعتُ مُنفردةً به الأنثى دُونَ الذكرِ، فلا تدخلُه هاءُ التأنيثِ؛ كقولك: امرأةٌ حائضٌ وطالقٌ وطاهرُ، وامرأةٌ مذكرٌ ومؤنثٌ ومحمقٌ". لا يُدخلون الهاء في هذه النعوت؛ لأنهم لا يحتاجون إلى هاء تفرُقُ بين المذكَّر والمؤنَّث؛ إذ كان المذكر لا يُوصفُ بهذا.

والوجه الثالثُ: أن يكون النعتُ غير مبنيٍّ على الفعل، فلا تدخلُه الهاءُ؛ كقولك: رجلٌ صبورٌ وشكورٌ وامرأةٌ صبورٌ وشكورٌ. لا تدخله الهاء؛ لأنه غير مبنيٍّ على الفعل. ألا ترى أنه لو بُنيَ على الفِعْلِ لقيل فيه: رجُلٌ صابرٌ وشاكرٌ، وامرأةٌ صابرةٌ وشاكرةٌ. وكذلك قولهم: امرأةٌ مِعطارٌ ومهذارٌ. لم يُدخلوا الهاء في هذا؛ لأنه ليس بمبني على الفِعل. ومن ذلك قولهمك رجلٌ منطيق، ورجلٌ مِعطيرٌ، وامرأةٌ مِعطيرٌ. لم يُدخلوا الهاء في مِفعيل؛ لأنه لم يُبن على الفعل. والوجه الرابعُ: أن يكون النعت مصروفاً من مفعول إلى فَعيل، فلا تدخلُه الهاءُ؛ كقولك: كفٌّ خضيبٌ، وعينٌ كحيلٌ، ولحيةٌ دهينٌ. الأصلُ فيه: عين مكحولة، وكفٌ مخضوبة، ولِحيةٌ مدهونة. فلما عُدِلَ عن مفعول إلى فعيلٍ لم تدخله الهاءُ؛ ليكون ذلك فرقاً بينه وبين ما الفِعلُ له؛ كقولك: امرأةٌ كريمةٌ وأديبةٌ وظريفةٌ. والوجه الخامس: أن تنعت الاسم بالمصدر؛ فيكونُ لفظه مع المذكر والمؤنث واحداً؛ كقولك: رجُلٌ صوم، وامرأة صومٌ، ورجُلٌ

فطْرٌ وامرأةٌ فِطرٌ، وكذلك رجُلٌ عدلٌ ورضىً، وامرأةٌ عدلٌ ورضىً. وقد يكون النعتُ الذي فيه هاءُ التأنيثِ نعتاً للمذكر والمؤنث على جهة المدح والذم. فأما المدحُ فقولك: رجلٌ علامةٌ ونسابةٌ وراويةٌ. وأما الذمُّ فقولك: رجلٌ فقاقة، ورجُلٌ هِلباجةٌ، إذا كان

أحمق، وكذلك يقولون: رجلٌ زُميلةٌ وتِلقامةٌ وتِلعامةٌ. قال الفراءُ: إذا مُدِحَ الرجُلُ بالنعتِ الذي فيه الهاءُ ذُهِبَ به للمبالغةِ في مَدحِهِ إلى الداهية، وإذا ذُمَّ الرجُلُ بالنعتِ الذي فيه الهاءُ ذُهِبَ به للمبالغة في ذمّه إلى معنى البهيمة، وقد يُسقطون الهاء، فيقولون: رجلٌ علامٌ ونسابٌ وراوٍ، ورجلٌ هِلباجٌ وزُميلٌ وزُمالٌ وتلقامٌ. وأما قولُ الفرزدق: أما كان في معدان والفيل شاغلٌ ... لعنبسةَ الراوي عليَّ القصائدا

فذكَّر (الراوي) لأن معناه: الذي يروى على القصائد أو الذي روى، فصار بمنزلة قولك: القائمُ والقاعدُ والضاربُ. فهذه جملٌ من المذكر والمؤنث ابتدأنا بها مختصرين لها؛ لينتفع المتعلم بمعرفتها وحفظها، ونحن نُوضحها، ونستقصي عللها في بابها إيضاحاً شافياً واستقصاءً كافياً إن شاء الله. وإذا سميت امرأة بنعتٍ مذكر لم تُجره؛ كقولك: قامت خائنُ وظالمُ، وأكرمتُ خائنَ وظالمَ، ومررت بخائنَ وظالمَ، وكذلك تقول: قامت سنيحُ، وقعدت مُدِلُّ، وأكرمتُ سَنِيحَ، ورأيت مُدِلَّ، ومررت بسنيح ونظرت إلى مُدِلَّ، فلا تُجرى النعوت المذكرة إذا علقتها على الإناث؛ لأنها ثقُلت؛ إذ عُلِّقت على ما لا يُشاكلها، فاجتمع يها هذا الثِّقلُ مع ثقل التعريف، فلم تُجرها لهاتين العلتين. فإن كانت نكرةً أجريتها؛ كقيلك: قامت مُدلُّ ومُدِلٌّ أخرى، وأكرمت مُدِلَّ ومُدلاً أخرى، ومررت بمدلَّ ومُدلٍّ أخرى. لم تُجرِ الأولى لأنها معرفة، وأُجريت الثانية لأنها نكرة. وإذا سميت المرأة بنعتٍ يكونُ للمذكرِ والمؤنث بلفظٍ واحدٍ لم تُجره؛ كقولك: قامت ظلومُ وقتولُ وغضُوبُ، وأكرمتُ ظلُومَ وقتُولَ وغضُوبَ، ومررت بظلومَ وقتُولَ وغضُوبَ. وإنما لم تُجره؛ لأنه لا يخلو من أن يكون نعتاً لمذكر أو مؤنث. فإن كنت سميتها بنعتِ المؤنثِ لم تُجره؛ لأن الثِّقلَ لزمه من وجهين: أحدهما: التعريفُ، والآخر: التأنيثُ.

وإن كنت سميتها بنعتِ الرجُل لم تُجرهُ؛ لأن الثقل أيضاً لزمه من وجهين: أحدهما: التعريفُ، والآخرُ: التعليقُ على ما لا يُشاكله. وقال الفراءُ: إذا سميتَ رجُلاً بظلوم وقتولٍ وغضوبٍ، فنويت أنك سميته بنعت المذكر أجريته؛ لأنه ذكرٌ عُلِّق على ذكرٍ، وإن نويت أنك سميته باسم امرأة اسمها ظلومُ أو غضوب جاز ألا تُجريه. قال الفراءُ: والاختيار إجراؤه؛ لأنك لا تقدرُ على أن تُفرِّقَ بين مذكره وبين مؤنثه إلا بالنية، ومبنى الكلام على الظاهر أكثرُ، لا على النيات، وقال: ألا ترى أنك لو سميتَ رجلاً بعُمر وأنت تريد به جمع عُمرة لكان تركُ الجري أغلب عليه؛ لأنه بالعدل عن عامرٍ أشبه منه بجمع عُمرة، وهو بذلك أعرفُ؟ وإذا سميت امرأةً بنعتٍ لاحظ فيه للرجال لم تُجره، فتقول: قامت طالقُ وطاهرُ وحائضُ، ومررت بطالِقَ وطاهرَ وحائضَ، فلا تُجرِه؛ لأن معنى التأنيث قائمٌ فيه، فاجتمع فيه هذا التعريفُ. هذا مذهب الفراءُ وأبي العباس.

وقال الفراءُ: إن سميت بهذه النعوت رجلاً لم تُجرِه؛ لأنه عُلِّق على ما لا يُشاكله. وقال سيبويه: إذا سميت رجلاً بحائض وطالق وطامِثٍ صرفته؛ لأنها مذكرتةٌ وُصِفَ بها المؤنث؛ كما يُوصفُ المذكرُ بمؤنثٍ لا يكون إلا لمذكر؛ مثل نُكحةٌ، وكأن هذا المذكرَ عنده نعتٌ لشيء. كأن معنى قولهم: عنده هذه حائض: هذه شخصٌ حائضٌ، وهذه شيءٌ حائض، وسنستقصي تفسير هذا في بابه إن شاء الله. وأما (طاهرٌ) فإن فيه معنيين، إذا نويت به الطهر من الأدناس، والذنوب أجريته اسماً لرجل ولم تُجره اسماً لامرأةٍ، فتقول: قام طاهرٌ، وأكرمت طاهرا، ومررت بطار، وتقول في المؤنث: قامتْ طاهرُ، وأكرمتُ طاهرَ، ومررت بطاهرَ، فلا تُجرِه؛ كما لا تُجري مُدلَّ إذا سميت به امرأة. وغذا نويت بطاهر الطُّهرَ من الحيض لم تُجرِه من قول الفراء اسماً لرجل ولا لامرأة؛ لأنه بمنزلة حائض وطالق وطامث.

وقال البصريون: إذا سميت رجُلا باسم مؤنثٍ على ثلاثة أحرف صرفته؛ كرجلُ سميته ريجاً وناراً وفَخِذا. تقول في قولهم: قام ريحٌ، وأكرمت ريحا، ومررت بريح، واحتجوا بأن ما كان على ثلاثة أحرُفٍ ليس في الأسماء اسم "أقلُّ حروفاً منه، فاحتمل التنوين؛ لتمكنه وخِفَّته في الكلام. وقال الفراءُ: كلُّ ما كان في التأنيث أشهر، فقد ثَقُلَ، إذ صار مؤنثاً؛ لأن التأنيث أثقلُ من التذكر، فلما وُقِّتَ صار فيه ثِقَلانِ، فلم تُجرِه. وقال أبو العباس: قولُ الفراءِ هو القياسُ، فعلى مذهبِ الفراء وأبي العباس إذا سميت رجلاً بمؤنث على ثلاثة أحرُف لم تُجرِه، فتقول: قام ريحُ وفخِذُ، وأكرمتُ رِيحَ وفَخِذَ، ومررت بريحَ وفَخِذَ. وإنما منعته الإجراء؛ لأن فيه أمرين يُوجبان له الثِّقل: التعريفَ والتعليق على ما لا يشاكله في الثِّقَل.

وإذا سميت رجلاً بشمالٍ وجنوبٍ ودبورٍ وحرُور أجريتهن من قول سيبويه، ولم يُجرِهُن من قول الفراء. فأما سيبويه فقال: هنّ صِفاتٌ في كلام العربِ. سمعناهم يقولون: ريحٌ حرورٌ، وكذلك سائرها. يذهب إلى أن حرورا ودبُورا بمنزلة طَلوم وغَضُوبٍ وقَتُولٍ. وقال سيبويه: جَنُوبٌ وشمالٌ ودبُورٌ يكن أسماءً. فمن جعلها أسماءً لم يُجرِها اسماً لرجل. وأما الفراءُ فكان يذهب إلى أن الجنوبَ والشمالَ والدبُورَ مؤنثاتٌ عُلِّقَتْ على مذكرٌ، فمنعت الإجراء للتعريف والتأنيث. وقال سيبويه: إذا سميت رجلاً بذراع صرفته؛ لأنهُ تمكن في أسمائهم ومع هذا أنهم يصفون به المذكر، فيقولون: هذا ثوبٌ ذِراعٌ، فقد تمكَّنَ هذا الاسم في المذكر.

وقال الفراءُ: قال الكسائي: إنه وجده مُجرى في كلِّ اللغات إذا سُميَ به رجلاً، وقال: شُبه بالمصدر؛ لكثرة ما تقول العرب: ذرعت الثوب ذراعين وذرعا. وعاب الفراءُ قول الخليل: إنه يُوصفُ به المذكرُ، وقال: قد يُوصفُ به الذكر والأنثى. وقال الفراءُ: قول الكسائي: من مذهب المصدر أشبه لأن قولك هذا سبع في ثمانيةٍ قد نعتَّ به المذكر والمؤنث، وليس ذلك بمانعه أن يُجريه إذا سُمِّي به. وقال الفراءُ في سُويد بن كُراع: "الكُراعُ" يذكر ويؤنث، وكذلك الذراع قال: وكُراع اسم رجل يُجْرَى ولا يُجرَى، فمن أجراه ذهب إلى أنه مذكَّر، ومن لم يُجرِه قال: قد فارق الكُراع الذِّراع من قِبَلِ أنه لا يُشبهُ المصدر؛ كما يُشبه الذراعُ المصدر.

ألا ترى أنهم لا يقولون: كرعتُ كرعا؛ كما يقولون: ذرعتُ الثوب ذرعاً، فلما لم يَحسُنْ منه فعلتُ زال عنه شَبَهُ المصدرِ، فذهب إلى أنه مؤنث، فلم يُجرِ، إذ كان قد يؤنث، فمن أجراهُ قال: سويدُ ابنُ كُراع، ومن لم يُجره قال: ابن كُراع. ويجوز لمن سمَّى رجلاً بذراع ألا يُجريه، ويذهب إلى أنه مؤنث. وقال سيبويه: كُراعٌ: "الوجهُ فيه تركُ الصرفِ [و] من العرب من يصرفُه يُشبهه بذراع؛ لأنه من أسماء المذكر. قال: وهو أخبثُ الوجهين". وقال محمد بن يزيد: ذكر سيبويه واتبعه قوم كثيرٌ أنه لو سمى رجلاً ذراعا لصرفه في المعرفة، وحُجته أنه قال: كثرت تسميةُ الرجال به. فكأنه اسم صِيغ للمذكر. قال محمد بن يزيد: قال سيبويه: وبعضهم يصرف كُراعا، وترك الصرف فيه أجود؛ لأنه لم تَكثُر التسميةُ به، وقد سمّوا به، فمن صرف فالحجة فيه من باب الحجة في ذِراع. فافهم ما وصفت لك واقتبس عليه إن شاء الله.

باب ذكر ما تدخله علامة التأنيث و [ما] لا تدخله من النعوت التي جاءت على مثال فاعل

باب ذِكْرِ ما تدخله علامة التأنيث و [ما] لا تدخله من النعوت التي جاءت على مثال فاعل اعلم أن (فاعلاً) إذا اشترك فيه الرجالُ والنساءُ دخلته هاءُ التأنيثِ؛ كقِيلك: رجل قائم، وامرأة قائمة. وإذا انفرد به النساءُ دُونَ الرجالِ لم تدخله هاءُ التأنيثِ؛ كقيلك: امرأة حائض وطالق وطامث. فإن قال قائل: لم قالت العرب: امرأة حائض وطالق وطامِث؟، فلم يُدخلوا الهاء في هؤلاء النعوت، وقالوا: امرأة قائمةٌ وجالسةٌ وقاعدةٌ، فأدخلوا الهاء في هؤلاء النعوتِ وما أشبههن؟ قيل له: في هذا ثلاثة أقوال: قال الفراءُ وأصحابه: الهاء تَثبتُ في قائمةٍ وقاعدةٍ فرقاً بين المذكر والمؤنث؛ لأنهم لو قالوا: امرأة قائمٌ لالتبس بقولهم: رجلٌ قائمٌ، فلما كان ذلك كذلك احتاجوا إلى هاءٍ تفصِلُ بها بين فِعْلِ المذكرِ والمؤنثِ، ولما قالوا امرأةٌ حائضٌ وطالقٌ وطامِثٌ لم يحتاجوا إلى هاءٍ تَفْصِلُ بين فِعلِ المذكرِ والمؤنثِ؛ لأن المذكر لا حظَّ له في هذا الوصفِ. وأنكر هذا على الفراء وجماعةٌ من النحويين، ونسبوه في ذلك إلى

الخطأ الفاحش، وأبدوا فيه، وأعادوا، وقال بعضُهم: هو بَيِّنُ الانتقاض. وقال الذي ينقُضُ قولهُ: إن في الكلام شيئاً كثيراً يشتركُ فيه المذكر والمؤنثُ لا تثبُت فيه الهاءُ في المؤنث؛ نحو قولهم: بَعِير ضامرٌ، وناقةٌ ضامرٌ، وبعير ساعِلٌ، وناقة ساعِلٌ. قال: فلو كان على ما ذكر الفراءُ لوجب أن يُقال: ناقة ضامِرة وساعِلة؛ لأن السعال يشترك فيه المذكرُ والمؤنثُ. وقال فريق منهم: الذي يَنقُضُ على الفراءِ قوله أن العرب تقول: طلقتْ جاريتُك، وحاضت هندٌ، فيُدخلون هاء التأنيث في هذين الفعلين وفيما أشبههما، ولا حظَّ للرجال فيهن، فلو كان على ما ذكر الفراء لوجب أن يقال: طلق جاريتُك، وحاض هندٌ، وطمث جُملٌ؛ لأن الرجال لا حظ لهم في هذه الأفعال. وقال آخرون منهم: الذي ينقُضُ على الفراء قوله إسقاطهم الهاء مما يشتركُ فيه الرجالُ والنساءُ، فمن ذلك قولهم: غلام بالغٌ، وجاريةٌ بالغٌ، ورجل أيمٌ، وامرأةٌ أيمٌ. والأيمُ من النساء: التي لا زوج لها. والأيمُ من الرجال: الذي لا امرأة له.

ورجل عانسٌ، إذا أخر التزويج بعدما أدرك قال الشاعر: مِنّا الذي هو ما إن طرَّ شاربُه ... والعانسون ومنا المُرْدُ والشيبُ ويقال: امرأة عانس، إذا حُبست بعد إدراكها، فلم يُدخلوا الهاء في هؤلاء النعوتِ اللاتي يشترك فيهن الرجالُ والنساءُ. قال أبو بكر: والقولُ عندي في هذا الذي لا يجوز غيرُه هو قولُ الفراءِ؛ لأن كلام العرب يشهدُ به، والقياسُ يُوجبه، والعارضون

للفراء في قوله بالحجج التي قدمناها أخطئوا من حيثُ لا يشعرون؛ وذلك أنهم ظنوا أن قول العرب: بعيرٌ ضامرٌ وناقةٌ ضامرٌ وبعير ساعلٌ، وناقةٌ ساعلٌ يلزمُ الفراءُ به أن يقولَ: رجل قائمٌ، وامرأة قائمٌ، وهذا خطأ منهم؛ لأن الهاء التي في الناقة لا تُوجِبُ التأنيث الحقيقي، وذلك أن نجدُ مِثلَ الناقةِ تكونُ فيها هاء التأنيث وهي واقعةٌ على المذكرِ. من ذلك "الشاة" تقع على المذكرِ والمؤنث، وفيها علامةُ التأنيث، و"الأروية" تقع على المذكرِ والمؤنثِ وفيها علامةُ التأنيثِ قائمةٌ، وكذلك "العظاءة" حكى هشامُ بن مُعاوية: رأيت عظاءةً على عظاءةٍ، والجدايةُ تقع على المذكرِ والمؤنثِ. قال الشاعر: يُريحُ بَعدَ النفسِ المحفوزِ ... إراحة الجدايةِ النفوزِ

النفوز: القفوز. والجِداية: الصغير من الظباء، وهذا أكثر من أن يُحصى، فلما كان كذلك كانت الناقةُ بمنزلة البعير وكان قولهم: ناقة ضامرٌ بمنزلة قولهم: بعيرٌ ضامرٌ، والمرأةُ لا تقع هي ولا أمثالُها على مذكر في حالٍ. فالتأنيث الذي فيها تأنيثٌ حقيقيٌ. ومما يدلك على ما وصفنا أنهم يقولون: الدابةُ اشتريته، والعظاءةُ رأيته، والشاة أعجبني. قال الشاعر: وكان انطلاقُ الشاةِ من حيثُ خيَّما فكفى بهذا فرقاً بين الناقةِ والشاةِ والدابة وبينَ المرأة والجارية وما أشبههما. وأما الذين ألزموا الفرَّاء أن يقولك طلق امرأتُك، وحاض جاريتُك، وطمثَ هندٌ؛ لأن الرجال لا حظ لهم في هؤلاء الأفعال فقولهم واضحُ الفسادِ؛ لأن التاء فرقُ فِعلٍ. لو أُلقيت التاء من فعلت، فقيل: طلق جاريتُك، وحاض هندٌ للزمنا أن نقول في المستقبل يطلقُ هندٌ، ويحيضُ جاريتُك، وهذا لا يجوز؛ لأن الياء علامةُ المذكرِ؛ فلا يجوز أن تُدخل علامة المذكر في فِعلِ المؤنث، فلما لم

تجد بداً من أن تقول في المستقبل: تطلقُ هندٌ، وتحيض جاريتُك كرِهنا أن نقول في الماضي: طلَق هندٌ، وحاضَ جاريتُك، فتختلفُ الفروق والعلاماتُ ويُخالفُ الماضي المستقبل، فلما كان ذلك كذلك وفَّقوا بين الماضي والمستقبل، فقالوا: طلقت هندٌ، وتطلُقُ هندٌ، وحاضت جاريتُك، وتحيضُ جاريتُك، فإذا بُنيَ الدائمُ على المستقبل قيل: هِندٌ حائضةٌ، وجُملٌ طالقةٌ على معنى تحيضُ وتطلُقُ. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء للأعشى: يا جارتي بيني فإنك طالقه ... كذاك أُمورُ الناس غادٍ وطارقه

وقال السجستاني: حدثني الأصمعي قال: أنشدنية أعرابيٌّ من شِق اليمامة بغير هاءٍ: بيني فإنك طالقٌ. جعله بيتاً غير مصرع، وأراد: أنك قد طلقت. وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء للفرزدق: رأيتُ خُتُونَ العام والعام قبلهُ ... كحائضةٍ يُزنى بها غير طاهر فأدخل هاء التأنيث في حائضة؛ لأنه بناه على المستقبلِ، وذكَّرَ (طاهراً)؛ لأنه أخرجه على حقِّه، ولم يبنِه على المستقبلِ. ويجوز في (غير طاهر) الخفضُ والنصبُ، فمن نصبه نصبه على الحال من الهاء، ومن خفضه جعله نعتاً لحائضة. وأما الذين نسبوا قول الفراء إلى التناقض في هذا الباب، واحتجوا عليه بأن العرب تقول: رجل بالغٌ، وامرأة بالغ، ورجُلٌ سافِرٌ، إذا

سَفَر عن وجهه، وامرأةٌ سافِرٌ، ورجُلٌ أيِّمٌ، وامرأةٌ أيِّمٌ، ورجُلٌ عاشقٌ، وامرأةٌ عاشقٌ، فلا يدخلون الهاء في نعت الأنثى، وهو نعتٌ يشترك فيه الرجالُ والنساءُ فأخطئوا. هذا الاحتجاجُ لا يلزمُ الفراء منه شيءٌ؛ لأن بالِغا وسافِرا وعاشِقا نُعوتٌ مذكرةٌ وُصِف بهن الإناثُ، فلم يؤنثن؛ إذ كان أصلُهن التذكير. والدليل على أن أصلَهن التذكيرُ أن الرجال يُوصفون بهذه الأوصاف أكثر مما يُوصفُ بهن النساءُ، وذلك أن قولهم: رجلٌ سافِرٌ أكثرُ من قولِهم: امرأة سافِرٌ، وقولُهم: رجُلٌ بالِغٌ أكثرُ من قولهم: امرأةٌ بالغٌ؛ لأنهم إذا أرادوا أن يصفوا المرأة بهذا قالوا: امرأةٌ "مُعصِرٌ"، فلا يُدخلُون الهاء في "مُعصِر"؛ لأنه لا حظ للرجال فيه، ويقال: قد أعصرت المرأةُ، إذا أدركت. أنشد الفراءُ لعمر بن أبي ربيعة: قلت: أجيبي عاشقا ... بحُبِّكُم مُكلفٌ فيها ثلاثٌ كالدمى ... وكاعبٌ ومُسلفُ

الكاعِبُ: التي قد كَعَبَ ثدياها. يقال: قد كَعَبَ ثدياها وكعَّب، ولم تدخُل علامةُ التأنيثِ في كاعبٍ؛ كما لم تدخل في حائض، ويقال: امرأة كاعبٌ وكعابٌ. قال الشاعر: أزمان ليلى كعابٌ غيرُ غانية ... وأنت أمردُ معروفٌ لك الغزلُ والغانية فيها ثلاثةُ أقوال: يقال: الغانية ذات الزوج كما قال الشاعر: أُحِبُّ الأيامى إذ بُثينةُ أيِّمٌ ... وأحببتُ لمّا أن غنيت الغوانيا

وقال عُمارة: الغانيةُ: الشابةُ التي تُعجِبُ الرجالَ، ويُعجبها الرجالُ، ويقال: الغانية: التي استغنت بجمالها عن الزينة. والمُسلِف: قال الكسائي: هي التي بلغت خمساً وأربعين سنة ونحوها و"النصفُ" نحوها. وقولهم: امرأةٌ عاشقٌ لم يُدخلوا علامة التأنيثِ فيه؛ لأنه مُذكر في الأصل، وذلك أن الرجُلَ يوصفُ بهذا أكثر مما تُوصفُ به المرأة، ومن العرب من يقول: امرأة عاشقةٌ، فيبنيه على تعشقُ. وقولهم: امرأةٌ عانسٌ لم يُدخلوا فيه علامة التأنيثِ؛ لأن النساء أغلبُ على هذا الوصف، فصار بمنزلة طالقٍ وحائض. وقولهم: رجل أيِّمٌ، إذا كان لا زوج له، وامرأة أيِّمٌ، إذا كان لا زوج لها لم يُدخلُوا الهاء في نعت الأنثى؛ لأن الغالب على هذا الوصفِ أن يكون للمؤنثِ، فكان بمنزلة قولهم: هند حائضٌ، وجُمل طالقٌ، وقال أبو عُبيدة: يقال: امرأة أيِّمٌ وأيِّمَةٌ، وأنشد أبو عُبيدة: ألا ليت شِعرِي هل أبيتنَّ ليلةً ... بوادي القُرى إني إذا لسعيدُ

وهل آتين سُعدى به وهي أيمٌ ... وما رث من حَبْلِ الوصال جديدُ وقال أبو عُبيدة: قال بعضُ الشعراء لسعد بن أبي وقاص: فأُبنا وقد آمت نساءُ كثيرةٌ ... ونِسوانُ سعدٍ ليس فيهن أيمُ ويقال: رجلٌ أيمانُ، إذا ماتت امرأتُه، وامرأةٌ أيمى، والجمع في ذلك كله أيامى. قال الأحنفُ بنُ قيسٍ: لأفعى تحكَّكُ في بيتي أحبُّ إلي من أيم رددت عنها كُفؤا. وقال الأحنف أيضاً: ثلاث لا أناة عندي فيهن: الصلاةُ إذا جاء وقتُها أن أصليها، ومَيِّتي إذا مات أن أواريه، وأيمي إذا جاء كُفؤها أن أُزوجها.

ويقال: رجل أيمانُ عيمانُ للذي يعام إلى اللبن، أي يشتهيه، فلا يقدرُ عليه ويقال: امرأةٌ أيمى عيمى. والعقيمُ بمنزلة الأيم. يقال: رجل عقيمٌ، وامرأة عقيمٌ، ولا يقال: عقيمة. وقولهم: رجُلٌ بادنٌ، وامرأة بادِنٌ، لم يُدخلوا فيه الهاء؛ لأن المؤنث أغلبُ عليه، فكان بمنزلة طالقٍ وحائض. ومما وصفوا به الأنثى ولم يُدخلوا فيه علامة التأنيثِ- لأن أكثر ما يوصف به المذكر- قولهم: أمير بني فلان امرأة ووصيّ، وفلانة وصيّ فلان، ووكيل فلان. ألا ترى أن الإمارة والوصية والوكالة الغالب عليها أن تكون للرجال دون النساء. وكذلك يقولون: مؤذن بني فلان امرأة، وفلانة شاهد فلان؛ لأن الغالب على الآذان والشهادة أن يكون للرجال دون النساء، ولو أفردت لجاز أن تقول: أميرة ووكيلة ووصية. أنشد سلمة عن الأحمر:

نَزُور أميرنا خبزا بسمنٍ ... وننظرُ كيف حادثت الربابُ فليت أميرنا وعُزِلت عنا ... مُخضبةً أناملُها كعابُ

المعنى: فليت أميرنا امرأةً كعابٌ مُخضبةٌ أنامُلها، فالكعاب خبر (ليت) و (مخضبة) كان نعتاً للكعاب، فلما تقدم عليها نصب على الحال؛ كما قال الشاعر: وبالجِسم منى بيناً لو علمته شُحوبٌ وإن تستشهدي العين تشهدي معناه: وبالجسم منى شُحوبٌ بينٌ لو نظرته، فلما تقدم نعتُ النكرةِ نُصِبَ على الحال. والأناملُ مرفوعةٌ بمعنى مخضبة. وربما أدخلوا الهاء، وأضافوا، فقالوا: فلانة أميرةُ بني فلان، ووكيلةُ بني فلان، ووصيةُ بني فلان. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء لعبد الله بن همام السلولي: فلو جاءوا بِسبَرَّةَ أو بهندٍ ... لبايعنا أميرةَ مؤمنينا وكذلك يقولون: فلانة كفيلةُ بني فلان، فيدخلون الهاء؛ لأن الكفالة تكون من الرجال والنساء، وكان السجستاني يسوي بين كفيلٍ وأميرٍ، وهذا غلط منه؛ لأن الإمارة لا تكاد تكونُ في النساء، والكفالة تكون في الرجال والنساء.

وقال أبو زيد الأنصاري: سمعت العرب تقول: وكيلات، فهذا يدل على وكيلة. وقال سيبويه في قولهم: امرأة حائضٌ وطالقٌ وطامثٌ: هي نُعوتٌ مذكرةٌ وُصِفَ بهن الإناثُ؛ كما يُوصفُ المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكر؛ كقولهم: رجلٌ نُكحةٌ، وكان يذهب إلى أنهم ذكروا هذه النعوت؛ لأنها نعتٌ لشخصٍ وشيءٍ، فإذا قالوا: هندٌ حائضٌ أرادوا: هندٌ شخصٌ حائضٌ، وكذلك طالقٌ وطامثٌ، وما أشبه ذلك، وإذا قالوا: زيد نُ: حةٌ فهو في معنى زيد نسمةٌ نُكحةٌ. هذه ترجمة محمد ابن يزيد البصري.

قال أبو بكر: وهذا كله عندي خطاء؛ لأنا لو قلنا: هند حائضٌ ونحن نريد: هند شخصٌ حائضٌ، وشيءٌ حائضٌ للزمنا أن نقول: هندٌ قائم، وجُعلٌ جالسٌ على معنى: هندٌ شخصٌ قائمٌ، وجُملٌ شيء جالسٌ، وفي إجازة هذا خروجٌ عن العربية. وقال الفراءُ: يلزم من قال: حائضٌ وصفٌ لشيءٍ أن يقول: هذه امرأةٌ جالس ولا يقولُ: (هذه) بل يقول: هذا، وقال الفراءُ: يلزمه أن يقول: الحائضُ يحيض على معنى الشخص يحيض، وقال: لم نجد لهذا القول مذهبا. قال أبو بكر: ولو قلنا أيضاً: زيدٌ نُكحةٌ، ونحن نريد زيد نسمةٌ نكحةٌ للزمنا أن نقول: زيد قائمة على زيد نسمة قائمة، وهذا كلُّه محالٌ. ومذهب الفراء في نُكحةٍ وفي كلَّ نعتٍ لمذكرٍ دخلته هاءُ التأنيث أنه لا يخلو من أن يكون مدحاً أو ذماً. فإن كان مدحاً فهو مشبه بالداهية، وإن كان ذماً فهو مشبه بالبهيمة. واحتج بعضهم لسيبويه بقول الله تبارك وتعالى: (فلمَّا رأى الشمس بازغةً قال: هذا ربي)، فقال: الشمسُ مؤنثةٌ أشار إليها

بالتذكير، ولم يُشر بالتأنيث، فيقول: هذه ربي؛ لأن المعنى: قال: هذا النور ربي، وهذا الضياء ربي، فلما ذكَّر الشمس وهي مؤنثة، وأشار إليها بالتذكير على معنى النور جاز أن تقول: هندٌ قائمٌ فتذكرَ اسماً مؤنثاً، ثم تَرجِعُ إلى معنى الشخص. وهذا احتجاج فاسد؛ لأن (هنداً) اسمٌ لمؤنثٍ حقيقيِّ التأنيثِ، والشمس ليس تأنيثُها تأنيثاً حقيقياً؛ لأنها من غير الحيوان، وكل ما كان من غير الحيوان فلا حقيقة لتأنيثه. ألا ترى أنه جائز أن يُقال: موعظتُك يُعجبني على معنى وعظُك يُعجبني، ولا يجوز: جاريتُك يُكرمُني على معنى: عَبدُك يُكرمني، واحتج أيضاً بقول عُروةَ بن حزام: فعفراءُ أرجى الناس عندي مودةً ... وعفراءُ عني المُعْرِضُ المتواني فقال: معناه: وعفراء عني الشخصُ المعرِضُ، وهذا غير جائز عند الكوفيين، وقالوا: إنما ذكَّر (المعرض)؛ لأنه أراد التشبيه، وعفراءُ عني مثلُ المعرض، والمؤنث قد يُشبه بالمذكر، وكذلك المذكر يُشبَّه بالمؤنث

ألا ترى أنك تقول: هندٌ الظالمُ على معنى: هندٌ مثلُ الظالم، وتقول: زيدٌ الشمسُ على معنى: زيد مثلُ الشمس. واحتجوا أيضاً بقول الآخر: ألا ما للوجيهة لا تعودُ ... أبُخلٌ بالوجيهةِ أم صدود فلو كنت المريض لجئتُ أسعى ... إليك وما تهددني الوعيد قال معناه: فلو كنتِ الشخص المريض. والقول عندي في هذا أنه أراد التشبيه، أي فلو كنتِ مثلَ المريض، أي لو أشبهتِ المريض لفعلت هذا، فكيف لو كنت مريضة على حقيقة المرض. واحتج أيضاً بقول امرأة من العرب: قامت تُبكيهِ على قبرِهِ ... من لي بعدك يا عامرُ تركتني في الدار ذا غُربةٍ ... قد ذلَّ من ليس له ناصرُ قال: أرادت: تركتني في الدار شخصاً ذا غُربةٍ. وهذا الجواب عند الكوفيين خطاءٌ، والذي عندهم في هذا أنه ذكَّر ذا، لأنه للنون والياء. والنونُ والياءُ تكون اسم المتكلِّم والمتكلِّمة. ألا ترى أن الرجُلَ يقول: كلِّمني محمدٌ، فيكون اسمُه النون والياء، وتقول المرأة: كلمني محمد، فيكون اسمُها النون والياء، فلما كان ذلك كذلك أخرجوا (ذا) على لفظ النون والياء؛ إذ كانت تكون للمذكر والمذكَّرُ هو الأصلُ.

وحكى الفراءُ عن الكسائي أنه سمع امرأة من العرب تقول: أنا امرؤ أُريد الخيرَ، فقالت: أنا امرؤ، ولم تَقُلْ: أنا امرأة؛ لأنها أخرجته على لفظ (أنا) ولفظ (أنا) مذكر. وقال الأخفشُ وغيرُه من البصريين: إنما قالت العربُ: هندٌ حائضٌ، فذكروا (حائضاً)؛ لأنهم أرادوا: هند ذاتُ حيضٍ، ولم يُريدوا هندٌ حاضت أمس، أو تحيض غدا. قالوا: ولو أردت هذا المعنى لأدخلت عليه علامة التأنيث؛ كما تُدخِلُها في قائمة وقاعدة، وكذلك قولهم: امرأة طالقٌ وطامِثٌ معناه عندهم: ذاتُ طلاق وذاتُ طمث. وهذا القول عندي غلطٌ؛ لأنه يلزم قائليه أن يقولوا: هندٌ قائمٌ، وجُمْلٌ امرأةٌ جالسٌ على معنى: هي ذاتُ قيام، وجلوسٍ، فيكونُ في (قائم) عندهم وجهان؛ كما كان في حائض وجهان: إذا بُني على الفعلِ قيل: امرأة قائمةٌ؛ كما يقال: امرأة حائضةٌ، وإذا لم يُبنَ على الفعلِ قيل: هذه امرأة قائمٌ على معنى: هذه ذاتُ قيام؛ كما يُقالُ: هذه امرأةٌ حائضٌ، على معنى: هذه ذاتُ حيضٍ. ومن أجاز: هذه امرأةٌ قائمٌ فقد خرج عن العربية. ومما يدلُّ على صحة قولِ الفراء وعلى فسادِ القولين الآخرين أنهم يقولون: امرأة قاعدةٌ بالهاء إذا أرادوا الجلوس فيدخلون الهاء في هذا النعتِ؛ لأنه يشترك فيه الرجالُ والنساءُ، ويقولون: امرأةٌ قاعدٌ

التي قعدت عن الحيض، فلا يُدخِلُونَ الهاء في هذا النعتِ؛ لأنه لا حظٌ للرجال فيه، وكذلك يقولون: امرأة قاعدٌ، إذا أرادوا أنها قعدت عن الولد، ويئست منه، فهذا وصفٌ لا يكونُ إلا للنساء، ولا يُحتاجُ فيه إلى علامةِ التأنيث. قال حُميد بن ثور: إزاءُ معاشٍ ما يزالُ نطاقها ... شديداً وفيها سؤرةٌ وهي قاعدُ فذكَّر؛ لأن المعنى: وهي قاعدٌ عن الولد والحيض. والسؤرة: البقية من الشباب، فلو كان على ما قاله سيبويه والأخفشُ لوجب أن يقال: هندٌ قاعدٌ على الأرض، بمعنى جالسة، وهند قاعدٌ عن الولد، فيُسوى بين هذين النعتين؛ لأنهماوصفان لشخصٍ وشيء، أو يكونُ معناهما: هي ذاتُ قُعود على الأرض وذات قُعود عن الحيض، ففرقُ العربِ بين هذين المعنيين يدل على صحةِ قول الفراء.

ومما يدل أيضاً على صحة قوله وفساد القولين الآخرين أن يعقوب ابن السكيت حكى عن الأصمعي أنه قال: يُقال: امرأةٌ طاهر، إذا أردت الطُهر من الحيض، فإذا أردت أنها نقيةٌ من العُيوبِ والدنس قلت: طاهرة. قال أبو بكر: ففرقُهم بين هذين المعنيين بتذكير ما ليس للرجال فيه حظٌّ، وتأنيث ما يشترك فيه الرجالُ والنساءُ يدل على صحة قول الفراء، وقد كان أبو حاتم سهلُ بن محمد السجستاني على شدة تعصبه على الكوفيين وادعائه عليهم الأباطيل انكشف له عُوار قولِ أصحابه في هذا، فرفضه، ورغِبَ عنه، وأخذ بقول الفراء. والقاعدةُ أيضاً بالهاء: واحدة القواعد، وهي الأساسُ. قال الله تعالى: (وإذ يرفعُ إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيلُ) معناه: يرفعان الأساس، وقال الكُميتُ: في ذروةٍ من يفاع أولهم ... زالت عواليها قواعدها وأنشد أبو عُبيدة: وعاديةٍ من بناء الملو ... كِ تمت قواعد منها وسورا وقول الله عز وجل: (والقواعدُ من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً)

واحدُ القواعد ها هنا: قاعدٌ بغير هاء؛ لأنه من القعود عن الحيض. ويقال: امرأة ناتقٌ، إذا كانت كثيرة الولدِ، وامرأة عارِكٌ، إذا حاضت. وقال الفراءُ: يجوز أن تقولَ: زيد حائضٌ، إذا أردت أنه يحوضُ حَوضَه، أي يُصلحه، فإذا أردت هذا المعنى قلت: امرأة حائضةٌ، إذا أردت أنها تحُوضُ حوضها، ولا يجوز أن تقول على هذا المعنى: امرأةٌ حائضٌ؛ لأن هذا مما يشترك فيه الرجالُ والنساءُ. ويقالُ: امرأةٌ حادُّ، إذا تركت الكُحلَ على زوجها.

ويقال: جارية ناهدٌ إذا نَهَدَ ثدياها. ويقال: ريح عاصفٌ وعاصفةٌ، فمن قال: عاصفٌ بغير هاء قال: العُصوف لا يكون إلا للربح، وهي أنثى، ومن قال: عاصفةٌ بناه على المستقبل، أي تعصفُ. قال الله جل ثناؤه: (جاءتها ريحٌ عاصفٌ)، على معنى قد عصفت، وانقطع العصوف، وقال الله جل وعز في موضع آخر: (ولسليمان الريح عاصفة)، على معنى تعصفُ، إذا أمرها سُليمان صلى الله عليه بإذن الله عز وجل، وقال الفراء: يقال: عصفتِ الريحُ بغير ألف. قال: وبنو أسدٍ يقولون: أعصفت الريحُ بالألف. قال: وأنشدني بعضُ بني دُبيرٍ: حتى إذا أعصفت ريحٌ مزعزعةٌ ... فيها قطارٌ ورعدٌ صوته زجِلٌ

ويقال: امرأة ناشزٌ وناشصٌ، إذا نشزت على زوجها، وامرأة جامحٌ، بمعنى ناشز، وامرأة عاطلٌ، لا حلىَ عليها، ويقال: ظبيةٌ فاقدٌ، إذا فقدت ولدها، وشاةٌ

والدٌ، ويقال: امرأة فاركٌ، إذا أبغضت زوجها، ويقال في الجمع: فواركُ، فإذا أغضها قيل: قد صلفتْ عنده تصلف صلفا، ويقال: قد فرِكَتْه تَفْرَكُهُ فِركا، إذا أبغضتهُ. أنشدنا أبو الحسن بنُ البراء قال: أنشدني محمد بن حفص اليمامي لمتمم بن نُويرة: أقولُ لهندٍ حين لم أرض فعلها ... أهذا دلالُ العشقِ أم فعلُ فارِكِ أم الصرمُ ما تهوين كُلُّ مفارقٍ ... يسيرٌ علينا فقدُه بعد مالك

ويقال: ناقة عائذٌ إذا كانت حديثة النتاج ويقال في الجمع: عوائذ وعُوذٌ قال ابن هرمة: لا أُمتِعُ العُوذَ بالفصال ولا ... أبتاعُ إلا قريبةَ الأجلِ

ويقال: ناقة ماخِض إذا ضربها المخاضُ، وناقة شامذ، إذا لقحت فشالت بذنبها، ويقال لها أيضاً - إذا شالت بذنبها للقاح- شائل والجمع شوَّلٌ. قال أبو النجم: كأن في أذنابهن الشول

فإذا أتى على الناقة سبعةُ أشهرٍ من نتاجها أو ثمانيةٌ، فخفِّ لبنُها وضرعُها فهي شائلة، والجمع: شولٌ، وهذا مما شذ عن الباب، وجاء على غير القياس، وذلك أن الأول يشتركُ فيه المذكر والمؤنثُ. يقال: شال البعيرُ بذنبهِ، وشالت الناقةُ ذنبها، والثاني تنفرد به الأنثى دون الذكرِ، فكان يجب ألا تدخله علامةُ التأنيث. ويقال: ناقةٌ بائكٌ، إذا كانت فتيةٌ حسنةٌ، والجمع بوائكُ. ويقال: ناقةٌ واسقٌ، وقد وسقتْ تَسِقُ وسقا، ونُوق مواسيقُ وهو جمع على غير القياس، إذا أغلقت الرحم على ماء الفحلِ.

ويقال: ناقة قارحٌ، وقد قرحت تقرحُ قروحاً؛ حين يستبينُ حملُها. ويقال: ناقةٌ حائلٌ، إذا لم تحمِلْ عامها، ويقال: ناقة خادجٌ إذا ألقتْ ولدها قبل تمام الحملِ. قال أبو عبيد: يقال: خدجت

الناقة، إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تام الخلق، ويقال: أخدجت الناقة، إذا ألقت ولدها ناقصَ الخَلق، وإن كان لتمام الحملِ، ويقال: أخدج الرجل صلاتهُ فهو مُخدجٌ، وهي مُخدجةٌ، إذا نقصها، والخداجُ: النُقصان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يقرأُ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداجٌ)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الثدُية (إنه مُخدجُ اليد). معناه: ناقص اليد، والثديَّة صُغرت بالهاء والثدي مذكر، لأنه ذُهِبَ إلى لحمةٍ من الثدي أو قطعةٌ من الثدي، وبعضُهم يرويه: ذا اليُدية، بالياء، فيجعله تصغير اليد. ويقال: ولدٌ تَمامٌ وتِمامٌ، وقمَر تَمامٌ وتِمامٌ، بالفتح والكسر

جميعاً، ويقال: ليلٌ تِمامٌ بالكسر لا غيرَ، ويقال لولَدِ الناقة الخادج: خديجٌ. ويقال: ناقة راجعٌ ونُوقُ رواجعُ، وقد رجعت ترجعُ رجاعا، إذا كنت تلقح فتزم بأنفها، وتشُولُ بذنبها، وتجمع قُطريها، وتُوزِغُ ببولها، أي تقطعه دُفعا دُفعا ثم تُخلِفُ. ويقال: ناقة فاسجٌ وفائجٌ، وهي الفتية الحاملُ، وبعضُ

العرب يقول: هي الفتية الكثيرة اللحم. قال هميان بن قُحافة السعدي: يظل يدعو نيبها الضماعجا ... والبكرات اللقح الفواسجا

ويقال: ناقةٌ فارقٌ، ونوقٌ فوارقُ وفُرقٌ، وقد فرقت تفرُقُ فُروقا، إذا وجدت مس المخاض، فذهبت في الأرض. قال الراجز: ومنجنونٍ كالأتان الفارق وقال عبدُ بني الحسحاس وذكر السحاب: لهُ فُرقٌ منه ينتجن حوله .. يُفقئن بالميث الدماث السوابيا

ويقال: ناقة والهٌ، إذا اشتد وجدُها على ولدها، وناقة داريٌّ، إذا أخذتها الغُدةُ في مرافقها، واستبان حجمها، ويسمى الحجم درأ، والحجم: ما نشأ من العظم والغُدةُ: داءٌ يصيب البعير، ويقال: ناقة فاطمٌ، إذا بلغ حُوارها سنة ففُطِم. قال الراجز:

من كل كوماء السنام فاطم ... تشحى المُستنِّ الذنوب الراذم شدقين في رأسٍ لها صلادم والحوار: ولد الناقة. قال مُتممُ بن نويرة: فما وجدُ أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... رأين مجراً من حُوار ومصرعا ويقال في جمع الحوار: حِيرانٌ. قال جرير: يا أيها الراكبُ المزجى مطيتهُ ... بلِّغ رسالتنا لُقيت غفرانا بلِّغ رسائل منا خفَّ محملها ... على قلائص لم يحملن حيرانا

ويقال: امرأة واضعٌ، إذا لم يكن عليها خمارٌ، ويقال: ناقة حاملٌ، وأتانٌ جامعٌ، إذا حملت، وشاةٌ دافعٌ، إذا دفعت

اللبأ في ضرعها، وناقةٌ رائمٌ، إذا عطفت على ولدها، ويقال: ناقة ضاربٌ، إذا ضربت برجليها، وامتنعت من الحالب إذا لقحت، وناقةٌ شارفٌ للكبيرة. قال مُتممُ بن نويرة:

ولا شارفٍ جشاء هاجت فرجعت ... حنينا فأشجى شجوها البرك أجمعا البرك: الألفُ من الإبل: وناقةٌ باهلٌ، والجمعُ: بُهلٌ، إذا تُركت بغير صرار، ويقال: أبهلها مع أولادها تشرب متى شاءت.

وناقةٌ عاسرٌ ترفع ذنبها إذا اتقت الفحل، وناقة عائطٌ، وهي التي تعتاط رحمُها أعواماً لا تحملُ. يقال: اعتاطت رَحِمُها، واعتاصت ويقال: ضرةٌ حالِقٌ، إذا امتلأت إلا شيئاً. يقال: جاءت الناقة حالقاً ضرتُها والضرةُ: أصلُ الضرع. ونعجةٌ حانٍ، إذا أرادت الفحل، وقد حنت تحنو حنواً.

ويقال: امرأة فاقد، للتي تتزوج وقد مات زوجها. ويُقال: ناقةٌ غارزٌ من نوقٍ غوارز، وقد غرزت غرازاً، إذا جف لبنها، ويقال للرجل: غرز ناقتك، فينضح ضرعها بالماء، ويدعها من الحلب حتى تغرز. ويقال: نُتجت الناقة حائلاً حسنة، حين تنتج أنثى، ويقع عليها اسم التأنيث.

ويُقال للبئر- إذا غار ماؤها-: بئرٌ ناكز، وقد نكزت تنكزُ نكوزا. ويقال: رجل عاقرٌ، إذا كان لا يولد له، وامرأة عاقرٌ، إذا

كانت لا تلدُ. قال الله تعالى ذكره: (وإني خفتُ الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا). وقال في موضع آخر: (وقد بلغني الكبرُ وامرأتي عاقر)، وأنشد أبو عُبيدة لعامر بن الطفيل: لبئس الفتى إن كُنت أعور عاقرا ... جباناً فما أغني لدي كلِّ محضرِ

باب ما يشترك فيه المذكر والمؤنث مما التأنيث فيه غير حقيقي لازم

باب ما يشتركُ فيه المذكرُ والمؤنثُ مما التأنيثُ فيه غيرُ حقيقي لازمٍ من ذلك قولهم: بعيرٌ ناحِزٌ، إذا سعل، فاشتد سُعاله، وناقة ناحز، وبعيرٌ ضامرٌ، وناقةٌ ضامرٌ، وناقة ضابعٌ، وهي التي ترفع خفيها قبل ضبعيها، والضبعُ: العضُد، وناقة واضع، إذا أقامت

في الحمض، وشاةٌ راجنٌ، وداجنٌ إذا استأنستَ وألِفتَ، ومن العرب من يقول: شاةٌ راجنةٌ، وداجنةٌ بالهاء، وشاة نافرٌ، ووادٍ حافلٌ وشُعبةٌ حافلٌ، إذا كثر سيلهما، وناقةٌ دارمٌ، إذا لم تَقدِر

على القيام من الهُزال، وناقةٌ سالحٌ، إذا سلحت عن البقل أو غيره، وناقةٌ طالق، إذا طلبت الماء أول ليلة حين توجهُ إلى الماء، فإذا كانت الليلةُ الثانيةُ خرجت عن الطلق، وشاةٌ ناثرٌ، إذا سعلت فنثرت من أنفها، وناقةٌ قاصبٌ، إذا وردت، فامتنعت من الشرب، وشاةٌ صالغٌ، إذا بلغت الصلوغ، وهو أقصى أسنانها، ويقال: ناقةٌ

عاسفٌ، إذا أشرفت على الموت من الغدة، وجعلت تنفسُ. قال يعقوب ابن السكيت: قال الأصمعي: قلت لرجلٍ من أهل البادية: ما العُساف؟ قال: حين تقمُص حنجرتُه، أي ترجُف من النفس، قال عامرُ بن الطفيل - وعقر فرسه:- ونعمَ أخو الصعلوكِ أمسِ تركتُه ... بتضرُع يمري باليدين ويعسفُ

باب تسمية علامات المؤنث وذكر ما يكون منها في الأسماء، والأفعال، والأدوات

باب تسمية علامات المؤنث وذكر ما يكون منها في الأسماء، والأفعال، والأدوات اعلم أن للمؤنث خمس عشرة علامةً: ثمان منها في الأسماء، وأربعٌ في الأفعال، وثلاثٌ في الأدوات. فأما اللاتي في الأسماء فالألف المقصورة الممالة إلى الياء؛ كقولك: ليلى وسلمى وسُعدى. والألف الممدودة؛ كقولك: حمراءُ وصفراءُ، والسراء والضراء والتاء؛ كقولك: أخت وبنت.

والهاءُ؛ كقولك: طلحةٌ وحمزةٌ، وقائمةٌ، وقاعدةٌ، وهي تكون هاءٌ في الوقف. والألف والتاء في الجمع؛ كقولك المسلمات والصالحات والهندات والجُملات. والنون، كقولك: هُن وأنتن. والكسرة؛ كقولك: أنتِ. والياء؛ كقولك: هذي قامت، وفيه اختلاف سأُبينه في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله. وأما اللاتي في الأفعال فالتاء؛ كقولك: قامت وقعدت، وتقوم وتقعد. والياءُ؛ كقولك: تضربين زيداً، واضربي زيدا. والكسرةُ في الحرف المختلطِ بالفعل الذي قد صار كأنه من الفعل؛ كقولك: قُمتِ، وقَعدتِ، وأعطيتِ، وأحسنتِ، وأجملتِ، وذلك أن النحويين يُسَمُّون قُمت، وبعث ثلاثياً؛ لأن التاء اختلطت به، فصار معها ثلاثة أحرفٍ ويسمون قضيت، وسعيت، وغزوت، ودعوت، وعفوت رُباعياً؛ لأن التاء اختلطت به، فصارت كأنها

حرف من الفِعل، وصار بها أربعة أحرُف. والنون التي اختلطت بالفعل، فصارت كبعضِ حُروفه، كقولك: قُمن، وقعدنَ. وأما اللاتي في الأدوات فالتاء؛ كقولك: رُبت رجل ضربتُ، وقمتُ ثُمت قعدت. قال الفراءُ: أنشدني المفضل: ماوىَّ يا رُبتما غارةٍ ... شعواء كاللذعة بالميسم وأنشدنا أبو العباس: ولقد أَمُرُّ على اللئيم يسبني ... فمضيتُ ثُمتَ قُلتُ: لا يعنيني

غضبان مُمتلئاً على إهابُهُ ... إني وربكِ سُخطه يُرضيني وقال الآخر: لا غرو إلا ما يُخبِّرُ خالدٌ ... بأن بني أستاهها نذروا دمى وما لي من ذنبٍ إليهم عملتهُ ... سوى أنني قد قلتُ: ياسرحةُ اسُلمي بلى فاسلمي ثُم اسلمي ثُمت اسلمي ... ثلاثَ تحياتٍ وإن لم تكلمي

وقال الآخر: ورُبَّتِ غارةٍ أوضعتُ فيها ... كسح الخزرجي جريم تمر والهاء؛ كقولك- في الوقت على هيهات-: هيهاه، كان عيسى ابن عمرو وأبو عمرو بن العلاء يقفان هيهاه بالهاء. ومثله: (ولات حين مناص). كان الكسائي يقف عليها ولاه.

والهاءُ والألفُ؛ كقولك: إنها قامت هندٌ، وإنها جلست جُملٌ. قال الله تعالى ذكره: (فإنها لا تعمى الأبصار). قال الفراءُ: والعربُ تُدخل الهاء مع إن دلالةً على الفعل الذي بعدها، فإذا قالوا: إنه قام عبد الله دلوا بالهاء على أن الفعل الذي بعدها مذكرٌ، وإذا قالوا: إنها قامت هندٌ دلوا بها على أن الفعل الذي يأتي بعدها مؤنثٌ. قال قيس بن الملوح المجنون: ألا إن قول القائلين بأنها ... تجازى قُلوبُ العاشقين لباطلُ فأنث الهاء؛ لأن بعدها فعل مؤنثٌ. وقال الفراءُ: إذا كان بعد الهاء فعلٌ لمذكر لم يجز فيها إلا التذكير؛ كقولك: إنه قام زيد، وإنه قعد عمرو، وإذا كان بعدها فعلُ مؤنثٌ جاز فيها التذكيرُ والتأنيثُ؛ كقولك: إنها قامت هند، وإنه قامت هند. فمن أنثها قال: هي دلالةٌ على تأنيث الفعل الذي بعدها، ومن ذكَّرها قال: فِعلُ المؤنثِ قد يجوز تذكيره، فذكَّرتُ الهاء لهذا المعنى. وإذا كان بعدها فعلٌ مذكرٌ لم يجز فيها التأنيث؛ كقولك: إنه قام الهنداتُ، وإنه جلس جواريك، ولا يجوز: إنها قامت الهنداتُ وإنها جلس جواريك؛ لأن الفِعلَ الذي بعدها مذكرٌ. قال أبو بكر: هذا مذهب الفراء.

وقال الكسائي والبصريون: إذا ذُكِّرت الهاء فهي كنايةٌ عن الأمر والشأن؛ كقولك: إنه قام عبدُ الله، وإذا أُنثت فهي كنايةٌ عن القصة؛ كقولك: إنها قامت هندٌ، فألزمهم الفراءُ أن يقولوا: إنها قام زيد على معنى: أن القصة: قام زيد، وهذا معدوم في كلام العرب. وقال الفراءُ: التاءُ التي في رُبتَ، وثُمتَ، تشبه التأنيث، وليست بتأنيثٍ حقيقي، والتاء في قوله: (ولات حين مناصٍ) بمنزلة التاء في (هيهات). كان الكسائي يقف عليها ولاه بالهاء.

وقال الفراءُ: رأيت الكسائي سألت أبا فقعس الأسدي عن (ولات) فوقف ولاه بالهاء. وللناس في (ولات) أربعةُ مذاهب: كان أبو عمرو يكره الوقوف عليها، وكان حمزةُ يقف (ولات) بالتاء، وكان الكسائي يقف (ولاه) بالهاء، وكان الخليلُ وسيبويه والأخفشُ وأبو عبيدةَ والكسائي والفراءُ والمازني والسجستاني والجرمي وأحمد بنُ يحيى ومحمد بن يزيد يقولون: التاء في (ولات) منقطعة من حاء (حين)، وكان أبو عُبيد القاسمُ بن سلام يقول: التاء متصلة بحاء حين، ويقول: الوقف: (ولا)، والابتداء: تحين مناص، ويحتجُّ بأن المعروف في كلام العرب: (لا)، ولا يُعرفُ في كلامهم: (لات) وزعم أن العرب تزيدُ التاء مع (الحين) و (الآن) و (الأوان)، فالموضع الذي زادوا فيه التاء مع الحين قول أبي وجزةَ السعدي:

العاطفون تحين ما من عاطف ... والمطعمون زمان أين المُطْعِمُ

والموضع الذي زادوا فيه التاء مع الآن قولُ الشاعر: نَوِّلي قبل يوم بيني جُمانا ... وصِلِينا كما زعمتِ تلانا والموضع الذي زادوا التاء مع (الأوان) قول أبي زُبيد: طلبوا صُلحنا ولا تأوانٍ ... فأجبنا أن ليس حين بقاءِ

وفي (هيهات) لُغاتٌ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، بفتح التاء فيهما، وهو مذهب العوام في القرآن، وهيهاتِ هيهاتِ، بكسر التاء فيهما، وهو مذهبُ أبي جعفر يزيد بن القعقاع، ومن العرب مني قول: هيهاتٍ هيهاتٍ، بكسر التاء فيهما مع التنوين وبه قرأ خالد بن إلياس، ومنهم من يقول: هيهاتاً هيهاتاً. بالنصب والتنوين. فمن قال: هيهاتَ هيهاتَ قال: العرب تفتح آخر الأدوات؛ ميلاً إلى التخفيف، ففتحوها؛ كما فتحوا رُبَّتَ وثُمَّتَ، ويُوقف من هذا الوجهِ على الهاء. ومن قال: هيهاتِ هيهاتِ كسر التاء لاجتماع الساكنين؛ كما قالوا: قَوالِ قَوالِ ونَظارِ نظَارِ. ومن قال: هيهاتٍ هيهاتٍ شَبَّهه بالأصواتِ؛ كقولهم: غاقٍ في حكاية صوتِ الغُراب، ولا يُوقف من هذين الوجهين إلا على التاء.

ومن قال: هيهاتاً هيهاتاً نصبه على المصدر. أعني على التشبيه به. قال الأحوص: تذكر أياماً مضين من الصبي ... وهيهات هيهاتا إليك رُجوعها ولا يوقفُ على هذا الوجه إلا على التاء.

ومن العرب من يقول: أيهاتَ. أنشد الفراءُ: فأيهات أيهات العقيقُ ومن به ... وأيهاتَ وصلٌ بالعقيق نواصلُه

باب شرح العلامات وتفصيلها

باب شرح العلامات وتفصيلها اعلم أن العرب تزيد الألف المقصورة في الأسماء والنعوت للتأنيث، ويمنعون الاسم والنعت بها الإجراء. فأما الاسمُ فليلى وسلمى وسُعدى وإحدى وبُشرى وحُبارى. والنعتُ قولهم: حُبلى والحُسنى والفُضلى والغضبى. تقول: قامت ليلى، وأكرمتُ ليلى، ومررت بليلى، فلا تنونها، لأنها لا تجري؛ وإنما صارت لا تجري لأن فيها ياء التأنيث، وإنما لم يتبين الإعرابُ فيها؛ لأنه كان يجبُ أن يكون في الياء، ثم تُجعل الياءُ ألفاً لانفتاح ما قبلها، والدليل على أنها ألفٌ أنك إذا أضفت إلى نفسك خلصت ألفاً، فقلت: ليلانا وسُعدانا، وإنما صارت في الإفراد ياء للإمالة، وكتبت ياء لوقوعها رابعةً متطرفةً. فإذا كانت ياءُ التأنيث رابعة في اسمٍ كان الاسمُ على مثال (فِعْلَى)؛

كقوله تعالى: (وأنه هو رب الشعرى)، وكقوله: (إن نفعتِ الذكرى)، وعلى مثال (فَعْلَى)؛ كقولك: ليلى وسلمى. وعلى مثال (فُعلَى)؛ كقولك: سُعدى. وإذا كانت الياء في النعتِ كان على مثال (فَعْلَى)؛ كقولك: عطشى وسكرى، وعلى مثال (فُعلى)؛ كقولك: حُبلى وحُسنى. ولا يكون النعت على مثال (فِعْلَى) أبدا، وقول الله جل ثناؤه-: (تِلك إذًا قسمةٌ ضيزى) وزُنها من الفعل (فُعلى)، والأصلُ فيها: ضُوزى على مثال حُبلى وحُسنى، فكرهوا أن يقولوا: ضُوزى بالواو، فيصير كأنه من الواو، وهو من الياء، فكسروا الضاد، وجعلوا الواو

ياءٍ؛ لانكسار ما قبلها. والقسمةُ الضيزى: الناقصةُ. يقال: ضِزتُه حقه أضيزه، وضُزتُه أضوزه، وضأزتُه أضأزهُ بالهمز. أنشد أبو زيد؛ إن تنأ عنا ننتقصك وإن تؤب ... فحظك مضؤوزٌ وأنفُك راغمُ

وأنشد أبو عُبيدة: إذا ضأزانا حقنا في غنيمةٍ ... تفعل جارانا فلم يترمرما وقال الفراءُ: من العرب من يقول: قِسمة ضيزى، وضأزى، وضؤزى، وحكى الكسائي عن عبسٍ: ضئزى. وما فيه ألف التأنيث المقصورة لا يجري في المعرفة، ولا في النكرة. تقول: قامت ليلى، وليلى أُخرى، ومررت بليلى وليلى أُخرى، وأكرمت ليلى وليلى أخرى. وأما (مِعزى) فإنها تجري في المعرفة والنكرة. تقول: هذه مِعزى، واشتريت مِعزىً، ونظرت إلى مِعزىً، وإنما أُجريت لأن الألف التي فيها تُلحقها ببناء هِجرَعَ. والهِجرَع: الطويل والهِجرع أيضاً:

الأحمق، ويقال: هو الجبان، وكذلك أرطى وعلقىً يجريان في المعرفة والنكرة؛ لأن الألف التي فيها تلحقها ببناء جعفر. والأرطى، والعلقى: شجر، وهما جمعان، فواحدة الأرطى: أرطأة، وواحدة العلقى: علقاة. و (ذِفْرَى) للعرب فيها مذهبان: منهم من يجعل الألف التي فيها ألف تأنيثٍ فلا يُجريها، ويجعلها بمنزلة إحدى، ومنهم من يجعلها بمنزلة مِعزىً، فيجريها، ويقول: الألف التي فيها تُلحقها ببناء هِجرع. ومن لم يُجرها قال في تصغيرها: ذُفيري، ومن أجراها قال في تصغيرها: ذُفير فاعلم، وسنوضح هذا في باب تصغير الأسماء المؤنثة إن شاء الله.

وكذلك: حَبنطي، وسرندي، ودلنظي تُجرى؛ لأن الياء التي فيه تُلحقه ببناء سفرجل. وكذلك عفنجج. والحبطني: الممتلئ غضباً أو بطنةً، والسرندي: الجريءُ. والدلنظي: الضخم. والعفنجج: الجافي. وأما الألفُ التي في قولهم قبعثرى فهي ألفٌ لغير التأنيث، والدليلُ على هذا أنهم يقولون: هذا قبعثريً فاعلم، فينونونه. والقبعثري: الجمل القوي الشديد. وأما ألفُ التأنيثُ الممدودةُ فإنها تمنع الاسم من الجري في المعرفة والنكرة تقول: قامت عفراءُ، وعفراءُ أخرى، وأكرمت عفراء، وعفراء أخرى، ومررت بعفراء وعفراء أخرى. والفرق بين المدة الأصلية ومدةِ التأنيث أن المدة الأصلية لام من

الفعل والمدة المجهولة لا صورة لها من الفعل. فالمدةُ الأصلية مدةُ القضاء والدعاء والكساء؛ لأن القضاء وزنه من الفعل الفعالُ، والكساءُ وزنُه الفِعال، والدعاءُ وزنهُ الفُعال. والأصلُ فيهن: القضاي والدعاو، والكساو؛ لأنهن من قضيتُ، ودعوت، وكسوت، فلما وقعت الواوُ والياءُ بعد ألفٍ ساكنةٍ، والألفُ لا تخلو من أن تكون قبلها فتحةٌ، فكانت وهي ساكنةٌ بمنزلة حرفٍ مفتوح، فوجب أن تصير الواو والياء في الدعاو والقضاي ألفاً، ثم تسقط الأولى لسكونها وسكون الألف الثانية، فكرهوا أن يفعلوا ذلك، فيلتبس القضاءُ وهو الفعال بالفعل؛ كقولك؛ العمى والعشا، والجلا، فلما بطل ذلك نظروا إلى أقرب الأشياء من الياء والواو والألف فإذا هو الهمز، فهمزوا.

وحمراءُ وصفراءُ وعفراءُ الهمزةُ فيهن زائدةٌ للتأنيث. لا أصل لها في الفعل. ألا ترى أن الراء في حمراء وصفراء وعفراء هي لامُ الفعل؛ وذلك أنهن من الحُمرة والصفرة والعفر. والعفر: التراب. وعلياءُ وحرباء يجريان؛ لأن الهمزة التي فيهما مُبدلة من ياء الإلحاق. الأصل فيهما: عِلباي وحرباي، فأبدلوا من الياء همزة للعلة التي تقدمت في القضاء والدعاء. والعِلباء والحرباء ملحقان بشملال

وسرداح. ولو لم تكن الياءُ طرفاً لم يبدلوا منها الهمزة. الدليل على هذا أنهم قالوا: درحاية فأظهروا الياء لما كانت بعدها هاءُ التأنيث، ولم تقع طرفا، ولو حُذفت الهاء لأبدل من الياء همزة. والعلباءُ: عصبةٌ صفراء في صفحة العُنق. والحرباء: دويبة شبيهة بالعظاءة، إلا أنها أكبر منها. والشملالُ: الناقة الخفيفة.

والسرداحُ: البعير الضخم، ويقال: بعيرٌ سرداحٌ، وناقةٌ سرداحٌ قال ابن مُقبل: من كل أهوج سرداحٍ ومُقربة ... تُقاتُ يوم لكاك الورد في الغُمر اللكاك: الازدحام. والغُمر: القدح الصغير. والدرحاية القصير العظيم البطن. قال الراجز: إما تريني رجلاً دعكايه ... عكوكا إذا مشى درحايه وأما الهاء فإنها فاصلة بين المذكر والمؤنث؛ كقولك: قائمٌ وقائمة،

وقاعدٌ وقاعدةٌ، وطلحةُ وحمزةُ وثمرةُ تكونُ في الوقف عليها وفي الخط هاءا، وفي الدرج تاءا. وإنما وقفوا عليها بالهاء؛ ليفرقوا بينها وبين التاء التي من نفس الكلمة؛ كقولهم: القتُّ والسبت وما أشبه ذلك، وكتبوهن بالهاء، لأن الخطُ مبني على الوقف. فأما تاء التأنيث في الأسماء فهي التي تكون في الوصل والوقف تاءاً، كقولك: بنت وأخت. قال البصريون: إنما وقف على التاء في أخت وبنت، ولم يُوقف على الهاء؛ لأن التاء في أُخت مشبهة بالأصلية، وذلك أن أختاً ملحقة بِقُفل، وبنت ملحقة بعدل وضرس، فصارت التاء فيهما كأنها لامُ الفعل. وقال الفراء: إنما وقفوا في أخت وبنت على التاء، ولم يقفوا على الهاء؛ لأن الحرف الذي قبل التاء ساكنٌ، وكل حرفٍ يسكن ما قبله يُنوى به الابتداء والاستئناف، فلما كان فيه هذا المعنى أُخرجَ على

أصله؛ لأن التاء هي الأصل، والهاء داخلةٌ عليها. الدليل على هذا أنك تقول: قامت وقعدت، فتجد هذا هو الأصل الذي يُبنى عليه قائمةٌ، وقاعدةٌ وترى التاء ثابتةً في الأصل، والهاء ثابتةً في الفرع؛ فلذلك وقفوا على التاء في أخت؛ ولأنها أُخرجت على الأصل لما سكن ما قبلها، ووقفوا على الهاء في طلحة؛ لأنها لما تحرك ما قبلها كانت فرعا. قال الفراءُ: والطائيون يقفون على كُلِّ تاء للمؤنث بالتاء، ولا يقفون بالهاء، فيقولون: هذا طلحت، وهذا حمزت، وهذه أمت، وأنشد بعضهم: جداء غبراء كظهرِ الحجفت والمدةُ والألفُ المقصورةُ لا تكونان في نعتِ المذكر أبداً، والهاءُ

قد تكون في نعتِ المذكرِ؛ كقولك: رجُلٌ علامةٌ نسابةٌ راويةٌ، وقد ذكرناه فيما مضى.

والاسم الذي فيه ألفُ التأنيثِ المقصورةُ أو الممدودةُ لا يجري في المعرفة ولا في النكرة، والذي فيه هاءُ التأنيثِ لا يجري في المعرفة، ويجري في النكرة؛ كقولك: قامتْ فاطمةُ وفاطمةٌ أخرى، ومررت بفاطمةَ وفاطمةٍ أخرى. لا تُجْرِي الأولى؛ لأنها معرفة، وتُجْرِي الثانية؛ لأنها نكرة. والفرقُ بين الألف والهاء أن الذي فيه الهاء خرج بها من التذكير إلى التأنيث، والأصلُ التذكيرُ؛ وذلك أنك تقول: قائمٌ وقائمةٌ، وجالسٌ وجالسةٌ، فتكونُ الهاءُ مزيدةً على بناء المذكر. والذي فيه ألفُ التأنيثِ هو مصوغٌ للتأنيثِ على غير تذكيرٍ خرج منه، فامتنع من الإجراء في المعرفة والنكرة لبُعْده من المذكر الذي هو الأصلُ.

ألا ترى أن قائمةً على بناء قائم، وحمراء ليست على بناء أحمر، وعطشى وسكرى ليستا على بناء عطشان وسكران. وأما الألفُ والتاءُ فإنها علامةٌ لجمع المؤنث بمنزلة الواو النون للمذكر وتكون للجمع القليل؛ كقولك: الهنداتُ والدعداتُ والجُمْلاتُ والزينبات، وربما كانتْ في الجمع الكثير. قال حسان - رحمه الله-: لنا الجفناتُ الغُر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فالجفناتُ ههنا معناها الكثرةُ؛ لأنه لم يُرِدْ أن لنا جفناتٍ قليلةً؛ لأنه لو أراد ذلك لم يكن مبالغاً في المدح. وقرأت القراء: (وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم). فليس معنى الصلوات القلةُ. إنما معناها الكثرةُ. وأما نون التأنيثِ فهي النون الثانيةُ في هن وأنتن. والنون الأولى أُدخلتْ؛ لأن سبيل نون التأنيث ألا يكون قبلها إلا حرفٌ ساكنٌ.

وأما ياءُ التأنيثِ التي تكون في الأسماء فهي الياء التي في هذي. قال جماعة من النحويين: هي ياءُ التأنيثِ، وقال هشام بن معاوية: كسرةُ الذالِ علامةُ التأنيثِ، والاسمُ الذالُ، و (ها) دخل للتنبيه، والهاء التي بعد الذال تكثيرٌ للاسم. وقال الفراء: الهاء التي بعد الذال بدل من الياء في هذي. وفي (هذه) لغاتٌ: هذه قامت، وهاذي قامت، وهاذِ قامت، وذِهْ قامت وذي قامت، وهاتا قامت، وتاقامت. أنشدنا أبو العباس: فهذي سيوفٌ يا صُدى بن مالكٍ ... كثيرٌ ولكن أين بالسيف ضاربُ

وقال الحارث بن ظالم: بدأت بهذي ثُم أثني بهذه ... وثالثةٍ تبيض منها المقادم وقال نصيب: وأدري فلا أبكي، وهذي حمامةٌ ... بكت شجوها لم تدر ما اليوم من غد وقال المجنون: وحدثتماني أن تيماء منزلٌ ... لليلى إذا ما الصيفُ ألقى المراسيا

فما لشهور الصيف أمست قد انقضت ... وهذي النوى ترمي بليلي المراميا وقال الآخر: هذي الأراملُ قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر وأنشدنا أبو العباس: خليلي هذي زفرة اليوم قد مضت ... فمن لغدٍ من زفرةٍ قد أظلت ومن زفرات لو قصدن قتلنني ... تقص التي تبقى التي قد تولت فمن قال: هذي قامتْ قال: استوثقنا من كسرة الذال كما استوثقنا من فتحة الذال في (هذا) بالألف.

والذين قالوا: هذه قامتْ قالوا: الهاء أثبتُ في الدعامةِ من الياء؛ لأن الياء تسقطُ في الوقفِ، والهاء لا تسقط. والذين قالوا: هاذِ قامتْ توهموا أن (ها) مع الذال حرفٌ واحد، فلم يأتوا بهاءٍ، ولا ياء بعد الذال لهذا المعنى، وقال هشام: زعم الكسائي أن بعض العرب يقول: هاذِيْ الشجرةُ. ومن قال: ذِهْ قامتْ، وذِيْ قامتْ لم يجز له أن يكسر الذال، ولا يأتي بهاءٍ، ولا ياءٍ؛ لأن الاسم لا يبقى على حرفٍ واحد. ومن قال: هاتا قامتْ بني الواحد على التثنية، وهي لغةُ طيءُ. قال حاتم بن عبد الله الطائي: إن كنت كارهةً لعيشتنا ... هاتا فحلي في بني بدر الضاربين لدى أعنتهم ... والطاعنين وخيلهم تجري وقال الآخر: فإن داركم هاتا ستلفظكمْ ... وبعدها لكم دارٌ ومنتقلُ وأنشد هشام: خليلي لولا ساكن الدار لم أقمْ ... بتا الدار إلا عابر ابن سبيل * * *

وأما التاءُ التي تكون علامة التأنيثِ في الفعل فهي التي كون في أول المستقبل دالةً على الاستقبال رافعةً له؛ كقولك: تقومُ هندٌ، وتقعدُ جملٌ، وتكون في آخر الماضي ساكنةً؛ كقولك: قامتْ هندٌ، وقعدت جُمْلٌ. قال الفراء: إنما سكنتْ لكثرةِ الحركات: وذلك أنك تقولُ: قعدتْ، فتجدُ القاف متحركةً، والعين متحركةً، والدال متحركةً؛ فكرهوا أنْ يحركوا التاء، فيجمعوا بين أربعٍ حركاتٍ، والألف التي في قامتْ بمنزلة العين في قعدتْ؛ لأنها منقلبةً من الواو في قوُمت أو قوَمت، فهي بمنزلة حرفٍ متحرك، وكذلك مدتْ سكنوا التاء فيه؛ لكثرةِ الحركات؛ لأن الأصل في مدتْ: مددَتْ، وقال الكسائي: إنما سكنوا التاء في قعدتْ، وقامتْ، وفي آخر كل فعلٍ ماض؛ لأنه لم يبق لها شيءُ من الحركات؛ وذلك أن الضمة لتاء المتكلم؛ كقولك: قمتُ، وقعدتُ، وجلستُ، والفتحة لتاء المخاطب؛ كقولك: قمتَ، وقعدتَ، وجلستَ. والكسرة لتاء المخاطبة كقولك قمتِ، وقعدتِ، وجلستِ فلما فُرِّقَتْ هذه الحركاتُ على هذه الثلاثِ

التاءات بقيتْ تاءُ الأنثى الغائبة لاحظ لها في الحركات، وكرهوا أنْ يفتحوها فتلتبسَ بتاء المخاطب، وأنْ يَضُمّوها فتلتبس بتاء المتكلم، وأنْ يكسروها فتلتبس بتاء المخاطبة. وإذا لقيها حرفٌ ساكنٌ كُسِرَتْ؛ كقولك: قامتِ الهندان. كسرت التاء؛ لاجتماع الساكنين. قال الله عز وجل: (قالتِ امرأةُ العزيزِ) فالتاءُ مكسورةٌ لاجتماع الساكنين.

وتقول في جمع القلةِ: قام الهنداتُ، وفي جمع الكثرة: قامت الهنودُ، فتذكرُ الفِعْلَ إذا أردت القلة، وتؤنثه إذا أردت الكثرة. سمعت أبا العباس يقول: إنما خصوا فعل الجمع القليل بالتذكير، وفِعْلَ الجمع الكثير بالتأنيث؛ لأن القليل قبل الكثير؛ كما أن المذكر قبل المؤنث، فجعلوا للقليل التذكير؛ لأنه يشاكله، وجعلوا للكثير التأنيث؛ لأنه يُشاكله. * * *

والياءُ تكون علامة التأنيث في المستقبل للمخاطبة؛ كقولك: أنتِ تضربين يا امرأة. أنت مرفوع بما في تضربين من ذكره. * * * والنونُ علامةُ الرفع؛ لأنه تسقطُ في النصب، والجزْم؛ كقولك: أنتِ لن تضربي، ولم تضربي، واضربي فلاناً يا هند. الياءُ علامة

التأنيث، والنون سقطت للجزم؛ لأن الأمر مبنيٌّ على الاستقبال والنون علامة التأنيث في فِعْل الجميع من المؤنث؛ كقولك: هنَّ يقمن، وأنتن تقمن. في النون ثلاثُ علامات: علامةُ الرفع، وعلامةُ الجمع، وعلامةُ التأنيثِ، وهي ثابتةٌ في النصب، والجزم. تقولك هن يقمن، أنتن تقمن. ففي النون ثلاث علامات، فلم تسقطْ في النصب والجزم؛ لأنها علامةُ الإضمار، وعلامةُ الإضمار لا تسقط؛ لأنها لو سقطتْ لاشتبه فعلُ جميع المؤنث بفعلِ الواحد المذكر. ألا ترى أنهم لو أسقطوا النون، فقالوا: هن لم يقُمْ لكان ملتبساً بقولك: زيد لم يقُمْ. * * * وكسرةُ التأنيثِ في قولك: قُمْتِ، وقعَدْتِ، وأنتِ ضربتِه، وشتَمْتِه من العرب من يصلها بالياء. قال سيبويه: حدثني الخليل: أن ناساً يقولون: ضربتيه، فيلحقون الياء. قال: وهي قليلة فافهم ما وصفتُ لك، وقِسْ عليه إن شاء الله.

باب ما يذكر، ويؤنث باتفاق من لفظه، واختلاف من معناه

باب ما يُذكَّرُ، ويؤنثُ باتفاق من لفظه، واختلاف من معناه. من ذلك "الأرضُ" على خمسة أوجه: "الأرْضُ" التي نحن عليها مؤنثة. قال الشاعر: والأرضُ معقلنا وكانت أمنا ... فيها مقابرنا وفيها نولدُ وقال: والأرضُ نوخها الإله طروقةً ... للماء حتى كل زندٍ مسفدُ

قال الأصمعي: سألت عيسى بن عمر عن هذا البيت، فقال: لا أعرفه، وقد سألتُ عنه، فلم أجدْ أحداً يعرفه، وقال غيرهما: معنى البيت: أن الله تعالى جعل الأرض كالأنثى للماء، وجعل الماء كالذكر للأرض، فإذا أمطرتْ أنبتتْ، ثم قال: وهكذا كلُّ شيءٍ حتى الزنودِ: فإن أعلى الزندين ذكرٌ، والأسفلُ أنثى، والنارُ لهما كالولدِ. ومسفد معناه: مُنْكَح، ومعنى نوخها: ذللها. وقال الشاعر أيضاً يعني الأرض المؤنثة: منها خُلقنا وكانت أمنا خُلِقتْ ... ونحنُ أبناؤها لو أننا شكرُ هي القرارُ فما نبغي بها بدلاً ... ما أرحم الأرض إلا أننا كُفُر ويقال في جمع الأرض: أرضون، ويجوز في القياس أرضاتٌ،

ولم يُسْمَعْ، وقال أبو زيد: سمعت العرب تقول في جمع الأرضِ: آراضٌ وأرُوضٌ، و"الأرْضُ" مِنَ الدابة مؤنثٌن وهو ما ولي الأرض من الحافر. قال حُمَيد الأرْقَط:

ولم يُقلبْ أرضها البيطارُ ... ولا لحبليه بها حبارُ الحبارُ: الأثر، وقال العجاج: ينحتُ منْ أقطاره بفأس ... من أرضه إلى مقيل الحلس ويقال: ما أشد أرض هذا البعير أو الدابة، إذا اشتدت قوائمهُ. و"الأرْضُ": الرِّعْدَة، مؤنثةٌ. يقال: عرضت لفلان أرْضٌ

شديدةٌ، يعني بذلك الرعدة إذا أخذته. يُرْوَى عن ابن عباس أنه قال: أزُلْزِلَتْ الأرْضُ أم بي أرْضٌ، يريد أم بي رِعْدَة. "والأرْضُ": الزُّكْمَةُ، مؤنَّثةٌ. يقال: بفلان أرْضٌ شديدةٌ من الزُّكَام. و"الأرْضُ": مصدر المَارُوضِ، مُذكرٌ. يقال: أرِض الشيءُ يأرَض أرضا، إذا أكلته الأرَضَةُ، ويقال: أرِضَ أرْضا قبيحاً، وأرْضاً شديدا، إذا أكَلَتْهُ الأرَضَةُ. قال الله تعالى: (إلا دابةُ الأرْضِ تأكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ففي الأرْضِ في الآية وجهان: يجوز أن تكون الأرْض

التي يُجلس عليها، ويجوز أنْ تكون مصدر أرِضَ، وحدثنا عُبيد الله ابن عبد الرحمن بن واقد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس ابن الفَضْلِ الأنصاري أنَّ بَعْضَ القراءِ قرأ: (إلا دابةُ الأرض تأكل) بفتح الراء، فإنْ صحتْ هذه القراءة فالأرضُ بمنزلة الأرضة، والأرَضَةُ: جمعُ الآرِضِ. يُقال: آرِضٌ وأرَضَةٌ؛ كما يقال: كاملٌ وكملةٌ، وكافرٌ وكفرةٌ، وآكِلٌ وأكَلَةٌ. و"الأرَضُ" أيضاً على رواية العباس بن الفضل جمع الآرِض.

يقال: آرِضٌ وأرَضٌ"؛ كما يقال: غائبٌ وغيبٌ، وحافِدٌ وحَفَدٌ. والحافد: الخادم. قال الشاعر: فلوْ أن نفسي طاوعتني لأصبحتْ ... لها حفدٌ مما يُعد كثيرُ ويقال: خادِمٌ وخدَمٌ، وقاعِدٌ وقَعَدٌ. قال الفراءُ: القَعَدُ: الخوارجُ. وأخبرني أبي عن الرُّسْتُمِي عن يعقوب قال: يقال: أرِضَتْ الخشَبةُ تُؤْرَضُ فهي مأرُوضَةٌ أرضاً، إذا وقعتْ الأرضةُ فيها، ويقال: أرضَتْ القُرَحَةُ تأرَضُ أرضاً، محرك الراء إذا تمشت ومجِلتْ. ومعنى تمشت: اتسعت، ومجِلَتْ: خَشُنَتْ. * * * و"الشَّمْسُ" على معنيين: الشمسُ الطالعةُ مؤنثةٌ أنشدنا أبو العباس: الشمسُ كاسفةٌ ليستْ بطالعةٍ ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا

و"الشمس": ضرب من الحَلْيِ مُذَكَّرٌ. والعرقُ على خمسةِ أوجه: "العَرَق" عَرَقُ الإنسانِ والدابةِ، وهو الذي يَخْرج من جلده: مُذكَّرٌ. والعرَق: الْمِكْتَل العظيم: مذكر. والعرَقُ: الثواب: مذكر.

قال الشاعر: ألم تعلمْ مكان النونِ مني ... وما أعطيته عرق الخِلالِ النونُ: سيفٌ. وعرَقُ الخِلالِ: ثواب الخِلال. والخِلال: جمْعُ خُلَّة. و"العَرَقُ": الطُّرَرُ التي تُشدُّ على أكِفَّةِ بُيوتِ العربِ، والفساطيطِ مؤنثة، وهي جمعٌ واحدتها: عرقَةٌ، ويجوز تذكيرها؛ لأن الجَمْعَ الذي بينه وبين واحده الهاء يجوز فيه التذكيرُ والتأنيثُ.

و"العَرَقُ": سُطور تَمُرُّ من طَيْرٍ، أو خَيْل إذا مرّتْ مُتَقَطِّعةً، مؤنثةٌ، وهي جمعٌ واحدتُها: عرقةٌ، ويجوز تذكيرها على ما مضى من التفسير. وفي العَرَقِ وجهٌ سادسٌ، وهو تغيرُ الريحُ، مذكر. يقال: أتانا بلبنٍ قد عَرِقَ، إذا تغيرت ريحُه، ويقال: قد عَرِقَ سِقاؤك. * * * و"العَيْنُ" على ثلاثة عشر وجهاً: "العين": عينُ الإنسانِ، مؤنثة. قال امرؤ القيس: وعينٌ لها حدرةٌ بدرةٌ ... شُقتْ مآقيهما من أُخُرْ

ويقال في جمعها: أعْيُن وعُيُون؛ كما يقال: بَحْر وأبْحُرُ وبُحور قال جرير: إن العيون التي في طرفها مرضٌ ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعفُ خلقِ الله إذ كانا وقال الآخر: وتذكرتْ نفسي زما ... نا منْ مباهيج ملاحٍ صيدٌ لألباب الرجا ... لِ بأعينٍ مرضى صحاحِ ويقال في جمع العينِ: أعيانٌ، وأنشد يعقوبُ بن السكيت: إما ترى شمطاً في الرأس لاح به ... من بعدِ أسودَ داجي اللونِ فينانِ

فقد أروعُ قلوبَ الغانيات به ... حتى يملن بأجياد وأعيان وإذا نسبت إلى أضخمِ العينينِ قلت: رجلٌ أعينُ، وامرأةٌ عيناءُ، ويُقال في الجمع: عِيْنٌ. "والعَيْن" عينُ البئرِ، وهو مخرجُ مائها، مؤنثة. والعيْنُ: من قولهم: قد أصابته عينٌ شديدة، مؤنثة. وعينُ السحابِ: مطرُ أيام لا تُقْلِعُ. يقال: أصابتنا عينٌ منكرةٌ. قال الشاعر، وهو الراعي: وأناءُ حي تحتَ عينٍ مطيرةٍ ... عظام البيوتِ ينزلون الروابيا

الأنْآءُ: جمعُ نؤيٍ، وهي حفيرةٌ تُحْفَر حوْلَ الخيمة لئلا يدخلها المطرُ، ومعنى البيت: أن نيرانهم لا تخفى. يريد أن الأضياف يأتونهم. و"العَيْنُ": ناحية القِبْلة. العربُ تقول: مُطِرْنا بالعَيْنِ ومِنَ العَيْنِ، إذا كان السحابُ ناشئاً من ناحيةِ القِبْلَةِ، ويقال: بل الْعَيْنُ ما عن يمينِ قبلةِ العراق. قال العجاج: سارٍ سرى من قبل العينِ فجرْ ... عيط السحابِ والمرابيع الكُبَرْ العِيْطُ: السحائب الطوالِ الأعناقِ، والمرابيع: التي يجيءُ مطرها في أولِ الربيع. و"العَيْنُ" عينُ الميزان، مؤنثة.

و"الْعَيْنُ" النقد من الدنانير أو دراهم ليس بعرض، مؤنثة. و"الْعَيْنُ" القناة التي تُعْمَلُ حتى يظهر ماؤها، مؤنثة. والْعَيْنُ الفوارة التي تفور من غير عمل، مؤنثة. و"الْعَيْنُ" نَفْسُ الشيء، من قولهم: لا آخذ إلا درهمي بعينِهِ، أي لا أقبل منه بدلاً، وهو قولُ العربِ: لا تَتْبَعْ أثراً بعد عين، مؤنثة.

و"الْعَيْنُ" من قولهم: يأتيك بالأمرِ من عين صافية، مؤنثة، أي يأتيك به من فَصِّه - الفاء مفتوحة- وكذلك فَصُّ الخَاتِم، وقال السجستاني: زعم أبو زيد أنّ الكسر لغة في فص الخاتم. قال: وكذلك كان يقول في حَجْرِ المرأة: إنه قد يقال: حِجْر بالكسر. و"الْعَيْنُ" عينُ الرُّكْبَة، وهي النُّقْرة التي مِنْ عن يمينِ الرضْفة، وشمالها مؤنثة، قال ثابت بن عمرو: الرَّضْفَة: العَظْمُ الذي أطبق على رأسِ الركبة يغطي ملتقى الفخذ والساق. و"الْعَيْنُ" عينُ الجيشِ الذي ينظر لهم مذكر، ويُقال: رجلٌ

عيونٌ، إذا كان شديد العين، ويُقالُ في الجمع: قومٌ عينٌ؛ كما يقال طائر صيُودٌ، وطيرٌ صُيُد، ودجاجةٌ بيوضٌ، ودجاج بيضٌ. قال الراعي: وفي الخيام إذا ألقتْ مراسيها ... حورُ العيونِ لإخوانِ الصباصُيُدُ * * * و"القَدَم" على ثلاثة أوْجُه: "الْقَدَمُ" الشجاع مُذَكَّرٌ. قال أبو زيد: يقال: رجلٌ قدَمٌ، إذا كان شجاعاً، والقدَمُ: التقدَّمُ مُذكَّرٌ. كان علي بن أبي طالب - عليه السلام - يقول في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم ومدْحِهِ والصلاةِ

عليه: كما حُمِّلَ فاضْطَلَع بأمرِكَ لطاعتك مُسْتَوْفِزَا في مَرْضَاتِكَ لغيرِ نكلٍ في قدم، ولا وهيٍ في عزمٍ. فالقدم هاهنا التقدُّم. و"قَدَمُ" الإنسان، مؤنثةٌ. وفي القدم وجهٌ رابع، وهو السابقةُ والعملُ الصالح، مؤنثة. قال الله تعالى: (أن لهم قدم صدقٍ عند ربهم). وقال حسانُ - رحمه الله-: لنا القدمُ الأولى إليك وخلفُنا ... لأولنا في ملةِ الله تابعُ * * *

و"الرجْل" على أربعةِ أوجهٍ: رجلُ الإنسان والدابة، مؤنثةٌ. قال كُثير: فكنتُ كذي رجلين: لجلٍ صحيحةٍ .... ورجلٍ رمى فيها الزمانُ فشلتِ

يروى: رِجْلٍ صحيحةٍ، ورِجْلٌ صحيحةٌ بالخفض والرفع، فمنْ خفضها ردها مع الرجلِ التي بعْدها على الرجلين المخفوضين، ومن رفعها أضمر: إحداهما رجلٌ صحيحةٌ، والأخرى رِجْلٌ رمى فيها الزمانُ. وقال أبو جعفر أحمد بن عبيد يقال: أتَتْهُ بأولادٍ على رِجْلٍ واحدةٍ، وشأنٍ واحدٍ، إذا كانوا يُشبِهُ بعضهم بعضا، فالرجْلُ من هذا الوجْهِ مؤنثةٌ. و"الرِّجْلُ" من قولهم: كان ذلك على رِجْل فلان، أي على يده، مؤنثة.

يُروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا أعْلَمُ نبياً هلك على رِجْلِه من الجبابرة ما هلك على رِجْلِ مُوسى، ويُقال معناه: ما هلك على عهدِ مُوسى. و"الرِّجْل" من الجراد: القَطيعُ منه العظيمُ، مذكر. يقالُ: رأيت رِجْلا عظيماً من الجراد، أي قطيعاً منه وهو بمنزلة السربِ. قال أبو نصرٍ: يُقالُ: مر بي سِرْبٌ من قطّا أو من ظِباءٍ، ووحْشٍ، ونساءٍ، أي قطيعٌ منه، قال رجل من بني يربوع: قد نزلتْ بساحةِ ابن واصلِ ... خرقةُ رجلٍ من جرادٍ نازِلِ

والْخِرْقَةُ: القِطْعَةُ من الْجَرَادِ، وأخبرنا أبو العباس قال: يقال للجماعة من النساء سِرْبٌ ومن الظباء (إجْلٌ)، ومن النعام (خِيْط)، ومن البقر (صِوارٌ) ومن الحمير (عانةٌ)، ومن الإبل (صِرْمة). قال ابن الزبير لمعاوية في كلام جرى بينهما: إذا واللهِ نُطْلِقَ عِقَالَ الْحَرْبِ بكتائب تمورُ كرِجْلِ الجرادِ، وقال أبو إسحاق: سُئِلَ البراءُ بن عازبٍ عن يوم حُنينٍ، فقال: انطلق جُفاءٌ من الناس وحُسَّرٌ إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رُماةٌ، فرمَوْهم برِشْقٍ من نبْلٍ كأنها رِجْلُ جرادٍ، فانكشفوا. وقال السجستاني: الرجْلُ من كل شيءٍ، مؤنثة، وقال: الرجْل من الجراد مؤنثة، ولم يَحْكِ تأنيثَ رِجْلِ الجراد عن أحد، إنما قاله بالقياس، والرأي والقياس يُوجِبُ تذكيره؛ لأنه بمنزلة السربْ. * * *

و"الناب" على وجهين: النابُ من الأسنان مُذَكَّر. و"النَّابُ" الْمُسِنَّةُ من الإبل مؤنثة، وجمعها نِيْبٌ، وجمع الناب من الأسنان أنيابٌ. قالت امرأة من العرب ترثي بنين لها:

قد كنتُ قبلَ مناياهم بمغبطةٍ ... فصرتُ مفردةً كبيضة البلدِ لا أفتأ الدهر أبكيهم بأربعةٍ ... ما اجترْت النيبُ أوحنتْ إلى بلدِ وفي النابِ وجهٌ ثالثٌ، وهو سيد القوم. يُقال: فلانٌ نابُ بني فلان. قال عبد الملك بن مروان لبنيه في وصيته: انظروا إلى مسلمة، فاصدروا عن رأيه؛ فإنه مجنُّكم الذي به تجنُون، ونابُكم الذي عنه تفترُونَ، وقال جميلٌ: رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغُر من أنيابها بالقوادح

معناه: وفي سادات قومِها، ومعنى (رمى الله عينيها بالقذى): التعجبُ من حُسْنها. * * * و"الْعَصْرُ" على ثلاثة أوجه: العَصْر: مصدر عصرت الثوب عصرا، مذكر، والعَصْر: الدهْرُ مُذكَّرٌ، وفيه لغتان: عَصْر، وعُصُر. قال الحارث بن حلزة: آنستْ نبأةً، وأفزعها القُنَّـ ... ـاصُ عصراً وقدْ دنا الإمساءُ وقال امرؤ القيس:

ألا أنعمْ صباحاً أيها الطللُ البالي ... وهل ينعمن من كان في العصر الخالي و"العَصْر" صلاةُ العصرِ، مؤنثة. يقال: العَصْر فاتتني على معنى: الصلاةُ فاتَتْنِي. * * *

"والكُراع" على وجهين: الكُراع من الإنسان والداية، مؤنثة، وبعضُ العرب يُذكرها. "والكُراع" من الحرة ما سال منها فتقدم، مؤنثة. قال الأنصاري: أضحتْ كُرَاعُ الغميم موحشةً ... بعد الذي قد مضى من الحِقَبِ وقال الآخر: فظلتْ تكوسُ على أكرعٍ ... ثلاث وكان لها أربعُ وكذلك "الكُراعُ" من السلاح مؤنثة. * * *

و"العَجْز" على ثلاثة أوجه: من قولك عجَزت عن الشيء أعْجز عجْزاً، مذكرٌ. أخبرنا أبو العباس أن العرب تقول: عجَزْت عن الشيء، بفتح الجيم أعْجِز، بكسر الجيم، وقال: سألت ابن الأعرابي، فقلت له: أيُقالُ: عجِزت عن الشيء، فقال: لا. إنما يقال ذلك في الرجل إذا عَظُمَتْ عجِيزتُه، ولم يَحْكِ لنا أبو العباس كسر الجيم. وحدثنا عُبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس بن الفضل قال: حدثنا عبد الجبار بن نافع الضبي عن الحسن

ابن عمران ونبيح وأبي واقد والجراح الشآمين أنهم قرءوا (أعجِزت) بكسر الجيم. و"العَجُزَ" عَجُز الإنسانِ، مؤنثة، وفيها أربعُ لغاتٍ: عجُز،

وعَجْز، وعُجُز، وعُجْز ويُقال في جمْع العَجُوز: عُجُز، وعُجْز - بضم الجيم وتسكينها، وعجائز، ويُقال: هي عَجِيزةُ المرأةِ. قال الأصمعي: لا يقالُ للرجلِ إلا على التشبيه، ويقال: عُقابٌ عجزآءُ، أي في مؤخرها بياض، أو لَوْنٌ مخالِفٌ للونِ جميعها. قال الأعشى: وكأنما تبع الصوارُ بشخصها ... عجزاءُ ترزقُ بالسلى عيالها ويقال لقبائل من هوازن: عجُز هوازِنَ، ويجوز فيه من الوجوه ما جاز في عجُزِ الإنسان، وهي مؤنثة. * * * و"الْمَتْنُ" على ثلاثةِ أوجهٍ: الْمَتْنُ: الرجل الجَلِيدُ، مذكرٌ. يقال: فلان مَتْنٌ من الرجال. والْمَتْنُ: المستطيل من الأرض الغليظة مذكر.

والْمَتْنُ: مَتْنُ الظهرِ من الإنسان مُذكرٌ، وقد يؤنث. أخبرنا بذلك أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وأنشدنا عنه في التذكير: لها شظا لا عيب فيه من شظا ... رُكب للجري ومتن ريانْ وقال الفراء: قد يُدخِلُون فيه الهاء، فيقولون: مَتْنة، وأنشد في تأنيثها بإدخال الهاء: لها متنتانِ خظاتَا كمَا ... أكب على ساعديه النمرْ

وقال لنا أبو العباس: في خظاتا وجهان: أحدهما: أن يكون أراد خظاتان؛ كما قال الآخر: ومتنتان خظاتانِ ... كزحْلُوفٍ من الهضبِ فحذف نون الإثنين؛ كما قال الأخطل: أبني كُليبٍ إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلالا

والوجهُ الآخرُ: أنْ يكون أراد خظتا، فرد الألف؛ كما قالوا: المرأتان قضتا وقضاتا، وأنكر السجساني أن تكون النون حذفت من خظاتا، وقال: نون الاثنين لا تحذف. قال: وإنما حُذِفَتْ النونُ من اللذا لمَّا كان اسماً ناقصاً موصولاً، فطال الاسم فحذف. وهذا غلطٌ؛ لأن الاسم إذا طال لم يُحْذَفْ منه شيءٌ، وقد حذفت النون من تثنية غير الذي في الشعر عند الضرورة. قال أبو شنبل الأعرابي وكان من الفصحاء: لنا أعنزٌ لبنٌ ثلاثٌ فبعضها ... لأولادها ثنتا وفي بيتنا عنزُ أراد ثنتان فحذف النون. ومعنى (خظاتا): عَظُمَتا. والشظَا: عُظيم لاصقٌ بالذراع.

ويقال: مَتَنْتُ الرجل مَتْنا، إذا أصبتَ متْنَه. * * * و"العاتِقُ" على ثلاثة أوْجُه: المرأةُ العاتِقُ، مؤنثة لا تدخلها الهاء؛ لأنها بمنزلة حائض، وطالق. والعاتِق من الحَمَام: ما لم يُسَنَّ ويَسْتَحْكِمْ: مُذكَّرٌ. يقال: طائر عاتق، إذا كان كذلك. والعاتِقُ من الإنسان: قال السجستاني: هو مذكر، وأنكر التأنيث، وهذا خطأ منه: لأن العباس أخبرنا عن سلمة عن الفراء أن العاتق يذكر ويؤنث. وأنشدنا عن سلمة عنه في التأنيث:

لا صُلْحَ بيني - فاعلمُوهُ - ولا ... بينكم ما حملتْ عاتِقِي سيفي وما كنا بنجد وما ... قرقر قُمْرُ الوادي بالشاهِقِ * * * "والأذُنُ" على وجهين: أذُنُ الإنسان، مؤنثةٌ، وفيها لغتان: أذُنٌ - بضم الذال - وأذْنٌ بتسكين الذال، ويقال: ثلاث آذان. قال أبو ثروان في أحجية: ما ذُو ثلاثِ آذان ... يسبقُ الخيل بالردَيانْ يعني السَّهْم، وآذانه: قُذَذُه. والرَّدَيانُ: جَرْىُ الْفَرسِ بَيْنَ مَتَمَعَّكِهِ وآرِيِّهِ.

"والأذن" والأذُن للرجل الذي يُصَدِّق بما يسمع: مذكر. و"الأذُنُ" في الحقيقة، مؤنثة، وإنما يُذْهَبُ بالتذكير إلى معنى الرجُلِ، وكذلك الْعَيْنُ. وأذُنُ القوم بمنزلة عَيْنِ القوم يذكر على معْنَى الرجُلِ. أنشدنا أبو العباس: خيرُ إخوانِكَ الشرِيكُ في الْمُرِّ ... وأينَ الشريكُ في الْمُرِّ أينا الذي إنْ شَهِدْتَ زانك في الحي ... وإن غِبْتَ كان أُذْنا وعيْنا * * *

و"المِسْكُ" مذكرٌ. يقال: مِسْك فائقٌ، والمِسْكُ: رائِحَةُ المِسْكِ مؤنثةٌ. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:

لقد عاجلتني بالسبابِ وثوبُها ... جديدٌ ومنْ أثوابِها المِسْكُ تنفَحُ على معنى رائحةِ المسك. هذا قول الفراء، وقال غير الفراء: المِسْكُ، والعَنْبَرُ يُذكران ويؤنثان. يقال: هو المِسْكُ وهي المِسْكُ، وهو العَنْبَرُ وهي العَنْبِرُ، وأنشد في التذكير للزبير بن عبد المطلب:

فإنا قدْ خُلِقْنا مُذْ خُلِقْنَا ... لنا الجيراتُ والمسكُ الفتيتُ وأنشد في تذكير العنبر للأعشى: إذا تقوم يضوعُ المسكُ آونةً ... والعنبرُ الوردُ من أردانِها شَمِلُ وأنشدنا أبو العباس في التذكير أيضاًك وألينُ مِنْ الرُّخاماتِ يلتقِي ... بمارِنِه الجادي والعنْبَرُ الوَرْدُ

الجادي: الزعفران، وأنشد في التذكير أيضاً، وهو لأسماء ابن خارجة: أطيبُ الطيبِ طيبُ أم حُبينٍ ... فأرُ مسكٍ بعنبرٍ مفتوقُ عللتهُ بزنبقٍ وبيانٍ ... فهو أحوى على اليدين شريقُ وقال أبو هفان: أنشدني التوزيُّ عن الأصمعي: تنفحُ بالمسك ذفاريُّهُمْ ... وعنبرٌ يقطبهُ قاطبُ وقال أبو هفان: أنشدني التوزي لأعرابي في تأنيث المسك والعنبر عن أبي عبيدة: والمسكُ والعنبرُ خيرُ طيبْ ... آخذتان الثمن الرغيبْ * * *

و"القَمِيصُ" على وجهين: "القَميصُ" من الثياب مذكر. و"الْقَمِيصُ" الدِّرْعُ مؤنثةٌ. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء لجرير: يدعو هوازن والقميصُ مفاضةٌ ... فوق النطاق تُشد بالأزرارِ قال الفراء: هذا كما تقول: قميصي [جُبَّة] وردائي جبةٌ، وليس القميصُ والرداءُ مؤنثين. * * *

والبطن على وجهين: "الْبَطْن" من الإنسان ذكرٌ. يقال: ثلاثة أبْطُن، والكثيرة بُطون. و"الْبَطْن" من القبائل مؤنثة. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: فإن كلابأً هذه عشرُ أبطنٍ ... وأنت بريءٌ من قبائلها العشرِ ويقال: رجل بطينٌ، إذا كان عظيم البطن، ومُبَطَّنٌ، إذا كان ضامِرَ البطن، ومِبْطانٌ، إذا ملأ بطنه. قال متمم: لقد كفن المنهالُ تحت ردائهِ ... فتىً غير مبطانِ العشيات أرْوَعا

معناه: لا يملأ بطنه وقت العشي؛ لأنه الوقتُ الذي يشتغلُ فيه بالأضياف. * * * و"الضِّرْس" على وجهين: "الضِّرْسُ" المطَرُ من السحابة ليستْ بالواسعة، مُذَكَّرٌ. يقال: مررت على ضُروسٍ من مطرٍ: ضِرْسٌ بمكانِ، كذا، وضِرْس بمكان كذا. و"الضِّرْسُ" من الأسنان مذكرٌ. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: الأنياب، والأضراس كلها ذُكْرانٌ، وقال السجستاني: ربما أنثوه على معنى

السن، وأنكر الأصمعي تأنيثه قال: فأنشدناه قول دُكَيْن الراجز: ففُقِئَتْ عينٌ وطنتْ ضِرْسُ فقال: إنما هو: وطن الْضِّرْس. فلم يفهمه الذي سمعه. أخطأ سَمْعُه، ويقال: ثلاثةُ أضْراسٍ، ويلزم الذين أنثوه أن يقولوا: ثلاثُ أضْرَاسٍ. * * *

و"الرِّيحُ" على وجهينِ: "الريح" من الرياح مؤنثة، والريح: الأرَج والنَّشْر، وهما حركتا

الريح مذكر. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أنشدني بعض بني أسد: كم مِنْ جرابٍ عظيمٍ جئتَ تحملهُ ... ودُهنةٍ ريحُها يغطي على التفلِ

قال: أنشدنيه عدة من بني أسد كلهم [يقول] يغطي، فيُذكرُونَهُ على معنى النشر، ويجوز أنْ يكون ذكروه؛ إذ كانت الريح لا علامة فيها للتأنيث موجودة. و"الرِّيحُ" يقال في جمعها: أرْواحٌ، ورِيَاحٌ، وريحٌ. قال زهير: قف بالديار التي لمْ يعفها القدمُ ... بلى وغيرها الأرواحُ والديمُ وأنشد الفراء: كأنه لما تأيا وسبحْ ... أجدَلُ ضارٍ يوم طل وريحْ * * * و"الحَرَجُ" على خمسةِ أوجهٍ: "الحَرَجُ" الشكُّ مذكرٌ؛ كقوله عز وجل: " (ثم لا يجدوا في أنفسهمْ حرجاً مما قضيتَ)؛ أي شكا. قال كعبُ بن مالك:

فتكون عند المجرمين بزعمهمْ ... حرجاً ويفقهها ذوو الألبابِ وقال عمران بن حطان: وكذاك دينٌ غيرُ دينِ محمدٍ ... في أهله حرجٌ وضيقُ صدورِ و"الحَرَجُ": الضيقُ مُذكرٌ. قال الله تعالى: (فلا يكُنْ في صدْرِكَ حرجٌ مِنْهُ). معناه: لا يضيقنّ صدرُكَ بتكذيبهم. و"الحَرَجُ" سريرُ الميتِ الذي يُحمَلُ عليه مذكرٌ. قال عنترة:؟ يتبعن قلةَ رأسه وكأنه ... زوجٌ على حرجٍ لهن مخيم

هذه رواية الأصمعي، وقال: المعنى: يَتْبَعُ النعامُ الظليمَ، والزوْجُ: النمط. فيقول: كأنه نمطٌ بُنيٍ على مركبٍ من مراكب النساء. وقال الرُّستمي: الحرجُ أصله النعش يشبهون به المركب من مراكب النساء، وكان المفضل يروى بيت عنترة: وكأنه حِرْجٌ على نعشٍ لهن وكان الرُّستمي يرويه: وكأنه حرجٌ على نعشٍ و"الحَرَج": أن ينظُرَ الرجلُ فلا يستطيع أن يتحرك من مكانه من غيظٍ، أو فرَقٍ مُذكرٌ.

و"الحَرجُ": جَمْعُ حرجة، وهي الشجرةُ الملتفة. يجوز فيه التذكيرُ والتأنيثُ؛ لأنه من الجَمْع الذي بينه وبين واحده الهاء فافهم ما وصفت لك، وتدبره إن شاء الله.

باب ما يذكر من أسماء الأعياد والأيام والغدوات والعشيات ويؤنث منهن

باب ما يُذكرُ من أسماء الأعياد والأيام والغدوات والعشياتِ ويؤنثُ منهن فأوَّل ذلك "الفِطْر" مُذكر. يقال: الفِطْرُ حضرْتُه بمدينة كذا. "والأضْحَى" يُذكر ويؤنث. يقال: قد دنا لأضحى، وقد دنت الأضحى. قال الأصمعي: من ذكر ذهب إلى العيد، وقال الفراءُ: من ذكر ذهب إلى اليوم. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أنشدني المفضل:

رأيتكم بني الخذواء لما ... دنا الأضحى، وصللت اللحامُ توليتُمْ بودكم وقلتمْ ... لعك منك أقربُ أو جُذامُ

فهذا في التذكير، وأنشدنا عنه في التأنيث: ألا ليت شعري هل تعودن بعدها ... على الناس أضحى تجمع الناس أو فطرُ وقال أبو هفان: أنشدني التوزي في تأنيثه لأبي فرعون: قد جاءت الأضحى وما لي فلسُ ... وقدْ خشيتُ أن تسيل النفسُ وقال هشام بن معاوية: حكى الأصمعي أضحاة. قال: وسُمي الأضحى بجمع أضحاة، فأنث لهذا المعنى. جاء في الحديث: (على كل مسلمٍ عتيرةٌ وأضحاةٌ.

وقال هشامٌ: التأنيثُ في الأضحى أكثرُ من التذكير. قال: والضحيةُ يقال في جمعها: ضحايا، والأضحية يقال في جمعها: أضاحي. * * * واعلم أن السبت والأحد والخميس مُذكرةٌ، ولك فيها وجهان: إذا قصدْتَ قصْدَ الأيام ذكرتَ، فتقول: مضى السبتُ بما فيه، ومضى الأحدُ بما فيه، ومضى الخميسُ بما فيه، فتذكرُ؛ لأنك قصدتَ قصْدَ اليوم. المعنى: مضى اليومُ بما فيه. وإذا قصدْتَ قصد أيام الجمعة قلت: مضى السبتُ بما فيهن، على معنى: مضت الأيام بما فيهن، وكذلك: مضى الأحدُ بما فيهن ومضى الخميسُ بما فيهن، ولا يجوزُ أن تقول: مضى السبتُ بما فيها، وكذلك الأحدُ والخميسُ؛ لأنها أيامٌ مذكرةٌ. فإما ذهبت إلى اللفظِ،

فذكرت، وإما ذهبت إلى معنى أيام الجمعة فأنثت، وجمعت، وليس لك التأنيث من جهة لفظ ولا معنى. وأم الإثنان فإن فيه ثلاثة أوجه: التذكيرُ لمعناه لا للفظه أعني لمعنى اليوم، والتثنية للفظه، والجمعُ على معنى: أيام الجمعة. تقول: مضى الاثنان بما فيه، وفيهما، فويهن. فالتذكيرُ على معنى: مضى اليومُ بما فيه، والتثنية للفظ الاثنين، والجمع لمعنى الأيام. وأما الثلاثاء، والأربعاء، والجمعةن فإن للعرب فيهن ثلاثة مذاهب: أحدهن: أن يذهبوا إلى اللفظ، فيؤنثوا، والمذهب الثاني: أن يذهبوا إلى معنى اليوم، فيُذكروا، والمذهب الثالث: أن يذهبوا إلى معنى الأيام، فيجمعوا، فيقول: مضى الثلاثاء بما فيه على معنى: مضى اليوم بما فيه، ومضت الثلاثاء بما فيها على لفظ الثلاثاء، ومضت الثلاثاء بما فيهن على معنى: مضت الأيام بما فيهن، وكذلك: مضى الأربعاء بما فيه، وفيها، وفيهن، ومضت الجمعة بما فيه، وفيها، وفيهن. وقال الفراء: الخميس تختارُ العرب فيه التوحيد، والتذكير، والسبت والأحد بمنزلة الخميس.

وفي الأربعاء لغتان: أعلاهما: الأربعاءُ تكسر الباء - وحكى الأصمعي الأربعاء بفتح الباء. وفي الجمعة ثلاث لغاتٍ: أفصحهن: الجمعة بضم الجيم والميم، والجمعة بضم الجيم وتسكين الميم. حدثنا المروزي قال: أخبرنا أبو سعدان قال: حدثنا الحجاج عن حمزة عن الأعمش أنه قرأ (مِنْ يَوْم الجمعةِ) بتسكين الميم، وحكى الفراءُ: الجمعة بضم الجيم وفتح الميم. * * *

و"اليومُ" مذكرٌ؛ كقولك: يومُ الجمعةِ مباركٌ، ويومُ الخميس شريفٌ والأيامُ مؤنثةُ الغالبُ عليها التأنيث؛ كقولك: أيامٌ شريفةٌ عظيمةٌ، وربما ذُكِّرتْ على معنى: الحين والزمان. قال جميلُ: ألا ليت أيام الصفاء جديد ... ودهرٌ تولى يا بثين يعودُ فحمله على معنى: ألا ليت زمان الصفاء جديدٌ، والحملُ على المعاني كثيرٌ في كلامهم من ذلك قول الشاعر أنشدنيه أبي قال: أنشدنا ابن الجهم عن الفراء عن الكسائي: ألا هلك الشهاب المستنيرُ ... ومدرهُنا الكمي إذا نُغِيرُ وحمالُ المئين إذا ألمتْ ... بنا الحدثان والأنفُ النصورُ

حمله على معنى: إذا ألمت بنا الحوادث، وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عكرمة: رُزِئنا أبا زيدٍ ولا حي مثله ... فلله درُّ الحادثات بما وقعْ فإنْ تك قد خلفتنا وتركتنا ... على حالةٍ ما في المسد لها طمعْ فقد جر خيراً فقدنا لك أننا ... أمِنا على طولِ الرزايا من الجزعْ

فحمله على معنى: فلله در الحدثان بما وقع. ويجوز في بيت جميل: ألا ليت أيام الصفاء جديدُ على أن ترفع الصفاء بجديد. وجديداً به، وتُضيفُ الأيام إلى الجملة؛ كما تقول: قتل فلان أيام الحجاج أميرٌ، فتضيفُ الوقت إلى الجملة، وخبر (ليت) ما عاد من (يعود) على هذه الرواية الثانية، وعلى رواية الناس خبر (ليت) (جديد)، و (الدهر) منصوب بإضمار (ليت)، وخبرها ما عاد من يعود. * * * وأما أسماء الشهور فإنها مذكرة إلا جماديين فإنهما مؤنثتان. تقول: مضى رجبٌ بما فيه، ومضى الحرمُ بما فيه، ومضتْ جمادي بما فيه. قال الشاعر:

إذا جمادى منعتْ قطرها ... زان جنابي عطنٌ معصفُ فإنْ سمعتَ في شِعْر تذكير جماديين فإنما يُذهب به إلى معنى الشهر؛ كما قالوا: هذه ألف درهم، فقالوا: هذه على معنى الدراهم، ثم قالوا: ألفُ درهم. وأما "العَشِيَّةُ" فإنها مؤنثةٌ، وربما ذكرتها العربُ، فذهبت بها إلى معنى العَشِيِّ. أنشدنا ابن الجهم عن الفراء:

هنيئاً لسعدٍ ما اقتضى بعد وقعتي ... بناقةِ معدِ والعشيةُ باردُ فذكر (بارداً) حملاً على معنى: والعشيُّ باردٌ. وأما "الغداةُ" فمؤنثة لم يُسمع تذكيرها ولو حملها حاملٌ على معنى الوقت لجاز أن يُذكرها، ولم يُسمع فيها إلا التأنيث.

باب ما يكون للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد ومعناه في ذلك مختلف

باب ما يكون للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد ومعناه في ذلك مختلف من ذلك (المَنُونُ) يُذكرُ ويُؤنَّثُ، ويكون بمعنى الجمع، قال الأعشى: لعمرك ما طول هذا الزمن ... على المرء إلا عناء مُعَنْ

...................................................................................................

يظل رجيماً لريب المنون ... والقم في أهله والحزن قال الرستمي: رجيماً: نصبا، والمنونُ: الدهر، لأنه مضعفٌ مبلٍ، وسمعت أبا العباس يقول: حبلٌ منينُ، إذا كان ضعيفاً، أي قدْ ذهبتْ منته، ويقال: قد منه السفر، إذا أضعفه. قال: ذو الرمة: إذا الأروعُ المشبوب أضحى كأنه ... على الرَّحْل مما منه السير عاصدُ

أي لوى عنقه، فمن ذكر المنون ذهب به إلى معنى الدهر، ومن أنثه ذهب به إلى معنى المنية. قال الرستمي: قال الأصمعي: السنون: المنية، والسنون: الدهر قال: وأنشد الأصمعي: فقلتُ إن المنون فانطلقي ... تعدو فلا نستطيع ندرؤها تعدو: تَشُدُّ. يقال: عدا عليه الأسد، أي شد عليه، ويقال: ذِئب عاد، أي مغيرٌ، وقال الهذلي: أمن السنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتبٍ من يجزع

فأنث (المنونُ) على معنى المنية، وقال أبو العباس: رواه الأصمعي أمِنَ المنونِ وريبهِ تتوجعُ فذكر المنون على معنى الدهر، وأنشد الرستمي للفرزدق في التذكير: إن الرزية لا رزية مثلها ... في الناس موت محمدٍ ومحمد ملكان عُريتِ المنابرُ منهما ... أخذ المنون عليهما بالمرصد

فمعنى (أخذ المنون): أخذ الدهرُ، ومنْ جعل (المنُون) جمْعا ذهب إلى معنى المنايا. قال عدي بن زيد: من رأيت المنون عزين أم منْ ... ذا عليه مِنْ أن يُضام خفيرُ حمله على معنى: مَنْ رأيت المنايا عزين. * * * و"الفُلْكُ" يُذكر ويؤنث، ويكون جمعا. قال الله تعالى في

.............................................................................................

تذكيره: (في الفلك المشحون)، وقال عمران بن حطان: نجيت يا رب نوحاً واستجبت له ... في فلكٍ ماخرٍ في اليم مشحونا وعاش يدعو بآياتٍ وبينةٍ ... في قومه ألف عام غير خمسينا وقال جل ثناؤه في تأنيثها: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنورُ قلنا احملُ فيها من كل زوجين اثنين)، فأنث الفلك والمعنى أحملْ في الفلك، فكنى لما تقدم ذكره في قوله: (ويصنع الفلك)، وقال جل ثناؤه: (حتى إذا كنتمْ في الفُلْكِ وجرينَ بهمْ) فجمع (جَرَيْنَ)

وهو للفلك، ثم قال بعدُ: (جاءتْها رِيحٌ عاصِفٌ) فأنث. قال الفراء: يجوز أن تكون الهاء للفلك، ويجوز أن تكون الهاء للريح، أي جاءت الريح الطيبة ريحٌ عاصفٌ. فمن ذكر الفلك ذهب إلى معنى المركب ومنْ أنث ذهب إلى معنى السفينة، ومن جمع ذهب إلى معنى السُّفُن. * * * وقال محمد بن يزيد البصري: أما قولهم: طاغوت ففيه اختلاف:

قوم يقولون: هو واحد مؤنث، وقوم يقولون: هو اسم للجماعة. قال محمد بن يزيد: والأصوب عندي - والله أعلم- أنه جماعة،

وهو كل ما عُبِدَ من دون الله من إنس وجن وغيره من حجر وخشب، وما سوى ذلك. قال: فهذا بينٌ لا مُدافعةٌ له، ولا شك فيه. قال: والذين قولهم إنه يكون واحداً لم يدفعوا أنه يكون جماعة، وادعاؤهم أنه واحد يحتاج إلى ثبت. قلت: فهذا الذي قاله محمد بن يزيد يدلُّ على أنه لا يعرف حقيقة مَسْنَى التذكير في الطاغوت والتأنيث. والقول في هذا عندي - وبالله التوفيق - أنه إذا ذُكر ذُهِبَ به إلى معنى الشيطان، وإذا أنثَ ذُهِبَ به إلى معنى الآلهة، وإذا جمع ذُهِبَ به إلى معنى الأصنام، وقد نزل القرآن بالمذاهب الثلاثة: قال الله جل ثناؤه في التذكير: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) فذكر على معنى: أن يتحاكموا إلى الشيطان، ويقال: كعب بن أشرف هو الطاغوت، ويُحكى هذا القول عن مجاهدٍ، فهذا القول يحقق ما قلنا. وقال عز رجلٌ في التأنيث: (والذين اجتنبوا الطاغوت أنْ يعبدوها) على معنى: اجتنبوا الآلهة، وقال في الجمع: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)، فجمع على معنى: أولياؤهم الأصنامُ.

وفي الجبت والطاغوت ستةُ أقوال: قال عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه: الجِبْت: السِّحْرُ. والطاغوت: الشيطان. وقال سعيد بن جبير: الجبت: الشيطان. والطاغوت: السحر. وقال عكرمة: الجبتُ: الشيطان بلسان الحبشة، وقال الفراء: الجبت: حُييُّ بن أخطب، والطاغوت: كعبُ بن أشرف وقال أبو عبيدة: الجبت والطاغوت: كُل ما عُبِدَ من دون الله عز وجل. وقال قُطرب: الجبت عند العرب: الجِبْسُ، وهو الثقيل الذي لا خير عنده: قال الشاعر: لا تؤاخ الدهر جبساً راضعاً ... ملهبَ الشر قليل المنفعة قال: فالتاء في الجبت مبدلة من السين، كما قال الراجز: يا قبح الله بني السعلات ... عمرو بن يربوع شرار النات ليوا بأعفاف ولا أكيات

أراد: شرار الناس، ولا أكياس، فأبدل من السين تاء، وقال الشاعر في الجبت: فيا حنانُ يا منانُ حُطني ... من الجبتِ اللعين بما تشاء وقال في الطاغوت: وأنقذني من الطاغوت إني ... إليك نصبت يا نور السماء وحدثنا إدريس بن عبد الكريم قال: حدثنا عاصم بن علي قال: حدثنا جويرة بن بشير الهجيمي عن الحسن أنه كان يقرأ: (والذين كفروا أولياؤهم الطواغيت)، فلا ينبغي لأحد أن يقرأ بهذه القراءة؛ لأنها تخالف المصحف. والطاغوت يكون جمعا، فيستغنى عن جمعه.

باب ما يكون للمذكر، والمؤنث، والجمع باتفاق من لفظه ومعناه

باب ما يكون للمذكر، والمؤنث، والجمع باتفاقٍ مِنْ لفظهِ ومعناه من ذلك الصديقُ يكون مذكراً، ومؤنثاً، وجمعاً باتفاق من لفظه ومعناه؛ وذلك أنه لا يخرج عن معنى الصداقة؛ كما نُقِلَتْ (المنون) في حال تذكيرها إلى معنى الدهر. تقول: صديقُك قام، وقامتْ، وقاموا، ونقول: عبد الله صديقك، وهند صديقك. أنشد الفراء:

فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... فراقك لمْ أبخل وأنتِ صديقُ وقال الفراء: إنما وحد الشاعر الصديق؛ لأنه أراد: وأنتِ من الصديق على معنى: أن قومك أصدقاء، فوحد الصديق، كما قال الآخر: إن تميماً والدي وعمي وكما قال الآخر: فإن تصلوا ما قرب الله بيننا ... فإنكم أعمام أمي وخالها أراد: إنما أتم هم وخال، وذلك جائز، لأنه ليس بخالٍ لح، ولا عم لحٌّ قال: وأنشدني أبو الجراح: فأما أنت إلا شارف من صديقنا ... جُلبت لنا أو من عدو نُحاربه قال: ولو كان عما لَحَّا لم يجز؛ ألا ترى أنك لا تقول لأبوي الرجل: هما أبواه وعماه، وإذا ولدته القبيلة التي أبوه منها قال: تميم أعمامي وأخوالي، وتميم عمي وخالي، وقال الفراء في قول الشاعر: فلولا حُصينٌ عينهُ أن أمسوؤه ... وأن بني عمرو صديق ووالدُ

قال: معناه: منهم الصديق ومنهم الوالد. وقال الله جل ثناؤه: في الجمع: (أو صديقكمْ)، فمعناه: أو أصْدِقائكم، وقالت امرأة من العرب: تنح للعجوز عن طريقها ... إذ أقبلت جائيةً من سوقها دعها فما التحوى من صديقها فمعناه: من أصدقائها. ويجوز أن تؤنث الصديق، وتثنيه، وتجمعه، فتقول: صديقةٌ، وصديقان، وأصدقاءُ، وصديقون، وأصادق. أنشدنا أبو العباس: فلا زلن ديري ظُلعا لم حملنها ... إلى بلد ناءٍ فليل الأصادق؟ * * * و"الرسُولُ" يكون مُذكرا، ومؤنثاً، ومثنى، ومجموعاً. يقال: فلان رسولك، وهند رسولك، والرجلان رسولك، والرجال رسولك، والنساء رسولك.

قال الفراء: الرسول يكون للواحد، والاثنين، والجميع، والمؤنث بلفظ واحد وأنشد: ألكني إليها وخيرُ الرسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر أراد: وخير الرسل، فقام الرسول مقام الرسل. ويجوز أن يُثنى، ويجمع، ويؤنث، فيقال: رسولان، ورسل،

ورسوله. قال الله تعالى في موضع: (إنا رسولا ربك) فثنى، قوال في موضع آخر: (إنا رسول رب العالمين) فوحد على ما مضى من التفسير. وقال يونس بن حبيب وأبو عبيدة: من وحد الرسول ذهب به إلى معنى الرسالة، وقالا معنى الآية: إنا رسالة رب العالمين، واحتج يونس بقول الشاعر: فأبلغ أبا بكرٍ رسولاً سريعةً ... فما لك يا ابن الحضرمي وماليا قال: أراد: رسالة سريعةً، واحتج أيضاً يونس بقول الآخر: ألا من مبلغٌ عني خفافا ... رسولاً بيتُ أهلك منتهاها

فأنى ما وأيك كان شرا ... فقيد إلى المقامة لا يراها أراد: رسالة بيتُ أهلك منتهاها، واحتج أبو عبيدة في تأنيثه بقول كثير: لقد كذب الواشون ما بُحت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم برسول معناه: برسالة، وقال الفراء في قول الشاعر: لو كان في قلبي كقدر قلامةٍ ... فضلاً لغيرك قد أتاها أرسلي جمع الرسول على أفعل، وهو من علامات التأنيث؛ لأن الرسول من الرجل إلى المرأة إنما يكون امرأة، فجمعه على التأنيث لهذه العلة.

و"الضيف" يكون للذكر والأنثى والجمع بلفظ واحد. يقال: ضيفك محمدٌ، وضيفكُ المحمدان، وضيفك المحمدون، وضيفك هند، وضيفك الهندان، وضيفك الهندات، قال عبد قيس بن خفاف البرجمي: والضيف أكرمه؛ فإن مبيته ... حق ولا تك لعنةً للنزل وقال نابغة بني شيبان: وضيفك ما عمرت فلا تهنه ... وآثره وإن قل العشاء

وقال الله عز وجل: (هؤلاء ضيفي فلا تفضحون) وقال تعالى في موضع آخر: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) ويجوز أن تؤنث وتثنى، وتجمع، فتقول: ضيفةٌ، وضيفانِ، وأضيافٌ. قال الشاعر في التوحيد في موضع الجمع: فمن للضيف إذ جاءوا طروقاً ... وغلقتِ البيوت فلا هشاما وقال الآخر في التأنيث: لقد ولدته أمه وهي ضيقةٌ ... فجاءت بنز للنزالة أرشما

وقال الآخر في التثنية: وضيفان جاءا من بعيدٍ فقربا ... على فُرُش حتى اطمأنا كلاهما وقال متمم بن نويرة في الجمع: إذا ابتدر القوم القداح وأرقدتْ ... لهم نارُ أضيافٍ كفى من تضجعا * * * و"الطِّفْلُ" يكونُ مذكراً ومؤنثاً وجمعاً. قال الله تعالى: (أو

الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)، وقال في موضع آخر: (ثم يخرجكم طفلاً) ويجوز أن تثنيه، وتجمعه، وتؤنثه، فتقول: طفلان، وطفلةٌ، وأطفالٌ. * * * و"البُوْر" يكون للواحد، وللاثنين، والجميع، والمؤنث بلفظ واحدٍ. يقال: رجلٌ بورٌ، ورجلان بورٌ، وامرأةٌ بورٌ، ورجال بورٌ،

ونساءٌ بور، والبور: المالك قال ابن الزبعري للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول المليك إن لساني ... راتقٌ ما فتقت إذ أنا بورُ وقال الأنصاري: هم أوتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عُمي عن التوراة بور وقال أبو عبيدة: البُوْرُ: جمعٌ واحده: بائِرُ. هو على مثال قولهم:

ناقةٌ عائذٌ، ونوقٌ عُوْذٌ، وقال: يقال: رجلٌ بائرٌ، وبورٌ. قال عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه- النساء ثلاث: فهينةٌ لينةٌ عفيفةٌ مسلِمة تُعِينُ أهلها على العيش، ولا تعينُ العيش على أهلها. وأخرى وعاء للولد، وأخرى غُلُّ قَمِلٌ يضعه الله في عنق من يشاء، ويفكه عمن يشاء. والرجال ثلاثة: فرجلُ ذو رأيٍ وعقلٍ، ورجلُ إذا حزبه أمرٌ أنى ذا رأي فاستشاره، ورجلٌ حائرٌ بائرٌ لا يأتمرُ رشدا، ولا يطيع مرشدا. * * * و"الزوْد" و"العَوْد" يكونان للمذكر والمؤنث، والاثنين، والجميع بلفظٍ واحدٍ. يقال: زورُ فلان محمدٌ، وزوره المحمدان، وزوره المحمدون، وزوره هند، وزوره الهندانُ. وكذلك: عَوْدُه. قال جرير:

طاف الخيال وأين منك لماما ... فارجع لزورك بالسلام سلاما وقال أبو الجراح يمدح الكسائي: كريم على جنب الخوان وزوره ... يحيا بأهلا مرحبا ثم يجلس أبا حسن ما زرتكم منذ سنية ... من الدهر إلا والزجاجة تقلسُ السنيةُ: مِنْ أسماء الدهر. وتقلِسُ: تميل حتى تفيض. وفي "الزُّجاجةِ" ثلاث لغات: الزجاجة، والزجاجة، والزجاجة- بضم الزاي وفتحها وكسرها. قرأت العامة: (الزجاجةُ كأنها كوكبٌ) بضم الزاي. وأخبرنا محمد بن عيسى الهاشمي قال: حدثنا القطعي قال: حدثنا روح عن علي بن نصر عن أبي جميل عن مالك بن دينار عن نصر بن عاصم أنه كان يقرأ: (في زجاجةٍ الزجاجةُ) بفتح الزاي، وقال يعقوب بن السكيت: أنشدني ابن الأعرابي لبعض الرجازِ، ووصف صرائم من الرمل بيضا: كأنهن فتياتٌ زورُ ... أو بقراتٌ بينهن ثورُ * * *

و"كَرَمٌ" يكون للمذكر والمؤنث، والاثنين، والجميع بلفظٍ واحد. يقال: رجلٌ كرمٌ، وامرأةٌ كرمٌ، ورجال كرمٌ، ونساء كرمٌ، ورجلان كرمٌ، وامرأتان كرمٌ حكى ذلك الأصمعي، وأنشد يعقوب ابن السكيت: لقد زاد الحياة إلى طيبا ... بناتي إنهن من الضعاف مخافة أن يرين البؤس يعدي ... وأن يشربن رنقاً بعد صاف وأن يعرين إن كُسِيَ الجواري ... فتنبو العين عن كرمٍ عجافِ

وقال الأموي: عتيتم قومكم فخرا يأمكم .. أم - لعمري - حصان برةً كرمُ هي التي لا يوازي فضلها أحدُ ... بنت النبي وخير الناس قد علموا * * * و"الدَّنَفُ" بمنزلةِ الكرم. يقال: رجلٌ دنفٌ، وامرأةُ دنفُ، ورجالٌ دنفٌ، ونساء دنفٌ. قال الفراء: إنما تُرِكَ الدنفُ على توحيده؛ لأنه مصدرٌ، وكذلك: الزرْرُ، والعودُ مصدران في الأصلِ، وقال:

إنْ أتى الزور، والعوْدُ، والدنفُ مثنى ومجموعاً في الجميع أجزته فتقول: أخواك دنفانِ، وإخوتك أدنافُ؛ كقول الشاعر: يومين غيمين، ويوما شمساً ... نجمين بالسعد ونجما نحساً وقال العجاج: والشمس قدْ كادتْ تكون دنفا فلم يؤنثه، والشمس مؤنثةً على المذهب الأول، وكذلك: العدل، والرضى. تقول: رجلٌ عدلٌ ورضي، وامرأة عدل ورضى، ورجال عدلٌ ورضى، ونساء عدل ورضى. قال زهير:

متى يشتجر قوم يقل سرواتهمْ ... همو بيننا فهم رضى، وهم عدلُ ويجوز أن تثنى العدل، وتجمعه، فتقول: عدلان، وعدولٌ، أنشدنا أبو العباس: فك السرى عن الندى أغلاله ... فجرى وكان مكبلاً مغلولا وتعاقد العقد الوثيق وأشهدا ... من كل قوم مسلمين عدولا ووفى الندى لك بالذي عاهدته ... ووفى السرى فما يريد بديلا وأنشد يعقوب بن السكيت: طمعت بليلي أن تريع وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن ... شهود على ليلى عدول مقانع فجمع العدل والمقنع، والاختيار ألا يجمعا. العرب تقول: رجل منقعٌ، ورجال منقعٌ، وهند مقنعٌ، والهنداتُ مقنعٌ، إذا كانوا مقنع بهم. ويقال: رجلٌ قنعانٌ، ورجلان قنعانٌ، وامرأة قُنْعَانُ، ورجال

قنعانٌ، ونساءُ قنعانٌ، إذا كان يقنع بهم، وينتهى إلى رأيهم. قال الشاعر: فقلت له: يُؤْ يا مريءٍ لست مثله ... وإن كنت قنعانا ًلم يطلب الدحا وقال أبو عبيدة: يقالُ رجل منهاةٌ قُنعانٌ، وإذا كان يقنع يقول، ويُنتهي إلى رأيه. * * *

و"الحمْد" يكون للمذكر والمؤنث، والاثنين، والجميع بلفظٍ واحد. يقال: رجلُ حمْدٌ، وامرأةً حمدٌ، أي محمودة، ورجالٌ حمدٌ، ونساء حَمْدٌ، ومنزلٌ حمدٌ، ومنزلةٌ حمدٌ، وأنشدنا أبو العباس: سقى الله نجدا من ربيع وصيفٍ ... وماذا تُرجى من ربيع سقى نجداً بلى إنه قد كان للعيش مرةً ... وللبيض والفتيان منزلةً حمدا * * * ويقال: رجل خيارٌ، وامرأةٌ خيارٌ، ورجالٌ خيارٌ، ونساءُ خيارٌ. * * * ويقال: رجلٌ شرطٌ، وامرأةٌ شرطٌ، ورجالٌ شرطٌ، ونساء شرطٌ، إذا كانوا رُذالا. قال الكميت:

وجدت الناس غير ابني نزار ... ولم أذمهم شرطا ودونا * * * ويقال: رَجُلٌ قزمٌ، وامرأةٌ قزمٌ، ورجالٌ قزَمٌ، ونساء قزمٌ للئام الأنذال، وهو من المال القليل الجِسْم. وروى الأثرم عن أبي زيد أنه قال: يقال: ماء غَمْرٌ، ومياه غَمْرٌ. ويقال: رجلٌ نجسٌ، وامرأةٌ نجس، ورجالٌ نجس، ونساءُ نجس. قال الله تعالى: (إنما المشركون نجس).

فإذا أتوا برجسٍ كسروا النون، فقالوا: نِجْس رِجْسٌ، وقال الفراء: لا يكسرون النون في نجس إلا إذا أتوا به مع رجس. وحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس بن الفضل عن الضبي عن الحسن بن عمران ونبيح وأبي وافد والجراح الشامين أنهم قرؤا: (إنما المشركون نجس) فهذه القراءة خطأ عند الفراء، قوال يعقوب: هو بمنزلة قولهم: جاء بالطم والرم: كسروا الطاء لما جاءوا معه بالرم، فإذا أفردوه فتحوا الطاء، فقالوا: جاء بالطم، والطم: الماء الكثير وغيره. والرم: ما كان بالياً، نحو العظم وغيره. قال الشاعر:

والشيب إن تَعْرُ مني رمةً خلقا ... بعد الممات فإني كنت أنئرُ وقال الآخر: وهو جبر العظام وكن رما ... ومثل فعاله جبر الرميما وقال يعقوب: من كسر النون من نجس ثناه وجمعه. * * *

ويقال: رجلٌ جلدٌ، وامرأةٌ جلدٌ، ورجال جلدٌ ونساءٌ حلدٌ، وإبلٌ جلدٌ، قال الراعي: تواكلها الأزمان حتى أجأتها ... إلى جلد منها قليل الأسافل وقال أحمد بن عبيد: الإبل الجلد: التي لا ألبان لها، ولا أولاد. * * *

ويقال: رجلٌ فرطٌ، وامرأةٌ فرطٌ، ورجالٌ فرطٌ، ونساءٌ فرطٌ، وهم الذين يتقدمون الواردة إلى الماء، فهيئون الأرشية، والدلاء، ويستقون قبل ورود الإبل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا فرطكم على الحوض. والقرطُ: هو الفارِطُ إلا أن الفارط يُثنى، ويجمع، فيقال في تثنيته: فارطان، وفي جمعه: فُراط، قال القطامي: فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فُراطٌ لورادِ وقال الآخر: فأشار فارطُهم غطاطاً جثما ... أصواته كتراطُنِ الفرس

ومنه قولهم في الصلاة على الصبي الميت: اللهم اجعله لنا فرطاً. معناه: أجرا سابقاً، ومنه قول الله عز وجل: (لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون)، معناه: مقدمون إلى النار، معجلون إليها. * * * ويقال: حِمارُ مصري قلبٌ، وحماران مصريان قلبٌ، حمير مصرية قلب، فلا تثنى (قلبا)، ولا تجمعُه، ولا تؤنثه. * * *

وقال أبو عبيدة: يقال: لئيم قُحٌّ، وأعرابي قُحٌّ، وأعرابية قُحٌّ، المذكر، والمؤنث والاثنان والجمع فيه سواء. قال: وأظنهم أخذوها مِنْ أصبتُ قحاح الأمر، أي خالصه، وصار فلان إلى قحاح الأمر، أي أصله وخالصه، فالقُّحُّ خالصٌ من هذا الجنس إن كان أعرابياً، أو كريما، أو لئيماً. * * * وأما "الجِلْفُ" فإنه يُثنى، ويجمع. يقال: أعرابيان جلفان، وأعراب أجلافُ. قال الأصمعي: الجِلْف: جِلْدُ الشاة والبعير، فكأن المعنى: أنه أعرابي ببدويته وجفائه، أي هو أعرابي بجلده لم يتزى بزي أهل الحضر وأخلاقهم، فيكون قد نزع جلده الذي جاء فيه، ولبس غيره. قال: وهذا كقولهم: هذا كلام العرب بغُباره، أي لم يتغير عن جهته. * * *

و"القن، لا يثنى ولا يجمع. يقال: عبدٌ قِنٌّ، وعبدان قِنٌّ، ومملوكةٌ قِنٌّ. قال الأصمعي: القِنُّ: الذي كان أبوه مملوكاً لمواليه، فإذا لم يكن كذلك فهو عبد مملكة، ويقال: القِنُّ مأخوذ من القنية، وهي المِلْك. * * *

ويقال: رجلٌ "نوحٌ" وامرأة نوّحٌ"، ورجالٌ نوْحٌ، ونساءٌ نوْحٌ. قال الشاعر: تظل جياده نوحاً عليه ... مقلدة أعنتها صفونا وقد يقال في جمع النوح: أنواحُ، وقال الأنصاري: فلما رأينا أنه لا عج الأسى ... وأن ليس إلا الدمع للحزن شافيا بعثتُ لك الأنواح فارتج بينها ... نوادب يندبن العلى والمساعيا * * * ويقال: ماءٌ غوْرٌ، وماءان غوْرٌ، ومياهٌ غوْرٌ، قال الله تعالى: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً). وكذلك يُقال: ماءٌ صبٌّ، ومياهٌ صبٌّ، وماءٌ سكبٌ، ومياه سكبٌ، قال الراجز:

تنضح ذِفْرَاهٌ بماءٍ صب وكذلك يقال: تمرُّ بثٌّ، وتمور بَثٌّ، ومثله قول ابن قيس الرُّقيات: أعني ابن ليلى عبد العزيز ببا ... ب اليون تغدو جفانه رذما يقال: جفنةٌ رَذمٌ، وجِفانُه رَذَمٌ، إذا كانت طافحة تسيل. * * *

ويقال: رجلُ صومٌ، وامرأةٌ صومٌ، ورجالٌ صومٌ، ونساءٌ صومٌ. * * * وكذلك رجل فطرٌ، وامرأةٌ فطرٌ، ورجالٌ فطرٌ، ونساء فطرٌ. * * * ويقال: رجلٌ ضني، وامرأةٌ ضنى، ورجالٌ ضنى، ونساء ضنى. قال الراجز: ما زال منها منهلٌ ونائبُ ... في الحوض حتى آب منها حاجبُ عوداً كما عاد الضنى الحبائبُ * * * ويقالُ: رجلٌ دَوّى، وامرأةٌ دَوَّى، ورجال دَوَّى، ونساءٌ دَوَّى، وهم الذين بهم الداءُ، ورجالٌ داء، وامرأةٌ داءُ، ورجالٌ داء، ونساءٌ داءُ قال الشاعر:

أثيبي دوى يا سدرة العُلبِ لمْ يكنْ ... له منذ غلتْهُ يداك حويلُ ولا تجمعي يا سدرة العلوِ أنهم ... غيارى وأن النيل منكِ قليلُ [حويل: حيلة]. وقال الآخر: إلى الله أشكو لا إلى الناس أنني ... دوى دنفُ من أم عثمان يائس وقال ابن الدمينة: أبى الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومن ذا الذي يشري دوى بصحيح وقال الفراء. يقال: رجل دوى للأحمق، وأنشد: وقد أقودُ بالدوى المزملِ ... أخرس في الركب بقاق المنزلِ

وقال يعقوب: بقاق: يبُقُّ الكلام يكثره. ويقال: رجلٌ عدوٌّ، وامرأة عدوٌّ، ورجال عدوٌّ، ونساءٌ عدوٌّ قال نابغة بني شيبان: إذا أنا لم أنفع صديقي بوُدهِ ... فإن عدوى لن يضرهمو بغضي أراد: فإن أعدائين وقال الله عز وجل: (إن هذا عدو لك ولزوجك) فهذا في الواحد، وقال تعالى في موضع آخر: (فإنهمُ عدوُّ لي إلا رب العالمين). * * * ويقال: فلان لبابُ قومه، وفلانةً لبابة قومها، والزيدون لبابُ قومهم، والهندات لبابُ قومهن. قال جرير:

تدري فوق متنيها قرونا ... على بشر وآنسة لباب وقال ذو الرمة: سجلا أبا شرخين أحيا بنانه ... مقاليتها فهي اللباب الحبائسُ * * * ويقالُ: رجلٌ "جنُبٌ"، وامرأةٌ "جُنُبٌ"، ورجالٌ "جنُبٌ"، ونساءٌ جنبٌ. قال الله عز وجل: (وإن كنتم جنباً فاطهروا)، فوحد في موضع الجمع. * * *

ويقالُ: بعيرٌ هجانٌ، وناقةٌ هجانٌ، وإبلٌ هجانٌ، وهي التي قد فارقت الكرم قال الشاعر: وإذا نِيلَ مَنْ هجان قريش؟ ... كنت أنت الفي وأنت الهجانُ وتمثل على بن أبي طالب صلوات الله عليه: هذا جناي ومجانه فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه

معنى قوله: وهجانه فيه: وخياره وكرائمه، وقد جمعوا، فقالوا: هجائن النعمان. * * * وقال الفراء: كُلُّ نعت يتأنثُ، ويجمع، ولا يتأنث، ولا يجمع قد يكون خلفاً من اسم متروك قبله، ثم يترك على جهته، فتقول في ذلك: دنف أخواك، وإن شئت قلت: دنفان أخواك، ودنفٌ قومُك. وكذلك: البشر، الإنسان، يقع على الواحد وعلى الجميع.

وقال الفراء: رأيت العرب لا تجمع وإن كانوا يثنون. قال جل ثناؤه في التثنية: (أتؤمنُ لبشرين مثلنا)، وقال في الجمع: (ما أنتم إلا بشر مثلنا)، قال: وقد زُعم الرؤاسي أنه سمع: مررت بجنبين يعني: بقوم جُنُب، فحسُنَ الجمعُ هاهنا؛ لأنَّ القوم قد حُذفوا هاهنا، فلم يؤد الجنب إذ أفرد عن المعنى. قال: وإنما ثنتْ العربُ في الاثنين، وتركوا الجمع غير مجموع؛ لأن الاثنين يؤديان عن أنفسهما عددهما، وليس شيءٌ من الجماع يؤدي اسمه عن نفسه. ألا ترى أنك إذا قلت: عندي درهمان لم يحتجْ إلى أنْ تقول: اثنان، فإذا قلت: عندي دراهم لم يعلم عددها حتى تقول: ثلاثة أو أربعةٌ. * * *

و"الإنسانُ" يكون للواحدِ، والاثنين، والجميع، والمؤنث بلفظ واحد. قال الله جل وعز: (إن الإنسان لفي خسر) فالمعنى: إن الناس؛ لأنه استثنى منه جمعاً فقال: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقال في موضع آخر: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ثم استثنى منه جمعا، فقال: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وأنشدنا أبو العباس: وتفرقوا بعد الجميع لأنه ... لابد أن يتفرق الجيران لا تصير الإبل الجلاد تفرقت ... حتى تحن ويصير الإنسان * * * و"حرى" يكون للواحد، والإثنين، والجميع بلفظ واحد. تقول: هو حرى أنْ يفعل كذا وكذا، وهما حرى، وهي حرى أنْ تفعل كذا وكذا. وهم حرى أنْ يفعلوا كذا وكذا، وهنّ حرى أنْ يفعلن كذا وكذا. * * *

ويقال: أذُن حشرٌ، وآذانٌ حشرٌ، إذا كانت دقيقة ملتزقة بالرأس قال ذو الرمة: لها أذنٌ حشر وذفرى أسبلة ... وخد كمرآة الغريبة أسجح وقال الراعي: وأذنان حشرٌ إذا أفرعتْ ... شرافينان إذا تنظرُ

أفرعَتْ: رفعت، وروى ابن الأعرابي: أفزِعَتْ، أي حُمِلت على الفزع وقوله (شُرَافِيَتان) معناه: مرتفعتان، وربما قالوا: أذُن حَشْرة، فزادوا الهاء، والاختيار: أذنٌ حَشْرٌ بغير هاءٍ. قال النمري في إدخال الهاء: لما أذن حشرةُ مشرة ... كإعليط مرخ إذا ما صفرْ

و"الحَشْرُ" مصدر حشر قُذَذَ السهم حشرا، إذا ألصق قذها، فهو بمنزلة صوم، وفطر، وحمد في ترك التثنية، والجمع، والتأنيث، ويقال: سهمٌ حشرٌ، إذا كان دقيقاً. قال ابن أحمر: أهوى لها مشقصاً حشراً فشبرقها ... وكنت أدعو قذاها الإثمد القرِدا فكأنه سمى بالمصدر، قم يُؤنث لذلك. * * *

ويقال: رجلٌ قَمَنٌ أن يفعل كذا وكذا. ورجلان قَمنٌ، وامرأةٌ قمنٌ، ونساءٌ قَمَنٌ، فإذا قالوا قَمِنٌ، وقمِينٌ ثنوا، وجمعوا. وأنثوا، فقالوا: قَمِنان. وقمينان، وقمنةٌ، وقمينةٌ، وقَمِنَاتٌ وقميناتٌ، وقمنون وقمينون، قال الشاعر المخزومي: من كان يسألُ عنا أين منزلنا ... فالقطقطانة منا منزلٌ قمنُ

ويُرْوَى: فالأقحوانة. وقال قيس بن الخطيم: إذا جاوز الإثنين سر فإنهُ ... بنشر وتكثير الحديث قمينُ * * * وكذلك من قال: هو حرى أن يفعل كذا وكذا لم يثن (حرى) ولم يجْمَعُه. ولم يؤنثه. ومن قال: هو حر، وهو حري ثنى، وجمع، وأنثَ. فقال: هي حريةٌ وحرِيَّةٌ. وهما حَرِيان وحَرِيّان، وهم حَرُون، وحَرِيُّونَ، وهن حَرِياتٌ وحَرِيَاتٌ. ومعنى قمَنٍ، وحرى واللغاتِ التي فيهما: خَلِيقٌ. * * *

ويقال: شيء لقي، إذا كان مُلْقَّى، وأشياءٌ لَقَّى، ورُبَّما ثَنَّوْه، وجمعوه. فقالوا: لقيان وألقاءُ. قال الحارث بن حلزة. فتآوت له فراضيةُ ... من كل حي كأنهم ألقاءُ * * * و"المَلَكُ" يكون للواحد والجمع بلفظ واحد، قال الله تعالى: (والملكُ على أرجائها)، وقال في موضع آخر: (رجاء ربك والملكُ

صَفَّا صَفَّا) وفي الملكِ لغتان: الملكُ، والملأك. قال علقمة ابن عبدة:؟ فلست لإنسي ولكن لملأك ... تنزل من جو السماء يصوبُ وقال الآخر: أيها القاتلون ظلماً حُينا ... أبشروا بالعذاب والتنكيل كل أهل السماء يدعو عليكم ... من نبي وملأك ورسولِ

باب ما يذكر من الإنسان، ولا يؤنث

باب ما يُذكَّرْ من الإنسان، ولا يؤنثُ من ذلك "الوجه" قال طرفة: ووجهٌ كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد ويقال في جمعه: أوجهٌ، ووجوهٌ. وتجعلُ الواو همزة لانضمامها، فيقال: أجوه. و"الرَّاسْ" مذكرٌ، ويهمز ولا يهمزُ، حدثنا أبو العباس قال: حدثنا سلمة عن الفراء قال: العرب تقول: الرأٍ بلا عمر إلا بني تميم فإنهم يقولون: الرأس، والكأس بالهمز.

ويقال في جمع الرأس: أرْؤُسٌ، ورؤُوسٌ، ويقال: رجلٌ رؤاسي، إذا كان عظيم الرأس، ويقال: كبشُ أرأسُ، ونعجةٌ رأساءُ، إذا كانا عظيمي الرأس، ويقال: رجلٌ رءَّاسٌ، إذا كان يبيع الرءوس. * * * و"الحَلْقُ" مُذكرٌ، ويقال في جمعه: حلوقٌ، ويجوز في القياس: أحْلُق على مثال فَلْس وأفْلُسٌ، ولم يُسمع من العرب، وربما قالوا في الجمع: أحْلاقٌ على مثال حَبْر وأحْبارٌ وحَمْل وأحْمال. وربما قالوا: حُلُقٌ على مثال رَهْنِ ورُهْنٍ، وسَقْف وسُقُف، أنشدنا أبو العباس قال: أنشدتا عبد الله بن شبيب:" ألبان إبل تعلةَ بن مسافرٍ ... ما دام يملكها علي حرامُ

وطعام حجناء بن أوفى مثله ... ما دام يسلك في البطون طعامُ إن الذين يسوغ في أحلافهم ... زاد يمن عليهم للئامُ

وأنشد الفراء: حتى إذا بلت حلافيم الحُلقْ ... أهوى لأدنى فقرةٍ على شفق * * * و"الشعر" مُذكرٌ وفيه لغتان: الشعر، والشعر بالتحريك والتسكين قال حسان - رحمه الله-: إن شرخَ الشباب والشعرَ الأسودَ ما لمْ يُعاصَ كان جنوناً. * * * و"الفَمُ" مذكرٌ، وفيه أربع لغاتٍ: فَمٌ، بفتح الفاء في الرفع والنصب والخفض قال زهير: بكرن بكورا واستحرن بحرةٍ ... فهن ووادي الراس كاليدِ في الفم

وأنشد الفراء، قال: أنشدني الكلبي: ما بين بُصْرَى والعِراقَيْن فمُهْ وقال الفراء: أنشدني بعضهم: تناولتُ بالرمح الطويل ثيابهُ ... فخر صريعا لليدين وللفم وقال: ومن العربِ مَنْ يضُمُّ الفاء في الرفع، ويفتحها في النصب. ويكسرها في الخفض، فيقول: هذا فُمٌ فاعلم، ورأيتُ فمَهُ، وأخرجه من فِمهِ، ومنهم مَنْ يَضُمُّ الفاء، في الرفع والنصبِ والخفضِ، فيقول: هذا فُمٌّ، ورأيت فُمَه، وأخرجه من فُمِه.

وحكى يعقوب عن أبي عبيدة عن يونس: هذا فِمٌ، ورأيتُ فِما، ونظرت إلى فِم، بكسر الفاء في الرفع، والنصب، والخفض. و"الحاجبُ" مذكر، والجَبينُ مُذكرٌ، والصُّدْغ مذكرٌ، والصدْرُ مذكرٌ وكذلك اليافُوخُ، والدِّمَاغُ،

والخَدُّ، والأنْفُ والمِنْخِرُ، والفُؤاد، بضم الفاء، ولم يَحْكِ أحَدٌّ من أهلِ اللغةِ فتحَهَا. وحدثنا أحمدُ بن فرج قال: حدثنا أحمدُ بن يحيى الصفارُ عن روح عن بكار بن عبد الله بن أخي همام عن يحيى بن عطية أنه قال: سمعت الجراح، وكان أمير البصرة يقرأ: (إن السمْعَ والبصرَ والفؤاد) بفتح الفاء، وهذا لا يعرفه أحدٌ من أهلِ اللغة. * * *

و"اللحي" مذكرٌ، وكذلك الذَّقَن، والبَطْنْ، والقَلْبُ، والطِّحالُ، والخَصْرُ، والحَشَا، والظَّهْرُ، والمِرْفَق، والزَّنْدُ، والأظْفَارُ كلها مُذكرةٌ، وفي

واحدها ثلاث لغات: ظُفُرٌ، وظُفْرٌ، وأُظْفُور، فاللغة الأولى هي العالية، وعليها أكْثَرُ الناسِ، والثانية قرأ بها الحسنُ قال الشاعر: ألم تر أن الموت أدرك مَنْ مضى ... فلم يُبْقِ منهمْ ذا جناح ولا ظُفْرِ

وقال الآخر: ما بين لقمته الأولى إذا انحدرتْ ... وبين أخرى تليها قيدُ أظفورِ * * * وقصاصُ الشعر مذكر، وكذلك: نِجَارُ الإنسان. و"الثَّدْيُ" مذكرٌ، ويقال في جمعه: ثُدِيٌّ، أنشد الفراءُ: كأن إذا استقبلَتْهُ أجنِحَاته ... شواذِرُ جافتْها ثُدِيٌّ نواهِدُ والأنيابُ، والأضْراسُ، مُذكرةٌ، والعُصْعُصُ: مُذكَّرٌ وكلُّ اسم لِلْفَرْج من الذكَرِ والأنثى مذكَّرٌ.

"الْمَنْكِبُ" مذكَّرُ، وكذلك الْنَحْرُ والرَّكَبُ وهو من أسماء الفرج. و"الكُوْعُ"، وهو طَرَفُ الزَّنْدِ الذي يلي الإبهام، "والكُرْسُوع" طرف الزَّنْد (الذي يلي الْخِنْصِرَ) و"الشُّفْرُ" واحدُ أشْفَارِ الْعَيْنِ مذكرٌ، وفيه لغتان: شُفْر، وشَفْر بالضم والفتح. و"الْجَفْنُ" مُذكرٌ، وهو غطاءُ العين من أعلاها وأسفلها، وجمعه: أجفانٌ، وجفُونٌ.

و"الشُّفْر" حرف الجفن، وأصول منابت الشعر في الأشفار التي تلتقي عند التغميض. و"الْهَّدْبُ" مُذكرٌ، وهو الشعر النابت في الشفرِ، والْمَحْجِرُ": مُذكَّرُ وهو فجوة العين التي تبدو من البرقع، والنقاب يقال: مَحْجِر، ومِحْجرُ. والحُمْلاقُ: مذكر قال عبيد بن الأبرص: يدِبَّ مِنْ حسيسها دبيباً ... والعينُ حملاقُها مقلوبُ

ويقال في جمعه: حَماليق، والحَماليق: باطنُ الأجْفانِ التي تراها محمرة إذا قلبت العَيْنُ للكُحْلِ. "والْحِجاجُ" مُذكرٌ، وهو العَظْمُ المشرف على غارٍ الْعَيْنِ، وتثنيتُه: حجاجانِ، وجَمْعُه: أحِجَّةٌ. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد الله بن شبيب: وعينٍ لها مِنْ ذكرِ صعبةَ واكفٌ ... إذا غاضها كانتْ وشيكاً جمُومُها تنامُ قريراتُ العيونِ وبينها ... مِنْ حِجَاجَيْهَا قذى لا يُنِيمُها وقال رؤبةُ: دعني فقدْ يُقْرِعُ للأضز ... صكى حجاجَيْ رأسِهِ وبهْزِي يُقْرِع: معناه: يرفع رأسه. والبَهْز: الدفع الشديد، والأضَزّ: الملتزق الأسنان، وهو هاهنا المانِعُ ما عنده.

و"الْمأقُ" مُذكَّرٌ، وهو طرفُ العينِ الذي يلي الأنْفَ، وهو مَخْرَجُ الدَّمْع من العَيْنِ، في كل عينٍ مُؤْقان. وفي الْمَأقِ سِتُّ لغات. قال ثابتُ بن عمرو: بعْضُ العربِ يقول: هذا مَأقٌ - كما ترى - مهموز مرفوع القاف، وبعضهم يقول: هذا ماق - كما ترى - على مثال قاضٍ، وغازٍ بغير همز، فمن قال: مَأقٌّ بالهمز، ورفع القاف قال في الجمع: أمْآقٌ على مثال أعْدال، وأضْراس، ومن قال: هذا ماقٍ بترك الهمز على مثال قاضٍ قال في الجمع: مَواق. قال ثابت: وبعْض العربِ يقول: هذا مُؤْقٌ بالهمز ورفع القاف، وبعضهم يقول: هذا مُؤْقٍ بالهمز وخفض القاف مع التنوين، فمن قال: هذا مُؤْقٌ بالهمز ورفع القاف قال في الجمع: أمْآقٌ على مثال أعْدال ومن قال: هذا مُؤْقٍ على مثال: هذا مُعْطٍ قال في الجمع: مَآقٍ على مثال معاقٍ. قال الشاعر في الأماق: فارقتُ هنداً ضلةً ... فندمتُ عند فراقها فالعينُ تُذرى عبرةٌ ... كالدر من أمآقِها

وقال ثابتٌ: قال الأصمعي: سمعت بَعْضَ العرب ينشد: والخيل تُطْعَنُ أزا في مآقيها وقال مُزاحِمُ بن الحارث بن مُصرفٍ العقيلي: أتزعمها تصوبُ مأقييها ... غلبتُكَ والسماء وما بناها ويقال: هذا مُؤْقِيءٌ على مثال مُكْرِمٌ، ومُحْسِن ويقال في الجمع: مواقيءُ على مثال مواقِع. حكى هذه ثابتٌ عن اللحياني. قال: وحكى اللحياني أيضاً: هذا أُمْقٌ وفي الجمع: آماقٌ، ويقال: فلانٌ يَبْكِي بأربعَةِ أمْواق؛ لأنَّ في كل عين ماقَيْنِ، ومن قال: مَأقٌ، ومُؤْقٌ، قال في النصب: رأيت مأقاً، ومُؤْقاً، وفي التثنية: مأقان، ومُؤْقان، ومن قال: ماقٍ، ومُوقٍ قال في النصب: رأيت ماقيا، ومُوقِياً، وفي التثنية: ماقِيان، ومُوقِيان. و"النُّخاعُ" مُذكرٌ، وهو الخيط الأبيض الذي يأخذ من الهامة، ثم ينقاد في فقار الصلبِ حتى يبلغ إلى عجبِ الذنبِ.

و"الْمَصِير" من مُصْران الْبَطْنِ: مُذكرٌ، ويقال في جمع المصران: مصارينُ قال النابغة: مِنْ وحش وجرةَ موشى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد والمصيرُ: المرجعُ مذكرٌ من قول الله تعالى: (وإلى الله المصيرُ) * * *

و"النَّاجذُ" مُذكرٌ، وجمعه نواجذ. جاء في الحديث: ضحِك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ نواجِذه، وهو آخر الأضراس. و"الضاحكُ" مذكر، وهو الملاصق للناب. و"العارضُ" مذكر، وهو الملاصق للضاحك، وتثنيته: عارضان، وجمعه: عوارِضُ. قال جرير: أتذكرُ يوم تصقل عارضيها ... بفرع بشامة سُقِيَ البشامُ

وأنشدنا أبو العباس: إذا ورد المسواك ظمآن بالضحى ... عوارِضَ منها ظل يخصره البرْدُ

باب ما يؤنث من الإنسان، ولا يذكر

باب ما يؤنثُ من الإنسان، ولا يُذكْرُ من ذلك العينُ والأذن، وقد مضى تفسيرهما. و"الكَبِدُ" مؤنثةٌ، وفيها ثلاثُ لغات: كَبِدٌ، وكِبْدٌ، وكَبْدٌ، قال ابن الدمينة: ولي كبدٌ مقروحةٌ من يبيعني ... بها كبداً ليست بذات قُرُوح

أبى الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومن ذا الذي يشري دوى بصحيح وقال المجنون: أيا جبلى نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها أجد بردها أو تشف مني حرارةً ... على كبد لم يبق إلا صميمها فإن الصبا ريحٌ إذا ما تنسمت ... على كبد محزون تجلت غمومها فجمع التثقيل، والتخفيف مع كسر الكاف، وقال عروة بن حزام في التخفيف: فويلي على عفراء ويلاً كأنه ... على الكبدِ والأحشاء حد سنانِ وأنشدني أبي قال: أنشدني أحمدُ بن عبيد قال: أنشدنا ابن الأعرابي: إذا لمْ يكن قيل النبيذ شريدةً ... ملبقةٌ صفراءُ شحمٌ جميعها فإن النبيذ الصرد إن شرب وحده ... على غير شيء أوجع الكبد جُوعُها

ويقال: كبد حرى. وكبدُ القوس: مؤنثةٌ، وكذلك كبدُ السماء، وما أشبه ذلك. * * * و"الإصبع" مؤنثة، وهي إصبع الكف، وكذلك: الإصبع:

الأثر الحَسَنُ من الرجل على عملٍ عمله، فأحسن عمله، أو معروف أسداه إلى قوم، فهم يُرى أثره عليهم. يقال: ما أحسن إصبع فلان على ماله. قال الراعي: ضعيف العصا بادي العروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا

وقال لبيد: من يبسط الله عليه إصبعا وقال الآخر: كميتِ كركنِ الباب أحيا بناته ... مقاليتها، واستحملتهن إصبعُ قوله: (كركنِ الباب) معناه: كالسارية اليت تلي الباب. وقوله: (أحيا بناته مقاليتها): كانت في هذه الإبل ذوق لا تحيا بناتها فلما ضربها هذا الفحل بورك فيها، فجعلت المقاليت تنتج وتحيا، والمقاليتُ جمعُ مقلات، وهي التي لا يعيش لها ولدٌ، وقوله: واستحملتهن إصبع معناه: لزمهن حسنُ الصنعةِ. وفي الإصبع ثماني لغات: أفصحُهن: إصبعٌ، بكسر الألف وفتح الباء، وإصبعٌ، بكسر الألف والباء، وأصبعٌ، بضم الألف والباء،

وأصبعٌ، بضم الألف وفتح الباء، وأصبع، بفتح الألف والباء، وأصبعٌ، بفتح الألف وكسر الباء، وإصبُع، بكسر الألف وضم الباء - حكاها البصريون، ولم يعرفها الفراءُ، وقال: ليس في أبنية العرب (فِعْلُلٌ)، فاحتجوا بأن العرب تقول: زِئْبُرُ الثوبِ، بكسر الزاي وضم الباء، فقال الفراء: قد فتَّشْتُ عن هذا، فلم أجدْ له أصلا، وحكى اللحياني: أصْبُعٌ، بفتح الألف وضم الباء. والأصابع كلها مؤنثةٌ. يقال: الإصبع الوسطى، والصغرى، فتؤنث النعت، وتقول في جمع الوسطى: الوسَط، ويجوز أن تهمز الواو؛ لانضمامها، ويقال: هي الخِنْصَرُ، والبِنْصَرُ، والدعاءة. فالوُسْطَى والإبهام فيه اختلاف سنذكره في الباب الذي بعده إن شاء الله. و"الْكَبد" يقال في جمعها: أكْبُد، وأكْبَادٌ، وكُبُود.

و"الْعَقِبُ": مؤنثةٌ والعين منها مفتوحة، والقاف مكسورة، ويجوز أنْ تسكنها، فتقول: عَقْبٌ، ويقال: انقطعت عَقِبُ النعْلِ، ويقال: لفلان عَقِبٌ، أي ولدٌ وولدُ ولدِ. قال الله تعالى: (وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه). ويقال: أتيتك في عقبِ الشهرِ، لليلةٍ تبقى منه إلى عشرِ ليالٍ يبقين منه، وأتيتكَ في عُقْبِ الشهرِ، وكذلك في عُقْبان الشهرِ وكُسْء الشهرِ مهموزة الآخر، والجمعُ: أكْساءُ، أي بعد مضيه والعقبُ: الأعقاب. و"السَّاقُ" مؤنثةٌ، وكذلك الساقُ من الشجر، ويقال: ثلاث

أسؤق بالهمز وغير الهمز، ويقال في الجمع الثكير: السوق. قال الله تعالى: (فطفق مسحاً بالسوق والأعناقِ)، وكذلك: شجرة على ساق، وشجرٌ على سوقِ. قال الله تعالى: (فاستغلظ فاستوى على سوقه) وقال الشاعر في ساق الشجرة: أني أتيح له حرباءُ تنضبةٍ ... لا يرسلُ الساق إلا ممسكاً ساقا ويقال: قد سوق الشجرُ والزرعُ. والفخذ: مؤنثة مفتوحة الفاء مكسورة الخاء، وقد تسكن الخاء، فيقال: فخذ، ويجوز: فخذ على نقل الكسرة؛ كما جاز كِبْد،

وكلمة، وكذلك: الفَخِذ من القبائل، ويقال: ثلاثُ أفخاذ، ويقال: أفخاذُ العربِ، وبطون العربِ. و"اليدُ" مؤنثة، وكذلك: يدُ القميص، ويدُ الرحا، وكذلك اليدُ التي يتخذها الرجلُ عندَ آخرٍ، ويقال في الجمع: أيْد، وأيادٍ، ويدي أنشد الفراء: فلن أذكر النعمان إلا بصالح ... فإن له عندي يديا وأنعُما

وقال يعقوب: قال أبو الحسن الأثرمُ عن أبي عبيدة: كنتُ مع أبي الخطاب عند أبي عمرو بن العلاء في مسجد بني عدي، فقال أبو عمرو: لا تُجْمَعُ أيدٍ بالأيادي، إنما الأيادي في المعروف. قال: فلما قال لي أبو الخطاب: أما إنها في علمه، ولم تحضره، وهو أروى لهذا البيت مني: ساءها ما تأملت في أيادينا (م) وإشناقِها إلى الأعناقِ * * *

و"العَضُد" مؤنثة، وفيها خمسُ لغات: عَضُدٌ، وعَضْدٌ، وعُضُدٌ، وعُضْد، وعَضِدٌ، بفتح العين وكسر الضاد. قال هارونُ

القارئ الأعور: لغةُ العرب: عَضِدٌ، بفتح العين وكسر الضاد، وقال السجستاني: زعم يعقوب: أن أبا عمرو قال: بعضُ أهل الحجاز يقولون: عُضُدٌ، وعُجُزٌ، وأخبرنا أبو علي الهاشمي قال: حدثنا القطعي قال: حدثنا محبوب قال: حدثني عمرو عن الحسن أنه قرأ: (وما كنتُ متخذ المضلين عضدا)، وقال السجستاني: قال هارون: تميم يقولون: عَضْدٌ، وكَتْفٌ، وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ابن واقد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس الأنصاري عن هارون قال: لغة بني أسد: عَضِدٌ بكسر الضاد، ولغة تميم وبكر عَضْدٌ، بفتح

العين وتسكين الضاد، وقال الله تعالى: (سنشد عضدك بأخيك) وقال الشاعر: من كان ذا عضد يدرك ظلامته ... إن الذليل الذي ليست له عضد تلوى يداه إذا ما قل ناصره ... ويمنع الضيم إن أثرى له عددُ ويقال ثلاث أعضاءٍ، قال الراجز: إذا الرجالُ ولدتْ أولادها ... واضطربت من كبرٍ أعضادُها وجعلتُ أوصابُها تعتادُها ... فهي زروعٌ قد دنا حصادُها قال: ولدتْ أولادها. معناه: وُلِدَ لأولادهم، ويقال: الحِصاد، والحَصَاد، ويقال في مثلٍ الحربُ: الرجالُ وأعْضَادُها. معناه: الحرب الرجال فيها بأعضادها، ويقال: عاضَدْتُك، وعَضَدْتُك، أي قَوَّيتُك وأعنتُك. * * *

و"الكَفُّ": مؤنثة، لم يَعْرِفْ تذكيرها أحدٌ من العلماء الموثوقِ

بعلمهم، وزعم قومٌ لا يوثق بعلمهم أنه يُذكرُ، ويُؤَنَّثُ، وبنوا ذلك على بيت الأعشى: أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما ... يضم إلى كشحيه كفا مخصباً قال أبو بكر: وهذا خطأ منهم، وهذا البيت فيه سبعة أوجهٍ: يجوز أن يكون ذكر (مُخَضَّبا) وهو للكف، وهي مؤنثة؛ لأن الكف لا علامة للتأنيث فيها. قال الفراء: ذكر (مخضبا) لضرورة الشعر؛ لأنه وجده ليست فيه الهاءُ والعربُ تجتريءُ على تذكير المؤنث إذا لم تكن فيه الهاءُ. قال الشاعر:

فلا مزنةٌ ودقتْ ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها وقال الآخر: فهي أحوى من الربعي خاذلةٌ ... والعينُ بالإثمد الحاري مكحول أخبرنا بهذا القول أبو العباس عن سلمة عن الفراء. ومعنى بيت الأعشى: أنه كان نازلاً في غير قومه، فأحدث فيهم حدثا، فأنكروا ذلك عليه، ونالوه ببعض المساءة فقال: أرى كل

رجل منهم ينظر إلىّ ببِغْضَة حتى كأنى قطعت يده، فضمها مخضوبةً بالدم إلى كشحه. والقول الثاني: أن يكون أراد كفا مخضبةً، فحذف الهاء لضرورة الشعر على جهة الترخيم؛ كما ترخم العربُ في الشعر الاسم في غير النداء إذا احتاجت إلى ذلك. أنشد الفراء وهشام: وما أدري وظني كل ظن ... أمسلمني إلى قومي شراحي أراد: شراحيل، فحذف اللام على جهة الترخيم، وقال ذو الرمةك ديار مية إذ مي تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجمٌ ولا عربُ أراد مية، فحذف الهاء على ما ذكرنا. وقال الآخر: وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني نفسي أمالُ بن حنظل

أراد حنظلة، فحذف الهاء. وأنشد الفراء: وليلة إدلاجُها كالحز ... أدلجْتُها من أجل أم عز وأم عز من عتيق البز ويجوز أن يكون جعل (مخضبا) نعتا لقوله (رجلاً)، ويجوز أن يكون نعتا للأسيف، ويجوز أنْ يكون حالاً مما في الأسيف؛ لأنَّ

الضمير معرفة، ويجوز أن يكون حالاً مما في (يضم)، ويجوز أن يكون حالاً من الهاء المتصلة بالكشحين. وقال السجستاني: لولا أن بيْتَ الأعشى يحكى عن العرب: ولا أرض أبقل إبقالها لقلت: ولا أرْضٌ ابْقلتِ إبقالَها. بتخفيف همزة أبقلت وبهمزة إبقالها؛ لأن ترْكَ الهَمْزِ كثيرٌ معروفٌ موجود، وأنشد الفراء: يُلفجْنَ الشفاه عن اقحوانٍ ... جلاه غب ساريةِ قطارُ أراد: عَنْ أقحوان، فألقى ضمة الهمزة على نون (عن). وأنشدنا أبو العباس: عن سلمة عن الفراء قال: أنشدني يونس البصري: إلى رجل منهم أسيف. فعلى رواية الفراء عن يونس ينتصب (مخضب) على النعت للكف، وعلى معنى الترخيم، وعلى الحال مما في أسيف، ومما في يضم، ومن الهاء. أما قول طفيل الغنوي: هل حبلُ شماء قبل البين موصولُ ... أم ليس للعُدْ عن شماء معدولُ إذ هي أحوى من الربعي حاجبه ... والعين بالإثمد الحاري مكحول فذكر (مكحولاً) وهو للعين، وعينُ الإنسان مؤنثةٌ بلا اختلاف. ففيه ثلاثة أقوال:

قال الفراءُ: ذكر مكحولاً؛ لأن العين لا علامة للتأنيث فيها، وكان يروي البيت الثاني: فهي أحوى من الربعي خاذلةٌ. وقال غيره: إنما ذكر (مكحولاً) لأنه حمل العين على معنى الطرف. كأنه قال: والطرف بالإثمد مكحولُ. حكى ذلك يعقوب بن السكيت، فعلى هذه الرواية الحاجب يرتفع (بِمَنْ) أي حاجبه من الربعي، أي من الغزال الرِّبْعىّ. والرِّبْعيّ: الذي نُتِجَ في أول النتاج في الربيع، وهو أفضلُ ما يكون من النتاج. والأحْوَى: الذي في ظهره جدة كَلَوْنِ الْمِسْكِ، وليس كل ظبيٍ أحْوَى، والحوة: سواد ليس بحالك. وقال يعقوب: معنى قوله: أم ليس للعدم عن شماء معدول: أم لا نجد عن صُرْم شماء معْدلا. وقالوا أيضاً: إنما ذكر (مُخضبا)؛ لأنه ذهب بالكفّ إلى معنى الساعد. وقال يعقوب: قال الأصمعي: ذكر (مكحولاً) لأن المعنى: حاجبه مكحولٌ والعين أيضاً.

ومكحول: شديدُ السواد. كأنه كُحِلَ. فاللفظ على الظبي، والمعنى على المرأة؛ لأن الظبي لا يكون أكْحَلَ الحاجب، فعلى هذا المعنى ترتفع (هي) بأحْوَى، وأحْوَى بهي، ويرتفع الحاجِبُ بمكحول، ومكحولٌ به، وترتفع العين بإضمار مكحولة، والمعنى: حاجبه مكحول، وعينه مكحولة أيضاً؛ كما تقول: هندٌ وزيدٌ قائمةٌ، وزيدٌ وهندٌ قائمٌ على معنى: زيد قائم، وهند قائمة، وكذلك تقول: أنْفُكَ وعيْنُكَ حسنٌ على معنى: أنفُك حسنٌ، وعينُك حسنةٌ، ومِثْلُهُ قول بشر بن أبي خازم: وإلا فاعلموا أنا وأنتُمْ ... بُغاةٌ ما حيينا في شقاق

أراد: إنا غُواةٌ، وأنتم غُواةٌ، ويجوزُ أنْ يرتفع (أنتم) على النسق على النون والألف؛ لأن النصْبَ لم يتبينْ فيهما، و (أنَّ) ضعيفةُ العمل. فحُمِلَ على معنى: نحن وأنتم، ومثله قول ضابيء البُرْجُمِيّ: من يكُ أمسى بالمدينة رحلُهُ ... فإني وقيارا بها لغريبُ أراد: فإني بها لغريبٌ، وإن قيارا بها لغريب، فهذا الذي ذكرته لك يدُلُّك على خطإ الذين ادعوا أن (الكَفَّ) مُذكر، احتجاجاً بالبيت. * * * والرجل مؤنثة، وقد مضى تفسيرها. أنشدنا أبو العباس: فلو قُلْتِ: طأ في النارِ أعلمُ أنهُ ... هوى منك أو مُدْن لنا من وِصَالكِ

لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو ضلةً من ضلالك فلم يبين التأنيث، وقال الآخر: وكنتُ كذي رجلين: رجلٍ صحيحة ... ورجلٍ رمى فيها الزمانُ فشلتِ * * * و"الضِّلَعُ" مكسورة الضاد مفتوحة اللام-: مؤنثةٌ، ويجوز أنْ تسكن اللامُ، فتقول: ضِلْعٌ، وكذلك الضِلَعُ من الجبل الْمُسْتَدقُّ منه. يُقال: انزل بتلك الضلع، ويقال: ثلاثُ أضْلُع، وأضْلاع، والكثير. الضُّلوع.

جاء في الحديث: خلقت المرأة من ضِلَع عَوْجَاءَ نُزِعَتْ من جنْب آدم صلى الله عليه وسلم. وقال الفراءُ يقال إذا كان القوم يميلون على الرجُلِ أنتم على ضِلَعٌ جائرةٌ، وربما جمعوا الأضلع، فقالوا: الأضالِع. قال أبو صخرٍ الهُذلي: ولكنهُ سقمُ الجوى ومطالسهُ ... وموتُ الحشا ثم الشؤون الدوامعُ رشاشاً وتهتاناً ووبلاً وديمةً ... هنالك يبدو ما تُكن الأضالعُ

وأنشد يعقوب لذي الرمة: فلما تلاحقنا ولا مثل ما بنا ... من الوجدِ لا تنقض منه الأضالِعُ وقال عروة بن حزام: جعلتُ لعرافِ اليمامةِ ناقتي ... وعرافِ حجر إنْ هما شفياني فما تركا من سلوةٍ يعلمانها ... ولا رقيةٍ إل وقدْ سقياني فقالا: شفاك الله والله ما لنا ... بما ضُمنت منك الضلوعُ يدان

وأنشد يعقوب: فحشوت الغيظ في أضلاعه ... فهو يمشي حظلاناً كالنقر قال: فالحظلانُ: أن يكف بعض مشيه، ولا ينبسط فيه. وقال سابقٌ: والنجمُ أقربُ من سرى إذا اشتملتْ ... مني على السر أضلاعٌ وأحشاءُ

وأنشد يعقوب: لا تأمنن أحنى الضلوع وإن دنا ... على سوءةٍ إن ابن آدم منكرُ * * * والقدم: مؤنثة، وقد مضى تفسيرها. والسنٌ: مؤنثة، والأسنان كلها مؤنثة، وكذلك: السنِّ من الكبر. يُقال كبرتْ سني، ويقال في جمعها: أسنان، والعوام تخطيء فتقول في جمع السن: سِنانٌ؛ لأن السنان: سِنانُ الرمح وهو مُذكرٌ يقال في جمعه: أسِنَّةٌ. والسنانُ أيضاً: المِسَنُّ مُذَكَّرٌ، وهو الحجر الذي يحدد عليه السنان وجمعه: أسِنَّةٌ. قال الشاعر:

وزُرْقٍ كستهن الأسنةُ هبوةً ... أرق من الماء الزلال كليلها فالزُّرْق: هي أسنة الرماح، والأسنة التي كستها هي جمع السنان الذي هو المسن. والسنان أيضاً: مُسانَّةُ الجملِ الناقة. يقال: سانها مسانةً، وسنانا، إذا عارضها، وهو ضربٌ من العدو. قال ابن مقبل في ناقته: وتصبح عن غب السُّرُى وكأنها ... فنيقٌ تناهى عنْ سنان فأرقلا * * * والورِكُ: مؤنثةٌ، والواو مفتوحةٌ، والراءُ مكسورةٌ، ويجوز: ورْك، وَوِرْك، والتصغير: وُرَيكة، وإن شئت همزت الواو لانضمامها، فقلت: أُرَيكة.

والموركة: الوَركُ من النعال. ذكر ذلك السجستاني، واحتج بقول أب خراش الهُذَلي يمدح رجلاً يقال له: دُبَيَّة (ودبية تصغير دباةٍ) وهو ها هنا اسمُ رجلٍ: حذاني بعدما خذمَتْ نعالي ... دُبيةُ إنهُ نعم الخليلُ

بمُورِكَتَيْنِ مِنْ صلوى مُشِبٍّ ... من الشيران عقدهما حميلُ يقالُ: أحذاني، إذا أعطاني، وحذاني نعلا بغير ألف، والحميل: الشراك. ويقال: ثنى فلانٌ ورْكَه، فنزل، أي رجله. الواو مفتوحةٌ، والراء ساكنةٌ، قال الأصمعي: ليس هذا من الأول في شيء. * * * والأناملُ: مؤنثة. واحدتها أنملة، بفتح الألف والميم، وأنْمُلة بفتح الألف، وضم الميم، وقال يعقوبُ: حكى لي ابن الأعرابي: أنْمَل. * * *

و"البَرَاجِم" مؤنثةٌ. واحدتها: بُرْجُمة. والرَّواجِبُ: مؤنثةٌ. واحدتها: راجبة. والبَرَاجِمُ: عُقَدُ الأصابع، والرواجب: ظهور الأصابع. والأنامل: أطراف الأصابع. والسلاميات إناث، وهي قصبُ الأصابع. الواحدة: سُلامى. قال الشاعر: أراني الله نقيكِ في السلامى ... على مَنْ إنْ حننتِ تعولِينا

و"القِتْبُ - من أقتاب البَطْن" - مؤنثة وهي من الأمعاء، وتصغيرها: قُتَيْبة، وبتصغيرها سمى الرجل قتيبة، والقِتْب من أداة لسانية: مذكرٌ. والسانية: البعير الذي يَسْنُو من البئر، أي يَسْتَقي. و"اليَمِينُ" من الإنسان: مؤنثة، ويقال في جمعها: أيمانٌ.

والشمالُ: مؤنثة، ويقال في جمعها: شمائِلُ. قال الله تعالى: (عن اليمين والشمائل سُجداً لله) وقال تعالى: (ومِنْ خلفهم وعن أيمانهم، وعن شمائلهم)، ويقال أيضاً في الجمع: أيْمُنٌ، وأشْمُلٌ، ويقال أيضاً: شمال، وشُمُلٌ. قال أبو النجم: يبري لها مِنْ أيمُن وأشمُل ويقال: ثلاث أيمُنٍ، وأيْمانٌ.

واليمين من الحلف: مؤنثة. يقال: حلفت على يمينٍ فاجرة، ويقال في جمعها: أيمانٌ. * * * والكَرِشُ- بفتح الكاف وكسر الراء - مؤنثةٌ، ويجوز فيها: كِرْشٌ، وكَرْشٌ، ويقال في جمع القلة: ثلاثُ أكْرَاشٍ، وفي جمع الكثرةِ: الكُرُوش، ويقال: عليه كِرْشٌ منثورة يراد بذلك: كثْرةُ العيال، وكذلك الكَرِش من المسك والنبات. والفَحْتُ، والحَفِثُ: مؤنثة، وهي ما يَنْقَبِضُ من الكرش كهيئة

الرمانة، ويجوز فيها من التخفيف ما جاز في الكرش. و"العجزُ" مؤنثة، وقد مضى تفسيرها.

باب ما يذكر من الإنسان، ويؤنث

باب ما يُذكرُ من الإنسان، ويؤنثُ من ذلك "العُنُقُ" قال الفراء: هي مؤنثة في قول أهل الحجاز. يقولون: ثلاثُ أعناقٍ، ويصغرونها: عُنَيْقة. قال: وغيرهم يقولون: هذا عُنُقٌ، ويحقرونه، فيقولون: هذا عُنَيْق طويل، وأنشد لأبي النجم: في سَرْطَمٍ هاد وعُنْق عَرْطَل

وقال السجستاني: زعم الأصمعي أنه لا يعرف التأنيث في العنق، وزعم أبو زيد أنه يؤنث ويذكر. قال السجستاني: والتذكير الغالب عليه، ويُقال للعنق الهادي، والتليلُ، والشراع. قال أبو النجم: على يديها والشراع الأطول وكذلك قولهم: رأيت عنقا من الناس، أي جماعة، وفي الحديث يخرج عنقٌ من النار. وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: بنو تميم يقولون: "العُضُد"، والعُضْد، ويؤنثونها، وغير تميم يقولون: العَضُد، ويذكرونها، وقال اللحياني: العَضُد مؤنثة لا غيرُ.

وإذا نسبت رجلاً إلى ضخم العضدين قلت: عُضاديُّ، وتقول

للمرأة: يا عَضادِ على مثال: يا قَطام. وإذا نسبت رجلاً إلى ضِخَم الأذنين قلت: أذاني، وتقول في البهائم آذَنُ. وإذا نسبتَ رجلا إلى ضِخَم الكَبِد قلت: رجلٌ أكْبَدٌ. ويقال للفرسِ- إذا كان ضخْمَ الوسط ضخْمَ موضع الكَبِدِ - أكْبَدُ، ويقال: كبَدْتُه، إذا أصَبْت كَبِدَه. وقال بعض النحويين: الفؤاد يُذكر ويؤنث، وأنشد في التأنيث: شفيتُ النفس من حي إيادٍ ... بقتلى منهم بردتْ فؤادي

وما علمتُ أن أحداً من شيوخ العربية حكى تأنيث الفؤاد. وهذا عندي محمول على معنى: بردت نفسي، أو على معنى: بردت القتلى فؤادي. * * * و"اللسانُ" يُذكرُ، ورُبما أنث، إذا قصدوا باللسان قصْدَ الرسالة، أو القصيدة من الشعر، وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:

لسان السوء تهديها إلينا ... وحنت وما حسبتك أن تحينا وأنشدنا أيضاً 'ن سلمة عن الفراء: أتتني لسانُ بني عامرٍ ... أحاديثها بعد قول نكرْ قال الفراء: وذكرها الحُطيئة فقال: ندمتُ على لسانٍ فات مني ... فليت بأنه في جوف عِكْم

وقال يعقوب: يُرْوى: فليت بيانهُ. العِكْم: العِدْل من الأعدال. وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: اللسان بِعَيْنِه لم أسْمعْه من العرب إلا مذكرا. وحدثنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثنا يعقوبُ بن السكيت قال: سمعت أبا عمرو يقول: اللسان نفْسُه يُذكرُ، ويؤنثُ، فمن أنث اللسان جمعه ألْسُنَّا، ومنْ ذكره جمعه ألسنةً. قال: وسمعته يحكى لكل قوم لِسْنٌ، أي لغة، وحدثني أبي عن محمد بن الحكم قال: قال اللحياني: اللسان يُذكر قال: وبعضهم يؤنثه. واللسانُ في الكلام يُذكر، ويؤنث. يقال: إن لسان الناس عليه لحسنةٌ وحسنٌ، أي ثناؤهم، واحتج بقول قساسِ الكندي: ألا أبلغْ لديك أبا هني ... ألا تنهى لسانك عن رداها فأنث. قال اللحياني: ويقال: إن شفةَ الناسِ عليه لحسنةٌ، أي ثناؤهم.

وقال السجستاني: اللسان يُذكر ويؤنثُ قال: وما في القرآن منه يدل على التذكير؛ لأن في القرآن ألسنة في غير موضع، وهو جَمْعُ المذكر، ومن أنث اللسان قال في الجمع: ثلاثُ ألسن. قال العجاج: حتى رهبنا الإثم أو أنْ ينسجَا ... فينا أقاويلُ امريءٍ تسدجا أو تلحج الألسُن فينا ملحجا تسدجَ: كذب، ويقال: لحج في مكان ضيق، إذا نشب فيه. و (أفْعُلُ) بناءُ جَمْع ما كان من فُعال أو فَعالٍ أو فِعالٍ مؤنثا، كقولك: عُقاب وأعْقُبُ، وأتان، وآتُنٌ. قال الشاعر: أذلك أمْ جأجب يطارد آتُنا ... حملن فأربى حملهن دروصُ

الدروص: الصغار من الفأر، وقال أعشى باهلة في تأنيث اللسان: إني أتتني لسانٌ لا أسر بها ... من علولا كذبٌ فيها ولا سخرُ وقال السجستاني في قول الحطيئة: ندمت على لسان فات مني قال الأصمعي: معناه: على ثناءٍ فات مني. ويقال للسان الذي في الفم: مِقْوَلٌ، والمِقْوَلُ أيضاً: الرئيس وهو دون الملك قال العجاج: أو مِقْوَلٌ تُوِّجَ حميريُّ

وقال يعقوب: يقال: قد لسَنْتُ الرجُلَ، إذا أخذته بلسانك، وأنشد لطرفه: وإذا تلسنُني ألسُنُهَا ... إنني لستُ بموهونٍ فقرْ ويقال: قد ألسنْتُ الرجل، إذا بلغت عنه. وإذا نسبت رجلا إلى حُسْن اللسان قلت: رجلٌ لسِنٌ بينُ اللسنِ. وإذا نسبتَ رجُلا إلى ضِخَم الوَرِك قلت: رجلٌ أوْرَكٌ. وإذا نسَبْتَهُ إلى ضِخَم الفَخِذَيْنِ قلت: رجلٌ فُخَاذِيُّ وإذا نسبته إلى حُسْنِ الساقين، واستوائهما قلت: رجُلٌ أسْوَقُ، وامرأةٌ سوْقَاءُ. وإذا نسبته إلى عِظَم الْكَتِف قلت: رجُلٌ أكْتَفُ. وإذا نسبته إلى طُولِ الْعُنُقِ قلت: هذا رجلٌ أعْنَقُ. * * * و"العاتِق" يُذكرُ ويؤنثُ. حكى ذلك الفراءُ والأحمَر، وأبو عبيد، ويعقوب.

و"القفا": يُذكر ويؤنث، والتذكير أغلب عليه، أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: وما المولى وإن عرُضت قفاهْ ... بأحمَلَ للمحامِدِ منْ حِمار وقال السجستاني: قال أبو زيد: القفا يذكر ويؤنث، وقال الأصمعي: لا أعرفُ في القفا إلا التأنيث. قال: فعجبت من قوله. قال: وحكى عن الهذلي في حديث: هي قفَا غادِرٍ شر. قال السجستاني: ثم إنه أنشدني مرة أخرى: وهل جهِلْتِ يا قُفَىَّ التَّنْقُلَهْ قال: فقلت له: هلا قال: يا قُفَية. ألم تَقُلْ: القفا مؤنثةٌ

لا تُذكرُ، فقال: دع ذا كأنه أراد: أنَّ هذا الرجز ليس بعتيق. كأنه من قولٍ (خلفٍ) أو بعْضِ المولدين. والقفَا يُقالُ في جمعِهِ: أقْفاءُ، وقُفِيّ، وقِفِيّ، وربما قالوا: أقْفٍ للثلاثة؛ كما قالوا: عَصىّ، وأعْصٍ، وربما قالوا: قَفاً وأقفية، والأكثر في جمْعِه: أقفاء، قال الفرزدق: يا عمر بن يزيدٍ إنني رجلٌ ... أكْوِي من الداء أقفاء المجانينِ وأقْفِيةٌ في جَمْع قفاً أرْدَا الوُجُوهِ؛ لأنَّ (أفْعِلَة) إنما تأتي لِجَمْع الممدود؛ كقولك: كِساءُ وأكْسِيةٌ، وغِطاءٌ وأغْطِيةٌ، وربما جمعوا المقصور على (أفْعِلة) تشبيها بالممدود؛ وذلك أن الممدودَ يُقاربُ منه لفْظُ (فَعالٍ) في السَّكْتِ لفْظَ (فَعَل)؛ لخفاء المدة، فجُمِعَ على (أفْعِلَة)

لشبهه بالممدود، فقالوا: قفاً وأقفيةٌ، ورحاً وأرْحية، وندىً وأندية. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان السعدي: في لليلةٍ مِنْ جُمادى ذات أنديةٍ ... لا يبصر الكلبُ من ظلمائها الطُّنُبا * * *

والمِعى: أكْثَرْ الكلام تذكيره، ويقال: هذا معي، وثلاثةُ أمعاء، وربما ذهبوا به إلى التأنيث كأنه واحد دل على جمع. جاء

في الحديث: المؤمِنُ يأكلُ في معي واحدة وواحد. قال الفراءُ: وواحد أعجب إليّ، وأنشد للقطامي: كأن نُسُوع رحلي حين ضمتْ ... حوالب غزرا ومعي جياعا والاختيارُ: يأكل في معي واحد؛ لأنه قال بعد هذا: والكافر يأكلُ في سبعةِ أمعاءٍ. فالهاء في سبعة تدل على التذكير. * * * و"الذراعُ" أنثى. قال الفراءُ: وقد ذكر الذراع بعض عُكْل،

فيقال: الثوب خمسة أذرعِ، وستةُ أذرع، وخمس أذْرُع وست أذْرُع. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: أرمي عليها وهي فرعٌ أجمعُ ... وهي ثلاث أذرعٍ والإصبعُ * * *

والكُراعَ: يُذكر، ويؤنث. حدثني أبي عن محمد بن الحكم عن اللحياني قال: الكُراع والذراعُ يُذكران وينثان. قال: ولمي عرف الأصمعي التذكير فيهما، وحكى السجستاني عن أبي زيد أنه قال: الذراع: يذكر ويؤنث، وقولهم: هذا ثوبٌ سبعٌ في ثمانية، ذكروا ثمانية، وأنثوا سبعا؛ لأنهم أرادوا سبعَ أذرُع في ثمانية أشبار. والشبر مذكر؛ فلذلك ألحقوا الهاء في مثانية. يقال: هذا شبرٌ، وهذا باع، ويقال أيضاً: بُوع، ويقال: طول الشيء باعان، وبُوعان،

ويقال: بُعْتَ الحبل أبُوعه بَوْعا، وذرَعته أذْرُعه ذَرْعا، وشبْرَته أشبِرُه شَبْرا- بفتح أول المصادر. ويقال: كم ذَرْعُ ثوبِك؟ وكم بَوْعُ ثَوْبِكَ؟ تريد المصادر، فإذا لم تُرد المصادر قلت: كم ذِراعا ثوبُك؟ وكم شِبْرا ثوبك؟ وكم باعا حَبْلُك؟ تريد: كم ثوبُك ذراعا وشبراً وباعا وبُوْعا. * * * و"الإبْهامُ" قال الفراءُ: العربُ على تأنيثها إلا بني أسدٍ أو بعضهم فإنهم يقولون: هذا إبهام. قال: والتأنيث أجْوَدُ، وأحب إلينا. والعامةُ تخطيءُ في الإبهام، فتقول: الْبِهام، وهذا خطأ في الإصبع. إنما الْبِهَامُ جَمْعُ الْبَهْم، وقد مضى تفسير الْبَهْمة، والبَهْم. ويقال في جمع الأصابع: الخناصرُ، والبَنَاصِرُ، والسبابات، والدعاءات. ويقال في جمع الإبهام: الأباهيمُ قال الشاعر:

إذا رأوني أطال الله غيظهم ... عضوا من الغيظِ أطرافَ الأباهيم وقال الآخر: كأن ابن ليلتِهِ جانحاً ... فسيطٌ لدى الأفق من خنصرِ الفَسِيط: فُلامة الظُّفْر. * * * و"الإبطُ" يُذكرُ ويؤنث. قال الفراء: قال بعض العرب لرجلِ

رفع سوطاً ليضرب به: قد رفع الصوت حتى بَرَقَتْ إبطه، وحكى تذكيره، وتأنيثه أيضاً أبو الحسن اللحياني، ويقال: ثلاثةُ آباطٍ، وأربعةُ آباط، ومن أنثهُ قال: ثلاثُ آباطٍ، وأربعُ آباط، ويقال: تأبَّطْتُ الشيء، إذا وضعته تحت إبطي، ويقال: جعلتُ السيفَ إباطي، ومن ذلك سُمى تأبطَ شرا بأن أمه رأتْه وهو صغير وضع سهمه تحت إبطه، وأخذ القوس، فقالت: لقد تأبط شراً فسُمِّيَ به. * * * و"الليْتُ" مذكرٌّ، وربما أُنث. قال الفراء: كأنهم يذهبون بالليتِ إذا أنثوه إلى العُنُق.

والليت، يقال: هو مُتَذَبْذَب القُرْط، وقال الأصمعي: ليس الليت بعُضْوٍ، وقال السجستاني: الليتان: موضع المِحْجَميْن من القفا؛ كما قال الشاعر: ليستْ من السود القصار ولا ... مشروطةِ الليتين بالحجم * * * والعِلْبَاءُ: مُذكر، وهو عَصَبَةٌ صفراءُ في صفحة العنق، وقال الفراء: ربما أُنث، وذهب به إلى العَصَبة. قال: وذلك قليل. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أنشدني بعض بني أسد: حجامُها بشرطها عنيفُ ... بالقرح من علبائها قُروفُ يخدر منه الليتُ والصليفُ

والأصل فيه: علباي، فهمُزتْ الياء حين صارت طرفا خامسة. وكذلك تُهْمَزُ الياءُ إذا كانت رابعة مثل عطاء وسقاء، وإذا كانت ثالثة لم تهمز؛ نحو قولهم: رايةٌ ورايٌ، وآية وآيٌ، وكذلك الزاي، ومن العرب من يقول: زاء بالهمز. وقال محمد بن يزيد: اعلم أن عِلباءَ وما كان مثله لا يكون إلا مُذكرا، وذلك أنه ما كان على هذا الوزن فهو ملحق بِسرْداح وسِربال، وقال: "كل ما كان من هذا الوزن مكسور الأول أو مضمومة فهو بناء لا يكون للتأنيث أبدا، وما كان مفتوح الأول بناءٌ لا يكون للتذكير أبداً. فالمضموم الأول؛ نحو قولك: قُوباءٌ، وخُشَّاءٌ فهذا ملحق بقسطاس وما كان مكسور الأول؛ نحو عِلباء وأخواته فهو مُلْحَقُ بسربالٍ وسرداح. والمفتوح الأول الذي لا يكون مذكرا فنحو قولهم: حَمْراءُ وصَفْراءُ، وصَحراءُ".

قال محمد بن يزيد: واعلم أنَّ ألِف (حمراء) وأخواتِها التي أبدلَتْ منها الهمزة هي الألف التي في "حُبْلَى" و"سَكْرَى" إلا أن قبل تلك الألف ألفا، فلو حذفتها لالتقاء الساكنين لذهبت العلامة، وصار الممدودُ مقصوراً، ولكنك لما حركتها صارت همزةً، ولست تَقْدِرُ في الألف - إذا حركتها - على غير ذلك؛ لامتناع الطاقة أنْ يكون إلا ذلك فيها". * * * والنَّفْسُ - إذا أردت بها الإنسان بعينه مُذكرٌ، وإن كان لفظه لفظ مؤنث، ويُجمع: ثلاثة أنفسٍ على معنى: ثلاثة أشخاص. أنشدنا الفراءُ:

ثلاثة أنفس وثلاثُ ذودٍ ... لقد جار الزمان على عيالي فحمله على معنى ثلاثة أشخاص، وأنشد أيضاًك فكان مجني دون من كنتُ أتقى ... ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصرُ

فحمله على معنى: ثلاث أنفس. والنفس - إذا أريد بها الروحُ فهي مؤنثةٌ لا غيرُ، وتصغيرها نُفَيسة قال الله جل ثناؤه: (الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ). * * * و"طباعُ الإنسان" يُذكرُ ويؤنثُ، والتأنيثُ أكثر فيه. يقال: إن طباعه لكريمةٌ، وهو واحد مثل النجار إلا أن النجار ذكر. * * * و"الحالُ" حالُ الإنسان: أنثى، وأهل الحجاز يُذكرونها،

وربما قالوا: حالة بالهاء. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: على حالةٍ لو أن في القوم حاتماً ... على جوده لضن بالماء حاتم والحالُ من كل شيء مذكرٌ. يقال للدراجة التي يتعلمُ عليها الصبيانُ المشي: حالٌ. قال الشاعر: ما زال ينمى جده صاعداً ... مُذْ لَدُ أنْ فارقه الحالُ والحالُ حمأةُ البحرِ. جاء في الحديث (أن فرعون لما غرق أخذ جبريل من حال البحر فسده في فمه. يعني من حمأة البحْر، وطينه، ويقال: وضع فلان اللبد على حال متنِ الفرسِ. قال امرؤ القيس:

كُميتٍ يزل اللبدُ عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزلِ وقال السجستاني: كان أبو زيد يقول كثيراً: في الجسد أربعةُ أشياء تُذكر وتؤنث: الذراع، واللسان، والعُنُق، والقفا.

باب ما يذكر ويؤنث من سائر الأشياء

باب ما يُذكر ويؤنث من سائر الأشياء من ذلك "السُّلْطَانُ" يذكر ويؤنث. تقول: قضَتْ به عليك السلطان، وقد أخذتْ فلاناً السلطانُ. أخبرنا بتذكيره وتأنيثه أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وأبي عن محمد بن الحكم عن اللحياني، وعبد الله عن يعقوب، وقال يعقوب: التأنيثُ أكثرُ عند الفصحاء، وقال السجستاني: سمعت من أثقُ بفصاحته يقول: أتَتْنَا سُلطانٌ جائرةٌ قال: وأما ما جاء في القرآن فمذكرٌ كله يُرادُ به الحجةُ؛ كقوله جل ثناؤه:

(أو ليأتيني بسلطانٍ مبينٍ)، وقوله: (وما كان لي عليكم من سلطانٍ). قال السجستاني: أظنه من التسليط من الإمارة والولاية. قال جحدر السعدي في تأنيث السلطان: أحجاجُ لولا الملكُ هنتَ وليس لي ... بما جنت السلطان منك يدان وقال العماني في تذكيره: أو خفتَ بعض الجور من سلطانه ... فدعه ينفذْهُ إلى أوانهِ والسلطانُ يكون واحداً وجمعاً. قال أبو النجم العِجْليّ في الجمع: عرفتُ والعقلُ من العرفانِ ... أن الغنى قد سُد بالحيطان

إن لم يُغثْنِي سيدُ السلطان يريد: سيد السلاطين، وهو الخليفة. * * * و"السَّرَاوِيلُ": قال السجستاني: السراويلُ مؤنثة، لا نعلم أحداً ذكرها. قال: وبعضُ العرب يظن السراويل جماعةً، لأن وزنها وزْنُ الجماعة. قال: وسَمِعْتُ من الأعراب مَنْ يقول: شراويل، بالشين معجمةً. كأنه سمعه بالفارسية، وهو لا يعرفه فحكاه، وقال أبو هفان عن البصريين: السراويل يُذكر ويؤنث. قال: ويقال: هو السراويل، وهي السراويل، وأنشد في التأنيث لقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري:

أرَدْتُ لكيما يعلم الناس أنها ... سراويلُ قيس والوفود شهودُ وألا يقولوا: غاب قيس وهذه ... سراويلُ عادي نمته ثمودُ وأنشد في التذكير للفرزدق بقوله في كريد بن الفزرِ وكان لجبلُ مثله في العظم: رأيت كريدا خَلْقُه مثل خُلْقِهِ ... إذا قسته فالزائد الوصف ناقص سراويله ثلثا عشير مقدرٌ ... وسرباله أضعافه وهو قالص وباعان مشبوران أحمال سيفه ... وفي درعه درعُ الطويل دخارصُ قال أبو هفان: أراد: خلقه ضخْم كخلقه، وأراد بعشير ثوبا من عشر أذرع؛ كما قال عمر بن الخطاب - رحمه الله عليه -: بلبيسٍ أو خميسٍ. أراد بخميس ثوباً من خمسة أشبار؛ لأنه خفف عن المسلمين في الصدقة لما قال: لبيسٌ علمنا أنه أراد بخميسٍ الأشبار، وقال قوم: لما أتى بلبيس أتبع بخميس؛ كما قالوا:

حياك الله وبياك. وفي حياك الله وبياك ثمانيةُ أقوال قد ذكرتُها في كتاب (الزاهر). وقال عروة بن حزام في تأنيث السراويل: فما لكما من حاديين رميتما ... بحمى وطاعون ألا تقفان وما لكما من حاديين كسيتما ... سراويل مغلاةً من القطران * * * و"السُّلَّمُ" قال الفراء: هو ذكرٌ، واحتج بقول الله جل ثناؤه:

(أم لهم سُلمٌ يستمعون فيه). قال: وقد أنشدتْ بيتا في تأنيث السلم، وحدثني بعض أصحابنا قال: سمعت أبا سعيد الغاضري يقول. أو قال: قال الغاضري: البيت الذي نسيه الفراء قول الشاعر: لنا سلم في المجد لا يرتقسونها ... وليس لهم في سورة المجد سُلمُ والبيت لأوس بن مغراء، وينشد في تذكيره: الشعر صعبٌ وطويلٌ سلمُهُ ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه زلتْ به إلى الحضيض قدمهْ ... يريدُ أنْ يعربَهُ فيعجمُهْ * * * و"السِّكِّين" قال السجستاني: هو مذكرٌ. قال: وسألت أبا زيد

الأنصاري، والأصمعي، وغيرهم من أدركنا فكُلُّهم يُذكره، ويُنْكِرُ التأنيث. قال: وأنشدني الأصمعي للهذلي: يُرَى ناصِحاً فيما بدا فإذا خلا ... فذلك سكينٌ على الحلق حاذقُ وقال أبو هفان: قال لي أبو عمر الجرمي في تذكير (حاذق) هذا؛ كما تقول: شفْرَةٌ قاطعٌ، وحاذِقٌ، وامرأة حائضٌ وعاقِرٌ. قال أبو بكر وهذا عندي ليس بمنزلةِ ذلك؛ لأن الحيض لا يكون إلا للنساء، والحِذْقُ يكون للمذكرِ والمؤنث؛ فلابُد فيه من الهاء إذا وُصِفَ به المؤنثُ،

وهذا البيت يدل على تذكير السكين، وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: السكين ذكر، وقد أُنث، وأنشد في التأنيث: فعيث في السنام غداة قُرٍّ ... بسكينٍ موثقةِ النصابِ [فعيث: فأفسد]. وأنشد في التأنيث أيضاً: إذا عرضتْ منه عناقٌ رأيتهُ ... بسكينه من حولها يتلهفُ يلوذ بها عنْ عينها لا يروعُها ... كأنه عن حوبائه الموت يصرِفُ وحدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب، وحدثني أبي عن محمد ابن الحكم عن اللحياني قال: السكينُ تُذكر وتؤنث. قال اللحياني: ولم يعرف الأصمعي في السكين والسراويل إلا تذكير السكين، وتأنيث السراويل. * * * و"الطِّسْتُ" قال الفراءُ: كلام العرب الطسة قال: وقد يقال:

الطس بغير هاءٍ، وهي في الوجهين مؤنثة. قال: وبعض أهل اليمن يقول: الطست؛ كما قالوا في اللص: لِصْتُ. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: فتركن نهدا عُيلاً أبناؤها ... وبنى كنانة كاللصوتِ المُردِ

وأنشد أبو الحسن بن البراء: دعتْ أم غنم شر لصتٍ علمتُهُ ... بأرض ثمود كلها فأجابها وقال: أبو هفان: الطسْت تُذكر وتؤنث، فيقال: هي الطسة، وهو الطسة، وهي الطستُ، وهو الطسْتُ، وقال: أنشدني التوزِي في تذكيره: وهامةٍ مثل طستِ العرسِ ملتمع ... يكادُ يخطفُ من إشراقه البصرُ قال: أنشدني في تأنيثها لعمرو بن شأس: رجعتُ إلى صدرٍ كطسةِ حنتمٍ ... إذا قُرِعَت صِفْرَا من الماء صلتِ

وقال أبو زيد: يقال: هي الطسَّةُ، والطسَّةُ- بالفتح والكسر، وقال السجستاني: "الطستْ: مؤنثة أعجمية معربة. يقال: طَسٌّ، وطَسّةٌ، وطسْتٌ، ويقال في التصغير: طُسَيْسَة، وفي الجمع: طَسّاتٌ، وطساس". وحدثني أبي عن ابن الحكم عن اللحياني أنه قال: الطسْتُ: تُذكرُ، وتؤنثُ. وقال السجستاني: لا يقال: في السكين: سكينة، وقال أبو هفان: أنشدني التوزي عن الكسائي. الذئب سكينتهُ في شدقهِ ... ثم قرابا نصلها في حلقهِ قال: أراد بقرابيها غلافها ونصابها. * * * و"الْقِدْرُ" أنثى. يقال في تصغيرها: قُدَيرة. قال الفراء:

وبعض قيس يُذكرها. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا سلمة عن الفراء: بقِدْر يأخذ الأعضاء تما ... بحلقتِهِ ويلتهم الفقارا ويروى بجملته، والجملة: جملة الجذور، ويلتهم: يبتلع. * * * و"الْمُلْكُ" يُذكر ويؤنثُ. يقال: هو الْمُلْكُ، وهي الْمُلْكُ، فإذا أنَثُّوا ذهبوا إلى معنى الدولة والولاية. قال ابن أحمر في التأنيث:

بنت عليه المُلكُ أطنابها ... كأسٌ رنوناةٌ وطرفٌ طمر وقال الآخر في التأنيث أيضاًك أقولُ: لما هلكتْ مُلْكُهُ ... للحُر من عبدٍ هجين الولادِ

أخبرني أبي عن أبي هفان قال: أراد بقوله: للحُرِّ: الحرِّ وجهه؛ كما تقول لليدين وللفم، وقال الآخرُ في التذكير: فملك أبي قابوس أصبح قد نجز * * * و"السَّبِيلُ" يُذكَّرُ ويؤنث. قال لله جل ذكره: (قُلْ هذه

سبيلي)، فأنث، وقال: (وإنْ يرو سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً)، وفي قراءة أبي: لا يتخذوها سبيلاً، (وإنْ يروا سبيل الغي يتخذوها سبيلاً)، وقال جل ثناؤه: (وكذلك نُفصل الآيات، ولتستبين سبيل المجرمين)، وكان ابن كثير، وأبو عمرو يرفعان السبيل ويقرءان: (ولتستبين) بالتاء، فيؤنثان السبيل، وكان عاصم والأعمش وحمزة والكسائي يقرءون: (وليستبين سبيلُ) بالياء مع رفع السبيل، فيذكرون السبيل. قال الشاعر: فلا تبعد فكل فتى أناس ... سيصبح سالكاً تلك السبيلا

وقال سابق: يا نفس إن سبيل الرشد واضحةً ... منيرةٌ كبياض الفجر غراءُ * * * و"العَنْكَبُوتُ" تُذكرُ وتؤنثُ. قال الله عز وجل: (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً)، وقال الهاشمي في التأنيث: وكل الله للضياع فضاعوا ... أهل بيت تسوسه العنكبوت

وقال الكميتُ بن زيد الأسدي: ومنهلٍ أقفر إلا العنكبا ... فقدْ هتكنا بيتها المطنبا وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أنشدني بعض العرب: على هطالهم منهمْ بيوتٌ ... كأن العنكبوت هوابتناها الهطال: اسمُ جبلٍ، وأنشدنا عبد الله بن الحسن، قال: أنشدنا سلمة: كأن نسج العنكبوتِ المُرْمَلِ

فهذا البيتُ لا يوجبُ تذكير العنكبوتِ؛ وذلك أن المرمل ليس هو نعْتاً للعنكبوت في الحقيقة، وإنما هو نعتٌ للنسج خُفِضَ على الجوار للعنكبوت؛ كما قالوا: هذا جُحْرُ ضب خَرِبٍ، فخفضوا خربا على الجوار للضب، وهو في الحقيقة نعتٌ للجُحْرِ. وأنشدنا أبو العباس: تُريك سُنة وجه غير مطرفةٍ ... ملساء ليس بها خالٌ ولا ندبُ أراد غير مقرفة؛ لأنه نعتٌ للسنة، فخفضه على الجوار للوجه، وكذا حكى الفراء بخفض (غير). قال الفراء: قلت لأبي ثروان، وقد أنشدني هذا البيت بخفض (غير): كيف تقول: تُريكَ سُنَّةً غير مُقْرِفةٍ؟ قال: تريك سنَّةً غيرَ مُقرفة قال: فقلت له: فأنشدْ، فخفض (غير). قال: فأعَدْتُ القَوْلَ عليه، فقال: الذي تقولُ أنت أجْودُ من الذي أقول أنا، وكان إنشاده على الخفض. وقال أبو النجم في تذكير العنكبوت: مما يُسدى العنكبوتُ إذ خلا وقال السجستاني: أظنه ذكر؛ لأن المعنى: إذ خلا الموضع أو المكان.

جمعها: عناكب، وعناكيب، وعنكبوتات، وعناكٍ، وعكابيتِ. قال الفراءُ: وزنُ عنكبوت: فَعْلَلُول، وإن شئت لقبت العنكبوت فنْعلوتا؛ لأن الواو والنون والتاءُ مما قد يزاد. قال: وتجمعه حينئذ: عناكب، إذا جعلت الواو زائدة. قال: والتاءُ ليست - وإن كانت

زائدة - بتاء تأنيث. قال: وإن جعلت أصل التاء للتأنيث كانت بمنزلة طاغوت وحانوت. فجاز أن تقول: عناكي، بالياء، كما تقول: الطواغي، والحواني. قال: وإذا تُوُهم أن التاء من طاغوت، وعنكبوت ليست بتاء تأنيثٍ جمعتها الطواغيت، وجاز في العنكبوت: العكابيت، فتُلقى النون إذا شئت، والتاء إذا شئت، وقال الفراء: التأنيثُ في العنكبوت أكثرُ من التذكير. وحدثني أبي قال: حدثنا محمد بن الجهم. قال: قيل للفراء: أسمعت في جمع عنكبوت: عناكبيت، فقال: لا. * * *

والهُدى يُذكرُ، ويؤنث. قال الفراء: بنو أسد يؤنثونه، فيقولون هذه هُدىً حسنة. * * * و"سُرَى الليل" قال الفراءُ: هي مؤنثة، وحدثني أبي عن

ابن الحكم عن اللحياني، قال: هي مؤنثة، وقال السجستاني: السُّرى تُذكر وتؤنث، وقال: سمعت من أعراب بني تميم من ينشد: إن سُرى الليل حرامٌ لا تحل وأما قول لبيد: قلتُ: هجدنا فقد طال السرى ... وقدرنا إن خنى الدهر غفل فقد يجوز أن يكون ذكر (طال)؛ لأن السُّرى عنده مذكرٌ، ويجوز أنْ يكون ذكر (طال) والسرى عنده مؤنث حملاً على معنى:

فقد طال السير، كما قال جل وعز: (فمن جاءه موعظةٌ من ربه) فذكر الفعل؛ لأن المعنى: فمن جاءه وعظٌ من ربه. والسُّرى: سيْرَ الليلِ دُونَ النهار، والسير يكون بالليل والنهار، ويقال: قد سرى القوم، وأسْرَوْا، وقد سريت وأسْريت. قال الله جل ثناؤه: (فأسْر بأهْلِكَ بِقِطْع من الليل)، فقرأ العراقيون: (فأَسْرِ بأهلك) بقطع الألف من أسريت، وقر المدنيون والمكيون فأسر بحذف الألف في الوصل من سريتُ. قال النابغة في سريت: سرتْ عليه من الجوزاء ساريةٌ ... تُزجى الشمال عليه جامد البردِ وأنشد أبو عبيدة للبيد: فبات وأسْرَى القومُ آخرَ ليلهِمْ ... وما كان وقافاً بغير معصرِ

وقال الشماخُ، في سرى: سرتْ من أعالي حرحان فأصبحتْ ... بفيد وباقي ليلها ما تحسرا وراحتْ رواحا من زرود ونازعتْ ... زُبالة جلباباً من الليل أخضرا وقال جرير: سرتِ الهموم فبتن غير نيام ... وأخو الهموم يرومُ كل مرام وقال الأخطل: لعمري لقدْ أسريْتُ لا ليل عاجزٍ ... بساهمةِ الخدين طاوية القُرْبِ

ولو قال: لقد سَرَيْتُ جاز وكان مُزاحفا، والروايةُ: لقد أسْريت. والقُرْب: ناحية البطن. وقال نُصَيْب: أيقظان أم هب الفؤاد لطائفٍ ... ألم فحيا الركب والعين نائمة وقال الآخر: سرى همي فأمرضني ... وقدماً زادني حرضا كذاك الحب قبل اليو ... م مما يُورِثُ المرضا الحرض: زعم الفراءُ أنه الفاسدُ في جسمه وعقله، وقال الله جل وعز: (حتى تكون حرضاً)، وقال الفراء: يقال: فلان حارضٌ، وفلان حرضٌ، فمن قال: حارضٌ ثناه، وجمعه، وأنثه، فقال: فلانةُ حارضةٌ.

ومن قال: فلان حرَضٌ لم يُثَن حرضاً، ولم يجْمَعْه، ولم يؤنثه، فيقول: فلان حرضٌ، والمرأةُ حرضٌ، والرجلان حرضٌ، والمرأتان حرضٌ، والرجال حرضٌ، والنساء حرضٌ. وقال أبو عبيدة: الحَرضٌ: الذي قد أذابه الحُزْنُ، وأنشد للعرجي: إني امرؤ لج بي حب فأحرضني ... حتى بليتُ وحتى شفني السقمُ وقرأ أنس بن مالك: (حتى تكون حُرضاً)، وقال: وهو عودُ الأشنان. والحُرْضُ عند العرب: الأشنانُ، والمحْرَضَةُ: التي يجعلون فيها الأشنانُ. * * * و"الْمُوسَى" قال الفراءُ: هي أنثى. قال: أنشدني المفضل: إذا أنت أعطيت ابن أسود حقهُ ... فقام بموسى فوق أنفكَ جادِعُ

عُمانيةٍ أو ذات خلفين غربة ... مُذربةٍ قد أرهقتها المواقعُ خلفين: حدين. مُذربة محددة. أرهفتها: أحدتها. المواقع: المطارق: واحدتها: مِيْقَعة. وهي تجري ولا تجري، فمن أجراها قال: هي (مُفْعَل) من أوْسَيْتُ رأسهُ، إذا حلَقَتْهُ، ومَنْ لم يُجْرِها قال: الألف التي فيها ألِفُ التأنيثِ بمنزلة الألف في حُبْلى، وسكَرْى، ومَنْ أجْراها قال

في التصغير: هذه مُوَيْسية صغيرةٌ، ومَنْ لم يُجْرِها قال في التصغير: هذه مُوَيْسَ صغيرةٌ. ومَنْ أجْرَى المُوسَى قال في جمعها: المواسِي، ومَنْ لم يُجْرِهَا قال في جمعها: الْمُوسَيات على وزْنِ قولك: الجُبْليات. وأنشد الفراء أيضاً في تأنيثها: وإنْ كانت الموسى جرتْ فوق فعلها ... فما خُتِنَتْ إلا ومصانُ قاعدُ وقال أبو هفان: الْمُوْسَى: تُذكر وتؤنث، فيقال: هو الموسى، وأنشد في تذكيره للراجز: مُوسَى الصناع مُرْهَفٌ شباتهُ وقال: سمعتُ أبا عيسى الكلابي الأعرابي- وكان ابن الأعرابي يكتب عنه- قال: رأيت التوزِيَّ يَسْتَفْصِحُه، وقال: حُكِيَ عن

بعض من غزا أعداءه فما ترك منهم غلاماً عان إلا قتله، ولا من لذعه الموسى إلا سباه، أي من بلغ الختان، وقال: يُرْوَى في الأثرِ: فانظر من جرت عليه الموسى منهم، أي من اختتن. قال: وهذا في مجُوسِ هجر الذين أسلموا مع عبد القيس؛ لأنهم كانوا أكرتهم بها. قال: وجاء في الخبر أنه لما جيء بالحجام ومعه الموسى ليختن الهُرْمُزان قال: ما هذا؟ قال له المغيرة: هذا الموسى الذي جُعل به شريعتان من شرائع ديننا: الْخَتْنُ، والْعَذْرُ. وحدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد قال: قال الأموي: الموسى: مذكر لا غيرُ. يُقال منه: هذا مُوسى كما ترى، وقد أوْسَيْت الشيء، إذا قطعته. قال أبو عبيد: ولم أسمع التذكير في الموصى إلا من الأموي. * * * والحانوت: يُذكر، ويؤنث، وأخبرنا أبو العباس عن سلمة

عن الفراء، وحدثنا عبدالله. قال: حدثنا يعقوب قالا: الحانوت: أنثى، وإن ذُكرتْ ذُهِبَ بها إلى البيت، وقال السجستاني: الحانوت: يُذكر، ويؤنث قال: وبعضُ العرب: يظن الحانوت الخَمْر، وبعضهم يظنه الخمار، وقال الهذلي، وجعله صاحب الحانوت: يُمشى بيننا حانوتُ خمرٍ ... من الخُرس الصراصرةِ القطاطِ

ويقال في النسب إلى الحانوت: حانيٌّ، وحانوتيُّ. قال علقمة ابن عبدة: كأس عزيزٍ من الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانيةٌ حومُ ومن العرب مَنْ يقول في النسبة إلى الحانوت: حانويُّ. قال الشاعر: وكيف لنا بالشرب إنْ لمْ تكن لنا ... دوانيقُ عند الحانوي ولا نقدُ

قال السجستاني: وبعضُ العرب يظن أن الحانوت الكُرْبَجُ. والكُرْبَجُ: البقال، أو صاحب الحانوت. قال: وإنما الكُرْبَجُ فارسيٌ معرب، فمنهم من يقول؛ كُرْبَجٌ، ومنهم مَنْ يقول: قُرْبَقٌ. قال الراجز: ذات النبيط تحملُ الكرابجا فجعل السقط الذي يبيعه الرجل كُرْبَجا، وقال الأصمعي: قال فلان الأعرابي: كان كثيرُ عزة كربجا، وزعم أنه كن يبيع الخبط، والنوى، والعلف ي طريق مكة في حانوت. وقال آخر في قُرْبَق بالقاف:

ما شربتُ بعد قليب القربَقِ ... بقطرة غير النجاء الأدفَقِ * * * و"الْدَّلْوُ" تذكرُ، وتؤنث. حدثني أبي عن ابن الحكم عن اللحياني أنه قال:

"الدَّلْوُ" مؤنثة قال: وبعضهم يُذكرها، وأنشد لعدي: فهي كدلو بكف المستقي ... خذلتْ منه العراقي فانجذمْ العراقي: جمْعُ عرقوة، وهو الصليب، وأنشد أيضاً لرؤية في التذكير: يعدو بدلو مكربِ العراقي وحدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد قال: الدلو: يذكر ويؤنث

وحكى ذلك عن بعض أهل اللغة، وقال أبو هفان: يقال: هو الدلو، وهي الدلو، وأنشد في التأنيث للراجز: يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيتُ الناس يحمدونكا خُذْها إليك اشغلْ بها يمينكا

المائح: الذي إذا قل ماء الركية حتى لا يمكن أن يُغترف منها بالدلو نزل رجلً، فغرف بيديه منها، فيجعله في الدلو، وجمعه: ماحةٌ. والمائحُ: المستقي. وأنشد أبو هفان في تذكير الدلو: لا دلو إلا ما ترى في حبلى ... جلدي شبوبين وفضل وصلي صعبٌ على غير شوى لمثلي [الشبوب: الثور المسن]. وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: الدلوُ: أنثى، وتصغيرها: دُلَيَّةٌ، وحدثنا عبد الله اقل: حدثنا يعقوب بمثل ذلك، وبه قال السجستاني. قال أبو بكر: فمن ذكر الدلو قال في تصغيره: دُلى فاعلم، ومن أنثه قال في تصغيره: دُليةٌ، ومن ذكر قال: عندي ثلاثة أدْلٍ، وأربعة أدْلٍ إلى العشرة، ومن أنث قال: عندي ثلاث أدلٍ، وخمسُ أدْلٍ إلى العَشْرٍ. ومن العرب مَنْ يُسمى الدلو دلاةً، فمن قال ذلك قال: عندي ثلاث دلواتٍ، وخمسُ دلواتٍ إلى العَشْرِ على وزن قولك: عندي خمسُ قطوات.

ومن العرب من يسمي الدلو الدول. ويقال في جمع الدلو في القلة: أدْلٍ وفي الكثرة الدلاء. قال أبو الأسود الدؤلي في تأنيث الدلو، وفي جمعها على دلاء: فما طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدلاء تجئك بملئها يوماً ويوماً ... بحمأةٍ وقليل ماء ويقال في جمع الدلاة: دلا فاعلم. انشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: إن دلاتي أيما دلاتي ... قاتلتي، وملؤها حياتي

وقال السجستاني: أنشدناه أبو زيد: خير دلاةٍ نهلٍ دلاتي ... قاتلتي وملؤها حياتي كأنها قلتُ من القلاتُ وقال: الدلي، والدلي: جمع دلاً، وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء ف يجمع الدلو على أدْلٍ: قد أمر القاضي بأمرٍ عدل ... أن يمخنوها بثماني أدل معنى يمخنوها: يستقون منها، ويطهرونها. ويقال في جمعه الدلى، والدلى. قال الراجز: إن لها على الطوى ذيا ... ودالجا ومائحاً قويا وعيلماً تلتقمُ الدليا العَيْلَم: البئر الكثيرة الماء.

و"الْقِمَطْرُ" قال أبو هفان: يُذكر ويؤنث، فيقال: هو الْقِمَطْر، وهي الْقِمَطر، وقال: أخبرني التوزي أن الأصمعي كان يقول: لا علم إلا ما وعاه الصدرُ ... لا خير في علمٍ حوى القمطرُ فهذا في التذكير. قال: وأنشدني الطوسي لآخر: لا خير فيما حوت القمطرُ فأنث، وقال السجستاني: قال أبو زيد: يُقالُ: هي القمطرةُ وهو القِمَطْرُ. * * * و"القَلِيب" يُذكر ويؤنث. قال أبو عبيد: قال الكسائي:

القليب: يُذكر، ويؤنث، وقال الفراء: الْقَلِيب: ذكر، ويقال في الجمع: هي الْقُلُبُ، وقال السجستاني: القليب: يُذكر ويؤنث، ويقال في جمعه: أقْلِبة، والكثيرة القُلُب، وقال: أنشدني أبو زيد: إني إذا شاربني شريبُ ... فلي ذنوبٌ وله ذنوبُ وإن أبي كانت له القليبُ ورواه الفراء: فإنْ أبيتمْ فلنا القليبُ. فأنثَ وهي لغة.

و"الذَّنُوبُ" تُذكر وتؤنث. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء عن أبي ثروان: هرقْ له من قرقري ذنوبا ... إن الذنوب ينفع المغلوبا وأنشد الفراء لآخر: على حين من تلبث عليه ذنوبه ... يجد فقدهان وفي المقام تداثُرُ

[تداثر، أي ازدحام]، ويروى: تدابر. وقال نُصيب: ففرج عني الغما وهب لي ... ذنوباً من نداك هي الذنوبُ. وقال الفراء: الذنوبُ: الدلو العظيمةُ، ويقال: الذنوب: الدلو إذا كان فيها ماءُ. والذنوب أيضاً: النصيب. قال الله تعالى: (فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم)، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: وفي كل قوم قد خبطت بنعمةٍ ... فحُق لشأس من نداك ذنوبُ أي نصيب. * * *

و"الْخَمْرُ" تؤنث وتُذكر، والتأنيث أغلبُ عليها. قال الفراءُ: هي أنثى، وربما ذكرت، وأنشد:

وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعُوليْنِ بالأحلامِ ما يفعَلُ الخمْرُ قال: هكذا أنشدني بعضهم بتذكير (يَفْعَل) قال: فاستفهمته، فرجع إلى التأنيب، فقال: تَفْعل. و"فَعولين": منصوب بكانتا. قال الفراء: وقد ذكر الأعشى الخمْر، ثم رجع إلى التأنيث فقال: وكأن الخمر العتيق من الإسْفِنْطِ ممْزُوجةً بماء زُلال. فذكر (العتيق)، وأنت (ممزوجة)، ويجوز أن يكون ذكر

(العتيق)؛ لأنه صُرِف عن معتقة إلى عتيق، فصار بمنزلة قولهم: عسلٌ معْقَدٌ، وعقيد، وبمنزلة قولهم: عين كحيل، ولحية دهين. وقال السجستاني: الخمر: مؤنثة، وقد يذكرها بعض الفصحاء. قال: سمعتُ ذلك منم أثِقُ به منهم. قال: وكان الأصمعي يُنْكِرُ التذكيرَ، فأنشدتُه قول الأعشى: وكأن الخمر المدام من الإسفنط ممزوجة بماء زُلال فأنكره؛ لأن اللغة المشهورة المعروفة تأنيثه. وقال: إنما هو: وكأن الخمر المدامة مِ الإسفنط فحذف نون (من) في الإدراج، وتلك لغة مشهورة معروفة. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا ابن شبيبٍ: لليلى بذات الجيش دارٌ عرفتها ... وأخرى بذات البين آياتها سطرُ كأنهما م الآن لم يتغيرا ... وقد مر للدارين من بعدنا عصرُ

فحذف نون (مِنْ) لما لقيتها الألفُ واللام. * * * و"الذهَب" أنثى. يقال: هي الذهب الحمراءُ. قال الفراءُ: وربما ذكر. ويقال في جمع الذهب: أذهابٌ، وذُهْبان. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: لم تبقَ مكرمةٌ يعتدها أحدٌ ... إلا التكاثر أوراقاً وأذهابا * * *

وقال أبو هفان: "المالُ" يُذكر ويؤنث، وقال: أنثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرها في كلام واحد. قال: حدثنا الحسن بن عرفة عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المال حُلْوَةٌ خضرةٌ، ونعم العون هو لصاحبه)، وأنشد للأنصاري: والمالُ لا تُصْلِحُها فاعلمَنْ ... إلا بإفسادِكَ دُنْيا ودينْ

وأنشد للأنصاري في التأنيث: المالُ تُزْرِي بأقوام ذوي حسبٍ ... وقد تُسود غير السيد المالُ و"الطريقُ" قال الفراءُ: يؤنثه أهل الحجاز، ويذكره أهل نجد، والتذكير فيه أكثرُ من التأنيث، وأجْوَدُ، وبذلك نزل القرآنُ قال الله تعالى: (يهدي إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيمٍ) فذكر، وقال في وضع آخر: (فاضربْ لهم طريقاً في البحر يبساً)، وقال السجستاني: قوم يؤنثون، فيقولون: الطريق الوسطى، والطريقُ القريبة والبعيدةُ، وقال: قولهم: فلانٌ حسنُ الطريقة، معناه: الْمَذْهَبُ

ويقال: في اللحم طريقةٌ من الشحم، وقال أحمد بن عبيد: لم نسمع تأنيث الطريق إلا في قول ابن قيس الرقيات: إذا مت لم يوصل صديقٌ ولم تقمْ ... طريقٌ إلى المعروف أنت منارها تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفرٍ ... سواءٌ عليها ليلها ونهارها ووالله لولا أن تزورا ابن جعفرٍ ... لكان قليلاً في دمشق قرارُها و"الصراط" مُذكرٌ، وأنثه يحيى بن يعمر. قال السجستاني: ذكر يعقوب الحضرمي عن عصمة بن عزرة الفقيمي أن يحيى بن يعمر قرأ: (من أصحابُ الصراطٍ السوي ومن اهتدى)، فضم السين،

وشدد الواو، وفتحها، وجعل آخر الحرْفِ حرْفَ التأنيث مثل العليا، والدنيا، فيجوز أنْ يكون السُّوَّى على قراءة ابن يعمر الفُعلى من قوله: (عليهم دائرة السوء)، ويكون الأصل فيه: السوءى بالهمز؛ كما قال تعالى: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى)، فلينوا وأبدلوا منها الهمزة وأبدلوا منه واواً. كما قالوا: سوءة. ثم أبدلوا من الهمزة واواً، فقالوا: سوة ولا نعلم أحداً من العلماء باللغة حكى تأنيث الصراطِ فإنْ صحتْ هذه القراءةُ عن ابن يعمر ففيه أعظم الحجج، وهو من أجلاء أهل اللغة والنحو.

وكتابُ الله - جل ثناؤه- نزل بتذكير الصراطِ، وكذلك هو في أشعار العرب. قال الله جل وعز: (أهدِكَ صراطاً سويا). وقال تعالى: (هذا صراطٌ عليّ مستقيمٌ)، وقرأ ابن سيرين قال: (هذا صراطٌ علي مستقيمٌ): وقال جرير: أمير المؤمنين على صراطٍ ... إذا اعوج الموارد مستقيم ويجوز على قراءة ابن يعمر أن تكون (السُوَّى) فُعْلَى من السواء. وقال السجستاني في كتاب القراءات: زعموا أن بعض العرب يؤنثُ الصراط. وقال الفراء: يقال في جمع الصراط في القلة: أصْرِطة، وفي الكثرة: سُرُطٌ.

وقال ابن السكيت: يقال في جمع الطريق على التذكير: ثلاثة أطرقةٍ، والطرقُ الكثير. قال: والطروقُ الكثيرة، وطرقات سمعتها من العرب جمع الجمع. قال: ومن أنث الطريق جمعه أطرقا؛ كما جمعوا العناق الأعنق. قال: وإن شئت أنثتها، وجمعتها الطرق. قال: ولو جمعتها الطروق مثل العنوق لكان صواباً. قال: والسبيلُ يقال في جمعه: أسبلٌ، وسبل. قال: وإذا كانت مؤنثة جُمعت السبول؛ كما قالوا: العُنوق. و"العُرُوسُ" يُذكر ويؤنث. حدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد

أنه قال: العرس: يذكر ويؤنث، وحكى ذلك عن بعض أهْلِ اللغة، وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وحدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب قالا جميعاً: العُرُس: أنثى. تصغيرها: عُرَيسٌ، وعريْسَةٌ، وقال يعقوب: يقال في جمعها: عُرسُاتٌ، وأعْرَاسٌ. وقال السجستاني: العُرُس: مؤنثةٌ. يقال: شهدنا عُرُساً طيبةً، وقال أنشدنا أبو زيد في ذلك: إنا وجدنا عُرُسَ الحناطِ ... مذمومةً كثيرةَ الحُواطِ قال: وقالوا: رجلٌ عروسٌ، وامرأة عروسٌ؛ لأن (فعولا) يكون للرجل والمرأة في الصفات؛ كما قالوا: رجلٌ شكورٌ، وامرأةٌ شكورٌ.

والعُرُس: طعام الزفاف، والوليمة: طعام الإملاك. والخُرْسُ: طعام النفاس، والنقيعة: طعام القادم، والعقيقةُ: طعام حلق الشعر، والوكيرةُ: طعامُ بناء الدار، والعذيرةُ والإعذارُ طعام الختان، والمأدبةُ: طعامُ

الدعوة التي يصنعها الرجل لإخوانه. * * * والعسلُ: قال أبو عبيد: قال أبو عمرو: العَسَلُ: يُذكر ويؤنث. قال: وقال الشماخ: كأن عيون الناظرين يشوقها ... بها عسل طابت يدا من يشورها يقال: شُرْتُ العسل: إذا أخذته، ويروى: تشوقهم. يعني المرأة. * * * و"النَّعَمُ": قال أبو عبيد: قال الكسائي: يُذكر ويؤنث. قال:

أنشدنا الكسائي، وأبو الجراح، أو أحدهما: أكل عام نعمٌ تحوونَهُ ... يلقِحُهُ قومُ وتنتجونه

و"الأنْعامُ" قال السجستاني: قال يونس والأخفش: والأنعام: تُذكرُ وتؤنث، فيقال: هو الأنْعَامُ، وهي الأنْعَامُ. قال الله تبارك

وتعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه) فذكر، وقال في سورة المؤمنين: (مما في بطونها). ففي تذكير الهاء أربعةُ أقوال: قال الكسائي: ذكر الهاء على معنى مما في بطون ما ذكرنا، واحتج بقوله تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء ذكرهُ) على معنى: فمن شاء ذكر ما ذكرنا. وقال الفراء: ذكر الهاء؛ لأنه ذهب إلى معنى النعم؛ لأن النعم والأنعام بمعنى. وقال يونس والأخفش: ذكر الهاء في موضعٍ وأنثها في آخر؛ لأن الأنْعام تُذكرُ وتؤنث. وقال أبو عبيدة: ذكر الهاء لأنه ذهب إلى البعض. كأنه قال: نُسْقِيكُمْ مما في بطون أيها كان ذا لبن؛ لأنه ليس لكُلِّها لبنٌ. حكى ذلك

أبو عبيد عن أبي عبيدة، وأنكر السجستاني على أبي الحسن الأخفش، على يونس قولهما: الأنعام تذكر وتؤنث، وقال: تذكيرُ الأنعام لا يعرفُ في الكلام، ولكن إنْ ذهب إلى النعم فجائز. كما قال تعالى: (فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين) [جمع] على معنى (أحدٍ) لأنه في معنى الجمع. قال السجستاني: وقال قوم: لما كانت النعامُ تجمع أناعيم. أشبهتْ الواحد. قال: وهذا ليس بشيءٍ لأن الأكرُعَ تُجمعَ أكارِعَ،

والأيدي تجمع أيادي؛ فينبغي لقائل هذا أن يزعم أن الأكرعُ مذكرة، أو يجو فيهما التذكير والتأنيث. قال: وليس ها هنا شيءٌ أسلمُ من أنه ذهب إلى معنى النعم، والنعم مذكرٌ، وهذا هو قول الفراء، وسمعت أبا العباس يقول: النعم والأنعامُ بمعنى. قال: وقال غيره من أهل اللغة: الأنعام: الإبل والغنم والبقر، والنعمُ: الإبل. وقال قومٌ: الغنمُ والإبلُ، والبقرُ يقال لها: نعمٌ، وإن انفردتْ الإبلُ قيل لها: نَعَم، وإن انفردت الغنمُ والبقر لم تسم نعما، وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال: النَّعَمُ: ذكرٌ. يقال: هذا نعمٌ واردٌ. * * *

و"السلاح" يُذكرُ ويؤنث. قال الفراء: سمعت بعض بني دُبَير يقول: إنما سثمى جدُّنَا دُبَيْرا؛ لأن السلاح أدْبَرَتْه، أي تركت في ظهره دبرا. حكى الكسائي والفراءُ وأبو عبيد ويعقوب أن السلاح يُذكرُ ويؤنث، وقال السجستاني: أخبرني بالتذكير والتأنيث أبو زيد وغيره، وأنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب للطرماح، وذكر ثورا: يهز سلاحاً لم يرثها كلالةً ... يشُك بها منها أصول المغابن

وقال السجستاني: قول الله جل ثناؤه: (وليأخذوا أسلحتهم) يدل على تذكير السلاح؛ لأنه بمنزلة متاع وأمتعة، وقال أبو زيد: من العرب من يقول: لبس القومُ سلُحَهم، والقوم سَلِحُون، أيْ معهم السلاحُ؛ كقولك: القومُ نابلون، أي معهم النبل، وقالت امرأةٌ من العرب: هاتوا سُلُحَ بني، وقال دبيرُ تصغيرُ أدبر على قول من قال في تصغير أبْلقَ: بُليقٌ، وفي تصغير أسود: سُويدٌ، يقال في مثل للعرب: يجري بُلَيْقٌ ويُذمُّ، وأكثر ما يقال في تصغيرهما

أبيلق، وأسَيْوِد وأُسَيِّدٌ، والحذْفُ في جميع هذا الباب جائز، ويجوز أن يكون دُبَيْر تصغير دَبِر. يقال: بعير دَبِرٌ وأدْبَر. * * * و"دِرْعُ الحديد" حدثني أبي عن ابن الحكم عن اللحياني أنه قال: يُذكر ويؤنث، فأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء

قال: دِرْع الحديد أنثى، وقال السجستاني: درع الحديد مؤنث، وقد ذكر قومٌ فصحاء من بني تميم الدرع قال: والتأنيث الغالبُ المعروف، والتذكير أقلهما، وهو معروف، ولكن الكلام درعٌ مفاضةٌ، ودرعٌ سابغةٌ، وفضفاضةٌ، وملساءُ وصوليةٌ. قال الشاعر: ومفاضةٍ زعفٍ كأن قتيرها حدقُ الأساودْ القتير: رؤوسُ المسامير، والأساود: حيات. يقال لواحدها: أسودُ سالِخٌ. قال أوسُ بن حجر الأسيدي: وأملس صوليا كنهى قرارةٍ ... أحس بقاع نفح ريح فأجفلا وقال السجستاني: أنشدنا أبو زيد والأصمعي لأبي الأخزر الحماني في تذكيره:

مُقَلِّصَا بالدرعِ ذي التغضُّنِ وقال أبو هفان: أنشدني الجرمي عن أبي زيد لأعرابي في تأنيثها: كأنما في درعه مزروره ... ضراغامةٌ يخشى العدي زئيره وحدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب عن أبي عبيدة أنه قال: درعُ الحديد: تُذكرُ وتؤنث. قال: وأنشد هو وأبو زيد في التذكير بيت أبي الأخزر. * * * و"اللَّبُوسُ" قال الفراء: إذا نويت بها دِرْعَ الحديد خاصةً أنثت

فإن كان اسماً عاماً للناس فهو ذكر، وكذلك قال يعقوب، وأنشدنا المروزي، للعباس بن مرداس: فجئنا بألفٍ من سُليم عليهمٍ ... لبوسٌ لهم من نسج داود رائع وقال أبو عبيدة في اللبوس: السلاحُ كلها من درع إلى رمح إلى ما أشبهها، وأنشد لكعب بن زهير: شم العرانين أبطالٌ لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل وأنشد أبو عبيدة أيضاً لأبي كبير الهذلي: ومعي لبوس للبئيس كأنه ... روقٌ بجبهة ذي نعاج مجفل

اللبُوسُ: اللباسُ، والروْقُ: القَرْنُ في جبهته، وذو نعاج: ثور وحشي. يقال لبقرٍ الوحش: النعاج. قال الأصمعي: فأراد أنه في صلابته كالقرْنِ في صلابته. وقال السجستاني: اللبوس: مذكر وهو اسم عام للسلاح، وربما أنثوا اللباس يذهبون بذلك إلى الدرْعِ، وتقرأُ هذه الآية على ثلاثة أوجهٍ: (وعلمناهُ صنعة لبوسٍ لكم، لتحصنكم من بأسكم). قرأ نافع، وابن كثير، ويحيى، والأعمش، وأبو عمرو، وحمزة والكسائي: ليحصنكم بالياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر: لتحصنكم بالتاء، وقرأ شيبةُ وعاصم: لنُحْصِنَكُمْ بالنون، فقال الفراء: من قال: ليحصنكم بالياء كان لتذكير اللبوس، ومن قال: لتُحصنكم بالتاء ذهب إلى الصنعة قال: وإن شئت جعلته لتأنيثِ، الدرع؛ لنها هي اللبوس. قال: ويجوز لمن قرأ: ليُحصنكم بالياء أن يجعل الفعل لله عز وجل، أي ليحصنكم الله من بأسكم ومن قرأ لنحصنكم بالنون أراد لنصحنكم نحن، ويجوز عندي وجهان آخران: وهو أن يكون الفِعْلُ- إذا ذُكِّرَ - لداود صلى الله عله وسلم؛ لأن ذِكْرَه قد تقدم،

ويجوز أن يكون الفِعْل- إذا أُنِّثَ - للدُّرُوع، أي لتحصنكم الدروع من بأسكم. * * * و"السُّوقُ" تُذكرُ وتؤنثُ. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء حدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد، وحدثنا عبد الله قال:

حدثنا يعقوب قال الفراء ويعقوب: السوق: أنثى، وربما ذكرت والتأنيب أغلب؛ لأنهم يحقرونها: سويقة، وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: السوق أنثى، وقد تذكر قال: وأنشدنا: بسوقٍ كثير ريحه وأعاصرهْ وحدثني أبي عن ابن الحكم عن اللحياني أنه قال: السوقُ: يُذكر ويؤنث وقال السجستاني: السوقُ مؤنثةٌ وقد تذكر. قال: والتأنيثُ أغلبُ عليها؛ لأنه يقالُ: سوقٌ نافقةٌ، وكاسدةٌ وقال: أنشدنا أبو زيد الأنصاري: وركد السب فقامت سوقه ... إذا مُباذٍ علقتْ علوقُهُ وقولهم: رجلٌ سوقةٌ ليس هو من هذا في شيء؛ لأن العامة تخطيءُ فتظن أن السوقة والسوق أهل الأسواقِ، وليس كذلك. إنما السوقة عند العرب: كل مَنْ لم يكنْ ملكا. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوبُ عن الأحمر:

ما كان من سوقةٍ أسقى على ظمإ ... خمرا بماء إذا ناجودها بردا من ابن مامة كعب ثم عى به ... زو المنية إلا حرة وتهدى وقال زهير: يطلب شأو مر أين نال سعيهما ... سعى الملوك وبذا هذه السوقا * * *

"الصاعُ" قال الفراء: أهلُ الحجاز يؤنثونه ويجمعون ثلاثها إلى عشرها: أضؤعا، ويجمعون الكثيرة: الصيعان. قال: وأسدٌ وأهلُ نجدٍ يذكرونه. ويجمعونه أصواعا. قال: وربما أنثها بعض بني أسدٍ، وكذلك قال يعقوب. وإنما جمعوا الصاع أصواعا إذا

ذكروه؛ لأنهم شبهوه بثوبٍ وأثواب، وجمعوه إذا أنثوه أصؤعا؛ لأنهم شبهوه بدار وأدؤر. وقال السجستاني: العامة تُخْطِيءُ في جمع هذا فتقول: ثلاث آصُع وهذا عندي - وإن لم يكن سمع من العرب فليس بخطأ في القياس؛ لأن العرب تنقل الهمزة من موضع العين إلى موضع الفاء. فيقولون في جمع البئر: أبآر، وآبار. قال السجستاني: أنشدنا أبو زيد: شريتُ غلاماً بين حصنٍ ومالكٍ ... بأصواع تمرٍ إذ خشيتُ المهالكا * * * و"الصُّواع" قال قوم: هو يُذكر ويؤنثُ، واحتجوا في التذكير بقوله تعالى ذكره: (ولمنْ جاء به حملُ بعيرٍ)، واحتجوا في التأنيث بقوله عز وجل: (ثم استخرجها من وعاء أخيه)، وقال أبو عبيد:

أنا لا أرى التذكير والتأنيث اجتمعا في اسم الصواع، ولكنهما عندي إنما اجتمعا لأنه سُمى باسمين: أحدهما مذكرٌ، والآخر مؤنثٌ، فالمذكر الصُّواعُ، والمؤنث السقايةُ. قال: ومثلُ ذلك: الخوانُ، والمائدة، وسنان الرمح، وعاليته. واختلف الناس في معنى الصواع: فحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس الأنصاري عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الصواع: جامٌ كهيئة المكوك من فضة كانوا يشربون فيه في الجاهلية. قال: وكان للعباس واحد منها، ويروى عن ابن عباس أنه قال: هو إناءُ الملك، وقال عكرمة: الصواع: الطرجهالة، وقال غيره: الصواعُ: المكوكُ الفارسي الذي يلتقى طرفاه. وفيه أربعُ لغات: صواعٌ، وصوْعٌ، وصاعٌ، وصوْع.

فالصواع عليه الناسُ. وأخبرنا الهاشمي قال: حدثنا القطعي قال: حدثنا سليمان بن داود عن هشيم عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم عن أبي هريرة أنه قرأ: (نفقدُ صاع الملك) بألف. وحدثنا ابن ناجية قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا أبو ثميلة يحيى بن واضح قال: حدثني عبدُ المؤمن بن خالد قال: حدثني غالب الليثي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها: (نفقدُ صوغَ الملك) قال: وكان صيغَ من ذهبٍ وفضة، وحدثني أبي قال: حدثنا أبو منصور قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم عن أبي الأشهب عن أبي رجاء أنه قرأها: (صوع الملك) مفتوحة بغير ألف. * * * و"السَّلْم" الصُّلْحُ يُذكرُ ويؤنثُ. حدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد أنه قال: السلم، والسلم يُذكران ويؤنثان. قال زهير في التذكير:

وقد قلتما إنْ نُدرك السلم واسعاً ... بمالٍ ومعروفٍ من القول نسلمِ وأنشد أبو هفان في تذكيره: هو السلمُ إنْ لمْ يحدث الله قوةً ... وينصفني السلطانُ والله أنصفُ

وقال أبو هفان: أخبرني الجرمي عن أبي زيد قال: تقول العرب: بيننا سلم دماجٌ، أي سِلْمٌ محكمٌ فعالٌ من أدمج، إذا شد فتله. وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وحدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب قالا: السلمُ: أنثى، واحتجا بقول الله تبارك وتعالى: (وإنْ جنحوا للسلم فاجنحْ لها) قالا: إن شئت جعلت الهاء للسلْم، وإن شئت جعلته لتأنيث الفعلة؛ كما تقول للرجل يَعُقَ أباه: لا يُفلح بعدها، أي بعد الفَعْلة. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وعبد الله قال: أنشدنا يعقوب: فلا تضيقن إن السلم واسعةٌ ... ملساء ليس بها وعثٌ ولا ضيقُ وقال السجستاني: السِّلْمُ والسَّلْمُ يُذكران ويؤنثان، وقال: سَمِعْتُ أبا زيد الأنصاري يقول: سمعت من العرب من يقول: (وإنْ جنحوا للسلْم فاجنُحْ له)، بضم النون، و (له) على التذكير، ولم يقل: لها. قال أبو بكر: وضم النون لغة معروفة.

حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا العباس عن الأشهب العقيلي: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) بضم النون. وقال ابن هرمة: ومكاشح لولاك أصبح جانحاً ... للسلْم يرقى حيتي وضبابي والسلم - بكسر السين-: الإسلام. قال تعالى: (ادخلوا في السلم كافة) ويقال: رجلٌ قديم السلم أي الإسلام. * * *

و"سِقْطُ النارِ" قال الفراء: يؤنث ويذكر، وقال أبو عبيدة: في سَقْطِ النار، وسِقْطِ الولد، وسِقْطِ اللوى من الرمل ثلاث لغات: سِقْط وسَقْط، وسُقْط بالضم، والفتح، والكسر. قال امرؤ القيس: قفا نبكِ منْ ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومَلِ * * *

و"الإزار" يذكر ويؤنث. حدثني أبي عن الطوسي عن أبي عبيد أنه قال: الإزارُ والسراويل يُذكران ويؤنثان، وحكى ذلك عن بعض أهل اللغة، وقال يعقوب: يقال: هذا إزار حسن، وهذا إزارٌ حسنةٌ، أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب لابن أحمر: طرحنا إزاراً فوقها أبينيةً ... على مصدرٍ من فُدْفُداء ومورد كذا أنشده يعقوب بضم الفاءين وأنشدني أبي قال: أنشدنيه أحمد بن عبيد بفتح الفاءين وقال أبو عبيدة: يقال: هذا إزاري، وهذه إزاري، وأنشد: كتميل النشوان يرفُلُ في البقيرة والإزارة وأنشدنا عبد الله، قال: أنشدنا يعقوب في البقير وفي الإزاره وقال السجستاني: رد الأصمعي هذا الشعر وقال: هو مصنوع، وقال: لا يُعْرَفُ الإزارُ إلا مذكرا، وقال أبو ذؤيبٍ في تأنيث الإزار:

تبرأ من دم القتيل وبزهِ ... وقد علقت دم القتل إزارها فالإزارُ مرفوعٌ بعلقتْ، ودخلتْ التاء في الفعل لتأنيث الإزار، ويجوز أن يكون في (علقتْ) ضمير من المرأة، ويرتفع الإزار على التكرير على معنى: وقد علقت دم القتيل علقه إزارها؛ كما تقول: سُرِق زيدٌ ماله، وسُرِقتْ جاريتك مالها على معنى: سُرِق زيد سُرِق ماله، وسُرِقت جاريتك سُرِق مالها، ومن قول البصريين يرتفع الإزار على البدل مما في علقت، وكذلك (المال) من قولهم مرفوع على البدل من زيد والجارية. ومثله قوله أيضاً في هذه القصيدة، وأنشدناه أبو العباس عن سلمة عن الفراء: وسود ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارها أراد: وهي أدماءُ آدمُ سائرُها؛ كما تقول: هي حمْراءُ وجهها، وهي سوداءُ رأسها على معنى: هي حمراء أحمرُ وجهها، وهي سوداءُ

أسْوَدُ رأسْها، وهو بمنزلة قولهم: قاموا إخوتُك على معنى: قاموا قام إخوتُك، ومثله قول الله تعالى- وهو أصدقُ قيلٍ -: (ثم عموا وصموا كثيرٌ منهم). فرفع (الكثير) على معنى: عمى كثيرٌ منهم. أنشد الفراء: يلومونني في اشتراء النخيل أهلي فكلهم ألومُ فرفع الأهل على معنى: يلومونني يلومني أهلي. وقال السجستاني في قول الهذلي: (وهي أدماءُ سارُها): رفع السارَ

على البدل مما في أدماء، وقال أيضاً: (كثيرٌ) يرتفع على البدلِ مما في عموا، ومثلُ ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا) (فالذين) يرتفعون من قولنا على معنى: أسرها الذين ظلموا، ومن قول البصريين على البدل مما في أسروا، ويجوز أن يرتفع الذين يأسروا والواو علامةٌ لفعل الجميع؛ كما تقول العرب: أكلوني البراغيث، ويجوز أن يكون (الذين) في موضع خفض على الإتباع للناس، أي اقترب للناس الذين ظلموا، فتستغنى في هذا الوجه عن التكرير والبدل وقال أبو محمد الرستمي:

كان أبو عمروٍ يروى بيت أبي ذؤيب (وبزه) بالرفع على معنى: وبزُّه إزارها وقد علقت دم القتيل. * * * و (السماءُ) التي تُظل الأرض: تؤنث وتذكر، وقال الفراء:

التذكير قليلٌ قال: وكأنه جمعُ سماوة [أ] وسماءة. قال الله جل ثناؤه: (السماء منفطرٌ به) وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: فلو رفع السماء إليه قوماً ... لحقنا بالسماء مع السحاب وقال يونس في قوله عز وجل: (السماء منفطرٌ به): المعنى: السقفُ منفطر به، وقال: ربما ذكروا السماء إذا أرادوا السقفَ؛ لأنه قال تعالى: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً)، وقال جل ثناؤه: (فليمدد بسببٍ إلى السماء) أراد إلى سقف البيت، وقال الشاعر: وبيتٍ بموماةٍ هتكتُ سماءهُ ... إلى كوكبٍ يوزي له الوجه شاربه

أراد: هتكتُ سقفه. وقال الأخفش مثل قول الفراء في أنه ذكر (منفطراً) لأن السماء جمع سماوة وسماءة، فيكون جمعا مذكراً بمنزلة قولهم: سحابة وسحاب. وسماء كل شيء: أعلاه، وقال تعالى: (إذا السماء انشقت)، و (انفطرت) على حد الواحدة وتأنيثها. و"السماء" المطر مؤنثة. يقال: أصابتنا سماء مروية، أي مطر، ويقال: ما زلنا نطأ السماء، أي أثر المطر. قال الله تعالى: (وأرسلنا السماء عليهم مدرارا). قال: أبو عبيدة: معناه: أنزلنا المطر عليهم، وقال زهير: عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساءُ

فذوهاشٍ فميثُ عريتناتٍ ... عفتها الريح بعدك والسماءُ أراد بالسماء المطر. والسماء: المطرُ يجمع على أسمية. يقال: أصابتنا أسميةٌ كثيرةٌ العام. فإن قال قائل: لِمَ جمعوا السماء أسميةً، والاسمُ المؤنثُ إذا كان على فعالٍ مثلَ عناق جُمِعَ في أدنى العدد على (أفْعُلٍ)؛ كقولك: عناق وأعْنُقٌ؟ قيل له: شَذَّ هذا الحَرْفُ في باب الممدود، كما شذَّ في باب المقصور: أندية في جمع الندى، وأرحية في جمع رحاً، وأقفيةٌ في جمع قفا، والاختيارُ أن يقال في جمع الرحا: أرْحاءُ، وفي جمعِ القفا: أقفاءُ، وفي جمع الندى: أنداءُ. والندية: جمعُ الندِيِّ وهو المجلس.

ويقال في تصغير السماء: سُمَيَّة. فإن قال قائل: لم صغروها بالهاء. وهي على أربعة أحرف، والمؤنث إذا كان على أربعةِ أحْرُف لم تدخل الهاءُ في تصغيره؛ كقولك: عقرب، وعُقَيْرب، وزينب وزُيَيْنِب، وسعاد وسُعَيّد؟ قيل له: العِلَّةُ في هذا أنهم لما صغروا، حذفوا إحدى الباءين استثقالاً لاجتماعهن، فصار على ثلاثة أحرف، فصغروه كما يصغرون ذوات الثلاثة إذ صار على ثلاثة أحرف، والياءات أولهن ياء التصغير ثم الياء التي هي بدلٌ من الألف، ثم الياء التي هل لام الفعل، فلما اجتمعت ثلاث ياءات حُذفت إحداهن، فبقيتْ ياءان، ثم ألحقوا الهاء لهذا المعنى، والياء التي هل لامُ الفعل في التصغير هي واوٌ في الأصل،

وإنما انقلبت في التصغير ياء، والدليل على أنها واوٌ في الأصل قول طفيل: سماوته أسمال برد محبرٍ ... وصهوته من أتحمي معصبِ يصف الفرس، وسماوته: أعلاه، والأسمال: الخُلْقان، واحدها: سمل، والصهوة: موضع اللبْد. قال العجاج: طي الليالي زُلفا فزُلَفَا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا

والأتْحَمِيّ: ضرْبٌ من بُرودِ اليمنِ. وقال الفراءُ: يجوز أنْ يكون ذكر (منفطرا)؛ لأن السماء لا علامة للتأنيث فيها. * * * و"الْفِرْدَوْسُ" يُذكرُ ويؤنثُ وهو البستان الذي فيه الكروم وقال الكلبي: هو بالرومية، وقال غيره: هو بالنبطية، وقال الفراء: هو بالعربية. والدليل على صحة قول الفراء أن العرب قد ذكرتْ الفردوس في أشعارها، قال حسان في التأنيث:

وإن ثواب الله كل موحدٍ ... جنانٌ من الفردوس فيه يُخلدُ وقال عبد الله بن رواحة: ثم لا ينزفون عنها ولكنْ ... تُذْهبُ الهم عنهم والغليلا في جنان الفردوس ليس يخافو ... ن خروجاً منها ولا تحويلا وقال الله تعالى- وهو أصدق قيلا-: (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وإنما يُذهب في تأنيث الفردوس إلى معنى الجنة وقال السجستاني: سمعت أبا زيد يُذكر الفردوس، ويحتج بقولهم: الفردوس الأعلى. * * * و"الحجيمُ" يُذكرُ ويؤنثُ. قال الله جل وعلا: (وإذا الجحيمُ

سعرت) فأنث وأنشد أبو عبيدة: جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها غابر الدهر يبرد وقال أبو عبيدة: الجحيم: النار المستحكمة المتلظية، وقال الفراء: الجحيم: كل نار على نار والجمر بعضه على بعض، وهي جاحمة. وقال لي أبي: قال لي أحمد بن عبيد: إنما سميت الجحيم جحيمًا؛ لأنها أكثر وقودها. أخذت من قولهم: قد حجمت النار أحجمها، إذا أكثرت وقودها. وقال عمران بن حطان: يرى طاعة الله الهدى وخلافه الضلالة يصلي أهلها جاحم الجمر وقال الآخر: ونصدق في الصباح إذا التقينا ... وإن كان الصباح جحيم جمر وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء، وحدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب قالا: الجحيم: مذكر. فإذا رأيته في شعرٍ مؤنثًا فإنما أنث لأنهم نووا به النار بعينها.

وقال السجستاني: جهنم: مؤنثة. وأسماؤها مؤنثة؛ كقولك: لظى، وسقر، والجحيم. وقال الله تبارك وتعالى في سقر: (وما أدراك ما سقر. لا تبقى ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر) وقال تعالى في لظى: (إنها لظى نزاعة للشوي. تدعو من أدبر وتولى). وقال السجستاني: سألت الأصمعي قلت: في الحديث: منذ دجت

الإسلام لأي شيء أنثوه؟ فقال: أرادوا الملة الحنيفية، والله العالم. و"السموم" و"الحرور" أنثيان وقال الفراء: ربما ذكرت السموم في الشعر أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء للراجز: اليوم يوم بارد سمومه ... من جزع اليوم فلا نلومه

معنى باردٍ: ثابت من قولهم: ما برد في يدي منه شيء، أي ما ثبت، وكان أبو عبيدة يقول: أخبرنا رؤبة أن الحرور بالنهار، والسموم بالليل، والناس يقولون: الحرور بالليل، والسموم بالنهار، ويروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: السموم بالليل والنهار، والحرور بالنهار، وقال أبو عبيدة أيضًا: الحرور: فعول من الحر. قال أبو زبيد: من سموم كأنها لفح نارٍ ... شفعتها ظهيرة غبراء وقال حميد الأرقط: إنا وإن تباعد المسير ... وسفعت ألواننا الحرور وأوقدت نيرانها العبور و"الزوج" يذكر ويؤنث. يقال: فلان زوج فلانة، وفلانة

زوج فلانٍ. قال الفراء: هذا قول أهل الحجاز. قال الله جل وعز: (أمسك عليك زوجك). قال الفراء: وأهل نجد يقولون: فلانة زوجة فلانٍ قال: وهو أكثر من زوج، والأول أفصح، وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عكرمة لعبدة بن الطبيب: فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إلي ثم تصدعوا

وأنشد عن سلمة عن الفراء: إن الذي يمشي يحرش زوجتي ... كماش إلى أسد الشرى يستبيلها فمن قال زوجة قال في الجمع: زوجات، ومن قال: زوج قال في الجمع: أزواج قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين) وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أنشدنا أبو الجراح:

يا صاحٍ بلغ ذوي الزوجات كلهم أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب قال الفراءك خفض (كلهم) على الجوار للزوجات، والصواب: كلهم على النعت لذوي، وكان إنشاد أبي الجراح بالخفض. و"الآل" الذي يلمع بالضحى يشبه السراب: يذكر ويؤنث. وقال الفراء: تذكيره أجود، وقال اللحياني ويعقوب والسجستاني:

الآل: يذكر ويؤنث، وأخبرنا أبو العباس عن سلمه عن الفراء قال: الآل: ارتفاع الضحى، والسراب: ارتفاع النهار. و"الضرب" العسل الأبيض إذا غلظ: أنثى. قال الفراء: يقال هي الضرب البيضاء، وقال ساعده بن جوية: وما ضرب بيضاء يسقى دبوبها ... دفاق فعروان الكراث فضيمها الدبوب: مكان يسقيه واد آخر، والكراث: شجر، وعروان، وضيم ودفاق: أودية. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: وما ضرب بيضاء يأوي مليكها.

ولم ينشدنا باقي البيت، وأنشدني أبي هذا البيت كله، وقال بعض أهل اللغة: الضرب: أنثى، فإذا ذهب به إلى معنى العسل ذكر. وقال الفراء: المواضع كلها التي يسميها النحويون الظروف. والصفات، والمحال فهي ذكران إلا ما رأيت فيه شيئًا يدل على التأنيث، إلا أنهم يؤنثون أمام، ووراء، وقدام، فيقولون:

فلانة وريئة الحائط، فيدخلون في تحقيرها الهاء، وذلك دليل على تأنيثها، وكذلك قدام. يحقرونها: قديديمة، وقديديم. أنشد: قديديمة التجريب والحلم إنني ... أرى غفلات العيش قبل التجارب ويقولون في تحقير أمام: أميم، وأميمة، وقال أبو هفان: يقال: هي القدام، وهو القدام، وأنشد للهذلي: أنت امرؤ قدام أبياته ... من سوء أخلاقك كلب عقور لا زائل عنه فإن زارده ... زور رأوه بك بئس المزور فذكر قداما، وذلك أنه قال: لا زائل عنه على معنى: لا الكلب زائل عن الموضع، أي عن القدام.

وقال الفراء: يقال: هذا فوق، وهذه فوقة، ويقال في جمع الفوقة: الفوق أنشد الفاء عن الأسدي: ولكن وجدت السهم أهون فوقة عليك فقد أودى دم أنت طالبه

وقال: أنشدنيه المفضل: أهون فوقه عليك، ويقال: هو الفوق، وهي الفوق، وهو الفوقة، وهي الفوقة. حكى ذلك أبو هفان، وقال الغاضري: هذا رجل له دم في قومه، فيقول: قعدت ترميهم من بعيد، وتركت أن تلقاهم بالسيف. وقال الفراء: ما كان من اسم يصيره الكتاب اسمًا فهو مؤنث وإن كان مذكرًا. تقول -إذا رأيت (زيدا) مكتوبًا-: قد أجدت كتابها، وهذا ماضٍ في القياس لكل حرفٍ أفردته من الأسماء، والأدوات. تقول: هذه (زيد) أحسن من هذه على معنى: هذه الكلمة، وكذلك الأدوات كلها؛ نحو: هل، وبل، وليت، ونعم، ولو. تقول: ليت غير مغنيةٍ عنك، وغير مغن عنك، فمن ذكر أراد الحرف غير مغنٍ عنك، ومن أنث أراد الكلمة غير مغنيةٍ عنك، وكذلك تقول:

(إني) حسنة، و (إنك) قبيحة، وحسن وقبيح. التذكير على معنى الحرف، والتأنيث على معنى الكلمة، ومن ذكر قال: أنيني حسن ومن أنث قال: أنينتي أحسن من أنينتك. وكذلك تقول: (لو) غير نافع، وغير نافعةٍ. قال أبو طالب: ليت شعري مسافر بن أبي عمروٍ ... وليت يقولها المحزون وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي: وليس يرجع في (لا) بعدما سلفت ... منه نعم طائعًا حر من الناس وقال الآخر: إذا قلت في شيءٍ نعم فأتمه ... فإن (نعم) دين على الحر واجب وإلا فقل (لا) تسترح وأرح بها ... لكيلا يقول الناس إنك كاذب

وأنشد أبو العباس في تذكير (لو): علقت (لوا) تكرره ... إن (لوا) ذاك أعيانا وأنشدنا في تأنيثها: ولكن أهلكت (لو) كثيرًا ... وقبل اليوم عالجها قدار وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عكرمة: لولا التي يرجو النجاة بقولها ... ما قال: لا ولبت (لا) وحبالها وقال الآخر: وبنو الديان لا يأتون (لا) ... وعلى ألسنتهم خفت نعم وأنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يقعوب: وإذا قلت: نعم فاصبر لها ... بنجاح الوعد إن الخلف ذم

وقال الفراء: حروف المعجم كلها إناث لم نسمع في شيءٍ منها تذكيرا في الكلام. قال: ويجوز تذكيرها في الشعر؛ كما قال الشاعر: يخط لام ألفٍ موصول ... والزي والرا أيما تهليل

فجعل الألف مذكرا؛ لأنه قال في نعته: موصول، ولم يقل: موصولة. قال أبو بكر: والتأنيث عندي في حروف المعجم على معنى الكلمة، والتذكير على معنى الحرف. وأنشد السجستاني في التذكير: ألام على لو ولو كنت عالما ... بأذناب لو لم تفتني أوائله وقال السجستاني: فلانة زوجة فلان لغة أهل نجدٍ. قال: وقد صار أهل الحرمين يتكلمون بها. يقولون: هذه زوجتك وأنشدوا: أذو زوجةٍ بالمصر أم في خصومةٍ ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا

وقال الراجز: من منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهر في وجهي هرير الكلبة وقال الآخر: زوجة أشمط مرهوب بوادره ... قد صار في رأسه التخويص والنزع وقال: لا يقال للاثنين زوج، لا من الطير، ولا من شيء من الأشياء، ولكن كل ذكرٍ وأنثى زوجان. يقال: زوجا حمام للاثنين، ولا يقال للاثنين زوج حمام هذا من كلام الجهال بكلام العرب. قال الله تعالى: (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى) وكذلك كل شيءٍ من الإناث والذكور. يقال: زوجا نعالٍ، وزوجا خفاف، وزوجا وسائد، وقالوا للأنثى: فرد؛ كما قالوا للذكر، وربما قالوا للأنثى: فردة. قال الطرماح: وقعن اثنتين واثنتين وفردةً ... يبادرن تغليسًا سمال المداهن

وقال ذو الرمة: وقعن اثنتين واثنتين وفردةً ... حريدا هي الوسطى لتغليس حائر ويروى: جائر بالجيم: وقال الفراء: يقال للذكر والأنثى من كل نوع زوجان، وقال الله تعالى: (خلقكم من نفسٍ واحدة، ثم جعل منها زوجها) فهذا على لغة أهل الحجاز إذ لم يقل: زوجتها. والسلم: الدلو. قال السجستاني: هو الدلو التي لها عروة واحدة وهو مذكر مثل دلاء أصحاب الروايا، وأنشد لطرفة:

لها مرفقان أفتلان كأنما ... تمر بسلمى دالجٍ متشدد وقال أبو هفان: هو السلم وهي السلم للدول العظيمة، وقال: أنشدني الجرمي عن أبي زيد لأعرابي في تذكير السلم: سلم ترى الدالي منه أزورا ... إذا يعج في السرى هرهرا [أي سمعت له صوتا]

السري: النهر الصغير، والدالي: الذي يخرج الدلو، والمدلي: الذي يرسلها ليملأها، وقال أبو هفان: أنشدني التوزي عن أبي عبيدة لهميان في تأنيث الدلو: لا سلم لي تروى ولا سلمان ... لو كانتا الليلة أغنتاني لا سلم لي أدلو على هجاني ... لو كان لي سلم لما كفاني وداليا أسود ما أرواني وقال نصيب (داليا) على المدح؛ كما قالت الخرنق بنت مالك: النازلين بكل معتركٍ ... والطيبين معاقد الأزر

وقال السجستاني: من أنث المسلك جعله جمعا، فيكون تأنيثه بمنزلة تأنيث العسل والذهب، وقال: واحدته مسكة، وذهبة، وقال في قول رؤية بن العجاج. أجز بها أطيب من ريح المسك كسر السين اضطرار كما قال: برجلٍ طالت أتت ما تأتي قال: وكان الأصمعي ينشد بفتح السين المسك، ويقول: هي جمع مسكة؛ كقولك: خرقة وخرق، وقربة وقرب. والمسك -جمع مسكةٍ: أسورة تتخذ من القرون والذبل وغير ذلك يجوز فيه التذكير والتأنيث؛ لأنه جمع بينه وبين واحده الهاء.

وقال السجستاني: الضرب: العسل الأبيض: جمع ضربة. و"الصهر" يذكر ويؤنث. أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: قال بعض العرب: بيننا صهر فنحن نرعاها، فأنثها. وأخبرنا أبو العباس أيضًا عن سلمة عن الفراء قال: زعم الكسائي أن الخيال يذكر ويؤنث. قال الفراء: وقال بعضهم: رأيت خيالة إنسان.

باب ما يذكر من سائر الأشياء، ولا يؤنث

باب ما يذكر من سائر الأشياء، ولا يؤنث من ذلك (الألف) من العدد مذكر. يقال: خذ هذا الألف. وهذين الألفين، ومما يدل على تذكيره إدخالهم الهاء في عدده إذا قالوا: خمسة آلافٍ، وستة آلافٍ. قال الله عز وجل: (يمددكم ربكم بخمسة آلافٍ من الملائكة مسومين). وقال الشاعر: فإن يك ظني صادقي وهو صادقي ... يقد نحوكم ألفا من الخيل أقرعا

وقال زهير: وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي ... عدوي بألفٍ من ورائي ملجم وقال الآخر: ولو طلبوني بالعقوق أتيتهم ... بألف أؤديه إلى القوم أقرعا وقال الآخر: وتحور منا القوس ثمت فوديت ... بألفٍ على ظهر الفزاري أقرعا وقال الفراء: يقال في جمع الألف: عندي ثلاثة آلاف، وثلاثة ألفٍ، وكذلك أربعة آلاف، وأربعة آلفٍ، وخمسة آلافٍ وخمسة آلفٍ وأنشد في ذلك:

كانوا ثلاثة آلفٍ وكتيبة ... ألفان أعجم من بني الفدام فإن قال قائل: زعمت أن الألف مذكرة فكيف قالوا: هذه ألف درهمٍ؟ قيل له: هذا التأنيث لمعنى الدراهم كأنهم قالوا: هذه الدراهم ألف درهم. والمرجل والمطبخ مذكران، وأما الموضع الذي يطبخ فيه، فيقال له: المطبخ، وكذلك المخبز لو تكلموا به. قال العجاج: حتى إذا ما مرجل القوم أفر

و"القميص": مذكر. و"الرداء" الذي يتردى به: مذكر، والرداء: العطاء: مذكر. يقال: فلان غمر الرداء، إذا كان واسع العطاء. قال كثير: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا ... غلقت لضحكته رقاب المال وكذلك الرداء الدين. جاء في الحديث: من سره النساء ولا نساء فليباكر الغداء، وليبكر العشاء، وليخفف الرداء، معناه: فليخفف الدين.

وكذلك الرداء أيضًا الحسن والنضارة. قال الشاعر: وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني نفسي أمال بن حنظل وكذلك الرداء: السيف: مذكر. قال متمم بن نويرة: لقد كفن المنهال تحت ردائه ... فتى غير مبطان العشيات أروعا و"الزند" من الزنود التي تورى النار. الأعلى ذكر، والسفلى الزندة وقال السجستاني: سمعت أبا عبيدة يقول في مثل: وريت بك زنادي وذلك إذا علم الرجل علم شيءٍ كان يجهله، فأخبره به إنسان، فيقول له: وريت بك زنادى، أي وضح لي الأمر من قبلك، ويقال: أوريت النار فورت ترى. قال الله تعالى: (أفرأيتم النار التي تورون). وقال الشاعر في الزند:

يا قاتل الله صبيانا تجي بهم ... أم الهنيبر من زندٍ لها وارى وقال ذو الرمة: وسقطٍ كعين الديك عاورت صاحبي أباها وهيأنا لموضعها وكرا الأب: الزند الأعلى، والأم: الزندة السفلى، والوكر: مثل ضربه. و"الطوى" قال الفراء: هو ذكر، فإن رأيته مؤنثًا فاذهب بتأنيثه إلى البئر. و"الطوى" البئر المطوية بالحجارة، ويقال في جمعه: ثلاثة أطواء.

و"الخمار" و"القناع": مذكران. و"النور" خلاف الظلمة: مذكر، ويقال في تصغيره: نوير. والنور: جمع نار مؤنثة. و"النور" من نور النبات، وهو زهره: مذكر: وفيه لغتان: يقال: نور، ونوار، ويقال في جمعٍ النور: أنوار، ويقال في جمع النور الذي هو خلاف الظلمة أيضًا: أنوار. و"القعود" مذكر. قال السجستاني: هو ذكر القلوص. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب:

روى فوقها راوٍ عنيف وأفضيت إلى الحنو من ظهر القعود المداجن ويقال في جمع القعود: القعدان. ويقال لولد الحبارى قلوص بغير هاء، وهو مؤنثة. قال الشماخ: وقد أنعلتها الشمس حتى كأنها ... قلوص حبارى ريشها قدتمورا ويروى: زفها قد تمورا، أي تفرق عنها. والزف: صغار الريش،

وكذلك "الحمل" مذكر، وأنثاه الرخل، والرخل، ويقال في تصغيرها: رخيلة، وفي جمعها أرخل، ورخال، وهي من أولاد الضأن. و"الجدي": ذكر، وأنثاه: عناق، وهي من أولاد المعزى، ويقال في جمع الجدي: أجدٍ، وجداء بكسر الجيم، والعوام تخطئ فتقول: جدا، بفتح الجيم. ويقال في جمع العناق في أدنى العدد: أعنق، ويقال في الجمع الكثير: العنق، والعنوق. قال السجستاني: أنشدنا أبو زيد: أشد من أم عنوقٍ حمحم ... سوداء دهساء كلون العظلم وعناق الأرض: مؤنثة، وهي التفة، والتفة: دويبة كالثعلب أو نحوه خبيثة تصيد كل شيءٍ حتى الطير، ومثل للعرب: استغنت التفة عن الرفة والرفة: التبن: وذاك أنها لا تأكل إلا اللحم.

و"البرق" الحمل: ذكر، وجمعه برقان. و"الصقر" ذكر، وأنثاه صقرة. أنشد أبو زيد: والصقرة الأنثى تبيض الصقرا ... ثم تطير وتخلي الوكرا ويقال في جمع الصقر في أدنى العدد: أصقر، وفي الجمع الكثير: الصقور، والصقورة، والصقارة على مثال قولهم في جمع الفحل: أفحل، وفحول، وفحالة، وفحولة.

وكذلك الصقر من الدبس: ذكر، وهو السائل من الرطب. وكذلك الصقر: ضرب الحجارة بالصاقور: مذكر. ومثله الصقر: وقع الشمس على الأرض. يقال: صقرته الشمس صقرا. و"الغرب" مذكر، وهو دلو ضخمة من جلودٍ. قال السجستاني: أنشدنا أبو زيد: الغرب غرب بقري فارض ... لا يستطيع جره الغوامض الغوامض: صغار الإبل، وحشوها. والفارض الضخمة. وقال السجستاني: الفارض من البقر وغيره: التي ليست بصغيره

جدًا ولا كبيرة جدًا. يعني بينهما في السن، وهذا خطأ منه؛ لأن الفارض عند العرب المسنة الهرمة. الدليل على هذا قول أبي ذؤيب: لعمري لقد أعجيت ضيفك فارضا تساق إليه لا تقوم على رجل ولم تعطه بكرا فيرضى سمينةً فكيف تجازي بالعطية والبذل وقال الله جل وعلا -وهو أصدق قيلا: (قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك). فالفارض: المسنة. قال الفراء: يقال: قد فرضت، وفرضت، إذا أسنت. والبكر: الصغيرة، والعوان: التي هي بين الصغيرة والكبيرة. قال الكسائي: لا ينطق من العوان بفعلٍ، وقال الفراء: يقال من العوان: قد عونت تعوينًا، والحرب العوان: التي قد قوتل فيها مرة بعد

مرةٍ، والمرأة العوان: الثيب، والحاجة العوان: التي طلبت مرة بعد مرة. قال قيس بن الخطيم: فهلا لدي الحرب العوان صبرتم ... لوقعتنا والبأس صعب المراكب وقال كعب بن مالك الأنصاري: فلا وأبيك الخير ما بين واسط إلى ركن سلع من عوان ولا بكر أحب إلى نفسي حديثا ومجلسًا من أخت بني النجار لو أنها تدري ويقال في جمع العوان: عون. قال لبيد: غرائر أبكارًا عليها مهابة وعونًا كراما يرتدين الوصائلا

وأنشد أبو عبيدة للفرزدق: قعودًا لدى الأبواب طلاب حاجة عوانٍ من الحاجات أو حاجة بكرا وقال الآخر: ومن يتربص الحدثان تنزل ... بساحته عوان غير بكر والركى: مذكر، وهو جمع ركية. يقال في جمع الركية: ركيات، وركايا على وزن قولك: عشيات، وعشايا.

والجب: مذكر، وهو البئر التي لم تطو. قال الأعشى: لئن كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم وحدثني أبي قال: حدثني محمد بن الجهم عن الفراء أنه قال: الجب: يذكر ويؤنث، ويقال في جمعه: جببة، وأجباب، وجباب. و"الجد": مذكر، وهو البئر الجيدة الموضع من الكلأ، والجمع: أجداد. قال الأعشى: ما يجعل الجد الظنون الذي ... جنب صوب اللجب الماطر

وقال طرفة: لعمرك ما كانت حمولة معبدٍ على جدها حربا لدينك من مضر وقال الراعي: حتى وردن لتم خمسٍ بائصٍ ... جدا تعاوره الرياح وبيلا فسقوا صوادي يسمعون عشيةً ... للماء في أجوافهن صليلا و"الجفر": مذكر، وهو من أسماء الآبار. وكذلك "الكر" من أسماء الآبار: مذكر.

و"السجل" مذكر. قال الفراء: الذنوب والسجل من صفة الدلو إذا كان الماء فيها، فإذا لم يكن فيها ماء فهي الدول. قال: ومثله المهدي من الجفنة أو الطبق أو الخوان: إذا كان فوقه الهدية اسمه المهدي، فإذا أخذت الهدية منه رجع إلى اسمه الأول: الطبق أو الجفن أو الخوان. ويقال في جمع السجل: ثلاثة أسجلٍ، والجمع الكثير: السجال قال: والسجل يذكر لا غير، والذنوب: يذكر ويؤنث، والتذكير فيه أكثر، يقال في جمع الذنوب: ذناب، وذنائب. "والكلاء" مذكر وهو مكلأ السفن، أي محبسها. قال السجستاني لا نعلم أحدًا يؤنثها، ويقال: رجل كلائي بالهمز؛ لأنها مدة أصلية، وبعضهم يقول: كلاوى، فيشبه الهمزة الأصلية بالمجهولة؛ كما قالوا:

رجل كساوي، فشبهوا الهمزة في الكسائي وهي أصلية بالهمزة المجهولة، فقلبوها واوًا: كما يقولون: رجل حمراوي، وبيضاوي، ونسبوا إلى بني المشاء من بني سعدٍ مشاوي، والقياس: مشائي؛ لأنها همزة أصلية، وقد يترك القياس في النسب كثيرًا. و"البال" مذكر، وهو الحال. قال الله تعالى: (وأصلح بالهم). و"العسجد" الذهب: مذكر. والعير العسجدية التي تحمل الذهب والتبر. قال الشاعر:

إذا اصطكت بضيقٍ حجرتاها ... تلاقي العسجدية واللطيم الحجرتان: الناحيتان، وقالوا في مثلٍ: يأكل وسطًا، ويربض حجرةً. واللطيم: جمع لطيمة، واللطيمة: العير التي تحمل المسك. و"الفادر" من الوعول: الممتلي التام: مذكر، والجمع فوادر، وفدور، ومفدرة، كما يقال للشيوخ: مشيخة، وللتويس متيسة، وللوعول: موعلة. قال الشاعر:

رهبان مدين لو رأوك تنزلوا والعصم من شعف العقول الفادر و"الإعصار" مذكر قال أبو عبيدة في قول الله عز وجل: (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت): الإعصار: ريح تهب من الأرض إلى السماء كأنها عمود نار. وقال أبو عبيدة: يقال: قد أعصرت الريح إعصارًا، إذا هبت بغبار، ويقال في جمع الإعصار: الأعاصير. قال عدي بن زيد:

فابتدرن إذ بصرن به ... فترى للنقع إعصارا وقال الأحوص بن محمد في الجمع: أمن رسم آياتٍ عفون ومنزلٍ ... قديم تعفيه الأعاصير محول وقال الآخر: وبينما المرء في الأحياء مغتبطًا إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير معنى (إذا هو الرمس): إذا هو في الرمس، أي صار في الرمس. ويقال في مثل للعرب: (إن كنت نارا فقد لاقيت إعصارا).

و"المنديل" مذكر، وجمعه مناديل. و"المكوك": مذكر، وجمعه: مكاكيك، ولا يقال في جمعه: مكاكي إنما المكاكي جمع المكاء، والمكاء: طائر. قال الشاعر: مكاؤها غرد يجيب الصوت من ورشانها وقال الآخر في الجمع: لعمري لأصوات المكاكي بالضحى وصوت غضا في حانط الرمث بالدجل

وقال امرؤ القيس: كأن مكاكي الجواء غدية ... صبحن سلافًا من رحيقٍ مفلفل يقال: حنط الرمث، إذا خرج نوره. و"البرك" الصدر من كل شيء مذكر. و"السيساء" عصبة في الظهر: مذكر. و"الطلاء" الذي يشرب مذكر. قال الشاعر: هوادي قد نصبت للهجير ... جماجم مثل ظروف الطلاء وكذلك الطلاء: ما طليت به الإبل من قطران وغيره، مذكر.

قال الشاعر: كأن أوابد الثيران فيها ... هجائن في مغابنها الطلاء المغابن: أصول الأفخاذ، والأرفاغ: الآباط واحدها: رفع. "الحرباء" مذكر، وهو دويبة شبيهة بالعظاءة إلا أنها أكبر منها. "الممطر": مذكر. يقال: هو الممطر فاعلم. ودرع المرأة. مذكر.

باب ما يؤنث من سائر الأشياء ولا يذكر

باب ما يؤنث من سائر الأشياء ولا يذكر. من ذلك أسماء الرياح مؤنثة. يقال: هي الشمال، وهي الجنوب، وهي الصبا، وهي الدبور، وهي القبول، وهي النكباء، وهي الجربياء لريح الشمال، وهي الحرور، وهي الأزيب،

وهي النعامى وهي النسع والمسع. قال الهذلي: قد حال دون دريسيه مؤوية نسع لها بعضاه الأرض تهزيز الدريسان: الخلقان، والعضاه: شجر، ويقال: قد هبت هيف وهي ريح حارة تأتي من قبل اليمن. قال ذو الرمة:

وصوح البقل نئاج تجيء به ... هيف يمانية في مرها نكب وبعضهم يقول: هوف، كما قالت أم تأبط شرًا: تلفه هوف ويقال: هبت شمال، وذهبت الشمال، وهيت ريح الشمال، وهبت ريح شمال، وهبت شمالاً على معنى: هبت الريح شمالا، فتضمر اسم الريح في الفعل، وتنصب (شمالا) على الحال. قال جرير: هبت شمالاً فذكرى ما ذكرتكم ... إلى الصفاة التي شرقي حورانا

نصب شرقي حوران على مذهب الصفة، وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان السعدي: أنا ابن محكان أخواني بنو قطرٍ ... أنمى إليهم وكانوا سادةً نجبا المطعمين إذا هبت شآمية ... شحم السنام إذا مادرها جذبا نصب (شآمية) على الحال، ومعنى (جذبا): ذهب، ويقال: هبت الشّمالُ، وهبت الشَّمْاَلُ، وهبت الشَّمَل، وهبت الشَّمْلُ، وهبت الشمول. قال امرؤ القيس فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل

وقال الآخر: وهبت الشمأل البليل وإذ ... بات كميع الفتاة ملتفعا وقال البعيث: أتى أبد من دون حدثان عهدها وجرت ظليلها كل نافجةٍ شمل وقال عمر بن أبي ربيعة: ألم تربع على الطلل ... ومغني الحي كالخلل تعفى رسمه الأروا ... ح مر صبًا مع الشمل

وقال ابن ميادة في الشمول: ومنزلة أخرى تقاوم عهدها ... بذي العش تعفوها صبا وشمول ويقال: شملت الريح من الشمال. وجنبت من الجنوب، ودبرت من الدبور، وصبت من الصبا بغير ألف، وقال أب جعفر أحمد ابن عبيد: يقال في الرياح كلها: فعلت بغير ألف إلا في النعامي وهي الجنوب فإنه يقال: أنعمت، إذا هبت بالألف. و"النار" مؤنثة. يقال في تصغيرها: نويرة، ويقال في جمع القلة أنور: وأنؤر، بالهمز، وغير الهمز، ويقال في جمع

الكثرة: نيران. وحكى أبو عمران الشيباني في جمع النار: أنر بضم النون، واحتج بقول الشاعر: وإذا الضيف أتانا طارقًا ... كان بعد النار للضيف أنر والعلة في هذا عندي أنهم ألقوا ضمة الهمزة التي في أنؤر على النون وأسقطوا الهمزة، وقال الفراء: يجوز أن يقال في جمع النار: نور، كما يقال: ساق وسوق، وأنشد لحاتم في هذا الجمع: شهدت ودعوانا أميمة أننا بنو الحرب نصلاها إذا شب نورها وقال أبو زيد: النور جمع النار. يقال في تصغيرها: نويرات. والأنؤر يقال في تصغيره: أُنَيْر، وأُنَيّر، وأنيور.

والنور -خلاف الظلمة: مذكر. يقال في تصغيره: نوير. قال الله عز وجل: (نورهم يسعى بين أيديهم)، قال الفراء: لو كان جمعا لقال: يسعين. والنار السمة أيضًا مؤنثة. يقال: ما نار بعيرك أمشط، أم دلو، أم خطاف؟ تحكي تلك الصور التي توسم بها الإبل. قال الراعي في الأثافي. أنخن وهن أغفال عليها ... فقد ترك الصلاء بهن نارا وكذلك نار الحرب، ونار المعدة: مؤنثة، وقال يعقوب: يقال من النار: قد أنرت له، وهنرت له. و"الدار" مؤنثة، يقال في جمعها في القلة: أدؤر، وأدور

بالهمز وغير الهمز، ويقال في الجمع الكثير: الدور والديار. يقال: نحن في الدار الدنيا، ووراءنا الآخرة. قال الله عز وجل: (فأصبحوا في ديارهم جاثمين)، أي في بلدهم، وقوله في ديارهم معناه: في مساكنهم ومنازلهم. والفهر: مؤنثة، وهو حجر. تصغيره: فهيرة، وبه سمى الرجل فهيرة، ويقال في جمعه: أفهار. والعروض -عروض الشعر-: مؤنثة، وغير عروض الشعر. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء: ما زال سوطي في قرابي ومحجني ... وما زلت منه في عروضٍ أذودها

والنعل -من نعال الأرجل- مؤنثة. يقال في تصغيرها: نعيلة، ويقال: هي النعل، والنَّعَل. أنشدنا الفراء: له نعل لا يضبى الكلب ريحها وإن وضعت بين المجالس شمت

وكذلك النعل من نعال السيوف، وكذلك النعل: الحرة من الأرض. يقال: إذا بلغت تلك النعل فخذ فيها، ويقال للحافر الوقاح: إنه لشديد النعل. والعروض من الأرض: مؤنثة. يقال: ولي فلان مكة والعروض لناحية معروفة، ويقال: ناقة عروض، إذا لم ترض. و"الغول" مؤنثة، وهي ساحرة الجن، وهي التي تغول وتلون.

قال كعب بن زهير يذكر امرأة تلون في مودتها، ولا تدوم على شيءٍ: فما تكون على شيءٍ تدوم به ... كما تلون في أثيابها الغول ويقال في جمع الغول: أغوال، وغيلان، ويقال: قد غالت فلانا غول، ويقال: قد غاله أمر يغوله غولاً مفتوح الأول، وقد اغتاله اغتيالاً. قال العجاج: وبلدٍ تغتال خطو الخاطي يقول: من بعده لا يرى فيه المشي الكثير كأنه يغتال المشي يذهب به. و"الكأس" مؤنثة، وكذلك "الفأس" قال الله عز وجل: (يطاف عليهم بكأسٍ من معينٍ. بيضاء لذةٍ للشاربين) وفي قراءة

عبد الله: (صفراء لذةٍ) ويقال في الجمع: أكواس، وكؤوس، وكئاس، وقال الفراء: الكأس: الإناء بما فيه، فإذا أخذ ما فيه فليس بكأسٍ؛ كما أن المهدي: الطبق الذي عليه الهدية، فإذا أخذ ما عليه وبقى فارغًا رجع إلى اسمه إن كان طبقًا أو خوانًا أو غير ذلك. وقال بعض المفسرين: الكأس: الخمر. قال الله عز وجل: (إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافورا)، وأنشد أبو عبيدة: وما زالت الكأس تغتالنا ... وتذهب بالأول الأول وقال علقمة بن عبدة: كأس عزيز من الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانية حوم وقال الآخر: من لم يمت عبطةً يمت هرما ... الموت كأس والمرء ذائقها

ما لذة النفس بالحياة وإن ... عاشت طويلاً فالموت لاحقها قال السجستاني: لا يقال للموت كأس. إنما هو: الموت كأس قال: وقطع ألف الوصل؛ لأنها في مبتدأ النصف الثاني، وهذا يحتمل. وقال: أنشدناه الأصمعي لبعض الخوارج، وليس لأمية بن أبي الصلت والعبطة أن يموت الرجل من غير علة. يقال اعتبط الرجل،

إذا مات من غير علة، ويقال: اعتبط البعير، إذا نحر من غير علة. "والقلت" مؤنثة، وهي نقرة في الجبل يمسك الماء أن يفيض، وتسمى أيضًا المدهن، والوقيعة. قال أبو النجم: قلت سقتها العين من غزيرها ويقال في جمع القلت: قلات. أنشدنا أبو الحسن بن البراء:

لو كنت أملك منع؟؟؟؟؟ ما في؟؟؟؟ حييت لئيم وكذلك القلت أيضًا نقرة في أصل الإبهام وغيرها. والقدوم: التي ينحت بها: مؤنثة، والعامة تخطئ في هذا فتقول القدوم، وهذا خطأ إنما القدوم، بتشديد الدال موضع. سمعت أبا العباس يقول في الحديث الذي يروى: اختتن إبراهيم صلى الله عليه بالقدوم، والقدوم: اسم موضع. قال الشاعر:

نعم الفتى لو كان يعرف ربه ... ويقيم وقت صلاته حماد نفخت مشافره الشمول فأنفه ... مثل القدوم يسنها الحداد فخفف الدال وأنث، وقال الآخر: يا بنت عجلان ما أصبرني ... على خطوبٍ كنحتٍ بالقدوم والعامة أيضًا تخطئ في الجمع، فتقول في جمع القدوم: القداديم وهذا خطأ. إنما الصواب: قدم كما قال الأعشى: أطاف به شاهبور الحنو ... د حولين يضرب فيها القدم

وقدوم وقدم بمنزلة قولهم: جزور وجزر، وصبور وصبر. و"الشمس" مؤنثة، وكل اسم للشمس مؤنث. يقال: قد طلعت ذكاء على وزن فعالٍ ممدودة معرفة بغير ألف ولام غير مجراةٍ قال الشاعر يذكر نعامتين: فتذكرا ثقلاً رثيدًا بعدما ... ألقت ذكاء يمينها في كافر

وقال الآخر: فوردن قبل انبلاج الفجر ... وابن ذكاء كامن في كفر يعني بابن ذكاء: الصبح، والكافر في البيت الأول: الليل. سمعت أبا العباس يقول: إنما قيل لليل: كافر؛ لأنه يغطي الأشياء بظلمته، وقوله (في كفر، معناه: في غطاء وستر. يقال: قد كفرت المتاع في الوعاء، إذا سترت فيه. قال المتلمس حين طرح كتابه في نهر الحيرة، ويقال له كافر: ألقيتها بالثنى من جنب كافرٍ ... كذلك أقنوا كل قط مضلل

ألقيتها معناه: ألقيت الصحيفة. والقط: الكتاب والصحيفة. قال الله عز وجل: (عجل لنا قضنا) معناه: صكنا وكتابنا، ويروى: من جوف كافر وإنما سمي النهر كافرًا؛ لأنه نهر غمر يغطي كل شيءٍ، وقال أمية بن أبي الصلت في القط: قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعًا والقط والقلم و"المنجنين" و"المنجنون": اسم مؤنث، وهي الدولاب. قال الفراء: أنشد الباهلي:

بمنجنينٍ كالأتان الفارق الفارق: التي قد انفرقت لتضع وحدها، وأنشد الأصمعي: ثمل رمته المنجنون بسهمها ... ورمى بسهم جريمةٍ لم يصطد و"المنجنيق" مؤنثة. يقال: هي المنجنيق. قال الشاعر يصفها:

وكل أنثى حملت أحجارا ... تنتج حين تلقح انبقارا يقال: بقرت بطنه فانبقر على وزن كسرته فانكسر، وشققته فانشق، وأخرجه العجاج على استبقر. وقال الفراء: بعض العرب يسمى المنجنيق المنجنوق. قال: حكى لي، ولم أسمعه منهم؛ كما قيل في المنجنين: المنجنون، وحدثني أبي قال: حدثنا أحمد ابن عبيد قال: أخبرنا ابن الأعرابي أنه يقال: منجنيق، ومنجنوق. قال: وأنشدنا: يا حاجب اجتنبن الشام إن بها ... حمى دعافا وحصباتٍ وطاعونا

والمنجنوق التي يرمى بمقذفها ... وفتيةً يدعون الليث موهونا حاجب: اسم رجلٍ، وحصبات: جمع حصبة، وكان يجب أن يقول: حصبات بتحريك الصاد إلا أنه سكنها لضرورة الشعر، ويقال: هي لغة. و"شعوب" اسم مؤنث معرفة غير مجرى. يقال: شعبته شعوب، أي المنية، وخرمته واخترمته. قال الشاعر: ونائحة تقوم بقطع ليلٍ ... على رجل أهانته شعوب

وربما أدخلوا الألف واللام على شعوب فقالوا: اخترمته الشعوب. و"كحل" اسم مؤنث غير مجرى اسم اللغة الشديدة. قال سلامة ابن جندل: قوم إذا صرحت كحل بيوتهم مأوى الضريك ومأوى كل قرضوب

وقال الفراء: كحل. تجرى ولا تجي، وترك إجراء كحل في الكلام والشعر هو الصواب، وربما اضطر الشاعر إلى إجرائه. والضريك: الفقير، والقرضوب: الضعيف ذات اليد، ورواه الفرا: عز الضريك. و"حضار" بفتح الحاء وكسر الراء: اسم كوكب. يقال: طلعت حضار والوزن وهما كوكبان.

و"الثريا" مؤنثة بحرف التأنيث مصغرة لم يسمع لها بتكبير، وكذا الثريا من السرج. و"الشعرى" مؤنثة بحرف التأنيث، وهما الشعريان: العبور والعميصاء، وقيل لها العبور، لأنها تعبر المجرة. قال الله عز وجل: (وأنه هو رب الشعرى) وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي: أتاني بها يحيى وقد نمت نومةً وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر

فقلت اغتبقها أو لغيري أسقها فما أنا بعد الشيب -ويبك- والخمر و"الملح" مؤنثة. يقال في تصغيرها: مليحة. قال مسكين الدرامي: لا تلمها إنها من نسوةٍ ... ملحها موضوعة فوق الركب كشموس الخيل يبدو شعبها ... كلما قيل لها: هال وهب

والملح أيضًا: الرضاع. يقال: فلان لم يحفظ الملح، أي لم يحفظ الرضاع، ويقال: بينهما ممالحة، أي رضاع، والملح أيضًا: البركة. يقال: اللهم لا تملح في فلان، أي لا تبارك فيه، ويقال: ملحت القدر أملحها، إذا ألقيت فيها ملحًا بقدر، فإذا أكثرت ملحها قلت: أملحتها، ويقال في تصغيرها: مليحة، وفي جمعها: ملاح. قال جرير: فبعض الماء ماء رباب مزنٍ ... وبعض الماء من سبخ ملاح

و"العوا" مؤنث مقصور اسم كوكب. قال الراعي: ولم يسكنوها الجو حتى أظلها ... سحاب من العوا تثوب غيومها وقا الراجز: أسقى الإله دارها فروى ... نجم الثريا بعد نجم العوا وقال الحطيئة: ولو بلغت عوا السماك قبيلة ... لزادت عليها نهشل وتعلت وقال الفرزدق: ههنأناهم حتى أعان عليهم ... من الدلو أو عو السماك سجالها

و"البئر" أنثى، يقال في تصغيرها: بؤيرة، ويقال في جمع القلة: أبآر، وآبار على نقل الهمزة، ومثله: رأى وأرآء، وآراء، ويقال في جمعها أيضًا في القلة: أبؤر. أنشد الفراء: وأي يوم لم تبلل مئزري ... ولم تلطخني بطين الأبؤر

ويقال في جمع الكثرة: بئار على مثال قولك: جمال، وحبال. و"الرحا" أنثى. يقال في جمعها: أرحاء، وربما قالوا: أرحية، وقد مضى تفسيرها، وقال يعقوب: يقال في جمعها: أرحٍ، وفي تصغيرها: رحية. قال: ولم نسمع أحدًا يقول في جمعٍ الرحا: رُّحّى، ولا رِحِىّ. و"العصا" أنثى. يقال في جمعها: أعصٍ، وعصى. قال يعقوب: واجتنبوا الأعصاء فلم تقل.

و"الضحى" أنثى. تقول: قد ارتفعت الضحى، وتصغيرها بغير هاء: ضحى فاعلم. قال الفراء: كرهوا أن يصغروها بالهاء؛ لئلا تشبه تصغير ضحوة. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: يفعت خليقي بعدما اشتدت الضحى بمرتقب عالي النشاز رفيع فإن فتحت الضاد قلت: الضحاء فهو ذكر. و"القوس" أنثى، يقال: هي القوس، وكذلك القوس التي في السماء التي يقال هي أمان من الغرق، وقال السجستاني: وكذلك

القوس قليل تمرٍ يبقى في أسفل الجلة، والقوصرة، ويقال في تصغيره: قويس، وربما قالوا: قويسة ويقال في الجمع: أقواس، وقسى، وقياس. قال القلاخ: ووتر الأساور القياسا وقال الآخر ووصف سرعة طيران القطا: طرن انقطاعة أوتارٍ محظربةٍ ... في أقواسٍ نارعتها أيمن شملا

و"الحرب" أنثى. يقال في تصغيرها: حريب بغير هاء. و"الفأس" أنثى. يقال في تصغيرها: فؤيسة، ويقال في جمع.

القلة: أفؤس، وفي جمع الكثرة: فؤوس. و"الأزيب" النشاط أنثى. قال الفراء: يقال: مر بنا فلان وله أزيب منكرة، وأزبى منكرة. والأزيب من الرياح، وهي الجنوب مؤنثة. والحمى: مؤنثة بحرف التأنيث. يقال في جمعها: حميات، وتسمى الحمى الوعك، وأم ملدم، ويقال: وعك الرجل فهو موعوك وعكا، وورد فهو مورود وردا، إذا كانت تأخذه في وقت معروف. و"سباط"، بفتح السين وكسر الطاء، في كل حال مؤنث، وهو من أسماء الحمى، وقال الشماخ في الورد:

كأن نطاة خيبر زودته ... بكور الورد ريثة القلوع أراد الإقلاع، أي وردها متعجل بالغداة كان أو بالعشى، ومنه قيل: باكورة الرطب والفاكهة، أي متعجلها، وقال الهذلي في سباط: أجزت بفتيةٍ بيضٍ خفافٍ ... كأنهم تملهم سباط ومن صفات الحمى الصالب، والنافض بغير هاء، لأن هذا المعنى

لا يكون في شيء ذكرٍ مثل الحمى، ويقال: أخذته حمى صالب، وحمى صالبٍ، والحمى الصالب، والحمى بصالبٍ، فمن نون ورفع (صالبا) جعله نعتا، ومن خفضه أضاف الحمى إليه، وكذلك النافض. والفرسن فرسن البقرة الجزور: أنثى، وتصغيره: فريسن بغير هاء. والفرسن مثل لحم الكارع من الغنم. و"والصعود" مؤنثة. يقال: وقعوا في صعود منكرة، وكذلك:

الحدور، والهبوط، والكؤود، والصبوب إناث كلهن، والكؤود: العقبة. و"الذود" أنثى. سمعت أبا العباس يقول: هي ما بين الثلاث

إلى العشر من الإبل، ويدل على تأنيثها قولهم: ليس في أقل من خمس ذودٍ صدقة، ويقال في الجمع: أذواد قال الشاعر: فإن يك رب أذواد بحسمى ... أصابوا من لقائك ما أصابوا وقال أوس بن حجر: فخلى للأذواد بين عوارضٍ ... وبين عرانين اليمامة مرتع وقال الآخر: فإن يك أذواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغًا. بقتل حبال

ومثل للعرب: (الذود إلى الذود إبل) أي القليل يصير إلى القليل فيجتمع، فيصير كثيرًا. و"الركية": مؤنثة بحرف التأنيث. قال الفراء: فإذا قالوا: الركى ذهبوا به إلى الكثير. قال: ورأيت بعض تميم وسقط ابن له في بئر فقال: والله ما أخطأ الركى فوحده بطرح الهاء. قال فإذا فعلوا ذلك ذهبوا به إلى التذكير كأنه اسم للجمع وهو موحد.

وما رأيته من نعوت الخمر فإنها مؤنثات مثل: الراح، والخندريس، والمدامة، وذلك أنهن قد أخلصن للخمر فصرن إذا ذكرن عرف أنهن للخمر؛ كما عرف نعت السيف بالمشرفي وأشباهه، فصار مذكرا. وقال الفراء: إذا رأيت الاسم له نعت لا يقع إلا عليه فهو مذكر إن كان اسمه مذكرا، ومؤنث إن كان اسمًا مؤنثًا بعد أن يعرف كل واحدٍ منهما بذلك النعت. من ذلك: جارية خود، أي حسنة، وناقة

سرح، أي سريعة، وامراة ضناك، أي ضخمة فهذه مذكرة في اللفظ وهي من نعوت الإناث خاصةً، فإذا أفردتها فهي إناث، فتقول: هذه خود، ويقال: جارية محض، بغير هاءٍ، وربما قالوا محضة بالهاء، ويقال: فلانة بعل فلانٍ، وبعلة فلان. قال الفراء: أنشدني بعضهم: شر قرين للكبير بعلته ... تولغ كلما سؤره وتكفته

و"العقاب" أنثى، ويقال في جمعها: ثلاث أعقب، والكثيرة العقبان، وأنشد الفراء لامرئ القيس: ............ كأنها ... عقاب تدلت من شماريخ ثهلان ثهلان جبل. و"الجزور": أنثى، وجمعها: جزر، وجزائر، وجزرات.

و"الناب" أنثى من الإبل، وهي الناقة المسنة، مؤنثة. و"النوب"، والثول من النحل أنثيان. قال الكرنبائي: النوب: التي تنتاب المرعى فتأكل. واحدها: نائب قال أبو ذؤيب: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفها في بيت نوبٍ عوامل

وقال أبو عبيدة: إنما سميت نوبا لسواد فيها، وقال الكرنبائي: الثول: جماعة النحل. قال ساعدة بن جؤية: فما برح الأسباب حتى وضعته ... لدى الثول ينفي جثها ويؤومها جثها: غثاؤها، وما كان على عسلها من جناح أو فرخ من فراخها، ويؤومها: يدخن عليها، والإيام: الدخان:

باب ما يذكر، ويؤنث باتفاق من لفظه

باب ما يذكر، ويؤنث باتفاقٍ من لفظه واختلاف معناه، وباتفاقٍ من لفظه ومعناه من ذلك "النوى" على ثلاثة أوجه: النوى: البعد: مؤنثة. قال الشاعر: فما للنوى لا بارك الله في النوى ... وهم لنا منها كهم المراهن والنوى: الموضع الذي نووا الذهاب إليه مؤنثة والنوى: جمع نواة: مذكر. فال الشاعر في النوى التي معناها النية:

فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر وقال الآخر في النوى المذكر يصف عقابا: كأن قلوب الطير في جنب وكرها نوى القسب يلقى عند بعض المآدب و"اليسار" على وجهين: اليسار من الغنى: مذكر، واليسار: الشمال: مؤنثة وفيها لغتان: اليسار واليِسار، وفتح الياء أجود.

و"الآل" على ثلاثة أوجه: الآل الذي يشبه السراب: يذكر ويؤنث، وقال الفراء: تذكيره أجود. قال الشاعر: أتبعتهم بصري والآل يرفعهم ... حتى اسمدر بطرف العين إتآرى والآل: جمع آلةٍ، وهي خشبة لها شعبتان تبنى عليها الخيام. قال نصيب: عفا الجرف ممن حله فأجاوله فذو الأثل من ودان وحش منازله فخيم اللوى قد عريت صفحاته من الثم لما أن تحمل آهله

فلم يبق منها غير آلٍ فريقة قيام وصرعى أسلمته أسافله والآل؛ جمع يشبه الواحد. قال الله عز وجل: (وإذ نجيناكم من آل فرعون). قال الفراء: آل: واحد لا جمع له. قال: ونرى أن أصله أهل، ثم استثقلت الهاء، وكثرت في الكلام، فبدلت ألفا. قال: وإن شئت جعلته مسمى بالآل الذي هو الشخص. قال: والعرب تصغره: أويل، وأهيل.

وقد قال الله عز وجل: (يأيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا) فجمع الأهل. ثم يجمع الجمع، وزعم الرؤسي أنه سمع الأهالي جمعا، فكأنه بنى عليه أهلين ثم جمع الجمع. كما قالت العرب: لا عشارى لك، وهو جمع العشرين: وهو مما شذ من كلام العرب. وقال السجستاني: قال أبو زيد: (الأشد) يذكر ويؤنث من قولهم:

بلغ الرجل أشده. يقال: هو الأشد، وهي الأشد، وقال الفراء في قول الله تعالى: (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) يقال: إن الأشد ها هنا هو الأربعون. قال: وسمعت بعض المشيخة يقول بإسناد وسمعت أن الاشد في غير هذا الموضع ثماني عشرة. قال: والأو أشبه بالصواب، لأن الأربعين أقرب في النسق إلى ثلاث وثلاثين منها إلى ثماني عشرة. ألا ترى أنك تقول: أخذت عامة المال أوكله فيكون أحسن من أن تقول: أخذت أقل المال أو كله، وقوله: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) فبعض ذا قريب من هذا، فهذا سبيل العرب، والثماني عشر لو ضم إلى الأربعين كان وجها. وقال أبو عبيدة: بلغ أشده مجازه: إذا بلغ منتهى شبابه وجده وقوته من قبل أن يأخذ في النقصان. قال: وليس له واحد من لفظه.

وقال يونس: الأشد: جمع شد بمنزلة قولهم: الرجل ود، والرجال أود وأنشد قول النابغة: إني كأني لدي النعمان خبره ... بعض الأود حديثا غير مكذوب بأن حصنا وحيا من بني أسدٍ ... قاموا فقالوا: حمانا غير مقروب وقال الفراء: أهل البصرة يزعمون أن الأشد اسم واحد مثل

الآنك. قال وقلما رأينا اسما على (أفعلٍ) إلا وهو جمع، وقال: أنشدني المفضل: عهدي به شد النهار كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم

قال: وأنشدني آخر: تطيف به شد النهار ظعينة ... طويلة؟؟؟؟؟؟ سحوق فالفراء يذهب إلى أن واحد الأشد: شد على مثل قولهم: فلس وأفلس، وقال السجستاني: قال بعضهم: الأشد: جمع شدة؛ كما أن الأنعم جمع نعمة. قال: فهذا الذهب يوجب التأنيث؛ لأن كل جمع على (أفعلٍ) مؤنث، وقال: قال أبو زيد: ولغة أخرى: أشد بضم الأول قال: وذلك واحد. و"الغوغاء" يذكر ويؤنث، فمن أنث قال: هذه غوغاء؛ كقولك:

حمراء، وصفراء، وعوراء فلم يصرف، ومن ذكر قال: هم غوغاء بمنزلة رضراضٍ وفضفاضٍ. و"الحمامة" تذكر وتؤنث: قال أبو هفان: أنشدني عمارة لجده بلال بن جرير: أيا غصنات المقل من بطن تريما ... أراكن قد هجتن شجوامكتما إذا حن من شجو غريبٍ ظننته ... حمامة وادٍ إثر أخرى ترنما

و"الدلو" على ثلاثة أوجهٍ: الدلو الذي يستقي بها على [البئر] مؤنثة، وقد يذكر. والدلو: مصدر دلوت الدلو، إذا أخرجتها. وهو مذكر. والدلو: ضرب من السير مذكر. قال الراجز: يا مي قد ندلو المطى دلوا ... ونمنع العين الرقاد الحلوا و"الغين" على وجهين: الغين من حروف المعجم: مؤثنة على معنى الكلمة، والتذكير جائز على معنى الحرف. والغين: مصدر غينت السماء غينا، إذا أطبق الغيم السماء: مذكر. قال الشاعر: كأني بين خافيتي عقابٍ ... أصاب حمامةً في يوم غين

و"الشاة" تذكر، وتؤنث. أنشد الفراء في التذكير: تجوب بي الفلاة إلى سعيد ... إذا ما الشاة في الأرطاة قالا والحية: تذكر، وتؤنث. أنشد الفراء: فما تزدري من حيةٍ جبليةٍ ... سكاتٍ إذا ما عض ليس بأدردا

وقال الأخطل: إن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حية من قومه ذكر وقال الكرنبائي: يقال للذكر من الحيات: الحيوت، وقال الأصمعي: وتأكل الحية والحيوتا و"الجرادة" تذكر، وتؤنث. قال أبو هفان: أخبرني التوزي عن أبي زيد قال: ما سمعت بيت (بشرٍ) من العرب إلا هكذا:

مهارشة العنان كأن فيها ... جرادة هبوةٍ فيه اصفرار وقال أبو هفان: أنشدني التوزي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء لبعض أشجع: كأن جرادةً صفراء طارت ... بألباب الغواضر أجمعينا فأخرج (صفراء)، و (طارت) مخرج جرادة، وإن كان المعنى للذكر؛ لأن الصفرة لا تكون إلا للذكر، وإذا كان ذكرًا كان أخف له، فأراد التذكير في ظاهر اللفظ. قال الأصمعي: إذا قال: فيه استغنى عن اصفرار؛ لأن الصفرة لا تكون إلا في الذكور دون الإناث، فإذا كان ذكرًا كان أخف له، فأراد التذكير في ظاهر اللفظ وباطن المعنى. يقول فيه. والصفرة للذكر؛ لأنه إذا كان ذكرًا كان أخف له، وإذا كانت فيه هبوة كان أسرع له، وقال أبو هفان: أخبرني التوزي والجرمي عن أبي زيد قال: تقول العرب: نعامة ذكر، وحمامة ذكر، وحية ذكر، وجرادة ذكر، وبطة ذكر.

باب ما يقال بالهاء وبغير الهاء

باب ما يقال بالهاء وبغير الهاء [من ذلك] قولهم: دار ودائرة، ومكان ومكانة، ومنزل ومنزلة، قال أمية بن أبي الصلت، يمدح عبد الله بن جُدعان: له داعٍ بمكة مشمعلٌ ... وآخر فوق دارته يُنادي [إلى رُدحٍ من الشيزى عليها ... لُباب البُرِّ يُلبك بالشهاد] وقال يعقوب: يقال: حال وحالة، وأنشد للفرزدق. على حالةٍ لو أن في القوم حاتماً ... على جُوده لضن بالماء حاتمُ ويقال: بعلُه وبعلتُه. ويقال: هي أخته سوغُه وسوغَتُه، ويقال: هم أهله وأهلتُه. قال الفراء: أنشدني المفضل:

وأهلةٍ ودَّ قد تبريت وُدهم وأبليتهم في الحمد جُهدي ونائلي وقال: أنشدني أيضاً: فهم أهلاتٌ حول قيس بن عاصمٍ ... إذا أدلجُوا بالليل يدعون كوثرا فجمع الأهلة أهلات. وقال السجستاني: قال أبو زيد: يقال: هي الجرة وهو الجر. وفي الحديث: "نهى رسول الله عليه وسلم عن نبيذ الجرة". وهي السلة وهو السلُّ. وهي الكوة وهو الكو. وهي الحُقة وهو الحُق. وهي القِمطرة وهو القِمطر. وقال: قال أبو عبيدة: يقال: في عينه بياض وبياضة. وفي عينه كوكب وكوكبة. وقال يعقوب: قال أبو عبيدة: يقال: أنا من هذا الأمر بمرأى ومسمع وبمرآة ومسمعة. ويقال: ما في فلان مهاةٌ ومهاهة، أي لا خير فيه ولا طائل عنده. قال الأسود بن يعفُر: فإذا وذلك لا مهاه لذكره ... والدهرُ يُعقِبُ صالحاً بفسادِ

ويقال: نزلنا ماء فلان، وماءة بني فلان. وقال الفراء: ويقال: اجعلني أُدمة وأُدم وغدام، ويقال: مالك عندي أُدمة إلا كذا وكذا، يريد: وسيلة، ويقال: اجعلني أُدمة أهلك، أي: أسوة أهلك. ويقال: إن فلاناً لذو جاهٍ عند الأمير وجاهة، يريد: خاصة ومنزلة. وقال يعقوب: قال أبو قُرة الكلابي، وغيرُه منهم، إنه لكريم من كرائم قومه، وقال غيرهم: رجُل كريمة من كرائم قومه. وقال أبو زيد: يقال: إنه لكريم من كرام قومه. ويقال: أتيتك قيظَ عامٍ أول، وقيظة عام أول. ويقال: ما ترك من أبيه مغدى ولا مراحاً، ومغداةٌ ولا مراحةً، يعني من الشبه به، وبعضهم يقول: ولا رواحاً ولا رواحةً. ويقال: أغنيت عنك مغنى فلان، ومغناة فلان، ومُغنى فلان، ومُغناة فلان. وأجزأتُ عنك مجزأ فلان ومجزأته، ومُجزأة فلان ومُجزأه. ويقال للقرن: مِدرَى ومِدراة. قال ذو الرمة: أيا ظبيةَ الوعساء بين جُلاجل ... وبين النقا أأنت أَمْ أمُّ سالِم هي الشبيه إلا مِدرييها وأُذنها ... سواءً وغلا مشقةً في القوائم

وقول الله عز وجل: (لو يجدون ملجأ أو مغاراتٍ أو مُدخلاً) فواحد المغارات: مغار، ومغارة، ومُغار، ومُغارة. ويقال: عرفت ذلك في معنى قولِه، وفي معناة قوله. ويقال: هذا حقيق خبرهم، وحقيقة خبرهم، ويقال: أتيتُه ذات صبُوح يومِ، وذات ليلةٍ، وقال يعقوبُ: حُكي عن الكسائي: أتيته ذا يوم وأتيتُه ذات صبوحٍ، وذات غبوقٍ قبيحة، وذا صبوح، وذا غبوق أجودُ، وقال الفراءُ: أتيته ذات العُويمِ منذ سنتين، وأتيته ذات عامٍ يريد مرة، ولا يقال: ذا عامٍ. قال الفراء عن الكسائي: يقال: لا أكلمُه آخِر المنونِ، وأخرى المنونِ، ويقال: لا أكلمه آخر ما خَلقِي. يريد آخِرَ عُمرِي، أي ما بقيت، وقال يعقوب: لا يقال: أُخرى ما خَلْقِي.

ويقال: هذا فُوق السهمِ، ويُجمع أفواقا وفِوقةً، ويقال: هذه فوقة السهم وتجمع فوقا، وتُقلب فيقال: فُقىً. قال الكندي: ونَبْلِي وفُقاها كعراقيب قطاً طُحلِ وقال رؤبة: كسّر من عينيه تقويمُ الفوق

باب ذكر أسماء السور وحروف المعجم

بابُ ذِكْرِ أسماء السورِ وحُروف المعجم وما يذكر منهن ويؤنث اعلم أن أسماء السور كلها مؤنثةٌ. تقول: هذه يونس، وهذه لُقمان والأعرافُ وآلُ عِمران أتقنتها، فإذا قلت هذه هُودٌ ونوحٌ كان ذلك مذهبان: إن شئتَ قلت: هذه هودٌ، ونوحٌ بالإجراء، وإن شئت قلت: هذه هودُ ونُوحُ بلا إجراءٍ. فمن أجراهما قال: أردت هذه سورةُ نوحٍ، وسورةُ هودٍ، فحذفتُ السورة، وأقمتُ نوحاً وهوداً مُقامها، ومن لم يُجرهما قال: هما اسمان للسورتين، وهما مؤنثتان، وكذلك تقولُ: درستُ تنزيل السجدةِ حتى أتقنتها، ودرست تنزيلاً السجدة، ودرست تنزيلُ السجدة. فمن قال: درستُ تنزيل السجدة قال: أردتُ أن أجعل تنزيل اسماً للسورة، فلم أُجره، ومن قال: درستُ تنزيلاً السجدة قال: أردت سورة تنزيل، فحذفت السورة، واقمت تنزيلاً مُقامها؛ كما قال (وسأل القرية التي كنا فيها) معناه: واسأل أهل القرية.

ومن قال: قرأت تنزيلُ السجدة فإنه يرفع (تنزيلاً) على الحكاية لما في أول السورة، والسجدة منصوبة على الترجمة عن تنزيل، ومن رفع تنزيلاً على الحكاية نصب السجدة على الترجمة عن موضع تنزيل، كما تقول: قرأت ألم البقرة، فتنصب البقرة على الترجمة من موضع ألم. وإن لم يتبين النصب في لفظها. ومن قال: قرأت تنزيلَ السجدة قال: هو بمنزلة قولي: لقيت بكراً أبا محمد. وأما حروف المعجم فإن أبي حدثني عن ابن الحكم عن اللحياني قال: قال الكسائي: حروف المعجم كلها مؤنثة. هكذا كلام العرب. قال: وإن ذكرت جاز، وكذا كُلُّ ما جعله الكُتابُ اسماً من الأدوات، والصفات، والمُثُلِ فهي مؤنثة؛ مثل أينَ، وأنى، وكيفَ، وما، ووراء، وأمام، وقدام، وأيان وإيان بفتح الألف وكسرها، وكذا ما أشبهها، وإن شئت ذكرت قال اللحياني: وأخبرني الكسائي عن محمد بن الفضل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن

السُّلمي أنه قرأ: (إيان يُبعثون) بكسر الألف، وقد ذكرت قول الفراء في حروف المعجم في باب قبل هذا، فلم أُعِده هاهنا. وقال السجستاني: أخبرني أبو زيد والأصمعي أن حروف المعجم تُذكّر وتؤنث، [والتأنيث أكثرُ وأعرفُ]. قال: وأنشدنا الأصمعي للراعي، وقال: الراعي أفصح الناس: أشاقتك آياتٌ أبان قديمُها ... كما بُينت كافٌ تلوح وميمها وقال الراجز: كافاً وميمين وسيناً طاسما يريد: طامسا، وهي لغة القرآن، ولم يقل: طامسة، والمعنى طامِسا. يُقالُ: طمس الشيءُ، وطسم، إذا درس، وطمس لغةُ القرآن، وهي أعرف اللغتين، ويقال: طمس الله بصره يطمِس، ويطمُس لغتان، والكسر أجودُ، وعلى هذا المذهب من التأنيث والتذكير جميع الحروف مثل الياء، والتاء، والحاء، والخاء، وسائر الحروف، والتأنيث فيه أكثر، والتذكير معروف.

باب فعيل

باب فَعِيل اعلم أنَّ (فَعِيلا) إذا كان نعتاً للفاعل دخلت الهاء في مؤنثه، وإذا كان للفاعل فهو مبني على الماضي والمستقبل. تقول من ذلك: رجُلٌ كريمٌ، وامرأةٌ كريمةٌ، ورجُلٌ ظريفٌ، وامرأةٌ ظريفةٌ، فتُدخِلُ الهاء فيه إذا كان مبنياً على الماضي والمستقبل؛ كما تدخُلُ في قولك: امرأةٌ قائمةٌ وجالسةٌ، إذ كانا مبنيين على قولك: قامت تقوم فهي قائمة، وجلست تجلِس فهي جالسة. وإذا كان (فِعيلً) بمعنى مفعول لم يدخُل الهاءُ في مؤنثةٌ؛ كقولك: عينٌ كحيلٌ، وكفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دهينٌ. معناه: عينٌ مكحولةٌ، وكفٌ مخضوبةٌ، ولحيةٌ مدهونةٌ، فصُرِفَ عن مفعول إلى (فَعِيلٍ) فأُلزم التذكير، فرقاً بين ماله الفِعلُ وبين ما الفِعلُ واقعٌ عليه، وكان الذي هو فاعلٌ أولى بثبات الهاء فيه؛ لأنه مبني على الفعل، والذي هو مفعول هو أولى بالتذكير؛ لأنه معدول عن بناء الفعل، فإن وجدت نعتاً من باب فعيل ظاهراً صاحِبه قد دخلته الهاء فهو من إخراج بيان التأنيث والاستيثاق منه؛ كما قالوا فرسة وعجوزة، فأدخلوا الهاء لتحقيق التأنيث أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب:

وقد زعم النسوان أني عجوزةٌ ... مشنجةُ الأوداج أو شارفٌ خصي وتقول: امرأة قتيلٌ، فتقوله بغير هاء، لأن المعنى مقتولة، فصرفت عن مفعول إلى (فعيل) فإذا ألقيت الاسم المؤنث أدخلت الهاء في النعتِ، فقلت: مررت بقتيلة، وكذلك إذا أضفتها قلت: قتيلةُ بني فلان، فيُدخِلون الهاء ليعلموا أنه نعتُ مؤنثٍ؛ إذا لم يكن قبله ما يدل على أنه مؤنث. فمن ذلك قول الله عز وجل: (والنطيحةُ)، وكذلك: (أكيلة السبع) حُدثنا عن إبراهيم الهروي عن هُشيم عن سيار عن الشعبي أنه قرأ: (وأكيلة) وكذلك الذبيحة، وفريسة الأسد، وكذلك قولهم: كما يمرُقُ السهمُ من الرمية. جعلوها بالهاء لما صُيِّرتْ اسماً مفرداً. وإذا صغرت (فعيلا) وصاحبُه ظاهرٌ قلت: عينٌ كُحيلٌ، وكفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دُهين، فتطرح الهاء في تصغيرها، كما تطرحها في تكبيرها، فإذا أفردت المؤنث أو أضفته صغرته بالهاء، فقلت: مررت بُقتيلة، وهذه قُتيلة

بني فلان وذلك أن لاهاء لما ثبت في التكبير ثبت في التصغير. فإذا كان (فَعِيلٌ) بمعنى فاعل وهو مما ليس للرجال فيه حظٌ كان بمنزلة طالق وحائض، فمن ذلك قولهم: ناقةٌ صفيٌّ، وأنيقٌ صفايا، إذا كُن غزارا، لم يُدخلوا الهاء في هذا النعتِ؛ لأنه لا حظ للذكر فيه، ومن ذلك قولهم: ناقةٌ بكيٌّ، إذا كانت قليلة اللبن، ويقال في الجمع: أينُقٌ بكاءٌ. يقال: كانت غريرا فبكؤت، وبكأت بكئا. يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام إلى شاة بكيء فحلبها، وقال سلامةُ بن جندل: يُقالُ محبسها أدنى لمرتعها ... ولو تعادى ببكءٍ كُلُّ محلوب وأنشد الفراء: فليأزلن ويبكؤن لقاحه ... ويُعللن صبيه بسمار

وربما مالوا إلى الاستيثاق، فقالوا: شاةً بكية. والسمار: اللبن المخروج الذي أكثر ماؤه. ويقا: ناقةٌ دهينٌ، إذا كانت قليلة اللبنِ، والجمعُ أنيقٌ دُهنٌ. ومما جاء فيه (فعيلٌ) بمعنى مفعول قولهم: ناقة عسير، إذا اغتُصبت فركبت ولم تُرض قبل ذلك، وناقةٌ قضيبٌ من الإبل، ولم تمهر الرياضة. ويقال: ناقةٌ مريٌّ، ونوق مرايا، إذا درت على غير ولدها أو على غير ما تُعطف عليه، ومسحُ الضرع لتدُرَّ مريٌ، ومُرية، ومِرية، وإنما سُميت مَرِيّا؛ لأنها تدُرُّ على المري، وناقةٌ لحيبٌ، إذا كانت قد ذهب لحمُ ظهرها من غزارتها، وكلُّ غزيرةٍ لا يبقى على ظهرها لحمٌ، ويقال: ناقةٌ نهيسٌ،

وَلسيعٌ، إذا لسعتها الحيةُ ويقال: ناقةٌ طليحٌ، إذا كانت معُيية، والجمع طلاح. قال الشاعر: وقالوا حمامٌ قلت حُمَّ لقاؤها ... وطلحٌ فنيلت والمطيُّ طليحُ وقال القرشي في الجمع: مثاباً لأفناءِ القبائل كُلِّها .. تخبُّ إليه اليعملاتُ الطلائحُ ويقال: ناقةٌ حسيرٌ، إذا كانت مُعيية. أنشد الفراء: إذا ما المهارى بلغتنا بلادنا ... فبُعد المهارى من حسيرٍ ومتعب ويقال: ناقةٌ لهيدٌ، إذا غمزها الحِملُ فوثأ لحمها، ويقال: ظلَّ فلان لهيدا حين سمع ذلك الخبر، ويقال: ناقةٌ لديسٌ للتي لدست باللحم، أي

رُميت به سمنا، ويقال: امرأة ذميمٌ، أي مذمومة. أنشدنا أبو الحسن ابن البراء: اقرأ على الوشل السلام وقل له ... كلُّ المشارب مُذ فُقدت ذميمُ [الوشل: الماء القليل، وهو هاهنا كناية عن المرأة]. وقال أبو زيد: يُقال: قِدر دميمٌ للتي ُمت بالطحال، أي طليت به، ونارٌ تسعير، وامرأةٌ لعينٌ شتيمٌ، ونعجةٌ ذبيحٌ، ونطيحٌ، ويقولون

في الجمع: ذبحى، وذبائح، ونطائح ونطحى، وربما مالوا إلى الاستيثاق، فأدخلوا الهاء، فقالوا: نعجةٌ ذبيحةٌ ونطيحةٌ، وكذلك يقال: امرأة ستيرٌ وستيرةٌ، ويقال ناقةٌ كسير، وعقيرٌ، وبقيرٌ للتي كُسرت، وعُقرت، وبُقر بطنها عن جنينها، وكذلك يقال: ناقة بعيج، للتي بُعج بطنها، وفرسٌ صنيعٌ للمصنوعة، وامرأةٌ عقيمٌ قال الله عز وجل: (فصكت وجهها وقالت عجوزٌ عقيمٌ) سمعت أبا العباس يقول: المعنى: وقالت أنا عجوز عقيمٌ، ويقال: امرأة هديٌّ، وهي العروس. يقال: هديتُ العروس إلى زوجها هداءً، ويقال: ناقة نحير، ونحيرة في أينقٍ نحرى، ونحائر، وأمةٌ

رقيقٌ ورققة في إماءٍ عتائق، وعبدٌ رقيقٌ في أعبدٍ أرقاء، وأمةٌ عتيقٌ وعتيقةٌ، أي مُعتقةٌ في إماءٍ عتائق، وعبدٌ عتيقٌ في أعبُدٍ عُتقاء، وامرأة جليب في نسوةٍ جلبى وجلائب، وأمةٌ سبيٌّ في إماءٍ سبايا، وعنزٌ رميٌّ، أي مرمية في أعنُزِ رمايا، ويقال: امرأة جليد وجليدة في نسوةٍ جلدى، وجُلائد، أي مجلودةً، ويقال ملحفةٌ جديدٌ بغير هاء؛ لأن المعنى مُجدَّدة، ومَجْدُودة، من جددتُ الشيء: قطعته، وفصلته، فكانت بمنزلة قولهم: امرأةٌ جريحٌ وصريعٌ، ويقال: مِلحفة خلق، بغير هاء. قال الفراء: وبعضُ قيس يقولون خلقةٌ، وجديدةٌ، قال ولستُ أشتهيها. قال: وإنما ذكّرت العرب

(خَلَقا)؛ لأنهم كانوا يُضيفنه أكثر مما يُفردونه، فيقولون: أعطني خلق مِلحفتك، فلما طرحوا الإضافة أمضوه في الانفراد، على ذلك المعنى. قال أبو العباس: أنشدنا أبو العالية: كفى حزناً أني تطاللت كي أرى ... ذُرى قُلتي دمخ فما تُرياني كأنهما الآل يجري عليهما ... مِنَ البُعدِ عينا بُرقُعٍ خلقانِ فقال خَلَقان، ولم يقل خلَقَتان، والعينان أُنثيان للعلة التي تقدمت. ويقال: امرأة قتينٌ، إذا كانت قليلة الطُّعمِ، ويقال في الجمعِ: قُتُنٌ. قال أبو عبيدة: قال الأصمعي: القَتين: القليلة الطُّعْم. ويقال منه: امرأة قتين بينة القتنِ. قال: وقال أبو زيد: وكذلك الرجُلُ، وقد قَتُنَ قتانة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: إنها وضيئةٌ قتنٌ، وأنشد أبو عبيدة للشماخ يذكر ناقة: وقد عَرِقت مغابنها وجادت ... بدرتها قِرى حَجِن قتينِ يعني إنها عرقت، فصار عرقها قرى للقراد والحجن السيىُ الغذاء، والقتينُ القليلُ الطعمِ، وقال الأصمعي: يقال: بئر ضغيطٌ وهي الركية تكونُ إلى جنبها

ركيّة أُخرى فتحمأ من الحمأة، فيصير مُنتنا، فيسيل إلى ماء العذبة، فيُفسده، فلا يشربه أحد، وقال الراجز: يشربن ماء الآجن الضغيط ... ولا يعفن كدر المسيط وقال الأصمعي: قد يأتي (فَعِيلٌ) في تأويل فاعل للذكر فيه حظٌّ، فيأتي بغيرِ هاءٍ. يقال: ناقةٌ سديسٌ، إذا ألقت سديسها، والجمعُ سدوسٌ، ويقال: بعيرٌ فتيقٌ، وناقةٌ فتيقٌ، أي تفتُقُ في الخِصب. يقال: فتقت تفتقُ فتقا. قال رؤبة: لم ترجُ رسلاً بعد أعوام الفتق ويقال: ثوب قشيبٌ، ومُلاءةٌ قشيب، إذا كانا جديدين، وإنما لم يُدخلوا هاء التأنيث في هذا، وللمذكر فيه حظ؛ لأن الناقة والملاءة ليس تأنيثهما تأنيثاً حقيقياً، وقد حكى الأصمعي أيضاً: امرأةٌ خليقٌ، إذا كانت

حسنة الخَلْق، وامرأة قتينٌ، إذا كانت قليلة الطُّعْم، وكذلك زهيدٌ، فأدخل ابن السكيت هذا فيما ذُكِّرَ والفعلُ له مما يشترك فيه الرجالُ والنساءُ، وحكاه عن الأصمعي. قلت: وهذا عندي غلطٌ، لأن خليقا وزهيدا، وقتينا في تأويل مفعول؛ لأن معنى قتين: قُلّلَ طُعمُها، وكذلك زهيدٌ، ومعنى خليقٍ: يُستحسن خلقُها، فهو بمنزلةِ جريح، وصنيعٍ فهذا يُصحِّح قول الفراء، ويُبطلُ قول الأصمعي ويعقوب. وقال يعقوب: يقال للتي تُسبى: أخِيذةٌ، فدخلت الهاء في هذا على جهة الاستيثاق، وقال الأصمعي: يقال: هي الخليةُ، وهو أن يُعطف الناقتان على ولدٍ، فتدُرّا عليه، فيرضعُ من إحداهما، ويتخلى أهلُ البيت والراعي بالأخرى. ويقال: شاةٌ ذَبيحٌ، ويقال: بئست الذبيحةُ ذبيحتك، إذا لم تُذبح، فشبهوها بضحية، ويقال هو عرين الأسد، وعرينته. أنشد أبو عُبيدة لعنترة:

ومُسربلٍ حلق الحديد مُدججٍ ... كالليث بين عرينة الأشبال ويقال: ضريحٌ وضريحة للقبر. أنشد ابن البراء: وحلَّ ضريحهُ إذ حلَّ فيه ... طريفُ المجدِ والحسبُ التليدُ وأنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب. قال: أنشد أبو زيد: أخارجَ إن تُصبح رهين ضريحةٍ ... ويُصبح عدوٌّ آمناً لا يُفزَّعُ فقد كان يخشاك الثريُّ ويتقي ... أذاك ويرجُو نفعك المتضعضعُ وقال يعقوبُ: يقال: أصيلٌ وأصيلةٌ للعشيّ، ويقال: هو رهينةٌ في أيديهم، وبعثنا ربيئةً لنا، وطليعةً، ولى هذا الشيءُ عنده وديعة. وقال أبو عُبيدة: المطية: ما رَكِبْتَ أو حمَّلْتَ عليه، فامتطيت لجهازك من جَمَلٍ أو ناقةٍ، وفي تسميتهم الناقة مطيةً قولان: أحدهما: أن تكون سُمِّيت بذلك؛ لأنها تُمطى بها في السير، أي يُمدّ

بها. ويقال: هند قريبٌ مني، والهندان قريبٌ مني، والهندات قريبٌ مني، فيوحدُ (قريب) ويذكرُ؛ لأن المعنى: هندٌ مكانٌ قريبٌ، وكذلك: بعيد. ويجوز أن تقول: قريبةٌ وبعيدةٌ، إذا بنيتهما على قرُبَت وبَعُدت، فإذا أردت قرابة النسبِ، ولم تُرِد قُرْبَ المكانِ ذكرت مع المذكر، وأنثت مع المؤنث لا غير قال الله عز وجل: (إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين)، فذكَّرَ قريباً، ويجوز أن يكون ذكره على معنى: إن فضلَ الله قريبٌ، وقال الأخفش: هو محمول على معنى: إن مطر الله قريبٌ. قال عُروة بن حزام:

عشيَّة لا عفراءُ منك بعيدةٌ ... فتسلُو ولا عفراءُ منك قريبُ وأنشد أبو عبيدة: وإن تُمسِ ابنةُ السهمي منا ... بعيداً لا تُكلمُنا الكلاما وأنشد أبو عُبيدة أيضاً: تؤرقني وقد أمست بعيداً ... وأصحابي بعيهم أو تباله وقال الآخر: فديتُكِ أعدائي كثيرٌ وشُقَّتِي ... بعيدٌ وأنصاري لديك قليلُ

باب ذكر ما يؤنث من أسماء البلاد، ويذكر وذكر ما يجرى منها، وما لا يجرى

باب ذِكْرِ ما يؤنثُ من أسماء البلاد، ويُذكَّرُ وذِكْرِ ما يُجرى منها، وما لا يُجرى اعلم أن الغالبَ على أسماء البُلدان التأنيث، والمؤنثُ على أحدِ أمرين: إما أن تكون فيه علامةٌ فاصلةٌ بين المذكر والمؤنث؛ كقولك: مكةُ، والجزيرةُ، والرصافةُ، والطبريةُ. الهاءُ في هؤلاء الأسماء علامةُ التأنيثُ وإما أن يكون اسمُ المدينة مُستغنى بقيام معنى التأنيث فيه عن العلامة؛ كقولك. حِمص، وفيدُ، وحلبُ، ودمشقُ. فأما مكةُ، وحلبُ، وفيدُ، وما أشبههن فلا تُجريهن للتعريف والتأنيث. وأما البصرةُ والكوفةُ، والرقةُ فتجريهن؛ لأن فيهن الألف

واللام. قال لبيد في ترك إجراء فيد: مُريةٌ حلت بفيدَ وجاورتْ ... أهل الحجاز فأين منك مرامُها وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي: سقى الله حيًّا بين صادرة الحِمى ... حِمى فيدَ صوبَ المُدجناتِ المواطِر وقال الفراء: أنشدني المفضلُ: لقد أنكرتني بعلبك وأهلُها ... ولابنُ جُريحٍ كان في حمص أنكرا

وقال الفراء: أنشدني رجلٌ فصيحٌ: لقد أنكرتني بعلبك، فلم يُجر الشاعر حِمصَ، وأنث بعلبكً، وفيها ثلاثة أوجه: أعجبتني بعلُبكٍّ إذ دخلتُها، وبعلبكَّ، وأجاز جماعةٌ من النحويين: أعجبتني بعلُبَكَّ. وحضر موت بمنزلة بعلبكَّ. وقال أبو هِفّان: يقال: هو مِني، وأنشد للعرجيّ في تأنيثها: ليومنا بِمِنَى إذ نحنُ ننزِلُها ... أسرُّ مِن يومنا بالعرجِ أو ملل وأنشد لأبي دهبلٍ الجُمحي في تذكيره: سقى مني ثم رواهُ وساكنهُ ... ومن ثوى فيه واهي الودق منبعقُ وقال الفراء: الغالب على (منىً) التذكير، والإجراءُ. قال: وأنشدني أبو ثروان: فقالوا تعرفها المنازل من منىً ... وما كلُّ من وافى منىً أنا عارف

(فارسُ): قال الفراءُ: الغالبُ عليها التأنيثُ، وتركُ الإجراء قال الشاعر: لقد عَلمتْ أبناءُ فارس أنني ... على عربيات النساء غيورُ (وهجر)؛ قال الفراءُ: الغالب عليها التذكيرُ والإجراء، وربما أنثوها، ولم يُجروها. قال الفرزدق: جاءوا على الريح أو طاروا بأجنحةٍ ... ساروا ثلاثا إلى يبرين من هجرا أمي هلا صبرت النفس إذ جزعت ... فتُبلى الله صبراً مثل من صبرا ورواه الفراء: إلى الفعلاءِ من هجرا. وقال الفرزدق أيضاً: منهن أيامُ صدقٍ قد عرفتُ بها ... أيام فارس والأيام من هجرا ومثلٌ للعرب: توسطي مجر تُرطِبْ هجر. يريد توسطي السماء يا مجرة،

ولم يقل: يرطب بالياء، ومعنى المثل: إن المجرة إذا توسطت فذلك وقتُ إرطاب النخل. و (فلج)، و (حجر اليمامة): الغالِبُ عليهما التذكير، وكلُّ ما ذُكِّرَ من أسماء البلدان أُجريَ، وكلُّ ما أُنثَ لم يُجرَ. قال الفراء: إنما أجرت العربُ هندا، ودعْدا، وجُملا، وهن مؤنثاتٌ على ثلاثة أحرفٍ، ولم يُجروا حمص، وفَيد، وتوز، وهن مؤنثاتٌ على ثلاثة أحرُفٍ؛ لأنهم يرددون اسم المرأة على غيرها، فيوقعون هندا ودعدا، وجُملا على جماعة من النساء، ولا يُرددون اسم المدينة على غيرها، فلما لم يرددوا ولم تكثر في الكلام لزمها الثقل وتُرِك الإجراء. قال السجستاني: وحجر اليمامة يُذكَّرُ ويُصْرَفُ، وبعضُ العربِ يؤنث ولا يصرف كامرأة اسمها سَهْل. قال: وفلجٌ مذكَّرٌ على كلِّ حالٍ. كذلك سمع من العرب. و (عُمَانُ): الغالب عليه التأنيث، وتركُ الإجراء، وقال الفراء: ربما أجرتها العرب في ضرورة الشعر.

وقُباء وأضاخ: قال الفراء؛ يُذكرانِ ويؤنثان، فمن ذكرهما أجراهما، ومن أنثهما لم يُجرهما. قال السجستاني: قُباءُ بالمدينة، وقُباءُ بطريق مكة يذكران، ويؤنثان. قال: وأما قول الشاعر: لأبغينكمُ قباً وعُوارضا ... ولأقبلن الخيل لابة ضرغدٍ المعروف (قناً) فهذا موضع آخر وهو مقصود. وبدرٌ مذكر يجري؛ لأنه اسم للماء. قال الله عز وجل: (ولقد نصركم

الله ببدرٍ وأنمت أذلةٌ) الغالب على التذكيرُ والإجراءُ؛ لأنه اسم للماء. قال الله عز وجل: (ويوم حُنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم) فأجراه؛ لأنه اسم للماء، وربما أنثته العربُ على أنه اسم للبقعة ولما حول الماء، فلا يُجرونه. قال حسان: نصروا نبيهم وشدوا أزرهُ ... بحنين يوم تواكل الأبطال فلم يُجرِ حُنينَ لهذا المعنى. و (الحجاز) و (الشام)، و (العراق) و (اليمن) ذُكرانٌ يقال: أعجبني العراقُ إذ دخلته، ودخلت الشام، فوجدته طيباً. قال الشاعر: يقولون إن الشام يقتُلُ أهلهُ ... فمن لي إن لم آتِه بخلودِ

تغرب آبائي فهلا صراهُمُ ... من الموتِ إذ لم يذهبوا وجُدُودي وقال الآخر: أبلغ أمير المؤمنين ... أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهلهُ ... عُنقٌ إليك فهيت هيتا فقال: وأهله، ولم يقل: وأهلها، ونصب (أخا العراق) على النداء.

و (مصر)؛ مؤنثة لا تُجرى. قال الله تبارك وتعالى: (أليس لي مُلكُ مصر) وقال: (ادخُلوا مصر إن شاء الله آمنين) فلم يُجرِ (مصر) للتأنيث. وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني لمعاوية: أما عمرو بن العاص فأنطقته مصرُ. وقال الشاعر: ما من أناسٍ بين مصر وعالِج ... وأبين إلا قد تركنا لهم وترا ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءةٍ ... فما شرِبُوا بعدُ على لذةٍ خمرا وأما قول الله عز وجل: (اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم) فإن معناه: اهبطوا مِصرا من الأمصار، فلذلك أجرى مِصرا، وقرأ سُليمان

الأعمش: (اهبطُوا مصر) فلم يُجرها، وقال: هي مصر التي عليها صالح ابن علي فلم يُجرِها للتعريف والتأنيث. و (دابقٌ)؛ يُذكَّرُ ويؤنث، فمن ذكّر قال: هو اسم للوادي أو النهر، ومن أنثه جعله اسماً للمدينة. قال الشاعر في الإجراء: بدايقٍ وأين منِّي دابقُ وأنشد الفراء في تركِ الإجراء: لقد ضاع قومٌ قلدوك أمورهُم ... بدابق إذ قيل العدُو قريبُ فلم يُجرِ (دابق)؛ لأنه جعله اسماً للمدينة. وكلُّ اسم في آخره ألف ونون زائدتان فهم مُذكَّر بمنزلة الشام والعراق؛ نحو: خُراسان، وحُلوان، وحوران، وجُرجان، وأصبهان، وهمذان.

أنشد الفراء عن المفضل: فلما بدا حورانُ والآلُ دونهُ ... نظرت فلم تنظر بعينيك منظرا وقال الفراء: أنشدني الكسائي: سقياً لحُلوان ذي الكُروم وما ... صُنِّفَ من تينه ومن عنبه رواه الفراء: وما صُنف بضم الصاد، ورواه ابن السكيت: بفتح الصاد وقال: يقال: قد صنّف الثمرُ إذا أدركَ بعضُ ثمره، ولم يُدرك بعضٌ، ولوَّن بعضُه، ولم يُلون بعضٌ، فإن رأيت شيئاً من ذلك مؤنثاً فإنه يذهب به إلى معنى المدينة. و (نجد). مُذكَّرٌ يُجرى؛ لأنه اسم للموضع. أنشد أبو العباس: فإن تدعِي نجداً ندعهُ ومن به ... وإن تسكُني نجداً فيا حبذا نجدُ

فقال: ومن به، ولم يقل: ومن بها، وأنشد أبو العباس أيضاً: ألم تر أن الليل يقصُرُ طوله ... بنجدٍ وتزدادُ النطافُ به برد وقال الآخر: ألا يا حبذا أرواحُ نجدٍ ... ورياً روضِهِ غِبّ القطار و (بغداذ) تُذكر وتؤنثُ، وفيها ثلاث لغات: بغدان، وبغداذُ.

أخبرنا أبو العباس قال: قال بعضُ الأعراب: لولا أن تُراب بغداذ كُحلٌ لعَمِيَ أهلها. وأنشدنا أبو العباس لبعض الأعراب: ما أنت يا بغداذُ إلا سلحُ ... إذا يَكونُ مطرٌ أو نضحُ وإن سكنت فترابٌ برحُ وأنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب عن الفراء في التذكير: لعمرُك لولا أربعٌ ما تعفرتْ ... ببغدان في بوغائه القدمان البوغاءُ: تراب دقيق، وأنشد الكسائي والفراء في بغدان: يا ليلة خُرسَ الدجاج طويلةً ... ببغدان ما كادت عن الصبح تنجلي وأنشدنا أبو بكر المخزومي: اقرأ سلاماً على نجدٍ وساكنه ... وحاضرٍ باللوى إن كان أو بادي سلام مُغتربٍ بغدانُ منزِلُهُ ... إن أنجد الناسُ لم يهمُمْ بإنجاد وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عِكرمة قال: أنشدنا أبو العالية في بغداذ: ترحَّلْ فما بغداذُ دار إقامةٍ ... ولا عند من أمسى ببغداذ طائل محلُّ مُلوكٍ سمنُهُمْ في أديمهم ... فكُلُّهُمُ مِن حِليةِ المجدِ عاطلُ ولا غرو أن شلَّت يدُ المجدِ والعلى ... وقلَّ سماحٌ من رجالٍ ونائلُ

إذا غضغضَ البحرُ الغامطُ ماءه ... فليس عجيباً أن تغيضَ الجداولُ وأنشدني أبي عن الحكم عن اللحياني في بغداذ بالذال وهي أقل اللغات: وما لي صديقٌ ناصحٌ أغتدي به ... ببغداذ إلا أنت برٌّ موافقُ وحكى اللحياني لغةً رابعة: مغدان بالميم. وصفون، وقنسرين وماردُونَ، والسيلحون: مؤنثاتٌ. قال الفراء: حدثني بعضُ المشيخة عن الأعمش أو عن منصور - الشك من الفراء- قال: قيل لشقيق بن سلمة أبي وائلٍ: أشهِدتَ صِفين؟ فقال: نعم وبئست الصفون، فأدخل تاء التأنيث في بئست.

وللعربِ في تعريبهن وجهانِ: أحدُهما: أن يُشبه بالجمعِ، فيقال: أعجبتني صفون، ومارِدون، وقنسرون، ومررت بصفين، وقنسرين، وماردين، فشبه بالزيدين والعمرين. والوجهُ الثاني: أن يقال: أعجبتني صفينُ، وقنسرينُ، وماردينُ، ومررت بصفينَ، وقِنّسرينَ، وماردينَ. قال أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني: الكناني: كما بلَّغت أيامَ صِفين نفسُهُ ... تراقيهُ والشاتمي شُهودُ فهذا يحتمل الوجهين جميعاً. و (نصيبين): بمنزلة صِفِّينَ، وماردين، وقنسرين في التأنيث والتعريب. و (حِراءٌ): الغالب عليه التذكيرُ والإجراءُ؛ لأنه اسم للجبل، وربما أنثته العرب، وجعلته اسماً لما حولَ الجيل، فيقولون: هي حراءُ بترك الإجراء

والاختيار: هو حِراءٌ بالإجراء والتذكير. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراءُ فما عليك إلا نبيٌّ أو صديقٌ أو شهيدٌ" وقال ابن هرمة في التأنيث: وخلت حِراءٌ من ربيعٍ وصيفٍ ... نعامة رملٍ وافرا ومقرنصا فأجراء وأنثه لضرورة الشعر، والصواب: ألا يُجريه إذا أنثه، وأجاز الفراء أن يقال: هذه حراءٌ. قال: تقول: هذه ثم تذهب إلى الجبل؛ كما تقول: هذه ألفُ درهمٍ، والكلامُ: هذه ألفُ درهمٍ، وهذا حراءٌ بالتذكير والإجراء، وأنشد الفراء في ترك إجرائه: ألسنا أكرم الثقلين رحلاً ... وأعظمهُ ببطنِ حراءَ نارا وقال عوف بن الأحوص الكلابي في تأنيثه: إني والذي حجت قريشٌ ... محارمَهُ وما جمعت حراءُ

و (ثبيرُ): مذكر يُجرى. قال أبو حاتم: سمعت الأصمعي يقول: هي أربعةُ أثبرةٍ: ثَبيرُ غيناءَ، وثبيرُ الأعرج، وثَبيرُ الأحدبِ، وثبيرُ كداء. فقوله (أربعة) بالهاء يدل على التذكير، وهي في الحديث: "أشرِق ثَبِيرُ كيما نُغير". و (كبكبُ): معرفةٌ لا تُجرى، وهي اسم للجبل، وما حوله. قال الأعشى: ومن يغتربْ عن قومه لا يزل يرى ... مصارعَ مظلومٍ مجرًّا ومسحبا

وتُدفنُ منه الصالحات وإن يُسيء ... يكن ما أساء النار في رأس كبكبا و (شمامِ): مفتوحة الشين مكسورة الميم: معرفةٌ مؤنثةٌ، وهي اسم للجبل وما حوله، وهي في الإعراب بمنزلة حذامِ، وقطام. و (سُرَّ من رأى): مؤنثةٌ، وفي تعريبها وجوهٌ: أحدهن: أعجبتني سُرُّ من رأى إذ دخلتها، فتضيفُ (سُرا) إلى (مَنْ). حدثنا أبو العباس عن ابن الأعرابي أن السُّرَّ عند العرب: السرور بعينه، وتقول: دخلتُ سُرَّ من رأى فاستطبتها، ومررت بسُرِّ من رأى فدخلتُها. والوجهُ الثاني: أن تقول: هذه سُرَّ من رأى، ودخلتُ سُرَّ من رأى، ومررت بسرَّ من رأى، فتجعل (سُرَّ) فِعلاً ماضياً، و (مَنْ) مرفوعة به، وتلزم راء (سُرَّ) الفتح؛ لأنها آخرُ الفعل الماضي، والماضي مفتوحُ الآخر. والوجه الثالث: أن تقول: أعجبتني سَرَّ من رأى، ودخلت سَرَّ من

رأى، ومررت بسرَّ من رأى، فتجعل (سَرَّ) فعلاً ماضياً و (مَنْ) منصوبةً به، ويكون بمنزلة قول العربِ: هذا تأبط شراً. والوجهُ الرابعُ: أن تُضيفَ سراً إلى (من)، فتقول: أعجبتني سَرُّ من رأى، ودخلت سَرَّ من رأى، ومررت بسَرِّ من رأى. أجاز الفراء هذا تأبَّطّ شرٍّ، ومررت بتأبط شرٍّ على الإضافة، وقول العامة: أعجبتني سامراً، ومررت بسامرا صواب على أن (سا) فِعلُ ماضٍ أصلُه: ساءَ، فتُرِك همزة لِكثرةِ الاستعمال، وتُرك همز (من رأى) لكثرة الاستعمال. فهذا أبينُ ما في إعرابها من الوُجوهِ، ولم يكن هذا موضع ذِكرِ إعرابها؛ إذ كنا لم نقصد في هذا الكتابِ إلا قصدَ التأنيثِ والتذكير لكني كرهتُ أن أقتصر على ذِكْرِ تأنيثها دُونَ إعرابها؛ إذ لم يكن أحدٌ من النحويين المتقدمين ولا المتأخرين تكلَّم عن إعرابها.

و (سَلْمَى): اسمُ جبلٍ لطيئ مؤنثةٌ بحرفِ التأنيث. قال الأسدي: أحبُّ بلادِ الله ما بين منعجٍ ... إليَّ وسلمى أن يصوب سحابها و (أجاُّ): جبلٌ لطيئٍ مؤنثةٌ، وبعضُ العربِ يقصُره ويهمزُه، وبعضهم يقصره ولا يهمزه. قال الشاعر: أبتْ أجا أن تُسلِمَ العام جارَها ... فمن شاء فلينهض لها من مقاتل

وقال أبو النجم: قد حيرتهُ جِنُّ سلمى وأجا فلم يهمز، وقال العجاج: فإن تَصِرْ ليلى بسلمى أو أجا فلم يهمز. و (قُدْسُ): مؤنثةٌ غير مُجراةٍ اسم للجبل وما حوله. و (لُبْنُ): مؤنثةٌ اسم للجبل وما حوله. قال الراعي:

سيكفيك الإلهُ ومستماتٌ ... كجندل لُبنَ تطرِدُ الصلالا معنى تطرد: تتبع مواضع المطر، والاطراد: التتابع، وقال طُفيل: جلبنا من الأعراف أعرافِ غمرةٍ ... وأعرافِ لُبنَ الخيل يا بُعد مجلبِ و (شعبعبُ): مؤنثةٌ لا تُجرى؛ لأنها اسمٌ للبُقعةِ، وقال الصِّمة ابن عبد الله القُشيري: يا ليتَ شِعريَ والإنسانُ ذو أملٍ ... والعينُ تذرِفُ أحياناً من الحزن هل أجعلن يدي للخدِّ مرفقةً ... على شعبعب بين الحوضِ والعطنِ

باب ما جاء في النعوت على مثال فعول

باب ما جاء في النعوتِ على مثال فعولٍ اعلم أن فعولا إذا كان بتأويل فاعلٍ لم تدخُله هاءُ التأنيث إذا كان نعتاً لمؤنثٍ؛ كقولك: امرأةٌ ظلومٌ، وغضوبٌ، وقتول. معناه: امرأة ظالمة، فصُرِفتْ عن فاعلة إلى فعولٍ، فلم تدخلها هاء التأنيث، وإنما لم تدخُلها هاءُ التأنيث؛ لأنها لم تُبنَ على الفعل، وذلك أن فاعلاً مبنيٌّ على (فَعَل) ومفعلٌ مبنيٌّ على (أفعل)، وفعيلا مبنيٌّ على (فَعُل) وفَعِلا مبني على (فَعِلَ)؛ كقولك: قام فهو قائم، وأحسن فهو مُحسن، وظرُف فهو ظريف، وفَهِمَ فهو فَهِمٌ، وحَذِرَ فهو حَذِرٌ، فلما لم يكُن لفعولٍ فِعلٌ تدخُلهُ تاءُ التأنيث يُبنى عليه؛ كقولك: قامت تقومُ، وأحسنت تُحسنُ، وظرفتْ تظُرفُ، وفهمِتْ تفهِمُ لزمه التذكيرُ لهذا المعنى. فإذا كان (فَعُولٌ) بتأويل مفعول دخلت الهاء؛ ليفرقوا بَيْنَ ما له الفِعلُ وبين ما الفِعلُ واقعٌ عليه، فمن ذلك قولهم: حَلُوبةٌ لما يُحتلب.

قال عنترة: فيها اثنتان وأربعونَ حَلوبةً ... سوداً كخافية الغُرابِ الأسحمِ وربما حذفوا الهاء من (فعُولة) إذا كانت بتأويل مفعولة؛ لأنه لا حظَّ للذكر في الوصف، فصار بمنزلة حائضٍ وطالق وطاهرٍ من طُهرِ الحيض. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب لكعب بن سعدٍ الغنوي: يبيتُ الندى يا أم عمروٍ ضجيعهُ ... إذا لم يكُن في المنقيات حلوبُ وقال أبو العباس: أنشده الفراء: يُبيت الندى. بضم الياء على معنى: يُبيتُ الرجلُ الندى.

ويقال: أكُولةُ الراعي بالهاء للشاة التي يُسمنها الراعي لنفسه، فأخرجوه على حقه؛ لأنه في تأويل مفعول، وقالوا: شاة رغُوثٌ بغير هاء للتي يرضعُها ولدُها، فلم يُدخلوا الهاء لأنه لا حظ للذكر في هذا الوصف، ولو أدخلوها لكان صواباً، وقال الله عز وجل: (فمنها ركوبهم ومنها يأكلون) فذكَّر؛ لأن المعنى: فمنها ما يركبون، فذكَّر لما لم يُقصد به قصد تأنيثٍ وفي مصحف عبد الله: (فمنها ركوبتهم) فأنث على الأصلِ؛ لأن فعولاً بتأويل مفعول. وقال الأصمعي: الركوبةُ: ما يركبُ، والعلُوفة: ما يعِلفون، والحلوبة: ما يحلُبون، والواحد والجميعُ في هذا كلِّه سواءٌ.

وقال أبو زيد: الحمولةُ: ما احتمل عليه الحي بعير أو حمار أو غيره إن كانت عليها أحمالٌ أو لم تكن، وقال أبو عبيدة: الحمولة: ما حمل الحي من دارهم قليلةً كانت أو كثيرةً أو واحدةً، وكذلك القتوبةُ والركوبةُ. والحلوبةُ: ما احتُلِب من النوق، وكذلك الواحدةُ منهن، وأنشد: وما لنا في ذا الزمانِ ذي الكلب ... لبونةٌ واحدةٌ فتُحتلب والعلوفةُ: ما يُحبس فيُعلفُ في البيت. قال: فإذا أسقطوا الهاء فقالوا ركوبٌ وحلوبٌ لم يكن إلا جمعاً، وقال يعقوب: يقال: جاريةٌ قصورةٌ وقصيرةٌ، إذا كانت محبوسةً بخراجة، وأنشد الفراء: وأنتِ التي حببتِ كلَّ قصورةٍ ... إليّ وما تدري بذاك القصائر عنيتُ قصيراتِ الحجال ولم أُرد ... قصار الخُطى شرُّ النساء البحاترُ

وأنشد غيره: كل قصيرة إليّ. وقال الفراءُ: سمعت العرب تقول: هذه رضُوعةُ الفصيل، إذا كانت ظئرا له، وقال أبو زيد: الفسُولةُ: التي يُتخذ فسلُها. والقتوبة: التي تقتبها بالقتب إقتاباً. والجزوزة: التي تُجز أصوافها، وهي طروقة الفحل ما بلغ أن تُحمل عليه الفحلُ. فإذا صغَّرت (فَعُولاً) صغرته بغير هاءٍ؛ كقولك: امرأةٌ صُبَيِّرً، وظُليِّمٌ، وقُتيلٌ. فإذا لم تذكُر المرأة قبل النعت أدخلت الهاء في التصغير، فقلت: قُتيِّلةٌ وظُليِّمةٌ وصُبيِّرةٌ؛ لأن المرأة كانت تَدُلُّ على التأنيث، فلما أُسقطت لم يكن في النعت دليلٌ على أنه لمؤنثٍ. ألا ترى أنك لو قلت: مررت بقُتَيِّلٍ وظُليِّمٍ لم يذهب الوهمُ إلا إلى المذكر.

فَتُثْبِتُ الهاء لهذا المعنى. وقولهم: فلانةُ عدوةُ الله فيها وجهانِ: عدوةُ الله وعدوُّ الله. فمن قال: فلانةُ عدوُّ الله بغير هاء أخرجه على القياس؛ لأنه بمنزلة قولهم: فلانةُ صبورٌ، ومن قال: عدوةُ الله قال: لما اجتمعت واوان والواو إلى الخفاء ما هي زيدت الهاءُ عليها ليتبين أنهما واوان. وعلةٌ أخرى أيضاً قالها الكسائي، ورضيها الفراء وهي أنهم جعلوا عدوَّةً اسماً، فأدخلوا فيها الهاء؛ كما قالوا الذبيحةُ والرميةُ. فمن قال عدوٌّ قال في التصغير: عُديٌّ، ومن قال عَدُوَّةٌ قال في التصغير: عُديّة. وإذا جمعت نعتاً على فعولٍ فأكثرُه يأتي على (فُعُلٍ)؛ كقولك صبورٌ وصُبُرٌ. فإن قال قائل: (فُعُلٌ) من جمعِ الأسماء وليست من جمعِ النعوتِ قيل له: إنما فعلوا هذا لأنهم وجدوا النعت إذا كان فعولاً لم يكن في أنثاه

الهاءُ فلما صار نعتاً للذكر والأنثى، فقيل: رجُل صبورٌ وامرأةٌ صبورٌ كان كأنه اسمٌ ذكرٌ نُعِتَ به الذكر والأنثى. ويقال: ناقةٌ عصوبٌ، إذا كانت لا تدُرُّ حتى تُعصب فخِذاها. قال الحُطيئة: تَدُرُّون أن شُد العصابُ عليكم ... ونأبى إذا شُد العِصابُ فلا ندُر ويقال: ناقة (نَخُورٌ) إذا كانت لا تدُرُّ حتى يُضرب أنفُها، وامرأةٌ (خَرُوسٌ)، وهي التي يُعمل لها عِند ولادتها شيءٌ تأكله أو تحسوه أياماً، ويقال: قد خرَّسْتُها، واسم الطعام الخُرسةُ. قال الشاعر:

إذا النُّفساءُ لم تُخرَّس بِبِكرِها ... غلاماً ولم يُسكتْ بحِترٍ فطيمُها الحِتر: الشيءُ القليل. ويقال: ناقةً (أمُونٌ)، إذا كانت موثقة يؤمن عِثارُها وزللُها. قال طرفةُ: أمُونٍ كألواحِ الإران نسأتها ... على لاحبٍ كأنه ظهرُ بُرجُدِ ويقال: ناقةٌ (ماخِضٌ) و (مَخُوضٌ) للتي قد ضربها المخاضُ. يقال: مَخَضَت ومُخِضَتْ. ويقال: ناقة (سَلُوبٌ) و (عَجُولٌ) للتي ذُبح ولدُها أو مات أو وُهِبَ. قال ابن رعلاء الغساني:

ما وجدُ ثكلى كما وجدتُ ولا ... وَجدُ عجولٍ أضلها رُبَعُ وقال ذو الرُمة: إذا غرَّقت أرباضها ثنَى بكرةٍ ... بتيهاء لم تُصبح رءُوماً سلوبُها يقال: أسلبت تُسلِبُ إسلاباً وهي مُسلِبٌ. ويقال: ناقة (نَهُوزٌ)، إذا كانت قليلة اللبن، فلا تدر حتى تُنهَزَ باليد نهزاً. ويقال: ناقةٌ (زعُومٌ)، إذا كان يُشَكُّ فيها أبها طرق أم لا.

ويقال للأمر الذي لا يُوثَقُ به مُزاعمٌ. يزعُمُ هذا أنه كذا، ويزعم هذا أنه كذا. ويقال: ناقةٌ (خَلُوجٌ) للتي يُفارقها ولدها. قال أبو ذؤيب: فقد ولِهَت يومين فهي خلُوجُ أي مات ولدُها، فولِهتْ يومين لا تأكلُ ولا تشربُ. وقال الأصمعي: يقال: ناقةٌ (بسُوسٌ)، وهي التي تَدُرُّ على الإبساس. يقال: أبَسَّ الراعي بناقته، فدرّتْ، والإبساس: صُوَيتُ الراعي عند الحلب. وقال أبو زيد: (العَرُوكُ)، و (الغَمُوز)، و (الضَّغُوث)، و (اللَّمُوس)، و (الشَّكُوك) كُلُّ هذا في السنامِ إذا لمسته لتنظر هل به

طِرق أم لا. يقال: عَرَكتُه أعرُكه، ولمسته ألمُسُهُ، وضغثته أضغُثه، وغمزته أغمِزه. و (الشكُوكُ): التي يُشكُّ فيها أبها نقيٌ أم لا، والنقي: المُخ. وقال يعقوبُ: سمِعتُ أبا عمرو الشيباني يقول: ناقةٌ عَرُوكٌ، إذا كان في سنامها بقيةٌ من الشحم، والضغُوثُ: دُونَ العرُوكِ، والزَّعُوم دُونَ الضغوث. ويقال: بئرٌ (عضُوض)، إذا كانت ضيقةً، ويقال: بئرٌ (قطوعٌ)، إذا قلَّ ماؤها حين تقل الأمطارُ. يقال: أصابت الناس قُطعةٌ، إذا سفل ماءُ البحر عنهم، وأصابت البئر قُطعةٌ، إاذ سفَلَ ماؤها. ويقال: بئرٌ (غروفٌ)، إذا كانت تُغترفُ باليد، وبئرٌ (نثُولٌ) إذا دُفِنتْ ثم أُخرج تُرابُها، وليست بجديد، وآبارٌ نُثُلٌ، وقد نَثَلْتُ البئر أنثُلها نَثْلا، واسمُ الترابِ الذي يُخرَجُ منه النَّثِيلُ، ويقال بئرٌ (ظنونٌ)، إذا كانت لا يُوثق بمائها: يأتي مرةً، ويذهبُ مرةً أخرى. ويقال: رجُلٌ ظنونٌ وظنينٌ، إذا كان ضعيفاً. قال الله عز وجل: (وما هو على الغيب

بظنينٍ) معناه: بمتهمٍ، ويقال بضعيف، ويقال: ورجُلٌ ظنونٌ، إذا كان لا يُوثقُ به. أنشد هشام: كِلا يومي طُوالةَ وصلُ أروى ... ظنونٌ آنَ مُطَّرحُ الظنونِ ويقال: ركيةٌ (شطورٌ)، إذا كانت لا تخرج دلوُها إلا بحبلين لعوجٍ في جرابها. ويقال: بئرٌ (قدوحٌ) وقد قدحتُها أقدحُها قدحاً، إذا أخذتَ ماءها غُرفةً غُرفةً. ويقال: بئرٌ (متوحٌ)، إذا استُقيَ منها على بكرة، وإن نزعها باليد

نزعاً قيل بئر نزُوع، فإذا كانت يستقي منها جملٌ قيل جرورٌ. ويقال: امرأة (كنودٌ)، إذا كانت كفوراً، وكذلك الرجل، ويقال: الكنودُ: البخيل. قال الله عز وجل: (إن الإنسان لربه لكنودٌ) معناه: الكفور، وقال الحسن: الكنودُ: اللوام لربه الذي يَعدُّ المصيبات وينسى النعم. وقال أبو عمرو: يقال امرأةٌ (هجولٌ) للبغي، ويقال: امرأة (طروحٌ) للتي تطرح ثوبها ثِقةً بحُسنِ خَلْقِها. ويقال: امرأة (دَسوسٌ)، إذا كان بها عيبٌ في جسدها فهي تندسُّ في اللحاف لئلا يراها زوجُها.

ويقال: ناقةٌ (كتومٌ)، إذا كانت لا تكاد ترغو، ويقال في الجمعِ: نُوقٌ كُتُمٌ. قال الأعشى: كَتُوم الرُّغاءِ إذا هجَّرتْ ... وكانت بقية ذودٍ كُتُم وناقةٌ (كنوفٌ)، إذا كانت تَبرُك في كنفةِ الإبل وهي الناحية، ويقال: ناقةٌ (كَزُومٌ)، إذا كانت مُسنةً هرِمةً، وناقةٌ (ضغونٌ)، التي فيها المعاسرةُ، وذلك أن لها هوى في غير وجهها، وناقةٌ (صفونٌ)، إذا كانت تجمعُ بين يديها ثم تفاجُّ وتبولُ، وناقةٌ (دلوقٌ)، وهي التي تكسرت أسنانُها، فتمجُّ الماء إذا شربت، وناقةٌ (ضروسٌ)، إذا كانت

سيئة الخُلُق عند الحلب، قال بشرٌ: عطفنا لهم عطف الضروسِ من الملا ... بشهباء لا يمشي الضراء رقيبُها وناقةٌ (زبُونٌ) للتي تدفع يد الحالب برجلها، وناقةٌ (ضجورٌ)، التي ترغُو عند الحلب ويُشق عليها قال الحطيئة: ولم تُحتلب إلا نهاراً ضجورُها

ويقال في مثل: الضجورُ تحلُبُ العُلبة. ويقال: ناقةٌ (عَلوقٌ)، إذا رئمت بأنفها ومنعت درَّها. قال النابغة الجعدي: وماتحني كمتاحِ العلُو ... قِ ما تَرَ مِ، غِرَّةٍ تضرب وأنشدنا أبو العباس: أمْ كَيفَ تنفعُ ما تُعطِي العلُوق به ... رئمانَ أنفٍ إذا ما ضُن باللبن ويقال: ناقةٌ (زحُوفٌ)، إذا كانت تجرُّ رجلها تمسحُ بهما الأرض، وناقةٌ (نَسوفٌ)، إذا أخذت الكلأ بمقدمِ فيها. وناقةٌ (دفون) التي إذا بركت [بركت] وسط الإبل، وناقةٌ (نَسُوفٌ)، التي تكون في أوَّلِ

الإبل إذا وردت، وناقةٌ (قَدُورٌ)، إذا كانت لا تَبْرُك مع الإبل، وناقة (مَكُودٌ)، إذا دام غزرُها وإبل مكائد. قال الراجز: إن سَرَّك الغزرُ المكودُ الدائمُ .. فاعمِد براعِيسَ أبوها الراهمُ الراهم: اسم فحل، ويقال: ناقة بِرعِيس، إذا كانت غزيرةً، وناقةٌ (مَصُورٌ) إذا قصّر خِلفُها، فلم يخرج لبنها إلا بأصبعين، وناقةٌ (قطوعٌ)، إذا أسرع انقطاعُ لبنها، وناقةٌ (تَلُوثٌ)، إذا أصاب أحد أخلافِها شيء فيبس. قال أبو العيال: فإن الصحيح لا تُحالِبُها الثَّلُوثُ

وناقةٌ (فخورٌ)، إذا كانت ضخمة الضرع، وناقةٌ (رفُود)، تملأ الرِّفد وهو العُسُّ العظيم. قال الأعشى: رُبّ رِفدٍ هرقتُه ذلك اليوم ... وأسرى من معشرٍ أقتالِ وناقةٌ (صفوفٌ) للتي تجمع بين مِحلَبَين، وكذلك: ناقةٌ (قرونٌ) يتقارب بين خِلْفَيها، وناقةٌ (قَرونٌ) تُداني رُكبتيها إذا بركت، وناقةٌ

(شَفُوعٌ) تشفع بين مِحلبين، وناقةٌ (فتوحٌ)، إذا مشت شخبتْ أخلافُها، و (العَسُوسُ): الناقةُ التي تضجر عند الحلب. يقال: ناقةٌ عسوسٌ وفيها عسسٌ، أي سُوءُ خُلُقٍ، وأهل نجد يقولون: فيها عِساسٌ، ويقال: بئست العسوسُ، أي بئس مطلبُ الدر، ومطلبُ الدَّرُ: أن يدخل الإبل فيروزها ويمس ضرعها. قال ابن أحمر: وراحتِ الشولُ ولم يحبُها ... فحلٌ ولم يعتسَّ فيها مُدرّ والفسوس بمنزلة العسُوس. و (العَزُوز) من الإبل والغنم: الدقيقة الشَّخبِ الضيقةُ الإحليل. والإحليلُ: مخرجُ اللبن، وكذلك الحصور. يقال من العزُوزِ: قد

أعزتْ، وتعززت، ومن الحصُور: قد حَصرِتْ وأحصرتْ. و (الحَضُونُ) التي أحدُ خِلفيها أكثر لبناً من الآخر وأعظم. والشطورُ: التي قد ذهب أحدُ خِلفيها، والاسم من الحضُون الحَضان. وناقةٌ (نيوبٌ)، إذا كانت مسنّة. قال عبيد: أخلفَ ما بازلاً سديسُها ... لاحقةٌ هي ولا نيوبُ ويقال: ناقةٌ (صعودٌ) إذا خدجت لسبعة أشهر أو ثمانية أو تسعة فَعُطِفت على ولدها الذي من عام أول فتدُرّ عليه فيُلمظُ منها، ويؤخذُ لبنها وهو أحلى اللبن. وناقةٌ (رءومٌ)، إذا خدجت أو مات ولدُها، فعُطِفت على غيره

فرئمته. وقال يعقوب: بعضُ العربِ يقول للشارِف من الإبل- وهي الكبيرة: شروفٌ. ويقال: امرأةٌ روودٌ بغير همز، إذا كانت تدخل بيوت الجيران، وهي روادٌ. ويقال: ناقةٌ (دحُوقٌ)، إذا خرجت رحمُها عند النتاجِ. يقال: دحقت تدحُق دُحوقا. وناقةٌ (رحومٌ)، إذا اشتكت رَحِمُها بعد الولادة ولم تدحق. وناقةٌ (رحولٌ)، إذا كانت قوية على الارتحال. وناقةٌ (خنوفٌ) إذا كانت تُقلب خُفَّ يديها إلى وحشيّها إذا سارت.

والوحشي: الجانبُ الأيسرُ، وهو الخِنافُ أعني المصدر. وناقةٌ (زفوفٌ)، التي تُقارِبُ الخطوَ وتُسرع. وناقةٌ (لجُونٌ)، إذا كانت بطيئة السيرِ ثقيلة. وناقةٌ (كشوفٌ)، إذا حُمِل عليها في كُلّ سنةٍ، والمصدرُ الكِشافُ، وقد أكشَفَ بنو فلان العام، وهم مُكشِفون. وناقةٌ (ذَقُونٌ)، وهي التي تضرب بِذَقَنِها إذا سارت وتهُز رأسها. وناقةٌ (جَرُوزٌ) شديدةُ الأكلِ، وكذلك امرأةٌ جروزٌ. قال الشاعر:

إن العجوز خبةً جروزا ... تأكلُ كُلَّ ليلةٍ قفِيزا نصب خَبَّة جروزا على الحال، وخبر (إن) ما عاد من (تأكل). ويقال: ناقةٌ (خلوءٌ) والمصدرُ الخِلاءُ. يقال: خلأت تخلأ خِلاء، إذا بركت، فضُرِبت، فلم تقم. قال زُهير: بآرزةِ الفقارة لم يَخُنها ... قِطافٌ في الرِّكابِ ولا خِلاءُ وناقةٌ (شطوط): عظيمة الشطين، وهما جنبا السنام. وناقةٌ (خصوفٌ): التي إذا أتت على مضرِبها نُتِجتْ، أي تعجَّلُ. ويقال: امرأةٌ (بَروكٌ) إذا تزوجتْ وابنُها رجُلٌ، ويقال لابنها: الجرنبذُ.

ويقال: ناقةٌ (عروضٌ)، إذا لم تقبل الرياضة، ولم تُذلل. وقال الأصمعي: العَرُوض في غيرِ هذه: الناحيةُ، وأنشد: لِكُل أناسٍ من معدٍّ عمارةً ... عروضٌ إليها يلجئون وجانبُ وأنشد أيضاً: ولا يعدم أخُو بُخلٍ عروضا وقال أبو عمرو: يقال: قوسٌ (قَلُوعٌ) التي إذا نزع فيها انقلبت وأنشد:

لا كَزَّةُ السهم ولا قلُوعُ ... يدرُجُ تحت عجسها اليربوع العجس: مَقبِضُ القوسِ. ويقال: نيةٌ (قذوفٌ) أي بعيدة. وبئرٌ (بيُونً)، أي يبينُ حبلُها عن يَدِ صاحبِها؛ لعِوج في جرابها، وسمعت أبا العباس يقول: العوجُ: فيما يُرى ويُحاطُ به؛ كقولهم: في العصا عَوجٌ، وفي السنّ عوجٌ، والعِوجُ فيما لا يُحاطُ به ويُدرِكه البصرُ؛ كقولهم: في الدين عِوَجٌ، وفي الأرض عِوَجٌ. ويقال: ناقةٌ (وكوفٌ)، إذا كانت غزيرةَ اللبن، وامرأةٌ (عَيوفٌ). وقال الفراءُ: يقال: جروزٌ طعومٌ وطعيم بين الغثةِ

والسمينة. وامرأةٌ (رقوبٌ)، إذا كانت لا يعيشُ لها ولدٌ. قال الشاعر: الا تحيون من تكبير قومٍ ... لعلاتٍ وأُمُّكُمُ رقُوبُ وامرأةٌ (عروبٌ) إذا كانت متحببةً إلى زوجها. قال قيس بن الخطيم: فيهم لعوب العشاء آنسةُ الدلُ عروبٌ يسوءها الخُلفُ ويقال: امرأةٌ (شموعٌ) إذا كانت مزَّاحةً. والمشمعةُ: المُزاحُ. جاء في الحديث: من يُشَمِّع يُشَمِّعْ الله به، أي من يهزأُ بالناس يُصيره الله إلى حالٍ يُهزأُ به فيها.

وامرأة (نَزورٌ) قليلة الولدِ. قال الشاعر: بَغاثُ الطيرِ أكثرها فراخا ... وأم الصقر مِقلاتٌ نَزُورُ البغاثُ: الرذال. وقال أبو عُبيدة: يقال: بئرٌ (جمومٌ) إذا كانت سريعة إثابةِ الماء و (قَذُومٌ) تقذِمُ بالماء؛ كقول الشاعر: لتُنزحَنْ إن لم تَكُن جمُوحا ... أو لم تَكُن قليذماً قذُوما ويقال: ناقةٌ (جرورٌ) تزيد على حملها.

وقال الأصمعي: (الرصُوفُ) المرأةُ الصغيرةُ الفرجِ، و (الأثُومُ): المُفضاة، و (الخفوق) التي يُسمعُ لفَرجِها صوتٌ إذا جُومعت. وقال أبو زيد: (الثغورُ) الواسعة مَخْرج اللبن مثل الفتوح، ويقال: فَتَحت وأَفْتحت. وقال أبو عمرو: (العصوفُ) السريعةُ من النوق، ويقال: بكرةٌ (دموكٌ) إذا كانت سريعة. قال الشاعر: فهي دموكٌ لم يُغيرها القِدم ... قد كدمت مِحورَها وما كدم و (الزلوجُ) من الآبار: المُنزلقةُ الرأس. يقال: مكان زلجٌ. و (الدحول): التي في جرابها عِوَجٌ، فتذهب في أحد شقيها.

و (المَكُولُ) التي يخرج ماؤها قليلاً قليلاً. يقال: قد اجتمعت فيها مُكلَةٌ فخذها. و (البَرُوضُ)، و (البضُوضُ)، و (الرَّشُوحُ) مِثلُها، ويقال: بَكْرةٌ مروسٌ وممارسٌ. وهي التي لا تزال تميل في شِقٍّ، فيخرج الرِّشاءُ من مدرجته عليها، فيقع بين حائط القُرصة والخُطاف. يقال: مَرِسَتْ البكرةُ، ومَرِس الرِّشاءُ، ويقال للذي يعيده إلى قرصته ومَجراه: أَمْرِسْ. قال الراجز: بِئْسَ مقامُ الشيخِ أمْرِسْ أمْرِسِ ... إما على قعوٍ وإما اقعنسس ويقال: فرسٌ (عَقُوقٌ) إذا عَظُم بَطْنُها. يقال: قد أعَقَّتْ، والجَمْعُ

عُقُق، وبَعْضُهم يقول: عَقائِقُ؛ وإنما سُمِّيتْ عَقُوقا؛ لأنه انعقَّ بطنها للولدِ، أي تفتق، وكُلُّ شَقٍّ في الثياب وغيرها، والسحابِ: عَقٌّ، ويقال: ثوب مُنعَقٌّ، وسحابٌ مُنْعَقٌّ. والعَقِيقَةُ: الشَّقَّةُ من البرقِ. قال عنترة: وسَيفِي كالعقيقةِ فهوَ كمعي ... سلاحي لا أَفَلَّ ولا فُطارا وقال رُؤبة: إذا السَّرابُ الرَّقرقانُ انْعقَّا وقال الأصمعي: (الزَّحوفُ والمِزحاف جميعاً): التي تُجرُّ رِجليها إذا مَشَتْ. وقال الفرّاء: يقال: رجل نَظُورةُ قَومِه ونظِيرةُ قومه، وامرأةٌ نَظُورةُ قومِها ونَظيرةُ قَوْمِها للذي يُنظَر إليه.

وقال: ويقولون للجميع بالتوحيد والجمعِ: هم نَظُورةُ قَومِهم ونظائرُ قَوْمِهم، وكذلك طَريقةُ قَوْمِه. وتقول العَربُ: هؤلاء طريقةُ قومِهم، وطرائقُ قومهم للرجال الأشراف. قال الله عز وجل: (ويذهبا بطريقتكُمُ المثلى) وقال تعالى: (كُنا طرائق قِددا) و (المثلى) نعت الطريقة؛ كقوله: (الأسماء الحسنى). لما جاز أن يقول: هذه أسماءٌ جعلتَ نعتها مُوحدا، وإن شئت جعلت تأنيثه لتأنيث الطريقة. وقال أبو عُبيدة: يقال: رجُلق شنُوءة للذي يتَقَّززُ من الشيء. وقال غيره: يقال: رجل منُونةٌ، إذا كان كثير الامتنان. ويقال: رجل (صَرُورةُ) للذي لم يحجج قطُّ، وصارورةُ، وكذلك

المؤنث، وقد يقال: رجُلٌ صَرارَة، وصَرُورِيّ. ويقال: رجُلٌ (عَرُوفةٌ) بالأمور، ورجل (لَجُوجةٌ)، ورجل (فَرُوقَةٌ) من الفَرَق وفَارُوقة، وفَرُّوقة، و (مَلُولةٌ) من الملالة، و (ألوفةً) إذا كان يألفُ فالهاءُ تدْخُلُ على معنى المبالغة في المدحِ، والتشبيه بالداهية، وعلى معنى المبالغة في الذم والتشبيه بالبهيمة. فمِن مذهبِ الداهية فلان مُنكرةٌ من المناكير، ومن التشبيه بالبهيمة

قولهم: رجُلٌ (فقاقة) و (هِلبَاجةٌ)، ولو أتى بغير هاء لكان صواباً. قال الفراء: أنشدني الكسائي: فقلتُ للقيسي يوم الشجرة ... لا تحسبني فارساً كمطره أراد رجُلاً يقال له مطر، فزاد فيه الهاء؛ لأنه هجاه فصيَّره كالمرأة. فإن قال قائل: لم أدخلوا الهاء في فعيلة إذا كانت بتأويل فاعِلة، ولم يدُخلوا الهاء فيه إذا كان بمعنى مفعولة، ولم يدخلوا الهاء في (فعول) إذا كان بتأويل فاعلة، وأدخلوها في (فَعول) إذا كان بتأويلِ مفعولة؟ فيقال له: الفَرْقُ بين (فَعِيل) و (فَعول) أنّ (فعيلاً) مبنيٍّ على (فَعُلَ) فأدخلوا هاء التأنيث فيه لما كان مبنياً على فَعُلت تَفْعُل، ولم يُدخِلُوا الهاء فيه إذا كان بتأويل مفعول؛ ليفرُقوا بين الفاعل والمفعول. و (فَعُول) غير مبنيٍّ على الفِعل، فلم يُدخلوا فيه الهاء لما كان غير مبني على الفِعل، فإذا كان بتأويل (مفعول) أدخلوا فيه الهاءَ فرقاً بين الفاعل والمفعول.

ومما جاء من الأسماء المؤنثة على مثال (فَعُول) قولهم: الهَدُودُ للسَّهلة من الرمل والأرض حكاه أبو عمرو الشيباني.

باب ما جاء من النعوت على مثال مفعل

باب ما جاء من النعوت على مثال مُفْعِل اعلم أن مُفعِلا في النُّعوتِ بمنزلةِ فاعلٍ إذا اشترك المذكر والمؤنث في النعتِ دخلته الهاءُ إذا كان نعتاً لمؤنث؛ كقولك: رجل مُحسن وامرأة محسنة، وكذلك مُجمل ومجملة، ومُكرم ومُكرمة. فإذا كان النعت لا حظَّ للذكر فيه لم تدخله الهاءُ وكان بمنزلة حائض وطالق وطامِثٍ. فمن ذلك قولُهم: امرأة مُذكرٌ، إذا كانت تَلِدُ الذكور، ومُحمِقٌ، إذا كانت تَلِدُ الحمقى، وكذلك قولهم: ذئبة مُجرٍ، وظبيةٌ مُخشف ومُغزِل ومُطفل، فيحذفون الهاء من هذه النعوتِ؛ لأن الغِزلانَ

والأطفال إنما يكن مع الأمهات، ولا يكن مع الآباء، فجرى على الأمهات، فلم يكن للذكر فيه حظٌّ. وحكى الفراء: كلبة مُجرٍ ومُجرية، وامرأةٌ مُصبٍ ومُصبية للتي معها الصبيان، وغنما أدخلت الهاء ها هنا؛ لأن الحرف سقطت منه الياءُ، فكأنهم كرهوا سُقوطَ الهاءِ مع الياء. ويقولون: ناقةٌ مُتلية، ولم يُسمعِ مُتلٍ. وربما أدخلوا الهاءَ فيما ليس للذكر فيه حظٌّ تشبيهاً بإدخالهم إياها في حائض. قال بعضُ نساء الأعراب: لستُ أبالي أن أكون مُحمِقَة فإذا صفَّرتَ (مُفعِلا) أجريته في التصغير مجراه في التكبير، فتقول: مُحيمق في تصغيرٍ مُحمِق، ومُحَيْمِقة في تصغير مُحْمِقة. وتُصغِّرُ ما كان من ذوات الواو والياء بالهاء، فتقول في تصغير (مُصبٍ)

و (مُجرٍ): مُصيبية ومُجيرية؛ وذلك أنه لما صُغِّر وهو مؤنثٌ على ثلاثة أحرُفٍ زاد في تصغيره الهاء؛ كما زادوا في (العين) و (الأُذُن) حين صُغِّرتا، فقالوا: عُيينة وأُذينة. ويقال: امرأةٌ (مُضِرٌّ) إذا تزوَّجتْ على ضِرً. يقال: نُكِحَتْ فلانةُ على ضِرٍّ أي نُكحت على امرأة قبلها أو امرأتين أو ما كان. قال ابن أحمر: كمرآةِ المُضِرِّ سَرَتْ عليها .. إذا رامقتَ فيها الطَّرْفَ جالا ويقال: شاة (مُقْرِبٌ)، وشاء (مقارِيبُ)، إذا قَرُب ولادها. وشاة (مُرءٍ) إذا استبان حملُها، وناقةٌ (مُمرجٌ) إذا ألقت ولدها وهو غِرسٌ

ودمٌ، وشاةٌ (مُمْغِلٌ) إذا حُمل عليها في السنة مرتين، وامرأة (مُعصِرٌ) التي قد همَّتْ أن تحيض. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: جاريةٌ بسفوانَ دارُها ... تمشي الهُوَينى مائلاً خِمارُها ينحلُ من غُلمتِها إزارُها ... قد أعصرت أو قد دنا إعصارها ويقال: ناقةٌ (مُفرِقٌ) ونوقٌ مفاريقُ، إذا فارقت ولدها بموت أو ذبح أو بيع. قال عوف بن الأحوص: وإجشامِي على المكروهِ نفسي ... وإعطائي المفارِقَ والحِقاقا ويقال: ناقةٌ (مُخدِجٌ) إذا ولدته لتمامِ والقتِ وهو ناقص الخَلْقِ

ويقال: ناقةٌ (مُرضعٌ) ومُرضعة. قال الفراء: إذا أردت أنها تُرضع عن قليل ولم يكن (المُفعِلُ) نعتاً قائماً أدخلت الهاء في تكبيره وتصغيره؛ كما قال عز وجل: (يوم ترونها تذهلُ كل مُرضعة عما أرضعت). فهذا للفِعل. قال: فإذا أردت النعت ألقيت الهاء؛ كقول امرئ القيس: ومثْلِكِ حُبلى قد طرقتُ ومُرضعٍ ... فألهيتُها عن ذي تمائم مُحوِلِ وقال أبو عُبيدة: المُرضِعُ: التي بها لَبَنُ رضاعٍ فهي، ما أرضعتْ، مُرضعٌ واحتج ببيتِ امرئ القيسِ. قال: والمرضعةُ: الساقية؛ كقوله: كمُرضِعةٍ أولادَ أُخرى وضيَّعتْ ... بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا ويقال في جمعِ المُرضِعِ: مراضعُ ومراضيعُ. قال الله عز وجل: (وحرَّمنا عليه المراضع من قبلُ). وقال أُمية بن أبي عائذ الهذلي:

ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ ... وشُعثٍ مراضيع مثل السعالى ورواه الفراءُ وشُعثاً بالنصب على الذم. وقال: جملٌ (مُهجرٌ) وناقةٌ مُهجِر، إذا كانا كريمين. وقال يعقوبُ: يقال: ناقةٌ (مُؤنثٌ) ومُذكِرٌ، إذا جاءت به ذكرا أو أُنثى، ومئناثٌ ومذكارٌ إذا كان من عادتها.

ويقال: شاةٌ (مُوحِدٌ)، إذا ولدتْ واحداً، وكذلك شاةٌ مُفرِدٌ، ومُفِذّ ومُتئِم: التي في بطنها اثنانِ، وناقةٌ (مُطْفِل) ونُوقٌ مطافيل، وناقةٌ (مُشرِقٌ)، إذا أشَرَق ضرعها فوقع فيه اللَّبَنُ. وقال أبو زيد: (المُفْكِهُ): التي يُهَراقُ لبَنُها عند النِتاج قبل أن تضع، وقد أفكهت. وناقةٌ (مُبسِقٌ) إذا أنزلت اللبأ في ضرعها قبل ولادها بعشرين يوماً أو نحوها، وناقةٌ (مُرِدٌّ)، وإبل مَرَادُّ، إذا شربت فَوَرِم لذلك حياؤها

وضرعها. قال الأصمعي: يقال: فرس (مُقِصٌّ)، وخَيْلٌ مقاصُّ، إذا كرهت الفحل من حَمْلٍ أو غيره. وناقةٌ (مُرْبعٌ)، إذا كان معها رُبَعُها، وقال أبو زيد: يقال: ناقةٌ (مُحمِلٌ) للتي نزل لبَنُها من غيرِ حَمْل، ويقال: أحملت، ويقال: امرأةٌ (مُغيبٌ) ومُغيبة، إذا كان زوجُها غائباً، وامرأةٌ (مُشْهِدٌ)، إذا كان زوجُها شاهداً. ويقال: ناقةٌ (مُركِضٌ)، إذا تحرك ولدُها في بطنها، وناقةٌ (مُرتِجٌ) ونوقٌ مراتيجُ، إذا أغلقت الرَّحِمَ على الماء، وناقةٌ (مُخرِطٌ) ونوقٌ

مخاريطُ، إذا بركتْ على بولٍ أو ندىً أو أصابتها العينُ فيتعقدُ لبنُها في ضرعها فيخرج كأنه قطع الأوتار وسائرُ اللبن ماءٌ أصفرُ، ويقال: أخرطت إخراطاً قبيحاً واسم ذلك الداءِ نفسه الخرط فإذا كان ذلك من عادتها فهي ناقةٌ مِخراطٌ. قال الشاعر: بئس قومُ اللهِ قومٌ طُرِقوا ... فقروا أضيافهم لحماً وحِر وسقوْهُم في إناءٍ كلعٍ ... لبنا من درٌ مِخراطٍ فَئِرْ [الكلع: الوسخ، وكلع: وسخ]. والوَحِر: الذي دبّت عليه الوحرةُ. والوحرةُ: دُوَيبة حمراءُ تلصقُ بالأرض كأنها العظاءة. والفَئِر: الذي قد سقطت فيه فأرة. وقال الأصمعي: ويقال: شاةٌ (مُجشِّرٌ)، إذا يَبِس ولَدُها في بطنها، وأتانٌ (مُلمِعٌ)، إذا استبان حملُها في ضرعِها، وناقةٌ (مُتِمٌّ) وإبلٌ متامُ،

إذا أتمَّت الحملَ، وناقةٌ (مُقلِتٌ)، إذا مات ولدُها، وناقةٌ (مُشدِنٌ)، إذا تحرك ولدها، والولدُ شادِنٌ. وناقةٌ (مُرشحٌ) إذا قَوي ولدُها فتبعها وقد رشح فهو راشح. ونخلةٌ (مُوقِرٌ)، إذا كَثُر حمْلها، ونخلٌ مواقيرُ. ويقال: شاةٌ (مُمغر)، ومُنغِرٌ وقد أمغرتْ وأنغرت بالميم والنون، إذا حلبت لبناً يخلطه دمٌ، فإن كان ذلك من عادتها قيل مِمغارٌ ومنغارٌ. وناقةٌ (مُبلمٌ) ونوقٌ مباليم، وقد أبلمت تُبلِمُ إبلاماً، إذا وَرِم حياؤها من الضبعةِ، ويقال: نخلةٌ

(مُبتلٌ)، إذا بانت فسيلتُها عنها حتى تنفصِلَ وتستغني وهي فَسِيلةٌ بتيلةٌ.

باب ما جاء من النعوت على مثال مفعال

باب ما جاء من النُّعُوت على مِثال مِفْعال اعلم أن (مِفْعالا) يكون نعتاً للمؤنث بغير هاء؛ لأنه انعدل عن النعوت انعدالاً أشد من انعدال صَبور وشَكور وما أشبههما من المصروف عن جهته؛ لأنه شُبِّه بالمصادر؛ لزيادة هذه الميم فيه؛ لأنه مبني على غير فِعْل ويجمع على مفاعيل، ولا يجمع المذكر بالواو والنون، ولا المؤنث بالألف والتاء إلا قليلاً. فمن ذلك قولُهم: امرأةٌ (مِذْكارٌ) و (مِئناثٌ) إذا كان من عادتها أن تَلِدَ الإناث والذكور، وامرأةٌ (مِحماقٌ) إذا كان من عادتها أن تَلِدَ

الحمقى، وامرأةٌ (مِعطارٌ) من العِطْر، و (مِعطاءٌ) من العطية. وقال يعقوب: يقال: ناقةٌ (مِلْواحٌ)، إذا كانت سَرِيعةَ العطش. قال: ومِثلُه (مِهياف) والذكرُ والأُنثى فيه سواءٌ، وقال أحمد بن عُبيد: المِلواحُ على ثلاثة أوجُهٍ: المِلواح: التي تُسرِعُ العطش، والمِلواحُ: العظيمةُ الألواحِ، والملواح: التي قد لوّحها السفر، أي ذهب بلحمها. قال ابن مقبل: على كُلِّ مِلواحٍ يَزِلُّ بَرِيمُها ... تُعاطي اللجامَ الفارسي وتصدفُ قال أبو جعفر: المِلواحُ في البيت: العظيمة الألواح. والبريم: القِلادة من خِلطين، وكُلٌّ خِلطين بريم مثل الشعير والقمح وما أشبههما. وقال الأصمعي:

يقال: ناقةٌ (مِدراجٌ) للتي تجوز وقتها الذي ضربت فيه تَحمِلُ أكثر من سنة، وناقةٌ مِدراجٌ وهي التي تُدرِج الحَقَبَ فيُلحَقُ بالتصدير. ويقال: ديمةٌ (مِدرارٌ)، إذا كانت ديمةً غزيرة. قال جرير: أمسَتْ زيارتُنا عليكِ بعيدةً ... فسقى ديارك ديمةٌ مِدرارُ ويقال: ناقةٌ (مِعجالٌ)، إذا ألقتْ ولدها لغير تمام، وناقةٌ (مِلحاجٌ) التي لا تكاد تبرحُ الحوض، وقال أبو زيد: إذا كان سِمَنُ الناقة يكونُ في الصَّيف قيل: (مِقلاصٌ).

وقال الأصمعي: يقال: امرأةٌ (ميسانٌ) و (مِنعاس)، وهو مِفعالٌ من الوسنِ، وامرأةٌ (مِكسالٌ) من الكسل وكذلك الذكرُ. قال أبو العباس: أنشدنا شبيب: وغَضيضِ الطَّرْفِ مِكسالِ الضُّحى ... أحورِ المُقلةِ كالرئم الأغن ويقال: نخلةٌ (مِيقارٌ)، إذا كانت تُكْثِرُ الحَمْلَ، ونخلةٌ مئخار، إذا كانت مما تبقى إلى آخرِ الصِّرام، قال الراجز: ترى العضيد المُوقِرَ المئخارا ... من وقعِهِ ينتثر انتثارا وناقةً (مقحادٌ)، إذا كانت عظيمة القحدة وهي بيضةُ السِّنامِ، وإبلٌ مقاحيد. قال الشماخ:

لا تحسبن يا بن عِلباءٍ مقاذعتي ... شُرب الصريح من الكُومِ المقاحيد ويقال: ناقةٌ (مِصباحٌ)، وإبلٌ مصابيحُ، وهي التي تُصبح بوارك في مبركها لا تثور. قال النابغة الجعدي: وجدتُ المخزياتِ أقلَّ رُزءاً ... عليك من المصابيح الجِلاد وناقةٌ (مِجهاضٌ) و (مسباغٌ) إذا ألقت ولدها لغيرِ تمامِ. يقال: أسبغتْ وسبطت، وناقةٌ (ميرادٌ)، إذا عَجِلتْ إلى الورود، ويقال: ناقةٌ (مِطرافٌ) التي لا تكاد ترعى مرعىً حتى تستطرف غيره. وشاةٌ (مِتئامٌ)، إذا كان من عادتها أن تلد اثنين اثنين، وناقةٌ (مِخرابٌ)، وهو ورمٌ في ضَرعِها من البرد أو العين يُصيب الناقةَ والشاة.

يقال: خَرِبَ ضَرْعُ ناقتك يخربُ خرباً فيُسخَّن لها الجُباب فيُدهنُ بها ضرعُها والجُباب كالزَّبَدِ يعلو ألبان الإبل، وناقةٌ (مِقلاتٌ) لا يعيش لها ولدٌ والقلتُ: الهلاك، وناقةٌ (مِرباعٌ) إذا حملت في أول الربيع، وناقةٌ (مِسياعٌ) إذا كانت تصبِر على الإضاعة، ويقال: رجُلٌ مِسياعٌ، إذا كان مضياعاً للمال، ولا يُحسن القيام عليه. قال الشاعر: ويلُ امِّ أجيادَ شاةً شاةَ مُمتنِحٍ ... أبي عيالٍ قليل المال مسياعِ أراد رجلا اتخذ شاته منحةً يشرب لبنها، ويقال: ساع الشيء يسيع، إذا ضاع، ويقال: ضائعٌ سائع. قال سُويد:

فكفاني اللهُ ما في نفسهِ ... ومتى ما يكفِ شيئاً لا يُسع أي لا يُضَع، وقال الأصمعي: يقال: ناقةٌ (هِلواعٌ)، إذا كان فيها نزَق وخفةٌ، ومنه يقال: هَلِع الرجُلُ، إذا جَزِع وخفّ. ويقال: ناقةٌ (مِرياعٌ) للتي يُسافر عليها وتُعاد، وأصله من راع، إذا عاد، ويقال: تريَّع السِّمنُ، إذا جاء وذهب، وقال الأصمعي: قال رجل لهشام بن عبد الملك في وصف ناقة: إنها لِمَسَياعٌ مِرياعٌ هِلواعٌ. وقد قالت العرب: رجُلٌ (مِجذامةٌ)، إذا كان قاطعاً للأمر، فأدخلوا الهاء فيه، والقياسُ يُوجب ألا يكون فيه هاءٌ، وإنما فعلوا هذا؛ لأنهم يُدخلون الهاءَ

في المذكر على جِهةِ المدحِ أو الذمِّ، ويقال أيضاً: مِجذام بغير هاء. قال أبو دُواد: غيرَ ذنبِ بني كنانةَ مِنِّي ... إن أُفارِقْ فإنني مجذامُ وقال الهذلي: يُجيب بعد الكرى لبيك داعيهُ ... مِجذامةٌ لهواهُ فُلفلٌ عَجِلُ وقال الفراء: يقال: رجل مِعزابةٌ ومطرابةٌ للعازب الذي لا يزال في إبله.

وقال أبو زيد: المِيدَع وجمعُه موادِعُ: كلُّ ثوبٍ جعلته ميدعا لثوب جديد تُودعه به، وقال بعضهم: ميداعة ومواديع. وإذا صغرت (مِفعالا) من ذوات الواو والياء صغرته على مُفَيْعِل، فتقول: امرأةٌ مُعيطر، وديمةٌ مُديربٌ، وتصغر أيضاً ما كان من ذوات الياء والواو على مُفَيْعِل؛ كقولك: امرأة مُعَيْطيٌّ في تصغير مِعطاء، فإذا حذفت إحدى الياءين في التصغير زدت الهاء فقلت: امرأةٌ مُعيطية، وحذفُ إحدى الياءين مع إثبات الهاءِ أكثرُ من إثبات الياءين مع غيرها.

باب ما جاء من النعوت على مثال مفعل ومفاعل وفيعل وفيعل

باب ما جاء من النعوت على مِثال مُفَعِّل ومُفاعِلِ وفَيْعَل وفَيْعِل يقال: قطاةٌ (مُطرقٌ)، إذا دنا خُروج بيضها، وقد طرَّقت تطريقاً. قال العبدي: وقد تَخِذَتْ رِجلي لدى جنبِ غرزِها ... نسيفاً كأفحوص القطاة المطرِّقِ ويقال: ناقةٌ (مُمَلِّح)، إذا كان فيها شيءٌ من الشَّحمِ. قال عُروة:

ينوءون بالأيدي وأفضلُ زادهم ... بقيةُ لحمٍ من جزُور مُملِّحِ وقال يعقوبُ: قال أبو عُبيدة: المطِّرق: التي ضاق استُها عن بيضتها. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب لأوس: لنا صرخة ثُمَّ إسكاتةٌ ... كما طرَّقت بنفاسٍ بِكرْ وقال الأصمعي: يقال: ناقةٌ (مُعَضِّلٌ)، وقد عضَّلتْ تعضيلا، إذا اشتد النتاج عليها، فبقي الولدُ نَشِباً. قال يعقوب: وقد جاء مُعضِّلة بالهاء وأنشد:

ترى الأرض منَّا بالفضاءِ مريضةً ... معضلةً منا بجمعٍ عرمرم ويقال: ناقةٌ (مُجالجٌ) إذا درَّت في القُر والجُوع. قال الشاعر: لها بشرٌ صافٍ وجيدٌ مُقلِّصٌ ... وجِسمٌ خُدارِيٌّ وضرعٌ مُجالحُ ويقال: قد جَالحت تُجالح مُجالحة شديدة. وناقةٌ (مُقامِحٌ) إذا أبت أن تشرب الماء، وقد قامحت قِماحا. قال بشرً: ونحنُ على جوانبها قُعودٌ ... نَغُضُّ الطرف كالإبل القِماح

ويقال لشهرين في أشدِّ البرد: شهراً قماح؛ لأن الإبل تُقامح فيهما. قال الهذلي: فتىً ما ابنُ الأغرِّ إذا شتونا ... وحُبَّ الزادُ في شهري قِماحِ وقال أبو عبيدة: يقال: ناقةٌ (مُعالقٌ) في معنى عَلُوق وهي التي ترأم بأنفها ولا تَدُر. وناقةٌ (مُغارٌ) ونوق مغارُّ، وقد غارَّت تُغارُّ غِرارا، إذا

نَفرتْ، فرفَعتِ الدِّرّة، ويقال في مَثَلٍ: (سبق دِرته غرارُه). ويقال: ناقةٌ (مُمارِنٌ)، وقد مارنت تُمارنُ، إذا ضُرِبَتْ فلم تَلقَحْ فكثرُ ذلك من فِعْل الفَحْلِ ومنها. ويقال: ناقةٌ (مُمانِحٌ) وشاةٌ مُمانِحٌ للتي لا يكاد ينقطع لبنُها حتى يدنو وِلادُها، و (المحارِدُ) التي لا تُدِرّ عند الجُوع والقُرّ، وقال الأصمعي: يقال: ناقة (مُذائرٌ) للتي لا تشُمّ ولدها ولا ترأمه، ولا تُدِرّ عليه، ويقال للدابة إذا نفرت عن ولدها ولم ترأمه: ذائرٌ، والرجُلُ: ذائرٌ

أيضاً، إذا أبى عليك ولم ينعطف، أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: لئن كُنتَ لي يوماً بنجرانَ ذائرا ... لقد كُنتَ لي يوماً بمندد رائما ويقال: امرأةٌ (غيلمٌ) إذا كانت حسناء. قال الهُذلي: تُنِيفُ إلى صوتِهِ الغيلمُ ويقال: امرأة (جيجلٌ) إذا كانت غليظة الخلْقِ ضخمة، وقال

الأصمعي: يقال: بِئرٌ (غيلم)، إذا كانت كثيرة الماءِ، وبئر غيلمٌ: واسعة، وقال يعقوب: يقال: قِربةٌ (عينٌ) للتي قد تهيأت منها مواضعُ للتثقيب من البِلَى.

باب ما يذكر من أسماء القبائل والأمم وما يجرى منهن وما لا يجرى

باب ما يُذكَّر من أسماء القبائل والأمم وما يُجرى منهن وما لا يُجرى اعلم أن أسماء القبائل مؤنثةٌ: كقولك: هذه تميمُ تشهدُ عليك، وقد حضرتكَ هاشمُ، وأنت في تميمٍ وأسدٍ بالخيار: إن شئت أجريت، وإن شئت لم تُجرِ، فمن أجراه قال: هو اسم معروف مذكَّرٌ سُميت القبيلةُ به، فأجريته؛ إذ كان مذكراً، ومن لم يُجره قال: هو اسم للقبيلة، فمنعته الإجراء للتعريف والتأنيث. فأما (سدُوسُ) فمؤنثةٌ لا تُجرى؛ لأنها اسمُ امرأةٍ. زعم النسابون أن السدوس أُمهم، فسدوسُ لا تُجرى؛ لأنها اسم مؤنثٌ على أربعة أحرف بمنزلة زينب ونوار. أنشد الفراء:

فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإنَّ الرِّيح طيبةٌ قبول وقال الفراء: أنشدني بعضُ بني عُقيل: بني سدوسَ زتتوا فتاتكم ... إنَّ فتاة الحيِّ بالتزتت معنى زتتوا: زيتوا، وقال الفراء: أنشدني المفضل:

إذا ما كُنت مفتخرا ففاخِرْ ... ببيتٍ مثل بيتِ بني سدوسا ويقالُ: هذه ثقيفُ، وهذه مُضرُ، وهذه ربيعةُ بالتأنيث على معنى القبائل، ويقال: ما في تَغْلِبَ بن وائل مِثلُه، وما في تغلبَ بنتِ وائل مِثلُه. فمن ذكّر ذهب إلى معنى الحي، ومن أنّث ذهب إلى معنى القبيلة. قال الشاعر: إذا ما شددتُ الرأس مِنِّي بمشوذٍ ... فغيك مني تغلِبَ ابنة وائلِ وكذلك يُقالُ: ما في قيس عيلان مِثلُه، وما في قيس بنِ عيلانَ مِثلُه، وما في قيس بنت عيلان مثلُه.

فمن قال (ابن) ذهب إلى معنى الحيّ، ومن قال (بنت) ذهب إلى معنى القبيلة. قال الفراء: قيل لبعضهم: ممن الرجل؟ فقال: من عبد الله بِنتِ كعبٍ، فجعل (عبد الله) اسماً للقبيلة، وأنشد الفراء: وفيمن ولَدُوا عامرُ ذاتُ الطولِ والعرضِ فجعل (عامر) اسماً للقبيلة، فأنثه ولم يُجرِه، وأنشد يعقوب: وكم من فتىً ظلَّ الدجاجُ نديمهُ ... مُحاذرةً من أن تراهُ أبو بكر فأنث فعل (أبي بكر) لأنه ذهب به مذهب القبيلة، وأنشد الفراء: بكى الخزُّ من روحٍ وأنكرَ جِلدهُ ... وعجَّت عجيجاً من جُذام المطارفُ فلم يُجرِ (جُذاما)؛ لأنه جعله اسماً للقبيلة، وأنشد الفراءُ أيضاً: ولا مُحارِبَ إلا أنهم بشرُ

فجعل (محاربا) اسماً للقبيلة، ويقال: ما في باهلة بن يعصُرَ مِثلُه، وما في باهلة بنتِ يعصُرَ على ما تقدم من التفسير، وقال زيدُ الخيل: فخيبةُ من يخيبُ على غنيٍّ ... وباهلة بن يعصُرَ والرِّكاب وباهلةُ: اسمُ امرأةٍ، ويقال: ما في تميم بن مُرٍّ مِثلُه، وبنتِ مُرٍّ، وما في سُلَيم بن منصور وبنتِ منصور، وقال الفراء: قال الكسائي: سمعت العرب تقول: ما في غَنيٍّ بنت يعصُرَ مثلُه، ويقال: قد أتتك عبدُ شمسٍ يا فتى، فتؤنث الفِعْلَ بمعنى القبيلة ولا تُجرى الشمس؛ لأن عبد شمس بمنزلة فلان؛ إذ كان العبد لا يكون للشمس، فلم يُجرَ للتأنيث والتعريف. وقال الفراء: العربُ تُدغم عبدَ شمس التميمية، ولا يدغمون القرشية، فيقولون في التميمية: قالت عبُشمسَ كذا وكذا، وفلان من عَبُشّمس: أنشد الفراء: ألا قالت عوانةُ أمسِ قولاً ... وأبدت من محاسِنها الجبينا بنفسي ما عبُشمسَ بن سعدٍ ... غداة ثناء إذ عَرَفُوا اليقينا و (عادٌ) يُذَّكرُ ويؤنَّثُ، فمن ذكَّره قال: هو اسم للحي، ومن أنثه قال: هو اسم للأمة. و (تُبَّعٌ) بمنزلة (عاد). يروى عن الضحاك أنه قرأ (ألم تر كيف فعل

ربُّك بعاد) فلم يُجر (عادا)؛ لأنه جعله اسماً للقبيلة، وقرأت العوام: (بعادٍ) فأجروه؛ لأنه اسم لرجُلٍ. وقال الفراء: زعم الكسائي أنه سمع أبا خالد الأسدي يقول: إن (عاد) و (تبّع) أُمتانِ فلم يُجرهما، وأنشد أبو العباس: أحقاً عباد الله جُراةُ مِحلقٍ .. عليَّ وقد أعييتُ عاد وتُبعا و (ثمود): يُجْرَى ولا يُجَرى، فمن أجراه قال: هو اسم لرجُلٍ أو للحيّ، ومن لم يُجْره قال: هو اسم للأمة أو للقبيلة. أنشدنا ابن البراء: ونادى صالحٌ يا ربِّ أنزِل ... بآل ثمود منك غداً عذابا وأنشد أيضاً: دَعت أم غنمٍ شرَّ لصتٍ علمِتُهُ ... بأرضِ ثمودٍ كُلِّها فأجابها و (قُريشٌ) بمنزلة ما مضى قبلَه. من أجراه ذهب إلى الحي، ومن أنثه ذهب إلى معنى القبيلة. أنشد الفراء في ترك الإجراء:

غلب المساميح الوليد سماحةً ... وكفى قريش المعضلات وسادها وقال الآخر في الإجراء: تلكُمْ قريشٌ تجحدُ الله حقهُ ... كما جحدت عادٌ ومدينُ والحجرُ وأما (مَدْيَنُ) فإنها لا تُجرى؛ لأنها اسمٌ للمدينة. قال الشاعر: رُهبانُ مدين لو رأوك تنزلوا ... والعُصْمُ مِنْ شعف العقول الفادرِ و (مَعَدٌّ) يُجْرَى ولا يُجْرَى، فمنْ أجراه قال: هو اسم لرجل بعينه ومن لم يُجْرِه جعله اسماً للقبيلة. أنشد الفراء: عَلِمَ القبائلُ مِنْ معد وغيرها ... أن الجواد محمدُ بنُ عطاردِ وإذا قلت: جاءتني حِمْيَرُ وقريشُ كان الأغلبُ عليها ترْكَ الإجراء؛ لأنهما اسمان للقبيلة.

وإذا قلت: جاءتني عامِرُ وتميمُ كان الاختيارُ الإجراءَ؛ لأن بني تحسن مع عامر وتميم وأسدٍ وما أشبه ذلك، ولا يصلح مع قُرْيشٍ وحِمْير وهمدان. ألا ترى أنك تقول: جاءءتني بنو عامرٍ وبنو تميمٍ وبنو أسدٍ ولا تقول: بَنُو قريشٍ وبنو حمير. فما حَسُنَ معه (بنو) كان الاختيارُ إجراءه؛ لأن الاسم الذي بعده (بنى) قام مقامه وأجْرِى، وهو بمنزلة قول الله عز وجل: (واسأل القرية)، وأجاز الفراء: جاءتني بنو أسد وبنو تميم وبنو عامر على أن (بني) أضيفَ إلى اسم القبيلة، وقال: قال لي أعرابي من تميم وأنا عند يونس: كيف تتعلمُ بالبصرة وعندكم بنُو أسدَ وهم فصحاءُ؟ فلم يُجْرِها في كلامه. و (سَبَأ) يُذكرُ ويؤنثُ، فمن ذكره أجراه، ومن أنثه لم يجره. يروى عن فروة بن مُسيك الغُطيفي أنه قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله أخبرنا عن سبأٍ أأرْضٌ هي أم امرأةٌ؟ فقال: ليست بأرضٍ ولا امرأةٍ لكنه رجلٌ ولد عشرةً من العرب فتيامنَ منهم ستةٌ وتشاءم منهم أربعةٌ. يعني بتيامن: سكنوا اليمن، وتشاءم: سكنوا الشام، وكان الحسن لا يُجْرِي سبأ، ويقول: هي اسمُ أرضٍ، ويجوز أنْ يُمنع الإجراء وهو اسمٌ لرجلٍ على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن القبيلة تُسمى باسم الرجل المعروف فيمنعُ الإجراء. أنشد الفراء في الإجراء:

الواردون وتيم في ذرى سبأٍ قد عم أعناقهم جلدُ الجواميس وقال الجعدي في ترك الإجراء: من سبأ الحاضرين مأرب إذْ ... يبنون من دون سيله العرما فأسماءُ الأمم مؤنثةٌ ويقال: هي يهود وهي موس، فلا يُجْرَى للتعريف والتأنيث. أنشد الفراء:

أصاح ترى بُريقا هب وهناً ... كنارِ مجوسَ تستعرُ استعارا وقال الآخر: أولئك أولى من يهود بمدحةٍ ... إذا أنت يوماً قُلتَها لم تؤنبِ ويجوز أنْ يكون ترك إجراء يهود ومجوس؛ لأنهما جريا في الكلام بالألف واللام، فلما سقطت الألف واللام منهما صارا كالمعدولين عن جهتهما، فاجتمع فيهما هذا مع التعريف، فمنعهما الإجراء. وتقول: هذه النصارى، وهذه اليهودُ وهذه المجوسُ على معنى: هذه جماعاتُهم، وكذلك تقول: قامت الرجالُ، وتكلمت الشيوخُ على معنى الجماعات. قال الله عز وجل: (قالت الأعرابُ)، وقال جل ثناؤه:

(كذبت قوم نوحٍ) على ما مضى من التفسير. قال الأخطل: فما تركت قومي لقومك حيةً ... تقلبُ في بحرٍ ولا بلدٍ قفرِ وقال أبو العباس: القومُ: رجالٌ لا امرأة فيهم، ويقال: هذه الرومُ والتركُ والخزرُ والسند على معنى الأمم. والعربُ: مؤنثة، ويدل على هذا قولهم: العرب العاربةُ، والعرب العرباءُ، وكذلك العجم. و (الإنسُ) مؤنثةٌ، وكذلك الجن. قال الله عز وجل: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) وقالك (تبينت الجن). والجنةُ: يكون

جمعا ويكون بمعنى الجُنون. قال الله تعالى: (من الجنة والناس) فهذا جمعٌ، وقال في موضع آخر: (أم يقولون به جنةٌ) فمعناه: به جنونٌ، ويجوز أن يكون المعنى: به مسُّ جنةٍ، ويكون بمنزلة قوله: (واسأل القرية). ويقال: إنسيٌّ وإنسيةٌ، وجنيُّ وجنية، وعربي وعربية. قال الفراء: فإذا نسبت رجلاً إلى أنه يتكلم بالعربية وهو من العجم قلت: رجلٌ عربانيٌ، ويقال: رجلٌ عجميٌّ إذا كان من العجم، وأعجميٌّ وأعجمُ، إذا كان في لسانه عجمةٌ. * * *

باب ما يذكر من الجمع ويؤنث

باب ما يُذكر من الجمع ويُؤنث اعلم أن كل جمع بينه وبين واحده الهاء فعامته يذكر ويؤنث؛ كقولهم: النخل، والبقر، والشعير، والتمر. يقال: هذا نخل، وهذه نخل، وهذا بقر، وهذه بقر، وهذا تمر، وهذه تمر، وهذا شعير، وهذه شعير. قال الله عز وجل: (كأنهم أعجازُ نخلٍ خاوية) فأنث، وقال في موضع آخر: (كأنهم أعجازُ نخلٍ منقعرٍ). فذكر، وقال امرؤ القيس: وحدث بأنْ زالتْ بليلٍ حمولهمْ ... كنخلٍ من الأعراض غير منبق الأعراض: بلد، وقوله (غير منبق) معناه: غير ممدود على سطر واحد، أي هي متفرقة، وقال العبدي:

النخل باطنه خيلٌ وظاهره ... خيلٌ تكدس بالفرسان كالنعمِ وقال أبو هفان: أنشدني مُصعب الزبيري لأيوب بن عباية الأسلمي في تأنيثِ النخل: وما اعتقد الناسُ من عقدةٍ ... سوى النخل يغرسُ فيها الفسيلُ وقال الله عز وجل: (إن البقر تشابه علينا) فهذه قراءة العوام بتذكير (تشابه)، وقرأ أُبي: (إن البقر تشابهتْ علينا) فأنث فعل البقر، وقال الشاعر في التأنيث: إني وقتلى سُليكا ثم أعقِلَهُ ... كالثور يُضربُ لما عافت البقرُ وقال زهير في تأنيث النخل: وهل يُنبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخلُ فأنث النخل، وذكر الخطي.

الرُّمانُ والعنبُ والموزُ: مذكر لم يُسمع في شيء منه التأنيث: والسدْر: مذكر، قال السجستاني: من سكن الدال ذكره، ومن فتح الدال أنثه، فقال: هذه سدر، وقال الشاعر في التذكير: تبدل هذا السدرُ أهلاً وليتني ... أرى السدر بعدي كيف كانت بدائله وعهدي به عذب الجنى ناعم الذرى ... تطيب وتندى بالعشي أصائله فما لك من سدر ونحن نحبه ... إذا ما وشى واشٍ بنا لا تجادله

كما لو وشى بالسدرِ واشٍ رددتُه ... كئيباً ولم تمْلُحْ لدينا شمائله و (التمرُ) مذكرٌ والتمور مؤنثة. و (الحمامُ) يذكرُ ويؤنث. قال جران العود في التذكير: وكنت أراني قد صحوتُ فهاجني ... حمامٌ بأبواب المدينة يهتفُ على شرفات الدار لا در دره ... ولا در أصواتٌ له كيف تشعفُ وقال الآخر في التذكير: ألا يا حمام الدار أنت بنعمةٍ ... وأنت قريرُ العين فيما بدا ليا ألا يا حمام الدار إن كنت باكيا ... لذي طربٍ فابك الغداة لما بيا وقال الآخر في التأنيث: يهيج على الشوق كل عشيةٍ ... حمامٌ تداعتْ غدوةً بهديل بكين وأبكين البواكي من الهوى ... وأبدين لو تعلمن كل دخيل والحمامات، والحمائم: مؤنثةٌ، وقال الشاعر: ألا يا حمامات اللوى عُدنَ عودةً ... فإني إلى أصواتكن حزين

فعدن فلما عدن كدتُه يمينني ... وكدتُ بأشانهن أبين وعدن بقرقار الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون فلم تر عيني مثلهن حمائما ... بكين وما تجري لهن عيونُ أبو هفان: أنشدني التوزي عن أبي زيد لأعرابي: طار الجرادُ على زرعي فقلت له: ... انفُذْ هديت ولا تُولع بإفساد فقال منهم خطيبٌ فوق سنبلةٍ ... إنا على سفرٍ لابد من زاد فهذا في تذكيره، وقال أبو هفان: أنشدني الجرمي عن سيبويه لعرابي في تأنيثه: فهذا في تذكيره، وقال أبو هفان: أنشدني الجرمي عن سيبويه لأعرابي في تأنيثه: لما رأيت ملجراد عاذِرا ... أخذتُ كُرزِي ودعوتُ عامرا لكل عيناء تسر الناظرا ... تخرجُ منها ذنبا حباجرا رزقٌ من الرزق يجيء المائرا ... مَنْ ذا رأي مثل الجراد طائرا سرتْ وضرتْ بادياً وحاضرا

و (الخَيْلُ) مؤنثة. جماعةٌ لا واحد لها من لفظها، ويقال في تصغيرها: خُيَيْلة وخِيَيْلة، وفي الجمع: خُيول، وخِيول. والعرب تقول: يا خيلَ الله اركبي على معنى: يا أصحاب خيلِ الله اركبوا، فيقيمون الخيلَ مُقام الأصحابِ، ويقال: ركبتْ خيلٌ إلى الشام على معنى: ركب أصحابها. قال الأعشى: وإذا ما الأكسُّ شُبه بالأروق يوم الهيجا وقل البُصاقُ ركبتْ منهم إلى الروعِ خيلٌ غير ميلٍ إذْ يُخطأ الإيفاقُ الرواية: رَكِبَتْ، بفتح الراء وكسر الكاف. والأكَسُّ: القصير الأسنان. والأرْوَقُ: الطويلُها، ويقال: البُصاق، والبُزاق، والبُساق، والأمْيَلُ: الذي لا يَسْتَمْسِكُ على الدابة، والجمع: مِيْلٌ. والإيفاقُ: أنْ يضع فوق السهمِ

في الوتر، وقال: يُخْطَأ من الدهش والشدة، ويكلح الأكسُّ في الحرب من الشدة فتظهر أسنانه، فيصير كأنه أروق. و (الطيْرُ) جماعةٌ مؤنثةٌ، وقد تُذكرُ، والتأنيثُ أكثر، ولا يقال للواحد: طيرٌ إنما يقال طائرٌ وطيرٌ؛ كما يقال: راكبٌ ورَكْب، وصاحِبٌ وصَحْبٌ، ويقال في جمع الطير: أطيارٌ وطيور، وربما قالوا في جمع الطير: طوائرُ؛ كما قالوا: فارس وفوارس. قال الشاعر في تذكير الطير: لقد تركتْ فؤادك مستجنا ... مطوقةٌ على فننِ تغنى يميلُ بها ويرفعها بلحنِ ... إذا ما عن للمحزونِ أنَّا

فلا يحزنْكَ أيام تولى ... تذكرُها ولا طيرٌ أرَنَّا والتأنيث في الطير أكثر. قال الله عز وجل: (والطير محشورةً)، وقال تعالى في موضع آخر: (والطير صافاتٍ). و (الوَحْشُ) جماعةٌ مؤنثةٌ، والجمع وحوشٌ، وقال أبو النجم: تطيعُها الوحْشُ ولا تأتي الخمره ويقال: باتَ فلانٌ وحشاً، أي جائعاً: مذكرٌ.

و (الإبلُ): جمعٌ مؤنثٌ لا واحد له من لفظه، والجمع: الآبالُن والتصغيرُ: أبيْلَة. ويسكنون الباء، فيقولون: إبْل. قال أبو النجم في التذكير والتأنيث: والإبلُ لا تصلح في البستان ... وحنتِ الإبلُ إلى الأوطانِ و (الشاءُ) مذكرٌ عندهم، أكثر العرب يقولون: هو الشاءُ. الهمزة بدلٌ من الهاءِ، وربما أنثوه على معنى الغنم، وأنه جماعة، وإذا صغرت الوحدة قلت: شُوَيْهَةٌ يا هذا، ويقولون: ثلاثُ شُوَيهات يا هذا، ويجوز أنْ تقول في تصغير الجمع: ما فعل شُوَيُّكم، وذلك أنهم يقولون في الجمع: هو الشوِيُّ يا هذا، فيجعلون تصغيره بالياء إذا جمعوه على فَعِيل ولم يقولوا في الجمع: شَوِيَةٌ، ولو قالوا لكان صواباً في القياس.

ولو قيل في تصغير الإبل: أُبَيْل بغير هاء لكان جائزاً. و (الشاءُ): مؤنثة، ولا واحد لها، وقال يعقوب: ربما قالوا للواحد من النبل: نبلة، وأنشد الفراء في الشوى: تبا لأربابِ الشوِيِّ تبّا وقال: قد سمعت في الشاة: ثلاث أشوُةٍ بالهاء. قال: وقد قالوا في الجمعِ: شياه، وقال يعقوب: الشاءُ: مؤنثة، وقال غيره: الشاءُ مذكرٌ، وقال الفراء: قال الكسائي لأعرابي: كيف شُوَيُّكم. قال: صُوَيْلحٌ. و (الغَنَمُ) و (المعَز) و (السُّنْبل) مؤنثات، وكذلك الضأن،

ويقال في جمع الغنم: أغنام، وفي جمع الضأن: أضؤُن، فإذا كثرت فهي الضائن والضئينُ. ويقال في جمع المعز: أمْعُزٌ، ومعيزٌ، ويقال في جمع الواحد من الضأن: ضائنة، وفي واحد المعز: ماعزةٌ، ويقال في تغصير الضأن: ضُوَينٌ، ويقال في تصغير المعز: مُعَيزٌ. و (الغَنَمُ): لا واحد لها من لفظها، وقال الفراء: كل جمعٍ بينه وبين واحدته الهاء فصغره على جمعه بطرح الهاء فقل: سِدْر وسُدَير، ونخْل ونُخيل، فإن أردت القلةَ تصغيرَ ما بين الثلاث إلى العشر قلت: سُدَيرات، ونخيلات. و (النعام): مذكر وهو جمع نعامة، وكذلك اليمام، وهو جمع يمامة وهي شجرة وطائر. (والسمام): مُذكرٌ، وهو طيرٌ. والكَلِم جمعُ كلمة: مذكرٌ. قال

الله عز وجل: (يحرفون الكلم عن مواضعه)، وقرأ السُّلَمِيّ: (يحرفون الكلام عن مواضعه). و (المَعِدُ) جمعُ معدة مؤنثةٌ. و (الحَلَقُ) مؤنثةٌ. زعم ذلك السجستاني قياساً لا سماعا، وقال: قد رأيت في رجز دُكين بن رجاء الفقيمي الحلق مذكرا. قال: وقد بلغني أن بعضهم يقول: الحلقة بالتحريك قال: وهي لغة قليلة فجاء التذكير على هذه اللغة، فقال دُكين: خوصاً تُبارى الحلق المُركبا ولم يقل: المركبة، وقال أيضاً: يمشون تحت الحلق الملبس

وقال: ينفُحْنَ صُفْرَ الحلقِ المفتولِ وأنشد بعضُ البصريين للفرزدق في حلقةٍ، بفتح اللام: يا أيها الجالسُ وسط الحلقة ... أفي زنى أخذتَ أمْ في سرقهْ وحكى سيبويه عن أبي عمرو: الحلقة بفتح اللام. و (القنا) يُذكر ويؤنث. واعلم أن جمع غير الناس بمنزلةِ جمعِ الناس. تقول من ذلك: منزل ومنزلات، ومصلى ومصليات. قال أبو النجمِ: لقد نزلنا خير منزلاتِ ... بين الحميرات المباركات وتقول في جمع ابن قترة، وهو ضربٌ من الحيات: بناتُ قترةَ، ولا تُجْرَى (قترة) للتعريف.

وتقول للغراب: هذا ابنُ دايةَ؛ لأنه يقال: يسقط على ظهور الدَّبْرَى من الإبل، ويقال في الجمعِ: بناتُ دأية. وواحدُ بنات عرسٍ، وبنات نعشٍ: ابنُ عرسٍ، وابنُ نَعْشٍ. وفي الكمأةِ جنسٌ رديءٌ مُزَغبٌ يقال له: بناتُ أوْبَرَ. واحدها: ابْنُ أوبر، وربما قالوا عند ضرورة الشعر: بنو نعشٍ.؟ قال الشاعر: تمززتُها والديكُ يدعو صباحهُ ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا والكمأة مؤنثةٌ. واحدها: كمْءٌ فاعلم بغير هاء، وهذا مما شذ من الباب؛ لأن الباب أن يكون الواحدُ بالهاء، والجمعُ بغير هاء: مِثلْ النخْلِ والتمرِ

والبَقَرِ. والكَمْءُ: مذكرٌ. يقال: هذا كَمْءٌ، وهذان كمآنِ، ويقال في الجمع: ثلاثةُ أكمُؤ، وأربعةُ أكْمُؤٍ. وقال السجستاني: قال أبو زيد: والعربُ منهم من يقول للواحدة والجمع بالهاء؛ كما يقال: الشيبةُ للشعرة البيضاء، وللشعر الأبيض. قال الله عز وجل: (ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة). والجبأة: الكمأة الحمراء مؤنثةٌ. واحدها: جبء فاعلم. يقال: هذا جبْءٌ، وهذان جبآنِ، ويقال في الجمع: ثلاثةُ أجبؤِ، والجمع: جبأةٌ. قال السجستاني: سمعتُ يعقوب الحضرمي يقول: سمعت بكر بن حبيب السهمي يقول: اجتنَيْتُ من سطحي هذا تسعةَ أكمُؤٍ. و (الفَقْعُ): الكَمْءُ الأبيض: مذكرٌ. يقال: هذا فقع، وثلاثةُ أفقُعٍ، وللجميع: هذه الفقعةُ. قال أبو زيد: وربما قيل للجمع: الفقوع. واعلم أن الجمع كله مؤنثٌ إلا ما بينه وبين واحده الهاء. والأجناسُ؛ نحو الخز والقزِّ ونحوهما. فمن ذلك: الأفْعُلُ والفعولُ والأفْعالُ والفِعالُ؛ كقولك: الأدؤُرُ، والدُّورُ، والأفْلُسُ والفلوسُ، والأبْحرُ والبحورُ، والجمالُ، والجبالُ، والأضراس والأنيابُ، وكذلك الفعلة والأفْعِلةُ، والفُعُلُ، والفُعْلانُ؛ كقولك: الصِّبيْةُ والفِتْيةُ والأرغِفةُ، والرُّغُفُ والرُّغْفانُ، وكذلك الفِعالةُ؛

كقولك الحجارة والجمالة، وكذلك فعالِلُ، وفعاليلُ، ومفاعِلُ ومفاعيلُ؛ كقولك: دراهم ودراهيمُ، ومساجد ومساجيد، وكذلك فواعل؛ كقولك: حوادثُ، وطوالقُ وكذلك الفَعَلُ والفُعُلُ؛ كقولك الأدْم والأدَم، والعمُدُ والعَمَد في جمع العمود، وكذلك الفُعَل، والفِعَل؛ كقولك: غُرف، وعُقَد، وديم، وكذلك الفعاليلُ كقولك: البساتينُ، والشياطينُ. وقال هشام: إذا كان فَعِيلٌ أو فُعالْ أو فِعالٌ مؤنثاً جُمعَ على أفْعُلٍ؛ كقولهم: يَمِينٌ وأيمْنٌ وعُقابٌ وأعْقُبٌ، ولسان وألسُنٌ. فإذا كان مذكراً جمع على أفْعِلَةٍ؛ مِثْلَ غرابٍ وأغربةٍ وغربانٍ للكثير، وقال: يمينُ اليدين تُجمَعُ أيمنا، ويمينُ الحلف تُجْمَعُ أيمانا، وتجْمَعُ أيْمُناً أيضاً وهو أحْسَنُ عند هشامٍ.

واعلم أن كل اسمٍ مؤنثٍ يجمع بالألف والتاء؛ كقولك: هند والهندات، وزينب والزينبات. والألف والتاء لجمع القليل، وربما كانت للكثير. قال حسانُ: لنا الجفناتُ الغُر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما فإذا سميت رجلاً باسمٍ فيه هاء التأنيثِ؛ كقولك: قام طلحةُ وحمزةُ ثم جمعته كان لك فيه وجهان: أجودهما: أن تقول: قام الطلحون، والحمزون، فتجمعه بالواو والنون إذا كان لمذكر ومعناه: فلانٌ. والوجه الآخر: أنْ تجمعه على لفظه، فتقول: قام الطلحاتُ والحمزاتُ. قال الشاعر: رحم الله أعظماً دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحاتِ

وإنْ جمعت طلحةَ جمع تكسيرٍ قلت: الأطْلُح والطُّلُوح والطلاح. وإنما فتحوا اللام في الطلحات، والميم في الحمزات؛ لأن طلحة وحمزة اسمان. والعربُ تثقل جمع الاسم، وتخفف جمع النعتِ، فيقولون في الاسم: حمزة وحمزات، وتمرة وتمرات، ويقولون في جمع النعت: خذلة وخذلات، ونخبة للجبان ونخبات، وربما خففوا جمع الاسم، وثقلوا جمع النعت، وليس ذلك بالوجه. إنما يفعلونه في ضرورة الشعر. فمن ذلك قول الشاعر: أبتْ ذكرٌ عودن أحشاء قلبهِ ... خفوقا ورفضاتُ الهوى في المفاصل

فسكن الفاء للضرورة، وقال عروة بن حزام: تحملتُ زفراتِ الضحى فأطعتها ... ومالي بزفرات العشي يدانِ فسكن الفاء للضرورة، وقال جرير في تحريك النعت للضرورة: ألم أخص الفرزدق قد علمتمْ ... فأمسى لا يكشُ مع القرومِ لهم مر وللنخبات مرٌّ ... فقد رجعوا بغير شظى سليمُ فحرك جمع نخبة لضرورة الشعر، وكذلك يقولون: حجرة وحجرات،

وغرفة وغُرُفات، فيثقلون الجمع فرقاً بينه وبين جمع النعتِ؛ كقولهم: حُلْوة وحُلْوات. وسألت أبا العباس: لم خصوا جمع الاسم بالتحريك، وجمع النعتِ بالتسكين؟ فقال: لأن الاسم خفيف، والنعت ثقيل، وذلك أن النعت مضارع للفعل فسكنوه لثقله، وألزموا الاسم التحريك والتثقيل لخفته. وإن كان ثاني فعلةٍ ياء أو واواً كان الاختيارُ التخفيف؛ كقولك: جَوْزة وجوْزات، وعورة وعورات، وبيضة وبيضات. قال الله عز وجل: (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء). وإنما فعلوا هذا؛ لأنهم لو حركوا الواو والياء لوجب أن تصيرا ألفا؛ لانفتاح ما قبلهما، فأرادُوا

أن تثبُتَ الواو والياء في الجمع؛ كما كانا ثابتين في الواحد. فإذا قلبت الاسم بلقبِ مؤنثٍ كان لك أن تُذكر الفعل؛ لأن اللقب في معنى فلان، ولك أن تؤنثه للفظ اللقبِ، فتقول: الخليفة قدمَ علينا فأحسن، وقدمتْ علينا فأحسنتْ. فمن قال: قدم علينا فأحسن قال: هو في معنى فلان، ومن قال: قدمتْ فأحسنتْ أخرجه على لفظ الخليفة، ومن استعمل اللفظ قال في الجمع: خلائف، ومن استعمل المعنى قال في الجمع: خلفاء. وقد نزل بهما جميعاً القرآن. وأنشد الفراء: أبوك خليفةٌ ولدته أخرى ... وأنت خليفةٌ ذاك الكمال فإذا أظهرت الاسم، فقلت: أحمدُ الخليفةُ، وعلى الخليفةُ، قلت قَدِم علينا ولا تجوز قدمتْ؛ لظهور الاسم، وكذلك إذا قلت: المغيرةُ قام، وحمزةُ

قعد لم يجز المغيرة قامتْ، ولا حمزةُ جلستْ؛ لأنك لم تُذكرْ لقباً، وإنما ذكرت اسما محضاً بمنزلة زيد وعمرو، وقال بعض البصريين: التأنيث في (الخليفة) ليس بتأنيث حقيقي. واحتج بقول الشاعر: إن من القوم موجوداً خليفته ... وما خليفُ أبي وهبٍ، بموجودِ وقال هشامٌ: كان عند الكسائي أعرابي فأقبل علي بن صالح فقال الأعرابي: قد جاءتكمُ القَصْماءُ؛ لكسرِ في بعض أسنانه لقبه به. * * *

باب ما تدخله الهاء من نعوت المذكر والمصادر ومن نعوت المؤنث التي لم تبن على الفعل

باب ما تدخُلُه الهاءُ من نعوت المذكر والمصادر ومن نعوت المؤنث التي لم تُبْنَ على الفعل يقال: رجل أُمَنةٌ، إذا كان يأمنُ الناس، وقال اللحياني: سمعت أبا الدينار يقول: رجل أمنة، إذا كان يأمنه الناس لا يخافون غائلته. ورجلٌ أمنة، بفتح الألف: يُصدق بكل شيءٍ لا يكذبُ بشيءٍ يثق بالناس. قال أبو بكر: والقول الأول. سمعت أبا العباس يحكيه والدليل على هذا أنهم يقولون: رجل هُزاة، إذا كان يهزأ بالناس، وهُزْأة، إذا كان يهزأ به الناس، وكذلك رجلُ ضحكةٌ، إذا كان يضحك من الناس، وضُحْكةٌ، إذا كان يضحك من الناسُ. ورجلٌ سخرةٌ، إذا كان يسخر من الناس، وسخرةٌ، إذا كان يسخر منه الناس. ولعنةٌ، إذا كان يلعنُ الناس، ولعنةٌ، إذا كان يلعنه الناسُ. قال عبدُ قيس بن خفاف البرجمي:

والضيف أكرمه فإن مبيتهُ ... حقٌّ ولا تكُ لعنةً للنزل ويقال: رجلٌ هُذَرةٌ، إذا كان كثير الكلام، ورجلٌ ملقةٌ، إذا كان يتملقُ الناس، وصحبةٌ للعاجز الذي لا يبرحُ بيته، وقال يعقوب: قال أبو زيد: يقال: رجل عُذَلة يَعْذُل، وخُذَلة يَخْذلأ. يقال: أخي عُذَلةٌ وأنا خُذَلةٌ، وكلانا ليس بابن أمة معناه: أخْذُل أخي وهو يعذلني. وقال اليزيدي: رجلٌ كُذَبةٌ، إذا كان كذابا، ويقال: فلان كذابٌ وكُذَبةٌ، وكُذُّبْذُبٌ، وكُذُبْذُبٌ. أنشد اللحياني: وإذا سمعت بأنني قد بعتهم ... بوصال غانيةٍ فقل كذُّبْذُبُ

قال: ويقال: رجلٌ كيْذُبانٌ، إذا كان كذابا. ويقال: رجلٌ خُدعةٌ، إذا كان خداعا. قال الشاعر أنشدنا أبو العباس: أذودُ عن حوضه ويخدعني ... يا قوم من عاذلي من الخُدَعة ويقال: رجلٌ مُسَكَةٌ للبخيل، وقال أبو عبيدة: يقال: رجلٌ نومةٌ، إذا كان خامل الذكر خفيهُ. جاء في الحديث: خير الناس في آخر الزمان الرجل النومة. ويقال: رجلٌ عُرقةٌ، إذا كان كثير العرقِ، ويقال: رجُلٌ نُوَمة، إذا كان نواما، ورجل نُكَحةٌ، إذا كان كثير النكاح، وقال الأصمعي: يقال: خُجأةٌ، إذا كان كثير النكاح، وقال الفراء: يقال للأحمق الذي إذا

جلس لم يكد يبرح إنه لهُكَعةٌ نُكَعةٌ وإنه لتُكَأةٌ مُجَعةٌ، وقد مَجُع مَجْعا شديداً. ويقال: سَرْجٌ عُقَرةٌ، ورجُلٌ عُقَرةٌ، وتُطْرَحُ منه الهاء فيقال: سَرْجٌ عُقَر. قال البعيث: ألح على أعقابِهِمْ قتبٌ عقَرْ ورجُلٌ طلقةٌ: كثيرُ التطليق، وصُرَعةٌ: جيدُ الصراعن وقال الأموي: رجلٌ هُقَعةٌ إذا كان يكثر الاتكاء والاضطجاعَ، ويقال: إن فلانا لدُعَرَةٌ، إذا كان فيه قادح وعيوبٌ، وفيه دعرةٌ، ويقال: خشب دَعِرٌ وحسب دَعِرٌ. ويقال: رجلٌ شُتَمةٌ، إذا كان كثير الشَّتْمِ، وبُوَلَةٌ، إذا كان كثيرَ

البَوْلِ، وسَكَتَةٌ: كثيرُ السكوتِ، وضَجَعةٌ: كثيرُ الاضطجاع، وتُكَأةٌ: كثيرُ الاتكاء، وتُكَلةٌ: يَتَّكِلُ على غيره. حدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب قال: حدثني أبو عبد الله مؤدبُ القاسم قال: حدثني أبو الجراح العقيلي قال: استشارت امرأةٌ امرأةً في رجلٍ تزوجه فقالت: لا تفعلي فإنه وُكَلةٌ تُكَلةٌ، يأكل خلله. ورجلٌ لومةٌ: يلوم الناس، ولُوْمة: يلومه الناس، وقال اللحياني: حكى الأصمعي: إنه لمليءٌ قوبةٌ، إذا كان ثابت الدار مقيما، وإنه لمليءٌ زُكأة، إذا كان حاضر النقد عاجله، ويقال: قد زَكَأهُ، أي عجل نقده. وقال الفراء: رجلٌ نُتَفةٌ، إذا كان ينتف من العلم شيئاً ولا يستقصيه، وقال اللحياني: يقال: فَحْلٌ غُسَلة ومِغْسَلٌ وغَسِيلٌ، إذا كان كثير الضرابِ، وقال يونس: تقول العربُ: رجُلٌ سُهَرةٌ: يَعْنُون

قليل النومِ، ورجلٌ قُبَضةٌ رُفَضةُ للذي يتمسك بالشيء ثم لا يلبث أنْ يدعه، وقال أبو زيد: يقال: راعٍ قبضةٌ رُفَضةٌ، فالقُبَضة: الذي يجمعُ غنمه ويطردها إلى حيث تهوى، فإذا بلغتْ لهي عنها ورفضها. ورجلٌ خُرَجةٌ وُلَجةٌ: كثيرُ الخروجِ والوُلوجِ، وحُوَلةٌ، إذا كان محتالا، وقولةٌ: جيدُ القول، وخُضعةٌ: يخضع لكل أحدٍ، وبُرَمةٌ: كثيرُ التبرم، وهمزةٌ لُمزَةٌ، إذا كان يهمزُ الناس ويعيبهم. أنشد أبو عبيدة تدلى بودي إذا لاقيتني كذباً ... وإنْ أغيبْ فأنت الهامزُ اللمزة

وقال العجاج: ولامع الماشي ولا مشيُّ ... يلمزها وذاك طُرْآنيُّ ورجلٌ لُجَجةٌ، إذا كان لجوجا، وحُطَمَةٌ، إذا كان كثير الأكل. وقال أبو زيد: يقال للنار الشديدة: حُطَمةٌ، ويقال للعكرةِ من الإبل، وللجماعة من الضأن والمعزي الكثيرة: حُطَمةٌ. ويقال: رجلٌ بهمةٌ للشجاع الذي لا يُدرى كيف يؤتى به. ويقال: حائطٌ مبهمٌ، إذا لم يكن فيه باب، وأمرٌ مبهمٌ، إذا لم يكن له وجهٌ يُعرف. وغلامٌ رُوْقَةٌ، وجاريةٌ روقةٌ، إذا كانا ظريفين معجبين. وقال أبو عبيدة: يقال: هو رُوْقةٌ مالِه، وهي رُوْقةُ ماله، والجميعُ رُوَقٌ، وكذلك هو شُرْفَةُ ماله، والجميع شُرَفٌ، ومنه قولهم: إني أعُدّ إتيانكم شُرْفةً، وإني أرى ذلك شُرْفةً، أي فضلا وشرفا.

ورجلٌ قُفَّةٌ، إذا كان قصيراً قليل اللحْم، وقال الفراء والأصمعي: يقال: هو خُلَّتِي، وهي خُلَّتي. قال الشاعر: ألا أبلغا خلتي جابرا ... بأن خليلك لمْ يقتلِ وقال الفراء: يقالُ: رجلٌ ضُوْرَةٌ للضعيف. قال: وسمعتُ رجلا من بني عامر يقول: أحسِبْتَنشي ضُورةً لا أردُّ عن نفسي. ورجلٌ بُوهَةٌ، إذا كان كأنه يذهب إلى الحُمْق، ورجلٌ سوقةٌ، إذا لم يكن ملكا. ويقال: هو قُمْعةُ مالها، وهي قُمْعةُ ماله، وإبلٌ قُمْعةٌ: خيارٌ، وتقمعتُ خيرها، أي اخترته، وقومٌ يجعلون جميعها قمعا.

ويقال: هو مُخْرةُ مالِه، وهي مُخْرةُ مالها، وقد امْتَخَرْتُ. قال العجاج: منْ مُخْرةِ الناس التي كان امْتَخَرْ ويقال: أنْتَ عُمْدَتُنا، أي الذي نَعْتَمِدُ عليه، وكذلك الاثنان والجميعُ والمرأة والمرأتانِ. وقال الأصمعي: البوهة: طائرٌ مثل البومة العظيمة، فيشبه الرجل بها وأنشد: يا هندٌ لا تنكحي بوهةً ... عليه عقيقته أحسبا يقول: لا تنكحي من الرجال ما يشبه هذه البومة في الطير. والحُسْبَةُ: سوادٌ إلى الصفرة. والعقيقةُ: الشعرُ يولد الولد وهو عليه. ويقال: رجلُ سُبَبةٌ، إذا كان يسبُّ الناس، وسُبَّةٌ، إذا كان يسبُّه الناسُ.

ويقال: رجلٌ سخرةٌ، إذا كان يسخر في العمل. وقال الفراء: يقال: إنه لقُفْلةٌ من الرجال، إذا كان حازماً عاقلاً، فلا ترى في كلامه سقطا، ولا تستقل منه شيئاً. وقال الفراء: سمعت الكسائي يحكي عن العرب قال: من كلامهم: بكُلَّةِ أرضٍ، أي بكل أرضٍ فيؤنثون. وقال الأصمعي: يقال: جاء بأمرٍ حُوْلةٍ، أي بأمر مُنكرٍ عجبٍ. وقال أبو عمرو: يقال: رجلٌ هو نُهْيةٌ ومنْهاةٌ، إذا كان مقْنَعا يُرضى به. وقال أبو عمرو: يقال: رجلٌ كبأةٌ، إذا كان جبانا، وأنشد لرجل من بني نصر بن قعين: طويل نجاد السيف ليس بخائبٍ ... ولا كبأةٍ كر الأنامل زُمَّحِ والزُمَّحُ: اللئيم، وقال الأصمعي: يقال: رجُلٌ ربْعة، وامرأةٌ ربْعة

وقال: يقال: رجلٌ وعْقةٌ، إذا كان عسرا وقد توعق الرجل، إذا تعسر. وقال أبو زيد: رجلٌ طيخةٌ في رجال طيخاتٍ، إذا كان كثير الكلام بالخطأ، ورجل لطخة في رجال لطخات وهما واحد وهو الأحمق الذي لا خير فيه، وقال أبو عبيدة: يقال: هو حَزْرةُ ماله، وهي حزرةُ مالها وهي النقاوة ويقال في الجمع الحزراتُ، قال الأصمعي: يقال: رجلٌ حُزُقَّةٌ، إذا كان ضيق الرأي من الرجال، وكذلك من النساء، ويقال أيضاً: رجلٌ حُزُقٌّ بغير هاء. أنشد الفراء: حزُقٌّ إذا ما الناس أجروْا فكاهةً ... تذكر آيإياه يعنون أم قردا ورجلٌ كبُنَّةٌ، وامرأةٌ كبنة للذي فيه انقباضٌ. قال الشاعر:

في القوم غيرُ كُبُنَّةٍ عُلْنُوفِ وجمعُ الكُبُنَّةِ: كُبُنَّاتٌ، والعُلْفوف: الذي فيه جفاء، وقال أبو عمرو: الكبنة: الخبزة اليابسة. قال الأصمعي: والكُدُمُّ والكُدُمَّةُ: هو الغليظُ الشديد. وقال الفراء: رجلٌ غضبةٌ بضم الغين، وبعضهم يقول: غَضُبّة، بفتح الغين وضم الضاد، ويقال: امرأة خُضُلَّةٌ، إذا كانت كأنها ندية متساقطة لينة، وقال الأصمعي: يقال: أتانٌ كُدُرَّةٌ، وحمارٌ كدرٌّ؛ وهو الغليظ والغليظة وأنشد:

نجاء كدرٌّ من حميرٍ أبيدةٍ ... بفائله والصفحتين نُذُوب ويقال: حُدُرَّةٌ وبُدُرَّةٌ، أيْ حادرةٌ بادرة. ومما جاء على هذا المثال من المصادر أخذه غُلُبةً، أي غلبة، وقال أبو عمرو: الخُضُلَّةُ: النعيم وأنشد لمرداس:

إذا قلتُ إن اليوم يومُ خضلةٍ ... ولا شزر لاقيتُ الأمور البجاريا الشزرُ: الشرُّ والشدة. والبجاري: الدواهي. واحدها: بجري. وقال الأصمعي: يقال: الناس في أفرةٍ، أي في اختلاط، وقال الفراء: أفرةُ الصيف: أوله، وقال الفراء: يقال: إن في خلقه لحزقةً وخطبةً، وينعتُ بهما أيضاً، وذلك إذا كان ضيق الخلق، وقال الأصمعي:

يقال: رجلٌ عِرْنةٌ، إذا اشتد فلم يوضعْ جنبه. قال ابن أحمر: ولستُ بعرنةٍ عركٍ سلاحي ... عصاً مثقوبةٌ تهصُ الحمارا وقال أبو زيد: يقال: هو صغرةُ ولدِ أبيه، وكبرتُهم، أي أكبرهم وأصغرهم، وفلان كبرةُ القوم، وصغرةُ القوم، إذا كان أكبرهم وأصغرهم، وقال الفراء: يقال: رجلٌ قرفةٌ، إذا كان محتالاً، وقال

أبو زيد: يقال: أنْتَ قِدْوتُنا، وأنتم قدوتُنا، إذا كنت تقتدي برأيهم، ويقال للواحد وللاثنين وللجميع والمرأة والمرأتين والنساء. وقال الأصمعي: يقال: هو عيمةُ قَوْمِه، أي خيارهم، وقال أبو عبيدة: هو عيْمَةُ المال، وهي عِيْمةُ ماله، وإبلٌ عِيْمةٌ أيْ خيارٌ، وقد اعْتَمتُ خَيْرَها، أي اخترت، وبعضُهم يجعل جَمْعَ عِيْمة عِيَما قال: وكذلك العِيْنَة. الواحد والإثنان والجميعُ فيه سواءٌ؛ كقولك: هو عِيْنةُ المال، وهي عِيْنَةُ المال، وإبلٌ عِيْنةٌ: خيارٌ واعْتَنْتُ خيرها، أي اخترتُ، وقومٌ يجعلون جَمْعه عِينا. وقال الكسائي: يقال: هو عِجْزةُ وَلَدِ أبيهِ، أيْ آخرهم. قال الراجز:

عِجْزَةُ شيخين يُسمى معبدا وقال أبو عبيدة: يقال امرأةٌ طُلَعةٌ قُبَعةٌ: تطلعُ ثم تقْبع رأسها، أي تُدخل رأسها. قال الأصمعي: نزغَ ابن الزبير رجلٌ وهو يخطبُ بكلمةِ فقال: مَنِ المتكلمُ؟ فلم يُجِبْه أحدٌ فقال: ما له قاتله الله - ضج ضجة الثعلبِ، وقبع قبعةَ القُنْفُذِ. قال: وقال الزبرقانُ: أحبُّ كنائني إليّ العزيزةُ في رهْطِها، الذليلةُ في نفسها، البرزةُ الحييةُ، التي يتبعها غلامٌ وفي بطنها غلامٌ، وأبغضُ كنائني إليّ الذليلةُ في رهطها، العزيزة في نفسها، الطلعةُ الخُبَأةُ التي تمشي الدفقَّى، وتجلس الهبَنْقَعةَ التي في بطنها جاريةٌ، وتتبعها جاريةٌ. الدفَقَّى: مشيٌ واسعٌ. والهَبَنْقَعةُ: أنْ تربع وتمد إحْدَى رِجْلَيْها في تربعها.

وقال الأصمعي: يقال للأرنب حُذَمةٌ لُذَمةٌ تسبق الجمعَ بالأكمة. قوله (حُذَمة) يقال: مر يَحْذِم حذْما، إذا أسرع في المر، ومنه قول عمر: إذا أذَّنْتَ فترسَّلْ، وإذا أقَمْتَ فاحْذِم، وقولهم (لُذَمة) من قولك: أُلْزِمُ بذاك، إذا لَزِمَه وأُغُرِى به. وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ لُقَّاعةٌ وهو الذي يتداعى في الكلام، وقال: يقال: رجلٌ شُدّاخَةً يشدخ. وقال أبو زيد: يقال: نخْلةٌ فُحَّالةٌ، ونخل فحاحيلُ. وقال أ [وزيد: يقال: إن فلانا للقاعةٌ وتِلقّاعةٌ، وهو الكثير الكلامِ, وقال أبو عبيدة: يقال: هو صُيَّابةُ

مالِه، وهي صُيَابَةُ ماله، وإبلٌ صُيابةٌ. فإذا احتاج إلى حَذْفِ الهاء من الجمع حذفها، فأما في الواحد والواحدة فلا. قال الراجز: قرمُ قرومٍ شابكُ الأنيابِ ... صُيَّابةٌ مِنْ سرها اللبابِ وقال الراجز: وقد وسطتْ مالكاً وحنظلا ... صبابها والعدد المجلجلا وقال أبو عوف يقالُ: إنه لخالفٌ وخالفةٌ، إذا كان أحمق وفيه خلقةٌ، وحكى: هذا رجلٌ ساقيةُ القومِ: الذي يستقي لهم، ويسقي إبلهم، ويقال:

رجلٌ نابخةٌ من النوابخ، إذا كان عظيم الشأن ضخم الأمر. قال الهُذلي: يخشى عليهم من الأملاك نابخةً ... من النوابخ مثل الخادر الرُّزم والرُّزَم: الذي يَبْرُك على قِرْنه. ويقال: رجلٌ داهيةٌ وامرأةٌ داهيةٌ، ورجلٌ باقعةٌ وامرأةٌ باقعةٌ، وقال الأصمعي: أهلكها، وجاء بقولٍ حرضٍ، أي هالك، وقال أبو عبيدة: يقال: هو حامةُ ماله، وهذه حامةُ ماله، وإبلٌ حامةٌ كرام.

ويقال: غلامٌ يفعةٌ، وقد أيْفَعُ إيفاعا، ويقال أيضاً: غلامٌ يافعٌ. وقال أبو زيد: يقال: هو أدَمةُ أهلِ بيته، إذا كانوا يُعْرَفُون به. ويقال: هو شواةُ صدقٍ، وهي شواة صدقٍ [و] سوءٍ. قال الشاعر: أكلنا الشوى حتى إذا لم ندعْ شوى ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع

ويقال: هو شداةُ صدق، وهي شداةُ سوء، والجميع شدى، ويقال: هو شراةُ ماله، أيْ خيارُ ماله، وقال أبو عبيدة: يقال: أخذت من الإبل بعيراً نقاةً، وناقةً نقاةً، وهي الجدعُ أصغرها، والثُّنّى، والربع، والسدس، وقال أبو زيد: الهمَجَةُ من الرجال: الذي لا عقل له، والجمع: همج، والهمجةُ: البعوضة، وجمعها: همج. قال الشاعر: يترك ما رُقح من عيشه ... يعيثُ فيه همجٌ هامجُ

ويقال: هذا رجل جدمةٌ، وهذه جدمةٌ، والجمعُ: جدم، وهو كل شَخْتٍ وشَخْتةٍ صغير الجِرْم، وصغيرةِ الجرمِ من الناس والإبل والشاء. والجِرْم: الجسدُ، وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ عشمةٌ وعشبةٌ للكبير الذي قد يبس من الهُزال، ويقال: قَدْ عَشِمَ الخُبْزُ، إذا يبس، وقال الكسائي والأصمعي: يقال: رجلٌ تقوالةٌ من المنطق، وقال الفراء: يقال: رجل تلعبةٌ وتلعابةٌ. وقال أبو زيد: يقال رجلٌ تبذارةٌ، وهو الذي يُبذرُ ماله ويفسده. وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ ترعايةٌ وتِرْعِيَةٌ: حسنُ الرعية للإبل، ويقال: رجلٌ أكالةٌ، إذا كان كثير الأكل. قال أمية: ولم يكونوا شحما تعجلهُ ... غرثانُ قومٍ أكالةٌ خُضُمُ

الخُضُم: الشديد الأكل عن أبي عمرو، ورجل طباخةً للذي لا يزالُ يتكلمُ بكلامٍ قذرٍ بين القومِ، ورجلٌ فحاشةٌ من الفُحْشِ، ورجلٌ صرامٌ وصرامةٌ من الصُّرُ وأنشد أبو عبيدة لعنترة: وإني لصب بالخليل إذا بدتْ ... مودتُه صرامةٌ إنْ تصرما ورجل هيابٌ. وهيابةٌ من الهيبة. قال جرير: أنت الأمينُ أمينُ الله لا سرفٌ ... فيما وليت ولا هيابةٌ ورعُ الورعُ: الجبان، ورجل فيادٌ وفيادةٌ للمتبختر، ورجِلٌ نَسَّابٌ ونسابةٌ، وشتَّامٌ وشتامةٌ، وعلامٌ وعلامةٌ. وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ قوالٌ وقوالةٌ وتِقْولةٌ يعني من القول. وقال الفراء: يقال: إنه لِمَسبٌّ ومِسَبَّةٌ، إذا

كان سَبَّابا. قال الأصمعي: قال الحسنُ: كان ابن عباس مثَجَّةً يجدُ غربا. مثجة من الثجِ، أيْ يصُبُّ. يقال: انْثَجَّ انثجاجاً، أيْ انصب. قال: وقيل: ما الحجُّ؟ فقال: العج. والثجُّ، والعجُّ: التلبية، والثَّجُّ: النحْرُ، وقوله (غرْبا) الغَرْبُ في الجَرْي وفي القول وفي المال المتَّبيعُ، وغرْبُ كل شيءٍ: حدُّه. وقال الفراء: يقال رجلٌ دِنَّمةٌ ودِنّامةٌ، إذا كان قصيراً. ورجلٌ جِعْظارةٌ، إذا كَثُر عضَلُه وغَلُظَ. ورجُلٌ حِزْرافةٌ، إذا كان كثير الكلام خفيفهُ. قال الشاعر:

فلست بطياخةٍ في القعودِ ... ولست بخزرافةٍ أخدبا والخزرافةُ في القعود: الكثير الكلام إذا قعد، وأخدبُ: فيه هوجٌ. وقال أبو عمرو: يقال رجلٌ شِهْدارةٌ، إذا كان قصيراً، ورجلٌ جِلْحابٌ، وجِلْحابةٌ، إذا كان ضخماً أخلج، وبعيرٌ جِلْحابٌ، ولا تقل: بعيرٌ جلْحابةٌ، ولا ناقةٌ جِلْحابٌ ولا جِلْحَابةٌ ولكن بعير جِلْعابٌ وناقة جِلْعابٌ. وقال الأصمعي: يقال: رَجُل بِلْدامةٌ، إذا كان وَخْما. والهِلْباجةُ:

الأحْمَقُ المائق. قال: وأخبرنا خلفٌ الأحمَرُ قال: قلتُ لابن كبشة بنت القبعثَري: ما الهِلْباجة؟ قال: فتردد في نفسه من خُبْثِ الهلباجةِ ما لم يستطعْ أنْ يُخْرِجَه بحَرْفٍ فقال: الهِلْباجةُ: الأحمقُ المائق القليلُ العقلِ الخبيثُ الذي لا خير فيه ولا عمل عنده وبلى سيعمل وعملُه ضعيفٌ، وضرسه أشدُّ من عمله، ولا تحاضرن به القوم وبلى ليحضرْ ولا يتَكَلْمَنَّ. وقال أبو عمرو: يقال: رجلٌ دُحَيدِحةٌ. المُلَزَّرُ الخَلْقِ، وأُخِذَ من الدَّحْداحِ. قال الشاعر: أغركِ أنني رجلٌ دميمٌ ... دُحَيْدِحَةٌ وأنكِ عيطموسُ يقال: العَيْطَمُوسُ: الحسنة، ويقال: هي الطويلة، وقال الأصمعي: يقال: بعيرٌ دحَنَّةٌ للعريضِ، وقال أبو عمرو: رجل دِحْوَنَّةٌ للسمين المتْدَلِقِ البطنِ القصير، وقال الأصمعي: يقال: رجُلٌ حِنْزَقْرة: قصيرٌ وقُصْنُصَةٌ: قصيرٌ غليظٌ مع شدة، ورجلٌ جِحِنْبارةٌ، وهو القصيرُ

المُجْفَرُ. والمُجْفَرُ: الواسع الجَوْفِ. وقال أبو عمرو: يقال: رجلٌ ثِرْطِئَةٌ، إذا كان عظيماً ثقيلاً، ورجُلٌ إمعةٌ، إذا كان يكون مع كل أحدٍ، وإنه لإمرةٌ، إذا كان يؤمرُ في أمْرِه، ورجلٌ عِزْهاةٌ عن اللهو، إذا كان لا يريد اللهو، وامرأةٌ عِزْهاةٌ. قال الشاعر: إذا كانت عزهاةً عن اللهو والصبى ... فكُنْ حجراً من يابس الصخر جلمدا وقال كثير: تلعبُ بالعزهاة لم يدر ما الصبى ... وييأسُ منْ أم الوليد المجربُ وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ قاذُورةٌ، إذا كان متبرما بالناس، وامرأة قاذورة، ورجلٌ عفريةٌ نفريةٌ، وعفريتٌ نِفْريتٌ. قال الفراء: هو القوي

النافِذُ، ممن قال عفريةٌ قال في الجمع: عفارٍ، ومن قال عفريتٌ قال في الجمع: عفاريت، وجاز أنْ تقول: عفارٍ وفي إحدى القراءتين: (وما أهل به للطواغي) تريد جمع الطواغيت، وقال أبو عمرو: يقال: رجل علاقيةٌ، وهو الذي لا ينفلتُ منه حقه، الشديدُ الطلب واللزوم للشيء، ويقال: إن أمْرَك لعلاقيةٌ. قال: والعباقيةُ: الداهيةُ، وبعضُ العربِ يقول: العباقيةُ: أنْ يصيبَ الرجلَ جُرْحٌ في حرُّ وجهه، وتقول أيضاً: هذا رجلٌ عباقيةٌ. وقال: الجُراضيةُ: الرجلُ العظيم، وأنشد: يا ربنا لا تبقين عاصيةً ... في كل يوم هن لي مناصية

تسامرُ الليل وتضحي شاصيةً ... مثل الهجين الأحمر الجُراضية ويقال: رجلٌ هواهيةٌ، إذا كان منخوبَ الفؤاد، وإنه لهواءٌ هوهاءةٌ. والهوهاءة: البئرُ التي لا متعلق بها، ولا موضع لرجل النازل لبعد جاليها فشبه الرجل الذي لا عقل له ولا لب بها، ورجلٌ شناحٍ وشناحيةٌ للطويل الجسم، وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ زوازٍ وزوازيةٌ، وحزابٍ

وحزابيةٌ، إذا كان غليظاً إلى القصر ما هو. ويقال: هو في رفاهيةٍ من العيش ورفاغيةٍ. قال يعقوب: والرباذيةُ الشرُّ يقع بين القوم، وأنشد لزياد الطماحي: وكانت بين أبي أبِيٍّ ... رباذيةٌ فأطفأها زيادُ والجراهيةُ: الجماعةُ من الناس، وجُراهية الأمور: عظامها.

ومن المصادر يقال: فعلتُ الشيء علانيةً، وقال الفراء: تبَنْتُ له تبانةً وتبانِيةً، وفطنتُ له فطانةً وفطانيِةً، وطبنتُ له طبانةً وطبانيةً، وزَكِنْتُ الشيء زكانةً وزكانِيةً. وقال أبو زيد: الهَجاجَةُ من الرجال: الذي لا عقل له، والجمع: هجاجٌ، ويقال: رجلٌ سكاكةٌ في رجالٍ سكاكاتٍ، وهو الذي يمضي لرأيه ولا يشاور أحدا، ولا يبالي كيف وقع رأيه، ومثله قولهم: رَجُلٌ صرامةٌ في رجالٍ صراماتٍ، وقال أبو زيد: يقال: رجلٌ يراعةٌ،

وهو الذي لا عقل له ولا رأي، وفيه الجُبْن، والجمعُ: يراعٌ، وإنما اشتُقَّ من القصبِ. يقال للقصبةِ: يراعةٌ. وقال الأصمعي: يقال: رجلٌ طغامةٌ، إذا كان فدْما لا يعقل بمنزلة البهيمة. وقال أبو عبيدة: كان رجلٌ يكنى أبا الضحاك، وكان نحوياً فحج فلما قدم سأله أبو مهدي عن أموال أهل البادية، فقال: مال أي شيءٍ، فقال: يا طغامةُ، قد أحْفَيْتَنِي بالمسألة، ولا تدري ما المال؟ فلزمت أبا الضحاك الطغامةُ، فقال فيه فتى من النحويين شعرا: من كان يبغي الفدم أو يعيا به ... فعليه ميموناً أبا الضحاك من قد تكاملت الطغامةُ كلها ... فيه وحالفها براك براك فكان إذا أنشد فرح، فجئنا إليه يوماً فقلنا: متى عهدك بالطغامة؟ فغضب وقال: مَهْ وزجرنا فقلت: أنت سميتهُ فقال: إنه قد ذهبتْ عنه إنه قد فلسنا بعدكم ورضخ لنا قُطْنا. ويقال: رجلٌ تِنْبالٌ وتِنْبالةٌ، إذا كان قصيراً والجمع تنابلُ وتنابلة. قال الراجز:

تخيري خُيرتِ أم عالِ ... بين قصيرٍ شبرةٍ تنبالِ وقال الآخر في الجمع: سبقتُ أوائل فُراطها ... تنابلةً يحفرُونَ الرساسا ويقال: رجلٌ تنْبَلٌ بمعنى تنبالٍ. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب لخداش بن زهير: وإني امرؤٌ من بني عامرٍ ... وإنك درايةٌ تنبلُ أراد: تنبالا. والداري: الذي يقيم مع النساء ولا يسافر، وقال يعقوب أنشدني ابن الأعرابي: (ثيْتَلُ) قال: وسمعتُ أبا عمرو يقول: الثَّيْتَلُ: الضخْمُ من الرجال الذي تظنُّ أن فيه خيراً، وليس فيه خيرٌ. ويقال: رجلٌ قُعْدِيٌّ، وقعديةٌ للذي يُحِبّ لزوم بيته لا يبرح. ورجلٌ ضَجْعيٌّ وضُجْعِيَّةٌ: يُكْثِرُ الاضطجاع، وقال الأصمعي: ويقال: رَجُلٌ

زميلٌ وزُميلةٌ، إذا كان دوناً من الرجال ضعيفاً. وقال الفراء: مما تجعله العرب مؤنثاً للذكر والأنثى على يغر بناء الفعل ولا يثنونه في تثنيته ولا يجمعونه في جمعه ما كان على مثال مفعلةٍ فيقولون: هذا شرابٌ مخبثةٌ للنفس، ومطيبةٌ للنفس، وهذا عُشبٌ ملبنةٌ مسمنةٌ، ويقال: الولدُ مبخلةٌ مجبنةٌ. قال عنترة: نُبئتُ عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثةٌ لنفس المنعمِ ويقال: منسكةٌ من النسك. قال جرير: هم الأخيارُ منسكةً وهديا ... وفي الهيجا كأنهم الصقورُ

ويقال: في فعل هذا معلاةٌ. قال أعشى باهلة: فإن يصبك عدو في مناوأةٍ ... فقد كون لك المعلاةُ والظفرُ ويقال: شرابٌ موبولةٌ مبْوَلَةٌ، وقال اللحياني: أكلُ الرطبِ موْرَدةٌ، أي محمَّةٌ، ويقال: أكْلُ البطيخ مجفَرةٌ، أي يقطع ماء الصُّلْب، ويقال: لك في ذلك مسلاةٌ، قال الحريشُ بن قدامة التميمي:

ذوو الإقدام مذارةُ العوالي ... وأهْلُ الكلم بالأسل النهالِ مَذراة: من أذْرَيْتُه، إذا ألقيته عن فرسه، ويقال: ترْكُ العشاءِ مهرمة. قال الفراء: الهاءُ في هذا لا تزولُ، وإن كنت لا تجمعه ولا تثنيه، وقال يعقوب: حكى لي ابن الأعرابي عن الصموني الكلابي وذكر حبة أرض تنجيلُّ (تنجل: تلتف) فيأخذ بعضها برقاب بعض وتنطلق هدما كالبسط فهي مطولة للسنام، مغلظة للخاصرة، مغزرةٌ للدر، مخظاةٌ للبضيع، فترى راعيتها كأن مناخرها كيرُ قينٍ من حاقِ (عظم) البطْنةِن والهِدْمُ: الثوب الخلق، ويقال: أتيتُ الأمْرَ من مأتاهُ، ومن ماتاتِه. قال الراجز:

وحاجةٍ بتُّ على صُمَّاتِها ... أتيتُها وحدي من مأتاتِها ويقال: جبر الله مصابك ومثابتك، وقال أبو زيد: يقال: بلغتُ مبلغ ذاك ومبلغةَ ذاك، ويقال: هذا من تحتِ كنفي وكنفتي، والكنفةُ الغالبةُ على كلامهم، ويقال: سمع أذني فلانا، وسمعةَ أذني. * * *

باب ما يضاف من المذكر إلى المؤنث، فيحمل مرة على لفظ المذكر، ومرة على لفظ المؤنث فيؤنث

باب ما يضاف من المذكر إلى المؤنث، فيُحمَلُ مرةً على لفظ المذكر، ومرةٌ على لفظ المؤنث فيؤنثُ من ذلك قولهم: بعضُ جُبَّتِك مُتَّحِرِّقٌ ومتحرقةٌ، فمن قال متحرق ذكره؛ لأنه لبعضٍ، وبعضٌ مذكرٌ ومن أنثه ذهب إلى معنى جُبَّتك متحرقةٌ. وكذلك تقول: مطر السماء يؤذيني وتؤذيني، فمن قال: يؤذيني قال: المطر مذكرٌ، فذكرتُ فِعْلَه، ومن قال: تؤذيني ذهب إلى معنى السماء، فأخرج الفعل مؤنثاً على لفظ السماء. قال الله عز وجل: (وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة)، فذكر الفعل؛ لأنه لبعض، وبعضٌ مذكرٌ، وقرأ الحسن (تَلْتَقِطْهُ) بالتاء، فأنثه على معنى: تلتقطه السيارة، وقال عز وجل: (فظلتْ أعناقهمْ لها خاضعين) فأنث (ظل) على لفظ الأعناقِ، وذكر (خاضعين) على معنى القوم. كأنه قال: فظلوا خاضعين؛

لأن قولك: خضعتُ لك كقولك: خضعتْ رقبتي لك، وقال مجاهد أعناقهم: رؤساؤهم، فقال (خاضعين) على معنى: ظل رؤساؤهم خاضعين ويجوز أن تكون الأعناقُ: الجماعاتِ؛ كما تقول: رأيتُ عنقاً من الناس، أي جماعاتً، وقال الكسائي وهشامٌ: إنما قال (خاضعين) فذكر لأنهم للهاء والميم، والمعنى: خاضعيها، فأضمر بعد (خاضعين) (هم)، وقدمت الهاء والألف، ودخلت اللام عليها؛ لتكون عقيب الإضافة. وكذلك يقال: ذهبتْ نفسُ عبد الله، أراد عبد الله، ومن قال هذا قال: قُطِعَ ألفُ هند، ولا يجوز: قُطِعَتْ أنْفُ هند؛ لأنك لا تقول: قطعت هند وأنت تريد قُطِع أنْفُها. وكذلك تقول: غلامُ جاريتك قائمٌ، ولا يجوز أن تقول: غلامُ جاريتك قائمةٌ؛ لأنك إذا قلت: غلامُ جاريتك قائمةٌ لم يكن فيه دليلٌ على أن الغلام هو القائم؛ كما أنك إذا قلت: خضع عبد الله كان بمنزلة: خضعتْ رقبتُه، وذهب عبد الله بمعنى ذهبت نفسه، ومما جاء في أشعار العربِ من هذا الباب قول الأعشى: وتشرَقُ بالقول الذي قد أذعتهُ ... كما شرقتْ صدرُ القناةِ من الدمِ فأنت (شرق) والصدرُ مذكرٌ؛ لأنه حمله على معنى: شرِقَت القناةُ.

وأنشد الفراء: على قبضةٍ موجوءةٍ ظهرُ كفه ... فلا المرء مستحي ولا هو طاعم أراد: موجوءةٌ كفهُ، وقال صخر الغي الهذلي: عاودني حبها وقدْ شحطتْ ... صرفُ نواها فإنني كمدُ أراد: وقد شحطت نواها، وقال ابن مقبل: وصرح السير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهرية الذقن أراد: وابتذلت المحاجنُ. وأما قولهم: ذهبتْ بعض أصابعه فإنهم أنثوا الفعل؛ لأن بعض الأصابع إصبعٌ، والإصبعُ مؤنثةٌ، وأنشد أبو العباس: أبو عرو لا تبعدْ فكل ابن حرةٍ ... ستدعوه داعي موتةٍ فيجيبُ

أنثه على معنى: ستدعوه ميتةٌ، وقال النابغة: حتى استغثن بأهل الملح ضاحيةٌ ... يركضن قد قلقت عقد الأطانيب أراد: قد قلقَت الأطانيبُ. والأطانيب: سيورٌ تُجعل في أطراف الحُزُمِ تُشد في الحلقة التي في الحزام يثنونها بعد ما يعقد حتى لا تنحل أخذت من إطنابة الوتر التي تعقد في السية. وقال جري {: لما أتى خبر الزبير تواضعتْ ... سور المدينة والجبالُ الخشعُ أراد: تواضعت المدينةُ، وقال الفراء: أنشدني أبو ثروان:

أرى مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال أراد: أرى السنين أخذن مني، والبيت لجرير، وقال طفيل: مضوا سلفاً قصدُ السبيل عليهم ... وصرفُ المنايا بالرجال تقلبُ أراد: والمنايا تقلبُ، وقال الآخر: إذا بعضُ السنين تعرقتنا ... كفى الأيتام فقدُ أبى اليتيم أراد: إذا السنون تعرقتنا، وقال الآخر: ومر الليالي وتكرارها ... يدنيه لانقطاع الأجلْ وأنشد أبو عبيدة: طول الليالي أسرعتْ في نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي

وقال الآخر: مشين كما اهتزتْ رماحٌ تسفهتْ ... أعاليها مر الرياح النواسمِ أراد: تسَفَهَتْها الرياحُ. ومن قال: بعضُ جُبّتِكَ متحرقٌ ومتحرقةٌ، ثم كنى عن الجب الجبة فقال: بعضها متحرقٌ، ولا يجوز: بعضها متحرقةٌ، ومن قال: كما شرقت صدرُ القناة، ثم كنى عن القناة قال: كما شرق صدرها، ولا يجوز: كما شرقتْ صدرها؛ لأن البعض إذا أضيف إلى ظاهر جاز أن يصرف الفعل إلى المضاف إليه، ويكون الأول كالملغي؛ لأنه منفصل مما بعده يحسن السكوت عليه دونه والمضاف إلى المكنى لا يجوز أن يُنْوَى به الإلغاءُ؛ لأنه متصل بما بعده غير منفصل منه، ولا يحسن السكوت عليه دونه. وقال الفراء: إنما منعهم من حمل الفعل على الثاني إذا كنوا؛ لأن الفعلين ربما ارتفع بهما جميعاً الظاهر، ولا يجوز أن يرتفع بهما المكنى. ألا ترى أنك تقول: أقبل وأدبر عبد الله، ولا يجوز أنْ تقول: أقبل وأدبرتْ. ولا أقبل وأدبر أنت، ويجوز أنْ تقول: هذا أخو وأبو زيدٍ، ولا يجوز أنْ تقول هذا أخو وأبوك، وتقول:

لك نصف وربع الدرهم، ولا يقولون: لك نصف وربعه. فهذا الذي فسره الفراء معناه: أن المضاف إلى المكنى لا يحسن السكوتُ عليه دونه، ولا ينفصل منه، وقال الفراء: أنشدني الرؤاسي: يا من رأى عارضاً أكفكفهُ ... بين ذراعي وجبهة الأسد أراد: بين ذراعي السد وجبهة الأسد، فاكتفى بإضافة الثاني من إضافة الأول، ومن أجاز هذا لم يُجِزْ: بين ذراعي الأسد وجبهته؛ لأنه إذا كان المعنى: بين ذراعيه وجبهته لم يحسن حذفُ الهاء، وقال هشام: حكى الكسائي عن العرب: اللهم صل على محمدٍ كأفضل وأطيب ما صليت على نبي من أنبيائك على معنى: كأفضل ما صليت وأطيب ما صليت، فاكتفى بإضافة الثاني من إضافة الأول، وأنشد الفراء وهشام للأعشى:

إلا علالة أو بُداهة سارحٍ نهدِ الجُزارةْ ولو كنى لم يجز للعلة التي ذكرناها. وقال الفراء: سمعت أبا ثروان يقول: قطع الله الغداة يد ورجل من قاله، على معنى: يد من قاله ورجل من قاله فاكتفى بإضافة الثاني من إضافة الأول. قال الفراء: زعم الكسائي أنه سمع: برئتُ إليك من خمس وعشري النخاسين على معنى: خمس النخاسين وعشري النخاسين، فاكتفى بإضافة الثاني من إضافة الأول، وقال الفراء: هذا قبيح إلا في الشعر. * * *

باب ما جاء على مثال فعال من الأسماء والنعوت

باب ما جاء على مثال فعال من الأسماء والنعوتِ اعلم أن كل اسمٍ مؤنثٍ على مثال فَعَالِ مما لم يكن اسما لشيء قبل أنْ يعلق على المؤنث فأهل الحجاز يلزمونه الكسر في كل حال، وبنو تميمٍ ينزلونه منزلة زينب وسعاد ونوار فيرفعونه بلا تنوين، وينصبونه في موضع النصب والخفض بغير تنوين. فمن ذلك: قطامِ وحذامِ ورقاشِ وغلابِ وجعارِ وهو الضبع وسفارِ وهو ماء لبنى مازن، وحضار وهو كوكب، ووبار وهي أرضٌ، وحلاق وهي المنيةُ. فيقول أهل الحجاز: قامتْ قَطامِ، وأكرمتُ قطامِ، ويقول بنو تميم: قامتْ قطامُ، وأكرمتُ قطام. قال النابغة: أتاركةٌ تدللها قطام ... وضنا بالتحية والكلامِ وقال الآخر: إذا قالتْ حذامِ فصدقُوها ... فإن قالقول ما قالت حذامِ

وهذه الأسماء لا يُختلفُ في تعريبها وإجرائها إذا كانت نكراتٍ؛ كقولك: قامت قطام، وقطامٌ أخرى، وأكرمتُ قطام وقطاماً أخرى. فإن قال قائل: لِمَ ألزم أهلُ الحجازِ هذه الأسماء الخفض. فقل كان حقها أن تكون ساكنةٌ؛ لأن معناها الأمرُ، وهو أصلها، وذلك أنها بمنزلة قولهم في الأمر: قوال قوال، ونظار نظار، وبداد بداد، ونزال نزال، يريدون: قاول قاول، وناظر ناظر، وقال الفراء: الأصل فيها أنْ تكون مصادر؛ كقولك: قاولتُ قوالا، ونازلتُ نزالا، فلما نقلوا المصادر إلى باب الأمر فتح أوائلها؛ ليفرق بين المصدر والأمر، وكُسِرت الميم من قطام وحذام والشين من رقاشِ؛ لاجتماع الساكنين. وأما بنو تميم فلم يلتفتُوا إلى أن أصلها الأمرُ، وأجرَوْها مُجْرَى زينبَ. قال الشاعر في الأمر بفعالٍ: دراكِها مِنْ إبلٍ دراكها ... ألا ترى الموت لدى أوراكِها

وقال الآخر: مناعها من إبل مناعها ... ألا ترى الموت لدى أرباعها وقال الآخر: ولأنت أشجعُ من أسامة إذْ ... دُعيتْ نزال ولُجَّ في الذعرِ

وقال الآخر: وذكرتُ من لبن المحلق شربةً ... والخيلُ تعدو بالصعيد بداد وقال رؤبة يعاتب أباه: فليت حظي من جداك الضافي ... والنفع أن تتركني كفاف وقال المهلهل: ما أرجي بالعيش بعد ندامى ... قد أراهم سقوا بكأس حلاق أراد بكأس المنية؛ لأن (حَلاقِ) اسمٌ من أسماء المنية بمنزلة حذام. ورواه أبو عمرو: بكأسِ خلاقِ. وقال: يعني بكأس نصيبهم من الموت؛ كما قال: (فاستمتعوا بخلاقهم) على معنى: بنصيبهم، وقال الآخر:

وكنت إذا مُنيت بخصم سوءٍ ... دلفتُ له فأكويه وقاع وقال الآخر: فقلت امكثي حتى يسار لو أننا ... نحُج معا قالتْ: أعامٌ وقابله وقال البصريون: إنما ألزم الحجازيون هؤلاء الأسماء الخفض؛ لأنها معدولةٌ عن جهتها، فحذام معدولةٌ عن حاذمةٍ، وقطام معدولة عن قاطمة، ورقاش معدولةٌ عن راقشةٍ، وغلابِ عن غالبة في حال المعرفة والتسمية، ولم يُعدلْ وهو نكرةٌ، وقالوا: إنما خُصَّتْ هذه الأسماء المكسورة بالكسر دون غيرها من المعدولات؛ لأنها اجتمع فيها التأنيث والعدلُ، والمؤنثُ كله لا ينصرف، فلما عدلوها كانت أثقل من جميع المؤنث، فحطوها منزلةً، فبنوها على الكسر ولم يصرفوها، فإن سميت امرأةً بربابٍ وصلاحٍ لم

تكسرْ آخرها؛ لأنها ليس فيها معنى أمرٍ، وقد كانتْ اسماً لشيء قبل أن يكون اسماً للمرأة، وإن سميتها بسعاد وشمالٍ لم يجز أن تكسر آخرها؛ لأن الكسر إنما يكون في باب فعال، ولا يكون في غيره. وما كان من النعوت على مثال فعالٍ عربته بحقيقة الإعراب، فتقول: امرأةٌ حصانٌ، إذا كانت عفيفةً، وقد حصُنتْ تحصُنُ حُصْنا، ونسوةٌ حواصِنُ. قال الشاعر: الحُصْنُ أدنى لو تآيبتهِ ... من حَيك الترب على الراكب وامرأةٌ رزانٌ للرزينةِ في مجلسها قال حسانُ:

حصانٌ رزانٌ لا تُزَنُّ بريبةٍ ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل وامرأةٌ نوارٌ، إذا كانت نفورا من الريبة. والنوار: النفارُ. قال العجاج: يخلطن بالتأنس النوارا وقال مُضرس: تدلتْ عليها الشمسُ حتى كأنها ... من الحر ترمي بالسكينة نورها

ويقال: النفر من الوحش صارت عليها السكينة من شدة الحرب. وقال مالك بن زغبة الباهلي: أنورا سرع ماذا يا فروق ... وحبل الوصل منتكثٌ حذيقُ وامرأةٌ روادٌ، إذا كانت طوافةً، وشفرةٌ كهامٌ، إذا كانت كليلا. قال جرير:

تلفتْ إنها تحت ابن قين ... حليف الكير والفأس الكهامِ ويقال: فرسٌ وساعٌ، إذا كانت واسعة الانبساط في المشي والسرعة، ويقال: ناقةٌ جمادٌ، إذا كانت قليلة اللبن، وسنةٌ جمادٌ، إذا كانت قليلة المطر. ويقال: رجلٌ ذريعٌ في العمل، وامرأةٌ ذراعٌ؛ سريعةٌ في العمل وغيره، ويقال: رجلٌ ثقيلُ المشي، وامرأةٌ ثقيلةُ المشي، فإذا كان ثقيلاً في الجسم قيل: هذا رجلٌ ثقيلٌ، وامرأةٌ ثقالٌ، ويقال: امرأةٌ صناعٌ، إذا كانت حاذقةً بالعمل، ورجلٌ صنعٌ، مفتوحةٌ، إذا كانت مفردةً فهي مفتوحةٌ

محركةٌ، ويقال: رجلٌ صِنْعُ اليدين مخففةٌ مكسورة الصاد إذا أضيفت، وأنشد: صنعُ اليدين بحيث يكوى الأصيدُ وقال الأصمعي: يقال: ناقةٌ بهاءٌ: التي تستأنسُ إلى الحالب. قال: ونُرى أنه من قول العرب: بهاتُ بفلان، أي استأنستُ إليه. * * *

باب المذكر الذي يجعل اسم (كان) ويجعل خبره مؤنثا مقدما عليه

باب المذكر الذي يُجعل اسم (كان) ويُجعل خبره مؤنثاً مقدماً عليه اعلم أن اسم (كان) إذا كان مذكراً والخبر مؤنثاً مقدماً عليه كان لك في (كان) وجهان: التذكير والتأنيث. تقول من ذلك: كان رحمةً المطرُ الذي أصابنا البارحة، وكانت رحمةً، فمن ذكر (كان) قال: المطر مذكرٌ، والرحمةُ مؤنثة ومعناها التأخير، فكما أقول: كان المطرُ الذي أصابنا البارحة رحمةٌ؛ كذلك أفعلُ إذا قدمتُ الخبر. ومن أنُ قال: لما كان الخبرُ قد وَلِيَ (كان) وهو مؤنثٌ أنثتُ (كان) تقديرا، أن الاسم مؤنثٌ؛ لأن الأخبار سبيلها أنْ تكون موافقةً للأسماءِ، وكذلك تقول: كان رحمةً رزقُ الله، وكانت رحمةً رزقُ الله، على ما مضى من التفسير. ومن قال هذا لم يقل: كانت شمساً وجهُك، وكان بليةً علينا عبد الله؛ لأن هذا إنما يجوز في المصادر التي تذكيرها وتأنيثها بمعنى، ولا يجوز في الأسماء التي ليست بمأخوذةٍ من فعلٍ. فإنْ أنكر عليك التأنيث في المسألتين الأوليين منكرٌ فاحتج عليه بقول الله عز وجل: (ثم لم يكن فتنتهم إلا أن قالوا). قرأ أهل المدينة وعاصمٌ وأبو عمرو بتأنيث (تكن) وهي لأنْ (وأنْ) مُذكرٌ؛ لأن خبر (كان) قد تقدم على اسمها وهو مؤنثٌ، فقُدِّرَ بتأنيثِ الخبر أن الاسم مؤنثٌ، ومن

ذلك أيضاً قول لبيد: فمضى وقدمها وكانت عادةً ... منه إذا هي عردت إقدامها قال الكسائي: أنث (كان) لأن الخبر مؤنثٌ متقدمٌ على الاسم والاسمُ مصدرٌ، وهذا مطابق لما مضى من المسائل، وقال الفراء: قال غير الكسائي: إنما بنى الشاعر كلامه على: وكانت عادةً تقدمتُها؛ لأن التقدمة مصدرٌ (قدمها) إلا أنه انتهى إلى القافية فلم يجد القافية تصلحُ لها التقدمة، فقال: إقدامُها. قال الفراء: واحتج الكسائي بقول الشاعر: أزيدُ بن مصبوح فلو غيركم صبا ... غفرنا وكانت من سجيتنا الغفر

أنث (كانت)؛ لأنه أراد: كانت سجيةٌ من سجايانا الغَفْرُ، واحتج عليه من خالفه بقول الشاعر: أجرت عليهم فأبوا وكانت ... بديعاً أن يكون ولي أمر فزعم أنه أراد: وكانت بديعاً كينونته ولي أمرٍ فلم يستقم البيتُ بالكينونة؛ إذا كانت تفسد القافية فقال: أن يكون؛ إذ كان في معناها، فقال الكسائي: البديع مؤنث بمنزلة البدعة، واحتج عليه الذي خالفه بقول حاتم:. أماوي قد طال التجنبُ والهجرُ ... وقد عذرتني في طلابكم عذرُ فقال: أراد عُذْرَى، فانتهى إلى القافية و (عُذْرَى) لا تصلح فيها؛ كما قال الآخر: لله در لداتي قد رميتهمُ ... لولا حُددتُ ولا عُذرَى لمحدودِ

فقال الكسائي: العذْرُ: مؤنثةٌ؛ لأن الله قد قال: (حكمةٌ بالغةٌ فما تغني النذر). والنذر: جماع نذير؛ كما قال في (تبارك): (فكيف كان نذير)؛ أي إنذاري، والله أعلم؛ كما قال: من عذيري، فالعذر والنذر جماع عذير ونذير كالمصدرين مثل الصريخ والنكير. قال الفراء: وكل قد ذهب مذهبا. قال: وكأن قول الكسائي أشبه بمذاهب العرب. ومعنى قول لبيد: فمضى، مضى الحمار وقدم الأتان، ومعنى عردتْ: تركت الطريق، وعدلت عنه، وأصل التعريد: الفِرار. * * *

باب من نداء المذكر والمؤنث

باب من نداء المذكر والمؤنث إذا ناديت مذكراً بغير التصريح باسمه قلت: يا هن أقبِلْ، وللرجلين: يا هنان أقبلا، وللرجال: يا هنون أقبلوا، وللمرأة: يا هنتُ أقبلي، وللمرأتين: يا هنتان أقبلا، وللنسوة: يا هناتُ أقبلنَ. ومنهم من يزيد الألف والهاء، فيقول: يا هناهُ أقبِلْ بضم الهاء وخفضها حكاهما الفراء، فمن ضم الهاء قدر أنها آخر الاسم، ومن كسرها قال: كسرتُها لاجتماع الساكنين، ويقال في الاثنيين على هذا المذهب: يا هنانيه أقبلا، وإن شئت قلت: يا هناناه أقبلا، فمن قال: يا هنانيه أقبلا قال: جعلت الألف ياء على الإتباع لكسرة النون، ومن قال يا هناناه قال: ألفُ النداء تفتح النون، وقال الفراء: كسر النون وإتباعها الياء أكثر من فتحها وإتباعها الألف، ويقال في الجمع على هذا: يا هنوناه أقبلوا. قال الفراء: والرفع في الهاء جائزٌ في كلام العرب، وهو قليلٌ ليس بالكثير، وذلك أن يا هناه تستعملُ فجرى به الكلام ولم يكثر بالاثنين ولا الجميع، فآثروا في الاثنين والجمع أن تركوه على أصله. ومن قال للذكر: يا هناه ويا هناهُ قال للأنثى: يا هنتاه أقبلي ويا هنتاه، وللاثنين: يا هنتانيه أقبلا ويا هنتاه، وللجمع من النساء: يا هناتوه ويا هناتاه، قال امرؤ القيس:

وقد رابني قولها يا هنا ... هـ ويحك ألحقت شرا بشر وإذا ناديت وأضفت إلى نفسك قلت: يا هن أقبلْ، وإن شئت: يا هَنَ أقبل، وإن شئت: يا هَنُ أقبلْ. فمن كسر النون قال: الكسرةُ تدل على الياء وتخلفها، ومن فتحها قال: أردتُ الندبة يا هناه، ومن ضمها قال: أعطيتُ المفرد المنادى ما يستحق من الإعراب. وأجودُ الوجوه الكسر، وتقول للاثنين: يا هنى أقبلا، وتقول للجمع: يا هنى أقبلوا فتفتح النون في التثنية، وتكسرها في الجمع، وتحتج في التثنية والجمع بأن الياء الأولى ياء التثنية والنصب، وياء الجمع والتذكير والنصب، والثانية ياء الإضافة، وياء التثنية ما قبلها مفتوحٌ، وياء الجمع ما قبلها مكسورٌ. وقال الفراء: سمعت أبا القمقام يقول: يا هنوى أقبلا، ويقول للأنثى في الإضافة: يا هنت أقبلي، وللاثنين: يا هنتي أقبلا، وللجميع: يا هنات أقبلن بكسر التاء بغير ياء. وقال السجستاني: وقومٌ كثيرٌ يقولون: يا هياه، وليس من كلام العرب. هو مولدٌ والدليل على ذلك أنهم لا يؤنثون ولا يثنون، ولا يجمعون. قال:

وأظنه بالعبرانية أو بالسريانية يقولون: يا هيا شراهيا في غير ذا المعنى. قال: وسألت الأصمعي فلم يعرفه حسناً، وقال: أظن الصواب: يا هياه بفتح الهاء الأولى. قال أبو بكر: وهذا غلطٌ من السجستاني، وحكى الكسائي والفراء جميعاً: يا هياه وقال الفراء: العربُ لا تثنيها، ويدعون بها الجمع والمؤنث، فيقولون: يا هياه أقبل ويا هياه أقبلا قال: فهذا الذي سمعتُ. قال: وزعم الكسائي أنه سمع: يا هياه أقبل. قال الفراء: وقول الشاعر: تلوم يهياهٍ بياهٍ وقد مضى ... من الليل جوزٌ واسبطرتْ كواكبه قال الفراء: ليس هو في معنى يا هياه. إنما هو صوتٌ. تقول العرب: يهياهٍ ولهم فيه لغتان: منهم من يجعله خفضا أبدا؛ كما يقولون: سمعتُ منه غاقٍ وأهلُ الحجاز يقولون: تلوم يهيها بياهٍ فيجرونه في الخفض والنصب. ويقال للرجل في النداء: يا لُكَعٌ. يا فسقُ. يا غدرُ. ولا يتكلم به في غير النداء. لا يقال: هذا رجلٌ فسقٌ، ولا غدرٌ، ولا لكعٌ. وقالوا للمرأة: يا لكاع. يا خباث. يا فساق على وزن يا قطام، وربما

احتاج الشاعر فجاء بشيء من هذا في غير باب النداء. قال الحطيئة: أطوف ما أطوفُ ثم آوي ... إلى بيتٍ قعيدته لكاع وقال الفراء: يقال للرجلين: يا ذوي لكيعةَ ولكاعةٍ، ولكاعةٌ يُجرى؛ لأنه مصدرٌ بمنزلة الشجاعة والسماحة، ولكيعة لا تجزى. وتقول للجمع: يا أولي لكيعة ولكاعةٍ أقبلوا، وللمرأتين: يا ذائي لكيعة ولكاعةٍ أقبلا، وللمؤنثات: يا أولات لكاعةٍ ولكيعة أقبلنَ. * * *

باب ذكر أفعال المؤنث إذا لاصقتها وإذا فصل بينها وبينها بشيء

باب ذكرِ أفعال المؤنث إذا لاصقتها وإذا فُصِلَ بينها وبينها بشيء اعلم أن أفعال المؤنثِ إذا لاصقتها كان الاختيارُ إثبات التاء، وكان حذفها قبيحا؛ كقولك: قامتْ هند وفاطمة وعائشة، وإنما قَبُح؛ لأن التأنيث باب مضاد باب التذكير، فيفرق بين فعل المذكر والمؤنث لاختلافهما. فإذا فصلت بين فعل المؤنث وبينه بشيء اعتدل التذكير والتأنيث؛ كقولك: ضرب زيداً هندٌ، وضربت زيداً هند. فمن أنث لزم القياس، ومن ذكر قال: لما حجز بين الفعل والمؤنث حاجزٌ رجع الفعل إلى أصله، والقياس التأنيث، والتذكير جائزٌ، وكذلك تقول: وصلت إلى رُقْعَتُك، فيحسن فيه التذكير والتأنيث؛ لأنك فرقت بين الفعل والمؤنث، فإن قلت: وصلتْ رُقْعَتُك إليَّ كان التذكيرُ قبيحاً؛ لأن المؤنث

لاصق فعله وحُكِيَ عن العرب: حضر القاضي امرأةٌ، ويجوزُ: حضرتْ القاضي امرأةٌ على ما مضى من التفسير. وقال السجستاني: حسُنَ التذكير في هذه المسألة؛ لأنها جرتْ على ألسنتهم، فصارتْ كالمثل، وقال: إذا فُصِلَ بين المؤنث وفعله بشيء كان الحاجز بينهما عوضا من تاء التأنيث المحذوفة، وكذلك تقول: جلست في الدار جاريتك، وجلس في الدار جاريتك، ولبستْ الثوب هندٌ، ولبس الثوب هندٌ. وقال أبو عبيد والليث والأخفش: إذا فرق بين الفعل والمؤنث كان التذكير حسناً؛ كقولك: تكلم في البيت أختك، واحتج أبو عبيد بقول الله عز وجل: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) فقال: اجتمعت القراء على تذكير الفعل، واللحوم مؤنثةٌ لما فرق بينها وبين الفعل. وقال: الفراء وأبو العباس: إنما حسن تذكير الفعل في هذه الآية؛ لأن الجحد تقدم، فكأن المعنى: لن ينال الله شيء من لحومها، وكان يعقوب الحضرمي يقرأ: (لن تنال الله لحومها ولا دماؤها ولكن تناله التقوى منكم) بالتاء في الفعلين جميعا، فأنث فعل اللحوم، ولم يلتفت إلى التفريق والجحد، وقال الشاعر في تذكير فعل المؤنث لما فصل بينهما. أنشد الفراء:

إن امرأ غرهُ منكن واحدةٌ ... بعدي وبعدكِ في الدنيا لمغرورُ فذكر الفعل للعلةِ التي تقدمتْ، وأنشد الفراء أيضاً: لقد ولد الأخيطل أم سوءٍ ... على قمع استها صلبٌ وشامُ وتقول: قدْ تخرقَتْ جُبَّتُك، وقد تخرق جبتُك، فمن أنث قال: أنثتُ الفعل؛ لأن الجبة مؤنثةٌ، ومن ذكر قال: الجبة في معنى التجبب، وكذلك تقول: وافقت زيداً محبتُك، ووافق زيداً محبتُك، فمن أنث الفعل قال: هو للمحبة، والمحبة فيها علامة التأنيث، ومن ذكر الفعل قال: المحبة مصدرٌ والمصادر ليس تأنيثها تأنيثاً حقيقيا، فحملته على معنى: وافق زيداً سرورك، وكذلك يقال: أعجبتْ زيداً كلمتُك، وأعجب زيداً كلمتك، فمن أنث الفعل أخرجه على لفظ الكلمة، ومن ذكر الفعل أخرجه على المعنى؛ لأن معنى الكلمة الكلام، وقال الله عز وجل: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة)، فذكر الفِعْلَ؛ لأن الصيحة بتأويل الصياح، وقال: (فمنْ جاءه موعظةٌ). قال الشاعر:

إن السماحة والمروءة ضُمنا ... قبراً بمرو على الطريق الواضح فقال: ضُمنا، ولم يقل: ضُمِّنَتَا؛ لأنه حمله على معنى: إن السماح والمروءة، وقال الله عز وجل: (ولا يقبل منها شفاعةٌ)، فقرأت العوامُّ بالتذكير على معنى: ولا يُقبلُ منها شفعٌ، وقرأ أبو عمرو: (ولا تقبل منها شفاعةٌ) فأخرج الفعل مؤنثاً على لفظ الشفاعة. وكذلك تقول: أعجبتني ضربتك، وأعجبني ضربتُك، على ما مضى من التفسير، ومثلها: أفزعتني صيحتك، وأفزعني صيحتك. قال الله عز وجل: (زُين للذين كفروا الحياة الدنيا) فذكر (زين) والحياة مؤنثة على معنى: زين للذين كفروا البقاء ومثله: (قد جاءكم بصائر من ربكم). وإذا تأخر الفعل بعد هذه الأشياء أنث وقبح تذكيره؛ كقولك: ضربتك أوجعتني، وصيحتك أفزعتني، ويجوز أنْ تذكر الفعل حملاً على المعنى، فتقول: ضربتك أوجعني، وصيحتك أفزعني.

وإنما صار التأنيث أجود؛ لأن الفعل إذا أتى بعد الاسم كان فيه مكنى من الاسم فاستقبحوا أن يُضمروا مذكرا، وقبله مؤنثٌ. والذين استجازوا ذلك قالوا: نذهب إلى المعنى، وقالوا: هو في التقديم والتأخير سواءٌ. وقال الله عز وجل: (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا) فقرأت العوام بتذكير (يؤخذ)؛ لأن المعنى: فاليوم لا يؤخذ منكم افتداء، وقرأ أبو جعفر المدني: (فاليوم لا تؤخذ منكم فدية) فأنث الفعل للفظ الفدية، وقال عز وجل: (فقد جاء أشراطها)، فذكر لأنه جمع، والجموع يجوز في فعلها التذكير والتأنيث، وكذلك: (جاءهم البينات) (وجاءتهم البينات) وجاءتني كتب فلانٍ وجاءني، وكثُرتْ الحياتُ وكثر. وقال السجستاني: مما حسن التذكير في قولهم: حضر القاضي امرأةٌ، أن القاضي متقدم على المرأة لا يؤخر عن موضعه إرادة التعظيم له بالتقديم؛ كما يعظم الخليفة أن يقدم على اسمه اسمُ أحدٍ.

وتقول: قامتْ هندٌ فضربتْ زيدا، ولا يجوز أنْ تقول: فضرب زيدا، فإذا قلت: وصلت رقعتك فأعجبتْ زيدا، وسرتْ عمرا كان لك أن تقول: وصلتْ رقعتك فأعجب زيداٍ وسر عمرا. من أنث قال: السرورُ والإعجابُ للرقعةِ، ومن ذكر قال: أردت وصلت رقعتك، فأعجب وصولها زيدا، وأعجب مجيئها عمرا. وتقول: شربتُ فأروتني قربتك، فيكون لك فيها ثلاثة أوجه: أحدهن: شربتُ فأروتني قربتك على معنى شربتُ قربتَك، فأروتني قربتك، فاكتفيت بذكرك الفاعل من ذكرك المفعول؛ إذ كان هو هو في المعنى. وإن شئت قلت: شربت، فأروتني قربتك على معنى: شربتُ قربتك، فأروتني هي. والوجه الثالث: شربتُ فأرواني قربتك على معنى: شربت قربتك فأرواني ماؤها. واعلم أن الواو والنون لجمع المذكر، والألف والتاء لجمع المؤنث. تقول: الزيدون والعمرون والبكرون والهنداتُ والجملاتُ والزينباتُ. والواو يكون في جمع فعل المذكرين، والنون يكون في فعل المؤنثات. تقول: الرجال قاموا وقعدوا، والنسوة قمن وقعدن. وجمع غير الناس بمنزلة جمع المؤنث. تقول: الأكبُشُ أعجبن زيدا، وتقول: الرجال ضربتهم، والنسوة ضربتهن، والأكبُشُ ذبحتهن.

فإن قال قائل: كيف قال جل ثناؤه: (قالت نملةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) فأدخل الواو في جمع المؤنث، ولم يقل ادخلن مساكنكن؟ قيل له: لما خبر عن النمل بالقول، والقول سبيله أن يكون للناس أجراهن مجرى الناس، وكذلك قال عز وجل: يعني الأصنام: (هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون) ولم يقل: هل يسمعنكم أو ينفعنكم أو يضررنكم لما ذكرنا من أنهن إذا وصفن بأوصاف الناس جرين مجرى الناس، وكذلك قال جل ثناؤه: (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) ولم يقل: شهدْتُنَّ، وقال: (قالوا أنطقنا الله) ولم يقل: قلن لما مضى من التفسير، وقال تعالى: (إني رأيتُ أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) ولم يقل: رأيتهن ساجدات؛ لأنه لما أخبر عنهن بالسجود جرين مجرى الناس. ويقال: هبت الرياحُ، وهب الرياحُ؛ لأن الجمع يجوز في فعله التذكيرُ والتأنيث. قال الشاعر: إذا هب أرواحُ الشتاء الزعازعُ

باب ذكر عدد المذكر والمؤنث

باب ذكر عدد المذكر والمؤنث اعلم أن الهاء تثبت في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة وتسقط من عدد المؤنث من الثلاث إلى العشر. تقول: عندي ثلاثةُ رجالٍ وأربعة غلمانٍ، وخمسةُ أقمصةٍ وسبعة أرديةٍ. وتقول في عدد المؤنث: عندي ثلاثُ نسوةٍ وأربع جوارٍ، وخمسُ نعالٍ وسبع جبابٍ. قال الله عز وجل: (سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما) فلم يأت بالهاء في السبع؛ لأن الليالي مؤنثةٌ، وأتى بها في الثمانية؛ لأن الأيام مذكرةٌ. فإن قال قائل: لم صارت الهاء تثبت في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة، ولا يدخل في عدد المؤنث من الثلاث إلى العشر. قيل له في هذا ثلاثة أقوالٍ: قال الفراء ومن قال بقوله: تثبتُ في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة ولم تثبت في عدد المؤنث من الثلاث إلى العشر؛ لأن العدد مبني على الجمع فلما كانوا يثبتون الهاء في جمع المذكر، فيقولون: صبي وصبيةٌ، وغلام وغلمة، ورغيف وأرغفةٌ، وقرد وقردةٌ وحجر

وحجارةٌ - أثبتوها في عدده؛ لأن العدد مبنيٌّ على الجمع، ولما كانوا لا يدخلون الهاء في عدد المؤنث فيقولون: ركبةٌ وركبٌ، وقردة وقرد لم يدخلوها في عدد المؤنث؛ لأن العدد مبني على الجمع، ولم يحك في الاعتلال لهذا عن الخليل ويونس وسيبويه والأخفش وغيرهم من شيوخ البصريين شيءٌ. وقال أبو حاتم السجستاني: إنما أدخلوا الهاء في عدد المذكر ولم يدخلوها في عدد المؤنث؛ لأن المؤنث أثقل من المذكر، وأكثر المؤنث فيه هاء التأنيث، فجعلوا جمع المؤنث بلا هاء؛ ليكون أخف له؛ لأن الهاء لزمت الواحدة، وذلك ثقلٌ، فكرهوا أن يمكنوا ذلك الثقل حتى ينتقل من الواحدة إلى الجماعة، ففروا من ذلك، فحذفوا الهاء من الجمع؛ ليعتدل الجمع فيكون ثقيل من خفيفٍ، وأما المذكر فخفيفٌ، فأدخلوا الهاء في جمعه، فقالوا: ثلاثةٌ؛ ليكون ثقيلٌ مع خفيفٍ فيعتدل، وكرهوا أن يجمعوا بين الثقيلين، فجعلوا ثقيلاً مع خفيف فيعتدل، وكرهوا أن يجمع بين الثقيلين، فجعلوا ثقيلاً وخفيفاً مع ثقيل. قلت: ثم نقض أبو حاتم هذا القول على نفسه بأن قال: الثلاث إلى العشر مؤنثٌ على كل حالٍ، إلا أنه مؤنثٌ لا علامة للتأنيث فيه فهو أخف لفظاً، وأيسر مما فيه حروف التأنيث، فهذا تناقض؛ لأنه زعم أنهم لم يدخلوا الهاء في عدد المؤنث؛ لأن المؤنث ثقيلٌ، فأرادوا أنْ يكون خفيفٌ مع ثقيلٌ، وأدخلوا الهاء في عدد المذكر؛ لأنه خفيفٌ فأرادوا أنْ يكون ثقيلٌ مع خفيفٍ، فدل هذا الكلام على أن عدد المذكر مؤنثٌ، وعدد المؤنث مذكرٌ.

فإن قال: عدد المؤنث وعدد المذكر جميعاً مؤنثان إلا أن عدد المؤنث أخف، لأنه لا علامة للتأنيث فيه. قيل له: المؤنث الذي على أربعة أحرفٍ لا علامة للتأنيث فيه بمنزلة ما فيه العلامةُ؛ لأن معنى التأنيث قائم فيه، فهو بمنزلة ما العلامة موجودة في لفظه لا يحكم عليه بأنه أخف منه. الدليل على هذا أن عمرة وزينب من أجل أن علامة التأنيث موجودةٌ في لفظ عمرة وليست في زينب علامةٌ للتأنيث موجودة في لفظها، فهذا يدل على أن الثلاث - إذا كانت مؤنثةً - بمنزلة الثلاثة؛ لأن معنى التأنيث قائمٌ فيهما، وبهذا ينتقض قوله في الخفة والثقل. وقال محمد بن يزيد البصري: إن قال قائل: ما بالُ علامة التأنيث لحقتْ ما كان مذكراً وإنما حدها أن تلحق المؤنث، فتفصله من المذكر؟ قيل له: العلةُ في هذا: أن التأنيث والتذكير إذا وقعا لما حقيقته التأنيث والتذكير كان حق المذكر أن يجري على أصله ويكون المؤنث بائناً منه بعلامة. والعلامة على ثلاثة أضربٍ: يكون هاء؛ نحو قولك: امرأةٌ، وذاهبةٌ، ومنطلقةٌ. ويكون ألفاً إما مقصورة وإما ممدودةً؛ نحو حمراء وصفراء، هذا الممدودة، والمقصورة؛ نحو سكرى وغضبى. هذه المقصورة. ويكون للمؤنث لفظٌ ثالثٌ لا علامة فيه، فيكون تأنيثه بالبنية المصوغة للتأنيث التي لا يشركها فيها المذكرُ، فالاختصاص يدل على مثل ما دلت عليه العلامة، وذلك نحو قولك: عناقٌ. هذا لا يكون إلا للمؤنث، وكذلك حجر، وأتانٌ. فهذه أقسام ثلاثةٌ مفهومةٌ معروفةٌ.

فإن كان المذكر والمؤنثُ جاريين على فِعْلِ فالعلاقة لازمةٌ؛ كما لزمتْ في الفعل. لا يكون إلا ذلك وإلا كان نقضاً وفساداً. تقول: قام الرجل فهو قائمٌ، وقامت المرأة فهي قائمةٌ، وكذلك جميع الأفعال. فأما الأسماء الواقعة على غير أفعالٍ فجائزٌ أنْ تقع على المذكر وفيها علامةٌ التأنيث على أحد أمرين: إما أنْ يكون النعت في الأصل لمؤنثٍ، فيشركه فيه المذكرُ على غير فعلٍ فتكون الهاء للمؤنث أصلاً وللمذكر على معنى التأنيث الذي يلحقه، لأنه تعتوره أسماءٌ مؤنثةٌ؛ كما تعتورُ المؤنث أسماءٌ مذكرةٌ. فمن ذلك قولك: رجل ربعةٌ ويفعةٌ ونُكَحةٌ. إنما كان ذلك في الأصل لسلعةٍ أو نسمةٍ أو نفسٍ؛ لأنه على غير فعلٍ. فإن قلت: رجلٌ ناكحٌ لم يصلح أنْ تقول ناكحةٌ؛ لأن المؤنث تلحقه الهاء على فعله، فلا يجوز أنْ يدخل فعلٌ على فعلٍ، فيكون لبسا. والوجه الآخر: أن تدخل الهاء للمبالغة؛ نحو قولك: رجلٌ نسابةٌ وعلامةٌ. فإن قال قائل: هذا لمبالغة الفعل فكيف لحقته الهاء؟ فإن الجواب في ذلك إنها لحقته لتوكيد المبالغةِ. ألا تراها إنما تلحق في فعالٍ وفعولٍ؛ نحو قولك: رجلُ فروقةٌ وملولةٌ، فيوضح التذكير ما قبله؛ لأنها نعوتٌ، وليستْ جاريةً على فعلٍ. ألا ترى أنك تقول: ضرب فهو مضرب،

وقتل فهو مُقتِّلٌ، وإنما فعال وفعول في معنى مفعلٍ غيرُ جاريين على فعله. وأما قولهم راويةٌ فإن هذا باب لا يُنعتُ به النساء فيُلبس؛ ألا ترى أنك تقول: فارسٌ وفوارسٌ، فتجمع فاعلا على فواعل؛ لأنه لا يكون من نعت النساء ولا يجوز أنْ تقول في جمع ضارب: ضوارب فيلتبس بجمع ضاربةٍ، فإذا قلت في غير ما تأنيثه حقيقي؛ كقولك: بلدٌ وبلدةٌ والأمرُ واحد وإنما هذا لاتساع اللفظ ولم يكن تحت واحدٍ منهما ما يستحق به تأنيثاً ولا تذكيراً. قال: فثلاثةٌ وأربعةٌ في بابه بمنزلة نفس للمذكر وبمنزلة يفعةٍ وربعةٍ، وثلاثٌ للمؤنث وأربعٌ ونحو ذلك مما تأنيثه للنية؛ كقعربٍ وعناقٍ وعقاربٍ ونحو ذلك. قال أبو بكر: فهذا القول عندي لا يصح؛ لأنه زعم أن الهاء دخلت في يفعةٍ وريعةٍ على معنى النسمة، فلا يجوزُ أن تشبه الثلاثة والأربعة بيفعةٍ وربعةٍ؛ لأن الثلاثة والأربعة ليس فيهما معنى نسمةٍ؛ فلا وجه لدخول علامةِ التأنيث فيها على أصله. فإن قال قائلٌ: زعمت أن التاء تدخُلُ في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة ولا تدخل في عدد المؤنث من الثلاث إلى العشر فما تقول في قول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) لِمَ لَمْ يُدخِل الهاء في العشر؛ لأن الأمثال جمع مثل والمِثْلُ مذكر؟ فيقال له: العلة في هذا أن المثل أصله النعت، والعدد واقعٌ على النوع لا على النعت، فالتقدير - والله أعلم: مَنْ جاء بالحسنة فله عشر حسناتٍ أمثالها، فلم تُدْخَل الهاء في (عَشْر)؛ لأن العشر واقعٌ على الحسنات وهي مؤنثةٌ، وكذلك تقول: عندي ثلاثةُ

نساباتٍ، وخمسةُ علاماتٍ، فتُدْخِلَ الهاء؛ لأن المعنى: عندي ثلاثة رجالٍ نساباتٍ وخمسةُ رجالٍ علاماتٍ، فتُدْخِلَ الهاء في الثلاثة والخمسةِ؛ لأنهما واقعان على رجال، ونساباتٌ نعتٌ للرجال، وكذلك علاماتٌ. قال الشاعر: فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر فأنث؛ لأنه ذهب بالشخوص إلى المؤنث؛ لأن الشخص يقع على المذكر والمؤنث. وتقول: عندي ثمانية رجال، وعندي ثماني نسوةٍ، فعلامة الرفع في (ثماني) سكون الياء، وكان الأصل فيه ثماني نسوة، فاستثقلت الضمة في الياء، فحذفت فبقيت الياء ساكنةً، وتقول في الفض: مررت بثماني نسوةٍ فعلامة الخفض في ثماني سكون الياء، والأصل فيه: ثماني نسوةٍ، فاستثقلت الكسرة في الياء فحذفت، فبقيت الياء ساكنةً، وتقول في النصب: رأيت ثماني نسوةٍ، فعلامة النصب فتحة الياء وسكون التنوين، وتقول في النصب: رأيت ثمانياً، فتثبت الفتحة في الياء لخفتها، وتثبت الألف؛ لأنها بدلٌ من التنوين.

وتقول: عندي ثلثمائة، وأربعمائةٍ، وخمسمائةٍ، فلا تُدْخِلُ هاءٌ في العدد من الثلاث إلى العشرِ؛ لأن المائة مؤنثة. وتقول: عندي ثلاثة آلافٍ وأربعةُ آلافٍ وسبعةُ آلافٍ، فتثبت الهاء في العدد من الثلاثة إلى العشرة، لأن الألف مذكرٌ، وتقول: عندي ثمانية آلاف، ونظرتُ إلى ثمانية آلافٍ، وقبضتُ ثمانية آلافٍ، فتثبت الهاء؛ لأن الألف مذكر، وتقول: عندي ثمانمائةٍ، ونظرت إلى ثمانمائةٍ، وقبضت ثماني مائةٍ فإن أفردت قلت: عندي ثمانٍ، ونظرتُ إلى ثمانٍ، وقبضتُ ثمانيا. وإذا سميت رجلاً بثلاثٍ، وخمسٍ وست وسبع وثمانٍ وتسعٍ، وعشرٍ أجريته إلا ثمانيا فإنه لا يجري في المعرفة، فقلت: هذا ثلاثٌ، وأكرمت ثلاثاً، ومررت بثلاثٍ؛ لأنه جمعٌ مذكرٌ. يقال في تصغيره: ثلثياتٌ. قال الفراء: من سمى بخمس وما أشبهه رجلاً أجراه؛ لأنه بمنزلة صُفْرٍ وحُمْرٍ، وقال: هو جمعٌ تصغيره: خميسات. وقال سيبويه: إذا سميت رجلاً بثلاث لم تصرفه؛ لأنه بمنزلة عناقٍ، وكان يذهب إلى أنه واحدٌ، والفراء يذهب إلى أنه جمع.

وقال السجستاني: إذا سميت رجلاً بثمانٍ صرفته صرف علةٍ؛ كما أنك إذا سميت رجلاً بجوارٍ، وسوارٍ صرفته في الرفع والجر صرف علةٍ، ولم تصرفه في النصب، فتقول في الرفع: هذا جوار وسوار وثمان، وفي الخفض: مررت بجوارٍ وسوارٍ وثمانٍ، وفي النصب: رأيتُ جواري وسواري وثماني. تذهب إلى أن الياء تستثقلُ الضمة والكسرة فيها، فتسقطان منها ثم تسقط هي لسكونها وسكون التنوين، وفي النصب لا تستثقل الفتحة فيها فتثبتُ، ولا يدخل التنوين؛ لأن الجمع إذا كنا بعد ألفه حرفان لم ينصرف، وكان سيبويه يقول: التنوين في جوار بدل من الياء، وقال أصحابه: أراد أن النون بدلٌ من حركة الياء. وقال الفراء: الياء في جوار مشبهة بياء الصلة؛ فحُذفتْ لاجتماع الساكنين، وإذا سميت رجلاً بثمانٍ لم تجره في المعرفة؛ لأنه جمع بعد الألف منه حرفان، وتجريه في النكرة؛ لأن ياءه مشبهةٌ بياء الإعراب.

وقال محمد بن يزيد: لو سميت رجلاً بثلاث التي تقع في قولك: ثلاث نسوةٍ لم ينصرف في المعرفة؛ كما لم ينصرف عقربُ وعناقُ في المذكر في المعرفة، ولو سميته بثلاثٍ من قولك ثلاثةٌ بعد نزعك الهاء صرفته في المعرفة والنكرة، ووقع الفصل بين ما يقع على المؤنث وما يقع على المذكر. هذا الدليل القائم. وإذا سميت رجلاً بإحدى لم ينصرف في معرفة ولا نكرة؛ لمكان ألف التأنيث المقصورة اللازقة بالمؤنث، وليست كالهاء. ما كانت فيه الهاء لا يُجرى في المعرفة ويُجرى في النكرة. فإذا جزت العشرة قلت: عندي أحد عشر رجلاً، واثنا عشر رداء، وثلاثة عشر خُفا، وكذلك: أربعة عشر وخمسة عشر وستة عشر وسبعة عشر وثمانية عشر وتسعة عشر، وتُلزم ما بين أحد عشر وتسعة عشر الفتح إلا اثنيْ عشر فإنك تُعرب الاثنيين، وتفتح العشر، فتقول: عندي اثنا عشر رجلا، وضربت اثني عشر رجلا، ومررت باثني عشر رجلا.

فإن قال قائل: لم ألزموا أحد عشر وأخواتها الفتح؟ قيل له: الأصل عندي: واحد وعشرة، وثلاثة وعشرة، فحذفوا الواو، وجعلوا الاسمين اسماً واحداً، واختاروا للاسم - لما طال - الفتحة؛ لأنها أخف الحركات، وكان الأصل في أحد عشر: واحد عشر، فحذفوا الألف الزائدة من واحد، وأبدلوا من الواو المفتوحة همزةً؛ كما قالوا: امرأة أناةٌ، والأصل فيها: وناةٌ؛ لأنها من ونى يني، إذا فتر قال نصيب: أناة كأن الحقو منها بربوةٍ ... تأزرها ردفٌ من الرمل مسهلُ ويقال: عندي أحد عشر رجلا، بتسكين العين، والاختيار فتحها. قرأت العوام: (إني رأيت أحد عشر كوكبا) بفتح العين، وقرأ أبو جعفر المدني: (أحد عشر كوكبا) بتسكين العين. وتقول في المؤنث: عندي إحدى عشرة جاريةً، واثنتا عشرة جاريةً،

وأربع عشرة جاريةً، وكذلك: خمس عشرة، وست عشرة وسبع عشرة وتسع عشرة. وتقول: عندي ثماني عشرة جاريةً، ومررت بثماني عشرة جاريةً، واشتريت ثماني عشرة جاريةً. وبنو تميم يكسرون الشين، فيقولون: عندي إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وبها قرأ طلحة بن مصرف، وحدثنا ابن ناجية قال: حدثنا يوسف القطان قال: حدثنا جرير عن الأعمش أنه قرأ: (اثنتا عشرة عيناً)، بفتح الشين. وحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن وافد قال: حدثنا أبي عن العباس بن الفضل الأنصاري أنه كان يقرأ: (اثنتا عشرة عيناً) بفتح الشين، وأهلُ اللغة والنحو لا يعرفون فتح الشين. ومن العرب من يُضيف النيف إلى العشر وهو مما لا يقاس عليه، فيقولون: عندي خمسة عشر، وستةُ عشر، وأكثر ما يفعلون ذلك في الشعر. أنشد الفراء: كلف من عنائه وشقوته ... بنت ثماني عشرة من حجته وقرأ أنس بن مالك: (عليها تسعة عشر) وهي شاذة. الناس على خلافها.

وكان الكسائي يقول: إذا جمعتُ بين المذكر والمؤنث ذكرت العدد إذا كان المذكر هو السابق، وكان يشبهه بقولهم: قام زيد وهند، وقامت هند وزيد. وسمعت أبا العباس يحكي ذلك عنه، ويقول: أجاز: عندي ستُّ نسوةٍ ورجالٍ، وسبع نسوة ورجال، إلى التسع والعشر، ولم يجز فيما دون الست، فكان يحيل: عندي خمس نسوة ورجال، وكذلك في الأربع والثلاث، وقال: إذا قلت: عندي ست نسوة ورجال، كان التقدير: عندي ثلاث نسوة، وثلاثة رجال، وإذا قلت: عندي سبع نسوة ورجال، كان التقدير: عندي ثلاث نسوةٍ وأربعةُ رجالٍ أو أربع نسوةٍ وثلاثةُ رجال، فلما خلطت الرجال مع النساء قلت: سبعةٌ، وكذلك الثمانية والتسعة، ولا أقول: عندي خمس نسوة ورجال؛ لأنه لا يمكنني أن أقدر فأقول: عندي ثلاث نسوة وثنتا امرأتين. وكان إذا قدم المذكر ذكر العدد، فقال: عندي ستة رجال ونسوة، وسبعة رجال ونسوة، وكذلك الثمانية والتسعة والشعرة، وقال: أذكر العدد إذا

كان قدمت الرجال، وأؤنثه إذا قدمت النسوة؛ كما أقول: قام زيد وهند وقامت هند وزيد، فأذكر الفعل إذا قدمت زيدا، وأؤنثه إذا قدمت هنداً. قال أبو العباس: وكان الفراء لا يجيز أن تنسق على المؤنث بالمذكر، ولا على المذكر بالمؤنث فيما دون الستة، ولا فيما فوقها. قال: وذلك أنى إذا قلت: عندي ستة رجال ونساء فقد عقدت أن عندي ستة رجال، فليس لي أن أجعل بعضهم مذكراً وبعضهم مؤنثاً، وقد عقدتُ أنهم مذكرون، وقال في قول الكسائي: شبهته بقامت هند وزيد، وقام زيد وهند: ليس هو كذلك؛ لأني إذا قلت: عندي ستُّ نسوةٍ ورجالٍ فقد أضفتْ العدد إلى الجنسين في هؤلاء المسائل أن يجيز عندي ثلاثة رجلين وامرأةٍ وقال هذا بالخفض لا يجوز ولكنه يجوز بالرفع، فتقول: عندي ثلاثة رجلان وامرأةٌ فإذا قلت: عندي إحدى عشر رجلاً وامرأةً، واثنا عشر عبدا وأمةً، وثلاثة شعر أمةً وعبداً غلبت المذكر تقدم المذكر أو المؤنث، فذكرت العدد، وكذلك تقول: له خمسة عشر ابنا وبنتا، وستة عشر بنتا وابنا، وكذلك تفعل العرب في الناس. فإذا صرت إلى غير الناس من الغنم والإبل والبقر ذكرت العدد إذا سبق المذكر، بين جملٍ وناقةٍ أنثت العدد ولا تُبالي: أبدأت بالمذكر أم بالمؤنث، فتقول: عندي خمسة عشر بين جملٍ وناقةٍ، وستة عشر بين ناقةٍ وجمل، ٍ ولا يجوز أنْ تقول: عندي خمس عشرة بين أمةٍ وعبدٍ؛ لأن المذكر والمؤنث من الناس إذا اجتمعا غُلب المذكر على المؤنث. قال الفراء: إنما أجزنا: عندي خمس عشرة ناقةً وجملا، ولم نُجِزْ: عندي خمس عشرة أمةً وعبدا؛ لأن الذُّكران من الناس لا يُجتزأ منها بالإناث في حالٍ، ولأن الذكر منها موسومٌ

بغير سمةٍ الأنثى، فالغنم يقع على ذكرها وأنثاها شاةٌ، فيجوز تأنيثُ المذكر لهذه الهاء التي لزمت المذكر والمؤنث، وتقول: عندي خمس عشرة من الإبل، وست عشرة من الغنم، وكذلك تقول: عندي ست من البقر وسبعٌ من الغنم، وتسعُ من الإبل، فيكون التأنيث هو الغالب في هذا الباب. وقال سيبويه: هذا باب المؤنث الذي يستعمل للتأنيث والتذكير والتأنيثُ أصله. قال: تقول: عندي ثلاث بطاتٍ ذكور، وثلاث من الإبل ذكور؛ لأنك تقول: هذه إبلٌ، وكذلك ثلاثٌ من الغنم ذكورٌ، فإن قلت: عندي ثلاثةُ ذكور من الإبل لم يكن إلا التذكير؛ لأنك إنما ذكرت ذكوراً ثم جئت بقولك: من الإبل بعد أن مضى الكلام على التذكير. والأيام والليالي بمنزلة البقر والغنم. تقول: أقام فلان عندي خمسة عشر يوماً وليلة وخمس عشرة ليلة ويوما، فإن قلت (من بين) أنثت العدد وكان سواء تقديمك اليوم على الليلة والليلة على اليوم، فتقول: أقام عندي خمس عشرة بين يومٍ وليلةٍ، وتقول: أقام فلان ببغداد خمساً بين يوم وليلة،

وكذلك فيما بين الثلاث إلى العشر أنشد الفراء: أقامت ثلاثاً بين يوم وليلة ... وكان النكير أن تضيف وتجأرا ورواه الكسائي: أن تُصيفَ بالصاد، وقال الغاضري: هذه بقرةٌ أو ظبيةٌ أكل الذئب ولدها، فأقامت في ذلك الموضع تستغيثُ. والنكيرُ: الإنكارُ. يقول: لم يكن عندها إنكار غير الصياح. وإنما غلبت العرب الليالي على الأيام؛ لأن الليلة ابتداء اليوم، ولكلِّ يوم ليلة تسبقه، فيقال يوم السبت ويوم الأحد ويوم الخميس. حكى الفراء عن أبي فقعس: صُمْنا عشرا من شهر رمضان، فأنث العدد، والصوم لا يكون في الليالي، إنما يكون في الأيام، وقال عز وجل: (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة)، وقال عز وجل: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً)، فغلب الليالي، وقال جل ثناؤه: (والذين

يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، فيجوز أنْ يكون العشرُ عُنِي بها الليالي، ويجوز أنْ تكون العشرُ واقعةً على الأيام والليالي على ما مضى من التفسير. وقال بعض البصريين: إنما أنث العشر؛ لأنه ذهب إلى معنى المُدَد كأنه قال: أربعة أشهر وعشر مددٍ، فالمدةُ تقع على اليوم والليلة. فإن قال قائل: لِمَ قَلْتَ: عندي خمسةُ آلافٍ، فجمعت الألف، وقلت: عندي خمسمائةٍ فوحدْتَ المائة؟ فالعلة في هذا أن المائة بمنزلة الألف الذي بعد الأحد عشر والإثنى عشر، وذلك أن العرب تجمع الألف من الثلاثة إل العشرة، فإذا جاوزوا العشرة وحدوا، فيقولون: عندي خمسةُ آلافٍ وستةُ آلافٍ، وأحد عشر ألفاً؛ لأن الآلاف جمعٌ قليلٌ، وما بين الثلاثة والعشرة عدد قليل، فجعلوا مع العدد القليل الجمع القليل؛ لأنه يشاكله، وكان يجب إذا جاوزوا العشرة أن يأتوا بالجمع الكثير؛ كما أتوا مع ما دونها بالجمع القليل، فكرهوا أن يأتوا مع الأحد عشر بالجمع الكثير، فيقولوا: عندي أحد عشر ألوفاً؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لوجب عليهم إذا جاوزوا العشرين، أن يأتوا بجمع هو أكثر منا لجمع الذي أتوا به في أحد عشر وإذا جاوزوا الثلاثين أن يأتوا بجمع هو أكثر من الجمع الذي أتوا به في الموضعين، فلما لم يجدوا للجمع الكثير هذه العلامات، ولم يقدروا على هذه الفروق الكثيرة اقتصروا على واحد يؤدي عن الجنس، ويأتي بمعنى الجمع، فقالوا: عندي أحد عشر ألفاً. وخمسة عشر ثوباً، فاكتفوا بالثوب من الثياب، وبالألفِ من الآلاف، فلما جاءوا إلى المائة

وجدوها تُذكرُ من الثلاث إلى التسع، وينقطعُ ذكرها فلا تُذكرُ؛ لأنك إذا جُزتَ المائة دخلت في ذكر الألف والألوف، ولم تذكر المائة، فأنزلوا ما بين الواحدة والثلاث منزلة جمعها القليل، وما بين الثلاث والتسع منزلة جمعها الكثير، وقالوا: عندي خمسمائةٍ، فوحدوا المائة؛ لأنها هاهنا بمنزلة الألف في قولك: عندي أحد عشر ألفا، واثنا عشر ألفاً. هذا الذي وصفناه كله مذهب الفراء وأبي العباس، وقال البصريون: ثلثمائةٍ وأربعمائةٍ وخمسمائةٍ مما شذ عن القياس، والقياسُ عندهم: ثلاثُ مئين أو مئاتٍ؛ كما يقال: ثلاثة أثواب، وخمسةُ آلافٍ، ولم يعرفوا في توحيد المائة حجةً، والقياسً عند أصحابنا: ثلاثمائةٍ بالتوحيد، والشاذ عندهم: ثلاث مئاتٍ ومئين. الدليلُ على

ذلك: قول الله عز وجل: (ولبثوا في كهفهم ثلثمائةٍ سنين) فهذا هو القياسُ، وهو العالي في اللغة؛ لأن كتاب الله - وتبارك وتعالى- نزل بأفصح اللغات وأثبتها في القياس، ولم ينزل بما يقبُحُ في لغة ويبطل في قياس، وربما اضطر الشاعر في الشعر إلى أنْ يجمع المائة، فيجمعها على جهة الاضطرار لا على جهة الاختيار. أنشد الفراء: وإنا أتيناكمْ فكان عطاؤكمْ ... ثلاث مئين منها قسي وزائف وقال حسان بن ثابت: ثلاثةُ آلافٍ ونحنُ نصيةٌ ... ثلاثُ مئي أو إنْ كثرنا فأربعُ فإذا قلت: عندي ثلاثُ بناتِ عرسٍ، وأربعُ بناتِ آوي كان الاختيار أنْ تدخل الهاء في العدد، فتقول: عندي ثلاثةُ بنات عرسٍ وأربعةُ بناتِ آوي؛ لأن الواحد ابن عرس وابن آوي. وقال الفراء: كان بعض من مضى من أهل

النحو يقول: ثلاثُ بناتِ عرسٍ، وثلاثُ بناتِ آوي، وما أشبه ذلك مما يُجمع بالتاء من الذُكران، ويقولون: لا تجتمع ثلاثة وبنات، ولكنا نقول: ثلاثُ بنات عرس ذكور، وثلاث بنات آوي، وما أشبه ذلك، قال ذلك الرواسي وأهلُ المدينة عليه ولم يصنعوا شيئا؛ لأن العرب تقول: لي حمامات ثلاثةٌ والطلحاتُ الثلاثة عندنا. تريد رجالاً أسماؤهم الطلحاتُ. فإذا جئت إلى العشرين كانت للمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ وكذلك: الثلاثون والأربعون والخمسون والستون والسبعون والثمانون والتسعون. تقول: عندي عشرون رجلاً، وثلاثون امرأة، وخمسون ثوباً، وستون جُبةً. فإن قال قائل: لِمَ لَمْ يفرقوا بين المذكر والمؤنث في هذه الأعدادِ؛ كما فرقوا في الأعداد التي قبلها؟ فيقال له: قال الفراء: العددُ وُضع على نفسه لا على أنه صفةٌ لصاحبه، فقالوا نُلْزِم العشرين وجنسها النون؛ لأنا لم نقصد به قصد الرجال ولا قصد النساء ولا ما بين ذلك مما يُعَدُّ، وكان الاسم ليس له واحدٌ من يعرف، فلما لم يكن على بناء ذهِبَ به إلى مجهول العدد؛ كقول العرب: لقيت منه

الأمرين، فلم يُحطْ بعدده ولم يعرف له واحدٌ؛ كما لم يعرفْ للعشرين ولا لتسعين واحدٌ منه، وكذلك: لقيت منه البرحين، ولقيتُ منه الفتكرين، ولقيتُ منه الذربين، والذربيا. قال: وأنشدني بعضهم: قد كلفت راعيها الفتكرينْ ... إضمامةٌ من ذودنا ثلاثونْ ومنه قول الله - والله أعلم: (وما أدراك ما عليون). قال: ونرى أن قوله عز وجل: (من غسلين) من ذلك، غسلٌ بعد غسلٍ، وإنْ كنتُ لم أسمعه على هجاءين، ولكن العرب تقول في الجماع الذي لا يُحاط بعدده ولا يتوهم، على هذا المثال: قال: سمعت بعضهم يقول: أطمعنا مرقةَ

مرقين. يريد مرقاً قد طُبِخَ فيه لحمٌ كثير مرةً بعد مرةٍ، وهو واحدٌ فجُمِعَ على ذلك. قال: ومنه قول العرب: قد رويتْ إلا الدهيدهينا ... قليصاتٍ وأبيكرينا ذهب إلى المجهول من هذا الجنس الذي لا يعرف له واحدٌ، وكذلك قوله: فأصبحت المذاهبُ قد أذاعتْ ... بها الأرواحُ بعد الوابلينا ذهب إلى الأمطار التي لم يبن على واحدٍ لها كأنه قال: الوبْلُ بعد الوبْلِ، وكذلك: كنا في أرضين بسابس. ذهب إلى شيءٍ من الأرض بعد شيءٍ. ثم إن العرب كثر هذا عندهم حتى استعملوه، فقالوا: ثلاث أرضين، وبنيته على أرضاتٍ؛ لذلك جمع بالتثقيل. قال: فأما قوله: سنةٌ وسنين فإنه لم يُبْنَ على واحدته، ولكنهم كسروا أوله، وجعلوه على مذهب فُعُولٍ وإن كان على

هجائين، وذلك أنهم لما أن قالوا في المنقوص: قُلَة وعِزَة وجدوا الناقص منه لام الفعل، فلما جمعوه بالتاء فقالوا: قلاتٌ وعزاتٌ ظنوا أن هذه الألف هي الحرف الذي كان نقص أخرج على التمام، فلم يجدوا ذلك إلا في النون والواو؛ مثل صالحون وصالحات، وقالوا: لا يُتوهم علينا أنا نريد بالواو والنون مذهب ذكرانٍ والواحدةُ منه أنثى خاصةً، فقالوا ذلك في كل ما كانت منقوصةً منه اللام؛ مثلُ قُلَةٍ وبُرةٍ، وجميع ما كان نقصانه من لامه، ولم يقولوه فيما كان نقصانه من أوله مثل عدةٍ وزنةٍ وصلةٍ. وقال بعض النحويين: إنما لم يفرقوا بين المذكر والمؤنث في العشرين والثلاثين وما أشبه ذلك؛ لأن العدد سبيله ألا يُفصل بينه وبين المذكر والمؤنث؛ لأنه مبهمٌ، وإنما يبينه ويفسره المفسر الذي يأتي، فإذا قلت: عندي عشرون درهماً دللت بالدرهم على أن العشرين مذكرة، فإذا قلت: عندي عشرون جبةً دللت بالجبة على أن العشرين مؤنثةٌ، فأنزلوا العشرين والثلاثين منزلة المائة والألف، فلما كانوا يقولون: عندي مائة قميص، وعندي مائة جبةٍ، وعندي ألف قميص، وعندي ألف جبةٍ، فيجعلون المائة واللف للمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ اتكالاً على أن القميص يبين التذكير والجبة تبين التأنيث، فأجروا العشرين إلى التسعين هذا المجرى. فإن قال: فلِمَ فصلوا بين عدد المذكر والمؤنث فيما بين الثلاثة إلى العشرة؟ قيل له: العلة في هذا أن ما بين الواحدة والعشرة أصل الأعداد فاقتصروا على أن يوقعوا فرقاً في الأصل، واقتصروا على غير ذلك على تبيين المفسر.

قال أبو بكر: والقول في هذا عندي- وبالله التوفيق: أنهم جعلوا العشرين والثلاثين وما أشبه ذلك تكون للمذكر والمؤنث، فجعلوا فيها ما يصلح للمذكر والمؤنث، فالذي فيها مما يكون للمؤنث قولهم: ثلاث وأربع بغير هاء، والذي فيها مما يصلح للمذكر الواو والنون، فلما اجتمع فيها ما يصلح للمذكر والمؤنث عبرت عن الجنسين. فإن قال قائل: لِمَ لَمْ يقولوا عشرون حتى يكون لفظ العشر داخلاً في العشرين؛ كما كان لفظ الثلاث داخلاً في الثلاثين، فيقال له: قولهم عشرون بمنزلة قولهم عشرون، وعشر وعشر عندي بمنزلة قولهم: جسرٌ وجَسْرٌ، ورِطْلٌ ورَطْلٌ، وحِبْرٌ وحَبْرٌ، وثوبٌ شَفٌ وشِفٌ، إلا أنهم استعملوا الفتح في العشر والكسر في العشرين؛ كما قالوا: أطال الله عُمُرك وعمْرك فاستعملوا الضم في هذا، ثم قالوا: لعمرك، فاستعملوا الفتح في هذا، ولم يستعملوا الضم والمعنى فيهما واحد، وقال الفراء: عِشْر وعَشْرٌ بمنزلة قولهم: بِخْسٌ وبَخْسٌ. قال البصريون: إنما كُسِرت العينُ من العشرين؛ لأن العشرين من العشرة بمنزلة الاثنين من الواحد. فإن قال قائل: لم قالوا في التذكير: عندي خمسة عشر رجلا، فلم يدخلوا الهاء في العشر، وقالوا في المؤنث: عندي خمس عشرة امرأةً، فأدخلوا الهاء في العشر. قيل له: العِلَّةُ في هذا أنهم تركوا النيف بعد العشرة على ما كان عليه قبل العشرة، فكرهوا أن يقولوا: عندي خمسة عشر رجلا، فيجمعون بين تأنيثين في حرفٍ واحد؛ لأن خمسة عشر اسمٌ واحدٌ، فكرهوا أن يثبتوا الهاء في الخمسة والهاء في العشرة، وهما علامتان للتأنيث؛ لأن الاسم لا يجتمع

فيه علامتان، فأسقطوا الهاء وتركوا الشين على الفتح الذي كان لها مع الهاء، وقالوا في المؤنث: عندي خمس عشرة جاريةً، فلم يأتوا بالهاء في النيف على الأصل، وزادوا الهاء في عشر، فقالوا: خمس عشرة؛ ليفرقوا بين عدد المذكر وعدد المؤنث. فإذا جاوزوا العشرين قالوا: عندي أحدٌ وعشرون رجلاً، وإحدى وعشرون امرأةً، واثنان وعشرون رجلاً، واثنتان وعشرون امرأةً، وثلاثةٌ وعشرون رجلا، وثلاث وعشرون امرأةً، وثمانيةٌ وعشرون رجلا، وثمانٍ وعشرون امرأةً. تنصب في النصب، وتخفض في الخفض، وكذلك ما بين الثلاثين والأربعين إلى المائة. وثلثمائة بمنزلة ثلاث نسوةٍ، وثلاث آلافٍ بمنزلة ثلاثةِ رجالٍ. وتقول: عندي مائةٌ ألف ومائتا ألفٍ، وقبضتُ مائتي ألفٍ، وتقول: عندي ثلثمائةِ ألفٍ، وأربعمائة ألف، وخمسمائة ألفٍ.

وتقول: عندي ألفُ ألفٍ، فتضيفُ الألف الأول إلى الألف الثاني، وعندي ألفا ألفٍ، وعندي ثلاثةُ آلاف ألفٍ، وكذلك إلى عشرة آلاف ألفٍ، وتقول: عندي ألفُ ألفِ ألفٍ، فتضيف الأول إلى الثاني، والثاني إلى الثالث، والمعنى: عندي ألفُ ألفٍ ألفَ مرةٍ. ولا يجوز أنْ تضيف العشرين إلى النيف؛ لأن بينهما حرف نسقٍ. فإن قال: فلِمَ قالوا: عندي خمسة عشر فجمعوا بين الخمسة والشعر، ولم يقولوا: عندي خمسة عشرين؟ قيل له: العلة في هذا: أن آخر الخمسة يوافق آخر العشر، وذلك أن آخر الخمسة وآخر العشرة يعرب بالرفع والنصب والخفض، فجمع بينهما لاتفاق الطرفين، وآخر الخمسة مخالفٌ لآخر العشرين وذلك أنه يعرب بالرفع والنصب والخفض، وآخر العشرين مفتوح أبدا، فلم يجمعوا بينهما لاختلاف الطرفين. سمعت أبا العباس يحتج بهذا. وقال الفراء: إذا نسبت إلى ثلاثةٍ وأربعةٍ وإن كان يُراد من بني ثلاثةٍ، أو أعطى ثلاثةً قلت: ثلاثي، وإن كان ثوباً أو شيئاً طوله ثلاثة أذرعٍ قلت: ثلاثي إلى العشر المذكر فيه كالمؤنث، والمؤنثُ كالمذكر. أرادوا أن يفرقوا بين النسبتين لاختلافهما؛ كما نسبوا إلى الرجل القديم: دُهْرِيٌّ، وإن كان من

بني عامرٍ قلت: دهريٌّ لا غيرُ. وقال الفراء: إذا نسبت إلى عشرين فإنك تقول: هذا عشري وثلاثي إلى آخر العدد، وتُلقى الواو والنون. قال: وربما جعلوه بالياء في كل حال، وأدخلوا النون، فقالوا: عشريني وثلاثيني إلى آخر العدد وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين المنسوب إلى ثلاثين وثلاثةٍ، فجعلوا الواو ياء، كما جُعِلَتْ في السيلحين وأخواتها إذا احتاجوا إلى ذلك. قال: والعرب تجتريء على العدد كله بتعريب النون، فيقال: مررت بالأربعين يا هذا بخفض النون، وذلك أنه لا واحد له من نفسه، فشبه بقنسرين. قال بعضهم: وإن أتم ثمانيناً رأيت له ... شخصاً ضئيلاً وكل السمع والبصرُ

قال الفراء: وكذلك الثلاثون. سهل في الثلاثين والثمانين لشبههما بالمساكين والمجانين، وقال: أنشدوني: ولكن هما ابن الأربعين قد التقتْ ... أنايبه من ذي حروبٍ على ثغر قال: فمنهم من خفض النون من الأربعين، وأكثر الكلام نصبها. وقال الفراء: إذا نسبت إلى خمسة عشر إلى عشرين، فلم نسمعْ منه شيئاً من العرب، ولكن القياس أن ينسب إليه خمسي وستي، وإنما نسبت إلى الأول ولم تنسب إلى الآخر، لأن الآخر ثابتٌ والأول يختلف، فكان أدل على المعنى، وكان مخالفاً للذي نُسب إلى خمس في خمسة؛ لأن ذاك ينسبُ إليه: خماسيٌّ. قال: وهذا بمنزلة نسبتك إلى ذي العمامة: عمامي، ولا تقل: ذوي؛ لأن (ذو) ثابتٌ يضاف إلى كل شيءٍ مختلفٍ وغير مختلفٍ. وإذا نسبت ثوباً إلى أن طوله اثنا عشر ذراعاً قلت: هذا ثوب ثنويٌّ، وهذا ثوب اثنيٌّ، وقال أبو عبيد: قال الأحمر: إن كان الثوب طوله أحد عشر ذراعاً وما زاد على ذلك لم أنْسُبْ إليه؛ كقول الذين يقولون أحد عشري بالياء، ولكن يقال: طوله أحد عشر، وكذلك إذا كان طوله عشرين فصاعداً مثلُه

وقال السجستاني: لا يقال: حبل أحد عشرى ولا ما جاوز ذلك لا ينسب إلى اثنين جعلا بمنزلة اسمٍ واحدٍ، وإن نسبت إلى أحدهما لم يعلم أنك تريد الآخر، فإن اضطررت إلى ذلك نسبته إلى أحدهما، ثم نسبته إلى الآخر؛ كما قال: الشاعر لما أراد النسب إلى رامهرمز: تزوجتها راميةً هرمزيةً ... بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق وإذا نسبت ثوبًا إلى أن طوله أحد عشر قلت: أحدوى عشري، ولو كنت ممن يقول: عشرة قلت: إحدوى عشري بفتح العين والشين؛ كما تقول في النسبة إلى النمر: نمرى، وقال: لا يقبح هذا التكرير مخافة ألا يفهم إذا أفرد. ألا تراهم يقولون: الله ربي ورب زيدٍ، فيكررون لخفاء المكنى المخفوض إذا وقع موقع التنوين.

باب ذكر العدد المعدول عن جهته من عدد المذكر والمؤنث

باب ذكر العدد المعدول عن جهته من عدد المذكر والمؤنث. اعلم أن المعدول عن جهته من العدد يمنع الإجراء، ويكون للمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ. تقول: ادخلوا أحاد، وأنت تعني واحدًا واحدًا، أو واحدةً واحدةً، وادخلوا اثناء ثناء وأنت تعني: ادخلوا اثنين اثنين، واثنتين اثنتين، وكذلك ادخلوا ثلاث ورباع قال الشاعر: ولكنما أهلي بوادٍ أنيسه ... ذئاب تبغى الناس مثنى وموحدا وقال الآخر: أحم الله ذلك من لقاءٍ ... أحاد أحاد في الشهر الحرام

وأنشد الفراء: ترى النعرات الزرق تحت لبانه ... أحاد ومثنى أصعقتها صواهله ومن قال: ادخلوا ثلاث ثلاث ورباع رباع لم يقل: ادخلوا خماس خماس، ولا سداس سداس؛ لأن هذا غير موجود في كلام العرب. قال الفراء: العرب لا تجاوز (رباع) غير أن الكميت قال: فلم يستريثوك حتى ... رميت فوق الرجال خصالاً عشارا

فجعل (عشار) على مخرج (ثلاث)، وهذا مما لا يقاس عليه. وإنما منع الإجراء لثقله لما عدل عن جهته، وكذلك قولهم: ادخلوا موحد موحد ومثنى مثنى ومثلث مثلث، ومربع مربع، وقال الفراء: من جعلها نكرةً وذهب بها [إلى السماء أجراها، وقال] العرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثًا ثلاثًا. قال الشاعر: وإن الغلام المستهام يذكره ... قتلنا به من بين مثنى وموحد بأربعةٍ منكم وآخر خامسٍ ... وسادٍ مع الإظلام في رمح معبد وإذا لم يذهب إلى الأسماء منع الإجراء؛ لأنه عدل عن لفظ العدد وعن معنى الإضافة إلى ما يضاف إليه الثلاثة والأربعة.

وإذا سميت رجلا بثلاث ورباع ومثلث ومربع لم تجزه. قال الفراء: لا أجريه اسم رجلٍ أو امرأةٍ، لأنه معدول مؤنث، فإن نويت أن يكون اسمًا مفتعلاً لا مصروفًا عن العدد جاز إجراؤه في القياس، والأغلب ألا يجرى؛ لأنه معروف بالصرف، وقال في مثلثٍ ومثنى ومربعٍ: إن أردت به مذهب المصدر لا مذهب الصرف جرى؛ كقولك: ثنيتهم مثنى، وثلثتهم مثلثًا، وربعتهم مربعا.

باب ذكر العدد الذي ينعت به المذكر والمؤنث

باب ذكر العدد الذي ينعت به المذكر والمؤنث تقول من ذلك: رأيت إخوتك ثلاثتهم، ورأيت إخوتك ثلاثهن، وكذلك: رأيت الرجال أربعتهم وخمستهم إلى قولك: رأيت عشرتهم، ورأيت النسوة ثلاثهن وأربعهن وخمسهن وستهن إلى قولك: رأيت عشرهن، فإذا جزت العشرة فالإضافة مكروهة، وقد أجازها السجستاني فقال: أقول: رأيت الرجال أحد عشرهم، واثني عشرهم، وثلاثة عشرهم، وأربعة عشرهم، وخمسة عشرهم إلى قولك: رأيت تسعة عشرهم، ورأيت عشريهم، وتقول: رأيت النسوة إحدى عشرتهن، واثنتي عشرتهن، وثلاث عشرتهن وأربع عشرتهن وخمس عشرتهن إلى قولك: رأيتهن تسع عشرتهن، ورأيتهن عشريهن، وكذلك تقول: إذا جزت العشرين: رأيت الرجال أحدهم وعشريهم، واثنيهم وعشريهم، وثلاثتهم وعشريهم، وأربعتهم وعشريهم، وتقول في النساء: رأيتهن إحداهن وعشريهن، واثنتيهن وعشريهن، وثلاثتهن وعشريهن، وأربعتهن وعشريهن، وكذلك: رأيتهم أحدهم وثلاثيهم، وإحداهن وثلاثيهن إلى قولك: رأيت الرجال تسعتهم وتسعيهم، ورأيت النسوة تسعهن وتسعيهن، ورأيت الرجال مئتهم، ورأيت النساء مئتهن.

باب ثاني اثنين، وثانية اثنتين، وثالث ثلاثة وثالثة ثلاث وما أشبه ذلك

باب ثاني اثنين، وثانية اثنتين، وثالث ثلاثةٍ وثالثة ثلاث وما أشبه ذلك تقول: عبد الله ثاني اثنين، وأمة الله ثانية اثنتين، فتخفض الاثنين والاثنتين بالإضافة، وتسكن الياء من ثان في الرفع والخفض، وتفتحها في النصب، فتقول: رأيت عبد الله ثاني اثنين. قال الله عز وجل: (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار)، ومعنى قولك: (ثاني اثنين): عبد الله بعض اثنين، وكذلك تقول: عبد الله ثالث ثلاثةٍ، وأمة الله ثالثة ثلاثٍ على معنى: بعض ثلاثةٍ، وبعض ثلاثٍ. قال الله عز وجل: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثةٍ) فمعناه: بعض ثلاثةٍ. وقال يعقوب بن إسحاق السكيت: أجاز الكسائي عبد الله ثالث ثلاثةً. وهذا خطأ في قول الفراء وسيبويه؛ لأنه لا يجوز أن يتأول فيه: عبد الله متمم ثلاثةً؛ لأنه هو واحد ثلاثةٍ؛ فلا يجوز أن يكون متمما لنفسه، ولكن يجوز أن تقول: عبد الله

رابع ثلاثة، ورابع ثلاثةٍ، فمن قال: رابع ثلاثة أراد: متمم ثلاثةً، ومن قال: رابع ثلاثةٍ قال: أضفت رابعا إلى المفعول؛ كما أقول عبد الله ضارب زيدا، وضارب زيدٍ، وعبد الله آكل طعامك وآكل طعامك. قال الله عز وجل: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم) فمعناه: رابع الثلاثة كلبهم، وكذلك يقولون: خمسة سادسهم كلبهم. معناه: سادس الخمسة، وكذلك هذا إلى قولك: عبد الله عاشر عشرة، وعلى إجازة الكسائي: عاشر عشرةً، وهند عاشرة عشرا. فإذا جزت العشرة والعشر قلت: عبد الله حادي أحد عشر، وأمة الله حادية إحدى عشرة، وكذلك: عبد الله ثاني اثني عشر، وثالث ثلاثة عشر، ورابع أربعة عشر، وخامس خمسة عشر، وأمة الله ثانية اثنتي عشرة، وثالثة ثلاث عشرة، ورابعة أربع عشرة، وخامسة خمس عشرة. ويجوز أن تحذف الثلاثة والثلاث والأربعة والأربع إلى التسعة والتسع فيكون لك وجهان: أحدهما: أن تقول: عبد الله ثالث عشر، ورابع عشر إلى قولك: تاسع عشر، وكذلك: أمة الله ثالثة عشرة ورابعة عشرة إلى قولك: تاسعة عشرة.

والوجه الآخر: أن تقول: عبد الله ثالث عشر، ورابع عشر وأمة الله ثالثة عشرة ورابعة عشرة إلى قولك: تاسع عشر، وتاسعة عشرة. فمن قال: عبد الله ثالث عشر، وأمة الله ثالث عشرة قال: لما حذفت الثلاثة والثلاث عرب (ثالث) بمثيل إعرابها. ومن قال: عبد الله ثالث عشر، وأمة الله ثالثة عشرة قال: حذفت الثلاثة والثلاث وتركت ثالثا وثالثة على رفعها. حكى الكسائي عن العرب: السوأى ثالثة عشرة، وثالثة عشرة، بالرفع والنصب على ما مضى من

التفسير، والتقدير: السوأى ثالث ثلاث عشرة، والبصريون ينصبون ثالثا وما أشبهه، ولا يجيزون رفعه، ولا يجوز أن تقول: هذا الجزء الثالث ثلاثة عشر، والرابع أربعة عشر، وهذه الورقة الثالثة ثلاث عشرة، والرابعة أربع عشرة إلى قولك: التاسع تسع عشرة؛ لأن ثالثا ورابعا وخامسا عند الفراء وسيبويه بعض ما بعده فلا يصلح بإدخال الألف واللام عليهما، وأجاز ذلك الكسائي؛ لأن من قوله: عبد الله ثالث ثلاثة، ورابع أربعة. والذي يجيزه النحويون كلهم، ولا يحيله منهم أحد: هذا الجزء الثالث عشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والرابع عشر، وهذه الورقة الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة إلى قولك: التاسع عشر، والتاسعة عشرة، وتقول من قول الكسائي: هذا الجزء العاشر عشرين، ومن قول غيره: هذا الجزء العشرون على معنى: هذا الجزء تمام العشرين، فتحذف (التمام) وتقيم العشرين مقامه، وكذلك تقول: هذه الورقة العشرون

على معنى: هذه الورقة تمام العشرين، وتقول: هذا الجزء الواحد والعشرون والأحد والعشرون، وهذه الورقة الإحدى والعشرون، والواحدة والعشرون على معنى: هذه الورقة تمام الإحدى والعشرين وتمام الأحد والعشرين، وكذلك: هذا الجزء الثاني والعشرون، والثالث والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون إلى قولك: هذا الجزء التاسع والتسعون، وهذه الورقة التاسعة والتسعون. وتقول: هند ثانية اثنتين إذا كانت مع امرأةٍ مثلها، وهند ثانية اثنين إذا كانت مع رجل، ولا يجوز: ثانية اثنتين على هذا المعنى؛ لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث، وتقول: هند ثالثة ثلاثٍ إذا كانت مع امرأتين، فإذا كانت مع رجلين أو مع رجل وامرأة قلت: هند ثالثة ثلاثةٍ، ولا يجوز: ثالثة ثلاثٍ؛ لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر على المؤنث. ويقال: الأول والأولى، والثاني والثانية والثالث والثالثة والرابع والرابعة، والخامس والخامسة، والسادس والسادسة، وحكى الفراء: الخامي

في الخامسة، وقال: أنشدني القاسم بن معنٍ: خلا ثلاث سنينٍ منذ حل بها ... وعام حلت وهذا التابع الخامي ويقال للانثى على هذا: الخامية. وفي (السادس) ثلاث لغات: يقال: جاء فلان سادسا وساديًا وساتا، وقال: أنشدني بعضهم وذكر امرأة: ومن قبلها أهلكت بالشوم أربعا ... وخامسة أعتدها من نسائيا بويزل أعوامٍ أذاعت بخمسةٍ ... وتعتدني -إن لم يق الله- ساديا وقال الفراء: وهذا كالترخيم وإن لم يكن دعاء؛ كما قالوا: بين حاذ

وقاذفٍ. يريدون: بين حاذفٍ وقاذفٍ. قال: وزعم الكسائي أنه سمع الأسد أو بعض عبد قيس يقولون: واحد عشر يا هذا، فقال: وينبغي في هذا الحكم والقياس ألا يقولوا: واحدة عشرة؛ لأنه لا يجتمع ثأنيثان من جنسٍ واحدٍ، ولكنهم يرجعون إلى إحدى في الحكم عليهم.

باب من المذكر والمؤنث

باب من المذكر والمؤنث يقال: رجل زبعري، إذا كان سيء الخلق، وامرأة زبعراة، ويقال: بعير عبنى، وناقة عبناة إذا كانا ضخمين شديدين، ويقال: بعير صلخدي، إذا كان شديدًا، وناقة صلخداة، ويقال: جلعبي وجلعباة للشديد، والسلحفا، والسلحفاة جنس من السمك. وما كان من شيءٍ قد قطع من شيء، فإن كان المنقطع قد يبقى منه الشيء أو يقطع قلت: أعطني قطعةً من القطع، ومثله الخرقة والكسفة، وهو القطعة من الثوب، فإذا أردت بالشيء أن تجمعه بأسره حتى يسمى به على هذا المثال قلت: قطعة وكتلة ولقمة. ما عندي إلا أكلة وشبعة، وهذا مطرد في القياس.

قال الفراء: سمعت بعض باهلة يقول: غلبني على قطعتي. يريد القطعة بأسرها، ولو أراد قطعة منها لقال: قطعة، ولم يقل غيرها. فهذا بناء يقاس عليه. وأما المرة من الفعل فلا يختلف فيها أن يفتح أولها، ويسكن ثانيها؛ كقولك: لقم: لقمة، وقطع قطعة، وكذلك الخطوة: المرة، والخطوة: ما بين القدمين إذا خطوت، والحسوة: المرة، والحسوة: الماء بعينه، والفرجة: المرة والفرجة: اسم للفتح. حدثني عبد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا سهل بن محمد السجستاني قال: حدثني الأصمعي قال: حدثنا أبو عمرو ابن العلاء قال: كنت هاربا من الحجاج فبينا أنا أطوف البيت إذ سمعت أعرابيًا ينشد:

ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال. قال: فقلت له: ما الخبر؟ فقال: مات الحجاج، وذلك أن أبا عمرو قوليه أفرح؟؟ بقوله (فرجة) أم بقوله: مات الحجاج، وذلك أن أبا عمرو كان يقرأ: (إلا من اغترف غرفةً) بفتح الغين على معنى المرة. أخبرنا إدريس بن عبد الكريم قال: حدثنا خلف بن هشام قال: حدثنا الخفاف عن أبي عمرو أنه كان يقرأ: (إلا من اغترف غرفة بيده) بفتح الغين. وقال: قال أبو عمرو: الغرفة تكون من المرقة، والغرفة باليد. وقال الفراء: الغرفة: المعروف، والغرفة: المرة. قال: ومنه قول العرب: أتينا فلانا فكنا في لحمة نبيذة ولبنةٍ وعسلة، وإنما يريدون المرة الواحدة من ذلك. قال: وهذا يشبه حصاةً من الحصى، وشاةً من الشاء، وبقرةً من البقر. وكذلك الخطبة: اسم لما له أول وآخر بمنزلة الرسالة، والخطبة: مصدر

بمنزلة الخطب، والجلسة: المرة، والجلسة: مصدر بمنزلة الجلوس، والضغطة: الفعلة والضغطة: المصدر، والفَعْلةُ: المرة، والفِعْلةُ: المصدر بمنزلة الجلسة والمشية والعمة. قال الفراء: حدثني موسى الأنصاري عن السري بن إسماعيل عن الشعبي أنه قرأ: (وفعلت فعلتك) بكسر الفاء. قال: ولم يقرأ بها غيره. والعمة أيضًا مصدر بمنزلة الجلسة، وقال

يعقوب: المرضة، والمرضة معناهما: تمر ينقع في اللبن، فتصبح الجارية فتشربه، وهي الكديراء. قال: وسألت بعض بني عامر فقال: المرضة: اللبن الحامض الشديد الحموضة الذي إذا شربه أصبح قد تكسر. قال الشاعر: إذا شرب المرضة قال أوكى ... على ما في سقائك قد روينا

باب ما يحمل الفعل على لفظه فيذكر وعلى معناه فيؤنث

باب ما يحمل الفعل على لفظه فيذكر وعلى معناه فيؤنث من ذلك من، وما، وأي، وكل، وغير، وكلتا. تقول من ذلك من النساء من يقوم، فتذكر الفعل للفظ (من)؛ لأن لفظها لفظ واحدٍ مذكر، وإن شئت قلت: من النساء من تقوم، فأنثته لمعنى (من)؛ لأن معناها معنى التأنيث، وإن شئت قلت: من النساء من تقومان، ومن النساء من يقمن، فتجعل (من) في معنى امرأتين، وفي معنى نسوة، ولا يجوز أن تقول: من النساء من يقومان، ومنهن من يقومون؛ لأنك إذا ثنيت أو جمعت فقد رجعت إلى معنى (من)، ومعناها التأنيث، وكذلك تقول: من يقوم جاريتك، ومن تقوم جاريتك، فالتذكير للفظ (من)، والتأنيث للمعنى، وكذلك من يقوم جاريتاك، ومن تقومان جاريتاك، ومن يقوم جواريك، ومن يقمن جواريك، ولا يجوز: من يقومان جاريتاك، وكذلك لا يجوز: من يقومون جواريك؛ لأنك إذا ثنيت وجمعت فقد أبطلت اللفظ، ورجعت إلى المعنى، فليس لك أن تذكر. وإذا قلت: من الرجال من يقوم كان لك ثلاثة أوجه: من الرجال من يقوم، ومنهم من يقومان، ومنهم من يقومون. وإذا وحدت (يقوم) فلك في (من) ثلاثة معانٍ: يجوز أن تكون في معنى

واحدٍ، فأخرج (يقوم) على اللفظ والمعنى، ويجوز أن تكون في معنى اثنين، وفي معنى جمعٍ، فأخرج الفعل على لفظها، ولم يخرج على معناها. قال الله -تبارك وتعالى-: (ومنهم من يستمعون إليك) فأخرج الفعل على معنى (من) ولم يخرجه على لفظها، وقال الله عز وجل: (ومنهم من ينظر إليك) فأخرجه على لفظ (من) وأنشد الفراء: ألما بسلمى لمة إذ وقفتما ... وقولا لها عوجي على من تخلفوا فأخرج الفعل على معنى (من)، وأنشد الفراء وهشام وغيرهما للفرزدق: تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فأخرجه على معنى (من)؛ لأنها في معنى اثنين، وفي البيت الأول في معنى جمعٍ وقال الفراء: أنشدني بعض العرب: أيا أم عمروٍ من يكن عقر داره ... جواء عدى يأكل الحشرات ويسود من لفح الهجير جبينه ... ويعر وإن كانوا ذوي بكرات وقال الفراء: ولو قال: (وإن كان) كان صوابًا، وكل حسن، فجمع (كان) للمعنى وتوحيده للفظ. قال إبراهيم الحربي: سألت ابن الأعرابي عن حشرات الأرض، فقال: هو كل ما اصطيد، ولم يصطد. وكذلك (ما). تقول: من النعال ما تعجبني على معنى (ما)، ومن النعال ما يعجبني على أن (ما) في معنى واحدٍ واثنين وجمع، والفعل مذكر موحد للفظها، وتقول: من النعال ما يعجبانني، وما يعجبنني على أن [ما] في معنى اثنين، وفي معنى جمع. ويجوز أن تحذف (من) و (ما) إذا كان قبلها (من) أو (في)،

وتخرج الفعل على اللفظ وعلى المعنى، فتقول: من النساء يقول ذلك، ومنهن لا يقوله، ومن النساء تقول ذاك، ويقولان ذاك، ويقلن ذاك، ومنهن لا تقوله، ولا يقولانه، ولا يقلنه، ومن النعال يعجبك، وتعجبك، وتعجبانك، ويعجبنك، ومنهن لا يعجبك ولا تعجبك ولا تعجبانك، ولا يعجبنك. ومن قال: عند النساء من يقول ذاك لم يجز أن يحذف (من)، فيقول: عند النساء يقول ذاك؛ لأن (من) لا تحذف إلا إذا كانت قبلها (من) أو (في)؛ لأنهما ينوبان عن (من)؛ لأنهما من صنفهما، ولا يجوز الحذف مع غير (من)، و (في). قال الله عز وجل: (وما منا إلا له مقام معلوم) فحذف (من) لدلالة (من) عليها ولأنها كانت ظاهرة، وقال الشاعر أنشد الفراء: فظلوا ومنهم دمعه سابق له ... وآخر يثني دمعة العين بالهمل أراد: فظلوا ومنهم من دمعه، فحذف (من) وأنشد الأحمر: هما كابنتي مخرٍ ترى البرق منهما ... وما منهما يومًا يجود فيمطر أراد: وما منهما ما يجود، فحذف (ما) لدلالة (من) عليها وأنشد الفراء:

لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسبٍ وميسم أراد: من يفضلها، فحذف (من) لدلالة (في) عليها، وأنشد الأحمر للفرزدق: فعاش ولم يوتر ومات ولم يدع ... من الناس إلا قد أبات على وتر أراد: من قد أبات، وأنشد الأحمر أيضًا للفرزدق: وما منهما إلا نقلنا دماغه ... إلى الشام فوق الشاحجات الرواسم أراد: إلا من قد نقلنا، فحذف (من) لدلالة (من) عليها. و (أي) إذا كانت في معنى تأنيثٍ جاز أن يذكر الفعل للفظها وأن يؤنث لتأويلها، فتقول: أي الجاريتين قام وقامت، فإن أنثت (أيا) لم يجز في الفعل إلا التأنيث؛ كقولك: أية الجاريتين قامت؛ لأن لفظ (أي) ومعناها مؤنث، وتقول: أي الجواري الثلاث قام وقامت وقامتا، فمن قال: قام وقامت قال:

ذكرت وأنثت للفظ أي ومعناها، ومن قال: قامتا قال: (أي) في معنى جاريتين، فإذا ثنيت لم يجز في الفعل إلا التثنية؛ كقولك: أيتا الجواري الثلاث قامتا. لا يجوز غير هذا. وإذا نونت (أيا) كان لك فيها بضعة عشر وجها: أحدهن: أن تقول: أي قام زيد أم عمرو، فتجعلها في معنى واحد، وإن شئت قلت: أي قام الزيدان أم العمران، فتجعلها في معنى اثنين، وإن شئت قلت: أي قام الزيدون أم العمرون، فتجعلها في معنى جمعٍ، وإن شئت قلت: أي قام الهندان أم الجملان، فتجعلها في معنى اثنتين مؤنثتين، وإن شئت قلت: أي قام الهندات أم الجملات، فجعلتها في معنى جمعٍ مؤنثٍ، وإن شئت قلت: أي قامتا الهندان أم الجملان، وأي قمن الهندات أم الجملات، وإن شئت قلت: أيان قاما الزيدان أم العمران، وأيون قاموا الزيدون أم العمرون، وأية قامت أهند أم أجمل، وأيتان قامتا الهندان أم الجملان، وأيات قمن الهندات أم الجملات. قال الله عز وجل: (وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت) فذكر (أيا) وهي في معنى تأنيث وأنشد الفراء في تأنيثها:

بأي بلاءٍ أم بأية نعمةٍ ... يقدم قبلي مسلم والمهلب و (بعض) إذا أضفتها إلى مؤنث كان لك أن تخرج الفعل مرةً على لفظه فتذكره، ومرة على تأويله فتؤنثه، فتقول: قام بعض جواريك، وقامت بعض جواريك، فمن ذكر الفعل قال: هو لبعضٍ وبعض مذكر، ومن أنثه قال: أخرجته على معنى (بعضٍ)؛ لأن بعضًا في التأويل مؤنث. و (كل) إذا أضيفت إلى جمعٍ مؤنثٍ كان فيها ثلاثة أوجهٍ: أحدهن: أن تذكره للفظ (كل)، فتقول: كل جواريك قائم. والوجه الثاني: أن تخرجه على معنى (كل)، فتقول: كل جواريك قائمات. والوجه الثالث: أن تقول: كل جواريك قائمة على معنى: كل واحدةٍ من جواريك قائمة. وكذلك تقول: كل جواريك سوداوات، وسوداوان، وإن شئت قلت: كل جواريك سوداء على معنى: كل واحدةٍ منهن سوداء. حكى الكسائي عن العرب: كل دجاجك رقطاء على معنى: كل دجاجةٍ من دجاجك رقطاء، وإن شئت قلت: كل جواريك أسود، فذكرته للفظ (كل). وفي تذكير هذا وتذكير

(كل) ما لم يكن مبنيًا على الفعل قبح وقد أجازه الفراء. و (غير) و (مثل): تكونان للمذكر والمؤنث بلفظٍ واحدٍ. تقول: مررت بامرأةٍ غيرك، وتقول: غير هندٍ من النساء قال كذا وكذا، وغير هندٍ من النساء قالت كذا وكذا، وكذلك تقول: مثل هندٍ من النساء قالت، ومثلها قال. التذكير للفظ، والتأنيث للمعنى. وكل ما كان من الأسماء مبهما؛ نحو قولك: ما عندنا أحد، وكراب، وصافر، وديار، وعريب. فإن هذا يجري مؤنثه بالتذكير.

قال الفراء: رأيت العرب قد أفردت منه شيئًا لا يكادون يذكرون فعله، ولفظ الذكر. ومن ذلك قولهم: أتيتك وحي فلانة شاهدة [وإنما يريد فلانة]، وجئتك وحي زيد قائم. قال: ولم تسمع: وحي فلانة شاهد [إذا كانت حية]، وذلك أنهم إنما قصدوا بالخبر عن فلانة إذ كانت حية، وقد قال فيه الشعراء فأكثروا. وقال بعضهم:

يا قر إن أباك حي خويلدٍ ... قد كنت خائفه على الإحماق وقال الآخر: ألا قبح الإله بني زيادٍ ... وحي أبيهم قبح الحمار

واعلم أن (كلتا) إذا دخلت على الاسمين كان لك في الفعل ثلاثة أوجهٍ: أحدهن: أن تؤنثه وتوحده؛ كقولهم: كلتا جاريتيك قامت. قال الله عز وجل: (كلتا الجنتين آتت أكلها). والوجه الثاني: أن تؤنثه وتثنيه، فتقول: كلتا جاريتيك قامتا. والوجه الثالث: أن تذكره، فتقول: كلتا جاريتيك قام. فمن أنث ووحد قال: عاملت لفظها؛ لأن لفظها لفظ واحدٍ مؤنثٍ، ومن ثنى قال: عاملت معناها، ومن ذكر ذهب إلى معنى (كل) فذكر فعلها؛ كما يذكر فعل (كل). قال الله عز وجل: (وكلهم آتية يوم القيامة فردًا) فوحد للفظ (كل). أنشد الفراء في تذكير فعل (كلتا): وكلتاهما قد خط لي في صحيفتي ... فلا العيش أهواه ولا الموت أروح ومن العرب من يقول: كلا جاريتيك قامت. أنشد الفراء:

كلا عقبيه قد تشعث رأسها ... إليك وقربي خالدٍ وحبيب وكذلك تقول: إن المرأتين كليهما قائمتان، وكلتيهما قائمتان، فتجعل كليهما وكلتيهما توكيدًا للمرأتين، وإن شئت جعلت (كلتا) اسما فقلت: إن جاريتك كلتاهما قائم وقائمة وقائمتان على ما مضى من التفسير. واعلم أن (كلتا) إذا أضيفت إلى الأسماء الظاهرة لم تغير ألفها في رفعٍ ولا نصبٍ ولا خفضٍ. تقول: كلتا الجاريتين قامت، وكلتا الجاريتين ضربت، وبكلتا الجاريتين مررت، فيكون ألف (كلتا) ثابتةً في اللفظ في الرفع والنصب والخفض. فإذا أضيفت إلى المكنى ثبتت الألف في الرفع، وحولت ياء في النصب والخفض و (كلا) بمنزلة (كلتا). تقول: قام الرجلان كلاهما، وأكرمت الرجلين

كليهما، ومررت بالرجلين كليهما، وقامت المرأتان كلتاهما، وأكرمت المرأتين كلتيهما، ومررت بالمرأتين كليتهما. فإن قال قائل: لِمَ لَمْ تغير (كلا) و (كلتا) مع الظاهر، وغيرت مع المكنى، فجعلت ياء في النصب والخفض؟ قيل له: في هذا قولان: أحدهما: أن الألف في (كلا) لام الفعل، ووزن (كلا) من الفعل: (فعل) على مثال معي ورضى، وألف (كلتا) ألف تأنيث مثل ألف ذكرى وشعرى، والتاء في (كلتا) هي الألف التي في (كلا) انقلبت واوًا، فصارت كلوى، ثم أبدلت التاء من الواو؛ كما أبدلت من الواو في التراث، وأصله:

الوارث، وأبدلت من الواو في تجاهٍ وأصله: وجاه، ثم وجدوها لا تستغني عن الخفوض؛ كما لا تستغنى (على)، و (لدى)، و (إلى)، فكانت عندهم مضارعة لهذا الحروف، فجعلوا ألفها ثابتةً مع الظاهر، كما أن الألف في (على)، و (لدى)، و (إلى) ثابتة مع الظاهر، وجعلوها بالياء مع المكنى. ألا ترى أنك تقولك على زيدٍ وعليه، ولدى زيدٍ ولديه، وذلك أن هذه الحروف لا تقع في موضع الرفع المحض. والقول الآخر: أن الألف في (كلا) و (كلتا) ألف تثنية، فجعلت بالألف مع الظاهر في كل حالٍ؛ لأنها لا ينفرد لها واحد على صحةٍ، فكانت بمنزلة الاسم الواحد، وقد أفرد لها بعض الشعراء واحدا، وهو مما لا يلتفت إليه، فقال: أنشد الفراء:

في كلت رجليها سلامي واحدة ... كلتاهما مقرونة بزائدة وقال الفراء: يقال عندي ثلاثة أقاويل، وثلاث أقاويل، فمن قال: ثلاثة أقاويل قال: أردت أقوالاً، ثم قلت أقاويل وأنا أريد جمع الأقوال القليلة، وجائز أن يؤدي كثير الجمع عن قليله، ومن قال: ثلاث أقاويل قال: أردت جمع أقوالٍ وأقوالٍ وأقوالٍ، فهذا لا يكون إلا بثلاث، ولا يكون عده أقل من تسعة.

فالأول وإن كان لفظه لفظ أقاويل فهو في مذهب ثلاثة؛ كما قال الشاعر: فيها ثلاث قلص وبكران والقلص: جمع كثير، والقليل منه ثلاث قلائص.

باب الجمع بين المذكر والمؤنث

باب الجمع بين المذكر والمؤنث (اعلم أن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا غلب المذكر على المؤنث. تقول من ذلك: الرجل والمرأة قاما وقعدا وجلسا، ولا يجوز: قامتا وقعدتا؛ لأن المذكر يغلب المؤنث؛ لأنه هو الأصل والمؤنث مزيد عليه، فالمزيد عليه هو الأصل. ويجوز أن تؤنث الفعل، وتضمر خبر المؤنث، فتقول: الرجل والمرأة قامت، والرجل والمرأة قام، فمن قال: قامت أراد: الرجل قام، والمرأة قامت، ومن قال: الرجل والمرأة قام أضمر خبر المرأة. قال ضابئ البرجمي: فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيارًا بها لغريب

أراد: فإني بها لغريب، وإن قيارا بها لغريب، فأضمر الخبر، وقال الآخر: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مختلف أراد: نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راضٍ، فاكتفى بأحد الخبرين من الآخر وأنشد الفراء: إني ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبى وكان وكنت غير غدور أراد: وكان غير غدور، وكنت غير غدورٍ. وقال حسان: إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا أراد: ما لم يعاصيا فاكتفى بالخبر عن أحدهما، وقال الآخر: رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئًا ومن جول الطوى رماني أراد: كنت منه بريئًا، وكان والدي منه بريئًا. وقال الآخر:

ما كان حينك والشقاء لينتهي ... حتى أزورك في مغارٍ محصدٍ أراد: ما كان حينك لينتهي، وما كان لشقاؤك لينتهي. (وتقول: قال فلان وفلانة ابنا فلانٍ كذا وكذا، فتغلب المذكر على المؤنث في النعت: كما غلبته عليه في الخبر، وكذلك تقول: قام أخوك وأختك العاقلان، وجلس زيد وهند الكريمان. فإن نعت أحدهما دون الآخر ذكرت نعت المذكر، وأنثت نعت المؤنث، فقلت: جلس زيد وهند الكريم، وجلس زيد وهند الكريمة). وكذلك تكتب لفلانٍ وفلانة ابني فلان من فلانة وفلانٍ ابني فلانٍ. على ما فسرنا. وكذلك تقول: الرجلان والمرأة قالوا كذا وكذا، ويقولون كذا وكذا، وقائلون كذا وكذا، فتغلب المذكر على المؤنث، وكذلك النعت. تقول: قام محمد والزينبان بنو فلانٍ، وتكتب للمحمدين والزينبين بني فلانٍ، وكذلك تقول: قام الزيدان والهندان العاقلون، ولا يجوز العاقلات للعلة التي تقدمت. وتقول: إبلك وراعيها مقبلون، فيكون لك ثلاثة أوجهٍ:

أحدهن: أن تقول: إبلك وراعيها مقبلون، فتغلب المذكر على المؤنث، وإ، شئت قلت: إبلك وراعيها مقبلة، فرفعت الإبل بمقبلة، وأضمرت خبر الراعي، وإن شئت قلت: إبلك وراعيها مقبل، فأضمرت خبر الإبل. كأنك قلت: إبلك مقبلة، وراعيها مقبل. وقال هشام: إذا قلت: غنمك والراعي، قلت مقبلون لا غير. قال أبو بكر: وليس عندي كما ذكر؛ لأن هذه المسألة بمنزلة التي تقدمت، وفيها الثلاثة الأوجه. وتقول: الطائفة وجاريتك مغلوبات ومغلوبتان ومغلوبة، فمن قال (مغلوبات) جعل الخبر لهما جميعًا، وجمع على معنى الطائفة؛ لأن الطائفة في معنى جمعٍ، ومن قال (مغلوبتان) جعل الخبر لهما جميعًا، وأخرجه على لفظ الطائفة؛ لأن لفظها لفظ الوحدة، ومن قال (مغلوبة) كان له مذهبان: أحدهما: أن يقول (مغلوبة) للجارية، وخبر الطائفة مضمر، والتقدير: الطائفة مغلوبة، والجارية مغلوبة، فاكتفيت بأحد الخبرين من الآخر.

باب من جمع المؤنث

باب من جمع المؤنث اعلم أن النون علامة جمع المؤنث القليل، والتاء علامة لجمع المؤنث الكثير. تقول في جمع القلة: الهندات قمن، والزينبات جلسن، وتقول في جمع الكثرة: الهنود قامت، والزينبات جلست، وكذلك تقول في المستقبل: الهندات يقمن، والزينبات يجلسن في القلة، والهنود تقوم، والزيانب تجلس في الكثرة. وتقول في الدائم: الهندات قائمات، والزينبات جالسات في القلة، والهنود قائمة، والزيانب جالسة في الكثرة. قال النحويون: الأيام المعدودة أكثر من الأيام المعدودات، وكذلك تقول: لثلاث خلون ومضين وبقين من الشهر، وكذلك لأربع خلون وخمس مضين إلى العشر، فإذا كثر العدد قلت: لإحدى عشرة ليلة مضت وخلت، وكذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت ومضت، ولثلاث عشرة ليلة مضت وخلت إلى تسعٍ وعشرين. سمعت أبا العباس يقول: هو بمنزلة قولهم: الهندات قمن، والهنود قامت، وأنشد الفراء:

خط هذا الكتاب في يوم سبتٍ ... لثلاثٍ خلون من رمضان وكذلك تقول: النسوة تحدثن عندك، والنساء تحدثت عندك، ويقال: تحدث النساء عندك، فسررن زيدا، وتحدث النساء عندك فسرت زيدا، وربما قالوا: تحدثت النساء عندك فسررن زيدا، والقياس مع أصحاب القول الأول، والقول الثاني ليس بخطأ؛ لأن من العرب من يجعله سمة القليل للكثر، وسمة الكثير للقليل. قال الله عز وجل: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواجٍ) وقرأ قوم: (لا تحل لك النساء) بالتاء والاختيار التذكير؛ لأن الهاء والنون في قوله (بهن) للقلة، وتذكير الفعل يدل على القلة، وإلى هذا كان يذهب الكسائي، والدليل على صحة هذا القول قول النابغة: أخذ العذارى عقدها فنظمنه ... من لؤلؤ متتابعٍ متسرد والهاء والنون للجمع القليل من المؤنث، والهاء والألف للجمع الكثير. تقول من ذلك: الدراهم قبضتهن في القلة. وفي الكثرة: الدراهم قبضتها، وكذلك بعثت إليه أكبشًا فأذبحهن، وكباشًا فأذبحها. قال الله عز وجل: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله) ثم قال:

(منها أربعة حرم) أراد: من الاثني عشر، فجعل الهاء والألف للكثرة ثم قال بعد: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) أراد في الأربعة، فجعل الهاء والنون للقلة. على هذا أكثر أهل العلم. وقال قوم: الهاء والنون تعود على الاثني عشر. فهذا ليس بخطأ، إلا أن الأول أجود منه، والتفسير يشهد للأول؛ لأنه عز وجل خص الأربعة فقال: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) (ليعظم حرمتهن)؛ كما قال تعالى ذكره: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، فأفرد الصلاة الوسطى من الصلوات للخصوص، وقد أجاز الفراء المذهب الثاني وقال: ربما جعلت العرب سمة القليل للكثير، وسمة الكثير للقليل وقال: أنشدني أبو القمقام الفقعسي: أصبحن في قرح وفي داراتها ... سبع ليالٍ غير معلوفاتها

فجعل الهاء والألف للسبع، وهي قليلة، وكان الأجود أن يقول (غير معلوفاتهن) وتقول: أقبل أكبشك في القلة، وأقبلت كباشك في الكثرة، فالأكبش للجمع القليل والكباش للجمع الكثير، فإذا كان الجمع يقع على القليل والكثير بلفظٍ واحدٍ ذكرت الفعل إذا أردت القليل، وأنثته إذا أردت الكثير، فتقول -إذا أردت القليل-: هدم الأخبية في جمع الخباء، وإذا أردت الكثير قلت: هدمت الأخبية فافهم ما وصفت لك، وقس عليه.

باب ما جاء على مثال فعل، وفعلول من نعوت المؤنث

باب ما جاء على مثال فعل، وفعلول من نعوت المؤنث يقال: أرض جرز، إذا كانت جدبة تأكل النبات أكلاً مشبهةً بقولهم: سيف جزر، إذا كان قطاعا، ورجل جزر، إذا كان كثير الأكل، وفيه أربع لغاتٍ: يقال: أرض جُرُزٌ وجُزْرٌ، وجُرَزٌ، وجَرْز. قال الله جل وعز: (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز)، ويقال: أرض جرز، وأرضون أجراز. أنشد أبو عبيدة: وأي فتى علمت إذا حللتم ... بأجرازٍ مغللها جديب ويقال: روضة أنف، إذا لم ترع. قال عنترة: أو روضة أنفًا تضمن نبتها ... غيث قليل الدمن ليس بمعلم

ويقال: بئر سدم للمندفنة، وماء سدم، وشيء سدم، إذا كان مندفنا. قال الشاعر: سدمًا قليلا عهده بأنيسه ... من بين أصفر فاقعٍ ودفان وقال يعقوب: حكى أبو عمرو: امرأة فضل، إذا لم يكن تحت درعها إزار، وثوب فضل، إذا كان وحده، وأنشد: السالك الثغرة اليقظان سالكها ... مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل

وكأس أنف: لم يشرب منها قبل ذلك، وقال يعقوب: يقال ليلة خرس: أي لا يسمع فيها صوت، وأنشد: فياليلةً خرس الدجاج طويلة ... ببغدان ما كادت عن الصبح تنجلي قال الأصمعي: أراد: خرس الدجاج، فخفف، وقال الكسائي والفراء: أراد: خرسا دجاجها، فنقل الفعل عن الدجاج إلى الليلة، وأضيف إلى الدجاج؛ كما تقول: مررت برجل كرامٍ آباؤه، ثم تنقل الكرام عن الآباء إلى لفظ الرجل، فتضيفه إلى الآباء، فتقول: مررت برجل كرام الآباء.

ويقال: سحابة نشر، أي منتشرة، ورياح نشر إذا كانت طيبة، وكذلك يقال: ريح نشور، إذا كانت طيبة. قال الله عز وجل: (وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته). وقرأ على بن أبي طالب رضي الله عنه: (بشرا بين يدي رحمته)، والبشر: جمع بشيرةٍ، وهي الريح التي تبشر بالخير والمطر. ويقال: رجل فرج، ورجال أفراج، وامرأة فروج؛ إذا كانوا لا يكتمون سرا. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب للثقفي: حافظ السر لا أبوح به الدهر ... إذا ما الأفراج بالسر باحوا وامرأة كند: كفور للمواصلة. قال الشاعر:

أحدث لها تحدث لوصلك إنها ... كند لوصل الزائر المعتاد ويقال: امرأة نفج الحقيبة، أي عظيمة العجيزة، ويقال: شجرة قطل، أي مقطوعة، ويقال: عين حتد، إذا كان لا ينقطع ماؤها، وناقة سرح، سهلة السير، وامرأة نزر، قليلة الولد، وقال الكسائي: يقال: قارورة فتح، للتي ليس لها صمام، ولا غلاق، ويقال: غارة دلق، إذا كانت شديدة الدفعة. قال طرفة: دلقٍ في غارةٍ مسفوحة ... كرعال الطير أسرابًا تمر

ويقال: فرس فرط، إذا كانت سريعة، وفرس أفق، إذا كانت رائعة. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب، لابن أحمر: ليست بشوشاة الحديث ولا ... فتقٍ مغالبةٍ على الأمر ويقال: امرأة فضل، إذا كانت في ثوبٍ واحدٍ، ويقال: ناقة طلق بلا قيدٍ وامرأة عطل بلا حلي، وقوس عطل بلا وترٍ، وناقة عطل

بلا خطامٍ، وقال الأصمعي: يقال: ناقة فنق، إذا كانت فتية لحيمةً، وكذلك امرأة فنق، إذا كانت عظيمةً حسناء. ويقال: قوس فرج، إذا كانت منفجة عن الوتر. لا يلصق وترها بكبدها. أنشدنا عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: بات يعاطي فرجًا زجوما الزجوم: التي تزجم وهو صوت لا يرتفع. يقال: ما زجم بزجمةٍ، أي ما تكلم بكلمة. وناقة أجد، إذا كانت موثقة الخلق، وقال الأحمر: يقال: افعل ذاك إما هلكت هلك، وأجراها بعضهم، فقال: هلكت هلك، والمعنى: افعل ذاك على معنى ما خيلت. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: "اعور جعد أزهر هجان كأن رأسه أصله أشبه الناس

بعبد العزى بن قطن فإما هلكت هلك فإن ربكم ليس بأعور". فمعنى قوله: إما هلكت هلك فإنه صلى الله عليه وسلم يريد: فإن هلكت به هلك وضلوا فاعلموا أن الله عز وجل ليس بأعور، وهلك: جمع هالك؛ مثل حاسر وحسر، وإن كنت الرواية: فإما هلكت هلك فإنه يريد: فإن شبه عليكم بكل معنى فلا يشتبهن عليكم أن ربكم ليس بأعور. والأزهر: الأبيض. والهجان: الأبيض. والأصلة: الأفعى الكبيرة الرأس القصيرة الجسم، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. قال طرفة: أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد ويقال: امرأة عطبول للطويلة العنق، وامرأة شغموم للتامة الحسنة وهي الشغاميم، وهي من الإبل الغزيرة، ويقال: ناقة عبسور، إذا كانت

صلبة، ومثلها عيسجور، وناقة خرجوج، إذا كانت طويلة على الأرض، وقال أبو عمرو: هي الضامر، والحرج مثلها، ويقال: فرس لهموم، إذا كانت غزيرة في الجري. أنشد عبد الله قال: أنشدنا يعقوب: أنت سقيت الفتية الأصاغرا ... كومًا براعيس معًا خناجرا وقال الأصمعي: يقال: ناقة رهشوش، إذا كانت خوارة غزيرة، وناقة لهموم، وخنجور، وهذا كله في الغزر.

باب ما جاء على مثال فعلل، وفعلل وفعل، وفعل، وفعل من نعوت المذكر

باب ما جاء على مثال فِعْلِلِ، وفَعْلَلٍ وفِعْل، وفُعْل، وفَعْل من نعوت المذكر يقال: ناقة ضرزم: للسمنة التي يسيل لعابها من الكبر. قال مزرد: قذيفة شيطانٍ رجيمٍ رمى بها ... فصارت ضواة في لهازم ضرزم ويقال: امرأة هرمل، ونعجة هرمل، إذا كان فيها هوج واسترخاء، وكذلك الخذعبل والخرمل، وناقة دلقم، وهي التي تكسر فوها، فسأل مرغها، والمرغ: اللعاب. ويقال: بئر خضرم، إذا كانت غزيرةً. حدثنا عبد الله قال: حدثنا يعقوب قال: العجاج قال: لقيني جرير فقال: أين تريد؟

فقلت اليمامة فقال: تجد بها نبيذًا خضرمًا، أي كثيرًا، ويقال: ناقة دردح، وناب لطلط، إذا وقعت أسنانها وكذلك: ناب كحكح، والناب: الناقة المسنة، ويقال: امرأة دفنس ودنفس، إذا كانت حمقاء، ويقال: ناقة صمرر للتي لا ابن لها، ويقال: هي التي لا تبل الصوفة، ويقال: ناقة جلعد، إذا كانت غليظةً شديدةً، ويقال للذكر: جلاعد. قال نصيب: إليك أبا حفصٍ تعسفت الفلا ... برجلي فتلاء الذراعين جلعد وقال الراجز الفقعسي: أنشد عبد الله. قال: أنشدنا يعقوب: صوى لها ذا كدنةٍ جلاعدا ... لا يرتعى الأصياف إلا فاردا

ويقال: ناقة ضمعج، إذا كانت غلظة شديدة، ويقال: امرأة قرثع، إذا كانت حمقاء، وقال يعقوب بن السكيت: قال بعضهم: القرثع: التي تكحل إحدى عينيها، وتدع الأخرى، وتخضب إحدى يديها، وتدع الأخرى، وتلبس درعها مقلوبًا. ويقال امرأة سلفع للجريئة وامرأة خلبن للخرقاء المخلطة ويقال: امرأة رعبل للخرقاء المتساقطة، وقال الأصمعي: ناقة دلعس، وبلعك، وديعك، إذا كانت ضخمة فيها استرخاء وإبطاء. وقال أبو عبيدة: يقال: بئر زغرب، وزغربة، أي كثيرة الماء،

وأنشدنا: فصبحت في الفجر بئرا زغربا وقال الآخر: فوردت قبل انبلاج الفجر ... زغربة الماء خسف البحر ويقال: ناقة بسط، إذا تركت مع ولدها لم تعطف على غيره، والجمع: أبساط وبساط. قال أبو النجم: يدفع عنها الجوع كل مدفع ... خمسون بسطًا في خلايا أربع ويقال: ناقة نقض ونقضة، إذا كانت مهزولةً، وكذلك ناقة نضو، ونضوة. ويقال: ناقة ثني، إذا نتجت بطنين، وثنيها: ما في بطنها، وناقة ثلث، ولا يقال: ربع إنما يقال: أم رابع. وأما قول العرب: أرض سي، إذا كانت مستويةً فوزنها من الفعل: فعل، وأصلها: سوى فاعلم، فلما اجتمعت الواو والياء [و] سبقت إحداهما

بسكونٍ قلبت الواو ياءً، وأدغمت في الياء التي بعدها، وكسر ما قبل الياء لتصح. وكذلك قولهم: أرض قي. وزنها من الفعل: فُعْل، والعلة فيها كالعلة في سي، والقي: الأرض التي لا نبات فيها، ولا أنيس بها. ويقال: بئر سك، إذا كانت ضيقة، ويقال: امرأة رؤد، وهي الناعمة اللينة، وقال يعقوب: يقال: ركية ذم للقليلة الماء وأنشد: معقدة لم ينبطوها ذم قال: ويقال لها أيضًا: ذمام؛ كقوله: ركية بالوقبى ذمام

قال: ويقال للماء القليل أيضًا ذم وأنشد: ومعقدات ماؤهن ذم وقال الأصمعي: يقال: هذه بئر ذمة، وجمعها ذمام، إذا كانت قليلة الماء. وقال ذو الرمة -يصف عيون الإبل أنها قد غارت من طول السير: على حميرياتٍ كأن عيونها ... ذمام الركايا أنكزتها المواتح قوله: أنكزتها معناه: أنفدت ماءها. والمواتح: المستقون، واحدهم: ماتح. وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على بئرٍ ذمةٍ، أي على بئرٍ قليلة الماء، ويقال: امرأة خود، وهي الحسنة الخلق. أنشد الفراء: وإذ هي عذبة الأنياب خود ... تعيش بريقها العطش المجودا ويقال: أرض قفر، وأرضون قفر، ومن العرب من يقول: أرض قفرة، ويقول في الجمع: قفرات. ويقال: ناقة جلس للمشرفة. قال يعقوب: نرى أنها اشتقت من جلس

نجدٍ، ويقال لنجدٍ: جلس، ويقال: قد جلس الرجل، إذا أتى نجدا. قال الهذلي: إذا ما جلسنا لا تزال ترومنا ... سليم لدى أبياتنا وهوازن وقال الآخر: شمال من غار به مفرعا ... وعن يمين الجالس المنجد وقال الآخر: إذا أم سرياح غدت في ظعائن ... جوالس نجدٍ فاضت العين تدمع

وقال الشماخ: وأضحت على ماء العذيب وعينها ... كوقب الصفا جليسها قد تغورا أي غار منها ما كان مشرفا، وقال الآخر: قل للفرزدق والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس أي ايت نجدا، وقال العجاج: كم قد حسرنا من علاةٍ عنس ... كبداء كالقوس وأخرى جلس ويقال: ناقة حرف، إذا كانت شديدةً صلبةً. شبهت بحرف الجبل في صلابته، ويقال للسريعة حرف، فتشبه بحرف السيف في مضائه. قال

الشاعر: وإذا خليلك لم يدم لك وصله ... فاقطع لبانته بحرفٍ ضامر ويقال للناقة إذا هزلت: حرف. قال الشاعر: حرف توارثها السفار فجسمها ... عار تساوك والفؤاد خطيف والحرف هاهنا: المهزولة، ومعنى قوله (تساوك): تمايل من الضعف. ويقال: ناقة رهب، إذا كانت مهزولة، وناقة عنس للصلبة الشديدة، ولا يقال ذلك للذكر. وقال أبو عبيدة: يقال: درع زغف، إذا كانت

لينةً، وقال الأصمعي: يقال: ناقة خبر، وهي الغزيرة، والخبر: المزادة. شبهت في غزارتها بالمزادة، وأنشد الأصمعي: أنت وهبت هجمةً جرجورا ... أدمًا وعيًا مغضًا خبورا

باب ذكر تصغير الأسماء المؤنثة التي لا تظهر فيها علامة التأنيث

باب ذكر تصغير الأسماء المؤنثة التي لا تظهر فيها علامة التأنيث اعلم أنك إذا صغرت اسمًا مؤنثًا على ثلاثة حروفٍ أدخلت في تصغيره الهاء. تقول في تصغير يدٍ: يدية، وفي تصغير رجلٍ: رجيلة، وفي تصغير فخذ: فخيذة، وفي تصغير ساقٍ: سويقة، وفي تصغير عضدٍ: عضيدة، وفي تصغير هند: هنيدة، وفي تصغير جملٍ ونعم ودعد: دعيدة وجميلة ونعيمة. فإذا كان اسم المؤنث على أربعة أحرفٍ لم يدخله الهاء، فتقول في تصغير عناقٍ: عنيق، وفي تصغير نوارٍ: نوير، وفي تصغير عقربٍ: عقيرب. فإن قال قائل: لم أدخلوا الهاء في تصغير الأسماء المؤنثة الثلاثية، ولم يدخلوها في تصغير ما جاوز الثلاثة؟ قيل له: قال سيبويه: كل مؤنثٍ على ثلاثة أحرفٍ تلحق الهاء في تصغيره؛ لئلا يساوي المؤنث المذكر في كل حالٍ، أي كرهوا أن يصغروه بغير هاء، فيشبه المذكر في حال التكبير والتصغير. قال سيبويه: قلت للخليل: ما حال عناقٍ؟ قال: استثقلوا التاء حين كثر العدد، وجاوز الأصل

فصارت القاف بمنزلة الهاء، فساوت فعيلة في العدد والزنة، فاستثقلوا الهاء، وكذلك جميع ما كان على أربعة أحرفٍ. فمذهب الخليل وسيبويه أن الحرف الرابع من الأسماء المؤنثة يقوم مقام الهاء التي تدخل في تصغير الأسماء الثلاثية. وقال الكسائي: اعلم أن العرب تصغير ما كان من أسماء النساء على ثلاثة أحرفٍ مثل برقٍ، ولهوٍ، وخودٍ، وجملٍ، وريمٍ، بالهاء وبغير الهاء، فمن صغر بالهاء لم يجر ومن صغر بغير الهاء لم يجر وأجرى، وقال: أرى أن من صغر بغير الهاء أراد الفعل فيجرى ولا يجرى، وهذا القياس في كل مؤنثٍ أنه تدخله الهاء؛ لأنه اسم مؤنث، وأصله الفعل سمي به. ومن لم يدخل الهاء بنى بناء الفعل، ولا يجرى للتعلق على المؤنث. قال: وأما الأسماء التي ليست للأناسي فأكثر ما جاءت بالهاء؛ لأنها لمؤنثاتٍ وقعت. وقال الفراء: إنما أدخلوا الهاء في يديةٍ وقديمةٍ؛ لأنه عندهم مبني على التأنيث لم تكن اليد والفخذ والرجل اسمًا لشيء غير الفخذ، فكأنها في التسمية وقعت هي والأسماء معا، فلما صغروا قالوا: قد كان ينبغي أن تكون رجلة وفخذة، ولكنهم أسقطوا منه الهاء فلما صغروا أظهروا الهاء؛ كما قالوا في دمٍ: دمي. قال الفراء: فإن قال قائل: إن دمًا رد إليه لام الفعل، والهاء لا تكون من الفعل. قلت: لو كان هذا على ما تقول ما صغروا خيرًا منك، ولا شرًا منك بإخراج الألف. قال: ومثله تصغير العرب الحدل: أحيدل ردوا إليه في التصغير ألفا زائدة.

وقالوا في العطش: العيطشان، فردوا إليه ألفًا ونونًا وهما زائدتان، والهاء إذا كانت تدل على التأنيث، وكنت منويةً في تكبير ما صغرته أولى؛ لأن الهاء تدل على التأنيث، والألف والنون قد كان صاحبهما مذكرا وهما ملقاتان؛ إذ كنت تقول: عطش وعطشان، فيكونان كلاهما مذكرين. واعلم أن العرب تصغر الناب من الإبل وهي مؤنثة: نييب، ويصغرون الحرب وهي مؤنثة بغير الهاء، فيقولون في تصغيرها: حريب، ويصغرون قوس الرمي وهي أنثى بغير الهاء، فيقولون: قويس، ويصغرون العرس وهي أنثى بغير هاء، فيقولون: عريس، ويصغرون الذود وهي أنثى بغير هاء، فيقولون: ذويد. قال سيبويه: سألت الخليل عن الناب من الإبل: لم صغرت نييبا؟ قال: لأنهم جعلوا الاسم المذكر اسمًا لها حين طال نابها على نحو قولك: إنما أنت بطن، ومثله: أنت عينهم، فصار اسمًا غالبًا. قال: وزعم الخليل أن

الحرب بتلك المنزلة. كأنه مصدر مذكر كالعدل، فالعدل مذكر، وقد يقال: جاءت العدل المسلمة، فكأن الحرب صفة ولكنها أجريت مجرى العدل. وقال الكسائي: قد صغروا القوس والحرب، والشول، والذود بغير هاء ذهب به إلى الفعل، وكذلك الغنم تصغر بالهاء وبغير الهاء، وكذلك القياس في الثلاثي الوجه الهاء وما سقطت منه الهاء ذهب به إلى الفعل، فأجرى ولم يجر. هذا مذهب الكسائي، وقال الفراء: قد قالت العرب في الناب من الإبل: نييب، فصغروها بغير الهاء، وذلك أنها سميت باسم قد كان مذكرًا قبل أن يكون اسمًا للهرمة من الإبل، وهذا مخالف للعين والأذن. ألا ترى أنك لا تعرف للأذن اسمًا نقل إليها؛ كما نقل إلى الهرمة الناب من الأسنان. قال الفراء: ومثل ذلك قولهم في تصغير الحرب: حريب من المحاربة، ثم صيرت اسمًا للوقعة، وكانت مذكرًا سمي به مؤنث، فصغر على أصله، وكذلك القوس تصغير قويسًا. قال الشاعر: تركتهم خير قويسٍ سهمًا لأنها سميت بالتقوس والتعوج، فصغرت على أصلها. قال الفراء: ولو أدخلت الهاء في الناب والحرب والقوس، وتوهمت أنهن لم يكن اسمًا غلا لما سمين به كنت مصيبًا. قال: وقد قالت العرب في القوس:

قويسة. قال الفراء: والعرس والضحى مؤنثان يصغران بطرح الهاء. قال: وقد يقال: عريس وعريسة. قال: والتفسير فيهما كالتفسير في الحرب والقوس. قال: فأما الضحى فلم نسع فيها إلا ضحيا. قال: وتنكبوا أن يقولوا ضحية فرارا من أن يضارع تصغير ضحوة. فإن قال لك قائل: كيف تصغير السماء؟ فقل: أقول في تصغيرها: سمية. فإن قال لك: لم أدخلت الهاء في تصغيرها وهي على أربعة أحرفٍ وقد زعمت أن ما كان على أربعة أحرفٍ صغر بغير هاءٍ؟ قيل له: العلة في هذا أنها يجب أن يجتمع في تصغيرها ثلاث ياءات: ياء التصغير، والياء المبدلة من الألف في السماء، وياء تكون بدلا من الهمزة التي بعد الألف، فاستثقلوا ذلك، فحذفوا ياءً، فصار على ثلاثة أحرفٍ في التصغير، فدخلته الهاء؛ كما تدخل في تصغير الدلو، وصار قولهم في تصغير السماء: سمية؛ كقولهم في تصغير الدلو: دلية. فإن قال لك قائل: كيف تصغير الذراع والكراع فقل: هما يذكران ويؤنثان والأكثر فيهما التذكير، فمن أنثهما قال في تصغيرهما: كريعة وذريعة، ومن ذكرهما قال في التصغير: كريع وذريع. فإن قال قائل: كيف جاز أ، يصغر الذراع والكراع بالهاء من أنثهما وهما

من المؤنث الرباعي، والرباعي لا تدخله الهاء؟ قيل له: العلة في هذا أنهم لو صغروهما بغير الهاء وهم يؤنثونهما لالتبس ذلك بلغة الذين يذكرونهما، وأنثوا الهاء فيهما ليكون ذلك فرقًا بين لغة الذين يؤنثون والذين يذكرون. هذا مذهب الفراء وأبي العباس. وقال الفراء: لو كان الذراع والكراع مؤنثًا ومحضًا لم يقل في تصغيرهما إلا كريع؛ كما لم يختلفوا في تصغير الأتان والعناق والإصبع. ويقال في تصغير العقرب: عقيرب، فإذا ميزت الذكر من الأنثى، فقلت: رأيت عقربًا على عقربةٍ قلت في التصغير: رأيت عقيربا على عقيربةٍ. فإذا صغرت النعوت التي تنفرد بهن الإناث صغرتهن بغير الهاء، فتقول في تصغير طالق: طويلق، وفي تصغير طامثٍ: طويمث، وفي تصغير حائضٍ: حويض. قال الفراء: إنما فعل هذا؛ لأنه لا يشاكله شيء من غيره. قال: وإذا صغرت مثله مما يكون نعتًا للمؤنث والمذكر؛ مثل بازل، وساعل، وناحز فهو أيضًا في مؤنثه بغير الهاء. مصغر الناقة البازل: بويزل، والسديس من الغنم: سديس. قال الشاعر: بويزل أعوامٍ أذاعت بخمسةٍ ... وتعتدني إن لم يق الله ساديا وقال الآخر:

بينما الوحش في رياض ترعى ... نفرت من بويزل شملالٍ وقال: لا يكون شملال للمذكر. وقال الفراء: تصغر الخلق وإن كان نعتًا لمؤنث بغير هاءٍ، وكذلك الجديد وما كان من نعتٍ ليست فيه الهاء؛ مثل قولك: عربية محض، ومضرية قلب، فينبغي ألا تصغر المصدر فإن فعلت تركته على حاله بغير الهاء، فقلت: إنها لعربية محيض من العرب. وقال الفراء: إذا سميت امرأة باسم مذكر؛ كقولك: هذه لهو، وبرق، وكذلك كلل، وطرب وما أشبههن فلك في تصغيره وجهان: إن نيت أنك سميتها بجزءٍ من اللهو قليل صغرتها بالهاء، فقلت: هذه لهية قد جاءت، وهذه بريقة، وإنما أدخلت الهاء في اللهو، وقد عرفته مذكرا، ثم سميت به مؤنثًا؛ لأنه إذا كان بعضًا من اللهو في النية، فكأنه قد كان ينبغي له أن يكون بالهاء. ألا ترى أن قليل الضرب أو النظر إنما يقلل في الواحدة، فيقال: نظرة وضربة، وإن شئت قلت: هذه لهى قد جاءت بغير الهاء؛ لأنه مذكر في الأصل، فصغرته على أصله، ولو نويت أن تسميها باللهو الذي يقع على الكثير لم يكن تصغيره إلا بطرح الهاء. ألا ترى أنه مذكر وأنك لم تنو فيه تقليلا تنوى فيه فعلةً، فكان بمنزلة امرأةٍ سميتها بزيد،

فقلت: هذه زييد قد جاءت لا غير. فإن قال لك: إذا سميت امرأة باسمٍ مذكرٍ من أسماء الرجال على ثلاثة أحرفٍ، فقلت: هذه حسن، وهذه زيد، وهذه فتح، وهذه عمرو: كيف تصغره؟ فقل: اختلف في هذا أهل العربية: فقال الفراء وأبو العباس: تصغره بغير الهاء، فنقول: هذه زييد، وهذه عمير، وهذه حسين، واحتجا بأنك نويت بزيد أن يكون في معنى فلان ثم نقلته إلى امرأةٍ وأنت تنوي اسمًا من أسماء الرجال، ولم تتوهم المصدر، فذلك الذي منع من إدخال الهاء. قال الفراء: فإن قلت: أفتجيز أن تقول زييدة على وجهٍ. قلت: نعم إذا سميتها بالمصدر، كقولك: زدته زيدا، فها هنا يستقيم دخول الهاء وخروجها في تصغيره، لأنه بمنزلة لهوٍ في القلة والنية. وكذلك إذا سميت الرجل بمؤنث على ثلاثة أحرفٍ أو أكثر صغرته بغير هاءٍ، فإذا سميت رجلا بعين، وفخذٍ، قلت في التصغير: هذا عيين، وهذا فخيذ. هذا مذهب الفراء وأبي العباس، وقال سيبويه: إذا سميت رجلا بعين وأذنٍ فتحقيره بغير الهاء وتدع الهاء هاهنا؛ كما أدخلتها في حجر اسم امرأةٍ،

وقال: قلت للخليل: ما بال المرأة إذا سميتها بحجرٍ قلت: حجيرة، فقال: لأن حجرًا قد صار علمًا هذا، وصار خالصا وليس لصفةٍ، ولا اسمٍ شاركت فيه مذكرا على معنى واحد، ولم ترد أن تحقر المذكر. قال: ولو سميت امرأة بفرسٍ لقلت فريسة؛ كما قلت حجيرة، وكان يونس يذهب في هذا إلى مثل ما ذهب إليه الفراء، واحتج الفراء ويونس في أن المذكر إذا علق على مؤنثٍ صغر بالهاء. تقول العرب: عيينة بن حصن. أدخلوا الهاء في تصغير العين، وهي اسم لمذكرٍ، وكذلك قالوا: عروة بن أذينة، فأدخلوا الهاء في تصغير الأذن، وهي اسم لمذكر، واحتج سيبويه بأن هذين الاسمين سمي بهما مصغرين، ولم يصغرا بعد التسمية.

باب ذكر تصغير الأسماء المؤنثة التي تظهر فيها علامة التأنيث

باب ذكر تصغير الأسماء المؤنثة التي تظهر فيها علامة التأنيث اعلم أنك إذا صغرت اسمًا مؤنثًا فيه هاء التأنيث أو ياء التأنيث أو مدة التأنيث عملت فيه ما تعمل فيما ليست فيه علامة: من ضم أوله وفتح ثانيه وإدخال ياء التصغير ثالثة، وتترك علامة التأنيث على ما كانت عليه في التكبير لا تغيرها، فتقول في تصغير طلحة وعمرة وجالسةٍ وقاعدةٍ: طليحة، وعميرة، وجويلسة، وقويعدة، وكذلك تقول في تصغير سلمة: سليمة، وتقول في تصغير حمراء: حميراء، وفي صفراء وسوداء: صفيراء، وسويداء، وتقول في تصغير ليلى، وسعدي، وحبلى، وبشرى، وأخرى: لييلى، وسعيدي، وحبيلي، وبشيري، وأخيري. فإن لم تكن الياء ياء التأنيث، وكانت ياء إلحاقٍ كسرت الحرف بعد ياء التصغير وحذفتها لاجتماع الساكنين، فتقول في تصغير معزى: معيز كما ترى، فتكسر الزاي كما تكسر الراء في هجرعٍ إذا صغرته، فتقول: هجيرع، وحذفت الياء التي بعد الزاي التي في معيزٍ لاجتماع الساكنين، وكذلك تقول في تصغير أرطي: أريطٍ، فتكسر الطاء كما تكسر القاف في جعفر إذا صغرته، فتقول: جعيفر، وتحذف الياء التي بعد الطاء لسكونها وسكون التنوين، وأرطى ملحق بجعفر، ومعزى ملحق بهجرع، وكذلك تقول في

تصغير حبركي: حبيرك، فتكسر ما بعد الياء: كما تكسر ما بعد الياء في تصغير سفرجل، وذلك أن حبركي ملحق ببناء سفرجل، وحذفت الألف من حبركي في التصغير؛ كما تحذف اللام من سفرجل إذا صغرته، فتقول في تصغيره: سفيرج. وإذا كانت المدة لغير التأنيث كسرت الحرف الذي بعد ياء التصغير، فتقول في تصغير سقاءٍ: سقيقي فاعلم، وفي تصغير شواء: شويوي فاعلم، وتقول في تصغير علباءٍ وحرباء: عليبي فاعلم، وحريبي فاعلم، فتكسر ما بعد ياء التصغير؛ لأن علباء وحرباء ملحقان ببناء شملال، والمدة فيهما ليست مدة تأنيث.

فإن قال لك: كيف تصغر الكساء والرداء والقضاء؟ فقل: أقول في التصغير: كسى، وردى، وقضى. فإن قال لك: لم لم تكسر ما بعد ياء التصغير؟ فقل: كان الأصل في تصغيرهن: كسيي، ورديي، وقصيي، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث ياءات، فأسقطوا الياء الأولى؛ فلذلك لم تأت الكسرة بعد ياء التصغير فيهن. وقولهم: هم غوغاء. للعرب في (غوغاء) مذهبان: قوم يجعلونها فعلالاً بمنزلة الزلزال فيجرونها، وقوم يجعلونها (فعلاء) بمنزلة عوراء، فلا يجرونها. فمن أجراها قال في تصغيرها: غويغي؛ كما تقول في تصغير الزلزال: زليزيل، ومن لم يجرها قال في تصغيرها: غويغاء؛ كما تقول في تصغير عوراء: عويراء. ومن قال قوباء فأجرى جعله بمنزلة قسطاسٍ قال في التصغير: قويبي. ومن قال: قوباء فلم يجر قال في التصغير: قويباء، لأن المدة فيه مدة

التأنيث، فتصغر كما تصغر حمراء وصفراء. وإذا صغرت معطاء، ومهداءً قلت في تصغيره: معيطي، ومهيدي، لأن المدة فيهما ليست بمدة تأنيثٍ. وإذا صغرت خنفساء، وعنصلاء، وعنظباء قلت في تصغيره: خنيفساء، وعنيصلاء، وعنيظباء، لأن المدة فيه مدة التأنيث. واعلم أنك إذا صغرت اسمًا في آخره ألف ونون زائدتان لم تغير الحرف الذي بعد ياء التصغير؛ كما لم تغير مدة التأنيث، فتقول في تصغير سكران وغضبان ومروان: سكيران، وغضيبان، ومريان، وكذلك تقول في تصغير

سكرانة وغضبانة وعطشانة: سكيرانة، وغضبيانة، وعطيشانة. فإذا كانت النون أصليةً أو مشبهة بالأصلية كسرت الحرف الذي بعد ياء التصغير، وأبدلت من الألف ياء، فتقول في تصغير أقحوانة: أقيحينة، وفي تصغير عنظوانة: عنيظينة، وكذلك تقول في تصغير درحاية وقنداية: دريحية وقنيدية، فافهم هذا واقتس وقس عليه إن شاء الله.

باب من تصغير الأسماء المؤنثة

باب من تصغير الأسماء المؤنثة اعلم أنك إذا صغرت أسماء البلدان عملت فيها ما تعمل في غيرها من الأسماء، فتقول في تصغير حمص، وفيد وحلب: حميصة، وفييدة، وحليبة، فتدخل الهاء في تصغيرهن؛ لأنهن مؤنثات على ثلاثة أحرفٍ. وتقول في تصغير فارس: فويرس، ولا تدخل في تصغيرها الهاء؛ لأنها مؤنثة على أربعة أحرف. وتقول في تصغير واسط ووسيط، فلا تدخل الهاء في التصغير؛ لأنها اسم مذكر، وإن شئت همزت الواو لانضمامها، فقلت: أويسط. وإذا صغرت بعلبك وأنت تجعلها اسما واحدة قلت: هذه بعيلب. وقال الفراء: ربما حذفوا، فقالوا: هذه بعيلة. قال: وبعضهم يقول في التصغير: بكيكة، فيحذف (بعلا). قال: ومن قال هذه بعلبك، فلم يجر (بك) قال في التصغير: بعل بكيكة.

ومن قال هذه بعلبك فأجرى (بكا) قال في التصغير: هذه بعيلة بك، وإن شاء قال: بعل بكيك، فجعل (بكا) مذكرا. ومن قال: هذه حضرموتٍ قال في التصغير: حضيرم، وحضيرة ومؤيتة. ومن قال: هذه حَضْرمَوتَ قال في التصغير: حُضيُر موت، وقال الفراء: أحب إلي من ذلك أن تقول: حضرمويتة؛ لأن العرب إذا أضافت مؤنثًا إلى مذكر ليس بالمعلوم جعلوا الآخر كأنه هو الاسم. ألا ترى أن الشاعر قال: وإلى ابن أم أناس تعمد ناقتي ... عمروٍ لتنجح حاجتي أو تتلف فلم يجر (أناس) والاسم هو الأول. ومن قال: هذه حضرموتٍ قال في التصغير: هذه حضيرة موتٍ، وهذه حضر مويتةٍ. وإذا صغرت حولايا، وجرجرايا كانت لك ثلاثة أوجهٍ: أحدهن: أن تجعل حولايا بمنزلة حضرموت وبعلبك، فتصغير الأول، ولا تصغر الثاني، فتقول: حويلايا وجريجرايا. قال الفراء: فلا تجرى آخره؛ لأنه مجهول؛ كنهر بين، ونهر بين إذا صغرته قلت: نهير بين، فصغرت النهر؛ لأنه معروف، ولم تصغر آخره لأنه مجهول، فكذلك فعلت بحولايا، وجرجرايا.

الوجه الثاني أن تجعل الزيادات التي في حولايا وجرجريا كالهاء والألف والنون في غضبانة، فتقول في تصغيرهما حويلايا، وجريجرايا؛ كما تقول في تصغير غضبانة: غضيبانة. والوجه الثالث: أن تقول في تصغيرهما: حويليا، وجريجريا، فتحط الألف الأولى إلى الياء، وتترك الآخرة ياء؛ لأنها كياء حبلى وسكرى وغضبى. وإذا صغرت السفرجلة كانت لك أوجه: أحدهن: أن تقول: سفيرجة، فتحذف اللام في التصغير، وإن شئت قلت: سفيرلة، فتحذف الجيم، وإن شئت قلت: سفيرجلة، فكسرت الراء والجيم لمجيئهما بعد ياء التصغير ولم تحذف شيئًا، وإن شئت قلت: سفيرجلة، فسكنت الجيم استثقالاً لتوالي الحركات. وقال الفراء: تسكين الجيم أشبه بمذاهب العرب من تحريكها؛ لأنهم يقولون (أبلزمكموها) فيسكنون الميم طلبا للتخفيف لما توالت الحركات.

وإذا صغرت الكمثراة كانت لك أوجه: أحدهن أن تقول: كميثرة، وقال الفراء: هذا الوجه أجود الأوجه، فتحذف في تصغيرها إحدى الميمين والألف. والوجه الثاني: أن تقول كميمثرية. فتبنيه على قولهم في الجمع: كمثريات، فلا تحذف شيئًا. والوجه الثالث: أن تقول في تصغيرها: كميثرات؛ كما قالت العرب: حلباة ركباة، ثم صغروها، فقالوا: حليباة ركيباة، وحليبية ركيبية. وإذا صغرت الباقلي والمرعزي قلت: مريعزة، وبويقلة، على قول من قال [في] تصغير الكمثراة: كميثرة، ومن قال في تصغير الكمثراة: كميمثرية قال في تصغير الباقلي والمرعزي: بويقلة، ومريعزة، وقال الفراء: العرب تكره التشديد في الحرف الذي يطول، فيتركون تشديده، وهو لازم، فمن صغر الباقلاء بويقلة قال في الجمع: بواقل، ومن قال في الجمع: بواقيل

قال في التصغير: بويقيلة، وإن شئت قلت في تصغير الباقلي والمرعزي: بويقلية، فتخفف اللام وأصلها التشديد استثقالاً للتشديد مع طول الحرف، ومن زاد الألف والهاء، فقال: باقلاة قال في التصغير: بويقلاة، فيشدد اللام، لأن التصغير لم يحط الألف إلى الياء، ومن مد الباقلاء قال في التصغير. البويقلاء. وإذا صغرت آجرة، وقوسرة، ودوخلة صغرتها بترك التشديد؛ لأن العرب تجمعها دواخل، وأواجر، وقواسر، فتقول: أويجرة، وأويجيرة، وقويسرة، وقويسيرة، ودويخلة وديوخيلة. قال الفراء: ومشيخة النحويين كانوا يقولون: أويجرة فيشددون الراء. قال: وتقديره خطاء من قبل أنه ليس له خلقة في تحريك. ألا ترى أنك لا تقضي على تشديد اللام في دوخلة بتفرقٍ، ولا على الراء في آجرة؛ لأنه لا يكون دوخلة، وليس بمنزلة طمر؛ لأن مثال طمر لو شئت حركته فقلت: طِمْرِر أو طَمْرَر، ولست تقدر على أن تجعل للحركة في الراء من آجرة سبيلا؛ ولهذا المعنى بطل التشديد في التصغير، فافهم هذا إن شاء الله.

باب ما جاء من النعوت على مثال فعلي

باب ما جاء من النعوت على مثال فعلي قال الأموي: يقال: ناقة شمجى، إذا كانت سريعة، وأنشد: بشمجي المشي عجول الوثب ... حتى أتى أزبيها بالأدب الأدب: العجب. والأزبى: السرعة والنشاط. وقال أبو زيد: يقال: امرأة ألقى: وهي السريعة الوثب، ويقال: ناقة ولقى، إذا كانت سريعة. قال الشاعر:

وجناء مجفرةٍ الضلوع رجيلةٍ ... ولقى الهواجر ذات خلق حادر الوجناء: الصلبة أخذت من وجين الأرض، والمجفرة: العظيمة الجفرة، والجفرة: الوسط، والرجيلة: القوية على المشي، والولقى: السريعة، والحادر: الممتلئ. وقال يعقوب: الولقى: عدو خفيف. قال: يقال: مر يلق ولقا، وقد ولق عينه، إذا ضربها ضربةً خفيفة. ويقال: ناقة بشكى، وناقة مرطى، إذا كانت تمر مرا سريعًا. يقال: مرت الناقة تبشك بشكًا، وتمرط مرطًا، ويقال للثوب إذا خيط خياطةً سريعة، وكانت دروزه لا خير فيها: بشكه بشكًا. قال طفيل:

تقريبها المرطى والجوز معتدل ... كأنها سبد بالماء مغسول وقال يعقوب: المرطي: ضرب من العدو فوق التقريب. قال: وقوله (معتدل) يزعم أنها معترضة من النشاط والبغي؛ كما قال حميد: معترضاتٍ غير عرضيات يقول: ليس اعتراضهن خلقةً إنما هو اعتراض بغي ونشاط، والسبد: طائر مثل الخطاف إذا أصابه الماء والندى جرى عنه سريعا ولم يستمسك، وقال الآخر في المرطي: تردى به ملث الظلام طمرة ... مرطى الجراء طوالة الأقراب ويقال: لقيت فلانًا الندرى، وفي الندرى، أي في الندرة بين الأيام.

ويقال: امرأة همشى الحديث، وهي التي تكثر الحديث، وتجلب. ويقال: دعاهم الجفلى، وهو أن يدعوهم جماعتهم، ودعاهم النقرى، أي إذا خص بدعوته. قال طرفة: نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر الآدب: الداعي. سمعت أبا العباس يقول: ما كنت أديبًا ولقد أدبت، وما كنت آدبًا ولقد أدبت.

والخطفى من الخطف قال: وسمى الخطفى جد جرير ببيت قاله: يرفعن لليل إذا ما أسدفا ... أعناق جنانٍ وهامًا رجفا ويروى: خطيفا. وقال الأصمعي: لا يقال (فعلى) في شيءٍ من الذكران إنما يقال في الإناث إلا أنه قد جاء بيت واحد في المذكر. قال أمية بن أبي عائذ الهذلي: كأني ورحلي إذا رعتها ... على جمزى جازئ بالرمال وقال ابن العجاج: والخيل تعدو القفزى علابها

فجعلها للإناث. ولا يقال: فرس وثبى ولا قفزى ولا شيء من ضرب هذا في الذكران، ويقال: فرس وكرى وقد وكرت تكر، إذا عدت عدوا تنزو فيه. قال حميد الأرقط: أضر وهي وكرى مضرار وقال حميد بن ثور: إذا الحمل الربعي عارض أمه ... عدت وكري حتى تحن الفدافد رفع موضع وكري. والفدفد من الأرض: الصلب المستوى، وتحن: تسمع لها صوتًا من شدة عدو المرأة. يقول: إذا عارض الحمل أمه ليرضعها عدت هذه المرأة وهي الوكرى حتى تنتزع الخلف من فم الحمل.

باب ذكر ما يؤمر به المذكر والمؤنث من (هات)، و (تعال)، و (هلم)، و (هاء)

باب ذكر ما يؤمر به المذكر والمؤنث من (هات)، و (تعال)، و (هلم)، و (هاء) إذا أمرت المذكر بهات حذفت الياء للجزم، فتقول: هات يا رجل على وزن قاض يا رجل، وتقول للرجلين: هاتيا يا رجلان، فعلامة الجزم حذف النون، وتقول للجميع: هاتوا يا رجال، فعلامة الجزم حذف النون، والأصل فيه: هاتيوا فألقيت الضمة على الياء، وحذفت الياء لسكونها وسكون واو الجمع، وتقول للمرأة: هاتي يا امرأة، فعلامة الجزم حذف النون، والأصل فيه: هاتيي، فأسكنت الياء الأولى التي هي لام الفعل، ثم أسقطت لسكونها وسكون الياء التي بعدها وهي ياء التأنيث، وتأمر المرأتين؛ كما تأمر الرجلين، فتقول: هاتيا يا امرأتان، وتقول في أمر النسوة: هاتين يا نسوة على مثال قاضين يا نسوة، فالياء لام الفعل والنون علامة التأنيث والجمع، ولا علامة للجزم في هاتين؛ لأن فعل جمع المؤنث لا تسقط نونه في نصبٍ ولا جزمٍ. وإذا قال لك رجل: هات، فأردت أن تقول: لا أفعل قلت: لا أهاتي

على مثال: لا أقاضي. قال الفراء: هات: كأنها من هاتيت. قال: وليس هاتيت من كلام العرب، وأنها في السن أهل الحيرة، فأما العرب فلا، ولا ينهى بها؛ لأنها ليست بثابتة في فعلت ويفعل، ومعناها: أعطني. وإذا أمرت رجلا بتعال قلت: تعال يا رجل، فعلامة الجزم فيه حذف الألف، وتقول للرجلين: تعاليا يا رجلان، فعلامة الجزم حذف النون، والأصل فيه: تعاليوا يا رجال، فجعلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأسقطت ليسكونها وسكون واو الجمع. وتقول للمرأة: تعالي يا امرأة. فعلامة الجزم حذف النون، والأصل: تعاليي، فجعلت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فأسقطت الألف لسكونها وسكون ياء التأنيث. وتقول للمرأتين: تعاليا يا امرأتان، وللجميع من النساء: تعالين يا نسوة، وتقول للرجل: مالك إذا قلت لك: تعال لا تتعالى؟ وللرجلين: مالكما إذا قلت لكما: تعاليا لا تتعاليان؟ وللرجال: ما لكم إذا قلت لكم: تعالوا لا تتعالون؟ وتقول للمرأة: مالك إذا قلت لك: تعالي لا تتعالين؟ وللمرأتين: مالكما إذا قلت لكما: تعاليا لا تتعاليان؟ وتقول للنسوة: ما لكن إذا قلت لكن: تعالين لا تتعالين؟ وتقول للرجل: مالك إذا قلت لك: هات دينارا لا تهاتيه؟ وللرجلين: مالكما إذا قلت لكما: هاتيا دينارا لا تهاتيانه؟ وتقول للرجال: ما لكم إذا

قلت: هاتوا دينارا لا تهاتونه؟ وتقول للمرأة: مالك إذا قلت لك: هاتي دينارا لا تهاتينه؟ وتقول للمرأتين: مالكما إذا قلت لكما هاتيا دينارا لا تهاتيانه؟ وتقول للنسوة: مالكن إذا قلت لكن هاتين دينارا لا تهاتينه؟ وإذا أمرت الرجل بهلم قلت: هلم يا رجل، وتقول للرجلين: هلم يا رجلان، وتقول للرجال: هلم يا رجال، وتقول للمرأة: هلم يا امرأة، وللمرأتين: هلم يا امرأتان، وللنسوة هلم يا نسوة. قال الله عز وجل: (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) فوحد وأنشد أبو عبيد: وكان دعا دعوة قومه ... هلم إلى أمريكا قد صرم قال الفراء: هذه لغة أهل الحجاز. قال: ومن العرب من يصلها باللام ويوحدها، فيقول: هلم لك، وللاثنين: هلم لكما، وللجميع: هلم لكم، وللمرأة: هلم لك، وللمرأتين: هلم لكما، وللنسوة: هلم لكن. ومن العرب من يثنيها ويجمعها ويؤنثها، فيقول للرجلين: هلما يا رجلان، وللرجال هلموا يا رجال، وللمرأتين: هلما يا امرأتان، وللنسوة: هلمن يا نسوة. قال الفراء: إنما زادوا نونا على نون النسوة؛ لأنها نون لا ينجرها إلا ساكن. قال الفراء: وحكيت لي: هلممن يا نسوة بإظهار

التضعيف، فإذا أظهروا التضعيف ظهرت الميم الأولى متحركة والميم الثانية ساكنة، فاكتفوا بسكون الميم من تشديد النون. قال: وحكى لي عن أبي عمرو أنه سمع العرب تقول: هلمن يا نسوة. قال: فإن كانت مسموعة فهذه الياء زيدت على كسرة الميم؛ كما قال قوم: قد مرانا بكم من لغة الذين يقولون: قد مرنا بكم، فزادوا الألف لتحرك الراء التي كان ينبغي لها أن تكون ساكنة. وإذا قال لك رجل: هلم، فأردت أن تقول: لا أفعل قلت: لا أهلم، ولا أهلم. رواهما جميعا اللحياني أو الحسن. وإذا أمرت الرجل بهاء قلت: هاء يا رجل، وللرجلين: هاؤنا يا رجلان، وللجميع: هاؤم يا رجال. قال الله عز وجل: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول: هاؤم اقرأوا كتابيه). وتقول للمرأة: هاء يا امرأة، وللمرأتين: هاؤما، وللنسوة: هاؤن وهذه اللغة أفصح اللغات. وإن شئت قلت للرجل: هأ يا رجل على مثال خف يا رجل، وللاثنين: هاءا على مثال خافا، وللجميع: هاءوا على مثال خافوا، وللمرأة: هائي

يا امرأة. بإثبات الياء أنشدنا أبو العباس: فقلت لها هائي فقالت براحةٍ ... ترى زعفرانًا في أسرتها وردا وتقول للمرأتين: هاءيا يامرأتان، وتقول للنسوة: هأن يا نسوة. وإذا قال لك رجل: هأ، فأردت أن تقول: لا أفعل قلت: لا أهاء وأهاء. قال الفراء: حكى لي الكسائي: إلام أهاء فأهاء. شبهه هاهنا بالفعل بأخاف وأخاف، وقال هشام: إذا أمرت الرجل قلت: هاء يا رجل على مثال هات يا رجل، وتقول للرجلين: هاتيا يا رجلان، وتقول للجميع: هاءوا يا رجال، وتقول للمرأة: هائي يا امرأة، وللمرأتين: هائيا يا امرأتان، وتقول للنسوة: هائين يا نسوة على مثل هاتين يا نسوة، وقال الفراء: يجوز أن توحدها

مع الاثنين والجمع والمؤنث، فتقول: هاء يا قوم، وهاء يا نسوة؛ كما جاز: (ذلك يوعظ به)، و (ذلكم يوعظ به). قال: وبنو دبير يقولون: هاءك يا رجل، وللاثنين: هاءكما، وللرجال: هاءكم وللمرأة هاءك، وللنسوة: هاءكن. يقال على هذا كل ما يرد إن شاء الله.

باب الإشارة إلى المذكر والمؤنث الغائبين

باب الإشارة إلى المذكر والمؤنث الغائبين إذا أشرت إلى المذكر الغائب قلت: ذلك الرجل قام، وذاك الرجل قام، وذانك الرجل قام. قال الله عز وجل: (ذلك الكتاب لا ريب فيه)، وقال طرفة: رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هاذاك الطراف الممدد والاسم من ذلك الذال، واللام دخلت بدلا من الهمزة في ذانك، ولئلا يصير (ذا) كالمضاف إلى الكاف، ولا موضع للكاف من الإعراب. وتقول للاثنين: ذانك الرجلان قاما، وذانك، فمن خففها قال: نون الاثنين مخففة، ومن شددها قال: فرقت بينها وبين النون التي تسقط في الإضافة؛ كقولك: غلاماك قاما، وجاريتاك أعجبتاني وتقول في الجمع:

أولئك الرجال قاموا، وأولالك الرجال قاموا، وأنشد الفراء: ألالك قومي لم يكونوا أشابةً ... وهل يعظ الضليل إلا ألالكا وأنشد اللحياني: ألالك لو جزعت لهم لكانوا ... أحب إلي من أهلي ومالي ويقال أيضًا في الجمع: ألاك الرجال قاموا، وألاك الرجال قاموا، وهلائك الرجال، وهلالك الرجال. قال الشاعر: أولاك آل المهلب بن أبي صفرة قد أكملت مناقبها وأنشد اللحياني: أولاك يحمون المصاص المحضا وأنشد الفراء: من نحو ألاك إلى ألاكا وإذا أشرت إلى الأنثى الغائبة قلت: تلك المرأة قامت، وتيك المرأة، وتالك المرأة، وتيلك المرأة. أنشد الفراء للقطامي:

تعلم أن بعد الغي رشدا ... وأن لتالك الغمر انتشاعا وأنشد الفراء أيضًا في تلك: فأيت تيلك الدمن الخوالى ... عجبت منازلاً لو تنطقينا وحكى هشام: تلك المرأة قامت بفتح التاء. ويقال في تصغير ذلك: ذيالك، وفي تصغير ذاك: ذياك، وفي تصغير تالك: تيالك، فتفتح أوائل هذا الأسماء؛ لأنها للإشارة، فلو ضممت أوائلها لزال عنها معنى الإشارة؛ كما تقول في تصغير هذا، وهذه: هاذيا، وفي تصغير هذه: هاتيا، فتفتح الهاء في التصغير؛ لأنك لو ضممتها لزال معنى الإشارة، وأنشد الفراء لأبي الجراح العقيلي:

لتقعدن مني نقعد القصى ... أو تحلفي بربك العلى أني أبو ذيالك الصبي وتقول في تصغير ذينك وتينك: ذينيك، وتينيك، وفي الرفع ذيانك وتيانك، وفي تصغير أولئك: أوليائك، وفي تصغير أولالك: أولياك. قال الفراء: وكان الكسائي يقول: أصغر تلك: تيلك، وفسره، فقال: أترك التاء على كسرها؛ لأن هذا جنس يترك أوله على إعرابه لا يغير، وآخره على هيئته لا يغير؛ كما تركت أول (ذا) مفتوحًا، وجعلت آخره ألفا ساكنة، فكذلك أترك كسرة تلك على حالها، وأشدد الياء فيما بين التاء من تلك واللام، وأترك اللام ساكنة. قال الفراء: وهو مذهب. وتصغير الذي والتي بمنزلة تصغير هذا وهذه. تقول في تصغير الذي: اللذيا، وفي تصغير التي: اللتيا. قال الراجز:

يا ابنة هندٍ لا تسبن ابنتي ... بعد اللتيا والتيا والتي وإذا سألت رجلا عن رجل قلت: كيف ذلك الرجل يا رجل؟ وفي التثنية: كيف ذانك الرجلان يا رجلان؟ وكيف ذانكما الرجلان يا رجلان؟ وفي الجمع: كيف أولئك الرجال يا رجال؟ وكيف أولئكم الرجال يا رجال؟ وإذا سألت رجلا عن امرأة قلت: كيف تلك المرأة يا رجل؟ وفي التثنية: كيف تانكما المرأتان يا رجلان؟ وكيف تانك المرأتان يا رجلان؟ وفي الجمع: كيف أولئك النسوة يا رجال، وأولئكم النسوة، من وحد الكاف قال: قد اختلطت بالاسم، فصارت كأنها حرف منه، ومن ثناها وجمعها قال: هي للمخاطبين تثني بتثنيتهم، وتجمع بجمعهم، وتؤنث بتأنيثهم، وقد نزل القرآن بالوجهين جميعًا. قال الله عز وجل: (ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر) فوحد وقال: (ذلكم

يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر). فوحد الكاف في موضع، وجمعها في موضع آخر، والمعنى في الموضعين واحد. وإذا سألت امرأة عن رجل قلت: كيف ذلك الرجل، وكيف ذلك الرجل يا امرأة، وتقول في التثنية: كيف ذانكما الرجلان يا امرأتان؟ وكيف ذانك الرجلان يا امرأتان؟ وتقول في الجمع: كيف أولئك الرجال يا نسوة؟ وكيف أولائكن الرجال. وإن سألت امرأة عن امرأة قلت: كيف تلك المرأة؟ وكيف تلك المرأة؟ وتقول في التثنية: كيف تانك المرأتان وتانكما المرأتان، وتقول في الجمع: كيف أولئك النسوة يا نسوة؟ وكيف أولئكن النسوة يا نسوة؟

باب من المذكر والمؤنث

باب من المذكر والمؤنث تقول من ذلك في المذكر: عبد الله ذو مالٍ، وتقول في التثنية: عبد الله ذوا مالٍ، وتقول في الجمع: عبيد الله أولو مال، وذوو مالٍ. وتقول في النصب والخفض: أكرمت ذا مالٍ، ومررت بذي مالٍ، وفي التثنية: أكرمت ذوي مالٍ، ومررت بذوي مالٍ، وتقول في الجمع: أكرمت أولى مال وذوي مالٍ، قال الله عز وجل: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى) وقال جل ثناؤه في ذوي: (وآتى المال على حبه ذوى القربى). وتقول: هند ذات مال، والهندان ذواتا مال وذاتا مال. فمن قال ذاتا قال: زدت ألف التثنية على التاء من ذات، ومن قال ذواتا قال: رددت الحرف إلى أصله. قال الله تبارك وتعالى: (ذواتا أفنانٍ). وتقول في الجمع: الهندات أولات مالٍ، وذوات مالٍ، وتقول في النصب والخفض: أكرمت ذات مال، ومررت بذات مال، وفي التثنية: أكرمت ذاتي مال وذواتي مال، ومررت بذاتي مال وبذواتي مال، وفي الجمع: أكرمت أولات مال وذوات مال، ومررت بأولات مال، وذوات مال. قال الله عز وجل: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن).

باب آخر من المذكر والمؤنث

باب آخر من المذكر والمؤنث إذا سألك سائل فقال لك: أين فلان؟ فقلت: ها هو ذا قاعدا، وتقول في التثنية: ها هما ذان قاعدين، وفي الجمع: ها هم أولاء قعودا. وإذا قال لك: أين هند؟ ها هي ذي قاعدة، وفي التثنية: ها هما تين قاعدتين، وفي الجمع: ها هن أولاء قاعداتٍ. وإذا قال لك: أين أنت؟ قلت: ها أنا ذا قاعدا، وفي التثنية: ها نحن ذان قاعدين، وفي الجمع: ها نحن أولاء قعودا، وقاعدين. قال الشاعر:

ها أنذا آمل الخلود وقد أدرك ... عمري ومولدي حجرا أبا مرئ القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا وقال الآخر: لبيكما لبيكما ... ها أنذا لديكما وكذلك تقول للرجل: ها أنت ذا قائما، وللاثنين: ها أنتما ذان قائمين، وفي الجمع ها أنتم أولاء قائمين. والعامة تخطئ في جميع هذا، فتقول: هو ذا وهو ذا. ليس من كلام العرب. تقول للمرأة: ها أنت ذي قائمة، وللمرأتين: ها أنتما تان قائمتين، وللجمع: ها أنتن أولاء قائماتٍ. فافهم جميع ما وصفت لك إن شاء الله.

§1/1