المختار من كتاب اللهو والملاهي

ابن خرداذبه

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. رُوي عن محمد بن حاطب أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فصل ما بين الحلال والحرام الصوت وضرب الدف. وعن عائشة قالت: دخل أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، فقال أبو بكر: بمزمور الشيطان في بيت رسول الله وذلك يوم عيد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا. وعن الشعبي قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحاب الدنكله وهم يلعبون فقال: خذوا يا بني أرفدة حتّى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة. فأخذوا يلعبون ويقولون: أبو القسم الطيب أبو القاسم الطيب. فجاء عمر فلما رأوه تذاعروا. وعن عكرمة قال: ختن عبد الله بن عباس بنيه فأمرني فاستأجرت له لعابين بأربعة دراهم. وقال اسحق: سأل الرشيد إبراهيم بن سعد الزهري عن من بالمدينة يطلب تحريم الغناء. فقال: من قنَّعه الله بخزيه. فقال: بلى مالك بن أنس فقال شهادتي عليه أنه سمع في عرس مالكاً ابن حنظلة يغني: سليمى أجمعت بينا ... فأين تقوله أينا وعن عطاء قال: لا بأس بالغناء والحداء للمحرم. وذكر الغنا فشدد فيه عمرو ابن عبيد ورخص فيه بن جريج. فقال عمرو: إن الله يقول: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. فأخبرني من يكتبه أصاحب اليمين أم صاحب الشمال. قال ابن جريج لا يكتبه واحد منهما لأنه لغو ليس بحسنة فيكتبها صاحب اليمين ولا بسيئة فيكتبها صاحب الشمال. والرخص في الغناء كثيرة ولولا مخافة التطويل لا تيت على ذلك. ومعرفة الأغاني أحد الفلسفة الأربعة وهي حدود المنطق ومعرفة الطب وعلم النجوم والموسيقى وهو الألحان. وكانت الأوائل تعظم هذا الشأن. فدخل على الإسكندر رجل موسيقي فأظهر إكرامه. فقال له جلساؤه: كيف أكرمت هذا هذه الكرامة. فقال: ليس الرجل أكرمت ولكن الموسيقية أكرمت. وقال الإسكندر: من فهم اللحون استغنا عن سائر اللذات. وقالت الفلاسفة: إن النغم والأغاني فضيلة شريفة كانت خفيت على المنطق ليست في قدرته فلم يقوَ على إخراجها. فأخرجتها النفس ألحاناً. فلما ظهرت سرت بها وعشقتها وطربت لها.. وقالت الحكماء: الموسيقي يدرّج أبناء الفلاسفة ويسوقهم إلى سائر العلوم لأن باطنه لهو العقول وظاهره لهو الحواس. وجعل الله كل حاسة تتعب بحركتها غير السمع، فإنه خصّه الله بورود الصوت عليه من غير حركة ولا مؤونة. فألوم الأمور للنفس سماع النغم الحسان الممازج لأوتار العيدان. فضل الغناء فضل الغناء على المنطق كفضل المنطق على الخرس، والبرؤ على السقم، والدينار على الدرهم. وفضل العود على جميع الملاهي كفضل الإنسان المميز على سائر الحيوان. وأول من اتخذ العود لمك بن متوشيل بن محويل بن عبرد بن أخنوخ بن قينان بن آدم. كان له ابناً كذا يحبه حباً شديداً فمات. فعلّقه بشجرة وقال: انظر إليه أبداً فتقطعت أوصاله حتى بقي منه فخذه والساق والقدم والأصابع. فأخذ خشباً فرقّقه وألزقه فجعل صورة العود كالفخذ وعنقه كالساق والبنجك كالقدم والملاوي كالأصابع والأوتار كالعروق. ثم ضرب به وناح عليه فنطق العود. قال الحمدوي: وناطقٍ بلسان لا ضميرَ له ... كأنَّه فخذ نيطت إلى قدم يُبدي ضمير سواه في الحديث ... يُبدي ضمير سواه منطق القلم وعمل توبل ابن لمك الطبول والدففة. وعملت صلا ابنة لمك المعازف. ثم عمل قوم لوط الطنابير يستميلون بها الغلمان. ثم اتخذ الرعا والأكراد أنواعاً مما يصفّر به. كانت أغنامهم إذا تفرقت صفروا لها فاجتمعت. ثم سوّت الفلاسفة العود. قال فيذرس الرومي: جُعلت الأوتار الأربعة بازاء الطبائع الأربعة. فجعل الزير بازاء المرّة الصفراء والمثنى بازاء الدم والمثلث بازاء البلغم والبمّ بازاء السوداء. فالزير للخنصر والمثنى للبنصر ووزنه ضعف وزن الزير والمثلث للوسطى ووزنه ضعفا وزن الزير والبم للسبابة ووزنه ثلاثة أضعاف وزن الزير. واتخذت الفرس الناي للعود والزنامي للطنبور والسرناي للطبل والمتج للصنج. وكان غناء الفرس بالعيدان والصنوج وهي لهم ولهم النغم والإيقاعات والمقاطع والكروف وهي ثمانية. بندستان ثم بهار وهو أفصحها ثم إبرين وهو أكثرها استعمالاً لسفلى

الأوتار ثم أبرينه وهو أجمعها لمحاسن النغَم وأكثرها تصعيداً وتحدراً طبقة إلى طبقة ثم ماذرواسبان وهو أثقلها وأشدها تأنياً وخروجاً من نغمة إلى أخرى. ثم شسم وهو المختلس بالأصابع المثقل ثم القبة وهو المحثوث بالإدراج، المستدير في معاطف ألحانه ثم أسبراس وهو المُدرج الموقوف على نغمه. وكانت الملوك تنام على الغنا ليسري السرور في عروقها. قال الشاعر: وغناء مُسْمِعَةٍ تعللنا ... حتى ننام تناوم العجم وقال كسرى: العود أجلّ الملاهي وودت أني افتديت اصلاحه بماية ألف درهم. وللفرس الونج وعليه سبعة أوتار وإيقاعه يشبه إيقاع الصنج وبه كان غناء أهل خراسان وما والاها. وكان غناء أهل الري وطبرستان والديلم بالطنابير. وكانت الفرس تقدم الطنبور على كثير من الملاهي. وكان غناء النبط والجرامقة بالغندورات وإيقاعها يشبه إيقاع الطنابير. وكان أكبر مغن للفرس أيام كسرى أبرويز بهلبذ وكان مروزيَّاًًًًً ضارباً بالعود حاذقاً فايقاً يغني بكالم موزون يركب له الألحان وكان إذا حدث ما يجبن الكُتّاب وأصحاب الأخبار عن أنهايه إلى الملك، أعلموه فغنى فيه وضرب عليه ضرباً يسكن من الغضب. وكان ما غناه من هذا الضرب ومن أصواته المعروفة في المديح وفي التهنية وما أشبه ذلك خمسة وسبعون صوتاً منها صوته. عسا زيارة قيصر وخاقان كسرى أبرويز قيصر ماه مانذ وخاقان خرشيد أي قيصر يشبه القمر وخاقان الشمس إن من خذاي أدرما نذكا مغاران أي الذي هو مولاي يشبه الغيم المتمكن كخاهذ ماه بوشد كخاهذ خرشيد أي إذا شاء غطا القمر وإذا شاء الشمس وكان له مع غنائه ظرف وأدب فطرب له أبرويز في ليله باردة، فدعا به وعنده سيرين. فقال له: اشتقت إليك وأحببت أن أقطع بك ليلتي. فشربنا وغنا حتى سكر بهلبذ وخرج ليبول فسقط عند أصل سدرة فنام فقال أبرويز لسيرين: قد أبطا ضيفنا وخرج فرآه نايماً فطرح عليه جزر سمور كان عليه. فلما كان وجه الصبح قال أبرويز لسيرين: ما ترين حال ضيفنا. قالت: الملك أعلم. قال: أراه هبّ من نومه فرأى ثوبي عليه فعرفه فأجلّه فنزعه ونزع قباه فبسطه ووضع ثوبي عليه وكفر قائماً عنده. فقالت سيرين إن كان هكذا فالملك ينظر بنور الله. قال: قومي فقاما فوجداه كذلك فأمر له بمال وأقطعه براز الروز وقطائعاً بالريّ. ثمّ مرّ أبرويز في طريق فرأى غلاماً فارسياً يقال له شركاس معه بقرة عليها سماد وهو يغني فأعجبه حسن خلقه. فضمه إلى بَهْلبذ وأمره بتعليمه الغناء. فحذق وفاقه فحسده بهلبذ فقتله. ودعا به أبرويز قال: هو عليل. ثم بلغه خبره فقال لبهلبذ أبي حسد صدرك ونغل جوفك إلا قتله وقد علمت أني كنت أستريح منك إليه ومنه إليك فذهبت بشطر طربي. وأمر بإلقائه تحت الفيلة. فقال: أيها الملك إذا قتلت أنا شطر طربك وقتلتني فقتلت أنت الشطر الآخر. ألاتكون جنايتك على طربك أكثر من جنايتي. فقال كسرى. ما دله عليّ هذا الكلام إلا ما جعل الله له من المدة وأمر بتخليته. وبقي بهلبذ بعد كسرى دهراً. وللروم من الملاهي الأرغن وعليه ستة عشر وتراً وله صوت بعيد المذهب وهو من صنعة اليونان والسلياني وله أربعة وعشرون وتراً وتفسيره ألف صوت. ولهم اللورا وهي الرباب وهو من خشب وله خمسة أوتار ولهم القيثارة ولها اثنا عشر وتراً ولهم الصلنج من جلود العجاجيل وكل هذه معازف مختلفة الصنعة. وللهند الكركله وهي وتر واحد يمدّ على قرعةٍ فيقوم مقام العود والصنج. وكان الحداء في العرب قبل الغناء. روي أن مضر بن نزار خرج في مال له فوجد غلامه قد تفرقت عنه الإبل فشد عليه فضربه على يده بعصاً فعدا الغلام وهو يصيح وايداه وايداه. فسمعت الإبل صوته فتعطَّفت عليه، فقال مُضر لو اشتق من الكلام مثل هذا لكان يشا تجتمع عليه الإبل.

القيان عند العرب

فاشتقّ حينئذ الحدا هادياً هادياً على قوله وايداه وايداه. فكان الحدا أول السماع والترجيع في العرب. ثم اشتق الغناء من الحداء حباب بن عبد الله الكلبي فغنى النصب وتمن نساء العرب على موتاهن ولم أرَ أمه بعد الفرس والروم أولع بالملاهي ولا أطرب من العرب. وكان غناءهم النصب ثلاثة أجناس: الركباني والسناد الثقيل والهزج الخفيف. فأول من غنى من العرب العاربة الجرادتان وكانتا قينتين على عهد عاد لمعوية بن بكر العملقي وكانت تسمّى القينة الكرينة والعود المزمر. قال لبيد: أغلى السباء بكل أدكن عاتقٍ ... أوجونةٍ قدحت وفض ختامها بصبوح صافيةٍ وجذب كرينةٍ ... بموتّر تأتالهُ إبهامها ثم غنى جُذيمة الخزُاعي بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمر بن عامر وكان من أحسن الناس صوتاً فسمي المصطلق وهو الحسن الخلق في كلام العرب غناء النصب. ثم غنى بعده ربيعة وهو ضبيس الخُزاعي بن حزام بن حيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن عامر. ثم غنى زمام بن خطام الكلبي الذي يقول فيه الصمة القشيري: دعوت زماماً للهوى فأجابني ... واي فتى للهو بعد زمام القيان عند العرب وأول من اتّخذ القيان من العرب أهل يثرب أخذوا ذلك من بقايا عاد. ولم تكن قريش تعرف من الغنا إلا النصب حتى قدم النضر بن الحرث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي العراق فتعلّم بالحيرة ضرب العود وغناء العبادين فقدم مكة فعلّم أهلها فاتخذوا القيان. والغناء من أكبر اللذات وأسرّ للنفس من جميع الشهوات يرق الذهن ويلين العريكة ويهيج النفس ويسرّها ويشجع الجبان ويسخي البخيل ويحيى القلب ويزيد في العقل ويفتح في الرأي وله مع النبيذ تعاون على الحزن الماد للبدن يحدثان له نشاطاً ويفرجان للكرب. والغناء على الانفراد يفعل ذلك. قال عبد الله بن جعفر أن للطرب لأريحية لو لقيت عندها لأبليت ولو سألت لأعطيت. قال الحطيئة: جنّبوبي الغناء فإنه رقية الزنا. قال الشاعر: لا تبعثن إلى همومك إن ثوت ... غير المدام ونغمة الأوتار فلله درّ حكيم استنبطه وفيلسوف استخرجه أي غامض ومكنون كشف وعلى أي دفين ومكتوم دل وإلي أي علم وفضيلة سبق فذاك نشيج وحده وقريع دهره. وقال جالينوس: يحتاج السمع أن يرق بالصوت المونق كما يحتاج البدن إلى اعتدال الطبائع. والغناء غذاء السمع كما أن الطعام غذاء البدن فقد نرى أهل الصناعات الذين يكدّون براً وبحراً إذا خافوا الملالة والفتور ترنموا وشغلوا أنفسهم بذلك عن ألم التعب. ونرى الشجعاء وأبناء الحرب قد احتالوا بنفخ أنواع البوقات وقرعوا الطبول لتهون عليهم الشدائد. ونرى بالمد أهل العبادة والرهبانية يبكون على خطاياهم بالألحان الشجية يستريحون إلى ذلك. وقد حدّث الوليد بن سلمة عن ابن جرير عن عطاء عن عبيد بن عمير الليثي قال: كانت لداود النبي عليه السلام معزفة فكان إذا أراد أن يبكي ضرب بها، فردد صوته فبكا وأبكا. وحدّث يحيى بن العلاء عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن ابن عبّاس قال: كان داود يقرأ الزبور ثلاثين صوتاً يطرب منهن المحموم. وكان إذا كان أخر الليل فأراد أن يبكي نفسه لم يبقَ حوله دابّة ولا وحش إلا بكى لبكائه. ورووا أنه كان يزمر بمزمارة عند ملك بني إسرائيل فيسكن ما كان به من الخبل والمسّ. ونرى الطفل يرتاح للغناء. وسيتبدل ببكائه ضحكاً. ونرى الإبل يحدوا بها الحادي فتمعن في سيرها. ونرى الراعي يرفع يراعه فتجد الشاة في رعيها وتصفر الفرسان في المشارع فتجد الدوابّ في شربها. قال الشاعر: اليوم يوم بكور ... على تمام السرور ويوم عزف قيان ... مثل التماثيل حور ولا تكاد جياد ... تروا بغير صفير وقال أبو نواس: وجدت ألذ عارية الليالي ... قران النغم بالوتر الصحيح ومسمعه إذا ماشئت غنت ... متى كان الخيام بذي طلوح الحيوان الطروب

الموسيقار

ومن الطير النواطق التي توقع، الخطاطيف والفواخت والهزاردستان فإنه خاصة يدنوا من الضرب والزمر والملهين. وأعجب من هذا اتخاذ أهل البطائح حظائر القصب في الماء وتركهن لها أبواباً وصعودهم ينادون السمك يدعونها إلى تلك الحظائر ويعدونها مرعاً وعلفاً وكفا عن الإضرار والصيد فتجتمع إلى ذلك الصوت حتى تمتلي الحظاير. وذكرت الهند أن الفيل إذا أخذ امتنع من العلف والشرب وبكا حنيناً إلى الوطن والألف فتعزّيه الشعراء وتغنيه المغنون الألحان الشجية الملهية حتّى تطيب نفسه ويعتلف ويشرب. وذكروا أن أهل الرومية إذا ثقل عندهم المريض وضعف أسمعوه ألحاناً وضرباً وقالوا أن ذلك يخفف وجعه ويقوّيه. وكان الإسكندر لا يشرب الشراب إلا للعلاج وكان إذا التاث عليه الرأي في بعض الحروب أمر بتحريك الأرغين فإذا مضت نفسه في الفطرة وتوجه له الرأي ضرب بعموده ترساً بين يديه فيمسك الموسيقار وهو المغني. الموسيقار وسمع أرسطاطاليس موسيقاراً يضرب بالقيثارة ضرباً يميز به الفضائل من الرذائل. فقال: متى كانت الطبيعة تهدي لهذا لولا النفس. وكان المياغورس إذا جلس على الشراب قال للموسيقار حاسب النفس على المقادير وناجها بأشكالها ولا تحفل بالطبيعة. وكان جالينوس يحضر مجالس الإلهاء والطرب. فقيل له: لم تحضرها وليست من شأنك. قال: لا عرف مزاج القوي والطبائع في حال مستمع ومنظر ومجس. وكان هرمس المثلث بالحكمة إذا جلس على الشراب قال للموسيقار أطلق النفس من رباطها. وخرج أرفارس ومعه تلميذه فسمع صوت القيثارة فقال لتلميذه: امضِ بنا على هذا لعلّنا نفيد منه صورة شريفة فلما قربا منه سمعا صوتاً ندياً وتأليفاً غير متّفق، فقال أرفارس: يزعم أهل الكهانة والزجر أن صوت البومة يدل على موت إنسان فإن كان ما قالوا حقاً فصوت هذا يدل على موت البومة. الغناء وأثره وقد وصف الغناء قوم من أهل زماننا. فقال يحيى بن خالد بن برمك: الغناء ما أطرب فأرقصك أو أشجاك فأبكاك وما سوى ذلك فبلاء وهمّ. وكان بين ابن جامع وإبراهيم الموصلي اختلاف شديد في الغناء. قال ابن جامع لإبراهيم يوماً بين يدي الرشيد: إن خبّرتني أي الغناء أحسن فإني فاعله. فقال: أحسنه ما أشبه النوح. قال: صدقت ووافقه في هذه الصفة. وقال إسحق بن إبراهيم: الغناء القديم مثل الوشي يجمع الأصفر والأحمر والأخضر وسائر الألوان وبينها بون بعيد التفاوت. وقال الطرب: على ثلاثة أوجه طرب محرك مستخف وذلك إذا كان شعر الغناء في العتيق أو نعت الشراب وإن ذكر أحد من الندامى أن في الدنيا لذّة هي أكثر من هذا فلا تصدّقه. وجدت له هذا الصوت: أصلح الناس كأنه قفرا ... غير معنى معازف ورسوم أمامه من حسن ... ذلك الصفا والتنعيم أخبار المغنين الطبقة الأولى حابل أبي دهبل مكّي وكان غلاماً لأبي دهبل الجمحي. له هذا الصوت والناس ينسبونه إلى مالك: تطاول هذا الليل لا يتبلّج ... وأعيت غواشي زفرتي ما تفرّج أبيت بهمٍّ لا أنام كأنما ... خلال ضلوعي جمرة تتوهّج لأبي دهبل ثقيل الثاني. أبو الخز مولى سكينة بنت الحسين. كان ظريفاً ودخل عليه لصٌّ فكوّر ثيابه وحملها فصاح أبو الخز: بأبي ما أسمك. قال.: نافع. فقال: نفع والله لغيري. وجدت له هذا الصوت وقد شارك فيه مالك وغيره: كلُّ قومٍ صيغة من تبرهم ... وبني عبد مناف من ذهب إنما عبد مناف جوهر ... زين الجوهر عبد المطلب للفضل ابن عتبة خفيف ثقيل الأول الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وكان يزيد أبوه فتىً من بني أمية والوليد خليعهم وكان شاعراً يغني. قال إسحق: ولم يكن للغناء في أول الزمان قدراً إنما كانت تعلمه السودا والصفرا حتى ولّي الوليد بن يزيد فرغب فيه الناس فيه فعلموه الحسان واعرقوا فيه. ففي أيامه بلغ الغناء غايته. عبد الله بن معاويةالباهلي كان مع قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان وكان منزله بالري. وجدت له هذه الصوت: فلما دبت الصهباء فينا ... وغرد صاحبي وخلا الوساد شربنا من فؤاد الدن حتى ... تركنا الدن ليس له فؤاد الطبقة الثانية

سياط

ثم كانت الطبقة الثانية وقد أدركوا دولة بني العبّاس منهم: سياط واسمه عبد الله بن وهب مكي مولى لخزاعة أحد المحسنين مع حسن. وكان رواية يونس وهو علم إبراهيم الموصلي. ولإبراهيم فيه هذا الشعر والغناء: ما سمعنا منه له من غناءٍ ... لأ شجاني وعاد لي وسواسي ما أبالي إذا سمعت غناء ... لسياط ما فاتني الرواسي غنني يا سياط قد ذهب اللي ... ل غناء يطير منه نعاسي يعني عباس مولى بني رواس ابن كلاب والغناء. في هذا البيت الأخير لسياط ولم يُعمَّر طويلاً. وغنى إبراهيم الموصلي صوتاً لسياط. فقال له ابنه: لمن هذا. فقال: هذا والله لمن لو عاش ما وجد أبوك الخبز. وكان في صوت إبراهيم انقطاع. وجدت لسياط أربعة وعشرين صوتاً منها: وكأن من زهر الخزامي والندى ... والأقحوان عليه ريطة معرسِ فإذا يريم ذبابة أصغى لها ... يوماً بسمعٍ خائفٍ متوجسِ ثقيل الأول زيد الأنصاري مدني وهو الذي يقول فيه وفي أشعب عبد الله بن مصعب الزبيري: إذا تمزمزت صُراحيّة ... كمثل ريح المسك أو أطيب ثم تغنى لي بأهزاجه ... زيد أخو الأنصار أو أشعب زيد أخو الأنصار ذاك الذي ... يعرفه مطرب من يطرب حسبت أني ملكٌ جالس ... حفّت الأملاك والموكب وما أبالي واله الهوى ... أشرّق العالم أم غرّبوا وجدت له سبعة أصوات منها: يا شبيه الغزال رد فؤادي ... وارث للعاشق الطويل السهاد أشعب أبو العلاء بي جبير مدني مولى لعبد الله بن الزبير وأمه حمدة مولاة لأسماء ابنة أبي بكر كانت تغري بين أزواج النبي عليه السلام وكانت بغت فحلقت وضربت وطيف بها على جمل تنادي من رآني فلا يزنين. فأشرفت عليها امرأة فقالت يا فاعله نهانا الله فلسنا ندعه وتريدين أن ندعه بقولك وأنت محلوقة مجلودة يطاف بك. وكان أشعب نشأ في حجر عائشة بنت عثمان وكان مصعب بن الزبير قتل جبيراً لخروجه مع المختار أبي عبيد. فقال أشعب: نشأت أنا وأبو الزياد في حجر عائشة بنت عثمان فلم يزل يعلوا وأسفُل حتى بلغنا هذه المنزلة وأسلمتني في البزّ. فسألتني بعد سنة: أين بلغت. فقلت: قد تعلمت نصف العمل وبقي نصفه. قالت: وكيف. قلت: قد تعلّمت النشر وبقي الطي. فخرج أشعب ظريفاً مندداً وكان من أطمع الناس. فقيل له: ما بلغ من طمعك. قال: أرى دخان جاري فأثرد أنا وما سارّ إنسان إنساناً إلا ظننته يهب لي شيئاً. وقالت صديقة لي يوماً: يا أشعب هب لي خاتمك أذكرك به. قلت: اذكريني بالمنع. وساوم بقوس بندق. فقال صاحبها: بدينار. فقال: والله لو كانت إذا رميت عنها طايراً خرّ مشوياً بين رغيفين حواري لم أشترها بدينار. ثم نسك أشعب وعرى. فقيل له: قد لقيت الفقهاء فلو تحدّثت. قال: نعم حدّثني عكرمة قال: خُلّتان لا تجتمعان في مؤمن، نسي عكرمة واحدة ونسيت الأخرى. قال أشعب: كنت يوم قتل عثمان غلاماً أسقي الناس الماء وبقي إلى أن أتى به الربيع في خلافة المهدي. وجدت له أصواتاً منها: ألا ناد جيراننا نقصد ... نقضّ اللبانة أو نعهد كأن على كبدي جمرة ... حذاراً من البين ما تبرد محمد بن الأبجر وجدت له هذا الصوت: وفي الحي من يهوى هوانا ويلتهي ... وآخر قد أبدا الكآبة مغضب ونحن أناس عودنا عود نبعة ... إذا نسب الحيَّان بكر وتغلب محمد بن الصامة مدني ليثي. وكان بارد المجلس. فغنى في مجلس فيه محموم فقال المحموم: دعنا نعرق. وبعث رجل غلامه إلى السوق فقال: اشترِ لي خمسة أرطال ثلج. فلقي ابن الصامة فأدخله على مولاه. فقال: طلبت خمسة أرطال وهذا حمل. وكان موسى بن الصامة والصامة أبوه وأمه فرعة مغنيان. وكان أهل المدينة يسمّونه بين دفتي المصحف. وجدت له في كتاب اسحق ودنانير ثلاثة أصوات منها: قد تمنى معشر في دراهم ... من عقار وسوام وذهب وتمنيت سليمى أنها ... بنت عمر من لها ميم العرب خفيف ثقيل الأول للفضل بن عتبة. الطبقة الرابعة من المغنين ثم كانت الطبقة الرابعة. صباح الخيَّاط وجدت له ثمانية أصوات منها الصوت:

عزور

يا قلب ويحك لا تذهب بك الحرق ... إن الأولى كنت تهواهم قد انطلقوا ما بالهم لم يبالوا إذ هجرتهم ... وأنت من بينهم قد كدت تحترق لابن قيس الرقيات خفيف ثقيل الأول عزور كوفي. وجدت له هذا الصوت: ياربع سلمى لقد هيجت لي طرباً ... زدت الفؤاد على ما عنده نصبا ربع تبدل ممن كان يسكنه ... عفر الظباء وظلمانا به عُصبا ثقيل الأول محمد نعجه كوفي. وجدت له أربعة أصوات منها: ما جرت خطرة على القلب مني ... منك إلا استترت من أصحابي من دموعٍ تجري فإن كنت وحدي ... خالياً أسعدت دموعي انتحابي للسيّد الحميري. سليمان أخو جمحة: مدني. وجدت له صوتين أحدهما: فلما بدا حرمانها الضيف لم يكن ... علي مناخ السوء ضربة لازب فلما تراجعنا الحديث سألتها ... من الحي قالت معشر من محارب للقطامي ثقيل الأول ابن حودره مكي. وجدت له في كتاب اسحق وعمر أربعة وعشرين صوتاً منها هذا الصوت: لعب الحب بقلبي فاشتفى ... ومن العينين نومي قد نفى كدر العيش بهجران التي ... كدرت عيشي وقد كان صفا ثقيل الثاني الدلال مدني. اسمه نافذ وكنيته أبو زيد وكان مخنّثاً جميلاً بربرياً مولى لبني فهر وكان ينقر بالدفّ وكان ممن خصاه ابن حزم الأنصاري بأمر سليمان ابن عبد الملك فقال: هذا الختان الأكبر. وكان سليمان غيوراً. فسمع ليله وجارية عنده عليها حلي ومعصفر في ليلة بدر هذا الصوت من سمير الأبلي: محجوبة سمعت صوتي فأرَّقها ... من آخر الليل لما ملّها السهر تدني على فخذها من ذي معصفرها ... والحلي دان على لبّاتها خصر لم يحجب الصوت أحراس ولا غلق ... فدمعها لطرف العين ينحدر في ليلة البدر ما يدري معانيها ... أوجهها عنده أبها أم القمر لو خليت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من رقة المشي تنفطر فتفهَّم سليمان الشعر وظنَّ أنه يغني في جاريته فبعث في طلبه فأتى به فأمر حجاماً فخصاه وكتب إلى المدينة في إخصاء المخنثين المغنين ثم ندم على إخصاء الرجل فأمر له بعشرة آلاف درهم فأبى أن يقبلها فضاعفها له فلم يقبل فلم يزل يزيده حتى بلغ إلى مائة ألف درهم فأبى أن يقبل. فانتثرت لحية الفتى. فقال: الله إنك أذهبت جمالي وقطعت نسلي وأفسدت دنياي لا والله إذا أفسد عليك آخرتك فخصي الدلال وبرد الفؤاد ونوّمه الضُحى وطريقه وكانوا يغنون ويلعبون في الأعراس. وجدت له في كتاب إبراهيم تسعة عشر صوتاً وفي كتاب يونس صوتاً واحداً شارك فيه مالكاً وهو: لمن ربع بذات الجي ... ش أمسى دارساً خلقاً كلفت بهم غداة غدٍ ... ومرّت عيسهم حزقا لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت ثقيل الأول ولمالك فيه خفيف الرمل. طريفه بن الشوتري مدني مولى الأنصار ممن خُصي وقال أعادوا علينا الختان. وقد ذكره إسماعيل بن بشار حين هجا لحاتم يمن. ولا الدلال ولا طويس ... ولا ابن الشوتري ولا الغريض لاخت النخل خنث يحيى ... ولاحا ضواكما يحيى يحيض فند أبو زيد مولى عائشة بنت سعيد بن أبي وقاص. مدني. أحد المخنثين: وكان يجمع بين الرجال والنساء. فقيل له: ويلك تقود وقد فضحت نفسك. قال: إنما هو رغيف طيب وعرق سمين وقدح نبيذ صافي ونزول الأير عن أستي فلا أبالي في أست من وقع. وله يقول ابن قيس الرقيات وغناه بن حديده وملك: قل لفند يشيّع الأظعانا ... طال ما سرّ عيشنا وكفانا زودتنا رقيّة الأحزانا ... يوم جازت حمولها السكرانا وفند الذي يضرب به المثل في الإبطاء، لأن عائشة أرسلته يأتي بنار وهو يعدوا فتبدد الجمر. فقالت: تعست العجلة يا فند. فقال الشاعر: ما رأينا لغراب مثلاً ... إذ بعثناه يجي بالمشمله غير فند أرسلوه قابساً ... فثوى حولاً وسبّ العجله وجدت له أربعة أصوات منها: بشّر الظبي والغراب بسعدى ... مرحباً بالذي يقول الغراب ارجعي فاقرأي السلام عليها ... ثم رُدي جوابنا يا رباب لابن قيس الرقيات: سجيه مخنث له الكامل.

شبيب

يا عمرو شيخك وهو ذو شرفٍ ... يحمي الذمار ويكرم الصّهرا أقسمت ما أجبت حبكّم ... لا ثيّباً خلقت ولا بكرا لأبي دهبل خفيف ثقيل الأول شبيب مخنث. له الخفيف: يا جواري الحي عدننيه ... حجبوا عني معلليه قربوا عودا ًوباطية ... فبذا أدركت حاجتيه لعفان ثقيل الثاني صعتر مخنث. له الكامل: رفع الصدود يمينه ... فوجى بها أنف الوصال صرخ الوصال وقال مه ... يا صاح جينا للقتال صالح بن زهير الخزاعي: مخنث مدني. دخل على رجل قد كتب في بيته آدم ألف حواء. فقال له: لم كتبت هذا. قال: حتى لا يدخل علينا إبليس. قال: يا أحمق دخل على آدم وحوا الجنة فأخرجهما منها، لا يدخل على كتاب بفحمة. وصعد جبلاً فأعيي وسقط كالمغشي عليه تعباً. فقال يا جبل ما أصنع بك يكفيك يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش. وجدت له في كتاب اسحق هذا الصوت: يا خليلي آبني سهدي ... لم تنم عيني ولم تكد فشرابي لا أسيغ ولا ... أشتكي ما بي إلى أحد للفارعة أخت حسان رمل وفيه أخر النسَاءُ القُدَمَاء سيرين جارية حسان بن ثابت وهي أخت مارية ضاربة وهي أم عبد الرحمن بن حسان. روى عبيد الله بن سعد عن يونس عن أبي إدريس عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحسان بن ثابت وقد رشّّ فناء فاطمة ومعه أصحابه سماطان وجارية له يقال لها سيرين معها مزهرها تختلف به بين السماطين بين القوم وتغنيهم. فلما مرّ النبي عليه السّلام لم يأمرهم ولم ينهاهم فانتهى إليهم وهي تقول في غنائها المقتضب: هل علي ويحكما ... أن لهوتُ من حَرَج فتبسّم النبي عليه السَّلام وقال: لا حرج إن شاء الله. قيان جبلة بن الأيهم الغسّاني وكن عشر قينات خمس منهن يغنين بالعيدان بالرومية وخمس يغنين بغناء أهل الحيرة أهداهن إليه إياس بن قبيصة الطائي. لهن أغاني منها: لله درّ عصابة نادمتهم ... يوماً بجلّق في الزمان الأول يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل لحسان بن ثابت ثقيل الأول عزة الميلا وكانت مولاة، مدنيّة للأنصار وكانت تميل في مشيتها. فسميت الميلا وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناء وضرباً بعود ومعزفة وكانت مطبوعة على صنعة الغناء مؤلفة له لما قدم نشيط، وتعلّم منه سايب خاثر وغنيا لقينة عزة نغمها. فألّفت ألحاناً عجيبة. فهي أول من فتن أهل المدينة بالغناء. وكان طويس بها معجباً. وكانت عفيفة مع ذلك. وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق يأتيان منزلها وتغنيهما. وكان ابن سريج يزورها من مكة. فتعلّم منها وطويس لا يفارقها وكذلك ابن محرز وهو الخفيف: انظر نهاراً باب جلق هل ... تونس دون البلقا من أحد لا أخدش الخدش بالنديم ولا ... يخشى نديمي إذا انتشيت يدي أبصرت سلمى ودونها جبل الثلج عليه السحاب كالقدد لحسان بن ثابت رمل وفيه لحن لأبن محرز جميلة أم عمرو مدنية مولاه لبنى سليم زوجها مولى لبنى الحرث وكانت من أجمل النساء وأكثرهم أدباً. فأما الغناء فناهيك أنها أتت معبداً ومالكاً وابن عائشة وحبابه وسلامه وخليده وربيحة الشماسيّة جارية قليج بن شماس مولى العباس بن عبد المطلب وعقيلة العقيقية. فأجمع أهل العلم بالغناء أنها كانت أعلم الخلق بالغناء لا يدّعي أحد من المكيين والمدنيين مقاربتها فيه. وكانت ضاربة. قالت جميلة اشتهيت الغناء لأن سائب خاثر كان جاراً لنا فكنت أسمعه فغنيت فجاء غنائي أحسن من غنائه. وقال يونس: ما غنت جميلة أحداً قط إلا في منزلها. وفيها يقول عبد الرحمن بن أرطأة المحاربي وغناه ملك. فإن الجلال وحسن الغنا ... ء وسط بيوت بني الخزرج تكلم جميلة زين النسا ... إذا هي تزدان للمخرج وكان لعبد الله بن جعفر رأي في الغناء فمرَّ بباب قوم عندهم جارية تغني: قل للكرام ببابنا يلجوا ... ما في التصابي على الفتى حرج فدخل عليهم فرحبوا به وقاموا إليه وقالوا له جُعلن فداك كيف دخلت بغير إذن. فقال قد أذنتم لي: غنت الجارية قل للكرام ببابنا يلجوا. سلامة

سلامة القس

جارية أبي نفاع. وجدت لها في كتاب يونس هذا الصوت: من لقلبي يجول بين التراقي ... مستخفاً يتوق كل متاق حذراً أن تبين دار سليمى ... أو يصيح الداعي لها بفراق سلامة القس جارية يزيد بن عبد الملك، مدنية. كانت لسهل بن عبد الرحمن بن عوف فاشتراها يزيد بأربعة آلاف دينار. والقس هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عاد الجشمي العابد. كان يقال له القس لعبادته. ففتن بها ونُسبت إليه وفيها يقول القس. قد لامني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا وفيها يقول ابن قيس الرقيات. وغناه مالك: لقد فتنت ريا وسلاّمة القسا ... فلم تتركا للمقسي عقلاً ولا نفساً ريّا أخت سلامة. وجدت لها هذا الصوت: أسلاّم هل لميتّم تنويل ... أم قد صرمت وغال وصلك غول لا تصرفي عني دلالك إنه ... حسن لدي وإن بخلت جميل للأحوص خفيف ثقيل الأول حبّابة جارية يزيد بن الوليد بن عبد الملك، مدنية. كانت لابن مسا فأعطاه بها يزيد قبل خلافته خمسة آلاف دينار ثم كره شراها ثم اشتُريت له في خلافته فحظيت عنده وبلغت ما لم تبلغه جارية وشغل بها عن كلّ شيء فعاتبه مسلمة بن عبد الملك وقال يفعل هذا بعقب عمر بن عبد العزيز. فأقصر فبعثت حبّابة إلى الأحوص أن قل شعراً تردّه به إلى ماكان عليه فقال: ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ... فقد غُلب المحزون أن يتجلدا فما العيش إلى ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشنان وفنّدا وبعثت إلى سعيد أن غنّه فغناه. فوجدته في كتاب يونس ثقيل الأول وفي كتاب اسحق رمل. واحتالت حتى أسمعته إياه. فقال: لعن الله مسلمة. وعاد إلى ما كان عليه معها وجمع المغنين. فحدّثني الزبير بن بكار عن محمد بن مسلمة عن ابن ماقيه. قال: حدّثني رجل من أهل ذي خشب. قال: صدرت إلى ذي خشب فلما كنت بمحيض إذا قبة على جمارة وإذا حول القبة بشير كثير وإذا صوت عود وغناء جارية لم أسمع طلالة خلقها لأحد قط وهي تغني: سلكوا بطن محيض ... ثم ولوا أجمعونا أورثوني حين ولوا ... طول حزن وأنينا ثم أمرت لمن سار تحت قبتها بألف درهم. فقلت: من هذه قالوا حبّابة جارية يزيد بن عبد الملك. سعده أحد المحسنات القدماء. لها: قد أرسلوا كي يعزّوني فقلت لهم ... كيف العزاءُ وقد سارت بها الرفق استهدت الريم عينيه فجادلها ... بمقلتيه ولم يترك له عنق لوضّاح اليمن جارية امرأة ابن أبي عتيق مدنية. لها بشعر مولاتها عاتكة بيت عبد الرحمن المخزومية في ابن أبي عتيق. ذهب الإله بما نعيش به ... وقمرت لبك أيما قمر أنفقت مالك غير محتشم ... في كل زانية وفي الخمر فبلغ ابن عتيق الشعر فلقي عبد الله بن عمر فأنشده إياه. وقال: ما ترى يا أبا عبد الرحمن في إنسان هجاني بهذا الشعر. فقال: أرى أن تعفو عنه وتصفح. فقال: أما والله لئن لقيته لأنيكنه. فوضع ابن عمر يده على وجهه. وقال: إنا لله أما تستحي من هذا. ثم التقيا بعد فأعرض عنه ابن عمر. فقال: يا أبا عبد الرحمن لقيت ذلك الإنسان فنكته والله. فصعق ابن عمر. فدنا منه ابن أبي عتيق فقال: إنها امرأتي. فقام ابن عمر فقبّل وجهه. الطبقة الثانية في المغنين الطبقة الثانية: يونس الكاتب أبو سليمان ابن سليمان بن كود بن شهريار من ولد هرمز الجري. مدني مولى لعمرو بن الزبير. وكان أبوه فقيهاً أدرك يونس الأربعة ابن سريع والغريض ومعبد وابن محرز. وكان من كتَّاب الديوان بالمدينة وكان شاعراً ولم يكن في غلمانه معبد أحذق منه. وفيه يقول أبو سعود بن خلد. يا يونس الكاتب يا يونس ... طاب لنا اليوم بك المجلس إن المغنين إذا ما هم ... جاءوك حتى يهم الملبوس تنشر ديباجاً وأشباهه ... وهم إذا ما نشروا كربسوا وبلغ عمراً طويلاً زاد على الثمانين. ذكر سعيد بن هرمز عن عبد العزيز بن أبي سلمه العمري قال: رأيت يونس الكاتب وقد انقطع صوته يُعلم جواريه بإشارة بيده فيفهمن عنه ما يريد كأنه يلقي عليهن بلسانه.

الأبجر

وكان ببغداد. وغنى ما وجدت له في كتابه ما غناه مفرداً وشارك فيه ثلاثة وتسعين صوتاً وكان مرتجلاً وهو دون الغناء. فكان الذي جمع ديوانه ثمانية وثلاثين مغني ومغنية من الطبقة الأولى والثانية غناهم ثمان مائة وخمسة وعشرين صوتاً لم ينسبها إلى أجناسهم لأنهم لم يكونوا يعرفون هذه الأجناس التي لقيها إبراهيم الموصلي على أنه قد ترك من القدماء من لم يذكره. أول صوت ليونس في كتابه: يا دار ماويّ بذي الحبائل ... فالشط من دمدن فالقائل صم سداها وعفا رسمها ... واستعجمت عن منطق السائل قد قررت العينان من وائل ... أمس ومن زيد ومن كامل حلت لي الخمر وكنت امرأً ... عن شربها شغل شاغل لامرئ القيس بن حجر خفيف ثقيل الأول ويونس صاحب الأصوات الزيانب في زينب بنت عكرمة بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي والأشعار فيها لابن دهميه المزني وهي: تصابيت أم هاجت لك الشوق زينب ... وكيف تصابي المرء والرأس أشيب ثقيل الثاني وله: زينب ردي وصالي ... وأسمعي مني مقالي وله: إنما زينب هي ... بأبي تلك وأمي فلما قال بأبي تلك وأمي غضبت فاحتجبت عن بن دهيمه وعن يونس. وله: قولا لزينب لو رأيت ... تشوقي لك وإشتياقي خفيف الرمل وله: وجد الفؤاد بزينب ... وجداً شديداً مُتعباً يازينب الحسناء يا زينب ... يا أكرم الناس إذا نسيتُ ثقيل الأول إنما زينب المنى ... وهي الهم والهوى قل للذي يلحا على زينب المنى تعلقه مما ضمنت عشير وفيها يقول اللاحقي: يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... د أثيلٍ تزينه الأطواق وشنيب كالأقحوان جلاه الطل فيه عذوبة واتّساق لأعشى قيس ثقيل الاول الأبجر غلام ابن سريج واسمه عبيد بن القسر أبو ظبية ولقبه الحسحاس مكي مرصع مولى لبني ليث وكان يتيماً لعطاء بن أبي رياح ولم يكن بمكة أحد أطر ولا أحسن هيئة من الأبجر. كانت حلته بماية دينار وفرسه بماية دينار. وكان أحسن الناس خلقاً وكان يقف بين المازمين ويرفع صوته ويغني. فيقف الناس حتى يدق بعضهم بعضاً. وخرج ليلة سبع من ذي الحجة فجلس على قريب من النعيم ومرّ به عسكر الوليد بن يزيد وفيه قباب وخيل تجنب وفيها فرس مجنب فاندفع فغنّى: عرفت ديار الحي خالية قفرا ... كان بها لما توهّمتها سطرا الطويل خفيف الرمل فصاح به صائح ويحلك أعد الصوت. قال: لا والله إلا بالفرس المجنب وأربع مائة دينار. فاستوصف منزله وبعث إليه من غد بذلك مع تخت بثياب وشي وغيره ثم صار إليه. ومات بمصر. وجدت له خمسة وثلاثين صوتاً. وفي كتاب يونس ما غنّاه مفرداً وشارك فيه أحد عشر صوتاً. منها: سألني الناس أين يغمد بهذا ... قلت يأتي في الدار قرماً سريّا ما قطعت البلاد أسمو ولا أمم ... ت إلا إليك يا زكريا لموسى بن إبراهيم بن طلحة خفيف ثقيل الأول مدار مخنث مكي. مولى لبني مخزوم. وجدت له في كتاب إبراهيم خمسة عشر صوتاً وفي كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه عشرة أصوات منها: راتني خضيب الرأس شمرت ميزري ... وقد عهدتني أسود الرأس مسبلا أماطت كساء الخز عن حر وجهها ... وأدنت على الخدين برداً مهلهلاً حطوطاً إلى اللذات أجررت ميزري كإجرارك الحبل الجواد المجللا للعرجي العثماني ثقيل الثاني ابن صاحب الوضوء واسمه محمد أبو عبد الله مدني مولى أبي بكر وكان أضرب الناس من أهل زمانه. وجدت له في كتاب إبراهيم وكتاب يونس صوتين أحدهما: خطاطيف حُجنٌ في حبال متينة ... تمدّ بها أيدٍ إليك نوازع فإن كنت لا ذا الضغن عني مكذباً ... فلا حلفي يوماً على البر نافع للنابغة الذبياني خفيف ثقيل الثاني سنان الكاتب مدني. وجدت له في كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه ثمانية عشر صوتاً. وكان قدم المدينة تاجر يبيع الخمر فباعها خلا السود منها. وكان صديقاً للدارمي الشاعر. وكان الدارمي قد تاب من الشعر والغناء. فقال له: فإني سأحتال لك. فقال شعراً وسأل سنان أن يغنّي فيه ففعل وهو:

عمر الوادي

قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا صنعت براهب متعبّد قد كان شّمر للصلاة أزره ... حتّى عَرضت له بباب المسجد للدرامي ثقيل الأول فلم تبقَ بالمدينة ظريفة إلا طلبت خماراً أسوداً فباع التاجر الخمر وانصرف ورجع الدارمي إلى التنسك. عمر الوادي هو عمر بن داوود بن راذان مولى عمرو بن عثمان بن عفّان من أهل وادي القرى وهو من بلاد المدينة على خمسة أيام مما يلي الشام وكان مهندساً ولم يكن يضرب بالعود وكان مع الوليد بن يزيد يشاهد معبداً ومالك عنده وكان الوليد يُسميّه جامع لذتي ومحيي طربي وكان يغني بأشعار الوليد وبقي إلى خلافة بني العباس. وجدت له ثلاثة وخمسين صوتاً. وفي كتاب يونس مع صوت شارك فيه ستة أصوات. فمن غنائه الخفيف: سليمى يسلم سلمي ... كنت للقلب عذابا سليمى ابنة عمي ... برد الليل وطابا أيما واشٍ وشى بي ... فاملئي فاه شرابا ريقها في الصبح مسك ... باشرت عذبا رضابا للوليد بن يزيد حنين بن بلوع أبو الأسود الحيري وكان نصرانياً جمّالاً يكري الإبل عبادي وقيل أنه من بني الحرث بن كعب وهو الذي يقول وغناؤه له: أنا حنين ومنزلي النجف ... وما نديمي إلا الفتى النصف أغرف بالطاس وسط باطية ... مترعة تارة واغترف من قهوة باكر التجار بها ... بنت يهود قرارها الخزف فالعيش غض ومنزلي خصب ... لم تغرني شقوة ولا عنف لحنين خفيف ثقيل الأول وحرّم خالد بن عبد الله القسري الغناء فأذن للناس يوماً فدخل عليه حنين فقال أصلح الله الأمير. كانت لي صناعة كنت أنفق على عيالي منها فحرّمتها. قال: وما صناعتك. فكشف عن عوده. فقال له: غنِ. فحرك أوتاره وغنَّى: أيها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرأُ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأي ... ام أم أنت جاهل مغرور أين كسرى خير الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور وبنوا الأصفر الملوك كرام ال - أرض لم يبقَ منهم مذكور لعدي بن يزيد: فبكا خالد وقال: قد أذنت لك فلا تجالس عربيداً ولا سفيهاً. فكان حنين إذا دُعي قال: أفيكم سفيه أو عربيد. فإذا قيل له: لا دخل إليهم. وجدت له أحد وثلاثين صوتاً وفي كتاب يونس ما غناه مفرداً وشارك فيه خمسة عشر صوتاً. منها المتقارب: أأنكرت من بعد عرفانكا ... منازل كانت لجيرانكا منازل بيضا كانت تكون ... لسرّ هواك وإعلانكا ثقيل الأول دحمان الأشقر ودحمان لقب واسمه عبد الرحمن أبو عمرو مدني مولى لبني ليث بن بكر بن عبد الله بن كنانه. وكان أبوه جمّالاً وكان يضرب بالعود وكان يحجّ ويغزو كلّ عام وكان معدلاً شهد عند عبد العزيز بن المطلب بن حنطب المخزومي على عراقي فعدّله. فقال العراقي: إنه دحمان فقال: أعرفه ولو لم أعرفه لسألت عنه. فقال: إنه مغني يعلم الجواري الغناء. فقال: غفر الله لك وأيّنا لا يتغنَّى. ودحمان الذي يقول: ما رأينا باطلاً قط أشبه بالحق من الغناء. ومر يوماً وعليه رداء طريف. فقيل له: بكم أخذت هذا الرداء. فقال: بما ضر جيراننا. وقال الشاعر: إذا ما هزج الواد ... ي أو ثقل دحمان فهذا الشدو من هذا ... ومن هذا بميزان فهذا سيّد الأنس ... وهذا سيّد الجان وقال فيه أعشى بني سليم: قل لذي اللهو في الأفاق كلهم ... أعطوا المقاده أهل الفضل دحمانا قرماً من البزل جرجاراً يحطمكم ... كما يحطم ليث الغاب أقرانا كنت فحولا فصرتم يوم حلبتكم ... لمَّا انبرى لكم دحمان خصيانا بل أبلغوه عن الأعشى مقالته ... أعشى سليم أبو عمرو سليمانا قولوا يقول أبو عمرو لصحبته يا ... ليت دحمان قبل الموت غنَّانا وبقي إلى أيام الرشيد ومات بالأنواء سنة اثنين وثمانين ومائة. وجدت له في كتاب إبراهيم مائتين وأحد وثمانين صوتاً. وفي كتاب يونس صوتاً واحداً شارك فيه الغريض: أبا كرة في الظاعنين رميم ... ولم تشف متبول الفؤاد سقيم وقالت لأترابٍ لها شبه الدما ... يبكين شجوا والدموع شجوم لجرير رمل وفيه للعريض زكير بن يزيد

خالد المروق

وجدت له في كتاب إبراهيم سبعة أصوات وفي كتاب يونس صوتاً واحداً وهو الطويل: تأوبني هم نخل فاسهدا ... فبتّ كأني بتّ للحزن أرمدا أراعي نجوم التاليات كأنني ... أخو حية أو مدنف بات مسهدا خالد المروق مولى الأنصار مدني. وجدت له في كتاب إبراهيم عشرين صوتاً وفي كتاب يونس صوتاً واحداً وهو: زمَّ الخليط الجمال فانجردوا ... بل ليت شعري لاية قصدوا الغور أهوى بمن كلفت به ... أو نحو نجد أظنهم عمدوا هشام ابن المرية وهي أمّه: مدني مولى مخزوم قد أدرك القدماء وغنى معهم وكان حاذقاً عالماً بأهل الحجاز ظريفاً. وجدت له في كتاب يونس صوتين شارك فيهما أحدهما هذا: فإن تك من شيبان أمي فإنني ... لأبيض عجلي عريض المفارق وكيف بذكري أم هارون بعدما ... خبطن بأيديهن رمل الشقائق على عهد ذي القرنين وابني محرق ... وابن أبي قابوس ملك المشارق لغزيل بن الفرج الدارمي واسمه سعيد: مكي. وكان شاعراً ظريفاً مبذراً. له أغاني جياد وأرمال حسان وأهزاج ملاح. كان له غلام يحبه فقال له مرّة: لو ددت أن أطلق فاقر عينك بواحدة. وجدت له في كتاب إبراهيم ستة عشر صوتاً وفي كتاب يونس هذا الصوت: يا من لهم أمسى يؤرقني ... حتى مضى شطر ليله الجهني عني ولم أدرِ أنها حضرت ... كذاك من كان شجوه شجني الشعر له رمل ابن نجاد الأعمى وجدت له في كتاب إبراهيم وكتاب يونس هذا الصوت وشارك فيه يونس: ولقد رضيت بعيشنا ... إذ نحن بين عواتق الأن أبصرت الهدى ... وعلا المشيب مفارقي لابن عازر الطائي قيل واسمه يحيى، مكي. وكان عبداً للعبلات مواليات الغريض وكان معه في وقته وكان. وجدت له في كتاب إبراهيم خمسة أصوات وفي كتاب يونس هذا الصوت شارك فيه عبد الله الهذلي. اعتادها حزنها بل عاودت سهدا ... من ذكر هذا الذي لا يثقلني أبداً ابن أبي قباحة عبد الرحمن بن عوف الزهري كان يذهب مذهب ابن سريج وكان يتظرف ويحكي، وكان يوقع بقضيب، وكان من أحفظ الناس لغناء معبد. وجدت له في كتاب إبراهيم صوتين أحدهما: أتهجر من تحب بغير ذنب ... أسأت إذاً وكنت له ظلوم ُ تؤرقني الهموم وأنت خلواً ... لعمرك ما تؤرقك الهموم للمحاربيه الأفرك من أهل وادي القرى، لقب بالأفرك لعرج كان به وكان مليحاً محاكياً له: إن لم يكن علق الهوى بفؤاده ... فلقد أخذت من الهوى بنصيب فعلمت أنَّ أشدّ كلّ مصيبة ... نزلت على أحد فراق حبيب الدجاني واسمه عاصم من ولد أبي دجانة الأنصاري كان شاعراً مليح الرفض خفيف الحركات. له: دارت عليه فزادت في شمائله ... لين القضيب ولحظ الشادن الغرد مشّته لما تمشت في مفاصله ... لعب الرياح بغصن البانة الخضد أقوال في السماع والغناء والطرب وقد قال بعض الفلاسفة المتقدمين: إن من عرضت له آفة في حاسة الشمّ كره رائحة الطيب ومن غلظ حسّه كره سماع الغناء فتركه متشاغلاً لأن من عادة من لا يعرف العلم معاداة أهله ومعاداته وكذلك من نظر إلى الربيع وأصباغ أنواره فلم يبتهج لذلك كان عديم حس أو سقيم نفس. وكانت الفرس تقول: من لم يكره السماع الحسن والصوت المطرب إلا مصر على المأثم حسود للناس فإذا اتفق غناء حسن ووجه حسن كان ذلك زائداً في طربك. ألا ترى أن الغناء من فم جارية حسناء كأنها خرطت من درة بيضاء أو ياقوتة حمراء تغنيك من فم منّاك تقبيله بشعر عكاشة بن عبد الصمد المغني لعبيد الصواب: سقيا لمجلسنا الذي كنّا به ... يوم الخميس عشيّة أجابا في مجلس مطرت سماوة سقفه ... ثمر النعيم تخاله زريابا من كفّ جارية كأنَّ بنانه ... من فضّة قد طرفت عنابا وكأن يمناها إذا نطقت به ... ألقت على يدها اليسار حسابا أحبّ إليك من غناء من فم شيخ مثل دارا الفارسي ملتف اللحية كثّ العارضين مفلج الأسنان مصفر الوجه بشعر ورقاء بن زهير الكردم: رأيت زهيراً تحت كلكل خالدٍٍٍ ... فاقبلت أسعى كالعجول أبادر خفيف ثقيل الأول

الإيقاع في الغناء وأجناسه

وقال غوارة الخياط في أبي السمي المغني من أهل هذه الطبقة: كأن أبا السمي إذا تغنّى ... يحاكي عاطساً في عين شمس يلوك بلحنه طوراً وطوراً ... كان بلحنه ضربان ضرس وقال اسحق بن إبراهيم الموصلي في ملاحظ جارية محسنة: سأشرب ما دامت تغني ملاحظ ... وإن كان لي في الشيب عن ذاك واعظ وفي بعض هذا القول مني مساءة ... وغيظ شديد للمغنين غائظ ملاحظ غنينا بعيشك وليكن ... عليك لما استحسنته منك حافظ فأقسم ما غنّى غناءك حافظ ... مجيد ولم يلفظ كلفظك لا فظ الإيقاع في الغناء وأجناسه قال اسحق بن إبراهيم الموصلي: الإيقاع من الغنا بمنزلة العروض من الشعر وإبراهيم الموصلي أوضح الإيقاع ولقّبه بألقابه وهو ثمانية أجناس. ثقيل الأول وخفيفه، وثقيل الثاني وخفيفه، وهو الماخوري، والرمل الأول وخفيفه، والهزج وخفيفه. وقال اسحق: الإيقاع هو الوزن ومعنى أوقع أي وزن ولم يوقع أي خرج من الوزن والخروج أبطآ عن الوزن أو سرعة. وقال فند الرومي: قول القائل هذا الصوت داخل في الوتر وخارج من الوتر فإنما يعني بذلك أنه داخل في العدد وخارج منه لأن من الحلوق ماهو مضطرب لا يقبل مقادير الإعداد والذي لا بد للمغني منه أربعة: النغم والإيقاع والقسمة والتأليف. وقال لأرسطاطاليس ربّما رأيت الرجل يحرك نحو الموسيقار بالأعضاء التي يتحرك بها الموسيقار. أفلا أرى بينهما فرقاً ولا خلافاً ولا تتقدم هذا حركة هذا. وقال اسحق: المغني الحاذق من تمكن من أنفاسه ولطف في اختلاسه وتفرع في أجناسه. ويحتاج المغني إلى أربع خصال اثنتان له واثنتان عليه. فأما اللتان له فحسن الحلق وجودة الطبع. فأما هذا فما لا حيلة لمخلوق في اكتسابه. وأما اللتان عليه فالأداء والرواية. فإن في طاقته أن يأتي بهذين. تم المختار بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. وصلّّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم وشرف وكّرم.

§1/1