المختصر في أحكام السفر

فهد بن يحيى العماري

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فالإنسان بطبعه يحب الترحال والانتقال من مكان إلى مكان ومن حال إلى حال بل أصبح ذلك عند الكثير متعة وراحة وأنسا فتجده كل شهر في بلد وكل صيف على أرض، طلبا لمرغوب كعبادة أو حج أو علم أو دعوة أو رزق أو سياحة أو صيد أو حاجة، أو فرارا من مرهوب كمرض أو قتال أو خوف فتنة من ظلم أو طغيان، وحري بالجميع أن يكونوا على علم وبصيرة ودراية بأحكام عبادتهم في ظعنهم وإقامتهم وحلهم وترحالهم. ومما يفرح القلب ويثلج الصدر ما يشاهد من حرص الكثير على السؤال عما يشكل عبر الدرس واللقاء ووسائل الاتصال، بحثا عن الحلال والحرام والواجب والمندوب، ليفعل أو يترك في جميع المجالات من جميع الفئات، وهذا كله جاء بعد فضل الله نتيجة لدور العلماء والدعاة والمربين وأثرهم على الناس. بل نرى إحياء السنن قولا وفعلا ونشر العلم في شباب الأمة وشيبها ونسائها ظاهرا بعد غياب بعضها أو ضعفها وإقبالهم على دين الله سؤالا وتعلما فلك اللهم الحمد والمنة.

ومما لا شك فيه أن في إجابتهم تجنيبًا للسائل عن الوقوع في الزلل والخلل وعبادة الله وفق شرع الله. وفي إجابتهم كشف لكربة السائلين وتفريج لهمهم وقضاء لحوائجهم ونيل للأجر وبذل للمعروف وكل ذلك صدقة. ومما لا شك فيه أن في إجابتهم وتعليمهم عونًا للمفتي وطالب العلم على البحث والجمع والتأليف ومراجعة العلم ومدارسته مع العلماء وتزكيته وتبليغه. ولقد شاهدت من يلقي بنفسه على العالم فيقبل رأسه ويده بحرارة بعد جوابه له وتفريج همه عنه. لقد شاهدت من يبكي فرحا بعد جواب العالم له وكأنما ولد من جديد. لقد شاهدت من يحتضن زوجته ويقبلها عند العالم وقد فقد شعوره لأنه أفتي بعدم وقوع الطلاق. لقد رأيت من أهدى أحد طلبة العلم سيارة فاخرة لأنه دخل صلحًا في مشكلة له. لقد رأيت من أصبح بارًا وفيًا لعالم وداعية لأنه كان سببًا في هدايته واستقامته وطلبه العلم. لقد رأيت أسرًا متهاجرة وقبائل متقاطعة جمع الله شملها بسبب عالم وداعية. لقد رأينا شرورًا دفنت ومنكرات رفعت وخيرات وقعت بسبب العلماء والدعاة بعد الله.

لقد رأينا أصحاب انحراف ومخدرات وضياع وقلق واضطراب كانت هدايتهم بسبب العلماء والدعاة بعد الله. لقد رأينا من حكم عليهم بالقتل، فكان العلماء سببا في رفع القتل عنهم بإقناع الورثة بالتنازل عنهم. لقد رأينا وسمعنا كيف يلهج الناس للعلماء ومن أفتاهم بالدعوات، وعظيم الجلال، والتقدير لهم. لقد رأينا وشاهدنا رحمة العلماء والدعاة بالمستفتين، وكان محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظمهم رحمة بالمستفتين وشفقة بالسائلين قال الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]. لقد رأيت ورأيتم الكثير والكثير مما لا يسع المقام ذكره. وهكذا العلماء والدعاة؛ هم ورثة الأنبياء، هم مصابيح الدجى وشموس الهدى، فلهم منا البر والوفاء والثناء والدعاء والتأدب معهم والذب عنهم وعدم الوقوع فيهم وعدم الفري في أعراضهم وعدم اتهامهم بما هم منه براء، كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فلا ندع لحاقد وحاسد وعدو وكافر مجالا للمزهم وهمزهم وإسقاطهم والتشكيك في دعوتهم وآرائهم وعلمهم وعدم مشورتهم، ولنعلم أن العصمة من الله للأنبياء عليهم السلام، والعلماء بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الخطأ والزلل، فاللهم احفظ العلماء وثبتهم على الحق وأيدهم واغفر لميتهم إنك سميع الدعاء. قال ابن حجر: لا يزال الناس بخير ما كان فيهم أهل

فضل وصلاح وخوف من الله نلجأ إليهم عند الشدائد ويستهدى بآرائهم ويتوسل إلى الله بدعائهم ويؤخذ بتقويمهم وآرائهم (¬1). وعلى السائل والمستفتي ألا يتتبع الرخص، فيسأل العلماء مرارا في المسألة الواحدة، ليختار ما يحلو له وتهواه نفسه، واتفق الفقهاء على أن من تتبع رخص العلماء فقد تزندق، وقيل: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. وقد نقل ابن عبد البر إجماع العلماء على عدم جواز تتبع الرخص، ويعتبر فاسقا عند الإمام أحمد. وقد يسأل المستفتي من ظاهره الاستقامة وهو لا يعرفه أو لا يعرف أنه من طلبة العلم، فيتساهل في ذلك كله ويظن بهذا أن ذمته قد برئت، ولو مرض في بدنه لذهب إلى أفضل المستشفيات وأحسن الأطباء والله المستعان. ما أشد تساهل الناس في أمر دينهم وأشدهم في أمر دنياهم؟! ما أرخص دين الله في قلوب كثير من الناس. وعلى السائل أن يختار الأوقات المناسبة للاتصال للاستفتاء إلا إذا كان الأمر ضرورة؛ لأنه وللأسف البعض يتصل بعد منتصف الليل أو قريبا منه أو وقت القيلولة لغير ضرورة. وعلى العالم وطالب العلم ألا يعوقه ذلك التجاوز، وألا يضجر من السؤال وكثرة السائلين وجفائهم فإن على من منَّ الله ¬

(¬1) الفتح 13/ 16.

عليه بالعلم أن يجعل وقتًا ولو يسيرًا في كل أسبوع، يفتح هاتفه فيجيب السائلين فينال خيرا كثيرا وأجرا عظيما بإذن رب العالمين ومع هذا فلا بد أن يكون صبورا، رفيقا، حليما، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، منبسطا، موجها، داعيا، لا مقتصرا على الجواب، منتهزا الفرصة في ذلك. لذلك كله أقدم هذا المختصر في أحكام السفر، جمعته من كتب أهل العلم (¬1)، اقتصرت فيه على ما يحتاجه الناس غالبا في أسفارهم، ضمنته بعض الآداب والفوائد والمسائل المعاصرة، جردته من التفريع والخلاف إلا في مواضع يسيرة، فيه ما يزيد على مائة وخمسين مسألة وأدب وتوجيه وتنبيه وخطأ وفائدة، والتزمت فيه منهج الاختصار، ذكرت ما ترجح لدى الشيخين العالمين الفقيهين: الشيخ أبي عبد الله عبد العزيز بن باز والشيخ أبي عبد الله محمد بن عثيمين أو أحدهما عليهما سوابغ الرحمة والغفران، ليس تعصبا لهما أو ادعاء العصمة لهما، إنما لما حظي به علمهما من قبول في الأرض وصدقهما مع الله وتحريهما الدليل والقول الصحيح الموافق لسماحة الإسلام ومقاصد الشريعة، وإظهارا لعلمهما واختياراتهما رحمهما الله رحمة واسعة، مع ترجيحات اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في كثير من المسائل. حاولت جاهدا أن يجد ¬

(¬1) أحكام السفر أفردت برسائل كثيرة وتنوعت الكتابة فيه: فمنهم من جعله كتابا فقهيا، وهذا كثير جدا، ومنهم من جعله كتابا حديثيا، ومنهم من جعله كتابا في آداب السفر وهكذا.

القارئ فيه بغيته وما قد يخطر بباله أو يسنح في خياله وحذفت ما لا يحتاجه إلا القليل من الناس، فأرجو الله أن ينفع به من كتبه وقرأه ونظر فيه، وأن يؤتي أكله كل حين بإذن ربه، فيكون زادًا للمسافر، مذكرًا للغافل، معلمًا للجاهل، هداية للمبتدئ وبلغة للمقتصد، خفيف المحمل، سهل المتناول، مفيدًا في الرحلات والأسفار، دافعًا للنقاش والتذاكر بين طلاب العلم في أسفارهم ومجالسهم، حتى يحيا العلم ويرسخ في الذهن وتحقق المسائل، فالعلم يحيا بالتذاكر والفكرة والدرس والمناقشة. حاولت أن آتي ولو ببعض ما قال الأول: في سبعة حصروا مقاصد العقلا ... من التأليف فاحفظها تنل أملا أبدع تمام بيان، لاختصارك في ... جمع ورتب وأصلح يا أخي الخللا وأشكر الشيخ: عبد الرحمن العجلان رئيس محاكم القصيم سابقا والمدرس حالا بالمسجد الحرام على قراءته الكتاب وغيره من طلبة العلم، وما قدموه من اقتراحات. أيها الجيل: أحييكم والتحايا مفاتيح القلوب، وأهديكم والهدايا طريق القلوب، ونعم الوصال بالعلم والذكر والكتاب، فنعم الحداء ونعم المسير. ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدى أو يرده بها عن ردى. سلام من الأعماق أزكى من الورد ... وأزكى من الريحان أحلى من الشهد لئن كان جل الوصل بيني وبينكم ... مدارسة للعلم والنصح والرشد

فذاك الوصال الحق لا وصل بعده ... عساه يدوم الوصل في جنة الخلد * * * * * لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال * * * * * فيا أيها الناظر فيه بعين الرضا: أحسن بجامعه الظن، وإن لم يكن من أهل هذا الفن، فاصفح عما به من زلل وصحح ما طغى به القلم، جعله الله مباركا ونافعا على الدوام وخالصا لوجهه الكريم، وأن يلهمنا الصواب في النية والقول والعمل (¬1). أقدم هذا المختصر في طبعة مزيدة، والعلم يتجدد بتجدد الأحوال والأزمان، شاكرا كل من أفاد وأجاد وأضاف وزاد، سائلا الله أن يكون من خير الزاد في الحياة وبعد الممات، ومن ¬

(¬1) اكتفيت في العزو في كثير من المسائل بكتب وفتاوى الشيخين، بل أهم المسائل والمراجع هي: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، والشرح الممتع لابن عثيمين، وفتاوى ابن عثيمين، وفتاوى اللجنة الدائمة، والشرح الكبير والإنصاف، أما سائر المسائل فهي منثورة في أي كتاب فقهي ولا تخفى مواضعها على طالب العلم. درجت على لفظ الشيخين في هذا الكتاب وقصدي بهما الشيخ ابن باز وابن عثيمين، فإذا اتفقا على ترجيح مسألة قلت: رجحه الشيخان. وذكر أحدهما لا يعني عدم الموافقة أو الموافقة من الآخر وإنما هذا ما استطعت جمعه لهمها من مراجع بين يدي ولم أتقص ترجيحاتهما في كل مسألة. اللجنة الدائمة هي لجنة دائمة، فرع من هيئة كبار العلماء، متفرغة للبحوث والفتوى، يرأسها رئيس هيئة كبار العلماء، وأعضاؤها خمسة من الهيئة وكان رئيسها الشيخ، عبد العزيز بن باز رحمه الله والآن الشيخ: عبد العزيز آل الشيخ، وأعضاؤها أصحاب الفضيلة كل من: عبد الله بن غديان وصالح الفوزان وبكر أبو زيد في وقت ترؤس ابن باز لها.

الباقيات الصالحات ليوم تعز فيه الحسنات، وأن يعفو عما فيه من الزلات والهفوات، وأن يكون كتابا مباركا على مر الأزمان والعصور. فأقول والله خير معين: فسهل يا إلهي كل صعب ... فمن غير الرؤوف لنا يسهل ويسر إلهي مقالي وسهل مهماتي ... واجعل مقالي في أعلى المقامات اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا. يا عاشق الترحال والأسفار ... أنخ المطية واستمع أخباري إن كنت في سفر فكل مسافر ... يحتاج زادا بلغة للدار والزاد علم قد جمعت أصوله ... آي الكتاب وسنة المختار وجمعت فيه فوائدا وفرائدا ... ومسائلا غابت عن الأنظار وذكرت في الترجيح قول أئمة ... هم في الظلام كواكب ودراري وهما ابن باز والعثيمين وقد ... شدا رحالهما إلى الغفار يا ليتني أخطو بدربهم خطى ... لأنال رفقتهم بدار قرار والله أسأل أن يكون كنجمة ... وسط السماء هداية للساري قال شيخ الإسلام: " وقد يقول كثير من علماء المسلمين أهل العلم والدين من الصحابة والتابعين وسائر أئمة المسلمين كالأربعة وغيرهم أقوالا باجتهادهم، فهذه يسوغ القول بها، فهذا شرع دخل فيه التأويل والاجتهاد، وقد يكون في نفس الأمر موافقا للشرع المنزل فيكون لصاحبه أجران، وقد لا يكون موافقا له لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فإذا اتقى العبد الله

ما استطاع آجره الله على ذلك وغفر له خطأه، ومن كان هكذا لم يكن لأحد أن يذمه ولا يعيبه ولا يعاقبه، ولكن إذا عرف الحق بخلاف قوله لم يجز ترك الحق الذي بعث الله به رسوله لقول أحد من الخلق، وذلك هو الشرع المنزل من عند الله وهو الكتاب والسنة، وهو دين الله ورسوله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، لا يجاهدون على قول عالم ولا شيخ ولا متأول بل يجاهدون ليعبد الله وحده ويكون الدين لله (¬1). - السفر موطن للتأمل والتفكير والاعتبار في ملكوت الله في جو أو بر أو بحر. - السفر موطن للتفكير في النفس ومحاسبتها. - السفر موطن تذكر السفر للدار الآخرة، فمن دار إلى دار حتى نصل دار القرار، إما نعيم وإما نار، أجارنا الله وإياكم من النار وبئس القرار. - السفر موطن التفكر في نعمة الأمن في هذه البلاد زادها الإله أمنا ورخاء وسلاما وعزا ونصرا وتمسكا بالإسلام. - السفر عبادة وسياحة، صلة للأرحام وزيارة للإخوان. - السفر للبلد الحرام رحلة إيمانية ودورة تربوية للنفس والسلوك. - السفر موطن للتعرف على البلدان وحضاراتها وأنسابها وأخلاقها وأعلامها. ¬

(¬1) الفتاوى 35/ 366.

- السفر موطن لتربية النفس على الصبر والتجلد والبعد عن كثير من الكماليات. - السفر موطن لاكتشاف النفوس وتحملها وقدراتها ومعدنها وهذه للآباء والمربين. - السفر رياضة قلبية ومتعة بدنية، يوصي بها الأطباء لمن ثقلت عليه نفسه وأطبقت عليه الهموم والأحزان وعلاج ناجع لأصحاب الأمراض النفسية. لا يصلح النفس إن كانت مولية ... إلا التنقل من حال إلى حال كان بشر يقول: سيحوا تطيبوا، فإن الماء إذا ساح طاب، وإذا طال مقامه في موضع تغير. إذا ما ضاق صدرك من بلاد ... ترحل طالبا أرضا سواها عجبت لمن يقيم بدار ذل ... وأرض الله واسعة فضاها فذاك من الرجال قليل عقل ... بليد ليس يعلم ما طحاها فنفسك فر بها إن خفت ضيما ... وخل الدار تنعى من بناها فإنك واجد أرضا بأرض ... ونفسك لم تجد نفسا سواها ومن كانت منيته بأرض ... فليس يموت في أرض سواها * عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن رجلا زار أخا له في قريبة أخرى، فأرصد الله على مدرجته ـ أي طريقه ـ ملكا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك من نعمة تربها عليه. قال: لا، غير أني أحببته في الله قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» رواه مسلم.

همم حتى في السفر

وعنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من زار مريضا أو عاد أخا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا» رواه الترمذي وحسنه الألباني. إنها فضائل وسنن لطالما نسيت!! همم حتى في السفر: صاحب الهمة العالية تسافر همته معه عبر البحار والقفار وفي الوديان والجبال وفي الحل والترحال لأنها جزء لا يتجزأ من حياته بل تجري في دمه وعروقه. فهذا ابن القيم رحمه الله كتب زاد المعاد في ست مجلدات كبار في سفره للحج، وكتب البخاري التاريخ الكبير في روضة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومفتاح دار السعادة بمكة، وروضة المحبين وبدائع الفوائد وتهذيب سنن أبي داود وهو مسافر، واختصر السيوطي في رحلته لمكة الألفية، وكتب في مكة النفحة المسكية والتحفة المكية في يوم واحد (¬1)، وطاف الإمام أحمد الدنيا مرتين حتى جمع المسند، وهذا ابن منده المحدث خرج من بلده في طلب العلم وهو ابن عشرين فرجع إليها وهو ابن ستين، وكتب الحافظ ابن حجر النخبة وهو في سفره، قال الصنعاني رحمه الله في نظم قصب السكر: وبعد فالنخبة في علم الأثر ... مختصر يا حبذا من مختصر ألفها الحافظ في حال السفر ... وهو الشهاب بن علي بن حجر ¬

(¬1) ابن القيم حياته وآثاره لبكر أبو زيد، والتحدث بنعمة الله للسيوطي.

وكانت كثير من المؤلفات والمشروعات بدايتها فكرة طرأت في السفر، أو موقف أو حدث أو ردة فعل أو سؤال كان في السفر. كان سفيان كثيرا ما ينشد: إذا المرء كانت له فكرة ... ففي كل شيء له عبرة * حال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في سفره: جاء في كتاب جوانب من سيرة الإمام ابن باز للحمد برواية الشيخ محمد الموسى مدير مكتب بيت الشيخ ابن باز وقد لازم الشيخ قرابة ستة عشر عاما، وهو أفضل كتاب تحدث عن سيرة الإمام يحتاجه العالم والقاضي، الشيخ والداعية ورجل الحسبة، الأب والمربي والطالب، الرئيس والمرؤوس، الأمير والوزير، الذكر والأنثى، الصغير والكبير فهو كتاب ماتع رائع نافع سهل المنهل عذب المورد. فما أن يبدأ به الإنسان لا يكاد يفارقه حتى يغلبه صلاة أو نوم، فما أن يقرأه إلا ويجد عبراته تنهمر على خديه ووجنتيه ويدعو للشيخ بالرحمة والغفران ومجازاته خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين، ويشعر بالنقص والتقصير ويزداد بذلا ونشاطا وجدا واجتهادا، علما وعبادة ودعوة وصبرا وتواضعا، حقا إنه فقيد الأمة، حقا إنه بقية السلف، حقا لم نعرفه حقا حتى فقدناه .. فرحمك الله شيخنا رحمة واسعة، تعجز الكلمات والأشعار ويكل القلم عن ذكر فضائله ومآثره.

جاء فيه: إن سماحة الشيخ يلزم الاعتدال في حال سفره وحضره، فلا يظهر عليه القلق أو كثرة الاهتمام، إذا جاء موعد السفر خرج سماحته متأنيا مطمئنا، مهللا؛ مسبحا، مستغفرا. فإذا استقل السيارة أو الطائرة دعا بدعاء السفر، ثم التفت إلى من بجانبه من المرافقين وقال: ماذا معك؟ فيبدأ بقراءة الصحف وبعض الكتب والمعاملات؛ لأن سماحة الشيخ لا يركب سيارة أو طائرة إلا ومعه كاتب أو كاتبان يعرضان عليه ما تيسر من المعاملات أو الكتب أو غيرها. فإذا كان يريد السفر على الطائرة ـ على سبيل المثال ـ فإنه فور ركوبه السيارة التي ستوصله إلى المطار يبدأ بسماع ما يعرض عليه حتى يصل إلى المطار، فإذا وصل إلى المطار وبقي على موعد إقلاع الطائرة وقت ولو كان يسيرا جلس بجانبه كاتب أو كاتبان ومعهما الكثير من المعاملات يقرآنها على سماحته، فإذا جاء وقت صعود الطائرة، وأخذ مكانه في الطائرة استأنف سماع القراءة، وعرض المعاملات حتى يصل إلى البلد الذي يريد السفر إليه سواء كان الرياض أو الطائف، ثم إن سماحة الشيخ يلزم السكينة في سفره؛ فلا يضيق ولا يضجر ولا يكدر على من معه حتى إنه ربما مكث في الطائرة أكثر من ساعة ينتظر بعض من معه ممن قد يتأخرون لعارض أو غيره عن موعد الإقلاع في الطائرة الخاصة التي تقل سماحته، ومع ذلك لا ترى على سماحته أي تكدر أو تغير بل يواصل سماع ما يعرض عليه حتى يصل من تأخر، وإذا وصل لم يبادره الشيخ

بعتاب أو نحوه بل لا يسأله عن سبب تأخره البتة. ثم إذا وصل إلى مطار البلد المسافر إليه نزل بسكينة ونصلي إن كان وقت صلاة، وإذا كان ليس بصحبته أهله، فإنه يتصل بهم ويسلم عليهم فور وصوله ويخبرهم بأنه قد وصل بالسلامة. وفي إحد الأسفار كنا قادمين من الطائف للرياض فصلى بنا الظهر بالمطار ومن ثم ركبنا السيارة فالتفت وقال: ما عندكم؟ فشرعنا نقرأ عليه حتى وصلنا منزله فأخذ مكانه بالمجلس وسلم على من ينتظره من الأبناء والأقارب وطلبة العلم والمحبين، وبعد ذلك مد يده إلى سماعة الهاتف ليتأكد هل هو يستقبل المكالمات؟ فإن كان مغلقا قال: افتحوه لكي يستقبل أسئلة الناس، وكل هذا قبل الدخول لمنزله وهذا دأبه في السفر .. اهـ. ولنا وقفة أخرى مع جانب من سفره بإذن الله. جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم ... بعد الممات جمال الكتب والسير وإذا أردنا الوقوف مع هذا الإمام في هذا الجزء من حياته لوجدنا الكثير من الفوائد والآداب والأخلاق والجد والمثابرة وهذا في سفره العام. أما في سفره للحج ورمضان فلا يكاد يوصف من الجد والبذل فلنستق منها الدروس والعبر، اللهم فاغفر له وارحمه وارفع درجته في المهديين، واجعله مع النبيين والصديقين. ونسألك اللهم الهمة العالية، والعزيمة الماضية، والنفس الصادقة، والنية الخالصة، واغتنام الأوقات، والثبات حتى الممات.

إن قل نفعك في أرض حللت بها ... سافر لتدرك قصدا أم ترى أملا فالبيض لو لازمت أغمادها تلفت ... والشمس لو لم تسر ما حلت الحملا * * * * * وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولا وعرضا شرقها والمغرب وجماع ذلك: تغرب عن الأوطان تكتسب العلى ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرج هم واكتساب معيشة ... وعلم وآداب وصحبة ماجد فإن قيل: في الأسفار ذل وخسة ... وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد فموت الفتى خير له من حياته ... بدار هوان بين واش وحاسد ولكن ظهرت فئة أفرادا وجماعات أرادوا أن يركبوا السفر لغير ذاك. لقد فسد وأفسد من ظن السفر للسياحة في الأرض لهوا وفسادا وخروجا عن أوامر رب العباد!!. لقد ضل وأضل من ظن السفر للسياحة في الأرض تبرجا وسفورا وغناء ومزامير!!. لقد زل وأزل من ظن السفر للسياحة في الأرض حرية لا تخضع لشرع أو نظام!!. إن الأمة المسلمة المؤمنة تريد سياحة للهو المباح المنضبط بأوامر الشرع. تريد سياحة تكسب الثقافة والمعرفة.

تريد سياحة تكسب النفس الطمأنينة والراحة، ورضا الرب سبحانه وتعالى. تريد سياحة تكسب الجيل والشباب الانضباط والأخلاق والآداب، لا التمرد والتسيب والضياع. ولقد ظهرت بوادر رائعة رائدة متميزة نافعة جادة في أنشطة ومخيمات لمشاريع سياحية يتخللها الجانب التوجيهي والترفيهي والدعوى في قدرة على التكيف مع جميع الفئات والأحوال وفق الضوابط الشرعية، وهذا ما أغاظ البعض حينما رموها بالاتهامات الكاذبة وقد أظهرت الألسن ما أخفته القلوب في قالب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب. يرى ناصحا فيما بدا فإذا خلا ... فذاك سكين على الحلق حاذق فيا أبطال أمتنا: واصلوا المسير دون عجز أو كلل أو ملل في قوة وهمة وصبر وثبات، في وحدة وائتلاف، والبعد البعد عن الخلاف فهو شر وهلاك وتعطيل وخسران، وضياع للجهود وفتح فرص للأطراف الأخرى لنشر الإرهاب بجميع صوره وأطيافه، فالميدان ميدان تنافس {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]. والحق ممتحن ومنصور فلا ... تجزع فهذي سنة الرحمن إن ذلك الإقبال على تلك المشاريع السياحية النقية من المحرمات من الصغير والكبير، والرئيس والمرؤوس، والوزير والأمير، والعالم والقاضي لهي أكبر دليل على نجاحها وصلاح المجتمع وإقباله على الفضيلة، وكراهيته ورفضه للرذيلة،

وبراءتها من الإرهاب وأهله، بل عالجت الإرهاب بجميع صوره وأشكاله الفكري والأخلاقي والاجتماعي والأسري، والواقع خير شاهد ولا ينكر المحسوس إلا مكابر أو ممسوس، فكانت بداية مشرقة لقوافل التائبين، وحين الاتهام البينة على المدعي والحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء آخرين وأموالهم ولكن البينة على المدعي، والتثبت التثبت قبل إصدار الأحكام يا أولي الألباب. إن المشاركين بالتوجيه في تلك البرامج والمخيمات هم كبار العلماء والقضاة والدعاة وأساتذة الجامعات وأعضاء مجلس الشورى، أيكون هؤلاء دعاة للإرهاب؟! فجزى الله كل مسؤول وكل مشارك وحاضر محفز ومؤيد وناصر ومشرف وموجه وداعم وعامل وباذل خير- الجزاء والإحسان، ولهم منا ومن كل مسلم ومسلمة تحية إجلال وإكبار وشكر وتقدير ودعاء ووفاء. ودعوتي ونصيحتي لدعاة الغناء والسياحة المحرمة ألا يكونوا دعاة على أبواب جهنم بل يكونوا دعاة على أبواب الجنة والموعد الله، ولا يهووا بأخلاق الأمة إلى الحضيض ويركبوا بها مركب الضياع، وعلى الأمة وخاصة الشباب هجر تلك المواطن ومقاطعتها، وعلى العلماء وأصحاب الكلمة نصح القائمين عليها وألا يشذ أصحابها على ما قامت به هذه البلاد والولاة على الشريعة الغراء والمحجة البيضاء وإلى الله المشتكى.

تنبيهات قبل البدء بالسفر: * حاول أن تحدد أهداف الرحلة والسفر الأساسية والجانبية وضع خطة لذلك. * حاول أن تكتب كل ما تحتاج حمله في سفرك من أغراض وكتب وبحوث وصور معاملات فقد ينشرح صدرك وتجد حلا لما أشكل فيها، وتجهزها قبل السفر بزمن فقد تنسى بعض المستلزمات إذا كان إعدادك متأخرا , فيختل كثير من برنامجك وقد تضطر للرجوع في منتصف الطريق أو قطع السفر. * حاول أن تجتمع بأفراد عائلتك أو من يريد السفر معك للاتفاق لتوزيع المهام، وكتابة ما تحتاج، وخطة السير، وحاول أن تتفقد سيارتك. * حاول أن تتصل بمن تريد زيارتهم في سفرك وتحدد مواعيد الزيارة ولذلك فوائد كثيرة لا يسع المقام ذكرها. * حاول أن تتأكد من إغلاق نوافذ وأبواب منزلك والأجهزة الكهربائية وغير ذلك. وبعد هذه المقدمة حان البدء بالشروع في الأحكام: * * *

أولا: الضابط في السفر الذي يترخص فيه

أولا: الضابط في السفر الذي يترخص فيه: كل ما عده الناس سفرا فهو سفر، سواء طالت المسافة أم قصرت، طال الوقت أم قصر، والعبرة في ذلك العرف العام، والغالب عند الناس، وتقييده بالزمن أو العمل أو المسافة - قول ضعفه المحققون من أهل العلم كابن قدامة وابن تيمية وابن القيم والسعدي وابن عثيمين رحمهم الله، وهذا يشمل البر والبحر وذلك لعدم الدليل على التحديد، وكل ما ورد في ذلك فهو إما حديث ضعيف أو غير صريح في التحديد، وإنما كان اتفاقا من النبي عليه الصلاة والسلام ولم يقصد بالتحديد بالزمن أو المسافة، ولأن الناس ليسوا كلهم يدركون مقدار المسافات، ولأن أدلة السفر مطلقة في الترخص، لم تقيده بأي قيد، قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء:101] (¬1). وبعض العلماء حد ذلك بما زاد عن ثمانين كيلو متر، فمتى سافر هذه المسافة كان مسافرا، ورجحه شيخنا ابن باز وكثير من المعاصرين وقالوا هذا الأضبط لحال الناس. والخلاصة أن العرف في ذلك لا يخلو من ثلاث حالات: أ- العرف متفق على أن المسافة مسافة سفر فيقصر. ¬

(¬1) فتاوى شيخ الإسلام 24/ 12، الممتع 4/ 497.

ب- العرف متفق على أن المسافة ليست مسافة سفر فلا يقصر. ج- العرف مختلف في أن المسافة مسافة قصر فالأحوط عدم القصر. مسألة: إذا شك الإنسان في المسافة التي تجاوزها، هل تعتبر مسافة سفر عرفا وهل يعتبر بها مسافرا أو مقيما؟ فيقال: يعتبر مقيما، فلا يترخص لا بقصر ولا فطر ولا غيره احتياطا وبراءة للذمة، والاحتياط في مسائل الشك من تمام الديانة، والأصل أن الإنسان مقيم فيستصحب الحال الأصلية له وهي الإقامة كما هو مقرر عند أهل الفقه والأصول، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1). مسألة: من له طريقان: بعيد مسافة قصر، وقريب لا يبلغ مسافة القصر فله حالات: أ- إن كان لا يمكن سلوك القريب لعذر ككونه مغلقا أو شاقا أو مخوفا أو غير ذلك وليس قصده الحيلة للترخص، جاز له الترخص لأنه قطع مسافة قصر. ب- إن كان يمكنه سلوك القريب ولا يوجد عذر يمنعه وسلك البعيد ففيه خلاف بين الفقهاء، ورجح ابن قدامة في الشرح القصر واختاره ابن عثيمين رحمه الله، وهو مذهب الحنابلة. ج- إن سلك البعيد حيلة لقصد الترخص فليس له الترخص، ¬

(¬1) الممتع 4/ 499، الممتع 4/ 512.

ثانيا: بداية أحكام السفر

نقله في الإنصاف ومال إليه ابن عثيمين (¬1). فرع: قال في الشرح الكبير: وحكم سفر البحر حكم سفر البر إن بلغت مسافة سفره مسافة القصر أبيح له وإلا فلا. ثانيا: بداية أحكام السفر: إذا فارق الإنسان بنيان بلده ترخص، وإذا ولي البنيان مزارع وبساتين لا يسكنها أهلها طوال العام فلا عبرة بها لأن العبرة بما أعد للسكن، وأما التي تسكن في بعض الأحيان وكذا البيوت الخربة فلا يشترط مجاوزتها لأنه لا عبرة بها، فالترخص يكون بمجاوزة البنيان المسكون طيلة العام، وأما المصانع والشركات فإنه لا يعتد بها إلا إذا وجد فيها مقر سكن للعمال وغيرهم، والمقصود بالبنيان الظاهر والواضح على الطريق أما لو كان مخفيا مثلا وراء الجبال وليس محاذيا للطريق فلا عبرة به كما جاء في الفروع لابن مفلح 2/ 48. وكل ما ينسب للبلد عرفا أو تنظيما إداريا فهو منه. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: والعبرة بالمفارقة البدنية ـ للبنيان ـ لا البصرية؛ أي: لا يشترط في المفارقة ألا ترى المنازل بل تكفي المفارقة بالبدن (¬2)، وورد في البخاري: «خرج علي رضي الله عنه فقصر الصلاة وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له: هذه الكوفة قال: لا، حتى ندخلها» قال ابن حجر رحمه الله: وعند ¬

(¬1) الإنصاف مع الشرح 5/ 65، والممتع 4/ 542. (¬2) الممتع 4/ 512.

ثالثا: أقسام الناس من حيث الاستيطان والسفر والإقامة

البيهقي: "حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة. قالوا: يا أمير المؤمنين: هذه الكوفة أتم الصلاة قال: لا، حتى ندخلها" (¬1). * مسائل في تقطع البيان وتجاور البنيان: الأولى: إذا كان البنيان كله تابعا للبلد وينسب له عرفا، فإذا كان الانقطاع بين البنيان يسيرا أو كبيرا، فإن الترخص يبدأ بمفارقة آخر بنيان للبلد؛ لأن الحكم للخروج من البلد، وهذا ظاهر فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته. الثانية: إذا كانت البلد بجوارها بلد آخر سواء كانت متصلة بها أو كان الانقطاع بينهما يسيرا، فيكون الترخص من مفارقته مدينته، ورجحه الإمام النووي والمرداوي والشيخ ابن عثيمين رحمهم الله (¬2). ثالثا: أقسام الناس من حيث الاستيطان والسفر والإقامة: أ- استيطان الإنسان بلده الأصلي، فمثلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطنه الأصلي مكة وسكنها في بداية حياته. حكمه: إذا خرج منه، وفي نيته العودة إليه، ولم يتخذ وطنا غيره، فإن حكمه حكم المسافر. ب- استيطان الإنسان بلدا غير بلده الأصلي، واتخاذه بلدا ¬

(¬1) فتح الباري 2/ 663. (¬2) المجموع 4/ 287، الإنصاف 2/ 321، الممتع 4/ 513.

له وليس من قصده الارتحال عنه، فمثلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هاجر من مكة إلى المدينة واتخذ المدينة وطنا له. حكمه: حكم وطنه الأصلي فإذا خرج منه كان مسافرا، فإذا رجع لوطنه الأصلي للزيارة وغيرها، وليس قصده الاستيطان فيه فحكمه حكم المسافر، كالرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما خرج من مكة واستوطن المدينة إذا رجع إلى مكة كان مسافرا. ج- من سافر إلى بلد ونوى الإقامة به مطلقا فهذا حكمه حكم المستوطن. د- مسافر أجبر على الإقامة يقصر الصلاة كالأسير وغيره. هـ- المسافر على الطريق، وهذا يقصر الصلاة اتفاقا. و- إذا دخل المسافر بلده ولو ليوم واحد لحاجة أو مرور ثم أراد السفر مرة أخرى فإنه يتم لأنه دخل بلده (¬1). ز- أصحاب السفر الدائم كسائقي سيارات الأجرة وملاحي الطائرات والسفن لهم حالتان: 1 - إن كان معهم أهلهم في تنقلهم فتعتبر مراكبهم أوطانهم، فلا يترخصون بأحكام السفر لأنهم غير مسافرين. 2 - إن كان لهم أهل ولكنهم لا يحملونهم فلهم الترخص بأحكام السفر فيقصرون الصلاة، وأما صيام رمضان إن كان يشق عليهم أثناء السفر فإنهم يفطرونه ويقضونه في ¬

(¬1) كشاف القناع 3/ 272.

أيام الشتاء لأنها أيام قصيرة وباردة، وأما إذا قدموا بلدهم في رمضان فإنهم يلزمهم الصوم وهو قول في مذهب الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1). ح- إذا سافر الإنسان من بلده وفي الطريق أراد الرجوع إليه لحاجة وغيرها فهل يقصر؟ له حالتان: 1 - إن بلغ مسافة القصر له القصر. 2 - إن لم يبلغ مسافة القصر فلا يقصر (¬2). ط- من سافر لبلد للعمل أو الدراسة وغيرها سواء مقيدا سفره بزمن أو عمل فهذه محل خلاف: قيل: حكمه حكم المسافر في قصر الصلاة، وعليه حضور الجماعة في المسجد، وله المسح على الخفين، والجمع عند المشقة، والصوم في حقه أفضل إن لم يشق عليه، ولا ينبغي أن يؤخر القضاء إلى رمضان آخر لأن ذلك يوجب تراكم الشهور، فيثقل القضاء عليه أو يعجز عنه، ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم وابن سعدي وابن عثيمين ـ رحمهم الله ـ والدليل أن الإقامة غير محددة في الشرع لا بزمن ولا عمل، وما ورد فيها إما دليل صريح غير صحيح أو صحيح غير صريح، والناس في الشرع إما مسافر أو مستوطن (¬3) وهو مذهب ابن عمر وابن عباس وأنس، وإن كانت تعددت الروايات عن ابن عمر. ¬

(¬1) الإنصاف 5/ 82، الممتع 4/ 539. (¬2) كشاف القناع 3/ 270. (¬3) الممتع 4/ 512.

وقيل: إن نوى إقامة أربعة أيام فأكثر فيتم، ولهم أدلة لكنها غير صريحة في التقييد، وهو مذهب الحنابلة ورجحه ابن باز قال: وهو الأحوط وذهب لهذا القول كثير من العلماء المعاصرين. ي- إذا سافر الإنسان إلى بلد وأقام فيها لحاجة لا يدري متى تنقضي، جاز له القصر والترخص بأحكام السفر، سواء طالت المدة أم قصرت. بل حكى شيخ الإسلام رحمه الله الاتفاق على ذلك ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله ـ (¬1) والدليل "أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام في بعض أسفاره تسعة عشر يوما يصلي ركعتين" رواه البخاري. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن للمسافر أن يقصر ما لم يُجْمع إقامة ولو أتى عليه سنون. وقال أنس: أقام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برامهرمز سبعة أشهر يقصرون الصلاة، رواه البيهقي وصححه النووي وابن حجر الخلاصة 2/ 734 الدراية 1/ 212. وعن أبي جمرة نصر بن عمران قال لابن عباس: إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان فكيف ترى، فقال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين، رواه ابن أبي شيبة. وهذه الأدلة هي أدلة المسألة السابقة، وقد ذكرها ابن حجر في الدراية. ك- من له دار في وطنه الأصلي ودار في البلد الذي انتقل إليه وتأهل واستقر فيه، إذا انتقل إلى وطنه الأصلي للإقامة في الإجازات والأعياد وغيرها فإنه يقصر لأنه يعتبر ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 274، الممتع 4/ 545، موسوعة الإجماع عند شيخ الإسلام للبوصي، الإنصاف مع الشرح الكبير 5/ 75.

مسافرا، وتملك الدار ليس موجبا للإتمام على الصحيح كما هو مذهب الجمهور (¬1)، وكذلك إذا مر ببلدة له فيها زوجة أو ولد أو مال فإنه يقصر على الصحيح ما لم ينو الإقامة المطلقة. ل- إذا استقر الإنسان في بلد وعزم على الإقامة فيه، ثم رجع إلى وطن والديه لزيارتهما وغير ذلك فإنه يترخص بأحكام السفر في مقر إقامة والديه، وهو قول عند الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). م- من سافر مسافة تعتبر سفرا ولو ليوم واحد ثم رجع إلى بلده فإنه يقصر ما دام يعد مسافرا عرفا، كمن سافر من مكة إلى المدينة ورجع من يومه، ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله. وورد عند ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي رضي الله عنه أنه خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين ثم رجع من يومه، فقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ن- من يتردد يومياً مسافة قصر كبعض العاملين والمدرسين الدارسين لا يقصر ويجوز الجمع عند المشقة بلا قصر لحديث ابن عباس رضي الله عنه: "أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر، فسئل ابن عباس عن ذلك فقال: أراد ألا يحرج أمته" رواه مسلم، وفي ¬

(¬1) إقامة المسافر وسفر المقيم للفالح ص92، الإنصاف مع الشرح 5/ 77. (¬2) كشاف القناع 1/ 509، فتاوى ابن عثيمين 15/ 346. (¬3) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 264، فتاوى ابن عثيمين 15/ 258، 263.

رابعا: الآداب

رواية له: "ولا سفر" والجمع أخف من القصر ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله احتياطا وبراءة للذمة (¬1)، وقال ابن باز: له القصر في مكان عمله وفي الطريق، وأما إذا وصل بلده فلا يقصر (¬2). س- من يقطع مسافة قصر للعمل أو الدراسة ويجلس أيام الدوام والعمل ثم يرجع إلى بلده في عطلة الأسبوع، فإنه يقصر في بلد العمل لكن يجب عليه حضور الجماعة في المسجد ويتم إذا رجع إلى بلد إقامته ووطنه الأصلي ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬3). رابعا: الآداب: * حكم استئذان الوالدين في السفر له حالات: 1 - السفر للحج الواجب محل خلاف، وسببه هل الحج على الفور أو التراخي؟ والصحيح أنه لا تجب طاعتهما لو منعاه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولأن الحج واجب على الفور على الصحيح كما هو مذهب طائفة من الفقهاء، أما النافلة فيجب طاعتهما لو منعاه لأن طاعتهما واجبة وهنا نافلة. 2 - السفر للعلم الواجب ولا يوجد تحصيله في بلده فلا يجب طاعتهما حين المنع، وأما النافلة والفرض الكفائي إن ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 267، والجمع ذكره الشيخ في فتاوى نور على الدرب. (¬2) فتاوى اللجنة 8/ 95. (¬3) فتاوى ابن عثيمين 15/ 267.

كان لا يوجد في بلده أو ممن تحتاجه الأمة لتعلمه وقدرته ونبوغه على تحصيله فلا يشترط إذنهما لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. 3 - السفر للتجارة: إن كان لدفع حاجات نفسه أو أهله بحيث لو تركه تأذى بتركه كان له مخالفتهما للحديث المشهور: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في غاية المرام، وإن أراد به تكثراً فلا بد من الإذن. 4 - السفر للجهاد: إذا توفرت شروط الجهاد في البلد الذي وقع فيه القتال وقرر العلماء ذلك فإنه لا بد من الإذن نص حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» رواه البخاري. وعند أبي داود «ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما» قال ابن حجر: قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية. اهـ (¬1). ورجحه الشيخان، والمسألة هنا لها تفريعات مظانها في كتب أهل العلم ـ رحمهم الله ـ. 5 - السفر المباح: يشترط إذنهما. ¬

(¬1) الفتح 6/ 163، ورجحه الشيخان.

وهذا التقسيم ذكره جمع من العلماء كابن حجر والقرافي والطرطوشي وابن علان وابن الشاط (¬1). وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه شيخنا ابن عثيمين ـ الذي يعد امتدادا لمدرسة شيخ الإسلام ـ على أن الضابط في ذلك يعود إلى المنفعة والضرر، وحاصل كلامهم وتخريجا عليه لا يخلو من حالات: أ- إذا كان في سفره منفعة له ولا ضرر عليهما فلا يشترط إذنهما. ب- إذا كان في سفره منفعة وفيه ضرر عليهما فيشترط الإذن. ج- إذا كان في عدم سفره ضرر عليه وفي سفره ضرر عليهما فلا يخلو من أحوال: - إذا كان ضرره أعظم فلا يشترط إذنهما، وإذا كان ضررهما أعظم فلا بد من إذنهما. - إذا تساوى الضرران فيراعى كل مسألة بحسبها. ولا شك أن البر والعقوق درجات رزقنا الله برهما وغفر للميت منهما (¬2). * سئل شيخ الإسلام عن سفر من له أولاد: أجاب: أما سفر صاحب العيال فإن كان السفر يضر ¬

(¬1) الفروق 1/ 261، الفتح 6/ 163، بر الوالدين للطرطوشي، شرح الأذكار 3/ 98، كشاف القناع 4/ 126، المبدع 3/ 233. (¬2) الممتع 8/ 16، الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 464.

بعياله لم يسافر؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» رواه أبو داود، وسواء كان تضررهم لقلة النفقة أو لضعفهم وسفر مثل هذا حرام، وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون وتنقص أحوالهم فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة تربو على ثواب مقامه عندهم كعلم يخاف فواته وشيخ يتعين الاجتماع به وإلا فمقامه عندهم أفضل، وهذا لعمري إذا صحت نيته في السفر كان مشروعا. وأما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر قلقا وتزجية للوقت، فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير بكل حال، ويحتاج صاحب هذه الحال أن يستشير في خاصة نفسه رجلا عالما بحاله وبما يصلحه، مأمونا على ذلك، فإن أحوال الناس تختلف في مثل هذا اختلافا متباينا (¬1). وعن الخلال قال: سمعت أبا عبد الله ـ أي: الإمام أحمد ـ سئل عن حديث: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» قال الرجل يكون له قرابة فيسافر ويتركهم، فإذا تركهم وحدهم أليس يضيعون وليس لهم أحد إلا هو؟ قلت: نعم. قال: هذا معناه. وسئل أخرى عن رجل خرج للكوفة ومن ثم سيذهب للحج وقد حج وخلف عيالا يخشى أن يضيعوا فذكر الحديث .. وفي رواية: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» رواه النسائي وابن حبان والحاكم (¬2). ¬

(¬1) الفتاوى 28/ 28. (¬2) الحث على التجارة والصناعة للخلال 1/ 80.

* يستحب للمسافر أن يكتب وصيته قبل سفره وإن كانت عليه حقوق فيجب ذلك؛ لحديث ابن عمر في وجوب كتابة الوصية المشهور لمن له أو عليه حق في صحيح مسلم؛ ولأن التعرض للآفات في السفر أكثر مما هو في الحضر. * يستحب أن يودع أهله ومشايخه وأصحابه: ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودعه حين أردنا الخروج» رواه البخاري، قال ابن حجر: "وفيه مشروعية توديع المسافر لأكابر أهل بلده وتوديع أصحابه له" (¬1) وهو نوع من الوفاء ويشتكي الكثير من قلة الوفاء في هذه الأزمان .. * يستحب توديع المسافر أهله وأصحابه: بقوله: "أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه" (¬2) يردون عليه: "نستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك" (¬3) ويقال كذلك: "زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث كنت" وكلها صحيحة (¬4). والحكمة من قولهم نستودع الله دينك .. : لأن السفر مظنة للتقصير والتساهل في أمور الدين بسبب المشقة، وعدم الرقيب من البشر، والبعد عنهم فكان الدعاء بذلك مناسبا للحال (¬5). ¬

(¬1) الفتح 6/ 175. (¬2) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في الجامع برقم 958. (¬3) رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في الجامع برقم 957. (¬4) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الحافظ. (¬5) الأذكار للنووي بتصرف 1/ 551.

قال ابن عبد البر: إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع أخوانه فإن الله جاعل في دعائهم بركة (¬1). مسألة: بعض الناس يوصي المسافر تبليغ السلام لمن سيسافر إليهم فهل يجب أن يبلغ السلام؟ ورد في صحيح مسلم: «يا رسول الله إن أصحابك يقرؤون عليك السلام ورحمة الله» قال النووي: فيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب سواء كان أفضل من المرسل أم لا. قال أصحابنا: ويجب على الرسول تبليغه (¬2). وجاء في فتح العلام في أحكام السلام 37: "ويجب على الرسول تبليغ السلام للغائب ولو بعد مدة طويلة بأن نسي ذلك ثم تذكر لأنه أمانة" والأقرب الوجوب إذا قبل تحمل السلام وتبليغه فهو أمانة إن قبلها وجب عليه أداؤها وإن لم يقبلها لم يجب عليه أداؤه، وينبغي لمرسل السلام أن يقول للمرسل معه: إن استطعت وإن لم تنس ومن تقابل أو يحدد له أشخاصا حتى لا يثقله بما لا يطيق والناس يتساهلون في هذا من الجهتين. * يستحب السفر يوم الخميس: لحديث: «أن رسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحب أن يخرج يوم الخميس» رواه البخاري، ويجوز السفر في سائر الأيام عدا الجمعة ويأتي التفصيل فيه، ولا يجوز التشاؤم من السفر في أي يوم من الأيام، فإذا عزم الإنسان على السفر في أي وقت فليفعل. ¬

(¬1) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 450. (¬2) المنهاج 8/ 283.

فرع: عن علي رضي الله عنه قال: "لا تسافروا في المحاق" المحاق: اليوم التاسع والعشرين والثلاثين. وأنكر ابن حجر ذلك نسبته لعلي رضي الله عنه (¬1). * يستحب عند خروجه من منزله أن يصلي ركعتين: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرا» (¬2) حديث حسن. وورد ذلك عن علي وابن عمر رضي الله عنهما ورجحه ابن حجر (¬3). خطأ: يظن البعض أنه يستحب التصدق قبل الخروج إلى السفر وهذا ليس عليه دليل. خطأ: يقرأ بعض الناس عند توديع المسافر سورة الفاتحة وهذه من البدع التي ليس عليها دليل. * من السنة وضع مسؤول لميزانية السفر: ورد في الحديث: «إذا اجتمع القوم في السفر فليجمعوا نفقاتهم عند أحدهم فإنه أطيب لنفوسهم وأحسن لأخلاقهم» رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وضعفه الألباني في الجامع برقم 1305. قال ابن عبد البر: "وهو سنة" ولا شك أن في ذلك رفعا ¬

(¬1) لسانا لميزان 4/ 324، عمدة القاري 14/ 218. (¬2) رواه الطبراني، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وذكره النووي في الأذكار، وحسنه الحافظ بشواهده، وروى ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، حديث أنس رضي الله عنه: «كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين» وقال الحافظ: حسن غريب، والأذكار للنووي 1/ 546. (¬3) شرح الأذكار لابن علان 3/ 107.

للحرج والكلفة والمنة واستمرارا للألفة (¬1). * النهي عن أن تصحب الرفقة كلب أو جرس: لحديث: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس» رواه مسلم، قيد بعض أهل العلم هذا بما علق على البهيمة ولا دليل على التقييد بل الرواية مطلقة، والأخرى تدل على العموم «الجرس مزامير الشياطين» رواها مسلم. * هل نخرج على ذلك مسألة: الجرس في السيارة، جرس السرعة أو الباب فتدخل في النهي؟ الظاهر أنها تدخل، ولكن يقال بالجواز للحاجة والمصلحة، وعند الفقهاء الكراهة تزول عند الحاجة، وأما إذا كان لغير حاجة فيكره. وهل النهي للكراهة أم التحريم؟ محل خلاف. قال أبو عمرو بن الصلاح: "فإن وقع شيء من ذلك من جهة غيره فليقل: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء فلا تحرمني ثمرة صحبة ملائكتك وبركتهم" (¬2). وهذا لا يقال على وجه التوقيف والنص الشرعي ولا شك أن أعظم من ذلك الموسيقى والغناء. ورد عند أبي داود والطبراني: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر" (¬3). قال في عون المعبود: يكره اتخاذ جلود النمور واستصحابها في السفر .. وورد عند النسائي وأحمد برواية: ¬

(¬1) الاستذكار 8/ 372. (¬2) المجموع 4/ 19. (¬3) وحسنه الألباني في الجامع برقم 7344.

التأمير في السفر وتحته مسائل

"الجلجل" (¬1)، والمراد الجرس الصغير. - الحكمة من النهي: عدم إيذاء الملائكة والمراد بهم ملائكة الاستغفار والرحمة لا الحفظة. - حمل الكلب في الرفقة للحراسة جائز؛ لحديث مسلم: "إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع" وما عداه لا يجوز. - لو سافر لوحده ومعه كلب شمله الحكم لذلك؛ لأن القيد بالرفقة أغلبي ولقد شاهدنا من المسلمين من يقلد الكافرين فيصحب كلبه معه في سفره مباهاة وتقليدا للكفار، وقد جمع السوءتين والله المستعان (¬2). * طرفة: قال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول لأبي زرعة: حفظ الله أخانا صالح بن محمد لا يزال يضحكنا شاهدا وغائبا، كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحيى الذهلي وجلس للتحديث شيخ يعرف بمحمس فحدث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبا عمير ما فعل البعير، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس، فأحسن الله عزاكم في الماضي وآجركم في الباقي». حيث حدث تصحيف النغير والجرس (¬3). * التأمير في السفر وتحته مسائل: هذا المبحث لم أجد أحدا من أهل العلم أفرده بالكلام ¬

(¬1) وصححه الألباني في الجامع برقم 7343. (¬2) فيض القدير 6/ 405، الديباج شرح مسلم 5/ 153، عون المعبود 11/ 26، فتح الباري 6/ 142. (¬3) معرفة علوم الحديث 1/ 146.

أو تكلم عنه حسب بحثي وجهدي القاصر، وغاية ما وجدت حكمه وإشارات يسيرة جدا، وهي مسألة الناس فيها بين إفراط، وإحياء هذه السنة هو نتيجة لما يشاهده العالم الإسلامي من إقبال الجميع على الدين، والشباب على العلم وتطبيق السنة. أ- حكمه: محل خلاف، قيل: بالوجوب ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والغزالي وابن عثيمين لحديث: «لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا أحدهم» رواه أحمد، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» رواه أبو داود والبزار والطبراني وابن خزيمة والبيهقي وصححه الحاكم والشوكاني والألباني، وفي رواية له "قال: نافع فقلنا: لأبي سلمة: فأنت أميرنا" وانظر إلى سرعة امتثال الصحابة وحرصهم على التطبيق، وقيل: إن الأمر للاستحباب. ورجحه النووي في مجموعه، وقال ابن باز: يشرع ذلك. قال شيخ الإسلام لما ذكر الأدلة السابقة والولاية العامة: ولهذا كانت الولاية لمن يتخذها دينا يتقرب به إلى الله ويفعل فيها الواجب بحسب الإمكان من أفضل الأعمال الصالحة (¬1). ¬

(¬1) الجامع رقم 500، نيل الأوطار 8/ 709، الفتاوى 28/ 65، 390، الإحياء 2/ 337، خطب ابن عثيمين في موقعه على الإنترنت. المجموع 4/ 330.

ب- صفاته: أن يكون أعلمهم وأحكمهم، وأن يكون ذكرا لا أنثى، لحديث: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» رواه البخاري. وهذا لفظ عام في الولاية يندرج تحته جميع أفراد العموم، واختاره ابن باز وفتاوى اللجنة 23/ 404. ج- فائدة التأمير: ليسلم الركب من التشتت والفوضى والاختلاف، وأن يقودهم الأمير لما فيه الخير والصلاح والنفع لهم وترتيب أمرهم. لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا وهذا يدلنا على أن الإسلام دين تنظيم لا كما يزعم الغرب بأن إسلامنا فوضى. د- طريقة التأمير: حين التأمل في الحديث المذكور الظاهر من قوله: «فليؤمروا» وفعل نافع المتقدم أن التأمير يكون بالشورى والاختيار. هـ- بداية التأمير ونهايته: تكون من بداية السفر حتى نهايته لأنه مرتبط بالسفر والحكم يدور مع علته وجودا وعدما. و- شروط التأمير: 1 - أن يكونوا في سفر للحديث، ولا إمارة في المدن والقرى؛ لأن لها أميرًا خاصا بها من قبل ولي الأمر ولا يجوز التأمير في الحضر.

2 - أن يكونوا ثلاثة فما فوق؛ لمفهوم الحديث. قال الشوكاني: يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدا أن يؤمروا عليهم أحدهم. اهـ. نيل الأوطار 9/ 157. والأمر شورى بين الاثنين وورد من فعل بعض السلف التأمير بين الاثنين والأقرب الأول لظاهر النص. ز- حكم طاعته: واجبة وإذا لم نقل بذلك لم يكن هناك فائدة من تأميره، ولعموم أدلة طاعة الأمير (¬1). ح- ما هو الأمر الذي تجب طاعته فيه؟: قال ابن عثيمين: تجب طاعته في ما يتعلق بأمور السفر كإصلاح الطعام والنزول في مكان معين وغيره لا في كل شيء، إلا أن الشيء الذي لا يتعلق بأمور السفر لا تجوز منابذته فيه. اهـ (¬2). والظاهر أن الولايات الخاصة ضابطها العرف كما قال شيخ الإسلام:" عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الأحوال والألفاظ والعرف وليس لذلك حد في الشرع" (¬3). اهـ، وأما ما يفعله ويفهمه البعض من أن له الطاعة المطلقة في المباحات والعبادات فليس بصحيح , وطاعته تكون في المعروف، وأما أن يشق عليهم ويضرهم بما لا يطيقون فلا ¬

(¬1) شرح الأربعين النووية لابن عثيمين ص124، 280. (¬2) المصدر السابق. (¬3) الفتاوى 28/ 68.

يجوز، ورد عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فاستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب وقال: أليس أمركم النبي بطاعتي قالوا: بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، يقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وعند مسلم: «وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء ...». وهذا هو ـ أي: الأمير هنا ـ ولاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو نائبه، وفي أمر جهاد، وأنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك الأمر عليه وعليهم، فكيف بأمير السفر؟! فيظن البعض أن أمير السفر له أن يأمرهم وينهاهم ويعاقبهم مطلقا وتنسحب عليه صلاحيات صاحب الإمامة العظمى كأمير البلد ونحوه والله المستعان. ط- لو اختلف الأمير مع الركب أو بعضهم بخصوص القبلة: ليس لهم أن يطيعوه؛ لأنه لا طاعة له هنا، ولأن كلا منهما يعتقد خلاف الآخر فلا يجوز أن يعمل بخلاف ما يعتقد. وكذا سائر العبادات الفرض منها والنافلة. فرع: هل لأمير السفر أن يمنع من معه من الركب من النافلة صلاة أو صياما؟ ليس له ذلك؛ لأن ذلك ليس مما يتعلق بالسفر ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فرع: لو رأى أمير السفر جمع الصلاة تقديما ورأى بعض الركب التأخير أو عدم الجمع فهل يلزمهم الطاعة أو العكس؟ ليس له أمرهم ولا يجب عليهم طاعته إلا إذا ترتب على مخالفته مفاسد تتعلق بأمر السفر الذي تجب فيه طاعته فتجب طاعته، كما ينبغي عدم المخالفة ما دام الأمر جائزا لأن الخلاف شر ويورث العداوة، ولأن الأصل في أمير الركب أن يأخذ رفقته بفعل الأصلح والأرفق فلا خير مع الخلاف ولا شر مع الائتلاف. فرع: لو اختلف أمير السفر مع بعض الركب في القصر والإتمام هل يلزمهم متابعته؟ لا يلزمهم متابعته لما تقدم ولأنه لا يترتب على ذلك مفسدة، وقد أتم ابن مسعود رضي الله عنه خلف عثمان رضي الله عنه في مكة وهو يرى القصر، فلما سأله الصحابة لماذا أتممت خلف عثمان قال: الخلاف شر، رواه أبو داود. فإذا أتم الإمام ورأوا القصر، أو رأى القصر وهم يرون الإتمام فيصلون جماعة واحدة ويأتي في مبحث الائتمام كيفية الصلاة بإذن الله. ي- أيهم أحق بالإمامة في الصلاة الأمير أم الأقرأ؟ الظاهر الأقرأ قرآنا؛ لحديث: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمام أقرؤهم» (¬1). ¬

(¬1) رواه ابن حبان وصححه الألباني في سلسلته برقم 3979.

ك- مسؤولية الأمير: * أن ينظر في مصلحة القوم في جمع شؤون السفر وهذه وما بعدها مستقاة من عموم الأدلة والقواعد الشرعية. * أن يكون متواضعا، مشاركا لهم في الأعمال، ورد في إحياء الغزالي: أن عبد الله المروزي صحبه أبو علي الرباطي فقال: على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقال: بل أنت فلم يزل يحمل الزاد لنفسه ولأبي علي على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع عنه المطر فكلما قال له عبد الله: لا تفعل يقول له: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي حتى قال أبو علي: وددت أني مت ولم أقل له أنت الأمير. * أن يكون رفيقا بهم وألا يشق عليهم. * أن يشاورهم في الأمر لعموم أدلة الشورى وفضلها، وفي مشاورتهم كسبهم وتطييب خاطرهم واكتشاف آرائهم وقدراتهم وتربية لهم على هذا الأمر العظيم، والوصول لأمثل الحلول في ما يحتاجون والقضاء على الفردية التي قتلت كثيرا من الأمة وأعمالها. رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ... رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها * أن يتفقد حوائجهم ويساعدهم، ويحث الركب على مساعدتهم، وبث روح الإيثار بينهم، والتفرس في أصحاب الحاجات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر إذ جاء رجل على راحلته فجعل يصرف

بصره يمينا وشمالا فقال الرسول: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له» " رواه مسلم. * أن يوزع المهام والأعمال بينهم وأن يتفقدهم حين الصعود والنزول وأن يكون آخر الركب صعودا وسيرا أو يوكل من يقوم بذلك؛ لحديث جابر رضي الله عنه: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له» رواه أبو داود قال النووي: إسناده حسن، وكان عمر الفاروق يفعله يزجي أي يسوق الضعيف. ورد في السير أن أبا رفاعة خرج في جيش عليهم عبد الرحمن بن سمرة فبات تحت حصن يصلي عليه ثم توسد ترسه فنام وركب أصحابه وتركوه نائما، فبصر به العدو، فنزل ثلاثة أعلاج، فذبحوه رضي الله عنه. ل- هل له أن يقيم حدا على من فعل موجبا للحد كالقذف والمسكر؟ ليس له ذلك؛ لأن ذلك لصاحب الولاية العامة أو من ينيبه كالقضاة وغيرهم. م- هل له أن يؤدب من خالف أمره في ما يتعلق بأمر السفر؟ أطلت بحثا في هذه المسألة فلم أجد من ذكرها والتأديب نوعان: 1 - بالقول: وهذا الأمر فيه مصلحة وسعة لكي ينتظم أمر السفر، ويدخل في عموم النصح والتوجيه والاحتساب،

قال شيخ الإسلام: «وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». 2 - بالفعل كالضرب وتكليفه ببعض الأعمال وغيرها: ذهب بعض المشايخ إلى أنه ليس له ذلك؛ لأن التعزير والتأديب مرتبط بالإمام ومن ينيبه، إلا إذا كان الأمير في السفر أبا أو معلما فله ذلك من باب أن للأب والمعلم تأديب من تحت يدهم. وقد وجدت بعض من يكون أميرا في السفر يبالغ في تأديب من خالف أمره وهذا أمر مشكل جدا قد يؤدي إلى الضرر بالمتربي وتنفيره من محاضن التربية والعلم، وقال بعضهم: يجوز التأديب بالمعروف في حدود المعقول والمعتاد وهذا ليس من باب الحكم وإنما من باب التأديب والتربية، وحكى الماوردي خلافا في أمير الحج الذي قال فيه: وهو أحد الرعايا وليس من الولاة إن فعل أحد الحجيج ما يقتضي تعزيرا فإن كان مما لا يتعلق بالحج فليس له ذلك، وإن كان مما يتعلق بالحج فله تعزيره زجرا وتأديبا .. وإمامة الحج في أيام الحج فقط قال: هي ولاية بمنزلة الإمام في إقامة الصلوات. اهـ. ويخرج على كلامه ولاية السفر والمسألة تحتاج مزيد بحث وتحرير والله أعلم وأحكم (¬1). ن- إذا أراد أحد الركب الانفصال عن الرفقة ونهاه الأمير، هل يجوز له الانفصال؟ لم أجد من بحثها والجواب: أن يقال: ينظر إذا كان من ¬

(¬1) الأحكام السلطانية للماوردي 194.

أراد الانفصال شخص بالغ عاقل لا يخشى عليه من عوارض السفر ومخاطره ولا يؤدي انفصاله إلى ضرر يلحق بالرفقة فله ذلك؛ لأنه إذا لم يجب عليه الدخول في الرفقة ابتداء فكذا الاستمرار لا يجب. وإذا كان غير ذلك أو صغيراً يخشى عليه فليس له ذلك ولا يمكنه الأمير من الانفصال من جهة الخوف عليه من الفساد والهلاك ولأنه بمثابة الأمانة عنده من قبل والديه وأهله، والشرع جاء بحفظ المصالح والأمانات ودرء المفاسد، والله أعلم. وحين وجود الضرر على الطرفين فينظر أيهما أشد ضررا وهكذا. * يستحب دعاء السفر في الذهاب والإياب: إذا ركب دابته وليس عند الخروج من البلد لرواية مسلم: «كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ركب دابته قال ...» ودعاء السفر هو أن يكبر ثلاثا ثم يقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل». وإذا رجع قالهن وزاد فيهن «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» رواه مسلم. وفي رواية: «والحور بعد الكور ودعوة المظلوم» (¬1)، وفي رواية: «وسوء المنظر في ¬

(¬1) رواها الترمذي وصححها الألباني في صحيح الترمذي برقم 3439.

الأهل والمال والولد» (¬1). وفي رواية: «إذا دخل أهله أي: راجعا قال: توبا توبا لربنا أوبا لا يغادر حوبا» رواها ابن حبان وأحمد والطبراني. وفي رواية: «إذا سافر فركب راحلته قال بأصبعه هكذا، ومج شعبة أصبعه وذكر دعاء السفر» (¬2). تنبيه: ورد في بعض كتب الفقهاء لفظ: «أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد» ولم أجده في كتب السنة التي بين يدي وفي برامج السنة الإلكترونية. (مقرنين: مطيقين، الوعثاء: الشدة، المنقلب: المرجع، الكآبة: تغير النفس من حزن ونحوه، سوء المنقلب: أي: يرجع فيرى في أهله وماله ما يسوؤه). فرع: قال ابن حجر الهيثمي: "ينبغي إذا فاته ذكر الركوب في أوله أن يأتي به في أثنائه نظير البسملة في الوضوء" وكذا دعاء السفر (¬3). فائدة: قال الأبي: "لا يسمى الله بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرر ذلك في الشريعة" وهذا من باب الإخبار وهو أوسع من باب الأسماء كما في القاعدة المشهورة (¬4). * زيادة «آيبون» وما بعدها تقال حين القرب من البلد الراجع إليه؛ لحديث: «فلما أشرفنا على المدينة قال: آيبون ¬

(¬1) رواها النسائي وصححها الألباني في صحيح النسائي برقم 5499. (¬2) رواها الترمذي وصححها الألباني في سنن النسائي برقم 5501. (¬3) شرح الأذكار 3/ 128. (¬4) شرح الأذكار 3/ 129.

وقفة تأمل

تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة» رواه البخاري. وورد أنها تقال عند الرجوع كما تقدم. * قال ابن حجر: قوله تائبون: فيه إشارة إلى التقصير في العبادة. * قال ابن علان: قوله: استعاذ من الحور بعد الكور ودعوة المظلوم: وخص ذلك في دعاء السفر لكونه مظنة البلايا والمصائب والمشقة فيه أكثر، أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقى الإعانة ولا الإغاثة أقرب إلى الإجابة. اهـ (¬1). وهذا مشاهد وملموس فإن بعض المسافرين يتعرض للفتن فيتأثر ويرجع إلى بلده منتكسا أو زاد انحرافا أو يظلم وغير ذلك نسأل الله العافية والثبات. فعلى الآباء والمربين ملاحظة ذلك وأخذ أسباب الحيطة والحذر والمتابعة. فرع: إذا سافر الإنسان من بلده قد يتنقل من بلد إلى بلد أثناء سفره فهل يشرع دعاء السفر كلما انتقل من بلد إلى بلد؟ الظاهر أنه يكتفي بالدعاء الأول وحين الرجوع إلى بلده لأنه ما بين ذلك يعتبر مسافرا والله تعالى أعلم. وقفة تأمل: دعاء السفر برواياته يحتاج إلى رسالة مستقلة لما اشتمل عليه من معان عظيمة في ترابط رائع وتناسق بديع فهو يحوي إشراقات نبوية ولفتات إيمانية وتنبيهات تربوية فكيف بأحكام ¬

(¬1) الشرح 3/ 133.

وأحاديث السفر؟ فحري بكل مسلم ومسلمة أن يقف عندها متأملا متدبرا، فلا تكون عبارات تردد وألفاظ تقال من غير قلب متأمل وعقل متدبر، فيستخرج المسافر منها ومن معه دررا وغررا أعرج على يسير منها، وأدع للقارئ الإكمال والغوص في بحور النبوة وألفاظ السنة ومنها: 1 - مشروعية أذكار مخصوصة في مواطن عدة من السفر والدعاء المطلق، فلا يغفل المرء عن ذكر الله حتى في سفره وترحاله من خروجه حتى عودته، فيرتبط الإنسان بربه حتى في السفر، والسفر موطن ضعف وزلل. 2 - الدعاء بملازمة البر والتقوى والعمل الصالح في البر والبحر والجو، في الجبال والقفار، فلا يتجرد المرء في سفره من البر والتقوى، ويمتطي كل معصية وبلوى بل يحفظ دينه في كل حال وهذا كسابقه. 3 - الدعاء بحفظ البدن والمال والولد من الشرور والهلاك. 4 - الدعاء بالثبات على دين الله وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. 5 - الدعاء بالتوبة وطلب المغفرة حين العودة من السفر ودخول المنزل وتأمل دعاء المسافر حين الخروج من المنزل وحين العودة، ويذكرنا بمسألة الدفع أولا ثم الرفع ثانيا. * يستحب كثرة الدعاء والاستغفار فيه: فهو موطن إجابة ودعاء وانكسار وتذلل وشعث قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات

مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده ودعوة المسافر ودعوة المظلوم» (¬1). قال القرطبي: فالمسافر مستجاب الدعوة؛ لأنه كالمضطر منقطع عن الأهل والوطن منفرد عن الصديق والحميم، لا يسكن قلبه إلى مسعد ولا معين لغربته؛ فتصدق ضرورته إلى المولى فيخلص إليه في اللجوء، وهو المجيب المضطر إذا دعاه (¬2). فليحرص المسافر على الدعاء لنفسه وأهله وإخوانه، وجميع المسلمين والمنكوبين والمأسورين والمستضعفين والمهمومين. * يستحب إذا نزل منزلا أن يقول: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» فمن قالها لم يضره شيء حتى يرحل من منزله. رواه مسلم. قال ابن علان: نفعها وشفاؤها من كل ما يتعوذ منه بشرط صحة النية وحسن الاعتقاد. * فائدة: قيل لبعض العلماء: إن فلانا قال هذا الدعاء وقد لدغ، فقال: الحديث، قال: لم يضره، ولم يقل لم يصبه، وفرق بين الأمرين، وإذا بالرجل لم يضره اللدغ بإذن الله. * يستحب إذا نزل منزلا أن يسبح الله، عن أنس رضي الله عنه ¬

(¬1) حديث صحيح، رواه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني في الجامع برقم 3031. (¬2) الجامع لأحكام القرآن 13/ 200.

قال: «إذا نزلنا منزلا سبحنا حتى نحل الرحال» قال شعبة: تسبيحا باللسان. رواه الطبراني والهيثمي وقال: سنده جيد. قال ابن السني وهذا دعاء آخر عند النزول. عمل اليوم والليلة 1/ 476. * أمر الرسول المسافر إذا أراد أن ينام أو ينزل للراحة أن يجتنب الطريق: قال: «وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب، ومأوى الهوام بالليل» رواه مسلم. ومعنى التعريس: النزول للنوم أو الراحة. وهذا نوع من عناية الإسلام بحفظ الأبدان والإرشاد لذلك حتى في أدق الأشياء وأصغرها فأين أعداؤه؟! * يستحب للمسافر إذا صعد علوا أن يكبر وإذا نزل هبوطا أن يسبح الله: كما في صحيح البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال: «كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا». * يستحب للمسافر إذا دخل بلدا أن يقول: «الله رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها» حديث حسنه ابن حجر وابن باز (¬1). * يستحب للمسافر إذا كان في وقت السحر أن يقول: «سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا، عائذا بالله من النار» رواه مسلم. ¬

(¬1) رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وابن خزيمة والبيهقي، تخريج الأذكار 5/ 154، تحفة الأخيار 37.

* يستحب إذا خاف قوما أن يقول: «اللهم اكفنيهم بما شئت» رواه مسلم. ويقول: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم» رواه أبو داود وصححه النووي في الأذكار. * يستحب للرفقة في السفر أن ينزلوا مجتمعين ويكره تفرقهم لغير حاجة لحديث: " كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان» " حديث حسن (¬1). فالتفرق في الظاهر يولد التفرق في الباطن، والشيطان يحرص على التفريق وإيغال الصدور ولكن بالتحريش بينهم، والتفرق والانعزال عن الرفقة قد يؤدي إلى الهلاك والتعرض للمخاطر ووسواس النفس والانحراف، والذئب أقرب ما يكون من الغنم القاصية، وليحذر المربون والآباء حين سفرهم من تفرق الرفقة وتشعبهم في الأودية وغيرها، بل يكون ذهابهم وإيابهم ونزولهم مجتمعين غير متفرقين إلا عند الحاجة، وأمن الفتنة والمفسدة، والإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه. * السفر موطن للاجتماع وكثرة الاختلاط والزحام: حين الصعود والنزول وفي المنام وفي السيارة وكل ذلك يستوجب الصبر والحلم وسعة الصدر وإدخال السرور والترويح بشيء من النكت والطرف والألغاز والملح وفق الضوابط الشرعية فلا ¬

(¬1) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وأحمد والبيهقي وغيرهم. قال النووي في المجموع: إسناده حسن 4/ 340.

يكثر منه الإنسان أو يكذب أو يغتاب أو يؤذي ويخاصم ويجادل، فيقسو القلب، وتضيع الأوقات، ويشغل عن ذكر الله، وتركه يقبض المؤانس ويمل الراكب والمسافر وينفر الطباع، ورد عند ابن أبي الشيخ في أخلاقه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لا أمزح إلا حقا». وورد عن سفينة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وكان إذا أعيا بعض القوم يلقي علي سيفه وترسه ويقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أنت سفينة» (¬1)، يمازحهم ويداعبهم وهو الإمام الأعظم وسيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم -. * يكره سفر الإنسان لوحده إذا وجد الصاحب أو لغير حاجة؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده» رواه البخاري، ولما فيه من الوحشة وتسلط اللصوص عليه وعدم وجود المعين بعد الله عند حدوث الضرر. قال الإمام أحمد عن الرجل يسافر وحده:" ما أحب ذلك إلا أن يضطر مضطر" (¬2). قال الحافظ ابن حجر: "جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد والكراهة لماعدا ذلك" (¬3). ويستحب أن يطلب رفيقا تقيا، نقيا، راغبا في الخير، كارها للشر يحرص على إرضاء رفيقه وموافقته لا مخالفته، صبورا على ما يقع منه ويحتمل كل واحد منهما الآخر ويرى لصاحبه عليه فضلا وحرمة وكما قيل: ¬

(¬1) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 295. (¬2) الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 457. (¬3) فتح الباري 6/ 161.

"الصديق قبل الطريق وليس كل صديق يناسب الطريق" وورد: "يا خفاف ابتغ الرفيق قبل الطريق فإن عرض لك أمر نصرك وإن احتجت إليه ردفك" (¬1)، وقد قيل: "المروءة في السفر بذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله وإذا فارقتهم أن تنشر عنهم الجميل" وقيل: "من حسن المرافقة الموافقة" (¬2) لكن فيما لا يخالف الشرع. فرع: إذا كان الإنسان في سفر في سيارته لوحده وكان الطريق مليئا بالمسافرين والمحطات فهذا لا يدخل في النهي واختاره ابن عثيمين. تنبيه وتحذير: إن المتأمل لنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن سفر الإنسان لوحده يعرف حكما وأسرارا عظيمة وقد سمعنا وشاهدنا من يسافرون لوحدهم وما يتعرضون إليه من مخاطر وقتل واعتداء والوقوع في حبال الرذيلة والفساد والانحراف، حتى وإن كان إنسانا سويا فتجد النفس تراوده بحجج واهية، والإنسان الذي معه آخرون قد يستحي منهم فلا يذهب لبعض أماكن الفساد أو النظر لبعض القنوات المنحرفة أو غير ذلك إن كان معه عقلاء لاسيما حين السفر للخارج، وفوق هذا رأي الاثنين أعقل وأسلم من الواحد في الغالب. * على قدر نيتكم وعملكم تؤجرون: فنفقتك في السفر إما أجر وإما وزر فسفرك للعبادة ونفقتك فيه تؤجر عليها، وإن ¬

(¬1) ضعفه العجلوني في كشف الخفاء 1/ 205. (¬2) المجموع للنووي بتصرف 4/ 325.

حسن العشرة للزوجات حتى في السفر

كان سفرا محرما فنفقتك وزر عليك، والمباح يؤجر عليه بحسن نيته. * قالوا: - من صلح لصحبة السفر صلح لصحبة الحضر، وقد يصلح في الحضر من لا يصلح في السفر. - السفر يخرج خبايا الباطن ويسفر عن أخلاق الرجال. - إذا أثنى على الرجل معاملوه في الحضر ورفقاؤه في السفر، فلا تشكوا في صلاحه. - قال علي: السفر ميزان القوم. - سئل إمام الحرمين لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب. - كن رحمة على من معك من المسافرين ولا تكن عذابا. - أتى رجلان إلى ابن عون يودعانه ويسألانه أن يوصيهما فقال: عليكما بكظم الغيظ، وبذل الزاد، فرأى أحدهما ابن عون في المنام وقد أهدى له حلتين. ولا شك أن المسافر بحاجة لكظم الغيظ والصبر فهو معرض في السفر لكثير من المكدرات. قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم. * حسن العشرة للزوجات حتى في السفر: عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وأنا جارية

التنافس والتفاني في خدمة الأخوان

لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول: «هذه بتلك» (¬1). وللقارئ التأمل في هذه القصة، وأخلاق كثير من الناس مع زوجتاهم وأولادهم والله المستعان. * التنافس والتفاني في خدمة الأخوان: قال مجاهد: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني" يقول أنس رضي الله عنه: «خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني، وكان جرير أكبر من أنس» رواه البخاري، قال النووي: يستحب خدمة المسافر الذي له نوع فضيلة وإن كان الخادم أكبر سنا (¬2). وما الفضل في أن يؤثر المرء نفسه ... ولكن فضل المرء أن يتفضلا وبوب البخاري باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر وذكر حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة ...» رواه البخاري، وحديث: «سيد القوم خادمهم» حديث ضعيف (¬3)، وعند ابن المبارك: «سيد القوم خادمهم في السفر». ¬

(¬1) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 131. (¬2) المجموع 4/ 196. (¬3) كشف الخفاء 1/ 463.

ويذكر عن الشيخ ابن سعدي رحمه الله وهو شيخ الشيخ ابن عثيمين أنه إذا سافر مع الطلبة يجهز لهم الإفطار، والقهوة فيرفضون ذلك فيقول لهم: ألست أنا الأمير؟ فيقولون: بلى، فيقول: آمركم أن تجلسوا. وأحد الفضلاء بمرتبة وزير سافر معه أحد الأشخاص إلى دولة روسيا لمهمة يقول المرافق: كنا نجهز الطعام سويا ونذهب لشراء الطعام سويا ويرفض أن أذهب لوحدي فقط، وكان من عادته أنه لا يتعشى فلا ينام حتى يطمئن أني تعشيت وأنا شاب وهو كبير، وفي مرتبة وزير، ولكن التواضع منحة من الله قل وجودها، وندر من أبحر بها في زمن المناصب والرئاسة فكيف بالأقران سنا ورتبة؟! فالمشتكي إلى الله من أولئك المتعالين. وكان العوام من أهل عنيزة يحبون السفر مع الشيخ ابن سعدي لمكة والرياض لشدة تواضعه وحلمه ومؤانسته لهم في السفر فرحمه الله رحمة واسعة. ولا ينبغي للإنسان أن يكون متميزا في السفر عن إخوانه فلا يشاركهم في ما يحتاجون، ورد في السير أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خرج مع أصحابه في سفر فأمر بإصلاح شاة فقال أحدهم: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال آخر: علي طبخها، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «علي جمع الحطب»، فقالوا: يا رسول الله نكفيك فقال: «أعرف ذلك ولكني لا أحب أن أتميز عليكم فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا على أصحابه» (¬1). فلا يكون الإنسان كلا على الآخرين. ¬

(¬1) الوافي بالوفيات 1/ 31، وكشف الخفاء للعجلوني 1/ 251.

* فائدة: كان بلال بن سعد إذا رأى رفقة توافقه قال: يا هؤلاء إني أريد أن أصحبكم على أن تعطوني من أنفسكم ثلاث خصال. فيقولون: ما هي، قال: أكون خادما ومؤذنا لكم لا ينازعني أحد منكم في ذلك، وأنفق فيكم بقدر طاقتي، فإذا قالوا: نعم انضم إليهم. وكان عمرو بن عتبة يشترط على أصحابه أن يخدمهم (¬1). * فائدة: قال - صلى الله عليه وسلم -: «صاحب الدابة أحق بصدرها إلا من أذن» حديث صحيح (¬2). * فائدة: قال ابن حجر رحمه الله: "إن السفر يغتفر فيه لبس غير المعتاد في الحضر. اهـ" (¬3). والمقصود ما لم يكن فيه محظور شرعي. * بشارة وتسلية: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما» رواه البخاري. قال ابن حجر: وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يداوم عليها (¬4). تنبيه: عن أبي قتادة قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذارعه وضع رأسه على كفه» رواه مسلم. ¬

(¬1) الجهاد لابن المبارك 1/ 161. (¬2) رواه أحمد والحاكم وابن حبان والدرامي وصححه الألباني في الجامع برقم 3751. (¬3) فتح الباري 10/ 280. (¬4) فتح الباري 6/ 159.

التعريس: النزول للنوم والراحة سواء في آخر الليل أو أي وقت، وهذا فيه تنبيه وهو أن يحرص الإنسان على أن يبذل السبب لعدم فوات الصلاة كحمل المنبه، وما في حكمه لأنه من المشاهد أن كثيرًا من المسافرين لا يحافظون على الصلاة في وقتها وتجدهم يسهرون معظم الليل حتى يفوتهم الفجر. تنبيه: حديث ضعيف: «إذا قدم أحدكم من سفر فليهد إلى أهله وليطرفهم ولو كانت حجارة» (¬1). تنبيه: حديث ضعيف: «إن المسافر ورحله على قلت ـ أي: هلاك ـ إلا ما وقى الله» (¬2). تنبيه: حديث ضعيف: «سافروا تصحوا وتغنموا» وفي رواية: «تسلموا» وفي رواية: «ترزقوا» (¬3). والمعنى صحيح. تنبيه: حديث ضعيف: «أتحب يا جبير إذا خرجت سفرا أن تكون من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا فاقرأ سورة الكافرون والإخلاص والنصر والفلق والناس» (¬4). تنبيه: حديث موضوع: "خمس لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعهن في سفر ولا حضر: المرآة، والمكحلة، والمشط، والمدرى، والسواك، وفي رواية قارورة دهن" (¬5). ¬

(¬1) رواه الطبراني ومالك وحسنه الألباني في الجامع برقم 3004. (¬2) رواه الدارقطني ونقل تضعيفه ابن حجر في فتح الباري 3/ 370. (¬3) ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وحديث: «سافروا تصحوا» ضعيف الجامع برقم 3211. (¬4) كنز العمال برقم 17526. (¬5) الموضوعات لابن القيسراني 4329.

وقفة مع الإمام الأعظم - صلى الله عليه وسلم -

وقفة مع الإمام الأعظم - صلى الله عليه وسلم -: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فأتى الناس أبا بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: عائشة فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر؛ فقالت عائشة رضي الله عنها: فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته». رواه مسلم. - وفي الحديث فوائد ووقفات من أهمها: - أنه يمكن التظلم من الإنسان لو كان فاضلا، وأنه يمكن التظلم إلى المفضول مع وجود الفاضل، وقد يكون ما يتظلم منه لم يكن مقصودا لمن وقع منه الفعل. - أن الناس تؤثر فيهم تصرفات بعض أفرادهم وتنعكس عليهم، وقد يكون لها آثار سلبية عليهم، لذلك فعلى الفرد إذا

كان ضمن مجموعة ـ في أي وضع كان ـ أن ينتبه إلى نفسه وإلى تصرفاته وانعكاسها على المجموعة، فقد لا يشعر بأثر بعض تصرفاته. - أن الإنسان قد يضجر من أمر ما ويحسبه شرا، ثم تكون عاقبته حميدة ومآله حسنا، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]. وكما يقال في كل تأخيرة خيرة. - فيه العتاب لمن أخر القوم ولكن ينظر إن كان بتفريط عوتب وإلا فلا، وورد تكرر ذلك من عائشة في بعض الأسفار، وورد عند الطبراني «في كل مرة تكونين عناء». - صدور العتاب من المفضول مع وجود الفاضل. - فيه اعتناء الإمام والأمير بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت، وإقامته بالركب لتحصيل ضائع، ولحاق منقطع، ونحو ذلك من مصالح الرعية. - النهي عن إضاعة المال ولو كان يسيرا. - تزين المرأة حتى في حال السفر بالضوابط الشرعية. - الصبر على ما يحدث من منغصات في السفر (¬1). ¬

(¬1) شرح البخاري ومسلم.

خامسا: مسائل الاعتقاد

خامسا: مسائل الاعتقاد: * حكم السفر للهجرة لبلد الإسلام وبلد الكفار قال ابن عثيمين له حالات: الأولى: السفر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام: إن كان يستطيع أن يظهر دينه في بلد الكفر ويعلنه ولا يجد من يمنعه من ذلك فالهجرة مستحبة، وإن كان لا يستطيع ذلك فالهجرة واجبة بشرط أن يكون مستطيع الهجرة لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99]. الثانية: السفر من بلد الفسق إن كان يخاف على نفسه من البقاء بأن يفسق فالهجرة واجبة، وإن كان يأمن على نفسه فمستحبة، إلا إذا كان في بقائه نفع وإصلاح فبقاؤه واجب للإصلاح لأنه إذا هاجر أهل الصلاح بقي أهل الفساد وازداد البلد فسادا (¬1). الثالثة: أن يسافر من بلد الإسلام إلى بلد الكفار ويقيم بها للدعوة إلى الله وهذا نوع من الجهاد. الرابعة: أن يسافر لبلاد الكفار لدراسة أحوال الكافرين وما ¬

(¬1) شرح الأربعين النووية 17.

شروط السفر إلى بلاد الكفار والإقامة بها

هم عليه من فساد العقيدة والأخلاق ليحذر الناس من ذلك ويشبهه، ليكون عينا للمسلمين وما يدبروه للمسلمين من مكايد وهذا جائز. الخامسة: أن يقيم لحاجة دولته المسلمة كالسفراء ومن في حكمهم وهذا جائز. السادسة: أن يقيم للدراسة وهي أخطر مما قبلها لأن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو معلميه فيحصل تعظيم لهم، واقتناع بآرائهم، وتأثر بسلوكهم، والحكم بالجواز بشرط ألا يكون في بلاد المسلمين هذا العلم وتوافره. * شروط السفر إلى بلاد الكفار والإقامة بها: قال شيخنا ابن عثيمين طيب الله روحه وأعلى درجته في المهديين: لا يجوز السفر إلى بلد الكفار إلا بشروط: 1 - أن يكون سفره وإقامته للحاجة. 2 - أن يكون عنده إيمان يدفع به الشهوات، وعلم يدفع به الشبهات. 3 - أن يستطيع إقامة شعائر دينه في ذلك البلد. قال عليه الصلاة والسلام: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين» (¬1). فالحديث يدل على عدم الجواز؛ لأن في ذلك فتنة للمرء في دينه وخلقه، واستثنى العلماء الجواز ¬

(¬1) رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني الجامع رقم (1460).

حرمة السفر إلى بلاد فيها الشر والفساد للنزهة والسياحة

للحاجة بالشروط السابقة والضرورات تبيح المحظورات والحاجات تنزل منزلة الضرورات (¬1). * حرمة السفر إلى بلاد فيها الشر والفساد للنزهة والسياحة ولو كانت غير كافرة خشية الوقوع في الفساد والرذيلة، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهذا من فقهه رحمه الله في العلم والدعوة (¬2). * دخول الكنائس والصلاة بها محل خلاف والصحيح الجواز بشروط: - عدم وجود تماثيل وصور بها لوروده عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما كما في البخاري وهو رواية في مذهب الإمام أحمد ورجحه ابن تيمية. - إذا أمنت الفتنة بها بحيث لا يكون دخوله سببا في القناعة أو الدخول في اليهودية أو النصرانية، أو ورود الشبه على قلبه فيضل، فمن يخاف على نفسه من ذلك يحرم عليه دخولها. - خلوها من المحرمات العقدية أو الأخلاقية واللهو المحرم، كأن يكون بها سب أو انتقاص للإسلام أو الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو نوع من أنواع الفساد الأخلاقي. - ألا يكون بها وسائل للدعوة للتنصير أو التهويد ¬

(¬1) شرح الأربعين النووية وشرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين والهجرة إلى بلاد غير المسلمين لعماد عامر رسالة ماجستير. (¬2) اللقاء الشهري بالجامع الكبير في عنيزة.

كمحاضرات أو أشرطة أو كتب ونشرات تدعو للدخول فيها والخروج من الإسلام. - ألا يكون الداخل بها من المسلمين له مكانة دينية عند المسلمين أو اليهود والنصارى، فيفتنون ويظنون أن هذا إقرار بما هم عليه من الكفر والضلال. وقيل: بعدم الجواز مطلقا، واختاره ابن باز مع اللجنة الدائمة إلا إذا وجدت مصلحة؛ لنهي عمر رضي الله عنه عن ذلك كما رواه البيهقي بسند صحيح: "لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" والقول بالمنع قوي سدا للفتنة ودرءا للمفسدة وخاصة في هذه الأزمان التي خرجت فيها الدعوة لحرية ووحدة الأديان، والطائفية يحمل وزرها من دعا إليها، وزر من تنصر أو تهود أو ضل بها، وما ورد عن بعض الصحابة فهم عندهم من العلم وصدق الإسلام والإيمان ما يدفع به الشبهة والشهوة. * حرمة الذهاب إلى ديار المعذبين سواء كان بسفر أو بلا سفر كمدائن صالح للنزهة والسياحة والإعجاب بهم، وأما للعظة والعبرة فلا بأس قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم» متفق عليه. قال ابن حجر رحمه الله:" وهذا تناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم، وإن كان السبب ورد فيهم" (¬1). ¬

(¬1) الفتح 6/ 438.

وقال النووي رحمه الله:" وكذا وادي محسر ما بين مزدلفة ومنى وضعَّف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قول النووي وقال: النهي عن الجلوس فيه من باب عدم المشابهة بالمشركين في الحج " (¬1). عن علي رضي الله عنه قال: «نهاني حبيبي أن أصلي بأرض بابل فإنها ملعونة» رواه أبو داود. قال الحافظ وفي إسناده ضعف. قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة بها وإذا ثبت النهي فيحمل على الإقامة بها أو خاص بعلي (¬2)، وأفردت في آخر الكتاب بعض المسائل المتعلقة بالأقليات المسلمة في البلاد الكافرة باختصار. * الخروج من بلد به وباء استشرى بأهله أو السفر إليه: قال الحافظ ابن حجر له حالات: 1 - إذا أراد الخروج قاصدا الفرار من الوباء فلا يجوز لحديث «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها» رواه البخاري. وقيل: النهي لكراهة التنزيه. 2 - إذا أراد الخروج للعلاج جاز لقصة العرنيين الذين أصابهم مرض المدينة لعدم ملائمة أجسامهم لأرض المدينة فأمرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخروج منها للعلاج. رواه ¬

(¬1) هو واد أهلك الله فيه أصحاب الفيل سمي بذلك لأن فيل أبرهة حسر فيه؛ أي، عيي وكل، وقيل: لأنه أوقف أصحابه في الحسرات. (¬2) الفتح 1/ 631.

زيارة الآثار

البخاري، وبوب عليه باب من خرج من أرض لا تلائمه. 3 - إذا أراد الخروج لحاجة متمحضة وليس قصده الفرار جاز. 4 - السفر إليها لا يجوز لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وللنهي المتقدم، وقيل: يجوز مع الكراهة لمن عنده قوة توكل وصبر (¬1). * زيارة الآثار لها حالتان: الأولى: السفر لأجلها وله حالات: أإن كان على وجه التعبد فهذا لا يجوز؛ لعموم حديث: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد» رواه البخاري؛ ولعدم الدليل على الجواز؛ ولأن الأصل في العبادات المنع. ب إن كان على وجه السياحة والمعرفة لا لاعتقاد بالبقعة جاز بالشروط الآتية: 1 - ألا ينوي بزيارتها التقرب إلى الله أو التبرك بها أو اعتقاد أن الدعاء عندها سبب في الاستجابة. 2 - ألا يقصد بزيارتها تعظيمها. 3 - ألا يكون بها مظاهر محرمة كالشرك والبدع ولا يستطيع الإنكار. الحالة الثانية: زيارتها دون سفر: الصحيح الجواز بالشروط السابقة. ¬

(¬1) الفتح 10/ 197.

* لا تجوز زيارة المزارات والمشاهد التي فيها قبور وأضرحة من أجل التبرك بها وبأصحابها، أو التمسح بها أو اعتقاد سنية ذلك واستحبابه، كغار ثور وحراء وجبل عرفة ومشهد الحسين وزينب وصلاح الدين والبدوي (¬1) وغيرها من الأشجار والجبال والأشخاص، والبقع وقصد الصلاة والدعاء عندها، والطواف حولها، والذكر والأخذ من تربتها للاستشفاء فكل ذلك لا يجوز لأنه من البدع والمنكرات، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله (¬2)؛ لأن تلك الأعمال من العبادات ولا يعبد الله إلا بما شرع أو فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة، ولا دليل على ذلك في الكتاب أو السنة الصحيحة، ولأن بصرة ابن أبي بصرة الغفاري أنكر على أبي هريرة سفره إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام قائلا: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد» حديث صحيح (¬3). * قال ابن باز: الحذر الحذر من الصلاة في المساجد التي فيها قبور حيث وللأسف بعض البلدان يوجد في مساجدها قبور وأضرحة، فلا تجوز الصلاة فيها، وأما وجود قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مسجده، فالرسول دفن في بيته وليس في المسجد، ولكن لما وسع الوليد بن عبد الملك المسجد أدخل ¬

(¬1) التبرك للجديع بتصرف. (¬2) اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 644، الفتاوى 26/ 144. (¬3) رواه مالك والنسائي وصححه الألباني في الجامع برقم 7371.

سادسا: أحكام الطهارة

البيت في المسجد بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك، وقد أنكر عليه أهل العلم ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور لأن هذا البيت مستقل أدخل في المسجد للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد وقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - مفصول بجدار وقضبان (¬1). سادسا: أحكام الطهارة: 1 - المسافر إذا دخل عليه الوقت ولم يجد ماء فله حالات ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2): أ- الأفضل تأخير الصلاة إلى آخر الوقت في صورتين: الأولى: إذا علم وجود الماء. الثانية: إذا ترجح عنده وجود الماء. ب- الأفضل تقديم الصلاة في ثلاث صور: الأولى: إذا علم عدم وجود الماء. الثانية: إذا ترجح عنده عدم وجود الماء. الثالثة: إذا لم يترجح عنده شيء. 2 - إذا صلى بالتيمم ثم وجد الماء أثناء الصلاة يقطع الصلاة ويعيدها لحديثه - صلى الله عليه وسلم -: «إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» (¬3) ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 10/ 306. (¬2) الممتع 1/ 345. (¬3) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني في الجامع برقم 1667.

حديث صحيح. فإذا وجد الماء بعدها لا يعيد لقصة الرجلين اللذين تيمما ثم صليا ثم وجدا الماء في الوقت فأما أحدهما فلم يعد الصلاة، وأما الآخر فتوضأ وأعاد فقدما على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخبراه، فقال للأول: «أصبت السنة» وقال للآخر: «لك الأجر مرتين» ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1). 3 - إذا وجب الغسل من جنابة على مسافر في شدة البرد ولم يستطع استخدام الماء؛ لخوفه المرض، ولا يكفي الخوف من البرد بل لا بد أن يخاف من الضرر، ولم يجد وسيلة للتدفئة أو خشي خروج الوقت عند التدفئة جاز التيمم أو عنده ماء قليل لا يكفي للغسل يتوضأ به ويتيمم عن الغسل، وعند استطاعته استعمال الماء وجب عليه الغسل لحديث: «فإذا وجد الماء فليمسه بشرته» وبه أفتى الشيخان رحمهما الله (¬2). 4 - إذا كان الإنسان ليس لديه إلا ماء قليل لا يكفيه للوضوء كاملا فإنه يتوضأ بما عنده ويتيمم عن الباقي ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬3)، وهو رواية عند الحنابلة لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. 5 - يمسح المسافر على الخفين ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة ويبتدئ المسح من أول مسحة بعد حدث بعد اللبس لما ¬

(¬1) رواه أبو داود والنسائي والدرامي، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 10/ 200، الممتع 1/ 327. (¬3) الممتع 1/ 32.

سابعا: أحكام الأذان

في صحيح مسلم «جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم». 6 - إذا ابتدأ الإنسان المسح في الحضر ثم سافر فمسحُ مسافرٍ، وهي رواية في مذهب الحنابلة ورجحها ابن عثيمين. 7 - إذا ابتدأ المسح في السفر ثم أقام فمسح مقيم. 8 - إذا أحدث في الحضر ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر. 9 - إذا شك في ابتداء المسح هل يكون مسح مسافر أو مقيم فمسح مقيم احتياطا. سابعا: أحكام الأذان: 10 - يجب الأذان والإقامة على الجماعة المسافرين لحديث: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم» رواه البخاري ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1)، وقيل: سنة. قال الشيخ ابن باز رحمه الله: والمنفرد يشرع له الأذان كما في صحيح البخاري: «إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» (¬2). 11 - إذا أديت الصلاة بدون أذان وإقامة أو بإقامة فقط صحت وعلى الجماعة التوبة والاستغفار، وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله. ¬

(¬1) الممتع 2/ 3. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 10/ 350.

ثامنا: أحكام الصلاة

ثامنا: أحكام الصلاة: 12 - وجوب تحري القبلة بالسؤال وغيره فإن صلى لغير القبلة بغير اجتهاد وتحر أعاد الصلاة لأنه مفرط، وإن صلى باجتهاد لغير القبلة لم يعد سواء في الحضر أو السفر لأنه فعل ما في وسعه وقدرته قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وقيل: يعيد إذا أخطأ في الحضر وهو الأحوط لوجود العلامات والمساجد (¬1)، وهو مذهب الحنابلة. 13 - قصر الصلاة في السفر سنة؛ لفعل الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ والصحابة والإتمام جائز؛ لفعل بعض الصحابة كعثمان وعائشة رضي الله عنهما مع الكراهة، ورجحه ابن تيمية ومال إليه ابن عثمين. 14 - إذا دخل المسافر مع إمام مقيم فأتم معه ثم قام المسافر للجمع لوحده أو مع مسافرين جاز لهم القصر؛ لأن البعض يظن أنهم ما داموا أتموا الأولى يلزمهم إتمام الثانية ولا تلازم بينهما. 15 - الصلاة في السفينة إن كانت نافلة لا يشترط استقبال القبلة فيها رفعا للمشقة، وإن كانت فريضة فيشترط استقبالها فإذا تحولت السفينة تحول للقبلة لقدرته على ذلك وهي فرض عند القدرة وهو مذهب جمهور الفقهاء (¬2). ¬

(¬1) الممتع 2/ 281. (¬2) أحكام البحر لابن فايع.

16 - لا يسن فعل الرواتب ما عدا سنة الفجر ويستحب فعل الوتر والضحى والتنفل المطلق وقيام الليل وذوات الأسباب كسنة الوضوء وتحية المسجد وصلاة الكسوف، وهو رواية في مذهب الحنابلة ورجحه ابن تيمية والشيخان ـ رحمهم الله (¬1) ـ ودليل ركعتي الفجر عندما نام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السفر ولم يستيقظ إلا على حر الشمس. قال أبو قتادة: "ثم أذن بلال بصلاة فصلى رسول الله ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما يصنع كل يوم" رواه مسلم. ودليل الضحى ما ورد عن أنس رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى في السفر سبحة الضحى ثمان ركعات" (¬2)، وحديث أم هانئ في قصة اغتساله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى" رواه مسلم (¬3)، ودليل قيام الليل قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة يحبهم الله ـ وذكر منهم ـ قوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم قام يتملقني ويتلو آياتي» وفي رواية: «والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم» (¬4)، الرواية ¬

(¬1) الإنصاف 4/ 51، مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 11/ 390، فتاوى ابن عثيمين 15/ 258. (¬2) قال الحافظ في الفتح: رواه أحمد وصححه ابن خزيمة والحاكم 3/ 68. (¬3) رواه مسلم (فتح الباري 3/ 70). (¬4) رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي والبزار وغيرهم. وضعف الألباني الرواية الأولى في الجامع برقم 2610. وصحح الثانية في الجامع برقم 3074. ورواها أحمد.

الأولى ضعيفة، والثانية صحيحة قاله الألباني رحمه الله. ومعنى التملق: التضرع. ورد في السير عن ابن مليحة قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة فإذا نزل قام شطر الليل، يرتل القرآن حرفا حرفا ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب (¬1). وعن البراء قال: «سافرت مع رسول الله ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر» رواه أبو داود والترمذي وقال: غريب، ورآه البخاري حسنا. قال ابن حجر: وحمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على راتبة الظهر (¬2). 17 - إذا دخل عليه وقت الصلاة وهو في بلده وهو يريد السفر ولم يفارق البنيان فلا يترخص بأحكام السفر من قصر وجمع وغيرها لأن الترخص يبدأ بمفارقة البنيان، ولحديث أنس رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين"، فكان يبتدئ القصر إذا خرج من المدينة، ورجحه الشيخان (¬3)، وهو مذهب جمهور الفقهاء. 18 - إذا سافر وفارق البنيان بعد دخول الوقت قصر، وإذا دخل بلده بعد دخول الوقت أتم؛ لأن العبرة بوقت فعل الصلاة لا وقت دخول الصلاة، وهو رواية في مذهب الحنابلة، وحكاه ابن المنذر إجماعا وهو قول لمالك والشافعي وأبو حنيفة ¬

(¬1) تهذيب السير 1/ 391. (¬2) الفتح 2/ 674. (¬3) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 290، 298، الممتع 4/ 513.

ورجحه الشيخان رحمهما الله (¬1). 19 - إذا كان المطار خارج البلد يقصر المسافر الصلاة فيه إذا كان الحجز مؤكدا، أما إذا كان انتظارا فلا يقصر لأنه لم يجزم بالسفر وهو قول في مذهب الحنابلة والشافعية. قال النووي رحمه الله: "إن من خرج من بلده وأقام في موضع بنية انتظار رفقته على أنه إذا خرجوا سار معهم وإلا رجع أنه لا يجوز له القصر لأنه لم يجزم بالسفر" (¬2). 20 - إذا كان المطار داخل البلد لا يقصر الصلاة فيه سواء كان الحجز انتظارا أو مؤكدا لأنه لم يفارق البنيان (¬3)، وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أن المطار إذا كان خارج البلد فيجوز لأهل البلد القصر فيه، وأما إذا كان داخل البلد فلا يجوز لهم القصر فيه (¬4). 21 - إذا نسي صلاة حضر، أي: وجبت عليه في بلده ولم يصلها في الحضر فتذكرها وهو في السفر بعد خروج وقتها أتم الصلاة المقضية (أي: الفائتة). 22 - إذا نسي صلاة سفر، أي: لم يصلها في السفر فتذكرها وهو في الحضر قصر الصلاة المقضية. وهو قول في مذهب الحنابلة ورجحه ابن عثيمين. ¬

(¬1) الشرح الكبير 5/ 54، مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 298، الممتع 4/ 577. (¬2) الإنصاف 5/ 47، المجموع 4/ 350. (¬3) الممتع 4/ 514. (¬4) فتاوى ابن عثيمين 15/ 418.

23 - إذا ذكر صلاة سفر في سفر قصر الصلاة المقضية. والمقصود بالحضر في هذه المسائل بلده ومحل إقامته، ودليل هذه الصور قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه؛ أي: فليصلها كما هي. 24 - لا ينبغي تعدد الجماعات في مسجد واحد في وقت واحد كما هو ملاحظ في المساجد التي على الطرق فإن هذا عنوان التفرق، ولأنه يحدث تشويشا كما ذكره الشيخ ابن عثمين رحمه الله (¬1). 25 - نية القصر ليست شرطا في الصلاة، وهو قول في مذهب الحنابلة لعدم الدليل ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر الصحابة بذلك فيلزم المأمور متابعة إمامه في الإتمام والقصر، ولأن القصر هو الأصل في السفر فلا يحتاج إلى نية كالإتمام في الحضر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الصحيح وهو الأظهر (¬2) وبه قال الجمهور ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ويتفرع عليها مسائل يقع فيها كثير من المسافرين وهي ليست بصواب ولا أثر لنية الإتمام أو القصر فيها: أ- إذا نوى المأمور الإتمام وصلى إمامه قصرا فيقصر مثله. ب- إذا نوى القصر وصلى إمامه إتماما لزمه ما صلى إمامه فيتم. ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 82. (¬2) فتاوى ابن تيمية 24/ 21، 16؛ الممتع 4/ 525.

ج- إذا دخل في الصلاة لم ينو القصر او الإتمام صلى ركعتين وصحت صلاته سواء إماما أو مأموما. د- إذا ائتم بمن شك فيه هل هو مسافر أو مقيم؟ يلزمه ما صلى إمامه. هـ- إذا نوى المسافر الإتمام سواء كان إمام أو مأموما ثم تذكر أنه مسافر صلى قصرا، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لأنه الأصل في صلاة المسافر (¬1) .. 26 - يقصر من الصلاة الرباعية وأما الفجر والمغرب فلا تقصر. 27 - إنسان صلى المغرب ركعتين على أنها تقصر جهلا منه، فإن صلاته باطلة ويلزمه إعادة الصلاة. 28 - إذا نوى المسافر القصر ثم قام إلى الثالثة ناسيا فإنه يرجع ويسجد للسهو ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). 29 - إذا نوى المسافر القصر ثم نسي فصلاها تامة فيسجد للسهو لأنه سهو على الصحيح من المذهب كما في الإنصاف. 30 - يستحب تخفيف القراءة في صلاة السفر لما ورد أنه: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤون في السفر بالسور القصار" (¬3)، وورد في صحيح مسلم "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ¬

(¬1) الممتع 4/ 525. (¬2) الممتع 3/ 469. (¬3) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم 3684.

العشاء بالصحابة في سفر فقرأ بالتين والزيتون" ولاسيما أن المسافر يكون مشغولا بسفره ومن معه وتطويل الصلاة قد يكون سببا في تفويت بعض الأمر عليه لاسيما في المطارات. 31 - لا يجوز للمسافر ترك الجماعة في المسجد إذا كان نازلا في البلد المسافر إليه سواء كان فردا أو جماعة، لعموم أدلة وجوب الجماعة في المسجد ولا دليل على استثناء المسافر من وجوب صلاة الجماعة ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» (¬1). حديث صحيح ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). 32 - إذا سمع المسافر الأذان وهو في الطريق فلا تلزمه الصلاة في المسجد حتى ولو نزل لحاجة فلا تلزمه الجماعة في المسجد وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين (¬3). 33 - إذا صلى الإنسان النافلة وفي أثناء الصلاة نبه الإمام أنه سيصلي على جنازة. هذه المسألة تحدث كثيرا في الحرمين وقد توجد في غيرهما وعليه فيجوز للإنسان أن يقطع النافلة ويصلي على الميت. قال ابن العثيمين رحمه الله في شرحه لمنظومة القواعد: يكره قطع النفل إلا لغرض صحيح، مثل أن ينتقل من مفضول إلى أفضل أو نحو ذلك. اهـ. والصلاة على الجنازة أفضل من النافلة وبهذا أفتى بعض أهل العلم. ¬

(¬1) رواه الترمذي وابن ماجة، والحاكم وابن حبان والبيهقي والبزار وغيرهم وصححه الألباني رحمه الله في الجامع برقم 6300. (¬2) الممتع 4/ 200. (¬3) فتاوى ابن عثيمين 15/ 419.

تاسعا: أحكام ائتمام المسافر بالمقيم والعكس

34 - لا يتورك المسافر إلا في صلاة المغرب لأن التورك لا يسن إلا في صلاة فيها تشهدان على ما رجحه الشيخان وصلاة السفر قصر، أما المغرب ففيها تشهدان. 35 - جواز السفر للصلاة على الميت وحضور الدفن والتعزية لأن شد الرحل هنا ليس من أجل البقعة، والمحرم السفر لمسجد فيه مزية أو قبر فيه مزية، ويستثنى المساجد الثلاثة وزيارة الأقارب والإخوان والسفر لطلب العلم لعموم الأدلة على فضل ذلك وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله (¬1). 36 - إذا أم مقيم بمسافرين ثم خرج من الصلاة لعذر ثم خلفه مسافر يصلي بهم ركعتين فقط إلا إذا كان قد تجاوز الركعتين من الرباعية فيتم (¬2). 37 - إذا أم مسافر بمقيمين ثم خرج من الصلاة لعذر ثم خلفه مقيم يتم بهم أربعا (¬3). تاسعا: أحكام ائتمام المسافر بالمقيم والعكس: 38 - جوار الصلاة خلف الإمام المقيم ولا يضر اختلاف النية أو الصلاة لأن معاذا كان يصلي العشاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ينطلق فيصلي بقومه العشاء، فتكون له نافلة ولهم فريضة. رواه مسلم ورجحه الشيخان رحمهما الله (¬4). 39 - هل يصح القصر وراء الإمام المتم سواء دخل ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 13/ 138، فتاوى المسافر لابن جبرين. (¬2) المجموع 4/ 166. (¬3) المصدر السابق. (¬4) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 259، فتاوى ابن عثيمين 15/ 270.

المسافر في أول الصلاة أو آخرها أو قبل التسليم فيه خلاف بين الفقهاء. فوجوب الإتمام مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة واختاره ابن قدامه في المغني لحديث ابن عباس "قيل له: ما بال المسافر يصلي ركعتين في حال الانفراد وأربعا إذا ائتم بمقيم: فقال: تلك السنة" رواه أحمد. ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» رواه البخاري ومسلم. ومفارقة إمامه اختلاف عليه فلم يجز مع إمكان متابعته وقال به ابن عمر وجماعة من التابعين والثوري والأوزاعي ورجحه الشيخان، وقيل: إذا أدرك أقل من ركعة فإنه يقصر الصلاة لأن إدراك الصلاة بالركعة، للحديث المشهور في الصحيحين: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» وهو قول مالك ورواية عند أحمد ورجحه ابن تيمية، وقيل: إذا أدرك ركعتين أجزأ؛ وبه قال طاوس والشعبي والقول الصحيح الإتمام في جميع الصور لقوة أدلته ولأنه لم يرد فعل من السنة أو فعل أحد من الصحابة على خلافه (¬1)، وهو الأحوط. 40 - إذا دخل المسافر مع الإمام المتم ثم بطلت صلاته أو تذكر أنه على غير طهارة ـ أي: المأمور ـ يقصر الصلاة إذا رجع فصلى منفردا. وهو قول عند الحنابلة ومذهب أبي حنيفة وبه قال الثوري ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). 41 - إذا دخل مع إمام يظن أنه مسافر وأدرك معه ركعتين ¬

(¬1) الشرح الكبير 5/ 55، الفتاوى 23/ 333. (¬2) الإنصاف مع الشرح الكبير 5/ 58، الممتع 4/ 521.

ثم تبين أن الإمام متم أتم الصلاة إن كان الزمن قريبا، وإن طال الزمن أعادها أربعا، وبه أفتى الشيخ ابن جبرين (¬1)، وقيل: يعيدها قصرا قياسا على المسألة السابقة. 42 - إذا دخل مع إمام مسافر يصلي العشاء وهو يريد المغرب يدخل معه، فإذا سلم الإمام قام فأتى بالثالثة وإذا كان الإمام مقيما يجلس المأموم في الثالثة وينتظر حتى يسلم مع الإمام، وله أن يسلم ويدرك العشاء مع الإمام وهو قول في مذهب الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2) واختاره ابن تيمية. 43 - إذا دخل المسافر مع إمام مسافر أو مقيم يصلي المغرب وهو يريد العشاء، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: له أن يصلي العشاء قصرا والأحوط الإتمام، وقال أبو المعالي من الحنابلة والنووي: الإتمام. اهـ (¬3) وهو الأولى خروجا من الإشكال. 44 - يجوز أن يأتم المقيم بالمسافر ويقضي الباقي بعد سلام الإمام لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة: «أتموا فإنا قوم سفر» ضعيف (¬4)، ووزعه عمر نحوه وقال الشوكاني رجال إسناده ثقات. النيل 3/ 204. 45 - إذا دخل مسافر أو مسافرون مع إمام مقيم يصلي التراويح في رمضان فلهم حالتان: ¬

(¬1) فتاوى السفر لابن جبرين. (¬2) فتاوى ابن عثيمين 15/ 271. (¬3) الإنصاف مع الشرح 5/ 57، المجموع 4/ 295. (¬4) رواه أبو داود وضعفه ابن حجر في الفتح 2/ 563.

الأولى: إن كانوا دخلوا بلدهم ووطنهم فإنهم يدخلون معه ويصلون الصلاة الفائتة إتماما فإذا سلم الإمام أتموا ما بقي وهو رواية في مذهب الحنابلة. الثانية: إن كانوا دخلوا البلد المسافر إليه، فإنهم يدخلون معه ويصلون الصلاة الفائتة قصرا وذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ولا ينبغي أن يصلوا جماعة لئلا يحدث تشويش على الذين يصلون التراويح (¬1). 46 - مسألة مهمة: الصلاة في المسجد فيه قبر له حالات: أ- إن كان القبر خارج سور المسجد من الخلف أو ذات اليمين أو اليسار فتصح الصلاة إلا إذا كانت مقبرة والمسجد بني بها فلا تجوز. ب- إذا كان القبر خارج المسجد من جهة القبلة ويوجد فاصل فجائز كجدار وطريق ونحوه ولا يجوز للإنسان قصد استقبال القبر. ج- إن كان القبر داخل المسجد في أي مكان فيه فلا تجوز الصلاة فيه ولا تصح كما هو مذهب المحققين من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين وغيرهم لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» متفق عليه، وحديث: «ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 83.

عاشرا: أحكام الجمع

تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم. فيبحث الإنسان عن مسجد آخر وإذا لم يوجد أو كان بعيدا فليحرص على أن يجتمع هو ومن معه ممن هداهم الله للحق أن يجتمعوا في مكان يقيمون فيه الصلاة أو يسعوا لبناء مسجد {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] ويقوموا بواجب النصح اتجاه إخوانهم. عاشرا: أحكام الجمع: 47 - يشترط في جمع التأخير أن ينوي التأخير عند دخول وقت الأولى؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها لغير عذر، فإذا ضاق وقتها ولم ينو الجمع قبل ذلك فلا يجوز أن ينوي الجمع إذا ضاق الوقت، بل يجب عليه أن يصلي الصلاة في الحال ويصلي الثانية في وقتها وذكره الشيخ ابن عثيمين عليه رحمه الله (¬1). 48 - إذا دخل على المسافر وقت الصلاة وهو ما زال في بلده تقدم أنه لا يجوز له القصر، وكذلك الجمع إلا إذا خشي خروج وقت الصلاة الثانية، ولا يستطيع النزول للصلاة كالمسافر في الطائرة أو النقل الجماعي إذا سافر وقت صلاة الظهر، فله جمع العصر معها بلا قصر وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). 49 - يجوز الجمع للإنسان إذا خرج من بلده بعد دخول الوقت للصلاة وكانت مما تجمع مع الصلاة التي بعدها لوجود سببه وهو السفر. ¬

(¬1) الممتع 4/ 574. (¬2) فتاوى ابن عثيمين 15/ 432.

50 - وقت الجمع بين الصلاتين من دخول وقت الأولى حتى آخر وقت الثانية الاختياري فلا يجوز تأخير الظهرين إلى بعد اصفرار الشمس بعد العصر، ولا تأخير العشائين إلى بعد منتصف الليل على ما رجحه ابن عثيمين رحمه الله، وهو رواية عند الحنابلة. 51 - الجمع يكون للظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير وأيهما فعل أجزأ، والفجر لا يجمع معه شيء. 52 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده ولم يدخل وقت الثانية لا يجمع الثانية مع الأولى بل يصلي كل صلاة في وقتها إتماما لو بقي وقت يسير لأن علة القصر والجمع هنا السفر وقد زال وهذا مبني على اشتراط استمرار العذر في جمع التأخير، وذكره الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1). 53 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل البلد المسافر إليه وبقي وقت يسير ويدخل وقت الثانية فله حالات: الأولى: إن كان في غير مسجد فالأفضل أن ينتظر حتى يدخل وقت الثانية، فيصليهما جمعا وقصرا وإن صلى جاز. الثانية: إن كان دخل مسجدا بعد أذان الصلاة الثانية وقبل الإقامة، فيصلي الأولى قصرا ثم يصلي الثانية مع الجماعة. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة 8/ 157، الممتع 4/ 576.

الثالثة: إن كان دخل المسجد والناس يصلون الثانية دخل معهم بنية الأولى كما تقدم تفصيله في ائتمام المسافر بالمقيم. 54 - إذا نوى جمع التأخير ثم دخل بلده وقد دخل وقت الثانية يصلي الأولى والثانية إتماما لانقطاع السفر وزوال العذر وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة (¬1). 55 - إذا كان وهو مسافر إلى بلده يستطيع أن يدخل بلده ويدرك الصلاة مع الجماعة أو وقتها أو يدخل بلده قبل دخول وقت الثانية جاز له القصر والجمع قبل دخول البلد، لأنه لم يدخل البلد، ولأنه جمعها مع الأولى بمسوغ شرعي وهو السفر، كما في الكشاف، وبه أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة (¬2). 56 - يجوز الجمع للمسافر السائر كما في صحيح مسلم: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء"، وأما النازل فيجوز الجمع لكن الأحوط والأولى ترك الجمع عند عدم المشقة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان بمنى في حجة الوداع يقصر الصلاة ولا يجمعها، وخروجا من الخلاف ورجحه ابن تيمية والشيخان رحمهم الله (¬3). 57 - وجوب الترتيب بين الصلوات في قضاء الفوائت والجمع ويسقط الترتيب بالنسيان والجهل أو إذا خشي خروج ¬

(¬1) فتاوى اللجنة 8/ 151. (¬2) كشاف القناع 3/ 279، فتاوى اللجنة 8/ 137، 152. (¬3) الإنصاف مع الشرح 5/ 88، الممتع 4/ 553، فتاوى ابن باز 12/ 280.

وقت الصلاة الحاضرة ولا يسقط بخشية فوات الجماعة، وإذا تذكر الفائتة أو الأولى وهو يصلي الحاضرة، رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أنه يتم الحاضرة ثم يقضي الأولى لعموم أدلة دفع الحرج عن الناس (¬1)، وهو رواية عند الحنابلة واختاره ابن تيمية. 58 - إذا جمع المسافر المغرب مع العشاء جمع تقديم، جاز له أن يوتر بعد صلاة العشاء ولا ينتظر حتى يدخل وقت العشاء، ورجحه الشيخان ـ رحمهم الله ـ لأن العبرة بصلاة العشاء لا الوقت وهو مذهب جمهور العلماء ـ رحمهم الله. 59 - إذا جمع الإنسان بن الصلاتين فالأولى والأفضل والأكمل أن يأتي بأذكار الصلاة الأولى ثم الثانية، وإن اقتصر على أذكار الصلاة الأخيرة فلا بأس بذلك لتداخلهما، ورجحه الشيخ ابن جبرين (¬2)، ورجح ابن عثيمين الاكتفاء بأحدهما ويأخذ الأكمل، كالمغرب ذكرها أكمل من العشاء (¬3). 60 - الصلاة في الطائرة على نوعين كما فصلهما الفقيه ابن العثيمين رحمه الله (¬4): أ- نوافل: يصليها الراكب على أي حال قائما أو قاعدا يومئ بالركوع والسجود على أي جهة ولا يشترط استقبال القبلة، وكذا في السيارة لحديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 436. (¬2) فتاوى في السفر لابن جبرين. (¬3) لقاءاتي مع الشيخين الطيار 2/ 206. (¬4) فتاوى ابن عثيمين 15/ 244.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وعند البخاري "يومئ برأسه ولم يكن يصنعه في المكتوبة"، وفي رواية مسلم "يوتر عليها" والأفضل استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام قاله ابن العثيمين رحمه الله، واختاره ابن قدامة وابن تيمية. ب- فرائض لها حالات: الأولى: إن استطاع أن يصليها قبل الركوب أو بعد النزول في وقتها صلى سواء جمع تقديم أو تأخير. الثانية: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه أن الطائرة لا تهبط إلا بعد خروج وقت الأولى، فينوي جمع التأخير إن كانت تجمع كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء. الثالثة: إذا ركب الطائرة قبل دخول الوقت وغلب على ظنه خروج وقت الصلاتين المجموعتين أو صلاة لا تجمع مع أخرى كالفجر فيجب عليه أن يؤدي الصلاة في مصلى الطائرة إن وجد مستقبلا القبلة إن استطاع، وإن لم يستطع صلى في الممرات، وإن لم يستطع صلى قائما ويومئ بالركوع والسجود وهو جالس على كرسيه ولا يجوز له تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها. الرابعة: إذا كان في الطائرة مصلى ويمكن أن يصلي مستقبل القبلة قائما وراكعا وساجدا صلى فيه لو كان ذلك مع سعة الوقت. 61 - تجوز الصلاة في السفينة فروضا ونوافل ولا يسقط

القيام واستقبال القبلة في الفريضة لأنه يمكن ذلك فإن لم يستطع القيام جاز له أن يصلي جالسا. * الوقفة الثانية مع ابن باز في اغتنامه للوقت حال سفره: يقول مدير مكتب سماحة الشيخ: كنت مرافقا للشيخ من الطائف إلى الرياض في الطائرة فقرأت عليه ستين صفحة من كتاب إعلام الموقعين، ومن المطار إلى منزله تقريرا عن الدعوة في بعض البلاد سبع عشرة صفحة. متنقل في سؤدد من سؤدد ... مثل الهلال جرى فكان كماله سافر الشيخ حينما كان في المدينة متجها إلى بدر، وكان معه اثنان يقول أحدهم: فلما بدأ سيرنا ودعا سماحته بدعاء السفر التفت رحمه الله وقال: توكلوا على الله ابدؤوا بقراءة المعاملات، فقلنا للشيخ: دائما نقرأ ولا نتمكن من الخروج للمدينة، وهذه فرصتنا دعنا نستمتع بالرحلة وننظر الجبال والأودية، فضحك سماحته وقال: اللهم اهدنا فيمن هديت ليقرأ فلان وأنت تفكر وانظر، وبعد أن ينتهي فلان سأملي عليك وينظر الآخر وقت الإملاء وهكذا ... كان سماحته يوما في مكة وبعد المغرب استقبل الناس، وأجاب عن أسئلتهم فذهب إلى جدة ومعه ثلاثة لحفل مركز الدعوة. وفي الطريق يتناوبون القراءة عليه يقول الموسى: فوصلنا وألقى الشيخ كلمته ثم عدنا فما وصلنا المنزل إلا الثانية ليلا، وكان من عادته أن يتهجد الثالثة ليلا فجزمنا بعدم قيامه لشدة تعبه، فلما جاء وقت تهجده قام وصلى حتى أذن الفجر

الحادي عشر: أحكام الجمعة

فذهبنا للمسجد وصلى بنا وألقى كلمة بعد الصلاة، فعدنا للمنزل فألقى سماحته غترته وطاقيته وقال: بسم الله المعاملات فقرأنا عليه حتى السابعة والثلث فقال: ننام. وضع المنبه على الثامنة والثلث فقمنا وذهبنا للرابطة لحضور الندوات فرجعنا الثانية والنصف فتناول الغداء مع الضيوف وأكمل برنامجه اليومي. ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محبب سئل الشيخ ذات مرة متعجبين من حوله من طول ما يعمل ما سر ذلك يا شيخ؟! فقال: إذا تلذذت الروح لم يتعب الجسد. فرحمة الله على ذاك الأسد فلنكن أشبالا من ذاك الأسد. الحادي عشر: أحكام الجمعة: 62 - يجوز السفر يوم الجمعة قبل النداء الأخير لها، وأما إذا أذن المؤذن الأذان الأخير وهو بعد الزوال فلا يجوز السفر حينئذ إلا في حالات: الأولى: إذا خشي ذهاب رفقته، وكذا ذهاب الطائرة والنقل الجماعي إذا صلى الجمعة. الثانية: إذا كان يمكن أن يأتي بها في طريقه. الثالثة: إذا وافق ذلك اليوم يوم عيد وصلى العيد، فإن الجمعة تسقط عنه فله السفر بعد النداء الأخير. 63 - الجمعة بالنسبة للمسافر لها ثلاث حالات:

الأولى: إذا كان سائرا في الطريق فلا تلزمه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر أسفارا كثيرة ومنها حجة الوداع، ولم يرد أنه صلى الجمعة ورجحه الشيخان رحمهما الله (¬1)، وما يفعله بعض المسافرين من أنه إذا دخل عليه وقت الجمعة وهو في الطريق فإنه يقف ويصلي الجمعة فإنه لم يأخذ برخصة الله، والله يحب أن تؤتي رخصه. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: أجزأته عن الظهر (¬2). الثانية: إذا كان نازلا في مكان تقام فيه الجمعة ويسمع النداء فالراجح وجوبها لعموم الأدلة ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة 9]، وليس هناك دليل يستثني المسافر النازل في مكان تقام فيه الجمعة من صلاة الجمعة، ومال إليه ابن تيمية وجزم به الشيخان رحمهما الله (¬3)، ويتساهل الناس في هذا كثيرا، وأما إذا كان مارا بالبلد مواصلا للسير ووقف لحاجة وسمع أذان الجمعة فلا جمعة عليه، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬4)، ويتبع الصلاة سائر أحكام الجمعة من الاغتسال وغيره، ويستحب الدعاء للمسافر فيكون جمع سببين لإجابة الدعاء: السفر، والجمعة. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 208، الممتع 5/ 12. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 208. (¬3) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 379، فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 220، 221، الممتع 5/ 15، فتاوى ابن تيمية 24/ 184. (¬4) الممتع 5/ 14، فتاوى ابن عثيمين 15/ 431.

64 - إن صلى المسافر السائر مع من يصلي الجمعة فله حالتان: أ- أن ينوي الجمعة وهذا هو الأفضل حتى ينال أجر الجمعة. ب- أن ينويها ظهرا فهل يقصر أم يتم؟ صحيح المذهب الإتمام ويتجه الإجزاء بركعتين وسبب ذلك هل الجمعة بدل الظهر أم لا؟ (¬1). الثالثة: إذا كان نازلا في مكان لا تقام فيه جمعة ولا يسمع أذانها كمن أقام في البر للنزهة وغيرها، فهذا لا تجب عليه الجمعة لأنه مسافر، ويأخذ حكم ذلك البدو الرحل، والعسكريون في البحر أو البر لمهمات عسكرية وأمنية، وعمال الشركات الذين يخرجون لتنقيب النفط وغيره، ولا ينوون الإقامة الدائمة ولا تقام الجمعة في المكان الذي هم فيه، وبه أفتى الشيخان مع اللجنة الدائمة. 65 - البعض يقيمون الجمعة بأنفسهم ويصلونها في مكان لا تقام فيه الجمعة وهم مسافرون نازلون كالحالة الثالثة، فهؤلاء لا تصح صلاتهم ويجب عليهم أن يصلوا الصلاة مرة ثانية ظهرا لأنها فرضهم وبهذا أفتى الشيخان ـ رحمهما الله ـ مع اللجنة الدائمة (¬2). ¬

(¬1) الإنصاف مع الشرح 5/ 57. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة 8/ 225، فتاوى ابن عثيمين 15/ 370، والإعادة أفتى بها الشيخ في غير الكتاب في سؤال سأله بعض العسكريين في الجامع الكبير بعنيزة.

الرابعة: المقيمون في بلد الكفار يرى الشيخ ابن عثيمين أنهم يقيمون الجمعة إظهارا لشعائر الإسلام وعلى القول الآخر أنهم غير مسافرين فتجب في حقهم (¬1). 66 - إذا صلى الجمعة وهو مسافر لا يجمع معها العصر ويصلي العصر إذا دخل وقتها لعدم الدليل ولأنها من الصلوات التي لا يجمع معها شيء ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله ـ (¬2)، وقيل: يجوز الجمع. قال أحمد: المسافرون يجمعون يوم الجمعة قد صلى عبد الله يوم الجمعة في الحضر فجمع، وقال به النووي. وله قوته وحجته لوجود علة الجمع وعدم دليل المنع، وإذا لم تجب عليه الجمعة ككونه سائرا أو مسافرا قبل دخول الوقت أو في مكان لا تقام فيه الجمعة فإنه يجوز له أن يصلي الظهر والعصر جمعا اتفاقا (¬3). 67 - لو أدرك المسافر من صلاة الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعا، وقيل: يقصر وهو قول عند الحنابلة وقول للمالكية، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة وهو رأي الإمام أحمد ورجحه الشيخان ـ رحمهما الله ـ (¬4) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الصلاة» رواه البخاري ومسلم. 68 - إنسان دخل مع الإمام بنية الجمعة بعد الرفع من ¬

(¬1) الشرح الممتع 5/ 169. (¬2) فتاوى ابن عثيمين 15/ 370. (¬3) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح ص265. (¬4) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 12/ 329، الممتع 5/ 61، مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود.

الركوع على أنها الركعة الأولى ثم تبين له أنها الثانية فإنه يغير النية وينويها ظهرا، وهو رواية في مذهب الحنابلة، والأولى إذا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع أن ينتظر حتى السجدة الثانية، فإن قام الإمام للثانية نوى الجمعة وإن جلس للتشهد نوى الظهر، وذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1). 69 - يحدث زحام عظيم في مواسم الحج ورمضان في المسجد الحرام يوم الجمعة فلا يجد الإنسان مكانا يسجد فيه، فيجب عليه أن يبحث عن مكان يستطيع أن يؤدي فيه الصلاة تامة، فإذا لم يجد فيجب عليه إذا أراد أن يسجد أن يجلس ويومئ بالسجود؛ أي: يحني رأسه وظهره وهو جالس إلى صدره لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ولأن السنة جاءت بالإيماء عند التعذر، وهو قول في مذهب الحنابلة ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). وبالمناسبة فالصلاة ولله الحمد في مساجد مكة التي داخل الأميال بمائة ألف صلاة ورجحه عطاء وابن القيم وابن باز فلا يزاحم المرء نفسه وإخوانه. 70 - إذا دخل المسافر بلده يوم الجمعة وبقي وقت يسير على الصلاة فإنه تلزمه الصلاة في أقرب مسجد جمعة إذا خشي فواتها عند إرادته الذهاب إلى بيته، وكذا صلاة الجماعة إذا خشي فواتها تأخذ حكم ما سبق. ¬

(¬1) الممتع 5/ 63. (¬2) المصدر السابق.

71 - إذا صلى المسافر الظهر يوم الجمعة ثم دخل بلده ويمكنه إدراك الجمعة فلا تلزمه (¬1). 72 - إذا سافر الإنسان يوم الجمعة بعد الزوال، فإن وجد في الطريق مسجدا يصلون فيه الجمعة وجب عليه أن يصلي معهم، وإن لم يجد فعليه الاستغفار والتوبة ويصليها ظهرا ركعتين للقاعدة المشهورة بأن العبرة بحال الأداء لا أول الوقت. 73 - تستحب قراءة سورة الكهف للمسافر يوم الجمعة لعموم الأدلة الواردة فيها، ولأن سنيتها مرتبطة باليوم لا صلاة الجمعة. 74 - هل يجب غسل الجمعة على المسافر الذي لا تجب عليه الجمعة محل خلاف، والصحيح لا يجب لأن الغسل مرتبط بمن تجب عليه الصلاة لا اليوم كما قال به بعض الفقهاء ـ رحمهم الله ـ وهذا أمر ظاهر من النصوص. قال ابن حجر: وعرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره ـ أي: حديث الغسل ـ واحتج به على أن الغسل لليوم لا للصلاة .. وقد تبين من الروايات أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة وعدم تأذي الحاضرين بها، ورجحه النووي (¬2). 75 - المسافر إذا صلى الجمعة فإنه يصلي بعدها سنتها لأنها تابعة لها بخلاف الرواتب كما تقدم. ¬

(¬1) المجموع 4/ 252. (¬2) الفتح 2/ 416.

استراحة مسافر

* استراحة مسافر: رسالة كتبها شيخ الإسلام لأمه وهو مسافر: من أحمد بن تيمية إلى الوالدة السعيدة، أقر الله عينيها بنعمه، وأسبغ عليها جزيل كرمه، وجعلها من خيار إمائه وخدمه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، ونسأله أن يصلي على خاتم النبيين، وإمام المتقين، محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما. كتابي إليكم عن نعم من الله عظيمة، ومنن كريمة، وآلاء جسيمة، نشكر الله عليها، ونسأله المزيد من فضله، ونعم الله كما جاءت في نمو وازدياد، جلت عن التعداد. وتعلمون أن مقامنا الساعة في هذه البلاد، إنما هو لأمور ضرورية متى أهملناها فسد علينا أمر الدين والدنيا، ولسنا والله مختارين للبعد عنكم، ولو حملتنا الطيور لسرنا إليكم، ولكن الغائب عذره معه، وأنتم لو اطلعتم على باطن الأمور، فإنكم ولله الحمد ما تختارون الساعة إلا ذلك، ولم نعزم على المقام والاستيطان شهرا واحدا، بل كل يوم نستخير لنا ولكم، وادعوا لنا بالخيرة، فنسأل الله العظيم أن يخير لنا ولكم وللمسلمين ما فيه الخيرة في خير وعافية. ومع هذا فقد فتح الله من أبواب الخير والرحمة، والهداية والبركة، ما لم يكن يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، ونحن

في كل وقت مهمومون بالسفر، مستخيرون الله سبحانه وتعالى فلا يظن الظان أنا نؤثر على قربكم شيئا من أمور الدنيا قط، بل ولا نؤثر من أمور الدين ما يكون قربكم أرجح منه، ولكن ثم أمور كبار نخاف الضرر الخاص والعام من أهمها، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. والمطلوب كثرة الدعاء بالخيرة فإن الله يعلم ولا نعلم، ويقدر ولا نقدر، وهو علام الغيوب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من سعادة ابن آدم استخارته الله ورضاه بما يقسم الله له، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته الله وسخطه بما يقسم الله له» (¬1) والتاجر يكون مسافرا فيخاف ضياع بعض ماله فيحتاج أن يقيم حتى يستوفيه وما نحن فيه أمر يجل عن الوصف، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كثيرا كثيرا وعلى سائر من في البيت من الكبار والصغار وسائر الجيران والأهل والأصحاب واحدا واحدا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما (¬2). وهذه الرسالة من هذا العالم الذي يعجز القلم عن وصفه، فيها من الفوائد الشيء الكثير وأدع للقراء والمسافرين استنباطها والوقوف معها طردا للملل وتحريكا للأذهان ومعرفة واقتداء بهذا الترجمان. ¬

(¬1) رواه الترمذي وأحمد وضعفه الألباني في سلسلته برقم 1906. (¬2) الفتاوى 28/ 48.

الثاني عشر: أحكام العيد

الثاني عشر: أحكام العيد: 72 - حكم صلاة العيد لها حالات: أ- المسافر السائر لا يجب عليه العيد لأن من شرطه الاستيطان كالجمعة. ب- المسافر النازل في مكان لا تقام فيه صلاة العيد لا تجب عليه. ج- المقيمون في بلد الكفار يرى شيخنا ابن عثيمين أنهم يقيمون العيد إظهارا لشعائر الإسلام (¬1). د- المسافر النازل في مكان تقام فيه صلاة العيد محل خلاف، والأحوط وجوبها كالجمعة، ومال إليه ابن تيمية لأنه يرى أن العيد فرض عين (¬2). 73 - يستحب التكبير للمسافر أيام العيدين لعموم الأدلة (¬3). 74 - من وجبت عليه زكاة المال وهو مسافر ذكر بعض العلماء أنه يخرجها إذا كان معه مال، وإلا أخرها حتى يرجع بلده إذا كان سفره قصيرا، أو يوكل من يخرجها عنه في بلده. 75 - من وجبت عليه زكاة الفطر وهو مسافر الأفضل أن يخرجها في البلد الذي هو فيه فزكاة الفطر تتبع الإنسان حيثما كان، وإذا وكل من يخرجها عنه في بلده جاز، وبه أفتى الشيخ ـ ابن باز رحمه الله (¬4). ¬

(¬1) الممتع 5/ 169. (¬2) الفتاوى 24/ 183. (¬3) المغني 3/ 219. (¬4) فتاوى اللجنة 9/ 384.

الثالث عشر: أحكام الصيام

76 - إذا سافر الإنسان إلى بلد فهل له أن يخرج زكاة الفطر عن أهل بيته في المكان الذي هو فيه إذا كانوا ليسوا معه؟ فيه خلاف ووجهان عند الحنابلة حكاهما المرداوي في الإنصاف والأقرب يخرجانها عن أنفسهم في البلد الذي هم فيه؛ لأن زكاة الفطر تتبع الإنسان في مكانه الذي هو فيه. 77 - من أراد أن يضحي وهو مسافر فله أن يضحي في المكان الذي هو فيه أو يوكل من يضحي عنه في بلده ورجحه ابن باز، وتشرع الأضحية في حق المسافر والمقيم؛ قاله النووي لحديث ثوبان: "ذبح رسول الله أضحيته ثم قال: «يا ثوبان أصلح لحم هذه» فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة" رواه مسلم (¬1). الثالث عشر: أحكام الصيام: 78 - جواز ترك الصوم في السفر عند المشقة وجواز الصيام عند عدم المشقة لحديث حمزة بن عمرو أنه قال: يا رسول الله أجد فيَّ قوة على الصيام في السفر فهل علي من جناح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» رواه مسلم ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله مع اللجنة الدائمة (¬2). والفطر للمسافر له حالتان: أ- أن يكون صائما وهو مسافر ثم أراد أن يفطر جاز له الفطر (¬3)، لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في المتفق عليه. ¬

(¬1) شرح مسلم 13/ 145. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 209. (¬3) المغني 4/ 347.

ب- أن يكون صائما في النهار وهو مقيم ثم سافر فلا يفطر إلا إذا جاوز العمران (¬1). 79 - إذا وصل المسافر إلى بلد وهو مفطر لا يلزمه الإمساك لأنه لا فائدة من الإمساك، وهو رواية عند الحنابلة ورجحها الشيخ ابن عثيمين أسكنه الرحمن فسيح الجنان (¬2)، ولكن لا يجاهر بفطره حتى لا يساء به الظن وعليه القضاء. 80 - الفطر في السفر لا يقطع التتابع في الصيام كما في كفارة القتل الخطأ وغيره ويبني على ما مضى لأنه عذر يبيح الفطر في رمضان (¬3). 81 - من غربت عليه الشمس في مطار بلده أو غيره فأفطر ثم أقلعت الطائرة ورأى الشمس فلا يلزمه الإمساك، وبه أفتى الشيخان ـ رحمهما الله ـ مع اللجنة الدائمة (¬4). 82 - إذا ركب الطائرة قبل غروب الشمس بدقائق واستمر معه النهار فلا يفطر ولا يصلي المغرب حتى تغرب شمس الجو الذي هو فيه، ولو مر بسماء بلد أهلها أفطروا وهو يرى الشمس في سمائها فلا يفطر، أو يفطر إذا نزل في بلد قد غابت فيها الشمس، وبه أفتى الشيخ ابن باز أسكنه الرحمن فسيح الجنان مع اللجنة الدائمة، لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر ¬

(¬1) الممتع 6/ 358. (¬2) المصدر السابق 6/ 345. (¬3) المغني 13/ 650. (¬4) فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 137، فتاوى ابن عثيمين 15/ 437.

الصائم» رواه البخاري ومسلم (¬1). 83 - رجل سافر بالطائرة وحجزه مؤكد والمطار خارج البلد فأفطر وقصر الصلاة بعد خروجه من بلده ثم تأخرت الطائرة أو حصل مانع منعه من السفر في ذلك اليوم فصلاته صحيحة وفطره صحيح ولا يلزمه الإمساك، لأنه فعل ما وافق الشرع وعليه القضاء، ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬2). 84 - اختلاف الرؤية ابتداء وانتهاء لها ثلاث حالات: أ- سافر من بلد في آخر شعبان والناس مفطرون وجاء إلى بلده وهم رأوا الهلال وسيصومون فيلزمه الصيام معهم. ب- سافر من بلد رأوا فيه هلال شوال وقدم على بلده ولم يروا فيه الهلال فيلزمه الصيام معهم وإن زاد يوما فأصبح صائما واحدا وثلاثين يوما فلا يؤثر واختاره ابن باز، وقيل: لا يجوز الصيام ويفطر سرا لأن فرضه تسع وعشرون أو ثلاثون، وهذه زيادة لا تجوز، وهو مذهب جمهور الفقهاء كما حكاه الصنعاني (¬3)، وقيل: يصوم استحبابا لا وجوبا كما في ظاهر اختيار ابن عثيمين في إجابته على أسئلة الملاحين. ج- سافر من بلد وهم صيام في آخر الشهر وقدم على بلده وهم رأوا هلال شوال فيفطر معهم وإن كان صيامه ناقصا ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 15/ 322، فتاوى اللجنة الدائمة 10/ 294. (¬2) الممتع 4/ 514. (¬3) سبل السلام 3/ 299.

عن تسع وعشرين يوما، فيفطر ويقضي يوما مكانه. والقاعدة في ما تقدم: أن العبرة بالبلد الذي هو فيه إن كان بلده فيجب اتباعهم، وإن كان غير بلده فالأفضل أن يتبعهم، فإن كان أهله صياما صام وإن كانوا مفطرين أفطر ويقضي الناقص ولا يؤثر الزائد لحديثه - صلى الله عليه وسلم -: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» (¬1)، حديث صحيح وبه أفتى الشيخان عليهما سوابغ الرحمة والغفران مع اللجنة الدائمة (¬2). د- من صام في بلد وأفطر معهم للعيد وقد صام تسعا وعشرين يوما ثم سافر لبلده فلا يخلو من حالات: 1 - أن يكون بلده والبلد المسافر إليه صاموا تسعا وعشرين يوما فيجزئه تسع وعشرون يوما اتفاقا. 2 - أن يكون البلد الذي أفطر فيه وحضر العيد معه قد صام تسعا وعشرين يوما وبلده صام ثلاثين يوما سواء صام مع بلده أياما أو لم يصم فهذا يجزئه تسعة وعشرون يوما حسب البلد الذي أفطر معهم. 3 - أن يكون كلا البلدين صام ثلاثين يوما لكنه صام تسعا وعشرين يوما وأفطر العيد في البلد الذي سافر إليه، كأن يكون بلده صام بعد البلد الذي سافر إليه، فذهب بعض المعاصرين إلى أنه يجزئه صيام تسع وعشرين يوما لأن الشهر ¬

(¬1) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني في الجامع برقم 3869. (¬2) فتاوى اللجنة 10/ 123، فتاوى ابن عثيمين 15/ 438.

الخامس عشر: بعض أحكام العمرة

إما تسع وعشرون أو ثلاثون، والأحوط أن يقضي هذا اليوم لأن كلا البلدين صام الثلاثين. 85 - السفر إلى مسجد لأجل الاعتكاف له حالات: الأولى: إن كان للحرمين والأقصى جاز لجواز شد الرحل لها للحديث الآتي. الثانية: إن كان غيرهما فالصحيح فيه تفصيل: أ- إن كان قصده ذات المسجد وبقعته فلا يجوز لحديث: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد» متفق عليه ورجحه ابن تيمية وابن عقيل الحنبلي (¬1). ب- إن كان ليس قصده ذات المسجد والبقعة كأن يكون لأجل أنه أكثر خشوعا واطمئنانا لقراءة إمامه أو وجود بعض الدروس العلمية وغيرها فهذا جائز لأن النهي مرتبط بمن قصد البقعة إلا ما استثناه الدليل كالمساجد الثلاثة. الخامس عشر: بعض أحكام العمرة (*): السفر إلى بلد الله الحرام وكثرة توافد الناس إليه من أقطار العالم في السنوات الأخيرة حتى لا تكاد تجد مكانا تصلي فيه من شدة الزحام- أمر يفرح ويسر ويدل على أن في الأمة إقبالا على الله يشرح الخاطر ويبعث الأمل في الضمائر ويغيظ كل عدو وكافر، ورد في مسند أحمد عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: كانا يكثران السفر نحو هذا البيت. ولذا ذكرت ¬

(¬1) المبدع 3/ 11. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وقبله مباشرة (الثالث عشر)، كذا في المطبوع

بعض مسائل العمرة والبلد الحرام واقتصرت فيها على مسألة المرور بالميقات فقط. 86 - كيفية الإحرام بالحج والعمرة للمسافر في الطائرة كما ذكرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1): أ- يغتسل في بيته ويبقى في ثيابه المعتادة وإن شاء لبس ثياب الإحرام. ب- إذا قربت الطائرة من محاذاة الميقات لبس ثياب الإحرام إن لم يكن لبسها من قبل. ج- إذا حاذت الطائرة الميقات نوى الدخول في النسك ولبى بما نواه. د- إذا أحرم قبل محاذاة الميقات احتياطا، خوفا من الغفلة والنسيان فلا بأس. 87 - من نزل في مطار جدة وقد قدم من بلد يريد الحج أو العمرة ولم يحرم في الطائرة عند محاذاة الميقات، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى ميقات بلده ويحرم منه، وقيل: يحرم من أقرب ميقات له فإن أحرم وهو في جدة فعليه دم شاة تذبح في مكة وتوزع على فقرائها، وكذلك من أتى برا فتجاوز الميقات، والأول أحوط وعليه الدليل. 88 - المسافر بالطائرة إذا نوى الحج أو العمرة فإذا حاذى الميقات وأراد أن يلبس ملابس الإحرام وإذا به قد نسيها ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 245.

في العفش، فالجواب: عليه أن يخلع ثوبه ويجعله رداء يلتحف به ويبقى لابسا السروال حتى ينزل ومن ثم يبادر بلبس الإزار والرداء، وبه أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (¬1)، وإذا نوى وشق عليه ذلك فيبقى على ملابسه ويفدي للبسه المخيط وإذا غطى رأسه فيفدي أخرى، وفدية المخيط هي: ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين كيلو ونصف من الأرز وغيره لفقراء الحرم أو صيام ثلاثة أيام في أي مكان. 89 - المسافر بالطائرة إذا أراد الحج والعمرة وغلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد مجاوزة الميقات فله حالتان: الأولى: إن كان ليس لابسا ملابس الإحرام لزمه الرجوع إلى ميقات بلده والإحرام منه، ومسجد عائشة أو ما يسمى بالتنعيم ليس ميقاتا له هنا، وإن لم يستطع فعليه دم يوزع على فقراء الحرم. الثانية: إن كان لابساً ملابس الإحرام لكنه لم ينو الدخول في النسك فإنه يرجع إلى الميقات وينوي منه، وإن لم يستطع فعليه دم وهو الذي عليه العمل والفتوى. 90 - من نوى الدخول في النسك من بلده وأحرم بالحج أو العمرة ثم غلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد مجاوزة الميقات فإحرامه صحيح لكنه خالف السنة على الصحيح. 91 - كيفية الإحرام لمن سافر عن طريق البحر له حالتان: ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 15/ 441.

أ- أن يحاذي شيئا من المواقيت فيحرم من محاذاتها. ب- ألا يحاذي شيئا منها كمن يأتي من سواكن جهة السودان فإنه يحرم من جدة واختاره ابن عثيمين وإن كان من غير جهة جدة فيحرم على بعد مرحلتين من مكة، كما قرره الفقهاء. 92 - من دخل مكة محرما فليس واجبا عليه أن يبادر بالعمرة منذ وصوله فله أن ينتظر حتى يستريح ويجد منزلا وغير ذلك، ثم يأتي بعمرته. 93 - من سافر من بلده لعمل أو غيره ومر بالميقات فله أحوال: أ- لا ينوي الحج أو العمرة مطلقا فلا شيء عليه. ب- لا يدري هل يستيسر له الحج والعمرة أو لا، فحينئذ لا يجب عليه الإحرام من الميقات فإن نوى بعد ذلك الإحرام فإنه يحرم من المكان الذي هو فيه. ج- من مر بالميقات وهو جازم ـ بعد الانتهاء من العمل أو قبله أو غير ذلك ـ الإتيان بالحج أو العمرة لكنه لم يحرم فإنه يجب عليه إذا أراد الإحرام الرجوع إلى ميقاته وإذا لم يستطع يحرم من مكانه وعليه دم يوزع على فقراء مكة. 94 - المرأة إذا مرت بالميقات وهي حائض فلها ثلاث حالات: الأولى: إذا مرت بالميقات وهي حائض، وغلب على ظنها

أنها ستطهر ما دامت في مكة فعليها أن تحرم وتدخل مكة وتنتظر حتى تطهر فإذا طهرت اعتمرت. الثانية: إذا مرت بالميقات وهي حائض ولا تدري هل ستطهر في مكة أو تخرج منها قبل الطهر فلها أن تحرم وتشترط وتقول: اللهم لبيك عمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن طهرت تكمل عمرتها، وإن أرادت الخروج وهي لم تطهر جاز لها الخروج بلا عمرة ولا شيء عليها، لحديث ضباعة بنت الزبير قال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لعلك أردت الحج». قالت: والله لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: «حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني» رواه البخاري ومسلم، وابن عثيمين يرى الاشتراط للحيض وأنها تأخذ حكم المحصر إذا اشترطت، وكذا ابن باز رحمه الله نقله عنه الشيخ ابن عقيل، وهو لبعض الحنابلة حيث اعتبروا الحائض تأخذ حكم المحصر (¬1). الثالثة: إذا مرت بالميقات وهي حائض ولم تحرم جهلا منها وهي تقصد العمرة وفي مكة طهرت وأرادت أن تعتمر، فإنها ترجع إلى ميقات بلدها وتحرم منه، فإن كانت اعتمرت قبل ذلك فإنه لا يجب عليها أن تعتمر، ولها أن تطوف طواف تطوع. تنبيه: بعض الناس يظن أن المرأة الحائض لا يجوز لها أن تحرم ما دامت حائضا بل الصحيح أن لها ذلك، إذا مرت ¬

(¬1) الشرح الكبير مع الإنصاف 9/ 326.

كيف نستفيد من زيارتنا للبلد الحرام وتوجيهات لقاصديه؟

بالميقات وتريد العمرة على التفصيل السابق والدليل: "أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها نفست في ميقات الحليفة فأمرها - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم وتهل" رواه الشيخان. * كيف نستفيد من زيارتنا للبلد الحرام وتوجيهات لقاصديه؟ - الطواف بالبيت وفي الحديث: «من طاف بالبيت كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحا عنه سيئة» رواه الترمذي وصححه الألباني، فاستكثروا من الطواف فإن الطواف لا يوجد إلا فيه، وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «استمتعوا بهذا البيت ...» (¬1). وهو الأفضل لمن قدم مكة وهو مذهب ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وعطاء واختاره الإمام أحمد وابن الجوزي وابن تيمية وغيرهم، وقيل: يفعل الأصلح لقلبه، واختاره ابن باز، واستحب بعض أهل العلم أن يختم فيها القرآن "كانوا يحبون إذا دخلوا مكة أن لا يخرجوا منها حتى يختموا القرآن" (¬2). - الوقت في الحرم فرصة وتجارة ودورة مكثفة لمضاعفة الحسنات والإقبال على الله. ولا تكسل عن الطاعات فيه ... فهذا الوقت وقت الاغتنام - كان بعض السلف يحرص على ختم القرآن والصدقة والصيام في مكة لمضاعفة الحسنات، وكان الملوك والوزراء ¬

(¬1) رواه الطبراني وصححه الألباني صحيح الترغيب 1110. (¬2) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 387.

والساسة والصالحون على مر العصور والأزمان يرسلون بصدقاتهم لأهل البلد الحرام. - عدم ترك الأولاد للعبث في الأسواق والساحات المجاورة للحرم، فللبلد الحرام حرمة وتعظيم قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة ـ الكعبة ـ حق تعظيمها فإذا تركوها وضيعوها هلكوا» رواه أحمد وحسنه ابن حجر. فأين تعظيمنا لها؟! وقد كتبت رسالة بعنوان "حنين الأفئدة" عن تعظيم مكة والبيت الحرام وعلمائه وأسباب عدم التعظيم وعلاج ذلك وغير ذلك فمن احتاجها فليرجع إليها. - حضور الدروس بالحرم وانتظار الصلاة إلى الصلاة واستغلال الدعاء فيه ففيه مواطن إجابة. - الأخلاق الأخلاق فالكلمة الطيبة صدقة، والصبر على الأذى وعند الزحام أجر وتكفير قال - صلى الله عليه وسلم -: «ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة» رواه الطبراني. وقال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة يخيره من أي الحور شاء» رواه أبو داود وصححهما الألباني. إنه بالأخلاق يسار بالقلوب إلى علام القلوب .. إنه بالأخلاق يسار بالنفوس لما يرضى الملك القدوس .. إنه بالأخلاق دخلت أمم وأفواج في ملة الإسلام ..

إنه بالأخلاق نكون دعاة صامتين .. إنه بالأخلاق نلقي دروسا وغرسا في قلب كل مسلم لا بل حتى الكافر، إننا بحاجة إلى التحلي بجميل الفعال ونبيل الخصال وعالي الخلال حتى نرتقي إلى سماء التعامل وقمة الأخلاق .. إننا بحاجة إلى وحدة الكلمة وارتباط الصف والاتصاف بالرحمة والشفقة والعطف والإيثار .. إننا بحاجة إلى الصبر والحلم والسكينة وتجاوز الأخطاء والعفو عن الزلات وسعة الصدر .. إننا بحاجة إلى التواضع والتناصح ونجدة الملهوف وابن السبيل .. لماذا نشاهد في حرم الله أدنى خطأ واحتكاك يولد الصراع والانفجار؟! يا أهل القرآن ويا أمة الإسلام: أروا الناس من أنفسكم أخلاق القرآن ومحاسن الإسلام .. يا أتباع محمد: لنكن للعالم أنموذجا حيا واقعا عمليا لنبي الهدى محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه البيهقي. وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا قال - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» رواه الترمذي.

وقال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار» رواه الحاكم وصححه وقال: «أنا زعيم بيت في الجنة لمن حسن خلقه» رواه أبو داود. وقال: «ليس شيء أثقل في ميزان العبد من حسن الخلق» رواه البيهقي. الأخلاق الأخلاق: يا أمة الأخلاق: إن كثيرا من الناس يملكون أعلى الشهادات ويحوزون كثيرا من الأموال، وبعضهم يسحرك بمظهره وثقافته، ورابع يبهرك بفصاحته، وبيانه وابتكاراته، وخامس بقدراته وذكائه ودهائه، ولكن حين أدنى شرارة وزلل أو بعد التعامل وحين المواقف الحساسة والحرجة كما يقال - سرعان ما تنقلب الحقائق فتفتقد الأخلاق وتنسى الآداب ويظهر الزيف ويتمثل الصنم الجاهلي في العصبية والحمية والافتخار والاحتقار والتنابز بالألقاب والطعن في الأنساب والتحاكم للعادات والتقاليد لا إلى الإسلام والدليل والعقل السليم. إن الخلق الحسن لغة تفهمها كل الجموع وإن اختلفت ألسنتها فهو ينطق بغير لسان ويدخل إلى الجنان بدون استئذان .. سلاح تكسب به الأعداء وتزدد به حبا عند الأصدقاء. هو غرس تقبله كل أرض ويحفظه كل قلب وينصت له كل أحد .. - إياك وحجز الأماكن بالسجاد في المسجد الحرام فهذا محرم وفاعله آثم وهو في معنى غصب المكان بل إن بعض الفقهاء يرى أن صلاته لا تصح فليحذر المرء من ذلك.

- من المؤسف والمحزن استخدام الجوالات بالحرم وإشغال الناس بأصواتها وغنائها أليس للحرم في النفوس تعظيم وحرمة؟ - المحافظة على نظافة المسجد وساحاته. - زيارة الجهات الخيرية كمشروع تعظيم البلد الحرام وجمعية مراكز الأحياء وهدية الحاج والمكتب التعاوني وغيرها، والالتقاء بعلماء ودعاة البلد الحرام عن طريق تلك الجهات. * استراحة مع الإمام ابن عثيمين في سفره لمكة: كان من عادة شيخنا أن يأتي إلى مكة في العشر الأواخر من رمضان فلم يترك هذا البرنامج منذ زمن طويل، ومن حبه لهذا البرنامج أنه لم يتركه حتى وهو على فراش مرض موته عليه سحائب الرحمة، همة حتى على فراش الموت فأين الأصحاء والكسالى منها؟! كان يملأ العشر بما يلي: يبدأ درسه بعد الفجر حتى الإشراق، ثم يأتي وراءه الناس مسلمين وسائلين، في منظر جميل حتى يصل لمسكنه أو غرفته بالحرم، ثم يأخذ قسطا من الراحة، ثم أذان الظهر يواصل برنامجه ما بين قراءة للقرآن ـ وكان يختم عشرة أجزاء كل يوم ـ وطواف، ثم بعد العصر يستقبل الناس وأسئلتهم وحاجاتهم حتى المغرب، ثم يكون مدعوا المغرب بعض الأيام عند الملك وغيره للإفطار، يقول أحد مرافقيه: وفي يوم كان الشيخ متعبا ويجيب على أسئلة الناس عن طريق الهاتف، ومن شدة غلبة

النوم سقط الهاتف من يده فقمنا بفصل الهاتف، ثم انتبه الشيخ وهو يقول: أين الهاتف؟ فنخبره بما حصل، فيصر على فتحه ويقول: الناس بحاجة لمن يفتيها وأنا أنام. رحمك الله يا شيخ أين حال كثير من طلبة العلم اليوم؟! والله المستعان. فلو لم يجد في كفه غير روحه ... لجاد بها فليتق الله سائله ثم يبدأ بعد التراويح درسه الذي ما شهد الحرم له مثيلا بطريقة شرحه المتميزة وأسلوبه الممتع وطرافته، الذي يحبه ويستوعبه الجميع ثم تأتي صلاة القيام، وبعد الصلاة يزدحم الناس عليه حتى تشفق عليه وهو يجيب هذا، ويسلم على ذاك، وينحني للصغير ليسلم عليه، وأذكر ذات مرة استوقفه رجل إعلامي فدار حديث بينهما، ثم جاء صبي لا يتجاوز العاشرة وتحدث معه قليلا ثم سار والناس من حوله في منظر رائع، ثم يكون مدعوا للسحور، ثم يعود للحرم وكان لا يترك الطواف يوميا في الغالب، وكان نومه قليلا حتى كان في درس الفجر يغلبه النوم فيغفو رحمه الله، وهو يواصل ويجاهد نفسه على ذلك. وذات مرة يقول أحد طلابه: جئنا أنا والشيخ للدرس بعد الفجر وكنا متعبين فألقى الدرس وكان يغلبه النوم، وأما أنا فقد توسدت كتابي ونمت، فلما انتهى من الدرس ذهب الشيخ للسيارة، وحينها جلس ينتظرني فلم يجدني ثم رجع لمكان الدرس يبحث عني فقابلته والناس من حوله فقال لي: أين أنت منذ ساعة وأنا أبحث عنك؟ فتحرجت كثيرا فقال: النوم سلطان جائر. اهـ، انظر إليه ما عنفه أو تركه وذهب، رحمك الله شيخنا

أبا عبد الله، قمة في التربية والأخلاق والتواضع. يقول أحد طلابه وكان مرافقا له لمكة: ذات مرة جئنا للسكن المعد، وكان المصعد عطلان ولا يعمل .. فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق .. !! صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة، أما أنا فتعثرت مرارا وهممت أن أرجع للحرم وأترك الشيخ!! فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكان نفسي ينقطع!! غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد آنذاك وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها .. فقال لي: احضر الهاتف لكي أتصل .. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة .. فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولا بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!! علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه .. فقررت النزول لشراء جهاز له .. فقال لي: سوف أنزل معك .. قلت له: أبدا. فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك .. نزلنا وما أسهل النزول. بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار .. فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث إنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط .. بحث الشيخ عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!! فقلت له: يا شيخنا هذا ما ينفع لشيء!! قال: يا ولدي

السادس عشر: أحكام زيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -

مكالمة واحدة فقط!! فأخذناه، واستحييت والله من شرائه ولكن هذه هي رغبة الشيخ .. وليس هذا بخلا منه كما قد يظن البعض، بل الشيخ من أكرم الناس كما يشهد بذلك من عرفه، ولكنه مقتصد على نفسه رحمه الله وعفا عنه .. صعدنا الدرج ويا للعذاب!! وصلت للشقة فدخلت للحمام!! دخل شيخنا وأراد إصلاح خط الهاتف فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام .. فقال تعال أصلح الهاتف .. فقلت له: ليس من سبيل سوى قطع سلك هاتف صاحب المنزل وتوصيله .. فأبى الشيخ وقال: هذا ليس من المروءة هل تريده يقول: أفسدوا سلك هاتفي!! فقلت له: ما العمل؟ فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش الهاتف .. فقمت بفتحه بسكين وأوصلت أسلاك الهاتف ولكن أين اللاصق الذي يثبته!! فقلت: يا شيخ الهاتف يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من أجله للسوق؟؟ قال: كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!! ففعلنا ... إلخ. وفي مواقفه وقصصه هذه فوائد جمة رحمك الله أبا عبد الله فقد كنت إماما متواضعا ومربيا عظيما، وللقاري وهو مسافر أن يجعل من معه يستخلصون الفوائد والعبر من هذه السير فتراجم الرجال مدارس الأجيال كما يقول ابن حزم رحمه الله. السادس عشر: أحكام زيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: 95 - يستحب السفر لزيارة مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أي وقت، وهذه السنة يغفل أو يتساهل بعض الناس فيها، والبعض

لا يفعلها سدا للذريعة وهذا ليس بصواب، ولا يجوز السفر لزيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا منهي عنه. حديث: «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» وحديث: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وكل ما ورد في ذلك فهو موضوع ومنكر ولا يصح عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ قاله ابن الجوزي والذهبي وابن عدي والألباني والشوكاني وغيرهم من أئمة الإسلام من الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة. 96 - تستحب صلاة النافلة في الروضة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» رواه مسلم، وأما الفريضة فالصف الأول أفضل، وذكره الشيخ ابن باز رحمه الله في التحقيق والإيضاح. فرع مهم: حديث: «ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة» رواه أحمد قال ابن حجر: قال القرطبي: الرواية الصحيحة «بيتي» ويروى «قبري» وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه (¬1). قال الألباني رحمه الله: إن المراد برواية «قبري» هو البيت، وهو الصواب الذي لا يرتاب فيه باحث ولأن القبر النبوي لم يكن موجودا ولا معروفا عند الصحابة إلا بعد وفاته ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكيف يعقل أن يحدد لهم الروضة الشريفة بما بين المنبر المعروف والقبر غير معروف، فالنبي يخبرهم ¬

(¬1) الفتح 3/ 84.

بأمر يشاهدونه ويحضهم عليه ولم يخبرهم بأمر غيبي فيتوهم متوهم، بلى بالقياس الفاسد أنه ليس هناك ما يمنع بأن الروضة بين المنبر والقبر كمعجزة يخبرهم بأنه سيدفن في بيته؛ لأن الأمر حث مباشر منه لأصحابه وليس إخبارا بأمر سيحدث كفتح بلاد كسرى وقيصر (¬1). 97 - تستحب زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويسلم عليهم ثم ينصرف ولا يطيل القيام، ولا يرفع الصوت، ولا يكرر السلام، ولا يجوز الدعاء لنفسه أو غيره عند القبر رجاء القبول والإجابة والبركة سواء متوجها إلى القبلة أو القبر أو يدعو الرسول أو يطلب الدعاء منه أو يتمسح بالقبر، كما قال شيخ الإسلام والشيخ ابن باز رحمهما الله (¬2). ومن بدع الزيارة الجلوس حول القبر والصلاة عنده وتلاوة القرآن تبركا لعدم الدليل على ذلك، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يفعلوا شيئا من ذلك وهم أحرص الناس على العبادة في حب واتباع للنبي ـ عليه الصلاة والسلام. وهذه الزيارة مستحبة في حق من زار مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو كان قريبا منه، أما السفر لزيارة القبر فلا يجوز له شد الرحل للقبر ولكن شد الرحل للمسجد، فإذا وصله زار القبر وهذه خاصة بالرجال. ورجح الشيخ ابن باز رحمه الله: بأنه لا ¬

(¬1) بدع القبور للعصيمي ص239. (¬2) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية 2/ 408، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 681، مجموع الفتاوى 27/ 79.

تجوز زيارة النساء لقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لعن زوارات القبور» حديث صحيح (¬1)، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب لكن لو أن المرأة مرت من عند القبور من غير قصد الزيارة فلا بأس أن تسلم عليهم (¬2). 98 - تستحب زيارة البقيع وشهداء أحد لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - زار البقيع، وعند ابن حبان أنه زار شهداء أحد، وتستحب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة» (¬3) حديث صحيح، وفي صحيح مسلم: «كان - صلى الله عليه وسلم - يأتي قباء كل سبت»، وفي رواية له: «فيصلي فيه ركعتين». 99 - هل تفعل في وقت النهي؟ لم أجد أحدا تطرق لهذه المسألة ولكنها محتملة للأمرين وتحتاج مزيد تأمل لاسيما أنه ورد في البخاري عن ابن عمر أنه: «كَانَ لَا يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ وَيَوْمَ يَاتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَاتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ ¬

(¬1) الترمذي وابن ماجة وأحمد والحاكم والطيالسي وغيرهم، وصححه الألباني في الجامع برقم 5109. (¬2) الممتع 5/ 475، 478. (¬3) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والطبراني وأبو يعلى، وصححه الألباني في الجامع برقم 6154.

فِيهِ قَالَ وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا قَالَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا» وذهب إلى المنع والجواز بعض المشايخ المعاصرين. 100 - هل لها عدد معين؟ ورد ركعتان وهي صحيحة كما تقدم، وورد أربع عند الطبراني، وضعفها الألباني في ضعيف الترغيب، وورد مطلقا من غير عدد، والظاهر أنه لا تقييد بعدد معين وأقلها ركعتان كسنة الضحى ولا حد لأكثرها. 101 - هل هي سنة مقصودة بذاتها أو أن المقصود الصلاة فيه؟ لم أجد أحدا بحثها، ولكن ظاهر الروايات مطلق الصلاة فالقصد إيقاع الصلاة فتجزئ الفريضة والنافلة وينوي معها قصد الصلاة فيه كتحية المسجد، ولا يغفل المرء عن باب نية التداخل في الأعمال كما قال ابن القيم رحمه الله. 102 - زيارة ما يسمى بالمساجد السبعة مسجد القبلتين والغمامة والفتح، أمر ليس عليه دليل بل هو من البدع إذا اعتقد الإنسان أن لها فضلا خاصا بها، ونجد أن بعض الناس يعتقد مشروعية زيارتها والصلاة فيها وسنية ذلك ويقصدها، وكل ذلك من البدع لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل لها فضلا خاصا بها ولم يميزها عن غيرها ولم يقصدها بعينها وكذلك

الثامن عشر: مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة

صحابته رضوان الله عليهم (¬1). تنبيه: تحديد سنية خمس صلوات للبقاء في المدينة لزائرها ليس بلازم ولا مستحب. تنبيه: سمعت البعض يوصي من سيسافر للمدينة بأن يسلم له على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهل هذا مشروع؟ لم يرد هذا الفعل من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد عن السلف لاسيما وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» وحديث: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» رواهما أبو داود وصححهما الألباني، وقال ابن حجر عن الثاني: رجاله ثقات. الثامن عشر: مسائل متعلقة بالنكاح والمرأة: (*) 103 - حكم استئذان الزوجة زوجها في السفر له حالتان: أ- إن كان السفر للحج فحكمها كحكم مسألة استئذان الابن للحج السابقة، ورجح ابن تيمية في شرحه على العمدة عدم اشتراط إذنه في الحج الواجب واشتراطه في المستحب. ب- إن كان سفرا مباحا فلا بد من إذنه لعموم أدلة طاعة الزوج وعدم جواز خروجها إلا بإذنه. 104 - يجوز للزوج أن يسافر عن زوجته أكثر من ستة ¬

(¬1) التبرك أنواعه وأحكامه للجديع. (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وقبله مباشرة (السادس عشر)، كذا في المطبوع

أشهر لعذر كالعمل لطلب الزرق وطلب العلم وغيره إن أوجد لها مالا يكفيها ولأولادها ولا يلزمه القدوم، وأما إن كان لغير عذر وطلبت قدومه لزمه ذلك فإن لم يأت رفعت أمرها للقاضي (¬1). 105 - حكم الزواج بنية الطلاق له حالتان: الأولى: أن يتفق الزوجان على ذلك سواء محددا بزمن أو غير محدد وهذا محرم بالإجماع ويسمى نكاح المتعة. قال النووي: "النكاح المؤقت باطل سواء قيد بمدة مجهولة أو معلومة وهو نكاح المتعة" (¬2). الثانية: أن ينوي الزوج ذلك دون إظهاره سواء محددا بزمن أو غير محدد وهذا محرم وهو شبيه بنكاح المتعة ونكاح التحليل من بعض الوجوه وهما محرمان بالاتفاق، والزواج بنية الطلاق ذهب إلى القول بتحريمه الأوزاعي وهو القول المعتمد والصحيح عند الحنابلة ومحمد رشيد رضا وابن عثيمين وصالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى والألباني وصالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة برئاسة سماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ، وقالت: هو زواج باطل لأنه متعة، ولا يجوز أن يتزوج من امرأة لأجل أن يحصل على جنسية ذلك البلد ثم يطلقها، أو يعقد عقدا صوريا فقط فهذا كذب وخداع محرم (¬3) ولا شك أن في ذلك خيانة للزوجة ووالديها. ¬

(¬1) كشاف القناع 7/ 2550. (¬2) روضة الطالبين 2/ 42. (¬3) الاستذكار 16/ 103، وشرح الزركشي 5/ 229، فتاوى اللجنة 18/ 449، والزواج بنية الطلاق للمنصور، الأنكحة المعاصرة للنجيمي.

وقد انتشر هذا الزواج بين الشباب وخاصة حينما يسافرون لبعض البلدان، بل إننا نجدهم يسافرون لأجل الزواج بنية الطلاق وهذا يخالف مقاصد الشريعة في الحكمة من الزواج ويخالف الفطر السليمة والنظر السديد، ولو سألناهم عن ذلك لأقروا بذلك. بل لا تجد الغيرة من الزوج عليها ولا السؤال عنها ولا يقوم برعايتها ولا النفقة عليها، وأدى ذلك إلى أن الأمر أصبح نوعا من الفساد والانحراف نتج عنه ضياع الأولاد وظلم النساء وانتشار الأمراض كالإيدز وغيره، وغش النساء وخداعهن ولو راجعنا كثير من السفارات لوجدنا عشرات النساء والأولاد يبحثون عن أزواجهم وآبائهم، ويستغل بعض الشباب فقر بعض المجتمعات العربية، فيسافر كل صيف ويتزوج في سفرة واحدة العديد من النساء أي عقل ودين يقبل هذا؟! ولا يرضى أحد هذا العمل لبناته أو أخواته وفيه من المفاسد ما لا تحصر، وأشهر من أن تذكر في هذا المقام، ولا شك أن الشريعة جاءت بمراعاة المصالح والمفاسد وسد الذرائع، ولأنه من المقرر عند جمع من الفقهاء أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، بل إن النكاح بنية الطلاق أشد خطورة من المتعة لأن الخداع فيه أشد، فليتق الله الشباب في أعراض المسلمات. وقد قال بعض المالكية: "وإذا وجدنا فعلا من الأفعال يقع على وجه واحد لا يختلف إلا بالنية من فاعله وكان ظاهره

واحدا ولم يكن لنا طريق إلى تمييز مقاصد الناس ولا إلى تفصيل قصودهم وأغراضهم وجب حسم الباب وقطع النظر إليه" (¬1). 106 - إذا لم يتيسر للإنسان أخذ زوجاته جميعهن أقرع بينهن لفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -[رواه مسلم]. 107 - يحرم على المرأة أن تسافر وحدها، سواء كان السفر طويلا أو قصيرا، برا أو جوا، وقد تساهل كثير من النساء في السفر لوحدهن جوا، وهذا فيه مخالفة شرعية ومفسدة عظيمة؛ لأن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور؛ لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها، وكل ما يسمى سفرا فإنه لا يجوز للمرأة أن تسافر وحدها والأصل بقاء النصوص وليس لأحد أن يخصص ويستثنى ما لم يخصصه الشرع، والضرورات تقدر بقدرها قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم» رواه مسلم، والنهي عام لكل امرأة صغيرة أو كبيرة في كل ما يسمى سفرا، سواء طويلا أو قصيرا، سواء بطيارة أو سيارة "والعبرة بالسفر لا وسيلة السفر" قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما» (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويحرم على الزوج سفره بأخت زوجته ولو معها (¬3). ¬

(¬1) تكملة المجموع شرح المهذب 10/ 105. (¬2) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار وغيرهم بألفاظ متقاربة. (¬3) الإنصاف مع الشرح 24/ 168.

108 - سفر المرأة المعتدة له حالات: الأولى: معتدة بسبب وفاة زوجها ولها صور: أ- لا يجوز أن تسافر للحج ولو فريضة أو للعمرة أو غيرها لحديث فريعة بنت مالك رضي الله عنها أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالت: "توفي زوجي بالقدوم، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له: إن دارنا شاسعة، فأذن لها ثم دعاها فقال: «امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشرا حتى يبلغ الكتاب أجله» " رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني. فرع: إذا خرجت المرأة للحج ومات زوجها وهي في الطريق للحج لها حالتان: 1 - إذا كانت لم تحرم وجب الرجوع. 2 - إذا كانت أحرمت وشرعت في أعمال الحج تكمل حجها ولا ترجع وهذا مذهب جمهور الفقهاء. ب- يجوز للمرأة التي مات زوجها في بلد الغربة ولا تستطيع الجلوس فيه خوفا على نفسها أن تسافر إلى بلد أهلها وتعتد عندهم بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك. ج- يجوز للمرأة المعتدة أن تسافر مع أهلها سواء سفرا طويلا أو مؤقتا للحاجة إذا كان في بقائها لوحدها ضرر عليها ولم تجد من يرافقها في الجلوس، ويجوز أن تسافر كذلك للعلاج بشرط أن تلتزم بما يجب على المعتدة في كل ذلك،

والشريعة جاءت برفع الحرج والضرر (¬1). د- سفر المرأة للنزهة ولغير حاجة مع أهلها لا يجوز، وإذا رفض أهلها الجلوس معها ولم تجد من يرافقها في الجلوس معها، وفي بقائها لوحدها ضرر عليها جاز سفرها دفعا للمفسدة وحصول الضرر. الثانية: معتدة بائن بثلاث طلقات أو خلع يجوز لها السفر بشرط وجود المحرم لعدم الدليل على المنع (¬2). الثالثة: المطلقة الرجعية لها حالتان: أ- إذا كانت في بيت زوجها: فمذهب الحنابلة كالمتوفى عنها زوجها، وقيل: لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها لأن حكمها حكم الزوجة، والثاني أقرب وهو في مذهب الحنابلة. ب- إذا كانت ليست في بيت زوجها إنما في بيت أهلها وهذا الأكثر في حال النساء، فيجوز السفر بدون إذن لاسيما أن الإذن يكون في كثير من الحالات متعذر بسبب الشقاق بين الزوجين والافتراق الذي قد يطول إلى أشهر وسنوات والزوجة معلقة، وقد تكون طالبة الطلاق والزوج رافض ذلك فوجوب الإذن فيه حرج ظاهر ومتعذر وفي بقائها لوحدها دون السفر مع أهلها مفاسد عظيمة. الدين جاء مبني للمصالح ... في جلبها والدرء للقبائح ¬

(¬1) وبه أفتت اللجنة الدائمة 20/ 462، 463. (¬2) المغني 5/ 35.

التاسع عشر: بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة

التاسع عشر: بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة: رأيت أن أفرد بعض أحكام الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة لأن هناك جملة كبيرة من المسلمين ما بين مسافر ومقيم فيها لاسيما وأن هناك عددا كثيرا من الطلاب المبتعثين، وقد أفردت رسالة مستقلة بموضوع الابتعاث لعل الله ييسر خروجها. كما أوصي أخواني المبتعثين والمقيمين من المسلمين في البلدان غير الإسلامية بالرجوع إلى طلبة العلم في المراكز الإسلامية في ما أشكل عليهم من أمور دينهم وعقيدتهم، ونسأل الله لنا ولهم الإعانة والثبات على دينه. 109 - حكم التجنس بجنسية الدولة الكافرة له حالات: أ- إذا أخذها دون حاجة لها وكان عدم أخذها لا يلحق به المشقة أو الضرر وإنما من باب المباهاة والافتخار فهذا محرم فيدخل في أنواع موالاة الكفار فيخشى على صاحبه. ب- إذا أخذها لتحقيق مصالح دنيوية لا ترقى لدرجة الضرورة والحرج كتسهيل معاملاته التجارية واكتساب بعض الخدمات والمزايا فهذا كسابقه لا يجوز. ج- إذا أخذها للحاجة وجلوسه في بلد الكفار، وإذا لم يأخذها سيلحقه مشقة أو ضرر كمن طرد من بلده الإسلامي ظلما وعدوانا أو لا يستطيع أن يقيم شعائر الإسلام في بلده أيا كان عربيا أو إسلاميا صوريا ولم

يجد دولة إسلامية تقبله ويمكن أن يقيم شعائر الإسلام بها جاز ذلك بشروط: * ألا يترتب على أخذها فقد الشخصية المسلمة والتنازل عن مبادئ الإسلام لمبادئ الكفر. * ألا يترتب عليها قول أو فعل محرم. * ألا يترتب عليها التحاكم إلى قوانينهم إلا عند الحالات التالية والله المستعان. 110 - حكم تحاكم المسلمين المقيمين في بلد الكفار إلى محاكمهم له حالات: أ- أن يتحاكموا إلى محاكمهم استحلالا أو استكبارا عن التحاكم إلى شرع الله فهذا كفر أكبر. ب- أن يتحاكموا إلى محاكمهم في قضية معينة، وهو يعلم أنه ارتكب إثما ولكنه فعله هوى في نفسه فهذا كفر أصغر. ج- من أكره على التحاكم إليها أو اضطر إليها لاستخلاص حق له وهو كاره للتحاكم إليها مقر بأنها كفرية جاز، فما وافق الحكم فيه الشرع عمل به لموافقته الشرع لا لكونه صدر من هذه المحاكم وما وقع مخالفا للشرع فهو لغو (¬1). 111 - هل المقيمون في البلاد الكافرة يجعلون عليهم أميرا؟ ¬

(¬1) فقه الأقليات المسلمة خالد عبد القادر، والمسائل العقدية المتعلقة بالأقليات الإسلامية لعبد المنعم أسرار بحث دكتوراه، والتمهيد شرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ وقرارات المجمع الفقهي.

قال الشيخ ابن عثيمين: جائز ذلك فيكون مرجعا لهم في حل مشاكلهم وخلافاتهم، وأما في الحكم العام فلا يجوز. فلا يجعلون أميرا يطبق الشريعة في ظل الحكومة الكافرة وينابذ الدولة لأنه يلقي بنفسه إلى التهلكة (¬1). 112 - حكم تهنئتهم له حالتان: أإن كانت التهنئة في أمور عامة كالزواج والأولاد والنجاح فهذا جائز لعموم قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]، وأما إذا كان كافرا محاربا فلا يجوز والحذر من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كأعزك الله قاله ابن القيم. ب إن كانت بشعائر الكفار فلا تجوز اتفاقا كأعيادهم وصومهم، وكذا حضورها لا يجوز لنهي عمر بن الخطاب: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم" رواه البيهقي ولأنهم على باطل ولأن في مشاركتهم إظهار الرضا بصنيعهم وإعانة لهم على الباطل إلا إذا خشي على نفسه ضررا منهم إذا لم يفعل ذلك فجاز للضرورة. 113 - حكم عيادة مرضاهم: جائزة لورود ذلك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث زار غلاما كافرا كما في صحيح البخاري، وأما إذا كان كافرا محاربا فلا يجوز. ¬

(¬1) التعليق على السياسة الشرعية لابن عثيمين 449.

114 - حكم دفن المسلم لجنازة الكافر محل خلاف بين العلماء والصحيح عدم الجواز إلا إذا لم يوجد غيره أي المسلم، وهو مذهب الحنابلة والمالكية لأن ذلك من إكرامه، ولأمره - صلى الله عليه وسلم - بقتلى بدر أن يلقوا في بئر من آبار بدر، رواه البخاري. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعلي في وفاة أبيه أبي طالب: «اذهب فواره» رواه أبو داود. 115 - حكم تعزيتهم محل خلاف، قيل: لا يجوز قياسا على السلام وهو صحيح مذهب الحنابلة، وقيل: بالجواز وهو مذهب الأحناف وأكثر الشافعية، ورواية عند الحنابلة لعدم الدليل على المنع ولعموم الآية السابقة وقياسا على جواز زيارتهم، واختار ابن تيمية جواز ذلك عند المصلحة وهو رواية عند الحنابلة، وأما المحارب فلا يجوز إلا إذا خشي ضررا فجاز، واختار ابن عثيمين إن كان يفهم من تعزيتهم إكرامهم فلا يجوز وإلا فينظر للمصلحة (¬1). 116 - ماذا يقول في التعزية: أولا: لا يجوز الدعاء له بالمغفرة والرحمة اتفاقا. ثانيا: الدعاء بقول أخلف الله عليك ولا نقص عددك هكذا عند من يجيزه، ومنعه آخرون كما في الشرح الكبير والإنصاف، والصحيح يدعو بما يراه مناسبا بما ليس فيه دعاء له بتكثير ماله ونسله وقوته؛ لأن في ذلك عونا له على كفره ¬

(¬1) فتاوى ابن عثيمين 17/ 353، التعزية لخالد الشمراني.

وقد يكون عونا على المسلمين وإنما كألهمك الصبر وأحسن عزاءك. 117 - حكم حمل جنازة الكافر واتباعها: فيه خلاف بين الفقهاء وكلاهما قولان عند الحنابلة، واختار الشيخان التحريم لأن ذلك من إكرام الميت ولعموم قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] ولقوله: {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] ومنهم من فرق بين القريب وغيره (¬1). 118 - زيارة قبر الكافر جائزة وهو عند الحنابلة واختاره ابن تيمية، لزيارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه كما في صحيح مسلم ولكن بدون أن يسلم عليه ولا يدعو له ولكن الزيارة للاعتبار. 119 - حكم إعطائهم من زكاة الفرض أو الفطر أو النذور والكفارات: لا يجوز لعدم الدليل ولأن الأدلة في مخاطبة المسلمين ولحديث: «تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» رواه مسلم، وقد حكى النووي وابن المنذر الإجماع على ذلك وأما الصدقة فجائزة وردت عن عمر، وكذا من الأضحية والعقيقة لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] ولقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] قال ابن جريج: "لم يكن الأسير يومئذ إلا ¬

(¬1) المبدع 2/ 225، المجموع 5/ 237، البيان والتحصيل 2/ 218.

المشركين" ورجحه عكرمة وأبو عبيد والحسن وابن باز. ولا شك أن المسلمين أحوج وأفضل، وقد يكون الكافر القريب أفضل إذا وجدت المصلحة ورجي إسلامه (¬1). 120 - إذا أعطى الزكاة لشخص ظنه مسلما فبان كافرا: فإن تحرى واجتهد عن حال المعطى له فأخطأ - أجزأت وإن كان من غير تحر لم تصح ويلزمه إعادتها. 121 - حكم إعطائهم من الأضحية جائز لوروده عن ابن عمر كما في الأدب المفرد. 122 - الصيام في البلاد الكافرة إذا كان البلد الكافر توجد فيه مراكز إسلامية ولها رؤية معتبرة وقول معتبر فيصوم برؤيتهم لعموم حديث: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» ولأن في مخالفتهم مفسدة ظاهرة فلا يستقيم شرعا ولا عقلا أن ينقسم المسلمون في منطقة واحدة فالبعض يصوم والآخر يفطر. وإذا لم يوجد في البلد رؤية معتبرة للمسلمين كأن يكونوا قلة جدا ولا يوجد به طلاب علم أو مركز إسلامي فيتبع أقرب بلد إسلامي له. 123 - حكم زيارتهم جائزة إذا أمنت الفتنة وعدم المنكر وتستحب إذا رجي إسلامهم ودعوتهم. 124 - حكم إهدائهم وقبول هديتهم له حالتان: ¬

(¬1) الأموال لأبي عبيد ص57.

الأولى: الهدية العامة أو بمناسبة مولود أو نجاح أو غير ذلك فهذا جائز، إلا إذا تضمنت أمرا محرما فلا يجوز قبولها، فقد قبل - صلى الله عليه وسلم - هدية أكيدر دومة الجندل ملكها وكذا هدية المقوقس وكانت جارية، رواهما البخاري. وكسى - صلى الله عليه وسلم - ملك إيلة بردة، رواه البخاري ومسلم. الثانية: الهدية لهم بمناسبة عيدهم لا تجوز، وأما هديتهم هم للمسلم بمناسبة عيدهم فمحل خلاف، والصحيح جواز قبولها ما لم تتضمن محرما، واختاره ابن تيمية وابن عثيمين لما ورد عن علي رضي الله عنه أنه أتى بهدية النيروز فقبلها، وعن أبي برزة أنه كان له سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان فكان يقول لأهله ما كان من فاكهة فكلوه وما كان من غير ذلك فردوه ولأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم، وأما الكافر الحربي فلا يجوز (¬1). 125 - حكم الأكل من ذبيحتهم بمناسبة عيدهم فيه خلاف. قال حنبل: سمعت الإمام أحمد يقول: ما ذبح لكنائسهم وأعيادهم لا يؤكل لأنه أهل به لغير الله، واختار ابن تيمية التحريم (¬2). 126 - لا يجوز حضور اجتماعاتهم وموائدهم إذا كانت مشتملة على محرم، إلا إذا كانت للحاجة أو خشي الضرر فجائز. ¬

(¬1) اقتضاء الصراط المستقيم 226، الجواب على أسئلة الملاحين لابن عثيمين. (¬2) الشرح الكبير مع الإنصاف 27/ 339.

127 - يجوز أن يشمت المسلم الكافر بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما ورد في صحيح البخاري. 128 - ابتداؤهم بالسلام محل خلاف، والصحيح المنع لحديث: «لا بتدؤوا اليهود والنصارى بالسلام» رواه مسلم. وأما التحية بصباح الخير وما شابهه فجائز، وقيل بالمنع كالسلام، وأما الرد عليهم إذا ألقوا السلم فيرد عليهم بقول وعليكم، وزيادة وعليكم السلام محل خلاف. رجح ابن القيم الجواز إذا تحقق أن الكافر قال السلام عليكم وهذا من باب العدل والإحسان. 129 - حكم مصافحتهم جائز لعدم الدليل على المنع، وأما المعانقة فالأولى تركها لأنها تعبير عن الرضا والمحبة. قال ابن باز وجملة القول في ذلك أن ما كان من باب البر ومقابلة الإحسان بالإحسان قمنا به (¬1). 130 - إذا أراد أن يتزوج مسلم مسلمة لا ولي لها مسلم، فالذي عليه العمل في الأقليات المسلمة في البلاد الكافرة أن الذي يتولى التزويج المراكز الإسلامية فيها وبه أفتت اللجنة الدائمة والمجمع الفقهي بالرابطة. 131 - حكم أكل الطعام في بلاد الكفار له حالات: أ- الطعام النباتي كالخضروات والفواكه والحبوب كالبر والدقيق فهذا كله جائز. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة 24/ 138.

ب- الطعام البحري جائز. ج- الطعام الحيواني وله حالات: 1 - ذبائح الكفار من غير أهل الكتاب كالمجوس والوثنيين والهندوس والملحدين فهذه تحرم وإن ذكروا اسم الله عليها وذبحوها على الصفة الشرعية لأن الله أباح ذبائح أهل الكتاب، وما عداهم فيبقى على التحريم. وقد نقل الإجماع على ذلك النحاس في ناسخه سواء أيقنا أنها لغير أهل الكتاب أو غلب على ظننا أو شككنا فالأصل التحريم في الذبائح من حيث التذكية. 2 - ذبائح أهل الكتاب ولها حالات: الأولى: ما علم أنه ذكي بطريقة شرعية وذكر عليه اسم الله فهذا جائز لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]، قال ابن عباس الذبائح. الثانية: ما علم أنه ذكي على غير طريقة شرعية محل خلاف والصحيح لا تجوز لأن المسلم لو ذكى بطريقة غير مشروعة فلا تصح فمن باب أولى الكتابي وهو أحوط وأبرأ للذمة ورجحه ابن باز واللجنة الدائمة (¬1). الثالثة: ما جهل حالها أذبحت بذكاة شرعية وذكر اسم الله عليها أم لا؟ محل خلاف. رجح ابن باز واللجنة الدائمة الجواز لأن الأصل حل ذبائحهم، وقيل: يحرم، ورجحه الشيخ ¬

(¬1) الفتاوى 22/ 390.

عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا والشيخ صالح الفوزان لأن الأصل في الحيوانات التحريم من حيث التذكية فلا تحل حتى نعلم ذكاتها وتغليبا لجانب الحظر عند التردد، ولأن كثيرا من الدول الكافرة هي ملحدة وليست صاحبة كتاب كما تزعم ولأنها تقوم بمنع الذبح على أراضيها، ولأنه ثبت استخدام كثير من المصانع القتل بالصعق الكهربائي أو الضرب فيما يكتب عليها ذبح بالطريقة الإسلامية. فهل يرجى ممن ديدنه العداء للإسلام ونقض العهود والمواثيق وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتهامه بالإرهاب والكذب عليه - الصدق فيما هو أقل من ذلك بكثير وهو الذبح والله المستعان؟! وللقاعدة: إذا تعارض الأصل الظاهر فالمقدم الظاهر إذا قويت القرائن (¬1). 3 - ذبائح قوم وبلد كفار لا يعلم عن حالهم أهم أهل كتاب أم ليسوا أهل كتاب؟ فمحرم لأن الأصل في الحيوانات التحريم كما تقدم من حيث التذكية. 132 - حكم الأكل في آنية الكفار لها حالات: أ- إذا علمنا بأنها لا تستخدم في نجس كالخنزير والخمر جاز استخدامها لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - "توضأ من مزادة امرأة مشركة" رواه البخاري. ب- إذا علمنا بأنها تستخدم فيما ذكر أو غلب على الظن ذلك ولم يوجد غيرها تغسل وجوبا وتستخدم. ¬

(¬1) الأطعمة وأحكام الصيد للشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء.

العشرون: مسائل في العودة من السفر

ج- إذا وجد غيرها فاختلف العلماء في جواز استخدامها والأحوط تركها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تأكلوا في آنيتهم إلا ألا تجدوا منها بدا، فإن لم تجدوا منها بدا فاغسلوها ثم كلوا فيها» رواه البخاري. 133 - حكم إعطاء الكافر القرآن: ألا يجوز إعطاء القرآن الكافر لأن الكافر نجس وخشية امتهانه. ب يجوز إعطاء القرآن المترجم للكافر إذا كان مجرد تفسير ورجي إسلامه. العشرون: مسائل في العودة من السفر: * يستحب التعجل في الرجوع إلى الأهل من السفر عند انقضاء حاجة المسافر: لحديث: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله» متفق عليه، ومعنى نهمته أي: حاجته، والمعنى: يمنعه على الوجه المعتاد في الإقامة، في رواية البيهقي: «فليعجل الرحلة إلى أهله فإنه أعظم لأجره». قال ابن حجر: " ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة". اهـ. وهذا أمر معلوم وملموس. ولذا ورد في رواية الإمام أحمد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه وعبادته».

قال: وفيه كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب التعجل لاسيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، وقال ابن عبد البر: التغرب لغير حاجة لا يصلح ولا يجوز (¬1). * هل يستحب إذا خرج من بلده من طريق أن يدخل من طريق آخر وكذا البلد المسافر إليه إن وجد؟ ورد في صحيح مسلم "كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس، وإذا دخل مكة دخل من الثنية العليا ويخرج من الثنية السفلى". قال النووي: من الفقهاء من ذهب إلى استحباب ذلك من باب التفاؤل كالعيدين، ومنهم من قال: لا يستحب لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك من غير قصد ورجح الأول. * يستحب للقادم من سفره أن يصلي ركعتين في المسجد أول قدومه، كما في صحيح مسلم: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه" وعند الطبراني: "فيأتيه المسلمون فيسلمون عليه" وفي لفظ له: "ثم جلس للناس في فتياهم ومسائلهم" وورد في البخاري عن جابر رضي الله عنه قال: كنت مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سفر فلما قدمنا المدينة قال: «ادخل المسجد فصل فيه ركعتين». * إذا دخل المسافر بلده والناس يصلون فدخل معهم في ¬

(¬1) التمهيد 22/ 36.

الصلاة أجزأته الفريضة عن ركعتي القدوم لدخولها في الفريضة كتحية المسجد مع الراتبة أو الفريضة فيحدث التداخل سواء مع الفريضة أو النافلة، وينبغي للإنسان ألا يغفل عن النية في باب التداخل (¬1). فرع: الحكمة من ركعتي القدوم: - اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. - قال ابن بطال في شرحه: قال المهلب: وفيها معنى الحمد لله على السلامة والتبرك بالصلاة أول ما يبدأ به في حضره، ونعم المفتاح هي إلى كل خير (¬2). فرع: هل تفعل في البيت أو لا بد في المسجد؟ قيل: إنها تفعل في البيت، وقيل: إن ذلك خاص بالمسجد وهو عند الأحناف والشافعية، والأفضل أن تفعل في المسجد إلا إذا وجدت المساجد مغلقة أو غير ذلك فيفعلها في البيت (¬3). فرع: هل تفعل في وقت النهي؟ لم أجد من بحثها والذي يظهر أنها تفعل لأنها من ذوات الأسباب فسببها القدوم من السفر كما ذكره بعض الفقهاء. * ورد النهي عن أن يدخل الرجل على أهله ليلا إذا ¬

(¬1) التداخل بين الأحكام 1/ 379 للخشلان. (¬2) شرح ابن بطال 9/ 310. (¬3) فتح الباري لابن رجب 3/ 225، ورد المحتار 5/ 176.

أطال الغيبة، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا» رواه البخاري، ويزول النهي بإخبارهم بالمجيء بالهاتف وغيره. * إذا لم تطل الغيبة كأن يخرج نهارا ويرجع ليلا فلا بأس أن يدخل بلا استئذان. * إذا أطال الغيبة ودخل نهارا فلا يحتاج إلى استئذان لرواية مسلم: "كان عليه الصلاة والسلام لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو غشية". * إذا أراد الدخول ليلا فيخبرهم بذلك قال ابن عمر رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام: "إذا قدم من غزو قال: «لا تطرقوا النساء» وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون" رواه ابن خزيمة. - الحكمة من النهي عن دخول المسافر على أهله ليلا: أ- قال عليه الصلاة والسلام: «لئلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم» رواه مسلم. وورد أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها، فظنها رجلا، فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا أخرجه أبو عوانة. ب- قال عليه الصلاة والسلام: «لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة» رواه البخاري. - قال ابن حجر: إما أن يجد أهله على غير أهبة من

التنظف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما (¬1). - قال الشعبي: السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه أخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعاءهم. - من الأخلاق القيام للقادم من السفر ومعانقته وزيارته، فقد قام - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة وقبله وعانقه عندما قدم من السفر (¬2)، وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدموا من سفر تعانقوا (¬3) حديث صحيح، ولما يحدث ذلك من الألفة والمحبة والترابط وجمع القلوب ونحن بأشد الحاجة إلى هذه المعاني على المستوى العائلي والأسري والاجتماعي وغيرها. - عن عبد الله بن جعفر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، قال: "وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه" رواه مسلم. قال النووي في منهاجه: هذه سنة مستحبة، أن يتلقى الصبيان المسافر وأن يركبهم ويلاطفهم (¬4). * يستحب عمل وليمة لمن قدم من سفر، أو يعملها ¬

(¬1) الفتح 9/ 251. (¬2) رواه أبو داود والترمذي. (¬3) رواه الطبراني والهيثمي. وقال الأرنؤوط في تحقيقه زاد المعاد: ورجاله رجال الصحيح 2/ 415. (¬4) شرح مسلم 7/ 197.

الحادي والعشرون: على طريق الدعوة

المسافر إذا قدم وتسمى النقيعة: ورد في البخاري "لما قدم رسول الله المدينة نحر جزورا أو بقرة". قال ابن بطال: فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف، قال ابن حجر: وكان ابن عمر يفطر أول قدومه من السفر، ولا يصوم لأجل الذين يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم (¬1). وتسمى النقيعة: من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر. والآداب كثيرة جدا، اقتصرت على أهمها، وما ورد به الدليل وصح، وقد بسطها الإمام المبارك النووي بما يزيد على ستين أدبا في مجموعه العظيم، فغفر الله له ولجميع علماء المسلمين وجزاهم عنا خير الجزاء. وبهذا نكون انتهينا من المباحث الفقهية بفضل من الله وتوفيق. الحادي والعشرون: على طريق الدعوة: فالداعية يحمل الدعوة في جنانه ووجدانه، في حله وترحاله لأنها طعامه وزاده وماؤه وشرابه وهواؤه وحياته؛ هي لحمه ودمه وعظمه وعصبه، من ذلك: أ- إهداء الكتب والمطويات والأشرطة للمسافرين جوا وبرا، والمعتمرين، وسائقي سيارات الأجرة، وملاحي الطائرة، وطاقم العاملين بها، ووضعها في مساجد الطرق، ومحطات ¬

(¬1) الفتح 6/ 224.

الوقود، ومعاملة الوافدين والمعتمرين بالحسنى، وتعليمهم العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق» رواه أبو يعلى وصححه الحاكم، وتعويد أفراد الأسرة والمحضن التربوي للقيام بما يستطاع من ذلك. ب- وضع البرامج المفيدة في السفر من دروس ومسابقات ونقاش للمسائل والموضوعات، وشراء الأشرطة العلمية والتربوية للاستفادة منها أثناء الطريق في السفر ووضع الأسئلة عليها ودعوة الرفقة سواء كانوا أهلا أو أخوانا أو أصدقاء، والسفر فرصة ذهبية لدعوة الجميع. ج- حفظ أفراد السفر بعض السور والأحاديث والأدعية. هـ- زيارة الأقارب وصلة الأرحام والأصدقاء. وقفة: من عظيم الوفاء والجفاء!! لقد رأيت من عظيم الوفاء أن يزور التلميذ شيخه إذا سافر إلى بلد هو فيه. لقد رأيت من عظيم التواضع أن يزور شيخ وأستاذ تلميذه إذا سافر إلى بلد هو فيه. لقد شاهدت من الجفاء ألا يزور التلميذ والصديق بلدا يسافر إليه وفيه شيخه وصديقه فلا يلتقي به وفي الوقت سعة. لقد شاهدت من عظيم القطيعة أن ينزل مسلم بلدا له فيه قريب فلا يلتقي به وفي الوقت سعة.

وكان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يجل شيخه ابن باز فلا يقدم بلدا وفيه شيخه إلا ابتدره بالزيارة والسلام، وكان الشيخ ابن باز يجل الشيخ ابن عثيمين فرحم الله الجميع. و- زيارة القضاة والدعاة وطلبة العلم الجمعيات الخيرية والدعوية للاستفادة منهم، وتحديد مواعيد الزيارة قبل السفر حفاظا على أوقات الآخرين، وإنجاحا للبرامج، وكل يلتقي بما يناسبه دينا ودنيا، وتبادل التجارب والخبرات، والحلول للمشكلات والتنسيق المسبق في ذلك. ز- التزود ببعض الكتب التي تحتاجها في السفر، والقيام بزيارة المكتبات في البلد المسافر إليه؛ فكل بلد له مكتباته وإصداراته وموزعوه فلا تضع الفرصة. يروى أن الإمام التبريزي كان يحمل معه في سفره كتاب تهذيب اللغة للأزهري، وكان أحمد بن يزيد القرطبي يحمل معه كتاب مشكل الآيات، وآخر يحمل في كمه المحدث الفاصل للرامهرمزي، وثالث كان يحمل كتبه على ظهره فيسيل عليها عرقه حتى يظن من يراه أن المطر قد أصابها. وهذا ديدن كثير من العلماء وطلبة العلم المتأخرين والمتقدمين والمعاصرين، بل من نعم الله ما يسمى بالحاسب المحمول تحمل فيه آلاف الكتب فتبحث وتطالع فلا تنقطع عن أبحاثك ومراجعاتك في أثناء سفرك وتنقلك، حتى في ركوبك الطائرة، وهذا من فضل الله والحمد لله فأين المشمرون والجادون وأين الكسالى والنائمون؟!

الثاني والعشرون: مسائل في طب المسافر

ج- تشغيل برامج جيدة على شاشة أو إذاعة الطائرات والباصات كفتاوى وتوجيهات ابن باز وابن عثيمين اللذين تلقت الأمة علمهم بالقبول، فليت معلقا الجرس، ومقترحا ذا شأن أو صاحب قرار يبادر فيظفر بالأجر؟! ط- وضع لوحات حائطية عن أحكام السفر في المطارات، وصالات النقل الجماعي، أو مختارات منها ضمن مجلاتها. ي- تقديم مقترحات، وتوصيات لهيئة السياحة، ووزارة الطيران والنقل، وإيجاد البديل لكل رذيل. ك- الحذر من الفتوى بغير علم، وبالظن؛ والتخمين؛ وإضلال الناس، فتحمل إثمك وإثمهم والسلامة لا يعادلها شيء، والله يقول: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. الثاني والعشرون: مسائل في طب المسافر: نجد كثيرا من الناس يتهاون في شؤون صحته وسبل الوقاية في سفره، ولذا تجدهم يتعرضون لكثير من الأمراض والآفات والمخاطر والهلاك، وقد بحث علماء المسلمين في الطب والفقه هذا الموضوع، حتى أفردوه بكتب مستقلة في أوائل القرن السادس الهجري، مثل كتاب تدبير الأبدان في السفر للسلامة من المرض والخطر لعلي بن موسى الطاوس المتوفى 664هـ، ثم أكمله الغرب بدراساتهم، بل المتأمل

لنصوص الشرع يجد إشارات لذلك، وبعد الاطلاع والرجوع لأصحاب التخصص أجمل وصايا في طب السفر والمسافر: - إذا كان المسافر يعاني من مرض مزمن فينبغي استشارة الطبيب المعالج قبل السفر، ومعرفة قدر كاف عن النظام الصحي في البلد المسافر إليه، وأخذ الحيطة بأخذ كميات مناسبة من الأدوية؛ لأنه لا توجد بعض الأدوية في بعض البلدان، أو لا تصرف إلا بوصفة طبية. - اصطحاب بطاقة تحوي ملخصا عن الحالة الصحية، وتكون باللغة العربية والانجليزية، لأنها هي اللغة العالمية في الطب. - وضع ورقة صغيرة تحوي فصيلة الدم أو المرض الذي يعاني منه كمرض السكر وغيره، توضع في محفظة النقود والبطاقات وتكون باللغة العربية والإنجليزية. - التطعيمات وخاصة حين السفر للبلدان المعروفة بانتشار الأمراض وأجوائها غير صحية، واستشارة الطبيب قبل ذلك. - ارتفاع الضغط الجوي وانخفاضه في الطائرة يؤدي إلى تغير الضغط في الأذن، ولمعالجة ذلك محاولة مضغ اللبان، أو تناول الأكل لدى الأطفال، أو محاولة إخراج الهواء من الأنف برفق بعد قفل الفم والأنف معا. - شرب كميات كبيرة من الماء والسوائل وخاصة في الأجواء الحارة. - عدم الأكل من الخضروات والفواكه قبل غسلها، وكثير

من المسافرين وخاصة الأطفال يتساهلون فيصابون باضطرابات في المعدة، وقد يحدث تسمم. - كثير من المسافرين يعانون من مشكلات الهضم، وذلك نتيجة لتغير نوع الطعام وكميته وأوقاته. - جعل بعض الأدوية في الحقيبة اليدوية، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة. الذين يوصون بعدم السفر: - المرضى الذين أجريت لهم عملية قريبا في القلب أو الأذن. - الحوامل في الشهر الثامن. - الأطفال الذين أعمارهم سبعة أيام أو أقل. وصايا عامة: - الحذر من ترك الأولاد الصغار على شواطئ البحار، فكم غفل آباء عن أولادهم فغرقوا وماتوا. - اعرف قوة الكهرباء حين استخدام بعض الأجهزة الكهربائية، ونوع المحول حتى لا تحترق الأجهزة. - تأكد من أن جواز السفر مدته كافية ولا ينتهي أثناء سفرك، واحتفظ بصورة منه خشية فقدانه. - احرص أن تكون معك نظارة، أو عدسة احتياطية خاصة حين السفر للصحارى أو البلدان الفقيرة. - لتكن عناوينك، وأرقامك، وأرقام أخوانك وأولادك في

الثالث والعشرون: وصايا للطلبة والموظفين المغتربين وغيرهم داخل البلاد أو خارجها

جوالك، أو محفظتك، واضحة لكي يتم الوصول إليهم عند حدوث أي عارض في أقرب وقت. الثالث والعشرون: وصايا للطلبة والموظفين المغتربين وغيرهم داخل البلاد أو خارجها: 1 - تقوى الله في كل مكان ومراقبته سبحانه. 2 - معرفة عادات البلد المقيم فيه حتى أنظمته القانونية كما يقال حتى لا يقع في الخطأ ويحذر من الظلم والعدوان. 3 - إظهار صورة الإسلام وبلدك وعادات مجتمعك في أحسن صورة. 4 - الجد والاجتهاد في الأمر الذي بسببه كان التغرب إن كان طلب علم أو دعوة أو عمل غير ذلك، فالتغرب فرصة للتزود والمعرفة وبذل الجهد لأسباب عدة منها التفرغ والبعد الاجتماعي وغير ذلك. 5 - التعرف على البلدان وأنسابها وحضاراتها وعاداتها ورجالاتها وعلمائها وأذكيائها، ودعوتهم لبلدك والتواصل معهم حيث يمكن الانتفاع بهم واكتساب خبراتهم ومعرفة أبرز مشاريعهم كل في مجاله علميا ودعويا وإغاثيا واجتماعيا وتنمويا واقتصاديا وثقافيا وتجاريا، ونقل تلك التجارب والنجاحات إلى بلدك. 6 - تحديد أهداف رئيسة لتحقيقها أثناء إقامته وأهداف فرعية شرط ألا تطغى على الرئيسية وفق برنامج محكم

منضبط؛ فمثلا من هدفه طلب العلم أيا كان نوعه لا يشتت نفسه في أهداف أخرى تؤثر على الأصل، ولا مانع من أهداف أخرى بالشرط السابق كالدعوة وغير ذلك، ونجد البعض كل يوم له هدف وفي النهاية يحصد ثقافة أو زراعة فروع لا أصول سرعان ما تزول. وهذه أهديها للقضاة والدعاة والمدرسين وطلبة الجامعات، والحذر الحذر من الصدام مع الآخرين أو الانتماء، واللبيب بالإشارة يفهم. وهذا من أسباب سر نجاح دعوة إمام الدعاة ـ عليه الصلاة والسلام ـ والأئمة الكبار ومنهم ابن باز وابن عثيمين ـ رحمهما الله ـ وغيرهم. 7 - البحث عن المعين في تحقيق تلك الأهداف واستشارته والبحث عن الرفيق المعين في بلد الغربة فالنفس تضعف وتكسل والله المستعان. وقد شاهدنا من يتغرب فينحرف فكريا أو أخلاقيا بل يخسر دنياه فيرجع بفشل وظيفي أو دراسي أو يسقط في أيدي الأشرار والمخدرات، فلينتبه لذلك معشر الآباء والمربين وجهات الابتعاث والملحقات الثقافية بالمتابعة والزيارة والاتصال وربطهم بالأخيار، وعلى الدعاة ومكاتب الدعوة والمراكز الإسلامية إعداد البرامج المناسبة لهم، التركيز على مجمعات الطلاب السكنية حماية لشبابنا من مواطن الزلل والشهوات والشبهات، وعلى الشباب زيارة تلك المراكز والاستفادة منها والالتفاف حول الفضلاء. 8 - الدعاء بأن ييسر الله له الرفيق الصالح والمعين حال غربته وسفره. قال حريث بن قبيصة: لما قدمت المدينة

سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا فجلست إلى أبي هريرة فأخبرته بذلك فهيأ الله له أبا هريرة نعم الصالح والرفيق والمعين. وعن علقمة قال: دخلت دمشق فقلت اللهم ارزقني جليسا صالحا فرزقت بأبي الدرداء. 9 - عدم الاستعجال في اتخاذ قرار الابتعاث والبلد المبتعث إليه وعليك باستشارة الفضلاء والحكماء وذوي الخبرة حتى لا تندم وتبوء بالفشل ويصبح أملك ألما وجراحات والله المستعان. معشر المبتعثين: أنتم دعاة وسفراء الإسلام والأوطان، وزاد أمر دوركم ومهمتكم في ظروف الهجمات الشرسة من الغرب على الإسلام والمسلمين فما أنتم فاعلون وصانعون؟! لاسيما وأنكم تلتقون بمثقفيهم ومفكريهم، فائتلفوا واتحدوا فالاتحاد يورث القوة والنصر والاختلاف يورث الفرقة والهزيمة، فيجب ألا نخترق ونفرق، وللحديث بقية نحو الابتعاث آمال وآلام. أخيرا: واختموا يا من قرى أو من درى ... بصلاة للنبي خير الورى مع سلام من سما أم القرى ... ما دجى الليل وما البدر سرى وما أبرئ نفسي إنني بشر ... أسهو وأخطئ ما لم يحمني قدر (¬1) ولا ترى لي عذرا أولى بذي زلل ... من أن يقول مقرا إنني بشر تم الكتاب بحمد الله بارينا ... ومن بلا شك بعد الموت يحيينا ¬

(¬1) هذا اللفظ أسند الشاعر إليه فيه الحماية للقدر تجوزا وهو خطأ، والقدر لا يصنع شيئا وإنما الله، ونبه ابن عثيمين رحمه الله في فتاواه على هذا.

يا رب اغفر لعبد كان كاتبه ... يا قارئ الخط قل بالله آمينا آمين آمين لا أقنع بواحدة ... حتى أضيف إليها ألف آمينا وقد علمت بأن اليد بالية ... تحت التراب ويبقى خطها حينا كتب الله للجميع صلاح الحال والمآل، ورزقنا الفقه في الدين وصلاح النية والعمل وفق سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، دون ابتداع في الدين، وجعلنا من عباده المؤمنين المتقين الصادقين، وحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، ويسر أمر المعسرين والمكروبين والمهمومين والمظلومين ومرضى المسلمين، هو حسبنا ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين. كتبه: فهد بن يحيى العماري في 22/ 2/1429هـ مكة المكرمة ـ حرسها الإله البريد الإلكتروني [email protected]

§1/1