المختصر في علم الأثر

الكافِيَجي

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي نزل أحسن الحَدِيث وفضله وَبَين أفضل السّنَن وفصله وَبعث فِي الأمِيِين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُو آيَاته ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِظْهَار حججه ومعجزاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه نُجُوم الْهِدَايَة فِي مَشَارِق التَّحْقِيق وبدور الدِراية فِي مطالع التَّوْفِيق مَا فرغ مرجوم بِنَجْم شهَاب ورفِع مكسور صِحَاح فِي كل حِسَاب وَبعد: فَإِن من أعظم الْعُلُوم على الْإِطْلَاق وأعلاها بِالِاسْتِحْقَاقِ عِلم الحَدِيث الباحث عَن أَقْوَال سيد الْمُرْسلين وأفعاله الكاشف عَن سيرته وأحواله الْحَاوِي على آثَار أَئِمَّة الْهدى وسماتهم الْمُشْتَمل على مَذَاهِب أَرْبَاب التقى وصفاتهم إِذْ بِهِ تعرف حقائق التَّنْزِيل وأنواره وَبِه تكشف دقائق التَّأْوِيل وأسراره. وَإِن الْأَئِمَّة الْكِرَام البررة قد صنفوا فِيهِ كتبا مُعْتَبرَة لَكِن لما ظهر تقاصر اللَّهُمَّ عَن فحص مَا دونوا وَعَن الإطلاع على مَا بينوا وَصَارَ قصارى أَمر النَّاس فِي هَذِه الْأَيَّام وَغَايَة الِاشْتِغَال بَين الْأَنَام أَن يحوموا حول المختصرات ويقتصروا على ظواهر الْعبارَات ألفت هَذَا الْمُخْتَصر فِي علم الْأَثر منبع الدُّرَر المتضمن لما يحْتَاج إِلَيْهِ على وَجه مُعْتَبر المشتل على مُقَدّمَة فِيهَا تصفية للفكر وعَلى بَابَيْنِ وخاتمة بهَا تدقيق للنَّظَر

راجياً من الله بِهِ الزلفى يَوْم الْحساب مبتغياً بذلك جميل الذِكرِ وجزيل الثَّوَاب إِنَّه هُوَ الرؤوف وَإِلَيْهِ المآب وَإنَّهُ هُوَ الْكَرِيم الْوَهَّاب أما الْمُقدمَة وَهِي مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الشُّرُوع فِي الْعلم فَفِيهَا ثَلَاثَة أُمُور الأول فِي تَعْرِيف علم الحَدِيث وَمَا يتَعَلَّق بِهِ فَالْحَدِيث فِي اللُّغَة هُوَ الْخَبَر يُقَال على الْقَلِيل وَالْكثير وَالْمرَاد من الْخَبَر هَهُنَا هُوَ اللَّفْظ سَوَاء كَانَ مركبا أَو غَيره فَعلم من هَذَا فَسَاد قَول من قَالَ المُرَاد مِنْهُ هَهُنَا كَلَام يحْتَمل الصدْق وَالْكذب والْحَدِيث نقيض الْقَدِيم أَيْضا يُقَال أَخَذَنِي مَا قدم وَمَا حدث وَهَذَا أَعم من الأول لَكِن الْمُنَاسب لما نَحن بصدده هُوَ الأول فَظهر من هَذَا أَن الْأَعَمّ يجوز أَن يكون هُوَ الأَصْل فَيكون مَنْقُولًا إِلَى الْأَخَص نقل الدَّابَّة إِلَى ذَات القوائم الْأَرْبَع لتحَقّق معنى الْحُدُوث فِيهِ فَإِن مَعْنَاهُ هُوَ كَون شَيْء لم يكن والْحَدِيث فِي الِاصْطِلَاح هُوَ خبرٌ نسب إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا أَو فعلا أَو سكُوتًا مِنْهُ عِنْد أَمر يعاينه وَأما علم الحَدِيث فَهُوَ علم يقتدر بِهِ على معرفَة أَحْوَال أَقْوَال الرَّسُول وأفعاله على وَجه مَخْصُوص كالاتصال والإرسال وَنَحْوهمَا وَيُطلق أَيْضا على مَعْلُومَات وقواعد مَخْصُوصَة كَمَا تَقول فلَان يعلم علم الحَدِيث تُرِيدُ بِهِ معلوماته وقواعده وَتطلق أَيْضا على التَّصْدِيق بقواعده ثمَّ إِن هَذَا الْفَنّ حسن مَقْبُول وَإنَّهُ واحب علمه كَسَائِر الْعُلُوم أما الأول فلاتفاق على حسنه وَقَوله وَمَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله

حسنٌ على أَنه يُسْتَفَاد مِنْهُ أَمر حسن وكل مَا هُوَ كَذَلِك فَهُوَ حسن وَأما الثَّانِي فَلِأَن ضبط الشَّرِيعَة وإتقانها لَا يتم إِلَّا بِهِ هَذَا ثمَّ إِنَّه من أشرف الْعُلُوم وأفضلها لِأَن حَدِيث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جملَة أساس عُلُوم الْإِسْلَام وَالْأَحْكَام رُوِيَ عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي خلفت فِيكُم شَيْئَيْنِ لن تضلوا أبدا مَا أَخَذْتُم بهما وعمِلتم بِمَا فيهمَا كتاب الله وسنتي الْأَمر الثَّانِي فِي شَأْن الْحَاجة إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن من الْأَحْكَام مَالا يتم بَيَانه إِلَّا بِالْحَدِيثِ وَلَا يتم الْوُقُوف عَلَيْهِ إِلَّا بِهَذَا الْفَنّ الشريف أَو لِأَن للْحَدِيث أصولاً وفروعا وأنواعاً وأقساماً لَيْسَ كل وَاحِد مِنْهَا مَعْلُوما بِالضَّرُورَةِ وَلَا مُمَيّزا بَعْضهَا عَن بعض كَذَلِك وَلَيْسَ الْعقل بِنَفسِهِ بكاف فِي ذَلِك وَلِهَذَا يعرض لَهُ التَّوَقُّف والغلط كثيرا فاحتيج فِي صون الذِّهْن عَن وُقُوع الْغَلَط فِيهِ وَفِي تَمْيِيز شَرط رعايته وَذَلِكَ الأَصْل هُوَ هَذَا الْفَنّ تَنْبِيه فَائِدَته معرفَة السّنة على مَا يَنْبَغِي بِحَيْثُ يحصل بهما الإطلاع على مَعْنَاهَا المفضي إِلَى تَصْدِيق الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَمِيع مَا جَاءَ بِهِ وَهُوَ وَسِيلَة إِلَى الْفَوْز بسعادة الدَّاريْنِ وَهُوَ غَايَته

الْأَمر الثَّالِث فِي بَيَان مَفْهُوم مَوْضُوعه وَفِي تَصْدِيق موضوعية مَوْضُوعه فموضوعه مَا يبْحَث فِيهِ من أعراضه الذاتية كأقوال الرَّسُول وأفعاله وَأما بَيَان موضوعية مَوْضُوعه فبأن نقُول إِن أَقْوَاله وأفعاله مَوْضُوع هَذَا الْفَنّ من حَيْثُ إِنَّهَا مُتَّصِلَة فِي مُسْنده إِلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك من الْأَمر الَّتِي يبْحَث عَنْهَا فِيهِ وَإِنَّمَا قيدتها بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة لِأَنَّهَا دَاخِلَة إِن لم يُقيد بهَا تَحت مَوْضُوع الْأُصُول من حَيْثُ إِنَّهَا يُسْتَفَاد مِنْهَا الْأَحْكَام إِجْمَالا وتندرج أَيْضا تَحت مَوْضُوعَات عُلُوم أخر بِحَسب اختلافات مُخْتَلفَة فَظهر من هَذَا فَسَاد قَول من قَالَ إِن مَوْضُوعه ذَات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ إِنَّه رَسُول الله وَحده فَإِن المباحث الْوَاقِعَة فِي هَذَا الْفَنّ رَاجِعَة إِلَى أَقْوَاله وأفعاله لَا إِلَى ذَات الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَت الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال مُتَعَلقَة بِهِ أَلا ترى أَن مَوْضُوع الْفِقْه أَفعَال الْمُكَلّفين من حَيْثُ إِنَّهَا تحل وَتحرم لَا المكلفون وَإِن كَانَت أفعالهم قَائِمَة بهم الْبَاب الأول فِي مصطلحات الْمُحدثين وَهِي جمع مصطلح من بَاب الافتعال قلبت تاؤها طاءاً وَأُرِيد بهَا هَهُنَا ألفاظٌ مَخْصُوصَة مَوْضُوعَة لمعان يمتاز بَعْضهَا عَن بعض بِاعْتِبَار قيد يميزه عَنهُ وَسبب إِطْلَاقهَا عَلَيْهَا هُوَ الِاتِّفَاق على وَضعهَا لتِلْك الْمعَانِي لتحصل عِنْد اسْتِعْمَالهَا مَعَ أداتها اصْطِلَاح الْمعَانِي وَدفع فَسَاد التباسها بَعْضهَا بِبَعْض

فَمن جملَة الْأَلْفَاظ المصطلحة الصَّحِيح وَهُوَ فِي اللُّغَة ضد السقيم نقل عِنْد أهل الحَدِيث إِلَى معنى آخر مُنَاسِب فَالصَّحِيح هُوَ مَا اتَّصل سَنَده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدل ضَابِط عَن عدل مثله بِلَا شذوذ ضار وَلَا عِلّة قادحة فَخرج عَنهُ الْمُنْقَطع والمرسل والضعيف والشاذ والمعلل وَالْمَوْقُوف كَحَدِيث بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَإِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَالْحج وَصَوْم رَمَضَان ثمَّ إِن الصَّحِيح مقول على مَا تحه بالتفاوت والتشكيك وَلذَلِك قَالُوا أقسامه سَبْعَة متفاوته أَولهَا وَهُوَ أَعْلَاهَا مَا أخرجه الشَّيْخَانِ البُخَارِيّ وَمُسلم جَمِيعًا بِبَيَان شَرط الصِّحَّة وَهُوَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ وَالثَّانِي مَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ وَالثَّالِث مَا انْفَرد بِهِ مُسلم وَالرَّابِع مَا صَحَّ على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ وَالْخَامِس مَا صَحَّ على شَرط البُخَارِيّ وَلم يُخرجهُ

وَالسَّادِس مَا صَحَّ على شَرط مُسلم وَلم يُخرجهُ وسابعها مَا صَححهُ غَيرهمَا وَلَيْسَ على شَرط وَاحِد مِنْهُمَا فَهَذِهِ هِيَ الْأُمَّهَات وَيدل على ذَلِك أَيْضا انقسامه إِلَى متواتر وآحاد فالتواتر فِي اللُّغَة تتَابع أُمُور وَاحِدًا بعد وَاحِد بفترة من الْوتر قَالَ الله تَعَالَى (ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى) . فالمتواتر خبر جمَاعَة يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم بصدقه وَخبر الْوَاحِد هُوَ خبر لم ينْتَه إِلَى حدِ التَّوَاتُر سَوَاء كثرت رُوَاته أَو قلت ثمَّ إِن تَقْسِيم الْبَغَوِيّ حَدِيث المصابيح إِلَى صِحَاح وَحسان تَقْسِيم يسْتَحق الْقبُول لَا الرَّد وغن كَانَ مُخَالفا لما اشْتهر عِنْدهم فَإِن ذَلِك اصْطِلَاح وَلَا مشاحة فِيهِ فَلهُ ذَلِك بل لكل أحدٍ إِن يصطلح على مَا يَشَاء وَلَا سِيمَا إِذا تضمن فَائِدَة لَا تتمّ إِلَّا بِهِ وَهَهُنَا الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ قد قصد بذلك أَن يكون مَا أخرجه الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا منتظماً فِي سلك على حِدة ممتازاً عَمَّا أخرجه غَيرهمَا من غير أَن يقْصد انحصار الْمخْرج فيهمَا سَوَاء كَانَ الْمخْرج مخرج الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا أَو مخرج غَيرهَا بحث إِن الناظرين فِيهِ يحصلون مقاصدهم مِنْهُ كَمَا يُرِيدُونَ على أضبط

وجهٍ وَأحسنه فَيكون ذَلِك أدعى وأعول علت مَا عَم فِيهِ من الطَّاعَة وَقد صرح فِيهِ بذلك وَيشْهد لما قُلْنَا قَوْله وَمَا كَانَ فِيهَا من ضَعِيف وغريب أَشرت إِلَيْهِ ثمَّ إِنَّهَا إِذا قَالُوا هَذَا حَدِيث صحيحٌ فقد أَرَادوا بذلك أَن سَنَده مُتَّصِل ظَاهرا مَعَ سَائِر شُرُوطه إِلَّا أَنه مَقْطُوع بِهِ فِي نفس الْأَمر إِذْ يجوز أَن يكون راوية عدلا وَاحِدًا وَيجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالنِّسْيَان كَمَا أَنه يجوز أَن لَا يكون من الْأَخْبَار الَّتِي اجْتمعت الْأمة على تلقيها بِالْقبُولِ فَعلم من هَذَا فَسَاد قَول من قَالَ إِن خبر الْوَاحِد يُفِيد بِسنة الْعلم كَمَا علم مِنْهُ أَنه يجز أَن يكون مقطعوا بِهِ إِذا كَانَ متواتراً فَيكون المُرَاد من سلب الْقطع هَهُنَا سلب الْقطع إِذا لم يصل إِلَى حد التَّوَاتُر وَكَذَا إِذا قَالُوا هَذَا حَدِيث غير صَحِيح فَالْمُرَاد بِهِ أَنه لم يَصح إِسْنَاده على الشَّرْط الْمُعْتَبر فِي الصِّحَّة لَا أَنه مَقْطُوع بِأَنَّهُ كذب فِي نفس الْأَمر لجَوَاز أَن يكون صَادِقا إِلَّا إِذا علم أَنه مَوْضُوع قطعا فَعلم من هَذَا أَن وظيفتهم وأبحاثهم فِي أَمْثَال هَذَا إِنَّمَا هِيَ بِحَسب اعْتِبَار السَّنَد لَا بِحَسب نفس الْأَمر فَإِن ذَلِك صَعب مَعَ أَنه لَيْسَ بوظيفة الْمُحدث وَمِنْهَا الْحسن وَهُوَ فِي اللُّغَة نقيض الْقَبِيح نقِل عَنهُ إِلَى معنى آخر فَاخْتلف فِيهِ على أَقْوَال أَصَحهَا هُوَ الَّذِي يكون رَاوِيه مَشْهُورا بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة مَعَ قُصُور فِي حفظه وإتقانه أَو مَسْتُور الْحَال مَعَ أَن لَا يكون كثير الْخَطَأ وَلَا مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ بحي لَا يكون فِيهِ عِلّة قادحة لَا

إنكاز وشذوذ يضر فَخرج عَنهُ الصَّحِيح والضعيف وَبَعض الْمُعَلل والشاذ وَالْمُنكر كَحَدِيث لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة وَكَذَا مَا رَوَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خرج من الْخَلَاء قَالَ غفرانك فعلِم من هَذَا أَن النِّسْبَة بَين الْحسن وَالصَّحِيح نِسْبَة تبَاين كَمَا أَن بَينهمَا وَبَين الضَّعِيف كَذَلِك هَذَا وَأما عِنْد الْبَعْض فَالصَّحِيح أَعم كَمَا عِنْد الآخر أَن الْحسن أَعم وَلِهَذَا يُقَال هَذَا حَدِيث صَحِيح حسن وَحَدِيث حسن صَحِيح كَحَدِيث إِذا بَقِي نصف شعْبَان فَلَا تَصُومُوا قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح

وَالْأَمر فِيهِ وَفِي أَمْثَاله سهل إِذا كل ذَلِك يرجع إِلَى الِاصْطِلَاح وَلَا مشاحة فِي لَكِن القَوْل الَّذِي قَدمته هُوَ الأولى هَذَا ثمَّ إِن الْحسن يسْتَعْمل فِي الْإِسْنَاد كَمَا يسْتَعْمل فِي الحَدِيث وَقَوْلهمْ هَذَا حَدِيث حسن إِسْنَاده أَعم تحققاً من قَوْلهم هَذَا حَدِيث حسنٌ فَإِن حسن الْإِسْنَاد قد يتَحَقَّق لثقة رِجَاله وَلَا يتَحَقَّق حسن الحَدِيث لوُجُود علية قادحة فِيهِ وَكَذَا الحاف فِي الصَّحِيح فَعلم من هَذَا أَنه مقول على مَا تَحْتَهُ بالتفاوت فِي التَّحْقِيق أَيْضا وَمِنْهَا الضَّعِيف وَهُوَ لُغَة خلاف الْقوي وَاصْطِلَاحا هُوَ الَّذِي لم يبلغ دَرَجَته دَرَجَة الصَّحِيح وَلَا الْحسن مِثَاله م مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كلوا البلح بِالتَّمْرِ فَإِن الشَّيْطَان إِذا رأى ذَلِك غاضه وَقَالَ النَّسَائِيّ هَذَا حَدِيث مُنكر وَالْمُنكر من أَقسَام الضَّعِيف وَمن أقسامه الْمَوْضُوع والمقلوب والمعلل وَقَالَ الْبَعْض يرتقي عدد أقسامه إِلَى خمسين قسما إِلَّا وَاحِدًا

وَمن الضَّعِيف بعض الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي فَضَائِل سور الْقُرْآن ثمَّ إِن درجاته تَتَفَاوَت فِي الضعْف كَمَا تَتَفَاوَت دَرَجَات الصَّحِيح فِي الْقُوَّة وَالْمرَاد من قَوْلهم هَذَا حَدِيث ضَعِيف من غير بَيَان وَجه الضعْف أَن إِسْنَاده ضَعِيف لَا أَن مَتنه ضَعِيف لاحْتِمَال أَن يَجِيء بِإِسْنَاد آخر صَحِيح أَلا يرى أَن حَدِيث لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم حَدِيث صَحِيح الْمَتْن وَإِن كَانَ إِسْنَاده مُنْكرا والمسند هُوَ مَأْخُوذ من قَوْلك أسندت غَيْرِي إِلَى شَيْء فَيُقَال فِي الِاصْطِلَاح على الثَّلَاثَة معَان بَعْضهَا أَعم من بعض قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب هُوَ الَّذِي اتَّصل إِسْنَاده من رَاوِيه إِلَى منتهاه سَوَاء رفع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو لَا إِلَّا أَن الرّفْع أَكثر وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر الْمسند هُوَ الْمَرْفُوع إِلَى النَّبِي خَاصَّة سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا أَو مُنْقَطِعًا وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد اله الْحَافِظ هُوَ الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل إِلَى

النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَحَدِيث الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده وَالْمُهَاجِر من هجر مَا نهى الله عَنهُ والمتصل والموصول هُوَ مَا اتَّصل إِسْنَاده إِلَى منتهاه سَوَاء كَانَ مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَوْقُوفا على غَيره مِثَال الْمُتَّصِل الْمَرْفُوع إِلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مَاتَ الْإِنْسَان انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث من صَدَقَة جَارِيَة أَو علم ينْتَفع بِهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَمِثَال الْمُتَّصِل الْمَوْقُوف على غَيره نَحْو مَا رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ وَيدخل فِيهِ الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف فَيكون أَعم والمتصل يُسَاوِي الْمسند بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ وأعم من الْمسند بِالْمَعْنَى الْأَخَص وَالْمَرْفُوع يُقَال عِنْدهم على مَعْنيين أَحدهمَا أَعم من الآخر وَهُوَ الَّذِي أضيف إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سواءك أَن قولا أَو فعلا وَسَوَاء أَضَافَهُ إِلَيْهِ صَحَابِيّ أَو تَابِعِيّ أَو من بعدهمَا وَسَوَاء اتَّصل إِسْنَاده أَو لَا فَدخل فِيهِ الْمُتَّصِل والمرسل والمنقطع

مِثَاله مَا رُوِيَ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرعون بَابه بالأظافير وَالثَّانِي من أخبر بِهِ الصَّحَابَة عَنهُ سَوَاء كَانَ قَولَانِ أَو فعلا كَحَدِيث تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء وكما رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل ثَلَاث عشرَة رَكْعَة مِنْهَا الْوتر وركعتا الْفجْر هَذَا وَإِن الْمَرْفُوع بِالْمَعْنَى الأول أَعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَأَنه أخص من الْمسند بِالْمَعْنَى الأول ومساوٍ لَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي وأعم مِنْهُ بِالْمَعْنَى الثَّالِث وَأَن الْمَرْفُوع بِالْمَعْنَى الثَّانِي أخص من الْمسند بِأَيّ معنى كَانَ وَالْمَشْهُور والمستفيض هُوَ مَا اشْتهر بالتواتر بعد الْقرن الأول كَحَدِيث الْإِيمَان وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج والمعراج وَالتَّوْبَة والشفاعة والقبر والحشر وكحديث لَا وضوء لمن لم يسم الله وكحديث بَرِيرَة فَيكون آحَاد الأَصْل متواتر الْفَرْع فَيكون غير الْمُتَوَاتر وَغير آحَاد الأَصْل وَالْفرع وَقيل هُوَ مَا اشْتهر بالتواتر مُطلقًا سَوَاء كَانَ متواتراً فِي جَمِيع الْقُرُون

أَو فِي بَعْضهَا كَحَدِيث من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار فقد قيل رَاه اثْنَان وَسِتُّونَ صحابياً وَفِيهِمْ الْعشْرَة المبشرة وَقيل رَوَاهُ مِائَتَان وَلَا يعرف حَدِيث اجْتمع الْعشْرَة على رُوَاته وَلَا حَدِيث رَوَاهُ أَكثر من سِتِّينَ صحابياً غير هَذَا الحَدِيث وكحديث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ قد تَوَاتر بعد الْقرن الأول وَإِن لم يتواتر فِيهِ فعلى هَذَا يكون أَعم من الْمُتَوَاتر لكنه مَا بَين الْآحَاد الأَصْل وَالْفرع أَيْضا والعزيز والفرد مَا انْفَرد راو وَاحِد بروايته أَو بِرِوَايَة زِيَادَة كَحَدِيث النَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وهبته تفرد بِهِ عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر وكحديث فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر من رَمَضَان على كل حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى من الْمُسلمين تفرد مَالك من الثِّقَات بِزِيَادَة قَوْله من الْمُسلمين ثمَّ الْغَرِيب إِمَّا فَرد مُطلق وَإِمَّا فَرد نسبي كَحَدِيث شعب

الْإِيمَان تفرد بِهِ أَبُو صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وكحديث مسح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه بِمَاء غير فضل يَده تفرد بِهِ أهل مصر وَقد يُقَال أَيْضا الْغَرِيب إِمَّا غَرِيب متْنا وسنداً وَإِمَّا غَرِيب سنداً لَا متْنا وَإِمَّا غَرِيب متْنا كَحَدِيث إِن هَذَا الدّين متين فأوغل فِيهِ بِرِفْق

وَلَا تبغض إِلَى نَفسك عبَادَة الله تفرد بِهِ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر وَتفرد بِهِ من بَين الصَّحَابَة قَالُوا هَذَا غَرِيب غير صَحِيح وكحديث لَا يَبِيع حَاضر لبادٍ وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة لَكِن تفرد بِهِ الشَّافِعِي عَن مَالك وكحديث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ غَرِيب الأَصْل ومشهور الْفَرْع والقريب من الْغَرِيب الْعَزِيز هُوَ مَا انْفَرد بروايته اثْنَان أَو ثَلَاثَة بِلَا انْتِهَاء إِلَى حد الشُّهْرَة كَحَدِيث لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ

والشاذ قد اخْتلف فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ مَا رَوَاهُ الثِّقَة مُخَالفا لما رَوَاهُ النَّاس وَقَالَ الْبَعْض هُوَ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَاد وَاحِد يسْتَند بِهِ شيخ ثِقَة كَانَ أَو غير ثِقَة كَمَا قَالَ الآخر هُوَ مَا انْفَرد بِهِ ثِقَة لَيْسَ لَهَا مَا يجْبر تفرده بِهِ كَحَدِيث كلوا البلح بِالتَّمْرِ وَلأَجل ذَلِك الِاخْتِلَاف قيل الشاذ إِمَّا شَاذ صَحِيح وَإِمَّا شَاذ حسن وَإِمَّا شَاذ مُنكر مَوْجُود تَنْبِيه يقرب من الشاذ زِيَادَة الثِّقَة كَحَدِيث جعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا أَو جعلت تربَتهَا لنا طهُورا زِيَادَة بهَا

أَبُو مَالك سعد بن طَارق الْأَشْجَعِيّ وَسَائِر الرِّوَايَات لَفظهَا وَجعلت لنا الأَرْض مَسْجِدا أَو طهُورا والمستتر هُوَ الحَدِيث الَّذِي لم يُقَابل برد وَلَا قبُول كبعض الْأَحَادِيث المروية فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالْمُنكر هُوَ الحَدِيث الَّذِي يتفرد بِهِ شخص وَلَا يعرف مَتنه عَن غير رَاوِيه من الْوَجْه الَّذِي رَوَاهُ وَلَا من وَجه وَهُوَ إِمَّا مَا خُولِفَ فِيهِ الثِّقَات أَو لَا بِشَرْط أَن لَيْسَ فِي رِوَايَة الثِّقَات يجْبر تفرده كَحَدِيث لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم فَإِن مَالِكًا رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن عمر بن عُثْمَان عَن أُسَامَة بن زيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَخَالف غَيره من الثِّقَات لِأَنَّهُ قَالَ عمر بن عُثْمَان بِضَم الْعين وَغَيره يَقُول عَمْرو بن عُثْمَان بِفَتْح الْعين وَعمر عَمْرو كِلَاهُمَا من ولد عُثْمَان وَصرح مُسلم صَاحب الصَّحِيح فِي كتاب التَّمْيِيز أَن غَيره من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ قَالَ فِيهِ عَمْرو بن عُثْمَان بِفَتْح الْعين لَكِن لَا يخفى عَلَيْك أَن الْمُنكر هَهُنَا هُوَ السَّنَد لَا الْمَتْن فانه صَحِيح وَغير مُنكر بالِاتِّفَاقِ وكحديث كلوا البلح بِالتَّمْرِ تفرد بِهِ أَبُو زُكَيْرٍ بِضَم الزَّاي الْمُعْجَمَة وَهُوَ شيخ صَالح غير أَنه لم يبلغ مبلغ من يحْتَمل تفرده والمسلسل هُوَ مَا تَابع رجال سَنَده وَاحِدًا بعد وَاحِد على صفة واحدةٍ كالتسلسل بسمعت أَبُو بحدثني أَو بِغَيْر ذَلِك كَقَوْل الرَّاوِي سَمِعت فلَانا يَقُول سَمِعت فلَانا إِلَى آخر الْإِسْنَاد مثلا وَأظْهر فَوَائده وَزِيَادَة الضَّبْط وقلما يسلم عَن خلل فِي تسلسله وَقد يَنْقَطِع تسلسله فِي أَوَاخِر سَنَده كالمسلسل بِالْأولِ وَهُوَ الراحمون يرحمهم الرَّحْمَن ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء فَإِن تسلسله بِهِ قد انْتهى فِيهِ

إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمن رَوَاهُ مسلسلاً بِهِ قد انْتهى فِيهِ إِلَى سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمن رَوَاهُ مسلسلاً بِهِ إِلَى منتهاه فقد وهم قلت أَنْشدني الْبَعْض فِي هَذَا الْمَعْنى قَالَ أَنْشدني ناظم هَذَا النّظم الْحبّ فِيك مسلسل بِالْأولِ فاحنن وَلَا تسمع ملا العذل ... وَارْحَمْ عبد الله يَا من قد علا من يرحم السُّفْلى يرحمه العلى والمعنعن هُوَ مَا يرويهِ شخص عَن شَيْخه بِلَفْظَة عَن بِلَا تعرض للتحديث والإخبار وَالسَّمَاع نَحْو مَا روى مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله عز وَجل لَا يقبض الْعلم انتزاعاً ينتزعه من الْعباد وَلَكِن يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالم اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا

هَذَا ثمَّ إِنَّهُم قد اخْتلفُوا فِي أَن إِمْكَان اللِّقَاء هَل يَكْفِي فِيهِ أم لَا فَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين يَكْفِي فِيهِ إِمْكَان اللِّقَاء وَادّعى مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه الْإِجْمَاع على ذَلِك وَقَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو بكر الصَّيْرَفِي لَا يَكْفِي فِيهِ إِمْكَان اللِّقَاء بل لَا بُد من ثُبُوت اللِّقَاء وَهُوَ الْأَصَح عِنْد الْمُتَأَخِّرين وَقَالَ أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من طول صحبته لَهُ وَقَالَ أَبُو عمر الْمقري لَا يَكْفِي فِيهِ هَذَا الْقدر بل لَا بُد مَعَه من أَن يكون الرَّاوِي مَعْرُوفا بالرواية عَنهُ والمرسل مقول على معَان فَنَقُول هُوَ مَا رَفعه التَّابِعِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء كَانَ من كبار التَّابِعين أَو من صغارهم كسعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَسَوَاء كَانَ الْمَرْفُوع قولا أَو فعلا صورته أَن يَقُول التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا أَو فعل كَذَا أَو فعل بِحَضْرَتِهِ كَذَا أَو نَحْو ذَلِك وَقيل هُوَ مَا رَفعه التَّابِعِيّ الْكَبِير إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَكِلَاهُمَا شَائِع عِنْد أهل الحَدِيث، إِلَّا أَن الأول أشهر. وَقيل: هُوَ مَا رَفعه التَّابِعِيّ وَمن بعده إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْفِقْه وَالْأُصُول. هَذَا، ثمَّ إِن مَا يرويهِ الصَّحَابَة الْأَحْدَاث وَلم يسمعوه من النَّبِي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - كالحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأنس بن مَالك وَنَحْوهم، فَالْأَصَحّ أَنه لَا يُسمى مُرْسلا، بل هُوَ كالمتصل فِي الحكم لِأَن الظَّاهِر رِوَايَة أَمْثَال هَؤُلَاءِ عَن الصَّحَابَة، والجهالة بالصحابة لَيست بقادحة، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول. فعلهم من هَذَا مَا رَفعه كبار الصَّحَابَة إِلَيْهِ _ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام _ لَا يُسمى مُرْسلا: عِنْدهم بِالطَّرِيقِ الأولى، وَإِن وَقع ذَلِك عِنْد أهل الْأُصُول، وَلِهَذَا يُقَال: مَا رَفعه الصَّحَابِيّ إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - مَحْمُول على السماع، ثمَّ عَن بعض الْأَحَادِيث: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي " ... . .

و (الْمُعَلق) : هُوَ مَا حذف فِيهِ بعض رِجَاله من أول إِسْنَاده، سَوَاء كَانَ الْمَحْذُوف وَاحِدًا أَو مُتَعَددًا، كَقَوْل نَافِع: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا، وكقول مَالك: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا. قَالَ تَقِيّ الدّين بن الصّلاح، وَلم أجد لفظ (التَّعْلِيق) مُسْتَعْملا فِيمَا سقط فِيهِ بعض رجال الْإِسْنَاد من وَسطه أَو من آخِره. قلت: يحمل هَذَا على أَنه لم يجده مُسْتَعْملا فِيمَا ذكره عِنْد الْأَكْثَر، فَإِن شرذمة قد استعملته فِيمَا حذف فِيهِ كل رجال إِسْنَاده، كَقَوْل الرَّاوِي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا وَكَذَا. وَقد صرح بهَا فِي كِتَابه أَيْضا. وَقد اسْتعْمل الْبَعْض الآخر الْمُعَلق: فِيمَا حذف فِيهِ بعض رِجَاله من غير أول سَنَده، كَحَدِيث اللَّيْث فِي التميم، فَإِن مُسلما صَاحب الصَّحِيح قَالَ: وروى اللَّيْث بن سعد. وَلم يُوصل مُسلم إِسْنَاده إِلَى اللَّيْث. وَقد أسْندهُ

البُخَارِيّ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث بن سعد عَن جَعْفَر إِلَى آخِره. وَالْحَاصِل أَن أَمْثَال مَا ذكر اصْطِلَاحَات لَا حجر مِنْهَا. و (الْمَقْطُوع) : هُوَ مَا أضيف إِلَى تَابِعِيّ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، سَوَاء كَانَ قَوْله أَو فعله، كَقَوْل الرَّاوِي: قَالَ الزُّهْرِيّ كَذَا أَو فعل كَذَا. وَقد اسْتعْمل الْبَعْض الْمُنْقَطع فِي القَوْل الْمَوْقُوف على التَّابِعِيّ أَيْضا و (الْمُنْقَطع) مقول على معَان: فَقَالَ جمع من الْمُحدثين وَأكْثر الْفُقَهَاء هُوَ كل مَا لَا يتَّصل إِسْنَاده على أَي وَجه كَانَ انْقِطَاعه، كَحَدِيث " إِن وليتموها أَبَا بكر فقوي، أَمِين لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم، وَإِن وليتموها عليا فهاد مهْدي يقيمكم على صِرَاط مُسْتَقِيم " فَإِن صورته صُورَة الْمُتَّصِل لكنه مُنْقَطع معنى، فَإِن الثَّوْريّ رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق، وَبَين الثَّوْريّ وَأبي إِسْحَاق شريك، فَيكون الْمُنْقَطع بِهَذَا الْمَعْنى

مُسَاوِيا للمرسل بِالْمَعْنَى الثَّالِث، وَيكون أَعم من الْمُنْقَطع، وَلِهَذَا قَالَ ابْن الصّلاح: المعضل: لقب لنَوْع خَاص من الْمُنْقَطع. وَقيل هُوَ مَا سقط من رُوَاته شخص وَاحِد غير الصَّحَابِيّ، فَيكون الْمُنْقَطع - بِهَذَا الْمَعْنى - غير المعضل: هُوَ بِفَتْح الضَّاد من: أعضله الْأَمر، (لَا من: أعضل الْأَمر) . فَصَارَ شَأْن الْمَرْوِيّ مُشكلا فِي كَونه حَدِيثا مروياً عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. و (المعضل) : هُوَ مت يسْقط فِيهِ اثْنَان فَصَاعِدا على أَي وَجه كَانَ، كَحَدِيث " للمملوك طَعَامه وَكسوته بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلف من الْعَمَل إِلَّا مَا يُطيق "، فَإِن مَالك بن أنس أعضله فِي كتاب الْمُوَطَّأ حَيْثُ رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة، وَبَينه وَبَين أبي هُرَيْرَة - رضى الله عَنْهُمَا - مُحَمَّد بن عجلَان وَأَبوهُ. و (المدلس) : هُوَ مَا حصل اشْتِبَاه فِي إِسْنَاده أَو فِي رِجَاله، فَالْأول: أ، يروي الرَّاوِي عَمَّن لقِيه مَا لم يسمعهُ مِنْهُ موهما أَنه سَمعه مِنْهُ، أَو عَمَّن عاصره وَلم يَله موهماً أَنه لقِيه وسَمعه مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَن يروي عَن شيخ حَدِيثا سَمعه مِنْهُ إِلَّا أَنه لَا يذكرهُ باسمه الْمَشْهُور لغَرَض من الْأَغْرَاض، بل بِغَيْر مَشْهُور

كنسبة أَو كنيته أَو غير ذَلِك. وَأما المدلس تَدْلِيس التَّسْوِيَة فَلَيْسَ خَارِجا عَن الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين فِي التَّحْقِيق، وَإِن عده بعض الْمُتَأَخِّرين قسما ثَالِثا نظرا إِلَى الظَّاهِر. وَصورته أَن يروي حَدِيثا عَن ثِقَة، وَذَلِكَ الثِّقَة عَن ضَعِيف فَيسْقط الضَّعِيف من الْبَين ويروي الحَدِيث عَن شَيْخه الثِّقَة عَن الثِّقَة بِلَفْظ مُحْتَمل فَيرى كل رجال الْإِسْنَاد ثِقَات. وَكَانَ الْوَلِيد بن مُسلم يفعل ذَلِك كثيرا، وَكَذَا بَقِيَّة بن الْوَلِيد، روى بَقِيَّة بن الْوَلِيد عَن أبي وهب الْأَسدي عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تحمدوا إِسْلَام الْمَرْء حَتَّى تعرفوا عقدَة رَأْيه " وَقد ذكر بَقِيَّة عبيد الله بن عَمْرو، وَبَين نَافِع (وَعبيد الله) إِسْحَاق بن أبي فَرْوَة على مَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم.

هَذَا، ثمَّ إِن مَا وَقع مدلساً ب (عَن) فِي الْكتب الصَّحِيحَة مَحْمُول على ثُبُوت سَمَاعه من جِهَة أُخْرَى. و (الْمُعَلل) : هُوَ مَا اطلع فِيهِ على عِلّة قادحة وَظَاهره السَّلامَة مِنْهَا. وَهُوَ إِمَّا مُعَلل إِسْنَاده، أَو مُعَلل مَتنه، أَو كِلَاهُمَا، كَحَدِيث " البيعان بِالْخِيَارِ " فَإِن يعلى بن عبيد الله قد روى هَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد دخلت عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سَنَده، فَإِن غَيره من أَصْحَاب سُفْيَان رَوَوْهُ عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَهم يعلى بن عبيد الله وَعدل بن عبد الله بن دِينَار إِلَى عَمْرو بن دِينَار، مَعَ أ، كليهمَا ثِقَة، فَيكون سَنَده معلولاً من جِهَة قَوْله: عَن عَمْرو بن دِينَار، والمتن صَحِيحا على كل حَال. وَمِثَال الْعلَّة القادحة فِي الْمَتْن مَا رُوِيَ فِي حَدِيث أنس من اللَّفْظ الْمُصَرّح بِنَفْي قِرَاءَة (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) ، فَإِن قَوْله: " فَكَانُوا يستفتحون الْقِرَاءَة بِالْحَمْد بِاللَّه رب الْعَالمين " لم يتَعَرَّض لذكر الْبَسْمَلَة أصلا، لَا بِالنَّفْيِ، وَلَا بالإثبات، لَكِن الرَّاوِي قد فهم من قَوْله: " وَكَانُوا يستفتحون بِالْحَمْد ".

أَنهم كَانُوا لَا يبسملون، فَرَوَاهُ على حسب مَا فهمه، وَأَخْطَأ فِيهِ لِأَن مَعْنَاهُ أَن السُّورَة الَّتِي يستفتحون بهَا من السُّورَة هِيَ الْفَاتِحَة وَلَا تعرض فه لذكر الْبَسْمَلَة أصلا كَمَا ترى، وَقد ثَبت عَن أنس أَنه سُئِلَ عَن الِافْتِتَاح بالبسملة فَذكر أَنه لَا يحفظ فِيهِ شَيْئا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالتَّحْقِيق أَن الْبَسْمَلَة إِن ثَبت أَنَّهَا جُزْء من الْفَاتِحَة فقد علم قطعا أَنه أَخطَأ فِيمَا رَوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيل إِلَى الْقطع بخطأه فِي ذَلِك وَمِثَال الثَّالِث الْمُعَلل بِالْإِرْسَال وَالْوَقْف. وَقد يُطلق الْمُعَلل على مَا لَيْسَ فِيهِ عِلّة قادحة، كالحديث الْمُرْسل الَّذِي أسْندهُ الثِّقَة الضَّابِط، وَلِهَذَا قَالَ بَعضهم: من أَقسَام الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح مَعْلُول، كَمَا قَالَ الآخر: من الصَّحِيح مَا هُوَ صَحِيح شَاذ، وَيُطلق (الْمَعْلُول) على مَا يُطلق عَلَيْهِ (الْمُعَلل) عِنْدهم، فَإِن غرضهم بَيَان طرق أَدَاء الْمَعْنى بِأَيّ وَجه كَانَ، لَا بَيَان اللُّغَة على سَبِيل النَّقْل عَن أَهلهَا، أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ من جملَة طَرِيق الْأَخْذ والتحمل الوجادة مَعَ ا، امولدة، وَنَظِير ذَلِك أَكثر من أَن يُحْصى، كالمعربات، والمولدات وَأكْثر عِبَارَات المؤلفين، فَإِذن لَا يضرهم عدم ثُبُوت ذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة. و (الْمُخْتَصر) : هُوَ مَا ذكر بعضه وَطرح بعضه عِنْد الرِّوَايَة، كَمَا روى حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: " كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَال وَتَوَضَّأ وَمسح على خفيه " فَإِنَّهُ مُخْتَصر من حَدِيث مطول.

فَاخْتلف فِي ذَلِك، فَالصَّحِيح أَن الِاخْتِصَار يجوز للْعَالم الْعَارِف، بِحَيْثُ أَن مَا اخْتَصَرَهُ لَا يكون مختل الْبَيَان بترك مَا تَركه، وَيكون مَا تَركه متميزاً عَمَّا اخْتَصَرَهُ غير مُتَعَلق بِهِ، فيكونان بِمَنْزِلَة خبرين منفصلين. وَالأَصَح - أَيْضا - أَن الرواي يجوز لَهُ أَن يروي مَا سَمعه بِاللَّفْظِ دون الْمَعْنى إِذا كَانَ عَالما بمدلات الْأَلْفَاظ ومقاصدها، خَبِيرا بِمَا يحِيل مَعَانِيهَا، بَصيرًا بمقادير التَّفَاوُت بَينهَا. حُكيَ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع مِنْك الحَدِيث لَا أَسْتَطِيع أَن أؤذيه كَمَا أسمع مِنْك، نزي حرفا، أَو ننقص حرفا، فَقَالَ: " إِذا لم تحلوا حاماً وَلم تحروموا حَلَالا وأصبتهم الْمَعْنى فَلَا بَأْس " فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا مَا حَدثنَا. ثمَّ إِن مَا تضمنته بطُون الْكتب والأوراق، فقد قيل فِيهِ لَيْسَ لأحد أَن يُغير لفظ شَيْء من كتاب مُصَنف وَيثبت بدله فِيهِ لفظا بِمَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ لَا يملك تَغْيِير تصنيع غَيره، على أَن الْمَعْنى الباغعث على الرُّخْصَة فِي الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى غير مَوْجُودَة هَهُنَا. و (المقلوب) : هُوَ مَا اشْتهر عَن راو ثمَّ جعل عَن راو آخر فِي طبقته ليصبر غَرِيبا مرغوباً فِيهِ، كَمَا أَن الحَدِيث الْمَشْهُور عَن سَالم جعل عَن نَافِع

للاستغراب، وَقد يُؤْخَذ سَنَد مَتنه فَيجْعَل على متن آخر وَيجْعَل مَتنه بِإِسْنَاد آخر لغَرَض من الْأَغْرَاض. رُوِيَ أَن البُخَارِيّ قدم بَغْدَاد فَسمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث فَاجْتمع قبل مَجْلِسه قوم مِنْهُم وعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقبلوا متونها وأسانيدها، وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر، وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر، ثمَّ حَضَرُوا مَجْلِسه وألقوها عَلَيْهِ، فَلَمَّا فرغوا من إِلْقَاء تِلْكَ الْأَحَادِيث المقلوبة الْتفت إِلَيْهِم فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده، وكل إِسْنَاد إِلَى مَتنه، فأقروا لَهُ بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ. وَمن أَقسَام المقلوب: مَا انْقَلب على رِوَايَة وَلَك يقْصد قلبه، كَحَدِيث " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني " فَإِنَّهُ حَدِيث مَشْهُور عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَهم جرير ابْن حَازِم وَجعله عَن ثَابت البناتي عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

و (مُخْتَلف الحَدِيث) : هُوَ مَا خَالفه حَدِيث آخر مثله فِي مضمونه بِحَيْثُ يُمكن الْجمع بَينهمَا، كَحَدِيث " فر من المجذوم فرارك من الْأسد "، وَحَدِيث " لَا يُورد ممرض على مصح " فَإِن كلا مِنْهُمَا يُخَالف حَدِيث " لَا عدوى وَلَا طيرة " فَهَذَا الحَدِيث إِشَارَة إِلَى حسم مَادَّة الْوَهم وَالْفساد، وَإِلَى سد بَاب الذرائع، وَإِلَى نفي مَا كَانَ عَلَيْهِ يَعْتَقِدهُ أهل الْجَاهِلِيَّة وَبَعض الْحُكَمَاء من أَن مثل هَذِه الْأَمْرَاض يعدي بطبعه، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَمن أعدى الأول " يَعْنِي أَن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَهُوَ الْخَالِق لكل شَيْء،

سَوَاء كَانَ ذَلِك مُقَارنًا بِسَبَب أَو لَا. وَذَلِكَ الحَدِيث، أَعنِي قَوْله " فر من المجذوم ... " إِلَى آخِره تَنْبِيه على أَن الله يخلق بعض الْأَمْرَاض بِخلق سَببه عِنْد المخالطة وَقد يتَخَلَّف ذَلِك الْمَرَض عَن سَببه، وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن النَّار لَا تحرق بطبعها وَلَا الطَّعَام يشْبع بطبعه وَلَا وَالْمَاء يروي بطبعه، وَإِنَّمَا الطَّبْع سَبَب بِلَا تَأْثِير وكل ذَلِك إِنَّمَا يكون بقدرة الله وإرادته وخلقه. هَذَا إِذا أمكن الْجمع بَينهمَا، وَإِلَّا فَإِن علم التأريخ وَثَبت أَن أَحدهمَا مُتَأَخّر: فَهُوَ النَّاسِخ، وَالْآخر: مَنْسُوخ.

كَحَدِيث بَرِيرَة فِي صَحِيح مُسلم: " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها فَإِنَّهَا تذكر الْآخِرَة ". وَإِن لم يعلم تأريخها وَأمكن تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر يكون الْمُرَجح مقدما، وَإِلَّا فَتعين التَّوَقُّف عَن الْعَمَل بِأحد الْحَدِيثين، وَالتَّعْبِير بالتساقط لجَوَاز أَن يظْهر تَرْجِيح أَحدهمَا بعد الْحَالة الراهنة. و (المضرب) : هُوَ مَا اخْتلف فِيهِ رِوَايَتَانِ أَو أَكثر بِحَيْثُ تَسَاوَت الرِّوَايَتَانِ أَو الْأَكْثَر، وَلذَلِك سمي مضطرباً. وَالِاضْطِرَاب يَقع كثيرا فِي السَّنَد، وَقد يَقع فِي الْمَتْن، كَحَدِيث " الْمُصَلِّي إِذا لم يجد عَصا ينصبها بَين يَدَيْهِ فليخط خطا "، فَإِن مدَار هَذَا

الحَدِيث على إِسْمَاعِيل بن أُميَّة فَاخْتلف الروَاة، فَرَوَاهُ بشر بن الْمفضل عَن إِسْمَاعِيل عَن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْث عَن جده حُرَيْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل عَن ابي عَمْرو بن حُرَيْث بن سليم عَن ابيه عَن أبي هُرَيْرَة، إِلَى غير ذَلِك من الِاضْطِرَاب فِيهِ. وكحديث فَاطِمَة بنت قيس، قَالَت: سَأَلت أَو سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الزَّكَاة فَقَالَ: " إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة "، فَإِن هَذَا الحَدِيث قد اضْطربَ لَفظه وَمَعْنَاهُ، فَإِن التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ هَكَذَا: عَن شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ:

" لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة ". و (الِاعْتِبَار والمتابعات والشواهد) : هَذِه الْأَلْفَاظ متداولة بَين أهل الحَدِيث يتعرفون بهَا أَحْوَال الْأَحَادِيث: فالاعتبار: من العبور. وَالْمرَاد مِنْهُ - هَهُنَا - رد الحَدِيث إِلَى أصل يرجع إِلَيْهِ. قَالَ الله - تَعَالَى - {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} . مِثَال الِاعْتِبَار: أَن يروي حَمَّاد بن سَلمَة - مثلا - حَدِيثا عَن ايوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَينْظر هلى روى ذَلِك الحَدِيث ثِقَة غير أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين؟ فَإِن وجد علم أَن للْخَبَر أصلا يرجع إِلَيْهِ، وَإِن لم يُوجد ذَلِك فَثِقَة غير ابْن سِيرِين رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة، وَإِلَّا فصحابي غير أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَي ذَلِك وجد يعلم بِهِ أَن للْحَدِيث أصلا يرجع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. فَهَذَا هُوَ الِاعْتِبَار، وَمَعْلُوم أَنه غير الْمُتَابَعَة، فَمن قَالَ: أَنه لَيْسَ خَارِجا عَنْهَا فقد بعد عَن المرام. وَأما المتابعات فَهِيَ: جمع مُتَابعَة، مَأْخُوذَة من قَوْلهم:

تَابع الرجل عمله: إِذا أتقنه وأحكمه. وَالْمرَاد مِنْهَا - هنها -: هُوَ أَن يروي راويان أَو أَكثر فِي طبقَة وَاحِدَة حَدِيثا وَاحِدًا. وَأما سَبَب اخْتِيَار الْمَزِيد على الثلاثي مَعَ أَنه أخصر يدل على معنى التّبعِيَّة أَيْضا فَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى زِيَادَة الضَّبْط والإتقان مَعَ الرَّمْز إِلَى دفع توهم التحكم بِلَا برهَان. وَأما مِثَال الْمُتَابَعَة: فَهُوَ أَن يروي ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه غير حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة. ثمَّ الْمُتَابَعَة إِمَّا تَامَّة إِن حصلت الْمُشَاركَة من جِهَة الرواي، وَأما قَاصِرَة إِن حصلت من جَانب شَيْخه أَو مِمَّن فَوْقه، وَذَلِكَ قَوْله - عَلَيْهِ لاصلاة وَالسَّلَام - " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروا الْهلَال، وَلَا تفطروا حَتَّى تروه فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ فَإِن الشَّافِعِي رَوَاهُ فِي (الْأُم) عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَابعه عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن

عمر. قيل فِيهِ: (مُتَابعَة قَاصِرَة) أَيْضا، فَإِن عَاصِمًا بن مُحَمَّد عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد عَن جده عبد الله بن عمر بِلَفْظ: " فَكَلَّمُوا ثَلَاثِينَ ". ثمَّ إِن الحَدِيث الَّذِي يرويهِ المتابع - بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة - إِن كَانَ غير الحَدِيث الَّذِي يرويهِ - بِفَتْح الْبَاء - وَكَانَت الْمُشَاركَة فِي الْمُتَابَعَة التَّامَّة يُسمى (تَابعا) . وَإِن كَانَت الْمُشَاركَة فِي الْمُتَابَعَة - بِالْفَتْح - فيسمى (مُتَابعًا عَلَيْهِ) ، وَقد مر مثالهما آنِفا. وَقد يُطلق (المتابع عَلَيْهِ) على الشَّيْخ الَّذِي يروي عَنهُ راويان أَو أَكثر. وَأما الحَدِيث الَّذِي يرويهِ أحد الروايين إِن كَانَ مُوَافقا لحَدِيث الرَّاوِي الآخر معنى لَا لفظا يُسمى (شَاهدا) ، كَحَدِيث " أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر ". فَإِنَّهُ شَاهد لحَدِيث " أَلا نزعتم إهابها، فدبغتموه فانتفعتم بِهِ ". وَأما الحَدِيث الَّذِي عدمت فِيهِ المتابعات والشواهد فيسمى (فَردا) مِثَاله مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة - أرَاهُ رَفعه: " أحبب حَبِيبك هونا مَا " ... الحَدِيث. ثمَّ إِن الْفَرد إِمَّا مَقْبُول وَإِمَّا مَرْدُود، وَقد مرت إِلَيْهِ الْإِشَارَة

فِي بحث الْغَرِيب و (الْمَوْقُوف) : هُوَ مَا روى عَن الصَّحَابِيّ مُقْتَصرا عَلَيْهِ، من قَوْله وَفعله وَنَحْوهمَا، سَوَاء اتَّصل إِسْنَاده إِلَيْهِ أَو لم يتَّصل، على حسب مَا عرف مثله فِي الموفوع إِلَى الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - مِثَاله: قَول الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل كَذَا أَو تَقول كَذَا، من غير إِضَافَته إِلَى زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما إِذا قَالَ: كُنَّا نَفْعل كَذَا، أَو تَقول كَذَا فِي حَيَاته وَهُوَ فِينَا، أَو أمرنَا بِكَذَا، أَو نهينَا عَن كَذَا، أَو من السّنة كَذَا سَوَاء قَالَ فِي زمَان الرَّسُول أَو بعده، فَالصَّحِيح أَنه مَرْفُوع مُسْند خلافًا لبَعض، كَمَا إِذا قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَذَا، فَإِنَّهُ مَرْفُوع مُسْند بالِاتِّفَاقِ. ثمَّ إِن قصر الْمَوْقُوف على الصَّحَابِيّ إِذا كَانَ مُطلقًا، وَأما إِذا كَانَ مُقَيّدا فيستعمل فِي غَيره، فَيُقَال: هَذَا مَوْقُوف على عَطاء، أَو على مَالك. هَذَا عِنْد أهل الْحَدث. وَأما الْفُقَهَاء فَيَقُولُونَ: الْخَبَر: مَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأثر: مَا يرْوى عَن الصَّحَابَة - رضى الله عَنهُ -. و (المدرج) : هُوَ مَا انتظم فِي سلك غَيره وَدخل تَحْتَهُ، وَله أَقسَام، وأشهرها: هُوَ مَا أدرج فِي الحَدِيث من كَلَام روايه لغَرَض من الْأَغْرَاض، من غير أَن يقْصد أَنه من الحَدِيث، سَوَاء كَانَ صحابياً أَو غَيره، وَسَوَاء أدرج فِي أول الحَدِيث أَو وَسطه أَو آخِره. مِثَال الأول: نَحْو " أَسْبغُوا الْوضُوء، ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار "، فَإِن

أَسْبغُوا الْوضُوء من كَلَام أبي هُرَيْرَة وَمِثَال الثَّانِي نَحْو من مس ذكره أَو أنثييه أَو رَفعه فَليَتَوَضَّأ فَإِن

قَوْله أَو أنثييه أَو رَفعه من كَلَام عُرْوَة بن الزبير وَمِثَال الثَّالِث كَأُمّ روى زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن السحن بن الْحر عَن الْقَاسِم بن مخيمرة قَالَ أَخذ عَلْقَمَة بيَدي وحَدثني أَن عبد الله بن مَسْعُود أَخذ بِيَدِهِ وحدثه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بيد عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ فَإِذا قلت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم فَقُمْ وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ فَإِن قَوْله إِذا قلت هَذَا إِلَى آخِره مدرج فِي

الحَدِيث من كَلَام عبد الله بن مَسْعُود قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة اتّفق الْحفاظ على أَنه مدرجة انْتهى وَأما قَول الْخطابِيّ فِي الْعَالم اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من قَول ابْن مَسْعُود فقد قَالَ الْبَعْض فِي تَوْجِيهه المُرَاد مِنْهُ اخْتِلَاف الروَاة فِي وَصله وفصله لَا اخْتِلَاف الْحفاظ فَإِنَّهُم متفقون على أَنَّهَا مدرجة والمصحف والمحرف وَهُوَ مَا غَيره شخص عَن أَصله ظَانّا أَنه هُوَ الْوَاقِع سَوَاء كَانَ المغيير متْنا أَو سنداً وَسَوَاء كَانَ لفظا أَو معنى أَو غير ذَلِك وَذَلِكَ فِي نحول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال فَإِن أَبَا بكر الصولي صحفه فَقَالَ شَيْئا وَفِي الْعَوام بن مراجم بالراء والحاء

وَفِي نَحْو احتجر فِي الْمَسْجِد فَإِن ابْن لَهِيعَة صحفه فَقَالَ احْتجم لكَونه أَخذه عَن كتاب بِغَيْر سَماع إِلَى غير ذَلِك وَحكي أَن بعض الشُّيُوخ لما رُوِيَ حَدِيث النَّهْي عَن التحليق يَوْم الْجُمُعَة فَبل الصَّلَاة قَالَ مَا حلقت رَأْسِي من قبل الصَّلَاة مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة فهم مِنْهُ تحليق الرَّأْس وَإِنَّمَا المُرَاد تحليق النَّاس حلقا وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَمن يعرى من الْخَطَأ والتصحيف والموضوع هُوَ مَا اختلق رَاوِيه وَكذب بِهِ عمدا لسببٍ من الْأَسْبَاب كبعض الْأَحَادِيث المروية فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة قيل لأبي عصمَة نوح ابْن أبي مَرْيَم من أَيْن لَك هَذِه الْأَحَادِيث ترْوِيهَا عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي فَضَائِل الْقُرْآن سُورَة سُورَة وَلَيْسَت هَذِه الْأَحَادِيث عِنْد أَصْحَاب عِكْرِمَة فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت النَّاس قد أَعرضُوا عَن الْقُرْآن وَاشْتَغلُوا بِفقه أبي حنيفَة

وَمَغَازِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَوضعت هَذِه الْأَحَادِيث حسبَة وَهُوَ حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة وَنَحْو الْمعدة بَيت الدَّاء وَالْحمية رَأس الدَّوَاء وَأما نَحْو من كثرت صلَاته بِاللَّيْلِ حسن وَجهه بِالنَّهَارِ فَهُوَ شبه الْمَوْضُوع فَإِنَّهُ من كَلَام شريك بن عبد الله فَالظَّاهِر أَنه من أَقسَام المدرج أدرجه ثَابت بن مُوسَى فِي الحَدِيث وَقيل إِنَّه حَدِيث مُنكر لَا يعرف إِلَّا من ثَابت وَمن والواضعين للْحَدِيث غياث بن إِبْرَاهِيم حَيْثُ وضع للمهدي فِي حَدِيث لَا سبق إِلَّا فِي نصل أَو خف أَو حافر فَزَاد فِيهِ أَو جنَاح وَكَانَ الْمهْدي إِذْ ذَاك يلْعَب بالحمام فَتَركهَا بعد ذَلِك

وَأمر بذبحها وَقَالَ أَنا حَملته على ذَلِك وَكَذَا مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي فَإِنَّهُ وضع فِي حَدِيث لَا نَبِي بعدِي فَزَاد فِيهِ إِلَّا أَن يَشَاء الله قصد بذلك التلبيس وَإِدْخَال مَا لَيْسَ من الدّين فِيهِ فَلَا يجوز رِوَايَته لكل من علم أَنه مَوْضُوع فِي معنى من الْمعَانِي سَوَاء كَانَ ذَلِك الْمَعْنى ترغيباً أَو ترهيباً أَو غَيرهمَا إِلَّا بقران الْبَيَان بِأَنَّهُ مَوْضُوع بِخِلَاف الْأَحَادِيث الضعيفة فَإِنَّهَا يجوز رِوَايَتهَا مُطلقًا سَوَاء كَانَت مقرنة بِالْبَيَانِ أَو لَا لاحْتِمَال صدقهَا فِي الْبَاطِن فِي التَّرْغِيب والترهيب وفضائل الْأَعْمَال وَإِن لم تجز فِي صِفَات الله والعقائد وَسَائِر الْأَحْكَام

فَكل مَا أودع الْمَوْضُوع تفسره بِلَا بَيَان كالواحدي والثعلبي والزمخشري مُخطئ فِي ذَلِك لَكِن من أبرز إِسْنَاده مِنْهُم ك الثَّعْلَبِيّ والواحدي فَهُوَ أبسط بِعُذْرِهِ إِذا أحَال ناظره على الْكَشْف عَن سَنَده وَإِن كَانَ لَا يجوز لَهُ السُّكُوت عَلَيْهِ من غير بَيَانه وَأما من لم يبرز سَنَده وَأوردهُ بِصِيغَة الْجَزْم فخطأه أفحش كالزمخشري وَغَيره فَعلم مِمَّا ذكر أَن وضع الحَدِيث واختلافه مُطلقًا حرَام فَلَا يلْتَفت إِلَى قَول من قَالَ من بعض الكرامية يجوز وضع الحَدِيث فِي بَاب التَّرْغِيب والترهيب هَذَا والمتن فِي اللُّغَة هُوَ الْمُرْتَفع الصلب وَالْجمع متون ثمَّ نقل إِلَى متن الحَدِيث لِأَنَّهُ يرْتَفع عَن وصمة النُّقْصَان ومحكم لَا يكَاد يتَطَرَّق إِلَيْهِ اختلال وَيجوز أَن يكون مَنْقُولًا من المماتنة وَهِي المباعدة فِي الْغَايَة فَإِنَّهُ غَايَة

فِي الإحكام والمتن أَعم عرفا من الحَدِيث فَيكون قَوْلك متن الحَدِيث من قبيل إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص كخاتم فضَّة وَأما الْمَتْن فِي الِاصْطِلَاح هُوَ مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ السَّنَد من الْكَلَام والمسند فِي اللُّغَة هُوَ مَا ارْتَفع وَعلا عَن سفح الْجَبَل ثمَّ نَقله أهل الحَدِيث إِلَى معنى آخر يُنَاسِبه وَهُوَ الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن لِأَن الْمخبر يرفع الحَدِيث بإخباره إِلَى قَائِله وَلِهَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي الْإِسْنَاد فِي الحَدِيث رَفعه إِلَى قَائِله وَيجوز أَن يكون مَنْقُولًا من قَوْلهم فلَان سَنَد أَي مُعْتَمد فَإِن الْحفاظ يعتمدون فِي صِحَة الحَدِيث على الْإِخْبَار عَن الطَّرِيق هَذَا ثمَّ إِن السَّنَد يُطلق عِنْدهم على رجال السَّنَد أَيْضا فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْمُنكر إِمَّا متن وَإِمَّا سَنَد والمصحف إِمَّا متن وَإِمَّا سَنَد إِلَى غير ذَلِك وَالْمرَاد من السَّنَد هَهُنَا هُوَ الرَّاوِي والإخبار هُوَ الْإِتْيَان بجملة خبرية وَالْجُمْلَة مَا تضمن كَلِمَتَيْنِ بِالْإِسْنَادِ وَالْخَبَر هُوَ الْكَلَام الَّذِي يحْتَمل الصدْق وَالْكذب ثمَّ إِن الْإِسْنَاد من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَسنة من السّنَن الْمُؤَكّدَة وَلذَلِك قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك الْإِسْنَاد من الدّين لَوْلَا الْإِسْنَاد لقَالَ من شَاءَ مَا شَاءَ وَإِن الْإِسْنَاد العالي أولى من النَّازِل لِأَن الْعُلُوّ يبعد الْإِسْنَاد من الْخلَل

وَلِأَن قرب الْإِسْنَاد قربَة إِلَى الله عز وَجل وَلذَلِك استحبت الرحلة فِيهِ وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل طلب الْإِسْنَاد العالي سنة عَمَّن سلف نعم إِذا كَانَ فِي الْإِسْنَاد النَّازِل مزية لَا تُوجد فِي العالي كَأَن يكون رِجَاله أوثق من رِجَاله أَو أحفظ أَو أفقه أَو الِاتِّصَال فِيهِ أظهر يكون النَّازِل أولى وَأما بَيَان معنى طَرِيق الْمَتْن فسيجيء فِي بحث الْمسند إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ إِن لقبُول الْخَبَر شُرُوطًا يتَعَلَّق بَعْضهَا بالْخبر وَبَعضهَا بالمخبر والراوي أما الشَّرْط الْمُتَعَلّق بالْخبر فأمور أَحدهَا أَن لَا يكون مُخَالفا لما هُوَ أٌ وى مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يُمكن الْجمع بَينهمَا كَمَا إِذا خَالفه خبر الْوَاحِد الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور وَثَانِيها أَن لَا يعرض عَنهُ الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَهُوَ شَرط عِنْد بعض الْفُقَهَاء خلافًا لأهل الحَدِيث كَحَدِيث الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء فَإِن الصَّحَابَة قد أَعرضُوا عَن الِاحْتِجَاج بِهَذَا الحَدِيث فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَاخْتَلَفُوا فِيهَا بإرادتهم فَذهب عمر وَعُثْمَان إِلَى أَن الطَّلَاق مُعْتَبر بِحَال الرجل فِي الْحُرِّيَّة وَالرّق كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وَذهب عَليّ وَعبد الله ابْن مَسْعُود إِلَى أَنه مُعْتَبر بِحَال الْمَرْأَة فيهمَا كَانَ هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة ثمَّ إِن هَذَا الِاخْتِلَاف مَعَ ذَلِك الْإِعْرَاض دَلِيل على انه سَهْو من بعدهمْ أَو

مَنْسُوخ أَو مأول بِأَن إِيقَاع الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَأما جَوَاز الخفاء عَلَيْهِم وإطلاع من بعدهمْ على هَذَا الحَدِيث فبعيد جدا وَاشْترط الْبَعْض أَيْضا أَن لَا يكون شاذا فِيمَا يعم الْبلوى كَحَدِيث الْجَهْر بالبسملة وَأما الشَّرْط الْمُتَعَلّق بالمخبر والراوي فأمور أَيْضا أَولهَا الْعقل لِأَن المُرَاد من الْكَلَام الْمُعْتَبر أَن يكون لَهُ صُورَة وَمعنى وَصورته تتقوم بِمُجَرَّد الْأَلْفَاظ والحروف وَمَعْنَاهُ لَا يعْتَبر إِلَّا بالتمييز وَإِنَّمَا التَّمْيِيز بِالْعقلِ وَهُوَ نور يبصر بِهِ الْقلب الْمَطْلُوب بعد انْتِهَاء دَرك الْحَواس بتأمله بِتَوْفِيق الله تَعَالَى وعلامة الْعقل فِي الْبشر تظهر فِيمَا يَأْتِيهِ ويذر وَالْمرَاد من الْعقل هَهُنَا هُوَ عقل الْبلُوغ لَا عقل الصَّبِي وَالْمَعْتُوه فَإِن خَبره لَيْسَ بِحجَّة فَإِن الشَّرْع لم يَجعله وليا فِي أَمر دُنْيَاهُ فَفِي أَمر الدّين أولى وَلَا يخفى عَلَيْك أَن عقب الْبلُوغ إِنَّمَا هُوَ شَرط الْأَدَاء والإلزام لَا شَرط التَّحَمُّل وَالْأَخْذ أَلا ترى أَن الصَّبِي الْمُمَيز إِذا تحمل وَأخذ الحَدِيث فِي صغره وَأَدَّاهُ بعد بُلُوغه وَكبره يعْتَبر لَا سِيمَا أَن الْمَقْصُود فِي هَذَا الزَّمَان هُوَ إبْقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الْأمة شرفاً لَهُم وَلَيْسَ الِاعْتِمَاد فِي هَذَا الْعَصْر على الروَاة بل على الْمُحدثين الأقدمين الَّذين عرفت عدالتهم وضبطهم وَصدقهمْ وَحَال تصانيفهم وَثَانِيها ضبط الرَّاوِي الحَدِيث لانه إِنَّمَا يكون حجَّة إِذا علم صدقه وَلَا يحصل الوثوق بِالصّدقِ إِلَّا بالضبط وَضَبطه إِمَّا بِأَن يكون يقظاً وَلم

يكن مغفلاً إِن كَانَ يحدث عَن حفظه وَإِمَّا بِأَن يعلم معنى الحَدِيث وَمَا يُغير مَعْنَاهُ إِن كَانَ يروي الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَإِمَّا بِأَن يحتوي كِتَابه ويحفظه من التبديل والتغيير إِن كَانَ يرويهِ من الْكتاب وَأما قَول من قَالَ الضَّبْط سَماع الْكَلَام كَمَا يحِق سَمَاعه وَفهم مَعْنَاهُ وَحفظه ببذل مجهوده والثبات عَلَيْهِ إِلَى أَن يُؤَدِّي إِلَى غَيره فحاصله يرجع إِلَى مَا ذكرنَا وَلَا يخفى عَلَيْك أَن الضَّبْط بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ شَرط إِلْزَام الْحجَّة لَا شَرط حفظ الْإِسْنَاد فَإِن الْمُحَافظَة على السَّنَد لَا يحْتَاج إِلَى تحقق هَذَا الشَّرْط وَالشّرط الثَّالِث لقبُول الْخَبَر إِسْلَام الرَّاوِي لِأَن الْبَاب بَاب الدّين وَالْكَافِر يعادينا فِي الدّين والعداوة سَبَب داعٍ إِلَى التقول لَا لِأَن الْكفْر يُنَافِي الصدْق فَإِن الصدْق مَقْبُول فِي الْأَدْيَان كللها وَلذَلِك لم تقبل شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم لَكِن الْكَافِر إِذا تحمل الْخَبَر وَأَدَّاهُ بعد إِسْلَامه يقبل خَبره مَعَ تحقق سَائِر الشُّرُوط وَكَذَا خبر الْفَاسِق بعد تَوْبَته عَن فسقه وَبعد ثُبُوت عَدَالَته ثمَّ إِن الْإِسْلَام هُوَ الْإِقْرَار والتصديق بِاللَّه تَعَالَى وبصفاته وَذَلِكَ نَوْعَانِ ظَاهر وباطن فَالظَّاهِر مِنْهُ مَا ثَبت بالميلاد بَين الْمُسلمين ونشوئه على طريقتهم وبجريان كلمة الشَّهَادَة على اللِّسَان وَالْبَاطِن مِنْهُ أَن يصدق بِاللَّه وبصفاته وبسائر مَا ثَبت من ضرورات الدّين وَأَن يصف الله كَمَا هُوَ إِلَّا أَن الْوَصْف على سَبِيل الْإِجْمَال كَاف إِذْ فِي اعْتِبَار الْوَصْف التفصيلي حرج بَين وَلِهَذَا قيل إِن الْوَاجِب أَن يستوصف الْمُؤمن على سَبِيل التَّلْقِين لَا على سَبِيل الاستفسار وَطلب الْكَشْف عَن حَقِيقَة الْإِيمَان فَإِن ذَلِك صَعب عجز عَنهُ أَكثر الْإِنْس أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استوصف الْأَعرَابِي الَّذِي شهد بِرُؤْيَة الْهلَال حَيْثُ قَالَ

أَتَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ نعم فَقَالَ الله اكبر يَكْفِي الْمُسلمين أحدهم فالنوع الأول كَاف فِي الِاشْتِرَاط إِذْ الإطلاع على الْبَاطِن مُتَعَذر وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَأَيْتُمْ الرجل يعْتَاد الْجَمَاعَة فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان وَالشّرط الرَّابِع عَدَالَة الرَّاوِي ليحصل الوثوق بِمَا رَوَاهُ وَهِي مُحَافظَة دينية تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمروءة لَيْسَ مَعهَا بِدعَة فقولنا دينية ليخرج الْكَافِر وَقَوْلنَا تحمل على مُلَازمَة التَّقْوَى والمرءة ليخرج الْفَاسِق وَقَوْلنَا لَيْسَ مَعهَا بِدعَة ليخرج المبتدع إِذْ هَؤُلَاءِ ليسو عُدُولًا ويتحقق باجتناب الْكَبَائِر وبترك الْإِصْرَار على الصَّغَائِر وَترك بعض الصَّغَائِر وَترك بعض الْمُبَاح كَقَتل النَّفس بِغَيْر حق كسرقة لقْمَة وكاللعب بالحمام والاجتماع على الأراذل وَأما الْإِلْمَام بالصغائر فل يخل بِالْعَدَالَةِ دفعا للْحَرج بَيت (إِن تغْفر اللَّهُمَّ تغْفر جما ... وَأي عبدٍ لَك لَا ألما)

ثمَّ إِنَّهَا نَوْعَانِ أَيْضا أَحدهمَا ظَاهر وَهُوَ مَا ثَبت بِظَاهِر الْعقل وَالدّين وَالْآخر بَاطِن وَهُوَ مَا لَا يدْرك مداه لكَونه متفاوتاً فَاكْتفى فِي ذَلِك بِمَا لَا يُؤَدِّي إِلَى الْحَرج وَالْمَشَقَّة وَهُوَ مَا بِهِ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على طَرِيق الْهوى والشهوة بالاجتناب عَمَّا ذكر وَهَذَا الْقدر كَاف فِي اشْتِرَاط عَدَالَة الرَّاوِي ثمَّ إِن بعض أهل الحَدِيث اكْتفى بِاشْتِرَاط الْعَدَالَة عَن اشْتِرَاط الْإِسْلَام على حِدة فِي قبُول الْخَبَر نظرا إِلَى أَن الْعَدَالَة بِهَذَا الْمَعْنى تَسْتَلْزِم الْإِسْلَام لَكِن الِاكْتِفَاء فِي مقَام الْإِيضَاح التَّفْصِيل غير وافٍ بِحَق الْمقَام فَإِذن يكون اعْتِبَار الْإِسْلَام شرطا على حِدة أوفق وَأظْهر هَذَا وغن لمن الْمُهِمَّات الْمُتَعَلّقَة بِهَذَا الْمقَام معرفَة شَرط الشَّيْخَيْنِ أَو أَحدهمَا فِي كَون الحَدِيث صَحِيحا أَقُول قد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك على أَقْوَال أظهرها أَن المُرَاد مِنْهُ اتِّصَال الْإِسْنَاد بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة من مبتدأه إِلَى منتهاه من غير شذوذ وَلَا عِلّة وَقَرِيب من ذَلِك قَول من قَالَ المُرَاد من شَرط الشَّيْخَيْنِ أَن يخرجَا

الحَدِيث الْمجمع على ثِقَة نقلته إِلَى الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور وَأما مَا قيل من أَن النَّسَائِيّ ضعف جمَاعَة أخرج لَهُم الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا فَلَا يقْدَح فِي ذَلِك بِنَاء على أَن تِلْكَ الْجَمَاعَة يجز أَن يَكُونُوا ثِقَات غير متهمين عِنْدهمَا لثُبُوت شَرطهمَا فِي حَقهم بطرِيق من الطَّرِيق وَإِن كَانُوا ضعفاء عِنْد النَّسَائِيّ لعدم عثوره على ذَلِك الطَّرِيق وَمَعْلُوم عنْدك أَن الْمُثبت أولى من النَّافِي لَا سِيمَا أَن الْمُثبت مثل مُسلم وَالْبُخَارِيّ على أَنا نقُول لَيْسَ كل من ذكر فِي الصَّحِيح من رجال السَّنَد يلْزم أَن يكون ثِقَة غير مُتَّهم لجوز أَن يذكر فِيهِ فِي المتابعات والشواهد وَفِيمَا يتَعَلَّق بالقصص والعبر وفضائل الْأَعْمَال وَغير ذَلِك وَإِنَّمَا يلْزم ذَلِك أَن لَو ذكر فِيهِ فِي الْأُصُول وَفِي بَيَان الْأَحْكَام والعقائد وَقَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد من كَون الحَدِيث على شَرطهمَا أَن يكون رجال سَنَده فِي كِتَابَيْهِمَا وَلَا فِي غَيرهمَا وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا أَن لَا يذكرَا إِلَّا مَا رَوَاهُ عبد الله الْحَافِظ شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا أَن لَا يذكرَا إِلَّا مَا رَوَاهُ صَحَابِيّ مشور عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ راويان ثقتان أَو أَكثر ثمَّ يرويهِ تَابِعِيّ مَشْهُور بالرواية عَن الصَّحَابَة لَهُ أَيْضا راويان ثقتان أَو أَكثر ثمَّ يرويهِ عَنهُ من أَتبَاع الأتباع الْحَافِظ المتقن الْمَشْهُور على ذَلِك الشَّرْط ثمَّ كَذَلِك حَتَّى يبلغ إِلَى الشَّيْخَيْنِ وَاسْتَشْكَلَهُ الْقَوْم وَقَالُوا هَذَا الشَّرْط مُنْتَفٍ فِي بعض الْأَحَادِيث المخرجة فِي الْكِتَابَيْنِ كَحَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَه أَنه من الْأَفْرَاد وَقَرِيب من ذَلِك الاستشكال مَا ذكره أَبُو حَاتِم مُحَمَّد بن حبَان البستي من أَن رِوَايَة اثْنَيْنِ عَن اثْنَيْنِ إِلَى أَن يَنْتَهِي لَا تُوجد أصلا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بذلك أَن رِوَايَة اثْنَيْنِ فَقَط عَن اثْنَيْنِ إِلَى الِانْتِهَاء لَا تُوجد أصلا وَإِلَّا تُوجد رِوَايَة اثْنَيْنِ فِي صُورَة الْعَزِيز الَّذِي لَا يكون الرَّاوِي فِيهِ أقل مِنْهُمَا وَيجوز أَن يكون أَكثر مِنْهُمَا وَأجِيب عَنهُ بِأَن الظَّاهِر من كَلَام الْحَاكِم منع وجود الْأَفْرَاد فِي

الْكِتَابَيْنِ إِذْ كل مَا ذكره الْقَوْم فيهمَا من الْأَفْرَاد فَلهُ أَن يَقُول أَنه قد رُوِيَ بمتابعة بِنَاء على أَن قَول الْحَاكِم بِأَن هَذَا الحَدِيث لم يرو عَن فلَان إِلَّا فلَان يحْتَاج إِلَى تتبع عَظِيم وَعدم وجود الرِّوَايَة فِي الْكتب الْمَشْهُورَة لَا يَقْتَضِي عدم الرِّوَايَة مُطلقًا وَقد تتبع أهل الحَدِيث مَا ذكره الْقَوْم فيهمَا من الْأَفْرَاد فَوَجَدَهُ بمتابعة وَأجِيب عَنهُ أَيْضا بِأَن لَيْسَ مُرَاد الْحَاكِم أَن يكون كل خبر روياه يجْتَمع فِيهِ راويان من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ فَإِن ذَلِك يعز وجوده بل مُرَاده أَن هَذَا الصَّحَابِيّ أَو هَذَا التَّابِعِيّ قد روى عَنهُ رجلَانِ فَصَاعِدا وَخرج بذلك عَن حد الْجَهَالَة وَلَا يخفى عَلَيْك أَن هَذَا الْجَواب يُخَالف ظَاهر قَول الْحَاكِم _ ثمَّ إِن أحد الشَّيْخَيْنِ قد تفرد بِآخِرهِ بعض الْأَحَادِيث لأجل ثُبُوت الشُّرُوط الْمَذْكُورَة من كَون الرَّاوِي ثِقَة وَكَون الحَدِيث خَالِيا عَن علةٍ وشذوذ عِنْده وَعدم ثُبُوتهَا عِنْد الآخر كَذَا كَون الْجرْح فِي الرَّاوِي ثَبت عِنْده مُفَسرًا وَلم يبت عِنْد الآخر ولسبب ذَلِك اخْتلف حَال الرِّجَال قبولاً وردا فَمُسلم أخرج فِي صَحِيحه عَن أبي الزبير الْمَكِّيّ وَسُهيْل بن أبي صَالح والْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن وَحَمَّاد بن سَلمَة وَغَيرهم وَلم يخرج عَنْهُم البُخَارِيّ وَهُوَ اخْرُج عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْعَدوي وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَجَمَاعَة غير هَؤُلَاءِ وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم

قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله عدد من أخرج لَهُم البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح وَلم يخرج لَهُم مُسلم أَرْبَعمِائَة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من أخرج لَهُم مُسلم فِي الْمسند الصَّحِيح وَلم يخرج لَهُم البُخَارِيّ سِتّمائَة وَخَمْسُونَ وَعِشْرُونَ شَيخا وَهَذَا هُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ فلَان على شَرط البُخَارِيّ وَفُلَان على شَرط مُسلم فقس على هَذَا قَوْلهم هَذَا الحَدِيث على شَرط البُخَارِيّ وَهَذَا على شَرط مُسلم وَقيل شَرط البُخَارِيّ أَن يخرج مَا اتَّصل إِسْنَاده بالثقات الملازمين لمن اخذوا عَنهُ مُلَازمَة طَوِيلَة وَأَنه قد يخرج أَحْيَانًا عَن أَعْيَان الطَّبَقَة الَّتِي تلِي هَذِه فِي الإتقان والملازمة لمن رووا عَنهُ وَإِن يلازموه مُلَازمَة يسيرَة وَشرط مُسلم أَن يخرج حَدِيث هَذِه الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَقد يخرج حَدِيث من لم يسلم من غوائل الْجرْح إِذا كَانَ طَوِيل الْمُلَازمَة لمن أَخذ عَنهُ كحماد بن سَلمَة فِي ثَابت الْبنانِيّ وَأَيوب وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنه لَيْسَ كل من أخرج عَنهُ البُخَارِيّ أَو مُسلم يحكم عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ على شَرط مُطلقًا وَإِنَّمَا يحكم عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ على شَرطه إِذا أخرج عَنهُ فِي الْأُصُول لَا فِي المتابعات والشواهد وَيُؤَيّد هَذَا مَا قَالَه سعيد بن عمر

البرذعي أَن أَبَا زرْعَة الرَّازِيّ أنكر على مُسلم إِخْرَاجه فِي صَحِيحه عَن أَسْبَاط بن نصر وَأحمد بن عِيسَى الْمصْرِيّ وَغَيرهمَا وَقَالَ هَذَا فتح بَاب لأهل الْبدع فَإِنَّهُم ينقلون عَن هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة أَحَادِيث لَا أصل لَهَا ويتمسكون بِأَنَّهُم ثِقَات حَيْثُ أخرج عَنْهُم فِي الصَّحِيح قَالَ سعيد فَلَمَّا رجعت إِلَى نيسابور ذكرت ذَلِك لمُسلم فَقَالَ مَا أخرجت عَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي الْأُصُول شَيْئا وَإِنَّمَا أخرجت فِيهَا من رِوَايَة الثِّقَات وَإِنَّمَا حدثت عَن هَؤُلَاءِ مُتَابعَة وَإِنَّمَا أطنبت الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام فَإِنَّهُ من مزالق الْأَقْدَام وَمن مداحض أفهام الْأَعْلَام ثمَّ إِن الرَّاوِي لَا بُد لَهُ من مُسْتَند لَهُ مَرَاتِب وَفِي كل مرتبَة أَلْفَاظ يروي بهَا فمستنده مَا يَصح لَهُ من أَجله أَن يروي الحَدِيث وَيقبل مِنْهُ أُمُور أَحدهَا قراء الشَّيْخ عَلَيْهِ وَثَانِيها قِرَاءَته أَو قِرَاءَة غَيره على الشَّيْخ بِحُضُورِهِ وَثَالِثهَا إجَازَة الشَّيْخ لَهُ أَن يروي عَنهُ وَرَابِعهَا مناولته إِيَّاه كتابا يروي عَنهُ مَا فِيهِ

وخامسها كِتَابَته إِلَيْهِ بِمَا يرويهِ عَنهُ إِلَى غير ذَلِك هَذَا ثمَّ إِن الظَّاهِر أَن الطَّرِيق عِنْدهم بِمَعْنى الْمُسْتَند وَقد يُقَال الطَّرِيق على السَّنَد وعَلى رِجَاله وَأما كَون الطَّرِيق مَنْقُولًا على التَّوَاتُر والآحاد فَلَيْسَ بمشتهر عِنْدهم وَإِن ذَلِك عِنْد أهل الْأُصُول ثمَّ إِن الْقسم الأول وَهُوَ من أَعلَى وجود الْأَخْذ والتحمل عَن الشُّيُوخ عِنْد الْأَكْثَر هُوَ السماع من لفظ الشَّيْخ بِحُضُور الْقلب سَوَاء حدث من كِتَابه أَو من حفظه وَسَوَاء كَانَ بإملاء أَو بِغَيْر إملاء ثمَّ يَقُول الرَّاوِي عِنْد الْأَدَاء لما سَمعه من لَفظه حَدثنَا وَأخْبرنَا وأنبأنا وَسمعت فلَانا يَقُول نَحْو ذَلِك وَقد جرت عَادَتهم عِنْد الْأَدَاء وَالرِّوَايَة بِاخْتِصَار بعض الْأَلْفَاظ فِي الْخط دون النُّطْق _ فيقتصرون من حَدثنَا على ثَنَا أَو على نَا أَو على دثنا وَمن أخبرنَا على أَنا أَو على أرنا أَو على ابْنا وَقد جرت عَادَتهم أَيْضا بِإِسْقَاط قَالَ فِي أثْنَاء الْإِسْنَاد خطا لَا نطقاً فيقتصرون من نَحْو قَالَ حَدثنَا على حَدثنَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي التَّقْرِيب التَّيْسِير تَركهَا خطأ وَالظَّاهِر صِحَة السماع ثمَّ إِذا كَانَ للْحَدِيث إسنادان فَأكْثر وَأُرِيد الْجمع بَين الْأَسَانِيد فِي متن وَاحِد فقد جرت عَادَتهم عِنْد الِانْتِقَال من سَنَد إِلَى سَنَد آخر أَن يكتبوا بَينهمَا صُورَة ح وَأَن ينطقوا بهَا عِنْد الْقِرَاءَة نطق حُرُوف التهجي بأسمائها تَنْبِيه لَو قَالَ الشَّيْخ بعد السماع مِنْهُ لَا تروه عني أَو رجعت عَن إخبارك أَو لست رَاوِيا أَو مخبرك أَو نَحْو ذَلِك وَلم يسند إِلَى شكّ أَو خطأ لَا يكون السماع بَاطِلا وَلَا يمْتَنع رِوَايَته عَنهُ

الْقسم الثَّانِي من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل هُوَ الْقِرَاءَة على الشَّيْخ وَأكْثر الْمُحدثين يسمونها عرضا من حَيْثُ إِن الْقَارئ يعرض على الشَّيْخ مَا يقرأه سَوَاء كنت أَنْت الْقَارئ أَو غَيْرك وَأَنت تسمع وَسَوَاء قَرَأت من حِفظك أَو من كتاب وَسَوَاء كَانَ الشَّيْخ يحفظ مَا يقْرَأ أَو لَا يحفظه لَكِن يمسك أَصله هُوَ أَو ثِقَة غَيره ثمَّ يَقُول الرَّاوِي عِنْد الرِّوَايَة وَالْأَدَاء قَرَأت على فلَان أَو قري على فلَان وَأَنا أسمع وَيجوز لَهُ أَن يَقُول حَدثنَا فلَان قِرَاءَة عَلَيْهِ أَو أخبرنَا فلَان قِرَاءَة عَلَيْهِ وَيجوز لَهُ عِنْد الْبَعْض أَن يَقُول حَدثنَا فلَان وَأخْبرنَا فلَان بِلَا تقييدهما بِالْقِرَاءَةِ الْقسم الثَّالِث من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل هُوَ الْإِجَازَة وَلها أَنْوَاع مترتبة أَولهمَا أَن يخبر الشَّيْخ لمُعين فِي معِين مثل أَن يَقُول أجزت لَك الْكتاب الْفُلَانِيّ أَو مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ فهرستي هَذِه ثمَّ يَقُول الْمجَاز لَهُ عِنْد الْأَدَاء أجازني فلَان إجَازَة وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء من قَالَ لغيره أجزت لَك أَن تروي عني مَا لم تسمع فَكَأَنَّهُ يَقُول أجزت لَهُ أَن تكذب عَليّ قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول اعْلَم أَن ظَاهر الْإِجَازَة يَقْتَضِي أَن الشَّيْخ أَبَاحَ لَهُ أَن يحدث سَالم يحدثه وَذَلِكَ إِبَاحَة الْكَذِب لكنه قد جرى فِي الْعرف مجْرى أَن يَقُول مَا صَحَّ عِنْد أَنِّي سمعته فاروه عني

وَهَذَا الَّذِي ذكر هُوَ أنموذج مِنْهُ وَأما بَاقِي أَنْوَاعهَا فمذكورة فِي المطولات فَلْينْظر هُنَاكَ الْقسم الرَّابِع من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل هُوَ المناولة وَلها نَوْعَانِ أَحدهمَا المناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ وَهِي أعلا الْإِجَازَة على الْإِطْلَاق مثالها أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب أصل سَمَاعه أَو فرعا مُقَابلا بِهِ وَيَقُول هَذَا سَمَاعي أَو روايتي عَن فلَان فاروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته عني ثمَّ يملكهُ إِيَّاه أَو يَقُول خُذْهُ وانسخه وقابل بِهِ ثمَّ رده إِلَيّ أَو نَحْو هَذَا ثمَّ يَقُول الطَّالِب عِنْد الْأَدَاء أخبر أَن أَو حَدثنَا فلَان مناولة أَو إجَازَة وَيجوز عِنْد الْبَعْض أَن يَقُول حَدثنَا أَو اُخْبُرْنَا فلَان بِلَا تقييدهما بالمناولة وَالْإِجَازَة وَالنَّوْع الثَّانِي هُوَ المناولة عَن الْإِجَازَة وَهِي أَن يدْفع الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب الْكتاب على مَا تقدم ذكره أَولا ويقتصر على قَوْله هَذَا سَمَاعي وَلَا يَقُول اروه عني أَو أجزت لَك رِوَايَته عني فَيَقُول الطَّالِب عِنْد الْأَدَاء حَدثنَا أَو أخبرنَا فلَان مناولة وَيجوز عِنْد الْبَعْض فِي ذَلِك الْإِطْلَاق على مَا عرفت الْقسم الْخَامِس من أَقسَام الْأَخْذ والتحمل هُوَ الْمُكَاتبَة وَهِي أ _ يكْتب الشَّيْخ إِلَى الطَّالِب شَيْئا من حَدِيثه بِخَطِّهِ أَو يَأْمر غَيره فَيكْتب عَنهُ بِإِذْنِهِ سَوَاء كَانَ الطَّالِب غَائِبا أَو حَاضرا عِنْده فَيَقُول الطَّالِب عِنْد النَّقْل وَالْأَدَاء كتب

إِلَيّ فلَان قَالَ حَدثنَا فلَان بِكَذَا مُكَاتبَة وَيجوز لَهُ أَن يَقُول أَخْبرنِي فلَان بِكَذَا مُكَاتبَة كَا يجوز لَهُ عِنْد الْبَعْض أَن يَقُول حَدثنَا أَو أخبرنَا فلَان بِكَذَا بِلَا تَقْيِيد بالمكاتبة وَمن أَقسَام الْأَخْذ والتحمل إِعْلَام الشَّيْخ للطَّالِب أَن هَذَا الحَدِيث أَو هَذَا الْكتاب سَمَاعه من فلَان أَن رِوَايَته من غير أَن يَأْذَن لَهُ فِي رِوَايَته عَنهُ وَكَذَا الْوَصِيَّة بِالْكتاب والوجادة كل ذَلِك مفصل فِي الْكتب المبسوطة وَمن أَرَادَ الإطلاع على التَّفْصِيل فَليرْجع إِلَيْهَا الْبَاب الثَّانِي فِي الْمسَائِل أَقُول الحَدِيث المستجمع لجَمِيع شَرَائِطه على أعلا مَرَاتِب الْقبُول صَحِيح لِأَنَّهُ حَدِيث ثَابت على هَذَا الصّفة صَحِيح أما الأولى فلقيام الْمُقْتَضى مَعَ انْتِفَاء الْمَانِع وَأما الثَّانِيَة فَلِأَن الحَدِيث حنيئذ يكون مُعْتَبرا ومفيداً مَا هُوَ مَطْلُوب مِنْهُ وَلَيْسَ المُرَاد من كَون الحَدِيث صَحِيحا هَهُنَا إِلَّا هَذَا ثمَّ إِن أصل الدَّعْوَى يَكْفِيهِ التَّنْبِيه فِي التَّحْقِيق لكَونه من البديهيات فِي الْحَقِيقَة وَإِن كَانَ نظرياً فِي الظَّاهِر وَلِهَذَا ترى أَكثر مسَائِل هَذَا الْفَنّ عَارِيا عَن الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ ثمَّ إِن الحَدِيث الصَّحِيح يحْتَج بِهِ بِالْإِجْمَاع ولوجوب الْعَمَل بِهِ وَلِأَنَّهُ دَلِيل شَرْعِي سَالم من الْمعَارض وَأما قَوْله تَعَالَى (وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ

علم) فقد قيل إِن المُرَاد من الْعلم هَهُنَا هُوَ الِاعْتِقَاد الرَّاجِح الْمُسْتَفَاد من سَنَد سَوَاء كَانَ قَطْعِيا أَو ظنياً وَاسْتِعْمَال الْعلم بِهَذَا الْمَعْنى سَائِغ شَائِع وَقيل إِنَّه مَخْصُوص بالعقائد وَقيل إِنَّه مَخْصُوص بِالرَّمْي وَشَهَادَة الزُّور قَالَ الْكُمَيْت (وَلَا أرمي البريء بِغَيْر ذنبٍ ... وَلَا أقفو الحواضن إِن قفينا) ثمَّ إِن مَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ من الصَّحِيح يُفِيد الظَّن بِصِحَّتِهِ وبمضمونه مالم يتواتر خلافًا للْبَعْض لكَونه من قبيل غير الْمُتَوَاتر فَظهر ضعف قَول من قَالَ إِنَّه يُفِيد الْقطع بِصِحَّتِهِ لِاجْتِمَاع الْأمة على تلقيه بِالْقبُولِ بِنَاء على أَن الْكَلَام هَهُنَا فِي الْخَبَر نَفسه مَعَ قطع لنظر عَمَّا عداهُ لَا فِي الْخَبَر مَعَ انضمام إِجْمَاع الْأمة إِلَيْهِ أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ خبر الْوَاحِد لَا يُفِيد إِلَّا الظَّن وَإِن كَانَ يُفِيد الْعلم فِي بعض الْمَوَاضِع بانضمام الْقَرَائِن إِلَيْهِ فَإِذا القَوْل هَهُنَا قَول الْجُمْهُور لَا غير ثمَّ إِن أهل الحَدِيث قد اخْتلفُوا فِي حَدِيث معِين أَو سَنَد معِين هَل يُقَال

إِنَّه هُوَ الْأَصَح مُطلقًا أَو لَا فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُقَال إِنَّه أصح الْأَسَانِيد على وَجه الْعُمُوم وَإنَّهُ أصح الْأَسَانِيد كَذَلِك وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه لَا يُقَال إِنَّه هُوَ الْأَصَح مَعَ تعذر الْإِحَاطَة بِهِ على وَجه مُعْتَبر وللاحتراز عَن النجيت والمجازفة وَهَذَا هُوَ مُخْتَار عِنْد الْأَكْثَر وَالتَّحْقِيق هَهُنَا أَن ينظر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة هَل هلي من الْمسَائِل الَّتِي يطْلب فِيهَا الْجَزْم وَالْيَقِين أَو من الْمسَائِل الَّتِي يَكْفِي فِيهَا الْإِقْنَاع وَالظَّن فَإِن كَانَت من الأولى فَالْقَوْل قَول الْأَكْثَر وَإِن كَانَت من الثَّانِيَة قالقول الْأَوْجه وَجه لتَضَمّنه اعْتِبَارا حسنا لَا سِيمَا أَن مسَائِل هَذَا الْفَنّ تحصل بالاستقراء لبَعض الْأَشْخَاص فِي بعض الأحيان وَالْأَحْوَال كمسائل سَائل الْعُلُوم الاستقرائية الإقناعية هَذَا وَمن رأى فِي هَذِه الْأَزْمَان حَدِيثا صَحِيح الْإِسْنَاد فِي كتاب أَو جزءٍ لم ينص على صِحَّته حَافظ مُعْتَمد قَالَ ابْن الصّلاح لَا يحكم بِصِحَّتِهِ جزما لضعف أَهْلِيَّة أهل هَذِه الْأَزْمَان وَقَالَ النَّوَوِيّ الْأَظْهر عِنْدِي جَوَازه لمن تمكن وقويت مَعْرفَته هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عمل أهل الحَدِيث فَإِن غير وَاحِد من المعاصرين لِابْنِ الصّلاح وَمِمَّنْ بعده قد صحّح أَحَادِيث لم نجد لمن تقدمهم

فِيهَا تَصْحِيحا كَأبي الْحسن بن الْقطَّان والضياء الْمَقْدِسِي والزكي عبد الْعَظِيم أَقُول بعد التَّسْلِيم إِن تَصْحِيح هَؤُلَاءِ لَا يَقْتَضِي الحكم بِالصِّحَّةِ إِلَى سَبِيل الْقطع وَالْيَقِين الْجَوَاز أَن يكون على سَبِيل حسن الظَّن فَإِذا هَذَا التَّصْحِيح لَا يُنَافِي مَا ذكره ابْن الصّلاح من أَنه لَا يحكم بِالصِّحَّةِ قطعا وجزماً كَمَا هُوَ رَأْيه فِيمَا اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِن كَانَ رَأْيه فِيهِ على مَا عرفت وَأما قَول بِأَن مَا ذكره ابْن الصّلاح إِن تمّ فَإِنَّمَا يتم فِي نفي وُقُوع ذَلِك الحكم لَا فِي نفي الْجَوَاز وَالْكَلَام فِي الْجَوَاز لَا فِي الْوُقُوع وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيّ الْأَظْهر عِنْدِي جَوَازه فَلَا يرفع التدافع بَينهمَا بِنَاء على أَن المُرَاد من الْجَوَاز هَهُنَا عِنْدهم الْوُقُوع لَا الْجَوَاز الْعقلِيّ الَّذِي هُوَ أَعم من الْوُقُوع وَمن أَرَادَ الْعَمَل أَو الِاحْتِجَاج بِحَدِيث من كتاب مَشْهُور كصحيح البُخَارِيّ

وَغَيره من الْكتاب الْمُعْتَمدَة فطيفة أَن يَأْخُذهُ من نُسْخَة مُعْتَمدَة قابلها هُوَ أَو ثِقَة غَيره بأصول صَحِيحَة فَإِن قابلها بِأَصْل مُعْتَمد مُحَقّق أَجزَأَهُ فَلَا يحْتَج بِحَدِيث من كتاب لم يُقَابل بِأَصْل صَحِيح موثوق بِهِ بِمُقَابلَة من يوثق بِهِ وَحكى الْبَعْض الْإِجْمَاع على أَنه لَا يحل الْجَزْم بِنَقْل الحَدِيث إِلَّا من لَهُ بِهِ روايه وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا حَتَّى يكون عِنْده ذَلِك القَوْل مروياً وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَفِي بعض الرِّوَايَات من كذب عَليّ بِلَا قيد التعمد ثمَّ إِن كل حَدِيث حسن كَالصَّحِيحِ فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَيْسَ كَالصَّحِيحِ فِي الْقُوَّة لِأَن شَرط الصَّحِيح ثُبُوت كَمَال الْعَدَالَة والضبط والإتقان فِي رِوَايَة بطرِيق الاشتهار بَين النَّاس وَإِمَّا بِالنَّقْلِ الصَّحِيح بِخِلَاف الْحسن والْحَدِيث الضَّعِيف سوى الْموضع تجوز رِوَايَته فِي المواعظ والقصص وفضائل الْأَعْمَال على مَا مر فِي الْبَاب الأول وَلَا تجوز فِي العقائد وَالْأَحْكَام إِلَّا أَن يبين فيهمَا ضعفه فَيُقَال هَذَا ضَعِيف وَذَلِكَ إِذا كَانَ مَعَ السَّنَد وَأما إِذا لم يكن مَعَ السَّنَد فَلَا يُقَال فِيهِ لفظ يدل على الْجَزْم نَحْو قَالَ أَو فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل يُقَال فِيهِ رُوِيَ عَنهُ أَو بلغنَا أَو جَاءَ عَنهُ أَو ورد عَنهُ أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يَقْتَضِي صِيغَة الْجَزْم ثمَّ إِن ضَعِيف الحَدِيث يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا ضَعِيف يسير وَهُوَ الَّذِي يَزُول بمجيء ذَلِك الحَدِيث من وَجه آخر بِكَوْنِهِ ضعفا ناشئاً من ضعف

حفظ رَاوِيه مَعَ كَونه من أهل الصدْق والديانة فَإِنَّهُ إِذا رَوَاهُ ثِقَة آخر من وَجه آخر علم أَنه قد حفظه وَلم يخْتل فِيهِ ضَبطه وَكَذَا يَزُول ضعف الْإِرْسَال بالاتصال من وَجه آخر ولاجل هَذَا صَار بعض الْأَحَادِيث الَّذِي فِيهِ ضعف يسير معدوداً فِي عداد الحَدِيث الْحسن فيحتج بِهِ فِي الْأَحْكَام وَأما الْقسم الثَّانِي فَهُوَ الَّذِي لَا يَزُول وَإِن جَاءَ ذَلِك الحَدِيث من وَجه آخر لكَونه ضَعِيفا حَاصِلا من كَون الحَدِيث شاذاً غير مَقْبُول أَو كَون رَاوِيه مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ فاحفظ هَذَا فَإِنَّهُ من النفائس العزيزة ثمَّ إِن الْعدْل إِذا تفرد بِرِوَايَة فِي الحَدِيث وَيُسمى زِيَادَة الثِّقَة نَحْو أَن يروي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دخل الْبَيْت ويروى أَنه دخل الْبَيْت وَصلى تكون تِلْكَ الزِّيَادَة مَقْبُولَة عِنْد الْجُمْهُور من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه لكَونهَا من قبيل خبر الْوَاحِد مَعَ كَون راويها عدلا وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا تكون مَقْبُولَة إِن لم يَقع بَينهَا وَبَين غَيرهمَا تدافع فِي حكم الحَدِيث المستقل الَّذِي ينْفَرد بِهِ الثِّقَة بِحَيْثُ لَا يرويهِ عَن شَيْخه غَيره وَإِن وَقع بَينهمَا تدافع بِحَيْثُ يلْزم من قبُولهَا رد الآخر يَقع بَينهمَا مُعَارضَة فيطلب التَّرْجِيح إِن أمكن فَيقبل الرَّاجِح وَيرد الْمَرْجُوح هَذَا مَا عَلَيْهِ أهل الحَدِيث وَقَالَ أهل الْأُصُول إِذا انْفَرد الْعدْل بِزِيَادَة فِي الحَدِيث فإمَّا أَن يتحد مجْلِس السماع أَو يَتَعَدَّد أما إِذا اتَّحد فَإِن كَانَ غَيره من الروَاة فِي الْكَثْرَة بِحَيْثُ لَا يتَصَوَّر غَفلَة مثلهم عَن الثِّقَات تِلْكَ الزِّيَادَة فَإِنَّهَا لم تقبل لشذوذها ومخالفتها لرِوَايَة سَائل الثِّقَات وَإِلَّا فالجمهور على أَنَّهَا تقبل لكَون راويها عدلا جَازِمًا فِي حكم ظَنِّي وَقَالَ بَعضهم إِنَّهَا لَا تقبل وَعَن أَحْمد فِيهِ رِوَايَتَانِ

وَأما إِذا تعدد الْمجْلس فَإِنَّهَا تقبل بالِاتِّفَاقِ هَذَا كُله إِذا تعدد الروَاة وَأما إِذا روى الزِّيَادَة عدل وَاحِد مرّة وَتركهَا أُخْرَى فَالزِّيَادَة مَقْبُولَة نَحْو رِوَايَة ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِذا اخْتلف الْمُتَبَايعَانِ والسلعة قَائِمَة تخالفاً وتراداً مَعَ الرِّوَايَة عَنهُ بِدُونِ اشْتِرَاط قيام السّلْعَة وَقَرِيب من ذَلِك قَوْلهم الْمُثبت أولى من النَّافِي لكَونه أظهر فِيهِ فِي الدّلَالَة على المرام نَحْو مَا رُوِيَ أَن بَرِيرَة أعتقت وَزوجهَا حر مَعَ رِوَايَة أعتقت وَزوجهَا عبد وَكَذَا قَوْلهم الْجرْح أولى من التَّعْدِيل إِن صدر من عَارِف بأسبابه مُفَسرًا فَإِن غير الْمُفَسّر لَا يقْدَح فِيمَن ثبتَتْ عَدَالَته وَكَذَا الْجرْح الصَّادِر من غير عَارِف بالأسباب وَأما الْجرْح الْمُجْمل فِيمَن خلا عَن التَّعْدِيل فالمختار عِنْد الْجُمْهُور أَنه مَقْبُول فِيهِ وَبَعْضهمْ مَال فِي هَذِه الصُّورَة إِلَى التَّوَقُّف وَالْأَكْثَر على أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل يثبتان فِي الرِّوَايَة بقول الْعدْل الْوَاحِد وَقيل بل يجب العدلان فيهمَا وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر يَكْفِي الْإِطْلَاق فيهمَا بل يجب فيهمَا ذكر السَّبَب ثمَّ إِن الحَدِيث الْمُرْسل مَقْبُول عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد لإِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِنَّهُم قد اتَّفقُوا على قبُول رِوَايَات الْأَحْدَاث من الصُّحْبَة كَابْن عَبَّاس وَابْن عمر والنعمان بن بشير وَغَيرهم من الَّذين لم يكن لَهُم كَثْرَة صُحْبَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد كَانُوا يرسلون وَلم يرو عَن أحد مِنْهُم إِنْكَار ذَلِك أَو تفحص أَنهم رَوَوْهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَاسِطَة أَبُو بِغَيْر وَاسِطَة وَلِأَن الرَّاوِي الْعدْل إِذا وضح لَهُ طَرِيق الِاتِّصَال واستبان لَهُ

الْإِسْنَاد أرسل تَيَقنا بِثُبُوت الْمَرْوِيّ واعتماداً على صِحَّته فَيكون مُتَّصِلا معنى وَقَالَ ابْن سِيرِين مَا كُنَّا نسند الحَدِيث إِلَى أَن وَقعت الْفِتْنَة وَقَالَ الْأَعْمَش قلت لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ إِذا رويت لي حديثأ عَن عبد الله فأسنده لي فَقَالَ إِذا قلت لَك حَدثنِي فلَان عبد الله فَهُوَ الَّذِي روى لي ذَلِك وَإِذا قلت قَالَ عبد الله فقد رَوَاهُ لي غير وَاحِد وَقَالَ الْحسن مَتى قلت لكم حَدثنِي فلَان فَهُوَ حَدِيثه لَا غير وَمَتى قلت لكم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد سمعته من سبعين أَو أَكثر وَأما الشَّافِعِي فَيقبل مَرَاسِيل كبار التَّابِعين إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا يؤكدها وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا قيل مَرَاسِيل سعيد بن الْمسيب لِأَنَّهُ تتبعها فَوَجَدَهَا مسانيد وَأما أَكثر أهل الحَدِيث فقد قَالُوا إِن الْمُرْسل لَا يحْتَج بِهِ لِأَنَّهُ سقط من رُوَاته وَاحِد لَا يعلم حَاله فَيكون مَجْهُولا فيكُن الحَدِيث فِي حكم الْمُنْقَطع والمنقطع لَا يحْتَج بِهِ وَكَذَا هَذَا وَأجِيب بِأَنَّهُ مُتَّصِل معنى وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا لفظا وَإِنَّمَا الْمَانِع من الِاحْتِجَاج هُوَ الِانْقِطَاع الْمَعْنَوِيّ أَلا ترى أَن خبر الْوَاحِد الْمُتَّصِل إِذا خَالفه الْمُتَوَاتر وَلم يكن الْجمع بَينهمَا لَا يحْتَج بِهِ لانقطاعه معنى وَإِن اتَّصل لفظا ثمَّ إِن الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ بَعضهم مُتَّصِلا وَبَعْضهمْ مُرْسلا كَحَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي فالاعتبار فِيهِ بالوصل عِنْد أهل الْفِقْه وَالْأُصُول وَعند بعض أهل الحَدِيث وَمِنْهُم البُخَارِيّ يكون الْوَصْل أقوى وَأظْهر من الْإِرْسَال وَالِاعْتِبَار بِالْإِرْسَال عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث وَقيل الِاعْتِبَار بِالْأَكْثَرِ وَقيل

بالاحفظ لَا يُقَال كَيفَ يَسْتَقِيم اعْتِبَار أَحدهمَا دون الآخر مَعَ اتِّحَاد الحكم وَالدَّلِيل لأَنا نقُول مِنْهُ هَهُنَا تَرْجِيح نفس أَحدهمَا عِنْد معتبره على الآخر لَا اعْتِبَار ثُبُوت الحكم إِلَى اعْتِبَاره وَعَدَمه حَتَّى يتَوَجَّه مَا ذكر هَذَا وَإِن أَعْلَاهُ مَرَاتِب الْأَخْذ والتحمل وأولاها عِنْد أَكثر أهل الحَدِيث هُوَ السماع من لفظ الشَّيْخ على مَا مر تَفْصِيله لِأَنَّهُ مرتبَة أولية لِأَنَّهُ أَخذ الْأَحَادِيث من منابعها كأخذ الْمِيَاه من مجاريها وَلِأَنَّهُ طَريقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون أَحَق بالأولوية وَقيل أولى الْمَرَاتِب هُوَ الْقِرَاءَة على الشَّيْخ لكَون الْقَارئ أَكثر اهتماماً بقرَاءَته وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِك إِنَّمَا يحصل بِأَن تنظر فِي أَن الطَّرِيق هَل يتساويان فِي حُصُول الضَّبْط والإتقان وَفِي تحقق الْأَمْن من الْغَلَط والالتباس والتسائل أَو يكون أَحدهمَا أرجح فِي ذَلِك فَإِن حصل التَّسَاوِي فِيمَا ذكر فَكل مِنْهُمَا جَائِز بِلَا تَرْجِيح أَحدهمَا على الآخر وَنَظِيره الْمُمكن والمباح وَإِن رُجْحَان أَحدهمَا فِي ذَلِك على الآخر يتَعَيَّن الِاعْتِبَار بالراجح هَذَا وَقَالَ ابْن الصّلاح الأقران هم المتقاربون فِي السن والإسناد وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله يكفيهم التقارب فِي الْإِسْنَاد وَإِن لم يُوجد فيهم التقارب فِي السن فَإِن روى كل وَاحِد من القرينين عَن صَاحبه كعائشة وَأبي هُرَيْرَة روى كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر وكالزهري وَعمر بن عبد الْعَزِيز وروى كل

وَاحِد مهما عَن الآخر وكمالك وَالْأَوْزَاعِيّ روى كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر أَيْضا فَهُوَ المدبج والتدبيج مَأْخُوذ من ديباجتي الْوَجْه فَإِن كل وَاحِد من روايتي كل مِنْهُمَا قد تشابهت بِالْأُخْرَى فَكَأَن الرِّوَايَتَيْنِ ديباجتا الْوَجْه مَعًا فَأطلق على هَذَا النَّوْع من الرِّوَايَة المديد على سَبِيل الِاسْتِعَارَة كإطلاق الْأسد على الرجل الشجاع وَيجوز رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر وَفَائِدَة ذكر هَذَا هِيَ دفع توهم وجوب كَون الْمَرْوِيّ عَنهُ أكبر سنا أَو أفضل شَأْنًا من الرَّاوِي نظرا إِلَى وُقُوعه كَذَلِك غَالِبا حَتَّى لَا يلْزم جَهَالَة منزلتهما وَقد صَحَّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ننزل النَّاس مَنَازِلهمْ كَرِوَايَة الزُّهْرِيّ وَيحيى ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن مَالك وكراوية أَحْمد بن حَنْبَل عَن عبيد الله بن مُوسَى وَقد روى عَن كَعْب الْأَحْبَار العبد الة وَغَيرهم من

الصَّحَابَة والعبادلة أَرْبَعَة عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَعَن سَائِر الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ.

خَاتم الْكتاب فِي آدَاب الشَّيْخ والطالب اعْلَم أَن علم الحَدِيث علم شرِيف يُنَاسب مَكَارِم الْأَخْلَاق ومحاسن الْأَعْمَال وَهُوَ من الْعُلُوم الأخروية من رزقه رزق خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَيجب عَلَيْهِمَا أَولا تَصْحِيح النِّيَّة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ إخلاصها فِي عبَادَة الله تَعَالَى مَعَ تَطْهِير الْقلب من الْأَعْرَاض الدُّنْيَوِيَّة من حب الرياسة أَو طلب مَال أَو جاه أَو غير ذَلِك وَمَعَ تَحْسِين الْحَال وَقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ قلت لحبيب بن أبي ثَابت حَدثنَا قَالَ حَتَّى تَجِيء النِّيَّة وَقيل لأبي الْأَحْوَص سَلام بن سليم حَدثنَا فَقَالَ لَيست لي نِيَّة فَقَالُوا لَهُ إِنَّك تؤجر فَقَالَ (تمنوا لي الْخَيْر الْكثير وليتني ... نجوت كفافاً لَا عَليّ وَلَا ليا) فَلْيَكُن المُرَاد نشر الحَدِيث وَالْعلم وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتبليغ عَنهُ وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ تعلمُوا هَذَا الْعلم فَإِذا علمتموه فتحفظوه فَإِذا حفظتموه فاعملوا بِهِ فَإِذا علمتموه فانشروه وَاخْتلف فِي السن الَّذِي يسْتَحبّ فِيهِ التصدي لاستماع الحَدِيث وَالْحق أَنه يسْتَحبّ لَهُ التصدي لاستماعه بعد إتقانه فِي أَي سنّ كَانَ كَمَا فعله مَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا ثمَّ إِن الشَّيْخ إِذا أَرَادَ الحَدِيث بعد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ تَوَضَّأ وَجلسَ على غَيرهمَا صدر فرَاشه وسرح لحيته وَتمكن فِي جُلُوسه بوقار

وهيبة وَحدث وَلَكِن لَا يحدث قَائِما وَلَا عجلاً وَلَا فِي الطَّرِيق إِلَّا إِذا اضْطر إِلَى ذَلِك سُئِلَ مَالك عَن ذَلِك كلِه فَقَالَ أحب أَن أعظم حَدِيث الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَنْبَغِي أَن يحدث بِحَضْرَة من هُوَ أولى مِنْهُ فِي علم الحَدِيث أَو أقدم فِي السن وَيكرهُ رِوَايَته فِي بَلْدَة يكون أحد فِيهَا أولى مِنْهُ بل يرشده إِلَيْهِ فَإِن الدّين النَّصِيحَة وَيَنْبَغِي أَن لَا يمْتَنع من تحديث أحد لعدم صِحَة نِيَّته من طلب جاه أَو مَال أَو غير ذَلِك فَإِن حُصُول صِحَة النِّيَّة مرجو بعده رُوِيَ عَن حبيب بن ثَابت وَمعمر بن رَاشد أَنَّهُمَا قَالَا طلبنا الحَدِيث وَمَا لنا فِيهِ نِيَّة ثمَّ رزق الله تَعَالَى النِّيَّة بعد وَرُوِيَ عَن معمر أَنه قَالَ إِن الرجل ليطلب الْعلم لغير الله فيأبى الْعلم عَلَيْهِ حَتَّى يكون الله عز وَجل وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ مَا كَانَ فِي النَّاس أفضل من طلبة الحَدِيث فَقَالَ لَهُ ابْن مهْدي يطبونه بِغَيْر نِيَّة قَالَ طَلَبهمْ إِيَّاه نِيَّة وَيَنْبَغِي أَن يكون حَرِيصًا على نشره مبتغياً جزيل أجره رُوِيَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه كَانَ يَقُول لَو علمت أَن أحدا يطْلب الحَدِيث لله تَعَالَى لسرت إِلَيْهِ فَحَدَّثته وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يمسك عَن التحديث إِذا أنهى إِلَى سنّ يخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ التَّخْلِيط لمَرض أَو هرم أَو غَلَبَة النسْيَان فَإِن رفع أحد صَوته فِي مَجْلِسه زبره لقَوْله تَعَالَى (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي) فَمن رفع صَوته عِنْد حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَأَنَّمَا رفع صَوته فَوق صَوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَيَنْبَغِي أَن يقبل على السامعين كلهم إِذا أمكن وَلَا يسْرد الحَدِيث سرداً يمْنَع السَّامع من إِدْرَاك بعضه ويفتتح مَجْلِسه بِذكر نَحْو الْحَمد لله رب الْعَالمين أكمل الْحَمد على كل حَال وَالصَّلَاة وَالسَّلَام الأتمان على سيد الْمُرْسلين كلما ذكره الذاكرون وَكلما غفل عَن ذكره الغافلون اللَّهُمَّ صلي عَلَيْهِ وعَلى آله وعَلى سَائِر النَّبِيين وَآل كل النَّبِيين وَسَائِر الصَّالِحين نِهَايَة مَا يَنْبَغِي أَن يسْأَله السائلون وَإِذا اتخذ مجْلِس الْإِمْلَاء اتخذ مستملياً إِذا كثر الْجمع يبلغ عَنهُ فَذَلِك دأب أكَابِر الْمُحدثين المتصدين لمثل ذَلِك وَيَأْتِي عقيب الْإِمْلَاء بِشَيْء من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها وَذَلِكَ حسن وَيخْتم مَجْلِسه بِدُعَاء يَلِيق بِالْحَال ثمَّ إِن الطَّالِب يَنْبَغِي أَن يتخلق بالأخلاق المرضية ويتأدب بالآداب السّنيَّة وَيلْزم السكينَة وَالْوَقار وينفي عَن نَفسه مَا فِيهِ مَظَنَّة الشين والعار ويتضرع فِي طلب التَّوْفِيق والتيسير ويوقر الشَّيْخ لَا يضجره وَيَنْبَغِي أَن يكون ابْتِدَاء سَمَاعه من شُيُوخ بَلَده وَيقدم الْأَعْلَى سنداً وَالْأولَى علما أَو دينا أَو غير ذَلِك من الْأَوْصَاف الدَّالَّة على الشّرف وَإِذا فرغ من الْمُهِمَّات الَّتِي فِي بَلَده فليرحل فَإِن الرحلة من دأب المتبرزين الَّذين هم حفظَة الدّين وَلَا يكون قَصده الاستكثار من الشُّيُوخ لمُجَرّد صيت الْكَثْرَة فَإِن فَاعله لَيْسَ إِلَّا من يضيع أوقاته وييأس من التَّوْفِيق وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب عَن الِاقْتِصَار على مُجَرّد السماع وَالْكِتَابَة بل يجْتَهد فِي تعرف صِحَّته وَضَعفه وَتَحْقِيق مَعَانِيه وفقهه وَإِعْرَابه ولغته

واسماء رِجَاله وَيَنْبَغِي بإتقان مشكله حفظا وَكِتَابَة وَيَنْبَغِي أَيْضا بالكتب الصِّحَاح الْمَشْهُورَة كالصحيحين وَغَيرهمَا وَيَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل مَا يُمكنهُ اسْتِعْمَاله مِمَّا سَمعه من الْأَحَادِيث فِي أَنْوَاع الْعِبَادَات والأعمال الدينيات فَذَلِك زَكَاة الحَدِيث رُوِيَ عَن الثَّوْريّ أَنه كَانَ يَقُول إِن اسْتَطَعْت أَن لَا تحك رَأسك إِلَّا بالأثر فافعل وَقَالَ مُحَمَّد بن الْوراق سَمِعت بشر بن الْحَارِث يَقُول يَا أَصْحَاب الحَدِيث أدروا زَكَاة هَذَا الحَدِيث قَالُوا كَيفَ نُؤَدِّي زَكَاته قَالَ اعْمَلُوا من كل مِائَتي حَدِيث بِخَمْسَة أَحَادِيث وَرُوِيَ عَن عمر بن قيس أَنه قَالَ إِذا بلغك شَيْء من الْخَبَر فاعمل بِهِ وَلَو مرّة تكن من أَهله وَيَنْبَغِي أَن يشْتَغل بالتصنيف إِذا احْتَاجَ النَّاس كي يكْتَسب جميل الذّكر وتخليده إِلَى آخر الدَّهْر وَأنْشد الْبَعْض (يَمُوت قوم ويحيي الْعلم ذكرهم ... وَالْجهل يلْحق أَمْوَاتًا بأموات)

كَمَا أنْشد الآخر (يَقُولُونَ ذكر الْمَرْء يبقي نَسْله ... وَلَيْسَ لَهُ ذكر إِذا لم يكن نسل) (فَقلت لَهُم نسلي بَدَائِع حكمتي ... فَمن سره نسل فَإنَّا بذا نسلوا) وَيَنْبَغِي أَن يكْتب الْكَاتِب عِنْد ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يجب أَن يكْتب تَعَالَى عِنْد ذكر الله تَعَالَى رُوِيَ عَن حَمْزَة الْكِنَانِي أَنه قَالَ كنت أكتب عِنْد ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَلَا أكتب وَسلم فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فَقَالَ لي مَالك لَا تتمّ الصَّلَاة عَليّ فَمَا كتبت بعد ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ إِلَّا كتبت وَسلم وَيسْتَحب أَن يترضى عِنْد ذكر صَحَابِيّ كَمَا يسْتَحبّ أَن يترحم عِنْد ذكر خير وَالرَّمْز بِالصَّلَاةِ مَكْرُوه كَأَن يكْتب صلعم ويشير بذلك إِلَى الصَّلَاة وَالسَّلَام فَالْحق أَن يكْتب بالتمام وَلَا ينقص من نعوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

§1/1