المخارج في الحيل

محمد بن الحسن الشيباني

أصل الكتاب للشيباني

بسم الله الرحمن الرحيم باب الحيل في الطلاق والاسنثناء قال حدثنا يعقوب بن يوسف عن أبي حنيفة قال: قلت: أرأيت رجلاً طلق امرأته ثلاثاً أو واحدة يقول لها أنتِ طالق فهل في ذلك حيلة حتى لا يقع عليها الطلاق وترجع إليه فتكون على حالها؟ قال: نعم. قلت: فما الحيلة في ذلك؟ قال: إذا قال أنتِ طالق ثلاثاً أو واحدة فقال إن شاء الله فوصل يمينه بالاستثناء. قلت: وكذلك إن قال لعبده أنت حر إن شاء الله؟ قال نعم. قلت: ويقول هذا غيركم؟ قال نعم، قد جاءت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ح دثنا أبو يوسف قال حدثنا أبو حنيفة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الله وعلي بن أبي طالب أنهما قالا من حلف بطلاق أو عتاق فاستثنى فله استثناءه، وقال شريح إن قدّم الطلاق وأخّر الاستثناء وقع الطلاق وإن قدّم الاستثناء وأخّر الطلاق لم يقع، قال أبو يوسف ولسنا نأخذ بحديث شريح إنما نأخذ بقول علي وعبد الله قال حدثنا يعقوب قال حدثنا محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال من حلف بطلاق أو عتاق فقال إن شاء الله لم يقع طلاق ولا عتاق- وقال أ [ويوسف حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن إبراهيم مثله- قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال من حلف بطلاق أو عتاق فقال إن شاء

الله لم يقع طلاق ولا عتاق، فمن حلف بشيء من هذه الأيمان فقال إن شاء الله فقد برّ ولم يحنث ولا يقع عليه شيء، ومن حلف بنذر أو غير ذلك من الأيمان المغلظة فقال إن شاء الله فقد بر وخرج من يمينه. وقال أبو يوسف فقد حدثنا أبو بكر النهشلي عن الحسن البصري ومحمد ابن سيرين أنهما قالا في ذلك يقع الطلاق لأن الله قد شاء الطلاق قال فقد بلغنا حديث الحسن عن ابن سيرين في ذلك ولسنا نأخذ به. قال يعقوب حدثنا معروف بن واصل عن محارب بن دثار رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أتزوجت؟ قال: نعم، قال: ثم ماذا؟ قال: طلقتها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم من ريبة؟ قال: لا، قال له النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون ذلك، ثم جاءه بعد ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتزوجت؟ قال: نعم، قال ثم ماذا؟ قال: طلقتها، قال من ريبة؟ قال لا، قال قد يكون ذلك، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ف يالمرة الثالثة ما من شيء أحله الله أكره إلى الله من الطلاق. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من بيت يُبنى في الإسلام أحب إلى الله من النكاح، ولا شيء أحله الله أكره إليه من الطلاق. قال: حدثنا إسماعيل بن عياش العبسي عن حميد اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله شيئاً على وجه الأرض أبغض إليه من لاطلاق. فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فقد بر والاستثناء له، وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله الاستثناء ولا طلاق عليه؛ فكيف نأخذ بحديث الحسن وابن سيرين مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه ثم التابعين من بعدهم، ثم الأحاديث في الاستثناء في غير الطلاق. حدثنا يعقوب قال حدثنا عبد الله بن عمرو الجهني عن ليث بن أبي سليم عن طاوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فقال إن شاء الله

فقد خرج من يمينه؛ قال ليث فقلت لطاوس وفي الطلاق والعتاق قال نعم، وفي الطلاق والعتاق إلا أنه ما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الطلاق والعتاق. قال حدثنا يعقوب قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه ولا كفارة. قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو يحيى عن أبيه عن البراء بن عازب عن علي بن أبي طالب قال من استثنى فلا حنث عليه. قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود أنه قال من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه. قال حدثنا يعقوب عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في ذلك خرج من يمينه. قلت أرأيت الرجل يُستحلف فيريد أن يحلف وهو يريد أن ينوي شيئاً آخر ظالماً كان أو مظلوماً فكيف يصنع قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال إذا استُحلف الرجل وهو مظلوم فيمينه على ما نوى، وإذا استُحلف وهو ظالم فيمينه على نية الذي استحلفه. قال حدثني أبو مالك عبد الرحمن بن مالك بن مغول البجلي حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يمينك على ما صدقك عليه صاحبك" قال عبد الرحمن فلم أدر ما تفسير هذا الحديث فلقيت سفيان الثوري وقد كان شهد الحديث معنا فسألته فقال يا ناعس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينك على ما صدقك عليه صاحبك إذا كنت ظالماً، فاليمين على ما استُحلفت عليه وإذا كنت مظلوماً فاليمين على ما نويت، قلت فما ترى في هذا الأيمان التي يحلف بها الرجل فيئول يمينه من سلطان أو غيره فلا يريد بذلك أن يذهب بحق أحد ولا يظلم أحداً؛ قال لا بأس به.

قال حدثنا سلمة بن صالح عن يزيد الواسطي عن عبد الكريم عن عبد الله ابن بريدة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية من كتاب الله وهو في المسجد فقال لا أخرج حتى أخبرك بها فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ذلك فلما أخرج إحدى رجليه من باب المسجد أخبره بالآية قبل أن يُخرج رجله الأخرى. قال حدثنا يعقوب قال حدثنا قيس بن الربيع عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال إن في معاريض الكلام لما يُغني المرء المسلم عن الكذب. وحدثنا يحيى أبو بكر قال أخبرنا الحارث بن عبيد عن معمر عن الزهري أن عبد الله بن رواحة وقع على جارية له فقالت له امرأته فعلت كذا وكذا؟ قال لا، قالت فاقرأ إذاً، قال: شهدت بأن وعد الله حقٌّ ... وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق المساء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا ويحمله ملائكةٌ كرامٌ ... ملائكة الإله مقربينا قال فقلت تستقرئيني القرآن؟ وأنشد الشعر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه القصة وأنشدته الأبيات فقال لا بأس. قال حدثني قيس بن موسى بن يزيد بن عمرو الكتاني أن عبد الله بن رواحة ابتاع جارية وكتم ذلك امرأته فبلغها ذلك فقالت ذات يوم إنه بلغني أنك ابتعت جارية، قال ما فعلت، قالت بلى، وبلغني أنك كنت عندها ولا أحسبك إلا جنباً، فإن كنت صادقاً فاقرأ عليَّ آيات من القرآن فقال: شهدت بأن وعد الله حقٌّ ... وأن النار مثوى الكافرينا

فقالت: زدني، فقال: وأن العرش فوق السماء طافٍ ... وفوق العرش رب العالمينا فقالت زدني فقال: ويحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مقرَّبينا فقالت أما إذ قرأت القرآن فإني أعلم أنك مكذوب عليك ثم افتقدته ذات يوم فلم تصبه فلما قدرت عليه قال الآن صدق قولي فجحدها فقالت إن كنت صادقاً فاقرأ ثلاث آيات من كتاب الله، فقال: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا شق يُعرف به الصبح ساطع يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع فقال زدني فقال: أتانا الهدى بعد العَمى فقلوبنا ... له موقنات أن ما قال واقع فقال زدني فقال: وأعلم علماً ليس بالظن أنني ... إلى الله محثور هناك وراجع قال فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستضحك حتى رأيت التهلل في وجهه ثم قال هذا لعمر الله من معاريض الكلام؛ يغفر الله لك يا بن رواحة، إن خيركم خيركم لنسائه؛ فأخبرني ماذا ردت عليك حيث قلت الذي قلت؟ قال قالت: الله بيني وبينك، أما إذ قرأت القرآن فإني أتهم ظني وأصدقك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد وجدتها ذات فقه في الدين. قال وحدثنا يعقوب عن قيس بن الربيع عن حماد عن إبراهيم أنه سئل عن

رجل ادعى عليه رجل دعوى وهو ظالم له فقال احلف بالمشي إلى بيت الله كيف الحلة في ذلك؟ قال له إبراهيم احلف بالمشي إلى بيت الله وأعن مسجد حيك فإنك لا تحنث. قال وحدثنا يعقوب عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال له رجل إن فلاناً يأمرني أن آتي مكان كذا وكذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي قال له إبراهيم قل له والله ما أبصر إلا ما سددني غيري، وأعن إلا ما بصرني ربي. قال حدثنا يعقوب عن قيس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال كان رجل من باهلة عيوناً فرأى بغلة لشريح فأعجبته فرأى شريح ذلك فقال له شريح أما إنها إذا ربضت لا تقوم حتى تقام فقال له الرجل أف زف، حدثنا يعقوب عن مسعر بن كدام عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سيرة قال جعل حذيفة يحلف لعثمان بن عفان في أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه قالها فقلت يا عبد الله سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله. حدثنا يعقوب قال حدثنا مسعر بن كدام عن وبرة عن عبد الله بن عمر قال لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً. حدثنا يعقوب قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم قال قال رجل لإبراهيم إني ذكرت من رجل شيئاً فبلغه ذلك فكيف الحيلة في ذلك وكيف أعتذر إليه فقال له إبراهيم قل والله إن الله يعلم ما قلت لك من ذلك من شيء فإن الله قد علم حين قلت ما قلت خيراً قلت أو شراً قال أو لم تقل. حدثنا يعقوب قال حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه قال ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم وسودها. حدث بعض أصحابنا عن عمر بن الخطاب أنه قال إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب. حدثنا يعقوب قال حدثنا عقبة بن أبي العيزار قال كنا نأتي إبراهيم النخعي

وهو متغيب خائف من الحجاج بن يوسف فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا إن أنتم سئلتم عني وحلفتم فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا ولا لنا به علم ولا في أي موضع هو واعنوا أنكم لا تدرون في أي موضع أنا فيه قائم أو قاعد أو نائم فتكونوا قد صدقتم، لا تدرون أين أنا قائم أو قاعد أو نائم. قال عقبة وأتاه رجل فقال يا أبا عمران إن رزقي في الديوان وإني اعترضت على دابة وإن دابتي نفقت وإنهم يريدون أن يُحلفوني بالله إنها الدابة التي اعترضت عليها، فكيف الحيلة في ذلك؟ قال له إبراهيم اذهب فاركب دابة واعترض عليها على بطنك اعتراضاً ثم احلف بالله إنها الدابة التي اعترضت عليها وانو بها الدابة التي اعترضت عليها على بطنك. حدثنا يعقوب قال حدثنا عقبة وأتاه رجل فقال يا أبا عمران إن الأمير يريد أن يضرب على البعث وقد خبرته أني لا أبصر وأنا أبصر قليلاً فإنه يريد أن يُحلفني بالله ما تبصر، فما الحيلة في ذلك؟ قال له إبراهيم احلف بالله ما تبصر إلا ما سُددت وسددك غيرك واعن أن الله هو الذي يسددك. حدثنا ابن عُليّة عن ابن عون عن أنس بن سيرين قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فيه ضعف فقال له ابن عمر ما هممت أن أجلدك بآية، قال لمَ أصلحك الله؟ قال إنك ما علمك بحب الفتنة والفتنة قوله: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة). ابن عُليّة عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال قال الوليد عقبة ابن اعزم عليَّ أول من سماسر. حدثنا أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (لا تؤاخذني بما نسيت) قال: لم ينس ولكنه من معاريض الكلام. حدثني أبو سعيد سعد بن مالك المزني عن أبي حاتم البجلي أن إبراهيم دخل على الحجّاج فعاتبه في أشياء فقال النخعي إن الخاصرة قد لزمتني ما تفارقني وإن الدم كثير وأنا صاحب فراش، فقال الحجّاج إن في خصلة من هذه لشغلا.

حدثنا وكيع عن الأعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن عن سويد بن غفلة قال قال علي بن أبي طالب إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما حدثتكم، فوالله لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أكذب على رسول الله وإذا سمعتم أني حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة. قال حدثنا محمد ب ن الحسن عن سفيان عن عمرو عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحرب خدعة. قال وحدثنا يزيد بن هارون عن عبد الله بن عون قال ذُكر عند محمد بن سيرين أنه يصلح الكذب في الحرب فأنكر ذلك فقال ما أعلم الكذب إلا حراماً، قال ابن عون فغزونا فخطبنا معاوية بن هشام فقال اللهم انصرنا على عمورية، وهو يريد غيرها، فلما قدمت ذكرت ذلك لمحمد فقال أما هذا فلا بأس به، قال يزيد ليس كل العلم جمعه محمد. قال وحدثنا داود بن أبي هند عن شهر بن حوشب رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل الكذب مكتوب لا محالة إ لا الرجل بامرأته وولده، والرجل يُصلح بين اثنين، والحرب فإن الحرب خدعة. قال وحدثنا إسماعيل بن عياش العبسي عن ابن جريج عن عطاء قال لا بأس بالنية والكذب في إصلاح بين الناس. قال وحدثنا أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة العدوي وأبو العطوف عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات التي هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت سمعته يقول ليس بالكذاب الذي يُصلح بين الناس فينمى خيراً وينوي خيراً وليس يُرخَص في شيء مما يقول الناس أنه حدث إلا في ثلاث إصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. حدثنا جريج بن عبد الحميد الصبغي عن منصور عن إبراهيم قال كان لهم كلام يدرءون به عن أنفسهم العقوبة والبلاء في والكذب.

باب الحيل في إجازة الدور

باب الحيل في إجازة الدور قلت: أرأيت رجلاً استأجر من رجل داراً سنين معلومة فخاف أن يعذر له صاحب الدار قال فليسم لكل سنة من أول هذه السنين أجراً قليلاً ويجعل للسنة الآخرة أجراً كثيراً فيكون ذلك ثقة للمستأجر. قلت: أرأيت إن كان رب الدار هو الذي يخاف عذر المستأجر وخاف أن يسكن بعض السنين ويعطل الدار بعد ذلك؟ قال فليؤاجرها إياه سنين مسماة ويجعل عظم أجر هذه السنين أجر السنة الأولى ويجعل ما بقي من الأجر لما بقي بعد ذلك من السنين. قلت: هذا ثقة عندكم لرب الدار؟ قال نعم؟ قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يؤاجر رجلاً داره فخاف رب الدار أن يغيب المستأجر ويحتاج رب الدار إلى داره فلا يدفعها إليه أهل المستأجر الغائب هل في ذلك حيلة؟ قال: نعم، يؤاجرها رب الدار من امرأة الذي يخاف غيبته ويضمن الزوج أن يرد عليه الدار متى ما شاء واحتاج إليها إن احتجبت المرأة وأنكرت الإجارة، قلت: ويجوز هذا؟ قال: نعم، قلت: فإن غاب الزوج أخرج المؤاجر المرأة وعيال الغائب من الدار؟ قال: نعم، إذا أراد ذلك، قلت: وكذلك إن مات الزوج؟ قال نعم، قلت: أرأيت إن ماتت المرأة أو جحدت الإجارة وادعت أن الدار دارها أيضمن الزوج للمؤاجر أن يسلم إليه داره كما اشترط رب الدار؟ قال: إذا قامت عليه البينة بالضمان كما وصفت، قلت أرأيت إن كان المستأجر ليس بملئ بأجر الدار كيف يصنع رب الدار؟ قال يأخذ منه كفيلاً بأجر الدار ما سكنها أبداً ويسمى أجر كل شهر للضمين ويشهد به عليه. قلت: أرأيت رجلاً استأجر داراً وليس فيها بناء وأذن له رب الدار أن يبنيها

ويحسب له ما أنفق في البناء من أجر الدار ما بينه وبين كذا درهماً أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن أنفق المستأجر وبنى الدار فقال أنفقت كذا وكذا درهماً وأنكر ذلك رب الدار وقال بل أنفقت أقل من ذلك قال القول قول رب الدار مع يمينه، قلت فإن كان رب الدار قد أشهد أن المستأجر مصدق على ما قال أنه أنفقه قال ليس ذلك بشيء ولا يصدق المستأجر أنه أنفق شيئاً إلا ببينة والقول قول رب الدار، قلت أرأيت إن جحد رب الدار أن يكون المستأجر بنى فيها شيئاً وقال آجرته داري على حالها وبنائها قال القول قوله ولا يصدق المستأجر إلا ببينة، قلت فكيف يستوثق المستأجر حتى يصدق فيما قال إني قد أنفقته ولا يُلتفت إلى قول رب الدار قال يسلف المستأجر رب الدار من أجرته بقدر ما يكتفى به من نفقة الدار ويُشهد على رب الدار بقبضه ذلك من أجر الدار ثم يدفع رب الدار إلى المستأجر ما أخذ منه ويوكله بالنفقة في داره، قلت ويصدق المستأجر حينئذ على أنه قد أنفق ما دفع إليه من الدراهم على الدار قال نعم إذا كان ذلك نفقة قصد، قلت فإن قال المستأجر قد ضاعت الدراهم التي دفعت إلى وأمرتني أن أنفقها؟ قال يصدق مع يمينه. قلت أرأيت رجلاً أراد أن يؤاجر داره من رجل سنة وخاف رب الدار أن يطلب أجر داره فلا يدفعه المستأجر إليه ويشعب عليه فيه كيف يحتال؟ قال يؤاجرها إياه سنة من يومه على أن أجر كل يوم بعد مضي السنة دينار أو أكثر من ذلك إن شاء رب الدار، قلت ويجوز هذا على هذا الشرط؟ قال نعم، وهو ثقة لرب الدار فيما أراد. قلت أرأيت رجلاً استأجر من رجل داراً وأخذ رب الدار من المستأجر كفيلاً بأجر ما سكن الدار فاجتمع على المستأجر من أجر الدار مال كثير فأخذ الطالب الكفيل بالأجر فأراد الكفيل مصالحة رب الدار على بعض الأجر فأعطاه بعض الأجر وحط عنه وعن المستأجر ما بقي أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن أراد رب الدار أن يكون ما حط من ذلك على المستأجر ويبرأ منه الكفيل كيف

يحتال في ذلك؟ قال يصالح على ما ذكرت من الدراهم على أن يبرأ الكفيل خاصة من الذي بقي من أجر الدار وأن الذي يبقى لرب الدار على المستأجر على حاله، قلت ويجوز هذا؟ قال نعم، قلت فإن كان الكفيل هو الذي أراد أن يعطي بعض ما ضمن ويبرأ هو وصاحبه المستأجر وأراد أن يرجع على المستأجر بما أعطى عنه وما حط عنه هل في ذلك حيلة؟ قال نعم، يعطي الكفيل رب الدار بما وجب له من أجرة الدار ديناراً ويغلي له رب الدار بالدنانير فيكون للكفيل جميع ما وجب من أجر الدار على المستأجر دراهم يأخذه بجميعها، قلت فيطيب ذلك للكفيل ويسعه فيما بينه وبين الله؟ قال نعم. قلت وكذلك لو كان الكفيل إنما ضمن عنه شيئاً سوى أجر الدار من دين أو صداق أو غير ذلك فهو سواء قال نعم. قلت أرأيت إن كان استأجر المستأجر الدار كل سنة بكر حنطة فأخذ الكفيل المستأجر بما ضمن عنه فأدى إليه على وجه الاستقضاء كر حنطة فباعه الكفيل وأعطى رب الدار دراهم وهي أقل من ثمن الكر بالكر وقبل ذلك من المؤاجر قال ذلك جائز والفضل يطيب للكفيل، ولو كان الكفيل إنما أخذ الكر على وجه الرسالة فباع الكر ثم رخص الطعام فاشترى للرب طعاماً مثله فقضاه إياه لم يطب الفضل للكفيل وعليه أن يتصدق به؛ ولو كان الكفيل حيث أخذ الكر على وجه الرسالة فباعه في حال الغلاء ورخص الطعام أعطى الكفيل رب الدار بالكر الذي وجب له عليه دراهم أقل من ثمن الكر الذي باعه الوكيل جاز ذلك وبرئ الكفيل من ضمان الكر الذي باعه قلت فإن كان استفضل من ثمن الكر شيئاً أيطيب ذلك له قال لا لأنه غاصب له حيث باعه ولم يؤمر ببيعه، قلت وكذلك إن كان آجر الدار بدراهم فاقتضاها هذا الكفيل من المستأجر ثم اشترى بها وباع وربح أيطيب له الفضل؟ قال نعم، قلت فإن كان الكفيل إنما أخذ الدراهم على وجه الرسالة فباع بها واشترى فربح قال يتصدق بالفضل في قول أبي حنيفة، وأما أبو يوسف فقال الربح له طيب، قلت هل عندك حيلة

في أن يطيب ربح الأجر الذي أرسل به مع الكفيل؟ قال نعم يشتري الكفيل متاعاً لا ينوي أن يعطي ثمنه من أجر الدار، فإن أعطاه بعد ذلك لم يُفسد ذلك عليه ربح متاعه ولم يحرمه عليه، قلت ويستقيم هذا؟ قال نعم. قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن الحيلة في نحو هذا فأجابني بما وصفت لك، قلت هل في هذا وجه غير هذا؟ قال نعم، يعطي الكفيل بأجر الدار دنانير بما كان عليه، قلت فيشتري الكفيل بذلك؟ قال نعم يشتري الكفيل بمال نفسه متاعاً فيطيب له فضل مال نفسه. قلت أرأيت رجلاً تكارى داراً ولم يرها أيكون له الخيار إذا رآها؟ قال نعم، قلت فإن رآها ورضي بها ثم أصاب بها عيباً ألهُ أن ينقض الإجارة قال لا إلا أن يكون العيب ينقص من سكنها. قلت أرأيت رجلاً أراد أن يكترى إبلاً لمتاع له إلى مصر بمائة دينار فإن قصر عنها إلى الرملة فكرى الجمال سبعون ديناراً فإن قصر عن الرملة إلى أذرعات فالكرى خمسون ديناراً، فاستأجر على هذا الشرط قال الإجارة على هذا الشرط فاسدة، فإن حمل الجمال إلى مصر فإني أستحسن أن أجعل له أجر مثله لا أجاوز به المائة، قلت فكيف الثقة للجمَّال وللمستأجر حتى يصح ذلك على هذا الشرط وحتى لا يفسد ما أخذ؟ قال يستأجر رب المتاع من الجمال إلى أذرعات بخمسين ديناراً ويستأجر منه من أذرعات إلى الرملة بعشرين ديناراً ويستأجر منه من الرملة إلى مصر بثلاثين ديناراً، فإذا فعل هذا جاز على ما سميناً ولم يفسد هذا الشرط أحد، قلت أرأيت أن أراد صاحب المتاع ألا يحمل من أذرعات إلى الرملة؟ قال ذلك له وليس لصاحب الإبل إن أراد صاحب المتاع أن يحمل إلى الرملة من أذرعات أن يمتنع من ذلك.

باب الحيل في الهبة

باب الحيل في الهبة ولو أن رجلاً وهب لرجل هبة فقبضها قبل أن يتفرقا والواهب ساكت ولم يأمره بالقبض قال الهبة جائزة، وكذلك لو أمره الواهب بقبضها وقال قد خليت بينك وبينها ثم انصرف الواهب وتركها عند الموهوب له فإنه قبض، ولو أن رجلاً وهب لأخيه من الرضاع ثم أراد أن يرجع في هبته فذلك له ولا يشبه الرضاع النسب. ولو أن غلاماً صغيراً وهب له هبة فقبضته الأم والغلام في عيالها كان ذلك جائزاً لأنها بمنزلة الأب لو كان حياً. وكذلك لو كان الصبي في حجر رجل أجنبي وهو يعوله فوهب للصبي هبة فقبضه الذي يعوله فذلك جائز. وإذا وهب للصبي الذي يعقل ومثله يقبض هبة وقبضها فإني أستحسن أن أُجيز ذلك، ولو كان هذا الصبي جارية قد تزوجت يجامع مثلها إلا أنها لم تدرك فوهب لها هبة فقبضها زوجها أو أبوها أو هي بنفسها فذلك جائز، وإن كان التي دخل بها فلا يجوز قبضه لها. ولا يجوز هبة الرجل لابنه الكبير الذي في عياله إلا أن يقبضها، فإذا كان أبو الصبي غائباً غيبة منقطعة وهو في حجر أمه فإن قبضتها له جازت، وإن كان الأب حاضراً لم تجز، ولو كان الأب غائباً غيبة منقطعة والصبي في حجر رجل أجنبي وعمه حاضر فوهب له هبة فإن قبض الرجل الأجنبي الذي يعوله جائز ولا يجوز قبض العم له. وإذا وهب رجل لرجل نصف دار ثم وهب لآخر النصف الباقي ودفعها إليهما معاً لم يجز في قول أبي حنيفة، ولو وهب لأحدهما الثلث وللآخر الثلثين لم يجز إلا مقسوماً، وهو جائز في قول أبي يوسف.

ولو أن رجلاً له على رجل دين دراهم أو دنانير فوهبها لرجل أجنبي ووكله بقبضه فقبضه فإن ذلك جائز. ولو أن رجلاً اغتصب من رجل عبداً ورهنه عند رجل ثم إن مولى العبد وهب العبد لابن له صغير فإن ذلك لا يجوز. ولو أن رجلاً مكاتباً أعتق عبداً له أو وهب رقبته لرجل فأجاز ذلك مولاه فإن ذلك لا يجوز، وكذلك العبد المأذون له إذا كان عليه دين فأجاز ذلك مولاه والغرماء فإن ذلك لا يجوز، ولو لم يكن عليه فأجاز ذلك مولاه فإن ذلك جائز. ولو أن رجلاً أعتق ما في بطن أمته أو وهبها وهي حبلى فإن الهبة جائزة ولا يشبه هذا البيع. وإذا وهب لرجل ما في ضروع غنمه وأمره أن يقبض فحلبها وقبض فإني أستحسن أن أجيزه. ولا يجوز هبة نصيب الرجل من عبد ما لم يسم النصيب حتى يسميه ويدفعه. وإذا وهب رجل لرجل هبة ودفعها إليه فله أن يرجع فيها ما لم تزد أو يعوض منها، فإن عوضه أجنبي بغير أمره جاز العوض وليس له أن يرجع في هبته. وإذا وهب رجل لرجل ألف درهم فعوضه درهماً من غيرها فهو عوض، وكذلك إن وهب مائة دينار فعوضه ديناراً منها أو أقل فهو جائز، ولو أنه وهب لرجل داراً ودفعها إليه ثم استحق نصف الدار فإن الهبة تنتقض في النصف الباقي إن كان النصف المستحق غير مقسوم، فإذا قال الموهوب له قد تصدقت عليك أيها الواهب بهذه الدراهم عوضاً لك عن هبتك فذلك عوض وليس بصدقة. وإذا وهب الرجل فعوض منها فهلك العوض في يده ثم استحق الهبة فإنه

ضامن لقيمة العوض، ولو هلك الهبة في يد الموهوب له ثم استحق العوض لم يضمن الموهوب له للواهب شيئاً، وإذا استحق الهبة فأجاز المستحق الهبة وقد عوض الموهوب له الواهب من الهبة عوضاً فإن العوض باطل وله أن يرجع فيه ما لم يُجز الهبة بقيمته وليس للواهب أن يرجع في الهبة. ولو أراد المستحق الذي أجاز الهبة أن يرجع في الهبة ولم تزد ولم يعوض فذلك له، وأما الواهب فلا يرجع لأنه لا يملك، ولو أن رجلاً وهب لرجل ثوبين في صفقتين مختلفتين فعوضه أحدهما من الآخر فذلك عوض وهو جائز، ولو كان وهب له ثوبين في صفقة واحدة لم يكن ذلك عوضاً، وإذا وهب الموهوب له للواهب شيئاً ولم يقل هذا مكان هبتك فليس يكون ذلك عوضاً، ولو قال هذا مكان هبتك أو هذه مكان ما وهبت لي كان ذلك كله عوضاً، وإذا استحق نصف العوض فقال الواهب أنا أرد النصف الباقي وأرجع في هبتي فله ذلك، وإذا قال الواهب قد رجعت في هبتي وأبي الموهوب له أن يردها فتتبع الموهوب له في الحكم ما لم يكن القاضي قد أبطل الهبة وقضى عليه بردها. وإذا وهب رجل لرجل داراً فبنى الموهوب له فيها حائطاً في قطعة منها فليس للواهب أن يرجع في شيء من الدار سواء كان حائطاً صغيراً أو كبيراً. ولو أن رجلاً وهب لعبد هبة ثم أراد أن يرجع فيها فذلك له وهو بمنزلة الحر، وكذلك لو وهب للمكاتب فعجز المكاتب أو أدى فعتق فله أن يرجع. ولو أن رجلاً وهب لرجل هبة فوهبها الموهوب له لرجل آخر ثم إن الموهوب له رجع في هبته فأخذها فأراد الواهب الأول أن يرجع في هبته تلك فذلك له، ولو لم يرجع الواهب الثاني في هبته ولكن الموهوب له الثالث وهبها للموهوب له الأول وهو الثاني لم يكن للواهب الأول أن يرجع فيها لأنه غير المالك الأول، فإن قال الواهب وهبت لك هذا الثوب فأنا ارجع فيه وقال الآخر تصدقت به عليَّ فإن القول قول الواهب وله أن يرجع، ولو كانت الهبة

سويقاً فقال الموهوب له أنا لتّه وأنكر الواهب وقال بل كان ملتوتاً فإن الموهوب له مصدق ولا يرجع الواهب. ولو أن رجلاً وهب لرجل سائل فليس له أن يرجع فيه. وإذا قال الرجل لرجل قد حملتك على دابتي هذه وأخدمتك خادمي هذا فإن ذلك كله عارية إلا أن يقول أردت الهبة. ولو قال أعطيتك هذه الدابة أو هذه الجارية كانت هبة. ولو أن رجلاً قال لرجل قد أطعمتك هذا الطعام فاقبضه فهو هبة، وإذا قال له هذا الطعام لك فهو جائز إن قبض فهو هبة، وكذلك لو قال هذا لك ولعقبك من بعدك كانت هبة جائزة. ولو أن رجلاً مريضاً وهب عبداً في مرضه من رجل فقبضه فأعتقه وعلى المريض دين أو باعه وهو معسر فلا سبيل للمريض ولا لورثته على العبد والموهوب له ضامن بقيمة العبد وإن كان معسراً، وإذا وهب المريض عبداً له لذي رحم فليس له أن يرجع فيه، وإن مات المريض ولا مال له غيره فإن ورثته يرجعون في ثلثي العبد. ولو أن رجلاً وهب لرجل نخلة بأصلها فقطعها فأراد الواهب أن يرجع ف يهبته فذلك له، وكذلك لو وهب شاة فذبحها فله أن يرجع، وكذلك لو وهب له ثوباً فقطع بعضه وخاطه فله أن يرجع فيما بقي من الثوب، وكذلك لو وهب له جذوعاً يجعلها حطباً فله أن يرجع فيها. ولو أن رجلاً وهب لرجل تخيخا فجعله خلاً فليس له أن يرجع فيه، ولو أن رجلاً وهب لرجل داراً فعوض على بيت منها فليس له أن يرجع فيها، ولو أن رجلاً وهب لرجل لبناً فكسر فله أن يرجع فيه، فإن أعاده الموهوب له لبناً فليس له أن يرجع فيه، ولو أن رجلاً مريضاً وهب في مرضه هبة فعوض منها قدر ثلثيها فليس لورثته أن يرجعوا في شيء من الهبة؛ ولو كان عوض بقدر نصفها كان لهم أن يرجعوا بسدس الهبة إن كان العوض قائماً بعينه يوم موت المريض.

ولو أن رجلاً مريضاً وهب في مرضه داراً لرجل فلم يقبضها حتى مات المريض فالهبة باطلة، ولو قبضها حيث وهبت له غير أن شقصاً فيها غير مقسوم واستحق بطل الهبة، ولو لم يستحق منها شيء ولم يكن للواهب مال غيرها جاز للموهوب له ثلثها. ولو أن رجلاً مريضاً وهب في مرضه عبداً لرجل ثم مات المريض في مرضه ولا مال له غيره ثم باعه الموهوب له بعد موت الواهب أو كاتبه فإنه لا يُنقص شيء من ذلك ولا سبيل لورثة الواهب على المشتري ولا على المكاتب ولكنَّ على الموهوب له ثلثي قيمته للورثة، ولو كان الموهوب له إنما جعل ذلك بعدما قضى عليه برد ثلثي العبد لم تجز الكتابة ولم يجز ثلثا العبد في البيع، ولو كان أعتقه بعدما قضى لهم عليه برد الثلثين قبل أن يقبضوه فإن ذلك بمنزلة عبد بين رجلين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه، ولو لم يكن قُضي عليه بشيء حتى أعتقه فإنه يضمن ثلثي قيمته يوم أعتقه إلا أن يكون يوم قبضه قيمته أكثر فيلزمه الأكثر. قلت رجل اشترى عبداً وبه عيب فأعتقه ثم وجد بذلك العبد عيباً قال يرجع به على البائع، وكذلك إن مات ودبره، وأما إذا كان كاتبه فوجد به ذلك العيب فإنه لا يرجع عليه، لكنه إن عجز رجع عليه، وإذا اشترى رجل جارية ثم وهبها ثم وجد بها عيباً فإنه لا يرجع عليه، ولكن إن وهب له الموهوب له فإنه يرجع عليه، وإن كان به عيب لم يرجع عليه إذا باعه. وإذا وهب الذمي للذمي هبة فعوضه منها خمراً فليس للواهب أن يرجع في هبته، ولو كان عوضه ميتة أو دماً لم يكن ذلك عوضاً وله أن يرجع في هبته، ولو كان الواهب والموهوب له أحدهما مسلماً والآخر ذمياً فعوض أحدهما صاحبه خمراً من هبته لم يكن ذلك عوضاً، ولو صارت الخمر بعد ذلك خلا فإنها لا تكون عوضاً. ولو أن رجلاً وهب للمرتد هبة فعوضه المرتد من هبته ثم قتل المرتد على

ردته لم يجز العوض وجازت الهبة في قول أبي حنيفة، وذلك كله جائز فيقول أبي يوسف. ولو كان المرتد في قول أبي حنيفة هو الواهب فعوض ثم قُتل على ردته بطل هبته وأخذ ورثته الهبة ورد العوض على صاحبه، ولو كانت الهبة قد استهلكت قال قيمة الهبة دين على المرتد في ماله. وإذا وهب المسلم لحربي في دار الإسلام هبة ثم رجع الحربي مع الهبة إلى دار الحرب ثم تسبى الهبة معه فليس للواهب أن يرجع في هبته قُسمت أو لم تُقسم. ولو أن حربياً وهب لحربي هبة في أرض الحرب ثم أسلما ودخلا إلينا وأسلم أهل الدار فإن للواهب أن يرجع في هبته إن لم تزدد ولم يكن أخذ عوضاً. ولو أن رجلاً قال مالي في المساكين صدقة فإنه يتصدق بكل شيء يملك مما يجب في مثله الزكاة ولا يتصدق بغير ذلك من العقار والخدم وشبه ذلك. ولو أن رجلاً قال جميع ما ملكت في المساكين صدقة فإنه يتصدق بجميع ما يملك من عقار أو غيره ويمسك قوته، فإذا أصاب شيئاً تصدق بقدر ما أمسك. ولو أن رجلاً وهب زرعاً نابتاً لرجل ودفعه إليه فلا يكون ذلك قبضاً حتى يحرزه الموهوب له. وإذا ارتدت الجارية بعد الهبة ثم عوض الموهوب الواهب من هبته لم يكن ذلك عوضاً، وكذلك لو نقضت الجارية بعد ذلك لم يكن ذلك عوضاً وكان للواهب أن يرجع في هبته وللآخر أن يأخذ عوضه متى ما أحب أو قيمته إن كان استهلك، وكذلك لو أن رجلاً وهب لرجل جارية أو غلاماً ثم أبق ثم عوض الموهوب له الواهب من هبته عوضاً فإن ذلك لا يكون عوضاً، ولو رجع الغلام أو الجارية لم يكن ذلك عوضاً وكان للواهب أن يرجع في هبته وكان للآخر أن يأخذ عوضه متى شاء أو قيمته إن كان استهلكه.

باب الحيل في إجارة الأرضين

باب الحيل في إجارة الأرضين قلت: أرأيت رجلاً إن أراد أن يؤاجر أرضاً له فيها زرع هل في ذلك حيلة؟ قال لا، إلا خصلة واحدة أن يبيعه رب الزرع الزرع ثم يؤاجره الأرض ما أحب من السنين، قلت ويكون ذلك جائزاً؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن كان الزرع إنما هو لغير رب الأرض ولا يقدر رب الأرض على أن يسلم للمستأجر الزرع؟ قال فليؤاجره الأرض كل سنة بكذا وكذا كذا وكذا سنة بعد مضي السنة التي فيها الزرع فيجوز ذلك. قلت: أرأيت إن أراد رب الأرض أن يشرط على المستأجر أن عليه خراج الأرض مع أجرها قال لا يجوز ذلك، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يجوز ولا يفسد الإجارة؟ قال نعم يؤاجرها إياه بأجر يزيد فيه قدر ما يرى أنه يلزم الأرض من الخراج ويشهد للمستأجر أنه قد أذن له أن يؤدي مما عليه من أجر الأرض في خراجها كذا وكذا درهماً، قلت فهل في هذا شيء أوثق من هذا قال نعم يدفع المستأجر إلى رب الأرض جميع أجر الأرض ثم يدفع ذلك رب الأرض إلى المستأجر ويوكله أن يؤديه عنه إلى ولاة الخراج فيكون المستأجر في ذلك أميناً مصدقاً أنه قد أداه بغير بينة ينيلها إياه. قلت: أرأيت إجارة النخل والشجر هل تجوز؟ قال لا، كان أبو حنيفة وغيره يكرهون ذلك، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يجوز ويستقيم؟ قال نعم، يؤاجر أحدهما أرضه من صاحبه بكذا وكذا درهماً ثم يستأجر المؤاجر أرض صاحبه بمثل تلك الدراهم فيجوز

باب الحيل في الخدمة وفضول أجورهم وإجاراتهم

ذلك ويصير ما وجب لكل واحد منهما من الأجر قصاصاً مما عليه لصاحبه، قلت وكذلك لو كان مكان الأرض داران أو دابتان قال نعم. قلت فلو كان لأحدهما أرض وللآخر عبد فأراد صاحب الأرض أن يؤاجر أرضه سنة من صاحب العبد بخدمته سنة؟ قال هذا جائز لا بأس به. قلت: أرأيت الرجل يستأجر الأرض بالدراهم سنة فأراد المستأجر أن يجعل لرب الأرض دنانير بالأجر أيجوز ذلك قال نعم، حدثنا مالك بن مغول عن القسم بن صفوان قال أكريت عبد الله بن عمر إبلا بورق فأرسل معي رسولاً بذهب وقال له اعرضه على السوق فإذا قام على ثمن فإن شاء فأعطه إياه بالأجر وإن شاء فبعه وأعطه ورقه، قلت يا أبا عبد الرحمن ويصلح هذا؟ قال نعم ولدت وأنت صغير. باب الحيل في الخدمة وفضول أجورهم وإجاراتهم قال حدثنا سعيد بن الحجاج عن حماد عن إبراهيم في رجل استأجر داراً فآجرها بأكثر من أجرها أنه قال ذلك ربا، وقال أبو حنيفة إذا استأجر الرجل عبداً يخدمه فأراد أن يؤاجره من غيره للخدمة أن ذلك له ولا يكون مخالفاً؛ وإن كان استفضل في أجره شيئاً لم يكن له الفضل إلا أن يعينه ببعض متاعه أو يعينه المستأجر الأول من عمله شيء قليل بنفسه أو ببعض أجزائه، فإن فعل ذلك كان له الفضل. قلت أرأيت إن استأجر دابة فأسرجها المستأجر من عنده بسرج أو أوكفها ثم آجرها أيطيب ذلك له قال نعم إلا أن يكون استأجر الدابة ليركبها هو ورجل غيره بعينه، فإن كان كذلك لم يطب له الفضل لأنه ليس له أن يؤاجرها من غيره. قلت أرأيت رجلاً تكارى داراً ولم يرها أيكون له الخيار إذا رآها؟ قال نعم، قلت فإن رآها فرضي بها ثم أصاب بها عيباً أله أن ينقض الإجارة؟ قال لا إلا أن يكون العيب ينقص من يسكنها.

باب الحيل في الوكالة

قلت: أرأيت رجلاً استأجر داراً فكنها من التراب ثم آجرها بأكثر من ذلك أيطيب له الفضل؟ قال لا، قلت فإن طين سطوحها أيطيب له الفضل؟ قال نعم، بلغنا ذلك عن إبراهيم. قلت: أرأيت إن استأجر الرجل الدابة بكذا وكذا درهماً إلى بغداد على أن علفها على المستأجر أيجوز ذلك؟ قال لا، قلت فكيف الحيلة في ذلك؟ قال يسمى قدر علف الدابة ويزيد ذلك في الأجر ثم يوكل رب الدابة بأن يعلفها بتلك الزيادة. قلت: وكذلك لو استأجر أجيراً يخدمه بكذا وكذا درهماً وطعامه لم يجز إلا على ما ذكرت؟ قال نعم، غير أن أبا حنيفة كان يستحسن أن يجيز ذلك في المرضع خاصة أن يستأجرها الرجل ترضع صبيه في كل شهر بكذا وكذا درهماً وطعامها. قلت أرأيت رجلاً استأجر داراً أو عبداً أو أمة كل شهر بكذا وكذا درهماً فسكنها شهراً ثم مضى من الشهر الداخل يوم أو يومان أو أكثر من ذلك ثم أراد التحول إلى دار له أخرى فأبى صاحب الدار أن يدعه حتى يستوفى ذلك الشهر؟ قال ذلك لصاحب الدار، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يكون المستأجر متى ما أحب خرج ولا يلزمه إجارة بقية الشهر؟ قال نعم، يستأجرها منه كل يوم بأجر معلوم فيكون له أن يخرج متى ما أحب وينقض الإجارة متى أحب. باب الحيل في الوكالة قلت: أرأيت رجلاً وكل رجلاً يشتري له جارية بعينها بكذا وكذا فلما أن رآها الوكيل أراد أن يشتريها لنفسه ولا يدخل عليه إثم من ذلك فيما بينه وبين الله؟ قال يشتريها الوكيل لنفسه بدنانير فتكون له ولا شيء للآمر فيها، قلت فإن كان إنما اشتراها بما سمى الآمر من الدراهم أو أقل من ذلك غير أن الوكيل نوى أن يكون الشرى لنفسه [فتكون له ولا شيء للآمر فيها] قال نيته باطلة

والجارية للآمر، قلت فإن كان أشهد على ذلك قبل أن يشتريها وقال إني لست أبتاعها لفلان وإنما أشتريها لنفسي فاشهدوا واشتراها ساعتئذٍ؟ قال الجارية للآمر وما صنع الوكيل لا يجوز، قلت أرأيت إن اشتراها بدراهم أكثر مما سمى الآمر؟ قال الجارية للوكيل ولا شيء للآمر فيها، قلت أرأيت إن كان الآمر قال للوكيل اشتر لي هذه الجارية ولم يسم له ثمناً، فاشتراها الوكيل بحنطة بعينها أو بغير عينها؟ قال الوكيل مخالف والشرى للوكيل ولا يلزم الآمر، قلت أرأيت إن وكله يشتري هذه الجارية فأمر الوكيل رجلاً غيره يشتريها للوكيل الأول فاشتراها الوكيل الثاني بغير محضر من الوكيل الأول؟ قال الشرى للوكيل الأول دون الآمر الأول، قلت أرأيت إن كان الآمر الأول أمر الوكيل الأول أن يعمل في ذلك برأيه فوكل الوكيل الأول هذا الوكيل الثاني فاشتراها؟ قال الشرى للآمر الأول، قلت أرأيت إن كان الوكيل الأول قد اشترى الجارية وقبضها ووجد بها عيباً قبل أن يدفعها إلى الآمر فردها الوكيل على البائع بقضاء قاض بالعيب ثم أراد الوكيل أن يشتري هذه الجارية بعد ذلك لنفسه قال يكون الشرى للآمر إلا أن يشتريها الوكيل بعرض من العروض بعينه أو بغير عينه سوى الدراهم والدنانير، فإن اشتراها بعرض من العروض كان الشرى للوكيل خاصة ولا يكون للآمر. قلت: أرأيت الرجل يوكل ببيع الجارية أو عرض من العروض فأراد الوكيل أن يشتري ذلك لنفسه من نفسه كيف يصنع؟ قال يبيع ذلك الوكيل بما يساوي من رجل يشق به ثم يدفعه إلى المشتري ثم يشتريه الوكيل بعد ذلك لنفسه، قلت أرأيت إن كان اشتراها من المشتري قبل أن يقبضها المشتري أو استقاله الوكيل البيع أو سأله أن يوليه إياه ففعل ذلك المشتري وذلك كله من قبل أن يقبض المشتري المبيع أيجوز ذلك للوكيل؟ قال نعم والبيع في ذلك كله للوكيل ولا يكون للآمر. قلت أرأيت إن كان المشتري وجد بالمبيع عيباً قبل أن يقبضه فرده على

الوكيل بغير قضاء قاض لمن يكون البيع؟ قال للآمر ولا يكون للوكيل، قلت فإن كان المشتري قد قبض المبيع ثم رده بهذا العيب بغير قضاء قاض قال يكون للوكيل ولا يكون للآمر قلت أرأيت إن أراد الوكيل أن يعود إلى ملك الآمر ولا يلزمه وإنما أراد ذلك بعدما قبل الجارية بالعيب بغير قضاء قاض هل في ذلك حيلة؟ قال لا. قلت أرأيت الوكيل إذا باع المبيع ثم أراد المشتري أن يحط عنه الوكيل فخاف الوكيل أن لا يجوز ذلك له كيف يصنع قال يهب الوكيل للمشتري دراهم أو دنانير فإذا قبضها المشتري قضاها البائع من ثمن المبيع فيكون ذلك بمنزلة الحط، قلت أرأيت لو أن الوكيل حط عن المشتري من الثمن شيئاً قبل أن يقبض الثمن هل يجوز ذلك؟ قال أما أبو حنيفة فإنه اكن يجيز الحط ما لم يقبض الوكيل الثمن وكان يضمن الوكيل ما حط ويبرئ المشتري منه، وإن كان إنما حط عن المشتري بعد قبض الثمن لم يجزه؛ وأما أبو يوسف فلا يجيز الحط قبل القبض ولا بعده؛ والذي وصفت لك حيلة في قول من لا يجيز الحط. قلت: أرأيت الوصي هل له أن يشتري من ميراث الميت شيئاً من نفسه لنفسه؟ قال لا، قلت فالحيلة في ذلك مثل الحيلة في أمر الوكيل؟ قال نعم. قلت: أرأيت الأب هو بمنزلة الوصي في متاع ابنه الصغير إذا أراد أن يشتريه لنفسه؟ قال لا، الأب له أن يشتري لنفسه من نفسه متاع ابنه الصغير، وكذلك الجد أبو الأب إذا كان الأب ميتاً ولم يكن له وصي، ولا يشبه هذا الوكيل ولا الوصي في قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف. قلت: أرأيت الرجل إذا أراد أن يحتاط حتى لا يدخل عليه شيء في قول كل واحد إذا اشترى متاع ابنه الصغير كيف يصنع قال يفعل مثل الذي وصفت لك من أمر الوصي والوكيل. قلت: أفيكره للرجل إذا أمر أن يبيع شيئاً مما ذكرت لك فباعه على ما

وصفت ثم اشتراه لنفسه قال لا لست أكرهه، قلت وإن كان نوى حين باع المتاع أن يشتريه لنفسه؟ قال وإن نوى ذلك، ما لم يشترط عند البيع أن يشتريه لنفسه، فإن اشترط على المشتري أن يبيعه منه فذلك لا يجوز والبيع فاسد مردود. قلت: أرأيت ما وصفت من أمر الوكيل إذا أمر أن يشتري جارية بعينها فيوكل بذلك ثم أراد بعد ذلك أن يشتري الجارية لنفسه فاحتال ببعض ما وصفت أيسعه ذلك؟ قال يسعه ذلك فيما ينه وبين الله، ولولا أن ذلك واسع لم يكن ذلك الذي وصفت حيلة، لأن من احتال بأمر يدخل عليه في دينه مكروه لم يحتل ولم يعد ذلك منه حيلة؛ إنما الحيلة في أن يأخذ بالحلال ويحتال ليترك الحرام فتلك الحيلة. قلت: رجل وكل رجلاً ببيع جارية له ووكله آخر أن يشتري له هذه الجارية فقبل ذلك كله هل يجوز أن يبيعها من نفسه للذي وكله بالشرى؟ قال لا يجوز ذلك قلت فكيف يصنع؟ قال يبيعها ممن يثق به بما يساوي ثم يبتاعها بعدما يدفعها للذي وكله أن يشتريها له فيجوز ذلك للذي أمره. قلت: أرأيت إن وكلت امرأة رجلاً أن يزوجها ووكل رجل هذا الوكيل أن يزوجه امرأة، للوكيل أن يزوج هذه المرأة هذا الرجل الذي وكله ويكون هو المتكلم وحده لهما؟ قال نعم، ذلك جائز عندنا ولا يشبه النكاح البيع، ألا ترى أن الرجل قد يجوز له أن يزوج ابنه الصغير ابنة أخيه اليتيمة وهو وحده الخاطب المتكلم لهما، قلت وكذلك المرأة توكل ابن عمها أن يزوجها من نفسه فزوجها من نفسه بشهادة الشهود وبمهر مسمى؟ قال نعم، ذلك جائز لا بأس به. قلت: أرأيت المرأة توكل رجلاً يخلعها من زوجها أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن لم يكن للوكيل بينة يشهدون له بالوكالة وأراد الزوج أن يستوثق مما أدركه كيف يصنع؟ قال يضمن الوكيل أو غيره إذا أدركه من ذلك فيما شرط له

عليه وكيل المرأة، قلت أرأيت إن لم تكن المرأة وكلت أحداً بأن يخلعها من زوجها ولكن أبا المرأة أراد أن يخلعها أيجوز ذلك؟ قال لا يجوز إلا أن يخلعها الأب من زوجها بشيء من مال نفسه، قلت فإن خلعها بما على الزوج من صداق البنت؟ قال لا يجوز ذلك ولا تطلق البنت إلا برضا إذا بلغها، قلت فكيف يصنع حتى يقوم الطلاق وتبين المرأة؟ قال يضمن الأب أو غيره ما أدرك من درك فيما خلعها به من الصداق، قلت فإذا فعل ذلك جاز الخلع ووقع الطلاق؟ قال نعم، قلت وسواء كانت البنت صغيرة أو كبيرة فلا يجوز الخلع حتى يضمن الأب أو غيره الدرك؟ قال نعم. قلت: أرأيت الوكيل يوكل بشرى المتاع من بلد من البلدان فخاف الوكيل أن يبعث بالمتاع من غيره فيضمن أو خاف أن يستودع المتاع غيره فيضمن، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يستأذن رب المال في أن يعمل برأيه فإن أذن له في العمل برأيه جاز له أن يصنع ما ذكرت، قلت فإذا قال له اعمل برأيك أيجوز للوكيل أن يوكل بالشرى غيره ويدفع المال إليه فقال نعم. قلت: أرأيت الوكيل إذا وكل بالبيع فخاف أن يرد عليه بعيب كيف يصنع حتى لا يرد عليه البيع بعيب قال يكون الذي يتولى البيع غيره وهو حاضر ويضمن الوكيل ما أدرك المشتري من درك، قلت فإذا ضمن ما أدرك المشتري من درك لم يكن خصماً في عيب قال لا، قلت فإن رد على البائع بعيب أيرجع المشتري على الضامن للدرك بالثمن قال لا. قلت أرأيت رجلاً مسلماً أوصى إليه ذمي وقد ترك خمراً كيف يصنع المسلم بالخمر وهو يخاف عليها الفساد إن لم تُبَعْ؟ قال يوكل الوصي المسلم رجلاً من أهل الذمة ببيعها من أهل الذمة، قلت إذا فعل ذلك جاز ذلك للوصي؟ قال نعم. قلت: فإن كانت الخمر للنصراني فأسلم وهي عنده كيف يصنع؟ قال يخللها ولا يسعه أن يبيعها ولا يهبها لأحد، وقد بلغنا عن إبراهيم أنه قال لا

باب الصلح

تهدين إلى اليهودي الميتة، وبلغنا عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل شيء فنهى عنه فذهبت لتصدق به، فقال يا عائشة لا تطعميهم ما لا تأكلين. قلت: فإذا أراد الذمي أن يسلم وعنده خمر كثيرة فباعها من رجل من أهل الذمة ثم أسلم أيجوز له ما يصنع من ذلك؟ فقال نعم، قلت وكذلك عصير يخاف أن يصير خمراً بعد إسلامه فباعها من رجل من أهل الذمة ثم أسلم؟ قال نعم، لا بأس بذلك، إنما فر من الإثم وأحرز دينه. باب الصلح قلت: أرأيت رجلاً له على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة درهم يؤديها إليه في هلال شهر كذا من سنة كذا فإن هو لم يفعل فعليه مائتا درهم؟ قال ذلك جائز عندنا وهو جائز في قول أبي يوسف، قلت فهل يبطل هذا الصلح غيركم؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة في ذلك حتى يكون هذا في قولكم وفي قول غيركم ولا يفسدونه؟ قال يعجل رب المال حط ثماني مائة لأنه قد حطها على كل حال فإذا هو حط الثماني مائة صالح المطلوب من المائتين الباقيتين على مائة درهم يؤديها ما بينه وبين هلال شهر كذا وكذا من سنة كذا على أنه إن أخرها عن هذا الوقت فلا صلح بينهما، قلت فإذا فعل هذا فقد استوثق في قول كل أحد؟ قال نعم ليس يبطل هذا الصلح والشرط أحد. قلت أرأيت رجلاً أراد أن يكاتب عبداً له على ألف درهم على أن يؤديها إليه في سنة فإن لم يفعل فعليه ألف أخرى فكاتبه على هذه الصفة هل يجوز ذلك؟ قال لا، قلت فكيف يستوثق حتى يكون ذلك جائزاً؟ قال يكاتب عبده على ألفي درهم ويكتب بذلك كتاباً ثم إنه بعد ذلك يصالح عبده مما كاتب عليه على ألف يؤديها إليه في سنة فإن لم يفعل فلا صلح بينهما، قلت فإذا فعل هذا فقد استوثق السيد من العبد واستوثق المكاتب من السيد؟ قال نعم،

قلت أرأيت إن كان السيد قد كاتب عبده على ألفي درهم إلى سنة فأراد العبد أن يصالح سيده على النصف يعجله له أيجوز ذلك؟ قال نعم ذلك جائز عندنا ولست آمن أن يبطل ذلك غيرنا، قلت فهل في ذلك حيلة حتى يجوز في قولكم وقول غيركم؟ قال نعم، يأخذ السيد من المكاتب بجميع ما له عليه ثلاثين ديناراً، أو يأخذ به منه عروضاً من البر أو غير ذلك ويغلى في ثمنه، قلت فإذا فعل ذلك جاز في قولكم وقول غيركم؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً اشترى من رجل داراً بألف درهم فجاء الشفيع يطلب الدار بالشفعة فصالحه المشتري على أن أعطاه نصف الدار بنصف الثمن فهل يجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فإن صالحه على بيت من الدار بعينه بحصته من الثمن قال لا يجوز ذلك لأنه صالحه على شيء مجهول لأن حصة البيت من الثمن لا تعرف إلا بالظن والحرز، قلت أرأيت إن أرادا أن يستوثقا جميعاً ويسلم البيت للشفيع ويسلم ما بقي من الدار للمشتري كيف التوثق في ذلك؟ قال يشتري الشفيع هذا البيت من المشتري بثمن مسمى ثم يسلم الشفيع للمشتري ما بقي من الدار، قلت أرأيت إن اشترى منه هذا البيت أليس ذلك منه تسليماً لجميع الدار؟ قال بلى، نعم ومساومته إياه تسليم منه للشفعة، قلت فكيف الحيلة حتى يأخذ منه البيت بهذا الثمن المسمى من غير أن يكون مسلماً للشفعة حتى يجب؟ قال يبدأ المشتري فيقول للشفيع يا فلان هذا البيت لك بكذا وكذا درهماً، فيقول الشفيع قد رضيت واستوجبت، قلت فإذا فعل ذلك فقد وجب له البيع وسلمت شفعته لبقية الدار للمشتري؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً ادعى على رجل دعوى من قبل ميراث أو غير ذلك فصالحه المدعى عليه من دعواه على دراهم ولم يقر الذي في يده الدار بما ادعى المدعي؟ قال ذلك جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقد كان بعض الفقهاء يبطل كل صلح ليس فيه إقرار بدعوى المدعي، قلت فكيف يستوثق الذي في يده الدار حتى يبرأ من دعوى هذا المدعي ولا يقر له بشيء

من دعواه لأنه يخاف أن يقر بشيء فيجيء شريك هذا المدعي فيأخذ الذي في يده الدار بإقراره أو يخاف الذي في يده الدار أن يكون المدعي قد باع نصيبه من هذه الدار من رجل وأشهد على نفسه بذلك ثم يصالحه بعد ذلك وبعدما يقر له بحقه وبدعواه فيجيء المشتري فيأخذ الذي في يده الدار حتى يسلم ما أقر به من الدار لأنه قد اشتراه قبل الصلح؟ قال الثقة في ذلك أن يصالح عن الذي في يده الدار رجل أجنبي ويقر له الأجنبي بما ادعى من الدار ويكتب عليه بذلك كتاباً ويضمن المصالح ما أدرك الذي في يده الدار من درك فيها صالحه عليه، قلت أرأيت إن صالح هذا الأجنبي عن الذي في يده الدار المدعي من دعواه في هذه الدار وهو النصف من جميع الدار على مائة درهم بعد الإقرار من الأجنبي بدعوى المدعي ثم استحق بعد ذلك نصف الدار هل يرجع هذا الأجنبي الذي صالح عن الذي في يده الدار على المدعي بشيء؟ قال لا، قلت وكذلك لو استحق ثلث الدار أو ربعها لم يرجع الأجنبي المصالح على المدعي من المائة درهم بشيء؟ قال لا يرجع عليه بشيء، قلت فهل في هذا حيلة حتى لا يستحق من الدار شيء إلا رجع المصالح من المائة درهم بقدر ما استحق؟ قال نعم، يقر المدعي أن له نصف هذه الدار وأن لفلان الذي في يده الدار النصف الباقي ويصالحه على هذا الإقرار ويكتب هذا الإقرار في كتاب الصلح، قلت فإذا كتب هذا على ما وصفته ثم استحق من الدار نصفها أيرجع الأجنبي المصالح على المدعي بشيء؟ قال يرجع عليه بنصف المائة، قلت فإذا استحق ربع الدار رجع المصالح على المدعي بربع المائة قال نعم، قلت أرأيت الأجنبي لو أنه كان صالح المدعي من دعواه نصف هذه الدار على مائة درهم بعد إقرار الأجنبي بدعوى المدعي ولم يقر المدعي في الكتاب أن للذي في يده الدار النصف الباقي فاستحق بعد ذلك ثلاثة أخماس الدار هل يرجع المصالح على المدعي بشيء من المائة؟ قال نعم يرجع عليه بخمس المائة، قلت فإن استُحق الثلثان؟ قال يرجع عليه بثلث

المائة التي أخذها المدعي، قلت فإن استحق النصف أو أقل من النصف ولم يقر المدعي أن للذي في يده الدار من الدار شيئاً حيث صالحه الآخر لم يرجع الأجنبي المصالح على المدعي بشيء قال لا يرجع حتى يكون ما استحق من الدار أكثر من النصف، قلت أرأيت إن كانت هذه الدار في يد رجل فمات وتركها في يد ابنه وامرأته فادعى رجل هذه الدار أنها له فصالح ابن الميت وامرأته هذا المدعي على غير إقرار منهما على مائة درهم ودفعاها إليه كيف يكون المائة ما يلزم الابن منها وما يلزم المرأة؟ قال يلزم المرأة الثمن من هذه المائة درهم إذا كان الصلح من غير إقرار منهما ويكون الدار بين الابن والمرأة على ميراثهما من الميت، قلت أرأيت إن كانا صالحاه بعد إقرار منهما وأراد بالإقرار تصحيح الصلح فصالحاه على مائة درهم كم على المرأة وكم على الابن من هذه المائة درهم؟ قال المائة درهم في هذه الحال على المرأة وعلى الابن نصفان والدار بين المرأة والابن نصفان لأنهما حيث أقرا للمدعي بالدار في الصلح فصالحاه بعد الإقرار فكأنهما اشتريا الدار منه لأنفسهما، قلت كيف الحيلة حتى يكون الدار بين المرأة والابن على ميراثهما من الميت ويكون غرم المائة عليهما على قدر ذلك؟ قال يصالح على الابن والمرأة هذا المدعي رجل أجنبي على ما سميت من الدراهم بعد إقراره للمدعي بالدار على أن يسلم للمرأة ثمن جميع الدار وعلى أن يسلم للابن سبعة أثمان الدار، فإذا صالحه على ما سميت كان ذلك ثقة وكانت الدار بين المرأة والابن على مواريثهما من الميت. قلت أرأيت رجلاً مات وترك دنانير ودراهم وعروضاً فأراد ورثة الزوج أن يصالحوا المرأة من ميراثها من زوجها على دراهم مسماة، وما ترك الميت من الدراهم لا يدري ما وزنها؟ قال لا يجوز الصلح، قلت وكذلك لو صالحوها على دنانير ولا يدري ما وزنها؟ قال نعم، قلت أرأيت إن صالحوها من جميع ما يصيبها من الذهب والفضة والعروض على دينار واحد ودرهم واحد أيجوز

ذلك؟ قال نعم، قلت وكذلك لو صالحوها على ثوب بعينه ودفعوه إليها قال نعم، قلت أرأيت إن صالحوها من جميع ما سمينا من تركة الميت من المتاع والمال العين والدين على دينار ودرهم وعلى ثوب أيجوز ذلك قال لا، قلت فكيف الحيلة في ذلك حتى يسلم الدين للورثة ويجوز الصلح وتخرج منه المرأة؟ قال يعجل للمرأة حصتها من الدين يقرضونها إياه وتوكلهم بتقاضي الدين ويصالحونها من المال العين والمتاع على ثوب أو على دينار ودرهم فيجوز ذلك كله، قلت أرأيت إن لم يقرضوا المرأة حصتها من الدين ولكن أقرت لهم المرأة أن الدين كان لسائر الورثة من ثمن متاع كان لهم فباعه الميت لهم بإذنهم وصالحوها مما ترك الميت من العروض والعقار والمال الصامت على ما سمينا أيجوز ذلك؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً ادعى في دار لرجل دعوى فصالح رب الدار المدعي من دعواه على عبد فوجد المدعي بالعبد عيباً قال يرده ويكون على دعواه وحجته، قلت أرأيت إن أراد رب الدار أن يستوثق من المدعي حتى لا يرجع عليه بشيء ولا يرد عليه العبد كيف يستوثق؟ قال يصالح على هذا العبد الذي ذكرت ثم يقر المدعي أنه قبض العبد وأنه بعدما قبضه قد تصدق به على رجل ودفعه إليه وخرج من يده، قلت فإذا فعل هذا لم يكن للمدعي أن يرد العبد ولا يبطل الصلح؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً ادعى في دار لرجل دعوى فصالحه رب الدار على مائة ذراع من الدار قال ذلك جائز قلت فإن صالحه على مائة ذراع من دار له أخرى قال كان أبو حنيفة يقول لا يجوز ذلك ولا يشبه هذا الباب الأول، وكان أبو يوسف يقول هو جائز، قلت فكيف يستوثق رب الدار حتى يسلم المائة ذراع للمدعي ويجوز الصلح؟ قال يذرع الدار التي يأخذ المدعي منها مائة ذراع فإذا ذرعت فبلغت ألف ذراع صالح رب الدار المدعي من دعواه على عشر الدار الأخرى، قلت أرأيت إن كان حيث ذرعت فبلغ ذرعها خمسمائة؟ قال فإن

باب الحيل في الصلح من حق على رهن أو على كفيل

كانت خمسمائة صالحة من دعواه على خمس الدار لأن خمس الدار يكون مائة ذراع، قلت وكذلك لو أن رجلاً اشترى مائة ذراع من دار يجعل ذراع الدار سهاماً ثم يشتري بقدر مائة ذراع من السهام على ما وصفت؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً ادعى قبل رجل دعوى فصالحه المطلوب على دار له ببلد أخرى أو على ضيعة ولم يرها المدعي أيكون للمدعي الخيار إذا رأى الدار والضيعة؟ قال نعم هو بالخيار إن شاء أخذها وأمضى الصلح، وإن شاء ردها وكان على دعواه وحقه، قلت فكيف يستوثق المطلوب على المدعي حتى لا يكون له أن يردها ولا يرجع عليه بشيء؟ قال يقر المدعي أنه قد قبض هذه الدار أو هذه الضيعة وتصدق بها على بعض ولده أو على أجنبي ودفعها إليه، قلت أرأيت رجلاً أوصى بخدمة عبد له لرجل سنة فأراد الوارث أن يشترى من الموصي له وصيته في العبد أيجوز ذلك قال لا قلت فكيف الثقة في ذلك والحيلة حتى يجوز؟ قال يصالح الوارث الموصى له من الوصية في العبد على دراهم مسماة فيجوز ذلك، قلت وكذلك لو أوصى له بما في بطن أمة للميت فاشترى ابن الميت من الموصي له ما أوصى له بدراهم مسماة لم يجز الشرى في ذلك؛ وإن صالحه ابن الميت من وصيته على شيء مسمى فإن ذلك جائز؟ قال نعم. باب الحيل في الصلح من حق على رهن أو على كفيل وقال أبو حنيفة إذا كان لرجل على رجل دين فضمنه له رجل أو كفل له به فللطالب أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال. وقال بعض الفقهاء الكفالة والضمان بمنزلة الحوالة ليس للطالب على صاحب الأصل سبيل بعد رضى الطالب بضمان الضمين وكفالة الكفيل إلا أن يكون الطالب اشترط في أصل الكفالة والضمان أن كل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه، فإن اشترط ذلك فهو جائز في قول كل أحد.

قلت: أرأيت رجلاً له على رجل دين فصالحه من الدين وهو حال على أن ينجمه عليه نجوماً وأخذ منه بالمال كفيلاً على أن كل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه على أنهما إن أخرا نجماً عن محله فالمال حال عليهما أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت أرأيت إن كان الطالب إنما أخذ من المطلوب كفيلاً بنفسه على أنه إن لم يواف به عند كل نجم فالكفيل ضامن لجميع المال على النجوم التي سميا؟ قال ذلك جائز في قولنا وبعض الفقهاء يبطل ذلك، قلت فكيف الحيلة والثقة حتى يجوز ذلك في قول كل أحد؟ قال يضمن الكفيل المال على أنه برئ من كل نجم بدفع المطلوب عند محله إلى الطالب فيجوز ذلك في قول كل أحد. قلت أرأيت الرجل يصالح غريماً له على أن يؤخره بما عليه على أن يضمن فلان المال إلى ذلك الأجل فإن لم يفعل فلا صلح بينهما والمال حال أيجوز ذلك قال نعم ولست آمن أن يبطل ذلك بعض الفقهاء، قلت فكيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال يكون الكفيل حاضراً فيضمن ويؤخر الطالب فيجوز ذلك، قلت فإن لم يكن الكفيل حاضراً فكيف الثقة في ذلك والحيلة قال يصالحه على ما ذكرت على أن فلاناً إن ضمن هذا المال ما بينه وبين يوم كذا وكذا من شهر كذا فالصلح تام وإن لا فلا صلح بينهما، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم. قلت أرأيت الكفيل إذا أراد أن يكفل بنفس المطلوب على أنه إن لم يواف به إلى يوم كذا فالمال عليه فأراد أن يتوثق من المطلوب برهن يأخذه منه أيجوز الرهن في ذلك؟ قال لا، قلت فكيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال ليس في ذلك وجه ثقة إلا أن يبدأ الكفيل بضمان المال فيقول أنا ضامن لما على فلان فإن وافيتك به إلى كذا وكذا من الأجل فأنا برئ، قلت فإذا فعل ذلك فارتهن من المطلوب بما ضمن رهناً جاز ذلك؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً ضمن لرجل ما أدركه من درك في دار اشتراها من رجل

فأراد الضامن أن يأخذ من البائع رهناً بالذي ضمن أيجوز ذلك قال لا، قلت فيجوز أن يأخذ منه بذلك كفيلاً؟ قال نعم، قلت فإن أبى الكفيل الذي ضمن عن البائع الدرك إلا أن يستوثق من البائع برهن يأخذه كيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال يقر البائع أنه باع الدار وليست له ولا لإنسان فيها حق وأنه أمر هذا الضمين أن يضمن عنه ما أدرك المشتري من درك فقضى عليه برد الثمن في الدار وأنه قد رهن الضمين بضمانه رهناً وسماه ودفعه إلى الضمين فقبضه منه، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً كفل بنفس رجل وأخذ الكفيل من المطلوب بما كفل عنه رهناً أيجوز ذلك؟ قال لا ولا يكون ذلك رهناً، قلت فكيف يستوثق الكفيل من المطلوب؟ قال يأخذ منه كفيلاً بنفسه فمتى أخذ الكفيل الأول بنفس المطلوب أخذ الكفيل الأول الكفيل الثاني حتى يدفع إليه صاحبه. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يكفل عن فلان بشيء أبداً فكفل بنفسه؟ قال لا يحنث، قلت أرأيت إن لم يكفل بنفسه ولكن الحالف اشترى له متاعاً بأمره ولم يكن الآمر أعطاه الثمن أيكون حانثاً لأنه مأخوذ عنه بثمن ما اشترى له؟ قال لا. قلت أرأيت رجلاً أخذ من رجل كفيلاً بنفسه وله عليه دين على أن الكفيل إن لم يوافق بالمطلوب يوم كذا وكذا فالكفيل ضامن بنفس فلان غريم آخر للطالب أيجوز ذلك قال نعم ذلك جائز عندنا وهو جائز عند أبي يوسف [قال محمد لا يجوز] ولست آمن أن يبطل ذلك بعض الفقهاء، قلت فكيف يستوثق الطالب حتى يجوز له والحيلة فيه فيما وصفت لك في قولكم وقول غيركم؟ قال يأخذ الطالب الكفيل كفيلاً بنفس فلان وفلان على أنه إن وافاه بفلان أحدهما ما بينه وبين يوم كذا فهو برئ من كفالة فلان الآخر، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم قلت أرأيت إن كان الطالب أخذ من المطلوب كفيلاً بنفس المطلوب على أنه إن لم يواف به إلى يوم كذا فما على المطلوب على كفيله،

فلم يواف به الكفيل، أيضمن المال والنفس؟ قال نعم، ولست آمن بعض الفقهاء أن يبرئه من النفس ويجعل عليه المال، قلت فكيف يستوثق؟ قال يضمنه المال والنفس على أنه وافاه بنفسه ما بينه وبين كذا وكذا من الأجل فهو برئ من النفس والمال وإن لم يواف به إلى ذلك الأجل فالنفس والمال عليه جميعاً، فيكون قد استوثق، قلت أرأيت إن كان المطلوب ينكر ما عليه فأخذ منه الطالب كفيلاً بنفسه وكيلاً في خصومته إن غاب؟ قال ذلك جائز، قلت أرأيت إن كان أخذ منه كفيلاً بنفسه وكيلاً في جميع ما بينهما من الخصومة إن غاب المطلوب ضامناً لجميع ما عليه أيجوز ذلك؟ قال نعم، وغير هذا أوثق للطالب من هذا وأحرز أن لا يرده أحد من القضاة، قلت وما هو؟ قال يأخذ منه الطالب كفيلاً بنفسه ضامناً لما وجب عليه من حق الطالب على أنه إن وافاه به إلى كذا وكذا من الأجل فهو برئ من ذلك وإن لم يواف فذلك كله عليه، وعلى أن الكفيل إن لم يواف به إلى ما سمينا من الأجل فهو وكيل المطلوب في جميع ما يطالبه به الطالب، ويقر بذلك كله المطلوب والكفيل، قلت فإذا فعل ما وصفت فقد استوثق الطالب؟ قال نعم، قلت أرأيت إن كان المطلوب جاحداً لما يدعي الطالب فأخذ الطالب من المطلوب كفيلاً بنفسه على أنه إن لم يواف به في مكان كذا وكذا فعلى الكفيل ألف درهم والمدعي يدعي أكثر من ذلك؟ قال هذا جائز في قول أبي حنيفة ولا يجوز في قول أبي يوسف، قلت فكيف الثقة والحيلة في ذلك حتى يجوز في قول أبي حنيفة وغيره؟ قال ليس الثقة في هذا إلا أن يقر الكفيل أن دعوى الطالب حق ثم يضمن له النفس والمال على أنه إن وافاه بنفسه إلى كذا وكذا من الأجل فهو برئ من ذلك كله، قلت فإذا كان المطلوب يجحد والكفيل مقر بما وصفت لك جاز ذلك على الكفيل؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً ادعى رقية عبد لرجل فأخذ الطالب من المولى كفيلاً بنفسه وبنفس العبد أيكون ذلك للطالب قال نعم، قلت قبل أن يثبت له حق

قال نعم وبعد، قلت فله مع هذا أن يأخذ الكفيل وكيلاً بالخصومة قال نعم، قلت وله مع ذلك أن يأخذ كفيلاً بنفسه وبنفس العبد وكيلاً في خصومته إن غاب ضامناً لما وجب عليه؟ قال ليس له أن يأخذ ضامناً لما وجب عليه وله أن يأخذ سائر ذلك مما وصفت، قلت أرأيت إن أخذه كفيلاً بنفس المولى وبنفس عبده وكيلاً في خصومة المولى إن غاب ولم يأخذه ضميناً لما ذاب عليه، وغاب المولى فجعل القاضي الكفيل وكيلاً فقامت البينة للطالب أن العبد عبده وقد مات العبد فقضى القاضي على الغائب بالقيمة أيكون الكفيل بنفس العبد ضامناً لهذه القيمة التي قضى القاضي بها؟ قال نعم هو في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ضامن لقيمة العبد، قلت ولم وإنما كفل بالنفس وقد مات العبد ولو كان كفل بنفس حر فمات برئ فلم لا يكون كفالته بنفس العبد بمنزلة كفالته بنفس الحر؟ قال لأن العبد مال ادعاه الطالب فضمنه الكفيل فلما قامت البينة وقد مات العبد على أنه عبد الطالب علمنا أن الكفيل قد ضمن مال الطالب فلا بد أن يؤديه إليه أو قيمته، قلت فهل يجعل غيركم الكفيل بريئاً إذا مات العبد؟ قال لست آمن أن يكون بعض الفقهاء يشبه الكفيل بنفس الحر والعبد سواء ويجعل الكفيل في ذلك بريئاً بموتهما، قلت فكيف الحيلة والثقة للطالب في ذلك حتى يكون الكفيل ضامناً لقيمة العبد إن هو مات إذا قامت بينة وقضى به؟ قال ليس الثقة في هذا إلا ما وصفت لك أن الطالب يأخذ كفيلاً بنفس المطلوب وبنفس العبد فيكون وكيلاً للمطلوب في الخصومة ويكون ضامناً لما قضى به على المطلوب، قلت فإذا أخذ كفيلاً وكيلاً ضميناً لما ذكرت فقد استوثق الطالب؟ قال نعم. قلت أرأيت رجلاً كفل بنفي رجل يوماً إلى الليل أو قال إلى رأس الشهر فمضى هذا الأجل أيبرأ الكفيل قال لا يبرأ عندنا ولست آمن غيرنا أن يبرئه، قلت فكيف يستوثق الكفيل حتى يبرأ إذا جاء الأجل؟ قال يقول اكفل لك بنفس فلان إلى كذا وكذا من الأجل ثم لا كفالة بعد ذلك وأنا منه برئ.

باب الحيل في البيع والشرى في الدور والرقيق وغير ذلك

قلت أرأيت الكفيل إذا دفع المكفول به إلى الطالب في موطنين مختلفين فأنكر الطالب أن يكون دفع إليه فأقام المطلوب شاهدين شهد أحدهما أن الكفيل دفعه إليه في يوم كذا في مكان كذا وشهد الآخر أنه دفعه إليه في موطن آخر في يوم آخر؟ قال أما أبو حنيفة وأصحابه فلا يجيزون هذه الشهادة، وغيرهم يجيزها، قلت أرأيت إن سكت الشاهدان عن تسمية الموطنين واليومين اللذين دفع الوكيل فيهما المطلوب إلى الطالب أيجوز ذلك؟ قال نعم إذا سكتا عن تسمية الموطنين واليومين جاز ذلك وبرئ الكفيل. باب الحيل في البيع والشرى في الدور والرقيق وغير ذلك قلت: أرأيت الرجل يريد شرى دار قد يعلم أنها للذي يريد بيعها ولا يأمن أن يقيم رجل بينة أنها له فيأخذها من يد المشتري كيف يكتب ويستوثق؟ قال يشتريها من البائع رجل غريب ويكتب شراها باسمه ثم يُشهد أنه آجرها من الذي اشتراها له كل سنة بشيء طفيف ويدفعها إليه ويُشهد بعد في السر من يثق به أنه إنما أشتري هذه الدار لساكنها وأنها داره لا حق له فيها، قلت أرأيت إن لم يؤاجرها منه ولكنه وكله بالاحتفاظ بها والمرمة أيكون ذلك صحيحاً جائزاً؟ قال نعم، قلت أرأيت إن جاء رجل يدعي هذه الدار وله بينة هل يكون الذي في يده الدار خصمه قال لا قلت أرأيت رجلاً أمر رجلاً أن يشتري داراً بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم فأراد المأمور شرى الدار ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها فتبقى الدار في يد المأمور كيف الحيلة في ذلك؟ قال يشترى المأمور فيقول له قد أخذت منك هذه الدار بألف درهم ومائة درهم فيقول له المأمور هي لك بذلك فيكون ذلك للآمر لازماً ويكون استيجاباً من المأمور للمشتري. قلت أرأيت الرجل يبيع الدار أو الجارية أو غير ذلك ويتبرأ من كل عيب

إلا من سرق أو عتق ولا يأمن المشتري أن يردها عليه بعيب ويقول لم تسمه بعينه أو يقول لم تضع يدك عليها كيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال يأمر البائع رجلاً غريباً لا يعرف فيبيعها من المشتري على أن مولى الجارية ضامن لما أدرك المشتري فيها من درك من قبل سرق أو عتق خاصة ويغيب البائع، قلت أرأيت إن لم يصنع مولى الجارية ما ذكرت ولكنه أشهد على المشتري أنه قد تصدق بالجارية على بعض ولده أو على أجنبي ودفعها إليه؟ قال هذا أيضاً صحيح مستقيم. قلت: أرأيت الرجل يريد شرى دار من رجل ويخاف أن يكون البائع قد تصدق بها على بعض ولده أو غيره قبل ذلك كيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال يكتب الشرى من البائع ويكتب في الشرى تسليم الولد وضمانهم للدرك، قلت فهل في ذلك شيء أوثق من هذا؟ قال نعم يكتب الشرى باسم رجل غريب مجهول ويوكل بالدار المشتري ثم يشهد في السر أن الدار لا حق إلا للمشتري فيها، فإن ذلك أوثق، قلت وكذلك كل شيء يخاف فيه المشتري التبعة يجوز هذا فيه؟ قال نعم. قلت أرأيت عبداً اشترى نفسه من مولاه ثم جحد المولى ذلك للمولى في يد العبد مال بعضه دين وبعضه عين فأراد المولى أن يشهد أن المال له ليس للعبد فيه شيء على أن يقر المولى أنه قد باعه من نفسه وقبض منه ثمنه، فخاف العبد أن يقر أن المال لمولاه ثم لا يشهد له المولى بشراه بعد ذلك في العلانية كيف الثقة للعبد والحيلة في ذلك؟ قال يشهد العبد في السر أن المال الذي في يده لرجل يثق به ثم يشهد أن المال العين والدين لمولاه فإن وفى له المولى وأشهد للعبد بشراه نفسه منه وقبله العبد، وإلا جاء المشهود له بالمال فكان أحق بالمال من المولى، قلت أرأيت إن كان المولى هو الذي يخاف من العبد ألا يقر له بالمال والعبد يريد أن يقر له المولى بأنه قد باع العبد من نفسه فيبدأ بذلك المولى؟ قال يُشهد المولى أنه قد باع العبد من رجل في السر ثم يظهر بعد ذلك أنه قد باع العبد من نفسه.

قلت: أرأيت رجلاً ليس له وارث غير أمه وعصبته وليس لأمه وارث غيره فخاف الابن أن يموت فتشرك العصبة أمه في عقاره وماله؟ قال يبيع ذلك من أمه في الصحة ويقبض منها الثمن ويتصدق بالثمن عليها، فإن مات الابن كانت قد ملكت ما كان له في حياته، وإن ماتت الأم رجع مال الأم كله إلى ابنها، قلت أرأيت إن كان للأم ورثة مع ابنها بنون وبنات فأراد الابن أن يكون ماله لأمه خاصة وأرادت الأم إن هي ماتت أن يكون مالها لابنها خاصة دون ولدها كيف الحيلة؟ قال يبيعها الابن جميع ما يملك بثمن يسير ويقبض منها الثمن ثم يتصدق به عليها، على أنه بالخيار أربعين سنة أو نحو ذلك، وتبيعه الأم ما تملك وتصنع في ذلك مثل الذي صنع الابن من الخيار وهبة الثمن، فأيهما مات في أربعين سنة سلم المبيع لانقطاع خياره في ما باع ونقض الباقي بيع ما كان باعه، وقد كان أبو حنيفة لا يجيز الخيار في البيع أكثر من ثلاثة أيام [ويعقوب ومحمد يجيزانه أكثر من ثلاثة أيام]. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يهب لرجل عبداً والعبد غائب عنه قال لا يجوز ذلك حتى يقبضه، قلت كيف الحيلة في ذلك؟ قال يكتب له شراه ويهب له الثمن، قلت أرأيت إن استحلف المشتري أنه أدى له الثمن أيصدق؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يبيع جارية له نسمة وخاف البائع أن لا يعتقها المشتري؟ قال إن اشترط عليه في البيع فباعها على أن يعتقها فسد البيع، قلت فكيف الحيلة؟ قال يقول المشتري إن اشتريت من فلان هذه الجارية فهي حرة، قلت أرأيت إن كان إنما يبيعها إياه لموضع على أن لا تباع ولا توهب ولا تمهر وكرهوا أن يشترطوا ذلك فيفسد البيع كيف الحيلة؟ قال يقول المشتري إذا اشتريتها فهي حرة بعد موتي، قلت أرأيت إن أبي ذلك المشتري وقال إني أخاف أن لا توافقني ولا أرزق ولدها؟ قال ليس في هذا حيلة إلا أن يستوثق منه بالأيمان لئن كرهها ليبيعنها على مثل ما اشتراها في الموضع والاستيثاق لها، وهذا لا ينبغي ولا يصلح.

قلت: أرأيت رجلاً أضر بولده حتى يبيعه منزلاً له وكره الابن أن يبيع المنزل كيف الحيلة قال يبيع الابن منزله من رجل يثق به أو امرأة ثم يتصدق بالمنزل بعد ذلك على أبيه، فإن حدث بالأب حدث أخذ الابن المنزل من المشتري ويأخذه المشتري من الأب فيرده على الابن، قلت فإن خاف الابن بعدما كتب الشرى للأجنبي أن يحدث بالأجنبي حدث فيصير منزله ميراثاً فكيف الحيلة؟ قال يشتري منه المنزل الذي باعه منه بعدما تصدق بالمنزل على أبيه. قلت: أرأيت رجلاً اشترى ثوباً أو داراً ثم جحده البائع البيع وقبض منه الثمن ودفع إلى المشتري ما باعه فقدمه إلى القاضي فقال "سل هذا عن هذه الدار والثوب إن كان لي أو قال: اشتراه مني" وليس للمشتري بينة على الشرى وليس للبائع بينة أن ذلك المبيع كان له؟ قال ليس ينبغي للقاضي أن يسأله عن ذلك ولكن يقول "لهذا قبلك حق أو في يديك" فإن كان من رأي القاضي أن يسأله "هل كان شيء مما في يديك لهذا المدعي" ويحلفه على ذلك فلينكر المطلوب، قلت فإن استحلفه؟ قال يحلف وينوي غير ذلك، قلت وهل يسعه ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً يدعي ثوباً أنه ثوبه والذي في يده الثوب يعلم أنه يبطل في دعواه؟ قال إن قدر أن يعرضه على الطالب وهو لا يعرفه ليشتريه فإن ساومه به وقامت عليه بذلك بينة بطلت دعواه فيه، قلت أرأيت إن خاف المدعي أن يعرضه عليه فيعرفه ويعلم أنه الثوب الذي يدعيه كيف الحيلة؟ قال يبعث بالثوب مع غيره فيعرضه عليه فإن ساومه به فلا دعوى له فيه، قلت أرأيت لو صبغه ثم عرضه عليه فساومه أبطل ذلك دعواه؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً له داران أراد بيع أحدهما ولم يرد بيع الأخرى وهو معسر فأراد رجل أن يشتري منه الدار على أنها إن استحقت رجع عليه في الدار الأخرى بما له من ماله وعوض منه كيف الحيلة في ذلك والثقة؟ قال يشتري منه الدار التي لا يريد بيعها أبداً بدراهم ثم يبيعها إياه بالدار التي يريد بيعها،

فإن استُحقت من يد المشتري رجع على البائع بالدار التي اشتراها أولاً وهي التي لا يريد بيعها. قلت: أرأيت رجلاً أراد شرى جارية من رجل أو دار أو غير ذلك والبائع غريب وخاف المشتري إن استحق البيع أن يذهب ماله غير أن البائع قد جاء برجل يضمن للمشتري ما أدركه في البيع من درك ويتوكل للبائع في الخصومة في ذلك وفي عيب إ ن وجده المشتري بالبيع وخاف المشتري أن يوكله ثم يخرجه من الوكالة كيف الحيلة في ذلك والثقة؟ قال يكون الوكيل الضمين هو الذي يبيعها من المشتري ومولى الجارية يسلم ويضمن ما أدركه فيجوز ذلك ويستقيم. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يجعل غلة دار له على المساكين صدقة بعد موته وأراد أن يكتب بذلك كتاباً وخاف أن يبطل ذلك القاضي؟ قال يكتب "إني ج علت غلة داري - ويسميها- للمساكين أبداً بعد موتي، فإن رد ذلك القاضي أو السلطان أو وارث بيعت وتصدق بثمنها على المساكين. قلت: أرأيت إن أراد رجل أن يجعل داراً له في حياته صدقة على المساكين وبعد موته لا يقدر أحد على رد ذلك؟ قال هذا لا يجوز عندنا إلا في الوصية خاصة، وأهل الحجاز وغيرهم يجيزون ذلك. قلت: أرأيت لو أن بعض أهل الحجاز أراد أن يجعل غلة داره صدقة على المساكين في حياته وبعد موته وخاف أن يرفع ذلك إلى القاضي غير أهل بلده فيبطل ذلك كيف يصنع؟ قال يتصدق بها ويدفعها إلى وكيل له ويشهد بصدقتها ثم يبيعها المتصدق من رجل آخر ثم يأبى المتصدق أن يدفعها إلى المساكين حتى يقدمه إلى القاضي الحجازي فيبطل البيع ويمضيها صدقة على ما كانت من صنيع رب الدار، قلت أرأيت إن استقضى بعد هذا قاضٍ ممن يرى الصدقة على ما وصفت لك باطلة؟ قال إذاً يمضي هذا لأن هذا قضى به قاض وهو مما يختلف فيه الفقهاء.

قلت: أرأيت رجلاً في يده دار ادعى رجل فيها دعوى له ولابن له صغير من قبل ميراث ادعى أبو الصبي أنه كان لامرأته أم الصبي وأنكر المدعى عليه أن يكون الدار في يده فأراد المدعى عليه أن يصالح أبا الصبي من دعواه ودعوى ابنه على مال على أن الغلام إن أتبع المطلوب ضمن الأب خلاص ذلك، ولا يقر المطلوب أنه قبض من الدار شيئاً، فخاف الأب أن يقال له رد ما أخذت وإلا فسلم للمطلوب ما ادعيت من الدار، وخاف المطلوب أن يقر بقبض شيء من الدار، ويكون الأب قد باع حصته وحصة ابنه قبل الصلح فيجيء المشتري فيأخذ ما اشترى من يد المطلوب كيف الثقة في ذلك والحيلة؟ قال يجيء رجل فيصالح الطالب على مال على أن المطلوب قد قبض ما ادعى الطالب على أنه إن أدرك المطلوب درك من قبل الصبي فالأب ضامن له ويقر المصالح بأن المطلوب قد قبض ما ادعى الطالب من الدار وأنه في يديه، قلت أرأيت لو أن المصالح لم يقر بقبض شيء فصالح الطالب على أنه ليس على الطالب دفع ما ادعى عليه ولكنه ضامن لما أدرك المطلوب من قبل الصبي، فإن سلم الصبي فهو برئ وليس عليه دفع شيء من الدار؟ قال هذا فاسد لا يجوز. قلت: أرأيت رجلاً له بنون وله أخوة وله أخت فأرادت الأخت أن تجعل نصيبها من دار ورثتها هي وجميع الأخوة عن أبيهم لأخيها الذي له البنون إن هي ماتت قبله، وخافت أن تجعله له فيموت الأخ فيرثه بنوه ولا يكون في يدها من الدار شيء فأرادت إن مات قبلها أن يرجع إليها ميراثها من الدار كيف الحيلة في ذلك؟ قال تبيعه نصيبها من الدار ثم يوصي إليها بثلث نصيبه من الدار، وهو مثل ما باعته، لأن الأخ له سهمان ولها سهم، فإذا باعته ذلك السهم ثم أوصى إليها بثلث الدار صار السهم يرجع إليها كله. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يشتري من رجل داراً فخاف المشتري أن يكون رب الدار قد باع الدار من بعض ولده قبل أن يعرضها على البيع فأحب

المشتري إن استحقها أحد بعد شراه إياها أن يرجع على البائع بأكثر مما يريد أن يشتريها به بالضعف ويكون ذلك حلالاً فكيف يصنع وما الحيلة؟ قال يبيعه المشتري بالثمن ثوباً ثم يبيع رب الدار ذلك الثوب من مشتري الدار بالثمن الذي كان يريد بيع الدار به. قلت: أرأيت الرجل يريد أن يشتري من الصيرفي دراهم بمائة دينار وليس عند الصيرفي إلا خمسمائة درهم، والصيرفي ثقة، ولا يكره أن يكون له عليه مال، كيف الحيلة؟ قال يشتري منه بخمسين ديناراً ويتقابضان ثم يقرضه الدراهم التي أخذ من الصيرفي ثم يشتري منه بعد بالخمسين ديناراً الباقية. قلت: هل تكره ما يأخذه السمسار؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة إذا أراد أن يطيب كسبه؟ قال يشتري أحدهم المتاع لنفسه ويقبضه ثم يبيعه من طالب المتاع بربح مثل ما كان يأخذ وهو سمسار. قلت: أرأيت الرجل من أهل البصرة يكتب إلى الرجل من أهل الكوفة يأمره أن يشتري له متاعاً بمال قد سمى المتاع وذلك عند المأمور لنفسه أو لغيره ممن قد أمره ببيعه وهو رخيص لا يجد مثله لصاحبه كيف الحيلة لذلك؟ قال يبيع المتاع بيعاً صحيحاً ممن يثق به ويدفعه إليه ثم يشتريه منه للآمر. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يستأجر غلاماً يخدمه سنة كل شهر بعشرة دراهم فخاف أن يخرجه مواليه في بعض الشهور، كيف الحيلة؟ قال يجعل أحد عشر شهراً كل شهر بدرهم ويجعل في الشهر الباقي بقية الأجر فيه، قلت فإن كان مولاه هو الذي يخاف أن يخرجه المستأجر في بعض السنة كيف الحيلة؟ قال يجعل الأجر كثيراً في أول السنة ويجعل الباقي في أحد عشر شهراً لكل شهر درهماً. قلت: أرأيت رجلاً تكارى إلى مكة من جمَّال ولا يثق بجماله كيف الحيلة؟ قال يتكارى منه بكذا وكذا درهماً إلى انسلاخ المحرم فإن وفي له أعطاه وإلا لم يكن أخذ منه شيئاً.

باب الحيل في اليمين والاستكراه

باب الحيل في اليمين والاستكراه وسئل أبو حنيفة عن رجل دخل عليه اللصوص فأخذوا ماله واستحلفوه بالطلاق والعتاق لا يخبر عنهم أحداً أنهم سرقوه أبداً فشكا ذلك إلى أبي حنيفة فأرسل أبو حنيفة إلى خيار الحي الذي هو فيه فقال لهم إن اللصوص دخلوا على هذا الرجل وقد حلف أن لا يذكرهم فإن أريتم أن تؤجروا ويرد الله عليه ماله ولا يحنث فلا تدعوا أحداً من رجال الحي الذي أنتم فيه إلا أدخلتموه مسجدكم هذا أو داراً ثم أخرجوا واحداً واحداً ثم تقولون للمسروق هذا منهم؟ فإن كان منهم فاسكت أيها المسروق، وإن لم يكن منهم فقل ليس منهم؛ ففعلوا فظفروا بماله ورد عليه. قلت: أرأيت رجلاً حلف بعتق كل مملوك يملكه إلى ثلاثين سنة وعليه كفارة ظهار فأراد أن يعتق، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يقول لرجل أعتق عبدك عني على ألف درهم فيعتق عنه فيجوز ذلك عن عتق الظهار ويكون الولاء له وعليه ألف درهم يؤديها إلى المأمور. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يعير رجلاً مالاً ويصحح هل ترى بذلك بأساً؟ قال لا بأس بذلك، قلت أرأيت أن أراد أن يعيره دراهم ويجعل ذلك الدين دنانير كيف الحيلة في ذلك؟ قال يشتري منه داره بألف درهم وينقده الثمن ثم يشتري البائع منه الدار بمائة دينار ويقبض منه الثمن ثم يشتريها بمائة دينار إلى سنة، قلت فإن لم يكن عند المشتري الأول مائة دينار قال يبيعه بها ألف درهم إن شاء فيجوز ذلك. قلت: أرأيت امرأة طلقها زوجها ولها عليه دين ليس لها بذلك بينة فحلف الزوج عند القاضي أنه ليس لها عليه شيء وأرادت أن تأخذه بذلك الدين

باب الحيل في اليمين التي تستحلف بها النساء أزواجهن

فأنكرت أن يكون عدتها قد انقضت، تريد بذلك أن تأخذ منه نفقة بقدر ما لها عليه من الدين؟ قال يسعها ذلك، قلت فإن أحلفها القاضي بالله الذي لا إله إلا هو ما انقضت عدتك فحلفت تعني بذلك شيئاً غير ذلك؟ قال يسعها. باب الحيل في اليمين التي تستحلف بها النساء أزواجهن قلت: أرأيت الرجل يريد أن يغيب فتقول له امرأته كل جارية تشتريها فهي حرة إلى أن ترجع إلى الكوفة كيف الحيلة في ذلك حتى يشتري ولا تعتق؟ قال يقول الرجل نعم يعني نعم بني تغلب أو نعم بعض أحياء العرب، قلت فإن أبت إلا أن يكون الزوج هو الذي يقول كل جارية أشتريها فهي حرة، كيف يصنع؟ قال فليقل ذلك ويعني بذلك كل جارية سفينة، فإن الله يقول: (وله الجوار المنشآت في البحر). قلت: أرأيت رجلاً قال لامرأته كل امرأة أتزوجها عليك طالق، يعني بذلك أتزوجها على رقبتك قال فلا يحنث إذا تزوج على غير رقبتها، قلت فإن كان إنما عني أن لا أتزوج على طلاقك قال فإن فعل لم يحنث فيما بينه وبين الله، قلت فإن قال كل جارية أطأها فهي حرة حتى أرجع إليك أو امرأة أطأها فهي طالق قال فإن تزوج ووطئ واشترى لم يحنث بذلك في القضاء ولا فيما بينه وبين الله، قلت فإن قال لها كل امرأة أتزوجها فأطأها فهي طالق حتى أرجع إلى الكوفة؟ قال هذا حانث إلا أن يعني فأطأها بقدمي، قلت فإن عني ذلك؟ قال يدين فيما بينه وبين الله، قلت فإن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق حتى أرجع إليكم كيف يصنع؟ قال يقول كل امرأة أتزوجها فهي طالق حتى أرجع إليكم فيكون ذلك استفهاماً من الحالف للألف التي زادها في أول حلفه، قلت لأبي يوسف فإن قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق حتى أرجع إليكم وعني حتى أرجع إليكم من الولاية؟ قال هذا مخرج جيد، قلت لأبي يوسف فإن قال حتى أرجع إليكم وعني لُزمة إليمك قال أبو يوسف وهذا مخرج جيد، قلت فإن

قالت هي له كل امرأة يتزوجها فهي طالق حتى ترجع إلينا فقال نَعَبْ، وظنت المرأة أنه قال تعالى؟ قال هذا أيضاً مخرج، قلت فإن قالت أحلفك بالمشي إلى بيت الله كيف الحيلة في ذلك؟ قال إن قال أنا أمشي إلى بيت الله، إن فعلت كذا وكذا، يعني بقوله أنا أمشي، استفهاماً وليس ينوي إيجاباً لم يحنث إن فعل، قلت فإن حلف، يعني مسجد حيه، قال لا يضرك وذلك أيضاً مخرج جيد. قلت: أرأيت الرجل يتهم جارية أنها سرقت له مالاً فقال أنت حرة إن لم تصدقيني وخاف المولى أن لا تصدقه فتعتق كيف الحيلة في ذلك؟ قال تقول الجارية قد سرقته ثم تقول بعد ذلك لم أسرقه، فلا بد من أن يكون قد صدقته في أحد الكلامين، فيكون قد برئ من يمينه. قلت: أرأيت رجلاً قال لامرأته أنت طالق إن ابتدأتك بالكلام وقالت له المرأة بعد ذلك وإن ابتدأتك أنا بالكلام ففلانة جاريتي حرة، أو قالت كل مملوك أملكه إلى ثلاثين سنة حر، هل في ذلك حيلة؟ قال نعم يبدأ زوج المرأة بالكلام ثم تجيبه المرأة بعد ذلك فلا يحنث واحد منهما، قلت ولم صار هذا هكذا؟ قال لأن الزوج حين حلف ثم حلفت المرأة بعد ذلك فقد كلمته بالحلف وصارت مبتدئة وصارت حالفة إلا أن يبتدئها الزوج، فلما كلمها الزوج لم يحنث وصار الزوج قد كلمها بعد حلفها. قال: حدثني حفص بن عمر أن رجلاً أتى أبا حنيفة ليلاً فقال إني كنت مع امرأتي وهي ابنة عمي وأحب خلق الله إليَّ فبينما أنا ألاعبها إذ تغضبت عليَّ فلم تكلمني، فلم أزل بها أديرها على الكلام فأبت أن تكلمني، فقلت لها أنت طالق لئن لم تكلميني الليلة، فضربتها وجررتها فأبت أن تكلمني، وقد أغلقت عليها باب البيت وأتيتك وأخاف أن يطلع الفجر ولم تكلمني فتذهب مني، فقال أبو حنيفة ما أجد لك من حيلة إلا في خصلة واحدة إن هي أجابتك فيها بكلمة فهي امرأتك وإلا فقد بانت منك، اذهب فقل لها تذكرين أنك عربية وإني إنما خرجت الساعة فسألت عن أبويك فإذا أمك نبطية؛ فلا بد من أن تقول كذبت

أو تتكلم بكلمة قبل طلوع الفجر، فأتاها فقال يا عدوة الله تزعمين أنك من العرب وإنما خرجت فسألت عن أبويك فإذا أمك نبطية فقالت كذبت والله. قلت: أرأيت الرجل يقول لامرأته إن خرجت من داري أبداً فأنت طالق ثلاثاً، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يطلقها واحدة فإذا انقضت عدتها خرجت ثم يتزوجها بعد ذلك وتدخل وتخرج متى ما شاءت فلا يقع عليها طلاق بعد ذلك، قلت فإن قال أنت طالق أن خرجت من الدار إلا بإذني فخاف أن يأذن لها ثم تخرج مرة أخرى بغير إذنه فيحنث كيف الحيلة في ذلك؟ قال يقول قد أذنت لك في الخروج أبداً كلما شئت فتخرج متى شاءت. قلت: أرأيت الرجل يبلغ أخاه أو صديقه عنه أنه يقع فيه ويشكوه فلما شكاه أخوه وعايبه قال له والله والذي لا إله إلا هو إن الله ليعلم ما قلت لك من ذلك من شيء، يعني إن الله يعلم كل شيء؟ قال هو صادق ولا شيء عليه، قلت أرأيت إن قال والله إني لأجلس فما أقوم حتى أُقام، يعني أن الله يقويني على ذلك؟ قال هو صادق ولا يحنث، قلت أرأيت إن قال والله ما أبصر إلا ما سددني غيري، يعني إلا ما بصرني ربي؟ قال هو صادق لا يحنث. قلت: أرأيت الرجل قال لأمة له أنت حرة لوجه الله إن ذقت طعاماً ولا شراباً حتى أضربك فلما سمعت ذلك الأمة أبِقَتْ، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يهب المولى الجارية لابن له صغير أو بنت له صغيرة ثم يأكل ولا تعتق، قلت فلو وهبها لابن له كبير أو باعها منه ثم أكل؟ قال يحنث وتعتق الجارية لأنها لم تخرج من ملكه؛ إن الهبة والبيع في ذلك باطل لا يجوز، فلم تخرج من ملكه حين أكل فعتق. [قال: وحدثني يحيى أبو زكريا السيْلَحيني قال أخبرنا الحارث بن عبيد الإيادي البصري عن عامر الأحول أن امرأة من أهل مكة أهلت بالحج وسعت بين الصفا والمروة فكان بينها وبين زوجها كلام فقال أنت طالق ثلاثاً إن وافيت الموسم، قال يحيى يعني عرفة؛ فسئل عطاء فقال تجعلها عمرة وتقيم].

باب النكاح

باب النكاح سئل أبو حنيفة عن امرأة قال لها زوجها أنت طالق ثلاثاً إن سألتِني الخلع ولم أخلعك وقالت المرأة أمَتي حرة إن لم أسلك ذلك قبل الليل فجاءا أبا حنيفة جميعاً فقال أبو حنيفة للمرأة سليه الخلع فقالت لزوجها إني أسألك الخلع، فقال أبو حنيفة لزوجها قل قد خلعتك على ألف درهم تعطينيها، فقال لها الزوج ذلك، فقال أبو حنيفة قولي فإني لا أقبل، فقالت له المرأة لا أقبل، فقال أبو حنيفة قومي مع زوجك فقد بَرَّ كل واحد منكما ولم يحنث في شيء. وسئل أبو حنيفة عن أخوين تزوجا أختين فزفت كل واحدة منهما إلى زوج أختها ولم يعلموا حتى أصبحوا فذُكر ذلك لأبي حنيفة وطلبوا الحيلة فيه، فقال أبو حنيفة ليطلق كل واحد من الأخوين امرأته تطليقة ثم يتزوج كل واحد منهما المرأة التي دخل بها مكانها [فيكون ذلك جائزاً لأنها منه في عدة ولا عدة عليها من الزوج الأول]. قال محمد وقد جاء في هذا حديث عيبناه. قلت: أرأيت المرأة تريد أن تزوج نفسها رجلاً فخافت أن يغيرها فأرادت أن تستوثق فإن أغارها كان أمرها بيدها حتى تطلق نفسها كيف الحيلة لها في ذلك والثقة حتى يكون أمرها في يدها، فإن هو أغارها طلقت نفسها؟ قال يقول الزوج إذا تزوجتك فأمرك بيدك إذا شئت؛ فإن أغارها كان أمرها إليها، فإن شاءت طلقت نفسها وإن شاءت لم تطلق، قلت وكذلك إن خافت المرأة أن يغيب زوجها عنها فلا تدري أين هو؟ قال نعم، يقول الزوج ذلك ويجعل الأمر بيدها، فإن غاب عنها كان الأمر بيدها فإن شاءت طلقت نفسها وإن شاءت لم تطلق، ذلك إليها فيكون ذلك ثقة لها فيما تريده.

باب الوصي والوصية

باب الوصي والوصية قلت: أرأيت الوصي إذا كان للميت عنده شهادة هل يجوز شهادة الوصي له بذلك؟ قال لا، قلت وكذلك الوكيل لا يجوز شهادة للموكل فيما وكل به قال نعم، قلت وإن كان الورثة حيث شهد الوصي كباراً لم يجز شهادته مع آخر عدل، قال نعم لا يجوز شهادته في شيء من ذلك، قلت ولو شهد الوصيان لابن الميت أنه أدان رجلاً ديناً والابن كبير آجزت شهادتهما؟ قال نعم، قلت فإن كان الابن صغيراً لم يجز شهادتهما؟ قال نعم. قلت: فكيف ينبغي للقاضي أن يصنع إذا جاءه الوصيان فقالا إن للميت عندنا شهادات في حقوق له فما الحيلة في ذلك؟ قال إن كانا لم يقبلا فإنه يخرجهما من الوصية ويجعل مكانهما غيرهما ثم يجوز شهادة الوصي بعد ذلك للميت ولورثة الميت الصغير والكبير؛ فإن كان قد قبلا الوصية لم يجز شهادتهما ولم يخرجهما. قلت: أرأيت الوصيين إذا كانا يعلمان أن لرجل أجنبي على الميت ديناً فقضياه ثم جاءا يشهدان له بصحة ذلك الدين الذي قضياه أنه كان حقاً له على الميت؟ قال لا يجوز شهادتهما في ذلك وهما ضامنان المال، ولو كانا شهدا بما ذكرت قبل أن يدفعا المال إليه جازت شهادتهما، قلت وكذلك لو شهدا أن الميت أوصى لرجل بوصية كان مثل ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت الوصيين إذا قبلا الوصية ثم أرادا أن يخرجا منها ألهما ذلك؟ قال لا، قلت فكيف الحيلة لهما حتى يخرجا منها؟ قال ليس لهما في ذلك حيلة، غير أنهما إن أحبا وكلا رجلاً في وصية الميت يقوم مقامهما فيجوز ذلك. قلت: أرأيت المريض إن أراد أن يجعل فلاناً وصيه بالكوفة وفلاناً رجلاً

آخر وصيه بالشام وفلاناً وصيه بالحجاز أيجوز ذلك؟ قال نعم كل هؤلاء الثلاثة أوصياء في قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ ليس لواحد من هؤلاء الأوصياء الثلاثة في قول أبي حنيفة أن يبيع شيئاً للميت ولا يشتريه ولا يتقاضاه إلا بوكالة من صاحبيه بمحضر منهما ورضاهما، وقال أبو يوسف كل واحد منهما وصي فيما جعل فيه خاصة، وكذلك البيع ليس لواحد منهم أن يبيع شيئاً من تركة الميت إلا بوكالة من صاحبيه أو بمحضر منهما ورضاهما وهذا قول أبي حنيفة؛ وقال أبو يوسف بيع كل واحد من الوصيين وشراه جائز وحده. قلت فكيف الحيلة للمريض وهؤلاء الأوصياء الثلاثة المتفرقين في هذه البلدان والثقة له بهم وقد أراد أن يكون أوصياء كل واحد منهم في البلد الذي هو به وصياً على حدة؟ قال ليس الحيلة في ذلك إلا وجه واحد أن يُشهد أن هؤلاء الثلاثة أوصياؤه في جميع ما تركه الميت في جميع هذه البلدان كلها وأنه إن غاب منهم واحد أو مات واحد أو اثنان كان الباقي منهم وصياً في جميع تركة الميت في جميع هذه البلدان، وأنه كلما حضر واحد من هؤلاء الأوصياء فهو وصي وحده، له أن يتقضى ويبيع ويقبض للورثة ويشتري؛ فإذا فعل ذلك كان لكل واحد منهم أن يقبض مال الميت في البلد الذي هو فيه وبغيره وحده ويبيع ما أحب من تركة الميت وحده. قلت: أرأيت الرجل يوصي فيقول اشهدوا أن فلاناً وصيي إن حدث بي حدث موت فإن لم يقبل فلان ففلان - رجل آخر- وصيي؟ قال هذا جائز عندنا على ما سمي ولست آمن جهل بعض الفقهاء، قلت فكيف الحيلة والثقة في ذلك للمريض حتى لا يرد ذلك أحد من الفقهاء؟ قال يُشهد أنهما وصياه جميعاً على أنه إ ن لم يقبل واحد منهما وقبل الآخر فالذي قبل منهما وصي وحده، ويُشهد إن أحب أيضاً وإن قبلا جميعاً فهما وصياه فإن لكل واحد منهما أن يتقاضى وحده ويبيع ويشتري وحده ويقضي ويخاصم ويوكل وحده فيجوز على ما سميت.

قلت: أرأيت الرجل إذا كان أوصى إلى رجل بأنه وصيه با لكوفة وأوصى إلى آخر أنه وصيه بالحجاز فمات المريض على ذلك؟ قال إنهما وصيان جميعاً في جميع تركة الميت بالكوفة وغيرها وليس لواحد منهما أن يتقاضى شيئاً ولا يبيع شيئاً إلا مع صاحبه، قلت أرأيت إن وكل أحدهما صاحبه أن يعمل برأيه ويتقاضى ويبيع ما رأى بيعه بالكوفة ووكل هذا الكوفي الحجازي أن يعمل برأيه ويبيع ويتقاضى ما كان بالحجاز أيجوز ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً أوصى إلى رجل ثم أتى على ذلك زمان ثم أوصى إلى آخر بعد ذلك؟ قال هما جميعاً وصيان الأول والآخر، قلت فهل يقول غيركم إن الآخر هو وصي وحده؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة في ذلك والثقة إذا أراد الرجل أن يوصي إلى رجل وقد كانت له قبل ذلك وصايا وأوصى إلى غير هؤلاء وأراد أن يبطل كل وصية كانت منه قبل اليوم؟ قال يوصي بما أحب إلى من أحب ويسمى أوصياءه ويسمى في وصيته أنه قد أبطل كل وصية كانت منه قبل ذلك وأخرج كل وصي أوصى إليه من وصيته إلا هؤلاء الذين سماهم في كتابه هذا ويشهد على ذلك ويكتب تاريخ الوصية. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يوصي بعتق عبد له إن مات في سفره هذا؟ قال يقول إن مت في سفري هذا ففلان حر، قلت أفيكون للمولى أن يبيع عبده قبل أن يرجع من سفره قال نعم. قلت: أرأيت الوصي إذا خاف جهل بعض الفقهاء وخاف أن يسأله عن بعض ما وصل إليه من تركة الميت ثم يسأله البينة على ما يقول وعلى ما أنفق على الورثة وما قضى من الدين كيف يصنع؟ قال يكون الذي يتولى بيع التركة وقضاء الدين والنفقة غير ذلك الوصي ولا يشهد على نفسه بوصول شيء إليه فلا يكون عليه سبيل. قلت: أرأيت إن كان إنما بيع المتاع بأمره وقضى الدين بأمره فأراد القاضي أن يستحلفه ما قضيت ديناً ولا وصل إليك تركة ولا بعت ذلك ولا أمرت بشيء

من ذلك يباع ولا وكلت به كيف يصنع، قال إذا كان مظلوماً وكان قد وضع التركة موضعها على حقوقها فإنه يسعه أن يحلف وينوي غير ما استُحلف عليه، وإن كان ظالماً لم يضع الأشياء مواضعها لم يسعه أن يحلف على شيء من ذلك؛ قال أبو يوسف وكذلك حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم. قلت: أرأيت الوصي له أن يزكى مال الوارث وهو صغير أو كبير قال لا وإن فعل ضمن ما زكى، قلت وكذلك لو أعطى صدقة الفطر قال نعم في القياس، ولكنا نستحسن أن لا نُضمنه صدقة الفطر، وكذلك لو ضحى عن الوارث وهو صغير لم يضمن شيئاً لأنه طعام يأكله، وكذلك الأب في هذا مثل الوصي وكذلك الجد أبو الأب إذا لم يكن أب ولا وصي. قلت: أرأيت الوصي إذا أراد أن يدفع إلى الورثة أموالهم ويكتب عليهم البراءة من كل قليل وكثير أيهما أوثق له أن يسمى ما جرى على يديه وما أنفق وما أعطاهم أو يكتب عليهم البراءة من كل قليل وكثير ولا يسمى شيئاً قال يكتب البراءة من كل قليل وكثير ولا يسمى شيئاً فإنه أوثق له، قلت ولِمَ؟ قال لأني لا آمن أن يلحق دين أو يجيء وارث أو صاحب وصية فيضمن الوصي ما دفع إلى الورثة. قلت: أرأيت رجلاً يداين الناس ويخالطهم ويكتب عليهم الصكاك وله ورثة فأراد أن يسمى وصيه في كل صك يكتبه كيف يصنع؟ قال يكتب في آخر الصك أن فلان ابن فلان أقر بأن فلان ابن فلان وصيه في تقاضي جميع ما له من الدين في هذا الصك وغيره بعد موته، وإن أحب أن يجعله وكيله في حياته كتب ووكله أيضاً في قبض ذلك والخصومة في حياته. قلت: أرأيت إن كان الصك لرجلين وكتباه وقد أقر فلان وفلان أنه إن غاب واحد منهما أو حدث به حدث الموت أن الباقي منهما وكيله في قبض هذا الدين وغيره والخصومة فيه ووصيه في ذلك وغيره بعد موته قال جائز. قلت: أرأيت رجلاً له على رجل مال فمرض الطالب فأوصى للمطلوب

بما له عليه من الدين فخاف المريض أن لا يجيز ذلك ورثته وله مال كثير يخرج هذا الدين من الثلث وخاف أن يقول الورثة لم يدع الميت شيئاً غير هذا الدين كيف الثقة في ذلك والحيلة للذي عليه الدين؟ قال إن أشهد المريض أنه قد استوفى ما له على فلان منه جاز ذلك. قلت: أرأيت إن قال المريض لم يكن لي على فلان شيء قط أيجوز ذلك أيضاً؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن أراد المريض أن يعتق عبداً له وله مال يخرج من الثلث فخاف أن يقول الورثة لم يدع الميت شيئاً غير المعتق كيف يستوثق المريض لعبده؟ قال إن شاء المريض باع العبد من رجل يثق به وقبض الثمن فوهبه للمشتري ثم يُعتقه المشتري. قلت: أرأيت إن كان على الميت دين وله وفاء وفضل يخرج العبد من ثلثه فخاف المريض أن يغيب ماله ثم يقول ورثته أعتق العبد ولا مال له غيره فلا يجوز إقراره للعبد أنه قبض منه الثمن؟ قال إن خاف ذلك السيد على عبده باعه من نفسه بثمن وقبض الثمن بمحضر من الشهود وأشهدهم على ذلك المريض ثم يهب المريض للعبد في السر ما قبض منه من الثمن. قلت: أرأيت إن لم يكن للعبد مال يدفعه إلى سيده كيف يصنع؟ قال يهب السيد لعبده في السر الثمن ويدفعه إليه ثم يبيع العبد من نفسه ويقبض منه الثمن بمحضر من الشهود ويبرئ العبد مما عليه من الثمن فيما ينه وبينه. قلت: أرأيت إن هو لم يرد أن يعتق عبده ولكنه أراد أن يبيعه من أحد ورثته بما للوارث عليه وليس للوارث بينة كيف يستوثق وما الحيلة في ذلك؟ قال يقضي المريض وارثه ما له عليه في السر ثم يبيع العبد من هذا الوارث ويشهد له بيعاً بثمن مسمى ويقبض الثمن بمحضر من الشهود فيجوز ذلك.

باب الحيل في النكاح

باب الحيل في النكاح قال: حدثنا أبو يوسف عن القاسم بن معن عن داود الصفار عن سالم بن عبد الله بن عمر قال قلت له: رجل طلق امرأته ثلاثاً فانقضت عدتها فجاء رجل فتزوجها ليحللها لزوجها الأول لم يأمره بذلك الزوج ولا المرأة قال فقال سالم هذا مأجور، قال أبو يوسف وهذا قول أبي حنيفة وبه نأخذ. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يتزوج امرأة ويشترط لها ألا يخرجها من دارها ويوثق لها كيف الثقة من غ ير أن تستوثق منه بطلاق ولا عتاق كيف الثقة في ذلك؟ قال يتزوجها على مهر مسمى ويشترط لها أنه يتزوجها على ذلك على أنه لا يخرج بها من مصرها فإن هو فعل فعليه تمام مهر نسائها كذا، شيئاً أكثر مما تزوجها عليه. قلت: أرأيت إن خافوا أن يتزوج عليها فشرط لها ألا يتزوج عليها وأنه إنما تزوجها بهذا المهر الذي سمينا على أن لا يتزوج عليها فإن فعل الزوج فلها مهر مثلها وهو كذا وكذا درهماً وهو مهر نسائها؟ قال هذا الشرط جائز على ما وصفت أيضاً. قلت: أرأيت رجلاً زوج ابنة له من عبد له فمات السيد أليس قد فسد النكاح؟ قال بلى، لأن البنت قد ورثت من زوجها شقصاً، قلت فإن أراد السيد أن لا يفسد النكاح بعد الموت كيف يصنع؟ قال يبيع العبد إن شاء من رجل ويقبض الثمن، فإن مات لم يفسد النكاح، قلت أرأيت إن أراد السيد أن لا يبيع عبده ولكنه كاتبه ثم مات السيد أيفسد النكاح؟ قال لا. [قلت أرأيت الرجل يشتري الجارية ولها زوج ولم يدخل الزوج با لمرأة فطلقها الزوج بعدما قبضها المشتري قبل أن تحيض عند المشتري يكون للمشتري أن يطأ هذه الجارية قبل أن يستبرئها بحيضة قال نعم] وإذا قال الرجل

إن خطبت فلانة أو تزوجتها فأجازت فهي طالق ثلاثاً فله أن يخطبها ثم يتزوجها بعد ذلك ولا يحنث؛ ولو كان الحالف تزوجها من قبل أن يخطبها ثم بلغها فأجازت النكاح طلقت ثلاثاً ولها نصف الصداق الذي سمى لها. إذا اشترى رجل جارية لها زوج لم يدخل بها فقبضها المشتري ثم طلق الزوج الجارية فإن للمشتري أن يقرب هذه الجارية قبل أن يستبرئها، ولو كان الزوج طلق الجارية بعد الشراء قبل أن يقبض المشتري الجارية لم يكن للمشتري أن يقربها حتى يستبرئها بحيضة، فإذا اشترى رجل جارية فلم يقبضها حتى زوَّجها عبداً له ثم قبضها المشتري ثم طلق العبد الجارية قبل أن يدخل بها ولم تحض فإن للمشتري أن يطأها قبل أن يستبرئها في قياس قول أبي يوسف، فإذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة وهو وليها وليست تبرز للرجال فلا بأس بأن توكله أن يزوجها نفسه ثم يخرج إلى الشهود فيشهدهم على النكاح. قلت: أرأيت الرجل يطلق امرأته ثلاثاً فجاء رجل فتزوج هذه المطلقة بعدما انقضت عدتها ودخل بها وجامعها ثم طلقها فانقضت عدتها هل للزوج الأول أن يتزوجها؟ قال نعم، قلت: أرأيت لو أتت الثاني فقالت تزوجني فحللني أو قال الزوج الأول للزوج الثاني تزوج هذه المرأة فحللها لي أو قال الزوج الثاني أتزوجك فأحللت لزوجك الأول؟ قال إذا قال واحد منهم هذه المقالة لم تحل للزوج بهذا النكاح الثاني. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يتزوج بالكوفة امرأة فزوجه وكيله بالكوفة؟ قال يحنث، قلت فكيف الحيلة؟ قال توكل المرأة رجلاً يزوجها ثم يخرج الوكيل والزوج أو وكيله إلى الحيرة أو غير ذلك بعد أن يخرجا من أبيات الكوفة ثم يتزوجها فلا يحنث. قلت: أرأيت المرأة خطبها رجل وليس للمرأة ولي حاضر والخاطب كفؤ للمرأة هل ترى بأساً أن توكل المرأة رجلاً فيزوجها من الخاطب؟ قال لا بأس بذلك، بلغنا عن علي أنه أجاز نكاحها بغير ولي وبهذا نأخذ.

قلت: أرأيت رجلاً خطب امرأة فخافت أن يتزوج عليها أو خافت أن يخرجها من مصرها فتزوجته على مال كثير وأشهدت به عليه ودفع إليها بعض وبقي عليه بعضه ثم أراد أن يخرجها من مصرها أو يتزوج عليها فأخذته بما بقي عليه من صداقها؟ قال ذلك لها. قلت: أرأيت رجلاً خ اف أن يكون قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ولم يقل ثلاثاً ثم أراد أن يتزوجها كيف يصنع؟ قال يتزوجها ثم يتزوجها مرة أخرى، فإن كان حلف فقد أحدث نكاحاً بعدما حنث فلا يحنث في التزويج الثاني وإن لم يكن حنث لم يضره التزويج الثاني. قلت: أرأيت رجلاً له جارية أراد السيد أن يكاتبها ويطأها بعد الكتابة ما لم تؤد أيحل له وطؤها بعدما كاتبها؟ قال لا، قلت فكيف يصنع حتى يحل له ذلك؟ قال يتصدق بهذه الجارية على ابن له صغير أو كبير ويدفعها إليه ويزوجها منه ابنه ثم يكاتبها بعد ذلك، قلت فإن كان الابن صغيراً أيكون للأب أن يزوج جارية ابنه الصغير من نفسه؟ قال نعم، قلت فالأب بعد التزوج له أن يكاتبها؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن كان الأب تزوج جارية ابنه الصغير ثم كاتبها فولدت منه ما حال ولدها؟ قال أحرار. قلت أرأيت إن عجزت المكاتبة بعدما ولدت أتكون أم ولد لأبي سيدها؟ قال لا، يبيع الابن الجارية متى ما شاء، وأما الولد فحر. قلت: أرأيت النكاح بعدما تعجز أصحيح هو بحاله؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن كانت الجارية للأب فخاف أن يطأها فتلد منه فلا يقدر على بيعها فباع الجارية من ابن له صغير أو كبير ثم تزوج البائع جارية ابنه فولدت منه أيكون الولد حراً؟ قال نعم يعتق بالقرابة، قلت أفتكون أم ولد؟ قال لا ولكنها أمة للابن يبيعها إن شاء ويصنع بها ما بدا له. قلت: أرأيت رجلاً أذن لعبده أن يتسرى أيكون ذلك للعبد؟ قال لا، لا يحل للعبد أن يطأ فرجاً إلا بنكاح.

باب الحيل في الشركة

قلت: أرأيت إن قال له المولى قد أذنت لك أن تتزوج كل أمة تشتريها فاشترى العبد أمة ولا دين عليه ثم تزوجها؟ قال ذلك له والنكاح جائز صحيح. قلت: أرأيت رجلاً أذن لعبده أن يشتري شيئاً بعينه ليكون ذلك للعبد إذناً في التجارة؟ قال لا [قلت فإن قال له المولى قد أذنت لك في كل أمة اشتريتها فاشترى أمة ولا دين عليه ثم تزوجها؟ قال ذلك جائز، قلت: فإن أذن له أن يتسرى قال ليس إذنه بشيء]. قلت: أرأيت عبداً تزوج بغير إذن مولاه امرأة ثم أذن له المولى أن يتزوج فأجاز العبد نكاح المرأة التي كان تزوجها قبل أن يأذن له المولى؟ قال ذلك جائز، وفيها قول آخر أنه لا يجوز، وهو قول زفر. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يزوج أمة له من ابن له فخاف السيد أن يفسد النكاح إذا مات لأن ابنه إذا ملك شقصاً منها فسد النكاح، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يبيع السيد جاريته من بعض إخوة هذا الابن ثم يتزوج هذا الابن الجارية بعد ذلك، فإن ولدت كان ولدها أحراراً. قلت: أرأيت رجلاً حلف أن لا يزوج عبداً له أمته هذه أبداً ثم بدا له أن يزوجه إياها ولا يحنث، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يبيع العبد والجارية جميعاً من رجل ويدفعهما إليه ثم يزوجهما المشتري ثم يشتريهما بعد ذلك الحالف فتكون الجارية امرأة العبد ولا يحنث الحالف في يمينه. باب الحيل في الشركة قلت: أرأيت شريكي شركة عنان أرادا أن يضمنا عن رجل مالاً بأمره على أنه إن أدى المال أحد الشريكين وهو عبد الله رجع به على شريكه الآخر وهو زيد وعلى صاحب الأصل، فإن أدى المال إلى الطالب زيد وصاحب الأصل لم يرجع على عبد الله بشيء، كيف الحيلة؟ قال يضمن زيد عن الذي عليه

الأصل ما عليه للطالب ثم يجيء عبد الله بعد ذلك فيضمن عن زيد وصاحب الأصل ما للطالب عليهما بأمرهما، فإن أدى عبد الله المال رجع به على زيد وصاحب الأصل، وإن أدى زيد وصاحب الأصل لم يرجعا به على عبد الله. قلت: أرأيت رجلين اشتركا على أن جاء أحدهما بمائة دينار وجاء الآخر بألف درهم يشتريان بها؟ قال ذلك جائز، قلت: أرأيت إن ضاع أحد المالين بعد الشركة؟ قال يهلك ما هلك من مال صاحبه خاصة ولا يضمن صاحبه مما ذهب شيئاً، قلت أرأيت إن كانا اشتركا وأرادا إن ضاع أحد المالين ضاع من مالهما جميعاً كيف الحيلة في ذلك؟ قال يشتري صاحب الدراهم من صاحب الدنانير نصف دنانيره بنصف الدراهم ويتقابضان ويشتركان بعد ذلك على ما ذكرت. قلت: أرأيت رجلين لأحدهما متاع يساوي خمسة آلاف درهم وللآخر متاع يساوي ألف درهم فأرادا أن يشتركا بهذا المتاع الذي لهما؟ قال لا يجوز الشركة بالعروض، قلت فكيف الحيلة لهما حتى يكونا شريكين بهذا المتاع لهما؟ قال يشتري صاحب المتاع الذي قيمته خمسة آلاف درهم من صاحبه خمسة أسداس متاعه بسدس المتاع الذي يساوي خمسة آلاف، فإذا فعلا ذلك كانا شريكين على قدر رءوس أموالهما وصار للذي متاعه يساوي ألف سدس جميع المتاع وللآخر خمسة أسداسه. قلت: أرأيت رجلين اشتركا في جارية على أنه إن اشتراها أحدهما فهي بينه وبين الآخر نصفين أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت أرأيت إن أمر أحدهما غيره فاشتراها له بغير محضر منه أيكون لصاحبه الذي شاركه فيها شرك؟ قال لا، قلت ولم؟ قال لأنه إنما شاركه إن اشتراها فإن اشتراها غيره ولم يشترها بمحضر منه فلا شرك له فيها، قلت أرأيت إن شاركه على أن كل واحد منهما إن اشتراها فصاحبه شريكه فيها فطلب أحدهما إلى صاحب الجارية أن يهبها له على عوض مسمى فوهبها له على عوض وتقابضا يكون الآخر شريكه فيها؟ قال

لا، قلت ولم؟ قال ألا ترى أنه لم يشترها وإنما وهبت له وأنه لا يبيعها مرابحة فلذلك لا يكون شريكة فيها. قلت أرأيت رجلين بينهما جارية اشتراها رجل منهما وقبضها ثم إن المشتري أراد أن يصالح أحدهما من جميع الثمن على نصفه على أنه ضامن لما أدرك المشتري من درك من صاحبه حتى يخلصه منه أو يرد عليه جميع المال الذي كان اشترى به الجارية منهما أيجوز ذلك؟ قال لا، قلت ولم لا يجوز؟ قال لأ، هـ لا يكون ضامناً لما لم يقبض، قلت فكيف الثقة للمشتري حتى يكون بريئاً فإن أدركه من قبل صاحبه درك رجع بما أدركه على الذي صالحه قال الثقة في ذلك أن يحط هذا الشريك الحاضر عن المشتري نصيبه كله من الثمن ثم يدفع إليه نصيب صاحبه فيصالحه على أنه ضامن لما أدركه فيه من درك من قبل الشريك الغائب حتى يخلصه من ذلك أو يرد عليه ما قبض منه وهو النصف من جميع الثمن، قلت وكذلك لو كان هذا الحق بين هذين الرجلين دماً خطأ فصالح القاتل أحدهما على ما وصفت كان قد استوثق إذا كان الضمين ثقة؟ قال نعم. قلت أرأيت عبداً بين رجلين أراد كل واحد منهما أن يدبر نصيبه عن نفسه؟ قال إن دبر أحدهما قبل صاحبه ثم دبر الآخر نصيبه فهو مدبر بين الموليين في قول أبي حنيفة، وأما في قول أبي يوسف فإنه مدبر عن الأول، قلت فكيف الثقة لهما جميعاً حتى يكون مدبراً لهما جميعاً وحتى لا يضمن المولى لصاحبه شيئاً حتى يموت؟ قال يوكل الموليان جميعاً رجلاً يدبره عنهما في كلمة واحدة فيقول أنت مدبر عن فلان وفلان أو يقول قد جعلت نصيب كل واحد من مولييك مدبراً عنه. قلت أرأيت عبداً بين رجلين أراد كل واحد منهما أن يكاتب نصيبه فخاف أن هو فعل أن يضمنه الآخر كيف الحيلة والثقة في ذلك؟ قال الثقة في ذلك أن يوكلا رجلاً يكاتب نصيب كل واحد منهما، قلت: فإذا كاتب الرجل نصيب

أحدهما أليس قد صار في قول بعض الفقهاء مكاتباً كله وللشريك الآخر أن ينقض الكتابة ويبطلها ولا يقدر الذي لم يكاتب أن يكاتب نصيبه؟ قال بلى، قلت فكيف الثقة لهما حتى يكون نصيب كل واحد منهما مكاتباً لصاحبه ولا يشرك واحد منهما صاحبه في شيء مما قبض من المكاتب في نصيبه؟ قال يوكلان رجلاً يكاتب هذا العبد فيقول له أحدهما كاتب نصيبي على كذا وكذا ويقول الآخر كاتب نصيبي على كذا وكذا فيختلفان في التسمية ثم يجيء المكاتب فيقول للوكيل قد كاتبت حصة فلان مني على كذا وكذا ونصيب فلان على كذا وكذا فيقول الوكيل قد كاتبتك على ذلك فيجوز ولا يضمن واحد من الموليين نصيبه لصاحبه ولا يشرك واحد منهما في شيء مما قبضه من مكاتبة نصيبه، قلت وكذلك لو باع رجلان عبداً بينهما من رجل فباع هذا نصيبه بثمن مسمى وباع الآخر نصيبه بثمن مسمى فقبل المشتري ذلك في كلمة واحدة ثم قبض أحدهما من المشتري شيئاً لم يشركه الآخر فيما قبض؟ قال نعم، قلت أرأيت عبداً بين رجلين قال أحدهما لصاحبه قد أعتقت نصيبك يا فلان وأنكر الآخر والشاهد منهما على العتق موسر والمشهود عليه معسر أيضمن الشاهد شيئاً؟ قال لا ولكن العبد يسعى في قيمته بينهما ولست آمن جهل بعض الفقهاء أن يضمنه. قلت: أرأيت إن قال هذا الموسر إن الذي باعنا هذا العبد قد أعتق العبد قبل أيضمن لشريكه في العبد شيئاً؟ قال لا إلا في قول غيرنا، قلت أرأيت إن كان إنما قال عبدنا هذا حر الأصل أيضمن؟ قال لا يضمن في قولنا ولكن العبد يسعى للآخر في نصيبه، ولست آمن أن يضمنه غيرنا. قلت: أرأيت الشريكين المتفاوضين إذا غاب أحدهما فأراد الباقي منهما أن يبطل الشركة فيما بينه وبين الغائب وأراد أن يشهد على ذلك أيكون ذلك مناقضة للشركة وصاحبه غائب؟ قال لا، قلت فكيف الحيلة في ذلك حتى يكون مناقضة للشركة؟ قال يرسل إليه رسولاً ويأمره أن يُخبره أن فلاناً قد فارقه

باب الضمان والكفالة والتخرج منهما

ونقص ما بينهما من الشركة، فإذا فعل ذلك وأشهد الرسول على هذه المقالة فقد انقضت شركته فيما بينهما. قلت: أرأيت رجلاً وغلى رجلاً ثم إن أحدهما غاب فأراد العربي أن ينقض موالاة المولى والمولى غائب أيكون ذلك له؟ قال لا، قلت فكيف الحيلة في ذلك حتى يكون نقضاً لموالاته؟ قال يوكل وكيلاً يبلغه هذا الوكيل عن هذا العربي أنه قد نقض موالاته، قلت فإن كان الذي أراد نقض هذه الموالاة هو الذي أسلم ومولاه العربي غائب كيف الحيلة؟ قال إن شاء هذا المولى وإلى رجلاً غيره فيجوز ذلك ويكون مناقضاً لموالاة الأول وهو مولى الثاني. قلت: أرأيت إن لم يرد أن يوالي أحداً ويريد مناقضة الأول كيف الحيلة في ذلك ومولاه العربي غائب؟ قال يوكل رجلاً يبلغه أنه قد ناقضه موالاته ويُشهد على ذلك فيكون ذلك جائزاً، قلت أرأيت هذا الذي أسلم ووالى إن كان له ولد صغير يوم والى أيكون أولاده الصغار موالي لمولى أبيهم؟ قال نعم، قلت والبنون إذا كبروا نقضوا ولاءهم إن شاءوا؟ قال نعم. باب الضمان والكفالة والتخرج منهما وفيهما قلت أرأيت الرجلين إذا ضمنا رجلاً بنفسه فدفعه أحدهما أيبرأ الذي لم يدفع الرجل إلى الطالب؟ قال نعم هذا بمنزلة رجلين ضمناً لرجل مالاً مسمى فدفعه إليه أحدهما، قلت فهل يُخاف على الذي لم يدفع المطلوب إلى الطالب أن يأخذه بعض القضاة بنفس المطلوب ولا يجعل دفع الآخر براءة للذي لم يدفع؟ قال نعم لست آمن ذلك عليه، قلت فكيف الحيلة في ذلك حتى يكون إذا دفعه برئ هو وصاحبه؟ قال يتكفلا به جميعاً على أنه إذا دفعه أحدهما فهما بريئان، قلت أرأيت لو كان الكفيلان ضمنا هذا الرجل بنفسه ولم يشترطا ما وصفت من البراءة لهما جميعاً إذا دفعه أحدهما فأراد أن يكونا إذا دفعه أحدهما برئا جميعاً قال يشهد هذان الكفيلان على أنفسهما أن كل واحد

منهما وكيل لصاحبه في دفع هذا الرجل المكفول به بنفسه إلى الطالب ووكيله في التبرؤ إليه منه فإذا دفع أحد الكفيلين المطلوب إلى الطالب تبرأ إليه منه لنفسه ولصاحبه فجاز ذلك لهما جميعاً. قلت: أرأيت الرجلين ضمنا عن رجل ما بايعه به فلان ابن فلان من درهم إلى ألف درهم أيجوز ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن كانا ضمنا ما وصفت لك على أن على أحدهما الثلث من ذلك وعلى الآخر الثلثين أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت أرأيت إن كان أحد الكفيلين أراد أن يضمن الكفيل الذي معه ما لزمه مما ضمن من الغرم والدرك أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة في ذلك؟ قال يشهد له الضمين أنه ما لزمه فيما كفل به من غرم أنه عليه فيجوز ذلك له. قلت: أرأيت رجلين اشتركا شركة مفاوضة أو غير ذلك فأراد أحدهما أن يخرج بمال لهما جميعاً إلى بلد من البلدان في تجارة فخاف الذي يخرج بالمال أن يحدث بصاحبه حدث موت ثم يشتري بالمال بعد ذلك متاعاً فيضمن كيف الحيلة في ذلك حتى لا يضمن شيئاً؟ قال يشهد هذا المقيم أن المال الذي بينه وبين شريكه الذي يشخص به أنه مال ولده الصغار وأنه قد أوصى إلى هذا الشريك بجميع ما ترك وأمره أن يشتري لهم ما يحب في حياته وبعد موته فيجوز ذلك له، قلت أرأيت إن كان الورثة كباراً كيف الحيلة في ذلك؟ قال يُشهد الشريك المقيم أن المال الذي في يد صاحبه الذي يشخص به أنه مال ولده هؤلاء الكبار ثم يأمر ولده الكبار الشريك الذي يشخص أن يعمل لهم برأيه ويشتري لهم ما أحب ويشاركونه فلا يضمن هذا الشاخص إن مات صاحبه أو عاش. قلت: أرأيت رجلين لهما على امرأة مال وهما شريكان فتزوجها أحدهما على نصيبه من المال الذي عليها هل يشاركه صاحبه فيضمنه نصف ما سمي لها من المهر؟ قال لا ولست آمن عليه أن يُضمنه غيرنا، قلت فكيف الحيلة حتى لا يضمن الزوج لشريكه من الدين شيئاً في قول جميع الناس؟ قال يهب

باب الأيمان في الكسوة

الشريك الذي يريد أن يتزوج هذه المرأة للمرأة نصيبه مما عليها ثم يتزوجها على عشرة دراهم وتهب المرأة العشرة التي تزوجها الزوج عليها، قلت أرأيت إذا فعل الزوج ما وصفت لم يضمن لشريكه شيئاً؟ قال لا. قلت: أرأيت عبداً بين رجلين أذن أحدهما لنصيبه في التجارة ولم يأذن الآخر فرآه الذي لم يأذن له يشتري ويبيع فسكت عنه أيكون سكوته رضاً منه بتجارته وإذناً منه في التجارة؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة حتى لا يكون سكوته إذناً للعبد في التجارة؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة حتى لا يكون سكوته إذناً للعبد في التجارة؟ قال يشهد على العبد في السوق أنه قد حجر على نصيبه منه وأنه ليس برضا منه يشتري ويبيع وأنه إن سكت بعد رؤيته يومه هذا أنه سكت لأنه لا يقدر على أن يمنع شريكه أن يأذن لنصيبه في التجارة، قلت فإذا قال ما وصفت ثم رآه بعد ذلك يشتري ويبيع فسكت فليس ذلك بإذن منه للعبد في التجارة؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يضمن عن رجل شيئاً وله شريك فاشترى بينه وبين شريكه متاعاً أيكون المشتري ضامناً عن صاحب النصف لنصف ما اشترى بينه وبينه؟ قال نعم، قلت فيحنث هذا الحالف الذي اشترى في يمينه؟ قال لا، قلت وكذلك لو لم يكن المشتري الحالف شريكاً لصاحبه ولكن صاحبه وكله أن يشتري له جارية فاشتراها بعد ذلك أيكون المشتري ضامناً للثمن عن الآمر؟ قال نعم، قلت فيحنث في يمينه التي حلف فيها؟ قال لا يحنث في يمينه. باب الأيمان في الكسوة ولو أن رجلاً حلف لا يشتري ثوباً فاشترى فراشاً أو اشترى بساطاً أو شيئاً لا يُلبس لم يحنث وإنما اليمين في هذا على أن يشتري شيئاً مما يُلبس إلا أن ينوي نوعاً من الأمتعة فيحنث إن هو اشتراه، ولو اشترى فَرْواً حنث. قلت: أرأيت إن حلف أن لا يكسو فلاناً أبداً فهو له بساطاً أو ستراً فراشاً أيحنث في شيء من ذلك؟ قال لا.

قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يلبس ثوباً نسجه فلان فنسج فلان ثوباً هو وآخر معه ثم لبسه الحالف أيحنث؟ قال لا، قلت وكذلك لو حلف لا يلبس ثوباً غزلته فلانة فلبس ثوباً غزلته فلانة وأخرى معها لم يحنث؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يلبس ثوب قطن أبداً ولبس ثوب كتاب حشوه قطن؟ قال لا يحنث وإنما اليمين في هذا على أن يلبس ثوباً غزله قطن، وكذلك إن حلف لا يلبس الحرير أبداً أو القز فلبس ثوب خز سدَّاه حرير أو قز أو لبس ثوباً من قطن حشوه قز لم يحنث في شيء من ذلك، ولو حلف لا يلبس إزاراً فلبس رداء اتزر به لم يحنث، ولو حلف لا يلبس هذا القميص بعينه فتردى به حنث [ولو حلف لا يلبس هذا القميص بعينه] ولو حلف لا يلبس من ثياب فلان شيئاً أبداً وليس للمحلوف عليه ثوب ثم اشترى المحلوف عليه ثوباً فلبسه الحالف حنث، ولو حلف لا يلبس ثوباً لفلان أبداً فاشترى الحالف من فلان المحلوف عليه ثوباً فلبسه الحالف لم يحنث لأنه قد خرج من ملك المحلوف عليه، ولو حلف لا يلبس سلاحاً أبداً فتقلد سيفاً أو تنكب قوساً لم يحنث في ذلك، قلت فإن لبس درع حديد؟ قال يحنث، ولو حلف لا يكسو فلاناً شيئاً أبداً إلا أن ينسى فنسي الحالف فكسا الحالف المحلوف عليه ثوباً ثم ذكر يمينه بعد ذلك فكساه مرة أخرى وهو ذاكر ليمينه؟ قال لا يحنث الحالف في يمينه، قلت أرأيت إن كان حلف لا يكسوه إلا ناسياً ثم كساه مرة أخرى وهو ذاكر ليمينه قال يحنث، ولا يشبه هذا الباب الأول، قلت أرأيت إن كان حلف لا يكسو فلاناً شيئاً أبداً فباعه ثوباً ثم وهب له الثمن أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن حلف لا يكسوه قميصاً فوهب له ثوباً صحيحاً فأمره أن يصنع له منه قميصاً أيحنث، قال لا، قلت أرأيت إن كان حلف لا يكسوه قميصاً أبداً فوهب له تسعة أعشار قميص أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان حلف لا يكسوه قميصاً أبداً فكساه هو ورجل آخر قميصاً؟ قال لا يحنث، قلت أرأيت إن كان حلف لا يلبس قميصان لفلان أبداً فلبس قميصاً لعبد له؟ قال

أبو حنيفة لا يحنث وقال أبو يوسف يحنث، قلت أرأيت الرجل حلف لا يكسو فلاناً ثوباً فكسا ابنه أو امرأته أو عبده أو مكاتباً له أو مدبراً له لم يحنث؟ قال لا، ألا ترى أنه لو حلف أن لا يبيع من فلان شيئاً أبداً فباعه من عبده لم يحنث، وكذلك الهبة بمنزلة الشرى في هذا، قلت أرأيت رجلاً حلف لا يشتري من فلان ثوباً أبداً فأمر رجلاً فاشترى له منه أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان المحلوف عليه وهب هذا الثوب للحالف واشترط عليه عوضاً هل يحنث؟ قال لا، قلت أرأيت رجلاً حلف لا يكسو فلاناً ثوباً أبداً فكسا فلاناً وابنه ثوباً أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن حلف لا يلبس لفلان ثوباً أبداً فمات صاحب الثوب وله ورثة فلبس هذا الحالف هذا الثوب وهو لورثته أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان حلف لا يلبس ثوباً لفلان أبداً فلبس ثوباً بينه وبين آخر؟ قال لا يحنث. قال أبو يوسف في رجل قال إن دخلت هذه الدار فعليَّ الذهاب إلى مكة أو السفر إلى مكة أو الركوب إلى مكة فدخل الدار، فأما أبو حنيفة فقال في ذلك ليس عليه شيء، وكذلك قال أبو يوسف، وكذلك لو قال فأنا أذهب إلى مكة أو أسافر إلى مكة أو أسير إلى مكة، ولو قال فعليَّ المشي إلى مكة أو فأنا أمشي إلى بيت الله فإن أبا حنيفة قال في هذا يلزمه، وكذلك قال أبو يوسف لأن المشي من أيمان الناس؛ وأما القياس فليس عليه شيء حتى يسمى حجاً أو عمرة، ولكنا استحسنا في المشي لأنه من أيمان الناس وأخذنا في السفر والذهاب والركوب بالقياس وليس عليه شيء، وإن نوى به حجاً أو عمرة. ولو قال إن فعلت كذا وكذا فأنا أحج بفلان، أو عليَّ أن أحج بفلان ففعل فإن عليه أن يحج بنفسه وليس عليه أن يُحِجَّ فلاناً، فإن نوى أن يحجه فعليه أن يفعل وحج نفسه له لازم. ولو أن رجلاً قال إن أكلت هذا الطعام فأنا أهديه إلى بيت الله فأكله وهو

بمكة يوم حلف لم يكن عليه شيء من قبل أن يحنث وهو في بطنه ولا يهدي لأنه لا يساوي شيئاً وهو في بطنه وكذلك الصدقة في المساكين. وقال أبو حنيفة إذا أهدى شيئاً إلى الكعبة بيمين لزمته أو تطوع فإن كان بعيراً أو بقرة أو شاة في أيام الحج ذبح البقرة والشاة بمنى يوم النحر ونحر الجزور بمنى يوم النحر وتصدق بلحم ذلك، وإن كان في غير أيام الحج فعل ذلك بمكة وتصدق به؛ ولو كان في أيام الحج وفعل ذلك به قبل يوم النحر وهو بمكة أجزأه ذلك في جميع هذا، وإن كان كفارة من نذر أو جزاء صيد ما لم يكن متعة فلا بد له أن يذبح يوم النحر ولا يجزئ الذي قدمه قبل ذلك، ولو كان الهدي ثوباً أو دراهم أو عرضاً من العروض سوى ما ذُبح فإن أبا حنيفة قال في ذلك يتصدق به على فقراء أهل مكة وأكره أن يُعطيه الحجبة فإن دفعه إليهم أجزأه وكذلك قال أبو يوسف؛ وإن تصدق بقيمة ذلك أجزأه، فإن حلف يهدي ما لا يملك فإن أبا حنيفة قال ليس في ذلك شيء وكذلك قال أبو يوسف، وإن حلف يُهدى شيئاً مما يملك من أرض أو دار أو غير ذلك أهدى قيمته ويجزئه، وإن جعله هدياً مسمى ولم يُنسب ذلك إلى ملكه ولم يُنسب ذلك إلى شيء من ملك غيره فهذا له لازم إن حنث، ولم يكن في شيء لزمه ساعة تكلم به وليس هذا كحلفه على ما لا يملك، فإن حلف بنحر ولده أو غيره فحنث فإن أبا يوسف قال في ذلك لا شيء عليه، وهذا كحلفه يُهدى ما هو ملك غيره بل النحر أبعد وأحرم، وقال أبو حنيفة مثل ذلك في النحر إلا في الولد فإنه قال آخذ في ذلك بالأوثق الذي جاء أنه يذبح عنه مكانه شاة. وقال أبو حنيفة إن قال عليَّ المشي إلى مكة أو إلى الكعبة أو إلى المسجد الحرام فهذا كله لازم، قلت فإن قال إلى الحرم أو إلى الصفا والمروة أو إلى المزدلفة وما أشبه ذلك؟ قال هذا باطل لا يلزمه في هذا شيء، وكذلك قال أبو يوسف إلا في الحرم فإنه قال يلزمه فيه، وكذلك إن قال هو يُهديه إلى الكعبة أو إلى مكة أو إلى المسجد الحرام.

باب الحيل في الشرى والبيع

باب الحيل في الشرى والبيع ولو أن رجلاً حلف لا يبيع هذا الثوب بمائة درهم حتى يزداد فباعه بتسعين درهماً فإن أبا يوسف قال في ذلك لا يحنث لأنه لم يبعه بمائة درهم، وكذلك لو باعه بمائة وعشرة لم يحنث، وقال لا يحنث إلا أن يبيعه بمائة سواء. قلت أرأيت لو حلف لا يبيع هذا الثوب بمائة درهم فباعه بتسعين؟ قال لا يحنث. قلت أرأيت إن حلف لا يشتري ثوباً بمائة درهم فاشترى ثوباً بأقل من ذلك؟ قال لا يحنث، قلت فإن اشترى بمائة وعشرة؟ قال يحنث في قول أبي يوسف. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يبيع ثوباً بمائة درهم فباعه بتسعين درهماً وقفيز حنطة أو أفلس يسيرة؟ قال لا يحنث، وكذلك لو باعه بعشرة دراهم ودينار أو بخمسة دنانير وليس معها دراهم أو بشيء من العروض لم يحنث في شيء من ذلك؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن حلف لا يبيع هذا الثوب من فلان بثمن أبداً فباعه من فلان ومن رجل معه؟ فقال لا يحنث، قلت أرأيت إن كان إنما باعه من رجل اشتراه للمحلوف عليه؟ قال لا يحنث، قلت أرأيت رجلاً حلف لا يشتري من فلان جارية أبداً فاشترى من فلان ورجل معه آخر جارية؟ فقال لا يحنث، قلت أرأيت إن كان يمينه على هذه الجارية للمحلوف عليه خاصة؟ قال لا يحنث أيضاً، قلت أرأيت إن كان الحالف اشترى هذه الجارية من رجل أجنبي وأجاز المحلوف عليه البيع وضمن الدرك أيحنث الحالف؟ قال لا. قلت أرأيت رجلاً حلف لا يبيع جارية له أبداً فأمر رجلاً فباعها أيحنث؟ قال لا.

باب المساكنة ودخول الدار

قلت: أرأيت رجلاً قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه لغيره أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان الحالف إنما اشترى العبد لابن له صغير أيحنث؟ قال لا يحنث إن أشهد عند عقد البيع أنه إنما اشتراه لابنه. قلت أرأيت رجلاً حلف بعتق عبد بعينه إن هو اشتراه أبداً فاشتراه بيعاً فاسداً ثم قبضه أيحنث الحالف؟ قال لا، قلت ولم؟ قال لأنه حنث وهو في يد البائع وعتق المشتري لا يجوز فيه قبل أن يقبضه لأنه بيع فاسد، قلت أرأيت إن كان العبد وديعة في يد المشتري يوم اشتراه أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان هذا العبد في يد البائع والبائع هو الذي حلف بعتقه إن باعه فباعه بيعاً فاسداً أيحنث؟ قال نعم، قلت أرأيت إن كان العبد يوم باعه هذا البيع الفاسد في يد المشتري أيحنث البائع الحالف؟ قال لا. قلت أرأيت رجلاً قال أول كر حنطة أملكه فهو صدقة للمساكين فملك كراً ونصفاً قال لا يحنث، قلت أرأيت إن ملك قفيزاً بعد قفيز حتى يملك أربعين قفيزاً إلا أنه يأكل الأول فالأول وإنما يملك قفيزاً بعد قفيز أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت إن قال أول عبد أملكه فهو حر فملك عبداً ونصفاً صفقة واحدة أيحنث؟ قال نعم، لا يشبه هذا الباب الأول، قلت أرأيت إن قال أول عبد أملكه فهو حر فاشترى نصف عبد فباعه ثم اشترى النصف الآخر هل يحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن كان إنما قال أول عبد أشتريه فهو حر فاشترى نصف عبد فباعه ثم اشترى النصف الباقي أيحنث؟ قال نعم. باب المساكنة ودخول الدار سئل أبو يوسف عن رجل حلف لا يساكن فلاناً في دار ولا نية له فسكن معه في دار كل واحد منهما في مقصورة على حدة؟ فقال لا يحنث حتى يكونا في مقصورة واحدة، وفيها قول آخر أنه يحنث، وإنما كلام الناس في هذا على أنه لا يسكن مصراً هو فيه.

وسألته عن رجل حلف لا يساكن رجلاً معه في منزله ثم أخذ في النقلة ساعة حلف؟ قال لا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يسكن هذا البيت بعينه فهدم ثم بنى ثم سكنه؟ قال لا يحنث، قال وكذلك لو حلف أن لا يسكن هذه الدار فجعلت مسجداً فسكنه الحالف لم يحنث، وكذلك لو جعلت بستاناً لم يحنث، قلت أرأيت إن جعلت هذه الدار بستاناً ثم أعيدت فجعلت داراً فسكنها الحالف أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يسكن داراً لفلان أبداً فسكن داراً بين فلان ورجل آخر؟ قال لا يحنث. قال أرأيت إن حلف لا يسكن بيتاً لفلان فسكن صفة له؟ قال يحنث إلا أن يكون نوى لا يسكن بيتاً دون صفة. قلت أرأيت رجلاً حلف لا يدخل الكوفة إلا عابر سبيل فدخلها ماراً فيها ثم بدا له فأقام فيها زماناً؟ فقال لا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يدخل على فلان ولا نية له فدخل عليه داراً؟ قال لا يحنث، وقال أبو يوسف وكذلك لو دخل عليه دهليزاً أو مسجداً لم يحنث، وإنما يحنث إذا دخل عليه بيتاً أو صفة، قلت أرأيت إن دخل عليه الكعبة قال لا يحنث. قلت أرأيت رجلاً حلف لا يدخل على فلان منزلاً فدخل الحالف وليس المحلوف عليه في ذلك المنزل ثم إن المحلوف عليه جاء حتى دخل على الحالف في ذلك المنزل؟ قال لا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يدخل على فلان منزلاً أبداً وحلف الآخر بعد ذلك لا يدخل على الحالف الأول منزلاً أبداً فأراد أن يجتمعا في منزل جميعاً ولا يحنث واحد منهما كيف الحيلة في ذلك؟ قال يدخل الحالفان جميعاً ولا يسبق واحد منهما صاحبه بالدخول.

قلت: أرأيت رجلاً حلف أن لا يدخل دار فلان أبداً فدخلها كرهاً لا يقدر على أن يمتنع؟ قال لا يحنث، قلت ولم قال لأنه إنما أُدخل ولم يدخل. قلت: أرأيت إن حلف لا يطأ منزل فلان بقدمه يعني بذلك لا يضع قدمه على أرض منزله أيحنث إن دخلها وعليه خفان أو نعلان؟ قال لا يحنث، قلت أرأيت إن دخلها راكباً أيحنث وقد نوى ما وصفت لك؟ قال لا، قلت أرأيت إن لم يكن له نية أيحنث في جميع ما ذكرت لك؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن حلف لا يدخل دار فلان فأدخل إحدى قدميه قال لا يحنث، قلت أرأيت إن قام في طاق باب منزله أيحنث قال إن كان في موضع إذا أغلق الباب كان الحالف خارجاً من المنزل لم يحنث، وإن كان في موضع إذا أغلق الباب كان داخلاً حنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا تدخل امرأته على أبيها أبداً فدخلت امرأته داراً ثم دخل أبوها عليها أيحنث؟ قال لا، قلت فإن كان الموضع الذي دخل الأب فيه على ابنته هو منزل الأب أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت الرجل يحلف لا تدخل امرأته دار فلان إلا بإذن الزوج لها فأذن الزوج لها مرة فدخلت ثم دخلت مرة أخرى بغير أمره؟ قال لا يحنث. قلت: أرأيت إن كان قال لها إن دخلت دار أبيك إلا بإذني فأذن لها فدخلت ثم دخلت مرة أخرى بغير إذنه أيحنث؟ قال نعم، قلت فكيف الحيلة للحالف حتى تدخل كلما شاءت ولا تستأمره ولا يحنث الزوج؟ قال يقول لها الزوج قد أذنت لك في دخول هذه الدار كلما شئت فتدخل كلما شاءت ولا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يخرج من باب هذه الدار أبداً كيف الحيلة حتى يخرج ولا يحنث؟ قال إن شاء صعد حائطاً من حيطان الدار ثم نزل إلى الطريق أو على دار أخرى فخرج من باب الدار التي نزل إليها ولا يحنث. قلت أرأيت رجلاً قال لامرأته أنت طالق إن خرجت من بيتي هذا ولا نية له فخرجت من البيت إلى الحجرة أيحنث؟ قال لا.

قلت: أرأيت إن حلف لا يدخل فلان بيته فدخل فلان حجرته أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يساكن فلاناً أبداً فزاره في منزله فبات عنده ليلة أو ليلتين أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يسكن منزلاً يشتريه له فلان أبداً فسكن داراً اشتراها له فلان وآخر معه أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً حلف أن لا يأكل من طعام يشتريه له فلان فاشترى له فلان ورجل معه طعاماً فأكل منه أيحنث؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً قال كل مال لي في المساكين صدقة إن دخلت دار فلان فدخلها فحنث ما عليه؟ قال عليه أن يتصدق بجميع ماله من الدراهم والدنانير والمتاع الذي للتجارة، قلت وليس عليه أن يتصدق بقيمة منزله؟ قال لا. قلت: أرأيت إن أراد الرجل أن يدخل منزل فلان وأراد أن لا يحنث كيف الحيلة ف ذلك؟ قال يتصدق بماله الذي وصفت لك مما كان للتجارة والمال الصامت على بعض من يثق به ويدفعه إليه ثم يدخل الدار التي حلف لا يدخل فإذا فعل ذلك لم يحنث، فإن وهب له بعد ذلك ماله الذي تصدق به عليه صاحبه لم يحنث، قلت فإن عاد إلى دخول هذه الدار بعدما وهب له ماله أيحنث؟ قال لا. قلت أرأيت إن كان إنما قال امرأتي طالق إن ساكنت فلاناً في دار بالكوفة فاقتسما داراً وضرباً بينهما حائطاً وفتح كل واحد منهما باباً في نصيبه على حدة ثم سكن كل واحد منهما في نصيبه؟ قال لا حنث عليه، قلت فلو كان إنما حلف لا يساكنه في هذه الدار بعينها ففعل ما وصفت ثم ساكنه؟ قال يحنث إذاً في هذا الوجه. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يضع رجله في منزلك أبداً وهو يعني لا أدخل

باب اليمين في التقاضي

منزلك حافياً أبداً فدخل المنزل منتعلاً أو راكباً؟ قال لا يحنث ولو لم يكن له نية حنث. قلت: أرأيت رجلاً قال امرأتي طالق ثلاثاً إن ساكنت فلاناً بالكوفة ولا نية له فسكنا جميعاً بالكوفة كل واحد منهما داراً؟ قال لا يحنث حتى يجتمعا في منزل. باب اليمين في التقاضي قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جميعاً فأخذ حقه جميعاً إلا درهماً واحداً وهبه للمطلوب أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن أخذ جميع حقه كله فوجد فيها درهماً ستوقاً أو نحاساً أو رصاصاً أيحنث؟ قال لا حتى يستبدله. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يتقاضى فلاناً فلزمه ولم يتقاضه أيحنث؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن حلف المطلوب لا يعطي فلاناً حقه درهماً دون درهم فأعطاه بعض حقه أيحنث؟ قال لا يحنث إلا أن يعطيه بعد ذلك بقية حقه، ولو حلف المطلوب ليعطي الطالب ماله رأس الشهر ولا نية له فإنه في سعة من يمينه إلى الليلة التي يهل فيها الهلال والغد إلى الليل، فإذا جاء الليل ولم يعطه حنث، ولو حلف ليعطينه حقه صلاة الظهر كان له وقت الظهر كله فإن دخل وقت العصر ولم يعطه حنث، ولو حلف ليعطينه حقه طلوع الشمس كان له من حين طلوع الشمس حتى تبيض، فإن ابيضت قبل أن يعطيه حنث. قلت ولو حلف المطلوب لا يعطي الطالب اليوم شيئاً وحلف الطالب لا يفارق المطلوب حتى يستوفي ما له عليه كيف الحيلة في ذلك؟ قال إن دخل بينهما رجل فقضى الطالب حقه برئا جميعاً ولم يحنث واحد منهما، قلت أرأيت إن جاء قوم فأخذوا الطالب فحبسوه عن لزوم المطلوب وحالوا بينه وبينه وأمروا المطلوب بالذهاب إلى أهله فذهب والطالب لا يقدر على حبسه

لمنع الذين منعوه وحبسوه عن لزومه أيحنث؟ قال لا، قلت أرأيت إن حلف لا يفارقه حتى يستوفي ما له عليه فنام الطالب وهرب المطلوب والطالب لا يعلم أيحنث الطالب؟ قال لا، قلت وكذلك لو لم ينم الطالب ولكنه غفل عن المطلوب فهرب المطلوب وقد كان معه حيث يراه؟ قال لا يحنث، وهذا الباب الأول سواء. قلت أرأيت رجلاً تقاضى رجلاً فقال ما لي عليك صدقة إن فارقتك حتى أستوفيه منك ففارقه ولم يستوف منه أيحنث؟ قال نعم، ولا يشبه هذا قول ما لي عليك صدقة في المساكين. قلت أرأيت إن كان المطلوب معسراً أيجب على الحالف وقد فارقه قبل أن يستوفى منه أن يتصدق عليه بما له قال لا. قلت: أرأيت إن قال الطالب هي على المساكين صدقة إن فارقتك حتى أستوفيها، يعني إن ثيابك أيها المطلوب في المساكين صدقة إن فارقتك حتى أستوفيها وهو يريد غيرها وقد أراد أن يوقع في قلب المطلوب أنه إنما حلف على ما له عليه، ففارقه ولم يقبض منه شيئاً أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت إن حلف لا يفارقه فأمره السلطان أن لا يعرض له وحال بينه وبين لزومه فذهب المطلوب إلى أهله ولم يقدر الآخر على إمساكه أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً قال كل شيء أبايع به فلاناً فهو عليه صدقة ثم بايعه أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً قال كل متاع أبيعكه فهو في المساكين صدقة فباعه بعد ذلك متاعاً أيحنث؟ قال لا لأنه إنما حنث والمتاع ليس في ملكه. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يفارقه غريمه حتى يستوفي ما له عليه وليس عند المطلوب شيء فأقرض الطالب المطلوب مالاً مثل ما له عليه فلما قبضه المطلوب قضاه الطالب بما له الأول عليه أيخرج الحالف من يمينه؟ قال نعم.

باب الطعام والشراب

قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يأخذ ما له على فلان اليوم إلا جميعاً فأخذ منه جميع ما له عليه اليوم فوجد فيها درهماً ستوقاً فاستبدله من يومه أو من بعد يومه؟ قال إن كان استبدله من يومه حنث وإن كان استبدله من بعد يومه لم يحنث. قلت: أرأيت رجلاً له على رجل دراهم فحلف المطلوب لا يعطي الطالب شيئاً ثم أمر المطلوب رجلاً فأعطاه عنه أيحنث قال نعم لأن رسوله في هذا بمنزلته، قلت أرأيت إن كان حلف لا يعطيه شيئاً يعني من يده إلى يده قال له نيته ولا يحنث قلت أرأيت المطلوب إذا حلف لا يعطيه مما عليه درهماً فما فوقه فأعطاه حقه كله دنانير وإنما عني دراهم أيحنث قال لا، قلت أرأيت رجلاً حلف لا يعطي فلاناً حقه اليوم فأعطاه اليوم بعضه أو كله إلا شيئاً يسيرا قال لا يحنث. باب الطعام والشراب قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يذوق لفلان طعاماً ولا شراباً يعني لا يذوق طعاماً له بعينه خبزاً أو لحماً ويعني بالشراب ألا يشرب شراباً له بعينه يعني بذلك نبيذ التمر والتين أو نوعاً من الأشربة فأكل من صنف غيره وشرب من صنف غير الذي نوى؟ قال لا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يذوق لفلان طعاماً أبداً ولا نية له فأهدى فلان للحالف هدية فأكلها؟ قال لا يحنث، قلت: أرأيت إن حلف لا يأكل له طعاماً أبداً فاشترى منه طعاماً فأكله؟ قال لا يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يذوق طعام فلان، أهو عندك مثل قوله لا يذوق طعاماً لفلان؟ قال نعم، هما سواء. قلت: أرأيت رجلاً حلف فقال إن أكلت عندك طعاماً أبداً فهو عليَّ حرام، ينوي بذلك اليمين، فأكل عنده؟ قال لا يحنث.

قلت: أرأيت رجلاً حلف إن أكلت طعامي هذا فهو في المساكين صدقة فأكل منه، أيحنث؟ قال لا. قلت: أرأيت رجلاً حلف إن أكلت هذا الطعام فهو عليَّ حرام فأكله؟ قال لا يحنث، قلت لم لا يكون حانثاً ويكون عليه الكفارة؟ قال لأنه إنما صار عليه حراماً بعدما أكله، فلذلك لا يكون حانثاً. قلت: أرأيت إن حلف لا يأكل لفلان لقمة أبداً فأكل طعاماً بين المحلوف عليه وبين آخر؟ قال لا يحنث، قلت ولم لا يحنث؟ قال لأن كل لقمة أكلها فهي بين المحلوف عليه وبين الآخر، فكال واحدة أكلها فليست للمحلوف عليه فلا يحنث، إلا أن يأكل لقمة لفلان ليس لأحد فيها حق. قلت: أرأيت إن حلف لا يأكل وهو ينوي لا يأكل اللحم ولا يتكلم بالذي نوى من ذلك؟ قال ليست نيته بشيء وأي الطعام أكل حنث، قلت فإن كان حيث حلف قال لا آكل شيئاً أبداً وهو ينوي اللحم؟ قال له نيته ولا يشبه هذا الباب الأول. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يشرب الشراب ولا نية له؟ قال إنما هذا على الخمر، فإن شرب غيرها لم يحنث. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يركب حراماً أبداً فشرب خمراً، أيحنث؟ قال لا، وإنما هذا على الفجور إذا لم يكن له نية. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يشرب هذا الماء فجعل نبيذاً فشربه أيحنث؟ قال لا، قلت فإن كان حلف لا يشرب هذا الماء فصبه في سويق ثم شربه أيحنث؟ قال لا، إن كان السويق هو الغالب عليه، قلت أرأيت إن حلف لا يأكل هذا السمن فجعل في الخبيص فكان الخبيص هو الغالب فأكله أيحنث؟ قال لا. قلت أرأيت رجلاً حلف لا يشرب هذا العصير فجُعل منه خلاً أو تخيخاً فشربه؟ قال لا يحنث.

قلت: أرأيت إن حلف لا يأكل هذا الجمل فكبر حتى صار مسناً فأكله؟ قال يحنث، ولا يشبه هذا الباب الأول. قلت: أرأيت رجلاً حلف لا يبيت عنده رجل فمكث عنده حتى مضى أقل من نصف الليل ثم خرج من عنده؟ قال لا يحنث، وإن مكث عنده أكثر من نصف الليل حنث. قلت: أرأيت رجلاً قال لامرأته أنت طالق إذا أمسيت ولم أطعم، ولا نية له، قال إن غربت الشمس ولم يطعم حنث ووقع الطلاق. قلت: أرأيت رجلاً أخذ لقمة ليأكلها وأدخلها في فيه فقال له رجل امرأتي طالق ثلاثاً إن أكلتها وقال آخر امرأتي طالق ثلاثاً إن أخرجتها من فيك، هل يكون في هذا حيلة حتى لا يحنث واحد منهما؟ قال يأكل الذي حُلف عليه بعض اللقمة ويلقي بقيتها ولا يحنث واحد من الحالفين، قلت فإن لم يفعل ولكن إنساناً آخر جاء حتى أخذ اللقمة من في المحلوف عليه فأخرجها فألقاها؟ قال إن ألقاها والمحلوف عليه مطاوع له حنث الذي حلف لا يلقيها من فيه، وإن أخرجها والمحلوف عليه جاهد عليه أن لا يفعل ممتنع بجهده مغلوب على ذلك فلا حنث على واحد من الحالفين. قلت: أرأيت رجلاً وهب لرجل مالاً ثم قال الواهب امرأتي طالق ثلاثاً إن أنفقت هذا المال الذي وهبته لك إلا على أهلك فأراد الموهوب له أن يقضي ببعض ذلك المال ديناً عليه أو يصل بذلك إلى بعض قرابته أو يحج ببعض ما وهب له، أترى الحالف يحنث في حلفه إن أنفق المحلوف عليه بعض الهبة وقضى ببعضه دينه أو حج؟ قال لا يحنث الحالف حتى تكون الهبة كلها تنفق على غير أهله.

باب المضاربة والخروج منها

باب المضاربة والخروج منها قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يدفع إلى رجل مالاً مضاربة وأراد صاحب المال أن يكون المضارب ضامناً للمال، كيف الحيلة في ذلك والثقة؟ قال يقرض رب المال المضارب المال كله إلا درهماً ثم يشاركه بذلك الدرهم بجميع ما أقرضه على أن يعملا بالمال جميعاً، فما رزقهما الله من شيء فهو بينهما نصفان أو كيف شاء، فيكون ذلك جائزاً، قلت فإن عمل أحدهما بالمال دون صاحبه بإذن صاحبه؟ قال ذلك جائز والربح بينهما على ما اشترطا عليه من ذلك. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يدفع إلى رجل مالاً مضاربة وليس عنده إلا متاع، كيف الحيلة في ذلك حتى يجوز المضاربة؟ قال يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيدفعه إلى المضارب مضاربة فيكون المضارب هو الذي يشتري المتاع الذي باعه رب المتاع من المشتري وينقده الثمن فيكون المتاع بعينه قد دفع إلى المضارب. قلت: أرأيت إن أراد أن يدفع إليه مالاً مضاربة غير أنه أراد إن توى المال أن يضمن المال المضارب كله، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يقرض رب المال المضارب المال كله ثم يدفعه المستقرض إلى رب المال مضاربة بالنصف أو بما شاء ثم يدفعه رب المال إلى المستقرض بضاعة فيكون ذلك جائزاً في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال زفر في هذا الربح كله للذي عمل.

باب الدين والحوالة

باب الدين والحوالة قلت: أرأيت الرجل يكون له المال على رجل فأراد المطلوب أن يحيل الطالب على رجل وقال الطالب أنا أخاف أن يتوي إن أحلتني به على هذا الرجل وأنت عندي أوثق، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يشهد المطلوب أن الطالب وكيل له في قبض ما له على غريمة فلان ويقر له فلان بالوكالة، قلت أرأيت إن قال المطلوب إني أخاف أن يقبض المال من غريمي ثم يقول قد ضاع قبل أن أنتقده وأقتصه، فيرجع عليَّ بالمال مرة أخرى، كيف الحيلة والثقة في ذلك؟ قال لا يتوكل الطالب للمطلوب ولكن يضمن غريم المطلوب ما على المطلوب للطالب ويجعل كل واحد منهما ضامناً لجميع المال يأخذ أيهما شاء بذلك، قلت أرأيت إن قال المطلوب لا أرضى أن يكفل عني أحد بشيء لأن ذلك إضرار في تجارتي، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يحتال الطالب بالمال على غريم المطلوب على أن غريم المطلوب إن لم يواف الطالب بما احتال به عليه إلى كذا وكذا من الأجل فالمطلوب المحيل ضامن هذا المال على حاله، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم، ذلك جائز. قلت: أرأيت الرجل يكون له على رجل مال من ثمن متاع والمال حال، فأراد المطلوب أن يؤخره الطالب بالمال سنة على أن يؤدي إليه كل شهر كذا شيئاً مسمى فخاف الطالب أن لا يفي بذلك، كيف الحيلة في ذلك؟ قال يشهد أنه قد أخره بالمال الذي عنده كذا وكذا شهر على أن يؤدي إليه كل شهر كذا، فإن أخر نجماً عن محله فجميع المال على المطلوب حال، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم هو جائز على ما وصفت لك. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يقرض رجلاً مالاً ويرتهن منه بالمال عبداً فخاف المقرض أن يموت العبد في يديه فيتوى ماله، كيف الحيلة في ذلك؟

قال يشتري العبد بالمال الذي يريد أن يقرضه إياه ويشهد أنه لم يقبضه، فإن رد المستقرض المال عليه أقاله البيع، إن أحب، وإن مات العبد مات من مال المستقرض ورجع المقرض عليه بماله، قلت أرأيت إن قال المستقرض أنا أخاف أن أجيئك بالمال وأستقيلك في العبد فلا تقيلني، كيف الحيلة في ذلك؟ قال فليشترط عليه المستقرض أنه يبيعه العبد على أنه بالخيار فيه إلى شهر كذا من سنة كذا، فإن رد إلى المشتري ماله إلى ذلك وإلا فلا خيار له والبيع لازم له، قلت ويجوز هذا؟ قال نعم هو جائز. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يقرض رجلاً مالاً ويرتهن منه داراً فخاف المرتهن أن يستحق بعض الدار فيبطل الرهن في جميعها، كيف الحيلة؟ قال يشتريها ويجعل له الخيار كما وصفت لك في الباب الأول. قلت: أرأيت رجلاً له على رجل مال والمطلوب محتاج فأحب الطالب أن يدع له المال فيحتسب بذلك من زكاته، كيف الحيلة حتى يجوز ذلك من زكاته؟ قال يتصدق الطالب على المطلوب بمثل ما له عليه ويدفعه إليه ويحتسب بذلك من الزكاة ثم يقبض الطالب المال مما كان له عليه، قلت ويجزئه ذلك ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى؟ قال نعم. قلت: أرأيت إن كان للطالب في المال الذي على المطلوب شريك فخاف الطالب أن يشركه فيما قبضه من هذا المطلوب، هل في ذلك حيلة؟ قال نعم، يهب المطلوب للطالب مالاً بقدر حصة الطالب مما عليه ويقبضه منه الطالب ثم يتصدق الطالب على المطلوب بما وهب له المطلوب ويبرئه مما عليه من الدين، قلت وهذا عندك صحيح يجزئ من الزكاة؟ قال نعم، قلت فهل يضمن الطالب لشريكه شيئاً قال لا، قلت: أرأيت رجلاً له على رجل مال فجحده المطلوب ذلك المال وحلف عليه عند القاضي فوقع للمطلوب عند الطالب مال وديعة أو دين ليس له بينة، أيسع الطالب أن يقبض من ذلك بقدر ما كان له عليه؟ قال نعم، قلت فإن قدمه إلى القاضي فاستحلفه ما أودعك هذا مالاً وما

كان لهذا عندك شيء؟ فحلف على ذلك ونوى بذلك شيئاً آخر، أيسعه ذلك؟ قال نعم، هو في سعة، قال حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال إذا استُحلف وهو مظلوم فاليمين على ما نوى. قلت: أرأيت إن كان لرجل على رجل مائة دينار من ثمن جاريتين كل جارية بخمسين ديناراً على المطلوب صك بخمسين ديناراً وقد جحد المطلوب الخمسين التي لا صك عليه بها، وأراد الطالب أن يأخذ بجميع المائة دينار، هل في ذلك حيلة؟ قال نعم، يوكل الطالب رجلاً غريباً لا يعرف بقبض المال من المطلوب ويشهد له على ذلك في العلانية ثم يدعو الوكيل في السر فيشهد عليه من يثق به أنه قد أخرجه من الوكالة ويتغيب الطالب، فإذا تغيب قبض الوكيل المال وقدم الغائب وأقام بينة على إخراجه الوكيل من الوكالة فيأخذ المطلوب بالخمسين ديناراً مرة أخرى، قلت ويجوز ذلك؟ قال نعم، قلت ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى؟ قال نعم. قلت: أرأيت الرجل يكون له على رجل مال فجحده وأراد المطلوب أن يغيب؟ قال يأخذ منه كفيلاً بنفسه فإن لم يواف مع كفيله فالكفيل وكيل المطلوب في خصومة الطالب ضامن لما ذاب للطالب على المطلوب، قلت أرأيت لو أنه كفل بنفس المطلوب على أنه إن لم يواف به الطالب غداً عند القاضي فالمال الذي يدعيه الطالب وهو كذا وكذا على الكفيل؟ قال هذا جائز أيضاً، قلت أرأيت إن اختلفا فقال الكفيل قد وافيت به فلم تجيء، وقال الطالب بل قد جئت فلم تواف أنت، قال القول قول الطالب والمال للكفيل لازم، قلت أرأيت إن كانت الكفالة على ما وصفت غير أن الكفيل قد اشترط على الطالب إن لم يواف المطلوب فالكفيل على ما وصفت غير أن الكفيل قد اشترط على الطالب إن لم يواف المطلوب فالكفيل برئ ثم اختلفا في الموافاة؟ قال الكفيل ضامن للنفس وهو برئ من المال، قلت فلو لم يكن الأمر على ما وصفت ولكنه كفل بنفسه فإن لم يواف الطالب فالكفيل برئ ثم اختلفا في الموافاة؟ قال القول قول الكفيل، قلت فهل في هذا الباب شيء أوثق للطالب

باب الشفعة

مما وصفت؟ قال نعم يضمن الكفيل المال الذي يدعيه الطالب على أنه إن وافاه بالمطلوب غدا في مكان القاضي فهو من المال برئ، قلت هذا جائز عندك؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يرتهن نصف دار أو نصف عبد والدار غير مقسومة، كيف الحيلة في ذلك حتى يجوز؟ قال يبيع الراهن من المرتهن نصف داره ويقبضه المرتهن ثم يقيله إياه ولا يدفعه إليه حتى يستوفى منه الثمن، قلت فإن كان عبداً فمات في يدي المشتري؟ قال يبطل عن المستقرض الدين. قلت أرأيت الذي يكفل بنفس الرجل على أنه إن لم يواف به غدا فهو ضامن للألف التي للطالب على المطلوب فلم يواف؟ قال هو ضامن المال، قلت فهل يبطل غيركم ذلك؟ قال نعم، بعض الفقهاء يبطل ذلك، قلت فما الحيلة في ذلك حتى يجوز في قولكم وقول غيركم؟ قال يشهد عليه أنه ضامن للألف التي على المطلوب على أنه إن وافى به غدا فهو برئ، قلت فيجوز هذا في قول كل أحد؟ قال نعم. باب الشفعة قلت: أرأيت الرجل يريد أن يشتري داراً ويخاف أن يأخذها جارها بالشفعة فكرة أن يمنعه من ذلك فيظلمه، وكره أن يعطيه الدار فيدخل عليه ما يكره، هل عندك في ذلك حيلة؟ قال نعم، يتصدق البائع على المشتري ببيت من الدار بطريقه، ثم يشتري منه ما بقي من الدار فلا يكون للشفيع فيها شفعة، قلت أرأيت إن أحلفه القاضي ما دالست ولا والست؟ قال يحلف وهو صادق، قلت وكيف يصدق وإنما تصدق عليه المشتري؟ قال لأنه إنما فر من أن يظلم الشفيع حقه فصنع ما وصفت، فسألت أبا يوسف عن الرجل يريد أن يشتري الدار بألف درهم فخاف أن يأخذها جارها بالشفعة فاشتراها بألف دينار ثم

أعطاه بالألف دينار ألف درهم؟ قال ذلك جائز، قلت أرأيت إن أحلفه القاضي ما دالست ولا والست قال يحلف وهو صادق، قلت فهل في الشفعة حيلة غير ما وصفت؟ قال نعم، يهب البائع للمشتري الدار بحدودها ويدفعها إليه ويعوضه المشتري ألف درهم، فلا يكون للشفيع فيها شفعة، قلت أرأيت إن جاء الشفيع وقد اشترى المشتري الدار ولم يحتل في الشفعة بشيء فأراد الشفيع أخذ الدار فقال المشتري إن شئت أن أوليك هذا الدار فعلت، فقال الشفيع فإني أحب ذلك، فقال المشتري لست أفعل وقد سلمت إليَّ الدار بطلبتك إليَّ أن أوليك الدار، قال هذا كما قال المشتري وقد سلم الشفيع الشفعة بما طلب أن يوليه وهذا بمنزلة المساومة ولا شفعة في الدار، قلت أرأيت إن لم يقل ذلك للمشتري ولكن المشتري أرسل إلى الشفيع بذلك فقال الشفيع للرسول مثل ما وصفت لك؟ قال هو أيضاً إبطال للشفعة، قلت أرأيت إن كره المشتري الخصومة وأحب أن لا يخاصم جاره، هل في ذلك حيلة؟ قال نعم يأمر رجلاً فيتولى الصدقة والشرى على ما وصفت لك من الأمر ويوكله الآمر بقبض ما تصدق به عليه فيشتري الوكيل فيقبض ذلك ويعامله ويظهر ذلك الوكيل ويتغيب الآمر ويشهد أن الدار للآمر وأنه لا حق له فيها، قلت فإن جاء الشفيع يطلب من الذي في يده الدار حقه بشفعته؟ قال ليس له ذلك، قلت أرأيت إن كان الشرى صحيحاً ليس فيه صدقة وسلم الشفيع غير أن المشتري خاف أن يبدو له فيطلب الشفعة ويجحد التسليم، هل في ذلك حيلة؟ قال نعم، يبيع الدار من رجل غريب لا يُعرف، ويغيب المشتري ويوكل البائع بالاحتفاظ بها، ويُشهد من يثق به في السر أن الدار للبائع وأن الشرى كان باطلاً، قلت أرأيت إن كان إنما باع الدار بعدما خاصمه الشفيع في شفعته فأقام البينة؟ قال ذلك لا يبطل الشفعة وهو على شفعته يأخذها بها. وقال أبو يوسف بعد ذلك في رجل اشترى داراً وقبضها ثم باعها هذا المشتري من رجل بينة وقبضها هذا المشتري الثاني ثم دفعها إلى البائع الذي

باعها منه بوكالة بإجارة وأشهد له على ذلك شهوداً وغاب ثم جاء رجل يخاصم هذا البائع الذي في يده الدار في شفعة الدار بالبيع الأول واستحق الدار ببينته؟ قال أجعله خصماً ولا يدفع عنه الخصومة إقامة البينة أنه قد باع، لأني لو قضيت بأن الغائب اشترى وقبض ودفعها بوكالة أو بإجارة كنت قد قضيت على الغائب بالشرى وألزمته ذلك وهو غائب، وهذا قبيح لا يستقيم. وقال أبو يوسف إن اشترى هذه الدار رجل ثم باعها من رجل وقبضها المشتري ثم وكل بها غير البائع ببينة لم يكن الوكيل خصماً لأحد في شفعة ولا استحقاق ولا غير ذلك. قلت: أرأيت الرجل يشتري الدار فلا يجب أن تؤخذ منه بالشفعة فوصفت له ما وصفت من الصدقة بالبيت والطريق ويشتري بعد ذلك ما بقي من الدار فخاف أن يستحلف ما دالست ولا والست، فقلت إنه يحلف ولا يضره لأنه صادق إنما فر من الظلم، فصنع ما صنع لذلك فإن أبي أن يجسر على اليمين فهل تجد له حيلة حتى لا يكون عليه يمين ولا تؤخذ منه بالشفعة؟ قال نعم، يشتريها لولد له صغير بضعف ثمن الدار دراهم وينقده بالثمن دنانير يغلي له البائع فيها فلا يكون عليه يمين لأنه لو أراد اليمين وقد قامت البينة على الثمن الذي به اشترى الدار لم أصدقه على إبطال حق ابنه الصغير وقد قامت له البينة على أصل الثمن، قلت أرأيت إن لم يكن له ولد صغير، هل في هذا حيلة؟ قال نعم، يوكله رجل باشتراء هذه الدار بثمن مسمى ثم يشتريها الوكيل بذلك الثمن وهو ضعف ما تساوي ويبيعه بالثمن عروضاً أو يعطيه به دنانير يغلي له فيها البائع، قلت فإذا فعل هذا لم يلزمه يمين؟ قال لا يلزمه اليمين إذا قامت البينة على أن الغائب وكله وأنه اشتراها بهذا الثمن المسمى. قلت: أرأيت رجلاً ادعى في دار في يد رجل دعوى وهو يعلم أن المدعي مبطل غير أن المدعي أحب أن يستحلفه متعنتاً وليس للمدعي بينة على دعواه فأحب الذي في يده الدار أن لا يكون عليه يمين، هل في هذا حيلة؟ قال

نعم، يقر أن هذه الدار لابن له صغير، فإن كانت للمدعي بينة فهي له وإلا فلا يمين على الأب لأنه لو أقر بها للمدعي بعد إقراره بها لابنه لم يصدق ولم يؤخذ منه الدار بإقراره. قلت: أرأيت رجلاً أراد أن يشتري داراً من رجل بعشرة آلاف درهم فإن أخذ الشفيع الدار أخذها بعشرين ألف فإذا استحقت لم يرجع المشتري على البائع إلا بعشرة آلاف درهم، هل عندك في ذلك حيلة؟ قال نعم، يشتري الدار بعشرين ألف درهم وينقده تسعة آلاف وتسعمائة وتسعة وتسعين درهماً وينقده ديناراً بما بقي من العشرين ألف درهم، فإن جاء الشفيع يطلب هذه الدار بشفعته أخذها بعشرين ألف درهم، وإلا فلا سبيل له على الدار، وإن استحق رجل هذه الدار رجع المشتري على البائع بما دفع إليه بالتسعة آلاف وتسعمائة وتسعة وتسعين درهماً ودينار، قلت ولم لا يرجع عليه بعشرين ألف درهم قال لأن البيع حيث استُحق ونُقض انتقض الصرف في الدينار، قلت أرأيت إن لم يستحق هذه الدار ولكن المشتري وجد بها عيباً فأراد ردها على البائع بكم يردها عليه؟ قال بعشرين ألف درهم. قلت: أرأيت الرجل يشتري الدار لغيره ويكتب في الشرى وقد نقد فلان فلاناً الثمن كله وبرئ إليه منه وافياً من مال فلان الآمر هل يضر هذا البائع؟ قال نعم، أخاف أن يجيء الآمر فيقول أخذت مالي ولم آمر فلاناً أن يشتري شيئاً منك بمالي، فيأخذ منه المال الذي أقر بقبضه من المشتري، قلت فإن ترك المشتري هذا الموضع في كتاب الشرى فكتب وقد نقد فلان فلاناً الثمن كله وافياً ولم يذكر أنه من مال فلان الغائب؟ قال هذا ليس فيه ثقة للغائب، قلت وكذلك إن خاف أن يأخذه المشتري بالنقد فيقول نقدت عنك من مالي فأنا أرجع بذلك عليك؟ قال إذاً يكون للوكيل، قلت كيف الحيلة في هذا حتى لا يكون فيه ضرر على البائع ولا على الآمر بالشرى الغائب؟ قال يكتب: وقد نقد فلان فلاناً الثمن كله وافياً، ولا يكتب من مال من هو، فإذا ختم الشهود

باب الصلح في الجنايات

وشهدوا على الشرى وقبض الثمن أقر المشتري بعد ذلك أن ما نقد من الثمن إنما هو من مال الآمر، فهذا عدل بينهم وهو ثقة للغائب الآمر بالشرى والبائع الحاضر إذا شهدت على ذلك الشهود. قلت: أرأيت لو كان مكان الدينار ثوب أو دار أو عبد أو عرض من العروض أكان ذلك يكون صحيحاً مستقيماً على ما يستقيم في الدينار؟ قال لا، ولكن لو كان مكان الدينار عرض فاستحقت الدار رجع المشتري على البائع بعشرين ألف درهم؛ ألا ترى أن رجلاً لو ادعى أن له على رجل مائة درهم فباعه بذلك ديناراً ثم تصادقا على أنه لم يكن عليه شيء رد الطالب على المطلوب ديناراً، ولو كان المطلوب باع الطالب بالمائة درهم عرضاً من العروض ثم تصادقا على أنه لم يكن عليه شيء رجع الطالب على المطلوب بمائة درهم. باب الصلح في الجنايات قال: حدثنا قيس بن الربيع عن حماد عن إبراهيم أنه سئل عن رجل شج رجلاً شجة موضحة فطلب إليه فعفا عنه ثم مات بعد ذلك من تلك الشجة؟ قال يضمن الشاج الدية لأنه إنما عفا عن الشجة ولم يعف عن الدية، قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة بمثله، وقال حدثنا أبو يوسف إذا عفا عن الشجة ولم يعف عن الدية فهو مثل عفوه عن الشجة وما يحدث فيها، قال أخبرنا هشيم عن عبد الله الكوفي عن الشعبي عن شريح أنه أوَّل في عبد شج رجلاً ثم شجه أخرى آخر فقضى به للأول ثم قضى به للثالث إلا أن الثاني أيضاً. قلت: أرأيت الرجل يشج الرجل وصالح المشجوج الشاج من الشجة على عرض من العروض ثم مات المشجوج منها؟ قال يبطل الصلح وعلى الضارب الدية في ماله إن كان عمداً، وعلى عاقلته إن كان خطأ، قلت أرأيت

إن كان الضارب إنما صالحه من الشجة وما يحدث فيها على هذا العرض الذي ذكرناه ثم مات المضروب؟ قال إن كان الضرب بحديدة عمداً فالصلح جائز، فإن كان خطأ فعاقلة الضارب يدفع عنه من الدية بقدر قيمة الذي أخذ المشجوج وثلث ما بقي من الدية إن لم يكن للمشجوج مال، قلت ومن أين أفترق الخطأ والعمد؟ قال ألا ترى أن رجلاً لو ضرب رجلاً بحديدة عمداً فعفا المضروب عن الضربة وما يحدث فيها والمضروب مريض أن ذلك جائز لأنه لم يدع له مالاً وإنما ترك له قصاصاً، ولو عفا له عن ضربة خطأ وما يحدث فيها وهو مريض ثم مات لم يجز للعاقلة من ذلك إلا الثلث لأنه إنما ترك له مالاً، قلت أرأيت إن كانت الضربة خطأ فعفا المريض في مرضه عن الضربة وما يحدث فيها وللمريض مال كثير يخرج الدية من الثلث أيجوز ذلك؟ قال نعم، قلت وكذلك لو صالحه الضارب من جنايته وما يحدث فيها على دراهم يسيرة جاز إذا كان له مال؟ قال نعم، قلت أرأيت إن صالحه الضارب على دراهم يسيرة وللمريض مال كثير يخرج الدية من ثلثه ثم مات المضروب من مرضه فقال الورثة لم يدع الميت مالاً وقد حاباك وترك لك ما لا يجوز تركه لك؟ قال القول قول الورثة، ويرجعون على عاقلة الضارب بثلثي الدية بعدما رفع من ذلك ما أخذ الميت في الصلح، قلت وكيف الثقة للضارب حتى لا يكون لورثة الميت عليه شيء بعد الموت في قليل ولا في كثير من الدية؟ قال يصالح الضارب المضروب على ما ذكرت في السر ثم يشهد المضروب على نفسه بإقراره أن فلاناً لم يضربه هذه الضربة التي به وأن غيره هو الضارب، فإن أشهد بذلك على نفسه ثم مات لم يكن للورثة أن يبطلوا شيئاً من هذه المقالة ولا يقبل قولهم ولا بينتهم على هذا الرجل أنه قاتله لأن المريض قد كذب في حياته هذه البينة، قلت وكذلك لو ادعى رجل مالاً فصالح المطلوب الطالب من المال الذي ادعاه وله البينة به على دراهم يسيرة في مرض الطالب وأشهد المطلوب على إقرار الطالب بأنه لم يكن له على هذا المطلوب شيء قط جاز

ذلك في القضاء ولم يكن لورثة الطالب على المطلوب حجة ولا سبيل بعد الموت ولا يقبل لهم بينة؟ قال نعم. قلت: أرأيت رجلاً اشترى من رجل جارية وقبضها المشتري فوجد بها عيباً ولم ينقد الثمن فصالح البائع من العيب على أن قبل جاريته بأقل من الثمن الذي باعها به وقد أقر أن العيب كأن لم يحدث؟ قال لا يجوز ذلك، قلت أرأيت إن كان قد حدث بالجارية عند المشتري عيب؟ قال ذلك إذاً جائز، ألا ترى أن للبائع إذا حدث بالجارية عند المشتري عيب أن يشتريها بأقل من الثمن الذي باعها به وإن كان لم يقبض الثمن، فكذلك الصلح، قلت أرأيت إن كانت الجارية قد خرجت من يد المشتري ثم وجد بالجارية عيباً فصالح الذي في يديه الجارية الذي باع الجارية على أن قبل الجارية بدون الثمن الذي اشتريت به منه على أن يجعل هذا الثمن الذي يأخذ به الجارية قضاء من ما له على مشتري الجارية منه؟ قال ذلك جائز، ألا ترى لو أن رجلاً اشترى جارية بمائة دينار نسيئة فوهبها المشتري بعدما قبضها لرجل كان للبائع أن يشتري الجارية بخمسين ديناراً نقداً من الموهوب له، فكذلك الصلح يجوز فيما يجوز البيع فيه. قلت: هذا آخر كتاب الحيل الذي يسمى المخارج عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم رحمه الله.

رواية السرخسي

من كتاب المبسوط لشمس الأئمة/ أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المحتوى على كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن الشيباني

المقدمة

قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، رحمه الله إملاء: اختلف الناس في كتاب الحيل أنه من تصنيف محمد، رحمه الله أم لا، كان أبو سليمان الجوزجاني رحمه الله ينكر ذلك ويقول: من قال إن محمداً رحمه الله صنَّف كتاباً سماه الحيل فلا تصدقه، وما في أيدي الناس فإنما جمعه ورَّاقوا بغداد، وقال إن الجهال ينسبون علماءنا، رحمهم الله، إلى ذلك على سبيل التعيير، فكيف نظن بمحمد رحمه الله الله أنه سمى شيئاً من تصانيفه بهذا الاسم ليكون ذلك عوناً للجهال على ما يتقولون. وأما أبو حفص رحمه الله فكان قول هو من تصنيف محمد رحمه الله، وكان يروي عنه ذلك، وهو الأصح، فإن الحيل في الأحكام المخرجة عن الآثام جائز عند جمهور العلماء، رحمهم الله، وإنما كره ذلك بعض المتقشفة لجهلهم وقلة تأملهم في الكتاب والسنة. والدليل على جوازه من الكتاب قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث) هذا تعليم المخرج لأيوب عليه السلام عن يمينه التي حلف ليضربن زوجته مائة، فإنه حين قالت له لو ذبحت عناقاً باسم الشيطان في قصة طويلة أوردها أهل التفسير، رحمهم الله. وقال الله تعالى: (ولما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) إلى قوله عز وجل: (ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف) وكان هذا حيلة لإمساك أخيه عنده على وجهٍ لا يقف إخوته على مقصوده. وقال الله جل جلاله حكاية عن موسى عليه السلام: (ستجدني إن شاء الله صابراً) ولم يعاتب على ذلك لأنه قيد سلامته بالاستثناء، وهو مخرج صحيح، قال الله تعالى: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا* إلا أن يشاء الله).

وأما السنة فما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب لعروة بن مسعود في شأن بني قريظة: فلعلنا أمرناهم بذلك، فلما قال له عمر رضي الله عنه في ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة" وكان ذلك منه اكتساب حيلة ومخرج من الإثم بتقييد الكلام بـ"لعل" ولما أتاه رجل وأخبره أنه حلف بطلاق امرأته ثلاثاً أن لا يكلم أخاه قال له طلقها واحدة فإذا انقضت عدتها فكلم أخاك ثم تزوجها، وهذا تعليم الحيلة، والآثار فيه كثيرة. ومن تأمل أحكام الشرع وجد المعاملات كلها بهذه الصفة، فإن من أحب امرأة إذا سأل فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها؟ يقال له تزوجها، وإذا هوى جارية فقال ما الحيلة لي حتى أصل إليها؟ يقال له اشترها، وإذا كره صحبة امرأته فقال ما الحيلة لي في التخلص منها؟ قيل له طلقها، وبعدما طلقها إذا ندم وسأل الحيلة في ذلك قيل له راجعها، وبعدما طلقها ثلاثاً إذا تابت من سوء خُلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك قيل له راجعها، وبعدما طلقها ثلاثاً إذا تابت من سوء خُلقها وطلبا حيلة قيل لهما الحيلة في ذلك أن تتزوج بزوج آخر ويدخل بها. فمن كره الحيل في الأحكام فإنما يكره في الحقيقة أحكام الشرع، وإنما يقع مثل هذا الاشتباه من قلة التأمل، فالحاصل أن ما يتخلص به الرجل من الحرام أو يتوصل به إلى الحلال من الحيل فهو حسن، وإنما يكره من ذلك أن يحتال في حقٍّ لرجل حتى يبطله، أو في باطل حتى يموهه، أو في حق يدخل فيه شبهة، فما كان على هذا السبيل فهو مكروه، وما كان على السبيل الذي قلنا أولاً فلا بأس به، لأن الله تعالى قال: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ففي النوع الأول معنى التعاون على البر والتقوى، وفي النوع الثاني معنى التعاون على الإثم والعدوان. إذا عرفنا هذا فنقول: بدأ الكتاب بحديث عبد الله بن بريدة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آية من كتاب الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم للسائل لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخرج إحدى رجليه من

المسجد أخبره بالآية قبل أن يخرج الرجل الأخرى، وأهل الحديث رحمهم الله يروون هذا الحديث على وجه آخر، فإنهم يروون عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يصلي في المسجد إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدغاه، فلما فرغ من صلاته جاء فقال صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ أما تدري قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ... ) قال كنت في الصلاة يا رسول الله، عليك السلام، فقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئك بسورة أُنزلت عليَّ ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها، فقلت نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بها، ثم شغله وفد عني، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج جعلت أمشي معه وأقول في نفسي لعله نسي يمينه، فلما أخرج إحدى رجليه قلت السورة التي وعدتني يا رسول الله، فقال ماذا تقرأ في صلاتك؟ قلت أم الكتاب، قال صلى الله عليه وسلم، نعم، إنها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت، ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها. وفائدة الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبره بعد إخراج إحدى الرجلين للتحرز عن خلف الوعد، فإن الوعد من الأنبياء عليهم السلام كالعهد من غيرهم، وللتحرز عن الحنث على ما أشار إليه في حديث أُبَيٍّ رضي الله عنه من قوله لعله نسي يمينه، ففيه إشارة إلى أنه كان حلف له. وفيه دليل على أنه لا يصير خارجاً بإخراج إحدى الرجلين ولا داخلاً بإدخال إحدى الرجلين، ولهذا قال علماؤنا، رحمهم الله: من حلف على زوجته أن لا تخرج من الدار فأخرجت إحدى رجليها لم يحنث في يمينه، وهذا لأن الخروج انتقال من الداخل إلى الخارج ولا يحصل ذلك بإخراج إحدى القدمين، وقد بيَّنا وجوه هذه المسألة في كتاب الأيمان. ثم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفضيل آية أو سورة على غيرها هو الثواب عند التلاوة، فإن القرآن كله كلام الله تعالى غير مُحدث ولا مخلوق ولا تفاوت بين السور والآي في هذا، ولكن يجوز أن يقال: إن القارئ ينال من الثواب

على قراءة سورة ما لا يناله على قراءة سورة أخرى، بيانه أنه بقراءة سورة الإخلاص يستحق من الثواب ما لا يستحق من الثواب ما لا يستحق بقراءة سورة تبت من حيث إن في قراءة سورة الإخلاص قراءة القرآن والإقرار بوحدانية الله تعالى والثناء على الله تعالى بما هو أهله، وفي قراءة سورة تبت قراءة القرآن ولكن ليس فيها ما بينا من المعاني الأخر. وما نقل في هذا الباب من الآثار من نحو ما روى أن من قرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن، وأن من قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن، تأويله ما بيَّنا. وأيد ما قلنا اتفاق العلماء رحمهم الله على تعيين الفاتحة للقراءة في كل صلاة عند بعضهم واجباً وعند بعضهم فرضاً. وذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في معاريض الكلام ما يغني المسلم عن الكذب. وفيه دليل على أنه لا بأس باستعمال المعاريض للتحرز عن الكذب، فإن الكذب حرام لا رخصة فيه، والذي تروى بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الكذب في ثلاثة مواضع: في الرجل يصلح بين الناس، والرجل يكذب لامرأته، والكذب في الحرب، تأويله في استعمال معاريض الكلام، فإن صريح الكذب لا يحل هنا كما لا يحل في غيره من المواضع. والذي يروى أن الخليل عليه السلام كذب ثلاث كذبات، إن صح، فتأويله هذا أنه ذكر كلاماً عرَّض فيه ما خفي على السامع مراده وأضمر في لفظه خلاف ما أظهره. فأما الكذب المحض من جملة الكبائر، والأنبياء عليهم السلام كانوا معصومين عن ذلك، ومن جوَّز عليهم الكذب فقد أبطل الشرائع لأنه علم ذلك بأخبارهم، وإذا جاز عليهم الكذب في خبر واحد جاز في جميع ما

أخبروا به، وبطلان هذا القول لا يخفى على ذي لب، فعرفنا أن المراد استعمال المعاريض. وقال ابن عباس ما يسرني بمعاريض الكلام حمر النعم، فإنما يريد به أن بمعاريض الكلام يتخلص المرء من الإثم ويحصل مقصوده، فهو خير من حمر النعم. والأصل في جواز المعاريض قوله تعالى (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) الآية، فقد جوَّز الله تعالى المعاريض ونهى عن التصريح بالخطبة بقوله عز وجل (ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً). ثم بيان استعمال المعاريض من أوجه: أحدها: أني قيد المتكلم كلامه بـ"لعل وعسى" كما قال صلى الله عليه وسلم "فلعلنا أمرناهم بذلك" ولم يكن أمر به، ولم يكن ذلك كذباً منه لتقييد كلامه بـ"لعل". والثاني: أنه يضمر في لفظه معنى سوى ما يظهره ويفهمه السامع من كلامه، وبيانه 8 فيما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتلك العجوز "إن الجنة لا يدخلها العجائز" فجعلت تبكي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة جرد مرد مكحلون؛ أخبرها بلفظ أضمر فيه سوى ما فهمت من كلامه، فدل أن ذلك لا بأس به. ومن ذلك ما روي عن عبيدة السلماني رضي الله عنه قال خطب علي رضي الله عنه فقال: والله ما قتلت عثمان ولا كرهت قتله وما أمرت ولا نهيت، فدخل عليه بعض من الله أعلم بحاله فقال له في ذلك قولاً، فلما كان في مقام آخر قال من كان سائلي عن قتل عثمان رضي الله عنه فالله قتله وأنا معه. قال ابن سيرين، رحمه الله: هذه كلمة قرشية ذات وجوه: أما قوله ما قتلت عثمان رضي الله عنه فهو صدق حقيقة، ولا كرهت قتله، أي: كان قتله بقضاء الله تعالى ونال درجة الشهادة، فما كرهت له هذه الدرجة ولا

كرهت قضاء الله وقدره، وأما قوله فالله قتله وأنا معه، أي: وأنا معه مقتول أُقتل كما قُتل عثمان رضي الله عنه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه يستشهد بقوله وإن أشقى الأولين والآخرين من خضب بدمك هذه من هذه وأشار إلى عنقه ولحيته، وقد كان علي رضي الله عنه ابتلي بصحبة قوم على همم متفرقة، فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه. ومنه ما يروى عن سويد بن غفلة أن علياً لما قتل الزنادقة نظر إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال صدق الله ورسوله، ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك، فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين ماذا فنيت به الشيعة منذ اليوم، أرأيت نظرك إلى الأرض ثم رفعك الرأس إلى السماء ثم قولك صدق الله ورسوله، أشيء عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء رأيته؟ فقال عليٌّ: هل عليَّ من بأس أن أنظر إلى الأرض؟ فقلت لا، فقال وهل عليَّ من بأس أن أنظر إلى السماء؟ فقلت لا، فقال هل عليَّ من بأس أن أقول صدق الله ورسوله؟ فقلت لا، فقال فإني رجل مكايد. وإنما أشار إلى المعنى الذي بيَّنا أنه يحتاج إلى الوقوف على ما يضمره كل فريق من أصحابه وكان يتصنع مثل هذا الكلام ويتكلم بكلام موجه لذلك. ومنه ما روي أنه كان إذا دخله ريبة من كل فريق جعل يمسح جبينه ويقول ما كَذبت ولا كُذبت، يوهمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بحالهم فيظهرون له ما في باطنهم. ومن ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه قال والله لا أغسل شعري حتى أفتح مصر وأترك البصرة كجوف حمار ميت وأعرك أذن عمار عرك الأديم وأسوق العرب بعصاي، فذكروا لابن مسعود رضي الله عنه ذلك فقال إن علياً يتكلم بكلام لا يصدر مصادره هامة عليَّ مثل الطشت لا شعر عليها فأي شعر يغسله. فبهذه يتبين أن الكبار من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون معاريض الكلام في حوائجهم وكذلك من بعدهم من التابعين، رحمهم الله، على ما يحكى عن

رجل قال كنت عند إبراهيم رحمه الله وامرأته تعاتبه في جاريته وبيده مروحة، فقال أشهدكم أنها لها، فلما خرجنا قال علي ماذا شهدتم؟ قلنا شهدنا على أنك جعلت الجارية لها، فقال أما رأيتموني أشير إلى المروحة، إنما قلت لكم اشهدوا أنها لها وأنا أعني المروحة التي كنت أشير إليها. وكانوا يعلمون غيرهم ذلك أيضاً على ما ذكر في الكتاب عن إبراهيم رحمه الله في رجل أخذه رجل فقال إن لي معك حقاً، قال لا، فقال احلف لي بالمشي إلى بيت الله تعالى، فقال احلف وأعن مسجد حيك. وإنما يحمل هذا على أن إبراهيم رحمه الله علم أن المدعي مبطل وأن المدعى عليه برئ، فعلمه الحيلة وهي أن يحلف بالمشي إلى بيت الله تعالى يعني مسجد حيه فإن المساجد كلها بيوت الله تعالى أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه قال عز وجل (وأن المساجد لله) ولكن فيه بعض الشبهة فإنه إن كان الرجل بريئاً عن الحق ما كان يلزمه شيء لو حلف بالمشي إلى بيت الله من غير هذه النية، وإن لم يكن بريئاً ما كان له أن يمنع الحق ولا كان يحل لإبراهيم أن يعلمه هذا ليمنع به الحق ولا كان ينفعه هذه النية، فإن الحالف إن كان ظالماً فاليمين على نية من يستخلفه لا على نية الحالف ولا يعتبر نيته عل ما نبينه، ففيه هذا النوع من الشبهة. وعن إبراهيم رحمه الله أن رجلاً قال له إن فلاناً أمرني أن آتي مكان كذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي؟ فقال قل والله لا أبصر إلا ما بصرني غيري، وفي رواية إلا ما سددني غيري، يعني إلا ما بصرك ربك- فيقع عند السامع أن في بصره ضعفاً يمنعه من أن يأتيه في الوقت الذي يطلب منه فلا يستوحش بامتناعه، وهو يضمر في نفسه معنى صحيحاً فلا تكون يمينه كاذبة، وبيانه فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كمال العقل مؤاتاة الناس فيما لا إثم فيه". وذكر عن ابن سيرين رحمه الله قال كان رجل من باهلة عيوناً فرأى بغلة

لشريح، رحمه الله، فأعجبته فقال له شريح: أما إنها إذا ربضت لم تقم حتى تقام، أي إن الله عز وجل هو الذي يقيمها بقدرته، فقال الرجل أف أف. وفي هذا الحديث زيادة فإن الرجل لما أبصر البغلة فأعجبته ربضت من ساعتها فقال شريح ما قال، فلما قال الرجل أف أف قامت؛ وفي هذا دليل [على] أن العين حق، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين السوء، ومنه يقال إن العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر، فأراد شريح أن يرد عينه بأن يحقرها في عينه وقال ما قال وأضمر فيه معنى صحيحاً وهو أن الله تعالى يقيمها بقدرته. وذكر عن النزال بن سبرة قال: جعل حذيفة يحلف لعثمان رضي الله عنهما على أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه يقولها فقلنا له يا أبا عبد الله سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها. وقد سمعناك قلتها، فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله. وإن حذيفة رضي الله عنه من كبار الصحابة وكان بينه وبين عثمان رضي الله عنه بعض المداراة فكان يستعمل معاريض الكلام فيما يخبره به ويحلف له عليه، فلما أشكل ذلك على السامع سأله عن ذلك فقال إني أشتري ديني بعضه ببعض، يعني أستعمل معاريض الكلام على سبيل المداراة، وكأنه كان يحلف ما قلتها ويعني ما قلتها في هذا المكان أو في شهر كذا أو يعني "الذي" فإن "ما" قد تكون بمعنى "الذي" فهذا ونحوه من باب استعمال المعاريض. وبيانه فيما ذكر عن إبراهيم رحمه الله قال له رجل إني أنال من رجل شيئاً فيبلغه عنه فكيف أعتذر منه؟ فقال له إبراهيم: قل والله إن الله ليعلم ما قلت لك من ذلك من شيء، أي أضمر في قلبك "الذي" معناه إن الله ليعلم الذي قلت لك من حقك من شيء. وعن عقبة بن أبي العيزار، رحمه الله، قال كنا نأتي إبراهيم رحمه الله وهو خائف من الحجاج فكنا إذا خرجنا من عنده يقول لنا إن سئلتم عني

وحلفتم فاحلفوا بالله ما تدرون أين أنا ولا لكم علم بمكاني ولا في أي موضع أنا، واعنوا أنكم لا تدرون في أي موضع أنا فيه قاعد أو قائم فتكونون قد صدقتم. وأتاه رجل فقال إني في الديوان وإني اعترضت على دابة وقد نفقت وهم يريدون أن يحلفوني أنها الدابة التي اعترضت عليها فكيف أحلف؟ فقال اركب دابة واعترض عليها على بطنك راكباً ثم احلف لهم إنها الدابة التي اعترضت عليها، فيفهمون العرض وأنت تعني اعترضت عليها على بطنك. ويحكى عن إبراهيم رحمه الله أنه كان استأذن عليه رجل وهو لا يرد أن يأذن له فركب وسادة أو دار فرش التخت وقال لجاريته قولي إن الشيخ قد ركب، وربما يقول لها اضربي قدمك على الأرض وقولي ليس الشيخ هنا، أي تحت قدمي. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً، ومراده بهذا المبالغة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فكفارته أن يقول لا إله إلا الله" وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت" فالحلف بغير الله منهي عنه سواء كان كاذباً أو صادقاً، وليس مراده الرخصة في الحلف بالله كاذباً، فإن الكذب حرام من غير أن يؤكده باليمين فكيف يرخص فيه مع التأكيد باليمين، وقد أوله بعضهم على أن الحالف بالله وإن كان كاذباً في خبره فهو معظم اسم الله تعالى في حلفه، ويروون فيه حديثاً عن رجل من بني إسرائيل أنه حلف بالله الذي لا إله إلا هو، وكان كاذباً في يمينه، فنزل الوحي على نبي الذلك الزمان أنه غفر له ذلك بتوحيده، ولكن الأول أصح. وذكر عن إبراهيم رحمه الله قال: اليمين على نية الحالف إذا كان مظلوماً وإذا كان ظالماً فعلى نية المستحلف. وبه نأخذ فنقول المظلوم يتمكن من دفع الظلم عن نفسه بما تيسر له شرعاً

باب الإجارة

وإنما يحلف ليدفع الظلم عن نفسه فتعتبر نيته في ذلك، والظالم مأمور شرعاً بالكف عن الظلم وإيصال الحق إلى المستحق فلا تعتبر نيته في اليمين، وإنما تعتبر نية المستحلف، وهذا لأن المدعي إذا كان محقاً فاليمين مشروعة لحقه حتى يمتنع الظالم عن اليمين لحقه فيخرج من حقه أو يهلك إن حلف كاذباً كما أهلك حقه، فيكون إهلاكاً بمقابلة إهلاك بمنزلة القاص، وإنما يتحقق هذا إذا اعتبرنا نية المستحلف. فأما إذا كان الحالف مظلوماً فاليمين مشروعة لحقه، وهو رجحان جانب الصدق في حقه وانقطاع منازعة المدعي معه بغير حجة فتعتبر نية الحالف في ذلك، ولهذا يعتبر في اليمين علمه أيضاً على ما روي عن الشعبي رحمه الله قال من حلف على يمين ولا يستثنى فالإثم والبر فيهما على علمه يعني إذا حلف، وعنده أن الأمر كما حلف عليه ثم تبين خلافه لم يكن آثماً في يمينه، وهو تفسير يمين اللغو عندنا لأنه ما كان ظالماً حين كان لا يعلم خلاف ما هو عليه فاعتبر ما عنده، وإذا كان يعلم خلاف ذلك فهو ظالم في يمينه فيكون إثماً ويعتبر فيه أم عند صاحب الحق، والله أعلم. باب الإجارة رجل استأجر من رجل داراً سنين معلومة فخاف المستأجر أن يعذر له رب الدار فليسم لكل سنة من أول هذه السنين أجراً قليلاً ويجعل للسنة الأخيرة أجراً كبيراً. ومعنى هذا أن المستأجر خاف أن تُنْقَضَ الإجارة بينهما قبل انتهاء مدة الإجارة بموت رب الدار أو بأن يلحقه دين فادح أو بغير ذلك من أنواع العذر، وقد لا يكون مقصوده إلا السكنى في آخر المدة، فالحيلة ما ذكر وهو أن يجعل الأجر للسنين المتقدمة شيئاً قليلاً حتى إذا انفسخ العقد قبل حصول مقصوده لا يلزمه من الأجر ما يتضرر به ويمنع رب الدار من الفسخ للعذر كيلا

يفوته معظم الأجر بالسكنى في السنة الأخيرة، والأحوط أن يجعل العقد في صفقتين لأنه إذا جعل الكل صفقة واحدة وفرق التسمية فربما يذهب بعض القضاة إلى رأي ابن أبي ليلى، رحمه الله، ويوزع المسمى على جميع المدة بالحصة، فلا ينظر إلى تفريق التسمية مع اتخاذ الصفقة وعند اختلاف الصفقة يأمن من ذلك، وعلى هذا لو أراد المستأجر أن ينفق على الدار في مرمتها وخاف أن لا يرد عليه ذلك رب الدار إن انفسخ العقد فإنه ينبغي له أن ينظر إلى مقدار ما يريد أن ينفقه فيضم ذلك إلى أجر الدار في السنة الأخيرة ويقر رب الدار أني استسلفت منه هذا المقدار من أجر السنة الأخيرة حتى إذا انفسخ العقد رجع عليه بما أقر أنه استسلفه من ذلك، وإن خاف أن يحلفه رب الدار أنه سلم إليه شيئاً، كما هو رأي بعض القضاة، فإنه ينبغي أن يبيع منه شيئاً بذلك القدر، حتى إذا حلف لم يكن كاذباً في يمينه، فإن كان رب الدار هو الذي يخاف أن يسكن المستأجر بعض السنين ويعذر له بعد ذلك أي يفسخ العقد بعد فالسبيل أن يجعل أكثر الأجرة للسنة الأولى حتى لا يفسخ المستأجر بعد مضيها العقد في بقية المدة لأنه قد لزمه أكثر الأجرة وإن انفسخ العقد لم يتضرر به صاحب الدار، وإن خاف أن يغيب المستأجر ويمتنع أهله من رد الدار إليه إذا طلبه لوقته فينبغي أن يؤاجرها من أهله ويضمن له الزوج ردها إليه للوقت الذي يسميه فيؤخذ به حينئذٍ على الشرط، لأنه إذا آجرها من الأهل فعليه ردها عند انتهاء المدة ويصير الزوج ملتزماً ردها بالضمان أيضاً فيطالبه به عند انتهاء المدة. قال وفي هذا بعض الشبهة فإنه ليس على المستأجر رد الدار إنما عليه أن لا يمنع الآجر إذا جاء ليأخذها، ومثل هذا لا تصح الكفالة به بمنزلة الكفالة برد الوديعة على المودع، وهذا لأن الكفالة إنما تصح بما هو مضمون على الأصيل والرد غير مضمون على المستأجر فكيف تصح الكفالة به إلا أن يقر الزوج أنه ضامن له تسليم الدار إليه في وقت كذا بحق لازم صحيح فيكون

مؤاخذاً بإقراره، ولكن هذا كذب لا رخصة فيه، فالأحوط أن يأخذ الزوج الدار منها بغير رضاها على طريق الاستيلاء ليصير به ضامناً رد الدار عليها في المدة، وعلى مالك الدار بعد مضي المدة، ويقر بذلك بين يدي الشهود فيكون لرب الدار أن يطالبه بتسليم الدار إليه بعد انتهاء المدة. وفيه وجه آخر وهو أن يؤاجر الدار من المستأجر ثم إن المستأجر يوكل رب الدار في الخصومة مع أهله لاسترداد الدار منهم على أنه كلما عزله فهو وكيل به، فإذا غاب المستأجر كان له أن يطالب أهل المستأجر برد الدار عليه بحكم وكالة المستأجر في وقته، وإن كان المستأجر غير مليء بالأجر فينبغي للآجر أن يأخذ منه كفيلاً بأجر الدار ما سكنها أبداً ويسمى أجر كل شهر للضامن، فتكون هذه كفالة بمال معلوم، وهو مضاف إلى سبب الوجوب فيكون صحيحاً ويأخذ الكفيل بها إذا تعذر استيفاؤها من المستأجر للإفلاس، ودين الأجرة كسائر الديون، فكما أن طريق التوثق في سائر الديون الكفالة فكذلك في الأجرة. رجل استأجر داراً لا بناء فيها فأذن له رب الدار أن يبنيها ويحسب له رب الدار ما أنفق في البناء من الأجر ما بينه وبين كذا وكذا درهماً فهو جائز. قيل: هذا الجواب بناء على قولهما، فأما عند أبي حنيفة رحمه الله فلا يجوز، لأن الأجر دين على المستأجر، فإنما أمره أن يشتري له الآلات بالدين الذي له عليه، وأبو حنيفة رحمه الله لا يجوِّز هذه الوكالة على ما قال في البيوع إذا قال صاحب الدين للمديون أسلم ما لي عليك في الطعام أو اشتر بما لي عليك عبداً. والأصح أن هذا قولهم جميعاً لأنه أمره بالصرف إلى محل معلوم وهو بناء الدار وهو نظير ما قال في الإجارات إذا أمر صاحب الحمام المستأجر بمرمة الحمام ببعض الأجرة أو استأجر دابة وغلاماً إلى مكان معلوم وأمره بأن ينفق بعض الأجرة في علف الدابة ونفقة الغلام فإن ذلك جائز فهذا مثله.

وإن اختلفا في مقدار ما أنفق فالقول قول رب الدار، لأن المستأجر يدعي صرف الزيادة إلى البناء فيما أنفق ورب الدار ينكر، فالقول قوله مع يمينه، ألا ترى أنه لو ادعى تسليم ذلك إلى رب الدار وأنكره رب الدار كان القول قوله، وكذلك إن كان رب الدار أشهد أن المستأجر مصدق على ما يقول أنه أنفقه فليس ذلك بشيء والقول قول رب الدار، لأنه أشهد على ما هو مخالف لحكم الشرع، فإن الأجر دين مضمون له في ذمة المستأجر، وإنما يقبل قول الأمين في الشرع ولا يقبل قول الضامن، فإذا أشهد على تصديق الضامن كان الإشهاد باطلاً، والقول قول رب الدار، ألا ترى أنه لو أشهد عند الإجارة أن المستأجر مصدق فيما يدعي إنفاقه من الأجرة لم يصدق في ذلك، وكذلك لو جحد أن يكون بنى فيها وقال دفعتها إليه وهذا البناء فيها فالقول قوله، لأنه منكر استيفاء شيء من الأجر، والبناء تبع للأصل، فاتفاقهما على أن الأصل ملك له لا من جهة المستأجر يكون دليلاً على أن البناء له لا من جهة المستأجر أيضاً، فإذا ادعى المستأجر أنه هو الذي بنى هذا البناء كان عليه أن يثبت ما ادعاه بالبينة، فإن أراد المستأجر أن يصدق في النفقة عجل له من الأجر بقدر النفقة وأشهد عليه بقبضه ثم يدفعه رب الدار إليه ويوكله بالنفقة على داره، فيكون القول قول المستأجر حينئذٍ في نفقة مثله، وفي الهلاك إذا ادعاه لأن بالتعجيل ملك الأجر المقبوض وبرئت ذمة المستأجر عنه، ثم إذا رده عليه لينفقه في داره كان أميناً في ذلك والقول قول الأمين في المحتمل مع اليمين كالمودع عنده يدعي رد الوديعة أو هلاكها، ألا ترى أنه إنما يصدق في نفقة مثله لأن الظاهر يكذبه في ذلك المقدار، وفيما زاد على ذلك يكذبه فلا يُقبل قوله إلا بحجة، كالوصي يدعي الإنفاق على اليتيم من ماله يصدق في نفقة مثله ولا في الزيادة على ذلك. وإذا خاف رب الدار أن يتعبه المستأجر في رد الدار بعد مضي مدة الإجارة آجرها منه سنة من يومه على أن أجرها كل يوم بعد مضي السنة دينار فيجوز

العقد على هذا الوجه، لأن العقد بعد مضي السنة يكون مضافاً إلى وقت في المستقبل وإضافة الإجارة إلى وقت في المستقبل صحيح، فبعد مضي السنة لا يمتنع المستأجر من رده الدار مخافة أن يلزمه كل يوم دينار، فإن قال المستأجر أنا لا آمن أن يغيب رب الدار بعد مضي السنة فلا يمكنني أن أردها عليه ويلزمني كل يوم دينار فالحيلة في ذلك أن يجعلا بينهما عدلاً ويستأجر المستأجر الدار من العدل بهذا الصفة، حتى إذا مضت السنة وتغيَّب رب الدار يتمكن المستأجر من ردها على العدل فلا يلزمه الدينار باعتبار كل يوم بعد ذلك، وعلى هذا لو استأجر داراً كل شهر بكذا فلزوم العقد يكون في شهر واحد، فإذا تم الشهر فلكل واحد منهما أن يفسخ العقد في الليلة التي يهل فيها الهلال، وعلى إحدى الروايتين في تلك الليلة ويومها لأن رأس الشهر الداخل الليلة التي يهل فيها الهلال ويومها ويمضيه قبل الفسخ ليلزم العقد في الشهر الداخل؛ فإذا خاف المستأجر أن يتغيب الآخر في الليلة التي يهل فيها الهلال فالحيلة أن يجعلا بينهما عدلاً حتى يتمكن من فسخ الإجارة مع العدل عند رأس الشهر. ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول إذا رأى الآجر في وسط الشهر ومن عزمه الفسخ عند مضي الشهر ينبغي أن يقول له إذا جاء رأس الشهر فقد فسخت العقد بيني وبينك، وهذا فاسد لأنه تعليق الفسخ بالشرط وذلك لا يجوز، ولكن ينبغي أن يقول له فسخت الإجارة بيني وبينك رأس الشهر، فتكون هذه إضافة الفسخ إلى وقت في المستقبل ولا يكون تعليقاً بالشرط، وكما تصح إضافة الإجارة إلى وقت في المستقبل وإن كان لا يجوز تعليقاً بالشرط فكذلك يجوز إضافة الفسخ إلى وقت في المستقبل، وهذا يجوز وإن كان لا يجو تعليقه بالشرط. وإذا اكترى الرجل إبلاً لمتاع له إلى مصر بمائة دينار فإن قصر عنها إلى الرملة فالكراء سبعون ديناراً، فإن قصر عن الرملة إلى أذرعات فالكراء خمسون

ديناراً فالإجارة فاسدة على هذا الشرط لجهالة مقدار المعقود عليه وجهالة الأجر المسمى عند العقد، ولأنه علق البراءة عن بعض الأجر بالشرط، ولو علق البراءة عن جميع الأجر بشرط فيه حظر لم تصح الإجارة، فكذلك إذا علق البراءة عن بعض الأجرة، فإن حمله إلى مصر ففي القياس له أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد وفي الاستحسان تجب المائة الدينار لأن المعنى المفسد قد زال، وهو نظير القياس والاستحسان الذي تقدم في الإجارات أنه لو استأجر دابة للركوب بأجر معلوم أو ثوباً للبس ولم يبين من يركب ومن يلبس كان العقد فاسداً، ولو ركبها أو لبسه حتى مضت المدة وجب المسمى استحساناً لانعدام المفسد وهو الجهالة. قال والحيلة لهما في ذلك حتى لا يفسد أن يستأجرها إلى أذرعات بخمسين ديناراً ويستأجر من أذرعات إلى الرملة بعشرين ديناراً ويستأجر من الرملة إلى مصر بثلاثين ديناراً، فإذا بلغ أذرعات فإن أراد صاحب المتاع أن لا يذهب إلى الرملة كان ذلك عذراً له في فسخ العقد الثاني والثالث، وإن أراد أن يحمله إلى الرملة فليس لصاحب الإبل أن يمتنع وكذلك من الرملة إلى مصر، وهذا لأن صاحب الإبل عليه تسليم الإبل ولا يلزمه أن يذهب بنفسه ماشياً وإن أبى فلا يكون ذلك عذراً له في فسخ الإجارة، وصاحب المتاع له أن يبيع متاعه بأذرعات ولا يخرج منها إلى الرملة فيكون ذلك عذراً له في فسخ الإجارة. وإذا أراد الرجل أن يؤاجر أرضاً له فيها زرع لم يكن فيها حيلة إلا خصلة واحدة وهي أن يبيعه الزرع ثم يؤاجره الأرض، لأن شرط جواز عقد الإجارة أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالأرض بعد الإجارة، وإذا باعه الزرع ثم آجره الأرض فهو يتمكن من الانتفاع بها لأنه يرى زرعه فيها، وإذا لم يبيعه الزرع لا يتمكن المستأجر من الانتفاع بها وهي مشغولة بزرع الآخر لا يمكنه التسليم إلا بقلع زرعه، وفيه ضرر بين عليه فلهذا كان العقد فاسداً، وعلى هذا لو كانت

في الأرض أشجار أو بناء فأراد أن يؤاجرها منه ينبغي له أن يبيع الأشجار أو البناء منه أولاً ثم يؤاجره الأرض. وذكر الطحاوي رحمه الله في هذا الفصل أنه يبيع الأشجار بطريقها إلى بابها فإن لم يكن لها باب فإنه ينبغي أن يبين طريقاً معلوماً لها من جانب من جوانب الأرض حتى يصح الشراء ثم يؤاجره الأرض بعد ذلك فيكون صحيحاً، لأن صحة الإجارة تنبني على صحة الشراء، فإذا لم يبين الطريق في الشراء فسد الشراء ولا يملكها قبل القبض ولو قبضها كان الرد مستحقاً عليه لفساد العقد فلا يتمكن من الانتفاع بالأرض ما لم يكن الشراء صحيحاً فشرط ذلك بيان الطريق.

باب الوكالة

باب الوكالة رجل وكل رجلاً بأن يشتري جارية له بعينها بكذا درهماً فلما رآها الوكيل أراد أن يشتريها لنفسه فإن اشتراها بمثل ذلك الثمن أو أقل فهو مشترٍ للآمر وإن نوى الشراء لنفسه عند العقد أو صرح به، لأنه ممتثل أمر الموكل فيما باشر من العقد وهو لا يملك عزل نفسه في موافقة أمر الآمر فيكون مشترياً للآمر، وإن اشتراها بأكثر مما سمي له من الثمن أو اشتراها بدنانير كان مشترياً لنفسه لأنه خالف أمر الآمر فلا ينفذ تصرفه عليه، وهو بعد قبول الوكالة تام الولاية في تصرفه على نفسه فيصير مشترياً لنفسه لما تعذر تنفيذه على الآمر، ولا يكون آثماً في ذلك لأن قبول الوكالة لا يلزمه الشراء للآمر لا محالة، ألا ترى أن له أن يفسخ الوكالة وأن يمتنع من الشراء أصلاً، فلا يكون آثماً في اكتسابه هذه الحيلة ليشتريها لنفسه، ولا يقال إن اشترى بأكثر مما سمي له ففي حصة ما سمي له ينبغي أن يكون مشترياً للآمر، لأنه إنما أمره بشراء جميعها بالمسمى من الثمن لا بشراء بعضها، ولأن الوكيل بشراء الجارية لا يملك أن يشتري نصفها للآمر، فإن مقصود الآمر لا يحصل بذلك، فإن كان أمره أن يشتريها له ولم يسم ثمناً فإن اشتراها بأحد النقدين فهو للآمر، وإن نواها لنفسه، وإن اشتراها بمكيل أو موزون بعينه أو بغير عينه أو بعرض بعينه فهو مشتر لنفسه، لأن مطلق التوكيل بالشراء ينصرف إلى الشراء بالنقد فهو مختص بالشراء، فكأنه صرح بذلك لأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص، فإن أمر الوكيل رجلاً آخر أن يشتريها للوكيل الأول، فإن اشتراها بمحضر من الوكيل الأول بالدراهم أو الدنانير كان مشترياً للآمر، لأن فعل الوكيل الثاني بمحضر من الأول كفعل الأول، ألا ترى أن بمطلق التوكيل ينفذ هذا التصرف على الآمر، فإن اشتراها بغير محضر من الوكيل الأول فهو للوكيل الأول دون الآمر لأنه خالف أمر

الآمر، فإن مطلق التوكيل لا يملك الوكيل أن يوكل غيره ليشتريها إلا بمحضر منه، فإذا فعل لا ينفذ شراؤه على الآمر فيكون مخالفاً أمر الموكل في هذا العقد فينفذ عليه خاصة، إلا أن يكون الآمر الأول قال له اعمل فيها برأيك، فحينئذٍ يكون شراء الوكيل الآخر للآمر الأول، لأنه ممتثل أمر الآمر في هذا التوكيل، فإنه متى فوض الأمر إلى رأي الوكيل على العموم يملك أن يوكل غيره، ويكون فعل الوكيل الثاني كفعل الوكيل الأول فينفذ على الآمر إذا اشتراها بالنقد. ولو كان وكله يبيع جارية بعينها فليس للوكيل أن يبيعها من نفسه، فإن أراد أن يجعلها لنفسه فالحيلة في ذلك أن يطلب من الموكل تفويض الأمر إلى رأيه في بيعها على العموم، ويقول له ما صنعت في ذلك من شيء فهو جائز، فإذا فعل ذلك وكل الوكيل رجلاً آخر يبيعها ثم يشتريها من ذلك الوكيل فيصح ذلك، لأن الوكيل الثاني ليس بوكيل الوكيل الأول ولكنه وكيل صاحب الجارية، فقد قال له صاحبها ما صنعت من شيء فهو جائز، والتوكيل من صنعه، فيصير الثاني بمنزلة ما لو وكله صاحب الجارية ببيعها فينفذ بيعه إياها من الوكيل الأول. وإن أبى صاحب الجارية أن يفوض الأمر إلى رأيه على العموم فالسبيل له أن يبيعها ممن يثق به ثم يستقيله العقد فتنفذ الإقالة على الوكيل خاصة أو يطلب من المشتري أن يوليه العقد فيها أو يشتريها منه ابتداء، ولا يأثم بذلك بعد أن لا يدع الاستقصاء في ثمنها في البيع ممن يثق به، لأ، صاحبها قد ائتمنه فعليه أن يؤدي الأمانة كما قال صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وأداء الأمانة في أن لا يدع الاستقصاء في ثمنها، فلو اشتراها الوكيل للآمر في مسألة التوكيل بالشراء وقبضها، ثم وجد بها عيباً قبل أن يدفعها إلى الآمر كان له أن يردها بالعيب لتمكنه من ردها بكونها في يده، والوكيل بالعقد في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه، فإذا ردها على البائع

بقضاء القاضي انفسخ العقد الأول من الأصل وصار كأن لم يكن، وقد بقي هو على وكالته ما لم يحصل مقصود الآمر. فلو أراد أن يشتريها لنفسه بعد ذلك فاشتراها وهو عالم بعيبها لم يكن الشراء إلا للآمر لما مر أنه بقي على وكالته ما لم يحصل مقصود الآمر، إلا أنه عالم بعيبها، وهو في الابتداء لو علم بعيبها واشتراها لنفسه كان الشراء للآمر فكذا في المرة الثانية. والوكيل بالبيع يكون خصماً في الرد بالعيب بمنزلة البائع لنفسه، فإن أراد أن يتحرز من ذلك فالحيلة فيه أن يأمر غيره ليبيعه بحضرته فينفذ ذلك على الآمر عندنا، وخصومة المشتري في الرد بالعيب لا تكون مع الوكيل وإنما تكون مع عاقده، فإن أبى المشتري إلا بأن يضمن الوكيل الأول الدرك فينبغي له أن لا يحرز من ذلك لأن مقصوده حاصل من غير ضمان الدرك، فإن المشتري إذا وجد بالمبيع عيباً فلا خصومة له بالعيب مع الضامن للدرك، وإذا رده بالعيب على البائع لم يكن له أن يرجع بالثمن على الضامن للدرك لأن العيب ليس بدرك. وإذا خلع الأب ابنته من زوجها بما لها على الزوج من الصداق لم يجز ذلك ولم تطلق البنت، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، إلا على قول مالك، رحمه الله، فإنه يجوز خلع الأب على ابنته الصغيرة، كما يجوز تزويج الأب ابنه الصغير بمال الابن، وقد بيَّنا المسألة في النكاح، فإن في الخلع المرأة تلتزم مالاً بإزاء ما ليس بمتقوم لأنه لا يدخل في ملكها بالخلع شيء متقوم، وليس للأب هذه الولاية على ابنته، صغيرة كانت أو كبيرة، فهو في الخلع كالأجنبي، إلا أن يضمن الدرك للزوج فحينئذٍ ينفذ الخلع على الوجه الذي بيناه في الشروط. وإذا خاف الوكيل بشراء متاع من بلد من البلدان أن يبعث بالمتاع مع غيره أو يستودع المال غيره فيصير ضامناً فالحيلة له في ذلك أن يستأذن رب المال في

باب في الصلح

أن يعمل برأيه، فإذا أذن له في العمل برأيه كان له أن يصنع ذلك، وجاز له أن يوكل غيره بالتصرف ويدفع المال إليه، فإن الموكل أجاز صنيعه على العموم والتوكيل من صنيعه فينفذ ذلك على الموكل كأنه باشره بنفسه. باب في الصلح رجل له على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة يؤديها إليه في هلال شهر كذا، فإن لم يفعل فعليه مائتا درهم، فذلك جائز عندنا وهو قول أبي يوسف، رحمه الله، ويبطله غيرنا، يعني شريك وابن أبي ليلى، رحمهما الله، فإنهما كانا يقولان هذا تعليق التزام المال بالخطر، لأنه يقول إن لم يفعل فعليه مائتا درهم، يعني إن لم يؤد المائة في نجمها، ولا يدري أيؤدي أم لا يؤدي، وتعليق التزام المال بالخطر لا يجوز، فالثقة له في ذلك أن يحط رب المال عنه ثمانمائة درهم عاجلاً ثم يصالحه من المائتين على مائة درهم يؤديها إليه ما بينه وبين شهر كذا، على أنه إن أخرها عن هذا الوقت فلا صلح بينهما على هذا. وإذا أراد أن يكاتب عبده على ألف درهم يؤديها إليه في سنة، فإن لم يفعل فعليه ألف درهم أخرى، فإن هذا لا يجوز، لأنه صفقتان في صفقة، وشرطان في عقد، ولأن فيه تعليق التزام المال بالخطر، وهو أن لا يؤدي الألف في السنة. وإن أراد الحيلة في ذلك فالحيلة أن يكاتبه على ألفي درهم ثم يصالحه منها على ألف درهم يؤديها إليه في سنة، فإن لم يفعل فلا صلح بينهما، فيكون العقد صحيحاً على بدل مسمى ويكون الصلح صحيحاً على ما وقع الاتفاق عليه بينهما، لأن عقد الصلح ينبني على التوسع. ومثل هذا الصلح يصح بين الحرين، فبين المولى ومكاتبه أولى، ولأن مثل هذا الشرط في البيع يصح، فإن لو باع على أنه إن لم يؤد الثمن إلى ثلاثة

أيام فلا بيع بينهما كان جائزاً على هذا الشرط، فلأن يجوز الصلح على هذا الشرط أولى. رجل مات وترك داراً في يد ابنه وامرأته فادعى رجل أنها له فصالحه الابن والمرأة على مائة درهم من غير إ قرار منهما كانت المائة عليهما أثماناً والدار بينهما أثماناً، لأن الصلح على الإنكار إنما يجوز باعتبار أنه إسقاط من المدعي حقه وخصومته بعوض يلتزمه المصالح، ولهذا جاز مع الأجنبي، وإن كان بغير أمر المدعى عليه، ولو كان فيه تمليك من المدعى عليه لم يجز بغير أمره، فإذا صح أنه إسقاط بقيت الدار بينهما بعد الصلح على ما كانت عليه قبل الدعوى وقد كانت أثماناً، وإذا ثبت أن الدار بينهما على ثمانية ثبت أن المال عليهما يتوزع على ذلك أيضاً، لأن بمطلق قبول العقد إنما يجب المال على من ينتفع، فيجب على كل واحد منهما من المال بقدر ما ينال من المنفعة. وإن صالحاه بعد إقرارهما بها له وأرادا بالإقرار تصحيح الصلح فالمائة عليهما نصفان والدار بينهما كذلك، لأنهما لما أقرا بها للمدعي ثم صالحاه فكأنهما اشتريا الدار بالمائة، وظهر بإقرارهما أن الدار لم تكن ميراثاً بينهما، وبمطلق الشراء يقع الملك للمشترين في المشتري نصفين ويكون الثمن عليهما نصفين. فإن أرادا أن يكون بينهما أثماناً فالحيلة في ذلك أن يقرا للمدعي بالدار ثم يصالحانه منها على مائة درهم على أن يكون للمرأة ثمن الدار وللابن سبعة أثمانها، فإذا صرحا بذلك كان الملك في الدار بينهما على ما صرحا به والثمن كذلك، بمنزلة ما لو اشترياها على أن يكون لأحدهما ثمنها وللآخر سبعة أثمانها. رجل ادعى في دار رجل دعوى فصالحه على مائة ذراع منها فهو جائز، لأن الصلح على الإنكار مبني على زعم المدعي ولهذا لو وقع الصلح على دار كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة، وفي زعم المدعي أنه يستوفي من الدار مائة ذراع بملكه القديم لا أني تملكها على ذي اليد ابتداء، فيكون صحيحاً، فإن

صالحه على مائة ذراع من دار أخرى لم يجز في قول أبي حنيفة وجاز عندهما، لأنه يتملك ما وقع عليه الصلح بعوض، فهو بمنزلة من اشترى مائة ذراع من دار، وذلك فاسد عند أبي حنيفة جائز عندهما. مريض ادعى على رجل مالاً وله به عليه بينة فصالحه منه على دراهم يسيرة وأقر المريض أنه لم يكن له على هذا المطلوب شيء ثم مات جاز إقراره في القضاء ولم يقبل من ورثته بينة على المطلوب بذلك المال، أما إذا لم يقر بذلك فيتمكن في هذا الصلح محاباة وهو يعتبر من ثلث المال، وأما إذا أقر بذلك فإقراره بما يتضمن براءة الأجنبي معتبر بإقراره للأجنبي، وذلك صحيح من جميع ماله، فكذلك إقراره أنه لم يكن له على المطلوب شيء يكون صحيحاً، وبعد صحة الإقرار منه لا تسمع الدعوى من ورثته، لأنهم يقومون مقامه، وهو لو ادعى بعد ذلك مالاً مطلقاً عليه لم تسمع دعواه ولم يقبل بينته، فكذلك الورثة إذا ادعوا ذلك. رجل له على رجل دين حال فصالحه على أن ينجمه نجوماً عليه وأخذ منه كفيلاً على أن كل واحد منهما ضامن عن صاحبه على أنهما إن أخرا نجماً عن محله فالمال عليهما حال فهو جائز، لأنه إذا أخذ بالمال كفيلاً كان الكفيل مطالباً به كالأصيل، فهذا بمنزلة رجل له على رجلين مال وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه فنجمه عليهما نجوماً على أنهما لو أخرا نجماً عن محله فالمال عليهما حالٌّ، وذلك جائز، لأن تنجيم المال عليهما صلح، فقد علق بطلان الصلح بعدم الوفاء بالشرط، وذلك جائز. فإن كان الطالب إنما أخذ من المطلوب كفيلاً بنفسه على أنه إن لم يواف به عند كل نجم فالكفيل ضامن لجميع المال على النجوم التي سميا، فإن ذلك جائز عندنا، وبعض الفقهاء، رحمهم الله، يبطله، يعني ابن أبي ليلى، فإنه لا يجوِّز تعليق الكفالة بالمال بخطر عدم الموافاة بالنفس، وقد بيَّناه في كتاب الكفالة، فالثقة في ذلك أن يضمن الكفيل المال على أنه برئ من كل نجم

بدفع المطلوب عند محله إلى الطالب، فيجوز ذلك في قول الكل، لأن إيفاء المطلوب يوجب براءة الكفيل، فاشتراط براءته عند إيفاء الكفيل شرط موافق بحكم الشرع فيكون صحيحاً. رجل صالح غريماً له على أن يؤخره بما عليه على أن يضمن له فلان المال إلى ذلك الأجل، فإن لم يفعل فلا صلح بينهما، والمال حالٌّ عليه، فذلك جائز، ولا آمن أن يبطله بعض الفقهاء، رحمهم الله، يعني به أن يبطله على طريق القياس، فإن الصلح قياس البيع في بعض الأحكام. وإذا شرط في البيع ضمان رجل بعينه كان ذلك مبطلاً للبيع، فكذلك الصلح، فالثقة في ذلك أن يكون الكفيل حاضراً فيضمنه، لأن على طريق القياس، إنما لا يصح هذا العقد لبقاء الغرر فيه، وهو أنه لا يدرك أيضمن الكفيل المال أو لا يضمن، فإذا ضمنه فقد انعدم معنى الغرور، وإن لم يكن حاضراً فالثقة فيه أن يصالحه على ما ذكرت على أن فلاناً إن ضمن هذا المال ما بينه وبين يوم كذا فالصلح تام، وإلا فلا صلح بينهما، فإذا كان العقد بهذه الصفة كان تمام الصلح بعدما ضمن فلان ولا يبقى غرر إذا ضمن فلان، فالصلح بينهما صحيح. وإذا كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى يوم كذا فالمال عليه وأخذ الكفيل من المطلوب رهناً لم يجز الرهن، لأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء، وما وجب للكفيل على المطلوب مال، فالكفالة بالنفس ليس بمال، والكفالة بالمال متعلقة بعدم الموافاة بالنفس، فكيف يصح الرهن من غير دين له عليه. فإن أراد الحيلة في ذلك فالوجه أن يبدأ بضمان المال فيقول أنا ضامن لما لك عليه من المال، فإن وافيت به إلى كذا من الأجل فأنا برئ، فإن فعل ذلك جاز له أن يرتهن منه رهناً بما ضمنه، لأنه كما وجب المال للطالب على الكفيل وجب للكفيل على المطلوب، فيجوز أخذ الرهن منه به، ولم يذكر في

الكتاب ما إذا كانت الكفالة بالنفس فقط وأراد الكفيل أن يأخذ من المطلوب رهناً؛ ولا إشكال أن ذلك لا يجوز بخلاف ما إذا أخذ منه كفيلاً، فإن صحة الكفالة لا تستدعي ديناً واجباً، وصحة الرهن تستدعي ذلك، ولهذا لا يجوز الرهن بالدرك وتجوز الكفالة بالدرك. ثم الحيلة في هذا أن يقر المطلوب أن هذا الكفيل ضمن عنه مالاً لرجل من الناس بأمره، ولا يسمى ذلك الرجل ولا مقدار المال، ثم يعطيه رهناً بذلك فيكون صحيحاً في الحكم، ويكون القول قول المطلوب في مقدار ذلك المال، فيمكن بأدائه من إخراج الرهن. فإن قال الكفيل مقصودي لا يتم بهذا، وربما يقول المطلوب بعد كفالتي بالنفس إن المال درهم فيعطيني ذلك ويسترد الرهن فالسبيل أن يجعلا بينهما عدلاً ثقة يثقان به ويكون ارتهان الكفيل من ذلك العدل بأمر المطلوب، فلا يسترد منه الرهن قبل براءته عن الكفالة بالنفس. رجل أخذ من غريمه كفيلاً بنفسه على أنه إن لم يواف به يوم كذا فالكفيل ضامن لنفس فلان غريماً آخر للطالب، فهو جائز عندنا، يعني قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ولا آمن أن يبطله بعض العلماء، رحمهم الله، يعني أن على قول محمد، رحمه الله، هذا لا يجوز، فالثقة فيه أن يكفل بنفس فلان وفلان على أنه إن وافى بفلان أحدهما ما بينه وبين يوم كذا فهو برئ من الكفالة الأخرى، فيكون جائزاً عندهم جميعاً، لأنه علق البراءة عن الكفالتين بالموافاة بنفس أحدهما. ولو أخذ منه كفيلاً بنفسه على أنه إن لم يواف به يوم كذا فما على المطلوب من المال فهو على الكفيل، فلم يواف به فهو ضامن للمال والنفس، لأنه كفل بالنفس كفالة مطلقة، فلا يبرأ إلا بتسليم النفس، وعلق الكفالة بالمال بخطر عدم الموافاة، وقد وجد ذلك، فإن قال لا آمن أن يبرئه بعض

الفقهاء من الكفالة بالنفس، ولا يعرف من هذا القائل، وله وجه صحيح وهو أن المقصود المال دون النفس، وبعدما حصل المقصود وتمكن الطالب من استيفاء المال من الكفيل لا تبقى الكفالة بالنفس، وهذا لأن اللفظ في معنى توقيت الكفالة بالنفس إلى الوقت الذي جعل عدم الموافاة فيه شرط الكفالة بالمال، فلا تبقى الكفالة بالنفس بعد مضي وقتها. ثم الثقة في ذلك أن يضمنه المال والنفس على أنه إن وافاه بنفسه لوقت كذا فهو برئ من النفس والمال، وإن لم يواف به لذلك الأجل فالنفس والمال عليه لأنه كفل بهما كفالة مطلقة. مسائل متفرقة: قال: وإذا خاف الوصي جهل بعض القضاة في أن يسأله عما وصل إليه من تركة الميت ثم يسأله البينة على ما أنفق وعمل، وإنما سمي هذا جهلاً لأنه خلاف حكم الشرع، فالوصي أمين، والقول في المحتمل قول الأمين، وهو متبرع في قبول الوصاية قائم مقام الميت، فكما لم يكن للقاضي أن يسأل الموصي عما يتركه من المال لا يكون له أن يسأل الوصي عما وصل إليه من المال، فمن فعل ذلك من القضاء كان جهلاً، ولكن رأى بعض القضاة أن يفعلوا ذلك ويعدونه من الاحتياط، فبين الحيلة للوصي في ذلك بأن يولي غيره قبض التركة وبيعها وقضاء الدين وغير ذلك ولا يشهد الوصي على نفسه بوصول شيء إليه ولا يباشر بيعاً بنفسه، بل يأمر غيره بالبيع وقضاء الدين، فلا يكون للقاضي أن يسأله شيئاً من ذلك لأنه لم يصل إليه تركة الميت ولا عمل في التركة بنفسه. فإن أراد القاضي أن يستحلفه ما قضيت ديناً ولا وصل إليك تركة ولا أمرت بشيء منها يباع ولا وكلت به، فإذا كان الوصي وضع التركة مواضعها على حقوقها فهو مظلوم في هذه اليمين فيسعه أن يحلف وينوي غير ما

استُحلف عليه؛ لأنه إذا كان مظلوماً فنيته معتبرة شرعاً ليتمكن به من دفع الظلم عن نفسه. والخصاف، رحمه الله، توسع في كتابه في هذا الباب فقال: ينوي ما فعل شيئاً من ذلك في وقت كذا، لوقت غير الوقت الذي فعل فيه، أو في مكان كذا، لمكان غير المكان الذي فعل فيه، أو مع فلان، إنسان غير الذي عامله، وهذا لأن من مذهبه أن نية التخصيص فيما ثبت بمقتضى الكلام صحيحة، كما تصح في الملفوظ، فإن المقتضى عنده كالمنصوص في أن له عموماً فتجوز نية التخصيص فيه، وكأن يستدل على ذلك بمسألة المساكنة التي أوردها محمد، رحمه الله، في كتاب الأيمان، إذا حلف لا يساكن فلاناً وهو ينوي مساكنته في بيت أنه تعمل نيته والمكان ليس في لفظه فصحت نية التخصيص فيه. وقال في الجامع: إذا حلف لا يخرج ونوى السفر صحت نيته، والموضع الذي يخرج إليه ليس في لفظه وصح نية التخصيص فيه. وقال في كتاب الدعوى: إذا أقر بنسب غلام صغير فجاءت أم الصغير بعد موته تطلب ميراث الزوجات فإنها تستحق ذلك لأن إقراره بالنسب يقتضي الفراش بين المقر وبين أم الصغير، فجعل الثابت بمقتضى كلامه كالثابت بالنص، ولكن الصحيح من المذهب عندنا أن المقتضى لا عموم له وأن نية التخصيص فيما ثبت بمقتضى الكلام لا تكون صحيحة حتى إذا حلف لا يأكل أو لا يشرب ونوى طعاماً بعينه أو شراباً بعينه لم تعتبر نيته، لأن المنصوص فعل الأكل، فأما المأكول فثابت بمقتضى كلامه وثبوت المقتضى للحاجة إلى تصحيح الكلام، ولهذا لا يثبت في موضع يصح الكلام بدونه، والثابت بالحاجة لا يعدو موضع الحاجة ولا حاجة إلى إثبات العموم للمقتضى ولا إلى جعله كالمنصوص عليه فيما وراء المحتاج إليه. فأما مسألة المساكنة فهناك نية التخصيص في المكان لا تعمل عندنا حتى لو قال عنيت به المساكنة في بيت بعينه لا تعمل نيته، ولكن إنما تعمل نيته فيما

يرجع إلى كمال المنصوص، فالمساكنة تكون تارة في بلدة وتارة في محلة وتارة في دار، وأتم ما يكون من المساكنة أن تكون بينهما في بيت واحد، فهو إنما نوى صفة الكمال في المنصوص عليه، فلهذا تعمل نيته. وكذلك في مسألة الخروج لا تعمل نيته في تخصيص المكان حتى لو نوى الخروج إلى بغداد لا تعمل نيته، فإذا نوى السفر فإنما نوى نوعاً من أنواع الخروج، لأن الخروج أنواع شرعاً، خروج للسفر ولما دون السفر، وإنما اختلافهما باختلاف الأحكام، فإنما تعمل نيته في تنويع الخروج، والخروج في لفظه لأن ذكر الفعل كذكر المصدر. وفي مسألة النسب الفراش بينه وبينها ثبت بمقتضى كلامه ولكن ما ثبت بطريق الاقتضاء ثبت حكمه، وإن لم يجعل كالمنصوص عليه كالبيع الثابت في قوله أعتق عبدك عني على ألف درهم، يثبت حكمه، وهو ملك البدلين، وإن لم يجعل ذلك كالبيع المصرح به. إذا عرفنا هذا فنقول: ينبغي أن ينوي شيئاً هو من محتملات لفظه، أو يكون راجعاً إلى تخصيص ما في لفظه حتى يكون عاملاً، وأسهل طريق قالوا في هذا النوع من الأيمان أن القاضي إذا قال له قل والله، ينبغي أن يقول هو الله، فيدغم الهاء على وجه لا يفطن به القاضي ثم يمضي في كلامه إلى آخره، فلا يكون ذلك يميناً ولا يأثم فيه إذا كان مظلوماً، وإذا أراد الوصي أن يدفع إلى الورثة أموالهم ويكتب عليهم البراءة من كل قليل وكثير أيهما أوثق له أن يسمى ما جرى على يده وما أعطاهم أو لا يسمى، قال الأوثق له أن يكتب البراءة من كل قليل وكثير، ولا يسمى شيئاً، فإنه لا يؤمن أن يحضر صاحب دين أو وصية أو وارث فيضمنه ما سمي أنه دفعه إلى الورثة، وإذا كتب براءته من كل قليل وكثير فليس له ولاية أن يضمنوا شيئاً، فهذا أوثق للوصي، ولكن الأوثق للورثة أن يسمى ذلك، وربما يخفي الوصي بعض التركة، فإذا كتبوا له البراءة من كل قليل وكثير لم يكن لهم سبيل على ما يظهر عليه من الخيانة بعد

ذلك، فإذا سموا ما وصل إليهم كان لهم أن يخاصموا فيما يظهر في يده من التركة بعد ذلك. وذكر عن سالم بن عبد الله أنه سئل عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فانقضت عدتها فتزوجها رجل ليحللها لزوجها الأول، لم يأمره الزوج بذلك ولا المرأة، قال هذا مأجور، وهو قول أبي حنيفة، رحمه الله، وبه نأخذ لأنه تزوجها نكاحاً مطلقاً، والنكاح سنة مرغوب فيها، وإنما قصد بذلك ارتفاع الحرمة بينهما ليمنعهما بذلك من ارتكاب المحرم ويوصلهما إلى مرادهما بطريق حلال فتكون إعانة على البر والتقوى، وذلك مندوب إليه، فالظاهر أن كل واحد منهما نادم على ما كان منه من سوء الخلق خصوصاً إذا كان بينهما ولد، فلو امتنع الثاني من أن يتزوجها ليحللها للأول ربما يحملها الندم أو فرط ميل كل واحد منهما إلى صاحبه على أن يتزوجها من غير محلل، فهو يسعى إلى إتمام مرادهما على وجه يندبان إليه في الشرع فيكون مأجوراً فيه وفي نظيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أقال نادماً أقاله الله عثراته يوم القيامة" وإذا تقرر هذا تبين أن الحِل يحصل بدخول الزوج الثاني بها، وإن كان مراده أن يحللها للأول. فإذا تزوجها بهذا الشرط بأن قالت المرأة له تزوجني فحللني، أو قال الزوج الأول له تزوج هذه المرأة فحللها لي، أو قال الثاني للمرأة أتزوجك فأحللك للأول فهذا مكروه، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله المحلل والمحلل له" وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى، قال هو الرجل يتزوج المرأة ليحللها لزوج كان لها قبله". ولكن مع هذا يجوز النكاح ويثبت الحِل للأول بدخول الثاني بها عند أبي حنيفة، رحمه الله، لأن هذا النهي لمعنى في غير النكاح فلا يمنع صحة النكاح والدخول بالنكاح الصحيح يحللها للزوج الأول، ثبت ذلك بالسنة، وعلى قول أبي يوسف، رحمه الله، هذا النكاح فاسد، لأنه في معنى التوقيت للنكاح،

والتوقيت مفسد للنكاح كما لو تزوج امرأة شهراً، وإذا فسد النكاح الثاني فالدخول بالنكاح الفاسد لا يوجب الحِل للزوج الأول. وقال محمد، رحمه الله: النكاح جائز ولكن الشرط باطل، لأن النكاح يهدم الشرط ولا يبطل بالشرط الفاسد، إلا أنهما لما قصدا الاستعجال عوقبا بالحرمان، فلا يثبت به الحل للزوج الأول، كما لو قتل مورثه بغير حق، وقد تقدم بيان المسألة في كتاب الطلاق. وإذا قال الرجل إن خطبت فلانة أو تزوجتها فأجازت فهي طالق ثلاثاً، فله أن يخطبها ثم يتزوجها بعد ذلك فلا يحنث، لأنه أدخل حرف أو بين الشرطين فيكون الثابت أحدهما وتنحل اليمين بوجود أحد الشرطين، فإذا خطبها أولاً انحلت اليمين وهي ليست في نكاحه، فلم يقع عليها شيء، ثم يتزوجها بعد ذلك ولا يمين فلا تطلق، بمنزلة ما لو قال إن قبلتها أو تزوجتها فهي طالق، فقبلها ثم تزوجها لم تطلق، ولو تزوجها قبل أن يخطبها ثم بلغها فأجازت طلقت ثلاثاً، لأن الموجود هنا شرط التزوج، وإنما تم ذلك بإجازتها، وعند تمام الشرط هي في نكاحه، فتطلق ثلاثاً، بمنزلة قوله إن قبَّلتها أو تزوجتها ثم تزوجها قبل أن يقبِّلها. وتبين بهذه المسألة أن من قال إن خطبت فلانة فهي كذا، أو كل امرأة خطبها فهي كذا، أن يمينه لا تنعقد، لأن الخطبة غير العقد، وهي تسبق العقد، فلا يكون هو بهذا اللفظ مضيفاً الطلاق إلى الملك، وهذا لسان العربية، فإن عقد يمينه بلسان الفارسية وقال: أكر فلانة را بخواهم يا هر زنى كه بخواهم، ففي كل موضع يكون هذا اللفظ مبهم تفسير الخطبة لا تنعقد اليمين أيضاً، هكذا العرف بخراسان وما وراء النهر، فأما في هذه الديار فإنما يريدون بهذا اللفظ التزوج فتنعقد اليمين إذا كان مراده هذا ويقع الطلاق إذا تزوجها. رجل حلف أن لا يتزوج بالكوفة امرأة فزوجه وكيل له بالكوفة فهو حانث، لأن الوكيل بالنكاح سفير ومعبر حتى لا يستغنى عن إضافة العقد إلى

الموكل ولا يتعلق به شيء من حقوق العقد، فمباشرة الوكيل له كمباشرته بنفسه في حق الحنث بخلاف البيع، فإنه إذا حلت لا يشتري شيئاً بالكوفة فاشترى له وكيله لا يحنث، لأن الوكيل بالشرى بمنزلة العاقد لنفسه حتى يستغني عن إضافة العقد إلى الموكل، ويتعلق حقوق العقد به. ثم الحيلة في مسألة النكاح أن توكل المرأة وكيلاً يزوجها منه، ثم يخرج الوكيل والزوج إلى الحيرة أو غيرها بعد أن يخرجا من أبيات الكوفة ثم يزوجها منه، فلا يحنث لأنه لم يتزوجها بالكوفة، ألا ترى أن المقيم بالكوفة إذا خرج من أبيات الكوفة على قصد السفر كان مسافراً يقصر الصلاة، فعرفنا أن التزوج في هذا الموضع لا يكون تزوجاً بالكوفة، وإنما ذكر توكيلها لئلا تبتلي بالخروج مع غير المحرم إلى ذلك الموضع. رجل قال لعبده قد أذنت لك أن تتزوج كل أمة تشتريها فاشترى العبد أمة فتزوجها ببينة فهو جائز، لأن ما اشتراها صارت مملوكة للمولى وقد أقامه المولى مقام نفسه في ذلك، ولو زوج بنفسه أمته بمحضر من الشهود جاز، فكذلك العبد إذا فعل ذلك. وقال أبو حنيفة، رحمه الله، في رجل له جارية تخرج في حوائجه وهو يطؤها فحبلت وولدت وسعه أن لا يدعيه وأن يبيعه معها، وإن كان لا يدعها تخرج لم يسعه ذلك، وإن كان يعزل ولا يطلب ولدها لم يسعه ذلك إذا حبسها ومنعها من الخروج، وهذا فيما بينه وبين ربه، فأما في الحكم فلا يلزمه النسب إلا بالدعوة، إلا أنه إذا حصَّنها فالظاهر أن الولد منه سواء كان يعزل عنها أو لا يعزل، فعليه الأخذ بالاحتياط والبناء على الظاهر. وذكر عن علي رضي الله عنه أن رجلاً أتاه فقال إن لي جارية أطؤها وأعزل عنها فجاءت بولد فقال علي رضي الله عنه نشدتك الله هل كنت تعود في جماعها قبل أن تبول؟ قال نعم، فمنعه من أن ينفيه. فهو عندنا على التي قد حصنت، ومعنى هذا أنه يتوهم بقاء بعض المنى

باب الأيمان

في إحليله، فبالمعاودة يصل إليها إذا عاد في جماعها قبل البول، ولهذا قال أبو حنيفة ومحمد، رحمهما الله: إذا أتى أهله واغتسل قبل أن يبول ثم سال منه بقية المني يلزمه الاغتسال ثانياً، وكذلك إن كان يعزل عنها فيصب الماء من فوق فربما يعود إلى فرجها فتحيل به، فلهذا لا يسعه نفي الولد. والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سئل عن العزل قال: "إذا أراد الله خلق نسمة من ماء فهو خالقها، وإن صببتم ذلك على صخرة، فاعزلوا أو لا تعزلوا". وإذا غاب أحد المتفاوضين فأراد الباقي منهما أن يبطل الشركة فالحيلة له أن يرسل إليه رسولاً بأنه قد فارقه ونقض ما بينهما من الشركة، فإذا بلغ الرسول ذلك فقد انتقضت الشركة بينهما، لأن كل واحد منهما ينفرد بنقض الشركة بعد أن يكون ذلك بعلم صاحبه ليندفع الضرر والغرر عن شريكه بذلك، وعبارة الرسول في إعلامه كعبارة المرسل، وهذا في كل عقد لا يتعلق به اللزوم نحو عزل الوكيل والحجز على العبد المأذون، وفسخ المضاربة ونقض ولاء الموالاة إذا كان الأسفل غائباً فأراد العربي أن ينقض ولاءه أرسل إليه رسولاً يبلغه عنه أنه قد نقض موالاته فيكون تبليغ الرسول إياه كتبليغ المرسل بنفسه، وإن أراد ذلك الأسفل فله ذلك قبل أن يعقل عنه الأعلى، فإن شاء فعل كذلك وإن شاء والى غيره، فيكون ذلك نقضاً للموالاة مع الأول، وقد بينا هذا في كتاب الولاء، والله أعلم. باب الأيمان ولو حلف لا يلبس من ثياب فلان شيئاً وليس لفلان يومئذٍ ثوب ثم اشترى ثوباً فلبسه الحالف حنث، لأنه عقد يمينه على لبس ثوب مضاف إلى فلان فيعتبر وجود الإضافة عند اللبس، كما لو حلف لا يأكل طعام فلان، يشترط وجود الإضافة عند الأكل، وهذا لأن الذي دعاه إلى اليمين ليس معنى في

الثوب والطعام بل أذى لحقه من جهة فلان، وبذلك المعنى إنما يمتنع من إيجاد الفعل فيه لكونه مضافاً إلى فلان وقت إيجاد الفعل لا وقت اليمين، وفرق أبو يوسف، رحمه الله، بين هذا وبين الدار وقال: الدار لا يستحدث الملك فيها في كل وقت، فلا يتناول يمينه إلا ما كان موجوداً في ملك فلان عند يمينه، فأما الثوب والطعام فيستحدث الملك فيه في كل وقت، فإنما يتناول يمينه ما كان في ملك فلان عند وجود الفعل. ولو حلف لا يكسو فلاناً فوهب له ثوباً صحيحاً وأمره أن يصنع منه قميصاً حنث، لأنه قد كساه، فهذا اللفظ إنما يتناول تمليك الثوب منه لا إلباس الثوب إياه، ألا ترى أن كفارة اليمين تتأدى بكسوة عشرة مساكين، وذلك بالتمليك دون الإلباس، ويقال في العادة كسا الأمير فلاناً إذا ملَّكه سواء لبسه فلان أو لم يلبسه، فقد يطلق اسم الكسوة على ما لا يتأتى فيه اللبس، فعرفنا أن المراد به التمليك. ولو حلف لا يلبس قميصاً لفلان فلبس قميصاً لعبده لم يحنث في قول أبي حنيفة، رحمه الله، وقال أبو يوسف رحمه الله: يحنث، قال الحاكم، رحمه الله: وهذا خلاف ما مضى في كتاب الأيمان أن على قول أبي حنيفة وأبي يوسف، رحمهما الله، إذا لم يكن على العبد دين لم يحنث إلا أن ينويه، وعلى قول محمد يحنث، قال ولكن عندي أن الجواب الذي ذكر في الكتاب فيما إذا كان على العبد دين مستغرق ونواه فإنه لا يحنث عند أبي حنيفة لأنه لا يملك كسبه، وعند أبي يوسف يحنث، لأنه مالك كسبه، فأما عند عدم النية أو عند عدمن الدين على العبد فلا خلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يحنث. وإن حلف لا يكسو فلاناً فكسا عبده لا يحنث، لأنه ما ملك الثوب فلاناً إنما ملكه عبده، لأن الملك يقع للمولى على سبيل الخلافة من عبده حكماً وذلك ليس بشرط حنثه، ثم هذا على قول أبي حنيفة، رحمه الله ظاهر، فإنه

عنده لو وهب لعبد أخيه يملك الرجوع فيه ولم يجعل كهبته لأخيه، فكذاك إذا كسا عبد فلان لا يجعل في حكم الحنث كأنه كسا فلاناً، وهما يقولان في حكم الرجوع: هبته لعبد أخيه كهبته لأخيه باعتبار أن الخصومة في الرجوع تكون مع المولى، وهو قريب له، فرجوعه يؤدي إلى قطيعة الرحم؛ وهنا شرط حنثه نفس الكسوة لا معنى ينبني عليه، وقد وجد ذلك مع العبد دون المولى، ألا ترى أن القبول والرد فيه يعتبر من العبد دون المولى، وعلى هذا البيع، لو حلف لا يبيع من فلان شيئاً فباع من عبده لم يحنث، وهذا في البيع أظهر، لأنه لو باع من وكيل فلان لم يحنث فكيف يحنث إذا باع من عبد فلان، والعبد في الشراء متصرف لنفسه لا لمولاه. ولو حلف لا يبيع هذا الثوب من فلان بثمن فباعه بجارية لم يحنث، لأن الثمن اسم للنقد الذي لا يتعين في العقد ولأن البيع بثمن لا يتناول بيع المقابضة، فإن في بيع المقابضة يكون كل واحد منهما بائعاً من وجه مشترياً من وجه، والبيع بثمن ما يكون بيعاً من كل وجه. ولو حلف لا يبيع هذا الثوب من فلان بثمن فباعه بجارية لم يحنث، لأن الثمن اسم للنقد الذي لا يتعين في العقد ولأ، البيع بثمن لا يتناول بيع المقابضة، فإن في بيع المقابضة يكون كل واحد منهما بائعاً من وجه مشترياً من وجه، والبيع بثمن ما يكون بيعاً من كل وجه. ولو حلف لا يشتري من فلان ثوباً فأمر رجلاً فاشترى له منه لم يحنث، لأن الوكيل بالشراء في حقوق العقد بمنزلة العاقد لنفسه، ألا ترى أنه يستغنى عن إضافة العقد إلى الآمر. قالوا وهذا إذا كان الحالف ممن يباشر الشراء بنفسه، فإن كان ممن لا يباشر ذلك بنفسه فهو حانث في يمينه، لأنه يقصد بيمينه منع نفسه عما يباشره عادةً، وفي اليمين مقصود الحالف معتبر. وحكى أن الرشيد سأل محمداً، رحمه الله، عن هذه المسألة قال: أما أنت فنعم، يعني إذا كان لا يباشر العقد بنفسه، فجعله حانثاً بشراء وكيله له. وإن وهب المحلوف عليه الثوب للحالف على شرط العوض لم يحنث، لأنه ما اشتراه منه فالشراء يوجب الملك بنفسه والهبة بشرط العوض لا توجب الملك إلا بالقبض، ثم في الهبة بشرط العوض إنما يثبت حكم البيع بعد

اتصال القبض به من الجانبين وهو جعل الشرط نفس العقد، وبنفس العقد لا يصير هو مشترياً ولا صاحبه بائعاً منه، فلهذا لم يحنث. قال وسألت أبا يوسف، رحمه الله، عن رجل حلف لا يساكن فلاناً في دار، ولا نية له، فسكن معه في دار كل واحد منهما في مقصورة على حدة؟ قال لا يحنث حتى يكونا في مقصورة واحدة. وفيها قول آخر أنه يحنث- وهو رواية هشام عن محمد رحمهما الله- وهذه ثلاثة فصول: أحدها: أن يسكنا في محلة واحدة كل واحد منهما في دار، هنا لا يحنث بدون النية، لأن المساكنة على ميزان المفاعلة، فتقضي وجود الفعل منهما في مسكن واحد، وكل دار مسكن على حدة فلم يجمعها مسكن واحد. والثاني: أن يسكنا في دار واحدة، وكل واحد منهما في بيت منها، فإنه يكون حانثاً في يمينه لأن جميع هذه الدار مسكن واحد، ويسمى في العرف ساكناً مع صاحبه وإن كان كل واحد منهما في بيت. والثالث: أن يكون في الدار مقاصير، وكل واحد منهما في مقصورة على حدة، فمحمد رحمه الله يقول: هنا الدار مسكن واحد والمقاصير فيها كالبيوت، ألا ترى أنه يتحد المرافق كالمطبخ والمربط، فعرفنا أنه جمعهما في السكنى مسكن واحد. وأبو يوسف رحمه الله يقول كل مقصورة مسكن على حدة، ألا ترى أن السارق من بعض المقاصير لو أخذ في صحن الدار قبل أن يخرج كان عليه القطع، وأن ساكن إحدى المقصورتين لو سرق من المقصورة الأخرى متاع صاحبه كان عليه القطع، فكانت المقاصير في دار بمنزلة الدور في محلة واحدة، بخلاف البيوت، فكل بيت من الدار ليس بمسكن على حدة، ألا ترى أن الكل حرز واحد حتى إن السارق من بيت إذا أخذ في صحن الدار ومعه

متاع لم يقطع، والضيف الذي هو مأذون بالدخول في أحد البيتين إذا سرق من البيت الآخر لم يقطع، فعرفنا أن الكل مسكن واحد هناك. ولو حلف لا يدخل على فلان، ولا نية له فدخل عليه في دار، قال أبو يوسف، رحمه الله: لا يحنث، وجعل الدخول عليه في الدار كالدخول في محلة أو قرية، وإنما الدخول على الغير في العرف بأن يدخل بيتاً هو فيه أو صفة هو فيها على قصد زيارته فما لم يوجد ذلك لا يحنث في يمينه، ومشايخنا رحمهم الله قالوا: في عرف ديارنا يحنث في يمينه، فإن الإنسان كما يجلس في بيته ليزوره الناس يجلس في داره لذلك، فكان ذلك مقصوراً بيمينه. قال وكذلك لو دخل عليه في دهليز لم يحنث في يمينه، ومراده من ذلك دهليز إذا رد الباب يبقى خارجاً، فأما كل موضع إذا رد الباب يبقى داخلاً فإذا دخل عليه في ذلك الموضع ينبغي أن يحنث، لأن الإنسان قد يجلس في ذلك الموضع ليزوره الناس؛ ألا ترى أنه ليس لأحد أن يدخل عليه في ذلك الموضع إلا بإذنه بخلاف الموضع الذي هو خارج الباب فلكل أحد أن يصل إلى ذلك الموضع بغير إذنه، ولو دخل عليه في المسجد لم يحنث، لأن لكل واحد أن يدخل المسجد بدون إذنه، فلم يكن ذلك شرط حنثه ولا يسمى دخولاً عليه في العادة. ولو حلف لا يدخل على فلان منزلاً وحلف الآخر بعد ذلك لا يدخل على الحالف الأول منزلاً فدخلا معاً لم يحنث واحد منهما، لأن كل واحد منهما دخل المنزل ولكن مع صاحبه لا على صاحبه، فالدخول عليه أن يكون قصده عند الدخول لقاءه وإكرامه بالزيارة، وهذا لا يتحقق إذا كان هو معه، فإنه لا يتصور أن يكون كل واحد منها داخلاً على صاحبه في موضع واحد في حالة واحدة، وليس أحدهما بأن يُجعل داخلاً على صاحبه بأولى من الآخر. ولو حلف لا يطأ منزل فلان بقدمه، يعني بذلك لا يضع قدمه على أرض منزله فدخله وعليه خفان أو نعلان أو راكباً لم يحنث، وإن لم يكن له نية

حنث، لأن المراد من هذا اللفظ في العرف دخول منزله، فعند الإطلاق يحمل على ذلك وهو داخل سواء كان راكباً أو ماشياً أو حافياً أو منتعلاً، وإن نوى حقيقة وضع القدم فإنما نوى حقيقة كلامه، لأنه إنما يطأ الشيء بقدمه حقيقة، من غير فاصل بينهما، ولا يحصل ذلك إذا دخلها راكباً أو منتعلاً، ومن نوى حقيقة كلامه عملت نيته. ولو قال لامرأته إن دخلت دار أبيك إلا بإذني فأنت طالق فالحيلة في أن لا يحنث أن يقول لها قد أذنت لك في دخول هذه الدار كلما شئت، فتدخل كلما شاءت ولا يحنث، لأنه جعل الدخول بإذنه مستثنى من يمينه، والإذن بكلمة كلما يتناول مرة بعد مرة ما لم يوجد النهي، فهي في كل مرة إنما تدخل بإذنه إلا أن يمنعها من الدخول، فحينئذٍ إذا دخلت بعد ذلك كان دخولاً بغير إذنه. ولو قال أنت طالق إن خرجت من بيتي ولا نية له فخرجت من البيت إلى الحجرة لم يحنث، لأنها ليست بخارجة من البيت، ألا ترى أن المعتدة لا تمنع من ذلك بقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ... ) ولأن مقصوده من هذا أن لا يراها الناس، وإنما يكون ذلك بالخروج إلى السكة لا بالخروج إلى الحجرة، لأن الحجرة من حرزه لا يدخلها أحد إلا بإذنه بمنزله. ولو حلف لا يدخل على فلان بيته فدخل حجرته لا يحنث، لأنه ما دخل بيته، وهو نظير ما تقدم أنه إذا دخل عليه في دار لم يحنث، قالوا وفي عرف ديارنا يحنث في يمينه، فاسم البيت يتناول الحجر كما يتناول السفل، ألا ترى أن من بات في حجرته إذا قيل له أين بت الليلة يستخبر أن يقول في بيتي. ولو حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جميعاً فأخذ حقه جميعاً إلا درهماً وهبه للمطلوب لم يحنث، لأن شرط حنثه أن يأخذ ما له على فلان متفرقاً، فإنه لما استثنى الأخذ جملة واحدة عرفنا أن المستثنى منه الأخذ متفرقاً، وإذا وهب له البعض أو أبرأه عن البعض فلم يوجد الأخذ متفرقاً فلم يحنث، وإن أخذ جميع حقه فوجد فيه درهماً ستوقاً لم يحنث حتى يستبدله، فإن استبدله

حينئذٍ يحنث، لأن قبل الاستبدال لم يوجد أخذ جميع الحق متفرقاً وإنما الموجود أخذ بعض حقه وليس ذلك شرط حنثه، فأما بعد الاستبدال فقد أخذ جميع الحق متفرقاً وهذا لأن الستوق ليس من جنس الدراهم وبقبضه لا يصير قابضاً لحقه، ولهذا لو يجوز به في الصرف والسلم لم يجز، فحين استبدله فقد وجد الآن قبض ما بقي من حقه، وقد كان قبض بعضه في ابتداء، فعرفنا أنه وجد أخذ جميع الحق متفرقاً حتى لو وجد الكل ستوقاً فاستبدله لم يحنث لأنه ما أخذ حقه متفرقاً. وإن حلف لا يتقاضى فلاناً فلزمه فلم يتقاضه لم يحنث، لأن الملازمة غير التقاضي، فالتقاضي يكون باللسان والملازمة تكون بالبدن، والملازمة غير التقاضي في عرف الناس ومبنى الأيمان على العرف، ولو حلف المطلوب لا يعطيه حقه درهماً دون درهم فأعطاه بعض حقه لم يحنث، لأن الشرط إعطاء جميع حقه متفرقاً، فإن قوله درهماً دون درهم عبارة عن التفرق عادةً، وهو بإعطاء بعض الحق ما أعطاه حقه متفرقاً. ولو حلف الطالب لا يفارقه حتى يستوفي ما له عليه فنام الطالب أو غفل فهرب المطلوب لم يحنث في يمينه، لأنه عقد يمينه على فعل نفسه وهو ما فارق المطلوب، إنما المطلوب فارقه حين هرب منه. ولو حلف لا يفارقه فأمره السلطان أن لا يعرض له وحال بينه وبين لزومه فذهب المطلوب ولم يقدر الطالب على إمساكه لم يحنث، لأن الطالب ما فارقه، وإنما المطلوب هو الذي هرب منه، وفعل غيره لا يكون فعلاً له، ولكن بأمر السلطان عجز من إمساكه وبهذا لا يصير مفارقاً له. ولو قال كل شيء أبايع به فلاناً فهو صدقة ثم بايعه لم يلزمه شيء، لأن البيع يزيل ملكه، فإنما أضاف النذر بالصدقة إلى حال زوال ملكه عما بايع غيره به، والمضاف إلى وقت كالمنشأ في ذلك الوقت، وبعدما زال ملكه بالبيع عن العين لو قال لله عليَّ أن أتصدق بهذا العين لم يصح نذره.

فإن قيل: لماذا لم يجعل هذا اللفظ التزاماً للتصدق بقيمته؟ قلنا: لأنه قال فهو صدقة ولم يقل قيمته صدقة، والملتزم للتصدق بالعين لا يكون ملتزماً للتصدق بالقيمة. ولو حلف المطلوب أن لا يعطي الطالب شيئاً ثم أمر المطلوب رجلاً فأعطاه حنث في يمينه، لأن الحالف هو المعطي فإن الدافع رسول من جهته بالتسليم إلى فلان فيصير المعطي فلاناً، ألا ترى أنه لو دفع صدقته إلى إنسان ليفرقها على المساكين ثم إن الدافع لم يحضر النية عند التصدق جاز إذا وجدت النية ممن عليه التصدق وجعله كأنه هو المعطي، فهذا مثله. فإن حلف أن لا يعطيه من يده إلى يده لم يحنث، لأنه جعل شرط حنثه إعطاء مقيداً بصفة وهو أن يكون بالمناولة، وهذا لأن الإعطاء من يده أتم ما يكون من الإعطاء وهو المباشر للإعطاء فيه حقيقةً وحكماً، وإذا صرح في يمينه بالإعطاء على أتم الوجوه لا يحنث بما دونه، وإذا أطلق اللفظ يعتبر ما هو المقصود، وذلك حاصل سواء أعطاه بيده أو أمر غيره فأعطاه. وإن حلف أن لا يعطيه مما عليه درهماً فما فوقه فأعطاه بحقه كله دنانير وإنما عني الدراهم لم يحنث، لأنه صرح في يمينه بالدراهم ولا بد من اعتبار ما صرح به خصوصاً إذا تأيد ذلك بنيته، ولأن الإنسان قد يمتنع من إعطاء الدراهم ولا يمتنع من إعطاء الدنانير لما له من المقصود في الصرف، والتقييد إذا كان فيه غرض صحيح يجب اعتباره. ولو قال لرجل إن أكلت عندك طعاماً أبداً فهو كله حرام ينوي بذلك اليمين فأكله عنده لم يحنث، لأنه يجعل الحرام ما أكله، وبعدما أكله لا يتصور أن يجعله حراماً، وهذا لأن وصف الشيء بأنه حرام بطريق أنه محل لإيقاع الفعل الحرام فيه وذلك لا يتحقق بعد الأكل، وتحريم حلال إنما يكون يميناً إذا صادف محله؛ فأما إذا لم يصادف محله كان لغواً، ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول إنه بعدما أكله حرام؛ ألا ترى أنه على أي وجه انفصل عنه كان

حراماً فيكون هو صادقاً في كلامه، ولكن هذا ليس بصحيح لأنه كما أن تحريم الحلال يمين فتحريم الحرام يمين حتى إذا قال هذا الخمر علي حرام ونوى به اليمين كان يميناً ... فعرفنا أن الطريق هو الأول وهو أن هذا التحريم لم يصادف محله أصلاً. ولو حلف لا يذوق طعاماً لفلان فأكل طعاماً له ولآخر حنث، لأنه قد ذاق طعام فلان والطعام المشترك بين اثنين لكل واحد منهما جزء منه والذوق يتم بذلك الجزء كالأكل يتم به. ولو ح لف لا يأكل طعام فلان فأكل طعاماً له ولآخر حنث في يمينه، بخلاف ما لو حلف لا يلبس ثوب فلان فلبس ثوباً بينه وبين آخر، أو لا يركب دابة فلان فركب دابة بينه وبين آخر، لأن الجزء الذي هو مملوك لفلان لا يسمى ثوباً ولا دابة، وعلى هذا لو حلف لا يأكل لقمة لفلان فأكل طعاماً بينه وبين آخر لم يحنث، لأن كل لقمة مشتركة بينه وبين فلان، وإنما جعل شرط حنثه أكل لقمة فلان خاصة ولم يوجد ذلك. ولو حلف لا يشرب الشراب ولا نية له فهذا على الخمر، فإن شرب غيرها لم يحنث، يعني غيرها مما لا يسكر، فأما ما يشرب للسكر والتلهي به إذا شرب شيئاً منه كان حانثاً، لأن الشراب في الناس إذا أطلق يراد به المسكر، والإنسان إنما يمتنع من ذلك بيمينه للتحرز عن السُّكر فيتناول مطلق لفظه ما يسكر؛ ويسقط اعتبار حقيقة لفظه بالاتفاق حتى لا يحنث بشرب الماء واللبن وهو شراب، فالشراب حقيقة ما يشرب. ولو حلف لا يركب حراماً فشرب خمراً لم يحنث إ لا أن ينويه، لأن المراد بهذا اللفظ الفجور عند الإطلاق، فتنصرف يمينه إليه إلا أن ينوي غيره. فالحاصل أن دليل العرف يغلب على حقيقة اللفظ في باب الأيمان. ولهذا لو حلف لا يشتري بنفسجاً ينصرف إلى دهن البنفسج دون الورق،

باب في البيع والشراء

والبنفسج للورق حقيقة، فعرفنا أن العرف يعتبر في باب الأيمان فإن مطلق اللفظ يتقيد بمقصود الحالف. ولو قال لامرأته إذ أمسيت قبل أن أطعم فأنت طالق، ولا نية له، قال إن غربت الشمس ولم يطعم حنث، لأن المراد بهذا اللفظ دخول الليل وذلك بغروب الشمس، فإن الإمساء من قبل الإصباح، فإنما يقول الرجل لآخر كيف أصبحت في أول النهار وكيف أمسيت في آخر النهار عند غروب الشمس، ألا ترى أن الصائم يحرم عليه الطعام والشراب من الصباح إلى المساء وينتهي ذلك بغروب الشمس، فإذا غربت الشمس ولم يطعم فقد أمسى قبل أن يطعم فيحنث في يمينه. ولو حلف لا يأكل هذا الجمل فكبر حتى صار مسناً فأكله حنث. وقد بينا في الأيمان من الجامع وغيره أن في الحيوان العين لا يتبدل بتبدل الوصف، ولهذا لو حلف لا يكلم هذا الصبي فكلمه بعد ما شاب، أو لا يكلم هذا الشاب فصار شيخاً حنث، بخلاف ما لو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمراً لم يحنث، فهذه المسألة تنبني على ذلك الأصل. باب في البيع والشراء امرأة حامل تريد أن تهب مهرها لزوجها على أنها إن ماتت في نفاسها كان الزوج بريئاً من المهر، وإن سلمت عاد المهر على زوجها، فإنه ينبغي لها أن تشتري من الزوج ثوباً لم تره بأن كان في منديل فتشتريه بجميع مهرها أو نصفه، فإن ماتت في نفاسها برئ الزوج، وإن سلمت من علتها ردت الثوب بخيار الرؤية وعاد المهر على زوجها، وهذا يستقيم إذا بقي الثوب على حاله لأن الرد بخيار الرؤية غير موقت، وبه ينفسخ العقد من الأصل، فيعود المهر عليه كما كان، ولكن الثوب قد يتعيب عندها أو يهلك فيتعذر رده، فالسبيل أن تشتري الثوب وتشهد على ذلك نم غير أن تقبضه من الزوج، حتى لا يتعذر عليها الرد إذا سلمت بوجه من الوجوه.

رجل أمر رجلاً أن يشتري داراً بألف درهم وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر منه بألف ومائة، فخاف المأمور إن اشتراها أن يبدو للآمر [في] شرائها؟ قال يشتري الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيها ويقبضها ثم يأتيه الآمر فيقول له قد أخذتها منك بألف ومائة فيقول المأمور هي لك بذلك. وقوله "يقبضها" على أصل محمد، رحمه الله، فأما عند أبي حنيفة وأبي يوسف، رحمهما الله، لا حاجة إلى هذا الشرط لجواز التصرف في العقار قبل القبض عندهما، والمشتري بشرط الخيار يتمكن من التصرف في المشتري بالاتفاق، وإن اختلفوا أنه هل ملكه مع شرط الخيار أم لا، فإنما قال: الآمر يبدأ فيقول أخذتها منك بألف ومائة لأن المأمور لو بدأ فقال بعتها منك ربما لا يرغب في شرائها ويسقط خيار المأمور بذلك، فكان الاحتياط في أن يبدأ الآمر حتى إذا قال المأمور هي لك بذلك تم البيع بينهما، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار فيندفع الضرر عنه بذلك. رجل حلف بعتق كل مملوك يملكه إلى ثلاثين سنة وعليه كفارة ظهار فأراد أن يعتق ويجوز عن ظهاره؟ قال يقول لرجل أعتق عبدك عني على ألف درهم فإذا فعل ذلك جاز ذلك عنه، لأن الملك هنا وإن كان يثبت للآمر فإنما يثبت ذلك في حكم تصحيح العتق عنه لأنه ثابت بطريق الإضمار، والمقصود بالإضمار تصحيح الكلام، ففيما يرجع إلى تصحيح الكلام يظهر حكم المضمر ولا يظهر فيها وراء ذلك، فلا يصير شرط الحنث في اليمين الأولى موجوداً بهذا اللفظ، فيقع العتق عن الظهار كما أوجبه بالكلام الثاني. وهذه المسألة تصير رواية في فصل وهو أن من قال لعبد الغير إن ملكتك فأنت حر، ثم قال إن ملكتك فأنت حر عن ظهاري، ثم اشتراه لا يجزئه عن الظهار لأن عتقه عند دخوله في ملكه صار مستحقاً بالكلام الأول على وجه لا يملك إبطاله ولا يملك إبداله بغيره، فعند دخوله في ملكه إنما يعتق بالكلام الأول ولم يقترن به نية الظهار، ألا ترى أنه تكلف في هذا الفصل فقال يقول

الرجل أعتق عبدك عني على كذا، ولو كان هو يمكنه إعتاقه عن ظهاره لقال إنه يقول لهذا المملوك إن ملكتك فأنت حر عن ظهاري ثم يشتريه، فلما لم يذكر هكذا عرفنا أن الصحيح في تلك المسألة أنه يعتق عند دخوله في ملكه بالإيجاب الأول خاصة. امرأة طلقها زوجها ولها عليه دين بغير بينة فحلف ما لها عليه حق فأرادت أن تأخذ منه وأنكرت أن تكون عدتها قد انقضت تريد بذلك أن تأخذ منه نفقة بقدر دينها قال يسعها ذلك، لأنها لو ظفرت بجنس حقها كان لها أن تأخذه بغير علمه، فكذلك إذا تمكنت من الأخذ بهذا الطريق، وهذا لأن الزوج وإن كان يعطيها بطريق نفقة العدة فهي إنما تستوفي بحساب دينها، ولها حق استيفاء مال الزوج بحساب دينها على أي وجه كان منه، وإن حلفها القاضي على انقضاء عدتها فحلفت تعني به شيئاً غير ذلك وسعها. وقد بينا أنها متى كانت مظلومة تعتبر نيتها، فإذا حلفت ما انقضت عدتي تعني عدة عمرها وسعها ذلك. ولو أن رجلاً أراد أن يدفع مالاً مضاربة إلى رجل وأراد أن يكون المضارب ضامناً له فالحيلة في ذلك أن يقرضه رب المال المال إلا درهماً، ثم يشاركه بذلك الدرهم فيما أقرضه، على أن يعملا فما رزقهما الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما عليّ كذا. وهذا صحيح لأن المستقرض بالقبض يصير ضامناً للمستقرض متملكاً، ثم الشركة بينهما مع التفاوت في رأس المال صحيح، فالربح بينهما على الشرط، على ما قال علي رضي الله عنه الربح على ما أشرطا والوضعية على المال، ويستوي إن عملا جميعاً أو عمل به أحدهما فربح، فإن الربح يكون بينهما على هذا الشرط، وإن شاء أقرض المال كله للمضارب ثم يدفعه المستقرض إلى المقرض مضاربة بالنصف، ثم يدفعه المقرض إلى المستقرض بضاعة، فيجوز ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، رحمهما الله، لأن دفعه إلى صاحب

المال بضاعة كدفعه إلى أجنبي آخر، وفي قول محمد، رحمه الله: الربح كله للعامل هنا، لأن العامل صاحب المال وهو في عمله في ملكه لا يصلح أن يكون نائباً عن غير. وقد تقدم بيان هذه المسألة في كتاب المضاربة، فهذه الحيلة على أصل أبي حنيفة وأبي يوسف، رحمهما الله، خاصةً، فالمال كله صار مضموناً عليه بالقبض على جهة القرض، ثم هو العامل في المال والربح على شرط المضاربة، فأما عند محمد، رحمه الله، فالحيلة هي الأولى. قال وسألت أبا يوسف رحمه الله عن الرجل يشتري داراً بألف درهم فخاف أن يأخذها جارها بالشفعة فاشتراها بألف دينار من صاحبها ثم أعطاه بالألف دينار ألف درهم؟ قال هو جائز، لأن هذه مصارفة بالثمن قبل القبض، وذلك جائز لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: يا رسول الله، عليك السلام، إني أبيع الإبل بالبقيع، وربما أبيعها بالدراهم وآخذ مكانها دنانير، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل". فإن حلفه القاضي ما دالست ولا والست فحلف كان صادقاً، لأن هذه عبارة عن الغرور والخيانة ولم يفعل شيئاً من ذلك. وإن أحب أن لا يكون عليه يمين اشتراها كذلك لولده الصغير، فلا يكون عليه يمين في ذلك، لأن الاستحلاف لرجاء النكول أو الإقرار، وهو لو أقر بذلك لم يصح إقراره في حق الصغير، فإن لم يكن له ولد صغير فالسبيل أن يأمره بعض أصدقائه أن يشتريها له ذلك ويشهد على الوكالة ويجعله جائز الأمر في ذلك، فإن اشتراها لم يكن بين الشفيع والمشتري في ذلك خصومة في قول محمد، رحمه الله، وفي قول أبي يوسف ما دامت في يده فهو خصم للشفيع إلا أن يشهد على تسليمها إلى الآمر ثم يودعها الآمر منه أو يعيرها. رجل أحب أن يشتري داراً بعشرة آلاف درهم، فإن أخذها الشفيع أخذها بعشرين ألفاً، وإن استحقت الدار لم يرجع على البائع إلا بعشرة آلاف؟ قال

يشتريها بعشرين ألفاً وينقده تسعة آلاف وتسعين درهماً وديناراً بما بقي من الثمن، فإن رغب فيها الشفيع أخذها بعشرين ألفاً، وإن استحقت يرجع على البائع بما دفع إليه لأنها لما استحقت بطل عقد الصرف لوجود الافتراق قبل قبض أحد البدلين ولا يرجع إلا بما أدى، وقبل الاستحقاق الصرف صحيح فلا يأخذ الشفيع الدار إلا بعشرين ألفاً، ولو أعطاه بالباقي مكان الدينار ثوباً أو متاعاً رجع عند الاستحقاق بعشرين ألفاً، لأن استحقاق الدار لا يبطل البيع في الثوب والمتاع فيكون قابضاً منه عشرين ألفاً، فيلزمه رد ذلك عند استحقاق الدار، فأما عقد الصرف فيبطل باستحقاق الدار فلا يلزمه إلا رد المقبوض، فلو لم تستحق ووجد بالدار عيباً ردها بعشرين ألفاً في جميع ذلك، لأن بالرد بالعيب لا يتبين أن الثمن لم يكن واجباً قبل القبض. وقد بينا في كتاب الشفعة وجوه الحيل لإبطال الشفعة، أو لتقليل رغبة الشفيع في الأخذ، وذلك لا بأس به قبل وجوب الشفعة عند أبي يوسف، رحمه الله، وعند محمد، رحمه الله، هو مكروه أشد الكراهة لأن الشفعة مشروعة لدفع الضرر عن الشفيع، فالذي يحتال لإسقاطه بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير وذلك مكروه، وأبو يوسف، رحمه الله، يقول إنه يمتنع من الالتزام هذا الحق مخافة أن لا يمكنه الخروج منه إذا التزمه، وذلك لا يكون مكروهاً كمن امتنع من جمع المال كيلا يلزمه نفقة الأقارب والحج، فهذا دفع الضرر عن نفسه لا الإضرار بالغير، لأن في الحجر عليه عن التصرف أو تملك الدار عليه بغير رضاه إضرار به وهو إنما قصد دفع هذا الضرر، وعلى هذا الخلاف الحيلة لمنع وجوب الزكاة، واستدل أبو يوسف، رحمه الله، على ذلك في الأمالي، قال أرأيت لو كان لرجل مائتا درهم، فلما كان قبل الحول بيوم تصدق بدرهم منها، أكان هذا مكروهاً، وإنما تصدق بالدرهم حتى يتم الحول وليس في ملكه نصاب، فلا يلزمه الزكاة، وأحد لا يقول بأن هذا يكون مكروهاً أو يكون هو فيه آثماً.

باب الاستحلاف

قال وإذا اشترى الرجل داراً لغيره وكتب في الصك: ونقد فلان فلاناً الثمن كله من مال فلان الآمر فللبائع أن لا يرضى بهذا لما فيه من الضرر عليه، فربما يجيء الآمر فيقول قد أخذت مالي وأقررت بذلك حين أشهدت على الصك ولم آمر فلاناً بالشراء لي فيسترد ماله ولا يقدر هو على المشتري ليطالبه بثمن الدار، وإن لم يكتب هذا ففيه نوع ضرر على الآمر وهو أن يأخذ المشتري الآمر بالمال ويقول نقدت الثمن من مالي، فالحيلة أن يكتب وقد نقد فلان فلاناً الثمن ولا يكتب من مال من هو، فإذا ختم الشهود كانت شهادتهم على البيع وقبض الثمن فقط، ثم يقر المشتري بعد ذلك أن ما نقده من الثمن إنما هو من مال الآمر فيكون إقراره حجة عليه للآمر فيندفع الضرر عنهما، والله أعلم. باب الاستحلاف وإذا أراد الرجل أن يغيب فقالت له امرأته كل جارية تشتريها فهي حرة حتى ترجع إلى الكوفة، ومن رأيه أن يشتري جارية كيف يصنع؟ قال إذا حلفته بهذه الصفة يقول نعم، فيريها بهذه الكلمة أنه حلف على الوجه الذي طلبت وهو يعني نعم بني تغلب أو غيره من أحياء العرب، أو ينوي بقلبه واحد الأنعام، فإنه يقال نعم، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، قال الله تعالى: (والأنعام خلقها لكم ... ) الآية؛ فإذا عني هذا لم يكن حالفاً، فإن أبت إلا أن يكون الزوج هو الذي يقول كل جارية أشتريها فهي حرة، قال فليفعل ذلك وليعن بذلك على سفينة جارية، قال الله تعالى: (وله الجوار المنشئات في البحر كالأعلام) والمراد السفن، فإذا عني ذلك عملت نيته لأنها ظالمة له في هذا الاستحلاف، ونية المظلوم فيما يحلف عليه معتبرة. وإن حلفته بطلاق كل امرأة يتزوجها عليها فليقل كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق، وهو ينوي بذلك كل امرأة أتزوجها على رقبتك، فتعمل نيته في

ذلك لأنه نوى حقيقة كلامه، ولا يحنث إذا تزوج على غير رقبتها، فإن كان عني أن لا أتزوج على طلاقك فهذه النية تعمل فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يحنث إذا تزوج امرأة أخرى، وكذلك إن عني بقوله فهي طالق من الوثاق، فنيته صحيحة فيما بينه وبين الله تعالى. وإن قال كل امرأة أتزوجها فأطؤها فهي طالق، وعني الوطء بقدمه فهو يدين فيما بينه وبين ربه، لأن المنوي من محتملات لفظه. وقال بعض مشايخنا، رحمهم الله: ينبغي أن يدين في هذا الموضع في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه، فالوطء يكون بالقدم حقيقة، إلا أنا نقول الوطء متى أضيف إلى النساء فهو حقيقة في الجماع دون الوطء بالقدم، وإنما يراد الوطء بالقدم إذا ذكر مطلقاً غير مضاف إلى النساء، فلهذا لا يدين هنا في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى. رجل اتهم جارية أنها سرقت له مالاً فقال أنت حرة إن لم تصدقيني، وخاف المولى أن لا تصدقه فتعتق، ما الحيلة فيه؟ قال تقول الجارية قد سرقته، ثم تقول بعد ذلك لم أسرقه، فيتيقن أنها صدقته في أحد الكلامين ولا تعتق. وإن قال لامرأته أنت طالق إن بدأتك بالكلام، وقالت له المرأة بعد ذلك وإن ابتدأتك بالكلام فجاريتي حرة، فالحيلة فيه أن يبدأ الزوج بالكلام، لأن المرأة قد كلمته بعد كلامه حين خاطبته بيمينها، فلا يكون الزوج مبتدئاً لها بالكلام بعد يمينه، وإن كانت اليمين منهما جميعاً فالحيلة فيه أن يكلم كل واحد منهما صاحبه معاً على ما ذكره في الجامع. إذا حلف رجلان فقال كل واحد منهما لصاحبه إن ابتدأتك بالكلام ... فالتقيا وسلم كل واحد منهما على صاحبه معاً لم يحنث كل واحد منهما في يمينه، لأن المبتدئ بالشيء من يسبق غيره بذلك الشيء، فإذا اقترن كلامه بكلام صاحبه لم يكن مبتدئاً.

رجل قال والله إني لأجلس فما أقوم حتى أُقام، يعني حتى يقويني الله على ذلك فيقيمني، لا يحنث وهو صادق في يمينه، لأن المذهب عند أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد مخلوق الله تعالى، قال الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) فلا يقوم أحد ما لم يقمه الله تعالى، وقيل في قوله عز وجل: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ... ) أن المراد هذا، وهو أن العبد لا يستغني في شيء من أقواله وحركاته عن الله تعالى، وهو نظير ما قال في كتاب الأيمان في الجامع الصغير إذا حلف ليأتينه غداً إلا أن لا يستطيع، وهو يعني بذلك القضاء والقدر، فإنه تعمل نيته ولا يكون حانثاً في يمينه بحال. ولو قال لأمته أنت حرة إن ذقت طعاماً حتى أضربك فأبِقت الأمة فالحيلة أن يهبها لولده الصغير ثم يتناول الطعام فلا يحنث في يمينه، لأنه صار قابضاً لولده بنفس الهبة، فإنما يوجد الشرط وهي ليست في ملكه فلا تعتق. قال وسئل أبو حنيفة رحمه الله عن امرأة قالت لزوجها اخلعني فقال أنت طالق ثلاثاً إن سألتيني الخلع إن لم أخلعك، فقالت المرأة جاريتي حرة إن لم أسألك ذلك قبل الليل؛ وجاءا إلى أبي حنيفة، رحمه الله، فقال أبو حنيفة، رحمه الله: سليه الخلع، فقالت لزوجها أسألك أن تخلعني، فقال أبو حنيفة، رحمه الله، لزوجها: قل قد خلعتك على ألف درهم تعطيها لي، فقال لها الزوج ذلك، فقال أبو حنيفة لها قولي: لا أقبله فقالت لا أقبله، فقال أبو حنيفة، رحمه الله: قوماً فقد بر كل واحد منكما في يمينه، لأن شرط برها في اليمين أن تسأله الخلع وقد سألته، وشرط بر الزوج أن يخلعها بعد سؤالها، وقد فعل، فإنما عقد يمينه على فعل نفسه خاصة وقد وُجد ذلك منه فلم يقع عليها شيء حين ردت الخلع. وهذه المسألة تصير رواية فيما إذا قالت المرأة لزوجها اخلعني فقال الزوج خلعتك على كذا أنه لا يقع الفرقة ما لم تقل المرأة قبلت، بخلاف ما إذا قالت اخلعني على كذا فقال قد فعلت، فإنه لا يقع الفرقة لأنها إذا لم تذكر البدل

كان كلامه سؤالاً للخلع لا أحد شطري العقد فلا بد من الإيجاب والقبول بعده، وإذا ذكرت البدل كان كلامها أحد شطري العقد كما في النكاح قوله زوجني نفسك أحد شطري العقد، إلا أن في النكاح لا فرق بين أن يذكر البدل وبين أن لا يذكر، فإن وجوب المهر يستغني عن التسمية هناك ولا يعتمد الرضى، ووجوب البدل في الخلع لا يكون إلا باعتبار التسمية، وباعتبار تمام الرضى، فلهذا فرقنا بين ما إذا ذكرت البدل وبين ما إذا لم تذكر. وذكر الخصاف، رحمه الله، في كتاب الحيل نظير هذه الحكاية فقال: إن بعض من كان يتأذى منه أبو حنيفة، رحمه الله، جرى بينه وبين زوجته كلام فامتنعت من جوابه، فقال إن لم تكلميني الليلة فأنت طالق فسكتت وامتنعت عن كلامه، فخاف أن يقع الطلاق إذا طلع الفجر فطاف على العلماء رحمهم الله في الليل فلم يجد عندهم في ذلك حيلة، فجاء إلى أبي حنيفة، رحمه الله، وذكر له ذلك فقال: هلا أتيت أستاذك فجعل يعتذر إليه ويقول لا فرج لي إلا من قبلك، فذكر أنه قال له اذهب فقل للذين حولها من أقاربها دعوها فماذا أصنع بكلامها، فإنها أهون عليَّ من التراب، وأسمعها من هذا بما تقدر، فجاء وقال ذلك حتى ضجرت، وقالت بل أنت كذا وكذا، فصارت مكلمة له قبل طلوع الفجر وخرج من يمينه. وهذه الحكاية أوردها في مناقب أبي حنيفة، رحمه الله، وقال إنه قال للرجل ارجع إلى بيتك حتى آتي بيتك فأتشفع لك، فرجع الرجل إلى بيته، وجاء أبو حنيفة، رحمه الله، في إثره وصعد مئذنة محلته وأذنت فظنت المرأة أن الفجر قد طلع فقالت الحمد لله الذي نجاني منك، فجاء أبو حنيفة، رحمه الله، إلى الباب وقال قد برت يمينك، وأنا الذي أذنت أذان بلال رضي الله عنه في نصف الليل. قال وسئل أبو حنيفة عن أخوين تزوجا أختين فزفت امرأة كل واحد منهما إلى زوج أختها فلم يعلموا بذلك حتى أصبحوا، فذكر ذلك لأني حنيفة، رحمه

الله، فقال ليطلق كل واحد منهما امرأته تطليقة ثم يتزوج كل واحد منهما المرأة التي دخل بها. وفي مناقب أبي حنيفة رحمه الله ذكر لهذه المسألة حكاية أنها وقعت لبعض الأشراف بالكوفة، وكان قد جمع الفقهاء، رحمهم الله، لوليمته، وفيهم أبو حنيفة، رحمه الله، وكان في عداد الشبان يومئذٍ، فكانوا جالسين على المائدة إذ سمعوا ولولة النساء فقيل ماذا أصابهن فذكروا أنهم غلطوا فأدخلوا امرأة كل واحد منهما على صاحبه ودخل كل واحد منهما بالتي أدخلت عليه، فقالوا إن العلماء على مائدتكم فسلوهم عن ذلك فسألوا، فقال سفيان الثوري، رحمه الله: فيها قضى علي رضي الله عنه: على كل واحد من الزوجين المهر، وعلى كل واحدة منها العدة، فإذا انقضت عدتها دخل بها زوجها، وأبو حنيفة، رحمه الله، ينكت بأصبعه على طرف المائدة كالمفكر في شيء، فقال له من إلى جنبه: أبرز ما عندك، هل عندك شيء آخر، فغضب سفيان، رحمه الله، فقال ماذا يكون عنده بعد قضاء علي رضي الله عنه، يعني في الوطء بالشبهة، فقال أبو حنيفة، رحمه الله: عليَّ بالزوجين، فأُتِي بهما، فسأل كل واحد منهما أنه هل تعجبك المرأة التي دخلت بها؟ قال نعم، ثم قال لكل واحد منهما طلق امرأتك تطليقة، فطلقها، ثم زوَّج من كل واحد منهما المرأة التي دخل بها وقال قوماً إلى أهلكما على بركة الله تعالى، فقال سفيان، رحمه الله: ما هذا الذي صنعت؟ فقال أحسن الوجوه وأقربها إلى الألفة وأبعدها عن العداوة، أرأيت لو صبر كل واحد منهما حتى تنقضي العدة أما كان يبقى في قلب كل واحد منهما شيء بدخول أخيه بزوجته، ولكني أمرت كل واحد منهما حتى يطلق زوجته ولم يكن بينه وبين زوجته دخول ولا خلوة ولا عدة عليها من الطلاق، ثم زوجت كل امرأة ممن وطئها وهي معتدة منه وعدته لا تمنع نكاحه، وقام كل واحد منهما مع زوجته وليس في قلب كل واحد منهما شيء، فعجبوا من فطنة أبي حنيفة، رحمه الله، وحسن تأمله. وفي هذه الحكاية بيان فقه هذه المسألة التي ختم بها الكتاب، والله أعلم.

§1/1