المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل

مجد الدين بن تيمية

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين قال الشيخ الإمام العالم العلامة السيد الحبر الكامل شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني رحمه الله. الحمد لله مولى النعم الباطنة والظاهرة وصلى الله على محمد خاتم الرسل وصاحب المعجزات الباهرة وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة وسلم تسليما. أما بعد فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه. هذبته مختصرا ورتبته محررا حاويا لأكثر أصول المسائل خاليا من العلل والدلائل واجتهدت في إيجاز لفظه تيسيرا على طلاب حفظه ونسأل الله النفع به في الأولى والأخرى وأن يوفقنا لصواب القول والعمل ويحرسنا من أسباب الخطأ والزلل إنه سميع مجيب.

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة باب المياه الماء المطهر من الأحداث والأنجاس هو المطلق الباقي على أصل خلقته فإن خالطه طاهر يمكن صونه عنه فغيره زالت طهوريته وعنه لا تزول إلا أن يطبخ فيه أو يغلب على أجزائه واختار الخرقي العفو عن يسير الرائحة خاصة فإن غيره مالا يمازجه كالدهن وقطع الكافور فعلى وجهين ولا بأس بما تغير بمقره أو بملح مائي يكون كطحلب وورق الشجر ونحوهما مما يشق صونه عنه فإن وضعا فيه قصدا زال تطهيره ولا يكره المشمس ولا المسخن بطاهر إلا إذا اشتد حره وفي كراهية المسخن بالنجاسة روايتان. فإذا استعمل مادون القلتين في رفع حدث فهو طاهر غير مطهر وعنه أنه مطهر وعنه أنه نجس. فأما المستعمل في طهر مستحب وكماء غمس قائم من نوم الليل يده فيه قبل غسلها ثلاثا فمطهر وعنه ليس بمطهر ولا يرتفع حدث الرجل بماء خلت بالطهارة منه امرأة وعنه ترتفع وله إزالة النجاسة به في أصح الوجهين. وإذا لاقت نجاسة قلتي ماء فصاعدا ولم تغيره لم ينجس وعنه ينجس بالبول والعذرة الرطبة من الآدمي خاصة إلا ما يشق نزحه لكثرته وما دون القلتين ينجس بملاقاة النجاسة وعنه لا ينجس حتى يتغير كالقلتين وهما خمسمائة رطل بالعراقي تقريبا وقيل: عنه تحديدا وعنه أنهما أربعمائة وما نجس بالتغير لم يطهر إلا بزواله إما بنفسه أو بإضافة قلتين إليه أو بنزح يبقى بعده

قلتان ولا يطهر مادون القلتين إلا بإضافة قلتين إليه مع زوال تغيره ويتخرج التطهير بإضافة مادون القلتين فيهما.

_ كتاب الطهارة قوله في المحرر: "ويتخرج التطهير بإضافة ما دون القلتين فيهما" يعنى إذا كان الماء النجس قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم لما حال1 وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد رحمه الله أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها وذكر في الكافي تخريج طهارة قلة نجسة إلى مثلها.

_ قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر. ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها الانفصال. وقولهم "ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى" إن أرادوا:

_ لا يدفعها عن نفسه فيما إذا كانت واردة عليه فمسلم وعليه يدل خبر القلتين لكن لا يحصل المقصود وإن أرادوا مطلقا فممنوع ولا يقولون به وحمل كلام صاحب المحرر على هذا أو ما أشبهه أولى لكن يستبعد هذا من جهة أني لم أجد أحدا ذكره فينبغي أن يتأمل هذا وينظر هل قال به أحد أم لا فإن كان قد قيل به فقد لا يبعد حمل كلامه عليه وإن كان هو لم يصرح به. فإن أضيف إلى الماء النجس غير الماء فهل يطهره كلام الأصحاب فيه مشهور وسيأتي كلامه في المحرر في الماء وأنه الذي يطهر الماء النجس لا غيره وأظن أنه لم يحك في إضافة غيره خلافا في شرح الهداية في أنه لا يطهر وهذا ظاهر كلام جماعة من الأصحاب كابن عقيل وهذا متوجه فيما إذا كان الماء النجس قليلا أما إذا كان كثيرا فلا فرق إذا كان لا يستر النجاسة ولا يغير رائحتها وقطع في المستوعب بأن غير الماء لا يطهر الماء النجس.

وإذا تنجست الأرض بولوغ أو غيره فعمت بالماء مرة ولم يبق للنجاسة أثر فالماء والأرض طاهران وإن لم ينفصل الماء ولا يطهر غير الأرض إلا بشرط الانفصال ويكون المنفصل في حال صهارة المحل طاهرا وفي طهوريته وجهان [أحدهما: أن طاهريته إن كان واردا فإن كان متغيرا فهو نجس وإن كان غير متغير فهو طاهر] وقيل: إنه نجس. ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها.

_ قوله: "ومن خفي عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها" أطلق العبارة كغيره ومراده في غير الصحراء قطع بذلك الأصحاب وعن أحمد ما يدل على التحري في غير الصحراء قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المذي يصيب الثوب ولا يعلم مكانه قال إن علم بمكانه غسله وإن أشكل عليه ذلك نضح المكان الذي يظن أنه أصابه أما الصحراء فلا يمكن حفظها

ولا تطهر النجاسة بشمس ولا ريح ولا استحالة إلا الخمرة المنقلبة بنفسها فإن خللت لم تطهر وقيل: إن خللت بنقلها من الشمس إلى الفيء أو بالعكس طهرت وإن خللت بما يلقى فيها لم تطهر. ويطهر بول الغلام الذي لم يأكل الطعام بنضحه ومني الآدمي طاهر وعنه أنه نجس يجزئ فركه من الرجل دون المرأة والمذي نجس وهل يطهر بالنضح؟ على روايتين [إحداهما: لا يطهر إلا بغسله سبع مرات] وعنه أنه طاهر كالمني. وبلغم المعدة ورطوبة فرج المرأة وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه: طاهر. وعنه النجاسة في الجميع ودم السمك طاهر1. وفي دم البق والبراغيث والقمل والذباب ونحوه: روايتان [إحداهما: أنه طاهر] . وما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب لا ينجس بالموت وفي نجاسة الآدمي بالموت [وأطرافه بالانفصال روايتان إحداهما: لا ينجس إلا شيء من أطرافه وهو المذهب] . وعظم الميتة وقرنها وظفرها نجس ويحتمل الطهارة وصوفها وشعرها وريشها طاهر وعنه ما يدل على نجاسته ولبنها وأنفحتها نجس وعنه طاهر ولا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بالذكاة ولا جلود الميتة بالدباغ وعنه يطهر منها بالدباغ ما نجس بالموت.

وما لا يؤكل لحمه من جوارح الطير والبهائم نجس سؤره وعرقه وشعره إلا الهرة وما دونها في الخلقة وعنه أنه طاهر ما عدا الكلب والخنزير. ولا يعفى عن يسير كل نجاسة إلا الدم والقيح وأثر الاستجمار وبول ما يؤكل لحمه وروثه إن قلنا بنجاستهما فأما المني والمذي وعرق غير المأكول سوى الكلب والخنزير وريقه إذا قلنا بنجاستها والنبيذ وبول الخفاش فهل يعفى عن يسيرها على روايتين [إحداهما: لا يعفى عن يسيرها وهو المذهب] . ويجب غسل نجاسة أسفل الخف والحذاء وعنه يعفى عنها إذا دلكت بالأرض وقال ابن حامد تطهر بالدلك.

باب تطهير موارد الأنجاس

باب تطهير موارد الأنجاس إذا أصابت نجاسة الكلب أو الخنزير غير الأرض وجب غسله سبعا واحدة بتراب وهل يقوم الأشنان ونحوه أو الغسلة الثامنة؟ على وجهين1. فأما بقية النجاسات فعنه تغسل سبعا وفي استيراد التراب وجهان وعنه: تغسل ثلاثا وعنه لا يحسب العدد.

_ 1- بهامش الأصل: أحدهما: يقوم الأشنان ونحوه مقامة. ولا تقوم الغسلة الثامنة مقامة وهو المذهب.

باب الآنية

باب الآنية يحرم اتخاذ آنية الذهب والفضة واستعمالها وعنه يجوز اتخاذها وفي صحة الطهارة منها [وجهان أحدهما: تصح وهو المذهب] وكل إناء طاهر من غيرهما فمباح وإن كان ثمينا وما ضبب بذهب أو فضة فحرام إلا يسيرة الفضة لحاجة كشعبة قدح ونحوها فأما يسيرها لغير حاجة فعلى وجهين أحدهما لغير الحاجة حرام وهو المذهب. ولا بأس باستعمال آنية الكفار وثيابهم ما لم يتيقن نجاستها وعنه الكراهة وعنه المنع فيما ولي عوراتهم كالسراويل ونحوها حتى يغسل دون ما علا وعنه المنع في الأواني والثياب ممن لا تباح ذبيحته كالمجوس ونحوهم ولا يؤكل من طعامهم إلا الفاكهة ونحوها. وإذا اشتبه طهور بنجس تيمم ولم يتحر وهل يلزمه إعدام الطهور بخلط أو إراقة أم لا على روايتين [إحداهما: لا يلزمه وهو المذهب] وقيل: يتحرى إذا كانت أواني الطهور أكثر وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ بكل واحد منهما ثم صلى.

_ كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا الإطلاق. ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير حاجة وإن كان1 وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه بالنية. وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر.

باب الاستطابة والحدث

باب الاستطابة والحدث يحرم استقبال القبلة واستدبارها عند التخلي في الفضاء دون البنيان وعنه المنع فيهما ويقدم رجله اليسرى في دخوله الخلاء ويقول بسم الله أعوذ بالله

من الخبث والخبائث ولا يصحبه ما فيه اسم الله إلا من عذر ويعتمد على رجله اليسرى ولا يتكلم ولا يمكث فوق الحاجة فإذا فرغ مسح ذكره ونثره ثلاثا فإذا خرج قدم رجله اليمنى ثم قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ويبعد في الفضاء ويستتر ويطلب مكانا رخوا ولا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يبول في شق ولا سرب،

_ ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم. قوله: "ولا يمكث فوق الحاجة" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة الكراهة أو التحريم. قوله: "ولا يستقبل الشمس ولا القمر" كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولكن شرقوا أو غربوا " يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم. قوله: "ولا يبول في شق ولا سرب" كذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في النهاية وفي الرعاية.

ولا طريق ولا ظل نافع ولا تحت شجرة مثمرة ثم يتحول للاستنجاء وهو واجب لكل نجاسة تخرج من السبيل فإن تعدت مخرجها لم يجزه إلا الماء وإن لم تتعده أجزأه الاستجمار بالحجر والماء أولى منه وجمعهما أفضل. ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق كالخرق ونحوها إلا الروث والعظام وماله حرمة ولا بد من ثلاث مسحات وإن أنقى بدونها لم يجزئه فإن لم ينق بها زاد حتى ينقى والحجر الذي له ثلاث شعب بمنزلة الثلاثة وعنه بمنزلة الواحد. ويكره الاستجمار باليمين ويجزئ فإن استعان بها في الماء ولم يمس فرجه لم يكره ويصح الوضوء قبل الاستنجاء وعنه لا يصح وعليهما يخرج التيمم وقيل: لا يصح التيمم وجها واحدا.

_ قوله: "ولا طريق ولا ظل نافع" كذا ذكر جماعة وشرط غير واحد في الطريق أن يكون مأتيا ولم يقيد غير واحد الظل بالنفع وصرح في المبهج والكافي والشرح للمقنع وغيرها بالكراهة وصرح في المغنى بالتحريم وقطع به ابن تميم. قوله: "ولا تحت شجرة مثمرة" كذا ذكر جماعة وصرح جماعة بالكراهة وصرح ابن تميم بالتحريم وقطع في المستوعب والنهاية بأنه لا يبول تحت شجرة مثمرة ولا غير مثمرة.

باب السواك وأعواده

باب السواك وأعواده السواك سنة في جميع الأوقات وهي مؤكدة للمتوضئ في المضمضة والقائم من النوم أو إلى الصلاة ولمن تغير فمه بمأكول أو غيره. ويستاك عرضا بعود أراك أو زيتون أو عرجون لا يجرح الفم ولا يتفتت

فيه ومن استاك بإصبعه أو بخرقة فهل يصيب السنة؟ على وجهين ولا يسن السواك للصائم بعد الزوال وهل يكره على روايتين. ويجب الختان ما لم يخف منه وعنه لا يجب على النساء. ومن السنة أن يكتحل وترا ويدهن غبا ويسرح شعره ويحف الشارب ويقلم الأظفار وينتف الإبط ويحلق العانة وينظر في المرآة ويتطيب ويكره القزع وهل يكره للرجل حلق الرأس في غير النسك لغير حاجة؟ على روايتين.

الخامس: مسح جميع الرأس والأذنان منه وعنه يجزي مسح أكثره وعنه قدر الناصية. والسنة: أن يمر يديه من مقدمه إلى مؤخره ثم يردهما إلى حيث بدأ وهل يسن تكرار مسحه وأخذ ماء جديد للأذنين ومسح العنق؟ على روايتين. السادس: غسل الرجلين مع الكعبين وهما العظمان الناتئان ويسن له التيامن وتخليل أصابعه وغسل كل عضو ثلاثا وأن يرفع نظره إذا فرغ إلى السماء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ولا يكره تنشيف أعضائه وعنه يكره. السابع: الترتيب كما ذكره الله سبحانه. الثامن: الموالاة بأن لا يؤخر غسل عضو قدرا ينشف فيه ما قبله في الزمن المعتدل وعنه لا يجب ترتيب ولا موالاة.

باب صفة الوضوء

باب صفة الوضوء وفروضه: ثمانية أحدها: النية بأن يقصد رفع الحدث أو استباحة أمر تجب له الطهارة ويجب تقديمها على سائر الفروض. الفرض الثاني: التسمية وعنه أنها سنة وعنه تجب مع الذكر وتسقط بالسهو ويسن عقيبها غسل يديه ثلاثا ويتأكد استحباب غسلهما من نوم الليل وعنه يجب. الثالث: غسل الوجه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا وما بين الأذنين عرضا والفم والأنف منه وتجب المضمضة والاستنشاق [وعنه أنهما سنة وعنه يجب الاستنشاق وحده] . والسنة: تقديمها على ظاهر الوجه والمبالغة فيهما إلا للصائم ويجب غسل المسترسل من اللحية ويسن غسل باطن الشعور إلا أن تصف البشرة فيجب ولا يسن غسل داخل العينين وقيل: يسن إذا أمن الضرر. الرابع: غسل يديه مع مرفقيه فإن قطعت يده من مفصل المرفق وجب غسل رأس المرفق الباقي وقيل: يسقط.

باب المسح على الخفين وغيرهما

باب المسح على الخفين وغيرهما ومن لبس خفين أو عمامة على طهر كامل فله المسح يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في سفر القصر فإن أدخل إحدى رجليه في الخف قبل غسل الأخرى أو لبس العمامة قبل غسل رجليه لم يجز المسح حتى يخلع ما لبسه قبل تمام طهره فيلبسه بعده وعنه أنه يجوز. وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وعنه من المسح بعد الحدث ومن أحدث مقيما فلم يمسح حتى سافر أتم مسح مسافر وإن مسح مسافرا ثم أقام أتم مسح مقيم إلا أن يكون قد جاوزه فيخلع وإن مسح مقيما ثم سافر فعلى روايتين ويمسح على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه من جورب وجرموق ونحوه فإن كان واسعا يسقط من قدمه أو يبدو منه شيء لخرق أو غيره لم يجز المسح عليه وإن لبس تحته صحيحا فإن ثبت الجور بان بنعلين.

فله المسح ما لم يخلع النعلين ولا يمسح على اللفائف ولا على خفين ملبوسين على خفين ممسوحين ويجوز مسح أكثر الخف والسنة أن يمر يده من أصابعه إلى ساقه ولا يسن مسح أسفله ولا يجزئ الاقتصار عليه ويجزئ مسح أكثر العمامة وقيل: يجب استيعابها ويشترط أن تكون محنكة تستر كل الرأس إلا ما العادة كشفه فإن كانت بذؤابة ولا حنك لها فعلى وجهين وإذا ظهر قدمه أو رأسه أو مضت المدة استأنف الوضوء وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل رجليه. والمرأة كالرجل في مسح الخفين وفي مسحها على الخمار روايتان ومن شد جبيرة طاهرا ولم يتعد قدر الحاجة مسحها في الطهارتين إلى أن يحلها فإن كان محدثا فهل له المسح على روايتين.

باب نواقض الوضوء

باب نواقض الوضوء وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين وإن قل. الثاني: خروج النجاسة الفاحشة في نفوس متوسطي الناس من بقية البدن وفي يسيرها روايتان إلا يسير البول والغائط فانه كالكثير. الثالث: زوال العقل إلا بنوم يسير من قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد وعنه ينقض اليسير إلا من الجالس والقائم وعنه ينقض إلا من الجالس. الرابع: لمس الرجل المرأة أو المرأة الرجل لشهوة فينقض وضوء اللامس

_ قوله: "الرابع: لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفض وضوء اللامس وفي الملموس روايتان" أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من

وفي الملموس روايتان وعنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة وعنه لا ينقض بحال ومس الشعر والظفر والسن والأمرد لا ينقض. الخامس: مس فرج الآدمي قبلا كان أو دبرا من رجل أو امرأة ببطن الكف أو ظهره ولا ينقض مسه بذراعه وعنه ينقض وفي مس الذكر المقطوع المنفصل وجهان وعنه لا ينقض مس الفرج بحال ومس فرجى الخنثى المشكل ينقض ومس أحدهما لا ينقض إلا أن يمس الرجل ذكره لشهوة أو المرأة قبله لشهوة.

_ الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن الشافعي كالروايتين انتهى كلامه. أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت لزمه الوضوء وإلا فلا. قال المصنف: ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا على ذلك. قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إذا قلنا بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور1 كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه.

السادس: أكل لحم الجزور وفي شرب ألبانها روايتان وفي كبدها وسنامها وجهان [المعتمد لا ينقض] وعنه لا ينقض لحمها أيضا. السابع: غسل الميت نص عليه وقال أبو الحسن التميمي لا ينقض. الثامن: الردة فظاهر قول أبي الخطاب أنها لا تنقض. ومن كان متطهرا فشك في الحدث أو بالعكس: بنى على اليقين فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حالة قبلهما إلا أن يتيقن فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما.

ويحرم على المحدث مس المصحف وفي حمله بعلاقته أو في غلافه وتصفحه بكمه أو عود ونحوه وحمل الدراهم المكتوب عليهما القرآن روايتان [المعتمد الجواز] .

_ للصلاة فإنه يكون مؤديا فرضه بيقين والأول أصح فلو لم يعرف ما كان قبلهما لزمه الوضوء لأنه لا بد له من طهارة متيقنة أو مظنونة أو مستصحبة وليس هنا شيء فوجب الوضوء. وأما المسألة الثانية فصورتها أنه ابتدأ نقض الطهارة وفعلها عن حدث في وقت بعينه وشك في السابق منهما رجع إلى حاله قبلهما. مثاله إذا قال فعلت ذلك بيقين بعد الزوال ولا أعلم السابق قلنا ما كنت قبله فإن قال متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وجعلنا الحدث بين الطهارتين تحقيقا لقوله إذ لو كان بعد الثانية لكانت تجديدا لا يزيله الحدث. فإن قيل: بل يمكن ذلك بأن يكون قد أحدث بينهما حدثا آخر وأنسيه قيل الأصل عدم ذلك. وإن قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأن قوله إنما يتحقق بجعل الطهارة بين الحدثين إذ لو كانت بعد الثاني لم يكن قد نقض طهارة واحتمال طهارة أخرى بين الحدثين لا يبنى عليه لأن الأصل عدم ذلك. وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية له: هذا إذا كان الوقت لا يتسع لهما ولو اتسع الوقت لهما لكانت المسألة بعينها ويصير.

_ هذا كتعارض البينتين إذا شهدتا بتاريخ واحد سقطتا لأنه لا يمكن العمل بهما انتهى كلامه. والأول أصح وهذه الصورة هي مراد صاحب المحرر وإن كان كلامه يدخل فيه ما لو تيقن فعليهما ولم يتيقن أن الطهارة عن حدث ولا الحدث عن طهارة وهي مسألة فقد الابتداء وهي ثلاث صور إحداها فقدانه فيهما. مثاله أن يقول أتحقق أني بعد الزوال توضأت وضوءا لا أدري عن حدث كان أو تجديدا وإني أحدثت ولا أدري كنت حين الحدث محدثا أو متطهرا ولا أعلم السابق من الفعلين فهذا يكون على عكس حاله قبل الزوال فإن قال كنت قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث لأن الطهارة السابقة زالت بالحدث يقينا وأما الوضوء الثاني فيحتمل أنه تجديد قبل البول ويحتمل أنه رفع الحدث بعده فلا يزيل الحدث المتيقن بالشك ولو قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لأن الحدث السابق زال يقينا بطهارة متيقنة بعده إما بالوضوء الذي ذكره إن كان رافعا وإما بوضوء تقدمه إن كان تجديدا والحدث المتيقن يحتمل أنه قبل هذه الطهارة ويحتمل أنه بعدها ولا يزيلها بالشك هكذا ذكره الشيخ مجد الدين في شرح الهداية وغيره. وقال في الرعاية ورن جهل فاعلهما حالهما وأسبقهما أو عين لهما وقتا لا يسعهما فهل هو بعدهما كحالة قبلهما أو بضده فيه وجهان وقيل: روايتان.

_ ومسألة جهل فاعلهما حالهما هي هذه الصورة ومسألة تعيين وقت لا يسعهما كلامه في الرعاية فيه إطلاق يدخل فيه تحقق الابتداء وفقدانه ولعل مراده مع تحقق الابتداء فتكون المسألة الثانية التي خالف فيها أبو المعالي. وذكر في المستوعب المسألة الأولى التي خالف فيها الأزجي ثم قال فإن تيقن فعلهما في وقت لا يتسع لهما تعارض هذا اليقين وسقط وكان على حاله قبل ذلك من طهارة أوجدت ولم يزد على ذلك. وأظن أن الشيخ وجيه الدين أخذ اختياره من هذا ونزل كلام من أطلق من الأصحاب عليه. الصورة الثانية: أن يفقد الابتداء في فعل الحدث وحده. مثاله: أن يقول: أتيقن أني بعد الزوال تطهرت عن حدث وأني أحدثت ولا أعلم أني كنت حين الحدث طاهرا أو محدثا وشك في السابق من الفعلين فهذا متطهر سواء كان قبل الزوال محدثا أو متطهرا لأنه إن كان متطهرا قبله فقد زالت طهارته بالحدث الذي تطهر عنه بعد الزوال وإن كان محدثا فطهارة هذه تزيل كل حدث قبلها وأما الحدث المتيقن فيحتمل أنه كان قبل هذه الطهارة ويحتمل أنه بعدها فلا يزيلها بالشك. الصورة الثالثة أن يفقد الابتداء في فعل الطهارة. مثاله إذا قال أتحقق أني بعد الزوال أحدثت حدثا صادف طهارة وأني توضأت وضوءا لا أدري تجديدا كان أو رافعا زاد صاحب الرعاية وعادته التجديد غاليا فإنه يكون محدثا سواء كان قبل الزوال محدثا أو متطهرا للتعليل في الصورة قبلها.

ومن قام من نومه فوجد بللا لم يتيقنه منيا لزمه الغسل إلا أن يتقدم منه لمس أو تفكر أو تكون به أبردة فلا غسل عليه.

وللجنب قراءة بعض آية وعنه المنع كالآية فما زاد وله العبور في المسجد ويحرم لبثه فيه إلا أن يتوضأ.

_ يتقدمه لمس وتفكر أو يكون به برد فلا غسل" هذا هو المشهور وعنه لا غسل عليه مطلقا وعنه عكسه كذا ذكر المسألة جماعة. وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن يذكر احتلاما أولا وذكر ابن تميم وفي الرعاية رواية أنه إذا تقدمه فكر ونحوه لا غسل عليه وإن ذكر احتلاما وفي شرح العمدة للشيخ تقي الدين رواية أنه لا غسل عليه مطلقا وقطع الشيخ

_ مجد الدين في شرح الهداية: بأنه يلزمه الغسل إن ذكر احتلاما سواء تقدم نومه فكر أو ملاعبة أولا قال وهو قول عامة العلماء إلا في وجه للشافعية أنه لا يجب تم بحث المسألة. وعلى هذا ظاهر ما في المحرر يحتمل أن يكون مرادا كما صرح به غيره ويحتمل أن يكون مراده إذا لم يتقدمه احتلام جمعا بين كلامه وكلام المتكلم الواحد أو من في حكمه يقيد بعضه بعضا. وقد ذكر الشيخ وجيه الدين أبو المعالي ابن المنجي في شرح الهداية له في هذه المسألة شيئا لم أجد من الأصحاب ذكره قال إن وجد رائحة الطلح

_ والعجين فهو منى وإن لم يجد الرائحة ولم يجد بياضا وثخنا فالظاهر أنه ليس بمني قال هو والشيخ موفق الدين وقد توقف الإمام أحمد رحمه الله تعالى في هذه المسألة في مواضع.

باب موجبات الغسل

باب موجبات الغسل وهي ستة: خروج المنى دفقا بلذة وتغييب الحشفة في أي فرج كان وإسلام الكافر والموت والحيض والنفاس. وقال أبو بكر: لاغسل على من أسلم وفي الولادة العرية عن دم وجهان.

ومن أحس بخروج المني وأمسك ذكره فحبسه فقد لزمه الغسل وعنه لا يلزمه الغسل حتى يخرج. فإن قلنا يجب فاغتسل له ثم خرج أو اغتسل لمني خرج بعضه ثم خرجت بقيته فهل عليه غسل ثان.؟ على روايتين.

باب الأغسال المستحبة

باب الأغسال المستحبة وهي ثلاثة عشر: غسل الجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء والإحرام ودخول مكة والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار والطواف والغسل من غسل الميت والإفاقة من إغماء أو جنون لم يتيقن معه حكم وغسل المستحاضة لكل صلاة.

باب صفة الغسل

باب صفة الغسل وكماله بعشر خصال: أن ينوي ويسمي ويغسل يديه ثلاثا ويزيل مابه من نجاسة ثم يتوضأ ويروي شعر رأسه ثلاثا ثم يغسل سائر بدنه ثلاثا ويدلك بدنه بيديه ويبدأ بشقه الأيمن وينتقل عن مكانه فيغسل قدميه. والفرض من ذلك النية وتعميم بدنه بالماء حتى باطن الأنف والشعور وفي الفم والتسمية روايتان [المعتمد أن التسمية واجبة] . ومن نوى بغسله الحدثين ارتفعا به ولم يلزمه ترتيب ولا موالاة نص عليه وقيل: لا يرتفع الأصغر إلا بهما وعنه لا يرتفع حتى يأتي بالوضوء.

ومن وجدت منه أحداث فنوى بطهره أحدها ارتفعت كلها وقال أبو بكر لا يرتفع إلا ما نواه. فعلى قوله: إذا اغتسلت من هي حائض جنب للحيض حل وطؤها دون غيره لبقاء الجنابة وإذا نوى الجنب أو المحدث بطهره ما يسن له لم يجزئه عن الواجب وعنه في المحدث يجزئه ويخرج في الجنب مثله ولا يلزم المرأة نقض شعرها لغسل الجنابة وفي غسل الحيض وجهان. والسنة أن لا يغتسل بدون صاع ولا يتوضأ بدون مد.

باب التيمم

باب التيمم التيمم مشروع لمن عدم الماء أو خاف ضررا باستعماله. وصفته: أن ينوي استباحة المكتوبة من حدثه ثم يسمى ويضرب التراب بيديه مفرجة أصابعه ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وظاهر كفيه براحتيه ويدلك كل راحة بالأخرى ويخلل أصابعه هكذا السنة عند أحمد وقال القاضي الأفضل ضربة للوجه وأخرى لليدين إلى المرفقين.

باب الحيض

باب الحيض وأقل الحيض يوم وليلة وعنه يوم وأكثره خمسة عشر يوما وعنه سبعة عشر يوما وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وعنه خمسة عشر يوما ولا حد لأكثره والمبتدأة بالدم لا تجلس فوق يوم وليلة حتى يتكرر ثلاثا وعنه مرتين ويلزمها غسلان غسل عقيب اليوم والليلة وغسل إذا انقطع الدم في مدة الحيض فإذا تكرر على قدر واحد قضت ماصامت فيه من فرض فإذا زادت عادة المعتادة أو تغيرت بتقدم أو تأخر لم تلتفت إلى ذلك حتى يتكرر ومن انقطع دمها قبل تمام عادتها طهرت فإن عاد في العادة جلسته وعنه لا تجلسه حتى يتكرر ومن رأت يوما دما ويوما طهرا ولم يجاوز مجموعهما أكثر الحيض اغتسلت أيام النقاء وصلت فإن جاوز أكثره فهي مستحاضة يأتي حكمها والصفرة والكدرة في مدة العادة حيض. ويمنع الحيض وجوب الصلاة وفعل الصوم مالم ينقطع ويمنع الحيض

وجوب الصلاة وفعل ما تمنعه الجنابة مالم تغتسل منه ويجوز التمتع بالحائض،

إلا بالوطء في الفرج وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه لا يلزمه والوطء بعد الانقطاع وقبل الغسل حرام ولاكفارة فيه. ولا حيض مع الحمل ولا قبل تسع سنين ولا بعد الستين وفيما بعد الخمسين روايتان وجعله الخرقي مشكوكا فيه فتصوم وتصلى ثم تقضي صومها.

_ وقد يقال يحمل كلام غيره على هذا. قوله: "وإذا وطئ لزمه نصف دينار كفارة وعنه لا يلزمه" وقال وتجب الكفارة بوطء النفساء ولم يذكر خلافا وظاهره أن الكفارة تجب بوطء النفساء رواية واحدة بخلاف وطء الحائض وقد يؤخذ من كلام بعض الأصحاب إيماء إلى هذا لأن داعي الجماع في النفاس يقوي لطول مدته غالبا فناسب تأكد الزاجر بخلاف الحيض والذي نص عليه الإمام والأصحاب رحمهم الله أن وطء النفساء كوطء الحائض في وجوب الكفارة لأن الكفارة إنما وجبت بوطء النفساء قياسا على وطء الحائض وغاية الفرع مساواته لأصله وإذا لم تجب الكفارة في الأصل انتفى وجوبها في الفرع لأنه حينئذ لا دليل لوجوبها ولعل صاحب المحرر فرع على ظاهر المذهب في الحائض. قوله: "ولا حيض مع الحمل" نص على هذا في رواية الجماعة الأثرم وإبراهيم الحربي وأبي داود وحمدان بن علي وغيرهم فقال الحامل إذا رأت دما تتوضأ وتصلي وتصوم وقال أيضا كيف يكون حبل مع الحيض وكيف تنقضي العدة إذا كان حبلا يعني مع الحيض. واختار الشيخ تقي الدين أنها تحيض ورواه البيهقي عن إمامنا أحمد رضي الله عنه.

باب حكم المستحاضة

باب حكم المستحاضة وهي من جاوزت دمها أكثر الحيض فترجع إلى عادتها فإن لم تكن

عادة فإن عدم تمييزها فتجلس زمن الدم الأسود مالم ينقص عن أقل الحيض ولم يجاوز أكثره وعنه: لا تعمل بالعادة إلا عند التمييز فإن عدم التمييز وهي مبتدأة أو ناسية لقدر عادتها دون وقتها أولهما حيضت غالب الحيض ستا أو سبعا وعنه أقله وعنه في المبتدأة أكثره وعنه عادة نسائها. قال القاضي ويتخرج مثلهما في الناسية فإن نسيت وقتها دون عددها جلسته من أول كل شهر وقال أبو بكر تجلسه بالتحري. وتغسل المستحاضة فرجها وتتلجم وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي به ماشاءت وعنه لاتجمع بوضوء فرضين وكذلك حكم كل من به حدث دائم لاينقطع قدر مايتوضأ ويصلي ويحرم وطء المستحاضة إذا لم يخف العنت وعنه لا يحرم.

باب النفاس

باب النفاس أكثر النفاس: أربعون يوما ولاحد لأقله فإن جاوز الدم الأربعين فهو استحاضة إلا أن يصادف عادة الحيض فإن انقطع في الأربعين ثم عاد فالعائد نفاس وعنه مشكوك فيه فتصوم وتصلي وتقضي الصوم. وتجب الكفارة بوطء النفساء وهي كالحائض فيما يحرم ويسقط ويكره الوطء في الأربعين بعد الطهر والتطهير وعنه لايكره. وإذا ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من الأول وعنه هما من الثاني وعنه أوله من الأول وآخره من الثاني. ودم الحامل قبل أن تلد بيومين أوثلاثة نفاس ولا يعد من المدة. ومن ألقت ما لم يتبين فيه خلق الإنسان لانفاس لها.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة باب المواقيت أول وقت الظهر زوال الشمس وآخره تساوي الشيء وظله سوى فيء الزوال ثم يعقبه وقت العصر وهي الوسطى ويمتد وقتها المختار حتى يصير ظل الشيء مثليه وعنه حتى تصفر الشمس ويبقى إلى غروب الشمس وقت ضرورة لايحل تأخيرها إليه إلا لعذر ثم يعقبه الغروب ووقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق الأحمر ثم يعقبه وقت العشاء ويمتد وقتها المختار إلى ثلث الليل وعنه إلى نصفه ثم يبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض البادي من المشرق ولاظلمة بعده ثم يعقبه وقت الصبح ثم يبقى حتى تطلع الشمس. والصلاة في أول الوقت أفضل إلا عشاء الآخرة والظهر مع القيظ والغيم لمن يقصد الجماعة والمغرب ليلة جمع للمحرم ومع الغيم كالظهر نص عليه وهل الأفضل تأخير الفجر إذا أسفر الجيزان على روايتين. ومن أخر الصلاة عمدا فخرج الوقت وهو فيها أثم وأجزأته ومن أخبره

ثقة بدخول الوقت عن علم قلده وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده واجتهد فإذا غلب على ظنه دخوله صلى ولم يعد بحال إلا إن تبين صلاته قبل الوقت. وإذا دخل وقت صلاته على عاقل فجن أو امرأة فحاضت وجب قضاؤها وفي قضاء التي تليها إن كانت تجمع إليها روايتان. وإذا بلغ صبي أو أفاق مجنون أو أسلم كافر أو طهرت حائض قبل خروج وقت صلاة ولو بقدر تكبيرة وجب قضاؤها وقضاء التي قبلها إن كانت تجمع معها ومن صلى صلاة ثم ارتد ثم أسلم ووقتها باق لم يجب إعادتها ويتخرج أن يجب كمن حج ثم ارتد ثم أسلم فإن في إعادة الحج روايتين.

وإذا أسلم المرتد لزمه قضاء ماتركه قبل الردة من صلاة وزكاة وصوم ويتخرج أن لايلزمه وفي قضاء مافات في الردة روايتان وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه أصليا كان أو مرتدا ولا صلاة على الصبي وتصح منه إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ العشر أدب عليها فإن بلغ في الوقت وقد صلاها

أو ابتدأها أعادها وعنه أنها تجب على ابن عشر.

ومن زال عقله بغير جنون قضى كل صلاة فاتته ومن أخر صلاة تكاسلا لاجحودا أمر بها فإن أصر حتى ضاق وقت الأخرى وجب قتله وعنه

لايجب إلا بترك ثلاث وبضيق وقت الرابعة ويستتاب بعد وجوب قتله ثلاثة أيام ويقتل حدا وعنه كفرا.

ولا يصح أن يصلى حاضرة وعليه فائتة إلا أن يتمها ناسيا للفائتة فإن ذكر

فيها أتمها نفلا وصلى الفائتة ثم الحاضرة وإن ضاق الوقت سقط الترتيب وعنه لا يسقط.

_ وقول الشيخ تقي الدين: والمسألة مذكورة في المرتد قال: في المرتد الأصلي وهل صلاته صحيحة قال القاضي الصلاة باطلة ويحكم بإسلامه بها كالشهادتين إذا وجدتا حكمنا بإسلامه بهما ولا يستدل بهما على إسلام سابق وقال أبو الخطاب هي صلاة صحيحة مجزئه في الظاهر لأنا نستدل بفعلها على أنه كان معتقدا للإسلام قبلها. ثم أورد على نفسه أن الإمام أحمد نص على أن المؤتم به يعيد فقال: الأصوب أنه قال بعد الفراغ إنما فعلتها وقد اعتقدت الإسلام قلنا: صلاته صحيحة وصلاة من خلفه وإن قال فعلتها تهزؤا قبلنا فيما عليه من إلزام الفرائض ولم نقبل منه فيما يؤثره من دينه ولأن أحمد قد قال فيمن صلى خلف محدث يعيد ولا يعيدون والمحدث ليس في صلاته كذلك الكافر لا يكون في صلاة من خلفه صحت صلاته. قال الشيخ تقي الدين شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلما وإن كان محدثا ولا يصح الائتمام لفقد شرطه لا لفقد الإسلام وعلى هذا عليه أن يعيدها انتهى كلامه.

باب الأذان

باب الأذان الأذان المختار: خمس عشرة كلمة بلا ترجيع يكبر في أوله أربعا ويقول في أذان الفجر بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم" مرتين والإقامة فرادى إحدى عشرة كلمة منها قول "قد قامت الصلاة" مرتين.

ويسن أن يرتل الأذان ويحدر الإقامة ويتولاهما معا قائما متطهرا، ويجعل إصبعيه في أذنيه ويدير وجهه إذا حيعل يمنة ويسرة ولا يزيل

قدميه وعنه يزيلهما وفي مثل المنارة الكبيرة والصومعة فيدور فيها ويؤذن على علو ويقيم فيه مالم يشق عليه ولو أذن جنبا جاز وقال الخرقي يعيده ويجزئ أذان المميز البالغ وعنه لا يجزئ وفي أذان الفاسق والأذان الملحن وجهان. ويشترط للأذان: الترتيب والموالاة ولا يبطله الفصل اليسير إلا لمحرم كالستر ونحوه ويجوز الأذان للفجر بعد نصف الليل ولا يجوز لغيرها قبل الوقت. ويسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا في الحيلعة فإنه يقول: لاحول ولاقوة إلا بالله ويقول في كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها وينهض عندها فإن كان الإمام غائبا لم يقوموا حتى يروه.

ويسن الفصل بين أذان المغرب وإقامتها بفعل ركعتين. والأذان والإقامة: سنتان للمسافرين فرضا كفاية على المقيمين يقاتلون على تركهما وليسا بشرط للصلاة ولا مسنونين للنساء. وينادى للعيد والكسوف والاستسقاء الصلاة جامعة.

ومن صلى مجموعتين أو فوائت أذان للأولى خاصة وأقام لكل صلاة. وإذا أقيمت الصلاة لم يشرع في نافلة وإن افتتحها ثم أقيمت قطعها إن خشى فوات الجماعة وعنه يتمها. والأذان أفضل من الإمامة وقيل: هي أفضل.

_ وظاهر كلامه: إنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة وأجابه فإذا فرغ عاد إليها لأنها لا تفوت وهذا صحيح قال المصنف وغيره: وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ في التحية نص عليه لأنها لا تفوت بالتأخير اليسير وعلل غيره بأن فيه جمعا بين الفضيلتين وعنه لا بأس. وظاهر كلامه: أن القاعد لا يقوم للصلاة بل يشتغل بالإجابة حتى يفرغ الأذان وهذا صحيح قال بعضهم: ولا يقوم القاعد حتى يفرغ أو يقرب فراغه. نص الإمام أحمد على معنى ذلك لأن الشيطان ينفر حين يسمع الأذان وظاهر كلامه أيضا: أنه إن سمعه في الصلاة أجابه وليس كذلك لم أجد فيه خلافا وأن الأولى أن يكف عن الإجابة ويشتغل بصلاته لأن في الصلاة شغلا. قال جماعة: فإذا فرغ من الصلاة أجابه فإن أجابه بجيعلة بطلت لأنه خطاب آدمي وإلا لم تبطل لأنه ذكر وثناء على الله تعالى مشروع مثله فيها وقد ذكر طائفة كابن الجوزي أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه عمدا: هل تبطل صلاته؟ على وجهين وقال الشيخ وجيه الدين بن المنجا في الذكر: كما ذكر غيره قال وإن ذكر الحيعلة وعلم أنها دعاء إلى الصلاة بطلت وإن لم يعلم فهو ككلام الساهي في الصلاة وفيه روايتان ثم قال وهذا إذا نوى به الذكر فإن نوى به الأذان وإقامة الشعار والإعلام بدخول الوقت بطلت. وإطلاق كلامه أيضا: أنه يجيبه على قضاء الحاجة والظاهر أن هذه الصورة تحته وهذا أولي وإذا سقط رد السلام في هذه الحال مع وجوبه فهذا أولى وفيه نظر لكراهة البداءة بالسلام في هذه الحال وقد ذكر غير واحد: أنه لو عطس وهو على قضاء الحاجة حمد الله وذكر غير واحد رواية: أنه يحمد

_ لفظا ومسألتنا تشبه هذه ولهذا قال بعض الأصحاب: وكذلك يخرج في إجابة المؤذن ويتوجه على قولنا: لا يجيبه في هذه الحال: أن يجيبه وحدها.

السوءتان فقط وكل الحرة عورة سوى الوجه وفي كفيها روايتان وعورة

الأمة مالا يظهر غالبا وعنه مابين السرة والركبة وأم الولد كالأمة وعنه كالحرة والمعتق بعضها كالحرة على الأصح ولا يجزئ الرجل ستر عورته إذا جرد عاتقيه عن اللباس في الفرض وفي النقل روايتان فإن ستر أحدهما أجزأه نص عليه. والخنثى المشكل فيما يجب ستره كالرجل وقيل: كالمرأة ومن انكشف من عورته يسير وهو مالا يفحش في النظر لم تبطل صلاته وعنه تبطل. ومن صلى في ثوب غصب أوحرير أو في بقعة غصب لم يجزئه وعنه يجزئه مع التحريم.

وإذا اشتبهت ثياب نجسة بطاهرة صلى في ثوب بعد ثوب بعدد النجسة وزاد صلاة فإن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه وأعاد نص عليه ونص فيمن

جلس في موضع نجس فصلى أنه لا يعيد فيخرج فيهما روايتان ومن لم يجد إلا ثوبا لطيفا أرسله على كتفيه وعجزه وصلى جالسا نص عليه فإن لم يحوهما اتزر به وصلى قائما.

وقال القاضي: يستر منكبيه ويصلي جالسا فإن وجد مايستر بعض العورة ستر الفرجين فإن كفى أحدهما ستر الدبر وقيل: القبل أولى فإن أعير سترة لزمه قبولها فإن لم يجد صلى جالسا وأومأ لسجوده ولو قام وسجد بالأرض جاز وعنه يلزمه السجود. وإذا وجد السترة في الصلاة بالبعد بطلت وبالقرب يستر ويبني.

_ المقدور عليها لا نفس المقام ومطلق التصرف فيه فهو كمن صلى في ملكه وعليه فروض لا يمكن أداؤها إلا بخروجه منه. فرع لو غصب مسجدا فهل يضمنه بذلك المشهور: أنه لا يضمنه وسيأتي في باب الغصب إن شاء الله تعالى وهل تصح صلاته كلامه في المحرر يصدق على هذه الصورة تكن هي نادرة وقال ابن عقيل وتبعه على ذلك جماعة إن أزال الآلة الدالة على كونه مسجدا كان كسائر الغصوب في صحة الصلاة فيه روايتان وإن لم يغير هيأته لكن منع الناس الصلاة فيه فاحتمالان. أحدهما تصح قدمه الشيخ وجيه الدين وصاحب الرعاية لأن حركته فيه وصلاته ليس بغاصب ولا آثم وإنما هو آثم بمنع الناس. والثاني لا تصح كما لو تغلب على أملاك الناس وكما لو غصب ستارة الكعبة وصلى فيها أو حصر المسجد وصلى عليها. قال ابن الزاغوني: لو زحم رجلا عن موضعه في المسجد فهل تصح صلاته على وجهين أشهرهما في المذهب: أنها تصح لأن الموضع مشترك الحق بينهما فإن أزاله عما استحقه بسبقه إليه جلس فيه وصلى بحقه الذي شاركه فيه فخرج بهذا عن أن يكون غصبا.

_ فرع هل تصح صلاة من غصب نفسه وهو العبد الآبق قال ابن عقيل في الفصول تصح صلاته لأن العبد في أوقات الصلاة ليس لسيده عليه حجر فهو مستثنى فصار كصلاة الحر إذا صلى في بيت يملكه في دار غصبها فإنه يصح كذلك صار ظاهره أن النافلة لا تصح وذكر في كتابه الواضح هذه المسألة وقال آخر كلامه والذي يتحقق غصبه لنفسه فيها من الصلاة تكون عندنا باطلة وهي النافلة وكذا قطع به الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية. وقد ذكر أصحابنا أن العبد لا يجوز له التطوع إلا بإذن سيده وأنه إن خالف وأحرم بحج صح لأنها عبادة بدنية كالصلاة والصوم. وقال ابن عقيل في الحج من الفصول ويتخرج بطلان إحرامه بغصبه لنفسه فيكون قد حج في بدن غصب فهو أوكد من الحج بمال غصب. وقال الشيخ تقي الدين بعد ذكره لكلام ابن عقيل في الواضح لكنه غاصب للمكان الذي حل فيه مقامه فيه يحرم كمقام الغاصب في ملك المغصوب فبطلان الصلاة أقوى انتهى كلامه. فظهر من ذلك ثلاثة أقوال الثالث يصح الفرض فقط ونظير مسألة العبد الآبق من أمره سيده بالذهاب إلى موضع فخالفه وأقام وهي مسألة من وجبت عليه الهجرة فخالف وأقام ونحو ذلك.

باب ستر العورة

باب ستر العورة وهي شرط لصحة الصلاة وعورة الرجل مابين سرته وركبته وعنه

باب اجتناب النجاسات وحكم البقعة

باب اجتناب النجاسات وحكم البقعة ومن حمل نجاسة لا يعفى عنها أو لاقاها بيديه أو ثوبه أو حمل ما يلاقيها لم تصح صلاته إن علم بها وفي الجاهل والناسي روايتان [المذهب الصحة] . وإن صلى على بساط بطرفه نجاسة لا تصيبه جاز فإن حاذاها بصدره إذا

باب استقبال القبلة

باب استقبال القبلة وهو شرط للصلاة مع القدرة إلا في النفل للمسافر السائر ماشيا أو راكبا فيصلي حيث توجه وعنه لايجوز ذلك إلا للراكب.

ويلزمه الإحرام للقبلة إن لم يشق عليه ولا يجوز التنقل على الراحلة في الحضر وعنه يجوز وإصابة عين الكعبة فرض من قرب منها

أو من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض من بعد الاجتهاد إلى جهتها وعنه إلى غيرها فلو انحرف عن قبلته قليلا صحت صلاته على الأولى دون الثانية ومن أخطأ القبلة في الحضر أعاد وإن اجتهد في السفر وأخطأها لم يعد ومن أخبره ثقة بالقبلة عن علم قلده وإن أخبره عن اجتهاد اجتهد ولم يقلده ويقلد الأعمى أوثقهما عنده فإن تساويا قلد أيهما شاء فإن صلى الأعمى بلا دليل أعاد فإن لم يجد مقلدا صلى ولم يعد وقيل: يعيد وقيل: لا يعيد إلا أن يخطئ والجاهل بأدلة القبلة كالأعمى فيما ذكرنا ومن رأى محاريب ببلد خراب أو بلد كفر وشك هل هي للمسلمين أم لا لم يعمل بها.

_ قوله: "أو من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم". لتيقن صحة قبلته لعدم إقراره على الخطأ. قال ابن عبد القوي وفي معناه كل موضع ثبت أنه صلى فيه وضبط جهته قال وكذلك ما اجتمعت عليه الصحابة رضي الله عنهم كمحراب الكوفة وهذا فيه نظر لأنهم لم يجمعوا عليه وإنما أجمع عليه طائفة منهم ولا يحصل مطلوبه.

باب صفة الصلاة

باب صفة الصلاة يشترط النية للصلاة ويجب تعيينها للمكتوبة والنفل المعين ولا تجب نية الفرضية للفرض ولا نية القضاء للفائتة وقال ابن حامد يجبان. ويكفي لمطلق النفل نية الصلاة. وإذا تقدمت النية التكبير بزمن يسير أجزأه مالم يفسخها وإذا فسخها في صلاته بطلت وإن تردد في فسخها أو نوى أن يفسخها فعلى وجهين.

ولا تنعقد الصلاة إلا بقوله: "الله أكبر" فإن عجز عنه كبر بلغته وقيل: لا يترجم عنه كالقرآن ويرفع يديه مع التكبير مبسوطتين مضمومتي الأصابع إلى منكبيه وعنه إلى أذنيه وعنه هما سواء. ثم يضع يمنى يديه فوق كوع اليسرى تحت سرته وعنه تحت صدره وعنه يخير وينظر إلى محل سجوده ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ثم يقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" سرا وليست من الفاتحة

وعنه هي آية منها ثم يقرأ الفاتحة متوالية وأن أطال قطعها بذكر أو سكوت عمدا ابتدأ وإن كان سهوا أو يسيرا بنى فإذا أتمها قال آمين يجهر بها الإمام ومن خلفه فيما يجهر بقراءته ثم يقرأ سورة في الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي البقية من متوسطه ويطيل أول ركعتين من صلاته وله قراءة أواخر السور وأوساطها وجمع سور في الفرض وعنه يكره ذلك.

ويجهر الإمام في الفجر وفي الأوليين من العشاءين ولا قراءة على المأموم.

ويسن له أن يستفتح ويتعوذ ويقرأ إلا أن يسمع إمامه فيكره وعنه لا يكره أن يستفتح ويتعوذ بحال وعنه يستفتح بكل حال ولا يتعوذ إذا سمع إمامه ومن لم يحسن سورة الحمد لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت قرأ من غيرها سبع آيات لا تنقص عنها في الحروف فإن نقصت فعلى وجهين [المذهب الصحة] .

وإن لم يحسن إلا آية كررها بقدرها وقال ابن أبي موسى لا يجب تكرارها. وإن لم يحسن قرآنا لزمه قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر فإن لم يحسن ذكرا وقف بقدر الفاتحة. ثم يرفع يديه ويركع مكبرا ويجعل يديه على ركبتيه ورأسه بإزاء ظهره ويجافي عضديه على جنبيه وإن انحنى بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه أجزأه. ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثا وهو أدنى الكمال.

ثم يرفع رأسه ويديه قائلا "سمع الله لمن حمده" إن لم يكن مأموما. فإذا انتصب قال ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ويقتصر المأموم على التحميد ويأتي به في رفعه وقيل: هو كالإمام والمنفرد.

ثم يكبر ويخر ساجدا ويضع ركبتيه ثم يديه ويجب السجود على يديه وركبتيه وأطراف أصابع رجليه وجبهته وفي الأنف روايتان ولا يجب مباشرة المصلى بشيء منها وعنه يجب بالجبهة. ويسن أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجعل يديه حذو منكبيه أو أذنيه ويفرق بين ركبتيه ويقول "سبحان ربي الأعلى" ثلاثا وهو أدنى الكمال. ثم يرفع مكبرا فيجلس على رجله اليسرى مفترشا وينصب اليمين ويقول "رب أغفر لي" ثلاثا ثم يسجد الثانية كالأولى.

ثم يرفع مكبرا فيقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض وعنه يجلس للاستراحة على قدميه وإليتيه ثم ينهض كما وصفنا. ثم يفتتح الثانية بالقراءة ولا يتعوذ وعنه يتعوذ ويتمها كالأولى.

ثم يجلس مفترشا ويجعل يديه على فخذيه فيبسط أصابع اليسرى مضمومة ويقبض الخنصر والبنصر من اليمنى ويحلق الإبهام مع الوسطى ويتشهد فيقول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويشير بالسباحة في تشهده مرارا. ثم ينهض إن كانت صلاته مغربا أو رباعية فيصلى الثالثة والرابعة كالثانية لكنه يسر القراءة ولا يجاوز الفاتحة.

ثم يجلس متوركا فيفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجها عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض ثم يتشهد بالتشهد الأول ثم يقول: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يسرته كذلك ولا تجب التسليمة الثانية في النفل وفي الفرض روايتان وهل قول ورحمة الله واجب؟ على وجهين. ومن نوى بسلامه على الحفظة والإمام والمأموين صحت صلاته وإن لم

ينو الخروج نص عليه وقيل: لا تصح وقيل: إن نوى الخروج صحت وإلا فلا تصح. ويجهر الإمام بأول تسليمة ويسر بالثانية نص عليه وقال ابن حامد عكسه وإن كانت صلاته ركعتين جلس عقيبهما مفترشا وأتى بما ذكرنا في التشهد الثاني. والمرأة كالرجل في ذلك كله لكن لا تتجافى في ركوع ولا سجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها عن يمينها فهذه صفة كمال الصلاة.

والفرض من ذلك القيام والتحريمة وقراءة الفاتحة وعنه أنها سنة وأن الفرض قراءة آية والركوع والاعتدال عنه والسجدتان والجلسة بينهما والطمأنينة في هذه الأفعال والتشهد الأخير وجلسته والصلاة على رسول الله

صلى الله عليه وسلم وعنه أنها سنة وعنه تجب مع الذكر وتسقط بالسهو والسلام الترتيب لذلك. فهذه ثلاثا عشر ركنا لا تسقط في عمد ولا سهو وما سواها فمسنون.

ما خلا ثمانية: التكبير لغير الإحرام والتسميع والتحميد وتسبيحتي الركوع والسجود مرة مرة وقول رب اغفر لي مرة والتشهد الأول وجلسته فهذه

واجبات يبطل الصلاة تركها عمدا وتسقط بالسهو وعنه أنها سنن. ولا يدعو في تشهده إلا بما في الأخبار وما يرجع لأمر دينه.

ومن تكلم في صلاته عمدا أو سهوا بطلت وعنه لا تبطل إلا بالعمد وعنه تبطل بهما إلا لمصلحتها وعنه تبطل بهما إلا صلاة إمام تكلم لمصلحتها وعنه تبطل بهما إلا لمصلحتها سهوا وهو أصح عندي. ومن قهقه أو نفخ فأبان حرفين فقد تكلم وكذلك إن تأوه أو أن أو بكى إلا من خوف الله فلا بأس وفي النحنحة روايتان.

واللحن لا يبطل الصلاة إذا لم يحل المعنى فإن أحاله كان عمده كالكلام.

وسهوه كالسهو عن كلمة وجهله كجهلها والعجر عن إصلاحه كالعجز عنها.

والعمل المستكثر عادة لغير ضرورة يبطل عمده وسهوه ويسير الأكل والشرب يبطل الفرض عمده دون سهوه وفي النفل روايتان.

ومن مر بينه وبين سترته أو بقربه إن لم يكن له سترة كلب أسود بهيم قطع صلاته وفي المرأة والحمار روايتان. وسترة الإمام سترة لمن خلفه.

_ في هذا الحكم كما اشتركا في تنقيص الصلاة ولا يجيبوا عنه فصارت المسألة على وجهين وقد يقال هذه تشبه خلوة الصغيرة بالماء هل تلحق بخلوة المرأة على وجهين. واسم الحمار إذا أطلق إنما ينصرف إلى المعهود المألوف في الاستعمال وهو الأهلي هذا هو الظاهر ومن صرح به من الأصحاب فالظاهر أنه صرح بمراد غيره فليست المسألة على قولين كما يوهم كلامه في "الرعاية".

باب ما يكره للمصلي وما لا يكره

باب ما يكره للمصلى ومالا يكره يكره له أن يلتفت أو يرفع بصره أو يغمض عينيه أو يفرقع أصابعه أو يشبكها أو يتخصر أو يتروح أو يلمس لحيته أو يغطى وجهه أو يعقص شعره أو يلف كمه أو يفترش ذراعيه ساجدا أو يقعى بأن يجلس على عقبيه أو بينهما ناصبا قدميه أو يصلى حاقنا أو تائقا إلى طعام بحضرته أو يلبس

الصماء بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره إلا أن تبدو منه عورته فتبطل صلاته وعنه يكره وإن كان تحته غيره. وله رد من مر أمامه وعد الآي والتسبيح وقتل الحية والمقرب والقملة ولبس الثوب ولف العمامة ورد السلام إشارة إلا أن يكثر ذلك متواليا فتبطل.

وله القراءة في المصحف والفتح على إمامه. وإذا ناب الرجل شيء في صلاته سبح والمرأة تصفق ببطن كفها على ظهر الأخرى وله إذا تلا آية رحمة أو عذاب أن يسأل ويتعوذ وعنه يكره في الفرض.

_ قال المصنف في شرح الهداية وهو الأقوى عندي لأن ذلك منتهى المسنون في وضع السترة وعنه ماله المشي إليه لحاجة كقتل حية أو فتح باب وحكاه بعضهم وجها لأنه صلى عليه وسلم أمر أن يدفع المار أمامه مطلقا فخرج منه بالإجماع من كان على بعد تبطل صلاته بمشيه إليه فيبقى ما عداه على الظاهر وقيل: مقيد بالعرف فإن كان المكان ضيقا أو يتعين طريقا أو يمشي الناس فيه ونحو ذلك لم يرده قطع به بعضهم وقطع به المصنف في شرح الهداية فيما إذا لم يجد المار مساغا غيره قال ويكون المصلي مسيئا إن كان تعمد الصلاة في مجازات الناس وجعله قياسا على ما ذكره من نص أحمد في المسألة بعدها. وقال ابن الجوزي في المذهب يكره أن يصلي في موضع يكثر الاجتياز فيه فإن فعل لم يجز لأحد أن يمر بين يديه وإطلاق كلامه في المحرر يقتضي هذا وفيه نظر وإطلاقه أيضا يقتضي أنه لا فرق بين المسجد الحرام وغيره وقدمه غير واحد للعموم وعنه لا كراهة ولا منع في المسجد الحرام وقطع به

_ المصنف في شرح الهداية وقال نص عليه لفعله عليه الصلاة والسلام الذي رواه عنه المطلب بن أبي وداعة ورواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ولأن الطواف صلاة فصار هذا المصلي كمصل بين يديه صف يصلون ولأن الناس يكثرون هناك ويضيق الاجتياز في جهة بعينها واختار الشيخ موفق الدين أن حكم الحرم حكم المسجد الحرام ولم أجد أحدا من الأصحاب قال به. وقد احتج على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه بمرور ابن عباس راكبا على حمار بين يدي بعض الصف والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى وهذا الاحتجاج منه على اختيار الأصحاب لا على اختياره وظاهر كلامه في جواز رد المار فقط لقوله " وله رد المار " وكذا عبارة جماعة وصرح الشيخ موفق الدين وغيره باستحباب الرد وقال الإمام أحمد في رسالته في الصلاة رواية مهنا وما يتهاون الناس به في صلاتهم بتركهم المار بين يدي المصلي وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمصلي "إ دأره فإن أبى فالطمه فإنما هو شيطان " فلو كان للمار بين يدي الصلاة رخصة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلطمه وإنما ذلك لعظم المعصية من المار بين يدي المصلي والمعصية من المصلي إذا لم يدرأه وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد الله,

_ قلت أيدفع الرجل من يمر بين يديه وهو في الصلاة قال شديدا ورأيته دفع غير واحد مروا بين يديه فلم يدعهم. وهذا معنى كلام المصنف في شرح الهداية لأنه قال ولا ينبغي للمصلى ترك الرد إن أمكنه لأنه مأمور به وهو ينهي عن منكر وقد جاء أن المرور ينقص الصلاة فروى البخاري عن ابن مسعود قال: "ممر الرجل يضع نصف الصلاة". قال الإمام أحمد هو يضع من صلاته ولا يقطعها وقال القاضي هذا محمول على من أمكنه الرد فلم يرد فأما من غلب عليه فأجره تام لا ينقص أجره بذنب غيره انتهى كلامه. وظاهر ما قدم في الرعاية أن المرور إذا لم تكن سترة محرم كما سبق قطع به جماعة وقال القاضي يكره وقطع به في المستوعب وقيل: النهي عن ذلك مختص بما بينه وبين سترته وحكى ابن حزم الاتفاق على إثمه في هذه الصورة. وظاهر كلامه في المحرر رد المار في الفرض والنفل آدميا كان أو غيره وصرح به جماعة وعن الإمام أحمد يرده في الفرض فقط.

باب سجود التلاوة

باب سجود التلاوة وهو سنة للتالي ولمستمعيه الجائز اقتداؤهم به فإن لم يسجد لم يسجدوا ولا يسن للسامع. وهو أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان وفي المفصل ثلاث وسجدة "ص" سجدة شكر وعنه هي من عزائم السجود.

ومن سجد خارج الصلاة اكتفى بتكبيرتي سجوده ورفعه كما لو سجد في صلاة ويجلس ويسلم ولا يتشهد. وقال أبو الخطاب يكبر قبلهما تكبيرة الإحرام وخرج وجها أنه يتشهد. ويكره للإمام أن يقرأ السجدة في صلاة السر وأن يسجد لها ويخير المأموم في السجود لها معه. وسجود الشكر لتجدد النعم مستحب ولا يفعل في الصلاة. ويعتبر للسجود شروط النافلة.

_

باب سجود السهو

باب سجود السهو ويجب سجود السهو لكل ما تصح الصلاة مع سهوه دون عمده كترك الواجبات والسلام من نقص وزيادة ركن فعلي كسجدة وقيام ونحوه فأما ترك السنن وزيادة ذكر في غير محله سوى السلام فلا سجود لعمده وهل يستحب لسهوه؟ على روايتين.

ومن قام إلى ركعة زائدة قطعها متى ذكر وبنى على فعله قبلها فإن كان إماما فسبح به اثنان فليرجع إذا لم يتيقن صوابه فإن لم يرجع فسدت صلاته ولم تبطل صلاتهم إن فارقوه وعنه تبطل. فإن سهوا معه فأتوا بالخامسة لم يعتد بها المسبوق. ومن نسي التشهد الأول حتى قرأ في الثالثة لزمه المضي وإن لم ينتصب لزمه العود وإن انتصب ولم يقرأ فله العود والمضي أولى ويسجد للسهو بكل حال.

ومن نسي تسبيح ركوعه حتى انتصب منه لم يعد وإن عاد جاز ذكره القاضي وقياس بقية الواجبات مثله ومن نسي ركنا من ركعة حتى قرأ في الأخرى لفت المنسي ركنها فقط. وإن ذكر قبل القراءة لزمه أن يعود فيأتي بالمنسي وما بعده فإن لم يذكر حتى سلم فهو كترك ركعة فيبنى ما لم يطل الفصل إلا أنه يسجد له قبل السلام نقله عنه حرب وقال أبو الخطاب تبطل صلاته.

ومن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في تشهده تمم الرابعة بسجدة وكانت أولاه وعنه يبتدئ الصلاة. ومن ذكر ترك ركن وجهله أو محله عمل بأسوأ التقديرين. ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل وعنه بغالب ظنه فإن استويا عنده فبالأقل وعنه يأخذ المنفرد بالأقل والإمام بغالب ظنه ومن شك في ترك ما يسجد لتركه سجد وقيل: لا يسجد ولا يسجد المؤتم لسهوه ويسجد لسهو إمامه إن سجد فإن نسي إمامه أن يسجد لم يسجد وعنه يسجد.

ويجوز السجود للسهو قبل السلام وبعده والأفضل قبله إلا إذا سلم من نقص ركعة تامة فأكثر أو شك وقلنا يتحرى فإن الأفضل بعده وعنه كله قبل السلام وعنه إن كان من نقص أو شك فقبله ومن زيادة فبعده وإن اجتمع سهو سجوده قبل السلام وسهو سجوده بعده لم يتداخلا وقيل: يتداخلان وهل يغلب ما قبل السلام أو أسبقهما على وجهين. ومن نسي السجود قضاه وإن تكلم ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد وعنه يسجد وإن خرج وبعد. ومن سجد بعد السلام تشهد وسلم ومن ترك سجود السهو الواجب عمدا بطلت صلاته إلا ما محله بعد السلام وقيل: لا تبطل بحال.

_ لأنه لم يتقين خطأه فلا يترك متابعته بالشك فإذا سلم أتى بالركعة المشكوك فيها وسجد للسهو لأنه أدى آخر ركعة من صلاته على الشك منفردا وسجد لسهو إمامه إن سجد فإن نسي إمامه أن يسجد لم يسجد وعنه يسجد قال ابن الجوزي هذا إذا لم يسه المأموم فإن سهوا معا ولم يسجد الإمام سجد المأموم رواية واحدة لئلا تخلو الصلاة عن جابر في حقه مع نقصها منه حسيا وأطلق صاحب المحرر العبارة ومراده غير المسبوق فأما المسبوق إذا سها إمامه فيما أدركه المسبوق معه كذا قيده ابن عقيل ولا عمل عليه فيلزمه السجود بعد فعل ما فاته رواية واحدة وذكره غير واحد إجماعا لأنه لم يوجد جابر من إمامه وسجوده لا يخل بمتابعة إمامه وفي معناه إذا انفرد لعذر فإنه يسجد وإن لم يسجد إمامه معه قطع به غير واحد منهم صاحب الرعاية وإن سجد إمام المسبوق فهل يلحقه حكم سهو إمامه فيسجد معه كما هو المذهب أو لا يلحقه فيسجد إذا قضى فيه روايتان فعلى المذهب هل يعيد السجود إذا قضى فيه روايتان أصحهما لا يعيد وإن أدرك المأموم الإمام بعد سجود السهو وقبل

باب صلاة التطوع

باب صلاة التطوع لا يجوز التطوع المطلق في خمسة أوقات إذا طلع الفجر حتى تطلع الشمس وإذا طلعت حتى ترتفع قيد رمح وإذا قامت حتى تزول وبعد صلاة العصر مالم تغرب الشمس ومع غروبها حتى يتم. فأما ماله سبب كقضاء السنن الفائتة وتحية المسجد وسجدة التلاوة ونحوها فيجوز في هذه الأوقات وعنه لا يجوز إلا في ركعتي الطواف والمعادة مع إمام الحي إذا أقيمت وهو في المسجد بعد الفجر والعصر خاصة. وله فعل الفرض الفائت والنذر في كل وقت. ويكره التنفل بأربع بالليل دون النهار والسلام من ركعتين أفضل فيهما وكثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وعنه هما سواء. ويجوز التطوع جالسا.

والسنة: أن يتربع ويثني رجليه إذا ركع وسجد وكذلك صلاة المريض. ويصح التنقل بركعة وعنه لا يصح.

والسنن الراتبة قبل الفجر ركعتان وقبل الظهر ثنتان وبعدها ثنتان وفي الأربع قبل العصر وجهان وثنتان بعد المغرب وثنتان بعد العشاء والوتر وقال أبو بكر هو واجب وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة بست تسليمات وإن أوتر بخمس أو سبع لم يسلم إلا في آخرهن نص عليه وكذلك الوتر بتسع إلا أنه يجلس عقيب الثامنة ولا يسلم وأدنى الكمال ثلاث ركعات بتسليمتين يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص ويقنت فيها بعد الركوع ويجوز قبله ويرفع يديه فيقول "اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعي ونحفد

نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق1 اللهم أهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". ويسن مسح وجهه بيديه وعنه لا يسن والمأموم يؤمن فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه وعنه أنه يدعو.

ولا قنوت في المكتوبة إلا لأمر ينزل بالمسلمين فإن لإمام الوقت وأمير الجيش أن يقنتا في كل مكتوبة وعنه يختص ذلك بالفجر والمغرب وعنه بالفجر وهل يشرع ذلك لسائر الناس على روايتين. ومن ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه فأمن أو دعا. وسنة التراويح عشرون ركعة ويكره التنفل بينها.

ويسن لها وللوتر بعدها الجماعة ولا ينتفل بعدها في جماعة فإنه التعقيب إلا أن تؤخر حتى ينتصف الليل. وأقل سنة الضحى ركعتان وأكثرها ثمان والسنة فعلها غبا وقال أبو الخطاب المداومة أفضل.

_ قوله: "ويسن لها وللوتر بعدها الجماعة". وظاهره استحباب الجماعة خاصة وكذا كلام أكثر الأصحاب إلا أن كلام جماعة منهم في أدلة المسألة يدل على استحباب المسجد أيضا وقطع به في المستوعب فقال ومن السنة المأثورة فعلها جماعة في المساجد وقال الشيخ تقي الدين تنازع العلماء في قيام رمضان هل فعله في المسجد جماعة أفضل أم فعله في البيت أفضل على قولين مشهورين هما قولان للشافعي وأحمد ثم بحث المسألة.

باب صلاة الجماعة

باب صلاة الجماعة وتجب الجماعة على الرجال للمكتوبة وتصح بدونها وفعلها في المسجد

فرض كفاية وعنه فرض عين وتسن للنساء وعنه لا تسن ولا يكره أن يحضر العجائز جمع الرجال.

وأفضل مسجد للجماعة العتيق ثم الأبعد ثم الأكثر جمعا وعنه الأقرب أفضل من الأبعد ومن اختل جمع المفضول بتخلفه عنه فجمعه فيه

أفضل وجمع أهل الثغر في مكان واحد أفضل.

ومن أم في مسجد قبل إمامه لم يحز إلا أن يأذن له أو يتأخر عن وقته وتشق مراسلته لبعده أو يعلم له عذرا أو يخشى فوات الوقت ومن أم بعده لم

يكره إلا في مسجدي مكة والمدينة1 فهل يكره فيهما على روايتين. ومن صلى ثم حضر جماعة سن له أن يعيد معهم إلا المغرب وعنه يعاد وتشفع برابعة. ويجب أن ينوي الإمام والمؤتم حالهما وإذا انتقل المأموم منفردا لغير عذر أو المنفرد مأموما لم يجز وعنه يجوز وإن صار المنفرد إماما جاز في النفل خاصة نص عليه وقيل: هي كالتي قبلها. ومن أدرك الإمام راكعا كبر للإحرام وسقطت تكبيرة الركوع نص عليه فإن نواهما بتكبيرته لم تنعقد صلاته. وما يدركه المسبوق آخر صلاته وما يقضيه أولها يستفتح فيه ويتعوذ

ويقرأ السورة وإذا لم يدرك من الرباعية أو المغرب إلا ركعة تشهد عقيب قضاء ركعة في الأصح عنه وعنه عقيب ركعتين. وإذا بطلت صلاة المأمومين جميعا أتمها الإمام منفردا وإن بطلت صلاة

الإمام لعذر أو غيره بطلت صلاتهم.

وعنه لا تبطل ويتمونها جماعة أو فرادى

وفي قضاء المسبوقين ما فاتهم جماعة وجهان. ومن أئتم في فرض بمنتفل أو مفترض بغيره لم يصح وعنه يصح والمذهب الصحة.

وإن ائتم مقيم بمسافر جاز ويتم إذا سلم إمامه. ومن ركع أو سجد قبل إمامه سهوا ثم ذكر فلم يعد إلى متابعته حتى أدركه أو تعمد سبقه ابتداء لم تبطل صلاته عند القاضي وقيل: تبطل وإن سبقه بركن عمدا ولم يدركه فيه. فسدت صلاته نص عليه وإن كان سهوا أو جهلا لغت تلك الركعة فقط كالسبق بركنين سهوا وعنه يعتد بها. وخرج منها الأصحاب صحة الصلاة مع العمد. ومن زحم أو سها أو نام حتى فاته مع الإمام ركن غير الركوع أتى به ثم لحقه وإن فاته ركنان فأكثر أو الركوع وحده تابعه ولغت ركعته وقامت

التي تليها مقامها وعنه إن خاف فوت الركعة الأخرى فكذلك وإن لم يخف أتى بما ترك وتبعه وصحت ركعته ومتى أمكن المزحوم أن يسجد على ظهر إنسان أو رجله لزمه ذلك وأجزأه وإذا ركع الإمام فأحس بداخل استحب انتظاره قدرا لا يشق إلا مع كثرة الجمع وقيل: لا يستحب.

_ قوله: "وإذا ركع الإمام فأحس براكع استحب انتظاره". ظاهره اختصاص الحكم بالراكع وكذا هو ظاهر كلام جماعة وصرح جماعة بأن حال القيام كالركوع في هذا وصرح المصنف في شرح الهداية بأن التشهد كالركوع على الخلاف وأولى لئلا يفوته أصل فضيلة الجماعة وقال في التلخيص ومهما أحس بداخل استحب انتظاره على أحد الوجهين وقال في الرعاية بعد ذكر مسألة الركوع في حال تشهده وقيل: وغيره وجهان.

باب الإمامة

باب الإمامة لا تصح إمامة الصبي في الفرض وفي النفل روايتان ويتخرج أن تصح فيهما ولا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى إلا بالنساء ولا تصح إمامة كافر،

ولا أخرس وإن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى روايتين ومن أم قوما

محدثا أعادوا إلا أن ينسى حدثه حتى يفرغ فيعيد وحده. ومن علم أن إمامه أخل بما هو شرط أو ركن في مذهبه دون مذهب إمامه لم يصح ائتمامه به وعنه يصح. وتكره إمامة الأقلف وتصح وفي إمامة أقطع اليد أو الرجل بالصحيح وجهان ومن عجز عن ركن أو شرط لم تصح إمامته بقادر عليه إلا المتيمم بالمتوضئء والجالس بالقائم إذا كان إمام الحي وجلس لمرض يرجى برؤه ويأتمون به جلوسا فإن قاموا جاز وقيل: لا يجوز وإن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس ائتموا خلفه قياما. وأولى أهل الإمامة بها أقرؤهم إذا عرف ما يعتبر للصلاة ثم أفقههم ثم

أقدمهم هجرة ثم أسنهم ثم أشرفهم على ظاهر كلامه. وقال الخرقي الأولى بعد الأفقه الأسن ثم الأشرف ثم الأقدم هجرة قال ابن حامد الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن. ولا يقدم على إمام المسجد وصاحب البيت إلا ذو سلطان وقيل: يقدمان عليه ويقدم الحر على العبد والحضري على البدوي والمقيم على المسافر.

والبصير على الأعمى وقال القاضي هما سواء ويكره أن يؤم الرجل أجنبيات لا رجل معهن أو قوما أكثرهم يكرهونه.

_ صلاته ولا يلتفت إليهم وأطلق اعتبار قول الأكثر وكذا غيره ومنهم من قال ديانة. قال القاضي والمستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه فإن استووا فالأولى أن لا يؤمهم. وذكر الشيخ شمس الدين في الشرح قال ابن عقيل فإن استووا استحب له إزالة الخلاف بترك الإمامة وذكر ابن الجوزي في المذهب فيما إذا استويا وجهين. واحتج الأصحاب حيث قالوا يكره بما يدل على التحريم ولهذا قال بعض الأصحاب تفسد صلاته إذا تعمد وللشافعية أيضا وجهان في التحريم ونص الشافعي على تحريمه فقال لا يحل لرجل أن يصلي بجماعة وهم له كارهون. نقله الماوردي في كتاب الحاوي وفي الأم ما يقتضيه وكأن الأخبار لضعفها لا تنهض للتحريم وإن كانت تقتضيه فيستدل بها على الكراهة كما يستدل بخبر ضعيف ظاهره يقتضي وجوب أمر على ندبية ذلك الأمر ولا يقال لعل هناك صارفا عن مقتضى الدليل ولم يذكر لأنه خلاف الظاهر وأكثرهم يخص الكراهة بالإمام كعبارته في المحرر. ومن كرهت إمامته كره الائتمام به قال ابن عقيل تكره له الإمامة ويكره الائتمام به.

باب موقف الإمام والمأموم

باب موقف الإمام والمأموم لا تصح الصلاة قدام الإمام بحال ولا عن يسرته إذا لم يكن عن يمينه

أحد ولا يصح أن يقف الرجل صفا وحده إلا في صلاة الجنازة على قول ابن عقيل وهو المذهب والمرأة مثله إلا إذا ائتمت برجل ولم تجد امرأة تقف

معها فإن وقفت مع رجل فهو فذ عند ابن حامد وهو المذهب وقال القاضي: ليس بفذ وإن وقفت مع رجل لم تبطل صلاة من يليها عندهما وقال أبو بكر:

تبطل ومن لم يقف معه إلا كافر أو محدث يعلم حدثه فهو فذ وإن وقف معه صبي فقيل هو فذ وقيل: ليس بفذ والمنصوص أنه فذ في الفرض

دون النفل. ومن خاف فوات الركعة فركع فذا ثم دخل في الصف والإمام في الركوع

أو الاعتدال عنه صحت صلاته وعنه إن علم بالنهي عن ذلك لم يصح وعنه

إن دخل الصف قبل رفع إمامه صحت وإلا فلا تصح ومن فعل ذلك لغير

غرض لم تصح صلاته وقيل: تصح.

وإذا أمت امرأة نساء قامت بينهن وسطا وكذلك إمام العراة.

ومن سمع التكبير ولم ير الإمام ولا من وراءه لم يصح أن يأتم به إلا

في المسجد وعنه لا يصح بحال وعنه يصح بكل حال.

فإن ائتم به خارج المسجد وهو يراه أو يرى من خلفه جاز إلا إذا كان

بينهما نهر تجري فيه السفن أو طريق لم تتصل به الصفوف فهل يجوز على روايتين.

ومن كان موقف إمامه أعلى منه صح ائتمامه به وكره وقال ابن حامد: لا يصح ولا بأس باليسير من ذلك ويكره للإمام خاصة أن يتطوع موضع

المكتوبة أو يقف في المحراب إلا من حاجة ولا يكره الوقوف بين السواري إلا لصف تقطعه.

_ كذا ذكر جماعة وأطلق في المستوعب والمذهب وغيرهما كراهة العلو اليسير قطع المصنف في شرح الهداية والشيخ موفق الدين بأنه كدرجة المنبر ونحوها وذكر القاضي أنه يكره بذراع أو أزيد وقطع به في الرعاية ولعله يقارب معنى القول الذي قبله وقطع الشيخ وجيه الدين في شرح الهداية بأن قدر الارتفاع المكروه قدر قامة المأموم لأنه حينئذ يحتاج إلى رفع رأسه ليعلم انتقالات إمامه ورفع رأسه مكروه وما دون ذلك فلا يكره لعدم الحاجة إلى رفع رأسه الموجب للكراهة. قوله: "ولا يكره الوقوف بين السواري إلا لصف تقطعه". ولم يتعرض لمقدار ما يقطع الصف وكأنه يرجع فيه إلى العرف وشرط بعض أصحابنا أن يكون عرض السارية التي تقطع الصف ثلاثة أذرع وإلا فلا يثبت لها حكم القطع ولا حكم الخلل ذكره الشيخ وجيه الدين وهذا القول هو معنى قول من قال من الأصحاب إن من وقف عن يسار الإمام وكان بينه وبينه ما يقوم فيه ثلاثة رجال لا تصح صلاته لأن الرجل يقوم في مقاربة ذراع والتحديد بابه التوقيف ولا توقيف هنا ومتى دعت الحاجة إلى الوقوف بين السواري فلا كراهة قطع به جماعة منهم المصنف في شرح الهداية كالصلاة في طاق القبلة واستثنى في المحرر الحاجة فيه دون هذه. والظاهر أنه غير مراد وكأنه تبع غيره على العبارة.

باب صلاة المريض

باب صلاة المريض وإذا عجز المريض عن القيام صلى جالسا كالمتطوع فإن لم يستطع فعلى

جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فإن صلى على الأيسر أو على ظهره مستلقيا

ورجلاه إلى القبلة جاز ويومئ بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع فإن عجز أومأ بطرفه واستحضر الأفعال بقلبه.

ولا يؤخر صلاته ما لم يغم عليه ومن أمكنه القيام دون الركوع والسجود صلى قائما وأومأ بالركوع قائما أو بالجلوس جالسا.

ويجوز لمن به رمد أن يصلى مستلقيا إذا قال ثقات الطب إنه ينفعه ومن أمكنه في أثناء صلاته القعود أو القيام انتقل إليه وبنى.

_ في الانتصار في بحث مسألة التيمم لخوف زيادة المرض قال المعتبر بالظاهر وغلبة الظن إذا اتفق جماعة من الأطباء على أنه بترك الماء يأمن زيادة المرض والشين المقبح صار ذلك عذرا في الترك كالمتيقن انتهى كلامه. وثقات الطب يعطي اعتبار إسلامهم وهو مصرح به ويعطى العلم به ويعطى أيضا العدالة لأن الفاسق ليس بثقة ولا مؤتمن وينبغي أن يكتفي بمستور الحال. وقد احتج من قال بالمنع في المسألة بما ذكره ابن المنذر وغيره عن ابن عباس "أنه لما كف بصره أتاه رجل فقال لو صبرت على سبعة أيام لم تصل إلا مستلقيا رجوت أن تبرأ فأرسل إلى عائشة وأبي هريرة وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكلهم قال أرأيت إن مت في هذه السبعة ما الذي تصنع بالصلاة فترك معالجة عينيه". وأجاب في المغني بأنه إن صح فيحتمل أن المخبر لم يخبر بخبر عن يقين وإنما قال أرجو وأنه لم يقبل خبره لكونه واحدا أو مجهول الحال بخلاف مسألتنا وهذا يدل على أنه لا يكفي قول واحد ولا مجهول الحال وظاهره سواء جهلت عدالته أو علم وأنه لا بد من جزم الطبيب بذلك. وقال المصنف: الظاهر أنهم يئسوا من عود بصره بعد ذهابه ولم يثقوا بقول المخبر لقصوره أو للجهل بحاله أو لغير ذلك. وقال الشيخ وجيه الدين: وأما ابن عباس فكان المخبر واحدا والبصر مكفوف فطلب عودته لم يخف زيادة مرض ولا تباطؤ برء.

باب صلاة المسافر

باب صلاة المسافر ومن نوى سفرا مباحا مسافته ستة عشر فرسخا كل فرسخ ثلاثة أميال بالهاشمي والميل أثنا عشر ألف قدم خير بين قصر الرباعية وإتمامها.

إذا جاوز بيوت قريته والقصر أفضل ويشترط أن ينويه عند الإحرام. ومن سافر أو أقام في أثناء صلاته أو ذكر صلاة سفر في حضر أو صلاة حضر في سفر أو أخر المسافر صلاته عمدا حتى خرج وقتها أو ضاق عنها أو ائتم بمقيم فيما يعتد به أو بمن يشك هل هو مسافر أم لا أو فسدت صلاته خلف مقيم فأعادها لزمه أن يتم ذلك كله.

وإن سافر في وقت صلاة أو أدرك مقيما في التشهد الأخير فعلى روايتين. وإن نسي صلاة سفر فذكرها فيه قصر وإن ذكرها في سفر آخر فعلى وجهين.

ومن نوى الإقامة في بلد مدة عشرين صلاة قصر إلا أن يتزوج فيه أو يكون له فيه زوجة أو يكون بلد إقامته وإن نوى مدة إحدى وعشرين.

صلاة فعلى روايتين ومن حبسه عدو أو حاجة ولم ينو إقامة قصر أبدا وللملاح والمكاري والفيج المسافرون بأهليهم دهرهم إذا لم ينووا إقامة ببلد لا يقصرون.

_ وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي يجوز لهؤلاء القصر والفطر للعمومات وهي إنما تتناول من له إقامة وسفر فإنه المتبادر إلى الأفهام هذا جواب بعضهم كالمصنف وجواب بعضهم المراد بها الظاعن عن منزله وهذا كأنه يسلم تناولها ويخصصها بما تقدم واختار الشيخ موفق الدين والشيخ وجيه الدين منع الملاح والجواز لغيره لأنه لا يمكنهم استصحاب الأهل ومصالح المنزل في السفر وإن أمكن ففيه زيادة مشقة فهم في هذه الحال أبلغ في استحقاق الترخص بخلاف الملاح وأما أن كان للملاح ونحوه وطن أو منزل يأوون إليه في وقت ترخصوا بلا إشكال.

باب الجمع بين الصلاتين

باب الجمع بين الصلاتين يجوز جمع الظهر والعصر وجمع المغرب والعشاء للمسافر المستبيح القصر وللمرضع والمستحاضة ولمن به سلس البول وللمريض إذا وجد مشقة بتركه والجمع في وقت الأولى جائز وهو في وقت الثانية أفضل. ويشترط له في وقت الأولى أن ينويه عند افتتاحها ويقدمها على الثانية،

وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء فإن صلى بينهما سنة الصلاة بطل الجمع وعنه لا يبطل. ويشترط للجمع في وقت الثانية أن ينويه قبل أن يبقى من وقت الأولى بقدرها والترتيب.

ولا تشترط الموالاة على الأصح وقال أبو بكر لا يشترط للجمع ولا للقصر نية ويجوز الجمع للمطر الذي يبل الثياب ليلا ولا يجوز نهارا وعنه يجوز،

فإن جمع في وقت الأولى اعتبر وجود المطر في طرفيها ومع افتتاح الثانية وإن جمع له في وقت الثانية جاز وإن كان قد انقطع. وهل يجوز الجمع للوحل أو الريح الشديدة الباردة أو لمن يصلي حيث لا يناله المطر ولا الوحل على وجهين.

_ وكذا صححه غيره كالفائتتين فعلى هذا إذا فرق صلاهما بأذانين وإقامتين كالفائتتين إذا فرقهما قطع به جماعة من الأصحاب وجماعة لم يفرقوا كما هو معروف في موضعه وقال أبو حنيفة وصاحباه في صلاتي مزدلفة بأذان وإقامتين لأن الأذان للوقت والإقامة للإعلام بالفعل وهو وقت واحد وفعلان وينتقض هذا عندهم بصلاتي عرفة إذا فرقهما. ووجه اشتراط الموالاة مقصود الجمع بالتفريق الفاحش ولم يحصل إلا بعزيمة فوجب المنع منه كما يمتنع المسافر أن يصوم في رمضان عن غيره فعلى هذا إن فرق عمدا أثم وكانت الأولى قضاء وإن لم يتعمد لم يؤثر ذلك في فسادها ولا في فساد الثانية كما لو صلى الأولى في وقتها مع نية الجمع ثم تركه فإنه تصح لكن لو كانت مقصورة خرج فيها الخلاف في قصر الفائتة.

باب صلاة الخوف

باب صلاة الخوف وهي جائزة بحضرة كل عدو حل قتاله وخيف هجومه فإن كان في قبلي المسلمين بمرآهم ولم يخش له كمين صفهم الإمام صفين فصاعدا وصلى بهم كصلاة الأمن إلا أن الصف الأول في أول ركعة لا يسجدون مع الإمام بل يقفون حرسا فإذا قام إلى الثانية سجدوا ثم لحقوه وفي ثاني ركعة يحرس.

الساجدون معه أولا ثم يلحقونه في التشهد فيسلم بالجميع وإن كان العدو في غير جهة القبلة جعلت طائفة بإزائه وأخرى يصلي بها الإمام ركعة ثم تفارقه في الثانية فتتم لأنفسها بركعة ثم تذهب فتقف تجاه العدو ويطيل قراءته حتى تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها الثانية فإذا جلس قامت فصلت ركعة ويطيل التشهد حتى تدركه فيسلم بها ولو صلى بطائفة ركعة وانصرفت ثم بالأخرى ركعة ثم سلم هو وانصرفت هي ثم أتت الأولى فأتمت صلاتها ثم الثانية مثلها أجزأه وكان تاركا للاختيار. فإن كانت الصلاة مغربا أو رباعية صلى بطائفة ركعتين وبالأخرى ما بقي وتفارقه الأولى إذا انتهى تشهده وينتظر الثانية جالسا. وفيه وجه آخر أن المفارقة والانتظار في الثالثة. ويسن حمل الخفيف من السلاح في صلاة الخوف كالسيف والسكين ويكره حمل ما يثقل كالجوشن والمغفر وأما الصلاة حال المسايفة أو الهرب من سبع أو سيل أو عدو يباح الهرب منه فراجلا وراكبا إيماء إلى القبلة وغيرها ولا يلزمه الإحكام متوجها وعنه يلزمه مع القدرة. وإذا صلوا صلاة شدة الخوف لسواد ظنوه عدوا فلم يكن أو كان دونه ما يمنع العبور أعادوا. ومن أمن في صلاة خوف أو خاف في صلاة أمن انتقل وبنى وإذا خشي طالب العدو فوته فصلى صلاة شدة الخوف جاز وعنه لا يجوز.

_ كذا ذكر جماعة كالقاضي وأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهم لأن حراسته في الأولى أحوط والصواب ما اختاره جماعة كالشيخ موفق الدين والمصنف في شرح الهداية وغيرهما أن الصف الأول يسجد في الأولى ويحرس في الثانية اقتداء بما صح عنه عليه الصلاة والسلام.

باب اللباس والتحلي

باب اللباس والتحلي يحرم على الرجل في الحرب وغيره لبس الحرير وما نسج من الذهب أو موه به وافتراشه والاستناد إليه إلا لضرورة وعنه يباح الحرير في الحرب فإن نسج مع الإبريسم غيره فالحكم للأكثر فإن استويا فعلى وجهين ويمنع الصبي من لبس الحرير وعنه لا يمنع ويباح لمن به مرض أو حكة وعنه لا يباح. ولا بأس بحشو الجباب والفرش بالإبريسم. ويباح العلم والرقاع ولبة الجيب وسجف الفراء من الحرير دون الذهب إذا لم يجاوز قدر الكف وقال أبو بكر يباح منهما. ويباح للرجل من حلي الفضة الخاتم وقبيعة السيف وفي حيلة المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل ولا تباح له من الذهب.

إلا قبيعة السيف وما اضطر إليه كاتخاذه أنفا وشد الأسنان به ويحتمل أن تحرم القبيعة وقال أبو بكر يباح يسير الذهب إلا مفردا كالخاتم ونحوه. ويباح للمرأة من الذهب والفضة ما العادة أن تتحلى به كالخلخال والسوار والتاج ونحوه وإن كبر وقال ابن حامد إذا بلغ حليها ألف مثقال حرم.

ويحرم على الرجل والمرأة لبس ما فيه صورة حيوان وقيل: لا يحرم. ومن ألبس دابته جلدا نسجا مدبوغا جاز إلا جلد الكلب والخنزير ويكره للإنسان لبسه ولا يحرم.

_ حسن غريب وقال مزيدة العصري1 دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة رواه الترمذي وقال غريب وهذا كقول أنس إن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة لتكون حجة إباحة اليسير في الآنية وقد ثبت في الصحاح والسنن من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من الفضة. وفي هذا الباب مسائل حسنة وفوائد مهمة وما تيسر منها مذكور فيما علقته في الآداب الشرعية فليطلب هناك والله سبحانه وتعالى أعلم.

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة وهي فرض على الرجال الأحرار المكلفين المستوطنين ببناء متصلا أو متفرقا تفرقا يسيرا بحيث يشمله اسم واحد إذا بلغوا أربعين فأما المقيم في مصر لعلم أو شغل والمسافر سفرا لا قصر معه ومن كان خارج المصر على فرسخ أو بحيث يسمع النداء مقيما في غير بناء أو في قرية فيها دون الأربعين الموصوفين فتلزمهم الجمعة بغيرهم لا بأنفسهم ولا تنعقد بهم وهل تصح إمامتهم فيها يحتمل وجهين. ولا تجب على مسافر له القصر ولا عبد ولا امرأة ولا تنعقد بهم ولا تصح إمامتهم فيها ويجزئهم حضورها تبعا وعنه تجب على العبد. ومن لزمته الجمعة لم يحز أن يسافر في يومها حتى يصليها وعنه يجوز قبل الزوال [وهو المذهب] وعنه يجوز قبله للجهاد خاصة. ويجوز إقامتها في الصحراء لعدم البنيان. وهل تجوز في موضعين للحاجة؟ على روايتين فإن قلنا لا تجوز أو لم.

تكن حاجة بطلت المسبوقة بالإحرام إلا أن تختص بإذن الإمام فتصح دون الأولى وقيل: السابقة الصحيحة بكل حال فإن جهلت السابقة أعادوا ظهرا وإن أحرموا بهما معا بطلتا وصلوا جمعة وإن لم يعلم هل أحرموا بهما معا أو في وقتين فهل يصلون ظهرا أو جمعة على وجهين. وتجب الجمعة بالزوال ويجوز فعلها في وقت صلاة العيد وقال الخرقي في الساعة السادسة. ولا يشترط إذن الإمام الجمعة ولا عيد ولا استسقاء وعنه يشترط ويجب السعي إلى الجمعة بالنداء الثاني وعنه بالأول إلا من منزل بعيد فعليه أن يسعى في وقت يدركها به.

والسنة: أن يغتسل لها عند الرواح ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ويتطيب ويبكر إليها ماشيا ويدنو من الإمام ويشتغل بالذكر والقراءة.

والدعاء ولا يتخطى أحدا إلا لفرجة يجلس فيها وعنه يكره ذلك أيضا. ومن فرش شيئا في مكان فهو أحق به وقيل: لغيره رفعه والجلوس مكانه.

ويشترط للجمعة خطبتان تحتوي كل خطبة على حمد الله والصلاة على

رسوله والوصية بالتقوى وقراءة آية.

ويشترط العدد لأركان الخطبتين وللصلاة كلها وتصح خطبة الجنب نص عليه وهو عاص بقراءة الآية.

إلا أن يغتسل قبل قراءتها ثم يتيمم ويتخرج أن لا تصح. والأفضل أن يخطب طاهرا على منبر أو موضع عال.

ويسلم إذا استقبل الناس ويجلس وقت التأذين وبين الخطبتين ويخطب قائما ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا ويقصد تلقاءه ويقصر الخطبة،

ويدعو للمسلمين وإن دعا لمعين جاز ومن دخل والإمام يخطب لم يزد على ركعتين خفيفتين. ويحرم الكلام وقت الخطبة إلا على الخاطب وله لمصلحة وعنه يكره من غير تحريم ولا بأس به قبل الخطبة وبعدها.

وإذا خطب رجل وأم غيره جاز وعنه لا يجوز وعنه يجوز للعذر لا غير. وصلاة الجمعة ركعتان ويسن أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين ويجهر بالقراءة وعنه يقرأ في الثانية بسبح اسم ربك الأعلى.

ولا سنة للجمعة إلا بعدها وأقلها ركعتان وأكثرها ست. ومن أدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإن زحم عن سجدتيها.

حتى سلم أو عن ركوعها وسجودها فإنه يستأنف ظهرا وعنه يتمها ظهرا وعنه يتمها جمعة ومن أدركهم بعد الركوع في الثانية فقد فاتته الجمعة ويصح ظهره.

معهم بشرط أن ينويها بإحرامه وقال ابن شاقلا ينوي جمعة ثم يبني ظهرا وقيل: لا يصح ظهره معهم بحال ولا يصح أن يصلى ظهرا قبل تجميع الإمام،

إلا من لا حضور عليه كالمسافر والمريض والعبد وقال أبو بكر لا تصح منهم أيضا وإذا خرج وقت الجمعة وهم فيها أتموا جمعة وعلى قول الخرقي إن خرج.

قبل كمال ركعة بطلت الجمعة وهل يتمون ظهرا أو يستأنفون على وجهين.

وإذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام وعنه.

تسقط عنه أيضا وحضورها أولى وكذلك يسقط العيد بالجمعة إذا قدمت عليه.

_ إلا بركعة كمن أدرك الإمام ساجدا لم تسقط عنه الركعة إلا بإدراك جميعها وإدراك الجمعة كذلك فإن الأصل إقامة الصلاة أربع ركعات والجمعة أقيمت مقامها بشرائط ففي إدراكها إسقاط لأربع بخلاف إدراك الإلزام. الرابع أن صلاة الجمعة مدركة بالفعل وهذا يسقط بفوات الفعل فلم يصر مدركا إلا بما يعتد به من أفعالها وسائر الصلوات تدرك بالزمان فلذلك تسقط بفوات الزمان فصار مدركا لها بقليل الزمان وكثيره. الخامس أن الجمعة آكد في نظر الشرع ولذلك اختصت بأشياء وأجمع الناس على تعيين الجماعة لها بخلاف غيرها فجاز أن تختص بخلاف غيرها. السادس أن الجماعة فيها لا تتكرر كثيرا ففي القول بأنها لا تدرك إلا بركعة حرج.

باب صلاة العيدين

باب صلاة العيدين وهي فرض كفاية وعنه سنة وهل من شرطها الاستيطان والعدد على روايتين. ووقتها: من ارتفاع الشمس إلى زوالها. ويسن الإمساك قبل الأضحى وتعجيله والأكل قبل الفطر وتأخيره وفعلها في الصحراء وأن يبكر المأموم إليها ماشيا مظهرا للتكبير ويلبس أجمل.

ثيابه إلا المعتكف فإنه يخرج في ثياب اعتكافه ويتأخر الإمام حتى تحل الصلاة ثم يصلي بهم ركعتين يكبر للإحرام ثم يستفتح ثم يكبر ستا ثم يتعوذ وعنه يستفتح بعد التكبيرات ويكبر في ثاني ركعة خمسا قبل القراءة وعنه بعدها ويرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد.

النبي وعلى آله وسلم تسليما وإن أتى بذكر غيره جاز لا يأتي بذلك بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين ويقرأ في أول ركعة بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بالغاشية ويجهر بالقراءة ثم يخطب خطبتين كخطبتي الجمعة وهما سنة ويفتتح الأولى بتسع تكبيرات نسقا والثانية بسبع ويذكر في خطبة الفطر حكم الفطرة وفي النحر حكم الأضحية وإذا غدا في طريق رجع في أخرى ولا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها.

ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام صلاها على صفتها كما لو أدركه في التشهد. وعنه يصليها أربعا بلا تكبير بسلام أو بسلامين وعنه يخير بين ركعتين وأربع. وإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال من يومه صلاه من الغد.

ويسن التكبير للفطر من أول ليلته إلى فراغ الإمام من الخطبتين وعنه إلى خروجه للصلاة وفي الأضحى للمحل من صلاة الفجر يوم عرفة وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر فيكبران إلى آخر أيام التشريق العصر.

وصفته الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ويكبر عقيب المكتوبة في الجماعة وإن صلاها وحده فعلى روايتين. ولا يكبر عقيب النافلة وفي صلاة العيد وجهان وإذا نسي التكبير قضاه وإن تكلم ما لم يحدث أو يخرج من المسجد أو يطل الفصل.

ويسن مطلق التكبير في عشر ذي الحجة وهي الأيام المعلومات.

_ يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير يوما أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة وعن أوس بن أوس مرفوعا أفضل أيامكم يوم الجمعة رواه جماعة منهم أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وظاهره أنه ليس هو أفضل الأيام لإتيانه بلفظة من. وقد ثبت بالحديث المتقدم أنه أفضل من يوم النحر فلم يبق أفضل منه إلا أن يكون يوم عرفة وأفضل الشهور شهر رمضان على ظاهر كلام الأصحاب وغيرهم لأن أفضل الصدقة عندهم صدقة رمضان للخبر فيه ولأن الحسنات فيه تضاعف وهذا يدل على أفضليته على غيره من الشهور وينبني على ذلك فوائد من الطلاق والعتق والنذر وغير ذلك.

باب صلاة الكسوف

باب صلاة الكسوف. وهي مسنونة حضرا وسفرا بلا خطبة ولا يصلي بعد تجلي الكسوف ولا غروبه فإن كان ذلك وهو فيها أتمها فأوجز وتصح من المنفرد وفعلها جماعة في الجامع أفضل وهي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة فيقرأ في الأولى بالحمد ثم بنحو البقرة ثم يركع فيسبح نحو مائة آية ثم يرفع فيقرأ مع الفاتحة دون قراءته.

الأولى ثم يركع دون الركوع الأول ثم يرفع فيسجد سجدتين نحو الركوعين ثم يصلي الثانية كذلك ويقصرها عن الأولى في القراءة والتسبيح ثم يتشهد ويسلم ولو أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع جاز والمختار هو الأول.

وإذا اجتمع كسوف وجمعة قدم الكسوف إن أمن فوتها. وإن اجتمع خسوف ووتر قريب الفجر قدم الخسوف وقيل: الوتر وإذا.

كان الكسوف في وقت نهي ومنعنا من صلاته فيه سبح ودعا مكانها ولا تصلى صلاة الكسوف لغيره إلا للزلزلة وللزلزلة الدائمة.

_ الوجه الثالث أن العادات تنتقض إذا قربت الساعة فتطلع الشمس من مغربها وكذلك كسوفها وخسوفها انتهى كلامه. قال الشيخ أبو شامة المقدسي الشافعي في مذيله في سنة أربع وخمسين وستمائة قال فيها في ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة خسف القمر أول الليل وكان شديد الحمرة ثم انجلى وكسفت الشمس في غده احمرت وقت طلوعها وقريب غروبها وبقيت كذلك أياما مغبرة اللون ضعيفة النور والله تعالى على كل شئ قدير. واتضح بذلك ما صوره الشافعي رضي الله عنه من اجتماع الكسوف والعيد واستبعده أهل النجامة انتهى كلامه. وما يحكى عن المنجمين في هذا هو اختيار الشيخ تقي الدين وبحثه في غير موضع من كلامه.

باب صلاة الاستسقاء

باب صلاة الاستسقاء. وإذا أجدبت الأرض واحتبس القطر وعظ الإمام الناس ووعدهم يوما لخروجهم ثم يخرج فيه إلى مصلى العيد متنظفا غير متطيب متواضعا.

متذللا متضرعا ومعه الشيوخ والعجائز وأهل الصلاح.

ويجوز خروج الصبيان وقال ابن حامد يستحب.

وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا وأفردوا عن المسلمين ويصلى بهم.

ركعتين كصلاة العيد وعنه يصلي بلا تكبير ثم يخطب خطبة واحدة مفتتحة بتسع تكبيرات وقيل: بالحمد ويكثر فيها الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو ويدعون ويكثرون الاستغفار وعنه أنه يخطب قبل الصلاة وعنه يخير وعنه لا يخطب وإنما يدعو ويستقبل القبلة في أثناء دعائه فيدعو سرا ويحول رداءه فيجعل اليمين يسارا واليسار يمينا ويفعل الناس كذلك لا ينزعوه إلا مع ثيابهم ويسن أن يقف المستسقي في أول المطر ويخرج رجله وثيابه لينالها ويغتسل منه ويتوضأ فإن لم يسقوا عادوا ثانيا وثالثا وإن سقوا قبل الخروج صلوا شكرا وسألوا الله المزيد.

_ قوله ":وإن سقوا قبل الخروج صلوا شكرا". يعني فيما إذا عزموا على الخروج وتأهبوا له وإلا فلو سقوا قبل العزم على الخروج والتأهل له لم يصلوا على ظاهر كلام المصنف في شرح الهداية والأصحاب وذلك لأنهم قد شرعوا في أمر الاستسقاء فهو كما لو خرجوا فسقوا قبل أن يصلوا فإنهم يصلون وقد علل بعضهم بأن الصلاة شرعت لإزالة العارض من الجدب وذلك لا يحصل بمجرد النزول ومقتضى هذا أنهم يصلون مطلقا فعلى هذا هل يخرجون فيه وجهان والقول باستحباب الخروج قول القاضي وابن عقيل وقطع به جماعة منهم صاحب المستوعب والتلخيص وقيل لا يخرجون ولا يصلون اختاره الشيخ موفق الدين وغيره لأن الصلاة تراد لإنزال المطر وقد وجد ولأنه لم يرد فيه أثر وفيه كلفة. قال المصنف ويفارق ما لو خرجوا فسقوا قبل الصلاة لأنه ليس في التكميل كبير مشقة بل قد شرعوا وأتوا بأكثر المقصود من الاجتماع والدعاء ولذلك كان تكميله بالصلاة أولى انتهى كلامه. وظاهر كلام الآمدي أنهم يخرجون فيدعون ولا يصلون وهو قول بعض الشافعية.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز مدخل ... كتاب الجنائز يوجه المحتضر على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره ويبل حلقه بماء أو شراب ويلقن قول لا إله إلا الله مرة ولا يزاد على ثلاث فإن تكلم.

بشيء بعدها أعيدت ويقرأ عنده يس فإذا مات غمضت عيناه وشد لحياه ولينت مفاصله ونزعت عنه ثيابه وسجي بثوب وجعلت على بطنه حديدة وسورع في تجهيزه ويتيقن موته إن شك فيه بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه وارتخاء رجليه. وغسله فرض كفاية وأولى الناس به وصيه ثم أبوه وإن علا ثم.

ابنه وإن سفل ثم أقرب عصبته ثم ذوو أرحامه ثم الأجانب ولا يغسل المرأة محرمها وأولى الناس بغسلها من أوصت إليها به ثم أمها ثم جدتها ثم بنتها ثم أختها ثم عمتها أو خالتها ثم القربى فالقربى ثم الأجنبيات ويجوز أن يغسل الرجل زوجته وأم ولده وأن يغسلاه.

وعنه لا يجوز له غسل زوجته وللرجل والمرأة غسل من لم يبلغ سبع سنين من ذكر أو أنثى ولا يغسل المسلم قريبه الكافر وله دفنه إن لم يجد من يدفنه وعنه له غسله حكاه أبو حفص واختاره ويوجه الميت على مغتسله منحدرا نحو رجليه ويجعل تحت ستر أو سقف والأفضل بجريدة وستر عورته وعنه الأفضل غسله في قميص رقيق واسع الكمين ولا يحضره إلا الغاسل ومن يعينه ويرفع رأسه قريبا من الجلوس فيعصر بطنه برفق ويلف على يده خرقة فينجيه ولا يحل له مس عورته ولا نظرها ويسن أن لا يمس بقية بدنه إلا بخرقة ثم ينوي غسله ويسمي ويمسح بالماء باطن شفتيه ومنخريه ثم يتمم وضوءه كوضوء الصلاة ثم يغسل برغوة السدر.

رأسه ولحيته ولا يسرح شعره وقال ابن حامد يسرح تسريحا خفيفا ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ويقلبه على جنبيه يفعل ذلك كله ثلاثا إلا الوضوء فإنه يحصل بأول مرة ويمر في كل مرة يده على بطنه.

فإن لم ينق بالثلاث زاد حتى ينقى ويقطع على وتر ويجعل في كل غسلة سدرا مسحوقا وفي الأخيرة كافورا ولا بأس بالماء الحار والأشنان والخلال إن احتاجه ويقلم أظفاره ويجز شاربه ويزيل شعر عانته وإبطه ويجعل معه وكذلك العضو الساقط ولا يحلق رأسه ولا يختن بحال ثم ينشف بثوب والغرض من ذلك غسله بالماء وفي النيه والتسمية وجهان فإن غسل ثم خرج منه شئ غسل المحل ووضئ عند أبي الخطاب والمنصوص عنه أنه يعاد غسله وإن.

تكرر ذلك إلا إن تجاوز سبعا فيوضأ فإن لم يستمسك المحل حشي بالقطن أو الطين الحر وإن خرج منه يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل.

وفي الكثير روايتان ومن تعذر غسله فإنه ييمم وإن مات رجل بين نسوة أو امرأة بين رجال أو مات خنثى مشكل يمم أيضا وعنه يغسل في قميص يصب الماء من فوقه ولا يمس والسقط لا يغسل ولا يصلى عليه حتى يستكمل.

أربعة أشهر ولا يغسل شهيد المعركة إلا لجنابة أو طهر من حيض أو نفاس إن كان امرأة فإن استشهدت قبل الطهر فعلى وجهين فإن حمل المجروح وبه رمق أو مشي أو أكل أو نام أو بال ثم مات غسل وقيل: إن لم يطل به ذلك لم يغسل ومن عاد عليه سهمه أو رفسته دابته فمات أو وجد ميتا ولا أثر به غسل والمقتول ظلما شهيد لا يغسل وعنه يغسل وكل شهيد لا يغسل.

ففي الصلاة عليه روايتان وتنزع عنه لامة الحرب ويجب دفنه في بقية ثيابه. نص عليه وقيل: لوليه إبدالها بغيرها وعلى الغاسل إن رأى سوءا ستره إلا على مشهور ببدعة أو فجور.

_ قاطعين به كما قطع به في المحرر ثم هل هو مستحب أو مباح فيه خلاف قال ابن عقيل لا بأس عندي بإظهار الشر عليه ليحذر الناس طريقه. وكلام ابن عقيل هذا يدل على أنه لم يجد أحدا من الأصحاب سبقه إلى هذا وتبعه على هذه العبارة في الكافي وكذلك المصنف ثم قال ونظيره الفاسق المعلن فإنه لا غيبة له فيما أعلن به بل ذكره لقصد التحذير منه مستحب فكذلك هذا وذكر الشيخ وجيه الدين أنه مستحب وقال ذكره ابن عقيل ثم على هذا الاستثناء هل يستحب كتم ما يراه عليه من الخير أم لا ظاهر كلام ابن عقيل ومن اتبعه أن الحكم يختص بإظهار الشر عليه وأن الخير يستحب إظهاره مطلقا وقطع ابن تميم بأنه يستحب كتمه.

باب الكفن

باب الكفن. السنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض يخمر ثم يبسط بعضها فوق بعض ويذر الحنوط بينها ثم يوضع عليه مستلقيا ويذر الحنوط في قطن يجعل بين إليتيه ويلجم بخرقة تأخذ إليتيه ومغابنه ويجعل الباقي في منافذ وجهه وأذنيه وتطيب مغابنه ومفاصله ومواضع سجوده فإن طيب كله فحسن ولاتدخل عيناه كافورا ثم يدرج في أكفانه فيرد الطرف الأيمن من كل لفافة على الأيسر ويرد ما فضل عن وجهه ورجليه عليهما فإن خيف.

انتشار الكفن عقد وحل في القبر ويجوز أن يكفن في مئزر وقميص ولفافة ويجعل القميص فوق المئزر ولا يزر واللفافة فوقهما وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر وقميص وخمار ولفافة وخامسة تشد بها فخذاها تحت المئزر نص عليه ويضفر شعرها بثلاثة قرون ويسدل من خلفها ويجب تكفين الميت من صلب تركته كفن مثله فإن لم يكن له تركة فعلى من تلزمه مؤنته وهو المذهب ولا يلزم الزوج كفن زوجته ويجزئ التكفين بثوب واحد وقيل: يجب الثلاثة وقيل: إن كان عليه دين مستغرق للتركة اكتفي بثوب وإلا وجبت الثلاثة وإذا مات المحرم جنب ما كان يجنب من الطيب والمخيط والتغطية.

_ فضلة ردت على أصحابها إن عرفوا وإن اختلطت أو لم يعرف معطيها بحال صرفت في كفن آخر نص عليه فإن تعذر ذلك تصدق بها انتهى كلامه ولم يزد عليه وذكر ابن تميم مثله إلا أنه لم يذكر اختلاطها وقال في الرعاية ومن جيء له بكفن ففضل عنه بعضه أو كفنه أهله بغيره يصرف ذلك أو ما فضل منه في كفن ميت آخر نص عليه فإن تعذر تصدق به وقيل إن علم ربه أخذه وإن دفعه له جماعة أخذوه بقدر ما دفعوه وإن جهلوا صرف في ثمن كفن آخر نص عليه ولا تأخذه ورثته وقيل بلى وهو بعيد بل يتصدق به انتهى كلامه. وذكر ابن عبد القوي ما ذكره في شرح الهداية ثم قال أما إذا لم يعرف معطوها فظاهر لأنهم خرجوا عنها لله والظاهر أنهم لا يعودون فيها ولاضمان على من تصدق بها بخلاف الودائع والغصوبات المجهولة الأرباب لأنهم لم يخرجوا عنها هناك والقياس دفع الجميع إلى ولي الأمر لأنه وكيل الغياب وموضع أمانات المسلمين وأما إذا اختلطت هنا مع معرفة قوم لا تعدوهم فهو كما لو انهارت أموالهم بعضها على بعض أو اختلطت ثمرة المشتري ورب الأصل يصطلحون عليها أو تقسم هنا بالحصص إن عرف مقدار ما بذل كل واحد لا سيما إذا قلنا إن النقدين لا يتعينان بالتعيين هذا كلامه.

_ قال في الرعاية وإن أكله سبع أو أخذه سيل فكفنه تركة وقيل إن تبرع بكفنه أجنبي فأكل الميت سبع أو نحوه وبقي كفنه فهي إباحة لا تمليك بخلاف ما لو وهبه أو ثمنه لورثته أولا وكفنوه به ثم وجدوه فإنه يكون لهم. وقال أبو المعالي في شرح الهداية إذا افترسه سبع بعد التكفين فإن كان الكفن من ماله فهو للورثة وإن كان من بيت المال فوجهان أظهرهما أنه لورثته لأن الميت صار أحق به فإذا عدمت الحاجة فهو لورثته كما لو كان من ماله انتهى كلامه. والأولى أن يقال هل يزول ملك الدافع عن المدفوع نظرا إلى ظاهر الحال أم لا يزول لتردد الدفع بين الإباحة والخروج عنه والأصل أن لا يخرج من ملكه إلا ما اعترف بخروجه فيه روايتان فإن قلنا يزول ملكه عنه صرف ذلك أو الفاضل منه في كفن ميت آخر قال ابن عقيل وغيره لأنهم عينوه للأكفان والمعروف في المذهب أنه يجوز دفع فاضل مغل وقف مسجد وغيره إلى ذلك النوع وغيره وإن كان ينبغي أن يقال الأولى ذلك النوع وهذا في معناه وكذلك إن أكل الميت السبع ونحوه لأن الميت لم يملكه وإنما صار أحق به مع حاجته فإذا زالت فهو كما لو كفن بغيره وإن قلنا لا يزول ملكه عنه رد إلى صاحبه فإن لم يكن فلورثته كإباحة غيره فإن جهل فحكمه حكم اللقطة والوديعة المجهول ربها لكن هذا إذا تصرف فيه دفع في كفن آخر على المنصوص واختلاطه ونحوهما على هذا لا أثر له فيفرد بحكم هذا ظاهر كلام ابن تميم وابن حمدان واختاره ابن عبد القوي.

فيقول اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا إنك على كل شيء قدير اللهم من أحييته منا.

فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم إنه عبدك ابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وإن كان صغيرا قال اللهم اجعله لوالديه فرطا وذخرا وسلفا وأجرا وأعظم به أجورهما وثقل به موازينهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين وقه برحمتك عذاب الجحيم ثم يكبر رابعا ويقف قليلا يدعو وعنه لا يدعو ثم يسلم تسليمة عن يمينه ويأتي بذلك كله قائما ويرفع يديه مع كل تكبيرة. والغرض من ذلك القيام والتكبيرات.

والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء للميت والسلام.

وإذا كبر الإمام سبعا كبروا بتكبيره وعنه لا يتابع فوق خمس وعنه لا يتابع.

فوق أربع ومن فاته بعض التكبير قضاه متتابعا وقيل: يقضيه على صفته مالم ترفع الجنازة ولو سلم ولم يقض جاز.

ويصلى على القبر وعلى الغائب بالنية إلى شهر فإن صلى بالنية في أحد.

جانبي البلد على ميت بالآخر لم يجز وقال ابن حامد يجوز.

ولا يصلي الإمام على من قتل نفسه أو غل من غنيمة وإذا وجد بعض الميت غسل وصلى عليه وعنه لا يصلى على الجوارح وإذا اشتبه من يصلي عليه بغيره استقبلهما ونوى من يصلي عليه. ويقف الإمام حذاء صدر الرجل ووسط المرأة ومتى اجتمعا سوى بين رأسيهما ووقف تلقاء صدريهما وقيل: يجعل صدره حذاء وسطها وإذا تنوعت الجنائز قرب إلى الإمام الرجل الحر ثم العبد ثم الصبي ثم المرأة وعنه تقديم الصبي على العبد وقال الخرقي يؤخر الصبي عن المرأة ومن مات لم يحضره غير نسوة صلين عليه جماعة وإن اجتمعت جنازة ومكتوبة قدمت المكتوبة إلا أن تكون فجرا وعصرا.

_ قوله: "ولا يصلي الإمام على من قتل نفسه أو غل من غنيمة". كذا أطلق أبو الخطاب قاتل نفسه. قال المصنف يعني متعمدا وهل ذلك واجب أو مستحب كلام الإمام أحمد محتمل وظاهر نهيه التحريم وهو ظاهر كلام ابن عقيل وصرح المصنف في شرح الهداية بالاستحباب وصرح أيضا أنه يجب التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تركه الصلاة عليهما. وظاهر كلام الشيخ وجيه الدين الاستحباب. وقال ابن تميم امتناع الإمام من الصلاة على من تقدم مستحب فلو صلى جاز وفيه وجه يجب ذلك وحكى في الرعاية روايتين.

باب الصلاة على الميت

باب الصلاة على الميت وهي فرض كفاية ولا تكره في المسجد ولا في المقبره ولا تجوز عند طلوع الشمس أو زوالها أو غروبها وعنه تجوز والأولى بها من وصى إليه الميت بها ثم السلطان ثم أقرب العصبة وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان. وصفتها: أن يكبر للإحرام ثم يتعوذ ويقرأ الفاتحة ثم يكبر ثانيا ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته عليه في التشهد ثم يكبر ثالثا.

باب حمل الجنازة والدفن

باب حمل الجنازة والدفن. من السنة الإسراع بالجنازة وأن يكون الماشي أمامها والراكب.

خلفها وأن يحمل الإنسان بقوائمها الأربع يبدأ مما يلي يمين الميت على كتفه اليمنى بالقائمة المقدمة ثم المؤخرة ثم من الجانب الآخر على روايتين وهذا هو التربيع ولو حمل على كاهله بين العمودين جاز ومن تبع الجنازة لم يجلس حتى توضع فإن سبقها فجلس لم يقم لها. والسنة: أن يتولى دفن الميت غاسله.

ويعمق قبره قامة وبسطة ولا يسجى إلا قبر المرأة ويدخله الميت من عند رجليه إن سهل وإلا فمعترضا من قبليه ويقول من يضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله ويضعه في اللحد على جنبه الأيمن متوجها تحت رأسه لبنة،.

ثم يشرج عليه لبن أو قصب ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا ما مسته النار ثم يحثى عليه التراب باليد ثلاثا ثم يهال عليه ويسنم القبر فوق الأرض شبرا ويرش بالماء ويحلل بالحصا ويكره البناء والكتابة عليه وتجصيصه دون.

تطيينه ولا يدفن فيه اثنان إلا لضرورة ويقدم أفضلهما إلى القبلة ويحجز.

بينهما بتراب وإذا ماتت ذمية حامل بمسلم أفردت عن مقابر المسلمين والكفار.

واستدبرت بها القبلة ومن ماتت وفي بطنها ولد يتحرك أخرجنه فإن عجزن تركنه ومن دفن غير موجه أو غير مغسل نبش فغسل ووجه وإن دفن لم يصل عليه نبش مالم يخش تفسخه نص عليه وقال القاضي يصلى على القبر. وتسن التعزية قبل الدفن وبعده ولا يجلس لها والبكاء على الميت.

جائز والندب والنوح وخمش الوجه وشق الجيب منهي عنه. ويسن أن يصنع لأهل الميت طعام يبعث إليهم ويكره لهم صنع طعام للناس.

ومن تطوع بقربة وأهدى ثوابها لميت مسلم نفعه ذلك.

ويكره المشي في المقبرة بنعلين إلا من عذر ولا يكره بالخف ويكره الجلوس والاتكاء على القبور ولا تكره عنده القراءة.

ويستحب زيارة القبور للرجال وتكره للنساء وعنه لا يكره.

_ بالكراهة كما ذكر غيره وقال نص عليه في رواية حنبل فقال القعود على القبور والحديث عندها والتغوط بين القبور كل ذلك مكروه قال وكذلك نقل أبو طالب وقال في بحث المسألة ولأن في الجلوس عليه استخفافا بحقه واستهانة به وهذا لا يجوز. وقد عرف أن لأصحابنا وجهين في الكراهة في كلام الإمام أحمد التحريم وكراهة التنزيه وقال الشريف في بحث المسألة بعد أن ذكر الكراهة لأن في ذلك استخفافا بصاحبه واستهانة به أشبه ما إذا قعد عليه للبول. قوله: "وتستحب زيارة القبور للرجال". ذكره بعضهم إجماعا وهو أبو زكريا النووي وحكى بعضهم عن طائفة كراهته. قال المصنف وظاهر كلام الخرقي أنها جائزة لا استحباب فيها لأنه قال ولا بأس أن يزور الرجال المقابر وكذا حكى أبو المعالي عن الخرقي أنه مباح لا بأس به وكذا عبارة الحلواني وفي العمدة لأن الأمر بها أمر بعد حظر والمشهور عندنا أنه للاباحة ومن حمله على الندب فلقرينة تذكر الموت أو الأمر فيه1. وحكى أبو المعالي عن مالك أنه يكره وظاهر كلام الأصحاب أنه لا يكره الإكثار من زيارة الموتى. وقال في الرعاية ويكره الإكثار من زيارة قبور الموتى والاجتماع عندها والسفر إليها وحضور القاص لها.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة باب صدقة المواشي تجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم السائمة أكثر السنة إلا العوامل ولا زكاة في الإبل حتى تبلغ خمسا فيجب فيها شاة فإن أخرج بعيرا لم يجزئه وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وهي ما كملت سنة فإن لم يكن عنده فابن لبون وهو ما كمل سنتين فإن عدمهما لزمه شراء بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وهي ما كملت ثلاث سنين وفي إحدى وستين جذعة وهي ما كملت أربع سنين وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وعنه الحقتان فإن بلغت مائة وثلاثين فصاعدا ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ويجزىءعن المائتين أربع حقاق أو خمس بنات لبون عند أبي بكر وابن حامد والمنصوص عنه تعيين الحقاق. ومن عدم السن الواجب أخرج سنا دونه يليه ومعه شاتين أو عشرين درهما وإن شاء سنا فوقه يليه حقة واسترد من الساعي شاتين أو عشرين درهما فإن جبر بشاة وعشرة دراهم فعلى وجهين فإن أخرج عن بنت مخاض حقة لعدمها وعدم بنت لبون واسترد حيوانين أو أخرج بالعكس وأعطى حيوانين جاز وقال أبو الخطاب لا يجوز ذلك وهذا الحيوان مختص بالإبل. ولا زكاة في البقر حتى تبلغ ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة وهو ما كمل سنة وفي أربعين مسنة وهي ما كملت سنتين وفي الستين تبيعان وكذلك كلما زادت ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة.

والجواميس نوع من البقر. وأما الغنم فنصابها أقله أربعون وفيها شاة وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين ثلاث شياه ولا شيء فيها إلى أربعمائة فيجب أربع شياه وعنه في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ثم في كل مائة شاة ويؤخذ من المعز الثني ومن الضأن الجذع. ولا زكاة في الظباء وفي بقر الوحش روايتان ويجب في المتولد بين الوحشي والأهلي ومن كان في ماشيته إناث لم يجزئه إخراج الذكر إلا ابن لبون عن بنت مخاض والتبيع في البقر فإن كانت كلها ذكورا أجزأه الذكر وقيل: لا يجزىءإلا في الغنم. ولا تؤخذ الربى وهي التي لها ولد ولا الحامل ولا طروقة الفحل ولا فحل الضراب ولا سن من جنس الواجب أعلى منه ولا خيار المال إلا برضى المالك ولا يجزىءتيس ولا معيبة لا تجزىءفي الأضحية ولا صغيرة إلا أن يكون الجميع معيبات أو صغارا فيجوز وقال أبو بكر لا تجزىءإلا سليمة كبيرة على قدر قيمة المالين فإن اجتمع سليم ومعيب أو صغار وكبار أخذت سليمة كبيرة على قدر قيمة المالين. وإن اجتمعت كرام ولئام أخرج وسطا على قدر قيمتها فإن كانا نوعين كالضأن والمعز أخرج من أيهما شاء على قدر قيمتهما وقال أبو بكر لا تعتبر القيمة. وينعقد الحول على صغار الماشية مفردة وعنه لا ينعقد حتى تبلغ سن الإجزاء وإذا لم تكن الماشية نصابا فنمت نتاجها فحولها من حين كملت وعنه من حين ملك الأمهات.

باب حكم الخلطة

باب حكم الخلطة إذا خلط جماعة من أهل الزكاة ماشية لهم في جميع الحول في المرعى والمسرح والمبيت والمحلب والفحل أو كانت ملكا مشاعا بينهم زكوها زكاة المال الواحد إذا كانت نصابا فأكثر وهل تشترط نية الخلطة على وجهين [المذهب إسقاطها] . ولو خلط اثنان في أثناء حولهما ثم باع أحدهما حصته مختلطة فعلى المشتري كلما تم حوله زكاة خلطة وعلى الآخر لحوله الأول زكاة انفراد ولما بعده زكاة خلطة ولا أثر للخلطة في غير الماشية وعنه يؤثر في كل مال ويأخذ الساعي من أي مال الخليطين شاء زكاتهما ويرجع على خليطه بقيمة حصته فإن اختلفا فيهما ولا بينة فالقول قول المرجوع عليه مع يمينه ومن ظلمه الساعي يأخذ زيادة لم يلزم خليطه شيء منها وإن أخذ منه قيمة الفرض أو زيادة مختلفا فيها رجع على خليطه بقسطه ومن ملك أربعين شاة نصف حول ثم باع نصفها مشاعا أو معينا مختلطا فقال أبو بكر يستأنفان الحول وقال ابن حامد لا ينقطع حول البائع فيلزمه إذا تم حوله نصف شاة فإن أخرج من النصاب بطل حول المشتري وإن أخرج من غيره لزم المشتري إذا تم حوله نصف شاة وإن لم يخرج شيئا حتى حال حول المشتري فهل يلزم المشتري نصف الشاة على وجهين فإن باع بعض النصاب مفردا ثم خلطا بعد زمن يسير انقطع الحول وقيل: لا ينقطع ومن كان له أربعين شاة في بلد وأربعون في آخر وبينهما مسافة القصر لزمه شاتان [وهو المذهب المفتى به] وإن كان في كل بلد عشرون فلا زكاة في الأظهر عنه وهذا في الماشية خاصة وعنه لا أثر لتفرقة البلدان بحال ومن ملك أربعين شاة ثم إحدى وثمانين بعدها لزمه للثانية إذا تم حولها شاة كالأولى وقيل: يلزمه لها.

شاة واحدة وأربعون جزءا من أصل مائة إحدى وعشرين جزءا من شاة فإن كانت الثانية أربعين فلا شيء فيها وقيل: فيها شاة وقيل: نصف شاة فإن كانت الثانية عشرين فوجهان أحدهما لا شيء فيها والثاني فيها ثلث شاة فإن نقصت الزيادة عن نصاب وغيرت الفرض كمن ملك ثلاثين من البقر ثم عشرا بعدها فإنه يجب للعشر إذا تم حولها ربع مسنة وجها واحدا ومن كل له ببلد ستون شاة كل عشرين منها خلطة مع عشرين لآخر لزمهم شاة عند أصحابنا على رب الستين نصفها وعلى كل خليط سدسها وعندي يلزمهم شاتان وربع على رب الستين ثلاثة أرباع وعلى كل خليط نصف شاة.

باب زكاة الذهب والفضة

باب زكاة الذهب والفضة نصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الفضة مائتا درهم وفيها ربع العشر وفيما زاد بحسابه فإن نقص النصاب نقصا لا يضبط غالبا كحبة وحبتين وجبت الزكاة وإن نقص ثلث مثقال فعلى روايتين. ولا زكاة في المغشوش حتى يبلغ النقد الخالص فيه نصابا. ومن أخرج عن الصحاح الجياد مكسرة أو بهرجة عن خالصة أخرج الفضل بينهما وأجزأه نص عليه وقيل: لا يجزئه إلا جيدة مثلها. ويضم أحد النقدين إلى الآخر في إكمال النصاب بالإجزاء دون القيمة وقيل: بالأحظ للمساكين منهما وعنه لاضم بينهما بحال. وتجب الزكاة في المصوغ المحظور ولا تجب في المباح إلا حلى الكراء والتجارة والمرصد للنفقة عند الحاجة وعنه تجب فيه بكل حال والاعتبار في الإخراج بوزنه إن كان اتخاذه محظورا وإلا فبقيمته وقيل: يعتبر وزنه بكل حال.

باب زكاة التجارة

باب زكاة التجارة ومن ملك بفعله عرضا بنية التجارة وقيمته نصاب فالزكاة في قيمته ويجب الإخراج منها فأما ما يملكه للقنية أو ملكه قهرا كالميراث فهل يصير للتجارة إذا نواه على روايتين [المذهب لا يصير للتجارة لأن الأصل القنية] . وتقوم عروض التجارة إذا حال الحول بما شاء من ذهب أو ورق إلا أن يكون أحدهما أحظ الفقراء فيتعين ولا يعتبر ما اشتريت به. وينقطع حول التجارة بمجرد نية القنية ومن اشترى للتجارة أربعين شاة سائمة ففيها زكاة القيمة فإن لم تكن قيمتها نصابا ففيها زكاة السوم. ومن ملك للتجارة أرضا فزرعت أو نخلا فأثمرت زكى الجميع زكاة القيمة إذا تم حولها وقيل: يزكى الأصل زكاة القيمة والثمر والزرع زكاة العشر. وإذا ربح مال المضاربة زكى رب المال حصته كما قبل القسمة إن قلنا يملكها بالظهور على وجهين [المذهب أنها يملكها بالظهور] فإن قلنا يلزمه لم يلزمه أن يخرج قبل القسمة. وهل يلزم العامل زكاة حصته وهل له الإخراج من مال المضاربة على وجهين.

باب ما يعتبر له الحول وحكم الدين وغيره

باب ما يعتبر له الحول وحكم الدين وغيره الحول شرط في زكاة الماشية والنقدين وعروض التجارة ولا يؤثر نقصه دون اليوم ونتائج النصاب وأكسابه تتبعه في حوله والمستفاد بإرث أو عقد ونحوه يفرد بالحول وإذا نقص النصاب في أثناء الحول انقطع وكذلك إن باعه بغير جنسه إلا بيع الذهب بالفضة.

وإن باع عروضا للتجارة بنقد أو اشتراها به أو باع ماشية بجنسها بنى على حول الأول. ومن فعل ما يقطع الحول فرارا من الزكاة لم تسقط عنه واشترط بعض أصحابنا أن يفعل ذلك عند قرب وجوبها. ومن كان دينه على ملىءلم يلزمه إخراج زكاته حتى يقضيه أو يبرئه منه فيزكيه لما مضى فأما الدين على معسر أو جاحد أو مماطل إذا أقبضه أو أسقطه أو المال المغصوب أو الضال إذا عاد إليه فهل يزكيه لما مضى على روايتين وإذا عرفت اللقطة فملكت استقبل بها الملتقط حولا وزكاها نص عليه وفي زكاة حول التعريف على المالك إذا وجدها الروايتان. ولا زكاة في دين الكتابة ويمنع دين الآدمي وجوب الزكاة في قدرة في سؤال الباطنة كالنقد وما قوم به فأما الظاهرة كالماشية والزرع فعنه يمنع فيها أيضا وعنه لا يمنع وعنه ما استدانه لزرعه منع ولمؤنة أهله لا يمنع. فأما دين الله تعالى كالكفارة والنذر والزكاة والخراج فهل يمنع على روايتين. ومن نذر الصدقة بمال بعينه فلا زكاة فيه بحال وتجب الزكاة في الذمة وقال القاضي تتعلق بالنصاب فعلى قوله: من لم يملك سوى نصاب فلم يزكه أحوالا فليس عليه إلا زكاة حول إلا في الإبل المزكاة بالغنم فإنها تزكى لكل حول وقد نص أحمد على ذلك وإن قلنا يجب في الذمة زكى لكل حول إلا إذا قلنا دين الله يمنع فيزكى عن حول واحد في الإبل وغيرها. ولا تسقط الزكاة بتلف المال إلا المعشرات إذا تلفت بآفة سماوية قبل قطعها وعنه تسقط الزكاة بتلف المال قبل إمكان الأداء. ولا تسقط الزكاة بالموت فإن اجتمع زكاة ودين وضاقت التركة تحاصا.

نص عليه ويتخرج أن تقدم الزكاة إن قلنا تتعلق بالعين إلا أن يكون النصاب معدوما فيتحاصان. وللراهن إخراج زكاة المرهون منه إذا لم يكن له ما يؤدي عنه. وينعقد الحول على الأجرة والمهر وعوض الخلع قبل القبض وعلى الغنيمة إن كانت صنفا واحدا قبل القسمة وقيل: لا ينعقد حتى تقسم كما لو كانت أصنافا. ولا زكاة في مال مكاتب ولا في مال ملكه السيد عبده وقلنا يملكه وإن قلنا لا يملكه زكاه السيد وإذا عتق المكاتب وفي يده نصاب استقبل به حولا.

باب زكاة الزروع والثمار

باب زكاة الزروع والثمار كل نبات مكيل مدخر كالحبوب واللوز والفستق والتمر والزبيب والبذور والصعتر والأشنان ونحوها إذا بلغ صافيا يابسا خمسة أوسق ففيه العشر مصفى يابسا إذا سقى بالغيوث والسيوح وإن سقى بكلفة كالدواليب والنواضح فنصف العشر وما زاد فبحسابه فإن سقى نصفه سيحا ونصفه نضحا وجب ثلاثة أرباع عشره وإن كان أحدهما أكثر فالحكم له نص عليه وقال ابن حامد يجب بالقسط وإن جهل المقدار وجب العشر على المنصوص وعلى قول ابن حامد يجعل منه نضحا المتيقن والباقي سيحا ويؤخذ بالقسط ونصاب الأرز والغلس وهو نوع حنطة يدخر في قشره إذا صفيا كغيرهما وفي قشريهما عشرة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي ويزكى الزيتون إذا بلغ خمسة أوسق كيلا نص عليه ويخرج منه وإن صفاه فأخرج عشر زيته فهو أفضل وعنه لا زكاة فيه ولا زكاة في غير مكيل مدخر كالجوز والتين والخضر ونحوها إلا القطن

والزعفران فإنهما على روايتين وفي العصفر والورس وجهان فإن قلنا يجب فنصابهما ما قيمته كقيمة نصاب من أدنى نبات يزكى وقال القاضي العصفر تبع للقرطم ولا يزكى حتى يبلغ القرطم نصابا. وتضم الحبوب بعضها إلى بعض في تكميل النصاب وعنه لا يضم جنس إلى غيره ومنه تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض كزرعه. ومن كان في ثمره جيد ورديء ووسط أخذ من كل نوع حصته إلا أن يعسر التمييز فيؤخذ الوسط. وإذا بدا صلاح الثمرة واشتد الحب وجبت الزكاة فإن قطعها قبل ذلك لم يجب إلا أن يقصد الفرار منها وإن أراد قطع ثمر بدا صلاحه ولم يكمل لخوف العطش أو ضعف الجمار أو كان رطبا لا يثمر أو عنبا لا يصير زبيبا جاز وله إخراج عشره رطبا قبل الجداد وبعده اختاره القاضي والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابسا ولا يتصرف المالك في الثمر قبل الجداد حتى يخرص فيضمن زكاتها ثم يتصرف ويوضع ثلث الثمرة أو ربعها ولا يحتسب له زكاة ويزكي الباقي إن بلغ نصابا ولا وضيعة في الزرع إلا ما العادة أكله فريكا ونحوه. ويجب في العسل العشر وإن كان من أرض مباحة أو خراجية إذا بلغ عشرة أفراق والفرق قيل إنه ستون رطلا وقيل: ستة وثلاثون وقيل: ستة عشر وهو ظاهر كلامه. والعشر والخراج يجتمعان ومن أستأجر أرضا خراجية فزرعها فالعشر عليه والخراج على المؤجر وعنه كلاهما على المستأجر ولا زكاة في المعشرات بعد أداء العشر ولو بقيت أحوالا مالم تكن للتجارة

باب زكاة المعادن

باب زكاة المعادن ... باب زكاة المعدن ومن أخرج من معدن مملوك له أو مباح نصاب ذهب أو فضة أوما تبلغ قيمته أحدهما من سائر المعادن كالياقوت والزبرجد والصفر والقار والنفط والنورة ونحوها ففيه ربع العشر من وقته لأهل الزكاة إذا أخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك إهمال ويخرجه بعد السبك والتصفية. وما أخذ من البحر كالمرجان واللؤلؤ والمسك والسمك ونحوه فهو كالمعدن وعنه لا شيء فيه.

باب حكم الركاز

باب حكم الركاز كل مال مدفون في أرض الإسلام وجدت عليه علامة الكفار فهو ركاز وفي الخمس وإن قل لأهل الزكاة وعنه لأهل الفيء والباقي لواجده سواء كان المكان له أو لغيره أو مباحا وعنه إن كان للمكان مالك فهو له وكذلك على هذه الرواية إن وجده في موضع انتقل إليه فهو للمالك قبله فإن لم يعترف به فلمن قبله إلى أول مالك وإن وجده بأرض الحرب وقدر عليه بنفسه فهو ركاز وإن لم يقدر عليه إلا بجمع له منعه فهو غنيمة. وإذا خلا المدفون عن علامة أو كان على شيء منه علامة الإسلام فهو لقطة إلا أن يجده في ملك انتقل إليه فيدعيه المالك قبله بلا بينة ولا صفة فهل يدفع إليه على روايتين.

باب مصارف الزكاة

باب مصارف الزكاة وهي ثمانية: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. والفقير من لا شيء له أوله يسير من كفايته والمسكين من له أكثر

الكفاية فمن ملك من النقد أو غيره مالا يقوم بكفايته أعطى تمام الكفاية لسنة وإن وجبت عليه الزكاة ويجوز أن يرد عليه الساعي زكاته بعينها وعنه لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو قيمتها ذهبا وإن لم تكفه. ومن أبيح له أخذ شيء فله سؤاله وعنه لا تحل المسألة لمن له غداء أو عشاء ومن ذكر أنه ذو عيال فطلب الزيادة أعطي وقال ابن عقيل لا يعطى إلا ببينة ومن كان جلدا وادعى عدم الكسب وجهل حاله أخبر أنها لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب وأعطى بلا يمين وإن ادعى الفقر من عرف غناه لم يقبل إلا بثلاثة شهود نص عليه للخبر وقيل: يكفي شاهدان. وأما العامل فيعطى لجبايته وحفظه أجره مثله وإن تلفت الزكاة في يده أعطي أجرته من بيت المال واشترط كونه مكلفا أمينا مسلما وإن كان عبدا وعنه يجوز جعله كافرا. وأما المؤلفة فالسادة المطاعون في قولهم كالكافر المرجو بعطيته إسلامه أو كف شره وكالمسلم المرجو بعطيته الذب عن المسلمين أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن يمنعها إلا أن يخاف وعنه أن حكمهم انقطع. وأما في الرقاب فافتداء الأسير وإعطاء المكاتب ما عليه إن لم يجد وفاءه وهل له أن يبتاع منها رقيقا لا يعتق عليه بالملك فيعتقه على روايتين وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه نص عليه وقيل: لا يجوز. وأما الغارم فو المدين ويعطى بقدر دينه إن لم يجد وفاءه إلا الغارم لإصلاح ذات البين فيعطى وإن كان غنيا ومن غرم في محرم لم يعط حتى يتوب ومن ادعى الغرم فصدقه الغريم والكتابة فصدقه السيد أعطى وقيل: لا يعطى إلا ببينة. وأما في سبيل الله فإعطاء من لا ديون له من الغزاة كفاية غزوهم فإن لم يغزو استردت منهم وإن غزوا وفضلت فضلة ففي استردادها وجهان والحج

من السبيل فيعطى الفقير فيه وعنه لا يجوز ذلك له. وأما ابن السبيل فالمسافر المنقطع به وله اليسار في بلده دون منشىءالسفر من بلده فيعطى ما يبلغه إلا العاصي بسفره فلا يعطى حتى يتوب وإذا وصل ابن السبيل أو برىءالغريم أو عتق المكاتب أو عجز والزكاة باقية استردت منهم وعنه لا تسترد وتبقى لهم إلا في عجز المكاتب فإنها تكون للسيد. ومن أعطى زكاته لمستحق واحد أجزأته وعنه يلزمه أن يستوعب الأصناف وأن يعطى من كل صنف ثلاثة فأكثر إلا العامل فإنه يجوز جعله واحدا وتسقط إن أخرجها ربها بنفسه. ولا تحل صدقة الفرض للوالدين وإن علوا ولا للولد وإن سفل وفي بقية الأقارب الواجبة نفقتهم روايتان الصحيح لهم الأخذ ولا للزوجة وفي الزوج روايتان الصحيح يدفع للزوج ولا لبني هاشم ولا لمواليهم وفي بني المطلب روايتان الصحيح لا يأخذون ولا لغني ولا لمكتسب ولا لفقيرة زوجها غني إلا أن يكونوا غزاة أو مؤلفة أو عاملين أو غارمين لإصلاح ذات البين فيجوز وقيل: يجوز دفعها إلى الزوجين وعمودي النسب وسائر الأقارب للعدم وأهنابة1.

_ 1- كذا في الأصل. ولعله "والقرابة" أو نحوها.

باب إخراج الزكاة

باب إخراج الزكاة يجب إخراجها على الفور مع القدرة إلا لغرض صحيح كخشية رجوع الساعي عليه وتأخيرها لقوم لا يحضره مثلهم في الحاجة وما أشبهه نص عليه ولا يجزىءإخراجها إلا بنية تقارنه أو تسبقه بزمن يسير ويخرج عن الصبي والمجنون وليهما. ومن رفع زكاته إلى وكيله فنواها ولم ينو الوكيل جاز وقيل: إن

بعد إخراج الوكيل عن نية الموكل لم يجز وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في دفع الزكاة فأخرجا معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه وإن سبق أحدهما ضمن نصيبه الباقي ويتخرج أن لا يضمن إذا لم يعلم بإخراجه. والأفضل أن يفرق المزكي زكاته بنفسه وقال أبو الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل. ولا يجوز نقل صدقة المال عن بلده إلى بلد تقصر الصلاة بينهما وعنه يجوز إلى الثغور خاصة فإن خلا بلد المال عن مستحق نقلت إلى أقرب البلاد إليه. وتخرج صدقة الفطر في بلد البدن دون المال. ويجوز تقديم الزكاة قبل الحول إذا كمل النصاب لعام ولا تجوز لثلاثة وفي العامين روايتان. وإن عجل زكاة ما يستفيده من النصاب فهل يجزئه على وجهين ومن عجل عن مائتي شاة شاتين ثم نتجت سخلة قبل الحول لزمته شاة ثالثة ومن عجل زكاته إلى غني ثم وجبت وقد افتقر لم تجزئه وإن كان بالعكس أجزأته. وإن تلف المال قبل الحول والزكاة في يد الساعي استردت وإن وصلت إلى الفقير لم تسترد وقيل: إن دفعها إليه الساعي أو ربها وأعلمه بالتعجيل استردت وإلا فلا تسترد وقيل: تسترد بكل حال. وهل يجوز تعجيل زكاة العشر إذا خرج الزرع أو الطلع على وجهين وإذا تلفت الزكاة المعجلة في يد الساعي فهي من ضمان الفقراء. ومن أعطى زكاته أو كفارته مستحقا في الظاهر فبان كافرا أو عبدا أو هاشميا لم تجزئه وإن بان غنيا فعلى روايتين. ولا يجزىءإخراج القيمة في الزكاة وعنه يجزيء وعنه لا يجزىءإلا إخراج أحد النقدين عن الآخر.

ومن طولب بالزكاة فادعى نقص النصاب في الحول أو هلاك الثمرة بجائه ونحوه مما لا زكاة معه صدق ولم يحلف. ومن كتم ماله لئلا تؤخذ زكاته أو منعها بخلا أخذت منه قهرا وهل تسقط عنه في الباطن على وجهين وقال أبو بكر تؤخذ وشطر ماله فإن تعذر أخذها منه بأن غيب ماله أو قاتل دونه استتيب ثلاثا فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا وأخذ من تركته.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر ومن أدرك آخر جزء من رمضان مسلما حرا أو مكاتبا وله فضل عن قوته وقوت عياله يوما وليلة فعليه فطرته وفطرة كل مسلم تلزمه مؤنته فإن لم يمكنه إلا فطرة بعضهم بدأ بنفسه ثم بزوجته ثم بعبده ثم بالأولى فالأولى نفقة من أقاربه وسنذكره فإن لم يجد إلا بعض صاع أخرجه عن نفسه وعنه لا شيء عليه. ومن أسلم أو تجدد له زوجة أو عبد أو ولد بعد غروب الشمس لم تلزمه فطرة لذلك وعنه تلزمه إذا كان قبل طلوع فجر العيد. ومن تبرع بمؤنة شخص شهر الصوم لزمته فطرته نص عليه وقيل: لا تلزمه. ومن تزوجت بعبد أو معسر ففطرتها على نفسها إلا أن تكون أمة فتلزم سيدها. وتستحب الفطرة على الجنين وعنه تجب. وتجب فطرة العبد الآبق وفي الزوجة الناشز وجهان ولا يجب أداء الفطرة عن غائب منقطع خبره فإن بان حيا فيما بعد أخرجت لما مضى. والواجب في الفطرة صاع من أحد خمسة أشياء أفضلها التمر ثم الزبيب ثم البر ثم الشعير ثم الأقط وعنه لا يجزىءالأقط إلا لمن هو قوته ودقيق

البر والشعير وسويقهما كحبهما نص عليه أحمد وقال ابن أبي موسى لا يجزىءالسويق ولا يجزىءحب معيب ولا خبز فإن عدم الخمسة فصاع من كل حب وتمر يقتات وقال ابن حامد صاع من قوته ويجزىءدفع الصاع من أجناس ويجوز دفع الآصع إلى واحد والصاع إلى جماعة ويجزىءعن العبد المشترك صاع وعنه على كل شريك صاع. ومن أدى فطرة نفسه وهي على غيره ولم يستأذنه أجزأته وقيل: لا تجزئه. وتخرج الفطرة يوم العيد والأفضل قبل الصلاة وله تعجيلها قبله بيومين. فإن أخرها عنه أثم ولزمه القضاء. ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالبا به.

كتاب الصوم

كتاب الصوم مدخل ... كتاب الصيام لا يجب صوم رمضان إلا على مسلم عاقل بالغ وعنه يجب على المميز إذا أطاقه فإن أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو بلغ الصبي مفطرا في أثناء يوم فهل يجب إمساكه وقضاؤه على روايتين. وإن بلغ الصبي صائما لزمه الإتمام وفي القضاء وجهان وإن طهرت حائض أو قدم مسافر مفطرا لزمهما الإمساك وعنه لا يلزم. وإذا لم يروا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان لم يصوموا إلا أن يحول دون طلوعه غيم أو قتر فيجب صومه بنية رمضان وهل تصلى التراويح ليلة غيم على وجهين وعنه لا يجب صومه وعنه الناس تبع للإمام في الصوم والفطر والهلال المرئي نهارا بعد الزوال لليلة المقبلة فأما ما قبله فللماضية وعنه للمقبلة وعنه في أول الشهر للماضية وفي آخره للمقبلة.

ويثبت هلال الصوم بقول عدل وعنه يفتقر إلى عدلين كبقية الشهور ورؤية بعض البلاد رؤية لجميعها. وإذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما فلم يروا الهلال لم يفطروا كالصوم بالغيم وقيل: يفطرون [وهو المذهب] كالصوم بقول عدلين. ومن رأى هلال الصوم وحده فردت شهادته لزمه الصوم والكفارة بالوطء فيه [وهو المذهب] وعنه لا صوم عليه وإن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر وقيل: يفطر سرا. وإذا جهل الأسير الأشهر تحرى وصام وقد أجزأه إلا أن يتبين صومه قبل الشهر. ويشترط لكل صوم واجب أن ينويه من الليل معينا وفي نية الفرضية وجهان المذهب لا يشترط وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان وهي يجزئ في أوله نية لجميعه على روايتين ويصح النفل بنية قبل الزوال فإن نوى بعده فعلى روايتين ومن نوى الإفطار فقد أفطر فإن عاد ونوى الصوم أجزأه في النفل خاصة ومن نوى الصوم ثم أغمي عليه جميع يومه لم يجزئه وإن أفاق فيه أجزأه في النفل خاصة. ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم فقيرا ولا يسقط الإطعام لعجزه عنه وإطعام المسكين مقدر بمد بر أو نصف صاع تمر أو شعير هنا وفي كل موضع من الكفارات وجزاء محظورات الحج وغيرهما. وإذا خافت المرضع والحامل على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا فقيرا لكل يوم فإن عدمتا الإطعام فإنه يسقط وإن أفطرتا خوفا على أنفسها كفاهما القضاء. والسنة لمن سافر سفر القصر ولمن مرض فخاف ضررا بالصوم أن

يفطرا فإن صاما أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره ومن سافر في أثناء يوم فهل له إفطاره على روايتين.

باب ما يفسد الصوم

باب ما يفسد الصوم إذا أكل الصائم أو شرب أو استعط أو احتقن أو أكتحل بما يصل إلى جوفه أو قطر في أذنه فدخل في دماغه أو داوى جائفة أو مأمومة بما يصل إليها أو حجم أو احتجم أو استقاء أو استمنى أو لمس فأمذى لزمه القضاء بلا كفارة إلا الناسي والمكره فلا شيء عليهما. وقال ابو الخطاب الجاهل مثلهما. وله أن يفتصد ويغتسل ويقطر في إحليله الدواء ويؤخر الغسل الواجب ليلا لجنابة أو حيض إن كان امرأة إلى ما بعد الفجر. ويكره له ذوق الطعام فإن فعل فوجد طعمه في حلقة أفطر وإن جمع ريقه وبلعه كره ولم يفطر وقيل: يفطر وإن بلغ نخامة حصلت في فمه أفطر وعنه لا يفطر وإن تمضمض أو استنشق فوق الثلاث أو بالغ فيهما فدخل الماء إلى حلقه فعلى وجهين. ويسن له أن يعجل فطره ويؤخر سحوره فإن أكل معتقدا بقاء الليل أو دخوله فبان بخلافه أو أكل شاكا في دخوله أفطر وإن أكل شاكا في خروجه لم يفطر ولا تكره القبلة إذا لم تحرك شهوته وعنه تكره. وإذا وطئ في دبر أو قبل من آدمي أو بهيمة عمدا أو سهوا فعليه مع القضاء الكفارة [نص عليه أحمد] إذا كان ذلك في شهر رمضان وعنه لا كفارة عليه مع العذر كالناسي والمكره والواطئ يظنه ليلا فيتبين نهارا. فأما المرأة الموطوءة فيلزمها القضاء ولا تلزمها الكفارة مع العذر فإن لم يكن لها عذر فعلى روايتين.

والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا وعنه يخير بين الثلاثة فإن عجز عنها فهل تسقط عنه على روايتين فإن قلنا لا تسقط وكفر الغير عنه بإذنه جاز أن يصرفها إليه وهل يجوز ذلك في بقية الكفارات على روايتين. ومن أمنى نهارا من وطء بالليل لم يفطر. وإن أدركه الفجر مجامعا فاستدام لزمه أن يقضي ويكفر وإن نزع فكذلك عند القاضي وقيل: لا شيء عليه ويتخرج إن قضى لا يكفر. ومن مرض أو جن أو سافر في يوم قد وطئ فيه لم تسقط الكفارة عنه ومن أكل ثم جامع لزمته الكفارة وكذلك كل مفطر وطئ والإمساك يلزمه. وإذا شرع المسافر في الصوم فله إبطاله بما شاء وعنه لا يجوز الجماع فإن خالف ووطئ ففي الكفارة روايتين. ومن وطئ في يوم مرتين فكفارة واحدة إلا أن يكفر بينهما فتلزمه ثانية وإن وطئ في يومين ولم يكفر فكفارتان وقال أبو بكر كفارة. ومن باشر دون الفرج أو قبل أو كرر النظر فأمنى لزمه القضاء وفي الكفارة روايتان ورواية ثالثة لا كفارة بذلك إلا بالوطء دون الفرج واختارها الخرقي. وإن أمذى بالنظر لم يفطر في ظاهر قوله وقال أبو بكر يفطر ويتخرج أن يفطر إن كرره وإلا فلا وإن أمنى أو أمذى بفكر غلبه لم يفطر وإن استدعاه فعلى وجهين.

باب صوم القضاء والتطوع

باب صوم القضاء والتطوع يستحب قضاء رمضان متتابعا ويجزي متفرقا ومن فاته الشهر كله تاما أو ناقصا فصام عنه تسعة وعشرين يوما أجزأته إن كان شهرا هلاليا وإلا لزمه تتمة الثلاثين وقيل: المعتبر عدد الأيام فيهما.

ومن أمكنه القضاء فمات قبله أطعم عنه لكل يوم فقير ولم يصم عنه وكذلك يطعم من أمكنة القضاء فأدركه قبله رمضان آخر أو رمضانات فإن مات بعد ذلك ولم يقض أطعم عنه لكل يوم فقيران ومتى كان ذلك لعذر فلا إطعام بحال. ومن نذر صوم يوم أو حجا أو اعتكافا ومات فعله عنه وليه وإن نذر صلاة فعلى روايتين. ومن تلبس بفرض من صوم أو صلاة كقضاء رمضان والصلاة في أول الوقت لم يجز أن يخرج منه إلا لعذر. وإن تلبس بنفلهما لم يلزمه إتمامه ولا قضاؤه إن أفسده. ومن السنة: إتباع رمضان بست من شوال وإن أفردت وصوم عشر ذي الحجة وآكده يوم التروية وعرفة وصوم عشر المحرم وآكده تاسوعاء وعاشوراء وصوم أيام البيض وهي الثالث عشر والرابع والخامس عشر من كل شهر وصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع وصوم يوم وفطر يوم في سائر الأوقات ولا يحل صوم يومي العيدين نفلا ولا فرضا ولا يصح وعنه يصح فرضا مع التحريم. ويجوز صوم أيام التشريق عن الفرض وعنه لا يجوز كالنفل. ويكره إفراد رجب وإفراد يوم الجمعة والسبت والنيروز والمهرجان ويوم الشك بالصوم إلا ما وافق عادة. ولا يجوز نفل الصوم ممن عليه فرضه وعنه يجوز. وليلة القدر في عشر رمضان الآخر وأرجى ما تطلب فيه سابعته وليكن من دعائه فيها "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

باب الاعتكاف

باب الاعتكاف وهو سنة ولا يصح إلا بنية في مسجد تقام فيه الجماعة إلا اعتكاف المرأة فإنه يصح في جميع المساجد ويصح بلا صوم إلا أن يشترطه بنذره وعنه لا يصح بدونه فعلى هذه لا يصح ليلة مفردة ولكن يصح بعض يوم من الصائم على الروايتين. والمعتكف لا يتجر ولا يتكسب بصنعة وله أن يتزوج في المسجد ويشهد النكاح وينبغي له أن يشتغل بالمندوب ويترك ما لا يعنيه ولا يستحب له إقراء القرآن والعلم نص عليه وقيل: يستحب وله أن يخرج لما لا بد منه كالطهارة والجمعة والأكل ونحوه وإذا سأل عن المريض في طريقه ودخل مسجدا فتمم فيه اعتكافه جاز ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط. وإن خرج عن المسجد للإذان في منارة له ففي فساد اعتكافه وجهان. ومن نذر اعتكاف شهر دخل المسجد قبل ليلته الأولى فإن قطعة لعذر يمتد كحيض ومرض ونفير عام وعدة وفاة وعدة المطلقة كذلك ذكره في كتاب العدد وخوف من فتنة ونحوه بنى إذا زال عذره على ما مضى وهل عليه كفارة يمين على وجهين. وإن نذر اعتكاف شهر مطلق لزمه متتابعا وإن قطعه لعذر فله أن يستأنف وله أن يبني ويكفر وإن وطيء في الفرج أو أنزل بمباشرة أو شرب ما أسكره أو خرج لما له منه بد بطل اعتكافه ولزمته كفارة إن كان نذرا معينا وهل يبني أو يستأنف على وجهين وإن لم يكن معينا لزمه الاستئناف بلا كفارة. ومن نذر أن يعتكف يومين متتابعين لزمته الليلة التي بينهما ويتخرج أن لا تلزمه كالأولى وإن لم يقل متتابعين لم يلزمه التتابع وقال القاضي: يلزمه.

ومن اعتكف له عبد أو زوجة فله تحليلهما إلا من منذور شرعا فيه بإذنه ولمكاتبه أن يعتكف ويحج بغير إذنه مالم يحل عليه نجم في غيبته نص عليه ولا يعتكف من بعضه حر بغير إذن السيد إلا مع المهايأة في نوبته. ويسن للمعتكفة إذا حاضت أن تمكث مدة الحيض في خباء تضربه في رحبة المسجد إلا أن تخشى ضررا فتمكث في بيتها.

كتاب المناسك

كتاب المناسك مدخل ... كتاب المناسك يجب الحج والعمرة على الفور مرة في العمر ولا يجبان إلا على مسلم حر عاقل بالغ مستطيع والمستطيع من ملك زادا وراحلة بآلة تصلح لمثله لسفره وعوده أو ملك ثمنهما بعد ما يحتاجه من مسكن وخادم ووفاء دين وكفاية دائمة له ولأهله إذا وجد طريقا آمنا خاليا عن خفارة فيه الماء والعلف ووقتا يتسع للسير والأداء وقال ابن حامد يجب بدل الخفارة اليسيرة وتزيد المرأة باعتبار محرم مكلف مسلم باذل للخروج ونفقته عليها والمحرم زوجها ومن تحرم عليه أبدا لا من تحريمها بوطء شبهة أو زنا نص عليه وقيل: هو محرم لها أيضا وفي عبد المرأة روايتان إحداهما: لا يكون محرما لها وعنه أن المحرم وسعة الوقت وأمن الطريق شروط للزوم الأداء دون الوجوب. وما دون مسافة القصر لا يشترط له الراحلة وفي المحرم روايتان أحدهما يشترط. ولا تثبت الاستطاعة ببذل مال ولا بدن ومن عجز عن السير لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أقام من يحج عنه ويعتمر ويجزئه وإن عوفى. ومن مات وعليه الحج أخرج عنه من يحج من حيث وجب فإن زاحمه دين تحاصا وأخرج الحج من حيث يبلغ ومن له وصي بحج نفل جاز إخراجه من الميقات إلا أن يمنع منه قريبه.

ومن أمكنه نفل الحج بنفسه فاستناب فيه جاز وعنه المنع. ويصح حج العبد والصبي دون الكافر والمجنون ويحرم الصبي المميز بإذن الولي وغير المميز يحرم عنه وليه ويفعل عنه ما لا يطيقه ونفقه الحج وكفاراته تلزم الولي وعنه أنهما في مال الصبي وهل ينعقد إحرام المميز بدون إذن وليه على وجهين أحدهما لا يصح. وليس للرجل منع زوجته من حج الفرض. ومن أحرم عبده أو زوجته بنفل أو واجب لم يملك تحليلهما وعنه يملكه من النفل إذا لم يأذن فيه ويكونان كالمحصر. وإذا بلغ الصبي وعتق العبد في أثناء النسك لم يجزئهما عن فرض الإسلام إلاأن يكون ذلك في الحج بعرفة وفي العمرة قبل الطواف فإنه يجزىءعنه وقيل: إن سعيا قبل الوقوف وقلنا هو ركن لم يجزئهما الحج بحال.

باب المواقيت

باب المواقيت وهي خمسة فذو الحليفة لأهل المدينة والجحفة لأهل الشام والمغرب ويلملم لأهل اليمن وقرن لأهل نجد وذات عرق لأهل العراق والمشرق. فهذه المواقيت مهل من مر بها من أهلها وغيرهم ومن عرج عنها أحرم إذا حاذى أقر بها إليه ومن كان منزله دونها فيمقاته منه. والإحرام قبل الميقات جائز ومنه أفضل. وإذا جاوز المسلم الحر المكلف الميقات محلا والنسك فرضه أو مراده لزمه أن يعود فيحرم منه إلا لعذر كخشية فوات الحج ونحوه فإن أحرم دونه لزمه دم مع العذر وعدمه ولم يسقط بعوده إليه. إن كان قصده مكة لخوف أو قتال مباح أو حاجة تتكرر كالمحتش ونحوه فلا إحرام عليه وإن قصدها لغير ذلك من تجارة ونحوها لزمه أن يدخلها محرما

من الميقات فإن تجاوزها قاصدا لغيرها ثم بدا له في أن يقصدها أحرم من موضعه ولا شيء عليه. ومن كان بمكة فميقاته للحج من الحرم وللعمرة من الحل فإن أحرم بالعمرة من الحرم لزمه دم وإن أحرم بالحج من الحل فعلى روايتين.

باب أقسام النسك

باب أقسام النسك وهي ثلاثة مخير بينها أفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران. فالتمتع أن يعتمر قبل الحج في أشهره والإفراد أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره والقران أن يحرم بهما معا أو بالعمرة ثم بالحج قبل طوافها ويفعل ما يفعله المفرد وعنه يلزمه طوافان وسعيان. ولا يصح إدخال العمرة على الحج وتجزىءعمرة القران عن عمرة الإسلام وعنه لا تجزىء. ويلزم المتمتع والقارن دم بشرط أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام وهم أهل الحرم ومن كان دون مسافة القصر منه. ويختص دم التمتع بأربعة شروط أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج وأن يحج من سنته ولا يخرج بينهما إلى مسافة القصر ولا يحرم بالحج من لميقات واشترط أبو الخطاب أيضا نية التمتع في ابتداء العمرة وفي أثنائها. ولا يسقط دم المتعة والقران بفساد الحج وعنه يسقط. فإن عدم الدم في موضعه لزمه وصام عشرة أيام ثلاثة منها قبل يوم النحر وله تقديمها إذا أحرم بالعمرة وسبعة إذا فرغ من الحج ولا يجب التتابع فيها فإن شرع في الصوم ثم وجد الهدي لم يجب الانتقال إليه وإن وجده قبل الشروع فعلى روايتين. ومن أخر الهدي عن أيام النحر أو صوم الثلاثة عن أيام الحج لزمه مع القضاء دم وعنه لا يلزمه وعنه يلزمه إلا أن يؤخر لعذر.

ويجوز للمفرد والقارن فسخ الحج إلى العمرة إذا لم يقفا بعرفة ولا ساقا هديا. وإذا حاضت المتمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة ولم تقض طواف القدوم إذا طهرت. ومن أحرم بنسك فأنسيه أو أحرم به مطلقا ثم عينه بتمتع أو إفراد أو قران جاز وسقط عنه فرضه إلا الناسي لنسكه إذا عينه بقران أو بتمتع وقد ساق الهدي فإنه يجزئه عن الحج دون العمرة. ومن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد لواحدة. ومن استنابه اثنان وأحرم عنهما وقع عن نفسه وإن أحرم عن أحدهما ولم يعينه فهل يقع عن نفسه أو له صرفه إلى أيهما شاء على وجهين. ومن أحرم بحج نفل أن نذر أو عن الغير وعليه حجة الإسلام انصرف إليها وعنه يقع عما نواه وعنه يقع باطلا. ومن أحرم بالحج قبل أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة كره وانعقد وعنه لا ينعقد حجا بل عمرة ولا تكره العمرة في شيء من السنة.

باب صفة الإحرام

باب صفة الإحرام السنة لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين ويتطيب ثم يحرم عقيب مكتوبة أو نافلة فينوي بقلبه قائلا بلسانه اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني ويشترط فيقول وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فمتى حبس بمرض أو فقد نفقة أو غيره حل ولا شيء عليه. فإذا أحرم لبى وقال الخرقي إذا ركب فيقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويلبي كلما علا نشزا أو هبط واديا أو سمع ملبيا أو ركب راحلة أو

لقي رفقة أو أتى محذورا ناسيا وإذا أقبل الليل والنهار وفي دبر المكتوبة ولا يسن تكرار التلبية في حال واحدة ولا إظهارها في مساجد الحل وأمصاره ولا تكره الزيادة فيها ويسن الدعاء بعدها والجهر بها إلا أن المرأة لا تجهر إلا بحيث تسمع رفيقاتها ويقطعها الحاج إذا أخذ في الرمي والمعتمد إذا شرع في الطواف وقال الخرقي إذا وصل إلى البيت.

باب محظورات الإحرام وجزائها

باب محظورات الإحرام وجزائها وهي تسعة: أحدها: الوطء في قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة ويفسد النسك بعمده وسهوه وتجب به شاة في العمرة وبدنة في الحج إلا بعد تحلله الأول فإنه لا يفسد منه إلا بقية إحرامه فيحرم من التنعيم ليطوف للزيارة في إحرام صحيح وهل تلزمه بدنة أو شاة على روايتين وأما المرأة الموطوءة فتلزمها الفدية إلا مع الإكراه وعنه تجب معه مع الإكراه ويتحملها الزوج بنفقة القضاء وعليها المضي في النسك الفاسد وقضاؤه على الفور نفلا كان أو فرضا والإحرام به من أبعد الميقاتين وهما الميقات الشرعي وحيث أحرما أولا ويسن أن يفترقا من موضع الوطء وقيل: يجب. ولا يجب بوطء القارن فوق البدنة شيء وقيل: يجب بدنة وشاة. وإذا وطيء المعتمر بعد السعي وقبل الحلق لزمه دم ولم تفسد عمرته. الثاني: دواعي الشهوة من لمس أو نظر فإن لمس فأنزل لزمته بدنة في الحج وفي فساد نسكه روايتان [الصحيح يفسد] . وإن استمنى أو كرر النظر فأمنى لم يفسد نسكه ولزمته بدنة وعنه شاة. وإن أمنى بنظرة أو كررها فأمذى أو لمس فلم ينزل لزمته شاة وإن أمنى بفكر غالب لم يلزمه دم وإن استدعاه فعلى وجهين.

الثالث: النكاح فلا يصح أن يتزوج ولا يزوج وفي ارتجاع زوجته روايتان [المذهب الارتجاع] وعنه يصح أن يزوج غيره. وتكره له الخطبة وأن يشهد النكاح. الرابع: قطع الشعر فيجب في الشعرة مد بر وفي الشعرتين مدان وفي الثلاث فصاعدا دم أو طعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام وعنه إن قطعه لغير عذر تعين الدم فإن عدمه أطعم فإن لم يجد صام ويجزىءعن شعر الرأس والبدن فدية وعنه تجب فديتان. ومن حلق رأسه بإذنه فعليه فديته وإن كان مكرها فعلى الحالق وإن سكت ولم يمتنع فعلى وجهين [الصحيح يجب لأنه باختياره] . وإن خرج في عينيه شعر أو نزل عليهما من حاجبيه فأزاله أو قطع جلده عليها شعر أو حلق رأس حلال فلا شيء عليه لأنه صال عليه. وله أن يحتجم ما لم يقطع شعرا ويحك رأسه وجسده برفق ولا يتفلى ولا يقتل القمل فإن قتله فليتصدق بشيء وعنه له قتله ولا شئ فيه. الخامس: تقليم الأظفار إلا ما انكسر منها وهي كالشعر فيما ذكرنا. السادس: تغطية الرأس بملبوس وغيره وفي الوجه روايتان والأذنان من الرأس وإذا استظل بخيمة أو سقف أو حمل على رأسه شيئا جاز وإن استظل في المحمل فعلى روايتين. السابع: لبس المخيط في سائر بدنه فإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه. ومن عدم الإزار والنعلين لبس السراويل والخفين بحالهما ولا فدية عليه وعنه إن لم يقطع الخفين دون الكعبين افتدي. وإن لبس واجد النعلين جمجما أو خفا مقطوعا تحت الكعب لزمته الفدية.

وليس له وضع القباء على كتفيه وقال الخرقي إن لم يدخل يديه في كميه جاز وله أن يتشح ويأتزر بالقميص ويعقد الإزار دون الرداء ولا يعقد الهميان إلا أن يخشى سقوطه ولا يلبس المنطقة ولا يتقلد بالسيف إلا لضرورة. وإحرام المرأة في وجهها فلا تستره بنقاب ولا غيره فإن سدلت عليه ما لم يباشره جاز ويباح لها اللباس وتظليل المحمل. وتشارك الرجل في تحريم القفازين ويباح لها لبس الحلي نص عليه وظاهر كلام الخرقي تحريمه. الثامن: الطيب فإذا طيب المحرم بدنه أو ثوبه بمسك أو زعفران أو ورس أو ند أو ماء ورد ونحوه أو تبخر بعود أو أكل ما فيه طيب يظهر ريحه أو ادهن به أو تعمد شم الطيب أو نزع ثوبه المطيب قبل الإحرام ثم لبسه لزمته الفدية. وله شم العود والشيح والقيصوم والإذخر وفي شم الورد والبنفسج والريحان الفارسي ونحوه روايتان [أصحها له شمه] . وله أن يدهن بدهن لا طيب فيه وعنه المنع. وفدية التغطية واللباس والطيب كفدية الحلق. التاسع: الجناية على الصيد ولها باب مفرد. وينبغي للمحرم تجنب الشتم وقلة الكلام إلا فيما ينفع. وله أن يلبس المعصفر والكحلي ويختضب ويكتحل وينظر في المرآة إلا لزينة فيكره وإن غسل رأسه بسدر أو خطمي جاز وعنه تلزمه الفدية. ومن كرر محظورا من جنس ولم يكفره فكفارة واحدة إلا الصيد فإن كفارته تتعدد بتعدده وعنه تتداخل أيضا. فأما المحظورات من أجناس تتحد فديتها فهل تتداخل على روايتين وسواء فعلها رافضا لإحرامه أو لم يرفضه.

ومن تطيب أو لبس ناسيا لم تلزمه فدية وعنه تلزمه. وإن حلق أو قلم أو قتل صيدا ناسيا لزمته الفدية وعنه في الصيد لا يلزمه ويخرج في الحلق والتقليم مثله.

باب الجناية على الصيد وجزائها

باب الجناية على الصيد1 وجزائها يحرم على المحرم صيد البر المأكول وما تولد منه ومن غيره فإن أتلفه أو أزمنه أو تلف في يده أو نفره بشيء فتلف لزمه جزاؤه فإن جرحه ولم يوجبه2 فغاب وجهل خبره ضمن أرش الجرح وإن وجده ميتا لم يتيقن موته بجرحه فهل يضمن أرش الجرح أو كمال الجزاء على وجهين [الصحيح: أرش الجرح فقط] فإن قتله لصياله أو خلصه من سبع فتلف قبل إرساله لم يضمنه وقيل: يضمه كما لو قتله في مخمصه فإن أعان على قتله حلالا بدلالة أو إشارة أو إعارة آلة ونحوها ضمن جميعه. وإن أعان محرما أو اشتركا في قتله لزمهما جزاء واحد وعنه جزاءان وعنه إن كفرا بالصوم فجزاءان وإن كفرا بغيره فواحد. وإذا أمسك حمامة حتى هلكت فراخها ضمن الفراخ. وإذا أحرم وله في منزله صيد لم يلزمه شيء فإن كان معه أرسله ولم يزل ملكه عنه فإن امتنع فلغيره أن يرسله منه قهرا. ولا يملك المحرم صيدا باصطياد ولا بيع ولا هبة وفي الإرث وجهان [الصحيح في الإرث يملكه لأنه يدخل في ملكه قهرا] . ويحرم عليه أكل لحم الصيد إلا صيد الحلال إذا لم يصده لأجله وإذا ذبح صيدا كان ميتة.

_ 1- الصيد: ما كان وحشيا مأكولا أو متولدا منه أو من غيره. 2- أي لم يقتله.

فإن أمسكه حتى تحلل ثم ذبحه ضمنه وهل يباح على وجهين. ويضمن الصيد بمثله من النعم كالنعامة فيها بدنة وفي حمار الوحش وبقرته وفي الأيل والتيتل والوعل بقرة وفي الضبع والظبي والثعلب شاة وفي الأرنب واليربوع جفرة نص عليه وهي عناق لها أربعة أشهر وفي الضب والوبر جدي وفي طير الحمام وهو كل ماعب وهدر شاة ويضمن الصحيح والمعيب والصغير والكبير والذكر والأنثى والماخض والحائل من ذلك بمثله أو بقيمة المثل في الحرم طعاما يتصدق به أو يصوم عن كل مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير من القيمة يوما. ويضمن مالا مثل له كالطير غير الحمام بقيمته في موضعه طعاما أو يصوم عن القيمة. وعنه الجزاء مرتب إن تعذر المثل أطعم فإن لم يجد صام. والمثل معتبر بحكم الصحابة فإن عدم فقول عدلين خبيرين وإن كانا قتلاه. ويضمن الجراد بقيمته وعنه كل جرادة بتمرة وعنه لا جزاء فيه. ويضمن الطير بما نقص فإن عاد فهل يسقط الضمان على وجهين [الصحيح يسقط] . ولا يضمن بالإحرام مالا يؤكل لحمه لكن يكره له قتله إذا لم يكن مؤذيا.

باب صيد الحرم وجزائه

باب صيد الحرم وجزائه صيد الحرم حرام على المحل والمحرم ويضمن بما يضمن به في الإحرام فإن رمى المحل في الحل صيدا في الحرم فقتله أو بالعكس فهل يجب الجزاء على روايتين [الصحيح الضمان وبالعكس لا ضمان] . وإن أرسل كلبه على صيد بالحل فطارده الكلب إلى الحرم فقتله فيه لم يضمنه وعنه إن أرسله بقرب الحرم ضمنه وقال أبو بكر يضمنه بكل حال.

ويباح صيد السمك من الحرم وعنه يحرم. وشجر الحرم ونباته محرم إلا اليابس والإذخر وما زرعه الإنسان وما غرسه وفي رعي حشيشه وجهان. ويضمن الشجرة الكبرى ببدنة والصغرى بشاة والغصن بما نقص والنبات بالقيمة فإن استخلف سقط الضمان وقيل: لا يسقط. ومن أتلف غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه وإن أتلف غصنا في الحرم أصله في الحل فعلى وجهين. ولا يحل صيد المدينة ولا حشيشها إلا لحاجة العلف ولا شجرها إلا آلة الرحل ومن آلة الرحل القائمة والعارضة والوسادة والمسند وهو عود البكرة فإنه مباح وجزاء ما حرم من ذلك سلب الجاني لآخذه وعنه لا جزاء فيه وهو لله ومن دخله بصيد فله إبقاؤه معه وذبحه فيها. وحرمها ما بين جبليها بريد في بريد ومكة أفضل منها وعنه المدينة أفضل.

باب أركان النسكين وواجباتها

باب أركان النسكين وواجباتها ... باب أركان النسكين وواجباتهما أركان الحج التي لا يتم بدونها أربعة: أحدها: الإحرام وينعقد بمجرد النية ولا يزول برفضها فإن حصره عدو عن البيت في عمرة أو حج قبل الوقوف أو بعده نحر هديا في موضعه وحل ولم يلزمه حلق وعنه يلزمه فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل وهل يلزمه القضاء إن كان نفلا على روايتين. وإن حصر في الحج عن عرفة وحدها تحلل بعمرة ولا شيء عليه. ومن حصر بمرض أو ذهاب نفقة بقي على إحرامه حتى يقدر على البيت فيتحلل إن فاته الحج بعمرة الفوات وعنه أنه كالمحصر بعدو. الركن الثاني: الوقوف بعرفة في جزء من يوم عرفة أو ليلة النحر وقال

ابن بطة لا يجزىءالوقوف قبل الزوال ولا وقوف السكران ولا المغمى عليه. وفي النائم والجاهل بكونها عرفة وجهان. ومن لم يقف حتى مضت ليلة النحر تحلل بعمرة ولزمه من قابل القضاء والهدي وعنه يجب القضاء دون الهدي وعنه يجب الهدي ولا يجب القضاء في النفل فيخرج في عامه وإذا لم يجد هديا صام عشرة أيام وقال الخرقي يصوم عن كل مد من قيمته يوما. وإذا وقف الناس في غير يوم عرفة خطأ أجزأهم وإن أخطأه نفر منهم لم يجزئهم. الركن الثالث: طواف الزيارة ووقته إذا انتصفت ليلة النحر ويجوز تأخيره عن أيام منى ويجب تعيينه بالنية فلو طاف للقدوم أو للوداع لم يجزئه عنه. ولا يصح طواف الزيارة ولا غيره إلا بعشرة أشياء النية وستر العورة وطهارتا الحدث والخبث وتكميل السبع وجعل البيت عن يساره وأن لا يمشي في شيء منه كالحجر والشاذران ولا يخرج عن المسجد ولا يطيل قطع الطواف إلا لجنازة أو مكتوبة أقيمت وأن يبتدىءبالحجر الأسود فيحاذيه ببدنه كله فإن حإذاه ببعضه فعلى وجهين وعنه أن السترة والطهارتين واجبات يجيرها الدم وأن المولاة سنة. ومن أحدث في طوافه: تطهر واستأنفه وعنه يبنى. ومن شك في عدد ما طاف أخذ باليقين وقال أبو بكر بغالب ظنه فإن أخبره اثنان بما طاف رجع إليهما نص عليه وقيل: لا يرجع. الركن الرابع: السعي بين الصفا والمروة وعنه أنه سنة وقيل: هو واجب يجبره الدم. ومن شرطه ستة أشياءالنية وكمال السبع والموالاة كما في الطواف والبداءة بالصفا وأن يتقدمه طواف واجب أو مسنون وأن لا يقدمه على أشهر

الحج وعنه إن سعى قبل الطواف سهوا أجزأه وتسن له الطهارة وعنه تجب له كالطواف ومن طاف أو سعى راكبا أو محمولا أجزأه وعنه لا يجزئه إلا لعذر. وأما واجبات الحج فكل نسك وجب بتركه دم وهي سبعة: أحدها: الإحرام من الميقات كما ذكرناه في بابه. الثاني: الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس فإن غربت فدفع قبل الإمام جاز وعنه ما يدل على وجوب الدم ومن لم يواف عرفة إلا ليلا فلا شيء عليه. الثالث: المبيت بمزدلفة ليلة النحر إلى نصف الليل فمتى فارقها قبله أو طلع الفجر ولم يأتها لزمه دم وإن وافاها في النصف الثاني لم يلزمه شيء وحدها ما بين المأزمين ووادي محسر. الرابع: رمي الجمار كل جمرة بسبع حصيات وعنه تجزىءبخمس وعنه لا تجزىءدون الست وإذا رمى بغير الحصى أو بحصى قد رمى به أو لم يعلم حصول الحصى في المرمى لم يجزئه ومن أخر الرمي كله أو حصاة واجبة منه عن أيام منى لزمه دم. الخامس: حلق شعر الرأس كله أو تقصيره إذا رمى جمرة العقبة وعنه يجزىءبعضه كالمسح فإن حلق قبل الرمى أو قبل نحر الهدي إن كان معه أو بعد أيام منى كره ولا شيء عليه. السادس: المبيت بمنى ليالي منى فمن تركه أو ليلة منى لزمه دم وعنه لا شيء عليه وعنه يتصدق بشيء ولا مبيت على أهل السقاية والرعاة إلا أن تغرب الشمس وهم بمنى فيلزم الرعاة دون السقاة وحد منى من جمرة العقبة إلى وادي محسر. السابع: طواف الوداع ومتى ودع ثم اشتغل لزمه إعادته ليكون آخر عهده بالبيت ومن طاف عند خروجه للزيارة كفاه للتوديع. وأما العمرة فأركانها الإحرام والطواف وفي السعي روايتان

وواجباتها الإحرام من الميقات أو الحل والحلق أو التقصير وقد روى عنه أن الحلاق والتقصير لا يجب في حج ولا عمرة فيتحلل منهما بدونه. ومن لزمه دم بترك واجب فعدمه صام عشرة أيام ثلاثة قبل يوم النحر إن أمكن وإلا كان الكل بعده فإن أمكنه الصيام فمات قبله أطعم عنه لكل يوم مسكين. وما سوى هذه الأركان والواجبات مما نذكره في صفة النسكين فمسنون كله لا شيء في تركه.

باب صفة الحج والعمرة

باب صفة الحج والعمرة يستحب للمحرم أن يدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة فإذا رأى البيت كبر ورفع يديه وقال جهرا اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيما وتكريما وتشريفا ومهابة وبرا الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك وقد جئناك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ثم يطوف سبعا ينوي به المتمتع طواف العمرة والقارن والمفرد طواف القدوم ويضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه فوق الأيسر ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ويقبله ويقول بسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فإن عجز أن يقبله استلمه وقبل يده وإلا أشار إليه ثم يرمل ثلاثة أشواط بأن يسرع المشي ويقارب الخطى ويمشي أربعة ويستلم الركن اليماني في كل مرة من غير تقبيل وقيل: يقبله وقيل: يقبل يده ويقول في رمله كلما حاذى الحجر الأسود "الله أكبر ولا إله إلا الله" وفي بقية

الرمل اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وفي الأربعة "رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم" وفي آخر طوافه بين الركنين "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ويدعو بما أحب. ولا يسن الرمل ولا الاضطباع لأهل مكة ولا في غير هذا الطوف. ومن نسي الرمل في محله لم يقضه في غيره. ثم يصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بالكافرون وفي الثانية بالإخلاص ثم يأتي الركن فيستلمه. ثم يخرج للسعي من باب الصفا فيرقى الصفا حتى يرى البيت ويكبر ثلاثا ويقول الحمد لله على ما هدانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ثم ينزل ماشيا إلى العلم الذي في بطن الوادي ثم يسعى منه سعيا شديدا إلى العلم الآخر ثم يمشي حتى يرقى المروة فيقول ما قال على الصفا ثم ينحدر كذلك مشيا ثم سعيا ثم مشيا إلى الصفا يفعل ذلك سبعا ذهابه سعية ورجوعه سعية ثم إن كان في حج بقى على إحرامه وإن كان في عمرة حلق أو قصر وحل منها إلا أن يكون متمتعا معه هدي فلا يحل حتى يأتي بالحج. ثم يخرج إلى منى قبل الزوال من يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة ويحرم بالحج إن كان متمتعا عند خروجه إليها ويبيت بها فإذا طلعت الشمس سار إلى نمرة فأقام بها إلى الزوال ثم يجمع بين صلاتين إن كان ممن يجوز له الجمع ثم يأتي عرفة وكلها موقف وهي من الجبل المشرف على بطن عرفة إلى الجبال التي تقابله إلى ما يلي حوائط بني عامر وليست عرنة منها والسنة أن يقف عند

الصخرات وجبل الرحمة راكبا وقيل: الراجل أفضل ولا يسن له الصوم بعرفة ويكثر من قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري ويجتهد في الدعاء حتى تغرب الشمس. ثم يسير بسكينة إلى المزدلفة على طريق المأزمين وإذا وجد فرجة أسرع وإذا أتاها جمع بين العشاءين قبل حط رحله ولو صلى المغرب في طريقه جاز وأخذ منها سبعين حصاة للرمي تكون فوق الحمص ودون البندق ومن حيث أخذه جاز ويسن غسله وعنه لا يسن. ويبيت بالمزدلفة إلى أن يصلي الفجر بغلس ثم يأتي المشعر الحرام فيرقاه ويحمد الله ويكبر ويهلل ويقول اللهم كما وقفنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق {فَإذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ*ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:198-199] ويدعو حتى يسفر جدا. ثم يسير إلى منى وإذا آتى محسرا أسرع بقدر رمية حجر فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة ماشيا بسبع من الحصى يكبر مع كل حصاة ويرفع يده حتى يرى بياض إبطه ولو رمى بعد نصف ليلة الفجر جاز ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق أو يقصر ثم قد حل من كل شيء إلا النساء وعنه يحل إلا من الوطء في الفرج وإن لم يكن له شعر فالسنة أن يمر الموسى على رأسه. ثم يأتي مكة فيطوف إن كان متمتعا لقدومه كما فعل للعمرة ثم يسعى ثم يطوف ثانيا طواف الزيارة وهو الفرض وإن كان مفردا أو قارنا طاف الفرض ثم سعى إن كان لم يسع مع طواف قدومه وإلا فلا يسعى ثم قد حل من

كل شيء ثم يأتي زمزم فيشرب منها ويتضلع فيسمي ويقول بسم الله الرحمن اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وريا وشبعا وشفاء من كل داء واغسل به قلبي واملاء من خشيتك. ثم يرجع فيبيت بمنى ثلاث ليال ويرمى من الغد بعد الزوال في غده الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة فإن نكس لم يجزئه وعنه يجزئه مع الجهل ويرمي مستقبل القبلة ويجعل الأولى عن ميسرته والأخرى من ميمنته ويقف طويلا يدعو بقدر قراءة التوبة إلا عند جمرة العقبة فلا يقف ثم يرمى في اليوم الثاني كذلك ثم إن شاء نفر فيه متعجلا إلى مكة ووقف بقدر الحصاة وإن غربت شمسه وهو بمنى لزمه أن يبيت ويرمى بعد الزوال ولو أتى الرمي كله في آخر أيام منى جاز. ويستحب إذا نفر أن ينزل بالأبطح وهو المحصب إلى الليل فيهجع يسيرا ثم يدخل مكة ويستحب أن يدخل البيت حافيا ويتنفل فيه وأن يكثر الأعتمار والنظر إلى البيت. فإذا أراد أن يخرج طاف للوداع ثم وقف في الملتزم بين الركن والباب وقال اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما استخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك بيتك وأعنتني على قضاء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل تنأى عن بيتك داري هذا أو أن انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم اصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدعيته. والمرأة كالرجل في جميع ذلك كله إلا أنها لا ترمل ولا تضطبع ولا

ترقى المشعر ولا الصفا والمروة وتقصر من شعرها قدر أنملة ولا وداع عليها مع حيض أو نفاس ولادم بسبب ذلك لكن يسن أن تقف عند باب المسجد فتدعو. وخطب الحج المسنونة ثلاث يوم عرفة ويوم النحر وثاني أيام منى لتعريف الناس مناسكهم وعنه لا خطبة في يوم النحر.

باب الهدايا والضحايا

باب الهدايا والضحايا إذا نذر هديا مطلقا أو ضحية لزمته شاة ويجزىءعن الشاة سبع من بدنة وعن البدنة بقرة أو سبع شياه حيث وجبتا وله أن يشارك بسبع البدنة من يريد اللحم أو قربة غير قربته فإن ذبح من عليه الشاة بدنة فهل يجزئه سبعها أو تلزمه كلها على وجهين. ولا يجزىءفي هدي أو أضحية إلا الجذع من الضأن وهو ما تمت له ستة أشهر والثني مما عداه وهو ما تمت له سنة من المعز وسنتان من البقر وخمس سنين من الإبل. ولا يجزىءفي ذلك قائمة العينين ولا ذات عور خاسف العين أو مرض مفسد للحم أو عجف لا نقي معه1 أو عرج يمنع اتباع الغنم أو عضب مذهب لأكثر القرن أو الأذن. ويجزىءالخصي وفي الجماء وجهان. ومن السنة: سوق الهدايا من الحل وتقليدها بالعري والنعال ونحوها وإشعار البدن منها بشق صفحة سنامها اليمنى حتى يسيل دمها وأن توقف بعرفة. ولا تتعين إلا بالقول فيقول هذه أضحية أو هدي ونحوه من ألفاظ النذر ومتى لم تتعين فله ظهرها ونماؤها واسترجاعها مالم يذبحها فإن نذرها ابتداء بعينها لم يجز إبدالها إلا بخير منها وقال أبو الخطاب لا يجوز بحال من الأحوال وإن ولدت ذبح الولد معها وله شرب لبنها الفاضل عن ولدها

_ 1- النقي: المخ يعني لشدة هزلها وعجفها لم يبق في عظامها مخ.

وركوبها مع الحاجة مالم يضر بها وجز صوفها والتصدق بها إن انتفعت بجزه. ولو ذبحها فسرقت لم يلزمه شيء وإن ذبحت بغير إذنه أجزأته ولا شيء على الذابح وإن أتلفها صاحبها لزمته قيمتها يوم تلفها لا يوم ذبحها وصرفت في مثلها كالأجنبي إذا أتلفها وقيل: يلزمه أكثر القيمتين فإن بقيت من القيمة بقية صرفت في أخرى إن اتسعت لها وإلا تصدق بها أو بلحم يشتريه بها ولو تلفت أو ضلت بغير تفريط منه لم يلزمه شيء وإن تعيبت ذبحها وأجزأته. وإن عطبت دون محلها ذبحها مكانها وأجزأته ولم يأكل ولا رفقته منها لكن يصبغ نعله بدمها ويضرب به صفحتها علامة للفقراء عليها وكذلك هدي التطوع إذا عطب دون محله واستدام نيته فيه وإن فسخها قبل ذبحه صنع به ما شاء. وحكم المعينة عن واجب في الذمة حكم المعينة ابتداء في جميع ما ذكرنا إلا إذا تلفت أو ضلت أو غابت فإن عليه بدلها وهل له استرجاع العاطب والمعيب والضال إن وجده على روايتين. وكل هدي أو إطعام يتعلق بالحرم أو الإحرام ففديته تختص بالحرم إلا من أتى في الحل محظورا لعذر فله صرف فديته فيه وأما الصيام فيجزىءبكل مكان. ووقت الذبح لما وجب بفعل محظور من حين وجوبه إلا أن يستبيحه [أي المحظور] لعذر فله الذبح قبله1 وكذلك ما وجب لترك واجب. فأما الأضحية وهدي النذر والمتعة والقرآن فوقت ذبحها يوم العيد بعد صلاته ويومان بعده بليلتيهما. وقال الخرقي: إذا مضى من وقت صلاة العيد قدرها وقدر الخطبة حل الذبح ومنع منه ليلا فإن خرج الوقت ذبح الواجب قضاء وسقط التطوع.

_ 1- في نسخة بالهامش: قبل فعل المحظور.

والأضحية سنة مؤكدة والأفضل أن يذبحها المضحي بيده ويكبر إذا سمى فإن لم يحسن الذبح شهده ولا يعطى الجازر منها أجرة ويجوز أن يذبحها الكتابي وعنه المنع. والسنة أن يأكل منها ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث فإن تصدق بما يقع الاسم عليه1 جاز فإن أكلها كلها فهل يضمن ثلثها أو ما يقع عليه الاسم على وجهين. ولا يأكل من دم واجب إلا هدي المتعة والقران وعنه يأكل إلا من المنذور2 وجزاء الصيد وأجاز أبو بكر الأكل من أضحية النذر. وله أن ينتفع بجلد الأضحية وجلها ولا يجوز له بيعه وعنه إن باعه وتصدق بثمنه جاز. ويكره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من شعره أو بشرته وقيل: يحرم ذلك. ومن مات وقد ذبح أضحيته أو أوجبها لم تبع في دينه وخلفه فيها ورثته. وعقيقة المولود سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة يوم السابع ويحلق رأسه ويسمي ويتصدق بوزنه ورقا فإن فات ففي أربعة عشر وإلا ففي أحد وعشرين. ولا يجزىءفيها بدنة ولا بقرة إلا كاملة ولا يكسر لها عظم. ويجوز بيع جلدها وسواقطها والصدقة بالثمن نص عليه ويتخرج المنع وسائر أحكامها كالأضحية. ولا تسن الفرعة وهي نحر أول ولد الناقة ولا العتيرة وهي ذبيحة كانت للجاهلية في رجب.

_ 1- في نسخة بالهامش "لحما لا قيمة". 2- وفي نسخة أخرى بهامش الأصل: النذر.

كتاب البيوع

كتاب البيوع مدخل ... كتاب البيوع ينعقد البيع1 بالإيجاب والقبول المعاقب له.

فإن تقدم عليه فعلى روايتين.

ولو تقدم عليه في النكاح لم يصح رواية واحدة.

وإن تراخى عنه صح فيهما ما داما في المجلس ولم يشتغلا بما يقطعه وإلا فلا يصح.

وعنه يصح في النكاح ولو بعد المجلس.

ويصح بيع المعاطاة كقوله: أعطنى بدرهم خبزا فيعطيه ما يرضى أو يقول.

خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه وعنه أنه لا يصح وقال القاضي يصح في المحقرات خاصة. وإذا تبايعا فكل واحد منهما بالخيار إلى أن يتفرقا بأبدانهما ما يعده الناس فراقا فإن أسقطاه في المجلس أو في العقد سقط وعنه لا يسقط.

ويجوز خيار الشرط فوق ثلاث وأن يفصح به أحدهما في غيبه صاحبه. ويتخرج أن لا ينفسخ إذا لم يبلغه في المدة وإذا مضت مدته ولم يفسخا: لزم العقد وابتداء مدته من حين العقد وقيل: من حين التفرق.

وإذا شرطا الخيار ولم يؤقتاه لم يصح وعنه يصح ويبقى ما لم يقطعاه فإن شرطا إلى الجذاذ والحصاد خيارا أو أجلا في بيع أو سلم فعلى روايتين ولو شرطا الخيار إلى الليل أو الغد سقط بدخوله وعنه بخروجه وإن شرطاه سنة في أثناء شهر استوفى شهر بالعدد وأحد عشر بالأهلة وعنه يستوفى الكل بالعدد وكذلك كل ما علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة ونحوه ومن.

شرط الخيار له ولزيد جاز وكان وكيلا له فيه. وإن قال: لزيد دوني لم يصح وإن شرطه لزيد وأطلق فعلى وجهين.

ويثبت الملك للمشترى في مدة الخيار في أشهر الروايتين ويكون له كسبه ونماؤه وإن فسخ العقد ومتى تصرف فيه البائع بعتق أو غيره لم ينفذ ولم يكن فسخا نص عليه وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق إلا أن يتصرف.

مع البائع أو يكون له الخيار وحده وبكل حال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إمضاء.

وفي استخدامه روايتان [إحداهما: لم يبطل خياره وهو المذهب] .

ولو قبلته المبيعة فلم يمنعها فخياره باق نص عليه ولو أعتقها أو تلفت عنده بطل خياره وللبائع الثمن وعنه له الفسخ وأخذ القيمة.

ولا يثبت خيار الشرط في بيع شرط القبض لصحته كالصرف والسلم. وفي خيار المجلس فيه روايتان [إحداهما: يثبت وهو المذهب] ويثبت الخياران. في الإجارة إلا خيار الشرط في إجارة تلي مدة العقد ففيه وجهان [أحدهما:.

يثبت وهو المذهب] ولا يثبتان في باقي العقود إلا خيار المجلس في المساقاة والمزارعة والحوالة والسبق والشفعة إذا أخذ بها فإنه على وجهين [أحدهما:

لا يثبت فيما ذكر وهو المذهب] .

وخيار الشرط والشفعة وحد القذف لا تورث إلا بمطالبة من الميت نص عليه ويتخرج أنها تورث.

ومن علق عتق عبده ببيعه فباعه عتق وانفسخ البيع نص عليه وقيل:.

لا يعتق إلا إذا قلنا لم ينتقل الملك من مع الخيار وقيل: يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه فأنه لا يعتق.

ولا يحل لأحد أن يبدي للمشتري في مدة الخيار مثل السلعة بدون الثمن ليفسخ ويشتري منه وهو بيعه على بيع أخيه ولا أن يزيد عليه ليفسخ البائع ويعقد معه وهو شراؤه على شرائه فإن فعلا ذلك فهل يصح البيع الثاني على وجهين [أحدهما: لا يصح بيع الثاني وهو المذهب] .

_ ويحرم سومه على سوم أخيه وقيل يكره وهذا فيما إذا وجد من البائع تصريح بالرضى فإن ظهر ما يدل على عدم الرضى لم يحرم وكذا إن لم يوجد ما يدل على الرضى ولا عدمه قطع به الشيخ وغيره وقيل يحرم وإن ظهر ما يدل على الرضى من غير تصريح لم يحرم قطع به في المستوعب وهو قول القاضي وإليه ميل الشيخ قال والحكم في الفساد كالحكم في البيع على بيع أخيه في الموضع الذي حكمنا بالتحريم فيه وقطع في الرعاية بالصحة والقول بالصحة أشبه بالمذهب كصحة العقد مع تحريم الخطبة في الأصح. وقال الشيخ تقي الدين وأما استيامه على سوم أخيه فكخطبته على خطبة أخيه يفرق فيه بين الركون وعدمه ولهذا جاز بيع المزايدة لأن البائع طلب المزايدة فلم يركن بل رده ولو لم يجب برد ولا قبول ففيه وجهان لكن بيع المزايدة ظاهر فيما اذا كانت السلعة أو المنفعة بين البائع أو المؤجر فأما المستأجر لحانوت وفي رأس الحول إن لم يزد عليه أحد وإلا أجره المالك1 فهذا ليس مثل بيع المزايدة فإن المالك لم يطلب ولم يزد وإنما تشبه مسألة الوجهين وقال استئجاره على استئجار أخيه واقتراضه على اقتراض أخيه واتهابه على اتهاب أخيه مثل شرائه على شراء أخيه وكذا اقتراضه في الديوان وطلبه العمل في الولايات ونحو ذلك.

باب ما يجوز بيعه وما يشترط لصحته

باب ما يجوز بيعه وما يشترط لصحته كل ما أبيح نفعه واقتناؤه مطلقا فبيعه جائز كالعقارات والمتاع والبغل والحمار ونحوها فأما الحشرات وآلات اللهو والكلب والسرجين النجس: فلا

يجوز بيعها وهل يجوز بيع الهر والفيل والفهد والصقر والبازي على روايتين [إحداهما: يجوز بيعه وهو المذهب] . ولا يجوز بيع الدهن النجس ولا يطهر بالغسل وفي الاستصباح به روايتان [إحداهما: يجوز الاستصباح به في غير الم....1] وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل فعلى قوله: يجوز بيعه. ويجوز بيع دود القز وفي بزره وجهان [أحدهما: يجوز بيعه وهو المذهب] . ولا يجوز بيع لبن الآدمية وقيل: يجوز وقيل: يجوز من الأمة دون الحرة ولا يجوز بيع العبد المنذور عتقه ويجوز بيع المرتد والجاني نص عليه وفي المتحتم قبله المحاربة وجهان [أحدهما: يصح بيعه وهو المذهب] . ويكره بيع المصحف تنزيها وعنه يحرم وكذلك إجارته.

ويجوز شراؤه وإبداله وعنه يكره.

ولا يصح بيع ما يعجز عن تسليمه كالنحل في الهواء والسمك في الماء، والعين المغصوبة إلا من غاصبها أو قادر على تخليصها وإن عجز عن التخليص فله الفسخ.

ويصح بيع النحل في كواراته معها وبدونها إذا شوهد داخلا إليها.

ويجوز بيع العين المؤجرة.

ولا يجوز بيع الحمل في البطن ولا اللبن في الضرع ولا بيع الملامسة والمنابذة كقوله: "أي ثوب لمسته أو نبذته فهو بكذا ولا بيع الصوف على الظهر وعنه يجوز بشرط جزه من الحال.

ولا يصح البيع إلا بشرط معرفة المبيع برؤيته وقت العقد أو قبله بزمن لا يتغير فيه غالبا أو بصفة تكفي في السلم إن كان مما يجوز السلم فيه ومتى وجده1.

بخلاف الصفة أو الرؤية السابقة فله الفسخ فإن اختلفا في التغير أو الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه. وإذا باع عبدا مبهما في أعبد لم يصح وإن باع رطلا من زبرة أو قفيزا من صبرة متساوية أجزاؤهما صح.

وإن باعه ذراعا غير معين من أرض أو ثوب لم يصح إلا أن يعلما ذرع الكل فيصح في قدره مشاعا.

وإذا باع حيوانا يؤكل واستثنى الرأس والجلد والأطراف: جاز فإن أبى المشتري أن يذبح: لم يجبر ولزمه قيمة المستثنى.

ولو باع الشاة إلا رطلا من لحمها أو الأمة إلا حملها أو الصبرة إلا قفيزا أو ثمرة البستان إلا صاعا ففي صحته روايتان.

وإذا باعه شيئا برقمه.

أو بألف ذهبا وفضة.

أو بدينار إلا درهما.

أو بدينار مطلق وليس للبلد نقد غالب.

أو قال بعتك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة فإنه لا يصح.

وإن باعه بوزن صنجة لا يعلمان وزنها فعلى وجهين وإذا باعه عبده وعبد غيره أو عبدا بينهما أو خلا وخمرا أو تفرقا في صرف أو سلم عن قبض.

البعض: صح العقد فيما يصح لو أفرده بحصته من الثمن وعنه يبطل في الكل.

وإذا جمع بعوض واحد بين بيع وصرف أو بيع إجارة صح فيهما نص عليه وقيل: لا يصح.

وإن كان الجمع بين بيع ونكاح صح النكاح وفي البيع وجهان [الصحيح الصحة] .

وإن كان بين كتابة وبيع بطل البيع وفي الكتابة وجهان.

وإن باع عينا له وأخرى لغيره بإذنه بعوض واحد صح واقتسماه على قدر القيمة نص عليه وقيل: لا يصح وكذلك إن باع واحدا من اثنين سلعتين بثمن واحد لكل واحد سلعة. ولا يصح تصرف الفضولي لغيره ببيع ولا شراء ولا نكاح إلا شراؤه له في الذمة إذا لم يسمه في العقد فإنه يصح ثم إن أجازه المشتري له ملكه. وإلا لزم الفضولي وعنه يصح تصرفه بكل حال ويقف على الإجازة ولو باع ما يظنه لغيره فبان أنه قد ورثه أو وكل في بيعه فعلى وجهين.

ولا ينعقد بيع المكره ومن أكره على وزن مال فباع ملكه في ذلك صح البيع وكره الشراء منه نص عليه وعنه لا يصح البيع. وبيع الحاضر للبادي منهي عنه بخمسة شروط أن يحضر البادي لبيع شيء بسعر يومه وهو جاهل بسعره وبالناس إليه حاجة ويقصده الحاضر وفي صحته روايتان وإن فقد شرط من الخمسة صح وزال النهي. ولا يصح بيع العصير ممن يتخذه خمرا ولا بيع السلاح في فتنة أو لحربي ولا بيع من تلزمه الجمعة إذا نودي لها النداء الثاني وعنه النداء الأول فإن باع في الوقت قبل النداء فعلى روايتين ويتخرج أن يصح في ذلك كله مع التحريم. ولا يصح أن يشتري الكافر رقيقا مسلما إلا من يعتق عليه بالملك فإنه على روايتين.

وتفريق الملك بين ذوي الرحم المحرم والمحرم بالبيع وغيره حرام باطل إلا بالعتق وافتداء الأسرى وعنه لا بأس به بين البلغ ولو بان بعد البيع أن لا نسب بينهم كان للبائع الفسخ. ومن قال لرجل اشترني من فلان فإني رقيقه فاشتراه ثم بان حرا لم تلزمه العهدة حاضرا كان البائع أو غائبا.

_ وإن سبق أحدهما بدون ستة أشهر وقع ما علق به انقضت العدة بالثاني ولم يقع به شيء وقال ابن حامد يقع المعلق به أيضا. فعلى الأول إن أشكل السابق طلقت طلقة لتيقنها ولغا ما زاد وقال القاضي قياس المذهب تعيينه بالقرعة وإن كان بينهما فوق ستة أشهر فالحكم كما فصلنا إن قلنا الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق وإن قلنا لا تنقضي به العدة وألحقناه به كملت به الثلاث انتهى كلامه. الكلام عليه على سبيل الاختصار. أما وقوع الثلاث فيما اذا ولدتهما معا لأن الصفتين شرطهما وقد وجدتا وأما إذا سبق أحدهما بدون ستة أشهر قيد بها لأنها أقل مدة الحمل فيعلم أنهما حمل واحد وقد صرح بهذا القيد جماعة من الأصحاب وأشار إليه الشيخ في المغنى والكافي فيقع بالسابق ما علق به لوجود شرطه وأما الثاني فهل تنقضي به العدة ولا يقع به شيء أم يقع ما علق عليه فيه الوجهان المذكوران هنا وهما مشهوران. أحدهما تنقضي به العد ولا يقع به شيء اختاره أبو بكر وأكثر الأصحاب

_ ونصره في المغنى وصححه في الكافي والرعاية وغيرهما وقدمه غير واحد. وجه هذا أن العدة انقضت بوضعه فصادفها الطلاق بائنا فلم يقع كما لو قال لغير مدخول بها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وكذا إذا مت فأنت طالق لا وقوع مع عدم الزوجية لأنها شرطه ولا صحة للمشروط مع عدم شرطه وهذا من الجليات ولأنه لو قال أنت طالق مع موتى لم تطلق فهنا كذلك بل أولى لأن هناك صادفها الطلاق بائنا وهنا حصل التصرف في ملك لأنه تم مع تمامه والفرق بين هذا ونظائره يطول مع أنه ليس الغرض. والوجه الثاني يقع ما علق عليه اختاره ابن حامد لأن زمن البينونة زمن الوقوع ولا تنافي بينهما بهذا علل وقد بان فساده مما سبق.

_ وظاهر هذا أنه لا عدة عليها بعد وضع الثاني وكلام صاحب المحرر صريح في ذلك أو ظاهر. وصرح الشيخ شمس الدين بن عبد القوي في نظمه في حكاية قول ابن حامد وأنها بوضع الثاني تطلق وتنقضي به العدة وهو يدل على ضعفه لأن كل طلاق لا بد له من عدة متعقبة وعلى هذا يعايى بهذا فيقال على أصلنا أن الطلاق بعد الدخول ولا مانع والزوجان مكلفان لا عدة فيه ويقال طلاق بلا عوض دون الثلاث بعد الدخول في نكاح صحيح لا رجعة فيه وقد يقال على بعد الطلاق يسبق البينونة فلم يخل من عدة المتعقبة إما حقيقة أو حكما. وبهذا قال ابن الجوزي في حكاية قول ابن حامد تطلق الثانية لقرب زمان

_ البينونة والوقوع فلم يجعل زمانها زمانها فعلى الأول إن أشكل طلقت طلقة لأنها اليقين والزائد مشكوك فيه والأصل عدمه ولا يشبه هذا ما إذا طلق فلم يدر طلق واحد أو ثلاثا على قول الخرقي لأنه هناك شاك في إباحتها بالرجعة بخلاف هذا ويفارق مالو أعتق أحد عبديه واشتبه حيث نقول بالقرعة لأنها تعينت طريقا إلى تعيين العتق في أحدهما لتساويهما وهنا لم تتعين عملا بالأصل في نفي الزائد ولهذا لم تشرع القرعة فيما إذا شك في عدد الطلقات والمطلقات وإلحاق الشيء بجنسه ونظيره أولى. ونظير مسألة العتق مالو طلق إحدى امرأتيه لأنه في الموضعين شاك في المحكوم فيعين وفي مسألتنا المحكوم به معين وهو المتيقين وهو معلوم فلم يحتج إلى تعيين بل تعيين المعين محال وهو واضح إن شاء الله تعالى. وقال القاضي قياس المذهب أن يقرع بينهما فمن خرجت قرعته فإنه الأول يحكم بأنه الأول لأنه لا يمكن الحكم بوقوع طلقة مطلقة لأن الكلام معين ولا بوقوع الطلقة المفردة لأنه تعيين لأحد المشروطين مع مساواة احتمال

_ وجود شرطهما وهو غير جائز لما فيه من التحكم والترجيح من غير مرجح ولا يمكن الحكم بوقوع طلقة من الطلقتين لما تقدم ولما فيه من وقوع بعض المشروط وهو غير جائز. وإذا كان كذلك فيجب أن تتعين القرعة طريقا وبيانا للمحكوم به كما تعينت طريقا وبيانا للمحكوم عليه فيما إذا أعتق أحد عبديه معينا ثم نسيه أو قال إن جاء زيد فعبد من عبيدي حر وإن جاء عمرو فعبدان من عبيدي أحرار وإن جاء زيد فسالم حر وإن جاء عمرو فغانم وبكر حران فجاء أحدهما ولم يعلم من هو وكذلك نظيرتها في الطلاق. كذلك ينبغي أن يكون الحكم فيما إذا طار طائر وقال إن كان غرابا فأنت طالق واحدة وإن لم يكن غرابا فأنت طالق اثنتين فطار ولم يعلم حاله وعلى هذا إن راجع قبل وضع الثاني وقع ما علق به وتعتد بعد وضعه. وأما قوله: "وإن كان بينهما فوق ستة أشهر إلى آخره" لأنه لا يمكن أن يكون حملا واحدا وبينهما فوق ستة أشهر بل الثاني حمل آخر مستقل. وبنى رحمه الله المسألة على أصلين.

_ أحدهما أن هذا الحمل هل يلحق بالمطلق أم لا. والثاني هل تنقضي عدتها به على تقدير أن لا يحلق به أم لا. أما كون هذا الحمل هل يلحق بالمطلق فمأخوذ من قوله: فيما يلحق من النسب وإذا ولدت الرجعية بعد أكثر مدة الحمل منذ طلقها ولدون ستة أشهر منذ أخبرت بانقضاء عدتها أو لم تخبر بانقضائها أصلا فهل يلحقه نسبه على روايتين. وحل هذا أن الرجعية إذا ولدت بعد أكثر مدة الحمل منذ طلقها فلها حالان. أحدهما أن تخبر بانقضاء عدتها وتلد لدون ستة أشهر منذ إخبارها فيعلم بطلان الخبر وأن الحمل كان موجودا في مدة العدة. والثاني أن لا تخبر ولم يحكم بانقضائها وهذه العبارة أشد وأكمل لأن عبارة بعضهم وإن طلقها طلاقا رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها وأقل من أربع منذ انقضت عدتها. وعبارة بعضهم وإن وطىءزوجته ثم طلقها طلاقا رجعيا ثم

_ أتت بولد بعد أكثر مدة الحمل وقبل انقضاء عدتها. لأن العبارة الأولى هي للحالة الأولى ذكرها المصنف وحررها لأنها تصدق على ما لو أقرت بانقضاء عدتها بالقرء ثم أتت بولد بعد ستة أشهر وقد صرح قائلها بهذه الصورة وأنه لا يلحق به وكذا صرح غيره. ولسنا ننكر الخلاف فيها فإن في المغنى ذكر أن كلام الخرقي يحتمل أن يلحق به وذكره بعض المتأخرين قولا. والعبارة الثانية هي للحالة الثانية ويدخل فيها الأولى لكن هذه أجود وأصرح فتأمل ذلك. ثم إن الخلاف في هذه المسألة ذكره بعضهم وجهين وذكره بعضهم روايتين واختلف كلام الشيخ في ذلك. وجه لحوق النسب وهو الصحيح والراجح عند جماعة من الأصحاب أن حكمها حكم الزوجات في أكثر الاحكام بلا إشكال فكذا في مسألتنا لأنه الأصل كثبوته بالأكثرية والنقل عنه يفتقر إلى دليل والأصل عدمه,

_ لا سيما والنسب يحتاط له فتحقيقه وإثباته أولى من غيره من الأحكام وقياسا على ما قبل الطلاق. ووجه عدم لحوقه أنها مطلقة علقت به بعد الطلاق يقينا لأنه لا يجوز أن يكون موجودا قبل الطلاق مع بقائه أكثر من مدة الحمل فأشبهت البائن والأولى أولى والفرق ظاهر. إذا تقرر هذا فمسألتنا المقصودة مطلقة رجعية تحقق حملها بعد طلاقها بوضع الأول ولم يحكم بانقضاء عدتها فعلم بذلك أن التعليلين السابقين يجريان هنا وأن ما ذكره في لحوق النسب أصل لما ذكره في الطلاق. وقد يقال يحمل قوله "وإن كان بينهما فوق ستة أشهر" على الصورة المذكورة في لحوق النسب لأنها إذا وضعت بعد أكثر مدة الحمل وقبل الحكم بانقضاء العدة صدق أنها وضعت وبينهما فوق ستة أشهر ودل على هذا الحمل تقييد كلامه في لحوق النسب.

_ وصرح بستة أشهر فأكثر للفرق بين الحمل الواحد والحملين والأول هو الصواب لما فيه من التقييد بغير دليل والتفريق بين المتماثلين. والمسألة الأخرى وهي أن من أتت امرأته بولد لا يلحقه نسبه هل تنقضي عدتها به أم لا مشهورة وقد صرح بها المصنف وغيره والكلام عليها يطول والراجح فيها واضح فلا حاجة إلى بحثها. إذا تقرر هذا فقوله: فالحكم كما فصلنا إن قلنا الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق أي الخلاف السابق جاز هنا والدليل كما تقدم وإن قلنا تنقضي به العدة كملت به الثلاث لأنها وجدت صفتها كما لو وجدت دفعة واحدة وانتفاء عدم الوقوع لانتفاء سببه لآن هذا الحمل الثاني لا أثر له في انقضاء العدة فوجوده كعدمه كما لو خرج منها نطفة أو دم ولهذا لو كان

_ قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة واحد بعد واحد لدون ستة أشهر طلقت بالثاني أيضا لانتفاء انقضاء العدة به ولا تطلق بالثالث على الراجح كما تقدم. وإن قلنا بأنه يلحق به كملت به الثلاث أيضا لأن الحكم بلحوقه حكم بثبوت وطء الزوج والحكم بثبوت وطئه حكم بحصول الرجعة لأن الرجعة تحصل بالوطء في ظاهر المذهب ولو راجعها وقع ما علق بالثاني بلا إشكال لانتفاء العدة. وعلى رواية عدم حصول الرجعة بالوطء وأنها ليست مباحة لا يلحقه النسب على ظاهر كلامه في المستوعب. وقد قال في المغنى في النفقات في الفصل قبل مسألة ويجبر الرجل على

_ نفقة والديه وولده في المرأة الرجعية قال وإن وطئها زوجها في العدة للرجعة حصلت الرجعة وإن قلنا لا تحصل فالنسب لاحق به وعليه النفقة لمدة حملها انتهى كلامه. فينبغي أن يكون قولنا لا تحصل الرجعة بالوطء إن اعتقد تحريمه لم يلحق وإلا لحق فإن قيل ما تقدم من البناء غير صحيح لا سيما على قول المصنف إنه لا يلزم من الحكم بلحوق النسب الحكم بثبوت وطء الزوج لكون ذلك مستلزما للرجعة بل قد يحكم بلحوق النسب وإن لم يحكم بثبوت الوطء ولا تترتب عليه ثمراته كما ترتبت على الوطء الحقيقي ومظنته فيحكم بلحوق النسب وإن لم يحكم بالبلوغ ولا باستقرار مهر عن المدخول بها ولا بثبوت العدة عليها ولا بثبوت الرجعة عليها فيما اذا طلق كما ذكره المصنف في باب ما يلحق من النسب.

_ ويؤخذ ذلك من كلام الشيخ موفق الدين بعضه صريحا وبعضه إيماء لأنه ذكر في مسألة قذف الصغيرة من كتاب اللعان أن الزوج إذا كان ابن عشر فأكثر يلحقه نسبه خلافا لأبي بكر قال وليس له نفيه في الحال حتى يتحقق بلوغه بأحد أسباب فله نفى الولد واستلحاقه. فإن قيل إذا ألحقتم الولد فقد حكم ببلوغه فهلا منعتم نفيه ولعانه قلنا إلحاق الولد يكفي فيه الإمكان والبلوغ لا يثبت إلا بسبب ظاهر ولأن إلحاق الولد به حق عليه واللعان حق له فلم يثبت مع الشك انتهى كلامه.

_ وكذلك احتطنا للنسب فاكتفينا فيه بالإمكان لوجود مقتضية وهو الفراش الثابت بالعقد كما هو مذكور موضعه ونفينا غيره من الأحكام على أصله وقد تقرر أنه لا ينتقل عن الأصل بالاحتمال والوهم وهذا كما نحكم بدخول وقت العبادة فيحتاط لها بإيجاب فعلها وإن لم تترتب باقي الأحكام كوجوب صوم ليلة النعيم مع أنه لا يقع طلاق ولا عتاق ولا يحل دين له ولا عليه على ظاهر المذهب وإذا انتفت الرجعة انتفى وقوع الثلاث في مسألتنا لأنه مبني عليها قيل يلزم من ذلك حصول الرجعة في مسألتنا كما صرح به في المستوعب ولظن وغيره. والظاهر أن المصنف تبع غيره من الأصحاب على ذلك لأن لحوق النسب شرعا اعتراف أو كاعتراف الزوج بالوطء لأنه دليل عليه ووقوف ثبوته على البينة متعذر ولا يمكن القول بوقوفه على الاعتراف ولو اختلف في الوطء هنا كان القول قول من يدعيه لأنه اختلاف بعد الدخول والتمكين وهذا الخلاف ما ذكره المصنف في لحوق النسب لأن كلامه فيه قبل الدخول.

_ ولو اختلفا قبل الدخول في الإصابة كان القول قول من ينفيها لأن الأصل معه ولا معارض. فإن قيل يلزم على هذا ما لو طلق مدخولا بها ثم أتت بولد يلحقه نسبه كما لو أتت به قبل مجاوزة أكثر مدة الحمل منذ طلق فإن الرجعة لا تثبت وإن لحقه نسبه مع أنها مدخول بها قبل الطلاق. قلنا لا يلزم لأن الوطء في هذه المسألة يحتمل أن يكون وجد قبل الطلاق ويحتمل أن يكون وجد بعده مصادفا زمن العدة فلا تحصل الرجعة مع الشك بخلاف ما تقدم لأنا نتحقق مصادفة الوطء زمن العدة لأنه لا يجوز أن يكون سبب الوضع الثاني وجد قبل الطلاق مع كونهما حملين كما سبق.

_ وإذا كان كذلك لزم حصول الرجعة ومن زعم أن لفظ المصنف وإن قلنا لا تنقضى به وألحقناه بحذف الألف فليس كما زعم بل النسخ الصحيحة المشهورة المعتمدة بإثبات الألف ولم أجد حذفها في نسخة صحيحة وقد صح كما سبق أن عدم انقضاء العدة سبب مستقل في وقوع الثلاث وعلى تقدير حذف الألف يكون عدم انقضاء العدة جزء السبب فتعين أن يثبت الألف حتى يكون عدم انقضاء العدة سببا كاملا لوقوع الثلاث فإن وجدت الألف في نسخة صحيحة محذوفة تعين أن تكون مقدرة وتكون الواو بمعنى أو وهو سائغ. ولا ينبغي أن يجعل ما إذا أبانها فولدت آخر بعد ستة أشهر أصلا لهذه المسألة لأنه إن جعل أصلا للحوق النسب لم يستقم لأن في لحوق النسب في الفرع تعددا ولا خلاف في المذهب في عدم لحوق النسب في الأصل وإن

_ جعل أصلا لانقضاء العدة فهو فرع محال على أصل فذكر الأصل المحال عليه أولى مع أن فيه تخصيص بعض النظائر بالذكر. وذكر القاضي رحمه الله الخلاف فيما إذا كان بينهما دون ستة أشهر وذكر أنه إن كان بينهما ستة أشهر فصاعدا أنها تبين بالثاني ولا تطلق به وقال فهذا حمل عادت بعد البينونة فلا يلحق به ولا يتعلق به طلاق. وقوله "بعد البينونة" أي بعد سببها لأنه حدث بعد الحمل الأول الذي وقع به الطلاق وإلا فمحال بينونتها بالحمل الثاني مع بينونتها بالأول فقد قطع بأن الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق ومع هذا قطع بعدم وقوع الطلاق به وفيه إشعار بأنا لو قلنا لا تنقضي به العدة أو ألحقناه بالمطلق طلقت به فيكون كما ذكره صاحب المحرر. وقطع القاضي في هذه المسألة بأن لا يلحق به وقطع في مسألة لحوق النسب المذكورة بلحوقه وهذا أمر قريب لا سيما في اصطلاح المتقدمين فإن الفقيه قد يذكر في موضع أحد القولين ويذكر في موضع آخر القول الآخر وذكر أبو الخطاب الخلاف فيما إذا كان بينهما دون ستة أشهر وقال فان كان بينهما فوق ستة أشهر

_ فهو على ما تقدم من الوجهين وظاهر هذا ثبوت الوجهين في جميع الصور. وكأن الشيخ في كتاب المقنع لما رأى أبا الخطاب حال الوجهين فيما اذا كان فوق ستة أشهر على الوجهين فيما اذا كان بينهما دونها لم يتعرض للتفصيل لعدم فائدته وكذلك قول الشيخ في كتاب زوائد الهداية على الخرقي والشيخ وجيه الدين أبو المعالي في كتاب الخلاصة تبع أبا الخطاب في التفضيل من غير زيادة ولا نقصان إلا أنه صحح عدم وقوع الطلاق في الحالين وكذلك فعل غيرهما وذلك من إقرارهم وعدم تغييرهم ظاهر في فهمهم ظاهره1. فإن قيل كلام أبي الخطاب محمول على القول بأن الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق كما قيده صاحب المحرر؟.

_ قيل: كلام شخص لا يقيد كلام شخص آخر بل يحمل من أطلق على عمومه اللهم إلا أن يندرج تحت الإطلاق صورة لا يكون للقول بها مساغ فحينئذ تخرج تلك الصورة من الإلحاق لتعذر حمل المطلق عليها لا سيما هنا لأن أبا الخطاب ذكر انقضاء العدة بما لا يلحق بالمطلق احتمالا فجعل كلامه تفريعا منه على احتمال بعيد من غير إشارة منه إلى ذلك بعيد بل قد يقال فيه إشارة إلى الخلافة لأنه أحال هذه المسألة على التي قبلها فدل على اشتراكهما في المدرك والحكم. يؤيد هذا أن صاحب الوجيز من متأخري الأصحاب ذكر فيه أنها تطلق بالأول وتبين بالثاني ولا تطلق بالثاني وقطع بهذا ولم يفصل بين ستة أشهر وغيرها وقطع في مسألة لحوق النسب بأنه يلحقه وقطع في العدة بأن مالا يلحقه نسبه لا تنقضى به العدة وهو كتاب حسن وقد اطلع عليه القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي وأجاز الفتيا به وأنه المذهب. فقد ظهر من هذا أن الأصحاب رحمهم الله تعالى في الحال الرابع وهو فيما إذا ألحقناه به هل تكمل به الثلاث على وجهين وقياس القول

_ بالتسوية بين الأحكام في مسألة الغيم أنه يلزم من الحكم بلحوق النسب الحكم بجميع الأحكام لأنه محكوم بوطئه شرعا بالنسبة إلى بعض الأحكام فكذلك إلى البعض الآخر تسوية بين جميعها. وقد قال صالح قال أبي إذا أغلق الباب وأرخى الستر لزمه الصداق قلت وإن لم يطأ قال وإن لم يطأ أرأيت لو جاءت بولد أليس تلزمه إياه العجز جاءمن قبله قلت فإنه قال لم أطأ وقالت لم يطأني قال هذا فار من الصداق وهذه فارة من العدة.

_ فقد احتج الإمام أحمد على لزوم الصداق بلزوم الولد لو جاءت به فدل على تلازمهما عنده ظاهرا وشرعا. والمشهور من قول الأصحاب أنه لا فرق في الوصية للحمل بين أن تكون المرأة فراشا لزوج أو سيد يطؤها أو لا يطؤها لأنهم لم يفرقوا في لحوق النسب بالزوج والسيد في حكم من يطؤها فقد جعلوا الحالين سواء في الوصية لاستوائهما في لحوق النسب. ولو كان لرجل ولد من امرأة فقال ما وطئتها لم يثبت إحصانه ولا

_ يرجم إذا زنا عندنا وعند الشافعي وقال أبو حنيفة فيما حكاه أصحابنا عنه يرجم لأن الولد لا يكون إلا من وطء فقد حكم بالوطء ضرورة الحكم بالولد. وأصحابنا يقولون الولد يلحق بالإمكان والإحصان لا يثبت بالإمكان ولا يكون أحدهما دالا على الآخر. وبيانه أنها يجوز أن تعلق من وطء دون الفرج أو تستدخل ماء الرجل فتعلق وبهذا لا يجوز أن يثبت الإحصان. والمقصود أن مسألتنا على أصول أبي حنيفة أولى لأن الإحصان لا يثبت إلا بحقيقة الوطء ولا يثبت بالخلوة بخلاف مسألتنا وإذا تقرر هذا فلا يستبعد ما أشير إليه من جري الخلاف في مسألتنا والله أعلم.

فإن كان المبيع تالفا تحالفا وغرم المشتري قيمته والقول قوله في قدره وقيمته وصفته وكذلك كل غارم إلا أن يصفه بعيب كالبرص والخرق فيؤخذ بقول صاحبه في نفيه وقيل: بقوله أيضا وعنه يحلف المشتري وحده مع التلف ويؤخذ بقوله. وإن اختلفا في صفة الثمن فظاهر كلامه أنه يرجع إلى أغلب نقود البلد فإن تساوت فأوسطها وقال القاضي: يتحالفان. وإن اختلفا في أجل أو شرط يصح تحالفا وعنه القول قول منكره كما لو اختلفا في مقيد العقد. وإن اختلفا في قدر المبيع أو عينه أخذ بقول البائع نص عليه وقيل: يتحالفان. ولو اختلفا في قدر الثمن بعد قبضه وقد فسخ العقد فالقول قول البائع. وإذا تشاحنا في التسليم والثمن عين نصب عدل فقبض فيهما ثم يقبضهما.

وإن كان دينا فليس للبائع حبس المبيع على قبضه نص عليه وقيل: له ذلك وله الفسخ متى بان المشترى معسرا أو ماله غائبا عن البلد على مسافة القصر فأما دونها على وجهين.

باب الشروط في البيع

باب الشروط في البيع إذا شرط البائع إن جاءه الثمن إلى وقت كذا وإلا فلا بيع بيننا صح.

شرطه وإن شرط رهنا أو كفيلا يعرفانه فأبى الكفيل أن يضمن أو المشتري أن يسلم الرهن لم يجبر وللبائع الفسخ إلا في رهن المعين إذا قلنا يلزم العقد فإنه يؤخذ بتسليمه [فإنه ليس هو المذهب] . وإذا باعه أرضا على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة فللمشتري ردها أو إمساكها بالقسط وإن بانت أحد عشر فالزيادة للبائع مشاعة ولهما الخيار وعنه البيع باطل. وإذا شرط صفة في البيع ككون العبد كاتبا أو خطيبا أو الأمة بكرا أو الفهد صيودا أو الدابة هملاجة ونحوه صح فإن بان بخلافه فله الفسخ أو أرش فقد الصفة وقيل: لا أرش إلا أن يمتنع الرد. ولو شرط الأمة ثيبا أو كافرة فبانت بكرا أو مسلمة لم يملك الفسخ وقيل: يملكه.

وإن شرط الطائر مصوتا لم يصح وإن شرط مجيئه من مسير معلوم أو شرط الأمة عاملا فعلى وجهين. وإن شرط البائع نفع المبيع مدة تعلم كسكنى الدار وخدمة العبد أو شرط المشتري نفع البائع كجنى الرطبة وخياطة الثوب صح ولم يجز أن يجمع من ذلك شرطين وعنه أنه لا يصح. وإن باعه شيئا بشرط قرض أو سلف أو صرف أو شرط أن لا يبيعه ولا يهبه ولا يعتقه أو إن أعتقه فله ولاؤه أو إن لم ينفق عليه رده ونحوه مما ينافي مقتضى العقد أو شرط رهنا محرما أو مجهولا فسدت هذه الشروط وفي العقد روايتان [الصحيح الصحة] ومتى صححنا العقد دون الشرط ولم يعلم من فات غرضه منهما بفساده فله الفسخ أو أرش ما نقص من الثمن بإلغائه. وإن باعه عبدا بشرط العتق صح وهل يجبر عليه إن أبى أو يملك البائع الفسخ على وجهين وعنه أنه شرط فاسد. ويصح اشتراط رهن المبيع على الثمن نص عليه وقال القاضي: لا يصح.

باب بيع الزروع والثمار

باب بيع الزروع والثمار إذا باع أرضا فيها غراس أو بناء دخل في البيع وقيل: لا يدخل حتى يقول بحقوقها وإذا باع نخلا قد تشقق طلعه أو شجرا بدا ثمره أو أرضا فيها زرع فالثمر والزرع للبائع يبقى إلى أوان أخذه إلا أن يشترطه المشتري وللبائع سقيه للحاجة وإن أضر بالأصل فإن اختلفا هل بدا الثمر قبل البيع أو بعده فالقول قول البائع [وهو المذهب] . ولو باع نوعا من بستان بدا ثمر بعضه فله ما بدا وما لم يبد للمشتري نص عليه وقال ابن حامد الكل للبائع.

ولا يجوز بيع الرطب ولا الزرع قبل اشتداده ولا الثمر قبل بدو صلاحه إلا بشرط القطع في الحال إلا أن يبيعه بأصله فإن باعه من مالك الأصل فعلى وجهين. وإن شرط القطع ثم تركه حتى طالب الجز واشتد الحب وصلحت الثمرة فسد العقد وكان المبيع بزيادته للبائع [وهو المذهب بلا خلاف] وعنه لا يفسد والزيادة لهما وعنه يتصدقان بها وقال القاضي هي للمشتري. وإذا بدا صلاح الثمر بأن يطيب أكله ويظهر نضجه جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية وعلى البائع سقيه تمكينا ومؤنة وإن أضر بأصله وهل لمشتريه بيع قبل جزه على روايتين [المذهب البيع] .

وإذا غلب صلاح نوع في بستان جاز بيع جميعه نص عليه وفي بيع مالم يصلح منه مفردا وجهان وعنه لا يباع منه إلا ما بدا صلاحه. ويجوز بيع الباقلى والجوز واللوز في قشريهما وبيع الحب المشتد في سنبله إلا بجنسه فإن باعه بمكيل من غير جنسه فعلى وجهين. وما تلف من الزرع أو الثمر بأمر سماوي قبل قطعه فهو من ضمان البائع إلا إذا تجاوز وقت أخذه أو أشترى مع أصله فإنه لا يضمنه وعنه إن تلف ما دون الثلث لم يضمنه بحال ويعتبر الثلث بالقيمة وقيل: بالقدر. وما تكرز حمله من أصول الخضر كالبطيخ والقثاء ونحوه فهو كالشجر وثمرته كثمرتها في جميع ما ذكرنا.

باب الربا

باب الربا الربا محرم في دار الإسلام والحرب إلا بين مسلم وحربي لا أمان بينهما ولا يحرم ربا الفضل إلا في مكيل أو موزون بيع بجنسه وعنه يختص تحريمه بجنس النقدين والمطعومات وعنه يختص بجنس النقدين وكل مطعوم يكال أو يوزن. ولا يجوز بيع مكيل بجنسه إلا كيلا ولا موزون بجنسه إلا وزنا. ومرد الكيل عرف المدينة والوزن: عرف مكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن تعذر رد إلى عرفه بموضعه وقيل: إلى أشبه شيء في الحجاز به.

ويشترط الحلول والتقابض في المجلس في بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون وإن اختلف الجنسان إلا في بيع العروض الموزونة بالنقدين فأما صرف الفلوس النافقة بهما فمن شرطه الحلول القبض نص عليه وقال ابن عقيل لا يشترط ولا يشترط التقابض فيما لا يكال ولا يوزن ولا في بيع مكيل بموزون ولا يحرم فيه النساء وعنه يحرم وعنه لا يحرم إلا في الجنس الواحد والجنس ماله اسم خاص يحوى أصنافا كالتمر والبر والشعير ونحوه وفروع الأجناس أجناس كالأدقة والخلول والأدهان والألبان واللحمان وعنه أن اللحم كله جنس وكذلك اللبن واللحم والشحم والكبد والألية أجناس. ويجوز بيع الرطب والعنب والخبز واللحم المنزوع عظمه قبل جفافه وبعده بمثله ولم يجزه الخرقي في اللحم رطبا.

ولا يجوز بيع حب بدقيقه أو سويقه ولا في جنس مطبوخه ولا أصله بعصيره ولا خالصه بمشوبه ولا يابسه برطبه إلا في العرايا وهي بيع الرطب في نخله خرصا بتمر مثله كيلا فيما دون خمسة أوسق لمن به حاجة إما إلى أكل التمر وشرائه بالرطب وإما إلى أكل الرطب ولا ثمن معه فإن ترك الرطب حتى أثمر بطل البيع في الصورة الثانية خاصة وعنه لا يبطل ويخرص الرطب على مآله يابسا وعنه يخرص رطبا. ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه فإن لم يكن من جنسه فعلى وجهين. ويجوز بيع شاة ذات صوف بصوف وذات لبن بلبن وعنه المنع ولا يجوز بيع ربوي بجنسه ومعه من غير جنسه من الطرفين أو أحدهما كمد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم أو بمدين أو درهمين وعنه يجوز إلا أن يكون المنفرد مثل الذي معه غيره أو دونه [المذهب عدم الجواز] وكذلك حكم نوعي الجنس بنوع منه كدينار صحيح ومكسر بصحيحين واختار أبو بكر الجواز ههنا.

وإذا تفارق المتصارفان فوجد أحدهما بما قبضه عيبا من غير جنسه كالصفر في الذهب بطل الصرف وإن كان من جنسه كالسواد في الفضة فله رده وإبداله في مجلس الرد ما لم يعين بالعقد وعنه يبطل العقد برده. وإذا لم يتوازنا في الصرف اكتفاء بوزن علماه من قبل أو أخبر أحدهما صاحبه جاز. ومن باع ربويا نسيئة ثم اعتاض عن ثمنه بما لا يباع به نسيئة لم يجز. ومن باع شيئا نسيئة لم يجز أن يشتريه بأقل مما باعه إلا أن يتغير بما ينقصه أو يشتريه بغير جنس الثمن أو من غير مشتريه منه. والدراهم والدنانير تتعين إذا عينت بالعقد فإن بانت غصبا أو بها عيب من غير جنسها بطل العقد وإن كان من جنسها فله الرد دون البدل فإن أمسك فله الأرش إلا في صرفها بجنسها وعنه أنها لا تتعين فتبدل مع الغصب والعيب بكل حال.

باب حكم قبض المبيع وتلفه قبله

باب حكم قبض المبيع وتلفه قبله من اشترى شيئا بكيل أو وزن أو عدد أو ذرع كشراء قفيز من صبرة وثوب على أنه عشرة أذرع وقطيع كل شاة بدرهم ونحوه لم يجز تصرفه فيه قبل استيفائه بذلك فإن تقابضاه جزافا لعلهما بقدره جاز إلا في المكيل فإنه على روايتين فإن تلف عند البائع بأمر سماوي انفسخ العقد فيه وتلف من ضمانه وإن تلف بعضه انفسخ في قدره وخير المشتري الباقي وإن اختلط بغيره ولم يتميز ففي الانفساخ وجهان وإن أتلفه البائع أو غيره فللمشتري فسخ ثمنه وله الإمضاء وأخذ القيمة من متلفه وكذلك حكم ما اشتراه بصفة أو رؤية متقدمة وما عدا ذلك فعنه أن حكمه كذلك وعنه أن تصرف المشتري فيه جائز قبل القبض وإن تلف فمن ضمانه وهو المشهور وعنه أن صبر المكيل والموزون خاصة كبيعهما كيلا ووزنا.

وكل عين ملكت بنكاح أو خلع أو صلح عن دم عمد أو عتق فهي كالمبيع في ذلك كله لكن يجب بتلفها مثلها إن كانت مثلية وإلا فقيمتها ولا فسخ لعقدها بحال وأما ما ملك بإرث أو وصية من مكيل أو غيره فالصرف فيه قبل قبضه جائز. وما شرط قبضه لصحة العقد كالصرف والسلم فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه بحال. ويحصل القبض فيما ينقل بالنقل وفيما يتناول باليد بالتناول وفي العقار ونحوه بالتخلية وفيما قدر بكيل أو غيره بتوفيته به ومؤنة توفيته على البائع وعنه أن قبض كل شيء بالتخلية مع التمييز. ومن باع شاة اشتراها بقفيز من صبرة ثم تلفت الصبرة قبل القبض انفسخ العقد الأول دون الثاني وعليه لبائع الشاة الأول قيمتها. ولا يملك المشتري ما قبضه بعقد فاسد ولا يجوز تصرفه فيه وعليه أجرة المثل لمنفعته وضمانه إذا تلف بقيمته وهل يضمن زيادته أو تكون1 على وجهين.

_ 1- كذا في الأصل. ولعله "أو تكون في مقابل نفقته عليه" أو نحو هذا.

باب الرد بالعيب

باب الرد بالعيب من اشترى شيئا فبان معيبا خير بين رده وأخذ ثمنه وبين إمساكه بأرشه بأن ينسب قدر النقص إلى قيمته سليما فيرجع من الثمن بنسبته وعنه لا أرش لممسك له الرد والأول المذهب فإن كان قد نما نماء منفصلا لم يلزمه رده معه كالكسب وعنه يلزمه وإن كان النماء ولد أمة تعين الأرش لتعذر التفرقة. ولا يبطل خيار العيب إذا أخره إلا بما يدل على الرضى كالوطء والسوم ونحوه ومثله خيار الخلف في الصفة والخيار لإفلاس المشتري بالثمن وقيل: عنه: هي على الفور.

وإذا لم يعلم بالعيب حتي عاب عنده كوطء البكر وقطع الثوب تعين له الأرش وعنه له رده مع أرش نقصه الحادث عنده وعنه له رده [نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على أن المشتري يرجع بالقيمة ويتبع البائع عنده حيث كان] ولا أرش عليه إذا دلس البائع العيب. وإن وطىءالثيب فله ردها بغير شيء وعنه يرد معها المهر وعنه ليس له سوى الأرش وإذا لم يعلم حتى خرج عن ملكه ببيع أو هبة أو عتق أو تلف فله الأرش لا غير ويتخرج أن يملك الفسخ ويغرم القيمة وعنه لا أرش له لما باعه إلا أن يرد عليه فيملك حينئذ رده وأرشه وإن باع بعضه فله أرش الباقي دون رده وفي أرش ما باعه الروايتان وعنه له رد الباقي بقسطه. وإن كان غزلا فنسجه أو صبغه تعين له الأرش وعنه له الرد. ويشارك البائع بقيمة الزيادة فإن اشترى ما مأكوله في جوفه فبان فاسدا لا قيمة له كبيض الدجاج رجع بالثمن وإن كان لسوره1 قيمة كجوز.

_ 1- كذا في الأصل. ولعله "لقشره".

الهند: فله رده مع أرش الكسر وعنه له الأرش لا غير وعنه لا رد له ولا أرش إلا أن يشترط سلامته. ومن اشترى ربوبا بجنسه فبان معيبا بعد تلفه أو قبله فله الفسخ للضرورة دون الأرش. ومن شرط البراءة من كل عيب أو قال بشرط البراءة من عيب كذا إن كان فيه لم يبرأ وعنه يبرأ إلا من عيب علمه فكتمه ويتخرج فساد العقد. وإذا اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو بان معيبا فلأحدهما رد نصيبه وحده وعنه ليس له ذلك في المعيب. ومن اشترى شيئين صفقة فبان بأحدهما عيب وأبى الأرش فليس له إلا ردهما وعنه ليس له رد إلا المعيب بقسطه1 وعنه له الأمران وهو الصحيح إلا ما تفريقه محرم كالأم وابنها أو منقص كمصراعى باب فليس.

_ 1- في نسخة بهامش الأصل: وعنه ليس له إلا رد المعيب وهذه هي المذهب.

له إلا ردهما رواية واحدة فان تلف الصحيح واختلفا في قيمته أخذ بقول المشتري وقيل: بقول البائع وإذا اختلفا هل حدث العيب قبل البيع أو بعده واحتملا فالقول قول البائع مع يمينه وعنه المشتري وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قبل بلا يمين فإن قال البائع ليس المبيع هذا المردود فالقول قوله. وإذا حدث العيب بعد العقد وقبل قبض المشتري فله رده إلا فيما يتلف من ضمانه. وترد الأمة بالحمل دون البهيمة ولا يرد الرقيق بعيب من فعله كالزنا والسرقة والإباق والبول في الفراش إلا إذا كان مميزا.

باب خيار التدليس

باب خيار التدليس1 من اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فبانت مصراة خير ثلاثة أيام منذ تبين التصرية بين إمساكها أوردها مع صاع تمر فإن تعذر التمر فقيمته موضع العقد ولا يقبل اللبن إذا كان بحاله مكان التمر وقيل: يقبل كما لو ردها به قبل الحلب وقد أقر له بالتصرية فإن كانت المصراة أمة أو أتانا ملك ردها ولا شيء عليه للبن وقيل: لا يملكه. وإذا صار لبن التصرية عادة أو زال العيب قبل الفسخ سقط الخيار. ويثبت الخيار بكل تدليس مرغب نحو أن يحمر وجه الجارية أو يسود شعرها أو يجعده أو يحبس ماء الرحى ويرسله عند عرضها.

_ 1- بهامش الأصل: التدليس: هو كتمان العيب عن المشتري وتغطيته عنه بما يوهم عدمه مشتق من التدليسة وهي الظلمة كأن البائع جعله في ظلمة ليخفي على المشتري وهو حرام.

ومن علم مبلغ شيء فباعه صبرة لجاهل بقدره فله الخيار إلا أن يعلم أن البائع عالم بقدره فيلزمه وقيل: البيع باطل. ويثبت الخيار للركبان إذا تلقوا واشترى منهم وللمسترسل وهو الجاهل بقيمة المبيع ولمن زايده ممن لا يريد الشراء تغريرا له وهو النجش إذا غبنوا بما لا يغبن به عادة نص عليه وقدره أبو بكر بالثلث قال: وقيل: بالسدس فإن نجش البائع وواطأ عليه بطل البيع وقيل: يصح1.

_ 1- بهامش الأصل: هذا القول: هو الصحيح من المذهب

باب البيع بتخيير الثمن

باب البيع بتخيير الثمن وأنواعه أربعة: التولية، وهو بيع الشيء بما اشترى به وينعقد بقوله: وليتك. والشركة: وهي بيع بعضه بقسطه وتصح بقوله: أشركتك في ثلثه أو ربعه ونحوه. والمرابحة: وهي بيعه بربح معلوم على ثمنه. والمواضعة: وهي عكس ذلك. ويشترط لجميعها: علمهما برأس المال. ومن اشترى بثمن أخبر به فبان بأقل فله حط الزيادة إلا أنه في المرابحة يحط معها قسطها وفي المواضعة ينقصه منها وإن بان الثمن مؤجلا فله الأخذ به مؤجلا وهل له الفسخ في المسألتين؟ على روايتين وعنه في المؤجل ليس له إلا الأخذ حالا أو الفسخ. ولو قال البائع الثمن أكثر مما أخبرت به وقد غلطت قبل قوله: مع يمينه ولزم المشترى الرد أو دفع الزيادة وعنه لا يسمع قوله: إلا ببينة وعنه لا يسمع وإن أتى ببينة.

وإذا اشترى ما باعه بربح لم يجز بيعه مرابحة حتى يخبر بالحال أو يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه عليه بما بقي فإن لم يبق شيء أخبر بالحال لا غير. وإذا أخذ أرشا لعيب بالمبيع أو جناية عليه أو اشتراه ممن ترد شهادته له أو أراد بيع بعض صفقة لا ينقسم الثمن عليها بالأجزاء فليبين ذلك في تخيير الثمن فإن كتمه فللمشترى الخيار. وإذا قال الثمن مائة وعشرة بعتك به ووضيعة درهم من كل عشرة لزمه تسعة وتسعون وقيل: يلزمه مائة كما لو قال عن كل عشرة أو لكل عشرة. والإقالة فسخ فتجوز قبل القبض ولا يجب بها شفعة وعنه أنها بيع ولا تجوز إلا بمثل الثمن على الأولى وعلى الثانية فيه وجهان وإذا ألحقا خيارا أو أجلا أو زيادة في الثمن أو المثمن لم يلحق إلا مع الخيار.

باب اختلاف المتبايعين

باب اختلاف المتبايعين وإذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا فيحلف البائع مابعته بكذا بل بكذا ثم يحلف المشترى ما اشتريته بكذا بل بكذا ثم لكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى الآخر بقوله ومن نكل منهما قضى عليه فإن مات فوارثه مقامه،

باب السلم

باب السلم كل مكيل أو موزون أو مذروع أمكن ضبطه كالبر واللحم والخبز والثياب ونحوها فالسلم فيه جائز فأما المعدود كالبيض والرمان والحيوان غير الحامل والرءوس والجلود ونحوها فعلى روايتين [المذهب عنه الصحة في الحيوان والجلود ولا يصح حالا هذا هو المذهب] . ولا يصح إلا بأربعة شروط: أجل معلوم له وقع في الثمن وغلبة المسلم فيه في محله وإن فقد وقت العقد وقبض رأس ماله في المجلس وذكر ما يختلف به ثمنه غالبا من جنسه ونوعه وبلده وقدره وكونه حديثا أو عتيقا وجيدا أو رديئا وهل يشترط العلم بقدر رأس المال على صفته [المذهب: اشتراط] أو تكفى مشاهدته؟ وعلى وجهين أحدهما لا تكفى وهو المذهب بخلاف الأجرة في الإجارة والثمن في البيع وكذلك الأجرة في الإجارة. ولا يصح السلم في المذروع إلا بالذرع فأما السلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا فعلى روايتين [إحدى الروايتين: لا يصح] . ومن أسلم ثمنا في جنسين ولم يبين قسط كل جنس لم يصح وعنه أنه يصح. وإذا أسلم في شيء يأخذ منه كل يوم جزءا معلوما جاز. ومن أسلم في غلة قرية صغيرة أو بكيل لاعرف له أو في مثل هذا الثوب أو في أجود الطعام لم يصح لأن ما في جيد أجود منه وإن شرط الأردأ: فعلى وجهين.

ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر والحيوان الحامل وما له أخلاط مقصودة ولا تتميز كالنقد المغشوش والغالية والمعاجين ونحوها فإن تميزت أخلاطه كالخفاف والقسى والنبل المريش والثوب المنسوج من كتان وقطن فعلى وجهين. ويجب وفاء دين السلم في مكان عقده إذا أطلق فإن شرطاه في غيره صح وعنه لا يصح [الصحيح الصحة] وإن عقدا بمكان لا يصلح للوفاء كالبرية لم يصح حتى يشترطا له مكانا ذكره ابن أبي موسى وقال القاضي يصح ويوفى بأقرب الأماكن إليه. وإذا عجل له دين السلم أو الكتابة قبل محله ولا ضرر في أخذه أو أتاه من جنسه بخير منه لزمه قبوله وإن تضرر بتعجيله أو أتاه بدونه لم يلزمه وإذا اختلفا في قدر الأجل أو مضيه فالقول قول المسلم إليه مع يمينه وإذا تعذر المسلم فيه في محله فللمسلف الصبر أو فسخ العقد وقيل: ينفسخ بنفس التعذر وإن تعذر البعض ففسخ في قدره أو في الكل جاز وقيل: ينفسخ العقد في المتعذر وله الخيار في الباقي. وتصح الإقالة في دين السلم كله وفي الإقالة ببعضه روايتان ويرجع برأس ماله أو عوضه إذا تعذر ولا يشترط قبضه في مجلس الإقالة واشترطه أبو الخطاب.

باب القرض

باب القرض كل ما جاز بيعه جاز قرضه إلا الرقيق وما يمنع فيه السلم كالجوهر ونحوه فإنه على وجهين. ويشترط معرفة قدره ووصفه ويملكه المقترض بقبضه ولا يلزمه رد عينه بل يثبت بدله في ذمته حالا وإن أجله وبدل ما كيل أو وزن من جنسه

وبدل ما يمتنع فيه السلم قيمته يوم قبضه وما سواهما بأيهما يلحق على وجهين فإن رد غير ما اقتراضه مما بدل من جنسه وجب قبوله ما لم يصب عنده. وإذا أقرضه فلوسا أو مكسرة فحرمها السلطان فله قيمتها وقت القرض. وإذا أقرضه أو غضبه شيئا ببلده ثم طلب منه في بلد آخر بدله لزمه إلا ما لحمله مؤنة وإذا كان ببلد القرض أنقص قيمة فلا يلزمه سوى قيمته فيه ولا يجبر رب الحق على أخذ قرضه هناك إلا فيما لا مؤنة لحمله بشرط أمن البلد والطريق وكذلك بدل المغصوب التالف فإن كان باقيا فلا يجبر بحال. ومن تبرع لمقرضه قبل الوفاء بعين أو منفعة لم تجر بها عادته لم يجز له أن يقبلها إلا أن ينوى مكافأته وإن قضاه خيرا مما أخذ أو أزيد منه أو أهدى له بعد الوفاء جاز.

باب الرهن

باب الرهن يصح أخذ الرهن بكل دين واجب إلا دين السلم فإن فيه روايتين وفي دين الكتابة وجهين ولا يصح عقده قبل وجوب الحق وقال أبو الخطاب يصح ويصح في كل عين يجوز بيعها فإن كانت لا تبقى إلى محل الدين باعها الحاكم وجعل ثمنها مكانها وإن كانت مشاعا ولم يتفق المرتهن والشريك على من يكون الكل عنده أعدلها الحاكم. ويصح رهن الزرع قبل اشتداده والثمر قبل بدو صلاحه مطلقا ويشترط التبقية. ولا يلزم الرهن في حق الراهن إلا أن يقبضه للمرتهن أو لمن اتفقا عليه ولا يجوز نقله عنه إذا لم يتغير حاله إلا باتفاقهما ومتى استرده الراهن بإذن المرتهن زال لزومه فإن أعادا قبضه عاد لزومه وإن أجره أو أعاره من المرتهن أو من غيره بإذنه فلزومه بحاله وعنه ما يدل على زواله وفي رهن المعير رواية أخرى أنه يلزم بمجرد العقد فمتى أبى الراهن أن يسلم أجبر.

وإذا تصرف الراهن في الرهن بغير البيع مما يمتنع ابتداء عقده كالهبة والوقت والرهن ونحوه بإذن المرتهن أبطله وإن باعه بإذنه وقد حل الدين أو بشرط أن يرتهن ثمنه مكانه كان الثمن رهنا وإن فقد الأمران فعلى وجهين وإن باعه بإذن شرط فيه أن يعجل له دينه المؤجل من ثمنه لم يصح البيع وهو رهن بحاله وقيل: يصح البيع وفي كون الثمن رهنا وجهان ويلغو شرط التعجيل قولا واحدا. وللمرتهن أن يرجع في كل تصرف أذن فيه قبل وقوعه فإن تصرف الراهن جاهلا برجوعه فعلى وجهين. ومن أعتق عبده المرهون أو قتله بقصاص استحقه عليه أو أحبل الأمة ولم يكن ذلك بإذن المرتهن أو أقر بالعتق فكذبه فعليه القيمة تكون رهنا. ويتخرج أن لا يصح عتق المفلس ولا يصح تصرفه بغير العتق إلا بالإذن وقال القاضي له تزويج الأمة دون تسليمها. ونماء الرهن وكسبه ومهره وأرش الجناية عليه من الرهن فإن أوجبت الجناية قصاصا فاستوفاه السيد بغير إذن المرتهن لزمه أرشها يكون عليه وقيل: لا يلزمه شيء وهو أصح عندي. ومؤنة الرهن وكراء مخزنه وكفنه إن مات على الراهن فإن أنفق عليه المرتهن ناويا الرجوع فلا شيء له إلا أن يأذن له الراهن أو يتعذر استئذانه فإنه يرجع بالأقل مما أنفق أو نفقة مثله. وكذلك حكم الحيوان المودع أو المؤجر أو الآبق في حال رده. وللمرتهن أن يركب ويحلب ماله ظهر وضرع بقدر النفقة وفي استخدام العبد روايتان. ولو عمر في دار ارتهنها لم يرجع إلا بأعيان آلته. ولو ارتهن أمة فوطئها حد ورق ولده إلا أن يدعي جهل الحظر ومثله

يجهله فلا يحد وولده حر وعليه فداؤه إن وطيء بدون إذن الراهن وإن وطىءبإذنه فعلى وجهين فأما المهر فيجب إلا مع الإذن عالما كان أو جاهلا. ومن رهن عبدا له جانيا فله بيعه في الجناية أو تسليمه ويبطل الرهن وإن فداه فهو رهن بحاله وإن فداه المرتهن بغير إذنه لم يرجع بشيء وإن نقص الأرش عن قيمته بيع كله وما فضل عن الأرش فرهن وقيل: لا يباع منه إلا بقدر الأرش. وإذا حل الحق والعدل والمرتهن وكيل في البيع باع بأغلب نقود البلد فإن تساوت وفيها حبس الدين باع به وإلا فما يراه أصلح فإن غرهما الراهن أو لم يكن وكيلهما أمر بالوفاء أو بالبيع فإن أبى حبس فإن أصر باع الحاكم عليه وإذا وفى بعض الحق فالرهن كله بما بقي. ومن قضى جملة من دين ببعضه رهن أو كفيل كانت عما نواه من القسمين والقول قوله في النية فإن أطلق ولم ينو صرفه إلى أيهما شاء ويحتمل أن يوزع بينهما بالحصص. والرهن أمانة بيد المرتهن ولا يسقط بتلفه شيء من دينه والقول قوله في التلف دون الرد مع صحة العقد وفساده ويتخرج أن يقبل قوله فيهما وكذلك الأجير والمستأجر والمضارب ومن كان وكيلا أو وصيا بجعل فأما المودع والوكيل والوصي المتبرعان فيقبل قولهم فيهما قولا واحدا. ومن ادعى منهم التلف بحادث ظاهر كحريق عام ونهب جيش لم يقبل قوله في التلف حتى يثبت الحادث بالبينة. وإذا اختلف المتراهنان في قدر الرهن أو الحق أخذ بقول الراهن مع يمينه.

باب التصرف في الدين بالحوالة وغيرها

باب التصرف في الدين بالحوالة وغيرها ومن أحيل بدين ممن عليه مثله في الجنس والصفة والحلول أو التأجيل فرضي صحت الحوالة ولم يرجع على محيله بحال إلا أن يشترط ملاءة المحال عليه فيبين مفلسا وإن لم يرض لم يجبر على قبولها إلا على ملئ بما له وقوله وبدنه فيجبر وهل تبرأ ذمة محيله قبل أن يجبره الحاكم على روايتين. وتصح الحوالة بدين الكتابة دون الحوالة عليه ولا يصحان في دين السلم وفي صحتهما في رأس ماله بعد الفسخ وجهان وتصحان في سائر الديون وقيل: لا يصح على غير مستقر بحال [وهو المذهب] . وإذا أحال المشتري بثمن المبيع أو أحيل به فلم يقبض حتى فسخ البيع بعيب أو خيار أو غيره لم تبطل الحوالة [وهو المذهب] وقيل: تبطل وأبطل القاضي الحوالة به دون الحوالة عليه ولو بان المبيع مستحقا بان أن لا حوالة. ومن قال لغريمه أحلتني بديني فقال بل وكلتك في القبض أو بالعكس فالقول قول منكر الحوالة فإن اتفقا أنه قال أحلتك وقال أحدهما أراد به الوكالة فالقول قوله وقيل: قول مدعي الحوالة فإن قال أحلتك بدينك فهو حوالة وجها واحدا. ومن ثبت عليه لغريمه مثل دينه في الصفة والقدر تقاصا فتساقطا فإن اختلفا في القدر سقط الأقل ومثله من الأكثر وعنه لا يتقاصا الدينان وإن رضيا به وعنه إن رضي أحدهما به تقاصا وإلا فلا ومتى كان الدينان أو أحدهما دين سلم امتنعت المقاصة. ولا يجوز بيع الدين من غير الغريم ويجوز بيعه من الغريم إلا دين السلم وفي دين الكتابة ورأس مال السلم بعد الفسخ وجهان. وإذا باعه بموصوف في الذمة أو بما لا يباع به نسيئة اشترط قبضه في

المجلس وإن باعه بغيرهما لم يشترط وقيل: يشترط ولا يجوز بيعه بدين وعنه لا يجوز بيع الدين بحال. ومن أذن لغريمه أن يضارب بما عليه أو يتصدق به عنه لم يصح ذلك ولم يبرأ منه ويتخرج أن يصح فإن قال تصدق عني بكذا ولم يقل من ديني صح وكان اقتراضا كما لو قاله لغير غريمه لكن يسقط من دينه بقدره بالمقاصة. ومن كان بينهما دين مشترك بإرث أو إتلاف فما قبض منه أحدهما فللآخر محاصته فيه وإن كان بعقد فعلى وجهين ومتى كان القبض بإذن الشريك فلا محاصة فيه في أصح الوجهين. وإذا تلف المقبوض فكله من حصة القابض ولا يضمن لصاحبه شيئا. ومن استوفى دينا بكيل أو غيره ثم ادعى غلطا يغلط مثله فهل يقبل قوله؟ على وجهين فإن قبضه جزافا فالقول في قدره وجها واحدا. وتصح البراءة من الدين بلفظ الإبراء والإسقاط والهبة والعفو والصدقة والتحليل سواء قبله المبرأ أو رده وتصح مع جهل لمبرئ بقدره أو صفته أو بهما وإن عرفه المبرأ وعنه لا يصح إن جهلاه إلا فيما يتعذر علمه ويتخرج أن يصح بكل حال إلا إذا عرفه المبرأ فيظن المبرئ جهله به فلا يصح. ولا تصح هبة الدين لغير الغريم. ومن أراد قضاء دين عن الغير فامتنع رب الدين من قبوله منه لم يجبر كما لو أعسر الزوج بنفقة الزوجة فبذلها أجنبي لم يجبر على قبولها وملكت الفسخ.

باب الضمان والكفالة

باب الضمان والكفالة الضمان التزام الإنسان في ذمته دين المديون مع بقائه عليه ولربه مطالبة من شاء منهما وعنه يبرأ المديون بمجرده إذا كان ميتا مفلسا.

ولا يصح إلا من جائز تبرعه سوى المفلس المحجور عليه وهو غير العاقل البالغ الرشيد. ويصح ضمان ما على الميت الضامن وكل دين إلا دين السلم والكتابة فإنهما على روايتين. ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالعواري والغصوب ولا يصخ ضمان الأمانات وعنه يصح ويحمل على التعدي فيها كما لو صرح به. ويصح ضمان عهدة المبيع لأحد المتبايعين عن الآخر ويصح ضمان مالم يجب وله إبطاله قبل وجوبه على الأصح. وإذا قال ما أعطيت فلانا فهو علي فهل هو للواجب أو لما يجب إذا لم تكن قرينة على وجهين. ويصح ضمان الحق مع الجهل به أو بربه أو بغريمه بشرط مآله إلى العلم وقيل: يعتبر معرفة ربه دون غريمه وقيل: يعتبر معرفة غريمه دون ربه وقيل: يعتبر معرفتهما. وإذا قال كفلت بعض الدين أو أحد هذين لم يصح. ويصح ضمان الحال مؤجلا فإن ضمن المؤجل حالا صح مؤجلا وقيل: حالا وقيل: لا يصح. وإذا طولب ضامن المديون بالدين فله مطالبته بتخليصه إلا إذا ضمنه بغير إذنه وإذا قضى عنه ناويا للرجوع أو أحال به رجع به عليه وعنه لا يرجع إلا يكون أذن له في الضمان أو القضاء وإن أعطى بالدين عروضا رجع بالأقل من قدره أو قيمتها وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل وإذا ادعى القضاء فأنكره الآخران فلا رجوع له وإن صدقه رب الحق وحده ففيه وجهان وإن صدقه المديون وحده رجع عليه إن قضى بحضرته أو بإشهاد وإلا فلا وقيل: لا يرجع فيما قضى بحضرته.

وإذا قال رب الحق للضامن برئت إلي من الدين فهو مقر بقبضه وإذا لم يقل إلي فوجهان. ومن تكفل بإحضار عين مضمونة أو مديون صح وقيل: لا يصح كفالة المديون إلا بإذنه ولا يلزمه أن يحضر معه حيث تصح إلا إذا طولب به أو كفله بإذنه. وإذا قال تسكفلت بوجه فلان كان كفيلا به وإن سمى عضوا غير الوجه أو جزءا شائعا فعلى وجهين. ويصح تعليق الضمان والكفالة بالشروط وقيل: لا يصح بغير شرط. وإذا تكفل برجل على أنه إن لم يأت به فهو ضامن لغيره أو كفيل به صح فيهما وقيل: لا يصح. ولا تصح الكفالة ببدن من عليه حد أوقود إلا لأخذ مال كالدية وغرم السرقة فتصح. وإذا طولب الكفيل بإحضار النفس أو العين فتعذر لهرب أو اختفاء أو غيبة تعلم ومضت مدة يمكنه الرد فيها أو عين وقتا للإحضار فجاوزه لزمه الدين أو عوض العين إلا أن يشترط البراءة منه. فإن مات المكفول أو تلفت العين بفعل الله تعالى قبل ذلك برىءالكفيل. ومن كفله اثنان فسلمه أحدهما أو كفل الاثنين فأبرأه أحدهما تعينت كفالة الآخر.

باب الصلح

باب الصلح ومن ادعى عليه حق فأنكره وهو لا يعلمه صح الصلح عنه وكان إكراما في حقه فلا يستحق لعيب في المدعى شيئا ولا يؤخذ منه بشفعة ويكون في حق المدعي بيعا فيرد ما أخذ بالعيب ويؤخذ منه بالشفعة إن كانت تجب

فيه إلا أن يكون بعض العين المدعاة فيكون فيه كالمنكر ومن علم منهما أنه مبطل فحرام عليه ما أخذه. فإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه والمدعي دين صح ولم يرجع عليه بشيء وإن كان عينا لم يصح إلا أن يذكر أن المنكر وكله فيه. وإن صالح الأجنبي ليكون الحق له فقد اشترى دينا أو عينا مغصوبة وقد بينا حكمه. ويصح الصلح عن كل مجهول تعذرت معرفته من عين ودين للحاجة. ومن أقر لرجل بمائة مؤجلة فقال صالحني فيها بخمسين حالة لم يجز إلا في دين الكتابة وإن صالح عن الحال ببعضه فعلى روايتين وكذلك يخرج في قوله: أبرأتك من كذا على أن توفيني الباقي. ومن صالح عن متلف بأكثر من قيمته من جنسها لم يجز إلا أن يكون مثليا. ولو صالح امرأة بتزويج نفسها عن عيب ظهر بمبيع اشتراه منها جاز فإن بان أنه ليس بعيب فمهرها أرشه. وصلح المكاتب أو المأذون له عن حقه بدونه لا يصح إلا أن يجحد ولا بينة به. ومن ادعى عتق رجل أو زوجته ببراءة فأقر بعوض لم يصح إقرارهما فإن صالحه المدعى رقه عن دعواه بشيء صح وفي الزوجة وجهان [والصحيح لا يصح الصلح] . ولا يصح الصلح بعوض عن شفعة ولا حد قذف وهل يسقطان به على وجهين. ويصح الصلح عن القصاص بكل ما يكتب مهرا وإن جاوز الدية فإن بان مستحقا وجبت قيمته وإن كان مجهولا وشجه وجبت الدية أو أرش الجرح.

باب أحكام الجوار

باب أحكام الجوار يلزم أعلى الجارين سطحا بناء سترة تمنع مشارفته على الأسفل فان استويا ألزم الممتنع منهما بالبناء مع الآخر. ومن أحدث في ملكه ما يضر بجاره من تنور أو كنيف أو حمام أو رحى ونحوها فله منعه. ولو سقى أرضه أو أوقد فيها نارا فتعدى إلى ملك جاره فأتلفه لم يضمن إذا لم يكن فرط. ولا يجوز أن يتصرف في جدار لجاره أو لهما إلا بوضع الخشب إذا لم يضر به للأثر وهل له الوضع في جدار المسجد على روايتين. ومن انهدم لهما جدار أو سقف بين سفل أحدهما وعلو الآخر فطلب أحدهما أن يبنى الآخر معه أجبر وعنه لا يجبر لكن لشريكه بناؤه ومنعه مما كان له عليه من طرح خشب أو غيره فيمنع أيضا في صورة السقف من سكنى السفل في ظاهر قوله وقيل: لا يمنع فإن بذل نصف قيمة البناء ليعود حقه أو نصف قيمة تالفه إن رده بالآلة العتيقة لزم الثاني قبوله أو أخذ الآلة إن كانت له ليبنياه منها فكذلك إن كان لهما بئر أو قناة واحتاجت أن تعمر أو انهدم السفل وطلب العلو بناءه فعلى الإجبار روايتان وينفرد مالك السفل ببنائه وعنه يشاركه صاحب العلو فيما يحمله منه. ومن اشترى علوا أسفله غير مبني ليبني عليه إذا بنى جاز إذا وصفا. ومن صولح بعوض على إجراء ماء في ملكه أو ممر فيه إلى دار أو فتح باب في حائطه أو وضع خشب عليه وكان ذلك معلوما جاز. ومن أخرج روشنا أو ميزابا إلى درب نافذ لم يجز وضمن ما تلف به إلا أن يكون بإذن الإمام ولا مضرة فيه وإن أخرجه إلى هواء جاره أو درب

مشترك أو خرجت إليه أغصان شجرته لزمه إزالة ذلك فإن صالح عنه بعوض جاز في الروشن وفي الشجرة وجهان. ومن ناقل بابه في درب مشترك إلى أوله وإن نقله إلى صدره لم يجز إلا بإذن من فوقه. ولا يجوز أن يفتح في ظهر داره بابا في درب لا ينفذ إلا لغير الاستطراق فيجوز ويحتمل المنع. ومن خرق بين دارين له متلاصقين باباهما في دربين مشتركين واستطرق إلى كل واحدة من الأخرى فهل يجوز على وجهين. ومن مال حائطه إلى غير ملكه فعلم به فلم يهدمه حتى سقط فأتلف شيئا لم يضمنه وعنه إن تقدم إليه بنقضه فلم يفعل ضمنه وإلا فلا ويتخرج أن يضمن مطلقا. وإذا تداعيا جدارا بين ملكيهما حلفا وكان لهما إلا أن يكون معقودا ببناء أحدهما أو متصلا به اتصالا لا يمكن عادة إحداثه أو له عليه أزج أو سترة فيكون له مع يمينه ولا يرجح من له عليه جذوع وقيل: يرجح. وإذا تنازعا مثناة بين أرض أحدهما ونهر الآخر فهي بينهما. وإن تنازع صاحب العلو والسفل في سلم منصوبة أو درجة فهي لصاحب العلو إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن فيكون بينهما وإن كان في الدرجة طاقة ونحوها فوجهان. وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو لهما وقال ابن عقيل هو لرب العلو.

كتاب التفليس

كتاب التفليس مدخل ... كتاب التفليس من عجز عن وفاء شيء من دينه لم يطالب ولم يلازم به فان كان له مال يفي ببعضه وجب الحجر عليه إذا طلبه غرماؤه من الحاكم ولا يصح تصرفه بعد الحجر إلا في ذمته وعنه يصح في ماله بالعتق خاصة ونفقته ونفقة عياله في ماله حتى يقسم ويترك له منه ما لا بد منه من مسكن وخادم وكسوة وآلة حرفة أو ما يتجر به لمؤنته إن فقدت الحرفة ثم يبيع الحاكم بقية ماله ولا يستأذنه لكن يستحب أن يحضره وغرماءه ويبدأ ببيع الأقل فالأقل بقاء كالفاكهة ويعطى المنادي أجرته من الأثمان ويقسم بقيتها على قدر ديون الغرماء ولا يشاركون بما أدانه أو أقر به بعد الحجر ولا بدين مؤجل إذا قلنا لا يحل بالفلس [وهو المذهب] ويشاركهم المجنى عليه قبل الحجر وبعده إلا أن يكون الجاني عبد المفلس فيقدم بثمنه. وكذلك يقدم من له رهن بثمنه فإن كان فيه فضل فهو لبقية الغرماء وإن كان فيه نقص زاحمهم به المرتهن ولا شيء للمجنى عليه وإن كان فيهم من دينه ثمن مبيع فوجده فله أخذه بحصته إلا أن يكون المفلس قد مات أو برىءمن بعض ثمنه أو زال ملكه عن بعضه بتلف أو غيره أو تغير بما أزال اسمه كطحن الحب ونسج الغزل أو خلط بما لا يمتاز منه أو تعلق به حتى شفعة أو جناية أو رهن فإنه أسوة الغرماء وإن زاد زيادة منفصلة أخذها معه نص عليه [وهذا اختيار الخرقي وهو المذهب] . وقال ابن حامد هي للمفلس وإن كانت متصلة أخذه بها. وقال الخرقي هو أسوة الغرماء فإن كان ثمنه مؤجلا وقف إلى الأجل ثم أعطيه نص عليه. وقال ابن أبي موسى له أخذه في الحال.

وإذا كان المبيع ثوبين فتلف أحدهما أخذ الباقي بقسطه وعنه أنه أسوة الغرماء. وإذا ادعى المفلس أو الوارث حقا بشاهد ولم يحلف لم يجبر ولم يستحلف الغرماء. ويجبر المفلس المحترف على الكسب لوفاء دينه وعنه لا يجبر وإذا وجب له قصاص لم يلزم بأخذ الدية. وإذا ادعى المدين الإعسار حلف وخلى إلا إذا كان دينه عن عوض أخذه كالبيع والقرض أو عرف له مال فيحبس إلا أن يقيم بينة بعسرته أو تلف ماله فإن شهدت بالتلف حلف معها أن لا مال له في الباطن وإن شهدت بعسرته اعتبرت خبرتها بباطن حاله ولم يحلف معها. ومن أراد سفرا وعليه دين مؤجل منع حتى يوثق برهن أو كفيل وعنه إن كانت مدة سفره دون الأجل لم يمنع إلا في سفر الجهاد [لأنه مظنة أن يقتل] . ولا يحل الدين المؤجل بالفلس ولا بالموت إذا وثق الورثة أقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين برهن أو كفيل فإن تعذر التوثيق حل وعنه يحل بالموت دون الفلس وعنه يحل بهما حكاها أبو الخطاب وعنه إن وثق لم يحل فيهما وإلا حل نقلها ابن منصور فإن ضمنه عنه ضامن فأيهما حل بذلك عليه لم يحل على الغير.

باب الحجر

باب الحجر المحجور عليه لحظه ثلاثة صغير ومجنون وسفيه فإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشدا زال الحجر عنهما بغير قضاء والولاية عليهما قبل ذلك للأب ما لم يعلم فسقه ثم لوصيه بهذا الشرط ثم للحاكم وعنه أنها بعد الأب للجد وهل

يقدم على وصيه؟ على وجهين وهل يلي الكافر العدل في دينه مال ولده؟ على وجهين. ويحصل البلوغ بانزال المني أو نبات شعر العانة الخشن أو تتمة خمس عشرة سنة. وتزيد الجارية بالحيض وحبلها دليل إنزالها. والرشد: الصلاح في المال بأن يختبر فلا يكثر منه الغبن في تصرفه به ولا صرفه فيما لا يفيد كالقمار والزنا ونحوه وعنه يعتبر لرشد الجارية مع ذلك أن تزوج وتلد أو تقيم سنة مع الزوج. وأما الرشيد: إذا سفه فيلزم الحاكم أن يحجر عليه ولا ولاية عليه لغيره. ويستحب إظهار حجر السفه والفلس ويفتقر زوالهما إلى حكم كابتدائهما وقيل: لا يفتقر. ويصح تصرف المميز والسفيه بإذن الولي في الصحيح عنه ولا يجوز أن يأذن فيه إلا أن يراه مصلحة ولا يصح تصرفهما بدون إذنه إلا في المحقرات وفي قبولهما الوصية والهبة بدون إذن وجهان. ولمن دفع إليهما ماله ببيع أو قرض أخذه إن وجده وإن أتلفاه فلا شيء له وإن أودعهما أو أودع عبدا مالا فأتلفوه فعلى وجهين فيهن. وقيل يضمن العبد دونهما وقيل: يضمن العبد والسفيه دون الصبي. ولا يحل للولي من مال موليه إلا الأقل من كفايته أو أجرة مثله مع الفقر وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين. ولا يجوز أن يتصرف لموليه إلا بما فيه حظه ويمكن تزويج رقيقه وكتابته وعتقه بمال والتضحية له مع كثرة ماله وإقعاده في المكتب بأجرة والسفر بماله وقرضه وبيعه نساء وشراء العقار به ودفعه مضاربه بجزء من الربح إذا رأى المصلحة له في ذلك كله. وإن اتجر بنفسه في المال فالربح كله لموليه وينفق عليه نفقة المعروف والقول قوله فيها.

باب تصرفات العبد

باب تصرفات العبد يصح تصرف العبد بإذن سيده وتتعلق ديون تجارته واقتراضه بذمة السيد وعنه برقبة العبد كجنايته وعنه بهما فإن لم يأذن له أو رآه يتجر فسكت لم ينفذ تصرفه فإن تلف ما اشتراه أو اقترضه تعلقت قيمته برقبته وعنه بذمته يتبع بها إذا عتق وعنه ينفذ تصرفه في الذمة بلا إذن فيتبع المسمى بعد العتق والأول أصح. وإذا أذن له في مطلق التجارة لم يملك أن يؤجر نفسه وإن عين له أو للوكيل أو للوصي نوع تصرف لم يملك غيره وهل يصح شراؤه لمن يعتق على سيده؟ على وجهين [المذهب: لا يصح الشراء لأن المراد التمول] . ويجوز للمأذون له هدية المأكول وإعارة الدابة ونحوه ما لم يسرف. ويجوز للمحجور عليه أن يتصدق من قوته بالرغيف ونحوه ما لم يضر به وأن تتصدق المرأة بذلك من بيت زوجها وعنه المنع فيهما. وما كسبه العبد غير المكاتب من المباح أو قبله في هبة أو وصية فهو لسيده وقيل: لا يصح قبولهما إلا بإذنه. وإن ملكه السيد1 مالا ملكه فإذا عتق استقر ملكه فيه وإن تسرى منه أو كفر بالإطعام جاز بإذن السيد وفي تكفيره بالعتق روايتان وعنه لا يملك بالتمليك فتنعكس هذه الأحكام. وإن باعه وشرط المشتري ماله وقلنا يملكه صح شرطه وإن كان مجهولا وإن قلنا لا يملكه اعتبر علمه وسائر شروط البيع إلا إذا كان قصده العبد لا المال فلا يشترط فإن لم يشترطه لم يدخل في البيع على الروايتين إلا ما كان عليه من اللباس المعتاد.

_ 1- في نسخة بالهامش: سيدة

باب الوكالة

باب الوكالة تنعقد الوكالة بكل لفظ يفيد الإذن ويصح توقيتها وتعليقها بالشروط وقبولها بالقول والفعل على الفور والتراخي وهي عقد جائز يبطل بفسخ كل واحد منهما وموته والحجر عليه لسفه وكذلك الشركة والمضاربة. وهل ينعقد تصرف الوكيل قبل علمه بالانفساخ على روايتين. ولا تنفسخ بالإغماء. وفي الجنون وجحود التوكيل وتعدى الوكيل وجهان. وتبطل الوكالة في طلاق الزوجة بوطئها وفي عتق العبد بكتابته وتدبيره وليس للوكيل أن يوكل إلا فيما لا يباشره مثله أو يعجز عنه لكثرته أو أن يجعل ذلك إليه وعنه له ذلك. ويجوز ذلك للحاكم والوصي والمضارب والولي غير المجبر في النكاح وقيل: هم كالوكيل وقيل: ليس للوكيل في الخصومة الإقرار ولا القبض وفي خصومة الوكيل في القبض وجهان. وليس للوكيل في البيع قبض الثمن إلا بقرينة. وقيل يملكه فإن توى الثمن على المشتري أو بان المبيع مستحقا أو معيبا لم يلزم الوكيل شيء. ومن أقر وكيله وشريكه في التجارة بعيب فيما باعه قبل إقراره عليه. ويقبل إقرار الوكيل بكل تصرف وكل فيه حتى النكاح. وقيل في النكاح خاصة القول قول الموكل إذا أنكره وإذا أنكره وأخذنا بقوله أو أنكر الوكالة فهل يلزم الوكيل نصف الصداق على روايتين. وليس للوكيل في البيع البيع من نفسه إلا بإذن الموكل فإنه يصح ويتولى طرفيه وفي بيعه من ولده أو والده أو مكاتبه وجهان. وعنه له البيع من نفسه إذا زاد على ثمنه في النداء وكذلك شراء الوصي

من مال اليتيم وكذلك البيع والشراء لولده الطفل من نفسه. وللوكيل في الشراء أن يرد بالعيب قبل إعلام موكله إلا إذا وكله في شراء شيء بعينه فعنه وجهان. فإن قال البائع قد علم موكلك بالعيب ورضي والموكل غائب أو قال الغريم لوكيل الغائب في استيفاء حق قد استوفاه موكلك أو أبرأ بي حلف الوكيل أنه لا يعلم ذلك وملك الرد والقبض في الحال. وإذا اشترى الوكيل أو المضارب بأكثر من ثمن المثل أو باع بدونه صح ولزمه النقص والزيادة نص عليه ويتخرج أن يكون كتصرف الفضولي. ولا يصح بيع الوكيل نساء ولا بغير نقد البلد ويصحان من المضارب وعنه لا يصح معه لغناه1 فإن ادعيا الإذن في ذلك فالقول قولهما وقيل: قول المالك ومن وكل في بيع عبد فباع نصفه لم يصح وإن وكل في بيع عبدين فله بيع أحدهما ومن وكل أن يشتري في الذمة ثم ينقد الثمن فاشترى بعينه جاز. وإن أمر بالشراء بالعين فاشترى في الذمة فقد خالف وإذا وكله في بيع ماله كله أو المطالبة بكل حقوقة صح وإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح وإذا وكله في بيع شئ بجعل معلوم أوقال بعه بعشرة فما زاد فهو لك جاز. ومن وكل في قضاء دين لم يؤمر بإشهاد فقضاه بحضرة الموكل ولم يشهد فأنكر الغريم لم يضمن وإن قضاه في غيبته ضمن وعنه لا يضمن كالوكيل في الإيداع. ومن ادعى الوكالة في استيفاء حق فصدقه لم يلزمه الدفع إليه ولا اليمين إن كذبه وإن ادعى أن رب الحق مات وأنه وارثه لزم الغريم ذلك وإن ادعى أنه محتال فعلى وجهين ومن وكل رجلا أن يقر لزيد بمائة لزمته وإن لم يقر بها الوكيل.

_ 1- كذا في الأصل.

باب المضاربة

باب المضاربة المضاربة: أن يدفع الرجل ماله إلى آخر يتجر فيه بجزء من ربحه وتصح من المريض وإن سمى للعامل فوق تسمية المثل وتقدم بها على الغرماء. ويصح تعليقها بشرط وفي توقيتها روايتان. وإذا شرط العامل في مضاربة أو مساقاة أو مزارعة أن يعمل معه المالك أو عبده صح وقيل: لا يصح وقيل: يصح في عبده دونه. وإذا قال اعمل في المال والربح بيننا تساويا فيه وإن قال خذه علي الثلث أو الثلثين واختلفا لمن المشروط فهو للعامل. وإن سمي ذلك لأحدهما فالثاني للآخر ولو اختلفا بعد الربح فيما شرط للعامل فالقول قول المالك وعنه قول العامل إلا أن يجاوز تسمية المثل فيرد إليهما فإن أقاما البينة فبينة العامل أولى. وللمضارب أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبض ويحيل ويحتال ويرد بالعيب ويفعل كل ما فيه مصلحة للمضاربة بمجرد عقدها. ولا يملك خلط المال بغيره ولا دفعه مضاربة ولا أن يستدين عليه بأن يشتري بأكثر من رأس المال أو بثمن ليس معه من جنسه إلا أن يشتري بذهب ومعه فضة أو بالعكس فيجوز. وله أن يسافر به ويقابل ويرهن ويرتهن وقيل: يمنع. وليس له أن يبضع ولا يودع في أصح الوجهين. فإن قال له أعمل برأيك فله فعل ما ذكرنا كله وليس له أن يقرض ولا يتبرع ولا يزوج رقيقا ولا يكاتبه ولا يعتقه بمال إلا بإذن صريح. وعليه أن يباشر ما العادة مباشرته كالنشر والطي وقبض النقد ونحوه فان فعله بأجرة لزمته.

وله الاستئجار لما العادة فيه ذلك كالنداء ونقل المتاع وليس له مباشرته ليأخذ الأجرة وعنه له ذلك. وله أن يضارب لآخر إلا أن يضر بالأول فيمنع فإن خالف وربح رد حصته في شركة الأول. ومن شارط مضاربه أن لا يتجر إلا ببلد عينه أو لا يبيع إلا من فلان فله شرطه. ولا نفقة للمضارب إلا بشرط فإن شرطت مطلقة فله نفقة مثله طعاما وكسوة. وإن شرط المضارب التسري من مال المضارب فاشترى لذلك جارية ملكها ولزمه ثمنها قرضا. وإذا تلف بعض المال قبل التصرف فرأس المال ما بقى وإن تلف بعد التصرف أو خسر جبر من ربح الباقي. وإذا اشترى المضارب سلعة بثمن في الذمة ثم تلف المال بعد التصرف وقبل نقد الثمن بقيت المضاربة بحالها ولزم رب المال الثمن وإن تلفت قبل التصرف فكذلك لكن تبقى المضاربة في قدر الثمن وإن تلف قبل الشراء فهو كشراء الفضولي ويملك العامل قسطه من الربح بظهوره وعنه بالقسمة ولا يجوز قسمته مع بقاء العقد إلا باتفاقهما. وإذا أقر المضارب أنه ربح ألفا ثم قال تلفت أو خسرتها قبل قوله وإن قال غلطت أو نسيت لم يقبل قوله وعنه يقبل ويتخرج أن لا يقبل إلا ببينة. وإذا انفسخ القراض والمال دين لزم العامل تقاضيه وإن كان عرضا لزمه بيعه وإذا منعه المالك من بيع العرض والقراض بحاله أو مفسوخ فله ذلك إلا أن يكون فيه ربح. وإذا مات المضارب وجهل بقاء المضاربة فهي دين على التركة وكذلك الوديعة. ومن دفع دابته أو عبده إلى من يعمل بهما بجزء الأجرة جاز وإن أعطى ماشيته لمن يقوم عليها بجزء من درها ونسلها فعلى روايتين.

باب الشركة

باب الشركة وأنواعها الصحيحة أربعة. أحدها: شركة الأبدان بأن يشتركا فيما يتقبلان من الأعمال في ذممهما. فأيهما يقبل شيئا كان من ضمانهما ولزمهما عمله وهل تصح مع اختلاف الصفة على وجهين. وإذا مرض أحدهما فكسب الآخر بينهما وله مطالبته بمن يعمل مكانه وإذا اشتركا على أن يحملا على دابتيهما ما يتقبلان في الذمة حمله صح. وإن اشتركا فيما يؤجران فيه عين الدابتين وأنفسهما إجارة خاصة لم يصح وقيل: يصح. ولا تصح شركة الدلاين إلا إذا قلنا للوكيل أن يوكل فإنها تصح وتصح الشركة والوكالة في تملك المباحات. النوع الثاني: شركة العنان بأن يشتركا في التجارة بماليهما وإن اختلف المال جنسا وقدرا ومتى تلف مال أحدهما قبل الخلط كان من ضمانهما فإن شرطا أن يعمل أحدهما بالمالين فلا شركة حتى يشترطا له ربحا فوق ربح ماله. وتصح شركة العنان والمضاربة بالعروض على قيمتها وقت العقد وعنه لا تصح إلا بنقد فعلى هذا هل تصح بالمغشوشة والفلوس النافقة على وجهين. وإذا أبرأ الشريك من ثمن مبيع أو أجله في مدة الخيار صح في حصته خاصة والشريك كالمضارب فيما يلزمه ويملكه ويمنع منه. النوع الثالث: شركة الوجوه بأن يشتركا بغير مال في ربح ما يشتريان في ذممهما بجاههما وسواء عينا المشترى بنوع أو وقت أو أطلقا ويقع ملك المشترى بينهما حسبما شرطاه. النوع الرابع: شركة المضاربة وقد سبقت

والربح في كل شركة على ما شرطاه والوديعة تختص المال فإن كان من الجانبين تقسطت عليهما فإن شرط أحدهما لنفسه ربحا مجهولا أو فضل دراهم فسد العقد. وإن شرط وضيعة ماله على الآخر أو الارتفاق بالسلع أو لزوم العقد مطلقا أو إلى مدة وأن يشتركا في كل ما يثبت لهما أو عليهما ونحو ذلك من كل شرط فاسد لا يعود بجهالة الربح فإنه يلغو ويصح العقد نص عليه ويتخرج فساده وإذا فسد فربح المضاربة كله للمالك وعليه للعامل أجرة مثله خسر المال أو ربح. وربح شركة الضمان والوجوه يقسم على قدر الملكين. وفي شركة الأبدان تقسم أجرة ما تقبلاه بالسوية وهل يرجع كل واحد على الآخر بأجرة نصف عمله على وجهين. وقال القاضي إن فسد العقل لجهل الربح فكذلك وإن فسد لغيره وجب المسمى فيه كالصحيح.

باب المساقاة والمزارعة

باب المساقاة والمزارعة تجوز المساقات على كل نابت من نخل وكرم وغيرهما وعلى شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يحمل بجزء من الثمر. فإن ساقى على شجر بعد بدو ثمره وقبل صلاحه فعلى روايتين وإذا عمل في شجر بينهما نصفين وشرطا التفاضل في ثمره فهل يصح على وجهين. وتصح المزارعة بجزء من الزرع إذا كان البذر من رب الأرض فإن كان من العامل أو منهما أو كان من غير العامل والأرض لهما فعلى روايتين وكذلك يخرج إذا كان من ثالث أو كان البذر من أحدهما والأرض والعمل من الآخر فإن كانت بقر العمل من أحدهما والأرض والبذر وبقية العمل من

الآخر جاز وإن لم يكن من أحدهما سوى الماء1 فعلى روايتين. ويلزم العامل كل عمل فيه زيادة الثمر والزرع كالسقى وتنقية طرقه والتلقيح وإخلاء الجرين وقطع الحشيش المضر وآلات الحرث وبقره وعلى رب الأصل مافيه حفظه كسد الحيطان وإنشاء البحار والدولاب وما يديره آلة ودابة وكبش التلقيح ونحوه وحصاد الزرع على العامل نص عليه. وعليه يخرج جذاذ الثمرة والمنصوص عنه أن الجذاذ عليهما إلا أن يشترط على العامل. والعامل أمين يقبل قوله في التلف ونفي الخيانة فإن ثبتت خيانته استؤجر من ماله مشرف يمنعه الخيانة فإن عجز فعامل مكانه. ويشترط لنصيب العامل معرفته بالنسبة كالربع والثلث فإن شرطا لأحدهما آصعا مسماة أو دراهم أو أن يختص رب البذر بمثل بذره فسد العقد وكان الثمر والزرع لرب الأصل والبذر وعليه أجرة المثل لصاحبه.

_ 1 بهامش الأصل: احتج المانع بالنهي عن بيع الماء فدل أنه إن أحرزه جاز بيعه. وتقبل الأكثر الجواز منهم حرب وسأله: كم له شرب في قناة: هل يتبع ذلك الماء؟ فلم يرخص فيه وقال: لا يعجبني فاحتج بالنهي عن بيع الماء.

باب الإجارة

باب الإجارة2 وهي عقد لازم لا تنفسخ بالموت وأنواعها ثلاثة: أحدها: عقد على عمل في الذمة في محل معين أو موصوف كخياطة وقصارة فيشترط وصفه بما لا يختلف وللأجير فيه أن يستنيب إلا أن يشترط عليه مباشرته.

_ 2- بهامش الأصل: وهي جائزة بالإجماع إلا ما يحكى عن عبد الرحمن بن الأصم أنه قال: لا يجوز ذلك لأنه غرر يعني: لأنه يعقد على منافع لم تخلق وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع لأن العبرة دالة عليها فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان.

ومتى هرب أو مرض استؤجر عليه من يعمله فإن تعذر فللمستأجر الفسخ وإن تلف محل العمل المعين انفسخ العقد. الثاني: إجارة عين موصوفة في الذمة فيعتبر لها صفات السلم ومتى سلمها فتلفت أو غصبت أو تعيبت وجب إبدالها فإن تعذر فللمستأجر الفسخ إلا إذا كانت إجارتها إلى مدة تنقضي فإنها تنفسخ. الثالث: إجارة عين معينة فيشترط معرفتها بما تعرف به في البيع ومتى تعطل نفعها ابتداء انفسخ العقد وإن تعطل دواما انفسخ فيما بقي فإن تعيبت أو كانت معيبة فله الفسخ أو الإمساك بكل الأجرة ذكره ابن عقيل. وقياس المدهب: أن له أن يمسك بالأرش فإن غصبت وكانت إجارتها لعمل معلوم خير بين الفسخ أو الصبر وإن كانت إلى مدة خير بين الإمضاء وأخذ الغاصب بأجرة المثل وبين الفسخ وإن غصبها مؤجرها بعض المدة أو كلها فلا شيء له نص عليه ويتخرج أن يكون كغصب غيره. ولا تنعقد الإجارة إلا على نفع مباح معلوم لغير ضرورة مقدور عليه يستوفى مع بقاء عينه كإجارة الدار لمن يسكنها أو يتخذها مسجدا أو الإنسان لحجامة أو اقتصاص أو إراقة خمر أو الكتاب للنظر أو النقد للوزن ونحوه. فأما النفع المحرم كالغناء والزمر وحمل الخمر للشرب أو المعجوز عنه كنفع الآبق والمغصوب أو المفنى للعين كشعل الشمع أو المتعذر منها كزرع الأرض السبخة فالعقد عليه باطل. ولا بد من تقدير النفع بعمل أو مدة فإن جمعهما فقال استأجرتك لخياطة هذا الثوب اليوم فعلى روايتين. ويجوز أن يؤجر المسلم نفسه من الذمي وعنه المنع في الخدمة خاصة ولا يجوز أن تؤجر المسلمة نفسها إلا بإذن زوجها.

ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان وإمامة الصلاة وتعليم القرآن والتفقه والنيابة في الحج وعنه الجواز فإن أعطي لذلك شيئا بغير شرط جاز نص عليه. ويكره كسب الحجامة للحر دون العبد. ولا تجوز إجارة المشاع مفردا إلا من الشريك وعنه ما يدل على جوازه. وإذا أكرى راكبين إلى مكة بما يتبعهما من محمل ووطاء وغطاء ونحوه بغير رؤية لم يصح فإن وصف ذلك فعلى وجهين. وتجوز إجارة العين مدة تبقى في مثلها وإن طالت أو لم تل العقد. وإذا اكترى دابة لمدة غزاته كل يوم بدرهم جاز ويتخرج المنع. وإن استأجر الدار كل شهر بكذا فعلى روايتين فإن قلنا يصح فلكل واحد منهما الفسخ عقيب كل شهر إلى تمام يوم. ومن أستأجر أجيرا بطعامه وكسوته جاز وعنه لا يجوز حتى يصفه وكذلك الظئر ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو أمة إذا أمكن للخبر. وإن استأجر لطحن حب أو حصد زرع أو نسج غزل ثوبا بربعه أو ثلثه فعلى روايتين. وإذا قال: إن خطت ثوبي اليوم فبدرهم وإن خطته غدا فبدانق أو إن خطته روميا فبعشرة وفارسيا فبخمسة لم يصح وعنه صحته. وتجب الأجرة بالعقد ويستحق بتسليم العين أو العمل إن كانت على عمل فإن أجلت جاز. ومن ركب سفينة رجل أو دخل حمامه أو أعطاه ثوبا فقصره ويعرف بأخذ الأجرة على ذلك فله أجرة المثل. ومن استأجر شيئا فله أن يؤجره ويعيره لمن يقوم مقامه. وإذا استأجر أرضا لزرع الحنطة فله زرع مادونها ضررا كالشعير والباقلاء,

فإن زرع ما فوقها مضرة كالقطن والدخن لزمه تفاوتهما في أجرة المثل مع المسمى نص عليه وقال أبو بكر تجب أجرة المثل لا غير. ومن اكترى دابة إلى مكان فجاوزه أو لحمل شيء فزاد عليه لزمه المسمي وأجرة المثل للزيادة وقيمة الدابة إن تلفت. وإذا ضرب المستأجر الدابة أو المعلم الصبي أو الزوج أمرأته ضرب العادة لم يضمن ما تلف به. ويضمن الأجير المشترك وهو الذي قدر نفعه بالعمل ما تلف كدق القصار وزلق الحمال سواء عمل في بيت المستأجر أو غيره. ولا يضمن ما تلف بغير فعل منه ولا تعد ولا يستحق أجرته إلا أجرة ما عمله في بيت المستأجر وعنه لا أجرة له إلا للبناء في بيته وغير بيته وعنه له أجرة البناء مطلقا وأجرة المنقول بشرط عمله في بيته فإن أتلفه أو حبسه على الأجرة فتلف فلمالكه تضمينه قيمته معمولا وعليه أجرته أو قيمته غير معمول ولا أجرة عليه. فأما الأجير الخاص وهو من استؤجر إلى مدة فلا يضمن جنايته إلا أن يتعمدها. ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاع إذا عرف حذقهم ولم تجن أيديهم. وإذا ادعى على الخياط أنه فصل خياطته على غير ما أمر به فالقول قوله مع يمينه.

باب السبق

باب السبق لا تجوز المسابقة بعوض إلا على الخيل والإبل والسهام فتصح بشرط تعيين المركوبين والرامين وإيجاد نوع القوسين والمركوبين وتحديد المسافة بما جرت به العادة وبذل العوض بما جرت به العادة وبذل العوض معلوما من أحد المتسابقين أو من غيرهما. فإن سبق مخرج السبق أحرزه ولم يأخذ من الآخر شيئا وإن سبق من

من لم يخرج فالسبق له وإن جاءا معا بقي السبق لمالكه فإن كان العوض منهما فهو قمار إلا أن يدخلا بينهما محللا لم يخرج شيئا تكافىءفرسه فرسيهما ورميه رميهما فإن سبق المحلل أو أحدهما أحرز السبقين وإن سبق مع أحدهما فسبق الآخر بينهما. ويحصل السبق في الإبل والخيل بسبق الكتف وفي الرمي بالإصابة المشروطة. وهي إما مفاضلة بأن يجعلا السبق لمن فضل صاحبه بإصابتين من عشر رميات وإما مبادرة بأن يجعلا لمن سبق إلى المصابتين من عشر رميات مع تساويهما في الرمي. ولا بد من معرفة الغرض صفة وقدرا ومتى أطارته الريح فوقع السهم مكانه حسب إلا أن يكونا شرطا إصابة مقيدة ويشك فيها لو كان مكانه. وليس للمسابق أن يجنب مع فرسه فرسا يحرضه على العدو ولا أن يصيح به حالة السباق.

باب العارية

باب العارية ومن أعير شيئا فله أن ينتفع به بالمعروف ولا يضمن ما أتلفه الانتفاع من أجزائه وليس له أن يؤجره إلا باذن في مدة معلومة وهل يعيره على وجهين. فإن استعاره ليرهنه على دين عليه جاز ومتى طولب بفكاكه لزمه فإن بيع في الدين لزمه أكثر الأمرين من قيمته أو ثمنه. وإذا أعير فرسا للغزو فسهم الفرس له كالحبيس والمستأجر وعنه أنه للمعير. ومن أعار أرضا لدفن ميت فرجع قبل أن يبلى أو سفينة لحمل متاع فرجع وهي في اللجة أو حائطا لوضع خشب ثم طلب إزالته لم يكن له ذلك ولا الأجرة لما يستقبل فإن زال الخشب عن الحائط بهدم أو غيره لم يجز رده إلا بإذنه.

وإن أعاره أرضا للزرع فرجع وهو مما يحصد قصيلا حصد وإلا لزمه تركه إلى الحصاد بلا أجرة عندي. وقال أصحابنا: له الأجرة من وقت الرجوع وإن أعارها لغرس أو بناء مطلقا أو إلى مدة فانقضت لزمه قلعه إن كان مشروطا عليه وإلا لزم رب الأرض أخذه بقيمته أو قلعه وضمان نقصه فإن امتنع فيهما بقي في أرضه مجانا وكذلك غرس المشتري وبناؤه إذا فسخ البيع لعيب أو أفلس ولرب الأرض التصرف فيها بما لا يضر بالشجر ولرب الشجر دخولها لمصلحة الثمر ومن طلب منهما أن يبيع الآخر معه فهل يجبر يحتمل وجهين. وإن أعار الأرض لغرس أو بناء إلى مدة لم يملك الرجوع قبلها رواه ابن منصور. وقال أصحابنا: يملكه حسبما يملكه بعدها ومن استعار شيئا أو غصبه فعليه مؤنة رده بخلاف ما استأجره. وإذا تلفت العارية ضمنت بقيمتها يوم التلف وعنه إن شرط نفي ضمانها لم يضمن. وإذا اختلفا في رد العارية أو قال أعرتك فقال بل أجرتني أو قال غصبتني فقال بل أجرتني أو أعرتني فالقول قول المالك مع يمينه. وإن قال عقيب العقد: أجرتك فقال بل أعرتني فالقول قول القابض وإن كان قد مضى مدة لمثلها أجرة حلف المالك وأعطى أجرة المثل عند أبي الخطاب. وقيل: له المسمى وعندي له الأقل منهما.

باب الغصب

باب الغصب وهو الاستيلاء على مال الغير ظلما من عقار وأم ولد وغيرهما ويلزم الغاصب رده وأجرة نفعه مدة غصبه وما تلف أو تعيب منه أو من زيادته المتصلة أو

المنفصلة ضمنه ويضمن إذا تلف وهو مكيل أو موزون بمثله أو بقيمة المثل إذا أعوزه يوم إعوازه. ويضمن ما سوى ذلك بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده وعنه أن عين الدابة من الخيل والبغال والحمير تضمن بربع قيمتها وأن بعض الرقيق المقدر من الحر يضمن بمقدر من قيمته كما سنوضحه في الديات والأول أصح. ولا يضمن نقص قيمته بتغير الأسعار مع رد ولا تلف. ومن غصب عبدا فأبق لزمته قيمته فإن رجع رده وأخذ القيمة. وإن غصب خشبة فبنى فوقها نقض بناؤه وردت وإن رقع بها سفينته لم تقلع وهي في اللجة وقيل: تقلع إذا لم يكن فيها حيوان محترم ولا مال للغير. وإذا خلط المغصوب بما يمتاز منه لزمه تخليصه وإن لم يتميز كزيت خلطه بمثله لزمه مثل مكيله منه وإن خلطه بدونه أو بخير منه أو بغير جنسه فهما شريكان بقدر قيمتهما. وقال القاضي: ما تعذر تمييزه كالتالف يلزمه عوضه من حيث شاء. وإذا غير المغصوب فأزال اسمه كطحن الحب وضرب النقرة دراهم وطبخ الطين آجرا ونحوه فهو لمالكه وعلى الغاصب نقصه ولا شيء له لزيادته وعنه يصير للغاصب وعليه عوضه وعنه يخير المالك بينهما. وإذا غصب ثوبا فصبغه فهما شريكان بقدر قيمة الثوب والصبغ وأيهما زادت قيمته فزيادته لمالكه وإن نقصت فعلى الغاصب وأيهما طلب قلع الصبغ منع ويحتمل أن يمكن إذا ضمن نقص حق الآخر. وإذا غصب أرضا فغرسها لزمه القلع وتسوية الحفر وما نقصت بالغرس وإن زرعها خير ربها بين ترك الزرع إلى الحصاد بالأجرة وبين تملكه بقيمته وعنه بنفقته فإن حصده الغاصب قبل تملكه تعينت له الأجرة. وإن حفر فيها بئرا فله طمها وإن سخط المالك إلا أن يبرئه من ضمان

ما يتلف فيها فهل يصح الابراء ويمنع من طمها؟ على وجهين. ومن اشترى أرضا فبنى أو غرس فيها ثم استحقت فللمستحق قلع ذلك ثم يرجع المشتري على البائع بنقصه وعنه ليس له قلعه إلا أن يضمن نقصه ثم يرجع به على البائع. وإذا غصب دراهم فاتجر بها فربحها للمالك وإن اشترى في ذمته بنية نقدها ثم نقدها فكذلك وعنه الربح للمشترى. ومن قبض مقبوضا من غاصبه ولم يعلم فهو بمنزلته في جواز تضمينه العين والمنفعة لكنه يرجع إذا غرم على الغاصب بما لم يلتزم ضمانه خاصة. فإذا غرم وهو مودع أو متهب قيمة العين والمنفعة رجع بهما. والمستأجر يرجع بقيمة العين والمنفعة والمشتري والمستعير عكسه ويسترد المشتري والمستأجر من الغاصب ما دفعا اليه من المسمي بكل حال. ولو أحبل المشتري الأمة فولده حر وعليه فداؤه بقيمته يوم وضعه وعنه بمثله في القيمة وعنه يخير فيهما وعنه بمثله في الصفة تقريبا ويرجع بما عدمه من المهر والأجرة ونقص الولادة وفداء الولد. فأما قيمة الأمة أو أرش البكارة فلا يرجع به وعنه ما يدل على أنه إنما حصل له نفع يقابله كالمهر والأجرة في البيع وفي الهبة وفي العارية وكقيمة الطعام إذا قدم له أو وهب منه فأكله فإنه لا يرجع به بحال. ولو ضمن المالك ذلك كله للغاصب جاز ولم يرجع على القابض إلا بما لا يرجع عليه ولو كان القابض هو المالك فلا شيء له لما يستقر عليه لو كان أجنبيا وما سواه فعلى الغاصب. وجناية العبد المغصوب على سيده مضمونة على غاصبه وجنايته على غاصبه مهدرة إلا في القود فلو قتل عبدا لأحدهما عمدا فله قتله به ثم يرجع السيد بقيمته على الغاصب فيهما.

ومن استخدم حرا غصبا ضمن منفعته وإن حبسه ولم يستخدمه فعلى وجهين. ومن أتلف خمرا لمسلم أو ذمي أو خنزيرا أو كلبا أو كسر صليبا أو آلة لهو لم يضمن وإن كسر إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه خمر مأمور بإراقتها فعلى روايتين. ويتخرج أن يضمن الذمي الذي خمر الذمي. ولو فتح قفصا عن طائر أو حل قيد عبد فذهبا ضمنهما. وإن حل زقا فيه سمن جامد فسال بالشمس أو بريح ألقته فعلى وجهين. ومن حفر بئرا في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن ما تلف فيها وعنه إذا لم يكن ذلك بإذن الإمام ضمن وإن حفرها لنفسه ضمن وإن كانت في فنائه. ومن سقط في محبرته بتفريطه دينار غيره فلم يخرج كسرت لإخراجه مجانا وإن لم يكن منه تفريط ضمن رب الدينار كسرها فإن بذل له ربها مثل ديناره فهل يجب قبوله؟ على وجهين.

باب الوديعة

باب الوديعة يلزم المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها إما بنفسه أو بمن يحفظ ماله عادة كزوجته أو أمته فإن عين له المالك حرزا لم يجز له نقلها عنه إلا لحادث الغالب منه التوى فيجب. وقيل إن نقلها لغير حاجة إلى مثل العين أو أحرز منه جاز مالم ينهه وقيل: يجوز نقلها إلى الأحرز دون المماثل. فإن قال لا تنقلها وإن خفت أولا تقم عليها أو لا تعلف البهيمة فوافقه أو خالفه لم يضمن فإن تعدى فيها بأن جحدها ثم أقر بها أو منع دفعها بعد الطلب والتمكن أو انتفع بها أو أخذها لينفقها ثم ردها أو كسر ختمها،

أو خلطها بما لا تتميز منه ضمن وإن تميزت لم يضمن. وإن أخذ درهما لينفقه ثم رد فتلف الكل لم يضمن إلا ما أخذ. وإن رد بدله ولم يتميز فهل يضمن الكل على روايتين. وإذا أراد سفرا ومالكها غائب سافر بها إن كان أحرز لها وإلا أودعها الحاكم وإن تعذر فلثقة. فإن أودعها لغير عذر فتلفت عند الثاني فللمالك تضمين أيهما شاء وقراره على الثاني إن علم وإلا فعلى الأول اختاره القاضي وظاهر كلامه المنع من تضمين الثاني إذا لم يعلم. وإذا دفنها بمكان وأعلم بها ساكنه فهو كما لو أودعه وإن أعلم غيره أو لم يعلم أحدا ضمن. وإذا قال أذنت لي في دفعها إلى فلان وقد فعلت قبل قوله عليه فيهما. ولو جحدها فقال لم تودعني ثم ثبتت ببينه أو إقرار فادعى ردا أو تلفا سابقا لجحوده لم يسمع منه وإن أتى ببينة نص عليه وقيل: يسمع بالبينة. وإن ادعى ردا متأخرا وله بينة سمعت وإلا حلف خصمه ولو كان قال مالك عندي شيء قبل قوله فيهما فإن مات فادعى وارثه أنه ادان موروثه لم يقبل إلا ببينة فإن تلفت عند الوارث لم يضمن إلا إذا أمكنه الرد ولم يعلم ربها بها. ومن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا ينقسم ثم طلب أحدهما قدر حقه والآخر غائب لزم المودع ذلك قاله أبو الخطاب. وقال القاضي لا يجوز ذلك إلا عن قسمة بإذن الحاكم وكذلك إن كان حاضرا أو أبى أخذ حقه والإذن في الأخذ لصاحبه.

باب الشفعة

باب الشفعة لا تجب الشفعة إلا لشريك في عقار يجب قسمته وعنه تجب له في كل مال إلا في منقول ينقسم1. وتجب في الشقص المبيع بمثل ثمنه الذي استقر عليه العقد إن كان مثليا وإلا فبقيمته يوم استقرار العقد ولا تجب في موهوب ولا موصى به وفيما جعل عوضا لغير مال كعوض النكاح والخلع وصلح الدم ثلاثة أوجه:. أحدها: يؤخذ بقيمته والثاني بقيمة مقابله لا شفعة فيه ولا شفعة في بيع الخيار مالم ينقص نص عليه وقيل: يجب. وخيار الشفعة على الفور بأن يشهد ساعة علمه بالطلب أو يبادر فيه بالمضي المعتاد إلى المشتري فإن تركهما لغير عذر سقطت شفعته وعلى أنه على التراخي كخيار العيب. وقال القاضي: يتقيد بالمجلس. وإذا دل في البيع أو توكل فيه لأحدهما لم تسقط شفعته وإن أسقطها قبل البيع فروايتان ولو ترك الطلب تكذيبا للخبر بطلت شفعته إن أخبره اثنان يقبل خبرهما. ولو ترك الوصي شفعة الصبي فهي له إذا بلغ نص عليه واختاره الخرقي. وقال ابن بطة: تسقط وقال ابن حامد: إن تركها الولي والحظ له فيها بقيت له وإلا سقطت.

_ 1- بهامش الأصل: لا تجب الشفعة إلا بشروط سبعة أحدهما: البيع. الثاني: أن يكون عقارا أو ما يتصل به من البناء والفراش. الثالث: أن يكون شقصا مشاعا. الرابع: أن يكون مما ينقسم. الخامس: أن يأخذ الشقص كله. السادس: إمكان أداء الثمن. السابع: المطالبة على الفور ساعة علمه. والله أعلم.

ومن لم يعلم شفعته حتى باع حصته فهل تسقط على وجهين. ولو ظهر له المشتري زيادة في الثمن أو أنه موهوب له أو أن الشراء لفلان ونحو ذلك فقاسمه أو قسم عليه لغيبته فبنى المشتري وغرس ثم علم الشفيع فشفعته باقية. ويلزمه أخذ البناء والغرس بقيمته أو قلعة وضمان نقصه فإن امتنع منهما سقط حقه. وليس للشفيع أخذ بعض الشقص إلا أن يتلف بعضه فإنه يأخذ الباقي بقسطه من ثمنه. وقال ابن حامد: إن كان التلف سماويا لم يأخذ الباقي إلا بكل الثمن ولو كان المبيع شقصا وسيفا أخذ الشقص بقسطه. ومتى تعدد المشتري أو العقد فذلك صفقتان للشفيع أخذ إحداهما: وإن تعدد البائع أو المبيع واتحد العقد فعلى وجهين. وإذا اجتمع شفعاء فالشفعة بينهم على قدر حقوقهم وعنه على عددهم فإن عفي أحدهم لم يكن للباقين إلا أخذ الكل أو الترك. ولو كان المشتري شريكا زاحمهم بقسطه ولم يملك تركه ليوجبه على غيره. وإذا طلب الشفيع أن يمهل بالثمن أمهل اليومين والثلاثة فإن تعذر عليه سقطت شفعته فإن كان الثمن مؤجلا أخذ به إلى أجله إن كان مليئا أو كفله مليء وإلا فلا شفعة له. وإذا باع المشتري الشقص قبل الطلب أخذه الشفيع من أي المشتريين شاء بما اشتراه لكنه إن أخذه من الأول رد ثمن الثاني عليه. ولو أجره المشترى انفسخت الإجارة من حين الأخذ وإن وقفه أو وهبه سقطت الشفعة نص عليه. وقال أبو بكر: لا تسقط وينقض تصرفه ولا يصح تصرف المشتري بحال.

وإذا فسخ البيع بإقالة أو عيب في الشقص فللشفيع نقض الفسخ والأخذ وإن فسخه البائع لعيب في الثمن المعين قبل الأخذ بالشفعة سقطت وإن كان قد أخذ بها أمضيت وللبائع إلزام المشتري بقيمة الشقص فيتراجع الشفيع والمشتري بفضل ما بين القيمة والثمن فيرجع به من وزنه منهما على الآخر. وإذا اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري مالم يأت الشفيع ببينة. وإذا أقر البائع بالبيع وجحد المشتري أخذ الشفيع بما قال البائع كما لو اختلفا في الثمن وتحالفا وقيل: لا تجب الشفعة. وعهدة الشفيع أبدا على المشتري إلا فيما جحده فإنها على البائع ولا شفعة لكافر على مسلم.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات إذا أحيى المسلم بإذن الإمام أو بدون إذنه مواتا بأن حازه بحائط أو عمره العمارة العرفية لما يريده له فقد ملكه إلاموات بلدة الكفار صولحوا على أنها لهم أو ما فيه معدن ظهر قبل إحيائه أو ما قرب من العامر وتعلق بمصلحته فإن لم يتعلق بمصلحته فعلى روايتين. وموات العنوة كغيره يملكه به ولا خراج عليه وعنه لا يملك به لكن إن أحيى مواتا عنوة لزمه عنه الخراج وإن أحيى غيره فلا شيء عليه فيه ونقل عنه حرب عليه عشر ثمره وزرعه. وقال ابن حامد: لا يملك الذمي الإحياء في دار الإسلام. والموات: كل أرض بائرة لم يعلم أنها ملكت أو ملكها من لا عصمة له فإن لم يعرف لها يومئذ مالك وقد ملكها متقدما مسلم أو ذمي أو مشكوك في عصمته كخراب باد أهله ولم يعقبوا لم يملك بالإحياء وعنه يملك به وعنه يملك مع الشك في سابق العصمة دون التيقن.

ومن حفر بئرا في موات ملكها وملك حريمها خمسا وعشرين ذراعا من كل جانب وإن سبق إلى بئر عادية فحريمها خمسون ذراعا نص عليه وقيل: حريم البئر قدر الحاجة لترقية مائها. وإذا حمى الإمام مواتا للدواب التي تحت حفظه جاز مالم يضيق على الناس ولا يمنع منه من يضعفه البعد في طلب النجعة ويجوز لمن بعده من الأئمة تغييره إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: لا يجوز. ومن حجر مواتا أو أقطعه له الإمام لم يملكه لكنه أحق به ووارثه من بعده وله هبته وفي بيعه وجهان فإن بادر الغير فأحياه أو أحيى ما حماه الإمام فهل يملكه على وجهين. ومن أحيى أرضا فظهر بها معدن جامد فهو له فأما ماؤها وكلؤها ومعدنها الجاري فلا يملكه ولا يجوز بيع شيء منه قبل حيازته وعنه له ذلك ويملكها. وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم الغير وفي بذله لزرعه روايتان. وإذا كان الماء في نهر مباح سقى من في أعلاه حتى يبلغ الماء إلى الكعب ثم يرسل إلى من يليه. ويجوز الجلوس في متسع الرحاب والشوارع للبيع والشراء إذا لم يضر بالمارة وأحق الناس به من أقطعه له الإمام ما لم يتعد فيه ثم من سبق إليه مالم ينقل عنه قماشه وإن سبق إليه اثنان عين أحدهما بالقرعة وقيل: بتعيين الإمام. ومن سبق إلى معدن مباح فهو أحق بما ينال منه. فإن طال مقامه أو مقام الجالس في الشوارع فهل يزال على وجهين. ويملك بالأخذ ما ينبذه الناس رغبة عنه. ومن سيب دابته بمهلكة لانقطاعها أو عجزه عن علفها ملكها الغير باستنقاذه لها.

باب الوقف

باب الوقف لا يصح الوقف إلا في عين يجوز بيعها ويدوم نفعها مع بقائها عقارا كانت أو منقولا مفردا أو مشاعا. ولا يصح الوقف المجهول ولا الوقف عليه كقوله: وقفت أحد عبيدي أو على أحد أبنائي ولا يصح إلا علي بر كالمساجد والفقراء والإنسان المعين مسلما كان أو ذميا فلو وقف مسلم أو ذمي على الكنيسة أو قال على الأغنياء أو على قطاع الطريق لم يصح. ولا يصح الوقف على حربي ولا على مرتد ولا حمل ولا لبهيمة ولا عبد قن وفي المكاتب وجهان وفي وقف الإنسان على نفسه روايتان. ولو وقف على غيره واستثنى الغلة لنفسه مدة حياته جاز نص عليه. ومن وقف شيئا فالأولى أن يذكر في تصرفه جهة تدوم كالفقراء أو نحوها فإن اقتصر على ذكر جهة تنقطع كالأولاد صح وصرف بعدها في مصالح المسلمين وعنه يصرف في أقاربه ثم في المصالح ويختص به من الأقارب الوارث غنيا كان أو فقيرا وعنه أقرب العصبة ولذلك حكم من وقف ولم يسم مصرفا فإن وقف على جهة لا تصح مصرفا كعبده ونفسه في رواية ثم على جهة تصح صح الوقف وصرف إلى الجهة الصحيحة في الحال. وقيل: إن كان للجهة الباطلة انقراض يعرف صرف مع بقائها مصرف المنقطع وقيل: لا يصح أصل الوقف. ولا يصح الوقف المشروط فيه الخيار ويتخرج أن يصح ويلغو الشرط وفي المؤقت والمعلق بشرط وجهان. ولو قال: وقفت بعد موتى صح من الثلث ذكره الخرقي وقيل: هو كالمعلق بالشرط.

ويصح بالقول والفعل الدال عليه بأن يجعل أرضه مسجدا أو مقبرة أو رباطا ويأذن للناس فيما جعلت له وعنه لا ينعقد إلا بالقول وصرائحه وقفت وحبست وسلبت وكناياته تصدقت وحرمت وأبدت. ويشترط لكنايته: أنه ينويه أو يقرن حكمه أو أحد ألفاظه بها. ويلزم الوقف بمجرد إيجابه وعنه يشترط أن يخرجه الواقف عن يده وقيل: يشترط قبوله إذا كان على آدمي معين. وإذا وقف على زيد وعمرو وأبي بكر ثم على المساكين فمن مات من الثلاثة أو رد فحصته لمن بقى وإن رد الثلاثة أو ماتوا فهو للمساكين. وإذا لزم الوقف ملك الموقوف عليه رقبته فتلزمه زكاة ماشيته وأرش جنايته ويملك تزويج أمته والنظر فيه إذا لم يشترط لغيره وهل يستحق به الشفعة؟ على وجهين. وفي رواية أخرى أن رقبته ملك لله تعالى فتمنع الزكاة والشفعة ويكون النظر والتزويج للحاكم والجناية في الغلة وقيل: في بيت المال وولد الموقوفة من زوج أو زنا وقف معها. فأما من وطء شبهة فتجب قيمته علي الواطىءوتصرف إلى مثله ويحتمل أن يكون الولد وقيمته من الغلة. ونفقة الوقف من غلته ما لم يشترط من غيرها ويرجع في قسمتها إلى شرط الواقف في الجمع والترتيب والإطلاق والتقييد والتسوية والتفضيل وإذا أمكن حصر أهل الوقف وجب استيعابهم وإن لم يمكن فله أن يقتصر على ثلاثة وما دونها على وجهين. ومن أتلف الوقف لزمته قيمته تصرف في مثله ولا يجوز بيعه إلا لتعطل نفعه كفرس حبس عطب وحانوت أو مسجد خرب ولم يوجد ما يعمر به فيبيعه الناظر فيه ويصرف ثمنه في مثله وكذلك المسجد إذا لم ينتفع به في

موضعه وعنه يباع المسجد ولكن تنقل آلته إلى مسجد آخر ويجوز بيع بعض آلته وصرفها في عمارته. وما استغنى عنه المسجد من زيت وحصر جاز صرفه في مساجد أخر وفي مساكن جيرانه. وإذا وقف مسجد وفيه نخلة جاز أكل ثمرتها إن استغنى عنها المسجد وإلا بيعت وصرفت في مصالحه وإن أحدثت فيه فإنها تقلع. وإذا بنى مسجد بإذن الإمام في طريق واسع ولم يضر المارة جاز وإن لم يكن بإذنه فعلى روايتين.

باب اللقطة

باب اللقطة كل حيوان ممتنع عن صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والظباء والطير ونحوها فلا يجوز التقاطه ومن التقطه وكتمه حتى تلف ضمنه بقيمته مرتين نص عليه. وإن دفعه إلى نائب الإمام بريء والتقاط ما سوى ذلك جائز من الغنم والفصلان والنقد1 والمتاع وغيره إذا أمن الملتقط نفسه عليه وقوي على تعريفه وإلا كان كالغاصب والأفضل تركه نص عليه. وقال أبو الخطاب: إن كان بمضيعة لا يأمن فيها عليه فأخذه أفضل. ويجب تعريف لقطة الحل والحرام على الفور حولا بالنداء في مجامع الناس ولا يصفها فيه بل يقول من ضاع منه شيء أو نفقة فإذا عرفها حولا ولم تعرف ملكها. وفي اعتبار قصده لملكها وجهان وعنه لا تملك بسوى الأثمان بحال وله الصدقة بها بشرط الضمان على روايتين وعنه لا يملك لقطة الحرم بحال.

_ 1- النقد -بفتح النون والقاف– صغار الغنم.

وما التقطه صبي أو سفيه عرفه وليهما وملكاه. وما النقطة فاسق ضم إليه عدل في حفظه وتعريفه وما التقطه عبد فله إعلام سيده به مع عدالته وللسيد مع عدالة العبد أخذه منه أو تركه فإن لم يعلم به سيده حتى عرفه واستهلكه ملكه وثبت في ذمته قيمته وعنه لا يملكه فتتعلق قيمته برقبته كما لو أتلفه قبل الحول. ولقطة الحر والمكاتب سواء ولقطة المعتق بعضه بينه وبين سيده وقيل: يكون مع المهايأة لمن وجدت في يومه وكذلك أكسابه النادرة من ركاز وهدية ونحوه. ومن ملك ما التقطه لم يتصرف فيه حتى يعرف قدره ووصفه وما كان معه من وكاء ووعاء ونحوه. ومن جاء يطلب اللقطة فوصفها أعطيها بلايمين ولا شهود فإن ادعاها غيره وأقام بيتة أخذها من الواصف فإن تلفت عنده ملك تضمينه ولم يملك تضمين الدافع وقيل: يملكه ويرجع بما يضمن على الواصف مالم يكن أقر له أي الملتقط بالملك. وإذا وصفها نفسان جعلت بينهما وقيل: يقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها وتسترد اللقطة بزيادتها إلا المنفصلة الحادثة بعد ملكها فإنها على وجهين. واللقطة إذا تلفت أو تعيبت كالأمانة لا تضمن إلا بعد ما تملك فتضمن ويعتبر تقويمها يوم عرف ربها. وإذا تداعى دفينة بدار مؤجرها ومستأجرها فهي لواصفها مع يمينه نص عليه ومن جعل لواحد ماله جعلا لم يستحقه إلا أن يلتقطه وقد بلغه الجعل قبل التقاطه والقول قول المالك في قدره. ولا يستحق الجعل بغير شرط إلا في رد الآبق خاصة فإن له الجعل بالشرع دينارا أو أثنى عشر درهما وعنه إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما ولو كان الجعل لبناء أو خياطة فبلغه في أثناء العمل قاتمة بنية الجعل استحق منه بالقسط. ويجوز فسخ الجعالة للمالك وعليه للعامل أجرة ما عمل.

باب اللقيط

باب اللقيط اللقيط حر مسلم في جميع أحكامه إلا أن يوجد ببلد الكفر فإنه كافر وقيل: مسلم وقيل: إن كان فيه مسلم فهو مسلم وإلا فهو كافر. ويستحب الإشهاد على اللقيط واللقطة وقيل: يجب عليه دونها وقيل: يجب عليهما وما وجد معه من نقد وعرض فوقه أو تحته أو مشدودا إليه أو بقربه أو مدفونا عنده دفنا طريا فهو له ولحاضنه أن ينفق عليه منه بدون إذن الحاكم وعنه يجب استئذانه فإن لم يوجد معه شيء فنفقته في بيت المال لأنه مصرف ميراثه. وحضانة الملتقطة إلى الحر الأمين. وله السفر به من بدو إلى الحضر وبالعكس لا يجوز وأما من حضر إلى حضر فعلى وجهين فإن التقطه اثنان وامتاز أحدهما بكونه موسرا أو مقيما قدم. وإلا أقرع بينهما فإن تنازعا أيهما التقطه قدم من له يد ما لم تكن للآخر بينة وهل يحلف على وجهين فإن تساويا في اليد أقرع بينهما وإن تساويا في عدمها أعطاه الحاكم لمن يرى منهما أو من غيرهما إلا أن يصفه أحدهما فيقدم. ولا حضانة لفاسق ولا كافر على مسلم فأما البدوي المتنقل في المواضع فعلى وجهين. وإذا بلغ اللقيط المحكوم بإسلامه فنطق بأن الكفر دينه لم يقر وكان مرتدا وقيل: يقر فيلحق بما منه أو تقبل منه الجزية إن كان من أهلها. ومن ادعى رق مجهول النسب من لقيط أو غيره فشهدت بينة أنه له أو أن أمته ولدته في ملكه حكم له به وإذا شهدت أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه: فعلى وجهين. فإن لم تكن بينة والمدعى رقه طفل أو مجنون في يد المدعي فالقول قوله أن رقيقه إلا أن يدعيه المتلقط فلا يكفي قوله.

وإن كان المدعي بالغا عاقلا فأنكر فالقول قوله أنه حر وفي المميز وجهان فإن أقر المدعي رقه بعد إنكاره له لم يقبل وإن لم يسبق منه إنكار ولا ما يدل عليه قبل وإن كان قد باع واشترى وتزوج وطلق لم يقبل إقراره وعنه يقبل فيما عليه دون ما على غيره.

باب الهبة

باب الهبة. لا تصح الهبة إلا فيما يقدر على تسليمه ويباح نفعه مقدرا كان أو مشاعا ولا تصح في مجهول إلا ما تعذر علمه كالصلح ولا يصح توقيتها ولا تعليقها بشرط كالبيع. وتنعقد بما يعد هبة في العرف كقوله: خذ هذا لك فيأخذه أو يقول نحلتك وأعطيتك وملكتك وأعمرتك وجعلته لك عمرك أو عمري ونحوه فيقول قبلت أو رضيت ونحوه فإن شرط على المتهب عوده إليه إن مات قبله وهو الرقبي أو عوده بكل حال إليه أو إلى ورثته صح العقد دون الشرط وعنه صحتهما. ولا تلزم الهبة ولا تملك إلا مقبوضة بإذن الواهب فإن كانت في يد المتهب لزمت عقيب العقد وعنه لا تلزم حتى يمضي زمن بتأتى قبضها فيه وعنه لا تلزم إلا بإذن الواهب في القبض ومضى زمن يتأتى فيه قبضها وعنه أن هبة المعين تلزم بمجرد العقد بكل حال. وإذا مات الواهب قبل اللزوم للقبض فوارثه يقوم مقامه في اختيار التقبيض أو الفسخ وقيل: يبطل العقد كما لو مات المتهب. ويجب التعديل في عطية الأولاد وسائر الأقارب على حسب مواريثهم. فإن خص بها بعضهم أو فضله ولم يعدل حتى مات فهل للباقين فسخها على روايتين وإن فضل بينهم في الوقف جاز نص عليه ويحتمل المنع.

وليس لواهب أن يرجع في هبته وإن لم يثب عليها سوى الأب وهل ترجع المرأة فيما وهبته زوجها بمسألته؟ على روايتين. ومتى زاد الموهوب عن ملك الولد ثم عاد بعقد أو إرث فلا رجوع للأب وإن عاد بفسخ فعلى وجهين. وإن تعلق به حق يقطع تصرفه كالرهن وحجر الفلس والكتابة إذا لم يجز بيع المكاتب فلا رجوع حتى يزول. وإن تغلف به رغبة بأن تزوج الولد أو تداين فعلى روايتين ولو زاد الموهوب زيادة منفصلة رجع فيه دونها وقيل: يرجع بهما وإن كانت منفصلة فهل تمنع الرجوع على روايتين. وللأب أن يتملك على ولده ما شاء من ماله إذا لم يضربه ويحصل تملكه بالقبض مع القول أو النية ولا ينفذ تصرفه فيه قبله ولا يضمن ما أتلفه أو انتفع به من ماله. وما ثبت له في ذمته يبيع أو قرض أو إرث لم يملك مطالبته به ومتى قضاه إياه في مرضه أو أوصى بقضائه كان من صلب المال وإلا سقط بموته نص عليه وقيل: لا يسقط. وليس للرجل منع زوجته من التبرع بمالها وعنه له منعها من تجاوز الثلث.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا مدخل ... كتاب الوصايا تصح الوصية من كل عاقل مكلف ولا تصح من طفل أو مجنون أو مبرسم وتصح من الصبي الذي يعقلها إذا جاوز العشر وعنه إذا جاوز السبع وقيل: لا تصح منه حتى يبلغ وفي وصية السفيه وجهان. ولا تصح ممن اعتقل لسانه وصية ولا إقرار بالاشارة ويحتمل أن يصح. ومن وجدت له وصية بخطه عمل بها ونص فيمن كتب وصيته وختمها وقال: اشهدوا بما فيها أنه لا يصح فتخرج المسألتان على روايتين. ويجوز الرجوع في الوصية ويحصل بالقول وما يدل عليه كبيع الموصى به وهبته فإن كاتبه أو دبره أو أوجبه في بيع أو هبة فلم يقبل أو خلطه بمالا يتميز أو أزال اسمه فطحن الحب ونسج الغزل وهدم الدار ونحوه فعلى وجهين أصحهما: أنه رجوع وإن أجر العبد أو زوج الأمة أو خلط طعاما أوصى بقفيز منه بغيره: لم يكن رجوعا. ولو وصى بمعين لزيد ثم أوصى به لعمرو فليس برجوع فأيهما مات قبل الموصي كان للباقي وإلا تشاركا فيه. ولو قال: ما أوصيت لزيد فهو لعمرو فقد رجع. ولو قيد وصيته بشرط كقوله: إن مت في مرضي هذا أو بعد سنة فقد وصيت بكذا أو فعبدي حر تقيدت به وبطلت بفواته. ولا تجوز وصية صحيح ولا مريض بشيء لوارثه ولا بأكثر من الثلث لغيره إلا أن يجيرها الورثة وعنه تلزم الوصية بالوقف على الوارث في الثلث كما في حق الأجنبي. ولا تصح إجازة الورثة ولا ردهم حتى يموت الموصي وإجازتهم تتقيد

لابتداء عطية فتلزم بدون القبول والقبض ومع جهالة المجاز ومع كونه وقفا على المجيز. ولو كان عتقا فؤلاؤه للموصى تختص به عصبته ولو جاوز الثلث زاحم مالم يجاوزه. ولو كان المجيز والد المجاز له لم يملك فيه رجوعا وفوائد هذا الأصل كثيرة. ومع ذلك تعتبر إجازه المجيز في مرضه من ثلثه كالصحيح إذا حابى في بيع له في خيار ثم مرض في مدة الخيار تصير محاباته من الثلث. ومن أجاز الوصية بجزء من مشاع ثم رجع وقال إنما أجزت المال لظني قله المال: قبل قوله مع يمينه ويرجع بما زاد على ظنه وقيل: لا يقبل قوله. وإن كانت الوصية عينا أو مبلغا مقدرا وقال ظننت باقي المال كثيرا لم يقبل قوله وقيل: يقبل وقيل: يقبل مع يمينه. وتصح وصية من لا وارث له بكل ماله فإن كان له وارث من زوج أو زوجة بطلت في قدر فرضه من الثلثين وعنه لا تصح وصيته1 إلا بالثلث.

_ 1- في نسخة بالهامش: وصية.

باب تبرعات المريض

باب تبرعات المريض كل تبرع منجز من هبة ومحاباة ونحوهما في مرض الموت المخوف القاطع صاحبه فلا يجوز لوارث ولا زيادة على الثلث لغيره إلا بإجازة الورثة كالوصايا. فأما المرض الممتد كالسل والجذام إذا لم يقطع صاحبه فعطيته من رأس المال وعنه من الثلث نقلها حرب. والحامل إذا ضربها الطلق كالمريض حتى تنجو من نفاسها وعنه إذا صار لها ستة أشهر.

ومن حضر الصفين وقت القتال أو ركب البحر وقد هاج أو قدم ليقتص منه أو وقع الطاعون ببلده فهو كالمريض وعنه كالصحيح الآمن. وقف ووقف المريض على الوارث كهبته له وعنه يلزم في الثلث. فعلى هذه إذا وقف دارا لا شيء له سواها على ابنه وابنته بالسوية فلم يجيزاه لزم وقف ثلثها بينهما بالسوية وكان ثلثاها بينهما ميراثا وإن رد الابن وحده فله ثلثا الثلثين إرثا وللبنت ثلثهما وقفا وإن ردت البنت وحدها فلها ثلث الثلثين إرثا وللابن نصفهما وقفا وسدسهما إرثا كما رده من وقف عليه. وإن رد الابن التسوية بينهما لا أصل الوقف فله نصف الثلثين وقفا وسدسهما إرثا وللبنت ثلثهما وقفا وقيل: لهما ربعهما وقفا ونصف سدسهما إرثا وهو سهو. وعلى الرواية الأولى لا يلزم وقف شيء من الدار إلا بإجازة فتعمل في كل الدار ما عملته في الثلثين على الثانية. وإذا أعتق المريض ابن عمه أو أمته وتزوجها أو اشترى ذا رحم يعتق عليه ممن يرثه عتقوا من الثلث وورثوا نص عليه. وقيل لا يرثون وعنه يعتق ذو الرحم من رأس المال ويرث. فإذا اعتقناه من الثلث وورثناه فاشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وترك ابنا عتق ثلث الأب على الميت وله ولاؤه وورث بثلثه الحر من نفسه ثلث سدس باقيها الموقوف ولم يكن لأحد ولاء على هذا الجزء وبقية الثلثين إرث للابن يعتق عليه وله ولاؤه وإذا لم نورثه فولاؤه بين ابنه وبين ابن ابنه أثلاثا. ولو ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية أو أقر أنه أعتق في صحته ابن عمه عتقا من رأس المال وورثا على المنصوص وقيل: لا يرثان. ولو اشترى المريض بماله من يعتق على وارثه صح وعتق على الوارث قولا واحدا.

ولو قال الصحيح لعبده إذا جاء رأس الشهر فأنت حر فجاء وهو مريض فهل يعتق من الثلث أو من رأس المال على وجهين. ومن دبر أو أعتق وهو مريض بعض عبد باقيه له أو لغيره وثلثه يحتمله كله عتق كله ويعطى في المشترك قيمة حقه وعنه لا يعتق منه فيهما إلا ما أعتقه وعنه السراية في المنجز دون التدبير. وإذا أعتق عبدين لا يملك غيرهما ولم يجزه الورثة أعتقنا أحدهما بالقرعة إن خرج من الثلث وكمل الثلث من الآخر وإلا عتق منه بقدره. فإن كان عليه دين يستغرقهما بيعا فيه وعنه ينفذ العتق في الثلث وإن تساوت قيمتهما وقد أعتق أحدهما بعينه ومات وله ابنان فقال أحدهما إني أعتق هذا وقال الآخر بل هذا عتق من كل عبد ثلثه وكان لكل ابن سدس العبد الذي عينه ونصف الآخر فإن قال أصغرهما أبي أعتق هذا وقال الأكبر أعتق أحدهما لا بعينه أقرع بينهما فإن خرجت القرعة لغير المعين فهو كما لو عينه الأكبر بدعواه والحكم على ما ذكرناه وإن خرجت للمعين عتق ثلثاه ورق ثلثه مع الآخر. ولو أعتق ثلاثة أعبد فمات قبله أحدهم أقرع بينهم فإن خرجت الحرية للميت تبينا موته حرا من التركة وتممنا الثلث إن بقيت منه بقية بالقرعة من الآخرين وإن خرجت لأحد الحيين جعلناهما كل التركة فأعتقنا بقدر ثلث قيمتهما ذكره أبو أبو بكر وحكاه عن أحمد. وقيل يقرع بين الحيين فقط ويسقط حكم الميت. وإذا باع المريض من وارث بثمن المثال أو وصى لكل وارث معين بقدر حقه صح وقيل: لا يصح إلا بإجازة. ولو باع محاباة من وارث أو أجنبي كبيع عبد قيمته ثلاثون بعشرة فلم يجز الورثة صح مع ثلثه بالعشرة وكان الثلثان كالهبة يردهما الوارث ويرد الأجنبي نصفهما

وعنه يبطل بيع الكل مع الوارث ويصح مع الأجنبي في نصفه بنصف الثمن وهو الأصح عندي. وطريقه: أن ينسب الثلث من المحاباة فبقدر نسبته يصح من المبيع البيع وعلى الروايتين للمشتري الخيار لتفريق الصفقة عليه. فإن فسخ وطلب قدر المحاباة أو طلب الإمضاء في الكل وتكميل حق الورثة من الثمن لم يكن له ذلك وعنه رواية ثالثة يصح البيع في العبد كله ويرد المشتري الوارث بما قيمته عشرين والأجنبي نصفها عشرة أو يفسخان. ولو حابي في إقالة من سلم أو في بيع ينافي ربا الفضل كمن أسلف رجلا عشرة في كر حنطة ثم أقاله في مرضه وقيمته ثلاثون أو باع مريض كر حنطة قيمته ثلاثون بكر حنطة قيمته عشرة تعين الحكم هنا بطريق الرواية الوسطى قولا واحدا لإفضاء غيره إلى ربا الفضل أو الإقالة في السلم بزيادة وهما ممتنعان. وإذا حابى المريض أجنبيا في بيع شقص وشفيعه وارث فله الأخذ بالشفعة وعاد البيع نصف بالإرث فيبقى لورثته المال كله إلا نصف شيء. وإذا اختلف الورثة وصاحب العطية هل أعطيها في الصحة أو المرض فالقول قولهم فإن اتفقا أنها كانت في رأس الشهر لأن الأصل الصحة ودعوى الوصية موافقة فكان القول قوله ثم إذا اختلفا في مرض المعطي فالقول قول المعطي. ومن أعطى أو أوصى لغير وارث في الظاهر فصار عند الموت عند الموت وارثا أو بالعكس فالاعتبار بحالة الموت. فعلى هذا: لو وهب المريض زوجته ماله فماتت قبله ولا مال لها سواه أفضى إلى الدور فنعمل بطريقة الجبر فنقول صحت الهبة منه في شيء يعدل ذلك شيئين فإذا جبرت وقابلت خرج الشيء خمس المال وهو ما صحت فيه الهبة فيحصل لورثته أربعة أخماس ماله ولعصبتها خمسه.

وإذا ضاق الثلث عن العطايا والوصايا وزع بين الكل وعنه يقدم العتق وعنه يبدأ بالأول فالأول من العطايا ثم بالوصايا مسوى فيها بين متقدمها ومتأخرها وهو الصحيح. فعلى هذا: لو تصدق في مرضه بثلث ماله ثم اشترى أباه صح الشراء ولم يعتق عليه إذا اعتبرنا عتقه من الثلث. ولو اشترى أباه بماله وهو تسعة دنانير وقيمته ستة فعندي تنفذ المحاباة لسبقها العتق ولا يعتق عليه كالتي قبلها. وقال القاضي: يتحاصان هنا فينفذ ثلث الثلث للبائع محاباة وثلثاه للمشتري عتقا فيعتق به ثلث رقبته ويرد البائع دينارين ويكون ثلثا المشتري مع الدينارين ميراثا. وإذا كان على الميت واجب كدين وحج وكفارة أخرج من رأس المال والتبرع من ثلث الباقي. فإن قال: أدوا الواجب من ثلثي بدئ به فإن استغرق الثلث بطل التبرع وقيل: يتزاحمان فيقسم الثلث بينهما ويتمم الواجب من رأس المال فيدخله الدور فإذا كان الواجب عشرة دراهم والتبرع مثليه عشرين والتركه ثلاثين جعلت تتمة الواجب شيئا يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء وبين الواجب والوصية أثلاثا للواجب منه ثلثه وهو ثلاثة دراهم وثلث إلا تسع شيء فاضمم إليه الشيء يكن ثلاثة وثلثا وثمانية أتساع شيء يعدل الواجب عشرة فيكون للشيء سبعة ونصفا وهو القيمة ويكون للتبرع خمسة. والله أعلم.

باب الموصى له

باب الموصى له إذا أوصى لبني فلان لم يتناول النساء إلا أن يكونوا قبيلة. وإن وصي لولد فلان فهو لبنيه وبناته بالسوية وهل يتناول ولد البنين على روايتين؟ [الصحيح التناول] . ويختص ذلك بالموجودين من ولده حال الوصية نص عليه وعنه أنه يعم كل من ولد له قبل موت الموصي. وإن وصى لولد ولده أو ذريته ونسله أو عقبه دخل فيه ولد البنات وعنه لا يدخلون وعنه إن قال ولد ولدي لصلبي لم يدخلوا وإلا دخلوا [وهو المذهب] . وإن وصى لذوي رحمه: فهو لكل منتسب إليه من جهة أمه أو أبيه أو ولده وإن وصى لقرابته اختص بولده وقرابة أبيه وإن علوا وعنه لا يجاوز بها أربعة آباء وعنه لا يجاوز ثلاثة [وهو المذهب] وعنه إن كان يصل قرابة أمه في حياته دخلوا وإلا فلا وأهل بيته وقومه كقرابته نص عليهما وقيل: كذوي رحمه ونساؤه كذوي رحمه وقيل: كقرابته وعترته ذريته وقيل: عشيرته ومواليه يتناول المولى من فوق ومن أسفل. وقال ابن حامد: يقدم المولى من فوق وأهل سكنه هم أهل دربه وجيرانه أربعون دارا من كل جانب وعنه مستدار أربعين دار. والأيامى: كل من لا زوج له من رجل أو امرأة كالعزاب ويحتمل أن يختص بالنساء. والأرامل: النساء اللاتي فارقهن الأزواج نص عليه وقيل: هو للرجال والنساء. وإن وصى لأقرب قرابته وله أب وابن تساويا وقيل: يقدم الإبن والجد والأخ سواء وقيل: الأخ أولى [والأخ للأم إذا أدخلناه في القرابة سواء] والأخ للأبوين أولى منهما.

وإذا أوصى مسلم لأهل قريته أو قرابته لم يتناول كافرهم إلا بتسميته. وإن كان الموصي كافرا فهل يتناول مسلمهم على وجهين. والوقف كالوصية في ذلك كله. ولا تصح الوصية للحمل إلا أن تضعه لدون ستة أشهر من حين الوصية وقيل: إذا وضعته بعدها لزوج أو سيد لم يلحقهما نسبه إلا بتقدير وطء قبل الوصية صحت له أيضا. وإذا قال وصيت بثلثي لأحد هذين أو قال لجاري محمد وله جاران بهذا الأسم لم تصح الوصية وعنه صحتها كما لو قال أعطوا ثلثي أحدهما. فعلى الأولى لو قال عبدي غانم حر بعد موتي وله مائتا درهم وله عبدان بهذا الاسم أعتق أحدهما بالقرعة ولا شيء له من الدراهم نقله حنبل. وعلى الثانية هي له من الثلث نص عليه في رواية صالح واختاره أبو بكر. ومن أوصى لمكاتبه أو مدبره أو أم ولده صح فإن لم يتسع الثلث للمدبر ووصيته بدئ بنفسه وبطل ما عجز عنه الثلث من وصيته. ومن وصى لعبده القن بثلث ماله عتق إن احتمله وأخذ ما فضل منه وإلا عتق منه بقدره وإن وصى له بربع ماله وقيمته مائة وله سواه ثمانمائة عتق وأعطي مائة وخمسة وعشرين. ويتخرج أن يعطي مائتين تكميلا لعتقه بالسراية من تتمة الثلث. وإن وصى له بمائة أو بمعين لم يصح وعنه يصح. وإذا قتل الموصى له الموصي بعد وصيته بطلت وكذلك التدبير. وإن وصى له بعد الجرح أو دبره لم تبطل وقيل: في الحالين روايتان. وتصح الوصية للحربي وفي المرتد وجهان. وتصح للمسجد وللفرس الحبيس. فإن مات فالوصية للولد أو بقيتها للورثة.

ولا تصح الوصية للكنيسة ولا بيت نار ولا لكتب التوراة والإنجيل. وإذا أوصى بثلاثة لصنف من أهل الزكاة قسم فيهم كقسمتها. وإذا أوصى لبني هاشم لم يتناول مواليهم فإن وصى لزيد بشيء وأوصى بشيء للمساكين أو جيرانه وزيد منهم لم يعط من وصيتهم نص عليهما. وإذا أؤصى بثلثه لزيد والمساكين فلزيد نصفه. وإن أوصى به لحي وميت يجهل موته فللحي نصف الثلث وتلغو وصية الميت وإن علم موته فكذلك وقيل: للحي كل الثلث إلا أن يقول هو بينهما فله النصف لا غير. ولا يشترط للوصية القبول إلا أن تكون لآدمي معين ومن قبل ثم رد لم يصح رده وقيل: يصح قبل القبض فيما كيل أو وزن دون المعين. ولا يصح قبوله ولا رده قبل موت الموصي فإن مات الموصى له قبله بطلت الوصية وإن مات بعده وقبل أن يقبل ويرد فوارثه يقوم مقامه نقله عنه صالح. ونقل عبد الله وابن منصور تبطل الوصية ومن قبل ما أوصى له به تبينا أنه ملكه عقب الموت وقيل: هو قبل القبول للوارث فيختص بنمائه المنفصل بينهما. وقيل هو على ملك الميت فيتوفر بنمائه ثلثه. فعلى هذا: لو وصى بعبد لا يملك غيره قيمته عشرة فلم يجز الورثة فكسب بين الموت والقبول خمسة دخله الدور فتجعل الوصية شيئا فتصير التركة عشرة ونصف شيء تعدل الوصية والميراث وهما ثلاثة أشياء فيخرج الشيء أربعة بقدر خمسي العبد وهو الموصي به وتزداد التركة من الكسب درهمين فأما بقيته فحادث على ملك الورثة وجها واحدا. وإذا تلف الموصى به قبل القبول بطلت الوصية به على الوجوه كلها. وإن تغير في سعر أو صفة قوم بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من حين الموت إلى القبول على الأول وعلى الآخرين يعتبر وقت القبول سعرا وصفة.

ومن لم يقبل ما وصى له به حتى مات فقبل وارثه وقلنا يصح ملكه فإنه يملكه من حين قبوله على الوجه الثاني والثالث وعلى الأول يتبين أنه ملك لموروثه فيصرف في ديونه ووصاياه ويعتق عليه إن كان ذا رحم منه ويرثه. ومن أوصى أن يعتق عنه عبده بعينه لم يعتق حتى يعتقه الوارث فإن أبى أعتقه السلطان عليه لكن أكسابه بين الموت والإعتاق له خاصة. وأما نماء العطية المنجزة من حينها إلى حين الموت فتبع لها إن خرجت من الثلث فهو لصاحبها وإلا كان له بقدر ما خرج له منه ولا يحسب من التركة فإذا أعتق في مرضه عبدا لا يملك غيره فكسب قبل الموت مثل قيمته دخله الدور فنقول قد عتق منه شيء وله من كسبه مثله شيء أيضا ولورثة السيد شيئان مثلما عتق منه فصار العبد وكسبه المماثل له يعدل أربعة أشياء فإن الشيء نصف العبد فيعتق منه النصف ويتبعه نصف الكسب ويبقى للورثة نصف العبد ونصف الكسب وذلك مثلا ما عتق منه. ولو كسب تسعة أمثال قيمته قلنا عتق منه شيء فيتبعه من كسبه تسعة أشياء وللورثة شيئان فإن العبد وتسعة أمثاله يعدل اثنا عشر شيئا فالشيء خمسة أسداس العبد فيعتق ذلك منه ويتبعه خمسة أسداس الكسب فيبقى للورثة سدسه وسدس الكسب وذلك مثلا ما عتق منه.

باب الموصى به

باب الموصى به فإذا أوصى له بعبد من عبيده مبهما فله أحدهم بالقرعة [وهو اختيار الخرقي] وقيل: يتعين بتعيين الورثة فإن هلكوا إلا واحدا تعين للوصية فإن لم يكن له عبيد بطلت الوصية وقيل: تصح ويشتري له عبد كما لو قال أعطوه عبدا. ولو وصى له بعبد معين فاستحق بعضه فله بقيته. وإن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان أو ماتا فله ثلث الباقي وقيل: جميعه إذا لم يجاوز ثلث قيمتهم.

وإن وصى له بثلث صبرة مما يكال أو يوزن فتلف ثلثاها فله الباقي وقيل: ثلثه. ومن أوصى له بعين حاضر وبقية ماله دين أو غائب فله ثلث المعين وكل ما حصل للورثة من الدين أو الغائب شيء من المعين بقدر ثلثه وتعتبر قيمة الحاصل بسعره يوم الموت على أدنى صفته من يوم الموت إلى يوم الحصول. وحكم المكاتب حكم المدبر ويصح أن يوصي بمكاتبه ويقوم الموصى له مقامه ويعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمة مكاتبه أو ما بقي عليه. ويصح أن يوصي برقبته لرجل وبنجومه لآخر فإن أدى عتق وبطلت الوصية بالرقبة وإن عجز فهو لصاحب الرقبة وتبطل الوصية بالنجوم فيما بقي فإن قال الموصى له بالنجوم أنا أنظره لم يلتفت إليه. وإذا أوصى لرجل بمنفعة أمته أبدا ولآخر برقبتها أو بقاها للورثة فإنه يصح. ولمالك الرقبة بيعها وهبتها ولصاحب المنفعة استخدامها حضرا وسفرا وإجارتها وإعارتها ووطؤها وقيل: المهر لمالك الرقبة وولدها من زوج أو زنا لصاحب الرقبة وقيل: هو بمنزلتها. وكذلك له قيمتها إذا قتلت وقيمة ولدها إذا وطئت بشبهة وقيل: يشتري بهما ما يقوم مقامهما ونفقتها على مالك النفع وقيل: على مالك الرقبة وقيل: في كسبها وتزويجها إليهما. وتصح الوصية بما لا يقدر على تسليمه وبما تحمل أمته أو شجرته أبدا أو إلى مدة فإن حصل منه شيء وإلا بطلت فيه الوصية. وتصح بغير المال مما يباح نفعه كالكلب المعلم والزيت النجس ونحوهما وله ثلثه لا غير وقيل: إن كان له مال سواه وإن قل فله كله. وإذا أوصى أن يشترى عبد زيد بألف ويعتق فلم يبعه أو طلب أكثر

فالألف للورثة وإن اشتروه بدونها أو قال أعتقوا عني عبدا بألف فاشتروا بدونها عبد يساويها فالباقي لهم. وإن أوصى أن يشتري عبد زيد ويعتق ويعطي مائتا درهم فأعتقه زيد أعطى وصية الدراهم. ولو أوصى بألف يشترى بها فرسا للغزو1 ومائة تنفق عليه فاشتروا فرسا يساوي ألفا بدونها صرف تمام الألف في النفقة مع المائة نص عليه ويحتمل أن يكون للورثة. وإذا أوصى من لا حج عليه بأن يحج عنه بألف صرف من ثلثه في حجة بعد أخرى كفايتها حتى ينفد الألف وإن قال حجة بألف فالألف من الثلث لمن يحج عنه عينه أو لم يعينه فإن أبى من عينه أو لم يعينه أن تحج بطلت الوصية. ولو قاله من عليه الحج صرفت الألف في المسألتين كما سبق لكن إنما يحتسب من الثلث ما فضل عن نفقة المثل للفرض ومتى أبى المعين أن يحج أقيم غيره بنفقة المثل والفضل للورثة. ومن أوصى بثلث ماله تناول المتجدد والموجود وإن لم يعلم الموصى به وعنه لا يتناول المتجدد إلا أن يعلم به أو يقول في وصيته بثلثي يوم أموت. ومن قتل عمدا أو خطأ فديته تركة يقضي منها ديونه وتنفذ منها وصاياه. وعنه أنها حادثة للورثة ولا شيء فيها لدين أو وصية.

_ 1- في نسخة بهامش الأصل "فرسا في سبيل الله".

باب حساب الوصايا

باب حساب الوصايا إذا أوصى بجزء معلوم كالثلث والخمس ونحوه فخذه من مخرجه واقسم الباقي على مسألة الورثة فإن انقسم وإلا ضربت المسألة أو وفقها في ذلك المخرج فما

بلغ فمنه يصح الميراث والوصية ثم تضرب ما للموصي له في مسألة الورثة أو وفقها وما لكل وارث في بقية المخرج بعد الوصية فما بلغ فهو له وكذلك يعمل إذا أوصى بأجزاء تجاوز الثلث إذا أجاز له الورثة فإن لم يجيزوا جمعت سهام الوصايا من مخرجها ففرضتها ثلث المال. فإذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بربعه وله ابنان فأجازا أخذت للنصف والربع ثلاثة من أربعة يبقى سهم للإبنين فتصح من ثمانية وإن ردا جعلت الثلث ثلاثة فيكون للإبنين ستة فإن أجازا لأحدهما فاضرب مسألة الرد في مسألة الإجازة تكن اثنين وسبعين للمجاز له سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الرد ولمن رد عليه سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة والباقي للاثنين وإن أجاز أحدهما لهما ورد الآخر فللمجيز سهمه من مسألة الإجازة مضروبا في مسألة الرد أو وفقها ولمن رد سهمه من مسألة الرد مضروبا في مسألة الإجازة والباقي للوصيتين على ثلاثة. وإن أجاز أحدهما لواحد أو أجاز كل واحد لواحد فاعمل المسألة على الرد ثم خذ من المجيز لمن أجاز له ما نسبته إلى تمام وصيته كنسبة سهام المجيز من الثلثين فإن حصل معك كسر فابسط الكل من جنسه. وإذا جاوزت الوصايا المال فاجعلها كفروض عائلة فإذا أوصى بالنصف والثلث والثلثين فخذها من مخرجها تكن تسعة فاقسم عليها مع الإجازة المال ومع الرد الثلث فإن أجاز بعض الورثة هذه الوصايا فاعمل المسألة على الرد ثم اقسم حق المجيز بين الوصايا كقسمة الثلث وإن شئت ضربت مسألة الرد في مسألة الإجازة وعملت كما قدمنا غير أن المجيز ههنا لا شيء له عند القسمة وإن أجاز كلهم أو بعضهم بعضها أو أجاز بعضهم بعضا وبعضهم بعضا آخر ففيما يعطى المجاز له وجهان.

أحدهما: يعطى ما يصيبه عند الإجازة للجميع وعلى هذا إن عملت بطريق الباب أصبت لأن المجاز له لا يتعين حقه برد أو إجازة للآخر. والوجه الثاني: وهو أصح يعطى بمقتضى جزئه المسمى في وصيته مع الإمكان وإلا فالممكن منه ولا تجيء طريقة الباب على هذا الوجه لزيادة حق المجاز له بالرد على صاحبه. فإذا خلف ابنين وأوصى بالكل والثلث فمسألة الرد من اثنى عشر لصاحب الكل ثلاثة ولصاحب الثلث سهم ولكل ابن أربعة. ثم من أجاز لصاحب الثلث دون صاحب الكل أعطاه نصف تتمة الربع على الوجه الأول ونصف تتمة الثلث على الثاني. ومن أجاز منهما لصاحب الكل دون صاحب الثلث أعطاه ثلاثة أرباع ما في يده على الأول وعلى الثاني جميع ما في يده لأنه لا يبلغ نصف تتمة وهو الواجب له به عليه لو أمكن. فإذا أجاز لهما فرد صاحب الثلث بعد إجازتهما أو قبلها ولم يعلما برده فهل لصاحب الكل الكل أو ثلاثة أرباعه على وجهين. ولو كان الراد صاحب الكل لزم الثلث لصاحبه وجها واحدا. وإذا أوصى لرجل بعبد قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وماله غير العبد مائتان فلمن أوصى له بالعبد ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه وثلث المائتين وإن لم تجز الورثة فلمن أوصى له بالعبد نصفه وللآخر سدسه وسدس المائتين. وطريقه أن يجعل لكل واحد من أصل وصيته بقدر نسبة الثلث إلى مجموعهما ويتخرج على الوجه الأول في التي قبلها أن يقسم الثلث بينهما على حسب مالهما في حال الإجازة فيكون لصاحب الثلث خمس المائتين وعشر العبد ونصف عشره ولصاحب العبد ربعه وخمسه.

وطريقه: أن يجعل لكل واحد مما حصل له مع الإجازة بقدر نسبة الثلث إلى الحاصلين فيهما. وإذا أوصى لرجل بسهم من ماله أعطي سدسه وعنه له سهم مما يصح منه الفريضة مضافا إليها وعنه له مثل ما لأقل الورثة مضافا إلى مسألتهم. وإن أوصى له بقسط أو جزء أو حظ أو نصيب أعطاه الورثة ما شاءوا. وإن أوصى له بمثل نصيب وارث سماه فله مثل نصيبه مضموما إلى المسألة وإن لم يسمه جعل كأقلهم نصيبا فله مع الإبنين والبنت السدس ومع الزوجة والابن التسع. وإن قال أوصيت له بنصيب ابني فهو كقوله بمثله وقيل: لا تصح الوصية. وإن أوصى له بضعف نصيب ابنه فله مثلاه وإن قال بضعفيه فله ثلاثة أمثاله فإن قال بثلاثة أضعافه فله أربعة أمثاله كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة وقيل: ضعفاه مثلاه وثلاثة أضعاف ثلاثة أمثاله. فإن أوصي بمثل نصيب وله أربعة إلا نصيب ابن خامس لو كان فاضرب عدد بنيه الموجدين في عددهم بالخامس يكن عشرين فهذه للورثة فزد عليها للوصية ربعها إلا خمسها وهو واحد فتصح من أحد وعشرين. وإذا أوصى لرجل بسدس ماله ولآخر بنصيب ابن وله ثلاثة فهل يجعل كأحدهم مع الاحتساب بالسدس أو بدونه على وجهين. فإن احتسبنا به وكانت الوصية بنصيب ابن وسدس الباقي بعد النصيب دخله الدور فاجعل التركة نصيبا وستة أسهم فالنصيب للوصية وللأخرى سدس الباقي سهم يبقى خمسة لثلاثة بنين فيخرج النصيب سهما وثلثي سهم. فالتركة إذا سبعة وثلثان فإذا بسطتها ليزول الكسر كانت ثلاثة وعشرين والنصيب خمسة وإن شئت قلت للبنين ثلاثة أسهم ثم تقول هذا مال ذهب سدسه فرد عليه مثل خمسه فيصير ثلاثة وثلاثة أخماس ثم زد مثل نصيب

ابن لوصية النصيب فتجتمع أربعة وثلاثة أخماس فإذا بسطتها ليزول الكسر صحت كما قدمنا وإن شئت ضربت مخرج كل وصية في مخرج الأخرى يكن هنا أربعة وعشرين ألق منها واحدا أبدا فإن الباقي هو المال ثم انقص من مخرج الوصية بالجزء واحدا أبدا يبقى خمسة هي النصيب. وإذا أوصى له بنصيب ابن إلا ربع المال وبنوه ثلاثة فقد فضل عليه كل ابن بالربع فخذ لكل ابن ربعا يبقى ربع اقسمه بينه وبينهم فيخرج له نصف ثمن وهو سهم من ستة عشر ولكل ابن خمسة. ولو قال: إلا ربع الباقي بعد الوصية فالباقي بعدها ثلاثة أنصباء فألق ربعها من النصيب يبقى ربعه هو الوصية زده على أنصباء البنين وابسط الكل أرباعا تصح من ثلاثة عشر. ولو قال إلا ربع الباقي بعد النصيب فالباقي بعده مال إلا نصيبا زد عليه ربعه وعادل به ثلاثة أنصباء يخرج خمسة أموال تعدل سبعة عشر نصيبا فاقلب وحول بأن تجعل المال سبعة عشر والنصيب خمسة فتكون الوصية اثنين. ولو أوصى بثلثي ماله لوارث وأجنبي فرد على الوارث فالثلث كله للأجنبي ولو أجازوا للوارث وحده فله الثلث فالثلث بينهما وهل للأجنبي الثلث أو السدس فيه الوجهان. وإذا أوصى لرجل بمائة ولآخر بتمام الثلث على المائة ولثالث بثلث ماله فلم تجز الورثة فإن جاوز ثلثه مائتين فقيل لكل وصية نصفها. وقال القاضي: لصاحب الثلث نصفه ولصاحب المائة مائة ولصاحب التمام نصف ما فوق المائتين وهو الصحيح وإن جاوز الثلث مائة ولم يجاوز مائتين فعلى الأول لكل وصية نصفها يعادل الأول لكل وصية. وقال القاضي: لصاحب الثلث نصفه ونصف الآخر كله لصاحب المائة دون صاحب الإتمام مع المعادة به.

وعندي تبطل وصية التمام ههنا ويقتسم الآخران الثلث كأن لا وصية لغيرهما كما إذا لم يجاوز الثلث مائة. وإذا أوصى لرجل بعبد ولآخر بتمام الثلث عليه فمات العبد قبل الموصي قومت التركة بدونه ثم ألقيت قيمته من ثلثها فما بقي فهو لوصية التمام.

باب الموصى إليه

باب الموصى إليه لا تصح الوصية إلا إلى عاقل بالغ عدل وإن كان رقيقا أو امرأة ويشترط إسلامه إلا أن يكون الموصي كافرا ففيه وجهان. فإن وجدت هذه الشروط عند الموت دون الوصية فعلى وجهين [الصحيح الصحة] وعنه تصح الوصية إلى المراهق وإلى الفاسق ويضم إليه أمين. ولا يصح أن يوصى إلا في معلوم له فعله كقضاء الديون ورد الودائع والغصوب وتفرقة الثلث والنظر لأطفاله وتزويج مولياته ويقوم الوصي مقامه في الإجبار وعدمه وعنه لا تصح الوصية بالنكاح وقال ابن حامد إن كان لها عصبة لم تصح الوصية بنكاحها وإلا فتصح. ولو أوصى إليه باستيفاء ديونه والورثة بلغ حضر أو غيب لم تصح. وللموصى إليه قبول الوصية قبل موت الموصي وبعده وعزل نفسه عنها فيهما إذا وجد حاكما وعنه ليس له عزلها بعد الموت ولا قبله إذا لم يعلمه بذلك. وللموصي عزله متى شاء. وليس للعبد إذا أوصي إليه أو وكل أن يقبل إلا بإذن سيده. ومن أوصى إلى رجل ثم بعده إلى آخر فهما وصيان إلا أن يقول قد عزلت الأول وليس لأحدهما أن يستقل بالتصرف إلا أن يجعل له ذلك ومن مات منهما أو جن أو فسق أبدل بأمين. وإذا جحد الورثة دينا يعلم به الوصي أو بعض التركة الموصى بتفرقة ثلثها،

وتعذر إثباته فهل للوصي في الباطن قضاء الدين وتكميل الثلث من بقية التركة؟ على روايتين [الصحيح أن له ذلك] . وكذلك من كان لميت عليه دين فقضى به دينا يعلمه على الميت هل يبرأ في الباطن على الروايتين [الصحيح: أنه يبرأ في الباطن وفي الظاهر لا يبرأ] . ومن عليه لميت دين موصى به لمعين فله دفعه إليه وإن شاء إلى وصي الميت ولو كان ثم وصية غير معينة في دين لم يبرأ بدفعه إلا إلى الوارث والوصي جميعا. وإذا احتيج إلى بيع شيء من العقار لقضاء دين أو نفقة للصغار وفي بيع بعضه ضرر فللوصي بيع الكل على الصغار والكبار إذا امتنعوا أو غابوا. ومن أوصى لمولى عليه بمن يعتق عليه لزم وليه قبول الوصية إلا أن يكون بحيث تلزمه نفقته فلا يجوز له قبولها وإذا أوصى إليه بتفرقة الثلث ففرقه ثم ظهر على الميت دين مستغرق لم يضمن الوصي ما فرقه وعنه يضمن. وإذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه لمن شئت لم يجز له أخذه وله صرفه إلى ولده عندي ومنع منه أصحابنا. ومن مات بموضع لا حاكم فيه ولا وصي كالمفاوز والقفار جاز لمن حضره من المسلمين حوز تركته وبيع ما يرى بيعه منها إلا أن أحمد قال في الجواري أحب إلي أن يلي بيعهن حاكم. قال القاضي: هذا منه على طريق الاختيار. ومن أوصى بوصايا ولم يجعل له وصيا أو مات عن واجب كزكاة وحج وغيرهما: فالورثة في تنفيذه كوصية لو كان نص عليه.

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض مدخل ... كتاب الفرائض الأسباب المثبتة للإرث ثلاثة لا غير: نكاح ورحم وولاء عتق وعنه يثبت عند عدمهن بعقد الموالاة وإسلامه على يديه وبكونهما من أهل الديون ولا يحمل عليه. والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة الابن وابنه وإن سفل والأب وأبوه وإن علا والأخ من كل جهة وابن الأخ للأب من الأم والعم وابنه كذلك إلا من الأم والزوج والسيد المعتق. ومن الإناث سبع البنت وبنت الابن والأم والجدة والأخت والزوجة والمعتقة. وهم على أربعة أضرب:. الأول: وارث بالفرض لا غير وهم خمسة الزوج والزوجة والأم والجدة وولد الأم. فأما الزوج: فله من زوجته الربع إذا كان لها ولد أو ولد ابن والنصف مع عدمها. وللزوجة منه واحدة كانت أو أكثر الثمن مع ولده أو ولد ابنه والربع مع عدمهما. وأما الأم: فلها السدس مع الولد أو ولد الإبن أو الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات ولها فيما عدا ذلك الثلث إلا في مسألتين وهما زوج وأبوان أو زوجة وأبوان فإن لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجة فيهما وقد روى عنه أنها ترث مع الفرض بالتعصيب إذا كانت ملاعنة وسيأتي ذكره. وأما الجدات فلا يرثن إلا مع فقد الأم ولا يرث منهن إلا أم الأم وأم الأب وأم الجد وإن علون أمومة.

وفرض الواحدة وما فوقها السدس إذا تحاذين وإلا فهو لأقربهن وعنه أن البعدى من جهة الأم تشارك القربى من جهة الأب. والجدات المتحاذيات مثل: أم أم أم أم وأم أم أم أب وأم أم أبي أب ولا يرث منهن جملة فوق ثلاث وترث الجدة مع ابنها بأبي الميت أو جده وعنه لا ترث. فعلى هذه إذا كان مع الأب وأمه أم أم فلها السدس كاملا وقيل: نصفه معادة لها من الأب بأمه وكذلك الوجهان لو كان معهما أم أم أم إلا أن تسقط البعدى بالقربى فلا يكون لها شيء وعلى القول بالمعادة وتورث الجدة ذات القرابتين بهما وعنه بأقواهما. وأما ولد الأم: فلا يرثون إلا مع عدم العصبة الولد وولد الابن والأب والجد وللواحد منهما السدس ذكرا كان أو أنثى وللإبنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية. الضرب الثاني: الوارث بالفرض وله تعصيب بغيره وهو أربعة البنات وبنات الإبن والأخوات من الأبوين والأخوات من الأب فهؤلاء لا يفرض لهن مع إخوتهن ولا لبنات الإبن أيضا مع ابن عمهن بل يقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الانثيين فإن عدم فللبنت الواحدة النصف وللبنتين فصاعدا الثلثان وبنات الإبن بمنزلة البنات إذا لم يكن معهن بنات فإن كان معهن بنت واحدة فلهن معها السدس واحدة كانت أو أكثر تكملة للثلثين. وإذا استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن وكذلك إذا استكملهما بنت وبنات ابن سقط بنات ابن الابن إلا أن يكون فيهن أو بإزائهن أو أسفل منهن ذكر من بني الابن فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعصب من أسفل منه بحال.

وفرض الأخوات من الأبوين كفرض البنات إذا لم يكن بنات والأخوات من الأب مثلهن عند عدمهن ومعهن كبنات الابن مع البنات لكن لا يعصبهن من أسفل منهن بحال والأخوات مع البنات عصبة يرثن ما فضل كالإخوة ولهن تعصيب بالجد يذكر في موضعه. ولا يرث ولد الإبن مع الإبن بحال ولا ولد الأبوين أو الأب مع ثلاثة الأب والإبن وابنه وإن نزل. ولا يرث ولد الأب مع الأخ للأبوين. الضرب الثالث: ذو فرض هو عصبة بنفسه وهو الأب والجد. فأما الأب فليس له مع ذكور الولد إلا السدس فرضا وله مع إناث الولد السدس فرضا والفاضل عن الفروض بالتعصيب وهو مع عدم الولد وولد الابن عصبة لا غير. وأما الجد: فلا يرث إلا مع فقد الأب وهو كالأب في أحواله الثلاثة وله حال رابع مع الإخوة والأخوات للأبوين أو للأب فيقاسمهم بمنزلة أخ إلا إذا كان الثلث أحظ له فإنه يعطاه والباقي لهم فإن كان معهم ذو فرض أعطى فرضه ثم للجد الأحظ من المقاسمة أو ثلث الباقي أو سدس جميع المال فإن لم يفضل عن الفروض غير السدس أعطيه وسقط من معه منهم إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس لم يقسم قسم الأخت والجد وهو أربعة من تسعة بينهما على ثلاثة فتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة ولا فرض يبتدأ للأخت مع الجد ولا عول في مسائلهما إلا في هذه المسألة. وإذا كان أم وأخت وجد فللأم الثلث والباقي للجد والأخت أثلاثا وتسمى الخرقاء لكثرة أقوال الصحابة رضي الله عنهم فيها. وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد إذا انفردوا فإن اجتمعوا عاد ولد

الأبوين الجد بولد الأب ثم أخذوا منهم قسمهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فيتمم لها النصف وما فضل لهم ولا يقع ذلك في مسألة فيها فرض غير السدس. فإذا كان جد وأختان من جهتين: فالمال بينهم على أربعة ثم تأخذ التي للأبوين قسم الأخرى ولو كان معهم أخ لأب فللجد الثلث وللتي من الأبوين النصف ويبقى للأخ وأخته السدس ويصح من ثمانية عشر فإن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي وللأخت للأبوين النصف والباقي لهما ويصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد ولو كان معهما أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد. الضرب الرابع: عصبة بنفسه لا يرث بفرض بحال وهم بقية من سمينا وإرث العصبة مختص بأقربهم فيسقط من بعد منهم. وأقرب العصبات بأنفسهم: الإبن ثم ابنه وإن نزل ثم الأب ثم الجد وإن علا والأخ إلا من الأم وقد بينا حكم اجتماعهما ثم بنو الأخوة وإن نزلوا ثم العم إلا من الأم ثم بنوه كذلك ثم أعمام الأب ثم بنوهم كذلك ثم على هذا أبدا لا يرث بنو أب أعلى من بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم. وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فإن استووا فمن كان لأبوين فهو أولى ممن كان لأب حتى في أخت لأبوين وأخ لأب مع البنت. وإذا لم يبق عصبة من النسب ورث المعتق ثم عصبته من النسب ثم من الولاء ثم أهل الرد ثم ذوو الأرحام ثم بيت المال. وقد روي عنه تقديم الرد والرحم على الولاء والعمل على الأول. وإذا انفرد العصبة أخذ المال فإن كان معه ذو فرض بدئ به وما فضل فللعصبة فإن لم يفضل شيء سقط العصبة كزوج وأم وإخوة لأم وإخوة

لأب: للزوج النصف وللأم السدس ولولد الأم الثلث وسقط ولد الأب. ولو كانوا ولد أبوين فكذلك وتسمى المشتركة والحمارية. ولو كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وتسمى ذات الفروخ. وإذا كان بعض بني العم زوجا أو أخا لأم أخذ فرضه وشارك من بقي في تعصيبه. ومن انقطع نسبه من الأب لكونه منفيا بلعان أو ولد زنا أو استلحقته امرأة دون زوجها وألحقناه بها ورثت أمه وذو الفروض منهم فروضهم فكان عصبته بعد ذكور ولده عصبة أمه اختارها الخرقي وعنه أن أمه عصبته فإن لم تكن فعصبتها وعنه إن كان له ذو فرض رد عليهم وإن لم يكن ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه حكاها القاضي. فعلى هذه: إذا خلف أما وبنتا وخالا فالباقي بعد سدس الأم ونصف البنت رد عليهما وعلى الثانية هو للأم وعلى الأولى هو للخال. ولو خلف الأم ومولاها فالباقي بعد ثلث الأم لمولاها على الأولى ولها على الثانية والثالثة وقد تضمنت الثالثة تقديم الرد على الولاء. وإن خلف خالا وخالة أو خالا ومولى أم فالمال للخال رواية واحدة. وإن مات ابن ابن ملاعنة عن أمه وجدته الملاعنة فالباقي بعد ثلث الأم للملاعنة على الثانية وأما على الأولى والثالثة فالكل للأم. وإذا مات ابن عتيق الملاعنة عن الملاعنة وعصبتها فقيل المال لعصبتها على الروايات والأصح أنه لها على الثانية نص عليه في رواية ابن القاسم. وإذا أسلم مجوسي له قرابتان أو حاكم إلينا ورثناه بهما وعنه بأقواهما وكذلك المسلم يطأ ذات محرم بشبهة فيولدها. فإذا خلف أمه وهي أخته من أبيه وعما ورثت الثلث بالأمومة،

والنصف بكونها أختا والباقي للعم فإن كان معها أخت أخرى لم ترث بالأمومة إلا السدس إذ قد انحجبت بنفسها وبالأخرى. ولا يورث كافر بنكاح ذات محرم ولا بنكاح لا يقر عليه لو أسلم.

باب أصول المسائل والفروض وبيان العول والرد

باب أصول المسائل والفروض وبيان العول والرد الفروض ستة: نصف وربع وثمن وثلثان وثلث وسدس. فإذا كان في المسألة نصف وما بقي أو نصفان فقط فأصلهما من اثنين وإذا كان فيها ثلث وثلثان أو أحدهما فهي من ثلاثة وإن كان فيها ربع فقط أو معه نصف فهي من أربعة فإن كان ثمن وحده أو معه نصف فمن ثمانية فهذه أربعة أصول لا تعول ولنا ثلاثة أصول قد تعول. فإذا كان مع النصف سدس أو ثلث أو ثلثان فهي من ستة وتعول إلى سبعة وثمانية وتسعة وعشرة ولا تجاوزها. وإن كان مع الربع سدس أو ثلث أو ثلثان فهي من اثنى عشر ولا تعول إلا إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر. وإذا كان مع الثمن سدس أو ثلثان فأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين لا غير وتسمى المخيلة لقلة عولها والمنبرية لقول علي رضي الله عنه فيها على المنبر صار ثمنها تسعا. وإذا لم تستغرق الفروض المال ولم تكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض على قدرها في الصحيح عنه إلا على الزوج والزوجة. فإن كان من يرد عليه واحدا فله المال كله وإن كان جماعة من جنس واحد كبنات أو جدات اقتسموه كالعصبة. وإن اختلف الجنس فهل عدد سهامهم من أصل ستة أبدا يكن أصل مسألتهم.

فإذا كان سدسان كجدة وأخ لأم فهي من اثنين وإن كان سدس وثلث كأم وأخ لأم فهي من ثلاثة. وإن كان نصف وسدس كأم وبنت فهي من أربعة. وإن كان نصف وثلث كأخت وأم أو نصف وسدسان كثلاث أخوات متفرقات أو ثلثان وسدس كبنات وأم فهي من خمسة. فهذه أربعة أصول لا غير لأهل الرد إذا انفردوا. فإن كان معهم أحد الزوجين فاجعل فرضه كوصية مع ميراث واعمل كما قدمنا في الوصايا. فعلى هذا إذا كان زوج ومسألة أهل الرد من اثنين أو زوجة ومسألتهم من ثلاثة صارت المسألة من أربعة. وإن كان زوجة ومسألتهم من اثنين صارت من ثمانية. وإن كان الربع لأحدهما ومسألتهم من أربعة صارت من ستة عشر. وإن كان للزوجة الثمن ومسألتهم من أربعة صارت من اثنين وثلاثين. وإن كان الثمن ومسألتهم من خمسة صارت من أربعين. فهذه خمسة أصول لهم مع أحد الزوجين لا يتصور غيرها. ومن انكسرت مسألته منهم صححت على ما سنذكره وإن شئت صححت مسألة الرد وحدها أولا ثم زدت عليها لنصف الزوجية مثلها وللربع مثل ثلثها وللثمن مثل سبعها تكن الزيادة فرض الزوجية ثم إن كان معك كسر بسطت الكل من مخرجه لإزالته.

باب تصحيح المسائل وعمل المناسخات وقسمة التركات

باب تصحيح المسائل، وعمل المناسخات وقسمة التركات. إذا لم تنقسم سهام فريق من الورثة عليهم قسمة صحيحة فاضرب عددهم إن باين سهامهم أو وفقه إن وافقها بجزء من الأجزاء كالثلث والربع ونحوه في أصل المسألة وعولها إن كانت عائلة فما بلغ فمنه تصح ويصير لواحدهم ما كان لجماعتهم أو وفقه. وإن كان الكسر على فريقين أو أكثر وتماثلت بعد اعتبار موافقتها السهام كخمسة وخمسة اكتفيت بأحدهما. وإن تناسبت بأن كان الأقل جزءا واحدا من الأكثر كنصفه أو عشره اكتفيت بأكثرها ثم ضربته في المسألة. وإن تباينت كخمسة وستة وسبعة ضربت بعضها في بعض ثم المبلغ في المسألة وإن توافقت كستة وثمانية عشر أخذت اثنين منها فضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم وافقت بين المبلغ وبين الثالث وضربت وفق أحدهما في الآخر ثم في المسألة وعولها إن عالت فما بلغ فمنه تصح. فإذا أردت القسمة فكل من له شيء من أصل المسألة يضرب في العدد الذي ضربته في المسألة فما بلغ فهو له إن كان واحدا وإن كان جماعة قسمته بينهم. وإذا مات بعض ورثة الميت قبل قسمة تركته وورثته يرثونه على حسب ما ورثوا الأول بعصبته لهما فاقسم إرثهم بين من بقي ولا تنظر إلى أول ميت وإن لم يكن كذلك فصحح مسألة الأول ثم اقسم سهام الثاني منها على مسألته فإن انقسمت صحت المسألتان مما صحت منه الأولى وإن لم تنقسم طلبت الموافقة بين سهامه ومسألته ثم ضربت وفق مسألته أو جميعها إن لم توافق في المسألة الأولى ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية أو وفقها ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني أو وفقها.

مثاله: زوجة وثلاث أخوات مفترقات هي من ثلاثة عشر ماتت الأخت من الأبوين وخلفت مع أختيها عما فمسألتها من ستة كسهامها للعم منها سهمان ويصير للأخت من الأب خمسة وللأخت من الأم ثلاثة وثلاثة الزوجة بحالها فصحت المسألتان من ثلاثة عشر. ولو خلفت الأخت مع أختيها ثلاثة أعمام لصحت مسألتها من ثمانية عشر وهي توافق سهامها بالسدس فتضرب سدس الثمانية عشر في الأولى تكن تسعة وثلاثين ولو خلفت مع أختيها زوجا لعالت مسألتها إلى سبعة وهي مباينة لسهامها فتضرب السبعة في الثلاثة عشر تكن أحدا وتسعين ومنها تصح المسألتان والقسمة كما سبق. فإن مات ثالث جمعت سهامه كما صحت منه الأولتان وعملت فيها كعملك في مسألة الثاني مع الأول وكذلك تعمل في الرابع ومن بعده. وإذا كان الموتى بعد الأول لا يرث بعضهم بعضا من تلاد ماله فقط كالغرقى فاجعل مسائلهم كأعداد انكسرت عليهم سهامهم وصحح كما قدمنا. وإذا خلف الميت تركة معلومة وأردت قسمتها على مسألته فانسب منها نصيب كل وارث إن أمكنك ثم أعطه مثل تلك النسبة من التركة وإن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسمة في سهام كل وارث يكن المرتفع حقه وإن شئت ضربت سهامه في التركة ثم قسمت المرتفع على المسألة فالخارج حقه. وإن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم أخذت نصيب الثاني فقسمته على مسألته وكذلك الثالث ومن بعده ومتى توافقت المسألة والتركة فاقسم وفق التركة على وفق المسألة. وإذا أردت القسمة على قراريط الدينار فاجعل عدد القراريط كتركة معلومة واعمل كما ذكرنا.

ولو كانت التركة سهاما من عقار كربع وخمس ونحوه فإن شئت أن تجمعها من قراريط الدينار وتقسمها كما قلنا وإن شئت طلبت الموافقة بينها وبين المسألة ثم ضربت المسألة أو وفقها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شيء من المسألة تضربه في السهام الموروثة من العقار أو وفقها ومن له شيء من تركة الميت تضربه في مسألته أو وفقها.

باب ميراث ذوي الأرحام

باب ميراث ذوي الأرحام وهم أولى من بيت المال إلا إذا لم نقل بالرد وهم كل نسب ليس بذي فرض ولا تعصيب ويورثون بالتنزيل فينزل ولد بنات الصلب وولد بنات الإبن وولد الأخوات كأمهاتهم وبنات الأخوة للأم وبنات الأعمام من الأبوين أو الأب وبنات بنيهم وولد الإخوة كآبائهم وأبو الأم والخال والخالة كالأم وأبو أم الأم وأخوها وأختها وأبو أم الأب وأخوها وأختها بمنزلتهما وأم أبي الجد كابنها والعم من الأم والعمات كلهن كالأب وعنه كالعم من الأبوين وعنه العمة لأبوين أو لأب كالجد. فعلى هذه: العمة لأم والعم لأم كالجدة أمهما وعم الأب من الأم وعماته هل هم كالجدة أو كعم الأب من الأبوين أو كأبي الجد مبني على هذا الاختلاف. فهؤلاء وكل مدل بنسب له فرض أو تعصيب ومن أدلى بهم متى انفرد أحدهم أخذ المال كله وإن اجتمعوا جعلت كل واحد منهم في إرثه وحجبه والحجب به كأقرب وارث إليه أدلى به سواء قرب منه أو بعد إلا أن يسبقه إليه أو إلى وارث آخر غيره وتجمعهما جهة الأبوة أو الأمومة أو البنوة فإنه يسقط بالسابق. والبنوة كلها جهة واحدة وعنه أن كل ولد للصلب جهة وهي الصحيحة عندي وعنه ما يدل على أن كل وارث يدلي به جهة.

وقيل: الجهات أربع الثلاث المذكورة والأخوة وقيل: خمس بالعمومة فإذا كان ثلاث بنات عمومة مفترقين فالمال لبنت العم من الأبوين نص عليه. وكذلك إن كان معهن بنت عمة. ولو كان مع الجميع بنت أخ لأبوين أو لأب فالمال لها. ويلزم من قال الجهات أربع أو خمس أو كل وارث جهة أن يسقط بنت الأخ وبنت العم للأبوين أو الأب ببنت العم من الأم وبنت العم من الأم وبنت العمة لكنا نزلناهما أبا وهو بعيد. وإذا كان معك بنت بنت وبنتا بنت أخرى فلبنت البنت حق أمها النصف ولبنتي الأخرى مثله وإذا كن ثلاث بنات إخوة مفترقين فالسدس لبنت الأخ من الأم والباقي لبنت الأخ للأبوين كآبائهن. وإذا كانت بنت بنت بنت وابن أخ لأم فالمال لها دونه تلغي السبق إلى الوارث لاختلاف الجهة. وإذا كان خالة أب وأم أبي أم فالمال للثانية لأنها كالأم والأخرى كالجدة. وإذا كانت بنت بنت بنت وبنت بنت ابن فالمال بينهما على أربعة إن قلنا كل ولد للصلب جهة وإن قلنا كلهم جهة فالمال للثانية لسبقها إلى الوارث. ولو كان معهما بنت بنت بنت أخرى فالمال لولد بنتي الصلب على الأولى ولولد الابن على الثانية. وإذا كانت بنت بنت وبنت بنت أخرى وبنت بنت ابن فعلي الأولى المال للأوليين وعلى الثانية هو بين الأولى والثالثة على أربعة. وإذا كان عمة وابن خال فله الثلث ولها الثلثان فإن كان معهما خالة أم سقط بها ابن الخال فكان لها السدس والباقي للعمة على المذهب.

وإن قلنا كل وارث جهة فلا شيء للخالة والقسمة كما تقدم. وإذا كانت خالة أم وخالة أب فالمال لهما بالسوية كجدتين فإن كان معهما أم أبي أم أسقطتهما عند من جعل كل وارث جهة وعلى المذهب تسقط دونهما. وإذا كان ابن ابن أخت لأم وبنت ابن ابن أخ لأب فله السدس ولها الباقي ويلزم من جعل الأخوة جهة أن يجعل المال للبنت وهو بعيد جدا حيث يجعل أجنبيين أهل جهة واحدة. وإذا أدلى جماعة بوارث واحد ولم يتفاضلوا بالسبق إليه فنصيبه بينهم على حسب ميراثهم منه لو ورثوه إذا أدلوا إليه بأنفسهم سواء اختلفت منازلهم منه كأخواته المفترقات أو إخوته المفترقين أو كأبيه وإخوته مثل أبي أم وخال وخالة أو تساوت منازلهم منه كأولاده أو إخوته غير المفترقين لكن يسوى بين ذكرهم وأنثاهم وعنه تفضيل الذكر إلا في ولد الأم وعنه التسوية إلا في الخال والخالة خاصة. وإن كان إدلاؤهم إليه بواسطة إما متحدة مثل أولاد خال أو أبوي أم وإما متعددة مثل أولاد خال وأولاد خالة جعلت المدلين كميت ورثه الواسطة ثم الواسطة كميت ورثه المدلون به وفي تفضيل الذكر على الأنثى فيه الروايتان. وإذا أدلى ذوو رحم بقرابتين ورث بهما. ولا عول في مسائل ذوي الرحم إلا في أصل الستة فإنه يؤول إلى سبعة كخالة وست بنات وست أخوات مفترقات. وإذا كان معهم أحد الزوجين أعطى فرضه بلا حجب ولا عول وقسم الباقي بينهم على مسألة انفرادهم نص عليه. وقيل يقسم الباقي بينهم كما يقسم بين من أدلوا به فإذا خلف زوجة وبنت بنت وبنت أخ لأب فللزوجة الربع والباقي بينهما نصفين على المنصوص وتصح من ثمانية.

وعلى الثاني الباقي بينهما على سبعة لبنت البنت أربعة ولبنت الأخ ثلاثة وتصح من ثمانية وعشرين.

باب ميراث الحمل

باب ميراث الحمل من مات عن ورثة فيهم حمل فطلب القسمة من لا يسقطه أعطي أقل ما يرث ووقف للحمل نصيب ذكرين إلا أن يكون نصيب ابنين أكثر فنقفه ولا يعطى من قد يسقطه الحمل شيئا فإذا وضع أعطي نصيبه ورد الباقي إلى مستحقه وإذا استهل المولود صارخا أو عطس أو أرتضع أو تنفس ورث وورث ولا يكفي مجرد الحركة والاختلاج. وفيمن ظهر بعضه واستهل ثم انفصل باقيه ميتا روايتان. وإذا ولدت توأمين فاستهل أحدهما وجهل عينه عين بالقرعة. وإذا مات الكافر عن حمل منه لم يرثه لحكمنا بإسلامه قبل وضعه نص عليه وكذلك إن كان من غيره فأسلمت أمه قبل وضعه.

باب ميراث المفقود

باب ميراث المفقود من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كتجارة وسياحة ونحوهما انتظر به تمام تسعين سنة من يوم ولد وعنه ينتظر أبدا بغير تقدير بل يجعل ذلك إلى اجتهاد الحاكم. وقال ابن عقيل: ينتظر به تمام مائة وعشرين سنة من ولادته. وإن كان ظاهرها الهلاك كمن فقد من بين أهله أو في مفازة مهلكة كالحجاز أو بين الصفين في الحرب أو في لجة البحر إذا غرقت سفينته ونجا قوم دون قوم انتظر به تمام أربع سنين فقط وعنه تمامهن مع أربعة أشهر وعشر ثم يجعل ماله لورثته. وعنه ما يدل على أنه كالقسم الأول.

فإن مات له من يرثه في مدة التربص دفع إلى كل وارث اليقين ووقف الباقي فرطيقه أن تعمل المسألة على أنه حي ثم على أنه ميت ثم تضرب إحداهما: الأخرى إن تباينتا أو في وفقهما إن توافقتا أو تجتزىءبإحدهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا ويعطى الأقل لمن يرث منهما ولا يعطى شيئا لمن يسقط في إحداهما: ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد من الموقوف عن نصيب المفقود أو على جميعه إذا لم يكن له فيه حق بأن يكون ممن يحجب ولا يرث. وقيل وهو أصح عندي تعمل المسألة على تقدير حياته فقط ولا نقف شيئا سوى نصيبه إن كان يرث وهل يؤخذ ممن معه احتمال زيادة ضمين بها يحتمل وجهين. ومتى بان المفقود حيا أو ميتا يوم موت موروثه عمل على ذلك. وإن انقضت مدة تربصه ولم يتبين شيء قسم ما وقف للمفقود على ورثته يومئذ كسائر ماله وقيل: يرد إلى ورثة الميت الأول. فعلى هذا لا يجوز في مدة التربص أن يقضى منه دينه ولا ينفق منه على زوجته أو بهيمته وعلى الأول يجوز ذلك كسائر ماله وهو الأصح.

باب ميراث الخنثى

باب ميراث الخنثى الخنثى: من له ذكر رجل وفرج امرأة فإن سبق البول من ذكره فهو رجل وإن سبق من فرجه فهو امرأة وإن خرج منهما اعتبر أكثرهما وقيل: لا تعتبر الكثرة فإن استويا فهو مشكل فإن رجي انكشاف حاله لصغره أعطي هو ومن معه اليقين ووقف الباقي حتى يبلغ فتظهر منه علامات الذكور من نبات لحيته أو الإمناء من ذكره أو علامات النساء من الحيض أو تفلك الثدي ونحوه نص عليه فيعمل بذلك فإن أيس من ذلك لموته أو بلوغه وعدم العلامات أعطي هو ومن معه ممن يختلف إرثه بذكوريته وأنوثيته

نصف ما يرثه لو كان ذكرا ونصف ما يرثه لو كان أنثى إلا أن يرث بأحدهما فقط فيعطى نصفه وسواء كان الخنثى ومن معه يتزاحمان من جهتين مختلفتين كولد خنثى وعم أو كولد خنثى أو أب أو كأخت لأبوين وولد أب خنثى أو من وجه واحد كالأولاد والإخوة المتفقين أو ذوي الفروض العائلة. وطريق العمل في القسمين أن تعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنه أنثى ثم تضرب إحداهما: أو وفقها إن توافقتا في الأخرى والمتناسب هنا نوع من المتوافق أو تجتزىءبإحداهما: إن تماثلتا ثم تضرب ذلك في الحالين ثم من له شيء من إحدى المسألتين يضرب في الأخرى أو وفقها وفي المتماثلتين تجمع ماله منهما. وإن شئت نسبت نصف ميراثه إلى جملة التركة ثم بسطت المكسور الذي يجتمع معك من مخرج يجمعها فمنه تصح المسألة. وفي القسم الثاني وجه ثان وهو أن تنظر ما لكل واحد منهما بدون المزاحمة المتحدة ثم تجمع ذلك وتقسم عليه ميراثهما. مثال ذلك: ابن وولد خنثى فعلى الأول تصح من اثني عشر بطريق الضرب للابن سبعة وللخنثى خمسة وكذلك بطريق النسبة بأن تقول للخنثى في حال النصف وفي حال الثلث فله نصفهما الربع والسدس وللابن في حال الثلثان وفي حال النصف فله نصفهما ثلث وربع فابسطها لتصح بلا كسر تكن اثني عشر كما سبق وعلى الثاني المال بينهما على سبعة لأن للابن إذا انفرد المال وللخنثى إذا انفرد ثلاثة أرباعه فيقسم المال عليهما يكن ما ذكرنا. ولو كان معهما زوجة أو أم قسمت الباقي بعد فرضها على اثني عشر على الأول وعلى سبعة على الثاني. ولو كان زوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى فللأخت في حال نصف المال وفي حال ثلاثة أسباعه فتعطى نصفهما وهو بعد البسط ثلاثة عشر من أصل

ثمانية وعشرين وللزوج كذلك وللخنثى سبع المال في حال لا غير فيعطى نصفه وهو سهمان من الأصل المذكور. وعلى الثاني: يقسم المال على نصف ونصف ونصف سدس فتصح من ثلاثة عشر للخنثى سهم ولكل واحد من الآخرين ستة. ولو كان زوج وأم وإخوة لأم وولد أب خنثى فعلى الأول نقول ليس للخنثى إلا نصف عائل وهو الثلث فيعطى نصفه وهو سدس المال وللباقين المال في حال والثلثان في حال فيعطون نصفهما خمسة أسداس المال على ستة فتصح من ستة وثلاثين وكذلك تصح بطريق الضرب. وعلى الثاني نقول للخنثى ربع المال وللباقين نصف وسدس وثلث فيقسم المال عليهما فتصح من خمسة عشر. وإذا كان معك خنثيان أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم فللخنثيين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وعلى هذا أبدا كلما زاد واحدا تضاعف عدد أحوالهم. وقيل: ينزلون حالين لا غير ذكورا وإناثا. فإن تزاحموا هم وغيرهم من وجه واحد ففيها وجه ثالث وهو قسمة حقهم بينهم على أنصبائهم منفردين مثاله ابن وولدان خنثيان. فعلى الأحوال هي من مائتين وأربعين للابن ثمانية وتسعون ولكل خنثى أحد وسبعون. وعلى الحالين: هي من أربعة وعشرين للابن عشرة ولكل خنثى سبعة. وعلى الثالث: هي من عشرة للإبن أربعة ولكل خنثى ثلاثة. فإن أردت العمل لتعطى اليقين قبل الإياس من انكشاف حالهم نزلتهم بجميع أحوالهم قولا واحدا وكذلك إن أردت ذلك في المفقودين فصاعدا.

باب ميراث الغرقى والهدمى

باب ميراث الغرقى والهدمى إذا مات متوارثان معا وعلم الورثة ذلك لم يتوارثوا وإن جهلوا كيف ماتا أو تحققوا السابق وجهلوا عينه ورث كل واحدا منهما من صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه عن الميت معه فيقدر أحدهما مات أولا ويورث الآخر من تركته ثم يقسم إرثه منها على ورثته الأحياء ثم يصنع بالآخر وتركته كذلك. فلو مات كذلك أخوان أحدهما عتيق زيد والآخر عتيق عمرو صار مال كل واحد منهما لمعتق الآخر ولو علموا السابق ثم نسوه فالحكم كما لو جهلوه أولا. وقال القاضي في خلافه لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة وإن ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر ولا بينة أو تعارضت بذلك البينة تحالف ورثتهما لإسقاط الدعوى ولم يتوارثا نص عليه في أمرأة وابنها ماتا فقال زوجها ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما لإبطال دعوى صاحبه وكانت تركة الابن لأبيه وتركة المرأة لأخيها وزوجها نصفين. وقال ابن أبي موسى: يعين السابق بالقرعة. وقال أبو الخطاب وغيره: يتوارثان كما لو جهل الورثة حالهما. وخرجوا على المنصوص امتناع الإرث مع الجهل والصحيح التفرقة كما اختاره الخرقي. ولو عين الورثة وقت موت أحدهما وشكوا هل مات الآخر قبله أو بعده ورث من شك في وقت موته من الآخر إذ الأصل بقاؤه وقيل: لا توارث بينهما بحال وهو متعذر.

باب ميراث المطلقة

باب ميراث المطلقة من أبان زوجته في غير مرض الموت المخوف قطع التوارث بينهما فأما طلاقه الرجعي فلا يقطعه مالم تنقض عدتها. وإن أبانها في مرض موته المخوف متهما بقصد حرمانها كمن طلقها الثلاث ابتداء أو طلقة بعوض من أجنبي أو علق الثلاث على فعل لا بد لها منه كصلاة الفرض وكلام أبيها ففعلته أو وطئ حماته أو قال للذمية إذا أسلمت أو للأمة إذا أعتقت فأنت طالق ثلاثا أو علم أن سيد الأمة قال لها أنت حرة غدا فأبانها اليوم أو علقه في الصحة على مرضه أو على فعل نفسه فعله في المرض أو على تركه كقوله: "لأتزوجن عليك فلم يفعل حتى مات أو وكل في صحته من يطلق متى شاء فطلق في مرضه ورثته ما دامت في العدة رواية واحدة ولم يرثها فإن انقضت العدة أو كان الطلاق قبل الدخول لم ترثه وعنه ترثه مالم تتزوج. فعلى هذا إن تزوج أربعا سواها ثم مات فميراث الزوجية بين الخمس وعنه وهو الأصح أن ربعه للمبتوتة وثلاثة أرباعه للأربع إن تزوجهن في عقد وإلا فللثلاث السوابق للعقد. ولو كان مكان المبتوتة أربع ففرض الزوجية للتمان على الأول وللمطلقات فقط على الثاني فإن ماتت إحدى المطلقات أو تزوجت فقسطها للموجودات إن تزوجهن في عقد وإلا قدمت السابقة إلى أن يكمل بالمطلقات أربع. وكذلك حكم من تزوج أربعا بعد أربع وقال أخبرنني بانقضاء عدتهن فكذبنه ومكناه من التزوج أو من لم يتهم في المبتوتة لقصد الحرمان كمريض طلقها بائنا بسؤالها أو ابتداء فارتدت ثم عادت فأسلمت أو علقه بفعل لها منه بد ففعلته أو أبان منجزا من لا ترث كالذمية والأمة فعتقت وأسلمت أو علقه

بمجيء الغد فعتقت وأسلمت قبله أو علقه في الصحة على شرط ليس من صنعه ولا صنعها أو من صنعها ولها منه بد فوطئ في المرض أو وطئ المريض المجنون أم زوجته فهو كطلاق الصحيح وعنه كالمريض المتهم. ولو علقه في الصحة على فعل لها لا بد لها منه ففعلته في المرض أو قذفها في الصحة وبانت منه باللعان في المرض ففيه روايتان. أصحهما: أنه كابتداء الإبانة في المرض. وإذا فعلت المريضة ما يقطع نكاحها لم ينقطع إرث زوجها في العدة وفيما بعدها وجهان إلا إذا لم يتهم به كفسخ المعتقة تحت عبد فينقطع على الأصح كإبانة المسلم للكافرة. ومن أكره زوجة أبيه أو جده المريض وهو له وارث على ما يفسخ نكاحها لم يقطع إرثها إلا أن يكون له امرأة ترث سواها وسواء تم إرثه أو انقطع لتجدد قتل أو حجب ونحوه وإن طاوعته لم ترث على الأصح. ومن مات عن زوجات نكاح بعضهن فاسد أو منقطع قطعا يمنع الإرث ولم تعلم عينها أخرج الوارثان بالقرعة. ومن ادعت عليه زوجته طلاقا يقطع الإرث فجحد لم ترثه إن مات إذا كانت مقيمة على قولها.

باب موانع الإرث من قتل ورق واختلاف دين

باب موانع الإرث من قتل ورق واختلاف دين القاتل عمدا أو خطأ بمباشرة أو سبب لا يرث من قتله قتلا مضمونا بقود أو دية أو كفارة. فأما مالا يضمنه كالقتل قودا أو حدا أو دفعا عن النفس أو قتل العادل الباغي أو الباغي العادل على الأصح فلا يمنعه الإرث وعنه يمنع الباغي دون غيره وعنه يمنع فلا يرث قاتل بحال.

ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما إلا بالولاء وعنه لا يتوارثان به أيضا فإن أسلم الكافر قبل القسمة لميراث المسلم ورث منه وعنه لا يرث كالرقيق يعتق قبل القسمة. ويرث الكفار بعضهم بعضا وإن اختلفت مللهم وعنه أن اليهود ملة والنصرانية ملة وسائر الكفر ملة وأن كل ملة لا ترث الأخرى. ويتوارث الذمي والمستأمن والمستأمن والحربي وكذلك الذمي والحربي نص عليه وقال أكثر أصحابنا لا يتوارثان. والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يسلم قبل قسمة الميراث ففيه الروايتان فإن مات أو قتل على ردته فماله فيء وعنه لورثته من المسلمين وعنه لورثته من أهل دينه الذي اختاره. والرقيق لا يورث وإن قلنا يملك بل ماله لسيده ولا يرث أحدا بحال وقيل: في المكاتب خاصة يموت له عتيق ثم يؤدي فيعتق إنه يأخذ إرثه بالولاء. والمعتق بعضه يورث عنه ما ملكه بجزء حريته ويرث ويحجب بقدر ما فيه منها. فإذا كانت بنت نصفها حر مع أم وعم أخذت بنصف الحرية نصف النصف وحجبت به الأم عن نصف السدس فيبقى لها الربع ويبقى للعم سهمان من أربعة. فإن كان مكانها ابن فقيل له نصف المال وقيل: نصف الباقي بعد ربع الأم وهو اختيار أبي بكر وفيه بعد وقيل: ينظر ما تستحقه بكمال الحرية مع ذي الفرض وهو هنا خمسة أسداس المال فتعطى نصفه وهو الأصح. وكذلك الخلاف في كل عصبة نصفه حر مع فروض ينقص به فإن لم ينقص به كجدة وعم مع ابن نصفه حر فعلى الأول له نصف المال وعلى الآخرين له نصف الباقي بعد الفرض وهو أصح.

ولو كان معه فرض تسقطه حريته كابن نصفه حر وأخت وعم فله النصف ولها نصف الباقي فرضا بلا خلاف والباقي للعصبة. ولو كان معه عصبة مثله كابنين نصف أحدهما حر فالمال بينهما أرباعا بأن نقول له لك بالحرية النصف فينصفها نصفه ونقول للحر أخوك يحجبك بالحرية عن النصف فينصفها عن نصفه فيبقى لك ثلاثة أرباع. وقيل المال بينهما أثلاثا جمعا للحرية فيهما وقسمة لإرثهما على طريق العول فإن كان نصفهما حر فلهما ثلاثة أرباع المال بالسوية تنزيلا لهما وخطابا بأحوالهما من حرية ورق مجتمعين ومفترقين. وقيل: ينزلان مجتمعين في الحرية والرق لا غير فيكون لهما بحريتهما المال وبنصفها نصفه والباقي للعصبة وقيل: المال كله لهما جمعا للحرية فيهما بمنزلة ابن. ولو كان ابن وبنت نصفهما حر وعم فلهما على ثلاثة خمسة أثمان المال على الأول ونصفه على الثاني وثلاثة أرباعه على الثالث. ولو كان معهما آخر فلها السدس على الوجوه كلها وللإبن على الأول خمسة وعشرون من أصل اثنين وسبعين وللبنت أربعة عشر وعلى الثاني هل لهما على ثلاثة نصف المال أو نصف الباقي بعد السدس على وجهين وعلى الثالث هل لهما على ثلاثة ثلاثة أرباع المال أو ثلاثة ارباع الباقي بعد السدس؟ على الوجهين. ولو كان ابن وابن ابن نصفهما حر فللابن النصف ولابن الابن على الأول الربع وعلى الثالث النصف واختاره أبو بكر ولا شيء له على الأوسط. ولو كان ابن حر وابن نصفه حر وابن ثلثه حر فعلى الأول هي من ستة وثلاثين للمكمل ثلاثة وعشرون وللنصف ثمانية وللآخر خمسة وعلى الثاني تقول لهم ثلث المال بينهم بالسوية وسدسه للمكمل والمنصف والباقي للمكمل.

فيجتمع له خمسة وعشرون وللمنصف سبعة وللآخر أربعة وعلى الثالث المال بينهم على أحد عشر. وإذا كان عم وبنتان نصف إحداهما: حر فعلى الأول للحرة ربع وسدس وللأخرى سدس وعلى الثاني لهما ثلاثة أرباع الثلثين وهو النصف بينهما على ثلاثة وقيل: على أربعة وعلى الثالث يقسم النصف ونصف السدس بينهما أثلاثا. ولو كان نصفهما حرا فلهما بالسوية على الأول خمسة أثمان ثلثي المال وعلى الثاني ثلثه وهو نصف الثلثين وعلى الثالث نصفه والباقي للعصبة. وإذا كانت بنت وبنت ابن نصفهما حر وعم فللبنت الربع ولبنت الابن على الأحوال السدس وعلى الحالين نصف السدس وعلى الجمع الربع والباقي للعم. وإذا كان أم وجدة نصفهما حر فللأم السدس وللجدة على الأول ربع السدس وعلى الثالث نصف السدس ولا شيء لها على الأوسط. ولو كانت الجدة حرة لأخذت نصف السدس وجها واحدا. وإذا كان مع أم أخوان بأحدهما رق فلها الثلث كاملا اختاره القاضي وابن عقيل. وقال أبو الخطاب: ينقصها منه بقدر ما فيه من الحرية فيحجبها بنصف حريته عن نصف السدس وبثلثها عن ثلثه وبربعها عن ربعه والأول أصح. ويرد على المعتق بعضه إذا كان ذا فرض وكذلك إن كان عصبة ولم يصبه من التركة بقدر حريته من نفسه لكن أيهما استكمل بالرد أزيد من قدر حريته من نفسه منع الزيادة وردت على غيره إن أمكن وإلا فهي لبيت المال. فإذا كانت بنت نصفها حر فلها نصف التركة بالفرض والرد وإن كان مكانها ابن فله نصف التركة بالعصوبة والباقي في المسألتين لبيت المال. ولو كان ابنان نصفهما حر وقلنا لهما نصف التركة أو ثلاثة أرباعها مع عصبة سواهما فالباقي لهما بالرد إذا لم يكن عصبة.

وإذا كانت بنت وجدة نصفهما حر فالتركة لهما نصفين بالفرض والرد لا يردهما على قدر فرضهما لئلا يأخذ من نصفه حر فوق نصف التركة. وإن كان ثلاثة أرباعهما حرا فالتركة بينهما أرباعا على قدر فرضيهما لفقد الزيادة الممتنعة. وإن كان ثلثهما حرا فلهما ثلثا التركة بالسوية والباقي لبيت المال. ولو كان أم حرة وابن نصفه حر فالتركة بينهما إذا لم يكن عصبة بالسوية على الوجوه الثلاثة مع العصبة. وقال أبو بكر يرد الباقي عليهما على قدر حقيهما فتكون التركة بينهما أخماسا على اختياره وعلى أول وجه أثلاثا وعلى ثالث وجه أثمانا. وقياس قوله هذا: أن يرد على المعتق بعضه على قدر حقه مطلقا وإن جاوز قدر حريته وأن من فيه شيء من حرية يكمل له المال إذا انفرد والأول أصح.

باب الولاء

باب الولاء. كل من أعتق رقيقا بعوض أو في واجب من نذر أو زكاة أو كفارة أو تبرعا سائبة بأن يقول له لاولاء لي عليك أو غير سائبة أو عتق عليه برحم أو استيلاد أو كتابة أو تدبير أو وصية بعتقه فله عليه الولاء وإن اختلف دينهما وعلى أولاده من سرية أو زوجة عتيقه وعلى معتقيه ومعتقي أولاده الموصوفين وأولادهم أبدا ما تناسلوا ويرث به حيث بينا من قبل ثم من بعده أقرب عصبته. وعنه في المكاتب إن أدى إلى الورثة فولاؤه لهم وإن أدى إليهما فالولاء بينهما على ذلك والأول أصح. وعنه في السائبة والمعتق في الواجب لاولاء عليه بل ماله لبيت المال. وعنه يرد ولاؤه في عتق مثله.

وهل ولاية الإعتاق للسيد أو الإمام على روايتين. فإذا خلف بنته ومعتقه فالمال بينهما على الأولى وعلى الثانية هو للبنت بالفرض والرد وعلى الثالثة نصفه للبنت ونصفه يصرف في العتق. ومن كان أبوه حر الأصل وأمه عتيقة فلا ولاء عليه وكذلك بالعكس وعنه عليه الولاء لمولى أبيه. وإن كانت أمه عتيقة وأبوه مجهول النسب فلا ولاء عليه وقيل: عليه لمولى أمه. ومن اعتق عبده عن غيره بغير إذنه وقع العتق والولاء للمعتق إلا أن يعتق عن ميت في واجب عليه فيقعان للميت. ولو قال له الغير أعتق عبدك عني أو أعتقه عني مجانا أو أعتقه عني وعلى ثمنه ففعل فالعتق وولاؤه للسائل وإن كان عن واجب ويجزئه عنه ولا يلزمه العوض إلا حيث التزمه وعنه يلزمه العوض إلا حيث نفاه وعنه العتق والولاء للمسؤول لا للسائل إلا حيث التزم العوض. وإن قال أعتق عبدك وعلى ثمنه أو أعتق عنك وعلى ثمنه ففعل فالثمن على السائل والولاء والعتق للمسؤول وإن كان عن واجب ويجزىءعنه ويحتمل أن لا يجزىءعن الواجب. وقال القاضي في موضع لا يجزىءعن الواجب ويقع العتق والولاء للسائل وفيه بعد. ومن قال له كافر أعتق عبدك المسلم عني وعلى ثمنه فهل يصح ذلك على وجهين. ولا يرث المرأة من الولاء إلا عتقاؤها وعتقاؤهم وأولادهم ومن جزؤوا ولاءه وعتقاء ابنها إذا كانت ملاعنة على رواية قد ذكرت وعنه في بنت المعتق خاصة يرث نقلها أبو طالب واحتج بخبر ابنة حمزة.

فلو اشترى رجل وأخته أباهما بالسوية فعتق ثم اشترى عبدا وأعتقه ثم مات المعتق بعد الأب ورثه الابن دون البنت على الأولى وعلى الثانية يرثانه أثلاثا. ولا يرث بالولاء ذو فرض إلا الأب والجد يرثان السدس مع الابن والجد مع الإخوة حيث يفرض له معهم في النسب نص عليه. وقيل لا فرض لهما بحال بل يسقطان مع الابن ويجعل الجد كأحد الإخوة وإن كثروا. ولا يباع الولاء ولا يوهب ولا يورث وإنما يرث به أقرب عصبة السيد إليه يوم موت عتيقه لا يوم موت السيد. فإذا مات السيد عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابن ثم مات العتيق فإرثه لابن معتقه ولو خلف أحد الابنين ابنا والآخر تسعة ثم مات العتيق فإرثه بينهم على عددهم. وعنه يورث الولاء كما يورث المال لكن يختص العصبة فيكون لابن الابن المفرد نصف الإرث في المسألتين. وإذا ماتت امرأة عن ابن وعصبة سواه ولها عتيق فولاؤه لابنها وعقله على عصبتها فإن انقرض بنوها فالولاء لعصبتها. ونقل عنه جعفر بن محمد أن الولاء لعصبة بنيها دون عصبتها وهو موافق لقوله: الولاء يورث.

باب جر الولاء

باب جر الولاء. كل من عتق عليه رقيق بمباشرة أو سبب لم ينجر عنه ولاؤه فأما إن تزوج عبد بعتيقة قوم ثم حملت منه وولدت فولاء أولادها لمولى أمهم فإن عتق الأب انجر ولاؤهم إلى معتقه ولا يعود إلى مولى أمهم بحال وإن عتق جدهم

قبل الأب لم يجر ولاءهم بحال وعنه يجره إلى مولاه بكل حال ثم إن عتق والأب حي فعتق بعده انجر إليه الولاء منه وإلا بقي له وعنه إن عتق والأب ميت جر الولاء وإن عتق والأب حي لم يجره بحال سواء عتق الأب بعد أو مات قنا حكاها الخلال وعنه يجره إذا عتق والأب ميت فأما إن عتق في حياته لم يجره حتى يموت قنا فيجر من حين موته ويكون في حياة الأب لمولى الأم نقلها أبو بكر في الشافي. ولو اشترى أحد الأولاد أباه عتق عليه وله ولاؤه وولاء إخوته ويبقى ولاء نفسه لمولى أمه ولا ينجر عنه. ولو اشترى هذا الولد عبدا فأعتقه ثم اشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت له ولاؤه وجر ولاء معتقه فصار لكل واحد منهما ولاء الآخر. ومثله لو أعتق الحربي عبد كافرا ثم سبى العتيق معتقه ثم أعتقه فلكل واحد منهما ولاء صاحبه. ولو سبى المسلمون العتيق فاسترق ثم أعتق فولاؤه لمعتقه الآخر وقيل: للأول فقط وقيل: لهما. فعلى الأول وهو الأصح لا ينجر ما كان للأول قبل الرق من ولاء ولد أو عتيق إلى الأخير.

باب دور الولاء

باب دور الولاء إذا اشترى رجل وأخته أباهما نصفين فقد عتق وثبت ولاؤه لهما وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لموالي أمه فإن مات الأب ورثاه بالنسب أثلاثا فإن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب. فإن مات أخوها بعدهما فماله لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف والنصف الآخر لموالي الأخت وهم أخوها وموالي أمها فلموالي أمها

نصف ذلك وهو الربع يبقى الربع وهو الجزء الدائر لأنه خرج من تركة الأخ وعاد إليه فقيل هو لمواليهما لموالي أمه الثلثان ولموالي أمها الثلث.

باب الإقرار بمشارك في الإرث

باب الإقرار بمشارك في الإرث إذا أقر الورثة كلهم وهم جماعة أو واحد بوارث للميت يشاركهم أو يسقطهم فصدقهم أو كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه وإرثه وإن أقر بعض الورثة لم يثبت نسبه إلا أن يشهد عدلان منهم أو من غيرهم أنه ابنه مثلا أو أنه ولد على فراشه أو أنه أقر به ويلزم المقر إذا لم يثبت نسبه أن يدفع إليه ما في يده إن كان يحجبه وإلا فما فضل عن إرثه فإن لم يفضل شيء لم يلزمه له شي. فإذا خلف ابني ابن فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده وإن أقر بابن للميت فله كل ما في يده ولو خلف أخا من أب وأخا من أم فأقر الأخ للأب وحده بأخ من أبوين أخذ ما في يده. وقال أبو الخطاب: يأخذ نصفه وهو سهو. وإن أقر به الأخ من الأم وحده فلا شيء له. وطريقة العمل في الباب كله أن تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وتراعي الموافقة ثم تعطي المنكر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار وتعطي المقر سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وما فضل فهو للمقر به. ولو خلف اثنين فأقر أحدهما بأخوين وصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسبه فصاروا ثلاثة للمقر ربع المال وللمنكر ثلثه وللمتفق عليه كذلك إن جحد الرابع وإلا فله الربع والباقي للمجحود وتصح من اثني عشر. وعند أبي الخطاب: إذا صدق المتفق عليه بالمجحود لم يأخذ من المنكر إلا ربع ما في يديه حيث كذبه فيما زاد عليه فتبقى الزيادة في يده وتصح من ثمانية:

للمنكر ثلاثة وللمجحود سهم ولكل واحد من الآخرين سهمان. وإن خلف ابنا فأقر بأخوين بكلام متصل ثبت نسبهما إن اتفقا أو اختلفا فكانا توأمين وإلا فوجهان. وإن أقر بأحدهما ثم بالآخر وكذب الأول بالثاني ثبت نسب الأول دون الثاني وأخذ الأول نصف ما في يد المقر والثاني ثلث ما بقي في يده وإن كذب الثاني بالأول وهو مصدق به ثبت نسب الثلاثة والمال بينهم وقيل: يسقط نسب الأول ويأخذ الثاني ثلثي ما في يده وثبت ما في يد المقر. ومن أقر بزوجه لمورثه لزمه من إرثها بقدر حقه. ومن أقر في مسألة عول بمن يزيل العول كزوج وأختين أقرت إحداهما: بأخ ضربت مسألة الإقرار في مسألة الإنكار يكن ستة وخمسين فتعمل كما ذكرنا للزوج أربعة وعشرون وللمنكرة ستة عشر وبيد المقر مثلها لها بإقرارها سبعة يبقى سبعة فتعطى للأخ فإن صدقها الزوج فهو يدعي أربعة والأخ يدعي أربعة عشر فاقسم التسعة الفاضلة على سهامهما الثمانية عشر اتساعا للزوج سهمان وللأخ سبعة. فإن كان زوج وأم وأخت فأقرت الأخت بأخ فاضرب وفق مسألة الإقرار في مسألة الإنكار تكن اثنين وسبعين للأم ثمانية عشر وللزوج مع إنكاره سبعة وعشرون وبيد الأخت مثلها لها بإقرارهما ثمانية يبقى بيدها تسعة عشر للأخ منها ستة عشر يبقى ثلاثة لا يدعيها أحد فقيل تقر بيد المقرة وقيل: تجعل لبيت المال وقيل: تقسم بين المقرة والزوج بالسوية. فإن صدق الزوج المقرة فهو يدعي سبعة والأخ يدعي ستة عشر مجموعهما خمسة وعشرون فأقسم عليهما التسعة عشر بأن تضرب خمسة وعشرين في أصل المسألة ثم كل من له شيء منها يضرب في خمسة وعشرين ومن له شيء من خمسة وعشرين يضرب في تسعة عشر.

ومن قال لرجل مات أبي وأنت أخي فقال بل هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره وإن قال مات أبوك وأنا أخوك فقال لست أخي فالمال للمقر به وإن قال ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال لست بزوجها فهل يقبل إنكاره؟ على وجهين.

______ آخر الجزء الأول. ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني، وأوله كتاب العتق وكان تمام طبعه بمطبعة السنة المحمدية في شهر شوال سنة 1369هجرية على صاحبها الصلاة والسلام.

المجلد الثاني

المجلد الثاني كتاب العتق مدخل ... بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العتق العتق من أعظم القرب وعتق العبد أفضل من عتق الأمة وعنه عتق الإماء للنساء أفضل. وفي استحباب عتق من لا كسب له وكراهية كتابته روايتان. وينعقد العتق بصريح القول وكناياته مع النية. فصريحه لفظ العتق والحرية كيف تصرفا. وكناياته قد خليتك وأطلقتك واذهب حيث شئت ونحوه. فأما قوله لا سبيل أو لا سلطان أو لا ملك أو لا رق لي عليك وقد فككت رقبتك وملكتك نفسك وأنت مولاي وأنت لله وأنت سائبة فعنه أنه كناية وعنه أنه صريح. وأما قوله للأمة أنت طالق1 أو حرام فليس بصريح وفي كونه كناية روايتان المذهب أنه كناية. ولو قال لعبده وهو أسن منه أنت ابني لم يعتق وإن أمكن أن يكون منه لكن له نسب معروف فعلى وجهين ويحتمل أن يعتق فيهما. وإذا قال لعبده أنت حر بألف أو بعتك نفسك بألف فقيل عتق ولزمه الألف وإن لم يقبل لم يعتق. وإن قال أنت حر على ألف أو وعليك ألف أو على أن تعطيني ألفا فكذلك في إحدى الروايتين والأخرى يعتق بلا قبول ولا شيء عليه.

_ 1 بهامش الأصل: هذا لفظ موضوع للطلاق، وذلك إنما يلحق الزوجة.

وإن قال أنت حر على أن تخدمني سنة عتق بلا قبول ولزمته الخدمة على ظاهر كلامه وقيل كالتي قبلها. وإذا قال مماليكي أحرار دخل فيه مكاتبوه ومدبروه وأمهات ولده وأشقاصه وعبيد عبده التاجر. وكذلك إن قال عبدي حر أو زوجتي وطالق ولم ينو معينا تناول الكل. وإن قال أحد عبدي حر ولم ينوه أو عينه ونسيه أو قال أول ما تلد أمتي حر فولدت ولدين وأشكل السابق أعتق أحدهما بالقرعة فإن بان للناسي أن الذي أعتقه أخطأته القرعة عتق وهل يرق الآخر على وجهين. وإذا قال رجل إن كان هذا الطائر غرابا فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يستيقناه لم يحكم بعتق واحد منهما فإن اشتري أحدهما عبد الآخر فقيل يعتق على المشتري وقيل إنما يعتق إذا تكاذبا وإلا يعتق أحدهما بالقرعة وهو الأصح. ومن مثل بعبده مثل أن قطع منه عضوا أو حرقة عتق للأثر نص عليه. ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه وعنه لا يعتق إلا عمود النسب فإن ملكه حملا عتق عليه من حين ملكه وعنه لا يعتق حتى يولد في ملكه حيا. فلو زوج ابنه بأمته فولدت ولدا بعد موت جده فهو تركة موروثة عنه كما نقله المروزي وعلى الأول هو حر كما نقله أبو طالب وغيره. ولو ملك ولده أو ولد ولده من الزنا لم يعتق على المنصوص وقيل يعتق. وإذا أعتقت الأمة الحامل عتق حملها إلا أن يستثنى وإن أعتق الحمل عتق ولم تعتق أمه وعنه لا يعتق الحمل فيها حتى تضعه حيا فيكون كمن علق عتقه بشرط. ولو أعتق الموسر أمة حملها لغيره عتق عليه وضمن قيمته ذكره القاضي وعند أنه باق لمالكه.

ومن أعتق بعض عبده عتق عليه كله. وإن أعتق الموسر شركا له في عبد أو كاتبه فأدى إليه أو ملكه بفعله ممن يعتق عليه عتق عليه كله ولم يصح من شريكه عتق بعد ذلك ويضمن حق الشريك بقيمته وقت العتق وإن كان معسرا عتق نصيبه وبقي نصيب الشريك له وعنه يعتق كله ويستسعى العبد في بقيته. وإن ملك الموسر قهرا كالإرث بعض من يعتق عليه لم يسر في أصح الروايتين. وإذا أعتق الكافر الموسر شركا له من مسلم فهل يسري على وجهين. وإذا كان شقص الشريك مكاتبا أو مدبرا لم تمتنع السراية وهل يضمن شقص الكتابة بقيمته مكاتبا أو بما بقي عليه على روايتين. وقال القاضي تمتنع السراية إلا أن تبطل الكتابة أو التدبير فيسري حينئذ. ومن مات وله مكاتب وأعتق بعض الورثة حصته فهل يسرى على وجهين. وإذا كان لرجل نصف عبد ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق موسران منهم نصيبهما معا تساويا في ضمان الباقي وولائه وقيل يجعل على قدر ملكيهما. وإذا ادعى كل واحد من الشريكين الموسرين أن شريكه أعتق نصيبه عتق العبد كله واستحلف كل واحد الآخر لدعوى ضمان السراية. وإن كان أحدهما معسرا1 عتق نصيبه خاصة. إن كانا معسرين لم يعتق منه شيء فإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه حكم بعتقه ولم يسر إلى نصيبه وقال أبو الخطاب يعتق جميعه. وإذا قال لشريكه الموسر إذا اعتقت نصيبك فنصيبي مع نصيبك حر

_ 1 كذا بالأصل, ولعل الصواب "موسرا"

فأعتق الشريك عتق الباقي بالسراية مضمونا وإن قال فنصيبي مع نصيبك حر عتق بالشرط مجانا ولو قال ذلك لمعر عتق بالشرط فيهما. ومن قال لأمته إذا ولدت ولدا أو أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ميتا ثم حيا أو قال آخر ولد تلدينه حر فولدت فولدت حيا ثم ميتا ثم لم تلد بعده شيئا فهل يعتق الحي على روايتين. ويصح من الحر تعليق عتق الرقيق على ملكه وفي العبد وجهان وعنه لا يصح بحال. ولو قال لعبد أجنبي إن كلمتك فأنت حر ثم ملكه ثم كلمه لم يعتق رواية واحدة. وإذا قال آخر مملوك أملكه فهو حر وصححنا الصفة فملك عبيدا ثم مات فآخرهم حر من ملكه وكسبه له. ومن حلف بطلاق أو عتاق على شيء ثم أبان الزوجة وباع العبد ثم عاد إليه فيمينه باقية. وإن فعل المحلوف عليه قبل عودهما لم تنحل يمينه أيضا وعنه في العتق تنحل ويخرج في الطلاق مثله وهو اختيار أبي الحسن التميمي

باب التدبير

باب التدبير كل من صحت وصيته صح تدبيره فإذا قال لرقيقه أنت حر أو معتق بعد موتي أو أنت مدبر أو دبرتك عتق بموته من ثلثه. ولو علق التدبير أو العتق بشرط ومات قبل وجوده بطل. وإذا قال لعبده إن شئت فأنت مدبر اختصت مشيئته بالمجلس وقيل لا تختص به مثل إذا شئت ومتى شئت وهو الصحيح المفتي به. فإن قال أنت حر بعد موتي بشهر أو أن تخدم زيدا سنة بعد موتي ثم أنت حر فهل يصح ويعتق بذلك على روايتين [الصحيح الصحة والعتق] .

فإن قلنا يصح فأبرأه زيد من الخدمة عتق في الحال فإن كانت الخدمة الموصى بها لكنيسة وهما نصرانيان فأسلم العبد قبل تمامها عتق في الحال وهل تلزمه القيمة لبقية الخدمة على روايتين. ويجوز بيع المدبر وهبته وعنه لا يجوز إلا أن يبيعه في الدين وعنه يباع العبد دون الأمة. وإذا بطل تدبيره بالقول أو باع المدبر ثم اشتراه لم يبطل كالعتق المعلق بصفة وعنه يبطل كالوصية. وإذا أسلم مدبر الكافر ألزم بإزالة ملكه عنه وقيل لا يلزم به إذا استدام تدبيره بل يحال بينهما ويلزم بنفقته حتى يعتق بموته. وإذا دبر الموسر شريكا له في عبد لم يسر إلى حق شريكه وقيل يسرى ويضمن قيمته ويصير كله مدبرا. وللسيد وطء مدبرته وأم ولده وولدهما من غيره يعتق بموته بمنزلتهما إلا ما ولدتاه قبل الاستيلاد والتدبير فلا يعتق. وولد المعتقة بالصفة يتبعها إذا كان حملا حين التعليق أو الصفة وإن حملته وضعته فيما بينهما فعلى وجهين ويخرج في مثل ولد المدبرة مثل ذلك

باب الكتابة

باب الكتابة لا تصح الكتابة إلا من جائز بيعه وهي مستحبة لمن علم من عبده كسبا وأمانة وعنه تجب عليه إذا طلبها وتعتبر في المرض من رأس المال وقال أبو الخطاب من الثلث. وتنعقد بقوله كاتبتك على كذا وإن لم يقل فإذا أديته فأنت حر ويحتمل أن يشترط قول ذلك أو نيته ولا تصح إلا على عوض مباح معلوم منجم نجمين.

أو أكثر يعلم لكل نجم قسطه فإذا أدى النجوم أو أبرىء منها عتق وقال ابن أبي موسى تصح على نجم واحد. ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا يملك واحد منهما فسخها إلا السيد إذا عجز العبد بأن يحل نجم فلا يؤديه وعنه لا يعجز حتى يحل نجمان. ويملك تعجيز نفسه مع قدرته على الكسب ولا يملكه إذا ملك الوفاء وعنه يملكه وعنه يعتق بملك الوفاء. ومن مات عن وفاء وقلنا لم يعتق بملكه فهل تنفسخ الكتابة على روايتين. وإذا كاتبه بشرط فاسد كشرط الخيار للسيد أو الولاء لغيره لغا الشرط وصح العقد ويتخرج فسادهما وإذا فسدت الكتابة لذلك أو لجهل العوض أو تحريمه فهي جائزة من الطرفين ويحصل العتق فيها بالأداء دون الإبراء. وفي انفساخها بموت السيد والحجر عليه لجنون أو لسفه واستتباع الأولاد والاكتساب فيها وجهان. فأما الصحيحة فيملك بمجردها كسبه ونفعه ولا يبيعه سيده درهما بدرهمين. ويملك كل تصرف يصلح ماله من البيع والإجارة ونحوهما وينفق على نفسه ورفيقه وولده الذين يتبعونه إلا إذا عجز ولم يفسخ سيده كتابته فتلزم النفقة سيده ويتبعه ولده من أمته وهل تصبر به أم ولد على وجهين. ولا يتبعه ولده من أمه لسيده إلا بالشرط فإن كان أمه تبعها ما ولدته في الكتابة قنا كان أو مكاتبا. وله أن يسافر ويأخذ الصدقة إلا أن يشترط عليه تركهما وعنه لا يصح الشرط. وليس له أن يتسرى ولا يتزوج ولا يقرض ولا يتبرع ولا يكفر بالمال إلا بإذن سيده وهل له أن يبيع نساء أو يرهن أو يضارب أو يقتص إذا قتل

بعض رقيقه بعضا أو يزوج رقيقه أو يكاتبه أو يعتقه بمال في ذمته بغير إذن سيده على وجهين. وولاء من يكاتبه ويعتقه للسيد الأول وقيل يكون للمكاتب إن عتق وله أن يتملك ذوي رحمه المحرم بالهبة والوصية فأما بالشراء بغير إذن فعلى وجهين. وإذا ملكهم لم يجز بيعهم وكسبهم له ومتى عتق عتقوا وإن عجز رقوا معه ومن كاتب أمة وشرط وطأها جاز نص عليه. وقال ابن عقيل لا يجوز فإن وطئء بلا شرط أدب ويلزمه مهرها إذا لم تطاوعه ومع المطاوعة وجهان. ومن حبس مكاتبه مدة لزمه أجرة المدة وقيل إنظاره مثلها وقيل أرفقهما بالمكاتب. وعلى السيد إذا أدى مكاتبه إيتاؤه ربع كتابته فإن عجلة له أو وضع عنه بقدره جاز وإن أدى ثلاثة أرباع الكتابة وعجز عن الربع لم يعتق ولسيده الفسخ نص عليه وقيل يعتق. وظاهر قول أبي الخطاب عدم العتق ومنع السيد من الفسخ وإذا كاتبه على عوض فأداه فبان به عيب فله أرشه أو عوضه إن رده ولم يترك العتق. ومن كاتب بعض عبده أو شركا له في عبد بغير إذن شريكه جاز وملك من كسبه بقدر ما كوتب منه. وإذا كاتب اثنان عبدهما على التساوي أو التفاضل جاز ولم يؤد إليهما إلا على قدر ملكيهما فإن خص أحدهما بالأداء لم يعتق نصيبه إلا أن يكون بإذن الآخر فإنه على وجهين. ومن كاتب عبيدا له صفقة بعوض واحد صح وقسم بينهم على قدر قيمتهم يوم العقد. وقال أبو بكر على عددهم وأيهم أدى قسطه عتق وإن عجز الباقون.

وقال أبو بكر لا يعتق واحد منهم حتى يؤدى الكل وإذا أدوا وادعى أحدهم أنه أدى أكثر مما عليه فالقو قول من أنكره. وإذا كاتب ثلاثة عبدا فأدعى الأداء إليهم فصدقه اثنان وأنكره الثالث شاركهما فيما أقر بقبضه وقبلت شهادتهما عليه في عتق حصته وبراءة المكاتب منه على المنصوص وقياس المذهب رد شهادتهما. وإذا اختلف السيد ومكاتبه في قدر مال الكتابة فالقول قول السيد مع يمينه وعنه قول المكاتب1. لزمه فداء نفسه قبل الكتابة وقيل يتحاصان فإن بادر فأدى ولما يحجر عليه عتق واستقر الفداء عليه وإن أعتقه سيده فالفداء على السيد وإن عجز وجنايته على سيده فله تعجيزه وإن كانت على غيره ففداؤه على السيد وإلا بيع فيها قنا. والواجب فداء الجناية بالأقل من أرشها أو قيمته وعنه إن كان الفداء للأجنبي على المكاتب أو على السيد إذا أعتقه فبأقلهما وإن كان للسيد أو عليه حيث خير بينه وبين البيع فبالأرش كله وقيل بالأرش كله بكل حال. وإذا لزمته ديون معاملة فعجز عنها تعلقت بذمته دون رقبته وعنه بهما وهو أصح عندي. ويجوز بيع المكاتب ويبقى مكاتبا عند المشتري فإن أدى إليه عتق وله ولاؤه وإلا عاد قنا له وكتابته كالعيب إذا لم يعلم بها المشتري وعنه لا يجوز بيعه.

_ 1 كذا بالأصل. والظاهر أن في الكلام نقصاً، يتعلق بجانب المكاتب، قال في المغني "وإن جنى المكاتب: بدئ بجانيته قبل كتابته فإن كان عجز كان سيده مخيرا بين أن يفديه إن كان أقل من جنايته، أو يسلمه الخ"

وإذا اشترى المكاتبان كل واحد منهما الآخر صح الشراء الأول وحده فإن جهل السابق بطلا. ومن مات وفي ورثته زوجة مكاتبة انفسخ نكاحها ويحتمل أن تبقى إلى أن يعجزوا. وإذا أسلم عبد الكافر ألزم بإزالته عن ملكه فإن أبي بيع عليه وهل تصح كتابته ويكفي1 على وجهين. ومن أولد أمته ثم كاتبها أو كاتبها ثم أولدها فأدت عتقت وكسبها لها وإن مات ولم تؤد عتقت بموته وهل كسبها لها أو للورثة على وجهين. وكذلك إذا كاتب مدبرة أو دبر مكاتبة ثم مات ولم تؤدى وجهل الثلث فأما إن عجز عنه عتق منه بقدره وهل له بقدره من كسبه على الوجهين ويبقى باقيه مكاتبا بقسطه.

_ 1 كذا بالأصل

باب أحكام أمهات الأولاد

باب أحكام أمهات الأولاد إذا علقت من الحر أمته ثم ولدت أو وضعت ما يتبين به بعض خلق الإنسان فهي له أم ولد تعتق بموته وإن لم يملك غيرها ولا يجوز له بيعها ولا هبتها ولا وقفها ولا رهنها ولا الوصية بها وله مع ذلك تزويجها واستخدامها وإجارتها ويعزر قاذفها وعنه يحد. ولو ألقت نطفة أو علقة لم تكن بها أم ولد وإن كانت مضغة لا تخطيط فيها فعلى روايتين. ولو أحبل أمة غيره بنكاح أو غيره ثم ملكها لم تصر أم ولده بحال وعنه تصير بذلك وعنه إن ملكها حاملا صارت أم ولد وإلا فلا. فعلى الأولى والثالثة إذا أقر بولد من أمته أنه ولده ثم مات ولم يتبين هل استولده في ملكه أو قبله وأمكنا ففي كونها أم ولد وجهان.

وإذا أسلمت أم ولد الكافر حيل بينه وبينها ما لم يسلم وألزم نفقتها إن لم يكن لها كسب إلى أن يموت فتعتق وعنه لا يلزمه نفقتها بحال ويستسعى في قيمتها تم تعتق. ومن جنت أم ولده فهل يلزمه فداؤها بالأرش كله أو بالأقل منه ومن قيمتها على روايتين فإن عادت فداها كلما جنت كذلك وعنه يتعلق ذلك بذمتها. وإن قتلت سيدها عمدا عتقت ولوليه القصاص وإن اختار المال أو كان القتل خطأ لزمها الأقل من قيمتها أو ديته. وإذا وطئ الحر أو والده أمة المكاتبة أو لأهل غنيمة وهو منها فأحبلها صارت أم ولده وولده حر لا حق به ويضمن قيمتها لا غير وعنه يضمن قيمتها ومهرها فقط وعنه يضمن معها قيمة الولد وكذلك حكم الأب يحبل أمه ولده لكن لا يطالبه ولده بما لزمه في حياته كسائر ما يثبت له في ذمته وقيل لا يثبت له في ذمته ههنا شيء وهو ظاهر كلامه ولو لم يحبلها الواطئ من هؤلاء لزمه المهر إلا الأب فإنه على الوجهين. ومن وطئ أمه بينه وبين غيره فلم تحمل لزمه نصف مهرها لشريكه وهي على ملكهما وإن أحبلها صارت أم ولده وولده حر ولم يلزمه لشريكه سوى نصف قيمتها وعنه يلزمه معه نصف مهرها دون نصف قيمه الولد وعنه يلزمانه معا. فإن وطئ الشريك بعد ذلك وأحبلها لزمه مهرها ثم إن جهل إيلاد الأول أو أنها مستولدة له فولده حر ويفديهم يوم الولادة وإلا فهم رقيق. وسواء كان الأول موسرا أو معسرا على نص أحمد والخرقي وقيل إن كان معسرا لم يسر استيلاده وتصير أم ولد لهما من مات منهما عتق نصفه وإن أعتقه وهو موسر عتق نصيب شريكه مضمونا وقيل مجانا وقيل لا يعتق.

ولو كاتبا أمة لهما ثم وطئاها ولم تلد فلها المهر على كل واحدة منهما وإن ولدت من أحدهما صارت له أم ولد ومكاتبة ويغرم لشريكه نصفها مكاتبا ولها كمال المهر ونصف قيمة الولد في رواية وفي رواية لا يغرم للولد شيئا وقيل يغرم للشريك نصف قيمتها قنا ونصف مهرها وتكون كلها له أم ولد ونصفها لا غير مكاتبا. وقال القاضي لا يسري استيلاد أحدهما في المكاتبة إلا أن تعجز فينظر حينئذ فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه وإلا فلا ولو ولدت وألحق الولد بهما فهي أم ولد لهما وكتابتها بحالها.

كتاب النكاح

كتاب النكاح مدخل ... كتاب النكاح النكاح للتائق سنة مقدمة على فعل العبادة إلا أن يخشى الزنا بتركه فيجب وعنه يجب عليه مطلقا وهو إن لم تتق نفسه إليه خلقه أو لكبر أو غيره مباح وعنه مستحب. والأولى أن يتخير البكر الأجنبية ذات الدين والحسب من نساء يعرفن بكثرة الولادة وأن لا يزيد على امرأة واحدة. ويجوز لمن أراد خطبة امرأة أن ينظر إلى ما يظهر منها غالبا كالرقبة واليد والقدم وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المسلمة وذوات محارمه وقيل له فيهما نظر ما عدا ما بين السرة والركبة وعنه لا ينظر الخاطب والمحرم إلا الوجه والكفين وعنه الوجه خاصة. ولعبد المرأة نظر وجهها وكفيها وكذلك لغير أولى الإربة من كبر أو عنة ونحوهما وعنه المنع. وللصبي المميز أن ينظر غير ما بين السرة والركبة إلا إذا كان ذا شهوة فانه كالمحرم وعنه كالأجنبي البالغ.

ويجوز للرجل مع الرجل وللمرأة مع المرأة ومع الرجل نظر غير العورة وعنه ليس للكافرة من المسلمة ولا للمرأة من الرجل مالا يظهر غالبا. ويجوز النظر إلى الغلام لغير شهوة إذا أمن ثورانها. وللطبيب أن ينظر من الأجنبية ما تدعو إليه الحاجة ولمن يشهد عليها أو يقابلها نظر الوجه لا غير للحاجة ولا يجوز النظر لشهوة لأحد ممن ذكرنا. ويجوز لأحد الزوجين نظر بدن الآخر حتى الفرج ولمسه وكذلك السيد مع سريته فإن زوجها لم يبح له أن ينظر إلا غير العورة. ولا يباح التصريح بخطبة المعتدة للأجنبي ويباح التعريض إلا فيمن تباح برجعة أو عقد وقيل بإباحته في غير الرجعية وهذه الرواية هي المذهب والتعريض كقوله إني في مثلك لراغب ولا تسبقيني بنفسك وتجيبه ما يرغب عنك وإن قضى شيء كان ونحوه. ولا يحل لأحد أن يخطب على خطبة مسلم إن أجيب صريحا وإن رد جاز وإن أجيب تعريضا فعلى روايتين إحداهما لا يحل إن علم وهو المذهب. وإن لم يعلم أأجيب أم لا فعلى وجهين أحدهما يجوز وهو المذهب والتعويل في إجابته ورده إلى ولى المرأة إن كانت مجبرة وإلا فإليها. والأولى عقد النكاح يوم الجمعة مساء وأن يخطب قبله بخطبة ابن مسعود وأن يقال بعده بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية وإذا زفت إليه قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب وقبول ولا يصح تعليقه بشرط مستقل ولا يصح الإيجاب إلا بلفظ النكاح أو التزويج بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنهما إلا أن يقدر على تعلمهما ففيه وجهان [أحدهما لم يلزمه التعليم] .

والقبول كالإيجاب في ذلك فيقول تزوجتها أو قبلت النكاح ونحوه فإن اقتصر على قوله قبلت أو قال الخاطب للولي أزوجت فقال نعم وللمتزوج أقبلت فقال نعم صح نص عليهما وقيل لا يصح. وينعقد نكاح الأخرس بكتابته أو إشارته نص عليه وفي كتابة القادر على النطق وجهان [أحدهما لا يصح إلا باللفظ] .

باب شروط النكاح

باب شروط النكاح1 لا يصح النكاح إلا بتعيين الزوجين في العقد فلو قال زوجتك بنتي وله بنات لم يصح حتى يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز به. ولو خطب امرأة فسمى له في العقد غيرها فقبل يظنها المخطوبة لم يصح. ولا يصح إلا برضا الزوج حرا كان أو عبدا إلا الصغير والمجنون إذا زوجهما أبوهما أو وصية أو الحاكم بعده أو سيدهما إن كانا مملوكين فيصح نص عليه ويحتمل أن لا يجبر العبد بحال. ولا يصح نكاح امرأة إلا برضا وليها وإذنها إذا لم تكن ممن يجبر وإذن الثيب النطق وإن ثابت بزنا وإذن البنت البكر الصمات وإن بكت أو ضحكت. ولا أثر لزوال عذرتها بوثبة أو إصبع. وولي الأمة سيدها وإن كان فاسقا أو مكاتبا وله إجبارها إلا أن تكون مكاتبة. وولى الحرة أقرب رجل يوجد من عصبتها يوافقها في دينها إذا كان مكلفا حرا رشيدا عدلا مستور الحال وعنه يلي الفاسق وبالعتق المرأة خاصة.

_ 1 بهامش الأصل: ذكر الشيخ مجد الدين شروط النكاح خمسة: الولي والشهود، وتعين الزوجين، والكفاءة، والحكمان للنزاع.

فإن عدم هؤلاء فالسلطان وأحقهم بذلك أب المرأة ثم أبوه وإن علا ثم ابنها ثم ابنه وإن سفل ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها وعنه هما سواء ثم بنو الإخوة كذلك وإن سفلوا ثم العم ثم بنوه كذا فيهما ثم أقرب عصبة النسب بترتيب الإرث ثم المولى المعتق ثم أقرب عصبته ثم السلطان وعنه أن الابن أولى من الجد. فعلى هذا هل الجد أولى من الأخ أو بالعكس أو هما سواء على ثلاث روايات. ويجبر الأب بنته المجنونة والصغيرة التي لم تستكمل سبع سنين ولا تجبر الثيب المكلفة وفي الثيب والبكر المميزتين بعد التسع والبكر البالغة روايات أحدها له إجبار بناته الأبكار مطلقا وتثبت لها دون سبع سنين وهو المذهب لا من لها تسع فأكثر رواية يجبرهن ورواية يجبر البكرين دون الثيب وثالثه يجبر المميزتين دون البالغة وأينما قلنا لا يجبر المميزه بد التسع فهل لها إذن صحيح على روايتين إحداهما يسن استئذانها وأمها. وليس لبقية أولياء الحرة أن يجبروها إلا المجنونة إذا ظهر منها الميل إلى الرجال وهل لهم تزويج الصغيرة بعد التسع بالإذن على الروايتين إحداهما لهم ذلك ولها إذن صحيح معتبر وهو المذهب في صحة إذنها وعنه لهم تزويج الصغيرة ويفيد الحل والأرث ولها الخيار إذا بلغت. ولا عبرة للمرأة في تزويج نفسها ولا غيرها بحال فعلى هذا يزوج أمتها بإذنها من يزوجها وعنه يزوجها أي رجل أذنت له ولا تباشر العقد وعنه لها مباشرته بنفسها فيخرج منها صحة تزويجها لنفسها ولغيرها بإذن الولي وأنه بدون إذنه كتزويج الفضولي وكذلك الروايات الثلاث في عتيقتها إن طلبت النكاح وقلنا تلي عليها وإن قلنا لا تلي زوج بدون إذنها أقرب عصبتها إن وجد وإلا فالسلطان. ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا بالملك أو السلطنة.

ولا يلي كافر نكاح مسلمة إلا بملك نقره له عليها كمن أسلمت أم ولده أو مكاتبتة أو مدبرته في وجه. ويلي الكافر نكاح موليته الكافرة من كافر ومسلم. وهل يباشر تزويج المسلم في المسألتين أو يشترط أن يباشره بإذنه مسلم أو الحاكم خاصة فيه ثلاث أوجه. ويعتبر لنكاح المعتق بعضها إذن المعتق ومالك بقيتها كما يعتبر في الأمة لاثنين إذنهما. وإذا عضل ولى الحرة الأقرب أو غاب غيبة منقطعة زوج الأبعد وعنه في العضل يزوج الحاكم ويخرج مثله في الغيبة وهي معتبرة بما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة نص عليه. وقال الخرقي مالا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه. وقال القاضي مالا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة. ويحتمل أن يكتفي بمسافة القصر. وإذا زوج الأبعد ولم يعضل الأقرب ولم يغب فهو كتزويج أجنبي فضولي. وإذا استوت درجة أولياء الحرة فإيهم زوج صح لكن الأولى تقديم أفضلهم ثم أسنهم فإن تشاحوا أقرع بينهم فإن سبق من أخطأته القرعة فزوج صح وقيل لا يصح. وإذا زوج وليان من اثنين وجهل أسبق العقدين أو كيف وقعا فسخ الحاكم النكاحين ثم نكحت من شاءت منهما ومن غيرهما وعنه يقرع بينهما فمن قرع أمر صاحبه بالطلاق ولا صداق عليه ثم يجدد القارع عقده وقيل إذا أمكن وقوعهما معا بطلا ولم يحتج إلى حاكم ولم يقرع كما لو علم وقوعهما معا. ولا يجوز لولي المرأة المجبرة كعتيقته أو بنت عمه المجنونة أن يتزوجها إلا بولي غيره وإن كان لها إذن تزوجها بإذنها وولايته ووكلت في أحد طرفي العقد.

فإن تولاهما بنفسه أو تولاهما من اجتمعا له تعين ذلك كزوج وكله الولي أو أولى وكله الزوج أو وكيل من الطرفين أو ولى فهما كمن زوج ابنه الصغير ببنت أخيه ونحو ذلك جاز في إحدى الروايتين ويكفي أن يقول زوجت فلانة فلانا أو تزوجتها فيما اذا كان هو الزوج. والرواية الأخرى لا يجوز لأحد أن يتولى طرفي العقد إلا من يجبر فيهما كمن يزوج أمته أو بنته المجبرة لعبده الصغير وقيل يجوز تولي الطرفين إلا الزوج خاصة. وإذا قال قد جعلت عتق أمتي صداقها أو قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها صح بذلك العتق وفي النكاح روايتان. وقال ابن حامد إن قال مع ذلك وتزوجتها صح النكاح وإلا فلا فإن قلنا يصح فطلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها وإن قلنا لا يصح استأنفا نكاحا بإذنها ومهرها العتق فإن أبت لزمها قيمة نفسها. ولا ينعقد النكاح إلا بشهادة بينة يثبت بها عند التجاحد إلا المستورة الحال إذا لم تثبته بها ففي عقده بها وجهان وكذا عقده بشهادة عدوي الزوج أو المرأة أو الولي أو متهم لرحم من أحدهم وجهان وعنه ينعقد بحضور فاسقين. وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة أهل الذمة لم ينعقد إلا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض ففيه وجهان وعنه جواز النكاح بلا شهادة إذا لم يكتموه. وإذا زوجت المرأة بغير كفء لها في الدين والمنصب أو الحرية واليسار أو الصناعة صح النكاح لكن لمن لم يرض بذلك من المرأة والأولياء المستورين الفسخ وهل للأبعد الفسخ مع رضى الأقرب على روايتين وعنه أنه باطل. فلا يصح أن تزوج عفيفة بفاجر ولا حرة بعبد ولا موسرة بمعسر ولا بنت بزاز بحجام ولا نافي1 بحائك ولا عربية بعجمي والعرب بعضهم لبعض

_ 1 كذا في الأصل ولعلها "ولا بنت كاتب بحائك".

أكفاء وسائر الناس أكفاء وعنه لا تزوج قرشية بغير قرشي ولا هاشمية بغير هاشمي وعنه لا يبطل بعقد الكفاءة إلا في الدين والمنصب خاصة وإذا زالت الكفاءة المذكورة بعد العقد فلها الفسخ دون وليها وقيل لا فسخ لها.

باب المحرمات في النكاح

باب المحرمات في النكاح1 المحرمات على التأييد بالنسب سبع أمهات الرجل وهن أمه وجدته من كل جهة وإن علت وبناته من ملك أو شبهة أوزنا وبنات أولاده وإن سفلوا وأخته من أي جهة كانت وبنات أخيه وبنات أخته وأولادهما وإن سفلوا وعماته وخالاته وإن علون ولا تحرم بناتهن ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. والمحرمات بالصهر أربع زوجات آبائه وزوجات أبنائه وأمهات زوجته فيحرمن بالعقد ولا تحرم بناتهن والرابعة بنات زوجته المدخول بها وهن الربائب فإن زوال نكاحها قبل الدخول بطلاق أو فسخ أو موت بعد الخلوة أو قبلها فله نكاح بناتها وعنه الخلوة والموت كالدخول في تحريمهن. ووطء المرأة بملك أو شبهة أو وزنا كعقد النكاح في تحريم المصاهرة فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها فعلى وجهين وهل الخلوة ونظر الفرج والمباشرة دونه إذا كن لشهوة كالوطء في ذلك على روايتين. ومن تلوط بغلام حرم على كل واحد منهما أم الآخر وبنته نص عليه. وخرجه أبو الخطاب على روايتي المباشرة. ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها بالنكاح فمن تزوجهما في عقد أو عقدين فوقعا معا فهو باطل وإن سبق أحد العقدين أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى فنكاح الثانية باطل.

_ 1 إذا كان الحكم عليهما إلينا: وجب إقامة الحد عليهما وهو القتل كما حققه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم وغيرهما من المحققين رحمهم الله.

ويحرم الجمع بينهما في تسرى ملك اليمين أيضا وعنه يكره ولا يحرم والأول المذهب فإن ملك أختين بشراء أو غيره فله وطء إحداهما ومنع منه أبو الخطاب حتى يحرم الأخرى كما يأتي ذكره والأول أصح فإذا وطئ إحداهما لم تبح له الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بتزويجها أو إزالة ملكه عنها واستبرائها وهل يكفي تحريمها بالكتابة على وجهين. وإذا حرم الموطوءة ثم رجعت إليه بعد أن وطئ الباقية أقام على وطئها واجتناب الراجعة عندي والمنصوص أنه يجتنبهما حتى يحرم إحداهما. ولو رجعت قبل وطء الباقية وطئ أيتهما شاء عندي فظاهر كلام الخرقي تحريمهما حتى يحرم إحداهما. وقال صاحب المغني فيه تباح له الراجعة دون الباقية. ولو خالف أولا فافترشهما واحدة بعد واحدة لزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم إحداهما. وقال القاضي في المجرد المحرمة هي الثانية فله إذا استبرأها وطء الأولى. ومن اشترى أخت زوجته صح ولم تبح له ما دامت الزوجة في حبسه فإن خالف ووطئها فعلى الوجهين في واطئ الأختين بالملك. ومن تزوج أخت سريته لم يصح النكاح وعنه يصح. فعلى هذا هل تحرم السرية أم تباح بعد استبرائها الزوجة1 أو يحرمان معا حتى يحرم إحداهما على روايتين وكذا هاتان الروايتان لو تزوجها بعد ما حرم سريته ثم رجعت إليه السرية والنكاح هنا بحالة رواية واحدة.

_ 1 وفي المغني "وإن تزوج امرأة ثم اشترى أختها صح الشراء ولم تحل له. لأن النكاح كالوطء فأشبه مالو وطيء أمته ثم اشترى أختها. فإن وطئ أمته حرمت عليه حتى يستبرئ الأمة، ثم تحل له زوجته دون أمته. لأن النكاح أقوى وأسبق"

ولو أعتق سريته في مدة الاستبراء لزواج أختها ففي صحته الروايتان ولا يطأ مع صحته حتى يتمم الاستبراء. ومن ملك أما وبنتا فله وطء إحداهما وتحرم به الأخرى أبدا ذكره القاضي وقياس قول أبي الخطاب منعه أولا حتى يحرم إحداهما. ومن تزوج أما وبنتا في عقد صح في حق البنت دون الأم وقيل يفسد في حقهما. ومن جمع في عقد بين محللة ومحرمة مفردتين فهل يصح في المحللة على روايتين. ولا يحل لحر أن يجمع فوق أربع زوجات ولا لعبد أن يجمع إلا اثنتين ويجوز لمن عتق نصفه فما زاد ولم يكمل أن يجمع ثلاثا نص عليه وقيل هو كالعبد وأيهم طلق واحدة من منتهى جمعه لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها فإن قال قد أخبرتني بانقضاء عدتها فكذبته صدق في تجويز نكاح الزائدة والأخت وقيل لا يصدق في سقوط النفقة والسكنى. ومن وطئ امرأة بشبهة أو زنا لم يجز له في العدة أن يتزوج أختها ولا يطأها إن كانت زوجته نص عليه وفي وطء أربع سواها بالزوجية وابتداء العقد على أربع وجهان. ويجوز في مدة استبراء العتيقة نكاح أربع سواها. ويحرم نكاح الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب وتقضى العدة وعنه يعتبر إن نكحها الزاني بها توبته أيضا. ويحرم نكاح الموطوءة بشبهة في العدة إلا على الواطئ إذا لم تكن قد لزمتها عدة من غيره فإنه على روايتين أصحهما جوازه. ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا لمسلم نكاح كافرة إلا حرائر أهل الكتاب غير الحربيات وفي الحربيات وجهان وعنه يحل له نكاح إمائهم أيضا.

ومن كان أحد أبويه لا كتاب له فاختار دين الكتابي منهما فهل يحل لنا مناكحته وذبيحته على روايتين. وليس لمجوسي نكاح كتابية نص عليه وفي عكسها وجهان. ولا يحل لحر مسلم نكاح أمة مسلمة إلا بشرطين أن لا يجد طولا لنكاح حرة ولا ثمن أمة وأن يخاف عنت العزوبة إما لحاجة المتعة وإما للحاجة إلى خدمة المرأة لكبر أو سقم أو غيرهما فيجوز نص عليه ومتى لم تعفه أمة جاز أن يتزوج ثانية وكذلك الثالثة والرابعة وعنه لا يباح له سوى واحدة. فإن تزوج الأمة مع الشرطين ثم أيسر أو تزوج حرة فهل ينفسخ نكاح الأمة على روايتين. ومن تزوج أمة على حرة وهو عبد أو حر خائف للعنت لمرضها أو غيبتها أو لشبقة أو غير ذلك عاجز عن طول حرة أخرى جاز وعنه المنع فيهما فإن جمع بينهما في عقد صح النكاحان على الأولى وعلى الثانية هل يفسد النكاح الأمة وحده أم النكاحان على وجهين. ولو جمع بينهما في العقد حر يجد الطول أولا يخشى العنت فسد نكاح الأمة خاصة وعنه النكاحان معا. وليس للعبد نكاح سيدته ولا للسيد نكاح أمته ولا للأب نكاح أمة ولده ولا للأم نكاح عبد ولدها إلا أن يكون الأبوان رقيقان فيجوز. وإذا اشترى أحد الزوجين أو ولده الحر أو مكاتبه الزوج الآخر انفسخ نكاحهما وقيل عنه لا ينفسخ بشراء الولد. وكل امرأة حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا الإماء الكتابيات. ولا يحل نكاح الخنثى المشكل حتى يتبين أمره نقله الميموني. وقال الخرقي إذا قال أنا رجل لم ينكح إلا النساء وإن قال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلا.

فعلى هذا إن عاد عن قوله الأول وليس بمتزوج منع نكاح الصنفين بالكلية عندي. وظاهر قول أصحابنا لا يمنع من الصنف الأول إن عاد إليه وإن عاد أولا وقد نكح انفسخ نكاحه من المرأة دون الرجل وفي نكاحه لما يستقبل الوجهان.

باب حكم الشروط والعيوب في النكاح

باب حكم الشروط والعيوب في النكاح إذا شرط لها في النكاح أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو أن لا يتسرى أو يتزوج عليها أو أن يطلق ضرتها صح العقد والشرط ومتى لم يف لها فلها فسخ النكاح. وإن شرط أن لا مهر لها أو لا نفقة أو يفضلها في القسم أو ينقصها منه أو اشترط أحدهما على الآخر ترك الوطء ونحوه صح العقد ولغا الشرط نص عليه. وقيل يفسدان وقيل لا يفسد العقد إلا فيما شرطت عليه أن لا يطأ خاصة. وإن شرط فيه الخيار أو إن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما صح العقد دون الشرط وعنه فسادهما ونقل عنه ابن منصور صحتهما وبعدها القاضي. ومن زوج وليته من رجل على أن يزوجه الآخر وليته فأجابه ولا مهر بينهما لم يصح العقد ويسمى نكاح الشغار وإن سموا مهرا صح العقد بالمسمى نص عليه. وقال الخرقي لا يصح أصلا وقيل إن قال فيه ويضع كل واحد مهر الأخرى لم يصح وإلا صح وهو الأصح. ومن تزوج امرأة إلى مدة وهو نكاح المتعة أو على أنه إذا أحلها لمن قبله طلقها أو فلا نكاح بينهما لم يصح العقد ويتخرج أن يصح ويلغو التوقيت والشرط. ولو نوى الزوج ذلك بقلبه فهو كما لو شرطه نص عليه وكذا لو زوجها.

المطلق ثلاثا من عبده بنية أن يهبه أو يبيعه منها ليفسخ النكاح فهو كنية الزوج التحليل ولا أثر لنية من لا فرقه بيده. ومن تزوج امرأة وشرطها مسلمة فبانت كتابية فله خيار الفسخ وإن ظنها مسلمة ولم تعرف بكفر سابق أو شرطها كتابية فبانت بخلافة فوجهان وإن شرطها بكرا أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي عيب لا يثبت به الفسخ كالعمى والشلل فبانت بخلافة ففي ثبوت الفسخ له روايتان منصوصتان وقيل له في الفسخ شرط النسب خاصة. وإن شرطها أمة فباتت حرة فلا فسخ له. وإن تزوجها يعتقدها حرة فبانت أمة ففرق بينهما إلا من يباح له نكاح الإماء فإن له الخيار إن شرطها حرة أو ظنها حرة الأصل وإن ظنها عتيقة فلا خيار له وولده بكل حال أحرار حرا كان أو عبدا ويفديهم الحر في الحال. وللعبد إذا عتق بمثل ما بينا في الغصب ويرجع بذلك مع الشرط على من غره ولمستحق الفداء أن يطالب به الغار ابتداء نص عليه. ومتى رضي بالمقام معها رقيقة فما علقت به بعد الرضى فرقيق. ومن تزوجت رجلا على شرط صفة فبان دونها فلا خيار لها إلا في شرط الحرية وفي شرط النسب إذا لم تخل بالكفاءة وجهان. وإذا كان بأحد الزوجين جنون أو جذام أو برص أو كان الرجل قد جب ذكره أو بعضه فلم يبق ما يجامع به أو كانت المرأة فتقاء بانخراق السبيلين أو مسدودة الفرج فلا يسلكه الذكر لرتق أو قرن أو عفل فلمن وجد ذلك بصاحبه خيار الفسخ فأما بخر الفم وهو نتنه أو بخر الفرج وهو نتن يكون فيه عند الوطء أو انخراق مخرجي البول والمنى فيه أو القروح السائلة فيه أو الباسور أو الناصور أو الاستحاضة أو استطلاق النجو أو الخصاء وهو قطع الخصيتين أو السل وهو سل البيضتين أو الوجاء وهو رضهما وكون

أحدهما خنثى غير مشكل ففي ثبوت الخيار بهما وجهان. وفيمن وجد بصاحبه عيبا به مثله وجهان وإن حدث به بعد العقد فقال أبو بكر وابن حامد لا خيار له وقال القاضي له الخيار. وإذا ادعى من جب بعض ذكره الجماع ببقيته فأنكرته فالقول قولها وقيل قوما ما لم تكن بكرا. وإذا بان الزوج عنينا لا يمكنه الإيلاء بأن ادعت المرأة ذلك فأقر به أجل سنة منذ رافعته فإن وطئها فيها وإلا فلها الفسخ هذا ظاهر المذهب. وقال أبو بكر لها الفسخ في الحال وهو أصح عندي. وإن أنكر العنة ولم يدع وطئا فالقول قوله مع يمينه فإن أبى أن يحلف أجل السنة وعنه إن كانت بكرا أجل بقولها. وظاهر قول الخرقي تأجيله للبكر والثيب بدعواهما. وإن أنكر العنة وادعى وطأها وكانت بكرا أريت للنساء فإن شهدن أنها بكر أجل وعليها اليمين إن قال أزلت بكارتها وعادت وإلا فلا وإن شهدن بزوال عذرتها لم تؤجل وعليه اليمين إن قالت زالت عذرتي بغير ما ادعاه وإلا فلا. وكذلك حكم من أقر بالعنة وأجلناه ثم ادعى وطأها في قطع الأجل وتتميمه. وإن كانت ثيبا فادعى وطأها ابتداء وأنكر العنة فالقول قوله مع يمينه وإن ادعاه بعدما ثبتت عنته وأجل فالقول قولها مع يمينها. ونقل عنه ابن منصور القول قوله مع يمينه في الحالتين ونقل مهنا وأبو داود تخلى معه ويقال له أخرج ماءك على شيء فإن فعل وادعت أنه ليس بمنى جعل على النار فإن ذاب فهو منى وسقط قولها وإلا سقط قوله. ومتى اعترفت أنه وطئها في هذا النكاح مرة بطل كونه عنينا وإن ثبت أنه وطئها في الدبر أو في نكاح سابق أو وطئ غيرها ففي زوال عنته وجهان. وخيار العيب والشرط على التراخي لا يسقط إلا بما يدل على الرضى من قول

أو استمتاع أو تمكين منه مع العلم إلا في العنة فإنه لا يسقط بغير القول ويفتقر الفسخ بهما إلى حكم حاكم. وأي الزوجين فسخ قبل الدخول فلا مهر وإن فسخ بعده فلها المهر المسمى. وقيل عنه مهر المثل في فسخ الزوج خاصة لشرط أو عيب قديم وقيل فيه ينسب قدر نقص مهر المثل كذلك إليه كاملا فيحط عنه من المسمى بنسبته سواء فسخ أو أمضى ويرجع الزوج إذا فسخ على من غره من المرأة أو الولي أو الوكيل وعنه لا يرجع فإن لم تكن قبضته المرأة وهي الغارة سقط على الأولى دون الثانية. وليس لولي حرة ولا أمة تزويجها بمعيب إلا أن تختاره وهي أهل للاختيار فإن خالف وزوج صح ولها الخيار وإذا اختارته الحرة ابتداء والعيب جب أو عنة لم يملك منعها وإن كان جنونا أو جذاما أو برصا ملكه في أصح الوجهين. وإذا عتقت الأمة تحت حر أو عبد أو عتقا معا فالنكاح باق ولها الفسخ بغير حاكم على التراخي مالم ترض به وعنه لا فسخ لها إلا تحت عبد لم يعتق وهو الأصح فإن عتق قبل فسخها أو مكنته من وطئها سقط خيارها فإن ادعت الجهل بالعتق ومثلها يجعله فخيارها بحاله وفي جهلها يملك الفسخ روايتان فإن طلقت قبل أن يفسخ وقع الطلاق وقيل يوقف فإن فسخت تبينا عدم وقوعه وإلا وقع. وإذا أعتقت المعتدة الرجعية فلها الفسخ فإن رضيت بالمقام سقط خيارها وقيل لا يسقط. وإذا فسخت المعتقة قبل الدخول فلا مهر وعنه يجب نصفه لسيدها وإن فسخت بعد الدخول أو أقامت فللسيد المهر كله. ولا خيار للمعتق بعضها تحت عبد وعنه لها الخيار. فعلى الأولى لو زوج مدبرة له لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد على مائتين مهرا ثم مات لم يكن لها الفسخ قبل الدخول لئلا يتبين به رق بعضها.

وأي زوجة ثبت لها الفسخ بعيب أو شرط أو عتق فلا حكم لوليها فيه بحال وإن كانت صغيرة أو مجنونة بل تخير إذا بلغت وعقلت.

باب نكاح الكفار

باب نكاح الكفار الكفار في صحة النكاح بينهم وفساده كالمسلمين لكن نقرهم على فاسده إذا اعتقدوا حله ولم يرتفعوا إلينا وعنه لا يقرون على مالا مساغ له في الإسلام كنكاح ذات المحرم ونكاح المجوسي الكتابية ونحوه. فإن أتونا لنعقد لهم عقدا لم نعقد إلا على حكم الإسلام وإن عقدوه ثم ارتفعوا أو أسلم الزوجان أقررناهما إلا لقيام مفسد لابتداء العقد وعنه ما يدل على أنه يعتبر أن يكون المفسد مؤبدا أو مجمعا عليه. فإذا أسلما والمرأة بنته من رضاع أو وزنا أو هي في عدة من مسلم متقدمة على العقد فرق بينهما وإن كانت العدة من كافر فروايتان منصوصتان. وإن كانت حبلى من زنا قبل العقد أو قد شرط فيه الخيار مطلقا أو إلى مدة هما فيها فوجهان. وإن أسلما وكان العقد بلا مولى أو بلا شهود أو في عدة وقد انقضت أو على أخت وقد ماتت أقرا عليه. فإن قهر حربية فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحا أقرا عليه وإلا فلا. ولو طلق الكافر ثلاثا ثم استدام النكاح معتقدا لحله ثم أسلما لم يقرا عليه وعنه يقران وهو أصح عندي. وأما المهر فأينما كان مسمى صحيحا أو فاسدا وقد قبضته فليس لها غيره وإن كان فاسدا ولم تقبضه أو لم يكن مسمى فرض لها مهر المثل وإن قبضت بعض المسمى وجب قسط ما بقي من مهر المثل ويعتبر القسط فيما يدخله الكيل

والوزن به وفي المعدود بعده وقيل بقيمته عند أهله وخرج القاضي رواية أخرى في الخمر والخنزير ونحوه أن لا شيء لها في معينه وأن لها في غير معينه قيمته. وإذا أسلم الزوجان معا أو أسلم زوج الكتابية فهما على نكاحهما. وإن أسلمت الزوجة أو الزوج وليست بكتابية انفسخ نكاحهما إذا لم يكن دخل بها ولا مهر لها في الحالين وعنه لها نصف المهر إن كان هو المسلم وإلا فلا. فعلى هذه إن أسلما وقالت سبقني وقال بل هي سبقت فالقول قولها ولها نصف المهر وإن قالا سبق أحدنا ولا نعلم عينه فكذلك لها نصف المهر قاله أبو الخطاب. وقال القاضي إن لم تكن قبضته لم يجز أن تطالبه بشيء وإن كانت قبضته لم يرجع عليها بما فوق النصف. وإن قال هو أسلمنا معا ونكاحنا بحاله فقالت بل سبق أحدنا فلا نكاح فوجهان. وإن كان إسلام أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن أسلم الثاني قبل انقضائها بقي نكاحهما وإلا تبينا انفساخه منذ اختلف الدينان وعنه ينفسخ في الحال كما قبل الدخول وعنه الوقف بإسلام زوجة الكتابي والانفساخ لغيره. فان وطئها في عدتها وقلنا بالوقف فلم يسلم الثاني فيها لزمه مهر المثل وإن أسلم فلا شيء لها كذلك ويجب لها نفقة العدة إن أسلمت قبله وإلا فلا. فإن اختلفا في السابق فالقول قولها وقيل قوله ولا يسقط مهرها المسمى بحال. وإذا أسلم وتحته أختان فأسلمتا معه اختار إحداهما وإن كانتا أما وبنتا حرمتا أبدا إلا إذا لم يدخل بالأم فإنه يثبت نكاح البنت. وإذا أسلم وقد تزوج فوق أربع في عقد أو عقود فأسلمن معه أو كن كتابيات أمسك أربعا وفارق البواقي كقوله لأربع من ثمان أمسكت هؤلاء

أو أخترتهن أو رضيتهن فتبين البواقي أو يقول تركت هؤلاء الأربع أو فسخت نكاحهن ونحوه فيثبت نكاح الأخر. وعدة ذوات الفسخ من حين اختياره وقيل من حين إسلامه. فإن أبى الاختيار أجبر عليه وألزم نفقتهن إلا أن يختار فإن طلق إحداهن أو وطئها فهو مختار لها وإن ظاهر منها أو آلى فعلى وجهين فان طلق الجميع قلنا أخرج بالقرعة أربعا منهن فكن المختارات وله نكاح البواقي بعد عدة الأربع وقيل لا يقرع ولا ينكح شيئا منهن إلا بعد زواج وإصابة فان مات فعلى الجميع عدة الوفاة. قال القاضي في المجرد عليهن الأطول من عدة الوفاة أو عدة الطلاق. وأما الإرث فلأربع منهن بالقرعة. ولو أسلم معه البعض دون البعض ولسن بكتابيات لم يجز أن يختار إمساكا ولا فسخا إلا في مسلمة ثم إن شاء عجل الإمساك في الكل أو البعض وإن شاء أخره حتى يسلم البواقي أو تنقضي عدتهن وقيل متى نقصت الكوافر عن أربع لزمه تعجيله بقدر النقص. وإذا عجل اختيار أربع قد أسلمن فعدة البواقي إن لم يسلمن من وقت إسلامه وإن أسلمن فهل هي كذلك أو من وقت اختياره على وجهين. وإذا انقضت عدة البواقي ولم يسلم إلا أربع أو أقل فقد لزم نكاحهن. ولو اختار أولا فسخ نكاح مسلمة صح إن تقدم إسلام أربع سواها وإلا لم يصح بحال وقيل يوقف فان تكمل بعده إسلام أربع سواها ثبت الفسخ فيها وإلا بطل. وإذا أسلم حر وتحته إماء لم يدخل بهن فأسلمن معه أو قد دخل بهن فأسلمن وأسلم مجتمعين أو مفترقين في العدة انفسخ نكاحهن إلا أن يكون وقت اجتماع

إسلامه وإسلامهن عادم الطول خائف العنت فإنه يختار منهن مايعفه ولو أربعا على الأصح أو واحدة لا غير في رواية ويفارق البواقي ومن عتق منهن بين إسلامه وإسلامها وهي تعفه تعينت وانفسخ نكاح البواقي سواء أسلمن قبلها أو بعدها كما لو أسلم وتحته حرة تعفه. وأما إذا أسلمت الحرة في العدة قبلهن أو بعدهن فقد انفسخ نكاحهن. ولو عتقت إحداهن بعد إسلامه وإسلامها لم يؤثر واختار من الجميع. وإذا اجتمع ببعضهن في إلاسلام وفيه الشرطان وببعضهن وليسا فيه اختار ممن اجتمع بهن وفيه الشرطان دون البواقي. ولو كان تحت عبد أربع نسوة فأسلموا معا أو مفترقين في العدة فاختار منهن اثنتين ولو عتق قبل أن يختار فكذلك ولو أسلم ثم عتق ثم أسلمن أو أسلمن ثم عتق ثم أسلم الجميع كالحر. ولا مهر بفسخ قبل الدخول لحرمة الجمع في جميع ما ذكرنا. وإذا ارتد الزوجان معا قبل الدخول أو أحدهما انفسخ النكاح وتنصف مهرها بردته وسقط بردتها وفيما إذا ارتدا معا وجهان. ولو كانت الردة بعد الدخول فهل تتنجز الفرقة أو تقف على انقضاء العدة على روايتين. فإن قلنا تقف فلها نفقة العدة إلا إذا ارتدت وحدها. وإذا انتقل الكتابيان أو أحدهما إلى دين لا نقرهما عليه فهو كالردة وإن أقررناها عليه فنكاحهما بحالة إلا في تمجسه دونها فانه كالردة وفي تمجسها دونه وجهان سبق أصلهما.

كتاب الصداق

كتاب الصداق مدخل ... كتاب الصداق يستحب تسمية المهر في العقد وتخفيفه وأن لا يزاد على مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته وهو من أربعمائة درهم إلى خمسمائة درهم وإن زاد فلا بأس ولا يتقدر أقله. وإذا خلا العقد عن ذكره بتفويض المرأة أو بدونه فلها مهر المثل بالعقد وكذلك كل مهر فسدت تسميته وعنه إن فسدت لتحريمه كخمر أو خنزير أو حر يعلمانه فسد بها العقد واختاره الخلال. ولو أصدقها عصيرا فبان خمرا أو عبدا فبان حرا أو مغصوبا صح رواية واحدة ووجبت قيمته. وكل ما صح عوضا في بيع أو إجارة صح مهرا إلا منافع الزوج الحر المقدرة بالزمان فإنها على روايتين ومالا يصح عوضا فيهما لم يصح مهرا إلا لعذر يرجى زواله أو جهل يسير فإنه يحتمل فيه على الأصح. فإذا تزوجها على أن يشتري لها عبد زيد أو على عبد له أبق أو مغتصب يحصله أو على دين من سلم أو غيره أو مبيع اشتراه ولم يقبضه أو على قصيدة لا يحسنها يتعلمها صح ذلك على المنصوص وعليه تحصيله وإن تعذر فقيمته وقيل لا تصح التسمية للجهالة. وإن تزوجها على عبد من عبيدة أو عبد مطلق صح نص عليه وتعطى من عبيده وسطهم وعنه بالقرعة وفي المطلق لها الوسط من رقيق البلد نوعا وقيمة كالسندي بالعراق. وصحح أبو الخطاب التسمية في عبد من عبيده دون المطلق حتى يصفه وأبطلها أبو بكر فيهما. وإذا جاءها بقيمة الموصوف والوسط وقلنا بصحته فهل يلزمه قبولها علي وجهين.

والحكم في دابة من دوابه وثوب من ثيابه ونحو كعبد من عبيده. والحكم في ثوب هروى وقفيز حنطة وقنطار زيت ونحوه كعبد مطلق. ولو تزوجها على دار غير معينة أو ثوب أو دابة أو حمل يظن أو على ما يثمر شجرة أو على ما في بيته من متاع أو على حكم أحدهما أو على رد عبد لها أبق حيث كان أو خدمتها فيما شاءت سنة ونحوه لم تصح التسمية قولا واحدا. وإذا تزوجها على تعليم قرآن أو فقه لم يصح إلا أن نصحح أخذ الأجرة عليه1. وإذا تزوج نسوة أو خالعهن بعوض واحد صح وقسم بينهن على قدر مهور مثلهن وقيل في الخلع على مهورهن المسماة وقيل فيهما على عددهن كما لو قال فيه وبينهن. وإذا ظهر بالمهر أو عوض الخلع المنجز عيب أو نقص صفة شرطت فيه وقد غبن بالعقد وجب الأرش أو الرد وأخذ القيمة كاملة وعنه لا أرش مع إمساكه وإن عقد عليه في الذمة فإنما يجب إبداله لا الأرش ولا القيمة. وإذا تزوجها على مهر مؤجل ولم يسم الأجل صح نص عليه ومحله فرقتهما وقيل لا يصح حتى يسمى الأجل. وإذا تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن بان له زوجة أو على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا صحت التسمية في المسألة الأولى دون الثانية نص عليه. وقال أبو بكر تفسد فيهما وقيل تصح فيهما. وإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها أو على أن يعطيها ألفا ويعطي

_ 1 روى البخاري ومسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج التي أرادت أن تهب نفسها له لرجل من أصحابه، وقال له: زوجتكها بما معك من القرآن" وفي السنة أيضاً "أن سليم تزوجت أبا طلحة باسلامه".

أباها ألفا أو على ألفين على أن يعطي أباها منهما ألفا صح وكانت الألفان مهرها فإن قبضا وطلق قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ولا شيء على الأب. ولو شرط ذلك لغير الأب فالمسمى لهما دونه هذا نص أحمد رحمه الله وقيل لها في الصورة الأولى والثانية مهر المثل وفي الثالثة المسمى ويلغو شرطه للغير إلا لأب يصح تملكه. وإذا توطآ في السر قبل العقد على أكثر مما يسمى فيه أو أنقص أخذ بالمسمى في العقد. وإذا ألحقت بالمهر بعد العقد زيادة لحقت ولزمت وكانت كالأصل فيما يقرره وينصفه نص عليه ويتخرج أن تسقط بما ينصفه. وإذا زيد مهر الأمة المزوجة وقد عتقت فالزيادة لها نص عليه. وإذا كرر العقد بمهرين سرا وعلانية أخذ بالمهر الزائد وهو العلانية وإذا انعقد العقد بغيره نص عليه وقاله الخرقي. وقال القاضي يؤخذ بمهر أول عقد من سر أو علانية فإن ادعى الزوج أنه عقد واحد تكرر وقالت بل عقدان بينهما فرقة فالقول قولها مع يمينها ولها المهران. ومن أعتق أمته بسؤالها على أن تنكحه صح العتق والشرط ثم إن نكحته وإلا لزمها قيمة نفسها وكذلك إن قال أعتقتك على أن تتزوجي بي فرضيت بذلك ويتخرج هنا أن تعتق بمجرد قوله من غير قبول ولا عوض كقوله أعتقتك على ألف. ومن أعتقت عبدها على أن يتزوج بها بسؤالها وبدونه عتق ولم يلزمه شيء. ولا يصح أن يصدق امرأة طلاق ضرتها وعنه يصح فيكون لها مهر الضرة إن فات طلاقها بموتها وقيل مهر المثل.

ومن زوج موليته بدون مهر مثلها لزم الزوج تمامه وعنه يختص الولي بالتمام إلا إذا أذنت فيه أو فعله الأب فإنه يلزم المسمى فقط وليس لأحد نقضه ويحتمل في تزويج الأب الثيب الكبيرة أن يجب التمام كما بينا. ومن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أزيد صح ولم يلزم إلا ذمة الابن وعنه إن كان معسرا لزم الأب ضمانه. ونكاح العبد بإذن سيده صحيح وبدونه باطل وعنه يقف على إجازته ويتعلق المهر مع الإذن برقبته وعنه بذمة السيد وعنه بهما وعنه بذمتيهما ذمة العبد أصالة وذمة السيد ضمانا. فإن نكح بلا إذن ووطئ فيه تعلق برقبته مهر المثل وعنه المسمى وعنه خمساه سواء علما التحريم أو جهلاه وعنه إن علماه فلا مهر بحال. ومن زوج عبده من أمته لم يجب مهر وإن سمى وهو المذهب وقيل يجب ويسقط وقيل يجب ويتبعه به السيد إذا عتق وهو المنصوص عنه. وإذا زوج عبده بحرة بألف ثم باعها العبد بثمن في ذمتها تحول مهرها إلى ثمنه إن قلنا يتعلق برقبته وإن قلنا يتعلق بذمة السيد فهو مع الثمن على حكم مقاصد الدينين وإن علقناه بذمتيهما سقط عنهما عن العبد إذا صار لها وعن سيده إذ هو ضامنه ويبقى الثمن للسيد عليهما وقيل لا يسقط المهر لثبوته قبل أن يملكه. وأصلها من ثبت له دين على عبد ثم ملكه هل يسقط علي وجهين. ولو كان البيع قبل الدخول فالحكم في نصف المهر كما بيناه في الكل إن نصفناه وإلا سقط في رواية سنذكرها. ولو باعها العبد بمهرها قبل الدخول أو بعده صح البيع وانفسخ النكاح وهل يرجع قبل الدخول ببدل النصف أو الكل على الروايتين.

باب حكم المسمى ومهر المثل

باب حكم المسمى ومهر المثل تملك المهر بالعقد فإن كان عيناه فنماؤه لها ومن شرط تصرفها ودخوله في ضمانها قبضه إلا المتميز فإنه على روايتين كما بيناه في البيع. ويتقرر المسمى بواحد من ثلاثة لا غير أحدهما الوطء في الفرج. والثاني خلوة من يطأ مثله بمن يوطأ مثلها إلا مع مانع حسى كالجب والرتق أو شرعي كالحيض والإحرام فإنه على روايتين ولو منعته أن يطأ لم يتقرر بها. الثالث موت أحدهما ولو بقتل نفسه أو غيره. وإذا مات الزوج وقد طلق في مرضه ولم يخل ولم يطأ ففي تقرره روايتان وعنه أن اللمس دون الفرج بلا خلوة مقرر رابع. ويسقط المهر قبل التقرر بكل فرقة جاءت من جهة الزوجة بردة أو إرضاع أو فسخ بإعسار أو غير ذلك. ويتنصف بطلاقه وخلعه وبكل فرقة من أجنبي أو من الزوج إلا فسخه لعيب أو شرط فإنه يسقطه وكذا إسلامه في رواية ذكرت ولو كانت الفرقة بسبب منهما أو منها أو من أجنبي كلعانهما وشرائهما له فهل يسقطه أو ينصفه على روايتين وكذا في شرائه لها من مستحق مهرها وتخالعهما إذا قلنا هو فسخ فوجهان. وإذا كان المسمى عينا فقبضته ثم تنصف وهو فائت بتلف أو انتقال أو مستحق بدين أو شفعة رجع المثلى بنصف مثله وفي غيره ينصف قيمته يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العتد إلى يوم القبض إلا المتميز إذا قلنا يضمنه بالعقد فتعتبر صفته وقت العقد وإن كان باقيا بصفته ملك نصفه قهرا كالإرث نص عليه وقيل لا يملكه حتى يختار ملكه فيكون ما ينمو قبله لها لكن يمنع من التصرف فيه. وإن كان له زيادة منفصله رجع في نصفه دونها وعنه يرجع بنصفهما.

وإن كانت متصلة كسمن وتعلم فله قيمة نصفه كما سبق إلا إذا شاءت دفعه زائدا فيلزمه ويتخرج أن يجب دفعه بزيادته كالمنفصلة وأولى. وإن كان ناقص الصفة فللزوج نصف قيمته كما وصفنا أو نصفه ناقصا لا غير نص عليه. وخرج القاضي رواية بالأرش مع نصفه. ولو وصلته بعين مالها كأرض بنتها وثوب صبغته فبذلت النصف بزيادته لزمه قبوله وإن بذلت نصف قيمة الأصل وطلب الزوج نصفه وبذل قيمة زيادته فله ذلك عند الخرقي وقال القاضي ليس له إلا القيمة. وإذا تلف المهر أو نقص بيدها بعد ما تنصف ضمنته وقيل في المتميز لا تضمنه. قعلى هذا إن ادعت ذلك وادعاه الزوج قبل الطلاق فالقول قولها مع يمينها. والكل إذا سقط كالنصف في جميع ما ذكرنا. وإذا فات النصف مشاعا أو معينا من المتنصف أخذ النصف الباقي وقيل في المعين غير المثلى يأخذ نصف الباقي ونصف قيمة الفائت. وإذا كان المسمى في الذمة فقبض ثم سقط أو تنصف فهو كالعين فيما ذكرنا لكن يعتبر في تقويمه صفته يوم قبضته ولا ترجع بنمائه وإن رجع بنماء العين وهل يجب رده بعينه مع بقائه بصفته على وجهين. إذا كان المسمى تعليم سورة فعلمها إياها رجع إن سقط بأجرة تعليمه وإن تنصف بنصفها ولو طلق قبل الدخول أو بعده ولم يعلمها لزمه أجرة ما عليه وعنه يعلمها من وراء حجاب إذا أمن الفتنة ولو تعلمته من غيره لزمته الأجرة فإن قال أنا علمتها فقالت بل غيره فالقول قولها وقيل قوله. وإذا وجب مهر المثل لفقد التسمية أو فسادها فلها المطالبة بفرضه فإن اتفقا على قدر وإلا فرضه الحاكم بقدره.

ويسقطه إلى غير متعة ما يسقط المسمى ويقرره وعنه لا يقرر الموت إلا نصفه إذا لم يسم ولم يفرض وينصفه ما ينصف المسمى في رواية وعنه ينصف ما وجب لفساد التسمية ويسقطه ما وجب لفقدها إلى المتعة وهي اختيار الخرقي وعنه يسقطهما إلى المتعة وهو أصح عندي. ومتى فرض فهو كالمسمى في التنصيف وغيره وعنه كالذي لم يفرض في وجوب المتعة. وتختلف المتعة بيسر الزوج وعسره وأعلاها خادم وأدناها كسوة تجزيها لصلاتها وعنه يتولى تقديرها الحاكم وعنه هي متاع بقدر نصف مهر المثل. ولا تسقط المتعة بهبة مهر المثل قبل الفرقة1 وقيل تسقط. ولا متعة إلا لهذه المفارقة قبل الفرض والدخول وعنه تجب لكل مطلقة وعنه تجب للكل إلا لمن دخل بها2 وسمى مهرها. ويعتبر مهر المثل بمن يساويها من نساء أقاربها من أم وأخت وعمة وخالة وبنت عم ونحوهن وعنه يختص نساء العصبة. وتعتبر المساواة في العقل والدين والسن والأدب والمال والجمال والبكارة والثيوبة والبلد فإن لم يكن في نسائها إلا فوقها أو دونها زيد ونقص بقدر ذلك فإن كان عادتهم تخفيف مهر عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك وإن كان عادتهم تأجيل المهر ففي فرضه مؤجلا وجهان ومن لم يكن لها أقارب اعتبرت بنساء بلدها ثم بأقرب النساء شبها بها.

_ 1 بهامش الأصل: لقوله تعالى: 236:2 {وَمَتِّعُوهُنَّ} فأوجب لها المتعة بالطلاق، وهي إنما وهبت مهر المثل فلا تدخل المتعة فيه ولا تصح اسما لها قبل الفرقة، لأنه مما لم يجب بالشفقة. اهـ 2 وفي نسخة بهامش الأصل: على نسخة الأصل بخط شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية: إلا لمن يدخل بها، وكذا هو خط المصنف في مسودة شرح الهداية. وهو الصواب لكنها بخط المصنف في المحرر: إلا لمن دخل بها.

والذي بيده عقده النكاح هو الزوج لا الأب فإذا طلق قبل الدخول فمن عفا من الزوجين للآخر عن حقه من المهر وهو جائز التبرع صح عفوه ولا عفو للأب بحال. ونقل ابن منصور عنه أن الأب يصح عفوه عن نصف مهر ابنته البكر إذا طلقت قبل الدخول وقيل يشترط مع ذلك صغرها أو جنونها. ولو زوج ابنه الطفل وأقبض مهره ثم رجع إليه بردة أو رضاع قبل الدخول لم يجز عفوه عنه رواية واحدة. ومن وهبت زوجها مهرها أو أبرأته منه ثم وجد ما يسقطه أو ينصفه رجع عليها بعوضه وعنه لا يرجع بشئ وعنه يرجع مع الهبة دون الإبراء وهو الأصح. ولو وهبته نصفه ثم تنصف رجع بالباقي على الأولى وبنصفه وهو الربع على الأخرى. ولو قضى المهر أجنبي متبرعا ثم سقط أو تنصف فالراجع للزوج وقيل للأجنبي. وللمرأة منع تسليم نفسها حتى تقبض مهرها إلا أن يكون مؤجلا فعليها التسليم قبل حلوله فإن حل المؤجل قبل التسليم فوجهان فإن سلمت نفسها طوعا ثم أرادت المنع ملكته عند ابن حامد وقال أكثر أصحابنا لا تملكه. ولو قبضته ثم سلمت نفسها ثم بان معيبا فوجهان أصحهما هنا تملكه وإذا أعسر بالمهر أو بان معسرا به فلها طلب الفسخ به قبل الدخول وبعده قاله أبو بكر ولا يفسخ إلا الحاكم. قال ابن حامد لا فسخ لها بعده فإن اختارت المقام فلا فسخ لها بعد ذلك ويبقى لها منع نفسها منه. وإذا كانت الزوجة أمة فالمنع والفسخ المذكوران إلى سيدها.

وليس للأب قبض مهر ابنته الرشيدة إلا بإذنها وعنه له ذلك في البكر مالم تمنعه. وإذا اختلف الزوجان في قبض المهر أخذ بقولها وإن اختلفا فيما يستقر به أخذ بقوله وإن اختلفا في قدر المسمى أخذ بقوله مع يمينه وعنه بقول مدعي مهر المثل ولم يذكر اليمين فيخرج وجوبها على وجهين ولو آدعى دونه وادعت فوقه رد إليه ولو اختلفا في عينه فهو علي روايتين في القدر لكن الواجب قيمة لا شيء من المعينين وقيل إن كان معين المرأة أعلى قيمة وهو كمهر المثل أو أقل وأخذ بقولها أعطيته بعينه. وإذا افترقا عن نكاح فاسد بطلاق أو غيره فلا مهر فيه. وإن وطئها أو خلا بها لزمه المسمى وعنه مهر المثل وقيل لا شيء عليه بالخلوة. ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة والمكرهة على الزنا في قبل أو دبر وهل يجب معه للمكرهة أرش البكارة على روايتين منصوصتين وعنه إن كانت الموطوءة ذات محرم فلا مهر لها كاللواط. وإذا دفع أجنبية فأذهب عذرتها فهل عليها أرش البكارة أو مهر المثل على روايتين وإن فعله الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يلزمه شيء سوى نصف المسمى. من يجوز هجرة ولا من عمم بدعوته وتدعى الجفلى ولا من دعا بعد اليوم الأول.

باب الوليمة

باب الوليمة يستحب لمن تزوج الوليمة وأن لا ينقصها من شاة وإجابته في أول يوم إذا كان مسلما وعين من دعاه واجبة وقيل فرض كفاية وقيل مستحبة. ولا تجب إجابة ذمي ولا من يجوز هجرة ولا من عمم بدعوته وتدعى الجفلى ولا من دعا بعد اليوم الأول.

ودعوة الختان وما سوى العرس مباحة لا تكره ولا تستحب نص عليه وكذا إجابتها. ولا يجوز لمن حضر الوليمة قطع صوم واجب ويستحب الأكل للمتنفل والمفطر عند القاضي وقيل إن لم ينكسر قلب الداعي بإتمام النفل فهو أولى. ولا يباح الأكل إلا بصريح إذن أو قرينة. ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده وعنه يكره قبله. ومن دعاه اثنان قدم أسبقهما ثم إن أتيا معا قدم أدينهما ثم أقربهما رحما ثم جوارا ثم بالقرعة. وإذا علم في الدعوة منكرا كالخمر والزمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله إن قدر وجلس وإلا انصرف وإن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس. ويجوز افتراش ما فيه صورة حيوان وجعله وسائد ولا يجوز تعليقه وستر الحيطان به وفي جواز ذلك بستور خالية من صور الحيوان روايتان. والنثار والتقاطه مكروه تنزيها وعنه لا يكره كالمضحى يقول من شاء اقتطع ويملكه من أخذه أو وقع في حجره مع القصد له وبدون القصد وجهان. باب عشرة النساء. من تزوج حرة وجب تسليمها إليه إن طلبه وتسلمها عليه إن بذلته إذا استكملت تسع سنين إلا أن يكون بها ما يمنع الاستمتاع بالكلية ويرجى زواله من مرض وإحرام ونحوه فلا يجب معه ابتداء تسليم ولا تسلم. وأيهما سأل أن يمهل مدة ليصلح أمره أمهل بقدرها ويجب التسليم والتسلم في داره إلا أن تشترط دارها فيجب فيما شاءت منهما وولي من به صغر أو جنون منهما بمنزلته في ذلك.

وإن تزوج أمة وجب تسليمها كما سبق ليلا ولا يجب نهارا إلا بشرط. فإن بذلها فيه السيد بلا شرط لزم الزوج قبوله وإن كانا شرطا أن يكون فيه عند السيد فوجهان. وعلى الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف ويجتنبا تكره بذل الواجب1 وله أن يستمتع بها مالم يضر أو يشغلها عن فرض. وعليه أن يطأها في كل أربعة أشهر مرة مع القدرة وأن يبيت ليلة من كل أربع عند الحرة ومن كل سبع عند الأمة وقيل ثمان وينفرد إن شاء فيما بقى فإن أبى ذلك من غير عذر وطلبت الفرقة فرق بينهما وعنه لا يفرق بذلك وعنه ما يدل على أنه لا يلزمه وطء ولا بيتوتة إذا لم يتركهما ضرارا. ومن سافر عن زوجته فوق ستة أشهر وطلبت قدومه فأباه من غير عذر فرق بينهما نص عليه. ولا يحل وطء زوجة ولا سرية في الدبر. وله العزل عن سريته ولا يباح عن زوجته الحرة إلا بإذنها وإن كانت أمة لم يبح إلا بإذن سيدها نص عليها وقيل بل بإذنهما وقيل لا يباح العزل بحال وقيل يباح بكل حال. ويستحب أن يقول عند الجماع "بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا" وأن لا تكثر الكلام معه وأنه لا ينزع قبل فراغها وأن يتوضأ لمعاودة الوطء. وله إلزامها بغسل الحيض وإزالة النجاسة والشعر الذي تعافه النفس وترك السكر وتناول المحرمات وفي غسل الجنابة روايتان وفي المنع من أكل مباح يؤذي ريحه وجهان وعنه لا تجبر الذمية على غسل الحيض أيضا فيطأ بدونه وله أن يجمع بين نسائه وإمائه بغسل.

_ 1 كذا بالأصل ولعل الصواب "ويجتنبا ما يكرهما في بذل الواجب".

ولا يطأ إحداهن بحيث تراه أخرى ولا يحدثها بما يحرى بينهما. وليس له أن يجمع بين زوجتين في مسكن إلا برضاهما. وله منع زوجته عن الخروج من منزله والأولى أن يأذن فيه لمرض بعض محارمها أو موته وله السفر بها مالم تشترط بلدها. وإن كانت أمة لم يملكه إلا بإذن سيدها وهل يملكه سيدها بدون إذن الزوج على وجهين. وللسيد السفر بعبده المزوج بدون إذن زوجته نص عليه.

باب القسم

باب القسم وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم وعماده الليل فيخرج في نهاره لمعاشه وقضاء حقوق الناس إلا من معاشه الليل كالحارس ونحوه فعماد قسمه النهار. وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر بها لنقلة أو غيبة إلا بقرعة أو رضا من البواقي ولا تسقط القرعة بالقضاء لمن بقي إلا في سفر الغيبة وفي سفر النقلة وجهان وتقضي ما تخلله السفر أو تعقبه من الإقامة وإذا بات عند واحدة بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية ولا تجب التسوية في الوطء. ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين وإن كانت كتابية والمعتق بعضها بحساب ذلك والحائض والنفساء والمريضة والمميزة والمجنونة التي لا يخشى منها والمعيبة ولغيرهن فيه. وإذا عتقت الأمة في نوبتها أو في نوبة الحرة وهي المتقدمة فلها قسم حرة. وإن عتقت في نوبة الحرة وهي المتأخرة فوجهان أحدهما تتم الحرة نوبتها على حكم الرق والثاني يسوى بينهما بقطع أو استدراك. ومن دخل في نوبتها إلى أخرى لم يجز ليلا إلا لضرورة ولا نهارا

إلا لحاجة ثم إن لم يطل لم يقض وإن لبث لضرورة أو غيرها أو وطء قضى مثله من نوبة الأخرى وقيل لا يجب قضاء الوطء. ولا قسم ولا نفقة لمن أبت المبيت عنده أو السفر معه أو سافرت بدون إذنه وإن سافرت بإذنه في حاجة له فهما له وإن كانت الحاجة لها فوجهان فيهما وقيل لها النفقة دون القسم. وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم دار وإن كانت ثيبا فلها ثلاثا وإذا اختارت سبعا ويقضيهن للبواقي فلها ذلك. وإذا زفت إليه أمرأتان وفاهما حق العقد وبدأ بمن سبقت فإن زفتا معا فيمن قرعت وإن أقرع كذلك وهو يريد السفر دخل حق العقد في قسم السفر فيقضيه إذا قدم الأخرى وقيل يسقط فلا يقضيه وقيل يقضيه لهما. ومن طلق امرأة لها قسم لم تستوفه فقد عصى ومتى نكحها لزمه قضاؤه. ومن وهبت قسمها لضرة لها بإذنه جاز وإن وهبته له جعله لمن شاء منهن حرة كانت أو أمة وقيل لا تهبه الأمة إلا بإذن السيد وهل له نقله عن مكانه لكل يلي نوبة الموهوبة على وجهين. ومتى عادت في الهبة عاد حقها من حين رجعت ولو بذلت حقها بعوض لم يصح ذلك. ولو أراد تسريحها بإحسان فبذلت أن يمسكها بلا قسم أو بلا نفقة جاز ذلك ولها فيه الرجوع. ومن قسم لاثنتين من ثلاث ثم ترتب له رابعة بعود في هبة أو عن نشوز أو بنكاح وفاها عقدها وجعل ربع الزمن المستقبل للرابعة وثلاثة أرباعه للثالثة حتى يكتمل حقها ثم يستأنف التسوية بينهن. ولا قسم عليه فيما ملكت يمينه وله الاستمتاع بهن متى شاء وإن أخذ من زمن الزوجات لكن يسوى في حرمانهن.

باب النشوز

باب النشوز إذا بانت أماراته بأن تمنعه حقه أو تجيب متبرمة: زجرها بالقول ثم يهجرها في المضجع والكلام دون ثلاث ثم يضرب ضربا غير مبرح. وإن ادعى كل واحد منهما أن الآخر ظلمه أسكنهما الحاكم بقرب ثقة يشرف عليهما ويلزمهما الإنصاف فإن تعذر وصارا إلى الشقاق بعث الحاكم حكمين مسلمين عدلين وفي اعتبار حريتهما وجهان والأولى كونهما من أهلهما فيكشفان عن حالهما ويفعلان بتوكيل الزوجين لهما ما يريانه إصلاحا من جمع أو فرقة بعوض أو بدونه فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا وعنه يجبر الزوج أن يوكل في الفرقة بعوض وغيره وتجبر المرأة أن توكل في بذل العوض فإن فعلا وإلا جعله الحاكم للحكمين. فإن غاب الزوجان أو أحدهما بقي نظر الحكمين على الرواية الأولى دون الثانية وقيل يبقى عليهما. وإن جنا انقطع نظرهما على الأولى دون الثانية وقيل ينقطع عليهما.

باب الخلع

باب الخلع الخلع لسوء عشرة بين الزوجين جائز لا يكره إلا إذا منعها حقها لتختلع منه ففعلت ولم تكن زنت فإنه لا يصح ولو وقع وحالها مستقيم كره وصح وعنه لا يصح وإذا لم نصححه رد العوض والنكاح بحاله إلا حيث نجعله طلاقا فإن وقع وقع رجعيا. ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه ومن والد الصبي والمجنون وسيدهما إن صححنا طلاقهما عليهما المذهب لا يصح. ويصح بذل عوضه من كل زوجة جائزة التبرع ومن الأجنبي بأن يقول خالع زوجتك على ألف أو على سلعتي هذه وكذلك إن قال على مهرها أو سلعتها وأنا ضامن أو على ألف في ذمتها وأنا ضامن فتجيبه فيصح.

ويلزم الأجنبي وحده بذل العوض فإن لم يضمن حيث سمى العوض منها لم يصح الخلع وقيل إذا قلنا الخلع فسخ لم يصح مع الأجنبي بحال. ولا يصح الخلع من صغيرة ولا سفيهة بحال لكن حيث يجعله طلاقا يقع رجعيا. وإن اختلعهما وليهما بماليهما فهو كخلع الأجنبي بسلعة الزوجة وكذلك خلع الزوجة بسلعة الغير. ويصح خلع الأمة بإذن سيدها ومحل العوض كمحله في استدانتها ولا يصح بدون إذنه بحال وقيل يصح وتتبع بعوضه بعد العتق. ويصح أن يقبض المميز والسفيه والعبد غير المكاتب عوض خلعهم لغيرهم قاله القاضي ونص عليه أحمد في العبد وقيل لا يصح أن يقبضه إلا الولي والسيد. والخلع طلقة بائنة وعنه بلفظ الخلع والمفاداة والفسخ فسخ لا ينقص به عدد الطلاق بحال وعنه إن نوى بهن الطلاق فهو طلاق وإلا فهو فسخ وهو الأصح. ولا يقع بمعتدة من خلع طلاق بحال. ومن طلق بعوض بشرط الرجعة لغا الشرط وحده لشرط الخيار فيه وقيل يلغو معه ويجب قدر مهرها وقيل يقع رجعيا بغير عوض. وكل ما صح مهرا صح الخلع به لكن يكره بأكثر مما أعطاها تنزيها نص عليه وقال أبو بكر تحريما فيرد الزيادة. ولا يصح الخلع إلا بعوض وعنه يصح بدون ذكره ولا يجب شيء فإن جعلا عوضه محرما يعلمانه كخمر وحر فهو كالخالي من ذكره وإن جعلاه

مالا يصح مهرا لغرر أو جهالة صح الخلع به على الثانية ووجب فيما يجهل حالا ومآلا كدار وثوب ونحوهما أدنى ما يتناوله الاسم وأما فيما يتبين في المال كحمل أمتها وما يحمل شجرها وآبق منقطع خبره وما في بيتها من متاع أو في يدها من الدراهم فله ما يتكسب أو يحصل منه ولا شيء عليها لما يتبين عدمه إلا ما كان بتغرير كمسألة المتاع والدراهم فيلزمها ثلاثة دراهم وأدنى ما يسمى متاعا. وأما على الرواية الأولى ففيه خمسة أوجه. أحدها وهو ظاهر كلامه صحه الخلع بالمسمى كما سبق لكن يجب أدنى ما يتناوله الاسم لما يتبين عدمه وإن لم تكن غرته كحمل الأمة والشجر. الثاني صحته بمهرها فيما يجعله حالا ومآلا وصحته بالمسمى فيما يرجى تبينه فإن تبين عدمه رجع إلى مهرها وقيل إذا لم تغره فلا شيء عليها. الثالث فساد المسمى وصحة الخلع بقدر مهرها. الرابع بطلان الخلع قاله أبو بكر. الخامس بطلانه بالمعدوم وقت العقد كما يحمل شجرها وصحته مع الوجود يقينا أو ظنا ثم هل يجب المسمى أو قدر المهر أو يفرق بين المتبين مآلا وبين غيره مبني على ما سبق. وإذا خالعها على عبد مطلق فله الوسط إن قلنا به في المهر وإلا فهل له أي عبد أعطته أو قدر مهرها أو الخلع باطل ينبني على ما تقدم. وإن خالع الحامل على نفقة عدتها منه صح وبرىء منها نص عليه وعلى قول أبي بكر الخلع باطل وقيل إن أوجبنا نفقة الزوجة بالعقد صح وإلا فهو خلع بمعدوم وقد بينا حكمه. وإذا خالعها على إرضاع ولده مدة معينة فمات الولد رجع بأجرة بقية المدة.

وإذا تخالع كافران على خمر أو خنزير ثم أسلما قبل قبضه فلا شيء له وقيل له قيمته عند أهله وقيل له مهر المثل. وإذا قالت طلقني بألف أو على ألف أو ولك ألف أو اخلعني كذلك أو إن طلقتني فلك علي ألف فقال طلقتك أو خالعتك طلقت وله الألف إذا كان في المجلس وإلا فلا يقع شيء ولها أن ترجع قبل إصابتها. وإن قالت طلقني واحدة بألف أو على ألف فقال أنت طالق ثلاثا استحق الألف وإن قال أنت طالق ثلاثا بألف فهل يستحقها أو ثلثها على وجهين فإن قالت طلقني ثلاثا بألف أو ولك أو علي ألف فطلقها واحدة فهي تطليقة رجعية ولا شيء عليه نص عليه وقيل هي بائن بثلث الألف فإن كانت معه على واحدة والمسألة بحالها استحق الألف وقيل ثلثها إذا لم تعلم. وإذا قال ابتداء أنت طالق بألف أو علي ألف أو وعليك ألف فلم تقبل طلقت رجعيا على المنصوص وقال القاضي في موضع تطلق إلا في الصورة1. وقال ابن عقيل لا تطلق إلا في الآخرة2. ويتخرج أن لا تطلق فيهن بناء على نظيرتهن في العتق. ولو قبلته في المجلس بانت ولزمتها الألف على كل قول وقيل إذا جعلناه رجعيا بلا قبول فكذلك إذا قبل. ومن قالت له زوجتاه طلقنا فطلق إحداهما بانت بقسطها من الألف ولو قالته إحداهما فكذلك عند القاضي. وقيل وهو أصح إن طلاقه رجعي ولا شيء له.

_ 1 كذا في الأصل 2 في نسخة بالهامش "تطلق في الآخرة"

وإذا تخالعا بلفظ الخلع أو المفاداة أو الفسخ تراجعا بما بينهما من حقوق النكاح كما لو كان بلفظ الطلاق وعنه تسقط إن سكت عنها ولا تسقط بذلك نفقة العدة ولا بقية شيء خولع ببعضه. وإذا كان مهرها مائة فخالعته قبل الدخول بخمسين فإنه يسقط عنه كله وقيل ثلاثة أرباعه ويبقى ربعه. وإن قالت بالخمسين التي تستقر لي أو بخمسين منه على أن لا تبعة لي عليك أو بخمسين ولم تذكر المهر سقط كله وجها واحدا. وإذا خالعته في مرض موتها فله المسمى إلا أن يزيد على إرثه منها وللورثة منع الزيادة. ولو طلقها في مرضه طلاقا يمنع الإرث ثم أقرأ أو أوصى لها بشيء أعطيته ما لم يزد على إرثها منه ولو خالعها في مرضها وحاباها فهو من رأس المال. وإذا خالع وكيل المرأة بمهرها مع الإطلاق أو بما قدرت لها مما دونها أو خالع وكيل الزوج بقدر المهر مع الإطلاق أو بما قدر له فما فوقهما لزم الخلع بذلك. وإن خالف وكيلها بزيادة أو وكيله ينقص فقيل يبطل الخلع وقيل يصح ويضمن الوكيل الزيادة أو النقص وقيل لا يصح الخلع من وكيله والنكاح بحاله ويصح من وكيلها ويضمن الزيادة. والطلاق المعلق بعوض كالخلع في الإبانة. فإذا قال إن أعطيتيني ألفا أو إذا أذنتيني فأنت طالق فأعطته المسمى بأن أحضرته وأذنت في قبضه على فور أو تراخ بانت به وإن قال إن أعطيتيني هذا العبد أو هذا الثوب الهروي فأنت طالق فبان معيبا أو بان الثوب مرويا بانت منه ولا شيء له وقيل له رده وأخذ قيمته بالصفة سليما كما لو نجز الخلع عليه ولو بان حرا أو مغصوبا لم تطلق وعنه تطلق وله قيمته.

فإذا قال إن أعطيتيني عبدا فأنت طالق فأي عبد أعطته بانت وملكه نص عليه. وقال القاضي له عبد سليم وسط فمتى أعطته معيبا أو دون الوسط فله رده وطلب بدله والبينونة بحالها ولو بان مغصوبا لم تطلق. ولو قال إن أعطيتيني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته ثوبا فبان هرويا لم تطلق وإذا قال إن أعطيتيني خمرا أو هذا الخمر فأنت طالق ففعلت طلقت رجعيا ولا شيء عليها. وإذا قال لزوجتين مكلفة ومميزة أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا قد شئنا بانت المكلفة بقسطها من الألف وطلقت المميزة رجعية بغير شيء وعنه لا مشيئة للمميزة فلا تطلق واحدة منهما. وإذا اختلفا فقال خالعتك بألف فأنكرته أو قالت إنما خالعت غيري بانت بقوله والقول قولها مع يمينها في نفي العوض وإن قالت نعم وضمنها غيري لزمتها. وإن اختلفا في قدر عوض الخلع أو تأجيله أخذ بقول المرأة نص عليه. ويتخرج إذا شرطنا فيه العوض وكان بغير لفظ الطلاق أن يتحالفا ويرجع إلى المهر ويتخرج أن يؤخذ بقول الزوج إذا لم يجاوز المهر.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق مدخل ... كتاب الطلاق لا يقع الطلاق إلا من زوج وعنه أن والد الصبي والمجنون وسيدهما يطلق عليهما ويقع في كل نكاح فاسد مختلف فيه كالمعقود بلا ولي نص عليه. ويقع بائنا وقيل إن لم يعتقد صحته لم يقع. ولا يقع في نكاح الفضولي قبل الإجازة وإن نفذناه. ولا يقع إلا من عاقل بالغ وعنه يقع من المميز الذي يعقله. ولا طلاق لمن أزال عقله إلا بسكر محرم فإنه على روايتين. وكذلك الروايتان في عتقه ونكاحه وظهاره وإيلائه وبيعه وشرائه وردته وإسلامه وقذفه وسائر أقواله وزناه وقتله وشربه وسرقته وكل فعل يعتبر له العقل وعنه أنه كان كالمجنون في أقواله وكالصاحي في أفعاله. وعنه أنه في الحدود كالصاحي وفي غيرها كالمجنون. وعنه أنه فيما يستقل به مثل عتقه وقتله وغيرهما كالصاحي وفيما لا يستقل به مثل بيعه ونكاحه ومعاوضاته كالمجنون حكاها ابن حامد. وألحق بعض أصحابنا من تناول البنج ونحوه كالسكران وفرق أحمد بينهما فألحقهما بالمجنون. ولا طلاق ولا عتق ولا حلف لمن أكره عليه ظلما بالضرب أو الحبس أو عصر الساق أو أخذ المال إذا كان مثله يتضرر به ضررا بينا أو هدد بالقتل أو قطع الطرف من قادر يغلب على ظنه تحقيق تهديده إن لم يجبه وفي تهديده بغير القتل والقطع روايتان. ويكره الطلاق لغير حاجة وعنه يحرم ويباح عند الحاجة إليه. والسنة لمن أراده أن يطلق واحدة في أثناء طهر لم يصبها فيه ثم يدعها حتى تنقضي عدتها.

فإن طلق المدخول بها في حيض أو طهر جامعها فيه ولم يستبن حملها أو في آخر طهر لم يصبها فيه كمن قال أنت طالق في آخر طهرك فهو طلاق بدعة يقع ويأثم به وتستحب رجعتها وعنه تجب رجعة للطلقة في الحيض ولا يطلقها في الطهر المتعقب له فإنه بدعة وعنه جواز ذلك. ولو طلقها ثنتين أو ثلاثا بكلمة أو كلمات في طهر فما فوقه من غير مراجعة وقع وكان للسنة وعنه للبدعة وعنه الجمع في الطهر بدعة والتفريق في الأطهار سنة. ولو طلق الثانية في طهر واحد بعد رجعة أو عقد لم يكن بدعة على الروايات وكذلك الثالثة. وإذا كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو حاملا قد استبان حملها أو لم يدخل بها فلا سنة في طلاقها ولا بدعة وعنه تثبتان من حيث العدد وعنه تثبت سنة الوقت للحامل واختاره الخرقي. فإن قال لحامل أنت طالق للبدعة لم يقع في الحال. وعلى الأولى إذا قال أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت طلقتين في الحال إلا أن ينوي في غير الآيسة إذا صارت من أهل ذلك فيدين وفي الحكم يخرج على وجهين وإن قال لمن لها سنة وبدعة طلقت طلقة في الحال وطلقة في ضد حالها الراهنة. وإن قال لها أنت طالق ثلاثا نصفها للسنة ونصفها للبدعة طلقت طلقتين في الحال والثالثة في ضد حالها الراهنة قاله القاضي. وقال ابن أبي موسى تطلق الثلاث في الحال. وإن قال لمن لها سنة وبدعة أنت طالق للسنة طلقت في الحال إن كانت في طهر لم يصبها فيه وإلا لم تطلق حتى يوجد ذلك. وإن قال أنت طالق للبدعة طلقت في الحال إن كانت في حيض أو طهر

أصابها فيه وإلا طلقت إذا وجد أسبقهما وعندي تطلق طلقتين في الحال إذا كان زمن السنة وقلنا الجمع بدعة. وإن قال أنت طالق ثلاثا للسنة طلقت ثلاثا في طهر لم يصبها فيه وفي رواية ثلاثا في ثلاثة أطهار لم يصبها لم تصب فيها وفي رواية تطلق واحدة في الطهر الموصوف وتطلق الثانية طاهرة بعد رجعة أو عقد وكذا الثالثة. وإذا قال لها أنت طالق أقبح الطلاق أو أسمجه فهو كقوله للبدعة ويكون ثلاثا إن قلنا جمعها بدعة. وإن قال أحسن الطلاق أو أجمله فهو كقوله للسنة إلا أن ينوي بهما أحسن أحوالك أو أقبحها كونك مطلقة فتطلق في الحال. وإن قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال. وإذا قال لمن لا بدعة لها أنت طالق في كل قرء طلقة وقلنا الأقراء الحيض لم تطلق بهن في الحال إلا الحائض غير المدخول بها فإذا وجد الحيض ممن تحيض منهن وقع بكل حيضة طلقة. وإن قلنا الأقراء الأطهار طلقن في الحال إلا الحائض غير المدخول بها وفي الصغيرة وجهان ثم يقع بكل طهر متجدد في غير الآيسة منهن طلقة. ولا يجوز لوكيل المطلق في الطلاق أن يطلق في زمن البدعة فإن فعل فهل يقع على وجهين. ويباح الخلع والطلاق بسؤال المرأة في زمن بدعة الطلاق وقيل هو بدعة. والنفاس كالحيض في جميع ما ذكرنا. وتنقضي بدعتهما بانقطاع الدم وقيل يقف على الغسل.

باب صريح الطلاق وكناياته

باب صريح الطلاق وكناياته صريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه لا غير وقال الخرقي صريحه ثلاثة الطلاق والفراق والسراح وما تصرف منهن. فإذا أتى بصريحه جدا أو هزلا وقع باطنا وظاهرا وسواء نواه أو أطلق فإن صرفه إلى ممكن فأراد أنت طالق من وثاق أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه بطالق أو أراد طالق في نكاح سابق منه أو من غيره لم تطلق فإذا ادعى ذلك دين ولم يقبل منه في الحكم وعنه يقبل إلا أن تكذبه قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه فلا يقبل. وفيما إذا أراد في نكاح سابق وجه آخر أنه يقبل إن ثبت ذلك وإلا فلا. ولو قال أنت طالق ثم قال أردت إن فعلت كذا قبل في الباطن دون الحكم نص عليه ويتخرج قبوله فيهما. وإن قال أردت أن أقول إن فعلت كذا ثم بدا لي فتركت الشرط ولم أرد الطلاق بالكلية دين ويتخرج في الحكم على روايتين. ومن لطم زوجته أو أطعمها أو ألبسها ثوبا ونحوه وقال هذا طلاقك لزمه الطلاق إلا أن يفسره بمحتمل غيره فيقبل وقيل لا يلزمه حتى ينويه. وإذا قال أنت طالق لا شيء أو ليس بشيء أو طلقة لا تلزمك طلقت. وإن قال أنت طالق أولا لم تطلق ولو قال أنت طالق واحدة أولا فوجهان. ومن أوقع طلاقا أو ظهارا أو إيلاء بامرأة ثم قال عقيبه لأخرى أشركتك معها أو أنت مثلها كان صريحا في الثانية نص عليه. وعنه ما يدل على أنه كناية وقيل في الإيلاء خاصة لا يلزمها وإن نواه.

ومن كتب طلاق زوجته ونواه أو لم تكن له نية وقع وعنه لا يقع إلا بنية. وإن قال قصدت تجويد خطى ونحوه لا الطلاق قبل منه على الأصح وإن كتبه بشيء لا يبين لم يقع وقيل يقع. وصريح الطلاق في لسان العجم بهشتم فإن قاله عربي لا يفهمه أو نطق عجمي بلفظ الطلاق ولا يفهمه لم يقع بحال وقيل إن نوى موجبه عند أهله وقع وإلا فلا. وكنايات الطلاق ضربان ظاهرة وخفية. فالظاهرة سبع أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج. والخفية نحو اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي واعتدي واستبرئي واعتزلي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ونحوه. واختلف عنه في الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وتقنعي وغطي شعرك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك فعنه أنها ظاهرة وعنه خفية. ولا. يقع الطلاق بكناية إلا بنية تقارن أول اللفظ وقيل يكفي أن تقارن أي جزء منه فإن كانا في حال خصومة وغضب أو ذكر للطلاق وقال لم أرد بها الطلاق قبل منه. وعنه لا يقبل في الحكم خاصة وقيل يقبل منه في الألفاظ التي يكثر استعمالها في غير الطلاق نحو اذهبي واخرجي وشبهه. وإذا نوى بالكناية الظاهرة الطلاق لزمه ثلاث إلا أن ينوي دونها فيدين فيه ويكون رجعيا وفي قبوله في الحكم روايتان وعنه يقع بها طلقة بائنة. وكذا الروايات في قوله أنت طالق بلا رجعة أو طالق بائن أو طالق البتة.

ولو قال أنت طالق بائنة وقعت رجعية وعنه بائنة كما قال. وأما الكناية الخفية فيقع بها واحدة رجعية مالم ينو به أكثر. ولا يقع الطلاق بلفظ لا يحتمله نحو كلي واشربي واقعدي وبارك الله عليك ونحوه. ومن قيل له أطلقت امرأتك فقال نعم أو قيل له ألك امرأة فقال قد طلقتها يريد الكذب طلقت. وقال ابن أبي موسى إنما تطلق في الحكم كما لو قال كنت طلقتها وإذا قال قد حلفت بالطلاق أن لا أفعل كذا وهو كاذب دين ولزمه الطلاق في الحكم وعنه يلزمه فيهما ويجعل إنشاء. وإن قال ليس لي امرأة أو ليست لي امرأة ونوى الطلاق وقع وعنه لا يقع شيء فعلى الأولى لو أقسم الله على ذلك فقد توقف عنه أحمد فيحتمل وجهين. فإن قال لزوجته أنت على حرام أو ما أحل الله منك علي حرام فهو ظهار إلا أن ينوي به الطلاق أو اليمين فيلزمه ما نواه وعنه أنه يمين إلا أن ينوي ظهارا أو طلاقا فيلزمه وعنه هو ظهار بكل حال ولو وصله بقوله أعني به الطلاق أو طلاقا طلقت وهل يلزمه الثلاث مع الألف واللازم على روايتين وعنه أنه ظهار فيهما كما لو قال أنت علي كظهر أمي أعني به الطلاق. وإذا قال وهبتك لأهلك ينوي به الطلاق فقبلوها فواحدة رجعية وإن ردوها فلا شيء وعنه إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فواحدة. وكذلك قوله وهبتك لنفسك. وإذا قال لها أمرك بيدك ينوي به الطلاق ملكته على التراخي. ولو قال مكانه اختاري اختص بالمجلس ما داما فيه ولم يشغلا بما يقطعه نص عليه مفرقا بينهما ولو قال طلقي نفسك فبأيهما يلحق على وجهين.

ولو قال ذلك لأجنبي كان على التراخي في الجميع. ولفظ الخيار وأمرها بيدها توكيل بكناية يفتقر إلى نية الزوج الطلاق ويبطل برجوعه وبرد من وكله فيه وإذا أوقعه الوكيل بصريح أو كناية مع نيته وقع. وإن وكل فيه بصريح لفظ فأوقعه بكناية فعلى وجهين. وكل من اعتبرنا نيته فالقول قوله فيهما. وإذا ادعى الزوج أنه رجع قبل إيقاع الوكيل فالقول قوله ذكره أصحابنا. ولا تملك المرأة بقوله اختاري أو طلقي نفسك فوق طلقة إلا بنية الزوج فأما أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو وكلتك في الطلاق فهل تملك به الثلاث على روايتين. وإذا قال طلقي ثلاثا فطلقت واحدة أو بالعكس طلقت فيهما واحدة. وإذا قال طلقي من ثلاث ما شئت لم تملك فوق اثنتين. والأجنبي كالمرأة في ذلك كله. وإذا قال لاثنين طلقا ثلاثا فطلق أحدهما دونهما وقع ما اجتمعا عليه. وإذا نوى بقوله اختاري أو أمرك بيدك طلاقها في الحال لزمه. ولا يصح تخيير مميز ولا توكيل مميز إذا لم نصحح طلاق المميز نص عليه. باب ما يختلف به عدد الطلاق. إذا قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق طلقت ثلاثا إلا أن ينوي بالتكرار تأكيدا أو إفهامها فيقبل. ولو قال أنت طالق فطالق أو طالق ثم طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو طلقة بعدها طلقة أو قبل طلقة طلقت طلقتين ولو لم يدخل بها طلقت بأول طلقة ولغا ما بعدها.

وإذا قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة أو بعد طلقة طلقت طلقتين معا عند أبي الخطاب وقيل بل متعاقبتين فمن لم يدخل بها بانت بطلقة. ولو قال أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق طلقت المدخول بها طلقتين وعنه طلقة. ولو قال أنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين معا وإن لم يدخل بها. والمعلق كالمنجز في ذلك تقدم الشرط أو تأخر. فإذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق أو فأنت طالق طلقه معها طلقتان أو مع طلقتين أو قال أنت طالق وطالق فطالق إن دخلت الدار فدخلت طلقت ثلاثا. وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق فطالق أو ثم طالق ثم طالق لم تطلق حتى تدخل فتطلق واحدة إن لم يدخل بها وإلا فثلاثا. وقال الماضي لا يتعلق بالشرط مع حرف ثم إلا طلقة فتطلق المدخول بها طلقتين في الحال وتقف طلقة على الشرط وتطلق من لم يدخل بها إذا أخر الشرط طلقة ويلغو ما بعدها وإن قدمه طلقت الثانية ولغت الثالثة وتعليق الأولى بحاله. فإن قال أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا إلا أن يقول بعد المقبوضين فيقبل. وإذا قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت طلقتين وعنه ثلاثا وإن قال أنت طالق طلقة في طلقتين ولا نية وقع به طلقتان عند أبي بكر وقيل طلقة وقيل طلقتان بالحاسب وطلقة بغيره وقيل طلقتان بالحاسب وبغيره ثلاث وإن نوى بذلك طلقة فقط أو نوى طلقة مع طلقتين أو نوى موجب الحساب لزمه ما نواه وقيل نية من لم يعرف الحساب له كالمعدومة.

وإن قال أنت طالق مثلما طلق فلان زوجته ولم يعلم بعدد ما طلق فلان فهل يقع طلقة أو مثل طلاق فلان إن كان أزيد على وجهين. وإن قال أنت طالق واحدة بل ضرتك ثلاثا طلقت واحدة وضرتها الثلاث. وإذا قال لثلاث نسوة هذه أو هذه وهذه طالق طلقت الثالثة مع إحدى الأوليين وتخرج بالقرعة وقيل يقرع بين الأولى وبين الأخيرتين معا فيعمل بذلك. وإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفى طلقة أو نصف طلقتين طلقت طلقة. وإن قال نصفى طلقتين أو ثلاثة أنصاف طلقة طلقت طلقتين وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين طلقت ثلاثا نقله مهنا. وقال ابن حامد طلقتين. وإن قال أنت طالق نصف طلقة سدس طلقة أو نصف وثلث وسدس طلقة أو نصفا وثلثا وسدسا أو نصف طلقة وثلثها وسدسها طلقت طلقة فيهن وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاثا. وإذا قال أنت طالق اليوم غدا طلقت واحدة إلا أن ينوي طالق اليوم وطالق غدا أو نصف طلقة اليوم ونصفها غدا فتطلق ثنتين وإن نوى نصفها اليوم وباقيها غدا لزمه طلقة وقيل طلقتان. وإن قال لأربع أوقعت بينكن طلقة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة. وعنه يقع طلقتان في الصورة الثانية وثلاث في الثالثة والرابعة. وإن قال أوقعت بينكن خمسا وقع بكل واحدة طلقتان على الأولى وثلاث على الثانية وإن قال أوقعت بينكن طلقة طلقة وطلقة وقع بكل واحدة على

الروايتين ثلاث وقيل يقع بها واحدة على الأولى خاصة وإذا قال نصفك أو رجلك أو إصبعك أو دمك أو روحك طالق طلقت وقال أبو بكر في الروح لا تطلق وحكاه عن أحمد. وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك طالق لم تطلق نص عليه ويحتمل أن تطلق. وإن قال حملك أوريقك أو دمعك أو عرقك طالق لم تطلق. ولو قال يدك طالق ولا يد لها أو قال إذا دخلت الدار فيمينك طالق فدخلت وقد قطعت فوجهان. وإذا قال الطلاق لازم لي أو أنت طالق ولم ينو عددا لزمته واحدة وعنه ثلاث. وإن قال أنت طالق ونوى الثلاث لزمته وعنه لا تلزمه إلا واحدة فعلى الأولى إن قال أنت طالق واحدة ونوى ثلاثا فوجهان. وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره أو جمعيه أو منتهاه أو كألف أو بعدد الحصى أو القطر أو الريح أو الرمل أو التراب طلقت ثلاثا وتلغى نيته للواحدة. وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا طلقت واحدة إلا أن ينوي أكثر. باب الاستثناء في الطلاق. يصح استثناء الأقل دون الأكثر في عدد الطلاق والمطلقات والأقارير نص عليه وفي النصف وجهان وقيل يصح في الأكثر أيضا فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة طلقت طلقتين على المنصوص. وقال أبو بكر لا يصح الاستثناء في عدد الطلاق بحال والتفريع على الأول فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلثا أو إلا اثنتين طلقت ثلاثا.

وإن قال ثلاثا إلا ربع طلقة أو خمسا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة أو ثلاثا إلا اثنتين أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة فوجهان في كل مسألة من ذلك أحدهما تطلق ثلاثا وإلا طلقتين. وكذلك إن قال أنت طالق وطالق وطالق إلا طالقا أو إلا طلقة فعلى الأول إن أراد هنا استثناء الطلقة من المجموع دين وفي الحكم وجهان. وإن قال أنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة لزمه الثلاث في الحكم عند أبي الخطاب وعندي يلزمه باطنا وحكما. وكذلك إن قال نسائي الأربع طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانة فإن لم يقل فيها الأربع قبل ولم تطلق فلانة قاله القاضي وقال ابن حامد تطلق في الحكم. ويشترط للاستثناء الاتصال المعتاد وأن ينويه قبل تكميل المستثنى منه. وكذلك الشرط الملحق والعطف المغاير والاستثناء بالمشبه في نية العدد حيث يؤثران.

باب الشك في الطلاق

باب الشك في الطلاق إذا شك في الطلاق أو في شرطه بني على يقين النكاح ويستحب له ترك الوطء. وقيل إن كان الشرط أمرا عدميا كقوله لقد فعلت كذا وهو شاك فيه أو لم أفعل اليوم كذا وانقضى اليوم ثم شك في فعله لزمه الطلاق وتمام التورع من الشك قطعه برجعة أو عقد إن أمكن وإلا فبفرقة متيقنة بأن يقول إن لم تكن طلقت فهي طالق. وإذا شك أو واحدة طلق أو ثلاثا بني على اليقين وملك الرجعة ولم يحرم عليه الوطء بعدها وقيل يحرم إذا حرمنا وطء الرجعية لأنه تيقن حرمته ثم شك في حله.

ولو قال لامرأتيه إحداكما طالق ولم ينو معينة عينت المطلقة بالقرعة وعنه يعين أيتهما شاء. وإن طلق إحداهما بعينها ثم أنسيها أو جهلها ابتداء كمن قال إن كان هذا الطائر غرابا ففلانة طالق وإن لم يكن غرابا فعلانة طالق وغاب ولم يعرفه فعنه لا يقرع ههنا وعليه اعتزالهما حتى يتبين الحال وعنه وهو المشهور أنه يقرع كما في المبهمة وعليه نفقتهما إلى حين التبين أو القرعة وإذا أقرعنا ثم قال ذكرت المعينة وقد أخطأتها القرعة طلقت وردت إليه الأخرى مالم تكن تزوجت ولم تكن قرعتها بحاكم نص عليه وقال أبو بكر وابن حامد يحكم عليه بطلاقهما. ومن رأى طائرا فقال إن كان غرابا فزوجتي طالق ثلاثا وقال آخر إن لم يكن غرابا فزوجتي طالق ثلاثا بني كل واحد على يقين نكاحه ثم إن اعتقد خطأ صاحبه حل له الوطء وإن شك ولم يدر كف عنه حتما وقيل ورعا. من قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق أو قال سلمى طالق واسمهما كذلك طلقت زوجته فإن قال أردت الأجنبية دين باطنا ولم يقبل منه في الحكم نص عليه ويتخرج أن يقبل. وإذا قال لزوجته إحداكما طالق غدا فماتت إحداهما قبل الغد طلقت الثانية وقيل لا تطلق إلا بقرعة تصيبها وإذا قال أنت طالق لمن ظنها زوجته فبانت أجنبية طلقت زوجته وإن كان بالعكس فعلى روايتين وكذلك حكم العتق. ومن نادى زوجة له فأجابته ضرتها أو لم تجبه وهي الحاضرة فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقت دون المواجهة وعنه تطلق المواجهة أيضا في الحكم وإن قال علمت أنها غير المناداة طلقت وإن قال أردت طلاق المناداة وإلا طلقت المواجهة وحدها.

وإذا قال إن كنت تحبين بقلبك أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق أو لم يقل بقلبك فقالت أحبه وهي كاذبة لم تطلق وقيل تطلق وقيل لا تطلق إن قال بقلبك وإلا طلقت.

باب تعليق الطلاق بالشروط

باب تعليق الطلاق بالشروط لا يصح تعليقه من غير الزوج فإذا قال رجل أن تزوجت فلانة أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم تطلق إن تزوجها وعنه يصح فتعلق. ولو قال لأجنبية إن فعلت كذا فأنت طالق فنكحها ثم فعله لم تطلق رواية واحدة. وإذا علق الطلاق بشرط قد يقع كقدوم زيد أو يقع لا محالة كطلوع الشمس لم تطلق حتى ينعقد الشرط فإن قال عجلت ما علقته لم يتعجل. وإذا قال أنت طالق إن قمت ثم قال سبق لساني بالشرط ومرادي التنجيز طلقت في الحال. وإذا تخلل الشرط وحكمه غيرهما تخللا منتظما كقوله أنت طالق يا زانية إن قمت لم يقطع التعليق. وقال القاضي يحتمل أن يقطعه وتجعل كسكتة كما لو قال بينهما سبحان الله أو أستغفر الله. وإذا علق الطلاق بوجود مستحيل عادة أو في نفسه فالأول كقوله أنت طالق لا طرت أو إن طرت أو صعدت السماء أو قلبت الحجر ذهبا أو إن شاءت البهيمة ونحوه والثاني كقوله إن رددت أمس أو جمعت بين الضدين أو شربت الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء فيه ونحوه لم تطلق كما لو حلف بالله على ذلك لم يلزمه شيء وقيل تطلق ويلغو الشرط وقيل تطلق في القسم الثاني دون الأول.

ولو علق الطلاق بعدمه كقوله لأطيرن أو إن لم أصعد السماء أو لأشربن أو إن لم أشرب في مسألة الكوز ونحوه طلقت في الحال. وقيل في القسم الثاني لا تطلق بحال وفي الأول هو كالممكن عادة في تأخر الحنث إلى آخر حياته وقيل لوقته كقوله لأطيرن اليوم لم تطلق إلا في آخر الوقت وإن أطلق طلقت في الحال واليمين بالله كالطلاق في ذلك وقيل لا كفارة فيها كالغموس على الماضي والظهار والعتق والحرام والنذر كالطلاق فيما ذكرنا كله. وإذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لم تطلق وقيل تطلق في الحال وقيل تطلق في الغد. وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم لم تطلق عند أبي بكر وقال أبو الخطاب تطلق في آخر يومه إذا لم يطلقها فيه. فصل في أدوات الشرط الغالب استعمالها وهي ست إن وإذا ومتى وأي ومن وكلما ولا يقتضى تكرار الفعل منها إلا كلما. وفي منى وجهان ومن وأي المضافة إلى الشخص يقتضيان عموم ضميرهما فاعلا كان أو مفعولا وجميعها للتراخي إذا خلت عن نية الفور وحرف النفي فإن دخلها النفي كانت للتراخي ما لم تكن نية أو قرينة بفورية وعنه متى عزم على الترك بالكلية حنث حالة عزمه. ومتي وأي المضافة إلى الوقت وكلما للفور وفي إذا ومن وأي المضافة إلى الشخص وجهان. فإذا قال إن قمت أو إذا قمت أو متى قمت أو كلما قمت أو أي وقت

قمت أو أيتكن قامت أو من قامت منكن فهي طالق فمن قامت طلقت فإن تكرر القيام منها لم يتكرر الطلاق إلا في كلما وفي متى الوجهان ولو قامت الأربع في مسألة من قامت وأيتكن قامت طلقن وكذلك إن قال من أقمتها أو أيتكن أقمتها ثم أقامهن طلقن كلهن. وعلى قياسه لو قال أي عبيدي ضربته أو من ضربته من عبيدي فهو حر فضربهم عتقوا كما لو قال أي عبيدي ضربك أو من ضربك من عبيدي فهو حر فضربوه كلهم عتقوا. وإذا قال للنسوة أيتكن لم أطأها اليوم فضرائرها طوالق ولم يطأ في يومه طلقن ثلاثا ثلاثا. وكذلك لو قال أيتكن حاضت فضرائرها طوالق ثم قلن قد حضن أو قال أيتكن لزمها طلاقي فضرائرها طوالق ثم قال لإحداهن أنت طالق طلقن ثلاثا ثلاثا. وإذا اجتمعت شروط في عين كقوله إن كلمت رجلا فأنت طالق وإن كلمت فقيها فأنت طالق وإن كلمت شريفا فأنت طالق فكلمت رجلا ففيها شريفا طلقت ثلاثا. وإذا قال إن أكلت رمانة فأنت طالق وإن أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة طلقت طلقتين. ولو أتى بكلما مكان إن طلقت ثلاثا. وإذا قال لأربع إن طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وإن طلقت اثنتين فعبدان حران وإن طلقت ثلاثا فثلاثة أحرار وإن طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقهن معا أو متفرقات عتق عشرة أعبد. ولو قال كلما مكان إن عتق خمسة عشر وقيل عشرون وقيل عشرة وهو خطأ.

وإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق فلم يطلق حتى مات أحدهما أوقال فضرتك طالق فمات أحدهم طلقت إذا بقى من حياة الميت مالا يتسع لقول أنت طالق. وإن قال متى لم أطلقك أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن تطليقها فيه طلقت. وكذلك حكم إذا لم أطلقك أو أيتكن لم أطلقها أو من لم أطلقها منكن في وجه وفي وجه هو كحكم إن لم أطلقك. ولو قال كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى ما يتسع لإيقاع ثلاث مترتبة لزمه ثلاث كذلك فإن لم يدخل بها بانت بالأولى. وإذا قال أن قمت بفتح الهمزة فهو شرط إلا أن يقوله عارف بالعربية فتطلق في الحال وقال الخلال إذا لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا. وإذا قال أنت طالق إن قمت أو قعدت أو لا قمت ولا قعدت طلقت بأحدهما. ولو قال إن قمت وقعدت أو لا قمت وقعدت طلقت بهما كيفما وجدا وعنه بأحدهما. وإذا ألحق شرطا بشرط بحرف الفاء فقال أنت طالق إن قمت فقعدت لم تطلق إلا بهما مرتين كما ذكر ولو ألحقه بإن أو بأن أو بإذا كقوله إن قمت إن قعدت أو قال إن قمت إذا قعدت لم تطلق حتى ينعدم المؤخر ذكره. وإذا قال إن قمت أنت طالق فهو كما لو قاله بالفاء وقيل إن نوي الشرط وإلا طلقت في الحال كما لو قاله بالواو.

فصل في التقييد بالأوقات إذا قال أنت طالق في هذا اليوم أو في هذا الشهر طلقت في الحال وإن قال في الغد أو في شهر كذا طلقت في أولهما فإن قال أردت في آخر اليوم أو في آخر والغد دين وهل يقبل في الحكم على روايتين. ولو قال أنت طالق غدا أو يوم كذا وقال أردت آخره لم يقبل في الحكم ولم يدين على ما رواه مهنا وقيل يدين. وإذا قال أنت طالق اليوم أو غدا أو أنت طالق غدا أو بعد غد طلقت في أسبق الوقتين. وإذا قال أنت طالق في اليوم وفي غد وفي بعد غد طلقت ثلاثا ولو قاله بدون حرف في طلقت واحدة وقيل فيهما تطلق ثلاثا وقيل واحدة. وإذا قال أنت طالق إلى شهر طلقت بمضي شهر إلا أن ينوي منجزا فيقع ويلغو توقيته. وإذا قال أنت طالق في غد إذا قدم زيد فقدم فيه طلقت عقب قدومه. وقال أبو الخطاب تطلق من أول الغد. وإن قال أنت طالق يوم يقدم فلان ونوى باليوم الوقت طلقت ساعة يقدم من ليل أو نهار وإن نوى به النهار فقدم ليلا لم تطلق وإن قدم نهارا طلقت من أوله وقيل عقيب قدومه وإن لم ينو شيئا فهو كمن نوى الوقت وقيل كمن نوى النهار وإن قدم به مكرها أو ميتا لم يحنث وعنه أنه يحنث واختاره أبو بكر في التنبيه. وإذا قال أنت طالق في أول آخر الشهر طلقت بطلوع فجر آخر يوم منه وقيل بأول ليلة السادس عشر منه وإن قال في آخره ففيه الوجهان وقيل تطلق في آخر جزء منه وإن قال في أوله طلقت بدخوله وإن قال في آخر

أوله طلقت بطلوع فجر أول يوم منه وقيل بغروب شمسه وقيل في آخر اليوم الخامس عشر منه. وإذا قال مضت سنة فأنت طالق طلقت بمضي اثني عشر شهرا وهل كلها بالعدد أو واحد منها علي روايتين تقدم أصلهما. وإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت في سلخ ذي الحجة من سنة تعليقه. فإن قال أردت بها اثني عشر شهرا خرج قبوله في الحكم على روايتين. وإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة طلقت طلقة في الحال وطلقة في أول محرم إن كانت يومئذ في نكاحه والثالثة في الآخر إلا أن يقول أردت بالسنة اثني عشر شهرا فإنه يقبل منه هنا ويصير بين كل طلقتين سنة كاملة. وإن قال أردت أن تكون ابتداء السنين في المحرم المقبل دين وفي الحكم يخرج على روايتين. ومتى كانت بائنا منه في مفتتح العام الثاني ثم نكحها في أثنائه طلقت الثانية عقيب العقد وكذا حكم الثالثة في الثالث ولو دامت بائنا حتى مضى العام الثالث لم تطلق بعده. وإذا قال أنت طالق عند رأس الهلال أو إذا رأيت الهلال طلقت إذا رأى أو أكملت العدة عقيب غروب الشمس فإن قال أردت بالرؤية أن تراه بنفسها قبل ويتخرج أن لا يقبل إذا لم تكن قرينة. وإذا قال إن رأيت فلانا فأنت طالق فرأته ميتا أو في ماء أو زجاج شفاف طلقت وإن رأت خياله في ماء أو مرآة لم تطلق. وإذا قال أنت طالق أمس لم تطلق لذلك إلا أن يريد به الطلاق في الحال حكاه القاضي عن أحمد واختاره أبو بكر وقيل تطلق وإن لم ينو ويلغو ذكر أمس.

ونقل عنه مهنا إذا قال أنت طالق أمس وإنما تزوجها اليوم فليس هذا بشيء فمفهومه إن كانت في زوجيته بالأمس طلقت ولو قال أردت به الإخبار بطلاق ماض مني أو من فلان وأمكن ذلك قبل منه ويتخرج إذا قلنا تطلق بلا نية أن لا يقيل منه في الحكم إلا أن يعلم من غير جهته. وإذا قال أنت طالق قبل أن أتزوج بك فهو كقوله أمس ولم تكن فيه زوجته كما تقدم وحكى عن أبي بكر تطلق هنا بخلاف ما لو قال في أمس حملا للفظه علي زوجية متوقعة في المستقبل. وإذا قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل كمال الشهر لم تطلق. وإن قدم بعد شهر وجزء يتسع لوقوع الطلاق تبينا أنه وقع فيه فإن خالعها بعد اليمين بيوم وقدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق وإن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق دون الخلع ولو قال قبل موتي بشهر فالحكم على ما فسرنا. وإذا قال أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال وإن قال مع موتي لم تطلق وإن قال يوم موتي احتمل وجهين. وإذا تزوج بأمة والده ثم قال إذا مات أبي أو قال إذا اشتريتك فأنت طالق ثم مات أبوه أو اشتراها طلقت وقيل لا تطلق ولو كان قال إذا مالكتك فأنت طالق لم تطلق وجها واحدا. ولو دبرها الأب وخرجت من ثلثه وقع العتق والطلاق معا. فصل في التعليق بالحيض والحمل والولادة وإذا قال لحائض أو طاهر إذا حضت حيضة فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم من أول حيضة تستقبلها وقيل لا تطلق حتى تغتسل منها وإن لم يقل حيضة طلقت أول الحيضة المستقبلة ومتى بان أن الدم ليس بحيض تبينا أن لا طلاق.

وإن قال إذا طهرت فأنت طالق طلقت بابتداء أول طهر تستقبله. وإن قال إن حضت نصف حيضة فأنت طالق فمتى حاضت حيضة مستقرة تبينا وقوع الطلاق في نصفها وقبل التبين هل يحكم بوقوعه ظاهرا بمضي نصف العادة أو سبعة أيام ونصف كلها ذات دم على وجهين. وقيل يلغو قوله نصف حيضة ويصير كقوله إن حضت وقيل يلغو النصف ويصير كقوله إن حضت حضية. ومن علق طلاقها بالحيض ثم ادعته فكذبها أو ادعاه فكذبته طلقت فيهما. وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فادعته وكذبها طلقت دون الضرة وإن قال إن حضتما فأنتما طالقتان ثم ادعتاه فصدعهما طلقتا وإن كذبهما فلا طلاق وإن صدق إحداهما لم تطلق إلا المكذبة وإن قال ذلك لأربع فقلن قد حضن فصدقهن طلقن وإن صدق ثلاثا طلقت الكذبة دونهن وإن صدق أقل من ثلاث فنكاح الأربع بحالة ولو قال كلما حاضت إحداكن فضراتها طوالق فقلن قد حضن فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا وإن صدق واحدة لم تطلق وطلق البواقي طلقة طلقة وإن صدق اثنتين طلقتا طلقة طلقة والمكذبتان طلقتين طلقتين والمكذبة ثلاثا. وإن قال لزوجتيه إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان لم تطلقا إلا بحيضتين منهما وقيل تطلقان بالشروع فيهما وقيل تطلقان بحيضة من إحداهما وقيل لا تطلقان بحال. وإذا قال إن كنت حاملا فأنت طالق ثم ولدت بعد ما مضى ليمينه أكثر مدة الحمل لم تطلق وإن لم يمض طلقت من وقت اليمين إلا أن يطأها بعدها وتلده لسنة أشهر فصاعدا من أول وطئه فلا تطلق في الأصح عند أصحابنا. والمنصوص عنه إن ظهر الحمل للنساء أو خفي فولدت لغالب المدة تسعة أشهر

فما دونها طلقت بكل حال ولا يحرم وطؤها عقيب اليمين مالم يظهر بها حمل وعنه يحرم بدون الاستبراء بحيضة مستقبلة أو ماضية لم يطأها بعدها. ولو قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق فالحكم على عكس التي قبلها وقيل بعدم العكس في الصورة المستثناة وأنها لا تطلق لئلا يزال يقين النكاح بشك الطلاق. ويحرم وطؤها عقب هذه اليمين إلى أن يظهر حملها وتزول الريبة فإن مضت ثلاثة أقراء ولم يظهر لها ريبة أبيحت للأزواج. وإذا قال لها إذا حملت فأنت طالق فبانت حاملا طلقت في طاهر كلامه لأنه قال إذا قال لها إذا حملت فأنت طالق ثلاثا لم يقر بها حتى تحيض فإذا طهرت وطئها ثم أمسك حتى تحيض ثم تطهر ثم يطؤها عند كل طهر مرة وعندي أنه لا يمنع من قربانها مرة في أول مرة وأنها لا تطلق إلا بحمل متجدد. وإذا قال أنت طالق طلقة إن كان حملك ذكرا وطلقتين إن كان أنثى فكان ذكرا وأنثى لم تطلق. وإن قال أنت طالق طلقة إن كنت حاملا بذكر وطلقتين إن كنت حاملا بأنثى بان أنها قد طلقت ثلاثا. وإذا قال إن ولدت فأنت طالق فإن ألقت ما تصير به الأمة أم ولد طلقت وإلا فلا فإن قالت قد ولدت فأنكر فالقول قوله فلا تطلق وقيل إن كان مقرا بالحمل طلقت وإلا فلا فإن شهد النساء بما قالت طلقت ويتخرج أن لا تطلق حتى يشهد من يثبت ابتداء الطلاق بشهادته كمن حلف بالطلاق ما غصبت أولا غصبت كذا ثم ثبت عليه الغصب برجل وامرأتين أو شاهد ويمين هل يثبت عليه الطلاق على وجهين. فإن قال أنت طالق طلقة إن ولدت ذكرا وطلقتين إن ولدت أنثى فولدتهما

معا طلقت ثلاثا وإن سبق أحدهما بدون ستة أشهر وقع ما علق به وانقضت العدة بالثاني فلم يقع به شيء. وقال ابن حامد يقع المعلق به أيضا فعلى الأولى إن أشكل السابق طلقت طلقة لتيقنها ولغا ما زاد. وقال القاضي قياس المذهب تعيينه بالقرعة وإن كان بينهما فوق ستة أشهر فالحكم كما فصلنا إن قلنا الثاني تنقضي به العدة ولا يلحق بالمطلق وإن قلنا لا تنقضي به العدة أو ألحقناه به كملت به الثلاث. وإذا قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثا مما طلقت ثلاثا وإن لم يقل ولدا فكذلك عند أبي الخطاب وعندي تطلق واحدة. فصل في التعليق بالمشيئة وإذا قال أنت طالق إن شئت أو إذا شئت أو متى شئت أو أي وقت شئت أو أين شئت أو كيف شئت لم تطلق حتى تقول قد شئت إما في المجلس أو بعده فتطلق وقيل في قوله إن شئت يختص بالمجلس. فإن قلت قد شئت إن شئت فقال هو قد شئت لم تطلق فإن رجع في ذلك قبل أن تشاء لم يصح رجوعه كسائر التعليقات. وروى عنه ابن منصور صحة رجوعه كلفظ الخيار وأمرك بيدك. فإن قال أنت طالق واحدة إلا أن تشائي فشاءت ثلاثا طلقت ثلاثا وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا أن تشائي واحدة فشاءت واحدة طلقت واحدة قاله أبو بكر وقيل لا تطلق بحال فيهما. وإذا قال أنت طالق وعبدي حر إن شاء زيد لم يقعا إلا بمشيئة زيد لهما مالم ينو غيره وإن شاء وهو سكران أو صبي مميز فعلى روايتين وإن شاء وهو أخرس بإشارة تفهم فهي كالنطق وقيل هي ملغاة إذا خرس بعد اليمين.

وإذا قال أنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات زيد قبل أن يشاء طلقت في آخر حياته وقيل نتبين أنها طلقت وقت يمينه. وإذا قال أنت طالق لرضى زيد أو لمشيئته طلقت في الحال إلا أن يريد الشرط فيقبل منه وقيل لا يقبل منه في الحكم وإذا قال أنت طالق إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله طلقت في الحال وإن قال إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ الله فوجهان وكذلك حكم العتق مثله ولا يصح عن أحمد التفرقة بينهما في ذلك. وإن قال إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله أو أنت طالق إن فعلت كذا إن شاء الله ثم فعله فعلى روايتين إلا أن ينوي رد المشيئة إلى الفعل فلا تطلق كقوله أنت طالق لا فعلت أو لا فعلن إن شاء الله. فصل في التعليق بالتطليق والحلف وإذا قال إذا طلقتك فأنت طالق أو فعبدي حر لم يحنث في يمينه هذه إلا بتطليق ينجزه أو يعلقه بعدها بشرط فيوجد ولو قال إذا وقع عليك طلاقي ثم طلقت منه للتنجيز أو وجود شرط تعليق سابق أو لاحق حنث. وإذا قال لمدخول بها كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق لم تطلق إلا طلقتين ولو قال كلما وقع عليك طلاقي مكان كلما طلقتك طلقت ثلاثا. ولو قال لها ولها ضرة كلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال مثله لضرتها ثم قال أنت طالق للمخاطبة أولا طلقت طلقتين وضرتها طلقة وإن لم يقله إلا للثانية طلقتا طلقة طلقة. وإذا قال إذا طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق ثلاثا ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثا. وإذا قال إذا طلقتك أو إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم.

قال أنت طالق فقال ابن عقيل تعليقه باطل ولا يقع سوى المنجز وقال أبو بكر والقاضي يقع تمام الثلاث من المعلق ويلغو قوله قبله. وإذا قال إذا أتاك طلاق فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها كتابه طلقت طلقتين فان قال أردت فأنت طالق بالطلاق الأول دين وفي الحكم يخرج روايتين. وإذا قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر أو فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن قمت أو إن لم تقومي أو إن لم أقم أو لقد قمت ونحو مما فيه معنى الكف أو الحث حنث. وإن قال أنت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج فليس يحالف فلا يحنث كما لو نجز الطلاق وقيل هو حالف فيحنث. وإذا قال لمدخول بها إن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو قال إن كلمتك فأنت طالق ثم قاله ثانيا طلقت طلقة وإن قال ثالثا طلقت ثانية وإن قاله رابعا طلقت ثالثة. ولو قال لزوجتيه إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم قاله ثانيا طلقت طلقة طلقة فإن قاله ثالثا ولم يدخل بإحداهما فقد بانت قبله فلا يطلقان فإن تزوج البائن ثم قال لها إن قمت فأنت طالق حينئذ طلقت طلقة ولو أتى بكلما مكان إن طلقتا ثلاثا ثلاثا طلقة عقيب حلفه ثانيا وطلقتين لما تزوج البائن وحلف بطلاقها. ولو قال كلما حلفت بطلاقكما فإحداكما طالق وكرره ثلاثا أو أكثر لم يقع به شيء. ولو قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان ثم قاله ثانيا طلقتا طلقتين طلقتين ولو كان الجزاء فهي طالق طالق أو فضرتها طالق طلقتا طلقة طلقة ولو كان الجزاء فإحدا كما طالق وقع بإحداهما طلقة وعينت بالقرعة.

ولو قال لإحداهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال مثله للأخرى طلقت المخاطبة أولا فإن أعادة لها طلقت الأخرى. فصل في التعليق بالكلام والإذن والخبر ونحوه إذا قال إن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لغفلة أو تشاغل أو كاتبته أو راسلته حنث ما لم ينو غير ذلك وإن أشارت إليه فوجهان. وإن كلمته مجنونا أو سكرانا أو أصم بحيث يسمع لولا المانع حنث وقيل لا يحنث وإن كلمته ميتا أو مغمى عليه أو غائبا أو نائما فلم يستيقط لم يحنث وقال أبو بكر يحنث. وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو مري حنث مالم تكن له نية فإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت هي إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فقد انحلت يمينه ثم بعد أن بدأته حنثت وإن بدأها انحلت يمينها. وإن قال لغير مدخول بها إن كلمتك فأنت طالق وكرره ثلاثا فقد بانت بطلقة ولم تنعقد يمينه الثانية ولا الثالثة قاله القاضي وعندي تنعقد الثانية بحيث إذا تزوجها وكلمها طلقت إلا على قول التميمي بحل الصفة مع البينونة فانها قد انحلت بالثالثة. وإذا قال لامرأته إن كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان وقلنا لا يحنث ببعض المحلوف عليه فكلمت كل واحدة منهما طلقتا وقيل لا يقع شيء حتى تكلما كل واحد منهما كما لو قال إن كلمتما زيدا وكلمتما عمرا. وإذا قال إن خالفت أمري فأنت طالق ثم نهاها فخالفته ولا نية له حنث وقيل لا يحنث وقيل يحنث إلا العارف بحقيقة الأمر والنهي. وإذا قال إن خرجت بغير إذني أو لا بإذني أو حتى آذن لك فأنت

طالق فأذن لها مرة فخرجت ثم خرجت بغير إذن طلقت نص عليه وقيل لا تطلق ولو أذن لها فلم تخرج حتى نهاها ثم خرجت فعلى وجهين. ولو حلف أن لا تخرج إلى غير الحمام إلا بإذنه فخرجت تريد الحمام وغيره حنث وإن خرجت له ثم بدا لها غيره فعلى وجهين. وإذا قال من بشرتني منكن بقدوم أخي فهي طالق فأخبرته به متفرقتان طلقت أولاهن فقط إن كانت صادقة وإلا فأول صادقة بعدها ولو قال أخبرتني مكان بشرتني وكذلك عند القاضي وقال أبو الخطاب يطلقن وإن كذبن وعندي يطلقن مع الصدق ولا يطلقن بهن كاذبة.

باب جامع الأيمان

باب جامع الأيمان يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه ولم يكن بها ظالما ويقبل منه في الحكم إذا قرب الاحتمال من الظاهر وإن قوي بعده منه لم يقبل وإن توسط فروايتان وقد سبقت مسائل مستندها ذلك ولا ينفع الظالم تأويل يخالف الظاهر فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ثم إلى وضع اللفظ شرعا أو عرفا ثم إلى وضعه لغة لكن إن كان معه تعيين قدم عليه على الأصح فإذا حلف لظالم ما لفلان عندي وديعة وهي عنده ينفعه فنوى غيرها أو نوى بما معنى الذي لم يحنث. ومن حلف لا قضيت زيدا حقه في غد وقصده أن لا يجاوره أو السبب يقتضيه فقضاه قبله بر. ولو حلف لا يبيع عبده إلا بمائه فباعه بأكثر لم يحنث وإن باعه بأقل حنث وإن دعى إلى غداء فحلف لا يتغذى لم يحنث بغداء غيره. وإن حلف لا يشرب له الماء من عطش بقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه منته.

ولو حلف لا يلبس من غزلها يقصد قطع منتها فباعه وانتفع بثمنه في شراء ثوب أو غيره حنث. وإن حلف لا سرقت مني شيئا فخانته في وديعة وقصده أو السبب أن لا تخونه حنث وإلا فلا. وإن حلف لا يأوى معها في دار سماها يريد جفاءها وليس للدار سبب هيج يمينه فآوى معها في غيرها حنث. وإن حلف أن لا يفارق البلد إلا بإذن الوالي يريد ما دام كذلك أو السبب يقتضيه فعزل انحلت يمينه. وكذلك من حلف لا تخرج زوجته أو عبده إلا بإذنه ثم طلق وأعتق. ولو حلف لا يدخل الدار لطلم رآه فيها فزال ثم دخلها حنث إلا أن ينوي ما دام الظلم فيها. ومن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو عضها أو نتف شعرها حنث ويحتمل أن لا يحنث إذا لم ينوا إيلامها. وإن حلف ليتزوجن عليها لم يبر حتى يتزوج بنظيرتها ويدخل بها نص عليه وقيل يكفي العقد الصحيح كما لو حلف لا يتزوج عليها. وإذا حلف ليضربنه مائه سوط فجمعها وضربه بها ضربة لم يبر ولو حلف للص أن لا يخبربه ولا يغمز عليه فسأله الوالي عن قوم هو منهم فبرأهم وسكت عنه يقصد التنبيه عليه حنث إلا أن ينوي حقيقة النطق والغمز. وإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو مسجدا أو حماما أو باعها فلان أو لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو زوجة فلان هذه أو مملوكه فلانا أو صديقة فلانا فزال الملك والصدقة ثم كلمهم أو لا أكلت لحم هذا الجمل فصار كبشا أو هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو هذا اللبن فصار جبنا

ونحوه ثم أكل حنث في ذلك كله إذا لم يكن نية ولا سبب يختص الحال الأول. وقال ابن عقيل لا يحنث ولو حلف لايأكلن من هذه البيضة أو التفاحة ثم عمل منها ناطفا أو شرابا بر بأكله منه على الأول دون الثاني وكذلك سائر هذه المسائل. فصل ومن حلف لا يهب لفلان أو لا يهدي له إلا لوصي له أو لا يتصدق عليه ففصل ولم يقبل فلان حنث ولو حلف لا يبيعه أو لا يؤجره أو لا يزوجه لم يحنث إلا بقبوله. وإذا حلف لا يبيع أو ينكح فعقد عقدا فاسدا لم يحنث وقيل يحنث بالفاسد المختلف في صحته دون المجمع عليه. ولو قيد يمينه بما يمنع الصحة كالحالف لا يبيع الخمر أو الحر حنث لصورة العقد على أصح الوجهين. ومن حلف ليبيعن هذا العبد فباعه بقرض أو نسيئة بر وقيل لا يبر في النسيئة حتى يقبض الثمن. ومن حلف لا يصوم أو لا يصلي حنث بالشروع الصحيح عند القاضي وعندي بالفراغ كما لو قال صوما أو صلاة وحنثه أبو الخطاب في الصلاة باستكمال ركعة. ولو حلف لا يتصدق على فلان فوهبه لم يحنث وإن حلف لا يهبه حنث باعارته دون الصدقة عليه قاله أبو الخطاب. وقال القاضي يحنث بالصدقة دون العارية ويحنث بالوقف عليه دون الوصية وفي محاباته في البيع وجهان.

فصل ومن حلف لا يأكل اللحم فأكل مخا أو دماغا أو كبدا أو طحالا أو قلبا أو قانصة أو كرشا أو مصرانا أو كلية أو شحما أو شحم ثور ونحوه أو إليه أو مرق اللحم لم يحنث إلا أن يقصد اجتناب الدسم وإن أكل لحم السمك أو لحم مالا يؤكل لحمه فوجهان. وإن حلف لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر وحده لم يحنث وقال الخرقي يحنث وإن أكل بياض اللحم كثمين الظهر ونحوه حنث. وقال أبن حامد لا يحنث لأن من حلف لا يأكل اللحم يحنث به. وإن حلف لا يأكل رأسا أو بيضا حنث بأكل رءوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد قاله القاضي وقال أبو الخطاب لا يحنث إلا برأس يؤكل في العادة مفردا أو ببيض يزائل بائضه حيا. وإذا حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو كشكا أو أقطا أو جبنا أو لا يأكل زبدا أو سمنا فأكل لبنا أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل تفاحا فأكل من شرابه أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه لم يحنث. وإن حلف لا يأكل سويقا فأكل حنطة فيها حبات شعير فوجهان وإن حلف لا يأكل سويقا أو هذا السويق فشربه أو لا يشربه فأكله فروى عنه مهنا لا يحنث وقال الخرقي يحنث وقال القاضي في المجرد يحنث في المعين دون المطلق وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه دون مجردذوقه. وإن حلف لا يشرب من دجلة أو البئر فاغترف بإناء فشرب حنث ولو حلف لا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث. وإذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل ثمر النخل أو الكرم أو سائر الشجر رطبا

أو يابسا حنث وإن أكل قثاء أو خيارا أو خضرا لم يحنث وفي البطيخ وجهان وإن حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل مذنبا حنث وقال ابن عقيل لا يحنث ولو أكل تمرا أو حلف لا يأكل تمرا وأكل رطبا أو بسرا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث. وإن حلف لا يأكل أدما فأكل بيضا أو شواء أو جبنا أو زيتونا حنث كما يحنث بالخل واللبن وكل مصطبغ به وفي التمر والملح وجهان. ومن حلف لا يشم الريحان فشم وردا أو بنفسجا أو ياسمينا أو لا يشم وردا أو بنفسجا فشم دونهما أو ماء الورد حنث وقال القاضي لا يحنث. ومن حلف لا يلبس حليا فلبس حلي ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس عقيقا أو سبجا لم يحنث وإن لبس دراهم أو دنانير في مرسلة فوجهان. وإن حلف لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابته أو لا يلبس ثوبه ثم فعل ذلك فيما استأجره فلان أو أجره أو جعله لعبده حنث وإن كان فيما استعاره فلان لم يحنث وعنه يحنث بدخول الدار المستعارة. وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث وإن دخلها والباب بحيث إذا أغلق كان خارجا منها فوجهان. وإن حلف لا يركب دابة عند فلان فركب دابة جعلت برسمه حنث وإن حلف لا يدخل بابها فحول ودخله حنث. وإن حلف لا أدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث ويحتمل أن لا يحنث وإن حلف لا يتسرى فوطئ أمة له حنث ونقل عنه ابن منصور إن حلف وليست في ملكه فكذلك وإن حلف وقد ملكها حنث بالوطء بشرط أن لا يعزل. وإن حلف لا يطأ دارا فدخلها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا حنث. وإن حلف لا يتطيب وهو متطيب أو لا يتطهر وهو متطهر أو لا يتزوج وهو متزوج فاستدام ذلك لم يحنث.

قال القاضي في كتاب إبطال الحيل يحنث. يدخل وإن حلف لا دارا وهو فيها فهل يحنث بالاستدامة إذا لم تكن له نية على وجهين وإن حلف لا يدخل بيته بارية فأدخل قصبا لذلك فنسجت فيه حنث وإن طرأ قصده والقصب فيها فعلى وجهين. ولو حلف لا يدخل على فلان فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى وجهين. ولو حلف ليرحلن عن هذه البلدة أو الدار ففعل فهل يحنث إن عاد إليها على روايتين. ولو حلف لا يركب دابة وهو راكبها أو لا يلبس ثوبا وهو لابسه أو لا يسكن دارا وهو ساكنها أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فاستدام ذلك حنث فإن أقام هذا الساكن أو المساكن لنقل متاعه أو لخوف على نفسه من الخروج حتى أمكنه لم يحنث وإن خرج دون متاعه وأهله حنث إلا أن يودع متاعه أو يعيره أو يزول ملكه عنه بهبة أو غيرها أو تأبى امرأته أن تخرج ولا يمكنه إجبارها فلا يحنث إذا خرج وحده وإن تشاغل هو وفلان ببناء الحاجز بينهما وهما متساكنان حنث وقيل لا يحنث وإن كان في الدار حجرتان تختص كل حجرة بباب ومرافق فسكن كل واحد في حجرة لم يحنث ولو حلف لا يسكن هذا البلد فخرج منه دون أهله ومتاعه حنث. فصل. وإذا حلف لا يكلم فلانا حينا ولم ينو شيئا فهو ستة أشهر نص عليه. وإن قال دهرا أو عمرا أو زمانا فهو كالحين عند القاضي. وقال أبو الخطاب هو لأقل ما يتناوله اللفظ وكذلك عنده إن قال بعيدا أو مليا وجعلهما القاضي فيما فوق الشهر وإن قال الزمان فهو كالحين عندهما وعندي هو للأبد كما لو قال الدهر أو العمر وإن قال شهورا

حمل على ثلاثة كقوله أياما وقال القاضي يحمل على اثنى عشر شهرا وإن قال إلى الحصاد فهو إلى أول مدته وعنه إلى آخرها. وإن حلف لا كلمت فلانا حتى يكلمني أو حتى يبدأني بالكلام فتكلما معا حنث وإن حلف لا بدأته بالكلام فتكلما معا لم يحنث. ومن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله لم يحنث وإن دق بابه فقال ادخلوها بسلام آمنين يقصد التنبيه بالقرآن لم يحنث. فصل في النسيان والإكراه والتوكيل وتوابع ذلك ومن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا ليمينه أو جاهلا بأنه المحلوف عليه كمن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أولا يكلمه فسلم عليه ولم يعرفه أو لا يفارقه إلا أن يقبض حقه فاحتال به وفارقه يظن أنه قد بر أو قبضه وفارقه فخرج رديا ونحو ذلك وعنه أنه يحنث وعنه لا يحنث بل يمينه باقية وعنه يحنث في الطلاق والعتق ولا يحنث في اليمين المكفرة وهو الأصح ولو فعله في جنونه لم يحنث كالنائم وقيل هو كالناسي. وكذلك من حلف على غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد ونحوهما ففعله ناسيا أو جاهلا هو على الروايات الثلاث وإذا حلف لا يكلم زيدا فسلم على جماعة هو فيهم ولم يعلم وقلنا يحنث الناسي فهل يحنث هنا علي روايتين أصحهما لا يحنث وإن علم به ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه فروايتان أصحهما يحنث. وإن حلف لا يفعل شيئا ككلام زيد ودخول الدار ونحوه فعله مكرها لم يحنث وعنه يحنث ويتخرج أن لا يحنث إلا في الطلاق والعتق ولو أدخل الدار محمولا ولم يقدر أن يمتنع لم يحنث وإن قدر أن يمتنع فوجهان وإن لم تحنثه ففي حنثه بالاستدامة وجهان.

وإذا حلف لا فارقتك حتى أستوفى منك حقي فهرب منه حنث نص عليه كقوله لا افترقنا وقال الخرقي لا يحنث وعندي إن أمكنه متابعته وإمساكه فلم يفعل حنث وإلا فلا وإن ألزمه الحاكم بفراقه لفلسه خرج على روايتين وإن حلف لا يستخدم فلانا فخدمه وهو ساكت لم ينهه حنث وقيل لا يحنث وقيل إن كان مملوكه حنث وإلا فلا. ومن حلف لا يفعل شيئا فوكل فيه ففعله وكيله حنث وكذا إذا حلف لا يضرب عبده فضرب بأمره حنث. ومن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه أن لا يفعل شيئا لم يحنث بفعل بعضه وعنه يحنث إلا أن ينوي جميعه اختارها أبو بكر وذلك كمن حلف لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه أو لا يلبس ثوبا من غزلها أو نسجها أو شرائها ولبس ثوبا شاركت في غزله أو نسجها أو شرائه أو لا يبيع أمته ولا يهبها فباع بعضها ووهب بعضها وما أشبهه ولو قال لا ألبس من غزلها فلبس ثوبا فيه لها أو لا آكل طعاما فأكل طعاما شاركت في شرائه فقيل هو على الخلاف وعندي يحنث على الروايتين جميعا. ولو حلف لا يدخل الدار فأدخل بعض جسده فهل يحنث على روايتين واختار أبو بكر هنا أنه لا يحنث ولو حلف ليدخلنها أو ليفعلن كذا لم يبر حتى يدخل بجسده كله ويفعل المسمى كله. وإذا حلف ليأكلن هذا الرغيف اليوم أو ليشربن هذا الماء اليوم فتلف الماء والرغيف فيه حنث عقيب تلفهما وقيل في آخر اليوم وإن مات الحالف فيه حنث في آخر حياته وقيل لا يحنث ولو حلف ليفعلن ذلك في غد فتلف قبل الغد حنث في الحال نص عليه وقيل لا يحنث إلا في آخر الغد وقيل لا يحنث إذا كان باختياره فيحنث وفي وقت حنثه الوجهان ولو مات الحالف قبل الغد لم يحنث.

وإن حلف ليفعلن ذلك ووقت أو أطلق فمات الحالف أو تلفت العين قبل أن يمضي وقت يمكن فعله فيه حنث نص عليه ويتخرج أن لا يحنث. وإذا حلف ليقضينه حقه في غد فقبل مجيئه أبرأه منه أو قبل مضيه أخذ عنه عوضا أو مات ربه فقضاه لورثته لم يحنث وقيل يحنث وقيل لا يحنث إلا مع البراءة أو الموت قبل الغد.

كتاب الرجعة

كتاب الرجعة مدخل ... كتاب الرجعة إذا طلق في نكاح صحيح من دخل أو خلا بها دون ما يملكه من عدد الطلاق بغير عوض فله رجعتها ما دامت في العدة وإن سخطت وقال أبو بكر لا رجعة بالخلوة من غير دخول. والذي يملكه الحر ثلاث تطليقات والعبد اثنتان وعنه الثلاث لزوج الحرة وإن كان عبدا والاثنتان لزوج الأمة وإن كان حرا والأول المذهب. وألفاظ الرجعة راجعتها وأرجعتها وارتجعتها ورددتها وأمسكتها ونحوها فإن قال نكحتها أو تزوجتها فعلى وجهين. ولا يصح الرجعة بشرط ولا يصح في الردة وقال ابن حامد يصح موقوفا كالطلاق. ويباح له وطء الرجعية والخلوة بها والمسافرة بها وأن تتزين وتتشوف له. وتحصل الرجعة بوطئها ولا تحصل بمباشرتها ولا نظر فرجها بشهوة ولا بالخلوة بها وعنه تحصل نقلها ابن منصور في الخلوة فاللمس ونظر الفرج أولى وعنه لا رجعة إلا بالقول وأنه لا يباح الوطء قبلها. فعلى هذا هل من شرطها الإشهاد على روايتين وهل يلزمه مهر إن وطئها مكرهة ولم يراجع على وجهين.

وإذا قال لها راجعتك فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قوله وقال الخرقي قولها كما لو سبقته بدعوى الرجعة فعلى الأول إن تداعيا معا هل يؤخذ بقولها أو بالقرعة على وجهين. وإذا راجعها في العدة وأشهد بها ولم يعلم حتى اعتدت ونكحت من أصابها ردت إليه ولم يطأها حتى تعتد من وطء الثاني وعنه هي زوجة الثاني وإن لم يكن له بينة برجعتها لم تقبل دعواه لكن إن صدقه الثاني وحده بانت منه ولم تعد إلى الأول وإن صدقته المرأة وحدها لم يقبل منها على الثاني ولم يلزمها المهر للأول وقال القاضي يلزمها ومتى بانت من الثاني عادت إلى الأول بغير عقد جديد. ومن استوفى عدد طلاقه لم تحل له زوجته حتى تتزوج بغيره ويطأها وطأ مباحا في القبل وإن كان مراهقا أو ذميا إذا كانت ذمية وأدنى ما يكفي تغييب الحشفة فيه عن انتشار أنزل أو لم ينزل أو بقدرها إن كان مجبوبا. ويحلها الوطء مع الإغماء والجنون كالنوم وقيل لا يحلها. وإن وطئها في حيض أو نفاس أو صوم أو إحرام أو نكاح فاسد مختلف فيه لم يحلها نص عليه كالوطء في الردة وقيل يحلها. وإذا كانت أمة يملكها المطلق لم تحل له بملك اليمين نص عليه وقيل تحل. وإذا طلق العبد زوجته طلقة ثم عتق ملك تمام الثلاث وإن عتق بعد طلقتين فعلى روايتين. ولو علق الثلاث في الرق بشرط فوجد وقد عتق لزمته الثلاث وقيل تلزمه ثنتان وتبقى له واحدة. ومن غابت مطلقته المحرمة ثم ذكرت أنها تزوجت من أصابها وانقضت عدتها منه وأمكن ذلك فله نكاحها إن غلب على ظنه صدقها وإلا فلا

وكذلك إن تزوجت قاصرا وفارقها وادعت إصابته وهو ينكرها. ومن تزوج مطلقته البائن بدون عدده بعد التزوج ممن أصابها بني على ما مضى من طلاقها كما لو لم تتزوج بعده وعنه تستأنف العدد.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء مدخل ... كتاب الإيلاء المولى من امتنع بحلفه من وطء زوجته مطلقا أو مدة فوق أربعة أشهر فتملك فراقه وذلك بستة شروط. أحدها أن يحلف وهو زوج مكلف يتصور منه الوطء وإن كان كافرا أو عبدا أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه فلا إيلاء لصبي ولا مجنون ولا لعاجز عن الوطء بجب أو شلل به أو رتق بالمرأة وعنه صحة إيلائه ويفيء بالقول ولا إيلاء لمن قال لأجنبية والله لا وطئت فلانة أو لا طئتها إن تزوجتها مع لزوم الكفارة له بوطئها ويتخرج صحة إيلائه كظهاره ويتخرج صحته بشرط إضافته إلى النكاح كالطلاق في رواية. الشرط الثاني أن يحلف بالله أو صفة من صفاته فلا إيلاء بالحلف بغيره وعنه يكون موليا بكل يمين من عتق وطلاق وظهار ونذر وتحريم مباح ونحوه وعنه الإيلاء باليمين المكفرة دون غيرها وإذا علق الإيلاء بشرط كقوله والله لا وطئتك إن شئت أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك إن شئت أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك أو إن وطئتك فوالله لا وطئتك لم يكن موليا حتى يوجد الشرط ويحتمل أن يجعل في شرط الوطء موليا في الحال ولو قال لا وطئتك إلا أن تختاري أو إلا أن تشائي لم يكن موليا وقال أبو الخطاب إن لم تشأ في المجلس كان موليا. لم يكن موليا وقال أبو الخطاب إن لم تشأ في المجلس كان موليا. الشرط الثالث أن يحلف على ترك الوطء في القبل بيمين يخصه أو يشله وغيره فإن قال لا وطئت في الدبر أو دون الفرج لم يكن موليا وإذا قال

والله لا وطئتك أو لا جامعتك أو لا باضعتك أو لا باشرتك أو لامستك أو لا باعلتك أو لا قربتك أو لا أتيتك أو لامستك أولا افترشتك أو لاغشيتك أو لا أصبتك أو أفضيت إليك أولا اغتسلت منك ونوى غير الوطء في القبل مما يحتمله اللفظ دين وكان موليا في الحكم. وسائر الألفاظ المحتملة مثل لا ضاجعتك أو لا قربت فراشك أولا جمعتنا مخدة ونحوه لا يكون بها موليا إلا بالنية. وإذا قال لنسائه الأربع والله لا أطؤكن وقلنا يحنث بوطء البعض أو قال لا وطئت واحده منكن أو قال كل واحدة منكن كان موليا من الجميع فإن ماتت إحداهن أو طلقها بقي الإيلاء في البواقي ولو وطئها حنث وانحل الإيلاء من البواقي وقيل يبقى الإيلاء لهن في طلب الفيئة وإن لم يحنث بوطئهن وهو أصح وإن قلنا لا يحنث بوطء البعض في الصورة الأولى ففيه وجهان أحدهما لا يكون موليا حتى يطأ ثلاثا فيصير حينئذ موليا من الرابعة والثاني هو مول منهن في الحال فعلى هذا إن طلق واحدة أو وطئها بقي الإيلاء في البواقي وإن ماتت واحدة لم يبق لهن ولا إيلاء على كلا الوجهين ولو نوى في الصورة الثانية واحدة بعينها اختصت بالإيلاء وإن نواها مبهمة عينت بالقرعة وقيل بتعيينه. الشرط الرابع أن يحلف على تركه مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر وعنه على أربعة فصاعدا أو يجعل غايته مالا يوجد فيها غالبا كظهور عيسي أو الدجال أو مجيء الثلج في الصيف ونحوه فان قال والله لا وطئتك في هذه البلدة أو إن وطئتك فلله على صوم هذا الشهر لم يكن موليا. فان قال حتى يقدم فلان أو حتى يأذن أو يجيء المطر ونحوه مما لا يغلب على الظن خلو المدة منه فخلت منه فعلى روايتين.

وإن قال حتى تحبلي ولم يكن وطئها أو وطئها وحملنا يمينه على حبل متجدد فهو مول وإلا فعلى روايتين وإن قال لا وطئتك في السنة إلا مرة أو يوما لم يصر موليا حتى يطأها وقد بقي من السنة فوق أربعة أشهر وإن قال لا وطئتك سنة إلا يوما فكذلك وقيل هو مول في الحال. وإذا قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فو الله لا وطئتك أربعة أخرى لم يكن موليا وقيل يكون موليا. الشرط الخامس أن تنقضي أربعة أشهر من وقت يمينه ولم تنحل بحنث ولا تكفير ولا غيره وسواء كان في المدة مانع للوطء من قبله أو من قبلها أو لم يكن وقيل إن كان ذلك منها كمرض ونشوز وصوم فرض وإحرام وغيره لم تحسب عليه مدته وإن طرأ بها استؤنفت عند زواله ألا الحيض وفي النفاس وجهان ويتخرج أن تسقط أوقات المنع منها ويبني على ما مضى وإن طلقها طلقة رجعية في المدة لم تقطعها مالم تنقض عدتها نص عليه وقيل تقطعها كالبائنة فإن عادت إليه بعقد بعد زواج أو قبله أو برجعة إن قلنا بانقطاع المدة أو وقف بعد المدة فطلق ثم راجع وقلنا له الرجعة استؤنفت المدة إذا كان قد بقي فوق أربعة أشهر. ويصح الإيلاء من الرجعية كالظهار وتحسب المدة من حين اليمين وعنه لا يصح الإيلاء منها. ومدة إيلاء الرقيق كالحر وعنه فوق الشهرين كنصف مدة الحر. الشرط السادس أن تطلب المرأة حرة كانت أو أمة الفيئة وهي الجماع بعد المدة فيمتنع من غير عذر فحينئذ يؤمر بالطلاق فإن طلق وإلا حبس وضيق عليه حتى يطلق وعنه يفرق الحاكم بينهما بما يراه من طلقة وثلاث وفسخ. وتكون الطلقة منهما رجعية وعنه بائنة وعنه رجعية منه بائنة من

الحاكم فإن قال امهلوني حتى أصلي فرضي أو أتغذى أو ينهضم الطعام عني أو أنام فإني ناعس ونحوه أمهل بقدر ذلك ويمهل المحرم حتى يحل والمظاهر لطلب رقبة يعتقها ثلاثة أيام ولا يمهل لصيام الشهرين بل يلزم بالطلاق ويحتمل أن يقبل منه فيئة المعذور. ومتى فاء المولى بالوطء انحلت يمينه وعليه كفارتها وأدنى ما يكفيه تغبيب الحشفة في الفرج وإن وطئ في الدبر أو دون الفرج لم يخرج من الفيئة وإن حنث به حيث يدخل في يمينه ولو وطئها في القبل وطأ محرما بحيض أو صوم أو إحرام ونحوه خرج به من الفيئة وقال أبو بكر لا يخرج به كالتي قبلها. ولو عجل فكفر يمينه بعد المدة قبل الوطء لم يخرج من الفيئة وقيل يخرج. ولو استدخلت المرأة ذكره وهو نائم أو وطئها ناسيا أو في حال جنونه وقلنا لا يحنث خرج من الفيئة وقيل لا يخرج وإذا لم يف المولى وأعفته المرأة سقط حقها وقيل لها أن تطالب بعد. وإذا ادعى أن المدة لم تنقض أو أنه وطئها وكانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه وعنه بلا يمين وإن كانت بكرا فشهدت امرأة أنها عذراء فالقول قولها وإلا فالقول قوله. وإذا كان بالزوجة ما يمنع الوطء من مرض أو إحرام أو صوم فرض ونحوه لم تملك طلب الفيئة حتى يزول وإن كان بالزوج ومدته تطول أمر أن يفيء بلسانه فيقول المجبوب ونحوه لو قدرت لجامعتها ويقول المريض ونحوه متى قدرت جامعتها ثم متى قدر لزمه وإلا طلق وعنه فيئته بلسانه أن يقول قد فئت إليك ثم لا يلزمه شيء إذا قدر رواه عنه مهنا ولا يحنث بفيئة اللسان.

كتاب الظهار

كتاب الظهار مدخل ... كتاب الظهار الظهار محرم ويصح من كل زوج يصح طلاقه حتى الذمي وقيل لا يصح ظهار الصبي ولا إيلاؤه وإن صححنا طلاقه. والظهار أن يشبه زوجته أو بعضها بظهر من تحرم عليه أبدا من نسب أو سبب أو عضو منها فيقول أنت علي كظهر أمي أو كبطن أختي أو كوجه حماتي أو يدك أو ظهرك علي كيد خالتي أو ظهر عمتي أو نحوه. فإن قال أنت علي كأمي أو مثل أمي فهو مظاهر إلا أن يريد في الكرامة فيدين وفي الحكم على روايتين ولو لم يقل علي لم يكن مظاهرا إلا بالنية وإن قال كظهر أمي أو أجنبية فهو مظاهر وعنه ليس بمظاهر بل عليه كفارة يمين وعنه لا شيء عليه وعنه مظاهر في الرجل دون الأجنبية وإن قال كظهر البهيمة فهل هو مظاهر على وجهين. وإن قال أنت علي كالخمر والميتة والدم فعنه أنه ظهار وعنه أنه يمين إلا أن ينوي به طلاقا أو ظهارا فيلزمه ما نوى. وإن قال أنا عليك كظهر أبي أو حرام ونوى به الظهار فهل هو مظاهر على وجهين. ولا ظهار من أم ولده أو أمته وعليه به كفارة يمين نقله عنه جماعة ونقل عنه أبو طالب عليه كفارة ظهار ويخرج أن لا يلزمه شيء. وإذا قالت الزوجة لزوجها أنت علي كظهر أبي فليست مظاهرة وعليها كفارة الظهار والتمكين قبلها وليس لها ابتداء القبلة والاستمتاع وعنه لا تجب إلا كفارة يمين وعنه لا شيء عليها. وإن قالت قبل النكاح إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي كان ظهارا وعليها كفارة نص عليه في رواية أبي طالب.

وإذا قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي أو علقه بتزوجها ولم يطأها إن تزوجها حتى يكفر نص عليه وقيل لا يصح كالطلاق وإن قال أنت علي حرام فكذلك إن أراد في كل حال وإلا فلا شيء عليه. ويصح الظهار معلقا بشرط ومؤقتا بوقت بحيث إذا انقضى الوقت زال الظهار وإن أصابها فيه لزمته كفارته. وإذا قال أنت علي كظهر أمي إن شاء الله لم يلزمه شيء نص عليه وقال ابن عقيل هو مظاهر وإذا كرر ظهار زوجته فكفارة واحدة وعنه كفارات مالم ينو التأكيد والإفهام. وإن ظاهر من نسائه لزمته كفارة إن كان بكلمة وإلا فكفارات وعنه كفارة فيهما وعنه كفارات فيهما وعنه إن كان بكلمات في مجالس فكفارات وإلا فواحدة. ويحرم قبل التكفير وطء المظاهر منها دون الاستمتاع بما دون الفرج وعنه تحريمها وعنه لا يحرم منها شيء على من كفارته الإطعام. ولا تثبت الكفارة في الذمة إلا بالوطء وهو العود ويلزم إخراجها قبله عند العزم عليه وهذا نص أحمد وقال القاضي وأصحابه العود نفس العزم. وتستقر الكفارة به بحيث لو مات أحدهما أو طلق بعد العزم وقبل الوطء لزمه التكفير عندهم وعلى المنصوص لا شيء عليه ولو وطئها في حال جنونه لزمته الكفارة نص عليه. ومن بانت منه زوجته قبل العود ثم تزوجها قبل العود ثم تزوجها فالظهار بحالة ولو كانت أمة فملكها بشراء أو غيره فالظهار بحاله ولا يباح وطؤها إلا بكفارته وقال أبو بكر يحل له وطؤها وعليه كفارة يمين ويسقط ظهاره بذلك ويتخرج أن تحل له بملك اليمين بلا كفارة مع عود الظهار لو عتقت أو بيعت ثم تزوجها.

باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع

باب حكم كفارة الظهار وما في معناها وهن أربع كفارة الظهار وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وكفارة القتل وهي كذلك وعنه لا إطعام فيها وكفارة الوطء في رمضان وكفارة اليمين وهما مذكورتان في موضعيهما. فإن عجز عن الكفارة بقيت في ذمته إلى أن يقدر إلا كفارة رمضان في رواية قد ذكرت وقيل يسقط الجميع بالعجز والأصح التفرقة. ولا تلزم الرقبة إلا لمن ملكها أو أمكنه تحصيلها بثمن مثلها فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم ومركوب وعروض بذلة وثياب تجمل وكتب علم ووفاء دين وكفاية دائمة له ولمن يمونه وعنه لا يمنع الدين الكفارة. ومن لم يجد رقبة إلا بزيادة مجحفة فوق ثمن المثل لم يلزمه شراؤها وإن كانت لا يتغابن بمثلها ولا يجحف بها فوجهان وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة لزمه فإن لم تبع إلا بالنقد جاز أن يعدل إلى الصوم كالعادم وقيل لا يجوز إلا في الظهار خاصة إذا رجا إتمام الصوم قبل حصول المال ومن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها لذلك. ومن لزمته الكفارة وهو موسر بالعتق ثم أعسر لم يجزئه سواء وبقي في ذمته إلى ميسرته فإن لزمته وهو معسر أجزأه الصوم وإن أيسر فيه أو قبله وعنه إن أيسر فيه أجزأه وإن أيسر قبله لزمه العتق وقيل يلزمه العتق في الحالين وإذا تكلف العتق من فرضه الصوم أجزأه وعنه فيمن حنث وهو عبد ثم عتق وأيسر لم يجزه غير الصوم وخرج أبو الخطاب في الحر المعسر مثله وفرق الخرقي بينهما.

ولا يجزئ في عتق الكفارات ونذر العتق المطلق إلا رقبة مؤمنة وعنه تجزئ الكافرة فيما سوى كفارة القتل ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا كالعمى وشلل اليد أو الرجل أو قطعهما أو قطع للإصبع الوسطى أو السبابة أو الإبهام أو أنملة من الإبهام أو قطع الخنصر والبنصر من يد واحدة فإن قطعتا من يدين أجزأ. ولا يجزئ مريض مأيوس منه ولا نحيف عاجز عن العمل ولا جنين وإن ولد حيا ولا منقطع خبره إلا أن يتبين حياته ولا مجنون مطبق الجنون ولا أخرس به صمم أو لا تفهم إشارته. ويجزئ المجدوع الأنف والأذن والمجبوب والخصي والأعرج يسيرا والمخنوق أحيانا والأخرس الذي يفهم ويفهم بالإشارة والأصم والأعور وعنه لا يجزئ الأعور. ولا يجزئ من يعتق عليه بالملك ولا من علق عتقه بصفة ثم نواه عند وجودها فإن نجز عتقه للكفارة قبل وجود الصفة أو علق ابتداء عليها أجزأه. ويجزئ المدبر والجاني وإن قتل في الجناية والأمة الحامل وإن استثنى حملها وولد الزنا والصغير وعنه لا يجزئ من له دون سبع سنين حيث يعتبر الإيمان ولا يجزئ من اشتراه بشرط العتق ولا أم الولد على الأصح فيهما. ويجزئ عتق المكاتب وعنه لا يجزئ وعنه إن لم يؤد من كتابته شيئا أجزأه وإلا فلا. وإذا أعتق شركا له في عبد وهو معسر ثم اشترى باقيه فأعتقه أجزأه إلا على قولنا بالاستسعاء وإن كان موسرا ونواه كله عن الكفارة لم يجزه نص عليه وكان كمن أعتق نصف عبد وقيل يجزئه. وإذا أعتق نصفي عبدين أجزأه عند الخرقي وعند أبي بكر لا يجزئه وقيل.

إن كان باقيهما حرا أو أعتق كل واحد منهما عن كفارتين أجزأه وإلا فلا وهذا أصح. ومن لزمه صوم متتابع في كفارة فتخلله شهر رمضان أو فطر عيد أو فطر لمرض أو حيض أو نفاس أو جنون أو إكراه أو نسيان كمن وطئ كذلك أو خطأ كمن أكل يظنه ليلا فبان نهارا أو مرض مخوف أو فطر حامل أو مرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع ولو صام لغيرها أو أفطر لغير عذر لزمه أن يستأنف ولو أفطر لعذر مبيح كالسفر والمرض غير المخوف أو أفطرت حامل أو مرضغ لتضرر ولدهما فعلى وجهين. وإذا أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا أنقطع تتابعه وعنه لا ينقطع بوطئها ليلا ولا نهارا ناسيا كوطء غيرها. ولا يجوز أن يعطى طعام كفارة إلا لمن يعطى من الزكاة لحاجته كالفقير وابن السبيل والغارم لمصلحته والمكاتب الكبير والفقير سواء وعنه لا يعطى مكاتبا ولا طفلا لم يأكل الطعام وإن أعطيا من الزكاة وإذا ردد الإطعام على مسكين شين يوما أو عشرة في كفارة اليمين فعنه يجزئه وعنه لا يجزئه وعنه إن لم يجد غيره أجزأه وإلا فلا وهو ظاهر المذهب وإن دفع إلى مسكين في يوم من كفارتين أجزأه وعنه لا يجزئه إلا عن واحدة ولا يجزئ في الكفارة غير أصناف الفطرة الخمسة وعنه يجزئ فيها من الخبر رطلان بالعراقي لكل مسكين وعنه يجزئ كل ما كان قوتا للبلد. وإن أخرج القيمة أو غدى المساكين أو عشاهم لم يجزئه وعنه يجزئه. ولا يجزئ التكفير إلا بنية فإن لزمته كفارة واحدة لم يلزمه تعيين السبب فإن عينه تعين عما لا تداخل بينهما بحيث إذا أخطأه لا يجزئه. وإن لزمه كفارات أسبابها من أجناس كظهار وقتل وإفساد صوم فأعتق

رقبة عن أحدها ولم يعينه لم يجزئه عند القاضي وقال غيره يجزئه كما لو كانت من جنس ولا تداخل فيها وهو الأصح ولو كانت الأسباب من جنس يتداخل فتوى بكفارته واحدا منها مبهما أو معينا أجزأت عن الكل وإن غلط في تعيينه.

كتاب القذف واللعان

كتاب القذف واللعان مدخل ... كتاب القذف واللعان إذا قذف المكلف بالزنا محصنا جلد إن كان حرا ثمانين جلدة وأربعين إن كان عبدا والمعتق بعضه بحسابه في ظاهر كلامه وقيل هو كالعبد وإن قذف غير المحصن عزر ولا يحد والد لولده في القذف. ولمحصن كل حر مسلم عاقل عفيف عن الزنا يجامع مثله وفي اشتراط سلامته من وطء الشبهة وجهان وفي اشتراط بلوغه روايتان. فإن قال لمحصنه زنيت وأنت صغيرة فإن فسره بصغر لدون تسع سنين لم يحد وإلا خرج على الروايتين وإن قال زنيت مكرهة لم يحد وإن قذف مجهولة وادعى عدم معرفتها فأنكرته ولا بينة فروايتان وكذلك الروايتان إن قال لحرة مسلمة زنيت وأنت كافرة أو أمة ولم يثبت أنها كانت كذلك بل أمكن فإن قلنا لا يحد فقالت أردت قذفي في الحال فأنكرها فعلى وجهين ولو طالبته بقذف سابق فقال كان في الصغر أو الشرك أو الرق وقد ثبتا فالقول قوله. ومن قذف أمة أو ذمية لها ابن أو زوج مسلمان فهل يحد على روايتين. ومن قذف محصنا في الظاهر فلم يحد حتى زال إحصانه حد قاذفه إلا أن يثبت تقدم المزيل على القذف بإقرار أو بينة فلا يحد. والقذف محرم إلا في موضعين. أحدهما أن يرى أمرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها ثم تأتي بولد

يمكن أنه من الزاني فيلزمه قذفها ونفى ولدها وكذلك إن وطئها في طهر زنت فيه وقوى في ظنه أن الولد من الزاني لشبهه به أو لكونها لا تحمل من مائه أو غيره من القرائن. الثاني أن يراها تزني ولا تلد أو تلد مالا يغلب على ظنه أنه من الزنا أو يستفيض زناها في الناس أو يخبره به ثقة لا يتهمه أو يرى رجلا معروفا بالفجور عندها فيباح قذفها ولا يجب فإن أتت بولد أسود وهما أبيضان أو بعكسه لم يبح نفيه لمجرد ذلك إلا مع القرائن وقيل يباح. وألفاظ القذف صريحة وكناية. فالصريحة نحو يا زاني يا عاهر قد زنيت فإن قال أردت يا زاني العين يا عاهر اليد ونحوه لم يقبل وإن قال يا معفوج يا لوطي فهو صريح إلا أن يقول أردت أنك تعمل عمل قوم لوط غير إتيان الذكران فوجهان وقال الخرقي إن قال أردت أنك من قوم لوط لم يحد. وإذا قال لست بولد فلان فقد قذف أمه وإن قال لولده لست بولدي لم يكن صريحا بقذف أمه نص عليه وقيل هو قذف لها وإن قال أنت أزنى الناس أو زنت يداك أو رجلاك أو قال الرجل يا زانية أو لامرأة يا زاني فهو صريح بقذفه عند أبي بكر وقيل هو كناية وكذلك إن قال أنت أزنى من فلانة فإن قلنا هو صريح ففي فلانة وجهان وإن قال زنأت في الجبل فقال أبو بكر صريح وقاله ابن حامد إن كان يعرف اللغة وقال أردت الصعود في الجبل قبل منه فعلى قوله إذا لم يقل في الجبل ففيه الوجهان. وأما الكناية فكقوله لامرأته قد فضحتيه أو نكست رأسه أو أفسدت فراشه أو يا فاجرة يا قحبة يا خبيثة أو لمن يخاصمه يا حلال ابن الحلال ما يعرفك

الناس بالزنا أو يقول لعربي يا فارسي يا قبطي يا رومي ونحوه فهذه كناية إن فسره بغير القذف قبل وعنه لا يقبل إلا بقرينة ظاهره في صرفه. وإن قال أخبرني فلان أنك زنيت وكذبه فلان أو سمع رجلا يقذف رجلا فقال صدقت خرج على الروايتين وإن قال صدقت فيما قلت ففيه وجهان وقيل هو قذف وجها واحدا. وإذا قذف أهل بلدته أو جماعة لا يتصور الزنا منهم عادة عزر به ولم يحد وكذلك إن قال ما أنت ابن فلانة نص عليه وكذا قياسه من قذف المجبوب والمنصوص عنه أنه يحد. ولو قال لرجل اقذفني فقذفه عزر وقيل يحد. ومن قال لأمرأته يا زانية فقالت بك زنيت سقط عنه حقها بتصديقها ولم تكن قاذفة نص عليه ونص فيمن قال لزوجته زنا بك فلان أنه قاذف لها فتخرج المسألتان على روايتين. ومن قذف له موروث حي لم يكن له أن يطالب في حياته بموجب قذفه فان مات فقد طالب أو قلنا يورث مطلقا للوارث بصفة ما كان للموروث اعتبارا بإحصانه وإن قذف له موروث ميت فله حد القاذف بشرط إحصانه وإن لم يكن الموروث محصنا وقال أبو بكر لا حد يقذف ميت والأول أصح. ويثبت حق قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين نص عليه وقال القاضي في موضع يختص به من سواهما وقيل يختص العصبة ومن عفا عنه منهم قام به من بقي كاملا. ويسقط حد القذف بالعفو عنه نص عليه وعنه ما يدل على أنه لا يسقط بل له العود إلى طلبه ولا يستوفى بدون الطلب رواية واحدة. ومن تاب من قذف إنسان قبل علمه به فهل يشترط لتوبته إعلامه والتحلل منه على روايتين.

ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلما كان أو كافرا. ومن قذف الجماعة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا مفترقين فحدود وإلا فواحد ومن قذفهم بكلمات حد لكل واحد حدا وعنه إن طالبوا مجتمعين فحد واحد. ولو قال لزوجته وأجنبية زنيتما تعدد الواجب هنا ولم يتداخل نص عليه وقال أصحابنا إذا لم يلتعن فهو على الروايات في التداخل. ومن حد للقذف بزنا أو لاعن إن كان زوجا ثم أعاده عزر وعنه يحد ولا يلاعن على الروايتين جميعا. وإذا قذف من ثبت زناها بإقرار أو بينة عزر ولم يلاعن لدرئه إن كان زوجا. فصل في اللعان ومن قذف امرأته بالزنا ولم تصدقه لزمه ما يلزمه بقذفها أجنبية من حد أو تعزير لكن له إسقاطه باللعان حيث يصح. ولا يصح اللعان إلا من الزوجين المكلفين سواء كانا مسلمين أو ذميين أو رقيقين أو فاسقين أو أحدهما كذلك وعنه لا يصح إلا من مسلمين حرين عدلين وعنه لا يصح إلا بين المحصنة وزوجها المكلف. فعلى هذا لا لعان في قذف يوجب التعزير وعنه لا لعان بقذف غير المحصنة إلا لولد يريد نفيه. وإذا قذفها ثم أبانها أو قال لها أنت طالق يا زانية ثلاثا لاعن كما لو لم يبنها وإن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية أو أبانها ثم قذفها بزنا في الزوجية أو العدة أو قذف من تزوجها نكاحا فاسدا فإن كان ثم ولد يريد نفيه لاعن وإلا فلا ومن قذف زوجته بزنا قبل النكاح لم يلاعن وعنه يلاعن وعنه لا يلاعن إلا لولد ينفيه. ولا يصح اللعان إلا بحضرة الحاكم أو نائبه.

وصفته أن يبدأ الرجل فيقول أربع مرات "أشهد بالله لقد زنت زوجتي هذه ويشير إليها وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها ثم يقول في الخامسة {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ثم تقول هي أربع مرات "أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا" ثم تقول في الخامسة {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وإذا قذفها برجل بعينه سقط حدهما بلعانه. وإذا بدأت باللعان قبله أو نقص أحدهما شيئا من الألفاظ الخمسة لم يعتد به وإن أبدل لفظه "أشهد" باقسم أو أحلف أو لفظة اللعن بالإبعاد أو الغضب بالسخط فعلى وجهين ولا صح اللعان بغير لسان العربية إلا لمن لم يحسنها وقيل إن قدر على تعلمها لزمه. ويصح لعان الأخرس بإشارته أو كتابته إذا فهمت وفيمن اعتقل لسانه وأيس من نطقه وجهان. والسنة أن يتلاعنا قياما بمحضر جماعة في الأوقات والأماكن المعظمة وأن يقفا عند الخامسة ويضع رجل يده على فم الرجل وامرأة يدها على فم المرأة ويقال أتق الله فإنه الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. ومتى كانت المرأة خفرة بعث الحاكم من يلاعن بينهما. ومن قذف نساء لزمه أن يفرد كل واحدة بلعان وعنه يجزئه لعان واحد فيقول "أشهد بالله إني لصادق فيما رميتكن به من الزنا" ثم تقول كل واحدة "أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني من الزنا" وأيتهن بدأت جاز وعنه إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعان واحد وإلا لزمه الإفراد. وإذا قذفها وانتفى من ولدها لم ينتف حتى يتناوله اللعان إما صريحا كقوله "أشهد بالله لقد زنت وما هذا الولد ولدي" وتقول هي بالعكس وإما تضمينا

بأن يقول من قذفها بزنا في طهر لم يصبها فيه وادعى أنه اعتزلها حتى ولدت "أشهد الله إني لصادق فيما ادعيت عليها أو فيما رميتها به من الزنا" ونحوه. وإذا تم تلاعنهما أفاد شيئين الفرقة بينهما وانتفاء الولد المنفى فيه وعنه لا يفيدهما إلا بحكم الحاكم وعنه لا يفيد الفرقة حتى يفرق الحاكم فإذا فرق انتفى الولد وهو اختيار الخرقي ويتخرج أن ينتفي نسب الولد لمجرد لعان الزوج وتقع الفرقة بينهما فسخا متأبد التحريم وعنه إن أكذب نفسه حلت له بنكاح جديد أو بملك يمين إن كانت أمة. فعلى الأول وهو المذهب متى وقع اللعان بعد البينونة أو في نكاح فاسد فهل يفيد الحرمة المؤبدة على وجهين. وإذا التعن الرجل ونكلت عنه المرأة حبست حتى تقر أو تلاعن وعنه يخلى سبيلها. وإن مات أحدهما قبل تلاعنهما أو قبل تمامه ورثه الآخر ولم يتم اللعان إلا من الزوج لدرء الحد عنه حيث يلزمه ويلحقه نسب الولد في المسألتين نص عليه. وقيل ينتفي عنه بلعانه وحده فان كان في صورة موتها قد أكمله وإلا تممه أو ابتدأه لذلك وإذا مات الولد لم يمنع موته مثل لعانهما ونفيه. وإذا قال لزوجته ليس ولدك هذا مني ولم نجعله قاذفا أو قال معه ولم تزني أو لا أقذفك أو وطئت بشبهة أو مقهورة لنوم أو إغماء أو جنون أو إكراه ففيه روايتان منصوصتان. أحدهما لا لعان بحال ويلزمه الولد وهي اختيار الخرقي. والأخرى له أن يلاعن بنفي الولد فينتفي عنه بلعانه وحده وهي أصح عندي. وإذا قذف زوجته فسكتت أو أعفته عن المطالبة أو صدقته مرة أو مرارا أو أثبت زناها بأربعة شهداء أو قذفها وهي محصنة فجنت أو وهي مجنونة

بزنا قبله أو وهي خرساء أو ناطقة ثم خرست ولم تفهم إشارتها وهناك ولد يريد نفيه فلا لعان بحال ويلزمه الولد على أكثر نصوصه وقيل له أن يلتعن وحده لنفيه وهو قياس الرواية الثانية في التي قبلها. ولا يصح استلحاق الحمل قبل وضعه ولا نفيه ولا اللعان عليه لكن إن قال هو من زنا لاعن لدرء الحد ولم ينتف به إلا أن يصف زنا يلزم منه نفيه كمن ادعى زناها في طهر لم يصبها فيه واعتزلها حتى ظهر حملها ثم لاعنها لذلك ثم وضعته لمدة الإمكان من دعواه فإنه ينتفي عنه ولو زال النكاح بلعان لم ينتف الحمل أو المولود به لعدم دخوله فيه فله نفيه بلعان آخر قولا واحدا. ويشترط لنفي الولد باللعان أن لا يتقدمه الإقرار به أو ما يدل عليه فأما إن أقر به أو بتوأمه أو نفاه وسكت عن توأمه أو هنئ به فسكت أو أمن على الدعاء به أو أخر نفيه مع إمكانه رجاء موته لحقه نسبه ولم يملك نفيه. وقيل له تأخير نفيه ما دام في مجلس علمه فإن قال لم أعلم به أو بان لي نفيه أو بان النفي على القول وأمكن صدقه قبل وإلا فلا وقيل لا يقبل من غير القريب العهد بالإسلام سوى عدم العلم به. وإن أخر النفي لمرض أو حبس أو غيبة أو أمر يمنع ذلك لم يسقط نفيه. وإذا أكذب نفسه بعد نفيه لحقه نسبه وحد لقذف المرأة إن كانت محصنة وإلا عزر وإن كان قد لاعن ولو استحلقه ورثته بعده وقد نفاه باللعان لم يحلق به نص عليه وقال القاضي يلحق به. وإذا نفى من لا يملك نفيه وقال هو من زنا لزمه الحد وهل له إسقاطه باللعان على روايتين.

باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق

باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق ومن أتت زوجته بولد لم يلحقه إلا إذا أمكن أنه منه وإذا ولدته بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها وقيل مجاوزة أكثر مدة الحمل منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله لحقه نسبه ما لم ينفه بلعان ومع ذلك لا يحكم ببلوغه إن شك فيه به ولا يستقر به مهر ولا تثبت به عدة ولا رجعة وقال أبو بكر لا يلحق نسبه بمن لم يعلم بلوغه ونقل عنه حرب فيمن طلق قبل البناء وأتت بولد فأنكره ينتفي عنه بغير لعان. وإذا ولدته لدون ستة أشهر منذ تزوجها أو لأكثر مدة الحمل منذ أبانها أو أبانها حاملا فولدت ثم أتت بآخر بعد ستة أشهر أو تزوجها بحضرة الحاكم ثم طلقها في المجلس أو تزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي ولدت فيها أو كان الزوج صبيا له دون تسع سنين وقيل عشر سنين وقيل اثنتي عشرة أو بالغا لا ينزل الماء لجب أو لخصاء أو لهما لم يحلقه نسب وفي انقضاء العدة به منه خلاف سنذكره. ومن أقرت بانقضاء عدتها منه بالحيض أو غيره أو سريته المعتقة بانقضاء استبراء العتق ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر بعده لم يلحقه وإن كان لدون ذلك لحقه. وإذا ولدت الرجعية بعد أكثر مدة الحمل منذ طلقها ولدون ستة أشهر منذ أخبرت بانقضاء عدتها أو لم تخبر بانقضائها أصلا فهل يلحقه نسبه على روايتين. ومن بلغها موت زوجها فقضت العدة ثم تزوجت فما ولدته عند الثاني لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها لحق به خاصة نص عليه. ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه وأطلق فأتت بولد لمدة الإمكان

لحقه نسبه إلا أن يدعي الاستبراء وهل يحلف على وجهين فإن قال الواطئ دون الفرج لم أنزل أو عزل ناحية فهل يلحقه على روايتين. وإذا أقر بوطء أمته مرة ثم ولدت لأكثر من مدة الحمل فهل يلحقه على وجهين وإن ولدت منه أولا فاستلحقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف وقيل يلحقه. ومن أقر بطفل أو مجنون مجهول النسب أنه ولده ألحق به رجلا كان أو امرأة حتى لو كان ميتا ورثه وعنه إن كان للمرأة زوج لم يلحق بها لحق ومتى كان المقر عبدا أو كافرا ألحق به نسبا لا رقا ولا دينا إلا ببينة توجب ذلك. وإن ادعاه اثنان ولا فراش فهو لأسبقهما دعوة ما لم يكن للآخر بينة فيكون له وإن ادعياه معا ولأحدهما بينه قدم بها وإن تساويا في البينة أو عدمها عرض معهما أو مع أقاربهما إن ماتا على القافة فإن ألحقته بأحدهما لحق وكذلك إن توقفت فيه ونفقته عن الآخر وإن ألحقته بهما لم يلحق بهما لم يحلق إن كانا امرأتين فألحق بالرجلين فيرثانه ميراث أب واحد وهو يرثهما ميراث ولد كامل. وإن نفته عنهما أو أشكل عليهما أو اختلف قافتان أو لم تكن قافة ضاع نسبة ولم يلحق بواحد منهما قاله أبو بكر وقال ابن حامد يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما فيلحقه وعندي يلحق بهما. وكذلك الحكم إن وطئ اثنان امرأة بشبهة أو أمة لهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو ولد بشبهة وأتت بولد يمكن أنه منهما أرى القافة سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الافتراش ذكره القاضي وغيره. وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة أن يدعي الزوج أنه من الشبهة فعلى قوله إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه ومتى ألحق الزوج بالقافة والانتساب وهو ينكر فهل له نفيه بالتعانه على روايتين. ويعتبر للقائف أن يكون ذكرا عدلا مجرب الإصابة وفي اعتبار حريته

وجهان ويكفي قائف واحد ومجرد خبره وعنه اعتبار قائفين ولفظ الشهادة منهما. وإذا كان القافة ثلاثا فاتفق اثنان وخالفهما الثالث عمل بقولهما نص عليه وإذا كان التداعي والافتراش من ثلاثة أو أكثر فألحقته القافة بهم لحق نص عليه في الثلاثة وأومأ إليه فيما فوقهما وقال ابن حامد لا يلحق بهم ويكون كمن ادعاه اثنان وعدمت القافة وقال القاضي يلحق بثلاثة ولا يلحق بما فوقها. ومن قال لسريته أو زوجته أو مطلقته لولد بيدها ما هذا ولدي ولا ولدته فإن شهدت امرأة مرضية وعنه امرأتان بولادته ثبت نسبه منه وإلا فلا وقيل يقبل قولها وقيل يقبل قول الزوجة دون المطلقة والسرية.

كتاب العدد

كتاب العدد مدخل ... كتاب العدد كل امرأة فارقها زوجها فعليها العدة إلا المفارقة في الحياة قبل المسيس والخلوة أو بعدهما والزوج ممن لا يولد لمثله فلا عدة عليها ويعتبر للخلوة مطاوعتها وعلمه بها ولا يعتبر الخلو من مانع الصوم والإحرام والمرض والجب والعنة ونحوه وهل تجب العدة بتحمل ماء الرجل أو بالقبلة أو باللمس من غير خلوة على وجهين. والنكاح الفاسد المختلف فيه كالصحيح فيما ذكرناه نص عليه. وقال ابن حامد لا عدة فيه بموت ولا خلوة حتى يطأ فتجب عدة وطء الشبهة. والمعتدات ست إحداهن الحامل فعدتها من الموت وغيره بوضع حملها كله حرة كانت أو أمة والحمل الذي تنقضي به عدتها ما تصير به الأمة أم ولد ولو كان حملها لا يلحق الزوج كزوجة الطفل والمطلقة عقيب العقد ونحوه لم تنقض

به عدتها وعنه تنقضي به وفيه بعد وعنه تنقضي به من غير الطفل لأنه يلحقه باستلحاقه. وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين وعنه سنتان وأقل ما يتبين فيه الولد أحد وثمانون يوما. الثانية المتوفى عنها زوجها وليست حاملا منه فعدتها مع الحرية بأربعة أشهر وعشرا والأمة شهرين وخمسة أيام والمعتق بعضها بحسابه. وإذا مات زوج الرجعية في عدة الطلاق سقطت واستأنفت عدة الوفاة عقيب موته وعنه تعتد بأطولهما وإذا مات بعد عدة الطلاق لم يلزمها عدة وفاة وعنه يلزمها إن كان الطلاق في المرض وورثناها منه وكذلك من أبانها في المرض قبل الدخول أو بعده فاعتدت ثم مات ولو مات في العدة فعنه عليها عدة الوفاة فقط وعنه أطولهما وهو الصحيح إلا التي لا نورثها كالأمة والذمية ومن جاءت البينونة منها فلا يلزمها سوى عدة الطلاق رواية واحدة وأما البائن في الصحة فلا تنتقل بموته عن عدتها وإذا ارتابت المتوفى عنها لظهور أمارة الحمل من حركات أو انتفاخ بطن أو رفع حيض ونحوه قبل زوالها لم يصح وقيل يصح إذا ظهرت الريبة بعد شهور العدة. ولو ظهرت الريبة بعد تزوجها لم يفسد بذلك إلا أن تأتي بعده بولد لدون ستة أشهر فيتبين فساده. الثالثة ذات الأقراء المفارقة في الحياة فعدتها ثلاثة قروء مع حريتها أو حرية بعضها وقرءان مع رقها والأقراء هي الحيض. ولا تعتد بحيضة طلقت فيها وهل تباح للأزواج وتمتنع الرجعة قبل غسلها من الحيضة الثالثة عل روايتين وبقية الأحكام من قطع الإرث والطلاق واللعان والنفقة وغيرها تحصل بانقطاع الدم رواية واحدة وعنه الأقراء الأطهار فتعتد

ببقية الطهر المطلق فيه قرءا فإذا طعنت في الحيضة الثالثة أو في الثانية مع الرق حلت. وأقل ما تنقضي به العدة بالأقراء إن قلنا هي الحيض تسعة وعشرون يوما ولحظة للحرة وللأمة خمسة عشر يوما ولحظة إن قلنا الطهر ثلاثة عشر يوما وإن قلنا أقله خمسة عشر فثلاثة وثلاثون يوما ولحظة للحرة وسبعة وعشرون يوما ولحظتان للحرة وأربعة عشر ولحظتان للأمة إن قلنا أقل الطهر ثلاثة عشر يوما وإن قلنا خمسة عشر يوما فاثنان وثلاثون يوما ولحظتان للحرة وستة عشر ولحظتان للأمة. ولو ولدت ثم طلقت فأقل ما تنقضي به العدة ما ذكرناه مع زيادة أربعين يوما مدة النفاس. وإذا ادعت المعتدة انقضاء عدتها بالأقراء أو الولادة قبل قولها إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة نص عليه وقبله الخرقي مطلقا. ولو اتفقا على وقت الحيض أو الولادة واختلفا هل كان الطلاق قبله أم لا فالقول قوله كما في العدة بالأشهر. الرابعة من فارقها حيا ولا تحيض لإياس أو صغر فعدتها ثلاثة أشهر حرة كانت أو أمة وعنه شهران للأمة وعنه شهر ونصف والمعتق بعضها بحسابه. وإذا حاضت الصغيرة في عدة الأشهر ابتدأت عدة الأقراء وإذا قلنا هي الأطهار فهل يعد ما قبل الحيض قراء على وجهين ومن أيست في عدة الأقراء ابتدأت عدة آيسة فإذا أعتقت الأمة المعتدة بنت على عدة أمة إلا الرجعية فإنها تنتقل إلى عدة حرة. الخامسة من ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه فعدتها سنة تسعة أشهر

للحمل وثلاثة لعدة الآيسة لكن تنقص الأمة منها شهرا أو سهرا ونصفا على خلاف سبق وقيل تقعد للحمل أكثر مدته ثم تعتد للأياس ولا تنتقض عدتها بعود الحيض بعدها وقيل تنتقض ما لم تتزوج. وعدة البالغة التي لم تر دم حيض ولا نفاس والمستحاضة الناسية لوقتها ثلاثة أشهر وعنه سنة فأما إن علمت أن لها حيضة في كل شهر أو شهرين أو أربعين يوما ونحوه ونسيت وقتها فعدتها ثلاثة أمثال ذلك نص عليه وذات التمييز أو العادة تبنى عليهما. ومن عرفت ما رفع حيضها من مرض أو رضاع ونحوه فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به أو تصير إلى الإياس فتعتد عدته. السادسة امرأة المفقود تتربص أربع سنين من يوم فقد إن فقد بغيبة ظاهرها الهلاك وإلا فتتمة تسعين سنة من يوم ولد ثم تعتد فيهما للوفاة وهل يفتقر ضرب المدة وعدة الوفاة إلى حاكم على روايتين وعنه التوقف في أمره حتى يعلم موته ويرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فإذا حكم بالفرقة نفذت ظاهرا لا باطنا بحيث لا تمنع طلاق المفقود ويتخرج أن تنفذ باطنا فيمتنع طلاقه وإذا تزوجت ثم قدم فالمنصوص ردها إليه إن لم يدخل بها الثاني وإن كان دخل بها خير القادم بين أخذها زوجة وبين تركها مع الثاني وأخذ مهرها منه وهل قدره بما أمهرها الأول أو الثاني على روايتين وفي رجوع الثاني به عليها روايتان والأقيس أن تكون زوجة القادم بلا خيار إلا أن نقول تنفذ الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال. ومن مات أو طلق وهو غائب من زوجته فعدتها من يوم مات أو طلق بالإحداد وعنه إن ثبت ذلك ببينة أو كانت عدتها لوضع الحمل فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر.

وعدة الموطوءة بشبهة أو زنا عدة المطلقة إلا الأمة غير المزوجة فإنها تستبرأ بحيضة وعنه يكفي للزنا استبرأ بحيضه. وإن كان لهذه الموطوءة زوج أو سيد حرم وطؤها عليه في هذه المدة وفي استمتاعه بها دون الفرج وجهان. وإذا وطئت المعتدة لنكاح فاسد أو شبهة سواء تمت عدة الأولى ثم ابتدأت عدة الوطء فهل تنقطع العدة بذلك حيث لا يحتسب منها مقامها عند الثاني أم لا على وجهين وإن أتت بولد علم أنه من أحدهما بعينه انقضت به عدتها منه ثم اعتدت للآخر وكذلك إن لم يعلم وألحقته القافة بأحدهما وإن ألحقته بهما انقضت به عدتها منهما وللثاني أن ينكحها بشرط انقضاء العدتين وعنه تحرم عليه في النكاح الفاسد أبدا. ومن وطئت زوجته بشبهة ثم طلقها اعتدت منه ثم أتمت للشبهة ويحتمل أن تتم للشبهة ثم تستأنف له. وإذا وطئ اثنان امرأة بشبهة لزمها عدتان ومن وطئ معتدته البائن بشبهة استأنفت العدة لوطئه ودخل فيها بقية الأولى ولو وطئها زنا أتمت الأولى ثم ابتدأت للزنا. وإذا طلقت الرجعية في عدتها أو فسخ نكاحها فيها لخيار عتق أو غيره بنت على ما مضى منها وإن زوجت ثم طلقت استأنفت العدة كما لو فسخت بعد الرجعة لعتق أو غيره وعنه تبنى إذا لم يطأها بعد الرجعة. ولو نكح البائن منه في عدتها ثم طلقها فيها قبل الدخول بنت وعنه يستأنف. ويلزم المتوفي عنها الإحداد في العدة وإن كانت ذمية أو صغيرة ولا يلزم الرجعية ولا الموطوءة بشبعه أو نكاح فاسد أو ملك يمين وفي البائن روايتين. والإحداد تجنب الزينة والطيب والتحسين بالحناء والخضاب والكحل

الأسود والحفاف واسفيداج العرائس وتحمير الوجه ولبس الملون من الثياب للتحسين كالأحمر ولاأصفر والأخضر الصافي والأزرق الصافي ولا تحرم الثياب البيض ولا الملون لرفع الوسخ كالكحلي والأسود وذكر الخرقي أنها تجتنب النقاب. وتجنب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه إلا أن تدعو ضرورة إلى تحولها منه بأن يحولها مالكه أو تخشى على نفسها فتنتقل إلى أقرب ما يمكن ولها الخروج في حوائجها نهارا لا ليلا. ومن أذن لها زوجها في السفر معه أو بدونه للنقلة إلى بلد فمات قبل أن تفارق البيوت لزمها العود إلى منزلها للعدة وإن مات بعد ذلك خيرت بين البلدين ولو كان لغير النقلة لتجارة وزيارة فمات بعد مسافة القصر خيرت بين البلدين وإن مات بالقرب لزمها العود للعدة في منزلها وإن كان السفر لحج وقد أحرمت به قبل موته أو بعده فإن أمكنها العود إلى العدة في منزلها ثم إدراك الحج لزمها العود كذلك مع موته بالقرب مع البعد الحج فان رجعت منه وقد بقي شيء من عدتها أتمته في منزلها وأما مع القرب فهل تقدم العدة أو أسبقهما لزوما على روايتين وحيث تقدم العدة تتحلل لفوات الحج بعمرة. والمطلقة الرجعية في وجوب ملازمة منزلها يوم الفرقة كالمتوفى عنها نص عليه وقيل هي كالزوجة فأي وقت خرجت أو تحولت بإذنه جاز. وأما المبتوتة فعنه أنها كالمتوفي عنها والأشهر عنه أنه لا يلزمها العدة في منزل طلاقها بل لها النقلة إلى غيره وإن تكررت لكن هل لها البيتونة في غير المنزل الذي تكون فيه من غير نقلة عنه أو السفر عن البلد أم لا على روايتين هذا كله إذا لم يمنعها المطلق منه فأما إن أراد إسكاتها في منزله ولا محذور فيه أو في غيره مما يصلح لها تحصينا لفراشه لزمها سواء وجبت لها السكنى أو لم تجب كما في المستبرأة لعتق والمعتدة بشبهة أو نكاح فاسد.

باب الاستبراء

باب الاستبراء من ملك أمة توطأ عن صغير أو كبير أو رجل أو لامرأة لم يحل له وطؤها ولا مقدماته حتى يستبرئها وعنه تباح مقدماته في المسبية خاصة وفي استبراء من لا يوطأ مثلها لصغرها روايتان. ويجعل استبراء الحامل بوضع الحمل ومن تحيض بحيضة كاملة والآيسة الصغيرة بمضي شهر وعنه بمضي ثلاثة أشهر وعنه بشهرين وعنه بشهر ونصف وإن ارتفع حيضها ولا تدري ما رفعه فبذلك بعد تسعة أشهر وإن ارتفع لعارض انتظر عوده المستبرئ به أو الإياس فتستبرئ بالمدة. ومن رجعت إليه بالعجز فكاتبته أو ذات رحم محرم منها ملكتها في الكتابة أو فك أمته من رهن أو أسلم هو أو هي بعد ردة أو اشترى عبده التاجر أمة ثم أخذها منه وقد حضن قبل ذلك لم يلزمه لذلك استبراء وإن استبرأ من مكاتبة أمه أو رجعت إليه لعجزه فوجهان أصحهما وجوب الاستبراء. وإن أسلمت أمته المجوسية أو الوثنية فوجهان أصحهما الاستبراء لذلك ومن زوج أمته فطلقت قبل الدخول لم يلزمه استبراء لذلك وكذلك بعد الدخول بل تعتد فقط. وإن اشترى أمة مزوجة فطلقت قبل الدخول لزمه الاستبراء وأما بعده فقيل يلزمه بعد العدة وقيل يدخل فيها. ومن اشترى زوجة له أو معتدة منه بدون الثلاث فله وطؤها في عدتها فإن باعها فمتى تحل للمشتري فيه الوجهان. ويجزئ استبراء من ملكها بشراء أو وصية أو غنيمة أو غيرها قبل القبض وعنه لا يجزئ إلا في الموروث وقيل لا يجزئ في الجميع ويكفي قبض الوكيل على الأصح.

ومن اشتريت بشرط الخيار فهل يجزئ استبراؤها إذا قلنا بنقل الملك على وجهين. ومن باع أمة ثم رجعت إليه بإقالة أو فسخ حيث انتقل الملك لزمه استبراؤها وعنه لا يلزمه إذا لم تقبض منه أو اشتراها منه امرأة ولو فسخ لخيار شرط وقلنا يمنع نقل الملك لم يلزمه استبراء وإن قبضت منه. ومن وطئ أمته ثم أراد بيعها لم يلزمه استبراؤها وعنه يلزمه لكن يصح البيع بدونه وعنه يلزمه ويفسد البيع بدونه. ومن أراد تزويج سريته لزمه استبراؤها ولم يصح العقد بدونه وعنه يصح ولكن لا يطأ الزوج قبله. ومن اشترى أمه فأراد قبل الاستبراء أن يزوجها مع الرق أو بعد العتق أو يتزوجهما بعد عتقها لم يجز ذلك بحال لكن هل يؤثر ذلك في فساد العقد أو تختص بمنع الوطء على روايتين وعنه له تزويجها من غيره إذا كان بائعها قد استبرأها أو لم يكن يطؤها وهو الأصح. ومن أعتق أم ولده أو سريته أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إلا أن تكون معتدة أو مزوجة ولا يلزمها استبراء فان مات زوجها وسيدها وجهل أسبقهما لزمها بعد موت آخرهما عدة حرة للوفاة فقط بلا استبراء إلا أن يعلم أن ما بين موتهما فوق شهرين وخمسة أيام أو يجهل المدة فيلزمها الأطول منهما وعنه لا يلزمها سوى عدة حرة للوفاة مطلقا. وإذا اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراءان. ومن باع أمة بعد إقراره بوطئها ولم يستبرئها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين البيع لحقه نسبه والبيع باطل وكذلك إن أتت به لأكثر من ستة أشهر إلا أن يدعي المشتري أنه منه فيعرض على القافة أو يدعي استبراء وتأتي به لستة أشهر من بعده فيكون عبدا له إن لم يعترف به.

وإن استبرأ ثم باع فولدته لدون ستة أشهر من حين الاستبراء لحقه ولو ولدت بعد ستة أشهر من الاستبراء لم يلحقه إلا أن يدعيه ويصدقه المشتري ولو لم يكن أقر بوطئها حتى باع لم يلحقه الولد بحال إلا أن يدعيه ويصدقه المشتري وقيل يلحقه نسبه بدعواه في المسألتين إذا لم يدعه المشتري وكذا امتنع كونه عبدا.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع مدخل ... كتاب الرضاع إذا ثاب للمرأة لبن عن حمل يلحقه نسب الواطئ فأرضعت به طفلا صارا في تحريم النكاح وجواز الخلوة والنظر أبوين له وهو ولدهما وانتشرت الحرمة من هذه الجهات الثلاث وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما وأولاد كل واحد منهما من الآخر أو غيره إخوته وأخواته وآباؤهما أجداده وجداته وإخوة المرأة أخواله وأخواتها خالاته وإخوة الواطئ أعمامه وأخواته عماته ولا تنتشر حرمة الرضاع إلى من في درجة المرتضع من إخوته وأخواته وإلى من فوقه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته فتباح المرضعة لأخي المرتضع من النسب ولأخيه وتباح أمه من النسب وأخته منه لأبيه من الرضاع وأخيه ومن أرضعت بلبن ولد الزنا أو المنفى باللعان طفلا صار ولدها من الرضاعة ولم يصر ولدا للزاني والملاعن وقيل يصير ولدا لهما وقيل يصير ولدا للزاني والملاعن وقيل يصير ولدا لهما وقيل يصير ولدا للزاني دون الملاعن. وإذا وطئ رجلان امرأة بشبهة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لهما إلا أن يلحقه القافة بأحدهما فينفرد ببنوته. ومن تزوج امرأة لها لبن من زوج قبله فحبلت منه ولم يزد لبنها أو زاد قبل أو أن الزيادة للحبل فهو للأول وإن زاد في أوانه فأرضعت به طفلا فهو ولدهما وإن انقطع لبن الأول ثم ثاب بحبلها من الثاني فهو ابنه وحده عند أبي الخطاب وقال أبو بكر هو ابنهما ومتى ولدت فاللبن للثاني وحده إلا إذا لم يزد لبنها

ولم ينقص من الأول حتى ولدت فإنه يكون له على المنصوص وقيل هو للثاني وحده بكل حال. وإذا ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم لم يثبت الحرمة نص عليه وعنه يثبتها فعلى هذه في لبن الخنثى المشكل وجهان. ولا تحريم بلبن البهائم بحال. ولا يحرم الرضاع إلا في الحولين فلو رضع طفل بعدهما بلحظة لم يحرم. وقليلة في التحريم ككثيره وعنه لا يحرم إلا ثلاث رضعات وعنه لا يحرم إلا خمس وهو المذهب. فعلى هاتين متى امتص من الثدي ثم تركه لشبع أو لتنفس أو لأمر ألهاه أو للانتقال إلى ثدي آخر أو قطع عليه قهرا ثم عاد عن قرب أو بعد فهي رضعة أخرى وقال ابن حامد إذا انقطع بغير اختياره فهما رضعة ما لم يطل الفصل بينهما. والوجور والسعوط كالرضاع وعنه لا يحرمان فعلى الأول اللبن المشوب بغيره كالمحض وقال ابن حامد الحكم لأغلبهما. ولا تحرم الحقنة باللبن نص عليه وقال ابن حامد لا يحرم. ولبن الميتة محرم كالحية وقال الخلال لا يحرم. ومن طلق امرأة لها منه لبن فتزوجت بطفل وأرضعته بلبنه أو تزوجت الطفل أولا ثم فسخت نكاحه بعيب أو عتق ثم تزوجت رجلا وثاب لها منه لبن فأرضعت به الطفل حرمت عليهما أبدا لصيرورتها أما وحليلة ابن. ومن تزوج كبيرة لها لبن من غيره ولم يدخل بها وصغيرة أو أكثر فأرضعت الكبيرة الصغيرة بعد طلاقها أو طلاق إحداهما حرمت الكبيرة أبدا خاصة وبقي نكاح الصغيرة إذا لم تكن مطلقة وإن أرضعتها وهما في نكاحه حرمت الكبرى أيضا وبقي نكاح الصغرى وعنه ينفسخ نكاحها فإن أرضعت

صغيرة أخرى بعدها انفسخ نكاحهما على الأولى ولم ينفسخ على الثانية نكاح الثانية فإن أرضعت ثالثة بعدهما انفسخ نكاح الأوليين دون الثالثة على الأولى وعلى الثانية ينفسخ نكاح الكل وإن أرضعت واحدة منفردة ثم اثنتين انفسخ نكاح الثلاث رواية واحدة وله أن يتزوج من شاء منهن ولو كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه أبدا. وكل من حرمت عليه ابنة امرأة كأمة وجدته وأخته وربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه. وكل من حرمت عليه ابنة رجل كابنه وأخيه وابنه إذا أرضعت زوجته بلبنه طفلة حرمتها عليه وفسخت نكاحها إن كانت زوجته. ومن تزوج طفلة وأرضعها بلبنه خمس أمهات أولاد له رضعة رضعة أو ثلاث زوجات له رضعتين رضعتين صار أباها وحرمت عليه وقيل لا تحرم كما لم تصر بنتا للمرضعات ولو أرضعها خمس بنات زوجة له رضعة رضعة حرمت الكبرى بجعلها جدة وكانت الصغرى معها على ما سبق في اجتماعهما أما وبنتا وقيل لا تصير جدة لانتفاء أمومة بناتها فيكون نكحهما بحاله. وكل امرأة أفسدت نكاحها برضاع قبل الدخول فلا مهر لها وإن كانت طفلة بأن تدب فترضع من نائمة أو مضى عليها وإن كان بعد الدخول فمهرها بحاله لا يسقط وإن أفسده غيرها فلها على الزوج نصف المسمى قبل الدخول وجميعه بعده ويرجع به على المفسد منهما نص عليه وفي رواية أبي القاسم. ومتى كان المفسد جماعة وزع على رضعاتهم المحرمة لا على عددهم وقيل لا يرجع بشيء بعد الدخول وهو الأقوى ومن تزوج امرأة ثم قال هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح ثم إن كان قبل الدخول وصدقته فلا مهر وإن كذبته فلها نصف المهر وإن كان بعد الدخول فلها المهر بكل حال. وإن قالت هي ذلك وأكذبها فهي زوجته في الحكم وإذا قال لمماثلته في سنه هي بنتي من الرضاع لم تحرم لتيقن كذبه.

كتاب النفقات

كتاب النفقات باب نفقة الزوجات يلزم الرجل نفقة زوجته قوتا وكسوة وسكنى بما يصلح لمثلها ولا يقدر قوتها هو ولا غيره بل يعتبر الحاكم عند التنازع بحالهما فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر كفايتها من أجود خبز البلد وأدمه المعتاد لأمثالها وما يكتسى به مثلها من جيد القطن والكتان أو الخز أو الإبريسم وأقله قميص وسراويل ووقاية ومقنعة ومداس وجبة للشتاء وللنوم فراش ولحاف ومخدة وللجوس زلّي1 ورفيع الحصر وللفقيرة تحت الفقير قدر كفايتها من أدنى خبر البلد وأدمه وما يكتسى به أمثالها وينامون فيه ويجلسون فوقه وللمتوسطة تحت المتوسط وللموسرة تحت الفقير وبالعكس ما بين ذلك كله عادة ويلزمه إخدامها إذا كان مثلها لا تخدم نفسها أو احتاجت إليه لمرض ولا يلزمه أكثر من خادم فإن كان الخادم لها وإلا أقامة لها بشراء أو كراء أو عارية والتعيين إليه إلا في خادمها فلا يتعين إلا باتفاقهما. ونفقة الخادم كنفقة الفقيرة تحت الفقير ولا تملك أن تخدم نفسها وتأخذ نفقه الخادم وهل للزوج أن يخدمها بدلا من الخادم على وجهين وعليه ما يعود بنظافة المرأة من دهن وسدر ومشط وثمن ماء ولا يلزمه دواء ولا أجرة طبيب ولا يلزمه ثمن طيب ولا حناء ونحوه إلا أن يريد منها التزين به ولا يلزمه للخادم شيء من ذلك وعليه دفع القوت لا قيمته في صدر نهار كل يوم إلا أن يتفقا على دفع قيمة أو تقديم أو تأخير لمدة تطول أو تقصر فيجوز ويلزمه كسوتها لكل عام فإذا قبضتها ثم تلفت أو سرقت لم يلزمه بدلها وإذا انقضت

_ 1 هو نوع من السجاد

السنة وهي باقية لزمه كسوة السنة الأخرى ويحتمل أن لا يلزمه وإن ماتت أو طلقها في أثناء السنة قبضت كسوتها أو نفقتها سلفا أو رجع عليها بقسط باقيها وقيل لا يرجع وقيل يرجع بالنفقة دون الكسوة لكن لا رجوع بقسط يوم الفرقة قولا واحدا. ولو أنفقت من ماله وهو غائب فتبين موته فهل يرجع عليها بما أنفقته بعد موته على روايتين. وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها. وإذا غاب مدة ولم ينفق لزمه نفقة الماضي وعنه لا يلزمه إلا أن يكون الحاكم قد فرضها وأما نفقة أقاربه فلا تلزمه لما مضى وإن فرضت إلا أن يستدان عليه بإذن الحاكم. ولا نفقة للزوجة إلا إذا استكملت تسع سنين وتسلمها الزوج أو بذلت له بذلا يلزمه قبوله كما سبق في موضعه سواء كان صغيرا أو كبيرا يمكنه الوطء أو لا يمكنه وعنه يجب لبنت تسع فصاعدا النفقة بالعقد ما لم تمنعه نفسها ولا منعها أهلها والأول أصح. وإذا بذلت له والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله. وإذا بذلت التسليم ووقفته على قبض صداقها حيث تملك ذلك فلها النفقة. ومن زوج أمته وسلمها ليلا ونهارا فهي كالحرة وإن سلمها ليلا لا غير لزمه نفقة النهار ولزم الزوج نفقة الليل من العشاء وتوابعه كالوطاء والغطاء ودهن المصباح ونحوه وقيل جملة نفقتها عليهما نصفين بالسوية قطعا للتنازع. وإذا حبست المرأة في حق أو غصبها رجل أو نشرت أو حجت أو صامت تطوعا أو لنذر في الذمة أو صامت لكفارة أو قضاء رمضان قبل وقته ولم يكن ذلك بإذنه فلا نفقة لها وإن حجت الفريضة أو صلت المكتوبة في أول الوقت

وسنتها فلها النفقة وإن صامت أو حجت لنذر معين فوجهان وقيل إن كان النذر بإذنه أو قبل النكاح فلها النفقة وإلا فلا وإذا اختلفا في نشوزها أو أخذها النفقة فالقول قوله وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع اليمين فيهما. وإذا عادت الناشر إلى الطاعة والزوج غائب لم تعد نفقتها حتى يعلم الزوج ويمضي زمن يقدم في مثله وكذلك المرتدة والمتخلفة عن الإسلام إذا أسلمتا في غيبة الزوج عند ابن عقيل وقال القاضي تعود نفقتهما بمجرد إسلامهما. وإذا أعسر الزوج بنفقة القوت أو الكسوة أو بعضهما فللزوجة فسخ النكاح ولها المقام عنده وتبقى نفقة الفقيرة دينا عليه فإن اختارت المقام ثم بدا لها الفسخ ملكته وعنه لا تملكه كما لو رضيت بعسرته في الصداق وكذلك الخلاف إن تزوجته عالمة بعسرته فعلى هذه هل خيارها الأول على التراخي أو الفور يخرج على روايتي خيار العيب وعنه ما يدل على أنه لا فسخ للإعسار بالنفقة بحال وإن أعسر بنفقة ماضية فلا فسخ بذلك وكذلك في نفقة الموسرة أو المتوسطة والأدم أو الخادم ويبقى ذلك في ذمته وقال تسقط زيادة اليسار والتوسط. وإذا أعسر بالسكنى فلا فسخ قاله القاضي وقال ابن عقيل لها الفسخ. وإن أعسر زوج الأمة فرضيت به أو زوج الصغيرة أو المجنونة لم يملك وليهن الفسخ وقيل يملكه. وإذا منع الموسر النفقة أو بعضها وقدرت له على مال أخذت منه كفايتها وكفاية ولدها بالمعروف بغير إذنه وإن لم تقدر عليه أجبره الحاكم على ذلك فإن تعذر دفع النفقة من ماله بأن غيبه وصبر على الحبس فلها فراقه وقال القاضي ليس لها ذلك بخلاف العسر. ويفتقر الفسخ في جميع ذلك إلى حاكم. وتجب نفقة المطلقة الرجعية طعاما وكسوة وسكناها كالزوجة سواء وأما البائن بفسخ أو طلاق فلها ذلك إن كانت حاملا وإلا فلا شيء لها وعنه لها

السكنى خاصة وإن لم ينفق عليها حائلا ثم بانت حاملا لزمه نفقة الماضي. وإن أنفق يظنها حاملا فبانت حائلا رجع بما أنفق عليها لمجرد قولها ثلاثة أشهر وعنه لا ينفق حتى يشهد به النساء فإن مضت ثلاثة أشهر ولم يظهر حمل قطعت النفقة على الروايتين وفي الرجوع بما مضى روايتان. إحداهما النفقة له فتجب إذا كان أحد الزوجين رقيقا وتثبت في ذمة الغائب وتلزم المعسر ولا تلزم غير الزوج من أقارب للحمل ولا تجب لناشز ولا لحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد أو ملك يمين. والأخرى أنها تحمل فتجب لهؤلاء الأربع ولا تجب لها مع رقها أو رق زوجها وتسقط بمضي الزمان وإعسار الزوج وتلزم من تلزمه نفقة الحمل من نفس الأقارب على تقدير الولادة. وأما المتوفى عنها فلا نفقة ولا سكنى لها بحال وعنه لها ذلك في التركة إذا كانت حاملا.

باب نفقة الأقارب

باب نفقة الأقارب يلزم الإنسان نفقة والدية وولده بالمعروف إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وامرأته وكذلك أجداده وإن علوا وولد ولده وإن سفلوا وعنه لا يلزمه نفقتهم إلا بشرط أن يرثهم بفرض أو تعصيب كسائر الأقارب عنده. وعنه أنها تختص العصبة في عمودي النسب وغيرهم ثم هل يشترط أن يرثهم بالفرض أو التعصيب في الحال على روايتين. إحداهما يشترط فلا نفقة على بعيد موسر يحجبه قريب معسر. والأخرى يشترط ذلك في الجملة لكن إن كان يرثه في الحال ألزم بها مع اليسار دون الأبعد وإن كان فقيرا جعل كالمعدوم ولزمت الأبعد الموسر. فعلى هذا من له ابن فقير وأخ موسر أو أب فقير وجد موسر تلزم نفقته.

الموسر منهما على الثانية ولا تلزمه فيهما على التي قبلها وعلى اشتراط الإرث في غير عمودي النسب خاصة يلزم الجد دون الأخ. ولا نفقة على ذوي الأرحام من غير عمودي النسب نص عليه وخرج أبو الخطاب وجوبها على توريثهم ومن لزمته نفقته بالقرابة جماعة قسمت عليهم على قدر إرثهم إلا الأب فإنه يختص بنفقه ولده. فإذا كان له أم وجد وابن وبنت فعليهما النفقة أثلاثا وإن كان له جدة وأخ لزم الجدة السدس والأخ الباقي وعلى هذا أبدا وإن كان له أم أم وأبو أم فالنفقة على أم الأم وإن كان له أم أم وأم أب فالنفقة عليهما وإذا كان له أم وبنت فالنفقة عليهما أرباعا ويتخرج أن لا يلزمهما سوى ثلثي النفقة لا تلزمه كل النفقة أو بقدر إرثه على روايتين1. ومن لم يفضل عنه إلا نفقة واحد قدم الأقرب فالأقرب منه فإن استويا قدم العصبة على غيره وإلا فهما سواء وقيل يقدم من امتاز بفرض أو تعصيب فإنه تعارضت المزيتان أوفقدتا فهما سواء فإن كان له أبوان قدم الأب وقيل الأم وقيل هما سواء. فإن كان معهما ابن قدم عليهما وقيل يقدمان عليه وقيل يقسمها بينهم. وإذا كان أبو أب وأبو أم قدم أبو الأب لامتيازه بالتعصيب. وإن اجتمع أبو أم وأبو أبي أب فعندي أبو الأم أولى وقال القاضي القياس تساويهما لتعارض قرب الدرجة وميزة العصوبة ويحتمل أن القريب والبعيد سواء إذا ألزمناه مع القدرة نفقتهما معا.

_ 1 كذا بالأصل وفي المغني "وإن كانت له أم وبنت فالنفقة بينهما أرباعا لأنهما يرثانه كذلك وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي: النفقة على البنت لأنها تكون عصبة مع أخيها".

ولا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين وعنه تجب في عمودي النسب خاصة ومن لزمته نفقة رجل لزمته نفقة زوجته وعنه لا تلزمه وعنه لا تلزمه إلا لزوجة الأب وعنه لا تلزمه إلا في عمودي النسب. وتلزم نفقة ظئر الصبي من تلزمه نفقته ولا تلزمه لما فوق الحولين وليس للأب منع المرأة من إرضاع ولدها حتى لو طلبت أجرة المثل لذلك ووجدت متبرعة برضاعة فأمه أحق به بالأجرة وقيل له منعها بأجرة وبغيرها إذا كانت في حباله وإن امتنعت من إرضاعه لم تجبر إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه فتجبر وإن تزوجت بآخر فله منعها من إرضاع ولدها من الأول إلا أن يضطر إليها.

باب الحضانة

باب الحضانة لا حضانة إلا لرجل من العصبة أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث فإن عدموا فالحاكم وقيل إن عدموا ثبتت لمن سواهم من الأقارب ثم للحاكم. وأحق النساء بها أم الطفل ثم جداته ثم أخواته ثم عماته وخالاته ثم خالات الأبوين وعمات الأب ثم بنات الإخوة والأخوات على العمات والخالات ومن بعدهن وهل تقدم أم الأم على أم الأب والأخت من الأم على الأخت من الأب والخالة على العمة وخالات الأب على عماته ومن يدلى من العمات والخالات بأم على من يدلى بأب أو بالعكس على روايتين. وأحق رجال الحضانة بها الأب ثم الجد ثم أقرب العصبة وإذا كان مع نساء رجل قدمن عليه إلا الأب والجد فإن الأب يقدم على غير أمهات الأم والجد يقدم على غير أمهات الأبوين وعنه يقدمان على من سوى الأم وعنه تقديم الأخت من الأم والخالة على الأب. فعلى هذه يحتمل تقديم نساء الحضانة على كل رجل ويحتمل أن يقدمن إلا على من أدلى به ويحتمل تقديم نساء الأم على الأب وأمهاته وسائر من

في جهته وأن كل امرأة في درجة رجل تقدم هي ومن أدلى بها عليه وعلى من أدلى به. وقيل كل عصبة فإنه يقدم على كل امرأة هي أبعد منه وتتأخر عمن هي أقرب منه وإذا تساويا فعلى وجهين. وليس لابن العم ونحوه حضانة الجارية إذا لم يكن محرما برضاع أو نحوه وإذا امتنعت الأم من حضانتها انتقلت إلى أمها وقيل إلى الأب. ولا حضانة لرقيق ولا فاسق ولا كافر على مسلم ولا لامرأة مزوجة بأجنبي من الطفل وقيل لا حضانة لها وإن تزوجت بنسب إلا أن يكون جدا للطفل وعنه لها مع التزوج حضانة الجارية خاصة فإن زالت موانعهم رجعت إليهم وهل تعود في الطلاق الرجعي بمجرده أو حتى تنقضي العدة على وجهين. ومتى أراد أحد الأبوين السفر إلى بلد بعيد لسكناه وهو وطريقة أمناء فالحضانة للأب وعنه للأم ولو بعد للحاجة أو قرب للسكنى فهي للأم وقيل للمقيم منهما وهل البعد ههنا مسافة القصر أو ما لا يمكن الذاهب إليه والعود في يومه على روايتين. وإذا بلغ الغلام وهو عاقل سبع سنين فأبوه أحق به وعنه أمه وعنه يخير بينهما فإن لم يختر أقرع بينهما فإن حكمنا به للأب ابتداء أو عملا باختياره أو بالقرعة كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع أو يزور أمه ولا تمنع هي من تمريضه وإن حكمنا به لأمة كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا ليؤدبه ويعلمه صناعة أو كتابة ومتى خير فاختار أحدهما ثم اختار الآخر نقل إليه وكذلك إن اختار أبدا. وإن بلغت الجارية سبع سنين كانت عند أبيها ولا تمنع الأم من زيارتها وتمريضها

وسائر العصبات كالأب في التخيير والنقلة بالولد إلا من ليس بمحرم في حق الجارية. وإذا استوى رجلان أو امرأتان كأختين أو أخوين عين أحدهما بالقرعة قبل السبع وبالتخيير بعدها والغلام والجارية سواء. وإذا بلغت الجارية عاقلة فعليها أن تكون عند أبيها حتى تتزوج ويدخل بها الزوج وعنه عند أمه وقيل حيث شاءت إذا حكم برشدها كالغلام والمعتق كالطفل فيما ذكرنا. ولا حضانة على الرقيق إلا لسيده فإن كان بعضه حرا تهايآ في حضانته سيده ومعتقه وذكره أبو بكر. باب نفقة الرقيق والبهائم يلزم السيد أن ينفق على رقيقه كفايتهم من قوت البلد ومؤنته ويزوجهم إذا طلبوا إلا الأمة إذا كان يستمتع بها ولا يكلفهم عملا لا يطيقونه ويريحهم وقت القائلة والنوم وأوقات الصلوات ويداوي مرضاهم ويركبهم في السفر عقبة. ومتى امتنع السيد في ذلك فطلب الرقيق البيع لزمه بيعه وإذا ولى أحدهم طعامه أطعمه معه فإن أبى فليطعمه منه ولا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا فيما فضل عن ريه ولا يجبر الرقيق على المخارجة ويجوز باتفاقهما. وله تأديب رقيقه بما يؤدب به ولده وامرأته. وعليه طعام بهائمه وسقيها وأن لا يحملها مالا تطيق ولا يحلب من لبنها ما يضر بولدها وإن عجز عن نفقتها أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبح ما يؤكل منها.

كتاب الجراح

كتاب الجراح مدخل ... كتاب الجراح القتل ثلاثة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ والقود مختص بالعمد. والعمد أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما بما يتلفه غالبا أو يصيبه بحديد أو غيره فيجرحه فيموت منه إلا أن يغرزه بإبرة ونحوها في غير مقتل فيموت في الحال ففي القود به وجهان وفيما سوى ذلك مما وصفنا القود قولا واحدا مثل أن يغرزه بابرة فيبقى ضمنا حتى يموت أو يضربه بخشبة كبيرة فوق عمود الفسطاط أو باللت1 أو الكودين أو السندان أو حجر كبير أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق أو يلقيه في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منهما أو يكرر ضربه بعصا صغيرة أو يضربه في مقتل أو في حال ضعف لمرض أو صغر أو كبر أو في حر أو برد ونحوه أو يخنقه بحبل أو غيره أو يسد فمه وأنفه أو يعصر خصييه حتى يموت أو يحبسه ويمنعه الطعام والشراب حتى يموت جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا أو يقتله بسحر يقتل غالبا فكل ذلك عمد فيه القود. وكذلك إن سقاه سما لا يعلم به أو خلطه بطعام ثم أطعمه إياه أو خلطه بطعام فأكله ولم يعلم به فمات وأما إن علم به وأكله وهو بالغ عاقل أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه. فإن قال القاتل بالسم لم أعلم أنه سم يقتل لم يقبل قوله وقيل يقبل إذا كان مثله يجهله فيكون شبه عمد. ومن شهدت عليه بينة بقتل عمد أو ردة أو زنا فقتل بذلك ثم رجعوا وقالوا عمدنا قتله بذلك أو قال الحاكم أو الولي علمت كذبهم وعمدت قتله فهو عمد محض ويلزمهم القود.

_ 1 اللت الدق, والشد والإيثاق والسحق. كذا في القاموس. ولعله هنا آلة تستعمل للدق ونحوه.

وتقتل الجماعة بالواحد وعنه لا يقتلون بل تلزمهم دية بينهم وعلى الأولى وعليها التفريع هل يلزمهم دية أو ديات على روايتين وإذا جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة جرح أو قطع أحدهما كفه ثم الآخر بقية ذراعه فهما سواء في القود والدية. وإن فعل به أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه الآخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الآخر عنقه فالثاني هو القاتل وعلى الأول موجب جراحته وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني وإن ألقاه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه أو كتفه وألقاه في أرض ذات حيات أو سباع فقتلته فالقاتل هو الملقى وعليه القود وقيل لا يجب إلا دية شبه العمد. ومن أكره إنسانا على القتل فقتل فالقود أو الدية عليهما وإن أمر بالقتل مجنونا أو صبيا غير مميزا أو كبيرا يجهل أن القتل محرم أو أمر به سلطان عادل أو جائر ظلما لم يعرف ظلمه فيه فقتل فالقود أو الدية على الآمر خاصة. وإن قبل المأمور المكلف عالما بخطر القتل فالقتل والضمان قودا أو دية عليه دون الآمر ويحتمل فيما إذا خشي مخالفة السلطان أن يجب عليهما. ومن أمسك إنسانا لآخر ليقتله فقتله فهو القاتل ويحبس الممسك حتى يموت ولا يلزمه قود ولا دية وعنه هما قاتلان في حكم القود والدية. ومن جرحه اثنان فعفا عن جرح أحدهما وسرايته ثم مات فالقود على الآخر رواية واحدة. وإن اشترك اثنان فلا يجب القود على أحدهما مفردا لأبوة أو حرية أو إسلام أو فقد عمدية ووجب القود على شريكه وعنه لا يجب وعنه يجب إلا على شريك غير العمد.

وفي شريك السبع وشريك نفسه وشريك الولي المقتص وشريك ولي النفس المعالج بخياطة الجرح في اللحم وجهان. أحدهما يجب على شريك الجميع الأب وعلى القن وعلى شريك غيرهما في حر نصف ديته وفي قن نصف قيمته وهو المذهب كشريك غير العمد. ومتى قلنا لا قود عليه أو عدل إلى طلب المال منه لزمه نصف الدية في جميع الصور وقيل يلزمه كمالها في شريك المقتص كما في شريك السبع خاصة. وأما قتل شبه العمد فأن يقصد جناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها نحو أن يضربه في غير مقتل بسوط أو عصا صغيرة أو يلكزه أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بمالا يقتل غالبا أو يصيح بصبي على سطح أو معتوه أو عاقل مغتفلا له فيسقط فيموت في ذلك ونحوه ففيه الكفارة والدية. وأما الخطأ فضربان. أحدهما في الفعل بأن يرمى صيدا أو هدفا أو شخصا فيصيب إنسانا لم يقصده أو يكون نائما ونحوه فينقلب على إنسان فيقتله. والثاني في القصد بأن يرعى من يظنه مباح الدم فيتبين آدميا معصوما أو يكون الجاني غير مكلف كالصبي والمجنون في ذلك الدية مع الكفارة إلا أن يقتل في دار الحرب أو في صف الكفار من يظنه حربيا فيتبين مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرموا فيرميهم قصدا لهم فيصيب المسلم فعليه الكفارة بلا دية وعنه وجوبها أيضا وعنه وجوب الدية في الصورة الثانية دون الأولى. والقتل بالسبب كحفر البئر ونصب السكين تعديا ونحوه ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية فإن قصدها به فهو شبه عمد وقد يقوى فيلحق بالعمد كما ذكرنا في الإكراه والشهادة.

باب ما يشترط لوجوب القود

باب ما يشترط لوجوب القود. يشترط له عصمة المقتول والمكافأة بأن لا يفضله القاتل حالة الجناية بحرية أو إسلام أو مالكه له أو إيلاد ولا يؤثر فضله بذكورية أو عقل أو بلوغ. فمن قتل حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا قبل ثبوت ذلك عند الحاكم أو بعده لم يضمنه بقود ولا دية وكذلك من قطع يد مرتد أو حربي فأسلما ثم ماتا ولو رماهما فأسلما قبل أن يقع بهما السهم فكذلك. وقال القاضي في خلافه يضمنهما بالدية وقيل يضمن بها المرتد دون الحربي وإن قطع طرف مسلم فارتد ومات فلا قود ويجب الأقل من دية النفس أو الطرف مع العمد والخطأ وقيل يجب القود في الطرف مع العمد وهل يستوفيه الإمام أو وليه المسلم مع قولنا ماله في على وجهين وقيل لا قود ولا دية في عمد ذلك ولا خطئه وإن عاد إلى الإسلام ثم مات فعليه القود في النفس أو الدية نص عليه واختاره أبو بكر وقال القاضي إن كان زمن الردة مما يسري فيه القطع فلا قود ويجب نصف الدية. ومن قال لرجل اقتلني أو أجرحني ففعل لم يضمنه بقود ولا دية نص عليه وقيل يضمن ذلك في ديته وقيل يضمن دية النفس للورثة ولا يضمن الجرح المندمل بشيء. ولو قال ذلك العبد ضمن لسيده بالمال دون القود قولا واحدا. ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد ويقتل العبد بالعبد وعنه إن كان القاتل أغلى قيمة لا يقتل. ويقتل المرتد بالذمي والذمي بالمستأمن والكتابي بالمجوسي وإذا جرح ذمي أو مرتد ذميا أو عبد عبدا ثم أسلم الجارح أو عتق قبل موت المجروح أو بعده قتل به نص عليه وقيل لا يقتل.

ولو جرح مسلم ذميا أو حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ثم مات فلا قود ولو رمياهما فلم يصبهما السهم إلا بعد الإسلام ثم ماتا لم يجب القود عند الخرقي وأوجبه أبو بكر كما لو قتل من يعرفه ذميا أو عبدا فبان قد أسلم وعتق ولو قتل من يعرفه مرتدا فبان أنه مسلم ففي القود على قول أبي بكر وجهان. ولو قتل من لا يعرف وادعى رقه أو كفره أو قد ملفوفا نصفين وأدعى كونه ميتا فأنكر وليه فالقول قول الولي وله القود وقيل قول الجاني. ولا يقتل المكاتب بعبده وإن كان ذا رحم محرم منه كأخيه وولده إذا ملكهما فوجهان ولا يقتل الأبوان وإن علوا بالولد وإن سفل ويقتل الولد بهم وعنه لا يقتل أيضا. ومتى ورث القاتل أو ولده شيئا من دمه سقط عنه القود مثل أن قتل امرأته فورثها ولدهما أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها هو أو ولده وعنه ما يدل على أنه لا يسقط بانتقاله إلى الولد. ولو قتل أحد الابنين أباه ثم الآخر أمه وهي في زوجة الأب سقط القود عن قاتل الأب وله أن يقتص من أخيه ويرثه على الأصح. ويقتل المكلف بالطفل والمجنون ويقتل الرجل الخنثى بالمرأة ولا شيء لورثتهما وعنه يعطى ورثة الرجل نصف ديته وهي بعيدة جدا.

باب القود فيما دون النفس

باب القود فيما دون النفس لا يؤخذ في ذلك أحد بغيره إلا من إذا قتله قتل به فيؤخذ به في الأطراف والجروح بشرط العمد المحض على الأصح والمساواة في الاسم والموضع ومراعاة الصحة والكمال وإمكان الإستيفاء من غير حيف. فأما الأمن من الحيف فيشترط لجواز الاستيفاء دون الوجوب فتؤخذ العين الأنف والأذن والسن والجفن والشفة واليد والرجل والإصبع والكف والمرفق

والذكر والخصية كل واحد من ذلك بمثله وهل يجري القود في الإلية والشغر على وجهين ولا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا ما على من جفن أو شفة أو أنملة بما سفل ولا سن أو أصبع أو غيرهما بزائد ويؤخذ الزائد بالزائد إذا استويا محلا وخلقة ولا تؤخذ يد كاملة الأصابع بناقصتها ولا ذات الأظفار بذاهبتها ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا صحيح بأشل من يد أو رجل أو أصبع أو ذكر. فأما من الأنف والأذن فوجهان وكذا في أخذ الأذن السمعية بالصماء والأنف الشام بالأخشم والتام منهما بالمخزوم وجهان. وقال القاضي بالأخذ في الجميع إلا في المخزوم خاصة وأما ذكر فحل بذكر خصى أو عنين فعنه يؤخذ بها واختاره أبو بكر. وعنه لا يؤخذ وعنه يؤخذ بذكر العنين دون الخصي. واختاره ابن حامد ويؤخذ المعيب مما ذكرنا بمثله وبالصحيح من غير أرش قاله أبو بكر وقيل يوجب الأرش للنقص فقط كان كالإصبع أو صفة كالشلل وهو أشبه بكلام أحمد وقيل يجب لنقص القدر دون الصفة. وإذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل أو غيره فأنكره ولي الجناية فالقول قوله نص عليه. وقال ابن حامد قول الجاني وقيل قول الولي إن اتفقا على سابقة سلامته وإلا قول الجاني. ويقتص في كل طرف كانت جنايته من مفصل أولها حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو مالآن منه وفي كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد والساعد والسابق والفخذ والقدم. ولا يقتص فيما سواهما كالجائفة وكسر العظم غير السن ونحو ذلك خشية الحيف ويعتبر قود الجروح بالمشاجة فمن أوضح بعض رأسه وقدره بقدر رأس

الشاج أو أزيد أوضحه في كل رأسه وفي الأرش الزائد وجهان. وإن أوضحه في كل رأسه ورأس الجاني أكبر فله قدر شجته من أي الجانبين شاء ولو كانت الشجة بقدر بعض الرأس منهما لم يعدل من جانبها إلى غيره وإذا قطع بعض أذنه أو مارنه أو لسانه أو شفته أو حشفته أخذ منه مثله بأن يقدر ذلك بنسبة الأجزاء كالنصف والثلث والربع. وقال أبو الخطاب لا يؤخذ بعض اللسان ببعض وهو الأصح. وإذا كسر بعض سنة برد من سنة مثله بالنسبة أيضا إذا أمن قلعها وإذا شجه مأمومه أو منقله أو هاشمه فله أن يقتص منه موضحة ولا أرش له معها عند أبي بكر. وقال ابن حامد يتم له في الهاشمة بخمسة أبعرة وفي المنقلة بعشرة وفي المأمومة بثمانية وعشرين وثلث. وإذا قطع قصبة أنفه أو يديه من نصف ذراعيه أو رجليه من نصف ساقيه فله الدية دون القود نص عليه وقيل يقتص من المارن والكوع والكعب وهل يجب أرش الباقي مع القود إذا قلنا به أو مع الدية في العمد والخطأ على وجهين فإن قلنا لا قود ههنا فقطع يده من الكوع ثم تأكلت إلى نصف الذراع فلا قود له أيضا اعتبارا بالاستقرار قاله القاضي وعندي يقتص ههنا من الكوع. ومن قطعت يده من المرفق فأراد القطع من الكوع منع قولا واحدا ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة فإن خيفت فهل يقتص من المرفق على وجهين. ويقتص من الشلاء إذا أمن من قطعها التلف فإن خالف واقتص مع الخوف من الشلاء أو المنكب أو من قطع نصف الساعد ونحوه أو من مأمومة أو جائفة مثل ذلك ولم يسر وقع الموقع ولم يلزمه شيء.

وإذا أوضح إنسانا فأذهب سمعه أو شمه أو ضوء عينيه فإنه يوضحه فإن ذهب ذلك وإلا استعمل دواء يذهبه ولا يجني على عضوه فإن تعذر إلا بجناية على العضو سقط عنه القود إلى دية ذلك في ماله وقيل تتعين ديته ابتداء إذا لم يذهب بالإيضاح وهل تلزمه في ماله أو على عاقلته على وجهين ولو أذهب ذلك عمدا بشجة لا قود فيها أو لطمة فهل يقتص منه بالدواء أو تتعين ديته من الابتداء على الوجهين. ولا تؤخذ دية في عمد ولا خطأ لما يرجى عودة من منفعة أو عين ولا يقتص لما فيه القود منه إذا رجى عودة في مدة يقولها أهل الخبرة فإن مات فيها فلوليه في السن والظفر ديتهما وقيل لا شيء له إذا عودهما معتاد وأما فيما سواهما فله الدية أو القود حيث يشرع وقيل ليس له إلا الدية. ولو عاد الذاهب في المدة أو بعدها كنبات السن واللسان والظفر ورجوع الشم والضوء لم يضمن إلا أن يعود ناقصا في قدر أوصفة فتجب لنقصة حكومة وعنه في الظفر خاصة يجب مع عوده على صفته خمسة دنانير ومع عودة أسود عشرة دنانير والأول أصح وترد دية ذلك إن كانت أخذت أو غرامة طرف الجاني إن كان قد اقتص منه ثم إن عاد الجاني رددت الغرامة. ومن أبين منه ما يمكن إعادته والتحامه كسن ومارن وأذن فأعاده في الحال فثبت والتحم فحقه بحاله إن قلنا للمعاد ميتة وإن قلنا هو طاهر على الأصح فلا قود فيه ولا دية سوى حكومة نقصه نص عليه واختاره أبو بكر وقال القاضي حقه فيه بحاله ولو كان المعاد الملتحم من الجاني فللمقتص إبانته ثانيا نص عليه وقيل ليس له ذلك. وإذا رجى الجاني بعد موت المجني عليه عود ما أذهبه أو التحامه فالقول قول الولي في إنكار ذلك.

وإذا اشترك جماعة في قطع طرف ولم تتميز أفعالهم مثل أن وضعوا جديدة على يده وتحاملوا عليها حتى ماتت لزمهم القود كالنفوس وعنه لا يجب كما لو تميزت أفعالهم. ويضمن من أرش الجناية بالقود أو الدية في النفس وما دونها فلو قطع إصبعا فتأكلت إلى جنبها أخرى وسقطت من مفصل أو تأكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القود في الكل وإن شلتا ففي الإصبع القود وفي الشلل الأرش وسراية القود مهدرة إلا أن يستوفيه قهرا مع الخوف منها لبرد أو حر أو كلول آلة ونحوه فيضمن بقية الدية. ولا يقتص من الطرف قبل بروزه كما لا يطلب له دية وعنه يجوز لكن الأولى تركه فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية الجناية فأيهما سري بعد ذلك كان هدرا.

باب استيفاء القود والعفو عنه

باب استيفاء القود والعفو عنه موجب العمد أحد شيئين القود أو الدية فيخير الولي بينهما فإن عفا مجانا فهو أفضل وإن اختار أولا القود فله العفو على الدية والصلح على أكثر منها ويحتمل المنع وإن اختار الدية سقط القود ولم يملك طلبه بعد وعنه موجبه القود عينا مع التخيير بينهما وعنه أن موجبه القود عينا وأنه ليس له العفو على الدية بدون رضى الجاني فيكون قوده بحاله فإن عفا عن القود مطلقا فله الدية على الأولى دون الأخريين فإن مات القاتل أو قتل تعينت الدية في تركته لا غير وعنه ينتقل الحق إذا قتل إلى القاتل الثاني فيخير أولياء القتيل الأول بين قتله أو العفو عنه. ويشترط لاسيتيفاء القود ثلاثة شروط.

أحدها كون مستحقه مكلفا فان كان صبيا أو مجنونا لم يستوف وحبس الجاني إلى البلوغ أو الإفاقة وعنه لوليهما من وصى وغيره استيفاؤه وعنهما في النفس والطرف فعلى هذه يجوز له العفو على الدية نص عليه. فأما على الأولى فإن كانا محتاجين فقيل لوليهما العفو على الدية وقيل ليس له ذلك كالموسرين وقيل له ذلك في المجنون دون الصبي وهو المنصوص عنه. وإذا قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعه قهرا سقط حقهما وقيل يكون ذلك جناية منهما تضمنها عاقلتهما وتتعين الدية لحقهما الأول وإن اقتصا مالا تحمل ديته العاقلة سقط حقهما وجها واحدا. الشرط الثاني اتفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه وليس لبعضهم أن ينفرد به إن كان من بقي غائبا أو صبيا أو مجنونا وينتظر القدوم والبلوغ والعقل وعنه لشريك الصبي والمجنون أن ينفرد به وإذا ماتا قبل البلوغ والعقل فحقهما من القود لورثتهما وقال ابن أبي موسى يسقط وتتعين الدية. ومن انفرد بالقود حيث منعناه فلا قود عليه بل لشركائه في تركة الجاني حقهم من الدية ويرجع ورثته على المقتص بما فوق حقه وقيل يجب على المقتص لشركائه حقهم من الدية وتسقط عن الجاني. وإذا عفا بعض الشركاء في القود عنه سقط وإن كان زوجا أو زوجة أو ذا رحم وللباقين حقهم من الدية على الجاني فإن قبله الباقون عالمين بالعفو وبسقوط القود ألزمهم القود وإلا فلا قود بل تلزمهم الدية. وكل من ورث المال ورث القود على قدر إرثه من المال ومن لا وارث له فوليه الإمام إن شاء اقتص أو عفا على والدية لا أقل ولا مجانا. الشرط الثالث أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني فإذا وجب القود على حامل أو حائل فحبلت لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبن ثم إن وجد من ترضعه وإلا تركت حتى تفطمه ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع.

والحد في ذلك كالقود وقال القاضي يستحب تأخير الرجم مع وجود مرضعة لترضعه بنفسها ولا يجب ذلك فإن ادعت الحمل قبل قولها وحبست حتى يتبين أمرها وقيل لا يقبل إلا بشهادة النساء. وإذا اقتص من الحامل ضمن المقتص جنينها وقيل يضمنه السلطان الذي مكنه فعلى هذا هل الأجرة في بيت المال أو في ماله على روايتين قيل يضمنه السلطان إلا أن يعلم المقتص وحده بالحمل فيضمن. ولا يستوفى القود إلا بآلة الجناية ولا يستوفى إلا بحضرة السلطان وينظر في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه مكنه منه وخيره بين المباشرة والتوكيل وقيل يمنع من المباشرة في الطرف خاصة وقيل يمنع منها فيهما واختاره ابن عقيل وإن لم يحسن الاستيفاء أمر بالتوكيل فإن احتاج إلى أجرة فهي على الجاني. وإذا تشاح جماعة لهم الاستيفاء أيهم يباشره قدم أحدهم بالقرعة وقال ابن أبي موسى بتعيين الإمام. وإذا قال الجاني للولي أنا أقتص لك من نفسي فرضي جاز ذلك ويحتمل المنع. وإذا قتل أو قطع واحد جماعة في وقت أو في أوقات فرضي أولاهم بالقود أقيد بهم اكتفاء إلا أن يطلب كل فريق أن يقتص على الكمال فإن كان الجاني يقاد بواحد تعين بالقرعة وقيل بالسبق في صورته ويجب لمن بقي الدية. ولو بادر فريق فطلب الدية أعطيها واستقل من بقي بالقود إلا أن يكونوا فريقين أو أكثر فالحكم فيه كما سبق. ولا يستوفى القود في النفس إلا بضرب العتق بالسيف وإن كان القتل بغيره وعنه يجوز أن يفعل بالجاني كما فعل فإن لم يمت به ضربت عنقه وعنه إن كان فعله موجبا جاز أن يفعل به مثله وإن لم يكن موجبا قتل بالسيف

فقط وعنه جواز ذلك إن كان موجبا أو موجبا لقود الطرف لو انفرد وإلا فلا إلا أن يكون قد قتله بمحرم في نفسه كتحريم الخمر واللواط ونحوه فيقتل بالسيف من غير زيادة على الروايات كلها. ولو أوضحه أو قطع أربعته ثم أوجأه قبل الاندمال فعلى الرواية الأولى هل يدخل قود الطرف في قود النفس كما يدخل في الدية أصلا على روايتين. ومتى فعل به الولي كما فعل لم يضمنه بشيء وإن حرمناه وأما إن زاد على ما أتى به لم يجز رواية واحدة ويضمنه بديته لا بالقود سواء عفا عنه أو قتله. ومن له قود في يمين فقطع يسار الجاني بها بتراضيهما أو قال له أخرج يمينك فأخرج يساره عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزئ أجزأت على كل حال عند أبي بكر ولم يبق قود ولا ضمان وقال ابن حامد لا تجزئ ولا يضمن بالقود بل بالدية إلا أن يتعمد إخراجها لا عوضا عن يمينه فإنها تهدر والقود في اليمين بحالة للقاطع يستوفيه إذا اندملت اليسار إلا في صورة التراضي ففي سقوطه إلى الدية وجهان. أحدهما وجبت الدية إن كان المقتص مجنونا وإن كان من عليه القود مجنونا لزم القاطع القود إن علم أنها اليسار وأنها لا تجزىء فأما إن جهل الضمان والآخر عاقلا ذهبت يده هدرا وإن كانت يمينه. ومن وكل رجلا أن يقتص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فقيل لا شيء عليهما وقيل يضمن العافي دون الوكيل وقيل للمستحق تضمين من شاء منهما والضمان على العافي وقيل الضمان على عاقلة الوكيل وقيل بل في ماله حالا فعلى هذين إن كان عفوا تجب معه الدية وجبت للعافي في تركة الجاني. ومن عفا عن قود في طرف على مال ثم قبل الاندمال قتله الجاني فلوليه القود في النفس أو العفو على الدية كاملة قاله أبو الخطاب وقال القاضي ليس

له العفو إلا على تتمة الدية إن نقص مال العفو عنها وإلا فلا شيء له سواه. ومن قال لمن عليه قود في نفس أو طرف قد عفوت عنك أو عن جنايتك فقد برئ من قود ذلك وديته نص عليه وقيل لا يبرأ من الدية إلا أن يقر العافي أنه أرادها بلفظه وقيل يبرأ منهما إلا أن يقول إنما أردت القود دون الدية فيقبل منه مع يمينه. وإذا عفا المجروح عمدا أو خطأ عن قود نفسه أو ديتها صح وعنه لا يصح عن قودها إذا كان الجرح مما لا قود فيه لو أندمل ويتخرج أن لا يصح عفوه عن الدية إذا قلنا يحدث ملكا للورثة والتصريح على الأول فإذا قال المجروح عفوت عن هذه الجراحة أو الشجة أو الضربة وما يحدث منها فلا شيء في سرايتها وإن لم يقل وما يحدث منها فكذا في إحدى الروايتين وفي الأخرى يضمن بقسطها من الدية. ولو قال عفوت عن هذه الجناية فلا شيء في السراية رواية واحدة إلا إذا قال إنما اردت بالجناية الجراحة نفسها دون سرايتها وقلنا بالرواية الثانية في التي قبلها فانه يقبل مع يمينه وقيل لا يقبل ولو صولح عن الجراحة بمال أو قال في العمد عفوت عن قودها على ديتها أو لم يقل على ديتها وقلنا له ديتها ضمنت سرايتها بقسطها من الدية رواية واحدة ولو قال عفوت عن قود هذه الشجة وهي مما لا قود فيه ككسر العظام فعفوه باطل ولوليه مع سرايتها القود أو الدية. وإذا قال المجروح للجاني قد أبرأتك أو أحللتك من دمى أو قتلي أو وهبتك ذلك ونحوه صح العفو معلقا بشرط موته فلو اندمل جرحه كان حقه فيه باقيا بحاله بخلاف قوله عفوت عنك أو عن جنايتك. وكل عفو صححناه من المجروح مجانا مما يوجب المال عينا فإنه إذا مات

يعتبر من الثلث وينقض الدين المستغرق ويمتنع إذا كان للجاني ولم نصحح الوصية له وإن كان مما يوجب قودا نفذ من أصل التركة حتى لو لم يكن للعافي وهو مفلس تركة سوى ذمه نفذ عفوه عنه مجانا نص عليه. وقيل إذا قلنا موجب العمد أحد شيئين لم تسقط الدية إلا كما تسقط حيث وجبت عينا ومثله العفو عن القود بلا مال من المحجور عليه لسفه أو فلس أو من الورثة مع الديون المستغرقة هل تسقط به الدية على وجهين. ومن أبرأ جانيا حرا جنايته على عاقلته أو عبدا متعلقة برقبته لم يصح وإن أبرأ العاقلة أو السيد أو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يسم للمبرأ منه صح. وإذا وجب لعبد قود أو تعزير قذف فطلبه وإسقاطه إليه دون سيده إلا أن يموت فيملكه السيد.

باب ما يوجب الدية في النفس

باب ما يوجب الدية في النفس كل من أتلف إنسانا بمباشرة أو سبب عمدا أو خطأ أو شبه عمد لزمته ديته إما في ماله أو على عاقلته على ما سنذكره فيما بعد إلا في عمد فيه القود فيلزمه أحدهما كما سبق. فإذا ألقى على إنسان أفعى أو ألقاه عليها أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به أو حفر بئرا حيث لا يجوز من فناء أو طريق أو وضع فيه حجرا أو صب ماء فتلف به إنسان فعليه ديته فإن قصد ذلك فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ. وإن حفر البئر ووضع الحجر آخر فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر جعلا له كالدافع وعنه عليهما ولو كان أحدهما محقا والآخر متعديا فالضمان على المتعدي

ولو قرب صبيا من الهدف فقتله سهم فالضمان على ما قربه دون الرامي ومن غصب صغيرا فهلك عنده بحية أو صاعقة ففيه ديته وإن هلك بمرض لم يضمنه نقله أبو الصقر وعنه يضمنه نقله ابن منصور. وقال ابن عقيل لا يضمن حتى الميت بالحية والصاعقة إذا لم تعرف تلك الأرض بذلك وإن قيد حرا مكلفا وغلة فأصابته الصاعقة أو الحية فوجهان. وإذا اصطدم فارسان فماتا أو فرساهما ضمن كل واحد منهما ما أتلف الآخر. وإن كان أحدهما يسير والآخر وافقا فما تلف للواقف يضمنه السائر وقيل لا يضمنه في الطريق الضيق وما تلف للسائر فليس بمضمون نص عليه وقيل يضمنه الواقف وقيل يضمنه مع ضيق الطريق دون سعته. وإذا اصطدم ملاحان بسفينتين فغرقتا ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر وما فيها فإن كان أحدهما منحدرا ضمن المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها ولا يضمن المصعد شيئا. ومن أركب صبيين ليسا في ولايته دابتين فاصطدما فعليه ما تلف بصدمتهما. ومن جنى على نفسه وطرفه خطأ فلا دية في ذلك وعنه على عاقلته دية ذلك إن بلغت الثلث له أو لورثته. وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فقتل الحجر رابعا فعلى عواقلهم ديته أثلاثا. وإن قتل أحدهم فديته على صاحبيه نصفين وقيل عليهما ثلاثا الدية وهل تهدر بقية الدية أو تجب على عاقلته لورثته على الروايتين ولو زادوا على ثلاثة فالدية في أموالهم وعنه على عواقلهم. وإذا سقط رجل في حفرة ثم ثان ثم ثالث ثم رابع فوقع بعضهم على بعض فماتوا أو بعضهم فدية الأول على الباقي ودية الثاني على الثالث والرابع ودية الثالث على الرابع ودية الرابع هدر وإن كان الأول جذب الثاني والثاني الثالث والثالث والرابع فدية الأول على الثاني والثالث نصفين.

وقيل بل عليهما ثلثاها وبقيتها تقابل جذبته فتسقط أو تجب على عاقلته وأما دية الثاني فعلى الأولى والثالث وقيل بل عليهما ثلثاها والثاني يقابل فعل نفسه ففيه الوجهان. وعندي لا شيء منها على الأول بل على الثالث كلها أو نصفها والباقي يقابل فعل نفسه وأما دية الثالث فعلى الثاني وقيل على الأولين وقيل يخرج منها ما يقابل فعله كما تقدم وعندي أن دمه هدر وأما دية الرابع فعلى الثالث خاصة وقيل بل على الثلاثة. ولو لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم أو قتلهم أسد في الحفرة ولم يتجاذبوا فدماؤهم مهدرة وإن تجاذبوا فدم الأول هدر وعليه دية الثاني وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع وقيل دية الثالث على الأولين ودية الرابع على الثلاثة. ولو تدافع وتزاحم عند الحفرة جماعة فسقط فيها منهم الأربعة متجاذبين كما وصفنا فهذه الصورة هي التي روى أن عليا رضي الله عنه قضى فيها للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث بنصفها وللرابع بكمالها وجعل ذلك على قبائل للذين حفروا وازدحموا وأنه رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه1 وذهب إليه أحمد رضي الله عنه. ومن اضطر إلى طعام أو شراب لغيره وليس بمضطر فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه وألحق القاضي وأبو الخطاب به كل من أمكنه إنجاء شخص من هلكة فلم يفعل وفرق غيرهما بينهما.

_ 1 رواه أحمد والبيهقي والبزار عن حنش بن المعتمر عن علي، وقال: لا نعلمه يروى إلا عن علي ولا نعلم هذه الطريق وحنش بن المعتمر ضعيف. وانظر المنتقى [رقم 3994] وهي مسألة الزبية

وإذا أدب الرجل ولده أو السلطان رعيته بضرب العادة أو قطع ولي الصغير سلعته1 لمصلحته لم يضمن ما تلف به نص عليه ولو كان التأديب لحامل فأسقطت جنينا ضمنه المؤدب وكذا إذا شربت الحامل دواء لمرض فأسقطته ضمنته. فأما إن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد أو تعزير أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى له فأسقطت ضمنه السلطان في الأولى والمستعدى في الثانية نص عليهما وقيل لا يضمنان ولو ماتت المرأة فزعا بذلك لم يضمنا وقيل يضمنان كما يضمنان الجنين. ومن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه كالبالغ سلم نفسه إليه وقيل يضمنه. ومن أمر عاقلا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه كما لو استأجره لذلك وقيل إن كان الآمر السلطان ضمنه واختاره القاضي في المجرد.

_ 1 السلعة زائدة صغيرة تخرج في الوجه أو غيره من الأعضاء.

باب ديات الأعضاء ومنافعها

باب ديات الأعضاء ومنافعها من أتلف مما في الإنسان منه شيء واحد كالأنف واللسان والذكر ففيه دية النفس وما فيه منه شيئان كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين والإليتين والأنثيين وإسكتي المرأة ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها وعنه في الشفعة السفلى ثلثا الدية وفي العليا ثلثها وفي المنخرين ثلثا الدية وفي الحاجز بينهما ثلثها وعنه فيهما الدية وفي الحاجز بينهما حكومة وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها وفي أصابع اليدين الدية وكذلك أصابع الرجلين وفي كل إصبع عشر الدية وفي كل أنملة ثلث.

عشر الدية وإن كانت ذات الظفر إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عشر الدية وفي الظفر خمس عشر الدية وفي كل سن من صغير وكبير إذا لم تثعر نصف عشر الدية وعنه إن لم يكن أثغر ففيها حكومة والثنية والرباعية والناب والضرس سواء وقيل إن قلع الكل أو فوق العشرين دفعة لم يجب سوى الدية وفي حشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر ظاهر السن دية العضو كله. وفي قطع بعض الأذن والمارن واللسان والشفة والحلمة والحشقة والإلية والسن بالحساب من دية ذلك منسوبا بالأجزاء ونقل عنه أبو طالب في شحمة الأذن ثلث ديتها. وفي شلل العضو وإذهاب نفعة والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان وتسويد السن والأذن والأنف والظفر تسويدا لا يزول دية كاملة وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وعنه حكومة كما لو اصفرت أو اخضرت نقله أبو بكر واختاره وقيل إن بقي نفعها أو بعضه ففيها الحكومة وإلا فالدية. وفي العضو الأشل من يد أو رجل أو ذكر أو ثدي واللسان من الأخرس والطفل الذي أتى عليه أن يحركه بالبكاء1 ولم يحركه والعين القائمة وذكر الخصي والسن السوداء والثدي بلا حلمة والذكر بلا حشفة وقصبة الأنف واليد والإصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث دية ذلك كاملا وقيل الروايتان في السن السوداء المتعطل نفعها فأما إذا لم يتعطل ففيها ديتها كاملة. وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال الدية وعنه تكميلها لذكر العنين دون الخصي فلو قطع الذكر ثم الأنثيين أو الكل معا لزمه ديتان وإن بدأ بالأنثيين كملت ديتها وفي الذكر الروايتان.

_ 1 في المغني "قد بلغ إلى حد يتحرك بالبكاء"

وفي استحشاف الأنف والأذن وهو شللهما حكومة كما في عوجهما وقيل ديتهما كاملة. وفي الأنف الأخشم والأذن الصماء والمخزوم منهما والمستحشف كمال ديته إذا قلنا يؤخذ به السالم من ذلك في العمد وإلا ففيه الحكومة. ويجب في كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق. وكذا يجب في الكلام والعقل ومنفعة المشي والنكاح والأكل. وفي الجذب والصعر وهو يضربه فيصير الوجه في جانب وفي تسويده إذا لم يزل وإذا لم يستمسك البول أو الغائط ففي كل واحد من ذلك الدية وفي نقص ذلك إن علم بقدره بأن يجن بالجناية يوما ويفيق يوما أو يذهب منه ضوء عين أو سمع أذن. وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا وقيل يقسم على ما للسان فيه عمل من الحروف وهي ما سوى الشفوية الأربعة والحلقية الستة وإن لم يعلم قدر ذلك بأن صار مدهوشا أو نقص سمعه أو بصره أو صار في كلامه تمتمة أو عجلة أو نقص مشيته أو انحناء قليلا أو تقلصت شفته بعض التقلص أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة. وإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو بالعكس وجب نصف الدية اعتبارا بأكثرهما فإن قطع آخر بقية اللسان لزمه في الصورة الأولى نصف الدية اعتبارا بأكثرهما فإن قطع آخر بقية اللسان لزمه في الصورة الأولى نصف الدية وحكومة وفي الثانية ثلاثة أرباع الدية وقيل يجب في الصورة الأولى كما قدمنا وفي الثانية نصف الدية فقط اختاره القاضي في المجرد وقيل يجب ثلاثة أرباع الدية فيهما. وإذا قطع لسانه فذهب ذوقه مع نطقه أو كان أخرس وجبت دية كاملة فقط وإن ذهبا بجناية مع بقاء اللسان ففيه ديتان. ولو كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان وعنه دية.

وإن أذهب عقله بجناية لها أرش لم يدخل في دية العقل نص عليه وإذا قطع أنفه فذهب شمه أو أذنه فذهب سمعه وجبت ديتان وسائر الأعضاء إذا أذهبها بنفعها لم تجب إلا دية واحدة. وإذا اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه. وإن اختلفا في ذهاب بصره أرى أهل الخبرة به وقرب الشئ إلى عينيه في وقت غفلته. وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالروائح المنتنه وأطعم الأشياء المرة فإن ظهر منه حركة لذلك سقطت دعواه وإلا فالقول قوله مع يمينه في قدر ما أتلفه كل واحد منهما. وفي كل واحد من الشعور إذا لم تنبت الدية وعنه حكومة وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين. فعلى الأولى في كل حاجب النصف وفي كل هدب الربع وفي بعض ذلك بقسطه ومتى عاد الشعر فنبت سقط موجبه وإذا أبقى من لحيته ما لاجمال فيه فهل يجب بالقسط أو كمال الدية أو حكومة على ثلاثة أوجه. وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن وإن قلع اللحيين بالأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع دخل في دية الأصابع ما حاذاها ولزمه أرش بقية الكف. ويجب في عين الأعور الدية كاملة نص عليه فإن قلعها الصحيح العينين عمدا فله قلع نظيرتها منه وأخذ الدية نص عليه وقيل لا شيء له من القلع وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمدا فلا قود وعليه الدية كاملة نص عليه ويحتمل أن يقلع عينه ويعطي نصف الدية وإن كان خطأ لزمه نصف الدية وإن قلع الأعور عيني الصحيح عمدا خير بين الدية أو قلع عينه اكتفاء.

وفي قطع يد الأقطع عمدا نصف الدية كغيره وكذلك رجله وعنه كمال الدية بعين الأعور وعنه كمالها ذهبت الأولى مهدرة وإلا فنصفها.

باب أروش الشجاج وكسر العظام

باب أروش الشجاج وكسر العظام الشجاج الجراح في الرأس والوجه وهي عشرة الخارصة التي تخرص الجلد أي تشقه قليلا وتدميه ثم البازلة وهي الدامية والدامغة وهي التي يسيل منها الدم ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة وهي الغائصة في اللحم ثم السمحاق وهي التي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة. وجعل الخرقي الباضعة بين الخارصة والبازلة وأنها ما يشق اللحم بعد الجلد ولا يسيل منها دم. فهذه خمس لا مقدار فيها بل فيها حكومة وعنه في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة كما قضى زيد بن ثابت. وأما الخمس الباقية فأولها الموضحة وهي ما توضح العظم وتبرزه ففيها خمسة أبعرة وعنه في موضحة الوجه عشرة والأول أصح فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فقيل هي موضحة وقيل موضحتان ولا تكون موضحة فيها مقدر إلا في الرأس أو وجه. ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه ففيها عشرة أبعرة فإن هشمه بمثقل ولم توضحه فعليه حكومة وقيل نصف دية الهاشمة كما لو هشمه على موضحة. ثم المنقلة وهي ما توضح وتهشم وتنقل عظامها ففيها خمسة عشر بعيرا. ثم المأمومة وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وتسمى الآمة. ثم الدامغة وهي التي تخرق جلدة الدماغ فلكل واحدة منهما ثلث الدية. وإذا أوضحه موضحتين بينهما حاجز لزمه عشرة أبعرة فإن ذهب الحاجز بجنايته أو بالسراية صار الكل موضحة وإن خرقه المجروح أو أجنبي فهي ثلاث مواضح وإن قال الجاني أنا خرقته فقال المجروح بل أنا أو فلان

قبل قوله على الجاني ولزمته الموضحتان ولم يقبل على فلان حتى يصدقه. ومثله ما لو قطع ثلاث أصابع امرأة فالواجب ثلاثون بعيرا فإن قطع الرابعة قبل الاندمال عاد إلى عشرين فإن اختلفا فيمن قطعها فالقول قولها في بقاء الثلاثين عليه. وإذا فرق الجاني ما بين موضحتين في الباطن فقط فهي موضحة وقيل موضحتان كما لو خرقه في الظاهر لا غير. وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أو أوضحه لزمه أرش موضحة لا غير. وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر فرن جرحه من جانب فخرج من جانب آخر فهما جائفتان وقيل واحدة وإن جرحه في خده فنفذ إلي فمه ففيه حكومة. وإن أجافه أو أوضحه ثم مد السكين إلى وركه أو قفاه فعليه مع دية الموضحة والجائفة حكومة لجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع الجرح بآخر فهما جائفتان وإن وسع ظاهره دون باطنه أو بالعكس ففي توسعته حكومة. وإن التحمت الجائفة ففتقها آخر فهي جائفة أخرى وكذلك الموضحة إذا نبت شعرها فإذا لم يكن نبت ففيها حكومة نص عليه. وفي كسر الضلع إذا جبر مستقيما بعير وفي الترقوتين بعيران وفي إحداهما بعير نص عليه في رواية أبي طالب وظاهر قول الخرقي أن في الواحدة بعيرين فيكون فيهما أربعة. وفي كسر كل واحد من الفخذ والساق والعضد والذراع وهو الساعد المشتمل على عظمي الزند بعير نص عليه في رواية صالح ورواه عن عمر عنه بعيران نقلها عنه أبو طالب وعنه في الزند الواحد أربعة أبعرة مما له عظمان وفيما سواه بعيران.

وما عدا ذلك من الجروح وكسر العظام مثل خرزة الصلب والعصعص ففيه حكومة. والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برأت فما نقص فله مثل نسبته من الدية فإذا كانت قيمته عبدا سليما ستين وقيمته بالجناية مندملة خمسين ففيه سدس ديته إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدر فلا يجاوز بها المقدر للمحل وفي بلوغه وجهان فإن لم تنقصه الجناية شيئا حال الاندمال قومت حال الجناية وقيل قبيل الاندمال التام وعنه ما يدل على أنه لا أرش فيها بحال فإن لم تنقصه بحال من الابتداء أو زادته حسنا كإزالة لحية امرأة أو سن زائدة ونحوه فلا شيء فيها على الأصح. وإذا التحمت الجائفة أو الموضحة وما فوقها على غير شين لم يسقط موجبها رواية واحدة. ومن أفزع إنسانا فأحدث بغائط أو بول لم يلزمه شيء وعنه يلزمه ثلث الدية لقضاء عثمان ين عفان بذلك.

باب مقادير الديات

باب مقادير الديات دية الحر المسلم أحد خمسة أشياء مائة من الإبل أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم أو مائتا بقرة أو ألفا شاة فهذه أصول الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزمه قبوله وعنه الأصول ستة هذه الخمسة ومائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان وعنه لا أصل إلا الإبل والباقي أبدال عنها فإن قدر على الإبل وإلا انتقل إليها. فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت الإبل أرباعا خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون حقه وخمس

وعشرون جذعة وعنه هي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها وفي اعتبار كونها ثنايا وجهان. ورن كان خطأ وجبت أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة بالسوية وعشرون بنو مخاض. ويؤخذ في البقر النصف مسنات والنصف أتيعة والغنم نصفها ثنايا ونصفها أجذعة ولا تعتبر القيمة في ذلك بل السلامة من العيب وعنه يعتبر أن لا تنقص قيمتها عن دية الأثمان وعلى هذا يؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل حلة ستين درهما. وتغلظ دية القتل بالحرم والإحرام والشهر الحرام لكل واحد ثلث الدية نص عليه وزاد أبو بكر ثلثا بالرحم المحرم فإن اجتمعت هذه المحرمات لم يتداخل موجبها وظاهر قول الخرقي أنه لا تغليظ بذلك. ودية نفس المرأة نصف دية الرجل وتتساوى جراحها مع جراحه فيما دون الثلث وفيما فوقه على النصف وفي وفق الثلث روايتان. ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وكذلك جراحه. ودية الكتابي نصف دية المسلم وعنه ثلثها وكذلك جراحه. ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم ونساؤهم على النصف منهم كالمسلمين ولا يضمن من لم تبلغه الدعوة وقال أبو الخطاب إن كان له دين ففيه دية أهله وإلا فلا ضمان فيه. وإذا قتل المسلم كافرا عمدا أضعفت عليه الدية لإزالة القود فيودي المجوسي بألف وستمائة درهم والكتابي بثلثي ديتي المسلم إن قلنا ديته ثلثها نص عليه. ودية الرقيق من عبد أو أمة قيمته من نقد البلد بالغة ما بلغت وعنه لا يبلغ بها دية الحر وأما جراحه فعنه فيها ما نقصته مطلقا واختارها الخلال.

وعنه إن لم تكن مقدرة من الحر فكذلك وفي المقدرة منه تقدر من العبد منسوبة إلى قيمته. ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته وفي سمعه وبصره قيمتاه مع بقاء ملك السيد عليه وعنه إن كانت جراحه عن إتلاف ضمنت بالنقدين من القيمة كما سبق. وإن كانت عن تلف تحت اليد العادية ضمنت بما نقصت فعلى هذه متى قطع الغاصب يد المغصوب لزمه أكثر الأمرين وإن قطعها أجنبي ضمن المالك من شاء منهما نصف قيمته والقرار علي الجاني وما بقي من نقص ضمنه للغاصب خاصة. وإذا جرح اثنان في وقتين عبدا أو حيوانا ولم يوجباه ثم سرى الجرحان فقال القاضي يلزم كل واحد منهما ما نقص بجرحه من قيمته ويتساويان في بقيتها وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ويلزم الأول تتمة قيمته سليما. ومن رمى ذميا فلم يصبه السهم حتى أسلم ضمنه بدية مسلم وإن جرحه فلم يمت حتى أسلم ضمنه يدية ذمي عند أبي بكر وبدية مسلم عند ابن حامد وهو نص أحمد. ومن رمى عبدا فلم يصبه السهم حتى عتق صمنه بدية حر لورثته ولا شيء لسيده فيها ولو جرحه فلم يمت حتى عتق فروايتان نقل حنبل يضمنه بقيمته لسيده ونقل حرب يضمنه بدية حر فيعطاها السيد إلا إن تزيد على أرش الجناية فتكون الزيادة للورثة ومتى أوجبت هذه الجناية القود فطلبه للسيد على الأولى وللورثة على الثانية فإن اقتصوا فلا شيء للسيد وإن عفوا على مال فللسيد منه ما ذكرنا. ويجب في الجنين إذا سقط بجناية ميتا وكان حرا عشر دية أمه حرة وإن

كان مملوكا فعشر قيمتها إذا ساوتهما في الحرية والرق وإلا قدرت كذلك إلا أن يكون دين الأب أو الجنين أعلى منها دية لمجوسية تحت نصراني أو ذمية مات زوجها الذمي على أصلنا فيعتبر عشر بدل الأم كما لو كانت على ذلك الدين. ولا يقتل في غرة الحر خنثى ولا معيب ولا من له دون سبع سنين. وإذا سقط الجنين حيا ثم مات ففيه ما فيه مولود إلا أن يكون سقوطه لوقت لا يعيش لمثله بأن تضعه لدون ستة أشهر فيكون كالميت وإن اختلفا في حياته ولا بينه فأيهما يقدم قوله فيه وجهان. وإذا أسقطت الأمة الحامل لمملوك جنينا ميتا بجناية وقد عتقت أو عتق جنينها وحدة قبل الجناية أو بعدها ضمن بغرة جنين حر وعنه بضمان جنين مملوك نقلها حرب وابن منصور وعنه إن سبق العتق الجناية ضمن بالغرة وإلا فبضمان الرقيق. وإن ألقته حيا فمات ضمن بالدية كاملة إن سبق العتق الجناية وإلا ففيه الروايتان في الرقيق يجرح ثم يعتق. وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا فسيده بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه في الجناية وعنه يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية فقط وعنه يخير بين الثلاثة هل يلزمه الفداء إذا اختاره بالأقل من قيمته وأرش الجناية أو بالأرش كله على الروايتين وعنه رواية ثالثة فيما فيه القود خاصة يلزمه فداؤه بأقل الأمرين فأعتقه بعد علمه بالجناية لزمه جميع أرشها بخلاف ما إذا لم يعلم نقله ابن منصور ونقل عنه حرب لا يلزمه سوى الأقل أيضا وهل يلزمه إن اختار البيع أن يتولاه إذا طلب منه ولي الجناية ذلك أو يكفي مجرد تسليمه للبيع فيبيعه الحاكم على روايتين. وإذا عفا الولي على رقبة العبد فيما فيه القود ملكه بغير رضا السيد وعنه

لا يملكه فعلى هذه في قدر ما يرجع به الروايات الثلاث. وإذا خرج حرا فعفا عنه ثم مات من الجرح ولا مال له وقيمة العبد نصف الدية فاختار السيد فدواءه وقلنا يفديه بقيمته صح العفو في ثلثه وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في نصفها وللورثة نصفها لأن العفو صح في شيء من قيمته وله بزيادة الفداء شيء مثله فيبقى للورثة ألف دينار إلا ستين تعدل شيئين أجبر وقيل يخرج الشئ ربع الدية فللورثة شيئان تعدل النصف. وإذا جنى العبد على جماعة في أوقات اشتركوا فيه بالحصص نص عليه. فإن عفا مستحق منهم تعلق حق الباقين بجميع العبد وقيل بحصتهم منه لا غير.

باب العاقلة وما تتحمله

باب العاقلة وما تتحمله عاقلة الجاني عصبته كلهم من النسب والولاء قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم وعنه هم عصبته إلا أبناؤه إذا كان امرأة وهو الأصح وعنه عم العصبة إلا عمودي نسبه آباءه وأبناءه وعنه هم العمومة ومن بعدهم دون العمودين والإخوة. ولا عقل على رقيق ولا صبي ولا مجنون بحال ولا على فقير وعنه يلزم الفقير المعتمل ولا على امرأة ولا خنثى وعنه يلزمهما بالولاء. ولا تعاقل بين مسلم وكافر ولا بين ذمي وحربي ويتخرج تعاقلهما حيث نقول بتوارثهما. وفي تعاقل الذميين روايتان فإن قلنا به وهو الأصح ففيه مع اختلاف مللهم وجهان. ومن عدمت عاقلته أو عجزت عن حمل الجميع حل الدية أو بقيتها بيت المال وعنه أنه لا يحمل العقل بحال فإن تعذر أو لم يحمله سقطت ويحتمل أن

يلزم الجاني في ماله وقال القاضي الروايتان في المسلم فأما الذمي الذي لا عاقلة له فجنايته في ماله دون بيت المال. وجناية المرتد في ماله وكذلك من رمى سهما واختلف دينه حالتي رمية وإصابته. ولو اختلف دين الجارح حالتي الجرح والزهوق حملت عنه عاقلته حال الجرح وقيل إنما تحمل أرش الجرح فأما الزائد بالسراية ففي ماله وقيل الكل في ماله كالتي قبلها. ولو جرح ابن معتقة فلم يسر أو رمى فلم يصب حتى انجر ولاؤه فهو كمن اختلف ديته فيهما. أخطأ الإمام والحاكم في الحكم في بيت المال وعنه على عاقلتهما كخطئهما في غير الحكم. ولا تحمل عاقلة الجاني عمدا محضا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا لم تصدقه به ولا ما دون ثلث الدية التامة كأرش الموضحة ودية المجوسي وغرة الجنين الميت دون أمة ولو ماتا بجناية واحدة فالغرة مع دية الأم على العاقلة سواء سبقته بالزهوق أو سبقها به. وتحمل العاقلة شبه العمد مؤجلا في ثلاث سنين كالخطأ نص عليه واختاره الخرقي وعنه أنه في مال الجاني مؤجلا كذلك واختاره أبو يكر وقال أبو بكر مرة هو في ماله حالا. وعمد الصبي والمجنون في حمل العاقلة له كالخطأ وعنه عمد المميز في ماله. ولا تقدير فيما يحمله كل واحد من العاقلة بل يجتهد الحاكم فيه فيحمل كل واحد ما يسهل لا ما يشق نص عليه وقال أبو بكر يحمل الموسر نصف دينار والمتوسط ربع دينار وفي تكرره كل حول وجهان ويبدأ بالأقرب فالأقرب حتى تكمل الدية أو تنفد العاقلة وإن تساووا وكثروا وزع

ما يلزمهم بينهم وما أوجب ثلث الدية كالجائفة ودية الذمي في رواية فإنه يلزم العاقلة في رأس الحول وإن جاوز ثلثها ولم يجاوز ثلثيها كدية اليد ودية المرأة وحدها أو مع غرة جنينها وجب في رأس أول حول قدر الثلث والباقي في رأس الثاني. وإن جاوز الدية كضربة أذهبت السمع والبصر أو قتلت الأم وجنينيها بعدما استهل لم يزد في كل حول على قدر الثلث وقال القاضي في خلافه تقسط دية الذمي والمرأة وغرة الجنين في ثلاث سنين لكونها دية نفس. ولو أذهب سمعه وبصره بجنايتين أو قتل جماعة لزم عاقلته في كل حول من كل دية ثلثها وإن بلغ مجموعه الدية أو أزيد وابتدأ الحول في النفس من حين الزهوق وفيما دونه من حين الاندمال وقال القاضي ابتداؤه في القتل لذمي والجرح الذي لم يسر عن محله من حين الجناية. ومن مات من العاقلة قبل تمام الحول أو افتقر لم يلزمه شيء وإن كان بعد الحول فقسطه عليه.

باب القسامة

باب القسامة وهي الأيمان المكررة في دعوى قتل المعصوم وإن كان عبدا أو امرأة أو كافرا وسواء كان القتل عمدا أو خطأ نص عليه في رواية حنبل وابن منصور. وقيل لا قسامة في الخطأ ولا قسامة في الأطراف بحال. ومن شرط القسامة اللوث وهو العداوة الظاهرة مثل ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكالقبائل التي يطلب بعضا بالثأر وعنه ما يدل على أن اللوث كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى كتفرق جماعة عن قتيل ووجود قتيل عند من بيده سيف ملطخ بدم وشهادة عدل واحد أو جماعة نساء أو صبيان ونحوهم ممن لا يثبت القتل بهم.

وليس قول المجروح "جرحني فلان" لوثا على الروايتين. ويقدح في اللوث اختلاف الورثة في عين القاتل أو أصل القتل نص عليه وهل يقدح فيه فقد أثر القتل على الروايتين. ولا قسامة على غير معين بحال ولا قسامة على أكثر من واحد في عمد ولا خطأ وعنه يشرع على الجماعة فيما لا يوجب القود وتجب بها الدية. وإذا تمت قسامة العمد أوجبت القود إذا تمت شروطه. ويبدأ في القسامة بأيمان الرجال من ورثة الدم ولا يدخل فيها امرأة وفي الخنثى وجهان فيحلفون خمسين يمينا تقسم بينهم على سهام ميراثهم فإن وقع كسر كمل مثل زوج وابن يحلف الزوج ثلاث عشر يمينا والابن ثمانيا وثلاثين ولو كان معهما بنت حلف الزوج سبع عشرة يمينا والابن أربعا وثلاثين وإذا كان الوارث رجلا واحدا أو معه نساء حلف الخمسين وإن جاوز الورثة خمسين رجلا حلف خمسون منهم كل واحد يمينا فإن نكل الورثة أو كانوا نساء حلف المدعي عليه خمسين يمينا وبرئ. ولو ادعوا على جماعة وقلنا يصح فهل يحلف كل واحد منهم الخمسين أو قسطه منها على وجهين. فإن لم يرض الأولياء بيمين خصمهم أو نكل عنها خلي وودي الإمام القتيل من بيت المال وعنه إن نكل لزمته الدية وعنه يحبس حتى يحلف أو يقر. فإن كان الورثة اثنين أحدهما غائب أو صبي أو مجنون أو ناكل عن اليمين حلف الآخر واستحق نصف الدية وهل يحلف خمسين يمينا أو نصفها على وجهين ثم متى زال المانع عن صاحبه حلف خمسا وعشرين يمينا واستحق بقية الدية وقيل لا قسامة لأحدهما إلا بعد أهلية الآخر وموافقته. ومن ادعى عليه القتل عمدا أو خطأ من غير لوث حلف يمينا واحدة وبرىء وعنه لا يمين في العمد.

باب كفارة القتل

باب كفارة القتل ومن قتل نفسا مباشرة أو تسببا بغير حق أو ضرب بطن حامل فألقت جنينا ميتا فعليه الكفارة سواء كان القاتل أو المقتول كافرا أو رقيقا أو كان القاتل صبيا أو مجنونا أو المقتول غير مضمون بقود ولا دية كمن قتل عبده أو نفسه أو غيره بإذنه أو لم يكونا كذلك وعنه لا كفارة في العمد المحض بل يختص الخطاء وشبه العمد. ويجب التكفير بالمال في مال القاتل إلا في خطاء الإمام الذي يحمله بيت المال فهل يجب فيه كفارته على وجهين. وإذا قتل واحد جماعة لزمه كفارات وإن قتل الجماعة واحد فهل يلزمهم كفارات أو كفارة واحدة على وجهين

كتاب الحدود

كتاب الحدود حد الزنا ... كتاب الحدود باب حد الزنا إذا جامع الحر المكلف في القبل بنكاح صحيح حرة مكلفة فهما محصنان أيهما زنى فحده الرجم حتى يموت وعنه يجلد مائة أولا ثم يرجم والكافر والمسلم فيه سواء. ومتى اختل شيء مما ذكرنا فلا إحصان لواحد منهما إلا في تحصين البالغ بوطء المراهقة وتحصين البالغة بوطء المراهق فإنهما على وجهين. وإذا زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة وغرب عاما الرجل إلى مسافة القصر والمرأة إلى ما دونها وعنه تغرب مع محرمها لمسافة القصر ومع تعذره لدونها. وإذا زنى الرقيق فحده خمسون جلدة ولا يغرب ومن نصفه حر يجلد خمسا وسبعين جلدة وفي تغريبه نصف عام وجهان.

وحد اللوطي كحد الزاني وعنه فيه وفيمن زنى بذات محرم يرجم بكرا كان أو ثيبا. ومن أتى بهيمة عزر ولم تقتل البهيمة وعنه يعزر مع قتلها واختاره الخرقي وعنه يحد حد اللوطي مع قتلها ولا يحل أكل لحمها إذا شرعنا قتلها وقيل إن كانت مما يؤكل ذبحت وحلت مع الكراهة وضمن الواطئ إذا كانت لغيره نقصها وعلى الأول كمال قيمتها. والزاني من غيب الحشفة في قبل أو دبر حراما محضا. فإن غيبت بعض الحشفة أو وطئ دون الفرج أو جامع الخنثى المشكل بذكره أو جومع في قبله أو أتت المرأة المرأة لم يجب الحد. وإن وجدت شبهة ملك أو ظن كمن وطئ امرأته في حيضتها أو نفاسها أو في دبرها أو أمته المجوسية أو المرتدة أو أمة له فيها شرك أو لوالده أو لمكاتبه أو أمة لبيت المال وهو حر مسلم أو امرأة على فراشه ظنها زوجته أو سريته أو في نكاح باطل اعتقد صحته أو لم يعلم تحريم الزنا لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه ببادية بعيدة أو لكون الأمة لوالده ومثله يجهله فلا يحد عليه. وإن وطئ أمته وهي مزوجة أو مؤبدة التحريم برضاع أو غيره فهل يحد أو يعزر على روايتين. وإن وطئ أمة والده عالما بالتحريم حد وقيل يعزر. وإن وطئ في نكاح أو ملك مختلف فيه معتقدا لتحريمه كوطء الناكح بلا ولي بشرط الخيار ونحوه ففيه روايتان أصحهما لا يحد والثانية يحد وهي اختيار ابن حامد. ولو كان وطؤه بعقد فضولي ففيه روايتان كذلك وثالثة إن كل قبل الإجازة حد وبعدها لا يحد وعندي لا يحد إلا قبل الإجازة ممن يعتقد عدم النفوذ بها.

ولو وطئ بشراء فاسد بعد القبض ففيه الروايتان الأوليان وقبل القبض يحد وقيل لا يحد بحال ويحد في نكاح الخامسة والمعتدة وكل نكاح مجمع على بطلانه مع العلم. وإذا زنى بامرأة قد استأجرها للزنا أو غيره أو بأمة له قبلها قود أو أرش جناية أو بصغيرة يوطأ مثلها أو بمجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو ملكها لزمه الحد. وإذا مكنت المكلفة من نفسها حربيا أو مجنونا أو مميزا له عشر سنين أو محرما تزوجت به عالمة بحالة دونه لزمها الحد. ومن زنى بميتة فهل يحد أو يعزر على روايتين. ومن وطئ أمة زوجته وقد أحلتها له عزر بمائة جلدة ولم يرجم ولم يغرب وهل يلحقه الولد إن علقت منه على روايتين وعنه يلزمه الحد التام كما لو لم تحلها له. وإذا أكرهت المرأة على الزنا قهرا أو بضرب أو بالمنع من طعام اضطرت إليه ونحوه لم تحد وكذلك المفعول به لواطا وإن أكره الرجل فزنى حد نص عليه وعنه ما يدل على أنه لا يحد. ويباح لمن يخشى العنت أن يستمنى بيده فإن لم يخشه حرم وعنه يكره تنزيها ولا يثبت الزنا إلا بأحد أمرين. أحدهما أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولو شهد أربعة على إقراره به فصدقهم مرة فلا حد عليهم ولا عليه. الأمر الثاني أن يشهد عليه في مجلس واحد أربعة بزنا واحد يصفونه ممن تقبل شهادتهم فيه سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين وسواء صدقهم أو لم يصدقهم فإن شهد دون أربعة فهم قذفة يحدون للقذف وإن شهد الأربعة في مجلسين أو أكثر أو كانوا فسقة أو عميانا أو بعضهم أو بأن فيهم صبي مميز

أو امرأة أو عبد ولم نقبله حد والقذف وعنه لا يحدون لكونهم أربعة وعنه يحد العميان ومن فيهم أعمى دون غيرهم ولو كان أحد الأربعة الزوج لاعن وحد الثلاثة على الأولى وعلى الأخرى لا لعان ولا حد بحال ولو كان الأربعة مستوري الحال أو عدولا كمن مات أحدهم قبل أن يصف الزنا أو كانت شهادتهم على بكر فشهد ثقات النساء بعذرتها لم يحد الشهود ولا المشهود عليه نص عليه. وإذا شهد أربعة بزنا واحد لكن قال اثنان كان الزنا في بيت كذا أو بلد كذا أو يوم كذا وقال اثنان بل في بيت أو بلد أو يوم آخر لم تقبل شهادتهم وهل هم قذفة فيحدون أم لا على روايتين وعنه تقبل شهادتهم فيحد من شهدوا عليه. وإن شهد اثنان بأن الزنا كان في زاوية معينة من بيت صغير واثنان أنه كان في زاوية أخرى منه أو قال اثنان كان الزنا في قميص أبيض وقال اثنان في قميص أحمر كملت شهادتهم على الروايتين وقيل لا تكمل على الأولى. فعلى هذا هل يحدون للقذف على وجهين. ولو أتفق الأربعة على تعدد المكان أو الزمان لم تكمل شهادتهم وحدوا للقذف رواية واحدة. ولو قال اثنان زنى بها مطاوعة واثنان زنى بها مكرهة لم تقبل شهادتهم قاله أبو بكر والقاضي ويحد شاهدا المكان لقذف المرأة وهل يحد الأربعة لقذف الرجل على وجهين وقال أبو الخطاب تقبل شهادتهم على الرجل فيحد دونهم ودون المرأة. وإذا شهد أربعة بالزنا فرجع أحدهم قبل الحد حد الأربعة وعنه يحدون إلا الراجع ويتخرج أن لا يحد سواه إذا رجع بعد الحكم وقبل الحد ولو رجع

الكل فهل يحدون على الروايتين في الواحد ولو رجع أحدهم بعد إقامة الحد فلا حد إلا على الراجع إذا كان الحد جلدا أو رجما وقلنا يورث حد القذف. وإذا شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه وفي حد الشهود الأولين حد الزنا روايتان وعلى كلتيهما في حدهم للقذف روايتان أيضا. فإذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد لذلك وعنه تحد به إذا لم تدع شبهة. ولو زنى متزوج له ولد فأنكر أن يكون وطئ زوجته لم يرجم فإن شهد عليه بينة أنه قال جامعتها أو وطئتها رجم وإن قال دخلت بها فوجهان.

باب القطع في السرقة

باب القطع في السرقة ولا يجب إلا على من سرق مالا محرما لا شبهة له فيه وبلغ نصابا وأخرجه من حرز مثله وسواء في ذلك الثمين وغيره وما يسرع إليه الفساد كالفاكهة ونحوها وغيره وما أصله الإباحة وغيره إلا التراب والماء والكلأ والملح والسرجين الطاهر ففي القطع بسرقتها مع الملك وجهان. ولا قطع على منتهب ولا مختلس ولا غاصب ولا خائن وفي وديعة أو عارية أو غيرها إلا جاحد العارية ففي قطعه روايتان أشهرهما يقطع. ويقطع الطرار وهو الذي يقطع الجيب أو غيره ويأخذ منه وعنه لا يقطع. ويقطع سارق العبد الصغير والمجنون والنائم ولا يقطع سارق الحر إلا أن يكون صغيرا أو مجنونا ففيه روايتان فان قلنا لا يقطع وكان معه حلى ففي القطع به وجهان. ولا يقطع بسرقة آلة لهو ولا محرم كالخمر ونحوه فإن سرق إناء فيه خمر أو ماء ولم يقطع بالماء أو صليبا أو صنما من ذهب فقال القاضي لا يقطع وقال أبو الخطاب يقطع كمن سرق إناء ذهب أو فضة أو دراهم بها تماثيل.

ونصاب السرقة ثلاثة دراهم أو ربع دينار أو عرض قيمته كأحدهما وعنه كالدراهم خاصة وعنه ثلاثة دراهم أو قيمتها من ذهب أو عرض وهل يكمل النصاب بالضم من النقدين إذا جعلناهما أصلين على وجهين ذكرهما أبو بكر. وهل يكفي وزن التبر منهما أو تعتبر قيمته بالمضروب على وجهين. وإذا نقصت قيمة السرقة أو ملكها السارق لم يسقط القطع. وتعتبر قيمتها وقت إخراجها من الحرز فلو ذبح فيه كبشا أو شق فيه ثوبا فنقصت قيمته عن نصاب ثم أخرجه أو أتلف فيه المال لم يقطع وإن ابتلع فيه جوهرة أو ذهبة ثم خرج قطع وقيل لا يقطع وقيل إن خرجت منه قطع وإلا فلا. ومن سرق من حرز نصابا لجماعة قطع وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا سواء أخرجوه جملة أو أخرج كل واحد منهم جزءا فإن كان بعضهم أبا لربه أو عبدا قطع الأجنبي. فإن هتك اثنان حرزا أو دخلاه ثم أخرج أحدهما المال وحده أو دخل أحدهما فقربه من النقب ثم أدخل الآخر يده فأخرجه قطعا وإن رماه الداخل خارج الحرز وأخذه الخارج أو لم يأخذه أو أعاده فيه أحدهما قطع الداخل خاصة وإن نقب أحدهما ثم دخل الآخر وأخرجه قطعا إن تواطآ على السرقة وإلا فلا قطع وقيل لا قطع بحال ومن دخل الحرز فترك المال على بهيمة أو ماء جار فأخرجاه أو أمر صبيا أو مجنونا بإخراجه ففعلا فعليه القطع. وإذا أخرج بعض نصاب ثم دخل فأخرج تمامه من غير تراخ قطع وإن طال ما بينهما فوجهان. وإذا أخرج السرقة إلى ساحة دار مغلق بابها من بيت منها مغلق فهل يقطع على روايتين المذهب القطع. وحرز المال ما العادة حفظه ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل

السلطان وجوره وقوته وضعفه فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما وراء الشرائج إذا كان بالسوق حارس وحرز الحطب والخشب الحظائر وقال أبو بكر ما كان من الملك حرزا لمال فهو حرز لمال آخر. وحرز المواشي في المرعى بالراعي ونظره إليها وحرز حمولة الإبل بتقطيرها وقائدها أو سائقها إذا كان يراها وهل حرز الثياب في الحمام والأعدال في السوق بالحافاظ أم لا على روايتين. وحرز الكفن في القبر الميت فلو نبش قبرا وأخذ الكفن قطع وحرز الباب تركيبه في موضعه. ولو سرق رتاج الكعبة أو باب المسجد أو تأزيره قطع ولا يقطع بستار الكعبة وقال القاضي يقطع بالمخيطة عليها. إن نام على ردائه في مسجد فسرقه سارق قطع وإن زال بدنه عنه لم يقطع ويقطع الأخ وكل قريب بسرقة مال قريبه إلا الوالدين وإن علوا والولد وإن سفل. وفي قطع أحد الزوجين بمال الآخر المحرز عنه روايتان. وإذا سرق عبد من سيده أو سيد من مكاتبه أو حر مسلم من بيت المال أو من غنيمة لم تخمس أو فقير من غلة وقف على الفقراء أو شخص من مال فيه شركة له أو لأحد ممن لا يقطع السرقة منه كالغنيمة المخمسة وغيرها لم يقطع. وإن سرق ذمي أو عبد مسلم من بيت المال قطع نص عليه ومثله سرقة عبد الوالد أو الولد ونحوهما. ومن سرق قناديل المسجد أو حصره قطع وقيل لا يقطع إن كان مسلما. ويقطع سارق كتب العلم وفي سرقة المصحف وجهان. ويقطع الذمي والمستأمن بسرقة مال المسلم ويقطع المسلم بسرقة مالهما.

ومن أكره على السرقة فسرق لم يقطع وعنه يقطع حكاها القاضي. ومن سرق عينا وادعى أنها ملكه قطع كما لو ادعى الإذن في دخول المنزل وعنه لا يقطع وعنه يقطع إن كان معروفا بالسرقة وإلا فلا. ومن سرق أو غصب له مال فسرق من حرز فيه ماله مال السارق أو الغاصب مع ماله لم يقطع وقيل يقطع إذا كان متميزا من ماله وإن سرق مالهما من حرز آخر أو سرق مال من له عليه دين قطع إلا إذا عجز عن أخذ حقه فسرق بقدره ففي قطعة وجهان. وإذا سرق المال المغصوب أو المسروق أجنبي لم يقطع وقيل يقطع. ومن أجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع. ومن قطع بسرقة عين ثم عاد فسرقها قطع. ولا يقطع السارق إلا بشهادة عدلين أو إقرار مرتين وبمطالبة رب السرقة أو وكيله بها وقال أبو بكر لا تشترط المطالبة. وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت بأن تغمس في زيت مغلي وهل الزيت من بيت المال أو مال السارق على وجهين فإن عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت فإن عاد حبس ولم يقطع وعنه تقطع يده اليسرى في الثالثة ورجله اليمنى في الرابعة فعلى الأولى يمنع من تعطيل منفعة الجنس وهو الصحيح من الوجهين وهل يمنع من ذهاب عضوين من شق على وجهين وعلى الثانية لا أثر لذلك. فمن سرق وهو أقطع اليد اليمنى فقط أو أقطع الرجلب اليسرى فقط قطعت الموجودة منهما وإن كان أقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى قطع على الثانية دون الأولى وإن كان أقطع اليد اليسرى فقط قطعت يمينه على الثانية ولم تقطع على الأولى لكن في قطع رجله اليسرى وجهان وإن كان أقطع اليدين

فقط قطعت رجله اليسرى على الثانية وفيه على الأولى وجهان ولو كان أقطع الرجلين أو يمناهما فقط قطعت يمنى يديه على الروايتين وقيل لا تقطع على الأولى. ومن سرق وهو صحيح فذهبت يمنى يديه سقط القطع وإن ذهبت يسرى رجليه فقط لم يسقط وإن ذهبت يسرى يديه فقط أو مع رجليه أو إحداهما قطع على الثانية دون الأولى وإن ذهبت الرجلان أو يمناهما فقط لم يسقط القطع على الثانية وفيه على الأولى وجهان. وإن وجب قطع يمينه فقطع القاطع يساره بدون إذنه لزمه القود إن تعمد قطعها وإلا فديتها وفي قطع يمين السارق الروايتان والشلاء كالمعدومة فيما ذكرنا إلا حيث يقطع بتقدير السلامة ففيه الروايتان. إحداهما1 لا تجزئ بحال بل هي كالمعدومة. والثانية إذا أمن التلف من قطعها جعلت كالسليمة في قطعها عن الواجب وإلا فهي كالمعدومة وكذلك حكم ما ذهب معظم نفعها كقطع الإبهام أو إصبعين فصاعدا. ويجتمع الضمان برد العين إلى مالكها أو قيمتها مع التلف. ومن سرق من غير حرز أضعفت عليه القيمة نص عليه وقيل يختص ذلك بالثمين والكنز.

_ 1 بهامش الأصل: إحداهما: وهي المذهب.

باب حد قطاع الطريق

باب حد قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء لا في البنيان فيغصبونهم المال مجاهرة وقال أبو بكر حكمهم في المصر والصحراء واحد وإذا قدر عليهم ولم يصيبوا نفسا ولا مالا يبلغ نصاب السرقة نفوا بأن يشردوا فلا يتركوا

يأوون في بلد وعنه نفيهم حبسهم وعنه هو تعزيرهم بما يردعهم من حبس أو تشريد أو غيره. وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا ثم خلي هو وإن قتلوا مكافئا ولم يأخذوا المال قتلوا حتما ولم يصلبوا ونقل عبد الله عنه يصلبون وإن قتلوا غير مكافئ كالولد والعبد والذمي فكذلك وعنه لا يقتلون. وإذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا حتما ثم صلبوا وعنه أنهم يقطعون مع ذلك ويصلبون بقدر ما يشتهرون وقال أبو بكر بقدر ما يقع عليه الاسم. والراد والمباشر في ذلك سواء فيما ذكرنا وإن جنوا بما يوجب قودا في الطرق ففي تحتم استيفائه روايتان ولا يسقط بتحتم القتل على الروايتين ويحتمل عندي أن يسقط إذا قلنا بتحتمه. ومن قطع للحراب ثم حارب ثانيا فهل تقطع بقية أربعته على وجهين بناء على السارق. ومن عدم يده اليسرى أو بطشها بشلل أو نقص قطعت رجله اليسرى دون يده اليمنى وقيل يقطعان ويتخرج أن لا يقطعا وإن عدم يده اليمنى فقط قطعت رجله اليسرى لا غير ومن تاب منهم قبل أن يقدر عليه سقط عنه ما كان لله من نفي وقطع وصلب وتحتم قتل وأخذ بما للآدميين من نفس وطرف ومال إلا أن يعفى له عنها. وإذا تاب من زنى أو شرب أو سرق قبل ثبوت حده عند الإمام سقط عنه بمجرد توبته وعنه لا يسقط كما بعد ثبوته ولو كان ذميا أو مستأمنا لم يسقط بإسلامه نص عليه. وإذا مات المحارب قبل أن يقتل للمحاربة فلولي قتيله الدية وفي صلبه وجهان.

وكذلك إن قطعناه بقود قد لزمه قبل المحاربة إذ يقدم لسبقه ولو لزمه قود بعد المحاربة تعينت الدية لوليه وقدم حكم المحاربة لسبقها.

باب حكم الصيال وجناية البهيمة

باب حكم الصيال وجناية البهيمة من صال على نفسه أو حرمته أو ماله آدمي أو بهيمة فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك ولا ضمان عليه وإن قتل فهو شهيد ويلزمه الدفع مع القدرة عن حرمته دون ماله وفي نفسه روايتان. ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك. ومن عض يد إنسان فانتزعها من فمه فسقطت ثناياه ذهبت هدرا. وإن نظر في بيته من خصاص الباب ونحوه فحذف عينه ففقأها فلا شيء عليه. ومن قتل إنسانا في داره مدعيا دفعه لصياله أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرح دفعا عن نفسه ولا بينة وجب القود أخذا بقول المنكر. وجناية البهيمة مهدرة إلا ليلا إذا لم تحفظ عن الخروج فيه ونهارا إذا أرسلت عمدا بقرب ما تفسده عادة وفيهما إذا كان معها راكب أو قائد أو سارق فيضمن ما جنت بيدها أو فمها ووطء رجلها دون نفحها ابتداء ويضمن نفحها لكبحها باللجام ونحوه ولو أنه لمصلحة وعنه يضمن جناية الليل بكل حال. ومن اقتنى في منزله كلبا عقورا فجنى على داخله ضمنه إن دخله بإذنه وإلا فلا.

باب حد السكر

باب حد السكر كل شراب أسكر كثيرة فقليله حرام وهو خمر من أي شيء كان ولا يباح شربه لتداو ولا عطش ولا غيره إلا لدفع لقمة بها ولم يحضره غيره.

فإذا شربه المسلم مختارا عالما أن كثيرة يسكر فعليه الحد ثمانون جلدة مع الحرية وعنه أربعون والرقيق على نصف ذلك وإن شربه مكرها فهل يحد على روايتين. وإلا يحد الذمي بشربه وأن سكر وعنه يحد وعندي إن سكر حد وإلا فلا. ومن حد بشرب الخمر حد إذا احتقن بها أو استعط أو أكل طعاما خلط بها نص عليه ولا يقام الحد مع السكر حتى يزول. ولا يحد إلا بشهادة عدلين أو إقرار مرتين وعنه يكفي مرة وعنه يحد بوجود الرائحة إذا لم يدع شبهة. والعصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام بلياليهن حرم إلا أن يغلى قبل ذلك فيحرم نص عليه وقيل لا يحرم بحال حتى يغلي وإذا طبخ قبل التحريم فذهب ثلثاه وبقي ثلثه فهو حلال نص عليه وذكره أبو بكر أنه إجماع من المسلمين. ويكره الخليطان وهو أن ينتبذ شيئين كتمر وزبيب أو بسر وتمر أو مذنب وحده ولا بأس بالفقاع ولا بأس بترك تمر أو زبيب في الماء لتحليته ما لم يشتد أو يستكمل الثلاث. ولا يكره الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والنقير وعنه يكره.

باب التعزير

باب التعزير وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة كاستمتاع لا حد فيه وسرقة لا قطع فيها وجناية لا قود فيها وقذف بغير الزنا ونحوه. وفي المعصية التي فيها كفارة كالظهار وقتل شبه العمد ونحوهما وجهان ولا يبلغ بتعزير الحر أدنى حد عليه وكذلك العبد إلا فيما أشبه الوطء

كوطء الأمة المتزوجة أو المشتركة أو المحرمة برضاع أو وطء الأجنبية دون الفرج ونحوه فيجوز أن يبلغ به في الحر مائة جلدة بلا نفي وفي العبد خمسون إلا سوطا ويجوز النقص منه على حسب ما يراه السلطان وعنه لا يزاد في كل تعزير على عشر جلدات لخبر أبي بردة. وإذا وطئ الأب جارية ابنه عزر إن لم تحبل منه وإن حبلت فوجهان.

باب إقامة الحد

باب إقامة الحد لا تجوز إقامة الحد إلا للإمام أو نائبه إلا سيد الرقيق فإنه له أن يحده للزنا والشرب والقذف وهل له قتله بالردة وقطعه للسرقة على روايتين وعنه ليس للسيد إقامة حد بحال. فعلى الأولى وهي المذهب ليس له ذلك على المعتق بعضه ولا على أمته المزوجة وهل له ذلك مع كونه فاسقا أو امرأة أو مكاتبا أو مع كون الرقيق مكاتبا على وجهين. ويملك السيد إقامة الحد بعلمه خلاف الإمام نص عليه ومنع منه القاضي تسوية بينهما. ولا يقام حد في المسجد ويضرب الرجل في الحد بسوط لا خلق ولا جديد ولا يمد ولا يربط ولا يجرد بل يكون عليه قميص وقميصان وعنه تجويز تجريده ولا يبالغ بضربه بحيث يشق الجلد ويفرق الضرب على بدنه وهو قائم ويتقي الرأس والوجه والفرج والمقاتل وعنه يضرب جالسا فعلى هذه يضرب الظهر وما قاربه والمرأة كالرجل في ذلك لكن تضرب جالسة ولا تجرد رواية واحدة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف. وأشد الجلد الجلد للزنا ثم للقذف ثم للشرب ثم للتعزير. ويجوز الضرب في حد الشرب بالجريد والنعال. ولا يؤخر الجلد لمرض ولا ضعف نص عليه بل يقام إذا خشي من السوط

بأطراف الثياب وعتكول النخل ويحتمل أن يؤخر للمرض المرجو البرء فأما القطع فلا يجوز مع خشية التلف بحال. ومن مات في حده فالحق قتله وإن زاد الضارب سوطا أو أكثر ضمنه بديته كما لو ضربه بسوط لا يحتمله وقيل يضمنه بنصفها. ولا يحفر للمرجوم في الزنا وإن كان امرأة وقيل يحفر للمرأة إلى الصدر إذا رجمت بالبينة. ويستحب أن يبدأ بالرجم شهود الزنا أو الإمام إن ثبت بالإقرار. ومن رجع عن إقراره بزنى أو سرقة أو شرب قبل إقامة الحد سقط وإن رجع في أثنائه سقطت بقيته وإن هرب منه ترك فإن تمم عليهما ضمن الراجع دون الهارب. وإذا اجتمعت حدود لله تعالى تداخل منها الجنس الواحد دون الأجناس إلا أن يكون فيها قتل فيستوفى وحده ويدخل فيه سائرها وإن كانت للآدميين لم تتداخل بحال ويبدأ منها بالأخف فالأخف وكذلك مالا يتداخل من حقوق الله تعالى فمن تكرر شربه وسرقته جلد حدا واحدا ثم قطعت يمينه وإن قتل في المحاربة مع ذلك قتل لها ولم يجلد ولم يقطع ولو زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطع أولا ثم حد للشرب ثم للزنا ولا يستوفى في حد يبرأ مما قبله. ومن اجتمع عليه قتلان بردة وقود أو قطعان بسرقة وقود قطع وقتل لهما وقيل للقود خاصة. ومن قتل أو جرح أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إليه لم يستوف منه فيه لكن لا يبايع ولا يشارك حتى خرج منه فيقام عليه وعنه يستوفى فيما دون النفس في الحرم وإن جنى في الحرم حد بالواجب فيه.

ومن أتى في الغزو حدا لم يستوف منه في أرض العدو فإن رجع أقيم عليه في دار الإسلام.

باب قتال أهل البغي

باب قتال أهل البغي إذا خرج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ فهم بغاة وعليه أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون منه فإن ذكروا مظلمة أزالها وإن ادعوا شبهة كشفها فإن فاءوا وإلا قاتلهم وعلى رعيته معونته فإن استنظروه مدة ورجي فيئهم أنظرهم وإن خشي مكيدة لم ينظرهم وقاتلهم ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالنار والمنجنيق ولا بكفار يستعين بهم إلا لضرورة وفي استعانته بسلاح البغاة وكراعهم عليهم لغير ضرورة وجهان ولا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يغنم لهم مالا ولا تسبى لهم ذرية وإذا أسر منهم رجل أو صبي أو امرأة حبس حتى تنقضي الحرب ثم أرسل وقيل يخلى الصبي والمرأة في الحال وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله بيد إنسان أخذه وما أتلفوه عليهم في الحرب من نفس أو مال فهو هدر وفي تضمين ما أتلفوه على أهل العدل روايتان ويضمن المتلف على الطائفتين في غير حال الحرب وما أحذوه في حال امتناعهم من زكاة وخراج وجزية اعتد به ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل قوله بغير يمين وإن ادعى من عليه جزية أو خراج دفعه إليهم لم يقبل إلا ببينة وقيل يقبل في الخراج قول المسلم مع يمينه وهم في شهادتهم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل. وإن استعانوا بأهل عهد أو ذمة فأعانوهم انتقض عهدهم إلا أن يدعوا شبهة بأن ظنوا وجوب إجابتهم ونحوه فلا ينتقض لكن يغرمون ما أتلفوه من نفس ومال. وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم وأبيح قتلهم.

وإذا أظهر قوم رأى الخوارج ولم يجتمعوا الحرب تركوا فإن سبوا الإمام عزرهم وإن عرضوا بسبه فوجهان وإن أتوا حد أو جناية ألزمهم موجبها وإذا اقتتلت طائفتان لعصبية أو رياسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت للأخرى.

باب المرتد

باب المرتد وهو الكافر بعد إسلامه فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو صفة من صفاته أو بعض كتبه أو رسله أو سب الله أو رسوله فقد كفر. ومن جحد وجوب عبادة من الخمس أو تحريم الزنا أو الخمر أو حل اللحم والخبز ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك وإن كان مثله لا يجهله كفر. ومن ترك تهاونا فرض الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم أن لا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على ظنه موته قبله استتيب كالمرتد فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا نقلها أبو بكر واختارها وعنه يختص الكفر بالصلاة وعنه بها والزكاة إذا قاتل الإمام عليها وعنه لا كفر ولا قتل في الصوم والحج خاصة. ومن ارتد وهو بالغ عاقل مختار رجل أو امرأة دعي إلى الإسلام واستتيب ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يسلم قتل بالسيف وهل استتابته واجبة أو مستحبة على روايتين. وأما الصبي المميز فيصح إسلامه وردته إذا كان له عشر سنين وعنه سبع وعنه لا يصحان منه حتى يبلغ وعنه يصح إسلامه دون ردته ويحال بينه وبين أهل الكفر على الروايات كلها وإذا صححنا ردة الصبي والسكران لم يقتلا حتى يستتابا بعد البلوغ والصحو ثلاثة أيام وجعل الخرقي أول الثلاثة في السكران من وقت ردته.

ولا تقبل توبة الزنديق وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ولا من تكررت ردته ولا الساحر المكفر بسحره ولا من سب الله أو ورسوله بل يقتلون بكل حال وعنه تقبل توبتهم كغيرهم. وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا من كان كفره بجحد فرض أو تحريم أو تحليل أو نبي أو كتاب أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير العرب فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به ولا يغنى قوله أشهد أن محمدا رسول الله عن كلمة التوحيد وعنه يغني وعنه إن كان ممن يقر بالتوحيد أغنى وإلا فلا. ومن شهد عليه بالردة فشهد أن إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لم يكشف عن شيء ولا يكفي جحده للردة. والمرتد في ملكه وتصرفه فيه كالمسلم إذا قلنا يرثه ورثته من المسلمين أو من أهل دينه الذي اختاره وإن قلنا يصير ماله فيئا فذلك من حين موته مرتدا وعنه أنه بمجرد ردته واختارها أبو بكر وعنه يتبين بموته مرتدا كونه فيئا من حين الردة. فعلى الأولى يقر بيده وتنفذ فيه معاوضاته وتوقف تبرعاته فإذا مات مرتدا ردت تبرعاته المنجزة والمعلقة بالموت وإن لم تبلغ الثلث ولو كان قد باع شقصا مشفوعا أخذ بالشفعة. وعلى الثانية يجعل في بيت المال ولا يصح تصرفه فيه لكن إن أسلم رد إليه ملكه جديدا. وعلى الثالثة يحفظه الحاكم وتوقف تصرفاته كلها فإن أسلم أمضيت وإلا تبينا فسادها وينفق منه على من تلزمه نفقته وتقضي ديونه إلا على الرواية الوسطى فإنه لا نفقة لأحد في الردة ولا يقضي دين تجدد فيها. وإذا أتلف المرتد شيئا أو أتى حدا أخذ به وإن أسلم نص عليه وقال

أبو بكر إن فعله بدار الحرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة لم يؤخذ به وقيل إذا أسلم لم يؤخذ بحق الله تعالى خاصة. ومن قتل المرتد بغير إذن الإمام عزر إلا أن يلحق بدار الحرب فلكل أحد قتله بلا استتابة وأخذ ما معه من المال فأما ما تركه بدار الإسلام فعصمته بحالها إذا لم نجعله فيئا بالردة نص عليه وقيل يتنجز جعله فيئا وهو عندي أصح. وإذا ارتد الزوجان فلحقا بدار الحرب لم يجز أن يسترقا ولا أحد من أولادهما ومن لم يسلم منهم قتل إلا من علقت به أمة في الردة فيجوز أن يسترق وفي إقراره بالجزية روايتان وقيل لا يسترق أيضا ولا تبطل الردة إحصان الرجم ولا إحصان القذف. والساحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء يضر لا يكفر بذلك ولا يقتل بل يعزر ويقتص منه إن أتى ما يوجب قودا وأما الذي يدعي أنه يركب المكنسة فتسير به في الهواء أو أن الكواكب تخاطبه أو أنه يجمع الجن بتعزيمه فتطيعه فيكفر ويقتل إذا ظهر منه ذلك وإن لم يكن منه إلا مجرد الدعوى فعلى وجهين. ولا يقتل ساحرا أهل الذمة نص عليه وعنه ما يدل على قتله. وإذا أسلم أبو الطفل الكافران أو أحدهما أو سبى الطفل منفردا عنهما حكم بإسلامه وإن سبى مع أحدهما وهما على دينهما أو ماتا أو أحدهما في دار الإسلام فهل يحكم بإسلامه على روايتين ويرث ممن جعلناه مسلما بموته حتى لو تصور موتهما معا لورثهما ولو كان الموت في دار الحرب لم يجعل به مسلما. وقيل يجعل به مسلما تسوية بين الدارين فيه وفيه بعد. والمميز كالطفل فيما ذكرنا نص عليه وقيل لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ ولا يتبع الصغير جده ولا جدته في الإسلام.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد مدخل ... كتاب الجهاد وهو فرض كفاية ولا يجب على مكلف حر ذكر مستطيع بنفسه وهو الصحيح الواجد بملك أو بذل من الإمام زادا ومركوبا يحمله إذا كان بعيدا وعنه يلزم العاجز ببدنه في ماله. وأقل ما يفعل مرة في كل عام إلا أن تدعو الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين وعنه للإمام تأخيره أيضا مع القوة والاستظهار لمصلحة رجاء إسلام العدو ونحوها. وأفضل ما تطوع به الجهاد وهو في البحر أفضل منه في البر ويستحب الرباط بالثغور ولو ساعة وتمامه أربعون يوما وهو بأشدها خوفا أفضل ولا يستحب ثقل الذرية والنساء إليها. والهجرة من دار الحرب مستحبة لمن أمكنه إظهار دينه بها لأزمة لمن عجز عنه واستطاعها ولا يعتبر لها راحلة ولا محرم ولا فقد عدة. ويغزو مع كل بر وفاجر يخشي تضييعه للمسلمين ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة قبلها. ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو استنفره الإمام أو حصر العدو بلده تعين عليه. ولا يغزو من عليه دين آدمي ولا من له والدان حران مسلمان بدون إذنهما إلا أن يتعين فرضه بلا إذن لهما وكذلك في كل فرض ولا إذن فيه لجد ولا لجدة بحال. ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام إلا أن يفاجئهم عدو يخشى كلبه بالإذن فيسقط. ولا يحل للمسلمين أن يفرو من مثليهم إلا متحرفين لمصلحة قتال أو متحيزين

إلى فئة يتقون بها وإن بعدت فإن جاوز العدو المثلين فلهم الفرار وهو أولى إن ظنوا طاهر هلاكهم بتركه وإن ظنوا الظفر بثباتهم فهو أولى وإن ظنوا الهلاك فيهما فالأولى أن يقاتلوا ولا يفروا ولا يستأسروا وعنه يلزمهم ذلك. وإن ألقى في سفينتهم نار فعلوا ما يرون فيه السلامة فإن شكو هل السلامة في مقامهم أو في وقوعهم في الماء أو تيقنوا الهلاك فيهما أو ظنوه ظنا متساويا خيروا بينهما أو كما لو ظنوا السلامة فيهما ظنا متساويا وعنه يلزمهم المقام. ويلزم الإمام عند تسيير الجيش تعاهد الرجال والخيل فيمنع المرجف والمخذل ومالا يصلح للحرب أن يدخل معه ويمنع النساء إلا طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى ولا يستعين بالمشركين إلا لضرورة وعنه إن قوى جيشه عليهم وعلى العدو لو كانوا معه ولهم حسن رأى في الإسلام جاز وإلا فلا ويرفق بجيشه في السير ويعد لهم الزاد ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم الظفر ويتخير لهم المنازل ويتتبع المكامن ويأخذ بالعيون أخبار العدو ويمنع الجيش من الفساد والتشاغل بالتجارة ويشاور ذوي الرأي فيهم ولا يميل مع أقاربه أو أهل مذهبه على غيرهم ويعرف عليهم العرفاء ويعقد لهم الألوية والرايات بأي لون شاء ويجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به في الحرب ويصفهم ويجعل في كل جنبه كفؤا ويلزم جيشه طاعته والنصح له والصبر معه وأن لا يتعلق أحدهم ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من المعسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه وإذا دعا كافر إلى المبارزة استحب لمن يثق بقوته وشجاعته إجابته فإن شرط الكافر أن لا يقاتله غير الخارج إليه أو كان هو العادة عمل به ومتى انهزم أحدهما أو أتخن بالجراح جاز الدفع والرمي لكل مسلم. ولا يقتل من العدو صبي ولا امرأة ولا راهب ولا شيخ فان ولا زمن ولا أعمى لا رأى لهم إلا أن يحاربوا فإن تترسوا بهم جاز رميهم ويقصد

المقاتلة وأن تترسوا بأسرى المسلمين لم يجزى الرمي إلا أن يخاف على جيش المسلمين فيجوز ويقصد به الكفار. ويجوز تبييت العدو ورميهم بالمنجنيق وقطع الماء عنهم ولا يجوز حرق نخل ولا تغريقه ولا عقر دابة إلا لأكل يحتاج إليه. ويجوز تخريب عامرهم وحرق شجرهم وزرعهم وقطعه إذا لم يضر بالمسلمين عنه لا يجوز إلا أن لا يقدر عليهم إلا به وأن يكونوا يفعلونه بنا فنفعله بهم لينتهوا وكذلك تغريقهم ورميهم بالنار. ومن أسر أسيرا وأمكنه أن يأتي به إلى الإمام لم يجز له قتله وإن لم يمكنه لامتناعه أو مرضه أو غيرهما فله قتله وعنه التوقف في المريض. ويخبر الإمام في الأسرى الأحرار المقاتلة بين القتل والاسترقاق والمن والفداء بمال أو بأسرى المسلمين لكن في استرقاق من لا يقبل منه الجزية روايتان وفي استرقاق من عليه ولاء لمسلم وجهان ويلزمه أن يختار الأصلح للإسلام فإن أسلم الأسرى تعين رقهم نص عليه وقيل يتخير بينه وبين المن والفداء وإن كان الأسير مملوكا خير بين قتله أو تركه غنيمة. ومن قتل أسيرا قبل تخير الإمام فيه لم يضمنه إلا أن يكون مملوكا. وأما النساء والصبيان فهم رقيق بنفس السبي وكذلك من فيه نفع ممن لا يقتل كالأعمى ونحوه. وإذا صار للمسلمين رقيق محكوم بكفره من ذكر وأنثى وبالغ وصغير كالمسبي مع أبويه جاز أن يفتدى بهم أسارى مسلمون ونقل عنه محمد بن الحكم لا يجوز ذلك إلا بالصغير ولا يجوز بيعهم من كافر ولا حربي ولا مفاداتهم بمال في الأشهر عنه وعنه جواز ذلك وعنه جوازه في البلغ دون الصغار.

وإذا حاصر الإمام حصنا لزمته مصابرته مهما أمكن فإن سألوا عقد هدنة جاز إذا وجد شرطه وسنذكره. وإن نزلوا على حكم حاكم جاز إذا كان رجلا مسلما حرا عدلا مجتهدا في أمر الجهاد ولا يحكم إذا بما فيه الحظ للإسلام من قتل أو رق أو فداء. وإن حكم بالمن فأباه الإمام لزمه حكمه وقيل لا يلزم وقيل يلزم في المقاتلة دون النساء والذرية. وليس للإمام قتل من حكم برقه ولا رق من حكم بقتله ولا رق ولا قتل من حكم بفدائه وليس المن على الثلاثة وله قبول الفداء ممن حكم بقتله أو رقه. ومتى حكم برق أو فداء ثم أسلموا فحكمه بحاله وإن حكم بقتلهم وسبى ذريتهم ونسائهم ثم أسلموا عصموا دماءهم دون أموالهم وسبيهم وفي استرقاقهم روايتان وللإمام المن كما سبق. ومن أسلم منهم قبل الحكم فهو كمن أسلم قبل القدرة عليه يعصم نفسه وذريته وماله حيث كانا ولا يعصم زوجته إذا لم تسلم وإن عصم حملها.

باب قسمة الغنيمة وأحكامها

باب قسمة الغنيمة وأحكامها الغنيمة كل مال أخذ من الكفار قهرا بالقتال وتملك بالاستيلاء عليها ولو بدار الحرب وتجوز قسمتها وتبايعها فيها لكن إن أخذها العدو من اشترى فهل هي من ضمانه أو ضمان البائع على روايتين. ويبدأ في قسمتها بثلاثة أصناف. أحدها دفع ما وجد فيها من مال مسلم أو معاهد إليه إذا كان مما أخذه العدو أخذا لا يملك به مسلم ثم إن كانوا قد أخذوه قهرا فقد ملكوه إلا ما كان حبيسا أو وقفا وفي أم الولد روايتان وعنه لا يملكونه حتى يحوزوه بدراهم ولو أبق عبد أو شرد حيوان لمسلم إليهم ملكوه وعنه لا يملكونه

بخلاف أخذه قهرا ولا يملك المستأمن ما أخذه بدارنا بغصب أو عقد فاسد وكل ما قلنا لم يملكوه فلا قسم بحال ويوقف إذا جهل ربه ولربه أخذه بغير شيء حيث وجده ولو بعد القسمة أو الشراء منهم أو إسلام آخذه وهو معه وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا غنمناه وعرف ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة وإن لم يعرف ربه بعينه قسم وجاز التصرف فيه ومتى وجده ربه وقد قسم أو اشترى منهم فلا حق له فيه بحال كما لو وجده بيده المستولي عليه وقد أسلم أو أتانا بأمان وعنه له أخذه في القسمة بقيمته وفي الشراء بثمنه وعنه لا حق له في المقسوم وله أخذ المشتري بالثمن وهو المشهور عنه وإن وجده ربه بيد من أتهبه منهم فله أخذه مجانا في ظاهر مذهبه وعنه إنما يأخذه بالقيمة وعنه لا حق له فيه ذكرها القاضي في المجرد. ولو باعه مشتريه أو متهبه أو وهباه أو كان عبدا فأعتقاه لزمه تصرفهما وهل له أخذه من آخر مشتر أو متهب مبني على ما سبق. وأما أم الولد مع قولنا ملكوها فيلزم السيد قبل القسمة أخذها ويتمكن منه بعدها بالعوض رواية واحدة ونصر أبو الخطاب في تعليقه أن الكفار لا يملكون مال مسلم بالقهر وأنه يأخذه بغير شيء حتى ولو كان مقسوما ومن العدو إذا أسلم وذلك مخالف لنصوص أحمد رضي الله عنه. ولا يملك الحر المسلم بالقهر ومن اشتراه منهم فله عليه ثمنه دينا ما لم ينو التبرع به. الصنف الثاني دفع السلب إلى مستحقه وهو كل من غرر بنفسه في حال الحرب بقتل كافر ممتنع مقبل على القتال فإنه يستحق سلبه غير مخموس إلا أن يكون القاتل من أهل الرضخ أو المقتول صبيا أو امرأة فقد قاتلا ففيه وجهان ومن اشترك اثنان في قتله فسلبه غنيمة وقيل لهما وإن قتله واحد وقد قطع آخر يده ورجله فسلبه غنيمة وقيل للقاطع كما لو قطع أربعته وإن قطع يديه

أو رجليه فسلبه غنيمة وقيل للقاتل كما لو قطع يدا أو رجلا. وإن أسره رجل ثم قتله الإمام أو استحياه فسلبه ورقبته إن أرق وفداؤه إن فدى غنيمة وقيل الكل لمن أسره وعنه لا يستحق السلب إلا أن يشرطه الإمام فيعمل بشرطه. والسلب ما كان عليه من ثياب وحلي وسلاح ودابته بآلتها بشرط أن يقاتل عليها وعنه هي من السلب وإن قاتل راجلا آخذا بعنانها وعنه ليست الدابة من السلب بحال وأما خيمته ورحله ونفقته وجنيبته فغنيمتة. الصنف الثالث أن يعطي أجرة من جمعها وحملها وحفظها ويعطى من دل الجيش على حصن أو طريق أو ماء جعله إن شرطه في مال العدو وإن كان مجهولا بخلاف ما لو شرطه في بيت المال فإنه لا يجوز إلا معلوما وإن جعل له امرأة منهم فماتت قبل الفتح فلا شيء له وإن أسلمت قبل الفتح وهي حرة فله قيمتها وإن أسلمت قبله أو بعده وهي أمة أخذها مع إسلامه وقيمتها مع كفره ولو فتح الحصن صلحا فله قيمتها فإن أبى إلا المرأة ولم تبذل فسخ الصلح وقيل لا يفسخ ويتعين له قيمتها وهو الأصح وإن بذلوها مجانا أو بقيمتها فقال أصحابنا يلزم أخذها ودفعها إليه وعندي يختص ذلك بالأمة وأما حرة الأصل فلا يحل أخذها بحال وتتعين القيمة. وكل موضع أوجبنا ولم نغنم شيئا أعطيها من بيت المال. فصل ثم بعد الأصناف الثلاثة يخمس الباقي فيقسم خمسة على خمسة أسهم سهم لله ولرسوله يصرف في مصالح المسلمين كالفيء وعنه يصرف في السلاح والكراع والمقاتلة خاصة. وسهم لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف حيث

كانوا غنيهم وفقيرهم فيه سواء نص عليه وقال ابن شاقلا يختص بفقرائهم وفي تفضيل ذكرهم على أنثاهم روايتان ولا شيء فيه لمواليهم. وسهم اليتامى الفقراء وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل من المسلمين. ثم يعطى النفل بعد ذلك وهو الزيادة على السهمان لمصلحة يراها الأمير ولا خلاف في جوازه مع الشرط في موضعين. أحدهما أن يجعل جعلا لمن يعمل عملا فيه غناء عن المسلمين ويراه مصلحة كقوله من طلع هذا الحصن أو نقبه فله من الغنيمة كذا أو من جاء بأسير فله كذا أو من جاء بعشرة أرؤس فله منها رأس فهو جائز مالم يجاوز مجموعه ثلث الغنيمة بعد الخمس. الثاني أن ينفذ من الجيش في أرض الحرب سرية تغير أمامه ويشرط لهم الربع فما دون بعد الخمس أو تغير خلفه قافلا ويشرط لهم الثلث فما دون بعد الخمس وهل له فعل ذلك في الموضعين بغير شرط على روايتين وهل له أن يجاوز الثلث بالشرط وأن يقول من أخذ شيئا فهو له إذا احتاج أن يحرض به وأمن المفسدة معه على روايتين. ولا يجوز مجاوزة الثلث بغير شرط رواية واحدة. وكل موضع منعناه منه واحتاج إليه لمصلحة جعله من مال المصالح. ثم يقسم الباقي بعد النفل على من شهد الوقعة أو آخرها بقصد الجهاد قاتل أو لم يقاتل إلا مايستثنى فيما بعد فيجعل للرجل المسلم الحر المكلف إن كان راجلا سهم وإن كان فارسا ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه إلا أن يكون فرسه برذونا وهو النبطي الأبوين أو هجينا وهو ما أمه نبطية وأبوه عربي أو مقرفا وهو عكس الهجين فيجعل له سهم وعنه لا يسهم له وعنه له سهمان كالعربي ومن غزا بفرسين أو أكثر أسهم لفرسيه لا غير. ويرضخ للصبي المميز والمرأة والعبد والكافر ولا تلزم التسوية بينهم.

ولا يبلغ برضخ أحدهم لنفسه سهم راجلهم ولا لفرسه سهم الفرس إلا لعبد يغزو على فرس سيده فيسهم له سهما كفرس الحر وعنه يسهم للكافر كالمسلم. ومن غصب فرسا فغزا به أسهم للفرس وكان لربه فإن غصبه ذو رضخ فهل يسهم للفرس أو ترضخ على وجهين. ولا رضخ ولا سهم لمركوب غير الخيل ونقل عنه مهنا يسهم لراكب البعير به سهم ونقل الميموني يسهم له سهم إذا لم يقدر على غيره وقال القاضي في الأحكام السلطانية للفيل والبعير سهم الهجين على اختلاف الرواية في قدره. ومن مات أو انصرف في أثناء الوقعة أو صار فيها الفارس راجلا بموت فرسه أو شروده أو غيرهما أو الراجل فارسا أو عتق فيها عبد أو بلغ صبي أو أسلم كافر أو لحق مدد أو أسير مفلت ثم انقضت الحرب جعلوا كمن كان في الوقعة كلها كذلك وإن كان ذلك بعد انقضاء الحرب لم يؤثر وجعل حق الميت لورثته. ويسهم لأجير الخدمة دون من استؤجر للجهاد ممن لم يلزمه أو يتعين عليه وعنه لا يسهم لهما وعنه يسهم لهما كالتجار والصناع وعنه لا تصح الإجارة على الجهاد فتجعل كالمعدومة وقيل لا تصح إلا ممن لا يلزمه كالعبد والكافر والمرأة. ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت بعد نفلها وتشاركه فيما غنم. ويسهم لطليعة الجيش ولكل من بعث في مصلحته. ولا حق في الغنيمة لفرس عجيف ولا لمخذل ولا مرجف ولا لمن نهاه الإمام أن يحضر ولا لكافر لم يستأذنه ولا لعبد لم يأذن له سيده ولا لمريض مرضا يمنعه القتال. وما أخذ من مباح دار الحرب مما له قيمة لو أهداه الكفار لأمير الجيش أو بعض قواده فهو غنيمة للجيش نص عليه وقيل الهدية فئ. ومن أخذ طعاما أو علفا فله أن يطعم نفسه ودابته بغير إذن ما لم يحرزه الإمام.

ويوكل به من يحفظه فلا يجوز إلا لضرورة نص عليه وأجازه القاضي في المجرد ما داموا في أرض الحرب. وليس له بيع ما أبيح له فإن باعه رد ثمنه في المغنم وإن فضل معه منه شيء رد في المغنم وعنه له أخذه إذا كان يسيرا. ومن أخذ سلاحا أو ثوبا أو فرسا فله أن يقاتل به حتى يقتضى الحرب ثم يرده وعنه المنع في الثوب والفرس. ومن استؤجر لحفظ الغنيمة لم يركب منها دابة إلا بالشرط. وإذا أعتق الغانم رقيقا من المغنم أو كان فيه من يعتق عليه عتق عليه إن استوعبه حقه وإلا كان المعتق للشقص نص عليه فيهما وقال القاضي في خلافه لا يعتق وعندي إن كانت الغنيمة جنسا واحدا فكالمنصوص وإن كانت أجناسا فكقول القاضي. ومن أسقط من الغانمين حقه سقط ورد على من بقي ولو أسقط الكل حقوقهم صارت فيئا. وإذا دخل قوم دار الحرب بغير إذن الإمام المعتبر كان ما غنموه فيئا وعنه هو لهم بعد الخمس كالغنيمة وعنه إذا لم يكن لهم منعة فهو لهم غير مخموس. ومن غل من الغنيمة وهو حر مكلف حرق رحله الذي معه إلا السلاح والمصحف والحيوان وآلة دابته وثيابه التي عليه وفي حرمانه سهمه روايتان فان مات قبل تحريقه سقط وهل السارق منها في ذلك كالغال على وجهين.

باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار

باب حكم الأرضين المغنومة من الكفار وهي ثلاث أرض فتحت عنوة بالسيف فيخبر الإمام بين قسمها كالمنقول وبين أن يقفها على المسلمين فيمتنع بيعها ويضرب عليها خراج مستمر كالأجرة تؤخذ ممن تقر بيده من مسلم أو معاهد وعنه تصير وقفا بنفس الفتح وعنه تقسم لا غير.

وأرض جلا عنها أهلها خوفا منا فظهرنا عليها. وأرض صالحونا على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج فكل واحدة منهما تصير وقفا بنفس ملكنا لها وخراجها كما قدمنا وعنه لا تصير وقفا حتى يقفها الإمام فتكون بدونه كالفيء المنقول وكأرض بيت المال الموروثة. وأما ما صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عليها فهذه ملك لهم وخراجها كالجزية تسقط إن أسلموا أو صارت لمسلم فإن صارت لذمي من غير أهل الصلح فوجهان وعنه لا يسقط خراجها بإسلام ولا غيره كإتلاف المغنومة ويرجع في قدر الخراج والجزية إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقص بحسب الطاقة وعنه لا يخرج عما وظفه عمر رضي الله عنه وعنه تجوز الزيادة فيه دون النقص منه وعنه جوازهما في الخراج الجزية وهو أصح وعنه جوازهما فيهما إلا جزية أهل اليمن لا يخرج عن الدينار فيها. والأشهر عن عمر أنه وظف على جريب الزرع درهما وقفيزا من طعامه وعلى جريب النخل ثمانية دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة ستة دراهم. وقد روى عنه غير ذلك وقد القفيز ثمانية أرطال صاع عمر قفيز الحجاج نص عليه وذلك ثمانية أرطال بالعراقي وقيل القفيز هنا بالعراقي ستة عشر رطلا وقيل ثلاثون والجريب مائة قصبة مكسرة والقصبة ستة أذرع بالذراع العمرية وهي ذراع وسط وقبضة وإبهام قائمة. والخراج على المزارع دون المساكن. وإنما كان أحمد ينسج داره ويخرج عنها لأن أرض بغداد كانت حين فتحت مزارع ولا خراج إلا علي ما يناله ماء السقي زرع أو لم يزرع وعنه يجب على كل ما أمكن زرعه اكتفاء بماء السماء وما يراح عاما ويزرع عاما عادة ففيه نصف خراج.

وإذا كان بأرض الخراج يوم وقفها شجر فثمره المستقبل لمن تقر بيده وفيه عشر الزكاة كالمجدد فيها وقيل هو للمسلمين غير معشر والخراج كالدين يحبس به الموسر وينظر به المعسر وللإمام وضعه عمن له وضعه فيه. ويجوز أن يرشى العامل لدفع الظلم لا لترك الحق وارتشاؤه حرام فيهما ولا خراج على مزارع مكة بحال وهل فتحت عنوة أو صلحا على روايتين وقيل عليها الخراج على رواية العنوة ولا يجوز بيع رباعها ولا إجارتها إلا إذا قلنا فتحت صلحا. ولا يجوز بيع أرض الشام ومصر والعراق ونحوها مما فتح عنوة ولم يقسم على الأصح وعنه إلا المساكن وأرضا من العراق فتحت صلحا وهي الحيرة وألليس وبانقيا وأرض بني صلوبا.

باب الأمان

باب الأمان يصح الأمان من كل مسلم مكلف مختار وإن كان امرأة أو عبدا أو أسيرا فإذا قال لكافر أنت آمن أو لا بأس عليك أو أجرتك أوقف أو ألق سلاحك أو مترس بالفارسية أو أمنت يدك أو بعضك أو أشار بما يفهم منه الأمان فقد أمنه وفي صحة الأمان من المميز روايتان. ويصبح من الإمام لجميع المشركين وآحادهم ومن الأمير لمن جعل بإزائه ومن آحاد الرعية للواحد والعشرة والقافلة ويصح من غير الإمام الأمان للأسير نص عليه في رواية أبي طالب. وقال القاضي في المجرد لا يصح إلا منه وكل من صح منه أمان قبل إخباره به ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه وأنكره فالقول قول المنكر وعنه قول المشرك وعنه قول من ظاهر الحال يصدقه.

ومن أسلم من أهل حضر أو أعطيناه أمانا لفتحه ففتح ثم تداعوه واشتبه علينا فهم حرام قتلهم واسترقاقهم على منصوصه. وقال أبو بكر يخرج أحدهم بالقرعة ويرق من بقي وإذا أودع المستأمن مسلما مالا وأقرضه شيئا ثم عاد لإقامته بدار الحرب أو نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب أو لم يلحق انتقض أمان ماله كنفسه وصار فيئا وقيل لا ينتقض فيهما وظاهر كلامه أنه ينتقض في مال الذمي دون الحربي وهو الأصح وحيثما قلنا لا ينتقض فإنه يعطاه إن طلبه وإن مات فهو لورثته فإن لم يكن له وارث فهو فيء ولو لم يمت حتى أسر واسترق فقيل يوقف ماله ثم إن عتق رد عليه وإن مات رقيقا ففي كونه فيئا أو لورثته لو كان حرا وجهان وعندي يصير فيئا لمجرد استرقاقه. ويجوز الأمان للرسول والمستأمن مدة الهدنة بلا جزية نص عليه. وقال أبو الخطاب لا يقيم سنة فأكثر إلا بجزية. وإذا دخل حربي دار الإسلام بغير عقد أمان فادعى أنه رسول أو تاجر ومعه متاع يبيعه والعادة دخول تجارهم إلينا قبل منه وأومن وإن بان جاسوسا خير الإمام فيه كالأسير وإن كان مما ضل الطريق أو أتتنا به ريح في مركب أو شرد إلينا بعض دوابهم فهو لمن أخذه غير مخموس وعنه هو فيء بدخوله في أرض الإسلام وعنه أنه لأهل القرية التي حصل فيها. وإذا أسر الكفار مسلما ثم أطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة أو مطلقا لزمه الوفاء نص عليه وإن أطلقوه بلا شرط وأمنوه جاز له الهرب ولم يجز أن يخونهم وإن أطلقوه فقط أو شرطوا أن يكون رقيقا لهم فله أن يهرب ويسرق ويقتل منهم وإن شرطوا عليه مالا ينفذه فإن عجز رجع إليهم لزمه الوفاء إلا أن يكون امرأة فلا ترجع وفي رجوع الرجل روايتان.

باب الهدنة

باب الهدنة لا تصح مهادنة العدو إلا من الإمام أو نائبه فتصح بشرط ضعف الإسلام أو على مال يؤخذ منهم فأما مجانا لمصلحة رجاء إسلامهم ونحوها مع قوته واستظهاره فروايتان ومع القول بالمنع يجوز إلى أربعة أشهر وفيما فوقها ودون الحول وجهان ولا تجوز بمال منا إلا لضرورة شديدة ولا تجوز إلا إلى مدة معلومة وإن طالت وعنه لا تجوز فوق عشر سنين فإن جاوزها بطلت الزيادة وفي العشر وجهان وإن شرط نقضها متى شاء أو إدخالهم الحرم أو رد من أسلم منهم من صبي أو امرأة لم يجز وفي شرط رد مهر المرأة روايتان وكل شرط لم يجزه ففي فساد العقد به وجهان وكذلك عقد الذمة بالشرط الفاسد ولو شرط رد من جاءه من الرجال مسلما جاز مع الحاجة دون حالة الاستظهار بمعنى أنه يخلي بينهم وبينه من غير منع ولا إجبار ويجوز أن يأمره سرا بقتالهم والفرار منهم ويلزم الإمام حماية أهل الهدنة من أهل الإسلام والذمة دون غيرهم. وإذا سباهم كفار آخرون أو سبى بعضهم بعضا لم يجز لنا شراؤهم وإن باع أحدهم منا صغاره أو أهله فروايتان. وإذا خاف نقض العهد منهم جاز أن ينبذ إليهم عهدهم وينتقض العهد في نسائهم وذريتهم بنقضه فيهم. وإذا كان في الهدنة رهائن فقتلوا رهائنا فهل يحل لنا قتل رهائنهم على روايتين.

باب عقد الذمة في أخذ الجزية

باب عقد الذمة في أخذ الجزية يشترط لعقدها بذل الجزية والتزام أحكام الملة وأن يعقده الإمام أو نائبه ولا تعقد إلا لليهود والنصارى والمجوس ومن سواهم فالإسلام أو القتل وعنه تعقد لكل كافر إلا الوثني من العرب والمذهب الأول.

ومن تدين بكتاب التوراة أو الإنجيل كالسامرة والفرنج والصابئة الموافقة للنصارى فهو من أهله. ومن دخل في أحد الأديان الثلاثة قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم فهو من أهله ومن دخل فيه بعد مبعثه أو في وقتنا هذا نظرنا فإن انتقل إليه عن كفر لا يقر عليه فعنه ثلاث روايات رواية يقر عليه ويكون كالأصلي فيه ورواية لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وثالثة يقر على التهود والتنصر دون التمجس فإن أصر عليه قتل. ولو انتقل كتابي أو مجوسي إلى غير دينه فعنه لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف وعنه يقبل منه كل دين يقر أهله عليه دون غيره واختارها الخلال وعنه يقر إلا على دين دون دينه الأول كتمجس الكتابي فلا يقر ويقتل إن أبى وعنه لا يقر إلى على دين أفضل من دينه الأول كمجوسي تهود أو تنصر وعنه لا يقر إلى على الإسلام أو دينه الأول فعلى هاتين الروايتين إن أصر على المتجدد قتل إن كان دون الأول وإلا هدد ولم يقتل إذا لم يرجع ومن أقررناه على تهود أو تنصر متجدد أنحنا ذبيحته ومناكحته وإذا لم نقره عليه بعد المبعث وشككنا هل كان منه قبله أو بعده قبلت جزيته وحرمت مناكحته وذبيحته. ومن ولد بين أبوين لا تقبل الجزية من أحدهما فاختار دين الآخر ألحق به في الجزية وقيل لا يقبل منه سوى الإسلام. وتؤخذ الجزية من أهلها لكل حول في آخره من غنيهم في العرف أربعة دنانير أو ثمانية وأربعون درهما ومن المتوسط نصف ذلك ومن المقل ربعه. ويجوز أن يشرط عليهم للمسلمين المارين بهم الضيافة ويبين أيامها وعدد أهلها وقدرها طعاما واجبا وعلفا ولا تجب من غير شرط وقيل تجب ليوم وليلة.

ومتى بذلوا القدر المذكور مع الضيافة لزم قبوله وحرم قتالهم إلا على رواية سبقت بجواز الزيادة على ذلك. ولا جزية على صبي ولا امرأة ولا زمن ولا أعمى ولا راهب ولا شيخ فان ولا عبد لمسلم ولا فقير يعجز عنها وفي الفقير المعتمل وعبد الذمي روايتان ومن بلغ أو أفاق أو أيسر أو عتق فهو من أهلها بالعقد الأول وتؤخذ منه في آخر الحول بقدر ما أدرك وعنه لا جزية على عتيق المسلم بحال وقال ذمته ذمة مولاه. ومن كان يجن ويفيق دائما لفق من إفاقته حول ثم أخذت له وقيل تؤخذ في آخر كل حول بقدر إفاقته كما يؤخذ من المعتق بعضه بقدر حريته وقيل يعتبر الأغلب فيمن لا ينضبط أمره خاصة. ومن أسلم بعد الحول سقطت عنه وإن مات بعده أو عمي أو جن أو أقعد لم تسقط عنه وقال القاضي تسقط. ومن لزمته جزية سنين لم تتداخل ويمتهنون لمباشرة دفعها وتجر أيديهم عنده ويطال قيامهم وإذا تولى إمام فعرف قدر جزيتهم وما شرط عليهم أقرهم عليه فإن لم يعرفه فوجهان. أحدهما يأخذ بقولهم فيما يسوغ وله أن يحلفهم إن اتهمهم ثم إن بان نقص فيما قالوه رجع عليهم به. والثاني يستأنف عقدهم باجتهاده ولا تؤخذ الجزية المذكورة من نصارى بني تغلب بل تؤخذ من أموالهم من الماشية وغيرها مثلا زكاة المسلمين حتى من نسائهم وزمناهم وصبيانهم ومجانينهم وهل يصرفه مصرف الجزية أو الزكاة على روايتين وهل يباح أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم على روايتين. وإذا أراد أمام تغيير ما عليهم إلى الجزية ابتداء منه أو بسؤالهم لم يجز ذلك وكل عرب من أهل الجزية أبوها إلا باسم الصدقة مضعفة ولهم شوكة يخشى الضرر منها جازت مصالحتهم على مثل ما صولح عليه بني تغلب نص عليه.

وإذا أسلم التغلبي أو باع أرضه من مسلم لم يجب فيها للمستقتل سوى عشر الزكاة ثم إن أسلم وفيها زرع مشتد أو تمر قد بدا صلاحه فلا شيء عليه فيه بحال وإن باعه معها أو بدونها من مسلم فالعشران بحالهما عليه ولا شيء على المسلم. وللذمي شراء الأرض العشرية ولا عشر عليه فيها إذا لم يكن تغليبا وعنه ينهى عن شرائها من المسلم فإن خالف صح وضرب على زرعه وثمره عشران فإن أسلم أو باع فهو كالتغلبي في ذلك.

باب أحكام الذمة

باب أحكام الذمة يلزم الإمام أن يأخذ أهل الذمة بحكم الإسلام في ضمان النفوس والأموال وحفظ الأعراض وإقامة الحدود فيما يعتقدون تحريمه وعنه لا يلزمه إقامة حد زنا بعضهم ببعض إلا أن يشاء واختاره ابن حامد وألحق به قطع سرقة بعضهم من بعض لكونه حقا لله تعالى وعليه أن يلزمهم بالتمييز عن المسلمين في لباسهم وشعورهم وكناهم وركوبهم بأن يلبسوا ثوبا يخالف سائر ثيابهم كالعسلي والإدكن ويشدوا الخرق في قلانسهم وعمائمهم والزنار فوق ثيابهم ويكفي أحدهما ويجعلوا لنسائهم غيارا في الخفين باختلاف لونيهما وأن يجعلوا في رقابهم لدخول الحمام جلجلا أو خاتم حديد أو رصاص وأن يحذفوا مقادم رؤوسهم وأن لا يفرقوا شعورهم كما يفعله الأشراف وأن لا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله ونحوه وأن لا يركبوا الخيل بحال ولا البغال والحمير بالسروج بل عرضا بالأكف وفي منعهم من لبس الطيالسة وجهان. ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام وإن سلم أحدهم قيل له عليكم وفي جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان ويدعى لهم إذا أجزناها بالبقاء وكثرة المال والولد ويقصد به كثرة الجزية ويمنعون من إحداث البيع والكنائس إلا أن يشرطوه فيما فتح صلحا على أنه لنا فلهم شرطهم نص عليه.

ولهم رم سعتها دون بنائها إذا انهدمت وعنه جوازهما وعنه المنع منهما ونصرها القاضي في خلافه. ولو فتح الإمام بلدا فيه بيعة خراب لم يجز بناؤها وقيل يجوز إذا أجزنا بناء المنهدمة ويمنعون من تعليه البنيان على جيرانهم من المسلمين وفي مساواتهم وجهان. ولو ملكوا بشراء أو غيره دارا عالية من مسلم لم تغير وإن انهدمت لم تعد عالية إلا إذا قلنا تعاد البيعة ولو هدم البناء العالي أو بناء البيعة عدوانا فهو كتهدمه بنفسه ذكره القاضي وعندي أنه يعاد ويمنعون من إظهار المنكر وضرب الناقوس وإظهار أعيادهم ورفع أصواتهم بكتابهم أو على موتاهم وإن صولحوا في بلدهم على أداء جزية أو خراج لم يمنعوا شيئا مما ذكرنا ويمنعون من الإقامة بالحجاز وهو مكة والمدينة واليمامة وخيبر والينبع وفدك يخالفوها1 فإن دخلوا منه غير الحرم لتجارة لم يقيموا بموضع واحد فوق ثلاثة أيام وقيل فوق أربع فإن مرض أحدهم به لم يخرج حتى يبرأ فإن مات دفن به وأما الحرم فيمنعون دخوله مطلقا فإن قدم منهم رسول لا بد له من لقاء الإمام وهو به خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عزر وهدد فإن مرض أو مات به أخرج فإن دفن نبش إلا أن يبلى وحد الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال ومن طريق العراق سبعة أميال وكذلك من طريق عرفة ومن طريق الجعرانة تسعة أميال ومن طريق جدة عشرة أميال وليس لهم دخول مساجد الحل وعنه لهم ذلك بإذن المسلم. وإذا اتجر الذمي إلى غير بلده ببيع فيه أو شراء منه أخذ من تجارته نصف.

_ 1 في نسخة بهامش الأصل: صوابه ومخالفيها، لكن بخط المصنف كما في الأصل.

العشر مرة في السنة وإن كان امرأة وقال القاضي لا يلزم المرأة ذلك إلا أن تتجر بالحجاز ولا يلزم التغلبي شيء كذلك وعنه يلزم فيتكمل عليه العشر. وإذا اتجر المستأمن ببلد الإسلام أخذ منه العشر في السنة وقال أبن حامد بعشر كلما دخل إلينا ولا شيء عليهما فيما دون عشرة دنانير. ونقل عنه صالح اعتبار العشرين للذمي والعشرة للحربي وقال القاضي أبو الحسين يعتبر للذمي عشرة وللحربي خمسة وقال ابن حامد يجب ذلك فيما قل وكثر ولا يعشر ثمن الخمر والخنزير المتبايع بينهم ونقل الميموني يعشران ويتخرج تعشير ثمن الخمر دون الخنزير. وإذا حاكم ذمي ذميا أو مسلم إلى حاكمنا لزمه أن يعديه ويحكم بينهما بحكم الإسلام وعنه في الذميين يخير بين الحكم وتركه وهو الأشهر عنه كما في المستأمنين وعنه لا يخير إلا إذا اتحدت ملتهما وعنه ما يدل على تخييره إلا أن يتظالما بحقوق الأدميين فيلزمه وهو الأصح عندي ومتى خيرناه جاز أن يعدي ويحكم بطلب أحدهما وعنه لا يجوز إلا باتفاقهما كما في المستأمنين. وإذا تبايعوا بينهم محرما يعتقدون حله أو بيوعا فاسدة ثم أتونا أو أسلموا لم ينقض فعلهم إن كانوا تقابضوا من الطرفين وإلا نقصناه وعنه لا ينقض في الخمر خاصة إذا قبضت دون ثمنها ويلزم المشتري دفعه إلى البائع أو إلى وارثه إن كان ميتا. واذا كان لذمي على ذمي خمر بقرض أو غصب فأيهما أسلم فلا شيء لربها نص عليه وقيل إذا لم يسلم هو فله قيمتها ولو كانت له عليه من مسلم لم يكن لربها إلا رأس ماله ويلزم الإمام حفظ أهل الذمة والمنع من أذاهم واستنقاد أسراهم ولا يجوز استرقاق من ولد لهم في الأسر. وإذا لحق الذمي بدار الحرب مستوطنا أو امتنع من إعطاء الجزية أو التزام أحكام الملة أو قاتل المسلمين انتقض عهده وإن قذف مسلما أو أذاه بسحر

في تصرفاته لم ينتقض عهده نص عليه في رواية جماعة وقيل ينتقض وإن فتنه عن دينه أو قتله أو قطع عليه الطريق أو زنى بمسلمة أو تجسس للكفار أو آوى لهم جاسوسا أو ذكر الله تعالى أو كتابة أو رسوله بسوء انتقض عهده نص عليه وقيل فيه روايتان بناء على نصه في القذف والأصح التفرقة. وإذا أظهر منكرا أو رفع صوته بكتابه أو ركب الخيل ونحوه عزر ولم ينتقض عهده وقيل ينتقض إن شرط عليه تركه وإلا فلا ومن نقض عهده لسبب الرسول نقص فعله وإن نقصه لمجرد لحوقه بدار الحرب خير الإمام فيه كالأسير وإن نقضه مما سواهما فالمنصوص تعين قتله واختار القاضي فيه التخيير ويبقى عهده ناقض الذمة في نسائه وذريته الموجودين دون من حدث بعد نقضه وقد أسلفنا حكم ماله.

باب قسمة الفيء

باب قسمة الفيء وهو كل مال أخذ من الكفار بغير قتال كالجزية والخراج والعشور وما تركوه فزعا أو ماتوا عنه ولا وارث لهم فيصرف في مصالح الإسلام وعنه خمسه لأهل الخمس وبقيته للمصالح ويبدأ بالأهم فالأهم من سد الثغور وكفاية أهلها وغيرهم من جند المسلمين ثم بالأهم فالأهم من سد البثوق وكرى الأنهار وعمل القناطر وأرزاق القضاة والمفتيين والمؤذنين ونحوهم من كل ذي نفع عام وإن فضل منه فضل قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم إلا عبيدهم وعنه تقديم ذوي الحاجات منهم ويبدأ عند العطاء بالمهاجرين ثم بالأنصار ثم بسائر المسلمين ويقدم الأقرب فالأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم وفي جواز التفضيل بينهم بالسابقة روايتان. ومن مات وقد حل عطاؤه دفع إلى ورثته ومن مات من أجناد المسلمين فرض لزوجته وصغار ولده كفايتهم فإذا بلغ بنوه فأحبوا أن يكونوا من المقاتلة فرض لهم حقهم وإلا سقط ويسقط فرض المرأة والبنات بالتزوج.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة مدخل ... كتاب الأطعمة والأصل فيها الحل فيباح كل طاهر لا مضرة فيه من حب وتمر وغيرهما ولا يحل نجس كالميتة والدم ولا ما فيه مضرة كالسم ونحوه وحيوانات البر مباحة إلا الحمر الأنيسة وماله ناب يفرس به سوى الضبع كالأسد والنمر والذئب والفيل والهدهد والكلب والخنزير وابن آوى وابن عرس والنمس والقرد والدب وماله مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباسق والحدأة والبومة وما يأكل الجثث كالنسر والرخم واللعلق والعقعق والغراب الأبقع والغراب الأسود الكبير وما يستخبثه العرب كالقنفد والفأرة والحية والعقرب والخشاف وهو الوطواط [والخفاش ذكره في باب تطهير موارد الأنجاس ويسمى أيضا الخشاف وهو الوطواط بلا ألف] والحشرات كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسبع وهو ولد الضبع من الذئب والعسبار وهو ولد الذئبة من الضبعان وفي كل واحد من الصرد والهدهد والخطاف والدباب والثعلب وسنور البر والوبر واليربوع روايتان وفي الغداف والسنجاب وجهان وحرم أبو الخطاب الزرافة وأباحها أحمد وما عدا ذلك فهو حلال كالخيل وبهيمة الأنعام والدجاج والوحش من الحمر والبقر والظباء والنعامة والأرنب وسائر الوحش والضبع والضب وغراب الزرع والزاغ والطاوس وسائر الطيور. ويباح حيوان البحر كله إلا الضفدع وفي التمساح روايتان وحرم معه ابن حامد الكوسج وحرم النجاد كل بحري يحرم نظيره في البر كإنسان الماء وكلبه وخنزيره وتحرم الجلالة وبيضها ولبنها وهي التي أكثر علفها النجاسة حتى يحبس عنه وعنه تكره لا تحرم ويكفي حبسها ثلاثة أيام وعنه تحبس الطير ثلاثا والشاة سبعا والإبل والبقر أربعين يوما. ويجوز أن يعلف الإبل والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة

أحيانا وما سقى بالماء النجس من زرع وثمر فهو بجس محرم إلا أن يسقى بعده بطاهر فيحل ويطهر نص عليه. وقال ابن عقيل هو طاهر مباح ومن اضطر إلى محرم كالميتة ونحوها حل له منه ما يسد رمقة فقط ولزمه تناوله وعنه يحل له الشبع فإن وجد مع الميتة طعاما لا يعرف مالكه أو صيدا وهو محرم أكل الميتة لا غير نص عليه وإن وجدهما المحرم بلا ميتة أكل طعام الغير ويحتمل أن يخير بينهما وإذا وجد ميتتين مختلف في أحدهما أكلها دون المجمع عليها ومن لم يجد إلا طعاما للغير فربه أحق به إن كان مضطرا وإلا لزمه أن يبذل له ما يسد رمقه أو قدر الشبع في رواية بقيمته فإن أبى فله أخذه قهرا ومقاتلته عليه فإن قتل رب الطعام فدمه هدر وإن قتل المضطر ضمنه رب الطعام وإن منعه منه إلا بما فوق القيمة فاشتراه منه بذلك كراهة أن يجري بينهما دم أو عجز عن قتاله لم تلزمه إلا القيمة. ومن لم يجد إلا آدميا يباح دمه كحربي وزان محصن حل قتله وأكله وإن كان ميتا معصوما فوجهان. ومن أضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد أو استقاء ماء ونحوه وجب بذله له مجانا وقيل يجب له العوض كالأعيان. ومن مر بتمر بستان في شجرة أو متساقط عنه ولا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه من غير حمل وعنه لا يحل إلا من المتساقط وعنه لا يحل ذلك إلا للحاجة فيحل مجانا1 وفي الزرع وشرب لبن الماشية على الأولى روايتان.

_ 1 في نسخة بهامش الأصل: قال أحمد: إذا لم يكن عليها حائط يأكل إذا كان خائفاً فإذا لم يكن فلا يأكل وقال: قد فعله غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به في القرى دون الأمصار يوما وليلة نص عليه ويجب فيهما للحاضر والمسافر فإن أبى فللمضيف طلبه بحقه عند الحاكم ولا يلزمه إنزاله في بيته إلا أن لا يجد مسجدا أو رباطا ونحوه يبيت فيه وتمام الضيافة ثلاث وما فوقها صدقة.

باب الذكاة

باب الذكاة لا يباح شيء من الحيوان بغير ذكاة إلا الجراد والسمك وكل مالا يعيش إلا في الماء فإنه لا ذكاة له وعنه تباح ميتة كل بحرى من سمك وغيره وعنه لا تباح ميتة يجري سوى السمك وعنه في الجراد لا يؤكل ما مات منه بلا سبب ويخرج في السمك الطافئ مثله. ويشترط للذكاة أن يكون المذكي عاقلا مسلما أو كتابيا وإن كان مراهقا أو امرأة أو أقلف أو أعمى فلا تباح ذكاة سكران ولا مجنون وفيما صاده مجوسي ونحوه من سمك وجراد روايتان. وتباح الذكاة بكل محدد من حديد وحجر وقصب وغيره إلا الظفر والسن وفي العظم غير السن روايتان وفي الآلة المغصوبة وجهان. والمعتبر في تزكية المقدور عليه قطع الحلقوم والمريء لا غير وعنه يشترط معه قطع الودجين والسنة نحر الإبل وذبح غيرها فإن نحر ما يذبح أو بالعكس جاز وإذا أبان الرأس بالذبح لم يحرم به المذبوح وحكى أبو بكر رواية بتحريمه. وإذا ذبح الحيوان من قفاه سهوا فأتت السكين على موضع ذبحه وهو حي ويعلم ذلك بوجود الحركة حل وإن فعله عمدا فعلى روايتين ذكرهما القاضي. وذكاة ما عجز عنه من الصيد والنعم المتوحشة والواقعة في بئر ونحوه بجرحه

في أي موضع كان من بدنه إلا أن يعينه غيره بأن يكون رأسه في ماء ونحوه فلا يباح. وما أصابه سبب الموت من منخضة وموقودة ومتردية ونطيحة وأكيلة سبع إذا أدرك ذكاته وفيه حياة يمكن أن تزيد على حركة المذبوح حل بشرط أن يتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف عين أو مضع ذئب ونحوه فإن فقد ذلك لم يحل وعنه أن ما يمكن أن يبقى معظم اليوم يحل وما يعلم موته لأقل منه في حكم الميت وعنه ما يتيقن أنه يموت من السبب فهو كالميت مطلقا نقلها الأثرم. وتحصل ذكاة الجنين بتذكية أمه إذ خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح أشعر أو لم يشعر وإذا خرج بحياة معتبرة فهو كالمنخنقة وعنه إذا مات بالقرب فهو حلال ولو كان الجنين محرما كما لا يؤكل أبوه لم يقدح في زكاة الأم. ويكره أن يذبح بآلة كالة وأن يحد الآلة والحيوان يبصره وأن يوجه1 لغير القبلة وأن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يبرد فإن فعل أساء وحل ويكره أكل الغدة وأذن القلب نص عليه وجزم أبو بكر بتحريمها. وإذا ذبح الكتابي ما حرم عليه كذي الظفر من الإبل ونحوها حرم علينا وقيل لا يحرم كما لا يحرم ما يتيقنه محرما عندي كحال الرئة ونحوها. وإذا ذبح ما يحل له فهل تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهي شحم الثرب والكليتين على وجهين وقيل روايتين فإن قلنا لا تحرم جاز أن نتملكها منهم ولا يحل لمسلم أن يطعمهم شحما من ذبحنا نص عليه وفي بقاء تحريم السبت عليهم وجهان. وإذا ذبح الكتابي لعيده أو ليتقرب به إلى شيء مما يعظمونه لم يحرم إلا أن يذكر عليه اسم غير الله ففيه روايتان منصوصتان أصحهما عندي تحريمه.

_ 1 في نسخة بهامش الأصل "وأن يوجهه"

ومن ذبح حيوانا فوجد جرادا في بطنه أو حبا في حوصلته أو روثه لم يحرم وعنه يحرم.

باب الصيد

باب الصيد لا يحل الصيد المقتول في الاصطياد إلا بأربعة شروط صائد من أهل الذكاة وآلة مخصوصة وإرسالها قاصدا للصيد والتسمية عند الإرسال على الأصح. وإذا اشترك مسلم ومجوسي في قتل صيد بسهميهما أو جارحتيهما لم يحل فإن أصاب مقتله أحدهما فقط غلب حكمه وعنه تغلب الحرمة. وإذا أرسل مسلم سهمه فأعانته ريح لولاها ما وصل أو أرسل كلبه فزجره مجوسي فزاد عدوه أو رد عليه كلب المجوسي الصيد فقتله أو أمسك مجوسي ما يذبحه المسلم حتى ذبحه حل فيهن. ولو أرسل مجوسي كلبا فأعانه المسلم أو كلبه لم يحل بذلك ومن رمى سهما ثم ارتد أو مات ثم أصاب سهمه صيدا حل. والآلة المشروطة نوعان محدد وحيوان فالمحدد هو ما يشترط في آلة الذبح ويشترط أن يجرح فإن قتله بثقله لم يبح وإذا صاد بالمقراض حل ما قتل بحده دون ما قتل بعرضه. وإذا نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح. وإذا قتله بسهم فيه سم لم يبح إذا غلب على الظن أنه أعان على قتله. وإذا رماه في الهواء فوقع بالأرض فمات حل. وإن وقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فمات لم يبح إلا أن يكون الجرح موحيا فعلى روايتين وكذلك الذبيحة وإن رماه فغاب عنه ثم وجده ميتا وفيه أثر سهمه حل بشرط أن لا يكون به أثر آخر يحتمل أنه أعان في قتله وعنه إن كان جرحه موحيا حل وإلا فلا وعنه إن وجده

في يومه حل وإلا فلا وكذلك حكم الكلب إذا عقره ثم غاب ثم وجده وحده فأما إن وجده في فمه أو وهو يعبث به فإنه يحل ولو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده عقيرا وحده والسهم أو الكلب ناحية لم يبح. وإذا ضرب صيدا فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة معتبرة لم يحل ما بان منه إلا أن يكون مما تباح ميته كالحوت فيحل وإن بقي العضو معلقا بجلدة حل بحله وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يحل مابان منه. وما ليس بمحدد كالبندق والحجر والشبكة والفخ فلا يحل ما قتله لأنه وقيد. وأما الحيوان فالجوارح المعلمة فيباح ما قتلته جرحا وفيما قتلته خنقا أو صدما روايتان إلا الكلب الأسود البهيم فإنه لا يباح صيده. وتعليم ذي الناب من هذه الجوارح كالكلب والفهد بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل ولا يعتبر تكرر ذلك منه وقيل يعتبر مرتين فيباح صيده في الثالثة وقيل ثلاثا فيباح في الرابعة. وتعليم ذي المخلب كالصقر والبازي والشاهين والباشق بأن يسترسل إذا أرسله ويرجع إذا دعاه ولا يعتبر الأكل وعدمه. وإذا أكل ذو الناب المعلم من صيده لم تحرم صيوده المتقدمة على الأصح وفيما أكل منه روايتان فإن حرمناه وهو الأصح فعاد فصاد ولم يأكل منه أبيح على ظاهر كلامه ويحتمل أن يكون كالمبتدأ تعليمه وهل يجب غسل ما أصابه فم الكلب على وجهين. وإذا استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده إلا أن يزجره فيزيد في طلبه فإنه يباح. ومن أرسل سهمه أو كلبه إلى هدف أو لإرادة الصيد وهو لا يرى صيدا1

_ 1 بهامش الأصل: قال في الموجز: يشترط أن يكون بصيرا.

فأصاب صيدا لم يحل وإن رمى هدفا يظنه صيدا فأصاب صيدا فوجهان وإن رمى صيدا فأصاب غيره أو واحدا فأصاب جماعة حل الكل. ومن صاد صيدا بسهم أو جارحه فأدركه وفيه كحركة المذبوح أو أزيد لكن لا يتسع الزمان لذكاته حل كما لو أدركه ميتا وإن اتسع الزمان لذكاته لم يبح إلا بالذبح فان مات بدونه لم يبح بحال وعنه إن مات بجرحه قبل أن يمضي عليه معظم يوم أو باستيلاء الصائد عليه لفقد آلة الذبح حتى قتله حل وإلا فلا وعنه يحل بالموت عن قرب الزمان دون الاستيلاء وعن بالعكس واختارها الخرقي. وإن رمى صيدا فأثبته ملكه وإذا رماه آخر فمات حل فيما إذا أصاب الأول مقتله أو الثاني مذبحه ولم يضمن الثاني إلا ما خرق من جلده وفيما عدا ذلك لا يحل ويضمن الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول إذا لم يدرك الأول ذكاته فإن أدركها فلم يزكه حتى مات فقيل يضمنه كذلك وقال القاضي يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرحين مع أرش ما نقصه بجرحه وعندي إنما يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير ومن رمى صيدا ولم يثبته فدخل خيمة إنسان فهو له قاله أبو الخطاب وكذا قال الخرقي. ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة وقيل هو قبل أن يأخذه على الإباحة فيهما كما لو حصل في أرضه صيد أو عشش فيها طائر ولو فتح حجره أو نصب خيمته للأخذ ملكهما كمن صنع بركة للسمك ملكه بحصوله فيها ومن وقع في شبكته صيد فخرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني. ومن أطلق صيدا من يده أو قال أعتقته لم يزل عن ملكه وقيل يزول فيملكه من أخذه. وتشترط التسمية لحل الذبيحة والصيد وعنه هي سنة وعنه تشترط مع

الذكر دون السهو وعنه تشترط للصيد دون الذبيحة وعنه تشترط إلا في الذبيحة سهوا اختارها الخرقي وعنه تشرط إلا سهوا في الذبح وصيد السهم خاصة والكتابي كالمسلم فيها وعنه يختص المسلم باشتراطهما والسنة أن يقول معها الله أكبر ومن هلل أو سبح أو كبر بدلا منها لم يجزئه ويحتمل أن يجزئه ويكفي للأخرس أن يومىء بها إلى السماء وإذا سمى بغير العربية من يحسنها فعلى وجهين ويكره أن يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند التذكية وقال ابن شاقلا لا بأس به

كتاب الأيمان

كتاب الأيمان مدخل ... كتاب الأيمان اليمين التي تجب بها الكفارة بشرط الخيار هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته كقدرته وعلمه وعظمته وكبريائه وعزته وجلاله أو اسم من أسمائه التي لا يسمى بها غيره نحو الله والرحمن القديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والعالم بكل شيء وخالق الخلق ورازق العالمين ونحوه فإن حلف باسم من أسمائه التي قد سمى بها غيره ولكن إطلاقه ينصرف إليه سبحانه كالرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهو يمين إن نوى به الله أو أطلق وإن نوى غيره فليس بيمين ومالا ينصرف إطلاقه إليه بل يحتمله كالشيء والحي والموجود إن نوى به الله تعالى كان يمينا وإلا فلا وقال القاضي ليس بيمين بحال ولا فرق في اسم الله بين قوله والله وتاالله وبالله وبين إسقاط حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر أو بالنصب فإن قاله مرفوعا مع الواو وعدمه أو منصوبا مع الواو فهو يمين أيضا إلا أن يكون من أهل العربية ولا يريد اليمين وإذا قال وحق الله وعهد الله وأمانة الله وميثاقه فهو يمين وإن قال والعهد والميثاق والأمانه والعظمة

والجلال لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله وعنه هو يمين بإطلاقه وإن قال وايم الله أو لعمرو الله فهو يمين وعنه ليس بيمين إلا بالنية وإن قال أقسم الله أو أحلف بالله أو أعزم بالله أو أشهد بالله كان يمينا نواه أو أطلق وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا بالنية وعنه هو يمين بمطلقة. وإن حلف بكلام الله أو بالقرآن أو بالمصحف فهو يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة. والحلف بغير الله محرم وقيل يكره تنزيها ولا تجب به كفارة وسواء أضافه إلى الله تعالى كقوله وخلق الله ومقدوره ومعلومه وكعبته ورسوله أو لم يضفه مثل الكعبة والنبي وعنه الجواز ولزوم الكفارة في الحلف برسول الله خاصة1. ومن قال هو يهودي أو كافر أو برىء من الله أو من الإسلام أو من الدين أولا يره الله في مكان كذا إن فعل كذا ففعله لزمته كفارة يمين وعنه لا كفارة عليه وكذلك حكم قوله أنا أستحل الزنا والخمر. ولو قال محوت المصحف إن فعلت كذا فليس بيمين وكذلك قوله عصبت الله في كل ما أمرني به وعندي هو يمين لدخول التوحيد فيه وإن قال على نذر أو يمين إن فعلت كذا لزمته كفارة يمين إن فعله وإن قال أيمان البيعة تلزمني إن فعلت كذا فهذه يمين رتبها الحجاج تتضمن اليمين بالله والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن عرفها الحالف ونواها انعقدت بما فيها وإلا فلا وقيل تنعقد إذا نواها ولم يعرفها وقيل لا تنعقد إلا بما عدا اليمين بالله بشرط النية ولو قال أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه يمين الظهار والعتاق.

_ 1 روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وروى أصحاب السنن "من حلف بغير الله فقد كفر- أو أشرك"

والطلاق والنذر واليمين بالله نوى ذلك أو لم ينوه ذكره القاضي وقيل لا يتناول اليمين بالله تعالى. ومن حلف بيمين من هذه الخمس فقال له آخر يميني في يمينك أو أنا على مثل يمينك يريد التزام مثل يمينه لزمه ذلك إلا في اليمين بالله فعلى وجهين. واليمين المنعقدة ما قصد عقدها على مستقبل ممكن وفي المستحيل خلاف سبق فإن حلف بالله على أمر ماض كاذبا كالما بكذبه فهي الغموس ولا كفارة فيها وعنه تلزمه الكفارة مع الإثم كما يلزمه الطلاق والعتاق والظهار والحرام والنذر وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافة فهو كمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا. ومن جرى على لسانه بغير قصد اليمين لا والله وبلى والله فهو لغو لا كفارة فيه إن كان في الماضي وإن كان في المستقبل فروايتان. ومن قال في يمين مكفرة إن شاء الله متصلا بها لم يحنث سواء فعل أو ترك. ويستحب الحنث في اليمين إذا كان خيرا ولا يستحب إكثار الحلف ومن دعى إلى الحلف عند الحاكم وهو محق فالأولى أن يفتدى يمينه وإن حلف فلا بأس وإن كان ظالما لم ينفعه تأويله. ومن حرم صلاة سوى الزوجة من أمة أو طعام أو لباس أو غيره لم يحرم عليه وتلزمه كفارة يمين إن فعله وقيل يحرم حتى يكفر وإن قال عبد فلان حر لأفعلن كذا فليس بشيء وعنه عليه كفارة لفعله كنذر المعصية. وكفارة اليمين فيها تخيير وترتيب فيخير من لزمته بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم للرجل ثوب تجزئه الصلاة فيه وللمرأة درع وخمار كذلك أو عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة وعنه بجوز أن يفرقها ويجوز تقديم الكفارة بالمال والصيام قبل الحنث فمن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين

كفارة وعنه إن كانت على أفعال كقوله والله لا لبست والله لا أكلت تعددت الكفارة وإن كانت على فعل واحد كقوله والله لا أكلت والله لا أكلت كفته كفارة واحد. وإن اختلف موجبها كظاهر ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا. وليس للسيد منع العبد من التكفير بالصوم وإذا أذن له في التكفير بالعتق مطلقا وأجزناه فهل له أن يعتق نفسه على وجهين ومن بعضه حر فهو كالحر في التكفير.

باب النذر

باب النذر وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا بالقول ولا يلزم بمجرد النية ولا يصح إلا من مكلف مسلما كان أو كافرا. وكل قربة مستحبة لا تجب من صلاة وصوم وحج وعمرة واعتكاف وعيادة مريض وغير ذلك إذا نذرها نذرا مطلقا أو علقها بشرط بقصد التقرب فوجد الشرط كقوله إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فلله علي كذا لزمه الوفاء بما سمي إلا فيمن نذر الصدقة بماله فإنه يجزئه ثلثه فإن نذرها ببعضه لزمه المسمى وعنه إن زاد البعض المسمى على ثلث الكل أجزأه قدر الثلث وهو الأصح وفيما عدا ذلك لم يلزم المسمى رواية واحدة. ومن قال لله علي نذر ولم ينو شيئا لزمه كفارة يمين ومن علق نذره بشرط بقصد المنع منه أو الحمل عليه كقوله إن كلمت زيدا فعلي الحج وإن لم أضرب عمرا فمالي صدقة ونحوه ويسمى نذر اللجاج والغضب إن انعقد ولم يتعين الوفاء به إذا وجد الشرط بل يتخير بينه وبين كفارة يمين. ومن نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح كقوله لله على أن أصوم فرض رمضان أو أشرب الخمر أو أطلق زوجتي أو أدخل داري ونحوه انعقد

نذره موجب لكفارة يمين إن لم يفعل ما قال مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على ذلك وعنه ما يدل على أنه لاغ لا كفارة فيه. ومن نذر ذبح ولده لزمه كفارة يمين وعن ذبح كبش ومن نذر صوم يوم العيد لزمه صوم يوم كما في اليوم المطلق وعنه لا يلزمه صوم وعلى الروايتين هل يلزمه كفارة على روايتين ومن نذر صوم أيام التشريق فهو كنذر صوم العيد إذا لم نجز صومها عن الفرض وإن أجزناه فهو كنذر سائر الأيام ويتخرج أن يكون كنذر العيد أيضا. ومن نذر صوم شهر بعينه فصام قبله لم يجزه وإن جن جميعه لم يلزمه قضاؤه على الأصح وإن أفطره لعذر أو غيره لزمه قضاؤه متتابعا وعنه لا يجب التتابع في قضائه إذا لم يشرطه ولم ينوه بنذره وإن أفطر من أوله قضى ما أفطره متتابعا متصلا بتمامه وعنه يجوز تأخيره وتفريقه وإن أفطر في أثنائه فقط لغير عذر بطل ما مضى وكان كمن ابتدأ الصوم في أثنائه على الأولى وعلى الثانية ما أفطر منه لا غير كيف شاء وإن أفطر في أثنائه لعذر لا يقطع تتابع صوم الكفارة بنى رواية واحدة وفي فصل القضاء وتتابعه الروايتان وعليه في ذلك كله كفارة يمين وعنه لا كفارة على المعذور. ومن قال لله علي صوم شهر لزمه متتابعا وعنه لا يلزمه التتابع إلا بشرط أو نية كما لو نذر صوم عشرة أيام أو ثلاثين يوما ونحوه ومتى قطع تتابعه بغير عذر لزمه الاستئناف وإن قطعه لعذر استأنفه متتابعا بلا كفارة أو بنى على ما مضى وعليه كفارة يمين. ومن نذر صوم سنة بعينها لم يتناول شهر رمضان ولا الأيام المنهي عن صوم الفرض فيها وعنه يتناولها فيقضيها وفي الكفارة وجهان وعنه يتناول أيام النهي دون أيام رمضان.

ولو قال لله علي أن أصوم سنة ففي وجوب التتابع حسب الإمكان الروايتان في الشهر ويلزمه الصوم اثنى عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهي وإن شرط التتابع وقال صاحب المغني متى شرط التتابع فهو كنذر السنة المعينة في إجزاء أحد عشر شهرا سوى أيام النهي ولو قال على سنة من وقتي هذا أو من شهر كذا فهي كالمعينة الطرفين عند أصحابنا وعندي هي كالمطلقة في لزوم اثنى عشر شهرا للنذر. ومن نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا لم يلزمه شيء وإن قدم نهارا وقد بيت النية له بخبر سمعه صح صومه وأجزأه وإن نوى حين قدم وهو ممسك فكذلك وعنه لا يجزئه بل يقضي وفي الكفارة لكونه معذورا روايتان وإن قدم وهو مفطر أو في يوم عيد أو في رمضان لزمه القضاء وفي الكفارة روايتان وعنه لا شيء عليه. ومن نذر صوما فتركه لكبر أو مرض لا يرجى زواله فقيل تلزمه كفارة يمين فقط وقيل بل إطعام مسكين لكل يوم والمنصوص عنه وجوبهما وإن نذره مع هذا العجز فكذلك وقيل لا ينعقد نذره ومن نذر صوما لزمه يوم بنية من الليل وإن نذر صلاة لم يجزه دون ركعتين وعنه يجزئه ركعة. ومن نذر صلاة أو اعتكافا بمسجد مكة لم يجزئه بغيره وإن نذره بمسجد المدينة لم يجزئه إلا به أو بمسجد مكة وإن نذره بالمسجد الأقصى لم يجزئه إلا بأحد الثلاثة وإن عينه بمسجد سواها أجزأ فيه وفيها وكذلك فيما سواها لكن في الكفارة وجهان. ومن نذر المشي إلى بيت الله أو بقعة من الحرم لزمه الشيء في حجة أو عمرة فإن ترك المشي وركب لعذر أو غيره لزمه كفارة يمين وعنه دم وكذلك إن نذر الركوب فمشى ففيه الروايتان. ومن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين نص عليه.

كتاب القضاء

كتاب القضاء مدخل ... كتاب القضاء نصب القضاة فرض كفاية فيلزم الإمام أن يرتب في كل إقليم قاضيا ويختاره أفضل من يجد علما وورعا ويأمره بتقوى الله وبأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يجد لهم ويلزم من يصلح له إذا دعى إليه ولم يوجد من يوثق به غيره أن يجيب إليه وعنه لا يجب نصبه ولا الإجابة إليه ويكره لمن يصلح له أن يطلبه إذا وجد غيره فإن دعى إليه فهل الأفضل الإجابة أو تركها على وجهين. ولا يصح ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ويشترط أن يعرف المولى وكونه صالحا للقضاء وأن يعين ما يوليه الحكم فيه من البلدان والأعمال. وإذا كان المولى نائب الإمام ففي اشتراط عدالته روايتان. والألفاظ الصريحة للتولية مثل وليتك الحكم وقلدتك الحكم ورددت أو فوضت أو جعلت إليك الحكم واستنبتك أو استخلفتك في الحكم فإذا وجد لفظ منها وقبول المولى في المجلس إن كان حاضرا وفيما بعده إن كان غائبا انعقدت الولاية والكتابة نحو اعتمدت أو عولت عليك ووكلت أو أسندت إليك فلا ينعقد بها إلا بقرينة كقوله فاحكم فيما عولت عليك ونحوه والأولى إذا كان ببلد آخر أن يكاتبه بالولاية ولا تثبت إلا بشاهدين أو بالاستفاضة إذا كان بلده قريبا يستفيض فيه أخبار بلد المولى له. ويصح تعليق ولاية القضاء والإمارة بالشرط ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وأن يوليه خاصا فيهما أو في أحدهما بتولية عموم النظر أو خاصة في محلة خاصة فمنعه حكمها في أهلها ومن يطرأ إليها. ويجوز أن يولى قاضيين في بلد واحد وقيل إن ولاهما فيه عملا واحدا لم يجز.

وإذا حكم اثنان بينهما في المال من يصلح للقضاء نفذ حكمه وإن حكماه في نكاح أو لعان أو قود أو حد قذف فعلى روايتين. وتقيد ولاية الحكم العامة عشرة أشياء الفصل بين الخصوم وأخذ الحق لبعضهم من بعض والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس والنظر في أموال غير الرشدين والنظر في الوقوف وعمله ليعمل بشروطها وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء إذا لم يكن ذلك لغيره وإقامة الحدود وإقامة الجمعة والعيد والنظر في مصالح الطرق والأفنية بعمله وكف الأذى عنها وتصفح حال شهوده وأمنائه ليستبقى أو يستبدل من كان أهلا لذلك فأما جباية الخراج والزكاة إذا لم تختص بعامل فعلى وجهين. ويشترط في القاضي عشر صفات كونه بالغا عاقلا ذاكرا حرا مسلما عدلا سميعا بصيرا متكلما مجتهدا وفي كونه كاتبا وجهان وما فقد منها في الدوام أزال الولاية إلا في فقد السمع أو البصر فيما ثبت عنده ولم يحكم به فإن ولاية حكمه باقيه فيه والمجتهد من يعرف من الكتاب والسنة الحقيقة والمجاز والأمر والنهي والمبين والمجمل والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى منه ويعرف أخبار السنة صحيحها وسقيمها وتواترها وآحادها ومسندها ومرسلها مما له تعلق بالأحكام ويعرف ما اجتمع عليه واختلف فيه والقياس وشروطه وكيف يستنبط والعربية المتداولة بالحجاز واليمن والشام والعراق وبواديها وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن وقف عليه أو على أكثره ورزق فهم ذلك صلح للقضاء والفتيا. وللقاضي طلب الرزق من بيت المال لنفسه وخلفائه وأمنائه مع الحاجة وفيه بدونها وجهان. وإذا مات الإمام أو عزل من ولاه مع صلاحيته لم ينعزل وقيل ينعزل

كما لو كان الميت أو العازل قاضيا وفي العزل حيث قلنا به قبل العلم وجهان كالوكيل.

باب أدب القاضي

باب أدب القاضي ينبغي له أن يكون قويا بلا عنف لينا من غير ضعف بصيرا بأحكام الحكام قبله وإذا ولى في غير بلده سأل عن علمائه وعدوله ونفذ عند مسيره من يعلمهم بيوم دخوله ليتلقوه ويدخل البلد يوم الإثنين أو الخميس أو السبت لابسا أجمل ملبوسه ويأتي الجامع ويصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة ويأمر بعهده فيقرأ على الناس ويأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم ثم يمضي إلى منزله وينفذ بتسلم ديوان الحكم ممن قبله ثم يخرج في يوم الوعد بأعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم ويسلم على من مر به ثم على من في مجلس ويصلي فيه إن كان مسجدا تحيته وإلا فهو مخير ويجلس على بساط ويسأل الله توفيقه للحق وعصمته من زلل القول والعمل وليكن مجلسه في وسط البلد فسيحا كالجامع والدار الواسعة ولا يتخذ فيه حاجبا ولا بوابا وإن اتخذ كاتبا فليكن مسلما عدلا حافظا عالما يجلس بحيث يشاهد ما يكتبه ويجعل القمطر مختوما بين يديه ويعرض أصحاب القصص ويقدم الأول فالأول ولا يقدمه في أكثر من حكومة واحدة وإن حضروا دفعة وتشاحوا قدم أحدهم بالقرعة إلا المسافر المرتحل فإنه يقدم ويعدل بين الخصمين في الخطة ولفظه ومجلسه ودخولهما عليه إلا للمسلم مع الكافر فإنه يفضل عليه دخولا وأما جلوسا فعلى وجهين ولا يسارر أحدهما ولا يلقنه صحته ولا يضيفه ولا يعلمه الدعوى لكن في تحريرها له إذا لم يحسنه وجهان وما لزم ذكره فيها من شرط عقد أو سبب ونحوه إذا لم يذكره سأله عنه ليتحرر وله أن يذب عنه ويسأل خصمه أن ينظره وفي سؤال الوضع عنه روايتان.

وينبغي أن يحضر مجلسه فقهاء المذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه فإن اتضح له حكم وإلا أخره حتى يتضح ولا يقلد غيره وإن كان أعلم منه ولا يقضي مع الغضب ونحوه مما يشغل فهمه وإن خالف وحكم نفذ حكمه وقيل لا ينفذ وقيل إن عرض ذلك بعد فهم الحكم نفذ وإلا فلا. ولا يحل أن يرتشي ولا يقبل هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له حكومة ويكره البيع والشراء إلا بوكيل لا يعرف به ويستحب له إتيان المرضى والجنائز مالم يشغله عن الحكم ويحضر الولائم كغيره فإن كثرت تركها ولا يجيب قوما دون قوم ولا ينفذ حكمه لنفسه وفي حكمه لمن لا تقبل شهادته له وجهان وإن حكم بينهم بعض خلفائه جاز. وأول ما ينظر فيه أمر المحبوسين فينفذ ثقة يكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه وفي رقعة مفردة ثم ينادي في البلد إن القاضي ينظر في أمر المحبوسين فمن له خصم فليحضر فإذا جلس القاضي لوعده أخرج رقعة1 وقال هذه رقعة فلان فمن خصمه فإن نظر بينهما وإن بان حبسه تعزيزا أو في تهمة خلاه أو أبقاه بقدر ما يرى ومن لم يظهر له خصم وقال حبست ظلما ولا خصم لي نودي بذلك فإن ظهر له خصم وإلا حلفه ثم أطلقه. ثم يسأل عن جهة الأيتام والمجانين والوقوف والوصايا فنظر فيما ليس له منها ناظر معين ولا ينقض من أحكام القاضي قبله إلا ما ينقض من حكم غيره. ومن استعداه على خصم حاضر في البلد أحضره لكن في اعتبار تحرير الدعوى بذلك وجهان إلا أن يكون الحاكم معزولا فيعتبر تحرير الدعوى في حقه

_ 1 في المغني "فيأمر مناديا ينادي في البلد ثلاثة أيام: ألا بأن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر، فإذا حضر ذلك اليوم وحضر الناس ترك الرقاع التي فيها أسماء المحبوسين بين يديه. ومذ يده إليها، فما وقع في يده منها نظر إلى اسم المحبوس الخ"

وفي إحضاره قبل مراسلته وجهان وعنه كل من يخشى بإحضاره ابتذاله إذا بعدت الدعوى عليه في العرف لم يحضر حتى تحرر فيتبين لها أصلا ومن ادعى على امرأة غير برزة لم تحضر وأمرت بالتوكيل فان لزمها يمين أرسل من يحلفها وكذلك المريض ومن ادعى على غائب بموضع لا حاكم فيه أرسل إلى ثقات الموضع للصلح بينهما فإن تعذر قيل المدعي حقق دعواك ثم يحضره قربت المسافة أو بعدت ولا يعتبر لإحضار المرأة البرزة المحرم إذا تعذر نص عليه.

باب طريق الحكم وصفته

باب طريق الحكم وصفته يجوز للحاكم الحكم بالبينة والإقرار في مجلسه وإن لم يسمعه معه أحد نص عليه وقال القاضي لا يحكم بالإقرار في مجلسه حتى يسمعه معه شاهدان وأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه فلا يجوز في الأشهر عنه وعنه جوازه وعنه يجوز إلا في الحدود ويبنى على علمه في عدالة الشهود وجرحهم. وإذا جلس إليه خصمان قال أيكما المدعي وإن سكت حتى يبتدئ جاز فمن سبق بالدعوى قدمه وإن ادعيا معا قدم أحدهما بالقرعة فإذا انتهت حكومته سمع دعوى الآخر. ولا تصح دعوى ولا إنكار إلا من جائز التصرف ولا تصح الدعوى إلا محررة معلومة المدعى إلا ما نصححه مجهولا كالوصية والعبد المطلق قهرا ونحوه فتصح به كذلك ثم إن كان المدعى عينا حاصرة عينها وإن كان غائبا أو في الذمة وصفه بما ينضبط به وذكر إن كان مثليا قدره والأولى مع ذلك ذكر قيمته وإن كان متلفا محلى قومه بغير جنس حليته إلا المحلى بذهب وفضة معا فيقومه بأيهما شاء للحاجة وإن كان نقدا من نقد البلد كفى ذكر قدره وقيل لا بد من وصفه. وإذا ادعى عقد نكاح أو بيع أو غيرهما فلا بد من ذكر شروطه وقيل

لا يشترط ذلك إلا في النكاح وقيل يشترط فيه وفي ملك الإماء خاصة. وإذا ادعت امرأة نكاح رجل لطلب نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها وإن لم تدع سوى النكاح فوجهان. وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى قتل موروثه ذكر كون القاتل منفردا أو مشاركا وكون القتل عمد أو خطأ أو شبه عمد ووصفه. وإذا حرر المدعي دعواه سأل الحاكم خصمه عنها وقيل لا يسأله حتى يسأل المدعي سؤاله والأول أصح فإن أقر حكم له عليه ولا يحكم بإقرار ولا بينة ولا نكول حتى يسأله المدعي الحكم وإن أنكر بان قال لمن ادعى قرضا أو ثمنا ما أقرضني أو ما باعني أو ما يستحق علي شيئا مما ادعاه أولا حق له علي ونحوه صح الجواب ويقول الحاكم للمدعي إن لم يعرف أن هذا موضع البينة إن كان لك بينة فأحضرها فإن أحضرها سمعها وحكم بها. ويعتبر عدالة البينة ظاهرا وباطنا اختاره الخرقي والقاضي وعنه تقبل شهادة كل مسلم لم يظهر للحاكم منه ريبة واختارها أبو بكر فإن جهل إسلام الشاهد رجع إلى قوله وإن جهل حريته حيث يعتبر فوجهان وإن جهل عدالته سأل عنه على الأولى ولم يسأل على الثانية إلا أن يطعن في الخصم ويكفي في تزكيته أن يشهد عدلان أنه عدل رضي ومن ثبتت عدالته مرة لم يلزم البحث عنها مرة أخرى وقيل يلزم مع طول المدة وهو المنصوص عنه. وإذا سأل المدعي قبل التزكية حبس خصمه أو كفيلا به في غير الحد أو تعديل العين المدعاة لئلا تغيب حتى تزكى الشهود أو سأله من أقام بالمال شاهدا حتى يقيم آخر أجيب مدة ثلاثة وقيل لا يجاب. وإن جرح الخصم الشهود كلف البينة وأنظر له ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن لم يأت ببينة حكم عليه ولا يسمع الجرح إلا مبين السبب وعنه يكفي المطلق فالمبين أن يذكر ما يقدح في العدالة عن رؤية أو استفاضة والمطلق أن يقول

هو فاسق أو ليس بعدل وقال القاضي في خلافة هذا هو المبين والمطلق أن يقول الله أعلم به ونحوه. وإذا رتب الحاكم من يسأل في السر عن الشهود لتزكية أو جرح فهل تراعى شروط الشهادة بذلك فيهم أو في المسئولين على وجهين ومن جرحه اثنان فالجرح أولى وإن جرحه واحد وعدله اثنان وقبلناه فتزكية الاثنين أولى منه. وإذا ارتاب الحاكم بشهود لم يخبر قوة ضبطهم ودينهم استحب أن يفرقهم ويسأل كل واحد عن كيفية التحمل وأين ومتى وبأي موضع كان وهل تحمل وحده أو مع غيره فإن اختلفوا لم يقبلها وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم ثم حكم إن ثبتوا. وإذا حاكم من لا يعرف لسانه ترجم له من يعرفه ولا يقبل في الترجمة والتزكية والجرح والتعريف والرسالة إلا قول عدلين وعنه يقبل واحد وتقبل تزكية المرأة وتزكية الأعمى لمن لم يخبره قبل عماه وتزكية الوالد للولد والتزكية بدون لفظ الشهادة على الثانية دون الأولى ويكفي على الأول ترجمة رجل وامرأتين في المال ونحوه دون ما يفتقر إلى رجلين. وإذا قال المدعي مالي بينة أعلمه الحاكم أن له اليمين على خصمه على صفة جوابه فإن سأل إحلافه أحلفه وخلى سبيله ولا يعتد بيمينه قبل مسألة المدعي فإن نكل قضى عليه بالنكول نص عليه فيقول إن حلفت وإلا قضيت عليك ويستحب أن يكرره ثلاثا فإن لم يحلف قضى عليه وسواء كان مأذونا له أو مريضا أو غيرهما ويتخرج أن يحبس حتى يقرأ أو يحلف وقال أبو الخطاب ترد اليمين على المدعي فإذا حلف قضى عليه وإن نكل صرفها وقد صوبه أحمد في رواية أبي طالب فقال ما هو ببعيد أن يحلف ويأخذ يقال له احلف

وخذ ولا يشترط على القول بالرد إذن الناكل فيه على ظاهر كلامه وشرطه أبو الخطاب. ومن بذل منهما اليمين بعد نكوله لم يسمع منه إلا في مجلس آخر بشرط عدم الحكم وإذا قال المدعي مالي بينة ثم أتى بينة لم تسمع نص عليه وقيل تسمع أحلفه أو لم يحلفه كما لو قال مكان مالي ما أعلم لي وإذا قال لي بينة وأريد تحليفه ثم أقام البينة ملكهما إلا إذا كانت حاضرة في مجلس الحكم فلا يملك إلا إقامتها من غير تحليف أو تحليفه من غير أن تسمع البينة بعده وقيل لا يملكها إلا إذا كانت عائبة عن البلد. وإذا سكت المدعي عليه فلم يتكلم أو قال لا أقر ولا أنكر قال له الحاكم إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وقيل يحبس حتى يجيب إلا أن يكون للمدعي بينة فيقضي له بها وجها واحدا وإن قال لي مخرج مما ادعاه فليس بجواب وإن قال لي حساب أريد أن أنظر فيه أنظر ثلاثا وقيل لا يلزم إنظاره. وإن قال إن ادعيت هذا المبلغ ثمن سلعة كذا التي بعتنيها ولم تقبضنيها فنعم وإن ادعيته غير ذلك أجبت وإن ادعيت ألفا مطلقا فلا حق له قبلي أو قال إن ادعيت ألفا على رهن فلاني لي في يدك فلا تستحق على شيئا فقد أجابه. وإن قال بعد ثبوت الدعوى ببينة قضية أو أبرأني أو قاله في جوابها وجعلناه مقرا سئل البينة على ذلك وأنظر لها ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن أتى ببينة وإلا حلف المدعي على بقاء حقه واستحقه فإن نكل قضى عليه بنكوله وصرف وعلى القول بالرد له أن يحلف خصمه فإن أبي قضى عليه بالحق. هذا كله اذا لم ينكر المنكر أولا سبب الحق فأما إن نكره ثم ثبت فادعى

قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه وإن أتى ببينة نص عليه وقيل يسمع بالبينة. ومن ادعى على غائب أو مستتر في البلد أو ميت أو صبي أو مجنون وله بينة سمعت وحكم له بها ويستحلفه الحاكم على بقاء حقه وعنه لا يستحلفه ثم هم بعد الرشد والحضور على حججهم وعندي لا يقضى على الغائب. ومن ادعى على حاضر في البلد غائب عن مجلس الحكم وأتي ببينة لم تسمع الدعوى ولا البينة عليه حتى يحضر وقيل يسمعان ويحكم عليه ونقل أبو طالب يسمعان ولكن لا يحكم عليه حتى يحضر وهو الأصح فإن امتنع من الحضور ألجئ إليه بالشرطة والتنفيذ إلى منزله مرارا وإقعاد من يضيق عليه ببابه في دخوله وخروجه أو ما يراه الحاكم من ذلك فإن أصر على التغيب سمعت البينة وحكم بما عليه قولا واحدا. ومن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله عين أو دين عند فلان فأقر فلان بذلك سلم إلى المدعي نصيبه ويتسلم الحاكم نصيب الغائب وقيل يتركه إذا كان دينا في ذمة غريمه حتى يقدم وحكم الحاكم لا يحيل الشئ عن صفته في الباطن إلا في أمر مختلف فيه قبل الحكم فإنه على روايتين. وإذا رفع إليه حكم حاكم قد اتصل بمختلف فيه لينفذه لزمه تنفيذه وإن كان المختلف فيه نفس الحكم لم يلزمه تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم آخر قبله. وإذا رفع إليه خصمان عقدا فاسدا عنده جائزا عند غيره وأقرا بأن حاكما نافذ الحكم قد حكم بصحته فهو مخير بين أن يلزمهما ما أقرا وبين أن يرده ويحكم فيه بمذهبه ذكره القاضي. ومن حكم بحد أو قود بشهود ثم بانوا عبيدا فله نقضه إذا كان لا يرى قبولهم في ذلك وكذلك كل مختلف فيه صادف ما حكم فيه ولم يعلم به. وإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقضه ويرجع بالمال وبدل

القود المستوفى على المحكوم له وإن كان الحكم لله بإتلاف أو بما سرى إليه ضمنه المذكورون وقيل الحاكم وقيل أيهما شاء المستحق والقود على المزكين وإن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وحده وعنه لا ينقض لفسقهم فلا ضمان. وإذا فعل الحاكم مختلفا فيه كتزويج بلا ولي وشراء عين غائبة ليتيم ونحوه ساغ رده ما لم يتصل به حكم منه أو من غيره. ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فلم يذكره فشهد عدلان بحكمة به قبل شهادتهما وأمضاه وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا قبل شهادتهما ولو وجد حكمه بخطة متيقنا له ولم يذكره نفذه وعنه لا ينفذه حتى يذكره وعنه إن كان في حرزه وحفظه كقمطره ونحوه نفذه وإلا فلا وكذلك الروايات في شهادة الشاهد بناء على خطه إذا لم يذكره. وإذا عزل الحاكم فقال حكمت في ولايتي لفلان على فلان بكذا قبل قوله وحده كما قبل قبل العزل نص عليه ويحتمل أن لا يقبل إلا على وجه الشهادة إذا كان عن إقرار. ومن ادعى أن الحاكم المعزول حكم عليه بشهادة فاسقين عمدا ليغرمه فالقول قول القاضي بلا يمين. ومن كان له عند إنسان حق وتعذر أخذه بالحاكم وقدر له على مال لم يجز له في الباطن أخذه منه نص عليه ويتخرج جوازه بناء على تنفيذ الوصي الوصية مما في يده إذا كتم الورثة بعض التركة فعلى هذا يأخذ من جنس حقه بقدره إن أمكن وإلا فمن غيره بالقيمة متحريا للعدل في ذلك

باب كتاب القاضي إلى القاضي

باب كتاب القاضي إلى القاضي يقبل كتاب القاضي إلى القاضي في كل حق إلا حقوق الله تعالى كحد الزنا وحد القذف إذا غلبنا فيه حق الله تعالى ونحوهما وعنه لا يقبل إلا فيما يقبل

فيه شاهد ويمين ورجل وامرأتان وعنه ما يدل على قبوله إلا في الدماء والحدود. ويقبل فيما حكم به لينفذه وإن كانا في بلد واحد ولا يقبل فيما ثبت عنده ليحكم به إلا أن يكون بينهما مسافة القصر وقيل يقبل إذا لم يمكن الذاهب إليه العود في يومه. ويجوز أن يكتب إلى قاض بعيد وإلى كل من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين. ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به القاضي الكاتب شاهدين يحضرهما فيقرأ عليهما ثم يقول اشهد أن هذا كتابي إلى فلان بن فلان ويدفعه إليهما فإذا وصلا دفعاه إلى المكتوب إليه وقالا نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه بعمله وأشهدنا عليه. وبو كتب كتابا وأدرجه وختمه وقال هذا كتابي إلى فلان اشهدا علي بما فيه لم يصح وعنه ما يدل على الصحة فعلى هذا إن عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه فهل يقبل بمجرد ذلك على وجهين. وإذا وصل الكتاب فأحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته فقال ما أنا بفلان المذكور فيه فالقول قوله مع يمينه ما لم تقم بينة بذلك فإن ثبت ذلك ببينة أو إقرار فقال المحكوم عليه غيري وهو مثلي نسبا وصفة لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك فيتوقف حتى يعلم الخصم منهما. ولو كان الكتاب في عبد أو حيوان بالصفة ولم يثبت له مشارك في صفته سلم إلى المدعي مختوم العنق وأخذ منه كفيل يأتي به إلى القاضي الكاتب فيشهد الشهود على عينه ويقضي له به ويكتب له كتابا آخر ليبرأ كفيله. وحتى تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به وقدح فيما ثبت عنده ليحكم به وإن تغيرت

حال المكتوب إليه فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به وكذلك إن لم تتغير حاله ووصل إلى غيره ذكره القاضي. وإذا حكم عليه فقال له اشهد لي عليك بما جرى حتى لا يحكم علي القاضي الكاتب لزمه ذلك. وكل من ثبت له عند حاكم حق أو ثبتت براءته مثل إن أنكر وحلفه الحاكم فسأله أن يشهد له بما جرى عنده من براءة أو ثبوت مجرد إو متصل بحكم وتنفيذ أو سأله أن يحكم له بما ثبت عنده لزمه إجابته وقيل إن ثبت حقه ببينة لم تلزمه الإجابة وإن سأل مع الإشهاد بذلك كتابته وأتاه بكاغد أو كان من بيت المال كاغد كذلك فهل تلزمه الكتابة على وجهين. ويسمى ما تضمن الحكم بالبينة سجلا وما سواه محضرا ويجعل السجل نسختين نسخة يدفعها إليه ونسخة يحبسها عنده. وصفة المحضر "بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي فلان ابن فلان الفلاني قاضي عبد الله الإمام فلان على كذا". وإن كان نائبا كتب "خليفة القاضي فلان قاضي عبد الله الإمام فلان في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا مدع ذكر أنه فلان بن فلان وأحضر معه مدعي عليه ذكر أنه فلان بن فلان فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر معه فقال القاضي للمدعي ألك بينة قال نعم فأحضرها وسألها سماعها ففعل أو فأنكر ولم يقم للمدعي بينة وسأل إحلافه فأحلفه وإن نكل عن اليمين ذكر ذلك وأنه حكم عليه بالنكول وإن رد اليمين فحلفه حكى ذلك وسأله أن يكتب له محضرا بما جرى فأجابه إليه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم في الإقرار وجرى الأمر على ذلك" وفي البينة "شهدا عندي بذلك". وإما السجل فهو لإنفاذ ما ثبت عنده والحكم به وصفته أن يكتب "هذا.

ما أشهد عليه القاضي فلان بن فلان كما قدمنا من حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما بمحضر من خصمين ويذكرهما إن كلنا معروفين وإلا قال مدع ومدعي عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر معرفة فلان بن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز أمر بجميع ما سمي ووصف في كتاب نسخته كذا وينسخ الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفا حرفا فاذا ضاع منه قال وأن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن سأله ذلك والإشهاد به الخصم المدعي ويذكر اسمه ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل نسختين متساويتين تخلد نسخة بديوان الحكم ونسخة تدفع إلى من كتب له وكل واحدة منهما حجة بما أنفذه فيهما". ولو كتب كما قدمنا لكنه لم يذكر بمحضر من خصمين ساغ ذلك لجواز القضاء على الغائب ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في كل أسبوع أو شهر على حسبها قلة وكثرة فإنه يضم بعضها إلى بعض وتكتب أو سجلات كذا من وقت كذا. وإذا أخبر قاض قاضيا في غير عملهما أو في عمل أحدهما بحكم أو ثبوت لم يعمل به بحال إلا أن يخبر في عمله قاضيا في غير عمله ويجيز له الحكم بعلمه فيعمل به إذا بلغ عمله وقيل يقبل إخباره على الإطلاق كإخباره معزولا على أصلنا.

باب القسمة

باب القسمة لا يجوز قسمة الأملاك التي لا تنقسم إلا بضرر أو رد عوض إلا بتراضي الشركاء مثل الحمام والدور الصغار والأرض التي لا تتعدل بأجر ولا قيمة لبناء أو بئر في بعضها ونحو ذلك وهذه القسمة في حكم البيع لا يجوز فيها إلا ما يجوز فيه. فأما مالا ضرر فيه ولا رد عوض في قسمته كالقرية والبستان أو الدار الكبيرة والأرض أو الدكان الواسعة والمكيل والموزون من جنس من مثل الدبس وخل التمر وخل العنب والأدهان والألبان ونحوها إذا طلب الشريك قسمته أجبر الآخر عليها وهذه القسمة إقرار لا بيع في ظاهر المذهب فيجوز قسمة الوقف من ذلك وما بعضه وقف. ويجوز قسمة ثمر الشجر الذي يخرص خرصا وقسمة ما يؤكل وزنا وما يوزن كيلا وأن يتفرقا في قسمة ذلك قبل القبض. وإذا حلف لا يبيع فقسم لم يحنث وحكي عن ابن بطة كونها كالبيع فتنعكس هذه الأحكام وعلى الوجهين تفسخ بالعيب ولا توجب الشفعة وما بعضه وقف ولا تتعدل إلا برد عوض من أهل الوقف فتجوز قسمته بالتراضي على الأصح وإن كان الرد من رب المطلق لم يجز قسمته بحال. والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها في ظاهر كلامه وظاهر قول الخرقي أنه عدم النفع به مقسوما. وإن تضرر أحد الشريكين وحده كرب الثلث مع رب الثلثين بأن طلب المتضرر القسمة أجبر الآخر وإلا فلا إجبار وعنه أيهما طلب لم يجبر الآخر وحكى عن القاضي عكس الأولى. وما تلاصق من الدور والعقار والخانات فهو كالمتفرق.

ويعتبر الضرر وعدمه في كل عين منه مفردة لا في مجموعة. ومن كان بينهما عبيدا أو بهائم أو ثياب ونحوها من جنس واحد فطلب أحدهما قسمتها أعيانا بالقيمة أجبر الآخر نص عليه وقيل لا يجبر كمختلف الجنس. وإذا كان بينهما حائط أو عرصة حائط فقيل لا إجبار في قسمتها بحال وهو الأصح وقال القاضي إن طلب قسمة طولهما في كمال العرض إو طلب قسمة العرصة عرضا وكانت تسع حائطين أجبر الممتنع وإلا فلا وقال أبو الخطاب في الحائط كالأول وفي العرصة كالثاني وقيل لا إجبار فيهما إلا في قسمة العرصة طولا كما في كمال العرض خاصة. وإذا كان بينهما دار ذات سفل وعلو فطلب أحدهما جعل السفل لواحد والعلو للآخر لم يجبر الممتنع. وإذا كان بينهما منافع واقتسماها بالزمان أو المكان جاز ولزم العقد إذا كانت إلى مدة معلومة وإلا فهو جائز عندي وقيل هو جائز غير لازم بكل حال وإذا امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع وعنه ما يدل على أنه يجبر وعندي يجبر في القسمة بالمكان إذا لم يكن فيه ضرر ولا يجبر بقسمة الزمان. وإذا كان بينهما أرض فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمتها دون الزرع قسمت كالخالية منه وإن طلب قسمة الزرع دونها أو قسمتهما لم يجبر الممتنع فإن تراضيا عليه والزرع قصيل أو قطين جاز وإن كان بذرا أو سنبلا مشتد الحب لم تجز القسمة وقيل تجوز وإذا قسما مع الأرض وأجازه القاضي في السنبل مع الأرض دون البذر. فإذا كان بينهما نهر أو قناة أو عين ماء فالماء بينهما على ماشرطا عند استخراج ذلك والنفقة عند الحاجة على قدر الحقين فإن رضيا بقسمته مهايأه بالزمان أو بأن ينصب حجر مستو أو خشبة في مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حقيهما جاز فإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا لا شرب لها من هذا الماء لم يمنع وقيل

يمنع ويحتمل إذا قلنا الماء لا يملك بملك أرضه أن ينتفع كل واحد منهما بقدر حاجته. ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم وبقاسم ينصبونه أو يسألون الحاكم نصبه وتكون الأجرة على قدر الأملاك نص عليه وقيل على عدد الملاك. ومن شرط من ينصب أن يكون عدلا عارفا بالقسمة وإن كان عبدا ولا بد من قاسمين إن كان في القسمة تقويم وإلا كفى واحد وقيل يكفي الواحد مطلقا. ويعدل القاسم السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد إن اقتضته وإذا تمت القرعة لزمت القسمة وقيل لا تلزم فيما فيه رد حتى يرضيا به بعد القرعة وكيفما أقرع جاز لكن الأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق شمع أو طين متساوية قدرا ووزنا وتطرح في حجر رجل واحد لم يحضر ذلك ويقال له أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج سهمه كان له ثم الثاني كذلك فالسهم الباقي للثالث إذا كانوا ثلاثة واستوت أسهمهم ولو كتب اسم كل سهم في رقعة ثم قال أخرج بندقة لفلان وبندقة لفلان وبندقة لفلان جاز ولو كانت السهام الثلاثة مختلفة كنصف وثلث وسدس جزأ المقسوم ستة أجزاء وأخرج الأسماء على السهام لا غير فيكتب باسم رب النصف ثلاث رقاع ولرب الثلث وقعتين ولرب السدس رقعة ثم يخرج بندقة على أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع الثاني والثالث وإن خرج عليه اسم رب الثلث أخذه مع الثاني ثم يقرع بين الآخرين كذلك والباقي للثالث. ومن ادعى غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على رضاهم به لم يلتفت إليه وإن كان فيما قسمة قاسم الحاكم فالقول قول المنكر إلا أن يكون للمدعي

بينة وإن كان فيما قسمة قاسم نصبوه وكان فيما شرطا فيه الرضا بعد القرعة لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم. وإذا تقاسما ثم استحق من الحصتين شيء معين فالقسمة بحال في الباقي. وإن كان في إحداهما بطلت وإن كان شائعا فيهما أو في إحداهما بطلت أيضا وقيل لا تبطل في غير المستحق وقيل بالبطلان للإشاعة في إحداهما خاصة. وإذا اقتسم الورثة العقار ثم ظهر دين على الميت لم تبطل القسمة إلا أن نقول القسمة بيع فيكون كبيع التركة قبل قضاء الدين وفي صحته روايتان أصحهما الصحة. وإذا اقتسما دارا فحصل الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة وإن كان لها ظلة فوقعت في حصة أحدهما فهي له بمطلق العقد. وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذلك في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة ويقسم الحاكم على الغائب في قسمة الإجبار

باب الدعاوي والأيمان فيها

باب الدعاوي والأيمان فيها المدعي من إذا سكت ترك والمدعي عليه من إذا سكت لم يترك ويختص اليمين المدعي عليه دون المدعي إلا في القسامة ودعاوي الأمناء المقبولة وحيث يحكم باليمين مع الشاهد أو نقول بردها. فإذا تداعيا عينا في يد أحدهما فهي له مع يمينه بذلك إلا إن أقام له بينة فلا يحلف وإن كانت بأيديهما فهي بينهما مع تحالفهما إلا أن يدعي أحدهما نصفها فما دونه والآخر أكثر من بقيتها أو كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه فإن تداعياها وهي بيد ثالث فأقر بها لأحدهما بعينه فهي له مع يمينه ثم يحلف المقر للآخر على الأصح فإن نكل لزمه له عوضها وإن قال هي لأحدهما لا أعلم عينه فصدقاه في عدم العلم لم يحلف وإن كذباه أو أحدهما لزمه يمين واحدة بذلك ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه ولهما فعل

القرعة قبل تحليفه حيث يجب وبعده إلا إذا نكل عن يمينه فيتعين تقديمها. ومتى قدمت لم يبق عليه حلف إلا للمقروع خاصة بشرط تكذيبه له فإن نكل عنه حينئذ لزمه له القيمة. ولو جحدها الحالف فالقول قوله وعليه لكل واحد يمين فإن نكل لزمه لهما العين وعوضها يقترعان عليهما ويحتمل أن يتقسماها كالناكل الفذ لهما. ومن ادعى عليه عين في يده ولا بينة فأقر بها لصبي أو مجنون أو غائب أقرت له في يده وأحلفه المدعي أنه لا يستحق تسليمها إليه فإن نكل لزمه له عوضها إن كان المدعي واحدا وإن كان اثنين تداعياها لزمه لهما عوضان إلا أن يقيم بينة أنها لمن سماه فلا يحلف. وإن أقر بها لحاضر مكلف فصدقه فهو كأحد المتداعيين على ثالث إذا أقر له الثالث على ما سبق وإن قال المقر له ليست لي ولا أعلم لمن هي أو قال ذلك رب اليد ابتداء أعطيها المدعي الواحد والاثنان يقترعان عليها وقيل لا تعطى بغير بينة بل تجعل عند أمين الحاكم وقيل تقر في يد رب اليد وهو المذهب. وعلى هذين الوجهين يحلف المدعي فإن عاد فادعاها لنفسه أو لثالث سمع على الوجه الثالث دون الأوليين وإن أقر بها لمجهول قيل له عرفه وإلا جعلت ناكلا عن الجواب فإن عاد فادعاها لنفسه فهل تسمع على وجهين. وإذا تداعيا عينا ليست في يد أحد قسمت بينهما كالتي بأيديهما وقيل هي لأحدهما بالقرعة كالتي بيد ثالث. وإذا تداعيا حيوانا أحدهما آخذ بزمامه والآخر راكبه أو عليه حمله أو قميصا أحدهما آخذ بكمه والآخر لابسه فهو للثاني. وإن نازع صاحب الدار خياطا فيها في إبرة أو مقص أو قرابا في قربة فهي للخياط أو للقراب. وإن تنازعا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر فهي له.

وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع وله شكل منصوب في الدار فهر لربها وإلا فهو لهما. وإن تنازع الزوجان أو ورثتهما في قماش البيت فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن فللمرأة وما يصلح لهما فبينهما حرين كانا أو رقيقين أو أحدهما نص عليه. وكذلك إن اختلف صانعان في آلة وكان لهما حكم بآلة كل صنعة لصانعها في ظاهر كلامه وقيل إن كانت أيديهما عليه من طريق الحكم فكذلك وإن كانت اليد المشاهدة عليه منهما أو من أحدهما اعتبرت بكل حال. ومن توجه عليه الحلف لحق جماعة فبذل يمينا واحدة لهم فرضوا جاز وإن أبوا حلف لكل واحدا يمينا ويحلف الإنسان على الميت في الإثبات والنفي إلا لنفي فعل غيره أو لنفي الدعوى على الغير فيحلف على نفي العلم وعنه في البائع يحلف لنفي عيب السلعة على العلم وعنه يمين النفي على العلم في كل شيء. ومن لزمته يمين أجزأ أن يحلفه الحاكم بالله تعالى وحده. وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب فالزمان أن يحلفه

_ قوله: "وإن غلظها بزمان أو مكان أو لفظ جاز ولم يستحب". وهذا اختيار القاضي وغيره وقطع به في المستوعب وغيره واختار أبو الخطاب الاستحباب كمذهب الشافعي. وذكر الشيخ تقي الدين أن أحد الأقسام معنى الأقوال أنه يستحب إذا رآه الإمام مصلحة. وقال ابن هبيرة واختلفوا في تغليظ الزمان والمكان فقال مالك والشافعي تغلظ وعند أبي حنيفة لا تغلظ وعن الإمام أحمد روايتين كالمذهبين.

بعد العصر أو بين الأذان والإقامة والمكان بمكة بين الركن والمقام وببيت المقدس عند الصخرة وبسائر البلاد عند منبر الجامع وأهل الذمة بالمواضع التي يعظمونها.

_ واختار الشيخ موفق الدين أن تركه أولى إلا في موضع ورد الشرع به وصح وقدم في الرعاية الكراهة. واختار أبو بكر التغليظ في حق أهل الذمة فقط. واختار الخرقي التغليظ في حق الكافر في المكان واللفظ. فهذه نحو ثمانية أقوال في المسألة ولم أجد في وجوبه خلافا في المذهب. فأما البينة فإنها تكون بموضع الدعوى ولا تغلظ بمكان ولا زمان ولا لفظ ذكره القاضي محل وفاق قاس عليه وسلم له. قوله: "وبيت المقدس عند الصخرة". كذا ذكر غيره وكأن ذلك إما لورود آثار لا يحتج بمثلها تدل على فضيلتها وبعضها مذكور في فضائل الشام وإما لأن العامة يعتقدون فيها ويعظمونها وهذان الأمران فيهما نظر أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن اليمين لا تغلظ باعتقاد العامة كما لا تغلظ عند قبر بعض المشايخ أو بعض الشجر ونحو ذلك. بأن له عند العامة عظمة واعتقاد وحظ وافر على أن كان يلزم تخصيص المسألة بالعامة لئلا يلزم أن يكون الدليل أخص وهذا يدل على إرادتهم المعنى الأول وهو غير صالح للحجة لضعف تلك الآثار وعدم وجوب الرجوع إلى قائلها وهو وهب وكعب ونحوهما. قال الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم بعد ذكره هذه المسألة ليس لها أصل في كلام الإمام أحمد ونحوه من الأئمة بل السنة أن تغلظ اليمين

واللفط أن يقول "والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" ونحوه ويقول اليهودي "والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه" ويقول النصراني "والله الذي أنزل الأنجيل على عيسى وجعله يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص" ويحلف المجوسي بالله الذي خلقه وصوره ورزقه. وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبى التعظيم لم يكن ناكلا.

_ فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ونحو ذلك. قوله: "ويقول النصراني إلى آخره". قال بعض الأصحاب تغليظ اليمين بذلك في حقهم فيه نظر لأن أكثرهم إنما يعتقد أن عيسى ابنا لله. قوله: "ويحلف المجوسي إلى آخره". لأنه يعظم خالقه ورازقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه من الأنوار وغيرها وفي تعليق أبي إسحاق بن شاقلا عن أبي بكر بن جعفر أنه قال ويحلف المجوسي فيقال له قل والنور والظلمة. قال القاضي هذا غير ممتنع أن يحلفوا بها وإن كانت مخلوقة كما يحلفون في المواضع التي يعظمونها وإن كانت مواضع يعصى الله فيها كالبيع والكنائس وبيت النار. قوله: "وإن بذل الحالف اليمين بالله وأبي التعظيم لم يكن ناكلا". لأنه قد بذل الواجب عليه فيجب الاكتفاء به ويحرم التعرض له وفيه نظر لجواز أن يقال يجب التغليط إذا رآه الحاكم وطلبه وقد ذكر

ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى.

_ القاضي في الجواب عن تغليظ الصحابة أنه روى عن زيد خلاف ذلك لأنه خاصم إلى مروان فتوجهت عليه اليمين فقال له زيد تحلف عند المنبر فقال زيد أحلف ههنا قال مروان لا بل عند المنبر فوزن المال قال القاضي ولو كان التغليظ واجبا أو منسوبا لم يجز أن يمتنع من الإجابة بعد أن دعا إليه انتهى كلامه. وهذا يدل على أنه لا يجوز الامتناع منه إذا رآه الحاكم وعلى هذا يكون بامتناعه منه ناكلا عما يجب عليه فيكون كالنكول عن اليمين. قال الشيخ تقي الدين قصة مروان تدل على أن القاضي إذا رأى التغليظ فامتنع من الإجابة أدى ما ادعى به عليه ولو لم يكن كذلك ما كان في التغليظ زجر قط. وهذا الذي قاله صحيح والردع والزجر علة التغليظ كما ذكره جماعة من أصحابنا وغيرهم فلو لم يجب برأي الإمام لتمكن كل أحد من الامتناع منه لعدم الضرر عليه في ذلك وانتفت فائدته. وقال أيضا متى قلنا هو مستحب للإمام فينبغي أنه إذا امتنع منه الخصم صار ناكلا. قوله: "ولا يستحلف في العبادات ولا في حدود الله تعالى". وعند الشافعي وأبي يوسف يستحلف في الزكاة ونحوها لأنها دعوى مسموعة يتعلق بها حق آدمي أشبه حق الآدمي واختاره ابن حمدان في الزكاة. ووجه قولنا أنه حق له أشبه الصلاة والحد. ولو ادعى عليه أن عليه كفارة أو نذرا أو صدقة أو غيرها فكذلك. قال الشيخ موفق الدين لا تسمع الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى

_ لأنه حق للمدعى فيه ولا ولاية له عليه ولا تسمع منه دعواه كما لو ادعى حقا لغيره من غير إذنه ولا ولاية وكذا ذكره ابن الزاغوني وغيره. وذكر القاضي الحدود محل وفاق وأنه لا يصح دعواها ولا يجب سماعها ولا يسأل المدعى عليه عن الجواب عنها لكن قال شهادة الشهود دعوى منهم. وذكر أيضا في موضع آخر أن الزنا والشرب ونحوه لا يسمع الاستعداء فيه والإعداء فيه وتسمع الشهادة به. وذكر الشيخ موفق الدين في موضع آخر أن ما كان حقا لله كالحدود والزكاة والكفارة لا تفتقر الشهادة به إلى تقدم دعوى. قال وكذلك مالا يتعلق به حق أحد كتحريم الزوجة أو إعتاق الرقيق يجوز الحسبة به ولا يعتبر به دعوى قال فإن تضمنت دعواه حقا مثل أن يدعى سرقة ماله لتضمين السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله وكذا ذكره ابن عقيل فإن حلف برىء وإن نكل قضى عليه بالمال دون القطع. وقال الشيخ تقي الدين فأما حقوق الله تعالى إذا تعلق بها حق آدمي معين أو غير معين على الفرق بين الزكاة وغيرها مثل أن يدعى على من يطلب ولاية المال أو النكاح أو الحضانة أنه فاسق فينكر ذلك فيحلف فإن مضمون اليمين الحلف على استحقاق الولاية أو على نفي ما يدفعها وهو بمنزلة أن يدعى على الحاضنة أنها تزوجت فتنكر أو تدعى على الولي أن ثم وليا أقرب منه وكذا لو ادعى القريب الإرث فقيل إنه رقيق فهل يحلف على نفي الرق كما يحلف لو ادعاه مدع وكذلك لو تعلق بصلاته وصيامه حق الغير مثل تعليق طلاق أو عتق به ونحو ذلك فهل يحلف على فعل ذلك لكن

_ هذا الحق المتعلق به ليس له ولاء عليه فهو أمين محض بخلاف ما إذا كان الحق له أو عليه وكذلك إذا ادعى المشهود عليه فسق الشاهد مفسرا أو مطلقا فهل له أن يحلفه على نفي ذلك السبب أو على نفي الفسق وكذلك إذا ادعى في الشاهد ما يوجب رد الشهادة من قرابة أو عداوة أو تبرع أو صداقة ملاطفة على القول بها وأنكر الشاهد ذلك فهل له أن يحلف الشاهد على نفي ذلك. وسواء كان الشاهد مزكيا أو جارحا لشاهد أو وال فادعى عليه تهمة توجب رد التزكية والجرح أو شاهد بغير صفة الشاهد والوالي. ولا يقال الشاهد لا يحلف فإنما ذلك إذا ثبت ما يوجب قبول شهادته. لكن يقال لا بد أن يعلم الحاكم ما يقبل معه في الظاهر ثم الشأن في وجود المعارض في الباطن أو فوات بعض الشروط في الباطن وإن لم يحلف الشاهد فهل يحلف المشهود له بأنه لا يعلم هذا القادح؟ وهذا متوجه إذا استحلفناه على ما شهد به في إحدى الروايتين التي قضى بها علي رضي الله عنه وابن أبي ليلى. واليمين على حق الله المتعلق بها حق آدمي لها أصل في الشريعة وهو اللعان فإن دعوى الزنا دعوى ما يوجب الحد1 والقياس أن لا يمين فيها لكن شرعت إذا ادعاه الزوج لأن له حقا في ذلك وهو إفساد فراشه وإفساد العارية2 كما أقيمت يمينه مقام شهادة غيره في درء الحد عنه. وهكذا دعوى السرقة لا يحلفه على ما ينفي القطع لكن على ما ينفي استحقاق

ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي إلا عشرة أشياء النكاح والطلاق والرجعة والإيلاء وأصل الرق والولاء والاستيلاد والنسب والقود والقذف وعنه يستحلف في الطلاق نحو الإيلاء والقود والقذف دون الستة الباقية وعنه يستحلف إلا فيما لا يقضي فيه بالنكول.

_ المال فينبغي أن يحلف أنه ما أخذ المال لا أنه ما سرق بخلاف القصاص وحد القذف وأما اليمين في المحاربة1. فصل ومما ينبغي أن يلاحظ الفرق بين اليمين في نفس كونه شهادة وفي صفته مثل أن يدعى المشهود عليه أن المال للشاهد أو أنه شريك وأنه جار بهذه الشهادة أو دافع بها فإن حقيقة الأمر أن يقول له لست بشاهد بل خصم مدع أو مدعى عليه فهنا يقوى تحليفه بخلاف الدعوى في صفته وحاله بعد تسليم أنه شاهد محض. قوله: "ويستحلف المنكر في كل حق لآدمي". للأخبار المشهورة في ذلك وكلامه يصدق على ما إذا علم صاحب الحق كذب الحالف. قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور إذا كان يعلم أن عنده مالا لا يؤدى إليه حقه فإن أحلفه أرجو أن لا يأثم. قال القاضي وظاهر هذا أن له أن يحلفه مع علمه بكذبه. وقال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أن تحليف البريء حرام دون الظالم. وقال أيضا إن هذه الرواية تدل على الجواز.

قال في رواية ابن القاسم لا أرى اليمين في النكاح ولا في الطلاق ولا في الحدود لأنه إن نكل لم أقتله ولم أحد ولم أدفع المرأة إلى زوجها. وظاهر قول الخرقي هو يستحلف فيما عدا القود والنكاح وعنه ما يدل على أنه يستحلف في الكل وإن أحلفنا في ذلك قضينا فيه بالنكول إلا في قود النفس خاصة وعنه لا يقضى بالنكول إلا في الأموال خاصة. وكل جناية لم يثبت قودها بالنكول فهل يلزم الناكل ديتها على روايتين. وكل ناكل قلنا لا يقضي عليه فهل يخلى أو يحبس حتى يقرأ أو يحلف على وجهين.

باب تعارض البينات واختلافها

باب تعارض البينات واختلافها إذا تداعيا عينا فأيهما أقام بينة حكم له بها وإن أقاما ببينتين والعين بأيديهما أو بيد ثالث قد أنكرهما أو أقر لهما أو لأحدهما لا بعينه أو لم تكن بيد أحد

_ وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب الكراهة وهي مكتوبة في الفصل عقب مسألة أن أداء الشهادة فرض عين. وقال في رواية الميموني في المعسر يتركه حتى يوسر ولا يجوز أن يحلف المعسر أن لا حق له عليه وهو ينوي في الحال لأجل أنه معسر نص عليه في رواية الجماعة وقال عن قوله تعالى: [280:2] {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} قال إنما نزلت هذه الآية في الأنصار. فصل قال في المغني وإن ادعى على شاهدين أنهما شهدا عليه بزور أحضرهما فإن اعترفا أغرمهما وإن أنكرا وللمدعي بينة على إقرارهما بذلك فأقامها لزمهما ذلك وإن أنكرا لم يستحلفا لأن إحلافهما بطرق عليهما الدعاوى

تعارضت البينتان فتسقطان بالتعارض وتصيران كمن لا بينة لهما على ما تقدم وعنه تستعملان بأن يقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذ العين وعنه تستعملان بقسمة العين بينهما بغير يمين ولا يرجح أكثرهما عددا ولا الرجلان على رجل وامرأتين وفي ترجيح أعدلهما والشاهدين على شاهد ويمين وجهان. وإن شهدت بينة بالملك وسببه وبينه بالملك وحده أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة وبينه الآخر بالملك له منذ شهر فهما سواء وعنه تقدم ذات السبب والسبق وعنه لا تقدم إلا بالسبق أو بسبب يفيده كالنتاج والإقطاع فأما سبب الإرث أو الهبة أو الشراء ونحوها فلا. فعلى هاتين إن شهدت بينة بالملك منذ سنة وأطلقت الأخرى فهل هما سواء أو تقدم المطلقة على وجهين.

_ والشهادة والامتهان وربما منع ذلك إقامة الشهادة وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا انتهى. وظاهر كلامه في المحرر وغيره من الأصحاب أنه يستحلف في هذا ويقضي عليه بالنكول لظاهر الأخبار وكسائر حقوق الآدمي وإحلافهما ليس سببا لتطرق الدعاوى عليهما وإن كان فليس هو مانعا من الاستحلاف كما أنه ليس مانعا من إحضارهما مع أن فيه امتهانا ونحوه وهو سبب في تطرق الدعاوى. وسيأتي بعد قوله إنه لا يحل كتمان الشهادة أنه هل تصح الدعوى بالشهادة؟ فصل فإن كان الحق لآدمي معين لم تسمع الشهادة فيه إلا بعد الدعوى ذكره في المغني وغيره لأن الشهادة فيه حق لآدمي فلا تستوفى إلا بمطالبته وإذنه ولأنه حجة على الدعوى ودليل لها فلا يجوز تقديمها عليها انتهى كلامه.

وإن أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من زيد وهي ملكه والآخر بينه أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه تعارضتا إلا أن يؤرخا فيكون في تقديم الأسبق تاريخا الروايتان. وإذا تداعيا ثمن عين بيد ثالث كل منهما يدعي أنه باعها منه بثمن فصدقهما لزمه الثمنان لها وإن أنكرهما فالقول قوله مع يمينه وإن صدق أحدهما أو شهدت له ببينة أخذ منه ما ادعاه وحلف للآخر. وإن أقاما بينتين وهو منكر وأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما عمل بهما وقيل إذا لم يؤرخا أو أحدهما تعارضتا كما لو اتحد

_ وقد قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل ادعى على رجل ألف درهم فأقام شاهدا بألف ثم جاء آخر فشهد له بألف وخمسمائة فقال تجوز شهادتهم على الألف وذكره عن شريح وظاهره أنه لا تسمع شهادته في الزائد لعدم دعواه. وقد ذكر الأصحاب أن من كانت عنده شهادة لآدمي لا يعلمها له إقامتها قبل إعلامه بها لقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" رواه مسلم ولا يستلزم هذا جواز الشهادة قبل الدعوى. وذكر القاضي في التعليق أن الشهود لو شهدوا بحق قبل دعوى المدعي قبلت شهادتهم إن شهدوا بما لا يعلمه صاحب الحق وإن شهدوا بما يعلمه قبل أن يدعيه لم تقبل وفرق بينه وبين اليمين أنه لو لم تسمع الشهادة أدى إلى ضياع حقه لأنه غير عالم به فيطالب به بخلاف اليمين فإن الامتناع من سماعها بعد حضوره لا يؤدى إلى إسقاطها لأنه حق له وهو عالم به ولأن الشهود إذا علموا بالحق لزمهم إقامة الشهادة لأن في الامتناع كتمانها ولا يجوز أن يلزمهم إقامتها ولا تسميعها للحاكم.

تاريخهما والحكم على ما سبق من تساقط أو قسمة أو قرعة. وإن قال أحدهما غصبني إياها وقال الآخر ملكنيها أو أقر لي بها فهي لمن شهد بالغصب منه ولا يغرم رب اليد الآخر شيئا. وإذا تدعيا عينا بيد أحدهما وأقام كل واحد بينة أنها له قضى للخارج ببينته وتلغو بينة الداخل في المشهور عنه وعنه بالعكس وعنه يقضى ببينة الخارج إلا أن تختص بينة الداخل بسبب الملك أو ببيعه فيقضى بها وعنه عكسه يقضى ببينة الداخل إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فيقضى بها. وعلى هاتين الروايتين هل يكفي مطلق السبب أو يشترط إفادته للسبق على روايتين. فإن شهدت بينة أحدهما أنها ملكه وبينة الآخر أنه أشتراها منه أو اتهبها منه أو وقفها عليه قدمت بينته داخلا كان أو خارجا.

_ قال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلام القاضي هذا وهذا الذي قاله القاضي من صحة الشهادة قبل الدعوى غريب انتهى كلامه. وذكر القاضي في مسألة شهادة المرأة الواحدة أن الشهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة وتقدم الدعوى بخلاف الرواية مما يدل على أنه محل وفاق. وذكر أيضا في مسألة الشاهد واليمين إذا رجع الشاهد أن اليمين لا تصح حتى يطلب المدعي إحلافه وتصح الشهادة من غير سؤال جعله محل وفاق مع الشافعية قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن اليمين حق للمدعى فلا تستوفى من غير مطالبة والشهادة وإن كانت حقا له فقد لا يعلم بها المدعي فيلزم الشاهد إقامتها. وعلى هذا المعنى حديث زيد بن ثابت "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها" وروى "يخبر بشهادته ولا يعلم

وكذلك من أقام بينة أن هذه الدار تركة عن أبيه وأقامت أمة بينة أن أباه أصدقها الدار فهي المرأة. وإذا أقام كل واحد من الداخل والخارج البينة أنه اشتراها من الآخر فقيل هو على الروايتين في المطلقتين وقال القاضي تقدم هنا بينة الداخل وقيل يتعارضان. وإذا تداعيا عينا بيد ثالث أنكرهما ولهما بينتان ثم أقر لأحدهما بعينه قبل إقامة البينتين فالمقر له كالداخل والآخر كالخارج فيما ذكرنا وإن أقر له بعد إقامة البينتين فحكم التعارض بحاله وإقراره باطل على رواية الاستعمال صحيح مسموع على رواية التساقط. ومن ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى آخر كذلك أو ادعى العبد العتق وأقاما بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا

_ بها التي هي له" وذكر أن اليمين لا تصح حتى يعرضها الحاكم ويأذن فيها وتصح الشهادة من غير عرض الحاكم وإذنه ذكره محل وفاق قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن الحاكم يستحلفه على نيته ليمنعه من التأويل فإذا حلف قبل أن يستحلفه عدم هذا المعنى وهذا معدوم في الشهود فلهذا لم يعتبر عرض الحاكم عليهم ولأن في ترك الاعتداد بيمينه قبل عرض الحاكم ضربا من التغليظ انتهى كلامه. وقال في المغني في الشهادات في فصل إذا شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا رجلا ثم شهد المشهود عليهما على الأولين أنهما اللذان قتلا قال فإن قيل فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم قلنا يتصور أن يشهدا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي من قتله ولهذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه. قال: "خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" وهذا معنى ذلك انتهى كلامه.

تعارضتا فتساقطتا أو يقسم أو يقرع كما سبق وعنه تقدم بينة العتق. ولو كان العبد بيد أحد المتداعين أو بيد نفسه فالحكم كذلك إلغاء لهذه اليد للعلم بمستندها نص عليه واختاره أبو بكر وعنه أنها يد معتبرة فلا تعارض بل الحكم على الخلاف في الداخل والخارج. وإدا ادعى رجل نصف دار وآخر كلها وهي بأيديهما وأقاما بينتين فهي لمدعى الكل إن قدمنا بينة الخارج وإلا فهي بينهما وإن كانت بيد ثالث فقد ثبت أحد نصفيها لمدعى الكل وأما الآخر فهل يقتسمانه أو يقترعان عليه أو يكون للثالث مع يمينه على روايات التعارض. ومن مات وله ابنان مسلم وكافر فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه فالقول قول من يدعى أصل دينه إن عرف رواية واحدة وإن لم يعرف فالميراث للكافر إن اعترف بأخوته1 المسلم وإن لم يعترف فهو بينهما وعنه هو بينهما في الحالين رواهما ابن منصور وقيل يقترعان عليه.

_ وذكر أبو الخطاب في الانتصار مثل هذا في قبول شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال. وقال في الكافي في أول باب اختلاف الشهود إذا ادعى ألفين على رجل فشهد شاهد بها وشهد له آخر بألف ثبت الألف بشهادتهما لاتفاقهما ويحلف مع شاهده على الألف الأخرى لأن له به شاهدا وسواء شهدت البينة بإقرار الخصم أو بثبوت الحق عليه وسواء ادعى ألفا أو أقل منه لأنه يجوز أن يكون له الحق فيدعى بعضه ويجوز أن لا يعلم أن له من يشهد بجميعه انتهى كلامه.

ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام وبينة أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تعارضتا سواء عرف أصل دينه أو لم يعرف فتسقطان أو تستعملان بقسمة أو قرعة كما تقرر. وإن قالت بينة مات مسلما وبينة مات كافرا أو قالت بينة تعرفه مسلما وبينة تعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم فعن أحمد ما يدل على تقديم

_ فهذه ثلاثة أقوال أحدها المنع إلا بعد الدعوى والثاني الجواز إذا لم يعلم صاحبه وينبغي على هذا أن يصدق صاحبه في عدم العلم إذا لم تخالفه قرينة والثالث يجوز ضمنا وتبعا لا استقلالا كما في الدعوى للغير وعليه تبعا وستأتي هذه المسألة بعد مسألة. وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة ثم هل يعتبر أن يكون ثم عليه وقد ذكر الأصحاب أن الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وكذا عند مالك والشافعي وظاهره أنه لو ادعى على شخص أنه وكله سمع الحاكم دعواه وبينته وأثبت ذلك من غير نصب خصم لأن المقصود هنا الفصل. وقال الشيخ تقي الدين وإذا كان الحق مؤبدا1 كالوقف وغيره ويخاف إن لم يحفظ بالبينات أن ينسى شرطه أو يجحد ولا بينة ونحو ذلك فهنا في سماع الدعوى والشهادة من غير خصم حفظ الحق الموجود عن خصم مقدر وهذا أحد مقصودي القضاء فلذلك يسمع طوائف من الحنفية والشافعية والحنابلة2

بينة الإسلام بكل حال واختاره الخرقي في الصورة الثانية وأما في الأولى فاختار التعارض ولم يفرق بين من عرف أصل دينه ومن لم يعرف وسوى القاضي وجماعة بين الصورتين وقالوا فيهما إن عرف أصل دينه قدمت البينة الناقلة عنه وإن لم يعرف تعارضتا. ولو كان بدلا من الابن المسلم أخ وزوجة مسلمان أو بدلا من الابن الكافر أبوان كافران لكانا بمنزلته مع الآخر في جميع ما ذكرنا لكن حيث ينصف المال بينهما هناك نجعلها هنا نصفه في مسألة الأبوين بينهما على ثلاثة ونصفه في مسألة المرأة والأخ بينهما على أربعة وحكي عن أبي بكر في مسألة المرأة والأخ أن لها الربع وحكي عن غيره الثمن والباقي للابن والأخ نصفين وكلاهما بعيد لأن ما يأخذه الابن ظلم في نظر المرأة والأخ فالسالم لهما يكون ضرورة أرباعا.

_ فعنده ليس للقضاء فائدة إلا فصل الخصومة ولا خصومة فلا قضاء فلذلك لا تسمع البينة إلا في وجه مدعى عليه لتظهر الخصومة ومن قال بالخصم المسخر فإنه ينصب الشر ثم يقطعه ومن قال يسمع فإنه يحفظ الحق الموجود ويذر الشر المفقود. وقال أيضا وتارة تكون الدعوى خبرا ليس معها طلب أجل كالادعاء بدين مؤجل انتهى كلامه. وقال أيضا ومن الدعاوى ما يكون على غير مدعى عليه موجود مثل رجل ابتاع شيئا وتسلمه فيدعى أنه ابتاع وتسلم أو يدعي أن المكان الذي بيده وقف على كذا ونحو ذلك فهذا مضمونه دعوى تثبت لا دعوى حكم فإن الطالب إما أن يطلب إقرارا أو إعطاء وطلب الإقرار مقصوده هو الإعطاء فإذا طلب إقرارا من معين لأطلب معه فطلب من الحاكم تثبتا بأن يسمع الشهادة.

وإذا مات وله ابنان مسلم وكافر فأسلم وقال أسلمت قبل موت أبي أو قبل قسمة تركته على رواية توريثه بذلك وقال أخوه بل بعد ذلك فلا إرث له عملا بقول أخيه وإن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر وقال أخوه بل مات قبل المحرم فالإرث بينهما. ومن ادعى على رجل أنه عبده فقال بل أنا حر وأتى كل واحد منهما ببينه تعارضتا وقيل تقدم بينة الحرية وقيل بينة الرق. ومن قال لعبده إن قتلت فأنت حر ثم مات وادعى العبد أنه قتل لم يقبل إلا ببينة فإن أقام به بينة وأقام الورثة بينة بموته حتف أنفه قدمت بينة العبد وقيل يتعارضان فيقضى بالتساقط أو القرعة أو القسمة. وإن قال إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر ثم بعد

_ أو الإقرار فهذا نوع واسع لما احتاج إليه الناس أحدثوا الخصم المسخر والدعوى المسخرة وهو باطل وتلاعب بالشريعة وهو موقوف على سماع الدعوى المقتضية للثبوت فقط لا الحكم فائدته بقاء الحجة إن حدث منازع وكأنه دعوى على خصم مظنون الوجود أو خصم مقدر وهذا قد يدخل في كتاب القاضي وفائدته كفائدة الشهادة على الشهادة وهو مثل كتاب القاضي إلى القاضي إذا كان فيه ثبوت محض فإنه هناك يكون مدع فقط من غير مدعى عليه حاضر لكن هنا لا مدعي عليه حاضر ولا غائب لكن المدعي عليه مخوف فإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار كما يسمع ذلك شهود الفرع فيقول القاضي ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه وهذا ليس ببعيد وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة انتهى كلامه. وبنى القاضي والأصحاب سماع البينة بالوكالة على القضاء على الغائب وهو جائز عند أبي حنيفة ورواية لنا

مدة بان موته ولم يعلم هل مات فيهما أو في غيرهما فهما على الرق ويحتمل فيما إذا ادعى الورثة موته قبل المحرم أن يعتق من شرطه الموت في صفر لأن أصل بقاء الحياة معه. وإن قال إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت منه فغانم حر ثم مات لم يعلم مم مات فهما على الرق لاحتمال موته في المرض بحادث وقيل يعتق أحدهما بالقرعة إذ الأصل عدم الحادث ويحتمل أن يعتق من شرطه المرض لأن الأصل دوامه وعدم البرء ولو علمنا أنه مات في أحد الشهرين أو قال في مرضى بدلا من قوله من مرضى فقد عتق أحدهما يقينا فيعين بالقرعة. ويحتمل أن يعتق من شرطه صفر والمرض لأن الأصل بقاء الحياة والمرض فإن أقام كل واحد بينة بموجب عتقه تعارضتا وكان كمن لا بينة له في رواية أو يقرع بينهما في أخرى وقيل تقدم بينة المحرم والبرء بكل حال.

_ قال الشيخ تقي الدين بناء هذه المسألة على القضاء على الغائب فيه نظر من وجهين. أحدهما أنه يخرج فيها روايتان. الثاني أن الخصم الحاضر في البلد لا يجوز القضاء عليه إذا لم يمتنع وهنا يثبتون الوكالة وإن كان الخصم حاضرا في البلد فليس هذا من هذا بل الأجود أن يقال الوكالة لا تثبت حقا وإنما تثبت استيفاء حق وإبقاءه وذلك مما لا حق للمدعى عليه فيه فإنه سيان عليه دفع الحق إلى هذا الوكيل أو إلى غيره ولهذا لم يشترط فيها رضاه وأبو حنيفة يجعل للموكل عليه فيها حقا ولهذا لا يجوز الوكالة بالخصومة إلا برضى الخصم لكن طرد هذه العلة أن الحوالة بالحق أيضا تثبت من غير حضور المحال عليه لأنه لا يعتبر رضاه وكذلك الوفاة وعدد الورثة يثبت من غير حضور المدين والمودع وكذلك لو ادعى أنه ابتاع دار

وإن شهدت على ميت بينة لا ترثه بعتق سالم في مرضه وقيمته ثلث ماله وبينة وارثة بعتق غانم وقيمته كذلك ولم تجز إلا الثلث فالحكم كما لو كانتا أجنبيتين يعتق أسبقهما عتقا على الأصح كما تقرر في الوصايا فإن كانت ذات السبق الأجنبية فكذبتها الوارثة أو ذات السبق الوارثة وهي فاسقة عتق العبدان وإن جهل أسبقهما أو شهدت بينة كل عبد بالوصية بعتقه وعلم تاريخ الوصية أو جهل أعتقنا أحدهما بالقرعة وقيل يعتق من كل عبد نصفه وهو بعيد على المذهب فإن كذبت الوارثة الأجنبية لغا تكذيبها دون شهادتها فعتق غانم ووقف عتق سالم على القرعة وعلى الوجه البعيد يعتق نصفه بلا قرعة وإن لم تكذب بل كانت فاسقة فالحكم بالعكس يعتق سالم ونصف عتق على القرعة أو يعتق نصفه على الوجه البعيد وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتق العبدان ولو شهدت

_ زيد الغائب فله أن يثبت ذلك من غير حضور من الدار في يده. وحاصله أن كل من عليه دين لو عنده عين إذا لم نعتبر رضاه في إقباضها أو إخراجها عن ملكه لا يعتبر حضوره في ثبوتها وعلى هذا فيجوز أن تثبت الوكالة بعلم القاضي كما تثبت الشهادة وتوكيل علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر كالدليل على ذلك فإنه أعلم الخلفاء أنه وكله ولم يشهد على ذلك ولا أثبتها في وجه خصم وهذا كله في غيبة الموكل عليه فأما الموكل إذا كان حاضرا في البلد فلا ريب أن رضاه معتبر في الوكالة وقد يكون عليه ضرر في ثبوتها فإن اشترط حضوره تعذر إثباتها بالبينة لأن جحوده عزل في أحد الوجهين فهنا قد يقال ليس في هذا قضاء عليه بل هو له من وجه آخر فإن التوكيل مثل الولاية بالشهادة على المولى مع حضوره في البلد ومن هذا كتاب الحاكم إلى الحاكم فيما حكم به انتهى كلامه.

الوارثة بالرجوع وليست فاسقة ولا مكذبة قبلت شهادتها وعتق غانم وحده كما لو كانت أجنبية ولو كانت قيمة غانم سدس المال لم تقبل شهادتها وعتق العبدان. وقال أبو بكر تقبل بالعتق دون الرجوع فيعتق نصف سالم ويقرع بين باقيه والآخر فمن أصابته القرعة عتق والورثة العادلة فيما تقوله جبرا لا شهادة كالفاسقة في جميع ما ذكرنا بالتدبير مع التنجيز كآخر التنجيزين مع أولهما في كل ما قدمنا. ومن شهد على رجلين أنهما قتلا فلانا فشهداهما على الشاهدين بقتله فإن صدق الولي الأولين ثبت له القتل بشهادتهما وإن صدق الآخرين أو الكل لم يثبت القتل بحال. ومن شهدت عليه بينة أنه أتلف ثوبا قيمته عشرون وبينة بإتلافه وأن

_ وقال ابن حمدان تسمع الدعوى بدين مؤجل لإثباته إذا خاف سفر الشهود أو المديون مدة تغير أجله وقيل لا تسمع حتى يبين باقيها وذكر أيضا أنه تسمع دعوى التدبير ثم قال من عنده إن قلنا إنه عتق بصفة قال غيره تسمع الدعوى لأنه يدعي استحقاق العتق ويحتمل أن تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين فيكون إنكار التدبير رجوعا عنه والرجوع عنه يبطله في إحدى الروايتين والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الرجوع عن التدبير لا يبطله في الصحيح من المذهب ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعا ولو ثبت ذلك فلا يتعين الإنكار جوابا للدعوى فإنه يجوز أن يقر. وقد عرف من هذه المسألة إثبات الوكالة في وجه الموكل ويشبه هذا إثبات الوصية.

قيمته ثلاثون ثبت عليه أقل القيمتين وعنه تسقطان لتعارضهما ولو كان بكل قيمة شاهد ثبت الأقل بهما على الأولى دون الثانية. وإذا شهدا بنكاح متحد باتفاقهما أو بفعل متحد باتفاقهما كغصب وسرقة أو في نفسه كقتل نفس وإحراق ثوب واختلفا في زمنه أو مكانه أو صفة تتعلق به مثل اختلافهما في آلة القتل ولون المحرق والمسروق والمغصوب جمعت شهادتهما عند أبي بكر حتى بوجوب القطع والقود وعند أكثر أصحابنا لا تجمع للتنافي. ولو كان مما يتعدد ولم يشهدا باتحاده والشهادة بأمرين لا تنافي بينهما لكن بكل أمر شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولو كان مكان كل شاهد بينة تامة ثبت الأمران ههنا وتعارضت البينتان في التي قبلها إذا لم نقل بالجمع.

_ قال الخلال باب الرجل يزعم أنه وكل والموكل غائب قال مهنا سألت الإمام أحمد عن رجل أقام بينة أنه وكيل لرجل والذي يدعى وكالته في بلدة أخرى قال تثبت عند الحاكم فقلت له لا بد أن يثبت وكالته عند الحاكم قال نعم حتى يسأل الحاكم عن بينته إن كانوا عدولا. وقال الجوزجاني سئل الإمام أحمد عن رجل ادعى وكالة رجل غائب قال إذا ثبت ذلك عند الحاكم فهو جائز. قال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة ثبوت الوكالة وسماع البينة بمجرد دعوى المدعي للوكالة من غير حضور مدعى عليه فكذلك الوصية لأن الحاضرين الذي تقبض الأموال منهم وتخاصمهم ليسوا خصوما لذلك في وصيته وإنما هم خصوم في الموكل به والموكل الذي يستوفي هذا على ماله غائب والوكالة ليست قضاء عليه بل قضاء له وعليه فهذه المسألة ليست قضاء على الغائب بل قضاء عليه وله انتهى كلامه. وقال ابن عقيل في الشهادات وإن كانت الدعوى على الميت ليست مالا

وإذا شهد شاهد بالفعل وآخر على الإقرار به جمعت شهادتهما نص عليه واختاره أبو بكر وقال أكثر الأصحاب لا تجمع. وإن شهد أحدهما بعقد النكاح أو قتل الخطأ والآخر على الإقرار به لم يجمع قولا واحدا ويحلف مدعى القتل مع شاهد الفعل ويستحق الدية على العاقلة أو مع شاهد الإقرار ويستحق الدية على القاتل. ولو شهد شاهدان على رجل أنه أخذ من صبي ألفا وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من الصبي ألفا لزم الولي أن يطالبهما بألفين إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب ألفا من أيهما شاء. وإذا شهد شاهد على رجل أنه باع زيدا كذا أمس وآخر أنه باعه إياه اليوم أو شهد أحدهما أنه باع كذا أو أعتق أو طلق والآخر أنه أقر بذلك واختلفا وقتا أو مكانا كملت البينة به.

_ لكن أسبابا تؤول إلى إيجاب المال مثل أن ادعى مدع أن أباكم ضرب عبدي هذا بغير حق وهو على ضرورة من ضربه أخاف موته أو أجج نارا في ملكه مع هذه الريح وفي زرع بقرب ضيعته وأخاف تعدى النار إلى ضيعتي احتمل أن لا يلزمهم الجواب لأنه لم يتحقق دعواهم حتى يوجب غرامة مال ولهب في خاص الملك لا يوجب غرامة فإن مات العبد واحترق الزرع سمعت الدعوى ووجب الجواب لتحقق دعوى ما يوجب الضمان. وقال الشيخ تقي الدين أيضا في تعليق آخر الدعاوى قال لما امتنع أصحاب أبي حنيفة من سماع البينة من غير المدعى عليه رتبوا نصب خصم لا يستغنى به عن حضور المدعى عليه من توكيل المدين والوصية إليه وما يصنعه الوكيل والحاكم لاشتراطهم مجلس الحكم مع الحاكم إياه فأما وصف ما رتبوه فإنهم كتبوا توكيل المقر للمدين وربما جعلوا التوكيل له ولابنه أو له ولآخر

وكذلك كل شهادة على القول سوى النكاح فإن حكمه كما سبق وسوى القذف عند أكثر أصحابنا فإنهم ألحقوه بالأفعال وطرد أبو بكر فيه حكم الأقوال ولو كانت الشهادة على الإقرار بشيء جمعت إن كان نكاحا أو قذفا أو فعلا. وإذا شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض جمعت شهادتهما وإن شهد أحدهما بألف من قرض والآخر بألف من ثمن مبيع لم تجمع وقيل إن شهدا على إقراره جمعت وإلا فلا وإن شهد أحدهما بألف والآخر بخمسمائة أو بألفين ثبت الأقل بشهادتهما سواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى الإقرار أو لم يعزوا ويحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده نص عليه.

_ معه والوصية إليهما استظهارا1 ليكون إن مات أحدهما قبل أن يثبت الكسب يكون الآخر باقيا وإذا أشهد المقر على نفسه في كتاب الإقرار سفها2. فصل أطلق في المحرر وغيره أنه لا تقبل شهادة من فعل شيئا من ذلك وقيد جماعة ذلك بعضهم صريحا وبعضهم ظاهرا بتكرر ذلك والإكثار منه وإدمانه لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا أولى ولأن المروءة

وإذا شهدا أن عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه منهما خمسمائة بطلت شهادته نص عليه ونص فيما إذا شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه خمسمائة فشهادتهما صحيحة بالألف ويحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد أو يمين ويتخرج مثله في التي قبلها ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى خمسمائة. وإذا جمعنا بين الشهادتين المختلفتي الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والتوريث عقيب آخر المدتين. وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة لم يجز ذلك إذا كان الحاكم لم يتول الحكم بأكثر منها واختاره أبو الخطاب.

_ لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة وزاد في المغني فقال ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به وفي كلام غيره إذا تساتر بهذا. وظاهر كلام جماعة خلافه أو صريحة قال بعضهم ومن غشيه المغنون أو غشي بيوت الغناء للسماع متظاهرا به وكثر ذلك منه ردت شهادته وإن استتر به وأكثر منه ردها من حرمه أو كرهه وقيل أو أباحه لأنه سفه ودناءة تسقط المروءة. وقال في المغني من اتخذ الغناء صنعة يؤتى إليه ويأتي له أو اتخذ غلاما أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسقه. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي. وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترنم لنفسه ولا يغني للناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبني هذا على الخلاف فيه فمن أباحه أو

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات مدخل ... كتاب الشهادات تحمل الشهادة في المال وكل حق لآدمي فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه وإن كان عبدا لم يجز لسيده منعه. وأداؤها فرض عين على من يحملها متى دعى إليه وقدر عليه بلا ضرر نص عليه وقيل هو فرض كفاية أيضا. ولا يجوز أحد الجعل على تحملها ولا على أدائها وقيل يجوز إذا لم تتعين وقيل يجوز فيه بشرط الحاجة. ويجوز لمن عنده شهادة بحد الله تعالى إقامتها وتركها وللحاكم أن يعرض له بالتوقف عنها وقيل لا يجوز.

_ كرهه لم ترد شهادته ومن حرمه قال إن دوام عليه ردت شهادته كسائر الصغائر وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته وإن فعله من يعتقد حله فقياس المذهب أن لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع ومن كان يغشى بيوت الغناء أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعا لأنه سفه ودناءة. قال ابن عقيل فإن قلنا إنه يحرم على الرواية الأخرى ردت شهادته ولو بدفعة واحدة. قال في المغني وإن كان مستترا به فهو كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل انتهى كلامه. فظهر أن المستتر بأحد هذه الأشياء هل ترد شهادته فيه خلاف في المذهب في المستتر بالغناء إن قلنا بتحريمه لم ترد شهادته مرة واحدة في المشهور.

ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها لم يقمها حتى يسأله وإن لم يعلمها فالأولى أن يعلمه بها ابتداء فإن أقامها قبل إعلامه جاز ولا يحل كتمانها بالكلية ويستحب الإشهاد على البيع وكل عقد سوى النكاح والرجعة ففي وجوبه فيهما خلاف سبق. ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع فالرؤية تخص الأفعال كالقتل والغصب والسرقة والرضاع والولادة ونحو ذلك. والسماع ضربان سماع من المشهود عليه كالطلاق والعتاق والإبراء والعقود وحكم الحاكم والأقارير وغيرها فيلزمه أن يشهد به على من سمعه وإن لم يشهده لاختفائه أو مع العلم به وعنه في سماع الحكم والأقارير لا يجوز حتى يشهده على نفسه وعنه يجبر في ذلك وعنه إن أقر بحق في الحال كقوله له على كذا شهد به وإن أقر بسابقه فقط كقوله أقرضني فكان له على أو كان له علي

_ وإن قلنا بعدم تحريمه فهل ترد أم لا أم إن قلنا بكراهته ردت وإن قلنا بإباحته لم ترد فيه ثلاثة أقوال والقول المفتى به1. فصل إذا قصد تعليم الحمام حمل الكتب مما تدعو الحاجة إليه أو استفراخها أو الأنس بأصواتها من غير أذى جاز. وقد روى عن عبادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه الوحشة فقال:. "اتخذ زوجا من حمام". وإن قصد المراهنة أو أخذ حمام غيره ونحوه حرم وإن كان عبثا ولعبا فهو دناءة وسفه.

وقضيته إذا جعلناها إقرارا ونحوه لم يشهد به حتى يشهده به وهذا أصح. وعلى الأولى إذا قال المتحاسبان لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزم إقامتها وعنه يمنع وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها كالموت والنسب والملك المطلق والنكاح والوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وكذلك الخلع والطلاق نص عليه. ولا يشهد بالاستفاضة إلا عن عدد يقع العلم بخبرهم في ظاهر كلام أحمد والخرقي وقال القاضي يكفي عدلان فصاعدا والأصح أنه متى وثق بمن أخبره وسكنت نفسه إليه فليشهد وإلا فلا. ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة جاز أن يشهد له بالملك وقيلا لا يشهد إلا باليد والتصرف. وإذا شهدا على رجل أنه طلق من نسائه أو أعتق من إمائه أو أبطل من وصاياه واحدة بعينها وقالا أنسينا عينها لم تقبل هذه الشهادة وقيل تقبل. ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه.

_ قال الإمام أحمد من لعب بالحمام الطيارة يراهن عليها أو يسرحها من المواضع لعبا وفي لفظ أو يسيرها في المزارع فلا يكون هذا عدلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسرح حماما ثم أتبعه بصره فقال "شيطان يتبع شيطانة" وهذا الحديث في السنن. فصل قد تقدم أن اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض وليس فيه دناءة لا ترد به الشهادة.

ومن شهد برضاع أو سرقة أو زنا أو شرب أو قذف أو قتل فإنه يصفه ويذكر ما يعتبر للحكم ويختلف به وهل يعتبر في وصف الزنا ذكر الزمان والمكان والمزنى بها على وجهين. وإذا قال من شهد بقتل جرحه فقتله أو مات من ذلك أو لم يزل ضمنا حتى مات ونحوه صح وإن قال جرحه فمات لم يحكم به. ومن شهد لرجل أن هذا الغزل من قطنه والطير من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بذلك. وإذا شهد لمن ادعي إرث ميت شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته إن كانا من أهل الخبرة الباطنة وإلا ففي الاستكشاف معها وجهان ولا يجب أخذ كفيل في ذلك بحال. وإن قالا لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد فكذلك وقيل إن كان قد سافر عنه يوقف الحاكم حتى يكشف خبره في بلاد سفره.

_ قال الشيخ تقي الدين قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل لهو يلهو به فهو باطل إلا رمية بقوس وتأديب فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق" يدل في معني الثلاثة ما كان من جنسهن فإن ملاعبة السرية كملاعبة المرأة سواء. وأما تأديب الفرس فقريب منه تأديب البعير لأن كلاهما يشتركان في الإيجاف والسباق ولهذا أسهم للبعير في إحدى الروايتين إذا كان للقتال لا للحمولة فقط كما كانت زمن بدر. فأما تأديب الحمولة من البغال والحمير والإبل فهل لها نصيب من تأديب الموجفة في القتال؟. وكذلك رميه بقوسه في معناه عمله برمحه وسيفه فإنه صلى الله عليه وسلم

باب شروط من تقبل شهادته

باب شروط من تقبل شهادته وهي في ظاهر المذهب ستة العقل والحفظ والعدالة والإسلام إلا حيث نذكره والبلوغ والنطق. فلا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه ولا مغفل ولا من يعرف بكثرة الغلط والسهو وتقبل ممن يخنق أحيانا في حال إفاقته ولا تقبل شهادة غير العدل. ويعتبر للعدالة شيئان الصلاح في الدين والمروءة فالصلاح في الدين أداء

_ "أقر الحبشة في المسجد يوم العيد على اللعب بالحراب" وقد قال الإمام أحمد في العمل بالرمح والقوس إنه أفضل من الصلاة في الثغر وأما في غير الثغر فسوى بينهما ولأنه سبحانه وتعالى قال: [60:8] {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يتناول كلما يستطاع من القوة فيدخل فيه ما يرمى به وما يضرب به وما يطعن به سواء كان المرمى به سهما أو حربة وسواء كان السهم منفردا أو جاريا في مجري وسواء كان يؤثر باليد أو بالرجل الذي يسمى الجرخ. وكذلك المضروب به يدخل فيه ما يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وما يقتل بثقله كاللت وما يقتل بهما كالدبوس فأما قوله صلى الله عليه وسلم "ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي" فقد أراد به القوة الكاملة وهذا كثيرا ما يكون لحصر الكمال لا لحصر أصل الاسم كقوله تعالى: [15:30] {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} وقوله صلى الله عليه وسلم."ولكن المسكين الذي لا يجد غناء يغنيه" ونحو ذلك وذلك لأن الرمى يصيب العدو البعيد مع الحائل من نهر ونحوه ويدفع العدو عن الإقدام ففيه ثلاثة فوائد لا توجد في غيره من السلاح انتهى كلامه.

الفرائض وسننها الراتبة وتجنب المحارم بأن لا يأتى كبيرة ولا يدمن على صغيره وفي رد الشهادة بالكذبة الواحدة روايتان وقيل العدل من لم تظهر منه ريبة. ولا تقبل شهادة من فسقه لبدعة كمن يعتقد مذهب الرافضة أو الجهمية أو المعتزلة تقليدا ويتخرج أن تقبل إذا لم يتدين بالشهادة لموافقة على مخالفة. ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد.

_ قوله: "ولا تقبل شهادة القاذف حتى يتوب سواء حد أو لم يحد". أطلق جماعة من الأصحاب أن شهادة القاذف لا تقبل منهم الشيخ في الكافي وقاسه على الزنا. وقال في المغني وعندنا تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه وعند أبي حنيفة ومالك لا تسقط إلا بالجلد ثم احتج بالآية وقال رتب على رمي المحصنات ثلاثة أشياء إيجاب الجلد ورد الشهادة والفسق فيجب أن يثبت رد الشهادة بوجود الرمي الذي لا يمكنه تحقيقه بالجلد ولأن الرمي هو المعصية والذنب الذي يستحق به العقوبة وتثبت به المعصية الموجبة لرد شهادته والحد كفارة وتطهير فلا يجوز تعليق رد الشهادة به وإنما الجلد ورد الشهادة حكمان للقذف فيثبتان جميعا به وتخلف استيفاء أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر. وقولهم إنما يتحقق بالجلد لا يصح لأن الجلد حكم القذف الذي تعذر تحقيقه فلا يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى قبل تحقق القذف وكيف يجوز أن يستوفى حتى قبل تحقق سببه ويصير مستحقا بعده هذا باطل انتهى كلامه. وقالت الحنفية الزاني ونحوه يفسق بنفس الفعل الموجب للحد والقاذف لا يفسق بنفس القذف لجواز أن يكون صادقا.

_ وقال القاضي إذا عجز عن تصديق نفسه بإقامة البينة صار فاسقا وسقطت شهادته. وقولهم يجوز أن يكون صادقا في قذفه غير صحيح لأنه إذا عجز عن إقامة البينة حكمنا بكذبه ألا ترى أنه يوجب الحد عليه ولا يجوز أن نوجب الحد عليه ولم نحكم بكذبه. قال الشيخ تقي الدين عن كلام القاضي هذا وهذا الكلام يقتضي أنه يفسق حين يجب عليه الحد وذلك يستدعي مطالبة المقذوف وقالت الحنفية الحاكم لو شاهد رجلا يزني أو يسرق يحكم بفسقه ولم يقبل شهادته ولو رآه يقذف لم يحكم بفسقه لجواز كونه صادقا قال القاضي إذا عجز عن إقامة البينة حكم بفسقه. وقال أبو الخطاب في الانتصار ولا فرق بينهما ولأنه لم يذكر شهادته بصورة الزنا والسرقة لجواز الشبهة فإن انكشف له الحال بأنه زنى بانتفاء الشبهة رد حينئذ كالقذف سواء إذا عجز عن إقامة البينة على صدقه وشهادته وحكم بفسقه وحده ولا فرق بينهما. وقال القاضي بعد ذلك لا يحكم بكذبه بنفس القذف وإنما يحكم بالقذف والعجز عن تصديقه بالبينة وذلك متأخر عن حال القذف بدليل قوله تعالى: [13:24] {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فحكم بكذبهم بالعجز عن الإيتاء بالشهادة1. ثم قال فإن قيل فيجب أن تقبل شهادته قبل عجزه عن إقامة البينة لأنه لم يحكم بكذبه قيل إنما لم تقبل شهادته قبل ذلك لأن القذف سبب في القدح في العدالة فأكسب ذلك شبهة في قبولها كطعن الخصم في الشهود.

_ قال الشيخ تقي الدين هذا يدل على أنه يتوقف عن القبول1 بعد القذف وقبل العجز ثم قال واحتج بأنه يجوز أن يأتي بالبينة قبل وقوع2 الحد عليه فلا يتبين عجزه عن إقامة البينة قبل وقوع الحد عليه فيجب أن تقبل شهادته. والجواب أن هذا التجويز لم يمنع من إقامة الحد عليه كذلك لا يمنع من رد الشهادة لأن الحد لا يجوز استيفاؤه إلا بعد ثبوت سببه كسائر الحدود فلما جاز استيفاؤه في هذا الحال وجب الحكم بفسقه ورد شهادته. قال الشيخ تقي الدين فقد تحرر أن القاذف له ثلاثة أحوال أحدها أن لا تطلب منه البينة الثاني أن تطلب منه فيعجز الثالث أن تطلب منه فيذهب ليأتي بها وهنا يتوجه أن ينظر ثلاثة أيام فمن عجز فهو فاسق ومتى ذهب ليأتي بها فهو بمنزلة المطعون فيه وإن لم يطالب بالحد ولا بالبينة فهنا على مقتضى كلام القاضي لم تزل عدالته وهو ظاهر القرآن ويحتمل كلامه الثاني أن يكون مطعونا فيه وعلى عموم كلامهم في أن القذف يوجب الفسق لا تقبل شهادته انتهى كلامه. وكلام أبي الخطاب المذكور يقتضى أن الحكم بالفسق ورد الشهادة والحد يتعلق بالعجز عن إقامة البينة وأن ما كان ثابتا من قبول الشهادة وغيره يستصحب إلى حين العجز ولم أجده ذكر في بحث المسألة ما ينافيه بخلاف القاضي فصار فيما إذا طلبت منه البينة فذهب ليأتي بها أو لم تطلب منه ثلاثة أقوال الثالث تقبل إذا لم يطالب بها وفي المسألة أيضا قول غريب. قال القاضي في العدة فأما أبو بكرة ومن جلد معه فلا يرد خبرهم لأنهم جاءوا مجيء الشهادة وليس بصريح في القذف وقد اختلفوا في وجوب الحد فيما

يسوغ في الاجتهاد ولا ترد الشهادة بما يسوغ فيه الاجتهاد ولأن نقصان العدد من معنى وجهة غيره فلا يكون سببا في رد شهادته انتهى كلامه. ويوجه بأنه أحد نوعي القذف فاستوت فيه الشهادة والرواية في القبول كالنوع الآخر فإن القاذف في الشتم لا تقبل شهادته ولا روايته حتى يتوب وحكي هذا عن الشافعي. قال الشيخ تقي الدين عقيب كلام القاضي المذكور مضمون هذا الكلام أنه يقبل خبره وشهادته وهو خلاف المشهور والمحفوظ عن عمر في قوله لأبي بكرة "تب أقبل شهادتك" ولكن الناس قبلوا رواية أبي بكرة فيجوز أن ترد شهادته كما لو جلد ويقبل خبره كالمتأول في شرب النبيذ ونحو ذلك ولأن الخبر لا يرد بالتهمة التي ترد بها الشهادة من قرابة أو صداقة أو عداوة أو نحو ذلك أو لاشتراك المخبر والمخبر فيه بخلاف الشهادة انتهى. فصل وقوله: "حتى يتوب". يعني إذا تاب قبلت شهادته جلد أو لم يجلد وقال أيضا في رواية عبد الله حدثنا عبد الصمد حدثنا سليمان يعني ابن كثير حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب "أن عمر حين ضرب أبا بكرة ونافعا وشبلا1 استتابهم وقال من تاب منكم قبلت شهادته".

_ 1 نافع بن علقمة قال ابن السكن: سكن الشام، ولم يزد على ذلك. وقال ابن عبد البر: سمع النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن حديثه مرسل. اهـ. وشبل بن معبد أخو أبي بكر لأمه. روى أبو عثمان النهدي قال: "شهد أبو بكر ونافع –يعني ابن علقمة- وشبل بن معبد على المغيرة: أنهم نظروا إليه كما ينظرون المرور في المحكمة: فجاء زياد فقال عمر: جاء رجل لا يشهد إلا بحق. فقال: رأيت مجلساً قبيحاً ونهزا. فجلدهم عمر".

_ وقال في رواية ابن منصور في المحدودين إذا تابوا جازت شهادتهم. وقال حرب قال الإمام أحمد في القاذف إذا تاب قبلت شهادته. وكذا نقل عنه جماعة منهم صالح وزاد أذهب إلى قول عمر بن الخطاب وقال له بكر بن محمد تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك قال نعم وقول الله تعالى: [5:24] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} . وقال في رواية حنبل إذا تاب ورجع جازت شهادته على فعل عمر وإلا لم تقبل كذا قال الله تعالى: [4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} ثم قال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فإذا تاب قبلت شهادته. وقال في رواية حرب شهادة القاذف إذا تاب قبلت شهادته حد أو لم يحد وكذلك كل محدود تقبل شهادته إذا كان عدلا قيل للإمام أحمد جلد أو لم يجلد قال نعم فذهب إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبهذا قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا تقبل وتقبل في رؤية الهلال على ما ذكره القاضي عنه. وتقبل شهادة الذمي إذا حد بالقذف ثم أسلم واعتذر عن رؤية الهلال بأنه خبر وليس بشهادة فقال القاضي لو لم تكن شهادة لم يعتبر فيها العدد وقد قال أبو حنيفة إذا لم تكن في السماء علة اعتبر فيه عدد كثير وكذلك يعتبر فيها مجلس الحكم. قال الشيخ تقي الدين وهذا من القاضي يقتضي أن شهادة الواحد عند غير الحاكم لا تؤثر وقد ذكرت اعتبار اللفظ في موضعه انتهى كلامه. واعتذر الحنفي عن الذمي بأنه اجتلب بإسلامه عدالة لم يبطلها حد القذف بخلاف المسلم فإنه أبطل عدالته بحده في القذف فلم يستفد بتوبته عدالة لم تكن فلهذا لم تقبل شهادته فقال أبو الخطاب لا فرق بينهما فإن الذمي كان عدلا

وتوبته إكذابه نفسه.

_ في دينه لا سيما عندهم وعلى رواية لنا بأن شهادة بعضهم على بعض مقبولة وولايته على بنيه ثابتة فأبطل عدالته بالقذف والحد ثم استحدث عدالة بالإسلام ومثله المسلم أبطل عدالته ثم بالتوبة استحدث عدالة أخرى ثم تبطل في المسلم إذا زنى وسرق وشرب وحد فإنه قد أبطل عدالته وإذا تاب قبلت شهادته وإن لم تتجدد عدالة بإسلامه على زعمهم ثم يجب أن يعلل بهذا في رد شهادته في رؤية الهلال وأخبار الديانات وولايته على أولاده في أموالهم وقد قال يصح منه جميع ذلك انتهى كلامه. قوله: "وتوبته إكذابه نفسه". قال القاضي فيقول كذبت فيما قلت وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد توبة القاذف أن يكذب نفسه وإن كان صادقا ورجحه بعضهم قال الإمام أحمد في رواية المروزي وحرب وابن منصور ويعقوب وصالح توبة القاذف أن يكذب نفسه وقال في رواية الميموني توبته عندي أن ينزع عن القذف ويكذب نفسه وحديث عمر رضي الله عنه يدل على هذا وقال في رواية الحارث وقد قيل له عن القاذف ماتوبته قال يكذب نفسه يقول إني قد قذفت فلانا وإني قد تبت من قذفي إياه قلت وإن كان قد شهد وقد رآه يزني يتوب من حق قد شهد به قال ماأدري هذه توبة القاذف قال وإنما أذهب إلى حديث أبي بكرة. وقال في رواية حنبل لا تقبل شهادته حتى يقول إني تائب لأن أبا بكرة قال له عمر "إن تبت قبلت شهادتك". وقال في رواية حنبل أيضا يكذب نفسه ويرجع عن قوله ويتوب

_ ليس بالتوبة خفاء وقال أبو طالب سمعت أحمد قال وتوبة القاذف أن يقوم فيكذب نفسه ويقول إني تائب مما قلت. وقال أيضا في رواية أبي طالب وقد سأله عن توبة القاذف قال توبته إذا رجع فقال قد رجعت وتاب وأعلن مثل قول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك". وقال مهنا قال أحمد تجوز شهادة المحدود في القذف إذا عرفت توبته يقول إني قد رجعت عما كنت قلت في فلان لا بد من هذا. وقال له مهنا في موضع آخر لا بد من أن يتكلم به قال لا بد أن يتكلم به وإلا من أين تعلم بتوبته فقد روى عن ابن المسيب عن عمر مرفوعا توبته إكذاب نفسه ولأن إكذاب نفسه يزيل تلوث عرض المقذوف الحاصل بقذفه فتكون التوبة به وبه قال مالك وهو منصوص الشافعي. وقيل إن علم صدق نفسه فتوبته أن يقول قد ندمت على ما قلت ولا أعود إلى مثله وأنا تائب إلى الله تعالى منه لأن المقصود يحصل بذلك ولأن الندم توبة وإنما اعتبر القول ليعلم تحقق الندم. وتتمة هذا القول وإن لم يعلم صدق نفسه فتوبته إكذاب نفسه سواء كان القذف بشهادة أو سب لأن قد يكون كاذبا في الشهادة صادقا في السب وهذا معنى ما اختاره في المغني وقطع به في الكافي وقيل إن كان سبا فالتوبة إكذاب نفسه وإن كان شهادة فبأن يقول القذف حرام باطل ولست أعود إلى ما قلت قال القاضي وهو المذهب لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالذنب1 وقطع به في المستوعب إلا أنه قال يقول ندمت على ما

_ كان مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه ولا يقول ولا أعود إلى مثل ما كان مني لأن في ذلك أن لا يشهد. وقال الشيخ تقي الدين ويتوجه أن يحمل قوله إذا أكذب نفسه على الشهادة بالقذف كقضية أبي بكرة. فرع وتقبل شهادة القاذف بمجرد التوبة في ظاهر كلام الإمام أحمد وقطع به في المستوعب وغيره وقدمه في الكافي وهو المشهور وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد ويحتمل أن يعتبر مضي مدة يعلم توبته فيها. وذكر في الرعاية أنه إن كان شهادة قبل بمجرد التوبة وإن كان شتما وقذفا فيعد إصلاح العمل سنة وذكر ابن هبيرة عن مالك أنه يعتبر ظهور أفعال الخير من غير حد وعن الشافعي أنه قدره بسنة. وقال القاضي في بحث المسألة على أن في الآية ما يمنع رجوعه إلى مايليه وهو زوال تتمة الفسق من وجوه. أحدها أنه لو عاد إلى زوال تتمة الفسق لم يشترط فيه صلاح العمل ولكان يقتصر على قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} لأن الفسق يرتفع بمجرد التوبة وإنما قبول الشهادة يشترط فيه صلاح العمل فثبت أن الاستثناء عاد إليه1. واحتجوا للمسألة بما رواه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى: [5،4:24] {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "إذا قال بعد ضربه أستغفر الله وأتوب إليه من قذف المحصنات حين يفرغ من ضربه ولم يعلم منه بعد إلا خيرا قبلت شهادته".

_ ثم إن القاضي ذكر بعد ذلك المسألة بخلاف ذلك وقال إن شهادته تقبل بمجرد التوبة لأنا قد حكمنا بصحة التوبة في الباطن فلم نعتبر في قبول الشهادة إصلاح العمل كالتوبة عن الردة. وقال الشيخ تقي الدين عند قوله إن القاذف تقبل شهادته إذا تاب معناه التوبة الصحيحة التي يعلم صحتها وذلك لا يكون إلا بعد سنة وصلاح العمل المذكور في القرآن إنما هو لتصحيح التوبة وسقوط العقوبة لا يستلزم قبول الشهادة فإن العقوبة تسقط بالشهادات وبالدخول في أوائل الخير وعلى هذا فلا فرق بين التوبة من الردة وغيرها وقوله -يعني القاضي- "قد حكمت بصحة التوبة في الباطن" فيه نظر ونصوص أحمد تخالف ذلك فإنه إن أراد أنه هو الذي حكم بذلك فقد يصدق وأما نحن فلم نحكم بصحتها في الباطن. قال القاضي ولأن القذف على ضربين قذف بلفظ الشتم كقوله زنيت وأنت زان وقذف بلفظ الشهادة المردودة ثم إذا كان بلفظ الشهادة المردودة قبلت شهادته بمجرد التوبة كما دل عليه حديث عمر فكذلك إذا كان بلفظ الشتم قال ولأنه يقبل خبره بمجرد التوبة ولا يعتبر فيه صلاح العمل كذلك في باب الشهادة واستشهد بآية الفرقان والبقرة وفي كلاهما نظر قاله الشيخ تقي الدين. قال القاضي ولأن التوبة الباطنة بحكم بصحتها في الحال وهو إذا وجد التركي والندم والعزم على الخروج من المظلمة أو يكون فيما بينه وبين الله تائبا ولا يشترط فيها صلاح العمل كذلك التوبة الحكمية بعلة أنها إحدى التوبتين. فقد ظهر من ذلك أن لنا في قبول شهادة القاذف بمجرد التوبة خمسة أقوال. والمعروف في المذهب أن التوبة من الردة ليست كغيرها كما أن المعروف الحكم بصحة التوبة في الباطن.

وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل سنة.

_ وظاهر كلام بعضهم التسوية بين قبول الخبر والشهادة بمجرد التوبة وعدمه خلاف ما صرح به القاضي فتكون المسألة على وجهين. فرع رجل حلف بالطلاق أنه رأى شخصا يزني فهل تطلق امرأته. ينبغي أن يقال إن علم كذب نفسه طلقت باطنا وظاهرا وإن علم صدق نفسه طلقت في الحكم. قوله: "وإذا تاب الفاسق قبلت شهادته بمجرد توبته". هذا هو الراجح في المذهب لما تقدم وقوله عليه الصلاة والسلام: "التوبة تجب ما قبلها" رواه مسلم وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه عن النبي صلى الله عليه وسلم."التائب من الذنب كمن لا ذنب له" إسناده ثقات رواه ابن ماجة وغيره. قوله: "وعنه يعتبر معها في غير القاذف إصلاح العمل". سنة لما تقدم لأن فيها يتبين صلاحه لاختلاف الأهوية وتغير الطباع وعن الشافعي كالروايتين وقيل إن فسخ بفعل وإلا فلا يعتبر فيه إصلاح ذلك. وقيل يعتبر مضى مدة يعلم فيها حالة بذلك. وذكر القاضي في موضع أن التائب من البدعة يعتبر له مضى سنة لحديث صبيغ "أن عمر رضي الله عنه لما ضربه أمر بهجرانه حتى بلغته توبته فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة" رواه الإمام أحمد رضي الله عنه. وروى المروزي عن أحمد أنه قال لا يكلم التائب عن البدعة إلا بعد أن

_ يأتي عليه سنة كما أمر عمر بن الخطاب أن لا نكلم صبيغ إلا بعد سنة وقال من علامة توبته في هذه السنة أن ينظر إليه فان كان يوالي من عاداه على بدعته ويعادي من والاه فهذه توبة صحيحة واختار القاضي في موضع أن التائب من البدعة كغيره في أنه لا يعتبر إصلاح العمل وقال عن هذا النص محمول على طريق الاختيار الإحتياط وقال وقد قال الإمام أحمد في رواية يعقوب في رجل من الشكاك أظهر التوبة فقال يتوب فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب قال وظاهر هذا أنه لم يجعل مجانبته شرطا في صحة توبته وإنما جعلها ليكون ذلك دلالة على توبته عند من عرف ذلك منه ولم يشترط معنى زائدا على ذلك وهذا اختياره في المغني قال والصحيح أن التوبة من البدعة كغيرها إلا أن تكون التوبة بفعل يشبه الإكراه كتوبة صبيغ فتعتبر له مدة تظهر أن توبته عن إخلاص لا عن إكراه. وقال الشيخ تقي الدين من تأمل كلام أحمد وجده إنما يعتبر في جميع المواضع التوبة لكن نحن لا نعلم صدقه في توبته بمجرد قوله قد تبت فلا بد من انكفافه عن ذلك الذنب وعلاماته سنة ليكون هذا دليلا لنا على صدق توبته فيما بينه وبين الله وبجانب أهل مقالته حتى يعرف الناس أنه تائب فجعل التوبة فيما بينه وبين الله صحيحه في الحال وأما عند الناس فيترك مواضع الذنب وهو مجانبة أصحاب الذنب وقول القاضي إنما أمر بذلك ليكون دليلا على توبته عند من عرف ذلك منه ضعيف لأن المجانبة لأهل المقالة المبتدعة واجبة وإنما أمر به لأن ملازمته دليل على القيام بموجب التوبة ولأنه قال حتى يعرف الناس منه ذلك وهذا يقتضي معرفة من عرف أنه قد تاب ومن لم يعرف أنه تاب ألا ترى أن المسألة أنه أظهر التوبة فحقيقة

ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته.

_ التوبة عن إظهار وكذلك قوله من علامة توبته موالاة من عاداه على البدعة ومعاداة من والاه عليها وقال فهذه توبة صحيحة فعلمت أنه لا بد من علامة تدلنا على صحة التوبة وإلا فلو كان مجردالتكلم بالتوبة موجبا لصحتها لم يحتج إلى علامة. ثم ذكر الشيخ تقي الدين كلامه المكتوب في القاذف وذكر ابن عقيل أن المبتدع إذا تاب هل تقبل شهادته أو يعتبر به صلاح العمل قال والقياس قبول شهادته لصحة توبته كما قدمناه في الردة والقذف لكن طرحنا القياس ههنا لأجل الإثم والأثر ثم ذكر رواية المروزي المذكورة لقول عمر لأبي بكرة "إن تبت قبلت شهادتك" وقال مالك لا أعرف هذا قال الشافعي وكيف لا يعرفه وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة وقاله عمر لأبي بكرة. قوله: "ومن أتى شيئا من الفروع المختلف فيها كمن تزوج بلا ولى أو شرب من النبيذ مالا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا لم ترد شهادته". نص عليه الإمام أحمد في رواية صالح وغيره وأنه يحد شارب النبيذ ويصلى خلفه وتقبل شهادته وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في الفروع فلم يكن بعضهم يعيب من خالفه ولا يفسقه. ونقل عنه علي بن الموفق في الصلاة خلف من يشرب النبيذ لا يصلى خلف من يشرب هذا ولا خلف من يجلس إلى من يشرب هذا. قال القاضي وهذا محمول على ما يسكر ويجوز أن يحمل على ظاهره

_ فيخرج روايتان ويشهد لذلك ما قاله في رواية أبي الحارث في إمام يبيع كرمه ممن يتخذه خمرا لا يصلون خلفه. وقال في رواية عبد الله وإبراهيم من استطاع الحج ولم يحج لا تجوز شهادته انتهى كلام القاضي وكذا نقل أبو الحارث. قال القاضي في موضع آخر وهذا مبالغة في الفور لأنه قد أسقط عدالته في الموضع الذي يسوغ فيه الاجتهاد وقال أيضا وظاهر هذا أنه لم يسوغ الاجتهاد في تأخيره أي تأخير الحج. وذكره في المغني قولا واحتج له في المغني يقول عمر "ما هم بمسلمين". وقال ابن أبي موسى الأظهر من قول الإمام أحمد أنه لا تقبل شهادة من شرب النبيذ متأولا ولم يسكر قال في الرعاية لفسقه إذا وهذا قول مالك واختاره الشيخ تقي الدين وقال ترد شهادته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع والعلة أنه موجب للحد وهذا لا يتعداه. وقال الإمام أحمد في رواية العباس بن محمد في شارب النبيذ أنا أجيز شهادته ولا أصلي خلفه إن وجدته في الجامع. ولعل "لا" زائدة. ونقل غير واحد عن الإمام أحمد فيمن ترك الوتر متعمدا ساقط العدالة. وقال في رواية سندي قيل له فترى أن يكتب عمن يبيع هذه العينة قال لا يعجبني أن يكتب عن معين وفي اللاعب بالشطرنج خلاف سيأتي. وقال الشيخ تقي الدين في المصرين على ترك الجماعة ترد شهادتهم بل يقاتلون في أحد القولين وهذا عند من لا يقول بوجوبها فأما من قال بوجوبها فإنه يقاتل تاركها ويفسق المصرين على تركها إذا قامت عليهم الحجة التي تبيح القتال والتفسيق كما يقاتل أهل البغي بعد إزالة الشبهة ورفع المظلمة. قوله في المحرر "متأولا".

_ وكذا من قلد متأولا ويدخل في كلامه وكلام غيره من قال يقول عليه الصلاة والسلام. الماء من الماء أو أجاز بيع درهم بدرهمين نقدا. وظاهر كلامه في الرعاية أنه يفسق في هاتين الصورتين اتفاقا وذكر في المستوعب المسألة كما ذكر غيره وقال وذكر ابن أبي موسى أنه لا تقبل شهادة من يقول الماء من الماء ولا من يجوز بيع درهم بدرهمين نقدا وتعليل هذا أنه لضعف الخلاف فيهما وفي هذا نظر وأما لاعتقاد أن فيهما إجماعا بعد اختلاف وأن هذا إجماع صحيح ففيه نظر أيضا. فصل قال القاضي على ظهر أجزاء العدة نقلت من المجموع لأبي حفص البرمكي من خط ولده أبي إسحاق عبد الله سمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في المشاع وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا. قال القاضي هذا محمول على أحد وجهين إما أن يكون من أهل الاجتهاد ولم يؤده اجتهاده إلى الرخص فهذا فاسق لأنه ترك ما هو الحق عنده واتبع الباطل أو يكون عاميا فأقدم على الرخص من غير تقليد فهذا أيضا فاسق لأنه أخل بفرضه وهو التقليد فأما إن كان عاميا وقلد في ذلك لم يفسق لأنه قلد من يسوغ اجتهاده. قال الشيخ تقي الدين قد فسق العاصي المجتهد إذا عمل برخصة مختلف فيها من غير اجتهاد والعامي إذا عمل بها من غير تقليد ومع هذا فكلام الإمام أحمد إنما هو فيمن يتبع الرخص مطلقا المختلف فيها مع ضعفها وهذا فاسق لأنه يفعل الحرام قطعا انتهى كلامه.

وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه.

_ ولم يقل في موضع آخر مع ضعفها انتهى كلامه. وما ذكره القاضي هو ظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى وقد ذكروا فيمن صلى وترك شرطا أو ركنا ساغ فيه الخلاف من غير تأويل ولا تقليد أنه لا تصح صلاته في أصح الروايات لأن فرضه التقليد وقد تركه والثانية لا إعادة إن طال الزمن والثالثة تصح مطلقا لخفاء طرق هذه المسائل وعلى هذه الرواية يخرج عدم الفسق في مسألتنا. ويوافق كلام القاضي قول ابن عقيل لو شرب النبيذ عامي بغير تقليد لعالم فسق. ووجدت بخط القاضي تقي الدين الزريراني البغدادي الحنبلي الآخذ برخص العلماء هل يفسق أم لا فيه روايتان مثل الآخذ برخص مالك في ترك الشهادة في النكاح والقول بطهارة الكلب والخنزير في حال الحياة وكاستباحة النبيذ على قول النعمان وتزويج ابنته من الزنا على قول الشافعي ونحو ذلك مما ليس له شبهة قوية فأما ما قويت شبهته كمس الذكر في حق المتوضىء وخروج الدم من بقيه البدن وما أشبه ذلك فلا يفسق وهذا كله في حق العالم فأما العامي فموسع عليه في ذلك انتهى كلامه. فظهر من ذلك أن من فعل مختلفا فيه بغير تأويل ولا تقليد أنه يفسق في المشهور وإن تأول أو قلد إن لم يترخص فلا يفسق وإن تتبع الرخص فهل يفسق أم لا أم يفرق بين ما قوى دليله وما ضعف أم لا يقال بهذه التفرقة في حق العالم فقط أم يفرق بين العامي والعالم مطلقا فيه أقوال. قوله: "وإن اعتقد تحريمه ردت نص عليه وقد تقدم". وقال في رواية الأثرم في المحتجم يصلي ولا يتوضأ فإن كان ممن يتدين بهذا

وقيل لا ترد أيضا.

_ فلا وضوء فيه فلا يعيدون وإن كان يعلم أنه لا يجوز يعيدون كلهم. قال القاضي فقد أبطل إمامته مع اعتقاده التحريم وإبطال الإمامة ههنا كإبطال الشهادة لأن العدالة شرط فيها وهذا هو المشهور لأنه فعل يحرم على فاعله فأشبه المتفق على تحريمه. واعتبر في المغني على هذا أن يتكرر ولم أجده في غيره. وذكر في المستوعب في الصلاة أنه يفسق ولهذا قال في الرعاية فسق على الأصح. وقوله في المحرر "وقيل لا ترد أيضا". وهو قول الشافعية لأن لفعله مساغا في الجملة فأشبه المتفق على حله. ونقض على الشافعية بنص الشافعية في المعتاد مع خلاف إبراهيم بن سعيد وعبيد الله بن الحسن وبمن طلق ثلاثا وأمسك امرأته مع خلاف الحسن. فأما اعتقاد استباحة هذا المحرم فلا يسقط الشهادة ذكره القاضي وغيره من الأصحاب محل وفاق. وقد قال عبد الله سئل أبي عن عبد الصمد بن النعمان قال نحن لا نكتب عن عبد الصمد قيل لعبد الله فلم كرهه قال كان يرى العينة. فصل هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد المختلف فيه ويشهد به؟. ينبغي أن يقال يدخل في كلام الأصحاب فإن كان متأولا أو مقلدا لمتأول جاز وفي بعض المواضع خلاف سبق وإلا لم يجز. وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي هل يجوز أن يشهد العقد الفاسد

_ ويشهد به فإن كان ذلك في عقد متفق على فساده كعقد الربا والعقد المشروط فيه الخيار المجهول أو شرط باطل بإجماع لم يجز شهوده ولم تجز الشهادة به فأما إن كان فساده مما يسوغ الاجتهاد فيه فلا يمنع لأنه لا يقطع على فساده نص عليه في رواية أحمد بن صدقة وقد سأله فإن كانوا يشهدون على ربا قال لا يشهدون على ربا إذا علموا. وقال في رواية حرب في الرجل يدعى إلى الشهادة ويظن أنه ربا أو بيع فاسد قال إذا علم ذلك فلا يشهد. وقال في رواية بكر بن محمد عن أبيه في الرجل يفضل بعض ولده يشهد قال لا يشهد قيل له فقد شهد فقال لا تشهد للذي أشهدك ولا لولده. وكذلك نقل إسماعيل بن سعيد لا تشهد على عطية من لم يعدل فيها وكذلك نقل أبو الحارث إذا علمت أنه يريد أن يزوى ميراثه عن ورثته يصيره لبعض دون بعض لا تشهد له بشيء. قال وظاهر هذا يقتضي أنه لا يشهد وإن كان مختلفا فيه لأن تفضيل بعضهم على بعض مختلف فيه واحتج بقوله: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد". ولحديث النعمان بن بشير ولحديث."لعن شاهدا الربا" قال ولأن فعل الفاسد منكر وحضور المنكر منكر. فإن قيل ما رويتموه من الأخبار في أحكام يسوغ فيها الاجتهاد وهو الشهادة في نكاح المحرم وإذا خص بعض أولاده قيل في هذا تنبيه على تحريم ذلك فيما اتفق على فساده وإذا قام الدليل على المختلف فيه خصصناه وبقي تنبيهه على ظاهره. فان قيل فالشاهد لا يلزم بشهادته وإنما ذلك إلى اجتهاد الحاكم. قيل وإن لم يلزم فلا يجوز له أن يحضر المنكر لأن حضوره منكر.

_ فإن قيل فلله حكم في الفاسد كما له حكم في الصحيح فهو ينقل الفساد فينفذه الحاكم؟ قيل فيجب أن يحضر المؤاجر المشاهد بيع الخمر فيشهد بذلك وكذلك دور الفسق لشاهد الزنا فيشهد بذلك لأن لله فيه حكما وهو سقوط ثمن الخمر ومهر الزانية. قال الشيخ تقي الدين الشهادة عليه إعانة على حصوله والإعانة على المحرم محرمة فأما إذاغلب على ظنه أنه يشهد عليه ليبطله فذلك شيء آخر انتهى كلامه. وظاهر قول الشيخ تقي الدين كما تقدم في أول الفصل وعليه ما ذكره القاضي في نص الإمام أحمد. وكذا ما رواه أبو النصر العجلي أنه سمع أبا عبد الله يكره العينة ويكره أن يشهد الرجل على شيء منها هذا إن حملت الكراهة على التحريم وإطلاق القاضي عدم المنع يقتضى جواز الشهادة مطلقا وهو خلاف كلام الإمام أحمد. وقد يقال ما ضعف دليله وكان خلاف خبر واحد لم يشهد فيه وإلا شهد كعطية الأولاد وما في معناها. وقال القاضي سعد الدين الحارثي في شرحه العلم بالتفضيل أو التخصيص يمنع تحمل الشهادة به وأداؤها مطلقا حكاه الأصحاب ونص عليه ثم ذكر النصوص السابقة وأن الإمام أحمد قال في رواية أحمد بن سعيد وإن سأله بما استمع عند قاض يرى ذلك جائزا لم يشهد له به وعلله الحارثي بأنه جور فامتنعت الإعانة عليه وذكر أنه قول إسحاق. ونقل أبو طالب عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل نحل نحلة لابنه ولم يعلم الشهود أن له ابنا غيره ثم علموا بعد أن له غيره فدعاهم إلى الشهادة قال إن لم يشهدوا له أرجو ليس عليهم شيء انتهى كلامه.

وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه فلا تقبل

_ فأما إن احتمل عند الشاهد أن العقد فاسد فإنه يشهد وكذلك ينبغي إن ظن فساده على مقتضى كلام الإمام أحمد السابق لكن هنا ينبغي أن يقال يكره وقد يقال بتحريمه كما في ظن جعل العصير خمرا وظن جعل الدار المستأجرة مكانا يباع فيه الخمر. وقال الشيخ تقي الدين في موضع آخر فصل الشهادة على الإقرار الذي يعلم أنه تلجئه أو كاذب أو فيه تأويل وقد أبطل الإمام أحمد إقرار التلجئة ونصه مكتوب عند مسألة الإقرار للزوجة إذا أبانها ثم تزوجها وقال في موضع آخر إن الأمر بإقرار باطل مثل أمر المريض أن يقر لوارث بما ليس بحق ليبطل به حق بقية الورثة فإن الأمر بذلك والشهادة عليه باطل. قوله: "وأما المروءة فاستعمال ما يجمله ويزينه وتجنب في يدنسه ويشينه إلى آخره". المروءة الإنسانية وقال ابن فارس الرجولية وقيل صاحب المروءة من يصون نفسه عن الأدناس ولا يشينها عند الناس وقيل هو الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه قال أبو زيد يقال مرؤ الرجل أي صار ذا مروءة فهو مري على وزن فعل وتمرأ إذا تكلف المروءة. والرقاص الذي يعتاد الرقص ويقال رقص يرقص. والشطرنج قال الجواليقي فارسي معرب وهو بالشين المعجمة المفتوحة ومكسورة وحكى فيه بعضهم بالسين المهملة والمعروف في المذهب تحريم اللعب بالشطرنج. قال حرب قيل للإمام أحمد أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس

شهادة المصافع والمتمسخر والمغني والرقاص والمشعوذ ومن يلعب بالنرد أو الشطرنج.

_ كله قيل فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال لا يجوز هكذا وجدت هذا النص. ونقل الشيخ تقي الدين من زاد المسافر لأبي بكر عن حرب قال قلت لأبي إسحاق أترى بلعب الشطرنج بأسا قال البأس كله قلت فإن أهل الثغر يلعبون بها للحرب قال هو فجور. وذكرها أبو حفص عن الإمام أحمد انتهى كلامه. وقال ابن عقيل وقد قال أبو بكر قياس قول الإمام أحمد ومعناه قول الشافعي بالشطرنج وأنه إذا لم يأخذ العوض لم ترد شهادته انتهى كلامه. وظاهره أنه لا ترد شهادة لاعب الشطرنج بها إذا لم يأخذ العوض. وقال في الرعاية وقيل يكره فتقبل شهادة من لم يكثر. فظهر من ذلك أنه لا يحرم في وجه وأن عليه هل تقبل شهادة من أكثر منه فيه وجهان. وعلى التحريم قال القاضي في موضع هو كالنرد في رد الشهادة وهو قول أبي حنيفة ومالك. وقال أيضا في موضع اللعب بالشطرنج وسماع الغناء بغير آلة نقول فيه ما نقول في شرب النبيذ وأنه إذا فعل ذلك متأولا لم ترد شهادته وقد أومأ إليه أبو بكر في كتاب الخلاف من الشهادات لأنه حكى قول الشافعي في سماع المغني واللعب بالشطرنج وقال قياس قول أبي عبد الله على مذهب الشافعي لأن التأويل يحتملها وكذا حكى في المغني قول أبي بكر إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته إلا أن يشغله عن الصلاة عند أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب أو نحوه من المحرمات أو

أو الحمام أو يدخل الحمام بلا مئزر أو يأكل في السوق أو يمد رجليه في مجمع

_ يعلب بها على الطريق أو يفعل في لعبة ما يستخف به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة وهذا مذهب الشافعي كسائر المختلف فيه انتهى كلامه. وكذا مثل غير واحد من الأصحاب بحكاية ما يضحك منه الناس ونارنجيات وتعزيم وأكله في طريق الناس يرونه وبوله في شارع ومشرعة وكشف رأسه أو بطنه أو صدره أو ظهره في موضع لم تجر عادته بكشفه فيه وخطاب زوجته أو أمته حيث يسمع الناس بلا عذر واستماع الغناء وكشف عورته في حمام أو غيره وتحريش البهائم والجوارح للصيد ودوام اللعب والمعالجة بشيل الأحجار الثقال والمقيرات والأخشاب وما عده الناس سفها وإسقاط مروءة وما فيه المخاطرة بالنفوس والثقاف. وقال في الرعاية ويستحب تأديب الخيل والثقاف واللعب بالحراب وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررا ولا شغلا عن فرض إذا لم يكن فيه دناءة ولا ترد به الشهادة. وقال ابن عقيل في الفنون مثل الأكل على الطريق ومد الرجلين بين الجلساء وكشف الرأس بين الملأ والقهقهة وقال في موضع آخر الأرجوحة والتعلق عليها والترجيح فيها مكروه نهى عنه السلف وقيل إنها لعبة الشيطان فلا تقبل شهادة المدمن لها وقال في موضع آخر وتكره الأراجيح وكل ما يسمى لعبا إلا ما كان إعانة على الحرب كاللعب بالحراب والأسلحة والرماية وقال في موضع آخر فأما حبس المطربات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنهما في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا لأنه ليس من الحاجات لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش وحبسها تعذيب فيحتمل أن ترد باستدامته الشهادة ويحتمل أن لا ترد لأن ذلك ليس من الأمور البعيدة عن المباح وقال أيضا في موضع آخر في هذه المسألة أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا

الناس أو يتحدث بمباضعة أهله ونحوه.

_ لينوح فيستلذ بنياحته وقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها1. فإنما جازت شهادته لأن الإمام أحمد قد نص على أن القاضي إذا شهد بعد عزله على قضية أن شهادته تقبل فأولى أن تقبل شهادة القاسم وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والأصطخري. قال القاضي دليلنا أن القاسم بغير أجر يتصرف من جهة الحكم فوجب أن يقبل قوله فيه دليله الحاكم يقبل قوله فيما يحكم به به في حال ولايته عندهم وعندنا يقبل في حالة الولاية وبعد الولاية ولا يلزم عليه إذا قسم بأجرة لأن تصرفه لا يكون من جهة الحكم لأنه أجير وشهادة الأجير لا تجوز فيما يستحق عليه الأجرة لأن لهما فيه منفعة وهو استحقاق الأجرة متى صحت القسمة وهذا معنى كلام أصحاب القاضي كأبي الخطاب والشريف. قال الشيخ تقي الدين والتعليل الأول يقتضي أن قول القاسم خبر لا شهادة كالحاكم والتعليل الثاني ضعيف لأنه يوجب أن لا تقبل شهادتهما بالقيمة والقدر لأنهما يستحقان عليه الأجرة ولأن الأمناء تقبل أقوالهم فيما يستحقون عليه أجرة كالوصي في العمل والإنفاق وذلك لأنهما تراضيا بأن يكون حكما بينهما يجعل كالحاكم لو أعطيناه جعلا على ما ذكره بعض أصحابنا وشبيه بهذا ما لو رضي الخصم بشهادة عدوه أو أبى خصمه ومن يتهم عليه أو رضي بقضائه وكذلك شهادة الظئر المستأجرة بالرضاع وشهادة القابلة بالولادة انتهى كلام الشيخ تقي الدين. وقال أيضا بناها القاضي على أن شهادة الإنسان على فعل نفسه تقبل

وأما أصحاب الصناعة الدنية عرفا كالحارس والحائك والنخال والصباغ والحجام والكساح والقمام والزبال والكناس والدباغ والنفاط ونحوهم فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقهم في دينهم.

_ كالمرضعة ضعف مأخذهما من وافقه أنهما ليسا شهادة على فعل نفسه انتهى كلامه. وقال القاضي قال مالك والشافعي لا تجوز شهادتهما. قال الشيخ تقي الدين وكذلك قال القاضي في مسألة الحكم بالعلم في حكمه بعلمه سبب يوجب التهمة وهو أنه يثبت حكمه بقوله فهو كقاسمي الحاكم إذا شهدا بالقسمة لم يحكم بشهادتهما لأنهما أثبتا فعلهما بشهادتهما. وقوله: "وأما أصحاب الصناعة الدنيئة عرفا إلى آخره". فالنخال: الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها والقمام الذي يجمع القمامة وهي الكناسة ويحملها والفعل منه قم يقم والجمع قمام والمقمة المكنسة وقممت البيت كنسته. قوله: "فتقبل شهادتهم إذا عرف حسن طريقتهم في دينهم". لأن للناس حاجة إلى ذلك فرد شهادة فاعله تمنع من تعاطيه ومن الأصحاب من ذكر المسألة على الوجهين ومنهم من ذكر فيها روايتين. ووجه عدم القبول أن تعاطي ذلك يتجنبه أهل المروءات وقطع في الكافي أن الحائك والدباغ والحارث تقبل شهادتهم لغيرهم. وقطع في المغني بأن الكساح والكناس لا تقبل شهادتهم لغيرهم وهو معنى ما روى عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما. قال في الرعاية بعد حكاية الخلاف وكذا الخلاف في النخاس والدباب والوقاد والصائغ.

ولا يقبل مستور الحال منهم وإن قبلناه من غيرهم.

_ قال ابن حمدان وكذا الجصاص والطفيلي والقيم والمصارع والمصور والمكاري والحمال والجزار ومن لبس من الرجال زي النساء أو زي أهل الذمة أو غير زي بلده الذي يسكنه أو غير الزي المعتاد بلا عذر أو أكثر الضحك والاستهزاء بالناس وكلامهم وإطراحهم ومناكدتهم. وقال في المغني فأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا لا ترد الشهادة إلا من كان منهم يحلف كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه فلا شك أن شهادته ترد وكذلك من كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها أولا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له ومن كانت صناعته محرمة كصانع الزمامير والطنابير فلا شهادة له ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتق ذلك ردت شهادته. قال ولا تقبل شهادة الطفيلي وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوى وبه قال الشافعي ولا نعلم فيه خلافا قال لأنه يأكل محرما ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة فإن لم يتكرر هذا منه لم ترد شهادته فإنه من الصغائر. وقال الأزجي الحنبلي في نهاية المطلب له والصناعات تنقسم إلى مباح وهي مالا دين فيه ككتابة وبناء وخياطة وإلى حرام كتصوير ونحوه وإلى مكروه وهو ما يباشر فيه النجاسة كحجام وجزار. قال وهل يدخل الفاصد في هذه الكراهة الظاهر أنه يلتحق بذلك وكذلك الختان بل أولى لكونه يباشر العورات وعلى هذا يكره كل كسب

ولا تقبل شهادة الكفار إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم.

_ دنيء كدباغ وسماك وقيم وحلاق وقد قيل إن الحمامي يلتحق بهؤلاء والصحيح أنه لا يلتحق بهم انتهى كلامه. وذكره السماك في هؤلاء فيه نظر وصرح ابن عقيل في الفنون أنه لا تقبل شهادة الخياط وفي ذكره الخياط نظر. قوله: "إلا بالوصية في السفر ممن حضره الموت من مسلم أو كافر إذا لم يوجد غيرهم". كذا ذكره الأصحاب تصريحا وظاهرا قال القاضي نص عليه في رواية عبد الله فقال قال الله تعالى: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس ممن يرضى وقال تعالى: [95:5] {ذَوَا عَدْلٍ} وليسوا بعدول. فظاهر الآية يدل على أن لا شهادة لهم في المواضع التي أجازها أبو موسى الأشعري في السفر في الوصية. وكذلك نقل المروزي فقال الآية تدل على ذلك فيقسمان بالله ثم أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم وهذه ضرورة. قال الشيخ تقي الدين وهل تعتبر عدالة الكافرين في الوصية في دينهما عموم كلام الأصحاب يقتضي أنه لا يعتبر وإن كنا إذا قبلنا شهادة بعضهم على بعض اعتبرنا عدالتهم في دينهم. وصرح القاضي بأن العدالة غير معتبرة في هذه الحال والقرائن تدل عليه وكذلك الآثار المرفوعة والموقوفة. وأما المسلمون فصرح القاضي أنه لا تقبل شهادة فساق المسلمين في هذه الحال جعله محل وفاق واعتذر عنه انتهى كلامه.

وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل.

_ وسيأتي في ذكر مسألة ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء من كلامه ما يخالفه وقال أكثر العلماء منهم الأئمة الثلاثة لا تقبل شهادتهم على المسلمين بحال ولم أجد بهذا قولا في مذهبنا. وقد قال الإمام أحمد في رواية حرب وغيره لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى يقول: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليسوا ممن نرضى وظاهره كقول الأئمة الثلاثة إلا أنه صرح بخلافه في غير موضع. قوله: "وفي اعتبار كونهم من أهل الكتاب روايتان". إحداهما يعتبر قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأن الأصل عدم قبول خولف في أهل الكتاب لأن الأخبار المروية في ذلك إنما هي في أهل الكتاب فيقتصر عليها. والثانية لا يعتبر قدمه في الرعاية وهو ظاهر كلام جماعة في ظاهر قوله تعالى: [106:5] {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} . فعلى الأولى هل يعتبر كونهم من أهل الذمة ظاهر كلامه في المستوعب والمغني وابن هبيرة وغيرهم كلام أنه يعتبر وظاهر كلامه في الكافي وغيره أنه لا يعتبر وقدمه في الرعاية فهذا وجهان على هذه الرواية وقطع بعضهم بأنه يعتبر أن يكونوا رجالا ولم أجد ما يخالفه صريحا. قوله ويحلفهم الحاكم بعد العصر ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل للآية وتصريح خبر أبي موسى. قال ابن قتيبة لأنه وقت يعظمه أهل الأديان.

_ قال الشيخ تقي الدين هذا يناسب الشهادة والأمانة على المال ما خانوا في الأمانة ولا حرفوا الشهادة انتهى كلامه. قال في الرعاية يجب ذلك وقيل يستحب قال القاضي في ضمن مسألة تغليظ اليمين في الدعاوي يحمل الاستحلاف في الآية عليه إذا رآه الإمام أزجر للحالف يعني كاستحلاف الخصم. وقال القاضي في احكام القرآن يستحلف الشهود بعد صلاة العصر إذا كانوا من غير أهل ملتنا إذا اتهمهم الورثة في الشهادة لأنه قال: [106:5] {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كان الموصي المشهود له من ذوي قربى الشهود {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} فيما أوصى به الميت وأشهدهما عليه ولذلك قال فيما بعد: [108:5] {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الشهود عند ارتياب الورثة. قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن استحلاف الشهود حق للمشهود عليه فإن شاء حلفهم وإن شاء لم يحلفهم ليست حقا لله وهو ظاهر القرآن. فصل لو حكم حاكم بخلاف قولنا في هذه المسألة فهل ينقض حكمه. احتج به في المغني بالآية الكريمة ثم قال وهذا نص الكتاب وقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتهى كلامه. وقد عرف من مذهبنا أن حكم الحاكم ينقض إذا خالف نص كتاب أو سنة. وهذا يوافق ما قاله في الروضة "أن النص إذا تطرق إليه الاحتمال ولا دليل عليه لا يخرجه عن كونه نصا". قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن ينقض حكم الحاكم إذا حكم بخلاف هذه الآية فإنه خالف نص الكتاب بتأويلات غير متجهة انتهى كلامه.

_ وهذه المسألة قد يعايى بها يقال أين لنا مفردة لا يتحقق فيها خلاف عندنا لو حكم حاكم بخلاف قولنا فيها نقض حكمه. فصل المذهب أنه لا تقبل شهادة الكافر في غير الوصية في السفر وسيأتي الكلام في شهادة بعضهم على بعض وقال أبو حفص البرمكي تقبل شهادة السبي بعضهم على بعض في النسب إذا ادعى الآخر أنه أخوه. قال ابن عقيل ولا أعرفه التعليل يجب أن يكون تصحيحا لشهادة بعضهم على بعض في الجملة. وقال القاضي أبو الحسين في التمام لا تختلف الرواية إذا سبى قوم ثم عتقوا فادعوا أنسابهم لم يقبل إقرارهم حتى يقيموا البينة واختلفت الرواية هل من شرط البينة أن يكونوا من المسلمين؟ على روايتين. أصحهما لا تسمع إلا من مسلم وبه قال الشافعي والثانية تسمع من الكافر. وجه الأولى اختارها الخرقي ما روى الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى شريح أن لا تورث حميلا حتى تقوم بينة من المسلمين والحميل المجهول من النسب على غيره وقد جاء عن العرب حميل بمعنى محمول. ووجه الثانية أنه يتعذر إقامة المسلمين فأشبه الوصية في السفر تقبل فيها شهادة أهل الذمة لتعذر المسلمين هناك انتهى كلامه. وقد ذكر القاضي أبو يعلى هذه المسألة فقال وقد قال الإمام أحمد في السبي إذا ادعوا نسبا وأقاموا بينة من الكفار قبلت شهادتهم نص عليه في رواية حنبل وصالح وإسحاق بن إبراهيم لأنه قد تتعذر البينة العادلة ولم يجز ذلك في رواية عبد الله وأبي طالب لأنه لا نص في ذلك.

_ قال الشيخ تقي الدين فعلى هذا كل موضع ضرورة غير المنصوص فيه روايتان لكن التحليف هنا لم يتعرضوا له فيمكن أن يقال لأنه إنما يحلف حيث تكون شهادتهم بدلا في التحميل بخلاف ما إذا كانوا أصولا قد علموا من غير تحميل. وقال أيضا نقل ابن صدقة عن الإمام أحمد سئل الإمام أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضر إلا النساء هل تجوز شهادتهن قال نعم تجوز شهادتهن في الحقوق ذكرها القاضي مستشهدا بقبول الشهادة حال الضرورة. وظاهر هذه أنه تقبل شهادة النساء منفردات في الوصية مطلقا كما تقبل شهادة الكفار وهذا يؤيد ما ذكرته يعني ما تقدم من أنها تقبل في السفر والحضر إذا لم يكن ثم مسلم. وفي موضع آخر قال يعني القاضي نقلت من خط أبي حفص عن سندى1 القزاز قال وسئل عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضره إلا النساء هل يجوز شهادتهن في الحقوق يحتمل أنها تقبل مع يمين الموصى له كأحد الزوجين. ويتوجه أن يكون ذلك فيما ليس له منكر فإن الشهادة على الميت ليست كالشهادة على الحي فإنه إما أن يقر أو يجحد فإن جحد كل جحده معارضا لأحدهما وسلم الآخر بخلاف مالا معارض له ولهذا قلنا إن الإمام لا يرجع حتى يسبح به اثنان في الصلاة وهذا فرق معنوي. وقال أيضا قول الإمام أحمد أقبل شهادتهم إذا كانوا في سفر ليس فيه غيرهم هذه ضرورة فيقتضي عمومه أنها لا تقبل في السفر على كل شيء عند عدم

المسلمين فتقبل على الإقرار وعلى نفس الموت لأجل انتقال الإرث وزوال النكاح وعلى القتال وعلى غير ذلك وهذا هو القياس الجلي فإنها إذا قبلت على الوصية فلأن تقبل على الموت أولى وأحرى وليس في الوصية معنى إلا وقد يوجد في غيرها مثله أو أقوى أو قريب ولذلك قلنا شهادتهم في إحدى الروايتين بالنسب والولادة في مسألة الحميل إذ ليس هناك من يعلم النسب من المسلمين. قال وقوله: "هذه ضرورة" يقتضى هذا التعليل قبولها في كل ضرورة حضرا وسفرا وعلى هذا فشهادة بعضهم على بعض ضرورة فلو قيل إنهم يحلفون في شهادة بعضهم على بعض كما يحلفون في شهادتهم على المسلمين وأصحابهم في وصية السفر لكان متوجها ولو قيل بقبول شهادتهم مع أيمانهم في كل شيء عدم فيه المسلمون لكان له وجه وتكون شهادتهم بدلا مطلقا يؤيد ما ذكرته ما ذكره القاضي وغيره محتجا به وهو في الناسخ والمنسوخ لأبي عبيد "أن رجلا من المسلمين خرج فمر بقرية فمرض ومعه رجلان من المسلمين فدفع إليهما ماله ثم قال ادعوا لي من أشهده على ما قبضتماه فلم يجدوا أحدا من المسلمين في تلك القرية فدعوا أناسا من اليهود والنصارى فأشهدهم على ما دفع إليهما وذكر القصة فانطلقوا إلى ابن مسعود فأمر اليهود أن يحلفوا بالله لقد ترك من المال كذا ولشهادتنا أحق من شهادة هذين المسلمين ثم أمر أهل المتوفى أن يحلفوا أن شهادة اليهود والنصارى حق فحلفوا فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى وكان ذلك في خلافة عثمان رضي الله عنه". قال أبو العباس فهذه شهادة الميت على وصيته قد قضى بها ابن مسعود مع يمين الورثة لأنهم المدعون والشهادة على الميت لا تفتقر إلى يمين الورثة.

_ ولعل ابن مسعود أخذ هذا من جهة أن الورثة يستحقون بأيمانهم على الشاهدين إذا استحقا إثما فلذلك يستحقون على الوصيين بشهادة الذميين بطريق الأولى وهذا يؤيد ما ذكرته باطنها انتهى كلامه يعني باطن الورقة وسيأتي ذلك. فظهر من مجموع ذلك أنه هل تقبل شهادة الكفار في غير الوصية في السفر في كل شيء عند عدم المسلمين حضرا وسفرا أو لا تقبل في غير الوصية في السفر أو تقبل ضرورة في السفر خاصة أو تقبل في مسألة الحميل خاصة أربع روايات. وإذا قبلت شهادتهم فهل يحلفون فيه تفصيل سبق وقد قال ابن حزم اتفقوا على أنه لا يقبل مشرك على مسلم في غير الوصية في السفر. فصل قال الشيخ تقي الدين سنح لي في الآية [118:5-106] أن ورثة السهمي1 لما ادعوا الجام المفضض والمخوص فأنكر الوصيان الشاهدان أنه كان هناك جام على ظهر الجام المدعي وذكر مشتريه أنه كان اشتراه من الوصيين صار هذا لوثا يقوي دعوى المدعيين فإذا حلف الأوليان أن الجام كان لصاحبهم صدقا في ذلك وهذا لوث في الأموال نظير اللوث في الدماء لكن هناك ردت اليمين على المدعي بعد أن حلف المدعى عليه فصارت يمين المطلوب وجودها كعدمه كما أنه في الدم لا يستحلف ابتداء وفي كلا الموضعين يعطى المدعي بدعواه مع يمينه وإن كان المطلوب حالفا أو باذلا للحالف وفي استحلاف الله للأوليين دليل على مثل ذلك في الدم حتى تصير يمين الأوليين مقابلة ليمين المطلوبين في حديث ابن عباس رضي الله عنهما "حلفا أن الجام لصاحبهم" وفي حديث عكرمة "ادعيا أنهما اشترياه منه فحلف الأوليان على

_ أنهما ما كتما ولا غيبا" وهي أشياء فكان في هذه الرواية أنه لما كذبهما بأنه لم يكن له جام ردت الأيمان على المدعيين في جميع ما ادعوه. فجنس هذا الباب أن المطلوب إذا حلف ثم ظهر كذبه هل يقضي للمدعى بيمينه فيما يدعيه لأن اليمين مشروعة في جانب الأقوى فإذا ظهر صدق المدعي في البعض وكذب المطلوب قوى جانب المدعي فحلف كما يحلف مع شاهد واحد وكما يحلف صاحب اليد العرفية مقدما على اليد الحسية. قال وقال القاضي في أحكام القرآن قوله تعالى [107:5] {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعني ظهور شيء من مال الميت في يد الوصي لم يشهدا به {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} يعني في اليمين لأن الوصي يحصل مدعيا والورثة ينكرونه فصارت اليمين عليهم وعسي أنه لو لم يكن للميت إلا وارثان فكانا يدعيا عليها لأن هذه الآية وردت على سبب معين فيحتمل أن يكون الورثة اثنان. وقال في مسألة القضاء بالنكول هذه الآية وردت في شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر إذا شهدوا على الميت وحلف الشهود إذا كانوا من أهل الذمة ثم ظهر في يد الوصي شيء من مال الميت لم يشهد به الشهود فإن للورثة أن يحلفوا أنه لم يوص به لأنهم منكرون لدعوى الوصي أنه موصى له فيكون قوله تعالى: [108:5] {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} يعني أيمان الورثة فيما ظهر أنه لم يكن موصى به بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به. قال الشيخ تقي الدين كيف بعد أيمان الشهود أنه كان موصى به وقد قال لم يشهد به الشهود لكن كأنه قصد بعد أيمان الشهود فيما شهدوا أنه موصى به وهذا المعنى ضعيف لأن رد اليمين بهذا الاعتبار لأوصيتم1 على

_ به حتى يحلفوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم اللهم إلا أن يقال هذا يحملهم على أن يشهدوا بجميع ما قبضه الوصي ولا يكتموا الشهادة ببعض ما قبضه لئلا ترد لكن الشهادة عليه بالقبض ليست شهادة على الميت وهل حكمها حكمها قد بينته في غير هذا الموضع. وقال يعني القاضي من يقول يرد اليمين على المدعي إذا نكل المطلوب يقول معنى الآية أقر برد أيمان عند عدم أيمانهم. وقال الشيخ تقي الدين وقد ذكر المالكية مسألة يحكم فيها بيمين المدعيين على أحد القولين وهو ما إذا غار قوم على بيت رجل فأخذوا ما فيه والناس ينظرون إليهم ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوه ولكن على أنهم أغاروا وانتبهوا فقال ابن القاسم وابن الماجشون القول قول المنتهب مع يمينه لأن مالكا قال في منتهب الصرة يختلفان في عددها القول قول المنتهب مع يمينه وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب القول قول المنتهب منه مع يمينه فيما يشبه ويحمل على الظالم قال مطرف ومن أخذ من المغيرين ضمن ما أخذه رفاقه لأن بعضهم عون لبعض كالسراق المحاربين ولو أخذوا جميعا وهم أملياء كل واحد منهم ما ينوبه وقال ابن الماجشون وأصبغ في الضمان قالوا والمغيرون كالمحاربين إذا شهروا السلاح على وجه المكابرة كان ذلك على أصل ما مره بينهم1 أو على وجه الفساد وكذلك والى البلد يغير على أهل ولايته وينهب ظلما مثل ذلك في المغيرين. قال الشيخ تقي الدين المحاربون قصدهم المال مطلقا والمغيرون قصدهم من قوم بأعيانهم. قال ابن القاسم ولو ثبت أن رجلين غصبا عبدا ففات فله به أخذ قيمته من المليء ويتبع المليء ذمة رفيقه المعدم بما ينوبه انتهى كلامه.

وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض.

_ فصل قال القاضي لا يحلف الشاهد على أصلنا إلا في موضعين هنا وفي شهادة المرأة بالرضاع. قال الشيخ تقي الدين هذان الموضعان قبل فيهما الكافر والمرأة وحدها للضرورة فقياسه أن كل من قبلت شهادته للضرورة استحلف. قوله: "وعنه تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض". نقل الجماعة المروذي وأبو داود وحرب والميموني لا تجوز شهادة بعضهم على بعض ولا على غيرهم لأن الله تعالى قال: [282:2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وليس الذمي ممن نرضى وبه قال مالك والشافعي. قال القاضي ونقل حنبل عنه تجوز شهادة بعضهم على بعض. واختلف أصحابنا في ذلك فقال أبو بكر الخلال وصاحبه غلط حنبل فيما نقل والمذهب أنه لا تقبل. وكان شيخنا1 يحمل المسألة على روايتين إحداهما تجوز شهادة بعضهم على بعض على ظاهر ما رواه حنبل والثانية لا تجوز وهو الصحيح انتهى كلامه. قال أبو الخطاب وقال ابن حامد وشيخنا المسألة على روايتين قال وهو الصحيح فإن حنبلا ثقة ضابط وروايته أقوى في باب القياس ويعضد هذا أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أجاز شهادتهم على المسلمين في الوصية في السفر فلولا كونهم أهلا للشهادة لما جازت ونصر أبو الخطاب هذه الرواية وهي قول أبي حنيفة وجماعة.

_ قال الشيخ تقي الدين وهي إن شاء الله أصح انتهى كلامه وقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة بعضهم على بعض رواه ابن ماجة وغيره من رواية مجالد وهو ضعيف عند الأكثر ويحتمل أنه أراد اليمين فإنها تسمى شهادة قال الله تعالى: [6:24] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} . وقال الشيخ تقي الدين وهذا الخلاف على أصلنا إنما هو حيث لا نجيز شهادتهم على المسلمين فأما إذا أجزنا شهادتهم على المسلمين فعلى أنفسهم أولى كما ذكره الجد في الوصية في السفر وقد ذكر في قبول شهادتهم في كل ضرورة غير الوصية روايتين كالشهادة على الأنساب التي بينهم في دار الحرب فعلى هذه الرواية تقبل شهادة بعضهم على بعض في كل موضع ضرورة كما تقبل على المسلمين وأولى بنفي التحليف وضرورة شهادة بعضهم على بعض أكثر من ضرورة المسلمين فيقرب الأمر انتهى كلامه وقد تقدمت هذه الرواية التي ذكرها. وأما على الرواية التي تقبل شهادة بعضهم على بعض فتقبل مطلقا بعضهم تصريحا وبعضهم ظاهرا لما في تكليفهم إشهاد المسلمين من الحرج والمشقة وعلى هذه الرواية لا يختلف. وتقدم كلام الشيخ تقي الدين فتارة مال إليه مطلقا وتارة فصل وعلى هذه الرواية تعتبر عدالته في دينه صرح به القاضي وأبو الخطاب وغيرهما ولم أجد ما يخالفه صريحا. فصل ترجم القاضي وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض. وترجم أبو الخطاب وغيره المسألة بقبول شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض وقال في أثناء بحث المسألة فأما الحربي فلا تقبل شهادته على أهل ذمتنا.

وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان والأول المذهب. ولا تقبل شهادة الصبيان بحال.

_ لعلوه على ذمة الإسلام ولانقطاع الولاية بينه وبين أهل الذمة فأما شهادته على حربي مثله فتقبل. فظهر من ذلك أنه هل تقبل شهادة المستأمن والحربي أولا أو تقبل على مثله خاصة فيه ثلاثة أقوال وأنه هل تقبل شهادة الذمي على المستأمن والحربي فيه قولان. قوله: "وفي اعتبار اتحاد الملة وجهان". ذكر أبو الخطاب وغيره ما معناه أنه إنما لم تقبل شهادتهم على المسلمين لأنهم يعادونهم بالباطل وشهادة العدو لا تقبل ولا يلزمنا شهادة اليهود على النصارى فإنا لا نقبلها إذا قلنا الكفر ملل وهو رواية لنا وبه قال قتادة والزهري وابن أبي ليلى وأبو عبيدة وإسحاق. وإذا قلنا الكفر ملة واحدة وهي رواية لنا قبلناها وهو قول أبي حنيفة وبينهم عداوة ظاهرة وهي عداوة بباطل ويجوز أن يقال بل وعدواتهم بحق لأن اليهود تنكر على النصارى قولهم المسيح ابن الله وهو إنكار بحق والنصارى تنكر على اليهود جحد نبوة عيسى وقولهم عزيز ابن الله وهو إنكار بحق فقبلت شهادتهم كشهادة المسلمين عليهم. قوله: "ولا تقبل شهادة الصبيان بحال". هذا هو المذهب وذكر جماعة أنه أصح الروايات منهم القاضي وقال نقل ذلك الميموني وحرب وابن منصور فقال لا تجوز شهادة الصبي حتى يحتلم أو يتم له خمسة عشر سنة وهو اختيار الخرقي وأبي بكر انتهى كلامه واختاره غيرهما من الأصحاب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.

وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفرقهم عن الحال التي تجارحوا عليها.

_ قوله: "وعنه تقبل من المميزين إذا وجدت فيهم بقية الشروط". قال القاضي وفي رواية أخرى تجوز شهادته في الجملة إذا كان مميزا وهو ظاهر ما رواه ابن إبراهيم وسئل هل تجوز شهادة الغلام قال إذا كان ابن عشر سنين أو اثنى عشرة سنة وأقام شهادته جازت شهادته انتهى كلامه. وهذا النص إنما يدل لما ذكره بعض الأصحاب من أنه تقبل شهادة ابن عشر لأنه يضرب على الصلاة أشبه البالغ ولم أجد ما ذكره المصنف نصا عن الإمام أحمد ووجهه أنه مأمور بالصلاة أشبه البالغ وقد يقال إذا وجدت فيه بقية الشروط يدخل في قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قال ابن حامد تقبل على هذه الرواية في غير الحدود والقصاص كالعبد. قوله: "وعنه لا تقبل إلا في الجراح إذا أدوها قبل تفريقهم عن الحال التي تجارحوا عليها". لأن الظاهر صدقهم وضبطهم وإذا تفرقوا احتمل أن تلغو. قال القاضي وفيه رواية أخرى تجوز شهادتهم في الجراح والقتل إذا جاءوا مجتمعين على الحال التي تجارحوا عليها أو يشهد على شهادتهم قبل أن يتفرقوا ولا يلتفت بعد ذلك إلى رجوعهم فأما إن تفرقوا ثم شهدوا بها لم تقبل وهذا ظاهر ما نقله حنبل عنه تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح فإذا كانوا في المالا1 بأنهم عقلوا.

_ قال القاضي فقد أطلق القول بجوازها في الجراح لكنه محمول على التفصيل الذي ذكرناه لأنه صار في ذلك إلى قول على وهو على ذلك الوجه وذكر القاضي أن هذا قول مالك ومن الأصحاب من جمع ذلك وذكر روايتين. قال القاضي بعد كلامه المذكور وقد ذكر أبو بكر هذه الرواية على التفصيل الذي ذكرنا في تعاليق أبي إسحاق فقال روى عن علي رضي الله عنه قال شهادة الصبيان بعضهم على بعض تجوز ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل قال أحمد ابن حنبل كذلك وزاد فإذا تفرقوا لم تقبل لأنه يمكن أن يجيبوا انتهى كلامه وليس ما ذكره موافق لما ذكره القاضي وإنما هو رواية أخرى بقبول شهادتهم بعضهم على بعض في كل شيء ما كانوا في الموضع فإذا تفرقوا لم تقبل. قال الإمام أحمد في رواية المروزي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا سعيد عن قتادة عن خلاس أن عليا قال شهادة الصبيان على الصبيان جائزة وذكره في المغني عن علي وعن جماعة وهو قول في الرعاية فقال وقيل تقبل على مثله وعن أحمد ما يدل عليه قال عبد الله سألت أبي عن شهادة الصبيان فقال علي أجاز شهادة الصبيان الذين عرفوا بعضهم على بعض وروى سعيد حدثنا هاشم عن مغيرة عن إبراهيم قال "كانوا يجيزون شهادة الصبيان بعضهم على بعض فيما كان بينهم" فهذه ثمانية أقوال في المذهب إن لم يكن رواية عن الإمام أحمد وسيأتي في الفصل بعد هذا حكاية القاضي أن شهادتهم بالمال لا تقبل. فصل قال الشيخ تقي الدين وذكر القاضي أنه لا يقبل إقراره وفاقا قال وهذا عندي عجيب واعتذروا عنه بأن إقراره لا يكون إلا بالمال إما عليه وإما

ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه.

_ على غيره قال وذكر عنهم أن الخلاف في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل قال الشيخ تقي الدين وهذا أيضا عجيب فإن الصبيان لا قود بينهم وإنما الشهادة بما يوجب المال وما أظن إلا أنهم أسقطوا الإقرار لأن العاقلة لا تحمل الاعتراف بخلاف المشهود به ولا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض وهل تقبل شهادة الصبيان على المعلم ذكرابن القصار فيه خلافا بين أصحابه انتهى كلامه. وذكر في المغني أن إقرار الصبي لا يصح بغير خلاف نعلمه واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام."رفع القلم عن ثلاث فذكر منهم الصبي حتى يبلغ" ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح منهم كالبلغ وما ذكره القاضي من أن الخلاف عنهم في الشهادة على الجراح الموجب للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل تقدم أنا قبلنا شهادتهم وقال ابن حامد في غير الحدود والقصاص كالعبد. وما ذكره من أنها لا تقبل في إتلاف بعضهم ثياب بعض هذا ينبغي أن يكون على رواية حنبل لا تقبل إلا في الجراح أما على غيرها من روايات القبول فتقبل وحكاية ابن القصار الخلاف في قبول شهادتهم على المعلم يدخل في الأقوال السابقة القبول وعدمه والمذهب عدم القبول مطقا كما تقدم. قوله: "ولا تقبل شهادة الأخرس بالإشارة نص عليه". فقال في رواية حرب من كان أخرس فهو أصم لا تجوز شهادته وهذا هو المذهب المنصور وبهذا قال أبو حنيفة وحكاه القاضي وغيره عن الشافعي لأنها محتملة والشهادة يعتبر فيها اليقين فلم تقبل كإشارة الناطق وإنما قبلت في أحكامه المختصة به كالطلاق والعتق والنكاح والبيع واللعان واليمين للضرورة

وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل. وقيل تقبل بالإشارة ممن فهمت منه فيما طريقة الرؤية وقد أومأ إليه أيضا. وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وبما سمعه قبل صممه.

_ وهي هنا معدومة وهي أن تلك الأشياء لا تستفاد إلا من جهته بخلاف الشهادة وقال القاضي وقد قيل إن تلك الأشياء ينبنى أمرها على غالب الظن دون الشهادة. قوله: "وتوقف فيما إذا أداها بخطه واختار أبو بكر أن لا تقبل وعندي أنها تقبل". قيل للإمام أحمد في رواية حرب فإن كتبها فقال لم يبلغني فيه شيء قال أبو بكر عبد العزيز لا يعمل على الكتاب والشهادة لا تجوز على من لا يعرف. وكأن وجه قول أبي بكر وصاحب المحرر الاختلاف في الكتابة هل هي صريحة حتى لو كتب طلاق امرأته ولم ينو فيه قولان. قوله: "وقيل تقبل بالإشارة الخ". هذا قول مالك لأنها أقيمت مقام نطقه في أحكامه فكذا في شهادته وحكاه في المغني عن الشافعي وهذا أحد الوجهين في مذهبه والأصح فيه عدم القبول. قوله: "وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وفيما سمعه قبل صححه". لأنه في ذلك كمن لا صمم به ولأنه فيما رآه كغيره من الناس وقال الشيخ تقي الدين قال القاضي في مسألة الأعمى العمى فقد حاسة لا تمنع النظر1

وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات.

_ والسمع فلم تمنع من تحمل الشهادة كفقد الشم والذوق ولا يلزم عليه الخرس لأنه يمنع النطق ولا يلزم عليه الصمم لأنه يمنع السمع ولذلك قال بعد ذلك لا ينتقض بالأخرس وبالأطرش ثم قال الأصم لا يجوز قضاؤه ويصح أداء الشهادة منه ذكره محل وفاق. قوله: "وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات". يجوز للأعمى تحمل الشهادة فيما طريقه الصوت كالنسب والموت والملك المطلق والوقف والعتق والولاء وسائر العقود كالنكاح والبيع والصلح والإجارة والإقرار نص عليه في رواية مهنا فقال تجوز شهادة الأعمى في نسب الرجل إذا عرف أنه فلان وتجوز في النكاح شهادة مكفوفين ولا تجوز شهادة أعمى في الزنا ولذلك نقل الأثرم عنه قال إذا كان شيئا يضبطه مثله في النسب وما أشبهه ودار قد عرف حدودها قبل عماه فإن كان أعمى لم يزل فعلى ما يشبه أن يقوم به مثله ذكره القاضي وهو معنى كلام غيره وهو قول مالك وابن المنذر وروى عن علي وابن عباس قال أحمد في رواية مهنا قد أجاز على شهادة أعمى يروى من حديث أبي عوانة عن الأسود بن قيس أن عليا "أجاز شهادة أعمى" واحتج في الرواية محمد بن الحكم بالذين سمعوا من عوانة مثل الأسود وغيره وهذا أعظم لأنه يؤخذ به ويعمل به ويحكم لأنه يحصل له العلم بذلك وتجوز روايته بالسماع واستماعه لزوجته فجازت شهادته كالبصير وهذا بخلاف ما طريقه الرؤية لأنه لا رؤية له وقال أبو حنيفة لا تقبل في شيء أصلا مع تسليمه أن النكاح ينعقد بشهادة أعميين قال الإمام أحمد في رواية مهنا شهد قتادة عند إياس بن معاوية وهو أعمى فرد شهادته وقال الشافعي تقبل في ثلاث مواضع أحدها ما طريقه الاستفاضة كالنسب

وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان.

_ والموت والنكاح ونحوه والثاني الضبط وهو أن يتعلق بإنسان فيسمع إقراره فيجوز أن يشهد عليه الثالث في الترجمة. قوله وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه. وبه قال الشافعي لما تقدم ولحدوث الصمم وروى الخلال عن إسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن شهادة الأعمى فيما قد عرفه قبل أن يعمى فقال جائز في كل ما ظنه مثل النسب ولا تجوز في الحدود وقال أبو حنيفة لا تجوز أصلا وذكر أحمد عن أصحاب أبي حنيفة الجواز في هذه المسألة. قوله: "فإن لم يعرفه إلا بعينه فوصفه فوجهان". من الأصحاب من يعيد هذا إلى المسألة الأخيرة قال القاضي فإن تحمل الشهادة على الأفعال ثم آداها وهو أعمى جاز سواء كان على الاسم والنسب أو على الأعيان دون الاسم والنسب على ظاهر ما رواه الأثرم عنه. وقوله: "إذا كان شيئا يضبطه وقد عرفه قبل عماه". قال وقال أصحاب الشافعي إن كان قد تحملها على الاسم والنسب جاز وجها واحدا وإن كان على الأعيان فعلى وجهين. وقال بعض أصحابنا بعد أن ذكر هذين الوجهين وكذا قيل إن عرفه بصوته فوصفه للحاكم بما يميزه فيه الوجهان ووجه الجواز عموم ما تقدم ووجه عدمه أن هذا مما لا ينضبط غالبا. فصل فأما الشهادة على الأفعال فلا تجوز ذكره القاضي محل وفاق واعتذر

_ بأن الأفعال طريقها المشاهدة وذلك لا يمكن حصوله من الأعمى وكذلك ذكره غير القاضي. قال الشيخ تقي الدين ما علمه بالاستفاضة كالولادة شهد به على قول الخرقي انتهى كلامه وهو معنى كلام القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما لأنه فيما علم بالاستفاضة كالبصير. فصل قال الشيخ تقي الدين بعد مسألة شهادة الأعمى كذلك إذا تعذر وجود1 المشهود عليه بموت أو غيبة أو حبس فشهد البصير على حليته إذ في الموضعين تعذرت الرؤية من الشاهد فأما الشاهد نفسه هل له أن يعين من رآه وكتب صفته أو ضبطها ثم رأى شخصا بتلك الصفة هذا أبعد فإن ذاك تعريف من الحاكم وهذا تعريف من الشاهد وهو شبيه بخطه إذا رآه ولم يذكر الشهادة انتهى كلامه. فصل فإن قال الأعمى أشهد أن لفلان علي هذا شيئا ولم يذكر اسمه ونسبه أو شهد البصير على رجل من وراء حائل ولم يذكر اسمه ونسبه لم يصح ذكره القاضي محل وفاق أصلا للمخالف وفرق بأن المشهود عليه مجهول. قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب أنه إذا سمع صوته صحت الشهادة عليه أداء كما تصح الشهادة عليه تحملا فإنا لا نشترط رؤية المشهود عليه حين التحمل ولو كان الشاهد بصيرا فكذلك لا نشترطها عند الأداء وهذا نظير إشارة البصير إلى الحاضر إذا سماه ونسبه وهو لا يشترط في أصح الوجهين فكذلك

_ إذا أشار إليه لا تشترط رؤيته قال وعلى هذا فتجوز شهادة الأعمى على من عرف صوته وإن لم يعرف اسمه ونسبه ويؤديها عليه إذا سمع صوته. فصل قال القاضي ضمن المسألة وأيضا فإن حدوث العمى بعد تحمل الشهادة لم يتعذر معه إلا معاينة المشهود عليه والإشارة إليه وهذا لا يمنع من سماع شهادته وقبولها لأن المقصود بمعاينته والإشارة إليه هو تعيينه وتمييزه عن غيره ليصير معلوما عند الحاكم فيتمكن بذلك من إنفاذ الحكم عليه وهذا يحصل مع حدوث العمى بما يصفه بلسانه من اسمه ونسبه وصفاته التي تميزه وتعينه. فإن قيل لو كان التعيين باللسان يقوم مقام الإشارة لوجب أن يصح في البصر إذا شهد قيل يصح ذلك من البصير من غير حضور الخصم ويكون التعيين باللسان بناء على قولنا في القضاء على الغائب وسماع البينة عليه فإن حضر الخصم احتمل أن تقبل الشهادة عليه من غير إشارة إليه إذا ذكر اسمه ونسبه وهو الصحيح واحتمل أن تجب الإشارة إليه مع الحضور لأنه أقرب إلى علم الحاكم به وفصل الحكم بينه وبين خصمه بخلاف الأعمى فإن فصل الحكم يحصل بسماع كلامه لتعذر الإشارة من جهته بدليل جواز الشهادة على الغائب عند المخالف بلا إشارة وإذا حضر وجبت الإشارة. قال الشيخ تقي الدين الأعمى تمكن منه الإشارة إذا عرف الصوت قال القاضي وأيضا فإنه ليس من شرط صحة الشهادة معاينة المشهود عليه بدليل اتفاقهم على جواز الشهادة على الميت والموكل الغائب. وقال أيضا تعيين الشهود عليه للحاكم يحصل بالتسمية والنسبة والصفة.

ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا.

_ قال الشيخ تقي الدين فقد سووا بين شهادة الأعمى وبين شهادة البصير على الغائب والميت وفي شهادة الأعمى بالصفة دون الاسم والنسب وجهان فكذلك الشهادة على الغائب والميت والضابط أن كل شهادة على غير معاين فإنه يشهد فيه بالاسم والنسب إن عرفه وإن لم يعرفه ففي الشهادة بالجلية وجهان. فصل وقد تقدم بعض ذلك عند قوله في المحرر "والسماع على ضربين". فصل ولا يمتنع أن تقبل شهادة الأعمى قياسا على شهادة غيره على ظاهر كلامه وإطلاقه. قوله: "ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه بها نفعا". للتهمة وقد تقدم الحديث في ذلك قال صالح قال أبي كل من شهد بشهادة يجر بها إلى نفسه شيئا شهادته وكذا نقل عنه أبو الحارث ونص أحمد في رواية أبي الصقر أن كل من جر إلى نفسه منفعة لا تجوز شهادته ويدخل في كلامه وكلام غيره ما صرح به ابن عقيل وغيره من أنه لو لم يحكم بشهادتهما حتى مات المشهود له فورثاه لم يحكم بشهادتهما لأنه لو حكم حكم بشهادة الشاهدين لأنفسهما. ومراده في المحرر "من يجر إلى نفسه بها نفعا" حال الشهادة بدليل ما يأتي وهو معنى كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى فلو شهد غير وارث فصار عند الموت وارثا سمعت دون العكس كذا ذكر بعضهم هذه المسألة.

كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده والوصي للميت والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر.

_ وتحريرها على ما ذكره بعضهم أن طرآن الإرث بعد الحكم بالشهادة لا يضر كطرآن الفسق وإن كان طرأ قبل الحكم بالشهادة لم يحكم بها لأنهما صارا مستحقين كما لو طرأ الفسق قبل الحكم. قوله: "كشهادة السيد لمكاتبه والمكاتب لسيده". وذكر القاضي شهادة المرء لنفسه أو لعبده لا تجوز جعله محل وفاق في مسألة مجهول النسب. قوله: "والوصي للميت". لأنه يأكل منه عند الحاجة ولأنه يثبت له فيه حق التصرف قال ابن منصور قلت للإمام أحمد سئل سفيان عن شهادة الوصي قال إذا شهد على الورثة جاز وإذا شهد لهم لم يجز وقال حرب سمعت الإمام أحمد يقول شهادة الوصي إذا كان لا يجر إلى نفسه شيئا جائزة وهذا مذهب الأئمة الثلاثة. قال في المغني والحكم في أمين الحاكم يشهد للأيتام الذين هم تحت ولايته كالحكم في الوصي قياسا عليه فأما شهادته عليه فمقبولة كما نص عليه الإمام أحمد وهو ظاهر كلام الأصحاب قال في المغني لا نعلم فيه خلافا. وقال القاضي ويخرج على ذلك ما قاله في الأب من الروايتين يعني في شهادته على ولده. وذكر الشيخ تقي الدين أنها تجوز قال إلا أن يقال قد يستفيد بهذه الشهادة نوع ولاية في تسليم ومثله شهادة المودع وفي مثله أودعنيها فلان وملكها فلان. قوله: "والغرماء للمفلس بالمال بشرط الحجر لتعلق حقوقهم به".

وأحد الشفيعين يعفو الآخر عن شفعته والوكيل لموكله أو الشريك لشركيه بما هو وكيل أو شريك فيه.

_ وقيل الحجر إنما يتعلق حقوقهم بذمته وثبوت المطالبة لهم لم تثبت بشهادتهم بل بيساره وإقراره لدعواه الحق الذي شهدوا به وذكر القاضي أنه إذا شهد لغريمه المعسر بمال قبلت شهادته وإن كان يستفيد القضاء جعله محل وفاق لأن دينه ثابت في ذمة غريمه سواء كان غنيا أو فقيرا وحق المطالبة ثابت أيضا وليس يثبت بشهادته له حقا لنفسه لم يكن ثابتا قبل ذلك وإختار ابن حمدان أنه لا تقبل شهادته قبل الحجر مع إعساره وذكر القاضي أيضا وغيره أنه إذا شهد الأخ المعسر لأخيه المعسر بمال قبلت شهادته وله النفقة1 جعله محل وفاق كما تقبل الشهادة على رجل أنه أخذ من بيت المال وإن جاز أن يثبت له حق في بيت المال. قوله: "وأحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته". لأنه متهم لتوفرها عليه وتقبل بعد إسقاطه شعفته لعدم التهمة. قوله: "والوكيل لموكله والشريك لشريكه بما هو وكيل أو شريك فيه". نص عليه الإمام أحمد في الشريك لشريكه في رواية ابنيه وغيرهما وعلل بجر المنفعة وقال في المغني بعد أن ذكر أنه قول جماعة منهم الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا فإن شهد الوكيل لموكله بعد العزل فوجهان وإن كان

والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده. ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا.

_ قد خاصم فيه ردت وكذلك شهادة الوصي ليتيم في حجره فإن شهد على موكله قبلت وذكر الشيخ تقي الدين فيه كلامه المكتوب في شهادة الوصي على الميت. قوله: "والوارث يجرح موروثه قبل اندماله ونحوهم" لأنه قد يسرى إلى النفس فتجب الدية للشاهد ابتداء. قوله: "وفي شهادة الوارث لموروثه في مرضه بدين وجهان". أحدهما لا تقبل لأنه قد انعقد سبب استحقاقه بدليل أن عطيته للوارث وفي الزائد على الثلث يقف على الإجازة وكالمسألة قبلها والثاني تقبل ذكر في المغني أنه الأظهر كما لو شهدا له وهو صحيح والحق المشهود به في هذه المسألة إنما يحب للمشهود له ثم احتمال انتقاله إلى الشاهد لا يمنع الشهادة له كالشهادة لغريمه. قوله: "فإن قلنا تقبل فحكم بها لم يتغير الحكم بالموت بعده". وكذا ذكر الشيخ موفق الدين وغيره لما تقدم من أن طرآن المانع بعد الحكم بالشهادة لا يؤثر فيها كالفسق. قوله: "ولا تقبل شهادة من يدفع بها عن نفسه ضررا كشهادة من لا تقبل شهادته لإنسان يجرح الشاهد عليه". قال حرب سمعت الإمام أحمد يقول لا تجوز شهادة دافع الغرم لأنه يدفع عن نفسه وقد تقدم الحديث في ذلك وقد قال الزهري مضت السنة في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين والظنين المتهم وروى سعيد

كشهادة من لا تقبل شهادته للانسان يجرح الشاهد عليه.

_ حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر عن طلحة بن عبد الله ابن عوف قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه ولا شهادة لخصم ولا ظنين مرسل جيد. قوله: "كشهادة من لا تقبل شهادته". ليس مثالا ومراده والله أعلم شهادة من يدفع عن نفسه بها ضررا لا تقبل ولو كان قال ولا شهادة من لا تقبل شهادته كان حسنا. قال الشيخ تقي الدين عن كلامه في المحرر هذا ما دفع الضرر عن نفسه وإنما دفعه عمن لا يشهد له فهو بمنزلة من جر بشهادته إلى من لا يشهد لا يشهد له فلو قيل لا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه أو إلى من يتهم له أو يدفع عن نفسه أو من يتهم له لعم نعم لو جرح الشاهد على نفسه انتهى كلامه. وقد ذكر في الرعاية الكبرى في شهادة الوالد لولده والعكس أن مكاتب والديه وولده كهما في ذلك وذكر ابن عقيل أنه لا تقبل شهادة العبد لمكاتب سيده. قال ويحتمل على قياس ما ذكرناه أن لا تصح شهادته لزوج مولاته بالحقوق لأن في ذلك جر نفع لسيدته وبعضها يعود بنفعه انتهى كلامه. وكلام أكثرهم يدل على القبول ويدخل في كلامه في المحرر شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ لدفعهم الدية عنهم وظاهره قبول شهادته إذا كان لا يحمل من الدية شيئا لفقره أو لبعده وهو ظاهر كلام غيره. وذكر غير واحد احتمالين أحدهما هذا والثاني لا تقبل لجواز أن يؤسر أو يموت قبل الحلول فيحمل. فظهر أن احتمال تجدد الحق له لا يمنع قبول الشهادة إلا أن يجب له ابتداء

ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على قذفه أو قطع الطريق عليه.

_ كشهادة الوارث لموروثه بالجرح قبل الاندمال وإلا لمن يعتقد سبب استحقاقه كشهادة الوارث لمورثه في المرض فإن في هذه المسألة وجهين كما تقدم واحتمال تجدد الحق عليه لا يمنع إلا بعد وجود السبب كمسألة العاقلة. قوله: "ولا تقبل شهادة العدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه". أطلق العداوة وليس كذلك ولعل المثال يؤخذ منه تقييد المطلق وهو مراده قال القاضي شهادة العدو على عدوه غير مقبولة ذكره الخرقي فقال لا تقبل شهادة خصم وإنما يكون هذا في عداوة لا تخرجه عن العدالة مثل الزوج يقذف زوجته ولا تقبل شهادته عليها وكذلك من قطع عليه الطريق لا تقبل شهادته على القاطع وقد أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور في رجل خاصم مرة ثم ترك ثم شهد لم تقبل وهو قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة تقبل وهذا في عداوة لا تخرج إلى الفسق فإذا أخرجت فلا خلاف فيها واحتج القاضي وغيره بالأحاديث السابقة قال القاضي ولأنه متهم في شهادته بسبب منهى عنه فوجب أن لا تقبل شهادته كالفاسق. قال الشيخ تقي الدين وهذا جيد والمقطوع والمقذوف ليس في حقه سبب منهى عنه فهذا يخالف ما ذكره أولا اللهم إلا أن يراد به عادي قاذفه وقاطعه فإن هجره المنهي عنها فهذا أقرب لكن يخالف ما ذكر أولا في الظاهر. وكذلك قال القاضي في الفرق بين عداوة المسلم للذمي وعداوته للمسلم مع أن عداوة المسلم للذمي مأمور بها وعداوة المسلم للمسلم منهي عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. "لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عبادا لله إخوانا".

_ فلم يكن اعتبار إحداهما بالأخرى لأن المسلم يعادي الذمي من طريق الدين وهو لا يدعوه إلى ما يخاف من ذنبه ومن الكذب عليه وعداوة المسلم للمسلم عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وهذا يحمل من طريق العادة والجبلة على مخالفة الدين والإضرار به بالكذب والمين. قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أن عدواة المتدين بذلك متأولا لا تمنع قبول الشهادة فصار على الظاهر فيها ثلاثة أوجه انتهى كلامه. وقال أيضا ليس في كلام أحمد ولا الخرقي تعرض للعدو وإنما هو الخصم والتفريق بين الخصم في الحديث موافق لما قلت وقد يخاصم من ليس بعدو وقد يعادي من ليس بخصم وإنما الخصم هو المدعي أو المدعى عليه فشهادته شهادة مدع أو مدعى عليه ولا يجوز أن يراد به أن كل من خاصم شخصا في شيء مرة لم تقبل شهادته عليه في غير ذلك إذا لم يكن بينهما إلا مجرد المحاكمة فإن محاكمته في ذلك الشيء بمنزلة مناظرته في علم وقد يكون المتحاكمان عارفين للحق لا يدعي أحدهما ظلم الآخر بمنزلة المحاكمة في المواريث وموجبات العقود وهو أحد نوعي القضاء الذي هو إنشاء من غير إنكار ولا بينة ولا يمين ولا يحمل كلام أحمد على هذا وإنما أراد والله أعلم أن من خاصم في شيء مرة ثم شهد به لم تقبل شهادته لأنه بمنزلة من ردت شهادته لتهمة ثم أعادها بعد زوال التهمة وهنا المخاصم طالب فإذا شهد بعد ذلك فهو متضمن تصديق نفسه فيما خاصم فيه أولا وهذا يدخل فيه صور. منها أن يخاصم في حقوق عين هي ملكه ثم تنتقل العين إلى غيره فيشهد ومنها أن يكون وليا ليتيم أو وقف ونحوهما ويخاصم في شيء من أموره ثم يخرج عن الولاية ويشهد به. ومنها أن يكون وكيلا فيخاصم ثم تزول وكالته فيشهد فيما خاصم فيه.

_ فإذا قيل شهادة العدو غير مقبولة فإنما هو من عادى أما المقطوع عليه الطريق إذا شهد على قاطعه فهذا لا معنى له إذ يوجب أن لا يشهد مظلوم على ظالمه مع أنه لم يصدر منه ما يوجب التهمة في حقه. والتحقيق أن العداوة المحرمة تمنع قبول الشهادة وإن لم تكن فسقا لكونها صغيرة أو صاحبها متأولا مخطئا وفيه نظر كعداوة الباغي للعادل وكما كان بين بعض السلف وكذلك مداعاة القاضي كذلك وقد كتبته قبل1 فأما المباحة ففيه نظر انتهى كلامه. وقال أيضا الواجب في العدو والصديق ونحوهما أنه إن علم منهما العدالة الحقيقية قبلت شهادتهما وأما إن كانت عدالتهما ظاهرة مع إمكان أن يكون الباطن بخلافها لم تقبل ويتوجه مثل هذا في الأب وسائر هؤلاء انتهى كلامه. وذكر في المستوعب والرعاية وغيرهما أن شهادة العدو لا تقبل على عدوه وجعلوا من ذلك الخصم على خصمه وقيد جماعة العداوة بكونها لغير الله. قال في المغني المراد بالعداوة هنا العداوة الدنيوية ومثل كما في المحرر وغيره أما العداوة في الدين كالمسلم يشهد على الكافر أو المحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن العداوة في الدين والدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وزاد في الرعاية على قيد كونها لغير الله ظاهرة. وقد قال القرطبي وغيره في قوله تعالى: [135:4] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} الآية في هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله ونفوذ شهادته عليه لأنه أمره بالعدل

_ وإن أبغضه ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه. وقال ابن عقيل التهم إنما تقدح إذا كانت تهمة قادحة لفرط الإشفاق في الأبوة والعداوة بين المتعادين والفسق الذي يزيل العدالة وتزول معه الثقة فأما ما بعد التهمة التي إذا علق الرد عليها انسد باب الشهادة فلا بدليل أن الأختان والأصهار يتضاغنون وأهل الصناعة الواحدة يتحاسدون والمختلفون في المذاهب يتخارصون ولكن لما بعد ذلك ولم يخل منه أحد سقط اعتباره ولم يمنع قبولها لئلا ينسد باب الشهادة وكذلك القرابة كلها تعطى إشفاقا وعصبية حتى القبيلة انتهى كلامه. واحتج الخصم أن هذه العداوة فلا تمنع قبول الشهادة كالصداقة كشهادته له. وأجاب القاضي وغيره بأن الشرع ورد بالتفرقة بين العداوة والصداقة فإنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادته خزيمة بن ثابت لنفسه ونحن نعلم أن صداقة الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم تزيد على كل صداقه ورد شهادة العدو بقوله: "لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين" "ولا تقبل شهادة ذي طعن" ولأن الصداقة لا تحمل على الكذب للصديق والعداوة تحمل على الكذب ولا تمنع العدالة منه وهذا معلوم بالعادة من طباع الناس وخلقهم وجبلتهم. وأما شهادة العدو لعدوه فتقبل ذكره القاضي محل وفاق غير مرة لأنه متهم عليه غير متهم له فهو على ما قلنا في شهادة الأب تقبل على ولده ولا تقبل له. وقال أيضا وقال شيخنا أبو عبد الله فيه وجه آخر لا تقبل شهادته له لأنه متهم أيضا في ذلك بأن يقصد الصلح والصداقة فيشهد له بذلك.

وفي شهادة البدوي على القروي وجهان.

_ وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية ابن منصور وقيل له رجل خاصم في خصومة مرة فردت ثم شهد بعدالة الشاهد قال لا تقبل انتهى كلامه. فصل ومن سره إساءة أحد وغمه فرحه فعدو وقال ابن حمدان أو حاسد قال ابن عقيل ولا تقبل شهادة من عرف بالعصبية كعصبية أهل البادية على أهل القرى فإن البدوي يميل إلى البادية ولا يميل إلى أهل القرى وكذلك قبيلة على قبيلة تعرف بينهم مساوات1 ومباينة فتكون في حيز العداوة وكذلك شهادة أهل المحال المتباين أهلها بالعصبيات وهذا يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام "ولا ظنين" وهو المتهم والعصبية توجب التهمة. فصل قوله: "وفي شهادة البدوي على القروي وجهان". أحدهما تقبل وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره أبو الخطاب وصححه في المستوعب وهو قول ابن سيرين وأبي حنيفة والشافعي للعمومات ولأن من قبلت شهادته على أهل البلد قبلت شهادته على أهل القرى. قال ابن عقيل العدالة تجمع والمساكن لا تقدح في العدالة ولا توجب التهمة ولو جاز أن توجب تهمة لما قبلت شهادة عربي على عجمي ولا العكس لأن المنافرة والمباينة بين العجم والعرب أكثر من تباين البدو والحضر مع التساوي في العربية.

_ وقال أيضا بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه قال البدوي يعادي القروي في العادة قال وهذا بعيد لأن القبائل من البدو يتعادون أكثر عداوة ويصول بعضهم على بعض في مطرد العادة. والثاني لا تقبل قطع به ابن هبيرة وغيره عن أحمد قال في المغني وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبي عبيد ورواه الخلال عن عمر بن عبد العزيز وقطع به القاضي في التعليق واحتج بقول أحمد في رواية حرب تجوز شهادة الأعراب على الأعراب وعلى القروي أخشى ألا تجوز لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:. "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" إسناده جيد رواه أبو داود وابن ماجة والدارقطني وغيرهم. قال في المغني ويحمل الحديث على من لم تعرف عدالته وخصه بهذا لأن الغالب أنه لا يكون له من يسأله الحاكم عنه. قال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم إلا لما فيهم من الجفاء لحقوق الله تعالى والجفاء في الدين. قال الشيخ تقي الدين وبناه القاضي على أن العادة أن القروي إنما يشهد أهل القرية دون أهل البدو فإذا كان البدوي قاطنا مع المدعين في القرية قبلت شهادته لزوال هذا المعنى انتهى كلامه. وقد ذكر غير واحد من الأصحاب هذا التعليل فيكون هذا قولا ثالثا. وقيل للقاضي التهمة هنا ممن اشهد لا من الشاهد فقال التهمة هنا واقعة بهما لأن صاحب الحق لا يعدل عن أهل بلده إلا لعلة في الملك والشاهد أيضا في العادة إنما يشهد على أهل بلده ولا يخرج إلى بلد آخر فيشهد فيه على غيره. وقال الشيخ تقي الدين البدوي على الوصية في السفر ينبغي أن يقبل لأنه ضرورة وهو أولى من الذميين انتهى كلامه وهو حسن لكنه قول

ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض وعنه تبل فيما لا يجر به نفعا في الغالب بأن يشهد له بعقد نكاح أو قذف وعنه تقبل شهادة المولود للوالد وبالعكس لا تقبل.

_ رابع قال مالك لا تجوز شهادة البدوي على القروي إلا في الجراح والقود احتياطا للدماء. فصل تقبل شهادة البدوي برؤية الهلال اتفاقا وتقبل شهادة القروي عليه اتفاقا. قوله: "ولا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض". فنص أحمد أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده1 انتهى كلامه. وهو كالصريح إن لم يكن صريحا في أنه لا فرق بين الداعية وغيره وبين من يكفر أو يفسق وصرح به الشيخ تقي الدين على هذا التخريج. وهذا التخريج قد يقال هو خلاف المذهب. وإن قلنا برواية حنبل في قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض كما هو ظاهر قول جماعة من الأصحاب وقد يقال المذهب التسوية على رواية حنبل كما هو قول أبي الخطاب وظاهر كلام غيره ممن بعده. ومن لم يذكر التخريج فإما أنه لم يثبت رواية حنبل هنا وإما لأنها خلاف المذهب فلم يشتغل بالتفريع عليها.

وفي شهادة أحد الزوجين الآخر روايتان. وتقبل شهادة بعض هؤلاء على بعض. وتقبل شهادة الأخ لأخيه والصديق لصديقه والمولى لعتيقه وولد الزنا في الزنا وغيره والمرضعة على إرضاعها والقسام على قسمته.

_ والأول اختيار الشيخ تقي الدين فانه قال والفرق بينهما أن الذمي يقر على كفره والداعية إلى البدعة لا يقر على بدعته كذا قال. والبدعة إن كانت مفسقة أقر عليها الداعية وغيره وإن كانت مكفرة لم يقر عليها الداعية ولا غيره لكن قد يفرق بينهما بأن أهل الذمة إنما قبلت شهادة بعضهم على بعض لمظنة الحاجة إلى ذلك لانفرادهم وعدم اختلاطهم بالمسلمين ولأنه لا يلزم من قبول شهادة كافر على كافر قبول شهادة كافر أو فاسق على مسلم. قال الشيخ تقي الدين والواجب أن روايته وشهادته واحدة وفي روايته الخلاف المسطور في أصول الفقه ومأخذ رد شهادته إنما هو استحقاقه الهجران وعلى هذا فينبغي قبول شهادته حيث لا يهجر إما للغلبة وإما للتألف وتقبل عند الضرورة كما قبلنا شهادة الكتابي على المسلم عند الضرورة وأولى فإن من كان من أصله قبول شهادة الكافر على المسلم للحاجة فقبول شهادة المبتدع للحاجة أولى وكذلك شهادة النساء وكذلك شهادة بعض الفساق كما كتبته في موضع آخر وهذا هو الاقتصاد في هذا الباب فإنه إذا كثر أهل البدعة في مكان بحيث يلزم من رد شهادتهم فتنة وتعطيل الحقوق لم يهجروا بل يتألفوا وأما إذا كانوا مقهورين بحيث يهجرون لم تقبل شهادتهم ولو قيل في الامامة أيضا مثل ذلك لتوجه كما في علم الحديث والفرق بين الاضطرار والاختيار بين القدرة والعجز أصل عظيم.

وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة.

_ فصل قد عرف مما تقدم أنه هل تقبل شهادة من كفر أو فسق ببدعة أم لا تقبل أو تقبل مع الفسق خاصة أو تقبل إذا لم يكن داعية أو تقبل مع الحاجة والمصلحة خاصة؟ فيه أقوال. قوله: "وتقبل شهادة العبد والأمة فيما تقبل فيه شهادة الحر والحرة" قال الخلال عن الميموني سأل رجل أحمد بن حنبل عن شهادة العبد تجوز قال لا أعرف إلا ذلك قلت من احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أمة في الرضاع على شهادة العبد هل يكون ذا حجة له قال نعم ورأيت أبا عبد الله يستحسنه ثم قال وأي شيء أكثر من هذا يفرق بينهما بقولها؟. وقال حمدان بن علي الوراق سمعت أبا عبد الله يسأل عن شهادة العبد فقال كان أنس يجيز شهادة العبد وحديث عقبة بن الحارث "تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت إني قد أرضعتكما". وقال الخلال أخبرنا المروذي حدثنا أبو عبد الله حدثنا محمد بن فضيل حدثنا مختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن شهادة العبد قال فيه اختلاف قلت حديث حفص عن المختار بن فلفل عن أنس قال ليس شيء يدفعه وقد أجاز شهادته وقال الله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} فإذا كان عدلا ينبغي أن تجوز شهادته. وقال الخلال حدثنا المروذي عن أبي عبد الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال قال علي "شهادة العبد جائزة" وقال أيضا عن المروزي "شهادة العبد جائزة".

وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة.

_ وقال أيضا عن المروذي حدثنا أبو إسحق بن يوسف حدثنا عوف بن محمد ابن سيرين قال "لا أعلم شهادة الحر تفضل على شهادة العبد إذا كان مرضيا". وقدم هذا في الرعاية تبعا للمحرر واختاره أبو الخطاب في الانتصار فقال والأولى المنع1 فإنه لا فرق حتى العدل بين شهادة وشهادة. وقال الإمام أحمد في رواية ابن منصور العبد إذا كان عدلا جازت شهادته والمكاتب أحرى أن تجوز شهادته قال وهذا يدل على أنها تقبل في جميع الأشياء وكذا قال في رواية مهنا إذا تزوج بشهادة عبدين جاز إذا كانا عدلين والنكاح عنده جار مجرى القصاص ولهذا لا يجيز فيه شهادة النساء انتهى كلامه. ووجه هذه الرواية تقدم ولأنه ذكر مكلف يقبل إخباره فقبلت شهادته كالحر أو نقول ذكر مكلف تقبل شهادته في رؤية هلال رمضان وهي شهادة يعتبر لها مجلس الحكم وتحتاج إلى العدد ويخص أمانه وولايته في الصلاة وعلى أقاربه وتصح توليته أسباب السرايا2 وولايته فيما يوصى إليه ويوكل فيه فقبلت شهادته كالحر هذا معنى كلام أبي الخطاب والقاضي إلا أنه قال الشهادة برؤية الهلال شهادة عند أبي حنيفة يعتبر لها العدد وقد قيل يعتبر فيها مجلس الحاكم. قوله: "وعنه لا تقبل شهادة الرقيق في القود والحد خاصة". قال الإمام أحمد في رواية الميموني لا تجوز شهادتهم يعني العبيد في الحدود.

_ ولم يقيموا الحدود مقام الحقوق في الحقوق شاهد ويمين والحد ليس كذلك قلت قول أنس لم يفرق في حد ولا حق. وذكره أحمد عن إبراهيم النخعي جوازها في الشيء اليسير قال أحمد والناس اليوم على ردها فليس نرى أحدا يقبلها قلت وما يستوحش من هذا قال في الحدود كأنها أشنع وإنما ذاك عنده لتهيب الناس لردها. وقطع به القاضي في التعليق وتبعه جماعة وذكر في المغني أنه ظاهر المذهب وذكر ابن هبيرة أنه المشهور من مذهب الإمام أحمد وعلل بعضهم بأنه ناقص فلم تقبل شهادته فيها كالمرأة. قال الخرقي تجوز شهادة العبد في كل شيء إلا في الحدود وتبعه بعضهم على هذه العبارة وهو أحد احتمالين في المغني والكافي. قال ابن القاسم سألت الإمام أحمد عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا أحدهم عبد قال تمت الشهادة هم أربعة العبد منهم يدرأ عنهم الحد. قال محمد بن موسى سئل الإمام أحمد عن أربعة أعبد شهدوا على الزنا قال قد أحرزوا ظهورهم وإن كانوا عبيدا لأن الحدود مبناها على الدرء والإسقاط يغلظ في طريق ثبوتها ولهذا لا تقبل شهادة النساء ولا شاهد ويمين ولا يقضي فيها بالنكول ولا يستحلف فيها وتسقط بالشبهة بخلاف غيرها فجاز أن لا تسمع فيها شهادة العبد. وعن أحمد التوقف في هذه المسألة قال أبو الحارث قلت للإمام أحمد شهادة العبد قال قد اختلف الناس في ذلك وأبى أن يجيب فيها وقال أيضا أحب العافية من ذلك وأبى أن يجيب قال وكذلك المكاتب والمدبر وعن أحمد رواية خامسة لا تقبل بحال قال في رواية أبي طالب العبد في جميع أمره ناقص ليس مثل الحر ولا تقبل له شهادة في الطلاق والأحكام

ومن شهد عند الحاكم فرد شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه.

_ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي لأنها مبنية على المروءة والكمال. قال الشيخ تقي الدين قد يؤخذ عن الإمام أحمد رواية كذلك وسيأتي في المسألة بعدها. قوله: "ومن شهد عند الحاكم فردت شهادته لكفره أو رقه أو صغره أو جنونه أو خرسه ثم أعادها بعد زوال المانع قبلت في الأصح عنه". نقل عنه حنبل في الصبي إذا بلغ جازت شهادته وكذلك إذا شهد وهو عبد لم تجز فإذا أعتق جازت إذا كان عدلا واحتج القاضي أيضا مع أنه ذكر أن أحمد نص عليه بقول الإمام أحمد في رواية أبي طالب في الصبي إذا حفظ الشهادة ثم كبر فشهد جازت شهادته وكذلك العبد إذا عتق وكذلك اليهودي والنصراني إذا كان عدلا جازت شهادته إذا أسلم. قال الشيخ تقي الدين في رواية أبي طالب الظاهر أنها فيما إذا لم ترد في زمان المنع انتهى كلامه. وهو الذي نصره القاضي وأصحابه وغيرهم. وذكر في المستوعب أنه أصح الوجهين وبه قال أبو حنيفة والشافعي لأن هذا المانع زال قطعا ولا تهمة فيه فهو كما لو ابتدأ بها في هذه الحال بخلاف الفسق1.

وعنه لا تقبل أبدا. وإن ردت لتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح كما لو ردت لفسق وقيل تقبل.

_ قوله: "وعنه لا تقبل أبدا". قال في رواية يعقوب بن بختان في الصبي إذا ردت شهادته ثم أدرك لم تجز شهادته لأن الحكم قد مضى ونقل ابن بختان أيضا في موضع آخر إذا ردت شهادة العبد أو الذمي أو الصبي ثم أسلم الذمي وعتق العبد وأدرك الصبي لم تجز شهادتهم لأن الحكم قد مضى وهذه اختيار أبي بكر وابن أبي موسى وهي قول مالك لأنها ردت بمانع أشبه الفسق. قوله: "وإن ردت بتهمة رحم أو زوجية أو عداوة أو جلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل على الأصح". وذكر في الكافي أنه الأولى وقدمه في الرعاية لأن ردها باجتهاده فلا ينقض ذلك باجتهاده ولأنها ردت للتهمة كالمردودة بالفسق والثاني تقبل صححه في المغني لأن الأصل قبول شهادة العدل وقياسه على الفسق لا يصح لأن هذه ردت بسبب لا عار فيه فلا يتهم في قصد نفي العار بإعادتها بخلاف الفسق وقبول الشهادة هنا من نقض الاجتهاد في المستقبل وهو جائز وهذا معنى قوله: "تقبل". قوله كما لو ردت لفسق. نص عليه قال في رواية أحمد بن سعيد في شهادة الفاسق إذا ردت مرة ثم تاب وأصلح فأقامها بعد ذلك لم تجز لأنه حكم قد مضى ولم أجد فيه خلافا إلا قوله في الرعاية الكبرى لم تقبل على الأصح وهو مذهب الأئمة

وقيل لا تقبل في كل مانع ما زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه. ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته.

_ الثلاثة ورواية القبول قال بها أبو ثور والمزني وداود قال ابن المنذر والنظر يدل على هذا لغير هذه الشهادة كالمسائل المتقدمة وقد تقدم دليل المنع والفرق. قال الشيخ تقي الدين وتعليلهم الفرق بين الكفر والفسق بأن الكفر يتدين به يقتضى أن يلحق به الفسق بالاعتقاد أو بعمل يستند إلى اعتقاد كشرب النبيذ إن قيل به انتهى كلامه. وقوله: "وقيل لا تقبل في كل مانع زال باختيار الشاهد كإعتاق القن وتطليق الزوجة وتقبل فيما سواه". يحتمل أن يكون هذا القول في هذه المسألة خاصة ويحتمل أن يكون فيها وفي التي قبلها وهذا الأمر قريب ووجهه أن زوال المانع باختيار الشاهد يورث تهمة تشبه الفسق. فرع لو عزل من وظيفة للفسق مثلا ثم تاب وأظهر العدالة فهل يعود يتوجه أن يقال فيها ما قيل في مسألة الشهادة أو أولى لأن تهمة الإنسان في حق نفسه ومصلحته أبلغ من حق الغير1 أما لو رأى الحاكم رده إليها بتأويل أو تقليد كان له ذلك كسائر مسائل الخلاف وكما لو رأي قبول الشهادة في مسألتنا. قوله: "ومن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته".

وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها إلا عداوة ابتدأها المشهود عليه بأن قذف الشهود فإنها لا تمنعه. ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها

_ قال القاضي على قياس حدوث العمى بعد التحمل وقبل الأداء وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد لعدم التهمة في حال أداء الشهادة فهو كالموت فإنه محل وفاق وقال أبو حنيفة لا يحكم بها كما لو طرأ الفسق. قوله: "وإن حدث مانع من فسق أو تهمة منع الحكم بها". لم أجد فيه خلافا كما تقدم وذكره القاضي محل وفاق أن الشهود إذا ارتدوا أو فسقوا أو رجعوا قبل الحكم أنه لا يحكم بها قال لأنه يورث تهمة في حال الأداء. قال الشيخ تقي الدين إدخال الردة في هذا مشكل قال وقد علل بأن الفسق والردة مما يستسر به فيدل على نظائره مما قبله انتهى كلامه. فصل فإن حدث ما يمنع الحكم بها بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم وإن كان ذلك قبل الاستيفاء لم يستوف إن كان حدا الله تعالى لأنه يدرأ بالشبهة وإن كان مالا استوفي وإن كان قودا أو حد قذف فوجهان. قوله: "ولا يصح أداء الشهادة إلا بلفظها". فإن قال أعلم أو أحق ونحوه لم يحكم بها ذكره القاضي محل وفاق في مواضع منها شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال وذكر أنه يعتبر فيه لفظ الشهادة جعله محل وفاق ذكره الشيخ تقي الدين ولم يحك فيه خلافا وقال أبو الخطاب في الانتصار في بحث شهادة امرأة فيما لا يطلع عليه الرجال

باب عدد الشهود وما يتبعه

باب عدد الشهود وما يتبعه لا يقبل في الزنا واللواط إلا شهادة أربع رجال وهل يكفي في ثبوت الإقرار بهما رجلان أو يشترط أربعة على روايتين. ويكفي في الشهادة على من أتى بهيمة إذا قلنا يعزر رجلان وقيل يعتبر أربعة ولا يقبل في بقية الحدود والقصاص إلا رجلان. ويقبل في المال وما يقصد به كالبيع والأجل والخيار فيه والرهن والوصية.

_ لخصمه أين أنت من القياس على خبر الديانات ورؤية الهلال لرمضان لما قبل فيه شهادة النساء منفردات لم يلتفت إلى العدد وعلى هذا يجب أن لا يلتفت إلى لفظ الشهادة ولا مجلس الحكم كالخبر سواء وهو قول بعض الحنفية ولا أعرف عن إمامنا ما يرد هذا المنع انتهى كلامه ولم يذكر الأصحاب هذه المسألة في مسائل الخلاف فدل على أنها محل وفاق. وذكر أبو الخطاب في التمهيد في بحث مسألة رواية الحديث بالمعنى أن الفقهاء يسلمون هذا ثم قال ويقوى عندي أن الشاهد إذا قال أعلم أو أعرف أو أتحقق أو أتيقن أن لفلان عند فلان كذا أن الحاكم يقبل ذلك لأن ظنه يقوى بذلك كما يقوى بقوله أشهد انتهى كلامه. وذكره القاضي احتمالا وذكره في الرعاية قولا وذكر في المغني أن عدم الحكم مذهب الشافعي قال ولا أعلم فيه خلافا لأن الشهادة مصدر فلا بد من الإتيان بفعلها المشتق منها وهذه دعوى مجردة قال ولأن فيها معنى لا يحصل في غيرها بدليل أنها تستعمل في اللعان ولا يحصل ذلك في غيرها ومراده من هذه الألفاظ لأن لنا في اللعان في إبدال "أشهد" بأقسم أو أحلف وجهين وهذا معنى حسن إن شاء الله تعالى.

لمعين أو الوقف عليه ودعوى رق مجهول النسب وتسمية المهر ونحوه رجلان ورجل وامرأتان ورجل ويمين المدعي بما ادعاه وإن كان كافرا أو امرأة.

_ وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر الحكم بذلك عن أحمد وأخذه من مناظرته لعلي بن المديني وأن أحمد شهد بالجنة لكل من جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من أهلها فقال ابن المديني أقول ولا أشهد فقال له أحمد إذا قلت فقد شهدت1. قوله: "ورجل ويمين المدعي بما ادعاه وإن كان كافرا أو امرأة". قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول في الشاهد واليمين جاز الحكم به قيل لأبي عبد الله إيش معنى اليمين قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين شهادة الشاهد مع اليمين.

_ قال أبو عبد الله وهم لعلهم يقضون في مواضع بغير شهادة شاهد وكذلك نقل المروزي وأبو طالب وقال هارون بن عبد الله سمعت أبا عبد الله يذهب إلى اليمين والشاهد قيل لأبي عبد الله في المال قال في المال. وقال علي بن زكريا قيل لأبي عبد الله شهادة شاهد ويمين قال في الحقوق. قال الشيخ تقي الدين هذا اللفظ يعم جميع الحقوق وكذلك قال في رواية الميموني نحن نذهب إلى شهادة واحد في الحقوق ويمينه انتهى كلامه. وقال علي بن سعيد سألت أحمد عن الشاهد الواحد مع اليمين قال في الحقوق جائز. وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل ادعى وجاء بشاهد وليس المدعي بعدل أيحلف مع شاهده قال نعم قلت لأبي عبد الله إنما هذا في الأموال خاصة فقال نعم في الأموال خاصة. وقال موسى بن سعيد وقد روى عن أحمد قول عمرو بن دينار في الأموال قال أحمد بن حنبل وهكذا أقول في الأموال والحقوق وقال له أبو طالب تذهب إلى الشاهد واليمين قال نعم في الحقوق وقال له أبو الحارث فإن كان الشاهد عدلا والمدعي غير عدل قال فإن كان غير عدل أو كانت امرأة أو رجل من أهل الذمة يهودي أو نصراني أو مجوسي إذا ثبت له شاهد واحد حلف وأعطى ما ادعى وإنما الحكم فيه هكذا وليس يقوم اليمين مقام الشاهد هذا حكمه. وقال له أحمد بن القاسم أنت لا تقبل شهادته فكيف تقبل يمينه قال ولم شهد هو لنفسه إنما الحديث شاهد مع يمين الطالب فنحن نعمل به. وكذا نقل غيره وهذا قول أكثر العلماء منهم مالك والشافعي لما روى

_ ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد" رواه مسلم وغيره وهو في السنن من وجوه قال ابن عبد البر عن حديث ابن عباس لا مطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة في صحته قال وحديث أبي هريرة وجابر وغيرهما حسان. وروى الخلال من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده "أن عمر كان يقضي باليمين مع الشاهد العدل ويقول: قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال أبو حنيفة والليث والأندلسيون من أصحاب مالك وغيرهم لا تقبل. وقال الشيخ تقي الدين قصة خزيمة وقصة أبي قتادة وقصة ابن مسعود في قوله: "رأيته يذكر الإسلام" تنبيها بلا يمين وقد قال اليمين حق للمستحلف وللإمام فله أن يسقطها وهذا أحسن انتهى كلامه. ويوافقه ما ذكره القاضي في بحث المسألة قال فإن قيل ما ذهبتم إليه يؤدى إلى أن يثبت الحق بشاهد واحد قيل هذا غير ممتنع كما قاله المخالف في الهلال في الغيم وفي القابلة وهو ضرورة أيضا لأن المعاملات تكثر وتتكرر فلا يتفق في كل وقت شاهدان انتهى كلامه. وهو يدل على أن اليمين ليست كشاهد آخر وهو مخرج على ما إذا رجع الشاهد هل يضمن الجميع أو النصف. ولهذا قال القاضي في بحث المسألة واحتج يعني الخصم بأنه لو كان يمين المدعي كشاهد آخر لجاز له أن يقدمه على الشاهد الذي عنده كما لو كان عنده شاهدان جاز أن يقدم أيهما شاء والجواب أنا لا نقول إنها بمنزلة شاهد آخر ولهذا يتعلق الضمان بالشاهد وإنما اعتبرناها احتياطا وقاسها على احتياط الحنفية بالحبس مع شاهد الإعسار ويمين المدعي مع البينة على الغائب

ولا يشترط أن يقول فيها وأن شاهدي صادق في شهادته1 وقيل يشترط. ولا يقبل امرأتان ويمين مكان رجل ويمين وقيل يقبل.

_ والصبي والمجنون وقال أيضا إنما يحلفه الحاكم بعد أن تثبت عدالة الشاهد عنده. وذكر القاضي أيضا أن لا تقدم اليمين على الشاهد جعله محل وفاق كما لا يقدم في البينة على الغائب. قوله: "ولا يشترط أن يقول فيها وأن شاهدي هذا صادق في شهادته". وقطع به القاضي ضمن المسألة وعليه يدل كلام الأصحاب لظاهر ما تقدم وكسائر من أحلفناه فإنه لا يشترط أن يقول في يمينه ذلك. قوله: "وقيل يشترط". لأن الشاهد هنا حجة ضعيفة ولهذا لم نكتف به فاشتراط أن يقول في يمينه ذلك تقوية له واحتياطا كما اشترطت اليمين معه. قوله: "ولا يقبل امرأتان ويمين مكان رجل ويمين". وكذا قطع به القاضي ولم يخرجه من المذهب. قال الشيخ تقي الدين وقطع به أيضا أبو الخطاب والشريف وغيرهما في كتب الخلاف ونصره في المغني وغيره لأنه انضم ضعيف إلى ضعيف فلا يحكم به كما لو شهد أربع نسوة أو حلف المدعي يمينين فإنه محل وفاق مع مالك وغيره ذكره القاضي وغيره في المغني بالإجماع. قوله: "وقيل يقبل". لأن المرأتين في المال مقام رجل وهو مذهب مالك. قال الشيخ تقي الدين هذا يقتضيه كلام أحمد يعني ما نقله ابن صدقة:

وهل يقبل الرجل والمرأتان والشاهد واليمين في العتق والوكالة في المال والإيصاء إليه.

_ سئل أحمد عن الرجل يوصي بأشياء لأقاربه ويعتق ولا يحضر إلا النساء هل تجوز شهادتهن قال نعم تجوز شهادتهن في الحقوق وذكر ابن حزم أنهم اختلفوا في شهادة امرأة مع يمين الطالب ودون يمينه. قوله: "وهل يقبل الرجل والمرأتان أو الشاهد واليمين في العتق". قال القاضي في التعليق يثبت العتق بشاهد ويمين في أصح الروايتين وعلى قياسه الكتابة والولاء نص عليه في رواية مهنا وقال أيضا نص على الشاهد واليمين في قدر العوض الذي وقع العتق عليه وهو اختيار الخرقي وأبي بكر انتهى كلامه لأن الشارع متشوف إليه وذكر في المغني أن القاضي قال المعمول عليه في المذهب أن هذا لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين وذكر ابن عقيل أنه ظاهر ونصره في المغني ونصره جماعة منهم أبو الخطاب غير الرواية الأولى وبه قال مالك والشافعي لأنه ليس بمال ولا يقصد منه ويطلع عليه الرجال أشبه العقوبات وعن الإمام أحمد رواية ثالثة تقبل فيه شهادة رجل وامرأتين وهو قول جماعة منهم أصحاب الرأي لأن ذلك لا يسقط بالشبهة أشبه المال. قوله: "والوكالة في المال والإيصاء إليه". تبع فيه القاضي وغيره قال القاضي لأنها إن لم تكن مالا فإنها تتضمن التصرف في المال والدليل كما تقدم وقد نقل عنه البرزاطي في الرجل يوكل وكيلا ويشهد على نفسه رجلا وامرأتين إن كانت الوكالة بمطالبة بدين فأما غير ذلك فلا وقال في رواية بكر بن محمد عنه لا يقبل قوله إن وصى حتى يشهد الموصى رجلان عدلان أو رجل عدل.

_ قال القاضي فظاهر هذا قبول الشاهد واليمين في الوصية والوكالة وكلام جماعة يقتضى أنه لا فرق بين الوكالة في المال وغيره والإيصاء إليه فيه وغيره بل صريح كلام بعضهم وأنه هل يقبل في ذلك وامرأتان أو شاهد ويمين أو لا يقبل إلا رجلان فيه روايتان. وقال الشيخ تقي الدين نصه في الوكالة فرق فيه بين الوكالة بمال وبين الوكالة بغيره وأما الوصية فقد أطلق فيها رجل عدل وتقدم نصه أيضا أنه يقبل فيها شهادة النساء منفردات فقد يقال لا يفتقر في هذا إلى يمين لأنه لا خصم جاحد فيه لا في الحال ولا في الاستقبال وهو يشبه القتل لاستحقاق السلب وتحليف الوصي فيه نظر لأنه لا يجر بهذا إلى نفسه منفعة بخلاف الموصى له وقد قبل الناس شهادة رجاء بن حيوة بالعهد إلى عمر بن عبد العزيز وهو وحده وما زال الولاة يرسلون الواحد في الولاية والعزل. وقال أيضا وعلى طريقة أصحابنا في البينة هو الشاهد الواحد وإنما اليمين احتياط فهذا يقتضى شيئين أحدهما أنه لا يحتاج إليها إلا إذا كان ثم معارض وفي دعوى السلب لا معارض وعلى هذا يخرج حديث أبي قتادة. والثاني أنه لو كان الحق لصبي أو مجنون لم يحتج إلى يمين وفي هذا نظر إلا إذا كان على ميت أو صبي أو مجنون ولعل حديث خزيمة بن ثابت يخرج على هذا ونص أحمد في الوصية أو رجل عدل ظاهر هذا أنه يقبل في الوصية شهادة رجل واحد. وقال عقيب رواية ابن صدقة في شهادة النساء في الوصية ظاهر هذا أنه أثبت الوصية بشهادة النساء على الانفراد إن لم يحضره الرجال قال القاضي المذهب في هذا كله أنه لا يثبت إلا بشاهدين انتهى كلامه وقال ابن عقيل عقيب رواية ابن صدقة وهذا يشهد له من أصله قوله: "تقبل شهادة أهل

ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه.

_ الذمة على الوصية في السفر" انتهى كلامه. ووجه رواية القبول بأنه عقد لا يفتقر في صحته إلى الشهادة فهو كعقد البيع. قال القاضي في بحث المسألة ولا يلزم القضاء لأنه قد يجوز أن يثبت بشهادة رجل وامرأتين وهو إذا كانت ولايته خاصة في المال فادعى أنه قاض فأنكره أهل ذلك البلد وأقام شاهدا وامرأتين قبل ذلك والخلاف فيما إذا كانت الوكالة بعوض وبغير عوض سواء ونسلم أن الأجل وخيار الشرط يثبت بشاهد وامرأتين جعله محل وفاق ولأنه يوكل في استيفاء حق فتثبت الوكالة له بما يثبت به ذلك الحق كالوكالة بعقد النكاح والحد والقصاص واحتج به القاضي وسلم لهم أن الوكالة بالنكاح والطلاق والقصاص والحدود لا تثبت إلا بذكرين قاله الشيخ تقي الدين. قال القاضي واحتج بعضهم بأنها ولاية فلم تثبت إلا بشاهدين كولاية القضاء قال الفاضي الوكالة ليست ولاية بل استنابة وأما القضاء فهو يتضمن ما يثبت بشاهد وامرأتين وهو المال وما يثبت بشاهدين وهو الحقوق وعقد النكاح والوكالة المختلف فيها هي المتضمنة للمال حسب. قال الشيخ تقي الدين القضاء وإن كان في المال فقط فهو متضمن الإلزام والعقوبة بالحبس ونحوه والوكالة لا تتضمن إلا مجرد القبض ومعلوم أن المدعي لو ادعي الملك ليثبت هو ولوازمه فوكالة المالك أخف من دعوى الملك لأن أحق الوكيل دون حق المالك فإذا ثبت الكل فجزؤه أولى بخلاف القاضي فإنه يثبت له مالا يثبت للمالك. قوله: "ودعوى قتل الكافر لاستحقاق سلبه".

ودعوى الأسير إسلاما سابقا لمنع رقه.

_ ذكر القاضي في هذه الروايتين نقل حنبل عن أحمد فيمن قتل قتيلا فأقام شاهدا ويمينا لم يجز. وقال القاضي ظاهر كلامه فيما روينا عنه قبول ذلك في السلب لأنه يتضمن إثبات مال فهو كما لو شهد رجل وامرأتان بسرقة ثبت الغرم دون القطع. وقد ذكر هذه المسألة الشيخ موفق الدين في الجهاد فقال قال أحمد لا يقبل إلا شاهدان وقالت طائفة من أهل الحديث يقبل شاهد ويمين لأنها دعوى في المال ويحتمل أن يقبل شاهد بغير يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول الذي شهد لأبي قتادة من غير يمين. ووجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر البينة وإطلاقها ينصرف إلى شاهدين ولأنها دعوى للقتل فاعتبر شاهدان لدعوى قتل العمد انتهى كلامه. قوله: "ودعوى الأسير إسلاما سابقا لمنع رقه". قال القاضي إذا ثبت أن إسلام الأسير لا يمنع الرق فادعى إسلاما سابقا وأظهره لم تقبل دعواه إلا ببينة لأنه يدعي إسقاط الرق والأصل بقاؤه وإن أقام شاهدا واحدا وخلف معه فالمنصوص عنه أنه يقبل ذلك ولا يسترق فقال في رواية أبي الحارث فيمن أخذ علجا فقال كنت أسلمت قبل أن تأخذوني أسيرا لم يقبل منه وإن شهد له من أسره من المسلمين أنه قد كان أسلم قبل أن يؤخذ قبلت شهادته مع يمين المدعي فلا تقبل1 وكذلك إن شهد عبد وحلف معه أو شهدت امرأة وحلف معها نص عليه في رواية أبي طالب إذا قال إنما كنت مسلما لم يصدق فإن شهد له رجل قبل مع يمينه وإن شهدت

_ امرأة أيضا قبلت شهادتها وإن شهد صبي لم تقبل شهادته وكذلك نقل يعقوب بن بختان. وإذا قال قد أسلمت وشهد رجل من الأسرى جازت شهادته مع يمين المدعي وكذلك إن شهدت له امرأة وعبد مسلم. واستدل القاضي بحديث عبد الله بن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر:. لا يبقى منهم أحد إلا أن يفدى أو تضرب عنقه فقال عبد الله بن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلا سهيل" رواه أحمد والترمذي وحسنه. وقال القاضي يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه ولم ينقله الراوي وكذلك ذكر أن عمر درأ القتل عن الهرمزان بشهادة رجل له بالصلاة وليس فيه استحلاف وعلله القاضي بأنه قد يتعذر إقامة البينة الكاملة في دار الحرب على إسلامه فجاز أن يقبل فيه شهادة رجل وشهادة امرأة كما أجاز الإمام أحمد شهادة أهل الذمة على وصية المسلمين في السفر إذا لم يوجد مسلم وكذلك قال في السبي إذا ادعوا نسبا وأقاموا البينة من الكفار قبلت في رواية حنبل وصالح وإبراهيم ولم تقبل في رواية عبد الله وأبي طالب. وكذلك قال في الأسير إذا ادعى إسلاما سابقا يرجع إلى شاهد الحال فإنه لم يكن معه سلاح قبل منه ولم يقتل وإن كان معه سلاح قتل نص عليه في رواية إبراهيم لأن الدعوى قد ترجح بالظاهر وكما قلنا في تداعي الزوجين قال وبنى المخالف هذا على أن الحرية لا تثبت بشاهد ويمين لأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال وهذه الدعوى تتضمن الحرية قال ونحن نبنيها على ذلك الأصل وأن الحرية تثبت بشاهد ويمين على الصحيح من الروايتين وهي اختيار الخرقي وفيه رواية أخرى لا تثبت إلا بشاهدين فعلى هذا وبيض في التعليق

وجناية العمد والخطأ التي لا قود فيها بحال أم لا على روايتين. فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة ففيما إذا كان القود في بعضها كالمأمومة والهاشمة روايتان.

_ الجديد وكان قبل هذا قد قال وإن قلنا لا تثبت الحرية إلا بشاهدين فإنها هنا تثبت من طريق الحكم كما تثبت الولادة بشهادة النساء وتتضمن ثبوت النسب وإن لم يثبت النسب بشهادة النساء ثم قال وإذا قلنا لا تثبت إلا بشاهدين لم يثبت الإسلام هنا إلا بشاهدين انتهى كلامه. ورواية الشاهدين في المسألة قول الشافعية. وقطع الشيخ موفق الدين في هذه المسألة وجماعة في رءوس المسائل بشاهد ويمين منهم الشريف وأبو الخطاب وقال هذه المسألة مبنية على أن الحرية تثبت بشاهد ويمين قال غير واحد عقب المرأة وحدها1 فنص على قبول شهادة المرأة الواحدة في الإسلام وقال ابن عقيل فهذه الرواية إن لم يقع لنا فيها حديث يكون الإمام أحمد ذهب إليه وإلا فلا وجه لها. قوله: "وجناية العمد والخطأ التي لا قود فيها بحال أم لا على روايتين". إحداهما تقبل ذكر في الكافي أنه ظاهر المذهب وقول الخرقي وقطع به القاضي في غير موضع وقدمه غير واحد لأنها لا توجب إلا المال أشبهت البيع. والثانية لا يقبل إلا رجلان وهو قول أبي بكر وابن أبي موسى لأنها جناية فأشبهت ما يوجب القصاص والفرق ظاهر وكلام بعضهم يقتضي الفرق بين جناية الخطأ وجناية العمد وإن كان موجبها المال. قوله: "فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة ففيما إذا كان القود في بعضها كالمأمومة والهاشمة روايتان".

وما عدا ذلك مما ليس بعقوبة ولا مال وتطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والرجعة والطلاق والنسب والولاء والإيصاء والتوكيل في غير مال فلا يقبل فيه إلا رجلان وعنه يقبل رجل وامرأتان في النكاح والرجعة من ذلك1.

_ إحداهما يقبل ويثبت المال قطع به غير واحد لأن هذه الشهادة والجناية توجب المال والقود فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر. والثانية لا تقبل ولا يثبت المال لأنها لما بطلت في البعض بطلت في الجميع وهذه المسألة تشبه مسألة من أقام بينة بسرقة لا تثبت بها هل يثبت المال وفيها قولان كهذه المسألة وسوى أبو الخطاب بينهما قاطعا بثبوت المال وكذا غيره. وقد فرق المصنف بينهما فأطلق في هذه الخلاف وقطع بثبوت المال هناك وقال ابن عبد القوي في هذه المسألة ما يجتمع فيه قصاص ودية كشجة ما فوق الموضحة كالهاشمة لا تقبل في الأولى كمردودة في جميع ما شهد به في بعضه وقال في مسألة إذا شهد بقتل العمد رجل وامرأتان لقائل أن يقول لم لا يجب القصاص أولا يجب المال ولا يجب القصاص كالوجهين فيما إذا شهد اثنان أو رجل وامرأتان بالهاشمة أو المأمومة ونحوه فيما فيه مال بقود وموضحة كذا قال. قوله: "وما عدا ذلك إلى قوله خاصة". توجيه ذلك يعرف مما تقدم وتقدم الكلام في الإيصاء والتوكيل في غير مال. وقد قال الشيخ تقي الدين قال القاضي في تعليقه في ضمن مسألة تعديل المرأة هذا مبني على أن شهادة النساء هل تقبل فيما لا يقصد به المال ويطلع

ويقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة ونحوهما طبيب وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره نص عليه.

_ عليه الرجال كالنكاح وفيه روايتان فجعل الروايتين عامتين في هذا الصنف حتى أدرج فيه التزكية إذا قلنا هي شهادة انتهى كلامه. وقال القاضي في المجرد عن نص الإمام أحمد على قبول شهادة المرأة الواحدة في الإسلام يخرج من هذا أن كل تعقد ليس من شرط صحته الشهادة كالوصية سواء كانت في المال أو بالنظر والوكالة والكتابة فإنه يثبت بشهادة رجل وامرأتين وبشاهد ويمين لأنه لا يفتقر إلى الشهادة فجاز أن يثبت بذلك كالبيع. وذكر أبو الخطاب في المسألة شهادة القابلة أنه إذا شهد أربعة على رجل بالزنا فادعى أنه غير محصن فشهد رجل وامرأتان بإحصانه فانه يرجم وإن لم يكن للنساء مدخل في الشهادة بالحد. قوله: "وقبل في معرفة الموضحة وداء الدابة وغيرهما1 طبيب وبيطار واحد إذا لم يوجد غيره نص عليه". كذا قطع بهذه المسألة جماعة من الأصحاب منهم صاحب المستوعب والكافي لأنه مما يعسر عليه إشهاد اثنين فقبل فيه قول الواحد كالرضاع ونحوه ولأنه إذا أمكن إشهاد اثنين اعتبر لأنه الأصل. قال الإمام أحمد في رواية أحمد بن منصور كل موضع يضطر الناس إليه مثل القابلة تجوز فيه شهادة الطبيب وحده وقال أيضا إذا كان في موضع يضطر إليه إذا لم يكن إلا طبيب واحد وبيطار جاز إذا كان ثقة وقال أيضا يجوز

ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال وعنه يثبت المال إن كان المجنى عليه عبدا نقلها ابن منصور.

_ قول بيطار واحد ولم يقيده بضرورة ولا حاجة. قوله: "ومن أتى برجل وامرأتين أو شاهد ويمين فيما يوجب القود لم يثبت به قود ولا مال". قطع به القاضي في التعليق وجماعة من الأصحاب وعللوا ذلك بأن القتل يوجب القصاص والمال بدل منه فإذا لم يثبت الأصل لم يجب بدله وإن قلنا موجبة أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معينا وقد تقدم كلام ابن عبد القوي في قوله فإن قلنا بالقبول في الجناية المذكورة. وقد علل الشيخ تقي الدين هذه المسألة بأن المشهود عليه غير معين قال وهذا التعليل أنما يجئ في بعض الصور إذا كان على العاقلة. قوله: "وعنه يثبت المال إن كان المجني عليه عبدا نقلها ابن منصور". قال الشيخ تقي الدين لاختلاف المستحق في العبد كما في الحدود والحقوق لكن في الواجب أحدهما وهناك جميعهما كما أن في القود شيئين لو أخذ فهي أربعة أقسام لأنه إما الاثنان أو أحدهما على البدل لواحد أو لاثنين لكن إن كان الحقان لاثنين متلازمين كالخلع لم يقبل وإن كانا غير متلازمين كالقطع والتعزيز قبلت فصارت خمسة انتهى كلامه. وقال بعض أصحابنا الموجودين في هذا الزمان إن تعليل الرواية باختلاف المستحق فيه نظر قال وإنما وجهها أن العبيد أموال هذا هو الأصل والمقصود بهم وإن قلنا بالقود بخلاف الأحرار انتهى كلامه وفيه نظر أيضا. وذكر ابن عبد القوي هذه الرواية فقال وعنه يثبت المال إن كان المجني عليه رقيقا للمدعي لأوليائه نقلها ابن منصور ولم يعللها وقال في الرعاية الكبرى

ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع. وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض. فأما البينونة فتثبت بمجرد دعواه. وإن أتت بذلك امرأة ادعت الخلع لم يثبت به.

_ وعنه إن كان المجني عليه عبدا أو حرا أولا قود فيه ثبت المال. قوله: "ومن أتى بذلك في سرقة ثبت له المال دون القطع". تقدمت في قوله فإن قلنا بالقود في الجناية المذكورة. وقال ابن عبد القوي ولقائل أن يقول ولم لا يثبت القطع تبعا لثبوت السرقة كما يثبت رجم المحصن تبعا لثبوت الإحصان باثنين انتهى كلامه. وفيه نظر لأنه لا يلزم من ثبوت الأدنى وهو المال بشاهده ثبوت الحد وهو الأعلى مع عدم شاهده وهو انتفاؤه بالشبهة والرجم لم يثبت تبعا وإنما ثبت بشهود الزنا وشاهدي الإحصان والسرقة لم تثبت ولهذا قال أبو الخطاب في هذه المسألة تثبت شهادتهن في أخذ مال مطلق لا أخذ يوجب الحد. قوله: "وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض". لأنه يدعي مالا كما يثبت مقدار عوضه والمهر بها إذا اختلفا فيها. قوله: "فأما البينونة فتثبت بمجرد دعواه" لإقراره بها. قال في الرعاية الكبرى وقيل بل بذلك. قوله: "وإن أتت بذلك امرأة ادعت الخلع لم يثبت به". لأنه ليس بمال ولا يقصد منه بخلاف دعوى الزوج فإن قصده عوضه لقدرته على مفارقتها بالطلاق.

وإن أتى بذلك رجل ادعى على آخر بيده أمة لها ولد أنها أم ولده وإن ولدها ولده حكم له بالأمة وأنها أم ولد وفي ثبوت حرية الولد ونسبه منه روايتان وقيل يثبت نسبه بدعواه وإن بقيناه للمدعى عليه. ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والولادة والحيض والرضاع ونحوه تقبل فيه امرأة.

_ قوله: "وإن أتى بذلك رجل ادعى على آخر بيده أمة لها ولد أنها أم ولده وأن ولدها ولده حكم له بالأمة". لأنه يدعي ملكها لأن أم الولد مملوكة له وقد أقام بينة كافية في الملك. قوله: "وأنها أم ولده". أما حكم ثبوت الاستدلال فواضع لكن هل حصل بقول البينة أو بإقراره ظاهر كلام غير واحد أنه حصل بقول البينة وصرح بعضهم بأنه ليس بمراد وأنه إنما حصل بإقراره وقطع به في المغني لأن المدعي مقر بأن وطأها كان في ملكه وإقراره يثبت في ملكه. قوله: "وفي ثبوت حرية الولد ونسبه منه روايتان". أي من مدعيه وللشافعي أيضا قولان أحدهما يثبت لأن الولد نماء الجارية وقد ثبتت له ومن ثبت له العين له نماؤها زاد بعضهم في تعليلها ثم يثبت نسبة وحريته بإقراره والثانية لا يثبت نصره في المغني بأنه إنما يدعي حريته ونسبه وهذه البينة لا تصلح لإثبات ذلك فعلى هذا يبقى الولد في يد المدعي عليه مملوكا له. قوله: "وقيل يثبت نسبه بدعواه وإن بقيناه للمدعى عليه". احتياطا للنسب مع أنه لا ضرر على أحد فيه وهو منفعة للولد. قوله: "ومالا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والولادة والحيض والرضاع ونحوه تقبل فيه امرأة".

وعنه يفتقر إلى امرأتين.

_ لا بد من عادة أو غالبا قاله الشيخ تقي الدين وغيره وهو صحيح وهذا هو المنصوص في المذهب وذكر القاضي أنه أصح الروايتين وأن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة. قال في رواية ابن منصور تجوز شهادة امرأة واحدة في الاستهلال والحيض والعدة وفيما لا يطلع عليه إلا النساء وكذلك نقل أبو طالب عنه تقبل شهادة القابلة بالاستهلال هذا ضرورة ويقبل في الرضاع امرأة واحدة. وقال في رواية الميموني هو موضع ضرورة لا يحضره الرجال ونص في رواية إسماعيل بن سعيد على قبول شهادة امرأة في الاستهلال وقال في رواية أحمد بن سعيد وغيره الشهادة شهادة امرأة واحدة في الرضاع. قوله: "وعنه يفتقر إلى امرأتين". قال حنبل قال عمي يجوز في الاستهلال شهادة امرأتين صالحتين وقال الفضل بن عبد الصمد سمعت أبا عبد الله وسئل عن شهادة امرأة واحدة في الرضاع وهل تريد الإضرار قال لا تقبل شهادتها وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة السوداء: "كيف وقد قيل". وقال مهنا سألت الإمام أحمد عن شهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي فقال لا تجوز شهادتها وحدها وقال لي أحمد بن حنبل قال أبو حنيفة تجوز شهادة القابلة وحدها وإن كانت يهودية أو نصرانية. وسألت أحمد هو كما قال أبو حنيفة فقال أنا لا أقول لا تجوز شهادة واحدة عليه فكيف أقول بيهودية وهذه الرواية قول مالك لأن كل جنس يثبت به الحق يكفي فيه اثنان كالرجال. قال الشيخ تقي الدين وعن أحمد ما يقتضي أن قبول الواحدة إنما هو إذا

_ لم يكن غيرها وقوله في رواية أبي طالب "تقبل شهادة القابلة بالاستهلال هذه ضرورة" يدل عليه وذكر القاضي عند مسألة تعديل الواحد أنه تجوز شهادة الطبيب في الجراحة وكل موضع يضطر إليه فيه مثل القابلة إذا لم يكن إلا طبيب واحد أو بيطار واحد ومقتضى هذا أنه في العيوب التي تحت الثياب إن وجد امرأتان وإلا اكتفى بواحدة كما في البيطار انتهى كلامه. وذكر أيضا أن القاضي جعل الشرط في ذلك دون القابلة وقد تقدم وجه هذا. وقال ابن عقيل في الفنون وهو قول في الرعاية لا تقبل في الولادة شهادة امرأة حاضرة بدلا من القابلة بل يختص ذلك بالقابلة لأنها تتولى ذلك بنفسها وتعمله بيدها وأن الطفل خرج من هذه المرأة وعن الإمام أحمد رحمه الله التوقف في هذه المسألة قال صالح قلت لأبي تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال قال فيها اختلاف كثير قلت إلى أي شيء تذهب قال دعها وقال أبو حنيفة لا يقبل في ذلك إلا رجلين أو رجل وامرأتين ووافق على الولادة وروى ذلك عن عمر رواه سعيد بن منصور بإسناد فيه ضعف وانقطاع وقال تعالى: [282:2] {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية وقال الشافعي لا يقبل من النساء أقل من أربع لأن كل امرأتين كرجل. ولنا ما تقدم من قبول النبي صلى الله عليه وسلم شهادة أمة في الرضاع. وعن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يجوز من الشهود في الرضاع؟ قال: "رجل أو امرأة" قال البيهقي إسناد ضعيف وقد اختلف في متنه وروى المدايني عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة" وعن علي "أنه أجاز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال" رواه أحمد وسعيد

_ من رواية جابر الجعفي ولأن هذه شهادة على عورة فقبل فيها شهادة النساء منفردات فقبل فيه شهادة امرأة كالخبر. قال أبو الخطاب واحتج يعني الخصم بأنها شهادة على الولادة فلم يقبل فيها امرأة كما لو ادعت المطلقة البائن أنها ولدت وجحد المطلق فشهدت امرأة بولادتها فإنه لا يقبل ذلك ولا يلحق النسب بالمطلق كذلك هنا في مسألتنا قالوا وكذلك لو علق طلاقها بالولادة فشهدت امرأة بالولادة وكذلك إذا شهدت باستهلال الولد لا يقبل منها في الإرث. قلنا لا نسلم جميع ذلك ونقول يثبت النسب ويقع الطلاق ويستحق الميراث ذكره شيخنا وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية ابن منصور وأبي طالب وهو مذهب أبي يوسف ومحمد وإنما سلمه أبو حنيفة وقال إنما يثبت قول القابلة في الولادة ويثبت الولد بالفراش فإذا زال الفراش بالبينونة لم يثبت النسب وفي الطلاق والميراث لا يثبت إلا بشاهدين أو شاهد وامرأتين يشهدان بالولادة ثم أفرد أبو الخطاب مسألة وقال أبو حنيفة لا يثبت النسب إلا أن يكون النكاح قائما أو يكون الحمل ظاهرا ويقر بالحبل ولا يقبل في الاستهلال والطلاق إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وكذا ذكر القاضي المسألة والخلاف مع أبي حنيفة وقال فلا يجوز أن يقال ثبت هناك بإقراره وبظهور الحمل لأن هذا الإقرار والظهور لا عبرة به بدليل أنه لا يصح اللعان عليه ولا الإقرار به لأنه يصير تعلقا بشرط. ومن الحجة قول علي السابق لأن هذه حجة تامة في ثبوت الولادة فيثبت بها ذلك كرجل وامرأتين وهذا لأن ثبوت النسب يترتب على ثبوت الولادة في حال قيام النكاح بلا خلاف فرتب على ثبوتها مع بقاء حكم النكاح وهو العدة كما لو كان ثبوت الولادة برجلين.

_ فصل قال الشيخ تقي الدين قال أصحابنا والاثنتان أحوط وليس الرجل أحوط من المرأة جعله القاضي محل وفاق انتهى كلامه. وقال أبو الخطاب فإن قيل فلم قلتم إن الاثنين أحوط فأجاب للخروج من الخلاف قال فأما الحجة فالواحدة والجماعة فيه سواء. فصل قال الشيخ تقي الدين حديث أبي مسروعة في الأمة الشاهدة بالرضاع يستدل به على شهادة المرأة الواحدة وعلى شهادة الأمة وعلى أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة وعلى أن الشهادة بالرضاع المطلق تؤثر حملا للفظ المطلق على ماله قدر انتهى كلامه. فصل روى الخلال عن الإمام أحمد أنه قال وسئل هل تجوز شهادة امرأة في الاستهلال والحيض والعدة والسقط والحمام كل مالا يطلع عليه إلا النساء تجوز شهادة امرأة واحدة إذا كانت ثقة. ونص الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه على قبول شهادة المرأة في الحمام يدخله النساء بينهن جراحات. وقال حنبل قال عمي ولا تجوز إلا فيما لا يراه الرجال. ووجه ابن عقيل عدم قبول شهادة الصبيان في الجراح في الصحراء بأن قال لأنه لو قبل لأجل العذر لقبل شهادة النساء بعضهن على بعض في الجراح في الحمامات بل حمام النساء لا يدخله رجل قط والصحراء قد لا تخلو من رجل. فلو جاز هنا لعذر لجاز في شهادة النساء في تجارحهن في الحمامات.

_ وقالت المالكية وإحدى الروايات عن أحمد إن الجراحة تدعو إلى قبول شهادتهم في هذا الموضع كما دعت الحاجة إلى قبول شهادة النساء منفردات في الولادة لأنهن يخلون بها قالوا ولهذا قال الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه في المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات إهلال الصبي وفي الحمام يدخله النساء فيكون بينهن الجراحات. قال القاضي في التعليق ضمن مسألة شهادة الصبيان الجواب أنه ليس العادة أن الصبيان يخلون في الأهداف أن يكون معهم رجل بل لا بد أن يكون معهم من يعلمهم أو ينظر إليهم فلا حاجة تدعو إلى قبول شهادتهم على الانفراد. ثم نقول إذا كان الشخص على صفة لا تقبل شهادته لم يجز قبولها وإن لم يكن هناك غيره ألا ترى أن النساء يخلو بعضهن ببعض في المواسم والحمامات وربما يجني بعضهن على بعض ولا تقبل شهادة بعضهن على بعض على الإنفراد وكذلك قطاع الطريق والمحبسون بها لا تقبل شهادة بعضهم على بعض وإن لم يكن معهم غيرهم. قال الشيخ تقي الدين الصورة التي استشهد بها قد نص الإمام أحمد على خلاف ما قاله لكنه ملحق وعلى المنصوص هنا أن كل مجمع للنساء لا يحضره الرجال لا تقبل شهادتهن فيه كالشهادة على الولادة وليس بين هذا وبين ماسلمه القاضي وغيره فرق إلا أن المشهود به في الحمام ونحوها لا يقع غالبا بخلاف الاستهلال ونحوه فإنه يقع غالبا ولا يشهده إلا النساء ولهذا فرق المالكية بين الصبيان والنساء بأن الصبيان اجتماعهم مظنة القتال بخلاف النساء وأيضا فان الاستهلال ونحوه هو جنس لا يطلع عليه الرجال وجراح الحمام ونحوها جنس يطلع عليه الرجال وإنما كونه في الحمام هو الذي منع الاطلاع وهذا نظير نص أحمد على قبول شهادة البيطار والطبيب ونحوه للضرورة فصارت الضرورة

والرجل فيه كالمرأة.

_ مؤثر في الجنس وفي العدد فيتوجه على هذا أن تقبل شهادة المعروفين بالصدق وإن لم يكونوا ملتزمين للحدود عند الضرورة مثل الحبس وحوادث البر وأهل القرية الذين لا يوجد فيهم عدل وله أصول أحدها شهادة أهل الذمة في الوصية إذا لم يكن مسلم وشهادتهم على بعضهم في قول الثاني شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال الثالث شهادة الصبيان فيما لا يشهده الرجال ويظهر ذلك بمحتضر في السفر إذا حضر إثنان كافران واثنان مسلمان مصدقان ليسا بملازمين للحدود واثنان مبتدعان فهذان خير من الكافرين والشروط التي في القرآن إنما هي شروط التحمل لا الأداء وقد ذكر القاضي هذا المعنى في مسألة شهادة أهل الكتاب على الوصية فقال لما قاس على شهادة النساء منفردات فقال الضرورة قد تؤثر في الشهادات بدليل شهادة النساء على الإنفراد فيما لا يطلع عليه الرجال. فإن قيل الأنوثة لا تؤثر في الدين وفي العدالة وهذا يؤثر في العدالة فيما قد اعتبرت فيه. قيل لا يمنع أن يسقط اعتبارها لأجل الضرورة كما قالوا العدالة معتبرة في ولاية النكاح فسقط اعتبارها بالضرورة وهو إذا كان الأب كافرا والبنت مسلمة جاز أن يزوجها لأنها حال ضرورة وفقد العدالة ليس بأكثر من فقد الصفة في الشهادة وهذا يجوز مع الضرورة كالذكورية هي شرط في الشهادة وتسقط عند الضرورة وهي في الحال التي لا يطلع عليها الرجال. قوله: "والرجل فيه كالمرأة". وفي عبارة جماعة كأبي الخطاب والشيخ موفق الدين أنه أولى لكماله ولأن ما قبل فيه قول الرجال كالرواية.

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة لا تجوز الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي.

_ باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة قوله: "لا تجوز الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي". أما جواز الشهادة على الشهادة فذكره في المغني بالإجماع. وقال الإمام أحمد في رواية أبي طالب إنها لا تجوز في الحدود وتجوز في الحقوق قال ليس تختلف الناس في هذا وذلك لأن الحاجة داعية إليها فإنها لو لم تقبل لبطلت الشهادة على الوقوف وما يتأخر ثبوته عند الحاكم ثم يموت أو يموت شهوده وفي ذلك ضرر ومشقة فوجب القبول كشهود الأصل ونصب القاضي وأصحابه الخلاف في هذه المسألة مع داود فإنه قال لا تجوز الشهادة على الشهادة وتقبل في المال وما يقصد منه المال عند الأئمة الأربعة وهل يختص القول في ذلك كقول أبي بكر وابن حامد وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول لأنه لا يثبت إلا بشاهدين أو لا يختص فيقبل في الجميع كقول مالك والشافعي في قول وهو الصحيح عند أصحابه لعموم الدليل في ذلك أولا يقبل في حد الله ويقبل فيما سواه قدمه غير واحد وهو ظاهر كلام الخرقي لأن حد الله مبني على الستر والدرء بالشبهات بخلاف غيره أولا يقبل في النسب والحد ويقبل فيما عدا ذلك فيه روايتان. وذكر في المغني أن الدم كالحد ونصر أبو الخطاب والشريف وغيرهما أن الدم كالأموال وذكر القاضي وغيره أن الحد رواية واحدة في عدم القبول ورواية القبول ذكرها في الإفصاح والرعاية وغيرها وقد قال جعفر بن محمد سمعت أبا عبد الله يسأل عن الشهادة على الشهادة فقال جائزة.

ولا يحكم بها إلا إن تعذر شهادة الأصل بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة القصر وقيل إلى مسافة لا تتسع للذهاب والعود في اليوم.

_ قوله: "ولا يحكم بها إلا إن تعذر شهادة شهود الأصل بموت أو مرض أو غيبة". زاد في المغني وغيره أو خوف من السلطان أو غيره وهذا قول الأئمة الثلاثة لأن الأدنى لا يقبل مع القدرة على الأقوى وكسائر الإبدال. وقال ابن عبد القوي مع ذلك أحبس وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر انتهى كلامه. وقال أبو يوسف ومحمد تقبل شهادة حاضر في المصر. وقال الشيخ تقي الدين متوجه على قولنا إن شهادة الفرع خبر ولو كان الأصل في المجلس لم تقبل الفروع ذكره يعني القاضي محل وفاق وقد علل يعني القاضي بالمشقة على شهود الأصل في الحضور وهذا تتعدد أسبابه قال يعني القاضي ويحتمل أن نعتبر سفرا تقصر فيه الصلاة ويحتمل أن لا يعتبر ذلك وتجوز مع الغيبة القصيرة لأن مشقة السفر القصير أكثر من مشقة المريض المقيم في البلد انتهى كلامه. قوله إلى مسافة القصر. قطع به في المستوعب وغيره ورجحه غير واحد وهو قول الثلاثة لأن مادونه في الحاضر. قوله وقيل إلى مسافة لا تتسع للذهاب والعود في اليوم الواحد. ذكره القاضي في موضع وبه قال أبو يوسف وأبو حامد والشافعي للمشقة في ذلك بخلاف مادون اليوم وفي المسألة قول آخر تقدم.

وعنه لا يحكم بها حتى يموت الأصول. فعلى الأولى إن شهد الفروع فلم يحكم حتى حضر الأصول أو صحوا وقف حكم الحاكم على سماعه منهم وإن حدث فيهم مالو حدث فيمن أقام الشهادة منع الحكم بها منعه ههنا.

_ قوله: "وعنه لا يحكم بها حتى يموت الأصول". نص عليه في رواية جعفر بن محمد وغيره إذا كان حيا وهو غائب لم يشهد على شهادته إلا أن يكون موتا لأنه لا يؤمن أن يتغير عن حاله لما يحدث من الحوادث انتهى كلامه وروى عن الشعبي. قوله: "فعلى الأولى إن شهد الفروع فلم يحكم حتى حضر الأصول أو صحوا وقف حكم الحاكم على سماعه منهم". لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل فأشبه المتيمم يقدر على الماء. قوله: "وإن حدث فيهم مالو حدث فيمن أقام الشهادة منع الحكم بها منعه ههنا". هذا قول الحنيفة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية جعفر بن محمد المذكورة قاله القاضي لإن الحكم مبني عليها كشهود الفرع وغيرهم. فصل وإنكار شهود الأصل يمنع قبول شهادة شهود الفرع ذكره القاضي وغيره محل وفاق وكذلك احتج المخالف في الرواية لأنه لو شهد شاهدان على شهادة شاهدين فقال شاهدا الأصل لا نذكر ذلك ولا نحفظه لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما كذلك الخبر وكذلك الحاكم إذا ادعى رجل أنه قضى له بحق على فلان ولم يذكر القاضي فأحضر المدعي بينة على حكمه لم يرجع إليها كذلك ههنا

ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل.

_ قال القاضي والجواب أنا لا نسلم هذا في القاضي بل نقول يرجع وأما شهود الفرع فإننا لم نسمع شهادتهم لأن الشهادة أغلظ حكما وأشق طريقا من الخبر. قال الشيخ تقي الدين القول في الشهود كالقول في الحكام والمحدثين متوجه. قوله: "ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه شاهد الأصل". نقله محمد بن الحكم وغيره وقال في رواية الميموني لا تجوز شهادة على شهادة إلا أن يشهدك فأما إذا سمعه يتحدث فإنما هو حديث. ونقل ابن منصور قلت للإمام أحمد قال ابن أبي ليلى السمع سمعان إذا قال سمعت فلانا أجزته وإذا قال سمعت فلانا يقول سمعت فلانا لم يجزه كان هذا شهادة على شهادته لم يشهد عليه قال ما أحسنه. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما لأن الشهادة على الشهادة فيها معنى النيابة والنيابة بغير إذن لا تجوز ولأنه يحتمل أن يكون له في تحمله عذر فلم يشهد مع الاحتمال بخلاف الاسترعاء فانه لا يكون إلا على واجب. وخرج ابن عقيل هذه المسألة على شهادة المستخفي قياسا فقال في الفصول وهذا يخرج على ما قدمنا في شهادة المستخفي ووجهه أن هذا ينقل شهادته ولا ينوب عنه لأنه لا يشهد مثل شهادته وإنما ينقل شهادته وقال ابن حمدان وإن شهد عدل عند حاكم فعزل فهل الحاكم المعزول يصير فرعا على الشاهد يحتمل وجهين. قال المغني فإن قيل فلو سمع رجلا يقول لفلان على ألف درهم جاز أن يشهد بذلك فكذا هذا قلنا الفرق بينهما من وجهين. أحدهما أن الشهادة تحتمل العلم ولا يحتمل الإقرار ذلك.

فيقول أشهده على شهادتي بكذا.

_ الثاني أن الإقرار أوسع في لزومه من الشهادة بدليل صحته في المجهول وأنه لا يراعى فيه العدد بخلاف الشهادة ولأن الإقرار قول الإنسان على نفسه وهو غير متهم عليها فيكون أقوى منها ولهذا لا تسمع الشهادة في حق المقر ولا يحكم بها. قوله: "فيقول أشهده على شهادتي بكذا". قال في المغني فأما إن قال أشهد أني أشهد على فلان بكذا فالأشبه أنه يجوز أن يشهد على شهادته وهو قول أبي يوسف لأن معنى ذلك اشهد على شهادتي أني أشهد لأنه إذا قال أشهد فقد أمره بالشهادة ولم يسترعه وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة انتهى كلامه. وفي كلام الشيخ تقي الدين أشهد على أني أشهد وقال في الرعاية فيقول أشهدك أو أشهد على شهادتي أني أشهد لزيد على عمرو بكذا أو أني أشهد له عليه بكذا أو أنه عندي طوعا بكذا أو أشهد به عليه إلى أن قال فان سمعه فرعه يقول أشهد له عليه بكذا لم يشهد على شهادته به أو قال أشهدني فلان بكذا أو عندي شهادته عليه بكذا أو لفلان على فلان كذا أو شهدت عليه به أو أقر عندي به فوجهان أقواهما منعه قال وإن سمعه خارج مجلس الحكم يقول عندي شهادة لزيد أو أشهد بكذا لم يصر فرعا. قال في المغني ولو قال شاهد الأصل أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد به أنت عليه لم يجز أن يشهد على شهادته لأنه ما استرعاه بشهادة فيشهد عليها ولا هو شاهد بالحق لأنه ما سمع الاعتراف به ممن هو عليه ولا شاهد بسببه.

_ فصل قال في الكافي ويؤدي الشهادة على الصفة التي تحملها فيقول أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وإن سمعه يشهد عند الحاكم أو يعزو الحق إلى سببه ذكره. قال في المستوعب في الصورتين الأخيرتين فيقول أشهد على شهادة فلان عند الحاكم بكذا أو يقول أشهد على شهادته بكذا وأنه عزاه إلى واجب فيؤدى على حسب ما تحمل فإن لم يؤدها على ذلك لم يحكم بها الحاكم. وقال في المسألة الأولى ويشترط أن يؤدي شاهد الفرع إلى الحاكم ما تحمله على صفته وكيفيته. وقال الشيخ تقي الدين الفرع يقول أشهد على فلان أنه يشهد له أو أشهد على شهادة فلان بكذا فإن ذكر لفظ المسترعي فقال أشهد على فلان أنه قال أشهد أني أشهد فهو أوضح فالحاصل أن الشاهد بما يسمع تارة يؤدي اللفظ وتارة يؤدي المعنى وقال أيضا والفرع يقول أشهد أن فلانا يشهد أو بأن فلانا يشهد فهو أول رتبة والثانية أشهد عليه أنه يشهد أو بأنه يشهد والثالثة أشهد على شهادته. وقال في الرعاية ويحكي الفرع صورة تحمله ويكفي العارف أشهد على شهادة فلان بكذا والأولى أن يحكي ما سمعه أو يقول شهد فلان عند الحاكم بكذا أو أشهد أن فلانا أشهد على شهادته بكذا. فرع فإن سمع شاهدا يشهد عند حاكم فقال آخر أشهد بمثل ما شهد به أو قال وبذلك أشهد أو قال وكذلك أشهد أو قال أشهد بما وضعت به خطي ولم يذكر وقت الأداء ما تحمله وكتب به خطه فقال ابن حمدان يحتمل

أو يسمعه يشهد بها عند الحاكم أو يعزوها إلى سبب وجوبه من قرض أو بيع ونحوه فيجوز وعنه لا يجوز بدون الاسترعاء بحال. ولا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلا بشاهدين فتثبت سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهدا على كل شاهد شاهد نص عليه. وقال ابن بطة لا تثبت إلا بأربعة على كل أصل فرعان.

_ أوجها الثالث أنه يصح في كذلك وبذلك فقط والقول بالصحة في الجميع أولى. قوله: "أو يسمعه يشهد بها عند الحاكم أو يعزوها إلى سبب وجوبه من قرض أو بيع ونحوه فيجوز وعنه لا يجوز بدون الاستبرعاء بحال". منهم من يحكي وجهين ومنهم من يحكي روايتين ورواية الجواز ذكر في الرعاية أنها أشهر وهو مذهب الشافعي لأنه يزول الاحتمال بذلك فهو كما لو استرعاه ورواية المنع قطع به القاضي في التعليق وبه قال أبو حنيفة لما تقدم. قوله: "سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهدا على كل شاهد شاهد نص عليه". في رواية المروزي وجعفر بن محمد وحرب وحكاه أيضا إجماعا قال إلا أن أبا حنيفة أنكره لأن شهادة شاهدي الأصل تجري مجرى الإقرار الواحد لأنهما لو كانا مجرى الإقرارين من رجلين لجاز شهادة أحد شاهدي الأصل مع أجنبي على شهادة الآخر وإذا ثبت هذا فالإقرار الواحد اذا شهد عليه نفسان صح وجاز الحكم به وكما لو شهدا بنفس الحق ولأنهم بدل فاكتفى بمثل عدد الأصل. قوله: "وقال ابن بطة لا تثبت إلا بإربعة على كل أصل فرعان". ذكره أبو حفص في تعليقه وكذا حكاه غير واحد وهو أحد قولي الشافعي وذكره في الخلاصة رواية عن الإمام أحمد كما لا يثبت إقرار مقرين بشهادة اثنين

ويتخرج أن تكفي شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين. ولا مدخل للنساء في شهود الفرع ولا في أصولهم.

_ يشهد كل واحد منهما على شاهد واحد ولا من ثبت به أحد طرفي الشهادة لا يثبت به الطرف الآخر كما لا يجوز أن يكون شاهد أصل فرعا مع آخر على شاهد أصل والفرق ظاهر. قوله: "ويتخرج أن تكفى شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين". وقطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد وهو ظاهر ما ذكره في المغني والكافي عن ابن بطة وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في القول الآخر لأنه إثبات حق آدمي بقول عدلين فهو كالشهادة على إقرار نفسين وقد قال في رواية حرب لا تجوز شهادة رجل على شهادة امرأة. قال القاضي فقد منع أن يكون شهود الأصل نساء فأولى أن يمنع أن يكون شهود الفرع نساء وحملها أبو الخطاب على أنها لا تقبل شهادة الرجل حتى ينضم إليه غيره قال فيخرج من هذه الرواية أنه لا يكفي شاهد واحد. وذكر القاضي رواية أخرى أنه تقبل شهادة شاهد من شهود الفرع على شاهدي الأصل قال في رواية حرب تقبل شهادة رجل على شهادة رجلين. وذكر أبو الحسين أن القول الأول الصحيح من المذهب واحتج له بالقياس على أخبار الديانات ثم قال فإن قيل لو كان جاريا مجرى الخبر لجاز أن تقبل شهادة شاهد واحد من شهود الفرع على شهادة شاهدي الأصل كما يقبل خبر الواحد على اثنين قيل في ذلك روايتان. قوله: "ولا مدخل للنساء في شهود الفرع ولا في أصولهم".

وعنه يدخلن فيهما وعنه يدخلن في الأصول دون الفروع وهو الأصح فإذا شهد رجل وامرأتان على مثلهم أو على رجلين لم يجز إلا على الوسطى ولو شهد رجلان على رجل وامرأتين جاز إلا على الأولى.

_ نصره القاضي في التعليق ونصره أصحابه أيضا لأنه ليس بمال ولا يقصد منه ويطلع عليه الرجال أشبه القود والنكاح ولأن في الشهادة على الشهادة ضعفا فاعتبر تقويتها باعتبار الذكورية فيها. قوله: "وعنه يدخلن فيهما". نصره في المغني وقدمه في الرعاية وقيد جماعة هذه الرواية فيما تقبل فيه شهادتهن مع النساء أو منفردات وحكاه في الرعاية قولا وليس كذلك. قال القاضي في التعليق إن حربا نقل عن الإمام أحمد ما يقتضي هذه الرواية فقال شهادة امرأتين على شهادة امرأتين تجوز قال ورأيت في جامع الخلال أن هذا قول إسحاق قال شهادة رجل على شهادة امرأتين جائز يحكم به فلا يضاف هذا إلى أحمد وبهذا قال أبو حنيفة لأن القصد من شهادتهن إثبات الحق فكان لهن مدخل كالبيع. قال الشيخ تقي الدين هذا قياس المذهب في التي قبلها بناء على أن الشهادة على الشهادة تجري مجرى الخبر وإن ألحقناها بثبوت حكم الحاكم قوى المذهب وهذا متوجه جدا فإن شاهد الفرع مسترعى كالحاكم انتهى كلامه. قوله: "وعنه يدخلن في الأصول دون الفروع وهو الأصح". هذه طريقته في الكافي وغيره لأنهم قدموا الدخول في الأصول وأطلقوا روايتين في الفروع وبه قال الشافعي لأنها شهادة بمال بخلاف شهادتهن في الفروع. قوله: "فإذا شهد رجل وامرأتان إلى آخره".

ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم وإذا حكم ثم رجع شاهدا الفرع ضمنا ولو قالا لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم لم يضمنا شيئا.

_ تفريع واضح على الروايات. فرع قال القاضي ولو شهد على شاهدين بأن هذه الدار لزيد وعلى آخرين بأنها لعمرو صح ذكره محل وفاق. قوله: "ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم". لأن الحاكم يبنى على شهادتهما ومقتضى كلامه الاكتفاء بتعديل شهود الفرع كغيرهم وهو صحيح وذكر في المغني أنه لا يعلم فيه خلافا وقال في الرعاية وفيه نظر ووجهه أن فيه تهمة كما لا يزكى ففيه في الشهادة. قوله: "وإذا حكم ثم رجع شاهدا الفرع ضمنا". لأنهما تسببا إلى إتلافه بشهادة الزور فأشبه مالو أتلفوه بأيديهم. قوله: "ولو قالا لقد بان لنا كذب الأصول أو غلطهم لم يضمنا شيئا". وفي كلام بعضهم إشارة إلى هذا لأنهما لم يفرطا ولم يتسببا في إتلافه ولأنهما لو ضمنا في هذه الحال أفضى إلى عدم الشهادة على الشهادة وظاهر كلام جماعة الضمان لأن إتلافه حصل بشهادتهم كالتي قبلها والافتراق في الكذب لا يمنع الضمان ويعرف من كلامه أنهما لو قالا لا نعلم أنهم كذبة أو غالطون ضمنا. وصرح به الشيخ تقي الدين قال لأنه من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين وكذلك كل من شهد على أقرار أو حكم يعلم أنه باطل وإن شهدوا على عقد يعلمون تحريمه انتهى كلامه.

وإن رجع الأصول فقالوا كذبنا أو غلطنا ضمنوا وقيل لا يضمنون ولو قالوا ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا. وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض سواء قبض المال أو لم يقبض تالفا كان أو باقيا.

_ قوله: "وإن رجع الأصول فقالوا كذبنا أو غلطنا ضمنوا". وقدمه في الرعاية لأن الحكم مبنى على شهادتهم وكذلك تعتبر عدالتهم ولأنهم سبب فضمنوا كالمزكين. قوله: "وقيل لا يضمنون". قدمه الشيخ وغيره وتبع أبا الخطاب في ذكره احتمالا بالضمان وقطع به القاضي ونصب الخلاف مع محمد بن الحسن بحصول الإتلاف عقيب شهادة الفروع كالمباشر مع المتسبب. قوله: "ولو قالوا ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا". أما الأصول فلعدم ثبوت ذلك عليهم وأما الفروع فإنه لا تفريط منهم والأصل صدقهم فلا ضمان. قوله: "وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض سواء قبض المال أو لم يقبض تالفا كان أو باقيا". قد أطلق في مواضع أن الشاهد يضمن ولم يفرق بين ما قبل التلف وبعده قاله الشيخ تقي الدين وسيأتي في الشاهد واليمين وذكره القاضي محل وفاق وذكر في المغني أنه قول أهل الفتيا من علماء الأمصار لأن حق المشهود له قد وجب فلا يزول إلا ببينة أو إقرار ولم يوجد واحد منهما. قال الشيخ تقي الدين في كلام أحمد ما ظاهره أنه ينقض الحكم إذا رجعا بعد الحكم ثم إن كان المال باقيا أعيد وإن كان تالفا ضمناه ولفظ رواية ابن

_ منصور يقتضي ذلك فإنه قال إذا شهد شهادة ثم رجع عنها وقد أتلف مالا فهو ضامن لحصته فإنما أوجب الضمان إذا تلف المال وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله سئل عن رجل قضى عليه بشهادة شاهدين فرجع أحد الشاهدين قال يلزمه ويرد الحكم قيل لأبي عبد الله وإذا قضى له بحق بشهادة شاهد ويمين المدعي ثم رجع الشاهد فقال إذا تلف الشيء كان على الشاهد لأنه إنما ثبت ههنا بشهادته ليس اليمين من الشهادة في شيء فقد نص على أن يرد الحكم. قال إذا تلف الشيء كان على الشاهد وقال أحمد بن القاسم قلت لأبي عبد الله فإن رجع الشاهد عن الشهادة كم يغرم قال المال كله لأنه شاهد وحدة قضى بشهادته ثم قال لي كيف قول مالك فيها قلت لا أحفظه قلت له بعد هذا المجلس إن مالكا كان يقول إن رجع الشاهد فعليه نصف الحق لأني إنما حكمت بشيئين بشهادة ويمين الطالب فلم أره رجع عن قوله وسألته عن رجوع الشهود قبل الحكم وبعده سواء قال لا كيف يكون سواء وقبل الحكم لم يقع شيء ولم يؤخذ من الرجل شيء كيف يكون هذا وذاك سواء هذا قائم بعد بحاله. فعلم أن الموجب للضمان بعد هذا فعل تلف المال لا مجرد الحكم ولكن جوابه بأن الضمان جميعه على الشاهد دون المال قد يظن أنه لا ضمان معه على الطالب فلا ينقض الحكم لكن مقصود أحمد أن الشاهد هنا يطالب بجميع المشهود به بخلاف ما لو كانا شاهدين فإنه إذا رجع أحدهما لم يطالب إلا بنصفه وروى الأثرم عن ابن أبي شيبة عن وكيع قال قال سفيان إذا مضى الحكم جازت الشهادة ويغرم الشاهد إذا رجع وعن ابن أبي شيبة عن ابن مهدي وغندر عن شعبة عن حماد قال: "يرد الحكم" ثم ذكر نص أحمد قال يلزمه ويرد الحكم انتهى كلامه.

ويلزمهم الضمان ولا يلزم من زكاهم شيء. وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة.

_ وعن ابن المسيب والأوزاعي ينقض الحكم وإن استوفى الحق كما لو تبين أنهما كانا كافرين قلنا في الأصل لم يوجد شرط الحكم وفي الفرع وجد ظاهرا وكذا باقي الرجوع. قوله: "ويلزمهم الضمان". نص عليه ذكره القاضي وغيره كما تقدم وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في المذهب القديم وقال في الجديد لا ضمان عليهما ووافق في العتق والطلاق. ووجه قولنا أن شهادتهما صارت سببا في الإتلاف وهما متعديان في السبب فضمنا لمحل الوفاق. فرع ذكر القاضي أنه لو أقر المشهود له بالعين للمشهود عليه بعد ما حكم له بها الحاكم فإنها تعود إليه على حكم ملك مستقبل1. قوله: "ولا يلزم من زكاهم شيء". ذكره القاضي محل وفاق في مسألة رجوع الأصول لأن من زكاه صدقة محتمل وإنما كذبه في رجوعه فلا يلزمهم شيء مع الشك. قوله: "وإن رجع شهود العتق غرموا القيمة". وكذا لو صدق العبد الشهود في بطلان الشهادة لم يرجع إلى الرق لأن في الحرية حقا لله تعالى ذكره القاضي محل وفاق فيه وفي الطلاق.

وإن رجع شهود بطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى وإن كان بعده لم يغرموا شيئا وعنه يغرمون المسمى كله. وإن رجع شهود القود أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف وقيل يستوفى فإذا كان لآدمي كما في الفسق الطارئ.

_ قوله: "وإن رجع شهود بطلاق قبل الدخول غرموا نصف المسمى". وفاقا لأبي حنيفة ومالك لا مهر المثل ولا نصفه خلافا لقولي الشافعي لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل مالو أخرجته من ملكه بردة أو رضاع وقد ألزم الزوج نصف المسمى بشهادتهما فرجع كما يرجع به على من فسخ نكاحه. قوله: "وإن كان بعده لم يعزموا شيئا". هذا هو الراجح في المذهب وفاقا لأبي حنيفة ومالك خلافا للشافعي في ضمان مهر المثل لأنهما لم يقررا على الزوج شيئا ولم يخرجا من ملكه متقوما كما لو أخرجاه أو غيرهما برضاع أو غيره. قوله: "وعنه يغرمون المسمى كله". فإن عدم فما يلزم الزوج من مهر المثل لأنهما فوتا عليه نكاحها كما قبل الدخول وهذه الرواية تدل على أن المسمى لا يتقرر بالدخول فيرجع الزوج على من فوت عليه نكاحها برضاع أو غيره. قوله: "وإن رجع شهود القود أو الحد قبل الاستيفاء لم يستوف". هذا هو المشهور وقطع به غير واحد لأنه يدرأ بالشبهة والمال يمكن جبره والقود شرع للتشفى لا للجبر فعلى هذا ذكره ابن الزاغوني في الواضح أن المشهود عليه له الدية إلا أن نقول الواجب القصاص حسب فلا يجب شيء. قوله: "وقيل يستوفى إذا كان لآدمي كما في الفسق الطارئ".

وإن كان بعده وقالوا أخطانا لزمهم دية ما تلف ويتقسط الغرم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وإن رجع منهم خمسة غرموا النصف. وإن شهد بالمال رجل وثمان نسوة ثم رجعوا لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر.

_ على خلاف فيه وفرق بأن الشاهد هنا يقر بأن شهادته زور حين شهادته وحين الحكم بها فهو أقوى في الشبهة لأن من طرأ فسقه لا يقر بشيء من ذلك ولو أقر لم يتحقق صدقه في فسقه ولو بعد الاستيفاء لم يضمن شيئا بخلاف الراجع. قوله: "وإن كان بعده وقالوا أخطأنا لزمهم دية ما تلف". مخففة لا تحمله العاقلة ويعزران. قوله: "ويتقسط الغرم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وإن رجع منهم خمسة غرموا النصف". قطع به جماعة ونص عليه أحمد لأنه حصل بقول الجميع كما لو رجعوا جميعا ويحتمل أن يجب على الراجع الجميع لأن الحق إنما ثبت به ذكره ابن الزاغوني وعلى الأول إذا شهد بالقتل ثلاثة وبالزنا خمسة فرجع أحدهم في القتل فالثلث وفي الزنا فالخمس قال في الرعاية الكبرى وقيل لا يلزمهما شيء لبقاء من يكفي فيهما وهو أقيس وهو قول أبي حنيفة ومنصوص الشافعي وإن رجع من ثلاثة القتل اثنان فهل يغرمان النصف أو الثلثين على الوجهين وإن رجع من خمسة الزنا اثنان فهل عليهما الخمسان أو الربع على الوجهين. قوله: "وإن شهد بالمال رجل وثمان نسوة ثم رجعوا لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر".

وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن. وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف.

_ قطع به غير واحد وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما تقدم ولأن كل امرأتين كرجل. قوله: "وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن". ذكره القاضي في الجامع الصغير وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الرجل نصف البينة بدليل رجوعه وحده قبل الحكم وقيل الرجل كأنثى وفيه وعن أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة ما زاد على اثنتين فليس على الراجعات شيء ويكون قولا لنا كما تقدم في التي قبلها وهو قول بعض الشافعية. قوله: "وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا". لأن القتل حصل بقول جميعهم كما لو شهدوا جميعا على الزنا. قوله: "وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف" لأنه قتل بنوعين فتقسم الدية عليهما وذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد روايتين كالوجهين وقال أبو حنيفة والأظهر عن مالك وأحد الوجهين للشافعية لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط لأن السبب الموجب للقتل ثبت بشهادة الزنا وذكر ابن عقيل مثل هذا في تعليل مسألة الحكم بشاهد ويمين وتشبه هذه المسألة ما لو شهد اثنان بتعليق عتق أو طلاق واثنان بوجود شرطه ثم رجعوا قال في الرعاية فالعزم على كل جهة نصفه وقيل يغرم كله شهود التعليق.

وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن. وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف.

_ قطع به غير واحد وهو قول أبي حنيفة والشافعي لما تقدم ولأن كل امرأتين كرجل. قوله: "وقيل يلزمه النصف وكل امرأة نصف الثمن". ذكره القاضي في الجامع الصغير وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن الرجل نصف البينة بدليل رجوعه وحده قبل الحكم وقيل الرجل كأنثى وفيه وعن أبي حنيفة وأصحابه متى رجع من النسوة ما زاد على اثنتين فليس على الراجعات شيء ويكون قولا لنا كما تقدم في التي قبلها وهو قول بعض الشافعية. قوله: "وإذا شهدوا أربعة بالزنا واثنان بالإحصان فرجم ثم رجع الستة لزمتهم الدية أسداسا". لأن القتل حصل بقول جميعهم كما لو شهدوا جميعا على الزنا. قوله: "وقيل يلزم شهود الزنا النصف وشاهدي الإحصان النصف" لأنه قتل بنوعين فتقسم الدية عليهما وذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد روايتين كالوجهين وقال أبو حنيفة والأظهر عن مالك وأحد الوجهين للشافعية لا ضمان على شهود الإحصان لأنهم شهدوا بالشرط لأن السبب الموجب للقتل ثبت بشهادة الزنا وذكر ابن عقيل مثل هذا في تعليل مسألة الحكم بشاهد ويمين وتشبه هذه المسألة ما لو شهد اثنان بتعليق عتق أو طلاق واثنان بوجود شرطه ثم رجعوا قال في الرعاية فالعزم على كل جهة نصفه وقيل يغرم كله شهود التعليق.

وإذا حكم في مال بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم المال كله نص عليه.

_ قوله: "وإذا حكم في مال بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد عن الشهادة غرم المال كله نص عليه". في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث وأبي الحارث يضمن الشاهد جميع المال ولا يرجع بنصفه على المشهود له وقال إنما ثبت الحق بشهادته. وكذلك نقل ابن مشيش وابن بختان وهذا قول مالك. قال الشيخ تقي الدين بنى القاضي المسألة على أن الحكم إنما وقع بالشهادة وإنما اليمين للاحتياط كاليمين مع الشاهدين على الغائب وأن اليمين قول المدعي فلا يحكم له بها وهذه بحوث تشبه بحوث الحنفية فإنهم لا يجعلون اليمين في جنبة المدعي قط ويتوجه للمسألة مأخذ آخر وهو أن اليمين هنا قول آخر فأشبهت دعواه وقبضه فإن الشاهد هو الذي مكنه من أن يحلف ويأخذ كما أن الشاهدين هما اللذان مكناه من أن يأخذ ألا ترى أنه لا يحلف إلا بعد الشهادة بخلاف أحد الشاهدين مع الآخر وحقيقته أن الشاهد متسبب في الإتلاف والحالف مباشر ولم يمكن إحالة الحكم عليه فيحال على السبب وكل واحد من الشاهدين متسبب وهذا فقه جيد يبين به حسن فقه أبي عبد الله. وقال القاضي في التعليق ضمن مسألة الشاهد إذا ادعى على ميت أو صبي أو مجنون واستحلفه الحاكم مع بينته فإن الحكم بالبينة لا باليمين ذكره محل وفاق فلو رجع الشاهدان هنا ضمنا جميع المال قال وهو يستحلف عندنا إذا ألزمه الحاكم وفيها روايتان مطلقا فاعتذر المخالف بأن اليمين هناك على وجه الاستظهار لأن المدعى عليه لا يعبر عن نفسه واليمين هنا لإثبات الحق فقال لا نسلم أنها لإثبات الحق وإنما هي للاحتياط وإنما يثبت الحق بالشاهد

وقيل يغرم النصف ويضمن شهود التزكية إذا رجعوا عنها ما يضمنه من زكوهم لو رجعوا.

_ قال الشيخ تقي الدين وهذا يؤيد أن الروايتين في مسألة الغائب أن يحلف على ثبوت الحق المشهود به لا على بقائه كما في الشاهد واليمين إذ لولا ذلك لكان عذر المخالف عن تلك المسألة ظاهرا لأن المحلوف عليه المشهود به. قوله: "وقيل يغرم النصف". خرجه أبو الخطاب من رد اليمين على المدعي وهو قول الشافعي وحكاه بعضهم عن مالك ورواية عن الشافعي يرجع بنصفه على المشهود له. قال الشيخ تقي الدين وهذه العبارة ليست بجيدة إلا فيما إذا رجعا معا وفي هذه الصورة قرار الجميع على المشهود له وأما الشاهد فيضمن إما الجميع وإما النصف ويرجع به. قوله: "ويضمن شهود التزكية إذا رجعوا عنها ما يضمنه من زكوهم لو رجعوا". وكذا ذكره الشيخ موفق الدين محل وفاق قاس عليه رجوع شهود الأصل لأن الحكم ينبنى على شهادتهم كشهود الفرع فصل قال الشيخ تقي الدين وإذا تبين خطأ الشهود أو كذبهم أو خطأ المزكين فهنا الحكم باطل لكن ينبغي أن تكون الشهادة أو التزكية سببا للضمان والقرار على المتلف بخلاف الرجوع فإنه لا ضمان إلا على الراجع انتهى كلامه. ولعل هذه المعنى يؤخذ من كلام الشيخ موفق الدين وغيره. وقال القاضي لو شهدا عليه بالقرض فحكم الحاكم عليه بالمال وسلمه إلى المقرض ثم أقام المشهود عليه البينة بعد ذلك أنه كان قضاه لم يضمن شهود

وإذا رجع شهود الحق قبل الحكم لغت شهادتهم ولم يضمنوا.

_ القرض لأنه لم يكن في شهادتهم إثبات المال في الحال ولو كانوا شهدوا بأن لفلان عليه ألف درهم فحكم الحاكم بشهادتهم ثم أقام المقضي عليه البينة أنه كان قضاه قبل ذلك ضمن الشهود الذين شهدوا بالمال ذكره محل وفاق مع الحنفية. قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضى أن خطأ المشهود موجب للضمان كرجوعهم وإن ظهر ذلك ببينة كما قيل في شاهد الزور قد يظهر كذبة بإقرار أو تبيين لكن هنا قالوا ببينة. قال الشيخ تقي الدين وكذا يجب فإن الشهادة إذا كانت باطلة فسواء علم بطلانها برجوعهم أو بطريق آخر وكذلك التزكية لو ظهر فسق الشهود ضمن المزكون وكذلك يجب أن يكون في الولاية لو أراد الإمام أن يولي قاضيا أو واليا لا يعرفه فسأل عنه فزكاه أقوام ووصفوه بما يصلح معه للولاية ثم رجعوا أو ظهر بطلان تزكيتهم فينبغي أن يضمنوا ما أفسده الوالي والقاضي وكذلك لو أشاروا عليه أو أمروه بولايته فإن الآمر بالأمر بمنزلة الشهادة بالشهادة لكن الذي لا ريب في ضمانه من تعمد المعصية مثل أن يعلم منه الخيانة أو العجز ويخبر عنه بخلاف ذلك أو يأمر بولايته أو يكون لا يعلم بحاله ويزكيه أو يشير به فأما إذا اعتقد صلاحه وأخطأ فهذا معذور والسبب هنا ليس محرما وعلى هذا فالمزكي للعامل من المقرض والمشتري والوكيل كذلك فالتزكية أبدا جنس واحد وأما الأمر فهو نظير التزكية التي هي خبر انتهى كلامه. قوله: "وإذا رجع شهود الحق قبل الحكم لغت شهادتهم ولم يضمنوا". وهذا قول عامة العلماء لأنها شرط الحكم فيشترط استدامتها إلى انقضائه كعدالتها ولأن رجوعها يظهر كذبها ولأنه يزول ظنه في أن ما شهد به حق.

وإذا زاد العدل في شهادته أو نقص قبل الحكم.

_ كما لو تغير اجتهاده وقد قال الإمام أحمد في رواية الأثرم في شاهدين شهدا على رجل بألف درهم فقال أحدهما بعد إقامة الشهادة قد قضاه منها خمسمائة درهم قد أفسد ما شهد به إذا كان بحضرة ذلك ولو جاء بعد هذا المجلس فقال أشهد أن قضاه منها خمسمائة لم يقبل لأنه قد أمضى الشهادة قال ابن عقيل وظاهر هذا من كلامه أنه لم يعتبر حكم الحاكم وإنما اعتبر انقضاء المجلس وهو محمول على أن الإمام أحمد أبطل شهادته في قدر المرجوع فيه قبل أن يحكم الحاكم بشهادتهما. وقال الشيخ تقي الدين عقيب هذا النص وشهادته بالقضاء رجوع أو بمنزلة الرجوع وقد قال إذا كان في غير ذلك المجلس لم يقبل لأن الشهادة عند الحاكم قد تعلق بها حق المشهود له وثبتت عنده فرجوعه حينئذ كرجوعه بعد الحكم لكن لم يذكر ضمانه للمشهود عليه إما لعدم الحاجة أو كمذهب الشافعي انتهى كلامه. قوله: "وإذا زاد العدل في شهادته أو نقص قبل الحكم". قال ابن منصور قلت للإمام أحمد الرجل يغير شهادته ويزيد وينقص قال من الرجل العدل ليس به بأس وقطع به في المستوعب والكافي وغيرهما. وبه قال أبو حنيفة والثوري وإسحاق أنها شهادة من عدل كغيرها والشهادة شرط الحكم فيجب استمراره على شهادته إلى تمامه لأن ما ذكره محتمل لاحتمال سبق اللسان وقيل يؤخذ بقوله الأول وهو قول مالك لأنه أداها غير متهم كما لو اتصل بها الحكم وقيل ترد شهادته في ذلك مطلقا وهو قول الزهري لأنه مقر بغلط في الأولى ولا يؤمن مثله في الثانية.

أو أداها بعد إنكارها قبلت نص عليه. وإذا علم الحاكم بشاهد الزور بإقراره أو تبين كذبه يقينا عزره وطاف به حتى يشتهر أمره ويقال إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه.

_ قوله: "أو أداها بعد إنكارها قبلت نص عليه". في رواية ابن منصور إذا قيل له عندك شهادة قال لا ثم شهد بها شهادته جائزة وكذلك ذكره القاضي محل وفاق إذا أنكر الشاهد شهادته ثم شهد بها قبلت وكذلك قطع به جماعة كالمستوعب والكافي لأن ما ذكره محتمل لاحتمال النسيان وقد أشار أحمد إلى هذا فقال ذكر ما لم يقبل ذلك وقيل لا تقبل كالمدعي إذا أنكر أن تكون له بينة فان بينته لا تقبل في المشهور والتفريق بينهما فيه إشكال وفرق القاضي بين مسألة الكتاب وبين المدعي إذا أنكر الشهادة له بأن البينة غير متهمة وصاحب الحق متهم. قوله: "وإذا علم الحاكم بشاهد الزور بإقراره أو تبين كذبه يقينا عزره وطاف به حتى يشتهر أمره ويقال إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه". قال الإمام أحمد في رواية عبد الله وإسحاق بن إبراهيم في شاهد الزور يطاف به في حيه ويشهر أمره ويؤدب أيضا ما به بأس. وقال في رواية ابن منصور ويقام للناس ويعرف ويؤدب وهكذا في رواية يعقوب يشهر أمره وبهذا قال مالك والشافعي لأنه قول محرم يضر به الناس لا كفارة فيه أشبه السب والقذف ولأن فيه زجرا وذكر القاضي في تعزير الإمام على الظهار وجهين وفرق غيره بأن فيه كفارة وبأنه يختص بنفسه ولو سب نفسه أو شتمها لم يعزر ولو سب غيره وشتمه عزر. قال الشيخ تقي الدين هذا مع قوله إن كل معصية لا حد فيها ولا كفارة يجب فيها التأديب والتعزير انتهى كلامه.

_ وقال أبو حنيفة لا يعزر ثم حكى أنه يوقف في قومه ويقال إنه شاهد زور وحكي عنه عدمه ووافق أنه إذا كان مصرا فعل به ذلك لكن إذا ظهر منه الندم والتوبة لم يعزر وقد روى عن عمر رضي الله عنه أنه كتب فيه أن يجلد ظهره وفي رواية أربعين ويسخم وجهه ويطال حبسه ويطاف به وفي رواية يحلق رأسه والأسانيد فيها ضعف. فتأولت الحنفية ذلك على أنه كان مصرا ولهذا جمع بين التعزير والحبس والتسخيم قالوا وعندكم يفعل التسخيم والحبس والتعزير فقال القاضي الظاهر يقتضي الجمع بينهما لكن قام دليل الإجماع على إسقاط الحبس. قال الشيخ تقي الدين قال الإمام أحمد يؤدب والأثران عن عمر هو رواهما فلعل الأدب عنده هو ما رواه عن عمر انتهى كلامه. ونقل عنه حنبل يحكم فيه السلطان بما يرى وقال في رواية مهنا يبعث به إلى مجلسه ثم يقولون هذا فلان شهد بالزور اعرفوه فقلت له ثم يضرب قال نعم قلت كم قال يعزر كم قال نصف الحد لا أقل قلت ويسود وجهه قال قد روى عن عمر "أنه سود وجه شاهد الزور" قلت ترى أنت أن يسود وجهه قال لا أرى فرأيت أنه كره تسويد الوجه. ونقل عنه حنبل أيضا قال يبين أمره قلت له فعليه عقوبة في نفسه قال يبين للناس أمره ويشهر لئلا يغر غيره ولا يغتر به وذاك إلى السلطان إن شاء عاقب. وقال القاضي وغيره لا يزيد في التعزير على عشر جلدات والله أعلم بمعنى قول الإمام أحمد نصف الحد. قال ابن عقيل ولا أدري من أين له هذا التقدير يعني القاضي وقال ابن عقيل أيضا قال أصحابنا ولا يركب ولا يحلق رأسه ولا يمثل به وهذا

_ إنما يكون بحسب حاله فعندي أنه لا يفعل ذلك بمن ندرت منه نادرة وهو من أهل البيوتات وذوي الهيئات فأما إن كان معروفا بذلك يتكرر منه أشباه ذلك فردعه بما يراه الحاكم رادعا لمثله وإن أفضى إلى إشهاره راكبا والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مثل بالعرنيين لما رأى ذلك حدهم وعقوبتهم والصحابة رضي الله عنهم بعده مثلت لما رأت ذلك فأبو بكر أحرق في اللواط وعلي أحرق الزنادقة في الأخاديد ولما شاور أبو بكر في حد اللواط وفي الذي يلاط به اختلف الصحابة في أنواع المثلة فقيل يحرق وقيل يرجم وقيل يرمى من شاهق أعلى بيت في القرية وقيل يحبس إلى أن يموت انتهى كلامه. وكلام الإمام أحمد في رواية حنبل السابق يشهد له. واحتج الحنفية فقالوا الرجوع عن القول الموجب وهو الإقرار بالزنا أسقط عنه الحد فالرجوع عن القول الذي يوجب التعزير وهو التزوير على المشهود عليه أولى أن يسقط عنه. فقال القاضي والجواب أنه ليس الخلاف فيمن تاب وإنما الخلاف فيمن ثبت عليه أنه شهد بالزور إما بقيام البينة على إقراره بذلك أو بعلم الحاكم به قطعا بأن شهد بقتل رجل والحاكم يعلم أنه لم يقتل وهو أن يكون الرجل عنده وقت القتل أو يكون الذي يدعي أنه مقتول حي لم يقتل فأما إذا تاب فإنا لا نعزره وقيل لا يسقط التعزير بالتوبة لأنه قد تعلق بحق آدمي وهو شهادته عليه وحقوق الآدميين لا تؤثر فيها التوبة. قال الشيخ تقي الدين أما إذا تاب بعد الحكم فيما لا يبطل برجوعه فهنا قد تعلق به حق آدمي ثم تاره يجيء إلى الإمام تائبا فهذا بمنزلة قاطع الطريق إذا تاب قبل القدرة عليه وتارة يتوب بعد ظهور تزويره فهنا لا ينبغي أن يسقط

_ عنه التعزير وقد احتج الحنفية بأنه ساع في الأرض بالفساد فهو كقاطع الطريق وذلك لو جاءنا تائبا قبل القدرة عليه لم نعزره كذلك شاهد الزور إذا جاء تائبا فقال القاضي والجواب عنه ما تقدم. فصل قال الشيخ تقي الدين الإقرار بالشهادة هل يكون بمنزلة الشهادة على الشهادة فيه حديث الأمة السوداء في الرضاع فإن عقبة بن الحارث "أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة أخبرته أنها أرضعتهما" فنهاه عنها من غير سماع من المرأة وقد احتج به الأصحاب من قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع فلولا أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة ما صحت الحجة وهو ظاهر يؤيده أن الإقرار كحكم الحاكم بالعقد الفاسد مسوغ للحاكم الثاني أن ينفذه مع مخالفته لمذهبه والشهادة على الشهادة بمنزلة كتاب القاضي إلى القاضي فإذا كان الإقرار بالحكم يجوز العمل به كالشهادة فكذلك الإقرار بالشهادة إلا أنه إنما لم يجب العمل بالإقرار بالكتاب إذا خالف رأي القاضي الثاني لأن إقرارهم لا يقبل عليه. فلو كان الإقرار بكتاب لا يرى مخالفته وجب عليه العمل به وعلى هذا فمتى أقر أهل الوقف بكتاب يتضمن شرط الواقف أو غيره وجب العمل به في حقهم وضابطه أن الإقرار ثلاثة أنواع إقرار بنفس الحكم كإقراره بأن له علي ألفا أو بأن هذا العين ملكه أو بأني عبده أو أنه أخوه أو أني زوجه ونحو ذلك وإقرار بسببه كالإقرار بالبيع والهبة والإرث ونحو ذلك وإقرار بحجة الحكم كالإقرار بالإقرار والإقرار بالشهادة والإقرار بالحكم وكل هذه شهادات على نفسه فأما الإقرار بالسبب فمعروف. وأما الإقرار بالحكم فمقبول إلا أن يكون فيه حق لله تعالى وهو مما يجهل المقر ثبوته مثل إقراره بأنه يجب رجمه أو يجب قطع يده أو يجب حد قذفه

_ أو يجب قتله قودا أو أن هؤلاء يستحقون دمه فالأشبه في مثل هذا أن يستفسر عن صفة الإقرار كما استفسر النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا أو يفرق بين الحق المحض لله تعالى وبين القود وحد القذف. وأما الإقرار بالحجة فمقبول أيضا لكن لو قال أقررت بهذا المال وكنت غالطا فهنا يتوجه أن لا يحكم بهذا الإقرار كما لو قال كان له علي وقضيته لأن الإقرار الأول لم يثبت والثاني إنما أثبته على صفة لا يحكم بها فهو كما لو قال شهد على شاهد وهو كاذب والشاهد لم تعلم عدالته وفيه نظر. يوضح هذا أن أصحابنا شبهوا الشهادة على الشهادة بالشهادة على الإقرار وقبلوا على كل شاهد شاهدا والرجل هنا أعني عقبة بن الحارث مقر شاهد على الشهادة والاحتجاج بحديث الأمة السوداء على أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة على الشهادة فيه نظر لأنه فتيا من النبي صلى الله عليه وسلم لعدم شروط الحكم من الدعوى وغيرها واقتصار الأصحاب في الشهادة على الشهادة على مجرد المعنى يدل على أنه لا أثر في المسألة عندهم.

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار مدخل ... كتاب الإقرار قال بعض الأصحاب رحمهم الله تعالى الإقرار الاعتراف وهو إظهار الحق لفظا وقيل تصديق المدعي حقيقة أو تقديرا وقيل هو صيغة صادرة من مكلف مختار رشيد لمن هو أهل لاستحقاق ما أقر به مكذب للمقر وما أقر به تحت حكمه غير مملوك له وقت الإقرار به. وقال ابن حمدان هو إظهار المكلف الرشيد المختار ما عليه لفظا أو كتابة في الأقيس أو إشارة أو على موكله أو موروثه أو موليه بما يمكن صدقه فيه.

_ قوله: "أو كتابه في الأقيس". وذكر في كناية الطلاق أن الكتابة للحق ليست إقرارا شرعيا في الأصح وقوله أو إشارة. بعد مراده من الأخرس ونحوه أما من غيره فلا أجد فيه خلافا. والأصل فيه الكتاب والسنة وأجمعوا على صحة الإقرار قال في المغني لأنه إخبار على وجه ينفي عنه التهمة والريبة ولهذا كان آكد من الشهادة فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة وإن أكذب المدعي ببينته ثم أكذب المقر ثم صدقه سمع. ويجب الإقرار بحق الآدمي وحق الله تعالى الذي لا يسقط بالشبهة كزكاة وكفارة ولا يصح إقرار واحد بما ليس بيده وتصرفه شرعا واختصاصه قال في الرعاية ولا بما هو ملكه حين الإقرار على الأشهر فيه وأطلق غيره الروايتين ونص القاضي في الخلاف على صحة الإقرار مع أنه إضافة الملك إليه قال في الرعاية ولا بما يستحيل منه ولا لمن لا يصح أن يثبت ذلك له بحال وإقراره بما في يد غيره وتصرفه شرعا وحسا دعوى أو شهادة فإذا صار بيده وتصرفه شرعا لزمه حكم إقراره. قال الشيخ تقي الدين إن الإقرار ينقسم إلى ما يعلم كذبه كإقراره لمن هو أكبر منه أنه ابنه ومن هذا الجنس كل إقرار بحق أسنده إلى سبب وذلك السبب باطل مثل أن يقر أن له في تركة أبيه ثلثها بجهة الإرث وليس بوارث أو أن لفلان علي كذا من ثمن كذا أقرض كذا أو نكاح كذا إذا كان السبب لا يثبت به ذلك الحق فحيثما أضاف الحق إلى سبب باطل فهو باطل وإن أضافه إلى سبب يصلح أن يكون حقا لكن قد علم ارتفاعه مثل أن يقول له علي ألف من ثمن هذه الدار ويكون المشتري قد أبرأه قبل ذلك أولها علي

_ صداقها وتكون قد أبرأته منه قبل ذلك أوله علي حقه من إرث أبي ويكونان قد اصطلحا قبل ذلك وتبارآ فهذا أيضا كذلك لأن الإقرار إخبار فإذا كان الخبر قد علم كذبه وبطلانه كان باطلا. قال وإلى ما يعلم صدقه كإقراره بأن هذا المال الذي خلفه أبوه هو بينه وبين أخيه ابن الميت نصفين وإلى ما يحتمل الأمرين فالأصل فيه التصديق إلا أن يثبت ما يعارضه مما يقفه أو يرفعه. فالأول مثل تكذيب المقر له فإنه أيضا خبر فليس تصديق أحدهما أولى من الآخر فيعود الأمر كما كان. وأما الثاني فالبينات فإذا قامت البينة بأنه كان مكرها على إقراره فإقرار المكره لا يصح أيضا وإن أمكن أن يكون مطابقا كان إقرار تلجئة وهو أن يتفق المقر والمقر له على الإقرار ظاهرا مثل بقاء المقر به للمقر فهو باطل فإذا شهدت بينة بأنهما اتفقا قبل الإقرار كان ذلك مبطلا لهذا الإقرار وإذا كان الإقرار إنشاء في الباطن مثل إقرار المريض لمن يقصد التبرع له إما بعطية وإما بإبراء فيجعل الإنشاء إقرارا لينفذ1. قال فإذا قامت البينة بأنهما اتفقا على الإقرار على ذلك مثل أن يشهد الشاهد أنه قيل للمريض أعط فلانا ألف درهم أو أوص له بها فقيل له بل أجعل ذلك إقرارا أو أنه قال المريض كيف أصنع حتى أعطي فلانا ألفا من أصل المال فقيل له أقر له بها أو أن اثنين تراضيا على ذلك ثم أمرا به

_ المريض فإنه يجب العمل بهذه البينة أو يقول ما له عندي شيء أو ما لأحد عندي شيء لكن أنا مقر أو أقر له يألف أو اشهدوا علي أن له عندي ألفا أو يقول بعد ذلك له عندي ألف فيكون قد تقدم الإقرار ما يبطله وما ينافيه وإن شهدت بينة بأن هذا المقر به لم يكن ملكا للمقر له بل كان ملكا للمقر إلى حين الإقرار إن كان عينا أو كانت ذمته بريئة منه إن كان دينا فهل تقبل هذه البينة فإنها تضمنت نفيا فينبغي أن يقال إن كان نفيا يحاط به قبل ذلك وإلا لم يقبل وهل يستفصل المقر له من أين لك هذا الملك نعم. قال وكذلك يستفصل المدعي عنده التهمة والمدعى عليه. فصل من ملك شيئا ملك الإقرار به ومن لا فلا وهذا المشهور في كلام الأصحاب وثم صور مستثناة. وقال الشيخ تقي الدين ما يملك إنشاءه يملك الإقرار به وما لا يملكه فإن كان مما لا يمكنه إنشاؤه بحال ملك الإقرار به أيضا كالنسب والولاء وما يوجب القود عليه إذا لا طريق إلى ثبوته إلا بالإقرار به فصار كالشهادة بالاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها لكن يستثنى النكاح والولد على ما فيه من الخلاف. وإن كان مما يمكنه إنشاء سببه في الجملة كالأفعال الموجبة للعقوبة1 قبل إذا لم يكن متهما فيه وأحسن من هذا أن ما لا يصح أو مالا يحل إنشاؤه منه إن كان متهما في إقراره به لم يقبل وإلا قبل وهنا يتبين أن المقر شاهد على نفسه بمالا يمكنه إنشاؤه ومن هذا إقراره بالبينونة فإنه لا يملك إنشاءها لكنه لا يتهم على إسقاط حقه من الرجعة وسقوط حقها من النفقة ضمنا وتبعا.

_ وقد ذكر القاضي في إخبار الحاكم بعد العزل لما قاسه على الإخبار قبل العزل فقيل له المعنى في الأصل أنه يملك الحكم فلهذا ملك الإقرار به وليس كذلك ههنا لأنه لا يملكه فلم يملك الإقرار به كمن باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه أو باعه بعد أن باعه لم يقبل منه. فقال هذا غير ممتنع كالوصي إذا ادعى دفع المال إلى الصبي بعد بلوغه أو ادعى الإنفاق عليه فإنه يقبل وإن كان في حال لا يملك التصرف عليه وكذلك العبد المأذون إذا حجر عليه فأقر بثمن مبيع في حال الإذن وكذلك المكاتب إذا أقر بعد العجز بثمن مبيع في حال الكتابة يقبل ذلك وإن لم يملك ذلك في حال الإقرار كذلك ههنا وكذلك الموصى وكذلك المودع إذا ادعى رد الوديعة أو تلفها بعد عزل المودع له وكذلك العبد إذا أقر بجناية عمدا فإنه يقبل إقراره وإن لم يكن مالكا لما أقر به. قال ولا معنى لقولهم إن دعوى النفقة لا يمكن إقامة البينة عليها فإنه منقوض برد الوديعة يمكن إقامة البينة عليه يقبل قوله فيها ويقبل والإنفاق على الزوجة لا يمكن إقامة البينة عليه ومع هذا لا يقبل قوله فيها. قال الشيخ تقي الدين تسمية هذه الأشياء إقرارا يجوز وقد ذكر الجد وغيره تسمية بعض هذا إقرار والتحقيق أن يقال المخبر أن أخبر بما على نفسه فهو مقر وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مدعى وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمنا عليه فهو مخبر وإلا فهو شاهد فالقاضي والوكيل والمأذون له والوصي كل هؤلاء مأذون لهم مؤتمنون فإخبارهم بعد العزل ليس إقرارا وإنما هو خبر محض انتهى كلامه. فصل قال الشيخ تقي الدين فأما ما يملك الإنسان إنشاءه فهل يجوز إقراره به

_ ويجعل الإنشاء في ضمن الإقرار قاصدا بالإقرار الإنشاء مثل أن يقر أنه ملك ابنه الشيء الفلاني أو أنه قد وقف المكان الفلاني أو أنه وقف عليه من واقف جائز الأمر يعني نفسه انتهى كلامه والجواز متوجه. فصل قال القاضي في التعليق ضمن مسألة النكول الإنسان لا يكون مخيرا بين أن يقر وبين أن لا يقر لأنه لا يخلو إما أن يكون الحق عليه فلا يسعه أن لا يقر أولا يكون عليه فلا يسعه أن يقر لأنه كاذب. قال الشيخ تقي الدين فأما إذا كان الإنسان ببلد سلطان ظالم أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة فخاف أو يؤخذ ماله أو المال الذي يتركه لوارثه أو المال الذي بيده للناس إما بحجة أنه ميت لا وارث له أو بحجة أنه مال غائب أو بلا حجة أصلا فهل للإنسان أن يقر إقرارا يدفع به ذلك الظلم ويحتفظ المال لصاحبه مثل أن يقول لحاضر إنه ابنه أو يقر أن له عليه كذا وكذا أو يقرأ أن المال الذي بيده لفلان فإن ظاهر هذا الإقرار يتضمن مفسدتين إحداهما الكذب والثانية صرف المال إلى من لا يستحقه عمن يستحقه وهذا إقرار تلجئه. أما الأول فينبغي أن يكون كالتعريض في اليمين فيجوز له أن يتأول في إقراره بأن يعني بقوله ابني كونه صغيرا وبقوله أخي أخوة الإسلام وأن المال الذي بيدي له أي له ولاية قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله إلى مستحقه وإن له في ذمتي عشرة آلاف درهم أي له في عهدتي أي يستحق فيما عهدت إليه قبض ذلك ونحو ذلك فإن النبي كان مع أبي بكر وأقر أنه أخوه وحلف على ذلك وكذلك إبراهيم عليه السلام أقر على زوجته أنها أخته وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم "أقر أنهم من ماء".

كتاب الإقرار لا يصح الإقرار من غير مكلف مختار.

_ وأما الثانية فلا يجوز ذلك إلا إذا أزال هذه المفسدة بأن يكون المقر أمينا حقا والاحتياط أن يشهد على المقر له أن هذا إقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا. وينبغي أن يكون التعريض في الشهادة إذا خاف الشاهد من إظهار الباطن ظلم المشهود عليه كذلك بأن يستنطق الشهادة ولا يمكن كتمانها وكذلك التعريض في الحكم إذا خاف الحاكم من إظهار الأمر وقوع الظلم وكذلك التعريض في الفتوى والرواية والإقرار والشهادة والحكم والفتوى والرواية ينبغي أن يكون كاليمين بل اليمين خبر وزيادة. قوله: "ولا يصح الإقرار من غير مكلف مختار". لأن القلم مرفوع عنه بنص الحديث المشهور وكبيعه وغيره. وقوله: "مختار" لما تقدم ولأنه عفى عن المكره بنص الخبر المشهور. وقال الخلال من تقدم إلى الحاكم فدهش فأقر ثم أنكر قال إسحاق بن إبراهيم سئل الإمام أحمد عن الرجل يقدم إلى السلطان بحق لرجل عليه فيمدده السلطان فيدهش فيقر له ثم يرجع بعد ما أقر به فيقول هددني ودهشت للسلطان أن يأخذه بما أقر به أو يستثبت وهو ربما علم أنه أقر بتهديده إياه قال أبو عبد الله يؤخذ بإقراره الأول. قال الشيخ تقي الدين السلطان هو الحاكم كما ترجم الخلال والتهديد من الحاكم إنما يكون على أن يقول الحق لا على أن يقر مثل أن يقول اعترف بالحق أو أن كذبت عزرتك أو إن تبين لي كذبك أدبتك فيهدده على الكذب

إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن.

_ والكتمان ويأمره بالصدق والبيان فإن هذا حسن فأما أن كان التهديد على نفس الإقرار فهذا أمر بما يجوز أن يكون حقا وباطلا ومحرما فالأمر به حرام والتهديد عليه أحرم وهو مسألة الإكراه على الإقرار ففرق بين أن يكرهه على قول الحق مطلقا أو على الإقرار انتهى كلامه. قوله: "إلا من الصبي المأذون له فيصح في قدر ما أذن له فيه إذا صححنا تصرفه بالإذن". أما قوله: "إذا صححنا تصرفه بالإذن" فقيد واضح لأنه إذا لم يصح تصرفه بالإذن فوجود الإذن كعدمه لعدم فائدته وكذا ما زاده في الرعاية مع اتفاق الدين واختلافه. وأما صحة إقراره فيما أذن له فيه فهو المذهب كما قطع به هنا وقطع به غيره ولو كان في المحرر زاد نص عليه كان أولى وهو نص مشهور قال الإمام أحمد في رواية مهنا في إقرار اليتيم يجوز إقراره بقدر ما أذن له الوصي في التجارة وهو قول أبي حنيفة كالبالغ والفرق بالتكليف لا أثر له وقال أبو بكر وابن أبي موسى إنما يصح إقراره فيما أذن له في التجارة فيه في الشيء اليسير يتسامح به كما صح تصرفه فيه بدون إذنه أن نقول لا يصح إقراره مطلقا كقول مالك والشافعي. وظاهر ما رواه الأثرم عن الإمام أحمد في ابن أربع عشرة سنة كان أجيرا مع رجل فقد أستاذه شيئا فأقر الغلام أنه أخذه ثم أنكره فقال لا يجب عليه إقراره حتى يأتي أحد الحدود الإنبات أو الاحتلام أو خمسة عشر سنة. وقال القاضي في التعليق وهذا محمول على أنه غير مأذون له في التجارة

وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين.

_ وقال الشيخ تقي الدين ظاهر كلام الإمام أحمد أنه إذا أتى عليه الحدود صح إقراره بمثل هذا وإن لم يكن رشيدا وهو ظاهر كلام الجد. لكن قد يقال يقبل في الحدود لا في الأموال فتقطع يده ولا يغرم كالعبد انتهى كلامه. والمشهور صحة إقرار السفيه بمال ويتبع به بعد فك الحجر. فرع لو أقر الأب على ابنه المأذون له لم ينفذ وذكره القاضي محل وفاق في حجة المخالف وسلمه واعتذر بأنه لا يملك بإذنه الإقرار وإنما يرتفع عنه الحجر بإذنه في التجارة فيجوز إقراره لنفسه. قال الشيخ تقي الدين هذا يشبه مذهب أبي حنيفة وأما على أصلنا فإنما استفاد الإقرار بإذنه بدليل أنه يتقدر في قدر ما أذن فيه وعلى أصل أبي حنيفة لا يتقدر ولو أقر الأب بصدقة في مال ابنه فإنه يقبل لأن الأب يملك التصرف. قوله وإذا أقر من يشك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين. وكذا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أما كون القول قوله فلأن الأصل معه وهو الصغر وسيأتي كلام الشيخ تقي الدين في الفصل بعده. وأما كونه بلا يمين فكحكمنا بعدم بلوغه وغير المكلف لا يجوز تكليفه بوجوب اليمين عليه. قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يجب عليه اليمين لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق انتهى كلامه. فأما إن كان اختلافهما بعد ثبوت بلوغه وادعى أنه حين الإقرار لم يبلغ

_ فهل يقبل قوله مع يمينه عملا بالأصل وهو الصغر قطع به في المغني أولا يقبل لتعليق الحق بذمته ظاهرا فيه وجهان ذكرهما في الكافي. وهذا بخلاف دعوى زوال العقل حين الإقرار لأن الأصل السلامة ذكره الشيخ موفق الدين. وينبغي أن يقال إلا أن يكون يعتريه ذلك في بعض الأحيان فتكون كمسألة الصغير على الخلاف كما سوى بينهما في دعوى البائع الصغر أو زوال العقل حين البيع. قال الشيخ موفق الدين فإن ادعى أن كان مكرها لم يقبل إلا ببينة فإن ثبت أنه كان مقيدا أو محبوسا أو موكلا به فالقول قوله مع يمينه لأن هذه دلالة الإكراه انتهى كلامه. وعلى هذا تحرم الشهادة عليه وكتابة حجة عليه وما أشبه ذلك في هذه الحال. فصل قال الشيخ تقي الدين قد نص أحمد على أنهما إذا اختلفا فقال بعتك قبل أن أبلغ وقال المشتري بل بعد بلوغك فالقول قول المشتري وهذا يتجه في الإقرار وسائر التصرفات لأن الأصل في العقود الصحة فإما أن يقال هذا عام وإما أن يفرق بين أن يتيقن أنه وقت التصرف كان مشكوكا فيه غير محكوم ببلوغه أولا يتيقن فإنا هنا تيقنا صدور التصرف ممن لم نثبت أهليته والأصل عدمها فقد شككنا في الشرط وهناك يجوز صدوره في حال الأهلية وحال عدمها والظاهر صدره وقت الأهلية والأصل عدمه قبل وقت الأهلية والأهلية هنا متيقن وجودها.

_ فصل قال الشيخ تقي الدين سئلت عن مسألة وهي من أسلم أبوه فادعى أنه بالغ فأفتى بعضهم بأن القول قوله في ذلك وقلت إذا لم يقر بالبلوغ إلى حين الإسلام فقد حكم بإسلامه قبل الإقرار بالبلوغ بمنزلة ما إذا ادعت انقضاء العدة بعد أن ارتجعها وهكذا يجيء في كل من أقر بالبلوغ بعد حق ثبت في حق الصبي مثل الإسلام وثبوت الذمة للولد تبعا لأبيه ولو ادعى1 البلوغ بعد تصرف الولي وكان رشيدا أو بعد تزويج ولي أبعد منه إلا أن يقال لا يحكم بإسلام الولد وذمته حتى يسأل هل بلغ أو لم يبلغ بخلاف تصرف الولي له أو لموليته فإن الولاية كانت ثابتة والأصل بقاؤها وهنا الأصل عدم إسلام الولد وذمته فيقال في الرجعة كذلك ينبغي أن لا تصح الرجعة حتى تسأل المرأة ومع أن في مسألة الرجعة وجهين على قول الخرقي ينبغي أن يكون القول قوله هنا مطلقا كما في الرجعة وما ذكرته على الوجه المقدم ولم أجد فرقا بين كون المرأة مؤتمنة على فرجها في انقضاء العدة أو في بلوغها وهكذا في كل موضع كان الإنسان مؤتمنا فيه إذا ادعى ذلك بعد تعلق الحق به ونظيره اختلاف الروايتين فيما إذا ادعى المجهول الرق بعد التصرف ففيه روايتان لكن هناك إذا قبلناه فلأن الرق حق آدمي فالمقر به حق آدمي بخلاف الحيض أو البلوغ فإنه سبب يثبت له وعليه به حقوق وقد يقال في الرجعة لم يقبل قوله2 لأن فيه إبطال حق آدمي بخلاف الإسلام والذمة فيقال بل إبطال الإسلام والعصمة أعظم ونظيره في المجهول المحكوم بإسلامه كاللقيط فاللقيط إذا ادعى الكفر بعد البلوغ انتهى كلامه.

ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره. ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل.

_ قوله: "ومن أكره على أن يقر لزيد فأقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فأقر بدنانير صح إقراره". لأنه أقر بما لم يكره عليه فهو كما لو أقر به ابتداء. قوله: "ومن أقر في مرضه بشيء فهو كإقراره في صحته". لأن الأصل التساوي ودعوى مخالفة حال المرض وحال الصحة في ذلك تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وقد يعلل بعدم التهمة. فصل ولا تفتقر الشهادة إلى أن يقولوا طوعا في صحة عقله لأن الظاهر السلامة وصحة الشهادة ذكره في المغنى. قوله: "إلا في ثلاثة أشياء أحدها إقراره بالمال لوارث فإنه لا يقبل". هذا المذهب قال القاضي نص عليه في رواية الجماعة فقال في رواية ابن منصور إقرار المريض في مرضه للوارث لا يجوز. وقال في رواية أبي طالب في الرجل يقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة على الألف فإن لم تكن بينة فصداق نسائها. وقال في رواية مهنا في امرأة أقرت في مرضها أنه ليس لها على زوجها مهر لم يجز إقرارها إلا أن يقيم شهودا أنها أخذته ولا يصدق قولها وهذا قول أبي حنيفة كهبته ولأنه محجور عليه فأشبه إقرار الصبي فعلى هذا لو أجازه

_ بقية الورثة صح ذكره جماعة منهم الشيخ موفق الدين واحتج له وقال مالك يقبل ذلك إذا كان لا يتهم له ولا يقبل إذا كان يتهم له كمن له بنت وابن عم فأقر لبنته لم يصح ولو أقر لإبن عمه صح ولو كانت له زوجة وابن عم صح إقراره لابن العم دون الزوجة ولو كانت له زوجة وولد صح إقراره للزوجة دون الولد لأن علة المنع التهمة واختص الحكم بها. وجوابه أن التهمة لا يمكن اعتبارها بنفسها فاعتبرت مظنتها وهو الإرث. وللشافعي قولان أحدهما كقولنا والثاني يقبل وهو قول جماعة منهم إسحاق كالأجنبي والفرق واضح وسلم الشافعي على ما ذكره القاضي لو قال كنت وهبت لفلان الوارث كذا ثم أتلفه لا يجوز بخلاف ما لو قال كنت وهبت لفلان الأجنبي كذا ثم أتلفه عليه فإنه يجوز. وذكر ابن البنا من أصحابنا أنه يصح إقرار المريض باستيفاء دين الصحة والمرض جميعا. قال في المستوعب وهو محمول على ما إذا كان الغرماء غير الوارثين. وقال ابن هبيرة إذا أقر المريض باستيفاء ديونه قال أبو حنيفة يقبل قوله في ديون الصحة دون ديون المرض وقال مالك إن كان ممن لا يتهم قبل إقراره سواء كان إقراره في المرض أو في الصحة وقال الإمام أحمد يقبل في ديون المرض والصحة جميعا كذا ذكر وهو صحيح لأن مراده من أجنبي وكذا ذكره أصحابنا في كتب الخلاف. قال في الرعاية ولا يصح إقرار رجل مريض بقبض صداق ولا عوض خلع بلا بينة ويصح بقبض حوالة ومبيع وقرض ونحو ذلك وإن أطلق احتمل وجهين. وقال الأزجي في نهايته فإن أقر مريض بهبة أنها صدرت منه في صحته

_ لأجنبي صح وإن كان لوارث فوجهان. وقال الشيخ تقي الدين في الإقرار للوارث هنا احتمالات أحدها أن يجعل إقراره للوارث كالشهادة فترد في حق من ترد شهادته له كالأب بخلاف من لا ترد ثم على هذا هل يحلف المقر له معه كالشاهد وهل تعتبر عدالة المقر ثلاث احتمالات. ويحتمل أن يفرق مطلقا بين العدل وغيره فإن العدل معه من الدين ما يمنعه من الكذب ويخرجه إلى براءة ذمته بخلاف الفاجر وإنما حلف المقر له مع هذا للتأكيد فإن في قبول الإقرار مطلقا فسادا عظيما وكذا في رده مطلقا فساد وإن كان أقل فإن المبطلين في هذا الإقرار أكثر من المحقين وهذه الحجة لمن رده كالشهادة مع التهمة وكطلاق الفار انتهى كلامه. فصل وإن كان على المريض دين للوارث فقال القاضي هو مأمور بإيصال الحق إلى وارثه ويقدر أن يقضيه دينه باطنا ويوصله إليه فيتخلص بذلك من ظلمه وإن كان لو أقر لم يقبل إقراره كما أن الوصي إذا كان شاهدا على الميت بدين وليس معه شاهد غيره فهو مأمور بقضاء الدين سرا وإيصاله إلى مستحقه ليخلص الميت وإن أظهر ذلك أو أقر به لم يقبل قوله فيه ولم يثبت به الدين وإن كان مأمورا بالقضاء. فصل ويجوز عندنا للميت الإقرار لجميع الورثة ويخيرون بين أخذ المال والإقرار بالإرث هذا لفظ القاضي وأظنه موافقة للحنفية قاله الشيخ تقي الدين. قوله: "ولو أقر لامرأته بالصداق فلها قدر مهر المثل بالزوجية". لا بإقراره والذي قطع به الشيخ موفق الدين وغيره أنه يصح الإقرار لأنه

ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها.

_ إقرار بما تحقق سببه ولم يعلم البراءة منه أشبه ما لو اشترى عبدا من وارثه فأقر للبائع بثمن مثله وقيل لا يصح ذكره في الرعاية. ثم ذكر ما في المحرر قولا فيكون وجه عدم الصحة أنه أقر لوارث وهو قول الشعبي وصاحب المحرر تبع القاضي وهو معنى كلامه في المستوعب. قال القاضي وأما إذا أقر لزوجته بالصداق فنقل أبو طالب عنه إذا أقر عند موته أن لامرأته عليه صداق ألف درهم تقيم البينة أن لها صداق ألف درهم لا يجوز إقراره لها لعل صداقها أقل فإن لم يكن لها بينة فصداق نسائها إذا كان ذلك يعرف فإن لم يعرف ذلك يكون ذلك من ثلثه. قال فقد نص على أنه لا يقبل إقراره بالصداق على الإطلاق وإنما يقبل ما صادف مهر المثل لأن ثبوته بالعقد لا بإقراره فإن تعذر مهر المثل اعتبر من ثلثه واختلفت الرواية في قدر الصداق فنقل أبو الحارث مهر المثل لأنها معاوضة في مرض الموت أشبه ثمن المبيع ولا يعتبر من الثلث لأنها وصية لوارث. ونقل أبو طالب من الثلث لأن الزيادة على مهر المثل محاباة لا يقابلها عوض فهي كالمحاباة والمحاباة هناك من الثلث فكذلك هنا هكذا نقل الشيخ تقي الدين كلام القاضي ثم قال من عنده كلامه في رواية أبي طالب يقتضي أنه إذا لم يعرف مهر المثل اعتبر ما أقر به من الثلث لأنا قد تيقنا أن لها صداقا فلم نبطل الإقرار ولم نعلم أن هذا كله واجب فكأنه ملك أن يوصى به لأنه لا طريق إلى معرفته من غيره ووصيته من الثلث لأنه غير مصدق للوارث انتهى كلامه. قوله: "ولو أقر أنه كان أبانها في صحته لم يسقط إرثها". كذا ذكره غيره وذكر في المغني أنه قول أبي حنيفة ومالك لأنه غير

ولو أقر لها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره.

_ أمين أقر بما يسقط حق غيره فهو كإقراره بمال غيره وعند الشافعي يقبل. قوله: "ولو أقر بها بدين ثم أبانها ثم تزوجها لم يصح إقراره". قال الشيخ تقي الدين الفرق بين هذه وبين أن يتبرع في مرضه ظاهر بمنزلة أن يقر ثم يصح ثم يمرض ونظيرها أن يتبرع لأخيه ثم ينحجب بولد يولد له ثم يموت الولد انتهى كلامه. ووجه المسألة أنه أقر لوارث في مرض الموت أشبه ما لو لم يبنهما قال القاضي أومأ إليه أحمد في رواية ابن منصور فيمن أقر في مرضه لامرأة بدين ثم تزوجها ثم مات وهي وارثة يجوز هذا أقر لها وليست له بامرأة إلا أن يكون تلجئة فقد أجاز الإقرار1 فاقتضى أنها لو كانت وارثة لم يصح وبهذا قال أبو حنيفة وقال محمد بن الحسن إقراره جائز فإن برأ من ذلك المرض ثم تزوجها ثم مات صح الإقرار وفاقا على ما ذكره القاضي. قال الشيخ تقي الدين أخذ مذهب الإمام أحمد من عكس علته وقد يكون الحكم ثابتا في هذه الصورة لعلة أخرى عنده ثم قوله: "أقر لها وليست لها بامرأة". قد يراد به ليست امرأة في بعض زمان الإقرار ثم الأخذ بتعليله يقتضي أنه إذا صح ثم تزوجها يكون الإقرار أيضا باطلا وإن كان البرء ليس من فعله وقد فرق القاضي بالتهمة في الطلاق بأن يكونا قد تواطآ على ذلك وهذه العلة منتفية فيما إذا انفسخ النكاح بغير فعله وفيما إذا طلقها ثلاثا وفيما إذا كان الزوج المطلق سفيها فيخرج في المسألتين ثلاثة أوجه انتهى كلامه.

ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحال الإقرار أو الموت على روايتين. وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزم في حصة الأجنبي ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر الأجنبي بذلك.

_ والقاضي والأصحاب اعتبروا المظنة وعللوا بجواز أن يكون على وجه الحيلة فقد اكتسب تهمة فيخرج وجه في مسألة المحرر فيه بعد والتخريج فيما إذا برىء من ذلك المرض فيه بعد أيضا لأن كل مرض معتبر بنفسه بدليل ما لو تبرع في المرض الأول أو طلق فارا أو غير ذلك. قوله: "ولو أقر لوارث ثم صار عند الموت أجنبيا أو بالعكس فهل يعتبر بحالة الإقرار أو الموت على روايتين". إحداهما يعتبر بحالة الإقرار قطع به القاضي وغيره وهو المشهور ونصره في المغني لوجود التهمة في هذه الحال بخلاف العكس كالشهادة. والثانية بحالة الموت وهي مذهب الشافعي لأنه معنى يعتبر فيه عدم الميراث فأشبه الوصية والفرق أن الوصية عطية بعد الموت فاعتبر فيها حالة الموت بخلاف مسألتنا. قوله: "وإذا أقر بدين لوارث وأجنبي لزمه في حصة الأجنبي". هذا هو المنصور في المذهب كما لو كان الإقرار بلفظين. قال القاضي وهذا بناء على أصلنا في تفريق الصفقة في البيع مع انتفاء الجهالة فيه فأولى أن يفرق في الإقرار مع دخول الجهالة فيه. وذكر أبو الخطاب والأصحاب قولا بعدم اللزوم والصحة أخذا من تفريق الصفقة وقاس القاضي الصحة على الوصية. قال الشيخ تقي الدين فكان التفريق بينهما محل وفاق ولو أقر لأجنبي ولعبده بدين فإنه يصح في حصة الأجنبي ذكره محل وفاق ولو أقر بزق خمر

الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين.

_ وبزق خل وبملكه وبملك غيره ذكره محل وفاق وقاس في المغني عدم الصحة على شهادته لابنه وأجنبي وفرق بأن الإقرار أقوى ولذلك لا تعتبر فيه العدالة ولو أقر بشيء له فيه نفع كالإقرار بنسب موسر قبل وهذا الفرق على منصوص الإمام أحمد وهو عدم صحة الشهادة لهما ولنا قول تصح شهادته للأجنبي وكأن صاحب المحرر رأى أن الإقرار لقوته ودخوله الجهالة فيه لا يتخرج فيه عدم الصحة مطلقا قال ويتخرج أن لا يلزم إذا عزاه إلى سبب واحد أو أقر لأجنبي بذلك ولم أجد هذا التخريج لغيره وهذا قول أبي حنيفة. قوله: "الثاني إقراره بالمال لغير وارث ففيه روايتان أصحهما قبوله". هذا هو المنصوص وذكر في الكافي أنه ظاهر المذهب لعدم التهمة في حقه بخلاف الوارث وذكر في المغني أن الأصحاب حكوا رواية لا يقبل مطلقا تسوية بين الوارث وغيره لأن حق الورثة تعلق بماله أشبه المفلس والفرق ظاهر. قوله: "لكن هل يحاص به دين الصحة على وجهين". وذكر في المستوعب روايتين وأن أصحهما عدم المحاصة. وذكر القاضي في موضع أنه قياس المذهب أخذا من مسألة المفلس لأنه في الموضعين أقر بعد تعلق الحق بما له وصححه في الخلاصة وقدمه غير واحد وبه قال أبو حنيفة. قال الشيخ تقي الدين ونصه أن إقرار لا يبطل التبرعات السابقة على الإقرار يقوي أنهم لا يزاحمون والقول بالمحاصة ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن أبي موسى وأبو الحسن التميمي وقال القاضي في موضع وقطع به أبو الخطاب

والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة.

_ والشريف في رءوس المسائل وبه قال مالك والشافعي لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال فتساويا كديني الصحة وكما لو ثبتا ببينة وكالمهر وكما لو أقر لهما جميعا في المرض ذكره القاضي وغيره محل وفاق واعترض المخالف بأن مهر المثل ثبت بالعقد لا بالإقرار. فقال القاضي النكاح ثبت بإقراره لا بالبينة ولأنها قد تكون مطلقة منه فتستحق نصف المهر فإذا أقر بالدخول استحقت كمال الصداق بإقراره فيكون نصف الصداق مستحقا بإقراره. وقال الشيخ تقي الدين إذا أقر في مرضه بدين ثم أقر لآخر أو أقر في صحته بدين ثم أقر في مرضه بوديعة أو غصب أو عارية فتخرج على الوجهين وعلى هذا لو أقر بدين ثم بوديعة لم يبعد الخلاف انتهى كلامه. وينبغي أن يكون إن أقر له بعين أن يكون المقر له أولى بها على الثاني دون الأول1 ولهذا قال في الرعاية ولو أقر بعين لزمه في حقه ولم ينفرد بها المقر له حتى يستوفى الغرماء وقيل بلى. وقال في المستوعب بعد حكاية الروايتين في المحاصة قال أبو الحسن التميمي وكذلك إذا أقر بعين ماله لزمه الإقرار في حقه ولم ينفرد به المقر له حتى يستوفى الغرماء قال في المستوعب وهذا على الرواية الأولة يعني عدم المحاصة. قوله: "والأخرى لا يقبل فيما زاد على الثلث فلا يحاص دين الصحة" لأنه ممنوع من عطية الزائد على الثلث لأجنبي كالوارث فيما دونه وعدم

وإذا قال هذا الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو الثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه.

_ المحاصة علي هذه الرواية واضح ذكره غير واحد. قال الشيخ تقي الدين ويؤخذ من معنى كلام غيره فعلى هذه الرواية يكون الإقرار بما زاد على الثلث وصية قال وكذلك الإقرار بالثلث كذا قال فلو وصى لآخر بالثلث فعلى هذه الرواية ينبغي أن يتزاحما في الثلث لأن رده فيما زاد على الثلث إجراء له مجرى الوصية ولو جعلناه خبرا محضا لقبلناه ولا فرق اللهم إلا أن يقال للمقر أن يبطل حق الموصى له بالإقرار ولا يملك ذلك في حق الورثة فاذا أقر كان كأنه أبطل كل وصية زاحمت هذا الإقرار لكن على هذا تبطل الوصايا المزاحمة له وكلاهما محتمل انتهى كلامه. قال في المستوعب وغيره والأخرى لا يصح إلا في مقدار الثلث إلا أن يجيز الورثة بعد وفاة المقر كما لو كان الإقرار لوارث. قوله: "وإذا قال هذه الألف لقطة فتصدقوا به ولا مال له غيره فهل يلزمهم التصدق بالكل أو بالثلث على روايتين سواء صدقوه أو كذبوه". ظاهره أن على إحدى الروايتين يلزمهم التصدق بالثلث مطلقا والأخرى بالجميع مطلقا وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية فإنه قال لزم الورثة أن يتصدقوا بثلثها سواء صدقوه أو كذبوه. وقال شيخنا يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها وهو أيضا ظاهر كلام الشيخ موفق الدين وغيره. وذكر في المستوعب ما قدمه أبو الخطاب ثم قال هذا على رواية الجماعة أن اللقطة تملك بعد الحول وعلي رواية حنبل والبغوي أنها لا تملك بعد الحول دراهم كانت أو غيرها يلزمهم أن يتصدقوا بجميعها انتهى كلامه.

وإذا أعتق عبده أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضهما نص عليه.

_ وفيه نظر فإن الكلام إنما هو على المذهب ولم يذكر أبو الخطاب وجماعة هذه الرواية الغريبة في عدم ملك اللقطة وحكوا الخلاف هنا ولهذا قطع أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل بوجوب التصدق بالجميع ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة في الاكتفاء به بالثلث وعلل بأنه إقرار لغير وارث فمعلوم أنهما لم يريدا بهذا التفريع على الرواية الغريبة. وقال في الخلاصة ما قدمه أبو الخطاب ثم قال وقيل تكون الألف صدقه إذا صدقوه انتهى كلامه. وكلام أبي الخطاب وغيره يخالفه وذكر ابن عبد القوى لزوم الصدقة بالجميع أشهر الروايتين وعلل بأنه إقرار لأجنبي قال وسواء صدقوه أو كذبوه وعنه يلزمهم الثلث إن كذبوه بناء على الرواية الأخرى في الإقرار للأجنبي انتهى كلامه. وفيه نظر وهو خلاف كلام الشيخ موفق الدين والشيخ مجد الدين وغيرهما لأن بعضهم هنا أطلق الخلاف وبعضهم قدم لزوم التصدق بالثلث مع اتفاقهم على أن الصحيح صحة الإقرار لأجنبي وعلل الشيخ موفق الدين وغيره لزوم التصدق بالثلث بأن الأمر بالصدقة به وصيغة بجميع المال فيلزمه الثلث وعلل القول الآخر بأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمه الصدقة بجميعه فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث فيجب امتثاله. فقد ظهر من ذلك أن الأولى أن يقال نقلا ودليلا أن على المذهب وهو ملك اللقطة وصحة الوصية هل يلزمهم التصدق بالثلث أو بالجميع على قولين. قوله: "وإذا أعتق عبدا أو وهبه ولا يملك غيره ثم أقر بدين نفذ العتق والهبة ولم يقبل الإقرار في نقضها نص عليه".

وقيل يقبل ويباع العبد فيه. وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها. الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.

_ وكذا حكاه الشيخ موفق الدين وغيره عن نص الإمام أحمد قاطعين به لأن الحق ثبت في التبرع في الظاهر فلم يقبل إقراره فيما يبطل به حق غيره. قوله: "وقيل يقبل". لثبوته عليه باعترافه كما لو ثبت ببينة كما ساوى دين المريض الثابت باعترافه دين الصحة وتكلم بعضهم في هذه المسألة بكلام عجيب. قوله: "وإذا أقر المريض بدين ثم بوديعة بعينها أو بالعكس فرب الوديعة أحق بها". لأن صاحب الدين لا يفوت حقه بفوات العين غالبا لثبوت حقه في الذمة. قوله: "الثالث إقراره بوارث فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح". وصححه أيضا القاضي والشيخ موفق الدين وغيرهما وقدمه جماعة لأنه عند الإقرار غير وارث ووجه الآخر أنه عند الموت وارث ولأنه إقرار لوارث أشبه ما لو أقر له بمال. قلنا هذا إقرار بمال من طريق الحكم وهناك من طريق الصريح والأصول تفرق بين الإقرارين ألا ترى أنه لو اشترى دارا من زيد فاستحقت وعاد على زيد بالثمن ثم ملكها المشترى لم يلزمه تسليمها إلى زيد وإن كان دخوله معه في عقد الشراء إقرارا منه بأن الدار ملك لزيد ولو أقر صريحا بأن الدار ملك لزيد ثم ملكها بوجه من الوجوه لزمه تسليمها إليه وكذلك لو اشترى إنسان دارا فاستحقت كان له الرجوع على البائع بالدرك ولو أقر بأن الدار للبائع

وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه.

_ ثم اشتراها وقبضها منه ثم استحقت لم يرجع عليه بشيء ذكر هذا الكلام القاضي في التعليق وذكره أيضا في المستوعب وغيره. قال الشيخ موفق الدين ويمكن بناء هذه المسألة على ما إذا أقر لغير وارث ثم صار وارثا فمن صحح الإقرار ثم صححه ههنا ومن أبطله أبطله وما قاله صحيح. وقال الشيخ تقي الدين كلام القاضي الذي أخذه من كلام الإمام أحمد إنما يقتضي المنع إذا كان له وارث فأما من لا وارث له إذا أقر بوارث فقد نص الإمام أحمد في الروايتين على قبول قوله ومن قال بأنه كالوصية1 فقد يخرج هذا على روايتين انتهى كلامه. قوله: "وإذا أقر العبد بحد أو قود أو طلاق ونحوه صح وأخذ به في الحال إلا قود النفس فإنه يتبع به بعد العتق نص عليه". في رواية مهنا فقال إذا أقر أنه قتل عمدا وأنكر مولاه فلم يقم بينة لم يجز إقراره قيل له يذهب دم هذا قال يكون عليه إذا عتق. وكذلك نقل ابن منصور عنه إذا اعترف بالسرقة أو بجرح فهو جائز ولا يجوز في القتل وهذا هو المذهب والمنصور في كتب الخلاف وبه قال زفر والمزنى وداود لأنه يسقط حق السيد به أشبه الإقرار بقتل الخطأ فإنه لا يلزمه في حال رقه ذكره القاضي وغيره محل وفاق ولأن من لا يصح

وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له بالقود العفو على رقبة العبد. وإذا أقر العبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو العبد غير المأذون له بمال عن معاملة أو مطلقا لم يقبل على السيد.

_ إقراره بقتل الخطأ لا يصح إقراره بقتل العمد كالصبي والمجنون وقيل لا يصح إقراره بقود في النفس فما دونها فلا يصح إقراره بمال وقيل في إقرار العبد روايتان بالقتل والتجريح. قوله: "وقال ابن عقيل وأبو الخطاب يؤخذ به في الحال أيضا وليس للمقر له العفو على رقبة العبد". لئلا يفضي إلى إيجاب مال في حق غيره وظاهر كلام الخرقي أنه يؤخذ به في الحال أيضا. وذكر الشيخ تقي الدين بعد حكاية قول ابن عقيل وأبي الخطاب أن القاضي قاله في ضمن مسألة إقرار المرأة بالنكاح واحتجا به وهو مذهب الأئمة الثلاثة ولأنه مال في المعنى لأنه مال لأحد نوعي القصاص فصح إقراره به كما دون النفس. قال وبهذا ينتقض الدليل الأول ولأن إقرار مولاه عليه به لا يصح فلو لم يقبل إقراره لتعطل وعفو المقر له بالقود على رقبة العبد أو على مال ليس له من الأصحاب من ذكره ومنهم من لم يذكره والشيخ موفق الدين تفقه فيه فقال وينبغي وقد عللوا القول الأول بأنه متهم في أن يقر لمن يعفو على مال فيستحق رقبته ليخلص من سيده. قوله: "وإذا أقر لعبد بجناية خطأ أو غصب أو سرقة أو للعبد غير المأذون له بمال عن معاملته أو مطلقا لم يقبل على السيد". لأنه إيجاب حق في رقبة مملوكه لمولاه فلم يقبل إقراره على أحد سواه.

بل يتبع به بعد العتق ويقطع للسرقة في الحال.

_ وقوله: "غير المأذون له" يعني يقبل إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه كالصبي المأذون له ذكره القاضي محل وفاق في مسألة الصبي المأذون له أن إقرار العبد المحجور عليه لا يلزمه في الحال ولو كان مأذونا له لزمه. قوله: "بل يتبع به بعد العتق". عملا بإقراره على نفسه وهذا إحدى الروايتين ذكرهما الشيخ موفق الدين وغيره والأخرى يتعلق برقبته كجنايته. قوله: "ويقطع للسرقة في الحال". نص عليه في رواية مهنا لما تقدم قال في المغني ويحتمل أن لا يجب القطع لأن ذلك شبهة وهو قول أبي حنيفة لأن هذه العين لم يثبت حكم السرقة فيها فلم يثبت القطع. وقال القاضي إذا أقر العبد المأذون له بحق لزمه مما لا يتعلق بأمر التجارة كالقرض وأرش الجناية وقتل الخطأ والغصب فحكمه حكم العبد المحجور عليه. وقال أبو الخطاب وغيره لم يصح قبل الإذن قال ولا يلزم إذا أقر بدين من جهة التجارة لأنه مأذون فيه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة في قوله معلق برقبته وقال القاضي فحكمه حكم العبد المحجور عليه وفي روايتان إحداهما يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق والثانية برقبته ولا يتعلق ذلك بذمة السيد رواية واحدة واستدل القاضي بأنه أقر بحق يتعلق بإتلاف يثبت في ذمته كما لو أقر أنه أفضى امرأة بكرا بإصبعه. قال الشيخ تقي الدين هذا الذي قاله فيه نظر من وجهين أحدهما جعله القرض من ديون غير التجارة وهو خلاف ما في هذا الكتاب وغيره الثاني:

_ أنه جعله فيما لم يؤذن له كالمحجور وجعل في المحجور روايتين إحداهما يتعلق برقبته والروايتان فيما ثبت من معاملة المحجور عليه فأما ما أقر به هو ولم يصدقه السيد ولا قامت به بينة فإنه لا يثبت في رقبته وجنايته على النفوس والأموال تتعلق برقبته والرواية الأخرى فيها غريبة وما قصد القاضي إلا ديون المعاملة كما في هذا الكتاب وغيره إلا أن يريد القاضي بالقرض مالا تعلق له بالتجارة وما زاد على قدر الإذن انتهى كلامه. وبناه أبو حنيفة على أن ضمان الغاصب يجري مجرى البيع الفاسد بدليل أنه يتعلق به تمليك ولو أقر بشراء فاسد لزمه كذلك إذا أقر بالغصب. فقال القاضي لا نسلم أن الملك يتعلق بالغصب ولا بالبيع الفاسد ولو أقر أنه أفضى امرأة بكرا لم يؤخذ في الحال عنده. قال الشيخ تقي الدين أبو حنيفة بناه على أصله في أن الإذن فك الحجر مطلقا فيبقى في الأموال كالحر. وقال الشيخ تقي الدين أيضا يتوجه فيمن أقر بحق الغير وهو غير متهم كإقرار العبد بجنايته الخطأ وإقرار القاتل بجنايته الخطأ أن يجعل المقر كشاهد ويحلف معه المدعي فيما يثبت بشاهد ويمين أو يقيم شاهدا آخر كما قلنا في إقرار بعض الورثة بالنسب هذا هو القياس والاستحسان انتهى كلامه. فصل قال القاضي فإن حجر الولي عليه فأقر بدين بعد الحجر لم يصدق. وقال في رواية حنبل إذا حجر الولي على العبد فبايعه رجل بعد ما علم أن مولاه حجر عليه لم يكن له شيء لأنه هو أتلف ماله. واحتج القاضي بأن الحجر لا يتبعض فإذا صار محجورا عليه في البيع والشراء وجب أن يصير محجورا عليه في إيجاب الدين.

ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي.

_ قال الشيخ تقي الدين وكذلك ذكر أبو محمد فصلوا بين أن يأذن له مرة ثانية أو لا يأذن له وقال أبو حنيفة إن كان عليه دين يحيط بما في يده فإقراره باطل وإن لم يكن عليه دين وكان في يده مال لزمه في المال ولا يلزم في رقبته واحتج بأن يده ثابتة على المال بعد الحجر بدليل أنه لو حجر عليه وله ودائع عند أقوام كان هو الذي يتقاضاها ولا يبطل الحجر ما ثبت له من الحق ولم يمنع القاضي هذا الوصف قاله الشيخ تقي الدين. واحتج أبو الخطاب وغيره بأنه محجور عليه بالرق فلم يصح إقراره كما لو كان عليه دين يحيط بما في يده. وقال الشيخ تقي الدين قياس المذهب صحة إقراره مطلقا كالحاكم والوكيل والوصي بعد العزل ولأن الحجر عندنا يتبعض ثبوتا فيتبعض زوالا انتهى كلامه. واحتج الشريف وغيره بأن الحجر لا يتبعض فإذا كان محجورا عليه في البيع والابتياع لم يصح بالإقرار في الدين ولنا أن نقول حجر يمنع بعض التصرف في أعيان المال لحق الغير فمنع التصرف مطلقا لحقه أيضا تسوية بين تصرفاته ولأنه محجور عليه لحق الغير فلم يقبل إقراره كالمحجور عليه لفلس أو سفه يقر بدين وعليه دين قبل الحجر. قوله: "ولو أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ذكره القاضي". وذكره أيضا أصحابه كأبي الخطاب والشريف فإنهم قالوا لزمه فإن عجز بيع فيها إن لم يفده المولى. وقال في المستوعب لزمته فإن عجز تعلقت برقبته وقال أبو حنيفة يستسعى فيها في الكتابة وإن عجز بطل إقراره بها وسواء قضاها أو لم يقضها

ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة. وإذا أقر عبد غير مكاتب لسيده أو أقر له سيده بمال لم يصح.

_ وعن الشافعي كقولنا وعنه أنه موقوف إن أدى الكتابة لزمته وإن عجز بطل فمن أصحابنا من اقتصر في حكاية هذا القول ومنهم من زاد حتى يعتق. واحتج الأصحاب بأن إقرار لزمه في حال الكتابة فلا يبطل بعجزه كالإقرار بالدين وعن الشافعي أن المكاتب في يد نفسه فصح إقراره بالجناية كالحر قالوا ولا يلزم المأذون له لأنه في يد المولى. قوله: "ويتخرج أن لا يتعلق إلا بذمته كالمأذون". بجامع الرق وقد تقدم الفرق. قوله: "ولو أقر السيد على العبد بشيء مما ذكرنا لم يقبل عليه". لأنه لا يملك من العبد إلا المال. قوله: "ولم يلزم السيد منه إلا فداء ما يتعلق بالرقبة لو ثبت بالبينة". لأنه إيجاب حق في ماله وكجناية الخطأ وقطع بهذا في الكافي وقال في المغني ويحتمل أن يصح إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ويجب المال دون القصاص. قوله: "وإذا أقر عبد غير مكاتب أو أقر له سيده بمال لم يصح". أما المسألة الأولى فلأن مال العبد لسيده ولو قلنا بأنه يملك فقد أقر له بماله فلم يفد إقراره شيئا وكان هذا على المشهور وهو عدم ثبوت مال لسيد عبد في ذمته وهو الذي قطع به غير واحد.

ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما. ومن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده.

_ وقال بعض الأصحاب ويحتمل أن يصح إقرارهما بما يكذبهما إن قلنا العبد يملك وإلا فلا. وقال الشيخ تقي الدين إقراره لسيده ينبنى على ثبوت مال السيد في ذمة العبد ابتداء ودواما وفيها ثلاثة أوجه في الصداق وأما المسألة الثانية فلما تقدم من أن مال العبد لسيده فلا يصح إقراره لنفسه وفيه الإحتمال في التي قبلها وقال الشيخ تقي الدين وإقرار سيده له ينبني على أن العبد إذا قيل يملك هل يثبت له دين على سيده انتهى كلامه والمشهور لا يثبت. قوله: "ومن أقر أنه باع عبده نفسه بألف فصدقه لزمه الألف وإن كذبه حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما". أما لزوم الألف في حالة التصديق فلاتفاقهما عليه. قال الشيخ موفق الدين ويكون كالكتابة. قال ابن عبد القوي وهو كالكتابة في ذمة العبد لكنها حالة ويعتق في الحال وهذا معنى كلام غيره. وأما عتقه في حالة التكذيب فلإقراره بذلك وهو يدعى عليه شيئا الأصل عدمه فلهذا لم يلزمه شيء ويحلف على نفيه وقيل لا يحلف وهذا غريب. قوله: "من أقر لعبد غيره بمال صح وكان لسيده وبطل برده". ومقتضى هذا أنه يلزمه بتصديقه. وصرح به غيره لأن يد العبد كيد سيده والحق للسيد فيه. وقال الشيخ تقي الدين إذا قلنا يصح قبول الهبة والوصية بلا إذن السيد

وإن أقر ببهيمة لم يصح وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه.

_ لم يفتقر الإقرار إلى تصديق السيد وقد يقال بل وإن لم نقل بذلك نحو أن يكون قد تملك مباحا فأقر بعينه أو أتلفه وضمن قيمته انتهى كلامه وهو متوجه. فرع وإن أقر لعبد بنكاح أو قصاص أو تعزيز أو حد قذف صح وإن كذبه السيد ذكره الشيخ موفق الدين وغيره لأن الحق له دون سيده. وقال الشيخ تقي الدين وهذا في النكاح فيه نظر انتهى فجعل النظر في النكاح خاصة فإن العبد لا يصح نكاحه إلا بإذن سيده فإن في ثبوت نكاح العبد ضررا عليه فلا يقبل إلا بتصديق السيد كإقرار القاتل بجناية الخطأ انتهى كلامه. 1 وعلى الأول المطالبة والعفو للعبد. وقال الشيخ شمس الدين بن عبد القوي إذا قلنا الواجب أحد شيئين القصاص أو الدية يحتمل أن للسيد المطالبة بالدية مالم يعف العبد انتهى كلامه. والقول بأن للسيد المطالبة بالدية فيه إسقاط حق العبد مما جعله الشارع مخيرا فيه فيكون منفيا. قوله: "وإن أقر ببهيمة لم يصح". هذا الذي قطع به في المستوعب والكافي وغيرهما لأنها لا تملك ولا لها أهلية الملك. قوله: "وقيل يصح ويكون لمالكها فيعتبر تصديقه". كالإقرار للعبد قال في الرعاية كما لو أقر بسببها أو بسبب دار.

ومن أقر لحمل امرأة صح إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل.

_ وقال في المغني وإن قال على بسبب هذه البهيمة لم يكن إقرارا لأنه لم يذكر لمن هي ومن شرط صحة الإقرار ذكر المقر له وإن قال لمالكها أو لزيد على بسببها ألف صح الإقرار وإن قال بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح إذا لم يمكن إيجاب شيء بسبب الحمل. وقال الشيخ تقي الدين عن هذا القول هذا هو الذي ذكره القاضي في ضمن مسألة الحمل فإنه قال من صح الإقرار له بالوصية والإرث صح الإقرار المطلق له كالطفل والبالغ فقيل له هذا يبطل بالإقرار للبهيمة فإنه لا يصح وتصح الوصية لها لأنه لو أوصى بمائة درهم علق بها دابة فلان لم يستحقها صاحبها. ووجب صرفها إلى علفها ومع هذا إن أبهم الإقرار لها لم يصح فقال هذا لا يبطل لأن الإقرار هناك صحيح لأنه لصاحب البهيمة وليس للبهيمة والذي يدل على ذلك أنه إذا رد الوصية لم تصح وإذا قبلها صحت. ثم ذكر في نفس المسألة أنه يصح لما قاسه المخالف وقال لا خلاف أنه لو قال لهذه البهيمة على ألف درهم لم يصح إقراره كذلك الحمل فقال القاضي وعلى أن البهيمة لا يصح الإقرار لها إذا كان مضافا إلى الوصية والحمل يصح الإقرار له إذا كان مضافا إلى الوصية انتهى كلامه ولا يخفى أن فيه نظر. قوله: "ومن أقر لحمل امرأة بمال صح". هذا هو المشهور ونصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم. وذكر الشيخ زين بن المنجا أنه المذهب لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح وهو الوصية والإرث فيحمل عليه المطلق حملا لكلام المكلف على الصحة كالإقرار لطفل وهذا أصح قولى الشافعي. قوله: "إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين أن لا حمل فيبطل".

وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد.

_ كذا قطع به غير واحد لفوات شرطه وذكر في المغني والكافي أنه إذا خرج ميتا وقد كان عزى الاقرار إلى إرث أو وصية عادت إلى ورثة الموصى وموروث الطفل وإن أطلق الاقرار كلف ذكر السبب فيعمل بقوله فإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل إقراره كمن أقر لرجل لا يعرف من أراد بإقراره. قال الشيخ تقي الدين ظاهر ما في الكتاب يبطل مطلقا وقال أيضا قد ثبت أن المال للحمل إما إرثا أو وصية وأنه بإلقائه ميتا يكون لورثة ما فإذا لم يعرفوا ذلك يكون بمنزلة أن يقول هذا المال الذي في يدي وديعة أو غصب ولا يذكر المالك أو يقول لا أعرف عينه. قوله: "وإن ولدت حيا وميتا فالمال للحي". لأن الشرط فيه محقق. قوله: "وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فهو لهما بالسوية". لعدم المزية لأحدهما على الآخر. قوله: "إلا أن يعزوه إلى ما يوجب التفاضل من إرث أو وصية تقتضيه فيعمل به وهذا قول ابن حامد". وكذا ذكر في المغني وغيره وذكر في الرعاية هذا قولا وقدم التسوية وليس بجيد وذكر في الكافي وغيره أنه بينهما نصفين من غير تفضيل ومراده ما تقدم.

وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون من الاثنين على حسب ذلك.

_ قوله: "وقال أبو الحسن التميمي لا يصح الإقرار للحمل إلا أن يعزوه إلى إرث أو وصية فيصح ويكون بين الاثنين على حسب ذلك". وهذا قول أبي حنيفة لأنه لا يملك بغير الإرث والوصية والاستدلال بها على ذكر السبب فيه نظر وقد وقع الاتفاق على صحة الإقرار للطفل مع انحصار السبب فيه كذا في مسألتنا وقد ذكر بعض الأصحاب قولا بعدم صحته مطلقا ولا أحسبه قولا في المذهب. ويقال عزوته إلى كذا أو عزيته وأعزوه وعزواه وعزياه لغتان والواو أفصح. فصل وإن قال لهذا الحمل على ألف درهم أقرضنيها فذكر الشيخ موفق الدين تفريعا على قول ابن حامد أنه يصح إقراره في قياس المذهب لأنه وصله بما يسقطه فهو كما لو قال ألف لا تلزمني فإن قال أقرضني ألفا لم يصح لأن القرض إذا سقط لم يبق شيء يصح به الإقرار. قال الشيخ تقي الدين الصلة المناقضة لفظا ظاهرا فأما الصلة المناقضة شرعا كقوله من ثمن خمر أو خنزير فوجهان وهذه الصلة مناقضة عقلا فهو كما لو قال ألف من ثمن مبيع من ألف سنة ومن أجرة من مائة عام ونحو ذلك. فصل وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق وعزاه إلى سبب صحيح مثل أن يقول:

ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره وأقر بيده وقيل ينتزع منه لبيت المال فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه.

_ من غلة وقفه صح وإن أطلق خرج على الوجهين قبلها فإن صح نزل على ما يمكن من ذلك وغيره وإن أقر لدار أو دكان لم يصح. قوله: "ومن أقر بمال في يده لغيره فكذبه بطل إقراره". لأنه لا يقبل قول الغير على غيره في ثبوت حق له ينكره قوله: "وأقر بيده". وقدمه أيضا غيره جعلا لإقراره كالعدم في البطلان. قوله: "وقيل ينتزع منه لبيت المال". لأنه ضائع لخروجه من ملك المقر وعدم دخوله في ملك المقر له. وذكر ابن عبد القوي على هذا يعطاه من قامت له بينة به أو وصفه كسائر الأموال الضائعة. قوله: "فعلى هذا أيهما غير قوله لم يقبل منه" لأنه تعلق الحق ببيت المال فصار كزائد. قوله: "وعلى الأول وهو المذهب إن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه". وقطع به الشيخ موفق الدين في مسائل اللقيط لما تقدم من جعل إقراره كالعبد يقر سيده ومن ادعى عينا في يده أو أقر بها قبل منه. وذكر في الرعاية أنه يقبل منه في الأشهر كما لو قال غلطت وعدم القبول مطلقا حتى مع الغلط عليه يدل كلام الشيخ موفق الدين في الأقضية والدعاوي لاعترافه أنها لغيره فلا يسمع منه الرجوع عن إقراره وصورة الغلط

ولم يقبل بعدها عود المقر له إلى دعواه ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان ولو كان المقر عبدا أو نفس المقر بأن أقر برقها الغير فهو كغيره من الأقوال على الأول وعلى الثاني يحكم بحريتهما.

_ تشبه صورة الجهل وهي أن من أنكر المال المقر به له فيصدقه المقر ثم بان أنه للمقر له فهل يسقط حق المقر له بإنكاره جهلا أم لا يسقط ويغرمه المقر كما في الرعاية أنه لا يسقط ويغرمه المقر وفيه احتمال. قوله: "ولم يقبل بعدها عود المقر له أولا إلى دعواه". لتعلق حق غيره بذلك ولا يملك إسقاطه. قوله: "ولو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك فوجهان". أحدهما يقبل لدعواه شيئا لا منازع له فيه والثاني لا يقبل لأنه لم يثبت استحقاقه بتكذيبه وليس هو بصاحب يد فيقبل منه. قال الشيخ تقي الدين كذلك يجيء الوجهان في كل مالم يتعلق به حق غيره إذا أنكر استحقاقه والنسب فيه حق الولد وستأتي الزوجية فيها قولان. قوله: "ولو كان المقر له عبدا أو نفس المقر بأن يقر برقبته للغير فهو كغيره من الأموال على الأول". يعني على قولنا يقر بيده لأنه مال فأشبه غيره من الأموال ولا حرية مع ثبوت اليد عليه. قوله: "وعلى الثاني يحكم بحريتهما". يعني على قولنا ينزع لبيت المال لأنه لا يد لأحد عليه والأصل في بني آدم الحرية فعمل بها ولا ناقل عنه وقد ذكر الشيخ موفق الدين في اللقيط إذا أقر إذا بالرق ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا وإن كذبه بطل إقراره فإن به بعد ذلك لرجل آخر جاز.

وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل وعنه يقبل وهو الأصح.

_ وقال بعض أصحابنا يتوجه أن لا يسمع إقراره الثاني لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له فإذا بطل إقراره برد المقر له بقي الاعتراف بنفي مالك له غيره فلم يقبل إقراره بما نفاه كما لو أقر بالحرية ثم أقر بعد ذلك بالرق. ولنا أنه إقرار لم يقبله المقر له فلم يمنع إقراره ثانيا كما لو أقر بثوب ثم أقر به لآخر بعد رد الأول وفارق الإقرار بالحرية فإن إقراره بها يبطل ولو لم يرد انتهى كلامه. قوله: "وإذا أقرت المرأة على نفسها بالنكاح فعنه لا يقبل". لأن النكاح يفتقر إلى شرائط لا يعلم حصولها بالإقرار ولأنها تدعي حقا لها وهي النفقة والكسوة والسكنى. قوله: "وعنه يقبل وهو الأصح". وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأنه حق عليها فقبل كما لو أقرت بمال وقد قال الأصحاب رحمهم الله تعالى إذا ادعى اثنان عبدا فأقر أنه لأحدهما فهو للمقر له ومرادهم وليس هو في يد أحد كما لو صرحوا به. وقال أبو حنيفة لا يلتفت إلى إقراره وهو بينهما واحتجوا بأن من صح إقراره للمدعي إذا كان منفردا صح إذا كان لأحد المتداعيين كالذي في يده مال وأقر به لغيره وهذا التعليل جار في مسألتنا ولا خفاء أن المراد غير المجبرة أما المجبرة فلا يقبل إقرارها. قال الشيخ تقي الدين المجبرة لا معنى لقبول قولها. وقال أيضا وكلام القاضي والجد وإن تضمن أن إقرار المجبرة بالنكاح

وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني.

_ كإقرار غيرها فهو في غاية الضعف فإن المجبرة في النكاح بمنزلة السفيه في المال إذا أقر بعقد بيع لا يصح وإن صدق في إقراره لأنه إقرار على الغير. قوله: "وعنه إن ادعى زوجيتها واحد قبل وإن ادعاها اثنان لم يقبل نقلها الميموني". قطع في المغني أنه لا يقبل منها إذا ادعاها اثنان. وذكر الشيخ تقي الدين أن القاضي نصر ذلك لأنها متهمة في إقرارها في أنها مالت لأحدهما لجماله وماله ولهذا منعناها أن تلي عقد النكاح فصار كإقرار العبد بقتل الخطأ لا يقبل ولو أقر بقتل العمد قبل لأنه غير متهم في ذلك بخلاف ما إذا كان المدعى واحدا لأنه لا تهمة تلحق لإمكانها عقد النكاح عليه ولأنها تعترف بأن بضعها ملك عليها فصار إقرارا بحق غيرها ولو أرادت ابتداء تزويج أحدهما قبل انفصالها من دعوى الآخر لم يكن لهما. وهذا بخلاف دعواهما عينا في يد ثالث فأقر لأحدهما فإنه يقبل لأنها لا تثبت بإقراره إنما يجعل المقر له كصاحب اليد فيحلف والنكاح لا يستحق باليمين فلم ينفع الإقرار به هنا. قال القاضي وهذا بخلاف من ادعى عليه اثنان عقد بيع فإن إقراره لأحدهما لا تهمة فيه فإن الغرض المال وهذا يحصل منها. قال الشيخ تقي الدين كلاهما سواء في العرف والشرع فإنه إذا ادعاها اثنان تقدر أن تتزوج بأحدهما أيضا إذا حلفت للآخر كما في البيعين وإن كان المانع الدين فلا فرق بين أن تحلف للآخر أو تنكره وهو زوجها وفي الباطن لا يمكنها إنكاره ولا الحلف وفي الظاهر يمكن كلاهما وإن لم يوجب

_ عليها يمينا فهي يكفي مجرد إنكارها فالحاصل أن مجرد الدعوى لا تمنعها من شيء انتهى كلامه. قال القاضي في التعليق إدا ادعي نفسان زوجية امرأة فأقرت لأحدهما فهل يقبل إقرارها أم لا نقل الميموني عن الإمام أحمد إذا ادعيا امرأة وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين ولم يجيء ولي فرق بينهما فإن أنكرتهما وقامت لكل واحد منهما بينة أنها امرأته فهو على ما يقول الولي لأن كل واحد منهما مكذب بيته صاحبه فإن لم يكن ولي فسخت النكاح قال وظاهر هذا أنه لا يقبل إقرارها وإذا أقر الولي لأحدهما قبل إقراره وحكم بها لمن أقر له الولي وحكم البينتين إذا تعارضتها في النكاح أن تسقطا ويكونان كمن لا بينة لهما فيجري الإقرار مع البينة مجراه مع عدمها وإنما قبل إقرار الولي لأنه يملك العقد عليها أن لأن المسألة محمولة على أن الولي يملك الإجبار على النكاح ومن ملك العقد ملك الإقرار به فأما المرأة فلم يقبل إقرارها في هذا الموضع لما نذكره فإن كان المدعي واحدا فأقرت له فهل يقبل إقرارها أم لا يتخرج على روايتين نص عليهما في الرق إذا ادعى رجل رق امرأة فأقرت له قال وحكم العتق والنكاح سواء لأن المزيل لهما مبنى على التغليب والسراية وهو العتق والطلاق. قال الشيخ تقي الدين "قوله إذا ادعيا نكاح امرأة وأقرت لواحد منهما وجاء بشاهدين ولم يجيء بولي فرق بينهما" مضمونها أنه يفرق بينهما مع قيام البينة بالنكاح وهذا يبين أنه لم يكن لرد الإقرار لأن البينة قد شهدت بما أقرت به لأن قوله وجاء فيه ضمير مفرد لا مثنى هذا ظاهره لأنه قال وأقرت لواحد منهما وجاءا بشاهدين فرق بينهما فهذه ضمائر الوحدة وهذا يبين لك أن الرد1 لم يكن لكونه ادعاها اثنان فأقرت لأحدهما وإنما النكاح

_ عنده ثابت فأبطله لعدم الولي ألا تراه يقول فرق بينهما وهذا إنما يقال في النكاح المنعقد لا فيما لم يثبت وليس في الرواية أنها اجتمعت بمن أقرت له فعلم أن قوله فرق بينهما للثبوت. وحينئذ فيحتمل أن يكون الإبطال لأن البينة شهدت على عقد مجرد لم يتضمن مباشرة الولي وهذه الشهادة لا تصح كما ذكره القاضي أخذا من مفهوم كلامه أو شهدت على عقد بغير ولي فتكون قد صرحت البينة بعدم الولي فلا ريب أنه باطل عنده ويحتمل أن الدعوى بالنكاح عن امرأة لا تصح وإنما تصح على وليها معها لأن المرأة وحدها لا يصح منها بذل النكاح ولا الإقرار به كما دل عليه كلامه كما لو ادعى عليها الرق في إحدى الروايتين بناء على أن المرأة لا تعقد النكاح وإنما يعقده وليها فالدعوى عليها كالدعوى على السفيه بعقد بيع أو الدعوى على أحد الوصيين بعقد بيع وإذا لم يصح والشهادة القائمة شهادة على غير خصم1 ففيه حكم على ولي غائب عن المجلس يمكن حضوره فلا يصح أو لأن الشهادة لم تكن عليه فإنها لا تصح إلا بحضوره فيفرق بينهما حتى يثبت النكاح أو لأجل ثبوت فساده ألا تراه قال في الصورة الثانية فسخت النكاح وقال في الأولى فرق بينهما فعلمنا أنه تفريق بدن لا إبطال نكاح ويحتمل أن المرأة كانت مجبرة وإذا كانت مجبرة لم يصح إقرارها ولا الدعوى عليها كما قاله القاضي في إقرار الولي عليها وهذا الاحتمال أظهر في القياس فلا تكلف في تخريجه على القواعد المذهبية. وقوله: "إذا أنكرتهما وأقام كل واحد بينة فهو على ما يقول الولي فإن لم يكن ولي فسخت النكاح".

_ يقتضى أن العبرة بإقرار الولي إما لأنه مجبر كما تأوله القاضي أو لأنه مأذون له فالعبرة بتصديقه وتكذيبه لأنه هو المباشر للعقد الذي يصح منه ذلك دونها كما أن العبرة به إذا ادعى على سفيه بعقد بيع فإذا قامت البينتان إما أن يقال سقطتا للتهاتر كما قاله القاضي أو يقال ثبت العقدان فالمرجع إلى الولي في تعيين أيهما هو الصحيح لكونه بإذنه أو لكونه المقدم كما قلته فيما إذا ثبت بيعان فالمرجع إلى البائع في تعيين المقدم ويحلف للآخر. وقوله: "فإن لم يكن ولي فسخت النكاح". يؤيد هذا الاحتمال لأنه لو لم يثبت عقد لم يحتج إلى فسخ بل يثبت عقدان لم يتعين صحيحهما أو لم يكن فيهما صحيح لعدم إذن الولي فينفسخ النكاحان وإذا نزلت المسألة على الولي المجبر كما فسروا به قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها" ظهر ما ذكرته جيدا. وبكل حال قد تبين أن ليس في كلام الإمام أحمد ما يقتضى أنه أبطل الإقرار لادعاء نفسين لها ولا تأثير للمدعيين بل عنده أن إقرار المرأة لم يصح إما مطلقا وإما إذا كانت مجبرة وهذا هو الحق فإنه لا أثر لهذا من جهة الفقه انتهى كلامه. وقول القاضي في سقوط البينتين هو معنى كلام غير واحد. قال في المغني وإذا أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا وحيل بينهما وبينها والذي قاله في الرعاية تعارضتا وسقطتا ولا نكاح وقال غير واحد وإن جهل سبق التاريخ عمل بقول الولي نص عليه قال ابن حمدان المجبر فإن جهل فسخا فأما إن اختلف تاريخهما فهي للأسبق تاريخا. فرع ظاهر كلام القاضي هنا أنه لا يرجح أحدهما بكون المرأة في يده وبيته

وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة.

_ وهو ظاهر كلام غيره أيضا وقطع به في المغني لعدم ثبوت اليد على حرة. وقال القاضي في موضع آخر إذا ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة وليست في يد واحد منهما فإنهما يتعارضان ويسقطان ذكره محل وفاق. قال الشيخ تقي الدين ومقتضى هذا أنها لو كانت في يد أحدهما كانت من مسائل الداخل والخارج. فرع فلو أقر الرجل بالنكاح فهل يقبل إقراره يخرج على الروايتين في قبول قول المرأة والأولى في العبارة أن يقال إذا ادعى النكاح وصدقته فهل تقبل دعواه لأن الحق له والحق فيه تبع بخلافها؟. قال الشيخ تقي الدين عقب رواية عدم قبول إقرارها ويلزم من هذا أيضا أنه لا يصح إقرار الرجل بالنكاح فإنها إذا أقرت ابتداء فلا بد من تصديقه فلا يصح وإن أقر هو ابتداء فتصديقها إقرارها فلا يصح انتهى كلامه. قال في الكافي من ادعى نكاح صغيرة في يد فرق بينهما وفسخه الحاكم إلا أن يكون له بينة لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة ومقتضى هذا أنها لو صدقته فيه لم يقبل لكن قال وإن صدقته إذا بلغت قبل ولم يزد على ذلك. وقال في الرعاية قبل على الأظهر وقد قال في آخر باب في المستوعب ومن أقر بأب أو مولى عليه أعتقه أو بزوجية وصدقه المقر له ثبت إقراره بذلك سواء كان المقر رجلا أو امرأة انتهى كلامه. قوله: "وإن أقر وليها عليها بالنكاح قبل إن كانت مجبرة"

أو مقرة له بالإذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة. وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر فلم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه.

_ لعدم اعتبار قولها. قوله: "أو مقرة له بالأذن وإلا فلا نص عليه وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة". لما تقدم من أن من ملك شيئا ملك الإقرار به وقال ابن عبد القوى لأنها كالمقرة بأصل العقد. معنى قوله: "وقيل لا يقبل إقراره إلا على المجبرة". لعل هذا في الموجود في كلامهم قال ابن عبد القوي لأن الفروج يحتاط لاستباحتها فلا تباح مع لفظ محتمل ولهذا لا ينعقد بالكناية وهذا فيه نظر والأول أولى ولعل صورة الإذن من أهلها لم يتفطن لها فلا يكون مخالفا فيها وإن تناولها إطلاق كلامه فأما إن لم تكن مجبرة ولا مقرة بالإذن لم يقبل قوله عليها كإقرار أجنبي على غيره بمال. قوله: "وإذا أقر الرجل أو المرأة بزوجية الآخر ولم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه". هذا ينبنى على صحة إقرار المرأة بالنكاح قاله الشيخ تقي الدين وهو صحيح. وإنما ذكرها الأصحاب لخلاف أبي حنيفة فيها. قال القاضي هذا قياس قول أصحابنا وهو قول أبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة إن أقرت المرأة وماتت فصدقها لم يرثها وإن أقر هو ومات فصدقته ورثته. ولنا أنه أحد الزوجين فورث كالآخر وكما لو وجد التصديق في الحياة.

إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان. ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن سقط به وارثا معروفا إذا أمكن صدقه.

_ قال الشيخ شمال في شرحه وقد ذكرنا فيما إذا أقر بنسب كبير عاقل بعد موته هل يرثه على وجهين بناء على ثبوت نسبه فيخرج هنا مثله انتهى كلامه. كذا قال ومأخذ الخلاف في الملك لا يجيء في هذه لكن فيما إذا أقر بنسب صغير ميت قول بعدم الإرث معللا بالتهمة في ذلك كذلك يخرج هنا. قوله: "إلا أن يكون قد كذبه في حياته فوجهان". والصحة والإرث قطع به أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل ونصبا الخلاف مع أبي حنيفة كما تقدم وذكر ابن عبد القوي أن عكس هذا أقوى الوجهين في نظيرهما في ثبوت النسب وهو غريب وقطع غير بثبوت النسب احتياطا له. وهذه المسألة نظير من أقر له بمال فكذبه ثم صدقه وفيها وجهان وكذلك يجيء هنا لو كذبه في الحياة ثم صدقه فيها وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى. قوله: "ومن أقر بولد أو أب أو زوج أو مولى أعتقه قبل إقراره وإن أسقط به وارثا معروفا". كذا ذكر غيره نصا وظاهرا لأنه إقرار من مكلف ليس فيه منازع فثبت كما لو أقر بمال ولأن الظاهر احتياط الإنسان فلا يلحق به من ليس منه فيقبل ذلك. قوله: "إذا أمكن صدقه".

ولم يدفع به نسبا لغيره وصدقه المقربه إلا في الولد الصغير أو المجنون.

_ لأنه لا يلتفت إلى قول من لا يمكن صدقه. قوله: "ولم يدفع به نسبا لغيره". لما فيه من قطع النسب الثابت من غيره وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من انتسب إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه". قوله: "وصدقه المقر به". لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه في ذلك كما لو أقر له بمال فإن صدقه ثبت وإن كان بعد موت المقر لوجود الإقرار والتصديق وذكر ابن عبد القوي أنه لو خرج فيه قول كما سيأتي لم يكن بعيدا للتهمة فيه ولا بد من عدم اشتراط المنازع فيه لأنه لا ترجيح يسقط به حق الآخر. قوله: "إلا في الولد الصغير أو المجنون". فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب لأنه لا قول له وإن بلغ أو عقل فأنكر لم يقبل منه للحكم بثبوت نسبه كما لو قامت به بينة وكما لو ادعى ملك عبد صغير في يده وثبت ملكه بذلك فلما كبر جحد قوله وسبق فيه رواية بأن إقرار المزوجة لا يقبل بالولد تقدم ذلك. فصل وظاهر كلامه أنه لو استلحق كبيرا عاقلا ميتا لم يثبت نسبه وهو أحد الوجهين لأنه مكلف لم يوجد منه تصديق والثاني يثبت قطع به في الكافي وهو قول القاضي وغيره وهو ظاهر مذهب الشافعي لأنه غير مكلف كالصغير وذكر الشيخ تقي الدين أو الأول أصح وأن في الإقرار بالميت الصغير نظرا وذكر غيره احتمالا في ثبوت نسبه دون ميراثه للتهمة وقال أبو حنيفة لا يثبتان لذلك قلنا:

فلا يشترط تصديق كما سبق في باب ما يلحق من النسب وسبق فيه رواية بأن إقرار المرأة المزوجة لا يقبل بالولد.

_ يبطل بما إذا كان المقر به حيا موسرا والمقر فقيرا قال في المستوعب لا عبرة بمن قال لا يثبت نسبه. فصل ومتى ثبت نسب المقر به ورجع المقر عن الإقرار لم يقبل رجوعه وإن صدقه المقر له في الرجوع فكذلك في أصح الوجهين كالثابت بالفراش والثاني لا يثبت كالمال. قال الشيخ تقي الدين إن جعل النسب فيه حق الله فهو كالحرية وإن جعل حق آدمي فهو كالمال والأشبه أنه حق لآدمي كالولاء. ثم إذا قبل التراجع عنه فحق الأقارب الثابت من المحرمية ونحوها هل يزول. وكذلك إذا رجع عن التصادق على النكاح فالمصاهرة الثابتة هل تزول أو تكون كالإقرار بالرق بعد التصرف انتهى كلامه. فصل قال الشيخ تقي الدين فأما إن ادعى نسبا فلم يثبت لعدم تصديق المقر به1 أو قال لا أب لي أو أنا فلان بن فلان وانتسب إلى غير معروف أو قال لا أب لي أو لا نسب لي ثم ادعي بعد هذا نسبا آخر أو ادعى أن له أبا فقد ذكروا فيما يلحق من النسب أن الأب إذا اعترف بالابن بعد نفيه قبل منه فكذلك غيره لأن هذا النفي أو الإقرار لمجهول أو لمنكر لم يثبت به نسب.

ويكفى في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك. ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك.

_ فيكون إقراره بعد ذلك مجهولا كما قلنا فيما إذا أقر بمال المكذب إذا لم نجعله لبيت المال فإنه إذا ادعى المقر بعد هذا أنه ملكه قبل منه ولو كان المقر به رق نفسه فهو كغيره بناء على أن الإقرار للمكذب وجوده كعدمه وهناك على الوجه الآخر نجعله بمنزله المال الضائع أو المجهول الحال فيحكم بالحرية وبالمال لبيت المال وهنا يكون بمنزلة المجهول النسب فيقبل منه الإقرار به1 ثانيا وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول والرجوع عن الإقرار غير مقبول والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا لآدمي هو من باب الدعاوي فيصح الرجوع عنه انتهى كلامه. وقد تقدمت الإشارة إلى المسألة في غير موضع. قوله: "ويكفي في تصديق الولد بالوالد وفي عكسه سكوته إذا أقر به نص عليه وللشاهد أن يشهد بنسبهما بناء على ذلك". هذا هو المشهور لأن النسب يحتاط له فاكتفى بالسكوت كما لو بشر بولد فسكت بخلاف سائر الأشياء. قوله: "وقيل لا يكفي حتى يتكرر ذلك". لأن السكوت محتمل فاعتبر التكرار لزوال الاحتمال. قوله: "ومن أقر بطفل له أم فجاءت بعد موت المقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك".

_ كذا ذكره الأصحاب وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة إن كانت حرة معروفة الأصل فهي زوجة استحسانا. وقال القاضي فإن قيل أليس قد قال أبو بكر في النكاح من المقنع وأومأ إليه الإمام أحمد في رجل باع أمة له من رجل فولدت عند المشترى ولدا فأدعاه البائع أنه ولده وصدقه المشترى أنها تصير أم ولد للبائع فحمل إقراره بالولد على أنه كان في ملكه ولم يحمله على وطء شبهة لذلك يجب أن يحمل إقراره بالولد على أنه كان في زوجية. قيل له كلام أبي بكر محمول في تلك المسألة على أن البائع ادعى أنه ولده وأنها علقت به في ملكه فمثاله هنا أن يقر بنسبه في زوجية وسلم القاضي أن إقراره بالولد لا يكون إقرارا بنسب أخيه قاله الشيخ تقي الدين. ومراد القاضي والله أعلم غير التوأم وظاهر كلام أبي بكر خلاف ما قال الشيخ تقي الدين في مسألة أبي بكر قد تقدم في هذه المسألة وجهان في الاستيلاد مع أن الوجهين ذكرهما في الكافي على قولنا أن الاستيلاد لا يثبت إلا إذا علقت به في ملكه فأما إذا قلنا إنه إذا استولدها بنكاح أو وطء شبهة ثم ملكها صارت أم ولد فهذا الأشبه فيه. وقال ونظير هذا اللقطة فلذلك يجب أن يكون في هذه المسألة مع أن الأشبه بكلام الإمام أحمد ثبوت الاستيلاد هناك والزوجية هنا حملا على الصحة انتهى كلامه. والوجه بصيرورتها أم ولد وهو منصوص الشافعي لأنه الظاهر بإقراره بولدها وهي في ملكه بخلاف مسألتنا. ووجه الأول أن ذلك ليس حقيقة لفظه ولا مضمونه والنسب يحتاط له

ولا يصح إقرار من له نسب معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم إلا وورثة أقروا بمن لو أقر به مورثهم ثبت نسبه.

_ فيلحق بشبهة أو نكاح فاسد فلا يلزمه مالم يتضمنه لفظه وكما لو كانت غير معروفة بالحرية عند أبي حنيفة. قوله: "ولا يصح إقرار من لا نسب له معروف بغير هؤلاء الأربعة من جد وابن ابن وأخ وعم وغيرهم". لأن إقرار الإنسان على غيره مقبول وفيه عار وضرر وقال بعضهم من له نسب معروف لا يصح إقراره ولعل مراده من ليس له فسقطت لفظة "ليس". قوله: "إلا ورثة أقروا بمن لو أقر به موروثهم ثبت نسبه". وهذا قول الشافعي وأبي يوسف وحكاه عن أبي حنيفة. قال في المغني والمشهور عن أبي حنيفة لا يثبت إلا بإقرار رجلين أو رجل وامرأتين وقال مالك لا يثبت بإقرار اثنين وهذا الذي حكاه عن مالك حكاه الأصحاب عن أبي حنيفة كالشهادة. ولنا قصة سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة وهي مشهورة متفق عليها وقد أثبت فيها النبي صلى الله عليه وسلم بقول عبد بن زمعة وحده فلأن الوارث يقوم مقام الموروث في حقوقه ولو أنه واحد كذا النسب لأنه منها ولأنه حق يثبت بإقرار فلم يعتبر فيه العدد كالدين بخلاف الشهادة ولهذا لا نعتبر لفظها ولا العدالة. ويعرف من قوله: "ورثة" أقرار غير الوارث لا يقبل لعدم قبوله في المال فكذا النسب ومقتضى كلامه أنه لو أقر الوارث بمن نفاه الموروث ثبت نسبه والظاهر أنه لم يرده لأنه قد حكى في موضع آخر أن نص الإمام أحمد لا يثبت خلافا للقاضي وقطع الشيخ موفق الدين وغيره بالمنصوص لما فيه من الضرر

فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب.

_ على الموروث والعار عليه. قوله: "فإن كان المقر بعض الورثة لم يثبت النسب". ذكره غير واحد بالإجماع إذالم يكن المقر اثنين لأن النسب لا يتبعض ولا يمكن إثباته في حق المقر دون المنكر. قال في الرعاية فإن أقر بعضهم ولم يشهد منهم أو من غيرهم عدلان أنه ولده أو ولد على فراشه أو أنه أقر به لم يثبت نسبه على المذهب فهذا رواية في ثبوت النسب بقول البعض ولعل مراده إذا كان البعض ابنين لأنه هو المعروف في كلام القاضي وغيره قال ابنه أبو الحسين إذا أقر اثنان من الورثة على أبيهما بدين أو نسب فهل يثبت ذلك في حق الباقين بغير لفظ الشهادة على روايتين إحدهما يعتبر لفظ الشهادة لأنه إثبات حق على الغير أشبه ما إذا شهد اثنان على نسب الغير أو بدين على الغير والثانية لا يعتبر لأنه يشبه الشهادة لأنه إثبات حق على الغير ويشبه الإقرار من حيث تثبت المشاركة له فيما في يده من المال المقصود فأعطيناه حكم الأصلين فاشترطنا العدد اعتبارا بالشهادة ولم تشترط لفظ الشهادة اعتبارا بالإقرار. قال القاضي في التعليق ويتخرج على هذا الاختلاف هل يشترط فيهما العدالة على روايتين وقال أبو حنيفة يثبت إذا كانا عدلين. فرع وإذا لم يثبت النسب من الموروث لعدم إقرار كل الورثة فهل يثبت من المقر حتى لو مات المقر ولا وارث له غير المقر به يرثه الذي قطع بعضهم أنه لا يثبت. وذكر غير واحد وجهين أحدهما يثبت لأن النسب يحتاط له والمعنى

لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض. ولو مات المنكر المقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به.

_ الذي لأجله لم يثبت النسب من الموروث يختص به ولا يتعداه والثاني لا يثبت لأن النسب لا يتبعض. قوله: "لكن يعطى للمقر له ما فضل في يده عن حقه أو كله إن كان يسقطه كما ذكر في الفرائض". تقدم ذلك. قوله: "ولو مات المنكر والمقر وارثه ثبت نسب المقر به منهما". وقدمه أيضا في المغني لأنه صار جميع الورثة كما أقر به ابتداء. وقطع به في المستوعب وقال ذكره القاضي في المجرد. قوله: "وقيل لا يثبت لكن يعطيه الفاضل في يده عن إرثه". كما لو لم يمت وكما لو أنكر الأب نسبه في حياته فأقر به الوارث وكذا الخلاف لو كان وارثه ابنا فأقر بالذي أنكره أبوه ذكره في المغني وغيره فأما إن كان المقر غير مكلف لم يثبت النسب فإن مات فوارثه يقوم مقامه وإن صار مكلفا ثبت نسبه وإن أقر له وإلا فلا وإن لم يخلف وارثا إلا أخاه المقر قام مقامه في الإقرار لأنه صار جميع الورثة. قوله: "فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وكان المقر به أخا ورثه دونهم على الأول وعلى الثاني يرثونه دون المقر به".

ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار له كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال.

_ هذا تفريع واضح لا حاجة للمختصر إليه لأنه ثبتت أخوته على الأول بخلاف الثاني والأخ يسقط بني العم. قوله: "ولو مات المقر بنسب ممكن ولم يثبت ولم يخلف وارثا من ذي سهم ولا رحم ولا مولى سوى المقر به جعل الإقرار كالوصية فيعطى ثلث المال في أحد الوجهين وجميعه في الآخر". لأن إقراره تضمن جعل المال له فأشبه جعل المال وصية وهل تصح وصية من لا وارث له بجميع ماله فيه روايتان وعليهما يخرج الوجهان في هذه المسألة. قوله: "وقيل لا يجعل كالوصية ويكون الإرث لبيت المال". لأن ثبوت المال من ثبوت الأخوة فإذا انتفى انتفى تابعه وقطع في المغني بعدم ثبوت النسب لعدم إقرار كل الورثه ثم قال وهل يتوارثان فيه وجهان. أحدهما يتوارثان لأن كل واحد منهما يقر أنه لا وارث له سوى صاحبه ولا منازع لهما والثاني لا يتوارثان لأن النسب بينهما لم يثبت فإن كان لكل واحد منهما وارث غير صاحبه لم يرثه لأنه منازع في الميراث ولم يثبت نسبه انتهى كلامه. فقد جعل الخلاف في توارثهما مع انتفاء النسب وهذا غريب وكيف يثبت التوارث مع انتفاء سببه وقد تقدم قريبا ذكر هذه المسألة في فرع وأن فيها خلافا في ثبوت النسب وأن فيها معنى الإرث ذكره في المستوعب وغيره. وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الفرائض في زياداته على كتاب

وإن أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه نص عليه ويتخرج أن يقبل بدونه.

_ أبيه حدثنا عبد الله بن عوف وكان ثقة حدثنا شريك من جابر عن الشعبي عن علي في رجل ادعى أخاه وأنكره إخوته قال: "يتوارثان بينهما دونهم". جابر هو الجعفي ضعيف وإن صح فقد يقال توارثهما يدل على تواضع النسب وثبوته بينهما لما بينهما من اللازم. وقال الشيخ تقي الدين هذا يقتضي أن المقر به يرث المقر مطلقا كما عليه أن يدفع في حياته فضل ما في يده له كأنه أقر بأن المال الذي في يده يتسحقه هكذا قال. قوله: "وإذا أقر المجهول النسب الذي عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل حتى يصدقه مولاه". نص عليه في رواية أحمد بن القاسم وذكر له أن قوما يقولون في الحميل إنه إنما منعوه الميراث إلا ببينة من أجل الميراث فأما قوم يسبون جاءوا مسلمين أو أسلموا في مواضعهم فإنهم خلاف هذا قال أجل هذا غير ذاك. قال القاضي فقد نص على أنه لا يقبل قبول السبي وبين أن العلة فيه إسقاط الميراث بالميراث وقال أيضا في رواية حرب من ميراث الحميل إذا قامت البينة أنه أخوه أو ابنه أو وارث له ورثتاه وإلا فلا. قال القاضي فقد نص على اعتبار البينة في ذلك وأنه لا يقبل مجرد إقرارهم وهذا هو الذي عليه الأصحاب لأن الولاء لحمة كلحمة النسب والحق لمولاه فلا يقبل إقراره بما يسقطه كما لو دفع بإقراره نسبا لغيره. قوله: "يتخرج أن يقبل بدونه".

وإن لم يكن له عليه ولاء قبل إقراره وإن كان أخا أو عما أو غيرهما بشرط التصديق والإمكان. وإذا أقر ورثة ميت عليه لزمهم قضاؤه من التركة وإن أقر بعضهم لزمه منه بقدر إرثه.

_ قال ابن عبد القوى لأنه لم يسقط به نسبا والإرث يسقط تبعا لا قصدا فلا نص لحد الأصل انتهى كلامه. ولعل هذا التخريج من قبول إقراره بالنسب وهو أسقط به وارثا معروفا إذا لم يدفع به نسبا لغيره وهنا لم يسقط به نسبا والنسب يحتاط لإثباته وهذا قول أبي حنيفة وأنهم يصدقون في كل ما يصدق فيه أهل الذمة. قوله: "وإن لم يكن عليه ولاء قبل إقراره به وإن كان أخا أو عما بشرط التصديق والإمكان". قال في الرعاية وتصديقه إن كان مكلفا لأنه لا ضرر على أحد بإقراره فيقبل. قوله: "وإذا أقر ورثه ميت بدين عليه لزمهم قضاؤه من التركة". كإقرار الميت به في حياته لأن الوارث يقوم مقام الموروث والإقرار أبلغ من البينة ويلزم الوارث أقل الأمرين من قيمتها أو قدر الدين بمنزلة الجاني. قوله: "وإن أقر بعضهم لزمهم منه بقدر إرثه". فلو كان ابنين فأقر أحدهما وجب عليه في حصته نصف الدين وإن كانوا ثلاثة وجب عليه ثلث الدين قال القاضي في رواية الأثرم فيمن علم على أبيه دينا فإنما عليه بحصته وإن لم يرد الآخرون وكذلك نقل إسحاق بن إبراهيم عنه في الورثة يقر اثنان منهم بدين على أبيهم وينكر الباقون أعطى كل واحد منهما بحصته من الدين الذي على أبيهما وهذا قول الشافعي وأبي ثور لأنه لا يستحق أكثر من ذلك كما لو أقر الورثة كلهم ولأنه أقر بدين تعلق بمال

إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه. ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة.

_ مشترك فلزمه بقدر حصته كالشريك ولأنه حق يتعلق بالتركة فلم يؤخذ منه إلا ما يخصه كالوصية وقال أبو حنيفة يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه لأن الدين يتعلق بالتركة فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل ولأنه يدعي أن ما يأخذه المنكر غصبا فأشبه ما لو غصبه أجنبي. وقال ابن عبد القوي ويخرج لنا مثله على قولنا إنه إذا اختار السيد فداء العبد الجاني يلزمه جميع الأرش انتهى كلامه وفيه نظر. وقد تقدم لنا في إقرار بعض الورثة بالنسب أنه إذا أقر اثنان من الورثة بدين هل يلزم الباقين على روايتين. قوله: "إلا أن يقرأ عدلان فيشهدا للغريم أو عدل يحلف مع شهادته فإنه يسقط حقه". يعني من التركة لثبوت الحق كما لو كانت البينة أجنبية. قوله: "ويقدم ما ثبت بالبينة أو إقرار الميت على ما ثبت بمجرد إقرار الورثة". أما كون إقرار الميت يقدم على إقرار الوارث فتؤكده بالسبق واحتمال المواطأة في الثاني ومن عليه الحق أعلم به فيقدم. قوله: "وقيل يقدم ما أقر به الورثة". لثبوته بإقرارهم كشهادتهم ويحتمل التسوية بين الإقرارين ويقدم ما ثبت ببينة على مجرد الإقرارين لقوتهما ولما في التساوي من تسليط على إبطال حق غيره الثابت بالبينة بمجرد قوله.

وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر مثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا.

_ قوله: "وإذا أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر بمثله لآخر في مجلس ثان لم يشارك الثاني الأول". قطع به الأصحاب رحمهم الله تعالى وقال الشيخ تقي الدين يشبه إذا أقر في مرضه مرتين أو أقر في صحته ثم في مرضه من وجه انتهى كلامه. وقال الشافعي يقبل إقراره الثاني فيتشاركان لأن من قبل إقراره أولا قيل ثانيا إذا لم يتغير حاله كالموروث. ووجه قولنا أن الأول تعلق حقه بالتركة فلا يقبل إقرار غيره بما يسقط حقه كإقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني فأما الموروث فإن أقر في صحته صح لعدم تعلق الدين بماله وإن أقر في مرضه لم يحاص المقر له غرماء الصحة لذلك قال في المغني. وهذا يدل على استوائهما في الحكم لاستوائهما في المعنى وأنه إذا قيل بالمحاصة قيل بالمشاركة هنا لعدم الفارق فيكون لنا قولان كقول الشافعي. قال في المغني وأن أقر يعني الموروث في مرضه لغريم يستغرق تركته دينه ثم أقر لآخر في مجلس آخر والفرق بينهما أن إقراره الأول لم يمنعه من التصرف في ماله ولا أن يعلق به دينا آخر بأن يستدين دينا آخر بفعله فلا يملكه بقوله ولا يملك التصرف في التركة ما لم يلتزم قضاء الدين انتهى كلامه ولعل الفرق من هذه الجهة فيه نظر فتأمله. قوله: "وإن كانا في مجلس واحد تشاركا عند الخرقي كما لو أقر لهما معا". قطع به جماعة منهم الشيخ موفق الدين وصاحب المستوعب لأن حكم

وقيل يقدم الأول وظاهر كلام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها للثاني.

_ المجلس حكم الحال الواحد فيما يعين قبضه ولحوق الزيادة وإمكان الفسخ وغير ذلك كذا في مسألتنا. قال الشيخ تقي الدين وهو الذي في التعليق ذكره وفاقا مع أبي حنيفة في ضمن مسألة الإقرار مرتين لكن قال إذا ادعى رجل أن له على أبيه ألف درهم فأقر له بذلك فقيدها بالإقرار بعد الدعوى فيمكن الفرق انتهى كلامه. قوله: "وقيل يقدم الأول". لما تقدم لأن الغير لا يملك إسقاط حق غيره كما نقول في إقرار الراهن بجناية الرهن أو الجاني ودعوى ثاني المجلس ممنوعة وإنما حصل الثاني في مواضع لمصلحة المكلفين لاحتمال حصول اتحاد غرض أو غيره أو دهشة ونحو ذلك فجعل الشارع المجلس فيه ظاهرا نظرا إلى مصلحة مخصوصة. قوله: "وظاهر كلام الإمام أحمد يتشاركان إن تواصل الكلام بالإقرارين وإلا قدم الأول". لأن مع تواصل الكلام هو كالإقرار الواحد بدليل أنه يملك تغييره وتقريره بشرط استثناء ونحو ذلك فيكون كالكلام الواحد وإلا قدم الأول لما تقدم. قوله: "ولو أقر لرجل بعين التركة ثم أقر بها لآخر فهي للأول ويغرم قيمتها الثاني". لأنه حصل للأول بالإقرار السابق ولم يقبل رجوعه بالإقرار الثاني لأنه حق آدمي ويغرم قيمتها للثاني لأنه بإقراره لغيره حال بينه وبين ملكه

باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره

باب ما يحصل به الإقرار وحكم ما يصله به مما بغيره إذا ادعى على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعى.

_ فغرمه كما لو شهد على غيره بإعتاق عبده ثم رجع عن الشهادة وكما لو أتلفه ثم أقر به وقال الشافعي في أحد القولين لا يغرم للثاني شيئا ولنا فيما إذا قال غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو وجه لا شيء لعمرو فيلزم هنا مثله وأولى لأن أبا حنيفة وافق في صورة الغصب وقال هنا إن سلم الغير إلى الأول بحكم حاكم فهي له ولا شيء للثاني لأن الواجب الإقرار وقد أقر وإنما منعه الحكم من القول وهو غير موجب الضمان. فصل قد عرفت من هذه المسألة أن الرجوع عن الإقرار بغير حد خالص لله لا يقبل وهذا صحيح وقطع به أكثر الأصحاب وقال في المغني لا نعلم فيه خلافا لأنه حق ثبت لغيره وقدم هذا في المستوعب والرعاية وقدم أبو بكر في التنبيه أن من أقر بمال أو حد أنه يقبل رجوعه تسوية بين الحقين. قال السامري لما حكى في قبول الرجوع عن الإقرار بالأموال وجها لا يجوز أن يكون هذا مذهبا. قوله: "وإذا ادعى رجل على رجل مائة فقال نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر بها أو بدعواك فقد أقر بالمدعي". وهو واضح قال تعالى: [44:7] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ} وقيل لسلمان "قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال أجل" وكذا إن قال زاد بعضهم لعمري أو لا أنكر أنا بحق في دعواك.

_ وقوله: "إذا ادعى" قال الشيخ تقي الدين لا بد أن يكون بصيغة الخبر وهو إني أستحق عنده أو لي عنده وإما بصيغة الطلب وهو أن يقول أعطني انتهى كلامه وهو ظاهر فإنه إذا قال أعطني مائة قال نعم لا يلزم أن يكون مستحقا عليه وهو محتمل لذلك وللوديعة والقرض وغير ذلك فإذا قال أعطني عبدي هذا أو أعطني الألف الذي عليك قال نعم كان مقرا قطع به الشيخ موفق الدين وغيره لأنه تصديق لما ادعاه لأن "نعم" مقررة لما سبقها وهذا بخلاف ما لو قال خذها أو خذ فإنه ليس بصيغة التصديق وإنما هو بذل مجرد ولا يلزم من بذل المدعى به وجوبه ولا إشكال. وقال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة عقيب كلام الشيخ موفق الدين فيه نظر فإن "نعم" هنا جوابا لطلب وجواب الطلب الطاعة والبذل وفي كونه إقرارا وجهان فإن قوله هنا "نعم" لا يزيد على قوله خذها بل هو إلى الأخذ أقرب ومثاله الساعة أعطيك أو نعم أنا أعطيك أو وكرامة وعزازة. وأما كون الطالب وصفها بأنها عنده فهذا له نظائر في الطلب استفهاما وأمرا مثل ألهذا العدل عندك ألف أو لهذه المرأة التي طلقتها عندك ألف وقد أبرأتك هذه المرأة التي طلقتها من جميع الدعاوى أو تقول هذه المطلقة قد أبرأتك أتصدقها فيقول نعم انتهى كلامه. قال الشيخ تقي الدين والنحويون يقولون "نعم" جواب الاستفهام ولكن قد صارت في العرف بمنزلة أجل كما قد استعمل أجل جواب الاستفهام انتهى كلامه. وهو يقتضي أن العرف يعمل دون الحقيقة اللغوية ولعل مراده في العامي دون اللغوي كما هو الراجح في المذهب في نظائره. وقد ذكر ابن الحاجب وغيره أن "نعم" مقررة لما سبقها من الكلام شيئا مثبتا

وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر.

_ كان أو منفيا استفهاما كان أو خبرا تقول لمن قال قام زيد أو ما قام زيد أو لم يقم زيد نعم تصديقه لما قبله هذا بحسب اللغة دون العرف ألا ترى أنه لو قيل لك أليس لي عندك كذا مالا فقلت نعم لألزمك القاضي به تغليبا للعرف على اللغة. وظاهر هذا تقديم العرف مطلقا كما هو ظاهر قول الشيخ تقي الدين وقال في المغني وإن قال أليس لي عندك ألف قال بلى كان إقرارا صحيحا لأن بلى جواب للسؤال بحرف النفي قال الله تعالى: [182:7] {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} وستأتي هذه المسألة في كلام المصنف. وظاهر هذا أنه لو قال نعم لم يكن إقرارا صحيحا لخروجه عن اللغة وقد ذكروا في قوله أن دخلت الدار فأنت طالق بفتح "أن" هل يكون شرطا أم لا أم يفرق بين المعاصي وغيره كما هو الراجح؟ وكذا الخلاف في غير هذه المسألة. فظهر من هذا أن الإتيان بحرف الجواب في غير محله كنعم في الجواب المنفي كقوله أليس عندك كذا فيقول نعم فيه ثلاثة أقول. قوله: "وإن قال يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أحسب أو أظن أو أقدر". لأن هذه الأشياء تستعمل للاستهزاء و"لعل وعسى" للترجي وللمستقبل "وأظن وأحسب وأقدر" وضعت للشك والأصل بقاء براءة الذمة. وقال القاضي في ضمن مسألة فيما أعلم فيما أعلم لا يمتنع أن نقول إذا قال له على ألف فيما أحسب وفيما أظن أنه يلزمه.

أو قال خذ أو أتزن أو أحرز أو افتح كمك لم يكن مقرا. وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر أو خذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان.

_ قوله: "أو قال خذ أو اتزن أو أحرز أو فتح كمك لم يكن مقرا". قطع به الأصحاب لأن هذه الأشياء تستعمل على سبيل البسط والمزح مع احتمالها خذ الجواب واتزن أو احرز أو افتح كمك لشيء آخر والذمة لا تشتغل بالاحتمال. وقال الشيخ تقي الدين الصواب أن المفصول المحذوف هنا هو الدرهم على قياس أصح الوجهين إذا قال أنا مقر فتكون كالتي بعدها أعني خذها يبقى أن مجرد البذل هل هو إقرار كما لو قال أعطني الألف التي لك التي لي عندك فقال نعم ففيهما إذا ثلاثة أوجه. قوله: "وإن قال أنا مقر أو أنا أقر أو لا أنكر إلى أن قال فوجهان". أحدهما يكون مقرا لأن الظاهر انصرافه إلى المدعي لوروده عقب الدعوى وكذا الخلاف إن قال أقررت لأنه تعالى اجتزأ منهم في كونهم مقرين في الآية بقولهم {أَقْرَرْنَا} جوابا لقوله تعالى: {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ} ثم قالوا {أَقْرَرْنَا} ولم يقولوا أقررنا بذلك. والثاني لا يكون مقرا لاحتمال مقر ببطلان دعواك أو بالعقد أو الشهادة ونحوه لأن قوله: "أقر" وعد بالإقرار في المستقبل فهو كقوله سأقر بدعواك ونحوه ولم أجد في هذا الأصل خلافا ولا يلزم من عدم إنكاره إقراره لوجود واسطة وهي السكوت عنهما مع احتمال لا أنكر بطلان دعواك وقيل يكون مقرا في "أنا مقر" فقط قواه بعضهم.

_ قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب فيما إذا قال "أنا مقر" أن يكون مقرا بها لأن المفعول ما في الدعوى كما قلنا في قوله قبلت أن القبول ينصرف إلى الإيجاب لا إلى قبول شيء آخر فالإقرار أولى وقال المتوجه إن مجرد نفي الإنكار إن لم ينضم إليه قرينة بأن يكون المدعي مما يعلمه المطلوب أو قد ادعى عليه علمه وإلا لم يكن إقرار وإن قال "لا أنكر أن تكون محقا" فوجهان لاحتمال محقا في اعتقاده ونحوه. قوله: "أو أخذها أو أتزنها أو أحرزها أو اقبضها أو هي صحاح فوجهان". ووجههما ما تقدم ولاحتمال خذها وإن لم تكن واجبة علي. فصل وإن قال لي عليك ألف فقال قضيتك منها مائة فقال القاضي ليس هذا إقرارا بشيء لأن المائة قد رفعها بقوله والباقي لم يقر به وقوله: "منها" يحتمل مما يدعيه وكذا قطع به في الكافي وغيره وذكر في المغني أنه يجيء على الرواية الأخرى يعني قوله إذا قال كان له على كذا وقضيت منه كذا أنه يلزمه ما ادعى قضاءه لأن في ضمن دعوى القضاء إقرارا بأنها كانت عليه فلا يقبل دعوى القضاء بغير بينة. وقال ابن حمدان في الرعاية الكبرى ويحتمل أن يلزمه الباقي يعني تقبل دعوى القضاء وهي تتضمن الإقرار بالباقي فيلزمه. وقال الشيخ تقي الدين يخرج على أحد الوجهين في "أتزنها وخذها واقبضها" أنه مقر بباقي الألف لأن الهاء ترجع إلى المذكور ويتخرج أن يكون مقرا بالمائة على رواية في قوله: "كان له علي وقضيته" ثم هل هو مقر بها وحدها أو بالجميع على ما تقدم انتهى كلامه.

وإن قال له على مائة إن شاء الله.

_ فصل قال الشيخ تقي الدين هذه الألفاظ يعني الإقرار تارة تكون مبتدأة وهو ظاهر وتارة تكون جواب طلب وتارة جواب خبر وتارة جواب استفهام من المقر له أو من الشهود أو من غيرهما ثم تارة يكون بحضرة الحاكم وتارة بحضرة من يعلم أنهم يشهدون عليه وتارة مطلقا وقد تقدم هذا القسم في الشهادات ثم هذه الألفاظ قد تظهر على وجه التهكم والاستهزاء فهذه أقسام لا بد من اعتبارها. قوله: "وإن قال له على مائة إن شاء الله". قال أبو طالب سمعت الإمام أحمد قال إذا قال الرجل على ألف درهم إن شاء الله فقد أقر ليس استثناؤه بشئ وعلى هذا الأصحاب لأنه وصل بإقراره ما يرفعه واللفظ لا يحتمله فصح الإقرار وبطل ما يرفعه كاستثناء الكل. قال أبو الخطاب وغيره ولا يلزم إذا قال له على ألف قبضها لأن ذلك يحتمله اللفظ وكذا ذكره القاضي والأولى المنع كما قطع به غير واحد ولأنه عقب الإقرار بما لا يفيد حكما آخر ولا يقتضي رفع الحكم أشبه ما لو قال له علي ألف في مشيئة الله وقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه والشافعي لا يصح الإقرار وهو احتمال في الرعاية لأنه علق إقراره بشرط فلم يصح كتعليقه على مشيئة زيد ولنا في هذا الأصل وجهان. أحدهما الصحة كتعليقه بمشيئة الله تعالى. والثاني لا يصح لإن الإقرار إخبار بحق سابق فلا يعلق على شرط مستقبل فعلى هذا الفرق أن مشيئة الله تعالى تذكر في الكلام تفويضا إليه وتبركا

_ بخلاف مشيئة الآدمي ولأن مشيئة الله لا تعلم إلا بوقوع الأمر فلا يمكن وقوف الأمر على وجودها ومشيئة الآدمي يمكن العلم بها فيمكن جعلها شرطا فيوقف الأمر على وجودها والماضي لا يمكن وقفه في تعيين الأمر هنا على المستقبل فيكون وعدا. فصل ولو قال بعتك إن شاء الله أو زوجتك إن شاء الله فقال أبو إسحاق بن شاقلا لا أعلم خلافا عنه في أنه إذا قيل له قبلت هذا النكاح فقال نعم إن شاء الله أن النكاح واقع وبه قال أبو حنيفة ذكره في المغني وقال القاضي وظاهر هذا أن الاستثناء في العقد لا يبطله ويحتمل أن يفرق بين الاستثناء في الإقرار والاستثناء في العقود فلا يحكم بصحة العقود وإن صححنا الإقرار لأنه إذا وجب البيع والنكاح كان له الرجوع في ذلك قبل القبول بخلاف الإقرار فإنه لا يمكنه الرجوع فيه ويحتمل أن يلزم على ما قال أبو إسحاق بن شاقلا ويكون تقديره إن شاء الله أن أتلفظ بالبيع أو إن شاء الله أن أبيعك وقد علمنا مشيئتنا به بوجود الإيجاب من جهته وقال القاضي أيضا في الخلاف وعلى قياس الإقرار بالبيع والنكاح وذكر أبو الخطاب والشريف مسألة تعليق الإقرار بمشيئة الله ثم قال وكذلك إذا قال قبلت النكاح إن شاء الله ذكره أبو إسحاق ثم استدل للمسألة كما تقدم وقال ولأن هذا مما يصح في المجهول وليس فيه تمليك فتعليقه بالشرط لا يبطله كالعتاق والطلاق والضمان ولا يلزم البيع لأنه لا يصح في مجهول ولا يلزم النكاح لأنه يبطل إذا علقه بشرط وإن كان يصح في المجهول لأننا قلنا وليس فيه تمليك وفي ذلك تمليك ومقتضى هذا أن تعليق الإقرار بشرط مطلقا لا يبطله بخلاف البيع والنكاح.

أو فيما أعلم أو في علمي أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن أدخل الدار أو قال المداعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال أو ليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه.

_ قوله: "أو فيما أعلم أو في علمي". وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعي لأنه لما أضافه إلى علمه كان يقينا لأن ما في علمه لايحتمل إلا الوجوب. قال أبو الخطاب والشريف دليله إذا قال له علي ألف أعلمها وقال أبو حنيفة الإقرار باطل. قال الشيخ تقي الدين وسلم ما إذا قال لفلان على ألف درهم وقد علمت وسلم له القاضي وغيره أن الشاهد لو قال أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم فيما أعلم لم تقبل شهادته وفرق بأن الإقرار يصح بالمجهول والمبهم ولا تصح الشهادة بذلك قال الشيخ تقي الدين وفيه نظر انتهى كلامه. وما قاله صحيح والأولى قبول الشهادة وهذا الفرق لا أثر له هنا. وقد عرف من هذه المسألة أنه لو قال فيما أظن لم يلزمه شيء وهو كذلك ونقله ابن هبيرة عن اتفاق الأئمة الأربعة. قوله: "أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن يشاء الله كان الحكم كذلك". وفيه الاحتمال السابق في قوله إن شاء الله وفيه نظر هنا. قوله أو قال المدعي أعطني فرسي هذه أو ثوبي هذا أو المائة التي لي عليك فقال نعم أو قال المدعي أليس لي عليك مائة فقال بلى فقد أقر بذلك ولزمه. تقدم ذلك في قوله إدا ادعى على رجل مائة والأولى بأن يكون مقرا وقد تقدم ذلك.

وإذا علق الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلي لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين.

_ قوله: "وإذا علق على الإقرار بشرط تقدمه كقوله إن قدم فلان أو إن شاء أو إن دخل الدار فله علي مائة أو إن شهد فلان علي بكذا صدقته ونحو ذلك لم يصح". أما المسألة الأولى فلأنه ليس بمقر في الحال لأن المشروط عدم عند عدم شرطه والشرط لا يقتضى إيجاب ذلك بل إشكال فيقال يجب عند وجود الشرط وأما في الثانية فلا يصدق الكاذب. وقال الشيخ تقي الدين والتحقيق أنه إن كان الشرط بما يجب به الحق صح تعليق الإقرار به1 كقول المرأة إن كان قد طلقني فله علي ألف أو إن طلقني أو إن كان عمل لي ونحو ذلك انتهى كلامه. وليس هذا إقرارا وإنما هو التزام فهو كقولها اخلعني أو طلقني ولك ألف أو علي ألف أو بألف ونحو ذلك. قوله: "إلا في قوله إذا جاء وقت كذا فعلى لزيد كذا أو قال إن شهد علي فلان بكذا فهو صادق فإنه على وجهين". أما عدم صحة إقراره في المسألة الأولى فذكر في المغني أنه قول الأصحاب وقطع به في الكافي وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالشرط. وقوله: "فعلي كذا" يصلح إقرارا ووعدا فلا يثبت الإقرار مع الاحتمال.

ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفي زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا.

_ ووجه الصحة أنه ظاهر في الإقرار لأن لفظه على ظاهرة في الثابت واللازم ومجيء الوقت يصلح أجلا لحلول الحق بخلاف غيره وحمل كلام المكلف على الصحة أولى. وأما المسألة الثانية فوجه عدم الصحة فيها أنه علقه على شرط ووجه الصحة أنه لا يتصور صدقه إلا أن يكون ثابتا في الحال وقد أقر بصدقه. قوله: "ولو أخر الشرط كقوله له على ألف إن شفى زيد أو إن قدم أو إذا جاء المطر أو إن شهد بها فلان ونحوه فعلى وجهين". أحدهما لا يكون مقر لما تقدم وكما لو قدم الشرط والثاني يكون مقرا فإن قدم الإقرار فلم يثبت حكمه والشرط لا يصلح أجلا فبطل ولأن الحق ثابت في الحال لا يقف على الشرط فسقط الاستثناء ولأن المقر لا يكون عليه علم الشرط إلا وهو عليه في الحال لأن الشرط لا يوجد. قوله: "إلا في قوله له علي كذا إذا جاء وقت كذا فإنه يصح وجها واحدا". وكذا قطع به في الكافي وغيره ونقله في المغني عن الأصحاب وهو منصوص الشافعي لأنه بدأ بالإقرار وقوله: "إذا جاء وقت كذا" يحتمل أنه أراد المحل فلا يبطل بالاحتمال قال في المغني ويحتمل أن لا فرق بينهما يعني هذه المسألة وعكسها المتقدمة قال لأن تقديم الشرط وتأخيره سواء فيكون فيهما جميعا وجهان انتهى كلامه.

وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه.

_ وقال الشيخ تقي الدين مضمون هذه المسائل أن الإقرار لا يتعلق بشرط بل إذا تأخر الشرط هل يبطل وحده أو الإقرار كله على وجهين. قال والصواب أن نفس الإقرار لا يتعلق وإنما يتعلق المقر به لأن المقر به قد يكون معلقا بسبب يوجبه أو يوجب أداءه أو دليل يظهره فالأول كما لو قال إن قدم فلان فعلي لزيد ألف درهم فإذا قال مقرا إذا قدم زيد فلفلان علي ألف درهم صح وكذا لو قال إن رد عبدي الآبق فله ألف درهم ثم أقر بها فقال إن رد عبدي فله عندي صح وكذا الإقرار بعوض الخلع لو قالت إن طلقني أو إن عفا عني قال وأما التعليق بالشهادة فقد يشبه التحكيم ولو قال إن حكمت علي بكذا التزمته لزمه عندنا فكذلك قد يرضي بشهادته وهو في الحقيقة التزام وتزكية للشاهد ورضى بشهادة واحد فهو بمنزلة أن يقول للحاكم إن شهد علي فلان فاقض بحكمه وما هو ببعيد لأن تعديل الشخص للشاهد قد يكفي. وإذا حكم بشاهد فابرأ المطلوب من اليمين فهو بمنزلة إن شهد فلان فهو صادق انتهى كلامه. قوله: "وإن أقر بدين مؤجل فالقول قوله في التأجيل نص عليه". في رواية ابن الحكم سئل الإمام أحمد عمن أقر فقال لفلان علي كذا وكذا إلى أجل. فقال أبو عبد الله إذا قال لي في مرة واحدة قبل منه يعني إلى أجل وفي رواية أبي طالب في مسألته الطويلة في مناظرة أبي ثور وهي في الفلس وهذا هو المذهب لأن الأجل صفة في الدين فرجع فيه إلى المقر كالسواد والبياض والحلول ولأنه هكذا أقر كما لو قال ناقصة ولا بد من اتصاله وفي

ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قوله في الضمان وفي غيره وجهان.

_ معناه سكوت لا يمكنه الكلام فيه. قوله: "ويحتمل أن يكون قول خصمه في حلوله". ذكره أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وعن الشافعي كالمذهبين لأن التأجيل يمنع استيفاء الحق في الحال كما لو قال قضيته إياها والفرق ظاهر. قوله: "فعلى الأول لو عزاه إلى سبب يقبل الأمرين فالقول قول في الضمان وفي غيره وجهان". أما كون القول قول المقر في الضمان فلأنه فسر كلامه بما يحتمله من غير مخالفة لأصل ولا ظاهر فقبل لأن الضمان مقتضاه ثبوت الحق في الذمة فقط ومن أصلنا صحة ضمان الحال مؤجلا. وأما إذا كان السبب غير ضمان كبيع وغيره فوجه قبول قول المقر في التأجيل أنه سبب يقبل الحلول والتأجيل فقبل قوله فيه كالضمان ولأن الأصل براءة الذمة وإنما ثبت شغلها بالحق وصفة الحلول أمر زائد محتمل فلا ينتقل عن الأصل بالاحتمال ووجه عدم قبول قوله أن سبب متقضاه الحلول فوجب العمل بمقتضاه وأصله كما لو صرح به أو فلم يقبل تفسيره بخلافه كما لو صرح به وبهذا فارق الضمان هذا ما ظهر لي من حل كلامه. وقال ابن عبد القوي بعد نظمه كلام المحرر الذي يقوي عندي أن مراده يقبل في الضمان أي يضمن ما أقر به لأن إقرار عليه فإن ادعى أنه ثمن مبيع أو أجرة ليكون بصدد أن لا يلزمه هو أو بعضه إن تعذر قبض ما ادعاه أو بعضه أحد الوجهين يقبل لأنه إنما أقر به كذلك فأشبه ما إذا أقر بمائة

وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله. وإذا قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان على مائة دينار أو قال لفلان على مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة للأول ولا شيء للثاني.

_ صكة معيبة أو ناقصة قال وقيل بل مراده نفس الضمان أن يقبل قوله إنه ضامن ما أقر به عن شخص حتى إن برىء منه برىء المقر ويريد بغيره سائر الحقوق انتهى كلامه ولا يخفى حكمه. وقد ذكر في المستوعب بعد مسألة الإقرار بدين مؤجل وإن أقر أنه كفل بألف إلى أجل كانت مؤجلة إلا أن تقوم ببينة بالحلول وهذا يؤيده ما تقدم. وتخصيصه هذه المسألة يقتضي عدم القبول في غيرها فيكون تضمن القبول في الضمان وعدم القبول في غيره. قوله: "وإذا أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال لم أدر ما قلت حلف وخلى سبيله". لأنه منكر والظاهر صدقه والأصل براءة ذمته وكذا إن أقر بغير لسانه ولو قال وإن أقر بغير لسانه لعربي بعجمية كان أولى. قال الشيخ تقي الدين إذا أقر العامي بمضمون محضر وادعى عدم العلم بدلالة اللفظ ومثله يجهله فهو كما لو قال في الطلاق إن دخلت أو قال أنت طالق واحدة في ثنتين انتهى كلامه وهو متوجه. قوله: "وإذا قال لفلان مائة درهم وإلا فلفلان علي مائة دينار أو قال لفلان علي مائة درهم وإلا فلفلان لزمته المائة الأولى ولا شيء للثاني". قطع به جماعة في كتب الخلاف منهم أبو الخطاب والشريف لأن

وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما ولو قال لأحدهما علي مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين وإذا قال له علي مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة. وإن قال له علي من ثمن خمر مائة لم تلزمه.

_ مقاصد الناس ومرادهم ترجع إلى أن للأول فإن لم يكن فالثاني كما يقول بع هذا الثوب من فلان وإلا فمن فلان وإلا كما يقول الحاكم للقاذف أئت بأربعة يشهدون لك وإلا جلدتك واقض دينك وإلا حبستك ويراد بذلك عند تعذر الأول كذا في مسألتنا وقد ثبت للأول بإقراره فلا يملك رفعه. قوله: "وقال القاضي في الجامع قياس المذهب أن يلزمه المقداران لهما". لأنه أقر للأول فثبت له وأضرب عنه بالإقرار الثاني فيلزمه أيضا كما لو قال لزيد لا بل لعمرو واقتصر في المستوعب على حكاية قول القاضي هذا وقاسه على هذا الأصل والأول أولى وقال أبو حنيفة لا يلزمه هذا الإقرار في حقهما جميعا. قوله: "ولو قال لأحدهما على مائة لزمته وطولب بالتعيين كالإقرار بالعين". وكذا ذكره غيره الحكم والدليل. قوله: "وإذا قال له على مائة لا تلزمني أو مائة إلا مائة لزمته المائة". أما في المسألة الثانية فلأنه استثنى الكل فلا يصح بغير خلاف وأما في المسألة الأولى فلأن هذا يناقض ما أقر به أو نقول رفع جميع ما أقر به فلم يقبل كاستثناء الكل وفي هذه المسألة احتمال بعيد ذكره في الرعاية الكبرى. قوله: "وإن قال له على من ثمن خمر مائة لم تلزمه". لأنه لما قدم الصفة على المقر به لم يلتزم شيئا فهو كما لو قال على خمر

وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو بكفالة بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان.

_ قبلها ألف بخلاف ما لو أخرها لأن إقراره به مطلقا اقتضي لزومه فلا يقبل رفعه لأنه رجوع عن إقراره بحق آدمي كاستثناء الكل. قوله: "وإن قال له على مائة من ثمن خمر أو سلفا بشرط الخيار أو ثمن مبيع لم أقبضه أو هلك قبل قبضه فوجهان". وكذلك لو قال بشرط أجل مجهول ذكره القاضي وغيره. أحدهما يلزمه ما أقر به ولا يقبل قوله لم يذكر ابن هبيرة عن الإمام أحمد غيره واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود رضي الله عنه وأنه قول أبي حنيفة ومالك وأظهر قولي الشافعي عند أصحابه لما تقدم. والثاني يقبل قوله وهو الذي ذكره القاضي قياس المذهب وقياس قول الإمام أحمد في مسألة كان له على وقضيته لأنه عزا إقراره إلى سببه فقبل كما لو عزا إلى سبب صحيح وقيل يقبل قوله في ثمن مبيع لم أقبضه وفي معناه هلك قبل قبضه ذكره القاضي وغيره وصرحوا ومن شرط ضمانه القبض وهو واضح وهو ظاهر اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لأنه إقرار بحق في مقابلة حق لا يميل أحدهما عن الآخر فإذا لم يسلم ما له ما عليه كما لو قال بعتك هذا بألف قال بل ملكتنيه بغير شيء ولأنه فسر الإقرار بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض. وحكى القاضي وأصحابه عن أبي حنيفة إن عين المبيع قبل قوله وإن كان أضعاف الثمن وإن لم يعين لم يقبل قوله. قال القاضي إذا لم يكن معينا فإنما يكون موصوفا فإذا أحضر له ما تتناوله الصفة لزمه قبوله ولم يجز له الامتناع فلا فرق بين المعين وغيره.

وإذا قال كان له علي كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره.

_ قال الشيخ تقي الدين وهذا يقتضي أنه إذا لم تكف الصفة لم يلتفت إليه وكذلك لو ادعى أن المحضر غير الموصوف. قوله: "ألف من ثمن مبيع ثم سكت ثم قال لم أقبضه قبل كالمتصل". ذكره في المعنى ويؤخذ من كلام غيره لأن الإقرار تعلق بالبيع والأصل عدم القبض ولو قال على ألف ثم سكت ثم قال من ثمن مبيع لم أقبضه لم يقبل. قوله: "وإذا قال كان له على كذا وقضيته فهو منكر والقول قوله مع يمينه نص عليه في رواية ابن منصور وغيره". وأبي الخطاب وابن ماهان وهو الذي نصره القاضي وغيره وذكر القاضي أنه المذهب وأنه لم يجد عن أحمد رواية بغير هذا وقطع به ابن هبيرة عن أحمد واحتج في ذلك بمذهب ابن مسعود واختاره الخرقي وغيره لأنه قول يمكن صحته ولا تناقض فيه من جهة اللفظ فوجب قبول قوله ولا يلزمه شيء كاستثناء البعض بخلاف المنفصل فإنه قد استقر بسكوته عليه ولهذا لا يرفعه استثناء ولا غيره. واحتج القاضي بأنه يصح أن يرفع جميع ما أقر به كما يصح أن يرفع البعض إذا لم يتناقض اللفظ كما في قول صاحب الشريعة وقال لأنه رفع ما ثبت بقوله على وجه لا يفضي إلى التناقض فأشبه دعوى الاستبراء بعد الاعتراف بالوطء. قال الشيخ تقي الدين هذا الضابط يعم صورا كثيرة لكن قد ينازع في قوله له على وقال لو قال إلى سنة أو ألف طرية فذكره القاضي محل وفاق محتجا به وكذلك لو قال ألف من ثمن مبيع شرط فيه الخيار.

وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب.

_ وقال الشيخ تقي الدين وكأن الضابط أن الصلاة المغيرة قدرا أو وصفا تقبل بلا تردد فأما الصلاة المسقطة فهي محل وفاق. قوله: "وعنه أنه مقر بالحق مدع لقضائه فيحلف خصمه أو يأتي ببينة به". اختارها أبو الخطاب وهو قول أبي حنيفة ومالك وهو أحد قولي الشافعي وهو الأظهر عند أصحابه لأنه أقر وادعى القضاء فلا يسمع إلا ببينة أو يحلف خصمه كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل ولأنه وصل كلامه بما يرفعه فلم يقبل كاستثناء الكل. قوله: "وعنه أن هذا ليس بجواب صحيح فيطالب برد الجواب". لأنه كلام ظاهره التناقض لأنه نفي ما أثبت فكان وجوده كعدمه فيطالب بجواب صحيح قال في الرعاية الكبرى وهي أصح وأشهد كذا قال. فصل وكذا الخلاف فيمن قال وقضيت منه كذا وكذا الخلاف أيضا إن قال وبرئت منه أو من بعضه وقيل تقبل دعوى الوفاء لا الإبراء لأنه فعل الغير فلم يقبل قوله فيه بخلاف الوفاء وإن قال جوابا للدعوى أبرأني منها أو برئت إليه منها فهو كقوله كان له على ألف وقضيته قدمه في الرعاية وذكر ابن أبي موسى أنه إقرار فإن عجز عن إثبات البراءة فله اليمين. فصل ولو قال كان لي عنده ألف درهم قبضت منها خمسمائة وأطالبه بخمسمائة أخرى فهذا لا يكون إقرارا بالخمسمائة المقبوضة على الرواية الأولى وهو ظاهر.

_ وأما على الرواية الثانية فقد يقال كذلك أيضا لأنه بدأ بالدعوى قبل القبض ولم يقر إلا بأنه قبض ما هو حقه وهذا اللفظ ليس بإقرار بحال بخلاف قوله كان لي علي فإن هذا اللفظ لو تجرد كان إقرارا. ومثال ذلك أن يقول ابتعت منه بعيرا وقبضته وكذلك كل قبض مسبوق بدعوى الاستحقاق بخلاف ما لو قال قبضت منه ألفا كانت لي عليه أو كانت لي عنده فإن هذا بمنزلة قوله كان له علي ألف وقضيته إياه أو كان له عندي غصب وأعطيته إياه لكن ذاك إقرار بقبض وهذا إقرار بحق. ونظير هذا أن يقول اقترضت منه ووفيته أو ابتعت منه ووفيته فإن الإقرار بأسباب الحقوق من العقود والفرض وسائر الأفعال كالإقرار بالحقوق فقوله كان له على أو عندي كذا أو غصب أو ثمن مبيع أو قرض أو أعطيته ذلك منزله قوله اقترضت منه ووفيته أو استعرت منه وأعدت إليه وبمنزلة قوله قبضت منه دين حق كان لي عنده فإن الدين يسقط بالقضاء والإبراء. وجماع هذا كل إقرار بقبض غير موجب للضمان أو غير موجب للرد هل يجعل إقرارا بقبض مجرد وتسمع دعوى المقبض باستحقاق الرد أو الضمان. لكن فرق بين أن يقر بقبض حقه وبين أن يقر بقبض مال المعطى ويدعى قبضا غير مضمون فالأول قبضته الدين الذي كان لي عليه أو الوديعة التي كانت لي عنده أو العارية أو الغصب والثاني أودعني أو رهنني ونحو ذلك. فصل قال الشيخ تقي الدين بن تيمية إذا قلنا بظاهر المذهب وأنه ليس بمقر بل منكر فهل يحلف على بقاء الاستحقاق أو يحلف على لفظ الجواب إن اتفقا على نفي الاستحقاق فلا ريب وإلا فينبغي أن تطابق اليمين جواب الدعوى فيحلف لقد رددت عليه هذه الألف الذي يدعى به أو لقد وفيته إياها وإن لم

وإن قال له علي كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه بالوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة.

_ يقر بها في الحال لكون الإنكار مقيدا بردها في الزمن الماضي كما لو أنكر المؤتمنون الاستحقاق بناء على رد أو تلف فكما أن جواب الدعوى مجمل ومفسر فكذا اليمين على الجواب مجمل ومفسر انتهى كلامه. وهذه المسألة وهي هل نكلف المدعى عليه اليمين على حسب الدعوى أو تكفي يمينه على نفي الاستحقاق مطلقا أو إن كان الجواب مطابقا للدعوى كلف اليمين على حسبه وإلا حلف على نفي الاستحقاق فيه ثلاثة أوجه. قوله: "وإن قال له على كذا وقضيته إياه ففيه الروايتان الأوليان". إحداهما يلزمه فيحلف المدعي أنه باق عليه ويأخذه نصره في المغني واختاره أبو الخطاب وقدمه بعضهم لما تقدم ولأنه قول متناقض وبه قال أبو حنيفة ومالك. والثانية لا يلزمه مع يمينه وهي التي ذكرها القاضي وأبو الخطاب في رءوس المسائل واختارها الخرقي وعن الشافعي كالمذهبين لأنه فسر كلامه بما يحتمله فقبل كاستثناء البعض لأنه يحتمل أنه كان له وقضاه. قوله: "وعنه ثالثة أنه قد أقر بالحق وكذب نفسه في الوفاء فلا يسمع منه ولو أتى ببينة". لأن قوله: "له علي" إقرار يلزم منه عدم القضاء فدعوى الوفاء بعد ذلك يكذبها الإقرار السابق فلا تقبل ولا بينة لأنه مكذب لها وقيل ما أجابه بشيء. فصل وكذا إن قال وقضيته منه كذا أبو برئت منه أو من بعضه لأن عدم

وإذا قال كان له على كذا وسكت فهو إقرار.

_ الصحة لتناقض كلامه كذا في البعض لاستحالة بقاء المقر به عليه مع بقاء بعضه. وقال ابن أبي موسى إن قال قضيت بعضه قبل منه في رواية كاستثناء البعض وإن قال قضيت جميعه لم يقبل إلا ببينة كاستثناء الكل. قوله: "وإذا قال كان له علي كذا وسكت فهو إقرار". قطع به في الكافي وغيره وذكره في المغني ظاهر كلام أصحابنا لأنه أقر بالوجوب ولم يذكر ما يرفعه فيجب استدامته حتى يعلم زواله قال ولهذا لو تنازعا دارا فأقر أحدهما للآخر أنها كانت ملكه حكم له بها ذكر هذا في الإقرار وذكر في الدعاوي أن المدعى عليه إذا أقر أنها كانت للمدعى أمس أو فيما مضى سمع إقراره في الصحيح وحكم به لأنه حينئذ يحتاج إلى سبب انتقالها إليه فيصير هو المدعي فيحتاج إلى بينه انتهى كلامه. فالمستشهد به هو نظير له المستشهد له لا فرق بينهما وفيهما جميعا الخلاف. فعلى هذا إن عاد فادعى القضاء أو الإبراء سمعت دعواه لأنه لا تنافى بين الإقرار وبين ما يدعيه ذكره في المغني والشرح وزاد هذا على إحدى الروايتين. وإنما زاد هذا لظنه أن معنى سماع دعوى له هو قبول قوله منفصلا كما لو أتى به متصلا على إحدى الروايتين فيها وليس كذلك فسماع الدعوى لعدم التنافي بين الدعوى والإقرار فتسمع بينته لأنه غير مكذب لها ولا يقبل قوله بمجرده كمسألة الاتصال قطع به الشيخ فيها وفي الشرح تبعا له ولم أجد فيه خلافا وهو واضح. وجاء بن عبد القوي فتتبع الشرح على ما ذكره وزاد فقال كما لو وصله بإقراره مع أنه ذكر مسألة الانفصال في مسألة الاتصال وقطع بما قطع به غيره

ويتخرج أنه ليس بإقرار. وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته.

_ قوله: "ويتخرج أنه ليس بإقرار". هذا التخريج من نظيرها في مسألة الشهادة فإن فيها روايتين على ما ذكره الشيخ تقي الدين وذكر غير واحد وجهين. وقال القاضي في شرح الخرقي لا يكون إقرارا وهو أحد قولي الشافعي لأنه أخبر به في زمن ماض فلا يثبت في الحال وكذلك لو شهدت البينة به لم يثبت. وأجيب بأن الإقرار أقوى لأنه شهادة الإنسان على نفسه ويزول به النزاع ولأن الدعوى يجب أن تكون معلقة بالحال والإقرار يسمع ابتداء. قوله: "وإذا قال له عندي مائة وديعة قبضها أو هلكت قبل ذلك فالقول قوله نص عليه في رواية ابن منصور". إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق وهذا قول القاضي وغيره كما لو ادعى ذلك بكلام منفصل قاله في المغني وغيره. قوله: "ويتخرج أن تلزمه لظهور مناقضته". الظاهر أن هذا التخريج من مسألة له على وقضيته وهذا اختيار الشيخ موفق الدين وقول الشافعي وقال ابن حمدان إن قاله منفصلا وإلا فلا. وهذا خلاف ما ذكره في المغني وفيه نظر لأنه لا مناقضة مع الانفصال. فرع وإن قال كانت عندي وظننت أنها باقية ثم عرفت أنها قد تلفت

وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمته مائة جيدة حالة.

_ قال في المغني فالحكم فيها كالتي قبلها وذكر غيره وجهين فعلى هذه الطريقة يقبل هنا وإن قلنا لا يقبل في التي قبلها. فصل ذكر الشيخ تقي الدين هنا مسائل المعروف في أكثرها خلاف ما ذكره قال وإذا أقر بأنه ووصله بأني أقررت قبل القبض أو أقررت أن مالي عنده شيء لئلا يتهم أو أني قبضت مالي عليه لئلا يؤذي ونحو ذلك لم يبعد إلا أن يكون هذا الإقرار بالإقرار إقرارا. ولو قال له عندي هذا المال رهن لم يبعد إلحاقه بهذا وأما لو قال أودعني مالا وأذن لي في الصدقة به فهذا ظاهر. ولو قال أباح لي أكله إذا شئت وقد أكلته فكذلك. ولو قال الوارث لمورثي عندك ألف وديعة فقال أودعني ألف درهم وأمرني أن أتصدق بها أو أدفعها إلى فلان فينبغي أن يكون كذلك ولو كان الورثة صغارا فقال أمرني أن أدفعها إلى فلان جعله وصيا فكذلك. وحاصله أن من أقر بأمانة ووصل كلامه بما يصح فهو بمنزلة من أقر بدين ووصل كلامه بما يصح بخلاف لو ثبتت الأمانة بإقرار أو غيره فادعى فيها آخر فإن هذا يقبل في بعض الأشياء دون بعض انتهى كلامه. قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ثم قال زيوف أو صغار أو مؤجلة لزمه مائة جيدة حالة. لأن الإطلاق يقتضي ذلك كما لو أطلقه في عقد بيع أو غيره ولأنه إذا سكت

سكوتا يمكنه الكلام فيه استقر حكم ما أقر به فلم يرتفع كالاستثناء المنفصل. ذكره الأصحاب رضي الله عنهم وعللوا الاستثناء المنفصل باستقرار حكمه ولم يذكروا له أصلا وقاس في المغني الاستثناء في اليمين بإلا فدل على أن هذا عنده محل وفاق ولهذا لم يحك فيه خلافا كما حكاه في الاستثناء في اليمين. وذكر في المستوعب أن الاستثناء هنا لا يصح إلا متصلا قال على ما ذكرنا في الاستثناء في اليمين ويوافق هذا ما قال ابن الزاغوني في الواضح فإن كان منفصلا وهو أن يسكت سكوتا يمكنه الكلام ثم استثنى فهل يصح فيه روايتان أصحهما لا والثانية يصح كما لو تقارب ما بينهما أو منعه مانع من تمام الكلام انتهى كلامه وهو يقتضي أنه إذا تقارب ما بينهما يصح قولا واحدا وفيه نظر ظاهر. ويوافق هذا أيضا ما قال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يعتبر في اتصال الصفات والاستثناء في الإقرار ما اعتبر في ذلك الإنشاءات وقد فرق الأصحاب بينهما فإن هناك لو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه ووصل به بعض الصلات نفعه إذا عد اتصالا معتادا فينظر انتهى كلامه. ووجه هذا أنه كلام متصل بعضه ببعض فأشبه الاستثناء في اليمين ووجه القول الآخر أن الأصل اعتبار الاتصال في الجميع خولف في الاستثناء في رواية للخبر فيه فيقتصر عليه ولأن الكفارة حق الله تعالى ومبناه على المسامحة بخلاف مسألتنا وفيه نظر. والزيوف الرديئة والصغار دراهم طبرية كل درهم ثلثا درهم أربع دوانق. فرع ولا فرق بين الإقرار بها من غصب أو وديعة أو قرض أو غيره ذكره غير واحد.

وقيل إن كان ببلدة أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن المبيع بها.

_ وقال الشيخ تقي الدين أما إذا كان مودعا فقال له عندي دراهم أو أودعني دراهم ثم قال بعد هي زيوف أو ناقصة ونحو ذلك فيجب أن يقبل قوله مع يمينه لأنه لو ادعى ردها أو تلفها بعد ذلك قبل قوله مع يمينه فلا يكون دعوى تغيرها بأكثر من دعوى ردها أكثر ما فيه أن يقال دعوى الرد والتلف لا تنافي موجب الإقرار الأول بخلاف دعوى الصفة الناقصة لكن هو مؤتمن في الموضعين أكثر ما فيه أنه ادعى ما يخالف الأصل وذلك مقبول منه انتهى كلامه. قوله: "وقيل إن كان ببلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة لزمه منها كثمن البيع بها". هذا الوجه ذكر في المغني أنه أولى وقدمه في الكافي لأن مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم كما في البيع والصداق وكما لو كانت معاملتهم بها ظاهرة في الأصح. ذكر هذا الأصل في الرعاية لأن إطلاق الدرهم ينصرف إلى درهم الإسلام وهو ما كان منها كل عشرة وزن سبعة مثاقيل وتكون فضة خالصة بدليل تقدير الشرع بها نصب الزكوات والديات والجزية والقطع في السرقة ويخالف الإقرار البيع من حيث إنه إقرار بحق سابق فانصرف إلى دراهم الإسلام والبيع إيجاب في الحال فاختص بدراهم البلد1.

وإذا قال له علي مائة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوش ولم يقبل بما لا فضة فيه.

_ قوله: "وإذا قال له على مائدة درهم زيوف قبل تفسيره بمغشوشة ولم يقبل بما لا فضة فيه". لأنه صادق لأنها دراهم ولأن الإطلاق ينصرف إلى ما فيه فضة وكذا سبق إلى الفهم وإن كان كذلك كان تفسيره به رجوعا عما أقر به فلا يقبل

وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك.

_ كاستثناء الكل وقال في الكافي إن فسر الزيوف بما لا قيمة له لم يقبل لأنه أثبت في ذمته شيئا وما لا قيمة له لا يثبت في الذمة. وظاهر هذا أنه لو فسره بما لا فضة فيه وله قيمة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله وقيل إن قال له على قرض أو ثمن مبيع ألف درهم زيوف أو بهرجة لزمه ألف جياد وهذا هو الذي صححه ابن أبي موسى وابن حمدان في الرعاية الكبرى. قوله: "وإذا قال له عندي رهن فقال المالك وديعة فالقول قول المالك". مع يمينه لأن العين تثبت له بالاقرار وادعى المقر دينا فكان القول قول من ينكره مع يمينه لأنه مدع على غيره حقا فلا يقبل قوله إلا ببينة وكذلك لو أقر بدار وقال قد استأجرتها أو بثوب وادعى أنه قصره أو خاطه بأجرة أو أقر بعبد وادعى استحقاق خدمته أو أقر بسكنى دار وادعى أنه سكنها بإذنه فالقول قول المالك مع يمينه. قال الشيخ تقي الدين مضمون هذا أنه إذا أقر بعين له فيها حق لا يثبت إلا برضى المالك لم يقبل منه وكذلك إذا أقر بفعل فعله وادعى إذن المالك. ثم قال الشيخ تقي الدين يتوجه على المذهب أن يكون القول قوله لأن الإقرار تضمن عدم وجوب تسليم العين أو المنفعة المذكورة فما أقر بما يوجب التسليم كما في قوله كان له على وقضيته ولأنا نجوز مثل هذا الاستثناء في الإنشاءات في البيع ونحوه فكذلك في الإقرارات والقرآن يدل على ذلك في آية الدين وقد تقدم نحو هذه المسألة في الرهن وفي العارية وهذا بخلاف مسألة العتق والخلع فإن هناك حقا لله وهو يعلم من نفسه أنه لا يحل له الاستعباد

وإذا قال له عندي ألف وفسره بدين أو وديعة قبل وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة.

_ والاستمتاع ولأن يده كانت على الجميع فلا يخرج من يده إلا ما أقر باستحقاق خروجه من وجه انتهى كلامه. وقد تقدم كلام الشيخ تقي الدين قبل قوله وإذا قال له علي مائة درهم ثم سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه. قوله: "وإذا قال له عندي ألف ثم فسره بدين أو وديعة قبل". قال في المغني لا نعلم فيه خلافا وسواء فسره متصلا أو منفصلا. وكلامه في المحرر يعطى هذا أيضا لأنه فسر لفظه بما يعطيه فقبل كما لو قال له على وفسره بدين فعند ذلك تثبت أحكام الوديعة بحيث لو ادعى تلفها أو ردها قبل وإن قال هي زيوف أو ناقصة فقد تقدم ولأنه إذا فسره بدين فقد أقر على نفسه بما هو أغلظ منه فيقبل. قوله: "وإن قال علي لم يقبل تفسيره بوديعة". وكذا قطع به جماعة وهو قول أبي حنيفة وظاهر مذهب الشافعي لأن علي للإيجاب وهو يقتضي كونها في ذمته والوديعة إنما هي عنده والإقرار يؤخذ فيه بظاهر اللفظ ومقتضاه بدليل أنه لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة مع جواز التعبير بها عن اثنين ولو أقر بدرهم وقال أردت نصف درهم فأقمت المضاف إليه مقامه لم يقبل منه ولو قبل مطلق الاحتمال لقبل تفسير الدراهم بالناقصة والزائفة والمؤجلة وقيل يقبل لاحتمال صدقه كما لو وصله بكلامه فقال لك على مائة وديعة قبل لأنه فسر كلامه بما يحتمله متصلا كما لو قال دراهم ناقصة.

وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة.

_ فرع وإن قال أودعني مائة فلم أقبضها أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل قوله متصلا فقط وكذلك إن قال نقدني مائة فلم أقبضها وهو قول الشافعي. فصل وإن قال له على عشرة دراهم عددا لزمه عشرة معدودة وازنة لأن إطلاق الدرهم يقتضي الوزن وذكر العدد لا ينافي فوجب الجمع بينهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره ودعوى أن ذكر العدد لا ينافي قد يمنع فإنه يقال درهم وازن ودرهم عدد وعشرة وازنه وعشرة عدد ولهذا قال الشيخ تقي الدين متى قال عددا وجاء بما يسمى درهما قبل منه لأن هذا هو مفهوم هذا القول فإن التقييد بالعدد ينفي اعتبار الوزن انتهى كلامه. وقال في الرعاية الكبرى وإن أعطاه خمسين وزنها مائة صح في الأصح. وقيل بل في الأضعف فعلى الأول إن كان في بلد يتعاملون بها عددا من غير وزن فحكمه حكم ما لو أقر في بلد أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة وإن فسر الدراهم بسكة البلد أو بسكة تزيد عليها قبل وإن فسرها بسكة تنقص عنها فقيل لا يقبل لأن الإطلاق يحمل على دراهم البلد كما في البيع وقيل يقبل لأنه فسرها بدراهم الإسلام. قوله: "وإذا قال له في هذا المال ألف أو في هذه الدار نصفها فهو إقرار ولا يقبل تفسيره بإنشاء الهبة". لأن مقتضى ذلك وحقيقته الإقرار له بالملك فلا يقبل تفسيره بما يرفعه.

وكذا إن قال له في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة. وإن قال له من مالي ألف أو له نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو من ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين.

_ قوله: "وكذا إن قال في ميراث أبي ألف فهو دين على التركة". لأن مقتضاه ما خلفه أبوه لإضافته الميراث إليه فاقتضى وجوب ما أقر به. قوله: "وإن قال له من مالي ألف أو نصف مالي وفسره بابتداء التمليك وأنه قد رجع عنه أو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء". لأن لفظه يحتمل تفسيره ويحتمل غيره فلا ننتقل عن الأصل بالاحتمال أو باحتمال ظاهر لفظه خلافه ولهذا قال لو مات ولم يفسره لم يلزمه شيء فعلى هذا لا يكون لفظه محتملا بحيث يؤاخذ بتفسيره وهو معنى كلام غيرهم وإن فسره بدين أو وديعة أو وصية قبل لأنه يجوز أن يضيف إليه مالا بعضه لغيره ومال غيره أيضا لا اختصاص له بدليل أو ولاية. وكلام بعضهم يقتضي قبول تفسيره بالهبة وغيرها فعلى مقتضاه يكون محتملا غير طاهر في شيء فيؤاخذ بتفسيره. قوله: "وإن قال له داري هذه أو نصف داري أو في مالي ألف أو في ميراثي من أبي ألف فعلى روايتين". إحداهما يكون إقرارا. قال القاضي في التعليق فإن قال له في مالي ألف درهم أو في عبدي هذا نصفه أو قال له عبدي هذا أو داري هذه كان إقرارا صحيحا.

_ قال في رواية ابن منصور إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإذا أقر له وهو صحيح فنعم فأما إن أقر وهو مريض فلا فقد حكم بصحة هذا الإقرار مع إضافته إليه. وقال أيضا في رواية مهنا إذا قال نصف عبدي هذا لفلان لا يجوز إلا أن يكون وهبة أو أقر له به فقد حكم بصحة الإقرار مع الإضافة إذا أتى بلفظ الإقرار كذا قال. وحكى مثل هذا عن أصحاب أبي حنيفة وقال أصحاب الشافعي لا يكون إقرارا ويرجع إليه فإن قال هبة لم أقبضه إياها كان القول قوله وإن كان دينا كان القول قوله ولزمه. قال الشيخ تقي الدين كلام الإمام أحمد نص في أن الإضافة لا تمنع أن يكون إقرارا لكن ليس صريحا في أن هذا اللفظ بمجرده إقرار وهذا محل الخلاف كذا قال. ووجه هذه الرواية أنه أقر له بجزء من ماله فأشبه ما لو قال له علي ألف أو لفظ يفهم منه الإقرار فأشبه ما ذكرناه. فعلى هذا إذا فسر هذا اللفظ بما لا يقتضي الملك لم يقبل قاله القاضي. ويؤخذ من كلام غيره كما لو قال له في مال أبي أو في تركة أبي ألف وأبوه ميت فإنه يكون له مقرا بألف تستوفى من تركة أبيه بلا خلاف عنده وقاسه القاضي على ما لو قال له على درهم ثم قال أردت درهم زعفران فإنه لا يقبل وإن كان الزعفران يوزن وكما لو قال العبد الذي في يدي والثانية لا يكون إقرارا لأنه أضاف المقر به إليه والإقرار إخبار بحق عليه فالظاهر أنه جعله له وهو الهبة والظاهر على هذه الرواية يكون الحكم كالمسألة قبلها. فقد فرق في المحرر بين "مالي" و"في مالي" وبين "نصف مالي" و"نصف

_ داري" وكلام غيره يدل على التسوية بين الصور كلها وأنها على روايتين. قال في المستوعب فإن قال له في مالي أو من مالي أو قال له عبدي هذا أو داري هذه أو فرسي هذه أوله في عبدي هذا نصفه وفسره بالهبة قبل منه وإلا فلا يلزمه شيء ولا فرق في جميع ذلك بين "من" و"في" وأنه متى أضاف الملك إلى نفسه ثم أخبر بشيء منه لغيره لم يكن إقرارا. وقد نقل ابن منصور عن الإمام أحمد إذا قال الرجل فرسي هذا لفلان فإقراره جائز إذا كان صحيحا وهذا يقتضي صحة الإقرار مع إضافة الملك إليه وهو الذي نصره القاضي في الخلاف انتهى كلامه. وهو معنى كلام الشيخ تقي الدين وغيره وأنه قد نقل عن أحمد ما يدل على روايتين قال في رواية مهنا فيمن قال نصف عبدي هذا لفلان لم يجز حتى يقول وهبته وإن قال نصف مالي لفلان لا أعرف هذا. ونقل ابن منصور إذا قال فرسي هذا لفلان بإقراره جائز. وظاهر هذه صحة الإقرار وأما حكايته في المحرر الروايتين في ميراثي من أبي ألف فهو معنى كلام غيره لأنها في معنى الصور البواقي ولغير واحد من الأصحاب كلام هنا فيه نظر. فرع فإن قال له في داري نصفها بحق لزمني أو بحق له قبلي فهو إقرار على كلا الروايتين. قال القاضي لأنه إذا قال بحق فقد اعترف أن المقر له يستحق ذلك بحق واجب عرفه له ولزمه الإقرار به. وقال في الرعاية صح على الأصح فحكى فيها الروايتين.

وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة. وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد لا بل من عمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو.

_ قوله: "وإن قال له هذه الدار عارية ثبت به حكم العارية لا ملك الرقبة". وإن قال سكنى فكما لو قال عارية وإن قال له هذه الدار هبة اعتبرت شروطها قطع بها في هذه المسائل جماعة لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله فصح وذكر القاضي وجها أنه لا يصح ذلك لأنه استثناء من غير الجنس. فعلى هذا تثبت له الدار ملكا والأولى وليس هنا من أدوات الاستثناء شيء وإنما هذا بدل اشتمال وهو أن يبدل من الشيء بعض ما يشتمل عليه ذلك الشيء وهو شائع في اللغة وهو في القرآن كثير كقوله تعالى: [217:18] {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} فقتال بدل من الشهر وكقوله تعالى: [63:18] {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي نسياني ذكره وكقوله تعالى: [21:33] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} وكقوله تعالى: [5،4:85] {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ} وكقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ} ولأنه لو قال هذه الدار ثلثها ربعها صح وكان مقر بالجزء الذي أبدله وقد أبدل الله سبحانه المستطيع للحج من الناس وهو أقل من نصفهم وأبدل القتال من الشهر وهو غيره فيفارق البدل الاستثناء في هذا ويوافقه في كونه يخرج من الكلام بعض ما يدخل فيه لولاه. قوله: "وإذا قال هذا العبد لزيد لا بل لعمرو أو غصبته من زيد وغصبه زيد من عمرو لزمه دفعه إلى زيد ودفع قيمته إلى عمرو".

_ قطع بهذا أكثر الأصحاب وسواء كان متصلا أو منفصلا لأنه ثبت ملك زيد فيه بإقراره له أولا وإقراره ثانيا رجوع عن حق آدمي ثابت فلا يقبل على ما تقدم لكن يقبل في حق نفسه فيغرم قيمته له لاعترافه بإحالته بالإقرار الأول بينه وبين ماله فغرمه كما لو أتلفه وللشافعي قول لا يغرم للثاني شيئا وهو وجه لنا لأنه لا يمكن جمعه لكل واحد منهما وإنما جاء التناقض من الإقرار الثاني فيختص البطلان به ولأن الإقرار الثاني إقرار بملك غيره فلا يقبل كما لو قال العبد الذي في يد زيد لعمرو. وقال الشيخ تقي الدين يتوجه إذا كان الاستثناء متصلا أن لا يثبت حكم الإقرار الأول كما لو قال كان على وقضيته لأنه كلام منتظم ولهذا لا يثبت به كفر ولا نحوه ولو قال في الطلاق إنه سبق لسانه لكان كذلك انتهى كلامه. وقوله: "علي وقضيته أقرب إلى هذه المسألة من كان له علي وقضتيه". وعدم ثبوت الكفر لكونه حقا لله فرجوعه عنه مقبول. وأما لو قال هذه المطلقة لا بل هذه فإنهما يطلقان فإن ادعى سبق لسانه بالأولى فهل يقبل منه ولا تطلق لم أجد هذا الفرع ولا ببعيد أن يخرج فيها الخلاف فيما إذا أتى بلفظ الطلاق وادعى سبق لسانه إليه وإنما أراد بلفظه غيره وعلى قياسه مسألتنا هذا في الإقرار ونظيرهما في العتق وفي هذا القياس نظر لأفضائه في الإقرار إلى سقوطه وسد بابه لتمكن المقر من رفعه بعد لزومه ظاهرا. والطلاق مبغوض إلى الله تعالى والعتق محبوب إليه فافترقا. فصل وكذلك لو قال أودعنيه زيد لا بل عمرو ولو قال هذا العبد الذي هو في يدي حر ثم قال هو لفلان عتق العبد وضمن قيمته للمقر له كما يغرم الشاهد

وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.

_ ولو قال هذا الثوب لفلان فهلك في يده قبل أن يسلمه لفلان لزمه الضمان. ذكر ذلك القاضي في ضمن الرجوع عن الشهادة وقال الإقرار يتعلق به الضمان كما يتعلق بالشهادة في المواضع التي ذكرناها انتهى كلامه. وقد قال أحمد في رجل قال لرجل استودعتك هذا الثوب قال صدقت ثم قال استودعنيه رجل آخر فالثوب للأول ويغرم قيمته للآخر. قوله: "وإن قال غصبته من زيد وملكه لعمرو لم يضمن لعمرو شيئا والعبد لزيد". وكذا قطع به في المغني وغيرهما في الرعاية أنه الأشهر لغيره لإقراره لزيد باليد. وقوله: "وملكه لعمرو" إقرار على غيره فلا يقبل ولا يغرم له شيئا لعدم تفريطه لجواز أن يكون ملكها لعمرو وهي في يد زيد إعارة أو وصية أو غيرهما. وقدم في المستوعب أنه يغرم لعمرو كالمسألة بعدها وهو معنى كلام الشيخ شمس الدين في شرحه لكن الظاهر والله أعلم أنه إنما قصد ذكر ما في المغني فينظر فيه. قوله: "وإن قال ملكه لعمرو وغصبته من زيد فقال القاضي وابن عقيل العبد لزيد ولا يضمن المقر لعمرو شيئا". كالمسألة قبلها. قوله وقيل العبد لعمرو ويضمن المقر قيمته لزيد وهو الأصح.

ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له.

_ وقال في المغني هذا وجه حسن لأنه ثبت لعمرو بإقراره السابق فلا يقبل بعد إقراره باليد لزيد وللشافعية وجهان كهذين. وقطع أبو الخطاب في الهداية في هذه المسألة بأن العين للمغصوب منه ويضمن المقر لمن اعترف له بالملك القيمة وتبعه في المقنع والخلاصة وذكر في الرعاية الكبرى أنه الأشهر وقدمه في المستوعب ولم أدر ما يوجه به هذا الوجه ومن العجب أن ابن عبد القوي لم يذكره في كتابه مع أنه ينظم المقنع ويزيد عليه وإنما نظم ما في المحرر. فرع ولا فرق في ذلك بين المتصل والمنفصل ولو قال هذا الألف دفعه إلى زيد وهو لعمرو أو قال لعمرو ودفعه إلى زيد فعلى ما تقدم ذكره في المغني وهو واضح. قوله: "ومن باع عبدا ثم أقر أن المبيع لغيره لم يقبل قوله على المشتري ولزمه قيمته للمقر له". لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل ولأنه فوته عليه بالبيع فغرمه كتفويته بإتلاف وغيره ويعرف من هذه المسألة أن الحكم كذلك لو نقل الملك فيه بهبة أو غيرها أو أعتقه ثم أقر به. قال الشيخ تقي الدين ومن باع شيئا ثم ادعى أنه ملك لغيره وهو وكيل المستحق أو وليه فهذا بمنزلة ادعائه لنفسه لأن البيع والشراء ليس إقرارا بالملك فإن كان البائع قد أقر أنه باع ملكه فهل له بعد هذا أن يدعيها لغيره بوكالة أو ولاية ويقيم بينة أم يكون تكذيبه لبينة نفسه بمنزلة تكذيبه لبينه

وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل قوله إلا ببينة إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته. وإذا أقر أنه وهب أو قبض أو رهن وأقبض أو قبض ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه.

_ موكله وموليه الثاني هو الأظهر لأن الإنسان لا يدعي ما أقر فإن دعواه به باطل لا لنفسه ولا لغيره انتهى كلامه. قوله: "وإن قال لم يكن ملكي وقد ملكته الآن بإرث أو عقد لم يقبل إلا ببينة". لأنه الأصل والظاهر أن ما يتصرف فيه الإنسان له التصرف فيه ولما فيه من التهمة وتقبل البينة لأنه لا معارض لها ولا مانع فعمل بها. قوله: "إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه أو قال قبضت ثمن ملكي ونحوه فلا تسمع بينته". لأنه مكذب لها لشهادتها بخلاف ما أقر به. فرع قال الشيخ تقي الدين وإن ادعى بعد البيع أنه كان وقفا عليه فهو بمنزلة أن يدعي أنه قد ملكه الآن انتهى كلامه. وفي معنى دعوى عدم الملك كل دعوى تقتضي تقتض منع نقل الملك فيه كدعواه أنه رهن وغير ذلك وما تقدم من التعليل يدل عليه. قوله: "وإن أقر أنه وهب وأقبض أو رهن ثمن مبيع ثم أنكر القبض غير جاحد لإقراره به وأراد تحليف خصمه ملك تحليفه".

وعنه لا يملكه.

_ قطع به في المحرر وصححه أيضا في الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن العادة جارية بالقبض فبله فيحتمل صحة ما قاله فيحلف لنفي الاحتمال وهذا خلاف الشهادة على القبض قبله لأنها تكون شهادة زور لأن إنكاره مع الشهادة تكذيب لها وطعن فيها بخلاف الإقرار ولأنه يمكن إقراره بناء على وكيله وظنه والشهادة لا تجوز إلا على يقين. قوله: "وعنه لا يملكه". ذكر أبو الخطاب وجماعة في هذه المسألة روايتين وذكر غير واحد وجهين والشيخ موفق الدين ذكر الطريقين في كلامه. وهذه الرواية نصرها جماعة منهم أبو الخطاب والشريف في رءوس المسائل وهو قول أبي حنيفة ومحمد والمحكي عن الشافعي كالقول الأول فمن أصحابه من حمله على ظاهره ومنهم من تأوله ولم يوجب اليمين. قال بعضهم وهو الأشبه لأن الإقرار يمنع الاستحلاف في حق المقر له بدليل أنه لو قال لفلان علي ألف درهم ثم قال استحلفوه لي أنه له على هذه الألف لم يكن له ذلك كذا هنا. قال جماعة ولا يشبه هذا إذا أقر بالبيع وادعى أنه تلجئة إن قلنا إن ذلك يقبل لأنه لم ينفعه ما أقر به ولأن دعواه تكذيب لإقراره فلا تسمع كما لو أقر المضارب أنه ربح ألفا ثم قال غلطت ولأنه لو قال أحلفوه مع يمينه لم يستحلف له كذا هنا. فرع وكذلك الحكم لو أقر أنه اقترض منه ألفا وقبضها وقال له علي ألف أو قال له ألف ثم قال ما كنت قبضتها وإنما أقررت لأقبضها ذكره في المغني

وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه.

_ قوله: "وإذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية فأقر لأحدهما بنصفها فالمقر به بينهما عند أبي الخطاب". لم أجد في كلام الشيخ موفق الدين خلاف هذا وقطع به في المستوعب وغيره وذلك لاعترافهما بإشاعة الدار والمقر به بينهما كالباقي. قوله: "وقال القاضي إن أضافا الشركة إلى سبب رجع في تفسيره إليه". من إرث أو غنيمة أو شراء ونحوه ولم يكونا قبضاها بعد الملك لها فكذلك وإلا اختص المقر له بالمقر به. لأنهما إذا لم يضيفا الشركة إلى سبب واحد يحتمل أن كل جزء من الدار مشترك بينهما ويحتمل أن تكون لهما نصفين وهي شركة بينهما بالسوية ومع الاحتمال لم يحصل اعترافهما بالاشتراك في كل جزء فيختص المقر له بالمقر به كما لو ادعى كل واحد منهما نصفها ولا يحتاج أن يقول "معينا" كما زاده بعضهم وإن أضاف الشركة إلى سبب واحد وقبضاها بعد الملك لها فقد حصلت يد كل واحد منهما على نصفها فيختص به وحكى في الرعاية قولا كقول القاضي ولم يذكر كقبضهما بعد الملك بالشراء فيترتب عليه حكم ولبعضهم في هذه المسألة كلام عجيب. قوله: "ومن أقر لرجل بألف في وقتين لزمه ألف واحد". وبه قال مالك والشافعي لأنه يحتمل التأكيد وغيره والأصل براءة الذمة اقتصر كثير من الأصحاب على هذا الدليل وفيه نظر لأن الكلام يحمل على حقيقته واصله وما تشتغل به الذمة وحقيقته وأصله التأسيس فيتعدد

_ كما لو قال ألف وألف عملا بأصله وهو التغاير مع احتماله التأكيد واستدل بعضهم بأن العرف يشهد بذلك ولذلك لو قال شخص رأيت زيدا ثم قال رأيت زيدا كان زيد الثاني زيدا الأول والرؤية الثانية هي الأولة وهذه دعوى حقيقة عرفية تفتقر إلى دليل والأصل عدمها وبقاء الحقيقة اللغوية واستدل بعضهم بأن الله تعالى كرر الخبر عن جماعة من الرسل عليهم الصلاة والسلام ولم يكن المذكور في قصة غير المذكور في أخرى كذا ههنا وفيه نظر لأنا لا نمنع من استعمال المجاز والظاهر يزول بالقاطع. وعن أبي حنيفة رواية كهذا القول مع اتحاد المجلس فقط والمشهور عنه أنه يلزمه ألفان وهو الأصح عند أصحابه وسواء كان الإقرار بما في الذمة أو بما في اليد وإن عرفه فقد وافق أبو حنيفة أنه الأول وهو واضح لأن اللام للعهد كقوله تعالى: [16:73] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} . وكذلك لو شهد له بألف ثم ادعى عليه بألف عند القاضي فأقر بألف فقال الطالب لي عليه ألف أخرى وأنا أقيم البينة فالقول قول المطلوب في أن المشهود به هو المقر به بخلاف الإقرارين وكذلك لو سلم أنه لو قال له علي درهم درهم أنه لا يلزمه إلا درهم واحد بخلاف الإقرارين في دفعتين ولو قال له على ألف من ثمن هذا المتاع بعينه ثم أقر به في مجلس آخر فهو إقرار بشيء واحد وفاقا كما أنه لو عزا الأولى إلى بيع والثاني إلى آخر لزم الألفان وفاقا. قوله إلا أن يذكر ما يقتضي التعدد كأجلين أو شيئين أو سكتين ونحوه فيلزمه ألفان وقد تقدم. لأن تغاير الصفات دليل على تغاير الموصوفات كمن قال قبضت ألفا يوم السبت وألفا يوم الأحد بخلاف تعدد الإشهاد وإن قيد أحد الإقرارين بسبب وأطلق الآخر حمل المطلق على المقيد فيكون ألفا واحدا مع اليمين.

_ ولو شهد بكل إقرار شاهد جمع قولهما لاتحاد المخبر عنه ولا جمع في الأفعال. قال الشيخ تقي الدين كلام أصحابنا في المسألة يقتضي أن يكون الإخبار كله من الشهادة ونحوها كالإقرار بخلاف الإنشاءات كتقرير الطلاق وكذلك صرح القاضي بالفرق بين الإخبار والإيقاع فان ما وقع مرة لا يقع ثانية بخلاف ما أخبر به مرة فإنه يخبر به ثانية. قوله: "قد ذكرنا صحة استثناء الأقل دون الأكثر". نص أحمد على ذلك وذكر الشيخ موفق الدين أنه لا يعلم في ذلك خلافا وحكى غيره الإجماع وحكاه أيضا هو في استثناء الكل لأن استثناء الأقل لغة العرب وهو في الكتاب والسنة كثير وعكسه استثناء الكل. وقد قال ابن طلحة المالكي في كتاب المدخل فيما إذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا في لزوم الطلاق له قولان بناء على أنه استثناء أو أنه ندم. قال القرافي فعدم اللزوم يقتضي جواز استثناء الكل من الكل. قال الشيخ تقي الدين ليس كذلك وإنما على قول مالك يمشي هذا. وقد تقدم أصله قال وذهبت طائفة من أهل العربية إلى أنه يجوز أن يستثنى عقد صحيح مثل العشرة والعشرين من المائة الواحدة والاثنين من العشرة بل بعض عقد كالخمسة من المائة والنصف من العشرة انتهى كلامه. وحكى بعضهم هذا عن ابن عصفور ولم أجده في كلامه وكلام الأئمة ولغة العرب يقتضي عدم الفرق وهو أولى. وقوله: "ودون الأكثر على الأصح". نص عليه الإمام أحمد في الطلاق في رواية إسحاق فيمن قال أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين هي ثلاث وقطع به أكثر الأصحاب حتى قال في المغني لا يختلف المذهب فيه وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الملك بن الماجشون.

_ وذكر القاضي بن معتب في وثائقه أنه مذهب مالك وأصحابه وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول نحاة البصرة وذكر ابن هبيرة أن قول أهل اللغة يوافق هذا القول وحكاه ابن عقيل عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني وهو الذي ذكره ابن درستويه والزجاج وأبو بكر بن الأنباري وابن قتيبة وابن جنى وابن عصفور وغيرهم. وقال ابن عبد القوي وكذا أكثر أهل اللغة من الأئمة المتقدمين وإذا منعه أهل اللغة لم يكن صحيحا ولأن الاستثناء وضع لمعنى وهو الاستدراك أو الاختصار وليس في الحكمة وجود ذلك في الأكثر ولأنا نمنع وجود ذلك في شرع أو لغة أو عادة فثبوته يفتقر إلى دليل والأصل عدمه فعلى هذا لا فرق عند الأصحاب بين استثناء الأكثر من عدد مصرح به إلا تسعين ونحوه أولا. وفي كلام بعضهم الجواز إذا لم يكن كذلك نحو قولك خذ ما في الكيس من الدراهم إلا السلطانية أو قدم بنو فلان أو الحاج إلا المشاة وإن كان المستثنى أكثر من المستثنى منه والقول الآخر عندنا يصح استثناء الأكثر وقد ذكر القاضي وجها واختاره فيما إذا قال له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين أنه يلزمه درهمان وهذا إنما يجيء على القول بصحة استثناء الأكثر وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو المشهور من مذهب مالك نقله صاحب الجواهر وغيره كقوله تعالى: [42:15] {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} والغاوون أكثر بدليل قوله تعالى: [103:12] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وأجيب بأن الغاوين أقل لأن الملائكة من العبادة قال الله تعالى: [103:12] {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وكون السياق في بني آدم لا يمنع العموم وبأن المستثنى منه غير عدد صريح أجاب به القاضي وأصحابه وبأن الاستثناء في الآية من غير الجنس إما المراد

_ بعبادي الموحدون ومتبع الشيطان غير موحد وفي هذا نظر وإما لأن العباد ليس للشيطان عليهم سلطان أي حجة فهو على عمومه ومن اتبعه لا يضله بالحجة بل بتزينه يدل على هذا قوله تعالى: [22:14] {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} . فاستدل ابن عبد القوي على أنه من غير الجنس بأن من وصلتها في موضع نصب في اختيار المحققين من النحاة ولو كان متصلا لكان في موضع رفع في اختيارهم لأنه من منفى بعد تمام الكلام. قوله وإن في النصفين وجهين. أحدهما يصح وهو ظاهر كلام الخرقي وذكر ابن هبيرة أنه ظاهر مذهب أحمد لأن ابن منصور روى عن الإمام أحمد إذا قال لك عندي مائة دينار قضيتك منها خمسين وليس بينهما بينة فالقول قوله. قال الشيخ تقي الدين هذا ليس من الاستثناء المختلف فيه فإن قوله قضيتك ستين مثل خمسين وما قاله صحيح وهو الذي ذكره ابن عصفور لأن الممنوع منه استثناء الأكثر وهذا ليس بأكثر. والثاني لا يصح واختاره أبو بكر وذكر الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين أنه أولى بناء على أنه لم يأت في لسانهم قال الزجاج في المعاني في العنكبوت في قصة لوط لم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا القليل من الكثير. وقال أيضا فأما استثناء نصف الشيء فقبيح جدا لم تتكلم به العرب. وقال أبو بكر بن الأنباري في الكافي وأعلم أنه ليس من كلام العرب أن يستثنى من الشيء نصفه فقبيح أن يقول لزيد علي عشرة إلا خمسة. فصل قال النحاة ومنهم ابن السراج في الأول إذا قال له عندي مائة درهم

_ إلا درهمين فهو استثناء فيكون مقرا بثمانية وتسعين وإذا قال مائة إلا درهمان فهو صفة ويكون مقرا بمائة لأن التقدير مائة مغايرة لدرهمين وكذلك لو قال مائة غير الألف لأن الصفة تقضي على الموصوف ولو قال ألف مثل مائة أو ألف مثل درهمين كان مقرا بمائة ودرهمين لأن أجزاء المائة قد تماثل درهمين. وكذلك قاله غير واحد من النحاة إذا قال درهم إلا دانقا فهو مقر بدرهم إلا دانق وإذا قال درهم إلا دانق بالرفع فهو مقر بدرهم كامل. وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في مسألة توبة القاذف مستشهدا به قال وعلى أن النحاة قالوا إذا قال له علي عشرة دراهم إلا خمسة دراهم إلا ثلاثة دراهم أنه يلزمه سبعة ويرجع الأخير إلى العشرة والاستثناء الأول ليس في الحقيقة باستثناء وإنما هو وصف للعشرة لأن الاستثناء منها يجب أن يكون منصوبا فإذا كان مرفوعا كان وصفا فكأنه قال علي عشرة غير خمسة لا أذكرها فالخمسة مبهمة غير مفسرة فلا تلزمه وقوله إلا ثلاثة فإنها استثناء صحيح فيرجع إلى عشرة. قال وهذا يدل على بطلان السؤال الذي ذكروه يعني الاستثناء من الاستثناء وهذا الاعتراض عليهم ليس بصحيح. هذا كلام من كلام الشيخ تقي الدين ولم يفرقوا بين النحوي وغيره. ويتوجه أن يقال في غير النحوي إذا قال إلا درهمان أنه يكون استثناء لأن الظاهر إرادته وإنما رفع جهلا كما قاله الشيخ موفق الدين وغيره في عشرة غير درهم برفع الراء إنه يلزمه تسعة كذلك. قوله: "ويصح الاستثناء من الاستثناء كقوله علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما فيلزمه خمسة".

_ لأنه أخرج منها بالاستثناء ثلاثة وعاد بالاستثناء من الاستثناء درهم فإذا ضممته إلى الأربعة صار خمسة وإذا صح الاستثناء فصحة الاستثناء من الاستثناء أولى لأن الاستثناء إبطال والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار ويكون استثناؤه من الإثبات نفيا ومن النفي إثبات وقد قال تعالى: [60-58:15] {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} . قوله: "وإذا كان الكل أو الأكثر المستثنى مستثنى منه فهل يبطل وما بعده أو يرجع ما بعده إلى ما قبله أو ينظر إلى ما يؤول إليه جملة الاستثناءات فيه ثلاثة أوجه كذلك". وجه الأول أن الاستثناء أصل والثاني فرعه والفرع يبطل ببطلان أصله. ووجه الثاني أنه يحافظ على تصحيح كلام المكلف حسب الإمكان وهو ممكن بأن يجعل الاستثناء الأول كالعدم لبطلانه فيكون الاستثناء الثاني من الذي قبله لبطلان ما بينهما. ووجه الثالث أن الكلام بآخره والمستثنى والمستثنى منه كجملة واحدة وهذا القول هو الذي وجدته في كلام النحاة. وقال الشيخ تقي الدين عن الوجهين الأولين مأخذهما هل الاستثناء يمنع دخول المستثنى في اللفظ أو يخرجه بعد ما دخل الأول أصح انتهى كلامه. والخلاف في الأصل المذكور في كلام أبي الخطاب والشيخ موفق الدين وغيرهما ولم أجد أحدا ذكره أصلا لهذه المسألة بل ما ذكر من التعليل يخالفه وفي مذهب الشافعي ثلاثة أوجه كهذه الوجوه. قوله: "فإذا قال له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما فهل يلزمه إذا صححنا استثناء النصف خمسة أو ستة على وجهين".

_ أحدهما يلزمه خمسة لأن التقدير أن استثناء النصف صحيح وثلاثة من خمسة باطل فيبطل ما بعده. والثاني يلزمه ستة لأن استثناء النصف صحيح واستثناء ثلاثة من خمسة باطل ووجوده كعدمه واستثناء اثنين من خمسة صحيح فصار المقر به سبعة ثم استثنى من الاثنين واحد يبقي ستة وعلى الوجه الثالث أن الكلام بآخره وتصح الاستثناءات كلها ويلزمه سبعة وهو واضح وألزمه بعضهم على هذا الوجه ستة بناء على أن الدرهم مسكوت عليه فلا يصح استثناؤه وفيه نظر. قوله: "وإذا لم نصححه فهل يلزمه ثمانية أو عشرة على وجهين". أحدهما يلزمه ثمانية لأن استثناء الخمسة باطل واستثناء ثلاثة من عشرة صحيح يبقى سبعة واستثناء الاثنين باطل واستثناء واحد من ثلاثة صحيح تزيده على سبعة. وقال بعضهم على هذا الوجه أن استثناء خمسة وثلاثة باطل واستثناء اثنين من ثمانية صحيح واستثناء واحد من اثنين باطل وفيه نظر والثاني يلزمه عشرة لإبطال الأول وما بعده. قوله: "وقيل يلزمه سبعة عليهما جميعا". أي سواء قلنا يصح استثناء النصف أولا وهذا بناء على الوجه الثالث وهو تصحيح الاستثناءات كلها كما تقدم وحكاية المصنف هذا الوجه بهذه العبارة فيها شيء وأحسبه لو قال وعلى الوجه الثالث يلزمه سبعة كان أولى. وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول المالكية قال ولك طريقان إن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني مما قبله إلى الآخر وإن شئت أن تنقص الآخر مما قبله ثم تنقص الثاني ثم تنقص الثالث ثم أن تنقص الأول من المستثنى منه ثم تزيد عليه الثاني ثم تنقص الثالث ثم تزيد عليه الربع إلى آخره وهذا الثاني في الكافي انتهى كلامه.

_ والثاني هو الذي في كلام غير واحد. فصل وإن كان الاستثناء الثاني بحرف عطف كان مضافا إلى الاستثناء الأول فإذا قال له على عشرة إلا ثلاثة وإلا درهمين كان مستثنيا لخمسة مقرا بخمسة. وذكر ابن عبد القوي إن هذا الأقوى قال لأن الواو تجعل الاستثناء كشيء واحد كما يأتي في ترفيع المسائل وذكر الشيخ تقي الدين أن الأول قول أبي حنيفة والشافعي فإن استغرقت "إلا" سقط الاستثناء وقال أبو يوسف ومحمد يسقط الأخير المقتضى للاستغراق ويصح ما عداه وكلام هؤلاء إنما هو إذا كانت مستغرقة فأما إذا كانت مذهبة للأكثر فيجوز عندهم والوجهان لأصحابنا انتهى كلامه. ولم أجد الوجهين صريحا إلا مع حذف إلا. قوله: "وإذا قال له علي درهمان وثلاثة إلا درهمين أو له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ففي صحة استثنائه وجهان". أحدهما يصح ذكره القاضي محل وفاق مع الحنفية وغيرهم استدل في الاستثناء المتعقب جملا1 إذا قال له على خمسة وخمسة وخمسة إلا سبعة فإن الاستثناء يعود إلى الجميع وكذلك أبو الخطاب وقال أجمعوا على أنه يلزمه ثمانية وأجاب ابن الحاجب بأنها منفردات وأيضا فللاستقامة وأجاب الآمدي بمنع صحة الاستثناء فيها وهو قول المالكية وذكره بعض متأخريهم وحكاه بعضهم أحد الوجهين للشافعية وقدمه في الرعاية وذكر ابن عبد القوي أنه أصح الوجهين لأن العطف جعل الجملتين كجملة واحدة فعاد الاستثناء إليهما

_ كقوله تعالى في آية القذف: [5:24] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} وكقوله عليه الصلاة والسلام. "لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه". فعلى هذا يلزمه في المسألة الأولى ثلاثة وفي الثانية درهمان والثاني لا يصح ذكر الشيخ موفق الدين أنه أولى وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن الواو لم تخرج الكلام عن أن يكون جملتين والاستثناء يرفع الجملة الأخيرة أو أكثرها فيصير لغوا وكل استثناء أفضى تصحيحه إلى إلغائه وإلغاء المستثنى منه اختص البطلان به والاستثناء في الآية والخبر لم يرفع أحد الجملتين إنما أخرج منهما معا من اتصف بصفته فنظيره من استأذن فائذن له وأعطه درهما وإلا فلا ونظير مسألتنا الزم زيدا وعمرا إلا عمرا. وقطع أبو الخطاب في الهداية بهذا القول في المسألة الثانية وتبعه في المستوعب والخلاصة وأطلق في الهداية والمستوعب الخلاف في الأولى وقدم في الخلاصة عدم الصحة فهذا قول ثالث وذكر في المغني خمسة وتسعون إلا خمسة من صور الخلاف وفيها نظر وقطع به في المغني في مائة وعشرين إلا خمسين بصحة الاستثناء جعله أصلا لنظيرها في الطلاق ورأيت بعضهم يميل إلى هذا فيصير قولا رابعا. فصل قال في الكافي فإن وجدت قرينة صارفة إلى أحد الاحتمالين انصرف إليه. قوله: "وإذا قال له علي خمسة إلا درهمين ودرهما لزمه خمسة جمعا للمستثنى". وقيل ثلاثة لما تقدم في التي قبلها لأن الواو وإن قيل تجعل الجمل كجملة واحدة فسواء كونها مستثناة أو مستثناة منها وهذا معنى كلام غير واحد وصاحب المحرر وقد قدم جعل الجمل المستثناة كجملة وأطلق الخلاف في التي

_ قبلها وقد حكى الشيخ موفق الدين في نظيرها في الطلاق وجهين للشافعية وأن جعل الجمل كجملة واحدة قول أبي حنيفة والشافعي وفيه شيء فليتأمل. فصل قال الشيخ تقي الدين إذا تعقب الاستثناء اسما مثل له هذا الذهب وهذه الدنانير وهذا البر إلا مثقالا فالمنقول عن مالك والشافعي وأصحابنا عودة إلى الجميع وقال أبو حنيفة يختص بالجملة الأخيرة وبعضهم يعبر عن هذه بأن الاستثناء تعقب جملا وهي المسألة الأصولية ويجعلون الأسماء المفردة داخلة في مسمى الجمل وهم لا يريدون بالجملة الكلام التام كما هو عند النحاة وإنما يعنون بها العدد المجتمع سواء كان أسماء مجتمعة مفيدة أو أسماء دالة على معان وفيها لأصحابنا وجهان انتهى كلامه. فصل الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات عندنا وعند الجمهور. وقال الشيخ تقي الدين الاستثناء من الإثبات نفي أو في حكم النفي فإنه إذا قال له علي عشرة إلا درهمين فإما أن يكون منكرا للدرهمين أو ساكتا عن الإقرار بهما فلا يلزمه بالاتفاق. فأما الاستثناء من النفي في العدد فقال أبو بكر بن السراج النحوي في الأصول إذا قلت ماله عندي مائة إلا درهمين فإن أردت الإقرار بما بعد إلا رفعته على البدل كأنك قلت ماله عندي إلا درهمان وإذا نصبت فقلت ما له عندي مائة إلا درهمين فما أقررت بشيء لأن عندي لم ترفع شيئا حتى يثبت عندك وكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون وكذلك إذا قلت ماله على عشرة إلا درهما لم يكن مقرا بشيء فاذا قلت إلا درهم فأنت مقر بدرهم.

_ قال ابن الرومي في توجيه ذلك في شرح الأصول إن النفي دخل على الإيجاب فانه إذا قال له عندي مائة إلا درهمين اعترف بثمانية وتسعين فإذا أدخلت النفي على هذا فكأنك قلت ماله عندي ثمانية وتسعون فأتيت بالاستثناء تحكى صورة الإيجاب إلا أنه استثناء من نفي. قال الشيخ تقي الدين وعلى هذا فمن نصب في الاستثناء من النفي لا يكون مثبتا للمستثنى ومن لافع يكون مثبتا وكأن الناصب جاء بكلامه النافي ردا على من أثبت والرافع ابتداء وعلى هذا فيكون قوله تعالى: [66:4] {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} على هذه القراءة في قوة ما فعله أكثرهم. وقال بعضهم هذا الذي قاله ابن السراج إنما هو على لغة من يرفع المستثني من النفي فإذا نصب فيكون قد نطق بكلام غير عربي فيلغو وأما على لغة من يجوز النصب فيكون مقرا وهو حسن انتهى كلامه وهو واضح. فلو قال نحوى ماله عندي عشرة إلا درهما ورفع إلى حاكم حكم عليه إن رآه إقرارا وإلا كسائر مسائل الخلاف فلو كان المقر له يعتقد أن هذا ليس إقرارا فهل ينفذ الحكم ويسوغ الأخذ ينبغي أن يخرج على ما إذا حكم حنفي بشفعة الجوار لمن يعتقد خلافه وفيها وجهان لنا وللشافعية مع أن هذا يدخل فيما حكاه صاحب المحرر من الروايتين كما تقدم. فلو ادعى المقر أنه قصد أن يحكى صورة الإيجاب لا الإقرار فهل يقبل منه محل تردد لتردد النظر في مخالفته للظاهر أما الجاهل بالعربية فيتوجه فيه القول المتقدم وهو مؤاخذته بلغته وعرفه. فصل إذا قال له علي ألف إلا شيء قبل تفسيره بأكثر من خمسمائة لكن لا يجوز استثناء الأكثر فيتعين حمله على ما دون النصف قاله في المغني.

_ وينبغي أن يقال إلا أن نقول بصحة استثناء النصف فيقبل قال وكذلك إن قال إلا قليلا وينبغي أن يقال في هذه ما قاله في التي بعدها. قال وإن قال له على معظم أو أجل ألف أو قريب من ألف لزمه أكثر من نصف الألف ويحلف على الزيادة إذا ادعيت عليه. قال الشيخ تقي الدين وقال في الجواهر يعني المالكية إذا قال له عندي قريب المائة أو مائة إلا شيئا قال سحنون قال أكثر أصحابنا يلزمه ثلثا المائة بقدر ما يرى الحاكم وقيل ثلث مائة وقيل واحد وخمسون ليزيد على النصف. وقال في الجواهر في موضع آخر إذا قال له علي مائة درهم إلا شيئا يلزمه واحد وتسعون وإن قال له على عشرة آلاف إلا شيئا يلزمه تسعة آلاف ومائة وله درهم إلا شيئا يلزمه أربعة أخماس درهم ولو قال له مائة وشيء يقتصر على المائة لأن الشيء لا يمكن رده إلى تقدير كرد الشيء المستثنى فيبطل لأنه شك لا مخرج له قال عبد الملك والمعتبر في جميع ذلك ما يحسن استعمال الاستثناء فيه وما شك فيه لا يثبت انتهى كلامه. وقولنا أولى لما تقدم والتقدير يتوقف على توقيف ولا توقيف وتعارض الأقوال المذكورة يدل على فسادها ولأن الشيء إذا كان له موضوع فلا فرق بين أن يكون مقرا به أو مستثنى والأولى فيما إذا قال له مائة وشيء ما قلنا وهو أنه يلزمه مائة ويرجع في تفسير الشيء إليه كما لو انفرد. قال الشيخ تقي الدين وقال ابن معتب في وثائقه إذا قال له علي عشرة إلا شيئا أو إلا كثيرا صدق في تفسيره مع يمينه يعني لأن الاستثناء يصح في التسعة إلى العشرة فكل ما صح استثناؤه صح أن يقر به الاستثناء المجهول وهذا قول الشافعي وعند أصحابنا لا يصح تفسيره بأكثر من

_ النصف وفي النصف وجهان ويصح تفسيره بما دون النصف ووافق أبو حنيفة هنا فقال إذا قال له علي مائة درهم إلا قليلا أو إلا بعضها لا بد أن يزيد الباقي على النصف. قوله: "وإذا قال له على هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا لزمه تسليم تسعة لأنها مقر بها" والواحد مستثنى وهو قليل فلم يلزمه ويرجع إليه في التعيين لأنه أعلم بمراده. قوله: "فإن ماتوا إلا واحدا فقال هو المستثنى قبل وقيل لا يقبل وللشافعية أيضا وجهان". أحدهما يقبل وهو الراجح في المذهب كحالة الحياة وكما لو مات بعد تعيينه ومن قال بهذا تعذر تسليم المقر به لتلفه لا لمعنى يرجع إلى تفسيره بخلاف استثناء الجميع. والثاني لا يقبل لرفعه جميع ما أقر به كاستثنائه فإن قتلوا إلا واحدا أو غصبوا إلا واحدا أو قال غصبتك هؤلاء العبيد إلا واحدا فماتوا إلا واحدا قبل تعيينه في هذه الصور بالباقي وجها واحدا لعدم التهمة لوجوب القيمة بخلاف الإقرار. قوله: "وإذا قال له علي هذه الدار إلا هذا البيت أوله هذه الدار ولى هذا البيت منها صح استثناؤه منها". وإن كان معظمها بخلاف قوله إلا ثلثيها أو ثلاثة أرباعها ونحوه لأن الأول استثناء والثاني في معناه. وقوله: "وإن كان معظمها". وكذلك ذكر غير ووجهه لأن ليس العدد صريحا ولم يذكره بعضهم وقد تقدم ذلك.

_ وقوله: "بخلاف قوله إلا ثلثيها". وهو معنى كلام غيره يعني فإنه استثناء الأكثر وهو باطل في الأشهر وكذا ذكره في الرعاية. ويعرف من ذلك أنه لو قال هذه الدار ولى نصفها أنه معنى استثناء النصف وفي صحته خلاف وذكر في الرعاية الكبرى هذه المسألة وقال صح في الأقيس وذكر في الصغرى أنها كقوله إلا ثلثيها. قوله: "لا يصح الاستثناء من غير الجنس". قال الخلال باب الرجل يقر للرجل بدنانير ثم يستثنى منها غيرها ذكر هذا بعد باب له علي مائة دينار ولي عليه دينار أنه مقر مدع. قال ابن منصور قلت لأحمد قال سفيان وإذا قال لك عندي مائة دينار إلا فرسا إلا ثوبا هذا محال يؤخذ بالمائة قال الإمام أحمد كما قال. وذكر الشيخ تقي الدين أن مراد الخلال بالباب قلة تشبيه الاستثناء من غير الجنس يدعى تقديره لكن لي عليه فرس أو قيمة فرس وذكر أيضا أن رواية ابن منصور ليس فيها تصريح بخلاف مذهب أبي حنيفة بل موافقة لفتيا سفيان انتهى كلامه. وقد ذكر في المغني أنه يكون مقرا بشيء مدعيا لشيء سواه فيقبل إقراره وتبطل دعواه كما لو صرح بذلك بغير لفظ الاستثناء. والمذهب أنه لا يصح استثناء غير أحد النقدين من الآخر لأن الاستثناء إما صرف للفظ عما يقتضيه لولاه أو إخراج بعض ما تناوله المستثنى منه أو منع أن يدخل في اللفظ ما لولاه لدخل وهذه التعريفات في كلام أصحابنا وغيرهم وأما ما كان من غير الجنس فلا يكون استثناء إلا تجوزا وهو في الحقيقة استدراك و "إلا" فيه بمعنى "لكن" قاله أهل العربية منهم ابن السراج وابن

_ قتيبة وحكاه عن سيبويه ولذلك لم يأت الاستثناء من غير الجنس في القرآن وغيره إلا بعد الجحد لأن الاستدراك لا يأتي إلا بين متنافيين وقياسا على التخصيص فإنه لا بد من كونه من الجنس والاستثناء من جملة المخصصات عند المخالفين أو أكثرهم ولأنه لو صح لاطرد في جميع المواضع. وذكر الشيخ تقي الدين أنهم ساعدوا أنه لا يصح في البيع وبهذا قال زفر وبعض المالكية وبعض الشافعية. وقال مالك والشافعي يجوز الاستثناء من غير الجنس مطلقا لوروده ونحن نمنع ذلك ثم نحمله على المجاز دفعا للاشتراك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن استثنى ما يثبت في الذمة صح وإن كان من غير الجنس وإن استثنى مالا يثبت في الذمة كالثوب والعبد ونحوه لم يصح الاستثناء وفسر أصحابنا ما يثبت في الذمة بالمكيل والموزون وقال قالوه فيما يتقارب من المكيل والموزون كالجوز والبيض. قوله: "وعنه يصح استثناء أحد النقدين من الآخر خاصة". هذه المسألة من الأصحاب من يحكى فيها وجهين وحكى ابن أبي موسى وغيره روايتين إحداهما يصح قطع به الخرقي وقدمه في الخلاصة لأنهما كالجنس الواحد لاجتماعها في أنهما قيم المتلفات وأرش الجنايات ويعبر بأحدهما عن الآخر ويعلم قيمته منه فأشبها النوع الواحد بخلاف غيرهما ومتى أمكن حمل الكلام على وجه صحيح لم يجز إلغاؤه واقتصر أكثر الأصحاب علي هذا حتى إن صاحب الخلاصة مع أنه لا يخل بفوائد الهداية على قوله اقتصر عليه. وقال أبو الخطاب متى ثبت هذا مذهبا لأحمد كان استثناء الثوب من الدراهم جائزا إذ لا فرق بينهما. قال في المغني وهو في قوة كلام غيره وقد ذكرنا الفرق.

_ قال في المغني ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية الصحة على ما إذا كان أحدهما يعبر به عن الآخر أو يعلم قدره منه ورواية البطلان على ما إذا انتفى ذلك انتهى كلامه فصار هذا قولا آخر. وقال أيضا إنه إذا ذكر نوعا من جنس وذكر نوعا آخر من غير ذلك الجنس مثل عشرة آصع تمرا برنيا إلا ثلاثة تمرا معقليا أنه يحتمل جوازه على قول الخرقي لتقارب المقاصد من النوعين كالعين والورق وأن الصحيح خلافه لأن العلة الصحيحة في العين والورق غير ذلك انتهى كلامه. وظاهر كلامهم أنه لا يصح استثناء الفلوس من أحد النقدين وينبغي أن يخرج فيها قولان آخران أحدهما الجواز والثالث جوازها مع نفاقها خاصة لما تقدم من التعليل والثاني لا يصح ذكر القاضي أنه ظاهر كلام الإمام أحمد وأنه الصحيح وهو قول أبي بكر وقدمه أبو الخطاب وغيره وهو ظاهر ما نصره جماعة وصححه ابن عقيل وغيره لما تقدم. فظهر من مجموع المسألة أنه هل يصح الاستثناء من غير الجنس أم لا فيه خمسة أقوال غير مسألة استثناء الفلوس من أحد النقدين. قوله: "وإذا قال له علي مائة درهم إلا دينارا وصححناه رجع في تفسير قيمة الدينار إليه عند أبي الخطاب". وقال غيره يرجع إلى سعر الدينار بالبلد إن كان وإلا فإلى التفسير. ووجه الأول وعليه اقتصر في المستوعب والخلاصة وقدمه في الرعاية أن الدينار مجهول فرجع إليه في قيمته لأن أعلم بمراده كغيره من المجهول. فعلى هذا إن فسره بأكثر من النصف لم يقبل وإن فسره بدونه قبل وفي النصف وجهان هذا معنى ما ذكره أصحاب هذا الوجه.

_ ووجه الثاني أن الدينار إذا كان له سعر فإنه معلوم والظاهر إرادته فيرجع إليه فإن لم يكن فإلى تفسيره. قال الشيخ تقي الدين بالأول قالت المالكية والشافعية قالوا يقال له اذكر قيمة العبد والثوب المستثنى ويكون مقرا بما يقر فإن استغرقت قيمته الألف لزمه الألف كاستثناء الألف من الألف وإلا صح. قالت الشافعية وينبغي أن تكون القيمة مناسبة للثوب لئلا يعد نادما. قالوا وهذا إذا استثنى مجهولا من معلوم فإن قيمة الثوب مجهولة والألف معلومة وعكسه له الألف إلا درهمان فيفسر الألف ويعود الحكم إما إلى الاستغراق فلا يقبل أو إلى عدم الاستغراق فيقبل وإن استثنى مجهولا من مجهول نحو له مائة إلا عشرة أو إلا ثوبا فعلى ما تقدم قال بعض المالكية ولا ينبغي أن ينازعهم أصحابنا في هذا لأنه مقتضى القواعد انتهى كلامه ونحن نوافقهم في المسألة الأخيرة ونخالفهم في الألف إلا درهما على الراجح. قوله: "وإذا قال له علي شيء أو كذا قيل له فسره ليصير معلوما فتلزم به". ويصح إقراره بغير خلاف قاله في المغني ويفارق الدعوى حيث لا تصح بالمجهول لكون الدعوى له فاحتيط لها والإقرار عليه فيلزمه ما عليه مع الجهالة دون ماله ولأن المدعي إذا لم يصحح دعواه فله داع إلى تحرير دعواه لكون الحق له بخلاف الإقرار ولأن المقر لا يؤمن رجوعه عن إقراره إذا شدد عليه فيفوت حق المقر له رأسا فقبلناه مع الجهالة وألزمناه تفسيره. فإن قال له عليه كذا وكذا رجع إلى المقر في تفسيره ذلك ذكره القاضي في الوصايا وجعله أصلا للوصية بكذا وكذا أنه يرجع إلى تفسير الورثة. قوله: "فإن أبى حبس حتى يفسر".

_ قطع به جماعة لأنه امتنع من حق توجه عليه كحق معين امتنع من أدائه. وقال القاضي يجعل ناكلا ويؤمر المقر له بالبيان فإن بين شيئا فصدقه المقر ثبت وإن كذبه وامتنع من البيان قيل له إن بينت وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك وهذا قول الشافعية إلا أنهم قالوا إن بينت وإلا أحلفنا المقر له على ما يدعيه وأوجبناه على المقر. قال في المغني ومع ذلك فمتى عينه المدعي وادعا فنكل المقر فهو على ما ذكروه. فصل قال الشيخ تقي الدين إذا أصر في الحبس على الامتناع فعلى المذهب أنه يضرب حتى يقر قال أصحابنا القاضي في كتابه المجرد والجامع وابن عقيل وغيرهما فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة أنه يجبر حتى يختار منهن أربعا قالوا فإن لم يختر بعد الإجبار حبسه الحاكم ويكون الحبس ضربا من التعزيز فإن لم يختر ضربه وعزره يفعل ذلك ثانيا وثالثا حتى يختار لأن هذا هو حق قد تعين عليه ولا يقوم غيره مقامه فوجب حبسه وتعزيزه حتى يفعله. وأيضا لم يذكروا الضرب إلا بعد الحبس وهل يجوز ضربه ابتداء يتوجه فيه ما ذكروه في الناشز هل تضرب من أول مرة على وجهين. وهكذا إذا كان على رجل دين وله مال ناض لا يعرف مكانه وامتنع من قضاء دينه فإن الحاكم يحبسه ويضربه ويأمر بقضاء الدين لأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك وكذلك مذهب الشافعي منصوصا وكذلك مذهب مالك فيما يغلب على ظني وهو قياس قول أبي بكر ولم يزد ومراده أبو حنيفة قال قد أباح أصحابنا ضربه ثلاث مرات وسكتوا عما بعد الثالثة وقد نص

_ الإمام أحمد على نظيره في المصر على شتم الصحابة رضي الله عنهم والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لي الواحد يحل ضربه وعقوبته". وأيضا فحديث ابن عمر في صحيح البخاري "لما صالح يهود خيبر على إزالة الصفراء والحمراء فكتم بعضهم مال حيي بن أخطب وزعم أن النفقات أذهبته فقال للزبير دونك هذا فعاقبه حتى يحضر المال فعاقبه حتى أحضر المال1" ولم يقر بأن المال في يده لكن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن المال في يده وأنه كاذب في دعوى خروجه. وأيضا فإن الله تعالى أباح للزوج ضرب امرأته إذا نشزت فامتنعت عن أداء حقه الواجب من تمكينه من الوطء فعلى قياسه كل من امتنع من أداء حق واجب ثم هل يباح ضربها بأول مرة أو بعد الثلاث على وجهين. وأيضا فإن التعزير مشروع في حبس المعصية التي لا حد فيها والمعاصي نوعان ترك واجبات وفعل محرمات. هذا إذا كان التعزير لما مضى وأما إذا كان لما مضى من المعصية وليرجع إلى الطاعة بأداء الواجب والكف عن المحرم أولى2 وأحرى وجميع العقوبات لا تخرج عن هذا. فمن الأول قتل القاتل ومن الثاني قتل المرتد ودفع الصائل وقد يجتمعان فيصير ثلاثة أقسام ولهذا من لا يقتل بالامتناع من الواجبات الشرعية فإنه يضرب وفاقا سواء كانت حقا لله تعالى أو لآدمي فتارك الصوم والحج إذا لم نقتله نحن كتارك الصلاة عند من لا يقتله وهم الحنفية إذا تقررت قاعدة المذهب.

_ أن كل حق تعين على إنسان لا يقوم غيره فيه مقامه فإنه يوجب حبسه وتعزيره حتى يفعله فالممتنع من تفسير إقراره نوع من ذلك فإن تفسير الإقرار حق واجب عليه لإثباته فيه فوجب ضربه عليه حتى يفعله. وذكر الشيخ تقي الدين في موضع آخر أنه إن أصر على الترك عوقب بالضرب حتى يؤدى الواجب وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم ولا أعلم فيه خلافا انتهى كلامه وهذا ظاهر كلام الشافعي في الأم عند ذكره مسألة المرتد. وقد ذكر الشيخ موفق الدين وغيره أنه إذا حل الدين وامتنع الراهن من الوفاء أن الحاكم يفعل ما يرى من حبسه أو تعزيره ليبيعه أو بيعة الحاكم بنفسه أو نائبه. وذكر في المستوعب والمغني وغيرهما أن من أسلم تحته أكثر من أربع يجب عليه اختيار أربع فإن أبي أجبر بالحبس والتعزير إلى أن يختار قال في المغني إن هذا حق عليه يمكن إيفاؤه وهو ممتنع منه فأجبر عليه كإيفاء الدين. وهذا يوافق ما ذكره الشيخ تقي الدين في كل ممتنع من واجب عليه وأن له أن يعزره بالضرب ابتداء وأنه لا يقيد بثلاثة. ثم قال الشيخ تقي الدين إذا ثبت تعزير الممتنع من تفسير إقراره فإنما المأخوذ به أنه وجب بإقراره حق مجهول ولا يعلم قدره إلا من جهته فعزره على بيان ما يعلمه من حق الغير ولا تأثير لكون أصل الحق عرف بإقراره. ولهذا قلنا إن وارثه يؤخذ بالتفسير وإنما وقع تردد على الرواية الأخرى لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت ولهذا فرق الجد بين أن ينكر الوارث عليه أولا ينكر فأما مع علم من عليه الحق فلا. فعلى قياس هذا كل من امتنع من إظهار حق عليه يجب إظهاره ولا يعلم

_ من غيره كما لو قلت البينة بأنه انتهب من هذا شيئا ولم يعلموا قدره أو نوعه أو بأنه سرق من دار هذا كارة لا يعلمون ما فيها أو بأنه غل كيسا من أمانته لا يعلمون ما فيه ونحو ذلك مما يشهد فيه على المحارب والسارق والغال والخائن بحق عاينوه ولا يعلمون قدره إذ لا فرق بين ثبوت ذلك بإقراره أو بينة وكذلك لو شهدت البينة أيضا بأنا رأيناه اقترض منه مالا أو ابتاع منه سلعة وقبضها ولا نعلم قدر المقترض أو قدر الثمن أو علماه ونسياه. فإن قيل قد يجوز أن يكون هو نسي ذلك الحق أو نسي قدره ابتداء. قيل وكذلك إذا أقر بمجهول قد يكون نسيه أو جهل قدره ابتداء ولو امتنع فهل يحكم للمدعي مع يمينه لكون امتناعه لوثا؟. هذا مذكور في غير هذا الموضع وهي متعلقة بمسألة النكول والرد. ولو أقر بالقبض المحرم أو غير المحرم كالغصب وسائر أنواعه من النهب والسرقة والخيانة وامتنع من تعيين محله فإنه يضرب كما تقدم في ضرب من عليه دين وله مال ناض لا يعرف مكانه يضرب ليبينه فإنه بيان الواجب كما أن أصل تفسير الحق بيان واجب ولهذا ضرب الزبير بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابنا لعم حيى بن أخطب حتى يعين موضع المال ولو كان المال بيد وكيله أو غيره وامتنع من تبيين محله لعزر بالحبس والضرب حتى يبينه كالمالك لأنه حق تعين عليه فلو علم بالمال من ليس بولي ولا وكيل بأن يقر بعض الناس بأني أعرف من المال عنده أو تقوم البينة بأن فلانا كان حاضرا إقباض المال ونحو ذلك فإن هذا يجب عليه بيان موضع المال لأن ذلك فيه حق للطالب إما أن يكون مستحقا للاستيفاء منه ولقوله تعالى: [2:5] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولا يمكن إيصاله إليه إلا ببيان هذا ودلالته ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب فهو كالشاهد الذي يجب عليه أداء الشهادة ولأن إعانة المسلم على حقن دمه وماله

_ واجب فإن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "المسلم أخ المسلم لا يسلمه ولا يظلمه" وقال عليه الصلاة والسلام:. "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" ونصر الظالم دفعه وفي الدلالة نصر الاثنين ولأن هذا بذل منفعة لا ضرر فيها في حفظ مال المسلم وهذا من أوجب الأشياء كالقضاء والشهادة لا سيما على أصلنا في إيجاب بذل المنافع مجانا على أحد الوجهين وكما يجب للجار منفعة الجدار ومنفعة إمرار الماء على إحدى الروايتين بل قد توجب دفع الغير عن دمه وماله إذا رأى نفسه أو ماله يتلف وهو قادر على تخليصه وقد أوجب القاضي وأبو الخطاب ضمان النفس على من قدر على تخليصها من هلكه فلم يفعل كما يضمن من لم يؤد الواجب من إطعامها وسقيها وفرق بعض الأصحاب أن سبب الهلاك هناك فعل الغير وهنا منع الطعام وأما تضمين من ترك تخليص المال ففيه نظر. وأيضا فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن خروج الحقوق عن أصحابها منكر وإزالة المنكر واجبة بحسب الطاقة فكيف إذا كان يزول بمجرد البيان والدلالة واجبا عوقب على تركه بالحبس والضرب وكذلك لو كان يعلم موضع من عليه حق لله أو لآدمي وهو يريد استيفاءه من غير ظلم فإن الدلالة على النفوس الظالمة للمظلوم كالدلالة على المال لصاحبه فأما من آوى محدثا وكتمه فإن هذا يعاقب بالضرب والحبس بمنزلة كاتم المال وأولى فإن كتمان النفس ككتمان المال والدلالة عليها من غير الكاتم كالدلالة على المال. وهذا كله إذا ظهر معرفة المسؤول عن النفس المستحقة والمال المستحق إما بإقراره وإما ببينة فأما إذا اتهم بذلك فهنا يحبس كما يحبس في التهمة بنفس الحق وأما ضربه فهو كالمتهم. وأصل هذا أن الحق كما يكون عينا من الأموال فقد يكون منفعة على

_ البدن كالمنافع المستحقة بعقد الإجارة والحقوق الواجبة عينا أو منفعة إما أن تجب بالشرط وإما أن تجب بالشرع فكأنما أنا نعاقب من امتنع عن النفقة الواجبة شرعا كذلك نعاقب من امتنع عن المنفعة الواجبة شرعا ومن أعظم المنافع بيان الحقوق ومواضعها من النفوس والأموال. والممتنع عن البيان ممتنع عن منفعة واجبة عليه شرعا متعينة عليه فيعاقب عليها ولو لم تتعين عليه بأن كان العالمون عددا فهنا إذا امتنعوا كلهم عوقبوا أو بعضهم لكن عقوبة بعضهم ابتداء عند إقناعه يخرج على البيان هل هو واجب على الكفاية أو لأعيان كالشهادة والمنصوص أنه واجب بالشرع على الأعيان وكما يعاقب الرجل على شهادة الزور يعاقب على كتمان الشهادة انتهى كلامه. وهو حسن واضح لم أجد في المذهب ما يخالفه صريحا. قوله: "فإن فسره بحق شفعة أو أقل مال قبل". لأنه صحيح لإطلاق "شيء" عليه حقيقة وعرفا فقبل كتفسيره بمال كثير. وقال الشيخ تقي الدين في الشفعة نظر فإنها ليست مالا بدليل أنها لا تورث ولا يصالح عليها بمال فهي كحد القذف انتهى كلامه. وهو متوجه لو كان المقر قال له على مال بخلاف له على شيء أو كذا. قوله: "وإن فسره بميته أو خمر أو مالا يتمول كقشرة جوزة لم يقبل لأن إقراره اعتراف بحق عليه وهذا لا يثبت في الذمة". مراده والله أعلم قشر جوزة غير الهند لأن قشرة تلك يعد مالا بمفرده قال ابن عبد القوي لو قيل إنه يقبل في إقرار الذمي تفسيره بخمر ونحوه مما يعدونه عندهم مالا لم يكن بعيدا كما يقبل تفسيره من مسلم بجلد ميتة لم يدبغ يعنى في أحد الوجهين لأنه مما يؤول إلى التمول فهنا عندهم أولى لأنها عندهم مال في الحال يجب ردها من غاصبها عليهم انتهى كلامه وهو متوجه

_ وقد عرف مما تقدم أنه لو فسره بحبة حنطة ونحوها لم يقبل لعدم تمول ذلك على انفراده عادة قطع به غير واحد وذكر في الرعاية وجهين. قوله: "وإن فسره بكلب يباح نفعه أو حد قذف فوجهان". وجه القبول في تفسيره بكلب لأنه شيء يجب رده فيتناوله الإيجاب ووجه عدم القبول أو الإقرار إخبار عما يجب ضمانه والكلب لا يجب ضمانه ولم يفرق في المستوعب وغيره بين ما يجوز اقتناؤه ومالا يجوز ومرادهم ما يجوز كما صرح به جماعة. وجاء في الرعاية الكبرى فجعله طريقة وقدمها وليس كذلك. وأما حد القذف فينبغي أن يكون الخلاف فيه مبنيا على الخلاف في كونه حقا لله تعالى أو لآدمي فإن قلنا هو حق لآدمي قبل وإلا فلا. وقطع بعضهم بالقبول ووجهه بأنه حق عليه في ذمته فالإيجاب يتناوله ووجه بعضهم عدم القبول بأنه ليس بمال ووجهه في المغني مع أنه صحح الأول بأنه لا يؤول إلى مال والله تعالى أعلم. قوله: "وإن مات قبل أن يفسر أخذ وارثه بمثل ذلك إن ترك تركه وقلنا لا يقبل تفسيره بحد القذف وإلا فلا". وجه ذلك لأنه حق على مورثهم تعلق بتركته فلزم القيام مقامه كما لو كان الحق معينا ولا فرق ولأن القريب لا يلزمه وفاء دين قريبه الحي فكذلك الميت إذا لم يخلف تركة. وأما قوله: "وقلنا لا يقبل تفسيره بحد قذف". كان ينبغي أن يزيد ونحوه لأن الحكم عام فيما ليس بمال لعدم تحقق حق علي الموروث يتعلق بعين التركة فلا يلزم الوارث شيء. قوله: "وعنه إن صدق الوارث مورثه في إقراره أخذ به وإلا فلا".

_ قال الشيخ تقي الدين قد يصدقه في أصل الإقرار وينكر العلم وقد تقدم في الفصل الطويل تعليل الشيخ تقي الدين لهذه الرواية لأن الوارث قد لا يعلم ما وجب على الميت وعللها ابن عبد القوي بأن المقر له لم يدع عليهم ولا يخفى ضعف ذلك. قوله: "وعندي إن أبي الوارث أن يفسر وقال لا علم لي بذلك حلف ولزمه من التركة ما يقع عليه الاسم كما في الوصية لفلان بشيء لأن ما قاله محتمل فقيل قوله مع اليمين". وهذا ينبغي أن يكون على المذهب لا قولا ثالثا لأنه يبعد جدا على المذهب إذا ادعى عدم العلم وحلف أن لا يقبل قوله ولو كان صاحب المحرر قال فعلى المذهب أو فعلى الأول وذكر ما ذكره إلى آخره كان أولى. ولو ادعى الموروث عدم العلم وحلف فلم أجدها في كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى إلا ما ذكره الشيخ شمس الدين في شرحه بعد أن ذكر قول صاحب المحرر ويحتمل أن يكون المقر كذلك إذا حلف أنه لا يعلم كالوارث وهذا الذي قاله متعين ليس في كلام الأصحاب ما يخالفه. قوله: "وإذا قال غصبت منه شيئا ثم فسره بنفسه لم يقبل وإن فسره بخمر أو كلب أو جلد ميتة قبل". أما المسألة الأولى فلاقتضاء لفظه المغايرة لاقتضائه مغصوبا ومغصوبا منه وأحدهما غير داخل في الآخر ولأن الغصب لا يثبت عليه. وأما الثانية فلأن ما قاله محتمل لأنه قد يرى بالغصب قهر صاحب اليد على ما بيده فيأخذه وإن لم يكن مالا فيقبل تفسيره بذلك وذكر في الكافي أنه يلزمه حق يؤخذ بتفسيره كما تقدم في قوله له علي شيء.

_ وذكر في المغني أنه إن فسره بما ينتفع به نفعا مباحا قبل لاشتمال الغصب عليه وإلا فلا فهذه ثلاثة أوجه. قوله: "وإن فسره بولده فوجهان". أحدهما لا يقبل قطع به غير واحد. والثاني يقبل ووجههما ما تقدم. قوله: "وإن قال غصبتك ثم فسره أني حبستك وسجنتك قبل لصدقه عليه وإلا فلا ويجب تفسيره". وذكر في الكافي أنه لا يلزمه شيء قد يغصبه نفسه فلا يتوجه عليه مطالبة بالاحتمال. قوله: "وإذا قال له علي مال عظيم أو خطير أو جليل فهو كقوله مال يقبل تفسيره بأقل متمول". وبهذا قال الشافعي وبعض المالكية لأنه لا حد لذلك في شرع ولا لغة ولا عرف والناس يختلفون في ذلك لأنه ما من مال إلا وهو عظيم بالنسبة إلى ما دونه. ويحتمل أنه إن أراد عظمه عنده لقله ماله أو خسة نفسه قبل تفسيره بالقليل وإلا فلا. وهذا والله أعلم معنى قول ابن عبد القوي ولو قيل يعتبر بالنسبة إليه في نفسه لم يبعد. قال في الرعاية ويحتمل أن يلزمه ذكر وجه العظم أو يزيد على أقل ما يتمول شيئا لتظهر فائدته. وقال الشيخ تقي الدين يتوجه أن يرجع في هذا إلى العرف في حق القائل فإنه هذا يختلف باختلاف القائلين وكذلك في الأيمان والنذور وليس لهذا اللفظ حد في اللغة ولا في الشرع فيرجع فيه إلى العرف فإذا ما يجوز أن يسمى

_ عظيما في عرفه قبل منه وإلا فلا ومعلوم أن المالك ونحوه لو قال له عندي مال عظيم لعله سقط من لفظه "أو كثير" وأحضر مائتي درهم كان خلاف عرفه انتهى كلامه. ولم يوجز عن أبي حنيفة في هذه المسألة نص وقال صاحباه يلزمه مائتا درهم ومن أصحابه من قال إن قوله كقولنا ومنهم من قال عليه عشرة دراهم ومنهم من قال يعتبر فيه حال المقر وما يستعظمه مثله في العادة. وقال بعض المالكية يلزمه مقدار الدية ومنهم من قال ما يستباح به البضع أو القطع ووافق الحنفية الأصحاب في المال المطلق وأن قوله له علي مال كقوله له علي شيء حكاه القاضي وغيره عنهم. وحكى بعضهم عنهم التسوية كما هو قول المالكية وكذا حكى القاضي عن المالكية التسليم فيما إذا قال معلوم أو صالح أو نافع أو موزون. قال الشيخ تقي الدين وسلم أصحابنا أنه لو قال مال جيد أنه يعد معنى زائدا على مسمى المال قال القاضي لأن الجودة تدل على مقدار ولهذا تستعمل في عقد السلم ليصير المسلم فيه معلوما انتهى كلامه وفي هذا التسليم نظر والأولى التسوية والله أعلم. قوله: "وكذا قوله دراهم أو دراهم كثيرة يقبل تفسيرها بثلاثة". وبهذا قال الشافعي في المسألة قبلها واختلف المالكية فمنهم من قال يلزمه مائتان وهو قول أبي يوسف ومنهم من قال تسعة ومنهم من قال ما زاد على ثلاثة وهو احتمال في الرعاية فإنه مال ويحتمل أن الكثيرة أكثر فيفسر الزيادة. وقال أبو حنيفة لا يصدق في أقل من عشرة وكذلك لو قال لفلان علي أكثر ما يقع عليه اسم الدرهم. قال القاضي ونحن لا نسلم هذا بل نقول يقبل تفسيره فيما زاد على أقل

_ الجمع وإن قل فلو فسره بثلاثة دراهم ودانق قبل منه وهذا الخلاف كله في دراهم كثيرة فأما إن قال له علي دراهم لزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع. قال ابن عبد القوى وقوله وأفرة وعظيمة ونحوها ككثيرة في الحكم. قوله: "وإن قال له على كذا درهما لزمه درهم". لأن الدرهم يقع مميزا لما قبله والمميز يقبل وكما لو قال كذا وفسره بدرهم وقال أبو حنيفة يلزمه عشرون لأنه أقل كلمة مفردة مميزة تمييز مفرد منصوب وهذا متوجه وهذا أقرب إن شاء الله تعالى. قوله: "أو كذا كذا درهما لزمه درهم". كأنه قال شيء شيء و"درهما" تمييز لبيان الشيء المبهم. قال أبو الخطاب وغيره تكراره يقتضي التأكيد فإذا فسره بدرهم فقد فسره بما يحتمله فيقبل وكذا مذهب الشافعي هنا وفي التي قبلها. وقال أبو حنيفة يلزمه أحد عشر لأن ذلك أقل مميز منصوب مفرد كمميز متكرر بغير عطف وهذا متوجه. وذكر الشيخ تقي الدين أن أقرب إن شاء الله تعالى قال فإن أصحابنا بنوه على أن كذا كذا تأكيدا وهو خلاف الظاهر المعروف وأن الدراهم مثل الترجمة لهما وهذا يقتضي الرفع لا النصب ثم هو خلاف لغة العرب. قوله: "أو فيهما درهم بالرفع لزمه درهم". لأن تقديره مع عدم التكرير شيء هو درهم في له خبر مبتدأ محذوف أي ذلك له ذلك درهم وفي التكرير كأنه قال له على شيء شيء درهم خبر أي هو درهم. قوله: "وإذا قال كذا وكذا درهما أو درهم بالرفع لزمه درهم عند ابن حامد ودرهمان عند التميمي".

_ وجه الأول ما تقدم كأنه قال كذا درهم لأن كذا يحتمل بعض الدرهم فإذا عطف عليه مثله ثم فسرهما بدرهم واحد جاز وكان كلاما صحيحا. ووجه الثاني أن التفسير يعود إلى كل واحد من المعطوفين بمفرده لدلالة العطف على التغاير. قوله: "وقيل درهم وبعض آخر". أعاد التفسير إلى الثاني والأول مبهم فيرجع في تفسيره إليه. قوله: "وقيل درهم مع الرفع ودرهمان مع النصب". لما تقدم ولأنه إذا نصب فهو تمييز لكل واحد فيلزم التعدد والذي نصره القاضي وأبو الخطاب والشريف وغيرهم قول ابن حامد وقال أبو حنيفة في كذا وكذا درهما يلزمه أحد وعشرون لما تقدم وهو متوجه وكلام الشيخ تقي الدين يقتضي أنه اختياره وعن الشافعي كقول ابن حامد والتميمي مع النصب. قوله: "وإن قال ذلك كله بالخفض قبل تفسيره بدون الدرهم". وكذا قطع به في الكافي وغيره تقديره بعض درهم لاحتمال لفظه ذلك وهو قول الشافعي وقال القاضي في المجرد يلزمه درهم نقله بعضهم في كذا كذا درهم ولا يحضرني له وجه وقيل يلزمه درهم وبعض آخر مع التكرار بالواو وقال أبو حنيفة يلزمه درهم لأنها أقل عدد المفسر بواحد مخفوض وإن شئت قلت لأنها أقل عدد يضاف إلى الواحد وهذا متوجه وهو مقتضى ما اختاره الشيخ تقي الدين في المسائل قبلها وذكر الشيخ شمس الدين ابن عبد القوي أن هذا القول وقول أبي حنيفة في المسائل قبلها ذكر ابن جنى ذلك كله في بعض كتبه النحوية وابن معطى في فصوله وغيرهما وهو مذهب جماعة من الفقهاء منهم محمد بن الحسن قال وهو الأقيس ردا لما أشكل.

_ قوله: "وهذا كله عندي إذا كان يعرف العربية فإن لم يعرفها لزمه بذلك درهم في الجميع". وجه قول الأصحاب رحمهم الله تعالى ما تقدم تسوية بين الجميع وصاحب المحرر يوافقهم في العالم بالعربية ويلزم الجاهل بها درهم في الجميع لأنه لا فرق عنده في ذلك ويقتضي عرفه ولغته درهم فلزمه وما زاد عليه مشكوك فيه أو يقال الأصل والظاهر عدمه فلم يلزمه وإذا كان لا بد لصاحب المحرر من مخالفة الأصحاب في ذلك فكان ينبغي أن يمشي على مقتضى العربية كما تقدم لا كما ذ كره الأصحاب ولعل هذا متوجه ولعل العامي يلزمه درهم في الجميع والعربي يلزمه مقتضى لسانه كما تقدم فصار هذا قولا آخر. فرع وإن قال له عندي كذا درهم بالوقف قبل تفسيره ببعض درهم في اختيار الشيخ موفق الدين وغيره لجواز إسقاط حركة الخفض للوقف فلا يلزمه زيادة مع الشك وقال القاضي يلزمه درهم ويتوجه موافقة الأول في العالم بالعربية وموافقة الثاني في الجاهل بها. قوله: "وإذا قال له علي ألف رجع في تفسير جنسه إليه". فإن فسره بجنس أو أجناس قبل منه لأن ذلك محتمل من غير مخالفة لظاهر فقبل. قوله: "وإذا قال له على ألف ودرهم أو ألف ودينار أو ألف وثوب أو له دينار وألف أو ألف وخمسون درهما أو ألف وخمسمائة دينار". فالألف من جنس ما ذكر معه نصره القاضي وأصحابه في كتب الخلاف

_ ونصره في المغني وقطع به ابن هبيرة عن أحمد في العطف لأن العرب تكتفي بتفسير أحد الشيئين عن الآخر قال الله تعالى: [25:18] {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا} وقال تعالى: [17:50] {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} قال أبو الخطاب وغيره لأن حرف العطف يقتضي التساوي بين الشيئين كما تقتضي البينة ذلك في ظاهر الكلام فوجب حمله عليه ولأن المفسر يفسر جميع ما قبله كقوله تعالى: [23:38] {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ} وقال: [4:12] {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} مع مفسر لم يقم دليل على أنه من غير جنسه فكان المبهم جنس المفسر. قال الأصحاب كما لو قال مائة وخمسون درهما ولعل مرادهم الحجة على قول التميمي لأن هذا الأصل متفق عليه ولهذا قال في المغني فإن قال له على تسعة وتسعون درهما فالجميع دراهم لا أعلم فيه خلافا وإن قال مائة وخمسون درهما فكذلك وخرج بعض أصحابنا وجها أنه لا يكون تفسيرا إلا لما يليه وهو قول بعض الشافعية وكذلك إن قال ألف وثلاثة دراهم أو خمسون وألف درهم أو ألف ومائة درهم أو مائة وألف درهم والصحيح ما ذكرنا انتهى كلامه وذكر في الكافي هذا الأصل مع حكايته احتمالا في ألف وخمسين درهما أو ألف وثلاثة دراهم ومراده والله أعلم ما تقدم. وقال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلامه في الكافي كأنه فرق بين العدد الذي يلي المعطوف عليه وبين الذي لا يليه. قوله: "وقيل يرجع في تفسيره إليه". لأن العطف لا يقتضي التسوية بين المعطوفين في الجنس بدليل جواز قوله رأيت رجلا وحمارا ولأن الألف مبهم فرجع في تفسيره إليه كما لو لم يكن عطف صححه في المستوعب.

وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة.

_ قوله: "وقال التميمي يرجع إلى تفسيره مع العطف دون التمييز والإضافة". لما تقدم والفرق ما ذكره أبو الخطاب وغير واحد أن الدرهم هنا ذكر تفسيرا ولهذا لا تجب به زيادة على الألف وقال أبو حنيفة إن عطف عليه ما يثبت في الذمة كان من جنسه وإلا فلا. وقال مالك والشافعي كقول التميمي في المعطوف وأما في المميز والمضاف فالإصطخري وابن خيران كالوجه الثاني وخالفهما غيرهما. قال الشيخ تقي الدين بخلاف قوله ألف وكر حنطة فإن القاضي كأنه نفي الخلاف فيه عن جميعهم فالتميمي قد يقول هنا. وقال أيضا قد يتوجه أن المقر إذا مات ولم يظهر شيئا جعل الجميع جنسا واحدا وإن ادعى أن الألف من غير جنس ما معه قبل منه مع يمينه لأنه إذا لم يدع خلاف ذلك فالظاهر أنه لم يفتقر إليهما إلا وهما جنس واحد بخلاف ما إذا فسره بعد ذلك انتهى كلامه وهو خلاف كلام الأصحاب. فصل قال في المغني وغيره فأما إن كان لم يفسره به مثل أن يعطف عدد المذكر على عدد المؤنث أو بالعكس ونحو ذلك ولا يكون أحدهما من جنس الآخر ويبقى المبهم على إبهامه كما لو قال على أربعة دراهم وعشر. فصل قال في المغني فعلى قول من لا يجعل المجمل من جنس المفسر لو قال بعتك هذا بمائة وخمسين درهما أو خمسة وعشرين درهما لا يصح وهو قول شاذ ضعيف لا يعول عليه انتهى كلامه وهو يؤيد ما تقدم.

وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه.

_ فصل وإن قال له على ألف إلا درهما أو ألف درهم سوى مائة فالجميع دراهم بناء على تلازم المستثنى والمستثنى منه فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر ومتى علم أحد الطرفين علم أن الآخر من جنسه كما لو علم المستثنى منه. قال في المغني وقد سلموه وقال التميمي وأبو الخطاب يرجع في تفسير الألف إليه وهو قول مالك والشافعي لأن الألف مبهم والدرهم لم يذكر تفسيرا له ولأنه يحتمل أنه أراد الاستثناء من غير الجنس وكلام بعضهم يقتضي أن الخلاف عندنا أنه هل يرجع إليه في تفسير المطلق سواء كان مستثنى أو مستثنى منه والتعليل يقتضيه فعلى هذا القول إن فسره بغير الجنس بطل الاستثناء على الراجح عندنا وعلى قول مالك والشافعي لا يبطل وقد تقدم ذلك. ولعل صاحبالمحرر اختصر ذكر هذه المسألة لأنها تعرف من مسألة الاستثناء. قوله: "وإذا قال له في هذا العبد شرك أو هو شريكي فيه أو هو شركة بيننا رجع في تفسير سهم الشريك إليه". وقد يكون بينهما سواء نقله ابن عبد القوي وعزاه إلى الرعاية وهو قول أبي يوسف لأن الشركة تقتضي التسوية البيع وبدليل الوصية والوقف والمضاربة وبدليل قوله تعالى: [12:4] {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} . ولنا أن أي جزء كان له منه فله فيه شركة فقبل تفسيره بما شاء كالمساوى وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازا ولا مخالفة للظاهر. وأما مسألة البيع فلنا وجه بعدم الصحة للجهالة والمذهب الصحة حملا

وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية. وإن قال له على أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه لحله ونحوه قبل.

_ لكلام المكلف على الصحة لأن معرفة قدر المبيع شرط بخلاف الإقرار فانه يصح بالمجهول وأما المضاربة ونحوها فالفرق أنه جعل المال لهما فيها على حد واحد ولا مزية لأحدهما على الآخر فتساويا فيه بخلاف الإقرار. وبهذا يجاب عن الآية أو نقول استفيدت التسوية فيها من دليل آخر وأحسب أن هذا قولنا وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي. قوله: "وإن قال له فيه سهم فكذلك وقال القاضي يحمل على السدس كالوصية". وجه الأول ما تقدم ولأنه العرف المعتاد فحمل الإطلاق عليه. ووجه الثاني أن السهم عرف شرعي بدليل الوصية به فحمل الإطلاق عليه كما نقول في نذر رقبة مطلقة تحمل على الرقبة الشرعية وغير ذلك. وينبغي أن يؤخذ من هذا أنه إذا تعارض في الإقرار حقيقة عرفية وحقيقة شرعية فأيهما يقدم فيه وجهان. قوله: "وإن قال له علي أكثر من مال فلان وفسره بأكثر منه قدرا أو بدونه وقال أردت كثرة نفعه ونحوه قبل". مع يمينه لأن ذلك محتمل ويمنع أن الظاهر بخلاف ذلك هذا قول أصحابنا والشافعي. وقال في الكافي والأولى أنه يلزمه أكثر منه قدرا لأنه ظاهر اللفظ السابق إلى الفهم فلزمه كما لو أقر بدراهم لزمته ثلاثة ولم يقبل تفسيره بدونها مع احتماله.

وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل منه وقيل لا يقبل فيلزم بتفسير حقهما. وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية وإن قال له ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية.

_ واختار في المغني أنه إن فسره بدونه مع علمه بماله لا يقبل وإلا قبل ولو قال ما علمت لفلان أكثر من كذا وقامت البينة بأكثر منه لم يلزمه أكثر مما اعترف به لأن مبلغ المال حقيقة لا يعرف في الأكثر انتهى كلامه. قوله: "وإن قال لمن ادعى عليه مبلغا لفلان على أكثر مما لك علي وقال أردت الاستهزاء فقيل يقبل وقيل لا يقبل ويلزم بتفسير حقهما". وجه الأول احتمال إرادة حقك علي أكثر من حقه والحق لا يختص المال. ووجه الثاني أن ظاهر اللفظ يدل على إقراره لهما بشيء من المال وأحدهما أكثر فيلزم بتفسيره لجهالته وهذا الراجح عند جماعة وهو أولي فلو ادعى عليه مبلغا فقال لك على أكثر من ذلك لم يلزمه أكثر منه ورجع إلى تفسيره عند القاضي لما تقدم ولاحتمال أنه أراد أكثر منه فلوسا أو حب حنطة وأفعل التفضيل إذا استعمل بمن فإنه يتصل بجنسه وغير جنسه كزيد أشجع من إخوته وزيد أشجع من الأسد بخلاف استعماله مضافا فإن حقه أن لا يضاف إلا إلى ما هو بعض وعند الشيخ موفق الدين لا يقبل منه إلا الأكثر منه قدرا لأن لفظه "أكثر" إنما تستعمل حقيقة في العدد أو في القدر وينصرف إلى جنس ما أضيف إليه أكثر. قوله: "وإذا قال له على ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية". لأن ذلك هو ما بينهما وكذا إن عرفهما بالألف واللام. قوله: "وإن قال له علي ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة وقيل عشرة وقيل ثمانية".

_ أما المسألة الأولى فوجه الخلاف فيها أنها في معنى المسألة الثانية عرفا فتعطى حكمها والأولى أن يقال فيها ما قطع به في الكافي وهو ثمانية لأنه المفهوم من هذا اللفظ وليس هنا ابتداء غاية وانتهاء الغاية فرع على ثبوت ابتدائها فكأنه قال ما بين كذا وبين كذا ولو كانت "إلى" هنا لانتهاء الغاية فما بعدها لا يدخل فيما قبلها على المذهب قال أبو الخطاب وهو الأشبه عندي وهو قول زفر وبعض الشافعية والذي نصره القاضي وغيره أنه يلزمه تسعة وهو قول أبي حنيفة وقال محمد ابن الحسن يلزمه عشرة قال القاضي وغيره والقولان جميعا يقتضي أن يكونا مذهبا لنا لأنه قد نص فيمن حلف لا كلمتك إلى العيد هل يدخل يوم العيد في يمينه أم يكون بدؤه على روايتين. وأما المسألة الثانية فوجه القول الأول فيها وهو الراجح في المذهب وذكر بعضهم أنه المذهب أن "من" لابتداء الغاية وهو عدد والعدد لا بد له من أول يبني عليه وإلا لم يصح و"إلى" لانتهاء الغاية وما بعدها لا يدخل فيما قبلها في أكثر الاستعمال ولو كان دخولا مكتملا فالأصل عدم الزائد فلا يثبت مع الشك. ووجه الثاني أنه أحد الطرفين فدخل كالآخر ولهذا يقال قرأت القرآن من أوله إلى آخره وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس هذا الوجه أحد عشر لأنه واحد وعشرة والعطف يقتضي التغاير. ووجه الثالث أنهما حدان فلا يدخل ما بينهما كقوله ما بين درهم وعشرة وقال الشيخ تقي الدين الذي ينبغي في هذه المسائل أن يجمع ما بين الطرفين من الأعداد فإذا قال من واحد إلى عشرة لزمه خمسة وخمسون إن أدخلنا الطرفين وخمسة وأربعون إن أدخلنا المبتدأ فقط وأربعة وأربعون إن

وإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة.

_ أخرجناهما وقوله: "ما بين درهم إلى عشرة" ليس بعرفي انتهى كلامه. هذا المعنى ذكره الأصحاب في إن طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر بصيغة "إن" وكذا بصيغة "كلما" في وجه والمسألة مشهورة وأما هنا فيلزمه ذلك مع إرادته وطريق حسابه أن تزيد أول العدد وهو أحد على عشرة فيصير أحد عشرة ثم أضربهما في نصف العشرة فما بلغ فهو الجواب. فصل لو قال له ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط فكلامهم يقتضي أنها على الخلاف في التي قبلها وذكر القاضي أن الحائطين لا يدخلان في الإقرار وجعله محل وفاق في حجة زفر وفرق بأن العدد لا بد له من ابتداء يبنى عليه وذكر الشيخ تقي الدين كلام القاضي ولم يزد. قوله: "فإن قال ما بين عشرة إلى عشرين أو من عشرة إلى عشرين لزمه تسعة عشر على الأول وعشرون على الثاني وقياس الثالث تسعة". هذا تقرير واضح على الأوجه الثلاثة وذكر الشيخ تقي الدين أن قياس الثاني ثلاثون وهذا منه بناء على أنه يلزمه في التي قبلها أحد عشر. فصل فإن قال له على ما بين كر شعير إلى كر حنطة لزمه كر شعير وكر حنطة إلا قفيز حنطة على قياس المسألة قبلها ذكره القاضي وأصحابه وكذا صاحب المستوعب قال فان قلنا يلزمه تسعة فهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف

وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته أو مع درهم أو له درهم بل درهم أودرهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان.

_ ومحمد يلزمه كر شعير وكر حنطة وقدمه في الرعاية الكبرى. قال الشيخ تقي الدين هو قياس الثاني في الأول وكذلك هو عند القاضي. ثم قال هذا اللفظ ليس بمعهود فإن قال له علي ما بين كر حنطة وكر شعير فالواجب تفاوت ما بين قيمتهما وهو قياس الوجه الثالث اختيار أبي محمد انتهى كلامه. قوله: "وإذا قال له على درهم فوق درهم أو تحت درهم أو مع درهم أو فوقه أو تحته درهم أو مع درهم". قطع به غير واحد لأن اللفظ في هذه الصورة يجري مجرى العطف لاقتضائه ضم درهم آخر إلى المقر به فلزماه كالعطف والسياق واحد وهو في الإقرار فلا يقبل احتمال يخالفه لأنه خلاف الظاهر وقيل يلزمه درهم وهو قول القاضي لاحتمال إرادته فوق درهم في الجودة وكذا في باقي الصور فلا يجب الزائد مع الشك في دخوله في إقراره وللشافعي كالوجهين وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال فوق درهم لزمه درهمان وإن قال تحت درهم لزمه درهم لأن فوق تقتضي الزيادة بخلاف "تحت". قال الشيخ تقي الدين بناء على أصله في الظروف أو لأن الفوق الزيادة بخلاف تحت ثم قال هذا في الظاهر قياس مسألة الظروف لكن فرق القاضي أن المقر به معين وهنا ادعاه أنه مطلق وقطع في الكافي وغيره أنه يلزمه في مع درهمان وحكى الوجهين في "فوق" و"تحت" وفيه نظر. قوله: "أوله درهم بل درهم أو درهم لكن درهم أو درهم فدرهم لزمه درهمان".

وقيل درهم. وإن قال درهم قبله أو بعده درهم.

_ وهذا هو الراجح في المذهب وهو قول أبي حنيفة وقول الشافعي حملا لكلام المكلف على فائدة ولأن العطف يقتضي المغايرة وإضرابه عن الأول لا يسقطه فلزماه كدرهم ودرهم. قوله: "وقيل درهم". قال أحمد إذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق لا تطلق إلا واحدة وهذا في معناه لأنه لم يقر بأكثر من درهم والأصل عدم وجوب الزيادة فلا يلزمه وذكر القاضي أنه يلزمه درهمان ثم ذكر وجها في "بل" أنه يلزمه درهم قال لأنه للاستدراك وهذا يقتضي التسوية بين "بل" و"لكن" بخلاف درهم فدرهم وهو معنى ما في الكافي وغيره لأنه ذكر في ألف فألف أنه يلزمه ألفان وقدم في درهم بل درهم أنه يلزمه درهم وسلم الشافعي في طالق فطالق أو طلقة فطلقة أنه يقع طلقتان وخرجها ابن حربان على قولين كالإقرار ولو قال درهم ودرهم أو ثم درهم فدرهمان ودرهم أو درهم لزمه واحد وذلك محل وفاق ذكره القاضي وغيره فإن كرر الدرهم ثلاث مرات مع عطف متفق أو بدون عطف لزمه ثلاثة وقيل درهمان وقيل مع إرادة التأكيد وقيل الخلاف دون حرف عطف ومعه إن أراد تأكيدا صدق وإلا فلا ومع مغايرة العطف يلزمه ثلاثة. قوله: "وإن قال درهم قبله درهم أو بعده درهم". لزمه درهمان لأن قبل وبعد تستعمل للتقديم والتأخير في الوجوب فحمل عليه ولأن هذا مقتضى العرف والعادة ولا معارض له فلزمه وقد عرف من هذا أنه لو قال درهم قبله درهم أو بعده درهم أنه يلزمه ثلاثة دراهم لأنه فرق بين قبله

أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان.

_ درهم وبعده درهم وبين قبل درهم وبعد درهم وذكر في الرعاية الكبرى في درهم قبل درهم أو بعد درهم احتمالين كذا ذكروا. قال ابن عبد القوي إنه لا يدري ما الفرق بين درهم قبله درهم بعده درهم في لزومه درهمين وجها واحدا وبين درهم فوق درهم ونحوه في لزومه درهما في أحد الوجهين لأن نسبة الزمان والمكان إلى مظروفيهما نسبة واحدة انتهى كلامه. والمغايرة بين الأجناس كاتحادها ذكره في المغني وغيره. قوله: "أو درهم بل درهمان أو درهمان بل درهم لزمه درهمان". أما المسألة الأولى فقطع به أكثرهم لأنه إنما نفى الاقتصار على واحد وأثبت الزيادة عليه فأشبه درهم بل أكثر فإنه لا يلزمه أكثر من اثنين وهذا قول الشافعي وغيره. وذكر في الرعاية قولا أنه يجب ثلاثة. وقال ابن عبد القوي وهو مقتضى درهم بل درهم وهو قول زفر وداود. وفي كلام الأصحاب إشارة إلى الفرق بين هذه المسألة ودرهم بل درهم أن هذا عطف على وجه الخبر والاستدراك وذاك بخلافه فليتأمل. وأما المسألة الثانية فلم أجد فيها خلافا ووجهه أنه أقر بشيء وإضرابه عن بعضه رجوع عن حق الغير فلا يقبل وفرق في المغني بين هذه المسألة والاستثناء أن الاستثناء لا ينفي شيئا أقر به وإنما هو عبارة عن الباقي بعد الاستثناء فإذا قال عشرة إلا درهما كان معناه تسعة بخلاف الإضراب وهذا الفرق إنما يتجه على قول تكرر في عبارته وهو أن الاستثناء ليس بإخراج وأن المستثنى مع المستثنى منه كمفرد كقول بعضهم فما على قول في كلامه وكلام

وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال له قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا.

_ غيره وقد تقدم أنه إخراج فلا يتجه ولم أجد فرقا فيخرج على هذا أنه لا فرق بين الإخراج بإلا أو بل. وقال الشيخ تقي الدين يحتمل أن يقبل منه الإضراب لأنه دعوى عطف يقع كثيرا فقبل منه كدعوى العطف في الإقرار برأس المال في المرابحة وبالربح في المضاربة يعني على رواية. ومقتضى كلامه قبول دعوى العطف مطلقا كالأصلين والفرق بين الأصلين في رواية وبين الإقرار أن المقر ليس بأمين للمقر له ولا دخل معه في شيء يقتضي أنه أمين ليقبل قوله عليه بخلاف الأصلين. قوله: "وإن قال له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان لزمته الثلاثة وإن قال قفيز حنطة بل قفيز شعير أو درهم بل دينار لزماه معا". قطع به أكثر الأصحاب وتقدم وجهه في المسألة قبلها والفرق بين هذه وبين درهم بل درهم أو درهمان أن الأول يحتمل أن يكون هو الثاني أو بعضه بخلاف مسألتنا وتقدم كلام الشيخ تقي الدين قال بعد كلامه الأول أسقط ما أقر به وأثبت أكثر منه بكلام منتظم فكان أولى بالقبول من قوله على ألف قضيتها انتهى كلامه. ومقتضاه قبول دعواه مع الاتصال فقط كمسألة الأصل. فقد ظهر من هذا أو مما قبله أنه هل يقال لا يقبل الإضراب مطلقا وهو المذهب أو يقبل مطلقا أو يقبل مع الاتصال فقط أو يقبل مع الاتصال إضرابه عن البعض فيه أقوال وقول خامس وهو ما حكاه في المستوعب أنه يقبل مع تغاير الجنس لا مع اتحاده لأن انتقاله إلى جنس آخر قرينة في صدقه وأنه هو الذي عليه.

وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه وإن قال درهم في دينار لزمه درهم.

_ فعلى هذا يلزمه الدراهم الثلاثة في المسألة الأولى ويلزم في الثانية قفيز شعير أو دينار ولم يذكر صاحب المستوعب هذا القول إلا في مثل القفيز وقطع به في درهم بل دينار ويلزمهما ولا فرق بينهما في القطع والإلحاق وإنما صاحب المستوعب اقتصر. قوله: "وإن قال له على درهم أو دينار لزمه أحدهما وألزم بتعيينه". لأن "أو" في الخبر للشك في نسبة الحكم إلى أحد المذكورين فيلزمه حدهما ويعينه لإيهامه كما لو قال له علي شيء ولو قال درهم أو درهمان فقد تقدم أنه يلزمه درهم وينبغي أن يقال والباقي مشكوك فيه فيسأل عنه ويؤخذ به وإما بكسر الهمزة مثل "أو" وقد قال ابن عبد القوي في إما وقد قيل بل ألزمه حتما بما ابتدأ وأراد ما ذكره الشيخ موفق الدين في له على إما درهم وإما درهمان كان مقرا بدرهم والثاني مشكوك فيه فلا يلزمه بالشك وأخذه من هذا القول الذي ذكره فيه نظر ظاهر وكلام الشيخ موفق الدين لا ينافي ما ذكره غيره والله تعالى أعلم. قوله: "وإن قال درهم في دينار لزمه درهم". لأنه أقر بدرهم دون دينار ولا يحتمل الحساب فإن قال أردت العطف أو معنى مع لزمه الدرهم والدينار ذكره في المغني وغيره وهو واضح في إرادته معنى مع لاستعمال في بمعناها وفيه نظر في الزيادة والعطف وجعل ابن حامد الزيادة بمعنى مع كإرادة معناها في درهم في عشرة على ما يأتي. قالوا وإن قال أسلمته درهما في دينار فصدقه المقر له بطل الإقرار فإن سلم

وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك وإن قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب

_ أحد النقدين في الآخر لا يصح وإن كذبه فالقول قول المقر له لأن المقر وصل إقراره بما يسقطه فلزمه درهم وبطل قوله: "في دينار". وكذلك إن قال درهم في ثوب وفسره بالسلم أو قال في ثوب اشتريته منه إلى سنة فصدقه بطل إقراره لأنه إن كان بعد التفرق بطل السلم وسقط الثمن وإن كان قبل التفرق فالمقر بالخيار بين الفسخ والإمضاء وإن كذبه المقر له فالقول قوله مع يمينه وله الدرهم. قوله: "وإن قال درهم في عشرة لزمه درهم". لاحتمال الزيادة في عشرة لي كما لو قال في عشرة لي وظاهره أنه يلزمه درهم ولو خالف مقتضى عرفه وهو أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى العرف. قوله: "إلا أن يريد الحساب أو الجمع فيلزمه ذلك". إما إذا أراد الحساب فإن كان من أهله لزمه عشرة وإن لم يكن من أهله فظاهر كلامه أنه كذلك وينبغي أن يقال هذا على أحد الوجهين والثاني يلزمه مقتضى عرف العوام واصطلاحهم وأما إذا أراد مع عشرة فإن كان عاميا لزمه أحد عشر وإن كان حاسبا فمن الأصحاب من ذكر احتمالين ومنهم من ذكر وجهين أحدهما يلزمه أحد عشر لأنه لا يمتنع استعماله لاصطلاح العامة ولأنه نوى ما يحتمله في حق عليه فيقبل والثاني عشرة عملا بالظاهر وهو استعمال اللفظ بمعناه في اصطلاحهم. قوله: "وإذا قال له عندي تمر في جراب أو سيف في قراب أو ثوب في منديل أو جراب فيه تمر أو قراب فيه سيف أو منديل فيها ثوب.

أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين.

_ أو عبد عليه عمامة أو دابة عليها سرج فهل هو مقر بالثاني على وجهين". وكذا درهم في كيس أو صندوق أو كيس أو صندوق فيه دراهم وزيت في زق وفص في خاتم. أحد الوجهين لا يكون مقرا بالثاني وهو مذهب مالك لأن إقراره لم يتناول الظرف ويحتمل أن يكون في ظرف المقر فلا يلزمه مع الشك. الثاني يكون مقرا بالجميع لأنه ذكره في سياق الإقرار أشبه المظروف واختيار الشيخ موفق الدين لزوم العمامة والسرج لأن يد العبد على عمامته ويده ليد سيده والظاهر أن سرج الدابة لصاحبها ولهذا لو تنازع رجلان سرجا على دابة أحدهما كان لصاحبها فهو كعمامة العبد ومذهب الشافعي لا يكون مقرا بالثاني ويلزمه عمامة العبد لا سرج الدابة لأنه لا يد للدابة وحكاه بعض أصحابنا قولا لنا وقيل في الكل خلاف الظرف والمظروف وهذا غريب وقيل إن قدم المظروف فهو مقربه وحده وإن أخره فهو مقر بظرفه وحده واختار ابن حامد الوجه الأول ونصره القاضي وتبعه أصحابه ونصبوا الخلاف مع أبي حنيفة واحتج القاضي بأنه أقر بشيء في محله فوجب أن يكون إقرارا بالشيء دون المحل كما لو قال غصبتك دابة في اصطبل أو نخلة في بستان واحتج أبو حنيفة بأن المنديل في الثوب في العادة فقال القاضي ليس يتبع الثوب ألا تراه لو باع الثوب لم تدخل المنديل تبعا له واحتج أبو حنيفة بما لو قال غصبته دابة بسرجها فإنه يلزمه السرج وكذلك إذا قال ثوب بلفافة فقال القاضي لا نسلم لك هذا بل يكون إقرارا بالدابة دون السرج.

_ وقال الشيخ تقي الدين الواجب أن يفرق بين ما يتصل أحدهما بالآخر عادة كالقراب في السيف والخاتم في الفص فانه إقرار بهما وكذلك الزيت في الزق والتمر في الجراب فإن ذلك لا يتناول نفس الظرف إلا نوعا هذا كلامه. فصل ومن صور الخلاف إذا قال غصبته ثوبا في منديل أو زيتا في زق ونحو ذلك ومن العجب حكاية بعض المتأخرين أنهما يلزمانه وأنه محل وفاق ودليل ذلك ما تقدم واختار التفرقة بين المسألتين الشيخ تقي الدين فإنه قال فرق بين أن يقول غصبته أو أخذت مه ثوبا في منديل أو يقول له عندي ثوب في منديل فإن الأول يقتضي أن يكون موصوفا بكونه في المنديل وقت الأخذ وهذا لا يكون إلا وكلاهما مغصوب بخلاف قوله له عندي فإنه يقتضي أن يكون فيه وقت الإقرار وهذا لا يوجب كونه له انتهى كلامه وهذا المعنى ذكره الشيخ موفق الدين أنه قول أبي حنيفة. فصل وإن قال له عندي عبد بعمامة أو بعمامته أو دابة بسرج أو سرجها أو سيف بقراب أو قرابة أو دار بفرشها أو سفرة بطعامها أو سرج مفضض أو ثوب مطرز لزمه ما ذكره قطع به غير واحد. وقال في المغني في بعض ذلك بغير خلاف لأن الباء تعلق الثاني بالأول لأنهما في موضع الحال من المعرفة والصفة من النكرة وهما مفيدان لمتبوعهما في الحكم ولهذا لو قال إن خرج زيد بعشيرته فأعطه درهما فخرج وحده لم يستحق شيئا ولأن اسم السرج والثوب يجمعهما وهذا بخلاف له عندي دار

وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما والله أعلم. آخر الكتاب وهو المحرر في الفقه. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.

_ مفروشة أو دابة مسرجة فإن فيه الوجهين ذكره بعضهم وأظنه الشيخ موفق الدين. وذكر في الرعاية الكبرى أنه إذا قال له في يدي دار مفروشة أنه لا يكون مقرا بالفرش وقد تقدم كلام القاضي في دابة بسرجها ونحو ذلك مع أن في المغني قال فيه بغير خلاف. قوله: "وإن قال له عندي خاتم فيه فص فهو مقر بهما". لأن الفص جزء من الخاتم لا ينفك عنه غالبا فهو كقوله له على ثوب فيه علم وذكر في الكافي فيه الوجهين وفي غيره ويحتمل أن يخرج على الوجهين. قال بعضهم وهو بعيد وإن قال له خاتم وأطلق لزمه الخاتم بفصه لأن اسم الخاتم يجمعهما ذكره الشيخ موفق الدين وغيره. وقال في الرعاية الكبرى إن جاءه بخاتم بفص وقال ما أردت الفص احتمل وجهين.

وكان الفراغ من طبعه بمطبعة السنة المحمدية في غرة ذي الحجة من سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من هجرة عبد الله ورسوله محمد خاتم المرسلين وإمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وكان تصحيحه جهد الطاقة على الأصل المخطوط وبمراجعة الأصول المعتمدة في مذهب الإمام أحمد كالمغني وكشاف القناع والمنتهى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

_ ووافق الفراغ من كتابة هذه النسخة في يوم تاسع عشرين من شعبان المكرم من سنة ثلاث وستين وثمانمائة على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى مغفرته أحمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن الشهير بابن زريق المقدسي الحنبلي غفر الله تعالى له ولوالديه ولمن دعا له بالتوبة والمغفرة والعتق من النار آمين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل وعلى آله وصحبه أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

§1/1